351 - مسعود بن محمد بن حسان بن سعيد، أبو سعيد المَنِيعيّ، المخزوميّ، المَرْوَرَّوْذِيّ. [المتوفى: 537 هـ]
حاز قَصَب السَّبق في الصَّدَقة والبِرّ، وإيصال النَّفع إلى المسلمين، وهو من بيت حشمة وتقدم، سمع من: عمّه عبد الرّزّاق بن حسّان، وغيره، وكانت الألسنة متّفقة على الدّعاء له والثّناء عليه، من كثرة ما أنفق من الأموال في حجته.
ولد في حدود السبعين وأربعمائة بمروالروذ، ومرض بمَرْو، فحُمِل مريضًا إلى بلده، وتُوُفّي في شوّال، وكان يقال له: الأمير.(11/679)
352 - مُفْلِحُ بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بن عليّ، أبو الفتح الدُّوميّ، ثمّ البغداديّ، الورّاق. [المتوفى: 537 هـ]
ولد سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة، وسمع من: أبي بكر الخطيب، وأبي محمد بن هزارمرد الصريفيني، وأبي الحسين ابن النقور، وأبي القاسم ابن البسري، وغيرهم.
قال ابن السمعاني: كتبت عنه الكثير، وكان شيخًا لَا بأس به، كان يقعد في قطيعة الفُقهاء بالكَرْخ، ويكتب الرّقاع بالأُجرة، وسمعتُ أنّه جمع مالًا كثيرًا ودفنه، فورثه ابنه مُنْجِح، وكان حريصًا، وتُوُفّي في ثاني عشر المحرم. [ص:680]
قلت: وروى عنه: ابن عساكر، وابن طَبَرْزَد، ويوسف بن المبارك، وأبو محمد ابن الساوي.
وذكر ابن النّجّار أنّه من ذرّية خالد بن الوليد المخزوميّ رضي الله عنه، وآخر أصحابه تُرْك بن محمد العطّار.(11/679)
353 - موسى بن عليّ بن قدّاح، أبو الفضل البغداديّ، الخيّاط، المعروف بابن حاجبك. [المتوفى: 537 هـ]
سمع: عبد الله بن عليّ الدّقّاق، وابن طلحة النعالي، وجماعة، روى عنه: ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ.(11/680)
354 - يحيى بن هَمّام بن يحيى، أبو بكر السرقسطي، الكاتب المعروف بابن أرزاق. [المتوفى: 537 هـ]
كان بارع الكتابة، أديبًا، نبيهًا.
كتب مع أبيه للمستعين ابن هود، ثمّ كتب ليوسف بن تاشفين صاحب الأندلس والمغرب، ولابنه عليّ، واستدعاه عليّ بن يوسف إلى مَراكُش سنة خمس وتسعين، وتوفي بقرطبة.(11/680)
-سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة(11/681)
355 - أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسين، أبو سعيد الكندري، الإسفراييني، الأديب، [المتوفى: 538 هـ]
من أولاد الفُضَلاء.
قال ابن السَّمْعانيّ: لقيته بجوسقان إسفرايين، وقد شاخ وناطَح التّسعين، وتغيّر، واختلّ حالُه، كتبت عنه يسيرًا من الحديث وشعرًا لوالده، مولده سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في آخر العام.
قال: وكان أديبًا، فاضلًا، عُمّر، وافتقر، وكان مشتغلًا بالعلم، حكى أنّه كان يصْحَب الصُّوفية، ويتكتَّم من كتابة الحديث، قال: فسقطت مني يوما الدواة، فقال صوفيّ: أستر عورتك، سمع: أبا إسحاق الشّيرازيّ، وفاطمة بنت الدّقّاق، وجماعة.(11/681)
356 - أحمد بن محمد بن أحمد بن ينال، أبو منصور الأصبهانيّ، الصُّوفيّ، المعروف بالتّرك. [المتوفى: 538 هـ]
شيخ مسِن مُعَمِّر، أفنى عمره في خدمة الصُّوفية، وله رباط بأصبهان، سمع: عبد الجبّار بن برزة الرّازيّ الواعظ، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وجماعة من أصحاب ابن المَرْزُبان الأبهريّ، وابن خُرَّشِيذ قُولَه، روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وغيرهما، تُوُفّي في صفر.
وقال السمعاني: سنة ستٍ عَنْ بضعٍ وثمانين سنة.(11/681)
357 - أحمد بن محمد بن أحمد بن خالد، أبو سعد الخطيب. [المتوفى: 538 هـ]
شيخ صالح، عالم، من أهل شرمقان، وهي بليدة بقرب إسفرايين، سمع بنَيْسابور من: أبي تُراب عبد الباقي المراغي، وبجرجان من إبراهيم بن عثمان الخَلَّاليّ، روى عنه: أبو سعد السَّمْعانيّ، وعاش ستًا وسبعين سنة.(11/681)
358 - أحمد بن هبة الله بن محمد ابن الدِّيناريّ، أبو منصور، [المتوفى: 538 هـ]
من أهل درب القيّار. [ص:682]
روى عَن الشّريف محمد بن عبد السّلام، وعنه: ابن كامل، توفي في رمضان.(11/681)
359 - إبراهيم بن أحمد بن خَلَف، أبو إسحاق السلمي، الفاسي، المحدث، المعروف بابن فرتون. [المتوفى: 538 هـ]
ذكره الأَبار فقال: هو جدّ صاحبنا أبي العبّاس أحمد، دخل الأندلس، وروى عَنْ: أبي علي الغساني، وأبي عليّ الصَّدَفيّ، وسمع بسجلْماسة " صحيح البخاريّ "، سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة، من بكار بن برهور، روى عنه: محمد بن أحمد بن منصور، تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
قلت: تُوُفّي حفيده المؤرخ الحافظ أبو العباس في سنة ستين وستمائة.(11/682)
360 - أكز، الحاجب الكبير، أسد الدين. [المتوفى: 538 هـ]
من كبار أمراء دمشق، ولي الحجابة سنتين أو أكثر، وله بدمشق مدرسة معروفة، فلمّا كان في جُمَادَى الأولى من سنة ثمانٍ قُبِض عليه، وأُخِذَت أموالُه، وسُمِلَت عيناه، وسُجِن، وتفرَّق عنه أصحابه.(11/682)
361 - جعفر بن أبي جعفر أحمد بن محمد بن رزق الأُمويّ، القُرْطُبيّ، أبو أحمد. [المتوفى: 538 هـ]
عُمّر دهرًا، وحدث عن أبيه، وأجاز له أبو العبّاس العُذريّ، حدَّث عنه: أبو الحَسَن بن مؤمن، وأبو جعفر بن شراحيل، وسمع منه: محمد بن عبد العزيز الشقوري في هذا العام، قاله أبو عبد الله الأبار.(11/682)
362 - الحسن بن محمد بن الحسن، الخطيب، أبو عليّ السُّلَميّ، الفارِقيّ. [المتوفى: 538 هـ]
سمع ببغداد من: رزق الله التميمي، وعنه: السَّمْعانيّ، وابن عساكر.
مات في ربيع الآخر.(11/682)
363 - الحسين بن حَمْد بن محمد بن عمروَية، أبو عبد الله، [المتوفى: 538 هـ]
شيخ الشّافعيَّة بأصبهان.
سمع: أبا عيسى بن زياد، وأبا بكر بن ماجة، روى عنه: السَّمْعانيّ، مات في عَشر الثّمانين في ذي القعدة.(11/683)
364 - حفّاظ بن الحَسَن، أبو الوفاء الغسّانيّ، الدمشقيّ، المعروف بابن نصف الطّريق. [المتوفى: 538 هـ]
سمع من: عليّ بن طاهر النَّحويّ، قال أبو القاسم ابن عساكر: وقرأت عليه أشياء بإجازة عبد العزيز الكتّانيّ المُطْلَقَة.(11/683)
365 - حكيم بن إبراهيم بن حكيم، الفقيه الدَّرْبَنْديّ. [المتوفى: 538 هـ]
تفقه على أبي حامد الغزالي ببغداد، وسمع بمَرْو من الموفَّق بن عبد الكريم الهَرَويّ، توفي في شوال ببخارى.(11/683)
366 - داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه، السّلطان السَّلْجوقيّ. [المتوفى: 538 هـ]
قُتِلَ غِيلةً، ونجا الّذين قتلوه، فلم يقع على خبرهم.(11/683)
367 - سليمان بن محمد بن حسين بن محمد، أبو سعد البَلَديّ، المتكلِّم، المعروف بالكافي، الكرْجيّ، بالجيم، [المتوفى: 538 هـ]
قاضي الكرج.
تفقه بأصبهان على أبي بكر محمد بن ثابت الخُجَنْديّ، وسمع: أبا بكر محمد بن أحمد بن ماجة الأَبهَريّ، وأبا سهل غانم بن محمد الحافظ، وبرع في الفِقْه، والأصول، والخلاف، واشتهر بحُسْن الإيراد، وقوة المناظرة والتّحقيق.
وقدِم بغداد بعد العشرين وخمسمائة، وبحث مع أسعد المِيهَنيّ في مسائل، أخذ عنه: ابن السمعاني نسخة لوين، وقال: كان له سمتٌ ووقار، وتُوُفّي في سنة سبعٍ، وعندي في نسخة أخرى سنة ثمانٍ وثلاثين، في ذي القعدة. [ص:684]
وقال ابن الجوزي: سنة سبعٍ فالله أعلم، ومولده سنة ستين.(11/683)
368 - شيبان بن عبد الله بن شيبان بن عبد الله بن أحمد، أبو سعيد الأَسديّ، الأصبهانيّ، المحتسب، المؤدّب، الملقِّن، الرجل الصّالح. [المتوفى: 538 هـ]
سمع: إبراهيم بن محمد الطّيّان، وابن ماجة، وجماعة، روى عنه: السَّمْعانيّ، وقال: مات في رمضان.
وجدّه شَيبان، سمع من الحافظ ابن مَنْدَهْ.(11/684)
369 - صافي الأرمنيّ، أبو الحَسَن، عتيق قاضي القُضاة أبي عبد الله الشّهْرسْتانيّ. [المتوفى: 538 هـ]
سمع من: الفقيه نصر المقدسيّ.
روى عنه: الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم.
وكان خيّرًا كثير الصّلاة، تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.(11/684)
370 - عَبْدِ اللَّه بْن مُحَمَّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن محمد، المَرْسِيّ، ثمّ السَّبْتيّ، النَّفْزيّ، [المتوفى: 538 هـ]
خطيب سبْتَة.
سمع من حَجّاج بن قاسم " صحيح البخاريّ "، عَنْ أبي ذَرّ الهَرَويّ، وسمع من: أبي مروان بن سراج.
وكان صالحًا ديِّنًا، كثير الذكر لله، أثنى عليه القاضي عياض، ووثقه، أخذ الناس عنه، وكان مولده في سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي بقُرْطُبة في ربيع الآخر.
روى عنه: ابن بَشْكُوال.(11/684)
371 - عبد الخالق بن عبد الصّمد بن علي بن الحسين بن عثمان ابن البَدِن، أبو المعالي الصّفّار. [المتوفى: 538 هـ]
شيخ بغداديّ، متسبّب، صالح، ديَّن، ثقة، قيّم بكتاب الله، كثير البكاء من خشية الله، سمع الكثير، وذهبت أصوله في الحريق. [ص:685]
سمع: أبا الحسين ابن المهتدي بالله، وعبد الصمد ابن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة، وابن النَّقُّور، وجماعة.
قال ابن السمعاني: قرأت عليه الكثير، وولد سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في أحد الربيعين.
قلت: وروى عنه: ابن عساكر، وابن الجوزيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، وجماعة.
قال ابن نقطة: حدثنا عنه أبو أحمد بن سُكَيْنَة.(11/684)
372 - عبد الرحمن بن عليّ بن عبد الرحمن بن محمد، أبو زيد الخَزْرجيّ، القُرْطُبيّ، المقرئ، [المتوفى: 538 هـ]
من كبار القُرّاء بقُرْطُبة.
تصدَّر للإقراء بالجامع، وكان قد أخذ القراءات عَنْ: أبي جعفر أحمد بن عبد الرحمن الخَزْرجيّ، وأبي الأصْبغ عيسى بن خيرة، روى عنه: يحيى بن عبد الرحمن المجرْيطيّ، وعبد الحقّ بن محمد الخَزْرجيّ، وأبو الحَسَن عليّ الشَّقُوريّ.
ولم تُضْبَط وفاتُه، ولكنه أجاز لبعض النّاس في هذه السنة.(11/685)
373 - عبد الوهّاب بن المبارك بن أحمد بن الحَسَن بن بُنْدار، الحافظ، أبو البركات الأنْماطيّ، [المتوفى: 538 هـ]
مفيد بغداد.
سمع الكثير، وحصل العالي والنّازل، وما زال يسمع، ويفيد، ويجمع إلى آخر عُمره، وُلِد في رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وسمع: أبا محمد الصريفيني، وأبا الحسين ابن النَّقُّور، وأبا القاسم عبد العزيز الأنْماطيّ، وأبا القاسم ابن البُسْريّ، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وأبا الغنائم بن أبي عثمان، وعاصم بن الحَسَن، فمَن بعدهم، وقرأ على أبي الحسين ابن الطُّيُوريّ جميع ما عنده.
روى عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو سعد السَّمْعانيّ، وابن الجوزيّ، وعبد الوهّاب ابن سُكَيْنة، وعمر بن طَبَرْزَد، ويوسف بن كامل، وعبد العزيز ابن الأخضر، وعبد الواحد بن سعد الصّفّار، وأحمد بن أزهر، وعبد العزيز بن منينا، وعبد العزيز بن أزهر، وأحمد ابن الدَّبِيقيّ، وخلْق آخرهم [ص:686] عبد الرحمن بن أحمد بن هَديَّة، وقد روى عنه من القدماء محمد بن طاهر المقدسيّ، وغيره.
قال ابن السَّمْعانيّ: هو حافظ، ثقة، متقن، كثير السّماع، واسع الرواية، دائم البِشْر، سريع الدمعة عند الذكر، حسن المعاشرة، مليح المحاورة، جَمَع الفوائد، وخرَّج التّخاريج، ولعلّه ما بقي من العالي والنازل جزء إلّا قرأه وحصّل نسخته، إما بخطّه، أو بخطّ غيره، ونسخ الكتب الكبار مثل: " طبقات " ابن سعد، و" تاريخ " الخطيب، وكان متفرّغًا، مستعدًا للتّحديث، إمّا أن يُقرأ عليه، أو ينسخ شيئًا، وكان لَا يجوّز الإجازة على الإجازة، وجمع في ذلك شيئًا، قرأت عليه الكثير مثل " الجعديات "، و" مسند " يعقوب بن سفيان الفسوي، و" مسند " يعقوب بن شَيْبة، ما كان سماعه وانتقاء ابن البقّال، على المخلّص.
وقال ابن ناصر: كان عبد الوهّاب الأنْماطيّ بقيَّة الشيوخ، سمع الكثير، وكان يفهم، وكان ثقة صحيح السّماع، ومضى مستورًا، ولم يتزوَّج قطّ.
وقال السَّلَفيّ: كان عبد الوهاب رفيقنا حافظًا، ثقة، لديه معرفة جيدَّة.
وقال ابن الجوزيّ: كنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته، وكان على طريقة السَّلَف، وانتفعت به ما لم انتفع بغيره.
وذكره أبو موسى المَدِينيّ في " معجمه " فقال: حافظ عصره ببغداد، وتوفي في حادى عشرَ المحرَّم.(11/685)
374 - عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن محمد بْن أحمد بْن إبراهيم بن عليّ بن سَعْدُوَيْه، أبو الفضل ابن الشيخ أبي سهل الأصبهانيّ. [المتوفى: 538 هـ]
سمع: جدّه أبا نصر، والمطهّر بن عبد الواحد البُزَانيّ، وأبا منصور محمد بن عليّ بن شكرُوَيْه، وجماعة كثيرة.
ذكره أبو سعد في " الذَّيْل " فقال: سمعت منه الكثير، وهو شيخ، [ص:687] عالم، فاضل، عاقل، ثقة، ساكن، صالح، متميز، من بيت الحديث والتّزكية بأصبهان، تُوُفّي في ذي الحجَّة، قرأت عليه " تاريخ أصبهان " لابن مردوَيْه، يرويه عَنْ أبي الخير بن ررا، عنه.(11/686)
375 - عتيق بن أسد بن عبد الرحمن بن أسد، أبو بكر الأنصاري الأندلسي. [المتوفى: 538 هـ]
نشأ بمَرْسية، وأخذ القراءات عَنْ أبي الحسين بن البياز، وغيره، والحديث عن أبي عليّ الصَّدَفيّ فأكثر عنه، وتفقّه بأبي محمد بن جعفر، وبرع في الفقه، وغلب عليه، وولي قضاء شاطبة، ودانِيَة.
ذكره أبو عبد الله الأبار فقال: كان نسيجَ وحده في الفِقْه وجودة الفتاوى، مع المشاركة في عدة فنون، روى عنه: أبو بكر مُفَوَّز بن طاهر، وأبو محمد بن سُفْيان، وغيرهما.
وتُوُفّي في جمادى الآخرة.(11/687)
376 - علي بن الحسين بن محمد، أبو الحَسَن القصْريّ، [المتوفى: 538 هـ]
قصر كَنْكِوَرَ: بين بغداد وهَمَذَان.
كان دليل الحاجّ، وحجّ نحوًا من خمسين حجة، وصنف مجموعًا حسنًا في مجلدتين في معرفة طريق مكَّة.
قال ابن السَّمْعانيّ: هو شيخ لَا بأس به، مشتغل بما يعنيه، سمع: مالكًا البانياسيّ، وابن البَطِر، وكتبت عنه.
وتُوُفّي بمِنَى صبيحة عيد النَّحْر، رحمه الله.(11/687)
377 - عليّ بن طِراد بن محمد بن عليّ بن الحَسَن، الوزير الكبير، أبو القاسم ابن نقيب النّقباء الكامل أبي الفوارس الهاشميّ، العبّاسيّ، الزَّيْنبيّ، [المتوفى: 538 هـ]
وزير الخليفتين المسترشد، والمقتفيّ.
وُلِد في شوال سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وأجاز له أبو جعفر ابن المسلمة، وسمع من: أبيه، وعمّه أبي نصر، وأبي القاسم ابن البُسْريّ، ورزق الله التّميميّ، وجماعة. [ص:688]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان صدرًا، مهيبًا، وقورًا، حادّ الفراسة، دقيق النَّظَر، ذا رأيٍ وتدبير، ومعرفة بالأمور العظام، وكان شجاعًا جريئًا، خلع الراشد الّذي استُخْلف بعد أن قُتِلَ أبوه المسترشد، وجمع النّاس على خلْعه، وعلى مبايعة المقتفيّ لأمر الله في يومٍ واحد، وكان النّاس يتعجّبون من ذلك، ولم يزل أمرُه مستقيمًا، وأحواله على التّرقّي إلى أن تغيَّر عليه المقتفيّ لأمر الله، وأراد القبض عليه، فالتجأ إلى دار السّلطان مسعود بن محمد، إلى أن قدِم السّلطان بغداد، فأمر بحمله إلى داره مكرّمًا، وجلس في داره ملاصق دار الخلافة واشتغل بالعبادة، وكان طلْق الوجه، دائم البِشْر، كثير التّلاوة والصّلاة؛ وكلّ من كان له عليه رسم وإدرار من القرّاء والصُّلَحاء كان يوصله إليهم بعد العزْل، إلى أن توفاه الله حميدًا مُكرَمًا، قرأتُ عليه الكثير من الكُتُب والأجزاء، وكنت أُلازمه، وأحضر مجلسه مرَّتين في الأسبوع، أقرأ عليه، وكان يكرمني غاية الإكرام ويخرج لي الأجزاء والأصول، وتُوُفّي في أوّل رمضان، ودُفن في داره، ثمّ نُقِل إلى تُربته بالحربيَّة سنة أربعٍ وأربعين.
قلت: وروى عنه: أبو منصور مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي النَّرْسيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، وابن سُكَيْنَة، وجماعة، وأوصى إلى ابن عمّه قاضي القضاة عليّ بن الحسين الزَّيْنبيّ.
وكان يُضرب المثل بحُسْنه في صِباه؛ ولأبي عبد الله البارع فيه:
قالوا: عليٌّ ملك الحَسَن قد ... أقسم أنْ لَا يشربَ الخمرا
قلت: فما يصنع في ريقه ... قد حنث البدْرُ وما برّا
لو طلب الأجرَ لما صفف الأ ... صداغ ما زنّر الخصْرا
لِتَبْكِ شمسُ الرّاح من نُسْكِهِ ... فإنّها قد فارقتْ بدرا(11/687)
378 - عليّ بن عبد الملك بن مسعود، أبو الحَسَن الهَرَويّ الأصل، الحلبيّ المولد، البغداديّ الدّار. [المتوفى: 538 هـ]
وُلِد سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وسمع: أبا محمد الصَّرِيفينيّ، وجماعة، روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وقال: شيخ، صالح، مستور، تُوُفّي في المحرَّم.(11/688)
379 - عمر بن محمد بن الحسن، الإمام، الأديب، أبو حفص الفَرْغُوليّ، الدِّهِسْتانيّ، [المتوفى: 538 هـ]
نزيل مَرْو.
مكثرٌ، سمع عبد الحكيم بن عبد الحليم بِدِهسْتان، وكامل بن إبراهيم بجُرْجان، وإسماعيل بن مَسْعدَة، وأبا عثمان المحمي، وأبا بكر بن خلف، وخلقا بالنّواحي، وحصّل الأُصول.
قال السَّمْعانيّ: استمليت عليه، وأكثرت عنه، مات في جُمَادَى الآخرة عَن اثنتين وثمانين سنة.(11/689)
380 - غانم بن أحمد بن الحَسَن بن محمد بن عليّ الْجُلُوديّ، أبو الوفاء الأصبهانيّ. [المتوفى: 538 هـ]
وُلِد في ثاني عشر رجب، سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة، وسمع من سعيد بن أبي سعيد العيّار " صحيح البخاريّ "، روى عنه: أبو موسى المديني، وأبو القاسم ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وخلْق آخرهم وفاة: أبو الفتوح داود بن معمر ابن الفاخر، سمع منه " صحيح البخاريّ "، وقرأته لولديّ بالإجازة العامَّة منه، على ابن الشِّحْنة، تَبَعًا لسماعه المتّصل، وسمع أيضًا من: أبي نصر محمد بن عليّ الكاغَدِيّ، كره الأخذ عنه محمد بن أبي نصر اللفتواني، وحط عليه، كان لميله إلى الأشعرية، فالله أعلم.
تُوُفّي في ثالث ذي الحجَّة.(11/689)
381 - غانم بن أبي طاهر خَالِد بْن عَبْد الواحد بْن أحمد بْن خالد، أبو القاسم الأصبهانيّ، التّاجر. [المتوفى: 538 هـ]
سمع كتاب " السُّنَن " لموسى بن طارق، من عبد الرّزّاق بن شمة، سوى الجزء الرابع، وتفرد بعُلُوِّ هذا الكتاب.
روى عنه: أبو القاسم ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وأبو عبد الله أحمد بن أبي العلاء الهَمَذَانيّ العطّار، وحفيده محمد بن أبي نصر بن غانم، وحفيده [ص:690] الآخر محمد بن أبي طاهر بن غانم الضّرير، ومحمد بن عبد الله بن محمد الرُّوَيْدشْتيّ، وأخرون.
وتُوُفّي في ثالث عشر رجب، وقد غلط مَعْمَر وقال: تُوُفّي سنة ستّ، وكأنه سبق قلمٍ من مَعْمَر.
قال السَّمْعانيّ: كان سديدًا، ثقة، مُكْثِرًا، سمع بإفادة ابن عمّته محمد بن أحمد الجرْكانيّ، من ابن شَمِه، والباطَرْقانيّ، وأبي مسلم بن مِهْرَبْزُد، وعائشة الوَرْكانيَّة، وعبد الله بن محمد الكروني، ومولده سنة اثنتين وخمسين بأصبهان.(11/689)
382 - فاطمة بنت أبي الحَسَن عليّ بن عبد الله بن محمد، النَّيْسابورية الأصل، الأصبهانيَّة، الواعظة. [المتوفى: 538 هـ]
وُلِدت بطريق الحجاز، ونشأت بأصبهان، وكانت ديَّنةً، متعبدة، زاهدة، لها قدمٌ راسخٌ في التّصوُّف والزهد.
سمعت من القاضي عبد الله بن محمد بن عليّ التّميميّ الأصبهانيّ، قال ذلك ابن السَّمْعانيّ، وقال: قرأت عليها مجلسين من أماليه، وكان مولدها قبل الستين وأربعمائة، وتُوُفّيت في رمضان.(11/690)
383 - فاطمة بنت الشّريف محمد بن عدنان بن محمد، أُمّ عَمْرو الهاشمية، الزينبية، البغدادية. [المتوفى: 538 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: امرأة صالحة افتقرت، سمعت من: أبي نصر الزَّيْنبيّ، روى عنها: ابن السمعاني، وتوفيت في ربيع الآخر.(11/690)
384 - الكداجور الفرَنْجيّ، [المتوفى: 538 هـ]
صاحب القدس.
هلك ببيت المقدس، وأُقيم في الملك ابنه صبي، وأم الصبي، ورضيت الفرنْج، خذلَهم الله، بذلك، ذكره أبو يَعْلَى.(11/690)
385 - محمد بن إبراهيم، أبو عبد الله الْجُذاميّ، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 538 هـ][ص:691]
روى في هذا العام عَن: ابن الطّلّاع، وأبي علي الجياني، وعنه: عليّ بن أحمد الشَّقُوريّ.(11/690)
386 - محمد بْن أحْمَد بْن محمد بْن إبْرَاهِيم، أبو الحَسَن بن صرْما الدّقّاق، الصّائغ، [المتوفى: 538 هـ]
ابن عمّه الحافظ ابن ناصر.
وُلِد يوم نصف شعبان سنة ستين وأربعمائة، وسمع من: ابن هزارمرد، الصريفيني، وأبي الحسين ابن النقور، وجماعة.
وكان شيخًا صالحًا، ستيرًا، روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وابن الجوزيّ، وعمر بن طَبَرْزَد، وعبد الخالق بن أسد الدّمشقيّ، وأبو اليُمْن الكِنْديّ، وآخرون، وتُوُفّي في نصف شعبان أيضًا.(11/691)
387 - محمد بن حَكَم بن محمد بن أحمد بن باقي، أبو جعفر السَّرَقُسْطيّ، النَّحْويّ، [المتوفى: 538 هـ]
حفيد الصّاحب ذي الوزارتين محمد، صاحب مدينة سالم الّذي قُتِلَ بها في سنة عشرين وأربعمائة.
روى هذا عَنْ: أبي الوليد الباجيّ، ومحمد بن يحيى بن هاشم، وأبي الأصْبَغ بن عيسى، وأبي جعفر بن جرّاح، وجماعة، ووُلّي قضاء مدينة فاس، ودرّس، وأفْتى، وأقرأ العربيَّة والكلام.
قال الأبار: كان ذا حظ من علم الكلام، حسن الخلق، قوّالًا بالحقّ، شرح " الإيضاح " لأبي عليّ الفارسيّ، وكان واقفًا على كُتُب أبي عليّ، وكتب أبي الفتح بن جنيّ، وأبي سعيد السِّيرافيّ، روى عنه: أبو الوليد بن خيرة، وأبو مروان بن الصَّيْقَل، وقاسم بن دُحْمان، وأبو محمد بن بُونة، وأبو الحَسَن اللُّواتيّ، وتُوُفّي بتلمسان في حدود سنة ثمانٍ وثلاثين.(11/691)
388 - محمد بن حمْد بن خَلَف بن أبي المُنى، أبو بكر البَنْدَنِيجيّ، البغداديّ، المعروف بحنفش. [المتوفى: 538 هـ][ص:692]
شيخ مُسِنّ، قدِم في صباه، وتفقّه على الإمام أبي سعد المتولي، وحصل طرفًا من الخلاف، وكان يبحث ويتكلَّم، وسمع من: أبي محمد الصريفيني، وأبي الحسين ابن النقور.
قال ابن السمعاني: كان عسرًا، سيئ الأخلاق، يبغض المحدّثين، وسمعت غير واحد يقول إنّه: يُخِل بالصَّلوات، وليست له طريقة محمودة، كتبتُ عنه شيئًا بجهدٍ جَهيد، وكان أكثر الأوقات إذا سلمت عليه لا يرد علي ويدير وجهه إلى الحائط توفي في ثامن رمضان وله بضع وثمانون سنة.
قلت: روى عنه: ابن سُكَيْنَة، ويوسف بن المبارك، وكان حنبليًا، ثمّ صار حنفيًا، ثمّ شافعيًا، وقد رُمي بالتّعطيل.(11/691)
389 - محمد بن الخضر بن إبراهيم، أبو بكر الخطيب، المُحَوَّليّ، [المتوفى: 538 هـ]
خطيب المُحَوَّل.
كان من مشاهير القُراء ببغداد، قرأ القرآن على أبي محمد رزق الله التّميميّ، وأبي طاهر أحمد بن سوار، وكان حَسَن الأخْذ، ختم عليه جماعة، وروى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وقرأ عليه بالروايات: أبو اليمن الكِنْديّ، وهو آخر من لقيه، ومات في ذي القعدة وهو في عَشْر السّبعين، وقال: لزِمت ابن سِوار خمس عشرة سنة، وقد قرأ بنهر الملك سنة أربعٍ وثمانين على أحمد بن الفتح بن عبد الجبّار المَوْصِليّ صاحب الشّريف الحرّانيّ.
وقال أحمد بن شافع: كان أبو بكر خطيب المحول يُضْرَب به المَثَل في الإقراء، وتجويد الأخْذ، والتحقيق، وكان أحسن الخَلُق خطابةً، مع الخشوع، وحضور القلب، كان يقصد من الأماكن البعيدة، يعني لسماع خُطْبته.(11/692)
390 - محمد بن طلحة بن عليّ بن يوسف، أبو عبد الله الرّازيّ، ثمّ البغدادي، العطار. [المتوفى: 538 هـ]
من صوفية رباط أبي سعد الزَّوْزَنيّ، وكان قليل الدَّين.
روى عَنْ: أبيه، وعن الصريفيني حضورًا، وعن: عبد العزيز بن علي [ص:693] الأنْماطيّ، وابن البُسْريّ، وجماعة، روى عنه: ابن سُكَيْنَة، ويوسف بن المبارك الخفّاف، ومات في أول جُمَادى الآخرة.(11/692)
391 - مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحسين، أبو الفتح بن فوران، الفقيه، [المتوفى: 538 هـ]
من أهل الرَّيّ.
نزل آمُل طَبَرسْتان، وكان فقيهًا، ظريفًا، واعظًا، لعّابًا، ليس بمرضيّ الطّريقة، وله شِعْر.(11/693)
392 - محمد بن عليّ بن خَلَف، أبو عبد الله التُّجيْبيّ، الشّاطبيّ. [المتوفى: 538 هـ]
أخذ القراءات عَن ابن شفيع، وبعض القراءات عَن ابن الدّوش، روى عنه: ابنه عبد الله، ومات في عَشْر الثّمانين.(11/693)
393 - محمد بن عليّ بن سعيد بن المطهّر، أبو الفضل المُطَهَّرِيّ، البخاريّ. [المتوفى: 538 هـ]
فاضل مُعَمَّر، من أولاد المحدّثين.
قال السَّمْعانيّ: قدِم مَرْو، فأظن أني سمعت منه، أجاز لنا، سَمِعَ: أبا بَكْر محمد بْن عَبْد الله الكرابيسي، والحافظ قتيبة بن محمد العثماني، وأبا عصمة عبد الواحد بن أحمد، وعبد الصّمد بن محمد الرّباطيّ، وعمر بن خنْب الحافظ، ومن عواليه: " تفسير الأشج "، قال: أخبرنا به ابن خنب، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله الرّازيّ، قال: أخبرنا الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم، عنه، و" تفسير هشيم "؛ أخبرنا عُمَر بْن مَنْصُور بْن أَحْمَد بْن محمد بن موسى بن أفلح بن خنب الحافظ البزاز، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إدريس الْجَرْجرائيّ الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد الكريم بالرملة، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن بطال، قال: حدثنا زياد بن أيوب، عن هشيم.
وسمع " البخاري " من ابن خنْب، بسماعه من إسماعيل بن حاجب، وسمع " الترمذي " من طريق الهيثم بن كليب، وسمع " أبا داود " بعلو، و" تاريخ [ص:694] غنجار "، من رجلٍ، عنه، و" المسند " لوكيع، عاليًا، مات في ذي القعدة، وله أربعٌ وثمانون سنة.(11/693)
394 - محمد بن عليّ بن منصور، أبو الفضل السّنْجيّ، المَرْوَزي، الخُوجانيّ، الغازيّ. [المتوفى: 538 هـ]
كان يَقْدَم مَرْو من قرية خوجان، وكان ثقة مكثِرًا، سمع بنفسه، ورحل وكتب، سمع جدّي أبا المظفّر، قاله أبو سعد، ثمّ قال: وسمع من: إسماعيل بن محمد الزّاهديّ؛ وبنَّيْسابور: أحمد بن سهل السراج، ولد سنة تسعٍ وستّين بمَرْو، وبها تُوُفّي في صَفَر، خرّجت له جزءًا.(11/694)
395 - محمد بن الفضل بن أبي الحَسَن بن محمد، أبو بكر الأصبهانيّ، المؤدب، المعروف ببسة. [المتوفى: 538 هـ]
شيخ صالح، مُسِنّ، سمع: أبا القاسم بن عبد الرحمن، وأبا عمرو ابني الحافظ ابن مَنْدَهْ، وتُوُفّي في ذي الحجَّة أيضًا.(11/694)
396 - محمد بن الفضل بن محمد، أبو الفتوح الإسفراييني، المعروف بابن المعتمد. [المتوفى: 538 هـ]
إمامٌ في الوعظ، مليح المحاورة، فصيح العبارة، ظريف الْجُملة والتّفصيل، سمع: أبا الحَسَن المَدِينيّ بنَّيْسابور، وشيروَيه الدَّيْلَميّ بهَمَذَان.
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وقال: حضرت يومًا مجلسه في رباط أمّ الخليفة، وسألته عَنْ مولده؟ فقال: في سنة أربعٍ وسبعين وأربعمائة بإسفرايين، وأُزْعج من بغداد، فخرج منها متوجّهًا إلى خُراسان، فأدركه الموت بِبِسْطام في ثاني ذي الحجة، ودفن بجنب أبي يزيد البسْطاميّ، رحمه الله، وهو مذكورٌ في حوادث هذه السنة.
قال ابن النّجّار: كان من أفراد الدَّهر في الوعظ، فصيح العبارة، دقيق الإشارة، حُلْو الإيراد، وكان أوحد وقته في مذهب الأشعريّ، وله في التّصوُّف قدمٌ راسخ، وكلام دقيق فائق، صنّف في الحقيقة كُتُبًا منها: كتاب " كشف الأسرار على لسان الأخيار "، وكتاب " بيان القلب "، وكتاب " بثّ الأسرار "، وكلّ كُتُبه نُكَت وإشارات، وهي مختَصَرة الحجم. [ص:695]
ورد بغداد سنة خمس عشرة، وظهر له القبول التّامّ، بين الخاصّ والعامّ، وكان يتكلَّم على مذهب الأشعريّ، فثار عليه الحنابلة، ووقعت فِتَن، فأمر المسترشد بإخراجه، فخرج إلى أن ولي المقتفيّ، فعاد واستوطن بغداد، فلم يزل يعظ ويظهر مذهب الأشعري إلى أن عادت الفتن على حالها، فأخرج من بغداد إلى بلده، فأدركه أجله.
ثمّ قال ابن النّجّار: قرأت في كتاب أبي بكر المارِسْتانيّ: حدَّثني أبو الفتح مسعود بن محمد بن ماشاذَة، قال: قال لي الحافظ ابن ناصر: أحبّ أن تسأل أبا الفتوح: هل القرآن الّذي تكلَّم الله به بحرفٍ وصوت؟ فأتيت الشيخ أبا الفتوح، وحكيت له قول ابن ناصر، فقال لي: سلّم على الحافظ أبي الفضل عنّي، وقل له: القرآن بحرف يُكتب، وبصوت يُسمع، فعدت إلى ابن ناصر، فصلّيت خلفه المغرب، وحدَّثته بالجواب، فحلف أن لَا يمشي إليه إلّا حافيًا، وخرج وأنا معه، فسبقته إليه وحدّثته، فقال: وأنا والله لَا أخرج لتلقِّيه إلّا حافيًا إجلالًا لمجيئه، وخرج من الرّباط، وقطع درب زاخي، فتلاقيا حافيَيْن، فاعتنقا، وقبّل كلٌّ منهما صاحبه، وتحادثا ساعة.
قلت: فرحُ ابن ناصر ما له معنى، وعسى خيره لأنه غالطه في الجواب، كما خبط هو في السّؤال، وقال أبو القاسم ابن عساكر: أبو الفتوح أجرأ من رأيته لسانًا وجَنَانًا، وأكثرهم فيما يورد إعرابًا وإحسانًا، وأسرعهم جوابًا، وأسلسهم خطابًا، مع ما رُزق بعد صحَّة العقيدة من السّجايا الكريمة، والخصال الحميدة، من قلَّة المراعاة، لأبناء الدنيا، وعدم المبالاة بذوي الرتبة العليا، والإقبال على إرشاد الخلْق، وبذْل النَّفس في نصرة الحق، إلى أن قال: فمات مبطونا غريبًا شهيدًا، وقد كنت لازمت حضور مجلسه ببغداد، فما رأيت مثله واعظًا ولا مذكرًا.
وقال ابن النّجّار: قرأت في كتاب أبي بكر المارستانيّ: حدَّثني قاضي القُضاة أبو طالب ابن الحديثيّ، قال: كنت جالسًا، فمرّ أبو الفتوح الإسفراييني، وحوله جمٌّ غفير من عصبيته، وفيهم من يصيح ويقول: لا بحرف ولا بصوت بل هي عبارة عن ذاك، فرجمه العوامّ، ورُجِم أصحابُه، حتّى لم [ص:696] يكد يبقى في الطّريق ما يُرجم به، وكان هناك كلبٌ ميّت، فتراجموا به، وصار من ذلك فتنة كبيرة، لولا قُرْبُها من باب النُّوبي لهلك فيها جماعة، فاتّفق جواز موفّق المُلْك عثمان عميد بغداد، فهرب معظم أصحابه من حوله، وصار قصارى أمره أن ألقى نفسه عن فرسه، ودخل إلى بعض الدّكاكين، وأغلق الباب، ووقف من تخلّف معه على الباب، حتّى انقضت الفتنة، ثمّ ركب طائر العقل إلى دار المملكة، ودخل إلى السّلطان مسعود، فحكى له الحال، فتقدَّم السّلطان إلى الأمير قيماز بالقبض على أبي الفتوح، وحمله إلى هَمَذَان، وتسليمه من هَمَذَان إلى الأمير عباس ليحمله إلى إسفرايين، ويُشهد عليه أنّه متى خرج منها فقد أطاح دم نفسه.(11/694)
397 - محمد بن القاسم بن المظفر بن علي ابن الشَّهْرُزُوريّ، ثمّ المَوْصِليّ، أبو بكر. [المتوفى: 538 هـ]
شيخ مُسِنّ، كبير القدْر، فاضل، محترم، أكثر الأسفار في شبيبته، ورأى الأئمة.
وجال في خراسان، وولي القضاء بعدة أماكن من بلاد الجزيرة، والشّام، وكان يلقَّب بقاضي الخافِقَين، تفقه ببغداد على أبي إسحاق، وسمع منه، ومن: أبي القاسم الأنْماطيّ، وأبي نصر الزَّيْنبيّ، وبنَيْسابور من: أبي بكر بن خَلَف، وغيره، وحدث ببغداد، والموصل، وولد بإربل في سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة، روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وابن عساكر، وعمر بن طَبَرْزَد، وجماعة.
قال ابن عساكر: قدِم دمشق مِرارًا، أحدها رسولًا من المسترشد لأخذ البيعة، أخبرنا أبو بكر بن أبي أحمد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة بدمشق، قال: أخبرنا عثمان المَحْمِيّ، فذكر حديثًا.
تُوُفّي ببغداد في جمادى الآخرة.
وقال علي بن يحيى ابن الطّرّاح: مات في ثاني ربيع الأوّل.(11/696)
398 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن حسين، أبو نصر الأصبهانيّ، الصّائغ، المؤذن. [المتوفى: 538 هـ][ص:697]
شيخ صالح، تفرَّد بعدةٍ من تصانيف عبد الرحمن بن مَنْدَهْ، عنه، وسمع أيضًا من أخيه عبد الوهّاب، وجماعة.
أخذ عنه: السَّمْعانيّ، وغيره.(11/696)
399 - محمد بن يوسف بن عبد الله، أبو الطاهر التّميميّ، السَّرَقُسْطيّ، [المتوفى: 538 هـ]
نزيل قُرْطُبة.
سمع كثيرًا من: أبي عليّ الصَّدَفيّ، وأبي عِمران بن أبي تليد، وجماعة.
قال ابن بَشْكُوال: كان مقدَّمًا في اللّغة والعربيَّة، شاعرًا محسنًا، له مقامات صنَّفها، أُخِذَت عنه واستُحْسِنَت، تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
قلت: آخر من سمع منه وفاة خطيبُ قُرْطُبة أبو جعفر بن يحيى.(11/697)
400 - المبارك بن محمد بن حسين، أبو القاسم ابن البزوري، الدواتي. [المتوفى: 538 هـ]
كان يخدم نقيب الطّالبيّين، وهو صالح، ساكن، خيِّر، راغب في حضور مجالس العلم، سمع: أبا الحسين ابن النقور، ونصر ابن البطر، وأجاز له: أبو بكر الخطيب، وأبو عليّ ابن البناء.
قال ابن السَّمْعانيّ: قرأت عليه الكثير، وقال لي: ولدت سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة.
قلت: وروى عنه عبد الخالق بن أسد.(11/697)
401 - المحسن بن النعمان، أبو الفضل البسطامي، المؤدب. [المتوفى: 538 هـ]
فقيه، صالح ولد في حدود الخمسين وأربعمائة، روى عن: محمد بن عبد الجبار الإسفراييني، وطاهر الشّحّاميّ.(11/697)
402 - محمود بن عمر بن محمد بن عمر، العلّامة، أبو القاسم الزَّمَخْشَرِيّ، الخُوَارَزْميّ، النَّحْويّ، اللُّغَويّ، المتكلم، المعتزليّ، المفسر. [المتوفى: 538 هـ]
مصنّف " الكشّاف " في التّفسير، و" المفصل " في النّحْو، وزَمَخْشَر: من قُرى خُوارَزْم، وكان يقال له جار الله، لأنّه جاوَرَ بمكَّة زمانًا. [ص:698]
ووُلِد بزَمَخْشَر، في رجب سنة سبعٍ وستّين وأربعمائة، وقدِم بغداد وسمع من أبي الخطّاب بن البَطِر وغيره، وحدَّث، وأجاز لأبي طاهر السِّلَفيّ، ولزينب الشَّعْريَّة، وغيرهما.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان ممّن برع في علم الأدب، والنَّحْو، واللّغة، لقي الكبار، وصنَّف التّصانيف في التّفسير، والغريب، والنَّحْو، وورد بغداد غير مرَّة، ودخل خُراسان عدَّة نُوَب، وما دخل بلدًا إلّا واجتمعوا عليه، وتلمذوا له، وكان علّامة الأدب، ونسّابة العرب، أقام بخُوَارَزْم تُضْرَب إليه أكباد الإبل، ثمّ خرج منها إلى الحجّ، وأقام برهةً من الزمان بالحجاز حتّى هبّت على كلامه رياح البادية، ثمّ انكفأ راجعًا إلى خُوَارَزْم، ولم يتّفق أنّي لقيته، وكتبت من شِعْره عَنْ جماعةٍ من أصحابه، ومات ليلة عَرَفَة.
وقال القاضي ابن خَلِّكان: كان إمام عصره، له التّصانيف البديعة، منها " الكشّاف "، ومنها " الفائق " في غريب الحديث، ومنها كتاب " أساس البلاغة "، وكتاب " ربيع الأبرار وفصوص الأخبار "، وكتاب " متشابه أسامي الرُّواة "، وكتاب " النّصائح الكِبار "، وكتاب " ضالَّة النّاشد "، و" الرائض في الفرائض "، و" المنهاج " في الأصول، و" المفصل "، وسمعت بعض المشايخ يحكي أنّ رِجْله سقطت وكان يمشي على جاون خَشَب، وسقطت من الثّلج، وقيل: إنّه سُئل عَنْ قَطْع رِجْله، فقال: سببه دعاء الوالدة، كنت في الصغر أخذت عُصْفورًا وربطْتُه بخيط في رجْله، فطار، ودخل في خرق، فجذبتُه، فانقطعت رِجْله، فتألّمت أمّي، وقالت: قطع الله رِجْلك كما قطعتَ رِجْله، فلمّا كبرتُ ورحلنا إلى بُخَارَى سقطت عَن الدّابَّة، وانكسرت رِجْلي، وعَمِلَتْ عملًا أوجب قطعها، وكان متظاهرًا بالاعتزال، وقد استفتح " الكشّاف " بالحمد لله الّذي خلْق القرآن، فقالوا له: متى تركته هكذا هجره الناس، فغيرها بجعل القرآن، وهي عندهم بمعنى خَلَق، ومن شِعْره يرثي شيخه أبا مضر منصورا: [ص:699]
وقائلة: ما هذه الدرر الّتي ... تَسَاقَطُ من عينيك سِمْطَين سَمْطَين؟
فقلت لها: الدّرّ الّذي كان قد حشا ... أبو مُضَر أذْني تساقَطَ من عيني
وقد كتب إليه السلفي إلى مكة يستجيزه، فأجابه بجزءٍ لطيف فيه لغة وفصاحة، يزْري فيه على نفسه، قلت: كان داعية إلى الاعتزال والبدعة.(11/697)
403 - مقدار بن المختار، أبو الجوائز بن المطاميريّ، التِّكْرِيتيّ، الشّاعر المشهور. [المتوفى: 538 هـ]
ذكره ابن النّجّار فقال: كان جيّد القول رقيق الغَزَل، كثير النَّظْم، روى عنه: الحَسَن بن جعفر بن المتوكّل، وعليّ بن أحمد بن محمْوَيْه الأزديّ، وغيرهما، فمن شعره:
ولما تناجوا للفراق غدية ... رموا كل قلبٍ مطمئنٍّ برائع
وقفنا فمبد حنة إثر أنة ... تقوم بالأنفاس عوج الأضالع
مواقف تدمي كل عشواء ثرة ... صدوف الكرى إنسانها غير هاجع
أمنا بها الواشين أَن يَلْهَجُوا بنا ... فلم نَتَّهِم إلّا وُشاةَ المدامع(11/699)
404 - هبة الله بن محمد بن الحسن ابن الصّاحب، أبو الفضل الحاجب. [المتوفى: 538 هـ]
كان حاجب الدّيوان العزيز مدةً، ثم عزل، حدث عَنْ: أبي نصر الزَّيْنبيّ، ومولده في سنة ثلاثٍ وخمسين، وتُوُفّي في ربيع الآخر، قاله ابن السَّمْعانيّ.(11/699)
405 - هلال بن الحَسَن بن عليّ، القاضي أبو البدر السعيديّ، السَّرْخَسِيّ. [المتوفى: 538 هـ]
سمع السّيّد محمد بن محمد بن زيد الحُسَينيّ، وغيره.
وأجاز لعبد الرحيم ابن السمعاني.(11/699)
406 - واثق بن عليّ، البغداديّ، المقرئ. [المتوفى: 538 هـ]
روى عَنْ: هبة الله بن الحصين بدمشق.(11/699)
407 - يحيى بن محمد بن عبد الغفّار، أبو الوفاء الهَمَذَانيّ الصّبّاغ. [المتوفى: 538 هـ]
متودّد، كَيِّس، من بيت تصوُّف، سمع: الحَسَن بن عبد الله بن ياسين، إمام همذان، وأبا الفتح عَبْدُوس بن عبد الله، كُتُب عنه: ابن السَّمْعانيّ، وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(11/700)
-سنة تسع وثلاثين وخمسمائة(11/701)
408 - أحمد بن سهل بن إبراهيم، أبو بكر المساجديّ، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا إسحاق الشّيرازيّ، ويعقوب بن أحمد الصَّيْرفيّ، ومحمد بن إسماعيل التَّفْلِيسيّ، وأبا المعالي الْجُوَيْنيّ، وغيرهم، روى عنه جماعة آخرهم المؤيَّد بن محمد الطُّوسيّ.(11/701)
409 - أحمد بن عليّ بن محمد، الأنصاريّ، البغداديّ، أبو العبّاس. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: الحسين بن علي ابن البُسْريّ، والعلّاف، وعنه: السَّمْعانيّ، وابن عساكر.
وكان صالحًا، زاهدًا، جاوز الثّمانين.(11/701)
410 - أحمد بن محمد بن سعيد بن حرب، أبو العبّاس المسيليّ، المقرئ. [المتوفى: 539 هـ]
أخذ القراءات عن: أبي داود بن نجاح، وخازم بن محمد، وأبي الحسن العبْسيّ، وكان من أهل الحِذق والتّجويد، صنَّف كتاب " التّقريب في القراءات السَّبْع "، وتصدَّر للإقراء بإشبيلية، أخذ عنه: نجبة بن يحيى، وابن خير، وحدث في هذا العام.(11/701)
411 - أحمد بن أبي الحسين بن أحمد بن زيعة، أبو الحارث الهاشميّ، [المتوفى: 539 هـ]
إمام جامع المنصور.
شيخ، صالح، حسن، سمع: أبا الحسين ابن الطيوري في حال كِبَره، وُلِد في سنة بضعٍ وستين وأربعمائة، وأخذ عنه ابن السَّمْعانيّ قليلًا.(11/701)
412 - أحمد بن محمد بن أبي عَقِيل أحمد بن عيسى، أبو بكر السُّلَميّ، الحريريّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بن الحَسَن، والحُمَيْديّ، وجماعة، روى عنه: عبد الحقّ اليُوسُفيّ، وغيره، وله شعرٌ جيد. [ص:702]
كان حيًّا في هذه السَّنة ثمّ انقطع خبره.(11/701)
413 - إبراهيم بن محمد بن منصور بن عمر، أبو البدر الكَرْخيّ. [المتوفى: 539 هـ]
صحِب الشَيخ أبا إسحاق، وقرأ عليه شيئًا من الفقه، وتفرّد برواية " أمالي ابن سَمْعُون "، عَنْ خديجة بنت محمد الشّاهْجانيَّة، وسمع أيضًا من: أبي محمد الصريفيني، وابن النقور، وعبد الصمد ابن المأمون، وأبي بكر الخطيب، وغيرهم.
وله مشيخة في جزءٍ صغير سمعتُهُ.
قال ابن السَّمْعانيّ: وُلِد تقديرًا في سنة خمسين وأربعمائة، وأصله من كَرْخ جُدّان، وكان يسكن في دار أبي حامد الإسفراييني، وهو شَيْخ، صالح، مُعَمَّر، عجز عَن المشْي.
قلت: روى عنه هو، والحافظ ابن عساكر، وعبد الوهاب بن سُكَيْنَة، وعبد الله بن عثمان سِبْط ابن هَدية، وعبد العزيز بن معالي بن مَنيِنا، وعبد الملك بن المبارك الحريمي القاضي، وعمر بن طَبَرْزَد، وإسماعيل بن هبة الله بن أبي نصر، والحسن بن مسلم الفارسيّ الزّاهد، والناس لثقته وصحة سماعه، وتُوُفّي في التّاسع والعشرين من ربيع الأوّل، وآخر من روى عنه تُرْك بن محمد العطّار.(11/702)
414 - إبراهيم بن شَيْبان، أبو طاهر النُّفَيْليّ. [المتوفى: 539 هـ]
قال ابن عساكر: لم يكن بالمَرْضِيّ، أخبرنا عن أبي نصر محمد بن محمد الزينبي، وكان مولده ببانياس.(11/702)
415 - تاشفين أمير المسلمين، ابن أمير المسلمين عليّ بن يوسف بن تاشفين، المَصْموديّ، [المتوفى: 539 هـ]
سلطان الملثَّمين.
وكانت تَسْمِيتُهم بالمنقبين أَوْلَى، لأنّهم يعملون اللّثام على أكثر الوجه، حتّى لَا يكاد يُعرف الشَيخ من الشّابّ، وكانت دولتهم قريبًا من تسعين سنة، خرجوا من بَرّيَّة المغرب من جهة الجنوب، كما تقدَّم في ترجمة سلطانهم أبي [ص:703] بكر المتوفى سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
وُلّي تاشفين هذا الأمر بعد موت أبيه سنة سبعٍ وثلاثين، وعبد المؤمن على كتفه، فلم يدعْه يبلع ريقه، ولا قر له قرار، وكانت أيامه سنتين وشهرين، وكان فيها مقهورًا مع عبد المؤمن، وتيقّن أنّ مُلكهم سيزول، فاتي مدينة وهْران، وهي حصينة على البحر، ورأى إنْ أحاط به أمرٌ ركب منها في البحر وطلب الأندلس، فإنّه كان له بالأندلس آثار حميدة، وغزوات مشهودة، نُصِر فيها على الرّوم، إذ كان واليًا عليها لأبيه، وكان بظاهر وهْران ربْوَة على البحر، بأعلاها رِباط يأوي إليه العُبّاد، فصعِد تاشفين إليه في ليلة السّابع والعشرين من رمضان، واتّفق أنّ عبد المؤمن أرسل منْسَرًا إلى وهْران فأتوها في يوم السّادس والعشرين، ومقدَّمهم الشَيخ عمر بن يحيى صاحب ابن تُومَرْت، فكمنوا تلك اللّيلة، وشعروا برَوَاح تاشفين إلى ذلك المكان، فقصدوه وبيّتوه، وأحرقوا الباب، فأيقن الشّابّ بالهَلَكَة، فخرج راكبًا فَرَسَه، فركضه ليثب به النّارَ وينجو، فشبّ الفَرَس واضطّرب من النار، فتردى من جرفٍ هناك إلى جهة البحر على حجارة، فتهشّم تاشفين، وتلف في الحال، وَقُتِلَ من كان معه من الخواص، ومن ذلك الوقت نزل عبد المؤمن من الجبل إلى السهل، ثم توجه وتملّك تِلْمِسان سنة أربعين، ثمّ إنّهم صلبوا تاشفين على خَشَبَة، وعمل الموحّدون عند أخذ تلمسان بأهلها مثل ما يعمله الإفرنج، بل أشد، فلا قوة إلا بالله.(11/702)
416 - جعفر بن يحيى، أبو الحَكَم الدّاني، المعروف بابن غتّال. [المتوفى: 539 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أبي داود، وسمع منه ومن: أبي عليّ بن سُكَّرَة.
قال أبو عبد الله الأبّار: كان أديبًا، شاعرًا، كاتبًا، منشئا، له خطبٌ عارض بها خُطَبَ ابن نُبَاته، وأقرأ النّاس العربيَّة، روى عنه: أبو عبد الله المِكْناسيّ، وأبو محمد بن سُفْيان، وقرأ عليه: أبو الحَسَن بن هُذَيْل كتاب " الواضح " للزّبيديّ، وتُوُفّي مسجونًا من قِبَل الدّولة.(11/703)
417 - جَقَر بن يعقوب، الأمير نصير الدّين أبو سعيد الهمذاني، [المتوفى: 539 هـ]
نائب صاحب الموصل والجزيرة عماد الدّين زنكيّ في الموصل.
كان ظالمًا، جبّارًا، سفّاكًا للدّماء، مُسْتَحِلًا للأموال، وفى ولايته قصد المسترشد بالله في سنة سبعٍ وعشرين الموصل، فنازلها وحاصرها مدَّة، ثمّ رجع ولم ينَلْ منها مقصودًا، وكان بها أيضًا السّلطان فرُّوخ شاه ابن السّلطان محمود المعروف بالخَفَاجيّ.
وقال ابن الأثير: بل اسمه ألْب أرسلان بن محمود، وكان عماد الدّين زنكيّ أتابكه، وكان جَقَر يُعانده ويعارضه في أُموره، فلمّا سار عماد الدين لحصار إلْبِيرة قرّر الخفاجيّ مع جماعةٍ من خواصّه قتْل جَقَر، فحضر في ثامن ذي القعدة سنة تسعٍ وثلاثين للخدمة، فقتلوه، وولّي عماد الدين زنكي مكانه زين الدّين عليّ بن بُلُكّين والد مظفَّر الدّين صاحب إرْبِل، فأحسن السّيرة، وعدل في الرّعّية، ويقال: كان جَقَر ذا عدلٍ وإنصاف، فالله أعلم.(11/704)
418 - زاوي بن مَنَاد بن عطيَّة الله، أبو بكر الصَّنْهاجيّ الدّانيّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا داود المقرئ، وأبا عليّ الصَّدَفيّ، وأجاز له أبو عليّ الغسّانيّ.
وكان صالحًا فاضلا، كتب بخطّه عِلْمًا كثيرًا، وتُوُفّي في رجب، وفي هذه السنة انقرضت دولة قومه الملثمين بالأندلس، عطية الله هو ابن المنصور الأمير.(11/704)
419 - سعد بن عبد الكريم ابن الشَيخ أبي محمد الحَسَن بن أحمد بن موسى، الغَنْدَجَانيّ، أبو الجوائز الواسطيّ. [المتوفى: 539 هـ]
روى بالإجازة عَنْ جدّه، وسمع من: أحمد بن عثمان بن نفيس، وعنه: أبو الفتح محمد بن المندائي.
مات في ذي القعدة.(11/704)
420 - سعيد ابن الإمام أبي الفضر أحمد بن محمد بن إبراهيم، المَيْدانيّ، النَّيْسابوريّ، الأديب، ابن الأديب. [المتوفى: 539 هـ]
صنف كتاب " الأسمى في الأسما "، وحدَّث عَنْ: أبي الحَسَن المَدِينيّ، روى عنه: ابن عساكر، وغيره.
وقيل: كنيته باسمه، وسمّاه السَّمْعانيّ: سعيدًا، وقال: سمع من أبي بكر بن خلف، وبهراة عبد الأعلى بن المليحي.
مولده في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، ومات في ذي القعدة.(11/705)
421 - سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن عمر، الإمام، أبو منصور ابن الرّزّاز، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 539 هـ]
من كبار الأئمة ببغداد، وهو مدرّس النّظاميَّة، تفقه على الغزّاليّ، وأبي بكر الشّاشيّ، وأبي سعد المتولّي، وإلْكِيَا الهَرَّاسيّ، وأسعد الميْهَنيّ.
وكان ذا سمتٍ ووقار وجلالة، سمع من رزق الله التميمي، ونصر بن البطر، وولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، ولي تدريس النّظاميَّة مدَّة، ثمّ عُزِل، وعاش حتّى صار رئيس الشّافعية.
تُوُفّي في حادى عشر ذي الحجَّة، وصلّى عليه ولده أبو سعد، وشيَّعه الأعيان والدّولة، روى عنه: أبو سعد السَّمْعانيّ، وعبد الخالق بن أسد، وجماعة.(11/705)
422 - شُرَيح بن محمد بن شُرَيح بن أحمد بن محمد بن شُرَيح بن يوسف بن شُرَيح، الإمام أبو الحَسَن الرُّعينيّ، الإشبيليّ، المقرئ، [المتوفى: 539 هـ]
خطيب إشبيلية.
روى الكثير عَنْ: أبيه، وعن: أبي عبد الله بن منظور، وعلي بن محمد الباجي، وأبي محمد بن خزرج، وأجاز له أبو محمد بن حزم الظاهري، وجماعة.
قال ابن الدّبّاغ: وله إجازة من ابن حزْم، أخبرني بذلك ثقة نبيل من أصحابنا، أنّه أخبره بذلك، ولا أعلم في شيوخنا أحدًا عنده عَن ابن حزْم غيره. [ص:706]
وقد سألته هل أجاز له ابن حَزْم، فسكت، وأحسب سكت عَن ابن حزْم لمذهبه.
قال ابن بَشْكُوال: كان من جلة المقرئين، معدودًا في الأدباء والمحدّثين، خطيبًا، بليغًا، حافظًا، محسنًا، فاضلًا، مليح الخطّ، واسع الخُلُق، سمع منه النّاس كثيرًا، ورحلوا إليه، واستُقْضى ببلده، ثمّ صُرِف عَن القضاء، لقِيتُه سنة ستّ عشرة وخمسمائة، فأخذت عنه، وقال لي: مولدي في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
زاد غيره، فقال: في الثّالث والعشرين منه، في صدر الفتنة الّتي حدثت على المسلمين بالأندلس، وكانت جنازته مشهودة.
واشتهرت رواية شُرَيح بالأندلس، وحدَّث عنه: أبو جعفر أحمد بن علي بن الحصّار، وأبو العبّاس أحمد بن محمد بن مِقدام الرُّعَيْنيّ، وهو آخر من قرأ عليه القرآن، توفي سنة أربع وستمائة، وتُوُفّي ابن الحصّار في سنة ثمانٍ وتسعين، وليس هو بشيخ علم الدّين اللُّورَقيّ، ذاك عاش بعد ذا عشر سِنين.
وروى عنه: إبراهيم بن محمد بن ملكون النَّحْويّ، وإبراهيم بن محمد الطرياني، ومحمد بن عبد الله ابن الغاسل، واعتمد عليه في القراءات، وأبو بكر محمد بن خير اللَّمْتُونيّ المقرئ، ومحمد بن أحمد الحميري الإستجي خطيب مالقة، ومحمد بن خلف بن صافي الإشبيلي، ومحمد بن جعفر بن حُمَيْد بن مأمون البَلَنْسِيّ، وأبو بكر محمد بن الجدّ الفِهْريّ الحافظ، ومحمد بن إبراهيم ابن الفخّار، نزيل مَرّاكُش، ومحمد بن يوسف بن مفرج الإشبيلي، نزيل تِلِمْسان، وأقرأ عنه القراءات، وبقي إلى سنة ستّمائة، ومحمد بن عليّ بن حَسْنُونَ الكُتَاميّ البيّاسيّ، وأقرأ أيضًا عنه القراءات، وتُوُفّي سنة أربعٍ وستّمائة عَنْ سنٍّ عالية، ومحمد بن جابر الثّعلبيّ المعروف بابن الرماليَّة الغَرْناطيّ، ونَجَبَة بن يحيى الإشبيليّ المقرئ، وأبو محمد عبد الله بن عُبَيْد الله الحَجْريّ، وعبد الله بن أحمد بن جُمْهُور القَيْسيّ، وأبو محمد عبد الله بن علوش نزيل مَرّاكُش، وأبو القاسم عبد الرحمن بن يحيى الأُمَويّ، وعبد الرحمن بن محمد القُرْطُبيّ الشّرّاط، وعبد الرحمن بن عليّ الزُّهْريّ الإشبيليّ، سمع [ص:707] الزُّهْريّ منه " صحيح البخاريّ "، وهو آخر من سمع منه، وعاش إلى آخر سنة ثلاث عشرة وستّمائة، وتنافسوا في الأخذ عنه، وآخر من روى عَنْ شُرَيح في الدّنيا بالإجازة القاضي أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن ابن بقي، توفي سنة خمسٍ وعشرين وستّمائة، وهو الّذي سمع منه شيخنا أبو محمد بن هارون الكاتب " موطأ " مالك، وأخذ عَنْ شُرَيح عددٌ كبيرٌ سوى من ذَكَرْنا القراءات والحديث.
وكان قد قرأ على والده بكتاب " الكافي في القراءات " من تصنيفه، وقد ذَكَرْنا والده في سنة ستٍّ وسبعين وأربعمائة.
قال ألْيَسَع بن حزْم: وهو إمامٌ في التّجويد والإتقان، علمٌ من أعلام البيان، بَذّ في صنعه الإقراء، وبرّز في العربيَّة، مع علمٍ بالحديث، وفقهٍ بالشّريعة، وكان إذا صعِد المِنْبَر حنَّ إليه جذْع الخطابة، فسُمع له أنين الاستطابة، مع خشوعٍ ودموع، رحلتُ إليه عام أربعةٍ وعشرين، فحملت عنه وأجازني.
قلت: عاش شريح تسعًا وثمانين سنة.(11/705)
423 - صاعِد بن محمد بن الحسين بن عليّ، أبو العلاء السّهْلويّ السَّرْخَسيّ. [المتوفى: 539 هـ]
إمامٌ حَسَن السّيرة، فاضل، سمّعه أبوه من أبي الخير محمد بن أبي عمران، وعلي بن أحمد المَدِينيّ، وتُوُفّي بسَرْخَس وله ثمانون سنة، أجاز لأبي المظفر ابن السمعاني.(11/707)
424 - طاهر بن المفضل، أبو المعالي الأصبهانيّ. [المتوفى: 539 هـ]
روى عن: رزق الله التميمي.
قدم بغداد ليحج في هذا العام، روى عنه: ابن السَّمْعانيّ.(11/707)
425 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمدُوَيْه، أبو المعالي الحُلْوانيّ، المَرْوَزي، البزّاز. [المتوفى: 539 هـ]
رحل وسمع مع أبي بكر السَّمْعانيّ من: ثابت بن بُنْدار، وأبي منصور [ص:708] الخياط، وأبي سعد بن حشيش، وبأصبهان من جماعةٍ من أصحاب أبي نُعَيْم الحافظ، وكان قد سمع بنَّيْسابور من: أبي بكر بن خَلَف الشّيرازيّ، وغيره.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان حُلْو الكلام، حَسَن المعاشرة، كثير الصلاة والصوم والصَّدَقات، سافر إلى غَزْنَة، فأقام بها مدَّة، واشترى كُتُبًا كثيرة، وحصّل الأُصُول، ورجع إلى مَرْو، وبنى رِباطًا للمحدّثين، ووقف فيه الكُتُب.
سمع منه: ابن السمعاني، وجماعة، وكان فقيهًا فاضلًا: وولد سنة إحدى وستين وأربعمائة، وتُوُفّي، رحمه الله، في أوائل ذي الحجَّة بمرو.(11/707)
426 - عبد الله بن سعدون بن مجيب بن سعدون بن حسّان، أبو محمد التّميميّ، الوشْقيّ، المقرئ الضّرير، [المتوفى: 539 هـ]
نزيل بَلَنْسِية.
أخذ القراءات عن أبي مطرف ابن الورّاق، وعبد الوهّاب بن حَكَم، وخَلَف بن أفلح، وأبي داود، وأبي الحسن ابن الدوش، وكان أبو الحسن بن هذيل ينكر أخْذه عَنْ أبي داود، ويقال: إنّه قرأ عليه ختْمةً واحدة.
وتصدَّر للإقراء، وأقرأ الناس، وكان من أهل التّجويد، والإتقان، والتّعليل، والحذْق بهذا الفنّ وبالعربيَّة، أخذ عنه: أبو الرّبيع بن حَوط الله، وأبو العطاء بن بُدَيْر، وأبو الوليد اللاردي، وغيرهم.
قال الأَبار: مات قبل الأربعين.(11/708)
427 - عبد الله بن عبد الرحمن بن مفيد، أبو محمد الطّائيّ، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 539 هـ]
روى عَنْ: أبي الأصبغ بن سهل، وأبي مروان بن سِراج، حدَّث عنه: ابنه محمد، وأبو عبد الله محمد بن الفخّار، وهو آخر من حدَّث عَنْ أبي الأصبغ.
قال الأَبار: بَلَغَني أنّه دخل على القاضي أبي الوليد بن رُشْد، فقام له، فقال ارتجالًا:
قام لي السّيّد الهُمامُ ... قاضي قُضاة الورى الإمام
فقلت قم بي ولا تقُمْ لي ... فقَلّ ما يؤكل القيام
قال: وكان أبو محمد فقيهًا، زاهدًا، وشاعرًا محسنًا.(11/708)
428 - عبد الله بن محمد بن الله بن قهدويه، أبو محمد الطِّيَبيّ، [المتوفى: 539 هـ]
من الطِّيب، بلدة بين واسط والأهواز.
شَيخ، صالح، مستور، سكن بغداد، وسمع ابن طلحة النّعاليّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: قرأتُ عليه أحاديث، وسألته عَنْ مولده فقال: سنة إحدى وثمانين بالطِّيب، وتُوُفّي في المحرَّم، أو صَفَر.(11/709)
429 - عبد الحقّ بن خَلَف، أبو العلاء الكِنانيّ، الشّاطبيّ، المعروف بابن الجنّان، الشّاعر. [المتوفى: 539 هـ]
سمع من أبيه، وصحِب أبا إسحاق بن خَفَاجة، وكان بصيرًا بالشِّعْر والبلاغة، بارعًا في الطّبّ، واللغة، والعربية، وأبوه أحد الفُقَهاء الّذين أخذوا عَنْ أبي الوليد الباجيّ، عاش أبو العلاء ستّين سنة.(11/709)
430 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بْن أَحْمَد بْن حسين، أبو السعود المَذَاريّ، [المتوفى: 539 هـ]
أخو أحمد الأصغر منه.
سمع: مالكًا البانياسيّ، وعاصم بن الحَسَن، روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وتُوُفّي بواسط.(11/709)
431 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بْن محمد بْن الحَسَن بن الحسين بن هنْدُوَيْه بن حَسَنْكُوَيْه، أبو الرِّضا الفارسيّ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 539 هـ]
محدّث، مُكْثِر، مليح الخطّ، غير أنّه اختلط وتسودن، وانقطع مدة، ثم تصلح، سَمِعَ من أصحاب أَبِي عليّ بْن شاذان، ونحوهم، علّق عنه ابن السَّمْعانيّ، وتُوُفّي في رجب.(11/709)
432 - عبد الرزاق بن الشّافعيّ بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الفتوح، السياري النيسابوري، العطّار. [المتوفى: 539 هـ]
رجل رئيس، متميِّز، خيِّر، سخيّ، متصدّق.
سمع: أبا بكر بن خَلَف، وأبا بكر أحمد بن سهل، وببغداد: نصر بن البَطِر، تُوُفّي في رجب.
ترجمه أبو سعد، وحدَّث عنه هو، والمؤيّد الطُّوسيّ.(11/709)
433 - عبد الملك بن أبي الخصال مسعود بن فَرَج، أبو مروان الغافقيّ، الكاتب، [المتوفى: 539 هـ]
نزيل قُرْطُبة.
روى يسيرًا عَنْ: أبي بحر بن العاص.
سمع منه: أبو عبد الله بن العويص، وغيره، وكان أديبًا، حاذقًا، فصيحًا، مفوهًا، بليغًا، مدركًا، له رسائل بديعة، استعمله الأمراء في الكتابة، قاله الأبّار.(11/710)
434 - عُبَيْد الله بن جامع بن الحَسَن بن عليّ، أبو بكر الفارسيّ، ثمّ النَّيْسابوريّ الشُّرْوطيّ، المعدّل. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: الفضل بن المُحِبّ، وأبا صالح المؤذن، وجماعة، ولد سنة ستين وأربعمائة، وتوفي في العشرين من شعبان.(11/710)
435 - عُبَيْد الله بن أبي عاصم عبد الله بن أبي الفضل بن أبي سعد، أبو نصر الهَرويّ، الدّهّان، الصُّوفيّ. [المتوفى: 539 هـ]
شَيخ صالح، من أصحاب شَيخ الإسلام عبد الله، سمع محمد بن عبد العزيز الفارسي، والفضيل بن يحيى الفضيلي، وخدم الشيخ عبد الله وصَحِبَه، وتُوُفّي بهَرَاة.
روى عنه: أبو سعد السَّمْعانيّ، وسِبْطه أبو رَوْح عبد المُعِزّ الصُّوفيّ، وهو الّذي سمّع أبا رَوْح وحرص عليه.
وكان مولده بعد الستين وأربعمائة.
وأجاز لأبي المظفر عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ، وحدَّث ببغداد لمّا حجّ، فروى عنه: يحيى بن بوش، وأبو الفرج ابن الجوزي، وغيرهما.(11/710)
436 - عتيق بن عبد الجبّار، أبو بكر الْجُذَاميّ، البَلَنْسِيّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع من: أبي داود المقرئ، وأكثر عَنْ أبي محمد البَطَلْيُوسيّ، وكان بارعًا في معرفة الشُّروط، كتب للقُضاة ببَلَنْسِيَة قريبًا من أربعين سنة.(11/710)
437 - عثمان بن عليّ بن محمد، أبو القاسم الجرموكيّ، النَّوْقانيّ، الزّاهد، [المتوفى: 539 هـ]
شَيخ تلك الدّيار ومُقْرِئها.
قال السَّمْعانيّ: سمعت منه، وكان صالحًا، مُقْرِئًا، زاهدًا، كثير العبادة، صاحب كرامات وآيات، ما كان يفارق مجلسه إلّا للوضوء.
وكان معروفًا ببلده بالكرامات والكلام على الغيبيات، سمع: عليّ بن الحسين النَّوقانيّ، ومحمد بن أحمد بن منصور العارف، مات في شوّال.(11/711)
438 - عرفة بن عليّ، أبو الفُتُوح النَّيْسابوريّ، السِّمِّذيّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا بكر بن خَلَف، وعبد الرحمن بن أحمد الواحدي، وموسى بن عمران الصُّوفيّ.
قال السَّمْعانيّ: مات في ربيع الآخر.(11/711)
439 - عليّ بن زيد بن عليّ السُّلَميّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 539 هـ]
المؤدب بمسجد السّلّالين.
سمع من: نصر المقدسيّ، وسهل بن بِشْر، روى عنه: ابن عساكر، وابنه القاسم.
وقال ابن عساكر: صَلَّى بمسجد درب الحَجَر خمسين سنة احتسابًا، وحفّظ جماعة القرآن، وعاش ثمانيًا وثمانين سنة، وتُوُفّي في ذي القعدة.(11/711)
440 - عليّ بن عبد الله بن ثابت بن محمد، أبو الحَسَن الأنصاريّ، الخَزْرجيّ، العُباديّ، من ولد عُبادة بن الصّامت، المقرئ المجوّد الغَرْناطيّ. [المتوفى: 539 هـ]
قرأ على أبيه، وقرأ القراءات على أبي الحسن بن كُرْز، ورحل إلى دَانِية، فأخذ عَنْ أبي داود، وبشاطِبة عَن ابن الدّوش، وبمَرْسِيَة عن ابن البياز، وسمع منهم، وأجاز له أبو عبد الله الطّلّاعيّ، وخازم بن محمد، وحجّ، وسمع من: الحسين بن عليّ الطَّبَريّ، وأبي مكتوم عيسى بن عبد الهَرَويّ في سنة سبعٍ وتسعين، لكنه فاته تسْعُ ورقات من البخاريّ. [ص:712]
وتصدر للإقراء بغرناطة، وولي الصلاة والخطبة بها، وكان مقرئًا، ماهرا، موصوفًا بالصلاح والفضل، أخذ عنه: أبو بكر بن رزق، وأبو عبد الله بن حُمَيْد، وعبد الصّمد بن يَعِيش، وأبو جعفر بن حَكَم.
وتُوُفّي بغَرْناطة في ذي الحجَّة، وقد قارب السبعين، استُشْهِد بظاهر البلد، رحمه الله، ترجمه الأبّار.(11/711)
441 - عليّ بن عبد الله بن داود، أبو الحسن اللماتي، القيرواني، المالكي، الفقيه، [المتوفى: 539 هـ]
نزيل المَرِيَّة.
روى عَنْ: أبي الحَسَن بن مكي اللواتي، وعبد القادر ابن الحناط، وأبي عليّ بن سُكَّرَة.
قال الأبّار: وكان فقيهًا مشاورًا متفننًا، له جمع بين الاستذكار والمنتقى، وشرح في " رقائق " ابن المبارك، سماه " زهر الحدائق "، حدَّث عنه: أبو عبد الله النُّمَيْريّ، وأبو محمد بن عاشر، وأبو محمد بن عُبَيْد الله الحَجَريّ، وجماعة، وتوفي في جُمَادَى الأولى.(11/712)
442 - عليّ بن عبد الكريم بن محمد الكعكيّ البغداديّ، أبو الحَسَن. [المتوفى: 539 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: شَيخ صالح، له سمتٌ ووقار وسكون، سمع: مالكا البانياسيّ، والنعاليّ، وابن البَطِر، وطائفة، وُلِد في حدود سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة، روى عنه: ابن السمعاني، وتُوُفّي في ذي القعدة.
قلتُ: روى عَنْهُ أيضًا ابن سُكَيْنَة، وقد تلا بالرّوايات على: رزق الله التّميميّ، وأبي الفضل بن خَيْرُون، أقرأ وحدث، وكان من كبار الشافعية، تفقه ودخل في أعمال الدّولة.(11/712)
443 - عليّ بن محمد بن حمويه بن محمد بن حَمُّوَيْه، أبو الحَسَن ابن الزّاهد أبي عبد الله الْجُوَينيّ. [المتوفى: 539 هـ]
متودّد، محبوب، عارف بالحقوق، بيته مجمع الفضلاء، سمع: العباس بن أحمد الشقاني، والشيرويي بنيسابور، وعمر الرواسي بطُوس، وقرأ شيئًا من الفقه على الغزّاليّ. [ص:713]
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة بنَّيْسابور، وحُمِل إلى جُوَيْن.(11/712)
444 - عليّ بن محمد بن مسلم، أبو الحَسَن النَّحويّ، الإشبيليّ، [المتوفى: 539 هـ]
مولى الأمير محمد بن عبّاد، اللّخْميّ.
أخذ العربيَّة عن: أبي عبد الله بن أبي العافية ولازمه مدَّة طويلة وقعد لإقرائها، وكان من كبار النَّحْويّين وجِلّتهم، أخذ عنه: أبو بكر بن طاهر الخدب، وأبو الحَسَن نَجَبة.
وكان حيًّا في هذا العام.(11/713)
445 - عليّ بْن هبة اللَّه بْن عبد السّلام بن عبد الله بن يحيى، أبو الحَسَن البغداديّ، الكاتب. [المتوفى: 539 هـ]
ذكره ابن السَّمْعانيّ فقال: يسكن دار الجليلة بالقرية، شَيخ كبير من بيت الرياسة والتّقدُّم، واسع الرّواية، صاحب أُصُول حَسَنَة مليحة، سمع بنفسه وأكثر، ونقل وجَمَع، وله خطٌ مليح، وأكثر سماعاته بقراءة أبي بكر ابن الخاضبة، سمع: أبا محمد الصريفيني، وأبا الحسين ابن النَّقُّور، وأبا منصور العُكْبَرِيّ، وأبا القاسم البُسْريّ، وخلقًا سواهم، قرأت عليه الكثير، وكان ينحدر إلى واسط من جهة الخليفة على الأعمال التي بها، قال لي: ولدت سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في سابع رجب.
قلت: وروى عنه: ابن عساكر، وبزغش عتيق ابن حمدي، وإسحاق بن عليّ البقّال، وأبو شجاع محمد بن المقرون، والمبارك بن المبارك بن زُرَيق الحدّاد، والوزير أبو طالب يحيى بن زَبَادة، ويوسف بن أبي حامد الأُرْمَويّ، وسليمان بن محمد المَوْصِليّ، ويحيى بن ياقوت الفرّاش، وعمر بن طَبَرْزَد، وأبو اليُمْنِ الكنْديّ، وخلْق سواهم، وتوفي بُزْغُش المذكور سنة ستّ عشرة وستّمائة.
وهو جدّ أبي منصور عبد الله بن محمد شيخ ابن خليل في " جزء ابن عَرَفَة "، وأبو منصور هو والد الفتح شَيخ الأبرقُوهيّ.(11/713)
446 - عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حمزة بن يحيى بن الحسين ابن الشّهيد زيد بن عليّ بن الحسين، أبو البَرَكات العَلَويّ، الحُسَيْنيّ، الزَّيْديّ، الكوفيّ، الحنفيّ، النَّحْويّ، [المتوفى: 539 هـ]
إمام مسجد أبي إسحاق السَّبيعيّ.
وُلِد سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وأجاز له محمد بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن العَلَويّ شَيخ أبي النَّرْسِيّ، وسمع: أبا الفَرَج محمد بن أحمد بن علّان، وأبا القاسم بن المنثور الْجُهَنيّ، ومحمد بن الحَسَن الأنْماطيّ، وغيرهم بالكوفة، وأبا بكر الخطيب، وأبا الحسين ابن النقور، وأبا القاسم ابن البُسْريّ، وجماعة ببغداد، وقدِم الشّام، وسكن دمشق مدَّة، وحلب، وسمع الحديث، وذلك في سنة تسع وخمسين مع والده، وقرأ بها النَّحْو على أبي القاسم زيد بن عليّ الفارسيّ؛ قرأ عليه " الإيضاح " لأبي عليّ، بروايته عَنْ أبي الحسين الفارسي، عن خاله أبي علي الفارسيّ المؤلف.
روى عنه: أبو سعد السَّمْعانيّ، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وجماعة.
قال السَّمْعانيّ: شَيخ مُسِنٌ، كبير، فاضل، له معرفة بالفِقْه، والحديث، واللّغة، والتّفسير، والنَّحْو، وله التّصانيف الحَسَنَة السائرة في النحو، وهو خشن العَيش، صابر على الفقر والقلَّة، قانع باليسير، سمعته يقول: أنا زَيْديّ المذهب، لكنّي أُفْتي على مذهب السّلطان، يعني مذهب أبي حنيفة، وسمعتُ عليه " الإيضاح " لأبي عليّ، وكتبتُ عنه الكثير، وهو شَيخ متيقّظ، حَسَن الإصغاء، يكتب خطًّا مليحًا على كِبَر السِّنّ.
وقال أبو الحسين علي بن يوسف القفطي: كان الشَيخ أبو محمد [ص:715] سِبْط الخيّاط قرأ على الشّريف عمر بن إبراهيم النَّحْويّ، وفيه يقول أبو محمد:
فما له في الوَرَى شكلٌ يُمَاثِلُهُ ... وما له في التُّقَى عدلٌ يناسبه
وقال ابن الجوزيّ: كان يقول: دخل الصُّوريّ الكوفة، فكتب عَنْ أربعمائة شَيخ، وقدِم علينا هبة الله بن المبارك السَّقَطيّ، فأَفَدْتُه عَنْ سبعين شيخًا، واليوم ما بالكوفة أحد يروى الحديث غيري.
ثمّ ينشد:
لمّا دخلتُ اليَمَنَا ... لم أر فيها حَسَنا
قلت حرامٌ بلدةٌ ... أحسن من فيها أنا
وقال ابن عساكر: لم أسمع من عمر بن إبراهيم الزيدي في مذهبه شيئًا، وحدَّثني الوزير أبو عليّ الدمشقي أنه سأل عَنْ مذهبه في الفتوى، وكان مفتي أهل الكوفة، فقال: أُفْتي بمذهب أبي حنيفة ظاهرًا وبمذهب زيد تديُّنًا، وحكى لي أبو طالب ابن الهَرّاس الدّمشقيّ أنّه صرَّح له بالقول بالقَدَر، وبخلْق القرآن.
وقال الحافظ محمد بن ناصر: سمعتُ الحافظ أبا الغنائم النَّرْسيّ يقول: عمر بن إبراهيم جاروديّ المذْهب، ولا يرى الغُسْل من الجنابة.
وقال ابن السَّمْعانيّ: سمعتُ أبا الحَجّاج يوسف بن محمد بن مقلّد التَّنُوخيّ، يقول: كنت أقرأ على الشّريف عمر بن إبراهيم جزءا، فمرّ بي ذكْر عائشة فقلت: رضي الله عنها، فقال: تدعو لعدوة علي رضي الله عنه، أو قال: تترضى عن عدوة علي؟! فقلت: حاش وكلا، ما كانت عدوة علي. هذا ذكر لي، أو معناه.
قال ابن السَّمْعانيّ: ومع طول ملازمتي له لم أسمع منه شيئًا في الاعتقاد أُنْكِرُهُ، غير أنّي كنت قاعدًا على باب داره، فأخرج لي شَدَّةً من مسموعاته، فرأيت فيها جزءًا مترجَمًا بتصحيح الأذان بحيّ على خير العمل، فأخذته لأطالعه، فأخذه وقال: هذا لَا يصلح لك، له طالب غيرك، تُوُفّي في سابع [ص:716] شَعبان بالكوفة، وصلّى عليه قدْر ثلاثين ألفًا.
قلت: وروى عنه: ابنه أبو المناقب حَيْدرة بن عمر، وحفيده أبو المُعَمَّر محمد بن حَيْدرة شَيخ يوسف بن خليل، وقرأ عليه بالرّوايات يعيش بن صَدَقة الفراتي؛ ولم يقع لي شيخه في القراءات، وقد كتب أبو بكر قاضي المارستان جزءًا، عَنْ أبي سعد السَّمْعانيّ، عَن الشّريف عمر بن إبراهيم، رأيته بخطه.(11/714)
447 - فاطمة بنت محمد بن أبي سعد أحمد بن الحَسَن بن عليّ بن أحمد البغداديّ، أم البهاء الأصبهانية، الواعظة، [المتوفى: 539 هـ]
شيخة، مُعَمَّرة، مُسْنِدَة، وُلِدت بعد الأربعين وأربعمائة،
وَسَمِعَتْ مِنْ: أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرّازيّ، وإبراهيم بن منصور سِبْط بحرُوَيْه، وأحمد بن محمود الثّقفيّ، وسعيد بن أبي سعيد العَيّار، وسمعت من العيّار " صحيح البخاريّ " وأشياء.
قال ابن السَّمْعانيّ: هي امرأة صالحة، سمّعها أبوها، وعُمّرت حتّى تفرّدت.
قلت: روى عنها: ابن السَّمْعانيّ، وابن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، ومحمد بن أبي طالب بن شَهْرَيار، وعبد اللطيف بن محمد الخوارزمي، ومحمد بن محمد بن محمد الراراني، وجعفر بن محمد آموسان، وخلْق آخرهم وفاةً ولدُ سِبْطها: داود بن معمر بن الفاخر عاش إلى رجب سنة أربع وعشرين وستمائة.
قال أبو موسى، وغيره: تُوُفّيت في الخامس والعشرين من رمضان سنة تسعٍ وثلاثين. قال أبو موسى: ولها قريبٌ من أربعٍ وتسعين سنة.(11/716)
448 - محمد بن أحمد، أبو عبد الله الحمزيّ، الأندلسيّ، [المتوفى: 539 هـ]
مِن أَهْل المَرِيّة.
روى عَنْ: أَبِي العباس العذري، وأبي عبد الله ابن المرابط، وخطب ببلده، وحدَّث.
أجاز لابن بَشْكُوال.(11/716)
449 - محمد بن إسماعيل بن محمد بن الحسين بن القاسم، أبو المعالي الفارسيّ، ثمّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 539 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: هو ثقة، مُكْثِر؛ سمع " السنن الكبير " من البيهقي، و" صحيح البخاريّ " من سعيد العيّار، وسمع من: أبي حامد الأزهريّ، وسمع كتاب " المدخل إلى السُّنَن " من البَيْهقيّ المؤلف، قال: ومولده في شعبان سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة، وتوفي في ثالث جمادى الآخرة سنة تسعٍ.
قلت: روى عَنْهُ: ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وأجاز لابنه عبد الرحيم بن أبي سعد، وممن روى عنه " السنن الكبير ": منصور بن عبد المنعم الفراوي سماعًا وإجازة إن لم يكن سمعه.
قال ابن نقطة: وذلك لأنّه فُقِد من أصل البَّيْهقيّ أجزاء من مواضع متفرقة، فكُلّما وُجد من الأصل، وُجد عليه سماع منصور بن الفارسيّ، قاله لنا عبد العزيز بن هلالة.
قال ابن نقطة: وسمع منه " البخاري " جماعةٌ من شيوخنا: منصور الفراوي، وإسماعيل بن عليّ بن حمك المغيثيّ، والمؤيد الطُّوسيّ، وزينب بنت عبد الرحمن الشَّعْريّ في آخرين.(11/717)
450 - محمد بن الحَسَن بن هلال بن حمصا، أبو المعالي العِجْليّ، الدّقّاق، [المتوفى: 539 هـ]
ناظر سوق الحطب.
كان عسِر الخُلُق، سمع: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بن الحسن، وعنه: محمود ابن الشعار.
مات في رمضان سنة تسعٍ.(11/717)
451 - محمد بن عبد الملك بن الحَسَن بن خَيْرُون بن إبراهيم، الشَيخ أبو منصور البغداديّ، المقرئ، الدّبّاس. [المتوفى: 539 هـ]
شَيخ مُعَمَّر، ثقة، إمام صالح، بارع في القراءات، صنَّف فيها كتاب " المفتاح " وغيره، وتصدَّر للإقراء، وطال عمره. [ص:718]
وله أيضًا في القراءات كتاب " الموضّح ".
قرأ على جماعةٍ مذكورين في صدْر هذين الكتابَيْن، منهم عمّه أبو الفضل بن خَيْرُون، وجده لأُمّه أبو البركات عبد الملك بن أحمد، وشيخه عبد السّيّد بن عَتّاب، قرأ عليه: أبو اليُمْن الكِنْديّ بالقراءات، ويحيى بن الحسين الأَوَانيّ، وإبراهيم بن بقاء اللّبّان.
وسمع من: أبي جعفر ابن المسلمة، وأبي بكر الخطيب، والصريفيني، وأبي الغنائم ابن المأمون، وغيرهم، وأجاز له أبو محمد الجوهريّ، وتفرد بها وبإجازة أبي الحسين بن حَسْنُونَ النَّرْسِيّ، وحدَّث بكتاب " النَّسب " للزُّبَير بن بكار، عَن ابن المسلمة، وسمع أكثر " تاريخ الخطيب "، وكان ينْسَخه ويبيعه.
مولده في رجب سنة أربعٍ وخمسين قبل موت الجوهريّ بأشهُر.
روى عنه: أبو القاسم ابن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وابن السَّمْعانيّ، وابن الجوزيّ، وابن طَبَرْزَد، والكِنْديّ، وعبد الخالق بن أسد، وأحمد بن محمد بن سعد البَرُوجِرْديّ الفقيه، وعليّ بن محمد بن عليّ أخو سليمان المَوصليّ، وهو آخر من حدَّث عنه فيما علمت سَماعًا، وآخر من روى عنه بالْإِجازة أبو منصور محمد بن عُفَيْجَة.
وقد ذكره ابن السَّمْعانيّ فقال: ثقة، صالح، مشتغل بما يعنيه، ما له شغل غير التّلاوة أو الإقراء، تُوُفّي في السّادس والعشرين من رجب، وله خمسٌ وثمانون سنة.
وقال ابن الخشّاب: كان شافعيًّا من أهل السُّنَّة.(11/717)
452 - محمد بن عليّ البسْطاميّ، أبو عبد الله. [المتوفى: 539 هـ]
من علماء نيسابور،
سمع: أبا تراب عبد الباقي المراغي، أخذ عنه: السمعاني، وقال: مات في المحرم.(11/718)
453 - محمد بن أبي الغنائم محمد بن محمد ابن المهدي، أبو الحسن البغدادي. [المتوفى: 539 هـ][ص:719]
سمع: أبا نصر الزينبي، وكان خطيب جامع المنصور، توفى في صفر، وقد جاوز الستين.(11/718)
454 - محمد بن محمد بن عبد الصمد ابن دار الوقف. [المتوفى: 539 هـ]
روى عن: طِراد الزَّيْنبيّ، وعنه: ابن السَّمْعانيّ، وعمر بن أحمد بن سهلان، تُوُفّي في المحرم.(11/719)
455 - محمد بن موسى بن وضّاح، أبو عبد الله المُرسيّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا عليّ بن سُكَّرَة فأكثر، ورحل فسمع من: أبي بكر الطرطوشي، والسلفي، وعدة.
قال ابن بشكوال: كان فاضلًا، عفيفًا، معتنيًا بالعلم، مشاورًا، أجاز لنا.
قلت: وروى عنه: صهره أبو الوليد ابن الدّبّاغ.(11/719)
456 - المبارك بن عليّ بن عبد العزيز بن أحمد، أبو المكارم، السِّمِّذيّ، الهُمَانيّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا بكر أحمد بن محمد بن حُمَّدُوه المقرئ، وأبا محمد الصَّرِيفينيّ، وأبا القاسم ابن البُسْريّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: شَيخ، صالح، مستور، راغبٌ إلى الخير وأهله، كان له دُكّان بمُشَرَّعة الخبّازين، وثمّ قرأت عليه، وكان صَدُوقًا، أمينًا، كان أبوه يحضره مجالس الإملاء بجامع المنصور، فأكثر ما سمع إملاء من لفظ الشّيوخ، وُلِد في حدود سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة، أو قبلها، وتُوُفّي يوم عاشوراء.
قلت: روى عنه: ابن السَّمْعانيّ، وعمر بن طَبَرزَد، وعبد الوهّاب بن حمار القَلْعيّ شيخٌ لابن خليل، وغيرهم، وآخر من روى عنه بالْإِجازة أبو منصور بن عفيجة.(11/719)
457 - مجدود بن محمد بن محمود، أبو المعالي النَّيْسابوريّ، الرشيديّ، الجوهريّ، المتولّي. [المتوفى: 539 هـ]
قال السَّمْعانيّ: عارف بالأدب، والفلسفة، والعلوم المهجورة، لم يكن بذاك، سمع: أبا عَمْرو المَحْمِيّ، وأبا بكر بن خَلَف، كتبتُ عنه، مات في ربيع الأوّل.(11/720)
458 - محمود بن حمْد بن مَنْدُوَيْه، أبو المحاسن الأصبهانيّ، المعدَّل. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا عَمْرو بن منده، والمطهر البزاني، كتب عنه السمعاني.(11/720)
459 - المهدي بن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حرب إبراهيم بن أميرك، أبو جعفر الحُسَينيّ، المَرْعَشِيّ، من ولد المرعش بن عبد الله بن الحسن بن الحسين ابن زين العابدين، الدِّهِسْتانيّ، الْجُرْجانيّ، [المتوفى: 539 هـ]
نزيل سارية.
نشأ بجُرْجان، وسافر إلى خُراسان، والعراق، والحجاز، والجزيرة، والجبال، وما وراء النّهر.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان بينه وبين والدي صداقة متأكّدة وقت مُقَامه بمَرْو، وكان يرجع إلى فضلٍ، وتمييزٍ، ومعرفة، قال لي: إنّه سمع ببغداد من: أبي يوسف عبد السّلام القَزْوينيّ، وبالكوفة: أبا الحسين أحمد بن محمد الثّقفيّ، وبجُرْجان: إسماعيل بن مَسْعَدَة، وبأصبهان: نظام المُلْك، كتبتُ عنه عَن المتأخرين، ولم أر له أصلًا عَنْ هؤلاء، وكان غاليًا في التَّشيُّع، وُلِد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوفي بسارية في رمضان.(11/720)
460 - نصر الله بن عبد الواحد بن أحمد، أبو الفضل ابن الفقيه الدسكري، الأحدب. [المتوفى: 539 هـ]
سمع ببغداد من مالك البانياسي، وعلي بن محمد الأنباري، روى عنه: ابنه حَسَن، وابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ.
وكان ديّنًا، ورِعًا، تُوُفّي في شوّال.(11/720)
461 - نصر بن القاسم بن الحَسَن، أبو الفتح الأنصاريّ، المقدسيّ، الفقيه المقرئ. [المتوفى: 539 هـ]
قال الحافظ ابن عساكر: هو الّذي لقّننيّ القرآن، وكان ثقة يصلّي في مسجد عمر الّذي على الدّرج، ويلقن فيه، سمع من: أبي القاسم عليّ بن أبي العلا، وأبي محمد ابن البُرّيّ، وحدَّث، وعاش أكثر من ثمانين سنة.(11/721)
462 - نوشتكين، أبو منصور الشّهْرَياريّ، عتيق الشَيخ أبي الوفاء بن شَهّرَيار الأصبهانيّ. [المتوفى: 539 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان شيخًا صالحًا، سمع: أبا عَمْرو بن مَنْدَهْ، وسمعت منه أحاديث إبراهيم بن أدهم لابن مَنْدَهْ، وكان تاجرًا، تُوُفّي في شعبان.(11/721)
463 - يحيى بن عبد الوهّاب بن أحمد بن محمد بن أبي سهل، أبو القاسم الطخروذي، النَّيْسابوريّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا المظفَّر موسى بن عمران، ونصر الله الخشنامي، ونزل مَرْو، وتُوُفّي سنة ثمانٍ أو تسعٍ، وأجاز لأبي المظفر السمعاني.(11/721)
464 - يحيى بن محمد بن دينار، أبو منصور الأَزَجيّ. [المتوفى: 539 هـ]
سمع: أبا الحسين ابن النقور، وعنه: هزارسب بن عوض، وجماعة.(11/721)
465 - أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الحسني البخاري، الحداديّ. [المتوفى: 539 هـ]
شَيخ مُعَمَّر، صالح، كثير السَّمَاع.
قال السَّمْعانيّ: أجاز لنا وأملى بجامع بُخَارَى أكثر من عشرين سنة، سمع: محمد بن عليّ بن حَيْدرة الجعفريّ، ويحيى بن عبد الله السَّعديّ، وأبا عصمَة عبد الواحد بن يوسف، مات في شهر ربيع الأوّل من سنة تسعٍ.(11/721)
-سنة أربعين وخمسمائة(11/722)
466 - أحمد بن العبّاس، أبو الرِّضا الهاشميّ، المعروف بابن الرحا. [المتوفى: 540 هـ]
سمع: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وطِراد بن محمد أخاه، روى عنه: عمر بن طَبَرْزَد، وغيره.(11/722)
467 - أحمد بن عبد الله بن عامر، أبو جعفر، وأبو العبّاس المَعَافِريّ، الدّاني، [المتوفى: 540 هـ]
خطيب دَانِية.
روى عن: عمّه أبي زيد عبد الرحمن بن عامر، ويوسف بن أيوب، وأبي بكر بن برنجال، وكان ماهرًا بالعربية، روى عنه: أبو عمر بن عَيّاد، وأبو الحَجّاج بن أيّوب صاحب الأحكام، وعاش نحوًا من سبعين سنة.(11/722)
468 - أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن حسين بن عاصم، أبو العباس الثقفي القصبي الأندلسيّ. [المتوفى: 540 هـ]
أخذ القراءات عَنْ: أبي عِمران موسى بن سليمان، وسمع منه، ومن: أبي خالد يزيد مولى المعتصم بن صُمَادِح، وأبي داود المقرئ، وابن الدّوش، وابن البَيَاز، وحجّ، وتصدّر للإقراء بجامع المَرِيَّة.
روى عنه من الْجِلَّة: أبو بكر بن رزق، وأبو القاسم بن حُبَيْش، وأبو يحيى ألْيَسع بن حزْم.
تُوُفّي في حدود الأربعين.(11/722)
469 - أحمد ابن قاضى القضاة أبي الحسن على ابن قاضى القضاة محمد بن علي، الدَّامَغَانيّ، ثمّ البغداديّ، الحنفيّ، أبو الحسين. [المتوفى: 540 هـ]
ولي بآخرة قضاء الكرْخ، ثمّ قضاء الجانب الغربيّ كلّه، وباب الأَزَج، وجَرَت أموره على سدادٍ في القضاء، وحدَّث عَنْ: أبي عبد الله النّعالي، وطِراد الزينبي. [ص:723]
ترجمه ابن السَّمْعانيّ، وقال: قرأت عليه جزءًا من حديث المَحَامِليّ، وتُوُفّي في حادي عشر جُمَادَى الآخرة، وله سبعٌ وخمسون سنة.
روى عنه: ابن عساكر، وابن سُكَيْنَة.(11/722)
470 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن الْحَسَن بن عليّ بن أحمد بن سليمان، الحافظ أبو سعد بن أبي الفضل البغداديّ، ثمّ الأصبهانيّ. [المتوفى: 540 هـ]
وُلِد بأصبهان في صفر سنة ثلاثٍ وستين وأربعمائة، وسمع: أباه، وعبد الرحمن، وعبد الوهّاب ابني الحافظ ابن مَنْدَهْ، وحَمْد بن وَلْكِيز، وإبراهيم الطّيّان، ومحمد بن أحمد بن ماجة الأَبْهريّ، ومحمد بن أحمد بن أسيد المَدِينيّ، ومحمد بن عمر سُسُّوَيْه، ومحمد بن بديع الحاجب، وأبا منصور بن شكْرُوَيْه، وسليمان بن إبراهيم الحافظ، وطائفة سواهم، ورحل إلى بغداد وهو ابن ستّ عشرة سنة، فدخلها فوجد أبا نصر الزَّيْنبيّ قد مات، فسمع من: عاصم بن الحَسَن، ومالك البانياسيّ، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وأكبر شَيخ عنده: عبد الجبّار بن عُبَيْد الله بن بُرْزَة الواعظ الرّازيّ، وقد حدَّثه محمود بن جعفر الكَوْسَج، عَنْ جدّ أبيه الحَسَن بن عليّ البغداديّ، وهم بيت قديم بأصبهان.
روى عنه: الحافظ ابن ناصر، وابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وابن الجوزيّ، وابن طَبَرْزَد، ومحمد بن عليّ القُبَّيْطيّ، وطائفة من البغداديّين، والأصبهانيّين، آخرهم موتًا محمد بن محمد بن بدر الرَّارانيّ، قاله ابن النّجّار.
وقال ابن السَّمْعانيّ: حافظ، ثقة، ديِّن، خيِّر، حَسَن السّيرة، صحيح العقيدة، على طريقة السلف الصالح، تارك للتَّكلُّف، كان في بعض الأوقات يخرج من بيته إلى السوق ببغداد، وأصبهان، وعلى رأسه طاقيَّة، ورأيته في طريق الحجاز، وقد تغيّر لونهُ، ويبسَتْ أشداقهُ من الصَّوْم في القَيْظ، وكان يُمْلي في بعض الأوقات وقد خلع قميصه.
وقال في مشيخته: كان حافظًا كبيرًا، تامّ المعرفة، يحفظ جميع " الصّحيح " لمسلم، وكان يُمْلي الأحاديث من حِفْظه. [ص:724]
وقال: وقدِم مرَّة من الحجّ، فاستقبله خلقٌ كثير من أصبهان وهو على فَرَس، فكان يسير بسَيْرهم، حتّى وصل قريبًا من أصبهان، ركض فَرَسَه وترك النّاس إلى أن وصل إلى البلد، وقال: أردتُ أن أستعمل السُّنَّة، فإنّ النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُوضِعُ راحلته إذا رأى جُدُرات المدينة، وكان مطبوعًا، حُلْو الشّمائل، استمليت عليه بمكَّة، والمدينة، وكتب عنّي مذاكرةً، وأبطأ عليّ يومًا بداره، فخرج واعتذر، وقال: أوقفتُك، فقلت: يا سيّدي، الوقوف على باب المحدّث عزّ، فقال: لك بهذه الكلمة إسناد؟ فقلت: لا، قال: أنت إسنادها.
سمعت الحافظ إسماعيل بن محمد الطّلْحيّ، يقول: رحل أبو سعد البغدادي إلى أبي نصر الزَّيْنبيّ، فدخل بغداد وقد مات، فجعل أبو سعد يلطم على رأسه ويبكي، ويقول: من أين أجد عليّ بن الْجَعْد، عَنْ شُعْبَة؟
وقال الحافظ عبد الله بن مرزوق الهَرَوِيّ: أبو سعد البغداديّ شُعْلة نار.
قال ابن السَّمْعانيّ: سمعت مَعْمَر بن عبد الواحد يقول: أبو سعد البغداديّ يحفظ " صحيح مسلم "، وكان يتكلَّم على الأحاديث بكلامٍ مليح.
وقال ابن النجار، وذكر أبا سعد البغداديّ في " تاريخه ": إمامٌ في الزّهد والحديث، واعظ، وممّن كُتُب عنه: شجاع الذّهْليّ، وابن ناصر، وكان إذا أكل طعامًا أغرورقَتْ عيناه بالدّموع، ثمّ يأكل ويقول: كان داود عليه السّلام إذا أراد أن يأكل بكى.
وقال أبو الفتح محمد بن عليّ النطنزي: كنت ببغداد، فاقترض مني أبو سعد ابن البغداديّ عشرة دنانير، فاتّفق أنْ دخلت على السّلطان مسعود بن محمد، فذكرت ذلك له، فبعث معي إليه خمسمائة دينار، ففرحت ورجعت إليه فأبى أن يأخذها.
قلت: حدَّث أبو سعد في بغداد بكتاب " معرفة الصّحابة " لابن مَنْدَهْ، وكان يرويه ملفقًا عن أصحاب ابن منده، فسمعه منه: محمد بن علي القبيطي، وسمعه كله من القبيطي الشيخ جمال الدين يحيى ابن الصيرفي.
وقال أبو الفرج ابن الجوزيّ: حجّ أبو سعد إحدى عشرة حجَّة، وتردد [ص:725] مرارا وسمعت منه الكثير، ورأيت أخلاقه اللّطيفة، ومحاسنه الجميلة، وحجّ سنة تسعٍ وثلاثين، ورجع فتُوُفّي بنُهَاوَنْد في ربيع الأوّل سنة أربعين، وحُمِل إلى أصبهان فدفن بها.
وقال عبد الرحيم الحاجي وغيره: في ربيع الآخر.(11/723)
471 - أحمد بن محمد بن عمر، أبو القاسم التّميميّ، المَرِيّيّ، المعروف بابن ورد. [المتوفى: 540 هـ]
ذكره ابن بَشْكُوال فقال: كان فقيهًا، حافظًا، عالمًا، متفنّنًا، أخذ العِلْم عَنْ: أبي عليّ الغسّانيّ، وأبي محمد ابن العسال، وناظر عند الفقيهين ابن رشد وابن العواد، وشهر بالعلم والحفظ والإتقان والتفنن في العلوم، وأخذ النّاس عنه، واستقضي بغير موضع من المدن الكِبار، وُلِد سنة خمسٍ وستين وأربعمائة، وتُوُفّي في رمضان، وله خمسٌ وسبعون سنة.
وقال غيره: كان أبو القاسم بن ورد من بُحُور العِلْم بالأندلس كُتُب إليَّ ابن هارون الطّائيّ، عَنْ أبي عبد الله الأبّار أنه سمع أبا الربيع بن سالم قال: سمعت أبا الخطّاب بن الجميل يقول: سمعت أبا موسى عيسى بن عمران المِكْناسيّ يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي القاسم بن ورد، لا أحاشي من الأقوام أحدًا.
قلت: كان أبو موسى المِكْناسيّ من كبار الأئمة، أكثَرَ عَن ابن ورد.
قلت: رأيت له المجلَّد الثّاني من " شرح البخاريّ " يقتضي أن يكون من حساب مائتي مجلَّدَة.(11/725)
472 - إبراهيم بن أحمد بن رشيق، الطُّلَيْطُليّ، أبو إسحاق المقرئ، [المتوفى: 540 هـ]
نزيل دانية ثم سكن وادي آش.
أخذ القراءات عَنْ: أبي عبد الله المغامي صاحب الداني، وولي الخطابة، روى عنه: عبد الرحمن بن القصير، ويحيى بن محمد العُقَيْليّ، وأبو الحَسَن بن مؤمن. [ص:726]
توفي هذا العام، أو قريبًا منه.(11/725)
473 - إدريس بن علي بن إدريس، أبو الفتح النيسابوري، الأديب، الشّاعر. [المتوفى: 540 هـ]
سمع: أبا الحَسَن الأخرم، وجماعة، مات في ذي الحجَّة عَنْ أربعٍ وثمانين سنة، روى عنه: السَّمْعانيّ.(11/726)
474 - إسماعيل بن محمد بن أبي الفتح، أبو محمد الطَّرَسُوسيّ، النّيليّ، [المتوفى: 540 هـ]
والد أبي جعفر.
توفي في ربيع الآخر بأصبهان.(11/726)
475 - بكر بن وجيه بن طاهر بن محمد، أبو الفخر النَّيْسابوريّ، الشّحّاميّ. [المتوفى: 540 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان صالحًا، عفيفًا، كثير العبادة، سمّعه أبوه من أبي بكر بن خَلَف الشّيرازيّ، وجماعة، ولد في سنة خمس وسبعين وأربعمائة، وتوفي في الثاني والعشرين من ربيع الأول.
أجاز لأبي المظفر ابن السَّمْعانيّ.(11/726)
476 - بهروز بن عبد الله، أبو الحَسَن، مجاهد الدّين الغياثيّ، الخادم، الأبيض. [المتوفى: 540 هـ]
وُلّي شرطة العراق نيَّفًا وثلاثين سنة، وعمّر دار السّلطان، وكان ابن عقيل يقول: ما رأيت مثل مناقضة بهروز، فإنّه منع أن يجتمع في السّفينة النّساء والرجال، وجمع بينهم في الماخور.
توفي في رجب.
وكان صاحب همة في عمارة البلاد، واسع الصَّدر، عالي الهمة، وكان تِكْريت إقطاعًا له، فاستناب عليها شاذي جدّ السّلطان صلاح الدّين، ولبهروز رباط كبير ببغداد.(11/726)
477 - الحسين بن الحَسَن بن عبد الله، الشَيخ أبو عبد الله المقدسيّ، الحنفيّ، المقرئ. [المتوفى: 540 هـ]
قدِم من الشّام شابًا إلى بغداد فاستوطنها، وتفقه على قاضي القُضاة أبي عبد الله محمد بن عليّ الدّامَغَانيّ، وسمع من: أبي القاسم ابن البُسْريّ، وأبي نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بن الحَسَن، وقرأ بالروايات على صاحب الحمّاميّ أبي الخطّاب أحمد بن عليّ الصُّوفيّ، وولي إمامة مشهد أبي حنيفة، وطال عمره.
وكان ديّنًا، حَسَن الطّريقة، قال لابن السَّمْعانيّ، وقد سأله عَنْ مولده: لَا أعرف، لكنّي دخلتُ بغداد في أوّل سنة سبعين ولي سبْع عشرة أو ثمان عشرة سنة.
وقال ابن النّجّار: روى عنه ابن السمعاني، وحدثنا عنه يوسف وعبد السّلام ابنا إسماعيل اللّمغانيّ، وأبو النَّجَح إسماعيل بن محمد الحنفيّ، وقرأتُ بخطّ أحمد بن صالح الجيليّ: وفاة أبي عبد الله المقدسيّ في جُمَادَى الآخرة، وحضره القُضاة والفُقهاء.
قال: وكان صحيح السّماع والقراءة، ثقة صالحًا، ديِّنًا، حدَّث وأقرأ.
قلت: وحدَّث عنه عمر بن طبرزد، وغيره.(11/727)
478 - الحسن بن محمد بن الحَسَن، أبو عليّ بن بعصين البغدادي، القصار. [المتوفى: 540 هـ]
حدث هذا العام.
أساء الثّناء عليه أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وقال: لَا شيء، سمع: مالكًا البانياسيّ، وجماعة.(11/727)
479 - حيدر بن محمود بن حيدر، أبو القاسم الشّيرازيّ، الخالديّ. [المتوفى: 540 هـ]
كان يذكر أنّه من ذُرّية خَالِد بْن الْوَلِيد رَضِيَ الله عنه، قدِم بغداد، وتفقه مُدَيْدة على الشَيخ أبي إسحاق الشّيرازيّ، وذكر أنّه خرج إلى الشّام وأقام بها مدَّة، وكان أميرًا على أكثر بلادها.
قال ابن السَّمْعانيّ: علّقت عنه شِعْرًا، وذكر أنّه سمع " تفسير الثعلبي " من جدّه حيدر، عَن المصنِّف، تُوُفّي في شعبان.(11/727)
480 - رستم بن محمد بن أبي عيسى عبد الرحمن بن زياد، القاضي أبو القاسم الأصبهانيّ. [المتوفى: 540 هـ]
تُوُفّي في المحرّم، قاله أبو مسعود الحاجيّ.
سمع نسخة لُوَيْن من جدّه أبي عيسى.(11/728)
481 - عبد الله بن أحمد بن سماك، أبو محمد الغَرْناطيّ. [المتوفى: 540 هـ]
سمع من: أبي مطرّف الشّعبيّ، وتفقّه عليه، وأبي عليّ الغسّانيّ، وجلس للتّدريس والمناظرة، وولي خطة الشُّورى ببلده، ثمّ ولي القضاء، تفقه به: أبو خالد بن رفاعة، وأبو عبد الله بن رفاعة، وتُوُفّي في رمضان، وله أربعٌ وثمانون سنة.(11/728)
482 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن علي بن خلف، أبو محمد الرُّشَاطيّ، اللَّخْميّ، [المتوفى: 540 هـ]
من أهل المَرِية.
أكثر عَن: الغسّانيّ، والصَّدَفيّ، وكان له عناية تامَّة بالحديث، والرجال، والتّواريخ، وله كتاب حَسَن في أنساب الصّحابة ورُواة الحديث أخذه النّاس عنه.
وكان مولده في سنة ست وستين وأربعمائة، توفي في حدود الأربعين.(11/728)
483 - عبد الله بن محمد بن حسين، السّيّد، المُعَمَّر، أبو القاسم العَلَويّ، الحسيني، الكوفي ثم الخوجاني، [المتوفى: 540 هـ]
وخوجان من نواحي نَيْسابور.
تُوُفّي في حدود سنة أربعين، وقد قارب المائة أو بلغها.
قال ابن السَّمْعانيّ: مولده في حدود سنة أربعين وأربعمائة، وكان صالحًا كثير الخير والعبادة مع كِبَر السِّنّ، وثَقُل سمعُه، سمع: أبا بكر محمد بن عبد الجبار الفارسيّ بنَيْسابور، والإمام أبا عليّ الفضل الفارَمْذيّ.
حمل ابن السَّمْعانيّ ولده عبد الرحيم إليه بالقصد، وبات عنده ليلة، [ص:729] وسمعا منه " ذم الرياء " لأبي عبد الرحمن السُّلَميّ، وغير ذلك، وقد رأى الشَيخ أبا القاسم عبد الله بن عليّ الكركانيّ، وسمع ببغداد أبا بكر الطُّرَيْثيثيّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: ما سمعت من شَيخ أَسَنّ منه.(11/728)
484 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ فَرَج، أبو محمد العَبْدَريّ، الزُّهَيْريّ، الأندلسيّ، [المتوفى: 540 هـ]
من أهل المَرِيَّة.
أخذ القراءات عَنْ أبي داود بدانية، وسمع من: أبي عليّ بن سكرة، وأقرأ بقلعة حمّاد نحوًا من عشرين سنة، ثمّ نزل بجانة، حدَّث عنه: أبو العبّاس بن عبد الجليل التدميري، وتوفي ببجانة.(11/729)
485 - عبد الله بن مسعود بن محمد، الأمير أبو سعيد النَّسَويّ، الملقاباذيّ، [المتوفى: 540 هـ]
حفيد عميد خُراسان.
فيه تعبُّد وانعزال عَن النّاس، سمع: موسى بْن عِمران، وأبا بَكْر بْن خَلَف، روى عنه: أبو سعد الحافظ، وعاش ثمانيًا وسبعين سنة.(11/729)
486 - عبد الرحمن بن الحسين بن عليّ بن الخَضِر بن عَبْدان، أبو القاسم الأزْديّ، المقرئ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 540 هـ]
كان يقرأ في السُّبْع الكبير في الجامع، وسمع: القاضي أبا القاسم سعد بن أحمد النسوي الّذي يروي عَن ابن صَخْر، روى عنه: الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم.
وتوفى في جُمَادَى الأولى، وهو قَرَابة الخضر بن الحسين.(11/729)
487 - عبد الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ محمد، أبو بكر البَحِيريّ، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 540 هـ]
شَيخ مُسْنِد، مقبول، ثقة، صالح، مشهور، حدَّث عَنْ: أبي بكر البَيْهقيّ، وأحمد بن منصور المغربيّ، وأبي القاسم القُشَيْريّ، وأبيه عبد الله، وعمّه عبد الحميد، وإسماعيل بن عبد الرحمن الكيّاليّ، وغيرهم، ومن مسموعاته: " المتّفق " للجَوْزقيّ، تفرَّد به في وقته، عَن المغربيّ وسمع أبا سهل الحفصي. [ص:730]
وكان مولده في سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة، وهو من بيت حديث ورواية.
روى عنه: ابن السمعاني، ومحمد بن فضل الله السالاري.
وأبوه أبو الحَسَن عبد الله شَيخ عدْل، حدَّث عَنْ محمد بن أَحْمَد بن عَبْدُوس المزكّي، وأبي نُعَيْم عبد الملك، وطبقتهما، وهو من شيوخ زاهر.
وحدَّث عَنْ أبي بكر هذا جماعة، وبالإجازة عبد الرحيم ابن السمعاني، والمؤيد الطوسي.
تُوُفّي فِي جمَادَى الأولى.(11/729)
488 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن نزار، أبو زيد الشّاطبيّ، المالكيّ. [المتوفى: 540 هـ]
روى عَنْ: أبي الحَسَن طاهر بن مفوَّز، وأبي عبد الله الطَّلاعيّ، وجماعة، وكان فقيهًا، حافلًا، عارفًا بالمذهب، مشاوَرًا، نبيلًا، حافظًا، ذا تواضُع وديانة، وخير.(11/730)
489 - عبد السلام بن إسماعيل بن أبي الفضل محمد بن عثمان القومساني، الهمذاني، أبو طاهر ابن الحافظ أبي الفرج. [المتوفى: 540 هـ]
سمع: أباه، وأبا الفتح عبدوس، ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، ومات في صَفَر، أخذ عنه: السَّمْعانيّ، وغيره.(11/730)
490 - عبد الصّمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن العبّاس، أبو صالح الحَنَويّ الشَّيْبانيّ، الذُّهْليّ، [المتوفى: 540 هـ]
وحاني بليدة من آخر ديار بكر من ثغر الروم.
شَيخ صالح، مُسِنّ، فقير، راغب في الرّواية، سمع: أبا القاسم بن أبي حرب الْجُرْجانيّ، ورزق الله التّميميّ، والأنباريّ، وعاصم بن الحَسَن.
روى عنه: محمد بن محمد السّنْجيّ، وأبو سعد السَّمْعانيّ، وغير واحد، وتُوُفّي في خامس رجب ببغداد، وله نيفٌ وثمانون سنة، وممن روى عنه: أبو أحمد بن سكينة.(11/730)
491 - عبد الفتّاح بن إسماعيل، أبو بكر الصُّوفيّ، الهَرَويّ، البيّع. [المتوفى: 540 هـ]
سمع من: أبي إسماعيل الأنصاريّ " مناقب أحمد "، قرأه عليه السَّمْعانيّ، وقال: مات في شعبان.(11/731)
492 - عبد الملك بن سَلَمَةَ بن عبد الملك الوَشْقي، مولى بني أُمَيَّة، أبو مروان ابن الصَّيْقل. [المتوفى: 540 هـ]
جال في طلب العِلم، وأخذ القراءات عن: أبي المطرف ابن الورّاق، وأبي زيد بن حَيُّوَة، وأبي الحَسَن بن شفيع، وأبي القاسم ابن النّحّاس، ولقي: أبا محمد بن عتّاب، وأبا الوليد بن رُشد، وطائفة فأكثر عنهم.
وتصدَّر ببَلَنْسِية للإقراء والنَّحْو مدَّة، وكان من أهل الضبط، والفصاحة، والذكاء، حدَّث عنه: أبو عمر بن عَيّاد، وأبو جعفر بن نصرون، وأبو بكر بن هُذَيْل، وأبو عبد الله بن نوح الغافقيّ، وتُوُفّي كهلًا.(11/731)
493 - عتيق بن الحسين بن محمد، أبو بكر القطان، الرويدشتي، الأصبهاني. [المتوفى: 540 هـ]
سمع: سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة من سعيد العيار، روى عنه: عبد الخالق بن أسد، وأبو جعفر محمد بن أحمد بن حامد الأصبهانيّ شيخ الزكي البرزالي، روى عنه: السَّمْعانيّ، وقال: صالح، مستور، مات يوم عَرَفَة.(11/731)
494 - عتيق بن عليّ بن مكّيّ، الفَزَاريّ، المعروف بابن العربيّ، النّيدي، السُّمُسْطاويّ. [المتوفى: 540 هـ]
سمع: أبا إسحاق الحبال، وأبا العباس الرّازيّ، روى عنه: السِّلفيّ، وقال: كان تلّاءً للقرآن، ظاهر الخير، تُوُفّي بالإسكندرية في شعبان.(11/731)
495 - عليّ بن أبي ياسر أحمد بن بُنْدار بن إبراهيم، أبو الحَسَن، المعروف بابن الشّاه الحلابة، القطان. [المتوفى: 540 هـ][ص:732]
شَيخ متميّز، سمع: أباه، وعمّه ثابت بن بندار البقال، وأبا غالب الباقلاني، قدم مرو، فسمع منه: أبو سعد السمعاني، وتوفي بغزنة في التجارة.(11/731)
496 - علي بن محمد بن سلامة، أبو الحسن ابن البالسي. [المتوفى: 540 هـ]
ولد بالعراق سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، ونشأ بدمشق، وحدَّث عَنْ: أبي البركات أحمد بن طاوس، وهو مدفون بمقبرة الكهف.(11/732)
497 - كامل بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلامة، أبو التّمام الدّمشقيّ، المقرئ، الضّرير. [المتوفى: 540 هـ]
قرأ على أبي الوحش سُبَيْع تلميذ الأهوازيّ، وسمع من جماعة، عرض عليه القرآن أبو القاسم ابن عساكر، وقال: حج، وتوفي بمكة.(11/732)
498 - كثير بن سعيد بن عبد الله بن الحسين بن إسحاق بن شماليق، أبو عبد الله الوكيل. [المتوفى: 540 هـ]
كان حاذقًا بكتابة السِّجِلّات وفصْل الدّعاوَى، سمع من: نصر بن البَطِر، وأبي بكر الطُّرَيْثيثيّ، وجماعة.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبتُ عنه ببغداد والحَرَمَيْن، وكان فيه ديانة وخير، وتُوُفّي في صفر.(11/732)
499 - محمد بْن أحمد بْن محمد، أبو بَكْر الباغْبَان، الأصبهانيّ، الصُّوفيّ، الصّالح، [المتوفى: 540 هـ]
أخو أبي الخير.
سمع: عبد الوهّاب بن منده، وغيره، وتوفي في ثالث عشر شوّال.
كُتُب عنه أبو سعد السَّمْعانيّ، وقال: كان من خواصّ عبد الرحمن بن مَنْدَهْ، فأكثر عنه، سمعت منه " معرفة الصحابة "، بسماعه من عبد الرحمن، عَنْ أبيه، وُلِد بعد سنة ستّين، وسمع من جماعة.(11/732)
500 - محمد بن الحسين بن حمزة، أبو الفتح العَلَويّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 540 هـ]
سمع: أبا عاصم الفُضَيْليّ، وعنه: أبو سعد السَّمْعانيّ، وقال: مات في [ص:733] شوّال.(11/732)
501 - مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد، أَبُو جعفر بن أبي جعفر الخُشْنيّ، المُرْسِيّ. [المتوفى: 540 هـ]
تفقه بأبيه أبي محمد بن أبي جعفر الفقيه، وأخذ العربية عن أبي بكر ابن الجزار، وكان فقيهًا، مبرِّزًا، قائمًا على " المُدَوَّنة "، متبحّرًا في العلم، يلقي مسائل المدوّنة من حِفْظه، وبه تفقه: هارون بن عات، وأبو بكر بن أبي جمرة، وولي قضاء بلده عند خلع الملثمة، ثم تأمر ببلده ليمسك الناس عَن الشّرّ، وكان يقول: لست لها بأهل، ثمّ إنّه تجهَّز في جُمُوعه، وتوجّه إلى غَرْنَاطَة، وعمل مصَافًّا، فَقُتِلَ وانهزم جيشّه في هذا العام، وسِنّه دون الأربعين.
وممّن قُتِلَ معه: أبو بكر محمد بن يوسف بن خطّاب السَّرَقُسْطيّ، النَّحْويّ الشّاعر.(11/733)
502 - محمد بن عَبْد الرَّحْمَن بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن الطفيل، العبدي، الإشبيلي، أبو الحسن بن عظيمة، المقرئ الأستاذ. [المتوفى: 540 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أبي عبد الله السَّرَقُسْطيّ، وروى عَنْ: أبي داود بن نجاح، وأبي عبد الله بن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ، وخازم بن محمد وغيره، وحجّ، وأقام بالإسكندرية حتّى أخذ عَنْ أبي القاسم ابن الفحام، وأحمد بن الحسن بن بليمة، واشتهر بالصّدق والإتقان، وأخذ النّاس عنه، وله أرجوزة في القراءات، ومن جلة أصحابه أبو بكر بن خير.
توفي في حدود سنة أربعين.(11/733)
503 - محمد بن علي بن عبد المؤمن، القاضي أبو عبد الله الرعيني، الغرناطي. [المتوفى: 540 هـ]
روى عَنْ: أبي الأَصْبَغ بن سهل، وأبي عليّ الغسّانيّ، ومحمد بن سابق، وولي الأحكام بغرناطة. [ص:734]
روى عنه: ابنه إبراهيم، وأبو خالد بن رفاعة، وأبو عبد الله بن عبد الرّحيم.(11/733)
504 - محمد بن محمد بن عَبْد الرَّحْمَن بن حسين بن حمدان، أبو الفتح الثعلبي، الخشاب، الكاتب، [المتوفى: 540 هـ]
نزيل مرو.
أحد المشهورين بالبراعة في البلاغة والترسل، وحسن الخط، وله شعر رائق.
قال ابن السَّمْعانيّ: لكنّه منهمك مع الشَيخوخة على الشّرْب، وكان يُضرب به المَثَل في الكذِب والمستحيلات ووضْعها.
قال فيه إبراهيم بن عثمان الغزي الشاعر:
أوصاه أن ينحت الأخشابَ والدُهُ ... فلم يُطِقْه وأضْحَى ينْحت الكذِبا
إلّا أنّه كان صحيح السّماع، سمع بنَيْسابور: أبا القاسم القُشَيْريّ، والفضل بن المحبّ، وأبا صالح المؤذن، وأبا سهل الحفصي.
ولد سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة، ومات مسافرًا بين مَرْو وسَرْخَس في ثامن عشر رجب، ودفن بمرو.(11/734)
505 - محمد بن مسعود بن أبي الخصال، أبو عبد الله الغافقيُّ الشَّقوريُّ، [المتوفى: 540 هـ]
نزيل قرطبة.
روى عن أبي الحسين بن سراج، وطائفة.
قال ابن بشُكوال: ولد سنة خمس وستين وأربعمائة، وكان مفخر وقته، متفننًا في الآداب، واللغات، كاتبًا بليغًا أخباريًّا له تواليف حسان، إلى أن قال: كان أحد رجال الكمال في وقته استُشْهِد في ذي الحجَّة.(11/734)
506 - محمد بن يوسف بن سليمان بن محمد بن خطاب، أبو بكر ابن الجزَّار القيسيُّ السَّرقسطيُّ النَّحويُّ، [المتوفى: 540 هـ]
نزيل مَرْسِية.
أخذ العربيَّة عن أبي بكر ابن الفَرَضيّ، وأبي محمد البَطَلْيُوسيّ، وسمع أبا عليّ الصَّدفي. وجلس لتعليم العربيَّة، وكان بارعًا فيها وفي الأدب والشِّعر.
قتل سنة أربعين وخمسمائة. [ص:735]
روى عنه أبو محمد بن عات، وغيره.(11/734)
507 - مسعود بن جامع المَرَاتبيّ الضّرير. [المتوفى: 540 هـ]
سمع: ابن طلحة النعالي، كتب عنه: أبو محمد ابن الخشّاب في هذه السّنة، وانقطع خبره.(11/735)
508 - مسعود بن أبي سعد محمد بن سهل، القُولُويّ، النيسابوري، [المتوفى: 540 هـ]
وقولوا: من مَحَالّ نَيْسابور.
سمع: عليّ بن أحمد المديني المؤذن، وأبا بكر أحمد بن سهل السّرّاج، وقدِم بغداد سنة أربعٍ وتسعين وأربعمائة، فسمع بها.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبت عنه بنَيْسابور، وكان شيخًا لَا بأس به، تُوُفّي في رمضان.(11/735)
509 - الموفّق بن عليّ بن محمد بن ثابت، الفقيه أبو محمد الخِرَقيّ، المَرْوَزي، الثابتيّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 540 هـ]
تلميذ مُحيي السُّنَّة البَغَويّ.
قال السَّمْعانيّ: كان فقيهًا، ورعًا، زاهدًا، متواضعًا، لم أر في أهل العِلم مثله خُلُقًا وسيرة، وكان يصوم أكثر أيامه، ويتكتم، تفقّه أيضًا على والدي، وقرأ الخلاف ببُخارَى على: أبي بكر الطَّبَريّ وتَلْمذ له، وكان يحفظ المذهب، مات بخرق في رمضان.(11/735)
510 - موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن ابن الجواليقيّ، أبو منصور بن أبي طاهر البغداديّ، النَّحْويّ اللُّغويّ، [المتوفى: 540 هـ]
إمام الخليفة المقتفي.
وُلِد سنة ستٍ وستين وأربعمائة، وسمع: أبا القاسم ابن البُسْريّ، وأبا طاهر بن أبي الصَّقْر الأنباريّ، وطِراد بن محمد، وابن البَطِر، وجماعة كثيرة.
وسمع بنفسه، وكتب الكثير بخطه.
روى عنه: ابنته خديجة، وابن السمعاني، والشريف عبيد الله بن أحمد [ص:736] المنصوري، وأبو الفرج ابن الجوزي، ويوسف بن المبارك، وأبو اليمن الكندي، وآخرون.
قال ابن السمعاني: إمامٌ في اللغة والنحو، وهو من مفاخر بغداد، قرأ الأدب على أبي زكريّا التَّبْريزيّ، وتَلْمَذَ له، حتّى برع فيه، وهو متدّين، ثقة، ورِع، غزير الفضْل، وافر العقل، مليح الخطّ، كثير الضَّبْط، صنَّف التّصانيف، وانتشرت عنه، وشاع ذِكره.
وقال غيره: كان ثقة حُجَّةً في نقل العربيَّة، علّامة، متفنّنًا في الآداب، تخرّج به جماعة كثيرة.
وتُوُفّي في المحرَّم، قاله ابن شافع، وابن المفضّل المقدسيّ، ومحمد بن حمزة بن أبي الصَّقْر، وأبو الفرج ابن الجوزيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وآخرون.
وأمّا ما ذكره ابن السَّمْعانيّ أن أبا محمد عبد الله بن محمد بن جرير القُرَشيّ كتب إليه بوفاة أبي منصور ابن الجواليقيّ في نصف المحرَّم سنة تسعٍ وثلاثين، فغلطٌ بيقين، واعتمد عليه القاضي ابن خَلِّكان، وما عرف أنه غلط.
قال ابن الجوزيّ: قرأ الأدب سبْع عشرة سنة على أبي زكريّا التِّبْريزيّ، وانتهى إليه علم اللّغة فأقرأها، ودرّس العربيَّة في النّظاميَّة بعد أبي زكريّا مدَّة، فلمّا استُخْلف المقتفي اختصّ بإمامته، وكان المقتفي يقرأ عليه شيئًا من الكُتُب، وكان غزير العقل، متواضعًا في ملبسه ورياسته، طويل الصّمت، لَا يقول الشّيء إلّا بعد التّحقيق والفكر الطّويل، وكثيرًا ما كان يقول: لَا أدري، وكان من أهل السُّنَّة، سمعتُ منه كثيرًا من الحديث وغريب الحديث، وقرأت عليه كتابه " المُعَرَّب " وغيره من تصانيفه.
وقال ابن خَلِّكان: صنَّف التّصانيف المفيدة، وانتشرت عنه، مثل:. [ص:737] " شرح كتاب أدب الكاتب "، وكتاب " المعرَّب "، وتتمَّة " دُرَّة الغَواص " الّتي للحريريّ، وخطّه مرغوبٌ فيه، وكان يُصلّي بالمقتفي بالله، فدخل عليه، وهو أوّل ما دخل، فما زاد على أن قال: السّلام على أمير المؤمنين ورحمة الله تعالى، فقال ابن التَّلميذ النَّصْرانيّ، وكان قائمًا وله إدْلالُ الخدمة والطَّبّ: ما هكذا يُسَلَّم على أمير المؤمنين يا شَيخ، فلم يلتفت إليه ابن الجواليقيّ، وقال: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السُّنَّة النَّبَويَّة، وروى الحديث ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، لو حلف حالف أنّ نصرانيًّا أو يهودّيًا لم يصِل إلى قلبه نوعٌ من أنواع العِلم على الوجه لَمَا لَزِمَتْه كَفّارة، لأنّ الله ختم على قلوبهم، ولن يفكّ ختْمَ الله إلّا الإيمان، فقال: صَدَقْتَ، وأحسنْتَ، وكأنما أُلْجِم ابنُ التلميذ بحجرٍ، مع فضله وغزارة أدبه.(11/735)
511 - يوسف بن عبد الواحد بن محمد بن ماهان، أبو الفتح الأصبهانيّ، الكاتب. [المتوفى: 540 هـ]
يروي عَنْ أصحاب الحافظ ابن مَنْدَهْ، روى عنه: ابن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وغيرهما.
تُوُفّي في أواخر ربيع الأوّل.(11/737)
512 - يحيى بن محمد بن عبد الرحمن بن بَقِيّ، أبو بكر الأندلسيّ، القُرْطُبيّ، الشّاعر المشهور، [المتوفى: 540 هـ]
صاحب الموشَّحات البديعة، والمعاني الرشيقة.
ذكره العماد الكاتب وورَّخه، وهو القائل:
يا أقتل الناس ألحاظًا وأطيبهم ... ريقًا متى كان فيك الصّابُ والعَسَلُ
في صحن خدك وهو الشّمسُ طالِعة ... وردٌ يَزِيدُكَ فيه الرّاحُ والخَجَلُ
إيمانُ حُبَّك في قلبي مجدَّدة ... من خدك الكتب أو من لحظك الرسل
إنْ كنتَ تجهل أنّي عبدُ مملكةٍ ... مُرْني بما شئت آتيه وأمتثل
وله: [ص:738]
ومشمولةٍ في الكأس تحسبُ أنّها ... سماء عقيقٍ رُصِّعَتْ بالكواكبِ
بَنَتْ كعبة اللّذات في حَرَم الصبا ... فحجّ إليها اللَّهْوُ من كلّ جانبِ(11/737)
513 - يرنقش الزَّكَويّ الأرمنيّ، الخادم. [المتوفى: 540 هـ]
ولي إمرة أصبهان وإمرة العراق وشِحْنَكِيّتها، وكان خادمًا لزكيّ الدّين التّاجر، فترقَّت به الحال إلى أن صار من كبار الدولة.(11/738)
-المتوفون في عشر الأربعين وخمسمائة ظنًا ويقينًا(11/738)
514 - أحمد بن سعيد ابن الإمام أبي محمد بن حزْم، اليزيديّ، مولاهم القُرطُبيّ أبو عمر، [الوفاة: 531 - 540 هـ]
نزيل شِلْب.
كان فقيهًا ظاهريًا كجده، عارفًا بأصولهم، داعية إليه، صليبًا فيه، مع معرفةٍ بالنَّحْو والشِّعْر.
توفي بعد محنةٍ عظيمة من ضرْبه وحبْسه وأخْذ أمواله، لِما نُسِب إِلَيْهِ من الثّورة على السّلطان، في حدود الأربعين.(11/739)
515 - أحمد بن عبد الله بن بركة بن الحسين، أبو القاسم بن ناجية، الحربي، الفقيه، الواعظ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
أحد الأئمَّة ببغداد، تفقه على أبي الخطّاب، وبرع في الفقه وناظَر، ثمّ صار حنفيًا، ثمّ تحوّل شافعيًا، ثمّ ترك التّقليد وتبع الدّليل، وحدَّث عَنْ: ثابت بن بُنْدار.
روى عنه: ابن السَّمْعانيّ.(11/739)
516 - أحمد بن محمد بن أبي سعيد، أبو العباس الطحان، البغدادي، المنقي. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
رجل خير يأكل من كسبه، سمع: أبا الحسين ابن المهتدي بالله، تُوُفّي بعد الثّلاثين.(11/739)
517 - أحمد بن محمد بن علي بن أحمد، أبو اليَقْظان التنوخي، المعري، الأديب. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
شاعر محسن، عمر سبعًا وتسعين سنة، وانتقل بأولاده إلى حلب حين هجم الفرنج، خذلهم الله، المعرَّةَ سنة ستٍ وتسعين، وقد سمع من أبي العلاء بن سليمان ثلاثة قصائد، رواها عنه حفيده محمد بن مؤيِّد بن أحمد بن محمد، وتُوُفّي سنة بضعٍ وثلاثين.(11/739)
518 - إبراهيم بن عبد الملك بن محمد بن إبراهيم، الشّحاذيّ، القَزْوينيّ، المقرئ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
شَيخ صالح، خيِّر، مُعَمَّر، جاور بمكَّة مدَّة، وقرأ القرآن على أبي مَعْشَر الطَّبَريّ، وسمع ببغداد من: أبي إسحاق الشّيرازيّ الفقيه، وغيره.
روى عنه ابنه، وبالإجازة أبو سعد السمعاني.(11/740)
519 - أسعد بن عبد الواحد، أبو الفخر الأصبهانيّ، التّاجر. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
أكثر عَنْ أصحاب أبي نُعَيْم، ثمّ سمع من: أبي الحَسَن العلّاف ببغداد، وجماعة، سمع منه: ابن الخشّاب، وأبو الفضل محمد بن يوسف الغَزْنَويّ، وكان مولده في سنة تسعٍ وستين وأربعمائة.(11/740)
520 - الحَسَن بن سعيد بن أحمد بن عَمْرو بن المأمون بن عَمْرو، أبو عليّ الْجَزَريّ، الفقيه الشّافعيّ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
قدِم في صِباه بغدادٍ، وسمع: أبا القاسم عبد العزيز بن أحمد الأنماطي، وأبا القاسم ابن البُسْريّ، ووُلّي قضاء جزيرة ابن عمر، روى عنه: أبو المعمّر الأنصاريّ، وابن عساكر، ومولده في حدود سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وتفقّه ببغداد.
ذكره ابن السَّمْعانيّ، وقال: توفي في حدود سنة أربعين.(11/740)
521 - الحَسَن بن محمد بن الحَسَن، شَيخ الرّافضة وعالمِهُم، أبو عليّ [الوفاة: 531 - 540 هـ]
ابن شَيخ الرّافضة وعالِمهم الشَيخ أبي جعفر الطُّوسيّ.
رحلت إليه طوائف الشّيعة إلى العراق، وحملوا عنه.
ذكره ابن أبي طيئ في " تاريخه " فقال: كان ورِعًا، عالمًا، متألّهًا، كثير الزهد والورع، قائمًا بالتلاوة والأوراد، والإشغال، والتّصنيف، وُلِد بمشهد عليّ عليه السّلام، وقرأ على أبيه جميع كُتُبه، حدَّثني عماد الدّين أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطَّبَريّ، قال: كان الشَيخ أبو عليّ الطُّوسيّ من أعبد الناس وأشدهم تألُّهًا، لم يُرَ إلّا قارِئًا، أو مُصَلِّيًا، أو معلِّمًا، أو مشتغلًا، وكان بين عينيه كركبة العير من السجود، وكان يسترها. [ص:741]
وقال ابن رُطْبة: كان أبو عليّ خشِنًا في ذات الله، عظيم الخشوع والعبادة، معظَّمًا عند الخاصَّة والعامَّة.
وقال آخر: رأيت أبا عليّ رجلًا قد وهب نفسه لله، لم يجعل لأحدٍ معه فيها نصيبًا، ولا أشكّ أنّه كان من خواص الأبدال.
قلت: وكان مقيمًا بمشهد عليّ بالعراق.
قال العماد الطَّبَريّ: لو جازت الصّلاة على غير النّبيّ والإمام لصلّيت عليه، كان قد جمع العلم والعمل، وصدْق اللّهجة.
وقد زار أبو سعد السَّمْعانيّ المشهد، وسمع عليه، وأثنى عليه.
وقال أبو منصور محمد بن الحَسَن النّقّاش: كنا نقرأ على الشَيخ أبي عليّ بن أبي جعفر، وإن كان إلّا كالبحر يتدفقّ بجواهر الفوائد، وكان أروى النّاس للمَثَل، والشّاهد، وأحفظ النّاس للأُصول، وأنقلهم للمذهب، وأرواهم للحديث.
قلت: روى عَنْ: أبي الغنائم النَّرْسيّ، وغيره.(11/740)
522 - الحسن بن نصر، أبو محمد ابن المعبي، البزاز. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
حدث عن: أبي القاسم ابن البُسْريّ، والفقيه نصر المقدسيّ، كتب عنه: ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وكان تاجرًا ببغداد.(11/741)
523 - حمْد بن الحَسَن بن الفَرَج بن محمد، أبو الفَرَج الهَمَذَانيّ المعروف بعجيب الزّمان. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
ضرير، مطبوع.
ذكره ابن السَّمْعانيّ فقال: سمع: عبد الواحد بن علي بن بوغة، وعبدوس بن عبد الله، سمع منه: ابن السَّمْعانيّ بهَمَذَان في سنة سبعٍ وثلاثين.(11/741)
524 - حَمْد بن عبد الرحمن بن محمد بن شاتيل القاضي أبو عليّ الأزجي، الحنبلي. [الوفاة: 531 - 540 هـ][ص:742]
ولي القضاء بسوقٍ الثلاثاءِ ثمّ بالمدائن، وحدث عن: النعالي، وابن البطر، وغيرهما.(11/741)
525 - زيد بن سعد بن عليّ بن أحمد بن عليّ، الشّريف، أبو إسماعيل الحَسَنيّ، العَلَويّ، الهمذانيّ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
سمع: عَبْدُوس بن عبد الله، وأبا العلاء محمد بن طاهر.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبت عنه، وقال لي: ولدت سنة أربعٍ وسبعين وأربعمائة.(11/742)
526 - شُجاع بن عمر بن بدر الجوهريّ النّهاونْديّ، أبو البدر التّاجر، [الوفاة: 531 - 540 هـ]
نزيل هَمَذَان.
حدَّث عَنْ: أبي المظفر موسى بن عِمران الصُّوفيّ، روى عنه: أبو شجاع عمر البِسْطاميّ؛ وأجاز لأبي سعد السَّمْعانيّ، وقال: توفي بعد سنة ثلاثين.(11/742)
527 - صالح بن هبة الله بن محمد بن عبد السلام بن عفان، أبو محمد الواعظ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
بغداديّ، سافر إلى الشّام، والجزيرة، ووعظ، وظهر له القبول، سمع: نصر ابن البَطِر، وأبا الفضل محمد بن عبد السّلام، روى عنه: السمعاني.(11/742)
528 - طاهر بن محمد بن طاهر بن محمد بن الفضل بن يعقوب بن إسحاق بن سعد بن الحَسَن بن سُفيان بن عامر، أبو نصر الشيباني، النسائي، [الوفاة: 531 - 540 هـ]
قاضي شهرستان.(11/742)
529 - ظَفَرُ بن هارون بن ظَفَر بن نصر، أبو الفتوح الرَّبْعيّ، المَوْصليّ، ثم الهمذانيّ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
سمع: ثابت بن الحسين التّميميّ، كتب عنه: أبو سعد بهَمَذَان، وقال: وُلِد سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة.(11/742)
530 - ظَفَر بن عليّ بن حمْد، أبو سعد الهَمَذَانيّ، المستوفيّ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
سمع الكثير، ونسخ الأجزاء، وسمع: فيد بن عبد الرحمن الشّعْرانيّ، وعبد الرحمن بن حمد الدؤلي، وأبا علي بن نبهان، وابن بيان، وهذه الطبقة، وجمع وخرج، وكان مولده في سنة سبعين وأربعمائة، روى عنه: أبو سعد السَّمْعانيّ، وابن الْجَوْزيّ، حدث سنة أربع وثلاثين وخمسمائة.(11/743)
531 - عبد المغيث بن أبي عدنان، أبو تميم الأصبهاني. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
روى عَنْ: أبي القاسم بن مَنْدَهْ، والمُطَهَّر البزانيّ، وأبي عيسى عبد الرحمن بن زياد، وابن ماجة الأَبْهريّ، روى عنه: زاهر بن أحمد الثقفي.(11/743)
532 - عبد الملك بن أحمد أبو مروان الأزدي، الغرناطي، المالكي، ويعرف بابن القصير. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
فقيه، حافظ، بارع في الفِقْه، مشاورٌ، نبيل، روى عنه: أبو خالد بن رفاعة، وأبو إسحاق الغرناطي، وناظرا عليه في " المدوّنة "، وأبو تمّام العَوْفيّ، وابن أخيه عبد الرحمن بن أحمد، وتُوُفّي قبل الأربعين وخمسمائة.(11/743)
533 - عبد الصّمد بن عمر الخَرَزيّ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
سمع: أبا القاسم القشيري، وحدث في سنة أربع وثلاثين، روى عنه: زينب الشَّعْريَّة.(11/743)
534 - عمر بن أحمد بن الحسين، أبو حفص الهَمَذَانيّ، الورّاق، الصُّوفيّ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
محدّث رحّال، سمع: ابن الطُّيُوريّ، والعلّاف ببغداد؛ وأبا بكر أحمد بن محمد بن زنجويه بزَنْجان؛ وأبا الفتح الحدَّاد بأصبهان، وقرأ بدمشق على أبي الوحش سُبَيْع، وسكن السُّمَيْساطيَّة، وكان صالحًا.
روى عنه: ابن عساكر وقال: لقيته بهمذان.(11/743)
535 - عيسى بن عبد الله الكُرديّ، الزّاهد. [الوفاة: 531 - 540 هـ][ص:744]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان يسكن المَوْصل، وكان من أهل التّجويد والتّوكّل، وله في قَطْع البادية والمُقام بمكَّة أحوالٌ ومقامات، وكان كثير المجاهدة، صبورًا على الشّدائد والجوع، وكان يستر حاله، وكان أهل المَوْصل يعتقدون فيه، ويتبرَّكون به، وكان لَا يخالطهم، وينزوي في موضعٍ خارج الموصل، وإذا اشتدّ به الجوع غطّى وجهه بخرقة ودخل فمدّ يده، فلا يُعرف، ويُعطى كِسْرة أو كِسْرتين، ولو عرفوه لأعطوه مبلغًا من المال، وكان أكثر مُقامة بالحجاز، وورد بغداد مرات، اجتمعت به بالمدينة النّبويَّة، تُوُفّي قرب الأربعين بطريق الحجاز بذات عرق.(11/743)
536 - كمال بنت أبي البركات هبة الله بن المبارك السَّقَطيّ، [الوفاة: 531 - 540 هـ]
امرأة صالحة، خيِّرة، ستيّرة.
سمّعها والدها من أبي الحَسَن بن الأخضر الأنباريّ، وغيره، روى عنها: أبو سعد السَّمْعانيّ.(11/744)
537 - عَمْرو بن محمد بن بدر، أبو الحسن الهمداني، الغرناطي. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
ذكره الأبّار فقال: سمع " الموطأ " من أبي عبد الله ابن الطّلّاع، وتفقّه بأبي الوليد بن رُشْد، وكان من أهل الزّهْد والصّلاح، روى عنه: أبو جعفر بن شراحيل الهمداني الغرناطي، وغيره، لقيه في سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة.
قلت: أبو جعفر هو أحمد بن عبد الله شَيخ لابن مَسْديّ، يأتي في سنة ستٍّ وستّمائة.(11/744)
538 - عيّاش بن عبد الملك، أبو بكر الأزدي، اليابري، ثمّ القُرْطُبيّ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
من أئمة القرّاء، أخذ عَنْ: خازم بن محمد، وأبي القاسم ابن النخاس، وعباس بن الخَلَف، وروى عنهم، وعن طائفة.
وكان عبدًا صالحًا، روى عَنْهُ: أبو عَبْد الله بْن عَبْد الرحيم، وأبو عبد الله بن حفص، وأبو جعفر بن يحيى، تُوُفّي في نحو الأربعين.(11/744)
539 - محمد بن إبراهيم بن أحمد، أبو سعد النيسابوري، العدني، [الوفاة: 531 - 540 هـ]
نسبة إلى عمل الأبراد.
روى عَنْ: فاطمة بنت الدّقّاق، ومحمد بن إسماعيل التِّفْلِيسيّ، روى عنه: أبو سعد، وقال: تُوُفّي بعد سنة ثلاثين وخمسمائة.(11/745)
540 - محمد بن إسماعيل بن محمد، أبو بكر العذري، السرقسطي، ابن فورتش. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
سمع من: عمّه عبد الله بن محمد القاضي " مسند البزار "، وأجاز له طِراد الزَّيْنبيّ، وجماعة، وشوّورِ في الأحكام، ثمّ ولي قضاء بلده، سمع منه: أبو جعفر ابن الباذش، وأبو عبد الله النُّمَيْريّ، وتُوُفّي بعد الثّلاثين.(11/745)
541 - محمد بن الحَسَن بن نديمة، أبو بكر المَرْوَزِيّ، الطّبيب. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
قرأ عليه السَّمْعانيّ " صحيح البخاريّ " بسماعه من أبي الخير بن أبي عِمران، وقال تُوُفّي سنة نيفٍ وثلاثين.(11/745)
542 - محمد بن عبد الرحمن المذحجي الغرناطي. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
سمع أبا الحسن العبسي، والغساني، وكان فقيها مشاورا، روى عَنْهُ أبو عبد الله بْن حُمَيْد.
توفي قبل الأربعين.(11/745)
543 - محمد بن عليّ بن عطيَّة البَلنْسيّ. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
كان في حدود الأربعين وخمسمائة بالأندلس، انفرد بزمانه ببراعة خطّه الفائق على وضْع المغاربة.(11/745)
544 - محمد بن عليّ بن محمد، القاضي أبو عبد الله الجياني، النفزي. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
تفقه بقرطبة عند أبي الوليد ابن العوّاد، وأبي الوليد بن رُشد، وحدَّث [ص:746] عنهما، وعن ابن عتّاب، وشوّوِر في الأحكام، ونوظر عليه في " المدوَّنة "، وكان عارفًا، إمامًا.(11/745)
545 - محمد بن أبي سعيد الفَرَج بن عبد الله، السَّرَقُسْطيّ، البزّاز. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
حجّ، وسمع ببغداد من: ابن خَيْرُون، وابن البَطِر، وأبي عبد الله الحُمَيْديّ، وأقام بالإسكندرية، فروى عنه: أبو محمد العثماني، وأبو عبد الله الحضْرميّ، ومخلوف بن حازة، وكان يشهد.
مات بعد الثّلاثين.(11/746)
546 - محمد بن محمد بن الحسين بن خميس، أبو البركات المَوْصِلِيّ، الفقيه. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
من بيت عِلْم وتقدُّم، حدَّث ببغداد والموصل عَنْ: أبي نصر بن طَوْق، روى عنه: جماعة.
قال ابن السَّمْعانيّ: تُوُفّي قبل رحلتي إلى المَوْصِل.
قلت: فتكون وفاته بعد الثّلاثين وخمسمائة.(11/746)
547 - المبارك بن الحسين بن عبد الوهاب بن نغوبا، الواسطي، أبو السعادات الشاهد. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: شَيخ كبير، كثير المحفوظ، مليح المحاورة، سالم لحواس، رأيته بواسط، وصعِد معي إلى بغداد، وسمعت منه بأماكن، سمع: أبا القاسم ابن البُسْريّ، وأبا إسحاق الشّيرازيّ، وأبا الفتح نصر بن محمد الشّاشيّ، وسألته عَنْ مولده، فقال في سنة خمسين وأربعمائة، وقال: نَغُوبا اسم قرية لجدّي، كان يعبر إليها كثيرا، فنسب إليها، يعني لقب بها.
قلت: روى عنه: أبو اليمن الكندي الجزء الثالث من " المخلصيات " بانتقاء ابن أبي الفوارس، وابن ابنه عليّ بن عليّ، وأبو الفتح المنْدائيّ، وله ذرّية رَوَوُا الحديث.(11/746)
548 - محمود بن حامد بن محمد، أبو المظفر الكاغدي، الدّهّان، البنّاء، [الوفاة: 531 - 540 هـ]
من شيوخ أصبهان. [ص:747]
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: كَانَ شيخًا، صالحًا، مُكْثِرًا من الحديث، غير أنّه كان من العبْد الرحمانية الغلاة، سمع شيخه أبا القاسم عبد الرحمن بن مَنْدَهْ، وسمعت منه بأصبهان، ووُلِد بعد السّتّين وأربعمائة.(11/746)
549 - محمود بن سعد بن أحمد بن محمود، أبو رجاء بن أبي الفَرَج بن أبي طاهر الثّقفيّ، الأصبهانيّ، [الوفاة: 531 - 540 هـ]
والد يحيى الثّقفيّ وزوج بنت الحافظ إسماعيل التّيْميّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان حريصًا على طلب الحديث، وقراءته، وجمْعه، وتحصيل النُّسَخ، وَرَد بغداد وسمع بها الكثير، وحصّل " تاريخ الخطيب "، وغيره من الكُتُب الكبار، غير أنّه ليس له معرفة بالحديث، سمع: ابن عمّ جدّه القاسم بن الفضل الثّقفيّ، وأبا نصر السِّمْسار، وأبا مطيع المصريّ، وأبا القاسم بن بيان، وابن نبهان، وخرج له حَموُه إسماعيل الحافظ ثلاثة أجزاء، فقرأتُها عليه.(11/747)
550 - مسرة الزعيمي، أبو الخير، [الوفاة: 531 - 540 هـ]
مولى بني المِعْوَجّ.
شَيخ، صالح، خيِّر، صُعْلُوك، روى عَنْ: أبي نصر الزَّيْنبيّ، كتب عنه: ابن السَّمْعانيّ ببغداد، وروى عنه: عبد الوهاب بن سكينة.(11/747)
551 - معدان بن كثير بن الحسن، أبو المجْد البالِسيّ، الفقيه. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
قدِم بغداد، وتفقّه على أبي بكر الشّاشي حتّى برع وصار من أعيان الشّافعية، وكان ذا معرفة تامَّة باللّغة، والأدب، ورجع إلى بالس، وسمع: أبا نصر الزينبي، وأخاه الكامل أبا الفوارس، وأبا بكر الطُّرَيْثيثيّ.
وقد مرّ أبو سعد السَّمْعانيّ بالبلد، وما اعتقد أنّ بها من يروي شيئًا، ثمّ لمّا وصل إلى بغداد ذكروه له، فندم على فواته.(11/747)
552 - هبة الله بن أبي غالب محمد بن الحَسَن بن أحمد الباقِلّانيّ، أبو القاسم. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
شَيخ صالح، من أولاد محدّثي بغداد، كان منقطعًا في بيته، سمع: أباه، وعمّه أبا طاهر، وأبا عبد الله النعالي، وجماعة، روى عنه: أبو سعد السمعاني.(11/747)
553 - هبة الله بن محمد بن أبي الأصابع، أبو القاسم الحربي، المقرئ، الضرير. [الوفاة: 531 - 540 هـ][ص:748]
شيخ خير، صالح، كتب عنه ابن السمعاني، عن عبد الواحد بن علون الشيباني.(11/747)
554 - يحيى بن عطّاف بن إبراهيم بن الربيع، أبو الفضل المَوْصِليّ، الزّاهد. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: شَيخ، صالح، زاهد، متنسّك، كثير العبادة، دائم التّلاوة، صحِب الصّالحين، وخدمهم، وانتفع بهم، سمع: أبا نصر محمد بن عليّ بن وَدْعان، وأبا الحَسَن عليّ بن أحمد بن يوسف الهكّاريّ، وجاوَرَ بمكَّة مدَّةً، ثمّ قدِم المَوْصِل، وحج لما حججت أيضًا، وانتفعنا بصحبته، وآخر عهدي به في شوال سنة خمس وثلاثين بالموصل، وقد كان ناطَح الثّمانين.(11/748)
555 - يحيى بن عليّ بن محمد بن محمد، الأنبَاريّ، الخطيب، أبو نصر ابن الخطيب أبي الحسن ابن الأخضر. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
شَيخ، صالح، متودّد، سمع بالأنبار من: أبيه، ومن أبي بكر أحمد بن عليّ الخطيب، وأبى طاهر بن أبي الصَّقْر.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبتُ عنه ببغداد، وبالأنبار، وبها ولد في سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة في صَفَر.(11/748)
556 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بن أحمد بن القاسم ابن المَحَامِليّ، الفقيه أبو طاهر. [الوفاة: 531 - 540 هـ]
جاور بمكَّة أزْيَد من خمسين سنة، وكان مولده سنة ثلاثٍ وخمسين، وقد روى عَنْ والده، عَنْ أبي الحسين بن بِشْران، سمع منه: أبو موسى المديني، وغيره بمكة.(11/748)
-الطبقة الخامسة والخمسون 541 - 550 هـ(11/749)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(11/751)
-سنة إحدى وأربعين وخمسمائة
في ربيع الآخر وثب ثلاثة من غلمان زنكي بن آقْسُنقُر عليه، فقتلوه وهو يحاصر جَعْبَر، فقام بأمر المَوْصِل ابنه غازي، وبحلب نور الدين محمود.
وفيها احترق قصر المسترشد الّذي بناه في البستان، وكان فيه الخليفة، فسلِم، وتصدَّق بأموال.
وفي رَجب قدِم السّلطان مسعود، وعمل دار ضرْب، فقبض الخليفة عَلَى الضّرّاب الّذي تسّبب في إقامة دار الضّرْب، فنفذ الشِّحْنة وقبض عَلَى حاجب الخليفة، وأربعةٍ من الخواصّ، فغضب الخليفة، وغلّق الجامع والمساجد ثلاثة أيّام، ثمّ أُطلق الضّراب، فأطلقوا الحاجب، وسكن الأمر.
ووقع حائط بالدّار عَلَى ابْنَة الخليفة، وكانت تصلح للزواج، واشتد حزنهم عليها، وجلسوا للعزاء ثلاثة أيام.
وفي ذي القعدة جلس ابن العبّاديّ الواعظ، فحضر السّلطان مسعود، فعرَّض بذِكر حقّ البيع، وما جرى عَلَى النّاس، ثمّ قَالَ: يا سلطان العالم، أنت تهبُ في ليلةٍ لمطربٍ بقدر هذا الذي يؤخذ من المسلمين، فاحسبني ذَلكَ المطرب، وهبْه لي، واجعله شُكرًا لله بما أنعم عليك، فأشار بيده إنّي قد فعلت، فارتفعت الضّجَّة بالدّعاء لَهُ، ونودي في البلد بإسقاطه، وطيف بالألواح الّتي نقِش عليها تَرْك المُكوس في الأسواق، وبين يديها الدبادب والبُوقات، ولم تزل إلى أن أمر الناصر لدين اللَّه بقلْع الألواح، وقال: ما لنا حاجة بآثار الأعاجم.
وحج الوزير نظام الدين ابن جَهير، قَالَ ابن الجوزيّ: وحججت أَنَا [ص:752] بالزوجة والأطفال.
قال ابن الأثير: وفيها ملَكَت الفرنج طرابُلُسَ المغرب، جهّز الملك رُجار صاحب صقلية في البحر أسطولًا كبيرًا، فنازلوها في ثالث المحرَّم، فخرج أهلها، ودام الحرب ثلاثة أيّام، فاتّفق أن أهلها اختلفوا، وخلَت الأسوار، فنصبت الفرنج السّلالم، وطلعوا وأخذوا البلد بالسّيف واستباحوه، ثمّ نادوا بالأمان، فظهر من سلِم، وعمّرتها الفرنج وحصّنوها.
وفيها لما قُتل زَنكي قصد صاحب دمشق بَعْلَبَكّ وحاصرها، وبها نائب زنْكيّ الأمير نجم الدّين أيّوب بْن شاذي، فسلّمها صُلحًا لَهُ، وأقطعه خُبزًا بدمشق، وملّكه عدة قرى، فانتقل إلى دمشق وسكنها.
وفيها في أولها سار عبد المؤمن بجيوشه بعد أن افتتح فاس إلى مدينة سَلا فأخذها، ووَحَّدَتْ مدينةُ سَبْتَة، فأمّنهم، ثمّ سار إلى مَرّاكُش، فنزل عَلَى جبلٍ قريبٍ منها، وبها إسحاق بْن عليّ بْن يوسُف بْن تاشفين، فحاصرها أحد عشر شهرًا، ثمّ أخذها عَنْوةً بالسّيف في أوائل سنة اثنتين وأربعين، واستوسق لَهُ الأمرُ ونزلها، وجاءه جماعةٌ من وجوه الأندلسيّين وهو عَلَى مَرّاكُش باذِلين لَهُ الطّاعة والبَيْعة، ومعهم مكتوبٌ كبيرٌ فيه أسماء جميع الّذين بايعوه من الأعيان، وقد شهد من حضر عَلَى من غاب، فأعجبه ذَلكَ، وشكر هجرتهم، وجهّز معهم جيشًا مَعَ أَبِي حفص عُمَر بْن صالح الصّنْهاجيّ من كبار قُواده، فبادر إلى إشبيلية فنازلها، ثم افتتحها بالسّيف.
وذكر اليَسَع بْن حزْم أنّ أهل مَرّاكُش مات منهم بالجوع أيّام الحصار نيفٌ عَلَى عشرين ومائة ألف، حدَّثنيه الدافنُ لهم، ولمّا أراد فتحها داخلت جيوش الرّوم الّذين بها عبد المؤمن فكتب لهم أمانًا، فأدخلوه من باب أَغْمات، فدخلها بالسّيف، وضرب عنق إسحاق المذكور، في عدَّةٍ من القواد.
قال اليَسَع: قُتل ذلك اليوم فيما صحّ عندي نيِّفٌ عَلَى السّبعين ألف رَجُل.(11/751)
-سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة
فيها ولي أبو المظفَّر يحيى بْن هُبيرة ديوان الزمام.
وفيها سار الأمير بُزَبة واستمال شِحْنة أصبهان، وانْضاف معه محمد شاه، فأرسل السّلطان مسعود عساكر أَذَرْبَيْجان، وكان بُزَبة في خمسة آلاف، فالتقوا، فكسرهم بزبة، واشتغل جيشه بالنَّهْب، فجاء في الحال مسعود بعد المصافّ في ألف فارس، فحمل عليهم، فتقنطر الفَرَسُ ببُزبة، فوقع وجيء بِهِ إلى مسعود، فوسَّطه، وجيء برأسه فعُلِّق ببغداد.
وعُزل أبو نصر جَهِير عَن الوزارة بأبي القاسم عليّ بْن صَدَقَة، شافهه بالولاية المقتفي، وقرأ ابن الأنباري كاتب الإنشاء عهده.
وقدِم سلاركُرد عَلَى شِحنكية بغداد، وخرج بالعسكر لحرب عليّ بْن دُبيس، فالتقوا، ثمّ اندفع عليّ إلى ناحية واسط، ثمّ عاد وملك الحِلة.
وباشر قضاء بغداد أبو الوفاء يحيى بْن سعيد بْن المرخّم في الدَّسْت الكامل، عَلَى عادة القاضي الهَرَويّ، وكان أبو الوفاء بئس الحاكم، يرتشي ويُبطل الحقوق.
وفي رمضان برز إسماعيل ابن المستظهر أخو الخليفة من داره إلى ظاهر بغداد، فبقي يومين، وخرج متنكِّرًا، عَلَى رأسه سلة، وبيده قَدَحٌ، عَلَى وجه التنزّه، فانزعج البلد، وخافوا أن يعود ويخرج عليهم، وخاف هُوَ أن يرجع إلى الدّار، فاختفى عند قومٍ، فآذنوا به، فجاء أستاذ دار والحاجب وخدموه وردّوه.
وفيها سار نور الدّين محمود بْن زَنْكيّ صاحب حلب يومئذٍ ففتح أَرْتاح، وهي بقرب حلب، استولت عليها الفرنج، فأخذها عَنْوَةً، وأخذ ثلاثة حصون صغار للفرنج، فهابتْه الفرنج، وعرفوا أنه كبْش نطّاح مثل أبيه وأكثر.
وفيها سار أخوه غازي صاحب المَوْصِل إلى ديار بكر، فأخذ دارا وخربها ونهبها، ثمّ حاصر ماردين، فصالحه حسام الدّين تِمرتاش بْن إيلغازيّ، وزوّجه بابنته، فلم يدخل بها، ومرض ومات، فتزوّجها أخوه قَطْب الدّين.
وفيها، وفي السّنين الخمس الّتي قبلها، كَانَ الغلاء المُفرط بإفريقيَّة، [ص:754] وعظُم البلاء بهم في هذا العام حتّى أكل بعضهم بعضًا.
وفيها تزوّج الملك نور الدّين بالخاتون ابْنَة الأتابك معين الدّين أُنُر، وأُرسلت إِلَيْهِ إلى حلب.(11/753)
-سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة
فيها جاءت من الفرنج ثلاثة ملوك إلى بيت المقدس، وصلوا صلاة الموت، وردوا إلى عكا، وفرّقوا في العساكر سبعمائة ألف دينار، وعزموا عَلَى قصد الإسلام، وظنّ أهل دمشق أنّهم يقصدون قلعتين بقرب دمشق، فلم يشعروا بهم في سادس ربيع الأوّل إلّا وقد صبّحوا دمشق في عشرة آلاف فارس، وستّين ألف راجل، فخرج المسلمون فقاتلوا، فكانت الرَّجّالة الّذين برزوا لقتالهم مائةً وثلاثين ألفًا، والخيّالة طائفةً كبيرة، فقُتل في سبيل اللَّه نحو المائتين، منهم الفقيه يوسف الفنْدلاويّ، والزّاهد عبد الرحمن الحلْحُوليّ، فلمّا كَانَ في اليوم الثّاني، خرجوا أيضًا، واستُشْهِد جماعة، وقتلوا من الفرنج ما لا يُحصى، فلمّا كَانَ في اليوم الخامس، وصل غازي بْن أتابك زنْكي في عشرين ألف فارس، ووصل أخوه نور الدّين محمود إلى حماه رديفًا لَهُ، وكان في دمشق البكاء والتّضرُّع وفرْش الرّماد أيّامًا، وأُخرج مُصحف عثمان إلى وسط الجامع، وضجّ النساء والأطفال مكشّفين الرؤوس، فأغاثهم اللَّه.
وكان مَعَ الفرنج قِسّيس ذو لحية بيضاء، فركب حمارًا، وعلّق في حلقه الصليب، وفي يديه صليبين، وقال للفرنج: أَنَا قد وعدني المسيح أن آخذ دمشق، ولا يردّني أحد، فاجتمعوا حوله، وأقبل يريد البلد، فلمّا رآه المسلمون صدقت نيّتُهم، وحملوا عَلَيْهِ، فقتلوه، وقتلوا الحمار، وأحرقوا الصّلْبان، وجاءت النّجدة المذكورة، فهزم الله الفرنج، وقُتل منهم خلق.
قَالَ ابن الأثير: سار ملك الألمان من بلاده في خلْقٍ كثير، عازمًا عَلَى قصد الإسلام، واجتمعت معه فرنج الشّام، وسار إلى دمشق، وبها مجير الدين أبَق بن محمد بن بُوري، وأتابكه معين الدّين أُنُر، وهو الكُلّ، وكان عادلًا، عاقِلًا، خيّرًا، استنجد بأولاد زنكي فنجدوه، ورتّب أمور البلد، وخرج بالنّاس [ص:755] إلى قتال الفرنج، فقويت الفرنج، وتقهقر المسلمون إلى البلد، ونزل ملك الألمان بالميدان الأخضر، وأيقن النّاس بأنّه يملك البلد، وجاءت عساكر سيف الدّين غازي، ونزلوا حمص، ففرح النّاس وأرسل معين الدّين يَقُولُ للفرنج الغرباء: إنّ ملك الشّرق قد حضر، فإنْ رحلتم، وإلّا سلّمت دمشق إِلَيْهِ، وحينئذٍ تندمون، وأرسل إلى فرنج الشّام يَقُولُ لهم: بأيّ عقلٍ تساعدون هَؤُلّاءِ الغرباء علينا، وأنتم تعلمون أنّهم إنّ ملكوا أخذوا ما بأيديكم من البلاد السّاحليَّة؟ وأنا إذا رَأَيْت الضعفَ عَنْ حَفْظ البلد سلّمته إلى ابن زنْكي، وأنتم تعلمون أنّه إن ملَك لا يبقى لكم معه مُقامٌ بالشّام، فأجابوه إلى التّخلّي عَنْ ملك الألمان، وبذلَ لهم حصن بانياس، فاجتمعوا بملك الألمان، وخوّفوه من عساكر الشّرق وكثْرتها، فرحل وعاد إلى بلاده، وهي وراء القسطنطينية.
قلت: إنما كان جل قدومه لزيارة القدس، فلمّا ترحّلوا سار نور الدّين محمود إلى حصن العزيمة، وهو للفرنج، فملكه، وكان في خدمته معين الدين أنُر بعسكر دمشق.
وفيها كان أول ظهور الدولة الغورية قصد سوري بن الحسين مدينة غزنة وملكها ثم حاربه بهرام شاه وأسره وقتله، ثم غضبت لقتله الغوريَّة، وحشدوا وجمعوا، وكان خروجهم في سنة سبعٍ وأربعين.
وفيها نقب الحبس رضوان، الّذي كَانَ وزير الحافظ صاحب مصر، وهرب عَلَى خيل أُعِدَّت لَهُ، وعبَر إلى الجيزة، وكان لَهُ في الحبْس تسعُ سِنين، وقد كنّا ذكرنا أنّه هرب إلى الشّام، ثمّ قدِم مصرَ في جمع كثير، فقاتل المصريّين عَلَى باب القاهرة وهزمهم، وقتل خلْقًا منهم، ودخل البلد، فتفرَّق جَمْعُه، وحبسه الحافظ عنده في القصر، وجمع بينه وبين أهله، وبقي إلى أن نقب الحبس، فأتى من الصّعيد بجموع كثيرة، وقاتل عسكر مصر عند جامع ابن طولون فهزمهم، ودخل القاهرة، وأَرسل إلى الحافظ يطلب منه رسم الوزارة عشرين ألف دينار، فبعثها إِلَيْهِ، ففرَّقها، وطلب زيادة، فأرسل إليه عشرين ألفا أخرى، ثم عشرين ألفا أخرى، وأخذ النّاس منه العطاء وتفرّقوا، وهيّأ الحافظ [ص:756] جَمْعًا كبيرًا من العبيد وبعثهم، فأحاطوا بِهِ، فقاتلهم مماليكه ساعةً، وجاءته ضربةٌ فقُتل، ولم يستوزر الحافظ أحدًا من سنة ثلاثٍ وثلاثين إلى أن مات.
قَالَ سِبط الجوزيّ: فيها ظهر بمصر رجلٌ من ولد نزار ابن المستنصر يطلب الخلافة، واجتمع معه خلْق، فجهّز إِلَيْهِ الحافظ العساكر، والتقوا بالصّعيد، فقُتل جماعة، ثم انهزم النزاري، وقُتل ولده.
وفيها أمر نور الدّين بإبطال: حيَّ عَلَى خير العمل، من الأذان بحلب، فعظُم ذَلكَ على الإسماعيلية والرّافضة الذين بها.
وكان السّلطان مسعود قد مكّن خاصّبَك من المملكة، فأخذ يقبض عَلَى الأمراء، فتغيّروا عَلَى مسعود، وقالوا له: إمّا نَحْنُ، وإمّا خاصّبَك، فإنّه يحملك عَلَى قتْلنا، وساروا يطلبون بغداد، ومعهم محمد شاه ابن السّلطان محمود، فانجفل الناس واختبطوا، وهرب الشِحنة إلى تِكْريت، وقطع الجسر، وبعث المقتفي ابن العبّاديّ الواعظ رسولًا إليهم، فأجابوا: نَحْنُ عبيد الخليفة وعبيد السّلطان، وما فارقناه إلّا خوفًا من خاصّبَك، فإنّه قد أفنى الأمراء، فقتل عبد الرحمن بن طُوَيرك، وعبّاسًا، وبُزَبَة، وتَتر، وصلاح الدّين، وما عَن النفس عوض، وما نحن خوارج ولا عُصاة، وجئنا لتُصلح أمرنا مع السلطان، وكانوا: ألبُقُش، وألدكز، وقيصر، وقرقُوب، وأخو طُويرك، وطرْنطاي، وعليّ بْن دُبيس، ثمّ دخلوا بغداد، فمدّوا أيديهم، وأخذوا خاصّ السّلطان، وأخذوا الغلّات، فثار عليهم أهل باب الأزَج وقاتلوهم، فكتب الخليفة إلى مسعود، فأجابه: قد برِئَت ذِمَّة أمير المؤمنين من العهد الّذي بيننا، بأنّه لا يجنِّد، فيحتاط للمسلمين، فجنّد وأخرج السُّرادقات، وخندق، وسدّ العقود، وأولئك ينهبون في أطراف بغداد، وقسّطوا الأموال عَلَى مَحال الجانب الغربيّ وراحوا إلى دُجيل وأخذوا الحريم والبنات، وجاؤوا بهنّ إلى الخِيَم.
ثمّ وقع القتال، وقاتلت العامَّة بالمقاليع، وقُتل جماعة، فطلع إليهم الواعظ الغزْنَوي فذمّهم وقال: لو جاء الفرنج لم يفعلوا هذا، واستنقذ منهم المواشي، وساقها إلى البلد، وقبض الخليفة عَلَى ابن صَدَقَة، وبقي الحصار أيّامًا، وخرج خلقٌ من العوامّ بالسّلاح الوافر، وقاتلوا العسكر، فاستجرّهم [ص:757] العسكر، وانهزموا لهم، ثمّ خرج عليهم كمين فهربوا، وقُتل من العامة نحو الخمسمائة، ثمّ جاءت الأمراء، فرموا نفوسهم تحت التّاج وقالوا: لم يقع هذا بِعلْمنا، وإنّما فعله أَوْباشٌ لم نأمرهم، فلم يَقْبل عُذرهم، فأقاموا إلى الليل وقالوا: نحن قيامٌ على رؤوسنا، لا نبرح حتى يعفى عَنْ جُرمنا، فجاءهم الخادم يَقُولُ: قد عفا عنكم أمير المؤمنين فأمْضوا، ثمّ سار العسكر، وذهب بعضهم إلى الحِلَّة، وبعضهم طلب بلاده.
ووقع الغلاء، ومات بالجوع والعرْي أهلُ القرى، ودخلوا بغداد يستعطون.
ومات قاضي القُضاة الزّينبي، فقُلِّد مكانه أبو الحسن علي بْن أحمد بْن علي ابن الدامغاني.
وفيها الغلاء مستمر بإفريقية، وجلا أكثر النّاس ودخل خلق إلى جزيرة صَقَلِّية، وعظُم الوباء، فاغتنم الملعون رُجار صاحب صَقَلّية هذه الشّدَّة، وجاء في مائتين وخمسين مركبًا، ونزل عَلَى المَهْديَّة، فأرسل إلى صاحبها الحسن بْن عليّ بْن يحيى بْن تميم بْن باديس: إنّما جئت طالبًا بثأر محمد بْن رشيد صاحب قابس، وردّه إلى قابس، وأنت فبيننا وبينك عهود إلى مدة، فنريد منك عسكرًا يكون معنا، فجمع الحَسَن الفُقهاء والكبار وشاورهم، فقالوا: نقاتل عدوّنا، فإنّ بلدنا حصين، قَالَ: أخاف أن ينزل إلى البرَّ ويحاصرنا برًّا وبحرًا ويمنعنا الميرة، ولا يحلّ لي أن أُعطيه عسكرًا يقاتل بِهِ المسلمين، وإنِ امتنعتُ قَالَ: نقَضْت، والرأي أن نخرج بالأهل والولد، ونترك البلد، فمن أراد أن ينزح فلْيَنْزَح، وخرج لوقته، فخرج الخلْق عَلَى وجوههم، وبقي من احتمى بالكنائس عند أهلها، وأخذت الفرنج المهدّية بلا ضرْبة ولا طَعْنة، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون، فوقع النّهب نحو ساعتين، ونادوا بالأمان، وسار الحَسَن إلى عند أمير عرب تِلْكَ النّاحية، فأكرمه، وصار للفرنج من طرابلس المغرب إلى قريب تونس.
وأمّا الحَسَن، فعزم عَلَى المسير إلى مصر، ثمّ عزم عَلَى المصير إلى عبد المؤمن هُوَ وأولاده، وهو التّاسع من ملوك بني زيري، وكانت دولتهم بإفريقيَّة مائتين وثمان سنين. [ص:758]
أربع وأربعين وخمسمائة
في المحرَّم ارتفع عَن النّاس ببغداد الغلاء، وخرج أهل القرى.
وغزا نور الدّين محمود بْن زنْكي فكسر الفرنج، وقتل صاحب أنطاكية، وكانت وقعة عظيمة، قُتل فيها ألف وخمسمائة من الفرنج، وأُسر مثلُهم، وذلّ دين الصّليب، ثمّ افتتح نور الدّين حصن فامية، وكان عَلَى أهل حماة وحمص منه غاية الضَّرَر.
وكان جوسلين، لعنه اللَّه، قد أَلَهبَ الخلْق بالأذية والغارات، وهو صاحب تل باشر، وعزاز، وعينتاب، والرّاوندان، وبهَسْنا والبيرة، ومَرْعَش، وغير ذَلكَ، فسار لحربه سِلَحْدار نور الدّين، فأسره جوسلين، فدسّ نور الدين جماعة من التركمان وقال: مَن جاءني بجوسلين أعطيتُه مهما طلب، فنزلوا بأرض عينتاب، فأغار عليهم جوسلين، وأخذ امْرَأَةً مليحةً فأعجبته، وخلا بها تحت شجرة، فكمن لَهُ التُّركمان وأخذوه أسيرًا، وأحضروه إلى نور الدّين، فأعطى الّذي أسره عشرة آلاف دينار، وكان أسرُه فتحًا عظيمًا، واستولى نور الدين على أكثر بلاده.
وفي ربيع الآخر استوزر الخليفة أبا المظفر بن هُبيرة، ولقبه: عون الدين.
وفي رجب جمع ألبُقُش وقصد العراق، وانضمّ إليه ملكشاه ابن السّلطان محمود، وعليّ بْن دُبيس، وطرنْطاي، وخلْق من التُّرْكمان، فلمّا صاروا عَلَى بريدٍ من بغداد، بعثوا يطلبون أن يسلطن ملكشاه، فلم يَجِبْهم الخليفة، وجمع العسكر وتهيّأ وبعث البريد إلى السّلطان مسعود يستحثّه، فلم يتحرّك، فبعث إِلَيْهِ عمّه سَنْجَر يَقُولُ لَهُ: قد أخربت البلاد في هوى ابن البلنكريّ، فنفّذه هُوَ، والوزير، والجاوليّ، وإلّا ما يكون جوابك غيري، فلم يلتفت لسَنْجَر، فأقبل سَنْجَر حتّى نزل الرّيّ، فعلم مسعود، فسار إِلَيْهِ جريدةً، فترضّاه وعاد، ثمّ قدِم بغداد في ذي الحجَّة واطمأن الناس.
وفيها حجّ بالعراقيّين نَظَر الخادم، فمرض من الكوفة فردّ، واستعمل مكانه قَيماز الأُرْجُوانيّ، ومات نظر بعد أيام.
وفي ذي الحجَّة جاءت زلزلة عظيمة، وماجت بغداد نحو عشْر مرّات، [ص:759] وتقطّع بحُلْوان جبلٌ من الزّلزلة، وهلك عالَمٌ من التركمان.
وفيها مات صاحب المَوْصِل سيف الدّين غازي بْن زنْكيّ، وملَك بعده أخوه مَوْدُود، وعاش غازي أربعًا وأربعين سنة، وكان مليح الصّورة والشَّكْل، وخلّف ولدًا تُوُفّي شابًا، ولم يُعقب.
وفيها وقع الخُلف بين رُجار الإفرنجيّ صاحب صَقَلِّية، وبين صاحب القُسطنطينيَّة، ودامت الحروب بينهم سنين، فاشتغل رُجار عن إفريقية.
وفيها قَالَ أبو يَعلى التّميميّ في تاريخه: كَانَ قد كَثُر فساد الفرنج المقيمين بعكّا، وصور، والسواحل، بعد رحيلهم عَنْ حصار دمشق، وفساد شروط الهدنة الّتي بين أُنُر وبينهم، فشرعوا في العبث في الأعمال الدّمشقيَّة، فنهض معين الدّين أنُر بالعسكر مُغيرًا عَلَى ضياعهم، وخيّم بحَوْران، وكاتَب العربَ، وشنّ الغارات عَلَى أطراف الفرنج، وأطلق أيدي التُّرْكمان في نهْب أعمال الفرنج، حتّى طلبوا تجديد عقد الهدنة والمسامحة ببعض المقاطعة، وتردّدت الرُسل، ثمّ تقرَّرت الموادعة مدَّة سنتين، وتحالفوا عَلَى ذَلكَ.
ثمّ بعث أنُر الأميرَ مجاهد الدّين بُزان بْن مامين في جيشٍ نجدةً لنور الدين عَلَى حرب صاحب أنطاكية، فكانت تِلْكَ الوقعة المشهودة الّتي انتصر فيها نور الدّين عَلَى الفرنج، فلله الحمد والمِنة، وكان جَمعه نحوًا من ستَّة آلاف فارس سوى الأتباع، والفرنج في أربعمائة فارس، وألف راجل، فلم ينجُ منهم إلّا اليسير، وقُتل ملكهم البلنس، فحُمل رأسه إلى نور الدّين، وكان هذا الكلب أحد الأبطال والفرسان المشهورين بشدة البأس، وعظم الخلقة والتناهي في الشّرّ.
ثمّ نازل نور الدّين أنطاكية وحاصرها إلى أن ذَلّوا وسلّموها بالأمان، فرتَّب فيها مَن يحفظها، فجاءتها أمداد الفرنج، ثمّ اقتضت الحال مهادنَة من في أنطاكية وموادعتهم.
وأمّا معين الدّين أنُر فإنّه مرض، وجيء بِهِ من حَوْران في مِحَفَّةٍ، ومات بدُوسنْطاريا في ربيع الآخر، ودُفن بمدرسته.
ثمّ جَرَت واقعة عجيبة، استوحش الرئيس مؤيَّد الدّين من الملك مُجير [ص:760] الدين استيحاشًا أوجب جمعَ من أمكنه من أحداث دمشق والْجَهَلة، ورتّبهم حول داره، ودار أخيه زين الدّولة حَيْدرة للاحتماء بهم، وذلك في رجب، فنفذ مجير الدّين يطيّب نفوسهما، فما وُثِق، بل جَدّا في الجمْع والاحتشاد من العوامّ والجُند، وكسروا الحبس وأطلقوا مَن فيه، واستنفروا جماعة من الشّواغرة وغيرهم، وحصلوا في جمعٍ كثيرٍ امتلأت بهم الطُّرُق، فاجتمعت الدّولة في القلعة بالعُدد، وأخرِجت الأسلحة، وفرَقت عَلَى الجند، وعزموا عَلَى الزّحف إلى جمْع الأوباش، ثمّ تمهّلوا حقنًا للدّماء، وخوفًا من نهْب البلد، وأَلَحُّوا عَلَى الرئيس وتلطّفوا إلى أن أجاب، واشترط شروطًا أُجيب إلى بعضها، بحيث يكون ملازمًا لداره، ويكون ولده وولد أخيه في الدّيوان، ولا يركب إلى القلعة إلا مستدعًى إليها، ثمّ حدث بعد ذَلكَ عَوْد الحال إلى ما كانت عَلَيْهِ، وجمع الجمْع الكثير من الأجناد والمقدَّمين، والفلّاحين، واتّفقوا عَلَى الزّحف إلى القلعة وحصرها، وطلب من عيَّنَه من أعدائه، فنشبت الحرب، وجُرح وقُتل جماعة، ثمّ عاد كلّ فريقٍ إلى مكانه، ووافق ذَلكَ هروب السّلار زين الدّين إسماعيل شِحنة البلد وأخوه إلى ناحية بَعْلَبَكّ، ولم تزل الفتنة هائجةً، والمحاربة متّصلةً، إلى أن أُجيب إلى إبعاد من التمس إبعادَه من خواصّ مُجير الدّين، ونُهبت دار السّلار وأخيه، وخلع عَلَى الرئيس وأخيه، وحَلَف لهما مُجير الدّين، وأعاد الرئيس إلى الوزارة، بحيث لا يكون لَهُ في الأمر معترض ولا مُشارك.
وأمّا مصر، فمات بها الحافظ لدين اللَّه عبد المجيد العُبيدي، وأقيم بعده ابنه الظّافر إسماعيل، ووَزَرَ لَهُ أمير الجيوش ابن مصال المغربيّ، فأحسن السّيرة والسّياسة، ثمّ اضطّربت الأمور واختلفت العساكر، بحيث قُتل خلقٌ منهم.
وأما أعمال دمشق كحوران، وغيرها، فعاثت بها الفرنج، وأجدبت الأرض، ونزح الفلّاحون، فجاء نور الدّين بجيشه إلى بَعْلَبَكّ ليوقع بالفرنج، ففتح اللَّه بنزول غيثٍ عظيم، فعظُم الدّعاء لنور الدين، وأحبه أهل دمشق وقالوا: هذا ببركته وحُسن سيرته، ثمّ نزل عَلَى جسر الخشب في آخر سنة [ص:761] أربع، وراسل مُجير الدّين، والرئيس يَقُولُ: إنّني ما قصدتُ بنزولي هنا طلبًا لمحاربتكم، وإنّما دعاني كثرة شكاية أهل حَوْران والعُربان، أخذت أموالهم وأولادهم، ولا ينصرهم أحد فلا يَسَعني مَعَ القُدرة عَلَى نُصرتهم القعودُ عَنْهُمْ، مَعَ علمي بعجزكم عَنْ حِفْظ أعمالكم والذّبّ عَنْهَا، والتّقصير الّذي دعاكم إلى الاستصراخ بالإفرنج عَلَى محاربتي، وبذلكم لهم أموالَ الضعفاء من الرَعيَّة ظُلْمًا وتَعَدِّيًا، ولا بدّ من المعونة بألف فارس تجرَّد مَعَ مقدَّمٍ لتخليص ثغر عسقلان وغيره، فكان الجواب: لَيْسَ بيننا وبينك إلّا السّيف، فكثر تعجُّب نور الدّين، وأنكر هذا، وعزم عَلَى الزَّحْف إلى البلد، فجاءت أمطارٌ عظيمة منعته من ذَلكَ، ثمّ تقرَّر الصُّلْح في أوّل سنة خمسٍ وأربعين، فإنّ نور الدّين أشفق من سفْك الدّماء، فبذلوا لَهُ الطّاعة، وخطبوا لَهُ بجامع دمشق بعد الخليفة والسّلطان، وحلفوا لَهُ، فخلع نور الدّين عَلَى مجير الدّين خِلْعةً كاملةً بالطَّوْق، وأعاده مكرّمًا، محتَرَمًا، ثمّ استدعى الرئيس إلى المخيَّم، وخلع عَلَيْهِ، وخرج إِلَيْهِ المقدَّمون، واختلطوا بِهِ، وردّ إلى حلب.
وجاء الخبر بأنّ الملك مسعود نزل عَلَى تل باشِر وضايقها.
ثمّ قدِم حُجاج العراق وقد أُخذوا، وحكوا مُصِيبةً ما نزل مثلُها بأحدٍ، وكان رَكْبًا عظيمًا فيه من وجوه خراسان وتنائها وعُلمائها، وخواتين الأمراء خلْق، فأُخذ جميع ذَلكَ، وقُتل الأكثر، وسلِم الأقل، وهُتكت الحُرم، وهلك خلقٌ بالجوع والعطش.
وأمّا مسعود، فإنّه ترحّل عَنْ تلّ باشِر.
وتوجّه مجاهد الدّين بُزان إلى حصن صرْخد، وهو لَهُ، لترتيب أحواله، وعرضت لَهُ نفرةٌ من صاحب دمشق ورئيسها، ثمّ طُلب، واصطلحوا على شرط إبعاد الحاجب يوسف عَنْ دمشق، فأُبعد، فقصد بَعْلِبَكّ، فأكرمه متولّيها عطاء.
وأمّا مصر، فالأخبار واصلة بالخُلف المستمرّ بين وزيرها ابن مصال، وبين المظفّر ابن السّلار فتمت حروب أسفرت عن قتل ابن مصال واستيلاء ابن السّلار عَلَى الأمر، فسكنت الفتنة، ثمّ ثار الجُند، وجَرَت أمور، وقُتل جماعة، نسأل الله العافية.(11/754)
-سنة خمس وأربعين وخمسمائة
جاءت الأخبار بما جرى عَلَى رَكْب العراق، طمع فيهم أمير مكَّة، واستهون بقَيماز، وطمعت فيهم العرب، ووقفوا يطلبون رسومهم، فأشار بذلك قَيماز، فامتنع النّاس عَلَيْهِ، ولمّا وصلوا إلى الغرابيّ خرجت عليهم العرب، في رابع عشر المحرم، فاقتتلوا وظهرت عليهم العرب فأخذوا ما لا يُحصى، حتّى أنّه أُخذ من خاتون أخت السّلطان مسعود ما قيمته مائة ألف دينار، وذهب للتّجار أموال كثيرة، واستغنَتَ العربُ، وتمزَّق النّاس، وهربوا مُشاةً في البرّيَّة، فمات خلقٌ جوعًا وَعَطَشًا وبَردًا، وطلى بعض النّساء أجسادهنّ بالطِّين ستْرًا للعورة، وتوصّل قَيماز في نفرٍ قليل.
وفيها كَانَ الصُّلْح، فإنّ نور الدّين نازل دمشق وضايقها، ثمّ اتقى اللَّه في دماء الخلْق، وخرج إِلَيْهِ مُجير الدّين أَبق صاحب البلد، ووزيره الرئيس ابن الصّوفيّ، وخلع عليهما، ورحل إلى حلب والقلوب معه لِما رَأَوْا من دينه.
قَالَ ابن الجوزيّ: وجاء في هذه السّنة باليمن مطر كلُّه دم، وصارت الأرض مرشوشة بالدم، وبقي أثره في ثياب الناس.
وفيها جهَّز عبد المؤمن بْن عليّ ثاني مرَّة جيشًا من الموحّدين في اثني عشر ألف فارس إلى قُرْطُبة، لأنّ الفرنج نازلوها في أربعين ألفًا ثلاثة أشهر، وكادوا أن يملكوها، فكشف عنها الموحدون، ولطَف الله.
وفيها مرض ابن البلنكريّ، وهو خاصّ بك التُّركمانيّ أتابك جيش السّلطان مسعود، فلمّا عوفي أسقط المُكوس.
ثمّ مات بعد أيّام ببغداد مختصّ الحضرة مكاس البلد، وكان يبالغ في أذى الخلْق ويقول: أَنَا قد فرشت حصيرًا في جهنّم.(11/762)
-سنة ستّ وأربعين وخمسمائة
في عاشوراء نزل أوائل عسكر نور الدّين بعَذْرا ونواحيها، ثمّ قصد من الغد طائفةٌ منهم إلى ناحية النَّيْرَب والسَّهْم، وكمنوا عند الجبل لعسكر دمشق، فلمّا خرجوا جاءهم النذير، فانهزموا إلى البلد وسَلِمُوا، وانتشرت العساكر [ص:763] الحلبيَّة بنواحي البلد، واستؤصلت الزُّرُوع والفاكهة من الأَوْباش، وغَلَت الأسعار، وتأهّبوا لحِفْظ البلد، فجاءت رسُل نور الدّين يَقُولُ: أَنَا أؤثر الإصلاح للرعيَّة وجهاد المشركين، فإنْ جئتم معي في عسكر دمشق وتعاضدْنا عَلَى الجهاد، فذلك المراد، فلم يُجيبوه بما يُرضيه، فوقعت مناوشة بين العسكرين، ولم يزحف نور الدّين رِفقًا بالمسلمين، ولكنْ خربت الغُوطة والحواضر إلى الغاية بأيدي العساكر وأهل الفساد، وعُدم التّبْن، وعظُم الخطْب، والأخبار متوالية باحتشاد الفرنج، واجتماعهم لإنجاد أهل البلد، فضاقت صدور أهل الدين، فدام ذَلكَ شهرًا، والجيش النُّوريّ في جمْع لا يُحصى، وأمداده واصلة، وهو لا يأذَن لأحد في التّسرُّع إلى القتال، ولكنْ جُرح خلْق.
ثمّ ترحّل بهم إلى ناحية الأعوج لقرب الفرنج، ثمّ تحوّل إلى عين الْجَرّ بالبقاع، فاجتمعت الفرنج مَعَ عسكر دمشق، وقصدوا بُصْرَى لمنازلتها، فلم يتهيّأ لهم ذَلكَ، وانكفأ عسكر الفرنج إلى أعمالهم، وراسلوا مجير الدّين والرئيس المؤيّد يلتمسون باقي المقاطعة المبذولة لهم عَلَى ترحيل نور الدين، وقالوا: لولا نحن ما ترحّل، وورد الخبر بمجيء الأسطول المصريّ إلى ثغور السّاحل في هيئة عظيمة وهم سبعون مركبًا حربيَّة مشحونة بالرجال، قد أُنفِق عليها عَلَى ما قيل ثلاثمائة ألف دينار، فقربوا من يافا، فقتلوا وأسروا، واستولوا عَلَى مراكب الفرنج، ثمّ قصدوا عكّا، ففعلوا مثل ذَلكَ، وقتلوا خلْقًا عظيمًا من حجّاج الفرنج، وقصدوا صيدا، وبيروت، وطرابُلُس، وفعلوا بهم الأفاعيل، ولولا شغل نور الدين بدمشق لأعان الأصطول، وقيل إنّه عرض عسكره، فبلغوا ثلاثين ألفًا.
ثمّ عاد نحو دمشق، وأغارت جنوده عَلَى الأعمال، واستاقوا المواشي، ونزل بدارَيّا، فنوديَ بخروج الْجُنْد والأحداث، فقَلَّ من خرج، ثمّ إنّه قرُب من البلد، ونزل بأرض القَطِيعة، ووقعت المناوشة، فجاء الخبر إلى نور الدّين بتسلّم نائبه الأمير حسن تلّ باشر بالأمان، ففرح، وضُربت في عسكره الكوسات والبُوقات بالبشارة، وتوقّف عَنْ قتال الدّمشقيّين ديانةً وتحرُّجًا، وتردّدت الرسُل في الصُّلْح عَلَى اقتراحاتٍ تردّد فيها الفقيه برهان الدين [ص:764] البلْخيّ، وأسد الدين شيركوه، وأخوه، ثم وقعت الأيمان من الجهتين، فترحل إلى بُصْرَى لمضايقتها، وطلب من دمشق آلات الحصار، لأنّ واليها سرخاك قد عصى، ومال إلى الفرنج، واعتضد بهم، فتألَّم نور الدّين لذلك، وجهّز عسكرًا لقصده، وفيها كَانَ الوباء المُفْرِط بدِمْياط، فهلك في هذا العام والذي قبله بها أربعة عشر ألفًا، وخلت البيوت.
وفي شهر رجب سار صاحب دمشق مجير الدّين أبق في خواصّه إلى حلب، فأكرمه نور الدين، وقرر معه تقريرات اقترحها بعد أن بذل الطّاعة والنّيابة عَنْهُ بدمشق، ورجع مسرورًا.
وفي شعبان قصدت التركمان بانياس، فخرجت الإفرنج فالتقوا، فعمل السّيف في العدوّ، وانهزم مقدَّمُهم في نفرٍ يسير.
وأغارت الفرنج عَلَى قُرى البقاع، فاستباحوها، فنهض عسكر من بَعْلَبَكّ وخلْق من رجال البقاع، فلحِقوا الفرنجَ وقد حبستهم الثّلوج، فقَتلوا خلْقًا من الفرنج، واستنقذوا الغنائم.
وافتتح نور الدين أنطرطوس في آخرها.
وقدِم السّلطان بغداد في رمضان، وسأل الواعظ ابن العبّاديّ أن يجلس في الجامع المنصور، فقيل لَهُ: لا تفعل، فإنّ أهل الجانب الغربيّ لا يمكّنون إلّا الحنابلة، فلم يقبل، وضمن لَهُ نقيب النُقباء الحماية، فجلس في ذي الحجة يوم جمعة، وحضر أستاذ الدار والنقيبان، وخلائق، فلمّا شرع في الكلام كثُر اللَّغط والصيحات، ثمّ أُخذت عمائم وفُوَط، وجُذبت السّيوف حول ابن العبَّاديّ، فثبت، وسكن النّاس، ثمّ وعظ.
وفيها أسر نور الدين الملك جوسلين فارس الفرنج وبطلَها المشهور، وأخذ بلاده، وهي عَزاز، وعينتاب، وتل باشِر.(11/762)
-سنة سبع وأربعين وخمسمائة.
فيها جاءت الأخبار بموت السّلطان مسعود بباب هَمَذَان.
وذكر ابن هُبيرة في " الإفصاح " قَالَ: لمّا تطاول عَلَى المقتفي أصحابُ [ص:765] مسعود، وأساءوا الأدب، ولم يمكن المجاهرة بالمحاربة، اتّفق الرأي عَلَى الدّعاء عَلَيْهِ شهرًا، كما دعا النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِعل وذكْوان شهرًا، فابتدأ هُوَ والخليفة سرًّا، كلّ واحدٍ في موضعه يدعو سحَرًا، من ليلة تسعٍ وعشرين من جُمادى الأولى، واستمرّ الأمر كلّ ليلةٍ، فلمّا تكمّل الشّهر، مات مسعود عَلَى سريره، لم يزد عَلَى الشّهر يومًا، ولا نقص يومًا، فتبارك اللَّه ربّ العالمين.
واتّفق العسكر عَلَى سلْطَنَة ملِكْشاه، وقام بأمره خاصّ بك، ثم إنّ خاصّ بك قبض عَلَى ملكشاه، وطلب أخاه محمدًا من خُوزسْتان، فجاءه فسلّم إليه السلطنة، فلما استقر قتل خاصّ بك، وهرب شِحنة بغداد لمّا سَمِعَ بموت مسعود، وأمر الخليفة: أيّ مَن تخلَّفَ من الجُند عن الخدمة أبيح دمه، وأمر الخليفة ابن النّظام أن يمضي إلى مدرستهم، ويدرّس بها وأحضر الشيخ أبو النجيب مدرسها وأهين وحبس، لأنه درس بها من جهة السلطان، وقبضوا عَلَى الحَيْص بَيص، وأخرجوه من بيته حافيًا مهانًا، وحُبس في حبس اللصوص، ثمّ أُحضر الشّيخ أبو النجيب إلى باب النّوبيّ، وكُشف رأسُه، وضُرب خمسَ دِرَر، ثمّ حُبس، ثمّ أُخذ البديع الصُّوفيّ الواعظ صاحب أَبِي النجيب، واتُهم بالرفض، فشُهِّر وصُفع.
وبلغَ الخليفةَ أنّ في نواحي واسط تخبيطًا، فسار بعسكره وراءه النّاس، وسار إلى واسط، فرتّب بها شِحنةً، ثمّ مضى إلى الحِلَّة، والكوفة، ثمّ عاد إلى بغداد مؤيَّدًا منصورًا، فغُلِّقت بغداد، وزُيّنت، وعُملت القباب، وعمل الذَّهبيّون بباب الخان العتيق قُبَّة، عليها صورة مسعود، وخاصّ بك، وعبّاس، بحَرَكاتٍ تدور، وعُملت قباب عديدة عَلَى هذا النّموذج، وانطلق أهل بغداد في اللّعب والخبال، واللَّهْو إلى يوم عيد النحر.
وفيها كَانَ خروج الغُوريَّة، وحاربهم السّلطان سَنْجر، وملكهم حسين بْن حسين ملك جبال الغور، وهي من أعمال غَزْنَة، فأوّل ما ملكوا بلخ، فقاتله سَنْجَر، وأسره وعفا عَنْهُ وأطلقه، فسار حسين إلى غَزْنَة، وملكها بهرام شاه بْن مسعود بْن إبراهيم بْن مسعود بْن محمود بْن سُبُكتكين، فانهزم من غير قتال، وتسلّم علاء الدين حسين الغوري غَزْنَة، واستعمل عليها أخاه سيف الدّين، وردّ إلى الغور، فلمّا جاء الشّتاء قدِم بهرام، وقام معه أهل غَزْنَة، فقبض عَلَى سيف الدين وصلبه، ثمّ لم يلبث بهرام شاه أن مات، فأقاموا بعده ولده [ص:766] خُسروشاه، فقصده علاء الدّين حسين، فهرب منه إلى لهاوور سنة خمسين، وملك علاء الدّين غَزْنَة، ونهبها ثلاثة أيّام، وقتل جماعةً وبدّع، وتلقّب بالسّلطان المعظَّم، وشال الجتْرَ فوق رأسه عَلَى عادة السلاطين السلجوقية، واستعمل ابنَي أخيه، وهما السلطان غياث الدّين أبو الفتح محمد بْن سام، وأخوه السّلطان شهاب الدّين أبو المظفّر محمد، فأحسنا السّيرة في الرَّعية، وأحبّهما الناس، وانتشر ذكرها، وطال عمرهما، وملكا البلاد.
وأوّل أمرهما أنّهما أظهرا عصيان عمّهما، فبعث إليهما جيشًا فهزموه، فسار بنفسه إليهما والتقوا، فأُسر عمّهما علاء الدّين فأحسنا إِلَيْهِ، وأجلساه عَلَى التَّخْت، ووقفا في الخدمة، فبكى وقال: هذان صبيّان فعلا ما لو قدرت عَلَيْهِ منهما لم أفعلْه، وزوَّجَ غياثَ الدّين بابنته، وفوَّض إِلَيْهِ الأمورَ من بعده، فلمّا مات استقلّ غياث الدّين بالملك، ثمّ ملكت الغُزّ غَزْنَة خمس عشرة سنة، وعسفوا وظلموا مدَّة، ثمّ حاربهم غياث الدّين ونُصر عليهم فافتتح البلاد، وأحسن، وعدل.
وفيها جاءت الأخبار بافتتاح أنطرطوس وقتل من بِها من الفرنج، وأمِّن بعضُهم وافتتح نور الدّين عدَّة حصون صِغار، وظفر أهل عسقلان بفرنج غزة وقتلوا خلقا.(11/764)
-سنة ثمان وأربعين وخمسمائة
فيها خرجت التُرك عَلَى السلطان سَنْجَر، وهم الغُزّ، يدينون بالإسلام في الجملة، ويفعلون فِعل التتار، فكانت بينهم وبينه ملحمة عظيمة، فكُسر سَنْجَر، واستُبيح عسكره قتْلًا وأسْرًا، ثمّ هجمت الغُزّ نَيْسابور، فقُتل معظم من فيها من المسلمين، ثمّ ساروا إلى بلْخ، فملكوا البلد، وكانت عدّتهم فيما قِيلَ مائة ألف خركاه، ثم أسروا سنجر واحتاطوا به، وذاق الذل، وملكوا بلاده، وبقوا الخطبة باسمه وقالوا: أنت السّلطان ونحن أجنادُك، ولو أمِنّا إليك لمكّناك من الأمر، وبقي معهم صورةً بلا معنى. [ص:767]
وكانت الغُزّ تُركُمان ما وراء النهر، قَالَ ابن الأثير: لمّا تملّكت الخِطا ما وراء النَّهر، طردوا الغُزّ، فنزلوا بنواحي بلْخ عَلَى مراعيها، واسم مقدَّميهم: دينار، وبختيار، وطوطى، وأرسلان، وجغر، ومحمود، فأراد قُماج نائب سَنْجَر عَلَى بلْخ إبعادهم، فصانعوه، وبذلوا لَهُ مالًا، وأقاموا عَلَى حالةٍ حسنة لا يُؤذون ويقيمون الصّلاة، ويؤتون الزّكاة، ثمّ عاودهم قماج، وأمرهم بالترَّحُّل، فامتنعوا وتجمّعوا، فخرج قماج إليهم في عشرة آلاف، فهزموه، ونهبوا عسكره وأمواله، وأكثروا القتل في العسكر والرّعايا، وأسروا النّساء والأطفال، وقتلوا الفُقهاء، وعملوا العظائم، وخرّبوا المدارس، وانهزم قماج إلى مَرو.
وأرسل السلطان سنجر يتهددهم، فاعتذروا، وبذلوا له مالًا، فلم يُجبهم، وجمع عساكره من النواحي، فاجتمع معه ما يزيد عَلَى مائة ألف فارس، والتقاهم فهزموه، وتبِعوا عسكره قتْلًا وأسْرًا، فصارت قتلى العسكر كالتّلال، وقُتل الأمير علاء الدّين قماج وأُسر السّلطان وجماعة من أمرائه، فضربوا أعناق الأمراء، ونزلت أمراء الغُزّ، فقبّلوا الأرض بين يدي سَنْجَر، وقالوا: نَحْنُ عبيدك، ولا نخرج عَنْ طاعتك، فقد علِمنا أنّك لم تُرد قتالنا، وإنّما حُملت عَلَيْهِ، فأنت السّلطان، ونحن العبيد، فمضى عَلَى ذَلكَ شهران أو ثلاثة، ودخلوا معه إلى مرْو، وهي كرسيّ المُلك، فطلبها منه بختيار إقطاعًا، فقال: هذه دار المُلك، ولا ينبغي أن تكون إقطاعًا لأحد، فصفى له واحدة، فلمّا رَأَى ذَلكَ، نزل عَنْ سريره، ثمّ دخل خانكاه مرْو، وتاب من الملك، واستولى الغُزّ عَلَى البلاد، وظهر من جورهم ما لم يُسمع بمثله، وولّوا عَلَى نَيْسابور واليًا، فعلّق في السّوق ثلاث غرائر، وقال: أريد ملء هذه ذَهَبًا، فثار عَلَيْهِ العامَّة فقتلوه، وقَتلوا من معه، فركبت الغُزّ، ودخلوا بلد نَيْسابور، ونهبوها، وقتلوا الكبار والصّغار، وأحرقوها، وقتلوا القُضاة والعلماء في البلاد كلّها، ويتعذَّر وصْفُ ما جرى منهم عَلَى تِلْكَ البلاد، ولم يسلم منهم شيء سوى هَراة ودهسان، فامتنعت بحصانتها.
وساق بعضُهم قصَّة الغُزّ وفيها طُول، قَالَ: وفارق السّلطان سَنْجَر جميعُ أمراء خُراسان، ووزيرهُ طاهرُ ابن فخر المُلك ابن نظام المُلك، ولم يبق عنده [ص:768] غيرُ نَفَر يسيرٍ من خواصّه، فلمّا وصلت الأمراء إلى نَيْسابور، أحضروا سليمان شاه بْن محمد بن ملكشاه، فدخل نيسابور في جُمادَى الآخرة من سنة ثمانٍ وأربعين، وخطبوا لَهُ بالسَّلطنة، وساروا فوَاقعوا الغُزّ، وقتلوا منهم مقتلة، فتجمّعت الغُزّ للمصافّ، فلمّا التقى الْجَمْعان انهزم الخُراسانيّون يقصدون نَيْسابور، وتبِعَتْهم الغُزّ، ودخلوا طُوس، فاستباحوها قتْلًا وسبْيًا، وقتلوا إمامها محمد المارشكيّ، ونقيب العلويّين عليًّا المُوسَويّ، وخطيبها إسماعيل بْن عبد المحسّن، وشيخ الشيوخ محمد بْن محمد، ووصلوا إلى نَيْسابور سنة تسع وأربعين في شوّال، فلم يجدوا دونها مانعًا، فنهبوها نهبًا ذريعا، وقتلوا أهلها، حتّى أنّه أُحصي في محلّتين خمسة عشر ألف قتيل، وكانوا يطلبون من الرجل المالَ، فإذا أعطاهم المال قتلوه، وقتلوا الفقيه محمد بْن يحيى الشّافعيّ، ورثاه جماعة من العلماء، وممّن قُتل الشّيخ عبد الرحمن بْن عبد الصّمد الأكّاف الزّاهد، وأحمد بْن الحسن، الكاتب سِبط القُشَيري، وأبو البركات ابن الفُراوي، والفقيه الصّبّاغ أحد المتكلّمين، وأحمد بْن محمد بْن حامد، وعبد الوهّاب المُولْقاباذيّ، والقاضي صاعد بْن عبد الملك بْن صاعد، والحسين بْن عبد الحميد الرّازيّ، وخلْق، وأحرقوا ما بها من خزائن الكُتُب، فلم يسْلَم إلّا بعضُها، وفعلوا ما لا تفعله الكُفّار، وانحلّ أمر السّلطان بالكُلّية، فاجتمع الأمراء، وراسلوا محمود بْن محمد ابن أخت السّلطان سَنْجَر، وخطبوا لَهُ بخُراسان، وأحضروه وملّكوه، وانقادوا لَهُ في شوّال سنة تسعٍ، وساروا معه إلى الغُزّ، وهم يحاصرون هَراة، فَجَرت بينهم حروب في أكثرها الظّفَر للغُزّ، وكان لسَنْجَر مملوك أي أبَه، ولَقَبُه المؤيَّد، استولى عَلَى نَيْسابور، وطوس، ونَسا، وأبيوَرد، وأزاح الغُزّ، وقتل منهم خلْقًا، وأحسن السّيرة، وعظُم شأنُه، وكُثر جمعه، والتزم بحمل مالٍ إلى الخاقان محمود بن محمد ابن أخت سنجر.
قَالَ ابن الأثير: وفيها أخذت الفرنج عسقلان، وكانت للظّافر بالله، وكان الفرنج كلّ سنةٍ يقصدونها ويحصرونها، وكان المصريّون يرسلون إليها الأسلحة والذّخائر والأموال، فلمّا قُتل ابن السّلار في هذا العام اغتنم الفرنج اشتغالَ المصريّين، ونازلوها، وجدّوا في حصارها، فخرج المسلمون وقاتلوهم وطردوهم، فأيسوا مِن أخْذها، وعزموا عَلَى الرحيل عَنْهَا، فأتاهم الخبر بأنّ أهل البلد قد اختلفوا، وذلك لأنّهم لمّا قهروا الفرنج داخَلَهُم العجب، وادعى كلّ طائفة أنّ النُّصْرة عَلَى يده، ووقع بينهم خصامٌ عَلَى ذَلكَ، [ص:769] حتّى قُتل بينهم رَجُل، فعظُمت الفتنة، وتفاقم الشرّ، وتحاربوا، فقُتل بينهم جماعة، وزحفت الفرنج في الحال، فلم يكن عَلَى السّور من يمنعهم، فملكوا البلد، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها بعث المقتفي عسكرًا يحاصرون تكريت، فاختلفوا وخامر ترشك المقتفويّ، واتّفق مَعَ متولّي تِكْريت، وسلكوا درْب خُراسان، ونهبوا وعاثوا، فخرج الخليفة لدفْعهم، فهربوا، فسار إلى تِكْريت، وشاهد القلعة ورجع، ثمّ برز السُرادق للانحدار إلى واسط لدفع ملكشاه عنها، فانهزم إلى خُوزسْتان، فنزل الخليفة بظاهر واسط أيامًا، ورجع إلى بغداد.
وسلِم يوم دخوله الوزير ابن هُبيرة من الغَرَق، انفلقت السّفينة الّتي كَانَ فيها، وغاصوا في الماء، فأعطى للّذي استنقذه ثيابه، ووقّع له بذهب كثير.
وفيها قتلة العادل علي بن السلار بمصر.
وفيها حاصر الملك غياث الدّين الغُوريّ مدينة هَراة، وتسلّمها بالأمان، وكانت للسلطان سنجر.
وفيها سار شهاب الدّين الغُوريّ أخو غياث الدّين، فافتتح مدينةً من الهند، فتحزَّبت عَلَيْهِ ملوك الهند، وجاؤوا في جيشٍ عرمرم، فالتقوا، فانكسر المسلمون، وجاءت شهابَ الدّين ضربةٌ في يده اليُسرى بطُلت منها، وجاءته ضربةٌ أخرى عَلَى رأسه فسقط، وحَجَزَ اللّيل بين الفريقين، والتُمس شهاب الدّين بين القتلى، فحمله أصحابه ونجوا بِهِ، فغضب عَلَى أُمرائه لكونهم انهزموا، وملأ لكلّ واحدٍ منهم مِخلاة شعير، وحلف لئن لم يأكلوه ليضربنّ أعناقهم، فأكلوه بعد الجهد، ثم نجده أخوه بجيش ثقل، فالتقى الهند ونُصر عليهم.
قَالَ ابن الأثير: عاد الهنود، وسارت ملكتهم في عددٍ يضيق عَنْهُ الفضاء، فراسلها شهاب الدّين الغوريّ بأنّه يتزوّجها، فأبت، فبعث يخادعها، وحفظ الهنود المخاضات، فأتى هنديّ إلى شهاب الدّين، فذكر أنّه يعرف مخاضةً، فجهَّز جيشًا عليهم حسين بن خرميك الغوريّ الّذي صار صاحب هَرَاة بعد، وكان شجاعًا مذكورًا، فسَاروا مَعَ الهنديّ، وكبسوا الهنود، ووضعوا فيهم السّيف، واشتغل الموكَّلون بحفْظ المخاضات، فعبر شهاب الدّين في [ص:770] العسكر، وأكثروا القتل في الهنود، ولم ينج منهم إلّا من عجز المسلمون عَنْهُ، وقُتلت ملكتهم، وتمكّن شهاب الدّين من بلاد الهند، والتزموا لَهُ بحمل الأموال وصالحوه، وأقطع مملوكه قُطْب الدّين أَيْبَك مدينة دهلي، وهي كرسيّ مملكة الهند، وجهّز جيشًا، فافتتحوا مواضع ما وصل إليها مسلم قبله، حتى قاربوا جهة الصين.
وفي صفر توجّه صاحب دمشق مُجير الدّين، ومعه مؤيَّد الدين الوزير، فنازل بصرى لمخالفته له ولجوره عَلَى أهل النّاحية، وسلّم إِلَيْهِ مجاهد الدّين مفاتيح صَرْخَد، فأعطاه جملةً، ثمّ صالحه سرخَاك نائب بُصرى.
وجاءت الأخبار بأنّ نور الدّين يجمع الجيوش للغزو، وليكشف عَنْ أهل عسقلان، فإنّ الفرنج نزلوا عليها في جمْعٍ عظيم، فتوجّه مُجير الدّين صاحب دمشق إلى خدمة نور الدّين، واجتمع بِهِ في أمر الجهاد، وساروا إلى بانياس، فبلغهم أخُذُ عسقلان وتخاذُل أهلها واختلافهم.
ومرّ من شرح حال الرئيس وتمكَنه من وزارة دمشق، فعرض الآن بينه وبين أخويه عزّ الدّولة وزين الدولة مشاحنات وشرّ أفضت إلى اجتماعهما بمجير الدين صاحب دمشق، فأنفذ يستدعي الرئيس للإصلاح بينهم، فامتنع، فآلت الحال إلى أن تمكّن زين الدّولة منه بإعانة مُجير الدّين عَلَيْهِ، فتقرّر بينهما إخراج الرئيس من دمشق، وجماعته إلى قلعة صَرْخد مَعَ مجاهد الدّين بُزان، وتقلّد زين الدّولة الوزارة، فلم يلبث إلّا أشهرًا، فظلم فيها وعسف، إلى أن ضرب عنقَه مجيرُ الدّين، وردّ أمرَ الرياسة والنّظر في البلد إلى الرئيس رضيّ الدّين أبي غالب عبد المنعم بن محمد بن أسد بن علي التميمي، فاستبشر الناس قاطبةً.
وكان الغلاء بدمشق شديدا، بلغت الغرارة خمسة وعشرين دينارًا، ومات الفقراء عَلَى الطُّرُق، فعزم نور الدّين عَلَى منازلتها، وطمع لهذه الحال في تملّكها.
وأمّا رضِيّ الدّين التّميميّ، فإنّه طُلب إلى القلعة، وشُرّف بالخِلع المكملة، والمركوب بالسّخت، والسّيف المحلّى، والتَّرس، وركب معه الخواصّ إلى داره، وكُتب لَهُ التّقليد، ولُقِّب بالرئيس الأجل، وجيه الدولة، شرف الرؤساء.
ونفذ مجير الدّين إلى بَعْلَبَكّ، فاعتقل وقيَّد متولّيها عطاء الخادم، وكان جبّارًا، ظالمًا، غشومًا، فسُرَّت بمصرعه النفوس، ونُهبت حواصله، ثم ضُربت عنقه.(11/766)
-سنة تسع وأربعين وخمسمائة
فيها نفذ الخليفة عسكرًا، فما أخذوا تِكْريت بعد حصار ومجانيق وتعب، وقُتل من الفريقين عدَّة، ثمّ رَأَى الخليفة أنّ أخْذها يطول، فرجع بعد أن نازلَها مدَّةَ أيّام، ثمّ بعد شهر عرض جيشه، فكانوا ستَّة آلاف، فجهّزهم لحصارها مَعَ الوزير ابن هُبيرة، وأنفق في الجيش نحو ثلاث مائة ألف دينار، سوى الإقامة، فإنّها كانت تزيد عَلَى ألف كرّ، فوصل الخبر بأنّ مسعود بلال جاء في عسكرٍ عظيم إلى شهرابان، ونهبوا النّاس، وطلب ابن هبيرة للخروج إليهم.
وكان مسعود بلال وألْبقش قد اجتمعا بالسّلطان محمد، وحثّاه عَلَى قصْد العراق، فلم يتهيّأ لَهُ، فاستأذناه في التّقدُّم أمامه، فأذِن لهما، فجمعا خلْقًا من التُّركمان، ونزلا في طريق خُراسان، فخرج الخليفة إليهما، فتنازلوا ثمانية عشر يومًا، وتحصّن التُّركمان بالخركاوات والمواشي، ثمّ كانت الوقعة في سلْخ رجب، فانهزمت ميسرة الخليفة وبعض القلب، كسرهم مسعود الخادم وتُرشك، وثبت الخليفة، وضربوا على خزانته، وقتلوا خازنه يحيى بْن يوسف الجزَري، فجاء منكورس، وأمير آخر، فقبّلا الأرض، وقالا: يا مولانا، ثبت علينا ساعة حتّى نحمل، فقال: لا والله إلّا معكما، ورفع الطّرحة، وجذب السّيف، ولبس الحديد هُوَ وولّي العهد وكُبّرا، وصاح الخليفة: ياآلَ مُضر، كذب الشّيطان وفرّ، " وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كفروا بغيظهم " الآية، فحمل العسكر بجملته، ووقع القتال، حتّى سُمع وقْع السّيوف كوقْع المطارق عَلَى السّنادين، وانهزم القوم وسُبي التّركمان، وأُخِذت مواشيهم وخيلهم، فقيل: كانت الغنم أربعمائة ألف رأس، فبيعت كلّ ثمانين بدانق، ثمّ نُودي بردّ من سُبي من أولادهم، وأخذ ألْبقشُ أرسلان شاه بْن طُغرل، وهرب بِهِ إلى بلده، وانهزم تُرشك، ومسعود الخادم إلى القلعة، ثمّ أغارا بعد أيّامٍ عَلَى واسط، ونهبوا ما يختصّ بالوزير ابن هبيرة فندبه الخليفة إلى القتال، فخرج بالعسكر، فانهزم العدوّ، فأدركهم، ونهب منهم، وعاد منصورًا، فخلع عَلَيْهِ الخليفة، ولَقَّبه: سلطان العراق، ملك الجيوش، وعرض الجيش في أبهة كاملة.
ولمّا كَانَ يوم الفِطْر، جاء مطرٌ، ورعدٌ، وبرق، وزُلزلت بغداد من شدَّة الرّعد، ووقعت صواعق، منها صاعقة في التاج المسترشدي. [ص:772]
وجاءت الأخبار بمجيء محمد شاه، وبإنفاذه إلى عسكر الموصل يستنجد بهم، وإلى مسعود بلال صاحب تِكْريت يستنجد بِهِ، فأخرج الخليفة سُرادقه، واستعرض الجيش، فزادوا عَلَى اثني عشر ألف فارس، فجاء الخبر بموت ألْبقش، فضعُف محمد شاه وبطَل، فتسحّب جماعة من أمرائه، ولجؤوا إلى الخليفة، وحصل الأمن.
ثمّ جرّد الخليفة ألفي فارس إلى جهة همذان.
وفيها حدث بنواحي واسط ظهورُ دمٍ من الأرض، لا يُعلم له بسبب.
وجاءت الأخبار أنّ السّلطان سَنْجَر تحت الأسر وتحت حكْميَّة الغُزّ، وله اسم السّلطنة، وراتبه في قدْر راتب سائسٍ من سيّاسه، وأنّه يبكي على نفسه.
ودخلت الغُزّ مرو وغيرها، فقتلوا خلْقًا، ونهبوا، وبدّعوا.
وفيها قُتل بمصر خليفتُها الظّافر بالله العُبيدي وهو شابّ، وأقاموا الفائز صبيًّا صغيرًا، ووَهَى أمر المصريين، فكتب المقتفي لأمر اللَّه عهدًا لنور الدّين محمود بْن زنْكيّ، وولّاه مصر، وأمره بالمسير إليها، وكان مشغولًا بحرب الفرنج، وهو لا يفتر من الجهاد، وما له إلا أيامًا قد تملّك دمشق في صَفَر، وأخذها من صاحبها مجير الدّين أبق بْن محمد بْن بوري بن طُغتكين.
وكانت الفرنج قد ملكوا عسقلان، وطمعوا في دمشق، حتّى أنّهم استعرضوا مَن بها مِن الرّقيق، فمن أراد المُقام تركوه، ومن أراد العود إلى وطنه أخذوه قهرًا من مالكه، وكان لهم عَلَى أهلها كلّ سنة قطيعة، فتجيء رُسُلُهم ويأخذون من النّاس، فراسل نور الدّين مالكها مجير الدّين واستماله، وواصَلَه بالهدايا، وأظهر لَهُ المودَّة حتّى رَكَن إِلَيْهِ، وكان يرسل إِلَيْهِ أنّ فلانًا قد بعث إلي وكاتبني في تسلّيم دمشق فاحْذَرُه، فكان مجير الدّين يقبض عَلَى ذلك الرجل، أو يقطع خبره، إلى أن قبض عَلَى نائبه عطاء بْن حَفّاظ وقتله، وكان نور الدّين لا يتمكّن مَعَ وجود عطاء من أخْذ دمشق، ثمّ كاتب نور الدّين مَن بدمشق من الأحداث، فاستمالهم، ووعدهم، ومنّاهم، فوعدوه بأن يسلّموا إِلَيْهِ البلد، فلمّا وصل نور الدّين إلى دمشق بعث مجير الدّين يستنجد بالفرنج، فتسلّم نور الدّين البلد من قبل أن يَقْدَمُوا، وذلك أنّ نور الدّين حاصرها، فسلّم إِلَيْهِ أهل البلد من ناحية الباب شرقي، وحصر مجير الدّين في القلعة، وبذل لَهُ إنْ سلّم القلعةَ بلدَ حمص، فنزل، فلمّا سار إلى حمص أعطاه عِوَضَها بالِس، فغضب ولم يرضها، وسار إلى بغداد، فبقي بها مدَّةً، وبنى بها دارًا فاخرة بقرب النظامية. [ص:773]
وفيها ثارت الإسماعيلية، واجتمعوا سبعة آلاف مقاتل من بين فارسٍ وراجل، وقصدوا خُراسان ليملكوها عندما ينزل بها من الغُزّ، فتجمَع لهم أمراء من جُنْد خُراسان، ووقع المصافّ، فهزم الله الإسماعيلية، وقتل رؤوسهم وأعيانهم، ولم ينج منهم إلّا الأقلّ، وخلَت قلاعهم من الحُماة، ولولا أنّ عسكر خُراسان كانوا مشغولين بالغُزّ لَمَلكوا حصونهم، واستأصلوا شأفتهم.
وفي أوّلها قدِم شيركوه رسولًا من نور الدّين، فنزل بظاهر دمشق في ألف فارس، فوقع الاستيحاش منه، ولم يخرجوا لتلقِّيه، وتردّدت المراسلات، ولم يتّفق حال، ثمّ أقبل نور الدّين في جيوشه، فنزل ببيت الآبار وزحف عَلَى البلد، فوقعت مناوشة، ثمّ زحف يومًا آخر، فلمّا كَانَ في عاشر صفر باكَر الزَّحف، وتهيَّأ لصدْق الحرب، وبرز إِلَيْهِ عسكر البلد، ووقع الطِّراد، وحملوا من الجهة الشرقية من عدة أماكن، فاندفعوا بين أيديهم، حَتَّى قربوا من سور باب كيسان والدّبّاغة، وليس عَلَى السّور آدميّ، لسوء تدبير صاحب دمشق، غير نفرٍ يسير من الأتراك لا يعوَّل عليهم، فتسرَع بعض الرَّجّالة إلى السّور، وعليه يهوديَّة، فأرسلت إِلَيْهِ حَبْلًا، فصعِد فيه، وحصل عَلَى السّور، ولم يدرِ بِهِ أحد، وتبِعه مَن تَبِعه، ونصبوا علمًا وصاحوا: نور الدّين يا منصور، فامتنع الْجُنْد والرّعية من الممانعة محبةً في نور الدّين، وبادر بعض قطّاعي الخشب بفأسه، فكسر قفل الباب الشّرقيّ، فدخل العسكر، وفتح باب تومًا، ودخل الْجُنْد، ثمّ دخل نور الدّين، وسُرَّ الخلْق، ولمّا أحسّ مجير الدّين بالغَلَبَة، انهزم إلى القلعة، وطلب الأمان عَلَى نفسه وماله، ثمّ خرج إلى نور الدّين، فطيَّب قلبه، وتسرّع الغوغاء إلى سوق عليّ وغيره، فنهبوا، فنودي في البلد بالأمان، وأخرج مجير الدّين ذخائره وأمواله من القلعة إلى الأتابكيَّة دار جَدّه، ثمّ تقدَّم إِلَيْهِ بعد أيّام بالمسير إلى حمص في خواصّه، وكتب له المنشور بها.
وقد كَانَ مجاهد الدّين بُزان قد أُطلق يوم الفتح من الاعتقال، وأُعيد إلى داره.
ووصل الرئيس مؤيَّد الدّين المسيّب ابن الصُّوفيّ إلى دمشق متمرّضًا، فمات ودُفن في داره، وفرح الناس بهلاكه.(11/771)
-سنة خمسين وخمسمائة
في أوّلها جاءت الأخبار إلى بغداد بدخول الغُزّ التّركُمان نيْسابور، والفتْك بأهلها، فقتلوا بها نحْوًا من ثلاثين ألفًا، وكان سَنَجْر معهم، عَلَيْهِ اسم [ص:774] السلطنة، وهو في غاية الإهنة بين الغُزّ، ولقد أراد يومًا أن يركب، فلم يجد من يحمل سلاحه، فشدّه عَلَى وسَطَه، وإذا قُدّم إِلَيْهِ الطّعام خبّأ منه شيئًا لوقتٍ آخر، خوفًا من انقطاعه عَنْهُ.
وفيها كانت وقعة بين شملة التُّركمانيّ وبين عسكر الخليفة، فهزموه وتبِعوه، ثمّ خرج لهم كمينٌ فهزمهم، ثمّ أذعن بطاعة الخليفة، وأطلق الأسرى.
وفيها سار المقتفي إلى الكوفة، واجتاز في سوقها، ودخل جامعها.
وفي أوّلها سار الصّالح طلائع بْن رُزّيك من الصّعيد عَلَى قصْد القاهرة للانتقام من عبّاس صاحب مصر الّذي قتل الظّافر بالله، فلما سمع بمجيئه عباس خرج من مصر لقلَّة مَن بقي معه مِن الْجَنْد، وسار نحو الشّام بما معه من الأموال والتُّحف الّتي لا تُحصى، لأنّه كان استولى عَلَى القصر، وتحكّم في ذخائره ونفائسه، فخرجت عَلَيْهِ الفرنج من عسقلان، فقاتلوه وقتلوه، واستولوا عَلَى جميع ما معه، وأسروا ابنه نصرًا، وباعوه للمصريين.
وأمّا طلائع فدخل القاهرة بأعلام مسوّدة، وثياب سود في هيئة الحزْن، وعلى الرّماح شعور النّساء مقطّعة حزْنًا عَلَى الظّافر، ثمّ نبش الظّافر من دار عبّاس، ونقله إلى مقبرة آبائه.
وجاءت مراكب الفرنج من صَقَلِّية، فأرسَوا عَلَى تِنِّيس وهجموها، فقتلوا وأسروا، وردّوا بالغنائم، وخاف أهل مصر من استيلاء الفرنج، فإنّا لله وإنّا إِلَيْهِ راجعون، حتّى عزم ابن رُزّيك وزيرُها عَلَى موادعة الفرنج بمالٍ يُحمل إِلَيْهِ من الخزانة، فأنكر ذلك الأمراء، وعزموا على عزله.
وأمّا المقتفي لأمر اللَّه، فإنّه عظُم سلطانه، واشتدّت شوكته، واستظهر عَلَى المخالفين، وأجمع عَلَى قصد الجهات المخالفة لأمره.
وأمّا نور الدّين، فإنّه سار بجيشه، فملك عدَّة قلاع وحصون بالسّيف وبالأمان من بلاد الروم، من نواحي قونية، وعظُمت ممالكه وبعُد صيته، وبعث إليه المقتفي تقليدًا، وأمره بالمسير إلى مصر، ولُقِّب بالملك العادل.(11/773)
بسم الله الرحمن الرحيم
-الوفيات(11/775)
-سنة إحدى وأربعين وخمسمائة(11/775)
1 - أحمد بْن حامد بْن أحمد بْن محمود الثّقفيّ، أبو طاهر الأصبهانيّ، [المتوفى: 541 هـ]
حفيد الشّيخ أَبِي طاهر.
تُوُفّي في هذه السّنة، قاله عبد الرحيم الحاجّيّ.
قلت: هُوَ والد أَبِي المجد زاهر الثّقفيّ، مِن أعيان طلبة الحديث بأصبهان يلقَّب بالرفيع، من بيت علم ورياسة وجلالة، وله شِعر حَسَن، وخطّ مليح، قرأ الكثير لولده.
قَالَ ابن السّمعانيّ: لمّا قدمتُ صادفته يقرأ لولده " مُسند أبي يعلى " على أَبِي عبد الله الخلّال، سَمِعَ: القاسم الثّقفيّ، وأبا مطيع، وُلِد سنة ثمانين تقريبًا.(11/775)
2 - أحمد بْن محمد بْن أحمد، أبو نصر الحَدِيثيّ المعدّل، البغداديّ. [المتوفى: 541 هـ]
تفقّه عَلَى: أَبِي إسحاق الشّيرازيّ، وكان من أوائل شهود قاضي القضاة الزَّيْنبيّ، تُوُفّي في جُمادى الآخرة، وحضره القضاة والكبار.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وقال: وُلِد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في جُمادى الآخرة، وصلّى عَلَيْهِ ابنه أبو طالب رَوح، حدثنا عَنْ أَبِي الفضل بْن طَوْق.(11/775)
3 - أحْمَد بْن محمد بْن محمد بْن إبراهيم بْن الإخْوة، أبو العبّاس البغداديّ العطّار الوكيل. [المتوفى: 541 هـ]
سَمِعَ: أبا القاسم ابن البُسري، وأبا منصور العُكبَري، وهو آخر من حدَّث بكتاب " المجتَنى " لابن دُرَيْد، عَن العُكْبَرِيّ. [ص:776]
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وقال: شيخ بهيّ، حَسَن المنظر، خيِّر، متقرِّب إلى أهل الخير، وهو أبو شيخينا عبد الرحيم وعبد الرحمن، تُوُفّي في خامس رمضان.
وروى عَنْهُ جماعة آخرهم أبو الفَرَج الفتح بْن عبد السّلام الكاتب، عاش ستًّا وثمانين سنة.(11/775)
4 - إبراهيم بْن محمد بْن أحمد بْن مالك، أبو أحمد العاقوليّ، الوزّان. [المتوفى: 541 هـ]
شيخ من أهل باب الأزَج لا بأس بِهِ، سَمِعَ: عاصم بْن الحَسَن، وجماعة، وكان مولده في سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في جُمادى الأولى هُوَ وأخوه محمد في يوم واحد.
وروى عَنْهُ: يوسف بْن المبارك الخّفاف، وأجاز لأبي منصور بن عفيجة، وغيره.(11/776)
5 - إسماعيل بْن أَبِي سعد أحمد بْن محمد بْن دُوَسْت، أبو البَرَكات النّيْسَابُوريّ، الصّوفيّ، [المتوفى: 541 هـ]
شيخ الشّيوخ ببغداد.
وُلِد سنة خمسٍ وستّين وأربعمائة ببغداد، وسمع من: أَبِي القاسم عبد العزيز الأنماطي، وأبي القاسم ابن البُسري، وأبي نصر الزَّيْنَبيّ، ورزق اللَّه التَميميّ، وجماعة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ عَلَى شاكلة حميدة إلى أن طعن في السّنّ، وكان وَقورًا، مَهِيبًا، ما عرفت لَهُ هَفْوَة، قرأت عَلَيْهِ الكثير، وكنت نازلًا عنده في رِباطه.
قلت: وروى عنه: ابناه عبد الرحيم وعبد اللَّطيف، وعبد الخالق بن أسد، وأبو القاسم ابن عساكر، وسِبطه عبد الوهّاب بْن سُكينة، وأحمد بْن الحسن العاقلويّ، وسليمان بْن محمد المَوْصِليّ، وطائفة سواهم.
توفي في عاشر جمادى الآخرة، وعُمل له عُرس على عادة الصوفية، غرِم عليه نحو ثلاث مائة دينار. [ص:777]
قَالَ ابن النّجّار: سمعتُ ابن سُكينة يَقُولُ: لمّا حضرَت جدّي الوفاةُ كنت حاضرًا، وأولاده حوله، وهو في السّياق، فقالت لَهُ والدتي: يا سيّدي، ما تجد؟ فما قدر عَلَى النُّطْق، فكتب بيده عَلَى يدها: " فرَوحٌ ورَيحانٌ وجنةُ نعيم " ثمّ مات - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.(11/776)
6 - إسماعيل بْن علي بْن طاهر، أبو عليّ المَوْصِليّ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 541 هـ]
سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي الحسن بْن مَخلَد، روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابن طبرزَد، توفي سنة إحدى وأربعين في جُمادى الأولى.(11/777)
7 - أمين الدولة، نائب قلعة صرخد، وقلعة بُصرى، واسمه كمشتكين. [المتوفى: 541 هـ]
أمير جليل، كثير الحُرمة، ولاه على القلعتين. الأتابك طُغتكين، فامتدت أيامه إلى أن توفي في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين.
وهو واقف المدرسة الأمينيَّة بدمشق.
ولمّا مات توثّب مملوكه ألتُنْتاش فتملّك بُصْرى، وصَرْخد، وانتصر بالفرنج وحالفهم، فسار لحربهم نائب دمشق معين الدّين أنُر فهزمهم، وانهزم معهم إلى بلادهم ألتُنتاش، ونازل أنُر قلعتي بُصْرَى وصَرْخَد، فافتتحهما.(11/777)
8 - بختيار بْن عبد الله، أبو الحَسَن الهنْديّ، عتيق أَبِي بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ. [المتوفى: 541 هـ]
سَمِعَ ببغداد، وأصبهان، وهَمَذَان كثيرًا مَعَ مولاه، وحدَّث عَنْ: أَبِي سعد محمد بْن عبد الملك الأَسَديّ، وأبي سعد محمد بْن عبد الكريم بْن خُشيش.
روى عَنْهُ: أبو سعد ابن مُعتقه، وقال: توفي في ثاني صفر.(11/777)
9 - بختيار بْن عبد الله الهِنديّ، أبو الحَسَن الصّوفيّ، عتيق القاضي أَبِي منصور محمد بْن إسماعيل البوشَنجي. [المتوفى: 541 هـ]
رحل مَعَ مولاه إلى بغداد، وسمع: أبا نصر محمد بْن محمد الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحسن، روى عَنْهُ: أبو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد السّمعانيّ.
وقد سمّاه مولاه بعد العتْق: عبد الرحيم بْن عبد الرحمن.
قَالَ أبو سعد: رحل إلى بغداد، والحجاز، والبصرة، وأصبهان وعُمّر، وهو شيخ، صالح، متعبّد، متخل من الدّنيا، سَمِعَ - أيضًا - بالبصرة من أَبِي عليّ التُستري، وانتخبتُ عليه بفوشنج ثلاثة أجزاء، وحُمل من فوشَنج إلى هَراة، ونزل في دار الحافظ أَبِي النضْر الفاميّ، وكانت محطَّ رِحال الشّيوخ الطّارئين، وقُرئ عليه كتاب " السُنّة " للالكائي، وكان شيخًا متيقّظًا، قد ناطح الثّمانين، تُوُفّي بفوشَنج في سنة إحدى وأربعين أو سنة اثنتين.(11/778)
10 - الحَسَن بْن محمد بْن أحمد بْن عليّ أبو محمد الإستِراباذي، الحنفيّ، الفقيه، [المتوفى: 541 هـ]
قاضي الرّيَ.
قدِم بغداد سنة ستٍّ وسبعين، وتفقّه عَلَى قاضي القُضاة أَبِي عبد اللَّه الدّامغانيّ حتّى برع في الفقه، وسمع من: أَبِي نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، وابن خيرون، وطِراد.
قال ابن السمعاني: كتبتُ عنه بالري، ووُلِد في جُمادى الأولى سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة بإستراباذ، وتوفي بالري في أواخر جُمادى الآخرة، وكان يرى الاعتزال، وفيه بُخل، فقالوا فيه:
وقاضٍ لنا خبزه ربّهُ ... ومذهبُهُ أنّه لا يُرى(11/778)
11 - الحسين بْن الحسن بْن أَبِي نصر بْن يوسف المَرْوَرُوذيّ أبو محمد الصّائغ، المعروف بالحاجّيّ. [المتوفى: 541 هـ]
دخل بغداد،
وَسَمِعَ مع أبي بكر السمعاني مِنْ: ثابت بن بُندار، وبهمذان [ص:779] من: مكي بن بنجير الحافظ، وعبد الرحمن الدُّونيّ، وبأصبهان من: أَبِي الفتح أحمد بْن محمد الحدّاد.
تُوُفّي في العشرين من رمضان،
رَوَى عَنْهُ: أبو سعد.(11/778)
12 - حنبلُ بْن عليّ بْن الحسين بْن الحَسَن، أبو جعفر البخاريّ، ثمّ السّجْستانيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 541 هـ]
قدِم هَراة، وأدرك بها شيخ الإسلام أبا إسماعيل، وصحِبه، وسمع منه، ومن: أَبِي عامر محمود بْن القاسم الأزْديّ، وأبي نصر التّرياقيّ، ونجيب بْن ميمون، وأحمد بْن عُبيد اللَّه بْن أبي سعيد الأرزي، وببغداد من: ابن طلحة النّعاليّ، وابن البطِر، وأبي بَكْر الطُّرَيْثِيثيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو رَوح عبد المعزّ، وجماعة، وأجاز لعبد الرحيم ابن السّمعانيّ.
وكان شيخًا، كيّسًا، ظريفًا، حدَّث بمَرْو، وهَراة، ووُلِد بسِجِسْتان في سنة أربعٍ وستّين وأربعمائة، ورحل وهو ابن بضْع عشرة سنة، وتُوُفّي بهَراة في السابع والعشرين من شوال.(11/779)
13 - خَلَفُ بْن محمد بْن أَبِي الحسن بْن أبي الحسين بن هارون البوشنجي، أبو عليّ المحتسب، [المتوفى: 541 هـ]
نزيل هَراة.
كَانَ يخدم جمال الإسلام أبا الحسن الداودي، وسمع منه مجلسين، وأجاز لعبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وعُمّر دهرًا طويلًا، وآخر من روى عَنْهُ أبو رَوح الهَرَويّ.
قَالَ أبو سعد السمعاني: وجدنا له مجلسين من أمالي الداودي، فقرأناهما، وُلِد في غرَّة ربيع الأوّل سنة ثلاثين وأربعمائة، وكان صالحًا معمرًا - رحمه الله -.(11/779)
14 - زَنْكيّ بْن آقسُنقُر، الملك عماد الدّين [المتوفى: 541 هـ]
صاحب الموصل، ويُعرف أبوه بالحاجب قسيم الدولة التُّركيّ، وقد تقدَّم ذِكره.
وزنكيّ فوّض إِلَيْهِ السّلطان محمود بْن محمد بْن ملكشاه السّلْجوقيّ ولاية [ص:780] بغداد وشرطتها في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، ثمّ نقله إلى الموصل، وسلّم إِلَيْهِ ولده فَرُّوخ شاه الملقّب بالخفاجيّ ليربّيه، ولهذا قِيلَ لَهُ أتابَك، وذلك في سنة اثنتين وعشرين، واستولى عَلَى البلاد، وقوي أمره، وافتتح الرُّها في سنة تسعٍ وثلاثين، وترقَّت بِهِ الحال إلى أن ملك الموصل، وحلب، وحماه، وحمص، وبَعْلَبَكّ، ومدائن كثيرة يطول تَعْدادها، وسار بجيشه إلى دمشق وحاصرها، ثمّ استقرّ الحال عَلَى أن خُطب لَهُ بدمشق، واسترجع عدَّةَ حصون من الفرنج، مثل كَفرْطاب والمعرة والرها.
وكان بطلًا، شجاعًا، صارمًا، وقد نازَل قلعة جَعْبَر، وصاحبها يومئذٍ عليّ بْن مالك، فحاصرها، وأشرف عَلَى أخْذها، فأصبح يوم الأربعاء خامس ربيع الآخر مقتولًا، قتله خادمه غيلة وهو نائم، ودُفن بصِفّين عند الرَّقَّة، وسار ولده الملك نور الدّين محمود، فاستولى عَلَى حلب، واستولى ولده الآخر سيف الدّين غازي أخو قُطب الدّين مَوْدود الأعرج عَلَى الموصل.
قَالَ ابن الأثير: نزل أتابَك زنكيّ عَلَى حصن جَعْبر المُطل عَلَى الفُرات، وقاتَله مَن بها، فلمّا طال أرسل إلى صاحبها ابن مالك العُقيلي رسالة مَعَ الأمير حسّان المَنْبِجيّ، لمودَّةٍ بينهما في معنى تسليمها، ويبذل له الإقطاع والمال، ويتهدّده إن لم يفعل، فما أجاب، فَقُتِلَ أتابَك بعد أيّام، وثب عَلَيْهِ جماعة من مماليكه في اللّيل، وهربوا إلى القلعة، فدخلوها، فصاح أهلها وفرحوا بقتله، فدخل أصحابه إِلَيْهِ، حدَّثني أَبِي، عَنْ بعض خواصّه قَالَ: دخلت إِلَيْهِ في الحال وهو حيّ، فظنّ أَنّى أريد قتْله، فأشار إليَّ بإصبعه يستعطفني، فقلت: يا مولانا مَن فعل هذا؟ فلم يقدر عَلَى الكلام، وفاضت نفسه.
قَالَ: وكان حَسَن الصّورة، أسمر، مليح العينين، قد وَخَطَه الشَّيْب، وزاد عمره عَلَى السّتّين، وكان صغيرًا لمّا قُتل أَبُوهُ، وكان شديد الهَيْبة عَلَى عسكره ورعيّته، وكانت البلاد خرابًا من الظُّلم ومجاورة الفرنج، فعمَّرها.
حكى لي والدي قَالَ: رأيت الموصل وأكثرها خراب، بحيث يقف الْإِنْسَان قريب محلَّة الطّبّالين، ويرى الجامع العتيق، ودار السّلطان، ولا يقدر [ص:781] أحد أن يصل إلى جامع إلّا ومعه من يحميه، لبُعْده عَن العمارة، وهو الآن في وسط العمارة، وكان شديد الغيرة لاسيما على نساء الأجناد، ويقول: إنْ لم نحفظْهُنّ بالهيبة، وإلّا فَسَدْن، لكثرة غَيْبة أزواجهنّ.
قَالَ: وكان من أشجع خلْق اللَّه، أمّا قبل أن يملك، فيكفيه أنّه حضر مَعَ الأمير مودود صاحب الموصل مدينة طبريَّة، وهي للفرنج، فوصلت طعنته إلى باب البلد، وأثّر فيه، وحَمَل أيضًا عَلَى قلعة عُقر الحميديَّة، وهي عَلَى جبلٍ عالٍ، فوصلت طعنته إلى سورها، إلى أشياء أخَر وأمّا بعد ملْكه، فكان الأعداء محدقين ببلاده، وكلهم يقصدها، ويريد أخْذَها، وهو لا يقنع بحفْظها، حتّى أنّه لا ينقضي عَلَيْهِ عامٌ إلّا وهو يفتح من بلادهم.
قَالَ: وقد أتينا عَلَى أخباره في كتاب " الباهر " في تاريخ دولته وأولاده، وكان معه حين قُتل الملك ألب أرسلان ابن السّلطان محمود، فركب يومئذٍ، واجتمعت حوله العسكر، وحسّنوا لَهُ اللَّهْو والشُّرْب، وأدخلوه الرَّقَّة، فبقي بها أيّامًا لا يظهر، ثمّ سار إلى ماكِسين، ثمّ إلى سَنْجار، وتفرّق العسكر عَنْهُ، وراح إلى الشرق، ثمّ ردّوه، وحُبس في قلعة الموصل، وملك البلاد غازي بْن زنكي، واستولى نور الدّين عَلَى حلب وما يليها، ثمّ سار فتملّك الرُّها، وسبى أهلها، وكان أكثرهم نصارى.
وقال القاضي جمال الدّين بْن واصل: لم يخلّف قسيمُ الدّولة آقسُنْقُر مولى السّلطان ألْب أرسلان السَّلْجوقيّ ولدًا غير أتابَك زنكيّ، وكان عمره حين قُتل والده عشر سِنين، فاجتمع عَلَيْهِ مماليك والده وأصحابه، ولمّا تخلّص كرْبُوقا من سجن حمص بعد قتل تُتُش، ذهب إلى حران، وانضم إِلَيْهِ جماعة، فملك حَرّان، ثمّ ملك الموصل وقرَّبَ زنكيّ، وبالغ في الإحسان إِلَيْهِ، وربّاه.(11/779)
15 - سعد اللَّه بْن أحمد بْن عليّ بْن الشّدّاد، أبو القاسم البغداديّ. [المتوفى: 541 هـ]
سَمِعَ: أبا نصر الزينبي، وعاصم بن الحسن، روى عنه: أبو سعد السّمعانيّ، وابن أسد الحنفيّ، وتُوُفّي في ذي القعدة.(11/781)
16 - سعد الخير بْن محمد بْن سهل بْن سعد، أبو الحَسَن الأنصاريّ، البَلَنْسيّ، المحدّث. [المتوفى: 541 هـ]
رحل إلى أن دخل الصّين، ولهذا كَانَ يكتب " الأندلسيّ الصّينيّ "، وكان فقيهًا، متديِّنًا، عالمًا، فاضلًا، سَمِعَ ببغداد: أبا عبد الله النّعاليّ، وابن البَطِر، وطِراد بْن محمد، وسمع بأصبهان: أبا سعد المطرِّز، وسكنها وتزوّج بها، ووُلِدت لَهُ فاطمة، فسمّعها حضورًا " معجم الطَّبَرانيّ "، وغير ذَلكَ، و" مُسند أَبِي يَعْلَى "، وسمع بالدّون " سُنَن النَّسائيّ " من الدُّونيّ، وحصّل الكثير من الكُتُب الجيّدة.
وحدَّث ببغداد، وسكنها مدَّة بعد انفصاله عَنْ أصبهان.
روى عَنْهُ: ابن عساكر، وابن السّمعانيّ، وأبو موسى المَدِينيِ، وعبد الخالق بْن أسد ووصفه بالحفظ، وأبو اليُمن الكندي، وأبو الفرج ابن الجوزيّ، وبنته فاطمة بِنْت سعد الخير، وعمر بْن أَبِي السّعادات بْن صرما.
وقال ابن الْجَوْزيّ: سافر وركب البحار، وقاسى الشّدائد، وتفقَّه ببغداد عَلَى أَبِي حامد الغزّاليّ، وسمع الحديث، وقرأ الأدب عَلَى أَبِي زكريّا التّبْريزيّ، وحصّل كُتُبًا نفيسة، وقرأتُ عَلَيْهِ الكثير، وكان ثقة، تُوُفّي في عاشر المحرَّم ببغداد.
قلت: آخر من روى عنه بالإجازة: أبو منصور بن عفيجة.
وأورد ابن السّمعانيّ في " الأنساب " حكايةً غريبة فقال: سمّع بناته إلى أن رُزق ابنًا سمّاه جابرًا، فكان يُسمعه بقراءتي، واتّفق أنّه حمل إلى الشيخ أَبِي بَكْر قاضي المرستان شيئًا يسيرًا من عود بعد أن وجد الشيخ منه رائحته، فقال: ذا عود طِيب، فحَمَلَ إِلَيْهِ منه نزرًا قليلًا، دفعه إلى جاريته، فاستحيت الجارية أن تُعْلِم الشيخ لقلّته، فلمّا دخل عَلَى الشّيخ قَالَ: يا سيّدنا، وصل العُود؟ قَالَ: لا، فطلب الجارية فسألها، فاعتذرت بقلته، وأحضرته، فقال لسعد الخير: أهُوَ هذا؟ قَالَ: نعم، فرمى بِهِ الشّيخ وقال: لا حاجة لنا فيه، ثمّ طلب منه سَعْد الخير أن يسمّع لابنه جزء الأنصاريّ، فحلف الشّيخ أن لا [ص:783] يُسمعه إيّاه إلّا أن يحمل إِلَيْهِ سعد الخير خمسة أمْناء عُود، فامتنع سعد الخير، وألحّ عَلَى الشيخ أن يكفّر عَنْ يمينه، فما فعل، ولا حمل هُوَ شيئًا، ومات الشيخ، ولم يُسمّع ابنه الجزء.(11/782)
17 - شافع بْن عبد الرّشيد بْن القاسم، أبو عبد الله الْجِيليّ. [المتوفى: 541 هـ]
سكن بالكَرْخ، وتفقّه عَلَى إلكِيا الهَرّاسيّ، ورحل إلى أَبِي حامد الغزّاليّ فتفقّه عَلَيْهِ، وكانت لَهُ حلقة بجامع المنصور للمناظرة، كل جمعة يحضرها الفُقهاء، سَمِعَ بالبصرة: أبا عُمَر النّهاوَنْديّ القاضي، وبطبَس: فضل اللَّه بْن أَبِي الفضل الطَّبَسيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: سَأَلْتُهُ عَنْ مولده، فقال: دخلت بغداد سنة تسعين وأربعمائة ولي نيِّفٌ وعشرون سنة، وتُوُفّي في العشرين من المحرَّم.
وقال ابن الْجَوْزيّ: كنت أحضر حلقته وأنا صبيّ، فألقى المسائل.
قلت: هذا من أئمة الشافعية.(11/783)
18 - صاعد بْن أَبِي الفضل بْن أَبِي عثمان، الشيخ أبو العلاء الشُعيثي، المالينيّ. [المتوفى: 541 هـ]
شيخ خيِّر.
سَمِعَ: أبا إسماعيل الأنصاريّ، وأبا عطاء عبد الرحمن بْن محمد الجوهريّ، وبِيبَى بِنْت عبد الصمد، وجماعة. وأجاز لعبد الرحيم ابن السمعاني وآخر من سمع منه أبو روح عبد المعز الهروي.
وكان فقيهًا فاضلًا، قديم المَوْلد، وُلِد سنة سبع وخمسين وأربعمائة في صفر، وتوفي سابع صفر.(11/783)
19 - ظاهر بْن أحمد بْن محمد، أبو القاسم البغداديّ، المساميريّ، البزّاز. [المتوفى: 541 هـ]
شيخ صالح، مُكثر، سَمِعَ: رزق اللَّه التّميميّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، وابن البطِر، وطائفة، وتُوُفّي في ذي القعدة. [ص:784]
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، ويوسف بْن المبارك، ومحمد بْن عليّ بْن القُبَيطي، وكان معمَّرًا.(11/783)
20 - ظفَر بْن هارون بْن ظَفَر، أبو الفتوح الهَمَذَانيّ، [المتوفى: 541 هـ]
أصله مَوْصِليّ.
سَمِعَ: ثابت بْن الحسين التّميميّ، كتب عَنْهُ السّمعانيّ، وقال: مات في جُمادَى الأولى عن ثلاث وثمانين سنة.(11/784)
21 - عائشة بِنْت عبد الله بْن عليّ البلْخيّ، ثمّ البُوشَنْجيّ، أمّ الفضل. [المتوفى: 541 هـ]
صالحة، معمَّرة، سَمِعْتُ: أباها أبا بكر البلخي، وأبا الحسن الداودي، وأبا منصور كَلار.
كتب عَنْهَا السّمعانيّ، وقال: ماتت في سابع ذي القعدة.(11/784)
22 - عبّاس، شِحنة الرَّيّ. [المتوفى: 541 هـ]
دخل في الطّاعة، وسلّم الري إلى السّلطان مسعود، ثمّ إنّ الأمراء اجتمعوا عند السلطان ببغداد، وقالوا: ما بقي لنا عدوّ سوى عبّاس، فاستدعاه السّلطان إلى دار المملكة في رابع عشر ذي القعدة وقتله، وأُلقي عَلَى باب الدّار، فبكى النّاس عَلَيْهِ لأنّه كَانَ يفعل الجميل، وكانت لَهُ صَدَقات، وقيل: إنّه ما شرب الخمر قطّ، ولا زنى، وإنّه قتل من الباطنيَّة - لعنهم اللَّه - ألوفًا كثيرة، وبنى من رؤوسهم منارة، ثم حُمل ودُفن في المشهد المقابل لدار السلطان، قاله ابن الجوزي.(11/784)
23 - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عبد الله، الإمام أبو محمد المقرئ، النَّحْويّ، [المتوفى: 541 هـ]
سِبط الزَّاهد أَبِي منصور الخيّاط، وإمام مسجد ابن جَردة، وشيخ القرّاء بالعراق.
وُلِد في شعبان سنة أربع وستين وأربعمائة، وتلقّن القرآن من أبي الحسن ابن الفاعوس، وسمع من: أبي الحسين ابن النَّقُّور، وأبي منصور محمد بْن محمد العُكْبَريّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، ونصر بْن البَطِر، وثابت بْن بُندار، وجماعة، وقرأ العربية على أبي الكَرَم بْن فاخر، وسمع الكُتب الكبار. [ص:785]
وصنّف المصنفات في القراءات مثل المبهج، و" الكفاية "، و" الاختيار "، و" الإيجاز ".
وقرأ القرآن عَلَى جدّه، وعلى: الشّريف عبد القاهر بْن عبد السّلام المكّيّ، وأبي طاهر بْن سِوار، وأبي الخطّاب بْن الجرّاح، وأبي المعالي ثابت بْن بُندار، وأبي البَرَكات محمد بْن عبد اللَّه الوكيل، والمقرئ المعمّر يحيى بْن أحمد السِّيبِيّ صاحب الحمّاميّ، وابن بدران الحلْوانيّ، وأبي الغنائم محمد بن علي النرسي، وأبي العز القلانسي، وغيرهم.
وتصدر للقراءات والنحو، وأمّ بالمسجد المذكور من سنة سبع وثمانين وأربعمائة إلى أن تُوُفّي، وقرأ عَلَيْهِ خلْق وختم عليه ما لا يُحصى، قاله أبو الفرج ابن الْجَوزيّ، وقال: قرأتُ عَلَيْهِ القرآن والحديث الكثير، ولم أسمع قارئًا قطّ أطيب صوتًا منه، ولا أحسن أداء عَلَى كِبَر سِنّه، وكان لطيف الأخلاق، ظاهر الكياسة والظّرافة وحُسن المعاشرة للعوام والخواص.
قلت: وكان عارفًا باللّغة، إمامًا في النَّحْو والقراءات وعللها، ومعرفة رجالها، وله شِعْر حَسَن.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ متواضعًا، متودّدًا، حَسَن القراءة في المحراب، خصوصًا في ليالي رمضان، كان يحضر عنده النّاس لاستماع قراءته، وقد تخرَّج عليه جماعة كبيرة، وختموا عَلَيْهِ القرآن، وله تصانيف في القراءات، وخولف في بعضها، وشنّعوا عَلَيْهِ، وسمعتُ أنّه رجع عَنْ ذَلكَ، والله يغفر لنا وله، كتبت عنه، وعلقت عنه من شعره، فمنه:
ومن لم تؤدّبه اللّيالي وصَرْفها ... فما ذاك إلّا غائب العقْل والحسِّ
يظنّ بأنّ الأمر جارٍ بحُكمه ... وليس له علم، أيُصبح أم يُمسي
وله:
أيّها الزّائرون بعد وفاتي ... جَدَثًا ضمّني ولحدًا عميقا
سترون الذي رأيت من المو ... ت عيانًا وتسلكون الطريقا
وقال أحمد بْن صالح الجيليّ: سار ذِكره في الأغوار والأنجاد، ورأس [ص:786] أصحاب الإمام أحمد، وصار أوحد وقته، ونسيج وحده، ولم أسمع في جميع عمري مَن يقرأ الفاتحة أحسن ولا أصحّ منه، وكان جمال العراق بأسره، وكان ظريفًا كريمًا، لم يُخَلِّف مثله في أكثر فنونه.
قلت: قرأ عَلَيْهِ القراءات: شهاب الدّين محمد بْن يوسف الغَزْنَويّ، وتاج الدّين أبو اليُمن الكَنْديّ، وعبد الواحد بْن سلطان، وأبو الفتح نصر اللَّه بْن عليّ بْن الكيّال الواسطيّ، والمبارك بْن المبارك بْن زُريق الحدّاد، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن هارون الحلّيّ المعروف بابن الكال المقرئ، وصالح بْن عليّ الصَّرْصَريّ، وأبو يَعْلَى حَمْزَة بْن عليّ بْن القُبيطيّ، وأبو أحمد عبد الوهّاب بْن سُكينة، وزاهر بْن رُسْتَم نزيل مكَّة، وحدَّث عنه: محمود بن المبارك بن الداريج، ويحيى بْن طاهر الواعظ، وإسماعيل بْن إبراهيم بْن فارس السِّيبيّ، وعبد اللَّه بْن المبارك بْن سُكَيْنَة، وعبد العزيز بْن مَنِينا، وتلميذه الكندي، وعليه تلقّن القرآن وتعلم العربيَّة.
وتُوُفّي في ثامن وعشرين ربيع الآخر، وصلى عليه الشيخ عبد القادر الجيلي.
قَالَ ابن الجوزيّ: قد رَأَيْت أَنَا جماعة من الأكابر، فما رَأَيْت أكثر جمعًا من جمعه.
قال عبد الله بن جرير القرشي: دُفن مِن الغد بباب حرب عند جدّه عَلَى دكَّة الإمام أحمد، وكان الْجَمْع كثيرًا جدًّا يفوت الإحصاء، وغُلِّق أكثر البلد في ذَلكَ اليوم.(11/784)
24 - عبد الله بْن عليّ بْن عبد العزيز بن فرج الغافقي، القرطبي، أبو محمد. [المتوفى: 541 هـ]
روى عن: أبي محمد بن رزق، وأبي عبد الله محمد بن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ فقيهًا، حافظًا، متيقظًا، تُوُفِّي فِي ربيع الآخر.(11/786)
25 - عَبْد اللَّه بْن نصر بْن عبد العزيز بْن نصر، أبو محمد المرندي. [المتوفى: 541 هـ][ص:787]
دار في الآفاق، وأخذ عَن الأئمة، وأفنى أكثر عمره في الأسفار، وتفقّه ببغداد عَلَى أسعد الميهني، ثم سكن مرْو.
وكان بارِعًا في الأدب.
أخذ عَنِ: الأبيوردي الأديب، وله شعر حسن.
توفي في يوم عاشوراء، قاله ابن السمعاني.(11/786)
26 - عبد الباقي بْن أَبِي بَكْر محمد بْن عبد الباقي الأنصاريّ، البزّاز، أبو طاهر. [المتوفى: 541 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: هُوَ أحد الشّهود المعدّلين، سمّعه أَبُوهُ من نصر بْن البَطِر، وطبقته، سمعنا بقراءته عَلَى أبيه " مغازي " الواقديّ، وكان سريع القراءة، وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة، ومات في رمضان.(11/787)
27 - عبد الحقّ بْن غالب بْن عبد الملك بْن غالب بْن تمّام بْن عطيَّة، الإمام الكبير، قُدْوة المفسّرين، أبو محمد ابن الحافظ النّاقد الحُجَّة أَبِي بَكْر المحاربيّ، الغَرْناطيّ، القاضي. [المتوفى: 541 هـ]
حدث عن: أبيه، وأبي عليّ الغسّانيّ الحافظ، ومحمد بْن الفَرَج الطّلاعيّ، وأبي الحسين يحيى بْن البَيَاز، وخلْق سواهم.
وكان فقيهًا، عارفًا بالأحكام، والحديث، والتفسير، بارع الأدب، بصيرًا بلسان العرب، ذا ضبْطٍ وتقييد، وتحرٍ، وتجويد، وذهنٍ سيّال، وفكرٍ إلى موارد المُشكل ميّال، ولو لم يكن لَهُ إلّا تفسيره الكبير لكَفَاه.
وكان والده من حفّاظ الأندلس، فاعتني بِهِ، ولحِق بِهِ المشايخ، وقد ألّف " برنامجًا " ضمّنه مَرْوِيّاته.
وُلِد في سنة ثمانين وأربعمائة.
حدَّث عَنْهُ: أولاده، والحافظ أبو القاسم بْن حُبيش، وأبو محمد بْن عُبَيد اللَّه السّبتيّ، وأبو جعفر بْن مضاء، وعبد المنعم بْن الفَرَس، وأبو جعفر بْن حَكَم، وآخرون، مات بحصْن لُورقة في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة. [ص:788]
وقد ولي قضاء المرية في سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وكان يتوقّد ذكاءً، - رحمه اللَّه -.
قَالَ الحافظ ابن بَشْكُوال: تُوُفّي سنة اثنتين وأربعين، وقال: كَانَ واسع المعرفة، قويّ الأدب، متفنّنًا في العلوم، أخذ الناس عَنْهُ.(11/787)
28 - عبد الرحمن بْن عبد الرحيم بن أبي أحمد الخطيب، أبو عبد الله الدّارِميّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 541 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ إمامًا فاضلًا، صالحًا، ورِعًا، عابدًا، كَانَ ينوب عَنْ خطيب هَراة، وسمع من: بيبى، وكلار، وعبد اللَّه بْن محمد الأنصاريّ، وأبي عبد الله العُمَيْريّ، وأبي بَكْر الغُورجيّ، وجماعة، وحدَّث، وتُوُفّي بهَرَاة في المحرَّم.
روى عَنْهُ: أبو رَوح في " مشيخته "، وبالإجازة: أبو المظفر ابن السّمعانيّ، وظنّي أنّ أَبَاهُ روى عَنْهُ أيضًا، وكان مولده في سنة أربع وستين وأربعمائة.(11/788)
29 - عبد الرحمن بْن عبد الملك بْن غَشَلْيان، المحدِّث، أبو الحَكَم الأنصاريّ، السَّرَقُسْطيّ. [المتوفى: 541 هـ]
لَهُ إجازة من القاضي أَبِي الحسن الخِلَعيّ، وجماعة عَلَى يد أَبِي عليّ الصّدَفيّ، وسمع من: الصَّدَفيّ، وجماعة، حتّى إنّه سَمِعَ من ابن بَشْكُوال.
فقال ابن بَشْكُوال: أخذتُ عَنْهُ، وأخذ عنّي كثيرًا، وكان من أهل المعرفة والذّكاء واليَقَظَة، سكن قُرْطُبة، وبها تُوُفّي في رمضان.
قلتُ: آخر مَن روى عَنْهُ في الدّنيا بالإجازة: محمد بْن أحمد ابن صاحب الأحكام، شيخ سَمِعَ منه ابن مسدي، وبقي إلى سنة أربع عشرة وست مائة.(11/788)
30 - عبد الرحمن بْن عُمَر بْن أَبِي الفضل، أبو بَكْر البصْريّ، ثمّ المَرْوَرُّوذِيّ. [المتوفى: 541 هـ]
شيخ صالح، حَسَن السّيرة، معمَّر، وهو آخر مَن سَمِعَ مِن القاضي حسين بْن محمد الشّافعيّ المَرْوَرُّوذيّ صاحب التعليقة، سمع منه مجلسًا من أماليه، وسمع من: شيخ الإسلام أَبِي إسماعيل الأنصاريّ.
وكان مولده في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في ذي الحجَّة سنة إحدى وأربعين، أجاز لأبي المظفر ابن السَّمعانيّ.(11/789)
31 - عبد الرحمن بْن عُمَر بْن أحمد، أبو مسلم الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ، العابد. [المتوفى: 541 هـ]
مات في شوّال عَنْ سبْعٍ وسبعين سنة، أجاز لَهُ محمد بْن عثمان القُومسانيّ.(11/789)
32 - عبد الرحمن بْن عليّ بْن محمد بْن سليمان، أبو القاسم، وأبو زيد التُجيبي، ابن الأديب، الأندلسيّ، [المتوفى: 541 هـ]
نزيل أورِيولة، ووالد الشيخ أَبِي عبد الله.
أخذ بمُرسية عَنْ: أَبِي محمد بْن أَبِي جعفر، وتلمَذ لَهُ، ولقي بالمَرية: أبا القاسم ابن ورد، وأبا الحسن بن موهب الجذامي، وحج سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع بمكَّة من الحسين بْن طحّال، وأخذ القراءات عَنْ أَبِي عليّ الحسن بْن عبد الله بن العرجاء القيرواني، وانصرف فولي الخطابة بأوريولة مدة، ودعي إلى القضاء فامتنع ثم وليه مُكْرَهًا.
وكان خاشعًا، متقلّلًا من الدّنيا، لَهُ بضاعة يعيش من كسْبها، وكان إذا خطب بكى وأبكى، وكان فصيحًا، مفوّهًا، ثمّ إنّه أُعْفي من القضاء بعد شهرين من ولايته.
وبعد الأربعين وفاته.(11/789)
33 - عبد الرحمن بْن عيسى بْن الحاجّ، أبو الحَسَن القُرطبي، المجريطي. [المتوفى: 541 هـ][ص:790]
أخذ القراءات عن: أبي القاسم ابن النخاس، وولي قضاء رنْدة، أخذ عَنْهُ القراءات ابنه يحيى القاضي.(11/789)
34 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عيسى، أبو القاسم الأُمَويّ، الأشْبيلي، النَّحْويّ، المعروف بابن الرَّمَّاك. [المتوفى: 541 هـ]
روى عَنْ: أَبِي عبد اللَّه بْن أَبِي العافية، وأبي الحسن بن الأخضر، وأبي الحسن بْن الطّراوة.
وكان أستاذًا في صناعة العربيَّة، محققًا، مدققًا، متصدرًا لإقرائها، قائمًا عَلَى " كتاب " سِيبَوَيْه، قَلَّ مشهورٌ من فُضَلاء عصره إلّا وقد أخذ عَنْهُ.
قَالَ أبو عليّ الشّلوبينيّ: ابن الرّماك عَلَيْهِ تعلَّم طَلَبة الأندلس الجِلّة.
أخذ عَنْهُ: أبو بَكْر بْن خَيْر، وأبو إسحاق بْن مَلْكُون، وأبو بكر بن طاهر الخدب، وأبو العبّاس بْن مَضَاء، وآخرون، وتُوُفّي كهلًا.(11/790)
35 - عبد الرحيم بْن عبد الرحمن، أبو الحسن الهندي، الصُّوفيّ، [المتوفى: 541 هـ]
مولى أَبِي منصور محمد بْن إسماعيل اليعقوبي.
هو بختيار تقدَّم.(11/790)
36 - عبد الرحيم بْن محمد بْن الفضل الأصبهانيّ الحدَّاد. [المتوفى: 541 هـ]
تُوُفّي في شوَّال.(11/790)
37 - عبد الكريم بْن خَلَف بْن طاهر بْن محمد بْن محمد، أبو المظفَّر الشَّحّاميّ، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 541 هـ]
من بيت الحديث والعدالة، سَمِعَ: الفضل بْن المُحِبّ، وأبا إسحاق الشّيرازيّ الفقيه لمّا قدِم عليهم، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وجماعة كثيرة، وكان مولده في سنة ست وستين وأربعمائة، ومات في سلْخ جُمادى الأولى بنَيْسابور.
روى عَنْهُ: جماعة، وممّن روى عَنْهُ بالإجازة: عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/790)
38 - عبد الكريم بْن عبد المنعم بْن أَبِي القاسم القُشيري، أبو محمد بْن أَبِي المظفَّر النيسابوري. [المتوفى: 541 هـ]
سمع: عمه عبد الواحد، وعلي بن أحمد المَدِينيّ، المؤدّب، وببغداد: أبا القاسم بْن بيان، وحدّث، توفي في الثّالث والعشرين من شعبان.(11/791)
39 - عبد المحسن بن غُنيمة بن أحمد بن قاحة، أبو نصر البغداديّ. [المتوفى: 541 هـ]
شيخ صالح، ديِّن، خيِّر، سَمِعَ: أبا عبد الله النّعاليّ، وابن نبهان، وشُجاعًا الذُّهْليّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في المحرَّم.(11/791)
40 - محمد بن أحمد بن خلف بن بيبش أبو عبد الله العبدري، الأندلسي، الأندي. [المتوفى: 541 هـ]
فقيه إمام مشاوَر،
لَهُ إجازة من أَبِي عبد الله الخولاني،
رَوَى عَنْهُ: ابنه أبو بكر بيبش،
وتُوُفّي في صفر.(11/791)
41 - محمد بْن أحمد بْن محمد بْن عبد القاهر الطّوسيّ، [المتوفى: 541 هـ]
أخو خطيب الموصل.
سَمِعَ: النِّعاليّ، وابن البطِر، وعنه: ابن أخيه أحمد، وكان فقيهًا شافعيًا، مناظِرًا، مات في المحرَّم.(11/791)
42 - محمد بْن أحمد بْن مالك العاقوليّ. [المتوفى: 541 هـ]
عَنْ: طِراد، وابن البطِر، وعنه: ابن هُبَل الطَّبيب.(11/791)
43 - محمد بْن إسماعيل بْن أَبِي بَكْر بْن عبد الجبّار النّاقديّ، الجراحيّ، المَرْوَزِيّ، السّاسيانيّ، [المتوفى: 541 هـ]
وساسيان: محلَّة بمرْو.
شيخ صالح، قرأ عَلَيْهِ أبو سعد السّمعانيّ " صحيح البخاريّ " بسماعه من أَبِي الخير محمد بْن موسى الصّفّار، وقال: تُوُفّي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين.(11/791)
44 - محمد بْن الحسن بْن محمد بْن سَوْرة، أبو بَكْر التميمي، النيسابوري. [المتوفى: 541 هـ][ص:792]
سَمِعَ: الفضل بْن أَبِي حرب، وأحمد بْن سهل السّرّاج، وابن خَلَف، تُوُفّي في جُمادَى الأولى.(11/791)
45 - محمد بْن طِراد بْن محمد بْن علي، أبو الحسن العبّاسيّ، الزَّيْنَبيّ، [المتوفى: 541 هـ]
نقيب الهاشميّين ببغداد.
سَمِعَ: عمّه أبا نصر، وأباه، وأبا القاسم ابن البُسري، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ، وهو أخو الوزير أَبِي القاسم عليّ، وُلِد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وكان كثير الحج، صدرًا، رئيسا، مسنِدًا.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وأبو أحمد ابن سُكَيْنَة، وعمر بْن طبَرزد، وجماعة، وبالإجازة أبو القاسم بْن صَصْرى، وتُوُفّي في شعبان، ودُفن بداره بباب الأزَج، وبقي في النّقابة ثمان عشرة سنة.(11/792)
46 - محمد بْن علي بْن عبد الله، أبو بكر الكِشمَردي. [المتوفى: 541 هـ]
سمع: الحسين ابن البسري، وثابت بن بُندار، وعنه: أبو سعد ابن السمعاني، وابن عساكر في مُعجميهما، وكان رجلا صالحًا، تُوُفّي في رجب ببغداد.(11/792)
47 - محمد بْن عليّ بْن عبد الله، الإمام أبو عبد الله العراقي، البغداديّ، [المتوفى: 541 هـ]
نزيل البَوَازيج.
من كبار أئمَّة الشّافعيَّة القائمين عَلَى المذهب، تفقّه عَلَى: إلْكِيا الهرّاسيّ، وأبي حامد الغزاليّ، وأبي بَكْر الشّاشيّ، وأخذ عَنْ: أَبِي الوفاء بْن عقيل، وأبي بَكْر بْن المظفّر الشّاميّ، لقيه المحدث أبو الفوارس الحسن بن عبد الله بن شافع الدمشقي بإربل، وسمع منه جزءًا ومَقَاطع مِن شِعْره، وكان العراقيّ قد قدِم إرْبِلَ لحاجة.
مولده في حدود الثمانين وأربعمائة، وبقي إلى بعد الأربعين وخمسمائة.(11/792)
48 - محمد بْن عليّ بْن محمد، أبو جعفر المروزي، الدزقي. [المتوفى: 541 هـ]
فقيه، صالح، معمَّر، أخذ عَنْ: أَبِي القاسم الدَّبُّوسيّ، وعنه: السّمعانيّ، وغيرة.(11/792)
49 - محمد بن فضل الله، أبو الفتح بن مخمج البنجديهي، الفقيه، العابد. [المتوفى: 541 هـ]
سمع من: أبي سعيد البغوي الدباس، ومات ببنج ديه في جمادى الآخرة عَنْ ثلاثٍ وسبعين سنة.
أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ.(11/793)
50 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو الفتح النَّيْسابوريّ، الخشّاب، الكاتب. [المتوفى: 541 هـ]
سمع: أبا القاسم بن هوازن القُشيري، وفاطمة بِنْت أَبِي عليّ الدّقّاق، والفضل بْن المحبّ.
قَالَ أبو سعد: لِقيته بأصبهان، وله شعرٌ رائق، وخطّ فائق.
قلت: هو آخر من حدَّث بأصبهان عَن القُشَيريّ وزوجته بِنْت الدّقّاق.(11/793)
51 - محمد بْن محمد بْن أحمد بْن أحمد بن محمد ابن السّلّال، أبو عبد الله الكَرْخيّ، الورّاق، الحبّار. [المتوفى: 541 هـ]
كَانَ يبيع الحبر في دكّان عند باب النُّوبيّ، سَمِعَ: أبا جعفر ابن المسلمة، وعبد الصمد ابن المأمون، وجابر بْن ياسين، وأبي بَكْر بْن سياوش الكازَروني، وأبي الحسن ابن البيضاوي، وأبي علي بن وشاح، وتفرّد بالرواية عَنْ هَؤُلّاءِ الثّلاثة، وطال عمره، وتفرد، وُلِد في رمضان سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ في خُلُقه زَعارَّة، وكنا نسمع عليه بجهد، وهو بيتهم، معروف بالتّشيُّع.
قَالَ أبو بَكْر محمد بْن عبد الباقي: بيت السّلّال معروف في الكرْخ بالتشيّع.
وقال الحافظ ابن ناصر: كنت أمضي إلى الجمعة وقد ضاق وقتها، فأراه على باب دكانه فارغ القلب، لَيْسَ عَلَى خاطره من الصّلاة شيء. [ص:794]
قلت: روى عنه: ابن السمعاني، وعمر بن طبرزد، وأبو الفرج ابن الجوزيّ، ومحمد بْن أَبِي عبد الله بْن أبي فتح النهرواني، ومحمد بن عَبد الله البروجِردي، وسليمان المَوْصليّ، وأخوه عليّ، والنّفيس بْن وهبان، وآخرون، وتوفي في جُمادى الأولى، وله أربعٌ وتسعون سنة، وروى عَنْهُ بالإجازة أبو منصور بْن عُفَيْجة، وأبو القاسم بْن صَصرى.(11/793)
52 - محمد بْن محمد بْن الفضل بْن دلّال، أبو منصور الشَّيْبانيّ، الباجِسرائي، ثمّ البغداديّ، الحافظ. [المتوفى: 541 هـ]
سَمِعَ الكثير، وقرأ، وكتب، وعُني بهذا الشّأن وكان سريع القراءة، جيّد التّحصيل، سَمِعَ: طِراد بْن محمد، وابن البَطِر، وطبقتهما، روى عَنْهُ: أبو اليُمن الكِنْديّ، تُوُفّي في شعبان وله إحدى وثمانون سنة.
ذكره ابن النجار.(11/794)
53 - محمد بن محمد بن علي، أبو عامر العكي الشاطبي، ويعرف بابن مُنْكَرَال. [المتوفى: 541 هـ]
روى عن أبي الحسن ابن الدوش، وأبي عمران بن أبي تليد، وأبي محمد الركلي، وأبي علي الصدفي، وجماعة سواهم.
قَالَ أبو عبد الله الأَبَّار: كَانَ ثقة، صالحا، أخباريا، عالما. أدب باللغة والعربية، روى عنه القاضي أبو بكر بن مفوز وغيره.(11/794)
54 - المبارك بْن أحمد بْن محبوب، أبو المعالي المحبوبيّ، [المتوفى: 541 هـ]
أخو أَبِي عليّ البغداديّ.
سَمِعَ من: طِراد الزَّيْنَبيّ، ونصر بْن البَطِر، وجماعة، وكان شيخًا صالحًا، خيّرًا، تُوُفّي في نصف رجب.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابن الجوزيّ.(11/794)
55 - المبارك بن المبارك بن أحمد بن الحَسَن بن كيلان، أبو بَكْر الكيْلانيّ، السِّقلاطوني، البابَصري، [المتوفى: 541 هـ]
من أهل باب البصْرة. [ص:795]
من أهل السّتْر والصَّلاح، سَمِعَ: أَبَاهُ، وثابت بْن بُندار، وتُوُفّي في رجب وقد قارب السّتّين.(11/794)
56 - مسلم بْن الخضِر بْن قسيم، أبو المجد الحَمَويّ، [المتوفى: 541 هـ]
من شعراء نور الدّين.
لَهُ ذكر في " الخريدة ".
فمن شعره:
أهلًا بطَيْف خيالٍ جاءني سَحَرًا ... فقمت واللّيل قد شابتْ ذوائبُه
أقبّل الأرضَ إجلالًا لزَوْرَتهِ ... كأنّما صدقتْ عندي كواذبُه
ومودع القلب من نار الجوى حرقا ... قضى بها قبل أن تُقضى مآربُه
تكاد من ذِكر يوم البَين تحرقُه ... لولا مدامع أنفاسٌ تُغالبه(11/795)
57 - مسعود بن أبي غالب ابن التُرَيكي السّقْلاطُونيّ. [المتوفى: 541 هـ]
سَمِعَ: محمد بْن عبد الواحد الأزرق في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، روى عنه: عمر بن طبَرْزَد، سمع منه في هذا العام، بقراءة أخيه أَبِي البقاء محمد.(11/795)
58 - المفضَّل بْن أحمد بْن نصر بْن عليّ بْن أَبِي الحُسين أحمد بْن محمد بْن فاذشاه، أبو عبد الله الأصبهانيّ. [المتوفى: 541 هـ]
سَمِعَ: أبا عبد الله الثّقفيّ، وأبا بَكْر بْن ماجة الأَبْهَرِيّ، وتُوُفّي بهَمَذَان في جُمادى الأولى، كتب عَنْهُ: الحافظ أبو سعد، وعبد الخالق بْن أسد.(11/795)
59 - المَهدي بْن هبة اللَّه بْن مَهْدِيّ، أبو المحاسن الخليليّ، القَزْوينيّ. [المتوفى: 541 هـ]
إمامٌ، زاهد، عابد، ورِع، قوّال بالحقّ، نزل بنواحي مَرو، وقد تفقّه ببغداد عَلَى أسعد المَيهني، وقرأ " المقامات " بالبصْرة عَلَى المصنِّف، ثمّ تزهّد، وصحِب يوسف بْن أيّوب مدة، روى عنه: أبو سعد السمعاني حديثا عَنْ محيي السُنّة البَغَويّ.
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة، وتوفي بقرية جيرنج في شعبان.(11/795)
60 - نصر بن أسعد بن سعيد بْن فضل اللَّه بْن أحمد المَيهني، الصُّوفي. [المتوفى: 541 هـ][ص:796]
سمع: أبا الفضل محمد بْن أحمد العارف في سنة بضعٍ وستّين، أخذ عَنْهُ: أبو سعد، وقال: مات في المحرَّم.(11/795)
61 - وجيه بْن طاهر بْن محمد بْن محمد بن أحمد بن يوسف بن محمد بن المَرزبان، أبو بَكْر الشّحّاميّ، [المتوفى: 541 هـ]
أخو زاهر.
من بيت الحديث والعدالة بنَيْسابور، رحل بنفسه إلى هَراة وإلى بغداد، ومولده في شوّال سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة.
سمع: أبا القاسم القُشيري، وأبا حامد الأزهري، وأبا المظفَّر محمد بن إسماعيل الشجاعي، وأبا نصر عبد الرحمن بْن محمد بْن موسى التّاجر، ويعقوب بْن أحمد الصَّيْرفيّ، وأبا صالح المؤذّن، ووالده أبا عبد الرحمن الشّحّاميّ، وشيخ الحجاز عليّ بْن يوسف الجُوَيني، وشبيب بْن أحمد البَسْتيغيّ، وأبا سهل الحفْصيّ، وأبا المعالي عمر بن محمد بن الحسين البِسطامي، وأخته عائشة بِنْت البسْطاميّ، ومحمد بْن يحيى المزكي، وأبا الحسن علي بن أحمد الواحدي ومحمد بن عبيد الله الصرام وعبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري، وأبا القاسم إسماعيل بْن مَسعدة الإسماعيليّ، وطائفة بنيسابور، وبهَراة: شيخ الإسلام أبا إسماعيل، وبِيبي الهَرثَمية، وعاصم بْن عبد الملك الخليليّ، وأبا عطاء عبد الرحمن بن محمد الجوهري، وأبا العلاء صاعد بْن سيّار، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، وعطاء بْن الحسَن الحاكم، وجماعة بهَراة، وعبد الرحمن بْن محمد بْن عفيف البُوشَنْجيّ، وأبا سعد محمد بْن محمد الحجْريّ ببوشنج، وأبا نصر محمد بْن محمد الزَّيْنبيّ، وأبا الحسين العاصمي ببغداد، وأبا نصر محمد بْن وَدعان الموصليّ بالمدينة.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وأبو الفضل محمد بْن أحمد الطّبَسي، ومحمد بن فضل الله السالاري، ومنصور الفراوي، والمؤيَّد الطُّوسيّ، وزينب الشَّعْرِيَّة، ومجد الدّين سعيد بْن عبد الله بْن القاسم الشّهْرُزُوريّ، والقاسم بْن عبد الله الصّفّار، وأبو النّجيب إسماعيل بن عثمان القارئ، وأبو سعد عبد الواحد بْن عليّ بْن حمُّوَيْه الجُويني، وآخرون. [ص:797]
قال ابن السمعاني: كتبت عنه الكثير، وكان يُملي في الجامع الجديد بنَيْسابور كلّ جمعة في مكان أخيه زاهر، وكان كخير الرجال، متواضعًا، ألُوفًا، متودّدًا، دائم الذِّكر، كثير التّلاوة، وصُولًا للرحِم، تفرَّد في عصره بأشياء، ومرض أسبوعًا، وتُوُفّي في ثامن عشر جُمادى الآخرة، ودُفن بجنب أبيه وأخيه.(11/796)
62 - يحيى بْن خَلَف بْن النّفيس، أبو بَكْر، المعروف بابن الخَلوف، الغَرْناطيّ، المقرئ، الأستاذ. [المتوفى: 541 هـ]
لقي من القراء: أبا الحسن العبْسيّ، وخازم بْن محمد، وأبا بكر بن المفرّج البطليوسي، وأبا القاسم ابن النخاس، وأبا الحسن بْن كرز، وعيّاش بْن خَلَف، ومن المحدّثين: ابن الطّلّاع، وأبا عليّ الغسّانيّ، وأبا مروان بْن سرّاج، فسمع من بعضهم، وأجاز لَهُ سائرهم، وحجّ فسمع " صحيح مسلم " بمكَّة من أَبِي عبد الله الحسين الطَّبَريّ، ودخل العراق فسمع من: أَبِي طاهر بْن سِوار المقرئ، وبالشّام من أَبِي الفتح نصر بْن إبراهيم المقدسيّ.
وأقرأ النّاس بجامع غَرْناطَة زمانًا، وطال عُمره، واشتهر اسمه وحدَّث، وأقرأ القراءات، وكان بارعًا فيها، حاذِقًا بها، مَعَ التّفنُّن، والحِفْظ، ومعرفة التفسير، والجلالة والحُرمة.
حدَّث عَنْهُ: أبو عبد الله النُّميريّ - ويقول فيه: يحيى بْن أَبِي سعيد - وأبو بَكْر بْن رزق، وأبو الحَسَن بْن الضّحّاك، وأبو عبد الله محمد بْن عبد الرحيم بْن الفَرَس، وابنه عبد المنعم بْن محمد، وابنه عبد المنعم بْن يحيى بْن الخَلوف، وأبو القاسم القَنْطريّ، وأبو محمد بْن عُبيد الله الحَجري، وأبو عبد الله بن عروس.
وتُوُفّي بغَرْناطة في آخر العام، وكان مولده في أول سنة ست وستين وأربعمائة.
ترجمه الأبّار. [ص:798]
ومن بقايا الرُّواة عَنْهُ: أحمد بْن عبد الودود بْن سمجون، بقي إلى سنة ثمانٍ وست مائة.(11/797)
63 - يحيى بْن زيد بْن خليفة بْن داعي بْن مَهدي بْن إسماعيل، أبو الرِّضا العَلَويّ، الحَسني، السّاويّ، [المتوفى: 541 هـ]
شيخ الصُّوفيَّة بساوة.
ديّن صالح، خيّر، متودد، متواضع، نبيل، سَمِعَ بأصبهان: أبا سعد المطرِّز، وأبا منصور بْن مَندويه، وأبا عليّ الحّداد، وتُوُفّي في شعبان عَنْ بضعٍ وسبعين سنة.
روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ.(11/798)
64 - يحيى بْن عبد الله بْن أَبِي الرجاء محمد بْن عليّ التّميميّ، أبو الوفاء الأصبهانيّ. [المتوفى: 541 هـ]
تُوُفّي في الخامس والعشرين من رمضان، وكان فاضلًا، قاضيا، نبيلًا، معدَّلًا، عالِمًا بالشّروط، روى عَنْهُ: أبو موسى المَدِينيّ، والسّمعانيّ، سَمِعَ: أَبَاهُ، وعَبْد الجبّار بْن عَبْد اللَّه بْن بُرزة، وأبا طاهر النّقّاش.(11/798)
65 - يحيى بْن موسى بْن عبد الله، أبو بكر القُرطبي. [المتوفى: 541 هـ]
روى عَنْ: محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ، وكان رجلًا صالحًا، خيرا، طاهرًا، مُقبلًا عَلَى ما يعنيه.
روى عَنْهُ ابن بَشكوال " فوائد أَبِي الحسن بْن صخْر "، بسماعه من عبد العزيز بْن أَبِي غالب القَرَويّ، عَنْهُ، وقال: تُوُفّي في عقِب صفر.(11/798)
-سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة(11/799)
66 - أحمد بْن الحُصين بْن عبد الملك بْن عطاف، القاضي، أبو العبّاس العُقيلي، الجيّانيّ. [المتوفى: 542 هـ]
طلب العلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وهذا يندُر في المغاربة، ورحل إلى قُرْطُبة، فسمع من: أَبِي محمد بْن عَتّاب، وأبي الأصْبَغ بْن سهل، وسمع بإشبيلية من: أبي القاسم الهَوزَني، وسكن غَرْناطَة، وأفتى بها، وحدَّث، روى عَنْهُ: أبو محمد بْن عُبيد اللَّه الحَجري.(11/799)
67 - أحمد بْن عَبْدُ اللَّهِ بْن عَلِيِّ بْن عَبْدِ اللَّهِ، أبو الحسن بن أبي محمد ابن الآبنوسي، البغدادي، الفقيه الشّافعيّ، الوكيل. [المتوفى: 542 هـ]
وُلِد سنة ستٍّ وستّين وأربعمائة، وسمع: أبا القاسم ابن البُسري، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وإسماعيل بْن مَسعدة الإسماعيليّ، وعاصم بْن الحَسَن، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، ورزق اللَّه، وجماعة كثيرة، وتفقّه عَلَى القاضي محمد بْن المظفَّر الشّاميّ، وعلى أَبِي الفضل الهَمَذَانيّ، ونظر في عِلْم الكلام والاعتزال، ثم فتح اللَّه لَهُ بحسن نيّته، وصار من أهل السُّنة.
روى عَنْهُ: بنته شرف النّساء وهي آخر من حدَّث عَنْهُ، وابن السمعاني، وابن عساكر، وأبو اليُمن الكِندي، وسليمان الموصليّ، وآخرون.
قال ابن السمعاني: فقيه، مُفتٍ، زاهد، يعرف المذهب والفرائض، اعتزل عن الناس، واختار الخمول، وترك الشهرة، وكان كثير الذِّكر، دخلت عليه فرأيته على طريقة السلف من خشونة العيش، وترك التكلف.
وقال ابن الجوزي: صحب شيخنا أبا الحسن ابن الزاغوني، فحمله على السُنّة بعد أن كَانَ مُعْتزليًّا، وكانت لَهُ اليد الحسَنة في المذهب، والخلاف، والفرائض، والحساب، والشُّروط، وكان ثقة، مصنّفًا، عَلَى سَنَن السَّلَف، وسبيل أهل السُّنة في الاعتقاد، وكان يُنابذ مَن يخالف ذَلكَ من المتكلفين، وله أذْكار وأوراد من بكرةٍ إلى وقت الظُّهْر، ثم يُقرأ عَلَيْهِ من بعد الظّهر، [ص:800] وكان يلازم بيته، ولا يخرج أصلًا، وما رأيناه في مسجد، وشاعَ أنّه لا يصلّي الجمعة، وما عرفنا عذره في ذَلكَ، وتُوُفّي في ثامن ذي الحجَّة.
قلت: وأجاز لأبي منصور بْن عُفيجة، ولأبي القاسم ابن.(11/799)
68 - أحمد بْن عبد الخالق بْن أَبِي الغنائم الهاشميّ، أبو العبّاس. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ مجلسًا من طِراد، روى عَنْهُ: الفضل بْن عبد الخالق الهاشميّ.(11/800)
69 - أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الباري، أبو جعفر البِطرَوجي، ويقال: البِطْرَوْشيّ بالشّين، الحافظ، [المتوفى: 542 هـ]
أحد الأئمَّة المشاهير بالأندلس.
أخذ عَنْ: أَبِي عبد الله الطَّلَّاعيّ، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الحسن العبْسيّ، وخازم بْن محمد، وخلف بن مدير، وخَلَف بْن إبراهيم الخطيب المقرئ، وجماعة، وأكثر عن أبي عبد الله الطّلاعي، وقرأ القرآن بقُرطبة عَلَى عيسى بْن خيرة، وناظر في " المدوَّنة " عَلَى عبد الصّمد بْن أَبِي الفتح العَبْدَريّ، وفي " المستخرَجة " عَلَى أَبِي الوليد بْن رشد، وعرض " المستخرجة " مرَّتين عَلَى أَصْبغ بْن محمد.
وأجاز لَهُ أبو المطرّف الشّعبيّ، وأبي داود المقرئ، وأبو عليّ بْن سُكّرة، وأبو عبد الله بْن عَوْن، وأبو أسامة يعقوب بْن عليّ بن حزم.
وكان إمامًا حافلا، عارفًا بمذهب مالك، بصيرًا به، حافظًا، محدّثًا، عارفًا بالرجال، وأحوالهم، وتواريخهم، وأيامهم، وله مصنَّفات مشهورة، وكان إذا سُئل عَنْ شيء فكأنّما الجواب عَلَى طَرَف لسانه، ويُورِد المسألة بنصّها ولفْظها لقوَّة حافظته، ولم يكن للأندلسيين في وقته مثله، لكنّه كَانَ قليل البضاعة من العربيَّة رثّ الهيئة، خاملًا لخفَّةٍ كانت به، ولذلك لم يلحق بالمشاورين، ولا ولّوه شيئًا من أمور المسلمين، وعسى ذلك كان خيرًا لَهُ - رحمه اللَّه -.
روى عَنْهُ " الموطّأ ": أبو محمد عبد اللَّه بن محمد بن عُبيد اللَّه الحَجْريّ، وخَلَف بْن بَشْكُوال الحافظ، وأخوه محمد بْن بَشْكُوال، وأبو الحسن محمد بن [ص:801] عبد العزيز الشّقوري، ومحمد بن إبراهيم ابن الفَخّار، ويحيى بْن محمد الفِهري البَلَنْسيّ، وخلْق سواهم.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ من أهل الحِفْظ للفقه، والحديث، والرجال، والتّواريخ، مقدَّمًا في ذَلكَ عَلَى أهل عصره، وتُوُفّي لثلاثٍ بقين من المحرَّم.
وهو قُرْطُبيّ، أصله من بِطروش.(11/800)
70 - أحمد بْن أَبِي الحسن بْن الباذِش، الإمام أبو جعفر بْن عليّ بْن أحمد بْن خَلَف الأنصاريّ، الغَرْناطيّ. [المتوفى: 542 هـ]
روى عَنْ: أبيه، وأبي عليّ الصَّدفّي، وابن عَتّاب، وطبقتهم فأكثر، وتفنّن في العلم وكان من الحفاظ الأذكياء، خطب بغَرْناطَة، وحمل الناس عنه، واشتهر اسمه.
مات سنة اثنتين وأربعين ببلده كهلًا أو في أول الشّيخوخة.(11/801)
71 - أحمد بْن عليّ بْن عبد الواحد، أبو بَكْر ابن الأشقر البغداديّ، الدّلّال. [المتوفى: 542 هـ]
وُلِد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وسمع: أبا الحسين ابن المهتديّ بالله، وأبا محمد الصَّرِيفينيّ، وأبا نصر الزينبي.
روى عَنْهُ: أبو سعد السَّمعانيّ، وعمر بْن طَبرزد، وأبو بَكْر محمد بن المبارك بن مشق، وعبد الله بن يحيى ابن الخراز الحريمي، وعمر بْن الحسين بْن المِعوجّ، وتُرْكُ بْن محمد العطّار، وفاطمة بِنْت المبارك بْن قَيداس، وإسماعيل بْن إبراهيم السّيبيّ الخبّاز، وأحمد بْن سلمان بن الأصفر، وعبد الملك بْن أَبِي الفتح الدّلّال، وآخرون.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: كَانَ خيِّرًا، صحيح السّماع، تُوُفّي في ثامن صفر.(11/801)
72 - أحمد بْن عليّ بْن أحمد بْن يحيى بْن أَفْلَح بْن زرقون بْن سحْنُون، المُرسي، الفقيه، المالكيّ، المقرئ. [المتوفى: 542 هـ][ص:802]
أخذ القراءات عن: أبي داود، وابن البياز، وابن أخي الدّوش، وسمع من: أبي عبد اللَّه محمد بن الفرج الطلاعي، وأبي علي الغساني. وقرأ لورش على أبي الحسن ابن الجزار الضرير صاحب مكّيّ، وتصدَّر للإقراء بالجزيرة الخضراء، وأخذ النّاس عَنْهُ، وكان فقيهًا، مشاوَرًا، حافظًا، محدّثًا، مفسّرًا، نَحْويًّا.
روى عَنْهُ: أبو حفص بْن عذرة، وابن خَيْر، وأبو الحسن بْن مؤمن، وجماعة آخرهم موتًا أحمد بْن أَبِي جعفر بْن فطَيس الغافِقيّ، طبيب الأندلس، وبقي إلى سنة ثلاث عشرة وست مائة.
تُوُفّي في ذي القعدة سنة اثنتين، وقيل: تُوُفّي في حدود سنة خمسٍ وأربعين.(11/801)
73 - أحمد بْن محمد بْن عبد الرحمن بْن حاطب، أبو العبّاس الباجيّ. [المتوفى: 542 هـ]
كَانَ رأسًا في اللّغة والنَّحْو، مَعَ الصَّلاح والزُّهد، أخذ عَنْ: عاصم بْن أيّوب، وجماعة، وعاش نحوًا من ثمانين سنة - رحمه اللَّه -.(11/802)
74 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز، أبو البقاء ابن الشّطْرَنْجيّ، البغداديّ، العُمريُّ. [المتوفى: 542 هـ]
كَانَ يكتب العمر مجاورًا بمكَّة.
سَمِعَ: مالكًا البانياسيّ، وأبا الحَسَن الأنباريّ، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، روى عَنْهُ: محمد بْن معمَّر بْن الفاخر، وثابت بْن محمد المَديني.
تُوُفّي في رمضان أو في شوال بمكة.(11/802)
75 - أحمد بْن محمد بْن غالب، أبو السّعادات، العُطاردي، الكَرْخيّ، الخزّاز، البيِّع. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ: عاصم بْن الحَسَن، وأبا يوسف القَزْوينيّ، المعتزليّ، وجماعة، وعنه: أحمد بْن عليّ بْن حَراز، ويوسف بْن المبارك الخفّاف، وله شِعر مليح، ومعرفة بالكلام. [ص:803]
عاش ثمانيًا وثمانين سنة(11/802)
76 - أحمد بْن محمد بْن محمد، أبو المعالي بْن أَبِي اليُسر البخاريّ، الفقيه. [المتوفى: 542 هـ]
تفقَّه عَلَى والده، وسمع منه، ومن غيره وأفتى وناظر وأملى الحديث، وكان حسن السيرة، توفي في وسط السنة بسرخس، وحُمل إلى بخارى.(11/803)
77 - أحمد بْن ما شاء اللَّه، أبو نصر السِّدري. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ: أبا الفضل بْن خَيرون، وحدَّث، وكان مستورًا من أهل القرآن والسُنّة ببغداد، وتُوُفّي في ثالث صَفَر.
روى عَنْهُ: المبارك بْن كامل، ومحمد بْن حسين النهرواني.(11/803)
78 - إبراهيم بن أحمد بْن خَلَف بْن جماعة بْن مَهْديّ، أبو إسحاق البكْريّ، [المتوفى: 542 هـ]
بَكْر بْن وائل، من الأندلس، من أهل دانية.
سَمِعَ: أبا داود المقرئ، ومحمد بن يوسف بن خلصة، وأبا عليّ الصَّدَفيّ، وولي قضاء بلده سنة تسع وعشرين، وعُزل سنة ثلاثين وخمسمائة، وولي قضاء شاطبة مدَّة.
وكان حَسَن السّيرة، ثقة، معتنيًا بالحديث.
روى عَنْهُ: أبو عُمَر بْن عيّاد، وعليم بْن عبد العزيز، وأبو بَكْر بْن مفوَّز، وتُوُفّي في رجب، وغسّله وصلّى عَلَيْهِ أبو عبد الله بْن سعيد الدّانيّ، وكان مولده في سنة ثلاثٍ وستّين وأربعمائة.(11/803)
79 - إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين اللّمْتُونيّ. [المتوفى: 542 هـ]
ولي نيابة مَرّاكُش لأخيه تاشفين، وهو صبيّ حدَث، فقُتل أخوه سنة تسعٍ وثلاثين، فانضمّت العساكر إلى هذا وملّكوه، فقصده عبد المؤمن، وحاصر مَرّاكُش أحَدَ عشر شهرًا، ثمّ أخذها عَنْوةً لمّا اشتدّ بها القحط، وأخرج إسحاق إلى بين يدي عبد المؤمن، فعزم أن يعفو عَنْهُ لأنّه دون البلوغ، فلم توافق خواصُّه، فخلّى بينهم وبينه، فقتلوه، وقتلوا معه سير بن الحاجّ أحد الشّجعان [ص:804] المذكورين، وكان إسحاق آخر ملوك بني تاشفين.(11/803)
80 - أسعد بْن عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمد، أَبُو منصور ابن المهتدي بالله. [المتوفى: 542 هـ]
شيخ جليل، شريف، مُعَمَّر، وُلِد سنة بضعٍ وثلاثين وأربعمائة، وكان يمكنه السّماع من أَبِي طالب بْن غَيْلان، وابن المُذهِب، ثمّ كَانَ يمكنه أن يسمع بنفسه من أَبِي الطَّيِّب الطَّبَريّ، والجوهريّ، وإنّما سَمِعَ وقد تكهَّل من: طِراد الزَّيْنَبيّ، وطاهر بْن الحسين، وهو أخو الشّيخ أَبِي الفضل محمد شيخ الكِندي.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ بهيّ المنظر، أضرَّ في آخر عمره، وكان منسوبًا إلى الصّلاح.
قَالَ ابن الجوزيّ في كتاب " المنتظم ": كَانَ النّاس يُثنون عَلَيْهِ.
وقال ابن السّمعانيّ: قَالَ لي: حَمَلوني إلى أَبِي الحسن القزويني، فمسح بيده عَلَى رأسي، فمن ذَلكَ الوقت ما أوجعني رأسي ولا اعتراني صُداع، ورأيته أنا منتصب القامة في هذا السّنّ.
قلت: روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد، وعمر بن طَبرْزد، ويوسف بن المبارك الخفّاف، وغيرهم، وتُوُفّي في رمضان، وله مائة وبضعُ سِنين.
قَالَ ابن الْجَوزيّ: وُلِد سنة ثلاثٍ أو أربع وثلاثين وأربعمائة.
وقال عبد المغيث بْن زُهير: أنشدني أسعد بن عبد الله ابن المهتدي بالله، قال: سَمِعْتُ أبا الحسن القَزْوينيّ يُنشد:
إنّ السلامة في السُّكُوتِ ... وفي مُلازمة البيوت
فإذا تحصّل ذا وذا ... فاقنع إذًا بأقلّ قُوت(11/804)
81 - بهروز، شحنة بغداد مدة طويلة. [المتوفى: 542 هـ]
هلك في هذه السنة، وكان ظلوما، وكان من جهة السلطان، ولي بضعا وثلاثين سنة.(11/804)
82 - دَعوان بْن عليّ بْن حمّاد بْن صدقَة، أبو محمد الجُبّي، الضّرير، المقرئ. [المتوفى: 542 هـ]
وُلِد بجُبّة، قرية في طريق خراسان من بغداد، في سنة ثلاثٍ وستّين، وقدِم بغداد، وسمع من: رزق اللَّه التّميميْ، ونصر بْن البَطِر، وجماعة، وقرأ القراءات عَلَى: عبد القاهر العبّاسيّ، وأبي طاهر بْن سِوار، وتفقّه عَلَى أَبِي سعد المخرَّميّ.
وحدّث، وأقرأ، وأفاد الناس، وكان معيد الخلاف بين يدي أَبِي سعد شيخه، وكان خيّرًا، ديّنًا، مُتصونًا، عَلَى طريق السَّلَف.
تُوُفّي في السّادس والعشرين من ذي القعدة.
قرأ عَلَيْهِ: منصور بْن أحمد الحميلي الضّرير، وجماعة.
وقال عبد الله بْن أَبِي الحسن الجُبّائي: رَأَيْت دَعْوان في النّوم، فقال: عُرضت عَلَى اللَّه خمسين مرَّة، وقال لي: إيش عملتَ؟ قلت: قرأت القرآن وأقرأته، فقال لي: أنا أتولاك، أنا أتولاك.(11/805)
83 - ذَكْوان بْن سيّار بْن محمد بْن عبد الله، أبو صالح الهَروي، الدّهّان، [المتوفى: 542 هـ]
أخو أَبِي العلاء صاعد بْن سيّار الحافظ.
سمّعه أخوه مِن محمد بْن أَبِي مسعود الفارسيّ أجزاء يحيى بْن صاعد، وكان يُلقَّب بأميرجَهْ، روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وأبو رَوح الهَرَويّ، وبالإجازة أبو المظفّر ابن السمعاني.
توفي في السابع من ذي الحجة.(11/805)
84 - سعد بْن خَلَف بْن سعيد، أبو الحسن القُرْطُبيّ، المقرئ. [المتوفى: 542 هـ]
أخذ القراءات عن: أبي القاسم ابن النخاس، وغيره، وسمع من: أَبِي عبد الله الطّلّاع، وخازم بْن محمد، وأبي عليّ الغسّانيّ، وجماعة، وتصدَّر للإقراء وتعليم النَّحْو، أخذ عَنْهُ: أبو عليّ والد الحافظ أَبِي محمد القُرْطُبيّ، [ص:806] وغيره، وقرأ عَلَيْهِ إبراهيم بْن يوسف المعاجريّ.(11/805)
85 - طاهر بن زاهر بن طاهر، أبو سعيد الشّحامي، النيسابوري، الشروطي. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف، وعبد الملك بْن عبد الله الدَّشْتيّ، مات في شوّال، وله ستون سنة.(11/806)
86 - طلحة الأندلسي. [المتوفى: 542 هـ]
أحد الأبطال الموصوفين، جاء إلى الموحّدين وخَدَمهم، ثمّ نفَّرته أخلاقهم، فكان يأخذ المائة راجل فيغير بها على تينملل، وينْكي فيهم، وكان شَهْمًا شجاعًا، فهابته المصامدة، ثمّ كَانَ في حصار مَرّاكُش بها، فلمّا افتتحها عبد المؤمن وبذل فيها السّيف تطلَّبَ طلحة فوجدوه في برج، فقاتل حتّى قتل جماعة، فأتوه بأمانٍ بخطّ عبد المؤمن، فسلَّم نفسه، وأتوا به، فقال أبو الأحسن، شيخ من العشرة: أَنَا أتقرَّب بدمه، فقال طلحة: ألم يَنْهكم المهديّ عَنْ إضاعة المال، وعليَّ ما يساوي مالًا كثيرًا، وقد أمركم المهديّ، فكيف تفسدوه بالدم، فقال أبو الأحسن: حلوا كتافه وجرّدوه، فأخرج في الحال سكّينًا من قلنسيته، ووثب بها عَلَى أَبِي الأحسن والسّيف في يده، فلم يُغنِ عَنْهُ، وقتله طلْحة، فقتلوه، وماتا جميعًا.(11/806)
87 - عبد الله بْن أحمد بْن عُمَر، أبو محمد القيسي، المالقي، المعروف بالوحيدي، القاضي. [المتوفى: 542 هـ]
روى عَنْ: أَبِي المطرّف الشّعبيّ، وأبي الحسن العَبْسيّ، وأبي عليّ الغسّانيّ، وكان من أهل العلم والفهم، ولي قضاء مالقة مدة حُمد فيها، وتوفي عَنْ بضْعٍ وثمانين سنة.
قَالَ فيه اليَسَع بن حزم: طودٌ علا، أظهره بسوقه، وعلق فضل نفقت أبدًا سوقُه، فلا تُعجزه المَحَاضر، ولا يقطعه المُحاضر، فمن ذا الّذي يجاريه [ص:807] في الحديث والسُّنَن، ومعرفة الصّحيح والحَسَن، كنّا نقرأ عَلَيْهِ " صحيح مسلم "، فيُصلحه من لفْظه، ونجد الحق موافق حفظه، وإذا وقع غريب ذَكَر اختلاف المحدّثين فيها مَعَ اللُّغَويّين.(11/806)
88 - عبد الله بْن عبد المعزّ بن عبد الواسع بن عبد الهادي ابن شيخ الإسلام الأنصاريّ، أبو المعالي الهَروي. [المتوفى: 542 هـ]
شابٌ فاضل، مليح الوعظ، لم يكن في أهل بيته مثله في عصره، رَحَل بِهِ أَبُوهُ، وسمع " المُسنَد " من ابن الحُصين، وبمكَّة من: عبد الله بْن محمد بْن غزال، وبأصبهان من: فاطمة، وجعفر الثّقفيّ، وبهَراة من: أَبِي الفتح نصر بْن أحمد الحنفيّ.
كتب عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: سَمِعَ منّي الكثير، وخرج معي إلى بوشَنج، وكتبنا جميعًا، تُوُفّي في ربيع الأوّل، وله ثمان وثلاثون سنة.(11/807)
89 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن علي بن خلف، أبو محمد اللَّخْميّ، المعروف بالرُّشاطي، الأندلسيّ، المَرِيّيّ، الحافظ. [المتوفى: 542 هـ]
مصنِّف كتاب " اقتباس الأنوار والْتماس الأزهار في أنساب الصّحابة ورُواة الآثار "، وهو عَلَى أسلوب " الأنساب " لابن السمعاني.
وقد ذكرناه في الطبقة، وأنّه تُوُفّي في حدود الأربعين، ثمّ وقعتُ بوفاته في يوم الجمعة العشرين من جُمادى الأولى من سنتنا هذه، وأنّه استُشهد عند تغلّب العدو على المرية.(11/807)
90 - عبد الله بْن عليّ بْن سعيد، أبو محمد القَصْريّ، الشّافعيّ، الفقيه. [المتوفى: 542 هـ]
قَالَ ابن عساكر: أدرك أبا بَكْر الشّاشيّ، وأبا الحسن الهَرّاسيّ، وعلّق المذهب والأصول عَلَى أسعد الميهَني، وسمع: أبا القاسم بْن بَيَان، وجماعة، وقدِم دمشق، وسمعتُ درسه، وسمعتُ منه، وانتقل إلى حلب، وبها توفي.(11/807)
91 - عبد الله بْن محمد بْن سهل، أبو المعالي العدويّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 542 هـ][ص:808]
سَمِعَ بنَيْسابور: أبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا الحسن بْن الأخرم، مات في شعبان، أخذ عَنْهُ السّمعاني.(11/807)
92 - عبد الرحمن بْن طاهر بْن سعيد بْن أَبِي سعيد بْن أَبِي الخير، أبو القاسم المِيهَنيّ، [المتوفى: 542 هـ]
شيخ رباط البِسطامي ببغداد.
كَانَ لَهُ سُكُونٌ ووقار، سَمِعَ بنَيْسابور أبا المظفَّر موسى بْن عِمران، وأبا الحسن المَدِينيّ، وجماعة.
قال أخوه أبو الفضل أحمد بن طاهر: ولد أخي في سنة سبع وستين وأربعمائة.
وروى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره، تُوُفّي في ربيع الأوّل ببغداد.(11/808)
93 - عبد الرحمن بْن عليّ بْن الموفَّق، الفقيه، أبو محمد النُعَيمي، المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 542 هـ]
من جِلة فقهاء مَرْو، تفقّه عَلَى أَبِي المظفَّر السَّمْعانيّ، وسمع منه ومن أَبِي سعد عبد العزيز القاينيّ.
مات في ربيع الأوّل، أخذ عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ.(11/808)
94 - عبد الرحيم بْن محمد بن الفرج، أبو القاسم ابن الفَرَس الأنصاريّ، الغَرْناطيّ. [المتوفى: 542 هـ]
قرأ القرآن عَلَى موسى بْن سليمان، وطبقته، وقرأ الفقه عَلَى جماعة، وارتحل إلى أَبِي داود، وابن الدّوش فأخذ عنهما القراءات، سمع من جماعة، وتصدَّر للإقراء بجامع المَرِيَّة، ثمّ عاد إلى بلده ولازم الإقراء، والفُتيا، وخطَّة الشُّورَى، وارتحل إِلَيْهِ القرّاء، وانتفعوا بِهِ، وكان محقّقًا، عارِفًا بالقراءات وعلَلها.
روى عَنْهُ: ابنه أبو عبد الله، وأبو القاسم القَنْطريّ، وأبو العباس ابن اليتيم، وأبو جعفر بْن حَكَم، وأبو الحَجّاج الثغري.
فلمّا وقعتْ الفتنةُ في غَرْناطَة عند زوال الدولة اللمتونية سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، خرج إلى المُنَكَّب، فأقرأ بها إلى أن توفي في شعبان من، [ص:809] سنة اثنتين وله سبعون سنة - رحمه الله -.(11/808)
95 - عبد السيّد بْن عليّ بْن الطّيّب، أبو جعفر ابن الزيتوني الفقيه. [المتوفى: 542 هـ]
تفقّه عَلَى أَبِي الوفاء بْن عقِيل، ثمّ انتقل حنفيًّا، واتّصل بنور الهدى الزَّيْنبيّ، وقرأ عَلَيْهِ الفقه، وعلى خلَف الضّرير عِلم الكلام، وصار داعيةً إلى الاعتزال، ثمّ اشتغل عَنْ ذَلكَ بمشارفة المارستان، وتُوُفّي في شوّال.(11/809)
96 - عبد الملك بْن محمد بْن عُمَر التّميميّ الأندلسيّ، أبو مروان، من أهل المَرِيَّة، ويُعرف بابن ورد. [المتوفى: 542 هـ]
كان فقيهًا، مفتيًا، لقي: أبوي عليّ الغسّاني، والصّدَفيّ، وتُوُفّي في هذه السّنة ظنًا، قاله أبو عبد الله الأبّار.(11/809)
97 - عليّ بْن عبد السّيّد بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الْوَاحِدِ بْن أَحْمَدَ، أبو القاسم ابن العلامة أبي نصر ابن الصبّاغ، البغدادي، المعدْل الشّاهد. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ كتاب " السّبعة " لابن مجاهد من الصَّرِيفِينيّ، وسمع منه غير ذَلكَ، ومن: والده، وطِراد الزَّيْنبيّ، روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابن عساكر، وابن طبَرْزد، والمؤيَّد ابن الإخوة الأصبهانيّ، وآخرون.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ كبير، مُسِنّ، ثقة، صالح، صَدُوق، حَسَن السّيرة، وُلِد سنة إحدى وستين وأربعمائة، وتُوُفّي في رابع عشر جُمادى الأولى.
قلت: آخر من روى عَنْهُ بالإجازة أبو القاسم بْن صَصْرى.(11/809)
98 - عمّار بْن طاهر بْن عمّار بْن إسماعيل، أبو سعد الهَمَذَانيّ. [المتوفى: 542 هـ]
رحل في شبيبته، وتفرّج في مصر، والشّام، والعراق، وسمع بالقدس من مكّيّ بْن عبد السّلام الرُميلي كتاب " فضائل بيت المقدس "، قرأ عَلَيْهِ الكتاب أبو سعد السّمعانيّ بهَمَذَان، وبها مات في ذي القعدة عَنْ سنٍ عالية.(11/809)
99 - عُمَر بْن أحمد بْن حسين، أبو حفص الهَمَذَانيّ، الصُّوفيّ، الورّاق، المقرئ. [المتوفى: 542 هـ][ص:810]
سمع ببغداد من أبي الحسين ابن الطُّيوري، وبأصبهان من غانم البرجيّ، روى عَنْهُ: أبو القاسم ابن عساكر، وتُوُفّي بهَمَذَان في جُمادى الآخرة.(11/809)
100 - عُمَر بْن ظَفَر بْن أحمد، أبو حفص المَغَازِليّ، البغداديّ، المقرئ، المحدِّث. [المتوفى: 542 هـ]
وُلِد في سنة إحدى وستين وأربعمائة، وسمع: أبا القاسم ابن البُسري، ومالكًا البانياسيّ، وطِرادًا الزَّيْنبيّ، وابن البطِر، وخلقًا كثيرًا، روى عَنْهُ: ابن عساكر، وابن السّمعانيّ، وأبو اليُمن الكندي، وأبو الفرج ابن الْجَوْزيّ، وجماعة.
وطلب بنفسه: ونسخ، وحصّل وجوَّد القرآن، وقرأ بالروايات عَلَى: أحمد بْن عُمَر السَّمَرْقَنْديّ صاحب الأهوازيّ، قرأ عَلَيْهِ: يحيى بْن أحمد الأواني، وغير واحد.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، خيِّر، حَسَن السّيرة، صحِب الأكابر وخدَمهم، وهو قيّم بكتاب اللَّه، ختم عَلَيْهِ القرآن خلقٌ في مسجده، وكتبتُ عَنْهُ الكثير، وأظهر المبارك بْن كامل المفيد في الجزء السّادس من " المخلّصيّات "، سماع عُمَر عَلَى ورقة عتيقة، من أبي القاسم ابن البُسري، فشنّع أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ عَلَيْهِ، وقال: ما سَمِعَ عُمَر من ابن البُسري شيئًا، وذكر أنه رأى الطّبقة الّتي أثبت اسم عُمَر معهم، شاهدها في نسخة أخرى، وما كان اسم عمر معهم.
قال ابن السمعاني: وكان سِنّ عُمَر يحتمل ذَلكَ، فإنّ ابن البُسري مات ولعُمَر ثلاث عشرة سنة، تُوُفّي في حادي عشر شعبان.
وقد روى عَنْهُ بالإجازة عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/810)
101 - فاطمة خاتون، بِنْت السّلطان محمد بْن ملكشاه، [المتوفى: 542 هـ]
زَوْجَة أمير المؤمنين المقتفي.
تُوُفّيت في ربيع الآخر ببغداد، وعُمل لها العزاء ثلاثة أيّام، وجلس الأعيان.(11/810)
102 - الفضل بْن زاهر بْن طاهر الشّحّامي، أبو الفتح، [المتوفى: 542 هـ]
كبير الشهود بنَيْسابور.
سَمِعَ: نصر اللَّه الخشناميّ، وابن الأخْرم، عاش ثلاثًا وخمسين سنة.(11/811)
103 - محمد بْن أحمد بْن أَبِي الفتح حسن، أبو عبد الله الطّرائفيّ. [المتوفى: 542 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ، صالح، مستور، سَمِعَ " صفة المنافق " من أَبِي جعفر ابن المسلمة، وأجاز لَهُ: ابن المسلمة، وأبو الغنائم ابن المأمون، وأبو بكر الخطيب وغيرهم، كتبتُ عَنْهُ، وكان مولده تقريبًا في سنة خمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في ذي الحجَّة.
قلت: سَمِعَ منه الفتح بْن عبد السّلام الجزء المذكور، وهو آخر من روى عَنْهُ.(11/811)
104 - محمد بْن أحمد بْن طاهر، أبو بَكْر الإشبيليّ، القَيْسيّ. [المتوفى: 542 هـ]
أكثر عَنْ أَبِي عليّ الغسّانيّ، واختصّ بِهِ، وسمع من: عبد العزيز بْن أَبِي غالب القَيْروانيّ، وأبي الحسن العبْسيّ، وعُني بالحديث، أخذ عَنْهُ النّاس، وعمِّر دهرًا، وتُوُفّي في جُمادى الأولى وله ثلاثٌ وتسعون سنة.(11/811)
105 - محمد بْن أحمد بْن أبي بكر، أبو بكر الصّوفي، الخُراساني، النجار، الخوجاني، [المتوفى: 542 هـ]
نزيل بغداد وإمام رباط إسماعيل بْن أَبِي سعد.
سَمِعَ بمكة شيئًا سنة أربع وخمسمائة، روى عنه: عبد الخالق بن أسد، وأبو سعد السمعاني، وقال: كَانَ رفيقي في سفرة الشّام، وخرجنا صُحبةً إلى زيارة القدس، وما افترقنا إلى أن رجعنا إلى العراق، وكان نِعم الرّفيق، شيخ صالح، قيِّم بكتاب اللَّه، دائم البكاء، كثير الحزن، جاور بمكة مدة، توفي في ربيع الأوّل وله ثمانون سنة.(11/811)
106 - محمد بْن سعد بْن محمد بْن إبراهيم، أبو الفتح الأَسَدَابَاذيّ. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خلَف، وأبا المظفَّر موسى بْن عِمران، وأبا نصر عبد الله [ص:812] ابن الحسين بنَيْسابور، وكان يذكر أنّه سَمِعَ " الكامل " لابن عديّ، من كامل بْن إبراهيم الجنْديّ، عَنْ حمزة السَّهْميّ، عَنْهُ.
روى عَنْهُ: أبو سعد، وابنه أبو المظفَّر، وقال: تُوُفّي بمَرْو فِي جُمادى الْأولى.(11/811)
107 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن سَهْلُون، أبو السّعادات الصَّرِيفينيّ، [المتوفى: 542 هـ]
سِبط أَبِي محمد بْن هزارمَرد الصَّرِيفينيّ.
روى عَنْ جدّه، روى عَنْهُ: أحمد بْن الحسين العراقي نزيل دمشق، وأجاز لمحمد بْن يوسف الغَزْنوي في المحرَّم من هذا العام.
ولا أعلم متى مات.(11/812)
108 - محمد بْن عبد الغفّار بْن عبد السلام، أبو الفتح الغياثي، الماهاني، المروزي، الزمن. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ: أبا سعيد عبد الله بْن أحمد الطاهري، وعنه: السّمعانيّ، وقال: مات في عاشر جُمادى الأولى.(11/812)
109 - محمد بْن عَبْد الغفّار بْن محمد بْن سعيد، أبو الفضل القاساني، المعدَّل. [المتوفى: 542 هـ]
تُوُفّي بأصبهان في جُمادى الأولى، قاله أبو مسعود الحاجّيّ.
سَمِعَ ابن شكروَيْه.(11/812)
110 - محمد بْن عليّ بْن محمد بْن محمد بْن الطيب القاضي أبو عبد الله ابن الجُلابي، الواسطي، ويعرف بالمَغازلي. [المتوفى: 542 هـ]
سمّعه أبوه من: أَبِي الحسن محمد بْن محمد بْن مَخلَد الأزْديّ، والحَسَن بْن أحمد بْن موسى الغَندجاني، وأبي عليّ إسماعيل بْن محمد بْن كُماري، وأبي يَعلى عليّ بْن عبد الله ابن العلّاف، وأبي منصور محمد بْن محمد العُكبري قدِم عليهم، وجماعة، وسمع ببغداد من: أَبِي عبد الله الحُميدي، وأجاز لَهُ: أبو غالب بْن بِشران النَّحْويّ، وأبو بَكْر الخطيب، وأبو تمّام عليّ بْن محمد بْن الحسَن القاضي صاحب محمد بْن المظفَّر الحافظ. [ص:813]
وطال عُمره وتفرَّد في وقته، وكان مولده في سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ من بيت الحديث، متودّد إلى النّاس، حَسَن المجالسة، كَانَ ينوب عَنْ قاضي واسط، انحدرتُ إليه قاصدا في سنة ثلاثٍ وثلاثين، وسمعتُ منه الكثير، من ذَلكَ " مُسند الخلفاء الراشدين " لأحمد بْن سِنان، وكتاب " البِرّ والصِّلَةِ " لابن المبارك، يرويه عَن الغَندجاني، عَن المخلّص، وقدِم بغدادَ بعد العشرين وخمسمائة، وحدّث بها، وكان شيخنا أحمد ابن الأغْلاقيّ يرميه بأنّه ادّعى سماع شيءٍ لم يسمعه، وأمّا ظاهره فالصّدق والأمانة، وهو صحيح السَّماع والأصول.
قلت: وروى عَنْهُ أيضًا: أبو الفتح محمد بْن أحمد المَنْدائيّ، والحَسَن بْن مكّيّ المَرَندي، وأبو المظفَّر عليّ بْن عليّ بْن نغوبا، وأبو المكارم عليّ بْن عبد الله بْن فضل اللَّه بْن الجَلَخْت، وأبو بكر أحمد بن صدقة بن كليزا الغرافي، وآخرون، وتُوُفّي في رمضان.
والجُلابي: مختلَفٌ في ضمه وفتحه، فقال أبو طاهر ابن الأنماطي: قال لنا شيخنا أبو الفتح المندائي: هُوَ الجَلابي، بفتح الجيم بلا شكّ، فراجعتُه، فغضب، وقال: كان ينوب عن والدي في القضاء وأنا أخبَر بِهِ.
قَالَ ابن الأنْماطيّ: وسألت عَنْهُ الشّريفَ ابنَ عبد السّميع، فقال: لا أعرفه إلّا بالضّمّ، وتعجَّب من قول أَبِي الفتح.
قلت: والصّحيح الضّمّ، لأنّي رأيته مضبوطًا بخطّ والده عليّ في غير موضع فيما جمعه من " ذيل تاريخ واسط "، وبخطّ جماعة في طباق السّماع لهذا التّاريخ عَلَى مؤلّفه بالضّمّ، وكذا قيّده ابن نُقْطَة، وغيره، ولم يذكروا فيه خلافًا.
فأمّا الجَلابي بالفتح، فهو: أبو سعيد أحمد بن علي. فقيه، فاضل، سمع منه أبو سعد السّمعانيّ شيئًا بخراسان.(11/812)
111 - محمد بن محمد بن الحسين بن السّكَن، أبو غالب ابن المعوج البغدادي، الحاجب، [المتوفى: 542 هـ]
حاجب باب النُوبي.
متودّد إلى النّاس، راغب في الخير، محبّ للرواية، سمع: الخطيب أبا الحسن الأنباري، وأبا سعد ابن الكوّاز.
روى عنه: ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في صَفَر وله ستٌ وسبعون سنة.(11/814)
112 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو عبد الله الأموي، [المتوفى: 542 هـ]
من أولاد سليمان ابن الناصر لدين الله.
سمع من: أبي مروان بن سِراج، ومحمد بن الفرج الطلاعي، وكان مقدَّمًا في مذهب مالك، عارفًا به، وقد عَمِي.(11/814)
113 - محمد بن محمد بن معمّر بن يحيى، أبو البقاء بن طَبَرْزَد. [المتوفى: 542 هـ]
كان اسمه: المبارك، فسمّى نفسه محمدا، وهو أحد من عُني بالحديث، وجمْعه ونسْخه، سمع الناس بإفادته من ابن الحُصين، وأبي غالب ابن البنّاء، وأبي بكر القاضي، وخلْق.
قَالَ ابن النّجّار: قَالَ عُمَر بن المبارك بن سهلان: لم يكن أبو البقاء بْن طبَرزَد ثقة، كان كذّابًا يضع للناس أسماءهم في الأجزاء، ثمّ يذهب فيقرأ عليهم، علِم بذلك شيخنا عبد الوهّاب، وابن ناصر، وغيرهما.
قلت: وقد سمع أخاه عمر الكثير، وله شِعر مقارِب، تُوُفّي في جُمادى الأولى وله نحوٌ من أربعين سنة، سامحه الله.(11/814)
114 - محمد بن محمد بن أبي سعيد السّعْديّ، السَّرْخَسيّ. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ: أبا حامد الشُّجاعيّ، كتب عَنْهُ السّمعاني بسرخَس، وقال: مات في رمضان، قيل: عاش مائة وست سنين.(11/814)
115 - محمد بْن المظفّر بْن عليّ ابن المسلمة، أبو الحسن بن أبي الفتح ابن الوزير أَبِي القاسم. [المتوفى: 542 هـ]
وُلِد سنة أربعٍ وثمانين، وسمع من: جعفر السّرّاج، وغيره، وحدَّث، وانزوى وتصوّف، وأقبل على الطاعة، ولزِم المراقبة، وجعل داره الّتي بدار الخلافة رباطًا للصُّوفيَّة.
تُوُفّي في تاسع رجب، وتقدَّم في الصَّلاة عَلَيْهِ الوزير أبو عليّ بْن صَدَقَة.(11/815)
116 - المبارك بْن خَيرون بْن عبد الملك بْن الحَسَن بْن خَيرون، أبو السُّعُود. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ: عمّ أبيه أبا الفضل بْن خَيرون، ومالكًا البانياسيّ، وجماعة، روى عنه: أبو الفرج ابن الجوزي، وغيره، وتوفي في المحرّم، وكان صحيح السّماع خيّرًا، قاله أبو الفَرَج.(11/815)
117 - محمود بْن محمد بْن عبد الحميد بْن أَبِي بَكْر، أبو القاسم بْن أَبِي بَكْر الحدّاديّ، الرّازيّ، الواعظ. [المتوفى: 542 هـ]
حدَّث عَنْ: أحمد بْن محمد بْن صاعد النَّيْسابوريّ، القاضي، روى عَنْهُ: ابن السمعاني، وقال: لقيته بالري وكان نجاري المذهب، لكنه كان لا يرى القدر، بل كان جيد الاعتقاد في ذلك، توفي بالرَّيّ وله نحوٌ من سبعين سنة، وقد دخل بغداد غير مرَّة.(11/815)
118 - محمشاد بْن محمد بن محمشاد بن محمد، أبو القاسم العبدلي، النيسابوري، الرجل الصالح المتهجد. [المتوفى: 542 هـ]
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خلَف، تُوُفّي في ربيع الآخر.
قَالَ السّمعانيّ: بتّ عنده ليلة، فما نام تِلْكَ اللّيلة، أحياها في الصّلاة والذِّكر.(11/815)
119 - نصر اللَّه بْن محمد بْن عبد القويّ، الفقيه أبو الفتح المصِّيصيّ، ثمّ اللاذِقي، ثمّ الدمشقي، الشافعي، الأصولي، الأشعري نسبًا ومذهبًا. [المتوفى: 542 هـ]
كذا قَالَ الحافظ ابن عساكر، وقال: نشأ بصور، وسمع بها من: أبي بكر الخطيب، وعمر بْن أحمد العطّار الآمِديّ، وعبد الرحمن بْن محمد الأبْهَريّ، والفقيه نصر المقدسيّ، وتفقّه عَلَيْهِ، وسمع بدمشق: أبا القاسم بْن أَبِي العلاء، وغيره، وببغداد: عاصم بْن الحَسَن، ورزق اللَّه بْن عبد الوهّاب، وبأصبهان: أبا منصور محمد بْن عليّ بْن شكروَيْه، ونظام المُلك الوزير، وبالأنبار: أبا الحسن عليّ بن محمد بن محمد بْن الأخضر، وقرأ بصور عِلم الكلام عَلَى أَبِي بَكْر محمد بْن عتيق القَيْروانيّ، ثمّ سكن دمشق.
قَالَ: وكان متصلّبًا في السُنّة، حَسَن الصّلاة، متجنّبًا أبواب السّلاطين، وكان مدرّس الزّاوية الغربيَّة بالجامع الأُمويّ بعد وفاة شيخه الفقيه نصر، وقد وقف وقوفًا على وجوه البِرّ، وكان مولده باللّاذقيَّة في سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة، وهو آخر من حدَّث بدمشق عَن الخطيب.
وقال ابن السمعاني في " ذيله ": إمام، مفت، فقيه، أصولي، متكلّم، ديّن، خير، بقيَّة مشايخ الشّام، كتبتُ عَنْهُ، وكان يشتهي أن يحدث وأقرأ عَلَيْهِ، وكان متيقظًا، حَسَن الإصْغاء، وانتقل من صور إلى دمشق سنة ثمانين وأربعمائة.
وقال ابن عساكر: تُوُفّي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأوّل ودُفن بعد صلاة الجمعة بباب الصّغير.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وابنه القاسم ابن عساكر، وابن السّمعانيّ، ومكّيّ بْن عليّ العراقيّ، وأبو الفَرَج جابر بْن محمد بْن اللّحْية الحمَوي، وعسكر بن خليفة الحموي، والخطيب أبو القاسم بْن ياسين الدَّولعي، ويوسف بْن مكّيّ الحارثيّ، وولده نصر اللَّه، والخضِر بْن كامل المعبّر، وزينب بِنْت إبراهيم القَيْسيّ، وأحمد بْن محمد بْن سيّدهم الأنصاريّ، وأبوه، وأبو القاسم [ص:817] عبد الصمد ابن الحَرستاني، وهبة الله بن الخضِر بن طاوس، وآخر من حدَّث عَنْهُ أبو المحاسن بْن أَبِي لُقمة، روى عَنْهُ العاشر من " الرّقائق " لخَيثمة.(11/816)
120 - نور عزيز بِنْت مسعود بْن أحمد ابن السَّدَنْك، [المتوفى: 542 هـ]
أخت أَبِي الغنائم محمد.
امْرَأَة صالحة من بيت حديث، روت عَن ابن الأخضر الأنباريّ.
ماتت في شوال.(11/817)
121 - هبة اللَّه بْن أحمد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن سوار الوكيل أبو الفوارس، ابن المقرئ الأستاذ أَبِي طاهر. [المتوفى: 542 هـ]
شيخ مطبوع، متودّد، محتَرم، قيّم بالوكالة والدَّعَاوَى وكتابة الوثائق والمحاضر، سَمِعَ: أَبَاهُ، ومالكًا البانياسيّ، وعاصم بْن الحسن، وأبا يوسف القَزْوينيّ، وأبا الفوارس الزَّيْنَبيّ، روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.
وُلِد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي في رابع عشر شوّال.
قَالَ ابن الجوزيّ: كَانَ ثقة، أمينًا، توحّد في علم الشُّروط.
وأخوه محمد بقي إلى سنة ستٍّ وخمسين.(11/817)
122 - هبة اللَّه بْن الفَرَج، أبو بَكْر الهَمَذَانيّ، المعروف بابن أخت الطّويل. [المتوفى: 542 هـ]
شيخ صالح خيّر، مُكثر، مشهور، سَمِعَ من: عليّ بْن محمد بْن عبد الحميد الجريريّ، ويوسف بْن محمد القُومسانيّ، وعَبْدُوس بْن عبد الله، وبكر بْن حِيْد، وسُفْيان بْن الحسين بْن فنْجُوَيْه، وروى " سُنن أَبِي داود " بعُلُوّ. وعُمّر تسعين سنة.
كان الحافظ أبو العلاء يَقُولُ: هُوَ أحبّ إليَّ من كلّ شيخٍ بهَمَذَان.
وذكره السّمعانيّ في " التّحبير " وأثنى عَلَيْهِ، وقال: قَالَ لي: ولدتُ سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وقال لأبي العلاء: ولدتُ سنة ثلاثٍ، ومن مسموعاته كتاب " مكارم الأخلاق " لابن لال، سمعه من أَبِي الفَرَج الجريريّ، بسماعه منه. [ص:818]
قلت: روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، والحافظ أبو العلاء الهَمَذَانيّ، وأولاده أحمد وعبد الغنيّ وواثلة، والمؤيَّد ابن الإخوة، وأبو القاسم ابن عساكر، وجماعة، وتُوُفّي في شعبان.(11/817)
123 - هبة اللَّه بْن عليّ بْن محمد بْن حمزة، أبو السعادات ابن الشَّجَريّ، العَلَويّ، النَّحْوِي، النّقيب. [المتوفى: 542 هـ]
وُلِد سنة خمسين وأربعمائة.
أحد الأئمَّة الأعلام في علم اللّسان، قرأ عَلَى الشّريف أَبِي المعمّر يحيى بْن محمد بْن طباطبا النَّحْوي، وقرأ الحديث في كُهولته على: أبي الحسين المبارك ابن الطُّيوري، وأبي عليّ بْن نبهان، وغيرهما، وطال عمره، وانتهى إِلَيْهِ عِلم النَّحْو، وناب في النّقابة بالكرْخ، ومُتِّع بجوارحه وحواسّه، وأظنّه أخذ الأدب أيضًا عَنْ أَبِي زكريّا التّبْريزيّ.
قرأ عَلَيْهِ التّاج الكِنْدي كتاب " الإيضاح " لأبي عليّ الفارسي، و " اللُّمع " لابن جني، وتخرّج به طائفة كبيرة، وصنّف التصانيف في العربية.
قال أبو الفضل بن شافع في " تاريخه ": مُتّع بجوارحه إلى آخر وقت، وكان نحويًا، حسن الشرح، والإيراد، والمحفوظ، وقد صنّف أمالي قُرئت عليه، فيها أغاليط، لأن اللغة لم يكن مضطلعًا بها.
قال ابن السمعاني: سعت منه، وكان فصيحًا، حُلْو الكلام، حَسَن البيان والإفهام، دُفن يوم الجمعة السّابع والعشرين مِن رمضان بداره بالكرخ.
وعن أبي السعادات ابن الشّجريّ قَالَ: ما سَمِعْتُ في المدْح أبلغ من قول أَبِي فِراس:
وأَمامكَ الأعداءُ تَطْلُبُهُم ... ووراءك القُصّاد في الطَّلَبِ
فإذا سَلَبْتَهُم وقفتَ لهم ... فسُلبت ما تَحْوي من السّلبِ(11/818)
124 - هَمَّام بْن يوسف، أبو محمد العاقوليّ، ثمّ الأَزجيّ، الوكيل عند القضاة. [المتوفى: 542 هـ]
سمع: الخطيب أبا الحسن الأنباري، وعنه: أبو أحمد ابن سُكينة.(11/818)
125 - يحيى بْن عليّ بْن محمد بْن زُهَير، أبو القاسم السُّلمي، الدّمشقيّ، المعدّل، [المتوفى: 542 هـ]
محتسب دمشق. [ص:819]
سمع: أحمد بن عبد المنعم الكُريدي، وأبا القاسم النّسيب، وأبا طاهر الحِنّائي، روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر، وقال: مات في رمضان، وخلف مالًا عظيمًا وذخائر، وورثه السّلطان، وكان مقتِّرًا على نفسه في الأكل واللبس.(11/818)
126 - يحيى بْن المعتزّ بْن أسعد، أبو القاسم العُتبي، [المتوفى: 542 هـ]
من ذرية عتبة ابن غَزْوان.
شيخ من أهل نَيْسابور،
سَمِعَ: أحمد بْن سهل السّرّاج، وابن خَلَف،
أَخَذَ عَنْهُ: السّمعانيّ، وأرّخه.(11/819)
127 - يوسف بْن عليّ بْن محمد، أبو الحَجّاج القُضاعي، الأُندي، نزيل المَرِيَّة، ويُعرف بالقفّال، وبالحدّاد. [المتوفى: 542 هـ]
حجّ، ودخل العراق، وسمع من أَبِي القاسم بْن بيان، وأُبي النَّرْسِيّ، وأبي طالب الحسين بْن محمد الزَّيْنَبيّ، وسمع " صحيح مسلم " من إسماعيل بْن عبد الغافر الفارسيّ عَنْ والده، ومن الحريريّ " مقاماته "، وكتب الكثير، وقفل إلى الأندلس سنة اثنتي عشرة وخمسمائة، ثم رحل من الأندلس، ثم عاد إليها سنة عشرة وسكن المرية.
وحدَّث بالكثير، روى عَنْهُ: أبو الحسن رَزِين العَبْدريّ، وأبو محمد وأبو الطاهر ابنا العثماني، وخطيب الموصل، وأبو الوليد ابن الدباغ، وأبو القاسم ابن بَشْكُوَال، وأبو عبد الله بْن عبد الرحيم ابن الفرس، وأبو القاسم بْن حُبيش، وأبو محمد بْن عُبَيد اللَّه الحَجْرِيّ، وخلْق سواهم.
قَالَ أبو عبد الله الأَبَّار: كَانَ صدوقًا، صحيح السّماع، لَيْسَ عنده كبير عِلم ولا ضبْط، استُشهد يوم غَلَبة العدوّ الملعون عَلَى المَرِيَّة في العشرين من جُمادى الأولى، وقُتل يومئذٍ خلق كثير، عاش خمسًا وثمانين سنة.(11/819)
128 - يوسف بْن يَبقى بْن يوسف بْن مسعود بْن عبد الرحمن بن يَسعون، أبو الحجاج التُجَيبي، الأندلسي، المريي، النحوي، المعروف بالشنشي، [المتوفى: 542 هـ]
صاحب الأحكام بالمرية. [ص:820]
سَمِعَ من: أَبِي عبد الله محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الوليد العبْسيّ، وأبي الحسين بْن سرّاج، وجماعة، وعُني بالعربيَّة وبرع فيها، وله كتاب " المصباح في شرح أبيات الإيضاح "، دلّ عَلَى تبحُّرهِ في النَّحْو وإمامته.
حدَّث وأقرأ، وطال عمره، روى عَنْهُ: عُلَيم بْن عبد العزيز، وأبو عبد الله بن حُميد، وأبو العباس ابن اليتيم، وأبو محمد بن عُبيد اللَّه، وآخرون.
وكان حيًّا يُرزق في هذا العام، وانقطع خبره بعده.(11/819)
-سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة(11/821)
129 - أحمد بن عبيد الله بن عبد الملك بن أحمد، أبو المكارم ابن الشَّهْرُزُوريّ، البغداديّ. [المتوفى: 543 هـ]
من أولاد المحدّثين، سَمِعَ: نصر بْن البطِر، وأحمد بْن عبد القادر اليُوسُفيّ، وعنه: ابن عساكر، والسّمعانيّ، وكان يؤمّ بأمير الحاجّ نظر، تُوُفّي في رجب.(11/821)
130 - أحمد بْن علي بن الفضل ابن الإمام أَبِي محمد بْن حزْم الأندلسيّ، القُرْطُبيّ، أبو عَمْرو، الكاتب، الأديب. [المتوفى: 543 هـ]
تُوُفّي بالأندلس، قاله الأبّار.(11/821)
131 - أحمد بن علي بن محمد بن جبير، أبو محمد ابن البصلاني. [المتوفى: 543 هـ]
أكثر عن عاصم بن. . .(11/821)
132 - أحمد بْن أَبِي العزّ محمد بْن المختار بن محمد بن عبد الواحد ابن المؤيَّد بالله، أبو تمّام العبّاسيّ، الهاشميّ، البغداديّ، المعروف بابن الخُص، [المتوفى: 543 هـ]
أخو أَبِي الفضل المختار.
كَانَ تاجرًا سَفّارًا، ركب البحار، ودخل الهند، وما وراء النّهر، وكثُر ماله، وطال عُمره، وسكن خُراسان، وكان مولده في حدود سنة خمسين وأربعمائة أو قبلها، وسمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وغيرهما.
وهو آخر من حدَّث بخُراسان عَن ابن المسلمة بجزء " صفة المنافق "، حضر عَلَيْهِ هذا الجزء أبو المظفَّر عبد الرحيم ابن السمعاني، بقراءة والده، وقال: هُوَ أوّل شيخ حضرتُ عنده لقراءة الحديث، وتُوُفّي بنَيْسابور في خامس ذي القعدة.
وروى عَنْهُ أيضًا: القاسم الصّفّار، وإسماعيل القارئ.(11/821)
133 - أحمد بْن محمد بْن إسماعيل بْن محمد بْن إسماعيل بْن بشّار الإمام أبو بَكْر البوشَنجي، المعروف بالخَرْجِرْديّ، [المتوفى: 543 هـ]
نزيل نَيْسابور.
إمام متفنّن، ورع، تفقّه بمرو على أبي المظفّر ابن السّمعانيّ، وبهَراة عَلَى الشّاشيّ، وبرع في الفقه، وسمع الكثير، وحدَّث، تُوُفّي في رمضان بنَيْسابور.
وصَفَه السّمعانيّ بالعبادة والعِلم، وأنّه كتب تصانيف جدّه جميعها، وتخلّى للعبادة.(11/822)
134 - أحمد بْن محمد بْن الفضل، أبو العلاء الأصبهانيّ، المحدِّث، المعروف ببجنك. [المتوفى: 543 هـ]
تُوُفّي في صفر.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ حافظًا، متقنًا، ورعًا، وقورًا، نزِهًا، بالغ في الطّلب، ونسخ بخطّه الصّحيح المليح كثيرًا، سَمِعَ: أبا عليّ الحدّاد، وطبقته، استفدتُ منه الكثير، ومات كُهْلا.(11/822)
135 - إبراهيم بْن محمد بْن نبهان بْن محرز، أبو إسحاق الغَنَويّ، الرَّقّيّ، الصُّوفيّ، الفقيه، الشّافعيّ. [المتوفى: 543 هـ]
وُلِد سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة، وسمع: أبا محمد رزق الله التميمي، وأبا بكر الشامي، وأبا الحسن بن أيوب، وعبد المحسن بن محمد الشيحي، وأبا محمد ابن السّرّاج، وغيرهم، وتفقَّه عَلَى: الأستاذ أَبِي بَكْر الشّاشيّ، وأبي حامد الغزّالي، وكتب كثيرًا من مصنَّفات الغزّاليّ، وقرأها عَلَيْهِ، وصحِبه مدَّة.
قَالَ أبو الفرج ابن الْجَوْزيّ: رأيته وله سمتٌ وصَمْت، وعليه وَقار وخشوع.
قلت: روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وحدَّث عَنْهُ بخُطب ابن نُباتة، وروى عَنْهُ: عُمَر بْن طَبَرْزَد، وآخرون، وتُوُفّي في رابع عشر [ص:823] ذي الحجَّة ببغداد، وله خمسٌ وثمانون سنة إلا أشهُرًا.
قال ابن طبرزد: أخبرنا أبو إسحاق بن نبهان قال: حدثنا الحُميدي قَالَ: قرأت عَلَى القُضاعي: أخبركم أحْمَد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَمرو الْجِيزيّ قراءةً قال: أخبرنا زيد بن محمد بن خلف القرشي، قال: حدثنا ابن أخي ابن وهب، قال: حدثنا عمّي، فذكر حديثًا.
كَانَ قدوم ابن نبهان من الرَّقَّة إلى بغداد في سنة إحدى وثمانين.
قَالَ ابن ناصر: قدِم الخطيب أبو القاسم يحيى بْن طاهر بْن محمد بْن عبد الرَّحيم بْن محمد بْن نُباتة إلى بغداد في سنة أربع وثمانين ليتّنجز من نظام المُلك أدرارًا، فقال: إنّ الخُطَب سَمَاعي من أَبِي، عَنْ جدّي، ولم يكن معه كتابٌ ولا أصل، فقرأ عَلَيْهِ هذا الشّيخ، يعني أبا إسحاق الغَنَويّ، الخُطَبَ من نسخةٍ جديدة غير مقروءة، ولا عليها سَماعٌ لأحد، ولم يكن سِبْط ابن نُباتة هذا كبيرًا في العُمر، ولا يعرف العربيَّة، ولو كَانَ لَهُ سماع لم يسبقني إِلَيْهِ أحد، ثمّ أثنى ابن ناصر عَلَى أَبِي إسحاق الغَنَويّ، ووصفه بالدِّين والصِّدْق.(11/822)
136 - إسماعيل بْن أَبِي نصر بْن عَبْدِيل الأصبهانيّ، الشّاعر. [المتوفى: 543 هـ]
ذكره العماد في " الخريدة " فقال: كَانَ من أشعر شُعراء أصبهان وأفرههم، لم يُعْهَد بعد أَبِي إسماعيل الطُّغْرائيّ من يجري مجراه، مات بفارس سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وأربعين وخمسمائة.(11/823)
137 - أسعد بْن محمد بْن موسى، أبو منصور الفُوشَنْجيّ. [المتوفى: 543 هـ]
فاضل، عالِم، سَمِعَ: أبا عامر الأزْديّ، وعبد الرحمن بْن محمد بْن عفيف كلار، روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: مات في ذي القعدة.(11/823)
138 - أميرك بْن إسماعيل بْن أميرك، أبو الفتوح العَلَويّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ: إلياس بن مضر، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، وجماعة، روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره، مات في ثاني وعشرين شوال.(11/823)
139 - بقاء بْن عليّ بْن خطّاب، أبو المُعَمَّر البغدادي، الدقّاق، السكاكيني، [المتوفى: 543 هـ]
ابن أخت أَبِي نصر أحمد بْن عُمَر بْن الفَرَج الإبَريّ. [ص:824]
حدَّث عَنْ: طِراد الزَّيْنبيّ، وغيره، وتُوُفّي في ربيع الأول عن ستين سنة، روى عنه: ابن عساكر، وابن سُكينة.(11/823)
140 - ثابت بْن زيد بْن القاسم، أبو البَرَكات بن جوالق النّخاس، ثمّ البزّاز. [المتوفى: 543 هـ]
حدَّث عَنِ: الحسين بْن عليّ ابن البُسري، وتوفي في جمادى الآخرة.(11/824)
141 - الحافظ لدين اللَّه. [المتوفى: 543 هـ]
قِيلَ: مات في جُمَادَى الآخرة عَلَى الصّحيح، وقيل: سنة أربعٍ كما سيأتي.(11/824)
142 - الحَسَن بْن مسعود بْن الحَسَن، أبو عليّ ابن الوزير، الدّمشقيّ، الحافظ. [المتوفى: 543 هـ]
أصله من خوارزم، وكان جده الحسن بن. . . وزير المُلك تاج الدّولة تُتُش، وتزيَّا أبو عليّ بزيّ الْجُنْد مدَّةً، ثمّ اشتغل بالفِقه والحديث، ورحل قبل سنة عشرين وخمسمائة إلى بغداد، وسمع، ودخل إلى أصبهان، وأدرك بها حديث الطَّبَرانيّ بعُلُوّ، وكتب عَنْ: فاطمة الْجُوزدانيَّة، وتوجَّه إلى نَيْسابور، ومَرْو، وبلْخ، والهند، وسمع الكثير، وعُني بهذا الشّأن.
قَالَ ابن السمعاني: حافظ، فطِن، له معرفة بالحديث، والأنساب، وقال لي: ولدتُ في صَفَر سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة.
وتوفي بمرو في سابع عشر المحرّم.
وقال ابن عساكر: كان يُحدِّث من غير مقابلة بسماعه، واستوطن مَرْو، وتفقَّه بها لأبي حنيفة عَلَى أَبِي الفضل الكِرماني، وأملى بجامع مَرْو.
ومن شِعر أَبِي عليّ:
أَخِلّائي إنْ أصبحتم في دِياركم ... فإنّي بمرو الشاهجان غريبُ
أموت اشتياقًا ثم أحيا تذكُّرًا ... وبين التراقي والضلوع لهيب [ص:825]
فما عجب موتِ الغريبِ صَبابَةٌ ... ولكن بقاءه في الحياة عجيبُ(11/824)
143 - الحسين بْن إبراهيم بْن الحسين بْن جعفر، الحافظ، المجوّد، أبو عبد الله الجورقاني، [المتوفى: 543 هـ]
وجورقان من قرى هَمَذَان.
لَهُ مصنَّف في الموضوعات رأيته ما أقصّر فيه، وروى فيه عَن الدّونيّ فمَن بعده، وعليه بنى ابن الْجَوزيّ كتابه في " الموضوعات "، ومنه أخذ كثيرًا.
قَالَ ابن شافع: مات، فبلغنا خبرُه في رجب سنة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة، أدركه أجَلُه في السَّفَر.(11/825)
144 - حمدُ بْن أَبِي الفتح الأصبهانيّ. [المتوفى: 543 هـ]
عَنْ: عبد الرحمن بْن مَنْدَهْ، وأبي المظفَّر الكَوْسج، وعنه: ابن السّمعانيّ، مات في رجب.(11/825)
145 - الخضر بْن الحسين بْن عبد الله بْن الحسين بْن عُبيد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عبْدان الَأزديّ، الدّمشقيّ، أبو القاسم الصّفّار. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ: والده، وأبا القاسم المصِّيصيّ، وأبا عبد الله بْن أَبِي الحديد، وعليّ بْن أحمد بْن زُهير، ونصر بْن إبراهيم الفقيه، وسهل بْن بِشْر، وأجاز لَهُ عبد العزيز الكتّانيّ.
قَالَ ابن عساكر: كتبت عَنْهُ، وكان شيخًا سليم الصَّدْر، ولد في شوال سنة خمسٍ وستين وأربعمائة، ومات في نصف شعبان.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ وابنه القاسم، وأبو المحاسن بْن أَبِي لُقمة، وجماعة. وقع لنا حديثه بعلو.(11/825)
146 - ذو النُّون بْن أَبِي الفَرَج بْن عليّ الميهني الصوفي. [المتوفى: 543 هـ]
سمع: أبا بكر بن زهراء الطرَيثيثي، روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: مات في ذي الحجة ببغداد.(11/825)
147 - سلطان بْن عليّ بْن مقلّد بْن نصر بْن مُنْقذ، الأمير أبو العساكر الكِنانيّ، [المتوفى: 543 هـ]
صاحب شَيْزَر.
وُلِد بأطْرابُلُس في سنة أربعٍ وستّين وأربعمائة، وسمع بشَيْزَر " صحيح البخاريّ " من أَبِي السّمْح إبراهيم الحَيْفيّ، وله شِعْر حَسَن.
تُوُفّي في شوّال بشَيْزر.(11/826)
148 - سهل بْن محمد بْن أحمد بْن حسين بْن طاهر، أبو عليّ الأصبهانيّ، الحاجّيّ، المقرئ. [المتوفى: 543 هـ]
شيخ كبير، فاضل، مُكثر من الحديث، أديب، خيِّر، مبارَك، سَمِعَ: أبا القاسم يوسف بْن جُبارة الهُذَلي، وإسماعيل بْن مَسْعدَة الإسماعيليّ، ونظام المُلك الوزير، وأبا المظفَّر منصور بن محمد السمعاني، ومحمد بن أحمد ابن ماجة الأَبْهَريّ، وسليمان بْن إبراهيم الحافظ، والقاسم بْن الفضل الثّقفيّ.
ووُلِد سنة خمسٍ وخمسين وأربعمائة، وقيل: وُلِد بعد سنة خمسين وختم خلْقًا كثيرًا، وكان شيخ القرّاء بأصبهان، وهو آخر من حدَّث عَن الهُذلي مصنِّف " الكامل في القراءات ".
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو موسى المديني.
قال أبو موسى: هُوَ مؤدِّبي، وكان من الطِّراز الأوّل، تُوُفّي في نصف شعبان.(11/826)
149 - شاهنشاه بْن أيّوب بْن شاذي بْن مروان بْن يعقوب، الأمير، [المتوفى: 543 هـ]
أكبر الإخوة، وأقدم بني أيّوب وفاةً.
وهو والد المَلِكين: المظفّر تقيّ الدّين عُمَر صاحب حماة، وعزّ الدّين فروخشاه، والد صاحب بَعْلَبَكّ الملك الأمجد.
قُتل في الوقعة الكائنة بظاهر دمشق بين الفرنج - خذلهم اللَّه - وبين المسلمين، كما نذكره في الحوادث، وذلك في ربيع الأوّل، وفُجع بِهِ أَبُوهُ [ص:827] نجم الدين.(11/826)
150 - صاعد بْن محمد بْن الحسين، أبو القاسم السهلويي، السَّرْخَسيّ. [المتوفى: 543 هـ]
شيخ كبير، ورِع، فاضل، وُلِد بسَرْخَس في سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة، وسمع بسَرْخَس من: أَبِي الحسن محمد بْن محمد بْن زيد الحُسيني، قدِم عليهم، وسمع من أبي الخير محمد بن موسى الصفار.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وغيره، وتُوُفّي بسرخس في سنة ثلاث وأربعين.(11/827)
151 - صالح بْن شافع بْن صالح بْن حاتم، أبو المعالي الْجِيليّ. [المتوفى: 543 هـ]
كَانَ أَبُوهُ فقيهًا حنبليًّا، سكن بغداد، ووُلِد لَهُ بها صالح وغيره. وصالح: عالِم، فاضل، مليح الكتابة، شاهِد، متودِّد، حسن الشكل، سمع: أبا الحسين ابن الطُيوري، وأبا منصور محمد بْن أحمد الخيّاط، وحدث وتوفي في رجب.
روى عَنْهُ: أبو الفَرَج محمد بن علي ابن القُبيطي، وابنه الحافظ أحمد.(11/827)
152 - صالح بْن كامل بْن أَبِي غالب، أبو محمد الظّفَريّ، البقّال. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ: أبا الحسن بن فتحان الشَّهْرُزُوريّ، وأبا القاسم بْن بيان، وكان اسمه قديمًا: المبارك، فغيّروه بصالح، سَمِعَ منه: أخوه أبو بَكْر المفيد، وابن السمعاني.(11/827)
153 - عبّاد بْن سَرْحان بْن مسلم بْن سيّد الناس، أبو الحسن المعافري، الأندلسي، الشاطبي. [المتوفى: 543 هـ]
سكن العُدوة، وكان مولده في سنة أربعٍ وستين وأربعمائة، وسمع من: طاهر بْن مُفَوَّز بشاطبة، وحجّ، ودخل بغداد، وسمع من: رزق اللَّه بْن عبد الوهاب التميمي، والمبارك ابن الطّيوري، وأجاز لَهُ أبو عبد الله الحُميدي، وسمع بمكَّة من: الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ.
قَالَ ابن بَشكُوال: قدِم قُرطبة، فسمعنا منه، وكانت عنده فوائد، وكان [ص:828] يميل إلى مسائل الخلاف ويدّعي معرفة الحديث ولا يُحسنه - عفا الله عنه - وتوفي بالعدْوة في نحو سنة ثلاثٍ وأربعين.(11/827)
154 - عبد الله بْن الحَسَن بْن أحمد بْن الحَسَن بْن أحمد بن قشامي، أبو القاسم الحَرِيميّ، المعدّل، الفقيه الحنْبليّ. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وأبا الحُصين العاصميّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ وأثنى عَلَيْهِ، وسأله عن مولده، فقال: سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
وتُوُفّي في سادس ذي القعدة، وحدَّث بالنَّعْت في مكَّة، وكان يُفتي.
قَالَ ابن النّجّار: حدثنا عنه أحمد بن عبد الملك المقرئ.
وقشامي: بفتح ثمّ كسْر، قيّده ابن نقطة.(11/828)
155 - عَبْد الله بْن سَعِيد بْن محمد، أبو المحاسن البَنجَدِيهيّ، الخمقَري، [المتوفى: 543 هـ]
وهي نسبة إلى خمس قرى بحذف السّين، والخمس قرى: هِيَ بَنَجديه، من أعمال مَرْو.
كَانَ رجلًا فاضلًا، عالمًا، روى عَنْ: هبة اللَّه بْن عبد الوارث الشّيرازيّ، روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ.(11/828)
156 - عبد الله بْن عليّ بْن سعيد، أبو محمد القَيْسَرانيّ، القصْريّ، الفقيه. [المتوفى: 543 هـ]
فاضل، إمام، ديِّن، فصيح، مُناظر، من كبار فُقهاء النّظاميَّة، سَمِعَ: أبا القاسم بْن بَيان، وقد مرّ في سنة اثنتين وأربعين.
وقال ابن السّمعانيّ: بنى ابن العجميّ بحلب لَهُ مدرسة، ودرَّس بها، وكتبتُ عَنْهُ بها " جزء ابن عَرَفَة "، وقال لي: ولدتُ بقيسارية، والقصر الذي أنتسب بُليدة بين عكّا وحَيْفا عَلَى السّاحل، قَالَ: ومات بحلب في سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وأربعين.(11/828)
157 - عبد الرحمن بْن عبد الله الحلْحُوليّ، الحلبيّ. [المتوفى: 543 هـ]
سافر وأقام بمصر مدَّة، ثمّ سكن دمشق، وكان من كبار الصّالحين والعُبّاد.
وحلْحُول: قرية بها قبر يونس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما يُقال، وهي بين القدس والخليل، أقام بها سبع سنين، وبنى بها مسجدًا، وتعبَّد فيه بين الفرنج، وسمعنا أنّهم كانوا يتبرّكون بِهِ، ويعتقدون فيه، ثمّ انتقل إلى دمشق.
قال ابن السمعاني: مضيت إليه غير مرة، وانتفعت برؤيته وبكلامه، وما رَأَيْت بالشّام في فنّه مثلَه، واستُشهد بظاهر دمشق في وقعة الفرنج.(11/829)
158 - عبد الرحمن بْن محمد بْن أميروَيْه بْن محمد، العلامة أبو الفضل الكَرْمانيّ، [المتوفى: 543 هـ]
شيخ الحنفيَّة بخراسان في زمانه.
تفقّه بمَرْو عَلَى القاضي محمد بْن الحسين، تزاحم عَلَيْهِ الطَّلَبَة، وتخرَّج بِهِ الأصحاب، وانتشر تلامذته في الآفاق، وصار معظَّمًا عند الخاصّ والعامّ، وكان في رمضان يقرؤون عَلَيْهِ التّفسير والحديث، سَمِعَ: أَبَاهُ بكرْمان، وشيخه القاضي الأرسابَندي، وأبا الفتح عبد اللَّه بْن أَرْدَشِير الهُشامي.
سَمِعَ منه أبو سعد السّمعانيّ، وبالَغَ في تعظيمه، وقال: وُلِد سنة سبْعٍ وخمسين، ومات في الحادي والعشرين من ذي القعدة بمدرسة القاضي الشّهيد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.(11/829)
159 - عبد الرَّحْمَن بْن محمد بْن حَسَن بْن طوق، أبو القاسم البغدادي. [المتوفى: 543 هـ]
سمع: نصر ابن البطِر، وغيره، وكان ضعيفًا في دِينه. [ص:830]
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ.(11/829)
160 - عبد الرحيم بْن قاسم بْن محمد، أبو الحسن القَيْسيّ، الأندلسي، الحجاري، الفَرَجيّ، [المتوفى: 543 هـ]
من أهل مدينة الفَرَج.
روى عَنْ: أَبِي عليّ الغسّانيّ، وخازم بْن محمد، ومحمد بن الموزة، وغيرهم.
قَالَ ابن بَشكوال: كَانَ من أهل المعرفة والفَهْم والذّكاء والحِفظ، قويّ الأدب، كثير الكتب، ديِّنًا فاضلًا، صاحب ليل وعبادة وكثرة بكاء، حتّى أثّر ذَلكَ بعينيه، تُوُفّي في شعبان - رحمه الله تعالى -.
قَالَ ابن مَسْدي: آخر من روى عَنْهُ بالسّماع الخطيب أبو جعفر بْن يحيى الحِميري، وأجاز أبو جعفر لنا، ومات سنة إحدى عشرة وست مائة - قلت: بل مات سنة عشر بقُرْطُبة -.(11/830)
161 - عبد الرشيد بْن محمد بْن خليل، أبو محمد البُوشَنْجيّ. [المتوفى: 543 هـ]
سمع: عبد الرحمن بن عفيف كلار، أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ، وقال: مات في محرَّم أو صفَر سنة ثلاثٍ وأربعين.(11/830)
162 - عبد العزيز بْن محمد بْن بَشكولة المِيهَنيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ من العارف أَبِي الفضل محمد بْن أحمد الميْهنيّ كتاب " المرض " لابن أَبِي الدّنيا، عَن الصَّيْرفيّ، عَن الصّفّار، عَنْهُ، قرأه عَلَيْهِ السّمعانيّ، وقال: مات في جُمادَى الآخرة.(11/830)
163 - عبد القادر بْن جَندَب بْن سَمُرة، أبو محمد الصُّوفيّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 543 هـ]
صالح عابد، خيّر، من مُريدي شيخ الإسلام أَبِي إسماعيل، كَانَ يسكن برباطه، سَمِعَ: محمد بْن أَبِي مسعود الفارسيّ، وأبا إسماعيل شيخه، وولد بعد سنة ستين وأربعمائة.
روى عنه: ابن السمعاني، وأبو رَوح عبد المعز، وبالإجازة: عبد الرحيم ابن السمعاني. [ص:831]
وأخوه هُوَ سمُرة بْن جَندب يروي أيضًا عَنْ محمد بْن أَبِي مسعود، روى عَنْهُ: أبو رَوح.
توفي عبد القادر في ثالث عشر ربيع الأوّل.(11/830)
164 - عبد الواحد بْن محمد بن عبد الواحد، أبو المظفّر ابن الصبّاغ. [المتوفى: 543 هـ]
بغدادي، سمع من: طِراد، وابن البطِر، وحَمْد الحّداد، وحدَّث.
تُوُفّي في جمادى الآخرة، وعنه يوسف بن المبارك.(11/831)
165 - عليّ بْن الحسين بْن محمد، أبو عبد الله الطَّابَرانيّ، الصُّوفيّ، النّقّاش. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ بطُوس من: أَبِي عليّ الفضل بْن محمد الفارَمْذي، وبالرَّيّ: البيّاضيّ، وبهَمَذَان: شيروَيْه الدَّيْلَميّ، وعنه: السّمعانيّ.(11/831)
166 - عليّ بْن الحسين بْن محمد بْن عليّ، قاضي القُضاة، أبو القاسم الأكمل ابن نور الهُدى أَبِي طالب الزَّيْنبيّ، الهاشميّ، العباسيّ، البغداديّ. [المتوفى: 543 هـ]
وُلِد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وسمع من: أبيه، وعمّه طِراد، وابن البَطِر، وأبي الحسن العلّاف، وغيرهم، روى عَنْهُ: الفتح بْن عبد السّلام.
وكان للمسترشد إِلَيْهِ مَيْل، فوعده بالنّقابة، فاتّفق موت الدّامغانيّ، فطُلب مكانه فناله.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: كَانَ غزير الفضل، وافر العقل، لَهُ سُكُون ووقار ورزانة وثبات، ولي قضاء القُضاة بالعراق في سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وقرأتُ عَلَيْهِ جزأين.
قَالَ أبو شجاع محمد بن علي ابن الدّهّان: يُحكى أنّ الزَّيْنبيّ منذ ولي القضاء ما رآه أحد إلا بطرحة وخفاف حتى زوجته، ولقد دخلت عليه في مرض موته وهو نائم بالطرحة.
قلت: هذا تكلف وبأوٌ زائد.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: كان رئيسا، ما رأينا وزيرا ولا صاحب [ص:832] منصب أوقر منه، ولا أحسن هيئة وسمْتًا، قلّ أن تسمع منه كلمة، وطالت ولايتُه، فأحكمه الزّمان، وخدم الرّاشد، وناب في الوزارة، ثمّ استوحش من الخليفة، فخرج إلى الموصل، فأسِر هناك، ووصل الراشد إلى الموصل وقد بلغه ما جرى ببغداد من خلْعه فقال لَهُ: اكتب خطَّك بإبطال ما جرى، وصحَّة إمامتي، فامتنع، فتواعده زنكي، وناله بشيء من العذاب، وأذن في قتْله، ثمّ دفع اللَّه عَنْهُ، ثمّ بُعث من الدّيوان لاستخلاصه، فجيء بِهِ، فبايع المقتفي، وناب في الوزارة لمّا التجأ ابن عمّه الوزير عليّ بْن طِراد إلى دار السّلطان، ثمّ إنّ المقتفي أعرض عَنْهُ بالكلية.
قال ابن الجوزي: وقال لي النقيب الطّاهر: جاء إليَّ فقال: يا ابن عمّ، انظر ما تصنع معي، فإنّ الخليفة ُمعرض عنّي، فكتبت إلى المقتفي، فأعاد الجواب بأنّه فعل كذا وكذا، فعذرتُه، وجعلت الذّنْب لابن عمّي، ثمّ جعل ابن المرخّم مناظِرًا لَهُ، ومناقِضًا ما يبني، والتوقعيات تصدر بمراضي ابن المرخّم، وسخطات الزَّيْنبيّ، ولم يبق لَهُ إلّا الاسم، فمرض وتُوُفّي يوم عيد النَّحْر، وصلّى عَلَيْهِ ابن عمّه نقيب النقباء طلْحة بْن عليّ، ودُفن بمشهد أَبِي حنيفة إلى جانب والده، وخَلَّف جماعة بنين ماتوا شبابًا، وعاش ستًا وستين سنة.(11/831)
167 - عليّ بْن أَبِي الوفاء سعد بْن عليّ بْن عبد الواحد بْن عبد القاهر بْن أحمد بْن مُسهر، مهذّب الدّين، أبو الحسن المَوصلي، الشّاعر. [المتوفى: 543 هـ]
صدرٌ رئيس، وشاعر مُحسن، مدح الملوك والكبراء، وتنقَّل في المناصب الكبار ببلده، وديوانه في مجلّدتين.
ومن شِعْره:
إذا ما لسانُ الدّمع نَمَّ عَلَى الهَوَى ... فليس بسرٍ ما الضلوعُ أجنّتِ
فَوَالله ما أدري عشيَّةَ ودّعتْ ... أناحَت حماماتُ اللِّوى أم تغنّتِ
وأعجب من صبزي القَلوص التي سرتْ ... بهودجكِ المزموم كيف استقلّت
أعاتبُ فيك اليَعمُلات عَلَى السَّرَى ... وأسأل عنك الريح من حيث هبّتِ
وأطبقُ أَحْنَاء الضُّلُوع عَلَى جَوًى ... جميعٍ وصبرٍ مستحيلٍ مشتّتِ
وله: [ص:833]
ولمّا اشتكيتَ اشتكى كلُّ ما ... عَلَى الأرض، واعتلّ شرقٌ وغربُ
لأنّك قلبٌ لجسم الزّمانِ ... وما صحَّ جسمُ إذا اعتلَّ قلبُ(11/832)
168 - عليّ بْن محمد بْن عَبْد الْحَمِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محمد بْن جعفر أبو الحسن البَحِيريّ. [المتوفى: 543 هـ]
من شيوخ نيسابور، ومن بيت الرواية، حدَّث عَنْ: أَبِي بَكْر بْن خلف، وغيره.
ذكره ابن السّمعانيّ في " مُعجمه "، وأنّه مات في ذي الحجَّة.(11/833)
169 - عُمَر بْن أَبِي غالب بْن بُقيرة أبو الكرم البغداديّ، البقّال. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ: ثابت بْن بُندار، كتب عَنْهُ السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في شوّال، وصلّيت عَلَيْهِ ببغداد.(11/833)
170 - عيسى بْن يوسف بْن عيسى بْن عليّ أبو موسى ابن الملجوم، الأزدي، الفاسي. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ من: أبيه قاضي القُضاة أَبِي الحَجّاج يوسف، وأبي الفضل النَّحْويّ، وأبي الحَجّاج الكلْبيّ، وبأَغْمات من: أَبِي محمد عبد الله اللَّخْميّ سِبط أَبِي عُمَر بْن عبد البَرّ، ودخل الأندلس فسمع من: أَبِي عليّ، وابن الطّلّاع، وخازم بْن محمد.
وكان جمّاعةً للكُتُب، ابتاع من أَبِي عليّ الغسّانيّ أصله " بسُنَن أَبِي داود " الّذي سمعه من أَبِي عُمَر بْن عبد البَرّ، روى عَنْهُ: ابنه عبد الرحيم، وأبو محمد بن فاتح.
وتوفي في رجب، وله سبعٌ وستون سنة.(11/833)
171 - فضل اللَّه بْن أحمد بْن المحسّن أبو البدر الطوسي الكاتب. [المتوفى: 543 هـ]
كان حَسَن السّيرة، جميل الأمر، متواضعًا، كثير الخير، سَمِعَ أبا عليّ الفضل الفارَمذي، وأحمد بْن عبد الرحمن الكيالي، وأبا تُراب المراغيّ.
سَمِعَ منه: أبو سعد السّمعانيّ بطُوس، تُوُفّي في آخر يوم من السنة وله [ص:834] سبعون سنة، وهو من طَابران قَصَبة طُوس.(11/833)
172 - الفضل بْن يحيى بْن صاعد بْن سيّار بن يحيى أبو القاسم الكناني، الهروي، الحنيفي. [المتوفى: 543 هـ]
ولي قضاء هَراة مدَّة، وكان عالمًا، كريمًا، متودِّدًا، سَمِعَ من: جَدّه أَبِي العلاء، وأبي عامر الأزْديّ، ونجيب بْن ميمون.
كتبتُ عَنْهُ الكثير، قاله أبو سعد السّمعانيّ، فمن ذَلكَ: " الزّهد " لسعيد بْن منصور، بإسناد هَرَوِيٍّ، إلى أحمد بْن نجدة، عَنْهُ، مات في نصف ذي الحجَّة، وقد نيّف على السبعين.(11/834)
173 - محمد بْن الحسين بْن أَبِي القاسم أبو بَكْر الطَّبَريّ، الشّالوسيّ الصُّوفيّ، الواعظ، [المتوفى: 543 هـ]
وشالوسا: من قُرى طَبَرِسْتان.
كَانَ مليح الوعظ، خيِّرًا، حريصًا عَلَى طلب الحديث، سَمِعَ: نصر اللَّه الخُشنامي، فمَن بعده، سَمِعَ منه: السّمعانيّ، وقال: مات فِي المحرَّم.(11/834)
174 - مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ الله بْن أحمد الإمام أبو بكر ابن العربيّ، المَعَافِريّ، الأندلسيّ، الإشبيليّ، الحافظ [المتوفى: 543 هـ]
أحد الأعلام.
ولد في شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة.
قَالَ ابن بَشْكُوال: أخبرني أنّه رحل مَعَ أبيه إلى المشرق سنة خمسٍ وثمانين، وأنّه دخل الشّام ولقي بها: أبا بَكْر محمد بْن الوليد الطُّرطوشي، وتفقّه عنده، ولقي بها جماعة من العلماء والمحدّثين، وأنّه دخل بغداد، وسمع بها من طِراد الزَّيْنبيّ، ثمّ حجّ سنة تسعٍ وثمانين، وسمع من الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ، وعاد إلى بغداد، فصحِب أبا بكر الشاشي، وأبا حامد الغزالي، وغيرهما، وتفقه عندهم، ثمّ صدر عَنْ بغداد، ولقي بمصر، والإسكندريَّة جماعةً، فاستفاد منهم وأفادهم، وعاد إلى بلده سنة ثلاثٍ وتسعين بعِلمٍ كثير لم يدخله أحدٌ قبله ممّن كانت لَهُ رحلة إلى المشرق، وكان من أهل التّفنّن في [ص:835] العلوم، والاستبحار فيها، والجّمْع لها، مقدَّمًا في المعارف كلها، متكلِّمًا في أنواعها، نافذًا في جميعها، حريصًا على آدائها ونشرها، ثاقب الذّهن في تمييز الصّواب منها، يجمع إلى ذَلكَ كلّه آداب الأخلاق مَعَ حُسن المعاشرة، ولِين الكنف، وكثْرة الاحتمال، وكَرَم النفس، وحُسن العهد، وثبات الودّ، واستُقضي ببلده، فنفع اللَّه بِهِ أهلَها لصرامته وشدّته، ونفوذ أحكامه، وكانت لَهُ في الظّالمين سورةٌ مرهوبة، ثمّ صُرف عَن القضاء، وأقبل عَلَى نشر العِلْم وبثّه، قرأتُ عَلَيْهِ، وسمعت منه بإشبيلية، وقُرْطُبة كثيرًا من روايته وتواليفه، وتُوُفّي بالعدوة، ودُفن بفاس في ربيع الآخر.
وقال ابن عساكر: سَمِعَ أبا الفتح نصر بْن إبراهيم المقدسيّ، وأبا الفضل بْن الفُرات، وأبا البركات أحمد بْن طاوس، وجماعة، وسمع ببغداد: نصر بن البطِر، وابن طلْحة النِّعَالِي، وطِراد بْن محمد، وسمع ببلده من خاله الحسن بْن عُمَر الهَوْزَنيّ، يعني المذكور سنة اثنتي عشرة.
قلت: ومن تصانيفه: كتاب " عارضة الأحوَذي في شرح التِّرْمِذيّ "، وكتاب " التّفسير " في خمس مجلّدات كبار، وغير ذَلكَ من الكُتُب في الحديث، والفقه، والأُصُول.
وورّخ وفاته في هذه السّنة أيضًا الحافظ أبو الحَسَن بن المفضل، والقاضي أبو العبّاس بْن خَلِّكان.
وكان أَبُوهُ رئيسًا، عالمًا، من وزراء أمراء الأندلس، وكان فصيحًا، مفوَّهًا، شاعرًا، تُوُفّي بمصر في أوّل سنة ثلاثٍ وتسعين.
روى عَنْ أَبِي بَكْر: عبد الرحمن وعبد الله ابنا أحمد بْن صابر، وأحمد بْن سلامة الأبّار الدّمشقيّون، وأحمد بْن خَلَف الكَلاعيّ قاضي إشبيلية، والحَسَن بْن عليّ القُرْطُبيّ الخطيب، والزّاهد أبو عبد الله محمد بْن أحمد بْن المجاهد، وأبو بَكْر محمد بْن عَبْد الله بْن الجد الفِهري، ومحمد بن إبراهيم ابن الفخّار، ومحمد بْن مالك الشَّرِيشيّ، ومحمد بْن يوسف بن سعادة الإشبيلي، ومحمد بن علي الكُتّامي، ومحمد بن جابر الثعلبي، ونجبة بن يحيى الرّعَيني، وعبد الله [ص:836] ابن أحمد بْن جُمهور، وعبد اللَّه بْن أحمد بْن علّوش نزيل مراكُش، وأبو زيد عبد الرحمن بْن عبد الله السُهَيلي، وعبد الرحمن بْن أحمد بْن عبد الرحمن بْن ربيع الأشعريّ، وعبد المنعم بْن يحيى بْن الخلوف الغَرْناطيّ، وعليّ بْن صالح بْن عزّ النّاس الداني، وعليّ بن أحمد الزهري قاضي إشبيلية، وعلي بن أحمد بن لبال الشريشي، ويحيى بن عبد الرحمن المجريطي، وروى عنه بالإجازة في سنة ست عشرة وست مائة أبو الحسن علي بْن أحمد الشَّقوري، وأحمد بْن عُمَر الخَزْرجيّ التّاجر، وروى عَنْهُ خلْق سوى هَؤُلّاءِ.
وكان أحد من بلغ رُتبة الاجتهاد، وأحد من انفرد بالأندلس بعُلُوّ الإسناد، وقد وجدتُ بخطّي أنّه تُوُفّي سنة ستٍ وأربعين، فما أدري من أين نقلته، ثمّ وجدت وفاته في سنة ستٍّ في " تاريخ ابن النّجّار "، نقله عَن ابن بَشْكُوال، والأوّل الصّحيح إن شاء اللَّه.
وذكر ابن النّجّار أنّه سَمِعَ أيضًا من: محمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي بمصر، ومن أبي الحسن علي بن الحسن القاضي الخِلَعيّ، وبالقدس من مكّي الرُميلي، وقرأ كتب الأدب ببغداد عَلَى أَبِي زكريّا التِّبريزيّ، وقرأ الفقه والأصلين عَلَى الغزّاليّ، وأبي بكر الشاشي، وحصّل الكتب والأصول، وحدّث ببغداد عَلَى سبيل المذاكرة، فروى عَنْهُ: أبو منصور ابن الصباغ، وعبد الخالق اليوسفي، وروى الكثير ببلده، وصنَّف مصنَّفات كثيرةً في الحديث، والفقه، والأصول، وعلوم القرآن، والأدب، والنَّحْو، والتّواريخ، واتّسع حاله، وكثُر أفضاله، ومدحه الشّعراء، وعمل عَلَى إشبيلية سورًا من ماله، وولي قضاءها، وكان من الأئمَّة المقتدى بهم.
وقد ذكره اليَسَع بْن حزْم، وبالغ في تعظيمه، وقال: ولي القضاء فمُحِن، وجرى في أغراض الإمارة فلحن، وأصبح يتحرّك بإثارة الألسنة، ويأبى بما أجراه القدرُ عَلَيْهِ النّومُ والسِّنَة، وما أراد إلّا خيرًا، نصب الشّيطان عَلَيْهِ شباكه، وسكَّن الإدبار حِراكه، فأبداه للناس صورة تذم، وسورة تُتلى، لكونه تعلَّق بأذيال المُلك، ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السلاطين وحزبهم، بل داهن، ثم انتقال إلى قُرْطُبة مكرَّمًا، حتّى حُوِّل إلى العُدْوة، فقضى نحبه. [ص:837]
قرأت بخطّ ابن مَسدي في " مُعْجَمه ": أَخْبَرَنَا أبو العباس أحمد بن محمد ابن مفرّج النباتي بإشبيلية، قال: سَمِعْتُ الحافظ أبا بَكْر بْن الجدّ وغيره يقولون: حضر فقهاء إشبيلية أبو بَكْر بْن المُرجّى، وفلان وفلان، وحضر معهم أبو بكر ابن العربيّ، فتذاكروا حديث المِغفَر، فقال ابن المُرَجّى: لا يُعرف إلّا من حديث مالك، عَن الزُهري، فقال ابن العربيّ: قد رويته من ثلاثة عشر طريقا، غير طريق مالك، فقالوا لَهُ: أفِدنا هذه الفوائد، فوعدهم، ولم يُخرج لهم شيئًا، وفي ذَلكَ يَقُولُ خَلَفُ بنُ خَير الأديب:
يا أهل حمصَ ومَن بها أوصيكمُ ... بالبرّ والتَّقْوَى وصيَّةً مشفقِ
فخُذُوا عَن العربيّ أسمارَ الدّجا ... وخُذوا الرّوايةَ عَنْ إمامٍ متّقي
إنّ الفتى حُلْوُ الكلام مهذّبٌ ... إنْ لم يجِدْ خَبَرًا صحيحًا يخلقِ
قلت: هذه الحكاية لا تدل على ضعف الرجل ولابد.(11/834)
175 - محمد بْن عبد الرحمن بْن إبراهيم بْن يحيى، أبو الحَسَن ابن الوزّان، [المتوفى: 543 هـ]
صاحب الصّلاة بجامع قُرْطُبَة.
روى عَنْ: أَبِي عبد الله محمد بن فرج، وكان دينا، فاضلا، معتنيا بالعلم والرواية، ثقة، ثَبتًا، طويل الصلاة، كثير الذِّكر، تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.(11/837)
176 - محمد بْن عَبْد الرحمن بن أحمد بن الطفيل، أبو الحسن بن عظيمة الإشبيلي، الأستاذ، المقرئ. [المتوفى: 543 هـ]
رحل وأخذ القراءات عَن ابن الفحّام بالثَّغْر، وأبي الحسين ابن الخشّاب بمصر، أخذ عنده ولده عَيّاش، وله قصيدة في القراءات، وكتاب " الغنية ".
روى عَنْهُ: أبو مروان الباجي، وأبو بَكْر بن خير، وقد حدَّث عَنْ أَبِي عليّ الغسّانيّ، وطبقته.
تُوُفّي في صفر سنة ثلاث وأربعين، قاله ابن فرتون.(11/837)
177 - محمد بْن عليّ، أبو غالب البغداديّ، المكبّر، المعروف بابن الدّاية. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ: " صفة المنافق " من ابن المسلمة، وسماعه صحيح، مثُبّت في سنة [ص:838] أربع وستين بخط ظاهر النيْسابوريّ، وتُوفي في المحرّم، قاله أبو سعد.
قلت: روى عَنْهُ: حمزة ومحمد ابنا عليّ ابن القبيطي، وسليمان وعليّ ابنا المَوْصِليّ، وجماعة آخرُهم الفتْح بْن عبد السّلام، وعاش تسعًا وثمانين سنة، كان أَبُوهُ فرّاشًا في بيت رئيس الرؤساء.(11/837)
178 - محمد بْن عليّ بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر بْن عليّ أبو بَكْر الكابُلي. [المتوفى: 543 هـ]
روى عَنْ: عبد الجبّار بْن عبد الله بْن برزة الواعظ بأصبهان، روى عنه: أبو موسى المديني، وقال: توفي في العشرين من صَفَر سنة ثلاثٍ وأربعين، وقال: قِيلَ إنّ مولده سنة ثلاثٍ أو أربع أو ست وأربعين وأربعمائة، وروى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وأبو بَكْر أحمد بْن أَبِي نصر الخِرقي.(11/838)
179 - محمد بْن أَبِي بَكْر عَمْرو بْن محمد بْن القاسم أبو غالب الشّيرازيّ، [المتوفى: 543 هـ]
من شيوخ أَبِي موسى المديني، وهو نَسَبه.
وذكره أبو سعد السّمعانيّ فسمّى جدّه محمدا: أحمد، وكذا قَالَ عبد الرحيم الحاجّيّ في " الوَفَيَات ".
تُوُفّي يوم عيد الفِطر.
وقال ابن السّمعاني: كَانَ شيخًا، عالمًا، صالحًا، سديد السّيرة، سمع: المطهر البزاني، وابن شكروَيْه، وجماعة، وُلِد سنة ستٍّ وستين وأربعمائة.
وقال أبو موسى: كَانَ خازن كُتُب الصّاحب.(11/838)
180 - محمد بْن عليّ بْن محمد بْن خُشنام المَرْوَزِيّ، المُلحمي، الصُّوفيّ. [المتوفى: 543 هـ]
شيخ معمّر، عاش بضْعًا وتسعين سنة، فيه خير ودين، سُمع منه سنة أربعٍ وستّين، من عبد العزيز بْن موسى القصّاب عَن الدّهّان، عَنْ فاروق الخطّابيّ، روى عنه: السمعاني، وابنه عبد الرحيم.(11/838)
181 - محمد بن علي بن محمد بن علي أبو العزّ البُستي، الصُّوفيّ. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ بمَرْو، وغيرها جماعة، وسافر الكثير، وسلك البوادي عَلَى التّجريد والوحدة، وحدَّث عَنْ: موسى بْن عِمران، وجماعة، حتى أنه روى عن السلفي.
قال ابن السّمعانيّ: كتبت عَنْهُ بمَرْو وبشاوَر، وكان شيخنا إسماعيل بْن أَبِي سعد يسيء الثّناء عَلَيْهِ، ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، ومات في ثاني ذي القعدة.(11/839)
182 - محمد بْن محمد بن الطّير أبو الفَرَج القصْريّ، الضّرير، المقرئ. [المتوفى: 543 هـ]
عَنْ: ابن طلْحة النِّعاليّ، وابن البطِر، وجماعة، وعنه: أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم ابن عساكر، وعليّ بْن أحمد بْن وهْب، شيخ لابن النّجّار.
وهو صالح خيّر لا بأس بِهِ، يؤمّ بمسجد، تُوُفّي في جُمادَى الآخرة وأنّما أضرّ بأخَرَة.(11/839)
183 - المبارك بْن كامل بْن أَبِي غالب الحسين بْن أَبِي طاهر أبو بَكْر الخفّاف، البغداديّ، الظَّفَريّ، المفيد، [المتوفى: 543 هـ]
كَانَ يفيد الغُرباء عَن الشّيوخ.
سَمِعَ الكثير، وأفْنَى عُمره في الطَّلَب، وسمع العالي والنّازل، وأخذ عمّن دبّ ودرج، وما يدخل أحدٌ بغدادَ إلّا ويبادر ويسمع منه.
قَالَ ابن السّمعانيّ: وهو سريع القراءة والخطّ، يشبه بعضه بعضًا في الرّداءة، وكان يدور معي عَلَى الشّيوخ، سَمِعَ: أبا القاسم بْن بَيَان، وأبا عليّ بْن نبهان، وعليّ بْن أحمد بْن فتحان الشهرزوري، فمن بعدهم، سمعت منه وسمع منّي، وقال لي: وُلِدتُ في سنة تسعين وأربعمائة، تُوُفّي في تاسع وعشرين جُمادى الأولى.
وقال أبو الفرج ابن الْجَوزيّ: أبو بَكْر المفيد، يُعرف أَبُوهُ بالخفّاف، سمع خلقًا كثيرًا، ومازال يسمع العالي والنّازل، ويتتبّع الأشياخ في الزّوايا، وينقل السّماعات، فلو قِيلَ: إنّه سَمِعَ من ثلاثة آلاف شيخ لما رُدّ القائل. [ص:840]
وانتهت إِلَيْهِ معرفة المشايخ، ومقدار ما سمعوا والإجازات لكثرة دِربته في ذَلكَ، وكان قد صحِب هزارسبَ بْن عَوَض، ومحمود الأصبهانيّ، إلّا أنّه كَانَ قليل التّحقيق فيما ينقل من السّماعات، لكونه يأخذ عَنْ ذَلكَ ثمنًا، وكان فقيرًا إلى ما يأخذ، وكان كثير التّزويج والأولاد.(11/839)
184 - المبارك بْن المبارك بْن أَبِي نصر بْن زُوما أبو نصر البغداديّ، الحنْبليّ الرّفّاء. [المتوفى: 543 هـ]
ثمّ تحوَّل شافعيًّا، وتفقّه عَلَى أسعد المِيهنيّ، وبرع في المذهب، وكان من الصُّلحاء العُبّاد، سَمِعَ من: أُبي النَّرْسيّ، وطبقته، وحدَّث.
مات كهلًا.(11/840)
185 - منير بْن محمد بْن منير أبو الفضل النّخعي، الرازي، الواعظ. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ ببغداد: عاصم بْن الحَسَن، ومالك البانياسيّ، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، وجماعة، روى عَنْهُ: عبد الوّهاب بْن سُكينة، وغيره.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ عَلَى التَّرِكات، وسمعت جماعة يسيئون الثّناء عَلَيْهِ، كتبتُ عَنْهُ، وتُوُفّي في ذي القعدة، ووُلِد في سنة خمسٍ وستّين.(11/840)
186 - موسى بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي زيد أبو عبد الله الفَرْغَانيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 543 هـ]
قدِم بغدادَ، وحجّ كثيرًا، وكان شيخًا صالحًا، خدومًا جلدا، ذكر أنّه سَمِعَ من أصحاب أَبِي عليّ ابن شاذان، ولم يظهر لَهُ شيء.
تُوُفّي بدمشق في صفر.(11/840)
187 - ياقوت أبو الدُّرّ الرُّوميّ، التّاجر، السّفّار، [المتوفى: 543 هـ]
عتيق عُبيد الله بن أحمد ابن البخاريّ.
سَمِعَ معه من ابن هزارمُرد الصَّرِيفِينيّ كتاب " المُزاح والفُكاهة " للزُبير، وسمع " مجالس المخلّص ".
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ شيخًا ظاهره الصّلاح والسّداد، لا بأس بِهِ، حدَّث بالعراق ودمشق، ومصر. [ص:841]
وقال ابن عساكر: قدِم دمشقَ، ومصر، مرّات للتّجارة، ولم يكن يفهم شيئًا، وتُوُفّي بدمشق في شعبان.
قلت: روى عَنْهُ: ابن عساكر، وولده القاسم، وابن السّمعانيّ، وأبو المواهب بْن صصرى، ومحمد بن وهب بن الزّنْف، والخضر بْن كامل المعبّر، وعقيل بْن الحسين بْن أَبِي الجنّ، وأحمد بْن وهْب بْن الزَّنْفِ، وعبد الرحمن بْن سلطان بْن يحيى القُرَشيّ، وعبد الرحمن بْن إسماعيل الجنْزَويّ، وعبد الرحمن بْن عبد الواحد بْن هلال، وعبد الصّمد بن جوشن التَّنُوخيّ، وطائفة سواهم.(11/840)
188 - يحيى بْن أحمد بْن محمد بن أحمد أبو جعفر ابن الزوّال. [المتوفى: 543 هـ]
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنَبيّ، وعامر بْن الحَسَن، وعنه: ابن سُكينة، ويوسف بْن المبارك بْن كامل، مات في ربيع الأوّل، قاله ابن النّجّار.(11/841)
189 - يحيى بْن محمد بْن سعادة ابن فصّال أبو بَكْر القُرْطُبيّ، المقرئ. [المتوفى: 543 هـ]
أخذ القراءات عن: أبي الحسن العبسي، وأبي القاسم ابن النخّاس، وحجّ فسمع من رزين بن معاوية كتاب " تجريد الصّحاح " وكتاب " فضائل مكَّة "، روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن بَشْكُوال، وأبو خَالِد المَرَوانيّ، وأبو الحَسَن بْن مؤمن، وأبو القاسم الشّرّاط.(11/841)
190 - يوسف بْن دوناس بْن عيسى أبو الحَجّاج الفِندلاوي، المغربيّ الفقيه المالكيّ، [المتوفى: 543 هـ]
الشّهيد، إن شاء اللَّه.
قدِم الشّام حاجًّا، فسكن بانياس مدَّةً، وكان خطيبًا بها، ثمّ انتقل إلى دمشق فسكنها، ودرَّس بها الفقه، وحدَّث " بالموطّأ ".
أنبأنا المسلم بن محمد عن القاسم ابن عساكر قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبو الحجاج الفِندلاوي قال: أخبرنا محمد بْن عبد الله بْن الطّيّب الكلْبيّ قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا عبد الرحمن الخِرَقيّ قال: أخبرنا عَلِيّ بْن محمد الفقيه، فذكر حديثًا. [ص:842]
قَالَ الحافظ ابن عساكر: كَانَ الفِنْدَلاويّ حَسَن المفاكهة، حُلْو المحاضرة، شديد التّعصُّب لمذهب أهل السُّنَّة، يعني الأشاعرة، كريم النّفس، مطّرحًا التّكلُّف، قويّ القلب، سَمِعْتُ أبا تُراب بْن قيس يذكر أنّه كَانَ يعتقد اعتقاد الحَشَويَّة، ويبغض الفِنْدَلاويّ لردّه عليهم، وأنه خرج إلى الحج، وأُسر في الطريق، وألقي في جبّ، وألقي عليه صخرة، وبقي كذلك مدَّة يُلقى إِلَيْهِ ما يأكل، وأنّه أحسّ ليلة بحس، فقال: من أنت؟ قال: ناولْني يدك، فناوله يده، فأخرجه من الْجُبّ، فلمّا طلع إذا هُوَ الفِندلاوي، فقال: تُب مما كنت عليه، فتاب.
قَالَ ابن عساكر: وكان ليلة الختْم في رمضان يخطب رَجُل في حلقة الفِنْدَلاويّ بالجامع ويدعو، وعنده أبو الحسن بْن المسلم الفقيه، فرماهم خارجٌ من الحلقة بحجر، فلم يُعرف، فقال الفِنْدلاويّ: اللَّهُمَّ اقطَعْ يدَه، فما مضى إلّا يسير حتى أُخذ خضير الرّكابيّ من حلقة الحنابلة ووُجد في صندوقه مفاتيح كثيرة لفتح الأبواب للسّرقة، فأمر شمس الملوك بقطْع يديه، ومات من قطْعهما.
قُتل الفِنْدَلاويّ يوم السّبت سادس ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ بالنَّيْرَب مجاهدًا للفرنج، وفي هذا اليوم نزلوا عَلَى دمشق، فبقوا أربعة أيّام، ورحلوا لقلَّة العَلَف والخوف من العساكر المتواصلة من حلب، والموصل نجدةً، وكان خروج الفِنْدَلاويّ إليهم راجلًا فيمن خرج.
وذكر صاحب " الرَّوضتين " أنَّ الفِنْدَلاويّ قُتل عَلَى الماء قريب الرّبوة، لوقوفه في وجوه الفرنج، وترك الرجوع عَنْهُمْ، اتّبع أوامر اللَّه تعالى وقال بِعنا واشتري، وكذلك عبد الرحمن الحلحوليّ الزاهد، رحمه الله، جرى أمره هذا المجرى.
وذكر ابن عساكر أنّ الفِندلاوي رُؤيّ في المنام، فقيل لَهُ: أين أنت؟ فقال: في جنات عدن " على سُرُرٍ متقابلين ". وقبره يُزار بمقبرة باب الصّغير من ناحية حائط الْمُصَلَّى، وعليه بلاطة كبيرة فيها شرحُ [ص:843] حاله، وأمّا عبد الرحمن الحلحوليّ فقبره في بستان الشعباني، في جهة شرقه، وهو البستان المُحاذي لمسجد شعبان المعروف الآن بمسجد طالوت.
وقد جرت للفندلاوي، بحوث، وأمور، وحِشة مَعَ شرف الإسلام ابن الحنبليّ في العقائد، أعاذَنا اللَّه من الفِتَن والهوى.(11/841)
-سنة أربع وأربعين وخمسمائة(11/844)
191 - أحمد ابن الوزير نظام المُلك الحَسَن بْن عليّ بْن إسحاق أبو نصر الطُّوسيّ، الصّاحب، الرّئيس. [المتوفى: 544 هـ]
سكن بغداد عند مدرسة والده، وكان وزيرًا في دولتي الخليفة والسّلطان، وآخر ما وزَر للمسترشد بالله في رمضان سنة ستّ عشرة وخمسمائة، وعُزل بعد ستَّة أشهر، ولزِم منزله، ولم يتلبَّس بعدها بولاية، وآخر من روى عَنْهُ حفيده الأمير داود بْن سليمان بْن أحمد.
وكان صدْرًا، بهيّ المنظر، مليحَ الشَّيْبة، يملأ العين والقلب، قعد عن الإشغال، وصار حلس بيَته، وحدَّث عَنْ: أبيه، وأبي الفضل الحَسْناباذيّ، وغيرهما، وأبو الفضل هو عبد الرزاق الراوي، عَن الحافظ ابن مَرْدَوَيْه، وغيره.
روى عَنْهُ: أبو أسعد السمعاني، وذكره في " الذيل "، وقال: تُوُفّي في الخامس والعشرين من ذي الحجَّة، ودُفن بداره، عاش تسعًا وسبعين سنة.(11/844)
192 - أحمد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الرَّحْمَن، أَبُو نَصْرٍ البَهْوَنيّ، [المتوفى: 544 هـ]
وبَهْوَنَة: من قرى مَرْو.
إمام فاضل، لكنه اختلط في آخر عمره واختلّ، سَمِعَ: هبة اللَّه بْن عبد الوارث الشّيرازيّ، وأبا سعيد محمد بْن عليّ البَغَويّ.
ذكره ابن السّمعانيّ في مُعْجَمه، وقال: تُوُفّي في ربيع الآخر.(11/844)
193 - أحمد بن عبد الباقي بن الجلاء أبو البَرَكات، [المتوفى: 544 هـ]
أمين القاضي ببغداد. [ص:845]
حدَّث عَنْ: نصر بْن البطِر، وعنه: ابن السّمعانيّ، وإبراهيم بْن سُفْيان بْن مَنده، وكان مقرئًا، مجوِّدًا.
توفي في جمادى الآخرة.(11/844)
194 - أحمد بْن عليّ بْن أَبِي جعفر بْن أَبِي صالح الإمام، أبو جعفر البَيْهَقيّ، النَّحْويّ، المفسّر، المعروف ببو جعفرَك، [المتوفى: 544 هـ]
نزيل نَيْسابور، وعالِمها.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ إمامًا في القراءة، والتّفسير، والنَّحْو، واللّغة، وصنَّف المصنَّفات المشهورة، وسمع: أحمد بْن محمد بْن صاعد، وعلي بْن الحسن بْن العبّاس الصَّنْدليّ، ووُلد في حدود السّبعين وأربعمائة.
وذكره جمال الدّين القفْطيّ في " تاريخ النَّحْويّين " فقال: صنَّف التّصانيف المشهورة، منها كتاب " تاج المصادر "، وظهر لَهُ تلامذة نُجباء، وكان لا يخرج من بيته إلّا في أوقات الصّلاة، وكان يُزار ويتبرّك به، توفي بلا مرض في رمضان في آخر يوم منه، وازدحم الخلْق عَلَى جنازته.(11/845)
195 - أحمد بْن عليّ بْن حمزة بْن جبيرة، أبو محمد البَصْلانيّ، ويُعرف بطغان. [المتوفى: 544 هـ]
طلب بنفسه، وكتب عَنْ: ابن البطِر، والنِّعالي، وعاصم بن الحسن، وطِراد.
قال ابن النّجّار: روى اليسير لسوء طريقه، وقُبح أفعاله، كان ينجّم، ويتمسخر على الطرق، ويحضر مجالس اللّهو، فتركوه.
روى عَنْهُ: الحافظ ابن عساكر، والمبارك بْن كامل، ونور العين بنت المبارك.
قال ابن ناصر: متروك، لا تجوز الرّواية عَنْهُ.
وقال ابن شافع: مات في رجب.(11/845)
196 - أحمد بْن محمد بْن الحسين، القاضي أبو بَكْر الأرّجانيّ، ناصح الدّين، [المتوفى: 544 هـ]
قاضي تُستَر، وصاحب الديوان المشهور. [ص:846]
كَانَ شاعر عصره، مدح أمير المؤمنين المسترشد بالله، وسمع من أَبِي بَكْر بْن ماجة الأَبْهريّ حديث لُوَين.
روى عَنْهُ جماعة منهم: أبو بَكْر محمد بْن القاسم بْن المظفّر ابن الشَّهْرُزُوريّ، وعبد الرحيم بْن أحمد ابن الإخْوَة، وابن الخشّاب النَّحْويّ، ومنوجهر بْن تُركانشاه، ويحيى بن زبادة الكاتب.
وأصله شيرازيّ، وكان في عنفوان شبابه بالمدرسة النّظاميَّة بأصبهان، وناب في القضاء بعسكر مُكرَم، والّذي جُمِع من شِعره لا يُكَوِّن العُشر منه.
قَالَ العِماد في الخريدة: لمّا وافيت عسكر مُكرَم لقيتُ بها ولده رئيس الدين محمدًا، فأعارني ضبارة كبيرةً من شِعر والده، منبتُ شجرته أَرَّجان، ومواطن أُسرته تُستَر، وعسكر مُكرَم من خُوزِسْتان، وهو وإن كَانَ في العجم مولده، فمن العرب محتِده، سَلَفُه القديم من الأنصار، لم يسمح بنظيره سالِف الأعصار، أوْسِيّ الأسّ خزرَجيُّه، قسيُّ النُّطْق إِيادِيُّه، فارسيُّ القَلَم، وفارس ميدانه، وسلمان برهانه، من أبناء فارس، الّذين نالوا العِلم المعلَّق بالثُّرَيّا، جمع بين العُذوبة والطّيب في الري والريّا.
وللأرجاني:
أَنَا أشعر الفُقهاء غير مُدافعٍ ... في العصر، أو أَنَا أفقهُ الشعراءِ
شِعري إذا ما قلتُ دَوَّنَهُ الوَرَى ... بالطَّبْع لا بتكلّفِ الإلقاءِ
كالصوت في ظلل الْجِبال إذا علا ... للسَّمْع هاجَ تجاوبَ الأصْداءِ
وله:
شاوِر سواكَ إذا نابتكَ نائبةٌ ... يومًا، وإن كنتَ من أهلِ المشوراتِ
فالعينُ تَنظر منها ما دَنَا ونَأَى ... ولا ترى نفسَها إلَّا بمرآةِ
وله: [ص:847]
ولمّا بلوتُ الناسَ أطلبُ عندهُم ... أخا ثقةٍ عند اعتراض الشدائدِ
تطلّعتُ في حالَي رخاءٍ وشدةٍ ... وناديتُ في الأحياء: هَلْ من مُساعد؟
فلم أرَ فيما ساءني غيرَ شامتٍ ... ولم أرَ فيما سرّني غيرَ حاسدِ
تمُتّعتُما يا ناظريّ بنظرة ... وأورتما قلبي أمرَّ المواردِ
أَعَيْنَيَّ كُفّا عَنْ فؤادي فإنّهُ ... من البغْي سعيُ اثنينِ في قتْلِ واحدِ
وله يمدح خطير المُلك محمد بْن الحسين وزير السّلطان محمد السَّلْجُوقيّ:
طلعتْ نجومُ الدّين فوق الفرقَد ... بمحمدٍ، ومحمدٍ، ومحمدِ
بنبيُّنا الهادي وسلطان الورى ... ووزيره المولى الكريم المُحتدِ
سعدان للأفلاك يكتنفانها ... والدّين يكنفُه ثلاثةُ أسعدِ
بكتاب ذا، وبسيفِ ذا، وبرأي ذا ... نُظمتْ أمورُ الدّين بعد تبدُّدِ
فالمعجزاتُ لمُقتد، والباتراتُ ... لمُعتَد، والمكرُماتُ لمُجتدي
للَّهِ درُّ زَمانِه من ماجدٍ ... ملِك أغرّ من المكارم أصيدِ
وله:
ما جُبتُ آفاقَ البلادِ مطوِّفًا ... إلّا وأنتُم في الوَرَى مُتَطَلّبي
سعيي إليكم في الحقيقة، والَّذي ... تجدون عنكم فهو سعيُ الدهرِ بي
أنحوكمُ ويردُّ وجهي القهقرى ... عنكم فسَيري مثلُ سَيْر الكوكبِ
فالقصدُ نحو المشرقِ الأقصى لكُم ... والسّيْر رأيَ العينِ نحو المغربِ
وله:
رثى لي وقد ساويتُه في نُحوله ... خياليَ لمّا لم يكن لي راحمُ
فدلَّسَ بي حتّى طرقتُ مكانَه ... وأوهمتُ إلْفي أنّه بيَ حالمُ
وبِتْنا ولم يشْعُرْ بنا الناسُ ليلةً ... أنا ساهرٌ في جفنه، وهو نائم
وقد ناب عَن القاضي ناصر الدّين عبد القاهر بن محمد بتُستر، وعسكر مُكرَم، فقال:
ومِن النّوائب أنّني ... في مثل هذا الشّغل نائبْ
ومِن العجائب أنَّ لي ... صبرًا عَلَى هذي العجائب [ص:848]
وله:
أحبُّ المرء ظاهرُه جميلٌ ... لصاحِبِهِ وباطنُه سليمُ
مودتُه تدومُ لكلّ هولٍ ... وهل كلُ مودتُه تدوم؟
وله:
ولقد دُفِعتُ إلى الهمومِ تَنُوبُني ... منها ثلاثُ شدائد، جُمعنَ لي
أسفٌ عَلَى ماضي الزّمانِ، وحيرةٌ ... في الحال منه، وخشيةُ المستقبلِ
ما إنْ وصلتُ إلى زمانٍ آخرٍ ... إلَّا بكيتُ عَلَى الزّمان الأوَّلِ
وله:
حيث انتهيتَ من الهجرانِ لي فقفْ ... ومن وراء دمي بيضُ الظّبا فخفِ
يا عابثًا بِعداتِ الوصْلِ يُخلفُها ... حتّى إذا جاء ميعادُ الفِراق يَفي
اعدِلْ كَفَاتِنِ قدٍ منك معتدِلٍ ... واعْطف كمائلِ غصن منك منعطفِ
ويا عذولي ومن يُصغي إلى عذلي ... إذا رَنَا أحورُ العينينِ لا تقفِ
تَلَوَّم قلبي إنْ أصماه وناظره ... فيمَ اعتراضُك بين السّهم والهدفِ
سلوا عقائِل هذا الحيّ أيَّ دمٍ ... للأعيُن النّجْل عند الأعيُن الذُرُفِ
يستوصفون لساني عَنْ محبّتهم ... وأنت أصدقُ، يا دمعي، لهم فصفِ
ليست دموعي لنار الشّوق مُطْفِئة ... وكيف؟ والماءُ بادٍ واللهيبُ خَفِي
لم أنسَ يومَ رحيلِ الحيّ موقفَنا ... والعيسُ تطلعُ أُولاها عَلَى شُرُفِ
وفي المحامل تَخْفَى كلّ آنسةٍ ... إن ينكشف سجفُها للشمس تنكسفِ
تبين عَنْ معصمٍ بالوهْم مُلْتزِم ... منها، وعن مبْسَم باللّحظ مُرتَشفِ
في ذمَّة اللَّه ذاك الركْب إنّهم ... ساروا وفيهم حياةُ المُغرم الدنفِ
فإنْ أعِش بعدَهُم فَرْدًا فواعَجَبًا ... وإنْ أمتُ هكذا وجدًا فيا أسفي
وله من أبيات:
قلبي وشِعري أبدًا للوَرَى ... يصبح كلّ وحِماه مُباح
ذا لملوك العصر فيما أرى ... نهْب، وهذا لوجوه الملاح [ص:849]
الحُسن للحسناء مستجمع ... والحظ لا متع عند القباح
وله:
قفْ يا خيالُ وإنْ تساوينا ضنا ... أنا منك أولى بالزيارة مُهنا
نافستُ طَيْفي في خيالي ليلةً ... في أنْ يزورَ العامريَّةَ أيُّنا
فسريتُ أعتجرُ الظلامَ إلى الحِمَى ... ولقد عناني من أُمَيْمَة ما عنا
وعقلتُ راحلتي بفضْل زمامِها ... لمّا رأيتُ خِيامَهُم بالمُنحنى
لمّا طرقتُ الحيَّ قالتْ خِيفةً ... لا أنت إنْ عَلِم الغيورُ ولا أَنَا
فدنوت طَوْعَ مَقَالها متخفّيًا ... ورأيت خطبَ القومِ عندي أهونا
حتى رفعت عن المليحة سجفها ... يا صاحبي فلو أن عينك بيننا
سترت مُحيّاها مخافةَ فتنتي ... بنقابها عنّي، فكانت أفْتَنا
وتجرّدتْ أعطافُها من زِينةٍ ... عمدًا، فكان لها التجرد أزينا
وتكاملت حسنا ولو قرنت لنا ... بالحسن إحسانا لكانت أحسنا
قَسَمًا بما زار الحجيجُ وما سَعَوْا ... زُمرًا، وما نحروا على وادي منى
ما اعْتاد قلبي ذكرَ مَنْ سَكَن الحِمى ... إلّا اسْتَطَارَ ومَلّ صدْري مَسْكَنا
وله:
لو كنتُ أجهلُ ما علمتُ، لَسَرَّني ... جهْلي، كما قد ساءني ما أعلمُ
كالصّعْوِ يَرْتَع في الرّياض، وإنّما ... حُبس الهزارُ لأنّه يترنمُ
وله:
سهامُ نواظرٍ تُصمي الرّمايا ... وهنَّ من الحواجب في حَنَايا
ومن عَجَب سهامٌ لم تفارقْ ... حَنَاياها وقد جرحتْ حشايا
نهيتكُ أن تناضِلها فإنّي ... رميتُ فلم يُصب قلبي سِوايا
جعلتُ طليعتي طرْفي سَفاها ... فدلّ عَلَى مَقَاتِلِي الخفايا
وهل يُحمى حريمٌ من عدوٍ ... إذا ما الجيشُ خانته الربايا
هَزَزْنَ من القُدودِ لنا رِماحًا ... فخلَّينا القلوبَ لها ردايا
ولي نفَسٌ إذا ما امتدّ شوقًا ... أطار القلبَ من حُرَقٍ شظايا [ص:850]
ومحتكمٍ عَلَى العُشّاق جورًا ... وأين من الدُّمى عدلُ القضايا
يُريك بوَجْنَتَيه الوردَ غضًّا ... ونورَ الأقحوان من الثنايا
تأمل منه تحت الصدغ خالا ... لتعلم كم خبايا في الزوايا
ولا تَلمِ المتيّم في هواه ... فعذلُ العاشقين من الخطايا
تُوُفّي الأرّجانيّ بُتستَر في شهر ربيع الأوّل، وأرّجان: بُلَيدة من كُوَر الأهواز، مشددة الرّاء، ضبطها صاحب الصّحاح، واستعملها المتنبيّ مخفَّفةً في قوله:
أرَجانَ أيَّتُها الجيادُ، فإنهُ ... عَزْمِي الّذِي يذَرُ الوشيجَ مُكَسَّرَا(11/845)
197 - أحمد بْن محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بْن أُبيّ الأمير أبو الفضل الفراتيّ، الخوجاني، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبا عمرو عبد الله بن عمرو البَحِيريّ، وكان مولده في سنة خمسٍ وستّين وأربعمائة، وتُوُفّي في أواخر شوّال.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.(11/850)
198 - أحمد بْن يحيى بْن عليّ أبو البَرَكات السِّقلاطوني، الفقيه، المعروف بابن الصبّاح. [المتوفى: 544 هـ]
روى عَنْ: أَبِي نصرٍ الزَّيْنبيّ، سَمِعَ منه: ابن الخشّاب، والمبارك بن عبد الله ابن النَّقُّور، تُوُفّي في هذه السّنة تقريبًا، أو بعدها.(11/850)
199 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أحمد الجاجَرمي ثمّ النَّيْسابوريّ، الفقيه. [المتوفى: 544 هـ]
يؤمّ بجامع نَيْسابور نيابة، سَمِعَ: أبا الحسن المَدِينيّ، وجماعة.(11/850)
200 - إبراهيم بْن يحيى بْن إبراهيم بْن سعيد، أبو إسحاق ابن الأمين، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 544 هـ]
قَالَ ابن بشكُوال: أكثر عَنْ جماعة من شيوخنا، وكان من جِلَّة المحدّثين، وكبار المُسندين، والأدباء المتفنّنين، من أهل الدّراية والرواية، [ص:851] أخذتُ عَنْهُ وأخذ عنّي، وكان من الدّين بمكان، وولد في سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة.
قلت: له استدراك على كتاب الاستيعاب لابن عبد البر.(11/850)
201 - أسعد بْن عليّ بْن الموفّق بْن زياد الرئيس أبو المحاسن الزيادي، الهروي، الحنفي. [المتوفى: 544 هـ]
ثقة، صدوق، صالح، عابد، سديد السّيرة، دائم الصّلاة والذِّكر، مستغرق الأوقات بالعبادة، وكان يسرد الصّوم، وصفه ابن السّمعانيّ وغيره بهذا.
وكان يسكن قرية مالين، سَمِعَ " منتخب مُسند عبد " من جمال الإسلام أبي الحسن الداودي، وصحيح البخاريّ، ومُسند الدّارميّ أيضًا، ووُلِد في رابع عشر ربيع الآخر سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: الحافظان: ابن عساكر، وابن السّمعانيّ، وأبو الفتح محمد بْن عبد الرحمن الفاميّ، وعبد الجامع بن علي المعروف بخخّة، وآخرون، وروى عنه بالإجازة المؤيد الطوسي، وأبو المظفّر ابن السّمعانيّ، وآخر من روى عَنْهُ بالسّماع: أبو رَوْح عبد المعزّ الهَرَويّ، فأخبرنا أحمد بْن هبة الله، قال: أنبأنا عبد المعزّ بن محمد، قال: أخبرنا أسعد بْن عليّ بْن الموفّق، بقراءة أَبِي عليّ ابن الوزير في سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة، قال: أخبرنا أبو الحسن الداودي، فذكر حديثًا من عبد بْن حُميد.(11/851)
202 - إسماعيل بْن محمد بْن إسماعيل بْن المهديّ بْن إبراهيم أبو الغنائم الهاشميّ، العَلَويّ، الحسينيّ، الموسويّ، الأصبهانيّ. [المتوفى: 544 هـ]
نشأ ببغداد، وسمع أبا الخطّاب بْن البَطِر، وأبا عبد الله النّعاليّ الحافظ، وثابت بْن بُندار، وحدَّث، وتوفي ببلاد فارس في هذه السنة أو بعدها.
روى عنه: عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/851)
203 - آمنة بنت شيخ الشيوخ أبي البركات إسماعيل بْن أحمد بْن محمد النّيْسابوريّ، أمّ عبد الرحمن، [المتوفى: 544 هـ]
صاحبة أَبِي منصور عليّ بْن علي ابن سُكينة.
كانت صالحة، عابدة، قانتة، خيّرة، كثيرة النوافل، حجّت غير مرة، [ص:852] روت عَنْ رزق اللَّه التّميميّ بالإجازة، أخذ عَنْهَا: أبو سعد السمعاني، وتوفيت في ربيع الأوّل.(11/851)
204 - أُنُر، الأمير مُعين الدّين، مدبّر دول أولاد أستاذه طُغتِكين بدمشق. [المتوفى: 544 هـ]
وكان عاقلًا، خيّرًا، حَسَن السّيرة والدّيانة، موصوفًا بالرّأي والشّجاعة، مُحِبًّا للعلماء والصّالحين، كثير الصَّدَقة والبِرّ، وله المدرسة المُعِينيَّة بقصر الثّقفيّين، ولقبره قبَّة بالعُوينة خلْف دار بِطّيخ، وقِبْليّ الشّاميَّة، وكان لَهُ أثر حَسَن في ترحيل الفرنج عَنْ دمشق لمّا حاصرها ملك الألمان، ونزلوا بالميادين.
وقد تزوَّج الملك نور الدين محمود بْن زنكي بابنته عصْمة الدّين خاتون في حياته.
تُوُفّي معين الدّين في ربيع الآخر، وأغفله ابن عساكر كغيره من أعيان المتأخرين.(11/852)
205 - ثابت بْن أَبِي تمّام عُمَر بْن أحمد، أبو منصور الكُتُبيّ، الواسطيّ. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ: أبا القاسم بْن بيان، وابن نَبْهان، ووُلِد في سنة ست وثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي ببغداد في ليلة السّابع والعشرين من رمضان.
كتب عنه: أبو سعد ابن السمعاني، وأحمد بن منصور الكازروني، وغيرهما.(11/852)
206 - الْحَسَنُ بْن سعيد بْن أحمد، الإمام أبو عليّ القُرشي، الأُمَويّ، الْجَزَريّ. [المتوفى: 544 هـ]
قدِم بغداد، وتفقّه وبرع في مذهب الشّافعيّ، وسمع من: عبد العزيز بن علي الأنماطي، وأبي القاسم ابن البُسري، وعمر بْن عُبَيْد اللَّه البقّال، وغيرهم، وولي قضاء جزيرة ابن عُمَر، ثمّ سكن آمِد.
قَالَ ابن عساكر: سَأَلْتُهُ عَنْ مولده، فقال: سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. [ص:853]
وقال يوسف بْن محمد بْن مقلَّد: مات بفنك في أوائل رمضان سنة أربع وأربعين. سَمِعْتُ منه.
قلت: هذا كَانَ من بقايا المُسندين، ضاع في تِلْكَ الدّيار.(11/852)
207 - الحَسَن بْن عبد الله بْن عُمَر، أبو عليّ بْن أبي محمد بْن العرجاء المالكيّ. [المتوفى: 544 هـ]
تلا بالسَّبْع عَلَى والده صاحب ابن نفيسٍ، وأبي مَعْشَر، قَالَ أبو عليّ: وحدَّثني بالقراءات إجازةً أبو معشر الطَّبَريّ، قرأ عليه بالسبع: أبو الحسن عليّ بْن أحمد بْن كوثر المحاربيّ بمكَّة الْمُتَوَفَّى بالأندلس سنة تسعٍ وثمانين، كانت قراءته عَلَيْهِ وعلى ابن رضا في سنة أربع وأربعين وخمسمائة.(11/853)
208 - خليفة بْن محفوظ، أبو الفَوَارِس الأنباريّ، المؤدّب، الأديب. [المتوفى: 544 هـ]
صالح، عالم، مطبوع، مقرئ، سَمِعَ: أبا طاهر بْن أَبِي الصَّقْر، وأبا الحسن الأقطع، وعنه: السّمعانيّ، وابن عساكر.
أرّخه ابن النّجّار.(11/853)
209 - سعدُ بْن عليّ بْن أَبِي سعد بْن عليّ بْن الفضل، أبو عامر الْجُرْجانيّ، الواعظ، المعروف بالعَصّاريّ، [المتوفى: 544 هـ]
نسبة إلى عصر البُزُور، وكذلك أهل جُرْجان يُنسَبون.
كَانَ إمامًا فاضلًا، فيه صَلاح، وزُهد، وخير، سافر الكثير، ودخل البلدان، ودخل بغداد قبل الخمسمائة، فسمع من جعفر السراج، والمبارك ابن الطّيوري، وأبي غالب ابن الباقِلّانيّ، ومن: أَبِي سعد المطرِّز، وأبي عليّ الحداد، وقبلهما من أَبِي مطيع بأصبهان.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه حلْية الأولياء لأبي نُعيم بمَرْو، وآخر ما لقيته بنَيْسَابور سنة أربع وأربعين، وقال لي: ولدتُ بجُرجان في سنة ثمان وستين وأربعمائة.
قلت: وروى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/853)
210 - سَلْمانُ بْن جَرْوان بْن حسين، أبو عبد الرحمن الماكِسينيُّ، [المتوفى: 544 هـ]
وهي قريبة من الرَّحْبة.
قدِم بغداد، وكان صالحًا، حافظًا للقرآن، يعمل البواري، سَمِعَ من: أَبِي سعد بْن خُشيش، وشجاع الذّهلي، وحدّث.
توفي بإربل في ربيع الأول.(11/854)
211 - صخْرُ بْن عُبَيْد بْن صخْر بْن محمد أبو عُبَيْد الطُّوسيّ. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ أبا الفتح نصر بن علي الحاكمي، ومحمد بن سعيد الفرخزاذي، وأبا شُريح إسماعيل بْن أحمد الشّاشيّ، حدَّث بطوس، ونيسابور، وولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي بالطّابَرَان في ذي القعدة سنة أربعٍ هذه، وله اثنتان وتسعون سنة وأشهُر.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وولده عبد الرحيم، وغيرهما.(11/854)
212 - عبدان بن زرين بْن محمد، أبو محمد الأَذَرْبَيْجانيّ، الدُّويَنيّ، المقرئ، الضّرير. [المتوفى: 544 هـ]
قدِم دمشقَ في صِباه وسكنها، وسمع من: الفقيه نصر المقدسيّ، وأبي البركات بْن طاوس المقرئ، ولقي جماعة.
قَالَ ابن عساكر: كان ثقة خيّرًا يسكن دويرة حمْد، ويصلي بالناس في الجامع عند مرض البدليسي.
قلت: روى عنه الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم، وأبو المحاسن محمد بْن أَبِي لُقمة، ومات في رجب، وقع لي جزء من روايته.(11/854)
213 - عبد الله بْن عبد الباقي، أبو بَكْر التّبّان، الحنبليّ، الفقيه. [المتوفى: 544 هـ][ص:855]
كَانَ أُميًّا لا يكتب،
تفقّه عَلَى ابن عقيل، وناظرَ، وأفتى، ودرّس، وسمع من أَبِي الحسين ابن الطُّيُوريّ.(11/854)
214 - عبد الله بْن عليّ بْن سهل أبو الفُتُوح الخَرْكوشِيّ، [المتوفى: 544 هـ]
نسبة إلى سكَّة بنَيْسابور.
قال ابن السمعاني: شيخ صائن صالح، عفيف، نظيف، ثقة، سَمِعَ: إسماعيل بْن زاهر النّوْقانيّ، ومحمد بْن إسماعيل التَّفْلِيسيّ، ومحمد بْن عُبَيْد اللَّه الصّرّام، وعثمان بْن محمد المَحْمِيّ، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وغيرهم، رحلتُ إِلَيْهِ بابني عبد الرحيم، وأكثرتُ عَنْهُ، وقرأتُ عليه أكثر تاريخ يعقوب الفسوي، عن النوقاني، مولده في سنة ست وستين وأربعمائة، وتوفي في الثاني والعشرين من شوال.
قلت: وروى عَنْهُ المؤيَّد الطُّوسيّ أيضًا.(11/855)
215 - عبد الرحمن بْن الحسن بن علي أبو الفضل ابن الشّراف، البَنْجَدِيهيّ. [المتوفى: 544 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: شيخ صالح، تالٍ للقرآن، سَمِعَ بمَرْو: محمد بْن أَبِي عِمران الصّفّار، وبمروالروذ: عبد الرّزّاق بْن حسّان المَنِيعيّ، ووُلِد في حدود الخمسين وأربعمائة، وعُمِّر دهرًا، وتُوُفّي في رجب.
روى عَنْهُ: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وأبوه، وقال: كتبت نيِّفًا وتسعين ختْمة، وتلوت أربعة عشر ألف ختْمة.(11/855)
216 - عبد الرحمن بن يوسف بن عيسى أبو القاسم ابن الملجوم، الأزْديّ، الفاسيّ. [المتوفى: 544 هـ]
أجاز لَهُ أبو عبد الله ابن الطّلّاع، وأبو عليّ الغسّانيّ، وكان يسرد تفسير العزيزي وغريب الحديث لأبي عُبَيْد مِن حِفْظه. [ص:856]
روى عَنْهُ: ابن أخيه عبد الرحيم بْن عيسى.(11/855)
217 - عبد الرحيم بْن الموفّق بْن أَبِي نصر الهَرَويّ، الدّيُوقَانيّ، الحنفيّ. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ من: بِيبي الهَرْثَمِيَّة، وجماعة، مات في ثاني صفر عَنْ سبْعٍ وثمانين سنة، روى عَنْهُ: السّمعانيّ.(11/856)
218 - عبد السّلام بْن محمد بْن عبد الله بْن اللّبّان أبو محمد التَّيْميّ، الأصبهانيّ، المعدَّل. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ: المطهر البزاني، وأبا عيسى بْن زياد، وعنه: السّمعانيّ، وورّخه في المحرَّم.(11/856)
219 - عبد السّلام بْن أَبِي الفتح بْن أَبِي القاسم أبو الفتح الخبّاز الهَرَويّ. [المتوفى: 544 هـ]
شيخ صالح، حدَّث عَنْ: بِيبي الهَرْثميَّة، ومات في سلْخ جُمادى الأولى، قاله السّمعانيّ.
روى عَنْهُ أبو رَوْح، وبالإجازة أبو المظفّر السّمعانيّ.(11/856)
220 - عبد الصّمد بْن عليّ أبو الفضل النَّيْسابوريّ الصوفي ذاذده. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف، وعثمان بْن محمد المَحْمِيّ، مات في جُمادَى الآخرة في عَشْر الثّمانين.
كتب عَنْهُ السّمعانيّ، وغيره.(11/856)
221 - عبد العزيز بْن خَلَف بْن مدير أبو بَكْر الأَزّديّ، القُرْطُبيّ. [المتوفى: 544 هـ][ص:857]
روى عَنْ أبيه، وأبي الوليد الباجيّ، وأبي العباس العذري، مولده سنة سبع وستين، وتوفي بأركش، هكذا ترجمه ابن بشكوال.
وآخر من روى عنه بالسماع: خطيب قرطبة أبو جعفر بن يحيى الحِميري.(11/856)
222 - عبد الغني بن محمد بن سعد أبو محمد بن أبي البركات البغدادي الغسال الحنبلي. [المتوفى: 544 هـ]
سمع أبيا النرسي، وأبا علي بن نبهان، ومن بعدهما، ولم يزل يسمع إلى أن مات، وكان مقرئا مجودا، وشهد عند قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي، وتوفي في شوال وهو كهل.(11/857)
223 - عبد المجيد الحافظ لدين الله، أبو الميمون بن محمد ابن المستنصر بالله معدّ ابن الظاهر علي ابن الحاكم العبيدي، [المتوفى: 544 هـ]
صاحب مصر.
بُويع يوم مقتل ابن عمّه الآمر بولاية العهد وتدبير المملكة، حتّى يولد حملٌ للآمر، فغلب عَلَيْهِ أبو علي أحمد بن الأفضل ابن بدر الجماليّ أمير الجيوش، وكان الآمر قد قتل الأفضل، وحبس ابنه أحمد، فلمّا قُتل الآمر وثب الأمراء فأخرجوا أحمد، وقدّموه عليهم، فسار إلى القصر، وقهر الحافظ، وغلب عَلَى الأمر، وبقي الحافظ معه صورةً من تحت حكمه، وقام في المُلك أحسن قيام، وعَدَل، وردَّ عَلَى المصادَرين أموالهم، ووقف عند مذهب الشّيعة، وتمسّك بالاثنّي عشر، وترك الأذان بحيِّ عَلَى خير العمل.
وقيل: بل أقرّ: حي على خير العمل، وأسقط: والحمد لله من الأذان: محمد وعلي خير البشر، كذا وجدت بخطّ النّسّابة، ورفض الحافظَ لدين الله وأهل بيته وآباءهُ، ودعا عَلَى المنابر للإمام المنتظَر صاحب الزّمان عَلَى زعْمهم، وكتب اسمه عَلَى السّكَة، وبقي عَلَى ذَلكَ إلى أن وثب عَلَيْهِ واحدٌ من الخاصَّة، فقتله بظاهر القاهرة في المحرَّم سنة ست وعشرين وخمسمائة، وكان ذَلكَ بتدبير الحافظ، فبادر الأجناد والدّولة إلى الحافظ، وأخرجوه من السّجن، وبايعوه ثانيًا، واستقلَّ بالأمور.
وكان مولده بعسقلان سنة سبْعٍ وستّين، وسبب ولادته بها أنّ أَبَاهُ خرج [ص:858] إليها في غلاء مصر، وسبب تَوْليته أنّ الآمر لم يخلِّف ولدًا، وخلَّفَ حَمْلًا، فماج أهل مصر، وقال الجُهّال: هذا بيت لا يموت الإمام منهم حتّى يخلّف ولدًا وينصّ على إمامته، وكان الآمر قد نصّ لهم عَلَى الحمْل، فوضعت المرأة بنتًا، فبايعوا حينئذٍ الحافظ، وكان الحافظ كثير المرض بالقولَنج، فعمل لَهُ شيرماه الدَّيْلمي طَبْل القُولَنْج الّذي وجده السّلطان صلاح الدّين في خزائنهم، وكان مرَكَّبًا من المعادن السّبعة، والكواكب السّبعة في إشراقها، وكان إذا ضربه صاحب القُولَنْج خرج من باطنه رِيح وفسا، فاستراح من القُولَنْج.
تُوُفّي في خامس من جُمادى الأولى، وكانت خلافته عشرين سنة إلّا خمسة أشهر، وعاش بِضْعًا وسبعين سنة.
وكان كلّما أقام وزيرًا حكم عَلَيْهِ، فيتألّم ويعمل عَلَى هلاكه، ولي الأمر بعده ابنُه الظّافر إسماعيل، فَوَزَرَ لَهُ ابن مصّال أربعين يومًا، وخرج عَلَيْهِ ابن السّلّار فأهلكه.(11/857)
224 - عثمان بْن عليّ بْن أحمد أبو عَمْرو، المعروف بابن الصّالح المؤدِّب. [المتوفى: 544 هـ]
كَانَ يؤدِّب بمسجد ويؤمّ بِهِ، سَمِعَ: رزق اللَّه التّميميّ، والفضل بْن أَبِي حرب الجُرجاني، وابن طلْحة النّعاليّ، سَمِعَ منه: أبو سعد السمعاني، وأبو محمد ابن الخشّاب، وسعيد بن هبة الله ابن الصّبّاغ، شيخ لابن النّجّار، حدَّث في هذا العام ببغداد.(11/858)
225 - عفاف بِنْت أَبِي العبّاس أحمد بن محمد ابن الإخْوة العطّار. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعْتُ من: أَبِي عبد اللَّه النّعّاليّ، وأمة الرحمن بِنْت ابن الجُنيد الّتي رَوَت عَنْ عبد الملك بْن بِشران، روى عَنْهَا: أبو سعد السّمعانيّ، تُوُفّيت في نصف ذي الحجَّة.(11/858)
226 - عليّ بْن خَلَف بْن رضا أبو الحسن الأنصاريّ، البَلَنْسيّ، المقرئ، الضّرير. [المتوفى: 544 هـ][ص:859]
روى عَنْ أَبِي داود المقرئ، وأخذ عَنْهُ التيسير، وحجّ وأقرأ بمكَّة، وبها أخذ عَنْهُ أبو الحسن بْن كوثر القراءات في هذه السّنة القراءات.(11/858)
227 - عليّ بْن سليمان بْن أحمد بْن سليمان أبو الحسن المُراديّ، الأندلسيّ، القُرْطُبيّ، الشَّقُوريّ، الفرغُليطي، [المتوفى: 544 هـ]
وفرغليط من أعمال شَقُّورَة، الفقيه الشّافعيّ، الحافظ.
خرج من الأندلس في سنة نيِّفٍ وعشرين، ورحل إلى بغداد، ودخل خُراسان، وسكن نَيْسابور مدَّة، وتفقّه عَلَى الإمام محمد بْن يحيى صاحب الغزّاليّ، وسمع مصنَّفات البَيْهقيّ، وغير ذَلكَ من: أبي عبد الله الفراوي، وهبة الله السيدي وأبي المظفّر ابن القُشيري، وطائفة، وكتب الكثير بخطّه، وصحَب عبد الرحمن الأكّاف، الزّاهد، وقدِم دمشقَ بعد الأربعين وخمسمائة، وفرح بقدومه رفيقه الحافظ ابن عساكر، لأنّه أقدم معه جملة من مسموعاته الّتي اتّكل ابن عساكر في تحصيلها عَلَى المُرادي، وحدَّث بدمشق بالصّحيحين.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كنتُ آنسُ بِهِ كثيرًا، وكان أحد عُبّاد اللَّه الصّالحين، خرجنا جملة إلى نوقان لسماع تفسير الثّعلبيّ فلمحت منه أخلاقًا وأحوالًا قَلّ ما تجتمع في أحدٍ من الورِعين، وعلّقْت عَنْهُ.
وقال ابن عساكر: نُدب للتّدريس بحماه، فمضى إليها، ثمّ نُدب إلى التّدريس بحلب، فمضى ودرّس بها المذهب بمدرسة ابن العجمي، وكان ثبتا، صَلْبًا في السُّنَّة، تُوُفّي بحلب في ذي الحجَّة، وقال لابن السّمعانيّ: مولدي قبل الخمس مائة بقريب.
روى عنه: القاسم ابن عساكر، وأبو القاسم ابن الحَرَسْتانيّ، وجماعة.(11/859)
228 - عليّ بْن عثمان بْن محمد بْن الهَيْصَم بْن أحمد بْن الهَيْصَم بْن طاهر، أبو رشيد الهَرَويّ، الهَيْصَميّ، الواعظ، الضّرير. [المتوفى: 544 هـ]
شيخ الكرّاميَّة ومقدّمهم، وإمامهم في البدعة، كَانَ متوسّعًا في العِلم، بارع الأدب، سَمِعَ من: محمد بْن أَبِي مسعود الفارسيّ، وعنه: السّمعانيّ، [ص:860] وقال: مات في ذي القعدة، ومولده كان سنة ستين وأربعمائة.(11/859)
229 - عليّ بْن المفرّج بْن حاتم، أبو الحسن المقدسي، [المتوفى: 544 هـ]
جدّ الحافظ عليّ بن المفضل.
سَمِعَ من القاضي الرشيد المقدسيّ.
وفيها وُلد الحافظ المذكور.(11/860)
230 - عليّ بْن أَبِي بَكْر بْن الحسين بْن أَبِي مَعْشَر، أبو الحَسَن البَغَويّ، المقرئ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ محمد بْن عليّ بْن أَبِي صالح الدّبّاس، وهبة اللَّه الشّيرازيّ، ومحمد بْن أحمد بن عبد الملك العبدويي، مات في شعبان عَنْ تسعين سنة.(11/860)
231 - عِياض بْن موسى بْن عِياض بْن عَمْرو بْن موسى بْن عِياض بْن محمد بْن موسى بْن عِياض اليَحصُبي، القاضي، أبو الفضل السّبْتيّ، [المتوفى: 544 هـ]
أحد الأعلام.
وُلِد بسَبْتَة في النّصف من شعبان سنة ست وسبعين وأربعمائة، وأصله من الأندلس، ثمّ انتقل أحد أجداده إلى مدينة فاس، ثمّ من فاس إلى سَبْتَة، أجاز له الحافظ أبو عليّ الغسّانيّ، وكان يمكنه لُقيّه، لكنّه إنّما رحل إلى الأندلس بعد موته، فأخذ عَنْ: القاضي أَبِي عَبْد الله محمد بْن حَمْدين، وأبي الحسين سِراج بْن عبد الملك، وأبي محمد بْن عَتّاب، وهشام بْن أحمد، وأبي بحر بْن العاص، وطبقتهم، وحمل الكثير عَنْ أَبِي عليّ بْن سُكّرة، وعُني بلقاء الشّيوخ والأخذ عَنْهُمْ، وتفقَّه عَلَى الفقيه أَبِي عبد الله محمد بْن عيسى التّميميّ، القاضي، السَّبْتيّ، والقاضي أَبِي عبد الله محمد بْن عبد الله المَسِيليّ.
وصنَّف التّصانيف المفيدة، واشتهر اسمُه، وسار عِلْمه.
قَالَ ابن بَشْكُوال: هُوَ من أهل التّفنُّن في العلم، والذكاء، والفهم، استُقضي بسَبْتَة مدَّةً طويلة، حُمدت سيرتُه فيها، ثمّ نُقل عَنْهَا إلى قضاء غَرْنَاطة، فلم يُطْل أمرُه بها، وقدِم علينا قُرطبة، وأخذنا عَنْهُ. [ص:861]
وقال الفقيه محمد بْن حمادة السَّبْتيّ، رفيق القاضي عياض: جَلَس للمناظرة وله نحوٌ من ثمانٍ وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمسٌ وثلاثون سنة، فسار بأحسن سيرة، كَانَ هيِّنًا من غير ضَعْف، صَليبًا في الحقّ، تفقّه عَلَى أَبِي عبد الله التّميميّ، وصحِب أبا إسحاق بْن جعفر الفقيه، ولم يكن أحد بسَبْتَة في عصرٍ من الأعصار أكثر تواليف من تواليفه، لَهُ كتاب الشِّفا في شرف المُصْطَفَى وكتاب ترتيب المَدَارِك وتقريب المسالك في ذِكْر فُقَهاء مذهب مالك، وكتاب العقيدة، وكتاب شرح حديث أم زرع، وكتاب جامع التاريخ الّذي أربى على جميع المؤلّفات، جَمَعَ فيه أخبار ملوك الأندلس، وسَبْتَة، والمغرب، من دخول الإسلام إليها، واستوعب فيه أخبار سبتة وعُلمائها، وكتاب مَشَارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار الموطّأ والبخاريّ ومسلم.
قَالَ: وحاز من الرياسة في بلده ومن الرِّفْعة ما لم يصِل إِلَيْهِ أحدٌ قطُّ من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعًا وخشيةً لله، وله من المؤلّفات الصّغار أشياءُ لم نذكرها.
وقال القاضي ابن خلّكان: هو إمام الحديث في وقته، وأعرف النّاس بعلومه، وبالنَّحْو، واللّغة، وكلام العرب، وأيّامهم، وأنسابهم، ومن تصانيفه كتاب الإكمال في شرح مسلم، كمّل به كتاب المُعلَم للمازري، ومنها: مشارق الأنوار في تفسير غريب الحديث، يعني الكتاب المذكور آنفًا، وكتاب التنبيهات فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة.
وله شعرٌ حسن، فمنه ما رواه عنه ابنه قاضي دانية أبو عبد الله محمد بن عياض:
انظُرْ إلى الزَّرْع وخاماتِه ... تحكي وقد ماسَت أمام الرِّياحْ
كتيبةً خضراء مهزُومةً ... شقائقُ النّعْمانِ فيها جراحْ
وقال ابن بَشْكُوال: تُوُفّي بمَرّاكُش مُغرِّبًا عَنْ وطنه في وسط سنة أربع. [ص:862]
وقال ابنه محمد: توفي في ليلة الجمعة نصف الليل، التاسعة من جُمَادى الآخرة، ودُفن بمَرّاكُش، وتُوُفّي ابنُه في سنة خمسٍ وسبعين.
وشيوخ عِياض يقاربون المائة.
وقد روى عَنْهُ خلْقٌ كثير، منهم: عبد الله بن محمد الأشيري، وأبو جعفر بْن القَصِير الغَرْناطيّ، وأبو القاسم خَلَف بْن بَشْكُوَال، وأبو محمد بْن عُبَيْد اللَّه، ومحمد بْن الحسن الجابريّ.(11/860)
232 - عيسى بْن هبة اللَّه بْن هبة اللَّه بْن عيسى أبو عبد الله البغداديّ، النّقّاش. [المتوفى: 544 هـ]
ظريف، كيِّس، خفيف الرُّوح، صاحب نوادر وشعر رقيق، وحكايات مونقة، قد رَأَى النّاس، وعاشر الظُّرفاء، وطال عمره، وسار ذكره.
ولد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وسمع: أبا القاسم ابن البُسري، وأبا الحسن الأنباريّ، الخطيب.
قَالَ ابن السمعاني: كتبتُ عنه بجهد، فإنه كان يقول: ما أنا أهلٌ للتحديث، وعلّقت عنه من شِعْره.
وقال ابن الْجَوزيّ: كَانَ يحضر مجلسي كثيرًا، وكتبت إليه يومًا رقعة، خاطبته فيها بنوع احترام، فكتب إليّ:
قد زدتني في الخطاب حتّى ... خشيتُ نَقْصًا من الزّيادة
فاجعلْ خطابي خطابَ مثلي ... ولا تغيّر عليَّ عادة
ومن شعره:
إذا وجد الشّيخ من نفسه ... نشاطًا فذلك موتٌ خَفِي
ألستَ تَرى أنّ ضوءَ السِّراجِ ... لَهُ لهبٌ قبل أن يَنْطفي؟
قلت: روى عَنْهُ أبو اليُمن الكِنْديّ كتاب الكامل للمبرّد، وغير ذَلكَ، وتُوُفّي في جُمادى الآخرة.
وهبة الله مرتين، وعليها صحّ بخط الحافظ الضياء.(11/862)
233 - غازي بْن زنْكيّ بْن آقسُنقر التُّركيّ، السّلطان سيف الدين ابن الأتابَك عماد الدّين، [المتوفى: 544 هـ]
صاحب المَوْصِل.
لمّا قُتل والدُه أتابَك عَلَى قلعة جَعْبَر اقتسم ولداه مملكته، فأخذ غازي المَوْصل وبلادَها، وأخذ نور الدّين محمود حلب ونواحيها، وكان مَعَ أتابَك على جعبر ألْب رسلان ابن السلطان محمود السلجوقي، وهو السّلطان، وأتابَكه هُوَ زنْكي، فاجتمع الأكابر والدّولة، وفيهم الوزير جمال الدين محمد الأصبهانيّ المعروف بالجواد، والقاضي كمال الدين الشهرزوري ومشوا إلى مخيّم السّلطان ألْب رسلان، وقالوا: كَانَ عماد الدين، رحمه الله، غلامك، والبلاد لك، وطمّنوه بهذا الكلام، ثمّ إنّ العسكر افترق، فطائفة توجّهت إلى الشّام مَعَ نور الدّين، وطائفة سارت مَعَ ألْب رسلان، وعساكر الموصل وديار ربيعة إلى المَوْصِل، فلمّا انتهوا إلى سَنْجار، تخيّل ألْب رسلان منهم الغدْرَ فتركهم وهرب، فلحِقوه وردّوه، فلمّا وصل إلى المَوْصِل أتاهم سيف الدّين غازي، وكان مقيمًا بشَهْرُزُور، وهي إقطاعه، ثمّ إنّه وثب عَلَى ألْب رسلان، وقبض عَلَيْهِ، وتملّك المَوْصِل.
وكان مُنْطَوِيًا عَلَى خيرٍ وديانةٍ، يحبّ الْعِلْمَ وأهله، وفيه كَرَم، وشجاعة وإقدام، وبنى بالمَوْصِل مدرسة.
ولم تَطُلْ مدّته حتّى تُوُفّي في جُمادى الآخرة، وقد جاوز الأربعين، وتملّك بعده أخوه قطب الدين مودود، وخلّف ولدًا صبيًا، فانتشا، وتزوَّج ببنت عمّه قُطْب الدّين، ومات شابًّا ولم يُعقب.
وكان غازي مليح الصّورة، حَسَن الشَّكْل، وافر الهَيْبَة، وكان يمدّ السِّماط غَداءً وعَشاءً، ففي بكرةٍ يذبح نحو المائة رأس، وهو أوّل من حُمل فوق رأسه السَّنْجَقُ في الإقامة، وأوّل من أمر الأجناد أن يركبوا بالسيف في أوساطهم، والدبّوس تحت رُكَبِهم، ومدرسته من أحسن المدارس، وَقَفَها عَلَى الشّافعيَّة والحنفيَّة، وبنى أيضًا رِباطًا للصُّوفيَّة، وقد وَصَلَ الحَيْصَ بَيْصَ بألف دينار، سوى الخِلَع عَلَى قصيدته الرّائيَّة، قاله ابن الأثير.(11/863)
234 - محمد بْن أَبِي بَكْر أحمد بْن محمد، أبو عبد الله المقرئ، الورّاق، [المتوفى: 544 هـ]
إمام جامع هَراة.
سَمِعَ: أبا إسماعيل الأنصاريّ، وعبد الأعلى ابن المليحيّ، وكان صالحًا، عفيفًا، مات في رجب عَن اثنتين وسبعين سنة.(11/864)
235 - محمد بْن جعفر بْن عبد الرحمن بْن صافي أبو بَكْر، وأبو عبد الله اللَّخْميّ، القُرْطُبيّ، [المتوفى: 544 هـ]
أصله جيّانيّ.
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي محمد عبد الرحمن بن شعيب، وخازم بن محمد، وروى عَنْ أَبِي مروان بْن سِراج، وأبي محمد بْن عَتّاب، وتصدَّر للإقراء بقُرْطُبَة، وأقرأ النّاس أيضًا بغرناطة وبَلَنْسِية، وكان صالحًا، زاهدًا، تُوُفّي بوَهْران وقد قارب الثّمانين، قاله الأَبَّار.(11/864)
236 - محمد بْن سليمان بْن الحسن بْن عَمْرو أبو عُبَيْد اللَّه، الإمام الفُنديني المَرْوَزِيّ، [المتوفى: 544 هـ]
وفُندين: من قرى مَرْو.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ فقيهًا، زاهدًا، ورِعًا، عابدًا، متهجدًا، تارِكًا للتكلُّف، تفقّه عَلَى الإمام عبد الرحمن الزّاز، وسمع منه، ومن: أَبِي بَكْر محمد بْن عليّ بْن حامد الشّاشيّ، وأبي المظفّر السّمعانيّ، وولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، تُوُفّي في العشرين من المحرَّم بفندين.
روى عَنْهُ عبد الرحيم السّمعانيّ.(11/864)
237 - محمد بْن عبد الرحمن بْن أَحْمَد بْن عبد الرحمن بْن العاص، أبو عبد الله بْن أَبِي زيد الفهمي، القرطبي، ثم المريّي. [المتوفى: 544 هـ]
روى عَنْ أَبِي الوليد العُتبي، وأبي تميم بْن بقيَّة، وجماعة، وأجاز لَهُ خازم بْن محمد.
وكان عالمًا بالنَّحْو، منتصبًا لإقرائه، مشارِكًا في الأصول والكلام، مَعَ فضلٍ وعبادة. [ص:865]
روى عَنْهُ: ابن بَشْكُوال، وابن رزق، وابن حُبيش، وغيرهم، وكان حيًّا يُرزق في هذا العام، ترجَمَه الأبّار.(11/864)
238 - محمد بْن عبد الرحمن بْن عليّ الحافظ، أبو عبد الله النُميري، الغرناطي. [المتوفى: 544 هـ]
كتب عَنْ أَبِي محمد بْن عَتّاب، وطبقته.
قَالَ ابن بشكوال: هو صاحبنا، أخذ عَنْ جماعة من شيوخنا، وكان من أهل العناية الكاملة بتقييد العِلْم والسُّنن، جامعًا لها، ثقة، ثَبْتًا، عالمًا بالحديث والرجال، توفي بغرناطة.(11/865)
239 - مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر أبو الفضل المغازليّ، التّاجر، المعروف بالصّائن، الأصبهانيّ. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ: ابن ماجة الأَبْهَريّ، وأبا منصور بْن شكروَيْه، وسليمان بْن إبراهيم، ورزق اللَّه، وغيرهم.
وكان شيخًا صالحًا، ملازمًا للجماعات، صائنًا، مشتغلًا بالتّجارة، ورد بغداد مَعَ خاله أَبِي سهل بْن سعدوَيْه.
ووُلِد في سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وجماعة، فَمِنْ حَدِيثِهِ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ الله، قال: أخبرنا عبد الرحيم بن أبي سعد إجازةً، قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الواحد المغازلي بمرو قال: أخبرنا أبو منصور محمد بن أحمد بن علي الباهلي إملاءً، قال: أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، قال: أخبرنا علي بن إسحاق المادرائي، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصّغاني، قال: حدثنا أبو مسهر، قال: حدثنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي ذر الغفاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: " يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظلمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِينَ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا الَّذِي أغفِر الذُّنُوبَ وَلا أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُونِي أغفر [ص:866] لَكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطعمتُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُ، فَاسْتَكْسُونِي أكسِكم، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْتَقِصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمُ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعطيتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْتَقِصْ ذَلِكَ مِنِّي شَيْئًا، إِلا كَمَا يَنْتَقِصُ الْبَحْرَ أَنْ يُغمس فِيهِ المخيطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أعمالُكم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ ". قَالَ سَعِيدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
قَالَ أبو مُسهر: ليس لأهل الشام حديث أشرف من حديث أبي ذر، رواه مسلم عَنِ الصَّغَانِيِّ، فَوَافَقَنَاهُ بِعُلُوٍّ.
تُوُفّي المغازليّ بنَيْسابور في العشرين من جُمادى الأولى.(11/865)
240 - محمد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن، أَبُو بَكْر الكَرَجيّ. [المتوفى: 544 هـ]
رحل فسمع بأصبهان من: أَبِي عليّ الحدّاد، وغانم البُرجي، وبهَراة من: عيسى بْن شُعيب السِّجْزيّ، والمختار بْن عبد الحميد، وأبي عطيَّة جابر بْن عبد الله الأنصاريّ، وطائفة، وكتب الكثير، وقدِم بغداد فسمع منه: أبو سَعْد السّمعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد الحنفيّ.
وكان صالحًا، عفيفًا، متودِّدًا.
تُوفّي في رمضان ببُوشَنْج عَنْ ستّين سنة.(11/866)
241 - محمد بْن عليّ بْن حدّاني، أبو بَكْر الباقِلّانيّ. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعنه: يوسف بن كامل، وعاش نيِّفًا وثمانين سنة.(11/866)
242 - محمد بْن محمد بْن أحمد بن القاسم، أبو السعادات ابن الرّسوليّ، البغداديّ، الفقيه. [المتوفى: 544 هـ][ص:867]
تفقّه عَلَى إلكِيا الهَرَّاسيّ، وله شِعر وفضيلة، وسمع من جعفر السرّاج، وابن بيان، لكنه كَانَ كثير الكلام، يقع في النّاس، وتوفي بإسفرايين غريبًا.(11/866)
243 - محمد بْن محمد بْن خليفة، أبو سعيد الصّوفيّ. [المتوفى: 544 هـ]
حدَّث عَنْ أَبِي عبد الرحمن طاهر الشّحّاميّ، وكان فقيهًا، واعظًا، كثير المحفوظ، روى عَنْهُ المؤيَّد الطُّوسيّ في أربعيّه.(11/867)
244 - محمد بْن محمد بْن خليفة، اسم خليفة: منصور بن دُوَست، [المتوفى: 544 هـ]
من أهل نيسابور.
حدّث عَنْ: أَبِي بَكْر بْن خَلَف، وأحمد بْن سهل السّرّاج، وأملى مجالس، قاله السّمعانيّ وأخذ عَنْهُ، ثمّ قَالَ: مات في جُمادَى الأولى.(11/867)
245 - محمد بْن محمد بْن هبة اللَّه بْن الطبيب، أبو الفتح الكاتب. [المتوفى: 544 هـ]
سَمِعَ: عبد الواحد بْن فهد العلاف. وعنه مكي ابن الغراد.
مات مجذومًا.(11/867)
246 - محمد بْن مسعود بْن عبد الله بْن مسعود أبو بَكْر بْن أَبِي ركب الخُشني، الجياني، المقرئ، النَّحْويّ، العلّامة. [المتوفى: 544 هـ]
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي القاسم بْن موسى، وأبي الحسن بْن شفيع، وجماعة، وأخذ العربيَّة والآداب عَنْ: ابن أَبِي العافية، وابن الأخضر، وابن الأبرش، وروى عَنْ أَبِي الحسن بْن سِراج، وأبي عليّ بْن سُكَّرة، وابن عَتّاب، وجماعة.
قال الأبار: تقدم في صناعة العربية، وتصدر لإقرائها، وولي بأخَرة خطابة غرناطة، وكان من جلة النحاة وأئمتهم، شرح كتاب سيبويه، ولم يتمه، وكان حافظا للغريب واللغة، متصرفا في فنون الأدب مع الخير والصلاح، وله شِعر، توفي في نصف ربيع الأول عن ثلاث وستّين سنة.
أخذ عَنْهُ أبو عبد الله بْن حُميد، وابنه أبو ذَرّ الخُشني.(11/867)
247 - المبارك بْن عبد الوهّاب بْن محمد بْن منصور بْن زُريق القزّاز، الشَّيْبانيّ، البغداديّ، أبو غالب المُسدّي. [المتوفى: 544 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، سَمِعَ الكثير، وحصّل بعض الأصول، سَمِعَ رزق اللَّه التّميميّ، وطِرادًا الزَّيْنبيّ، وأبا طاهر الباقِلّانيّ، وغيرهم، وكان حريصًا على التحديث، واتفق أنّ أبا البقاء بْن طَبَرْزَد أخرج سماعه في جزء ابن كرامة، عَن التّميميّ، وسمَّع لَهُ بخطّه، وقرأ عَلَيْهِ، فطُولب بالأصل، فتعلَّل وامتنع، فشنَّع الطَّلَبة عَلَى أَبِي البقاء، وظهر أمره، ثمّ بعد ذَلكَ أخرج أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنديّ سماعه بخطّ من يوثَق بِهِ والطّبقة الذين سمّع أبو البقاء له معهم جماعةُ مَجَاهيل لا يُعرفون، ففرح أبو البقاء حيث وجد سماعه، فقلت لَهُ: لا تفرح، فإنَّ الآن ظهر أنّ التّسميع الأوّل كَانَ باطلًا حيث ما وجد الأُصول، واتَّفق أنّ الشيخ أقرّ أنّ الجزء كَانَ لَهُ، وأنّ أبا البقاء أخذه، ونقل لَهُ فيه، توفي في شعبان.(11/868)
248 - مجلّي بن الفضل بن حصن أبو الفرج الجهني، المَوْصِليّ، التّاجر، السّفّار. [المتوفى: 544 هـ]
سكن بنَيْسابور مدَّةً، وحدَّث عَنْ: أَبِي عليّ نصر اللَّه الخُشنامي، وغيره، تُوُفّي بمَرْو.(11/868)
249 - مُلَيْكة، وقيل: ملكة، بِنْت أَبِي الحسن بْن أَبِي محمد النَّيْسابُوريَّة. [المتوفى: 544 هـ]
امرأة صالحة، ثقة، مُسنِدة، سَمِعَت نصف جزء من مُسْنَد السَّرَّاج من الفضل بْن عبد الله بْن المحبّ.
وماتت في ثامن جُمادى الآخرة، ولها نيّفٌ وثمانون سنة.
روى عَنْهَا عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وأبوه، وقع لنا مِن روايتها.(11/868)
250 - منصور بْن عليّ بْن عبد الرحمن أبو سعد الحجري، الفوشنجي. [المتوفى: 544 هـ]
إمام ورِع، صالح، روى عَنْ عبد الرحمن بْن عفيف كلار، وأحمد بْن [ص:869] محمد العاصميّ، وتُوُفّي في سلْخ ذي القعدة.(11/868)
251 - موفق الطّواشيّ أبو السّداد الحَبَشيّ، الخَصِيّ، [المتوفى: 544 هـ]
مولى الوزير نظام المُلك.
ذكره ابن النّجّار في تاريخه، فقال: سَمِعَ أبا نصر الزَّيْنبيّ، وبمصر: القاضي أبا الحسن الخِلَعيّ، وسكن بغداد برِباط الزَّوْزَنيّ، روى عَنْهُ: أبو طاهر السِّلَفيّ، ومحمد بْن عشير، وبقي حتى سمع منه: أبو محمد ابن الخشّاب في سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
قلت: لم يذكره السّمعانيّ في الذَّيْلِ، وأخشى لا يكون وقع غلط في بقائه إلى هذه السنة، فيُراجع الأصل.(11/869)
252 - نصر بن أحمد ابن نظام الملك الوزير أَبِي عليّ الحسن بْن علي بْن إسحاق الأمير أبو الفضل [المتوفى: 544 هـ]
ابن أخي المسمّى باسم أبيه، من أهل الطّابران.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ شيخًا كثير الصَّدقة، جوادًا، من بيت وزارة، رأيته بطوس وقد قعد بِهِ الدّهر، ولازم بيته، كتبتُ عَنْهُ.
سَمِعَ: أبا إسحاق الشّيرازيّ الفقيه لمّا قدِم نَيْسابور، وشيروَيْه بْن شهردار بهَمَذَان، ودخل بغداد حاجًّا بعد الخمس مائة، وقال لي: ولدتُ سنة ست وستين وأربعمائة بطُوس، وبها تُوُفّي في حادي عشر رمضان.
قلت: لم ينبّه ابن السّمعانيّ عَلَى أنّه ابن أخي أحمد المذكور في هذه السّنة. والظّاهر أنّه أسنّ من عمّه، وقد روى عَنْهُ أبو المظفَّر عبد الرحيم السمعاني.(11/869)
253 - نصر بن الحسين بْن إبراهيم بْن نوح أبو الفُتَوح النَّيْسابوريّ، الغضائري، المقرئ. [المتوفى: 544 هـ]
ولد سنة بضع وستين وأربعمائة، وسمع من: فاطمة بِنْت أَبِي عليّ الدّقّاق، والسّيّد ظَفَر ابن الدّاعي العَلَويّ، والحسن بْن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، وغيرهم، ومن شيوخه أيضًا: طاهر بن سعيد الميهني، وأبو تُراب المراغي. [ص:870]
سكن مِيهَنَة مدَّةً، ثمّ سكن نَسا.
قَالَ ابن السّمعانيّ: مقرئ فاضل، حَسَن التّلاوة كثير العبادة والخير والنظافة، مبالغ في الطهارة، وكان يضع الطرق للأبيات الرّقيقة، وأكثر المسمَّعين بخُراسان غلمانه، يعني كَانَ يعرف الموسيقى.
سمع منه: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ في هذه السّنة.(11/869)
254 - نَظَرُ الأمير أبو الحسن الكماليّ، الجيوشيّ. [المتوفى: 544 هـ]
حجّ نيِّفًا وعشرين مرَّة أميرًا عَلَى الركْب العراقيّ، وكان مشكورًا، كثير الخير، مَهيبًا، سَمِعَ: ابن طلحة النّعاليّ، وابن البطِر، روى عَنْهُ: أحمد بْن الحسن العاقوليّ، وتوفي في ذي القعدة.(11/870)
255 - هبة اللَّه بْن القاسم بْن منصور، أبو البقاء البغداديّ، البُندار. [المتوفى: 544 هـ]
شيخ مستور، مُسنّ، روى عَنْ طِراد الزَّيْنَبيّ، وأبي سعد بْن خُشيش، تُوُفّي في رجب.(11/870)
-سنة خمس وأربعين وخمسمائة(11/871)
256 - أحمد بْن إبراهيم بْن محمد أبو العباس الأصبهانيّ، المعروف بصلاح. [المتوفى: 545 هـ]
حجّ نوَبًا، وجاور مُدَّة، وكان كثير العبادة والخير، أثنى عَلَيْهِ ابن السّمعانيّ، وقال: سَمِعَ بقراءتي كثيرًا، وكتبتُ عَنْهُ شِعرًا، أغارت العرب عَلَى الحُجاج في أوائل المحرّم، فهلك جماعة، منهم صلاح.(11/871)
257 - أحمد بْن عليّ بْن عبد العزيز بْن عليّ، أبو نصر ابن الصُّوفيّ. [المتوفى: 545 هـ]
روى عَنْ جده أبي بكر ابن النّجّار مجلسًا بروايته، عَنْ أَبِي عليّ بْن المُذهب، وعاش ستّين سنة.(11/871)
258 - إبراهيم بْن سهل بْن إبراهيم بْن أَبِي القاسم أبو إسحاق المسجديّ، السُبعي. [المتوفى: 545 هـ]
نَيْسابوريّ صالح، سمّعه أَبُوهُ من أَبِي الحسن المَدِينيّ المؤذّن، وطائفة، توفي في رابع جُمادى الأولى.(11/871)
259 - أسعد بن محمد بن أحمد الأنصاري الثابتي، أبو سعد المروزي، الفقية، [المتوفى: 545 هـ]
نزيل بنجديه.
روى عَنْ أَبِي سعيد محمد بْن عليّ البَغَويّ، روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ الحافظ.(11/871)
260 - إسماعيل بْن الحسن بْن إسماعيل أبو عطاء الشَّيْبانيّ، الهَرَويّ، القَلانِسيّ، المستملي. [المتوفى: 545 هـ]
شيخ صالح، حَسَن السّيرة، سَمِعَ: أبا عطاء عبد الرحمن بْن محمد الجوهريّ، وأبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاريّ، والحافظ عبد الله بْن يوسف الْجُرْجانيّ، وببغداد: أبا بَكْر الطُريثيثي، ووُلِد في سنة سبع وستين وأربعمائة.
روى عنه ابن السمعاني، وابنه، وأبو رَوح عبد المعزّ، تُوُفّي في شعبان.(11/871)
261 - إسماعيل بْن محمد بْن إسماعيل بْن المهديّ بن إبراهيم الموسوي. [المتوفى: 545 هـ]
توفي في سنة أربع أو خمس وأربعين وقد ذكر.(11/872)
262 - إسماعيل بْن محمد بْن عبد الواحد بْن الحَسَن أبو الفتح بْن أَبِي غالب الشَّيْبانيّ، القزّاز. [المتوفى: 545 هـ]
سَمِعَ: أَبَاهُ، وثابت بْن بُندار، وَعَلِيًّا الرّبعي، والمبارك بن عبد الجبار، وجماعة، حدثنا عَنْهُ: عبد الملك بْن أَبِي الفتح الدّلّال، وهو أخو أَبِي منصور القزّاز.
قَالَ السّمعانيّ: شابٌ صالح، كتبت عنه، مات في ربيع الأول ودُفن بباب حرب.(11/872)
263 - الْحَسَنُ بْن ذي النُّون بْن أَبِي القاسم، الواعظ المشهور، أبو المفاخر الشعري، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 545 هـ]
سَمِعَ من: عبد الغفّار الشِّيُروِيّيّ، وكان فقيهًا، أديبًا، واعظًا، وعظ ببغداد في جامع القصر مدَّة، وأظهر التحنبُل وذمّ الأشاعرة، وبالغ، وهو كَانَ السّبب في إخراج أَبِي الفتوح الإسفراييني من بغداد، ومال إِلَيْهِ الحنابلة، ثمّ بان أنّه مُعْتَزِليّ يَقُولُ بخلْق القرآن، بعد أن كَانَ يُظهر ذمّ المُعْتَزِلة، ثمّ قلعه اللَّه من بغداد، وهلك بغزنة، رحم اللَّه المُسلمينَ.
قَالَ ابن النّجّار: روى عَنْهُ: عليّ بْن أَبِي الكَرَم القطّان، ويحيى بن مُقبل بن الصّدر، وأبو الفرج ابن الْجَوْزيّ، ومات في جُمَادَى الأولى.(11/872)
264 - الحسن بْن محمد بْن عُمَر العميد، أبو الفُتُوح النَّيْسابوريّ، المستوفي، يُعرف بحليمة. [المتوفى: 545 هـ][ص:873]
ترك الدّيوان ولزِم الخير والانقطاع، وحدَّث عَنْ عليّ بْن أحمد المَدَينيّ، روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وتُوُفّي في جُمادى الأولى.(11/872)
265 - الحسين بْن جَهِير ناصح الدّولة، [المتوفى: 545 هـ]
أستاذ دار المسترشد.
سمع من أبي الحسن ابن العلاف. وعنه ابنه أبو نصر عبد الله والوزير محمد بن أحمد بن صدقة وكان من أبناء الثمانين، وهو ابن أخي الوزير أَبِي القاسم.(11/873)
266 - الحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الْحَسَين بْن مُحَمَّد بْن محمد بن أحمد بن يوسف الرّئيس أبو عليّ النّيْسابوريّ الشّحّاميّ. [المتوفى: 545 هـ]
كَانَ يخدم الخاتون مهد العراق، ويتردد معها في نواحي الإقليم، وكان مكثِرًا من الحديث، روى عَنْ الفضل بْن عبد الله بْن المُحِبّ، والصّرّام، وأبي بَكْر بْن خَلَف، ومحمد بْن إسماعيل التَّفْلِيسيّ، وكان مولده في سنة سبع وستين وأربعمائة.
روى عنه ابن السمعاني، وولده أبو المظفر، قال أبو المظفر: سَمِعْتُ منه صلاة الضُّحَى للحاكم، وجزأين من حديث أَبِي العبّاس السّرّاج عَن ابن المُحِبّ، وجزءًا انتخبه مسلم عَلَى أَبِي أحمد محمد بْن عبد الوهّاب الفرّاء، وغير ذَلكَ، تُوُفّي ليلة نصف شعبان بمَرْو.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرحيم ابن السمعاني، قال: أخبرنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الفُراوي قالا: أخبرنا محمد بن عبيد الله الصرّام، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحاكم، قال: أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا أبو توبة الحلبي، قال: حدثنا الْهَيْثَمُ بْنُ حُميد، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ، فَإِذَا قَوْمٌ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الضُّحَى، فَقَالَ: صَلَاةُ رغبةٍ وَرَهْبَةٍ، كَانَ الْأَوَّابُونَ يُصَلُّونَهَا حِينَ ترمَض الفِصال. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، ثَابِتُ الْإِسْنَادِ.(11/873)
267 - زاهر بْن أحمد بْن محمد بْن أَبِي الحسن الفقيه أبو عليّ البشاريّ، السّرْخسيّ. [المتوفى: 545 هـ]
فقيه، مستور، صالح، متميّز، سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا منصور محمد بْن عبد الملك المظفَّريّ، تُوُفّي بسَرْخَس في شوال، وأجاز لعبد الرحيم ابن السّمعانيّ.
كتبناه لاسمه الموافق لأبي عليّ راوي موطّأ أَبِي مُصْعَب، وقد حدَّث عَنْهُ أبو سعد.(11/874)
268 - سليمان بن سعيد بن محمد بْن سعيد أبو الربيع العبْدَرِيّ، الدّاني، القاضي، المعروف باللُّوشِيّ. [المتوفى: 545 هـ]
سَمِعَ من أبيه، وأبي داود المقرئ، وأبي عليّ الصَّدَفيّ، وولي قضاء دانية عشرة أعوام، وصرف سنة أربعين وخمسمائة.
وكان فاضلًا، خيارًا، عَلَى غَفْلةٍ كانت فيه، تُوُفّي في ربيع الآخر بدانية.(11/874)
269 - صافي أبو سعيد الْجَمَاليّ، عتيق أَبِي عليّ بن جردة. [المتوفى: 545 هـ]
سمع: أبا علي ابن البناء، وأبا الحسين ابن النقور.
قَالَ ابن السّمعانيّ: وجدنا لَهُ مجالس من أمالي أبي علي ابن البناء، ومن أمالي ابن أَبِي الفوارس، فقرأتُ عَلَيْهِ منها، وكان شيخًا مليح الشَّيْبة، حَسَن المشاهدة، وكان شيخنا ابن ناصر يَقُولُ: إنّ صافي كَانَ غلامًا آخر لابن جَردة، فأُخبر صافي بذلك، فحضر يومًا دار أبي منصور ابن الجواليقيّ، ونحن نسمع منه، ومن ابن ناصر، وسعد الخير غريب الحديث لأبي عُبيد، فقال لابن ناصر: سَمِعْتُ أنّك تَقُولُ: إنّ هذه الأجزاء ليست سماعي على ابن البناء، وكان لسيّدي غلام آخر باسمي، وما الأمر كما تظنّ، ما كَانَ لَهُ غلامٌ اسمه صافي غيري، وأنا أذكر أبا عليّ ابن البنّاء، وكنت أقرأ عَلَيْهِ القرآن والعِلْم، ولست ممّن يشتهي الرواية ويتسوق بها، فعلم الحاضرون صِدْقَه، واعتذر ابن [ص:875] ناصر إِلَيْهِ، ورجع، تُوُفّي في ربيع الأوّل في الثّالث والعشرين منه.
قلت: وروى عَنْهُ أبو الفرج ابن الجوزي، وغيره.(11/874)
270 - عبد الله بن علي بن محمد أبو البَرَكات الكَرْخيّ، النَّهْرِيّ. [المتوفى: 545 هـ]
سَمِعَ عاصم بْن الحَسَن، وعبد الواحد بْن فهد العلّاف، وعنه ابن مشق، وعمر بْن طَبَرْزَد، وغيرهما.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: مات في شوّال سنة خمسٍ.(11/875)
271 - عبد الله بن محمد أبو القاسم البنجديهي، الخمقري. [المتوفى: 545 هـ]
سمع أبا سعيد محمد بن عليّ البَغَويّ، الدّبّاس، وعنه: أبو سعد السّمعانيّ.
مات في ذي الحجَّة.(11/875)
272 - عَبْد اللَّه بْن هبة الله ابن السّامريّ، أبو الفتح الحنْبليّ. [المتوفى: 545 هـ]
مُكثر من الرواية، روى عَنْ أَبِي سعد بْن خُشيش، وغيره، وتُوُفّي في المحرّم.(11/875)
273 - عبد الباقي بْن أحمد بن إبراهيم بن علي ابن النَّرْسيّ أبو البَرَكات الأَزَجيّ، المعدّل، المحتسب. [المتوفى: 545 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ مُسِنّ، بَهيّ المنظر، بِهِ طرش، وجدنا له ثلاثة أجزاء عَنْ أَبِي القاسم عبد الله بْن الحَسَن الخلّال، قرأناها عَلَيْهِ، وقال لي: وُلِدتُ في سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في عاشر شعبان.
قلت: سمعنا عَلَى أبي الفداء ابن الفرّاء جزءًا من حديث ابن صاعد، بسماعه من أَبِي القاسم بْن صَصْرَى، والطّبقة بخطّ الحافظ الضياء، بإجازته من عبد الباقي ابن النُرسي، بسماعه من القاضي أَبِي يَعلى، وفرحتُ بذلك، فلما تنبهت في الحديث بان لي أنّ هذا غَلَط، وأنّ عبد الباقي وُلِد بعد موت أَبِي يَعْلَى بسنة.(11/875)
274 - عبد الرحمن بْن أحمد بْن خَلَف بْن رضا أبو القاسم القُرْطُبيّ، [المتوفى: 545 هـ]
خطيب قُرْطُبة. [ص:876]
روى القراءات عَنْ أَبِي القاسم بْن مُدير، وسمع الموطّأ من أَبِي عبد الله محمد بْن فَرَج، وسمع أيضًا من أَبِي عليّ الغسّانيّ، وأبي الحسن العبْسيّ، وتأدّب بأبي الوليد مالك العُتبي واختصّ بِهِ، وبرع في الآداب وشُوور في الأحكام، وكان محمودًا في جميع ما تولاه، رفيع القدر، عالي الذّكر، توفي في عاشر جُمادى الآخرة، قاله ابن بَشْكُوال، قَالَ: وتُوُفّي أَبُوهُ وهو حَملٌ لَهُ في سنة سبعين وأربعمائة.
قلت: أخذ عَنْهُ القراءات أبو بَكْر بْن سمجون، وحسن بْن عليّ بْن خَلَف، وعُبَيْد اللَّه بن الصيقل، وعبد الرحمن ابن الشّرّاط.(11/875)
275 - عبد الرحمن بْن أحمد بْن محمد بْن أحمد ابن الأخوة أخو عبد الرحيم، أبو القاسم البغداديّ، العطّار. [المتوفى: 545 هـ]
سَمِعَ أبا عبد الله النِّعَاليّ، وابن البطِر، وجماعة، كتب عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في صَفَر.(11/876)
276 - عبد الرحمن بْن أَبِي رجاء، أبو القاسم البَلَويّ، الأندلسيّ اللّبسيّ، [المتوفى: 545 هـ]
نسبة إلى قرية من قرى وادي آش.
أخذ القراءات بغَرْنَاطة عَنْ: أَبِي الحسن بْن كرْز، وجماعة، وحجّ سنة سبْعٍ وتسعين، فأخذ القراءات عَنْ أَبِي عليّ بن أبي العرجاء، وسمع من أَبِي حامد الغزّاليّ، وأجاز لَهُ، وأخذ بالمَهْدِيَّة عَنْ عليّ بْن محمد بْن ثابت الخَوْلانيّ الأقْطع، وانصرف إلى الأندلس، وتصدَّر للإقراء، أخذ عَنْهُ ابنه عبد الصّمد، وأبو القاسم بن حُبيش، وأبو القاسم ابن بَشْكُوال.
قَالَ الأبّار: وكان زاهدًا، صُوفّيًا، مُجاب الدّعوة، خرج عَن المَرِيَّة في سنة إحدى وأربعين قبل تغلُّب الروم عليها بعامٍ، ونزل وادي آش إلى أن تُوُفّي بِهِ وله ثمان وسبعون سنة.(11/876)
277 - عبد الغنيّ بْن أحمد بن محمد، أبو اليُمن الدارمي، الفوشنجي. [المتوفى: 545 هـ]
شيخ، صالح عفيف، سَمِعَ أبا إسماعيل عبد الله الأنصاريّ، وأبا عطاء [ص:877] عبد الرحمن الجوهريّ، ووُلِد سنة بضعٍ وستّين وأربعمائة، وتُوُفّي في ثامن عشر رجب.
روى عَنْهُ بالإجازة: عبد الرحيم السّمعانيّ.(11/876)
278 - عبد الكريم بْن محمد بْن أَبِي منصور، أبو القاسم الدّامغانيّ. [المتوفى: 545 هـ]
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: كَانَ من أهل الفضل والإفضال، وُلِد في ربيع الأوّل سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، ودخل نَيْسابور، وتفقّه مدَّة عَلَى إمام الحرمين، وكتب بها عن: أَبِي القاسم إسماعيل النُّوقانيّ، وأبي بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وبجُرجان عَنْ: كامل بْن إبراهيم الخَنْدقيّ، والمظفَّر بْن حمزة التّميميّ، كتبتُ عَنْهُ بالدّامغان عند توجّهي إلى أصبهان، وعُمِّر دهرًا، وتُوُفّي في ذي القعدة.
تُوُفّي النّوقانيّ سنة تسع وسبعين وأربعمائة، فكان آخر من حدَّث عَن النّوقانيّ.(11/877)
279 - عبد الملك بن عبد الوهّاب ابن الشّيخ أَبِي الفَرَج الشّيرازيّ، ثمّ الدّمشقيّ، القاضي الأوحد، بهاء الدّين [المتوفى: 545 هـ]
ابن الحنبليّ، شيخ الحنابلة ورئيسهم بدمشق.
قال حمزة ابن القَلانِسِيّ: مات في رجب، قَالَ: وكان إمامًا مناظِرًا، مُفتيًا عَلَى مذهب أَبِي حنيفة وأحمد بْن حنبل، تفقّه بخُراسان مدَّة، وكان يوم دفْنه في جوار جدّه وأبيه يومًا مشهودًا بكثْرة العالَم والباكِين حول سريره.(11/877)
280 - عَبْد الملك بْن عليّ بْن محمد بْن حسن الإمام، أبو سعد القُرشي الزُهري العَوفي، الأيُّوبي، الأَبِيَورْديّ. [المتوفى: 545 هـ]
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: كَانَ إمامًا، صالحًا، زاهدًا، عفيفًا، روى عَنْ أبيه بأَبِيوَرْد، وبها وُلِد في سنة إحدى وستين وأربعمائة، وتوفي في أحد الربيعين.
روى عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وأبوه عَنْهُ.(11/877)
281 - عبد الملك بْن أَبِي نصر بْن عُمَر، الفقيه أبو المعالي الجيليّ، الفقير، [المتوفى: 545 هـ]
نزيل بغداد.
قَالَ أبو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ: كَانَ فقيهًا، صالحًا، خيِّرًا، عاقلًا، كثير التّعبُّد، يأوي المساجد، حج في هذا العام، فأغارت العرب على الحجاج، فتوصّل وأقام بفِيد، فتوفي بها في هذه السّنة.(11/878)
282 - عثمان بْن إسماعيل بْن أحمد، أبو بَكْر الخفّاف، [المتوفى: 545 هـ]
من المَزكّين المشهورين بنَيْسابور.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ صالحًا، خيِّرًا، سمع: هبة الله بن أحمد البرويي، والقاضي أبا نصر أحمد بْن محمد بْن صاعد، وغيرهما.
روى عنه أبو المظفّر ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي بنَيْسابور في ربيع الأوّل.(11/878)
283 - علي بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، أَبُو الحَسَن البغداديّ، الأحدب، المؤدّب، المقرئ. [المتوفى: 545 هـ]
قَالَ أبو سعد: شيخ، صالح، فاضل، عارف بالأدب، دخلت مكتبه وذاكرتُه، فقال: سَمِعْتُ من رزق اللَّه التّميميّ، وطِراد الزَّيْنبيّ، ولكّن أصولي نُهبت، فعلّقت عَنْهُ شِعرًا، وقال: وُلِدت سنة أربعٍ وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي في تاسع عشر شعبان سنة خَمسٍ هذه.(11/878)
284 - عليّ بْن دُبيس الأَسَديّ، [المتوفى: 545 هـ]
أمير العرب، وصاحب الحِلة.
كان شجاعًا، جوادًا، ممدَّحًا، كبير الشّأن، يُقال إنّه سُقي السُّمّ، وقيل: مات بالقولنج، وولي بعده ابنه مُهَلْهَل.(11/878)
285 - عليّ بْن أَبِي سعد بْن حسين، أبو الحَسَن البغداديّ، الأقْراصيّ، الحلاوي. [المتوفى: 545 هـ][ص:879]
شابّ صالح، ديِّن، خيِّر، عابد، روى عَنْ جعفر السّرّاج.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كتبت عَنْهُ أحاديث، وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(11/878)
286 - عُمَر بْن عيّاد بن أيّوب، أبو حفص اليحصُبي، الشُريشي. [المتوفى: 545 هـ]
حجّ، وسمع: أبا عبد الله الرّازيّ بالإسكندريَّة، ورزين بْن معاوية بمكَّة، حدَّث عَنْهُ: أبو بَكْر بْن خير بتجريد الصّحاح لرزِين، وحدَّث عَنْهُ: عبد الحقّ الإشبيليّ، وأبو عبد اللَّه بْن حُميد بالإجازة، وتُوُفّي في ذي الحجة، قاله الأبّار.(11/879)
287 - عُمَر بْن محمد بْن طاهر، أبو حفص الفَرْغانيّ، الترْكيّ. [المتوفى: 545 هـ]
شيخ صالح، نزل فاشان، إحدى قرى مَرْو، سَمِعَ ببُخَارَى: بَكْر بْن محمد الزّرَنجريّ، وبمَرْو: المؤمّل بْن مسرور، وحدَّث.(11/879)
288 - فاطمة بِنْت محمد بْن عبد الله، أمّ الفُتُوح القَيْسيَّة الأصبهانيَّة. [المتوفى: 545 هـ]
صالحة، خيّرة، معمّرة، كتب عَنْهَا السّمّعانيّ، وقال: سَمِعَت من عائشة بِنْت الحسن الوركانيَّة، ماتت في رمضان.(11/879)
289 - فضل اللَّه بْن جعفر، السّيّد أبو المعالي الحَسَنّي، المَرْوَرّوذِيّ. [المتوفى: 545 هـ]
ارتحل إلى بلْخ، وسمع مسند الهيثم الشّاشيّ من أَبِي القاسم أحمد بْن محمد الزّياديّ، وكان زاهدًا، خيّرًا، مات في رمضان.
روى عنه بالإجازة أبو المظفر ابن السمعاني.(11/879)
290 - محمد بْن أحمد بْن أميركا، أبو عبد الله الجيليّ، [المتوفى: 545 هـ]
نزيل الدواليب عَلَى وادي مرو.
شذا طرفا من الفقه، وسمع من: أبي المظفّر ابن السّمعانيّ، ومحمد بْن إسماعيل بْن عُبَيد اللَّه المؤدّب، ومولده بمرو في سنة سبعين وأربعمائة، وتُوُفّي في نصف المحرّم. [ص:880]
روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعاني، وغيره.(11/879)
291 - محمد بْن أحمد بْن عبد الواحد بْن أحمد بْن محمد بْن تولة، أبو بَكْر الأصبهانيّ، القصّاب. [المتوفى: 545 هـ]
روى عَنْ جدّه أَبِي بَكْر عبد الواحد، وإبراهيم بْن عُمَر بْن يونس، روى عَنْهُ أبو موسى المَدِينيّ، وقال: مات في جُمَادَى الأولى، وكان مولده في سنة ثلاث وستين وأربعمائة.(11/880)
292 - محمد بْن أَبِي بَكْر بْن رَيْحان، أبو الفتح الهروي، الدلال، النشّائي، الزمِن. [المتوفى: 545 هـ]
كانت لَهُ عَجَلَة يركبها ويسيّرها إمّا بنفسه أو بغيره.
سَمِعَ: أبا إسماعيل الأنصاريّ، ومحمد بْن عليّ العُميري، وتُوُفّي في هذه السّنة أو في سنة ستّ.(11/880)
293 - محمد بْن الحسن بْن تميم بْن الحَسَن بْن محمد، أبو عبد اللَّه بْن أَبِي غسّان الطّائيّ، الزَّوْزَنيّ. [المتوفى: 545 هـ]
أحد المشهورين بالعِلْم والأدب، حدَّث بنَيْسابور، وبغداد عَنْ: محمد بْن عبد الرحمن الخطيبيّ الزَّوزنيّ، الرّاوي عَن الحسن بْن أحمد المَخلدي، وحدَّث عَنْ أَبِي بَكْر بْن خَلَف، وأبي القاسم الحسن بن محمد الخوافي، وأملى مجالس، وله شِعر جيّد.
وقد سَمِعَ منه أبو المعمّر الأنصاري، وأبو القاسم ابن عساكر، وأبو سعد ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.
قال أبو سعد: قال لي ابن عساكر: ما رأيت له أصلا يفرح به، أخرج إلي أوراقا بخطه. قَالَ أبو سعد: ولم يكن حَسَن السَّمْت.
قرأنا عَلَى أَحْمَدَ بْن هِبَةِ اللَّه، عَنْ عَبْدِ الرحيم بن عبد الكريم، قال: أنشدنا أبو عبد الله بْن أَبِي غسّان لنفسه مِن لفظه: [ص:881]
سرّي وسنّي بعد الشَّيْب قد بَطَلا ... والعينُ والأنفُ من وجد به انهملا
ورعشةٌ لزمت نفسي بجُملتها ... وطرشة صَيَّرَتْني في الوَرَى مَثَلا
ولستُ أزْعُم أَنّ الشَّيْب يظلمني ... بعد الثّمانين، لا واللهِ، قد عدلا
تُوُفّي في غُرَّة المحرَّم، وهو في عَشْر التّسعين، فإنّه وُلِد في أوّل سنة تسعٍ وخمسين.(11/880)
294 - محمد بْن الحسن بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن حمدون، الأديب أبو نصر. [المتوفى: 545 هـ]
من كُتّاب الإنشاء ببغداد، وله شِعر ورسائل، روى عَنْ أَبِي عبد الله ابن البُسري، وعنه: المبارك بْن كامل.
مات في ذي الحجَّة، وله ثمان وخمسون سنة.(11/881)
295 - محمد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عليّ بْن مُحَمَّد بن عمر، أبو بكر بن أبي حامد الدينوري، ثم البغدادي، البيع، [المتوفى: 545 هـ]
من أهل باب المراتب.
قال أبو سعد: كان من أولاد المياسير، وكان شيخا متوددا، مطبوعا، كيسا، غير أنّه يلعب بالحَمَام، سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، ورزق اللَّه التّميميّ، وابن طلْحة النّعاليّ، سمعتُ منه أجزاء، وقال لي: وُلدت في المحرَّم سنة خمسٍ وسبعين.
قلت: فيكون سماعه من أَبِي نصر حضورًا.
روى عَنْهُ ابن أخيه محمد بْن هبة اللَّه شيخ الأَبَرْقُوهيّ، وغير واحد، وتُوُفّي في ثالثٍ وعشرين المحرّم.(11/881)
296 - محمد بْن عليّ بْن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن دُوَسْت، أبو عُمَر النَّيْسابوريّ، الحاكم. [المتوفى: 545 هـ]
وُلِد سنة أربع وستين وأربعمائة، وسمع: أبا المظَفَّر موسى بْن عِمران الصُّوفيّ، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وأحمد بْن محمد بْن صاعد، وأبا تُراب عبد الباقي بْن يوسف، وحدَّث بمَرْو.
قَالَ أبو سعد: كَانَ من بيت الحديث، وسكن مدة سرخس، وكانوا [ص:882] يقعون فيه، ويسيؤون الثّناء عَلَيْهِ، بكونه عَلَى أبواب القُضاة، وأنّه يزوّر، لكن سماعه صحيح، توفي في ثاني عشر رمضان.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وابنه عبد الرحيم، وغيرهما.
أخبرنا أحمد ابن عساكر، عن ابن السمعاني، قال: أخبرنا أبو عمر، قال: أخبرنا موسى بن عمران، قال: أخبرنا أبو الحسن العلوي، قال: حدثنا أبو حامد ابن الشّرْقيّ، فذكر حديثًا.(11/881)
297 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مسلمة، أبو بَكْر القُرْطُبيّ، [المتوفى: 545 هـ]
أحد رؤساء البلد.
أكثر عَنْ أَبِي عليّ الغسّانيّ، وأبي الحسن العَبْسيّ، وأجاز لَهُ أبو عبد اللَّه بْن فَرَج.
وكان فاضلًا، سَرِيًّا، عالي القدر، متصاونًا، طويل الصّلاة، كثير الذِّكْر، مُسارِعًا في الخيرات، تُوُفّي في جُمادى الأولى، قاله ابن بَشْكُوال.(11/882)
298 - المبارك بْن أحمد بْن بَرَكَة، أبو محمد الكِنْديّ، البغداديّ، الخبّاز. [المتوفى: 545 هـ]
شيخ صعلوك، ديّن، يخبز بيده ويبيعه، سَمِعَ الكثير مَعَ عبد الوهّاب الأنْماطيّ، سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، وطِراد بن محمد، وولد سنة ست وستين وأربعمائة.
روى عَنْهُ أبو سعد السَّمعانيّ، وعمر بْن طَبَرْزَد، وجماعة، وأجاز لأبي منصور بْن عُفيجة، وغيره، وتُوُفّي في خامس شوّال.(11/882)
299 - محفوظ بْن الحسن بْن محمد بْن الحسن بْن أحمد بْن الحسين بْن صَصْرَى، أبو البَركات التّغْلبيّ، الدّمشقيّ، [المتوفى: 545 هـ]
من رؤساء البلد وأعيانهم.
وُلِد في حدود سنة خمس وستين وأربعمائة، وعاش ثمانين سنة، وسمع سنة ستٍّ وثمانين من نصر بْن أحمد الهَمَذَانيّ، جزءًا، رواه عَنْهُ أبو القاسم بْن [ص:883] عساكر، وقال: تُوُفّي في ذي الحجَّة، ودُفن بباب تُوما.
وقال حمزة التّميميّ: كَانَ مشهورًا بالخير والعفاف، وسلامة الطَّبْع.(11/882)
300 - محمود بْن غانم بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن أحمد، أبو الفُتُوح الأصبهانيّ، الحدّاد جدّه، البّيِّع، [المتوفى: 545 هـ]
أخو أَبِي عبد الله.
سَمِعَ من: جدّه، ورزْق اللَّه التّميميّ، سافر إلى ديار مصر في طلب مالٍ ورِثه من بعض أقاربه، روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في غرَّة صَفَر.(11/883)
301 - مساعد بْن أحمد بْن مساعد أبو عبد الرحمن الأصْبَحيّ، الأندلسيّ، الأُورْيُوليّ، المعروف بابن زعوقة. [المتوفى: 545 هـ]
روى عَنْ أَبِي عبد الله الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ صحيح مسلم، وسمع في رحلته من جماعة، وبالأندلس من: أَبِي عمران بْن أَبِي تليد، وأبي عليّ الصَّدَفيّ، وسمع الناس منه لعلوّ سنده.
قَالَ الأبّار: وكان من أهل المعرفة، والصّلاح، والوَرَع، روى عَنْهُ عبد المنعم بْن الفَرَس، وأبو القاسم بْن بَشْكُوال، وغَفَل عَنْ ذكره في الصِّلَة، وأبو الحَجّاج الغَرْناطيّ، وكان مولده في سنة ثمان وستين وأربعمائة.(11/883)
302 - مُكرَم بْن حمزة بْن محمد بْن أحمد بن أبي جميل أبو المفضّل ابن أَبِي الصَّقر القُرشي، الدّمشقيّ. [المتوفى: 545 هـ]
سَمِعَ: أبا الحسن ابن الموازينيّ، وحدَّث باليسير.
قَالَ ابن عساكر: كَانَ يدخل في العمالات، ولم يكن مَرْضيًّا.
قلت: وفي هذه السّنة كانت وفاته بدمشق، وهو عمّ نجم الدين مُكرم شيخ شيوخنا.(11/883)
303 - نابت بن مُفرّج بن يوسف أبو الزهر الخثْعميّ، الشّاعر البَلَنْسيّ، [المتوفى: 545 هـ]
نزيل مصر. [ص:884]
تفقّه بها عَلَى مذهب الشّافعيّ، وله شِعر في الذُّرْوة.
ورَّخ السِّلَفّي موته في رجَبْ بمصر سنة خمس.(11/883)
304 - يحيى بْن أحمد بْن بَقِيّ أبو بَكْر الطُليطلي، ثمّ الإشْبيليّ. [المتوفى: 545 هـ]
قَالَ الأَبّار: كَانَ يتقدَّم أدباء عصره تفنُّنًا في الآداب وتصرُّفًا في النَّظْم، روى عَنْهُ أبو بَكْر عبد الله بْن طلْحة، ومحمد بْن جابر.(11/884)
305 - يحيى بْن عبد الغفّار بْن عبد المنعم بْن إسماعيل أبو الكَرَم الدّمشقيّ، الخاطب. [المتوفى: 545 هـ]
سَمِعَ ببغداد من رزق اللَّه التّميميّ كتاب النّاسخ والمنسوخ لهبة اللَّه.
روى عَنْهُ أبو القاسم بْن عساكر، وأبو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أبو القاسم بْن صَصْرَى وهو آخر من روى عَنْهُ، وسماعه منه في رجب من هذه السّنة.(11/884)
-سنة ست وأربعين وخمسمائة(11/885)
306 - أحمد بْن المبارك بْن عبد الباقي بْن محمد بْن قَفَرْجَل أبو محمد القطّان، المقرئ، [المتوفى: 546 هـ]
أخو أَبِي القاسم أحمد، وكان أبو محمد الأصغر.
سَمِعَ من: طِراد، وأبي الحَسَن بْن أيّوب، وأبي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي، روى عنه المبارك بْن كامل، وأحمد بْن طارق الكَرَكيّ.
مات فِي شوّال.(11/885)
307 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن أَبِي عثمان الحسين بْن عثمان أبو المعالي ابن المَذاري. [المتوفى: 546 هـ]
ولد في سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وسمع: أبا القاسم ابن البُسري، وأبا عليّ ابن البنّاء الفقيه، وقال: إنّه سَمِعَ من أَبِي الحسين ابن النقور، وكان محله الصدق، وهو رجل من أهل البيوتات.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: كَانَ سماعه صحيحًا، وقرأتُ عَلَيْهِ كثيرًا من حديثه.
وروى عَنْهُ أيضًا: عبد الخالق بن أسد، وأبو سعد ابن السمعاني، وابن سُكينة، وأحمد ابن العاقُوليّ، وأحمد بْن أزهر، وجماعة من المتأخّرين، وتوفي الثّامن والعشرين من جُمادى الأولى.
والمَذار: قرية تحت البصْرة، قريبة من عَبَّادان، سكنها أَبُوهُ زمانًا، فنُسب إليها.(11/885)
308 - أحمد بْن محمد بْن عُبَيْد الله بْن سهل أبو الفُتُوح النَّيْسابوريّ، البزّاز. [المتوفى: 546 هـ]
سمع من: عبد الجبّار بْن سعيد بْن محمد البَحِيريّ، روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(11/885)
309 - إبراهيم بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن أحمد بْن سهل أبو إسحاق البلْخيّ، الضّرير، الواعظ. [المتوفى: 546 هـ]
شيخ صالح من أهل العِلم، قدِم بغداد، وسمع من: جعفر السّرّاج، والحسن بن محمد بن عبد العزيز التككي، وأبي غالب الباقِلّانيّ، وحدَّث [ص:886] ببلخ، سمع منه: أبو علي ابن الوزير الدّمشقيّ، وتُوُفّي في ربيع الآخر ببلْخ.(11/885)
310 - إبراهيم ابن الشّيخ أَبِي عبد الله محمد بْن الحسن بْن محمد بْن سعيد بْن الفَرَس أبو إسحاق الدّانيّ. [المتوفى: 546 هـ]
حجّ مَعَ والده، وقرأ عَلَيْهِ، وقرأ عَلَى أَبِي عليّ بْن العرجاء بجميع ما في كتاب سوق العروس لأبي معشر، وفيه ألف وخمسمائة وخمسون رواية وطريقًا، وقرأ عليه جزأين ونصف من الختمة بداخل الكعبة، وذلك في سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وسمع صحيح البخاريّ، وتُوُفّي في آخر السّنة، قبيل أبيه بأشهر.(11/886)
311 - إبراهيم بْن مروان الإشْبيليّ. [المتوفى: 546 هـ]
حجّ، وسمع من: ابن الحُصين ببغداد، وحدَّث بإشبيلية.(11/886)
312 - أنوشتكين بْن عبد الله الرّضْوانيّ، البغداديّ. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: أبا القاسم ابن البُسْريّ، وغيره، روى عَنْهُ جماعة آخرهم الفتح بن عبد السلام، وروى عنه بالإجازة ابن أبي لقمة.(11/886)
313 - جعفر بْن محمد بْن يوسف أبو الفضل الشّنْتَمَرِيّ. [المتوفى: 546 هـ]
ولي قضاء شَنتْمَرِيَّة، روى عَنْ أبيه، عَنْ جدّه أَبِي الحَجّاج يوسف الأعلم جميع رواياته وتصانيفه، روى عَنْهُ أبو محمد بْن عبيد الله، وابن خَيْر.
وكان فقيهًا، مُشاوَرًا، مُفْتِيًا، كاتبًا، شاعرًا، استُشهد بشَنْتَمَرِيَّة.(11/886)
314 - الجُنيد بْن يعقوب بْن حسن، أبو القاسم الجيلي، الفقيه، الحنبليّ. [المتوفى: 546 هـ]
وُلِد بجِيلان، واستوطن بغداد، تفقَّه وتأدّب، وكتب العلم، وسمع: رزْق اللَّه التّميميّ، وأبا الحسن الهكّاري.
روى عنه أبو القاسم ابن عساكر، مات في جُمادى الآخرة.(11/886)
315 - جرخي الإفْرَنجيّ [المتوفى: 546 هـ]
وزير الملك رُجَّار المتغلّب عَلَى مملكة صَقَلِّية.
كَانَ بطلًا شجاعًا، من دُهاة النَّصارَى، سار في البحر وأخذ المَهْديَّة من المسلمين، ثمّ سار في البحر بالجيوش، فحاصر القُسْطنطينيَّة، ودخل فم الميناء، وأخذ عدَّة شواني، ورمى أصحابه بالنّشّاب في قصر الملك، وجَرَت لَهُ مع صاحب القسطنطينيَّة عدَّة حروب يُنصر في جميعها عَلَى ملك القسطنطينيَّة، وكان لا يُصطلى لَهُ بنار، فهلك بالبواسير والحصى في سنة ستٍّ هذه، وفرح النّاس لموته، ولله الحمد على هلاكه.(11/887)
316 - الحسن بْن محمد بْن الحسين أبو عليّ الرّاذانيّ، [المتوفى: 546 هـ]
نزيل بغداد.
سَمِعَ من: المبارك بْن عبد الجبار ابن الطُّيُوريّ، وتفقّه عَلَى: أَبِي سعيد المخرّميّ، ووعظ، وسمع الكثير، وتُوُفّي فجأة في رابع صَفَر.(11/887)
317 - الحسين بن إسماعيل بن الحسين بن علي أبو عبد الله ابن العماني، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 546 هـ]
شيخ صالح، من بيت الحديث، سَمِعَ: أبا القاسم الواحديّ، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا السّنابل هبة اللَّه بْن أَبِي الصَّهْباء، روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.
وتُوُفّي في العشرين من المحرَّم.
وروى عَنْهُ عُمَر العليميّ، والمؤيَّد الطُّوسيّ، والقاسم الصّفّار.(11/887)
318 - الحسين بن محمد بن علي بن أحمد بن حَمْدي أبو عبد الله الخِرَقي، الشّاهد. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ أبا عبد الله النعالي، وحدّث، وتوفي في ذي القعدة.(11/887)
319 - خَلَف بْن عبد الكريم بْن خَلَف بْن طاهر بْن محمد بْن محمد أبو نصر النَّيْسابوريّ، الشّحّاميّ. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: عبد الجبّار بْن سعيد بْن محمد البَحِيريّ، وأبا عليّ نصر اللَّه الخُشنامي، روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وقال: تُوُفّي في المحرَّم، ودُفن عند الشّحّاميين.(11/888)
320 - زيد بن الرضا بن زيد أبو محمد الهاشميّ، الجعفريّ، الأصبهانيّ. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: عبد الوهاب بن منده، وطرادا الزَّيْنبيّ، أخذ عَنْهُ: السّمعاني، وقال: مات في جُمادى الآخرة وله ثمانون سنة.(11/888)
321 - سعد بْن محمد بن محمود ابن المشّاط أبو الفضائل الرّازيّ، المتكلّم، الواعظ. [المتوفى: 546 هـ]
قَالَ أبو سعد السَّمعانيّ: لَهُ يدٌ باسطة في علم الكلام، وكان يذبّ عَن الأشعريّ، وله قوَّةٌ في الْجِدال، وكان يعِظ ويتكلَّم في مسائل الخلاف، لقيته بالرَّيّ، وكان يلبس الحرير، ويخضِب بالسّواد، ويحمل معه سيفًا مشهورًا، وسمعت أنّ طريقته ليست مُرْضِيَّة، سَمِعَ من أبيه حلْية الأولياء، بسماعه من أَبِي نُعيم، وسمع من: أَبِي الفَرَج محمد بْن محمود القَزْوينيّ، وقال لي: ولدت سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي بالرَّيّ في خامس عشر رمضان.(11/888)
322 - سعيد بن أبي بكر بن أبي نصر ابن الشّعريّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: عثمان بْن محمد المَحمي، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وعنه: أبو المظفَّر عبد الرحيم السمعاني.
توفي في صفر.(11/888)
323 - شجاع بْن عليّ بْن حسن أبو المظفَّر الشُّجاعيّ، السَّرْخَسيّ، البنّاء. [المتوفى: 546 هـ]
رَجُل صالح، وهو أصغر من أخويه عبد الصّمد، والحسن، سَمِعَ: محمد [ص:889] ابن عبد الملك المُظفَّريّ، وأحمد بْن عبد الرحمن الدّغُوليّ، مولده قبل السّبعين.
أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ، وقال: مات فجأةً في شوّال سنة ستٍّ وأربعين.(11/888)
324 - شُكر بْن أَبِي طاهر أحمد بْن حمد بْن أَبِي بَكْر أبو زيد الأَبْهريّ، الأصبهانيّ، المؤدّب، الأديب. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: أبا عبد الله الثّقفيّ، الرئيس، وتوفي في ذي القعدة.(11/889)
325 - صافي أبو الفضل، [المتوفى: 546 هـ]
مولى ابن الخِرَقيّ.
بغداديّ، مقرئ، مجوّد، صالح، متعبّد، وله إسناد عالٍ في القراءات، فإنّه قرأ عَلَى رزْق اللَّه التّميميّ، ويحيى بْن أحمد السِّيبيّ، وسمع: مالك بْن أحمد البانياسيّ، وغيره، واحترقت كُتُبُه.
قَالَ السّمعانيّ: سَمعْتُهُ يَقُولُ: سَلُوا القلوب عَن المَوَدّات، فإنّها لا تقبل الرّشا، سمعتُ منه أحاديث، وتُوُفّي أظنّ في سنة ستٍّ وأربعين، ولم يبق إلى سنة سبع.(11/889)
326 - عبد الله بْن أحمد بْن عَمْرُوس أبو محمد الشِّلبيّ، الأندلسيّ، المالكيّ. [المتوفى: 546 هـ]
كَانَ فقيهًا، حافظًا، مشاوَرًا، لُغَويًّا، فاضلًا. سَمِعَ: أبا الحسن بْن مُغيث، وأبا بَكْر بْن العربيّ.(11/889)
327 - عبد الله بْن خَلَف بْن بَقِيّ القيسي، البَيَّاسيّ، أبو محمد. [المتوفى: 546 هـ]
أخذ القراءات عَنْ: ابن البَيّاز، وابن الدوش، وحج فلقي ابن الفحّام، وبمكة عبد الله بن عمر بن العرجاء صاحب ابن نفيس، وعبد الباقي بْن فارس، فحملَ عَنْهُمُ القراءات، وبرع فيها وتصدّر ببلده، وتلا عَلَيْهِ: أبو بَكْر محمد بن حَسْنُونَ، وغير واحد، وكان زاهدًا، صالحًا، مجاهدًا، تُوُفّي بعد الأربعين.(11/889)
328 - عبد الرَّحْمَنِ بن عَبْد اللَّهِ بن عَبْد الرحمن أبو سعيد الرّازيّ، الحصيريّ، الضّرير. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ سُنَن ابن ماجة من أَبِي منصور محمد بْن الحسين المقوّمي، وسمع: واقد بْن الخليل القَزْوينيّ، والفضل بْن أَبِي حرب الْجُرْجانيّ، وعبد الواحد بْن إسماعيل الرّويانيّ الفقيه، وجماعة سواهم، روى عنه أبو سعد السمعاني، وأبو القاسم ابن عساكر.
وكان فقيهًا، صالحًا، خيّرًا، وروى عَنْهُ المؤيَّد الطُّوسيّ بالإجازة، تُوُفّي في شوّال، وله أربعٌ وثمانون سنة.(11/890)
329 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عبد الله بْن الحَسَن بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي بَكْر محمد بن أحمد بْن عثمان بْن أَبِي الحديد، واسمه الحسين بْن أَبِي القاسم السُلمي: أبو الحسين الدّمشقيّ، [المتوفى: 546 هـ]
خطيب دمشق.
سَمِعَ: جدّه أبا عبد الله، وأبا القاسم بْن أَبِي العلاء المصِّيصيّ، وابن الفرات، روى عنه أبو القاسم ابن عساكر، وابنه القاسم، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وغيرهم، وتُوُفّي في جُمادى الآخرة، وله اثنتان وثمانون سنة، وخطب بعده ابنه الفضل.
وروى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ فقال: شيخ، صالح، سليم الجانب، سديد السِّيرة: سمعتُ منه أجزاء، ودخلتُ داره المليحة، ورأيت نعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم معه، ودُفن بمقبرة باب الصّغير.(11/890)
330 - عبد الرحمن بْن عبد الجبار بن عثمان بن منصور أبو النضر الفاميّ، الحافظ الهَرَويّ. [المتوفى: 546 هـ]
وُلِد سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة بهَراة.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: كَانَ حسن السّيرة، جميل الطّريقة، دمِث الأخلاق، كثير الصّدقة والصّلاة، دائم الذِكر، متودّدًا، متواضعًا، لَهُ معرفة بالحديث والأدب، يُكرم الغُرباء، ويفيدهم عَن الشّيوخ، سَمِعَ: أبا إسماعيل عبد الله بْن محمد الأنصاريّ، وأبا عبد الله العُميري، ونجيب بْن ميمون [ص:891] الواسطيّ، وأبا عامر الأزديّ، وورد بغداد حاجًّا، فسمع من ابن الحُصين، وهبة الله ابن البخاري، كتبتُ عَنْهُ بهرَاة ونواحيها، وكان ثقة، مأمونًا، مات في الخامس والعشرين من ذي الحجَّة.
قلت: وروى عَنْهُ الحافظ ابن عساكر، وأبو رَوح الهروي، وجماعة، وجمع تاريخا لهراة، وليس بمستوعِب، ولَقَبُه: ثقة الدّين.(11/890)
331 - عبد الرحمن بْن عبد الصّمد بْن أَبِي سعيد أبو سعيد القايَنيّ، النَّيْسابوريّ، المقرئ، [المتوفى: 546 هـ]
مقدّم القرّاء، وشيخهم، وإمامهم.
قرأ عَلَى الإمام أَبِي الحَسَن الغزّال وتلمذ له، وخدمه مدَّة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ إمامًا، فاضلًا، صالحًا، ورِعًا، كثير العبادة، وعُمِّر حتّى رحلوا إليه في علم القراءات، وظهر لَهُ أصحاب وتلامذة، وقد سَمِعَ من: المعتز بْن أَبِي مسلم البيهقي، وأبي بَكْر محمد بن المأمون بن علي المتولي، وعلي بْن أحمد المديني، ونصر اللَّه الخشنامي، ولد في رجب سنة خمس وسبعين وأربعمائة، وكان أَبُوهُ من قاين.
روى عَنْهُ أبو سعد ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وتُوُفّي في شوال أو ذي القعدة رحمه الله تعالى.(11/891)
332 - عبد الرحمن بْن عبد الواحد بْن عبد الكريم أبو القاسم الغسّانيّ، الدّمشقيّ، السّمسار. [المتوفى: 546 هـ]
كَانَ رجلًا خيّرًا، روى عن الفقيه المقدسي، روى عَنْهُ ابن عساكر، وابنه القاسم، تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(11/891)
333 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بْن سهل بْن المحبّ أبو البركات النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 546 هـ]
نظيف، ظريف، متودّد، سَمِعَ: أبا الحسن المَدِينيّ، وعبد الغفّار الشيرويي، وأبا سعيد القُشيري، وعمر الرواسيّ الحافظ، وحدَّث.
مات في ثالث ذي القعدة في ذِكرٍ وخير، وله ستّون سنة.(11/891)
334 - عبد الفتّاح بْن أميرجة بْن أَبِي سعيد الصَّيْرفيّ، الهَرَويّ، أبو الفتح، [المتوفى: 546 هـ]
نزيل مَرْو. [ص:892]
شيخ صالح، بهيّ المنظر، سَمِعَ من: أَبِي إسماعيل عبد الله بْن محمد الأنصّاريّ، روى عنه ابن السمعاني، وولده عبد الرحيم.
وتوفي في غُرَّة رمضان.(11/891)
335 - عبد الملك بْن عبد الرّزّاق بْن عبد اللَّه بْن عليّ بْن إسحاق بْن العبّاس الطُّوسيّ، أبو المكارم، [المتوفى: 546 هـ]
ابن ابن أخي نظام المُلك.
كان محتشمًا، بذولًا، كريمًا، من رِجال العلم، سَمِعَ: عليّ بْن أحمد المَدِينيّ، وعبد الغفّار الشّيرويّي، تُوُفّي بطُوس في رجب. وقد كتب عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.(11/892)
336 - علي بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الباقي بْن أَبِي جرادة أبو الحسن العُقَيْليّ، الحلبيّ، المعروف بالأنطاكيّ [المتوفى: 546 هـ]
لسُكناه بحلب عند باب أنطاكية.
ذكره ابن السمعاني فقال: غزير الفضل، وافر العقل، دمِث الأخلاق، لَهُ معرفة بالأدب، والحساب، والنّجوم، وله خطّ حَسَن، رأيته بحلب، وقد قدِم بغداد سنة سبْع عشرة وخمسمائة، وكتب عَنْ جماعة، وسمع بحلب من: عبد الله بْن إسماعيل الحلبيّ، وهو أجْوَد شيخٍ لَهُ، وأبا الفُتْيان محمد بْن سلطان بْن حَيُّوس، وقرأتُ عَلَيْهِ الأجزاء في منزله، وعلّقت عَنْهُ قصائد، وخرجت من عنده يومًا فرآني بعض الصّالحين، فقال: أين كنت؟ قلت: عند أَبِي الحسن بْن أَبِي جرادة، قرأتُ عَلَيْهِ شيئًا من الحديث، فأنكر عليَّ وقال: ذاك يُقرأ عَلَيْهِ الحديث؟ قلت: هل هُوَ إلّا متشيّع يرى رأي الحلبيين، فقال: ليته اقتصر عَلَى هذا، بل يَقُولُ بالنّجوم، ويرى رأي الأوائل، قَالَ: وسمعت بعض الحلبّيين بدمشق يتّهمه بمثل هذا، وقال أبو الحسن: ولدت في سنة إحدى وستين وأربعمائة، تُوُفّي ظنًّا سنة ستٍّ وأربعين.
قَالَ: وقرأت عليه الموطّأ لابن وهب بروايته عَنْ أَبِي الفتح بْن الجلّيّ عبد الله بن إسماعيل، عن أبي الحسن ابن الطُّيُوريّ، عَن القاضي أَبِي محمد [ص:893] الصّابونيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَمِ، عَنْهُ.(11/892)
337 - عليّ بْن عبد العزيز بْن عبد الله ابن السّمّاك. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنَبيّ، ورزْق اللَّه التميمي، وجماعة.
قال ابن السمعاني: كتبت عنه، وكان شويخا، حنبليا، جلدا، متحركا، صالحا، لا بأس به، حريصا على السماع، وكان يحضر معنا مجالس الحديث، ويسمع عَلَى كِبَر السِّنّ، قَالَ لي: وُلِدتُ سنة أربعٍ وستّين وأربعمائة.
وقال ابن الْجَوْزيّ: كَانَ ثقة من أهل السُّنَّة الْجِياد، روى لنا عَنْ أَبِي الفضل بْن الطَّيِّب.
قلت: وروى عَنْهُ عبد الخالق بْن أسد، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، ويوسف بْن المبارك، وجماعة.
وتُوُفِّيَ فِي شوال.(11/893)
338 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن محمد بن الحسين ابن الفراء أبو الفرج بن أبي خازم ابن القاضي أَبِي يَعلى الحنبليّ. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ أبا عبد الله النِّعَاليّ فمَن بعده، وتُوُفّي في ثاني عشر رمضان، وصلّى عَلَيْهِ ولده القاضي أبو القاسم عُبَيْد اللَّه.
كتب عَنْهُ ابن السّمعانيّ أحاديث.(11/893)
339 - عليّ بْن مُرْشِد بْن عليّ بْن مقلَّد بْن نصر بْن مُنْقذ عزّ الدّولة، أبو الحَسَن الكِنانيّ، الشَّيْزَريّ. [المتوفى: 546 هـ]
وُلِد بشَيْزَر، وكان أكبر إخوته، في سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وكان ذكيًّا، شاعرًا، جُنْديًا، دخل بغداد، وسمع من: قاضي المَرِسْتان أَبِي بَكْر، وغيره.
وله إلى أخيه أسامة:
لقد حمل الغادون عنك تحية ... إليّ كنشر المسكِ شيب بِهِ الخمرُ
فيا ساكنًا قلبي على خَفَقَانِهِ ... وطرفي وإن رواه من أدمُعي بحرُ
لك الخير همّي مذْ نأيتَ مروح ... وصبْري غريبٌ لا يُنهنهه الزَّجْرُ [ص:894]
ولو رام قلبي سلْوةً عنك صدَّهُ ... خلائقكَ الحُسنى وأفعالُك الغرّ
كأنّ فؤادي كلّما مرّ راكبٌ ... إليك جناحٌ رام نهضًا بِهِ كسرُ
استُشهد عزّ الدّولة بعَسْقَلان في هذا العام.(11/893)
340 - علي بن هبة الله بن علي بن زهمويه أبو الحَسَن الأَزَجيّ. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنَبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، وأبا جعفر محمد بْن أحمد البخاريّ قاضي حلب.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كتبت عَنْهُ، وكان لَهُ تقدّم وثروة، وسماعه صحيح، تُوُفّي في سادس ذي القعدة.(11/894)
341 - عليّ بن يحيى بن رافع بن العافية أبو الحسن النابلسي، [المتوفى: 546 هـ]
المؤذّن بمنارة باب الفردايس.
سَمِعَ أبا الفتح نصر بْن إبراهيم المقدسيّ، وأحمد بْن عبد المنعم الكريديّ، وجماعة.
روى عنه القاسم ابن عساكر، ووالده، وقال: كَانَ ملازمًا للحضور في حلقتي، وسقط من المنارة في جُمادى الآخرة، فبقي ثلاثة أيام ومات.(11/894)
342 - عُمَر بْن عليّ بْن الحُسين بْن أحمد بْن محمد بْن أَبِي ذَرّ أبو سعد المحموديّ، الطّالْقانيّ، ثمّ البلْخيّ. [المتوفى: 546 هـ]
ولد ببلْخ سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وسمع الحافظ أبا عليّ الحَسَن بْن عليّ الوَخْشيّ، ومنصور بْن محمد البِسطامي، وغيرهما، وهو آخر من حدَّث عَنْهُمَا.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ فاضلًا، عالمًا، صالحًا، كثير التّهجُّد والعبادة، لطيف الطبع، تُوُفّي في أواخر رمضان.
قلت: وأجاز لعبد الرحيم ابن السمعاني، وروى عنه الافتخار الهاشمي، وغيره.(11/894)
343 - الفرج بن أحمد بن محمد ابن الخراساني أبو علي البغدادي، الحريمي، ويُعرف بابن الأُخُوَّة. [المتوفى: 546 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شابّ فاضل، ديِّن، لَهُ معرفة كاملة باللّغة والآداب، سمع أبا الحسين ابن الطيوري، وأبا الحسن ابن العلّاف، كتبت عَنْهُ، وتُوُفّي في رابع عشر جمادى الآخرة.(11/895)
344 - محمد بْن أحمد بْن الفضل الإمام أبو بكر المهرجاني، الإسفراييني، البيِّع. [المتوفى: 546 هـ]
فقيه، صالح، سَمِعَ: الحَسَن بْن أحمد السمرقندي، وعبد الواحد ابن القشيري، وغيرهما، وولد سنة سبعين وأربعمائة، وخرج ليحجّ فتُوُفّي بالكوفة في ذي القعدة.
قال عبد الرحيم ابن السمعاني: سمعت منه جزءًا، قال: أخبرنا الحسن السمرقندي، قال: أخبرنا منصور بن نصر الكاغدي، فذكره.(11/895)
345 - محمد بْن أحمد بْن عُمَر بْن بكران أبو الفتْح الأنباريّ، ابن الخلّال، [المتوفى: 546 هـ]
إمام جامع الأنبار.
قرأ الحديث عَلَى أَبِي الحَسَن الأنباريّ، الأقطع، وسمع من أَبِي طاهر بْن أبي الصقر، وكان مولده سنة خمس وستين وأربعمائة، روى عَنْهُ أبو القاسم عبد الله بْن محمد بْن النّفيس الأنباريّ، وغيره.(11/895)
346 - محمد بْن أحمد بْن مكّيّ بْن الغريب أبو السَّعادات المقرئ، الضّرير. [المتوفى: 546 هـ]
كَانَ طيّب الصّوت، عارفًا بالألحان، مشهورًا، سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.(11/895)
347 - محمد بْن أَحْمَد بْن إبراهيم بْن عيسى بْن هشام أبو عبد الله الخَزْرَجيّ، الأنصاريّ، الْجَيّانيّ، المعروف بالبغداديّ [المتوفى: 546 هـ]
لسُكناه بها.
أخذ عن أَبِي عليّ الغسّانيّ، وحجّ ودخل بغداد ولقي إلكِيا أبا الحسن، وأبا بَكْر الشّاشيّ، وأبا طالب الزَّيْنبيّ.
وكان فقيهًا، مشاوَرًا، فاضلًا، حدَّث عنه: أبو عبد الله النميري، وأبو [ص:896] مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الحَجْرِيّ، وأبو عبد الله بْن حُميد، وعبد الرحمن بْن الملْجوم، وغيرهم، ومولده في سنة سبعين وأربعمائة، وتُوُفّي بفاس في ذي الحجَّة، وكان قد قدِمها، وحدّث بها.(11/895)
348 - محمد بْن إدريس بْن عُبَيْد اللَّه أبو عبد الله البَلَنْسيّ، المخزوميّ. [المتوفى: 546 هـ]
لقي أبا الوليد الوقشيّ ولازمه، وصحِب أبا محمد الرّكليّ، وأبا عبد الله بن الجزار، وسمع من عبد الباقي بن بزال، وخُليص بن عبد الله.
قال الأبّار: كان متحققًا بالحديث، واللّغة، والأدب، روى عَنْهُ أحمد بْن سليمان، وعليّ بْن إدريس الزّناتيّ، وأبو محمد بْن سُفْيان.(11/896)
349 - محمد بْن أسعد بْن عليّ بْن الموفّق أبو الفتح الهَرَويّ. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: محمد بْن نصر السّاميّ، وغيره.
كتب عَنْهُ: السّمعانيّ.(11/896)
350 - محمد بْن إسماعيل بْن أميرك بْن أميرك بْن إسماعيل بْن جعفر بْن القاسم بْن جعفر بن محمد بْن زَيْدُ بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيِّ السّيّد أبو الحسن العَلَويّ، الحسينيّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 546 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ عالمًا زاهدًا، كثير الخير، سُنّيًّا، حَسَن السّيرة، سَمِعَ: شيخ الإسلام، وأبا عطاء الجوهريّ، وأبا سهل الواسطيّ، سمعتُ منه الكثير بهَراة، ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وتوفي بهراة في ذي القعدة.
قلت: أخبرنا ابن عساكر، عن أبي روح، قال: أخبرنا الإمام أبو الحسن محمد بْن إسماعيل بْن أميرك الحسيني، قال: أخبرنا أبو عامر الأزْديّ، فذكر حديثًا.(11/896)
351 - محمد بْن الحَسَن بْن أَبِي قُدامة، الأمير أبو قُدامة القُرَشيّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 546 هـ]
صدر معظَّم، سَمِعَ إسماعيل بن عبد الله الخازمي، ونجيبا الواسطيّ، أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ.
كَانَ مولده في رجب سنة سبعين.(11/897)
352 - محمد بْن زيادة اللَّه، أبو عبد الله ابن الخلّال المُرسي، [المتوفى: 546 هـ]
والد القاضي أَبِي العبّاس.
قَالَ الأبّار: سَمِعَ من أَبِي عليّ بْن سُكّرة، وكان شيخًا جليلًا خيرا معظَّمًا، تُوُفّي في ذي القعدة.(11/897)
• - مُحَمَّد بْن عَبْد الله أبو بَكْر بْن العربيّ. [المتوفى: 546 هـ]
مَرّ سنة ثلاثٍ وأربعين.(11/897)
353 - محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بن أحمد، العلامة أبو عبد الله البخاري، الواعظ المفسّر. [المتوفى: 546 هـ]
قال السمعاني: كان إمامًا متفننًا، قِيلَ: إنّه صنَّف في التّفسير كتابًا أكثر من ألف جزء، وأملى في آخر عمره عَنْ: أَبِي نصر أحمد بْن عبد الرحمن الريغذموني، ولكنّه كَانَ مجازفًا متساهلًا، مات في جمادي الآخرة، كتب إليَّ بالإجازة.(11/897)
354 - محمد بْن عبد الخالق بْن عزيز بْن أحمد، أبو النّور المُضري، الأصبهانيّ. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ حضورًا من أَبِي عَمْرو بْن مَنْدَهْ، مولده في حدود سنة سبعين، أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ.(11/897)
355 - محمد بْن محمد بْن حسين بْن صالح، العلّامة زين الأئمَّة، أبو الفضل البغداديّ، الفقيه الحنفيّ الضّرير. [المتوفى: 546 هـ][ص:898]
سَمِعَ: أبا الفضل بْن خَيْرُون، وأبا طاهر أحمد بْن الحسن الكَرْخيّ، وغيرهما، وعنه: ابنه إسماعيل، ويوسف بْن المبارك الخفّاف.
وكان من كبار الحنفيَّة، درَّس بمشهد أَبِي حنيفة نيابةً عَنْ قاضي القُضاة أَبِي القاسم الزَّيْنَبيّ، ثمّ درّس بالغياثيَّة، وكان صالحًا، ديِّنًا، تُوُفّي في ربيع الأوّل.(11/897)
356 - محمد بْن الموفّق بْن محمد، أبو الفتح الْجُرْجانيّ. [المتوفى: 546 هـ]
عدل عالم، سَمِعَ: العُمَيْريّ، ونجيب بن ميمون، وعنه: ابن السّمعانيّ.(11/898)
357 - منصور بْن حاتم، أبو القاسم الهَرَويّ. [المتوفى: 546 هـ]
رَجُل صالح، سَمِعَ: محمد بْن أَبِي مسعود الفارسيّ، وأبا عطاء الجوهريّ، كتب عَنْهُ السّمعانيّ، وقال: توفي بهراة في شعبان.(11/898)
358 - نصر اللَّه بْن منصور بْن سهل، أبو الفُتُوح الدُّوِينيّ الجَنزي، [المتوفى: 546 هـ]
ودُوين: بُليدة من آخر بلاد أَذَرْبَيْجان من جهة الرّوم.
كَانَ فقيهًا، صالحًا، مستورًا، لَقَبُه: كمال الدّين، قدِم بغداد وتفقَّه بها بالنّظاميَّة عَلَى أَبِي حامد الغزّاليّ، وسمع بنَيْسابور من: أَبِي الحَسَن المَدِينيّ، وأبي بَكْر أحمد بْن سهل السّرّاج، وعبد الواحد ابن القُشَيْريّ، وغيرهم.
وحدَّث ببلْخ، كتب عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ، وقال: مات ببلْخ في أواخر رمضان، وقد انتخبتُ عَلَيْهِ جزأين.(11/898)
359 - نوشتكين بْن عبد الله الرّضْوانيّ، [المتوفى: 546 هـ]
مولى أَبِي الفَرَج محمد بْن أحمد بْن عبد الله بْن رضوان المراتبيّ.
قَالَ السّمعانيّ: شيخ صالح متودّد، كثير الذكر، أصابته علة أقعدته في بيته، قرأت عَلَيْهِ الجزء الثّالث من انتقاء البقّال عَلَى المخلّص، وكان يكتب اسمه أنوشتكيَن بألِف، سَمِعَ: أبا القاسم ابن البُسري، وعاصم بْن الحَسَن، وغيرهما.
روى عَنْهُ: عبد الخالق بْن أسد، وأبو سعد السّمعانيّ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، [ص:899] والفتح بْن عبد السّلام، وبالإجازة أبو منصور بن عُفَيجة، وأبو القاسم محمد بن أبي لُقمة، وغير واحد، وقد سَمِعَ أيضًا من الشيخ أَبِي إسحاق الشّيرازيّ، وقع لنا الجزء الأوّل من فوائده، وتُوُفّي في سادس عشر ذي القعدة، وله اثنتان وثمانون سنة.
قرأتُ عَلَى محمد بن علي الواسطي: أخبركم محمد ابن السَّيِّدِ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمَائَةٍ، بِالْمِزَّةِ، قال: أخبرنا نوشتكين الرضواني في كتابه، قال: أخبرنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ البُندار سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وأربعمائة، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا البغوي، قال: حدثنا شُجاع بن مَخلد، قال: حدثنا هُشيم، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: نُهينا أَنْ يَبِيعَ حاضرٌ لِبَادٍ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ.
رواه مسلم، عن يحيى بن يحيى، عن هُشيم، وسقط من سماعنا لفظة: عن، بين يونس وابن سيرين.(11/898)
360 - هبة الرحمن بْن عبد الواحد بْن أَبِي القاسم عبد الكريم بْن هوزان، أبو الأسعد القُشَيريّ، النَّيْسابوري، [المتوفى: 546 هـ]
خطيب نَيْسابور، وكبير القُشَيريَّة في وقته.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: كَانَ يرجع إلى فضلٍ وتمييز، ومعرفةٍ بعلوم القوم، ظريف، حَسَن الأخلاق، متودّد، سليم الجانب، ورد بغداد حاجًّا، وسمع " جزء ابن عرفة " من ابن بيان، وسمع حضورًا من: جدّته فاطمة بِنْت الدّقّاق، وأبيه، وعمّيه: أَبِي سعد، وأبي منصور؛ وأبي صالح المؤذّن، وأبي نصر عبد الرحمن بْن عليّ التّاجر، وأبي سهل الحفْصيّ، ومحمد بن عبد العزيز الصّفّار، وأبي بَكْر محمد بْن يحيى بْن إبراهيم المزكّي، وأبي الفتح نصر بْن عليّ الحاكميّ، ويعقوب بْن أحمد الصَّيْرفيّ، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ، وطائفة سواهم.
قلت: وحدَّث بمُسند أَبِي عَوَانَة، عَنْ عبد الحميد بْن عبد الرحمن البحيري، عن أبي نُعيم الإسفراييني، عَنْهُ، وسمع " سُنَن أَبِي داود "، من نصر [ص:900] الحاكمي، وصحيح البخاريّ من أَبِي سهل الحفْصيّ.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ، وابنه أبو المظفَّر عبد الرحيم، وأبو القاسم ابن عساكر، والمؤيَّد بْن محمد الطُّوسيّ، والمؤيَّد بْن عبد الله القُشَيْريّ، والقاسم بْن عبد الله بْن عُمَر الصّفّار، وسمعا منه مُسْنَد أَبِي عَوَانَة، وأبو رَوْح المطهَّر بْن أَبِي بَكْر البَيْهقيّ، وأبو الفُتُوح محمد بْن محمد بْن محمد البكْريّ، وآخرون.
ومولده في العشرين من جُمادى الأولى سنة ستين وأربعمائة، وسمع في الخامسة من جدّه أَبِي القاسم، وأملى مجالس كثيرة، ولم يقل في شيء منها ولا في الأربعين السباعيات: أخبرنا جدّي حضورًا.
وقد سَمِعَ أيضًا من: الزّاهد عبد الوّهاب بْن عبد الرحمن السُلمي، والسّيّد أَبِي الحسن محمد بْن محمد بْن زيد العَلَويّ، وأبي سعد عبد الرحمن بْن منصور بْن رامِش، وإسماعيل بْن عبد الله الخشّاب، وشبيب بْن أحمد البَسْتِيغيّ، وروى بالإجازة عَنْ: أَبِي نصر محمد بْن محمد الزَّيْنبيّ، وغيره، وسماعه لصحيح البخاريّ في سنة خمسٍ وستّين وأربعمائة من الحفْصيّ، عَن الكُشميهني، وكان أسند من بقي بخُراسان وأعلاهم روايةً.
قَالَ أبو سعد: وكانت الرحلة إِلَيْهِ، وظهر بِهِ صَمَم، ومع ذَلكَ كَانَ يسمع إذا رفع القارئ صوتَه، وسمعت أصحابنا يقولون: إنّه ادّعى سَمَاع الرّسالة من جدّه، وما ظهر لَهُ عَنْ جدّه إلّا أجزاء من حديث السّرّاج، ومجالس من أماليه، وكتاب عيون الأجْوِبة في فنون الأَسْوِلَة، تُوُفّي في ثالث عشر شوّال، ودُفن من الغد.
أخبرنا أحمد بن هبة الله قال: أنبأنا إسماعيل بن عثمان النيسابوري، قال: حدثنا أبو سعد هبة الرحمن إملاءً، قال: أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المَخلدي، قال: حدثنا المؤمّل بن الحسن الماسرجسي، قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا بَكْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جُعل قَاضِيًا فَقَدْ ذُبح بِغَيْرِ سِكِّينٍ.
تَفَرَّدَ بِهِ بكر، وليس بحجة.(11/899)
361 - يحيى بْن أحمد بْن بدر، أبو القاسم الموصلي. [المتوفى: 546 هـ][ص:901]
سمع: ابن طلحة النعالي، والطريثيثي، وعنه: أبو محمد ابن الخشّاب.(11/900)
362 - يحيى بْن المظفَّر بْن محمد، أبو المواهب الكاتب. [المتوفى: 546 هـ]
سَمِعَ: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وأبا منصور بْن عبد العزيز العُكبري، وعنه: أبو شجاع بن المقرون.
مات فِي ربيع الآخر، وله ستٌ وثمانون سنة.(11/901)
363 - يوسف بْن عبد العزيز بْن يوسف بْن عُمَر بْن فيرُّه، الحافظ أبو الوليد ابن الدّبّاغ اللَّخْميّ الأندلسيّ الأُندي، [المتوفى: 546 هـ]
نزيل مُرسية.
قَالَ ابن بَشْكُوال: روى عَنْ أَبِي عليّ الصَّدَفيّ كثيرًا، ولازَمَه طويلًا، وأخذ عَنْ جماعة من شيوخنا، وصحبنا عند بعضهم، وكان من أنبل أصحابنا وأعرفهم بطريقة الحديث، وأسماء الرجال، وأزمانهم، وثقاتهم، وضُعفائهم، وأعمارهم، وآثارهم، ومِن أهل العناية الكاملة بتقييد العِلْم، ولقاء الشّيوخ، لقي منهم كثيرًا، وكتب عَنْهُمْ، وسمع منهم، وشوّور في الأحكام ببلده، ثمّ خطب بِهِ وقتًا، وقال لي: مولده في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
قلت: روى عَنْهُ ابن بَشْكُوال، والوزير أبو عبد الملك مروان بْن عبد العزيز التُجيبي البَلَنْسِيّ، وأحمد بْن أَبِي المطرِّف البَلَنْسِيّ، وأحمد بن سلمة اللورقي، ومحمد ابن الشّيخ أَبِي الحسن بْن هُذيل، وآخرون، وله جزء صغير في تسمية طبقات الحفّاظ، وعاش خمسًا وستّين سنة، رَأَيْت برنامجه، وفيه كُتُب كثيرة من مَرْوِيّاته.(11/901)
364 - يوسف بْن عُمَر الحربيّ، الزاهد العابد، أبو يعقوب المقرئ، [المتوفى: 546 هـ]
والد يعقوب وعبد المحسن.
زاهد ورِع، قَوّال بالحقّ، بقيَّة سَلَف، روى عَنْ: أحمد بْن عبد القادر بْن يوسف، روى عَنْهُ: أحمد بن طارق، وعمر بن أحمد المقرى، وغيرهما.
قَالَ مرَّةً: ما يَعرف المتكبَّر إلّا متكبر مثلُه.
مات في ذي الحجة.
قلت: يمكن أن يعرفه بأنه كان متكبرًا وتاب.(11/901)
-سنة سبع وأربعين وخمسمائة(11/902)
365 - أحمد بْن إسحاق بْن أحمد بْن إسحاق بْن أَبِي دلَف الفقيه، أبو دُلَف الطُّوسيّ الزراني، [المتوفى: 547 هـ]
وزران: عَلَى فرسخين من طُوس.
فقيه، إمام، عارف بالمذهب، حَسَن السّيرة، سَمِعَ: أبا منصور محمد بْن عليّ الكَرَاعيّ، ويحيى بْن عليّ الحلوانيّ، وتُوُفّي كهلًا في أواخر رجب.
روى عَنْهُ: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(11/902)
366 - أحمد بْن جعفر بْن عبد الله بْن جحاف، أبو محمد المَعَافِريّ، البَلَنْسِيّ. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ من: أبي داود المقرئ، وأبي عليّ بْن سُكَّرَة، وولي قضاء بَلَنْسِيَة، وحُمدت سيرته.
وكان من سَرَوات الرجال وعُلَمائهم.(11/902)
367 - أحمد بْن عُبَيْد اللَّه بْن الحسين، أبو محمد ابن الأغلاقيّ، الواسطيّ المقرئ الزّاهد. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ من: أَبِي المعالي بْن شاندة، وأبي البركات أحمد بْن نفيس، ونصر بْن البطِر، وأحمد بْن يوسف. وقرأ القرآن عَلَى أَبِي الخطّاب بْن الجرّاح.
وكان يُقرئ النّاسَ، ويُقصد للتّبرُّك، روى عَنْهُ: عبد الوهاب بْن سُكينة.
وقد سَأَلَ السِّلفيُّ خميسًا الحوزي، عن أبي محمد الآمدي هذا، فقال: متحقق بالسنّة، صاحب مسجد لا يُعاب بشيء.
وقال السّمعانيّ: ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وكتبت عَنْهُ بواسط.
قلت: مات في العشرين من شوّال، وشيّعه الخلْق، رحمه اللَّه.(11/902)
368 - أحمد بْن محمد بْن أحمد بن جعفر، أبو الفتح الخُلمي، [المتوفى: 547 هـ]
وخُلم بضم المعجمة: من نواحي بلْخ.
تفقّه ببُخَارَى مدَّةً، وكان صالحًا، متصوّنًا، كانت إِلَيْهِ ببلْخ التّزكية، [ص:903] وكان ينوب عَنْ قاضيها، وحجّ سنة سبْع عشرة، وسمع ببغداد من: أبي سعد ابن الطُّيُوريّ، وسمع بمكَّة، وببُخَارى، وكان مولده سنة سبعين وأربعمائة، وتوفي في صفر.(11/902)
369 - أحمد بن منير الطربلسي الشّاعر. [المتوفى: 547 هـ]
يأتي في سنة ثمانٍ، وقيل: تُوُفي سنة سبْعٍ.(11/903)
370 - إبراهيم بْن صالح، أبو إسحاق ابن السمّاد المُرَاديّ الأندلسيّ المَرِيّيّ. [المتوفى: 547 هـ]
أخذ القراءات عَنْ: أَبِي الحسن بْن شفيع، وعلي بْن محمد البُرجي، وسمع من: أبي علي بن سكرة، وحج وأخذ بالإسكندرية عَن الطُّرْطُوشيّ، والرّازيّ صاحب السُّداسيّات، روى عَنْهُ: أبو عبد الله بْن حُميد، وأبو بكر بن أبي جمرة، وتوفي بلورقة.(11/903)
371 - تَمِرْتاش بْن إيلغازي بْن أُرتُق، الأمير حسام الدين التركماني الأُرتقي، [المتوفى: 547 هـ]
صاحب ماردِين وميّافارقِين.
ولي الملك بعد والده، فكانت مدّته نيِّفًا وثلاثين سنة، وولي بعده ابنه نجم الدين ألبي، والمُلك في عقبه إلى اليوم.(11/903)
372 - جامع بْن عبد الرحمن بْن إبراهيم بْن أَبِي نصر، أبو الخير النَّيْسابوريّ الصُّوفيّ السّقّاء الرّامي. [المتوفى: 547 هـ]
كَانَ يعلّم الشُّبّان الرَّميّ، وكان صالحًا مستورًا، سَمِعَ: أبا سعيد محمد بْن عبد العزيز الصّفّار، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا بَكْر محمد بْن يحيى المزكّي، روى عَنْهُ: المؤيَّد الطوسي، وعبد الرحيم ابن السمعاني، وغيرهما.
ولد سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي سنة سبْعٍ أو ثمانٍ وأربعين.
قَالَ عبد الرحيم: سمعتُ منه كتاب الأمثال والاستشهادات للسلمي، [ص:904] عَن الصّفّار، عَن السُّلَميّ، وكتاب طبقات الصُّوفيَّة، عَن السُّلَميّ المصنِّف، وكتاب " مِحَن مشايخ الصُّوفيَّة "، عَنْ محمد بْن يحيى المزكّي، عَنْ مصنّفه السُّلَميّ.(11/903)
373 - الْجُنَيْدُ بْن محمد، أبو القاسم القايِنيّ، [المتوفى: 547 هـ]
نزيل هَراة.
تُوُفّي في شوّال في هذه السنة، وقيل: سنة ست.
وكان إمامًا ورِعًا متعبّدًا، وكان شيخ الصُّوفيَّة في رباط فيروزاباد بظاهر هَراة أربعين سنة، سَمِعَ بطَبَس أبا جعفر محمد بْن أحمد الحافظ، وبأصبهان: أبا بَكْر بْن ماجة الأبْهَريّ، وسليمان الحافظ، وبمَرْو: أبا المظفَّر السّمعانيّ، وأبا منصور بْن شكروَيْه، وبهَرَاة: محمد بْن عليّ العُمَيْريّ، ونجيب بْن ميمون.
قَالَ أبو سعد السمعاني: سمعت منه جماعة كتب، ولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتُوُفّي في رابع عشر شوّال.
وقد أورده ابن النّجّار في تاريخه، فقال: كَانَ فقيهًا فاضلًا محدّثًا صدوقًا، موصوفًا بالزُّهد والعبادة، تفقّه عَلَى أَبِي المظفّر السَّمعانيّ، وسمع [ص:905] الكثير، وحصَّل الأصول، وحدَّث بجميع ما سَمِعَ، سَمِعَ بقاين: الحسن بْن إسحاق التُّونيّ، وبطَبَس: الحافظ أبا جعفر محمد بْن أحمد بْن أَبِي جعفر، وبنَيْسابور وهراة وأصبهان، روى عَنْهُ: ابن ناصر، وابن عساكر، وغيرهما.(11/904)
374 - الحسين بْن أَبِي القاسم بْن أَبِي سعد، أبو الفتح النَّيْسابوريّ، القَمَّاصِيُّ، [المتوفى: 547 هـ]
نسبة إلى بيع القُمُص.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ صالح خيِّر، سَمِعَ: أبا الحسن أحمد بْن محمد الشُّجاعيّ، وعبد الواحد ابن القُشَيْريّ، وببغداد أبا القاسم بْن بيان.
روى عنه أبو سعد ابن السّمعانيّ، وسأله عَنْ نسْبته، فقال: كَانَ جدّي يبيع القمصان، ومولدي في سنة خمسٍ وسبعين، وقال: تُوُفّي إن شاء اللَّه بنَيْسابور في سنة سبع وأربعين.(11/905)
375 - رزق الله ابن الإمام أَبِي الحسن محمد بْن عبد الملك بْن محمد الكَرَجيّ، أبو مَعْشَر. [المتوفى: 547 هـ]
ورد بغداد مع والده، وسمع: أبا الحسن ابن العلّاف، وابن بيان، وبنَيْسابور: عبد الغفّار بْن محمد الشِّيرويّيّ.
مات بهَرَاة في ربيع الآخر.(11/905)
376 - سعد بْن المعتزّ بْن الفضل بْن محمد، الرئيس أبو الوفاء الإسفراييني. [المتوفى: 547 هـ]
من رؤساء بلده، سَمِعَ محمد بْن الحسين بْن طلْحة المِهْرَجانيّ، روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وكان مولده في سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة.(11/905)
377 - سعيدة بِنْت زاهر بْن طاهر بْن محمد، أمّ خَلَف الشّحّاميَّة. [المتوفى: 547 هـ]
صالحة عالمة، تفرَّدت بأشياء، وسمّعها أبوها، وهي إن شاء اللَّه أكبر أولاد زاهر، سَمِعْتُ من جدّها، ومن عبد الرحمن بْن رامش، وعثمان بْن محمد المَحْمِيّ، وأبي بَكْر بْن خَلَف، ووُلِدت سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة.
قال ابن السمعاني: قيل: إنها لما مرضت كانت تقرأ سورة الكهف، فلما بلغت إلى قوله: " كانت لهم جنات الفردوس نُزُلًا " ماتت، وذلك في سابع رمضان. [ص:906]
قلت: روى عنها عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وأبوه.(11/905)
378 - سُفيانُ بْن إبراهيم بْن أَبِي عمرو عبد الوهاب ابن الحافظ أَبِي عبد الله بْن مَنْدَهْ، أبو محمد العبدي الأصبهانيّ. [المتوفى: 547 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، كثير الصّلاة، سَمِعَ: أبا عبد الله الثّقفيّ، وأحمد بْن عبد الرحمن الذَّكْوانيّ، وجماعة، وببغداد أبا الخطّاب بْن البَطِر، وقال: قرأت عَلَيْهِ ثلاثة عشر جزءًا من فوائد ابن مردَوَيْه. وتُوُفّي في ربيع الأوّل بأصبهان.(11/906)
379 - سهل بْن عبد الرحمن بْن أحمد بْن سهل بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْن حمدان، أبو القاسم السرّاج الزّاهد النَّيْسابوريّ، [المتوفى: 547 هـ]
نزيل طُوس.
تفقّه عَلَى أَبِي نصر ابن القُشَيْريّ، وبرع في الفقه والكلام واللّغة، ثمّ اشتغل بالعبادة ولزِم العُزْلة، سَمِعَ أبا الحسن عليّ بْن أحمد المؤذّن، ونصر اللَّه الخُشنامي، وأبا عليّ بْن نبهان، وابن بيان. قَالَ ابن السمعاني: كتبت عنه، واغترفت من بحره، ومات وقد قارب الستين.
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: ورد علينا مَرْو، فسمعتُ منه مُسند الشّافعيّ، بروايته عَن الخُشنامي، عَن الحِيريّ، وتوفي بالري في أول ذي القعدة.(11/906)
380 - عاصم بْن خَلَف بْن محمد بْن عتّاب، أبو محمد التُجيبي، البَلَنْسِيّ. [المتوفى: 547 هـ]
روى عَنْ: صهره أَبِي الحسن بْن واجب، وتفقّه بأبي محمد عبد الله بْن سعيد الوجديّ، وأخذ عَنْ أَبِي محمد البَطَلْيُوسيّ.
قَالَ الأَبّار: وكان لسِنًا فصيحًا جَزْلًا مَهِيبًا، صَادعًا بالحقّ، مُقلًا صابرًا، غلب عَلَيْهِ عِلم الرّأي، ودرس المدوّنة دهره، وتُوُفّي في سجن بَلَنْسِيَة، وقد بلغ السّبعين.(11/906)
381 - عبد الله بْن أَبِي مطيع أحمد بْن محمد بْن مظفَّر، أبو بَكْر الهَرَويّ، ثمّ المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 547 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ شيخًا مُسِنًّا جلْدًا، من أولاد العلماء، سَمِعَ البخاريّ من أَبِي الخير محمد بْن موسى الصّفّار، وسمع من نظام المُلك أَبِي عليّ.
ووُلِد في جُمادى الأولى سنة ست وستين وأربعمائة، وتُوُفّي في نصف صفر.
روى عَنْهُ: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وأبوه.(11/907)
382 - عبد الرحمن بْن الحَسَن بْن أحمد بْن سهل بْن أحمد بْن سهل بْن أحمد بْن عَبْدُوس، أبو القاسم الْجُرْجانيّ الشعري الصوفي ثمّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 547 هـ]
قَالَ أبو سعد: كَانَ صالحًا، مُكثرًا من الحديث، حريصًا عَلَى طلبه، يختص الشحامية ويصلي عندهم، ولد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وكتب بخطّه عَنْ جماعةٍ من أصحاب الحِيريّ مَعَ والدي، سَمِعَ: أبا الحسن المَدِينيّ، وأبا سعيد القُشَيْريّ، والفضل بْن عبد الواحد التّاجر، وحج سنة إحدى وخمسمائة، فسمع أبا سعد بْن خُشيش، وغيره، وسمع بشِيراز أبا شجاع محمد بْن سَعْدان، وجماعة، وأخرج جزءًا، وقال: سَمعْتُهُ من أَبِي نصر الزَّيْنَبيّ، فقلت: لا تَقُلْ هذا، فإنّك ما لحِقْتَه، ولعلّك سَمعْتُهُ من أَبِي طالب الحسين أخيه، وقلت لَهُ: ترجع عَنْ هذا القول؟ فكان متوقّفًا في الرجوع، والظّاهر أنّه ما تعمّد الكذِب في هذا القول، وكان قد انتقل إلى مسجدٍ وخلا بنفسه، ولا يدخل البلد إلّا في بعض الأوقات.
قلت: روى عنه أبو المظفر السمعاني، وهو والد عبد الرحيم، وزينب الشعريين.
تُوُفّي سنة سبْعٍ أو ثمانٍ وأربعين، قاله أبو سعد.(11/907)
383 - عبد الرّزّاق بْن عليّ بْن الحسين بْن عبد الرّزّاق، أبو بَكْر الكَرماني، ثمّ الهَمَذَانيّ. [المتوفى: 547 هـ]
إمام فقيه فاضل، عارفِ بالفقه واللّغة، سَمِعَ: أبا القاسم بْن بَيَان، وأبا عليّ بْن نبهان الكاتب.
وولد بكرمان سنة ثمانين وأربعمائة، وتوفي في جُمادَى الآخرة.(11/908)
384 - عبد المعزّ بْن عطاء بْن عُبَيْد اللَّه المعدّل، أبو المظفَّر الهَرَويّ، الشُّرُوطيّ. [المتوفى: 547 هـ]
كَانَ يُضرب بِهِ المَثَل في حُسن كتابة السِّجِلّات والوثائق، سَمِعَ: أبا سهل نجيبًا الواسطي، وأبا عطاء ابن المليحيّ.
تُوُفّي في خامس رجب.(11/908)
385 - عبد المولى بْن محمد بْن أَبِي عبد الله الفقيه، أبو محمد المهّدَويّ اللّبْنِيّ، بالسُّكُون، [المتوفى: 547 هـ]
ولبْنة: من قرى المهدية.
قال شيخنا أبو حامد ابن الصّابونيّ، فيما أجاز لنا: سَمِعَ من جماعة ببغداد ومكَّة والشّام ومصر، وحدَّث عَن الفقيه نصر بْن إبراهيم المقدسيّ بمصر، وبها تُوُفّي في سنة سبْعٍ وأربعين.
سَمِعَ منه: ابنه الفقيه محمد، والشّيخ عليّ بْن إبراهيم ابن بِنْت أَبِي سعد، وتُوُفّي ابنه سنة أربعٍ وتسعين.(11/908)
386 - عليّ بْن نجا بْن أسد، [المتوفى: 547 هـ]
مؤذّن مئذنة العروس بدمشق.
سَمِعَ سهل بْن بِشْر الإسفراييني، روى عنه أبو القاسم ابن عساكر، وقال: تُوُفّي في صَفَر، ورأيته يبوّل غير مرَّة عند الحوض، مكشوف العَوْرة.(11/908)
387 - عِمران بْن عليّ، أبو موسى الفاسي، المغربيّ الضّرير الفقيه المالكيّ المقرئ. [المتوفى: 547 هـ][ص:909]
جال في الآفاق، ودخل مصر والشام واليمن وفارس وخُراسان ووراء النّهر.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: كتبتُ عَنْهُ، وسمع بقراءتي، وكان قد حُبّب إِلَيْهِ التَّطْواف في الأقاليم، ومات ببْلخ.(11/908)
388 - غالب بْن أحمد بْن المسلم، أبو نصر الأَدَميّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ: أبا الفضل بْن الفرات، وأبا الحسن بْن زهير، وعنه: ابن عساكر، وابنه القاسم.(11/909)
389 - لوط بْن عليّ الأصبهانيّ، أبو مطيع الخبّاز. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ أبا مطيع المصريّ، وغيره، أخذ عَنْهُ السمعاني. لعله توفي في هذا العام.(11/909)
390 - محمد بن إسماعيل ابن الحافظ أبي صالح أحمد بن عبد الملك النَّيْسابوريّ المؤذّن، الإمام أبو عبد الله. [المتوفى: 547 هـ]
إمام كبير فاضل مُنَاظِر فقيه، سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وعليّ بْن أحمد المَدِينيّ، ومولده في سنة ثمانين وأربعمائة، وقد انتقل بِهِ أَبُوهُ إلى كَرْمان فسكنها.
قال أبو الفرج ابن الجوزي: قدم إلى بغداد رسولًا من صاحب كَرْمان في سنة ستٍّ وثلاثين، وقدِم رسولًا إلى السّلطان في سنة أربعٍ وأربعين، وتُوُفّي في ذي القعدة سنة سبْعٍ بكَرْمان.
وقد سَمِعَ منه ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم بنَيْسابور لمّا قدِمَها بعد الأربعين.
قَالَ ابن النّجّار: روى عَنْهُ عبد الواحد بْن سلطان.(11/909)
391 - محمد بْن جعفر بْن خيرة، أبو عامر، مولى ابن الأفْطَس، البَلَنْسِيّ. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ: أبا الوليد الوقْشيّ، ولازَمَه، وقد تُكلِّم في روايته عَنْهُ لصغره. [ص:910]
وسمع من: أَبِي داود، وطاهر بْن مفوَّز، وولي خَطابة بَلَنْسِية مدَّةً، وطال عُمره، وجمع كُتُبًا كثيرة.
حدَّث عَنْهُ: أبو القاسم بْن بَشْكُوال، وأبو عبد الله بْن حُميد، وأبو بَكْر بْن أَبِي جمرة، وعبد المنعم بْن الفرس.
وتوفي في ذي القعدة، وقد قارب المائة.(11/909)
392 - محمد بْن الحسن بْن محمد بْن سعيد، الأستاذ المقرئ، أبو عبد الله الدّاني، المعروف بابن غلام الفَرَس، وبابن الفَرَس، [المتوفى: 547 هـ]
وهو لَقَبُ رجلٍ من تُجّار دانية كان سعيد فتاه.
أخذ أبو عبد الله القراءات عَنْ: أَبِي داود، وأبي الحَسَن بْن الدّوش، وأبي الحسين يحيى بْن أَبِي زيد بْن البياز، وأبي الحسن بْن شفيع، وسمع من: أَبِي عليّ بْن سُكَّرَة، وأبي محمد بْن أَبِي جعفر، وحجَّ سنة سبْعٍ وعشرين، فسمع من: أَبِي طاهر السلفي، وأبي شجاع البسطامي.
ذكره الأبّار وقال: تصدّر بعد الثلاثين وخمسمائة للإقراء والرواية وتعليم العربيَّة، وكان صاحب ضبْطٍ وإتقان، مشاركا في علوم جمة يتحقق منها بعلم القرآن والأدب، وكان حسن الضبط والخط، أنيق الوراقة، رحل الناس إليه للسماع منه والقراءة عليه، وولي خطابة دانية، وكان مولده في سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، روى عنه أبو العباس الأقليشي، وخلف بن بشكوال، وعليم بْن عبد العزيز، وأبو عبد الله بْن سعادة، وأصابه خدر قبل موته بسنة، وتوفي بدانية في ثالث عشر المحرم، رحمه الله.
قلت: قرأ عَلَيْهِ جماعة، منهم محمد بْن عليّ بْن أَبِي العاص النفزيّ شيخ الشّاطبيّ، وأبو جعفر أحمد بْن عليّ الحصّار شيخ عَلَم الدّين القاسم اللورقي، وعبد الله بن يحيى ابن صاحب الصّلاة، ويوسف بْن سليمان البَلَنْسيّ، وأبو الحجاج يوسف بن عبد الله الداني.(11/910)
393 - محمد بن خلف بن صاعد، أبو الحسين الغساني اللبلي الشلبي. [المتوفى: 547 هـ][ص:911]
أخذ القراءات عَنْ: إسماعيل بْن غالب، وأبي القاسم ابن النخّاس، وسمع منه، ومن ابن شبرين، وارتحل فأخذ بقرطبة عن أبي محمد بن عتاب، وأبي الوليد بن رشد، وحج فأخذ عن رزين بن معاوية، وعُني بالفقه، وشوّوِر في الأحكام، وولي قضاء شِلب، وتُوُفّي في جُمادى الْآخرة.(11/910)
394 - محمد بْن عليّ بن المبارك، أبو الفضل الواسطيّ، ثمّ البغداديّ الحمّاميّ الصّائغ. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ: رزق الله التميمي، وأبا طاهر ابن الباقلاني، كتب عنه ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في جُمَادَى الْآخرة.(11/911)
395 - محمد بْن عليّ بْن الحسن بْن سلْم بْن العباس بن الخصيب، أبو منصور التّميمّي الأَزَجيّ. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ: رزق اللَّه التّميميّ، وابن طلحة النِّعاليّ، وغيرهما، وعنه: أبو سعد السّمعانيّ، وأحمد بْن الحسن العاقوليّ، وهو ابن عمّ الخصيب ابن المؤمَّل. تُوُفّي في رجب، وله اثنتان وثمانون سنة.(11/911)
396 - محمد بْن عُمَر بْن يوسف بْن محمد، القاضي أبو الفضل الأُرْمَويّ الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 547 هـ]
من أهل أُرمية.
وُلِد سنة تسع وخمسين وأربعمائة ببغداد، وسمّعوه من: أَبِي جعفر ابن المسلمة، وأبي الحسين ابن المهتدي بالله، وعبد الصمد ابن المأمون، وأبي بَكْر محمد بْن عليّ الخيّاط، وجابر بن ياسين، وتفرد بالرواية عنهم بالسّماع.
وسمع أيضًا من: أَبِي الحسين بْن النَّقُّور، وأبي نصر الزَّيَنْبيّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: هُوَ فقيه إمام متديّن ثقة صالح، حَسَن الكلام في المسائل، كثير التّلاوة للقرآن، تفقَّه عَلَى الشّيخ أَبِي إسحاق الشّيرازيّ.
وقال ابن الجوزيّ: سَمِعْتُ منه بقراءة شيخنا ابن ناصر، وقرأت عَلَيْهِ كثيرًا من حديثه، وكان فقيهًا، تفقه عَلَى أَبِي إسحاق، وكان ثقة ديّنًا كثير التلاوة، وكان شاهدًا فعُزل، وتُوُفّي في رجب. [ص:912]
قلت: في رابعه، وقد حدَّث عَنْهُ: السِّلفي، وابن عساكر، وابن السّمعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد، وعمر بْن طَبَرْزَد، وإبراهيم بْن هبة اللَّه بْن البُتيت، والقاضي أبو المعالي أسعد بن المُنجّي، ومحمد بن علي ابن الطُرّاح، والمبارك بْن صَدَقَة الحاسب، ويونس بْن يحيى الهاشميّ، والشّيخ عُمَر بْن مسعود البّزاز، وعليّ بْن يحيى الحماميّ ابن أخت ابن الْجَوْزيّ، وزاهر بْن رستم، وعبد اللّطيف بْن أبي النجيب السهروردي، وعثمان بن إبراهيم بن فارس السِّيبيّ، وأخوه إسماعيل، وشجاع بْن سالم البيطار، وأبو اليُمن زيد بْن الحسين الكِنْديّ، وداود بْن مُلاعب، وأخته حفْصَة، وسِبط الأُرْمَوِيّ يوسف بْن محمد بْن محمد بْن عُمَر، وموسى بن سعيد ابن الصيقل الهاشميّ، وإسماعيل بْن سعد اللَّه بْن حمدي، وعبد الرحمن بن عبد الغني ابن الغسّال الحنبليّ، والمظفَّر بْن غَيْلان الدّقّاق، وسعيد بن محمد الرزّاز، وبزغش عتيق ابن حمدي، وأبو الفتح أحمد بْن عليّ الغَزْنويّ الحَنَفيّ، ويحيى بْن محمد بْن عبد الجبّار الصوفي، ومسمار بْن العُوَيس النَّيَّار، وعبد الرحمن بْن المبارك بْن المشتري، وأحمد بْن يوسف بْن صرما، وآخر من روى عَنْهُ بالسّماع الفتْح بْن عبد السّلام، وكان أسند من بقي ببغداد، ولي في شبيبته قضاء دير العاقول مدَّة.(11/911)
397 - محمد بْن محمد بْن محمد، أبو بَكْر الخُلمي الحنفيّ، المعروف بدِهقان خُلم. [المتوفى: 547 هـ]
إمامٌ كبير من أهل بلخ، انتهت إليه رياسة أصحاب أَبِي حنيفة ببلْخ، وكان إمام الجامع ببلْخ، وكان مولده في سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
قال ابن السمعاني: كان إماما فاضلا، مفتيا، مُناظِرًا، حَسَن الأخلاق، حجّ سنة ستٍّ وعشرين، وسمع ببلخ من جماعة، وحضرتُ بمجلس إملائه ببلْخ، ومات في ثاني شعبان، ودُفن بداره.(11/912)
398 - محمد بْن المحسّن بْن أحمد، أبو عبد الله السُلمي، الدّمشقيّ، الأديب، المعروف بابن المَلَحيّ، [المتوفى: 547 هـ][ص:913]
ومَلَح: قرية بحَوْران، ويقال: ابن الملحي، بالتّخفيف.
كَانَ أَبُوهُ قد غلب عَلَى حلب ووليها مدَّة، وكان معه بها، ثمّ سكن دمشق، ولقي جماعةً من الأدباء، وسمع عدَّة دواوين، وكان شرّيبًا للخمر، قاله الحافظ ابن عساكر، وقد سَمِعَ من: جعفر السّرّاج وغيره، وتُوُفّي في شعبان، وكتب لي بخطّه جزأين، يعني شِعرًا وفوائد.(11/912)
399 - محمد بْن منصور بْن إبراهيم، أبو بَكْر القصْري. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ من: ثابت بْن بُندار، وأبي طاهر بْن سِوَار، وقرأ القراءات، وكان حافظًا مجوِّدًا متقنًا، وكان يُطالع تفسير النّقاش ويورد منه، قاله ابن الْجَوْزيّ، وقال: كانت لَهُ شَيْبة طويلة تعبُر سُرّتَه، تُوُفّي في سابع شعبان.
وقال ابن النجار: قرأ بالروّايات عَلَى ابن سِوَار، وثابت بْن بُندار، وكان عالمًا بالقراءات، لَهُ حلقة بجامع المنصور يفسّر فيها كلّ جمعة، قرأ عَلَيْهِ جماعة، وروى عَنْهُ: عبد الرحمن بْن عبد السّيّد.
وقال أبو محمد ابن الخشّاب: من سمع بالسلف، ورأى الشّيخ أبا بَكْر القصْريّ، فكأنّه قد رآهم.
عاش سبعين سنة، رحمه اللَّه تعالى.(11/913)
400 - محمد بْن منصور بْن عبد الرحيم، أبو نصر ابن الحُرضي، النَّيْسابوريّ، الأُشْنانيّ. [المتوفى: 547 هـ]
شيخ صالح، من أبناء المياسير والنعم، قعد به الزّمان وافتقر، وكان مولده في ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وسمع: أبا القاسم القُشيري، ويعقوب بْن أحمد الصيرفي، وأحمد بن محمد بن الحسين البسّاميّ الأديب، والفضل بْن المحِبّ، وعثمان المَحْميّ، وأبا بَكْر محمد بْن يحيى المزكّيّ.
قَالَ عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه بنَيْسابور أربعة مجالس لأبي [ص:914] القاسم القُشَيْريّ، وثلاثة مجالس المَخْلَديّ، وكتاب التّاريخ للصّوفيَّة، جمْع السُّلَميّ، رواه لنا عَنْ محمد بْن المزكيّ، عَنْهُ، وتُوُفّي في خامس شعبان.
أخبرنا أحمد ابن عساكر، عَنْ عبد الرحيم بْن أَبِي سعد، قال: أخبرنا محمد بن منصور الحُرضي، قال: حدثنا أبو القاسم القشيري إملاءً، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه الشيرازي، قال: سَمِعْتُ أبا الطَّيْب بْن الفرِّخان قَالَ: قَالَ الْجُنَيْد: يَقْبُح بالفقير أن تكون عَلَيْهِ خِلقان وسرُّه متشرف للعالم.
قلت: وروى عَنْهُ: زينب الشّعريَّة.(11/913)
401 - محمد بن هبة اللَّه بن محمد بن علي بن المطَّلب، أبو عبد الله ابن الوزير أَبِي المعالي، الكَرمَانيّ. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ: ابن طلْحة النِّعَالِيِّ، وثابت بن بُندار، وأبا عبد الله ابن البُسري، وجماعة، وحدَّث.
قَالَ ابن السّمعانيّ: قرأتُ عَلَيْهِ أحاديث، وكان متشيّعًا، تُوُفّي في المحرَّم ببغداد.
وروى عَنْهُ أبو أحمد بْن سُكينة.(11/914)
402 - محمد بْن يحيى بْن خليفة بْن ينق، أبو عامر الشّاطبيّ. [المتوفى: 547 هـ]
قَالَ الأَبّار: قرأ عَلَى محمد بن فرج المِكناسي.
وسمع من: أَبِي عليّ بْن سُكَّرَة، وأخذ بقُرْطُبة عَنْ أَبِي الحسن بْن سِراج، ومَهَرَ في الأدب، والعربيَّة، وبلغ الغاية من البلاغة، والكتابة، والشّعر، ولقي أبا العلاء بْن زهر، فأخذ عَنْهُ عِلْم الطّبّ ولازَمَه وساعده الجدّ، وبعُد صِيتُه في ذَلكَ، مَعَ المشاركة في عدَّة علوم، وكان رئيسًا، معظَّمًا، جميل الرواء، وله تَصْنيف كبير في الحماسة، وتصنيف آخر في ذكر ملوك الأندلس، والأعيان والشّعراء.
روى عَنْهُ: أبو عبد الله المِكناسي، وعاش بضْعًا وستّين سنة، وتُوُفّي في آخر العام.(11/914)
403 - محمد بْن يحيى بْن محمد بْن أَبِي إسحاق بْن عَمْرو بْن العاص، أبو عبد الله الأنصاريّ، الأندلسيّ، اللُّرّيّ، [المتوفى: 547 هـ]
ولُرّيّة من عمل بلنسية. [ص:915]
أخذ عن مشيخة بلده، ثمّ نزح عَنْهُ في الفتنة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وسكن جَيَّان سبعة أعوام، وأخذ القراءات عَنْ: أبي بكر ابن الصّبّاغ، وكان قصد أبا داود سنة ستٍّ وتسعين، فلقيه مريضًا مرض الموت، وسمع من: أبي محمد البطليوسي، وأقرأ الناس، وكان ذا بصرٍ بالتجويد.
ترجمه الأبّار، وقال: روى عَنْهُ شيخنا أبو عبد الله بْن نوح الغافِقيّ، وأبو عبد الله بْن الحسين الأندي، وتوفي في شوّال، وقد قارب الثّمانين.(11/914)
404 - محمد بْن يونس بْن محمد بْن مغيث، أبو الوليد القرطبي. [المتوفى: 547 هـ]
من بيت العلم والجلالة، سمع ببلده من: أَبِي عليّ الغسّانيّ، ومحمد بْن فَرَج، وأبي الحسن العَبْسيّ، وخازم بْن محمد، وأكثر عَنْ والده، وكان صالحًا، خيِّرًا، كثير الذِّكر، والصلاة، طويلها، وكان إمام جامع قُرْطُبَة، وقد شوِّور في الأحكام.
مات في شعبان، وولد في أول سنة ثمانين، وسمع وله خمس عشرة سنة.(11/915)
405 - محمد بْن أَبِي أحمد بْن محمد، أبو الفتح الحضِيريّ. [المتوفى: 547 هـ]
صالح، كثير التّلاوة، ضرير.
سَمِعَ: أبا الخير بْن أَبِي عِمران الصّفّار، أخذ عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، ومات في ذي القعدة عَنْ بضعٍ وثمانين سنة بقرْيته.(11/915)
406 - المبارك بن هبة الله بن سلمان، أبو المعالي ابن الصّبّاغ، البغداديّ، الواعظ، المعروف بابن سُكرة، المحدِّث. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ الكثير، وأفاد، وأخذ عَنْ: أَبِي سعد ابن الطُّيُوريّ، وأبي طالب عبد القادر بْن يوسف، وطبقتهما، وتُوُفّي في ربيع الآخر عَنْ: سبعٍ وخمسين سنة.(11/915)
407 - مديني بن علي بن أحمد بن علي أبو بَكْر التّميميّ، الخُراساني، [المتوفى: 547 هـ]
المقرئ بالألحان بأصبهان بين يدي الوعّاظ.
كَانَ صالحًا، مستورًا، سَمِعَ: أبا مطيع المضري، وأبا العبّاس بْن أشْته.
كتب عَنْهُ: أبو سعد السمعاني، وقال: تُوُفّي في ذي الحجَّة، كتبَ إليَّ بذلك معمّر بْن الفاخر.(11/916)
408 - مسعود بْن محمد بْن ملكشاه السّلطان غياث الدّين، أبو الفتح، السَّلْجُوقيّ. [المتوفى: 547 هـ]
سلّمه والده السّلطان محمد في سنة خمسٍ وخمسمائة إلى الأمير مودود صاحب المَوْصل ليربّيه، فلمّا قُتل مودود وولي الموصل الأمير آقسُنْقُر البُرسقي، سلّمه والده إِلَيْهِ أيضًا، ثمّ سلّمه من بعده إلى خُوشْ بَك صاحب الموصل أيضًا، فلمّا تُوُفّي والده وتملَّك بعده ولده السّلطان محمود، حسّن خُوش بَك للسّلطان مسعود الخروجَ عَلَى أخيه، وطمّعه في السّلْطَنَة، فجمع مسعود العساكر، وقصد أخاه، فالتقيا بقرب هَمَذَان في سنة أربع عشرة، أو في أواخر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، فكان الظَّفَر لمحمود، ثمّ تنقلت الأحوال بمسعود، وآل بِهِ الأمر إلى السّلطنة، واستقلّ بها في سنة ثمانٍ وعشرين، ودخل بغداد، واستوزر الوزير شرف الدّين أنوشروان بْن خَالِد وزير المسترشد بالله، قَالَ ذَلكَ ابن خلِّكان، وقال: كَانَ سلطانًا، عادلًا، ليِّن الجانب، كبير النَّفْس، فرَّق مملكته عَلَى أصحابه، ولم يكن لَهُ من السّلطنة غير الاسم، ومع هذا فما ناوأه إلّا وظَفَر بِهِ، وقتل خلقًا من كبار الأمراء، ومن جملة من قتل الخليفتان المسترشد والرّاشد، لأنّه وقع بينه وبين المسترشد وحشة قبل استقلاله بالمُلك، فلمّا استقلّ استطال نوّابه عَلَى العراق، وعارضوا الخليفة في أملاكه، فتجهَّز وخرج لمحاربته، وكان السّلطان مسعود بهَمَذَان، فجمع جيشًا عظيمًا، وخرج للقائه، فتصافّا بقرب هَمَذَان، فكُسر جيش الخليفة وانهزموا، وأسِر الخليفة في طائفةٍ من كبار أمرائه، وأخذه مسعود أسيرًا، وطاف بِهِ معه في بلاد أَذَرْبَيْجان، فقتل على باب مراغة كما ذكرنا، ثمّ أقبل مسعود عَلَى اللَّهْو [ص:917] واللّذّات، إلى أن حَدَثَ لَهُ علَّة القَيْء والغَثَيَان، واستمرّ بِهِ ذَلكَ إلى أن مات في جُمادى الآخرة، ثمّ حُمل إلى أصبهان ودُفن بها، وعاش خمسًا وأربعين سنة.
قَالَ ابن الأثير: كَانَ كثير المزاح، حَسَن الأخلاق، كريمًا، عفيفًا عَنْ أموال الرعيَّة، من أحسن السّلاطين سيرة، وأَلْيَنهم عريكة.
قلت: وجرت بينه وبين عمّه سَنْجَر منازعة، ثمّ تهادنا، وخُطب لَهُ بعد عمّه ببغداد قبل سنة ثلاثين.
وقد أبطل في آخر أيّامه مُكوسًا كثيرة، ونشر العدْل.
وقد استقل بدَست السلطنة في أيّام المقتفي، واتّسع ملكُه، ودانت لَهُ الأُمم، وكان فيه خيرٌ في الجملة ومَيْل إلى العلماء والصُّلَحاء، وتواضع لهم.
قَالَ ابن النجار: أخبرنا محمد بن سعيد الحافظ إملاء، قال: أخبرنا علي بن محمد النيسابوري، قال: أخبرنا السلطان مسعود، قال: أخبرنا أبو بَكْر الأنصاريّ، فذكر حديثًا من جزء الأنصاريّ.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: كَانَ بطلًا، شجاعًا، ذا رأيٍ وشهامة، تليق بِهِ السّلْطَنة، سمّعه علي بن الحسين الغَزْنويّ الواعظ من القاضي أَبِي بَكْر، سَمِعَ منه جماعة، توفي في جُمادى الآخرة.(11/916)
409 - المُظَفَّرُ بْن أردشير بْن أَبِي منصور، أبو منصور العبّاديّ، المَرْوَزِيّ، الواعظ، المعروف بالأمير. [المتوفى: 547 هـ]
كَانَ من أحسن النّاس كلامًا في الوعظ، وأرشقهم عبارة، وأحلاهم إشارة، بارِعًا في ذَلكَ مَعَ قلَّة الدّين، سَمِعَ من: نصر اللَّه بْن أحمد الخُشنامي، وعبد الغفّار الشِّيرُوِيّي، والعبّاس بْن أحمد الشّقّانّي، ومحمد بْن محمود الرشيديّ، وجماعة.
ووعظ ببغداد في سنة نيّف وعشرين وخمسمائة، ثمّ قدِمها رسولًا من جهة السّلطان سَنْجَر سنة إحدى وأربعين، فأقام بها نحوًا من ثلاث سِنين يعقد مجلس الوعظ بجامع القصر وبدار السّلطان، وظهر لَهُ الْقَبُولُ التّامّ من المقتفي لأمر اللَّه ومن الخواصّ، وأملى بجامع القصر. [ص:918]
روى عَنْهُ: عبد العزيز بْن الأخضر، وحمزة ابن القُبِّيطيّ، وأبو جعفر بْن المُكّرَّم، وغيرهم، وكان يُضرب بِهِ المَثَل في الوعظ.
وروى عَنْهُ: أبو سعد ابن السّمعانيّ، وقال: لم يكن موثوقًا في دينه، طالعتُ رسالة بخطّه جَمَعَهَا في إباحة شُرْب الخمر، وكان يلقّب قطب الدين، وقال أبو الفرج ابن الجوزي: كان يوما يعظ، فوقع مطر، فلجأ الجماعة إلى ظلّ العقود والجُدر، فقال: لا تفرّوا من رشاش ماء رحمة قطرٌ عَنْ سحابٍ رحمه، ولكن فرّوا من شرار نار اقتدح من زناد الغضب، ثمّ قَالَ: ما لكم لا تعجبون، ما لكم لا تطربون؟ فقال قائل: " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جامدة وهي تمر مرّ السحاب "، فقال: التّمالك عَن المرح عند تملُّك الفَرَح قدْح في القرح.
قَالَ ابن الجوزي: وكان مثل هذا الكلام المستحسّن يندر في كلامه، وإنّما كَانَ الغالب عَلَى كلامه ما لَيْسَ تحته كبير مَعْنَى، وكُتب ما قاله في مدَّة جلوسه، فكان مجلّدات كثيرة، ترى المجلّد من أوّله إلى آخره، لَيْسَ فيه خمس كلمات كما ينبغي، وسائرها لا معنى لَهُ، وكان يترسّل بين السّلطان والخليفة، فتقدَّم إِلَيْهِ أن يُصلح بين ملكشاه بْن محمود وبين بدر الجوهري، فمضى وأصلح بينهما، وحصل لَهُ منهما مال كثير، فأدركه أجَلُه في تِلْكَ البلدة، فمات في سلْخ ربيع الآخر بعسكر مُكرَم، وحُمل إلى بغداد ودُفن في دكة الجُنيد، وورثه ولده، ثم توفي بعده، وعادت الأموال الّتي جمعها للسّلطان، وفي ذَلكَ عبرة.
وقال ابن السّمعانيّ: لم يكن لَهُ سيرة مَرْضِيَّة، ولا طريقة جميلة، سَمِعْتُ من أثق بِهِ، وهو الفقيه حمزة بْن مكّيّ الحافظ بَبرُوجِرْد، قَالَ: كنت معه بأّذَرْبَيْجان، وبقينا مدَّةً، فما رأيته صلّى العشاء الآخرة، كَانَ إذا حضر السّماع، وأرادوا أن يُصلّوا يَقُولُ: الصّلاة بعد السّماع، فإذا فرغوا السّماع كَانَ ينام، ولمّا تُوُفّي حكى لي بعضُهم أنّه وجد في كُتُبه رسالةً بخطّه في إباحة الخمر.
وقال ابن النّجّار: من وعْظه قولُه: لا تظنّوا أنّ الحيّات تجيء إلى القبور [ص:919] من خارج، إنما أفعالكم أفعى لكم، وحيّاتكم ما أكلتم من الحرام أيّامَ حياتكم، وعاش ستًّا وخمسين سنة.
قَالَ أبو المظفّر ابن الْجَوزيّ: حكى جماعة من مشايخنا قَالَ: جلس المظفّر بْن أردشير بالتّاجيَّة بعد العصر، وأورد حديث ردت الشمس لعلي، وأخذ في فضائله، فنشأت سحابة غطّت الشّمس، وظنّ النّاس أنّها غابت، فأومأ إلى الشّمس وارتجل:
لا تَغْرُبي يا شمسُ حتّى ينتهي ... مَدْحي لآل المُصطفى ولنجلِهِ
واثْنِي عِنانك إن أَرَدْتِ ثناءَهُم ... أنسيتِ إذ كَانَ الوقوفُ لأجلِهِ
إن كان للمولى وقوفك فلْيَكُنْ ... هذا الوقوفُ لخَيْلِهِ ولرَجلهِ
فطلعت الشّمس من تحت الغيم، فلا يُدرى ما رُمي عَلَيْهِ من الأموال والثّياب.(11/917)
410 - المنصور بْن محمد بْن الحاجّ داود بْن عُمَر، أبو عليّ اللّمْتُونيّ، الصَّنْهاجيّ، الأمير. [المتوفى: 547 هـ]
سَمِعَ بقُرْطُبة من: أَبِي محمد بْن عتّاب، وأبي بحر بْن العاص، وبُمْرسِية من: أَبِي عليّ بْن سُكَّرَة.
وكان من رؤساء لمتُونَة وأُمرائهم، موصوفًا بالذّكاء، عارفًا بالحديث والآثار، جمع من الكتب النَّفيسة ما لم يجمعْه أحد، وكان متولّيًا عَلَى بَلَنْسِية ليحيى بْن عليّ بْن غانية أيّام كونه بها نحوًا من أحد عشر عامًا، وعاش ستّين سنة، وهو فخر صَنْهاجَة ما لهم مثله، قاله الأبّار.(11/919)
411 - موسى ابن الخليفة المقتدي عبد الله بْن محمد العبّاسيّ، [المتوفى: 547 هـ]
أخو المستظهر بالله.
وُلِد في سنة اثنتين وسبعين، وعاش خمسًا وسبعين سنة، تُوُفّي في ذي القعدة.(11/919)
412 - هبة اللَّه بْن سعد بْن طاهر، أبو الفوارس الطَّبَريّ، الفقيه، [المتوفى: 547 هـ]
سِبط الإمام أَبِي المحاسن الرُّويانيّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: هُوَ شيخ من أهل آمُل طَبَرِسْتان، لَهُ معرفة بالمذهب، حافظٌ لكتاب اللَّه، كثير التّلاوة، دائم الذِّكْر، سريع الدّمْعة، كَانَ رئيس آمُل، ثمّ درّس بالنّظاميَّة بآمُل، وأملى الحديث، كتبتُ عَنْهُ بآمُل، وقال لي: ولدت سنة سبعين وأربعمائة، سَمِعَ من: جدّه أَبِي المحاسن، وطاهر بْن عبد الله الخواري، الصُّوفيّ، وأبي عليّ الحدّاد، وأبي سعد المطرِّز،، وسمعته يَقُولُ: سَمِعْتُ جدّي أبا المحاسن عبد الواحد يَقُولُ: الشُّهرة آفة، وكلٌّ يتحرَّاها، والخمول راحة، وكلٌ يتوقاها.(11/920)
413 - يعقوب البغداديّ، الكاتب. [المتوفى: 547 هـ]
كَانَ غايةً في حُسن الخطّ وجَوْدته، تُوُفّي في جُمادَى الآخرة، قاله ابن الجوزيّ.(11/920)
414 - يوسف بْن إبراهيم بْن مرزوق، أبو يعقوب المقدسيّ، الصهيبيّ، [المتوفى: 547 هـ]
من قرية بيت جبرين.
كَانَ فقيهًا، ورِعًا، عابدًا، صالحًا، قدِم بغدادَ في سنة ستّ عشرة وخمسمائة، ودخل مرْو فسكنها إلى أن مات بها، وسمع بنيْسابور: سهل بْن إبراهيم المسجديّ، وجماعة، وبمَرْو: محمد بْن عليّ بْن محمود الكَراعيّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: سَمِعَ معنا بمَرْو شُعَب الإيمان للبَيْهَقيّ عَلَى زاهر الشّحّاميّ، وكان نِعْم الصَّديق.
ولد في حدود التسعين وأربعمائة، ولم أسمع منه، وحدثنا أبو القاسم الدمشقي بها قال: حدَّثني يوسف بْن إبراهيم بْن مرزوق لفظًا، قال: أخبرنا محمد بن علي بقرية زولاب، قال: أخبرنا جدي أبو غانم (ح)، وأخبرناه عاليًا أبو منصور محمد المذكور، قال: أخبرنا جدي، قال: أخبرنا أبو العباس النضري، قال: حدثنا الحارث، قال: حدثنا روح بن عُبادة، قال: حدثنا ابن جُريج، فذكر حديثًا.(11/920)
-سنة ثمان وأربعين وخمسمائة(11/921)
415 - أحمد بْن أبي سهل بْن محمد بْن يزداد، أبو عبد الله القايِنيّ، الفارسيّ، الصُّوفيّ، [المتوفى: 548 هـ]
من أهل هَراة.
صالح، كثير العبادة، سَمِعَ: أبا عطاء عبد الرحمن بْن محمد المالِينيّ.
ولد سنة ستين وأربعمائة، وتُوُفّي في هذا العام، أو بعده.(11/921)
416 - أحمد بْن العبّاس بْن أحمد، الشَّقَّانيّ، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 548 هـ]
شيخ صالح، سَمِعَ: عثمان المَحْمِيّ، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وحدَّث.(11/921)
417 - أحمد بْن عبد الباقي بْن أحمد بن إبراهيم، أبو المظفّر ابن النَّرْسِيّ. [المتوفى: 548 هـ]
ولي حسْبَة بغداد، ثم ولي قضاء باب الأزج معها، وحدّث عن: الحسين ابن البُسري، روى عَنْهُ: عبد العزيز بْن الأخضر، توفي في جمادى الأولى، وله خمس وخمسون سنة.(11/921)
418 - أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد، الخطيب البَنْجَدِيهيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ: أبا سعيد الدّبَّاس، كتب عَنْهُ: السّمعانيّ.(11/921)
419 - أحمد بْن أَبِي غالب بْن أحمد بْن عبد الله بْن محمد، أبو العبّاس ابن الطّلّايَة البغداديّ الورّاق الزّاهد. [المتوفى: 548 هـ]
وُلَد سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وقرأ القرآن، وروى اليسير من الحديث.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ كبير، أفنى عُمره في العبادة، وقيام اللّيل والصّوم عَلَى الدّوام، ولعلّه ما صرف ساعةً من عُمره إلّا في عبادةٍ، رَضِيَ الله عنه، وانحنى حتى بقي لا يتبيّن قيامُه من ركوعه إلّا بيسير، وكان حافظًا للقرآن لا يقبل من أحد شيئا، وله كفاية يتقنع بها دخلت عليه مرّاتٍ في مسجده بالعتّابِيّين، وسألته: هل سمعتَ شيئًا؟ فقال: سَمِعْتُ من أَبِي القاسم عبد العزيز بْن عليّ الأنماطيّ. [ص:922]
قَالَ ابن السّمعانيّ: وما ظفرنا بسماعه، لكن قرأتُ عليه كتاب الردَّ عَلَى الْجَهْميَّة لأبي عبد الله نِفْطَوَيْه، سمعه من شيخ متأخِّر يقال له أبو العبّاس بْن قُرَيش، وحضر سماعه معنا شيخنا أبو القاسم ابن السمرقندي.
وقال أبو المظفّر ابن الْجَوْزيّ: سَمِعْتُ مشايخ الحربيَّة يحكون عَنْ آبائهم وأجدادهم أن السلطان مسعودا لمّا دخل بغداد، كَانَ يحبّ زيارة العُلماء والصّالحين، فالتمس حضور ابن الطَّلّاية إِلَيْهِ، فقال لرسوله: أَنَا منذ سِنِين في هذا المسجد أنتظر داعي اللَّه في النّهار خمس مرّات، فعاد الرَّسُول، فقال السّلطان: أَنَا أَوْلَى بالمَشْي إِلَيْهِ، فزاره من الغد، فرآه يصلّي الضُّحى، وكان يصلّيها بثمانية أجزاء، فصلّى معه بعضها، فقال لَهُ الخادم: السّلطان قائم عَلَى رأسك، فقال: وأين مسعود؟ قَالَ: ها أنا، قَالَ: يا مسعود اعدِل، وادعُ لي، اللَّه أكبر، ثم دخل في الصلاة، فبكى السلطان، وكتب ورقة بخطّه بإزالة المُكُوس والضّرائب، وتاب توبةً صادقة.
قلت: روى عَنْهُ الجزء الّذي قَالَ إنّه سمعه من عبد العزيز ابن الأنْماطيّ، وهو التّاسع من المخلّصيّات تخريج ابن البقّال، وظهر سماعه له بأخرة خلْقٍ منهم: يونس بْن يحيى الهاشميّ، وأحمد بن الحسن بن أبي البقاء العاقولي، ومحمد بن محمد بن علي السمذي، وعلي بن أحمد بن هلال بن العريبي، وشُجاع بْن سالم البيطار، ومحمد بْن عليّ بْن البَلّ الدُّوريّ، وسعيد بْن المبارك بْن كَمُّونَة، وعُبَيْد اللَّه بْن أحمد المنصوريّ، وعمر بْن طَبَرْزَد، وأحمد بن سَلْمان بْن الأصْفر، وبزغش عتيق ابن حمدي، ورَيْحان بْن تيكان الضّرير، ومظفَّر بْن أَبِي يَعْلَى بْن جحشُوَيْه، وعبد الرحمن بْن أبي سعد بن تميرة، وعبد اللَّه بْن محاسن بْن أَبِي شَرِيك، وعبد الخالق بْن عبد الرحمن الصّيّاد، وعبد السّلام بْن المبارك البَرْدَغُوليّ، وأحمد بْن يوسف بن صرْما، وآخرون. وآخر من روى عَنْهُ: المبارك بْن عليّ بْن أَبِي الْجُود، شيخ الأَبَرْقُوهيّ.
تُوُفّي في حادي عشر رمضان، وكان لَهُ يومٌ مشهود مثل يوم أَبِي الحسن بْن القَزْوينيّ الزّاهد، وحُمل على الرؤوس، ودُفن إلى جانب أَبِي الحسين بْن سَمْعون، ولم يخلف بعده مثلَه في زُهده وعبادته.(11/921)
420 - أحمد بن المختار أبو العبّاس بْن جبْر. [المتوفى: 548 هـ]
من أولاد أمراء البَطَائح، وله شِعْر فائق، قدِم بغدادَ، ومدح المستظهر، والمسترشد، مات في شعبان.(11/923)
421 - أحمد بْن مُنِير بْن أحمد بْن مُفْلِح أبو الحسين الأطْرابُلُسيّ، الشّاعر، المشهور بالرَّفَّاء، [المتوفى: 548 هـ]
صاحب الدّيوان المعروف.
ولد بأطرابلس سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، وكان أَبُوهُ يُنْشِد في أسواق طرابُلُس، ويغنّي، فنشأ أبو الحسين، وتعلّم القرآن، والنَّحْو واللّغة، وقال الشِّعْر الفائق، وكان يلقَّب مهذَّب الدّين، ويقال لَهُ: عين الزّمان.
قَالَ ابن عساكر: سكن دمشق، ورأيته غير مرَّة، وكان رافضيًّا خبيثًا، خبيث الهَجُو والفُحْش، فلمّا كثُر ذَلكَ منه سجنه الملك بُوري بْن طُغتكين مدَّةً، وعزم عَلَى قطْع لسانه، فاستوهبه يوسف بْن فيروز الحاجب، فوهبه لَهُ ونفاه، فخرج إلى البلاد الشّماليَّة.
وقال غيره: فلمّا ولي ابنه إسماعيل بْن بُوري عاد إلى دمشق، ثمّ تغيَّر عَلَيْهِ لشيءٍ بَلَغَه عَنْهُ، فطلبه وأراد صلْبَه، فهرب واختفى في مسجد الوزير أيامًا، ثمّ لحِق بحماه، وتنقّل إلى شَيْزَر، وحلب، ثمّ قدِم دمشقَ في صُحبة السّلطان نور الدّين محمود، ثمّ رجع مَعَ العسكر إلى حلب، فمات بها.
وقال العماد الكاتب: كَانَ شاعرًا، مُجِيدًا، مُكْثِرًا، هَجّاءً، معارِضًا للقَيْسَرانيّ في زمانه، وهما كَفَرسَيْ رِهان، وجوادَي مَيْدان، وكان القَيْسرانيّ سنِّيًا متورِّعًا، وابن منير غاليًا متشَيّعًا، وكان مقيمًا بدمشق إلى أن أحْفَظ أكابرها، وكدَّر بهَجْوه مواردها ومصادرها، فأوى إلى شَيْزَر، وأقام بها، ورُوسل مِرارًا في العَوْد إلى دمشق، فأبى، وكتب رسائل في ذَمّ أهلها، واتَّصل في آخر عمره بخدمة نور الدّين، ووافي إلى دمشق رسولًا من جانبه قبل استيلائه عليها.
ومن شِعْره: [ص:924]
أحلى الهوى ما تُحلّه التُهمُ ... باح بِهِ العاشقون أو كتموا
ومُعرضُ صرَّحَ الوشاةُ لَهُ ... فعلّموه قتلي وما علموا
يا ربّ خُذ لي من الوُشاةِ إذا ... قاموا وقُمنا إليك نحتكمُ
سَعَوْا بنا لا سعَت بهم قدمٌ ... فلا لنا أصلحوا ولا لهمُ
وله:
وَيْلي من المُعرض الغَضْبان إذ نقل الـ ... ـواشي إِلَيْهِ حديثًا كُلُّهُ زُور
سلّمتُ فازْوَرَّ يَزْوي قوسَ حاجِبهِ ... كأنّني كأس خمرٍ وهْوَ مخْمُور
وشِعْره سائر، وتُوُفّي سنة ثمان، وقيل: سنة سبْعٍ، لا، بل في جُمادَى الآخرة سنة ثمانٍ.(11/923)
422 - إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الدواتي، أبو إسحاق الأصبهانيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ: أبا منصور بْن شكروَيْه، وأبا عبد الله الثّقفيّ، ورزق اللَّه التّميميّ، من شيوخ السّمعانيّ.(11/924)
423 - أسعد بْن أحمد بْن يوسف الإمام، الخطيب، أبو الغنائم البامنجيّ، الخُرَاسانيّ. [المتوفى: 548 هـ]
تُوُفّي في المحرّم، أو في صَفَر، وروى عَنْ: عُمَر بْن أحمد بْن محمد بْن الخليل البَغَويّ، روى عَنْهُ: عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/924)
424 - بِهرام شاه ابن الملك مسعود بْن إبراهيم بْن محمود بْن سُبُكتكين سلطان غَزْنَة. [المتوفى: 548 هـ]
قَالَ ابن الأثير: مات في رجب من هذه السّنة، وقام بالمُلك بعده ولده نظام الدّين خُسروشاه، وكانت ولاية بِهرام شاه ستًّا وثلاثين سنة، وكان عادلًا، حَسَن السّيرة، محِبًّا للعُلماء، جامعًا للكُتُب، تُقرأ بين يديه، ويفهم، ويدْري.(11/924)
425 - جعفر بْن أَبِي طالب أحمد بْن محمد بْن عَوَانَة أبو الفخر القايِنيّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 548 هـ]
قاضي غُورَج، وهي قرية كبيرة عَلَى باب هَراة.
سَمِعَ جزءًا من حديث عليّ بْن الجَعد، من أَبِي صاعد يَعلى بْن هبة اللَّه الفُضَيلي، وسمع من شيخ الإسلام أَبِي إسماعيل.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وابنه عبد الرحيم، وقال: كَانَ مولده في صفر سنة تسع وخمسين وأربعمائة. وتوفي بغورج في أثناء هذا العام.(11/925)
426 - الحسن بْن عليّ بْن الحسن بْن محمد، أبو عليّ البخاريّ، ثمّ المَرْوَزِيّ، القطّان، الطّبيب. [المتوفى: 548 هـ]
كَانَ فاضلًا، عالمًا بالطّبّ، واللّغة، والآداب وعلوم الفلاسفة ومذاهبهم، ويميل إليهم، وكان يجلس في دكان، ويطبب، ويؤذي الناس ويشتمهم، وكان يسمع الحديث على كبر سنه، وقد سمع فضائل القرآن من أَبِي القاسم عبد الله بن علي القرينيني، روى عنه: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، قُتل بمَرْو في وقعة الغُزّ في وسط رجب، وله ثلاث وثمانون سنة.(11/925)
427 - الحسن بْن محمد بْن أحمد أبو عليّ السَّنْجَبَسْتيّ، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 548 هـ]
فقيه، صالح، معمّر، وُلد سنة سبْعٍ وخمسين وأربعمائة، سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف، وسمع ببُوشَنْج خمسة أجزاء من عبد الرحمن بْن محمد كلار صاحب ابن أبي شُريح، توفي في غرَّة ربيع الأوّل.
روى عَنْهُ: المؤيَّد الطُّوسيّ، وعبد الرحيم السّمعانيّ.(11/925)
428 - الحسن بْن محمد بْن أَبِي جعفر القاضي، أبو المعالي البلْخيّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 548 هـ]
تلميذ محيي السُّنَّة البَغَويّ.
روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ، وأثنى عَلَيْهِ في سيرته وأحكامه، وقال: مات في رمضان بالدّزَق العليا من أعمال مَرْو.(11/925)
429 - حَمدين بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز بْن حمدين الثّعلبيّ، القُرطبي، أبو جعفر، [المتوفى: 548 هـ]
قاضي الجماعة بقُرْطُبَة.
سَمِعَ: أَبَاهُ، ووليّ القضاء سنة تسعٍ وعشرين بعد مقتل أَبِي عبد الله بْن الحاجّ.
وكان من بيت حشمة وجلالة، صارت إليه الرياسة عند اختلال أمر الملثّمين، وقيام ابن قَسِيّ عليهم بغرب الأندلس، وهو حينئذٍ عَلَى قضاء قُرْطُبة، ودُعي لَهُ بالإمارة في رمضان سنة تسعٍ وثلاثين، وتسمّى بأمير المسلمين المنصور بالله، ودُعي لَهُ عَلَى أكثر منابر الأندلس.
ويقال: إن مدة دولته كانت أربعة عشر يومًا، وتعاوَرَتْه المِحَن، فخرج إلى العُدْوة، في قصص طويلة، ثم قفل ونزل مالقَة إلى أن تُوُفّي في هذا العام.
وأمّا ابن قَسِيّ، فإنّه خرج بغرب الأندلس، واسمه أحمد، وكان في أوّل أمره يدّعي الولاية، وكان ذا حِيَل وشَعْبَذَة، ومعرفة بالبلاغة، وقام بحصن مارتلة، ثمّ اختلف عَلَيْهِ أصحابه، ودسّوا عَلَيْهِ من أَخْرَجَهُ من الحصن بحيلةٍ، حتّى أسلموه إلى الموحّدين، فأتوا بِهِ عبدَ المؤمن، فقال لَهُ: بلغني عنك أنّك دعيت إلى الهداية، فكان من جوابه أن قَالَ: أليس الفجر فجرين، كاذب وصادق؟ فأنا كنت الفجر الكاذب، فضحك عبد المؤمن وعفا عَنْهُ، ولم يزل بحضرته إلى أن قتله صاحبٌ لَهُ.(11/926)
430 - حَيْدَرَةُ بْن المفرّج بْن الحَسَن، الوزير زَين الدّولة ابن الصُّوفيّ، [المتوفى: 548 هـ]
أخو الرئيس الوزير مُسيَّب.
لم يزل إلى أن عمل عَلَى أخيه وقلعه من وزارة صاحب دمشق مُجير الدّين، ووُلّي في منصبه، فأساء السّيرة، وظلم، وعَسَف، وارتشى، ومُقِت في العام الماضي والآن، وبلغ ذَلكَ مجير الدّين، فطلبه إلى القلعة عَلَى العادة، فعدل بِهِ الجُندارية إلى الحَمّام وذُبح صبْرًا، ونُصب رأسُه على حافة الخندق.(11/926)
431 - خاصّ بَك التُركماني. [المتوفى: 548 هـ]
صبيّ نَفَقَ عَلَى السّلطان مسعود وأحبّه، وقدّمه عَلَى جميع الأمراء، وعظُم شأنه، وصار لَهُ من الأموال ما لا يُحصى، فلمّا مات مسعود خطب لملكشاه، وقال لَهُ: إنّي أريد أن أقبض عليك، وأنفِذ إلى أخيك محمد، فأخبره بذلك ليأتي فنسلّمه إليك، وتحوز المُلك، فقال: افعل، فقبض عَلَيْهِ، ونفّذ إلى أخيه إلى خُوزسْتان بأنّي قد قبضت عَلَى أخيك، فتعال حتّى أخطب لك، وأسلّم إليك السّلطنة، فعرف محمد خُبثه، فجاء إلى هَمَذَان، وجاء النّاس إِلَيْهِ يخاطبونه في أشياء، فقال: ما لكم معي كلام، وإنّما خطابكم مَعَ خاصّ بَك فمهما أشار بِهِ فهو الوالد والصّاحب، والكلّ تحت أمره، فوصل هذا القول إلى خاص بك فاطمأنّ، فلمّا التقيا خدمه خاص بَك، وقدّم له تُحفًا وأموالًا، فأخذ الكل، وقتل خاص بك.
قال أبو الفرج ابن الْجَوزيّ: ووُجِد لَهُ ترِكَةٌ عظيمة، من جُملتها سبعون ألف ثوب أطلس، وقتله في هذا العام.(11/927)
432 - رُجّار، ملك الفرنج المتغلِّب عَلَى صَقَلِّية. [المتوفى: 548 هـ]
ملك عشرين سنة، وعاش ثمانين سنة، وهلك بالخوانيق في أوائل ذي القعدة.
وكان في أوّل هذا العام قد جهّز أُصْطولًا إلى مدينة بُونة، وقدّم عليهم مملوكه فيليب المهدويّ، فحاصرها، واستعان بالعرب، فأخذها في رجب، وسبى أهلها، غير أنّه أغضى عَنْ طائفةٍ من العلماء والصّالحين، وتلطّف في أشياء، فلمّا رجع إلى صَقَلِّية قبض عَلَيْهِ رُجّار لذلك، ويقال: إنّ فيليب كَانَ هُوَ وجميع خواصّه مسلمين في الباطن، فشهدوا عَلَيْهِ أنّه لا يصوم مَعَ الملك، فجمع لَهُ الأساقفة والقُسُوس، وأحرقه في رمضان، فلم يُمهَل بعده، وتملّك بعده ابنُه غُليالم، فاختلّت دولتهم في زمانه.(11/927)
433 - زياد بْن عليّ بْن الموفَّق بْن زياد، الرّئيس، أبو الفضل الزّياديّ، الهَرَويّ، الحنفيّ. [المتوفى: 548 هـ][ص:928]
كَانَ خيّرًا، صالحًا، قِيلَ: إنّه ما فاته الصّلاة في جامع هَراة نحوًا من أربعين سنة، سمع: أبا عطاء ابن المَليحي، وبأصبهان: أبا الفتح الحدّاد، وغيره، وُلِد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وتوفي في جُمادَى الآخرة.
روى عَنْهُ: عبد الرحيم السمعاني.(11/927)
434 - سعيد بْن محمد بْن طاهر بْن سعيد ابن الشّيخ أَبِي سعيد بْن أَبِي الخير، أبو طاهر الميهني، الصوفي، [المتوفى: 548 هـ]
نزيل مرو، وشيخ رباط يعقوب.
سَمِعَ من: أَبِي الفتح، وعُبيد اللَّه الهشاميّ.
قَالَ عبد الرحيم السّمعانيّ: سمعتُ بمَرْو جزءًا من حديث أَبِي الموجّه الفَزَاريّ، وعُوقِب في وقعة الغُزّ، وبقي عليلًا إلى أن مات في ثامن شعبان، وله سبْعٌ وستون سنة.(11/928)
435 - ظريفة بِنْت أَبِي الحسن بْن أَبِي القاسم، أمّ محمد الطَّبَريَّة، [المتوفى: 548 هـ]
مِن أهل آمل طَبَرِسْتان.
كانت عالمة، صالحة، عفيفة، سكنت بلْخ، وروت عن: أبي المحاسن عبد الواحد الروياني.
توفيت في سلخ ربيع الآخر.(11/928)
436 - عبد الله بْن عيسى بْن عبد الله بْن أحمد بْن سعيد، أبو محمد بْن أَبِي بَكْر الأندلسيّ، الشِّلْبيّ المولد، الإشبيليّ المنشأ، [المتوفى: 548 هـ]
من بيت العِلم والوزارة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: صرف عُمره إلى طلب العلم حتّى حصل لَهُ ما لم يحصل لغيره، وولي القضاء بالأندلس مدَّة، ثمّ حجَّ، وجاور سنة، وقدِم بغدادَ فأقام بها، ثمّ وافى خُرَاسان، واجتمعتُ بِهِ بهَراة، فوجدته بحرًا لا يُنزف في العلوم من الحديث، والفقه، والنَّحْو، وغير ذَلكَ، وسمعتُ بقراءته، وسمع بقراءتي، ثمّ قدِم علينا مَرْو، وكثُرت الفوائد منه، سَمِعَ بالأندلس: الحسن بْن عُمَر الهَوْزَنيّ، وأبا بحر بْن العاص، وأبا الوليد محمد بْن ظَريف القُرْطُبيّ، وببغداد: هبة اللَّه بْن الطَّبر، ويحيى ابن البنّاء، وأبا بَكْر محمد بْن عبد الباقي الأنصاريّ، وبهَمَذَان: أبا جعفر الحافظ، وبنَيْسابور: أبا القاسم الشّحّاميّ، وجماعة كثيرة. [ص:929]
قَالَ الأَبّار: وسمع وروى بالإجازة عَنْ: أَبِي عبد الله الخَوْلاني، وولي قضاء شِلب، وكان من أهل العلم بالأصول، والفروع، والحِفْظ للحديث، والعربيَّة، مَعَ الزُّهد والخير، وامتُحن بالأمراء في قضاء بلده بعد أن تقلّده تسعة أعوام، لإقامته الحق، وإظهاره العدْل، حتّى أدّى ذَلكَ إلى اعتقاله، ثمّ سرح وحجّ سنة سبْعٍ وعشرين، ودخل العراق، وخُراسان، وطار ذِكره في هذه البلاد، وعظُم شأنه.
قَالَ ابن السّمعانيّ: قَالَ لي: مولده في سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائة، قَالَ: وتُوُفّي في الخامس والعشرين من شوّال سنة ثمانٍ وأربعين بهَرَاة.
قلت: وقيّد أبو عبد الله الأَبّار وفاته في جُمادَى الآخرة سنة إحدى وخمسين، وذلك وهْم، وقد روى عَنْهُ: ابن السّمعاني، وولده عبد الرحيم.
وقال عبد الرحيم: هُوَ عبد الله بْن عيسى بْن عبد الله بْن أحمد بْن سعيد بْن سليمان بْن محمد بْن أَبِي حبيب الأنصاريّ، الخزْرَجيّ.(11/928)
437 - عبد الله بْن يوسف بْن أيّوب بْن القاسم، أبو محمد القُرَشيّ الفِهري الشّاطبيّ. [المتوفى: 548 هـ]
شيخ، مُسْنِد كبير، أجاز له في سنة سبعين وأربعمائة أبو العبّاس بْن دِلهاث العُذْريّ، وسمع الموطّأ من: طاهر بْن مُفَوَّز، وسمع من: أبيه، وأبي عليّ بْن سُكَّرَة.
حدَّث عَنْهُ: ابنه، وأبو الحجاج صاحب الأحكام، وتوفي يوم عاشوراء المحرّم بِدّانية.(11/929)
438 - عبد الخالق بْن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، المفيد، أبو الفَرَج البغداديّ. [المتوفى: 548 هـ]
شيخ، محدّث، فاضل، حَسَن الخطّ، كثير الضَّبْط، خيِّر، متواضع، متودّد، مُحْتَاط في قراءة الحديث، سَمِعَ الكثير، وكتب، وحصّل وخرج لنفسه، وصفه بهذا وبأكثر منه أبو سعد السمعاني. [ص:930]
وقال السِّلَفيّ: كَانَ من أعيان المسلمين فضلًا، وَدِينًا، ومروءة، وثَبتًا، سَمِعَ معي كثيرًا، وبه كان أُنسي ببغداد، ولما حججت أودعت كُتُبي عنده.
وقال السّمعانيّ: سَمِعَ أَبَاهُ، وأبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، وأبا عبد الله النِّعالي، ونصر بْن البَطِر، فمَن بعدهم، وسمع بالأهواز، وأصبهان، وسمعتُ منه الكثير، وقال لي: ولدت سنة أربع وستين وأربعمائة.
قلت: روى عَنْهُ: السِّلَفيّ، وابن السّمعانيّ، وابن الْجَوْزيّ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وأبو بَكْر عبد الله بْن مبادر، وعبد الوهّاب بْن عليّ ابن الأُخُوَّة، وعبد السّلام بْن المبارك البَرْدغُوليّ، وتُوُفّي في الرابع والعشرين من المحرَّم.(11/929)
439 - عبد الرحمن بْن الحَسَن بْن عبد الله، أبو القاسم الفارسيّ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 548 هـ]
شيخ صالح، حَسَن السّيرة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: صحِب أبا الوفاء أحمد بْن عليّ الفَيْرُوزاباذيّ مدَّةً طويلة، وسافر معه إلى الشّام، وسمع من: عليّ بْن أحمد بْن يوسف الهَكَّاريّ، تُوُفّي في ذي القعدة.(11/930)
440 - عبد الرَّحْمَنِ بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الرحمن، العلّامة أبو محمد النِّيهيّ، المَرْوَرُّوذِيّ، [المتوفى: 548 هـ]
شيخ الشّافعية، وتلميذ محيي السُّنَّةِ البَغَويّ.
سَمِعَ: البَغَويّ، وعبد اللَّه بْن الحَسَن الطَّبَسيّ، وعبد الرّزّاق بْن حسّان المَنِيعيّ، ومحمد بْن عبد الواحد الدقّاق، وعدة، وتخرّج به أئمة بمروالروذ.
أخذ عنه السمعاني، وقال: مات في شعبان.(11/930)
441 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر بْن محمد بْن أَبِي مَعْشَر، أبو القاسم الغَزْنَوِيّ، ثمّ المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ من: القاضي أَبِي نصر محمد بْن محمد الماهانيّ، وطبقته بإفادة أَبِي بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ، روى عَنْهُ: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، ومات بعد أن عاقَبَتْه الغُزّ بأنواع العقوبات في شوّال.(11/930)
442 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بْن أَحْمَد بْن محمد بْن منصور بْن جبريل، الفقيه، أبو نصر الخطيبي، الخرجردي. [المتوفى: 548 هـ]
سكن مرو، وتفقّه مدَّةً بنَيْسابور، وهَراة، ومَرو، وبرع في الفقه، وكان يحفظ كثيرًا من النُتف والطُّرف، وكان صالحًا، عفيفًا، متعبدًا، سَمِعَ من: أَبِي نصر عبد الرحيم ابن القُشَيْريّ، والفضل بْن محمد الأَبِيوَرْديّ، وخرّج لنفسه جزأين عن جماعة.
روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وقال: أحرقه الغُزّ في رجب، وكان في المنارة، فأحرقوا المنارة، فاحترق فيها جماعة.(11/931)
443 - عبد الرحيم بْن أحْمَد بْن محمد بن محمد بْن إبراهيم ابن الأُخُوَّة، البغداديّ، اللُّؤْلُؤيّ، أبو الفضل بْن أَبِي العبّاس، [المتوفى: 548 هـ]
وأخو عبد الرحمن، نزل أصبهان وسكنها.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ فاضل، يَعرف الأدب، وله شِعْر رقيق، صحيح القراءة والنقل، قرأ الكثير بنفسه، ونسخ بخطّه ما لا يدخل تحت الحدّ، مليح الخطّ، سريعه، سافر إلى خُراسان، وسمع بها، وسمّعه خاله أبو الحسن ابن الزّاغُونيّ الفقيه من: أَبِي عبد الله النِّعَاليّ، ونصر بْن البَطِر، ومَن دونهما. وكتب إليّ جزءًا بخطّه بأصبهان، وسمعتُ منه، سمعتُ يحيى بْن عبد الملك المكّيّ، وكان شابًّا صالحًا، يَقُولُ: أفسد عليَّ عبد الرحيم ابن الأُخُوَّة سماع " معجم " الطَّبَرانيّ، حضرت دار بعض الأكابر، وكان يقرأ فيها " المعجم الكبير " عَلَى فاطمة الجوزدانية، فكان يقرأ في ساعة جزءًا أو جزأين، حتّى قلت في نفسي: لعلّه يقلب ورقتين، فقعدت يومًا قريبًا منه، وكنت أُسارِقُه النَّظَر، فعمل كما وقع لي من تَرْك حديث وحديثين، وتصفّح ورقتين، فأحضرت معي نسخة، وقعدت أُعارِض، فما قرأ في ذَلكَ المجلس إلّا شيئًا يسيرًا، وظهر ذَلكَ للحاضرين، وثقُل عَلَيْهِ ما فعلت، فانقطعتُ وتركت سماع الكتاب، أو كما قَالَ، وأنا فما رَأَيْت منه إلّا الخير، وسمعتُ بقراءته جزءًا، وسمع ولده بقراءتي الكثير، والله أعلم، وتُوُفّي بشِيراز في شعبان.
قَالَ ابن النّجّار: ورحل، وسمع من عبد الغفّار الشّيرُوِيّيّ، وعدَّة، وأكثر [ص:932] عن أبي علي الحداد فمن بعده، وكتب ما لا يدخل تحت الحدّ، وكان مليح الخطّ، سريع القراءة، رَأَيْت بخطّه كتاب " التّنبيه " لأبي إسحاق الشّيرازيّ، فذكر في آخره أنّه كتبه في يَوْمٍ واحد، وكانت لَهُ معرفة بالحديث والأدب، وكان مولده في سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة.(11/931)
444 - عبد العزيز بن بدر، القاضي أبو القاسم القَصْريُّ، [المتوفى: 548 هـ]
قصر كنكور.
سَمِعَ: أبا غالب أحمد بن محمد بن أحمد الهمذاني، وحمد بْن نصْر الأعمش، مات في المحرَّم في عَشْر الثّمانين.
روى عَنْهُ: أبو سعد السّمعانيّ.(11/932)
445 - عبد المغيث بْن محمد بْن أحمد بْن المطهِّر، أبو تميم العبْديّ، الخطيب، الصّالح، الأصبهانيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ: حَمْد بْن ولكيْز، والمطهَّر البزّانيّ.
قَالَ السّمعانيّ: مات في صَفَر عَنْ أربعٍ وثمانين سنة.(11/932)
446 - عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سهل بْن القاسم بْن أَبِي منصور بْن ماح، أبو الفتح الكَرُوخيّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 548 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ، صالح، ديِّن، خيِّر، حَسَن السّيرة، صَدُوق، ثقة، قرأتُ عَلَيْهِ جامع التِّرْمِذِيّ، وقُرئ عليه عدة نوَب ببغداد وكتبَ به نسخةً بخطّه ووقفها، وسمع: أبا إسماعيل عبد الله بْن محمد الأنصاريّ، وأبا عامر محمود بْن القاسم الأزْديّ، وأبا نصر التِّرْيَاقيّ، وأبا بَكْر الغُورَجيّ، وأبا المظفَّر عُبَيْد اللَّه الدّهّان، وأبا عطاء، وجماعة، ووجدوا سماعه في أُصول المؤتَمن الساجي، وأبي محمد ابن السَّمَرْقَنْديّ، وغيرهما، وكنت أقرأ عَلَيْهِ جامع أَبِي عيسى، فمرض، فنفذ لَهُ بعض من كَانَ يحضر معنا السّماع شيئًا من الذَّهَب، فما قبل، وقال: بعد السبعين واقتراب الأجل آخُذُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئًا؟! وردّه مَعَ الاحتياج إِلَيْهِ، ثمّ انتقل في آخر عُمره إلى مكَّة، [ص:933] وجاوَرَ بها حتّى تُوُفّي، وكان ينسخ التِّرْمِذيّ بالأُجرة ويأكل منها، وقال لي: وُلِدتُ في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وأربعمائة بهَرَاة، وكَرُوخ: عَلَى عشرة فراسخ من هَراة.
وقال الحافظ ابن نُقْطَة: كَانَ صُوفيًّا، وحدَّث بالجامع عَنْ أَبِي عامر الأزْديّ، وأحمد بْن عبد الصّمد التّاجر، وعبد العزيز بْن محمد التّرْياقيّ، سوى الجزء الأخير لَيْسَ عند التّرْياقيّ، وأوّل الجزء: مناقب ابن عبّاس، وقد سَمِعَ الجزء المذكور من أَبِي المظفَّر عُبَيْد اللَّه بن علي الدهان، قالوا: أخبرنا عبد الجبّار الْجَرّاحيّ، عَن المحبوبيّ، عَن التِّرْمِذِيّ، وقد سَمِعَ من: أَبِي عبد الله محمد بن علي العميري، وشيخ الإسلام الأنصاري، وحكيم بن أحمد الإسفراييني، وحدثنا عنه: أبو أحمد عبد الوهّاب ابن سُكينة، وعمر بْن طَبَرْزَد، وأبو بَكْر المبارك بْن صَدَقَة الباخَرْزِيّ، وعبد العزيز بْن الأخضر، وأحمد بْن عليّ الغَزْنَوِيّ، وعليّ بْن أَبِي الكَرَم المكّيّ ابن البنّاء خاتمة أصحابة، وهؤلاء الجماعة سمعوا منه كتاب الجامع لأبي عيسى. وقال الحافظ يوسف بْن أحمد البغداديّ: هُوَ مِن جملة مَن لَحِقَتْهُ بركةُ شيخ الإسلام، ولازَمَ الفقر والورع إلى أن تُوُفّي بمكَّة في خامس وعشرين ذي الحجَّة، بعد رحيل الحاجّ بثلاثة أيام.
قلت: وكذا ورَّخ ابن السّمعانيّ، وغيره.
وقد روى عَنْهُ خلْق من المغاربة والمَشَارقة، منهم: ابن عساكر، وابن السمعاني، وأبو الفرج ابن الْجَوْزيّ، والخطيب عبد الملك بْن ياسين الدَّوْلَعيّ، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وأبو القاسم عبد المُعزّ بْن عبد الله الهَرَوِيّ الأنصاريّ، وعبد السّلام بْن مكّيّ القيّاريّ، والمبارك بْن صَدَقة الباخَرْزِيّ، وزاهر بْن رستم، وعبد الملك بْن المبارك الحريمي، ومحمد بن معالي ابن الحلاوي الفقيه، وأحمد بن يحيى ابن الدَّبِيقيّ، وثابت بْن مُشَرِّف البنّاء.(11/932)
447 - عبد الملك بْن عبد الله بْن عُمَر بْن محمد، الشّريف العُمَريّ، [المتوفى: 548 هـ]
مِن ذرِّيَّة سالم بْن عبد الله بن عمر.
هروي، سكن أزجاه واستوطنها، وهي من ناحية خابران. [ص:934]
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ شريفًا، فاضلًا، عالمًا، متواضعًا، حَسَن السّيرة، قدِم علينا مَرْو قبل وقعة الغُزّ، وكان بمَرْو حين الوقعة، وعذّبوه بأنواع العقوبة، وتُوُفّي في شعبان، ووُلِد سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وسمع: محمد بْن عليّ العُمَيْريّ، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، والحافظ عبد اللَّه بْن يوسف الجرجاني، روى عنه: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(11/933)
448 - عبد الواحد بْن محمد بْن عبد الجبّار بْن عبد الواحد، الإمام أبو محمد التوثي، المَرْوَزِيّ، [المتوفى: 548 هـ]
وتُوث: من قُرى مَرْوَ.
كَانَ فقيهًا، مُسِنًّا، صحِب أبا المظفَّر السّمعانيّ، وتفقّه عليه مدة.
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: عمّر العُمر الطّويل حتّى قارب المائة، وسمع: محمد بن الحسن المهربندقشاني، وأبا الفضل محمد بْن أحمد العارف، وجدّي الأعلى أبا المظفَّر شيخه، وحملني والدي إِلَيْهِ إلى قريته لأسمع منه، فسمعت منه، وهلك في معاقبة الغُزّ في خامس شعبان، وكان مولده في حدود خمسين وأربعمائة.(11/934)
449 - عبد الوهّاب بْن عبد الباقي بْن مدلّل، أبو الفَرَج البغداديّ، الغزّال. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ من: طِرَاد، وأبي طاهر بْن سِوَار، روى عَنْهُ: أبو سعد السمعاني.(11/934)
450 - عتيق بن أحمد بن محمد بن خالد، أبو بكر القرشي المخزومي الأندلسي. [المتوفى: 548 هـ]
أخذ عن أبي الوليد ابن الدباغ، وقرأ القراءات على ابن هذيل، ودرس الفقه والأصول والعربية، وبرع في علوم عديدة.
توفي شابا، وقد أخذ عنه الأشعار الستة أبو عبد الله بن نوح الغافقي.(11/934)
451 - عدنان بن نصر بن منصور الطبيب، الأستاذ، موفّق الدّين، أبو نصر ابن العَيْن زربي. [المتوفى: 548 هـ][ص:935]
اشتغل بالطِّبّ، والفلسفة ببغداد، وَمَهَرَ فيها وفي التّنْجيم، ثمّ سكن مصر، وخدم الخلفاء الباطنيَّة، ونال دُنيا واسعة، وصنَّف كُتُبًا كثيرة في الطب، والمنطق، والهذيان، وتخرَّج بِهِ جماعة، وكان في صِباه منجِّمًا، وقرأ مَعَ ذَلكَ العربيَّة، وكتب الخطّ المليح، وتوفي في هذه السّنة.(11/934)
452 - عليّ بْن أحمد بْن محمد المقرئ، أبو الحَسَن البغداديّ، الخيّاط، [المتوفى: 548 هـ]
أخو أَبِي نصر محمد.
سمع من: طِراد والنِّعَاليّ، وعنه: يوسف بْن كامل.
مات سنة ثمانٍ فِي ذي القعدة.(11/935)
453 - عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن محمد، أبو الحَسَن البلْخيّ، الحنفيّ، الفقيه. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ بما وراء النّهْر، وسمع بمكَّة من رزين العَبْدريّ، وتفقَّه عَلَى جماعة، ووعظ بدمشق، ثمّ درَّس بالصّادريَّة وتفقّه عَلَيْهِ جماعة، وجُعِلت لَهُ دار الأمير طَرْخان مدرسةً، وقامت عَلَيْهِ الحنابلة لأنّه أظهر خلافهم، وتكلَّم فيهم، ورُزق وجاهةً من الناس، وكان كثير البذل، لا يدّخر شيئًا.
توفي في شعبان بدمشق، وإليه تُنسب المدرسة البلْخيَّة التي داخل الصّادريَّة.
وكان يلقَّب برهان الدّين، وكان معظَّمًا في الدّولة، ودرَّس أيضًا بمسجد خاتون، وأقبلت عليه الدنيا، فما التفت عليها، قِيلَ: إنّ نور الدّين حضر مجلسَ وعْظِه بالجامع، فناداه: يا محمود، وهو الّذي قام في إبطال " حيَّ عَلَى خير العمل " من الأذان بحلب.
وقد أخذ جُلّ عِلْمه ببُخَارَى عَن البُرهان بْن مازة، وقدِم دمشقَ، ونزل بالصّادريَّة، ومدرّسها عليّ بْن مكّيّ الكاسانيّ، وناظر في الخلافيّات، ثمّ حجّ وجاور، وَأَمَّ بمكَّة، ثمّ إنّ الكاسانيّ قَالَ لأصحابه: كاتِبُوه ورغِّبُوه في الرجوع. [ص:936]
ثمّ إنّه قدِم دمشقَ وتسلَّم المدرسة، وكثُر أصحابه، ووجّه من أحضر كُتُبَه من خُراسان.
قال السّمعاني: روى عَنْ أَبِي المعين المكحوليّ، وأبي بَكْر محمد بْن الحسن النَّسَفيّ، كتبتُ عَنْهُ.(11/935)
454 - علي بن الحسن بن محمد، أبو الحسن الطُّوسيّ، الطَّابَرَانيّ، الصُّوفيّ، المقرئ. [المتوفى: 548 هـ]
كَانَ عارفًا بالقراءات، وسمع من: أحمد بْن عبد الجبّار النَّيْسابوريّ، وغيره، روى عَنْهُ: حفيده المؤيَّد بْن محمد الطُّوسيّ، وهو ضَبَطَ مَوتَه.(11/936)
455 - عليّ بْن السَّلَّار، الوزير أبو الحسن الكردي، الملقّب بالملك العادل سيف الدّين، [المتوفى: 548 هـ]
وزير الخليفة الظّافر العُبَيْديّ، صاحب مصر.
كَانَ كُرْديًّا، زرْزاريًّا فيما قِيلَ، وتربّى في القصر بالقاهرة، وتنقّلت بِهِ الأحوال في الولايات بالصّعيد وغيره إلى أنّ وُلّي الوزارة في رجب سنة ثلاثٍ وأربعين وخمسمائة.
وقد كَانَ الظّافر استوزر نجم الدّين سليم بْن مَصّال في أوّل دولته، وكان ابن مَصّال من كبار أمراء دولته، ثمّ تغلّب عَلَيْهِ ابن السَّلَّار، فعدّى ابن مَصّال إلى الْجِيزة في سنة أربع وأربعين، عندما سَمِعَ بقدوم ابن السّلّار من ولاية الإسكندريَّة طالبًا الوزارة ليأخذها بالقَهْر، فدخل ابن السَّلّار القاهرَة، وغلب عَلَى الأمور، وتولّى تدبير المملكة، ونُعت بالعادل أمير الجيوش، فحشد ابن مَصّال وَجَمَعَ عسكرًا من المغاربة وغيرهم، وأقبل، فجرّد ابن السّلّار لحربه جيشًا، فالتقوا، فكُسر ابن مَصّال بدَلاص من الوجه القَبْليّ، وقُتل، وأُخذ رأسُه ودُخل بِهِ القاهرة عَلَى رُمح في ذي القعدة من السّنة.
وكان ابن السَّلّار شَهْمًا، شجاعًا، مِقدامًا، مائلًا إلى أرباب العِلْم والصّلاح، سُنّيًّا، شافعيًّا، وُلّي ثغر الإسكندريَّة مدَّةً، واحتفل بأمر أَبِي طاهر السِّلَفيّ، وزاد في إكرامه وبنى لَهُ المدرسة العادليَّة، وجعله مدرّسَها، وليس بالثَّغْر مدرسة للشّافعيَّة سِواها، إلا أنّه كَانَ جبّارًا، ظالمًا، ذا سَطْوة، يأخذ [ص:937] بالصّغائر والمحقَّرات، فمّما نقل ابن خَلِّكان في ترجمته عنه أنه لمّا كَانَ جُنْديًّا دخل عَلَى الموفّق بْن معصوم التنيسي متولي الديوان، فشكى إليه غرامةً لزِمَتْه في ولايته بالغربيَّة، فقال: إنّ كلامك ما يدخل في أُذُني، فحقدها عَلَيْهِ، فلمّا وزر اختفى الموفَّق، فنودي في البلد: إنّ من أخفاه فَدَمُهُ هَدَر، فأخرجه الّذي خبَّأه، فخرج في زِيّ امْرَأَة، فعُرف، وأُخذ، فأمر العادل بإحضار لوح خشبٍ، ومِسْمارٍ طويل، وعُمل اللَّوحُ تحت أُذُنه، وضُرب المِسْمار في الأُذُن الأخرى حتّى تسمَّر في اللّوح، وصار كلّما صرخ يَقُولُ لَهُ: دخل كلامي في أُذنك أم لا؟
وكان قد وصل من إفريقيَّة أبو الفضل عبّاس بْن أَبِي الفُتُوح بْن يحيى بْن تميم بْن المُعِزّ بْن باديس الصَّنْهاجيّ، وهو صبيّ مَعَ أُمّه، فتزوَّج بها العادل قبل الوزارة، وأقامت عنده مدَّةً، وتزوَّج عبّاس، وجاءه ولد، فسّماه نصرًا، فأحبّه العادل، وعزَّ عنده، ثمّ إنّ العادل جهّز عبّاسًا إلى الشّام بسبب الجهاد، وفي صُحْبته أسامة بن منقذ، فلما قدِم بلبيس تذاكر هُوَ وأُسامة طِيب الدّيار المصرّية، وكرِها البيكار والقتال، فأشار عَلَيْهِ أُسامة، عَلَى ما قِيلَ، بقتل العادل، وأن يستقلّ هُوَ بالوزارة، وتقرَّر الأمر بينهما أنّ ولده نصرًا يباشر قتْل العادل إذا نام، وحاصل الأمر أنّ نصرًا قتل العادل عَلَى فراشه في سادس المحرّم بالقاهرة، ونصر المذكور هُوَ الّذي قتل الخليفة الظافر إسماعيل ابن الحافظ أيضًا في العام الآتي.(11/936)
456 - عليّ بْن مِعْضاد الدّمشقيّ، الدّبّاغ، المقرئ بالألحان، الطُّفَيْليّ. [المتوفى: 548 هـ]
روى عَنْ: أَبِي عبد الله بْن أَبِي الحديد، روى عَنْهُ: ابن عساكر، وابنه القاسم.(11/937)
457 - عُمَر بْن عليّ بْن الحسين، أبو حفص البلْخيّ، الأديب، ويُعرف بأديب شيخ، ويلَّقب أيضًا بالشّيخيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ: أبا القاسم أحمد بْن محمد الخليليّ، ومحمد بْن حسين السِّمِنْجَانيّ. [ص:938]
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: قرأتُ عَلَيْهِ الشّمائل للتِّرْمِذِيّ ببلْخ، مات في جُمادى الأولى سنة ثمان.(11/937)
458 - أبو الفتوح ابن الصّلاح الفيلسوف. [المتوفى: 548 هـ]
ورَّخ موته فيها أبو يَعلى حمزة في تاريخه، وقال: كَانَ غايةً في الذّكاء، وصفاء الحسّ، والنّفاذ في العلوم الرياضية: الطب، والهندسة، والمنطق، والحساب، والنّجوم، والفقه، والتّواريخ، والآداب، بحيث وقع الإجماع عَلَيْهِ بأنّه لم يُر مثله في جميع العلوم، وكان لا يقبل من الوُلاة صِلَة، قدِم دمشقَ في أوائل العام من بغداد، ومات.(11/938)
459 - الفضل بْن سهل بن بِشر بن أحمد، الإسفراييني، ثم الدّمشقيّ، أبو المعالي بْن أَبِي الفُتُوح، ويُعرف بالأثير الحلبيّ. [المتوفى: 548 هـ]
وُلِد بمصر، ونشأ ببيت المقدس، وسافر إلى العراق، وخُراسان تاجرًا، وله شِعر وَسَط.
سَمِعَ بدمشق: أَبَاهُ، وأبا القاسم بْن أَبِي العلاء المصِّيصيّ، وأجاز لَهُ أبو بَكْر الخطيب الحافظ، وأقام بحلب مدَّة فنُسب إليها، ووعظ بها، وكان مليح الخطّ، وداخَلَ الشّيخَ أبا الفتح الإسفراييني، وزعم أنّ بينه وبينه قرابة، وكان قد سَمِعَ من أبيه كتاب " السُنَن الكبير " للنَّسائيّ، الْقَدْرَ الّذي سمعه أَبُوهُ بمصر، وحدَّث بأكثر " تاريخ بغداد " أو كله عَن الخطيب إجازةً.
قَالَ السّمعانيّ: سمعتهم يتّهمونه بالكذِب في حكاياته، وسماعه صحيح.
قلت: روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، والحافظ ابن عساكر، وجماعة، وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة: أبو الحسن بن المقير، توفي في رجب ببغداد.(11/938)
460 - اللَّيْثُ بْن أحمد بْن أَبِي الفضل، أبو الفضل البَغَويّ، وقيل: اسمه صالح. [المتوفى: 548 هـ]
شيخ من أهل القرآن والعبادة، سَمِعَ " جامع التِّرْمِذِيّ " من أَبِي سعيد [ص:939] محمد بْن عليّ بْن أَبِي صالح، روى عَنْهُ: السّمعانيّ، وقال: عُدم في إغارة الغُزّ وهو في عشر التسعين.(11/938)
461 - محمد بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن مجاهد، أبو سعد الخُسروشاهي، المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 548 هـ]
تفقّه عَلَى الإمام أبي المظفّر ابن السَّمْعانيّ، والفقيه محمد بْن عبد الرّزّاق الماخوانيّ، وكان شيخًا، صالحًا، سليم الجانب، روى عَنْهُ: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وقال: مات بعد وقعة الغُزّ بمرو في رجب.(11/939)
462 - محمد بن أحمد بن محمد بن الخليل بن أحمد، الإمام أبو سعد الخليلي النوقاني. [المتوفى: 548 هـ]
ولد في سنة سبع وستين وأربعمائة، وسمع: أبا بكر بن خلف الشيرازي.
روى عنه: عبد الرحيم ابن السمعاني، وقال: تُوُفّي في أواخر المحرّم بنوقان، رحمه الله.
قَالَ أبو سعد في " التّحبير ": هُوَ من أهل نوقان طُوس، إمام، حافظ، فقيه، مفسّر، أديب، شاعر، واعظ، حَسَن السّيرة، سَمِعَ: محمد بْن سعيد الفرخزاذيّ، وأبا الفضل محمد بْن أحمد العارف، كتبتُ عَنْهُ بنوقان في المرّات الأربع، وكان من مَفَاخِر خُراسان.(11/939)
463 - محمد بْن الحَسَن بْن أَبِي جعفر، أبو بَكْر الزَّوْزَنيّ، الأديب، [المتوفى: 548 هـ]
من أهل مَرْو.
كَانَ فقيهًا، صالحًا، أديبًا، ديِّنًا، قرأ الفقه، وسمع من: عبد الغفّار الشّيرُوِيّيّ، روى عَنْهُ: عبد الرحيم السّمعانيّ، وعُدِم في وقعة الغُزّ.(11/939)
464 - محمد بْن الحَسَن بْن محمد، أبو نصر المَرْوَزِيّ، الأديب. [المتوفى: 548 هـ]
ثقة، خيّر، تخرَّج بِهِ جماعة، سَمِعَ: محمد بْن الفضل الخرقي، وعبيد الله بن محمد الهشامي، وكامكار المَرْوَزِيَّين، أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ، وقال: مات في رجب في معاقبة الغُزّ، وله ستٌ وثمانون سنة.(11/939)
465 - محمد بْن أَبِي سعيد بْن محمد، أبو بكر المروزي، الدرغاني، البزّاز، الفقيه، [المتوفى: 548 هـ]
شريك أبي بكر محمد ابن السّمعانيّ.
قرأ قطعة من الفِقْه عَلَى: أَبِي المظفّر ابن السّمعانيّ، ثمّ أقبل عَلَى جمّع الدّنيا، وكان يشرب الخمر ويرى رأي الأوائل عَلَى ما قِيلَ، وكان مظلمًا، وكان مولده سنة نيِّفٍ وخمسين وأربعمائة، وكان يروّض نفسه ويُداريها بالأغذية، سَمِعَ: أبا الفتح عُبَيْد اللَّه الهشاميّ، وإسماعيل بْن محمد الزّاهريّ.
قُتل تحت عقوبة الغُزّ في رجب، قاله عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وحدَّث عَنْهُ.(11/940)
466 - محمد بْن عبد الله بْن الحسين بْن بُكير، أبو عليّ الفارقيّ، ثمّ الكرْخيّ، التّاجر. [المتوفى: 548 هـ]
حدَّث بمَرْو عَنْ أصحاب أَبِي عليّ بْن شاذان، تُوُفّي بنواحي جُوَيْن فِي شعبان.(11/940)
467 - مُحَمَّدِ بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدِ بْن أَبِي صالح، البِسْطاميّ، أبو عليّ الفقيه، المعروف بإمام بغداد. [المتوفى: 548 هـ]
قال ابن السَّمعانيّ: كَانَ فقيهًا، مُناظِرًا، وشاعرًا مجوِّدًا، تفقّه عَلَى إلْكِيا الهَرّاسيّ، وسمع من: أَبِي الحسن ابن العلّاف، وتُوُفّي في رجب ببلْخ، ولم يحدِّث.(11/940)
468 - محمد بن عَبْد الرَّحْمَن بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي تَوْبَة، أبو الفتْح الكُشْمِيهَنيّ، الخطيب، المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 548 هـ]
شيخ الصُّوفيَّة بمَرْو، وآخر من روى في الدّنيا عَنْ أَبِي الخير محمد بْن أَبِي عمران، سَمِعَ منه صحيح البخاريّ، وكان مولده في سنة اثنتين وستّين وأربعمائة.
روى عنه: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في الثّالث والعشرين من جُمادَى الأولى، وسمعت منه كتاب الصّحيح مرَّتين. [ص:941]
وقال ابن نُقْطَة: سَمِعَ منه صحيح البخاريّ جماعة، منهم ابنه أبو عبد الرحمن محمد بْن محمد، وشريفة بِنْت أحمد بْن عليّ الغازي، ومسعود بْن محمود المَنِيعيّ، وقال: قَالَ أبو سعد: كَانَ شيخ مَرْو في عصره، تفقّه عَلَى جدّي وصاهَرَهُ عَلَى بِنْت أخيه، لم أر في شيوخ الصُّوفيَّة مثله، وكان لي مثل الوالد للمودَّة الأكيدة، سَمِعَ من الجدّ، ومن: أَبِي الفضل محمد بْن أحمد العارف المِيهَنيّ، وهبة اللَّه بْن عبد الوارث، سمعتُ منه الكثير، وأضرّ في الآخر، قال: ومولده في ذي القعدة سنة إحدى وستّين، إلى أن قَالَ السَّمْعانيّ: كَانَ عالمًا، حَسَن السّيرة، جميل الأمر، سخيًّا، مُكرِمًا للغُرباء، وكان سماعه للصّحيح سنة إحدى وسبعين بقراءة الحافظ أبي جعفر الهمذاني، عمره تسع سنين.(11/940)
469 - محمد بن عَبْد الرَّحْمَن بن محمد بن عبد الرحمن، أبو طالب الكنجروذيُّ النَّيسابوريُّ الحيريُّ الجيزبارانيُّ. [المتوفى: 548 هـ]
سمع أبا الحسن أحمد بن عبد الرحيم الإسماعيلي، والفضل بن عبد الله بن المُحب، وأبا إسحاق الشِّيرازي الفقيه، ومحمد بن إسماعيل التفليسي، وغيرهم. وولد سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وقال: توفي في خامس رجب، وكان من بقايا الشيوخ.
وروى عنه القاسم ابن الصفار، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا عبد الجبار بن عبد الخالق بن زاهر.(11/941)
470 - محمد بْن عبد الكريم بْن أحمد، أبو الفتح بْن أَبِي القاسم الشَّهْرَسْتَانيّ، المتكلِّم، ويلقَّب بالأفضل. [المتوفى: 548 هـ]
كَانَ إمامًا، مبرِّزًا في عِلم الكلام والنَّظَر، تفقَّه عَلَى أحمد الخَوَافيّ، وبرع في الفِقْه، وقرأ الكلام والأُصول عَلَى أَبِي نصر ابن القُشيري، وأخذ عَنْهُ طريقة الأَشْعَريّ، وقرأ الكلام أيضًا عَلَى الأستاذ أَبِي القاسم الأنصاريّ. [ص:942]
وصنَّف كتاب " الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ "، وكتاب " نهاية الإقدام "، وغير ذلك.
وكان كثير المحفوظ، مليح الوعظ، دخل بغداد سنة عشر وخمسمائة، وأقام بها ثلاث سنين، ووعظ بها، وظهر له قبول عند العوام، وقد سَمِعَ بنَيْسابور من: أَبِي الحسن عليّ بن أحمد المديني، وغيره.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كتبت عَنْهُ بمَرْو، وقال لي: وُلِدتُ بشهرسْتان في سنة سبْعٍ وستين وأربعمائة، وبها تُوُفّي في أواخر شعبان، غير أنّه كَانَ مُتَّهمًا بالمَيْل إلى أهل القلاع، يعني الإسماعيلية، والدعوة إليهم، والنصرة لطامّاتهم.
وقال في " التحبير ": هو من أهل شهرستانة، كَانَ إمامًا أُصوليًّا، عارفًا بالأدب والعلوم المهجورة، وهو مُتَّهَمٌ بالإلحاد والمَيْل إليهم، غالٍ في التَّشَيُّع.
ثم ذكر نحْوًا ممّا تقدَّم، لكن قَالَ في مولده سنة تسعٍ، بَدَل سبْع، فالله أعلم.(11/941)
471 - محمد بْن عُمَر بْن محمد بْن عليّ، الإمام أبو الفتْح الشِّيرَزِيّ، السَّرْخَسِيّ، ثمّ المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 548 هـ]
فقيه، فاضل، مُنَاظِر، شاعر، سَمِعَ بنفسه من جماعة كأبي نصر محمد بْن محمد الماهياني، ومحمد بْن عبد الواحد الدّقّاق، وأبي بَكْر عبد الغفّار الشِّيرُوِيّيّ.
قُتِلَ في عاشر رجب بمَرْو فيمن قُتل، روى عَنْهُ: عبد الرحيم السّمعانيّ.(11/942)
472 - محمد بْن محمد بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي سهل بْن أَبِي طلْحة، الحافظ أبو طاهر بْن أَبِي بَكْر المَرْوَزِيّ، السِّنْجيّ، المؤذّن، الخطيب. [المتوفى: 548 هـ]
وُلِد بقرية سَنْج العُظْمَى في سنة ثلاث وستين وأربعمائة أو قبلها، وسمع الكثير، ورحل إلى نَيْسابور، وبغداد، وأصبهان، وتفقَّه أولًا عَلَى الإمام أَبِي المظفّر ابن السمعاني، وعلى: عبد الرحمن الزاز، وكتب الكثير، وحصّل.
وقال أبو سعد السمعاني: كان إمامًا، ورعًا، متهجدًا، متواضعًا، سريع الدّمْعة، سَمِعَ: إسماعيل بْن محمد الزّاهريّ، وأبا بَكْر محمد بْن عليّ الشّاشيّ الفقيه، وعليّ بْن أحمد المَدِينيّ، ونصر اللَّه بْن أحمد الخُشنامي، وفَيد بْن [ص:943] عبد الرحمن الشّعرانيّ الهَمَذَانيّ، والشّريف محمد بْن عبد السلام الأنصاري، وثابت ابن بُندار، وجعفرا السّرّاج، وأبا البقاء المعمّر الحبّال، وعبد الملك بن بتنة لمّا حَجّ، وأبا بَكْر أحمد بْن محمد الحافظ ابن مردوَيْه، وأبا سعد المطرّز، وعبد الرحمن بْن حَمْد الدُّونيّ، وعبد اللَّه بْن أحمد النَّيْسابوريّ صاحب عبد الغافر الفارسيّ، وخلْقًا سواهم، وكان من أخصّ أصحاب والدي في الحَضَر والسَّفَر، سَمِعَ الكثير معه، ونسخ لنفسه ولغيره، وله معرفة بالحديث، وهو ثقة، ديِّن، قانع بما هُوَ فيه، كثير التّلاوة، حجّ مَعَ والدي، وكان يتولّى أموري بعد والدي، وسمعتُ من لفْظه الكثير، وكان يلي الخطابة بمَرْو في الجامع الأقدم، وتُوُفّي في التّاسع والعشرين من شوّال.
قلت: سَمِعَ منه: عبد الرحيم ابن السّمعانيّ " سُنَن النَّسائيّ "، " وصحيح مسلم "، وكتاب " الرِّقاق " لابن المبارك، بروايته لَهُ عَنْ إسماعيل الزّاهريّ، عَنْ إسماعيل بْن ينال المحبوبيّ، وكتاب "حلية الأولياء " لأبي نُعيم، وكتاب " الأحاديث الألف " لشيخه الإمام أبي المظفر عبد الجبار ابن السّمعانيّ، وأشياء أُخَر.(11/942)
473 - محمد بْن محمد بْن محمد بْن خَلَف، العدْل، أبو نصر البلْخيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ من: أحمد بْن محمد الخليليّ.
قَالَ السّمعانيّ: كتبت عَنْهُ ببلْخ، ووُلد في سنة اثنتين وسبعين، وله إجازة من القاضي الخليل بْن أحمد السِّجْزِيّ، مات في صَفَر.(11/943)
474 - محمد بْن محمد بْن منصور، أبو سعد المَرْوَزِيّ، الغزّال، الغازي. [المتوفى: 548 هـ]
قُتِلَ في وقعة الغُزّ بمَرَو، روى عنه: عبد الرحيم السمعاني، قال: حدثنا أبو الفتح عُبَيْد اللَّه بْن محمد بْن أزدشير بن محمد الهشامي، قال: أخبرنا جدّي، فذكر حديثًا.(11/943)
475 - محمد بْن محمد بْن أَبِي الخير، أبو بَكْر الصُّوفيّ الشِّيرازيّ، ثمّ المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 548 هـ]
حدَّث عَنْهُ عبد الرحيم ابن السمعاني، وهو من كُهُول شيوخه، وَقُتِلَ في وقعة الغُزّ.(11/944)
476 - محمد بْن المفضّل بْن سيار بْن محمد، أبو عبد الله الهروي، الدهان، وهو محمد أميرجة. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ بإفادة عمّه صاعد بْن سَيّار من: أبي عبد الله محمد بن علي العُمَيْريّ، والقاضي أَبِي عامر الأزْديّ، وأبي عطاء عبد الأعلى بن عبد الواحد المليحي، ونجيب بْن ميمون، وجماعة، وحدَّث بمَرْو، وهَرَاة.
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه " جامع التِّرْمِذيّ "، وسمعتُ منه " درجات التائبين " لإسماعيل المقرئ، بروايته عن أبي عطاء المليحي، عَنْهُ، ووُلِد في سنة خمسٍ وسبعين، وتُوُفّي في ذي الحجة بمرو.
وأخوه أبو نصر محمد بن المفضل، ولد سنة سبع وثمانين، وسمع من أبي عطاء المليحي وصاعد بن سيار القاضي، روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني أيضا، في " التحبير " للسمعاني في ربيع الآخر سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وقد نبهت على ذلك.(11/944)
477 - محمد بْن نصر بْن صغير بْن خَالِد، أبو عبد الله القَيْسَرانيّ، الأديب، [المتوفى: 548 هـ]
صاحب الدّيوان المشهور، وحامل لواء الشِّعْر في زمانه.
وُلِد بعكّا، ونشأ بقَيْساريَّة فنُسِب إليها، وسكن دمشق وامتدح الملوك والكبار، وتولّى إدارة السّاعات الّتي عَلَى باب الجامع، وسكن فيها في دولة تاج المُلوك وبعده، ثمّ سكن حلب مدَّةً، وولي بها خزانة الكُتُب، وتردَّد إلى دمشق، وبها مات، وقد قرأ الأدب عَلَى توفيق بن محمد، وأتقن الهندسة، والهيئة، والحساب، والنجوم، وصحب أبا عبد الله ابن الخياط الشاعر، فتخرّج به في القريض، وانطلق لسانُه بشِعْرٍ أرَقّ من نسيم السحَر، وألذّ من سماع الوَتَر، ودخل بغداد، ومدح صاحب ديوان الإنشاء بها سديد الدولة محمد ابن الأنباري. [ص:945]
ومن شِعره:
مَن لقلبٍ يألَفُ الفكَرا ... ولعينٍ ما تذوق كَرا
ولصبٍ بالغرامِ قَضَى ... ما قضى من حُبّكم وطَرا
ويحَ قلبي من هَوى قمر ... أنكرتْ عيني لَهُ القَمَرا
حالفتْ أجفانَه سِنَة ... قتلتْ عُشّاقَه سَهَرا
يا خليليَّ اعذرا دنِفًا ... يصطفي في الحب من عذرا
وذَرَاني من ملامكُما ... إنّ لي في سَلْوتي نَظَرا
وله:
سقى اللَّه بالزَّوْراء من جانب الغرب ... مهًا وردت ماء الحياة من القلبِ
عفائف إلّا عَنْ مُعاقرة الهَوَى ... ضعائف إلّا عَنْ مغالبةِ الصبِ
تظلّمت من أجفانِهنّ إلى النَّوَى ... سِفَاهًا، وهل يُعدى البعادُ عَلَى القُرب
ولمّا دنا التّوديعُ قلتُ لصاحبي ... حَنَانَيْكَ، سِر بي عَنْ ملاحَظَة السِّرْبِ
إذا كانت الأحداق نوعًا من الظُبى ... فلا شكّ أنّ اللَّحْظ ضربٌ من الضَّرْبِ
تقضّى زماني بين بينٍ وهجرةٍ ... فَحَتّامَ لا يصْحُو فؤادي من الحب
وأهوى الّذي أهوى لَهُ البدرُ ساجدًا ... ألستَ تَرى في وجهه أثَرَ التربِ
وأَعجب ما في خمر عينيه أنها ... تضاعف سُكري كلما قللتُ شُرْبي
وما زال عُوّادي يقولون: من بِهِ ... وأَكتُمُهُم حتَى سألتُهُم: مَن بي
فصرت إذا ما هزّني الشوق هزة ... أحلت عذولي في الغرام على صحبي
وعند الصبا منّا حديثٌ كأنَّه ... إذا دار بين الشّرب رَيْحانة الشُّرْب
تنمُّ عَلَيْهِ نفحةٌ بابِليَّةٌ ... نمت من ثناياها إلى البارد العَذْبِ
تُراحُ لها الأرواحُ حتّى تظنّها ... نسيمَ جمال الدّين هبّ عَلَى الرَّكْبِ
وخرج إلى مديح الوزير جمال الدّين أَبِي المحاسن عليّ بْن محمد.
ومن شعره: [ص:946]
يا هِلالًا لاح في شفقِ ... أعْفِ أَجْفاني من الأرقِ
فُكَّ قلبي يا مُعَذِّبَه ... فَهْوَ من صدغيك في حلقِ
وله في خطيب:
شُرح المنبرُ صدْرًا ... لِتَلَقِّيك رحيبا
أتُرَى ضَمَّ خطيبًا ... منكَ، أمْ ضُمِّخ طِيبا؟
قَالَ ابن السّمعانيّ: هُوَ أشعر رَجُل رأيته بالشّام، غزير الفضل، لَهُ معرفة تامَّة باللّغة والأدب، وله شِعْر أرقُّ من الماء الزلال، سألته عن مولده، فقال: سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بعكّا.
وقال الحافظ ابن عساكر: لمّا قدِم القَيْسَرانيّ دمشق آخر قدمة نزل بمسجد الوزير ظاهر البلد، وأخذ لنفسه طالَعًا، فلم ينفعه تنجيمه، ولم تَطُلْ مدّتُه، وكان قد أنشد والي دمشق قصيدةً، مدحه بها يوم الجمعة، فأنشده إياها وهو محموم، فلم تأتِ عَلَيْهِ الجمعة الأخرى، وكنت وجدتُ أخي قاصدًا عيادته فاستصحبني معه، فقلت لأخي في الطريق: إني أظن القيسراني سيلحق ابن منير كما لحق جريرُ الفرزدق، فكان كما ظننت، فلما دخلنا عَلَيْهِ وجدناه جالسًا، ولم نر من حاله ما يدلّ عَلَى الموت، وذكر أنّه قد تناول مُسهلًا خفيفًا، فَبَلَغَنَا بعد ذَلكَ أنّه عمل معه عملًا كثيرًا، فمات ليلة الأربعاء الثّاني والعشرين من شعبان، ودُفن بباب الفراديس.
قلت: وفي أولاده جماعة وزراء وفُضلاء.(11/944)
478 - محمد بن يحيى بن أبي منصور، العلّامة أبو سعد النَّيْسابوريّ، الفقيه الشّافعيّ محيي الدّين، [المتوفى: 548 هـ]
تلميذ الغزاليّ.
تفقّه عَلَى: أَبِي حامد الغزاليّ، وأبي المظفَّر أحمد بْن محمد الخَوَافيّ، وبرع في الفقه، وصنَّف في المذهب والخلاف، وانتهت إليه رياسة الفُقهاء بنَيْسابور، ورحل الفقهاء إلى الأخْذ عَنْهُ من النّواحي، واشتهر اسمه، وصنّف [ص:947] كتاب " المحيط في شرح الوسيط "، وكتاب " الانتصاف في مسائل الخلاف "، ودرّس بنظاميَّة نَيْسابور، وتخرَّج بِهِ أئمَّة.
قَالَ القاضي ابن خَلِّكان: هُوَ أستاذ المتأخَرين، وأوحدهم عِلْمًا وزُهدًا، سَمِعَ الحديث سنة ستٍّ وتسعين من أَبِي حامد أحمد بْن عليّ بْن عَبْدُوسَ، وكان مولده سنة ستٍّ وسبعين بطرَيثيث، ويُنسب إِلَيْهِ من الشِّعْر بيتان وهما:
وقالوا: يصيرُ الشِّعْرُ في الماء حيَّةً ... إذا الشَّمْسُ لاقَتْه فما خِلته حقّا
فلمّا الْتَوَى صُدغاه في ماء وجهِهِ ... وقد لَسَعا قلْبي تَيَقَّنتُهُ صِدقا
ولعليّ بْن أَبِي القاسم البَيْهَقيّ فيه يرثيه وقد قتلته الغُزّ:
يا سافكًا دم عالمٍ متبحّر ... قد طار في أقْصى الممالكِ صيتُه
بالله قُلْ لي يا ظَلُومُ ولا تَخَفْ ... من كَانَ مُحيي الدين كيف تُميتُه؟
ومما قيل فيه:
رفاتُ الدّين والإسلام تُحيى ... بمُحيي الدّين مولانا ابن يحيى
كأنّ اللَّه ربَّ العرشِ يُلقي ... عَلَيْهِ حين يُلْقي الدّرْسَ وَحْيا
قَتَلَتْه الغُزْ، قاتَلَهَم اللَّه، حين دخلوا نَيْسابور في رمضان، دسّوا في فيه التّراب حتّى مات، رحمه اللَّه.
وقال السّمعانيّ: سنة تسعٍ في حادي عشر شوّال بالجامع الجديد، قَتَلَتْه الغُزّ لمّا أغاروا عَلَى نَيْسابور، قَالَ: ورأيته في المنام، فسألته عَنْ حاله، فقال: غُفر لي، وكان والده من أهل جَنزة، فقدِم نَيْسابور، لأجل القُشَيْريّ، وصحبه مدة، وجاور، وتعبّد، وابنه كان أنْظَرَ الخُراسانيّين في عصره، وقد سَمِعَ من: نصر الله الخُشنامي، وجماعة، كتبت عنه.(11/946)
479 - محمود بْن الحسين بْن بُندار بْن محمد، أبو نَجِيح بْن أَبِي الرّجاء الطَّلْحيّ، الأصبهانيّ، الواعظ. [المتوفى: 548 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: وُلِد في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وسمع: مكّيّ بْن منصور الثَّقَفيّ، وأحمد بْن عبد الله السّوذَرْجانيّ، وأبا مطيع محمد بْن [ص:948] عبد الواحد، وورد بغداد، وسمع الكثير بقراءته عَلَى ابن الحُصين، وطبقته، وله قبولٌ تامٌّ في الوعظ عند العامَّة، وهو شيخ، متودّد، مطبوع، كريم، حريص عَلَى طلب الحديث، كتبت عنه، وكتب عني أيضا، وتُوُفّي في سَلْخ ربيع الآخر.
قلت: وروى عنه: ابن عساكر، وأبو أحمد ابن سُكينة.(11/947)
480 - محمود بْن كاكوَيْه بْن أَبِي عليّ، أبو القاسم المَرْوَروذيُّ. [المتوفى: 548 هـ]
ولد سنة ستين وأربعمائة، وحدّث بـ " جامع " أَبِي عيسى، عَنْ عمّه أَبِي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله العلائي، عن الجراحي.
توفي في أحد الربيعين أو الجماديين.(11/948)
481 - المطهر بن محمد بن محمد بن محمد ابن الأستاذ أبو طاهر الطوسي الصوفي [المتوفى: 548 هـ]
شيخ الصوفية بطوس.
كَانَ يخدمهم، ويحصّل الأموال، ويُنفق عليهم، حدَّث عن: أبي الفتح ناصر العيّاضي، وقُتل صبرًا بمَرْو في فتنة الغُز في رجب، روى عنه: عبد الرحيم السمعاني.(11/948)
482 - ناصر بْن حمزة، أبو المناقب بْن طَبَاطَبَا العلويّ، الأصبهانيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ " جزء لُوَيْن " من ابن ماجة الأَبْهَرِيّ، أخذ عَنْهُ: السّمعانيّ، وقال: مات في ربيع الآخر.(11/948)
483 - نصر بن أحمد بن مُقَاتِل بْن مَطْكُود، أبو القاسم السُّوسيّ، ثمّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سَمِعَ من: جدّه، وأبي القاسم بْن أَبِي العلاء المصِّيصيّ، وأبي عبد الله بْن أبي الحديد، وسهل بن بشر الإسفراييني، روى عنه: أبو القاسم ابن عساكر، وابنه القاسم، والحافظ أبو المواهب بْن صَصْرَى، وأخوه أبو القاسم، وطُرْخان بْن ماضي الشّاغوريّ، وآخرون.
قَالَ ابن عساكر: كَانَ شيخًا مستورًا، لم يكن الحديث من شأنه، تُوُفّي في تاسع عشر ربيع الأوّل.
قلت: وهو راوي جزء علي بن حرب، راوية البلديين.(11/948)
484 - النُّعْمان بْن محمد بْن النُّعْمان، أبو سهل الباجْخُوسْتي، [المتوفى: 548 هـ]
وهي من قُرى مَرْو.
شيخ صالح، متعبّد، خيِّر، فلّاح يأكل من زراعته، ثمّ عجز ولزِم بيته، روى عَن الأديب كامكار المحتاجي.
قال عبد الرحيم ابن السمعاني: سمعت منه أوراقًا، وتوفي في أواخر رمضان، وله نيِّفٌ وثمانون سنة.(11/949)
485 - هبة اللَّه بْن الحسين بْن عليّ بْن محمد بْن عبد الله، أبو القاسم بْن أَبِي عبد الله بْن أَبِي شَرِيك البغداديّ الحاسب. [المتوفى: 548 هـ]
سمع: أباه، وأبا الحسين ابن النَّقُّور.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: كتبت عَنْهُ، وكان عَلَى التَّرِكات، وكانت الألسنة مُجْمِعَة عَلَى الثناء السيئ عَلَيْهِ، وكانوا يقولون: إنّه ليست لَهُ طريقة محمودة، وقال لي: وُلِدتُ في صَفَر سنة إحدى وستين وأربعمائة، تُوُفّي فيما بين أواخر صفر وأوائل ربيع الأول.
قلت: روى عَنْهُ: أبو الفُتُوح محمد بن علي الجلاجلي، والحافظ أبو الفرج ابن الجوزيّ، والفتح بْن عبد السّلام، وآخرون.
أَخْبَرَنَا أحمد بن إسحاق، قال: أخبرنا الفتح بن عبد السلام، قال: أخبرنا هبة الله بن أبي شريك، قال: أخبرنا أحمد بن محمد البزاز، قال: حدثنا عيسى بن علي، قال: أخبرنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء، قال: حدثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله علي وَسَلَّمَ: " مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ فَلَهُ مِثْلُ أجره ".(11/949)
486 - هبة الكريم بْن خَلَف بْن المبارك بْن البطر، أبو نصر ابن الحنبليّ، البغداديّ، البَيِّع. [المتوفى: 548 هـ]
تفقّه عَلَى أسعد المِيهَنيّ، ثمّ ترك الفِقْه، واشتغل بالكَسْب والتّجارة، سَمِعَ قرابته أبا الخطاب بن البطر، روى عنه: أبو سعد ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في ثامن ربيع الآخر.(11/950)
487 - يحيى بن إبراهيم بن أحمد، أبو بكر بن أبي طاهر السَّلماسيُّ الواعظ الصوفيُّ. [المتوفى: 548 هـ]
قَدِمَ دمشق في هذه السنة، ووعظ، ونزل بخانقاه السُّميساطية، وحدَّث عن أبيه، وخليل بن شعبان، ونصر بن محمد بن صفوان المَوْصلي، ومحمود ابن سعادة، وجماعة. وكان حنبليًّا.
روى عنه أبو القاسم ابن عساكر، وعبد الرحمن بن علي ابن الجوزي، وعبد الوهَّاب بن مُنَجَّى، وأبو القاسم بن صصرى، وآخرون.
قال ابن عساكر: صنَّف كتاباً سمَّاه: "باب المدينة" في فضائل عليّ رضي الله عنه، وتقرَّب إلى الأجل أبي الفوارس ابن الصوفي أبان فيه عن قلة معرفة بالحديث وكثرة نفاقه في الاعتقاد. وقد ولد في سنة أربع وسبعين وأربع مئة.(11/950)
488 - يحيى بْن الحسين بْن سعيد، أبو زكريّا الغَزْنَويّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 548 هـ]
سافر من غَزْنَة إلى خُراسان، والعراق، والشّام، وركب البحار، وسمع بسِجِسْتَان من: أَبِي نصر هبة اللَّه بْن عبد الجبّار، وبكَرْمان: أبا غانم أحمد بْن رضوان.
روى عنه: عبد الرحيم ابن السمعاني، وقال: مات في أواخر السنة، وجاوز السبعين.(11/950)
489 - يوسف بن محمد بن فاره، أبو الحَجّاج الأنصاريّ، الأندلسيّ. [المتوفى: 548 هـ][ص:951]
نشأ بجَيَّان، وقدِم العراق، ودخل خُراسان، وسمع الكثير ونسخ وجمع، وسمع مع ابن عساكر، وابن السّمعانيّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ شابًّا، صالحًا، ديِّنًا، خيِّرًا، حريصًا عَلَى طلب العِلم، مُجِدًّا في السَّماع، صحيح النَّقْل، حَسَن الخطّ، لَهُ معرفة بالحديث، كتب عنّي وكتبت عَنْهُ، وكان حَسَن الأخلاق، متودّدًا، متواضعًا، يفيد النّاس ويُسْمِعُهم ويقرأ لهم، ثمّ دخل بلخ، وصار إمام مسجد راغوم إلى أن مات.
وقال لي: وُلِدتُ سنة بِضْعٍ وتسعين وأربعمائة، وقد أسره الفَرَنْج وقاسى شدائد، وخلّصه اللَّه، تُوُفّي ببلْخ في سلْخ ذي القعدة.
قلت: لم يذكره أبو عبد الله الأبّار.(11/950)
490 - أبو الحسين بْن عبد الله بْن حمزة المَقْدِسيّ، الزّاهد. [المتوفى: 548 هـ]
من أُولي المقامات والكرامات، قد جمع الضياء المقدسي جزءًا في أخباره، فسمعه منه بفوت ابنا أخَوَيه: الفخر بْن عليّ البخاريّ، والشّمس محمد ابن الكمال.
قال: حدَّثني الإمام عبد الله بْن أَبِي الحسن الحيّاني بأصبهان، قَالَ: مضيت إلى زيارة الشيخ أَبِي الحسين الزّاهد بحلب، ولم تكن نيّتي صادقة في زيارته، فخرج إليَّ وقال: إذا جئت إلى المشايخ فلْتَكُنْ نيّتُك صادقة في الزّيارة، وقال: كَانَ لي شَعرٌ قد طال، وكنت قد حلقْته قبل ذَلكَ، فقال لي أبو الحسين: إذا كنت قد جعلت شيئًا لله فلا ترجع فيه.
سَأَلت خالي أبا عُمَر عَن الشّيخ أَبِي الحسين، وقلت لَهُ: هل رأيته يأكل شيئًا؟ قَالَ: رأيته يأكل خَرُّوبًا، يمتصّه ثمّ يرمي بِهِ، ورأيته يأكل بَقْلًا مسلوقًا.
قَالَ: ونقلت من خطّ الإمام أَبِي سعد السّمعانيّ قَالَ: سَمِعْتُ سِنَان بْن مُشيّع الرَّقّيّ يَقُولُ: رَأَيْت أبا الحسين المقدسيّ برأس العين، في موضعٍ قاعدًا عُريانًا، وقد اتّزر بقميصه، ومعه حمار، والنّاس قد تكابّوا عَلَيْهِ، فجئت وطالعته، فأبصرني وقال: تعال، فتقدَّمتُ، فأخذ بيدي وقال: نَتَوَاخَى؟ قلت: ما لي طاقة، فقال: أيْش لك في هذا، وآخاني، وقال لواحدٍ من [ص:952] الجماعة: حماري يحتاج إلى رَسَن، بِكَمْ رسَنَ؟ قالوا: بأربعة فلوس، فقال لواحد، وأشار إلى موضع في الحائط: فإنّي جُزت ههنا وقتًا، وخبّأت ثم أربع فلوس، اشتروا لي بها حبلًا، فأخذ الرجل الأربع فلوس، ثمّ قَالَ: أريد أن تشتري لي بدينار سمك، قلت لَهُ: كرامة، ومن أين لك ذهب؟ قَالَ: بلى، معي ذهب كثير، قلت: الذهب يكون أحمر، قال: أحمر، قال: أبصِر تحت الحشيش، فإنّي أظنّ أنّ لي فيه دينارًا، وكان ثمَّ حشيش، فنحّيت الحشيشَ، فخرج دينار وازن، فاشتريت لَهُ بِهِ سَمَكًا، فنظّفه بيده، وشواه، ثمّ قلاه، ثمّ أخرج منه الجلْد والعَظْم، وجعله أقراصًا، وجفّفه، وتركه في الجُراب، ومضى، وكان قُوتُه مِن ذا، وله كذا وكذا سنة ما أكل الخبز، وكان يسكن جبال الشّام، ويأكل البلُّوط والخرنوب.
قَالَ: وقرأت بخطّ أَبِي الحَجّاج يوسف بْن محمد بْن مُقَلّد الدّمشقيّ أنّه سَمِعَ من الشّيخ أَبِي الحسين أبياتًا من الشِّعْر بمسجد باب الفراديس، ثمّ قَالَ: وهذا الشّيخ عظيم الشّأن، يقعد نحو خمسة عشر يومًا لا يأكل إلّا أكلةً واحدة، وأنّه يتقوّت من الخرنوب البرّيّ، وأنّه يجفِّف السّمك ويدقّه، ويَسْتَفُّه.
وحدَّثني الإمام يوسف ابن الشّيخ أَبِي الحسين الزّاهد المقدسيّ أنّ رجلًا كَانَ مَعَ الشّيخ، فرأى معه صُرَّة يَسْتَفُّ منها، فمضى الشّيخ يومًا وتركها، فأبصر الرجل ما فيها، فإذا فيها شيء مرّ، فتركها، فجاء الشّيخ، فقال لَهُ: يا شيخ، ما في هذه الصرَّة؟ فأخذ منها كَفًّا وقال: كُل، قَالَ: فأكلته، فإذا هُوَ سُكّر مَلْتُوت بقلب لوز.
وأخبرنا أبو المظفّر ابن السّمعانيّ، عَنْ والده، قَالَ: سمعتُ الشّيخ عبد الواحد بن عبد الملك الزاهد بالكرج يَقُولُ: سمعتُ أبا الحسين المقدسيّ، وكان صاحب آيات وكرامات عجيبة، وكان طاف الدّنيا، يَقُولُ: رَأَيْت أعْجميًا بخُراسان يتكلَّم في الوعظ بكلامٍ حَسَن، قلت: في أيّها رَأَيْت؟ قَالَ: في مَرْو، واسمه يوسف، يعني يوسف بْن أيّوب الزّاهد، قَالَ عبد الواحد: ورأيته في غير الموسم، يعني أبا الحسين، بمكَّة مرّات، فسلّمت عَلَيْهِ، فعرفني وسألني، فقلت لَهُ: أيْش هذه الحالة؟ فقال: اجتزت ههنا، فأردت أن أطوف وأزور. [ص:953]
قال: وحدّثني أبو تمام حمد بْن تُركي بْن ماضي بْن معرّف بقرية دجانية، قَالَ: حدَّثني جدّي، قَالَ: كنّا بعسقلان في يوم عيدٍ، فجاء أبو الحسين الزّاهد إلى امرأةٍ معها خُبْزٌ سُخن، فقال: يا أُمَّ فلان، نشتهي من هذا الخبز السُّخْن لزوجك، وكان في الحَجّ، فناولتْه رغيفين، فلفّهما في مِئْزَر، ومضى إلى مكَّة، فقال: خُذ هذا من عند أهلك، وأخرجه سُخنًا، ورجع، فقالوا: إنّهم رأوه ضَحْوةً بعسقلان، ورأوه ذَلكَ اليوم بمكَّة، فجاء الرجل من الحَجّ، فلقي أبا الحسين، فقال: ما أنت أعطيتني رغيفين؟ قَالَ: لا تفعل قد اشتبه عليك.
وحدّثني قَالَ: حدّثني جدّي، قَالَ: كَانَ أبو الحسين بعسقلان فوصّوا البوابين لا يخلّوه يخرج لئلّا تأخذه الفِرَنج، فجاء إلى باب، وعمل أبو الحسين طرف قميصه في فيه، وسعى من الباب، قَالَ: فإذا هو في جبل لبنان، قال: فقال لنفسه: ويْلَك يا أبا الحسين، وأنت ممّن بلغ إلى هذه المنزلة، أو كما قَالَ.
وسمعت الإمام الزّاهد أحمد بْن مسعود القُرَشي اليَمَانيّ يقول: حدّثني أَبِي قَالَ: قَالَتِ الفرنج: لو أنّ فيكم رجلًا آخر مثل أَبِي الحسين لاتَّبعناكم عَلَى دينكم، مرّوا يومًا فإذا هُوَ راكبٌ عَلَى سَبُعٍ، وفي يده حيَّة، فلمّا رآهم نزل ومضى.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: سَمِعْتُ الزاهد عبد الواحد بالكرج، قال: سمعت الكُفّار يقولون: الأُسُود والنُّمور كأنّها نِعم أَبِي الحسين المقدسيّ.
قَالَ الضّياء: وقد سمِعْنا لَهُ غير ذَلكَ من مَشْيِ الأسد معه.
وحكى لَهُ الضّياء، فيما رواه، أنّه عمل مرَّةً حلاوة من قشور البطيخ، فغرف حلاوة من أحسن الحلاوة.
قال: وحدثني الإمام عبد المحسّن بن محمد ابن الشيخ أبي الحسين، قال: حدّثني أَبِي، قَالَ: كَانَ والدي يعمل لنا الحلاوة مِن قُشور البِطِّيخ ويسوطها بيده، قَالَ: فعمِلْنا بعد موته من قُشور البِطّيخ، فلم تنعمل، فقالت أمّي: بقيت تُعْوِزُ المِغْرَفَة، تعني يَدَه.
حدّثني الإمام عبد الرحمن بْن محمد بن عبد الجبار، قال: حدّثني جمال [ص:954] الدولة سنقر ابن التماني، قَالَ: جاء الشّيخ أبو الحسين عندنا مرَّةً إلى سوق العرب، فقلنا لَهُ: يا شيخ ما تُطعمنا حلاوة، قال: هاتوا لنا مرجلا، فجِئنا لَهُ بمِرْجَلٍ، فجمع قُشور البِطّيخ، وتركه فيه، وأوقد تحته، وجعل يسوطه بيده، فصار حلاوةً ما رأينا مثلَها، لا قراضيَّة ولا صابونيَّة.
قَالَ: وسمعت عبد الله بْن عبد الجبّار البدوي بديرة بظاهر القدس قال: حدّثني عيسى المصريّ، قَالَ: جاء أبو الحسين إلى حلب، فقال لَهُ رَجُل: تنزل عندي، قَالَ: عَلَى شرط أنزل أين أردت، فقال: نعم، فجاء فنزل في الحشّ.
حدّثني الحاجّ نجم الدين بْن سعد بدجانية، قَالَ: حدَّثني الشّيخ أحمد بْن مسعود اليَمَانيّ قَالَ: جاء أبو الحسين إلى أَبِي وأنا صبيّ، فقال: يا شيخ، قُل للجماعة يعطوني جزوي من العِنَب، فجاء ذا بسَلّ عِنَب، وذا بسلّ، حتى صار منه شيء كثير، فقال لي: تعالَ اعصُره، قَالَ: فبقيت أَطَأُهُ حتى ينعصر، وجعله في قِدْرٍ، وغلى عَلَيْهِ، فصار دبْسًا، وجاء إلى خرْقٍ في الأرض، وصبّه فيه، ويقول: امضِ إلى أخي الفلانيّ في البلد الفُلانيّ، ويسمّى أصدقاءه حتّى فرغ منه.
وحدَّثني خالي الزّاهد أبو عُمَر، قَالَ: كَانَ أبو الحسين يأتي إلى عندنا، وكان يقطع البطيخ ويطبخه، واستعار مني سكينًا لي يقطع بها البِطِّيخ فَجَرَحَتْه، فقال: ما سِكّينُك إلّا حمقاء.
ومشى هُوَ وسالم أبو أحمد وعمّي إلى صَرْخَد، ومعه رجلٌ مصريّ، فحمّله على رأسه جَرَّةً صغيرة فيها ماء بِطّيخ مطبوخ، وفي يده شربة أيضًا، فلمّا وصلوا إلى الغَوْر انكسرت الشّرْبة، وبقيت تِلْكَ عَلَى رأسه، فانعقر رأسُه منها، فلمّا وصلوا إلى حَوْران، قَالَ: هاتِ حتى نزرع البطيخ، فاقلبها في الأرض.
سمعت خالي أبا عمر قال: حدّثني خالي إسماعيل، قَالَ: جاء أبو الحسين إلى عندنا مرَّةً، فقال: اطبخوا لي طبيخًا، فطبخنا، فأخذه ومضى إلى الْجَبَل، وجاء إلى زردة فصبَّه فيها.
قَالَ الضّياء: والحكايات عَنْهُ في طبْخه لماء البطيخ مشهورة.
وقال: ذكر أنّ النّار كَانَ يدخلها وحملها في ثوبه، سمعت الحاج حرميّ [ص:955] ابن فارس بالأرض المقدّسة، قَالَ: حدّثتني امرأةٌ كبيرة من قريتنا أنّ أختها كانت زَوْجَة أَبِي الحسين الزّاهد، فذكرت عَنْهُ أنّه دخل تَنُّورًا فيه نار، وخرج منه.
قَالَ: وسمعت الزّاهد عبد الحميد بْن أحمد بْن إسماعيل المقدسيّ يقول: حدّثني أَبِي، أنّه رَأَى أبا الحسين يوقد نارًا يطبخ رِبًّا، ومعه سلّ يسقي فيه، أظنّه قَالَ بيده، ثمّ يبدّد النّار، ويأتي بالماء في السّلّ، فيقلبه عَلَى الرِّبّ.
حدَّثني الإمام أبو عبد الله محمد بْن إسماعيل بن أحمد بقرية مردا، قال: حدثنا أبو يوسف حَسَن، قَالَ: كنت مَعَ أَبِي الحسين الزّاهد، فجئنا إلى قريةٍ، وإذا عندهم نار عظيمة، فقال: اعطوني من هذه النار، فجاؤوا إليه بقطعة جرة فملؤوها فقال: صُبُّوها في مِلْحَفَتي، فصبّوها في مِلْحَفَتِه، فأخذها ومضى، وحدَّثني آخر هذه الحكاية عَنْ أَبِي يوسف.
وحدَّثني الإمام أبو أحمد محمد بْن أحمد بْن إسماعيل المقدسيّ، قَالَ: سَمِعْتُ مشايخ من أهل بلدنا، أنّ أبا الحسين كان يجيء إلى الأتون، يعني وهم يوقّدونه، فيقول: دَعُوني أدفأ، فيعبُر فيه، ويخرج من الموضع الّذي يُخْرِجون منه الرّماد، وهو ينفض ثيابه من الرّماد، ويقول: دفِيت.
سَمِعْتُ الإمام أبا الثناء محمود بن همّام الأنصاري يقول: حدَّثني الحافظ يوسف، قَالَ: كَانَ بدمشق أبو عبد الله الطَّرائفيّ رَجُل لَهُ معروف، قَالَ لي: أشتهي الشيخ أبا الحسين يعبر إلى بيتي، فقلت لَهُ، فقال: نعم، ولكنْ إن كَانَ عنده للأتان موضِع، فقلت للطّرائفيّ، فقال: نعم، فبقي سنةً، ثمّ قَالَ لي يومًا: ألا تمضي بنا إلى عند الرّجل الّذي وعدْناه؟ فمضيت وهو عَلَى حماره، فدخلنا الدّار، وللطّرائفيّ أُخْتٌ مُقْعَدَة، فقال لَهُ عَنْهَا، فقال: ائتني بماءٍ من هذا البئر، فجاءه بماءٍ في قدح، فرقي فيه، ثمّ قَالَ: رشّ منه عليها، قَالَ: فرشّ عليها، فقامت، وجاءت وسلّمت عَلَى الشّيخ، هذا معنى ما حكاه لي.
وحدثني الإمام الزاهد يوسف ابن الشيخ أبي الحسين الزاهد، قال: حدَّثتني أمّي أنّ أَبِي كَانَ يصلّي مرَّةً في البيت، فرأت السّقْف قد ارتفع، وقد امتلأ البيت نورًا. [ص:956]
سَمِعْتُ خالي الإمام مُوَفَّق الدّين يَقُولُ: حُكي أنّ الشّيخ أبا الحسين كَانَ راكبًا مرَّةً عَلَى حمار عند غباغب، وهو مُمَدّد عَلَى الحمار، فرآه رجلٌ فقال: أقتُل هذا وآخذُ حماره، فلمّا حاذاه أراد أن يمدّ يده إِلَيْهِ، فيبست يداه، فمرّ أبو الحسين وهو يضحك منه، فلمّا جاوزه عادت يداه، فسأل عَنْهُ، فقيل لَهُ: هذا الشّيخ أبو الحسين.
قَالَ الضّياء: وكان فيما بلغني ينزع سراويله فيلبسه للحمار، فإذا رآه النّاس تعجّبوا وقالوا: أيش هذا؟ فيقول: حتى نواري عَوْرة الحمار، فيضحكون منه، وبلغني أنّه فعل مرة هكذا بحماره، وكان ينقل عَلَيْهِ حجارةً لعمل شيءٍ من قلعة دمشق، وكان النّاس يتفرّجون عَلَيْهِ، فجاء رَجُل عَلَى بغْلة فعرفه، فنزل وجاء إِلَيْهِ، وأظنّه قبّل رِجْلَيه، فقال: ما تركْتَنَا نكسب الأجْرَ، وما كَانَ أحدٌ يعرفنا.
وسمعت خالي أبا عُمَر يَقُولُ: حدَّثني أبو غانم الحلبيّ، قَالَ: دخلت امْرَأَة الشّيخ أَبِي الحسين بحلب إلى عند امْرَأَة السّلطان، فأعطتها شِقَّة حرير، فجاء أبو الحسين فعملها سراويل للحمار.
سَمِعْتُ عمر بن يحيى بن شافع المؤذن يقول: حدَّثني عبد الغنيّ، رَجُل خيِّر، بمصر قَالَ: جاء أبو الحسين إلى عندنا، فخرج فرأى حمّال قفص معه فخار قد وقع وتكسّر، فجمعه فقال: يا شيخ أيش ينفع جَمْعُه؟ فأتى معه إلى صاحبه وحطّه عَنْهُ، فإذا كلّه صحيح.
وقبر أَبِي الحسين بحلب يُزار عند مقام إبراهيم.
وأخبرني ولده أبو الحَجّاج يوسف أنّه فيما يغلب عَلَى ظنّه توفي والده سنة ثمان وأربعين، ثم قَالَ: تُوُفّي بعد أخْذ عسقلان بسنة.
أنشدنا شهاب الشذياني، قال: أخبرنا أبو سعد السمعاني، قال: أنشدنا يوسف بن محمد الدمشقي قال: أنشدني أبو الحسين الزاهد:
ما لنفسي وما لها ... قد هوت في مطالها
كلّما قلت قد دنا ... وتجلّى صلالها
رجعت تطلب الحرامَ ... وتأبى حلالها
عاتِبوها لعلّها ... تَرْعَوي عَنْ فِعالها
وأعلِموها بأنّ لي ... ولها من يسألها(11/951)
-سنة تسع وأربعين وخمسمائة(11/957)
491 - أحمد بْن الحسن بْن أحمد بْن يحيى بْن يحيى، أبو عبد الرحمن النَّيْسابوريّ، الكاتب، الشّاعر. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ: أبا بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وعثمان بْن محمد المَحْمِيّ، روى عَنْهُ: ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وقال: كان يحك بعض الأجزاء ويُثْبت اسمه، ويدّعي أشياء لم يسمعها والدي، قرأنا عَلَيْهِ، إنّما هُوَ من الأُصُول، تُوُفّي في شوّال مقتولًا بعد أن عاقبته الغزّ، وكان مولده في سنتة اثنتين وسبعين وأربعمائة.
وروى عَنْهُ أيضًا: المؤيَّد الطُّوسيّ.
وقد أغارت الغُزّ عَلَى مَرْو في شوّال، فقتلوا، وعذّبوا، وصادروا، ونهبوا، كما فعلوا عام أوّل، وكذا فعلوا في نيسابور، وهراة وطوس، وقُتل خلق كثير.(11/957)
492 - أحمد بْن الحسن بْن محمد بْن أحمد ابن الآمِديّ، المحدّث، أبو حامد التِّنِّيسيّ. [المتوفى: 549 هـ]
فقيه، فاضل، سَمِعَ الكثير بنفسه، ورحل، وكان مولده بِتِّنيس في حدود الخمسمائة، وتُوُفّي بآمُل طَبَرِسْتان كهلًا، روى عَنْهُ: عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/957)
493 - أحمد بن طاهر بن سعيد ابن الشّيخ أَبِي سعيد فضل اللَّه بْن أَبِي الخير المِيهَنيّ، أبو الفضل الصُّوفيّ. [المتوفى: 549 هـ]
مولده بمِيهَنة في سنة أربع وستين وأربعمائة، وسمع بها جزء الذهلي من أبي الفضل محمد بن أحمد العارف بروايته عن الحيري، وسمع بنيسابور: أبا المظفر بْن عِمران الصُّوفيّ، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا الحسين الواسطيّ، وأبا الحسن المَدِينيّ، وحدَّث ببغداد، وروى كُتُب الواحديّ عَنْهُ بالإجازة، ونزل برِباط الشّيخ إسماعيل بْن أَبِي سعد.
قَالَ ابن السّمعانيّ: سافر الكثير، وخدم المشايخ والصُّوفيَّة، وهو [ص:958] ظريف الجملة، حسَنَ الشّمائل، متواضع، تُوُفّي في ثامن رمضان، ودُفن عَلَى دكَّة الجُنيد.
قلت: وروى عَنْهُ: أبو اليُمن الكِنْديّ، والفتح بْن عبد السّلام، وجماعة، وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة: أبو الحسن بْن المقيَّر.(11/957)
494 - أحمد بْن عبد الرحمن بن ربيع، الأشعري، أبو عامر القرطبي المقرئ، [المتوفى: 549 هـ]
جدّ آل بني الرّبيع.
أخذ القراءات عَنْ: أبي القاسم ابن النخاس، ولازم أبا بكر ابن العربيّ مدَّةً، وتفقّه بِهِ، روى عَنْهُ: ولده عبد الرحمن الْمُتَوَفَّى سنة خمسٍ وثمانين.(11/958)
495 - أحمد ابن الحافظ عبد الغافر بْن إسماعيل بْن أَبِي الحسين عبد الغافر الفارسيّ. [المتوفى: 549 هـ]
شيخ، صالح، عالم، سمع: نصر الله الخُشنامي، والشيرويي، مات في عُقوبة الغُزّ في شوّال، وله ستّون سنة بنَيْسابور، قاله السّمعانيّ.(11/958)
496 - أحمد بْن عبد الملك بْن محمد، أبو عُمَر الأنصاريّ، الإشبيليّ، المعروف بابن أَبِي مروان. [المتوفى: 549 هـ]
حافظ كبير، ذكره أبو عبد الله الأَبّار، فقال: سَمِعَ من: شُريح بْن محمد، وأبي الحكم بْن حَجّاج، ومفرِّج بْن سعادة، وكان حافظًا، محدّثًا، فقيهًا، ظاهريّ المذهب، وله مصنَّف في الحديث سمّاه " المُنْتَخَب المُنْتَقَى "، وعليه بنى كتابه أبو محمد عبد الحقّ في " الأحكام "، وكان عبد الحقّ تلميذه، استشهد إلى رحمة الله بلَبْلة عند ثورة أهلها والتّغلُّب عليهم في شعبان.
قلت: وكناه ابن فرتون: أبا جعفر.(11/958)
497 - أحمد بْن عليّ بْن عليّ بْن عبد الله بْن السّمين، أبو المعالي البَغداديّ، الخبّاز. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ الكثير، ونسخ بخطّه عَنْ: نصر بْن البَطِر، وابن طلْحة النُعالي، وجماعة. [ص:959]
قال ابن السمعاني: كتبتُ عنه جزءا، وسألته عن مولده، فقال: سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وتُوُفّي في رابع عشر رمضان، وصلّى عَلَيْهِ أبو جعفر، ثمّ الشّيخ عبد القادر.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ قليل العِلم، وفيه غَفْلَة، روى لنا عنه: ابن سُكينة، وابن الأخضر، وأبو الفرج ابن القُبَّيْطيّ، ويحيى بْن الحسين الأُوَانيّ.
قال ابن ناصر: كاذب، لا يجوز السّماع منه.(11/958)
498 - أحمد بْن أَبِي الفضل العبّاس بْن أحمد بْن محمد بْن أحمد، الإمام، أبو الحَسَن الشَّقَّانيّ، الحسنويي، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 549 هـ]
شيخ، صالح، سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبا بَكْر محمد بْن إسماعيل التَّفْلِيسيّ، وأبا عبد الرحمن الشّحّاميّ، ووُلِد في سنة خمسِ وسبعين وأربعمائة.
روى عنه: ابن السمعاني، وابنه، وقال: تُوُفّي في أواخر السّنة، وقيل: سنة ثمانٍ في كائنة الغُزّ، قاتَلَهم اللَّه.(11/959)
499 - أحمد بْن محمد بْن أحمد بْن علي بْن بِشْر، أبو محمد النُّوقانيّ. [المتوفى: 549 هـ]
فقيه، صالح، خيِّر، أحرِق في معاقبة الغُزّ في رمضان وهو صائم، والله يكافئ من ظَلَمَه عَلَى بَغْيهم.(11/959)
500 - إبراهيم بْن عتيق بْن أَبِي العَيْش البَلَنْسِيّ، المقرئ، أبو إسحاق. [المتوفى: 549 هـ]
قال الأبّار: أخذ عن أبي داود، وأقرأ الناس ببلده، وحملوا عنه، توفي بشاطبة.(11/959)
501 - إبراهيم بن مهدي بن علي بن محمد بن قلنبا، الإمام أبو الحسين الإسكندري. [المتوفى: 549 هـ]
قال أبو سعد السمعاني: كان إمامًا، فاضلًا، بارعًا، مناظرًا، منقبضًا عن [ص:960] النّاس، ورد خُراسان في سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسمائة، ثم ورد علينا سمرقند في سنة تسع وأربعين متوجها إلى كاشغر.
قال عبد الرحيم السمعاني: سمعت منه حديثا واحدا رواه لنا عن أبي سعد عبد الرحمن بن عبد الله الحصيري عن أبي منصور المقومي، ولد قبل الخمسمائة.
قلت: وإليه يُنسب جزء ابن قلنبا، أظنّه انتقاه من روايات السِلَفي، رواه جعفر الهمداني، عَن السِّلَفيّ.(11/959)
502 - إسماعيل بْن جامع بْن عبد الرحمن بْن سَوْرة، أبو القاسم النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 549 هـ]
سكن بلْخ، وولي الأعمال الكبار، واتّصل بالدّولة، وكان يحبَس ويطلَق، واتّصل بعسكر الغُزّ، وقدِم مَرْوَ معهم، وشرع في مصادرة المسلمين وأَذِيّتهم، وكان يقول: إني صائم ولا أفطِر إلا عَلَى الحلال، وقد سَمِعَ من: أَبِي عَمْرو المَحْمِيّ، وأبي بَكْر بْن خَلَف.
ترجمه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ في مُعْجَمه، وقال: حملني والدي إِلَيْهِ، وقرأ عَلَيْهِ جزءًا، وتَرْك الرّواية عَنْهُ أولى، وصُلِب ببلْخ في أواخر ربيع الأوّل، صلبه الغز بإشارة السلطان سنجر.
قلت: وروى عَنْهُ: أبو سعد الصّفّار، والمؤيَّد الطُّوسيّ سمعا منه أربعين حديثًا خُرّجت لَهُ.
ومن مشايخه: عبد الرحمن الواحديّ، وعبد الباقي المَرَاغِيّ، وإسماعيل بْن عبد الله السّاويّ.(11/960)
503 - إسماعيل الظّافر بالله، أبو منصور ابن الحافظ لدين اللَّه عبد المجيد بْن محمد ابن المستنصر بالله معدّ ابن الظاهر عليّ ابن الحاكم المصريّ، العُبَيْديّ، [المتوفى: 549 هـ]
أحد الخلفاء المصريّين، الشّيعة، الخارجين على الإمام.
قام بالأمر بعد أبيه الحافظ، وبقي في الخلافة خمس سِنين، ووَزَرَ لَهُ سليم بْن مصّال الأفضل إلى أن خرج على ابن مصّال العادل ابن السَّلَّار واستأصله، وتمكَّن من المملكة إلى أن قتله ابن ابن امرأته نصر بْن عبّاس سنة [ص:961] ثمان، كما ذكرنا، وقام بعده في الوزارة أَبُوهُ عبّاس.
ثمّ إنّ نصرًا وأباه وَثَبا عَلَى الظّافر فقتلاه، وأخفياه، وجحداه في سلْخ شعبان، وأجلسا مكانه ولده الفائز عيسى.
والظّافر كَانَ شابًّا، صبيًّا، لعّابًا، لَهُ نهمة في الجواري والأغاني، وكان يَأْنَس بنصر بْن عبّاس، فدعاه إلى دار أبيه ليلًا، فجاء متنكرًا لم يعلم بِهِ أحد، وهذه الدّار هِيَ اليوم المدرسة السّيُوفيَّة، فقتله وطمره، وقيل: كان ذلك في منتصف المحرَّم، وقيل: في سَلْخه.
وكان من أحسن النّاس صورةً، عاش اثنتين وعشرين سنة، وكان نصر أيضًا في غاية الملاحة، وكان الظّافر يحبّه، فقتله نصر بأمر أبيه، ثمّ ركب عبّاس من الغد إلى القصر، فقال: أين مولانا؟ ففقدوه، وخرج إِلَيْهِ أَخَواه جبريل ويوسف، فقال: أين هو مولانا؟ فقالا: سَل ولدك، فإنّه أعلم بِهِ منّا، فقال: أنتما قتلتماه، وأمَرَ بهما فضُربت رِقابهما، ثمّ جَرَت أمور ستأتي.(11/960)
504 - إسماعيل بْن عبد الله بْن أَبِي سعد، أبو طاهر التُّونيّ، [المتوفى: 549 هـ]
خادم مسجد عَقِيل بنَيْسابور.
كَانَ صالحًا، خيّرًا، خدم الإمام أبا نصر محمد بْن عبد الله الأَرْغيانيّ أكثر من ثلاثين سنة، وسمع معه الكثير، وقدِم بغداد معه حاجًّا سنة عشْرٍ وخمسمائة، ومولده بتون، ودخل نَيْسابور وهو مُراهق، وسمع بها: أبا عليّ نصر اللَّه الخُشنامي، وعبد الغفّار الشّيُروِيّيّ.
قُتِل بنَيْسابور، بعد أن عُوقب وأخذ منه ألف دينار، في رمضان.(11/961)
505 - ألبُقش، مقدّم جيش. [المتوفى: 549 هـ]
جاء هُوَ ومسعود بلال إلى شهرابان، فنهبوا وبدّعوا، ثمّ حاربهم المقتفي لأمر اللَّه بنفسه في هذه السّنة، ثمّ مات البقش في رمضان، وتصرّف في ولايته قَيْمَاز السُّلْطانيّ.(11/961)
506 - حامد بْن أَبِي الفتح أحمد بْن محمد، الحافظ أبو عبد الله المَدِينيّ. [المتوفى: 549 هـ]
من كبار الطَّلَبَة، سَمِعَ الحدّاد، وأبا زكريّا بْن مَنْدَهْ، وابن الحُصين، وابن كادش، وعنه السّمعانيّ، وولده عبد الرحيم، وعبد الخالق بْن أسد.
وكان صالحًا، ورِعًا، إمامًا، زاهدًا، مات في شعبان بِيَزْد، أرّخه أبو موسى المَدِينيّ.(11/962)
507 - الْحَسَنُ بْن عَلِيِّ بْن الحَسَن، أَبُو عَلِيٍّ البَطَلْيُوسيّ الأندلسيّ. [المتوفى: 549 هـ]
ورد نَيْسابور قبل العشرين وخمسمائة، وسمع من: أَبِي نصر عبد الرحيم بْن القُشَيْريّ، والأديب أحمد بْن محمد المَيْدانيّ، وسَهْل بْن إبراهيم المسجديّ، وبالإسكندريَّة: أبا بَكْر محمد بن الوليد الطرطوشي.
سمع منه: أبو سعد السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي بنَيْسابور سنة ثمانٍ أو تسع وأربعين، فوهم، وسيأتي في سنة ثمان وستين.(11/962)
508 - الحسين بْن أَبِي الأسعد هبة الرحمن بْن عبد الواحد ابن القُشَيْريّ. [المتوفى: 549 هـ]
روى عَنِ: الشّيرُوِيّيّ، وعنه عبد الرحيم ابن السمعاني، وقال: عاقبته الغزّ بالنار فهلك.(11/962)
509 - الحسن بْن محمد بْن الفضل بْن عليّ بْن طاهر، التَّيْميّ، أبو الْمُرَجَّى الأصبهانيّ، البقّال، المعروف بجُوجي، [المتوفى: 549 هـ]
أخو الإمام الكبير إسماعيل.
وُلِد سنة تسع وستين وأربعمائة، وسمّعه أخوه من عبد الوهّاب بْن مَنْدَهْ، وجماعة.
روى عَنْهُ الحافظ أبو موسى المَدِينيّ، وقال: تُوُفّي في سابع ربيع الأوّل، ودُفن عند والده.
قلت: وحجّ، وسمع من رزق اللَّه التميمي، وغيره، وروى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ.(11/962)
510 - الحسين بْن محمد بن الحسن، السّيد أبو عليّ العَلَويّ، الطَّبَريّ، [المتوفى: 549 هـ]
نزيل هَرَاة. [ص:963]
سَمِعَ أبا الفتح عبد الله بْن أحمد الدّبّاس، وأبا المحاسن عبد الواحد الرُّويَانيّ، وكان يستملي عَلَى المشايخ، وتُوُفّي في المحرَّم.(11/962)
511 - حمزة بْن محمد بْن بَحسول بْن فَتْحان، أبو الفَتْح الهَمَذَانيّ، [المتوفى: 549 هـ]
نزيل هَرَاة مدَّةً، ثمّ انتقل إلى بلْخ.
قَالَ أبو سعد السّمعانيّ: عارف بطُرق الحديث، سافر الكثير، ودخل بغداد، وسمع أبا القاسم بْن بَيَان، وأبا عليّ بْن نبهان، وبأصبهان من غانم البُرْجيّ، وأبي عليّ الحدّاد، وعقد مجلس الإملاء ببلْخ، وسمع أهل هَرَاة بقراءته كثيرًا، وتُوُفّي ببلْخ في ربيع الأول.(11/963)
512 - راضية بِنْت سعد اللَّه بْن أسعد بْن سعيد ابن الشّيخ أَبِي سعيد المِيهَنيّ، أمّ الرّضا. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعْتُ بإسْفَرَايين محمد بْن الحسين بْن طلْحة الإسْفَرَايينيّ، وبساوَة من محمد بْن أحمد الكامِخيّ، وعنها أبو سعد السّمعانيّ.
تُوُفِّيَت في رمضان وقت دخول الغز ميهنة، سجدت فوقعت ميتة.(11/963)
513 - سالم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن محمد بْن جعفر بْن محمد بْن حفص بْن بَكْر بْن سالم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر، أبو الفتح العَدَويّ، العُمَريّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 549 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ شيخًا، صالحًا، عفيفًا، من بيت الحديث، سَمِعَ أَبَاهُ أبا عاصم بْن أَبِي الفتح، وأبا عبد الله الحسين الكُتُبيّ، وأبا العلاء صاعد بْن سَيّار، وأبا عطاء بْن أَبِي عُمَر المَلِيحيّ، والحافظ عبد الله بن يوسف الجرجاني، ومولده سنة ستٍ وسبعين وأربعمائة بهَرَاة، وتُوُفّي في شوّال.
روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السمعاني، وأبو روح.(11/963)
514 - سعيد بْن سعد اللَّه بْن أسعد بْن سعيد ابن الشّيخ أَبِي سعيد فضل اللَّه المِيهَنيّ، أبو بَكْر بْن أَبِي سعيد. [المتوفى: 549 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ، صالح، جميل الطّريقة، كثير العبادة، سافر به أبوه إلى العراق، وسمع من جماعة، سَمِعَ من جدّ أبيه سعيد، ومن أبي الفضل [ص:964] محمد بن أحمد بن الحسن العارف، وعبد الرحمن بْن أَبِي صالح النَّيْسابوريّ، ومحمد بْن أحمد الكامِخيّ، ومحمد بْن المظفَّر الشّاميّ، ورزق اللَّه التّميميّ، وجماعة، قَالَ لي: ولدتُ فِي ربيع الأوّل سنة تسع وستين وأربعمائة، وتُوُفّي قتيلًا في ذي الحجَّة بأيدي الغُزّ.
روى عنه عبد الرحيم السمعاني، وأبوه.(11/963)
515 - طارق بْن موسى بْن يعيش، أبو محمد المخزوميّ المنصفي، [المتوفى: 549 هـ]
ومنصف: من قرى بلنسية.
سمع بمكة من الحسين بْن عليّ الطَّبَريّ، وأبي بَكْر الطُّرْطُوشيّ. وكان صالحًا، زاهدًا، مُجَاب الدّعوة، روى عَنْهُ أبو بكر بن خير، وطارق بْن موسى، والقُدَماء، ثمّ حجّ في أواخر عمره، وجاور بمكة حتى مات.(11/964)
516 - عائشة بِنْت أحمد بْن منصور بْن محمد بْن القاسم الصّفّار النَّيْسابوريَّة، [المتوفى: 549 هـ]
أخت الإمام عُمَر.
قَالَ ابن السّمعانيّ: امْرَأَة صالحة كثيرة الخير، سَمِعْتُ أبا المظفَّر موسى بْن عِمران، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا السّنابل هبة اللَّه القُرَشيّ، وجماعة كثيرة، ومولدها في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، روى عَنْهَا ابني، وغيره، وفُقِدت في أيّام الغارة في نصف شوّال.(11/964)
517 - العبّاس بْن محمد بْن أَبِي منصور، أبو محمد الطَّابَرَانيّ، الطُّوسيّ، العصّاري، الواعظ، ولقبه عباسة. [المتوفى: 549 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، سكن نَيْسابور، وكان يعِظُ بعض الأوقات، وتفرّد برواية " الكشف والبيان في التّفسير " للأستاذ أَبِي إسحاق الثّعالبيّ، بروايته عن القاضي محمد بن سعيد الفرّخزادي عَنْهُ، وسمع أبا الحسن المَدِينيّ، وأبا عثمان إسماعيل الأبريسمي، ولد قبل السبعين وأربعمائة.
وروى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، والمؤيَّد الطُّوسيّ وهو سِبْطُه، وأبو [ص:965] سعد الصّفّار، وعُدِم في نَوْبة الغُزّ في شوّال بنَيْسابور، رحمه اللَّه، وقد قارب السّبعين.(11/964)
518 - عبد الله بْن أحمد بْن المفضَّل بْن الأيْسَر، أبو البَرَكَات البغداديّ، الكاتب. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ مالك بْن أحمد البانْياسيّ، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، وتُوُفّي في عاشر صفر.
روى عَنْهُ أبو سعد ابن السَّمعانيّ، وعمر بْن طَبَرْزَد، وغيرهما.(11/965)
519 - عبد الله بْن محمد بْن الفضل بْن أحمد، أبو البركات ابن فقيه الحرم كمال الدّين أَبِي عبد الله، الصّاعديّ الفُراوي النَّيْسابوريّ، صفيّ الدّين. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ من جدّه الفضل، وجدّه لأمّه أَبِي عبد الرحمن طاهر الشّحّاميّ، ومحمد بْن عُبَيْد اللَّه الصّرّام، ومحمد بْن إسماعيل التَّفْلِيسيّ، والرئيس عثمان بْن محمد المَحْمِيّ، وأبي نصر محمد بْن سهْل السّرّاج، وفاطمة بِنْت أَبِي عليّ الدّقّاق، وأبي المظفَّر موسى بْن عِمران الصُّوفيّ، والحسن بْن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، والحَسَن بْن عليّ البُستي الفقيه، وأبي القاسم عبد الرحمن بْن أحمد الواحديّ، وأبي بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وآخرون.
روى عَنْهُ ابن عساكر، وابن السمعاني، وابنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وحفيده منصور بْن عبد المنعم، والمؤيَّد الطُّوسيّ، والقاسم بْن عبد الله الصّفّار، وزينب الشِّعْريَّة، وآخرون.
قَالَ ابن السّمعانيّ: إمام، فاضل، ثقة، صدوق، ديّن، حَسَن الأخلاق، لَهُ باعٌ طويل في الشُّرُوط وكتب السِّجِلّات، لا يجري أحدٌ مجراه في هذا الفنّ، وهو إمام مسجد المطرّز.
وقال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ من لفْظه " معرفة علوم الحديث " للحاكم، بسماعه من ابن خَلَف عَنْهُ، وسمعت منه " مُسند أَبِي عَوَانَة "، بروايته من أوَّله إلى فضائل المدينة عَنْ أَبِي عَمْرو المْحميّ، ومن ثَمّ إلى فضائل القرآن بروايته عَنْ أَبِي الفضل الصّرّام، ومن فضائل القرآن إلى آخر الكتاب، عن فاطمة بِنْت الدّقّاق، برواية الثّلاثة، عَنْ عبد الملك، عَنْ أَبِي عَوَانَة، وُلِد في [ص:966] سنة أربع وسبعين وأربعمائة، ومات في ذي القعدة من الجوع بنَيْسابور.(11/965)
520 - عبد الله بْن هبة اللَّه بْن المظفَّر ابن رئيس الرؤساء ابن المسلمة، أبو الفُتُوح، [المتوفى: 549 هـ]
أستاذ دار الخليفة المقتفي.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: لَهُ صَدَقات وأعطية ومُجالسة للفقراء والصُّوفيَّة، وإنفاقٌ عليهم.
وولي بعده ابنه عضُد الدّين محمد.(11/966)
521 - عبد الأعلى بْن عزيز بْن أَبِي الفخر، السّيّد الشّريف، أبو يَعْلَى العَلَويّ الحُسَينيّ، المالِينيّ الهروي، [المتوفى: 549 هـ]
سبط عبد الهادي ابن شيخ الإسلام الأنصاريّ.
كَانَ مفضَّلًا، جوادًا، سخيّ النَّفْس، سَمِعَ أبا عبد الله العُمَيْريّ، وأبا عطاء المليحِيّ، سَمِعْتُ منه بمَرْو، قاله عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.
تُوُفّي في المحرَّم.(11/966)
522 - عبد الجبّار بْن أَبِي سعد بْن أَبِي القاسم، أبو الفَتْح الدّهّان، الهَرَويّ، الطَّبيب. [المتوفى: 549 هـ]
شيخ مُسِنّ، سَمِعَ من بِيبي الهَرْثَمِيَّة أحاديث ابن أَبِي شُرَيْح، وُلِد سنة إحدى وستّين، وتُوُفّي بهَرَاة في السّادس والعشرين من ذي القعدة.
روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.(11/966)
523 - عبد الحكيم بْن مُظَفَّر، أبو نصر الكَرَجِيّ. [المتوفى: 549 هـ]
مات في المحرَّم عَنْ إحدى وتسعين سنة، روى " جزء لُوَيْن " عن ابن ماجه، وعنه السَّمْعانيّ.(11/966)
524 - عبد الخالق بْن زاهر بْن طاهر بْن محمد، أبو منصور الشّحّاميّ، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ من جدّه، وأبي عَمرو المَحْمِيّ، وأبي بَكْر بْن خَلَف، وأبي القاسم عبد الرحمن بْن أحمد الواحديّ، ومحمد بْن إسماعيل التَّفْلِيسيّ، والفضل بْن أَبِي حرب الْجُرْجَانيّ، وأحمد بْن سَهْل السّرّاج، وعبد الملك بْن عبد الله [ص:967] الدّشْتيّ، وهبة اللَّه بْن أَبِي الصَّهْباء، وأبي المظفَّر موسى بْن عِمران، ومحمد بْن عليّ بْن حسّان البُستي، ومحمد بْن عُبَيْد اللَّه الصّرّام، وطائفة سواهم.
ووُلِد في سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ ابن عساكر، وابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، والمؤيّد الطوسي، والقاسم ابن الصّفّار، وجماعة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ ثقة، صدوقًا، حَسَن السّيرة والمُعَاشرة، لطيف الطَّبْع، مُكثِرًا من الحديث، ولمّا كبر كَانَ يستملي للشّيوخ والأئمَّة بنَيْسابور كوالده وجدّه، ولمّا شاخ كَانَ يُملي في موضع أبيه وجدّه، بجامع المَنِيعيّ، وفقِد في وقعة الغُز، فلا يُدرى قتِل أو هلك من البَرْد في شوّال بنَيْسابور، ثمّ سَمِعْتُ بعد ذَلكَ أنّه أُحرق.
قلت: أنبأني أبو العلاء الفَرَضيّ أنّه مات في العُقُوبة والمطالبة، وقد وقع لنا من حديثه أربعينان، وكان متميّزًا في الشّرُوط.(11/966)
525 - عبد الرحمن بْن عبد الصّمد بْن أحمد بْن أحمد، أبو القاسم بْن الأكّاف، [المتوفى: 549 هـ]
من أهل نَيْسابور.
سَمِعَ أبا سعد الحِيريّ، وأبا بَكْر الشّيرِويّيّ، وكان إمامًا ورعًا، فقيهًا، مناظرًا، متعبدًا، قانعًا باليسير، كبير القدْر.
قَالَ أبو الفَرَج ابن الْجَوْزيّ: لمّا استولى الغُزّ عَلَى نَيْسابور قبضوا عَلَيْهِ، وأخرجوه ليعاقبوه، فشفع فيه السّلطان سَنْجَر، وقال: كنت أمضي إِلَيْهِ متبرّكًا بِهِ، ولا يمكّنني من الدّخول عَلَيْهِ، فاتركوه لأجلي، فتركوه، فدخل شَهْرسْتَان وهو مريض، فبقي أيّامًا ومات.(11/967)
526 - عبد الرحمن بْن محمود بْن إبراهيم، أبو المعالي الفارسي، [المتوفى: 549 هـ]
نزيل مَرْو.
شيخ جلْد، حَسَن الصّلاة، كَانَ يخدم بيت السمعاني، سمع سهل بن محمد الشاذياخي، وأبا بكر الشيرويي، وإسماعيل ابن البَيْهَقي، وحدَّث، روى عَنْهُ عبد الرحيم السّمعانيّ.
توفي في شعبان.(11/967)
527 - عبد الكريم بْن مكّيّ بْن يحيى، أبو المطهَّر، الهَمَذَانيّ، الأديب. [المتوفى: 549 هـ]
تخرَّج بِهِ جماعة، وسمع من عَبْدُوس بْن عبد الله، روى عَنْهُ السّمعانيّ، وقال: مات في رجب عَنْ إحدى وثمانين سنة.(11/968)
528 - عبد الملك بن بونه بن سعيد بن عصام، أبو مروان العذري، الغرناطي، المعروف بابن البيطار، [المتوفى: 549 هـ]
نزيل مالقة.
سمع من غالب بْن عطيَّة، وأبي محمد بْن عَتّاب، وأبي جعفر البَطْرُوجيّ، وجماعة، وكان عارفًا بصناعة الحديث، معتنيًا بالآثار، ولي قضاء مالقة، وقد روى عَنْهُ أبو القاسم السُّهَيْليّ، وأبو عبد الله ابن الفخّار، وتُوُفّي سنة تسعٍ وأربعين، وقيل: سنة ثلاث وأربعين، وقد جاوز السبعين.(11/968)
529 - عبد المؤمن بْن عبد الجليل بْن عليّ بْن بُنان الأصبهانيّ، أبو نصر. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ " جزء لُوَيْن " من ابن ماجة الأَبْهَرِيّ، مات في المحرَّم.(11/968)
530 - عبد الواسع بْن عبد الرحمن بْن مُوَفَّق بْن عبد الله الواعظ، أبو الموفّق. [المتوفى: 549 هـ]
ساق ابن السّمعانيّ نَسَبَه إلى سَرِيّ السَّقَطيّ، وقال: كَانَ واعظًا متميزًا، من أهل هَرَاة، سَمِعَ حاتم بْن محمد المحموديّ، وأبا عطاء المليحي.
روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في ربيع الآخر وله أربع وستون سنة.(11/968)
531 - عُبَيْد اللَّه بْن المظفَّر، أبو الحَكَم الباهليّ، الأندلسي، الطّبيب، الشّاعر، الأديب، [المتوفى: 549 هـ]
نزيل دمشق.
كَانَ ماهرًا بالطِّبّ، خليعًا، ماجنًا، لَهُ مراثٍ في أقوام لم يموتوا عَلَى طريق اللَّعِب، وكان مُدْمِنًا للشرب، يجلس على دكان بجيرون للطَّبّ، وسكن [ص:969] بدار الحجارة، وكان كثير المدائح في بني الصوفي رؤساء دمشق، تُوُفّي في ذي القعدة.
وكان يلعب بالعُود، ولعِرقِلة الشّاعر يهجوه:
لنا طبيبٌ شاعرٌ أشتر ... أراحنا من وجهه اللهُ
ما عاد في بكرة يومٍ فتى ... إلا وفي باقيه رثّاه
وديوانه موجود، وقد سمّاه: " نهج الوضاعة "، وفيه أشياء ظريفة مضحكة من الهجو والهزل، وله مقصورة في المجون كصريع الدِّلاء.(11/968)
532 - عَرَفَةُ بن علي بْن محمد، أبو الفُتُوح السَّمَرْقَنْدِيّ. [المتوفى: 549 هـ]
روى عَنْ أَبِي بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وعنه المؤيَّد الطُّوسيّ، والقاسم بْن الصّفّار، وغيرهما.(11/969)
533 - عليّ بْن محمد بن عبد العزيز ابن الحافظ أبي حامد أحمد بْن محمد بْن جعفر، أبو الحَسَن المَرْوَزِيّ، الشّاوانيّ، [المتوفى: 549 هـ]
من قرية شاوان.
تفقّه عَلَى أَبِي المظفَّر السَّمْعانيّ، وسمع منه، ومن إسماعيل بْن محمد الزّاهريّ، وجماعة، وعنه السّمعانيّ.
مات في ربيع الأوّل عَنْ بضْعٍ وثمانين سنة.(11/969)
534 - عليّ بْن محمد بْن يحيى، أبو الحَسَن الدُريني. [المتوفى: 549 هـ]
كَانَ يخدم أبا نصر الإبَري، فزوّجه بنته شُهدة الكاتبة، وسمع من طِراد، وأبي عبد الله النِعالي، وابن البَطِرِ، روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابن عساكر، وغيرهما.
قَالَ ابن السّمعانيّ: ثمّ علتْ درجته، وصار خِصِّيصًا بالمقتفي لأمر اللَّه، يشاوره، ويُدْنيه، ويراجع في الأمور، وكان متودّدًا متواضعًا، كبير القدْر، يُعرف بثقة الدّولة ابن الأنباريّ، وقد بنى مدرسةً ووَقفها عَلَى الفقهاء، توفي في شعبان، ودفن في داره.(11/969)
535 - علي بن محمد بن عتيق، أبو الحَسَن النَّيْسابوريّ، المطرّز، [المتوفى: 549 هـ]
نزيل مَرْو.
أديب فاضل، ساكن، وقور، علّم أولاد الأمير ابن العباديّ، وحدث عن نصر اللَّه الخُشنامي، روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وقال: قتلته الغُزّ في شوّال.(11/970)
536 - عليّ بْن محمد بْن أَبِي عُمَر البغداديّ، الدّبّاس، البزّاز، ويُعرف بابن الباقِلّانيّ. [المتوفى: 549 هـ]
وُلِد سنة سبعين وأربعمائة، وسمع رزق اللَّه التَّميميّ، وطِراد بْن محمد، وابن البطر، روى عنه أبو الفرج ابن الجوزي، وغيره.
توفي في شوّال، تفقّه بابن عقيل.(11/970)
537 - عليّ بْن ناصر بْن محمد، أبو الحَسَن النّوقانيّ، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 549 هـ]
قال السّمعانيّ: مصيب في الفتاوى، كثير العبادة، تفقّه بِهِ جماعة، وروى جزءًا عَنْ عليّ بْن حمزة النّوقانيّ، مات في رمضان عَنْ ثلاثٍ وسبعين سنة.(11/970)
538 - عُمَر بْن عليّ بْن سهل، أبو سعد الدّامغانيّ، المعروف بالسّلطان. [المتوفى: 549 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ إمامًا مُنَاظِرًا، فَحْلًا، واعظًا، حَسَن الباطن والظّاهر، رقيق القلب، سريع الدّمعة، سَمِعَ أبا بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبا تُراب عبد الباقي المَرَاغيّ، والحسن بْن أحمد السَّمَرْقَنْدي الواعظ، وأحمد بْن محمد الشُّجَاعيّ.
روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، لقِيه بمَرْو، وكان قد تفقَّه بأبي حامد الغزاليّ، تفقه عَلَيْهِ القُطْب النَّيْسابوريّ مفتي دمشق.
وقيل: تُوُفّي سنة ثمانٍ.(11/970)
539 - عَمْرو بْن زكريّا بْن بَطّال، أبو الحَكَم البَهْرانيّ، اللَّبْلِيّ. [المتوفى: 549 هـ]
أخذ القراءات عَنْ شُرَيْح، والعربيَّة عَنْ أَبِي الحسن بْن الأخضر، وسمع الكثير من القاضي أبي بكر ابن العربيّ، وولي القضاء والخطابة بِلَبْلة، روى عَنْهُ أبو العبّاس بْن خليل، ويحيى بْن خَلَف الهَوْزَنيّ، وأبو محمد بْن جمهور، وجماعة، وَقُتِلَ في الوقعة الكائنة عَلَى لَبْلَة في هذا العام.(11/971)
540 - الفضل بْن أَبِي بَكْر بْن أَبِي نصر، أبو محمد النيسابوري، الأكّاف، التاجر، المقرئ. [المتوفى: 549 هـ]
روى عن نصر الله الخُشنامي، وعُدِم في وقعة الغُزّ، وعنه عبد الرحيم.(11/971)
541 - فضل اللَّه بْن المفضَّل بْن فضل اللَّه بْن أحمد بْن إبراهيم، أبو بَكْر [المتوفى: 549 هـ]
حفيد الإمام الزّاهد أَبِي سعيد المِيهنيّ.
قَالَ ابن السّمعانيّ: لم يبق من عشيرته أقرب إلى الشّيخ منه، وكان شيخًا ظريفًا، بهيّ المنظر، خرّاجًا ولاجًا، سمع عمه أبا طاهر سعيدا، وأبا الفضل محمد بْن أحمد العارف، وأبا المظفَّر موسى بْن عِمران الصُّوفيّ.
قلت: روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وقتلته الغزّ بميهنة في الضرب والعقوبة في ذي الحجة.(11/971)
542 - لبيد بن الحسن بن عمر، أبو بكر الغراد الخبّاز. [المتوفى: 549 هـ]
بغداديّ صالح، سَمِعَ ثابت بْن بُنْدار، والحسين ابن البسري، روى عنه أبو سعد ابن السمعاني، وقال توفي في شعبان.(11/971)
543 - محمد بْن أحمد بْن الْجُنَيْد بْن محمد، أبو بَكْر الزّاهد، [المتوفى: 549 هـ]
خطيب مِيهَنَة.
إمام، ورِع، مُصِيب في الفتاوى، سَمِعَ جدّه، وأبا الفضل محمد بْن أحمد العارف، وسعيد بْن أَبِي سعيد المِيهَنيّ، وأبا سهل عبد الملك الدَّشتيّ، روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني، وغيره. [ص:972]
قتلته الغُزّ بِمِيهَنَة في ذي القعدة سنة تسعٍ، وهو ابن بضْعٍ وثمانين سنة.(11/971)
544 - محمد بْن إبراهيم بْن مكّيّ، أبو طاهر الأصبهانيّ، الطَّرَازيّ. [المتوفى: 549 هـ]
صالح، خيِّر، روى الكثير، سَمِعَ أحمد، وشجاعًا ابني المَصْقَليّ، ومحمود بْن جعفر.
قَالَ السّمعانيّ: قرأتُ عَلَيْهِ " معرفة الصّحابة " لابن مَنْدَهْ عن ابني المصقلي، مولده سنة ستين وأربعمائة، ومات في جُمادّى الأولى.(11/972)
545 - محمد جامع بْن أَبِي نصر بْن إبراهيم، أبو سعد النَّيْسابوريّ، الصَّيْرفيّ، [المتوفى: 549 هـ]
خيّاط الصُّوف.
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: كَانَ شيخًا، صالحًا، مُكثرًا، صاحب أُصُول، سَمِعَ فاطمة بِنْت أَبِي عليّ الدّقّاق، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا المظفَّر موسى بْن عِمران، وإسماعيل بْن زاهر النّوقانيّ، ومحمد بْن سهْل السّرّاج، وغيرهم.
روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، والمؤيَّد الطُّوسيّ، وعمّه محمد بْن عليّ بْن حَسَن.
وُلِد في رجب سنة ثلاثٍ وسبعين، وتُوُفّي في سابع ربيع الآخر.
لَهُ أربعون حديثًا، وهو من أحفاد أَبِي بَكْر بْن مِهْران المقرئ، سَمِعَ " سُنَن الصُّوفيَّة " من ابن خَلَف، بسماعه من السُّلَميّ، " وتاريخ أهل الصفة " بالسّنْد.(11/972)
546 - محمد بْن الحسن بْن سعد، أبو بَكْر السَّعْديّ، البخاريّ، [المتوفى: 549 هـ]
نزيل هَرَاة.
قَالَ ابن السمعاني: كان شيخًا صالحا عفيفًا مستورًا نظيفًا مشتغلًا بما يعنيه، رحل إلى العراق، وخُراسان، وسمع أحمد بْن عليّ الطُّرَيْثيثيّ ببغداد، وعبد الرحمن بْن حَمْد الدُّونيّ، ومكي بن بجير بهمذان، وأبا الفتح الحداد [ص:973] بأصبهان، وكان مولده سنة سبعين، وتُوُفّي في أوّل رجب، روى عَنْهُ عبد الرحيم، وأبوه.(11/972)
547 - محمد بْن الخليل بْن فارس، أبو العشائر القَيْسيّ، الدّمشقيّ، المعروف بالكُرْديّ. [المتوفى: 549 هـ]
صحِب الفقيه أبا الفتح المقدسيّ مدَّةً، وسمع منه، ومن أَبِي القاسم بْن أَبِي العلاء، وأبي عبد الله بْن أَبِي الحديد، ثمّ تشاغل بأعمال السَّلْطَنَة، ثمّ سكن بَعْلَبَكّ، وخدم صاحبها، ثمّ قدِم دمشق.
روى عنه الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم، وابن أخيه زين الأمناء أبو البَرَكَات، وغيرهم.
تُوُفّي في سادس ذي الحجَّة ببعلبك، وقع لي أجزاء عن زَيْن الأُمُناء عَنْهُ في الخامسة.(11/973)
548 - محمد بْن عبد الله بْن أَبِي سعد الواعظ، المعمّر، أبو الفتح الهَرَويّ الصُّوفيّ، الملقّب بالشّيرازيّ. [المتوفى: 549 هـ]
وُلِد سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ يسكن قريةً بهَرَاة يقال لها: نُباذان، وكان قد بلغ مائة سنة أو جاوزها، وكان صالحًا يعِظ ويذكّر بقرى هَرَاة، وكان من أصحاب شيخ الإسلام عبد الله الأنصاريّ، وسُئل عَن الشّيرازيّ، فقال: كنت أحب الشيراز، يعني نوعا من اللَّبَن، قَالَ: وكنت آكُل منه كثيرًا، فلقَّبَني الصّبيان بالشّيرازيّ، سَمِعَ شيخ الإسلام، وبِيبي الهَرْثَمِيَّة، وأبا سعد محمد بْن الحسين الحَرَميّ، وهبة اللَّه بْن الشّيرازيّ الحافظ.
قلت: تُوُفّي في سابع ربيع الأوّل، وحدَّث عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.(11/973)
549 - محمد بْن عبد الصمد ابن الطَّرَسُوسيّ، القاضي فخر الدّين، أبو منصور الحلبيّ. [المتوفى: 549 هـ]
كان ذا همة ومُرُوءة ظاهرة، لَهُ أمرٌ نافذ في تصرُّفه في أعمال حلب، وأَثَر [ص:974] صالح في الوقوف، ثم انعزل عن ذلك أكمل انعزال، ومات في وسط سنة تسع، رحمه الله، وفي ذريته فقهاء وحنفية بحلب، ثمّ بدمشق.(11/973)
550 - محمد بْن عبد الواحد بْن عبد الصّمد، أبو الوفاء الأصبهانيّ السِّمْسار الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 549 هـ]
شيخ صالح وَقُور، سَمِعَ أبا منصور بْن شكرُوَيْه، وابن ماجة، ورزق اللَّه، أخذ عَنْهُ السّمعانيّ.(11/974)
551 - محمد بْن عبد الواحد بْن أَبِي بَكْر، أبو جعفر الأصبهانيّ، القطّان، يعرف بويرج. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ رزق اللَّه التّميميّ. صالح، راغب في السّماع، كتب عَنْهُ السّمعانيّ، وقال: مات في جُمَادَى الأولى.(11/974)
552 - محمد بْن عُمَر بن أحمد، أبو منصور ابن البَيِّع الهَمَذَانيّ. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ أَبَاه أبا حفص الملقَّب بقُدْوة الأئمَّة، وأبا الفتح عَبْدُوسًا، مات في شعبان عن اثنتين وسبعين سنة.(11/974)
553 - محمد بن علي بن هارون، الشّريف أبو جعفر المُوسَوِيّ النَّيْسابوريّ، النّسَابة، البارع. [المتوفى: 549 هـ]
كَانَ من غُلاة الشَّيعة، ثمّ تحوَّل شافعيًّا، وترضّى عَن الصّحابة، وتأسَّف عَلَى ما سَلَف منه، وصحِب محمد بْن يحيى الفقيه، وسمع الكثير، قاله السّمعانيّ، وأخذ عَنْهُ، وقال: قُتِلَ في وقعة الغُزّ بنيسابور في شوال، عَنْ بضعٍ وستّين سنة.(11/974)
554 - محمد بْن الفضل بْن علي، أبو الفتح المارِشْكيّ، [المتوفى: 549 هـ]
ومارِشك من قُرى طُوس.
إمام مبّرز مفتٍ، حَسَن السّيرة، من نُجَبَاء أصحاب الغزاليّ، سَمِعَ أبا الفتيان الرواسي، ونصر اللَّه بْن أحمد الخُشْنَاميّ. [ص:975]
روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وقال: مات من الخوف يوم عيد الفِطْر بطُوس في وقعة الغُزّ.(11/974)
555 - محمد بْن محمد بن طاهر بن سعيد ابن الشّيخ فضل اللَّه المِيهَنيّ، أبو المكارم. [المتوفى: 549 هـ]
شيخ صالح، سَمِعَ الكثير، وحصّل الأصُول، سمع من جده طاهر، وعبيد الله الهشامي، وسليمان بن ناصر الأنصاري، النيسابوري.
روى عنه عبد الرحيم السمعاني، وقال: عوقب وجرح في رمضان، ومات من ذَلكَ.(11/975)
556 - محمد بْن هبة الله بن الحَسَن بْن عليّ، أبو بَكْر الْجَعْفَريّ، العُكبري، يُعرف بابن المندوف. [المتوفى: 549 هـ]
بغداديّ، صالح، ديِّن، خيِّر، سَمِعَ أبا عبد الله ابن السّرّاج.
روى عَنْهُ أبو سعد السَّمْعانيّ، وقال: ولد سنة ستٍّ وستّين، وتُوُفّي في رجب.(11/975)
557 - محمد بْن الهيثم بْن محمد بْن الهيثم، أبو سعد السلَمي، الأصبهانيّ. [المتوفى: 549 هـ]
حجّ سنة ثمانٍ وتسعين، وسمع من أصحاب أَبِي عليّ بْن شاذان، وغيره، وسمع ببلده وحدَّث، وكان بارِعًا في اللّغة والأدب، مليح الخطّ، لازَمَ منزله.
تُوُفّي في شعبان، وهو في عَشْر التّسعين.
أثنى عَلَيْهِ الحافظ أبو موسى، وروى عَنْهُ.(11/975)
• - محمد بْن يحيى بْن منصور، العلّامة أبو سعد النَّيْسابوريّ، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 549 هـ]
مرّ في عام ثمان وأربعين.(11/975)
558 - محمد بْن يوسف بْن عُمَيْرَة، أبو عبد الله الأنصاريّ، الأُورِيُوليّ. [المتوفى: 549 هـ][ص:976]
أخذ القراءات عَنْ محمد بْن فَرَج المِكْناسيّ، وأبي القاسم ابن النخاس، وشُرَيْح، وتفقّه عَلَى أَبِي محمد بْن أَبِي جعفر، وسمع منه، ومن أَبِي عليّ الصَّدَفيّ، وجماعة.
وكان عالمًا، متفنّنًا، حدَّث عَنْهُ أبو عبد الله بن عبد الرحمن المكناسي.(11/975)
559 - المبارك بْن أحمد بْن عبد العزيز بْن المعمَّر بْن الحَسَن، أبو المعمّر الأنصاريّ، الأَزَجيّ، الحافظ. [المتوفى: 549 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: سَمِعَ الكثير بنفسه، وتعب في جمعه، ونسخ، ودار عَلَى الشّيوخ، وكان سريع القراءة، جميل الأمر، لَهُ أَنَسَة بالحديث من كثرة ما قرأ، سَمِعَ نصر بْن البَطِر، وأبا عبد الله النِّعَاليّ، وجماعة كثيرة من أصحاب أَبِي عليّ بْن شاذان، وأبي القاسم بْن بِشْران، وكتب لي جزءًا بخطّه عَنْ شيوخه، وجمع لنفسه مُعْجَمًا في خمسة أجزاء ضخمة، سَمعْتُهُ منه، وأفادني عَنْ جماعة، وقال لي: وُلِدتُ في ذي القعدة سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
قلت: روى عَنْهُ ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وأبو الفرج ابن الْجَوْزيّ، وأبو اليُمْن الكِنْديّ، وآخرون، وتُوُفّي في رمضان في حادي عشره.
وثّقه ابن نقطة، وقال: حدثنا عنه جماعة.(11/976)
560 - محفوظ بْن سلطان، أبو الوفاء الدّمشقيّ، النّجّار. [المتوفى: 549 هـ]
روى عن سهل بن بشر الإسفراييني، وأبي البَرَكَات أحمد بْن طاوس، روى عَنْهُ ابن عساكر، وابنه القاسم، وتوفي في رجب.(11/976)
561 - مسعود بْن أحمد بْن أَبِي عليّ نَصْر اللَّه بْن أحمد بْن عثمان، أبو بَكْر الخُشنامي، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ من جدّه، والفضل بْن عبد الواحد التّاجر، وأبي عليّ الجاجَرْميّ، روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.
قُتِلَ في فتنة الغُزّ في شوّال.(11/976)
562 - المُسَيَّب بْن أَبِي الذَّوَّاد المفرّج بْن الحَسَن الكلابي ابن الصوفي، [المتوفى: 549 هـ]
رئيس دمشق ووزيرها.
لَهُ ذِكْر في الحوادث، وأنّه امتنع بدمشق وجيّش، واستخدم الأحداث، حتّى لاطَفَه صاحب دمشق، ثمّ عزله ناحية، ثمّ أبعده إلى صَرْخَد، فلمّا تملّك نور الدّين دمشقَ قدِمَها متمرِّضًا، ثم مات.
وكان جبارًا ظالما، كذا قَالَ أبو يَعْلَى حمزة بْن أسد التّميميّ في تاريخه، وهو مؤيَّد الدّولة ابن الصوفي رئيس دمشق ووزيرها في دولة مجير الدّين أبق.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، ودُفن بداره بدمشق، وسُرَّ النّاس بموته، فإنّه كَانَ ظالمًا.(11/977)
563 - المُطَّلِب بْن أحمد بن الفضل، الشريف أبو الندى، القُرَشيّ، الأُمَويّ، الهَرَويّ، [المتوفى: 549 هـ]
خطيب هَرَاة.
سَمِعَ أحمد بْن أَبِي عاصم الصَّيْدلانيّ، وعنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وتُوُفّي بهَرَاة في رمضان.(11/977)
564 - المظفَّر بْن عليّ بْن محمد بْن محمد بْن جَهِير، أبو نصر الوزير [المتوفى: 549 هـ]
ابن الوزير أَبِي القاسم.
كَانَ مُعرقًا في الوزارة، ولي أستاذ داريَّة المسترشد بالله، وولي الوزارة في أوّل دولة المقتفي، وعُزِل سنة اثنتين وأربعين، وكانت وزارته سبْع سِنين، سَمِعَ أبا عبد الله الحسين بن علي البُسري، وأبا الحسن العلاف، وجماعة.
روى عنه أبو سعد ابن السّمعانيّ، ومحمد بْن عليّ الدُّوريّ شيخ لابن النجار.
ولد في حدود سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي في سادس ذي الحجَّة.(11/977)
565 - منصور بْن محمد بْن منصور، أبو نصر الهلاليّ، الباخَرْزِيّ، الفقيه. [المتوفى: 549 هـ][ص:978]
سكن المدرسة البَيْهَقِيَّة بنَيْسابور، وقال أبو سعد السّمعانيّ: كَانَ فقيهًا، صالحًا، ورِعًا، كثير العبادة، مُكْثِرًا من الحديث، سَمِعَ أبا بَكْر بْن خَلَف، وموسى بْن عِمران الأنصَاريّ، وأبا تُراب عبد الباقي المراغي.
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه أربعة أجزاء من تاريخ الحاكم، عَنْ موسى عَنْهُ، ووُلِد في سنة ست وستين وأربعمائة، قُتِلَ في وقعة الغُزّ في شوّال.
وروى عَنْهُ المؤيَّد الطُّوسيّ أيضًا.(11/977)
566 - المُوَفَّق بْن محمد بن عمر، الإمام أبو المعالي ابن الصَّكّاك الطُّوسيّ، الشُّرُوطيّ. [المتوفى: 549 هـ]
إِلَيْهِ كَانَ كتابة السِّجِلّات بطُوس، سَمِعَ عُبَيْد اللَّه بْن طاهر الرَّوَقيّ، وأبا سعد الحَسَن بْن عبد الله القطّان.
روى عَنْهُ عبد الرحيم السّمعانيّ، وقال: وُلِد في حدود الثمانين وأربعمائة، وقتلته الغز بطوس في رمضان.(11/978)
567 - ناصر بْن محمود بْن عليّ، أبو الفضائل القُرَشيّ، الدّمشقيّ، الصّائغ. [المتوفى: 549 هـ]
سَمِعَ من الفقيه نصر المقدسيّ، وعلي بن زهير المالكي، وكان صالحًا، كثير التّلاوة، روى عَنْهُ الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم.(11/978)
568 - نصر بْن المظفَّر بْن الحُسين بْن أحمد بْن محمد بْن يحيى بْن أحمد بْن محمد بْن يحيى بْن خَالِد بْن بَرْمَك بْن آذَرْوَنْدار، ويقال: آذَرْبُنْدار، أبو المَحَاسِن البَرْمكيّ، الهَمَذَانيّ، الْجُرْجانيّ الأصل، البغداديّ المولد، المعروف بالشّخص العزيز، [المتوفى: 549 هـ]
وهو أخو أَبِي الفُتُوح الفَتْح.
سأله ابن السّمعانيّ عَنْ مولده، فقال: بلغت في سنة الغَرَق، وهي سنة ست وستين وأربعمائة، ونشأ ببغداد، ثمّ سكن هَمَذَان، سَمِعَ أبا الحسين ابن النَّقُّور، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ ببغداد، وعبد الوهّاب بْن مَنْدَهْ، وأبا [ص:979] عيسى بْن عبد الرحمن بْن زياد، وسليمان بْن إبراهيم الحافظ بأصبهان، وانفرد بأكثر مسموعاته، وقصده النّاس.
قَالَ أبو سعد: هُوَ شيخ مُسِنّ، كَانَ يصلّي ببعض الأتراك، وكان يلقَّب بشخص، قرأت عَلَيْهِ كتاب " الاستئذان " لابن المبارك.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وأبو العلاء الهَمَذَانيّ، وابنه عبد البَرّ بْن أَبِي العلاء، وداود بْن معمّر بْن الفاخر، ومحمد بْن أحمد الروذراوري، وأحمد بن شهردار بْن شِيرُوَيْه، وعبد الهادي بْن عليّ الواعظ، ووكيع بْن مانكديم، وعبد الجليل بْن منْدُوَيْه، وجماعة.
قَالَ ابن النّجّار: أكْثَر الأسفارَ، ودخل إلى خُرَاسان، وبخارى، وسَمَرْقَنْد، وكاشغَر، والسِّنْد، ووصل إلى دمشق، وتوفي ليلة القدر سنة تسعٍ وأربعين، وقيل: تُوُفّي في ربيع الآخر سنة خمسين.(11/978)
569 - نصر بْن موسى بْن شبرق البغداديّ، البيّع، المعروف بالرّفّاء. [المتوفى: 549 هـ]
روى عَنْ جعفر السّرّاج، وغيره، روى عَنْهُ أبو بَكْر النّاقداريّ، وأحمد بْن صالح الْجِيليّ.(11/979)
570 - وهب بن سلمان بن أحمد بن الزنف، الفقيه أبو القاسم السلَمي، الدّمشقيّ، الشّافعيّ. [المتوفى: 549 هـ]
تفقَّه عَلَى جمال الإسلام أَبِي الحَسَن، وأعاد بالأمينيَّة، وسمع أبا الحسن، وأبا الفضل ابني المَوَازِينيّ، وهبة الله ابن الأكْفانيّ، وقرأ بالرّوايات عَلَى محمد بْن إبراهيم النّشائي، روى عَنْهُ أبو القاسم بْن عساكر، وجماعة، وتُوُفّي في رمضان وله إحدى وخمسون سنة.
وهو والد محمد وأحمد.(11/979)
571 - هاشم بْن فُلَيْتَة بْن قاسم بْن أَبِي هاشم العلوي، الحسيني، [المتوفى: 549 هـ]
أمير الحَرَمَيْن.
تُوُفّي في ذي الحجَّة أيّام الموسم بمكَّة، وقام بعده ولده قاسم، فبقي إلى [ص:980] سنة ستٍّ وخمسين، فظلم وعسَف، فعُزل، وولي بعده عمّه عيسى.(11/979)
572 - هبة اللَّه بْن سعد الله بن أسعد بن سعيد ابن الشّيخ أَبِي سعيد فضل اللَّه بْن أَبِي الخير المِيهَنيّ، أبو محمد بْن أَبِي سعيد، [المتوفى: 549 هـ]
أخو أَبِي بَكْر سعيد.
كيّس، ظريف، خفيف الرّوح، خَدُوم، سَمِعَ محمد بْن أحمد العارف، ومحمد بْن الحسين بْن طلْحة المِهْرَجَانيّ، ومحمد بْن أحمد الكامِخيّ، وقاضي بغداد محمد بْن المظفَّر الشّاميّ، وغيرهم.
روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وتُوُفّي بِمِيهَنَة في رمضان وقد قارب الثمانين.(11/980)
-سنة خمسين وخمسمائة(11/981)
573 - أحمد بْن الحسين بْن عبد الرحمن بْن عبد الرّزّاق، أبو الفتح العَبْسيّ، الشّاشيّ الخِرْقانيّ الفَرَابيّ. [المتوفى: 550 هـ]
شيخ صالح، سديد السّيرة، أديب،
رَوَى بالإجازة عَنْ: السّيّد محمد بْن محمد بْن زيد الحسني.
قال أبو المظفّر ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه كتاب " العُقُوبات "، وهو ثلاثة عشر جزءًا، وكتاب " شرف الأوقات "، وكتاب " عيون الأخبار في مناقب الأخيار "، وكتاب " الفِتَن "، وكتاب " غُرر الأنساب في شرف الرَّسُول والأصحاب "، وكتاب " أدب المشروب والمأكول "، وكتاب " مذهب خيار الأمَّة في معالم السُّنَّةِ "، وكتاب " تحفة العالِم وفرحة المتعلّم "، وكتاب " الأربعين "، والجميع من مصنَّفات السّيّد، رحمه اللَّه، وُلِد بخرقان سنة تسع وستين وأربعمائة، وتُوُفّي بقرية فَرَاب في منتصف ذي الحجَّة.(11/981)
574 - أحمد بْن محمد بْن محمد بْن سليمان، أبو العباس الحويزي، [المتوفى: 550 هـ]
وحويزة: بليدة بخوزستان.
قدِم بغداد، وتفقّه بالنّظاميَّة وتأدَّب، وقال الشِّعْر، ثمّ خدم في الدّيوان، وترقِّت حاله، وارتفعت منزلته، وصار عاملًا عَلَى نهر المُلْك، فلم تُحمد سِيرتُه، وظَلَم في السّواد، وعَسَف.
وكان عابدًا، قانتًا، متهجّدًا، كثير البكاء، والخُشُوع والأوراد، وربما أتاه الأعوان فقالوا: إنّ فلانًا قد ضربناه ضربًا عظيمًا، فلم يحمل شيئًا وهو عاجز، فيبكي ويقول: يا سبحان اللَّه، قطعتم عليَّ وِرْدي واصلوا الضَّرب عَلَيْهِ، ثمّ يعود إلى وِرْده، ولا يخون في مال الدّولة، بل يتحرّى الأمانة حتّى في الشّيء اليسير.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: كأنّه طمع بذلك أن يترقى إلى مرتبةٍ أعلى من مرتبته، وكنت في خلوة حمّام مرة، وهو في خَلْوةٍ أخرى، فقرأ نَحْوًا من [ص:982] جزأين، هجم عليه ثلاثة نفر من الشّرَاة فضربوه بالسّيوف، فجيء بِهِ إلى بغداد، فمات بعد ثلاث، وذلك في شعبان، وحُفظ قبرُهُ من النَّبْش، وظهر في قبره عَجَب، وهو أنّه خُسف بقبره بعد دفنه أذرعًا، وظهر من سبّه ولعنه ما لا يكون لِذِمّيّ.
قلت: روى عَنْهُ أبو جعفر عبد الله ابن المظفّر، رئيس الرؤساء جملة من شعره، ومن شعره:
الصّب مغلوبٌ على آرائه ... فهبوه معشرَ عاذليه لدائه
ومتى يُرَجَّى اللّائمون سلْوةً ... باللّوم وهو يزيد في إغرائهِ
ما كنت أبخل بالفؤاد عَلَى اللَّظَى ... لولا حبيب حَلّ في حَوْبائهِ
ولقد سكنت إلى مصاحبه الضّنا ... لمّا حمدت إِلَيْهِ حُسن وفائهِ(11/981)
575 - أحمد بْن مَعَدّ بْن عيسى بْن وكيل، الزّاهد أبو العبّاس، التُّجَيْبيّ، الأُقْلِيشيّ، ثمّ الدّانيّ. [المتوفى: 550 هـ]
سَمِعَ أَبَاهُ أبا بَكْر، وليس بالمشهور، وسمع صِهْره طارق بْن يَعيش، وأبا العبّاس بْن عيسى، وتلمذ له، وأبا الوليد ابن الدّبّاغ، وجماعة، وحجّ، فسمع بمكَّة من الكَرُوخيّ.
وكان من الأئمَّة والعلماء العاملين، لَهُ عدَّة مصنَّفات، روى عَنْهُ الوزير أبو بَكْر بْن سُفْيان، وغيره، وكان كثير البكاء، والخشْية، والعُزُوب عَن الدّنيا، عارِفًا باللّغة، والعربيَّة، والحديث، كبير القدْر، سَمِعَ الكثير بالإسكندريَّة من السِّلَفيّ.
ومِن شعره، وما أقصر:
أسِيرُ الخطايا عند بابِكَ واقِف ... لَهُ عَنْ طريق الحقّ قلبٌ مخالفُ
قديمًا عصى عَمْدًا وجَهْلًا وغرَّةً ... ولم يَنْهَهُ قلبٌ من اللَّه خائف
تزيدُ سنوهُ وهو يزداد ضِلَّةً ... فها هو في ليل الضلالة عاكف
تطلع صبحُ الشَّيْب والقلبُ مظلمٌ ... فما طاف فيه من سَنَا الحقّ طائف
ثلاثون عامًا قد تولّت كأنها ... حلومٌ تقضت أو بروقٌ خواطف
وجاء المَشِيبُ المُنْذِر المرءَ أنّه ... إذا رحلت عَنْهُ الشّبيبةُ تالف
فيا أحمد الخَوّان قد أدبر الصِبى ... وناداك من سنّ الكُهُولة هاتف
فجدْ بالدُّموع الحُمر حُزْنًا وحَسْرةً ... فدمْعُكَ يُنْبِي أنَّ قلبَكَ آسف [ص:983]
قال الأبّار: توفي بقوص سنة خمسين أو سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.(11/982)
576 - إسماعيل بْن عبد الرحمن بْن سعيد، أبو عثمان العصائدي، النيسابوري. [المتوفى: 550 هـ]
روى عن أبي سعد بْن رامِش، وأبي عبد الرحمن طاهر الشّحّاميّ، وأصحاب أَبِي بَكْر الحِيريّ، روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ، وابنه أبو المظفّر، وجماعة.
وُلِد بعد الستين وأربعمائة بنَيْسابور، وتُوُفّي في جُمادَى الآخرة سنة خمسين، وكان ذا رأي سديد، وعقل، وفكر.(11/983)
577 - الحسن بْن أحمد بْن محبوب، أبو عليّ البغداديّ القزّاز. [المتوفى: 550 هـ]
شيخ صالح، سَمِعَ الكثير من طراد، وابن طلْحة النِّعَاليّ، ونصر بْن البَطِر، والطَّبَقَة، وكان يغسّل الموتى في المارِسْتان العَضُديّ.
روى عَنْهُ ابن السمعاني، وابن الأخضر، وأبو الفرج ابن الْجَوْزيّ، وجماعة، وتُوُفّي في المحرَّم، وقد جاوز الثّمانين، وكتب وخرَّج مَعَ الصِّدْق والدّين والتّلاوة.(11/983)
578 - الحسن بْن أحمد بْن أَبِي الفضل، النَّيْسابوري، الصُّوفيّ، المعروف بجَانا. [المتوفى: 550 هـ]
شيخ ظريف، عفيف، كثير العبادة، من مشهوري الصُّوفيَّة، سَمِعَ هبة اللَّه بْن أَبِي الصَّهْباء، ومحمد بْن عبد الحميد المقرئ، وغيرهما، وتُوُفّي في المحرَّم أيضًا.
روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/983)
579 - الخَضِر بْن عبد الرحمن بْن عليّ، أبو الفضائل السُّلَمّي، المعروف بابن الدّارِميّ. [المتوفى: 550 هـ][ص:984]
سَمِعَ الحَسَن بْن عليّ بْن صَصْرَى، وأحمد بْن عبد المنعم الكُرَيْديّ، وغيرهما بدمشق.
روى عنه أبو القاسم ابن عساكر، وقال: تُوُفّي في شعبان.(11/983)
580 - الخليل بْن أحمد السَّكُونيّ، اللَّبَليّ. [المتوفى: 550 هـ]
قَالَ ابن فَرْتُون: ديِّن، فاضل، متواضِع، حافظ للفُرُوع، مُفت، أَمّ بِلَبْلَةَ، وأقرأ القرآن، والنَّحْو، واللُّغة، والفِقْه، والحديث، حدَّث عَنْ ابن السّيّد، وأبي محمد بْن عَتّاب، لقيت حفيده أبا الفضل محمد بْن أحمد بن خليل، فروى لي عَنْ أبيه، عَنْ جدّه في سنة خمس وثلاثين وستمائة.(11/984)
581 - سعيد بن أبي غالب أحمد بن الحسن بن أحمد ابن البنّاء، أبو القاسم البغداديّ. [المتوفى: 550 هـ]
شيخ صالح، خيِّر، من أولاد الشيوخ، سمع أبا القاسم ابن البُسري، وأبا نصر الزَّيْنَبيّ، وعاصم بْن الحَسَن، وجماعة، وولد في سنة سبع وستين وأربعمائة.
روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ، وأبو الفَرَج ابن الجوزي، وعبد الرحمن بن عمر ابن الغزّال الواعظ، وعبد اللَّه بْن محاسن الحربيّ، وعليّ بْن المبارك الأَزَجيّ الصّائغ، ورَيْحان بْن تيكان الضّرير، والحسين بْن أحمد الغزّال، وموسى ابن الشّيخ عبد القادر، وأبو العبّاس محمد بْن عبد الله الرّشيديّ المقرئ، وعليّ بْن محمد بْن المهنّد السّقّاء، وعبد الرحمن بْن المبارك ابن المشتري، وثابت بْن مشرّف البنّاء، وصالح بْن القاسم بن كوّر، وظَفَر بْن سالم البيطار، والفتح بْن عبد السّلام الكاتب، ومِسْمار بْن العُوَيْس، وخلْق آخرهم موتًا ابن اللُتّي، وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة أبو الحسن ابن المقيَّر.
تُوُفّي رابع عشر ذي الحجَّة.(11/984)
582 - سعيد بْن الحسين بْن إسماعيل بْن أَبِي الفضل، أبو سعد النَّيْسابوريّ الرِّيوَنْدِيّ الجوهريّ. [المتوفى: 550 هـ][ص:985]
شيخ صالح، قَالَ ابن السّمعانيّ: قَالَ لي: ولدت سنة إحدى وستين وأربعمائة، سَمِعَ الفضل بْن عبد الله بْن المُحِبّ المفسّر، وإسماعيل بْن مَسْعَدَة الإسماعيليّ، وأبا سعيد إسماعيل بْن عَمْرو البَحِيريّ، وغيرهم، وسمع ببغداد من أَبِي القاسم بْن بَيَان، كتبتُ عَنْهُ، وتوفي في حدود سنة خمسين وخمسمائة.
قلت: روى عَنْهُ ابن عساكر، وعبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(11/984)
583 - سليمان بْن عبد الرحمن بْن أحمد بْن عثمان، أبو الربيع العَبْدَريّ، الأندلسيّ. [المتوفى: 550 هـ]
سَمِعَ أبا عليّ الصَّدَفيّ، وجماعة، وحجّ فسمع كتاب " غريب الحديث " من أَبِي عبد الله بْن منصور بْن الحَضْرميّ، بروايته عَنْ أَبِي بَكْر الخطيب إجازة، أخذ عَنْهُ أبو عُمَر بْن عياد، وأثنى عليه، وقال: ثقة، من أهل العلم بالأصول، والحديث، والطّبّ، احترف بِهِ بقُرْطُبة، ثمّ نزل كورة ألْش خطيبًا بها، وتوفي في هذا العام وقد بلغ السبعين.(11/985)
584 - شافع بْن عليّ بْن أَبِي الحسن، أبو الفُتُوح الشّعريّ. [المتوفى: 550 هـ]
فقيه، صوفيّ، نظيف، سَمِعَ القاضي أبا الحسين المبارك بْن محمد الواسطيّ، ونصر الله الخُشنامي، روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/985)
585 - عبد الله بْن أحمد بْن عبد الله ابن الحافظ أَبِي مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الحسن، أبو القاسم ابن الخلال البغداديّ. [المتوفى: 550 هـ]
من أولاد المحدّثين، سَمِعَ ابن خَيْرُون، ونصر بْن البطر، ولد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
قال أحمد بْن صالح الْجِيليّ: كَانَ نِعْم الرجل، لا بأس بِهِ، تُوُفّي في أوّل ذي الحجَّة.
قلت: روى عَنْهُ أبو شجاع محمد بْن المقرون، وابن الأخضر.(11/985)
586 - عبد الفتّاح بْن عطاء بْن عُبَيْد اللَّه، أبو المعالي الصَّيْرفيّ، الهَرَويّ. [المتوفى: 550 هـ]
عدْل، عالم، مليح الخطّ، سَمِعَ أبا عطاء عبد الأعلى المليحي، ونجيب [ص:986] ابن ميمون الواسطي، ومحمد بن الحسن اللهاوري، وطائفة، ولد سنة سبعين وأربعمائة، وُتُوُفّي في صَفَر بَهَرَاة.
روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، ووالده.(11/985)
587 - عبد الكريم بْن بدر، أبو المكارم المُشرقي، الكوفيّ، [المتوفى: 550 هـ]
منسوب إلى الأمير مشرق السّامانيّ.
ولي قضاء كوفن، وكان يخلّ بالصّلاة، سَمِعَ إسماعيل بْن محمد الزّاهريّ، وأبا المظفَّر السّمعانيّ، وعنه السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.
مات في المحرَّم بأَبِيوَرْد عَنْ ثمانين سنة.(11/986)
588 - عبد المعز بن بشر بن بشير بْن محمد بْن بِشْر بْن عبد الله بن محمد، الواعظ أبو العباس المُزني، المغفلي، الهَرَويّ. [المتوفى: 550 هـ]
سَمِعَ أبا عامر الأَزْديّ، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، وعبد الأعلى بْن أَبِي عُمَر المليحي، وجماعة.
روى عَنْهُ عبد الرحيم، وأبوه، وتُوُفّي في ربيع الآخر، وله أربع وسبعون سنة، وزمِن بأخرة.(11/986)
589 - عُبَيْد اللَّه بْن حمزة بْن إسماعيل بْن حمزة بْن حمزة بْن محمد المجدّر بن أحمد بن القاسم بن حمزة بْن جُميع بْن موسى الكاظم بْن جعفر الصّادق السّيّد، أبو القاسم العَلَويّ، المُوسَوِيّ، الهَرَويّ، [المتوفى: 550 هـ]
أخو علي.
ذكره ابن السّمعانيّ، فقال: زاهد، ورِع، متعبّد، كثير العبادة والمجاهدة، وضيء الوجه، قليل الكلام، مشتغل بما يعنيه، لم نر في العَلَويَّة مثله، كَانَ يسكن في رِباطٍ لَهُ بظاهر باب خشك، سمع أبا عامر بْن محمود بْن القاسم الأَزْديّ، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، وقال لي: ولدتُ في سنة ست وستين وأربعمائة، وتوفي يوم الجمعة الرابع والعشرين من ذي القعدة.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وابنه عبد الرحيم، وأبو رَوح عبد المعزّ، وطائفة.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن هبة الله قال: أنبأنا عبد المعز بن محمد، قال: أخبرنا [ص:987] عبيد الله بن حمزة الموسوي، قال: أخبرنا أبو عامر الأزدي، قال: أخبرنا الجرّاحي، قال: أخبرنا المحبوبي، قال: حدثنا أبو عيسى، قال: حدثنا قتيبة، قال: حدثنا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِر أَهْلُهُ وماله ".
سقط منه ذِكْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ.(11/986)
590 - عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بْن هشام، أبو محمد، وأبو مروان، الحضْرميّ، الإشبيليّ، ويُعرف بعُبَيْد. [المتوفى: 550 هـ]
أخذ القراءات عن أبي القاسم ابن النخاس، وأبي الحَسَن عَوْن اللَّه، وغيرهما، وسمع من أَبِي محمد بْن عَتّاب، وأَحْكَم العربيَّة، وكان شاعرًا، فاضلًا جوّالًا، تصدَّر بمَرّاكُش للإقراء والتّعليم مدَّةً، ثمّ سكن مُرْسِيَة، وخطب بها، وله تصانيف مفيدة، منها " الإفصاح في اختصار المصباح "، و" شرح مقصورة ابن دُرَيْد "، وكتاب " قراءة نافع ".
حدَّث عَنْهُ أبو ذَرّ الخُشَنيّ، واختصّ بِهِ، وأخذ عَنْهُ القراءات والنَّحْو أبو عُمَر بْن عيّاد، وابنه أبو عبد الله.
وكان مولده في سنة تسع وثمانين وأربعمائة بقرطبة، وكان حيًا في هذه السنة.(11/987)
591 - عليّ بْن محمد بْن أحمد، الخطيب أبو الحسن الرُّوذْرَاوَرِيّ المُشكاني، [المتوفى: 550 هـ]
الخطيب بمُشْكان، وهي من قُرى رَوذرَاوَر عَلَى ستّ فراسخ من هَمَذَان.
مولده في رمضان سنة ست وستين وأربعمائة بمُشكان، وقدِم عليهم سنة ستٍّ وسبعين القاضي أبو منصور محمد بْن الحَسَن بْن محمد بْن يونس النَّهاوَنْديّ، فسمعوا منه " التّاريخ الصّغير " للبخاريّ، بسماعه من ابن زِنْبِيل النَّهَاوَنْدِيّ في حدود سنة أربعمائة، وحدَّث ببغداد بالكتاب، بقراءة ابن السّمعانيّ، وسمعه منه الحافظ أبو العلاء العطّار، وابنه عبد البرّ، وأبو القاسم [ص:988] ابن عساكر، وطائفة كبيرة، وحدَّث عَنْهُ أبو القاسم ابن الحَرَسْتَانيّ إجازةً، وسماعه لَهُ بقراءة المحدِّث حمزة الروذراوري، وهو صدوق.
آخر من رحل إِلَيْهِ الحافظ يوسف بْن أحمد الشّيرازيّ في ربيع الآخر سنة خمسين، وسمع منه، ثمّ قَالَ: وفيها مات رحمه اللَّه.(11/987)
592 - عليّ بْن معصوم بْن أَبِي ذَرّ، أبو الحسن المغربيّ الفقيه، [المتوفى: 550 هـ]
نزيل إسْفَرَايين، وبها تُوُفّي.
كَانَ إمامًا، فقيهًا، بارعًا، علّامة في الحساب، تفقّه عَلَى الفَرَج بْن عُبَيْد اللَّه الخُوَيّي، وأفتى وأفاد، قَالَ ابن السّمعانيّ فيه ذَلكَ، وقال: كتبتُ عَنْهُ شيئًا، وتُوُفّي في شعبان بإسْفَرَايين.(11/988)
593 - عليّ بْن نصر بْن محمد بْن عبد الصّمد، أبو الحَسَن الفَنْدُورَجيّ، [المتوفى: 550 هـ]
وهي قرية من نواحي نيسابور.
سمع عبد الغفّار الشّيْروِيّيّ، وغيره، وكان كاتبًا، منشئًا، لُغَويًا، شاعرًا، فصيحًا، كَانَ ينشئ الكُتُب من ديوان الوزارة بخُراسان.
قَالَ ابن السّمعانيّ: علّقت عَنْهُ، وتُوُفّي في حدود سنة خمسين.(11/988)
594 - عُمَر بْن عثمان بْن الحسين بْن شعيب، أبو حفص الْجَنْزيّ، الأديب، [المتوفى: 550 هـ]
من أهل ثغر جَنْزَة.
أحد الأعلام في الأدب والشِّعْر، قدِم بغداد، وصحِب الأئمَّة، ولازَم الأديب أبا المظفَّر الأَبِيوَرْدِيّ مدَّة ثمّ رجع إلى جَنْزَة، ثمّ عاد إلى بغداد، وذاكَرَ الفُضَلاء، وبرع في العِلْم حتّى صار علّامة زمانه، وأوحد عصره، قاله أبو سعد السّمعانيّ، وقال أيضًا: كَانَ غزير الفضل، وافر العقل، حسن السيرة، متدينا متودِّدًا، كثير العبادة، سخيّ النَّفْس، صنَّف التّصانيف، وشرع في إملاء تفسيرٍ لو تمّ لكان لا يوجد مثله، سَمِعَ بهَمَذَان كتاب " السُّنَن " للنَّسَائيّ، وكتاب " يوم وليلة " من عبد الرحمن بْن حَمْد الدّونيّ، اجتمعتُ معه بسرخس، وقدِم علينا مَرْو غير مرَّة، وشاعت تصانيفه في الآفاق، وتُوُفّي في [ص:989] رابع عشر ربيع الأوّل، ووُلِد في حدود سنة بضْعٍ وسبعين.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وابنه عبد الرحيم.(11/988)
595 - الفضل بْن محمد بْن إبراهيم، أبو محمد ابن الزّياديّ، السَّرْخَسيّ، [المتوفى: 550 هـ]
قاضي سَرخس.
فقيه، عابد، متزهّد، تارك للتّكلُّف، متودّد، قَالَ ابن السّمعانيّ: كتبتُ عَنْهُ مجلسًا من إملائه، وكان عنده عَنْ أَبِي منصور محمد بْن عبد الملك المظفَّرِيّ، وأبي ذَرّ عبد الرحمن بْن أحمد الأديب، وقال لي: ولدت سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وتُوُفّي في سادس عشر شوّال، جاءني نعيُه وأنا بنَسْف.(11/989)
596 - فضل اللَّه بْن المعمَّر بْن أَبِي شكر، أبو سعيد الأصبهانيّ، الجوهريّ، [المتوفى: 550 هـ]
نزيل بغداد، كان يسكن المقتدية.
سَمِعَ رزق اللَّه التّميميّ، والقاسم الثّقفيّ الرئيس، وكان يعمل في ديوان الخاتون.
قَالَ ابن السمعاني: كتبت عنه، وتوفي في شعبان.
روى عنه عبد الرحيم.(11/989)
597 - القاسم بن عمر بن عطاء، أبو الفتح الهروي الفصاد. [المتوفى: 550 هـ]
شيخ له سمت وسكون، سمع أبا عبد الله محمد بن علي العميري، توفي في شوال.
روى عنه عبد الرحيم.(11/989)
598 - محمد بْن إسماعيل بْن سعيد بْن عليّ، أبو منصور اليعقوبي، البوشنجي، الصوفي الواعظ. [المتوفى: 550 هـ]
سكن هَرَاة، ووعظ بها، وكان لَهُ أتباع من الصُّوفيَّة يُنفق عليهم من الفُتُوح.
قَالَ ابن السّمعانيّ: غير أنّ النّاس يُسِيئون الثّناء عَلَيْهِ، سَمِعَ أَبَاهُ، وعبد الرحمن بْن محمد بن عفيف كلار، وتوفي بقرية ناب في سلْخ رجب. [ص:990]
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وابنه عبد الرحيم.(11/989)
599 - محمد بْن الحَسَن بْن محمد، أبو عبد اللَّه البَلَديّ، البَنْجَدِيهيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 550 هـ]
سَمِعَ أبا سعيد البَغَويّ، الدّبّاس، ومات في عَشْر الثّمانين.
أخذ عَنْهُ السّمعانيّ أبو سعد.(11/990)
600 - محمد بْن عبد الباقي بن محمد بن قِرطاس، أبو سعد البغداديّ، البيِّع، المقرئ. [المتوفى: 550 هـ]
قرأ القراءات، وطلب الحديث، وسمع بنفسه من ابن بنان، وابن نبهان، وأبيّ النّرسي، وأبي سعد ابن الطُّيُوريّ، وطائفة، ولم يزل يسمع إلى آخر شيء.
روى عَنْهُ ابن الأخضر، وغيره، ومات في رجب سنة خمسين، وله ستٌّ وستّون سنة.(11/990)
601 - محمد بْن عليّ بْن أحمد، أبو عبد الله النَّحْويّ، الحليّ، ويُعرف بابن حُمَيْدَة. [المتوفى: 550 هـ]
نحْويّ، بارع، حاذق بالفَنّ، بصير باللّغة، شاعر، لَهُ " شرح كتاب أبيات الجُمل "، وكتاب " شرح اللُمع "، وكتاب في التّصريف، وكتاب " شرح المقامات "، إلى غير ذَلكَ، قرأ على أبي محمد ابن الخشّاب، وتوفي وهو شاب فيما أظنّ.(11/990)
602 - محمد بْن عليّ بْن الحسن، أبو المظفر ابن الشَّهْرُزُورِيّ، الفَرَضيّ. [المتوفى: 550 هـ]
من شيوخ بغداد، وُلِد سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وسمع ابن طلْحة النِّعَاليّ، وأبا الفضل بْن خَيْرُون، وغيرهما.
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ، ديِّن، خيِّر، ثقة، لَهُ معرفة تامَّة بالفرائض، والحساب، انفرد بذلك في وقته. وكان يسكن درب نُصير، وله دُكّان بالرَّيْحَانيّين يبيع فيها العِطْر، ويعلّم النّاسَ الفَرَائض والحساب، وخرج إلى [ص:991] المَوْصِل لدَين رَكِبَهُ، وبقي بها مدَّة، وخرج إلى أَذَرْبَيْجان، ومات بها، كتبتُ عَنْهُ، وتُوُفّي بمدينة خِلاط في رجب.
قلت: روى عَنْهُ يوسف بْن كامل، والقاضي يوسف بْن إسماعيل اللّمغانيّ.(11/990)
603 - محمد بْن عليّ بْن هبة اللَّه بْن عَبْد السّلام، أبو الفَتْح بْن أَبِي الحسن البغدادي، الكاتب. [المتوفى: 550 هـ]
من بيت رياسة ورواية، ولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمّعه أبوه من رزق الله التّميميّ، وأبي الفضل بْن خَيْرُون، وأبي عبد الله الحُميدي، وابن طلْحة النِّعَاليّ، وطِراد، ونصر بْن البَطِر، وخرَّج لَهُ أَبُوهُ مشيخة، وحدَّث، وتوفي في سلْخ صفر.
قلت: روى عَنْهُ عُمَر بْن طَبَرَزْد، وابن الأخضر، وجماعة آخرهم حفيده الفتح بْن عبد الله بْن عبد السّلام، وَأَخْبَرَنَا الأَبَرْقُوهيّ، عَن الفتح، عَنْهُ بالجزء الأوّل من حديث سعدان بْن نصر، وكان صَدُوقًا.(11/991)
604 - محمد بْن ناصر بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن عُمَر الحافظ، أبو الفضل السُلامي. [المتوفى: 550 هـ]
تُوُفّي أبوه شابًا، ومحمد صغير، فكفله جده لأمه أبو حكيم الخَبْرِيّ، وسمّعه شيئًا يسيرًا، وحفّظه القرآن، وكان مولده ليلة نصف شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة.
سمع أبا القاسم ابن البُسري، وأبا طاهر محمد بْن أحمد بْن أبي الصَّقْر، وعاصم بن الحسن، ومالكًا البانياسيّ، وأبا الغنائم بْن أَبِي عثمان، ورزق اللَّه التّميميّ، وطِراد بْن محمد الزَّيْنَبيّ، وأبا عبد الله بْن طَلْحَةَ، وابن البطِر، وخلقًا مِن أصحاب أَبِي عليّ بْن شاذان ومن بعدهم، وخلْقًا من أصحاب ابن غَيْلان، والجوهريّ، وعُني بطلب الحديث أتمّ عناية، لكنّه لم يرحل، وتفقّه عَلَى مذهب الشّافعيّ، وقرأ الأدب واللّغة عَلَى أَبِي زكريّا التّبْرِيزيّ، ولازم أبا الحسين ابن الطُّيُوريّ فأكثر عَنْهُ، ثمّ خالَطَ الحنابلة ومالَ إليهم، وانتقل إلى مذهب أحمد لمنامٍ رآه.
قال تلميذه أبو الفرج ابن الجوزي: كان حافظًا، ضابطًا، ثقة، متقنًا، [ص:992] من أهل السُّنَّة، لا مَغْمَزَ فيه، وهو الَّذِي تولّى تسميعي الحديث، فسمعت بقراءته " المُسند " للإمام أحمد، وغيره من الكُتُب الكبار والأجزاء، وكان يُثَبّت لي ما أسمع، وعنه أخذت علم الحديث، وكان كثير الذِّكر، سريع الدمعة، ذكره ابن السّمعانيّ في " المُذَيَّل "، فقال: كَانَ يحبّ أن يقع في النّاس.
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: وهذا قبيحٌ من أَبِي سعد، فإنّ صاحب الحديث ما يزال يجرّح ويعدّل، فإذا قال قائل: إن هذا وقوعٌ في الناس دلّ عَلَى أنّه لَيْسَ بمحدِّث، ولا يعرف الجرحَ من الغَيْبة. ومُذَيَّل ابن السّمعانيّ ما سمّاه إلّا ابن ناصر، ولا دلّه عَلَى أحوال الشّيوخ أحدٌ مثل ابن ناصر، وقد احتجّ بكلامه في أكثر التّراجم، فكيف عوَّل عَلَيْهِ في الْجَرْح والتّعديل، ثمّ طعن فيه؟ ولكنّ هذا منسوبٌ إلى تعصُّبُ ابن السّمعانيّ عَلَى أصحاب أحمد، ومن طالَعَ كتابه رَأَى تعصُّبه البارد وسوء قَصْده، ولا جَرَم لم يمتّع بما سمع، ولا بلغ مرتبة الرواية.
قلت: يا أبا الفَرَج، لا تنهَ عَنْ خُلق وتأتي مثله، فإن عليك في هذا الفصل مؤاخذات عديدة، منها أنّ أبا سعد لم يقُلْ شيئًا في تجريحه وتعديله، وإنّما قَال: إنه يتكلم في أعراض الناس، ومن جرّح وعدّل لم يسمَّ في عرف أهل الحديث أنه يتكلم في النّاس، بل قَالَ ما يجب عَلَيْهِ، والرجل فقد قال في ابن ناصر عبارتك بعينها الّتي سَرَقْتَها منه وصَبَغْتَه بها، بل وعامَّة ما في كتابك " المنتظم " من سنة نيّفٍ وستين وأربعمائة إلى وقتنا هذا مِن التّراجم، إنّما أَخَذْتَهُ من " ذيل " الرجل، ثم أنت تتفاخم عليه وتتفاجج، ومَن نظر في كلام ابن ناصر في الجرح والتعديل أيضًا عرف عترسته وتعسّفه بعض الأوقات.
ثمّ تَقُولُ: فإذا قَالَ قائل: إن هذا وقوع في الناس دل على أنه ليس بمحدث، ولا يعرف الجرح من الغَيْبة، فالرجل قَالَ قوله، وما تعرّض لا إلى جرح ولا غيبة حتى تلزمه بشيء ما قاله، وقد علم العالمون بالحديث أنّه أعلم منك بالحديث، والطُّرق، والرجال، والتّاريخ، وما أنت وهو بسواء. وأين من أفنى عُمره في الرحلة والفنّ خاصَّة، وسمع من أربعة آلاف شيخ، ودخل الشّام، والحجاز، والعراق، والجبال، وخُراسان، وما وراء النّهر، وسمع في أكثر من [ص:993] مائة مدينة، وصنَّف التّصانيف الكثيرة، إلى من لم يسمع إلّا ببغداد، ولا روى إلّا عَنْ بضعةٍ وثمانين نفْسًا؟! فأنت لا ينبغي أن يُطلق عليك اسمُ الحِفْظ باعتبار اصطلاحنا، بل باعتبار أنّك ذو قوَّةٍ حافِظَة، وعلْمٍ واسع، وفنون كثيرة، واطّلاعٍ عظيم، فغفر اللَّه لنا ولك.
ثمّ تنسبه إلى التّعصُب عَلَى الحنابلة، وإلى سوء القَصْد، وهذا - والله - ما ظَهَر لي من أَبِي سعد، بل والله عقيدتُهُ في السُّنَّة أحسن من عقيدتك، فإنّك يومًا أشْعَرِيّ، ويومًا حنبليّ، وتصانيفك تُنْبئ بذلك، فما رأينا الحنابلة راضين بعقيدتك ولا الشّافعية، وقد رأيناك أخرجت عدَّة أحاديث في الموضوعات، ثمّ في مواضع أخَر تحتج بها وتحسّنها، فخِلنا مساكتة.
قَالَ أبو سعد، وذكر ابن ناصر: كَانَ يسكن درب الشّاكريَّة، حافظ، ديِّن، ثقة، متقِن، ثبْت، لُغَوِيّ، عارف بالمُتُون والأسانيد، كثير الصّلاة والتّلاوة، غير أنّه يحبّ أن يقع في النّاس، كَانَ يطالع هذا الكتاب، ويُخشى عَلَيْهِ ما يقع لَهُ من مَثَالبهم، والله يغفر لَهُ، وهو صحيح القراءة والنَّقْل، وأوّل سماعه من ابن أَبِي الصَّقْر، وذلك في سنة ثلاثٍ وسبعين.
وقال أبو عبد الله ابن النّجّار: كانت لابن ناصر إجازات قديمة من جماعة، كأبي الحسين ابن النَّقُّور، وابن هزارمَرد الصَّرِيفِينيّ، والأمير ابن ماكولا الحافظ، وغيرهم، أخذها لَهُ ابن ماكولا في رحلته إلى البلاد.
قلت: وقرأت بخطّ الحافظ الضّياء: أجاز لأبي الفضل بْن ناصر أبو نصر ابن ماكولا، وأبو القاسم علي بْن عبد الرحمن بْن عُلَيَّك في سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة، ومحمد بْن عُبَيْد اللَّه الصّرّام، وأبو صالح أحمد بْن عبد الملك المؤذّن، وفاطمة بِنْت أَبِي عليّ الدّقّاق، والفضل بْن عبد الله بْن المُحِبّ، وعبد الحميد بْن عبد الرحمن البَحِيريّ، وأحمد بْن عليّ بْن خَلَف الشّيرازيّ.
قلت: ولعلّه تفرّد بالإجازة عَنْ بعض هَؤُلّاءِ.
وقال ابن النّجّار: كَانَ ثقة، ثَبْتًا، حَسَن الطّريقة، متديّنًا، فقيرًا، متعفّفًا، نظيفًا، نَزِهًا، وَقَفَ كُتُبَه، وخَلَّف ثيابه وثلاثة دنانير، وكانت ثيابه، خِلقًا، ولم يعقِب، وسمعت مشايخنا ابن الْجَوْزيّ، وابن سُكينة، وابن الأخضر يُكثرون [ص:994] الثّناء عَلَيْهِ، ويصِفُونَه بالحِفْظ، والإتقان، والدّيانة، والمحافظة عَلَى السُّنَن، والنوافل. وسمعت جماعة من شيوخي يذكرون أنّ ابن ناصر، وأبا منصور ابن الجواليقيّ كَانَا يقرآن الأدب عَلَى أَبِي زكريّا التبريزي، ويسمعان الحديث، فكان الناس يقولون: يخرج ابن ناصر لغويَّ بغداد، وابنُ الْجَوَاليقيّ مُحَدِّثَها، فانعكس الأمر.
قلت: قد كَانَ ابن ناصر مُبَرزًا في اللّغة أيضًا.
وقال ابن النّجّار: قرأت بخطّ ابن ناصر، وأخبرنيه يحيى بْن الحسين عَنْهُ سماعًا من لفظه، قَالَ: بقيت سِنين لا أدخل مسجد الشّيخ أَبِي منصور، يعني الخيّاط المقرئ، واشتغلت بالأدب عَلَى أَبِي زكريّا التّبْرِيزيّ، فجئت في بعض الأيّام لأقرأ عَلَى أَبِي منصور الحديث، فقال: يا بُنيّ، تركت قراءة القرآن، واشتغلت بغيره، عدْ إلينا لتقرأ عليَّ، ويكون لك إسْناد، ففعلت وعُدْت إلى المسجد، وذلك في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وكنت أقرأ عَلَيْهِ، وأسمع منه الحديث، وكنت أقول في أكثر وقتي: اللَّهُمَّ بَيِّن لي أيَّ المذاهب خير، وكنت مِرارًا قد مضيت لأقرأ عَلَى القَيْروانيّ المتكلّم كتاب التّمهيد للباقِلّانيّ، وكأنّ إنسانًا يردّني عَنْ ذَلكَ، حتّى كَانَ في بعض اللّيالي رأيتُ في المنام كأنّي قد دخلت إلى المسجد إلى عند شيخنا أَبِي منصور، وهو قاعد في زاويته، وبجَنْبِه رجلٌ عَلَيْهِ ثيابُ بياضٍ، ورداء عَلَى عِمامته يشبه الثّياب الرّيفيَّة، درّيُّ اللّون، وعليه نورٌ وبَهاء، فسلّمت، وجلست بين أيديهما، ووقع في نفسي لَهُ هيبةٌ، وأنّه رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جلست التفتَ إليَّ الرجل، فقال لي: عليك بمذهب هذا الشّيخ، عليك بمذهب هذا الشّيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ، ثلاث مرات، فانتبهت مرعوبًا، وجسمي يرجف ويرعد، فقصصت ذَلكَ عَلَى والدتي، وبكّرت إلى الشّيخ لأقرأ عَلَيْهِ، فحكَيْتُ لَهُ ذَلكَ، وقصصت عَلَيْهِ الرؤيا، فقال لي: يا ولدي، ما مذهب الشّافعي الّذي هُوَ مذهبك إلّا حَسَن، ولا أقول لك اتْرُكْ مذهبك، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشْعريّ، فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، فإنا أشهدُك وأُشْهِد الجماعةَ أنّني منذ اليوم عَلَى مذهب أحمد بْن حنبل في الأُصُول والفُروع، فقال لي: وفَّقك اللَّه، ثمّ أخذت من ذَلكَ الوقت في سماع كُتُب أحمد بْن حنبل ومسائله، والتَّفَقُّه عَلَى مذهبه، وسماع مُسْنَدِه، وذلك في رمضان من سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة. [ص:995]
قَالَ: وسمعتُ شيخنا عبد الوهاب بْن سُكَيْنَة غير مرَّة يَقُولُ: قلت لشيخنا ابن ناصر: أريد أن أقرأ عليك شرح ديوان المتنبيّ لأبي زكريّا، وكان يرويه عَنْهُ، فقال: إنّك دائمًا تقرأ عليَّ الحديث مَجّانًا، وهذا شِعر، ونحن نحتاج إلى دفْع شيءٍ من الأجر عَلَيْهِ؛ لأنّه لَيْسَ من الأمور الدّينيَّة، فذكرت ذَلكَ لأبي، فأعطاني خمسة دنانير، فدفعتها إِلَيْهِ، وقرأت عَلَيْهِ الكتاب.
قلت: روى عَنْهُ ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وقال: سَمِعَ معنا كثيرًا، وهو شافعيّ المذهب، أشْعَرِيّ المعتَقَد، ثمّ انتقل إلى مذهب أحمد في الأُصول والفُروع، ومات عَلَيْهِ، وكان هُوَ وأبو منصور الجواليقيّ رفيقين يقرآن اللّغة عَلَى أَبِي زكريا التبريزي اللغوي، وكان ابن ناصر أميل إلى الحديث، وله جودة حفظٍ وإتقان، وحُسْن معرفة، وكلاهما ثقة، ثبْت إمام.
وروى عَنْهُ أبو موسى المَدِينيّ، وقال فيه: الأديب أبو الفضل بْن ناصر الحافظ، مقدَّم أصحاب الحديث في وقته ببغداد.
وروى عَنْهُ عبد الرّزّاق الجيلي، وأبو محمد ابن الأخضر، وعبد الواحد بْن سلطان، ويحيى بْن الربيع الفقيه، ومحمد بن عبد الله ابن البنّاء، ويحيى بْن مظفَّر السّلاميّ، وعُبَيْد اللَّه بْن أحمد المنصوريّ، وعبد اللَّه بْن المبارك بْن سُكينة، وعبد الرحيم بْن المبارك ابن القابلة، ومحمود بْن أَيْدِكِين البوّاب، ومحمد بْن عليّ بْن البلّ الواعظ، ومحمد بْن معالي بْن غُنيمة الفقيه، ومحمد بْن أَبِي المعالي بْن موهوب ابن البنّاء الصُّوفيّ، وعبد اللَّه بْن الحَسَن الوزّان، وأبو اليُمن الكِنْديّ، وعبد الرحمن بن عبد الغني ابن الغسّال، وعبد الرحمن بْن سعد اللَّه الطّحّان، وإسماعيل بن مظفّر ابن الأقفاصي، وعبد الرحمن بن عمر ابن الغزّال، وداود بْن مُلاعب، وعبد العزيز بْن أحمد ابن النّاقد، وموسى بْن عبد القادر الْجِيليّ، وأبو الفتح أحمد بْن عليّ الغُزْنَوِيّ، ومِسْمار بْن عُمَر بْن العُوَيْس، وعبد الرحمن بْن المبارك ابن المُشْتَريّ، وعمر بْن أَبِي السّعادات بْن صرما، وثابت بْن مُشَرف، وأحمد بْن ظَفَر بن هُبيرة، وأبو جعفر محمد بن [ص:996] هبة الله بْن مكرَّم، وأحمد بْن يوسف بْن صرما، وعبد السلام بن يوسف العبرتي، وأبو منصور محمد بْن عبد الله بْن عُفيجة، وآخر من روى عَنْهُ أبو محمد الحسن ابن الأمير السّيّد العلويّ، وبقي إلى سنة ثلاثين وستّمائة، وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة في الدّنيا ابن المُقَيّر.
تُوُفّي ابن ناصر ليلة ثامن عشر شعبان.
قَالَ ابن الجوزيّ: وحدَّثني أبو بكر ابن الحُصريّ الفقيه، قَالَ: رَأَيْت ابن ناصر في المنام، فقلت لَهُ: يا سيّدي، ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غفر لي، وقال لي: قد غفرت لعشرة من أصحاب الحديث في زمانك؛ لأنّك رئيسُهم وسيّدُهُم.
قرأتُ بخطّ الحافظ أَبِي بَكْر بْن مُسْدِي المجاور في مُعْجَمه، قَالَ: قرأتُ عَلَى ابن المُقَيّر، عَن ابن ناصر، قَالَ: كتب إليَّ عبد الواحد بْن أحمد المليحي، قال: أخبرنا ابن أَبِي شُرَيْح، فذكر حديثًا.
قلت: عندي " الْجَعْديّات " نسخة قديمة مكتوبة عَن ابن أَبِي شريح وكلها سماع عبد الواحد المَلِيحيّ، منه، ولكنّ هذا من تخبيطات ابن مُسْدِي؛ لأنّ المَلِيحيّ مات في سنة ثلاثٍ وستّين قبل مولد ابن ناصر بأزْيد من أربع سنين.(11/991)
605 - محمد بْن نصر بْن منصور بْن عليّ بن محمد، أبو بكر العامري، العوفي، المَدِينيّ، الخطيب الدِّهقان، [المتوفى: 550 هـ]
خطيب سَمَرْقَنْد.
قَالَ أبو سعد: كَانَ إمامًا، زاهدًا، تفقّه عَلَى أَبِي الحسين عليّ بْن محمد البَزْدَوِيّ، وسمع أبا عليّ الحسن بْن عبد الملك النَّسَفيّ القاضي، والسّيّد أبا المعالي محمد بْن محمد بْن زيد العَلَويّ، والملك العالم أبا الفتح نصر بْن إبراهيم الخاقان، وعُمّر دهرًا.
وذكر عُمَر بْن محمد النَّسَفيّ الحافظ أنّه وُلِد سنة أربع وخمسين وأربعمائة. [ص:997]
روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي في الرابع والعشرين من شعبان.
وقال في " التّحبير ": يقال جاوز المائة، وسمعت منه " دلائل النبوة " للمستغفري، قال: أخبرنا أبو عليّ النَّسَفيّ، عَنْهُ، وسمع، وكتب الإملاء في سنة أربع وستين وأربعمائة.(11/996)
606 - المبارك بْن الحسن بْن أحمد بْن عليّ بْن فتحان بْن منصور الإمام، أبو الكَرَم ابن الشهرزوري، البغدادي، المقرئ، [المتوفى: 550 هـ]
شيخ القراءة، ومصنِّف " المصباح الزّاهر في العَشْرة البواهر " في القراءات.
قَالَ أبو سعد: شيخ صالح، ديِّن، خيِّر، قيّم بكتاب اللَّه تعالى، عارف باختلاف الرّوايات والقراءات، حَسَن السّيرة، جيّد الأَخْذ عَلَى الطّلّاب، لَهُ روايات عالية، سَمِعَ الحديث من أَبِي القاسم إسماعيل بْن مَسْعَدَة، ورزق اللَّه التّميميّ، وأبي الفضل بْن خَيْرُون، وطِراد الزَّيْنَبيّ، وجماعة كبيرة، وله إجازة من أَبِي الحسين ابن المهتدي بالله، وأبي الغنائم عبد الصّمد ابن المأمون، وأبي الحسين ابن النَّقُّور، وأبي محمد الصَّرِيفِينيّ، كتبتُ عَنْهُ، وذكر أنّ مولده في ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
قلت: وقرأ بالرّوايات عَلَى عبد السّيّد بْن عَتّاب، والزّاهد أَبِي عليّ الحَسَن بْن محمد بْن الفضل الكِرماني، صاحب الحسين بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه الرّهاويّ، والشّريف عبد القاهر بْن عبد السّلام العبّاسيّ، ورزق اللَّه التّميميّ، ويحيى بْن أحمد السِّيبيّ، ومحمد بْن أَبِي بَكْر القَيْروانيّ، وأحمد بْن المبارك الأكْفانيّ، وأبي البَرَكات محمد بْن عبد الله الوكيل، ووالده الحسن.
قرأ عَلَيْهِ خلْق، منهم: عُمَر بْن أحمد بْن بكْرُون النّهْروانيّ، ومحمد بْن محمد بن هارون الحلي ابن الكال، وصالح بْن عليّ الصَّرْصَريّ، وأبو يَعْلَى حَمْزَة ابن القُبِّيطيّ، وأبو الفضل عبد الواحد بْن سُلْطان، ويحيى بْن الحسين الأُوَانيّ الضّرير، وأحمد بْن الحسن بْن أَبِي البقاء العاقُوليّ، وزاهر بْن رستم إمام المقام بمكَّة، وعبد العزيز بْن أحمد بْن النّاقد المقرئ، ومُشَرّف بْن عليّ [ص:998] الخالص الضّرير، وعليّ بْن أحمد بْن سعيد الواسطيّ الدّبّاس، وأبو العبّاس محمد بْن عبد الله الرّشِيديّ الضّرير.
وروى عَنْهُ الحديث محمد بْن أَبِي المعالي الصُّوفيّ ابن البنّاء، وأسعد بن علي بن علي بْن صُعْلُوك، والفَتْح بْن عبد السّلام، وآخرون.
وتوفي ولم يخلِّف بعدَه في عُلُوّ سَنَده في القراءات مثلَه، فإنّه قَالَ: قرأت لقالون عَلَى رزق الله التميمي، وقرأ على الحمّامي في سنة أربع عشرة وأربعمائة، وقرأتُ لوَرش عَلَى أَبِي سعد أحمد بْن المبارك، قَالَ: قرأت بها إلى سورة " سَبَأ " عَلَى الحمّاميّ، وقرأتُ للدُّوريّ، عَلَى رزق اللَّه، ويحيى بْن أحمد السِّيبيّ، وأبي الفتح عليّ، وأبي نصر أحمد بْن عليّ الهاشميّ، وأخبروني أنهم قرءوا عَلَى الحمّاميّ، وقرأتُ بها عَلَى ابن عَتّاب، والوكيل، وثابت بْن بُندار، وابن الجرّاح، قَالُوا: قرأنا عَلَى أَبِي محمد الحسن بْن الصَّقْر الكاتب، وقرأ هُوَ والحمّاميّ عَلَى زيد بْن أَبِي بلال، بسَنَدْه.
تُوُفّي أبو الكَرَم في الثّاني والعشرين من ذي الحجَّة، ودُفن إلى جانب الحافظ أَبِي بَكْر الخطيب.(11/997)
607 - مُجَلِّي بْن جُميع بْن نجا، قاضي القُضاة أبو المعالي القُرَشيّ، المخزوميُّ، الأَرْسُوفيّ الأصل، المصريّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 550 هـ]
ولي قضاء ديار مصر في سنة سبْعٍ وأربعين بتفويضٍ من العادل ابن السّلّار سلطان مصر ووزيرها، وقد صنَّف كتاب " الذّخائر " في الفقه، وهو من الكُتُب المعتبرة، جمع فيه شيئًا كثيرًا من المذْهَب، عُزل قبل موته، وتوفي في ذي القعدة.
ذكره ابن خلّكان.(11/998)
608 - ناصر بْن عبد الرحمن بْن محمد، أبو الفَتْح القُرَشيّ، الدّمشقيّ، المعروف بابن الراشِن النّجار. [المتوفى: 550 هـ]
سَمِعَ أبا القاسم بْن أَبِي العلاء، ونصر بْن إبراهيم الفقيه، وصَحِبَه مدَّة وخَدَمَه، تُوُفّي في ذي القعدة. [ص:999]
روى عَنْهُ ابن عساكر، وغيره.(11/998)
609 - نصر بْن عبّاس بْن أَبِي الفُتُوح بْن يحيى بْن تميم بْن المعزّ بْن باديس، الصَّنْهاجيّ، [المتوفى: 550 هـ]
الأمير ابن الأمير، اللذين قتلا الظافر بالله العُبَيْديّ، المصريّ.
ذكرت أخبارهما في ترجمة الظّافر، والفائز، وغيرهما استطرادًا، وقد قُتلا في هذه السنة.(11/999)
610 - وكيع بْن إبراهيم بْن أَبِي سعد، أبو بَكْر المزارع، البغداديّ. [المتوفى: 550 هـ]
أسمعه خاله عليّ بْن أَبِي سعد الخبّاز كثيرًا من أَبِي طالب بْن يوسف، وطبقته، روى عَنْهُ ثابت بْن مُشرف، وأحمد بن حمزة ابن الموازيني.(11/999)
611 - هارون ابن المقتدي بالله، [المتوفى: 550 هـ]
عمّ أمير المؤمنين المقتفي.
تُوُفّي في الثالث والعشرين من شوال، ومشى الأمراء والدّولة، فلمّا حُمل في المركب كَانَ الجميع قيامًا في السُّفن إلى أن وصلوا بِهِ التُرب، وتُوُفّي وله نحوٌ من سبعين سنة، أقل أو أكثر.(11/999)
612 - يحيى بْن إبراهيم السَّلَمَاسيّ، أبو زكريّا الواعظ. [المتوفى: 550 هـ]
كنت قد ذكرته في سنة ثمان وأربعين؛ لكونه حدَّث بدمشق، ولم أظفر بوفاته، ثمّ ظفرت بها في شعبان سنة خمسين بسَلَمَاس، قاله ابن الدَّبِيثيّ في تاريخه، واستدركه عَلَى ابن السّمعانيّ؛ لأنّه ما ذكره.
وقال أبو الفرج ابن الْجَوزيّ: قدِم بغداد ووعظ بها، وكان لَهُ القبول التّامّ، ثمّ غاب عَنْهَا نحوًا من أربعين سنة، ثمّ قدِم، وسمعنا منه بقراءة شيخنا ابن ناصر، ثم رحل عَنْ بغداد فتُوُفّي بسَلَمَاس.
وآخر من روى عن السلماس بالإجازة أبو الحسن ابن المقيّر.(11/999)
-ذِكر المتوَفّين تقريبا في عَشر الخمسين وخمسمائة(11/1000)
613 - أحمد بْن أحْمَد بْن محمد بْن إِبْرَاهِيم بْن عليّ، القاضي أبو الخَطّاب الطَّبَريّ، ثمّ البخاري. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: هُوَ أستاذي في علم الخلاف.
قلت: هذا القول يدلّ عَلَى أنّه بقي إلى عشر الستين وخمسمائة، فإنّ أبا المظفَّر إنّما اشتغل بعد الخمسين.
ثمّ قَالَ: جمع بين شرف النَّسَب والعِلْم، وحاز قَصَب السَّبْق في عِلْم النَّظَر، وتفقّه عَلَى والده، وعلى الإمام البُرْهانيّ، وسمع منهما، ومن محمد بْن عبد الواحد الدّقّاق.
ووُلِد سنة سبع وتسعين وأربعمائة.(11/1000)
614 - أحمد بْن إسماعيل بْن أَبِي سَعْد، الشّيخ أبو الفضل النيسابوري، الجيزاباذي. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
شيخ جليل نبيل، سَمِعَ أبا بَكْر بْن خَلَف الشيرازي، وغيره، روى عنه أبو المظفّر ابن السّمعانيّ، وغيره.(11/1000)
615 - أحمد بْن ثُعبان بْن أَبِي سعيد بْن حَرَز، أبو العبّاس الكلْبيّ، الأندلسيّ، نزيل إشبيلية، ويُعرف بالبكي، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
لطُول سُكناه بمكَّة.
أدرك أبا مَعْشَر الطَّبَريّ وصحِبَه طويلًا، وسمع منه كتاب " التّلخيص في القراءات "، وتصدَّر للإقراء بإشبيلية، وطال عُمره، وكثُر الانتفاع بِهِ، أخذ عَنْهُ ابن رزق، وابن خَير، وابن حُميد، وغيرهم.
قَالَ الأَبّار: تُوُفّي بعد الأربعين وخمسمائة.(11/1000)
616 - أحمد بن سعيد ابن الإمام أَبِي محمد بْن حَزْم القُرْطُبيّ الظّاهريّ، أبو عُمَر الفقيه. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
كَانَ عَلَى مذهب جَدّه، وكان عارفًا بِهِ، مصمِّمًا عَلَيْهِ، صليبًا فيه، عارفًا بالنحو والشعر، توفي بعد امتحانٍ طويلٍ من الضَّرْب والحبْس، وأخْذ أمواله لما [ص:1001] نُسب إليه من الثورة على السلطان، نسأل الله العافية، وذلك بعد الأربعين.(11/1000)
617 - أحمد بْن عبد الله بْن مرزوق، أبو العبّاس الأصبهانيّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
فقيه، متودّد، من أصحاب إسماعيل بْن محمد بْن الفضل الحافظ، سَمِعَ غانمًا البُرجي، وأبا سعد المطرز، وأبا علي الحداد، ووبغداد أبا علي ابن المهدي، وأبا سعد ابن الطُّيُوريّ، وأبا طالب اليُوسُفيّ، وبشيراز أبا منصور عبد الرحيم بْن أحمد الشّرابيّ الشّيرازيّ، شيخ تفرّد بالسّماع من أَبِي بَكْر محمد بْن الحسن بن أبي الليث الشاهد الشيرازي.
روى عنه أبو سعد ابن السّمعانيّ، وداود بْن يونس الأنصاريّ، وغيرهما، وكان مولده في سنة ست وثمانين وأربعمائة.
روى الشّيخ الموفّق، عَنْ رجلٍ، عَنْهُ.(11/1001)
618 - أحمد بْن عبد الجبّار بْن محمد بْن أحمد بن محمد بْن أَبِي النّضْر، الشّيخ أبو نصر البَلَديّ، النَّسَفيّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
حدَّث بالكثير.
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ ثقة، صالحًا، سمع " صحيح البخاري "، و" صحيح البُجيري "، و" أخبار مكَّة " للأَزْرَقيّ، وهو مُكثر.
قَالَ عبد الرحيم بْن أَبِي سعد السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه " صحيح عمر بْن محمد بْن بُجير "، بروايته عَنْ جدّه محمد بْن أحمد البَلَديّ، إلّا قدْر جزأين فبالإجازة، قال: أخبرنا أبو نصر محمد بْن يعقوب بْن إسحاق السّلاميّ، عَنْ محمد بْن أحمد الكَرمينيّ، عَنْهُ، قال: وسمعت منه " أخبار مكَّة " عَنْ جدّه، عَنْ أَبِي المعالي المكحوليّ، عَنْ هارون بْن أحمد الأسْتِرابَاذِيّ، عَنْ إسحاق بْن أحمد الخُزاعي، عَن المصنِّف، ومولده في سنة ثمانين وأربعمائة، وسمعنا منه بنَسَف.
قلت: ويجوز أن يكون عاش إلى بعد الستين وخمسمائة.
وقال أبو سعد: تركته حيا في سنة إحدى وخمسين.(11/1001)
619 - أحمد بْن عُبَيْد اللَّه بْن الحسين، أبو محمد ابن الآمدي، الواسطي. [الوفاة: 541 - 550 هـ][ص:1002]
شيخ صالح، خيّر، كثير التّلاوة، لَهُ عِلم ومعرفة وفَهم، سَمِعَ نصر بْن البطِر، وحدَّث.(11/1001)
620 - أحمد بْن محمد بْن عبد الجليل بْن إسماعيل، الفقيه أبو نصر السَّمَرْقَنْديّ، الإبْرِيسَميّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
شيخ، فاضل، صالح، سَمِعَ إسحاق بْن محمد النّوحيّ الخطيب، وغيره.
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه كتاب " تنبيه الغافلين " لأبي اللّيث نصر بْن محمد بْن إبراهيم السَّمَرْقَنْديّ، بروايته عَن النّوحيّ، عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الترمذي، المقرئ، عنه، ولد في حدود سنة ست وثمانين وأربعمائة.(11/1002)
621 - أحمد بْن ياسر بْن محمد بْن أحمد، أبو عبد الله البَنْجَدِيهيّ، المَرْوَزِيّ، المقرئ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
وُلِد تقريبًا سنة سبعين وأربعمائة، وحمله والده إلى بغْشُور، فسمع بها جامع التِّرْمِذِيّ، من أَبِي سعيد محمد بْن أَبِي صالح البَغَوِيّ، وسمع ببَنْجَدِيه من أَبِي القاسم هبة اللَّه الشّيرازيّ.
روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(11/1002)
622 - أحمد بْن يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسين، القاضي أبو نصر النَّيْسابوريّ، النّاصحيّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
من بيت القضاء والعِلْم، سَمِعَ أبا بَكْر محمد بن إسماعيل التَّفْلِيسيّ، وأبا بَكْر بْن خَلَف.
روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/1002)
623 - ألْتُنتاش الأمير، مملوك الأمير أمين الدّولة [الوفاة: 541 - 550 هـ]
صاحب بُصْرَى وصَرْخَد، وواقِف الأمينيَّة بدمشق.
لما تُوُفّي أمين الدّولة كَانَ هذا نائبًا عَلَى قلعة بُصْرَى، فاستولى عليها وعلى صَرْخَد، واستعان بالفِرَنْج، فنجدوه، فسار لقتاله الأمير معين الدّين أنُر بعسكر دمشق، فالتقاهم، فكسرهم وانهزم معهم ألتُنتاش، ونازل معين الدّين بصرى وصرخد، فأخذهما بعد شهرين في آخر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، ثمّ ترك ألتُنتاش الفِرَنج، وقدِم دمشقَ بوجهٍ مُنْبَسِط، وقد كَانَ أذَى أخاه [ص:1003] خطْلخ وكحلّه وأبعده، فجاء المسكين إلى دمشق، فلمّا قدِم ألتُنتاش حاكَمَه أخوه وكحّله بالشَّرع قصاصًا، فبقيا أعْمَيَيْن، وقرَرَ معين الدّين في القلعتين أجنادًا، ثمّ صارتا بعد للملك نور الدين.
مات ألتُنتاش في هذه السنة.(11/1002)
624 - الحسين بْن أَبِي القاسم بْن أَبِي سعد، أبو الفتح النَّيْسابوريّ، القاضي. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
مقرئ، صالح، خيِّر، سَمِعَ أبا الحسن أحمد بْن محمد الشُّجَاعيّ، روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(11/1003)
625 - الحسين بْن محمد بْن محمد بْن نصر، أبو عليّ الأنصاريّ، الخَزْرَجيّ، النَّسَفيّ، الأديب. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
سَمِعَ بنَسَف طاهر بْن الحسين، وأبا بَكْر محمد بْن أحمد البَلَديّ، وبسَمَرْقَنْد أبا القاسم عبد الله الكِسَائيّ، روى عَنْهُ عبد الرحيم، وقال: ولد في حدود السبعين وأربعمائة.(11/1003)
626 - حيدر بْن زيرك، أبو تُراب الجوبَاريّ، النَّسَفيّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
سَمِعَ من مولاه الإمام أَبِي بَكْر محمد بْن أحمد البلديّ في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة " أخبار مكَّة " للأزرقيّ، وكان عبدًا، صالحًا.
روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/1003)
627 - ستيك بِنْت الحافظ عبد الغافر بْن إسماعيل بْن عبد الغافر بن محمد الفارسيّ، أمّ سَلَمَةَ النَّيْسابوريَّة، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
امْرَأَة عبد الخالق بْن زاهر الشّحّاميّ.
امْرَأَة صالحة، خيّرة، سَمِعت من جدّها إسماعيل، وأبي بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبي نصر بْن رامش، ومولدها سنة سبْعٍ وسبعين وأربعمائة.
روى عنها عبد الرحيم.(11/1003)
628 - سعيد بن الحسين، أبو سعد النَّيْسابوريّ، الرِّيوَنْدِيّ، الجوهريّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ][ص:1004]
صالح عفيف، سَمِعَ الفضل بْن المُحِبّ، وإسماعيل بن مسعدة، ولد سنة إحدى وستين وأربعمائة.
كتب عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وطائفة.(11/1003)
629 - سليمان بْن يحيى بْن سعيد، الأستاذ أبو داود المَعَافِريّ، القُرْطُبيّ، المقرئ، المجوّد، ويُعرف بأبي داود الصّغير. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
أخذ القراءات عَنْ أَبِي داود، وأبي الحَسَن بْن الدّوش، وأبي الحسين بن البياز، وأبي الحسن الحصري، وأبي عبد الله محمد بْن المفرِّج، وروى عَنْهُمْ، وعن القاسم بْن عبد العزيز، وخَلَف بن مدير، وتصدَّر للإقراء بقرطُبة، ولتعليم العربيَّة.
قَالَ أبو عبد الله الأبّار: وكان مُقرئًا، محقِّقًا، ماهرًا، تُوُفّي بعد الأربعين.
أخذ عَنْهُ أبو بَكْر بْن خَيْر، وأبو الحسن ابن الضحاك، وأبو القاسم القنطري، وأبو زيد السهيلي، وابن الخلوف الغَرْنَاطيّ، وغيرهم.(11/1004)
630 - سليمان بْن محمد بْن ملكشاه بْن ألْب أرسلان السَّلْجُوقيّ، المدعو شاه، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
أخو السّلطان مسعود.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: قدِم بغدادَ في أيّام المقتفي، وخُطب لَهُ بالسَّلْطنة عَلَى منابر العراق، ونُثر عَلَى الخُطباء عند ذِكْره الدّنانير، ولُقّب غياث الدّنيا والدّين، وأُعطِي الأعلام والكُوسات، وخرج متوجّهًا نحو الجبل، ولقي ملكشاهَ بن محمد، فجرى بينهما حربٌ نُصر فيه سليمان، وعاد إلى بغداد عَلَى طريق شَهرْزُور، فخرج إِلَيْهِ عسكر من المَوْصِل، فظفروا بِهِ، وحُبس بالموصل حتّى مات بها.(11/1004)
631 - عبد الله بْن طاهر بْن عليّ بْن محمد بْن علي بْن فارس، أبو المظفَّر البغداديّ، الخيّاط، التّاجر. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: شيخ فاضل، عالم، صائن، ثقة، حَسَن السّيرة، متواضع، لَهُ أَنَسَة بالحديث، يحفظ الأجزاء والكُتُب الّتي سمعها والطُّرُق، وأسماء شيوخه، تغرَّب عَنْ بغداد، ودخل خُراسان، والهند، وسكن لَوهور، وتأهّل بها، وكان يسافر عَنْهَا ويعود، وُلِد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمع الحسين ابن البُسري، وثابت بْن بُندار، وجعفر السّرّاج، والمبارك بْن عبد الجبّار، وأبا بَكْر أحمد بْن عليّ الطُّرَيْثيثيّ، وأبا غالب الباقِلّانيّ، وبأصبهان أبا القاسم البُرجي، والحدّاد، وبنَيْسابور أبا بَكْر الشّيرُوِيّيّ، وقدِم علينا بلخَ في مدَّة مُقامي بها، وذلك في سنة ستٍّ وأربعين، وقرأتُ عَلَيْهِ.
قلت: روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.(11/1005)
632 - عبد اللَّه بْن محمد بْن الفَرَج الغَرْناطيّ، أبو محمد ابن الفَرَس. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
سَمِعَ من أَبِي داود بْن نجاح، وغيره، وعنه ابن أخيه محمد بْن عبد الرحيم القاضي.(11/1005)
633 - عبد الرحمن بْن الحَسَن بْن عبد الله ابن الكَرمانيّ، أبو القاسم. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
نَيْسابوريّ، صالح، وهو أخو عبد الوهّاب الّذي يأتي سنة تسعٍ وخمسين.
شيخ صالح، أديب، سَمِعَ أبا بَكْر بْن خَلَف، وأبا القاسم الواحديّ، وأبا تُراب المَرَاغيّ.
سمع منه أبو المظفّر ابن السّمعانيّ بنَيْسابور سنة نيفٍ وأربعين، وقال: كانت ولادته في ربيع الأوّل سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة.(11/1005)
634 - عبد الرحمن بن الحسن الشّعري. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
مر في سنة سبع وأربعين وخمسمائة.(11/1005)
635 - عبد الرحمن بْن موفور بْن زياد بْن محمد، أبو الفضل الحنفيّ، الهَرَويّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ][ص:1006]
شيخ صالح، روى عن شيخ الإسلام الأنصاري، وعبد الأعلى ابن المَلِيحيّ، وغيرهما، روى عَنْهُ عبد الرحيم، وأبوه.(11/1005)
636 - عبد الرحمن بْن يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسين، القاضي أبو سعيد النّاصحيّ، النَّيْسابوريّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
روى عَنْ أَبِي عَمْرو المَحْمِيّ، وأبي بَكْر بْن خَلَف، وعنه عبد الرحيم، وأبوه.(11/1006)
637 - عبد الرّشيد بْن عثمان، أبو محمد المالِينيّ، الفاميّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
سَمِعَ محمد بْن علي العُمَيْريّ، روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ، وقال: تُوُفّي بعد الأربعين.
وقد حدّث ببغداد.(11/1006)
638 - عبد السلام بْن أحمد بْن إسماعيل بْن محمد، أبو الفتح الهروي، الإسكاف، المقرئ، ولقبه: بكبرة. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
قَالَ ابن السّمعانيّ: كَانَ شيخًا، صالحًا، سديد السّيرة، جميل الأمر، كثير العبادة، سَمِعَ محمد بن أبي مسعود الفارسي، والفضل بْن يحيى الفُضَيْليّ، وأبا إسماعيل عبد الله الأنصاري، قال: ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وأربعمائة.
قلت: ولم يؤرّخ لَهُ وفاة.
وقال ابن نُقطة: حدَّث عَنْ أَبِي المظفَّر عبد الله بْن عطاء بكتاب التِّرْمِذيّ.
وقال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ منه نسخة مُصعب الزُّبَيْريّ، وثمانية أجزاء من حديث ابن صاعد، بسماعه من الفارسي، عَن ابن أَبِي شُريح.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وأبوه أبو سعد، وأبو الضّوء شهاب الشذياني، [ص:1007] ونصر بْن عبد الجامع الفاميّ، وحمّاد بْن هبة اللَّه الحَرَّانيّ، وأبو رَوح عبد المعزّ الهروي، وآخرون، وبقي إلى حدود الخمسين وخمسمائة، ولعلّه هلك في دخول الغُزّ هَراة.(11/1006)
639 - عبد الكريم بْن عبد الوّهاب بْن إسماعيل الجُويني، أبو المظفّر، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
القاضي بجُوَيْن.
سَمِعَ أبا الحسن المؤذّن المَدِينيّ، وطبقته، وعنه أبو سعد السّمعانيّ، وابنه عبد الرحيم.
وكان مولده ببحَيراباذ بعد السبعين وأربعمائة.(11/1007)
640 - عبد الكريم بْن محمد بْن حامد بْن مكّيّ، أبو منصور النَّيْسابوريّ، الخيّام، الصُّوفيّ، الواعظ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
قَالَ أبو سعد: كَانَ أَبُوهُ من مشاهير الوُعّاظ والمحدّثين، كَانَ شيخًا، صالحًا، واعظًا، مُكثرًا من الحديث، صُوفيًّا، سافر مَعَ والده إلى العراق والجبال، سَمِعَ بنَيْسابور الفضل بْن المُحِبّ، وأبا سعيد شبيبًا، وأبا المظفَّر موسى بْن عمران الأنصاري، وأجاز لي ولابني عبد الرحيم من زَنْجان في سنة ستٍّ وأربعين، وتُوُفّي بعد هذا التّاريخ، ووُلِد سنة ثلاثٍ وستّين.(11/1007)
641 - عبد الواحد بْن محمد بْن خَلَف بْن بَقِيّ، أبو محمد القَيْسيّ، الفقيه، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
نزيل دانية.
قَالَ الأَبّار: هُوَ من ثغر بُنُشْكُلة، واشتهر بالنّسبة إليها، وسمع من أَبِي محمد البَطَلْيُوسيّ، وأبي عليّ بن سكّرة، وأبي محمد بْن عَتّاب، وجماعة، وكان فقيهًا، حافظًا، مشاوَرًا، مُفْتيًا، درّس، وأقرأ الفِقه، وتُوُفّي في حدود الخمسين.(11/1007)
642 - عُبَيْد الله بن إِبْرَاهِيم بن أَبِي بَكْر، الإمام أبو بَكْر النَّسائيّ، التّفْتازانيّ، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
وتفتازان: من قرى نَسا.
قال ابن السّمعانيّ: كَانَ إمامًا، مُفْتِيًا، مفسِّرًا، محدّثًا، واعظًا، مشتغلًا بالعبادة، يتولّى الحَرْث والحَصَاد والدَّرْس بنفسه، ويأكل من كَدِّه، سَمِعَ [ص:1008] بنَيْسابور نصر اللَّه الخُشنامي، وعليّ بْن عبد الله بْن أَبِي صادق، وإسماعيل بْن عبد الغافر، وصاعد بْن سَيّار الحافظ، روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السمعاني، وأبوه.(11/1007)
643 - عُبَيْد اللَّه بْن محمد بْن الحسين، أبو القاسم الحسيني، الأستوائي، الخوجاني، الخُراسانيّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
ذكره ابن السّمعانيّ، فقال: كَانَ شيخًا، معمَّرًا، صالحًا، كثير التّلاوة والعبادة، وقد رَأَى الشّيخ أبا القاسم كركان، وسمع بطُوس من الفضل بْن محمد الفارْمَذِيّ، وببغداد أبا بَكْر الطريثيثي، وجماعة، لقيته بخوجان، وكان أصَمَّ، فقرأتُ عَلَيْهِ بصوتٍ رفيع، وقد جاوز المائة، قال لي بعض أقربائه ما دلّ عَلَى أنّ مولده بعد الأربعين وأربعمائة.(11/1008)
644 - عليّ بْن محمد بْن الحسين بْن عقيل، أبو الحسن السّاويّ، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
سِبط المدبر.
بغداديّ، متكلّم، روى عن مالك البانْياسيّ، روى عَنْهُ أبو سَعْد السّمعانيّ، وقال: كَانَ يعرف الكلام والْجَدَل، وله يدٌ باسطة فيه، وكان يقع في الصالحين والأخيار.(11/1008)
645 - كوهر ناز بِنْت مُضر بْن إلياس التّميميّ البالكيّ الهَرَويَّة، أمَةُ الرحمن. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
امْرَأَة صالحة، خيّرة، عفيفة، سَمِعت جدّها أبا عُمْرو البالكيّ، وشيخ الإسلام الأنصاريّ، ووُلدَت في حدود السّبعين.
سَمِعَ منها عبد الرحيم بهَراة.(11/1008)
646 - محمد بْن أحمد بْن عثمان، النَّوقَاني، الطُّوسيّ، أبو عثمان المقرئ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
أخبرنا ابن عساكر، قال: أخبرنا أبو المظفّر عبد الرحيم كتابةً، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بنوقان، قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن سعيد الفرخزادي، قال: أخبرنا ابن مَحمِش الزيادي، قال: أخبرنا حاجب بن أحمد، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن المروزي، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، [ص:1009] قال: حدثنا مبارك بن فضالة، قال: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ويُسند ظَهْرَهُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا كثُر النَّاسُ قَالَ: ابنُوا مِنْبَرًا، فَسُوِّيَ لَهُ مِنْبَرٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عَتَبَتَيْنِ، فَتَحَوَّلَ مِنَ الْخَشَبَةِ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَحَنَّتْ - وَاللَّهِ - الْخَشَبَةُ حَنِينَ الوالِه، وَأَنَا - وَاللَّهِ - فِي الْمَسْجِدِ أَسْمَعُ ذَلِكَ، فَمَا زَالَتْ تَحِنُّ حَتَّى نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ، فَمَشَى إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَهَا، فَسَكَنَتْ.(11/1008)
647 - محمد بْن إسماعيل بْن أحمد بن إبراهيم، أبو سعد الشاماتي، النيسابوري. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
شيخ مستور، سمع أبا القاسم الفُضل بْن المُحب، وعبد الباقي المَرَاغيّ، وأبا بَكْر التفليسي، ولد سنة خمس وستين وأربعمائة.
وهو مذكور في شيوخ عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(11/1009)
648 - محمد بْن إسماعيل بْن أَبِي بَكْر بْن أحمد، أبو بكر المَرْوَزِيّ السّاسيانيّ، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
وساسيان: محلَّة بظاهر مَرْو.
كَانَ شيخًا صالحًا، متميّزًا، سَمِعَ " صحيح البخاريّ " من أبي الخير بْن أَبِي عِمران الصّفّار، قاله عبد الرحيم ابن السمعاني، وسمع منه.(11/1009)
649 - محمد بْن أَبِي أحمد بْن محمد، أبو الفتح المروزي، الحُصيري، المقرئ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
فقيه صالح، عابد، كثير التّلاوة، من شيوخ عبد الرحيم، قَالَ: سَمِعَ من أَبِي الخير الصّفّار أيضًا.(11/1009)
650 - مُحَمَّدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه، الإمام أبو الفتح الحَمْدُويي، البَنْجدِيهيّ، المَرْوَزِيّ، الفقيه. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
تفقّه عَلَى أَبِي بَكْر محمد ابن السّمعانيّ، وسمع من القاضي أَبِي سعيد محمد بْن عليّ بْن أَبِي صالح البَغَويّ، وإسماعيل بْن أحمد البَيْهَقيّ، وهبة اللَّه بْن عبد الوارث الحافظ، وغيرهم. [ص:1010]
قال عبد الرحيم ابن السمعاني: لقيته بالدزق السُّفلَى، وسمعت منه جميع التِّرْمِذِيّ، ووُلِد سنة بضعٍ وستين وأربعمائة، وكان فقيهًا، زاهدًا، نظيفًا، حسن السمت.(11/1009)
651 - محمد بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن إبراهيم، أبو عبد اللَّه الجوَيني، البخاري، المغكاني، الفقيه، الواعظ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
ولد بقرية مغكان، من أعمال بُخارى، في سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة، وسمع من علي بن محمد بن خدام البخاريّ، صاحب منصور بْن نصر الكاغَدي في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
روى عنه عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(11/1010)
652 - محمد بْن الحسين بْن الحَسَن بْن الحسين، أبو غانم الأصبهانيّ المعدّل المحدّث، ويُعرف بزينة. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: لَهُ فَهْم وكياسة، سَمِعَ مع والدي الكثير بأصبهان، ونسخ بخطه، خرج له الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي، سمع من جده لأمه أبي بكر محمد بن الحسن بن سُليم، وأبي بكر محمد بن علي بن جُولة، وابن أُشتَة، وعبد الرحمن الدوني، وأصحاب أبي عبد الله الجُرجاني.
سمعتُ منه، وسمع منه أبو القاسم الدّمشقيّ، وغيره ببغداد.(11/1010)
653 - محمد بْن هبة اللَّه بْن العلاء، الحافظ أبو الفضل البُرُوجِرْديّ، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
تلميذ ابن طاهر المقدسيّ.
سَمِعَ أبا محمد الدّونيّ، ومكّيّ بْن بُجير، ويحيى بْن مَنْدَهْ.
قَالَ السّمعانيّ: أول ما لقيته كنت أنسخ بجامع بُروجِرد، فدخل شيخ رثّ الهيئة، ثمّ قَالَ: أيش تكتب؟ فكرهت جوابه، فقلت: الحديث، فقال: كأنّك تطلب الحديث؟ قلت: بلى، قَالَ: من أين أنت؟ قلت: من مرو، فقال: [ص:1011] عمّن يروي البخاريّ من أهل مَرْو؟ قلت: عَنْ عَبْدان، وصَدَقَة، وعلي بْن حُجر، قال: ما اسم عبدان؟ قلت: عبد الله بْن عثمان، فقال: لِم قِيلَ لَهُ عبْدان؟ فتوقّفت، فتبسّم، فنظرت إِلَيْهِ بعين أخرى، وقلت: يذكر الشّيخ، فقال: كنيته أبو عبد الرحمن، فاجتمع في اسمه وكنْيته العبْدان، فقيل: عبْدان، فقلت: عمّن هذا؟ فقال: سمعته من محمد بْن طاهر المقدسيّ، ثمّ بعد ذَلكَ انتخبت عَلَيْهِ، وسمعت منه.
قلت: لم أر له ذِكر وفاة ولا مولد، فكتبته هنا على التوهم.(11/1010)
654 - مالك بن وهيب، أبو عبد الله الإشبيليّ، المتكلِّم. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
قَالَ اليَسَعُ بنُ حزْم فيه: الفقيه، الأديب، الورع، المتواضع، أبو عبد الله إمامٌ في فنون، ومخرج جواهر البلاغة من درجها المكنون، عقل تتعلّم منه العقول، وذِهن انصَقَلَ بِهِ كلُّ مصقول، وأدبٌ بارع، وشعرٌ لا يُجارى، إلى أن قَالَ: نظره في عِلْم الشّريعة والحديث والتّفاسير نظر مَن اتّسَع، وكان قد نزل من قلب أمير المسلمين على منزلة من يخلو بِهِ إذا خلا، ويتحلّى بأدبه البارع إذا تحلى، أحله محلّ المُطاع الذي من عصاه عصى، ومن أطاعه أطاع، حتّى بنى لَهُ قصرًا يدخل إليه من خوخته، لتبين مكانة رتبته، ومع هذا فكان يتواضع في لبْسه، ويتبذّل في حوائجه، ويبدو في أكثر أوقاته في صورة الباكي عَلَى الذَّنْب، النّادم، أدرك أبا عبد الله بْن مُعاذ، فأكثر عَنْهُ وأخذ عَنْهُ الهندسة، أدركتُه رحمة اللَّه.
قلت: وكان أشار عَلَى ابن تاشفين باعتقال ابن تومَرْت.(11/1011)
655 - المبارك بْن ثابت بْن عليّ، أبو طالب البغداديّ الذَّهبيّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
سَمِعَ من حَمْد بْن أحمد الحدّاد، روى عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ، وغيره.(11/1011)
656 - محمود بن أحمد بْن الفَرَج، الإمام أبو المحامد السَّمَرْقَنْديّ، السُغدي، الساغَرجي، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
أحد الأعلام.
ذكره السّمعانيّ في الذَّيْل، فقال: إمام بارع، مبرّز في أنواع الفضل والتفسير، والحديث، والأصول، والمتّفق، والمفترق، والوعْظ، حَسَن السّيرة، كثير الخير والعبادة، بهيّ المنظر، قَالَ لي: أوّل ما كتبت الحديث سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، سَمِعَ يوسف بْن صالح، والحَسَن بْن عطاء السُغدي، وأبا [ص:1012] إبراهيم إسحاق بْن محمد النّوحيّ، وميمون المكحوليّ، وعليّ بْن أحمد الكَلَاباذيّ، كتبت عَنْهُ بسَمَرْقَنْد، وقرأت عَلَيْهِ تنبيه الغافلين، بروايته عَن النّوحيّ، عَنْ سِبط التِّرْمِذِيّ، عَنْ مؤلّفه، وقال لي: ولدت سنة ثمانين وأربعمائة.(11/1011)
657 - محمود بْن خَلَف، أبو القاسم اللّهاوريّ، ثمّ الإسفراييني. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
قال السمعاني: تفقّه على جدّي أَبِي المظفّر، وسمع أبا بَكْر بْن خَلَف بنَيْسابور، وعبد الرّزّاق بْن حسّان المَنِيعيّ، وجماعة، قال: ومات سنة نيّفٍ وأربعين.(11/1012)
658 - محمود بْن محمد بْن أحمد بْن محمد، أبو الشُّكْر البابَصْريّ، الشُّرُوطيّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
كَانَ لَهُ حانوت مقابل باب النّوبيّ للشُرُوط، وله شِعر فائق مدوُّن، روى عَنْهُ المبارك بْن كامل وهو أَسَنّ منه بكثير، ومحمد بْن عليّ بْن إبراهيم الكاتب، ومات شابًّا.
ومن شِعره:
أفدي الّذي بتُّ من هواهُ ... إِلَيْهِ دون الأنام أشْكُو
كاتبُ خطٍ لَهُ عِذار ... ليس لمن يحتويه نسكُ
خطّان ما استُجمعا لشخصٍ ... إلا وستر المحبّ هتكُ
هذا مداد على بياضٍ ... وذاك ورد عليه مسكُ(11/1012)
659 - نصر اللَّه بْن محمد بْن الموفَّق بْن أَبِي المظفَّر بْن عبد الواحد، الفقيه، أبو الفُتُوح الكِسائيّ، الهَرَويّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
سَمِعَ نجيب بْن ميمون الواسطيّ، وأبا عطاء المَلِيحيّ، وغيرهما، روى عَنْهُ أبو المظفَّر عبد الرحيم، وقال: تُوُفّي بعد سنة ستّ وأربعين.(11/1012)
660 - نصر بْن مهديّ بْن نصر بْن مهديّ بْن محمد، السّيد أبو الفتح العلوي، الحُسيني، الونكي، الرازي، المعدّل، الفقيه الزَّيْديّ. [الوفاة: 541 - 550 هـ][ص:1013]
سَمِعَ طاهر بْن الحسين السّمّان، وسليمان بْن داوج الغَزْنَويّ بمرو، وورد بغداد حاجًّا، وسمع بها أبا يوسف عبد السّلام القَزْوِينيّ.
قَالَ أبو سعد: كتبت عَنْهُ بالرَّيّ، وقال لي: وُلِدتُ سنة ثمان وستين وأربعمائة.(11/1012)
661 - هبة اللَّه بْن عبد الله بْن أحمد بن عمر ابن السَّمَرْقَنْديّ، أبو المظفّر [الوفاة: 541 - 550 هـ]
المدير بين يدي قاضي القضاة الزَّيْنبيّ.
سمّعه أَبُوهُ من ابن طلْحة النِّعَاليّ، وجماعة، كتب عَنْهُ أبو سعد السّمعانيّ.(11/1013)
662 - هَمّام بْن يوسف بْن أحمد، العاقُوليّ أبو محمد. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
سَمِعَ أبا الحسن بْن الأخضر الأنباريّ، وغيره، وكان يخدم القُضاة، كتب عَنْهُ ابن السمعاني.(11/1013)
663 - يحيى بْن عبد الله بْن فَتّوح، أبو زكريّا الحضْرميّ، الدّانيّ، ويُعرف بابن صاحب الصّلاة. [الوفاة: 541 - 550 هـ]
روى عن أبي محمد ابن البطَلْيُوسيّ، وغيره، وكان أديبًا، لُغَويًّا، روى عَنْهُ ابنه الأُستاذ أبو محمد عَبْدُون، وتُوُفّي في حدود الخمسين.(11/1013)
664 - أبو الحسين ابن المَوْصِليّ، الأندلسيّ الرئيس، [الوفاة: 541 - 550 هـ]
العالم، أحد أكابر الأندلُسِيّين وقاضي إشبيلية.
قصد حضرة أمير المسلمين يستعطفه في مصالح ثغور الجزيرة فأكرمه واحترمه، واعتمد عَلَيْهِ، وقضى أشغاله، وقال: فهل لك من حاجة تخصّك؟ قال: يا أمير المسلمين، إنّ اللَّه قد وسَّع عليّ فيما رزق، وقد كَانَ خرج من غَزَاةٍ فُأسِر، فلمّا جنّ عَلَيْهِ اللّيل أتاه روميّ، فقال: أنت ابن الْمَوْصِلِيِّ؟ قَالَ: لا. قَالَ اليَسَع: فحدَّثني، قَالَ: أنكرتُ خوفًا من التّغالي؛ لأنّي كنت أحصل في سهْم الملك، ولا أخرج بأقل من خمسين ألفًا، وربما عُذّبت لأدفع إليهم بدرا، فقال لي الرّوميّ ما أوجب اعترافي، وقال: لا تَنَمْ، أَنَا أخلّصك، فأركبني في وسط اللّيل، ووجَّه معي صاحبًا لَهُ تواعَدَ معه إلى موضع، ثم تلاقيا في آخر اللّيل، ثمّ أصبح عَلَى باب حصن للمسلمين فدخلته، ففرح بي أهله لمّا [ص:1014] عرفوني، فقلت: أريد الوفاء لهذا الصّاحب المجمِل، فجعل الرجل يأتي بالدّنانير، والمرأة بالسِّوار والعِقد، وقد أخفيت الرُّوميّ شفقةً عَلَيْهِ، ثمّ أتيته فأرضيته، وقلت: هذا ما حضر، فلعلَّك أنْ تقدم إشبيلية، فقدِم بعد أشهر، فدفعت إليه تتمة ألف دينار، وانفصل يشكر ويحمد.(11/1013)
تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام
لمؤرخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى 748 هـ - 1374 م
المجلد الثاني عشر
551 - 600 هـ
حَقّقه، وَضَبَطَ نَصَّه، وَعلَّق عَلَيْه
الدكتور بشار عوّاد معروف
دار الغرب الإسلامي(12/1)
-الطبقة السادسة والخمسون 551 - 560 هـ(12/5)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(12/7)
-حوادث سنة إحدى وخمسين وخمسمائة
قدِم فِي أواخر سنة خمسين إلى بغداد السّلطان سُلَيْمَان شاه بْن مُحَمَّد بْن مِلكْشاه مستجيرًا بالخلافة، فخرج لتلقَيه ولد الوزير عون الدِّين، ولم يترجَّل أحدٌ منهما للآخر ولم يحتفل بمجيئه لتمكن الخليفة وقوَّته، وكَثرة جيوشه. فَلَمّا كان فِي نصف المحرَّم استُدعي إلى باب الحجرة، وحلف على النُّصْح ولُزوم طاعة أمير المؤمنين، ثُمَّ خُطِب له فِي آخر الشهر، وذُكر فِي الخطبة بعد اسم السّلطان سَنْجر ولُقب بألقاب أبيه. وفي وسط صَفَر أُحضِر وألبس الخلعة والتّاج والسِّوَارَيْن، وقرّر بأنَّ العراق لأمير المؤمنين، ولا يكون لسليمان شاه إلا ما يفتحه من بلاد خُرَاسان. ثُمَّ خرج، فقدّم له الخليفة عشرين ألف دينار ومائتي كر، وخلع على أمرائه، ثُمَّ سار الخليفة ومعه سُلَيْمَان شاه إلى أنّ وصل حُلْوان، ونفذ معه العسكر.
وفيها، فِي رمضان، هرب السّلطان سَنْجر بْن مِلكشاه من يد الغُزّ فِي جماعة من الأمراء، فساروا إلى قلعة تِرْمِذ، فاستظهر بها على الغُزّ. وكان خُوارزم شاه أتْسِز هُوَ والخاقان مُحَمّود بْن مُحَمَّد ابن أُخت سَنْجَر يقاتلان الغُزّ، والحرب بينهم سجال، فذلت الغُزّ بموت عَلَى بك، وكان أشد شَيْءٍ على السّلطان سَنْجَر وعلى غيره، ثُمَّ مضت الأتراك الفارغلية إلى خدمة سنجر، وتجمع له جيش ورُدَّ إلى دار ملكه مَرْو، فكانت مدَّة أسْره مع الغز إلى أنّ رجع إلى دست سلطنته ثلاث سنين وأربعة أشهر.
وفيها، كَمَا قال أبو يَعْلَى التّميميّ، كانت بالشّام زلازل عظيمة، انهدم [ص:8] كثير من مساكن شَيْزَر على أهلها. وأمّا كَفَرْطاب فهرب أهلُها منها خوفا على أرواحهم، وأمّا حماه فكانت كذلك.
قلت: وقد ذكر ابن الْجَوْزيّ الزّلزلة كَمَا يأتي فِي سنة اثنتين، فبالغ ونقل ما لم يقع.
قال حمزة: وفي رمضان وصل الملك نور الدِّين إلى دمشق من حلب بعد أن تفقّد أحوالها وهذّبها. وفي شوّال تقرّرت الموادعة بينه وبين ملك الفرنج سنة كاملة، وأنّ المقاطعة المحمولة إليهم من دمشق ثمانية آلاف دينار صورية. وكتبت الموادعة بذلك، وأكدت بالأيمان، فبعد شهرين غدرت الفرنج لوصول نجدة فِي البحر، ونهضوا إلى الشغراء من ناحية بانياس، وبها جشارات الخيول، فاستاقوا الجميع، وأسروا خلقًا.
وفيها كثُر الحريق ببغداد، ودام أَيَّامًا ووقع في تسعة دروب سماها ابن الجوزي.
وفيها سافر أمير المؤمنين إلى ناحية دُجَيل بعد قدومه من حلوان وخرج يتصيد.
وانضاف إلى سليمان شاه ابن أخيه مِلكشاه وألْدَكز وتحالفوا، فسار لقتالهم مُحَمَّد شاه، فعملوا مصافّا فانتصر مُحَمَّد شاه، ووصل إلى بغداد من عسكرها خمسون فارسًا بعد أنّ خرجوا ثلاثة آلاف، ولم يُقتل منهم أحدٌ، إنما نُهِبوا، وأُخذت خيولهم، وتشتّتوا. وردّ سُلَيْمَان شاه فِي حالة نحسةٍ، فخرج عليه أمير الموصل، فقبض عليه وطلعه إلى القلعة. وسار مُحَمَّد شاه يقصد بغداد، فوصل إلى ناحية بَعْقُوبا، وبعث إلى كَوْجُك، فتأخّر عَنْهُ، فانزعجت بغداد، وأُحضِرت العساكر، واستعرضهم الوزير.
وفيها تسلّم نور الدِّين بَعْلَبَكّ.(12/7)
-سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة
ثُمَّ قَرُب مُحَمَّد شاه بْن محمود من بغداد، وجاءه زين الدِّين عليّ كَوْجَك صاحب إربل نجدة، فحاصرا بغداد، واختلف عسكر الخليفة عليه، وفرَّق الخليفة سبعة آلاف جَوْشَن، وعُمِلت الأتْرسة الكِبار، والمجانيق الكثيرة، وأذِن للوعاظ فِي الجلوس، بعد منْعهم فِي سنةٍ وخمسة أشهر. ثُمَّ ركب مُحَمَّد شاه وعلي كوجك، وجاءوا فِي ثلاثين ألفًا، ورموا بالنّشّاب إلى ناحية التّاج، وقاتَلَت العامَّة، ونهِب الجانب الغربي، وأحرقوا مائتين وسبعين دولابًا، وقاتل عسكر الخليفة فِي السُّفُن، كلّ ذلك فِي المحرَّم.
فَلَمّا كان ثالث صَفَر جاء عسكر مُحَمَّد فِي جَمْعٍ عظيم، وانتشروا على دجلة، وخرج عسكر الخليفة فِي السُفُن يقاتلون، وكان يَوْمًا مشهودا، فَلَمّا كان يوم سادس عشر صفر وصلت سفن للقوم فخرجت سفن الخليفة تمنعها من الإصعاد، وجرى قتال عظيم، وقاتل سائر أهل البلد.
وجاء الحاجّ سالمين فدخلوا بغداد من هذا الجانب. فَلَمّا كان يوم سادس وعشرين جاء بريدي يخبر بدخول ملكشاه ابن السّلطان مَسْعُود همذان، وكبس بيوت المخالفين ونهبها؛ ففرح الناس بذلك.
فَلَمّا كان يوم سلْخ صَفر عبر فِي السُّفُن ألف فارس، وصعدوا فدخلوا دار السَّلطنة فنزل منكورس الشِّحْنَة، وكان أحد الأبطال المذكورين، فأحاط بهم وقتل منهم جماعة، ورمى الباقون أنفسهم فِي الماء، واتّصل القتال، وكان الخليفة يفرّق كلّ يوم نحوا من مائة كرّ، وفي بعض الأيّام فرّق عليّ الْجُنْد خمسةً وعشرين ألف نشّابة، والكلّ من عنده، لم يكلّف أحدًا ولا استقرض.
وحكى الزَّجّاج الحلبيّ أنَّه عمل فِي هذه النَّوبة ثمانية عشر ألف قارورة للنِّفْط.
وفي خامس ربيع الأوّل خرج منكورس، وقيَماز السُّلْطانّي، والخيّالة، والرَّجّالة، فحملوا اثنتي عشرة حملة، واقتتلوا.
وفي العشرين من ربيع الأوّل جاءوا بالسلالم التي عملوها، وكانت أربعمائة سُلَّم، لينصبوها على السُّور فلم يقدروا، وأصبحوا يوم الجمعة، فلم يجر [ص:10] يومئذ كبيرُ قتال، وهي الجمعة الثّالثة التي لم تُصَلَّ بها الجمعةُ ببغداد فِي غير جامع القصر.
ثُمَّ قَدِمَتْ بِنْت خُوارَزْم شاه زَوْجَة سُلَيْمَان شاه، وكانت قد أصلحت بين ملكشاه وبين الأمراء جميعهم فِي هَمَذان، وجاءت فِي زي الحاج الصُّوفية إلى المَوْصِل وعليها مُرَقَّعَة، ومعها رِكابيّ فِي زِيّ شحّاذ. ثُمَّ جاءت حَتَّى صارت فِي عسكر مُحَمَّد شاه، وتوصّلت وعبرت إلى الخليفة، فأُكرِمت وأُفْرِدت لها دار، وأخبرت بدخول مِلكشاه هَمَذان، وبأنّه نهب دُور المخالفين.
وفي الخامس والعشرين منه صعِد أهل بغداد السُّوَر بالسّلاح، وجاء العدوّ ومعهم السّلالم، وهمّوا بطمّ الخندق، فخرج النّاس واقتتلوا.
وفي التّاسع والعشرين منه نادوا: اليوم يوم الحرب العظيم، فلا يتأخَّرنَّ أحدٌ، فخرج النّاس ولم يجر قتال.
وبعث مُحَمَّد شاه إلى عليّ كَوْجَك يعاتبه ويقول: أنت وعدتني بأخْذ بغداد فبغداد ما حصَّلْت، وخرجت من يدي هَمَذَان، وأخربت بيوتي وبيوت أمرائي. فأنا عازم على المُضِيّ، فشجّعه ونخاه وقال: نمدّ الجسر، ونعبر، ونطمّ الخندق، وكانوا قد صنعوا غرائر وملأوها ترابًا، وننصب هذه السّلالم الطِّوال، ونحمل حملةً واحدة، ونأخذ البلد، ثُمَّ أخذوا يتسلّلون، وقَلَّتْ عليهم الميرة، وهلك منهم خلْق، ثُمَّ استأمن خلْقٌ كثير منهم وخامروا، ودخلوا، وأخبروا بأنَّ القوم على رحيل.
وفي العشرين من ربيع الآخر جرى قتال، وعُطّلت الجمعة إلا من جامع القصر، وهي الجمعة السّابعة، ووقع الواقع بين مُحَمَّد شاه وبين كَوْجَك. وهو يُطْمِعُه ويهوّن عليه أخْذَ بغداد.
ثُمَّ نصبوا الجسر، وعبر أكثر عسكر مُحَمَّد شاه، وعبر مُحَمَّد شاه من الغَد فِي أصحابه إلى عَشِيَّة، فَلَمّا كان العشاء قطع كوجك الجسر، وقلع الخِيَم، وبعث نقْله طول اللّيل. ثُمَّ أصبح وضرب النّار فِي زواريق الجسر، وأخذ خزانة مُحَمَّد شاه وخزانة وزيره، ورحل، وبقي مُحَمَّد شاه وأصحابه بقية يوم الثلاثاء. ثم ركب هُوَ وعسكره، فمنع الخليفة العسكر من أنّ يلحقوه، ونهب أصحاب مُحَمَّد شاه بعض الأعمال، ثُمَّ قال الخليفة: اذهبوا إلى هَمَذَان فكونوا مع ملكشاه، وخلع عليهم، وفرح النّاس بالسّلامة. ثم ركب الخليفة [ص:11] وافتقد السّور من أوّله إلى آخره، وكثُرت الأمراض وغَلَت الأسعار. ثُمَّ جاء الخبر بوفاة السّلطان سنجر، فقطعت خطبته.
وفيها غزا رستم بْن عليّ بْن شهريار الملك مازندران بلاد الألموت وأوطأ الإسماعيلية ذُلا، وخرّب بلادهم، وسبى النّساء والأولاد، وغنم، وخذل الإسماعيلية، وخربت عامة قراهم.
وفيها خرجت الإسماعيلية، على حُجّاج خُراسان، فاقتتلوا وثبت الفريقان إلى أنّ قُتل أمير الحاجّ، فذلّوا وألقوا بأيديهم، وقتلتهم الإسماعيلية قتلًا ذريعًا، وعظُم المُصاب فـ " إِنَّا لله وإنا إليه راجعون ". وصبَّحهم من الغد شيخ فِي المقتلة ينادي: يا مسلمين، يا حُجّاج، ذهب الملاحدة وأنا مُسْلِم، فمن أراد الماء سقيته. فكان كلّ من كلَمه أجهز عليه، فهلكوا أجمعين إلا القليل.
وأما خراسان فتخربت على يد الغُزّ، ومات سلطانها سَنْجر، واختلف أمراؤه بعده، وغلب كلّ مقدَّم عليّ ناحية واقتتلوا، وجرت أمور طويلة بخراسان، أجحفت بخُراسان فالأمر لله. واشتد بخُراسان القَحْط، وأُكِلت الْجِيف؛ قال ابن الأثير: فكان بِنَيْسَابُور طبّاخ، فذبح إنسانًا علويًّا وطبخه، ثُمَّ ظهر ذلك فقتل الطباخ.
وسافر الخليفة إلى أوانا ودُجَيْل، ثُمَّ رجع. ثُمَّ راح يتصيَّد، ورجع بعد عشرة أيام.
وفيها كانت وقعة عظيمة بين نور الدِّين وبين الفرنج على صفد، ونصر عليهم. ثُمَّ جاء إلى الخليفة رسوله برؤوس الفرنج وبتحف وهدايا.
وفيها، وفي سنة إحدى وخمسين، كان بالشام زلازل عظيمة هدمت فِي ثلاثة عشر بلدًا، منها خمسة للفرنج، وبدَّعُت فِي شَيْزَر، وحماه، والَمَعَرَّة وَحصن الأكراد، وطرابُلُس، وأنطاكية، وحلب. فأما حلب فهلك فيها تحت الردم خمسمائة نفس؛ وأمَّا حماه فهلكت جميعها إلا اليسير، وأمّا شَيْزَر فما سلِم منها إلا امْرَأَة وخادم، وهلك جميع من فيها وتسلّمها نور الدِّين، فجدّد عمارتها وحصّنها. وهي على جبل منيع بقي فِي يدي بني مُنْقِذ نحو مائةٍ وعشرين سنة أو أكثر. وأمّا كَفَرْطاب فما سِلم منها أحد؛ وأمّا فامية فهلكت [ص:12] وساخت قلعتها، وأمّا حمص فهلك بها عالَمٌ عظيم، وأمّا المَعَرَّة فهلك بعضها، وأمّا تلّ حَرّان فإنّه انقسم نصفين، وظهر من وسطه نواويس وبيوت كثيرة، وأمّا حصن الأكراد وعِرْقة فهلكا جميعًا، وسِلم من اللاذقية نفر، وأمّا طرابُلُس فهلك أكثرها، وأمّا أنطاكية فسِلم نصفُها.
قال ابن الجوزيّ فِي "المنتظم": وصل الخبر فِي رمضان بزلازل كانت بالشّام عظيمة فِي رجب، ثم ذكر هذا الفصل.
قلت: اللَّه أعلم بصحَّة ذلك وبحقيقة تفاصيله.
قال: وفي رمضان أنفق الوزير ابن هُبَيْرة للإفطار طول الشّهر ثلاثة آلاف دينار، وكان يحضر عنده الأماثل. وخلع على المُفْطرين عنده الخلع السنية.
وفيها افتتح عسكر المسلمين غزَّة واستعيدت من الفرنج، وتسلم نور الدين بانياس من الفرنج.
وفيها انقرضت دولة الملثمين بالأندلس وتملّك عَبْد المؤمن مدينة المَرِيَّة، واستعمل أولاده على الأندلس، ولم يبق للملثمين إلا جزيرة ميورقة. وكانت المَرِيَّة بيد الفرنج من عشر سنين، فنازلها أبو سَعِيد بْن عَبْد المؤمن، وحاصرها برًّا وبحرًا ثلاثة أشهر، وبنى بإزائها سورًا، وجاع أهلها فسلموها بالأمان.
وفي صَفَر ورد على نور الدِّين كتاب السّلطان أبي الحارث سَنْجَر بْن ملكشاه بالتّشوُّق إليه، وما ينتهي إليه من جميل أفعاله، وإعلامه بما منَّ اللَّه عليه من خلاصه من الشّدَّة، والخلاص من أيدي الغُزِّ بحيلة دبّرها بحيث عاد إلى منصبه من السَّلْطنة، ووعده بنصره على الفرنج، فأمر نور الدِّين بزينة دمشق، وفعل فِي ذلك ما لم تَجْرِ بهِ عادةٌ فيما تقدَّم فِي أيّام ملوكها، وأمر بزينة قلعتها، فجُلِّلت أسوارُها بالْجَوَاشن، والدّروع، والتّراس، والسّيوف، والأعلام، وأنواع الملاهي، وهرعت الخلائق والغُرباء لمشاهدة هذا فأعجبهم وبقي أسبوعًا.
ثُمَّ جاءته الأخبار بإغارة الفرنج على أعمال حمص وحماة، ثم سارت [ص:13] الفرنج في سبعمائة فارس، سوى الرّجّالة إلى ناحية بانياس، فوقع عليهم عسكر الْإِسْلَام ونزل النَّصر، فلم ينْجُ من الملاعين إلا القليل، وصاروا بين أسيرٍ وجريح وقتيل، وذلك فِي ربيع الأول. وجاءت الرؤوس والأسرى، وكان يومًا مشهودًا.
ثُمَّ تهيَّأ نور الدِّين للجهاد، وجاءته الأمداد، ونودي فِي دمشق بالتأهب والحث على الجهاد، فتبعه خلق كثير من الأحداث والفقهاء والصُّلحاء، ونازل بانياس، وجَدّ فِي حصارها، فافتتحها بالسيف، ثُمَّ إنّ الفرنج تحزّبوا وأقبلوا لينصروا هنفري صاحب بانياس وهو بالقلعة، فوصل ملك الفرنج بجموعه على حين غفلة، فاندفع جيش الإسلام، ووصلوا هُمْ إلى بانياس، فحين شاهدوا ما عمّها من خراب سورها ودُورها يئسوا منها.
ثُمَّ إنّ الملك نور الدِّين عرف أنّ الفرنج على الملاحة بقرب طبريَّة، فنهض بجيوشه، وجَدّ فِي السَّيْر، فشارفهم وهم غارُّون، وأظّلَّتْهم عصائبه، فبادروا الخيل، وافترقوا أربع فِرَق، وحملوا على المسلمين، فترجَّل نور الدِّين، وترجَّلت معه الأبطال، ورموا بالسّهام، ونزل النّصر، ووقع القتل والأسر فِي الكَفَرة.
قال أبو يَعْلَى: فلم يفلت منهم، على ما حكاه الخبير الصّادق، غيرُ عشرة نَفَر، قيل إنَّ ملكهم فيهم، وقيل قُتِلَ. ولم يُفْقَد من المسلمين الأجناد سوى رجلين، أحدهما من الأبطال قتل أربعةً من شجعان الفرنج واستشهد. وفرح المسلمون بهذا النصر العزيز، وجيء بالرؤوس والأسرى إلى دمشق، والخيّالة على الْجِمال، والمقدَّمون على الخيل بالزَّرِدِيّات والخوَذ، وفي أيديهم أعلامهم. وضج الخلق بالدعاء لنور الدين.
وفيها جاءت عدة زلازل عظيمة بالشام.
ثم جاءت الأخبار بوصول ولد السّلطان مَسْعُود للنّزول على أنطاكية، فاضطرّ نور الدِّين إلى مهادنة الفرنج، ثُمَّ توجّه إلى حلب.
وجاءت الأخبار من الشّمال بما يُرعب النّفوس من شأن الزّلزلة، بحيث انهدمت حماه وقلعتها ودُورها على أهلها ولم ينْج إلا اليسير. وأما شيزر [ص:14] فانهدم حصنها على واليها تاج الدولة ابن منقذ. وأمّا حمص فهرب أهلُها منها وتلفت قلعتُها. وأمّا حلب فهدّمت بعض دُورها، وتلفت سَلَمية وغيرها. ثُمَّ جاءت عدَّة زلازل فِي أشهر مختلفة، ورخها حمزة التميمي.
وفي رمضان مرض الملك نور الدِّين مرضًا صعبًا، فاستدعي أخاه نُصرة الدِّين أمير ميران، وأسد الدين شيركوه والأمراء، فقرر معهم أنّ الأمر من بعده لأخيه لاشتهاره بالشّجاعة، فيكون بحلب، وينوب عَنْهُ بدمشق شيركوه، وحلفوا لَهُ وتوجه فِي المحفة إلى حلب، فتمرض بالقلعة، وهاج النّفاق والكُفْر، وشنّعوا بموت نور الدِّين. وذهب نُصرة الدِّين إلى حلب، فأغلق مجد الدِّين والي القلعة بابها وعصى، فثارت أحداث حلب وقالوا: هذا ملكنا بعد أخيه، وحملوا السلاح، وكسروا باب البلد، ودخله نصرة الدين، واقترحوا عليه أشياءَ منها إعادة التّأذين بحيَّ على خير العمل، مُحَمَّد وعليّ خير البَشَر، فأجابهم ونزل فِي داره.
ثُمَّ عوفي نور الدِّين وتوجّه المسمى بنصرة الدين إلى حَرّان، وكان قد وليها، وقدِم نور الدين دمشق.(12/9)
-سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة
وقع الاتّفاق بين ملكشاه وأخيه مُحَمَّد شاه، وأمده بعسكر ففتح خوزستان، ودفع عنها شملة التركماني.
وفي ربيع الآخر زار المقتفي مشهد الْحُسَيْن، ومضى إلى واسط، وعبر في سوقها.
وكان الوزير مريضًا، فأنفق فِي مرضته نحو خمسة آلاف دينار منها لابن التلميذ الطبيب جملة.
وخرج الخليفة إلى المدائن، ثُمَّ خرج مرَّة أخرى إلى المدائن، وخرج يوم الفِطْر، وكان موكبه بتجمُّلٍ وحشْمة لم يُعهد مثلها من الأعمار.
ووقع فِي شوّال مَطَر وبَرَد أكبر من البيض.
وأمّا خُراسان فكانت الغُزّ قد شبعوا، وسكنت سَوْرَتُهم، واستوطنوا بلْخ، وتركوا النَّهْب، واتّفقوا على طاعة الخاقان محمود بْن مُحَمَّد ابن أخت [ص:15] سنجر، وأتابكه الأمير أي أبه، فَلَمّا دخل شعبان سارت الغُزّ إلى مَرْو، فنهض لحربهم الأمير المؤيَّد، فظفر بهم، وقتل بعضهم، فدخلوا مرْو، فجاء الخاقان من سرخس، وانضمّ إليه المؤيَّد، فالتقوا فِي شوّال، فكان بينهم مصافّ لم يُسْمَع بِمِثْلِهِ، وبقي القتال يومين، وتواقعوا مرّات عديدة وانهدم الغُز ثلاث مرّات، ثُمَّ يعودون للقتال، فَلَمّا طلع الضّوء من اللّيلة الثانية انجلت الحرب عن هزيمة الخُراسانيَّة، وظفر الغُزِ بهم قتْلًا وأسْرًا وعادوا إلى مَرْو، وقد استغنوا عن الظُّلْم المُفرِط فشرعوا فِي العدْل وإكرام العلماء، ثُمَّ أغاروا على سرخس وأخربوا رساتيقها، وعملوا كلّ شرّ. وَقُتِلَ من أهل سرخس نحوٌ من عشرة آلاف نفس، وعادوا إلى مَرْو، وتقهقر الخاقان بعساكره إلى جُرْجان. فَلَمّا دخلت سنة أربعٍ بعث إليه الغُزّ يسألونه القُدوم ليملّكوه كَمَا كان فلم يركن إليهم، فأرسلوا يطلبون ابنه جلال الدِّين مُحَمَّد، وتردّدت الرُّسُل، فبعث إليهم ابنه، ولمَّا اطمأنَّ هُوَ سار إليهم، وكان مستضعفًا معهم في السلطنة.
قال ابن الْجَوْزِيّ: وحججت فيها، وتكلّمت بالحَرَم مرتين.
وفيها مصرع الإسماعيلية الخُراسانييّن، وذلك أنَهم نزلوا في ألف وسبعمائة رجل على روق كبير للتُّرْكُمان، فلم يجدوا به الرّجال، فسبُوا الذرية، وحازوا الروق، وقتلوا الرجال وأحرقوا الأشياء الثّقيلة. وبلغ الخبر عسكر التُّركُمان، فأسرعوا فأدركوا الإسماعيلية لعنهم اللَّه، وهم يقتسمون الغنيمة، فأحاطوا بهم ووضعوا فِيهِم السيف، وألقى اللَّه الذّلّ على الإسماعيلية، واستولى عليهم القتْل والأسر، فلم ينْج منهم إلا تسعة أنفس. قاله ابن الأثير.
وفي صَفَر خرج جيشٌ من مصر فأغاروا على غزة، وعسقلان، ونواحيها، فالتقاهم الفرنج، فانتصر المصرّيون، ووضعوا فِي الفرنج السّيف بحيث لم يسلم منهم إلا الشريد، ورجعوا بالغنائم.
وخرج نور الدِّين من دمشق بآلات الحرب مجدًّا فِي جهاد الفرنج، وأغار عسكره على أعمال صيدا، فقتلوا خلقًا. [ص:16]
وفي أوّل تمّوز جاء سَيْلٌ أحمر بِبَرَدٍ كَمَا يجيء فِي الشّتاء، وكثُر التّعجب منه.
ثم التقى نور الدِّين الفرنج، فانهزم عسكره، وثبت هُوَ ساعة، ثُمَّ ولّى العدو خوفًا من كمينْ يكون للمسلمين، ونجّى اللَّهُ نورَ الدين وسلمه.
وفي رجب تجمَّع قومٌ من الظَّلمة وعزموا على تحريض نور الدِّين على إعادة ما كان أبطله، إذ تملك دمشق من رسوم دار البِطّيخ والأنهار، وضمنوا القيام بعشرة آلاف دينار بيضاء حتّى أُجيبوا إلى ما راموه، وعَسَفُوا النّاس، ثُمَّ أبطل نور الدِّين ذلك كلّه بعد أربعين يومًا.
وفيها برز ملك الروم من القُسطنطينيَّة بجيوشه، وقصد ممالك الإسلام، ووصلت خيله غائرةً على أعمال أنطاكية، فتأهب المسلمون للجهاد.(12/14)
-سنة أربع وخمسين وخمسمائة
فيها وصل ترشك فلم يُشعر به إلا وقد ألقى نفسه تحت التاج ومعه كفن، فوقع الرضا عنه.
وفيها عاد الغُزّ ونهبوا نيسابور، وكان بها ابن أخت سنجر، فهرب إلى جرجان.
وفيها سافر الخليفة إلى واسط، فرماه فرسه، وشج جبينه بقبيعة السيف.
ووقع بَرد كبار أهلك أماكن، وذُكِر أنّه كان فِي البَرَد ما وزْنه خمسة أرطال ونحو ذلك، وقيل إنّهم رأوّا بَرَدَة فيها تسعة أرطال.
وفيها كان الغرق ببغداد، ووقع بعض سورها، وسقطت الدُّور، قال ابن الْجَوْزِيّ: لم نعرف درْبَنَا إلا بمنارة المسجد، فإنّها لم تقع. وغرقت مقبرة الإمام أَحْمَد، وخرجت الموتى على وجه الماء، وكانت آية عجيبة.
وفيها سار عَبْد المؤمن فِي نحو مائة ألف فنازل المَهْدية، فحاصرها برًّا وبحرًا سبعة أشهر، وأخذها بالأمان. وركب الفرنج فِي البحر قاصدين صَقَلِّية فِي الشّتاء، فغرق أكثرهم. وكان ملك الفرنج قال: إن قتل عَبْد المؤمن نصارى المهديَّة فلأقتلنّ من عندي من المسلمين بصَقَلّية، ولعلّ أكثر رعيته بصقلية [ص:17] مسلمون، فأهلك اللَّه النّصارى بالغرق، وكان مدَّة ملكهم للمهديَّة اثنتي عشرة سنة، ودخلها عَبْد المؤمن يوم عاشوراء سنة خمس فبقي بها أيامًا، وكان قد افتتح قبلها تونس، فنازلها أسطولُه فِي البحر ستّون شينيًّا، وأخذها بالأمان على مشاطرة أهلها أموالهم، لكونه عرض عليهم أوّلًا التّوكيد والأمان، فأبوا عليه. وبعدها افتتح المهدية.
وكان رئيس نَيْسابور هُوَ نقيب العلويّين ذُخْر الدين زيد بن الحسين الحسيني، فقتل بعض أصحابه أبو الفتوح الفستقانيّ الشافعيّ، فبعث إلى رئيس الشّافعيَّة مؤيَّد الدِّين الموفقي يطلب منه القاتل ليقتصّ منه، فامتنع المؤيَّد وقال: إنما حكمك على العَلَويَّة، فخرج النّقيب وقصد الشّافعيَّة، فاقتتلوا وَقُتِلَ جماعة، وأحرق النقيب سوق العطارين وسكة معاذ، وعظُم البلاء. ثُمَّ جمع المؤيَّد جموعًا وجيّش، والتقى هُوَ والعلويَّة فِي شوّال سنة أربع، واشتد الحرب، وأحرقت المدارس والأسواق، واستحر القتل بالشّافعية، فالتجأ المؤيَّد إلى قلعة فرخك، وخربت نَيْسابور بسبب هذه المصيبة الكبرى. وأمّا المؤيد أي أبه الأمير فإنه جرت لَهُ فصول وأسر، ثُمَّ هرب، وقدِم نَيْسابور، فنزل إليه المؤيِّد رئيس الشّافعيَّة، وتحصّن العَلَويّ بنَيْسابور، واشتدّ الخَطْب على المُعَتَّرِين الرّعية، وتمنّوا الموت، وسُفِكت الدّماء، وهُتِكت الأستار، وخرّبوا ما بقي من البلد، وبالَغَ الشّافعيَّة فِي الانتقام، وخرّبوا مدرسة الحَنَفِيَّة، واستؤصلت نَيْسابور، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا ملخص ما ذكره ابن الأثير في كامله.
ومرض نور الدِّين فِي آخر الماضية وأوّل سنة أربع وضعف، فعهد بالأمر من بعده لأخيه قُطْب الدِّين مودود صاحب الموصل. وقال: ابن أخي أمير ميران لا أرتضيه لمصالح المسلمين لسوء أفعاله وأخلاقه. فحلفت الأمراء وكاتب جماعة من الكبار أمير ميران يحثُّونه على المجيء ليستولي على الشّام، فبادر وقطع الفُرات، فبعث أسد الدِّين عسكرًا فردّوه. وبلغ صاحبَ الموصل الخبرُ، فبعث وزيره كمال الدِّين مُحَمَّد بْن عليّ الجواد، فدخل دمشق في [ص:18] أحسن زِيّ، وأبهى تَجَمُّل، وهو حميد الخِلال، كثير الإنفاق فِي وجوه البِرّ فصادف نور الدين قد عوفي.
وجاءت بدمشق زلازل مهولة صعبة، فسبحان من حركها وسبحان من سكنها.
وصالح نور الدِّين ملك الروم القادم من القسطنطينية وأجيب ملك الروم إلى ما التمسه من إطلاق مقدَّمي الفرنج، فأطلقهم نور الدِّين، فبعث لنور الدِّين عدَّة أثواب مثمّنة وجواهر، وخيمة من الدّيباج، وخَيْلًا، وردّ إلى بلاده، ولم يؤذ أحدًا. واطمأن المسلمون.
وجاء الخبر إلى دمشق بأنّ الملك نور الدِّين صنع لأخيه قُطْب الدِّين ولجيشه الَّذِين قدموا للجهاد فِي يوم جمعة سِماطًا عظيمًا هائلًا، تناهى فِيهِ بالاستكثار من ذَبْح الخيل والبقر والأغنام، بحيث لم يُشاهَد مثلُه، وقام ذلك بجملةٍ كثيرة. وفرَّق من الخيل العربيَّة جملة، ومن الخِلَع شيئًا كثيرًا. وكان يومًا مشهودا. ثُمَّ توجّه إلى حرّان وانتزعها من يد أخيه أمير ميران، وسلّمها إلى الأمير زين الدِّين عليّ إقطاعًا له.
إلى هنا زدْتُه من " تاريخ ابن القلانسي ".
وفيها جمع ملك الروم جَمْعًا عظيمًا، وقصد الشّام، فضاق بالمسلمين الأمر، فنصر اللَّه تعالى، وأسر ابن أخت ملكهم، وغنمهم المسلمون، وعادوا خائبين.
وفيها مات مُحَمَّد شاه ابن السّلطان محمود الذي حاصر بغداد. مات بهمذان.
قال عَبْد المنعم بْن عُمَر المغربي فِي أخبار ابن تُومَرْت: وفي سنة أربع وخمسين توجّه أمير المؤمنين عَبْد المؤمن إلى بلاد إفريقية، فتجهز فِي مائة ألف فارس مُحصاةٍ فِي ديوانه، ومعهم من السُّوقة والصُّنّاع والأتباع أضعافهم مِرارًا.
قال: وكان هذا الجمع الحفل يمشون بين الزُّرُوع فِي الطُّرُق الضّيّقة، فلا يكسرون سُنْبلة، ولا يطؤونها من هيبة الأمير، وكان خيامهم وأسواقهم مسافة فرسخين، وكلّهم يصلّون الخَمْس وراء إمامٍ واحد بتكبيرةٍ واحدة، ولا يتخلّف [ص:19] أحدٌ عن الصّلاة إذا قامت، كائنًا من كان من أصناف الجيش والسُّوقة وغيرهم. وكان عَبْد المؤمن يسير وحده منفردًا أمام الجيوش ليس معه فارس إلا ابنه وليّ عهده وراءه. وحوله من عبيده السّودان ألوف بالرماح والدّرَق.
قال: ولم يكن فِي دولته أحدٌ يُسمّى بالأمير ولا بالوالي، وإنما يسمّون الطَّلبة لأن دولته مَبْنية على العِلْم، ومَن دون الطَّلَبة يُسمّون الحفاظ. وأما أولاد أمير المؤمنين فيسمون السادة. ولا يجتمع النّاس عنده فينصرفون إلا عن دعاءٍ منه، ويؤمَّن الحاضرون، وما لبس إلا ثياب الصّوف طول عمره.(12/16)
-سنة خمس وخمسين وخمسمائة
فيها أفرج عليّ كَوْجَك عن سُلَيْمَان شاه بْن مُحَمَّد وسلطنه وخطب له، وبعثه إلى هَمَذان؛ وذهب ابن أخيه ملكشاه بْن محمود إلى أصبهان طالبًا للملك، فمات بها.
وفيها منع المُحْدَثُون من السَّماع فِي جامع القصر لأنّ بعض الأحداث قرأوا شيئًا من الصفات وأتبعوه بذم المتأولين، فمنعوا.
وفي ثاني ربيع الأول تُوُفّي المقتفى لأمر اللَّه، وطُلِبت النّاس نصف النّهار لبيعة المستنجد بالله، فأوّل من بايعه عمّه أَبُو طَالِب ثم أخوه أبو جعفر، وكان أسن من أخيه المستنجد بالله، ثم بايعه ابن هبيرة، وقاضي القضاة.
وفي شوّال اتّفق الأمراء بهَمَذَان على القبض على سُلَيْمَان شاه وخطبوا لرسلان شاه ابن طغرل.
وفيه ورد عليّ كَوْجَك إلى بغداد قاصدًا للحج، فخُلع عليه وعُفي عَنْهُ ما أسلف من حصار بغداد مع محمد شاه.
وولي قضاء القضاة أبو جَعْفَر الثّقفيّ، وعُزِل أبو الْحَسَن عليّ بْن أَحْمَد الدّامغَانيّ فلم يبق الثّقفيّ إلا أشهُرًا ومات، فولي مكانه ولده جعفر.
وفيها مات الفائز خليفة مصر، وعاش عشر سنين أو أكثر، وكان يصرع، وقام بعده العاضد آخر الخلفاء الباطنية.
وأمّا نَيْسابور فشرع فِي عمارتها المؤيِّد أي أَبَه، واستقلّ بمملكتها، وأحسن إلى النّاس، فتراجعت بعض الشيء.(12/19)
-سنة ست وخمسين وخمسمائة
فِي المحرَّم قُطِعت خطبة سُلَيْمَان شاه من المنابر، ثم خطب لأرسلان شاه.
قال ابن الأثير: لمّا قتِل سُلَيْمَان شاه أرسلوا إلى إيلدكز صاحب أَرَّان وأكثر أَذَرْبَيْجان، فطلبه الأمير كُردباز ليخطب لأرسلان الَّذِي معه. وكان إيلدكز قد تزوَّج بأُمّ أرسلان، وولدت له البَهْلَوان بْن إيلْدَكز. وكان إيلْدَكز أتابَكَه وأخوه لأمّه البَهْلَوان حاجبه، وكان إيلدكز مملوكًا للسّلطان مَسْعُود، فأقطعه أرَّان وبعض أَذَرْبَيْجان، ووقع الاختلاف، فلم يحضر إيلدكز عند فرقتهم أصلًا. وعظُم شأنه، وجاءته الأولاد من أمّ السّلطان أرسلان فسار إيلْدَكز فِي العساكر، وهم أكثر من عشرين ألفًا، ومعه أرسلان بْن طُغْرُل بن محمد ملكشاه فتلقاهم كردباز، فأنزله بهمذان فِي دار السّلطنة، وخطب لأرسلان. ثُمَّ بعثوا إلى بغداد يطلبون له السّلطنة، فأُهين رسولهم. وكان قد تغّلب على الرَّيّ الأمير إينانج، وقوي حاله، فصالحه، إيلْدَكز، وزوَّج ولده البَهْلَوان بابنة إينانج وزفت إليه بهمذان. ثُمَّ التقى البَهْلَوان وصاحب مَرَاغَة آقْسُنْقُر، فانهزم البَهْلَوان فجاء إلى هَمَذَان على أسوأ حال.
وفيها كثر اللصوص والحرامية بنيسابور، ونهبوا دُور النّاس نهارًا جهارًا، فقبض المؤيِّد على نقيب العلويّين أبي القَاسِم زَيْدُ الحسينيّ وعلى جماعةٍ، وقتل جماعة، وخُرِّبت نَيْسابور، وممّا خُرّب سبع عشرة مدرسة للحنفيَّة، وأُحرقت خمسُ خزائن للكُتُب، ونُهِبَت سبْعُ خزائن، وبيعت بأبخس الأثمان، وخرب مسجد عقيل.
وانتشر فِي هذه الأيّام، وقت عاشوراء، الرَّفْض والتسنن حتى خيف من فتنة تقع.
وفيه ركب المستنجد بالله وراح إلى الصَّيد، ثُمَّ بعد أيّام خرج أيضًا إلى الصَّيد. [ص:21]
وكان الرخص كثيرًا ببغداد، فأُبيع اللَّحْم أربعة أرطال بقيراط، والبيض كل مائة بقيراط.
وفيها كان مقتل الملك الصّالح طلائع بْن رُزّيك، واستولى على مصر شَاوَر.(12/20)
-سنة سبع وخمسين وخمسمائة
فمن الحوادث فيها أنّ الحاجّ العراقيّ وصلوا مكَّة، فلم يدخل أكثرهم لَفتَنٍ جرت، وإنما دخلت شِرْذِمَة، ورجع أكثر النّاس بلا حَجّ.
وفيها خرج الخليفة للصّيد على طريق واسط.
ووقع فيها حريقٌ عظيم ببغداد، احترق سوق الطَّير، والبُزُورييّن وإلى سوق الْصفر والخان، واحترق كثير من الطيور.
وفيها كان مصافٌ كبير وحرب شديد بين جيوش أَذَرْبَيْجان، وأرمينية، وبين الكُرْج، فنُصِر المسلمون، وغنموا ما لا يحُدّ ولا يوصف.(12/21)
-سنة ثمان وخمسين وخمسمائة
جاءت الأخبار بما تمّ على الحجيج، عاث عُبَيْد مكَّة فِي الركْب، فثار عليهم أصحاب أمير الحاجّ، فقتلوا منهم جماعة، فردّوا إلى مكَّة وتجمّعوا، ثُمَّ أغاروا على جمال الحاجّ، فانتهبوا نحْوًا من ألف جَمَل، فركب أمير الحاجّ وجُنْده بالسّلاح، ووقع القتال وَقُتِلَ طائفة. ثُمَّ جمع الأمير النّاس، ورجع بهم ولم يطوفوا.
وفيها بُني ببغداد كشْك للخليفة وكشْك للوزير، وأنفق عليهما مبلغ عظيم.
وثارت بنو خَفَاجة بالعراق، فعاثت وأفسدت، وكانت القوافل تؤخذ إلى باب الحربية.
وفيها قتل العادل ابن الصّالح طلائع بْن رُزّيك، وقام بعده شَاور السعدي.
وفيها سار المؤيِّد أي أَبَه صاحب نَيْسابور، فاستولى على بسطام، [ص:22] ودامغان، واستعمل عليهما مملوكه تنكز.
وفيها التقى المؤيِّد وصاحب مازَنْدَرَان وانتصر المؤيِّد.
وفيها بعث السّلطان أرسلان بْن طُغْرُل خِلَعًا وأَلْوِيةً معقودة وتقادم إلى المؤيِّد، وأمره أنّ يهتم باستيعاب تملك خُرَاسَان، فلبس الخِلَع. وكان السّبب فِي ذلك شمس الدِّين إِيلْدَكز أتابَك السّلطان. وكان إِيلْدَكز هُوَ الكلّ، وبينه وبين المؤيِّد ودّ وإخاء. وكانت الخطبة فِي مَرْو، وبلْخ، وهَرَاة وهذه البلاد للغُزَ سوى هَرَاة، فإنّها بيد أيْتكِين وهو مسالم للغز.
وفيها قتل صاحب الغور سيف الدِّين مُحَمَّد.
وفيها جمع نور الدِّين جيشه، وسار لغزو الفرنج، ونزل تحت حصن الأكراد ومن عزْمه محاصرة طرابُلُس، فتجمعت الفرنج وكبسوا المسلمين، فلم يشعر التُّرْك إلا بظهور الصُّلْبان من وراء الجبل، فبعثوا إلى نور الدِّين يعرّفونه، وتقهقروا فرهقتهم الفرنج بالحملة فهربوا، والفرنج فِي أقْفية التُّرْك، إلى المخيم النُّوريّ، فلم يستمكن المسلمون من الأُهْبة، فوقع فيهم القَتْل والأسْر، وقصدوا خيمة السّلطان نور الدِّين وقد ركب فرسه، وطلب النّجاة، فلدهْشته ركب والشَّبْحة فِي رِجْل الفَرَس، فنزل كُرْديّ فقطعها، فنجا نور الدِّين، وَقُتِلَ ذلك الكُرْديّ. ونزل نور الدِّين على بُحَيْرة حمص وقال: والله لا أستظلّ بسقْفٍ حَتَّى آخذ بالثأر، وأحضر الأموال والأمتعة، ولم شعث عساكره.
وفيها أمر المستنجد بالله بقتال بني أسد أصحاب الحِلَّة وإجلائهم عن العراق، فتجمَّع لحربهم عدَّة أمراء وخلْق من العسكر، فخُذِلت بنو أسد وزالت دولتهم، وَقُتِلَ منهم نحو أربعة آلاف، وتفرق الباقون، وقُطِع دابرهم، ولم يبق من هذا الوقت أحد يُعرف بالعراق من الأَسَدِيّين.(12/21)
-سنة تسع وخمسين وخمسمائة
فيها أخرج ببغداد تسعة من اللصوص فقتلوا.
وفيها كسر نور الدِّين الفرنج كسْرةً هائلة وأخذ الإبرنس والقمص أسيرين. [ص:23]
وفيها جهّز نور الدِّين جيشًا عليهم أسد الدِّين شيركوه إلى مصر نجدةً لشاور، لكونه قصده واستجار به. فأوّل دخولهم قتل الملك المنصور ضرغام الَّذِي كان قد قهر شاوَر، وأخذ وزارة مصر منه فِي آخر العام الماضي. ثُمَّ تمكّن شاوَر ولم يلتفت على شيركوه، فاستولى على بلبيس وأعمال الشرقية. وأرسل شاوَر يستنجد بالفرنج، فسارعوا إليه، وبذل لهم ذهبًا عظيمًا، فجاؤوا من القُدس والسّواحل، والتجأ شيركوه وعسكر الشّام إلى بِلْبِيس، وجعلها ظهرًا له، وحصروه ثلاثة أشهر ومَنَعته مع قِصَر سُورها وعدم خندقٍ لها. فبينا هم كذلك إذ أتاهم الصريخ أنّ نور الدِّين أخذ حصن حارم منهم وسار إلى بانياس، فسقط فِي أيديهم، فهمّوا بالعود إلى بلادهم ليحفظوها، وطلبوا الصُّلْح مع شيركوه، فأجابهم لقلَّة الأقوات عليه، وسار إلى الشّام سالمًا.
وفيها وقعة حارِم، وذلك أنّ نجم الدِّين ألبي الأرتقيّ صاحب ماردين نازل حارِم ونصب عليها المجانيق، فجاءتها نجدات الفرنج من كل ناحية، واجتمع طائفة من ملوكهم، وعلى الكلّ بِيمُند صاحب أنطاكية، فكشفوا عن حارِم، وترحّل عَنْهَا صاحب ماردين، فقصدهم نور الدِّين رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فالتقى الْجَمْعَان، فحملت الفرنج على ميمنة الإسلام فهزمتْها، فيُقال: إنّهم انهزموا عن خديعةٍ قُرِّرت، فتبِعَتْهم الفرنج الفُرسان، فمال المسلمون من الميسرة، فحصدت رجاله الفرنج؛ ثُمَّ ردّت الفُرسان عليهم اللّعنة، فأحاط بهم المسلمون، واشتدّت الحرب، وطاب القتل فِي سبيل اللَّه، وكثُر القتل فِي الفرنج والأسر، فكان فِي جملة الأسرى سلطان أنطاكية، وصاحب طرابُلُس، والدُّوك مقدّم الرّوميّين، وابن جوسلين. وزادت عدَّة القتلى منهم على عشرة آلاف، فللّه الحمد على هذا الفتح المبين.
ثُمَّ سار نور الدِّين بعد أنّ افتتح حارِم، فافتتح قلعة بانياس فِي آخر السنة. وكان لها بيد الفرنج ستَّة عشر عامًا. ولمّا عاد منها إلى دمشق، قال ابن الأثير: كان فِي يده خاتم بفَصّ ياقوت يُسمّى الجبل لكِبره وحُسْنه، فسقطُ من يده فِي شعرة بانياس، فنفذ وراءه من فتّش عليه فلقِيَه، فقال فِيهِ بعض الشعراء: [ص:24]
إن يمتري الشكاك فيك بأنك ال ... ـمهدي مُطْفئ جمرة الدّجّال
فلعَودة الْجَبَل الَّذِي أضْللتَه ... بالأمس بين غياطل وجبال
في أبيات
وفيها قتل الملك أيتكين صاحب هَرَاة فِي مصافٍّ بينه وبين عسكر الغور.
وفيها استولى ملك مازَنْدَران على قُومس، وبِسْطام، بعد أن هزم دنكز مملوك المؤيد أي أبه.
وفيها سار ملك القسطنطينية، لعنه الله، بجيش عرمرم وقصد الإسلام والبلاد التي لقلج أرسلان وابن دانْشمَند، فكان التُّرْكُمان يبيّتونهم ويغيرون عليهم باللّيل حَتَّى قتلوا منهم نحْوًا من عشرة آلاف، فرجعوا خائبين. وكفى اللَّه شرّهم، وطمع المسلمون فيهم، وأخذوا لهم عدَّة حصون.(12/22)
-سنة ستين وخمسمائة
فيها خرج الخليفة إلى الصَّيْد، فقبض على الأمير توبة البدويّ، وسُجِن ثُمَّ أُهلِك، وكان قد واطأ عسكر همذان على الخروج.
وفي يوم عيد النحْر ولدت امْرَأَة من درب بهْرُوز يقال لَهَا بِنْت أبي العزّ الأهوازيّ أربع بنات، ولم يسمع بمثل هذا.
وفيها كاتب أهل هَرَاة المؤيِّد صاحب نَيْسابور، فبعث اليهم مملوكه تنكز، فتسلّمها وطرد الغُزّ عن حصارها.
وفيها وقعت فتنةٌ عظيمة آلت إلى الحرب بأصبهان بين صدر الدين عبد اللطيف ابن الخُجَنْديَ وغيره من أصحاب المذاهب، وسببها التّعُّصب للمذاهب، فدام القتال بين الفريقين ثمانية أيّام، قُتل فيها خلْق كثير، وأحُرق كثير من الدروب والأسواق، قاله ابن الأثير.(12/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(12/25)
-المتوفون في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة(12/25)
1 - أَحْمَد بْن أبي المجد صاعد بْن أبي الغنائم الحربيّ الإسكاف، [المتوفى: 551 هـ]
والد عَبْد اللَّه بْن أبي المجد، وهو أخو عُمَر بْن عَبْد اللَّه الحربيّ لأمّه.
روى عن أَبِي طَلْحَةَ النعالي، والمبارك ابن الطيوري، وجماعة.
روى عنه ابن الأخضر، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن ياسين. وكان صالحًا حافظًا للقرآن، يؤم الناس، ويغسل الموتى احتسابا.
تُوُفّي فِي شعبان عن سبعين سنة، رحمه اللَّه تعالى.(12/25)
2 - أَحْمَد بْن الفَرَج بْن راشد، أبو العباس المدني، ثم البغدادي الوراق، قاضي دجيل. [المتوفى: 551 هـ]
ولد سنة تسعين وأربعمائة، وسمع من: أبي غالب بن زريق، وغيره.
كتب عَنْهُ أبو سَعْد السَّمْعانيّ وقال: كان يسمّع معنا ولده من القاضي أبي بكر.(12/25)
3 - أتْسِز بْن مُحَمَّد بْن أَنُوشْتِكِين، الملك خُوارَزْم شاه. [المتوفى: 551 هـ]
أصابه فالج فعالجوه بكُل ممكِنٍ فلم يبرأ، فأعطوه حرارات عظيمة بغير أمر الطّبيب، فاشتد مرضه وخارت قوته، ومات فِي جُمادى الآخرة؛ وكان يقول عند الموت: " مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ".
ووُلد فِي رجب سنة تسعين، وامتدّت أيّامه، وتمّلك بعده ابنه أرسلان فقَتَل نفرًا من أعمامه. [ص:26]
وكان أتْسِز عادلًا، عافًّا عن أموال الرعيَّة، محببًا إليهم، فيه خير وإحسان، وكان تحت طاعة السّلطان سَنْجَر.(12/25)
4 - آمنة بِنْت الشّريف أبي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابن المهتدي بالله الهاشميّ. [المتوفى: 551 هـ]
سَمِعت أَبَا عَبْد اللَّه النعالي، وطرادا.
كتب عَنْهَا ابن السَّمْعانيّ، وتُوُفّيت فِي رجب، وروى عَنْهَا ابن الأخضر.(12/26)
5 - إِسْمَاعِيل بْن عليّ بْن الْحُسَيْن بْن أبي نصر، أبو القَاسِم النَّيْسَابُوريّ، ثُمَّ الإصبهانيّ، الصُّوفيّ المعروف بالحمّاميّ. [المتوفى: 551 هـ]
شيخ معمَّر، عالي الرواية. وُلِدَ فِي حدود سنة خمسين وأربعمائة، وبكّر به أَبُوهُ بالسّماع، فسمع أَبَا مُسْلِم مُحَمَّد بْن عليّ بْن مِهْرَبُزد صاحب ابن المقرئ، وأبا مَنْصُورٌ بَكْر بْن مُحَمَّد بْن حِيد، ومسعود بْن ناصر السِّجْزيّ الحافظ، وأبا الفتح عَبْد الجبّار بْن عَبْد اللَّه بْن بُرْزَة الواعظ، وأبا سهل حمد بْن وَلْكيز، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عليّ العَطَّار، وعبد اللَّه بْن مُحَمَّد الكَرَوْنيّ، وأبا طاهر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر النّقّاش، وأبا بَكْر بْن أسيد، والحسن بْن عُمَر بْن يونس، وعائشة بْنت الْحَسَن الوَرْكانيَّة؛ وانفرد بالرواية عَنْهُمْ. وأوّل سماعه سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وعاش بعدما سمع نيّفًا وتسعين سنة. ولعلّ الذين اتّفق لهم هذا لا يصلون إلى عشرة أنفس ليس فيهم الأصمّ، ولا الطَّبَرَانيّ، ولا القَطِيعيّ، ولا ابن غَيْلان، ولا الجوهري، ولا ابن البَطِر، ولا ابن الحُصَيْن، ولا أبو الوقت، ولا السِّلَفيّ، ولا ابن كُلَيْب، ولا الكِنْديّ، ولا ابن اللتي.
رَوَى عَنْهُ: السِّلَفِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَأَبُو مُوسَى، وَيُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَغْدَادِيُّ وَقَالَ: حدثنا الشَّيْخُ الْمُعَمَّرُ الْمُمَتَّعُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعَقْلِ، وَقَدْ جاوز المائة، أبو القاسم الصوفي، قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن علي النحوي سنة تسع وخمسين، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا عبدان بن أحمد الجواليقي، قال: حدثنا عمر بن عيسى، قال: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ حَدَسٍ، عَنْ عَمِّهِ [ص:27] أَبِي رَزِينٍ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ؟ قَالَ: كَانَ فِي عماء فوقه هواء وتحته هواء.
قلت: أخبرنا بِهِ جَمَاعَةٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَدِينِيِّ، أَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَهُمْ، فَذَكَرَهُ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّ عِنْدَنَا عُمَرُ بْنُ مُوسَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
روى عَنْهُ أيضًا: أبو المجد زاهر بْن أبي طاهر الثّقفيّ، وعبد الخالق بْن أسد الدمشقيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد ويرج، وإسماعيل بْن ماشاذَه، وحمزة بْن أبي المطهر الصَّالْحانيّ، وخضِر بْن معمَّر بْن الفاخر، وأخوه يُوسُف، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد ابن المستملي، ومحمد بْن محمود بْن خُمَارتاش الواعظ، ومحمد بن محمود الصباغ، ومودود بن مسعود الفهاد، وأحمد بن محمد الفارقاني، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن عثمان الإصبهانيّون. وآخر من روى عنه محمد ابن عَبْد الواحد المذكور. وسماع السِّلَفيّ مِنْهُ فِي سنة نيف وتسعين وأربعمائة.
أخبرنا أبو عليّ الخلال أنّ كريمة الأسَدَيَّة أخبرتهم عن عبد الرحيم بن أبي الوفاء الحافظ، قال: توفي أبو قاسم إِسْمَاعِيل بْن أبي الْحَسَن الحمّاميّ يوم السّبت السابع من صفر سنة إحدى وخمسين.(12/26)
6 - تُرْكانشاه بْن مُحَمَّد بْن تُرْكانشاه، الحاجب أبو المظفّر البغدادي المَرَاتبيّ. [المتوفى: 551 هـ]
سمع هبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوْصِليّ ببغداد، والإمام أَبَا المحاسن الرُّويانيّ بالرّيّ، وجماعة. وتُوُفيّ فِي رابعِ عشر ذي القَعْدَةِ وله سبْعٌ وستّون سنة.
روى عَنْهُ ابن الأخضر.(12/27)
7 - جَابِر بْن مُحَمَّد، أبو الْحُسَيْن اللاذانيّ، الإصبهانيّ، القصّار. [المتوفى: 551 هـ]
سمع: أَبَا مَنْصُور بْن شكرُوَيْه، ورزق اللَّه.
روى عَنْهُ: أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وقال: مات في شوال.(12/27)
8 - حُذَيْفَة بْن يحيى، أبو بَكْر البطائحيّ المقرئ. [المتوفى: 551 هـ]
شيخ صالح، سمع أبا علي ابن المهديّ، وأبا طَالِب الزَّينبيّ.
وعنه السَّمْعانيّ، وعمر بْن طَبَرْزَد. وعاش إحدى وستِّين سنة.(12/28)
9 - الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو عَلِيّ البَحِيريّ، المُلْقاباذيّ، النَّيْسَابُوريّ. [المتوفى: 551 هـ]
سمع: أَحْمَد بْن مُحَمَّد الشُّجاعيّ، وأبا سَعْد البَحِيريّ.
روى عَنْهُ: عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ وقال: تُوُفّي فِي شوّال، أو ذي القعدة.(12/28)
10 - الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد، أبو القَاسِم بْن البُنّ الأسَديُ، الدّمشقيّ، الفقيه. [المتوفى: 551 هـ]
سمع: أَبَا القَاسِم بْن أبي العلاء، وسهْل بْن بِشْر، وأبا عَبْد اللَّه الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن أبي الحديد، وأبا البركات بْن طاوس، والفقيه نصر المقدسيّ وعليه تفقّه.
وخلط على نفسه لكنّه تاب توبةً نَصُوحًا، وكان حَسَن الظّنّ بالله، قاله الحافظ ابن عساكر، وقال: قال لي: ولدت في رمضان سنة ست وستين وأربعمائة.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وابنه القَاسِم، والحافظ أبو المواهب بن صصرى، وأخوه أبو القاسم بْن صَصْرى، وهو آخر من حدّث عَنْهُ، وأبو القاسم ابن الحرستاني، وأبو محمد الحسن بن علي بن الحسين الأسدي حفيده، وآخرون. وتوفي في نصف ربيع الأخر، ودفن بمقبرة باب الفراديس.(12/28)
11 - سلمان بن مسعود بن الحسن، أبو محمد البغدادي، الشحام. [المتوفى: 551 هـ]
سمع الكثير بنفسه من أبي المعالي ثابت بن بندار، وجعفر السراج، والمبارك بن عبد الجبار الصيرفي، وعلي بن محمد العلاف، وطائفة.
وخرج له الحافظ اليونارتي خمسة أجزاء فوائد.
قال أبو سعد السمعاني: سَمِعت عليه، وهو شيخ صالح، مشتغل [ص:29] بكسبه، توفي في المحرم، وولد سنة سبع وسبعين.
وقال ابن الجوزي: قرأت عليه كثيرًا من حديثه، وكان من أهل السُّنَّة، صحيح السَّمَاع.
قلت: روى عَنْهُ عَبْد الخالق بْن أسد، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد القطيعيّ. وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة أبو الحسن ابن المقُيّر.
تُوُفّي فِي الثّاني والعشرين من المحرم، كذا أرّخه السَّمْعانيّ. ثُمَّ قرأت بخطّ عُمَر بْن الحاجب قال: سَمِعت أَبَا الْحَسَن القَطِيعيّ يقول فِي وفاة سلمان الشّحّام إنّها سَهْوٌ لأنّه أجاز فِي ذي القعدة من السَّنة لابن دَحْرُوج، وقرأ عليه فيها فِي ربيع الأوّل ابن الخشاب جزءًا.(12/28)
12 - شُكْرُ بِنْت سهل بْن بِشْر بْن أَحْمَد الإسفراييني، أَمَةُ العزيز. [المتوفى: 551 هـ]
سَمِعت بدمشق من: أبيها، وأبي نصر أَحْمَد الطُّرَيْثِيثيّ. ومولدها بصور فِي سنة اثنتين وسبعين. روى عَنْهَا الحافظ ابن عساكر، وغيره، وتوفيت بدمشق في جمادى الأولى.(12/29)
13 - صَدَقة بْن مُحَمَّد بْن حُسَيْنِ بْن المحلبان، أبو القَاسِم [المتوفى: 551 هـ]
سِبْط ابن السّيّاف البغداديّ.
شيخ متجمّل، ظاهره الخير، وكان على العمائر.
سمع الكثير من: مالك البانياسيّ، وأبي الفضل بْن خَيْرون، وأحمد بْن عثمان بْن نفيس الواسطيّ، وأبي الفضل حَمْد الحدّاد.
روى عَنْهُ: أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وجماعة.
وتُوُفيّ فِي وسط جُمادَى الأولى.
وروى عَنْهُ: ابن الأخضر، وعبد الرّزّاق.(12/29)
14 - عبد الحكيم بن مظفر بن أحمد، أبو نصر الفحفحي الكرخي الأديب. [المتوفى: 551 هـ][ص:30]
شيخ معمر. ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. روى عَنْهُ أبو مُوسَى المَدِينيّ، وقال: سَمِعت منه بالكرخ.(12/29)
15 - عبد الرشيد بن ناصر بن فاخر، أبو المظفر البنّاء الصُّوفيّ الهَرَويّ. [المتوفى: 551 هـ]
سمع حاتم بْن مُحَمَّد الأزدي، ومحمد بن أبي عمر القويني، والحسين بْن مُحَمَّد الكُتُبيّ. حدَّث ببغداد، وسمع منه أبو سَعْد السَّمْعانيّ.
قلت: عاش نيِّفًا وتسعين سنة.(12/30)
16 - عَبْد السميع بْن أبي تمام عَبْد اللَّه بْن عَبْد السّميع الهاشميّ، أبو المظفَّر الواسطيّ. [المتوفى: 551 هـ]
من ذُرّية جَعْفَر بْن سُلَيْمَان الأمير.
قرأ القرآن على: المبارك بْن مُحَمَّد ابن الرواس، وأحمد بن محمد ابن العُكُبَرِيّ، والقلانسي. ورحل إلى بغداد فقرأ على أبي الخَطَّاب الجرّاح، وثابت بْن بُنْدار. وسمع من جعفر السراج، وعدة.
قرأ عليه بحرف أبي عمرو أبو أحمد ابن سُكّيْنَة. وأخذ عَنْهُ السَّمْعانيّ.
وُلِدَ سنة ستٍّ وستين وأربعمائة. وكان عابدًا، صوامًا، مات فِي ذي القعدة.(12/30)
17 - عَبْد القاهر بْن عَبْد اللَّه بْن حُسَيْنِ، أبو الفَرَج الشَّيْبَانيّ، الحلبيّ، الشّاعر المعروف بالوأواء. [المتوفى: 551 هـ]
له ديوان مشهور. تردَّد إلى دمشق غير مرَّة، وأقرأ بها النَّحْو، وكان حاذقًا به، وصنّف " شرح المتنبيّ "، ومدح جماعة من الأكابر.
تُوُفّي فِي شوّال بحلب، وكان مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ.(12/30)
18 - عَبْد الملك بْن مُحَمَّد بْن هِشَام بْن سَعْد، الْإِمَام أبو الحسن ابن الطّلاء، القَيْسيّ، الشِّلْبيّ، [المتوفى: 551 هـ]
من كبار أئمَّة الأندلس، كان أبوه طلاء في اللجم.
سمع أبو الْحَسَن من أبي عَبْد اللَّه بْن شبرين، وأبي الحسن بْن الأخضر، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وأبي بحر بْن العاص، وأبي الوليد [ص:31] ابن طريف، وخلق كثير. وأجاز له: أبو عبد الله ابن الطّلاع، وأبو عليّ الغسّانيّ، وأبو القَاسِم الهَوْزنيّ. وأجاز له من بغداد أبو الفضل بْن خَيْرُون، وغيره.
قال أبو عَبْد اللَّه الأبّار: وكان من أهل العلم بالحديث والعُكُوف عليه، مع المعرفة باللّغة والآداب والنَّسَب والمشاركة فِي الأُصُول، ولي خطابة مدينة شِلْب مدَّةً، وتُوُفيّ فِي صفر. وكان مولده فِي سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة. قال: وأجاز روايته لجميع المسلمين قبل موته بيومين.(12/30)
19 - عبد الواسع بن الموفق بْن أميرك، أبو مُحَمَّد الْهَرَوِيَّ الصَّيْرَفيّ. [المتوفى: 551 هـ]
شيخ صالحٌ، عابدٌ، قانت، سمع الكثير من شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري، وأبي عطاء عَبْد الرَّحْمَن الجوهريّ، وأبي عامر الأزدي، وجماعة.
قال عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ: سَمِعتُ منه قدْر خمسة عشر جزءًا من أمالي الأنصاري، وتوفي فِي خامس رمضان.(12/31)
20 - عتيق بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو بَكْر الْأَزْدِيّ، الأندلسيّ، الأُوُرْيُوليّ. [المتوفى: 551 هـ]
حج سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ولقي بمكة أبا الفوارس طرادا الزَّيْنَبيّ فسمع منه، وطال عمره، وتفرَّد عَنْهُ فِي الأندلس بالرواية. وقد حجّ سنة عشرين وخمسمائة أيضًا، وجاور، وسمع من أَبِي عَبْد اللَّه الرَّازِيّ صاحب " السُّداسيات "، ورزين العَبْدَرِيّ، وزاهر الشّحّاميّ، وجماعة من القادمين للحج.
قال الأَبّار: وكان ثقة، مُعْتنيًا بالرّواية.
روى عَنْهُ أبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو القَاسِم بْن بَشْكُوال، وأبو عُمَر بْن عيّاد، وأبو بَكْر بْن أبي ليلى، وغيرهم.
وكان مولده بأُوريُولَة سنة سبع وستين وأربعمائة وبها توفي.
قلت: رواية السِّلَفيّ عَنْهُ فِي " الوجيز " له، وسمع منه السَّمْعانيّ بمكَّة مجلسًا.(12/31)
21 - العزيز بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صاعد بْن مُحَمَّد، القاضي أبو المفاخر الصّاعديّ، النَّيْسَابُوريّ. قاضي نَيْسابور. [المتوفى: 551 هـ]
وُلِدَ سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وسمع أبا بكر بن خَلَف، وأبا القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن الواحديّ، وعلي بْن مُحَمَّد الجوزجاني، وغيرهم، وبكّروا به وسمّعوه حضورًا.
روى عنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ، وقال: تُوُفّي فِي صفر.(12/32)
22 - عليّ بْن أحمد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن محمويه، الإمام أبو الحسن اليزدي الفقيه، الشّافعيّ المُقرئ، المحدّث الزاهد، [المتوفى: 551 هـ]
نزيل بغداد.
وُلِدَ بيزد في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ظنًا، وسمع الحسين بْن الْحَسَن بْن جوانْشِير، وأبا المكارم مُحَمَّد بن علي الفسوي، ومحمد بن الحسين بْن بلّوك. ورحل إلى إصبهان فقرأ بها على أَبِي الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحّداد، وأبي سَعد المطرّز، وأبي عليّ الحدّاد. وسمع من أحمد بن محمد ابن الحافظ أبي بَكْر بْن مَرْدُوَيْه. وسمع بهَمَذان من ناصر بْن مهديّ المشطبيّ، وبالدُّون من عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمْد الدُّونيَ. ودخل بغداد سنة خمسمائة فسمع بها أبا الْحُسَيْن بْن الطُّيُوريّ، وأبا القَاسِم عليّ بْن الحسين الربعي، وأبا سَعْد بْن خُشَيْش، وأبا الْحَسَن العلاف، وجماعة. وتفقّه على الإمام أبي بَكْر الشّاشيّ. ورحل إلى واسط، وتفقّه على قاضيها أَبِي عليّ الفارقيّ. وسمع بالكوفة، والبصرة، والحجاز.
وصنَّف فِي الفقه، والحديث، والزُّهْد، وحدَّث " بسُنَن النَّسَائيّ "، عن الدُّونيّ.
قال أبو سَعد السَّمْعانيّ: فقيه، فاضل، زاهد، حَسَن السّيرة، عزيز النَّفسْ، سخيّ بما يملك، قانع بما هُوَ فِيهِ، كثير الصوم والعبادة. صنف تصانيف فِي الفقه، وأورد فيها أحاديث بأسانيده. سَمِعت منه وسمع مني. وكان حسن الأخلاق، دائم البشر، متواضعًا. وكان له عمامة وقميص بينه وبين أخيه، إذا خرَج ذاك قعد ذا، وإذا خرج ذا قعد الآخر. [ص:33]
وقال ابن النّجّار فِي " تاريخه ": كان من أعيان الفقهاء ومشهوري العُبّاد. سَمِعت أَبَا يَعْلَى حمزة بْن عليّ يقول: كان شيخنا أبو الْحَسَن اليَزْديّ يقول لنا: إذا مِتُّ فلا تدفنوني إلا بعد ثلاثٍ، فإنّي أخاف أَن يكون بي سكْتَة. وقال: وكان جَثِيثًا صاحب بَلْغَم. وكان يصوم رجب، فَلَمّا كان سنة موته قبل رجب بأيّام، قال: قد رجعت عن وصيّتي، ادفنوني فِي الحال، فإنّي رَأَيْت النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم وَهُوَ يقول: يا عليّ، صُمْ رجب عندنا. قال: فمات ليلة رجب.
قال: وقرأت بخطّ أَحْمَد بْن شافع وفاته فِي تاسع عشر جُمادى الأخرة، وقال: زادت مصنَّفاته على خمسين مصنَّفًا.
قلت: روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد، وعبد الملك بْن ياسين الدَّوْلَعيّ الخطيب، وعليّ بْن أَحْمَد بْن سَعِيد الواسطيّ الدّبّاس وقرأ عليه القراءات، وأبو أحمد عبد الوهاب ابن سُكَيْنَة، وعبد العزيز بْن الأخضر، وآخرون.(12/32)
23 - عليّ بن الحسين بن عبد الله، أبو الحسن الغزنوي الواعظ، [المتوفى: 551 هـ]
نزيل بغداد.
سمع بَغْزَنة من حمزة بْن الْحُسَيْن القايِنيّ " صحيح الْبُخَارِيّ " بروايته عن العيار. وسمع ببغداد أبا سعد ابن الطيوري، وابن الحصين.
قال أبو الفرج ابن الْجَوْزِيّ: كان مليح الإيراد، لطيف الحركات، بَنَت له زَوْجَة المستظهر بالله رباطًا بباب الأزَج ووقفت عليه الوقوف، وصار له جاهٌ عظيم لمَيْل الأعاجم إليه. وكان السّلطان يأتيه يزوره والأمراء والأكابر، وكَثُرَت عنده المحتشمون والقُرّاء، واستعبد كثيرًا من العلماء والفقراء بنواله وعطائه، وكان محفوظُه قليلًا، فحدثني جماعة من القراء أنه كان يعين لهم ما يقرؤون بين يديه، ويتحفظ الكلام عليه، وسمعته يقول: حزمة حزن خيرٌ من أعدال أعمال.
وقال ابن السَّمْعانيّ: سمعته يقول: رُبَّ طالبٍ غير واجد، وواجد غير طَالِب. وقال: نشاط القائل على قدْر فهم المستمع. [ص:34]
وقال ابن الْجَوْزِيّ: كان يميل إلى التّشيُّع ويدلّ بمحبَّة الأعاجم له، ولا يعظّم بيتَ الخلافة كما ينبغي، فسمعته يقول يوما: تتولانا وتغفل عنّا:
فما تصنع بالسّيف ... إذا لم يك قتالاً
فغير حلية السيف ... وصغه لك خلخالًا
ثُمَّ قال: تُوَلّي اليهودَ فيسُبُّون نبيَّك يوم السّبت، ويجلسون عن يمينك يوم الأحد. ثُمَّ صاح: اللَّهُمّ هَلْ بلّغت.
قال: فبقيَتْ هذه الأشياء فِي النُّفوس حَتَّى مُنِع من الوعظ. ثُمَّ قدِم السّلطان مَسْعُود، فجلس بجامع السّلطان، فحدّثني فقيه أنّه لمّا جلس قال لمّا حضر السّلطان: يا سُلطان العالم، مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه أمرني أن أجلس، ومحمد أبو عَبْد اللَّه منعني أن أجلس، يعني المقتفي. وكان إذا نبغ واعظٌ سعى فِي قطْع مجلسه. وكان يلقّب بالبرهان، فَلَمّا مات السّلطان أُهين الغَزْنَويّ، وكان معه قريةٌ فأُخِذَت منه، وطولب بمُغَلِّها عند القاضي، وحُبِس ثُمَّ أُطلق، ومُنِع من الوعظ. وتشفَّع فِي أمر القرية، فقال المقتفي: ألا يرضى أن نحقن دمه؟ وما زال الغَزْنَويّ يلقى الذُّلّ بعد العزّ الوافر، وتُوُفيّ فِي المُحَرَّم.
وهو والد المُسْنِد أبي الفتح أَحْمَد بْن عليّ الغَزْنَويّ، راوي التِّرْمِذيّ.(12/33)
24 - عليّ بْن حَيْدَرة بْن جَعْفَر بْن المحسن، أبو طَالِب الحسينيّ العَلوَيّ الشّريف الدّمشقيّ، [المتوفى: 551 هـ]
نقيب العَلَوييّن.
سمع أَبَا القَاسِم بْن أبي العلاء المَصِّيصيّ، والفقيه نصر بْن إِبْرَاهِيم. روى عَنْهُ ابن عساكر، وولده القَاسِم، وأبو المواهب، وأبو القاسم ابنا صَصَرَى، وغيرهم.
وهو راوي السّابع من " فضائل الصّحابة " لخَيْثَمَة، تُوُفّي فِي جُمادى الآخرة، ودُفِن بمقابر باب الصّغير.(12/34)
25 - عليّ بْن أبي تراب بْن فيروز، أبو الحسن الزيكوني، ثُمَّ البغداديّ، الخيّاط. [المتوفى: 551 هـ]
سمع أَبَا الفضل مُحَمَّد بن عبد السلام، وأبا الحسين المبارك ابن الصَّيْرَفيّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتب لي جزءًا عن شيوخه، وقرأته عليه ووُلِد سنة أربع وسبعين.
ومات في ثاني ربيع الأول.(12/35)
26 - مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خِيَرَة، أبو الوليد القُرْطُبيّ. [المتوفى: 551 هـ]
قال ابن بَشْكُوال: روى عن جماعةٍ من شيوخنا وصحِبنَا عندهم، وكان من جِلَّة العلماء الحفّاظ، متفنّنًا فِي المعارف كلّها، جامعًا لها، كثير الدّراية، واسع المعرفة، حافل الأدب. حج وتُوُفيّ بزَبِيد فِي شوّال، وله اثنتان وستّون سنة.(12/35)
27 - مُحَمَّد بْن عَبْد الخالق، الإمام أبو المحامد السَّمَرْقَنْديّ، الكِنْديّ. [المتوفى: 551 هـ]
وَرِعٌ، عارفٌ بالفِقْه، له حلقة إشغال، كتب عَنْهُ أبو سَعْد السَّمْعانيّ.
وكُندي من قرى سَمَرْقَند.(12/35)
28 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن سلامة بْن عُبَيْد اللَّه بْن مَخْلَد، أبو عبد الله الكَرْخيْ البغداديّ الُّرطَبيّ، [المتوفى: 551 هـ]
من كرْخ جُدّان، لا من كرخ بغداد.
وهو ابن أخي القاضي أبي الْعَبَّاس أَحْمَد بْن سلامة ابن الرُّطَبيّ.
كان أحد الشُّهود المعدَّلين، كان جميل الأمر، لازمًا بيته، مشتغلًا بما يعنيه. سمع أَبَا القاسم ابن البُسْريّ، وأبا نصر الزَّيْنبّي، وعاصم بْن الْحَسَن، [ص:36] وجماعة، وتُوُفيّ فِي شوّال. وكان مولده فِي سنة ثمان وستين وأربعمائة.
روى عَنْهُ: ابن السَّمْعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد، وداود بْن مُلاعب، وابن الأخضر، وعمر بْن أَحْمَد بْن بكْرون، ومحمد بْن عليّ بن يحيى ابن الطّرّاح، وجماعة.(12/35)
29 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله، أبو الفتح بْن أبي الْحَسَن البِسْطاميّ، ثُمَّ البلْخيّ، [المتوفى: 551 هـ]
أخو الحافظ أبي شجاع عُمَر.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان إمامًا صالحًا، كثير العبادة، متواضعًا. سمع الكثير ببلْخ من أَبِيهِ، وأبي هُرَيْرَةَ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الملك بْن يحيى القَلانِسيّ، وأبي القَاسِم أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخليليّ، وإبراهيم بْن أبي نصر الإصبهانيّ، والوزير نظام المُلْك. وأجاز له الحافظ أبو عليّ الوخْشي القاضي، ولد في رمضان سنة ثمان وستين وأربعمائة. وتُوُفيّ فِي رمضان أيضا.
روى عَنْهُ بالإجازة عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ.(12/36)
30 - محمود بْن إِسْمَاعِيل بْن قادوس، القاضي، أبو الفتح الْمَصْرِيّ الكاتب، [المتوفى: 551 هـ]
صاحب ديوان الإنشاء بالدّيار المصرية.
أصله من دِمْياط، وهو أحد من اشتغل عليه القاضي الفاضل، وكان يعظّمه ويصفه ويُسمّيه ذا البلاغتين. وكان لا يتمكن من اقتباس فرائده غالبًا إلا فِي ركوبه من القصر إلى منزله، ومن منزله إلى القصر، فيُسايرُهُ الفاضل ويجاريه في فنون الإنشاء والشعر، وله في موسوس يكثر التكبير وقت الإحرام:
وفاتِرِ النّيَّة عِنَّينها ... مع كثرة الرعدة والهزة
يكبر السبعين فِي مرَّةٍ ... كأنّه صلى على حمزة(12/36)
31 - مَسْعُود بْن قِلج أرسلان بْن سُلَيْمَان بْن قُتُلْمِش، السَّلْجُوقيّ، [المتوفى: 551 هـ]
صاحب الروم.
مات بقُونية، وتمَّلك بعده ولده قلج أرسلان.(12/36)
32 - المرتضى بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن الْحُسَيْن، أبو القَاسِم العلويّ. [المتوفى: 551 هـ]
شيخ معمّر. سمع نجيب بْن ميمون الواسطيّ.
مات بِسجسْتان فِي ذي الحجة؛ ورخه أبو سعد.(12/37)
33 - نبا بْن مُحَمَّد بْن محفوظ، الشَّيْخ أبو البيان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، [المتوفى: 551 هـ]
شيخ الطّائفة البيانيَّة بدمشق.
كان كبير القدر، عالمًا، عاملًا، زاهدًا، قانتًا، عابدًا، إمامًا فِي اللّغة، فقيهًا، شافعي المذهب، سَلَفيَّ المعتَقَد، داعية إلى السُّنَة. له تواليف ومجاميع، وشعر كثير، وأذكار مسجوعة مطبوعة، وقبره يُزار بمقابر باب الصّغير.
ولم يذكره ابن عساكر فِي " تاريخه "، ولا ابن خلَّكان فِي " الأعيان ".
تُوُفّي وقت الظُّهْر يوم الثلاثاء ثاني ربيع الأوّل، ودُفِن من الغد، وشيّعه خلْقٌ عظيم.
وقرأت بخطّ السَّيّف ابْن المجد؛ الشَّيْخ الفقيه أبو البَيَان نَبَا بْن محمد بن محفوظ القرشي، الشافعي، رحمه الله، المعروف بابن الحورانيّ، سمع أَبَا الْحَسَن عليّ ابن الموازيني، وأبا الحسن عليّ بْن أَحْمَد بْن قُبَيْس المالكيّ. وكان حَسَن الطّريقة، قد نشأ صبيًّا إلى أنّ قضى متدينًا، تقياً، عفيفًا، مُحِبًّا للعِلم والأدب والمطالعة للغة العرب.
قلت: روى عَنْهُ يُوسُف بْن عَبْد الواحد بن وفاء السلمي، والقاضي أسعد بن المنجى، والفقيه أَحْمَد العراقيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن الْحُسَيْن بْن عَبْدَان، وغيرهم.
أَخْبَرَنَا القاضي أَبُو مُحَمَّد عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قال: أخبرنا العلامة أبو محمد بن قدامة، قال: حدثني أبو المعالي أسعد بن المنجى، قال: كنت يَوْمًا قاعدًا عند الشَّيْخ أبي البَيَان، رحمه اللَّه، فجاءه ابن تميم الَّذِي يدعى الشيخ الأمين، فقال له الشَّيْخ بعد كلامٍ جرى بينهما: ويْحك، ما أنحسكم، فإن [ص:38] الحنابلة إذا قيل لهم: ما الدّليل على أنّ القرآن بحرفٍ وصوت؟ قَالُوا: قال اللَّه كذا، وقال رسوله كذا، وذكر الشَّيْخ الآيات والأخبار؛ وأنتم إذا قيل لكم: ما الدّليل على أنّ القرآن مَعْنَى فِي النَّفْس؟ قلتم: قال الأخطل: إنّ الكلام من الفؤاد، إيش هذا، نصرانيٌّ خبيثٌ بَنَيْتُمْ مذهبَكم على بيت شِعْرٍ من قوله وتركتم الكتاب والسنة!!.
وحدُّث أبو عبد الله محمد بْن إِبْرَاهِيم المعدَّل فِي " تاريخه" قال: حكى جماعة من ثقات الدّمشقيّين أنّ طائفة من أصحاب الشَّيْخ أبي البَيَان، بعد وفاته بأربع سنين، اجتمعوا وجمعوا دراهم واتّفقوا على أنّ يبنوا لهم مكانًا يجتمعون فيه للذكر، واشتروا أخصاصًا وبواري ومصاطيج، وشرعوا فِي حفر الأساس، والفقراء قد فرحوا وهم يعملون، فبلغ ذلك نور الدِّين، فسيَّر إليهم من يمنعهم، فنزل إليهم الرسول من القلعة، فالتقاه في الطريق الشَّيْخ نصر صاحب أبي البَيَان، فقال له: أنت رسول محمود بمنع الفقراء من البناء؟ قال: نعم. قال: ارجع إليه وَقُلْ بعلامة ما قمت قي جوف الليل وسألت الله في باطنك أنّ يرزقك ولدًا ذَكَرًا من فلانة وواقَعْتَها لا تتعرَّض إلى جماعة الشَّيْخ ولا تمنعهم. فعاد الرسول إلى السلطان وأخبره فقال: والله العظيم ما تفوّهت بهذا لمخلوق، ثُمَّ أمر بعشرة آلاف درهم ومائة حِمْل خشب ليبنوا بها. فبنوا الرّباط، ووقف عليه مزرعة بجسرين.
هذه حكاية منقطعة لا تصح.
وقال الشَّيْخ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الأرْمُوِيّ: أخبرني والدي، عن جدي، عن الشيخ عبد الله البطائحي قال: رأيت الشَّيْخ أَبَا البَيَان والشيخ رسلان مجتمعين بجامع دمشق، فسألت اللَّه أنّ يحجبني عَنْهُمَا حَتَّى لا يشتغلا بي، وتبِعْتُهما حَتَّى صعِدا إلى أعلى مغارة الدّم، وقعدا يتحدّثان، وإذا بشخص قد أتى كأنه طائر فِي الهواء، فجلسا بين يديه كالتّلميذين، وسألاه عن أشياء من جُملتها: على وجه الأرض بلد ما رَأَيْته؟ قال: لا. فقالا: هَلْ رَأَيْت مثل دمشق؟ قال: ما رَأَيْت مثلها. وكانوا يخاطبونه يا أَبَا الْعَبَّاس، فعلمت أنّه الخضر عليه السلام.
فقلت: إن صحت هذه الحكاية عن عَبْد اللَّه البطائحيّ فهو ظن من الشيخ [ص:39] عبد الله فِي أنّ ذلك الشّخص الخضِر، ومن النّاس من يقول: إنّ الخضِر مرتبة من وصل إليها سمي الخضر كالقطب والغوث.(12/37)
34 - واثق بْن تمّام بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أبي عِيسَى، أبو مَنْصُورٌ الهاشمي، الْعَبَّاسيّ، العِيسَوِيّ، البغداديّ، العتّابيّ. [المتوفى: 551 هـ]
سمع عَبْد الخالق بْن هبة اللَّه المفسّر، ومحمد بْن عَبْد اللَّه المستعمل. روى عَنْهُ يحيى بْن الْحُسَيْن الأوانيّ، وعبد العزيز بْن الأخضر.
تُوُفّي فِي شعبان عن بضع وثمانين سنة.(12/39)
35 - يحيى بْن سلامة بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه، الخطيب، مُعِين الدِّين أبو الفضل الحَصْكَفِيّ، [المتوفى: 551 هـ]
نسبة إلى حصن كِيفا.
تأدَّب ببغداد على أبي زَكَرِيّا التَّبْريزيّ، وقرأ الفقه وجوَّدَه، ثُمَّ نزل مَيافارقين وولي خطابتها والفتوى بها، واشتغل عليه أهلُها، وله "ديوان" معروف، وخُطَب، ورسائل.
قال العماد فِي " الخريدة ": كان علامة الزّمان فِي علمه، ومعري العصر في نثره ونظمه، له الترصيع البديع، والتّجنيس النّفيس، والتّقسيم المستقيم، والفضل السّائر المقيم.
ومن شعره:
وخليع بت أعذُلُهُ ... ويرى عَذْلي من العَبَثِ
قلتُ: إنَّ الخَمرَ مَخْبَثَةٌ ... قال: حاشاها من الخَبَثِ
قلت: فالأرفاث تتبعها ... قال: طَيِّبُ العَيْشِ فِي الرَّفَثِ
قلت: منها القَيْءُ قال: أَجَلْ ... شَرُفَتْ عن مَخْرَج الحَدَث
وسأجْفُوها، فقلت مَتَى؟ ... قال: عند الكَوْن فِي الْجَدَثِ
وله فِي مُغَنّ:
ومُطرب قولُهُ بالكُره مسموعُ ... مُحَجَّبٌ عن بيوت النّاس ممنوع
غنّي فبرق عينيه وحول لحـ ... ييه فقلنا: الفتى، لا شكّ، مصروع
وقطَع الشَّعْر حَتَّى ودّ أكثَرُنا ... أنّ اللّسان الَّذِي فِي فيه مقطوع [ص:40]
لم يأتِ دعوةَ أقوامٍ بأمرهم ... ولا مضى قَطُّ إلا وهو مصفُوع
تُوُفّي الخطيب الحَصْكَفيّ سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ثلاثٍ.(12/39)
36 - يحيى بن عبد الباقي بن محمد، أبو بَكْر البغداديّ، الغزّال. [المتوفى: 551 هـ]
سمع مالكًا البانياسيّ، ورِزق اللَّه التميمي، وحمدًا الحدّاد الإصبهانيّ، وجماعة. روى عَنْهُ أبو سَعْد السمعاني، وأحمد بن حمزة ابن المَوَازِينيّ، وجماعة، وتُوُفيّ فِي شوّال.(12/40)
-سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة(12/41)
37 - أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن أَحْمَد ابن الخرّاز، أبو عليّ الحَريمّي، البغداديّ. [المتوفى: 552 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: شيخ صالح، مستور، متديّن، لازم لمسجده. سمع أَبَا الغنائم مُحَمَّد بْن عليّ الدّقّاق، وولد في سنة خمس وسبعين وأربعمائة قرأتُ عليه جزءًا من " أمالي المَحَامِليّ "
قلت: هُوَ الجزء الأوّل، لأنَّه كان يرويه عن أبي الغنائم، وتفرّد به وما كأنه روى سواه. بلى، روى جزءًا عن مُحَمَّد بْن أحمد ابن الجبان العطار، عن أحمد بن عمر ابن الإسكاف، وروى جزءًا عن، طراد الزَّيْنَبيّ، وآخر عن مالك البانياسيّ، وتُوُفيّ فِي أوّل ذي الحجَّة.
وقد روى عَنْهُ عَبْد الخالق بْن أسد، وعمر بن طبرزد، وأبو علي الحسن ابن الزَّبِيديّ، ومحمد وعبد الواحد ابنا المبارك ابن المستعمل.
وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ ابْنُ المقير، فأخبرنا صبيح فتى صواب المالقي، قال: أخبرنا ابن المقير، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن أحمد إجازة، قال: أخبرنا محمد بن علي بن أبي عثمان، قال: أخبرنا عبد الله بن البيع، قال: أخبرنا أبو عبد الله المحاملي، قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا جَرِيرٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أُمِّ مُوسَى قَالَتْ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَصْعَدَ شَجَرَةً فَيَأْتِيَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، فَنَظَرَ أَصْحَابُهُ إِلَى حُمُوشَةِ سَاقَيْهِ، فَضَحِكُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تضحكون لرجل عند اللَّهِ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ ". قيل اسم أمّ مُوسَى حبيبة.
وقال ابن النّجّار: كان شيخًا صالحًا، له سَمْتٌ حَسَنٌ، وعليه وَقار [ص:42] وسكينة، قال لي بعض أهل العِلْم إنّهم يقولون إنَّ وجهه يَشْبه وجه أبي بَكْر الصَّديَّق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.(12/41)
38 - أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن اليُعْسُوب، أبو الفتح البغداديّ. [المتوفى: 552 هـ]
سمع أَبَا غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد القزّاز، وأبا العزّ مُحَمَّد بْن الْمُخْتَارِ.
وكان أديبًا شاعرًا، روى عنه أبو المنجى بن اللتي.
قال ابن النجار: توفي فِي سادس عشر جُمادى الآخرة.(12/42)
39 - أحمد بْن بختيار بْن علي بْن مُحَمَّد، القاضي أبو الْعَبَّاس المَنْدائيّ، الواسطيّ. [المتوفى: 552 هـ]
وُلِدَ سنة ستٍّ وسبعين وأربعمائة، ورحل إلى بغداد. وسمع من أبي القَاسِم بن بيان، وأبي غالب أحمد ابن المعبّر، وأبي عليّ بْن نبهان.
وكان فقيهًا، إمامًا، بارعًا فِي كتابة الشّروط بارعًا فِي اللّغة والأدب، ولي قضاء واسط مدَّةً، وهو والد أبي الفتح المَنْدَائيّ. وحدَّث عن الحريريّ " بالمقامات " وصنَّف كتاب "القضاة" وغير ذلك. وكان ثقة صدوقًا.
قال أبو سَعْد السَّمْعانيّ: قرأت عليه " مقامات الحريريّ "، وتُوُفيّ فِي نصف جُمادى الأولى.
قلت: وقد أجاز لابن المقير، وروى عنه ابنه، وجماعة.(12/42)
40 - أَحْمَد بْن جُبَيْر بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن جُبَيْر، الوزير أبو جَعْفَر الكِنَانيّ، [المتوفى: 552 هـ]
من وُلِدَ بَكْر بْن عَبْد مَنَاة بْن كِنَانة بْن خُزيمة.
كان من وجوه أهل بَلَنْسِية، روى عن صهره أبي عِمران بْن أبي تليد، وأبي عَبْد اللَّه بْن خلصة وعليه قرأ الأدب. ووَزَرَ لمروان بْن عبد العزيز عند ثورته وخروجه ببَلَنْسَية لمّا انقرضت دولة الملثّمين. وامتُحِن يوم خلْع مروان، فقبض عليه الْجُنْد، ثُمَّ انتقل إلى شاطِبَة.
روى عَنْهُ ولده أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد.(12/42)
41 - أَحْمَد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن لقمان، أبو اللَّيْث النَّسَفيّ، ثُمَّ السَّمَرْقَنْديّ، الفقيه، مجد الدِّين الواعظ. [المتوفى: 552 هـ][ص:43]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان فقيهًا، فاضلًا، واعظًا كاملًا، سمّعه أبوه من جماعة. وكان مولده في سنة سبع وخمسمائة بسمرقند. وكان أَبُوهُ حافظًا. قدم مجد الدِّين بغداد حاجًّا، ثُمَّ ردّ إلى وطنه، فَلَمّا وصل إلى قُومِس خرج طائفةٌ كبيرة من أهل قلاع الإسماعيلية وقطعوا الطّريق على القافلة، وقتلوا مقتلة عظيمة من الحاجّ والعلماء، أكثر من سبعين نفسًا، منهم المجد النسفي.(12/42)
42 - أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد، أَبُو الفضائل ابن الزَّيْتُونيّ، الهاشميّ، الْعَبَّاسيّ، الواثقيّ، البغداديّ. [المتوفى: 552 هـ]
سمع طِرادًا الزَّيْنَبيّ، وثابت بْن بُنْدار. روى عَنْهُ المبارك بْن كامل مع تقدّمه فِي "مُعْجَمه"، وثابت بْن مشرّف، وعمر بْن أَحْمَد العَلَويّ، وتُوُفيّ فِي صَفَر وله اثنتان وثمانون سنة.(12/43)
43 - إِبْرَاهِيم بْن رضوان بْن تُتش بْن ألب أرسلان، شمس الملوك، أبو نصر. [المتوفى: 552 هـ]
وُلِدَ سنة ثلاثٍ وخمسمائة، ونزل على حلب مُحاصرًا لها فِي سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وكان معه الأمير دُبَيْس بْن صَدَقة الأسَدِيُ صاحب الحِلَّة، وبغدوين ملك الفرنج. وفي سنة إحدى وعشرين قدم أبو نصر إبراهيم هذا إلى حلب أيضا فدخلها وملكها، وفرحوا به، ونادوا بشعاره. وخرج صاحب أنطاكية فأتاها ونازَلَها، فترددت الرسل لما ضايق حلب، فركب أبو نصر وعزيز الدولة في خلق عظيم، فتراسلوا، فانعقدت الهدنة، وحلف لهم، وحملوا إليه ما افترضه، ولطف الله. ثم بعد مدة سار أبو نصر، وأعطاه الأتابك زنكي نصيبين، فملكها إلى أنّ مات فِي ثاني عشر شعبان سنة اثنتين وخمسين.
قال ابن العديم فِي " تاريخه ": أخبرني بذلك بعض أحفاده.(12/43)
44 - الحسن بن الحسين بن الحسن، الأستاذ أبو عليّ الأنَدَقيّ، [المتوفى: 552 هـ]
العارف، شيخ الصُّوفية، وكبير القوم بما وراء النَّهر
صحِب يُوسُف بْن أيّوب الهَمَذانِيّ الزّاهد بمرو مدَّةً طويلة وكان يسافر معه. وجالس جده لأمه الإمام أَبَا المظفَّر عَبْد الكريم بْن أبي حنيفة الأنْدَقيّ الفقيه المذكور فِي سنة إحدى وثمانين. [ص:44]
قال أبو سعد السَّمْعانيّ: هُوَ شيخ عصره أبو عليّ الأَنْدَقيّ من أهل بُخارى. وأَندقي من قُرى بُخارى. ظهرت بركتُه على جماعةٍ كثيرةٍ من أهل العِلْم والدّين، وكان صاحب طريقة حسنة فِي تربية المُرِيدين ودعاءِ الخلقِ إلى اللَّه تعالى، مع ما رزقه الله من صفاء الوقت، ودوام العبادة والرياضة، واتَّباع الأثر والسُّنة النبوية. وكان مهيبا، حَسَن الكلام، يتكلّم على الخواطر، وابتُلِي وامتُحِن، وظهر له جماعة من الخصوم ممّن قصد قتله، فصبر ودفع اللَّه عَنْهُ، وسلّمه من أيديهم. وُلِدَ في ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وتُوُفيّ فِي السّادس والعشرين من رمضان، وله تسعٌ وثمانون سنة.
قلت: ذكره أبو سَعْد في "الأنساب"، وفي "معجم" ولده.
وروى عَنْهُ ولده عَبْد الرحيم حديثًا واحدًا بروايته عن يوسف الهمذاني.(12/43)
45 - الحسن بن سعد، أبو شجاع ابن القَوَارِيريّ، البغداديّ، البزّاز، [المتوفى: 552 هـ]
أخو يعيش بْن سَعْد قاضي باب البصْرة.
سمع ثابت بْن بُندار، وابن سَوْسَن التّمّار.
قال ابن الأخضر: كان متكلمًا أشعريًا.
وقال السمعاني: شيخ صالح.
وروى عَنْهُ هُوَ، وابن عساكر، مات فِي شوّال.(12/45)
46 - الحسن بن المبارك بن محمد الأديب، أبو الحسين ابن الخل، [المتوفى: 552 هـ]
أخو الفقيه أبي الحسن محمد
شاعر ماجن ظريف، بديع النظم. روى عن أبي الخطاب الكلوذاني. روى عنه ابن عساكر وغيره، وهو القائل:
آه من قلة التجلد والصبـ ... ـر وويلي من كثرة العذال
وبنفسي ذاك الغزال وحاشا ... حسنه أن أقيسه بالغزال
والبديع الذي إذا بلبل الأصـ ... ـداغ أعدى القلوب بالبلبال
عاش سبعين سنة، ومات في ذي القعدة(12/45)
47 - الْحُسَيْن بْن نصر بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن القَاسِم بْن خميس، الْجُهَنيّ، الكَعْبيّ، المَوْصِليّ، القاضي أبو عَبْد اللَّه، قاضي رحْبَة مالك بْن طَوْق [المتوفى: 552 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: إمام فاضل، حَسَن الأخلاق، بهيّ المنظر. قدِم بغداد قبل الثمانين وأربعمائة، وسمع بها قاضي القُضاة أَبَا بَكْر مُحَمَّد بن المظفر الشامي، وطِرادًا الزَّيْنَبيّ، وأحمد بْن عَبْد القادر بْن يُوسُف، ونصر بْن البَطِر. وسمع بالموصل: أَبَا نصر بن ودعان، قرأت عليه أحاديث، وقال لي: وُلِدت فِي المُحَرَّم سنة ست وستين وأربعمائة بالموصل.
ثم ظفرت بوفاته؛ وأرّخها ابن خلِّكان وابن النّجّار سنة اثنتين وخمسين.(12/45)
48 - سرخاك، الأمير الكبير فخر الدِّين، [المتوفى: 552 هـ]
متولّي قلعة بُصْرَى.
قُتِلَ فِي شوّال غِيلةً بالقلعة بتدبير من زوج بنته الأمير عليّ بْن جولة ومن وافقه من أعيان خاصته مع أنه كان يبالغ في التحرز والتيقظ، ولكنه الأَجَل.(12/45)
49 - سَعْد بْن مُحَمَّد بْن أبي عُبَيْد، أبو مُحَمَّد الدَّسْتَجِرْديّ، المرْوَزِيّ، [المتوفى: 552 هـ]
خطيب دَسْتِجِرْد.
فقيه صالح، سمع أَبَا الفتح عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد الهشاميّ، ومحمد بْن إِسْمَاعِيل اليعقوبيّ. روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.
وتوفي في رمضان.(12/45)
50 - سنجر ابن السلطان ملكشاه ابن السلطان ألب رسلان ابن السّلطان جغربيك بْن ميكائيل بْن سُلَيْمَان بْن سلْجُوق، سلطان خُرَاسَان، وغَزْنَة، وما وراء النّهر. [المتوفى: 552 هـ]
وخُطِب له بالعراق، والشّام، والجزيرة، وأَذَرْبَيْجان، وأرّان، وديار بَكْر، والحَرَمين، ولَقَبه السّلطان الأعظم معزّ الدِّين، أبو الحارث، واسمه بالعربيّ أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن دَاوُد. كذا ساقه ابن السَّمْعانيّ، وقال فِي أَبِيهِ الْحَسَن إن شاء اللَّه. ثُمَّ قال: وُلِدَ بسِنْجَار من بلاد الجزيرة فِي رجب سنة [ص:46] تسع وسبعين وأربعمائة حين تَوَجَّه أَبُوهُ إلى غَزْو الرّوم، ونشأ ببلاد الخَزَر، وسكن خُرَاسَان، واستوطن مرْو.
وقال ابن خِلِّكان: تولّى المملكة نيابةً عن أخيه بركياروق سنة تسعين وأربعمائة، ثم استقل بالسلطنة سنة اثنتي عشرة وخمسمائة.
وقال ابن السَّمْعانيّ: وكان فِي أيّام أخيه يُلقَّب بالملك المظفَّر إلى أنّ تُوُفّي أخوه السّلطان مُحَمَّد بالعراق فِي ذي الحجَّة سنة إحدى عشرة، فلقِّب بالسّلطان. وقال: ورث المُلْك عن آبائه وزاد عليهم: ملك البلاد، وقهر العباد، وخُطِب له على أكثر منابر الإسلام. وكان وقورًا، حييًا، سخيًا، كريمًا، مشفقًا، ناصحًا لرعيته، كثير الصفح، صارت أيام دولته تاريخًا للملوك، وجلس على سرير المُلْك قريبًا من ستين سنة. أقام ببغداد، وانصرف منها إلى خُرَاسَان، ونزل مَرْو، وكان يخرج منها ويعود.
قال: وحكى أنه دخل مع أخيه محمد على الإمام المستظهر بالله، قال: فَلَمّا وقفنا بين يديه ظن أنّي أَنَا هُوَ السّلطان، فافتتح كلامه معي، فخدمته وقلت: يا مولانا أمير المؤمنين السّلطان هُوَ وأشّرْتُ إلى أخي. ففوَّض إليه السَّلطنة، وجعلني وليّ العهد بعده بلفظه.
قال ابن السَّمْعانيّ: واتّفق أنّ فِي سنة إحدى وتسعين لمّا هزم عساكر أخيه والأمير حبشيّ كان فتْحًا عظيمًا فِي الإسلام، فإنْ أكثر ذلك العسكر كان ممّن يميل عن الحقّ، فبلغ ذلك الإمام أَبَا الْحَسَن عليّ بْن أَحْمَد المَدِينيّ المؤذن، فصلى ركعتين، وسجد شكرًا لله. ثم أجاز للسلطان سَنْجَر جميع مسموعاته، فقرأت عليه بها أحاديث. وكان قد حصل له طَرَش.
قال ابن الْجَوْزِيّ: واتّفق أنّه حارب الغُزّ، يعني قبل الخمسين، فأسروه، ثُمَّ تخلّص بعد مدَّة وجمع إليه أطرافه بمرو.
وقال القاضي ابن خِلِّكان: كان من أعظم الملوك هِمَّةً، وأكثرهم عطاء. ثُمَّ قال: ذُكر أنه اصطبح خمسة أيام متوالية، ذهب بها في الجود كل مذهب، فبلغ ما وهبه من العين سبعمائة ألف دينار، سوى الخلع والخيل. [ص:47]
قال: وقال خازنه: اجتمع فِي خزائنه من الأموال ما لم يُسمع أنّه اجتمع فِي خزائن أحد من الملوك الأكاسرة، وقلتُ له يَوْمًا: حصل فِي خزائنك ألف ثوب ديباج أطلس، وأحب أن تبصرها، فسكت، فأبرزْتُ جميعَها فحمد اللَّه، ثُمَّ قال: يَقْبُحُ بمِثْلي أن يُقال: مالَ إلى المالِ. وأذِن للأمراء فِي الدّخول، فدخلوا عليه، ففرَّق عليهم الثياب وانصرفوا. قال: واجتمع عنده من الجواهر ألف وثلاثون رِطْلًا، ولم يسمع عند أحد من الملوك ما يُقارب هذا.
وقال ابن خِلِّكان: ولم يزل أمره فِي ازديادٍ إلى أنّ ظهرت عليه الغُزّ فِي سنة ثمانٍ وأربعين، وهي واقعة مشهورة استشهد فيها الفقيه مُحَمَّد بْن يحيى فكسروه وانحل نظام ملكه، وملكوا نيسابور، وقتلوا بها خلْقا كثيرًا، وأسروا السّلطان سَنْجَر، وأقام فِي أسْرهم خمسَ سِنين.
قلت: بل بقي فِي أسرهم ثلاث سِنين وأربعة أشهر.
وتغلَّب خُوارَزْم شاه على مرْو، يعني بعده، وتفرّقت مملكة خراسان، قال: ثم إن السلطان سنجر أفلت من الأسر وعاد إلى خُراسان، وتُوُفيّ فِي رابع عشر ربيع الأوّل سنة اثنتين بعد خلاصه من الأَسْر، وانقطع بموته استبداد الملوك السّلجوقيَّة بخُراسان، واستولى على أكثر مملكته السّلطان خُوارزْم شاه أَتْسِز بْن محمد بن نوشتكين.
وقال ابن السَّمْعانيّ: تُوُفّي فِي رابع وعشرين ربيع الأوّل، وهو الصحيح. وأظن ذَلِكَ غلطا من الناسخ. ودُفِن فِي قبة بناها وسمّاها دار الآخرة.
قال ابن الْجَوْزِيّ: ولما بلغ خبر موته إلى بغداد قُطعت خطْبته، ولم يُعقد له العزاء، فجلست امْرَأَة سُلَيْمَان للعزاء، فرآها المقتفي بالله وأقامها.
وقال ابن السَّمْعانيّ: تسلطن بعده ابن أخته الخاقان محمود بْن محمد بن بغراخان.(12/45)
51 - صلاح الدين، متولي حمص. [المتوفى: 552 هـ]
كان قد تقدَّم عند الأتابَك زنْكيّ بالمناصحة وسَداد الرأي، فَلَمّا شاخ عجز عن ركوب الفَرَس. وكان يُحمل فِي المِحَفَّة. وخَلَفَه من بعده فِي حمص أولاده، ثُمَّ تملّكها أسد الدِّين وذريته.(12/48)
52 - طاهر بْن حَيْدَرة بْن مُفَوَّز بْن أَحْمَد بْن مُفّوَّز، أبو الْحَسَن المَعَافِريّ، الشّاطبيّ [المتوفى: 552 هـ]
سمع أخاه أَبَا بَكْر، وأبا عليّ الصَّدَفيّ، وأجاز له عمه طاهر بْن مُفَوَّز الحافظ.
قال الأبّار: وكان فقيهًا حافظا، مُقَدَّمًا فِي عِلم الفرائض يُلجأ إليه فِي ذلك، وولي قضاء شاطِبَة، ثُمَّ استعفى فأُعْفي. روى عَنْهُ ابناه أبو بَكْر عَبْد اللَّه، ومُفوَّز، وتُوُفيّ فِي المحرم.(12/48)
53 - عَبْد الباقي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي، أبو مَنْصُورٌ التّميميّ، المَوْصِليّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 552 هـ]
قرأ القرآن على أبي الوحش سُبَيْع، وسمع الشريف النّسيب، وأبا طاهر الحنائي، وأبا الحسن ابن المَوَازِينيّ. وكتب الحديث بخطٍّ حَسَن.
وكان شاهدًا متودَّدًا، روى عَنْهُ ابن عساكر، وابن السَّمْعانيّ، وأبو الْحَسَن عليّ بْن مُحَمَّد بْن يحيى القاضي ابن الزكي، وأبو المواهب بْن صَصَرَى، وأخوه أبو القاسم.
تُوُفّي فِي رمضان.(12/48)
54 - عَبْد الصَّبور بْن عَبْد السّلام بْن أبي الفضل، أبو صابر الهَرَويّ، الفاميّ، التّاجر. [المتوفى: 552 هـ]
قال ابن السمعاني: ولد في رمضان سنة سبعين وأربعمائة، وكان صالحًا، كثير الخير، مشتغلًا بنفسه. سمع أبا إِسْمَاعِيل عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، وأبا عامر مُحَمود بْن القَاسِم الْأَزْدِيّ، ونجيب بْن ميمون الواسطيّ، وإلياس بْن مُضَر البالكيّ، وحدَّث " بجامع التِّرْمِذيّ " عن أبي عامر. وكان من التّجّار [ص:49] المعروفين، صَدوقًا أمينًا، ورد بغداد حاجًّا سنة تسع وثلاثين وحدَّث بها " بجامع التِّرْمِذيّ "، ورواه أيضًا بهَمَذان.
قلت: روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وأبو الحسن علي ابن نجا الواعظ الحنبليّ، وأحمد بْن الْحَسَن العاقُوليّ، وآخرون.
تُوُفّي بَهَراة فِي شعبان.(12/48)
55 - عَبْد القاهر بْن عليّ بْن أبي جَرَادة، الأمين مخلص الدِّين العُقَيْليّ، الحلبيّ، [المتوفى: 552 هـ]
ناظر خزانة الملك نور الدِّين بحلب.
قال أبو يَعْلَى حمزة: راعَني فقده لأنه كان خيرًا، كاتبا بليغًا، حَسَن البلاغة. نظْمًا ونثْرًا، بديع الكتابة، يتوقَّد ذكاء. وكانت بيننا مودَّة من الصِّبى بحكم تردده إلى دمشق، ورثيته بأبيات، فذكر منها:
وقد كان ذا فضلٍ وحُسْن بلاغةٍ ... ونظْمٍ كَدُرّ فِي قلائد حُور
يفوق بحُسْن اللَّفْظ كلَّ فصاحةٍ ... وخطٍّ بديعٍ فِي الطُّرُوسِ منير(12/49)
56 - عَبْد الملك بْن عليّ بْن حَمْد، أبو الفضل الهَمَذانِيّ، البزّاز. [المتوفى: 552 هـ]
عاش اثنتين وثمانين سنة. سمع أَحْمَد بْن عمر البيع، وفيد الشّعرانيّ، والدُّونيّ، وببغداد أَبَا سَعد الصَّيْرَفيّ.
مات فِي ربيع الأوّل.(12/49)
57 - عَبْد الملك بْن مَسَرَّة بْن فَرَج بْن خَلَف بْن عُزَيْر، أبو مروان اليَحْصُبِيّ، الشَّنْتَمَرِيّ، ثُمَّ القُرْطُبِيّ، [المتوفى: 552 هـ]
أحد الأئمة الأعلام.
أخذ " الموطأ " عن أبي عَبْد اللَّه ابن الطلاع سماعًا، واختص بالقاضي أبي الوليد بن رشد، وتفقه معه، وصحب أبا بكر بن مفوز، فانتفع به معرفة الحديث.
قال ابن بشكوال: كان ممن جمع الله له الحديث والفقه، مع الأدب البارع، والخط الحسن، والدين، والورع، والتواضع والهدي الصالح. كان على منهاج السلف المتقدم. أخذ الناس عنه، وكان أهلًا لذلك لعلو ذكره، ورفعة قدره. توفي لثمان بقين من رمضان. [ص:50]
آخر من سمع منه أَبُو القَاسِم بْن بَقيّ، قاله ابن الزُّبَيْر.(12/49)
58 - عَبْد الوهاب بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن غالب، أبو العَرَب التُّجَيْبيّ، الأندلُسيّ، البَلَنْسيّ، المعروف بالبقسانيّ، [المتوفى: 552 هـ]
نسبة إلى قرية بغربيّ بَلَنْسِيَة.
سمع أَبَا الْحَسَن بْن واجب، وأبا مُحَمَّد بْن خيرون، وخليص بْن عَبْد اللَّه، وأبا عليّ الصَّدَفيّ، وأبا بحر الأسَدِيُ، وأبا مُحَمَّد بْن أبي جَعْفَر الفقيه. وأجاز له طائفة آخرون.
وكان خطيبًا مفوهًا، فصيحًا، شاعرًا، ذا لسانٍ وبلاغة وعربيَّة، وله مشاركة فِي العلوم. ولي قضاء لرية، وحدَّث؛ أخذ عَنْهُ أبو عُمَر بْن عيّاد، وأبو الْحَسَن بْن سَعْد الخير، وأبو مروان ابن الجلاء، وتُوُفيّ فِي المُحَرَّم عن ثلاثٍ وسبعين سنة(12/50)
59 - عثمان بْن علي بْن مُحَمَّد بْن علي، أبو عَمْرو البَيْكَنْديّ، [المتوفى: 552 هـ]
مُسْنَد أهل بُخارى
قال ابن السَّمْعانيّ: وُلِدَ فِي شوّال سنة خمسٍ وستين وأربعمائة، وكان إمامًا فاضلًا، ورعًا، عفيفًا، نزهًا، قانعًا باليسير، كثير العبادة، ثقة، صالحًا.
سمع أَبَا مُحَمَّد عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحْمَن الزَّبِيديّ المعمر، وأبا بكر محمد بْن الْحُسَيْن خُواهرزادة، وأبا الخَطَّاب الطَّبَريّ القاضي، والإمام مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أبي سهل الفقيه، وطائفة كبيرة.
روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم. توفي في تاسع شوّال، وشيَّعه أُمم. وهو آخر من حدَّث عن الإمام أبي المظفَّر عَبْد الكريم الأَنْدَقيّ.(12/50)
60 - عليّ بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أبي نصر بْن الأشعث بْن حاشد، الكَنْدُكينيّ، السُّغْدِيّ، السَّمَرْقَنْديّ. [المتوفى: 552 هـ]
روى بالإجازة عن السّيد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن زَيْدٍ. سمع منه ابن السمعاني، وولده عبد الرحيم، وتوفي في ربيع الأول.(12/50)
61 - علي ابن الوزير أبي عليّ الْحَسَن بْن عليّ بْن صَدقَة [المتوفى: 552 هـ][ص:51]
صدْرٌ معظَّم، يلقَّب شرف الدّولة. سمع أَبَا القَاسِم الرَّبَعيّ، وغيره. وعنه أبو سَعْد السَّمْعانيّ.(12/50)
62 - علي بْن الْحُسَيْن بْن علي، أَبُو الْحَسَن ابن أشليها، الدّمشقيّ. [المتوفى: 552 هـ]
سمع أَبَا القَاسِم بْن أبي العلاء المصِّيصيّ، وأبا الفتح نصر بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ، وأبا الفضل بْن الفُرات. روى عَنْهُ ابن عساكر، وابنه القاسم، وغيرهما، وتوفي فِي رمضان.(12/51)
63 - عليّ بْن صَدَقة بْن عليّ بْن صَدقَة، الوزير أبو القَاسِم قِوام الدِّين. [المتوفى: 552 هـ]
استوزره أمير المؤمنين المقتفي سنتين، ثُمَّ عزله سنة خمس وأربعين. تُوُفّي فِي الثّالث والعشرين من جُمادى الأولى؛ ذكره ابن الْجَوْزِيّ.
قال ابن النّجّار: هُوَ ابن أخي الوزير جلال الدِّين.(12/51)
64 - علي بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن الضّحاك، أبو الْحَسَن الفَزَاريّ، الغرناطي، المعروف بابن المقرئ. [المتوفى: 552 هـ]
روى عن أبي الوليد بن بقوة، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي الْحَسَن بْن مغيث، وجماعة.
قال الأَبَّار: اعتنى بالحديث، وشارك فِي غيره، وعرف بصحة النقل. حدُّث عَنْهُ أبو بَكْر بْن أبي زمنين، وأبو جَعْفَر بْن شراحيل ابن أخته، وأبو الْحَسَن بْن جَابِر؛ القرْطُبيّون.(12/51)
65 - عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أبي طاهر، أبو حفص الحربيّ المقرئ [المتوفى: 552 هـ]
شيخ صالح، خيّر، قيّم بكتاب اللَّه. سمع بنفسه الكثير وأفاد غيره. وتلا للكسائيّ، على ثابت بْن بُنْدَار. وسمع أَبَا عَبْد اللَّه النَّعَاليّ، وأبا الخَطَّاب القارئ، وأبا بَكْر الطُّرَيْثِيُثيّ، وأبا الفوارس الزَّيْنَبيّ، وجماعة.
روى عنه الحسين بن أحمد ابن الخياري النّساج، وعمر بْن طَبَرْزَد [ص:52]، وابن اللَّتّيّ، وآخرون. وهو الَّذِي روى عَنْهُ ابن اللَّتّيّ الجزء الأوّل من " مشيخة الفَسَويّ " و " الأمالي والقراءة " لابن عفّان.
تُوُفّي فِي حادي عشر شعبان.
وقرأ عليه ريحان بن تيكان الضرير المقرئ، وعبد العزيز ابن النّاقد.(12/51)
66 - عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن فَتُّوح بْن فَرَج، الأستاذ أبو الأَصْبَغ الهاشميّ، الأندلسيّ، المقرئ، المعروف بابن المرابط. [المتوفى: 552 هـ]
نزيل بَلَنْسيَة.
أخذ القراءات عن أبي زَيْدٍ الورّاق، وأبي عَبْد اللَّه بْن ثابت، وأبي بَكْر بْن الصّبّاغ الهدهد. وتصدَّر للإقراء. وكان من جلَّة المُقْرِئين.
أخذ عنه القراءات أبو عبد الله ابن الخباز.
وحدَّث عَنْهُ أبو عُمَر بْن عيّاد، وابنه مُحَمَّد، وأبو عَبْد اللَّه بْن سعادة.
وتُوُفيّ فِي رجب، وقد جاوز السّبعين؛ قاله الأَبَّار.(12/52)
67 - أبو القاسم ابن الخليفة المستظهر بالله [المتوفى: 552 هـ]
تُوُفّي فِي ثامن عشر جُمادى الأولى، وحُمل إلى التُّربة التي للخلفاء فِي الماء. ومضى معه الوزير وأرباب الدّولة، وجلسوا للعزاء يومين. ثُمَّ خرج توقيعٌ بإقامتهم من العزاء. وكان أصغر أولاد المستظهر، وأخا أمير المؤمنين المقتفي.(12/52)
68 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، الأديب الكامل أبو المكارم ابن الآمِديّ، البغداديّ. [المتوفى: 552 هـ]
مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ، تأخَّر حَتَّى مدح ابن هبيرة، مات في هذه السنة.(12/52)
69 - محمد بن خداداذ بْن سلامة، الفقيه أبو بَكْر البغداديّ، الحّداد. [المتوفى: 552 هـ]
كان إمامًا أصوليًا، مناظرًا، من أعيان الحنابلة. تفقّه على أبي الخَطَّاب، وسمع من ابن طَلْحَةَ النَّعاليَ، وطِراد، وابن البَطِر. روى عَنْهُ ابن الأخضر، وثابت بْن مُشَرَّف.
وتُوُفيّ فِي جُمادى الأولى.(12/52)
70 - مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن خَلَف، أبو عَبْد الله النفزي، الشاطبي، ويعرف بابن بركة. [المتوفى: 552 هـ]
سمع من أبي عِمران بْن أبي تليد وأبي جعفر بن جحدر، وأبي علي ابن سُكَّرَة. وأخذ رواية نافع عن: أَبِي الْحَسَن بن شفيع، وكان إمامًا مُفْتيًا، نافذًا فِي عقد الشُّرُوط، متقدّمًا فيها.
روى عَنْهُ المُعَمَّر أبو عَبْد اللَّه بْن سعادة، وابن أخته مُحَمَّد بْن أحمد النحوي.
وقد جاوز السبعين، وتوفي فِي هذا العام أو بعده.(12/53)
71 - مُحَمَّد بْن صافي بْن خَلَف، أبو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، الأندلسي، قاضي أوريولة. [المتوفى: 552 هـ]
يروي عن أبي علي بن سكرة الصَّدَفي، وأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جَعْفَر الفقيه.(12/53)
72 - مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن، أبو الفتح الأُسْمَنْدي، السَّمَرْقَنْديّ، المعروف بالعلاء العالم. [المتوفى: 552 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان فقيهًا، مناظرًا، بارِعًا، صنَّف تصنيفًا فِي الخلاف، وسار فِي البلدان، وتخرَّج على الإمام الأشرف، وصار من فحول المناظرين، وسمع من عليّ بْن عُمَر الخراط، وغيره. لقيته بسمرقند، وكان يقول لي: أنا تلميذ والدك، قال: دخلت مرو لأتفقه على القاضي محمد بن الحسين الأرسابندي فلم يكن حاضرًا، فحضرت درس والدك وإن لم أكن على مذهبه
قال ابن السمعاني: وكان يملي التفسير، ولم أسمع منه لأنه كان مدمنا للخمر على ما سَمِعت عامَّة النّاس يقولون، ولم يكن يخفي ذلك. وسمعت أبا الحسين إبراهيم بن مهدي بن قلنبا الإسكندرانيّ يقول: سمعتُ من أثِق به أنّ العلاء العالم قال: ليس فِي الدّنيا راحة إلا فِي شيئين: كتاب أطالعه، وباطية خمرٍ أشرب منها.
وُلِدَ فِي سنة ثمانٍ وثمانين وأربعمائة بِسَمَرْقَنْد، وقدِم بغداد حاجًّا فِي سنة اثنتين هذه. [ص:54]
وقال أبو سَعْد: حَدَّثَنِي ولدي أبو المظفَّر، قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن عبد الحميد، قال: حدثنا علي بن إسماعيل الخراط، قال: حدثنا علي بن أحمد بن الربيع، قال: حدثنا أبي، فذكر حديثًا.(12/53)
73 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللّطيف بْن مُحَمَّد بْن ثابت، العلامة أبو بَكْر الْخُجَنْدِيُّ، ثُمَّ الإصبهانيّ. [المتوفى: 552 هـ]
سمع أبا عليّ الحدّاد، وجماعة.
قال ابن السَّمْعانيّ: لَقَبُه صدر الدِّين، كان صدْر العراق في وقته على الإطلاق، وكان إمامًا، مناظِرًا، فَحْلًا، واعظا، مليح الوعظ، سخيّ النّفس، جوادًا مَهِيبًا. دخل بغداد مرّات، وكان حسن التقدم عند السلاطين. كان السّلطان محمود يصدر عن رأيه. وكان بالوزراء أشبه منه بالعلماء. وكان يروى الحديث على المنبر من حفْظه.
قال ابن الجوزيّ: قدِم بغداد، وولي تدريس النّظاميَّة، وكان مليح المناظرة. حضرتُ مناظرَته وهو يتكلم بكلمات معدودة كأنها الدر. ووعظ بجامع القصر وبالنظامية، وما كان يندار فِي الوعظ، وكان مَهِيبًا، وحوله السّيوف.
قال ابن السَّمْعانيّ: خرج إلى أصبهان من بغداد، فنزل قرية بين هَمَذَان والكَرَج، نام فِي عافيةٍ وأصبح ميتًا فِي الثّامن والعشرين من شوّال فحُمِل إلى إصبهان.
قال ابن الأثير: وقعت لموته فتنة عظيمة قتل فيها خلق بإصبهان.(12/54)
74 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن نصر بن السري، أبو بكر ابن الزّاغُوني، البغداديّ، المجلّد. [المتوفى: 552 هـ]
سمّعه أخوه الإمام أبو الحسن من أبي القاسم ابن البُسْرِيّ، وأبي نصر الزَّيْنَبيّ، وعاصم بْن الْحَسَن، وأبي الفضل بْن خَيْرون، ومالك البانياسيّ، ورِزق اللَّه التّميميّ، وطِراد، وطائفة. وطال عُمره، وتفَّرد فِي عصره.
روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابن الْجَوْزِيّ، وعمر بْن طَبَرْزَد، والتّاج الكِنْديّ، وابن ملاعب، ومحمد بن عبد الله ابن البناء الصُّوفيّ، وعبد السلام بْن [ص:55] يُوسُف العَبَرتيّ ومحاسن بْن عُمَر الخزائنيّ، وأبو علي الحسن بن إسحاق ابن الجواليقيّ، وعبد السّلام بْن عَبْد اللَّه الدّاهريّ، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد القَطِيعيّ وهو آخر من روى عَنْهُ بالسّماع.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بن أحمد العلوي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي، قال: أخبرنا أبو بكر ابن الزاغوني، قال: أخبرنا أبو نصر الزينبي، قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: حدثنا أبو القاسم البغوي، قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني، قال: حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ بِلَالٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ، فَوَافَقْنَاهُ.
قال ابن السَّمْعانيّ: أبو بكر ابن الزّاغُونيّ، شيخ صالح، متدّين، مَرْضِيّ الطّريقة. قرأتُ عليه أجزاء، وكان له دُكّان يجلّد فيها. ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة، وتوفي في الثالث والعشرين من ربيع الآخر.
قلت: وفي هذا الشّهر سمع منه الدّاهريّ. وآخر من روى عنه بالإجازة ابن المقير، عاش بعده نيّفًا وتسعين سنة.
وكان غايةً في حسن التجليد، اصطفاه المقتفي لأمر الله لتجليد خزانة كتبه(12/54)
75 - مُحَمَّد بْن المباركُ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الخلّ، الإمام أبو الْحَسَن بْن أبي البقاء البغداديّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 552 هـ]
كان إمامًا بارعًا، خبيرًا بالمذهب. تفَقه على أبي بكر الشاشي المستظهري، ودرّس، وأفتى، وصنَّف، وتفرَّد بالفتوى ببغداد فِي المسألة السريجية. وصنّف كتابًا سمّاه " توجيه التّنبيه على صورة الشَّرْح " وهو مختصر، وذاك أوّل شرح صُنِّف للتّنبيه. وصنَّف كتابًا فِي أصول الفقه.
وقد سمع الحديث مِنْ جماعة من الكبار، وحدَّث عن أبي عبد الله [ص:56] النعالي، ونصر أبي الخَطَّاب بْن البَطِرِ، وثابت بْن بُنْدار، وأبي عبد الله ابن البُسْريّ، وجعفر السّرّاج، وأبي بَكْر الطُّرَيْثيثيّ، وأبي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، وأبي غالب الباقلاني، وأبي الحسن ابن الطُّيُوريّ، وآخرين.
روى عَنْهُ عَبْد الخالق بْن أسد، وأبو سعد ابن السَّمْعانيّ، وأحمد بْن طارق الكَرْكيّ، والفتح بْن عَبْد السّلام، وجماعة آخرهم وفاةً أبو الْحَسَن القَطِيعيّ.
وقيل: كان النّاس يتحيّلون على أخذ خطّه فِي الفتاوى لحُسْن خطّه لا للحاجة إلى الفتيا.
ولد سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
قال ابن السَّمْعانيّ: هُوَ أحد الأئمة الشافعيَّة ببغداد، بَرَع فِي العِلْم وهو مُصيب فِي فتاويه، وله السّيرة الحَسَنَة والطّريقة الجميلة، خشن العَيْش، تارك للتكلُّف، على طريقة السَّلَف. حِلْسٌ مسجده الَّذِي بالرّحْبَة لا يخرج منه إلا بقدْر الحاجة.
وقال أبو الفرج ابن الْجَوْزِيّ: تُوُفّي فِي المُحَرَّم، ودُفِن بالورديَّة.
وتُوُفيّ أخوه: أبو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن الخَلّ الشّاعر فِي ذي القعدة من السَّنَة أيضًا.
قلت: وكان فقيهًا أيضًا، وعاش سبْعًا وسبعين سنة.
وقع الجزء الأوّل من "مشيخة" أبي الْحَسَن لنا بعُلُوّ.(12/55)
76 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَبْد الصمد، أبو الفتح المطيعي البلْخيّ، الفقيه الحنفيّ. [المتوفى: 552 هـ]
سمع أبا القَاسِم أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخليليّ. أخذ عَنْهُ السَّمْعانيّ.
مات في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة.(12/56)
77 - مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن أَحْمَد بْن السدنك، أبو الغنائم المَيْدَانيّ، البغداديّ. [المتوفى: 552 هـ]
كان يسكن الميدان عند دار البَسَاسِيريّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: شيخ صالح مستور، سمع أَبَا الْحُسَيْن عاصم بْن الْحَسَن، كتبت عَنْهُ، وتُوُفيّ فِي الثامن والعشرين من ربيع الأول. [ص:57]
قلت: وسمع من رزق اللَّه التّميميّ، وغيره. روى عَنْهُ ابن السمعاني، وهبة الله بن وجيه ابن السَّقَطيّ، وعبد العزيز بْن الأخضر.(12/56)
78 - مُحَمَّد بْن يحيى بن محمد بن بذال، أبو الفضل ابن النّفيس البغداديّ، العَطَّار. [المتوفى: 552 هـ]
شيخ صالح، روى عن أبي الحسين ابن الطيوري. روى عنه ابن السمعاني، وابن سكينة، وأبو الفرج ابن الجوزي، وغيرهم. توفي في صفر.(12/57)
79 - المبارك بن أحمد بن علي بن الإخوة، أبو البركات البغدادي الدقيقي. [المتوفى: 552 هـ]
فقيه فاضل، شاعر، علق عنه ابن السمعاني من شعره، وعاش سبعين سنه(12/57)
80 - مبشر بْن أحمد بْن محمود بْن عَبْد اللَّه بن أحمد، أبو الفتوح النكوي، الأصبهاني، الزاهد، الواعظ. [المتوفى: 552 هـ]
سمع رزق الله التميمي، وأبا منصور بن شكرويه، وأبا حفص عمر بن أحمد السمسار. روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ وقال: سَأَلْتُهُ عن مولده فقال: في حدود سنة سبعٍ وسبعين وأربعمائة.
وروى عَنْهُ يُوسُف بْن المبارك الخفّاف.
وقال مُعَمَّر بْن الفاخر: تُوُفّي مبشّر بْن أبي سعد الزاهد في الثامن والعشرين من صفر.(12/57)
81 - محمود بن إبراهيم، أخو أبي بكر محمد، الصالحاني الأصبهاني. [المتوفى: 552 هـ]
سمع أَبَا الخير بْن ررا. كتب عَنْهُ أبو سعد ابن السَّمْعانيّ.(12/57)
82 - محمود بْن حُسَيْنِ بْن مُحَمَّد، الإصبهانيّ. [المتوفى: 552 هـ]
سمع رزق الله التميمي، والثقفي، يكنى أَبَا الفتح.
روى عَنْهُ السَّمْعانيّ، وقال: مات في شوال.(12/57)
83 - مُغِيث بْن يونس بْن مُحَمَّد بْن مغيث، أبو يونس القُرْطُبيّ [المتوفى: 552 هـ][ص:58]
من بيت العِلم والرواية، روى عن أَبِيهِ، وأبي القاسم بن صواب، وأبي بحر بن العاص، وجماعة. وشوور بقرطبة. وشرف بنفسه وببيته، وتُوُفّي فِي رجب عن ستٍّ وستِّين سنة.(12/57)
84 - مَنْصُور بن محمد بن أحمد بن محمد بن صاعد بْن مُحَمَّد، برهان الدِّين أبو القَاسِم بْن أبي سَعْد بْن أبي نصر الصّاعديّ، النَّيْسَابُوريّ، قاضي نَيْسابور. [المتوفى: 552 هـ]
سمع من جَدّه أبي نصر، وَأَبِي بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبي القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن الواحديّ، وإسماعيل بْن عَبْد الغافر الفارسيّ، وغيرهم. روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم.
وقال أبو سَعْد: كان حميد الولاية، مشتغلا بالعبادة. لزِم الجامع مدَّة معتكفًا. وكان شديد الامتناع عن التحديث.
وقال عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ فِي " مُعْجَمه "، وهو كلام أَبِيهِ على لسان عَبْد الرحيم: كان إمامًا، فاضلًا، عالِمًا، مَهيبًا، وَقُورًا، قصير اليد عن أموال النّاس، غير أنه كان شديد المَيْل إلى مذهب أهل العدل، يعني المعتزلة، قرأ والدي عليه جزءًا ضخْمًا بجهدٍ، وسمعت منه الأوّل من " تاريخ نَيْسابور " للحاكم بروايته عن مُوسَى بْن عِمْرَانَ عَنْهُ. تُوُفّي في ربيع الآخر.(12/58)
85 - ناصر بْن سَلْمان بْن ناصر بْن عِمران بن محمد، أبو الفتح، العلامة ابن أبي القَاسِم الْأَنْصَارِيّ، النَّيْسَابُوريّ. [المتوفى: 552 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان إمامًا مُناظرًا، بارعًا فِي الكلام، حاز قَصَب السَّبق فِيهِ على أقرانه، وصار فِي عصره واحدَ مَيْدانه. وصنَّف التَّصانيف، وترسَّل من جهة السّلطان سَنْجَر إلى الملوك. مولده سنة تسع وثمانين وأربعمائة.
قال: وكان صاحب أوقاف الممالك، وكان لا يتورَّع عن مال الوقف، ولا عن بيع رِقاب أوقاف المساجد والُّرُبط، وكان يقول: يجب صرفها إليَّ لأنيّ [ص:59] أذب عن الدِّين. سمع أَبَاهُ، وأبا الْحَسَن المَدِينيّ المؤذّن، والفضل بْن عَبْد الواحد التّاجر، وتُوُفيّ بمَرْو فِي جُمادى الأولى.
قلت: روى عنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ، وأبوه.(12/58)
86 - نصر بْن نصر بْن عليّ بْن يونس، أبو القَاسِم العُكْبَرِيّ الواعظ، الشّافعيّ. [المتوفى: 552 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: شيخ واعظ، متودّد، متواضع.
وقال ابن النجار: كان يتكلم في الأعزية. سمع أبا القاسم ابن البسري، وعاصم بن الحسن، ونظام الملك أبو علي الوزير، وأبا الغنائم محمد بن علي بن أبي عثمان، وأبا الليث نصر بن الحسن التنكتي. حدثنا عَنْهُ ابن ابنه مُحَمَّد بْن عليّ، وأبو أحمد ابن سُكَيْنة، وابن الأخضر، وعبد السّلام الدّاهريّ، وعمر بْن كَرم، وجماعة.
قلت: وروى عَنْهُ ابن السمعاني، وعبد الرَّحْمَن بن عَبْد اللَّه ابن الشَّيْخ عَبْد القادر، وعبد الرحمن بن عمر ابن الغزال، وسعيد بن محمد ابن الرزّاز، وداود بْن ملاعب الوكيل، ويوسف بْن عمر ابن نظام الملك، والحسن بن إسحاق ابن الجواليقيّ، وأبو الْحَسَن القَطِيعيّ وهو آخرهم. وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المقيّر.
قال ابن الْجَوْزِيّ: كان ظاهر الكياسة، يعِظ وعظ المشايخ، ويتخَّيره النّاس لعمل الأعزية. ولد سنة ست وستين وأربعمائة، وتُوُفيّ فِي ذي الحجَّة، ونشأ ولده أبو مُحَمَّد على طريقته إلى أن مات سنة خمس وسبعين.(12/59)
87 - يحيى بْن عِيسَى بْن حَسَن بْن إدريس، أبو البركات الأنباريّ، الواعظ، الزاهد [المتوفى: 552 هـ]
بغداديّ كبير القدر، ذكره أبو الفرج ابن الْجَوْزِيّ فقال: قرأ القرآن على جماعة؛ وسمع من عَبْد الوهاب الأنماطيّ، وغيره. وقرأ النَّحو على [ص:60] الزَّبِيديّ وصَحِبَه مدّه. وتفقّه على القاضي الحرّانيّ، ووعظ. وكان يبكي على المنبر من حين صعوده إلى حين نزوله. وتعبّد فِي زاويته نحو خمسين سنة. وكان ورِعًا حَتَّى إِنَّهُ عطش مرة فجئ بماء من بعض دُور الحكّام فلم يشرب.
وكان لا يفعل شيئًا إلا بنيَّة. وكان من جياد أَهْل السَّنَة ورزق أولادا صالحين فسماهم أبا بكر،، وعمر، وعثمان، وعلى. وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المُنْكر مُسْتجاب الدّعوة، له كرامات ومنامات صالحة، رَأَى فِي بعضها رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان هُوَ وزوجته يصومان النّهار ويقومان الليل، ويحييان بين العشاءين، ولا يُفْطِران إلا بعد العِشاء. وختّما أولادهما القرآن، وأقرءا جماعةً من النّساء والرجال، فَلَمّا تُوُفّي إلى رحمة اللَّه قَالَتْ زوجته: اللَّهُمّ لا تُحييني بعده، فماتت بعده بخمسة عشر يومًا رحمهما الله تعالى.(12/59)
-سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة(12/61)
88 - أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْمَاعِيل، المقدسيّ، جدّ الحافظ الضّياء. [المتوفى: 553 هـ]
قرأت بخطّ الحافظ حفيده أنه تُوُفّي فِي شعبان بجبل قاسيون بجُنينة الحمصيّ. وكان قد هاجر من نحو سنة، وخلَّف من الولد عَبْد الرَّحْمَن، وإبراهيم والد البهاء، وعبد الواحد والد الضياء، ورضا، وفاطمة، وأُمّهم مباركة عمَّة الشَّيْخ موفق الدِّين. وقد حجّ فأخذتهم العرب، وسلم له ذَهَبٌ جعله في شمعة لزقها بكفه.(12/61)
89 - جَعْفَر بْن الْحَسَن بْن مَنْصُورٌ، أبو الفضل الكثيري القُومسيّ، البياريّ المعبّر، [المتوفى: 553 هـ]
وكان كُثَيْرٌ جَدّهُ لأُمِّهِ.
ذكره ابن السَّمْعانيّ، فقال: أديب فاضل، شاعر، عابر، سمع عبد الواحد ابن القُشَيْريّ، وطبقته. وتُوُفيّ ببُخارى عن اثنتين وثمانين سنة.
روى عَنْهُ هُوَ، وولده عَبْد الرحيم.(12/61)
90 - الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد، أبو عليّ المُوسِيَابَاذيّ، الصُّوفيّ، الهَمَذانِيّ. [المتوفى: 553 هـ]
سمع الفضل بْن أَبِي حرب الْجُرْجانيّ، وأبا الفتح عَبْدوس بْن مُحَمَّد الهَمَذانِيّ. مات فِي نصف رجب، وله تسعون سنة، فإنّه وُلِدَ فِي المُحَرَّم سنة اثنتين وستِّين.
روى عَنْهُ السَّمْعانيّ فِي " التحبير ".
وقال ابن النجار: سمع من أَحْمَد بْن عِيسَى بْن عَبّاد الدَّينَوَرِيّ صاحب ابن لال. وعنه المبارك بْن كامل. وله رِباط بهَمَذان. وكان ظريفًا مطبوعا، رحمه اللَّه تعالى.(12/61)
91 - الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن زكون، أبو علي الفارسي. [المتوفى: 553 هـ][ص:62]
دخل إلى الأندلس، وسمع منه ابن سُكّرة، وطبقته. تُوُفّي ليلة عيد الفِطْر.(12/61)
92 - الْحَسَن بْن عليّ بْن عَبْد الملك بْن يُوسُف، أبو مُحَمَّد الإسكافيّ. [المتوفى: 553 هـ]
وإسكاف بلدة بالنّهْروان.
كان حافظًا للقرآن؛ قرأ على الشَّيْخ أبي مَنْصُورٌ الخيّاط وسمع منه، ومن أبي الفَرَج القَزْوينيّ، وَأَبِي الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، وأبي مُحَمَّد السّرّاج.
روى عَنْهُ أَحْمَد بْن صالح الجيلي، وأحمد بْن طارق، وعبد العزيز بْن الأخضر.
توفي في ربيع الآخر عن ثمانين سنة ببغداد.(12/62)
93 - سعد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أبو الفخر الكرابيسيّ، الهَمَذانِيّ، الصُّوفيّ، الرجل الصالح. [المتوفى: 553 هـ]
سمع جَدّه عَبْد الأحد بْن عليّ، وعبد الغفّار بْن مَنْصُورٌ السِّمْسار، وعبد الرَّحْمَن الدُّونيّ.
مات فِي شوّال عن ثمانين سنة غير أشهر.
أخذ عنه السمعاني.(12/62)
94 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن نبهان بْن محرز، أبو محمد الغنوي، الرقي، [المتوفى: 553 هـ]
أخو الشّيخ أبي إسحاق الغَنَويّ.
شيخ صالح، ساكن، مقرئ. تلا على أَبِي الخَطَّاب بْن الجرّاح.
قال ابن السَّمْعانيّ: وُلِدَ بالرّافقة ونشأ بحَرَّان وسكن بغداد. وأجاز له على يد أخيه طِراد الزَّيْنَبيّ، ورزق اللَّه التّميميّ، وجماعة. وسمع من أبي القاسم بن بيان، وجماعة. كتبتُ عَنْهُ، وقال لي: وُلِدتُ سنة ثمانٍ وسبعين.
وتُوُفيّ رحمه اللَّه فِي ثاني عشر ربيع الآخر.(12/62)
95 - عَبْد الأوّل بْن عِيسَى بْن شُعَيب بْن إِبْرَاهِيم بْن إسحاق، مُسْند الوقْت، أبو الوقْت بْن أبي عَبْد اللَّه السِّجْزيّ الأصل، الهَرَوَيّ، المالينيّ، الصُّوفيّ، رحمه اللَّه. [المتوفى: 553 هـ]
وُلِدَ سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة.
وسمع " الصحيح "، و " منتخب مسند عبد "، و " كتاب الدارمي "، من جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي فِي سنة خمسٍ وستِّين ببوشَنج، حمله أَبُوهُ إليها، وهي مرحلة من هَرَاة. وسمع من أبي عاصم الفُضَيْل بْن يحيى، ومحمد بْن أبي مَسْعُود الفارسيّ، وأبي يَعْلَى صاعد بْن هبة اللَّه الفُضَيْليّ، وبِيبي بِنْت عَبْد الصّمد الهَرْثَميَّة، وأبي مَنْصُور عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بن عفيف البوشنجي كلار، وأحمد بْن أبي نصر الكُوفانيّ كاكو، وعبد الوهّاب بْن أَحْمَد الثّقفيّ وأبي القَاسِم أَحْمَد بْن مُحَمَّد العاصميّ، ومحمد بْن الْحُسَيْن الفضلويي، وأبي عطاء عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي عاصم الجوهريّ، وأبي عامر محمود بْن القَاسِم الْأَزْدِيّ، وشيخه شيخ الإسلام عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ، وأبي المظفَّر عَبْد اللَّه بْن عطاء البغاوَرْدَانيّ، وأبي سعد حكيم بن أحمد الإسفراييني، وأبي عدنان القَاسِم بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وأبي القَاسِم عَبْد اللَّه بْن عُمَر الكَلْوَذَانيّ، وأبي الفتح نصر بْن أَحْمَد الحنفيّ، وغيرهم. وحدَّث بخُراسان، وإصبهان، وكَرْمان، وهَمَذَان، وبغداد، واشتهر اسمه وازدحم عليه الطَّلَبة، وبقي كلّما قدِم مدينةٌ تسامَعَ به الخلْق وقصدوه وسمع منه أُمم لا يُحْصَوْن.
روى عَنْهُ ابن عساكر، وابن السمعاني، وابنه عبد الرحيم، وأبو الفرج ابن الجوزي، ويوسف بن أحمد الشيرازي، وأسعد بْن حمْد اللَّيْثيّ الإصبهانيّ، وحامد بْن محمود الرّوذَرَاوَرِيّ المؤدَّب، والحسن بْن مُحَمَّد بْن عليّ ابن نظام [ص:64] الملك، والحسين بن أحمد الخياري، والحسين بْن مُعَاذِ الهَمَذانِيّ، وسفيان بْن إِبْرَاهِيم بْن مَنْدَهْ، وأبو ذَرّ سُهَيْل بْن مُحَمَّد البُوسَنجيّ، وأبو الضوء شهاب الشَّذَبَانيّ، وأبو رَوْح عَبْد المُعِزّ، وعبد الْجَبَّار بْن بُنْدار الهَمَذانِيّ القاضي، وعبد الجليل بْن مَنْدوَيْه، وأحمد بْن عَبْد اللَّه السُّلَميّ العَطَّار، وعثمان بْن عليّ الوَرْكانيّ الهَمَذانِيّ، وعثمان بْن محمود الإصبهانيّ، وفضل الله بن محمد البوشنجي، ومحمد بن ظفر ابن الحافظ الطّرقيّ، وأخوه محمود، ومحمد بْن عَبْد الرزاق الأصبهاني، ومحمد بن عبد الفتاح البوشنجي، ومحمد بْن عطّيَّة اللَّه الهَمَذانِيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن سرايا البلديّ المَوْصِليّ، ومحمد بْن مسعود البوشنجي، ومحمود بْن الواثق البَيْهَقِيّ، ومحمود شاه بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل اليعقوبيّ الهَرَويّ، ومقرَّب بْن علي الهمذاني الزاهد، ويحيى بن سعد الرّازيّ الفقيه، ويوسف بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بن عبيد الله ابن نظام المُلْك البغداديّ، وحمّاد بْن هبة اللَّه الحراني، وعمر بن طبرزد، وأبو منصور سَعِيد بْن مُحَمَّد الرّزّاز، وعمر بْن مُحَمَّد الدينوري السديد الصوفي، ويحيى بن عبد الله ابن السهروردي، وأنجب بن علي الدارقزي الدلال، وعبد العزيز بن أحمد ابن النّاقد، ومحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي العزّ الواسطيّ نزيل المَوْصِل، ومحمد بْن أَحْمَد بْن هبة اللَّه الرُّوذَرَاوَريّ، وداود بْن بُندار الجيلي الفقيه، وأبو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الرشيديّ المقرئ، ويحيى بن محمد بْن عَبْد الْجَبَّار الصُّوفيّ، ومحمد بْن أبي عليّ الشَّطَرَنْجِيّ، وعليّ بْن أبي الكَرَم العُمَريّ، وأحمد بن ظفر ابن الوزير ابن هُبَيْرة، وإسماعيل بْن مُحَمَّد بْن خمارتكين، وعبد الواحد بن المبارك الحريمي، ومحمد بْن أَحْمَد بْن العريسة الحاجب، ومحمد بن هبة الله ابن المُكْرَم، وعبد الغنيّ بْن عبد العزيز بْن البُنْدار، ومظفَّر بْن أبي السّعادات بْن حَرِّكْها، وعليّ بْن يُوسُف بْن صَبُوخا، وأحمد بْن يُوسُف بْن صِرْما، ومحمد بْن أبي القَاسِم المَيْبُذِيّ، وزيد بْن يحيى البَيْع، وعبد اللّطيف بن المعمر بن [ص:65] عسكر، وعمر بْن مُحَمَّد بْن أبي الرّيّان، وأسعد بْن عليّ بْن صُعْلُوك، والنّفيس بْن كَرَم، وعبد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الهَمَذانِيّ الخطيب، وأبو جعفر عبد الله ابن شريف الرحبة، وعبد الرَّحْمَن بْن أبي العزّ ابن الخبّازة، ومحمد بْن عُمَر بْن خليفة الرُّوبَانيّ، وأبو المحاسن محمد بن هبة الله ابن المراتبيّ البَيِّع، وأبو الْحَسَن عليّ بْن بُورْنداز، وأبو حفص عُمَر بْن أعَزّ السُّهْرَوَرْدِيّ، وأبو هريرة محمد بن ليث ابن الوسطانيّ، وصاعد بْن عليّ الواعظ بإربل، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن المبارك المستعمل، وأبو عليّ الحسن ابن الجواليقيّ، وأبو الفتح مُحَمَّد بْن النّفيس بْن عطاء، وأبو نصر المهذب ابن قُنَيْدة، وعبد السّلام بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سُكَيْنَة، وعبد الرَّحْمَن بْن عتيق بْن صيلا، وأبو الرِّضا مُحَمَّد بْن أبي الفتح المبارك بْن عَصِيَّة، وعبد السّلام بْن عَبْد اللَّه بن بكران، وأبو نصر أحمد بن الحُسَيْن بن عبد الله ابن النرسي، والحسن والحسين ابنا أبي بكر ابن الزَّبِيديّ، وعمر بْن كَرَم الحمّاميّ، وأمَةُ الرّحيم بنت عفيف الناسخ، وعبد الخالق بن أبي الفضل ابن غريبة، وظَفَر بْن سالم البيطار، وإبراهيم بْن عَبْد الرَّحْمَن المواقيتيّ، وعبد البَرِّ بْن أبي العلاء الهمذاني، وأحمد بن شيرويه بن شهردار الدَّيْلَميّ وبقي إلى سنة خمس وعشرين، وعبد الرحمن بْن عَبْد اللَّه عتيق ابن باقا، وزكريّا بن علي العلبي، وعلي بن أبي بكر بن روزبة القَلانِسِيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد المَدِينيّ، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُمَر القَطِيعيّ، وأبو المنجى عَبْد اللَّه بْن عِمران اللَّتّيّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن مَسْعُود بْن بهروز. وآخر من ذُكِر أنّه سمع منه أبو سَعْد ثابت بن أحمد بن أبي بكر محمد [ص:66] ابن الخُجَنْدِيّ الإصبهانيّ، نزيل شِيراز، فإنْ كان سمع منه فسماعه منه فِي الخامسة، فإنّهُ وُلِدَ سنة ثمانٍ وأربعين. وسماع الإصبهانيّين من أبي الوقْت سنة اثنتين وخمسين أو قبلها. وتُوُفيّ هذا الخُجَنْدِيّ فِي سنة سبْعٍ وثلاثين.
وروى عَنْهُ بالإجازة: جَهْمة أخت الرشيد بْن مَسْلَمَة الدّمشقيّ وتُوُفيّت سنة ثمانٍ وثلاثين، وأبو الكَرَم مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن أحمد المتوكلي، ويعرف بابن شفنين، ومات سنة أربعين، وكريمة بِنْت عَبْد الوهاب الْقُرَشِيَّة، وتُوُفيّت فِي جُمادى الأخرة سنة إحدى وأربعين وهي آخر من روى عَنْهُ بالإجازة الخاصَّة.
وذكره ابن السَّمْعانيّ فقال: شيخ صالح، حَسَن السَّمْت والأخلاق، متودَّد، متواضع، سليم الجانب، استسعد بصُحْبة الإمام عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ وخدمه مدة، وسافر إلى العراق، وخوزستان، والبصرة، قدم بغدادَ ونزل رِباط البِسْطاميّ، فيما ذكره لي، وسمعتُ منه بَهَرَاة، ومالين. وكان صَبُورًا على القراءة، محِبًّا للرواية، وحدَّث " بالصّحيح "، " ومُسْند عَبْد "، و"الدارمي"، عدَّة نُوَب. وسمعتُ أنّ أَبَاهُ سمّاه مُحَمَّدًا، فسمّاه الإمام عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ عَبْد الأوّل، وكنّاه بأبي الوقْت، وقال: الصُّوفيّ ابن وقته.
وقال أبو سَعْد فِي " التّحبير " فِي ترجمة والد أبي الوقْت: إِنَّهُ وُلِدَ بسِجِسْتان فِي سنة عشْرٍ وأربع مائة، وإنّه سمع من عليّ بْن بُشْرَى اللَّيْثيّ الحافظ كتاب " مناقب الشّافعيّ " لمحمد بْن الْحُسَيْن الآبُرِيّ، إلا مجلسًا واحدًا، وهو من باب ما حكى عَنْهُ مالك إلى باب سخائه وكرمه، بسماعه من الآبُرِيّ، وقال: سكن هَرَاة، وهو صالح مُعَمَّر، له جدّ فِي الأمور الدّينيَّة، حريص على سماعه للحديث وطلبه حَمَلَ ابنه أَبَا الوقت على عاتقه إلى بوشَنْج، وكان عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ يُكرمه ويراعيه.
قال: وسمع بغَزْنَة من الخليل بْن أبي يَعْلَى، وبهَرَاة من أبي القَاسِم [ص:67] عَبْد الوهاب بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى الخَطَّابيّ. وكتب إلي بالإجازة بمسموعاته سنة سبع وخمس مائة، ومات بمالِين هَرَاة فِي ثاني عشر شوّال سنة اثنتي عشرة، وقيل: سنة ثلاث عشرة، عاش مائةً وثلاث سِنين.
وقال زكيّ الدِّين البرزالي وغيره: طاف أبو الوقت العراق، وخُوزسْتان، وحدَّث بِهَرَاة، ومالِين، وبُوشَنْج، وكَرْمان، ويَزْد، وإصبهان، والكَرَج، وفارس، وهَمَذَان. وقعد بين يديه الحفاظ والوزراء، وكان عنده كُتُب وأجزاء، وسمع عليه من لا يُحصى ولا يُحصر.
وقال ابن الْجَوْزِيّ: كان صَبُورًا على القراءة عليه، وكان شيخًا صالحًا كثير الذكْر والتَّهجُّد والبكاء، على سَمْت السَّلَف. وعزم فِي هذه السَّنَة على الحجّ، وهيّأ ما يحتاج إليه فمات.
وقال الحافظ يُوسُف بْن أَحْمَد فِي " الأربعين البلدّية " له، ومن خطّه نقلت: ولمّا رحلت إلى شيخنا شيخ الوقْت ومُسْنَد العصْر ورحلة الدّنيا أَبِي الوقت، قدَّر اللَّه لي الوصول إليه فِي آخر بلاد كَرْمان على طرف بادية سجستان، فسلمت عليه وقبّلتهُ، وجلستُ بين يديه، فقال لي: ما أَقْدَمَكَ هذه البلاد؟ قلت: كان قصْدي إليك، ومُعَوَّلي بعد اللَّه عليك. وقد كتبت ما وقع إليَّ من حديثك بقلمي، وسعيت إليك بقدمي لأُدرك بركة أنفاسك، وأحظى بعُلُوّ إسنادك. فقال: وفقك اللَّه وإيّانا لمرضاته، وجعل سعْيَنا له، وقصْدنا إليه، لو كنت عرفتني حق معرفتي لَمَا سلّمت عليّ، ولا جلست بين يديّ. ثُمَّ بكى بكاءً طويلًا وأبكى من حَضَرَه، ثُمَّ قال: اللَّهُمّ استُرْنا بسترك الجميل، واجعل تحت السّتْر ما ترضى به عنّا. وقال: يا ولدي، تعلم أنيّ رحلت أيضًا لسماع "الصّحيح" ماشيًا مع والدي من هَرَاة إلى الداودي ببُوشَنْج، وكان لي من العُمر دون عشر سِنين، فكان والدي يضع على يديّ حَجَرين ويقول: احملهما، فكنت من خوفه أحفظهما بيديّ، وأمشي وهو يتأملني، فإذا رآني قد عَيِيت أمرني أنّ أُلقي حَجَرًا واحدًا، فألقيه ويخفّ عني، فأمشي إلى أنّ يتبيَّن له تعبي، فيقول لي: هَلْ عَييتَ؟ فأخافه فأقول: لا. فيقول: لِمَ تُقَصَّر فِي [ص:68] المشْي؟ فأُسرع بين يديه ساعةً، ثُمَّ أَعجز، فيأخذ الحجر الآخر من يدي ويُلْقيه عنّي، فأمشي حَتَّى أعطَبَ، فحينئذٍ كان يأخذني ويحملني على كتفه. وكنّا نلتقي على أفواه الطُّرق بجماعةٍ من الفلاحين وغيرهم من المعارف، فيقولون: يا شيخ عِيسَى، ادفع إلينا هذا الطِّفْل نُرْكِبه وإيّاك إلى بُوشَنْج، فيقول: مَعَاذَ اللَّه أنّ نركب فِي طلب أحاديث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، بل نمشي، فإذا عجز عن المشي أركبته على رأسي إجلالا لَحَدِيثُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورجاء ثوابه والانتفاع به. فكان ثمرة ذلك من حسن نيَّة والدي - رحمه اللَّه - أنّي انتفعت بسماع هذا الكتاب وغيره، ولم يبق من أقراني أحدٌ سِوايَ، حَتَّى صارت الوفود ترحل إليَّ من الأمصار.
ثُمَّ أشار إلى صاحبنا عَبْد الباقي بْن عَبْد الْجَبَّار الهَرَوي أنّ يقدِّم لي شيئًا من الحَلْواء، فقلت: يا سيدي قراءتي بجزء أبي الْجَهْم أحبّ إليَّ من أكل الحَلْواء، فتبسَّم، وقال: إذا دخل الطّعام خرج الكلام. وقدَّم لنا صحنًا فيه حلواء الفانيد. فأكلنا، ثُمَّ أخرجت الجزء وسألته إحضار الأصل، فأحضره وقال: لا تَخَفْ ولا تَحْرص، فإنّي قد قبرت ممن سمع علي خلقًا كثيرًا، فسل الله السلامة. فقرأت الجزء عليه وَسُرِرْتُ به، ويسَّرَ اللَّهُ سماع " الصّحيح " وغيره مِرارًا، ولم أزل فِي صُحْبته وخدمته إلى أن توفي ببغداد فِي ليلة الثلاثاء من ذي القعدة.
قلت: بيَّضَ لليوم، وهو سادس الشّهر.
قَالَ: وَدَفَنَّاهُ بالشونيزية؛ قال لي: تدفنني تَحْتَ أَقْدَامِ مَشَايِخِنَا بِالشُّونِيزِيَّةِ. وَلَمَّا احْتَضَرَ سَنَدْتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَكَانَ مُشْتَهِرًا بِالذِّكْرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ محمد بن القاسم الصوفي، وأكب عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا سَيِّدِي، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ ". فَرَفَعَ طرفه إليه، وتلا هذه الآية: " يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجعلني من المكرمين " فدهش إليه هو ومن حضر من الأصحاب، ولم يزل يقرأ حتى ختم السورة، وقال: الله الله الله، ثم توفي وهو جالس على السجادة. [ص:69]
وقال ابن الجوزي: حدثني محمد بن الحسين التكريتي الصوفي قال: أسندته إلي فمات وكان آخر كلمة قالها: " يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجعلني من المكرمين ".
قرأت بخطّ الحافظ يُوسُف بْن أَحْمَد: أنشدنا الرئيس أبو الفضل محمد بن المفضل بن كاهوية لنفسه وقد دخل على أَبِي الوقت فِي النّظاميَّة بإصبهان، وشاهد اجتماع العلماء والحُفّاظ فِي مجلسه عند الإمام صدْر الدِّين مُحَمَّد بْن عَبْد اللّطيف الخُجَنْديّ، والحافظ أبو مَسْعُود كُوتاه يقرأ عليه "الصّحيح":
أتاكُمُ الشَّيْخ أبو الوقتِ ... بأحسن الأخبار عن ثَبْتِ
طوى إليكم علمه ناشرًا ... مراحل الأبرق والخبت
ألحق بالأشياخ أطفالكم ... وقد رمى الحاسد بالكبت
فمِنَّة الشَّيْخ بما قد روى ... كمِنَّةِ الغَيْث على النَّبْتِ
بارك فِيهِ اللَّه مِن حامِلٍ ... خُلاصَةَ الفِقْه إلى المُفْتي
انتهِزُوا الفرصة يا سَادَتي ... وحصِّلُوا الإسْنَادَ فِي الوقْت
فإنّ مَن فَوَّتَ ما عِنْدَه ... يَصِيرُ ذا الحَسْرة والمَقْتِ(12/63)
96 - عَبْد الْجَبَّار بْن عَبْد الْجَبَّار بْن مُحَمَّد بْن ثابت بْن أَحْمَد، أبو مُحَمَّد الثّابتيّ، الخرقي، المروزي. [المتوفى: 553 هـ]
فقيه فاضل بارع، تفقه على تاج الإسلام أبي بكر ابن السَّمْعانيّ، وعلى الإمام أبي إسحاق إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد المَرْوَرُّوذيّ، ثُمَّ اشتغل فِي الحساب والهندسة، وتجاوزها إلى علوم الأوائل، ومع ذلك كان حَسَن الصلاة. سمع الكثير من الحديث فانتفع به، وجمع تاريخًا لمَرْو. وسمع أَبَا بَكْر محمد ابن السَّمْعانيّ، وإسماعيل بْن أَحْمَد البَيْهَقِيّ.
روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ، وقال: وُلِدَ بقرية خَرَق فِي سنة سبْعٍ وسبعين وأربع مائة.
وتُوُفيّ بمرْو يوم عيد الفِطْر؛ قاله أبو سَعْد وحدَّث عَنْهُ في " التحبير ".(12/69)
97 - عَبْد الجليل بن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن شهرمرد بْن مهرة، الحافظ الكبير، أبو مَسْعُود الإصبهانيّ كُوتَاه. [المتوفى: 553 هـ]
ذكره الحافظ أبو مُوسَى، وروى عَنْهُ، وقال فِيهِ: أوحد وقته في علمه مع طريقته وتواضعه. حدثنا لفْظًا وحفظًا على مِنْبر وعْظه سنة تسع عشرة وخمس مائة، وسمعته يقول: وُلِدتُ سنة ستٍّ وسبعين وأربع مائة.
وقال ابن السَّمْعانيّ: من أولاد المحدثين، حسن السيرة، مكرم للغرباء، فقير، قَنُوع، صحِب والدي مدَّة مُقامه بإصبهان، وسمع بقراءته الكثير، وله معرفة تامَّة بالحديث، وهو من مقدمي أصحاب شيخنا إِسْمَاعِيل الحافظ. سمع رزق اللَّه التّميميّ، وأحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الذَّكْوانيّ، وأبا بكر ابن ماجه الأَبْهَريّ، وأبا عَبْد اللَّه الثّقفيّ، وجماعة كبيرة من أصحاب أبي سَعِيد النّقّاش، وأبي نعيم. كتبت عنه وحضرت مجلس أماليه، وسمعتُ أَبَا القَاسِم الحافظ بدمشق يُثني عليه ثناءً حَسَنا، ويفخَّم أمره، ويَصِفُه بالحِفْظ والإتقان.
قال أبو سَعْد: ولمّا وردتُ إصبهان كان ما يخرج من داره إلا لحاجةٍ مهمَّة، كان شيخه إِسْمَاعِيل الحافظ هَجَره ومنعه من حضور مجلسه لمسألةٍ جَرَت فِي النُّزُول، وكان كُوتَاه يقول: أقول النّزول بالذّات، وكان شيخنا إِسْمَاعِيل يُنكر هذا، وأمره بالرجوع عن هذا الاعتقاد، فما فعل، فهجَرَهُ لهذا.
قلت: ورحل بعد الخمس مائة إلى بغداد، وحجّ وسمع، ورحل إلى نَيْسابور، ولقي أَبَا بَكْر الشَّيرُويّيّ. وقد روى عن ابن ماجه "جزء لوَيْن"، وكان عاليًا له. وقد روى عَنْهُ الكبار.
وقال ابن السمعاني: حدثنا عبد الخالق بن زاهر بنيسابور، قال: حدثنا أَبُو الْعَلاءِ صَاعِدُ بْنُ سَيَّارٍ الْحَافِظُ إِمْلاءً، قال: حدثنا عَبْد الجليل بن مُحَمَّد بن عَبْد الواحد بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم قال: أخبرنا روح بن محمد، قال: أخبرنا أبو [ص:71] الحسن الخرجاني، قال: أخبرنا ابن خرزاذ، قال: حدثنا علي بن روحان، قال: حدثنا أحمد بن سنان، قال: سَمِعْتُ شَيْبَانَ بْنَ يَحْيَى يَقُولُ: مَا أَعْلَمُ طريقًا إلى الجنة أقصد ممن يسلك طَرِيقَ الْحَدِيثِ.
قلت: وهذا من جملة ما رَوَتْه كريمة بالإجازة عن عَبْد الجليل كُوتَاه، وبين وفاتها ووفاة صاعد بْن سَيّار مائة وعشرون سنة، وذلك مُسْتفاد فِي السّابق واللاحق. وقد روى عَنْهُ ابن عساكر، ويوسف بْن أَحْمَد الشّيرازيّ، وآخرون.
وتُوُفيّ فِي أول شعبان، وقيل في ثامنه.(12/70)
98 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مدرك بْن عليّ، أبو سهل التّنوخيّ، المَعَرّيّ، الشّاعر. [المتوفى: 553 هـ]
زُلْزِلت حماه فِي رجب، فهلك جماعة تحت الردْم منهم أبو سهل. روى عَنْهُ من شِعره أَبُو اليُسْر شاكر التنوخي الكاتب مقطعات، منها:
سارقته نظرة أطال بها ... عذابُ قلبي وما له ذَنْبُ
يا جَوْر حُكْم الهَوَى ويا عَجَبًا ... تُسْرقُ عيني ويُقْطع القلبُ(12/71)
99 - عَبْد الكريم بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن يَحْيَى، أَبُو القَاسِم التّميميّ، النَّيْسَابُوريّ، الكاتب. [المتوفى: 553 هـ]
رئيس فاضل، لُغَويّ، شاعر. سمع إِسْمَاعِيل بن زاهر النّوقانيّ، وأبا إسحاق الشّيرازيّ الفقيه، وأبا بَكْر بْن خَلَف، وغيرهم. روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم، والمؤيد الطُّوسيّ. قال أبو سَعْد: كان صحيح السَّماع، تُوُفّي رحمه اللَّه فِي رمضان.
ومن شعره:
سئمت تكاليف هذا الزّمان ... إلى كم أقاسي وحتّى مَتَى
فهل من إياب لوصلٍ مضى ... وهل من ذَهاب لهجرٍ أتى(12/71)
100 - عَبْد الواحد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن مَخْلَد بْن جَعْفَر، الإمام أبو الفتح الباقرحي، البغدادي. [المتوفى: 553 هـ][ص:72]
، من بيت الحديث. تغرَّب وجال فِي الآفاق. وسمع ببغداد، وخراسان. سمع أباه، وأبا الْحَسَن العلاف. وتفقّه على إلْكِيا الهَراسيّ. وبخُراسان على الغَزَاليّ. وسمع بها من إِسْمَاعِيل بْن الحسن الفرائضي، وعبد الغفار الشيرويي.
وكان فقيهًا فاضلًا، سكن غَزْنَة. ومولده سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتُوُفيّ بغَزْنة فِي أواخر العام ظنًّا.
قال ابن النّجّار: كان مقدَّمًا فِي الأدب وفي التَّرَسُّل، درّس بالنّظاميَّة ثُمَّ عُزِل بأسعد المِيهَنيّ.(12/71)
101 - عليّ بْن عساكر بْن سرور، أبو الْحَسَن المقدسيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الخشّاب، الكيّال. [المتوفى: 553 هـ]
سمع الفقيه أَبَا الفتح نصر بْن إِبْرَاهِيم ببيت المقدس، وأبا عَبْد اللَّه الْحَسَن بْن أبي الحديد بدمشق، وكان قد جاء إليها تاجرًا، ثُمَّ سكنها بعد أخْذ القدس. وكان يصحب الفقيه نصر اللَّه المَصِّيصيّ.
وُلِدَ سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة، وسمع سنة سبعين من أبي الفتح. وتُوُفيّ فِي سنّ أبي الوقت صحيح الذِّهْن والجسم.
روى عنه أبو القاسم بن عساكر، وابنه القاسم، وأبو القاسم بن صصرى، وآخرون.
توفي فِي شوّال.(12/72)
102 - عليّ بْن هبة اللَّه بْن عليّ بْن عَبْد الملك بْن يُوسُف الصُّوفيّ، أبو الْحَسَن. [المتوفى: 553 هـ]
كان كثير الكلام فيما لا يعنيه. روى عَنْ ثابت بْن بُنَدَار، والحسين بن علي ابن البُسْريّ، وغيرهما. وتُوُفيّ إن شاء اللَّه فِي هذه السَّنَة.(12/72)
103 - عُمَر بْن أَحْمَد بْن مَنْصُور بْن أبي بَكْر مُحَمَّد بْن القَاسِم بْن حبيب، العلامة أبو حفص ابن الصّفّار النَّيْسَابُوريّ، [المتوفى: 553 هـ]
خَتَن أبي نصر القُشَيْريّ على ابنته. [ص:73]
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة. وسمع بقراءة جَدّه إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الغافر من أبي بَكْر بْن خَلَف، وأبي المظفَّر مُوسَى بْن عِمْرَانَ، وأبي تُراب عَبْد الباقي المَرَاغيّ، وأبي القَاسِم عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد الواحديّ، وأبي الْحَسَن المَدِينيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ ابنه أبو سَعْد عَبْد اللَّه، وابن ابنه القَاسِم بن عبد الله، وأبو سعد ابن السَّمْعانيّ، وابنه المظفَّر عَبْد الرحيم، والمؤيَّد الطُّوسيّ، ومنصور الفُرَاويّ، ويحيى بْن الربيع الواسطيّ الفقيه، وسليمان المَوْصِليّ، وأخوه عليّ، وأبو الفضل مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم الرافعيّ، وزينب الشّعْريَّة، وآخرون.
ولَقَبُه عصام الدِّين، وكان من كبار أئمة الشّافعيَّة.
قال حفيده القَاسِم: كان جدّي نظيرًا لمحمد بْن يحيى، وكان يزيد عليّ ابن يحيى بعلم الأصلين.
وقال ابن السَّمْعانيّ: إمام بارع، مبّرز، جامع لأنواع الفضل من العلوم الشّرعيَّة، وكان سديد السّيرة، مُكْثِرًا من الحديث. تُوُفّي يوم عيد الأضحى.
وقد ذكره عَبْد الغافر فقال: شابّ فاضل، ديّن ورع، أصيل، من أحفاد الْإِمَام أبي بَكْر بْن فُورَك، والفقيه أبي بَكْر الصّفّار، ومِن أسباط أبي القَاسِم القُشَيْريّ. نشأ معي وفي حجْر الوالد مع أخيه أبي بَكْر، وسمعا الكثير بإفادة جدّهما والدي، وأدركا إسناد السّيد أبي الْحَسَن، والحاكم، وعبد اللَّه بْن يُوسُف، وهذا الإمام أحد وجوه الفُقَهاء الآن، يُرجى له البقاء إنْ شاء اللَّه إلى وقت الرّواية.(12/72)
104 - عِيسَى بْن هارون، أبو مُوسَى المغربيّ، المالكيّ، [المتوفى: 553 هـ]
مدرّس حلقة المالكيَّة بدمشق.
إمام فِي المذهب والفرائض.(12/73)
105 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن ثابت، أبو العزّ ابن الشَّيْرَجِيّ، البغداديّ. [المتوفى: 553 هـ]
روى عن أبي الْحَسَن بْن أيّوب، وأبي سَعْد بْن خُشَيش. وعنه أبو سعد السمعاني، ومحمد بن أبي غالب الباقداري. [ص:74]
تُوُفّي فِي رمضان.(12/73)
106 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أبي القاسم، أبو بكر النسفي اللؤلئي، [المتوفى: 553 هـ]
نزيل بُخَارى.
سمع بنَسَف من أبي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد البَلّديّ. روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ. وتُوُفيّ فِي نصف ربيع الآخر ببُخَارى.(12/74)
107 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن يعلى، أبو البركات ابن الصّائغ البغداديّ، المؤدب. [المتوفى: 553 هـ]
كان مليح الخطّ، جيّد النظم. صحب أبا النجيب السهروردي مدَّةً طويلة. وحدَّث عن أَحْمَد بْن عَبْد القادر بْن يُوسُف. روى عَنْهُ المبارك بْن كامل، ويوسف بْن مقلّد. وعاش إحدى وثمانين سنة.(12/74)
108 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُعَاذ، أبو بَكْر اللَّخْميّ، الإشبيليّ، المعروف بالفَلَنْقيّ. [المتوفى: 553 هـ]
أخذ القراءات من شُرَيْح، وخَلَفَه في حلقته، ورحل إلى قلعة حَمَّاد، فقرأ بها على أبي بَكْر عتيق بْن مُحَمَّد المقرئ تلميذ الْعَبَّاس بْن نفيس الْمَصْرِيّ. وروى عَن أبي الْحَسَن بْن الأخضر، وأبي مروان الباجيّ، وأبي مُحَمَّد بْن عَتّاب.
قال الأَبَّار: كان إمامًا فِي صناعة الأقراء، مُجَوِّدًا، مُسْندًا، مشارِكًا فِي العربيَّة، مليح الخطّ، له تأليف فِي القراءات سمّاه كتاب "الإنماء إلى مذاهب السَّبْعة القراء ". أخذ عَنْهُ أبو الْحَسَن نجبة، وأبو مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه، وأبو ذرّ الخَشَنيّ، واستوطن فارس وأقرأ بها، وتُوُفيّ فِي المُحَرَّم.
وآخر من تلا عليه بالسبع الإمام محمد بن الفتوت الفاسيّ.(12/74)
109 - مُحَمَّد بْن أبي مَنْصُورٌ مُعَمَّر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو رَوْح العبْديّ اللُّنبَانيّ، الأصبهاني. [المتوفى: 553 هـ]
روى عن سليمان بن إبراهيم الحافظ، وأبي مطيع، ورزق الله.
رَوَى عَنْهُ: [ص:75] مُحَمَّد بْن أبي المكارم المَدِينيّ شيخ الأَبَرْقُوهيّ، وأحمد بْن عُمَر بْن لَبِيدة، وعليّ بْن يعيش، وجماعة.
حجَّ، وحدَّث ببغداد، ومات فِي شوّال.
وقع لنا حديثه عاليًا.(12/74)
110 - المبارك بْن أَحْمَد بْن زُرَيق، أبو الفتح الواسطيّ، الحدّاد، مقرئ أهل واسط وإمام جامعها، وأحد الموصوفين بالحذق في القراءات. [المتوفى: 553 هـ]
قرأ عليّ أبي العزّ القلانِسِيّ، وسِبْط الخيّاط. وسمع من أبي نُعَيْم الْجُماريّ، وخميس الحَوْزيّ، وأبي القَاسِم بْن الحُصَيْن.
وصنَّف فِي القراءات. روى عنه ابنه المبارك بن المبارك، وإبراهيم بن البناء.
قال ابن الدبيثي: سمعت الثناء عليه جميلًا. وتُوُفيّ فِي المُحَرَّم.(12/75)
111 - المبارك بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو القَاسِم البغداديّ، الصَّيْرَفيّ، [المتوفى: 553 هـ]
صاحب أبي بَكْر المَرْزَفيّ.
سمع طِرادًا الزَّيْنَبيّ، والنعالي، وهبة الله بن عبد الرزاق. وعنه ابن سكينة، وعبد العزيز بن الأخضر.
وكان شيخا صالحًا، عاش نيفًا وسبعين سنة.
وتوفي في ربيع الأول سنة ثلاث.(12/75)
112 - المبارك بن أحمد بن منصور، أبو محمد ابن الشاطر. [المتوفى: 553 هـ]
بغدادي، روى عن أبي سَعْد الأسَدِيُ. روى عنه ابن الأخضر، وغيره.
وتوفي في رمضان.(12/75)
113 - المبارك بن المبارك بن علي بن نصر، الإمام الزاهد الكبير، أبو محمد ابن التعاويذي، الجوهري. [المتوفى: 553 هـ]
ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة، وسمع النَّعاليّ، وطِرادًا الزَّيْنَبيّ، وابن البطر وحصل الأجزاء، وصحب الشيخ حمادا الدباس.
قال ابن النجار: كان يتكلم على لسان القوم، وله رياضات ومقامات. حدثنا عَنْهُ ابن سُكَيْنَة، وابن الأخضر، وابن الحُصْريّ. وكان صدوقًا. تُوُفّي فِي جُمادى الأوّلى في سنة ثلاث.(12/76)
114 - مباركة بِنْت أبي بَكْر مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن عُمَر الكرْخيّ، وتُعرف بستّ الأخوة، [المتوفى: 553 هـ]
أخت أَبِي البدر الكرخي.
سمعت من عاصم بن الحسن، وتُوُفيّت فِي ذي الحجَّة. روى عَنْهَا ابن طَبْرَزَد، وابن الأخضر، وثابت بْن مشّرف، وآخرون.(12/76)
115 - مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن غانم بْن مُحَمَّد، أبو المحاسن الغانِميّ الهَرَويّ، الأديب. [المتوفى: 553 هـ]
وُلِدَ بطوس، ونشأ بنَيْسَابور، وتفقَّه ببلْخ، وسكن هَرَاة. أجاز له الأستاذ أبو القَاسِم القُشَيْريّ، وأبو صالح المؤذّن. وسمع " مُسْند الهَيْثَم " من أبي القَاسِم أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخليليّ. وسمع أَبَا إسحاق إِبْرَاهِيم الإصبهانيّ، وأبا جَعْفَر السَّمِنْجانيّ، وغيرهم.
قال ابن السَّمْعانيّ: كان إمامًا فاضلًا، ورِعًا، كثير العبادة. كان يتورع عن طعام والده لاختلاطه بالدولة. عمر العمر الطّويل فِي طاعة اللَّه. وكان سريع النَّظْم، ويسمّى أشعاره " السَّحَريّات ". وُلِدَ سنة أربعٍ وستين وأربعمائة، وتُوُفيّ فِي ربيع الأوّل.
قلت: هُوَ آخر مَن روى عن القُشَيْريّ. وروى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وولده عَبْد الرحيم، وابن عساكر. سمع منه عَبْد الرحيم " مُسْند الهَيْثَم بْن كليب "، و " رسالة القُشَيْريّ ".(12/76)
116 - مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن شُنَيْف، الورّاق، [المتوفى: 553 هـ]
أخو أحمد. [ص:77]
سمع أَبَا غالب مُحَمَّد بْن مُحَمَّد العَطَّار، والحسين بْن مُحَمَّد السّرّاج. سمع منه أَحْمَد بْن يحيى بْن هبة اللَّه، وابن عمّه الْحُسَيْن بْن شُنَيْف، وابن اللَّتّيّ، وإبراهيم بْن مُحَمود الشّعّار، وغيرهم.
كنيته أَبُو الفتح. تُوُفّي في شعبان سنة ثلاث وخمسين.(12/76)
117 - نصر بْن مَنْصُور بْن حُسَيْنِ، أبو القَاسِم ابن العَطَّار، الحّراني، التّاجر، [المتوفى: 553 هـ]
نزيل بغداد.
كان متموَّلًا، كثير الصَّدَقات، وفَكِّ الأسارى، وصِلَة المحدِّثين، مع الدِّين والخير.
قال ابن الأخضر: سَأَلْتُهُ يَوْمًا عن زكاة ماله فضحك وقال: سبعة آلاف دينار.
وقال ابن النّجّار: حَدَّثَونا أنه غرق له مركب، فأحضر الغوّاصين، فلم يزالوا يُصعدون ما فِيهِ حَتَّى قال: قد بقي طشْتٌ وإبريق، فإنّ هذا المال كان مُزَكّى لا يضيع منه شيء. فغاصوا فوجدوه.
تُوُفّي فِي شعبان ببغداد، وله أربعٌ وثمانون سنة. ولم يروِ شيئا. وكان يحفظ القرآن.
قال أبو المظفَّر: كان خِصّيصًا بجدّي، يحبّه ويُحسن إليه. حكى لي جماعة عَنْهُ أنّ عينه ذهبت، قال: فتوضأت من دِجلة، وإذا بفقيرٍ عليه أطْمار رَثَّة، فقلت: امسح على عيني. فمسح عليها، فعادت صحيحة، فناولتُه دنانير، فامتنع وقال: إن كان معك رغيفٌ فَنَعَم. فقمت وأتيت بخُبزٍ، فلم أره. فكان نصر لا يمشي إلا وفي كُمّه خبز.
وسمعت جماعةً يحكون أنّ نصْرًا اشترى مملوكًا تُرْكيًّا بألف دينار، وأعطاه تجارةً بألف دينار، وجهّزه إلى بلاد التُّرْك. وكان جدّي قد جمع كتاب " المغفلين " فكتب نصر فيه فعاتبه، وقال: أَنَا من جملة المحبّين لك، وأنت تُلْحقُني بالمغفّلين؟ فقال: بلغني كذا وكذا، وكيف يعود إليك المملوك وقد [ص:78] صار ببلاده ومعه ألف دينار؟ قال: فإن عاد. قال جدّي: أَمْحُو اسمك واكتب اسمه!
قلت: هُوَ والد الوزير ظهير الدِّين مَنْصُور العطار المقتول في سنة خمس وسبعين.(12/77)
118 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن علي بْن مُحَمَّد، أبو طاهر بْن أبي الفُتُوح الطّائيّ، الهَمَذانِيّ سلار الحاجّ، [المتوفى: 553 هـ]
وأخو المحدّث أبي الفُتُوح مُحَمَّد صاحب " الأربعين ".
حج أكثر من عشرين حجة.
قال ابن السمعاني: كان جلدًا، جريئًا، متحركًا، لسنًا، عارفًا بالطُّرُق، دخّالًا فِي الأمور.
سمع بهَمَذان أَبَا الْحَسَن طريف بْن مُحَمَّد الحِيريّ، وأبا المظفَّر مُحَمَّد بْن أَحْمَد الأبِيوَرْدِيّ الأديب. سمعتُ منه بالحجاز، وكان يختم القرآن كلَّه فِي ليلةٍ قائمًا فِي مسجد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. تُوُفّي فِي شعبان.(12/78)
119 - يحيى بْن سلامة، الحصكفي الخطيب. [المتوفى: 553 هـ]
تقدَّم فِي سنة إحدى وخمسين؛ وقال أبو الفرج ابن الْجَوْزِيّ: تُوُفّي سنة ثلاث فِي ربيع الأوّل بِميَّافارقين، ثُمَّ ذكر له أشعارًا كثيرة.(12/78)
120 - يحيى بْن عَبْد الملك بْن شُعَيْب، أبو زَكَرِيّا الكافوري، التاجر. [المتوفى: 553 هـ]
صالح، ورع، خير، صحب حمادا الدّبّاس ولازمه، وجمع كلامه بعد وفاته، سمع أبا غالب البقال، وأبا الحسين ابن الطُّيُوريّ.
وعنه ابن الأخضر. مات فِي جُمادى الآخرة في عشر الثمانين.(12/78)
121 - أبو إسحاق ابن المستظهر، [المتوفى: 553 هـ]
أخو الخليفة المقتفي لأمر اللَّه.
تُوُفّي فِي منتصف المُحَرَّم، واغتم عليه الخليفة غمًا شديدًا. وماتت بعده والدته بيومين.(12/78)
122 - أبو بَكْر السَّمَرْقَنْديّ، ظهير الدين. [المتوفى: 553 هـ]
من كبار الحنفيَّة، درّس بدمشق بمسجد خاتون.(12/79)
-سنة أربع وخمسين وخمس مائة(12/80)
123 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن بركة، أبو القَاسِم بْن ناجية الحربيّ، الفقيه. [المتوفى: 554 هـ]
تفقّه على أبي الخَطَّاب، وبرع فِي مذهب أَحْمَد، ثُمَّ صار حنفيًّا، ثُمَّ تحوَّل شافعيًّا، وكان إمامًا بارِعًا، بصيرًا بالفقه، فقيه النّفس، قيّمًا بالمناظرة، مليح الوعْظ، ديِّنًا.
قال ابن السَّمْعانيّ: اجتمعت به يَوْمًا فقال لي: أَنَا الساعة متّبع الدّليل ما أقلّد أحدًا. سمع من ثابت بْن بُنَدَار. وحدَّث. وتُوُفيّ فِي جُمادى الآخرة.
رُوِيَ عَنْهُ ابن الأخضر، وأحمد بْن يحيى بن هبة الله. ومولده سنة خمس وسبعين وأربع مائة.(12/80)
124 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز بْن عليّ بْن إِسْمَاعِيل بْن سُلَيْمَان بْن يَعْقُوب بن إبراهيم بن محمد ابن الأمير إِسْمَاعِيل بْن عَلِيِّ بْن عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس، أبو جَعْفَر الْعَبَّاسيّ، المكّيّ، [المتوفى: 554 هـ]
نقيب الهاشميين بمكة.
سمع من أبي علي الحسن بْن عَبْد الرَّحْمَن الشّافعيّ، وغيره، وأبي مكتوم عِيسَى بْن أبي ذرّ، وعبد القاهر بْن عَبْد السّلام الْعَبَّاسيّ المقرئ.
ورد بغداد وحدَّث بها وبإصبهان. ووُلِدَ سنة ثمانٍ وستِّين وأربع مائة، وتُوُفيّ فِي شعبان.
قال أبو سَعْد: شيخ، ثقة، صالح، متواضع، ما رَأَيْت فِي الأشراف مثله. قدِم علينا إصبهان، وأنا بها، لِدَيْنٍ رَكِبَه ومعه خمسة أجزاء فسمعت منه. وسمع في الكهولة ونسخ الكثير. ثم قدم إصبهان راجعا من كرمان في سنة سبعٍ وأربعين وخمس مائة.
قلت: تفرد في وقته عن أبي عليّ الشّافعيّ. روى عَنْهُ ابن عساكر، [ص:81] والقاضي أبو المعالي أسعد بن المنجى، وثابت بن مشرف، وعبد السّلام بْن عَبْد اللَّه الدّاهريّ، وأبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي، وطائفة. وآخر من روى عنه بالإجازة ابن المقير. وسماعه من الشافعي في الخامسة من عمره، فإنه قال: ولدت في إحدى الجماديين سنة ثمانٍ وستِّين. وهو من أولاد إِسْمَاعِيل بْن عَلِيِّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس.
قال ابن النّجّار: كان صَدُوقًا، زاهدًا، عابدًا. قرأت بخطّه قال: سمعتُ الحديث من أبي عليّ الشّافعيّ سنة اثنتين وسبعين ولي من العُمر سبْع سِنين.
قلت: وهذا مخالف لِما مرّ.(12/80)
125 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زيادة اللَّه، قاضي القضاة أبو العباس ابن الخلال الثّقفيّ، المُرْسيّ. [المتوفى: 554 هـ]
روى عن أبي عليّ بْن سُكَّرة، وصِحب أبا بَكْر بْن فَتْحُون. وتفقَّه على أبي القَاسِم بْن أبي حمزة، ومال إلى الفِقْه والمسائل. ووُليّ القضاء بأُوريُولَة، ثُمَّ استعفى ثُمَّ وُلّي القضاء للأمير مُحَمَّد بْن سَعْد، ثُمَّ قَبَض عليه وسجنه، وأخذ أمواله، ثُمَّ قتله. روى عَنْهُ أبو بَكْر عتيق بْن عطّاف، وعبد المنعم الخَزْرجيّ، وابن واجب.(12/81)
126 - أحمد بن مهلهل، أبو الْعَبَّاس البَرْدانيّ، البغداديّ، الضّرير، العبد الزّاهد. [المتوفى: 554 هـ]
كان فقيهًا، عابدا، قانتًا لله. تفقَّه على أَبِي الخَطَّاب الكَلْوَذَانيّ.
وسمع من أبي غالب البقّال، ومن أبي طَالِب بْن يُوسُف، وغيره. وحدَّث.
وكان المقتفي لأمر اللَّه يزوره، والنّاس كافة.
وبردانية: قرية من بلاد إسكاف. وكان يُعرف بالأَزَجِيّ.
تُوُفّي فِي جُمادى الأولى.(12/81)
127 - جَعْفَر بْن زَيْدِ بْن جامع، أبو زَيْدٍ الحمويّ، الشّاميّ. [المتوفى: 554 هـ]
قَدِمَ بغداد، وسمع أَبَا سَعْد أَحْمَد بْن عَبْد الْجَبَّار الصَّيْرَفيّ، وأبا طَالِب بن يوسف، وأبا القاسم بْن الحُصَيْن، وأبا العزّ بْن كادش، وغيرهم.
ذكره ابن السَّمْعانيّ وذكر أنه سمع من أبي الحسين ابن الطُّيُوريّ، وهو وهْم من ابن السَّمْعانيّ. ثُمَّ قال: شيخ صالح، كثير العبادة، دائم التلاوة. كتبتُ عَنْهُ أحاديث يسيرة.
قلت: ذكره ابن النّجّار، فقال: ويُكنّى أَبَا الفضل، حمويّ نزل بغداد، إلى حين وفاته كان بقطفتا. سمع الكثير من أبي الحسين المبارك، وأبي سَعْد أَحْمَد بْن عَبْد الْجَبَّار. كذا قال ابن النّجّار أيضًا، ومشى فِيهِ خَلف أبي سَعْد.
قال: وكتب بخطّه كثيرًا، وجمع وخرج، وكان مشتهرًا بالصلاح. وقيل: مولده سنة ثلاثٍ أو خمسٍ وثمانين وأربع مائة.
روى عنه أبو الفرج ابن الْجَوْزِيّ، وأبو عَبْد اللَّه بْن الزَّبِيديّ وعنده عنه " رسالة البرهان " من تصنيفه ينتصر فيها لِقدَم القرآن ويردّ على المخالفين.
تُوُفّي فِي ذي الحجَّة.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مؤمن: أخبركم الحسين بن المبارك، قال: أخبرنا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ زَيْدٍ الْحَمَوِيُّ فِي رسالته، قال: أخبرنا أبو العز العكبري، قال: أخبرنا أبو طالب الحربي، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: سمعت الشافعي يقول: نثبت هَذِهِ الصِّفَاتُ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ وَوَرَدَتْ بها السنة، وننفي التَّشْبِيهُ عَنْهُ، كَمَا نَفَى ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير ".(12/82)
128 - الحسن بن أحمد، أبو المعالي ابن الكَرْخِيّ، الأَزَجيّ، المعدَّل. [المتوفى: 554 هـ]
سمع ابن طَلْحَةَ النَّعَاليّ، والحسين ابن البسري. وعنه السَّمْعانيّ وأثنى عليه، وابن الأخضر.
متعبّد ورع. مات فِي ذي القعدة عن أربعٍ وسبعين سنة.(12/83)
129 - الحسن بن جعفر بن عبد الصمد ابن المتوكّل على اللَّه، أبو عليّ الهاشميّ، الْعَبَّاسيّ، البغدادي. [المتوفى: 554 هـ]
سمع أبا الحسن ابن العلاف، وأبا غالب الباقِلانيّ، وجماعة.
روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وقال: له معرفة بالأدب والشَّعْر، قال لي: إنّه وُلِدَ سنة سبْعٍ وسبعين وأربع مائة. وكان شيخًا صالحًا، له أصُول ببعض ما سمع.
وقال ابن النّجّار: صنَّف كتاب " سرعة الجواب " أتى فِيهِ بكلّ مليح.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: كان فيه لطف وظرف. جمع سيرة المسترشد، وسيرة المقتفي. وتُوُفيّ فِي جُمادى الآخرة.
قلت: وكان يلقّب بهاء الشَّرَف. روى عَنْهُ عَبْد المغيث بْن زُهَير، وعبد اللَّه بْن عمر ابن اللتي، وغيرهما.(12/83)
130 - حماد بن محمد بْن هبة اللَّه الغسّانيّ، الدّمشقيّ، الشَّيْخ أبو مُحَمَّد القطائفيّ، المقرئ. [المتوفى: 554 هـ]
قرأ القرآن على أَبِي الوحش سُبَيْع، وأقرأه. وكان شيخًا مستورًا. تُوُفّي في رمضان.(12/83)
131 - زَيْدُ بْن سَعْد بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن عليّ، أبو إِسْمَاعِيل العَلوَيّ، الْحَسَنيّ، الهَمَذانِيّ. [المتوفى: 554 هـ]
سمع أَبَا الفتح عِبْدُوس بْن عَبْد اللَّه، وأبا العلاء مُحَمَّد بْن طاهر. روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ.
مات بهَمَذان، وله ثمانون سنة.(12/83)
132 - سَعِيد بْن الْحُسَيْن بْن شُنَيْف، أبو عَبْد اللَّه الدارقَزّيّ. [المتوفى: 554 هـ]
أمين القُضاة. وهو والد الْحُسَيْن بْن شُنَيْف.
سمع الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد السّرّاج، وابن طَلْحَةَ النَّعَاليّ. روى عَنْهُ ابنه، وعمر بن طبرزد، وعبد العزيز بْن الأخضر. وتُوُفي فِي آخر السَّنَة.
ذكره ابن السَّمْعانيّ، لكنّه غلط فسمّاه عبد الله.(12/84)
133 - ظهير بْن أبي سَعْد بْن عليّ الرّفّاء، أبو الفتوح الهمذاني. [المتوفى: 554 هـ]
كذا سماه السمعاني، وسماه ابن عساكر: غياثًا.
سمع عَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه. وتُوُفيّ فِي شوال، وله تسعون سنة.(12/84)
134 - عبد الحليم بْن مُحَمَّد بْن أبي القَاسِم بْن عليّ بْن أبي الفوارس، أبو مُحَمَّد البَرَّانيّ، الْبُخَارِيّ، المعروف بالحَليميّ، النَّحْويّ، المقرئ. [المتوفى: 554 هـ]
قال عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ: كان أديبًا فاضلًا، ومقرِئًا صالحًا، عالما بالنَّحْو. كان يعلّم الصِّبْيان، ويُقرئ القرآن، وله حلقة بجامع بخارى يجتمع فيها القرّاء يقرأون عليه. سمع عثمان الفُضَيْليّ، وعبد اللَّه بْن عطاء الهَرَويّ، وأبا الفضل بَكْر الزّرنجريّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق. سمعتُ منه كتاب " الزّهد " لهَنَاد بْن السَّرِيّ. وكان مولده - تقديرًا - فِي سنة ثلاثٍ وتسعين بالبَرَّانية. وتُوُفيّ ببُخَارى فِي رجب.(12/84)
135 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن أبي القَاسِم بْن أَحْمَد، أبو القَاسِم المَرْوَزِيّ، المؤذّن، المقرئ. [المتوفى: 554 هـ]
قرأ بالرّوايات على الأستاذ أبي مُحَمَّد الكركانجيّ فأتقنها، وسمع بمَرْو، ثُمّ سمع ببغداد " جزء الْأَنْصَارِيّ " وغيره على قاضي المارستان. روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السمعاني. [ص:85]
ولد سنة ست وثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي فِي ذي القِعْدة.(12/84)
136 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن مَنْصُور، أبو القَاسِم الحضْرميّ، الإسكنْدَريّ. [المتوفى: 554 هـ]
ولد سنة ست وستين وأربعمائة. وسمع من أبي إسحاق الحبّال، وعبد المحسن الشّيحيّ، التّاجر.
ورّخه ابن المفضّل المقدسيّ. وأبوه ممّن قرأ على ابن نفيس. وقرأ عليه ابن الحطيئة من سنة عشر.
ورأيت فِي " مُعْجَم السّفر " للسلفي: أخبرنا أبو القاسم الحضرمي قال: أخبرنا أبو العلاء زيد بن الحسين الطحان سنة سبعين وأربعمائة، قال: حدثنا المحسن بن جعفر بن أبي الكرام، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عبيد الحمصي، قال: حدثنا مُوسَى بْن عِيسَى بْن المنذر، فذكر حديثًا.
قال السِّلَفيّ: عَبْد الرَّحْمَن من أولاد المحدّثين. تُوُفّي أَبُوهُ قبل دخولي الثَّغْر بمُدَيْدة قريبة، وهو مُحَمَّد بْن مَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن الفضل بن منصور بن أحمد بن يونس بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن اللَّيْث بْن المغيث بن عبد الرحمن بن العلاء ابن الحضْرميّ. أخرج إليَّ هذه النّسبة عَبْد الرَّحْمَن بخطّ أبيه. كتب عَبْد الرَّحْمَن بخطّه كُتُبا كبارًا، وكتب عني أجزاء كثيرة.
قلت: وقد سمَّع ولديه أَحْمَد ومحمد من أبي عبد الله الرازي.
قال ابن المفضل: توفي فِي رمضان.(12/85)
137 - عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عدنان بن محمد بن علي، أبو شجاع الزينبي، الحريمي. [المتوفى: 554 هـ]
قال ابن السمعاني: أحد الأشراف، سمع الكثير بقراءة شجاع الذهلي، فسمع ثابت بْن بُنَدَار، وأبا سَعْد بْن خُشَيْش. كتبتُ عَنْهُ، وتُوُفيّ فِي ذي القعدة.(12/85)
138 - عبد الواحد بن محمد بن المهذب بْن المفضّل، أبو المجد التُّنوخيّ، المَعَرّي. [المتوفى: 554 هـ][ص:86]
سمع من أبيه بالمَعَرَة فِي سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة نسخة أبي هدْبَة عن آبائه. وسكن دمشق حين أخذت الفرنج المَعَرَّة. وسمع أَبَا القَاسِم النّسيب، وغيره. ثُمَّ انتقل إلى المَعَرَّة بعد مدَّة طويلة حين استُنقِذت مِن العدوّ. روى عنه أبو سعد ابن السَّمْعانيّ، وغيره.(12/85)
139 - عَبْد الواسع بْن عطاء بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد، أبو أَحْمَد الهَرَويّ، الصَّيْرَفيّ، [المتوفى: 554 هـ]
أخو عَبْد المعزّ وعبد الفتّاح.
سمع من القاضي صاعد بْن سَيّار الكِنانيّ. روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني، وقال: توفي فِي ربيع الآخر.(12/86)
140 - عَبْد الوهّاب بْن إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن عُمَر، أبو الفتح النَّيْسَابُوريّ الصَّيْرَفيّ، [المتوفى: 554 هـ]
سِبْط أَبِي القَاسِم القُشَيْريّ.
عالم فاضل، مليح الخط. نسخ الكثير، وسمع فَاطِمَة بْنت أبي عليّ الدّقّاق جدّته، وأبا بَكْر بْن خَلَف، والفضل بْن أحمد الجرجاني.
روى عنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ. وتُوُفيّ فِي شوّال وله إحدى وثمانون سنة. روى عَنْهُ المؤيِّد الطُّوسيّ.(12/86)
141 - عَبْد الوهاب بْن عِيسَى، أبو مُحَمَّد اليَشْكُريّ، المغربيّ، الفقيه المالكيّ، [المتوفى: 554 هـ]
نزيل دمشق.
قَدِمَها سنة خمس وثلاثين، واعتنى به بعض الأمراء. واجتمع عليه جماعةٌ من المغاربة. ودرّس ووعظ وفُتِح عليه، فَلَمّا قُتِلَ الفَنَدْلاوي - رحمه اللَّه - جلس أبو مُحَمَّد فِي حلقة المالكيَّة. ثُمَّ بنى السّلطان نور الدين دارا بحجر الذّهب عند المارستان، وجعلها مدرسةً، وولّي هذا تدريسَها. وتُوُفيّ فِي رجب.(12/86)
142 - عليّ بْن عليّ بْن نصر، أبو الْحَسَن بْن أبي تراب البصْريّ الأديب، الشاعر. [المتوفى: 554 هـ]
سمع ببغداد من أبي البركات الوكيل، وأبي الحسين ابن الطيوري. وعنه حمزة ابن القبيطي. [ص:87]
مات في ذي الحجة عن بضع وسبعين سنة.(12/86)
143 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه، أبو حفص الهَمَذانِيّ، المعروف بالزّاهد. [المتوفى: 554 هـ]
ورد بغداد بعد الخمسمائة، وتفقَّه على أسعد المِيهنيّ.
قال ابن السَّمْعانيّ: وكان ورِعًا، صالحا، متديّنًا. ثُمَّ ورد خُرَاسَان، وسكن مرْو مدَّة. وصحِب يُوسُف الهَمَذانِيّ الزّاهد، وكان يُروِّض نفسه ويُداوم على التّهجُّد والصَّوم وأكْل الحلال. وكان لا يخاف فِي اللَّه لومة لائمٍ، يأمر بالمعروف ويَنْهَى عن المُنكر. وصحِب ببغداد الشَّيْخ حمادًا الدّبّاس، ثُمَّ سكن قريةً بأرض مَرْو، وتأهَّل ورُزِق الأولاد، واشتغل بالعبادة ودعوة الخَلْق إلى الحقّ. وسمع " صحيح الْبُخَارِيّ " من أبي طَالِب الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ. روى عَنْهُ أبو سَعْد، وقال: تُوُفّي فِي أحد الربيعين أو الجماديين، وله أربع وستون سنة.(12/87)
144 - فاطمة بنت سعد الله بن سعد بن سعيد ابن الشَّيْخ أبي سَعِيد الميْهنيّ، أمّ عطية. [المتوفى: 554 هـ]
قَدِمَتْ بغداد وأقامت، وروت عن مُحَمَّد بْن أَحْمَد الكامخي، ومحمد بن الحسن الإسفراييني. وعنها عُمَر بْن كَرَم.
تُوُفّيت فِي جُمَادَى الآخرة.(12/87)
145 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَبْد الملك بْن عبد العزيز، الفقيه أَبُو ثابت المستملي الْبُخَارِيّ، الصّفّار، [المتوفى: 554 هـ]
إمام الجامع.
سمع أَبَا عليّ النَّسَفيَ. روى عنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ. وتُوُفيّ فِي رمضان ببُخَارى، وله سبْعٌ وثمانون سنة.(12/87)
146 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مكتوم بْن الربيع، أبو القَاسِم الشَّيْبَانيّ، الخُوارَزْميّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 554 هـ]
تغرب ورأى المشايخ، ودخل الشام بعد الخمسمائة. وسمع بأصبهان، وخدم بمرو يوسف الهمذاني.
توفي فِي ربيع الأوّل فِي عَشْر التّسعين.(12/87)
147 - مُحَمَّد شاه بْن مُحَمود بْن مُحَمَّد بْن ملكشاه، أخو مَلِكْشاه، السَّلْجُوقيّ. [المتوفى: 554 هـ]
طلب أنّ يُخطَب له ببغداد، فلم يُجَب إلى ذلك، فسار إليها وحاصَرَها على ما هُوَ مذكور فِي الحوادث. ثُمَّ رحل عن بغداد، وتُوُفيّ فِي ذي الحجَّة بقُرب هَمَذَان بعِلَّة السّلِّ وله ثلاثٌ وثلاثون سنة.
وكان موصوفًا بالعقل والكرم والتّأنّي فِي أموره. واختلفت الأمراء بعده، فطائفة طلبت أخاه ملكشاه، وطائفةٌ طَلَبَت أخاه الآخر سُلَيْمَان شاه وهم الأكثر، وطائفة طلبت أرسلان الَّذِي مع إِلْدِكِز.(12/88)
148 - مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي يَعْلَى، أَبُو علي الشيرازي، ثم البغدادي الخياط. [المتوفى: 554 هـ]
سمع أبا الحسين ابن الطيوري، وأبا سعد بن خشيش. روى عنه محمد بن أحمد بن علي الصوفي. وتوفي فِي المُحَرَّم عن ثمانٍ وسبعين سنة.(12/88)
149 - مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الغفّار بْن عَبْد السّلام، أبو سَعْد الغِياثيّ، الماهانيّ، المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 554 هـ]
فقيه عالم بمذهب أبي حنيفة، واعظ، كثير المحفوظ، كثير الرغبة فِي تحصيل المال. سمع أَبَا نصر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الماهانيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق. روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وولده.
وتُوُفيّ فِي ذي الحجة. وعظ ببغداد.(12/88)
150 - المطهر بن يعلى بن عوض بن محمد، السيد أبو طالب العلوي الهروي، [المتوفى: 554 هـ]
أخو السيد أبي القاسم الواعظ.
قال أبو سعد: كان الثناء عليه سيئًا، ويرمونه بأشياء، وكان صحيح السماع. سمع نجيب بن ميمون، ومحمد بن علي العمري، وصاعد بن سيار الكناني.
قلت: روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني، لم أدر موته.(12/88)
151 - مُنجْح بْن مُفْلح بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو سعد بن أبي الفتح الدومي، البغداديّ. [المتوفى: 554 هـ]
سمع أَبَا عَبْد اللَّه النَّعَاليّ، وأبا طاهر الباقلاني، وجماعة. وكان فقيهًا، ويعمل الورق.
كتب عنه أبو سعد ابن السَّمْعانيّ، وقال: تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.
روى عنه بالإجازة ابن المقير.(12/89)
152 - منصور بْن مُسْلِم بْن عَبْدُون بْن أبي فوناس، الإمام أبو علي الزرهوني الفاسي. [المتوفى: 554 هـ]
مولده سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، ودخل إلى الأندلس، وسمع من أبي عليّ ابن سُكَّرَة، وعَبّاد بْن سَرْحان. وكان فقيهًا بارعًا، تخرَّج به أهل فاس.
ورّخه ابن فَرتُون، وقال: حدثنا عنه محمد بن أحمد بن وسون، وعبد الرحيم بن الملجوم.(12/89)
153 - يحيى بْن نزار المَنْبِجِيّ. [المتوفى: 554 هـ]
فاضل، شاعرٌ محسِن.
قال ابن الْجَوْزِيّ: كان يحضر مجلسي، وَجَدَ فِي أُذُنِهِ ثقَلًا فخاف الطَّرَش، فاستدعي طُرُقِيًّا فامتصّ أذُنَه حَتَّى خرج شيءٌ من مُخّه، وكان سبب موته.
وقد ذكره أبو سَعْد ابن السَّمْعانيّ.
وقدِم الشّام ومدح السّلطان نور الدِّين، فمِن شِعره:
لو صَدَّ عنيّ دلالًا أو مُعاتبةَ ... لكنتُ أرجو تلاقيه وأعتذِرُ
لكن ملالًا فلا أرجو تعطفه ... جَبْرُ الزُّجاج عسيرٌ حين ينكَسِرٌ(12/89)
-سنة خمس وخمسين وخمس مائة(12/90)
154 - أَحْمَد بْن عَبْد الجليل، أبو الْعَبَّاس التُّدْمِيريّ، الأندلسيّ. [المتوفى: 555 هـ]
روى عن أبي عليّ بْن سُكَّرَة، وأبي مُحَمَّد بْن عطيَّة، وجماعة. وكان عالما باللُّغَة والنَّحْو، مصنَّفًا نبيلًا. أدّب أولاد صاحب مَرّاكُش. وتُوُفيّ بفاس.(12/90)
155 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، أَبُو بَكْر البغداديّ المراوحيّ المقرئ. [المتوفى: 555 هـ]
سمع ابن بيان، وأُبيًّا النَّرْسيّ، وأبا الخَطَّاب الكَلْوَذَانيّ. روى عَنْهُ ابن الأخضر، وغيره. وكان يؤمّ بمسجد.
تُوُفّي فِي شعبان.(12/90)
156 - أَحْمَد بْن هبة الله بن محمد ابن البيضاويّ، أبو طَالِب. [المتوفى: 555 هـ]
سَمِعَ ثابت بْن بُنَدَار، وغيره. روى عَنْهُ عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ الحافظ.
تُوُفّي فِي شوّال. وكان من الحُجّاب.(12/90)
157 - إِبْرَاهِيم بْن منبّه بْن عُمَر، أَبُو أُميَّة الغافقيّ، الأندلسيّ، [المتوفى: 555 هـ]
من أهل المريَّة.
أخذ القراءات عن ابن شفيع. وسمع أَبَا عليّ بْن سكرة، وابن زغيبة، وأبا مُحَمَّد بْن عتّاب. وحجّ، فسمع من سلطان بْن إِبْرَاهِيم المقدسيّ. وولي الخطابة والقضاء بمرسية. سمع منه أبو القاسم بن حبيش، وغيره.
ولم تُحفظ وفاته، لكنّه حدُّث فِي هذا العام " بصحيح الْبُخَارِيّ " عن رجلٍ، عن كريمة.(12/90)
158 - بُزَان بْن مامين، الأمير الكبير مجاهد الدِّين الكُرْدِيّ. [المتوفى: 555 هـ]
أحد الموصوفين بالشّجاعة، والرّأي، والسّماحة، وصاحب الصدقات والصلات. مات بداره عند باب الفراديس، ودُفِن بمدرسته المجاهدية، ولم يَخْلُ من باكٍ عليه، ومتأسَّفٍ لِفَقْدِهِ. ورثي بقصيدة. [ص:91]
وكان من كبار أمراء دمشق، وبقي في الإمرة زمانًا رحمه الله.
ورّخه حمزة التّميميّ أو إنسانٌ بعده، فإنّ حمزة هذا تراه وقد توفي في أوائل العام.(12/90)
159 - حمزة بْن أسد بْن عليّ بْن مُحَمَّد، أبو يعلى التميمي، الدمشقي، العميد ابن القلانِسِيّ، الكاتب. [المتوفى: 555 هـ]
حدث عن سهل بْن بِشْر، وحامد بْن يُوسُف التِّنِّيسيّ.
قال الحافظ ابن عساكر: سمع منه بعض أصحابنا، ولم أسمع منه.
قال: وكان أديبًا كاتبًا، تولى رياسة دمشق مرَّتين، وكانَ يكتب له فِي سماعه أبو العلاء المسلم ابن القلانسي، فذكر أنه هو وأنه كذلك كان يُسمّى. وقد صنَّف تاريخًا للحوادث من بعد سنة أربعين وأربع مائة إلى حين وفاته.
وقرأت من شِعْره:
يا نفسُ لا تَجْزعي من شِدَّةٍ عَرَضَتْ ... وأيقَني من إله الخَلْقِ بالفَرَجِ
كم شِدَّةٍ عظمت ثُمَّ انْجَلَت ومضت ... من بعدِ تأثيرها فِي المالِ والمُهَجِ
تُوُفّي فِي ربيع الْأَوَّل.
قُلْتُ: رَوَى عَنْهُ ابن صَصَرَى، ومُكْرَم بْن أبي الصَّقْر، وجماعة. وجمع بين كتابة الإنشاء وكتابة الحساب، وحُمِدتْ ولايته، وتُوُفيّ فِي عَشْر التّسعين.(12/91)
160 - حمزة بْن عَليّ بْن هبة اللَّه بْن الْحَسَن بن علي، الثعلبي، أبو يعلى، الدمشقي، المعروف بابن الحبوبي، البزاز. [المتوفى: 555 هـ]
سمع أبا القاسم بن أبي العلاء المصيصي، وأبا الفتح المقدسي، وسهل بن بشر الإسفراييني؛ سمّعه عمّه أبو المجد معالي بْن هبة اللَّه.
قال ابن عساكر: كان شيخًا لا بأس به. سمعته يقول: وُلِدتُ فِي آخر [ص:92] سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة، ومات فِي جُمَادَى الأولى، ودُفِن بسَفْح قاسيون.
قلت: روى عَنْهُ ابن عساكر، وابنه البهاء، وأبو المواهب بْن صَصرى، وأخوه أبو القَاسِم، وعبد الخالق بْن أسد، وابنه غالب، وحمزة بْن عَبْد الوهاب الكِنْديّ، وأحمد بْن المُسْمِع، ومُكْرَم بْن أبي الصقر، وأبو نصر محمد ابن الشّيرازيّ. وآخر من روى عَنْهُ كريمة الْقُرَشِيَّة.(12/91)
161 - خُسْرُوشاه، سلطان غَزْنَة، وابن سلاطينها. [المتوفى: 555 هـ]
ولي المُلْك بعد أَبِيهِ الملك بهرام شاه بْن مَسْعُود بن إبراهيم بن مسعود بن محمود بْن سُبُكْتكين.
قال ابن الأثير: تُوُفّي فِي رجب من سنة خمس. وكان عادلًا حَسَن السّيرة فِي رعيّته، مُحِبًّا للخير، مقرِّبًا للعلماء، راجعًا إلى قولهم. وكان ملكه تسع سنين. وملك بعده ابنه ملِكشاه، فَلَمّا ملك نزل علاء الدِّين ملك الغُور فحاصَر غَزْنة، وكان الثّلج كثيرًا، فلم يمكنه المقام وعاد إلى بلاده.(12/92)
162 - طاهر بْن عثمان بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو الطَّيِّب الْقُرَشِيّ، الزهري، العوفي، البخاري. [المتوفى: 555 هـ]
فاضل، ظريف، كيّس، مطبوع الحركات. طلب الحديث وتفقُّه، ووعظ وعْظًا مليحًا. وسمع من جَدّه مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد العَوْفيّ، وعثمان بْن إِبْرَاهِيم الفُضَيْلي، وبكر ابن الزرنجري، وتُوُفيّ فِي رجب ولَهُ إحدى وسبعون سَنَة.(12/92)
163 - عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بْن إِسْمَاعِيل بْن مَنْصُور، أبو عَبْد الكريم المَقْدِسيّ. [المتوفى: 555 هـ]
شيخ صالح، مقرئ. هاجر إلى دمشق قبل الجماعة. وتعلَّم بها شيئًا من العِلم، وعاد. وكان كثير الخير، نظيف الثّياب صالحًا. ثُمَّ جاء ومضى إلى حران المرج، فأم بأهلها، وعاد مريضًا إلى دمشق، فمات فِي رجب. وهو عمّ الحافظ الضّياء.
قال: سَأَلتُ خالي موفَّق الدِّين عَنْهُ، فقال: كان أكبر إخوته، انتقل إلى [ص:93] قرية حجا وأم بأهلها حين قَدِمَ علينا بعد أنّ انتقلنا إلى الجبل من مسجد أبي صالح، فأسّس له بيتًا في الدير، وخرج إلى حران المرج.
وسمعتُ شيخنا العِماد إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الواحد قال: كان يخطب فِي حَرّان، فقال فِي خطبته: اللَّهُمّ ارحم أمير المؤمنين المقتفي، بدل "أصلح"، فَلَمّا كان بعد أيّام جاءنا الخبر بموت المقتفي.(12/92)
164 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي سَعْد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى، أبو القَاسِم الفارسيّ، ثُمَّ السَّرْخَسِيّ. [المتوفى: 555 هـ]
فقيه ورع، قانع، خيّر. تفقَّه على مُحيي السُّنَّة البَغَوَيّ، وبعده على عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه النِّيهيّ، وأتقن مذهب الشّافعيّ. وتُوُفيّ فِي الكهولة بنَسَا فِي هذا العام ظنًّا.(12/93)
165 - عَبْد الرشيد بن أبي بكر بن أبي الفضل بن ينال، أبو محمد الهروي، الطاقي، البناء. [المتوفى: 555 هـ]
شيخ صالح، سمع كثيرًا من مُحَمَّد بْن علي العميري. روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني وغيره.
توفي بسجستان في ربيع الآخر.(12/93)
166 - عبد السيد بْن أبي بَكْر بْن ينال، أبو مُحَمَّد الهرَوَيّ، المهندس. [المتوفى: 555 هـ]
شيخ صالح، سمع كثيرًا من مُحَمَّد بْن عليّ العُمَيْريّ وحده، من ذلك: " العوالي فِي التّاريخ " لابن عَدِيّ، رَوَاهُ عن العميري، عن الفوشنجي، عَنْهُ. سمعه منه السَّمْعانيّ، وقال: مات بسِجِسْتان فِي ربيع الآخر عن ثمانين سنة.(12/93)
167 - عبد الغني بْن مكّيّ بْن أيّوب، أبو مُحَمَّد التَغْلبيّ، الشّاطبيّ. [المتوفى: 555 هـ]
فقيه، حافظ، شُرُوطيّ حاذق، شاعر. وُلّي خطَّة الشُّورَى بشاطِبَة.
وروى عَنْ أبيه، وأبي عَبْد اللَّه بْن سيف، وأبي بَكْر بْن مُفوَّز، وأبي عليّ بْن سُكَّرَة.(12/94)
168 - عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، الثّقفيّ، أبو جَعْفَر قاضي القُضاة. [المتوفى: 555 هـ]
سمع أَبَا الغنائم مُحَمَّد بْن عليّ النَّرْسيّ، ووُلّي قضاء الكوفة مدَّة. ثُمَّ ولاه المستنجد بالله فِي هذا العام قضاء العراق، فتُوُفيّ فِي آخر العام وقد ناهز الثمانين.
قال أبو سعد السمعاني: من بيت القضاء والعلم، فصيح العبارة، يحفظ التواريخ. سمع ببغداد أَبَا الخَطَّاب بْن البَطِر، وأبا عبد الله ابن البُسْريّ، وقال لي: وُلِدتُ فِي صَفَر سنة تسع وسبعين وأربع مائة بالكوفة. وقرأت عليه جزءًا من " المَحَاملِيَات ".(12/94)
169 - عَبْد الواحد بْن ثابت بْن رَوْح بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أبو القَاسِم الصُّوفيّ، الرَّارّانيّ، الأصبهاني، [المتوفى: 555 هـ]
وراران: قرية.
قال أبو سعد: شيخ صالح، خيّر، من بيت الحديث والتّصوُّف. سمع الحافظ سُلَيْمَان بْن إِبْرَاهِيم، وطراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، وجماعة بإصبهان. وتُوُفيّ فِي السابع والعشرين من ذي الحجَّة.(12/94)
170 - عليّ بْن حسان بْن علي، أبو الحسن ابن العُلْبيّ، [المتوفى: 555 هـ]
والد زَكَرِيّا.
شيخ بغداديّ، سمع من طِراد الزَّيْنَبيّ. روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن مشّق، وغيره.
توفي في شعبان.(12/94)
171 - عيسى ابن الظافر إسماعيل ابن الحافظ عبد المجيد بن محمد ابن المستنصر بالله العُبَيْديّ، الفائز بنصْر اللَّه أبو القَاسِم، [المتوفى: 555 هـ]
خليفة مصر. [ص:95]
بُويع بالقاهرة يوم قُتِلَ والده وله خمسُ سِنين، وقيل: بل سنتان، فحمله الوزير عَبَّاس على كتفه، ووقف في صحن الدار به، مُظهِرًا الحزن والكآبة، وأمر أنّ يدخل الأمراء، فدخلوا، فقال لهم: هذا ولد مولاكم، وقد قتل عَمّاهُ مولاكم، وقد قتلتُهُما كَمَا تَرَوْن به، والواجب إخلاص الطّاعة لهذا الطِّفْل. فقالوا كلّهم: سمِعْنا وأَطَعْنا. وضجّوا ضجَّةً واحدةً بذلك، ففزع الطفل، وبال على كتِفِ عَبَّاس من الفَزَع. وسمّوه الفائز، وسيّروه إلى أمه، واختلّ عقله من تلك الصَّيْحة فيما قيل، فصار يتحرّك فِي بعض الأوقات ويصرع. ولم تبق على يد عَبَّاس يدٌ، ودانت له الممالك.
وأمّا أهل القصر فإنّهم اطَّلعوا على باطن القضيَّة، فأخذوا فِي إعمال الحيلة فِي قتل عَبَّاس وابنه، فكاتبوا طلائع بْن رزُيّك الأرمنيّ والي منية بني خصيب، وكان معروفًا بالشّجاعة والرأي، فسألوه النُّصْرَة، وقطعوا شُعور النِّسْوان والأولاد، وسيّروها فِي طيّ الكتاب، وسوّدوا الكتاب. فَلَمّا وقف عليه اطلَع من حوله من الْجُنْد عليه، وأظهر الحُزْن، ولبس السّواد، واستمال عرب الصّعيد، وحشد وجمع. ثُمَّ كاتَبَ أمراء القاهرة فِي الطَّلَب بدم الظّافر، فوعدوه بما يحبّ، فسار إلى القاهرة، فَلَمّا قرُب خرج إليه الأمراء، والْجُنْد، والسُّودان، وبقي عَبَّاس فِي نفرٍ يسير، فهرب هُوَ وابنه وغلمانه والأمير أسامة بْن منقذ. وقيل: هُوَ الَّذِي أشار عليهما بقتل الظافر، والعلم لله؛ فنقل ابن الأثير قال: اتّفق أنّ أسامة بْن منقذ قَدِمَ مصر، فاتّصل بعبّاس، وحسَّن له قتْل زوج أمّه العادل عليّ بْن السلار فقتله، وولاه الظّافر الوزارة، فاستبدَّ بالأمر، وتمّ له ذلك. وعلم الأمراء أنّ ذلك من فِعل ابن منقذ، فعزموا على قتْله، فخلا بعبّاسٍ وقال له: كيف تصبر على ما أسمع من قبيح القَول مِن النّاس: أنّ الظّافر يفعل بابنك نصر؟ وكان من أجمل النّاس، وكان ملازمًا للظّافر. فانزعج لذلك فقال: كيف الحيلة؟ قال: اقتله فيذهب عنك العار. فاتفق مع ابنه على قتله.
وقيل: إنَّ الظّافر أقطع نصر بْن عَبَّاس قَلْيُوب كلَّها، فدخل وقال: أَقْطَعَني مولانا قليوب. فقال ابن مُنْقذ: ما هِيَ فِي مَهْرك بكثير. فجرى ما ذكرناه. [ص:96]
وهربوا فقصدوا الشَّام على ناحية أيْلَة فِي ربيع الأوّل سنة تسعٍ وأربعين. وملك الصّالح طلائع بْن رُزِّيك ديار مصر من غير قتال، وأتى إلى دار عَبَّاس المعروفة بدار الوزير المأمون ابن البطائحيّ التي هِيَ اليوم المدرسة السيُّوفيَّة الحنفيَّة، فاستحضر الخادم الصّغير الَّذِي كان مع الظّافر لمّا نزل سرًّا، وسأله عن الموضع الَّذِي دفن فِيهِ الظّافر، فعرَّفه به، فقلع البلاطة التي كانت عليه، وأخرج الظافر ومَن معه من المقتولين، وحُمِلوا، وقُطَّعَت عليهم الشُّعور، وناحوا عليهم بمصر، ومشى الأمراء قُدّام الجنازة إلى تربة آبائه، وتكفّل الصّالح بالصّغير ودبّر أحواله.
وأمّا عَبَّاس ومن معه، فإن أخت الظافر كاتبت إفرنج عسقلان الذين استولوا عليها من مُدَيْدةٍ يسيرة، وشَرَطَتْ لهم مالًا جزيلًا إذا خرجوا عليه وأخذوه. فخرجوا عليه، فواقَعَهُم، فَقُتِلَ عَبَّاس، وأُخِذت أمواله، وهرب ابن منقذ فِي طائفةٍ إلى الشَّام. وأرسلت الفرنج نصر بْن عَبَّاس إلى مصر فِي قفص حديد. فَلَمّا وصل تسلّم رسولهم المال، وذلك فِي ربيع الأوّل سنة خمسين. ثُمَّ قُطِعت يد نصر، وضُرِب ضربًا مُهْلكًا وقُرِض جسمه بالمقاريض، ثُمَّ صُلِب على باب زَويْلة حيًّا، ثُمَّ مات. وبقي مصلوبًا إلى يوم عاشوراء سنة إحدى وخمسين، فأُحرِقت عظامه. وهلك الفائز في رجب سنة خمسٍ، وهو ابن عشر سِنين أو نحوها.
وقيل: إن الملك الصالح ابن رُزِّيك بعث إلى الفرنج يطلب منهم نصر بْن عَبَّاس، وبذل لهم أموالًا، فَلَمّا وصل سلّمه الملك الصّالح إلى نساء الظافر، فأقمن يضربْنه بالقباقيب واللّوالك أيّامًا، وقطَّعْن لحمه، وأطعمنه إيّاه إلى أنّ مات، ثُمَّ صُلِب.
ولمّا مات الفائز بالله بايعوا العاضد لدين اللَّه أبا محمد عبد الله بن يوسف ابن الحافظ عبد المجيد بن محمد ابن المستنصر العُبَيْديّ، ابن عمّ الفائز، وأجلسه الملك الصالح طلائع بن رزيك على سرير الخلافة، وزوجه بابنته. ثم استعمل الصالح على بلد الصعيد شاور البدوي الذي وزر.(12/94)
172 - فضائل بن حسن، أبو القاسم الأنصاري، الدمشقي، الكتاني. [المتوفى: 555 هـ][ص:97]
كان يخرج إلى الغوطة ويقارض الكتان بالغزل. روى عَنْ سهل بْن بِشْر. روى عَنْهُ الحافظ ابن عساكر، وقال: مات فِي ذي الحجَّة.(12/96)
173 - الفضل بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد، الخطيب أبو نصر الطُّوسيّ، المقرئ. [المتوفى: 555 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان يؤمّ الوزراء. قَدِمَ علينا مع الوزير محمود ابن أبي تَوْبة، وخطب بجامع مَرْو. وكان حَسَن الصّوت، عالما، كثير المحفوظ. حجّ وسمع أَبَا القَاسِم بْن بيان، وأبا الرّضا عليّ بْن يحيى النسفي، وهادي بن إسماعيل الحسني. وكان قد سمع أَبَا تُراب عَبْد الباقي المراغي، ونصر الله بن أحمد الخشنامي على ما ذكر لي، وما رَأَيْت له أصلًا يفرح به. وُلِدَ سنة ست وسبعين وأربعمائة، وتُوُفيّ بمَرْو فِي جُمَادَى الآخرة.
قلت: روى عنه عبد الرحيم.(12/97)
174 - القَاسِم بْن الْحُسَيْن بْن القَاسِم، أبو بَكْر الهَرَويّ الحَصيريّ. [المتوفى: 555 هـ]
قال عَبْد الرحيم فِي مُعْجمه: كان شيخًا صالحًا، حَسَن الخطّ، حملني والدي إليه ليُسَمّعني منه " صحيح الإسماعيليّ "، فسمعت منه. سمع أَبَا عامر محمود بْن القَاسِم الْأَزْدِيّ، وإسماعيل بْن حمزة الهَرَويّ، وأبا أَحْمَد إِسْمَاعِيل بْن عَبْد اللَّه القُهُنْدُزيّ. وُلِدَ سنة سبْعٍ وسبعين وأربعمائة، وتُوُفيّ بِهَرَاة فِي رابع جُمَادَى الآخرة.
وقال أبو سَعْد فِي " التّحبير ": سَمِعت منه " الجامع الصحيح " للإسماعيلي بروايته عن إِسْمَاعِيل بْن حمزة بْن فَضَالة العَطَّار، رواية الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الباشانيّ، عَنْهُ. وسمعت منه " الجواهر " لمحمد بن المنذر شكر.(12/97)
175 - كريمة بِنْت أَحْمَد بْن عليّ الكوفي، الأَبِيوَرْدِيّ، أم الحسن العابدة. [المتوفى: 555 هـ][ص:98]
نزلت مَرْو، وسمعت مع السَّمْعانيّ. وكانت صوَّامة، قوَّامة، متهجدة قانتة، عابدة.(12/97)
176 - مُحَمَّد المقتفي لأمر اللَّه، أمير المؤمنين أبو عبد الله ابن المستظهر بالله أحمد ابن المقتدي بالله عبد الله ابن الأمير محمد ابن القائم بأمر الله عبد الله ابن القادر بالله أحمد بن إسحاق ابن المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد الهاشميّ الْعَبَّاسيّ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. [المتوفى: 555 هـ]
من سَرَوات الخلفاء، كان عالِمًا، ديَّنًا، شُجاعًا، حليمًا، دمِث الأخلاق، كامل السُّؤدُد، خليقًا للإمامة، قليل المِثْل فِي الأئمَّة عليهم السّلام، لا يجري في دولته أمرٌ وإن صَغُر إلا بتوقيعه. وكتب فِي خلافته ثلاث رَبْعات منها رَبْعةٌ نفذت إلى بلاد فارس.
ووَزَرَ له عليّ بْن طِراد الزَّيْنَبيّ، ثُمَّ أبو نصر بْن جَهِير، ثُمَّ أبو القَاسِم عليّ بْن صَدَقة، ثُمَّ أبو المظفَّر يحيى بْن هُبَيْرة. وحَجَبَه أبو المعالي ابن الصّاحب، ثُمَّ كامل بْن مسافر، ثُمَّ أبو غالب ابن المعوّج، ثُمَّ أبو الفتح بْن الصُّيْقل، ثُمَّ أبو القاسم علي ابن الصّاحب.
وكان آدَمَ، مجدُور الوجه، مليح الشيبة، له هَيْبة عظيمة، وأمّه حَبَشِيَّة.
وُلِدَ سنة تسع وثمانين وأربعمائة فِي الثّاني والعشرين من ربيع الأوّل، وبوُيع بالخلافة في السادس عشر من ذي القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة، وقد جاوز الأربعين. وسمع من مؤدّبه أبي البركات بن أبي الفرج ابن السيبي.
قال ابن السَّمْعانيّ: وأظنّ أنّه سمع " جزء ابن عرفة " من أبي القاسم بن بيان، مع أخيه المسترشد بالله، واتَّفق أني كتبتُ قصَّةً إليه، وسألته الإنعام بالأحاديث، والإذن فِي السّماع منه، فأنعم وفتّش على الجزء ونفذه إليَّ على يد شيخنا أبي مَنْصُور ابن الجواليقي، وكان يؤم به الصلوات، فخرجت من بغداد قبل أن أسمعه منه، غير أنّي سمعته من ابن الجواليقيّ، وكان قد قرأه عليه: حَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ، قال: أخبرنا المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين، قال: أخبرنا أبو البركات أحمد بن عبد الوهاب، قال: أخبرنا أبو محمد الصريفيني، قال: أخبرنا المخلص، قال: أخبرنا إسماعيل الوراق، قال: حدثنا حفص بن عمرو الربالي، قال: حدثنا أبو سحيم، قال: حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ [ص:99] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا على شرار الناس ".
قلت: أخبرناه أبو المعالي الهمذاني، قال: أخبرنا أبو علي ابن الجواليقي، قال: أخبرنا أبو المظفَّر يحيى بْن مُحَمَّد الوزير قال: قرأت على مولانا المقتفي لأمر اللَّه سنة اثنتين وخمسين: حدثكم السيبي، فذكره. وأجازه لنا جماعة سمعوه من الكندي، قال: أخبرنا أبو الفتح عبد الله ابن البيضاوي، قال: أخبرنا أبو محمد بن هزارمرد الصريفيني، فذكره.
وقد جدد المقتفي بابًا للكعبة، واتَّخذ من العتيق تابوتًا لدفنه. وكان محمود السّيرة، مشكور الدّولة، يرجع إلى دين، وعقل، وفضل، ورأي، وسياسة؛ جدّد معالم الإمامة، ومهَّد رسوم الخلافة، وباشر الأمور بنفسه، وغزا غير مرَّةٍ فِي جُنُوده، وامتدَّت أيّامه.
وذكر أبو طَالِب عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السميع الهَاشِميّ فِي كتاب " المناقب الْعَبَّاسيَّة " المقتفي، فقال: كانت أيّامه نَضِرة بالعدْل، زَهِرة بفعل الخيرات، وكان على قدمٍ من العبادة قبل إفضاء الأمر إليه ومعه. وكان فِي أوّل عمره متشاغلًا بالدين، ونسخ العلوم وقراءة القرآن. إلى أنّ قال: ولم يُر مع سماحته ولِين جانبه ورأفته بعد المعتصم خليفة فِي شهامته وصرامته وشجاعته، مع ما خُصَّ به من زُهده وورعه وعبادته. ولم تزل جيوشه منصورة حيث يمَّمت.
قال ابن الْجَوْزِيّ: مات بالتراقي، وقيل: دمل كان فِي عُنُقه، فتُوُفّي ليلة الأحد ثاني ربيع الأوّل، عن ستٍّ وستِّين سنة إلا ثمانيةٍ وعشرين يَوْمًا. قال: ومن العجائب أنّهُ وافق أَبَاهُ فِي علَّة التّراقي، وماتا جميعًا فِي ربيع الأوّل. وتقدَّم موت شاه مُحَمَّد على موت المقتفي بثلاثة أشهر، وكذلك المستظهر مات قبله السّلطان مُحَمَّد بْن ملكشاه بثلاثة أشهر. ومات المقتفي بعد الغَرَق [ص:100] بسنة، وكذلك القائم مات بعد الغرق بسنة.
وكان من سلاطين دولته السّلطان سَنْجَر صاحب خُرَاسَان، والسّلطان نور الدِّين صاحب الشَّام.
واستوزر عَوْنَ الدِّين يحيى بْن هُبَيْرة. وكان هُوَ الذي أقام حشمة الدّولة العبّاسيَّة، وقطع عَنْهَا أطماع الملوك السَّلْجُوقيَّة وغيرهم من المتغلّبين.
ومِن أيّام المقتفي عادت بغداد والعراق إلى يد الخلفاء، ولم يبق لهم فيها مُنَازع. وقبل ذلك لعلّ من دولة المقتدر إلى وقته كان الحكم للمتغلّبين من الملوك، وليس للخليفة معهم إلا اسم الخلافة.
وكان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كريمًا، جوادًا، محِبًا للحديث وسَمَاعه، معتنيًا بالعِلم، مُكرِمًا لأهله. وبويع بعده ولده أبو المظفر يوسف بن محمد، ولُقِّب بالمستنجد بالله.(12/98)
177 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن علي بن الحسين، أبو المظفر ابن التريكي، الهاشمي العباسي، [المتوفى: 555 هـ]
خطيب جامع المهدي.
كان من كبار العُدول ببغداد، وله إسناد عالٍ على قلته؛ روى عن أبي نصر الزَّيْنَبيّ، وعاصم، ورزق اللَّه.
ولد سنة سبعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وعليّ بْن هارون الحِلّيّ النَّحْويّ، وأبو الفَرَج مُحَمَّد بْن عبد الرحمن الواسطي التّاجر، وعبد السّلام بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن سُكَيْنَة، ويحيى بْن أبي المظفَّر الحَنَفِيّ مدرَّس النَّفِيسيَّة، وآخرون.
تُوُفّي فِي نصف ذي القعدة.(12/100)
178 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن عُمَر، الخطيب أبو بَكْر البُرُوجِرْديّ. [المتوفى: 555 هـ]
قَدِمَ بغداد، وتفقّه على أسعد الميهَنيّ. وتفقّه بمَرْو مدَّة حَتَّى برع فِي المذهب، وصار من أئمَّة الشّافعيَّة. وانقطع إلى صُحبة يُوسُف بْن أيّوب الزَّاهد، وتعبَّد، ولزِم الطّاعة، وحجّ.
روى عَنْهُ أبو سَعْد السَّمْعانيّ أناشيد، وقال: يُعرف بالموفَّق، وأثنى عليه. وروى عن أبي منصور محمد بن علي الكراعي، والفقيه عمر بن مُحَمَّد السَّرْخَسِيّ، وجماعة. وسمع الكثير، وقرأ بنفسه ببغداد على قاضي المارستان. [ص:101]
ومات في ربيع الأول وله إحدى وستون سنة.(12/100)
179 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بن علوي بْن مُحَمَّد بْن زَيْدِ بْن غَبَرَة الهاشميّ، أبو الْحَسَن الحارثيّ، الكوفيّ، المعروف بابن المعلّم. [المتوفى: 555 هـ]
أحد عُدُول الكوفة، من وُلِدَ ربيعة بْن الحارث بْن عَبْد المطّلب.
وُلِدَ سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة، وسمع سنة خمسٍ وسبعين مِن العَدْل أبي الفَرَج مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن علان، وأبي عليّ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن حمدان الخالديّ، وأبي القَاسِم الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بن سلمان الدَّهْقان، وأبي غالب بْن المنثور الْجُهَنيّ، وجماعة، وتفرد بالرواية عن بعضهم. ورحل إليه الطّلبة إلى الكوفة.
قال ابن النّجّار: روى لنا عن جماعة سمعوا منه بالكوفة، وقد سمع منه أبو الفضل أَحْمَد بْن صالح بْن شافع، وأبو الفَرَج بْن النَّقُّور، وحدَّث ببغداد قديمًا.
مات بالكوفة فِي سلْخ ذي الحجَّة سنة خمس؛ قاله مَسْعُود بْن النّادر.
وقال أبو الفضل بْن شافع: تُوُفّي فِي أواخر محرم سنة ستٍّ. قال: وكان ثقة فِي روايته. سَمِعت عليه بقراءتي الأجزاء التي ظهرت له جميعها.
قلت: آخر من روى عَنْهُ بالإجازة كريمة الدّمشقيَّة.(12/101)
180 - مُحَمَّد بْن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن عليّ بْن مُحَمَّد، أبو الفُتُوح الطّائيّ، الهَمَذانِيّ، [المتوفى: 555 هـ]
صاحب " الأربعين الطّائيَّة ".
ولد سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة بهَمَذان، وسمع فَيْدَ بْن عَبْد الرَّحْمَن الشّعْرانيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن حَمْد الدُّونيّ، وظريف بْن مُحَمَّد، ومحمد بْن أبي الْعَبَّاس الأَبِيوَرْدِيّ الأديب، وإسماعيل بْن الْحَسَن الفرائضيّ، وعبد الغفّار الشَّيرُوييّ، وفخر الإسلام عَبْد الواحد بْن إِسْمَاعِيل الرُّويَانيّ، وتاج الإسلام أَبَا بَكْر السَّمْعانيّ، وشِيرُوَيّه الدَّيْلَميّ الحافظ، وابن طاهر المَقْدِسيّ، وأبا القَاسِم بْن بيان الرّزّاز. وتفقّه بمرو على مُحيي السُّنَّة البَغَوَيّ، وعلى أَبِي بَكْر السَّمْعانيّ. قال أبو سعد ابن السَّمْعانيّ: يرجع إلى نصيب من العلوم؛ فقه، [ص:102] وحديث، وأدب، ووعظ. حضرتُ وعْظه بهَمَذان، فاستحسنته.
قلت: روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه ابن البناء الصوفي، والحسين بْن الزَّبِيديّ، وأخوه الْحَسَن، وجماعة. وتُوُفيّ فِي شوّال بهَمَذان. وآخر من روى عَنْهُ ابن اللَّتّيّ.(12/101)
181 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم، أبو المفضّل بْن زَنْبَقَة الواسطيّ، المُعَدَّل. [المتوفى: 555 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وسبعين وأربع مائة، وعُدِّل سنة خمس مائة، وسمع أباه أَبَا تمّام، وأبا الفضل مُحَمَّد بْن مُحَمَّد ابن السوادي، وأبا غالب محمد بن أحمد. وسمع " الْبُخَارِيّ " ببغداد من نور الهدى أبي طَالِب.
روى عَنْهُ أبو يَعْلَى مُحَمَّد بْن علي ابن القارئ، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وغيرهما.
وتُوُفيّ فِي ذي الحجَّة.(12/102)
182 - مُحَمَّد بْن بركة بن الكسا. [المتوفى: 555 هـ]
شيخ صالح سُنّيّ، سمع أَبَا غالب الباقِلانيّ، وأبا الْحُسَيْن ابن الطُّيُوريّ. وعنه ابن الأخضر.(12/102)
183 - مُحَمَّد بْن يحيى بْن عليّ بْن مُسْلِم بْن مُوسَى بْن عِمْرَانَ، الْقُرَشِيّ، اليمنيّ، الزَّبِيديّ، الواعظ، أبو عَبْد اللَّه. [المتوفى: 555 هـ]
وُلِدَ فِي المُحَرَّم سنة ستين وأربع مائة، وقَدِم دِمَشْق فِي حدود سنة ستٍّ وخمس مائة فوعظ وأخذ يأمر بالمعروف ويَنْهَى عن المُنْكَر، فلم يحتمل طُغْتِكِين أتابَك له ذلك، وأخرجه عن دمشق، فذهب إلى العراق، ودخلها سنة تسع وخمس مائة، ووعظ. وكان له معرفة بالنَّحْو والأدب. وكان صَبُورًا على الفقر، متعفَّفًا. ثُمَّ قَدِمَ دمشق رسولًا من المسترشد بالله فِي أمر الباطنية وعاد. [ص:103]
وكان حنفي المذهب، على طريقة السلف في الأصول.
قال أبو الفرج ابن الجوزي: حدثني الوزير ابن هبيرة، قال: جلستُ مع الزَّبِيديّ من بكرة إلى قريب الظُّهْر، وهو يلوك شيئًا فِي فِيه، فسألته، فقال: لم يكن لي شيء، فأخذت نَواةً أتعلّل بها! قال ابن الْجَوْزِيّ: وكان يقول الحقّ وإن كان مرًّا، ولا تأخذه فِي اللَّه لومةُ لائم. ولقد حُكي أنّه دخل على الوزير الزَّيْنَبيّ وقد خُلِعَتْ عليه خلع الوزارة، والناس يهنئونه بالخِلْعة، فقال هُوَ: هذا يوم عزاء لا يوم هناء، فقيل: لم؟ فقال: أهنّئُ على لبْس الحرير؟!
قال أبو الفَرَج: وحدّثني عَبْد الرَّحْمَن بْن عِيسَى الفقيه، قال: سَمِعت مُحَمَّد بْن يحيى الزَّبِيديّ، قال: خرجت إلى المدينة على الوحدة، فأواني اللّيل إلى جبلٍ، فصعدت ونادَيت: اللَّهُمّ إنّي اللّيلة ضَيْفُك. ثُمَّ نزلت فتَوَارَيْت عند صخرة، فسمعت مناديًا ينادي: مرحبًا يا ضيف الله. إنك مع طلوع الشّمس تَمُرُّ بقومٍ على بئرٍ يأكلون خُبزًا وتمرًا، فإذا دَعوْك فأجِبْ، فهذه ضيافتك. فَلَمّا كان من الغد سِرْتُ، فَلَمّا طلعت الشّمسُ لاحت لي أهداف بئرٍ، فجئتُها، فوجدت عندها قومًا يأكلون خُبزًا وتمرًا، ودَعَوْني، فأجبت.
وقال ابن السَّمْعانيّ: كان يعرف النَّحْو معرفة حَسَنة، ويعِظ، ويسمع معنا مِن غير قصْد من القاضي أبي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وغيره. وكان فنّا عجيبًا. وكان فِي أيّام المسترشد يَخْضِب بالحِنّاء، ويركب حمارًا مخضوبًا بالحِنّاء، وكان يجلس ويجتمع عليه العوامّ، ثُمَّ فَتَر سوقه. ثُمَّ إنّ الوزير عَوْن الدِّين ابن هُبَيْرة نَفَقَ عليه الزَّبِيديّ ورِغب فِيهِ. وسمعت جماعة يحكون عَنْهُ أشياء السكُّوت عَنْهَا أَوْلَى.
ثُمَّ قال: وقيل لي: إنّه يذهب إلى مذهب السّالميَّة، ويقول: إنَّ الأموات يأكلون ويشربون وينكحون فِي قبورهم، والسّارق والشّارب للخمر والزاني لا يُلام على فعله؛ لأنه يفعل بقضاء الله وقدره. وسمعت عليّ بْن عَبْد الملك [ص:104] الأندلسيّ يقول: زاد الزَّبِيديّ فِي أسماء اللَّه تعالى أسامي، ويقول: هُوَ المتمّم، والمبهم، والمظهر، والزّارع.
وقال أبو البركات عَبْد الوهّاب الأنماطيّ: حمل إلي الزبيدي جزءًا صنفه فذكر فِيهِ أنّ لكل ميّتٍ بيتًا فِي الجنَّة وبيتًا فِي النّار، فإذا دخل الجنَّة هُدِم بيته الَّذِي فِي النّار، وإذا دخل النّار هُدِم بيته الَّذِي فِي الجنَّة.
قلت: وحفيداه اللذان رويا " الصّحيح " هما الْحَسَن والحسين ابنا المبارك بْن مُحَمَّد.
وقال ابن عساكر: قال ولده إِسْمَاعِيل: كان أبي فِي كلّ يومٍ وليلة من أيّام مرضه يقول: اللَّه اللَّه؛ قريبًا من خمسة عشر ألف مرَّة، وما زال يقول الله الله حتى طفئ، تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
وقال أَحْمَد بْن صالح بْن شافع: كان له فِي علم الأصُول وعِلْم العربيَّة حظٌّ وافر، وقد صنَّف كتبًا في فنون العلوم تزيد على مائة مصنَّف. ولم يضيّع شيئًا من عمره. ثُمَّ بالغ الْجِيلي فِي تعظيمه، وقال: كان يَخْضِب بالحناء ويعتمّ متلحّيًا دائمًا. حُكيت لي عَنْهُ من جهاتٍ صحيحة غير كرامة، منها رؤيته للخَضِر وجماعة من الأولياء.(12/102)
184 - مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن عثمان بْن محمد، أبو طاهر السبخي، البزدوي الْبُخَارِيّ الصّابونيّ الفقيه الزَّاهد. [المتوفى: 555 هـ]
سمّعه أَبُوهُ بقرية وَرْكى أجزاء من الإمام المعمّر أبي مُحَمَّد عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّبَيْريّ. وسمع القاضي: أَبَا اليُسْر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الحسين البزدوي، وعلي بن أحمد بن خذام، وأبا صادق أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الزَّنْدي، وجماعة. وُلِدَ بعد الثمانين وأربع مائة. وكان فقيهًا صالحًا صحِب يُوسُف الهَمَذانِيّ الزَّاهد، وإبراهيم الصّفّار الزَّاهد واختصَّ به.
روى عَنْهُ أبو سَعْد السمعاني، وأثنى عليه، وولده عبد الرحيم، توفي في جمادى الأولى ببخارى.
قلت: ومن شيوخ السَّمْعانيّ وابنه: أبو طاهر مُحَمَّد بْن أبي بكر السنجي [ص:105] المروزي المؤذن يشتبه بأبي طاهر مُحَمَّد بْن أبي بَكْر السَّبَخيّ هذا، فينبغي أنّ يُتَفَطَّنَ له.(12/104)
185 - المبارك بْن المبارك بن هبة الله، ابن المعطوش، أبو القَاسِم بْن أبي المعالي البغداديّ التّاجر السّفّار. [المتوفى: 555 هـ]
سمع أَبَا العزّ مُحَمَّد بْن الْمُخْتَارِ، وحدث.
قال أخوه أبو طاهر المبارك ابن المعطوش: تُوُفّي أخي بدمشق سنة خمسٍ وخمسين.
قلت: وسمع من ابن بيان أيضًا. روى عَنْهُ دَاوُد بْن الفاخر.(12/105)
186 - المبارك بْن هبة اللَّه بْن عليّ بْن العقّاد، أبو المعالي البغداديّ، المؤدِّب. [المتوفى: 555 هـ]
سمع من طِراد الزَّيْنَبيّ، وأبي الْحَسَن الأنباريّ الأقطع، وابن طَلْحَةَ النَّعَاليّ.
وقد سمّاه السَّمْعانيّ فِي " الذَّيل ": المبارك بْن الْحُسَيْن، وإنّما هُوَ ابن أبي الْحُسَيْن.
روى عَنْهُ أبو الْحَسَن الشّهْرسْتانيّ، وأبو مُحَمَّد بْن الأخضر.
مات فِي صَفَر سنة خمس، وله خمسٌ وثمانون سنة.(12/105)
187 - المبارك بْن أبي الفضل البغداديّ الطّبّاخ المؤدِّب. [المتوفى: 555 هـ]
سمع أَبَا الفضل بْن خَيْرُون، وتُوُفيّ في ذي العقدة.
روى عَنْهُ عُمَر الْقُرَشِيّ الدّمشقيّ، وغيره.(12/105)
• - مجاهد الدِّين، واقف المدرسة المجاهديَّة، واسمه بُزَان، [المتوفى: 555 هـ]
وقد ذُكِر.(12/105)
188 - مَسْعُود بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِدِ بْن أَحْمَد بْن الْعَبَّاس بْن الحُصَيْن، أبو مَنْصُور بْن أبي الفَرَج الشَّيْبَانيّ، الكاتب. [المتوفى: 555 هـ]
بغداديّ جليل، حَدَّث عن أبي الخَطَّاب بْن البطِر، وطبقته. [ص:106]
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبتُ عَنْهُ، ولا أعرف من حاله شيئًا. وسمعته يقول: وُلِدتُ سنة سبْعٍ وستِّين وأربع مائة. وتُوُفيّ فِي أواخر ذي الحجَّة.
قلت: وأخبرونا عن ابن المُقَيّر أن مسعود بن الحصين أجاز له: أخبرنا أبو الخطاب علي بن عبد الرحمن بْن الجرّاح. وقد سمع أيضًا من رزق اللَّه، وأبي الْحَسَن الأنباريّ، وطِرَاد. وقرأ القراءات على أَبِي مَنْصُور الخيّاط. وطلب، وكتب ما لا يوصف. وكان ثقة.(12/105)
189 - ملكشاه ابن السّلطان محمود بْن مُحَمَّد السَّلْجُوقيّ. [المتوفى: 555 هـ]
تُوُفّي بإصبهان في ربيع الأول؛ قاله ابن الْجَوْزِيّ. فقيل: إنه سُمّ، وسبب ذلك أنه لمّا كثُر جَمْعُه بإصبهان فِي السَّنَة الماضية أرسل إلى بغداد وطلب أنّ تُقْطَع خطبة عمه سليمان شاه، وتُقام له الخطْبة، ويعيدوا القواعد القديمة، فوضع ابن هبيرة الوزير خادمًا اسمه غلبك الكوهرائي، فمضى واشترى جاريةً بألف دينار، وباعها لملِكْشاه، وقرَّر معها أنْ تسُمَّه، ووعدها أمورًا عظيمة، فسمّته فِي لحمٍ مَشْويّ، فأصبح ميّتًا، فضُرِبتْ فأقَرَّت. وملك إصبهان بعده عمُّه سُلَيْمَان شاه، فلم تَطُل مدتَّهُ، ومات بعد سنة.(12/106)
190 - مَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، أبو المظفَّر بْن أبي الفضل المسعوديّ، المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 555 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان أحد الفُضَلاء المبرّزين، وأحد الدُّهاة الأجلاد. وكان كثير المحفوظ، مليح الشَّعْر. سمع الإمام أَبَا المظفَّر جدّي، وإسماعيل النّاقديّ، وأبا جَعْفَر أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الخُزَاعيّ. وبنَيْسَابور أَبَا بَكْر الشِّيرُويّيّ، وغيره.
روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابنه عبد الرحيم، وآخرون.
وولد سنة إحدى وثمانين وأربع مائة، وتُوُفيّ فِي أواخر رجب.(12/106)
191 - يحيى بن سعد بن مظفر، القاضي أبو الوفاء البغداديّ، عُرِف بابن المرخّم. [المتوفى: 555 هـ]
اشتغل بالطَّبّ والنّجوم ومذهب الأوائل، حَتَّى انطفأ نور إيمانه، وتقدَّم، [ص:107] ورَأس إلى أنّ ناب فِي القضاء عن عليّ بْن الْحُسَيْن الزَّيْنَبيّ، وعلا شأنه. ثُمَّ وُلّي أقضى القُضاة، وظَلَم، وعَسَف، وارتشى. وكان من سيئات المقتفي. وكان يتظاهر بالفلسفة، فَلَمّا مات مخدومه واستُخِلف المستنجد سجنه مُدَيدة، ثُمَّ أخرج من السِّجن ميّتًا فِي شوّال سنة خمس. وله نَظْمٌ جيّد.
ذكره عليّ بْن أنجب فِي قضاة بغداد.(12/106)
192 - يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن رافع، أبو اليُمْن ابن تاج القراء، الطُّوسيّ، [المتوفى: 555 هـ]
أخو عليّ.
سمع البانياسيّ، وأبا الْحَسَن الأنباريّ، ورزق اللَّه. وعنه ابن سُكَيْنَة، وابن الأخضر.
ولد سنة سبْعٍ وسبعين وأربع مائة، ومات فِي ربيع الآخر.(12/107)
-سنة ست وخمسين وخمس مائة(12/108)
193 - أَحْمَد بْن ظَفَر، أبو الوفاء الثّقفيّ الإصبهانيّ المُعَدَّل. [المتوفى: 556 هـ]
مات فِي أول السَّنَة.(12/108)
194 - أَحْمَد بْن كبيرة بْن مقلّد، أبو بَكْر الأَزَجيّ، الخّزاز، الصّالح، العابد. [المتوفى: 556 هـ]
سمع أَبَا القَاسِم بْن بيان، وابن ملَّة المحتسب. روى عَنْهُ أَحْمَد بْن يحيى بْن هبة اللَّه، وعبد العزيز بْن الأخضر.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل.(12/108)
195 - أَحْمَد بْن المبارك بْن عَبْد الباقي بْن مُحَمَّد بْن قفرجل الذهبي، أبو القاسم البغدادي القطان. [المتوفى: 556 هـ]
شيخ مسند مستور. سمع عاصم بن الحسن، وطِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، ورزق اللَّه التّميميّ، والفضل بْن أبي حرب الْجُرجانيّ، وأبا الغنائم ابن أبي عثمان، وابن خَيْرون، وأبا طاهر الباقِلانيّ، وغيرهم.
روى عنه أبو سعد ابن السَّمْعانيّ، وسعد بْن طاهر البلْخيّ، وزيد بْن يحيى البيّع، وأبو هُرَيْرَةَ مُحَمَّد بْن ليث الوسطانيّ، وجماعة. وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة ابن المُقَيَّر.
وكان له أخٌ اسمُه باسمه أَحْمَد حدُّث أيضًا بشيء عن شيوخ أخيه، وتُوُفيّ قديمًا.(12/108)
196 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن عَبْد الوهاب، أبو المحاسن ابن أبي نصر ابن الدّبّاس. [المتوفى: 556 هـ]
من أرباب البيوتات الكبار ببغداد، ومن ذريَّة القَاسِم بْن عُبَيْد اللَّه الوزير. أديب، كاتب، شاعر، قعد به الوقت، وصار ينسخ بالأجرة. سمع النعالي، وطرادًا الزَّيْنَبيّ. روى عَنْهُ ابن سُكَيْنَة، ويوسف بْن المبارك الخفاف.
تُوُفّي رحمه اللَّه فِي المحرَّم.(12/108)
197 - أحمد بن هبة الله بن محمد، أبو عبد الله ابن الفُرْضيّ، بسكون الراء، البغداديّ المقرئ. [المتوفى: 556 هـ]
قرأ بالروايات على أبي ياسر الحمّاميّ، وثابت بْن بُنْدَار، وعبد العزيز بْن عليّ الخبّاز، ومحمد بْن أَحْمَد الوِقاياتيّ، وجماعة. وسمع من رزق اللَّه التّميميّ، وعليّ بْن قريش. وجماعة.
روى عَنْهُ أَحْمَد بْن طارق، وابن الأخضر، وجماعة. وقرأ عليه بالروايات أبو الفتوح ابن الحُصْريّ.
وكان عالي الإسناد فِي القراءات. سكن الدَّسْكَرة وخطب بها. وكان القرّاء يقصدونه لعُلُوّ روايته. وكان صالحًا، خيّرًا، مُسِنًّا، تُوُفّي فِي جمادى الآخرة.
ذكره ابن الدبيثي، والمحب ابن النّجّار.(12/109)
198 - إِبْرَاهِيم بْن دينار بْن أَحْمَد، أبو حكيم النَّهْرَوَاني، الفقيه الحنبليّ، [المتوفى: 556 هـ]
من علماء بغداد.
كان من المشهورين بالزهد والورع، والحلم الزائد، وإليه كان المرجع فِي عِلم الفَرَائض. أنشأ مدرسة من ماله بباب الأَزَج، وانقطع بها للعِلْم والعمل. وكان يُؤثِر الخُمول والتّواضع والعَيْش الخَشِن، ويقتات من خياطة يده، فيأخذ على القميص حبَّتين فقط.
ولقد اجتهد جماعةٌ فِي إغضابه وإضجاره فلم يقدروا. وكان صَبُورًا على خِدْمة الفقراء والعجائز والزَّمْنَى، ولم يُرَ عابسًا قَطّ.
سمع أَبَا الْحَسَن العلاف، وابن بيان الرّزّاز، وغيرهما. روى عَنْهُ أبو الفرج ابن الْجَوْزِيّ، وابن الأخضر، وأبو نصر عُمَر بْن مُحَمَّد المقرئ.
وكان صدوقًا، صحيح السّماع. وُلِدَ سنة إحدى وثمانين وأربع مائة. وسمع أيضًا من أبي الخطّاب الكَلْوَذَانيّ. وتفقّه على صاحبه أبي سَعْد بْن حمزة، وقرأ عليه كثيرًا.
قال ابن الْجَوْزِيّ: أعَدْتُ درسَه بمدرسة ابن الشَمحل، فلما توفي [ص:110] درّست بعده بها. وكان يُضرب به المَثَل في الحلم والتواضع. قرأت عليه القرآن والمذهب. وقرأتُ بخطّه على ظهر جزءٍ له: رَأَيْتُ ليلة الجمعة عاشر رجب سنة خمسٍ وأربعين فيما يرى النّائم، كأنّ شخصًا فِي وسط داري قائمًا، فقلت له: من أنت؟ قال: الخَضِر، وقال:
تأهّب لِلذي لا بُدّ منه ... من الموت الموكَّل بالعباد
ثُمَّ كأنّه علِم أنّني أريد أن أقول له: هَلْ ذلك عن قُرْبٍ؟ فقال: قد بقي من عُمرك اثنتا عشرة سنة تمام سِنِيّ أصحابك. وعُمري يومئذ خمسٌ وستّون سنة.
قال ابن الجوزي: فكنت أترقَّب صحَّة هذا، ولا أفاوضه، فمرض اثنين وعشرين يومًا، وتوفي في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ست وخمسين.
قلت: إنّما يكون اثنتي عشرة سنة إذا حسبنا السَّنَة التي رَأَى فيها والتي تُوُفّي فيها.(12/109)
199 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو إسحاق الهَمَذانِيّ الخطيب. [المتوفى: 556 هـ]
وُلِدَ سنة خمسٍ وسبعين، وسمع من نصر بْن مُحَمَّد بْن زيرك المقرئ. كتب عنه السمعاني.(12/110)
200 - حاتم بْن شافع بْن صالح، أبو الفتح الجيليّ، [المتوفى: 556 هـ]
بوّاب دار الخلافة، أخو صالح بْن شافع.
روى عن جعفر ابن الحكَّاك، وأبي مَنْصُور الخيّاط. وعنه ابن الأخضر، وداود بن معمر، وغيرهما.
مات فجاءة فِي ربيع الآخر سنة ستٍّ وخمسين، وله سبعون سنة.(12/110)
201 - الْحُسَيْن بْن الْحُسَيْن، الملك علاء الدين الغوري [المتوفى: 556 هـ]
صاحب الغُور.
تُوُفّي بعد رجوعه من محاصرة مدينة غَزْنَة. وكان من أجْوَد الملوك سِيرةَ في رعيته. وتملك بعده ابنه الملك سيف الدين محمد فأطاعه الناس وأحبوه. وكان قد كثُر فِي جبالهم الإسماعيليَّة، فأخرجهم من تلك الأرض، ونظفها [ص:111] منهم، وراسل الملوك وهاداهم، واستَمال صاحب نَيْسابور المؤيِّد أي أَبَه وهادنه.(12/110)
202 - حمزة بْن عليّ بْن طَلْحَةَ، أبو الفُتُوح البغداديّ. [المتوفى: 556 هـ]
روى عن أبي القَاسِم بْن بيان، وولي حَجَبَة الباب، ثُمَّ الخزانة. وكان قريبًا من المسترشد، وولي المقتفي وهو على ذلك. وبنى مدرسةً إلى جانب داره، وحجَّ، وتزهَّد، وانقطع فِي بيته حَتَّى تُوُفّي. وكان محتَرمًا يزوره الأكابر والدّولة.(12/111)
203 - سليمان شاه ابن السلطان محمد ابن السّلطان مَلِكْشاه، السّلطان السَّلْجُوقيّ. [المتوفى: 556 هـ]
كان فاسقًا، مُدمْن الخمر، أهوج أخرق. قال ابن الأثير: شرب الخمر فِي رمضان نهارًا، وكان يجمع المَسَاخِر، ولا يلتفت إلى الأمراء، فأهمل العسكر أمْرَه، وصاروا لا يحضرون بابه. وكان قد ردّ الأمور إلى الخادم شرف الدين كردباز، أحد مشايخ الخدام السَّلْجُوقيَّة. وكان الخادم يرجع إلى دين وعقل، فاتفق أن السلطان شرب يَوْمًا بظاهر هَمَذَان، فحضر عنده كُرْدَباز فكشف له بعضُهُم سَوْأتَهُ، فخرج مُغْضِبًا. ثُمَّ إنّه بعد أيّام عَمَد إلى مَسَاخِر سُلَيْمَان شاه فقتلهم، وقال: إنّما أفعل هذا صيانة لمُلْكك، فوقعت الوَحْشَة. ثُمَّ إنّ الخادم عمل دعوةً حَضَرَها السّلطان، فقبض الخادم على السّلطان بمعونة الأمراء، وعلى وزيره محمود بْن عبد العزيز الحامديّ فِي شوّال سنة خمس وخمسين، وقتلوا الوزير، وجماعة من خاصَّة سُلَيْمَان شاه، وحبسه فِي قلعة، ثُمَّ بعث من خنقه فِي ربيع الآخر سنة ستٍّ. وقيل: بل سمّه.
وقد ذكرنا من أخباره فِي الحوادث.(12/111)
204 - طلائع بْن رزُيّك، الأرمنيّ ثُمَّ الْمَصْرِيّ الشّيعيّ الرّافضي، أبو الغارات، وزير الدّيار المصرية، الملقَّب بالملك الصّالح. [المتوفى: 556 هـ]
كان واليًا على الصَّعيد، فَلَمّا قتل الظافر سيَّر أهل القصر إلى ابن رزُيّك واستصرخوا به، فحشد وأقبل وملك ديار مصر، كَمَا ذكرنا فِي ترجمة الفائز، [ص:112] واستقلّ بالأمور، وكانت ولايته فِي سنة تسعٍ وأربعين.
وكان أديبًا، شاعرًا، سَمْحًا، جوادًا، محِبًّا لأهل الفضائل، وله "دِيوان" شِعْر صغير.
ولمّا مات الفائز وبويع العاضد استمرّ ابن رُزّيك فِي وزارته، وتزوَّج العاضد بابنته. وكان العاضد من تحت قبضته، فاغترَ بطول السّلامة، وقطع أرزاق الخاصَّة، فتعاقدوا على قتله، ووافقهم العاضد، وقرر مع أولاد الداعي قتْله، وعيَّن لهم موضعا فِي القصر يكمنون فِيهِ، فإذا عبر أبو الغارات قتلوه، فخرج من القصر ليلةً، فقاموا إليه، فأراد أحدهم أنّ يفتح الباب فأغلقه، وما علم لتأخير الأَجَل. ثُمَّ جلسوا له يَوْمًا آخر، ووثبوا عليه عند دخوله القصر نهارًا وجرحوه عدَّة جراحات، ووقع الصَّوت، فدخل حَشَمُه، فقتلوا أولئك، ثُمَّ حملوه إلى داره جريحًا، ومات ليومه فِي تاسع عشر رمضان، وخرجت الخِلَع لولده العادل رُزَّيك بالوزارة.
ورثاه عُمَارة اليمنيّ بعدَّة قصائد.
ومن شِعْر أبي الغارات:
ومُهَفْهَفٍ ثملِ القوامِ سَرَتْ إلى ... أعطافه النّشواتُ من عَيْنيهِ
ماضي اللّحاظِ كأنَّما سَلَّتْ يدي ... سيفًا غداةَ الروع من جَفْنَيهِ
قد قلتُ إذ خطّ العِذارُ بمسكةٍ ... فِي خدّه إلْفَيْهِ لا لامَيْهِ
ما الشعر دب بعارضيه، وإنما ... أصداغه نفضت على خَدَّيهِ
النّاسُ طَوْعُ يدي وَأمري نافِذٌ ... فيهمْ وقلبي الآنَ طَوْعُ يَدَيهِ
فاعْجَبْ لسلطان يعمُّ بعدْلِهِ ... ويجُورُ سلطانُ الغرامِ عليهِ
وله أشعار كثيرة فِي أهل البيت تدلّ على تشيّعه، وسوء مذهبه، حَتَّى قال الشّريف الجوانيّ: كان فِي نصر المذهب كالسّكَّة المُحْمَاة، لا يفري فرِيَّة، ولا يُبارَى عَبْقَريَّة، وكان يجمع العلماء من الطّوائف، ويناظرهم على الإمامة.
قلت: وكان يرى القَدَر، وصنَّف كتابًا سمّاه: " الاعتماد فِي الرّدّ على أهل العناد " يقرّر فِيه قواعد الرفض، ويعظم بني عبيد. [ص:113]
وقال عُمارة: دخلت عليه قبل قتله بثلاثة أيّام، فناولني قِرطاسًا فِيهِ بيتان من شِعره، وهما:
نحن في غفلة ونوم، وللمو ... ت عيون يقظانة لا تنام
قد رحلنا إلى الحمّامْ سِنينًا ... ليت شِعْري مَتَى يكون الحمام
وقد كان أبو محمد ابن الدّهان النّحْويّ نزيل المَوْصِل شرح بيتًا من شعر ابن رزيك وهو هذا:
تجنَّب سمعي ما تقولُ العَوَاذلُ ... وأصبح لي شُغلٌ، من الغُرّ شاغلُ
فبَلَغه ذلك، فبعث إليه هديَّة سنيَّة.
ولمّا قُتِلَ رثاه عُمارة اليمنيّ، فأبلغ وأجاد حيث يقول:
خربت رُبُوعُ المكْرَمات لراحلٍ ... عُمِرتْ به الأَجْدَاثُ وهي قِفارُ
شَخَصَ الأَنَامُ إليه تحت جنازةٍ ... خُفِضَتْ بِرِفْعة قِدْرِها الأقدارُ
وكأنّه تابوت مُوسَى أُودِعَتْ ... فِي جانبَيْه سَكِينَةٌ وَوَقارُ
وتغايَرَ الحَرَمانِ والهَرَمانِ فِي ... تابوته وعلى الكريم يُغارُ
أنبأني أَحْمَد بْن سلامة، عن عليّ بْن نجا الواعظ قال: قرأت على الملك الصّالح طلائع لنفسه:
قولوا لمغرورٍ بطُول العُمرٍ ... ويْحَك، ما عرفتَ صَرْفَ الدَّهْرِ
نَحْنُ قُعُودٌ والزّمانُ يجري ... والموتُ يغدو نحونا ويسري
يطرق فِي غَسَق وفجرٍ ... وبعده أهوالُ يوم الحشرِ
طُوبَى لِمَنْ جانب طُرُق الشرّ ... ومَرَّ جذْلانَ خفيفَ الظَّهرِ
يمضي ويبقى منه حُسْنُ الذِّكْرِ(12/111)
205 - عبد الحميد بْن إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد، أبو الفَرَج المُوسِيَاباذيّ، الهَمَذانِيّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 556 هـ]
سمع عَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه، والفضل بْن أَحْمَد الزَّجّاجيّ.
مات فِي رمضان عن اثنتين وثمانين سنة.
أخذ عَنْهُ السَّمْعانيّ.(12/113)
206 - عبد الصمد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد البَغَوَيّ الخطيب، [المتوفى: 556 هـ]
من أَهل بَغْشُور.
شيخ صالح، ورع، تقيّ، قانتٌ لله. وُلّي خطابة بغشور مدَّةَ، وكان النّاس يتبرَّكون به، سمع من القاضي أبي سَعِيد بْن أبي صالح البغوي، الدباس.
روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني، وقال: وُلِدَ سنة إحدى وثمانين وأربع مائة.
وتُوُفيّ بِهَرَاة فِي ربيع الأوّل.(12/114)
207 - عَبْد الكريم بْن أبي الفتح عُبَيْد اللَّه ابْن الإمام أبي القَاسِم القُشَيْريّ، أبو المعالي الواعظ. [المتوفى: 556 هـ]
سمع أَبَاهُ، والفضل بْن أَحْمَد الْجُرْجانيّ.
لقيه السمعاني بإسفرايين، وقال: كان يعظ بنَيْسَابور ويقع فِي الرّوافض، فقتلوه فِي أحد الجماديين سنة ستٍّ هذه.(12/114)
208 - عَبْد الملك بْن عَبْد السّلام بْن عَبْد الملك بْن الصَّدْر التَّيْميّ البغداديّ. [المتوفى: 556 هـ]
سمع الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد السّرّاج، وحدَّث، وتُوُفيّ فِي رمضان.
وهو مُقِلّ، سمع منه أَحْمَد بْن طارق الكَرْكيّ.(12/114)
209 - عَبْد الوهّاب بْن محمد بن الحسين، أبو الفتح ابن الصّابونيّ، المالكيّ، المقرئ، الخفّاف، [المتوفى: 556 هـ]
وهو من قرية المالكيَّة التي على الفُرات.
وُلِدَ سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة.
وسمع من أبي عَبْد الله النعالي، ونصر ابن البطر، وأبي طاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن قيداس، وثابت بن بندار، والمبارك ابن الطيوري، وخلق كثير، وسمع ونسخ وحصّل الأصول وروى الكثير. وقرأ القراءات على أبي بَكْر بْن بدران الحلْوانيّ، وأبي العزّ القَلانِسِيّ.
وأقرأ النّاس، وكان قيّمًا بالرّوايات ومعرفتها، ثَبْتًا، صالحًا، حَسَن الطّريقة، روى عَنْهُ عبد العزيز بْن الأخضر، وسِبْطه عُمَر بن كرم. [ص:115]
قال ابن السَّمْعانيّ: هُوَ شيخ صَدُوق، قيِّم بكتاب اللَّه، يأكل من كدّ يده، كتبتُ عَنْهُ.
وقال عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ: تُوُفّي فِي صَفَر.
قلت: وله " أربعون حديثا" رواها عَنْهُ عُمَر بْن كَرَم.(12/114)
210 - عَبْد المنعم بن أبي سهل مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن سعدوَيْه، أبو مُحَمَّد الإصبهانيّ. [المتوفى: 556 هـ]
روى عن أبي الخير بْن رَرَا، روى عَنْهُ محمود بْن مَنْدَهْ أبو الوفاء.
تُوُفّي فِي الثالث والعشرين من شعبان.(12/115)
211 - عدنان بْن مُحَمَّد بْن عدنان، أبو هاشم الزَّيْنَبيّ. [المتوفى: 556 هـ]
سمع من أبي القَاسِم الرَّبَعيّ، وأبي سعد بن خشيش. روى عنه ابن السمعاني، وعبد العزيز بن الأخضر.(12/115)
212 - علي بن محمد بن طاهر بن علي، أبو تراب التميمي الكرميني، [المتوفى: 556 هـ]
أحد الأئمة الكبار.
قال ابن السمعاني: أديب عديم النظير، حافظ لأصول اللغة، لا نعرف فِي زماننا له نظيرًا، ومع هذا الفضل كان ورِعًا عفيفًا كثير التّلاوة والتَّهَجُّد مُتَدَيّنًا مُتْقِنًا لِما ينقله.
سمع من القاضي أبي بَكْر محمود بْن مَسْعُود، وغيره، لقيتُهُ ببُخارى، ومات بكرمينية فِي صَفَر.
قلت: وروى عنه ابنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ.(12/115)
213 - العلاء بْن علي بْن مُحَمَّد بْن علي، أبو الفرج ابن السّواديّ، الواسطيّ الكاتب الشاعر المشهور. [المتوفى: 556 هـ]
من بيت تقدُّم وحشمة، وقد كان أبو الفضل هبة اللَّه بْن الفضل القطّان هجا قاضي القُضاة أَبَا القَاسِم الزَّيْنَبيّ بقصيدته التي أوَّلها:
يا أخي الشرط أَمْلَكُ ... لستُ للثَّلْبِ أترُكُ
وهي زيادة على مائة بيت مشهورة.
فأحضر الزينبي أَبَا الفضل وصفعه، وحبسه مدَّة، ثُمَّ بعد ذلك مدح أبو الفَرَج هذا قاضي القُضاة الزَّيْنَبيّ لمّا قدِم من [ص:116] واسط، فتأخرَّت عَنْهُ جائزته، وتردّد مرّات، فما أجْدَى، فاجتمع بابن القطّان وشرح له حاله، ثم كتب إلى صديق لقاضي القضاة الزينبي:
يا أَبَا الفتح الهجاء إذا ... جاش صدرٌ منه متسع
وقوافي الشعر كامنة ... ولها الشَيطانُ متَّبعُ
فاحْذَرُوا كافاتِ منحدَرٍ ... ما لكم في صفعه طمع
فاتصلت الأبيات بالزَّيْنَبيّ، فأجاز ابن السّواديّ وأرضاه.
وُلِدَ سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة بواسط.
والسَّواديّ: نسبة إلى سواد العراق.
ومن شِعْره:
أشكو إليك ومن صُدُودك أشتكي ... وأظنّ من شَغَفي بأنّك منصفي
وأصدّ عنك مخافةً من إن يُرى ... منك الصدود فيشتفي من يشتفي(12/115)
214 - عُمَر بْن أَحْمَد بْن أبي الْحَسَن، الإمام أبو مُحَمَّد الفَرْغَانيّ المَرغِينَانيّ، [المتوفى: 556 هـ]
نزيل سَمَرْقَنْد.
فقيه، إمامٌ، ورعٌ، متواضع، سمع ببلْخ من أبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السَّمِنْجَانيّ، وإسماعيل بْن أَحْمَد البَيْهَقِيّ، ومحمد بْن أبي القصر السَّجْزِيّ، روى عَنْهُ عَبْد الرحيم بْن أبي سعد السمعاني.
وتوفي في المحرم سنة إذٍ وله سبعون سنة.(12/116)
215 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عبد الملك بن ينكي، أبو حفْص الفَرْخُوزْدِيزِجيّ، النَّسَفيَ، [المتوفى: 556 هـ]
نزيل بُخَارَى.
شيخ صالح، عالم، متمّيز، سمع أَبَا بَكْر البَلَدي، روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.
وعاش خمسًا وستين سنة.(12/116)
216 - قاسم بْن هاشم بْن فُلَيْتَة بْن قاسم بن أبي هاشم العلوي، الحسني، [المتوفى: 556 هـ]
صاحب مكة.
كان ظالمًا جبّارًا، صادر المجاورين وأهل مكَّة، وهرب من عسكر الخليفة، فَلَمّا وصل أمير الحاجّ أُرْغُش رتَّب مكانه عمّه عِيسَى، فبقي كذلك إلى رمضان من السَّنَة المقبلة، فجمع قاسم العرب، وقصد عمَّه، فهرب منه، فأقام بمكَّة أيّامًا ولم يكن له مالٌ يوصله إلى العرب، ثُمَّ إنّه قتل قائدًا كان معه، فتغيرت نيات أصحابه وكاتبوا عمه عِيسَى فقدِم، وهرب قاسم، فصعِد جبل أبي قُبَيْس، فسقط عن فَرَسه، فأخذه أصحاب عِيسَى فقتلوه، فتألم عمه لقتله وغسَّله، ودفنه عند أَبِيهِ فُلَيْتَة، واستقرّ الأمر لعيسى.(12/117)
217 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، القاضي أبو طاهر ابن الكَرْخِيّ، [المتوفى: 556 هـ]
قاضي باب الأَزَج.
ولي قضاء واسط أيضًا، وطالت أيّامه فِي القضاء، وهو الَّذِي حكم بفسْخ خلافة الراشد.
تُوُفّي فِي ربيع الأول.
سمع من النعالي، والحسين ابن البُسْريّ، وعنه ابن الأخضر.(12/117)
218 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صَدَقة، الوزير جلال الدِّين أبو الرِّضا. [المتوفى: 556 هـ]
وَزَرَ للراشد بالله، وكان هُوَ المدبر لأموره، وكان الراشد مهيبًا، جبّارًا، ذا سطوةٍ، فخاف منه ابن صدَقَة، فصار إلى متولّي المَوْصِل الأتابَك زنكي، ثُمَّ صلُح أمرُه عند الراشد، فعاد إلى بغداد؛ فَلَمّا خرج الراشد من بغداد سنة ثلاثين تأخّر الوزير ابن صَدَقة عَنْهُ، فَلَمّا خُلِع الراشد وبويع المقتفي استخدم المقتفي ابن صَدَقة فِي غير الوزارة.
وكان يرجع إلى خيرٍ ودين، وحدث عن أبي الحسن ابن العلاف.
سمع منه أَحْمَد بْن شافع، وعمر بْن عليّ الْقُرَشِيّ.
وُلِدَ سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة، وتُوُفيّ فِي شعبان ببغداد.
وروى عَنْهُ أَحْمَد بن طارق الكركي.(12/117)
219 - محمد ابن المقرئ أبي طاهر أحمد بن علي بْن عُبَيْد اللَّه بْن سِوار، أبو الفتوح البغداديّ، الوكيل. [المتوفى: 556 هـ]
سمع أَبَاهُ، وطِرادًا، وأبا الفضل عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الدّقّاق، وجماعة.
وعنه ثابت بْن مشرِّف، وغيره، وكان عسِرًا فِي التحديث.
مات في جمادى الآخرة.(12/118)
220 - محمد بن أحمد بن عبد الكريم بن محمد، أبو محمد ابن المادح التّميميّ، البغداديّ. [المتوفى: 556 هـ]
شيخ مُعَمَّر عالي الرّواية، كان يروي ستة أجزاء أو نحوها.
سمع أَبَا نصر الزَّيْنَبيّ، وأبا الغنائم بْن أبي عثمان، وأبا الْحَسَن الأنباريّ، وابن البَطِر.
روى عَنْهُ إِبْرَاهِيم بْن محمود الشّعّار، وأحمد بْن طارق، وعمر بْن مُحَمَّد الدِّيَنَوَريّ، وأحمد بْن يحيى بْن هبة اللَّه، وعبد الحقّ بن محمد ابن المقرون، وعبد الرحمن بن عمر ابن الغزال، ونصر بن أبي الفرج ابن الحُصْريّ، وعليّ بْن بُورنْداز، وثابت بْن مشرِّف، وعبد اللّطيف بْن عَبْد الوهّاب بْن مُحَمَّد الطَّبَريّ، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أبي حرب النَّرْسيّ، وطائفة سواهم.
وتُوُفيّ فِي ذي القعدة.
وكان أَبُوهُ ينوح على الصَّحابة بالقصائد، ويمدحهم فِي المواسم بصوتٍ طيّب مُلَحَّن.(12/118)
221 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن زِبْرِج، أبو مَنْصُور البغداديّ، النَّحْويّ، المعروف بالعتَّابيّ، [المتوفى: 556 هـ]
صاحب الخطّ المنسوب.
أخذ العربيَّة عن: أبي السعادات ابن الشجري، وأبي منصور ابن الجواليقيّ، وسمع من قاضي المرِسْتان، وكان من كبار النُّحاة، وخطُّه يتنافس فِيهِ الفُضَلاء.
تُوُفّي في جمادى الأولى، وقد جاوز السبعين.(12/118)
222 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، أبو عَبْد اللَّه الشّاشيّ. [المتوفى: 556 هـ]
فقيه، عابد، خيّر، تفقَّه بمَرْو على مُحيي السُّنَّة البَغَوَيّ، وحدَّث عنه [ص:119] " بالأربعين الصُّغرى " له، رواها عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ.
وتُوُفيّ فِي شعبان، وله بِضْعٌ وسبعون سنة.(12/118)
223 - محمد بن محفوظ، أخي مسعود بن الحسن بن القاسم بن الفضل، الثقفي، الإصبهانيّ، أبو طَالِب الرئيس. [المتوفى: 556 هـ]
تُوُفّي فِي ذي القعدة، قاله عَبْد الرحيم الحاجّيّ.(12/119)
224 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يعيش، أبو عَبْد اللَّه اللَّخْميّ، البَلَنْسِيّ، [المتوفى: 556 هـ]
نزيل شاطِبَة.
روى عن أبي علي بن سكرة، وأبي محمد بن خيرون، وحج سنة ست وخمسمائة، وأقام بمصر مدَّة، وسمع أَبَا بَكْر عَبْد الله بن طلحة اليابري، وأبا الحسن ابن الفرّاء، وأبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد الرّازيّ، وأبا بَكْر الطُّرْطُوشيّ، ورافع بْن دغش.
قال أبو عَبْد اللَّه الأَبَّار: كان ثقة ولم يكن له كبيرُ معرفة، حَدَّثَ عَنْهُ صهره أبو عبد الله ابن الخباز، وأبو عمر بن عياد.
وكان مولده سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة.(12/119)
225 - مُحَمَّد بْن المؤيِّد بْن عَبْد المنعم بْن روح الإصبهانيّ، أبو عَبْد اللَّه. [المتوفى: 556 هـ]
تُوُفّي فِي آخر السنة.(12/119)
226 - محمود بْن مُحَمَّد، الخاقان التُّركيّ، [المتوفى: 556 هـ]
صاحب ما وراء النهر، وابن أخت السلطان سنجر السلجوقي.
قد ذكرنا من أخباره في الحوادث، وأنه ولي ملك خراسان من تحت يد الغز، لا بارك اللَّه فيهم، فَلَمّا كان فِي وسط سنة ستٍّ هذه سار بالغُزّ، وحاصر نيسابور شهرين، وكان من تحت، حكمته الغُزّ، فأظهر أنه يريد الحمّام، وهرب من الغُزّ إلى المؤيِّد أي أَبَه صاحب نَيْسابور. ثُمَّ ترحّلت الغُزّ عن نَيْسابور بعد أشهُر، فعاثوا وأفسدوا، ونهبوا طُوس، والمشهد. ثُمَّ أمهله المؤيِّد إلى رمضان من سنة سبْعٍ الآتية، فقبض عليه وعلى ابنه الملك جلال الدِّين [ص:120] مُحَمَّد، وكحّلهما، وسجنّهما، واستولى على ذخائر محمود وجواهره، وقطع خطْبته، وخطب لنفسه بعد الخليفة، فلم تطُلْ أيّامُهما فِي الحبْس، ومات السّلطان محمود، ثُمَّ مات بعده ابنه مُحَمَّد، وكان قد أكرمهما فِي الحبس بعضَ الشَّيء، ونقل إليهما سراريهما، ولا أعلم مَتَى تُوُفّيا، فلعلّه فِي سنة ثمانٍ وخمسين.(12/119)
227 - مقبل بْن أَحْمَد بْن بركة بْن الصَّدْر، أبو القَاسِم الْقُرَشِيّ، التَّيْميّ، الطّلْحيّ، البغداديّ، القزّاز، المعروف بابن الأبيض الحنبليّ. [المتوفى: 556 هـ]
فقيه، إمام، فَرَضِيّ، صالح، مقرئ، مجوّد، قرأ بالرّوايات على أبي غالب مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد القزّاز، وسمع من ثابت بْن بندار، وأبي الحسين المبارك بن عبد الْجَبَّار، وأبي القَاسِم الرَّبَعيّ، والعلاف، وجماعة.
ووُلِد في سنة ست وثمانين وأربعمائة، وعاش سبعين سنة.
روى عَنْهُ أبو مُحَمَّد بن الأخضر، وريحان بْن تيكان، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن اليُعْسُوب، وثابت بن مشرف، وغيرهم.
توفي في ربيع الآخر، قاله ابن النّجّار، وآخر من روى عَنْهُ ابن اللَّتّيّ.(12/120)
228 - مَنْصُور بْن أبي فوناس، أبو عليّ. [المتوفى: 556 هـ]
فقيه مُشَاوَر.
روى بالأندلس عن: أبي عليّ الصَّدَفيّ، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب.
ومات فِي عشر التسعين، يعرف بالزرهوني.
تفقَّه به أهل فاس، وحدَّث عَنْهُ جماعة.(12/120)
229 - مَنْصُور بْن مُحَمَّد بْن أَبِي القَاسِم بْن مُحَمَّد بن أبي جعفر ابن التيتي، الكُشْمَيْهَنيّ، الأمير أبو الغنائم [المتوفى: 556 هـ]
ابن الأمير أبي جعفر، صاحب التقدم والرياسة بمَرْو.
نظر فِي الفلسفة والنُّجوم، وضيّع أمواله فِي اللَّهْو والعِشْرة، وقَلّ ما بيده، وأصابته فِي الآخر زمانَةٌ من النّقْرس. سمع أَبَا المظفر منصور ابن [ص:121] السَّمْعانيّ، وأبا نصر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن صاعد القاضي، وجماعة. وعنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ.
وتُوُفيّ فِي رمضان وله خمسٌ وثمانون سنة وأشهر.(12/120)
230 - هبة اللَّه بْن عبد العزيز بْن المفرّج بْن عَمْرو بْن مَسْلَمَة، أبو المعالي التُّنوخيّ، الدمشقي، العدل، الطيبي. [المتوفى: 556 هـ]
سمع هبة الله ابن الأكفانيّ. رَوَى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن صَصْرى. وقد حجّ مرّات.
وكان صالحًا، كثير الصَّدَقَة، توفي في رجب، ودفن بقاسيون.(12/121)
231 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن يحيى بْن سَعِيد بن سعدون بن زيدون، أبو بكر الفهري القُرْطُبيّ. [المتوفى: 556 هـ]
روى عَنْ أبيه وتفقّه به. وروى عن أبي عبد الله ابن الطّلاع، وخازم بْن مُحَمَّد، وأبي عَبْد اللَّه بْن حمدين، وأبي عَبْد اللَّه بْن خليفة المَروانيّ، وجماعة.
قال الأَبَّار: وكان فقيهًا، حافظًا، مشاورًا في الأحكام. ثم انتقل من قرطبة إلى لبلة وتجوّل فِي الأندلس. حَدَّثَ عَنْهُ أبو القَاسِم القَنْطريّ، وأبو بَكْر بْن خير، وأبو القَاسِم بْن الملجوم. وكان مولده فِي رمضان سنة سبع وسبعين وأربعمائة. وتوفي بإشبيلية.(12/121)
-سنة سبع وخمسين وخمسمائة(12/122)
232 - أَحْمَد بْن عُمَر بْن أبي بَكْر بْن عُمَر بْن خالُوَيْه الإصبهانيّ. [المتوفى: 557 هـ]
فِي رمضان.(12/122)
233 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الفتح الإصبهاني. [المتوفى: 557 هـ]
سمع عَبْد الوهّاب بْن أبي عَبْد اللَّه بْن مَنْدَهْ. روى عَنْهُ أبو الوفاء محمود بْن مَنْدَهْ، وتُوُفيّ فِي ربيع الآخر.(12/122)
234 - أَحْمَد بْن يحيى بْن أَحْمَد بْن زَيْدِ بْن ناقة، أبو الْعَبَّاس المُسْليّ الكوفيّ. [المتوفى: 557 هـ]
شيخ محدّث سمع بنفسه، ورحل إلى بغداد، ونسخ وحصَّل، سمع أَبَا البقاء الحبّال، وأبا الغنائم النَّرْسيّ، وهبة اللَّه بْن أَحْمَد المَوْصِليّ، وأبا مُحَمَّد التّككيّ. وله شَعْرٌ وسَط. روى عَنْهُ أبو سَعْد السمعاني.
ومولده في سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
وممّن روى عَنْهُ مسمار بْن العُوَيْس، ونصر اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مدلّل. وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المُقَيَّر.
وتُوُفيّ يوم عيد الفِطْر بالكوفة.(12/122)
235 - أَحْمَد بْن أبي المظفَّر مُحَمَّد بْن أبي مطيع أَحْمَد بْن مُحَمَّد. القاضي أبو مُطيع الهَرَويّ، ثُمَّ المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 557 هـ]
عالم، فاضل، كثير المحفوظ. سمع عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد السَّرْخَسِيّ، وأبا عَمْرو الفضل بْن أَحْمَد بْن مَتُّوَيْه.
روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السمعاني، وقال: توفي في نصف ربيع الأوّل.
وكان مولده فِي نصف ذي الحجَّة سنة سبْعٍ وسبعين.(12/122)
236 - أسعد بْن الْحُسَيْن، أبو المعالي ابن الشهّرستاني، الدّمشقيّ. [المتوفى: 557 هـ]
سمع أَبَا البركات بْن طاوس، وأبا طاهر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الحِنّائيّ، [ص:123] وهبة الله ابن الأكفاني. روى عنه أبو القاسم ابن عساكر، وقال: كان خيرًا نزل الربوة مدة.(12/122)
237 - أنس بْن عَبْد الخالق بْن زاهر بْن طاهر الشّحّاميّ، أبو هُرَيْرَةَ النَّيْسَابُوريّ. [المتوفى: 557 هـ]
سمع جَدّه، وأبا سَعْد مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن صاعد. كتب عَنْهُ أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وقال: مات تحت الهدم.(12/123)
238 - الْحَسَن بْن عَليّ بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الكريم، القاضي أبو ثابت النَّسَفيَ البَزْدَوِيُّ. [المتوفى: 557 هـ]
سمع جميع مُسْنَد الْحَسَن بْن سُفْيَان من أبي عليّ الْحَسَن بْن عَبْد الملك النَّسَفيَ.
وسمع من عليّ بْن مُحَمَّد بْن خذام صاحب أبي الفضل مَنْصُور الكاغدِيّ مُسْنَد عليّ بْن عبد العزيز البَغَوَيّ.
روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ.
تُوُفّي بِسَمَرْقَنْد وله ثمانون سنة.(12/123)
239 - الْحُسَيْن بن علي بن القاسم بن مظفر ابن الشّهْرُزُورِيُّ، المَوْصِليّ، أبو عَبْد اللَّه قاضي بغداد، مُشاركًا لأبي البركات جَعْفَر الثّقفيّ. [المتوفى: 557 هـ]
روى عن أبي البركات محمد بن محمد بن خميس. أخذ عَنْهُ عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وتُوُفيّ في جمادى الآخرة.(12/123)
240 - حمزة بن أحمد بن فارس بن المنجى بْن كَرُّوس. أبو يَعْلَى السُّلَميّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 557 هـ]
وُلِدَ يوم عيد النحر سنة ثلاثٍ وسبعين وأربعمائة، وسمع من نصر بْن إِبْرَاهِيم الفقيه، وسَهْل بن بشر الإسفراييني، ومكّيّ بْن عَبْد السّلام الرُّمَيْليّ. [ص:124]
قال ابن عساكر: كتبت عنه بعد ما تاب، وكان شيخًا حَسَن السَّمْت، تُوُفّي فِي صَفَر.
قلت: وروى عَنْهُ عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وأخوه عَبْد الوهّاب بْن عليّ، والقاضي عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلطان الْقُرَشِيّ، وأبو القَاسِم بن صَصرى. وآخر من روى عَنْهُ إسحاق بْن طرخان الشّاغُوريّ، وآخر من روى عَنْهُ الموطّأ من رواية يحيى بْن بُكَيْر: مُكْرَم بْن أبي الصَّقْر.
وقد طلب بنفسه وكتب الحديث بخطه.(12/123)
241 - خَلَف بْن مُحَمَّد بْن خَلَف بْن سُلَيْمَان بْن خَلَف بْن مُحَمَّد بْن فَتْحُون. أبو القَاسِم الأندلسيّ، الأُوريُوليّ. [المتوفى: 557 هـ]
سمع أَبَاهُ أَبَا بَكْر، وتفقّه بأبي عليّ بْن سُكَّرَة، وسمع منه. وأجاز له جَدّه أبو القَاسِم خَلَف المذكور فِي سنة خمسٍ وخمس مائة. وقرأ على أَبِي بَكْر بْن عمّار، وكتب إليه أبو عَبْد اللَّه الخَوْلانيّ، وغيره. ووُلّي قضاء مُرْسِيَة، ثُمَّ قضاء أُوريُولَة.
قال أبو عَبْد اللَّه الأَبَّار: كان من قُضاة العدل، صارمًا مَهِيبًا. تُوُفّي فِي جُمادى الأولى، وله اثنتان وستّون سنة، وثكله أهل بلده، وبكوه دهرًا.(12/124)
242 - زُمُرُّد بِنْت الأمير جاولي بْن عَبْد اللَّه، الخاتون، الجّهة، صَفْوة المُلْك، [المتوفى: 557 هـ]
أخت الملك دُقَاق لأمّه، وزوجة الملك بُوري تاج الملوك، وأمّ الملك إسماعيل شمس الملوك ومحمود ابني بوري.
سمعت من أبي الحسن بْن قُبَيْس المالكيّ، ونصر اللَّه بْن مُحَمَّد المصِّيصيّ الفقيه. واستنسخت الكُتُب، وقرأت القرآن على أبي مُحَمَّد هبة اللَّه بْن طاوس، والقُرْطُبيّ. وبَنَت المسجدَ الكبير الَّذِي فِي صنعاء دمشق، ووَقَفته مدرسةً على الحنفيَّة، وهي من كبار مدارسهم وأجْودها معلومًا.
وكانت كبيرة القدر، وافرة الحُرْمة؛ ولمّا خافت من ابنها شمس الملوك دبرت الحيلة في قتله حتى قتل بحضرتها. وأقامت فِي المُلْك أخاه شهاب الدِّين محمود. ثُمَّ تزوّجها الأتابَك قسيم الدّولة زنكيّ والد السّلطان نور الدِّين، وسارت إليه إلى حلب في سنة اثنتين وثلاثين، فَلَمّا مات عادت إلى دمشق ثُمَّ [ص:125] حجّت على درب بغداد، وجاورت إلى أنّ ماتت بالمدينة، ودفنت بالبقيع.
قاله أبو القاسم ابن عساكر بمعناه.
وأمّا خاتون بِنْت مُعين الدِّين أُنُرْ فتأخّرت، ولها مدرسة بدمشق وخانكاه غربيّ البلد.(12/124)
243 - سَعْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أَحْمَد بْن حمدي، أبو البركات، [المتوفى: 557 هـ]
أخو الْحُسَيْن.
بغدادي، صالح، خير، يتجر في البز عند باب النُّوبيّ. سمع نصر بْن البَطِر، والحسين بْن أَحْمَد النَّعَاليّ، وأبا بَكْر الطُّريثيثيّ.
روى عَنْهُ أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وقال: تُوُفّي فِي رابع شعبان. وروى عَنْهُ أبو الفَرَج ابن الْجَوْزِيّ، وابن سُكَيْنَة المقرئ، وجماعة.
ومات ابنه إِسْمَاعِيل سنة أربع عشرة، وسيأتي.(12/125)
244 - سهل بْن مُحَمَّد بْن سهل، الكَمّونيّ، أبو القَاسِم السَّرْخَسِيّ، ثُمَّ المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 557 هـ]
شيخ صالح، خيّر متواضع. سمع أَبَا نصر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الماهانيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق. وتُوُفيّ فِي رمضان وله سبعون سنة.
روى عَنْهُ أبو المظفَّر عبد الرحيم.(12/125)
245 - الشافعي بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَليّ، أَبُو مُحَمَّد المَرْوَزِيّ، الخيّاط الزَّاهد. [المتوفى: 557 هـ]
من صُلحاء مُرِيدي الشيخ يوسف الهمذاني.
قال عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ: كان صالحًا، خيّرًا، ورِعا، كثير العبادة، متواضعًا، يأكل من الخياطة. حملني أبي إليه في سنة سبع وخمسين عائدًا وزائرًا، وقرأ عليه حديثين وحكاية.(12/125)
246 - شجاع الفقيه الحَنَفِيّ، [المتوفى: 557 هـ]
مدّرس مشهد أبي حنيفة ببغداد.
تفقه عليه جماعة، وتُوُفيّ فِي ذي القعدة؛ قاله أبو الفرج ابن الجوزي.(12/126)
247 - صَدَقة بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن وزير، أبو الحسن الواسطيّ الواعظ. [المتوفى: 557 هـ]
قال ابن الدَّبِيثيّ: كان أَبُوهُ من تناء قرية خسرو وبها ولد صدقة، وأحب العلم، وأقبل على طلبه، وقرأ القراءات عَلَى المبارك بْن زُريق الحدّاد، وغيره. وطلب الحديث فسمع فِي حدود الخمسين بالبصْرة من إمامها إِبْرَاهِيم بْن عطيَّة، وبالكوفة من أبي الْحَسَن بْن غَبَرة، وببغداد من أَبِي الوقْت، وأبي جَعْفَر الْعَبَّاسي، وأحمد بْن قَفَرْجَل، وجماعة. وتكلَّم فِي الوعظ، وحصل له الْقَبُولُ، وأخذ نفسه بالمجاهدة والرياضة وإدامة الصَّوم والتَّعَبُّد. وله أتباع من أهل الخير. وسكن بغداد، وأكثَرَ من طَلَب الحديث، وبنى له رِباطًا بقراح القاضي، وسكن فِيهِ جماعة، فكان يخدمهم بنفسه، ويأخذ نفسه بكثرة المجاهدة. سمع منه الشيخ أحمد بن أبي الهياج الذي خَلَفَه بعد موته، وأحمد بْن مبشّر، وعمر بن محمد المقرئ، وجماعة. أخبرنا عمر بن محمد بن هارون، قال: حدثنا صدقة، قال: أخبرنا مُحَمَّد بْن حمزة بْن أبي الصّقْر بمكة، قال: أخبرنا ابن قبيس، قال: أخبرنا أبو الحسن بن أبي الحديد، قال: أخبرنا جدي، قال: حدثنا الخرائطيّ، فذكر حديثًا من "مساوئ الأخلاق".
وقد روى عن ابن أبي الصَّقْر: مُحَمَّد بْن عَبْد الهادي، وعاش بعد صَدَقة مائة سنة وأشهرًا.
وقال ابن الْجَوْزِيّ فِي "المنتظم": دخل صَدَقة بْن وزير إلى بغداد، ولازم التَّقشُّف زائدًا فِي الحدّ ووَعَظ. وكان يصعد إلى المِنْبر وليس عليه فرش. وأخذ قلوب العوامّ بثلاثة أشياء؛ أحدها: التّقَشْف الخارج، والثّاني: التَّمَشْعُر، فإنْه كان يميل إلى مذهب الأشْعَريّ، والثّالث: الترفض، فإنه كان يتكلم في ذلك. وكان إذا جاءه فتوح يقول: سلَّموه إلى أصحابي. فتمّ له ما [ص:127] أراد، وبنى رِباطًا اجتمع فِيهِ جماعة. وتُوُفيّ في ثامن ذي القعدة.(12/126)
248 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مروان بْن سالم، أبو مُحَمَّد التُّنوخيّ المَعَرِّيّ، المعروف بابن المنجّم الواعظ. [المتوفى: 557 هـ]
كان أَبُوهُ ينجّم بدمشق، وكان هُوَ يمشي على الدّكاكين يُنْشِد فِي الأسواق بصوتٍ مُطْرِب. خرج عن دمشق ورجع بعد مدَّةٍ، فكان يعظ فِي الأعزية، ثُمَّ وعظ على الكُرسيّ ورُزِقَ القبول. ثُمَّ سافر إلى العراق وتزَّهد، وظهر له بها سُوق. ثُمَّ رجع إلى دمشق فوعظ، وأقبلوا عليه.
قال ابن عساكر: وكان يُظهِر لكلّ طائفةٍ أنّه منهم حِرصًا على التّحصيل، وطلع صبيّ يتوب فحمله وقال: هذا صغير ما أتى صغيرةً فهل كبيرٌ ركب الكبائر. فضجّ النّاس وبكوا. وحضرنا عزاء أمير المؤمنين المقتفي بدمشق، فقام ورثاه بأبيات، فخلع عليه القاضي أبو الفضل ابن الشّهْرُزُوريّ ثوبه، وقال فِي ذلك اليوم: أنا المُعري لا المَعري. وذكر أشياء أضحك منها الحاضرين.
وقال ابن النّجّار: قَدِمَ بغداد قبل الأربعين وخمس مائة وعليه مسح مثل السّيّاح، وصار له ناموس عظيم ووعظ؛ وازدحموا عليه، وجلس بدار السّلطان، فحضر السلطان مجلسه، وصار له الجاه العظيم، ونفّذه الخليفة رسولًا إلى الموصل، وفشا أمره. وكان مشتهرًا بنكاح الأبكار وأكثر من ذلك، حَتَّى قيلت فِيهِ الأشعار فِي الأسواق، وصار له جَوَارٍ يغنين. وفرَّ من بغداد هاربًا من الغُرَماء، وأقام بدمشق. وله ديوان شِعْر رَأَيْته فِي مجلَّدة، وأنشدنا عَنْهُ ابن سُكَيْنَة، ومن شِعْره:
يا ساهرًا عبراته ذرف ... في الخد إلا أنها علق
أتقيم بعدهم وقد رحلوا ... ومَطيَّتَاكَ الشَّوْقُ وَالْقَلْقُ
وله:
أرى حبّ ذات الطَّوْق يزداد لوعة ... إذا نُحتُ أَوْ ناح الحَمَام المُطَوِّق [ص:128]
وقلبي على جَمْر الوداع مُوَدِّعٌ ... وإنسان عيني بالمدامع تغرق(12/127)
249 - عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان، أبو مروان الإشبيليّ. [المتوفى: 557 هـ]
شيخ الأطبّاء، له مصنَّفات فِي الطّبّ. أخذ عن والده، وتقدَّم فِي الطبّ، ورأس، وشاع ذكره، ولحق بأبيه أبي العلاء زُهْر فِي الصّناعة، وأقبل الأطبّاء على حِفْظ مصنفاته.
وكان واصلًا عند عَبْد المؤمن، عالي القدْر، صنّف له "التِّرْياق السّبعينيّ" ونال من جهته دُنيا عريضة. ومن أجل تلامذته أبو الحسين بن أسدون المصدوم، وأبو بكر ابن الفقيه ابن قاضي إشبيلية، والزَّاهد أبو عِمْرَانَ ابن أبي عِمْرَانَ، ومات بإشبيلية.(12/128)
250 - عَدِيُّ بْن مسافر بْن إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى، الزَّاهد الشَّاميّ، ثُمَّ الهَكَّاريّ سَكَنًا. [المتوفى: 557 هـ]
وذكره الحافظ عَبْد القادر فسمّاه عَدِيّ بْن صخْر الشَّاميّ، وقال: ساح سِنين كثيرة، وصحِب المشايخ، وجاهد أنواعًا من المجاهدات. ثُمَّ إنّه سكن بعض جبال المَوْصِل فِي موضع ليس به أنيس، ثُمَّ آنسَ اللَّه تلك المواضع به، وعمّرها ببركاته حَتَّى صار لا يخاف أحدٌ بها بعد قطْع السّبيل، وارتدع جماعة من مفسدي الأكراد ببركاته، وعمّره اللَّه حَتَّى انتفع به خلْق، وانتشر ذِكره. وكان معلّمًا للخير ناصحًا، متشرّعًا، شديدًا فِي أمر اللَّه، لا تأخذه فِي اللَّه لومةُ لائم. عاش قريبًا من ثمانين سنة ما بَلَغَنا أنّه باع شيئا قَطّ، ولا اشترى، ولا تلبّس بشيءٍ من أمر الدّنيا؛ كانت له غليلة يزرعها بالقدّوم فِي الجبل ويحصدها، ويتقوت منها. وكان يزرع القطن ويكتسي منه. ولا يأكل من مال أحدٍ شيئًا، ولا يدخل منزل أحد. وكان يجيء إلى الموصل فلا يدخلها. وكانت له أوقات لا يُرى فيها محافظة على أوراده. وقد طفتُ معه أيّامًا فِي سواد المَوْصِل، فكان يُصلّي معنا العشاء، ثُمَّ لا نراه إلا الصُّبْح. ورأيته إذا أقبل إلى القرية يتلقّاه أهلها من قبل أنّ يسمعوا كلامه تائبين، رجالهم [ص:129] ونساؤهم، إلا من شاء الله منهم. ولقد أتينا معه على دَيْرٍ فِيهِ رُهْبان، فتلقّاه منهم راهبان، فَلَمّا وصلا إلى الشَّيْخ كشفا رأسيهما وقَبّلا رِجْلَيه وقالا: ادْعُ لنا، فما نَحْنُ إلا فِي بركاتك، وأخرجا طبقًا فِيهِ خُبْزٌ وعَسَل فأكل الجماعة. وأوّل مرَّةٍ خرجت إلى زيارته مع طائفة، فَلَمّا أقبلنا أخذ يحادثنا ويسائل الجماعة ويؤانسهم، وقال: رَأَيْت البارحة فِي النّوم كأنّنا في الجنة، ونحن ينزل علينا شيءٌ مثلُ البَرَد. ثُمَّ قال: الرحمة. فنظرت إلى فوق رأسي، فرأيت ناسًا، فقلت: مَن هؤلاء؟ فقيل: أهل السنة والصيت الحنابلة. وسمعت شخصًا يقول له: يا شيخ، لا بأس بمداراة الفاسق؟ فقال: لا يا أخي، دِينٌ مكتومٌ دِينٌ مَيْشُوم. وكان يواصل الأيّام الكثيرة على ما اشتهر عَنْهُ، حَتَّى أنّ بعض النّاس كان يعتقد أنّه لا يأكل شيئًا قَطّ. فَلَمّا بلغه ذلك أخذ شيئًا، وأكله بحضرة النّاس. واشتهر عَنْهُ من الرّياضات، والسّير، والكرامات، والانتفاع به ما لو كان في الزمان القديم لكان أُحْدُوثة. ورأيته قد جاء إلى المَوْصِل فِي السَّنَة التي مات فيها، فنزل فِي مشهدٍ خارج المَوْصِل، فخرج إليه السّلطان وأصحاب الولايات والمشايخ والعوامّ، حَتَّى آذوه ممّا يقبّلون يده فأُجِلس فِي موضع بينه وبين النّاس شباك، بحيث لا يصل إليه أحد إلا رؤيةً، فكانوا يسلّمون عليه وينصرفون. ثُمَّ رجع إلى زاويته فمات على أحسن حالاته.
وقال القاضي ابن خِلِّكان: أصله من قرية بيت فار من بلاد بَعْلَبَكّ، والبيت الَّذِي وُلِدَ فِيهِ من بيت فار يُزار إلى اليوم. وتوجّه إلى جبل الهكّارية من أعمال المَوْصِل، وانقطع فيه، وبنى له هناك زاويةً، ومال إليه أهل البلاد مَيْلًا لم يُسْمَع بِمِثْلِهِ، وساد ذِكْره فِي الآفاق، وتَبِعَه خلْق، وجاوز اعتقادُهم فِيهِ الحّدَ حَتَّى جعلوه قِبْلَتهم التي يُصلّون إليها، وذخيرتهم فِي الآخرة التي يعولون عليها. صحب الشيخ عقيلًا المنبجي، والشيخ حمادًا الدّبّاس، وغيرهما، وقُبِر بزاويته، وقبرُهُ من كِبار المزارات عندهم. وعاش تسعين سنة. وتُوُفيّ سنة سبْعٍ، وقيل: سنة خمسٍ وخمسين.
قلت: قرأت بخطّ الحافظ الضّياء: سَمِعت الشَّيْخ نصر يقول: قدم الشيخ [ص:130] عديّ المَوْصِل سنة ستٍّ وخمسين، وفيها: أخذ من شِعْري، وتُوُفيّ يوم عاشوراء وقت طلوع الشمس سنة سبْعٍ.(12/128)
251 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز، أبو القَاسِم العِجْليّ، البُنْدُكانيّ، المَرْوَزِيّ، [المتوفى: 557 هـ]
وبَنْدُكان على بريدٍ من مَرْو.
سمع الإمام أَبَا المظفَّر السَّمْعانيّ. روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ، وتُوُفيّ فِي عاشر رمضان.(12/130)
252 - عليّ بْن موجود بْن حُسَيْنِ، أبو الْحَسَن النَّظَرِيّ، الكُشَانيّ، [المتوفى: 557 هـ]
وكُشَانِيَّة: من سُغْد سَمَرْقَنْد.
إمام، مُنَاظِر، علامة.
تفقَّه ببُخارَى على البُرْهان عبد العزيز، وبمَرْو على محمد بن الحسن النسفي، وسمع من جماعة. وعاش سبعا وسبعين سِنين، مات فِي ربيع الأول؛ قاله السَّمْعانيّ.(12/130)
253 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن واجب بْن عُمَر بْن واجب، أبو حفص القَيْسيّ، البَلَنْسيّ، [المتوفى: 557 هـ]
شيخ المالكيَّة، وصاحب الأحكام بَبَلنْسِية.
سمع من أَبِيهِ، وأبي مُحَمَّد بْن خَيْرُون، وأبي بحر بْن العاص، وأبي مُحَمَّد البَطَلْيُوسيّ. وتفقّه بأبي مُحَمَّد بْن سَعِيد، وعرض عليه "مختصر المدوَّنة".
وكان بصيرًا بالأحكام، مُفْتيًا، إمامًا كبيرًا. نُوظر عليه فِي حياة أَبِيهِ وبعده. وكان متواضعًا، نَزِهًا، قانعًا، متعفِّفًا، منقبضًا عن السّلطان، حَسَن السَّمْت. وُلّي قضاء دانية.
وكان مولده فِي حدود سنة ست وسبعين وأربعمائة.
روى عَنْهُ حفيده أبو الخَطَّاب أَحْمَد بْن واجب، وأبو عُمَر بْن عيّاد، وأبو عَبْد اللَّه بْن سعادة، وأبو مُحَمَّد بْن سُفْيَان.
وتُوُفيّ فِي سَلْخ رمضان.
قال الأَبَّار: وهو آخر حفاظ المسائل بشرق الأندلس.(12/130)
254 - إلْكِيا الصّبّاحيّ، [المتوفى: 557 هـ]
صاحب الأَلْمُوت، ومُقَدَّم الإسماعيليَّة ورئيس الضُّلال الباطنيَّة.
هلك فِي هذا العام، وقام بعده ابنه فأظهر التوبة وألزم الإسماعيلية الذين عنده الصّلوات وصوم رمضان، وبعثوا إلى قزوين يطلبون مَن يصلّي بهم ويعَّلمهم حدود الإسلام، والله أعلم بالنيات.(12/131)
255 - فضل اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أبو بكر المروزي الفقيه الأديب العابد الصَوَّام. [المتوفى: 557 هـ]
أخذ عَنْهُ السَّمْعانيّ وعاش نيِّفًا وسبعين سنة، مات فِي المحرَّم.(12/131)
256 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن تَغْلِب، أبو عَبْد اللَّه البغداديّ التّاجر السّفّار. [المتوفى: 557 هـ]
تأدب على ابن الجواليقي. وحدث عن أبي القاسم بن بيان، وابن نبهان بدمشق، وغيرها. روى عنه الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم، وقال الحافظ: بلغني أنّه تُوُفّي سنة ثمانٍ وخمسين.
وقال ابن مشق: توفي في سابع عشري ذي القعدة سنة سبْعٍ وخمسين.(12/131)
257 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن محمود، أبو نصر العراقيّ الأَوَانيّ، الكاتب المعروف بالفروخي. [المتوفى: 557 هـ]
كان مستوفيًا على السّواد من قِبَلِ الوزير ابن هُبَيْرة، وله يد طُولَى فِي النَّظْم والنَّثر والرسائل.(12/131)
258 - محمد بن الحسن بن علي بن صدقة، أبو العز ابن الوزير أبي عليّ. [المتوفى: 557 هـ]
سمع "المقامات" من أبي محمد الحريري، وسمع من أبي سعد ابن الطُّيُوريّ. روى عَنْهُ إِبْرَاهِيم بْن محمود الشّعّار. انقطع إلى العبادة وصحب الصوفية، ومات كهلًا.(12/131)
259 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، أبو الفتح الأنباريّ، الخطيب، المُعَدَّل. [المتوفى: 557 هـ]
سمع أَبَا الحسن عليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الأنباريّ. روى عَنْهُ عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ، وأحمد بْن الْحُسَيْن العاقوليّ.
حدُّث فِي هذه السَّنَة، ولم تُحْفَظْ وفاته.(12/132)
260 - مُحَمَّد بْن حمزة بْن أَحْمَد ابن العرقي، التنوخي المصري. [المتوفى: 557 هـ]
من شيوخ السِّلَفيّ، قال: وُلِدَ بمصر سنة خمس وستين وأربعمائة. وذكر أنّه سمع من الخِلَعيّ، وغيره، وقرأ اللّغة على ابن القَطّاع.(12/132)
261 - مُحَمَّد بْن طاهر بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ بْن إسحاق، أبو بَكْر الطُّوسيّ رئيس نَيْسابور. [المتوفى: 557 هـ]
صدْرٌ كبير، سمع فِي أيّام عمّه النّظّام بإصبهان من ابن شكروَيْه، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن ماجه، وسليمان ابن الحافظ. أخذ عَنْهُ السَّمْعانيّ، ومات فِي أوائل العام.(12/132)
262 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو الفتح الْبُخَارِيّ ثُمَّ المَرْوَزِيّ الصَّفّار الفقيه. [المتوفى: 557 هـ]
تفقه على القاضي عبد الرحمن بن عبد الرحيم، وسمع منه، ومن أسعد بْن مُحَمَّد الباهليّ.
أخذ عَنْهُ السَّمْعانيّ، وقال: مات بخُوارَزْم فِي رجب فِي عَشْر الثّمانين.(12/132)
263 - مُحَمَّد بْن مفضَّل بْن سَيّار، أبو نصر. [المتوفى: 557 هـ]
وُلِدَ سنة سبْعٍ وثمانين. وسمع من أبي عطاء المَلِيحيّ، وصاعد بْن سَيّار [ص:133] القاضي. روى عنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ. وبقي بعد أخيه المذكور فِي سنة ثمان وأربعين.
وجدت وفاته فِي "التحبير" للسّمعانيّ فِي ربيع الأوّل هذه السَّنَة.(12/132)
264 - مُحَمَّد بْن النُّعمان بْن محمد بن أبي عاصم، أبو الفتح البالقاني، المَرْوَزِيّ، ويُعرف بأبي حنيفة. [المتوفى: 557 هـ]
كان كثير التلاوة، ملازمًا لصلاة الجماعة، غير أنه كان يشرب الخمر، ويعرف النّجوم. قاله ابن السَّمْعانيّ.
سمع أبا المظفر ابن السمعاني، وإسماعيل بن محمد الزاهري.
وُلِدَ سنة ستٍّ وسبعين، ومات بِهَرَاة فِي شوّال أو ذي القعدة.
روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ.(12/133)
265 - مُحَمَّد بْن أبي بَكْر بْن أبي الخليل، أبو بَكْر التّميميّ، الأندلسيّ، المَرِينيّ. [المتوفى: 557 هـ]
أخذ القراءات عن شُرَيْح، وروى عن ابن خَلَصة النَّحْويّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الخصال. وكان ذا فَهْمٍ ومعرفة؛ أخذ عَنْهُ أبو عبد الله بن نوح الغافقي، وغيره.(12/133)
266 - محمود بن المبارك بن أبي غالب، أبو الثناء البواب. [المتوفى: 557 هـ]
بغدادي، روى عن أبي الحسن ابن العلاف، وابن الطيوري. روى عنه أبو محمد ابن الأخضر، وتوفي في رمضان.(12/133)
267 - المؤيِّد بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو سَعِيد الأُلُوسِيّ الشَاعر. [المتوفى: 557 هـ]
كان منقطعًا إلى الوزير ابن هُبَيْرة، وكان بزيّ الأَجناد. وله ديوان شِعر، وقد أكثر من الهجاء والغَزَل، وجرت له أقاصيص، وسُجِن مدَّة، ثُمَّ أخرج عن بغداد. توفي بالمَوْصِل فِي رمضان وهو فِي عَشْر السّبعين. [ص:134]
والأُلُوس: بالضّمّ وهي ناحية عند حديثة عانة.(12/133)
268 - نصر اللَّه بْن عليّ بْن صالح، أبو الفتح البغداديّ، الصُّوفيّ. [المتوفى: 557 هـ]
سمع أَبَا البركات مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الوكيل. سمع منه بواسط مُحَمَّد بْن عليّ الْأَنْصَارِيّ فِي هذه السَّنَة.(12/134)
269 - هبة الله بن أحمد بن محمد ابن الشِّبْليّ، أبو المظفَّر القصّار، الدّقّاق، المؤذّن. [المتوفى: 557 هـ]
وُلِدَ سنة سبعين وأربعمائة، وسمع من أبي نصر الزَّيْنَبيّ، وهو آخر من سمع منه. وسمع من طِراد، وأبي الغنائم بن أبي عثمان، وأبي نصر ابن المُجْلي، وغيرهم.
روى عَنْهُ إِبْرَاهِيم الشّعّار، وأحمد بن شافع، وأبو بكر الباقداري، وأبو العلاء الهمذاني، وعبد المغيث بن زهير، وأحمد بْن طارق، وأبو طَالِب بْن عَبْد السميع، وأبو الفتوح ابن الحصْريّ، وعبد العزيز بْن الأخضر، وظَفَر وياسين ولدا سالم البيطار، وأبو حفص عُمَر بْن مُحَمَّد السُّهْروردِيّ، وعليّ بْن أبي سَعْد بْن تميرة، وأخته فَرْحة، وزيد بْن يحيى البيَّع، والنَّفيس بْن كرم، وعُبَيْدِ اللَّه بْن عليّ بْن نغوبا وآخر من روى عَنْهُ هبة اللَّه بْن عُمَر بْن كمال القّطان، وتُوُفيّ هُوَ وياسمين فِي سنة أربعٍ وثلاثين.
وتُوُفيّ الشّبْليّ فِي سَلْخ ذي الحجَّة.
وقع لي من طريقه جزءان؛ وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة عجيبة بِنْت الباقداريّ.(12/134)
270 - هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو بَكْر البغداديّ، الحفّار. [المتوفى: 557 هـ]
سمع من رزق اللَّه التّميميّ. كتب عَنْهُ عُمَر بْن عليّ، وإبراهيم ابن الشّعّار. وآخر من روى عَنْهُ إجازة كريمة الزُّبَيْريَّة، وتُوُفيّ فِي شوّال.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحسن الفقيه، وجماعة آخرهم موتًا إبراهيم ابن الشيرازي؛ قالوا: أخبرتنا كريمة، قالت: أخبرنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْحَفَّارُ فِي [ص:135] كتابه، قال: أخبرنا أبو محمد التميمي، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد الواعظ، قال: حدثنا المحاملي، قال: حدثنا أبو الأشعث، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا ابْنُ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو عَلَى أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ " لَيْسَ لك من الأمر شيء " الآية.(12/134)
271 - يحيى بْن بختيار، أبو زَكَرِيّا الشّيرازيّ، ثُمَّ الدمشقي. [المتوفى: 557 هـ]
حدث عن الفقيه نصر المقدسي. روى عنه أبو القاسم ابن عساكر، وقال: تُوُفّي فِي رجب، وله ثمانون سنة.
وروى عَنْهُ أبو المواهب بْن صَصْرَى، وقال: كان صوفيًّا، صالحًا، خيّرًا.(12/135)
272 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن يُوسُف، أبو بَكْر الْأَنْصَارِيّ الغَرْناطيّ الشّاعر المعروف بابن الصَّيْرَفيّ. [المتوفى: 557 هـ]
ألّف "تاريخ الدّولة اللَّمْتُونيَّة". وكان من أعيان شُعرائها، ومُدَّاح أمرائها.
تُوُفّي بأُورْيُولَة وله تسعون سنة.(12/135)
-سنة ثمان وخمسين وخمس مائة(12/136)
273 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن قُدَامة بْن مِقْدام بْن نصر، الرجل الصّالح، أبو الْعَبَّاس المَقْدِسيّ، الْجَمَاعيليّ الحنبليّ، [المتوفى: 558 هـ]
والد الشَّيْخ أبي عُمَر، والشيخ الموفَّق، نزيل سَفْح قاسيون رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وهاجر إلى دمشق سنة إحدى وخمسين وخمس مائة، فنزل بمسجد أبي صالح بظاهر باب شرقيّ نحو سنتين، وانتقل إلى الجبل، وبنى الدَّيْرَ المبارك، وسكن بالجبل. وقد حجّ وجاور، وسمع من رزين العَبْدَريّ "صحيح مُسْلِم"، وحدَّث به. روى عَنْهُ ابناه، وتُوُفيّ فِي شوّال.
وكان صالحًا، زاهدًا، عابدًا، قانتًا، صاحب كرامات وأحوال، جمع أخباره سِبْطُه الحافظ ضياء الدِّين، وساق له عدَّة كرامات، وحكى عن خاله الموفّق، أنّ أَبَاهُ قرأ فِي شهر رمضان بمسجد أبي صالح خمسًا وستّين ختْمة، ثُمَّ حكاها عن الشَّيْخ العماد، عن الشَّيْخ أَحْمَد، أنّه قرأ ذلك.
وقال العماد: كان الشَّيْخ أَحْمَد بين عينيه نور لا يكاد أحدٌ يراه إلا قَبَّل يده.
قلت: قبره بمقبرة المقادسة التي فوق مرقد الحورانيّ، مقصود بالزّيارة، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.(12/136)
274 - أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن يحيى بْن إِبْرَاهِيم، أبو جَعْفَر بْن أشكبند القيسي السرقسطي ثم الشاطبي. [المتوفى: 558 هـ]
سمع من أبي عامر بن حبيب، وعبد الحق بن عطية، وجماعة. وولي خطة الشُّورّى بشاطِبَة.
قال ابن الأَبَّار: وكان محدِّثًا، حافظًا، متقنًا. أخذ عَنْهُ أبو القَاسِم بْن فِيرَّة الضّرير، وغيره. قال ابن عَيّاد: لم أر بعد أبي الوليد ابن الدّبّاغ أحفظ منه لأسماء الرجال، وكان ورِعًا، مُنْقَبِضًا، متواضعًا، تزهّد فِي آخر عُمره، حَتَّى عُرِف بإجابة الدّعوة. تُوُفّي فِي رمضان، ويُقال، تُوُفّي سنة سبْعٍ وخمسين. [ص:137]
ومولده سنة خمس وخمس مائة. وكان بارعًا في كتابة الوثائق. رحمه الله.(12/136)
275 - سخاء بنت المبارك بن علي البغدادية، وتُدْعى مهناز. [المتوفى: 558 هـ]
سَمِعت من أبي القَاسِم الرَّبَعيّ. روى عَنْهَا أبو المعالي بْن هبة، ونصر ابن الحصْريّ. وعاشت إلى هذه السَّنَة.(12/137)
• - سديد الدِّين ابن الأنبَاريّ، اسمه مُحَمَّد، [المتوفى: 558 هـ]
سيأتيّ إن شاء اللَّه.(12/137)
276 - سلامة بن أحمد بن عبد الملك ابن الصَّدْر، أبو بَكْر البغداديّ التّاجر، [المتوفى: 558 هـ]
أخو مقبل المذكور سنة ست.
سمع رزق اللَّه التّميميّ، وطِرادًا، والنِّعاليّ. وتُوُفيّ فِي ثامن ربيع الأوّل.
روى عَنْهُ ابن الحصري، وأحمد ابن البندنيجي.(12/137)
277 - شهردار بن شيرويه بن شهردار بن شيرويه بْن فُنَّاخُسْرُو بْن خُسَرُكان بْن رينوَيْه بْن خسرو بن وروداذ بن ديلم بن الدياس بن لشكري بن داجي بن كيوش بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن صَاحَبَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضّحّاك بْن فيروز الدَّيْلَميّ، أبو مَنْصُور ابن المحدّث المؤرّخ أبي شجاع الهَمَذانِيّ. [المتوفى: 558 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ فِي "الذّيل": كذا قرأت نَسَبَه فِي ديباجة كتابه، ثُمَّ قال: كان أبو مَنْصُور حافظًا، عارفًا بالحديث، فَهِمًا، عارفًا بالأدب، ظريفًا، خفيفًا، لازمًا مسجده، مُتّبِعًا أثر والده فِي كتابة الحديث وسماعه وطلبه. رحل إلى إصبهان مع والده سنة خمسٍ وخمس مائة، ثُمَّ رحل إلى بغداد سنة سبْعٍ وثلاثين. سمع أَبَاهُ، وأبا الفتح عَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه، ومكّيّ بْن مَنْصُور الكرجيّ، وحَمْد بْن نصر الأعمش، وفيد بْن عَبْد الرَّحْمَن الشّعرانيّ، وأبا مُحَمَّد الدُّونيّ. وبزنجان الفقيه أَبَا بَكْر أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زَنْجُوَيْه، وذكر أنّه سمع منه "مُسْنَد أَحْمَد بْن حنبل" سنة خمس مائة بروايته عن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد الفلاكيّ، عن القَطِيعيّ. وله إجازة من أبي بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبي منصور الحسين ابن المُقَوّميّ. كتبتُ عَنْهُ. وكان يجمع أسانيد كتاب "الفردوس" لوالده، ورتب لذلك ترتيبًا عجيبًا حَسَنًا. ثُمَّ رَأَيْت الكتاب سنة ستٍّ وخمسين [ص:138] بمَرْو فِي ثلاث مجلدَّات ضخمة، وقد فرغ منه، وهذبه ونقحه. وقال: أخبرنا المقوّميّ سنة ثلاثٍ وثمانين إجازةً، وفيها وُلِدْتُ.
قلت: روى عَنْهُ ابنه أبو مُسْلِم أَحْمَد وأبو سهل عبد السلام السرفولي، وطائفة. وسمعنا من طريقه كتاب "الألقاب" لأبي بَكْر الشّيرازيّ.
وقيَّد وفاته فِي هذه السَّنَة عَبْد الرحيم الحاجّيّ، زاد السَّمْعانيّ: فِي رَجَبَها.(12/137)
278 - عَبْد اللَّه بْن عَلِيِّ بْن أَحْمَد بْن علي بن حسن، أبو القَاسِم الْأَنْصَارِيّ الدّمشقيّ الشّاهد المعروف بابن الشيرجي. [المتوفى: 558 هـ]
سمع من سعد بن أحمد النسوي الَّذِي استُشْهد بالقدس. روى عَنْهُ ابن عساكر، وغيره. وتُوُفي فِي ربيع الآخر.(12/138)
279 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي الْحَسَن بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه، أَبُو مُحَمَّد الكِنَانيّ الدّارانيّ الدّمشقيّ، [المتوفى: 558 هـ]
ابن أخت مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم النَّسَائيّ.
سمّعه خاله من أبي الفضل بْن الفُرات، وسهل بْن بِشْر، وعبد اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق. روى عَنْهُ ابن عساكر، وقال: لم يكن الحديث من صنعته، وابنه القَاسِم، والمسلم بْن أَحْمَد المازِنيّ، ومُكْرَم بْن أبي الصَّقْر، وكريمة، وآخرون.
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من جُمَادَى الأولى.
وقد سمع قطعةً كبيرةً من "السُّنن الكبير" للنَّسَائيّ على سهل بن بشر الإسفراييني.(12/138)
280 - عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْدِ بْن الفضل، أبو محمد الوراق. [المتوفى: 558 هـ][ص:139]
بغدادي، ثقة، ذكره ابن السمعاني، فقال: شيخ صالح، ديِّن، كثير التلاوة، والصّلاة، والعبادة، مشتغل بما يعنيه. سمع أبا الحسن ابن العلاف، وابن نبهان، وأبيًا النرسي. ولد في حدود سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، كتبتُ عَنْهُ.
قلت: هذا كان من الصّالحين ببغداد. روى عن ابن طَلْحَةَ النَّعَاليّ أيضًا، وعنه إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن برهان النّسَّاج، وعبد الواحد بن علوان السَّقْلاطُونيّ، ومحمد بْن عُمَر العَطَّار، وهبة اللَّه بن الحسن الحلاج الحربيون. وتُوُفيّ فِي العشرين من شوّال، وأصله مدنيّ.(12/138)
281 - عَبْد اللطيف ابن المحدّث أبي سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد البغدادي ثُمَّ الأصبهاني. [المتوفى: 558 هـ]
سمع أَبَا مطيع، وأبا الفتح الحّداد، وكان صدوقًا. قرأ عليه ابن ناصر. مات فِي ذي القعدة بإصبهان.(12/139)
282 - عَبْد المؤمن بْن عليّ بْن علويّ، القَيْسيّ المغربيّ الكُوميّ التِّلْمِسَانيّ. [المتوفى: 558 هـ]
وُلِدَ بقرية من ضياع تِلِمْسان، وكان أَبُوهُ صانعًا فِي الفخّار.
نقل عَبْد الواحد المَرَاكُشيّ فِي كتاب "المُعْجِب" فقال: وقيل إنَّ عَبْد المؤمن قال: إنّما نَحْنُ لقَيْس؛ لقيس عيلان من مُضَر بْن نِزَار، ولكُومِيَة علينا حقٌّ الولادة فِيهِم والمنشأ، وهم أخوالي. وأمّا خُطَباء المغرب فكانوا يقولون إذا ذكروا الملك عَبْد المؤمن بعد ابن تُومِرْت: قسيمُهُ فِي النَّسَب الكريم. ولد سنة سبع وثمانين وأربعمائة، واستقلّ بالمُلك إحدى وعشرين سنة، وعاش إحدى وسبعين سنة، واستوسق له أمر المغرب بموت أمير المسلمين عليّ بْن يُوسُف بْن تاشفين.
قال: وكان أبيض، ذا جسم عَمَمٍ تعلوه حُمْرة وكان أسود الشَّعر، معتدل القامة، وضيئًا، جهوريّ الصّوت، فصيحًا، جَزْل المنطق، لا يراه أحدٌ إلا أحبّه بديهةً.
قال: وبَلَغَني أنّ ابن تُومَرت كان إذا رآه أنشد: [ص:140]
تكامَلَتْ فيك أخلاقٌ خُصصْتَ بها ... فكُّلنا بك مسرورٌ ومغتبطُ
فالسّنُّ ضاحكةٌ والكفُّ مانحةٌ ... والصَّدْرُ مُنْشَرِحٌ والوجه منبسط
وقال ابن خَلِّكان: كان عند موته شيخًا نقِيّ البَيَاض، معتدل القامة، عظيمًا، أشْهَل العينين، كثّ اللّحْية، شَثنَ الكَفَّين، طويل القعدة، واضح بياض الأسنان، بخدّه الأيمن خال، عظيم الهامة. قال صاحب سيرته: هكذا رَأَيْته.
قال ابن خِلِّكان: وحُكي أنّ عَبْد المؤمن كان فِي صباه نائمًا، فسمع أَبُوهُ دَوِيًّا، فرفع رأسه، فإذا سحابة سوداء من النَّحل قد أهوت مُطْبِقَة على بيته، فنزلت كلها على عبد المؤمن وهو نائمًا، فلم يستيقظ، ولا أذاه شيء منها، فصاحت أمه، فَسَكَّتَهَا أَبُوهُ، وقال: لا بأس، ولكنّي متعجّب ممّا يدلّ عليه هذا، ثُمَّ طار عنه النحل كلُّه، واستيقظ الصّبيّ سالمًا فمشى أَبُوهُ إلى زاجر فأخبره بالأمر، فقال: يوشك أنّ يكون له شأن يجتمع على طاعته أهل المغرب.
وقد ذكرنا فِي ترجمة ابن تُومَرْت كيف وقع بعبد المؤمن، وأفضى إليه بسِرَه. وكان ابن تُومَرْت يقول لأصحابه: هذا غلاب الدّول.
وقد مرَّ أيضًا فِي ترجمة ابن تومرت: أن في سنة إحدى وعشرين جرت وقعة البحيرة على باب مراكش استؤصلت فيها عامَّة عسكر الموحّدين، ولم ينْجُ منهم إلا أربعمائة مقاتل، وذلت المَصَامِدة، فَلَمّا تُوُفّي ابن تومرت سنة أربعٍ وعشرين أخْفُوا موته، فكان عَبْد المؤمن وغيره يخرج الرجل منهم ويقول: قال المهديّ كذا، وأمَرَ بكذا. وجعل عَبْد المؤمن يخرج بنفسه، ويُغير على البلاد، وأمْرهم يكاد أنّ يُدْثر، حَتَّى وقع بين المرابطين وبين الفلاكيّ ما أوجب عليه الهرب منهم فقدم إلى الجبل، فتلقّاه عَبْد المؤمن بالإكرام، واعتضد به اعتضادًا كليًا. فلما كان في سنة تسعٍ وعشرين صرّحوا بموت المهديّ، ولقَّبوا عَبْد المؤمن أمير المؤمنين، ورجعت حصون الفلاكيّ كلُّها للموحدّين، [ص:141] والفلاكيّ يُغِير على نواحي السُّوس، وأغْمات، وهم كلهم تنمو أحوالهم وتستفحل.
قال صاحب "المَعْجب": قبل وفاة ابن تُومَرْت بأيّام استدعى المسمّين بالجماعة، وأهلَ الخمسين، والقوّاد الثلاثة: عُمَر بْن عَبْد اللَّه الصّنْهاجيّ المعروف بعمر أرتاج، وعمر بْن ومْزَال ويعرف بعمر إينتي، وعبد اللَّه بْن سُلَيْمَان، فحمد اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ سبحانه، وله الحمد، مَنَّ عليكم أيَّتُها الطّائفة بتأييده، وخصَّكم من بين أهل هذا العصر بحقيقة توحيده، وقيَّض لكم مَن ألْفاكم ضُلالا لا تهتدون، وعُمْيًا لا تُبْصِرون، لا تعرفون معروفًا، ولا تُنكِرونُ مُنْكَرًا. قد فَشَتْ فيكم البِدَعُ، واستهوَتْكُمُ الأباطيل، وزَّين لكم الشّيطان أباطيل وتُرَّهات، أُنزِّه لساني عن النُّطْق بها، فهداكم الله به بعد الضلالة، وبصركم به بعد العَمَى، وجَمَعَكُم بعد الفُرْقَة، وأعزَّكم بعد الذّلَّة، ورفع عنكم سلطان هؤلاء المارِقين، وسيورثكم أرضهم وديارهم، وذلك بما كسبت أيديهم، وأضمرته قلوبهم، فجددّوا لله خالص نيّاتكم، وأروه من الشُّكْر قولًا وفعلًا مما يزكّي به سَعْيَكُمْ، واحذروا الفُرقة، وكونوا يدًا واحدة على عدوّكم، فإنكم إنْ فعلتم ذلك هابكم النّاس وأسرعوا إلى طاعتكم، وإنْ لا تفعلوا شملكُمُ الذُّلُ، واحتقرتكُم العامَّة، وعليكم بمزج الرّأفة بالغِلْظة، واللّين بالعُنف. وقد أخترنا لكم رجلًا منكم، وجعلناه أميرًا عليكم بعد أن بَلَوْنَاه، فرأيناه ثَبْتًا فِي دينه، متبصراُ فِي أمره، وهو هذا، وأشار إلى عبد المؤمن، فاسمعوا له وأطيعوا، ما دام سامعًا مطيعًا لربه، فإنْ بدّل ففي الموحّدين بركةٌ وخير، والأمر أمر اللَّه يقلّده من يشاء. فبايع القوم عَبْدَ المؤمن، ودعا لهم ابن تُومَرْت، ومسح صدورهم.
وأمّا ابن خِلِّكان فقال: لم يصحّ عَنْهُ أنّه استخلفه، بل راعى أصحابه فِي تقديمه إشارته، فتمّ له الأمر.
قال: وأوّل ما أخذ من البلاد وَهْران، ثُمَّ تلمسان، ثُمَّ فاس، ثُمَّ سلا، ثُمَّ سَبْته، ثُمَّ إنه حاصر مراكش أحد عشر شهرًا، ثُمَّ أخذها فِي أوائل سنة اثنتين وأربعين، وامتدّ مُلْكه إلى أقصى المغرب وأدناه وبلاد إفريقية وكثيرٍ من [ص:142] الأندلس، وسمّى نفسه أمير المؤمنين، وقصدته الشُّعراء وامتدحوه. ولما قال فِيهِ الفقيه مُحَمَّد بْن أبي الْعَبَّاس التّيفاشيّ هذه القصيدة وأنشده إيّاها:
ما هزّ عطْفَيْه بين البِيض والأَسَلِ ... مثل الخليفة عَبْد المؤمن بْن عليّ
فَلَمّا أنشده هذا المطلع أشار إليه أنّ يقتصر عليه، وأجازه بألف دينار.
وقال صاحب "المُعْجِب": ولم يزل عَبْد المؤمن بعد موت ابن تُومَرْت يَقْوى ويظهر على النّواحي، ويدوّخ البلاد، وكان من آخر ما استولى عليه مَرَاكُش كرسيّ ملك أمير المسلمين عليّ بْن يُوسُف بْن تاشفين. وكان لمّا تُوُفّي عليّ عَهَد إلى ابنه تاشفين، فلم يتَّفق له ما أمَّلَهُ فِيهِ من استقلاله بالأمور، فخرج قاصدا نحو تلمسان، فلم يتهيّأ له من أهلها ما يحب، فقصد مدينة وهران، وهي على ثلاثة مراحل من تلمسان فأقام بها، فحاصره جيش عَبْد المؤمن، فَلَمّا اشتدّ عليه الحصار خرج راكبًا فِي سلاحه، فاقتحم البحر، فهلك. ويقال: إنّهم أخرجوه وصلبوه، ثُمَّ أحرقوه فِي سنة أربعين، فكانت ولايته ثلاثة أعوام فِي نكدٍ، وخوف، وضعْف. ولمّا ملك عَبْد المؤمن مراكش طلب قبر أمير المسلمين علي، وبحث عَنْهُ، فما وقع به. وانقطعت الدّعوة لبني الْعَبَّاس بموت أمير المسلمين وابنه تاشفين، فإنّهم كانوا يخطبون لبني الْعَبَّاس، ثُمَّ لم يُذكروا إلى الآن خلا أعوام يسيرة بإفريقية فقط، فإنه تملكها الأمير يحيى بن غانية الثائر من جزيرة ميورقة.
وقال ابن الْجَوْزِيّ فِي "المرآة": استولى عَبْد المؤمن على مَرّاكُش، فقتل المقاتلة، ولم يتعرَّض للرّعية، وأحضر الذّميَّة وقال: إنَّ المهديّ أمرني أنّ لا أُقِرّ النّاس إلا على مِلَّة الإسلام، وأنا مُخَيِّرُكُم بين ثلاث: إمّا أنْ تُسْلِموا، وإمّا أنّ تَلْحَقُوا بدار الحرب، وإمّا القَتْل. فأسلم طائفة، ولحِق بدار الحرب آخرون وخرَّب الكنائس وردَّها مساجد، وأبطل الجزية، وفعل ذلك في جميع مملكته. ثم فرق بين النّاس بيت المال وكَنَسَه، وأمر النّاس بالصّلاة فيه اقتداءًا بعليّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وليعلم النّاس أنّه لا يُؤثِر جَمْعَ المال، ثُمَّ أقام معالم الإسلام مع السّياسة الكاملة، وقال: مَن ترك الصلاة ثلاثة أيام فاقتلوه، ولم يدع منكراً [ص:143] إلا وأزاله، وكان يصّلي بالناس الصّلوات، ويقرأ كلّ يوم سُبْعًا، ويلبس الصُّوف، ويصوم الاثنين والخميس، ويُقَسِّم الفَيْءَ على الوجه الشّرعيّ، فأحبّه النّاس.
وقال عزيز فِي كتاب "الجمع والبيان": كان يأخذ الحقّ إذا وجب على ولده، ولم يدع مشركًا فِي بلاده؛ لا يهوديًا ولا نصرانيًّا، ولا كنيسَةً فِي بقعة من بلاده ولا بيعة، لأنّه من أول ولايته كان إذا ملك بلدًا إسلاميًا لم يترك فيه ذِميًّا إلا عرض عليه الإسلام، ومن أبى قُتِلَ، فجميع أهل مملكته مسلمون لا يخالطهم سواهم.
قال عَبْد الواحد بْن عليّ: ووَزَرَ لعبد المؤمن أولًا عمر أرتاج، ثم أجله عن الوزارة ورفعه عَنْهَا، واستوزر أَبَا جَعْفَر أَحْمَد بْن عطيَّة الكاتب، وجمع له بين الكتابة والوزارة، فَلَمّا افتتح بِجَاية استكتب من أهلها أبا القَاسِم القالميّ. ودامت وزارة ابن عطيَّة إلى أنّ قتله فِي سنة ثلاثٍ وخمسين، وأخذ أمواله، ثُمَّ استوزر بعده عَبْد السّلام الكُوميّ، ثُمَّ قتله سنة سبْعٍ وخمسين، واستوزر ابنه عُمَر. وكان قاضيه أبو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن جَبَل الوهْرانيّ، ثُمَّ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن المالقيّ، فلم يزل قاضيًا له وصدْرًا من أيّام ابنه يُوسُف بْن عَبْد المؤمن.
قال: ولما دان له أقطار المغرب ممّا كان يملكه المرابطون قبله، سار من مَرّاكُش إلى بِجَايَة، فحاصر صاحبها يحيى الصّنْهاجيّ، فهرب يحيى فِي البحر حَتَّى أتى مدينة بونة وهي أوّل حدّ إفريقية، ومضى منها إلى قُسَنطينة المغرب، فأرسل عَبْد المؤمن وراءه جيشًا، فأخذوه بالأمان، وأتوا به عَبْد المؤمن. وتملّك عَبْد المؤمن بِجَاية وأعمالها، وكان يحيى بْن العزيز، وأبوه، وجدّه المنصور، وجدّ أَبِيهِ المنتصر، وجدّهم حماد من شيعة الرّافضة بني عُبَيْد، والقائمين بدعوتهم، وطالت أيّامهم حَتَّى أخرجهم عَبْد المؤمن. واستعمل عَبْد المؤمن على مملكة بجاية ابنه عبد الله، ورجع إلى مراكش ومعه يحيى بْن العزيز وجماعة من أمراء دولة يحيى، فأمر لهم بخلع، وبوأهم المنازل، وخص يحيى بأموال وعطايا، ونال يحيى عنده مرتبةً لا مَزِيد عليها. [ص:144]
قال: وكان عَبْد المؤمن مُؤثِرًا لأهل العلم، محبًا لهم، يستدعيهم من البلاد، ويجزل لهم الصلات، وينوه بهم.
قال: وتسمى المصامدة بالموحدين، لأجل خوض ابن تُومَرْت بهم فِي عِلم الاعتقاد. وكان عَبْد المؤمن فِي نفسه كامل السُّؤدُد، خليقًا للإمارة، سَرِيّ الهمَّة، لا يرضى إلا بمعالي الأمور، كأنّه ورِث المُلْك كابرا عن كابر، وكان شديد السّطْوة، عظيم الهيبة.
قال عزيز فِي "تاريخه": أخبرني رَجُل من أهل المَهْدِيَّة سنة إحدى وخمسين وخمس مائة بصَقَلَّية، قال: افتتح عَبْد المؤمن بِجَايَة، فأتيتها بأحمالٍ لنبتاع، فَلَمّا كنّا على مرحلةٍ منها سُرِقت لي شَدَّةٌ من المتاع، فدخلت وبعت المتاع، وأفدت منه فائدة يسيرة. فقلت لتاجر: سرقت لي شدة، وأخلف اللَّه عليّ فِي الباقي. فقال: وما أَنْهَيْتَ ذلك إلى أمير المؤمنين عَبْد المؤمن؟ قلت: لا. قال: واللهِ إنْ عَلِم بك للحِقَكَ ضَرَرٌ. فرحتُ إلى القصر، فأدخلني خادمٌ عليه، فأعلمته ورجعت. فَلَمّا كان صبيحة اليوم الثّالث جاءني غلامٌ فقال: أجِبْ أمير المؤمنين. فخرجت معه، فإذا جماعة كبيرةٌ، والمصامدة محيطةٌ بهم، فقال الغلام لي: هؤلاء أهل الصَّقع الَّذِي أُخذ رَحْلُكَ فِيهِ. فدخلت وأُجلِستُ بين يديه، فاستدعى مشايخهم، وقال: كم صلح لك فِي الشَّدَّة التي فقَدْتَ أُخْتَها؟ قلت: كذا وكذا. فأمر من وَزَنَ لي المبلغ وقال: قم، أنت أخذت حقَّك، وبقي حقّي وحقُّ اللَّه. وأمر بإخراج المشايخ، وبقتْل الجميع، فأقبلوا يتضرَّعون ويبكون وقالوا: يؤاخذ سيّدنا الصُّلحاء بالمفسدين؟ فقال: يخرج كلّ طائفة منكم من فيها من المفسدين. فصار الرجل يُخْرج ولَده، وأخاه، وابنَ عمّه، إلى أنّ اجتمع نحو مائة نفسٍ، فأمر أهلهم أنّ يتولوا قتلهم، ففعلوا ذلك. فخرجتُ من المغرب إلى صَقَلِّيةَ خوفا على نفسي من أهل المقتولين.
قال عَبْد الواحد: قلت: كان عبد المؤمن من أفرد العالم فِي زمانه على هَنَاته.
قال عَبْد المؤمن بْن عُمَر الكحّال فِي أخبار ابن تُومَرت: توجّه أمير المؤمنين عَبْد المؤمن إلى بلاد إفريقية، فسار فِي مائة ألف فارس محصاةً في [ص:145] ديوانه، سوى ما يتْبعها، وكانوا يصّلون كلُّهم خلْفَ إمامٍ واحد.
قال: وكان هُوَ يصّلي الُّصبْح مُبْكِرًا، ثُمَّ يركب ويقف عند باب خيمته، وبين يديه مناد يقول بصوتٍ عالٍ: الاستعانة بالله، والتوكّل عليه. فينتظم حوله الكبراء على خيلهم فيدعو ويؤمّنون، ثُمَّ يأخذ فِي قراءة حزبٍ من القرآن، وهم يقرؤون معه بصوتٍ واحدٍ يسرون، فإذا فرغ أمسك عنان فرسه، فيدعو ويؤمّنون، ثُمَّ يلحق أولئك الأعيان، ويُلقَّبون بالطَّلَبَة والحُفّاظ لا بالأمراء والقُوّاد، إلى عساكرهم، ويبقى وحده وحوله أُلُوفٌ من عبيده السُّود رَجّالةً بالرّماح والدُّرَق. وكان إذا مرّ على قومٍ ٍسلم ودعا لهم فيؤمِّنون، وكان فصيحا بالعربيَّة، حَسَن العبارة.
قال: وكان فِي جُوده بالمال كالسيل، وفي حبه لحُسْن الثّناء كالعاشق، مجلسه مجلسَ وقار وهيبة، مع طلاقة الوجه. انعمرت البلاد فِي أيّامه، وما لبس قَطّ إلا الصُّوف طُول عُمره، وما كان فِي مجلسه حصير، بل مفروشٌ بالحَصْباء، وله سجّادة من الخُوص تحته خاصَّة. وأمّا الأندلس فاختلّت أحوالها اختلالًا بيّنًا أوجب تخاذل المرابطين وَميلهم إلى الراحة، فهانوا على النّاس، واجترأ عليهم الفرنج، وقام بكل مدينة بالأندلس رئيس منها، فاستبدّ بالأمر، وأخرج مَن عنده مِن المرابطين. وكادت الأندلس تعود إلى مثل سيرتها بعد الأربعمائة عند زوال دولة بني أمية. فأما بلاد إفراغة فاستولى عليها صاحب أرغن لعنه اللَّه، ثُمَّ أخذ سَرَقُسْطَة ونواحيها، فلا قوَّة إلا بالله. وأمّا أهل شرق الأندلس بَلَنْسية ومُرْسِية، فاتّفقوا على تقديم الزَّاهد عَبْد الرَّحْمَن بْن عِياض، بَلَغَني عن غير واحدٍ أنّه كان مُجاب الدّعوة، بكَّاءً، رقيقا، فإذا ركب للحرب لا يقوم له أحدٌ. كان الفرنج يعدّونه بمائة فارس، فحمى اللَّه بابن عِياض تلك النّاحية مدَّة إلى أنّ تُوُفّي رحمه اللَّه، ولا أتحقّق تاريخ وفاته، فقام بعده خادمُه مُحَمَّد بْن سَعْد وهو خليفته على النّاس، فاستمرَّت أيّامه إلى أنّ مات سنة ثمانٍ وستّين وخمس مائة. وأمّا أهل المَرِيَّة فأخرجوا عَنْهُمْ أيضًا المرابطين، وندبوا للأمر عليهم الأمير أَبَا عَبْد اللَّه بْن ميمون الدّانيّ، فأبى عليهم، وقال: إنّما وظيفتي البحر وبه عُرفت. فقدَّموا عليهم عبد الله بن محمد [ص:146] ابن الرميمي، فلم يزل على المَرِيَّة إلى أنّ دخلها الفرنج واستباحوها. وأمّا جَيّان وحصن شَقُّورَة، وتلك النّاحية فاستولى عليها عَبْد اللَّه بْن همشك، وربّما تملّك قُرْطُبة أيّامًا يسيرة. وأمّا إشبيلية، وغَرْنَاطة فأقامت على طاعة المرابطين. وأمّا غرب الأندلس، فقام به دعاة فتن ورؤوس ضلالة، منهم أَحْمَد بْن قسيّ، وكان فِي أول أمره يدعي الولاية، وكان ذا حيل وشَعْوَذَة ومعرفة بالبلاغة، فقام بحصن مارتلة، ثُمَّ اختلف عليه أصحابه وتحيلوا فأخرجوه من الحصن وأسلموه إلى جُنْد عَبْد المؤمن، فأتوه به، وهو الذي قال له عَبْد المؤمن: بَلَغَني أنّك دعيت إلى الهداية. فقال: أليس الفَجر فجرَيْن، كاذب وصادق؟ فأنا كنت الفجر الكاذب. فضحك وعفا عَنْهُ.
وجهّز عَبْد المؤمن الشَّيْخ أَبَا حفص عُمَر إينتي، فعدّي البحر إلى الأندلس، فافتتح الجزيرة الخضراء، ثم رُنْدَة، ثُمَّ افتتح إشبيلية، وغَرْنَاطة، وقُرْطُبة. وسار عَبْد المؤمن فِي جيوشه وعبر من زُقاق سَبْتَة، فنزل جبلَ طارق، وسمّاه جبل الفتح. فأقام هناك أشهرًا، وابتنى هناك قصورًا عظيمة ومدينة، فوفد إليه رؤساء الأندلس، ومدحه شعراؤها، فمن ذلك:
ما للعدى جنة أوقى من الهربِ ... أين المفرُّ وخيل اللَّه فِي الطلب
وأين يذهب من فِي رأس شاهقةٍ ... وقد رَمَتْه سهامُ اللَّه بالشُّهُبِ
حدُّث عن الروم فِي أقطار أندلسٍ ... والبحر قد ملأ البرّيْن بالعربِ
فَلَمّا أتّم القصيدة قال عَبْد المؤمن: بمثل هذا تُمدح الخلفاء.
ثُمَّ استعمل على إشبيلية ولده يوسف الذي ولي الأمر من بعده، واستعمل على قُرْطَبة وبلادها أَبَا حفص إينتي، واستعمل على غَرْنَاطة ابْنه عثمان بْن عبد المؤمن، ورجع إلى مراكش وترك بالأندلس جيشًا كثيفًا من المصامدة والعرب.
وكان قد استخدم العرب الذين ببلاد بِجَاية، وهم قبائل من بني هلال بْن عامر، خرجوا إلى البلاد حين خلَّى بنو عُبيد بينهم وبين الطّريق إلى المغرب، فعاثوا فِي القيروان عيثًا شديداًُ أوجب خرابها إلى اليوم، ودوخوا مملكة بني زيري بْن مَنَاد، وهذا كان بعد موت المُعِزّ بْن باديس، فانتقل ابنه تميم إلى [ص:147] المهديَّة، وسار هؤلاء العربان حَتَّى نزلوا على المنصور الحماديّ، فصالحهم على أنّ يجعل لهم نصف غلَّة البلاد، فأقاموا على ذلك إلى أنّ حاربوا عَبْد المؤمن فِي سنة ثمانٍ وأربعين، فتحزَّبوا عليه، وهم بنو هلال، وبنو الأثبج، وبنو عَدِيّ وبنو رَبَاح، وغيرهم من القبائل، وقالوا: إن جاورنا عَبْد المؤمن أجلانا، وتحالفوا عليه. فبذل لهم رُجار الفرنجيّ ملك صَقَلّية نجدةً بخمسة آلاف مقاتل، فقالوا: لا نستعين إلا بمسلم. وساروا فِي عددٍ عظيم، وسار جيش عَبْد المؤمن فِي ثلاثين ألفًا، عليهم عَبْد اللَّه بن عمر الهنتاتي، فالتقوا وانهزمت العرب، وأخذت البربر جميع متاعهم ونسائهم وأطفالهم، فأتوا بها عَبْد المؤمن، فقسّم المتاع والمال، وصان الحريم وأحسن إليهم، وكاتب العرب واستمالهم وحلف لهم، فأتوا مَرّاكُش فخلع عليهم، وبالَغَ فِي إكرامهم، ثُمَّ استخدمهم عَبْد المؤمن، وأنزلهم بنواحي إشبيلية وشريش، فهم باقون إلى وقتنا.
قال: وكان عبور عَبْد المؤمن إلى الأندلس فِي سنة ثمانٍ وأربعين وخمس مائة، وكان قد كتب إلى أمراء هؤلاء العربان رسالةً فيها أبياتٌ قالها هُوَ، وهي:
أَقيموا إلى العَلْيَاءِ هَوْجَ الرَّوَاحِلِ ... وَقُودُوا إلى الهيجاءِ جُرْدَ الصَّوَاهِلِ
وقوموا لِنَصْرِ الدِّينِ قومَةَ ثَائِرٍ ... وشُدُّوا على الأعداء شَدَّة صَائِلِ
فما العِزُّ إلا ظَهْرَ أجْرَدَ سابحٍ ... وأبيضُ مأثورٌ وليسَ بسائِلِ
بنيِ العمّ من عليا هلالِ بْنِ عامرٍ ... وما جَمَعْتَ من باسلٍ وابن باسِلِ
تعالَوْا فقد شُدَّتْ إلى الغزْو نيَّة ... عواقِبُها منصورةٌ بالأوائِلِ
هِيَ الغزوةُ الغَرّاءُ والموعدُ الَّذِي ... تَنَجَّزَ من بعد المَدَى المتطاوِلِ
بها نفتحُ الدُّنيا بها نبلُغُ المُنَى ... بها نُنْصِفُ التّحقيقَ من كلِّ باطِلِ
فلا تَتَوَانَوْا فالبِدارُ غنيمةٌ ... وللمُدْلِجِ السّاري صَفَاءُ المناهِلِ
قال عَبْد الواحد بْن عليّ المُرَاكُشيّ: أَخْبَرَني غير واحدٍ ممّن أرضى نقله، أنّ عَبْد المؤمن لمّا نزل مدينة سَلا، وهي على البحر المحيط ينصبّ إليها نهر عظيم يصبُّ فِي البحر، عَبَر النَّهر، وضُرِبت له خيمة، وجعلت الجيوش تعبر قبيلةً قبيلة، فخرَّ ساجدًا ثُمَّ رفع رأسه وقد بلَّ الدَّمْعُ لحيَتَه، والتف إليه [ص:148] الخواصّ وقال: أعرفُ ثلاثة وردوا هذه المدينة لا شيء لهم إلا رغيفٌ واحدٌ، فراموا عبور هذا النّهر، فبذلوا الرّغيف لصاحب القارب على أنّ يُعدّي بهم، فقال: لا آخذه إلا على اثنين خاصَّة. فقال له أحدهم، وكان شابًّا، خُذ ثيابي، وأنا أعبر سباحة. ففعل ذلك فكان كلّما أعيا من السّباحة دنا من القارب ووضع يده عليه ليستريح، فيضربه صاحبه بالمجذاف الَّذِي معه، فما عدّي إلا بعد جَهْد. قال: فما شكّ السّامعون أنّه هُوَ العابر سباحةً، وأن الآخرين ابن تومرت، وعبد الواحد الشّرقيّ. ثُمَّ نزل عَبْد المؤمن مَرّاكُش، وأقبل على البناء والغِراس وترتيب المملكة، وبسْط العدْل، وجعل ابنه عَبْد اللَّه الَّذِي على بِجَاية يشنّ الغارات على نواحي إفريقيَّة وضيق على تونس، ثم تجهز في جيش عظيم وسار حتى نازل تونس وهي حاضرة إفريقيَّة بعد القيروان. فحاصرها، وقطع أشجارها، وغَور مياهها، وبها يومئذٍ عَبْد اللَّه بْن خُرَاسَان نائب صاحبها لوجار ابن الدّوقة الروميّ، لعنه اللَّه، وهو صاحب صَقَلّية. فَلَمّا طال على ابن خُرَاسَان الحصارُ، أجمع رأيه على مناجزة المَصَامدة، فخرج فالتقوا، فانهزم المصامدة، وَقُتِلَ منهم خلْق، وردّ ابن خُرَاسَان إلى البلد، فكتب عَبْد اللَّه بْن عَبْد المؤمن إلى أَبِيهِ يخبره، فَلَمّا كان فِي آخر سنة ثلاثٍ وخمسين تهيّأ عَبْد المؤمن لتونس، وسار حَتَّى نازلها، ثُمَّ افتتحها عَنْوةً، وفصل عَنْهَا إلى المهديَّة، وبها النّصارى أصحاب ابن الدوقة وهي له، لكن نائبه بها يحيى بْن حَسَن بْن تميم بْن المُعِزّ بْن باديس، فحاصرها عَبْد المؤمن أشدّ الحصار، لأنّها حصينة إلى الغاية. بَلَغَني أنّ عرض سورها مَمَرَّ ستة أفراس، وأكثرها فِي البحر، فكانت الأمداد تأتيها فِي البحر من صَقَلّية، فأقام يحاصرها سبعة أشهر.
فنقل ابن الأثير: نازَل عَبْد المؤمن المهديَّة، فكانت الفرنج تخرج شجعانهم فتنال من العسكر ويعودون، فأمر ببناء سورٍ من غربيّها، وأحاط أسطوله بالبحر، وركب عَبْد المؤمن فِي شيني، ومعه الْحَسَن بْن عليّ بْن باديس الَّذِي كان صاحبها، وأخذتها الفرنج منه من سنوات، فطاف بها فِي البحر، فهال عَبْد المؤمن ما رَأَى من حصانتها، وعرف أنّها لا توخذ بقتال، وليس إلا المطاولة، وأمر بجلْب الأقوات وترك القتال، فلم يمض إلا أيّام حَتَّى صار فِي [ص:149] العسكر كالجبلين من القمح والشعير، فكان من يجيء من بعيدٍ يقول: مَتَى حدثت هذه الجبال هنا؟ فيقال: إنما هِيَ غلَّة. وتمادى الحصار، وفي مدته أخذ بالأمان بلد سفاقُس، وبلد طَرَابُلُس، وقصورَ إفريقيَّة، وافتتح قابس بالسيف. وكانت عساكره تغار، وجاءت جيوش صاحب صَقَلَّية، لعنه اللَّه، فكانت مائتين وخمسين شِينيًّا، فنصر اللَّه عليهم أسطول عَبْد المؤمن.
قال عَبْد الواحد: واشتدّ على جيشه الغلاء، بلغني عن غير واحدٍ أنهم اشتروا سبْع باقِلات بدِرهم مؤمنيّ، وهو نصف درهم النصاب، ثُمَّ افتتحها بعد أن أمّن النّصارى على أن يلحقوا بصَقَلّية. ثُمَّ جهّز إلى قابس من افتتحها، ثم افتتح أطرابلس المغرب، وأرسل إلى تَوْزَر وبلاد الجريد، فافتُتحت كلّها، وأخرج الفرنج منها وألحقهم ببلادهم، وتطهَّرت إفريقية من الكُفْر، وتمَّ له مَلْك المغرب من طرابُلُس إلى سوس الأقصى، وأكثر جزيرة الأندلس. قال: وهذه مملكة لا أعلمها انتظمت لأحدٍ قبله منذ أيّام مروان الحمار.
وقيل: إنّه بدا له أنّ يمرّ في هذا الوجه على قرية تاجرا، وبها وُلِدَ، ليزور قبر أمّه وَلْيصِلْ مَنْ هناك مِنْ ذوي رَحِمه، فَلَمّا أطلّ عليها والجيوش قد انتشرت بين يديه، والرّايات قد خفقت على رأسه، أكثر من ثلاث مائة راية من بنود وأَلْوية، وهزَّت أكثر من مائتي طبل، وطبولهم فِي نهاية الكِبَر وغاية الضّخامة، يُخَيَّل لسامعها إذا ضُرِبت أنّ الأرض من تحته تهتزّ، فخرج أهل القرية للقائه، فقالت عجوزٌ منهم: هكذا يعود الغريب إلى بلده، ورفعت صوتها.
وفي سنة ثمانٍ وخمسين أمر النّاس بالجهاد لغزو الروم بالأندلس، واستنفر أهلّ مملكته ثُمَّ سار حَتَّى نزل مدينة سَلا، فمرض ثُمَّ مات بها فِي السّابع والعشرين من جُمَادَى الآخرة، وكان قد جعل ولي عهده محمدًا ولَدَه الكبير، وكان لا يصلح لإدمانه الخمور وكَثْرة طَيْشه، وقيل: كان به جُذَام. فَلَمّا مات اضطرب أمر مُحَمَّد هذا، وخلعوه بعد شهرٍ ونصف، وأجمعت الدّولة على تولية أحد أخَوَيه يُوسُف أو عمر، فأباها عُمَر، فبايعوا أَبَا يَعْقُوب يُوسُف، فبقي فِي الخلافة اثنتين وعشرين سنة.
وخَلَّف عَبْد المؤمن ستة عَشْر ابنًا، وهم: مُحَمَّد المخلوع، وعلي، [ص:150] وعمر، ويوسف، وعثمان، وسليمان، ويحيى، وإسماعيل، والحَسَن، والحسين، وعبد الله، وعبد الرَّحْمَن، وعيسى، وموسى، وإبراهيم، ويعقوب.
قال صاحب "الجمع والبيان": وقفت على كتاب كتبه عَنْهُ بعض كُتّابه، يقول بعد البَسْملة: من الخليفة المعصوم الرضيّ الزَّكيّ الذي وردت البشارة به من النَّبيّ العربيّ، القامع لكلّ مُجَسِّم غَوِيّ، النّاصر لدين اللَّه الكبير العليّ، أمير المؤمنين الوليّ، عَبْد المؤمن بْن عليّ.(12/139)
283 - عليّ بن أحمد، أبو الحسن ابن الدلاء الدمشقي. [المتوفى: 558 هـ]
روى عن نصر المقدسي مجلسًا، سمعه منه أبو القاسم ابن عساكر، وقال: تُوُفّي فِي شعبان، وله ثلاثٌ وثمانون سنة.(12/150)
284 - عليّ بْن عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن أبي مُوسَى الهاشميّ الشريف، أبو المظفر. [المتوفى: 558 هـ]
بغدادي نبيل، ذَكَر وفاته أبو بَكْر مُحَمَّد بْن مشق.(12/150)
285 - كمال بِنْت المحدّث أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عمر ابن أبي الأشعث ابن السمرقندي، أم الحسن. [المتوفى: 558 هـ]
امرأة صالحة خيّرة، وهي زَوْجَة أبي الفَرَج عَبْد الخالق بْن أَحْمَد اليُوسُفيّ. سمَّعها أبوها من طِراد الزَّيْنَبيّ، وأبي عَبْد اللَّه النَّعَاليّ، وابن البطر، وجماعة في سنة إحدى وتسعين. ومولدها سنة نيف وثمانين وأربعمائة. روى عَنْهَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن بُرهان النساج.(12/150)
286 - محمد بن أحمد بن محمد بْن سُفْيَان، أبو بَكْر السُّلَميّ، المُرْسيّ. [المتوفى: 558 هـ]
روى عَنْ أبي مُحَمَّد بْن أبي جَعْفَر الفقيه، وأبي القاسم بن الجنان. روى عَنْهُ أَبُو عَبْد اللَّه بن عَبْد الحقّ التِّلْمِسَانيّ.
تُوُفّي فِي هذا العام ظنًّا أو قبله.(12/150)
287 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الدباس المقرئ. [المتوفى: 558 هـ]
هُوَ ابن أخي أبي عَبْد اللَّه البارع. كان صالحًا مقرئًا، ورَّاقًا. سمع مالكًا [ص:151] البانياسيّ، والنَّعَاليّ. وعنه ابن الأخضر.
عاش ثمانين سنة، مات فِي صَفَر.(12/150)
288 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن محمد بْن أَبِي العافية، أبو عبد الله اللخمي المُرْسيّ، يُعرف بالقَسْطَليّ. [المتوفى: 558 هـ]
روى عن أبي عليّ بن سكرة، وتفقه عليه، وكان بصيرًا بمذهب الْإِمَام مالك، موصوفًا بذلك؛ تفقَّه عليه أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن بَرْطَلَة.(12/151)
289 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، الملك سيف الدِّين ابن الملك علاء الدِّين، الغوري، [المتوفى: 558 هـ]
صاحب الغور.
تملك بعد أبيه فلم تطل سلطنته. سار بعساكره لغزو الغز وهم ببلخ، فاتفق أنه انفرد من عسكره يتفرّج ويتصيَّد، فشعر به أمراء الغُزّ، فأسرعوا إليه وأحاطوا به، فقاتلهم أشدّ قتال، إلى أنّ قُتل هُوَ وجماعة، وأُسِر الباقون، وبلغ جيشه الخبر، فانهزموا.
وكان عادلًا، حسن السيرة، لما ملك هراة منع جُنْده من أذِيَّة المسلمين.
قُتِلَ فِي رجب من هذه السنة وله نحوٌ من عشرين سنة.(12/151)
290 - مُحَمَّد بْن حَمَّاد، أبو غالب المُوسَويّ، المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 558 هـ]
سمع أَبَا المظفر ابن السَّمْعانيّ وخدمه مدَّة، وإسماعيل بْن مُحَمَّد الزّاهريّ.
قال أبو سعد الحافظ: اتصل بالأتراك، وكان يوافقهم على شرب الخمر، وكان رافضيًا مبالغًا. توفي في جُمَادَى الآخرة وله ثمانون سنة.(12/151)
291 - مُحَمَّد بْن عبد الله بن سفيان بن سيدالَّه، أبو بكر التُّجْيبيّ، الشّاطبيّ. [المتوفى: 558 هـ]
روى عن أبي القَاسِم بْن الجنان، وأبي بكر بن أسود. وتفقه بصهره أبي بَكْر بْن أسد. وكان عارفًا بالحديث، له مجموع فِي رجال الأندلس ذيَّل به على "الصَّلة" لابن بَشْكُوال، وتُوُفيّ قبله سنة ثمانٍ هذه.(12/151)
292 - مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن محمد بن عبد الله ابن البيضاويّ، القاضي أبو عَبْد اللَّه. [المتوفى: 558 هـ]
بغداديّ فاضل نبيل، ولد سنة ست وثمانين وأربعمائة، وحَدّث، وتُوُفيّ فِي شوّال.
روى عن ابن طلحة النعالي، وابن البطر، وأبي الحسين ابن الطيوري. وعنه أبو الفرج ابن الجوزي، وأبو محمد ابن الأخضر، وإسماعيل بن حمدين.(12/152)
293 - مُحَمَّد بْن عَبْد الكريم بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الكريم بْن رفاعة، سديد الدّولة الشَّيْبَانيّ، المعروف بابن الأنبَاريّ، [المتوفى: 558 هـ]
كاتب الإنشاء بالدّيوان العزيز.
أقام بديوان الإنشاء خمسين سنة، وناب فِي الوزارة، ونُفِّذ رسولًا إلى ملوك الشَّام وخُراسان، وكان ذا رأي وتدبير وحسن سيرة، وكانت بينه وبين أبي مُحَمَّد الحريريّ مصنَّف "المقامات" رسائل قد دُوِّنَت.
حدُّث عن ابن الحُصَيْن، وأبي مُحَمَّد ابن السَّمَرْقَنْديّ، وسمع من أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخيّاط، وأبي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن نصر القَيْسرانيّ بعضَ شِعْرهما. سمع منه أَحْمَد بْن صالح بْن شافع، والمبارك بْن عَبْد اللَّه بْن النَّقُّور، وعبد المحسن بْن خطْلخ.
وعاش نيِّفًا وثمانين سنة. وشيّعه ابن هُبَيْرة الوزير فَمَن دونه، وكان رائق اللّفْظ، بليغ الكتابة، مليح الخطّ.
وقد مدحه إِبْرَاهِيم الغزّيّ، وأبو بَكْر الأرجاني، ومحمد بن نصر القيسراني، وللأرجاني فيه أشعار لو دونت لجاءت مجلدة وسطى. وله قصَّة فِي كتابته للإنشاء، فأنبأني أَحْمَد بْن سَلامة، عن أَحْمَد بْن طارق أنه سمع سديد الدّولة ابن الأنبَاريّ يقول: كتب إلي صديقي هبة الله ابن السَّقَطيّ المحدِّث سنة ستٍّ وخمس مائة رُقْعةً، وقد مات كاتب الإنشاء ابن رضوان:
قُلْ لسديد الدولة المجتبى ... في الأصل والأفضال والمغرس
قد عنت لرتبة فانهض لها ... واخطب جديدا كتبة المجلس [ص:153]
فكتبت على ظهرها:
يا من حوى مع فضله همَّةً ... بغير ثوب الشُّكر لا تكتسي
أرهقت عزمي في طلاب العلا ... أن رغبوا فِي كاتب مُفْلِس
ودفعتها إلى الرَّسُول، وكان صَبيًّا، فخرج فِي الحال، فاجتاز بباب العامَّة والرُّقعة بيده، والخطّ رطْب، فأخذ تُرابًا ينشّفه، فصادف ابن الحلوانيّ صاحب الخبر فقال: يا صبيّ ما هذه الرُّقْعة؟ قال: كَتَبَها ابن السَّقْطيّ إلى سديد الدّولة ابن الأنبَاريّ. فكتب نُسختها وعرضها على الإمام المستظهر بالله، فَلَمّا كان من الغد إذا رُقْعة ظهير الدِّين صاحب المخزن جاءتني إلى داري، يذكر فيها: إن رأي التَّجشُّم إلى داره التي أَنَا ساكُنها لألقي إليه ما رُسِم فقل إن شاء اللَّه، فركبتُ إليه فِي الحال، فحين دخلت قام متمثّلًا وقال للجماعة: الخلْوة، فانصرفوا، فقال: أمير المؤمنين يهدي إليك السّلام ويقول: قد رغِبْنا فِي كاتبٍ مُفْلس. فقلت فِي الحال: التّصريح بطلب الرُّتّب ما لا يقتضيه الأدب، فقلدت يومئذ ديوان الإنشاء، وأنعم علي بالخلع والمواهب.
قلت: وكان عمره يومئذٍ خمسًا وثلاثين سنة.
وأنبأني أحمد، عن ابن طارق، قال: حَدَّثَني سديد الدّولة أنّ الحريريّ صاحب " المقامات " كتب إليه رقعة، فكتب إليه في الحال بديهًا:
أهلًا بمن أهدى إليَّ صحيفةً ... صافَحْتُها بالرّوح لا بالرّاحِ
وتَبَلَّجَتْ فتأرَّجَتْ نَفَحَاتها ... كالمَسْك شيب نسيمه بالرّاح
فكتب إليَّ جواب هذه: لقد صَدَقَتْ رُواةُ الأخبار: أنْ معِدن الكتابة الأنبار.
وقد ذكر وفاته ابن الأثير فِي " الكامل " فِي سنة خمسٍ وثلاثين، والنسخة سقيمة فلعل بدل "تُوُفّي": "عُزِل" أو نحوه.(12/152)
294 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن خطاب بْن أبي الفتح، أبو شجاع الدّيَنَوريّ ثُمَّ البغداديّ الخَيميّ، [المتوفى: 558 هـ]
أَخو يحيى.
سمع أبا الفضل أَحْمَد بْن خَيْرُون، وأبا غالب الباقِلانيّ، ومحمد بن [ص:154] عبد السلام. روى عنه أبو محمد ابن الخشّاب، وعمر الْقُرَشِيّ، وابن أخيه عَبْد اللّطيف بْن يحيى، وابن الحصْريّ.
تُوُفّي فِي شوّال.(12/153)
295 - المبارك بن أبي طاهر، أبو نصر ابن الملاح. [المتوفى: 558 هـ]
بغداديّ. روى عَنْ الْحُسَيْن بْن عليّ ابن البُسْري، وغيره.(12/154)
296 - مكّيّ بْن عليّ بْن المبارك بْن طُلَيْب الحربيّ. [المتوفى: 558 هـ]
شيخ صالح سمع من أبي الحسين ابن الطيوري، وغيره، روى عنه عبد الله بن جحشويه، وعبد العزيز ابن الأخضر. وتوفي في رجب.(12/154)
297 - نصر اللَّه بْن أَحْمَد بْن أبي العزّ مُحَمَّد بْن الْمُخْتَارِ بْن المؤيِّد بالله، أبو العباس بن أبي تمام الهاشمي الحريمي التاجر. [المتوفى: 558 هـ]
سفار كثير المال، من بيت العِلْم والشَّرَف، حدُّث بمرو عن جده، ومات بسمرقند، روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم.(12/154)
298 - هبة اللَّه بْن الفضل بْن عبد العزيز بن محمد بن الحسين بن علي، أبو القاسم ابن القطّان المَتُّوثيّ الشّاعر. [المتوفى: 558 هـ]
سمع أَبَاهُ الفضل، وأبا الفضل بْن خيْرُون، وأبا طاهر أَحْمَد بْن الحسن الباقِلانيّ، وأبا عَبْد اللَّه النَّعَاليّ، وغيرهم.
وكان شاعرًا محِسنًا، بليغ الهجاء. روى عَنْهُ أبو سعد السمعاني، فقال: سألته عن مولده فقال: سنة ثمانٍ وسبعين. وتُوُفيّ يَوْم عيد الفِطْر.
قلت: وكان يعرف الطِّبّ والكحالة، وديوانه مشهور، وقد هجا الحَيْص بَيْص، وهو الَّذِي شهره بهذا اللَّقَب، وله قصيدة طِنّانة فِي كاتب الإنشاء سديد الدولة محمد ابن الأنبَاريّ، أوّلها:
يا مَنْ هَجَرْتَ فلا تُبالي ... هَلْ ترجعُ دولة الوِصال
ما أطمعُ يا حياة قلبي ... أن يَنْعَمَ فِي هواكِ بالي
الطَّرْفُ من الصَّدود باكِ ... الجسمُ، كَمَا تَرَيْنَ بالي
أهواك وأنت حظُّ غيري ... يا قاتلتي، فما احتيالي
واللُّوَّمُ فيكِ يزجروني ... عن حُبّكِ ما لهم، وما لي؟ [ص:155]
طلَّقْتُ تجلُّدي ثلاثًا ... والصَّبوة بعدُ فِي خيالي
روى عنه أبو الفتوح ابن الحصْريّ، وثابت بْن مشرّف، وابن الأخضر. وكان عسرًا في الرواية.(12/154)
299 - ياقوت المسترشدي. [المتوفى: 558 هـ]
عن: أبي غالب ابن البناء. وعنه أبو الفتوح ابن الحصْريّ. ورَّخه ابن الدَّبِيثي.(12/155)
300 - يحيى بْن سالم بن أسعد بْن يحيى، الفقيه أبو الخير بْن أبي الخير العِمْراني الشّافعيّ، [المتوفى: 558 هـ]
مصنَّف كتاب "البيان" فِي المذهب.
قيل: إنه كان يكرر على "المهذب" لأبي إسحاق، فكان يقرؤه فِي ليلةٍ واحدة. وله مصنَّفات مفيدة منها: "غرائب كتاب الوسيط" للغزالي. نَشَر العِلْم باليمن، ورحل الناس إليه وتفقهوا عليه.
توفي في هذه السنة.(12/155)
301 - يغمر بن ألب سارج، الفقيه أبو البدر التركيّ المقرئ. [المتوفى: 558 هـ]
كان أَبُوهُ جُنْديًّا، قال ابن عساكر: كان يعمل في القز ويلقن القرآن، وتفقه على شيخنا أبي الْحَسَن بْن مُسْلِم، وكان يحفظ قطعَةً صالحةً من الأخبار والأشعار، وكان يحثّني على تبييض "التّاريخ". وكان قد حصل عندي فتور عن تبييضه، فَلَمّا مات فِي هذه السَّنَة وكنت فِي جنازته فكّرت وقلت: أَنَا والله أحقّ بالاهتمام بهذا التّاريخ فَصرفتُ همّتي إليه وشرعت فِي تبييضه.(12/155)
302 - يُوسُف بْن مُحَمَّد بْن مقلّد بْن عِيسَى، أبو الحَجَّاج الدّمشقيّ، المعروف بابن الدّوانيقيّ. [المتوفى: 558 هـ]
قال ابن عساكر: سمع معنا من هبة الله ابن الأكفاني، وطاهر بن سهل ابن بشر، ورحل فسمع ببغداد: أبا القاسم بن الحصين، وأبا غالب ابن البناء، وتفقه على أبي منصور ابن الرّزّاز، واستوطن بغداد، وتصوَّف وصحب أَبَا [ص:156] النّجيب السّهْرُوَرْدِيّ، ووعظ وناظَّرَ، وقدِم دمشقَ ومرض بالاستسقاء فعدته، وقرأ لابني أبي الفتح ثلاثة أحاديث من حِفْظه، ومات فِي عاشر شهر صَفَر.
وأنشدنا أبو الحسين أحمد بن حمزة، قال: أنشدنا يُوسُف بْن مُحَمَّد التُّنوخيّ لنفسه:
أَنَوْمٌ بعدَما هَجَعَ النِّيَامُ ... وَظُلْمٌ بعدمَا انقشَع الظَّلامُ
فهذا الصبح في الفودين بادٍ ... يُنَادِي ما بقي إلا مَنَامُ
فَبَادِرْ يا فتى قبل المَنَايا ... فَما لَكَ بعد ذا عُذرٌ يُقامُ
فعِند اللَّهِ موقِفُنَا جميعًا ... وبين يديه يَنْفَصِلُ الخِصَامُ(12/155)
-سنة تسع وخمسين وخمس مائة(12/157)
303 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن هُذَيْل، أبو الْعَبَّاس الأنصاري، البلنسي. [المتوفى: 559 هـ]
سمع أبا الوليد ابن الدباغ، وابن النعمة، وتفقه عند أبي مُحَمَّد بْن عاشر، ورحل فلقي بقُرْطبة أَبَا عَبْد اللَّه بْن الحاجّ، وغيره، ووُلّي قضاء بلده، فلم تُحمَد سِيرته، وكان عارفًا بالأدب والكتابة، وتوفي كهْلًا.(12/157)
304 - أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن سَعْد بْن عَليّ، أبو الرضا ابن النّاقد، الجصّاص. [المتوفى: 559 هـ]
بغداديّ، ثقة جليل سمع أَبَا غالب الباقِلانيّ، وأبا سَعْد بْن خُشَيْش، وأبا الحسن العلّاف، روى عَنْهُ أَحْمَد بْن طارق، وعبد العزيز ابن الأخضر، وابنه عبد العزيز بْن أَحْمَد، وتُوُفيّ فِي ذي الحجَّة؛ سقط من بناءٍ للدّولة فمات صائمًا.(12/157)
305 - إبراهيم بْن موهوب بْن عليّ بْن حمزة، أبو إسحاق ابن المقصّص السُّلَميّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 559 هـ]
سمع من أبي الْحَسَن عليّ بْن الْحَسَن بْن الحزوّر، وإبراهيم بْن يونس المَقْدِسيّ، ونصر بْن أَحْمَد الهَمَذانِيّ المؤدِّب؛ سمع من المؤدب في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة.
وكان شيخًا مباركًا من قرّاء السَّبْع الكبير؛ سمع منه الحافظ ابن عساكر، وابنه، وأبو المواهب، وأخوه أبو القَاسِم، ودُفِن بمقبرة باب الصغير.(12/157)
306 - أسعد بْن إِسْمَاعِيل بْن حُسَيْن، العميد أبو الفتح النَّسَويّ، المستوفي. [المتوفى: 559 هـ]
ساكِن وَقُور متّصل بالدّولة، سمع "التّرغيب" لحميد بْن زَنْجُوَيْه من أبي بَكْر بن خزيمة. روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني، وتوفي في ذي الحجة.(12/157)
307 - بنيمان بْن مُحَمَّد بْن الفضل، أبو القَاسِم الكنْدوج الإصبهانيّ. [المتوفى: 559 هـ]
تُوُفّي فِي الثاني والعشرين من شَوَّال. وَكَانَ عدلًا متميزًا، سمع الرئيس [ص:158] الثّقفيّ. أخذ عَنْهُ السَّمْعانيّ، وغيره.(12/157)
308 - سَعْد اللَّه بن مُحَمَّد بن عَليّ بن أحمد بن حمدي، أبو البَرَكات البغداديّ الدّقّاق البزّاز. [المتوفى: 559 هـ]
روى عن أبي عَبْد اللَّه بْن طَلْحَةَ النَّعَاليّ، ونصر ابن البَطِر، وأحمد بْن عليّ الطُّرَيثِيثيّ، وكان من أهل الخير. روى عنه أبو سعد ابن السَّمْعانيّ، وعبد الخالق بْن أسد، وأبو الفَرَج ابن الجوزي، وجماعة.
توفي في شعبان.(12/158)
309 - ضرغام بْن عامر بْن سِوار، الملك المنصور فارس المسلمين، أبو الأشبال اللَّخْميّ المُنْذِريّ. [المتوفى: 559 هـ]
الَّذِي استولى على الدّيار المصرية، وهرب منه شاور إلى نور الدِّين يستنجد به عليه، فسيَّر معه أسد الدِّين شيركوه، فدخلوا مصر فِي رجب من هذا العام، فوجدوا الضّرْغام قد قُتِلَ فِي الثّامن والعشرين من جُمَادَى الآخرة من السَّنَة؛ قُتِلَ عند قبر السّتّ نفيسة، وطافوا برأسه، وبقيت جثته حَتَّى أكَلَتْها الكلاب، ثُمَّ دُفِن وبُنيَ عليه قبَّة معروفة عند بركة الفيل بها القلندرية.
وفي التاريخ لدخولهم وهْم، لأنّ الضِّرْغام ما قُتِلَ إلا بعد دخول أسد الدين.(12/158)
310 - ظافر بْن معاوية بْن خُلَيْف، أبو السّعادات الحربيّ الخياط. [المتوفى: 559 هـ]
صالح، ساكن من أهل القرآن والصّلاح، سمع أَبَا سعد بن خشيش، وأبا علي بن محمد بن محمد ابن المهتدي، وغيرهما.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبت عَنْهُ، وكان كخير الرجال.
وقال ابن مَشِّق: تُوُفّي فِي سابع جُمَادَى الآخرة.
وكان مولده سنة خمس وثمانين وأربعمائة.
قلت: روى عنه أحمد بن سلمان السكر.(12/158)
311 - عَبْد الرَّحْمَن بْن هبة الرَّحْمَن بْن عَبْد الواحد ابن الأستاذ أبي القَاسِم القُشَيْريّ، أبو خَلَف. [المتوفى: 559 هـ][ص:159]
نَيْسَابُوريّ، ورع عالم خيِّر، مليح الوعظ، وُلّي خطابة نَيْسابور بعد والده، وكان ضريرًا، سمع أعمام أَبِيهِ، وعليّ بْن عَبْد اللَّه بْن أبي صادق، وعبد الغفار الشيرويي، وإسماعيل بْن عَبْد الغافر الفارسيّ. روى عَنْهُ عبد الرحيم ابن السمعاني، وتوفي بنسا في يوم عاشوراء.(12/158)
312 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عليّ ابْن الأخوة، أبو الفتح بْن أبي الغنائم البغداديّ البيَّع اللُّغَويّ الأديب، [المتوفى: 559 هـ]
نزيل إصبهان.
روى عن أبي الْحَسَن بْن فتحان الشهرزوي مجلسًا من "أمالي ابن بِشْران"، سمعه منه ابن السَّمْعانيّ، وقال: شابّ، له معرفة تامَّة باللّغة والأدب. تُوُفّي فِي صَفَر.(12/159)
313 - عَبْد الوهّاب بْن الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه، أبو سَعْد الكرماني الرمجاري. [المتوفى: 559 هـ]
شيخ صالح من أهل نَيْسابور، سمع أَبَا بَكْر بْن خَلَف الشّيرازيّ، وأبا المظفَّر مُوسَى بن عمران، وأبا سهل عَبْد الملك بْن عَبْد اللَّه الدَّشْتيّ، وغيرهم. وولد في ربيع الأول سنة ثمانين وأربعمائة. وهو آخر من روى عن هؤلاء الثّلاثة فيما أعلم.
روى عنه أبو سعد ابن السمعاني، وابنه عَبْد الرحيم، ومحمد بْن ناصر بْن سلمان الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.(12/159)
314 - عليّ بْن حمزة بْن إِسْمَاعِيل بن حمزة بن حمزة بن محمد، السّيّد أبو الْحَسَن العَلوَيّ المُوسّوِيّ الهَرَويّ. [المتوفى: 559 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: كان سيّدًا، عالمًا، زاهدًا، عفيفًا، مواظبًا على الجماعات، سمع الكثير بِهَرَاة من أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَليّ العُمَيريّ، ونجيب بْن ميمون، ومحمود بْن القَاسِم الْأَزْدِيّ، والحافظ عَبْد اللَّه بْن يُوسُف الْجُرْجانيّ، وصاعد بْن سَيّار الكِنَانيّ، وجماعة، وخرَّج له أبو النضر عَبْد الرَّحْمَن الفاميّ جزءًا ضخْمًا عن شيوخه. وحدَّث بمَرْو وهَرَاة، وحدَّث [ص:160] بكتاب "العوالي" لابن عَدِيّ، وهو مجلَّد. ووُلِدَ سنة ثمان وستين وأربعمائة.
قلت: وقد ذكره فِي كتاب "ذيل تاريخ الخطيب"، فقال: عَلَوَيّ، حَسَن السّيرة، مَرْضِيّ، جميل الظّاهر والباطن، كثير العبادة والخير، يتفقَّد الفقراء ويراعيهم، محتَرَمٌ عند أهل بلده.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ وابنه وعبد اللَّه بْن عِيسَى بْن أبي حبيب الْأَنْصَارِيّ، وحفيده مُحَمَّد بْن إسماعيل بن علي الموسوي، وحفيده علي بن محمد بن علي الموسويّ، ويحيى بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللّطيف المَرْوَزِيّ، وأبو رَوْح عَبْد المعزّ الهَرَويّ، وآخرون. وعاش إحدى وتسعين سنة، وكان مُسْنِد هَرَاة فِي عصره؛ سمع "الجامع" لأبي عِيسَى، من أبي عامر الْأَزْدِيّ.(12/159)
315 - عُمَر بن علي بْن نصر، أبو المعالي الصَّيْرَفيّ البغداديّ الخفّاف. [المتوفى: 559 هـ]
سمع رِزْق اللَّه التّميميّ، وغيره. روى عَنْهُ القاضي عمر بن علي القرشي، وإبراهيم بن محمود الشعار، وعبد الوهاب بن عبد الله الصُّوفيّ القصّار، وآخرون. وآخر من روى عنه بالإجازة كريمة بْنت عَبْد الوهّاب.
تُوُفّي فِي شهر ربيع الأوّل.
وآخر من روى عَنْهُ بالسماع إسماعيل بن باتكين.(12/160)
316 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر الإصبهانيّ المقِّدر البنّاء، أبو الخير البَاغْبان. [المتوفى: 559 هـ]
شيخ مُسْنِد، عالي الإسناد، مشهور، سمع أَبَا عَمْرو بن منده، وأبا عيسى بن زياد، والمطهر البزّانيّ، وأبا بَكْر بْن ماجة، وحكيم بْن محمد الإسفراييني، حدُّث عَنْهُ "بمُسِنَد الشّافعيّ" بسماعه من جَدّه لأمه علي بن محمد السقاء.
روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وجامع بْن خُمارْتَاش، وصالح بْن أَحْمَد، ومحمد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الفتح النّجّار، ومحمد بْن مكّيّ الحنبليّ، وأحمد بْن صالح بْن أَحْمَد الهَرَويّ، وداود بْن مَعْمَر، وأحمد بْن عُبَيْد اللَّه المستملي الخانيّ، وعبد البرّ بْن أبي العلاء، ومحمود بن أحمد المعلم، ومعمر بن محمد [ص:161] ابن مبشّر، وأبو الوفاء محمود بْن مَنْدَهْ الإصبهانيّون. وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة كريمة ثُمَّ عجيبة الباقداريَّة.
قال أبو مَسْعُود الحاجّيّ: تُوُفّي فِي ثاني عَشْر شوّال.
وقال ابن نقطة: كان ثقة، صحيح السَّماع، حدُّث بحضرة أبي العلاء الحافظ، وسمع منه " مُسْنَد الشّافعيّ " أشياخنا أبو مُسْلِم أَحْمَد بْن شِيرُوَيْه، وعليّ ومحمد ابنا عبد الرشيد بن بنيمان، وعبد السّلام بْن شُعَيب الوطيسيّ، وغيرهم بهَمَذان.(12/160)
317 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عامر، أبو عامر البَلَويّ الطُّرْطُوشيُّ، السّالميّ، [المتوفى: 559 هـ]
من مدينة سالم؛ سكن مُرْسِيَّة.
وكان عالمًا، أديبًا، مؤرَّخًا، لُغَويًا، صنَّف فِي اللّغة كتابًا مفيدًا، وله كتاب فِي الطّبّ سمّاه " الشّفا "، وكتاب فِي التّشبيهات.
قال الأَبَّار: روى عَنْهُ عَبْد المنعم بْن الفَرَس، وَأَبُو القَاسِم بْن البراق.(12/161)
318 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن محمود، أبو الفُتُوح الزَّوْزَنيَ، الصوفي، [المتوفى: 559 هـ]
ابن عم أبي سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد.
وُلِدَ سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، وحدث.
توفي فِي الخامس والعشرين من جُمَادَى الآخرة.(12/161)
319 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن يَعْقُوب، الحافظ العلامة أبو عَبْد اللَّه البَنْجَديهيّ الزاغولي الأرزي، [المتوفى: 559 هـ]
وزاغول من عمل بنج ديه، وقيل: من عمل مَرْو الرُّوذ، بها قبر المهلَّب بْن أبي صُفْرة الأمير.
ذكره أبو سعد ابن السمعاني فقال: ولد سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة ببنج ديه، وسكن مرو، وتفقه على والدي وعلى الموفَّق بْن عَبْد الكريم الهَرَويّ، وسمع أَبَا الفتح نصر بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الحَنَفِيّ، وعيسى بْن شُعَيب السِّجْزيّ، ومُحيي السُّنَّة أَبَا مُحَمَّد البَغَوَيّ.
وكان فقيهًا صالحًا، حَسَن السّيرة، خشن العَيْش، تاركًا للتكلُّف، قانعاً [ص:162] باليسير، عارفا بالحديث وطُرُقه، اشتغل بطلبه وجمْعه طول عمره، وجمع كتابًا مطوَّلًا أكثر من أربعمائة مجلَّدة مشتملة على التّفسير والحديث والفِقّه واللّغة، سمّاه " قَيْدُ الأوابد ". وسمع جماعة كثيرة. وسمعتُ بإفادته. ووفاته بقرية نوش كارنجان فِي ثاني عَشْر جُمَادَى الآخرة.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ وابنه عَبْد الرحيم بْن أبي سَعْد.(12/161)
320 - مُحَمَّد بْن طاهر بْن عَبْد الله أخي نظام الملك الحسن ابني عليّ بْن إسحاق بْن الْعَبَّاس، الرئيس أبو بكر الطوسي، الرادكاني. [المتوفى: 559 هـ]
حمله أَبُوهُ أيّام عمّه النّظام إلى إصبهان، وسمَّعه من الكبار. وكان مولده فِي سنة أربع وسبعين وأربعمائة. حدث عن أبي بَكْر بْن مَاجة الأَبْهريّ، وأبي مَنْصُور مُحَمَّد بْن شكروَيْه، وسليمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وأبي الحسن علي بن أحمد المؤذن.
قال عبد الرحيم ابن السمعاني: سمعت منه " جزء لوين "، وتوفي بسردة من سواد نَيْسابور، فِي أحد الربيعين أو الجماديين.
وبخط الضياء: مات سنة سبع، كما مر.(12/162)
321 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحمن بْنِ الأشقر الأُمَويّ الدّانيّ المقرئ، [المتوفى: 559 هـ]
نزيل سَبْتَة.
أخذ القراءات عن أبي الْحَسَن بْن شفيع، وأبي مُحَمَّد بْن إدريس.
قال الأَبَّار: أقرأ القرآن، وكان عالي الرواية، فاضلًا، مُجاب الدّعوة. أخذ عَنْهُ أَبُو الصَّبْر أيوب بْن عَبْد اللَّه، وقال: تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة.(12/162)
322 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه، أبو الفتح الحمدويي المَرْوَزِيّ البَنْجَدِيهيّ الفقيه. [المتوفى: 559 هـ]
سمع " جامع " التِّرْمِذيّ من أبي سَعِيد الدّبّاس، وقد سمعه منه السَّمْعانيّ. وسمع من هبة اللَّه الشّيرازيّ، والمظفَّر بْن منصور الرازي. وُلِدَ سنة بضْع [ص:163] وستِّين، ومات بمَرْو فِي جُمَادَى الآخرة فِي تاسعه سنة تسع؛ قاله أبو سَعْد.(12/162)
323 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن أبي مَنْصُور، الصّاحب جمال الدِّين أبو جَعْفَر الإصبهانيّ، الملقَّب بالجواد، [المتوفى: 559 هـ]
وزير صاحب المَوْصِل أتابَك زنْكي بْن آقْسُنْقر.
استعمله زنكيّ على ولاية نصيبّين والرَّحْبة، وجعله مشرف مملكته كلها، واعتمد عليه. وكان نبيلًا، رئيسًا، دمث الأخلاق، حَسَن المحاضرة، محبوب الصّورة، سَمْحًا، كريمًا. ومدحه مُحَمَّد بْن نصر القَيْسَرانيّ بقصيدته التي أوّلها:
سقى اللَّه بالزَّوْراء من جانب الغربي ... مَهًا وردت ماء الحياة من القلب
قال القاضي ابن خِلِّكان: وكان يحمل فِي السَّنَة إلى الحَرَمَيْن أموالًا وكسوة تقوم بالفقراء سنتهم كلّها، وتنوّع فِي أفعال الخير، حَتَّى جاء فِي زمنه غلاءٌ عظيم، فواسى النّاس حَتَّى لم يبق له شيء وباع بقياره، وعُرِف بالجواد، وأجرى الماء إلى عَرَفَات أيّام الموسم، وبنى سور مدينة النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبالغ فِي أنواع البِّر والقِرَب. ولما قتل أتابك زنكي على قلعة جعبر رتبه سيف الدين غازي بن زنْكيّ وزيره إلى أنّ مات. ثُمَّ وَزَرَ بعده لقطب الدين مودود وأخيه. ثُمَّ إنّه استكثر إقطاعه وثقُل عليه، فقبض عليه سنة ثمانٍ وخمسين، ومات محبوسًا مُضَيَّقًا عليه فِي سنة تسعٍ، وكان يوم جنازته يومًا مشهودًا من ضجيج الضُّعَفاء والأيتام حول جنازته، ودُفِن بالموصل، ونُقِل بعد سنة إلى مكَّة فِي تابوت، فوقفوا به وطافوا بتابوته، ثُمَّ ردّوه فدفنوه بالمدينة النّبويَّة.
قلت: خالفوا السُّنَّة بما فعلوا.
ولمّا دخل تابوته الكوفَة ذكره الخطيب وأثنى عليه، وقال:
سرى نعْشُه فوق الركاب وطالما ... سرى بره فوق الرقاب ونائلُهْ
فتى مرّ بالوادي فانثَنَت رِمالُهُ ... عليه وبالنادي فحنت أرامله
فضجَّ النّاس بالبكاء، وكانت ساعة عجيبة. [ص:164]
قال ابن خلكان: وكان ابنه جلال الدِّين عليّ من بُلغاء الأدباء، له ديوان رسائل أجاد فِيهِ، وكان الصَّدْر مجد الدِّين أبو السعادات المبارك بْن الأثير فِي صِباه كاتبًا بين يديه، فكان يُملي عليه الإنشاء، وتُوُفيّ سنة أربعٍ وسبعين، وقد وُلّي وزارة المَوْصِل، ومات بدنيسر، ودفن عند أبيه بالمدينة.
ولقد حكي ابن الأثير فِي ترجمة الجواد مآثر ومحاسن لم يسمع بمثلها في الأعمار فالله يرحمه.(12/163)
324 - مُحَمَّد بْن مهديّ بْن الْحُسَيْن بْن عُمَر، أبو الْحُسَيْن الطَّبَريُّ الصُّوفيّ، [المتوفى: 559 هـ]
نزيل بغداد.
وبها نشأ، ومولده سنة ستٍّ وثمانين وأربعمائة، وأسمعه أَبُوهُ من مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام الأنصاري، وثابت بن بندار. وعنه عبد الوهاب ابن سكينة، وغيره.
توفي في جمادى الآخرة.(12/164)
325 - محمد بن أبي زيد بن حمكا، الإصبهانيّ، الرجل الصالح، [المتوفى: 559 هـ]
والد حفصة.
تُوُفّي فِي نصف شوال بأصبهان.(12/164)
326 - نصر بْن خَلَف، السّلطان أبو الفضل، [المتوفى: 559 هـ]
صاحب سِجِسْتان.
قال ابن الأثير: عُمّر مائة سنة، وتملك ثمانين سنة.
قلت: لا أعلم أحدًا فِي الإسلام بقي ملكًا هذه المدة سوى هذا، وبعده ملك ابْنه شمس الدِّين أبو الفتح أَحْمَد بْن نصر.
قال: وكان أبو الفضل ملكًا عادلًا، عفيفًا عن رعيّته، وله آثار حسنة فِي نُصْرة السّلطان سَنْجَر فِي غير موقف.
تُوُفّي في سنة تسع هذه.(12/164)
327 - يحيى بْن عليّ بْن خطّاب، أبو شجاع البغداديّ، المقرئ. [المتوفى: 559 هـ]
وليس هذا بالخيميّ، ذاك يأتي سنة أربعٍ وستِّين، وهذا ورّخه ابن مَشِّق في شعبان.(12/165)
-سنة ستين وخمسمائة(12/166)
328 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن هشام، أبو العباس بن الحطيئة اللخمي الفاسي المقرئ الناسخ. [المتوفى: 560 هـ]
شيخ إمام صالح، كبير القدر، مقرئ بارع مجوّد من أعلام المقرئين، نسخ الكثير بالأجرة، وكان مليح الخطّ، جيّد الضَّبْط.
ولد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بمدينة فاس، وحجّ ودخل الشَّام ولقي الكبار، ثُمَّ استوطن مصر بجامع راشدة خارج الفُسْطاط، وكان لأهل مصر فِيهِ اعتقاد كبير لا مزيد عليه.
قرأت بخط أبي الطاهر ابن الأنْماطيّ: سَمِعت شيخنا أَبَا الْحَسَن شجاعًا المدلجيّ، وكان من خيار عَبّاد اللَّه، يقول: كان شيخنا ابن الحُطَيْئة شديدًا فِي دين اللَّه، فظًّا غليظًا على أعداء اللَّه، لقد كان يحضر مجلسه داعي الدُّعاة مع عِظم سلطنته ونفوذ أمره، فما يحتشمه ولا يُكرمه، ويقول: أحمق النّاس فِي مسألة كذا الرّوافض، خالفوا الكتاب والسُّنَّة وكفروا بالله. وكنت عنده يَوْمًا فِي مسجده بشُرَف مصر، وقد حضر بعض وزراء المصريين، أظنه ابن عَبَّاس، فاستسقى فِي مجلسه، فأتاه بعض غلمانه بإناء فضَّة، فَلَمّا رآه ابن الحُطَيْئة وضع يده على فؤاده، وصرخ صرخةً ملأت المسجد وقال: واحرها على كبِدي، أتَشربُ فِي مجلس يُقْرأ فِيه حَدِيثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آنية الفضَّة؟ لا والله لا تفعل. وطرد الغلام، فخرج، ثُمَّ طلب كوزًا، فجاء بكوز قد تثلم فشرب، واستحيى من الشَّيْخ، فرأيته والله كَمَا قال اللَّه تعالى: " يتجرعه ولا يكاد يسيغه ". أتى رَجُل إلى شيخنا ابن الحُطيْئة بِمِئْزَر، وحلف بالطلاق ثلاثًا لا بد أن يقبله. فوبّخه على ذلك وقال: عَلِّقْه على ذاك الوَتَد، قال لنا شجاع وغيره: فلم يزل على الوتد حتى أكله العث وتساقط. وكان ينسخ بالأجرة، ولا يقبل لأحدٍ قَطّ هدية. وكان له على الجزية فِي الشهر ثلاثة دنانير، ولقد عرض عليه غيرُ واحدٍ من الأمراء أنّ يزيد جامكِيَّته فما قَبِل. وكان له من الموقع فِي قلوبهم، مع كَثرة ما يهينهم ما لم يكن لأحد سواه، [ص:167] وعرضوا عليه القضاء بمصر فقال: لا والله لا أقضي لهم.
قال شيخنا شجاع: وكتب " صحيح مُسْلِم " كلّه بقلمٍ واحد، وسمعته يقول: وقال له إنسان: فُلانٌ رُزق نِعمةً ومَعِدَة، فقال: حسدتموه على التردد إلى الخلاء! وسمعته يقول كثيرا إذا ذكر عُمَر بْن الخَطَّاب: طُويت سعادة المسلمين فِي أكفان عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
قلت: وكان لا يقبل من أحد شيئًا. قرأ بالروايات على أبي القاسم ابن الفحّام بالإسكندريَّة، وعلَّم زوجته وابنته الكتابة، فكانا يكتبان مثل خطّه سواء، فإذا شرعوا فِي نسخ كتاب أخذ كل واحدٍ منهم جزءًا من الكتاب ونسخوه، فلا يفرِّق بين خطوطهم إلا الحاذق.
ووقع بمصر الغلاء، فأتاه جماعة وسألوه قبول شيء فامتنع، فخطب الفضل بْن يحيى الطّويل ابنتَه وتزوّجها، ثُمَّ سَأَلَ أباها أن تكون أمّها عندها لتؤنسها، ففعل، فما أحسن ما تلطّف هذا الرجل فِي بِرّ أبي العباس رحمه الله، وبقي أبو الْعَبَّاس، وحده ينسخ ويقتنع.
قرأ عليه جماعةُ منهم شجاع بْن مُحَمَّد بْن سيدهم المُدْلجّي، وأبو الطّاهر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن بُنَان الأنبَاريّ ثُمَّ الْمَصْرِيّ، وجماعة سواهم.
وحدَّث عَنْهُ السِّلَفيّ، وهو أكبر منه، وقال: تُوُفّي فِي آخر المُحَرَّم بمصر، قال: وكان رأسًا فِي القراءات، سمع الحديث من أبي عَبْد اللَّه الحضْرميّ، وأبي الْحَسَن بْن مشرِّف، وسمعته يقول: وُلِدتُ بفاس ودخلت الشَّام.
قلت: وروى عَنْهُ صنيعة المُلْك هبة اللَّه بْن يحيى بن حيدرة، والأمير إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد اللَّمْطيّ، والنّفيس أسعد بْن قادوس وهو آخر من حدُّث عَنْهُ. وقبره يزار بالقرافة الصغرى، وقد طلب لقضاء مصر فأبى.
قرأت بخطّ ابن الأنْماطيّ الحافظ: حكى لنا أبو الْحَسَن شجاع بْن محمد بن سيدهم، قال: كان الشَّيْخ أبو الْعَبَّاس قد أخذ نفسه بتقليل الأكل بحيث بلغ فِي ذلك إلى الغاية، وكان يتعجب ممّن يأكل ثلاثين لُقمة ويقول: لو أكل النّاس من الضارّ ما أُكل من النّافع ما اعتلوا. وحكى لي شجاع أنّ أَبَا الْعَبَّاس وُلِدت له ابنته هند وكبرت وقرأت عليه بالسَّبع، وقرأت عليه الصّحيحين، وغير ذلك، وكَتَبَت الكثير، وتعلَّمت عليه كثيرا من علوم القرآن والحديث وغير ذلك، ولم ينظر إليها قَطّ. فسألتُ شجاعًا أكان ذلك عن قصْد؟ فقال: كان فِي [ص:168] أول العُمر اتّفاقًا، لأنّه كان يشتغل بالإقراء إلى المغرب، ثُمَّ يدخل إلى بيته وهي فِي مَهْدها، وتمادى الحال إلى أنْ كبرت فصارت عادة، وزوّجها ودخلت بيتها والأمر على ذلك، ولم ينظر إليها قَطّ إلى أنّ تُوُفّي رحمه اللَّه تعالى.(12/166)
329 - أَحْمَد بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان الحمّاميّ الْبُخَارِيّ، أبو الْعَبَّاس الأديب. [المتوفى: 560 هـ]
من مشيخة أبي سَعْد السَّمْعانيّ، قال: كان فقيهًا، زاهدًا، عارفًا باللُّغة، كثير الاجتهاد والتّعبُّد، سمع عَبْد الواحد بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّبَيْريّ، والقاضي مُحَمَّد بْن الْحَسَن النَّسَفيَ، وجماعة. مولده سنة تسعٍ وثمانين، ومات فِي ربيع الأوّل سنة ستين، وكان إمام النّاس فِي الجمعة.(12/168)
330 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد، أبو إسحاق الموصلي الحنفي، الفقيه. [المتوفى: 560 هـ]
نزل دمشق، ودرَّس بالصّادريَّة، وناب فِي الحكم للقاضي الزّكيّ، وتُوُفيّ فِي هذه السَّنَة.(12/168)
331 - أمير ميران بن أتابك زنْكي بْن أقْسُنْقُر التُّركيّ، [المتوفى: 560 هـ]
أَخو السّلطان نور الدِّين.
كان شجاعًا مِقْدامًا. مرض صاحب الشَّام نور الدِّين أخوه، فكاتب هُوَ الأمراء ليملِّكُوه، فَلَمّا عُوفي نور الدِّين سار إليه، وأخذ منه حرّان بعد الخمسين وطرده، فمضى إلى صاحب الروم، وجيَّش الجيوش في العام الماضي، وكان نور الدين نازلا على رأس الماء، فالتقوا فكسره نور الدين، وقتل في الوقعة جماعة منهم ابن الداية الأمير، ورد أمير ميران إلى صاحب حصن كيفا، ثُمَّ اصطلح هُوَ وأخوه، وأصابه سَهْمٌ فِي عينه على بانياس فقتله، ومات منه بدمشق.(12/168)
332 - حسّان بْن تميم بْن نصر، أبو النّدي الزيات. [المتوفى: 560 هـ][ص:169]
شيخ صالح دمشقيّ، سمع مجالس من الفقيه نصر. روى عنه ابن عساكر، وابنه، وأبو المواهب التغلبي، وعبد الخالق بْن أسد، ومُكْرم بْن أبي الصَّقْر، وكريمة الْقُرَشِيَّة، وآخرون.
تُوُفّي الحاجّ حسّان في تاسع عشر رجب، ودُفِن بباب الفراديس عن نيَّفٍ وثمانين سنة.(12/168)
333 - الحسين بن محمد بن الحسين بن حما البغداديّ، [المتوفى: 560 هـ]
سِبْط أبي سَعْد مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الأسَدِيُ.
سمع من جَدّه أبي سَعْد، وحدَّث فِي هذه السَّنَة؛ روى عَنْهُ أبو الفتوح ابن الحصري، وغيره.(12/169)
334 - خزيفة بن سعد بن الحسين بن الهاطرا، أبو المعمر الأزجي الوزان. [المتوفى: 560 هـ]
ولد سنة ثمانين وأربعمائة. شيخ صالح مُسْنِد، سمع ابن البَطِر، وأبا الفضل بْن خَيْرُون، وأبا الْحَسَن بْن أيّوب البزاز، وجماعة. روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، ومحمد بن المبارك بن مشق، وشهاب الدِّين السُّهْرَوَرْديّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي العشرين من رجب، وروى عنه بالإجازة الرشيد أحمد بن مسلمة.(12/169)
335 - رستم بْن عليّ بْن شَهْرَيَار بْن قارِن، [المتوفى: 560 هـ]
ملك مازندران. [ص:170]
كان ملكًا شجاعًا مَخُوفًا، استولى فِي العام الماضي على بِسْطام وقُومس، واتَّسعت ممالكه. مات فِي ثامن ربيع الأوّل، فكتم ابنه علاء الدِّين الْحَسَن موته أيّامًا حَتَّى تمكَّن وثبت ملكه، ثُمَّ خرج عليه صاحب جُرجان ونازَعَه في الملك فلم يبال به.(12/169)
336 - سَعِيد بْن سهل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، أبو المظفَّر النَّيْسَابُوريّ، ثُمَّ الخُوارَزْميّ، الوزير المعروف بالفلكي. [المتوفى: 560 هـ]
سمع أبا الحسن المؤذن، ونصر الله بن أحمد الخُشْناميّ. وسافر إلى خُوارَزْم، ووَزَرَ لصاحبها.
وكان ذا رأي، وشهامة، وكفاية، وحُسْن سيرة وسخاء ومكارم. ثُمَّ إنّه خاف من صاحب خُوارَزْم فحجَّ وتصدَّق بأموالٍ كثيرة، وتزهَّد، وتعبد. وحدث ببغداد ودمشق، وسكن دمشق بخانقاه السُّمَيْساطِيّ، وجدَّد بها الصّفَّة الغربيَّة والبرْكة والقناة التي لها من ماله. وتولّى النَّظَر فِي وقف الخانقاه.
وكان ثقة، متواضعًا، صالحًا، حَسَن الاعتقاد، أثنى عليه ابن عساكر وغيره. ووقع لنا " جزء الفلكيّ " عن الشَّيخين المذكورين. روى عَنْهُ ابن عساكر، وأبو القَاسِم بْن صَصْرَى، وأخوه أبو المواهب، وأبو عَبْد اللَّه ابن المجاور، وزَين الأُمَناء، ومُكْرَم، ومحمد بْن غسّان، ومات في شوال، ودفن بمقابر الصوفية.(12/170)
337 - شرف بْن عبد المطلب، السّيّد أَبُو علي العَلوَيّ الأصبهاني. [المتوفى: 560 هـ]
توفي في رجب.(12/170)
338 - طُغْرُل شاه بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن، الشَّيْخ أبو المعالي الكاشْغَريّ. [المتوفى: 560 هـ]
تُوُفّي بإصبهان فِي ثاني جمادى الأولى.(12/170)
339 - عَبْد اللَّه بن أَحْمَد بن عَبْد اللَّه بْن سبعون، أبو مُحَمَّد القَيْروانيّ الأصل البغداديّ. [المتوفى: 560 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا الفضل بْن خَيْرُون. وحدَّث في هذا العام؛ روى عنه عمر [ص:171] ابن علي القرشي، ونصر ابن الحصري.(12/170)
• - عبد الله بن سعد بن الحسين بن الهاطرا الوزّان، لَقَبُه خُزَيْفَة. [المتوفى: 560 هـ]
ذكرته فِي الخاء.(12/171)
340 - عَبْد الرحمن بْن عليّ بْن الْحُسَيْن، أبو مُحَمَّد الكوفيّ، العَطَّار. [المتوفى: 560 هـ]
سمع بدمشق: أَبَا البركات بْن طاوس، وحدَّث، وتُوُفيّ بدمشق فِي ذي القعدة، وكان كثير التلاوة.
روى عَنْهُ أبو القَاسِم بْن صَصْرَى.(12/171)
341 - عَبْد القَاهِر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد ابن الطُّوسيّ، أبو عليّ، [المتوفى: 560 هـ]
نزيل المَوْصِل، أخو عَبْد الله خطيب الموصل، وعبد الرَّحْمَن، ومحمد، وعبد الوهّاب.
سمع من جعفر السراج، وغيره. توفي يوم عيد الأضحى.(12/171)
342 - عَبْد المحسن بْن عَبْد المنعم بْن عليّ بْن مُنِيب، الفقيه أبو مُحَمَّد الكَفَرْطابيّ، ثُمَّ الشَّيزرِيّ. [المتوفى: 560 هـ]
رحل، وسمع من أبي القاسم بن الحصين، وأبي العز بن كادش، وطبقتهما. وتفقه بالنّظاميَّة، وسكن دمشق. روى عَنْهُ أبو القَاسِم بْن صَصْرَى. وكان ثقة، خيَّرًا.(12/171)
343 - عَبْد الملك بْن أَحْمَد بْن أبي يدّاس، أبو مَرْوان الصنهاجي، الجياني. [المتوفى: 560 هـ]
قرأ القرآن والعربية على بَكْر بْن مَسْعُود. وأخذ بالمرِّية عن أبي الحجاج القضاعي، وغيره. وأقرأ بشاطبة القراءات والعربيَّة. روى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه بْن سعادة المعمر.(12/171)
344 - عَبْد الواحد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد، أبو الفضل بْن القُزَّة الدّمشقيّ. [المتوفى: 560 هـ]
روى " صحيح الْبُخَارِيّ " عن الفقيه نصر، عن عليّ بْن مُوسَى السِّمْسار، عن أبي زَيْدٍ المَرْوَزِيّ، عن الفِرَبْريّ. وسمع مجلسًا من نصر أيضًا.
روى عَنْهُ ابن عساكر، وقال: سَأَلْتُهُ عن مولده، فقال: سنة خمس وسبعين وأربعمائة. ومات فِي ذي الحجَّة. قال: وكان قد اختلط.
قلت: وروى عَنْهُ عليّ بْن مُحَمَّد ابن جمال الإسلام، وأبو القَاسِم بْن صَصْرَى وغيرهما. وقد روى بالإجازة عن عاصم بن الحسن العاصميّ.(12/172)
345 - عُبَيْد اللَّه بْن خليفة، أبو الْحُسَيْن البَطلُيوسيّ. [المتوفى: 560 هـ]
وُلّي قضاء إشبيلية فِي الدّولة اللّمْتُونيَّة بعد القاضي أبي بكر ابن العربيّ، ثُمَّ عُزِل، وتُوُفيّ فِي شوّال.(12/172)
346 - عتيق بْن عبد العزيز، أبو بَكْر السَّمَرْقَنْديّ الدّرغمي ثم النيسابوري الأديب الأوحد. [المتوفى: 560 هـ]
له محفوظات في اللغة، وشعر جيد. سمع عَبْد الغفّار بْن شيرُوَيْه، وغيره.
وُلِدَ سنة سبع وسبعين ومات بخوارزم في حدود سنة ستين.(12/172)
347 - عسكر بن أسامة بن جامع، أبو عبد الرحمن العدوي النصيبي، [المتوفى: 560 هـ]
إمام مسجد كندة بنصيبين.
دخل بغداد، وتفقه على مذهب الشافعي، وسمع من هبة الله بن الحصين، وأبي العز بن كادش، وخلق؛ سمع منه ابن السمعاني.
وقال ابن النجار: سألت عنه شيخنا عبد الوهاب الأمين فأثنى عليه كثيرا، وقال: كان ناسكا صالحا منعزلا، أفتى ببلده، ودرس.
وقال غيره: ولد سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة.(12/172)
348 - عطاء بْن عَبْد المنعم، أبو الغنائم الإصبهانيّ. [المتوفى: 560 هـ]
حجّ فِي هذا العام، فحدَّث ببغداد عن غانم البرجي. روى عنه أبو الفتوح ابن الحصْريّ، وغيره.(12/173)
349 - عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أبي الْعَبَّاس، أبو الْحَسَن الإصبهانيّ، المعروف باللّبّاد. [المتوفى: 560 هـ]
سمع رزق اللَّه بْن عَبْد الوهّاب التميمي، وأبا بكر محمد بن أَحْمَد بْن ماجة، والقاسم بْن الفضل الثّقفيّ، ورجاء بْن عَبْد الواحد بْن قولُوَيْه، وأبا نصر عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد السِّمْسار، وجماعة. وأجاز له أبو بكر بن خلف الشيرازي. وخرَّج له مُعَمَّر بْن الفاخر جزءًا، وروى عنه جماعة. وروى عنه بالإجازة، أبو المنجى ابن اللتي، وكريمة.
توفي فِي ثامن عَشْر شوّال.(12/173)
350 - عليّ بْن أَحْمَد بْن مقاتل بْن مَطْكُود، أبو الْحَسَن السُّوسيّ، ثُمَّ الدّمشقيّ، الشّاغُوريّ، ويُعْرف بابن المعلّم. [المتوفى: 560 هـ]
سمع جزءًا واحدًا من أبي القَاسِم عليّ بْن مُحَمَّد المصِّيصيّ، وَهُوَ آخِرُ مَنْ حدُّث عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ عساكر: وكان قبل أنّ يحجّ يتولى توظيف ما يؤخذ من مَزَارع الشّاغور، وتُوُفيّ فِي رمضان.
قلت: روى عنه أبو القاسم بن صصرى، وزين الأمناء أبو البركات، ومكرم، وجماعة " جزء الصفة " و" أحاديث عنبسة ". وهو أخو نصر بْن أَحْمَد.(12/173)
351 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن علان، أبو الْحَسَن البواب. [المتوفى: 560 هـ]
سمع أبا الحسين ابن الطيوري. وولد في سنة سبعين وأربعمائة، وكان يمكنه أنّ يسمع من أبي نصر الزَّيْنَبيّ، لكنّ السّماع قسميَّة.
تُوُفّي فِي المُحَرَّم.(12/173)
352 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عِكْرَمة، أبو القاسم ابن البَزْريّ، الشّافعيّ العلامة فقيه أهل الجزيرة. [المتوفى: 560 هـ]
رحل إلى بغداد، واشتغل على إلْكيا الهَراسيّ، وأبي حامد الغزاليّ، وجماعة، وبرع فِي المذهب ودقائقه، وقصده الطَّلَبة من البلاد وتفقّهوا به. وصنَّف كتابًا كبيرًا شرح فِيهِ إشكالات " المهذَّب ". وكان من الدِّين والعِلم بمحلٍّ رفيع.
قال القاضي ابن خِلِّكان: كان أحفظ من بقي فِي الدّنيا على ما يقال لمذهب الشّافعيّ. وكان يُنْعَت بزَيّن الدِّين جمال الإسلام. انتفع به خلْقٌ كثير، ولم يخلف بالجزيرة مثله.
وكان قد قرأ أوّلًا على أَبِي الغنائم مُحَمَّد بن الفرج السلمي الفارقي، قليلًا من الفقه، فمات أبو الغنائم سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
تُوُفّي ابن البَزْرِيّ فِي أحد الربيعين، وله تسعُ وثمانون سنة.
والبَزْريّ: نسبة إلى عمل البُزْر وبَيْعه، والبزْر فِي تلك البلاد اسم للدّهن المستَخْرَج من حبّ الكُتّان وبه يستصبحون.
وكان مولده في سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.(12/174)
353 - عمر بن بهليقا الطحان البغدادي [المتوفى: 560 هـ]
الذي عمّر جامع العُقَيْبَة بالجانب الغربيّ من بغداد.
تُوُفّي في ذي القِعْدَة.(12/174)
354 - مُحَمَّد بْن أبي سَعْد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزوزني، أبو الفتوح الصوفي. [المتوفى: 560 هـ]
سمع الطريثيثي، وابن البَطِر. وعنه ابن سُكَيْنَة، وابن الأخضر.
مات فِي جُمَادَى الآخرة سنة تسع.(12/174)
355 - مُحَمَّد بْن حمزة بْن الْحَسَن بْن المفرّج، أبو عَبْد اللَّه بْن أبي يَعْلَى الْأَزْدِيّ الدّمشقيّ الشروطي. [المتوفى: 560 هـ][ص:175]
سمع أَبَاهُ، وعليّ بْن طاهر النَّحْويّ، وسُبَيْع بن المسلم المقرئ.
مات فِي شعبان، وله إحدى وسبعون سنة.(12/174)
356 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن المسلم بْن أبي سُرَاقة، أبو المجد الهَمَذانِيّ، ثُمَّ الدمشقي. [المتوفى: 560 هـ]
سمع أبا الحسن ابن المَوَازِينيّ، وعبد المنعم بْن الغَمْر الكِلابيّ، وحَيْدَرة بن أحمد. سمع منه ابنه أبو الفتح. وتولّى عمالة الجامع، ثُمَّ عمالة الحشرية.
مات في شعبان أو رمضان. روى عَنْهُ أَبُو المواهب، وأبو القاسم ابنا صَصْرَى.(12/175)
357 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس بْن عَبْد الحميد المُعَدَّل، أبو عَبْد اللَّه الحرَّانيّ، ثُمَّ البغداديّ. [المتوفى: 560 هـ]
أحد العُدُول الكبار.
كيَّس، متودّد. سمع هبة اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق الْأَنْصَارِيّ، ورِزق اللَّه التّميميّ، وطِراد بْن مُحَمَّد الزَّيْنَبيّ، وأبا الفتح أَحْمَد بْن مُحَمَّد الحدّاد، وأبا سَعْد المطرِّز، ويحيى بْن مَنْدَهْ الحافظ، وغيرهم. ورحل إلى إصبهان.
روى عَنْهُ أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وَقَالَ: سَأَلْتُهُ عن مولده فَقَالَ: سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
قلت: وروى عَنْهُ ابن الْجَوْزِيّ وقال: كان لطيفًا ظريفًا، جمع كتابًا سمّاه " روضة الأدباء "، وهو آخر من مات من شهود القاضي أبي الحسن ابن الدّامَغَانيّ.
وروى عَنْهُ ابنته خديجة، وعبد اللّطيف بْن مُحَمَّد القُبَّيْطي. وله شِعرٌ حَسَن.
تُوُفّي فِي ثاني عَشْر جُمَادَى الأولى.
وآخر من روى عنه بالإجازة: الرشيد أحمد بن مسلمة.(12/175)
358 - محمد بن عبد الجبار بن جوروية الإصبهاني. [المتوفى: 560 هـ]
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/175)
359 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن علي بن محمد بن يوسف ابن العلاف، أبو طاهر بن أبي الحسن [المتوفى: 560 هـ]
من حجاب الدّيوان ومن بيت العلم. سمع أَبَاهُ، وابن طَلْحَةَ النَّعَاليّ، وابن البَطِر. روى عَنْهُ ابن الأخضر، وغيره. وتفرَّد بإجازته الرشيد بْن مَسْلَمَة، وتُوُفيّ فِي ثاني عَشْر شعبان، ولم يكن مَرْضيًا.(12/176)
360 - مُحَمَّد بْن أبي خازم مُحَمَّد ابن القاضي أبي يَعْلَى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الفَرّاء، القاضي أبو يَعْلَى الصّغير، [المتوفى: 560 هـ]
شيخ الحنابلة.
تفقَّه على أَبِيهِ، وعمّه القاضي أبي الْحُسَيْن. وكان من أنبل الفُقَهاء وأنظرهم وأفصحهم. وفي سنة ثمانٍ وعشرين زُكّيَ، ثُمَّ بعد ذلك ولي قضاء واسط، فبقي بها مدَّة، ثُمَّ عُزِل عن القضاء والعدالة، ولزم العلم والمقام بمنزله إلى أن توفي وقد أضر.
سمع الْحَسَن بْن مُحَمَّد التّككيّ، وأبا الْحَسَن ابن العلاف، وأبا الغنائم النَّرْسيّ. روى عَنْهُ أبو الفتح المَنْدائيّ، وأبو محمد ابن الأخضر، وغيرهما.
وتوفي في ربيع الآخر ببغداد، وله ست وستون سنة. والأصح أنّه تُوُفّي فِي خامس جُمَادَى الأولى، وقد درّس وأفتى وأفاد وتخرَّج به خلْق، وكانت جنازته مشهودة.(12/176)
361 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن قُرطف، أبو الفتح النُّعمانيّ، الشّاعر المشهور، ويعرف بابن الأديب. [المتوفى: 560 هـ]
ولد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ببغداد، ومات فِي الخامس والعشرين من جُمَادَى الآخرة. وكان من ظرفاء البغداديين وشعرائهم الفحول، وله مع براعته فِي النَّظْم كتابةٌ فِي غاية الحُسْن.
روى عَنْهُ من شِعْره: أَبُو سعد السمعاني، وأبو أحمد ابن سُكَيْنَة، وأحمد بْن طارق الكَرْكيّ. [ص:177]
أنبأنا جماعة، عن ابن سكينة، قال: أنشدنا أبو الفتح ابن الأديب لنفسه:
عاطل وهو بالمناقب خالي ... نَسَبُ المجدِ غيرُ عمَّ وخالِ
شبهُ قربِ الشّخوصِ وفي ... نقْد المعاني تباين الأشكال
ما استطال القنا بطول الأنا ... بيب ولكنْ بالصبر يوم النِّزال
رُبّ حُسْنٍ يعود قبحًا إذا لم ... ترو عنه محاسن الأفعال
يوجد التِّبْرُ فِي التُّراب كَمَا ... يُسْتَخْرَجُ المسك من مصير الغزال
وهي طويلة.
وبالإسناد له:
طليقُ دمْعٍ أسير القلب عاينه ... كلّ بعينك فانظر ما يعانيهِ
تنام عن سهر لا تلتقي قصر ... أجفانه كلما طالت لياليه
تحيى على زَفَرات الشَّوق أَضْلُعُه ... وأنت فِي غفلةٍ عمّا يُلاقيهِ
منها:
سهمٌ على القلب قبل السمع موقعه ... قد أَتْبَعتْهُ بسهمٍ كفُّ راميهِ
وليلةُ الْجَزَع لمّا بات يَرْشُفُني ... ثغرَ الزُّجاجة والصَّهْبَاءَ مَن فيه
شربت كأس مدام من سلافته ... شجت بكاس عِتابٍ من تَجنّيهِ
وبه له:
لم يبق بعد المَفْرِق الأشْيبِ ... لدَيْك من مَلْهى ولا ملعب
أنذرت الخمسون أبناءها ... بعد ذَهاب العُمر المذهبِ
أُنْسِيتَ ما فات كأنّ الَّذِي ... مضى من الأيّام لم يُحْسَبِ
هَلْ هُوَ إلا أَمَدٌ مُنْتَهَى ... إلى بعيد الدار لم يصقب
مسافة تطمعُ فِي قَطْعها ... بغير زادٍ وبلا مركبِ
يا وَيْحَ من أنفق أيّامَهُ ... فِي طلب المَتْجَرِ والمَكْسَبِ
ما هُوَ آتٍ غيرُ مُسْتَبْعَدٍ ... قد آن وضْع الحامِل المقربِ
وكلّ عام أترجى المنى ... وهن قد سوفن الوعد بي
وليس لي همٌّ سوى وَقْفةٍ ... فِي حَرَم المدفون فِي يثرب(12/176)
362 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن محمد بن علي ابن أبي زيد. الشريف أبو طالب العلوي، الحسني، الْبَصْرِيّ، النّقيب، [المتوفى: 560 هـ]
نقيب الطّالبييّن بالبصرة ثُمَّ عُزل من النّقابة.
قال ابن السَّمْعانيّ: قَدِمَ بغداد عدة نُوَب، وانحدَرْتُ فِي صُحبته إلى البصرة فاجتمعت به. وكان ظريفًا مطبوعًا. وكان أصحابنا البصريون يقولون: إنّه يكذب كثيرا فاحشًا فِي أحاديث الناس. وروى ببغداد عن أبي عليّ البُسْريّ. قال: وسمع منه، ومن جَعْفَر العّبَّادانيّ، وأبي عُمَر الْحَسَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن غسّان النَّحْويّ، ومحمد بن علي ابن العلاف المؤدِّب.
قال ابن نُقْطَة: قَدِمَ بغداد سنة خمس وخمسين، وحدث بها عن أَبِي عليّ بكتاب " السُّنَن " لأبي دَاوُد الجزء الأوّل بالسّماع المتّصل، والباقي إجازةً، إن لم يكن سماعًا. حدثنا عَنْهُ أبو طَالِب عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد السميع، وسماعه من التُّسْتَريّ سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة. وقال عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ فِي " معجمه ": أخبرنا الشّريف أبو طَالِب مُحَمَّد بْن أبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُبَيْد اللَّه بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ علي بن باغر ابن الأمير عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الحَسَن بن جعفر بْنُ الحَسَن بْنُ الحَسَن بْنِ عَليّ بْنِ أَبِي طالب الهاشمي العلوي، ويعرف بابن أبي زيد، سَأَلْتُهُ عَن مولده؛ فقال: فِي ربيع الأول سنة إحدى وستين وأربعمائة. وتُوُفيّ فِي ربيع الأوّل سنة ستين.
قلت: وقال ابن السَّمْعانيّ: وُلِدَ سنة تسعٍ وستِّين وأربعمائة.
وقال ابن النّجّار: سَأَلت النّقيب أَبَا جَعْفَر يحيى بن محمد بن محمد، عن والده مَتَى وُلِدَ؟ قال: سنة تسعٍ وستِّين.
قلت: وروى أبو طَالِب ببغداد كتاب " السنن "، استقدمه الوزير ابن هبيرة وأكرمه، وسمع منه الكتاب. وقد حدث به أبو الفتوح ابن الحصْريّ عَنْهُ بالسّماع المتّصل، وقال: أُخبرت أنّ سماعه ظهر بعد ذلك.
قال ابن نُقْطة: وهذا القول عندي فِيهِ نَظَر، لأنّا لم نسمع أحدًا قاله [ص:179] غير ابن الحصْريّ، والّصحيح عندي ما قيّده أبو المحاسن الْقُرَشِيّ، يعني الجزء الأوّل فقط، وآخره عند كراهية مسِّه الذَّكَر فِي الاستبراء.
قال ابن نُقْطة: وحدثني أبو السُّعود مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر الْبَصْرِيّ الفقيه، قال: قال لي عليّ بْن الْحَسَن ابن المعلمة: لما أرادوا قراءة " السنن " على ابن أبي زيد النقيب كتب إلي أبو المحاسن القرشي: انقل لنا سماع الشيخ في " سنن أبي داود " فطفت فلم أجد سماعه إلا فِي جزءٍ واحد.
قلت: عاش نيفا وتسعين سنة، وقد رَوَاهُ المقداد بْن أبي القَاسِم القَيْسيّ بدمشق، أعني " السُّنَن " كلَّه، عن ابن الحصْريّ، بسماعه عن العَلوَيّ عن التُّسْتَريّ بجميع الكتاب سماعًا، فالله أعلم بحقيقة الأمر.
أنبؤونا عن أحمد بن طارق قال: أنشدنا أبو طَالِب العَلوَيّ لنفسه:
لا تشكون دهرًا سَطَا ... شَكْوَاكُهُ عينُ الخَطَا
واصْبِر على حَدَثَانهِ ... إن جارَ يَوْمًا وامتطى
الدَّهْرُ دهرٌ قلب ... يوماه بؤس أو عطا(12/178)
363 - المبارك بن مسعود بن عبد الملك بن خميس، أبو الكرم الغسال البزاز. [المتوفى: 560 هـ]
بغداديٌّ، مطبوعٌ، صاحب نوادر، وحكايات، وأشعار، وله بضاعة يتّجر فيها إلى الحجاز والرّيّ. سمع من جعفر السراج، وأبي القاسم الربعي، وجماعة.
قال ابن السَّمْعانيّ: كتبت عنه، وقال لي: ولدت سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
وقال ابن مَشِّق: تُوُفّي فِي سابع عَشْر ربيع الأول.
وروى عَنْهُ ابن الأخضر، وابن الحصْريّ.(12/179)
364 - مُرْجان الخادم [المتوفى: 560 هـ]
قال ابن الْجَوْزِيّ: كان يقرأ القرآن، ويعرف شيئًا من مذهب الشّافعيّ، وتعصب على الحنابلة فوق الحد، وناصبني دون الكُلّ وبلغني أنّه كان يقول: مقصودي قلع المذهب. ولمّا مات الوزير ابن هُبَيْرة سعى بي إلى الخليفة [ص:180] فقال: عنده كتب من كتب الوزير، فقال الخليفة: هذا مُحال، فإن فلانًا كان عنده أحد عشر دينارًا فما فعل فيها شيئا حتى طالعنا فدفع الله عني شره، ومات في ذي القعدة.(12/179)
365 - محمود بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عزيزة، أبو الغنائم الإصبهانيّ. [المتوفى: 560 هـ]
تُوُفّي فِي جمادى الأولى.(12/180)
366 - محمود بن عبد العزيز الوزير شهاب الدين الحامدي الهروي، [المتوفى: 560 هـ]
وزير السلطان أرسلان، ووزير أتابكه إلْدكِزِ.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل من سنة ستين، وكان من رجال الدّهر حزمًا ورأيًا.(12/180)
367 - مظفر بْن هبة اللَّه بْن المظفَّر، أبو شجاع ابن المسلمة، البغداديّ. [المتوفى: 560 هـ]
سمع أَبَا القَاسِم بْن بَيَان، وشُجاعًا الذُّهْليّ. روى عَنْهُ يُوسُف بْن الطُّفَيْل الدمشقي، وتوفي في رمضان.(12/180)
368 - نصر بْن إدريس، أبو عَمْرو الشَّقوريّ، الرجل الصالح، قاضي شاطبة. روى عن أبي بحر بن العاص، ويونس بْن مغيث. ورّخه أبو عَبْد الله الأبار. [المتوفى: 560 هـ](12/180)
369 - هبة اللَّه بْن صاعد بْن هبة اللَّه بْن إِبْرَاهِيم، أمين الدّولة، أبو الْحَسَن ابن التلميذ النصراني، المسيحي، البغدادي، [المتوفى: 560 هـ]
شيخ الطب، بقراط عصره، وجالينوس زمانه، وشيخ النَّصارى لعنهم اللَّه وقِسِّيسهم.
ذكره العماد فِي " الخريدة " فيا ما بالغ في وصف هذا الخنزير، ومما قال: هو سلطان الحكماء، ومقصد العالم في علم الطّبّ.
وقال الموفق أَحْمَد بْن أَبِي أصَيْبَعة فِي " تاريخه ": ابن التّلميذ أوحد [ص:181] زمانه في صناعة الطب، وفي مباشرة أعمالها ويدلّ على ذلك ما هُوَ مشهورٌ من تصانيفه وحواشيه على الكُتُب الطّبّيَّة، وكان ساعور البيمارستان العضدي ببغداد إلى حين وفاته. سافر فِي صِباه إلى العجم، وبقي بها فِي الخدمة زمانًا. وكان يكتب خطًّا منسوبًا، خبيرًا باللّسان السُّرْيانيّ واللّسان الفارسيّ واللّغة، وله نَظْمٌ حَسَن ظريف وترسل كثير، وكان والده أبو العلاء صاعد طبيبًا مشهورًا. وكان أمين الدّولة، وأبو البركات أوحد الزّمان فِي خدمة المستضيء بأمر اللَّه، وكان أوحد الزّمان أفضل من أمين الدّولة فِي العلوم الفلسفيَّة، وله فيها تصانيف. وكان الآخر أبصَرَ بالطب، وكان بينهما عداوة، لكن كان ابن التّلميذ أوفر عقلًا، وأجود طباعًا.
وقال ابن خلكان: وكان أوحد الزمان، واسمه هبة اللَّه بْن عليّ بْن مَلْكا، يهوديًّا فأسلم فِي آخر أيّامه، وأصابه الجذام فعالَجَ روحه بتسليط الأفاعي على جسده بعد أن جوعها، فبالَغَتْ فِي نهشه، فبرئ من الجذام وعَمى، فعمل ابن التلميذ:
لنا صديق يهودي من حماقته ... إذا تكلم تبدو فِيهِ مِن فِيهِ
يتِيهُ والكلبُ أعلى منه مَنْزِلَةً ... كأنّه بعدُ لم يخرجْ من التِّيهِ
وقال الموفّق عَبْد اللّطيف بْن يُوسُف: كان ابن التّلميذ كريم الأخلاق، عنده سخاء ومُرُوءة، وأعمال فِي الطَّبِّ مشهورة، وحُدُوس صائبة، منها أنه أدخل إليه رجل منزف يعرق دمًا في الصيف فيسأل تلاميذه، وكانوا قدر خمسين، فلم يعرفوا المرض، فأمره أنّ يأكل خُبْز شعير مع باذنْجان مَشْويّ، ففعل ذلك ثلاثة أيّام، فبرئ، فسأله أصحابه عن العّلة، فقال: إن دمه قد رقّ، ومَسَامَّهُ تفتَّحت، وهذا الغذاء من شأنه تغليظ الدم ويكثف المسامّ.
قال: ومن مُرُوءته أنّ ظهر دارهِ كان يلي النظاميَّة، فإذا مرض فقيه نقله إليه، وقام في مرضه عليه فإذا أبل وهبه دينارين وصرفه.
وقال الموفَّق بْن أبي أُصَيْبعة: وكان الخليفة قد فوض إليه رياسة الطب، فلما اجتمعوا إليه ليمتحنهم، كان فيهم شيخٌ له هيئةٌ ووَقَارٌ فأكرمه، وكان للشيخ دربة ما بالمعالجة من غير عِلْم. فَلَمّا انتهى الأمر إليه قال له ابن [ص:182] التلميذ: لم لا شاركتم الجماعة في البحث لنعلم ما عندكم من هذه الصناعة؟ فقال: وهل تكلّموا بشيء إلا وأنا أعلمه، وسبق إلى فهمي أضعافه؟! قال: فَعَلَى مَن قرأتم؟ قال: يا سيدنا إذا صار الإنسان إلى هذا السن ما يبقى يليق به إلا أنّ يُسأل: كم لكم من التّلاميذ. قال: فأخبِرْني ما قرأتَ من الكُتُب؟ قال: سبحان اللَّه! صرنا إلى حدّ الصبيان، أيقال لمثلي هذا؟ إنما يقال لي: ما صنفتم فِي الطّبّ؟ وكم لكم من الكُتُب والمقالات؟ ولا بدّ أنّ أُعرِّفَك بنفسي. ثم دنا إلى أُذُن أمين الدّولة وقال له سرًا: اعلم بأنني قد شخت وأنا أوسم بالطّبّ، وما عندي إلا معرفة اصطلاحات مشهورة، وعمري كله أتكسب بهذا الفن، ولي عائلة، فسألتك بالله يا سيدنا أن تكاسر عني ولا تفضحني بين الجماعة. فقال: عليّ شرط أنّك لا تهجم على مريضٍ بما لا تعلمه ولا تشير بفصد ولا بإسهال إلا لما قرب من الأمراض. فقال الشَّيْخ: هذا مذهبي مُذْ كنتُ وما تعديت شراب الليمون والْجُلاب. فقال ابن التّلميذ للجماعة جَهْرًا: يا شيخ ما كنّا نعرفك فاعذُرنا والآن قد عرفناك، فاستمر فيما أنت فيه.
وقال ابن أبي أُصَيْبَعة: حَدَّثَني سَعْد الدِّين بن أبي السهل البغدادي العواد، قال: رَأَيْت ابنَ التّلميذ، وكان يحبّ صناعة الموسيقى، وله مَيْلٌ إلى أهلها، وكان شيخًا رُبْع القامة، عريض اللّحية، حُلْو الشّمائل، كثّير النّادرة.
ومن شعر ابن التّلميذ:
لو كان يحسِن غُصْن البان مشيتها ... تأودًا لمشاها غيرَ محتّشِمِ
فِي صدْرها كوكبا نورٍ أَقَلَّهُما ... ركنان لم يقربا من كف مستلم
صانتهما في حريم من غَلائِلها ... فنحن فِي الحِلّ والرّكْنان فِي الحَرَمِ
وله:
عانَقْتُها وظلامُ اللّيل مُنْسَدلٌ ... ثُمَّ انتبهت ببرد الحلي في الغلس
فصرت أحميه خوفًا أن ينبهها ... وأتّقي أنْ يذوب العِقْد من نَفَسِي
وله:
أكثر حسو البيض كيما ... يستقيم قيام أيرك
ما لا يقوم ببيضتيك ... فلا يقوم ببيض غيرك [ص:183]
وله من الكتب أقراباذين وهو مشهور تداوله الناس، وآخر اسمه " الموجز " صغير، " واختيار كتاب الحاوي للرازي "، " اختصار شرح جالينوس لفصول أبقراط "، " شرح مسائل حنين "، " كناش "، " مختصر الحواشي على القانون لابن سينا "، " مقالة فِي الفَصْد "، وتصانيف سوى ذلك.
وتُوُفيّ فِي الثامن والعشرين من ربيع الأول، وله أربعٌ وتسعون سنة، لا رحمه اللَّه، وخلّف أموالًا جزيلة، وكُتُبًا فائقة، ورثه ابنه، ثُمَّ أسلم ابنه قبل موته، وعاش نحوًا من ثمانين سنة، وخنق فِي داره، وأُخِذ ماله، ونُقِلَت كُتُبُه على اثني عشر حمالا.
وكان أمين الدولة قد قرأ الطّبّ على أبي الْحَسَن سَعِيد بْن هبة اللَّه صاحب المصنّفات.
وذكر الموفّق عَبْد اللّطيف أنّ ولدَ أمين الدّولة كان شيخه فِي الطّبّ، وأنّه انتفع به، وقال: لم أر من يستحق اسم الطّبّ غيره، خنق في دهليزه.
قلت: ومن أقارب أمين الدولة الأجل الحكيم:(12/180)
370 - مُعْتمد المُلْك أبو الفَرَج يحيى بْن صاعد بن يحيى ابن التلميذ. [المتوفى: 560 هـ]
كان بارعًا في الطب رأسا في الفلسفة، له شِعْرٌ رائق، وله عدَّة تلاميذ. وقد مدحه الشريف أبو يعلى محمد ابن الهبارية، وكان قد أتاه إلى إصبهان، فحصّل له من الأمراء والأعيان مالًا جزيلا، فقال فِيهِ قصيدة منها:
نعْمَى أبي الفَرَج بن صاعد الذي ... ما زال عني في المكاسب نائبا
ثقة الخلافة سيد الحكماء ... معتمد الملوك الفيلسوف الكاتبا(12/183)
371 - ياغي أرسلان بن دانشمند، [المتوفى: 560 هـ]
صاحب ملطية.
جرى بينه وبين قلج أرسلان بْن مَسْعُود السلجوقي حروب لأنَّه كان جاره بقونية، وسببها أنّ قلج أرسلان تزوج بابنة الملك صلتق فجهِّزت إليه، فنزل ياغي أرسلان فأخذ العروس وجهازها ثُمَّ أراد أنّ يزوجها بابن أخيه ذي النون؛ فقيل لَهُ: لا يصلح هذا، فعلمه بعض فقهاء الرأي أن يأمرها بالردة عن الإسلام فارتدت لينفسخ النكاح، ثُمَّ أسلمت فزوجها لذي النون. فسار قلج أرسلان [ص:184] لقتاله فعملا مصافًا فانهزم قلج أرسلان. وهلك ياغي أرسلان عقب ذلك، وتملك بعده ابن أخيه إبراهيم بن محمد بن دانشمند وأخوه ذو النون واتفقا مع قلج أرسلان.(12/183)
372 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرة بْن سَعِيد بن الحسن بن جهم، أبو المظفر الشيباني الوزير عَوْن الدِّين. [المتوفى: 560 هـ]
وُلِدَ سنة تسع وتسعين وأربعمائة بالدور، وهو موضع من سواد العراق، بقرية بني أوقر، ودخل بغداد فِي صِباه، وطلب العلم، وجالس الفُقهاء والأدباء وسمع الحديث، وقرأ القراءات، وشارك في فنون عديدة، وكان خبيرا باللغة، ويعرف النحو والعروض والفقه. وكان مشددًا في السنة واتباع السلف، ثم أمضه الفقر فتعرض للكتابة وولي مشارفة الخزانة، ثم ولي ديوان الزمام للمقتفي بأمر الله، ثم استوزره المقتفي سنة أربع وأربعين فدام وزيره، ثم وزير ولده المستنجد إلى أنّ مات.
وكان من خيار الوزراء دينا وصلاحًا ورأيًا وعقلًا وتواضعًا لأهل العلم وَبَرًّا بهم. سمع أَبَا عثمان بْن ملَّة، وأبا القَاسِم بْن الحُصَيْن، ومن بعدهما.
وكان يحضر مجلسَه الأئمَّةُ والفقُهاء، ويُقرأ عنده الحديث على الرُّواة، ويُجْرى من البحوث والفوائد عجائب. دخل عليه الحيص بيص مرة، فقال ابن هُبَيْرة: قد نَظَمْتُ بيتين تقدر إن تعزِّزَهُما بثالثٍ؟ فقال: وما هما؟ قال:
زار الخيال نجيلًا مثلَ مُرْسِلِهِ ... فما شفاني منه الضَّمُّ والقُبِلُ
ما زارني قط إلا كي يوافقني ... على الرُّقاد فينْفيهِ ويرتحلُ
فقال الحَيْصُ بَيْص من غير رَويَّةٍ:
وما دَرَى أنّ نومي حيلة نصبت ... لوصله حين أعيا اليقظة الحيل
ذكره أبو الفرج ابن الْجَوْزِيّ فقال: كان يجتهد فِي اتّباع الصّواب، ويحذر من الظُّلْم، ولا يَلْبَس الحرير. قال لي: لمّا رجعت من الحِلَّة دخلت على المقتفي، فقال لي: ادخل هذا البيتَ وغيّر ثيابك. فدخلت فإذا خادم وفرّاش ومعهم خلعة حرير، فقلت: واللهِ ما ألبَسُها. فخرج الخادم فأخبر المقتفي؛ فسمعت صوته يقول: قد واللهِ قلتُ إنّه ما يلْبَس. وكان المقتفي [ص:185] مُعْجَبًا به. ولمّا استُخلِف المستنجد دخل عليه فقال له: يكفي فِي إخلاصي أنّي ما حابَيْتُك فِي زمن أبيك. فقال: صَدَقْت. قال: وقال مُرجانُ الخادم: سَمِعت المستنجد بالله ينشد وزيره وقد مثُل بين يديه فِي أثناء مفاوضة ترجع إلى تقرير قواعد الدِّين وإصلاح أمور المسلمين، فأعجب المستنجد به، فأنشده لنفسه:
ضفت نِعمتان خَصَّتَاكَ وَعَمَّتا ... فذِكْرُهُمَا حَتَّى القيامةِ يُذْكَرُ
وجُودك والدَّنيا إليك فقيرةٌ ... وجُودُك والمعروفُ فِي النّاس يُنْكَرُ
فلو رامَ يا يحيى مكانَك جَعْفَر ... ويحيى لكَفّا عَنْهُ يحيى وجعفرُ
ولم أر من يَنْوِي لك السُّوء يا أَبَا الـ ... مظفر إلا كنتَ أنت المظفَّر
قال ابن الْجَوْزِيّ: وكان مبالغا فِي تحصيل التّعظيم للدّولة، قامعًا للمخالفين بأنواع الْحِيَلِ. حسم أمور السّلاطين السّلْجُوقيَّة، وكان شحنةٌ قد أذاه فِي صِباه؛ فَلَمّا وَزَرَ أحضره وأكرمه. وكان يتحدّث بِنَعم اللَّه، ويذكر فِي منصبه شدة فقره القديم. وقال: نزلت يَوْمًا إلى دِجْلة وليس معي رغيف أعبر به. وكان يُكثر مجالسةَ العلماء والفُقراء، وكان يبذل لهم الأموال. فكانت السَّنَةُ تدور وعليه ديون؛ وقال: ما وَجَبتْ عليَّ زكاةٌ قَطّ. وكان إذا استفاد شيئًا قال: أفادَنِيه فلان. أفَدْتُه معنى حديث، فكان يقول: أفادنيه ابن الجوزي. فكنت أستحيي من الجماعة. وجعل لي مجلسًا فِي داره كل جمعة، ويأذن للعوامّ فِي الحضور. وكان بعض الفقراء يقرأ عنده كثيرًا، فأعجبه وقال لزوجته: أريد أزوّجه بابنتي. فغضبت الأم من ذلك. وكان يقرأ عنده الحديثَ كلّ يومٍ بعد العصر، فحضر فقيهٌ مالكيٌّ، فذُكِرَتْ مسألةٌ، فخالف فيها الجميع وأصرّ، فقال الوزير: أَحِمَارٌ أنت؟ أما ترى الكلَّ يُخالفونَك؟! فَلَمّا كان فِي اليوم الثاني قال للجماعة: إنّه جرى منّي بالأمس على هذا الرجل ما لا يليق، فليَقُلْ لي كَمَا قلتُ له، فما أَنَا إلا كأحدكم. فضجّ المجلس بالبكاء، واعتذر الفقيه وقال هو: أَنَا أَوْلَى بالاعتذار. وجعل يقول: القِصاص القِصاص، فلم يزل حَتَّى قال يُوسُف الدّمشقيّ: إذْ أبى القِصاص فالفِداء، فقال الوزير: له حُكْمُهُ. فقال الفقيه: نِعَمُكَ عليَّ كثيرةٌ، فأيُّ حُكْمٍ بقي لي؟ قال: لا بُدّ. قال: عليَّ دين مائة [ص:186] دينار. فقال: أعطوه مائةَ دينارٍ لإبراء ذِمَته، ومائةً لإبراء ذمّتي. فأُحضِرت فِي الحال.
وما أحسن قولَ الحَيْصَ بَيْص فِي قصيدته فِي الوزير:
يَهُزُّ حديثُ الْجُودِ ساكِنَ عِطْفِهِ ... كَمَا هزَّ شُربَ الْحَيِّ صَهْباءُ قَرْقَفُ
إذا قيل عَوْنَ الدّين يحيى تألَّقَ الـ ... غمامُ وماسَ السَّمْهَريُّ المُثَقَّف
قال: وكان الوزير يتأسّف على ما مضى من زمانه، ويندم على ما دخل فِيهِ. ولقد قال لي: كان عندنا بالقرية مسجد فِيهِ نخلة تحمل ألف رطْل، فحدَّثْتُ نفسي أن أُقيم فِي ذلك المسجد، وقلت لأخي مُحِبّ الدِّين: أقعُدُ أَنَا وأنت وحاصِلُها يكفينا. ثُمَّ انظر إلى ما صرْت. ثُمَّ صار يسأل اللَّه الشهادة ويتعرَّض لأسبابها. وفي ليلة ثالث عَشْر جُمَادَى الأولى استيقظ وقت السَّحَر فقاء، فحضر طبيبه ابن رشادة فسقاه شيئًا، فيُقال إنّه سمّه، فمات وسُقي الطبيب بعده بنصف سنة سمًا، فكان يقول: سُقيتُ كَمَا سَقيْتُ؛ فمات. ورأيت أَنَا وقت الفجر كأني فِي دار الوزير وهو جالسٌ، فدخل رجلٌ بيده حَرْبَة، فضربه بها، فخرج الدَّمُ كالفوّارة، فالتفتُّ فإذا خاتم ذهب، فأخذته وقلت: لمن أُعطيه؟ أنتظر خادمًا يخرج فأسلمه إليه. فانتبهتُ فأخبرتُ مَن كان معي، فما استْممتُ الحديثَ حَتَّى جاء رجلٌ فقال: مات الوزير. فقال واحدٌ: هذا مُحال أَنَا فارقته فِي عافيةٍ أمس العصر. فنفَّذوا إليَّ، فقال لي ولده: لا بد أن تغسله. فغسلته، ورفعت يده ليدخل الماء في مَغَابِنِه، فسقط الخاتم من يده حيث رَأَيْت ذلك الخاتم. ورأيت آثارًا بجسده ووجهه تدلّ على أنّه مسموم. وحملت جنازته إلى جامع القصر، وخرج معه جمْعٌ لم نره لمخلوق قَطّ، وكثُر البكاءُ عليه لِما كان يفعله من البِرّ والعدْل، ورثاه الشُّعراء.
قلت: وقد روى عن المقتفي تلك الأحاديث المُقْتَفوِية. سمعتها من الأبَرْقُوهيّ، عن ابن الجواليقيّ، عَنْهُ.
وقد شرح صَحيحَيّ الْبُخَارِيّ ومسلم فِي عدَّة مجلَّدات، وسمّاه كتاب " الإفصاح عن معاني الصَّحاح ". وألف كتاب " العبادات " في مذهب أحمد، وأرجوزة في المقصور والممدود، وأخرى فِي عِلْم الخطّ، واختصر " إصلاح المنطق " لابن السكيت. [ص:187]
وولي الوزارة بعده شرفُ الدِّين أبو جَعْفَر أحمد ابن البَلَديّ، فأخذ فِي تَتَبُّع آل هُبَيْرة، فقبض على ولديه مُحَمَّد وظَفَر ثُمَّ قتلهما.
وقال أبو المظفَّر: اضطّر وَرَثةُ ابن هُبَيْرة إلى بيع ثيابهم وأثاثهم، وبيعت كُتُب الوزير الموقوفة على مدرسته حَتَّى أُبيع كتاب " البستان " فِي الرقائق لأبي اللَّيْث السَّمَرْقَنْديّ بدانِقَيْن وحَبَّة، وكان يساوي عشرة دنانير، فقال واحد: ما أرخص هذا البستان! فقال جمال الدِّين بْن الحُصَيْن: لِثقَل ما عليه من الخراج. يشير إلى الوقفية. فأخذ وضرب وحبس.(12/184)
373 - يحيى بْن مُحَمَّد بْن رزق، أبو بَكْر الأندلسيّ. [المتوفى: 560 هـ]
قال ابن بشْكُوال: هُوَ من أهل المَرِيَّة. أخذ عن جماعة من شيوخنا وَصَحِبَنَا عند بعضهم. وكان محدثًا حافظًا، متيقّظًا، عارفًا بالحديث ورجاله، ثقة، ديّنًا.
وقد أُخِذ عَنْهُ.
وتُوُفيّ بسَبْتَة فِي شعبان، وكان مولده سنة ثلاث وخمس مائة.(12/187)
-ومن الذين كانوا في هذه الطبقة ولم أعرف وفياتهم(12/188)
374 - أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عليّ، القاضي أبو الخَطَّاب الطَّبَريّ، الْبُخَارِيّ، العلامة. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
أستاذ فِي علم الخلاف، قدوة فِي علم النَّظَر؛ تفقَّه على والده، والإمام البرهان، وحدَّث عن أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدقاق، وغيره. وكان مولده في سنة سبع وتسعين وأربعمائة.
روى عنه أبو المظفر عبد الرحيم السمعاني، وقال: هُوَ أستاذي فِي علم الخلاف.(12/188)
375 - أَحْمَد بن الحسن بن سيد، أبو العباس الجراوي، المالقيّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
من كبار النُّحَاة والأُدباء بالأندلس. حدُّث عن أبي الْحَسَن بْن مُغِيث.
قال الأَبَّار: تُوُفّي نحو الستين، ومن شعره:
وبين ضُلُوعي للصَّبابة لَوَعةٌ ... بحُكْم الْهَوَى تقضي عليَّ ولا أقضي
جَنَى ناظري منها على القلب ما جَنَى ... فيا من رأى بعضًا يُعِينُ على بعضٍ(12/188)
376 - أَحْمَد بْن قسيّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
صاحب " خلْع النَّعْلَيْن " من أهل الأندلس.
قال عَبْد الواحد بْن عليّ التّميميّ المرّاكُشيّ: كان فِي أوّل أمره يدّعي الولاية، وكان ذا حِيَلٍ وشَعْبَذَة ومعرفة بالبلاغة. ثُمَّ قام بحصن مارتلة، ودعا إلى بَيعته، ثُمَّ اختلف عليه أصحابه، ودسّوا عليه من أَخْرَجَهُ من الحصن بحيلة حَتَّى أسلموه إلى الموحدّين، فأتوا به عَبْد المؤمن، فقال له: بَلَغَني أنّك دعيت إلى الهداية. فكان من جوابه أن قال: أليس الفجر فجرين: كاذب وصادق؟ قال: بلى. قال: فأنا كنت الفجر الكاذب، فضحك عَبْد المؤمن ثُمَّ عفا عَنْهُ. ولم يزل بحضرة عَبْد المؤمن حَتَّى قتل. قتله صاحب له.
قلت: كان سيئ الاعتقاد، فلسفيّ التّصوّف، له فِي " خلْع النَعلين " أوابد ومصائب.(12/188)
377 - إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد، القاضي أبو إسحاق السُّلَميّ الغَرْنَاطيّ، ويُعرف بابن صَدَقة. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
روى ببلده عن أبي بَكْر بْن غالب بْن عطيَّة، وغيره، وحجّ فسمع من أبي بَكْر الطُّرْطُوشيّ، وأبي الحسن ابن الفراء. روى عنه أبو القاسم بن سمجون.
قال الأَبَّار: بقي إلى بعد الخمسين.(12/189)
378 - إِبْرَاهِيم بْن عطيَّة بْن عليّ بْن طَلْحَةَ، أبو إسحاق الْبَصْرِيّ، الضّرير، المقرئ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
إمام الجامع.
شيخ صالح، ظريف، كثير المحفوظ، سمع من قاضي البصرة أَبِي عمر مُحَمَّد بْن أَحْمَد النَّهاوَنْديّ. وأحسبه آخر من روى عَنْهُ. وسمع ببغداد من مالك البانياسيّ.
قال ابن الدَّبيثيّ: بقي إلى سنة إحدى وخمسين، وحدثنا عنه سعيد ابن محاوش، وأحمد بْن مبشّر المقرئ، وغيرهما.(12/189)
379 - إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عقيل بْن الأشعث. الحكيم أبو إسحاق السَّمَرْقَنْديّ، المعروف جدّه بالدّغوش. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة، قال عَبْد الرحيم السَّمْعانيّ: سَمِعت منه جزءًا من حديث قتيبة، قال: أخبرنا علي بن أحمد بن حسن الصيرفي، قال: أخبرنا عُمَر بْن أَحْمَد بْن شاهين السَّمَرْقَنْديّ سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد الدزماري سنة اثنتين وسبعين، قال: حدثنا محمد بن الفضل البلخي، عنه.(12/189)
380 - أحمشاد بْن عَبْد السّلام بْن محمود، العلامة الواعظ، أبو المكارم الغزنوي، الحَنَفِيّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
أحد فُحُولِ الْفُضَلاءِ والعلماء، بحر يتموّج، وفجر يتبلج، وهمام فتاك، وحسام بتّاك، وفقيه مُدْرَه، وفصيح مُفَوُّه، وواعظ مذكِّر. كان بإصبهان، ثُمَّ لَحِقَ بالعسكر، ووُلّي أرانية وجنزة. ثُمَّ لمّا كان مُحَمَّد شاه محاصرًا بغداد، ورد أبو [ص:190] المكارم هذا من جهة إلْدِكز، وعبر إلى الجانب الشّرقيّ، كأنّه يؤدّي رسالة واجتمع بالوزير ابن هُبَيْرة وعاد، فاتّهمه مُحَمَّد شاه ونكَبَه. ثم عاد إلى جنزة، ومات بعد سنة اثنتين وخمسين وهو فِي الكهولة.
قال العماد فِي " الخريدة ": أنشدني لنفسه:
أمالِكَ رِقيّ ما لَكَ اليومَ رقةٌ ... على صَبْوَتي والحَيْنُ من تَبِعَاتها
سَأَلتَ حياتي إذ سألتُك قُبلةً ... ليَ الرِّبْحُ فيها خُذْ حياتي وهاتها(12/189)
381 - إِسْمَاعِيل بْن عليّ بْن بركات، أبو الفضل الغساني، الدمشقي، المقرئ، ويعرف بابن البجاوي. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
من ذرّية الْإِمَام يحيى بْن يحيى الغسّانيّ.
قرأ بالروايات على سُبيع بْن المسلم. وسمع من الشَريف نسيب الدّولة، وأبي طاهر الحِنّائيّ. وقدم بغداد سنة اثنتين وخمسين، فسمّع ولده من أبي الوقت السجزي. ثم مات الولد.
قال ابن النّجّار: قرأ عليه شيخنا أَحْمَد بْن عَبْد الملك بن باتانة، وعبد الوهاب بن بزغش وأقرأ عَنْهُ. وكان عالمًا بالقراءات ووجوهها، صَدُوقًا، موثقًا.(12/190)
382 - أوحد الزمان الطبيب، واسمه هبة اللَّه بْن عليّ بْن مَلْكا، أبو البَرَكات البَلَديّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
ووُلِدَ ببَلَد وسكن بغداد، وكان يهوديًا فأسلم فِي أواخر عمره، وخدم المستنجد بالله.
قال الموفَّق أَحْمَد بْن أبي أُصَيبعة: تصانيفه فِي غاية الْجَوْدة، وكان له اهتمامٌ بالغ فِي العلوم وفطرة فائقة. وكان مبدأ تعلمه الطب أن أبا الحسن سَعِيد بْن هبة اللَّه كان له تصانيف وتلامذة، ولم يكن يقرئ يهوديّا، وكان أوحد الزمان يشتهي الاجتماع به والتعلم منه، وثقل عليه بكلّ طريق فما مكّنه، فكان يتخادم للبوّاب ويجلس فِي الدِّهْليز، بحيث يسمع جميع ما يقرأ على أبي الحسن. فَلَمّا كان بعد سنةٍ جرت مسألة وبحثوا فيها، فلم يتجه لهم عنها جوابًا، وبقوا متطلعين إلى حلها، فلما تحقق ذلك منهم أبو البركات، دخل وخدم الشَّيْخ، وقال: يا سيّدنا، بإذنك أتكلّم فِي هذه المسألة؟ فقال: قل. [ص:191]
فأجاب بشيء من كلام جالينيوس، وقال: يا سيدنا، هذا جرى فِي اليوم الفُلانيّ، فِي ميعاد فلان، وحفظته. فبقي الشيخ متعجبا من ذكائه وحرصه، واستخبره عن المكان الَّذِي كان يجلس فِيهِ، فأعلمه به فقال: من يكون بهذه المثابة ما نمنعه؟ وقرّبه وصار من أجَلّ تلاميذه. وكان ببغداد مريض بالمالِيخُولْيا، بقي يعتقد أنّ على رأسه دنًّا، وأنه لا يفارقه، وكان يتحايد السُّقُوف القصيرة، ويطأطئ رأسَه، فأحضره أبو البَرَكات عنده، وأمر غلامه أنّ يرمي دنًّا بقرب رأسه، وأن يضربه بخشبة يكسره، فزال ذَلِكَ الوهْم عن الرجل وعُوفي، واعتقد أنّهم كسروا الدّنّ الَّذِي على رأسه. ومثل هذه المداواة بالأمور الوهميَّة مُعْتَبَر عند الأطبّاء. وقد أضر أبو البركات في آخر عمره، وكان يملي على الجمال بْن فَضْلان، وعلى ابن الدّهّان المنجّم، وعلى يوسف والد عبد اللطيف، وعلى المهذب ابن النّقّاش كتاب " المعتبر ". وقيل: إنّ سبب إسلامه أنه دخل يومًا إلى الخليفة، فقام الحاضرون سوى قاضي القُضاة، فلم يقُم له لكَوْنه يهوديًّا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكونه يرى أني على غير مِلَّته، فأنا أُسْلم بين يدي أمير المؤمنين، ولا أتركه ينتقصني. وأسلم. خلّف أوحد الزّمان أبو البركات ثلاث بنات، وعاش نحو ثمانين سنة.
وحدَّثني نجم الدين عمر بن محمد ابن الكُرَيْديّ قال: كان أوحد الزّمان وأمين الدّولة ابن التّلميذ بينهما معاداة، وكان أوحد الزّمان لما أسلم يتنصل من اليهود ويلعنهم، فحضر فِي مَجْمَعٍ فقال أوحد الزّمان: لعن اللَّه اليهود. فقال ابن التّلميذ: نعم وأبناء اليهود. فوجم لها أوحد الزّمان ولم يتكلّم. وله كتاب " المعتبر "، وهو في نهاية الجودة في الحكمة التي هي دين الفلاسفة، ومقالة فِي سبب ظهور الكواكب ليلًا واختفائها نهارًا، و " اختصار التشريح "، وكتاب " أقرباذين "، ومقالة في الدواء الذي ألفه وسماه برشعثا، ورسالة فِي العقل وماهيّته وغير ذَلِكَ.
من تلامذته: المهذب بن هبل.
مات سنة أربع وتسعين وخمس مائة.(12/190)
383 - البديع الأصطرلابي [الوفاة: 551 - 560 هـ]
هو بديع الزمان أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أحمد البغدادي الطبيب الفيلسوف.
قال الموفق ابن أبي أصيبعة: كان من الحكماء الفضلاء والأدباء النبلاء، طبيب عالم، وفيلسوف متكلم، غلب عليه الحكمة وعلم الكلام والرياضي، وبرع في النجوم والأرصاد. وكان صديقا لأمين الدولة ابن التلميذ، واجتمع به بأصبهان في سنة عشر وخمس مائة. وكان أوحد عصره في عمل الإصطرلاب وإتقان صنعته، وله شعر كثير. وقد اختصر ديوان أبي عبد الله الحسين بن الحجاج وأسماه " المعرب المحمودي "؛ ألفه للسلطان محمود بن محمد ولابن القيسراني الشاعر؛ فيه:
أعرب الفضل من بديع الزمان ... عن معان عزت على اليونان
ما تلاها لما تلاها ولكن ... فاتها حائزا خصال الرهان
فأجابه البديع بأبيات منها:
أيها السيد الذي أطراني ... بمديح كالدر قد أطغاني
والذي زاد في محلي وقدري ... وأذل الشاني بتعظيم شاني
وترشحت للجواب فأعيا ... ني وانسل هاربا شيطاني
مخبلا مختلا يقول اتق الـ ... له فما لي بما تروم يدان
أتظن الوهاد مثل الروابي ... أم تخال الهجين مثل الهجان؟!
فاكتنفني سرا فشعري يخطئ ... حين يبدو لناظر عورتان(12/192)
384 - الحسن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر، شرف القُضاة أبو المعالي الكَرْخِيّ الفقيه الشّاهد. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
خيِّر متعبد، ولد سنة ثمانين وأربعمائة، وسمع النعالي، والحسين ابن البسري. كتب عنه أبو سعد ابن السمعاني، والمسعودي.(12/192)
385 - الحسن بن محمد بن الحسن، أبو المعالي الوثابي، الإصبهاني، الفقيه. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع من طِراد الزَّيْنَبيّ، والرئيس أبي عَبْد اللَّه الثّقفيّ، وغيرهما.
رَوَى عَنْهُ: [ص:193] حفيده أبو الفتح مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أبي المعالي.
توفي قريبا من الستين وخمسمائة، وكان من أئمة الفتيا بأصبهان.(12/192)
386 - دُرّيّ الظّافريّ الْمَصْرِيّ الأمير. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
وُلّي إمرة الإسكندريَّة وإمرة دِمْياط، ثُمَّ تزهّد، وأقبل على الاشتغال والتّحصيل، فبرع فِي علوم الرّافضة، وصنّف التّصانيف؛ من ذَلِكَ كتاب " معالم الدِّين " على قواعد الرّافضة والمعتزلة، يُنْكر فِيهِ الرؤية والقَدَر، وله مصنَّفٌ فِي الفِقْه مشهور بينَ الرافضة لا بارك اللَّه فيهم، وكان له منزلة عظيمة في دولة الباطنية، وفيه زهد وورع، وكان الصالح بن رزيك يحترمه ويكرمه.(12/193)
387 - رافع بْن أبي سهل بْن أبي سهل، أبو مُحَمَّد القصّاب اللّحّام الهَرَويّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع من أبي عبد الله العميري.
قال ابن السَّمْعانيّ: قيل: كان يشرب الخمر فأحضرناه وتوبناه، فتاب وبكى.
روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.(12/193)
388 - رسلان بْن يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عبد الله، الجعبري الأصل، الدمشقي النشار الزّاهد القُدْوة، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
قال شمس الدِّين الْجَزَريّ: رسلان معناه بالتُّرْكي أسد، قال: وقال الشَّيْخ نجم الدِّين مُحَمَّد بْن إسرائيل الشاعر: سمعت المشايخ الذين أدركتهم من أصحابه يقولون: إنّه من قلعة جَعْبَر من أولاد الأجناد، صحِب شيْخه أَبَا عامر المؤدِّب، وهو مقبور فِي القُبة التي بظاهر باب تُوما، وتُعرف بتُرْبة الشَّيْخ رسلان فِي القبر القِبْليّ، والشّيخ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي الأوسط، والشّيخ أبو المجد خادم الشَّيْخ رسلان فِي القبر الثّالث. وصحِب أبو عامر الشيخ ياسين، وهو صحب الشيخ مَسْلَمَة، وهو صحِب الشَّيْخ عقيل، وهو صحِب الشَّيْخ عليّ بْن عليم، وهو صحِب الشَّيْخ أبا سعيد أَحْمَد بْن عِيسَى الخزّاز، وهو صحِب السَّريّ السقطي. [ص:194]
قال: وكان الشَّيْخ رسلان يعمل فِي صنعة النَّشْر فِي الخشب، فذكروا عَنْهُ أنّه بقي مدَّة عشرين سنة يأخذ ما يحصل له من أُجرته ويعطيها لشيخه أبي عامر، وشيخه يُطْعمه، فتارةً يجوع وتارةً يشبع. وقيل عَنْهُ - وهو أشهر: إنّه كان يقسم أجرته أثلاثًا؛ ثُلث يُنْفقه، وثُلث يتصدَّق به، وثُلث يكتسي به ولمصالحه. وكان أوّلًا يتعبَّد بمسجدٍ صغير داخل باب تُوما جوار بيته ودُكَان النَّشْر، ثُمَّ انتقل إلى مسجد درب الحجر وقعد بالجانب الشرقيّ منه، وكان ينام هناك. وكان الشَّيْخ أبو البَيَان فِي الجانب الغربيّ، وبقيا على ذَلِكَ زمانّا يتعبّدان، وكلّ واحدٍ منهما بأصحابه فِي ناحيةٍ من المسجد. ثُمَّ خرج إلى ظاهر باب تُوما إلى مسجد خَالِد بْن الوليد، وهو مكان خيمة خَالِد لمّا حاصر دمشق، وعَبَد اللَّه فِيهِ إلى أنّ تُوُفّي بعد الأربعين وخمسمائة.
وحكى الشَّيْخ دَاوُد بْن يحيى بْن دَاوُد الحريريّ - وكان صدوقًا - قال: حكى لي جماعة أنّ الشَّيْخ رسلان لمّا شرع فِي بُنْيان المعبد، سيَّر إليه الشَّيْخ أبو البيان ذَهَبًا مع بعض أصحابه حَتَّى يصرفه فِي العمارة، فَلَمّا اجتمع به وعرض عليه الصُّرَّة قال الشيخ رسلان: ما يستحي شيخك يبعث لي هذا، وفي عَبّاد اللَّه من لو أشار إلى ما حوله لصار ذَهَبًا وفضَّة! وأشار بيده، فرأى الرَّسُول الطّين ذَهَبًا وفضَّة، وقال: عُدْ إليه. فقال: واللهِ ما بقيت أرجع، بل أكون فِي خدمتك إلى المَّوت. وانقطع عنده.
وقال الشَّيْخ دَاوُد: كان الشَّيْخ أَحْمَد ابن الرفاعي قد دار النخيل الذي له، وعيّن على واحدةٍ، وقال لأصحابه: إذا استوت هذه أهديناها للشيخ رسلان. فمرّ بها بعد مدَّة فوجد أكثر ما عليها قد راح، فسألهم فقالوا: لم يطلع إليها أحد، لكن فِي كلّ يوم يجيء إليها بازٌ أشهب يأكل منها ولا يقرُب غيرَها، ثُمَّ يطير. فقال لهم: الباز الَّذِي يجيء هُوَ الشَّيْخ رسلان، فلذلك يقال له: الباز الأشهب.
قال داود: لما احتضر الشَّيْخ أبو عامر المؤدِّب سألوه أنّ يوصي إلى ولده عامر، فقال: عامر خراب، ورسلان عامر. فَلَمّا تُوُفّي قام الشَّيْخ رسلان مقامه، ولم يجئ من عامر حاله.
قال شمس الدين ابن الْجَزَريّ: صلّيتُ العصر فِي مسجدٍ كان فِيهِ الشَّيْخ رسلان داخل باب توما، فقال لي يوسف المؤذن: يا سيدي، هذا البئر حفره [ص:195] الشَّيْخ رسلان بيده، وأهل هذه النّاحية يشربون منه للبركة، ومن أوجعه جوفه أو حصل له أَلَمٌ يشرب منه فيُعافى بإذن اللَّه، وقد جرّبه جماعة، ثُمَّ أراني طبقة وقال: هذا بيت الشيخ رسلان، وإلى جانب الطبقة دكان حياكة، فقال: في هذا المكان كان يعمل بالمنشار، وهنا كلمه المنشار مرتين، وفي الثالثة كلمه وتقطع ثلاث قطع، وقال: يا رسلان، ما لهذا خُلِقت ولا بهذا أُمِرتْ. فترك العمل وجلس فِي هذا المعبد؛ وهو مسجد صغير. وعاد نور الدِّين الشهيد اشترى دارا مجاورة للمسجد وكبر وبنى له منارة ووقف عليه.
قال: وحكى لي الشيخ يوسف المؤذن عن الشرف الحصري أنّ نور الدِّين الشّهيد سيّر إلى الشَّيْخ رسلان ألف دينار مع مملوكٍ، وقال: إنْ أخذها منك فأنت حُرٌّ لوجه اللَّه. فجاء بها إليه وهو يبني المعبد الَّذِي بظاهر دمشق، فقال له: ما يستحي محمود يبعث هذه، وفي عَبّاد اللَّه من لو شاء لجعل ما حوله ذهبا وفضة! فرأى المملوك الحيطان والطّين ذَهَبًا وفضَّة، فتحيِّر وقال: يا سيّدي، قد جعل عتقي على قبولك هذا الذهب. فأخذها وصرفها فِي الحال على المساكين والأرامل والأيتام، ففُرِّقت بحضور المملوك.
وذكر أيضًا أنّ الشَّيْخ رسلان أعطى نور الدِّين من المنشار الَّذِي كلّمه وتقطع قطعة، قال: فأوصى نور الدين لأصحابه وأهله إذا مات أن يضعوها في كفنه.
قلت: والشيخ علي الحريري صحب المغربل صاحب الشيخ رسلان، ويقال: إنَّ هذه القُبَّة بناها الشَّيْخ رسلان على شيخه أبي عامر لمّا أعطاه بعض التّجار مبلغًا من المال، فالله أعلم.
ومناقب الشَّيْخ رسلان كثيرة، اقتصرنا منها على هذا، فرحِمَه اللَّه ورضى عَنْهُ، وكان عُرْيًا من العِلْم بخلاف الشَّيْخ أبي البيان.(12/193)
389 - رَيْحان الحبشيّ، أبو مُحَمَّد الزّاهد الشّيعيّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
كان بالدّيار المصرّية بعد الخمسين، وكان من فُقهاء الإماميَّة الكِبار، قال ابن أبي طيئ فِي " تاريخه ": كان مقيمًا بالقاهرة، وكان مَوْلَى الأمير سديد الدّولة ظَفَر الْمَصْرِيّ. تفقّه على الشَّيْخ الفقيه عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد العزيز بْن كامل الفقيه الْمَصْرِيّ، وعليه تخرَّج، وقرأ عليه فِي سنة أربعْ وثلاثين وخمسمائة [ص:196] كتاب " النهاية "، وروى عن رَيْحان سديد الدِّين شاذان بْن جبريل القمي، وحكى لي أبي مذاكرة قال: كان الفقيه ريحان من أحفظ الناس، كان يكرر على " النهاية " و" المقنعة " و" الذخيرة "، وقال: ما حفظت شيئا فنسيته. وحدَّثني أبي عن القاضي الأسعد مُحَمَّد بْن عليّ الْمَصْرِيّ قال: كان الفقيه ريحان يصوم جميع الأيام المندوب إلى صومها، وكان لا يأكل إلا من طعام يعلم أصلَه، وكان إذا قُدّمت الغِلال التقط من الطُّرُقات حبّاتٍ من الشَعير والقمح فيتقوت به، وكان يؤجر نفسه إذا احتاج، وكان لا يصلي النّوافل مقابل أحد ويقول: أخاف الرّياء. وكان إذا علم أحدًا يحبّ العِلْم قصده فِي بيته وعلّمه، ولا يأكل له شيئا، وإذا علم أن الطالب محتاج دخل به على الصالح بن رزيك وسلم، فيعلم ابن رزيك أنه جاء في مثوبة، فيقوم لذلك الرجل بجميع ما يحتاج إليه. وكان لا يطأ له على بساط، ولا يزيده أكثر من السّلام فِي باب داره، وكان ابن رزيك يبجله ويعظمه، ويقول: يقولون ما ساد من بني حام إلا اثنان: لُقمان وبلال، وأنا أقول: رَيْحان ثالثهم.
وقيل: إن ريحان هذا منذ تفقه ما نام إلا جالسا، ولا جلس قط إلا على وضوء، وأنّه ما ذكر النّار إلا وأخذه دمعٌ منها، وكان سريع الدّمعة كثير الحبّ لآل رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خفيف الرفض.(12/195)
390 - زليخا بنت أحمد بن محمد بن فضلوية الأصبهانية. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمعت من رزق الله التميمي. روى عنها شيبان بن الحسن الكيمختي، وعمر بن أبي الجيش القصاب؛ شيخا ابن النجار.(12/196)
391 - سعيد بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن سَوْرة، أبو مُحَمَّد التّميميّ، النَّيْسَابُوريّ الدّلال. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع عَبْد اللَّه بن الحسين الوراق، ونصر الله بن أحمد الخشنامي.
رَوَى عَنْهُ: عبد الرحيم ابن السمعاني " جزء الذهلي ".(12/196)
392 - شهاب بْن سَيّار بْن صاعد بْن سَيّار بْن يحيى الكناني، القاضي أبو محفوظ الهَرَويّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
أخو القاضي أبي الفتح نصر بْن سَيّار. [ص:197]
كان يؤُثر الانفراد والعُزْلة، سمع من جَدّه، روى عنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ.(12/196)
393 - عَبْد اللَّه بْن طاهر بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن فارس، أبو المظفَّر بْن أبي المعالي البغداديّ الخيّاط التّاجر. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
خرج عن بغداد قديمًا ودخل خُرَاسَان والهند، وسكن لوهور ووُلِد له بها، ثُمَّ كان يتردّد إليها. وحدَّث عن ثابت بْن بُنْدَار، وجعفر السراج، والحسين ابن البسري، وأبي بكر الطريثيثي، وأبي غالب الباقلاني، وغانم البرجي، وأبي علي الحداد، وأبي بكر الشيرويي.
قال ابن السمعاني: هو شيخ عالم فاضل، حسن السيرة متواضع، له أنسة بالحديث، يحفظ الأجزاء والكتب التي سمعها والطرق وأسماء شيوخه، وكان ثقة مكثرا، حدُّث بمرو وبَلْخ.
روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ وابنه عَبْد الرحيم، وولد سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.(12/197)
394 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن المظفَّر بْن المتولّي، أبو مُحَمَّد البَغَوَيّ البنّاء الفقيه. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
قال ابن السمعاني: ولد ببغشور سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وكان فقيهًا مُفْتيًا ذكيًّا، تفقَّه على محيي السنة أبي محمد البغوي، وولي قضاء بغشور مدَّة، وسمع بنَيْسَابور الْعَبَّاس بْن أَحْمَد الشّقانيّ وأبا بَكْر الشِّيرُوييّ وجماعة.
روى عَنْهُ أبو المظفَّر عَبْد الرحيم.(12/197)
395 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي نصر بْن مُحَمَّد بْن أبي نصر، أبو أَحْمَد البَغَوَيّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
شيخ الصُّوفيَّة ببغداد.
شيخ صالح جواد سخي، يخدم الفقراء. سمع عُمَر بْن أَحْمَد بْن محمد البغوي.
روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني وقال: ولد سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.(12/197)
396 - عَبْد الرشيد بْن أبي حنيفة النُّعمان بْن عَبْد الرّزّاق بْن عَبْد الملك، الْإِمَام أبو الفتح الوَلْوَالِجِيّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
إمام فاضل، حَسَن السّيرة. سمع ببلْخ أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخليليّ ومحمد بْن الْحُسَيْن السِّمِنْجانيّ، وببُخَارَى أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن الحسين النَّسَفيَ وأحمد بْن أبي سهل وأبا المعين المكحوليّ واسمه ميمون، وبسَمَرْقَنْد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن أيوب القطواني.
قال عبد الرحيم ابن السمعاني: لقيته بقطوان وسمعت منه، ومولده بوَلْوَالِج سنة سبْعٍ وستِّين وأربعمائة.(12/198)
397 - عبد الصمد بْن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بن عبد الواحد ابن مَنْدُوَيْه، أبو القَاسِم الإصبهانيّ الضّرير. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا بَكْر بْن ماجة، ورزق اللَّه. وعنه السَّمْعانيّ، وقال: كان حيًّا فِي سنة خمسٍ وأربعين.(12/198)
398 - عبد العزيز بْن عَبْد الْجَبَّار بْن ناصر، أبو الفتح الهَرَويّ القوّاس. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
شيخ صالح مستور، سمع أَبَا عَبْد اللَّه العُمَيْريّ، روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السمعاني وغيره.(12/198)
399 - عبد العزيز بْن عبد العزيز بْن مُحَمَّد بْن شداد، أبو بَكْر المَعافِريّ الأندلسيّ الشَّوذَرِيّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
وشَوْذَر من عمل جَيّان.
أخذ عن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، وأبي بكر ابن العربيّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن أبي الخصال، وجماعة. وكان أديبًا كاتبًا بليغًا مفوّهًا شاعرًا.
قال الأبار: توفي في حدود الستين وخمسمائة.(12/198)
400 - عبد الكريم بْن عليّ بْن الْحَسَن، الرئيس أبو الفتح العَلوَيّ النَّيْسَابُوريّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
شيخ عالم عابد، راغبٌ فِي الخير، عفيف. سمع إِسْمَاعِيل بْن زاهر [ص:199] النوقاني، وأبا عدي مُحَمَّد بْن عليّ الأَبِيوَرْدِيّ. روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السمعاني.(12/198)
401 - عَبْد الواحد بْن أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أبو القَاسِم الإصبهانيّ الشّرابيّ الخبّاز النشاستجي. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع رزقَ اللَّه التّميميّ وغيره، وأجاز لابن اللتي في سنة تسع وخمسين.(12/199)
402 - عبد الوهاب بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أبو عليّ الهَرَويّ النباذاني، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
ونباذان من قُرى هَرَاة، وهو أخو أَمَة اللَّه وأمَة الرَّحْمَن.
شيخ مستور، سمع نجيب بْن ميمون الواسطيّ، روى عَنْهُ عبد الرحيم.(12/199)
403 - عَبْد الوهّاب بْن هِبَة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن حَسْنُونَ النَّرْسِيّ، أبو الفضل البغداديّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
تاجر متميّز، صاحب صَدَقات وديانة. سمع أخاه أَحْمَد، وأبا الْحَسَن العلاف، وابن بدران الحلوانيّ. وحدَّث بِسَمَرْقَنْد " بمقامات الحريريّ " بسماعه بقوله من مصنّفها، سمعها عَنْهُ عَبْد الرحيم.(12/199)
404 - عتيق بْن عليّ بْن مَنْصُور، الْإِمَام أبو بَكْر المَرْوَزِيّ الغازي المقرئ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
فقيه فاضل، مقرئ كامل، ورِع قانع، مقل، له تصانيف فِي القراءات والحساب ومنازل القمر. سمع أَبَا المظفَّر مَنْصُور ابن السمعاني، وأبا الفتح عبيد الله الهشامي، وغير واحد. روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وولده عبد الرحيم.(12/199)
405 - عثمان بن عطاء ملك بْن عَبْد الْجَبَّار بْن أبي طاهر، أبو المعالي السَّمَرْقَنْديّ الخطيب النَّحْويّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد البلديّ، وأبا القَاسِم عُبَيْد اللَّه الكُشَانيّ، وأبا الْحَسَن الخرّاط. روى عَنْهُ عَبْد الرحيم.(12/199)
406 - عثمان بْن عليّ بْن عثمان، أبو عمرو ابن الْإِمَام الأندلسيّ الشِّلْبيّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
نزيل إشبيلية. [ص:200]
سمع من أبي بكر محمد بن إبراهيم العامريّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن مكّيّ، وأبي بكر ابن العربيّ، وجماعة. وكان أديبًا بارعًا، بليغ القَلَم واللّسان، كاتبًا كامِلًا، وشاعِرًا محسِنًا، له مصنَّف فِي شعراء عصره.
تُوُفّي بعد الخمسين.(12/199)
407 - عليّ بْن طويل بْن أَحْمَد بْن طويل، الشَّيْخ أبو الحسن بن بيضاء القيسي الفاسي. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
من ذوي الهمة والشارة والصيانة، تفقه وبرع؛ قرأ " الملخص " في سنة خمس وتسعين على مُحَمَّد بْن عليّ الْأَزْدِيّ، وسمع بالأندلس من عَبْد اللَّه بْن أبي جَعْفَر وغيره. حدُّث عَنْهُ ولده أبو الْحُسَيْن يحيى، ومحمد بن وساخة القرويّ.
قال ابن فَرْتُون: مات فِي عَشْر الستين وخمسمائة.(12/200)
408 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن حمزة بْن مُحَمَّد بْن حمزة، أبو الْحَسَن الإصبهانيّ الفِلَكيّ الخطّاط. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
شيخ صالح متميز، سمع " الحلية " و" مسند أَحْمَد " من أبي عليّ الحدّاد.
قال عَبْد الرحيم ابن السمعاني: سمعت منه جميع " حلية الأولياء " بسمرقند، وولد في حدود تسعين وأربعمائة.(12/200)
409 - عُمَر بْن أبي بَكْر بْن عثمان بْن محمد بن أحمد، أبو حفص البزدوي السنجي الصّابونيّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
أخو مُحَمَّد.
سكن بُخَارى، وسمع أَبَا محمد عبد الواحد الزبيري الوركي، وأبا صادق أحمد بن حسين، وأبا اليُسْر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد البَزْدَوِيّ. ووُلِد سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم، وغيرهما.(12/200)
410 - عمر بن الفضل بْن أَحْمَد، أبو الوفاء ابن المميز الإصبهانيّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
شيخ صالح سديد، سمع بإفادة أخيه أَحْمَد من رزق اللَّه التّميميّ وغيره، وعُمّر حَتَّى حدُّث بالكثير، روى عَنْهُ أبو سَعْد السمعاني وغيره.(12/200)
411 - القَاسِم بْن مُحَمَّد بْن مبارك، أبو مُحَمَّد ابن الحاجّ الأُمويّ الزّقّاق. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
أخذ القراءات بالأندلس عن شُرَيْح بْن مُحَمَّد، ومنصور بْن الخير. وروى عَنْ أبي عَبْد اللَّه الخَوْلانيّ، وجماعة. ونزل مدينة فاس، وتصدَّر للإقراء، وأخذ النّاس عَنْهُ؛ أخذ عَنْهُ ابن خَرُوف، وَهُذَيْلُ بْن مُحَمَّد، وأبو الصَّبْر أيّوب بْن عَبْد اللَّه. وتُوُفيّ بسلا في حدود الستين وخمسمائة.(12/201)
412 - قتيبة بن سعيد بن الفضل، أبو بكر العراقي المُفْتَاحيّ التّاجر. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
رَجُل خيّر من أهل نَيْسابور، سمع أَبَا الْحَسَن عليّ بْن أَحْمَد المَدِينيّ وغيره، روى عنه عبد الرحيم السمعاني.(12/201)
413 - قتيبة بْن سَعِيد الإصبهانيّ المَغَازِليّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع رزق اللَّه التميمي وغيره، روى عنه شيوخ ابن النجار: مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أبي بَكْر، وعمر بن أبي الجيش القصاب، وأبو بكر شيبان بن الحسن الكيمختي؛ الأصبهانيون، وغيرهم.(12/201)
414 - قراطاس بْن طُنْطَاش، أبو صالح الظَّفَريّ البغداديّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
شيخ صُعْلُوك، وهو رأس طبقة البغدادييّن فِي لعب الشطرنج. سمع أبا الحسين ابن الطُّيُوريّ، وهبة اللَّه المَوْصِليّ، وابن بَيَان.
كتب عَنْهُ أبو سَعْد السَّمْعانيّ، وقال له: إنّه ولد سنة تسع وسبعين وأربعمائة.(12/201)
415 - لوط بن علي بن محمد بن عمر، أبو مطيع الباغْبَان الخبّاز. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
شيخ صالح، سمع أَبَا مطيع وغيره، وأجاز من إصبهان لعبد الرحيم ابن السمعاني.(12/201)
416 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو عبد الله ابن الصيقل الفهري المرسي، الملقب أبا هريرة لعنايته بالآثار. [الوفاة: 551 - 560 هـ][ص:202]
سمع أَبَا مُحَمَّد بْن أبي جَعْفَر، وأبا الوليد ابن الدّبّاغ، وأجاز له جماعة. روى عَنْهُ أبو بكر بن سفيان وغيره.(12/201)
417 - محمد بن إبراهيم ابن المنخّل، أبو بَكْر المِهْريّ الأديب الشِّلْبيّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
أحد الشُّعراء المجوِّدين، كان يعرف عِلم الكلام، روى عَنْهُ من ديوانه عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد الشلبي، فمن شِعره:
مضت لي ستٌ بعد سبعين حَجَّةٍ ... ولي حَرَكَاتٌ بعدها وسُكُونُ
فيا لَيْتَ شِعْري أَيْنَ أو كيف أو مَتَى ... يكون الَّذِي لا بدّ أنّ سيكونُ(12/202)
418 - مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن محمود، أبو جَعْفَر المَرْوَزِيّ البيّع. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
كان صاحب أموال كثيرة ذهبت فِي نهب مَرْو وفي المصادرة، وكان ديِّنًا خيّرًا، سمع ببغداد من أبي القَاسِم بْن بيان، روى عنه عبد الرحيم ابن السَّمْعانيّ وقال: قال: وزنت لابن بيان دينارًا أحمر حتى سمعت منه؛ يعني "جزء ابن عَرَفَة ". وُلِدَ سنة أربع وثمانين.(12/202)
419 - مُحَمَّد بْن عَبْد الحق بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحقّ، أبو عَبْد الله الخزرجي القرطبي. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع أبا عبد الله مُحَمَّد بْن الفَرَج مَوْلَى ابن الطّلاع وأكثر عَنْهُ، وعُنِي بالفِقْه، وطال عُمره وعلا سَنْدهُ، وسمع فِي الكُهُولَةِ من أبي مُحَمَّد بْن عتّاب وغيره، روى عَنْهُ ابنه القاضي أبو مُحَمَّد عَبْد الحقّ وغيره، وآخر من روى عَنْهُ أبو القَاسِم أَحْمَد بْن بَقِيّ؛ سمع منه " الموطّأ " وأجاز له، وتُوُفيّ قريبًا من سنة ستين وخمسمائة.
وقد أجاز لنا عبد الله بن هارون الطائي سنة سبعمائة من المغرب، قال: حدثنا أحمد بن بقي " بالموطأ " قال: أخبرنا محمد بن عبد الحق قال: أخبرنا ابن الطّلاع. وهذا أعلى ما يوجد من الرّوايات بالمغرب.(12/202)
420 - مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد بْن الْحُسَيْن، العلامة أَبُو الفتح الأُسْمَنْديّ السَّمَرْقَنْديّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ][ص:203]
ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وسمع الحديث من عليّ بْن عثمان الخرّاط. وأُسمند: من قرى سَمَرْقَنْد.
روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ، وقال: كان إمامًا مناظِرًا، له الباع الطَوِيلُ فِي عِلْم الْجَدَل، وصنَّف التّصانيف فِي عِلم الخلاف، وشاعت تصانيفه فِي البلدان.(12/202)
421 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حمدان، أبو سَعِيد وأبو عَبْد اللَّه الجاوانيّ الحِلَّويّ العراقيّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
وجاوان: قبيلةٌ من الأكراد سكنوا الحلة.
قدم بغداد في الصبى، وتفقه بها على أبي حامد الغَزَاليّ وإلْكِيا الهَرّاسيّ حتى برع وتميَّز. وسمع من الحُمَيْديّ، وأبي سَعْد عبد الواحد ابن القُشَيْريّ، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن المظفَّر الشامي القاضي، وجماعة. وقرأ " المقامات " على الحريريّ، وكان إمامًا مناظرًا، شرح كتاب " المقامات "، وله كتاب " عيوب الشَّعْر " وكتاب " الفرق بين الرّاء والغَيْن ". وحدَّث بإربل والمَوْصِل، وسكن البَوَازِيج، وحدث ببغداد قديما بكتاب " إلجام العوام " للغزالي.
وحدث عنه قاضي أسيوط أبو البركات محمد بن علي الأنصاري، وقال: أخبرنا شيخنا الْإِمَام رَضِيّ الدِّين الجاوانيّ بالمَوْصِل فِي رجب سنة تسع وخمسين وخمسمائة قال: أخبرنا أبو سَعْد القُشَيْريّ قراءة عليه ببغداد.
وقال ابن النجار: أخبرنا شهاب المزكي قال: أخبرنا أبو سعد ابن السمعاني قال: أنشدني أبو الفوارسِ الحسنِ بْن عَبْد اللَّه بْن شافع الدمشقي بمرو قال: أنشدني أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عليّ العراقيّ لنفسه بإربل:
دعَاني مَن مَلامِكُمَا دَعاني ... فداعي الحبِّ للبَلْوَى دعاني
أجاب له الفؤاد ونوم عيني ... وسارا في الرفاق وودعاني
فطرفي ساهِرٌ فِي طُولِ ليلى ... وقلْبي فِي يد الأشواق عاني
فكيف يصيخ للعُذّال سمعي ... ولا عقلي لديَّ ولا جَنَاني؟
وقد قرأ عليه أبو سَعْد أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم المؤدِّب " مقامات الحريريّ " بإربل فِي سنة إحدى وخمسين، وبقي إلى قريب الستين، وعاش ثنتين وتسعين سنة.(12/203)
422 - محمد بن علي بن محمد بن أبي العاص النّفْزيّ، الأستاذ أبو عَبْد اللَّه الشّاطبيّ، ويُعرف ببلده بابن اللايُه؛ بتفْخيم اللام، وضمّ الياء بعدها، ثُمَّ هاء ساكنة. المقرئ الضّرير. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
أخذ القراءات عن أبي عبد الله محمد ابن غلام الفَرَس الّدانيّ، وتصدَّر للإقراء مدَّة؛ أخذ عَنْهُ القراءات أبو القَاسِم الرُّعَيْنيّ الشّاطبيّ، وأبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن سعادة، والقاضي أبو بَكْر بْن مُفَوَّز مع تقدُّمه. وكان موصوفًا بالإتقان والدّيانة.
قال شيخنا أبو حَيّان: كان حيًّا فِي سنة خمسٍ وخمسين وخمسمائة، وهو والد المقرئ أبي جَعْفَر أَحْمَد بْن مُحَمَّد، وهو الَّذِي خَلَفَ أَبَاهُ أَبَا عَبْد الله في الإقراء.(12/204)
423 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن عليّ، الأديب أبو الفضل الْقُرَشِيّ المخزوميّ الخالدي، الإشتيخني السغدي، السَّمَرْقَنْديّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
كان أديبًا، نَحْويًا بارعًا، صالحًا خيّرًا، سريع الدّمعة، كتب بنفسه أمالي أئمَّة سَمَرْقَنْد، واختص بالإمام مسعود بن الحسين الكشاني وعليه تفقَّه، وسمع منه ومن عليّ بْن عثمان الخراط، ومحمود بن مسعود الشعيبي، وجماعة كبيرة. وكان مولده بإشتِيخن فِي سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة، ومات الخرّاط فِي سنة عَشْر، ومات الشّعيبيّ سنة أربعِ عشرة.
روى عَنْهُ عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ.(12/204)
424 - مُحَمَّد بْن أبي القَاسِم بْن مُحَمَّد الأصبهاني. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
روى " جزء لوين " عن أبي عِيسَى بْن زياد، وعن أبي بَكْر بْن ماجة الأَبْهَريّ. روى عَنْهُ جامع بْن إِسْمَاعِيل - عُرف ببالَهْ - والأمير أبو المعالي، وابنه غانم بْن أبي المعالي بْن حيدر الْحُسَيْنيّ، ومحمد بْن أبي الفتوح السُّوذَرْجَانيّ، ومحمد بن أميرك بن حسين الصَّيْرَفيّ، والوجيه مُحَمَّد بْن أبي رشيد بْن عبد المطلب الضرّاب الْبَصْرِيّ، ومحمد بْن مُحَمَّد بْن أبي نصر البقّال، وسُفْيان بْن إِبْرَاهِيم بْن مَنْدَهْ، وآخرون.
وكان أديبًا نبيلًا، كنيته أبو بَكْر الصالحاني.(12/204)
425 - مُحَمَّد بْن الفضل بْن مُحَمَّد بْن مَنْصُور، العلامة أبو طاهر البُرْجيّ الإصبهانيّ العَرُوضيّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
إمام مُنَاظِر فحل، صاحب فُنون. سمع أَبَا المطيع الْمَصْرِيّ، ومكّيّ بْن مَنْصُور الكرجيّ، وجماعة.
عظّمه السَّمْعانيّ وأخذ عَنْهُ ببلْخ وببُخارَى فِي سنة إحدى وخمسين، ثُمَّ دخل بلاد التُّرْك.(12/205)
426 - مُحَمَّد بن المجلى ابن الصائغ، أبو المؤيَّد الْجَزَري الطّبيب، المعروف بالعَنْتَريّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
عُرِف بذلك لأنّه كان فِي أوّل أمره يكتب سيرة عَنْتَرة العَبْسيّ.
قال ابن أبي أُصَيْبعة: كان طبيبًا مشهورًا، وعالمًا مذكورًا، حَسَن المعالجة والتّدبير فيلسوفًا، متميّزًا فِي عِلم الأدب، شاعرًا. روى السديد محمود بن عمر بن زقيقة الطبيب عن الحكيم مؤيد الدين ابن العَنْتريّ، عن أبيه، له هذه الأبيات:
احفظ بني وصيتي واعمل بها ... فالطب مجموع بنص كلامي
قدم على طِبِّ المريضِ عنايةً ... فِي حفْظِ قُوَّته مع الأيام
بالشبه تحفظ صحة موجودة ... والضد فيه شفاءُ كلِّ سقامِ
أقْلِلْ نِكاحَكَ ما استطعتَ فإنّه ... ماء الحياةِ يُراقُ فِي الأرحامِ
واجعلْ طعامَكَ كلَّ يَوْمٍ مرَّةً ... وَاحْذَرْ طعامًا قبل هضْم طعامِ
لا تحقر الْمَرَضَ اليسيرَ فإنّه ... كالنّار تُصبحُ وهي ذاتُ ضِرامَ
لا تَهْجُرَنّ القيء واهجر كلما ... كيموسه سبب إلى الأسقامَ
إنَّ الحمى عَوْنُ الطّبيعة مسعد ... شافِ من الأمراضِ والآلامِ
لا تَشْرَبَنَّ بعقِبِ أَكْلٍ عاجِلًا ... أو تأكُلَنَّ بعقِب شُربِ مُدام
إيّاكَ تلْزَمْ أكْلَ شيءٍ واحدٍ ... فيقود طبعك للأذى بزمام [ص:206]
في أبيات أخر؛ وهي تنسب أيضا إلى الرئيس ابن سينا، وتنسب إلى المختار بن بطلان.
قال ابن أبي أُصَيْبَعة: والّصحيح أنّها للعنْتَري.
وله:
من لزم الصمت اكتسى هيبة ... تخفى عن النّاس مساويه
لسان من يعقل فِي قلبه ... وقلب من يجهل في فيه
وله:
جردته الحمّام من كلّ ثوبٍ ... وأَرَتْني منه الَّذِي كان قَصْدي
بَدَنًا كالصَّباح من تحت ليلٍ ... حالِكِ اللّون أسْوَدَ غيرِ جعدِ
سكَبَ الماءَ فوق جسمٍ حكى ... الفضَّةَ حَتَّى اكتسى غُلالةَ وَرِد
وله من المصنَّفات كتاب " الحماية " فِي الطبّيعي والإلهي، وكتاب " الأقراباذين " وهو كبير مفيد، وكتاب " رسالة الشّعري اليَمَانية إلى الشّعْري الشمالية "، كتبها إلى عرفة النحوي بدمشق، ورسالة يهنئ بها الوزير مروان الذي وزر بعده أتابك زنكي بن آقسنقر، ورسالة " الفرق ما بين الدّهر والزّمان، والكُفر والإيمان "، ورسالة " العشْق الإلهي والطّبيعي "، وكتاب " النّور المُجْتَنى فِي المحاضرة ".(12/205)
427 - مُحَمَّد بْن الفضل بن إِسْمَاعِيل بْن الفضل، أبو الفضل بْن كاهويَه التّميميّ الإصبهانيّ الكاتب. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
وُلِدَ سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وسمع أَبَا القَاسِم بْن بَيَان، وأبا عليّ بْن نَبْهان، وابن ملَّة، وخلْقًا كثيرًا بإصبهان وبغداد وخُراسان. وخرَّج لنفسه مُعْجَمًا، وكان كاتبًا بليغا ناظما ناثرا مرضي الأخلاق. روى اليسير، وخرج من بغداد سنة تسع وأربعين، وأحسبه توفي بعد الخمسين.(12/206)
428 - السّجاونديّ، أحد القُرّاء، هُوَ أبو عَبْد اللَّه محمد بن طيفور الغزنوي السجاوندي المقرئ المفسّر النَّحْويّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
له " تفسير " حَسَن للقرآن، وكتاب " عِلَل القراءات " فِي عدَّة مجلّدات، [ص:207] وكتاب " الوقف والابتداء " فِي مجلَّدٍ كبير يدلّ على تبحُّره. ولم يبلُغْني على مَن قرأ، ولا من أخذ عنه.
ذكره القِفْطيّ مختصرًا وقال: كان فِي وسط المائة السادسة، رحمه الله.(12/206)
429 - المبارك بن هبة الله بن علي، أبو المعالي ابن العقاد البغدادي المؤدب. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع أبا الحسن الأنباري الخطيب، وأبا عبد الله النعالي. وعنه السمعاني، والمسعودي، وغيرهما.
قال أبو سعد السمعاني: كان صالحا خيرا، من أولاد المحدثين، ولد سنة ثمان أو تسع وستين وأربعمائة.
قلتُ: وبقي إلى سنة أربع وخمسين.(12/207)
430 - محمود بْن أَحْمَد بْن الفَرَج بْن عبد العزيز، أبو المحامد الساغرجي السغدي السَّمَرْقَنْديّ، المعروف بشيخ الإسلام. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
قال ابن السَّمْعانيّ: إمام فاضل بارع، مبرّز فِي أنواع الفضل والتّفسير والحديث والأُصُول والخلاف والوعْظ، ومع اجتماع هذه الفضائل هُوَ حَسَن السِّيرة، سليم الباطن كثير الخير والعبادة، تاركٌ لمّا لا يعنيه. ولد سنة ثمانين وأربعمائة، وقال لي: أوّل ما كتبت الحديثَ عن شيخ والدي الْإِمَام يوسف بن صالح الخطيبي سنة إحدى وتسعين. وسمع بسمرقند من الحسن بن عطاء السغدي وأبي إبراهيم إسحاق بن محمد النوحي، وببخارى أبا المعين ميمون المكحولي وعلي بن أحمد الكلابادي والبرهان عبد العزيز بن عمر ابن مازة. قرأت عليه " تنبيه الغافلين " لأبي الليث السمرقندي، عن النُّوحيّ، عن سِبْط التِّرْمِذيّ، عَنْهُ من أوله إلى باب الورع. كتبت عنه بسمرقند، وحج سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
قلت: روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.(12/207)
431 - محمود بْن عليّ بْن نصر بْن أبي يَعْمَر، الأديب أبو القَاسِم النَّسَفيَ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
نزيل سَمَرْقَنْد.
نحْويٌّ لُغويّ فاضل، كان يعلِّم أولاد الخاقان، وكان خيّرًا صالحًا صَدُوقًا. سمع أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد البَلَديّ، وعبد اللَّه بْن أبي جَعْفَر النَّسَفيَ، وعليّ بْن عثمان الخرّاط، وغيرهم.
قال عبد الرحيم ابن السمعاني: سمعت منه " أخبار مكة " للأزرقي؛ قال: أخبرنا البلدي قال: أخبرنا معتمد بن محمد بن محمد النسفي قال: أخبرنا هارون بْن أَحْمَد الأسْترَابَاذِيّ، عن إسحاق بْن أَحْمَد الخُزَاعيّ، عن أبي الوليد مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الأزرقيّ. وُلِدَ سنة سبْعٍ وسبعين وأربعمائة، وتوفي سنة نيف وخمسين.(12/208)
432 - محمود بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو القَاسِم المَرْوَزِيّ التّاجر السّفّار. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع أَبَا المظفَّر منصورًا السَّمْعانيّ، وعبد الغفّار الشِّيرُوييّ.
قال عَبْد الرحيم ابن السَّمْعانيّ: سَمِعت منه بمرو وسَمَرْقَنْد، ووُلِد سنة تسع وسبعين وأربعمائة.(12/208)
433 - مَسْعُود بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مَسْعُود بْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، أبو الفتح المسعوديّ المَرْوَزِيّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
الخطيب بجامع مَرْو القديم.
وُلِدَ فِي ثاني عَشْر ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ وثمانين، وسمع الإمام أبا المظفَّر السَّمْعانيّ، ومحمد بْن الْحُسَيْن الخُزاعيّ، وأبا المظفر سليمان بن محمد الصيدلاني.
روى عنه عبد الرحيم ابن السمعاني.(12/208)
434 - مصعب بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن القَاسِم، أبو الفَرَج البغداديّ الخشّاب. [الوفاة: 551 - 560 هـ][ص:209]
سمع أبا عبد الله ابن البُسْريّ، وأبا القَاسِم الرَّبَعيّ. روى عَنْهُ عبد العزيز بن الأخضر.(12/208)
435 - نصر بْن عليّ بْن عِيسَى بْن مختار، أبو عُمَر الغافقيّ الأندلسيّ الشَّقُوريّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
سمع " جامع التِّرْمِذيّ " من أبي عليّ بْن سُكَّرَة، وأجاز له من خُرَاسَان أبو عَبْد اللَّه الفُرَاويّ وغيره، ولي قضاء شَقُورَة. روى عَنْهُ ابن أخيه مُحَمَّد بْن عبد العزيز، وسِبْطه نصر بْن عَبْد اللَّه؛ بقي سِبْطُه إلى بعد العشرين وستمائة.(12/209)
• - هبة اللَّه، هُوَ أوحد الزّمان الطّبيب، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
قد تقدم ذكره.(12/209)
436 - الوليد بن الموفق، مولى ابن جديع الْأَزْدِيّ الْجَيانيّ، أبو الْحَسَن، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
من أهل وادي آش.
حجّ وسمع من أبي عَبْد اللَّه الرّازيّ، وأبي بَكْر الطُّرْطُوشيّ. وسمع " تجريد الصّحاح " من رزين العَبْدَريّ وأدخله الأندلس. روى عَنْهُ أبو خالد المرواني، وأبو عبد الله المكناسي، وأبو خالد بْن رفاعة.
وكان صالحًا ذا مشاركةٍ فِي الفِقْه والأُصول، ونيّف على الثمّانين. أجاز لأبي محمد بن سفيان في سنة خمسين وخمسمائة.(12/209)
437 - يحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن رافع، أبو اليُمْن ابن تاج القُرّاء الطُّوسيّ، [الوفاة: 551 - 560 هـ]
أخو أبي الْحَسَن عليّ.
سمع من مالك البانياسيّ، ورِزْق اللَّه بْن عَبْد الوهّاب. وكان مولده في سنة سبْعٍ وسبعين.(12/209)
438 - يحيى بْن عَبْد الملك بن أحمد بن شعيب، أبو زكريّا السِّدْريّ الكافُوريّ. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
وُلِدَ بحلب سنة ست وسبعين وأربعمائة، ونشأ ببغداد، وصحِب الشَّيخ حَمَّادًا الدّبّاس وجمع كلامه بعد وفاته. وسمع الحديث من أبي الحسين ابن الطُّيُوريّ، والحسن بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز التككي. [ص:210]
قال ابن السَّمْعانيّ: شيخ صالح ديّن، مشتغل بما يعنيه، له سكون وحَياء ووقار، كتبتُ عنه أحاديث.(12/209)
439 - يُوسُف بْن آدم بْن مُحَمَّد بْن آدم، أبو يَعْقُوب، المراغي ثُمَّ الدّمشقيّ، المحدّث. [الوفاة: 551 - 560 هـ]
شيخ سنّي خيّر، له معرفة قليلة، رحل وَسَمِعَ من أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن ناصر وجماعة، وحدَّث " بصحيح مُسْلِم " عن أبي عَبْد اللَّه محمد بن الفضل الفراوي. وحدث بدمشق وبغداد ونصيبين، ونسخ الكثير، وكان مولده في سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
روى عنه عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر، والشيخ أحمد والد الشيخ الموفق، وأبو الخير سلامة الحداد، والفقيه هلال بن محفوظ الرسعني، وغيرهم.
وفي سنة نيف وخمسين ضرب السيف البلخي الواعظ أنف يوسف بن آدم بدمشق فأدماه، فأخرج الملك نور الدين يوسف منفيا من دمشق، ونفي إلى حدود الستين، وانقطع خبره.
قال ابن النجار: حدُّث " بصحيح مُسْلِم "، سمعه منه شيخنا عَبْد الرّزّاق الجيليّ، ومحمد بْن مشِّق. وكان كثير الشَّغَب، مُثِيرًا للفِتَن بين الطّوائف.
وقال أبو الحسن القَطِيعيّ: كان إذا بَلَغَه أنّ قاضيًا أشْعِريًا عقد نكاحًا فسخ نكاحه، وأفتى أنّ الطّلاق لا يقع فِي ذَلِكَ النكاح، فأثار بذلك فتنا، فأخرجه صاحب دمشق منها فسكن حَرّان، ثُمَّ مَلَكَها نور الدِّين، فطلب منه أنّ يعود ليرى أمّه بدمشق، فأذِن له بشرْط أنّ لا يدخل البلد، فجاء ونزل كهف آدم فخرجت أمه إليه، ثم دخل دمشق يوم جمعة فخاف الوالي من فتنة، فأمره بالعود إلى حران فعاد إليها، لقيته بها وكتبت عنه، وبها مات في قرب ربيع الأول سنة تسع وستين.(12/210)
-الطبقة السابعة والخمسون 561 - 570 هـ(12/211)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(12/213)
-سنة إحدى وستين وخمسمائة
ظهر فِي أيّام عاشوراء من الرَّفْض ببغداد أمرٌ عظيم حتى سبّوا الصّحابة، وكانوا فِي الكرخ إذا رأوا مكحلا ضربوه.
ووقع الرّخْص حتى أبيعت كارَّة الدقيق بعشرة قراريط، قَالَ ابن الجوزيّ: وقد اشتريتها فِي زمن المسترشد باثني عشر دينارا.
وفيها هاجت الكُرْج عَلَى بلاد الْإِسْلَام وقتلوا وسبوا، وغنموا ما لا يحصى.
وفيها افتتح نور الدّين حصن المُنَيْطِرَة.(12/213)
-سنة اثنتين وستين وخمسمائة
وقع الإرجاف بمجيء شُمْلَة التُرْكُمانيّ إلى قلعة الماهكيّ، وبعث يطلب ويتنطّع، فامتنع الخليفة أن يعطيه ما طلب مِن البلاد، وبعث لحربه أكثر عسكر بغداد.
وقدِم الرَّكْبُ، وأخبروا بالأمن والرّخْص والمياه، وأنّهم نقضوا القبة التي بنيت بمكة للمصريين.
وفيها قدِم قُطْب الدّين من المَوْصِل للغزو مَعَ عمّه نور الدّين، فاجتمعا عَلَى حمص، وسارا بالجيوش، فأغاروا عَلَى بلاد حصن الأكراد، وحاصروا عرقة، وحاصروا حلبة وأخذوها، وأخذوا العَريمة وصافيتا، ثم صاموا رمضان بحمص، وساروا إلى بانياس، فنازلوا حصن هُونِين وأحرقوه. وعزم نور الدّين عَلَى مُنازلة بيروت، فوقع خُلْفٌ فِي العسكر، فعاد قُطْب الدّين إلى الموصل وأعطاه أخوه بلد الرقة. [ص:214]
وفيها قال أبو المظفر الجوزي: احترقت اللّبّادين وباب السّاعات بدمشق حريقًا عظيمًا صار تاريخًا؛ رقد طبّاخ هريسة عَلَى القِدْر ونام، فاحترقت دكّانه، ولعبت النّار فِي اللّبّادين، وتعدَّت إلى دُورٍ كثيرة، ونُهبت أموالٌ عظيمة، وأقامت النار تلعب أياما.
وفيها كان مسير أسد الدّين شيركوه المسير الثّاني إلى مصر، جهزه السلطان نور الدين بمعظم جيوشه، وقيل: بل جهَّز معه أَلْفَيْ فارس، فنزل بالجيزة محاصرًا لمصر مدَّة نيِّفٍ وخمسين يومًا، فاستنجد شاور بالفرنج فدخلوا مصر من دِمياط لنجدته، فرحل أسد الدّين من بين أيديهم، وتقدّم عَنْ منزلته، ثم وقع بينه وبين المصريّين حربٌ عَلَى قِلَّة عسكره وكَثْرة عدوّه، فانتصر فيها أسد الدّين، وقتل من الفرنج ألوفًا وأسر منهم سبعين فارسًا.
قَالَ ابن الأثير: كانت هذه الوقعة من أعجب ما يؤرَّخ أنّ ألَفْي فارس تهزم عساكر مصر والفرنج السّاحليَّة.
قلت: صدق واللَّهِ ابنُ الأثير، وهذه تُسمّى وقعة البابين، وهو موضع بالصَّعيد، أدْرَكَتْهُ فِيهِ الفرنجُ والمصريّون فِي جُمَادَى الآخرة من السّنة، فعمل مشورةً فأشاروا بالتَّعْدِية إلى الجانب الشّرقي والرجوع إلى الشّام، وقالوا: إنِ انهزمنا إلى أَيْنَ نلتجئ؟ فقال بُزْغُش النُّوريّ صاحب الشَّقِيف: مَن خاف القتْل والأسْر فلا يخدم الملوك، والله لئِن عُدْنا إلى نور الدين من غير غلبة ليأخذن إقطاعنا ويطردنا. فقال أسد الدّين: هذا رأيي. وقال صلاح الدين كذلك، فوافق الأمراء، وتعبوا للملتقى، وجعلوا الثِّقَل فِي القلب حِفْظًا لَهُ وتكثيرًا للسّواد، وأقيم صلاح الدّين في القلب، وقال لَهُ عمّه أسد الدّين: إذا حملوا عَلَى القلب فلا تُصْدِقوهم القتال وتقهقروا، فإنْ ردوا عنكم فارجعوا في أعقابهم. ثم اختار هو جماعة يثق بشجاعتهم، ووقف فِي الميمنة فحملت الفرنج عَلَى القلب، فناوشوهم القتال، واندفعوا بين أيديهم على بغيتهم، فتبِعَتْهم الفرنج، فحمل أسد الدّين عَلَى باقي الفرنج والمصريّين فهزمهم، [ص:215] ووضع فيهم السَّيف، فلمّا عاد الفرنج من حملتهم عَلَى القلب رأوا عسكرهم مهزومًا، فولوا وانهزموا، ونزل النَّصر.
ثم سار أسد الدّين إلى الصّعيد فجبى خراجها، وأقام الفرنج بالقاهرة حتّى استراشوا، وقصدوا الإسكندرية وقد أخذها صلاح الدّين يوسف ابن أخي أسد الدّين، فحاصروها أربعة أشهر، وقاتل أهلُها مَعَ صلاح الدّين أشد قتال، وكانوا باغضين في دولة بني عبيد لسوء عقائدهم، ثم أقبل أسد الدين بجموعه، فترحل الفرنج عن الإسكندرية.
ثمّ وقعت مهادنة بين أسد الدّين وشاور عَلَى أن ينصرف أسد الدّين إلى الشّام ويُعطى خمسين ألف دينار، فأخذها ورجع. واستقرّ بالقاهرة شِحْنةً للفرنج، وقطيعة مائة ألف دينار في السنة.(12/213)
-سنة ثلاث وستين وخمسمائة
لم يحجّ المصريّون لِما فِيهِ ملكهم من الويل والاشتغال بحرب أسد الدين.
ورخص الورد ببغداد إلى أن أبيع كلّ ثمانين رطلا بقيراط.
وفيها أنعم السلطان نور الدين على أسد الدين شيركوه بحمص وأعمالها فتملكها، وصارت لذريته إلى دولة الملك الظاهر.
وفيها وُلّي الوزير شرف الدّين أَبُو جعفر أحمد بن محمد بن سعيد ابن البَلَديّ وزارة المستنجد بالله، وكان ناظرًا بواسط.
وفيها كان حرب ومحاصرة من البهلوان لصاحب مَرَاغة آقْسُنْقُر الأحمديليّ، ثمّ وقع الصُّلْح بعد مصاف كبير.
وفيها وُلّي مشيخة الشّيوخ والأوقاف بدمشق وحمص وحماه أَبُو الفتح عُمَر بْن عليّ بْن حموية.(12/215)
-سنة أربع وستين وخمسمائة
فيها واقع غلمان الخليفة العيَّارين بالدُّجَيْل، وَقُتِلَ كثير منهم، وجاءوا برؤوسهم، وأخذ قائدهم، وصلب ببغداد تسعة من اللصوص.
وفيها صودر الأمير قايماز ببغداد وأخذ منه ثلاثون ألف دينار، وانكسر بذلك.
وفيها كَانَ مسير أسد الدّين إلى مصر المسير الثّالث، وذلك أنّ الفرنج قصدت الدّيار المصريَّة فِي جَمْعٍ عظيم، وكان السّلطان نور الدّين فِي جهة الشّمال ونواحي الفُرات، فطلعوا من عسقلان، وأتوا بلبيس فحاصروها وملوكها، واستباحوها، ثمّ نزلوا عَلَى القاهرة فحاصروها، فأحرق شاور مصرَ خوفًا من الفرنج، فلمّا ضايقوا القاهرة بعث إلى ملكهم يطلب الصُّلح عَلَى ألف ألف دينار يعجِّل لَهُ بعضها. فأجابه ملك الفرنج مُرّي إلى ذَلِكَ وحَلَف لَهُ، فحمل إِلَيْهِ شاور مائة ألف دينار وماطَلَه بالباقي. وكاتبَ فِي غضون ذَلِكَ الملك العادل نور الدّين يستنجد بِهِ، وسوَّد كتابه، وجعل فِي طيِّه ذوائب النساء، وواصل كُتُبَه يستحثّه، فكان بحلب، فساق أسد الدّين من حمص إلى حلب فِي ليلة.
قَالَ القاضي بهاء الدّين يوسف بْن شدّاد: قَالَ لي السّلطان صلاح الدّين: كنت أُكْرهُ النّاسَ فِي الخروج إلى مصر هذه المرَّة، وهذا معنى قوله: (أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كثيرا).
وقال ابن الأثير: حُكي عَنْ صلاح الدّين قَالَ: لمّا وردت الكُتُب من مصر إلى نور الدّين أحضرني وأعلمني الحال، وقال: تمضي إلى عمك أسد الدين بحمص مَعَ رسولي تحثّوه عَلَى الحضور. ففعلت، فلمّا سرنا عَنْ حلب ميلًا لقِيناه قادمًا، فقال لَهُ نور الدّين: تجهَّز. فامتنع خوفًا من غَدْرهم أوّلًا، وعدم ما ينفقه فِي العسكر آخرًا، فأعطاه نور الدّين الأموال والرجال وقال: إن [ص:217] تأخّرتَ عَنْ مصر سِرْتُ أَنَا بنفسي، فإن ملكها الفرنجُ لا يبقى معهم بالشّام مُقام. فالتفت إليَّ عمّي وقال: تجهَّز يا يوسف. فكأنّما ضرب قلبي بسِكّين! فقلت: والله لو أُعْطِيتُ مُلْكَ مصرَ ما سِرْتُ إليها، فلقد قاسيت بالإسكندرية من المَشَاقّ ما لا أنساه. فقال عمي لنور الدين: لا بد من مسيره معي، فتَرْسُمَ لَهُ. فأمرني نور الدّين وأنا أستقيله، وانقضى المجلس. ثمّ قَالَ نور الدّين: لا بُدَّ من مسيرك مَعَ عمّك. فشكوْتُ الضّائقة، فأعطاني ما تجهَّزتُ بِهِ، وكأنّما أُساقُ إلى الموت. وكان نور الدّين مَهِيبًا مَخُوفًا مَعَ ليِنه ورحمته، فسِرْتُ معه، فلما تُوفّي أعطاني اللَّه من المُلْك ما كنت أتوقعه.
رجعنا إلى ذكر مسير أسد الدّين: فجمع الجيوش وسار إلى دمشق، وعرض الْجَيْش، ثمّ سار إلى مصر في جيش عرمرم، فقيل: كانوا سبعين ألف فارس وراجل. فتقهقر الفرنج لمجيئه، ودخل القاهرة فِي ربيع الآخر، وجلس فِي الدَّسْت، وخلع عَلَيْهِ العاضد خِلَع السَّلْطنة، وولّاه وزارته، وهذه نسخة العهد:
" من عَبْد اللَّه أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن يوسف العاضد لدين اللَّه أمير المؤمنين إلى السّيّد الأجلّ، الملك المنصور، سلطان الجيوش، وليّ الأئمة، مجير الأمة، أسد الدّين، هادي دُعاة المؤمنين، أَبِي الحارث شيركوه العاضدي، عضد الله به الدين، وأمتع ببقائه أمير المؤمنين، وأدام قدرته وأعلى كلمته، سلام عليك؛ فإنا نحمد إليك اللَّه الَّذِي لا إله إلا هُوَ، ونسأله أن يُصلّي عَلَى مُحَمَّدٍ سيّد المرسلين وعلى آله الطّاهرين والأئمَّة المَهْدِيّين. . . " ثمّ أتْبع ذَلِكَ بخطبتين بليغتين، وأنّه ولّاه الوزارة، وفوَّض إِلَيْهِ تدبير الدّولة. وكتب هُوَ فِي أعلى المنشور بخطّه: " هذا عهدٌ لم يُعهَد لوزير بِمِثْلِهِ، فتقلد أمانةً رآك أميرُ المؤمنين أهلًا لحملها، والحجَّة عليك عند اللَّه بما أوضحه لك من مراشد سُبُله، فخُذْ كتاب أمير المؤمنين بقوَّة، واسحبْ ذَيْل الفخار بأن اعْتَزَّتْ بك بنو النُّبوَّة، واتّخذ للفوز سبيلًا، (وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كفيلا).
وكان هذا قبل مقتل شاور؛ وهو أنّ أسد الدين لما دخل القاهرة قام شاور [ص:218] بضيافته وضيافة عسكره، وتردَّد إلى خدمته، فطلب منه أسد الدّين مالًا ينفقه عَلَى جيشه فماطَلَه، فبعث إِلَيْهِ الفقيه ضياء الدّين عيسى بْن مُحَمَّد الهَكّاريّ يَقُولُ: إنّ الجيش طلبوا نفقاتهم، وقد مَطَلْتُهم بها وتغيَّرتْ قلوبُهم، فإذا أَبَيْتَ فكُنْ عَلَى حَذَرٍ منهم. فلم يؤثّر هذا عند شاور، وركب عَلَى عادته، وأتى أسد الدّين مسترسلًا، وقيل: إنّه تمارض، فجاء شاور يعوده، فاعترضه صلاح الدّين يوسف بْن أيّوب وجماعة من الأمراء النُّوريَّة فقبضوا عَلَيْهِ، فجاءهم رسول العاضد يطلب رأس شاور، فذبح وحمل رأسه إليه.
ثمّ لم يلبث أسد الدّين أنْ حَضَرَتْه المَنِيَّة بعد خمسة وستّين يومًا من ولايته، وقلّد العاضِدُ الملكَ النّاصر صلاح الدّين يوسف الأمورَ، وهو لَقَّبَه الملك النّاصر، وكتب تقليدَه القاضي الفاضلُ، فقام بالسلطنة أتمّ قيام.
قَالَ العماد فِي " البرق الشّاميّ " بعد أنْ ذكر استباحة الفرنج بلبيس: فأناخوا عَلَى القاهرة معوّلين عَلَى المحاصرة فِي عاشر صَفَر، فخاف النّاس من نوبة بلبيس، فلو أنّ الفرنج لم يعمدوا بالسوء إلى بلبيس لوثقت منهم القاهرة ولم تَدُم المحاصرة. وأحرق شاور مصر، وخاف عليها منهم، فبقيت النّار تعمل فيها أربعة وخمسين يومًا، وكان غرضه أن يأمن عليها من العدوّ الكافر، ثم عرف العجز، فشرع في الحيل ومداواة الغيل، فأرسل إلى ملك الفرنج يبذل لَهُ المَوَدَّة، وأنّه يراه لدهره العُمدة، فأحسن لَهُ العدَّة، ووفّر لرجائه الجدَّة، وقال: أَمْهِلني حتّى أجمع لك الدّنانير، وأنفذ لك منها قناطير، وأطمعه في ألف ألف دينار معجلة ومؤجلة، وتوثَّق منه بمواثيق مستحكَمَة، ثمّ قَالَ لَهُ: ترحل عنّا، وتوسع الخناق، وتترك الشّقاق، وعجَّلَ له مائة ألف دينار حيلة وخداعا، وواصل بكُتُبه نورَ الدّين مستصرخًا مستنفرًا، وفي طيّها ذوائب مجزوزة وعصائب محزوزة، وبقي ينفّذ للفرنج فِي كلّ حين مالًا، ويطلب منهم إمهالًا، حتّى أتى الغوث، فسلب أسد الدّين القرار، وساق فِي ليلةٍ إلى حلب، وقال: إنّ الفرنج قد استحكم فِي البلاد المصريَّة طمعُهم، وليس فِي الوجود غيرك من يُرغمهم، ومتى تجمع العسكر وكيف تدفعهم؟ فقال لَهُ: خزانتي لك، فخُذْ منها ما تريد، ويَصْحَبُك أجنادي. وعجل له بمائتي ألف دينار، وأمر خازنه وليّ الدّين إِسْمَاعِيل بأن يُعطيه ما يطلب، فقال: أمضي إلى الرحْبة لجمع التُّرْكُمان. وذهب نور الدّين ليتسلم قلعة جَعْبَر، وحشد أسد الدّين وحشر، وأسرع نور [ص:219] الدّين بالعود إلى دمشق، وخرجنا إلى الفوّار، وأسد الدّين هناك فِي العسكر الجرّار، وأطلق لكلّ فارس عشرين دينارًا، ورحلوا عَلَى قصد مصر.
وخيَّم نور الدّين بمن أقام معه عَلَى رأس الماء، فجاء البشير برحيل الفرنج عَنِ القاهرة عند وصول خبر العسكر، فدخلوا مصر فِي سابع ربيع الآخر، وتودّد شاور إلى أسد الدّين وتردّد، وتجدد بينهما من الودّ ما تأكّد، ثمّ ساق العماد نحوَ ما تقدم، وأنّه قُتِلَ فِي سابع عشر ربيع الآخر.
ثمّ قَالَ: ولمّا فرغ العسكر بمصر بعد ثلاثة أيّام من التّعزية بأسد الدّين اختلفت آراؤهم، واختلطت أهواؤهم، وكاد الشَّمْل لا ينتظم، فاجتمع الأمراء النّوريَّة عَلَى كلمةٍ واحدة، وأيدٍ متساعدة، وعقدوا لصلاح الدّين الرأي والراية، وأخلصوا لَهُ الولاء والولاية، وقالوا: هذا مقام عمّه، ونحن بحكمه. وألزموا صاحب القصر بتوليته، ونادت السّعادة بتلبيته، وشرع فِي ترتيب الملك وتربيته، وسلّط الجود عَلَى الموجود، وبسط الوفور للوفود.
قال القاضي بهاء الدين بن شداد: كانت الوصيَّة إلى صلاح الدّين من عمِّه، ولمّا فُوِّض إِلَيْهِ تاب من الخمر وأعرض عَنِ اللَّهْو. ولقد سَمِعْتُهُ يَقُولُ لمّا يسر اللَّه ديارَ مصر: علمت أَنَّهُ أراد فتح السّاحل، لأنّه أوقع ذَلِكَ في نفسي.
وقال ابن واصل: لمّا مات أسد الدّين كَانَ ثَمَّ جماعة؛ منهم عين الدولة الياروقيّ، وقُطْب الدّين خسْرو الهَذَبَانيّ، وسيف الدّين عليّ المشطوب، وشهاب الدّين محمود الحارميّ خال صلاح الدّين، وكلٌّ منهم تطاول إلى الأمر، فطلب العاضد صلاح الدّين ليولّيه الأمر، حمله عَلَى ذَلِكَ ضَعْفُ صلاح الدين، وأنه لا يجسر على مخالفة، فامتنع وجَبُن، فأُلزِم وأُحضِر إلى القصر، وخُلِع عَلَيْهِ، ولُقِّب بالملك النّاصر صلاح الدّين، وعاد إلى دار الوزارة، فلم يلتفت إِلَيْهِ أولئك الأمراء ولا خدموه، فقام بأمره الفقيه ضِياء الدّين عيسى الهكّاريّ، وأمال إِلَيْهِ المشطوب، ثمّ قَالَ لشهاب الدّين: هذا هُوَ ابن أختك، وملكه لك. ولم يزل بِهِ حتّى حلَّفه لَهُ، ثمّ أتى قُطْب الدّين وقال: إنّ صلاح الدّين قد أطاعه النّاس، ولم يَبْقَ غيرك وغير عين الدّولة، وعلى كلّ [ص:220] حال، فالجامع بينك وبين صلاح الدّين أنّ أصله من الأكراد، فلا يخرج الأمر عَنْهُ إلى الأتراك. ووعده بزيادة إقطاعه، فلانَ وحَلَف. ثمّ ذهب ضياء الدّين واجتمع بعين الدّولة الياروقيّ، وكان أكبر الجماعة وأكثرهم جَمْعًا، فلم تنفع رُقاه، وقال: لا أخدم يوسف أبدًا. وعاد إلى نور الدّين ومعه غيره، فأنكر عليهم فِراقهم لَهُ.
قَالَ العماد: وكان بالقصر أستاذ خصي يلقب بمؤتمن الخلافة، لأمره نفاذ، وبه فِي الشّدَّة عياذ، وله بتمحل الحيل لياذ، وعلى القصر استحواذ، فشمر وتنمَّر، وقال: مَن كِسْرى، ومن كَيْقبَاذ. وتآمر هُوَ ومن شايَعَه وبايَعَه عَلَى مكاتبة الفرنج، فكاتبوهم خفْية، فاتّفق أن تُرْكُمانيًّا عَبَر بالبير البيضاء فرأى نَعْلَين جديدِين مَعَ إنسانٍ، فأخذهما وجاء بهما إلى صلاح الدّين، فوجد فِي البطانة خِرَقًا مكتوبةً مكتومة مختومة، بالشرِّ محتومة، وإذا هِيَ إلى الفرنج من القصر؛ يرجون بالفرنج النَّصْر، فقال: دلّوني عَلَى كاتب هذا الخطّ. فدلوه عَلَى يهوديّ من الرَّهْط، فلمّا أحضروه تلفظ بالشّهادتين، واعترف أَنَّهُ بأمر مُؤْتَمَن الخلافة كَتَبه، واستشعر الخصي العصي، وخشي أن تسقه عَلَى شقّ العصا العِصِيّ، فلزم القصر، وأعرض عَنْهُ صلاح الدّين، ثمّ خرج إلى قريةٍ لَهُ، فأنهض لَهُ السّلطانُ صلاحُ الدّين من أَخَذَ رأسه فِي ذي القعدة.
ولمّا قُتِلَ هذا الخادم غار السودان وثاروا، ومن إسعار السعير استعاروا، وقاموا ثاني يوم قتْله وجيَّشوا، وكانوا أكثر من خمسين ألفا؛ من كل أعبس أغبش، أحمر أحمش، أجرى أجرش، ألسع أليش أسود وأسحم حسامه يحسم، فحسِبُوا أنّ كلّ بيضاء شحمة، وأن كل سوداء فحمة، وحمراء لحمة، وأنّ كلّ ما أسدوه من العجاج ما له لحمة، فأقبلوا ونُصَرائهم زحمة، وما فِي قلوبهم رحمة، فقال أصحابنا: إنْ فشلنا عَنْهُمْ سَلونا البقاء، وما فِي عادتهم العادية شيء من الإبقاء، فهاجوا إلى الهيجا، وكان المقدّم الأمير أَبُو الهيجا، واتّصلت الحرب بين القصرين، ودام الشّرّ يومين، وأُخرجوا عَنْ منازلهم العزيزة إلى الجيزة، وكانت لهم محلَّة تُسمّى المنصورة، فأخرِبت وحرثت. [ص:221]
ولمّا عرف نور الدّين النّصر، واستقرار مُلْك مصر، ارتاح سِرُّه، وانشرح صدرُه، وأمدَّ الصّلاح بأخيه شمس الدولة تورانشاه.
وأمّا مملكة الرّيّ فكانت بيد إينانج يؤدّي حملًا إلى إلْدكْز صاحب أَذَرْبَيْجان، فمنعه سنتين، وطالبه فاعتذر بكثرة الْجُنْد والحاشية، فقصده إلْدكْز، فالتقيا وعملا مُصَافًّا، فانهزم إينانج، وتحصَّن بقلعةٍ، فحصره إلدكز فيها. ثم كاتب غلمان إينانج وأطمعهم، فقتلوه، وسلّموا البلد إلى إلْدكْز، فلم يَفِ لهم بما وعد، وطردهم، وظفر خُوارَزْم شاه بالّذي باشر قتل إينانج، فأخذه وصلبه. وأمّا إلْدكْز فعاد إلى هَمَذَان، وكان هذه المدة قد سكنها.
وفيها تملَّك الأمير شُمْلَة صاحب خُوزَسْتان بلاد فارس، ثمّ حشد صاحبها وجمع، وحارب شملَة ونصر عليه، فرد شملة إلى بلاده.
وفيها قَتَل العاضِدُ بالقصر الكامِلَ وأخاه ابني شاور وعمهما فِي جُمَادَى الآخرة؛ وذلك أنّهم لاذوا بالقصر، ولو أنّهم جاءوا إلى أسد الدّين سِلموا، فإنه ساءه قتل شاور.
وفيها كانت الزّلزلة العُظْمى بصَقَلّية، وأهِلك خلْقٌ كثير، فللّه الأمرُ من قبل ومن بعد.(12/216)
-سنة خمس وستين وخمسمائة
وردت الأخبار بوقوع زلازل فِي الشام وقع فيها نصف حلب، ويقال: هلك من أهلها ثمانون ألفًا؛ ذكره ابن الجوزيّ.
وقال العِماد: تواصلت الأخبار من جميع البلاد الشامية بما أحدثته الزلزلة بها من الانهدام والانهداد، وأنّ زلّات زلازلها حلّت وجلّت، ومعاقد معاقلها انحلت واختلت، وألقت ما فيها وتخلت، وأن أسوارها غرتها الأسواء وعرّتها، وقرَّت بها النّواكب فنكبتها وما أقرَّتها، وانهارت بالأرجاف أجراف أنهارها، وأنّ سماءها انفطرت، وشموسها كورت، وعيونها عورت وغورت. وذكر فصلًا طويلًا فِي الزَّلزلة وتهويلها. [ص:222]
وقال أبو المظفر ابن الجوزيّ بعد أن أطنب فِي شأن هذه الزّلزلة وأسهب: لم يَرَ النّاسُ زلزلةً من أوّل الْإِسْلَام مثلَها، أفْنَت العالَم، وأخربت القلاع والبلاد. وفرَّق نور الدّين فِي القلاع العساكر خوفا عليها؛ لأنها بقيت بلا أسوار.
وفيها نزلت الفرنج عَلَى دِمياط فِي صفر، فحاصروها واحدًا وخمسين يومًا ثمّ رحلوا خائبين، وذلك أنّ نور الدّين وصلاح الدّين أجْلَبا عليها برًّا وبحرًا، وأغارا عَلَى بلادهم.
قَالَ ابن الأثير: بلغت غارات المسلمين إلى ما لم يكن تبلغه، لخلو البلاد من مانع، فلمّا بلغهم ذَلِكَ رجعوا، وكان موضع المثل: خرجت النّعامة تطلب قرنين، فعادت بلا أُذُنَين. وأخرج صلاح الدّين فِي هذه المرَّة أموالًا لا تُحصى، حُكيَ لي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ما رَأَيْتُ أكرم من العاضد، أرسل إليَّ مدَّة مُقام الفرنج عَلَى دمياط ألف ألف دينار مصرية، سوى الثياب وغيرها.
وفيها توجّه نور الدّين إلى سِنْجار فحاصرها حصارًا شديدًا، ثمّ أخذها بالأمان، ثمّ توجَّه إلى الموصل ورتَّب أمورها، وبنى بها جامعًا وقف عليه الوقوف الجليلة.
وفيها دخل نجم الدّين أيّوب مصر، فخرج العاضد إلى لقائه بنفسه، وكان يومًا مشهودًا، وتأدَّب ابنه صلاح الدين معه، وعرض عليه منصبه.
وفيها سار نور الدّين فنازل الكَرَك، ونصب عليها منجنيقين، وقاتلهم أشد القتال، فبلغه وصول الفرنج إلى ماء عين، فعطف عليهم فانهزموا.
وفيها طَرَقَ الفرنجُ حصنَ عكّار من المسلمين، وأسروا أميرها؛ وهو خطلخ العلمدار مملوك نور الدين.(12/221)
-سنة ست وستين وخمسمائة
فيها وفاة المستنجد بالله، وما زالت الحُمرة الكثيرة تعرض فِي السّماء منذ مرِض، وكانت ترمي ضوءها على الحيطان، وبويع ابنه المستضيء بالله أبو [ص:223] محمد الحسن، وأمه أرمنية؛ بايعه النّاس وصلّى ليومه عَلَى المستنجد، ونادى برفع المكوس، ورد مظالم كثيرة، وأظهر من العدل والكَرَم ما لم نره من الأعمار؛ قاله ابن الجوزيّ. ثمّ قَالَ: واحتجب المستضيء عن أكثر الناس، فلم يركب إلا مع الخدم، ولم يدخل عليه غير قايماز.
وقال العِماد الكاتب: أنشأتُ عَنْ نور الدّين كتابًا إلى العاضد يهنئّه برحيل الفرنج عَنْ دِمياط. وكان قد ورد كتاب العاضد بالاستقالة من الأتراك فِي مصر خوفًا منهم، والاقتصار منهم عَلَى صلاح الدّين. فقلت: الخادم يهنّئ بما نشأه اللَّه من الظَّفَر الَّذِي أضحك سنّ الْإِيمَان. ثمّ ذكر أنّ الفرنج لا تؤمن غائلتهم، والرأي إبقاء الترك بديار مصر.
ولمّا بلغ نورَ الدّين وفاةُ أخيه قُطْب الدين بالموصل توجه ليدبر أحوالها، وكان الخادم فخر الدّين عَبْد المسيح قد تعرَّض للحكم، وأقام سيف الدّين غازي مُقام أَبِيهِ، فقال نور الدّين: أَنَا أَوْلَى بتدبير البلاد، فسار مارًّا عَلَى قلعة جَعْبَر، واستصحب معه العسكر، ثمّ سيّر من الرّقَّة العماد الكاتب فِي الرّسْليَّة إلى الخليفة.
ثمّ حاصر نور الدّين سِنْجار، وهدم سورها بالمجانيق، ثمّ تسلّمها، وسلّمها إلى ابن أخيه زنكي بْن مودود.
وقصد الموصل فنزل عليها، خاض إليها دِجلة من مخاضةٍ دلّه عليها تُرْكُمانيّ. ثمّ أنعم نور الدّين عَلَى أولاد أخيه، وأقرّ غازيًا عليها، وألبسه التّشريف الَّذِي وصل إِلَيْهِ من الْإِمَام المستضيء. ثمّ دخل نور الدّين قلعة المَوْصِل، فأقام بها سبعة عشر يومًا، وجدّد مناشير ذوي المناصب، فكتب منشورًا لقاضيها حجة الدين الشّهرزُوريّ، وتوقيعًا لنقيب العلويّين، وكَتب منشورًا بإسقاط المُكُوس والضّرائب، فما أعيدت إلّا بعد وفاته.
قال العماد: وكتبت له منشورا أيضا بإسقاط المكوس والضّرائب فِي جميع بلاده.
قَالَ: وحضر مجاهد الدّين قايماز صاحب إربل فِي الخدمة النورية، وزخرفت الموصل بأنوار هداياه. ثمّ ولّى نور الدّين سعَد الدَّين كمشتكين بقلعة [ص:224] المَوْصِل عَنْهُ نائبًا، وأمر فخر الدّين عَبْد المسيح أن يكون لَهُ فِي خدمته بالشّام مُصاحِبًا، واقتطع عَنْ صاحب المَوْصِل: حَرّان، ونصيّبين، والخابور. وعاد إلى سنجار فأعاد عمارة أسوارها، ودخل حلب في رجب.
وكان ثلاثمائة من الفرنج قد أغاروا، فصادفهم صاحب البِيرة شهاب الدّين مُحَمَّد بْن إلياس بْن إيلغازي بْن أُرْتُق وهو يتصيَّد، فقَتَل وأسَرَ أكثرهم، وقدم بالأسارى على نور الدين، وكان منهم سبعة عشر فارسًا فيهم مُقَدَّم الإسبِتار الأعور بحصن الأكراد، وللعماد الكاتب فِي شهاب الدّين قصيدة مَطْلَعُها:
يروق ملوكَ الأرض صيْدُ القَنَائصِ ... وصيد شهاب الدين صيد القوامص
وفيها عمل صلاح الدّين بمصر حبْس المعونة مدرسة للشّافعيَّة، وبنى دار الغَزْل مدرسة للمالكيَّة. وقلَّد القضاء بديار مصر صدر الدّين عَبْد الملك بن درباس. وخرج بجيوشه فأغار عَلَى الرملة وعسقلان وأولي الكُفْر الخذلان، وهجم رَبَض غزَّة، ورجع إلى مصر. وافتتح قلعة أَيْلَة فِي السّنة، غزاها جُنْدُه في المراكب واستباحها قتلا وسبيا.
وفيها سار إلى الإسكندريَّة ليشاهدها ويرتّب قواعدها، وسمع بها حينئذ من السلفي.
وفيها اشترى تقيُّ الدِّين عُمَر بْن شاهنشاه بْن أيّوب منازل العزّ بمصر، وصيَّرها مدرسة للشافعية.
وفي جُمَادى الآخرة تُوُفّي بمصر القاضي ابن الخلّال صاحب ديوان الإنشاء بمصر، ولمّا كَبُر جلس فِي بيته. وكان القاضي الفاضل يوصل إليه كل ما كان له.
وفيها ظهر ملك الخَزَر وفتح دَوِين؛ وهي بلْدةٌ قرب أَذَرْبَيْجان، وقتلوا من المسلمين بها ثلاثين ألفا.
وفيها ظهر بدمشق معز في أخلاط طائفة من الأغبياء، وأظهر التخاييل، ثمّ ادَّعى الرُّبوبيَّة فَقُتِلَ، ولله الحمد.(12/222)
-سنة سبع وستين وخمسمائة
في هذه السّنة دخل نجاح الخادم عَلَى الوزير ابن رئيس الرؤساء ومعه خطّ الخليفة بعزله، وأمر بطَبْق دَواته، وحلّ أزراره، وإقامته من مُسْنَدِه، وقبض عَلَى ولده أستاذ الدّار، ثمّ نُهِبت دارُه ودار ولده، واستنيب ابن جعفر ناظر المخزن في الوزارة.
وفيها وقع حريق عظيم ببغداد.
ووصلت رُسُل صاحب البحرين إلى الخليفة بهدايا.
قَالَ ابن الجوزي: وتكلّمت فِي رمضان بِالحلبة، فتاب نحو مائتي رَجُل، وقطعت شعور مائةٍ وعشرين منهم.
ووصل ابن عَصْرُون رسولًا بأنّ أمير المؤمنين خُطِب لَهُ بمصر، وضُرِبت السّكَّة باسمه، فغلقت أسواق بغداد، وعُمِلت القباب. وكانت قد قُطِعت من مصر خطبة بني الْعَبَّاس من أكثر من مائتي سنة.
قَالَ العماد رحمه اللَّه: استفتح السّلطان سنة سبْعٍ بجامع مصر كلّ طاعة وسمع، وهو إقامة الخطبة فِي الجمعة الأولى بمصر لبني الْعَبَّاس، وعَفَت البدعة، وصَفت الشِّرْعَة، وأقيمت الخطبة العبّاسيَّة فِي الجمعة الثّانية بالقاهرة. وأعقب ذَلِكَ موتُ العاضِد فِي يوم عاشوراء بالقصر، وجلس السّلطان صلاح الدّين للعزاء، وأغرب فِي الحُزْن والبكاء، وتسلَّم القصر بما فيه من خزائنه ودفائنه.
ولمّا قُتِلَ مؤتَمَنُ الخلافةِ صُرِف مَن هُوَ زمام القصر، وصُيِّر زِمامهُ بهاء الدّين قراقوش، فما دخل القصْرَ شيءٌ ولا خرج إلّا بمرأى منه ومَسْمَع، ولا حصل أهلُ القصر بعد ذَلِكَ عَلَى صفْو مُشْرَع. فلما تُوُفّي العاضد احتيط عَلَى آل القصر فِي موضع جُعِل برسمهم عَلَى الانفراد، وقُرِّرت لهم الكُسْوات والأزْواد فدامت زمانا، وجمعت رجالهم، واحتُرِز عليهم، ومنعوا من النّساء [ص:226] لئلّا يتناسلوا، وهم إلى الآن محصورون محسورون لم يظهروا. وقد نقص عددهُم، وقُلِّص مددُهُم. وفرَّق ما فِي القصر من الحرائر والإماء، وأخذ ما صلح لَهُ ولأمرائه من أخاير الذّخاير، وزواهر الجواهر، ونفائس الملابس، ومحاسن العرائس، وقلائد الفرائد، والدُّرَّة اليتيمة، والياقوتة الغالية القيمة. ووصف العماد أشياء عديدة.
قَالَ: واستمرّ البيع فيما بقي عشر سنين، ومن جُملتها الكُتُب، وكانت خزانة الكُتُب مشتملةً عَلَى نحو مائةٍ وعشرين ألف مجلدة. وانتقل إلى القصر الملك العادل سيف الدّين أَبُو بَكْر لمّا ناب عَنْ أخيه، واستمرَّت سُكْناه فِيهِ. وكان صلاح الدّين لا يخرج عَنْ أمر نور الدّين، ويعمل لَهُ عمل القوي الأمين، ويرجع إلى رأيه المتين. وسيَّر نور الدّين إلى الدّيوان العزيز بهذه البشارة شهاب الدين المطهر ابن العلّامة شرف الدّين بْن أَبِي عصرون، وأمرني بإنشاء بشارة عامَّة تُقرأ فِي سائر بلاد الْإِسْلَام:
" الحمد لله مُعلي الحقّ ومعلنه، ومُوهي الباطل ومُوهنه ". منها: " ولم يبق بتلك البلاد مِنبرٌ إلّا وقد أقيمت عَلَيْهِ الخطبة لمولانا الْإِمَام المستضيء بأمر اللَّه أمير المؤمنين، وتمهّدت جوامع الْجُمَع، وتهدَّمت صوامع البِدَع ". إلى أن قال: " وطالما مرت عليها الحِقبُ الخوالي، وبقيت مائتين وثمان سنين ممنوة بدعوة المبطلين، مملؤة بحزب الشّياطين. فملَّكنا اللَّهُ تلك البلاد، ومكَّن لنا فِي الأرض، وأقدرنا عَلَى ما كُنَّا نؤمّله من إزالة الإلحاد والرَّفْض. وتقدّمْنا إلى من استنبناه أن يقيم الدّعوة العبّاسيَّة هنالك، ويورد الأدعياء ودُعاة الإلحاد بها المهالك ". وقال من إنشائه فِي البشارة إلى الدّيوان العزيز:
" وصارت مصر سوقَ الفُسُوق، ودُوحة شعب الإلحاد، وموطن دعوة الدَّعِيّ، ومحَلّ المُحَال والمَحْلِ، وقحْط الضّلال والْجَهْل، وقد استولت بها جند الشّياطين، واستعلت بها دعوة المعطِّلين، وغلبت بها نجوى المُبْطِلين، وتبطّلت الجماعات والْجُمَع، واستفحلت الشّناعات والبِدَع، وأفرخ الشّيطان بها وباض، واشتهر الجور واستفاض، واستبدلت العمائم السّواد بالبياض ".
وللعماد قصيدة منها:
قد خَطَبْنَا للمستضيء بمصر ... نائبِ المُصْطَفَى إمام العصْر [ص:227]
وخذلنا نصرة العضد العا ... ضد والقاصِرَ الَّذِي بالقَصْر
وَتَرَكْنَا الدّعِيَّ يدعو ثُبُورا ... وهو بالذل تحت حجر وحصر
ووصل الأستاذ عماد الدّين صَنْدَل الطُّوَاشيّ المقتفويّ إلى دمشق رسولًا من دار الخلافة فِي جواب البشارة بالخِلَع والتّشريفات لنور الدّين وصلاح الدين في السنة، ومعه رسولان من الوزير ومن الأمير قُطْب الدّين قايماز. وكان صَنْدَل قد وُلّي أُسْتَاذيَّة الدّار المستضيئة بعد الكمال ابن رئيس الرؤساء. ولبس نور الدّين الخِلَع، وهي فَرَجِيَّة، وجُبَّة، وقباء، وطَوْق ذهب ألف دينار، وحصان بسَرْجٍ خاصّ، وسيفان، ولواء، وحصان آخر بحليته يجنب بين يديه، وقلِّد السّيفين إشارة إلى الجمْع لَهُ بين مصر والشّام. وخرج فِي دَسْت السَّلْطَنة، واللّواءُ منشور، والذّهبُ منثور إلى ظاهر دمشق، وانتهى إلى آخر الميدان ثمّ عاد.
وسُيِّر إلى صلاح الدّين تشريف فائقٌ، لكنّه دون ما ذكرناه لنور الدّين بقليل، فكان أوّل أهبة عبّاسيَّة دخلت الدّيار المصريَّة، وقضى أهلها منها العجب، وكان معها أعلام وبُنُود وأهب عبّاسيَّة للخُطَبَاء بمصر. وسيَّر إلى العماد الكاتب خلعةً ومائة دينار من الدّيوان. قَالَ: فسيَّرت إلى الوزير هذه المدْحة واستزدتُ المِنْحَة، وهي:
عسى أن تعودَ ليالي زُرُودِ
وهي طويلة، منها:
نُحُولي من ناحلاتِ الخُصُور ... ومَيْلي إلى مائلات القُدُودِ
وتطميني طاميات الوِشاحِ ... وتعلُّقني عَلَقات العُقُودِ
وما العَيْشُ إلّا مَبِيتُ المُحِبّ ... فوق التّرائب بين النُّهُودِ
وما كنت أعلم أنّ الظِّبا بوجـ ... ـره قانصات الأسود
وخيل بنت لنجوم الصعاد ... كما العجاج بأرض الصعيد
سوابق قد ضمرت للطراد ... بكل عتاق من الجرد قود
فتخفق منها قلوبُ العِداةِ ... كما خَفَقَتْ عَذَباتُ البُنُودِ
أدالت بمصرَ لِداعي الهُداةِ ... وانتقمت من دَعِيّ الْيَهُودِ [ص:228]
يعني بدَعِيّ اليهود: العاضد؛ لأنّ جدّهم عُبَيْد الله قد جاء أنه يهودي الأصل.
وقال ابن الأثير:
فصل فِي انقراض الدّولة المصريَّة وإقامة الدّولة العبّاسيَّة بمصر:
وذلك فِي المحرَّم سنة سبْع، فقطِعت خطبة العاضد، وخطِب فيها للمستضيء بأمر اللَّه أمير المؤمنين، وسبب ذَلِكَ أنّ صلاح الدّين لما ثبّت قَدَمَه، وضعُفَ أمرُ العاضد، ولم يبق من العساكر المصريَّة أحدٌ، كتب إِلَيْهِ نور الدّين يأمره بذلك، فاعتذر بالخوف من وثوب المصريّين وامتناعهم، فلم يُصْغِ إلى قوله، وأرسل إِلَيْهِ يُلْزمه بذلك. واتّفق أنّ العاضد مرض، وكان صلاح الدّين قد عزم عَلَى قطْع الخطْبة، فاستشار أمراءه كيف الابتداء؟ فمنهم من أقدم عَلَى المساعدة، ومنهم من خاف. وكان قد دخل مصر أعجميٌّ يُعرف بالأمير العالم، قد رَأَيْته بالموصل، فلمّا رَأَى ما هُمْ فِيهِ من الإحجام قال: أنا أبتدي بها. فلمّا كَانَ أوّل جمعة من المحرَّم صعِد المنبر قبل الخطيب، ودعا للمستضيء بأمر اللَّه، فلم يُنْكر ذَلِكَ أحد. فلمّا كانت الجمعة الثانية أمر صلاح الدّين الخطباء بقطْع خطبة العاضد، ففُعِل ذَلِكَ، ولم ينتطح فيها عَنْزان. والعاضد شديد المرض، فتُوُفّي يوم عاشوراء، واستولى صلاح الدّين عَلَى القصر وما حوى، وكان فِيهِ من الجواهر والأعلاق النّفيسة ما لم يكن عند ملك من الملوك، فمنه القضيب الزُّمُرُّد، طوله نحو قبْضةٍ ونصف، والجبل الياقوت، ومن الكُتُب الّتي بالخطوط المنسوبة نحو مائة ألف مجلد.
وذكر أشياء، ثمّ قَالَ: وفي هذه السّنة حدث ما أوجب نَفْرةَ نور الدّين عَنْ صلاح الدّين؛ أرسل نور الدّين إِلَيْهِ يأمره بجمع الجيش والمسير لمنازلة الكَرَك، ليجيء هُوَ بجيشه ويحاصرانها. فكتب إلى نور الدّين يعرِّفه أَنَّهُ قادم، فرحل عَلَى قصْد الكَرَك وأتاها، وانتظر وصوله، فأتاه كتاب يعتذر باختلال البلاد، فلم يقبل عُذْره. وكان خواصّ صلاح الدّين خوَّفوه من الاجتماع، وهمَّ [ص:229] نور الدّين بالدّخول إلى مصر وإخراج صلاح الدين عنها، فبلغ صلاحَ الدّين ذَلِكَ، فجمع أهله وأباه وخاله الأمير شهاب الدّين الحارميّ وسائر الأمراء وأطلعهم عَلَى نيَّة نور الدّين، واستشارهم فسكتوا، فقال ابن أخيه تقي الدّين عُمَر: إذا جاء قاتلناه. ووافقه غيره من أهله، فسبّهم نجم الدّين أيّوب واحتدّ، وكان ذا رأي ومكر، وقال لتقي الدّين: اسكت. وزَبَرَه، وقال لصلاح الدّين: أَنَا أبوك، وهذا خالك، أتظّن أنّ في هَؤُلَاءِ من يريد لك الخير مثلَنَا؟ فقال: لا. فقال: والله لو رَأَيْت أَنَا وهذا نور الدّين لم يمكننا إلّا أن ننزل ونقبّل الأرضَ، ولو أَمَرَنا بضرْب عُنقك لفَعَلْنا، فما ظنُّك بغيرنا؟! فكلّ من تراه من الأمراء لو رَأَى نور الدّين لَمَا وسِعَه إلّا التَّرَجُّل لَهُ، وهذه البلاد لَهُ، وإنْ أراد عزْلك فأيّ حاجة له إلى المجيء؟ بل يطلبك بكتاب. وتفرّقوا، وكتب أكثر الأمراء إلى نور الدّين بما تم، ولمّا خلا بولده قَالَ: أنت جاهل، تجمع هذا الجمع وتُطْلِعَهم عَلَى سِرِّك، ولو قصدك نور الدّين لم تر معك أحدًا منهم. ثمّ كتب إلى نور الدّين بإشارة والده نجم الدين يتخضع له، ففتر عنه.
قَالَ العماد: وكان نور الدّين لا يقيم في البلد أيّام الربيع والصّيف محافظةً عَلَى الثّغر وصَونًا من الحيف، ليحمي البلاد بالسيف. وهو متشوف إلى أخبار مصر وأحوالها، فرأى اتّخاذ الحمام المناسب، وتدريجها عَلَى الطيران لتحمل إِلَيْهِ الكُتُب بأخبار البلدان. وتقدَّم إليَّ بكتْب منشور لأربابها، وإعذار أصحابها، ونودي بالتهديد لمن اصطاد منها شيئا.
قَالَ: وفي رجب فوَّض إليَّ نور الدّين المدرسة الّتي عند حمّام القُصَيْر، وهي الّتي أَنَا منذ قدِمْتُ دمشقَ فيها ساكن، وكان فيها الشَّيْخ الكبير ابن عَبْد، وقد استفاد من علمه كلّ حرٍّ وعبد، فتُوُفّي وخلّف ولدين استمرّا فيها عَلَى رسم الوالد، ودرّسا بها، فخدعهما مغربيّ بالكيمياء فلزِماه، وافتقرا بِهِ وأغنياه، وغاظ نور الدّين ذَلِكَ، وأحضرهما ووبّخهما، ورتبني فيها مدرسا وناظرا.
وفيها عبرت الخطَا نهر جَيْحون يريدون خُوارَزْم، فجمع خوارزم شاه ابن أرسلان بْن أَتْسِز بْن مُحَمَّد جيوشه وقصدهم، فمرض، فجهز الجيش [ص:230] للملتقى، فالتقوا واشتدّ الحرب، ثمّ انهزم الخُوارَزْميّون، وأُسِر مقدمهم ورجعت الخطا.(12/225)
-سنة ثمان وستين وخمسمائة
قَالَ ابن الجوزيّ: جلست يوم عاشوراء بجامع المنصور، فحضر من الجمع ما حزر بمائة ألف. وفيها وقعت الأراجيف بمجيء العسكر من هَمَذَان، فأخذ الخليفة فِي التّجنيد وعمارة السّور، وجَمَع الغلات وعرض العساكر.
وعمل ختان إخوة الخليفة وأقاربه، فتفرّقت الخِلَع، وذُبح ألف رأس غنم، وثلاثة آلاف دجاجة، وعشرون ألف خشكنانكة، وغير ذلك.
وفي رجب تقدَّم إليَّ بالجلوس بباب بدر ليسمع الخليفة، فكنت أجلس أسبوعًا وأبو الخير القزويني أسبوعا، إلى آخر رمضان، وجَمْعي عظيم، وجمْعُه يسير. ثمّ شاع أنّ أمير المؤمنين لا يحضر إلا مجلسي، وكانت زيادة عظيمة ببغداد.
قَالَ ابن الأثير: وفيها سار طائفة من التُّرك مَعَ قراقوش مملوك تقي الدّين عُمَر ابن أخي السّلطان صلاح الدّين إلى جبال نَفُّوسَه، فاجتمع بِهِ بعض المقدَّمين هناك، فاتّفقا وكثر جمعُهُما، ونزلا عَلَى طرابُلُسَ الغرب فحاصراها مدَّةً، ثمّ فُتِحَت، فاستولى عليها قراقوش وسكنها، وكثرت عساكره.
وفيها افتتح شمس الدّولة أخو صلاح الدّين بَرَقة عَلَى يد غلامٍ لَهُ تُركيّ، ثمّ سار وافتتح اليمن بعد ذَلِكَ، وقبض عَلَى ابن مهديّ الخارج باليمن؛ وكان شابًّا أسود، منحل الاعتقاد.
وفيها سار صلاح الدّين بعساكر مصر يريد الكَرَك، وإنما بدأ بها لقُربها إِلَيْهِ، وكانت تمنع من يقصد الدّيار المصريَّة، وتقطع القوافل، فحاصرها وقاتل الفرنج، ثمّ رجع ولم يفتحها.
وفيها مات خُوارَزْم شاه أرسلان ومَلَكَ بعده ابنه الصغير محمود، وكان [ص:231] ابنه الكبير علاء الدين تكش غائبا نائبا لأبيه عَلَى الْجُنْد، فاستنجد بالخطا وأقبل بهم، فاستعان أخوه محمود بصاحب نَيْسابور المؤيّد، وعملوا المُصافّ، فأسِر المؤيّد وذبح صبْرًا، وهرب محمود وأُسرت أمّه فيما بعد، وقُتِلت، وثبت قدم تكش في الملك، فجاءته رسُلُ صاحب الخطا بأمور مُشِقَّة واقتراحات صَعْبة، فقتل كلّ من عنده مِن الخطا، ونبذ إلى ملك الخطا، فسار محمود إلى ملك الخطا فجهَّز معه جيشًا، فنازل خُوارَزْم وحصرها، فأمر تكش بإجراء ماء جيحون فكادوا يغرقون، فرحلوا وندموا، فسَار محمود بهم فأخذ مَرْو، فعادت الخطا إلى بلادها؛ وجعل محمود الغز من دأبه، وحاربهم وأوطأهم ذُلًّا، ثمّ افتتح مدينة سَرْخَس سنة ستٍّ وسبعين، ثم أخذ طوس.
وأما نيسابور ومملكتها فتولّاها طُغان شاه بعد والده المؤيَّد، وكان لَعّابًا مُسْرِفًا عَلَى نفسه، مَلَكَ أربع عشرة سنة ومات.
وفيها - فِي جُمَادَى الأولى - هزم مليح بْن لاون الأرمنيّ النّصرانيّ صاحب بلاد الدّرُوب وسِيس عسكر الروم، لعنهم الله معا، وذلك أنّ نور الدّين - رحمه اللَّه - كَانَ قد استخدم صاحب سِيس هذا وأقطعه واستماله، وظهر لَهُ منه نُصْحه، وكان ملازِمًا لخدمة نور الدّين، مُعِينًا لَهُ عَلَى الفرنج، ولمّا قِيلَ لنور الدّين فِي معنى استخدامه وإعطائه بلادَ سِيس قَالَ: أَستعين بِهِ عَلَى قتال أهل مِلَّته وأُريح طائفةً من عسكري، وأجعله سدًّا بيننا وبين صاحب القُسطنطينيَّة. فجهَّز إِلَيْهِ صاحب الروم جيشًا كثيفًا، فالتقاهم، ومعه طائفة من عسكر المسلمين، فهزمهم، وكثُر القتْل والأسرُ في الروم، وقويت شوكة مليح.
وفيها سار نور الدّين إلى بلاد الشّرق، فصلّى فِي جامع المَوْصِل الَّذِي بناه، وتصدّق بمالٍ عظيم، ثمّ ردّ وقطع الفُرات، وقصد ناحية الروم فافتتح بهسنا ومرعش، وردّ إلى الشّام ومعه ابن الدّانشمنْد ووعده بخلاص بلاده، فبعث قلج أرسلان إلى نور الدّين يخضع لَهُ، وأن يردّ إلى ابن الدّانشمنْد قِلاعه، فشرط عَلَيْهِ نور الدّين تجديدَ إسلامه، لأن قلج أرسلان اتهم بالزندقة، [ص:232] وأنه متى طلب منه عسكره ينجده بِهِ، وأن يزوِّج بِنْت قلج أرسلان بابن أخيه سيف الدّين غازي صاحب الموصل. ففعل، وبعث نور الدّين فِي خدمة ابن الدّانشمنْد عسكرًا صُحبة الأمير فخر الدّين عَبْد المسيح إلى مَلَطْيَة وسِيواس، فلمّا مات نور الدّين عادت البلاد إلى قلج أرسلان.
وفيها قدِم القُطْب النَّيسابوريّ من حلب إلى دمشق، فدرس بالغزالية.
وشرع نور الدّين فِي بناء مدرسةٍ للشّافعيَّة، ووضع محرابها، فمات ولم يُتِمَّها. وبقي أمرها عَلَى حاله إلى أن أزال الملك العادل ذَلِكَ البناء وعملها مدرسةً عظيمة؛ فهي العادليَّة.(12/230)
-سنة تسع وستين وخمسمائة
فِي المحرَّم وقع حريق بالظَّفَرِيَّة، فاحترقت مواضع كثيرة.
قَالَ ابن الجوزيّ: وجلست يوم عاشوراء فِي جامع المنصور، فحُزِر الجميع بمائة ألف. كذا قال.
قَالَ: وسألني فِي ربيع الأوّل أهل الحربيَّة أن أعمل عندهم مجلسًا، فوعدتهم ليلةً، فانقلبت بغداد وعبر أهلها، وتلقيت بشموع حزرت بألف شمعة، وما رَأَيْت البرّيَّة إلّا مملوءة بالضّوء، وكان أمرًا مُفْرِطًا، فلو قَالَ قائل: إنّ الخلق كانوا ثلاثمائة ألف لما أبعد.
وفي رجب وصل ابن الشّهْرُزُوريُّ بتُحَفٍ وتقادُم للخليفة من نور الدّين، وفيها حمار مخَطَّط كثوب عتابيّ، وخرج الخلْق للفُرْجة عَلَيْهِ وكان فيهم رَجُل عَتّابيّ كثير الدّعَاوَى، وهو بليد ناقص الفضيلة، فقال رجل: إن كان قد بُعِث إلينا حمارٌ عتّابيّ، فنحن عندنا عتّابيّ حمار.
وفيها وُلّي أَبُو الخير القَزْوينيّ تدريسَ النّظاميَّة ببغداد.
وخرج ابن أخي شملة التركماني، ويعرف بابن سنكة، وأخذ قلعة [ص:233] بنواحي باذرايا ليتّخذها عَوْنًا لَهُ عَلَى الإغارة، فسارت لقتاله العساكر، فالتقوا، فطحن المَيْمنة، ثمّ حميَ القتال وظفروا بِهِ، وجيء برأسه إلى بغداد.
وفيها وقع بَرَدٌ بالسّواد هدم الدُّور، وقتل جماعة وكثيرًا من المواشي؛ وقال ابن الجوزي: فحدّثني الثّقة أنّهم وَزَنُوا بَرَدَةً فكانت سبعة أرطال. قال: وكان عامته كالنارنج.
وفي رمضان زادت دجلة زيادةً عظيمة عَلَى كلّ زيادةٍ تقدَّمْت منذ بُنِيت بغداد بذراعٍ وكسر، وخرج الناس إلى الصحراء، وأَيِسُوا من البلد، وضجّوا إلى اللَّه بالبكاء، وانهدمت دُورٌ كثيرة بمرَّة، وكان آيةً من الآيات، وهلكتْ قُرى ومزارع لا تُحْصَى، ونُصِب يوم الجمعة مِنْبرٌ خارج السّور، وصلّى الخطيب بالناس هناك.
وفي الجمعة الأخرى جمعوا بمسجد التوثة، ودام الغَرَق أيّامًا، وكُثر الابتهال إلى اللَّه، وبقي الخلق والأمراء كلما سدوا بثقا وتعبوا عَلَيْهِ غَلَبَهُم الماءُ وخرَّبه، أو انفتح آخر غيره.
وجاءت أمطارٌ هائلة بالمَوْصِل، ودامت أربعة أشهر حتّى تهدَّم بها نحو ألفَيْ دار، وهلك خلْقٌ تحت الرَّدْم، وزادت الفُرات زيادةً كبيرة، وفاضت حتى أهلكت قرى ومزارع. ومن العجائب أنّ هذا الماء عَلَى هذه الصّفة، ودُجَيْل قد هلكت مزارعه بالعطش.
وتُوُفّي السّلطان نور الدّين فتجدد بحلب بعد موته اختلاف بين السُّنَّة والرّافضة، فقتل من الطائفتين خلق، ونهب ظاهر البلد.
وكان ممّا قدِم بِهِ ابن الشّهرزُوريّ من البشارة فتْحُ اليمن، وكسْر الفرنج مرَّةً ثانية، ومقدمهم الدُّوقْش، وكان أسيرًا عند نور الدّين، أسره نَوْبة حارِم، ففداه بخمسةٍ وخمسين ألف دينار وخمسمائة ثوب أطلس، وفي كتابه يَقُولُ: " ولم ينج من عشرة آلاف غير عشرة حُمُرٍ مستنفرة، فرت من قسورة ".
وذكر ابن الأثير أنّ صلاح الدّين لمّا استولى عَلَى مصر وأراد أن [ص:234] يستبدّ بالأمر خاف من نور الدّين، وعرف أَنَّهُ ربّما يقصده ويأخذ منه مصر، فشرع هُوَ وأهل بيته فِي تحصيل مملكة تكون لهم ملجأ إن قصدهم، فجهّز أخاه تورانشاه إلى النُّوبَة فافتتح منها. فلمّا عاد تجهّز إلى اليمن بقصد عَبْد النَّبِيّ صاحب زبيد وطرده عَنِ اليمن، وحسّن لهم ذَلِكَ عُمارة اليمنيّ، فَسَار فِي أكمل الهيبة والأهْبة فلم يثبُت لَهُ أهلُ زَبِيد، وانهزموا، فعمد العسكر إلى سُور زَبِيد، ونصبوا السّلالم وطلعوا، فأسروا عَبْد النَّبِيّ وزوجته الحُرَّة، وكانت صالحةً كثيرة الصَّدَقة، فعذّبوا عَبْد النَّبِيّ، واستخرجوا منه أموالًا كثيرة، ثمّ سار تُورَانشاه إلى عدن، وهي لياسر، فهزموه وأسروه. ثمّ سار فافتتح حصون اليمن، وهي قلعة تَعِز وقلعة الجند، واستناب بعدن عز الدين عثمان ابن الزَّنْجَبِيليّ، وبزَبِيد سيف الدولة مبارك بْن مُنْقذ، زاد أبو المظفّر السِّبْط فقال: يقال إنّه افتتح ثمانين حصنًا ومدينة، وقتل عَبْد النَّبِيّ بْن مهدي.
وذكر ابن أبي طيئ قال: في هذه السنة وصل الموفق ابن القَيْسَرانيّ إلى مصر رسولًا من نور الدّين، فاجتمع بصلاح الدّين وأنهى إِلَيْهِ رسالةً، وطالبه بحساب جميع ما حصّله من ارتفاع البلاد فشق ذَلِكَ عَلَيْهِ، وأراد شقّ العصا ثمّ ثاب، وأمر النُّوّاب بالحساب، ثمّ عرضه عَلَى ابن القَيْسرانيّ، وأراه جرائد الأجناد بالإقطاع. ثمّ أرسل معه هديَّةً عَلَى يد الفقيه عيسى، وهي ختْمة بخطّ ابن البّواب، وختمه بخطّ مُهَلْهَلٍ، وختمه بخطّ الحاكم البغداديّ، ورَبْعة مكتوبة بالذّهب بخطّ يانَس، ورَبْعة عشرة أجزاء بخطّ راشد، وثلاثة أحجار بَلَخْش، وستّ قَصَبات زُمُرّد، وقطعة ياقوت وزن سبعة مثاقيل، وحجر أزرق ستَّة مثاقيل، ومائة عِقْد جوهر وزنها ثمانمائة وسبعة وخمسون مثقالًا، وخمسون قارورة دهْن بلْسان، وعشرون قطعة بِلَّوْر، وأربع عشرة قطعة جزع، وإبريق يشم، وطست يشم، وصحون صينيّ، وزبادي أربعون، وكُرَتان عُود قماريّ وزن إحداهما ثلاثون رِطْلًا بالمصريّ، والأخرى أحد وعشرون، ومائة ثوب أطْلَس، وأربعة وعشرون [ص:235] بقيارا مذهبة، وخمسون ثوبا حرير، وحلة فلفلي مذهّب، وحلَّة مرايش صفراء، وغير ذَلِكَ من القماش قيمتها مائتان وخمسة وعشرون ألف دينار، وعدَّة من الخيل والغلْمان والْجَوَاري والسّلاح، ولم تصل إلى نور الدّين؛ لأنه مات، فمنها ما أُعيد ومنها ما استُهْلك، لأنّ الفقيه عيسى وابن القَيْسرانيّ وضعا عليها من نهبها واستبدّا بأكثرها. وقيل: رُدَّت كلّها إلى صلاح الدّين، وكان معها خمسة أحمال مالا.
وتحرّكت الفرنج بالسّواحل، وكان بدمشق الملك الصّالح إِسْمَاعِيل ابن السّلطان نور الدّين، صبيّ عمره عشر سنين أو أكثر، فاستنجد بصلاح الدّين صاحب مصر. وبلغ صلاحَ الدّين نزولُ الملاعين عَلَى بانياس، فصَالحهم الأمراء وأهل دمشق، وهادنوهم عَلَى مالٍ وأَسارَى يُطْلَقُون. فكتب إلى جماعة يوبخهم، فكتب إلى الشيخ شرف الدين ابن أَبِي عصرون يخبره أَنَّهُ لمّا أتاه كتاب الملك الصّالح تجهّز للجهاد وخرج، وسار أربع مراحل، فجاءه الخبر بالهدنة المؤْذِنة بذُلّ الْإِسْلَام، من رفْع القطيعة، وإطلاق الأَسارَى، وسيّدنا المسيح أوّل من جرّد لسانه الَّذِي تُغمد لَهُ السّيوف وتُجَرّد. وكتب فِي ذي الحجَّة من السّنة.
مصرع الّذين سَعَوْا فِي إعادة دولة بني عبيد
كانت دولة العاضد وذويه لذيذة لأُناس، وهم يتقلَّبون فِي نعيمها، فأُخِّروا وأُبْعِدوا، فذكر جمال الدّين بْن واصل وغيره أنّ فِي سنة تسعٍ وستّين أراد جماعةٌ من شيعة العُبَيْديّين ومُحِبّيهم إقامةَ الدّعوة وردَّها إلى العاضد، فكان منهم عُمارةُ اليَمنيّ وعبدُ الصمد الكاتب والقاضي هبة الله ابن كامل وداعي الدّعاة ابن عَبْد القَوِيّ وغيرهم من الْجُنْد والأَعيان والحاشية، ووافقهم عَلَى ذَلِكَ جماعةٌ من أمراء صلاح الدّين، وعيّنوا الخليفة والوزير، وتقاسموا الدُّور؛ واتّفق رأيُهم عَلَى استدعاء الفرنج من صَقَلِّية والشّام يقصدون مصر ليَشْغَلوا صلاح الدّين بهم ويحلو لهم الوقْت، ليتمّ أمرُهُم ومكرهم، [ص:236] وقال لهم عُمارة اليمنيّ: أَنَا قد أبعدت أخاه تورانشاه إلى اليمن خوفًا من أن يسدّ مَسَدَّه، وقرّروا الأمور، وكاد أمرهم أن يتمّ، وأبى اللَّهُ إلّا أن يُتِمّ نورَه، فأدخلوا فِي الشُّورَى الواعظ زين الدّين علي بْن نجا، فأظهر لهم أَنَّهُ معهم، ثمّ جاء إلى صلاح الدّين فأخبره، وطلب من صلاح الدّين ما لابن كامل من الحواصل والعقار، فبذل لَهُ، وأمره بمخالطتهم وتعريف شأنهم، فصار يُعْلِمُه بكلّ مُتَجَدَّد. فجاء رسول ملك الفرنج بالسّاحل إلى صلاح الدّين بهديَّةٍ ورسالة، وفي الباطن إليهم. وأتى الخبر إلى صلاح الدّين من أرض الفرنج بَجليَّة الحال، فوضع صلاح الدّين عَلَى الرَّسُول بعضَ من يثق إِلَيْهِ من النّصارى، فداخَل الرَّسُولَ فأخبره بحقيقة الأمر.
وقيل: إنّ عَبْد الصّمد الكاتب كَانَ يلقى القاضي الفاضل بخضوعٍ زائد، فلقِيَه يومًا فلم يلتفت إِلَيْهِ، فقال القاضي الفاضل: ما هذا إلّا لسبب. فأحضر ابن نجا الواعظ وأخبره الحال، وطلب منه كشف الأمر، فأخبره بأمرهم، فبعثه إلى صلاح الدّين فأوضح لَهُ الأمر، فطلب صلاح الدّين الجماعة، وقرَّرهم فأقرّوا؛ وكان بين عُمارة وبين الفاضل عداوة، فلمّا أراد صلاح الدّين صلْبَه تقدَّم الفاضل وشفع فِيهِ، فظنّ عُمارة أَنَّهُ يحثّه عَلَى هلاكه، فنادي: يا مولانا، لا تسمع منه فِي حقّي. فغضب القاضي الفاضل وخرج، فقال صلاح الدّين: إنّما كَانَ يشفع فيك. فندِم، وأُخرج ليُصْلَب، فطلب أن يمرّوا بِهِ عَلَى مجلس القاضي الفاضل، فاجتازوا بِهِ عَلَيْهِ فأغلق بابه، فقال عُمارة:
عَبْدُ الرّحيم قد احتجبْ ... إنّ الخلاصَ من الْعَجَبْ
ثمّ صُلِبَ هُوَ والجماعة بين القصرين، وذلك فِي ثاني رمضان، وأفنى بعد ذَلِكَ من بقي منهم.
قَالَ العماد الكاتب: وكان منهم داعي الدُّعاة ابن عَبْد القويّ، وكان عارِفًا بخبايا القصر وكنوزه، فباد ولم يسمح بإبدائها. وأمّا الّذين نافقوا عَلَى صلاح الدّين من جُنْده فلم يعرِض لهم، ولا أعلمهم بأنّه علم بهم. وكان ممّن صُلِب القاضي العوريس؛ فحكى القاضي تاج الدّين ابن بنت الأعز أن قاضي [ص:237] القضاة عوريس رأى عيسى ابن مريم كأنه أخرج له رأسه من السماء، فقال له العوريس: الصّلب حقّ؟ فقال لَهُ ابن مريم: نعم. فعبرها العابر وقال: صاحب هذه الرؤيا يصلب لأنّ المسيح معصوم، ولا يمكن أن يكون ذَلِكَ راجعًا إِلَيْهِ، لأن اللَّه تعالى نصّ لنا أَنَّهُ لم يُصْلَب، فبقي أن يكون راجعا للرائي. وجاء الكتاب إلى دمشق بقصة هَؤُلَاءِ يوم موت نور الدّين رحمه اللَّه، وكانوا أيضًا قد كاتبوا سنانا وأهل الحصون يستعينون بهم.
فلما كان في السادس والعشرين من ذي الحجة وصل أصطول الفرنج من صَقَلّية، فنازلوا الإسكندريَّة بغتة، فجاءوا بناء على مراسلة الذين صلبوا، وكان معهم ألف وخمسمائة فَرَس، وعُدّتُهم ثلاثون ألف مقاتل من بين فارس وراجل، وكان معهم مائتا شِينيّ وستّ سُفُن كبار وأربعون مركبًا، وبرز لحربهم أهل الثّغر، فحملوا عَلَى المسلمين حملةً أوصلتهم إلى السّور، ففُقِد من المسلمين فوق المائتين، فلمّا أصبحوا زحفوا عَلَى الإسكندريَّة، ونصبوا ثلاث دبّابات بكِباشها، وهي كالأبراج، وثلاثة مجانيق تضرب بحجارةٍ سُود، استصحبوها من صَقَلّية، فزحفوا إلى أن قاربوا السّور، فرأى الفرنج من شجاعة أهل الإسكندريَّة ما رَاعَهُم. وبُعثت بطاقة إلى الملك صلاح الدّين وهو نازل عَلَى فاقوس، فاستنهض الجيش وبادروا، واستمرّ القتال.
وفي اليوم الثّالث فتح المسلمون باب البلد، وكبسوا الفرنج عَلَى غفلةٍ، وحرّقوا الدّبّابات، وصدقوا اللّقاء، ودام القتال إلى العصر، ونزل من اللَّه النّصر، واستحرّ بالفرنج القتْل. وردّ المسلمون إلى البلد لأجل الصّلاة، ثمّ كبّروا عند المغرب، وهاجموا الفرنج فِي خيامهم، فتسلّموها بما حَوَت، وقتلوا من الرّجّالة ما لا يوصف. واقتحم المسلمون البحر، فغرّقوا المراكب وحرّقوها، وهربت باقي المراكب، وصار العدو بين أسير وقتيل وغريق، واحتمى ثلاثمائة فارس في رأس تلّ فأُخذوا أسرى، وغنم المسلمون غنيمةً عظيمةً، فلله الحمد كثيرا. [ص:238]
وفي آخر السّنة هلك مُرّي ملك الفرنج لا رحمه اللَّه، وهو الَّذِي حاصر القاهرة وأشرف على أخذها.
ولمّا بلغ صلاح الدّين سوء تدبير الأُمراء فِي دولة ابن نور الدّين كتب إليهم ونهاهم عَنْ ذَلِكَ. فكتب إِلَيْهِ ابن المقدَّم يردعه عَنْ هذه العزيمة، ويقول لَهُ:
" لا يُقال عنك إنّك طمَعْتَ فِي بيت مَنْ غرسك، ورباك وأسسك، وأصفى مشربك، وأضوى مَلْبَسَك، وفي دَسْت ملْك مصر أجْلَسَك، فما يليق بحالك غيرُ فضلك وإفضالِك ". فكتب إِلَيْهِ صلاح الدّين: إنّه لا يُؤْثِر للإسلام وأهله إلّا ما جَمَعَ شَمْلَهم، وألَّف كلمتهم، وللبيت الأتابكيّ، أعلاه اللَّه تعالى، إلّا ما حفظ أصله وفَرْعَه، فالوفاء إنّما يكون بعد الوفاة، ونحن في واد، والظانون بنا ظن السوء في واد.
وفيها وَعَظ الطُّوسيّ بالتّاجيَّة من بغداد، فقال: ابن مُلْجَم لم يكفر بقتْله عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فجاءه الآجُرّ من كلّ ناحية، وثارت عَلَيْهِ الشّيعة، ولولا الغلمان الّذين حوله لَقُتِلَ. ولمّا همّ الميعادُ الآخر بالجلوس، تجمّعوا ومعهم قوارير النِّفْط ليحرّقوه، فلم يحضر، فأحرقوا مِنْبره، وأحضره نقيب النّقباء وسبّه، فقال: أنت نائب الدّيوان، وأنا نائب الرَّحْمَن. فقال: بل أنت نائب الشّيطان. وأمر بِهِ فسُحِب ونُفي، فذهب إلى مصر وعظُم بها، ولَقَبُه: الشّهاب الطوسي.(12/232)
-سنة سبعين وخمسمائة
فيها أعيد أبو الحسن ابن الدامغاني إلى قضاء القضاة ببغداد بعد أن بقي معزولا خمسة عشر عاما.
وفيها أراد المستضيء بالله إعادة ابن المظفّر إلى الوزارة، فغضب من ذَلِكَ قايماز، وأغلق باب النُّوبيّ، وبات العامَّة وهم بأمر سوء، وقال: لا أقيم ببغداد حتّى يخرج منها ابن المظفّر هُوَ وأولاده، فإنّه عدوّي، ومتى عاد إلى الوزارة قتلني، فقيل لابن المظفّر: تخرج من البلد. فقال: لا أفعل. فلمّا شُدِّد عَلَيْهِ قَالَ: إنْ خرجت قُتِلت، فاقتلوني فِي بيتي. فتلطّفوا بِهِ، فجاء فخر [ص:239] الدولة ابن المطَّلِب وشيخ الشّيوخ، وحلف لَهُ قايماز أن لا يؤذيه ولا يتبعه. وأصبح العسكر فِي السّلاح، والدّروب تُحْفَظ، ثمّ خرج بالليل الوزير ابن رئيس الرؤساء وأولاده، وسكن البلد. ثم دخل قايماز إلى الخليفة فاعتذر، ثم خرج طيب النفس. ثم بقيت الرسل تتردد، واستقر الأمر أن ابن رئيس الرؤساء يعبر إلى الجانب الغربي.
وفي رجب تكلم ابن الجوزيّ، قَالَ: تقدّم إليَّ بالجلوس تحت منظرة أمير المؤمنين، فتكلمت بعد العصر، وحضر السّلطان، واكترى النّاس الدّكاكين، وكان موضع كلّ رَجُل بقيراط، حتّى إنّه اكتُرِيَت دُكّانٌ بثمانية عشر قيراطًا، ثمّ جاء رَجُلٌ فأعطاهم ستَّة قراريط حتّى جلس معهم. ودرّست بالمدرسة الّتي وَقَفْتها أمّ الخليفة، وحضر قاضي القُضاة، وخُلِعَت عليَّ خِلْعة، وألقيت يومئذٍ دروسًا كثيرة من الأُصول والفُروع. ووقف أهل بغداد من باب النُّوبّي إلى باب هذه المدرسة كما يكون العيد وأكثر، وعلى باب المدرسة أُلُوف، وكان يومًا مشهودًا لم يُرَ مثلُه. ودخل عَلَى قلوب أرباب المذاهب غمٌّ عظيم، وتقدَّم ببناء دِكَّةٍ لنا في جامع القصر فانزعجوا، وقالوا: ما جَرَت عادة الحنابلة بدِكَّة؛ فبُنيت وجلست فيها.
وكان الأمير تُتَامُش قد بعث إلى بلد الغرّاف من نهبهم وآذاهم، ونجا منهم جماعة، فاستغاثوا، ومنعوا الخطيب أن يخطب، وفاتت الصّلاة أكثر النّاس، فأنكر أمير المؤمنين ما جرى، وأمر تُتَامُش وزوج أخته قايماز، فلم يَحْفِلا بالإنكار، وأصرّا عَلَى الخلاف، وجرت بينهما وبين ابن العطّار مُنَابَذَات، ثمّ أصلح بينهم. فلمّا كَانَ الغد، أظهروا الخلاف، وضربوا النَّار فِي دار ابن العطّار، وطلبوه فاختفى. فطلب الخليفة قايماز، فأبى وبارز بالعناد.
وكان قد حلّف الأمراء، وخرج هُوَ وتُتَامِش وجماعةٌ من الأمراء من بغداد، فَنَهَبت العوامُّ دُورَهم، وأخذوا أموالًا زائدة عن الحد.
قال ابن الأثير: ودخل بعض الصّعاليك فأخذ أكياس دنانير، وفزع لا يؤخذ منه، فدخل إلى مطبخ الدّار، فأخذ قِدْرةً مملوءة طبيخًا، فألقى فيها [ص:240] الدنانير وحملها عَلَى رأسه، فضحك النّاس منه، فقال: دعوني أطعمه عيالي ثمّ استغنى بعد ذَلِكَ، ولم يبق من نعمة قُطْب الدّين فِي ساعةٍ واحدة لا قليل ولا كثير. وأمّا العامَّة فثاروا بأعوان قُطْب الدّين، وأحرقوا من دُورهم مواضعَ كثيرة، وبقي أهلها فِي جَزَع وحَيْرة، وقصدوا الحِلَّة، ثمّ طلبوا الشّام وقد تقلّل جَمْعُهُم، وبقي مع قايماز عدد يسير.
ثمّ خُلع عَلَى الوزير ابن رئيس الرؤساء، وأعيد إلى الوزارة، وكتب الفقهاء فتاويهم أنّ قايماز مارِق، وذلك فِي ذي القعدة. ثمّ جاء الخبر فِي ذي الحجَّة أنّ قايماز تُوُفّي، وأنّ أكثر أصحابه مَرْضَى، فسبحان مُزِيل النِّعَم عَنِ المتمرّدين.
وفيها ملك صلاح الدّين دمشق بلا قتال، وكتب إلى مصر رَجُلٌ من بُصْرَى فِي الرابع والعشرين من ربيع الأوّل، وقد توجّه صاحبها فِي الخدمة: ثمّ لقينا ناصر الدّين ابن المولى أسد الدّين والأمير سعد الدّين بْن أُنُر، ونزلنا فِي الثّامن والعشرين بجسر الخَشَب، والأجناد إلينا متوافية من دمشق. وأصبحنا ركِبْنا عَلَى خيرة اللَّه، فعرض دون الدّخول عددٌ من الرجال، فَدَعَسَتْهم عساكرنا المنصورة وصَدَمتهم، ودخلنا البلد، واستقرّت بنا دار ولدنا، وأَذَعْنا فِي أرجاء البلد النّداء بإطابة النّفوس وإزالة المُكُوس، وكانت الولاية فيهم قد ساءت وأسرفت وأجحفت، فشرعنا في امتثال أمر الشرع.
ثم نازل صلاح الدين حمص، ونصبت المجانيق على قلعتها حتى دكتها. وسار إلى حماه فَمَلَكَها فِي جُمادى الآخرة، ثمّ سار إلى حلب وحاصرها إلى آخر الشهر، واشتد على الصالح إسماعيل ابن نور الدّين بها الحصار، وأساء صلاح الدّين العشرة في حقّه، واستغاث الصّالح بالباطنيَّة ووعدهم بالأموال، فقتلوا الأمير ناصح الدّين خُمارتِكِين وجماعة، ثم قتلوا عن آخرهم. ورجع النّاصر صلاح الدّين إلى حمص فحاصرها بقية رجب، وتسلمها بالأمان في شعبان. ثم عطف على بعلبك فتسلمها، ثمّ ردّ إلى حمص وقد اجتمع عسكر حلب، وكتبوا إلى صاحب الموصل فجهّز جيشه، وأمدّهم بأخيه عزّ الدّين مَسْعُود بْن مودود بْن زنكيّ، فأقبل الكلّ إلى حماه فحاصروا البلد، فسار صلاح الدّين فالتقاهم عَلَى قُرون حماه، فانكسروا أقبح كسْرة، ثمّ سار إلى جهة حلب.
ثم وقع الصلح بينه وبين ابن زنكيّ عَلَى أن يكون لَهُ إلى آخر بلد حماة [ص:241] والمَعَرَّة، وأن يكون لابن نور الدّين حلب وجميع أعمالها. وتحالفوا وردّ إلى حماه، فجاءه رُسُلُ المستضيء بالهدايا والتشريفات والتهنئة بالملك.
ثمّ سار إلى حصن بارين، فحاصره ثمّ أخذه.
وأنعم بحمص عَلَى ابن عمّه الملك ناصر الدين محمد ابن أسد الدّين شيركوه، واستناب بقلعة دمشق أخاه سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين. ورجع من حمص فسار إلى بعلبك، فأخذها من الخادم يُمْن الرَّيْحانيّ ثمّ أعطاها للأمير شمس الدين محمد ابن المقَّدم، فعصى عَلَيْهِ فِي سنة أربعٍ وسبعين فسار إليه، ثم حاصره أشهرا.
ومن كتاب فاضليّ إلى العادل نائب مصر عَنْ أخيه صلاح الدّين: " قد أعلمنا المجلس أنّ العدوّ المخذول كَانَ الحلبيّون قد استنجدوا بصُلْبانهم واستطالوا عَلَى الْإِسْلَام بعدوانهم، وأنّه خرج إلى حمص، فوردنا حماه وترتّبنا للّقاء، فَسَار العدوّ إلى حصن الأكراد متعلّقًا بحبله مفتَضَحًا بحِيَله، وهذا فتحٌ تُفْتَح لَهُ القلوب، قد كفى اللَّه فِيهِ القتال المحسوب.
ومن كتاب فاضلي إلى الدّيوان العزيز من السّلطان مضمونه تعداد ما للسلطان من الفتوحات، ومن جهاد الفرنج مَعَ نور الدّين، ثمّ فتح مصر واليمن وأطراف المغرب، وإقامة الخطْبة العبّاسيَّة بها، ويقول فِي كتابه: " ومنها قلعةٌ بثغر أَيْلَة بناها العدوّ فِي البحر، ومنه المَسْلَك إلى الحرمين، فغزوا ساحل الحَرَم، وقتلوا وسبوا، وكادت القِبْلة أن يُستولَى عَلَى أصْلها، والمشاعر أن يسكنها غيرُ أهلها، ومضجع الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتطرّق إِلَيْهِ الكُفّار. وكان باليمن ما عُلِم من الخارج ابن مهديّ الملْحد، الَّذِي سبى الشّرائف الصّالحات وباعهنَّ بالثّمن البَخْس واستباحهنّ، ودعا إلى قبر أَبِيهِ وسمّاه كعبة، وأخذ الأموال، فأنهْضنا إِلَيْهِ أخانا بعسكرنا فأخذه، والكلمة هناك بمشيئة اللَّه إلى الهند سامية. ولنا فِي المغرب أثرٌ أغرب، وفي أعماله أعمال دون مطلبها مهالك، كما المهلك دون المطْلب، وذلك أنّ بني عَبْد المؤمن قد اشتهر أنّ أمرهم قد أَمِر، وملكهم قد عُمِر، وجيوشهم لا تطاق، وأمرهم لا يُشاقّ، ونحن فتملّكنا ما يجاورنا منه بلادًا تزيد مسافتها عَلَى شهر، وسيّرنا إِلَيْهِ عسكرًا بعد عسكر، فرجع بنصر بعد نصر، ومن ذلك: برقة، قفصة، قسطيلة، تَوْزَرَ؛ كلّ هذه تُقام فيها الخطبة لأمير المؤمنين، ولا عهْدَ لإقامتها من دهر. [ص:242]
وفي هذه السّنة كَانَ عندنا وفدٌ نحو سبعين راكبا، كلهم يطلب لسلطان بلده تقليدًا، ويرجو منَّا وعدًا ويخاف وعيدًا، وسيّرنا الخِلَع والمناشير والأَلْوية. فأمّا الأعداء الّذين يقاتلوننا، فمنهم صاحب قسطنطينة؛ وهو الطّاغية الأكبر، والجالوت الأكفر، جَرَت لنا معه غَزَوات بحريَّة، ولم نخرج من مصر إلى أنْ وصَلَتْنا رسالةٌ فِي جُمعةٍ واحدةٍ نوبتين بكتابين، يُظْهر خفْضَ الْجَنَاح والانتقالَ من مُعاداةٍ إلى مهاداة، ومن مُفَاضَحَةٍ إلى مُنَاصَحَة، حتّى أندر بصاحب صَقَلّية وأساطيله، وهو من الأعداء، فكان حين علم بأنّ صاحب الشّام وصاحب قسطنطينيَّة قد اجتمعا فِي نَوْبة دِمياط فكسروا، أراد أن يظهر قوّته المستقلة، فعمّر أسطولًا استوعب فِيهِ ماله وزمانه، فله الآن خمسُ سنين يُكْثِر عُدّته وينتخب عدته، إلى أن وصل منها فِي السّنة الخالية إلى الإسكندرية أمْرُ رائع، وخَطْب هائل، ما أثقل ظهْرَ البحر مثلُ حمْله، ولا ملأ صدرهُ مثلُ خيله ورَجُله، وما هُوَ إلّا إقليم نقله، وجيش ما احتفل ملك قطّ بنظيره، لولا أنّ اللَّه خذله.
ثمّ عدَّد أشياء، إلى أن قَالَ: والمُراد الآن تقليدٌ جامعٌ بمصر واليمن والمغرب والشّام، وكلّ ما تشتمل عَلَيْهِ الولاية النّوريَّة، وكلّ ما يفتحه اللَّه للدّولة العبّاسيَّة بسيوفنا، ولمن يقيم من أخٍ وولدٍ من بعدنا تقليدًا، يضمن للنّعمة تخليدًا، وللدعوة تجديدًا، مَعَ ما تنعم عَلَيْهِ من السِّمات الّتي فيها المُلْك، والفرنج فهم يعرفون منّا خصمًا لا يملّ حتّى يملّوا، وقَرْنًا لا يزال يحرم السّيفَ حتّى يُحِلِّوا، وإذا شدّ رأينا حُسْن الرأي ضربْنا بسيفٍ يقطع فِي غمده، وبلغنا المُنَى بمشيئة اللَّه، ويد كلٍّ مؤمن تحت برده، واستعدنا أسيرًا من المسجد الأقصى الَّذِي أسرى اللَّه إليه بعبده.
وفيها ملك البهلوان بْن إلْدكز مدينة تُوريز بالأمان، واستعمل عليها أخاه قُرا رسلان، وتسلم مراغة.
قَالَ ابن الأثير فِي فتنة قطب الدّين قايماز: ولما أقام قايماز بالحلة امتنع الحاج من السَّفَر، فتأخّروا إلى أن رحل، فبادروا ورحلوا من الكوفة إلى عَرَفَات فِي ثمانية عشر يومًا، وهذا ما لم يُسْمَع بِمِثْلِهِ، ومات كثيرٌ منهم.(12/238)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(12/243)
-سنة إحدى وستين وخمسمائة(12/243)
1 - أحمد بن الحسين بن الحسن بْن الْحُسَيْن بْن زينة، أَبُو عاصم الإصبهانيّ، [المتوفى: 561 هـ]
أخو أَبِي غانم مُحَمَّد.
عدْل زاهد فاضل، من أولاد المحدّثين. سَمِعَ أَبَا مطيع، وأبا الفتح الحدّاد، وأبا الْعَبَّاس أحمد بْن الْحَسَن بن نجوكة، وأبا سعد المطرّز، وطائفة. وعنه جماعة من الإصبهانيّين.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل وله تسعٌ وستّون سنة.(12/243)
2 - أَحْمَد بْن يَحْيَى بْن عَبْد الباقي بْن عَبْد الواحد، أَبُو الفضائل الزُّهْرِيّ، البغداديّ الفقيه، ويُعرف بابن شُقْران. [المتوفى: 561 هـ]
كَانَ إمامًا واعظا صوفيا، معيدا بالنظامية. سمع أبا الحسن ابن العلاف، وأبا الغنائم ابن المهتدي بالله. روى عَنْهُ إِبْرَاهِيم الشّعّار، وأحمد بْن منصور الكازْرُونيّ. وتُوُفّي فِي المحرَّم.
وأخوه:(12/243)
3 - أحمد [بْن يَحْيَى بْن عَبْد الباقي بْن عَبْد الواحد] [المتوفى: 561 هـ]
أسنّ منه،
ولا أعلم مَتَى تُوُفّي.
سَمِعَ مِنْ: ثابت بْن بُنْدار،
رَوَى عَنْهُ: عُمَر بْن عليّ الْقُرَشِيّ.
ولهما أخٌ آخر.(12/243)
4 - إِبْرَاهِيم بْن الْحَسَن بْن طاهر، الفقيه أَبُو طاهر ابن الحصنيّ، الحمويّ الشّافعيّ. [المتوفى: 561 هـ][ص:244]
من فُقهاء دمشق. روى عَنْ أَبِي عليّ بن نبهان، ومحمد بن محمد ابن المهدي، وأبي طالب الزينبي، وأبي طالب اليوسفي، وأبي طاهر الحنائي، وابن المَوَازِينيّ. روى عَنْهُ ابن السّمعانيّ، وابن عساكر، وابنه القاسم، وأبو القاسم بن صصرى، وأبو نصر ابن الشّيرازيّ.
وتُوُفّي بدمشق في صفر، ووُلِد بحماه فِي سنة خمسٍ وثمانين.(12/243)
5 - إسماعيل بْن سلطان بن عَليّ بن مُقَلّد بن نصر بن منقذ، شَرَفُ الدّولة أَبُو الفضل، الكِنَانيّ الشيزري الأمير. [المتوفى: 561 هـ]
أديب فاضل، وشاعر كامل، كان أبوه صاحب شيزر وابن صاحبها، فلما مات أبوه وليها أخوه تاج الدولة، وأقام هو تحت كنف أخيه إلى أن خرّبتها الزَّلْزَلَة، ومات أخوه وطائفة تحت الرَّدْم، وتوجّه نور الدّين فتسلّمها، وكان إِسْمَاعِيل غائبًا عَنْهَا، فانتقل إلى دمشق وسكنها، وكانت الزّلزلة فِي سنة اثنتين وخمسين. ولمّا سقطت القلعة عَلَى أخيه وأولاده وزوجة أخيه خاتون بِنْت بوري أخت شمس المُلُوك، سلِمَت خاتون وحدها وأُخرِجت من تحت الرَّدْم، وجاء نور الدّين فطلب منها أن تُعْلِمَهُ بالمال، وهدّدها، فذكَرَتْ لَهُ أنّ الرَّدْم سقط عليها وعليهم ولا تعلم بشيء، وإنْ كَانَ شيءٌ فهو تحت الرَّدْم.
فلما حضر إِسْمَاعِيل وشاهد ما جرى عمِل:
نزلت على رغم الزمان ولو حوت ... يمناك قائم سيفها لم تنزِلِ
فتبدَّلَتْ عَنْ كِبْرها بتَوَاضُعٍ ... وتَعَوَّضَتْ عَنْ عِزّها بتذِلُّلِ
ومن شعره:
ومُهَفْهَفٍ كَتَبَ الجمالُ بخدّه ... سطْرًا يُدَلِّه ناظر المتأمِّل
بالغتُ فِي استخراجه فوجدتُهُ ... لا رأيَ إلّا رأيَ أهل الْمَوْصِلِ(12/244)
6 - إِسْمَاعِيل بْن عليّ بْن زيد بْن عَلِيّ بْن شهريار، أَبُو المحاسن الإصبهانيّ. [المتوفى: 561 هـ]
سمع رزق الله التّميميّ وغيره، وأجاز فِي هذا العام لأبي المنجى ابن اللتي. وسمع منه الحافظ عبد القادر، وأبو شجاع الديلمي، ومحمد بن محفوظ المعدَّل، وأبو النَّجْم زاهر بْن مُحَمَّد، وغيرهم.(12/244)
7 - جيّاش بْن عَبْد اللَّه الحبشيّ، عَبْد ابن عفان الواعظ. [المتوفى: 561 هـ]
روى عن أبي الحسن ابن العلاف. وعنه ابن سكينة، والحسن بن المبارك ابن الزبيدي.
لعله مات أول العام، فإن ابن الحصري سمع منه في شوال سنة ستين.(12/245)
8 - الْحَسَن بْن سهل بْن المؤمّل، أَبُو المظفَّر البغداديّ الكاتب. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ بواسط من أَبِي نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ. وحدَّث ببغداد " بمُسْنَد مُسَدّد "؛ سَمِعَ منه إِبْرَاهِيم الشّعّار، وعليّ بْن أحمد الزَّيْديّ، وعمر بْن عليّ، وأحمد بْن طارق فِي هذه السّنة. ثمّ رجع ومات بعدها بيسير، وكان مولده فِي شوّال سنة خمس وثمانين وأربعمائة.(12/245)
9 - الْحَسَن بْن الْعَبَّاس بْن عليّ بْن الْحَسَن بْن عَليّ بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن رُسْتَم، العلّامة أَبُو عَبْد اللَّه بْن أَبِي الطّيّب الرُّسْتَميّ الإصبهانيّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 561 هـ]
وُلِد فِي صَفَر سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة. وسمع أَبَا عَمْرو بْن مَنْدَهْ، ومحمود بْن جعفر الكَوْسَج، والمطهّر بْن عَبْد الواحد البُزَانيّ، وإبراهيم بْن مُحَمَّد القفّال الطّيّان، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد السِّمْسَار، والفضل بْن عَبْد الواحد بْن سهلان، وعبد الكريم بْن عَبْد الواحد الصّحّاف، وأبا عيسى عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن زياد، وسليمان بْن إِبْرَاهِيم الحافظ، وأبا منصور مُحَمَّد بْن أحمد بْن شكروَيْه، وأحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الذّكْوانيّ، وسهْل بْن عَبْد اللَّه الغازي، وأبا الخير مُحَمَّد بْن أحمد بْن رَرَا، والقاسم بْن الفضل الثّقفيّ، ورزق الله التميمي، وطرادا الزَّيْنَبيّ، وطائفة سواهم.
روى عَنْهُ ابن السَّمْعانيّ، وابن عساكر، وشَرَف بْن أَبِي هاشم البغداديّ، وأحمد بْن سَعِيد الخِرَقيّ، وأبو مُوسَى المَدِينيّ وقال فِيهِ: أستاذي الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه. ثمّ ساق نسبه كما تقدَّم.
وروى عَنْهُ جماعة كبيرة؛ منهم الحافظ عَبْد القادر الرُّهاويّ، وقال: كان [ص:246] فقيهًا زاهدًا ورِعًا بكّاءً، عاش نيِّفًا وتسعين سنة، ومات سنة ستّين. كذا قَالَ.
قَالَ: وحضرته يوم موته، وخرج النّاس إلى قبره أفواجًا، وأملى شيخنا الحافظ أَبُو مُوسَى عند قبره مجلسًا فِي مناقبه، وكان عامَّة فُقَهاء إصبهان تلاميذه، حتّى شيخنا أَبُو مُوسَى عَلَيْهِ تفقّه، وروى عَنْهُ أَبُو مُوسَى الحديث، وكان أهل إصبهان لا يثقون إلّا بفتواه، وسألني شيخنا السِّلَفيّ عَنْ شيوخ إصبهان، فذكرته لَهُ فقال: أعرفه فقيهًا متنسِّكًا.
قَالَ أبو سعد السَّمعانيّ: إمام متديِّن ورِع، يُزْجِي أكَثَر أوقاته فِي نشْرِ العِلم وَالْفُتْيَا، وهو متواضعٌ عَلَى طريقة السَّلَف، وكان مفتي الشّافعيَّة.
قَالَ عَبْد القادر: سمعت أبا موسى شيخنا يقول: أقرأ المذهب كذا وكذا سنة، وكان من الشداد في السنة، وسعمت بعض أصحابنا الإصبهانيّين يحكي عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ فِي كلّ جمعةٍ ينفرد فِي موضعٍ يبكي فِيهِ، فبكى حتّى ذهبت عيناه. وكنّا نسمع عَلَيْهِ وهو فِي رثاثةٍ من الملبس والمفرش، لا يساوي طائلًا، وكذلك الدّار الّتي كَانَ فيها، وكانت الْفِرَقُ مجتمعةً عَلَى محبّته.
قلت: وروى عنه أبو الوفا محمود بن منده؛ وبالإجازة أبو المنجى ابن اللَّتّيّ، وكريمة وأختها صفيَّة، وعاشت إلى سنة ستٍّ وأربعين وستّمائة؛ وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة عجيبة بِنْت الباقداريّ.
قَالَ أَبُو مُوسَى: توفي مساء يوم الأربعاء ثاني صفر سنة إحدى وستّين.
وقال أَبُو مَسْعُود الحاجّيّ: تُوُفّي عشيَّة يوم الأربعاء غُرَّة صفر سنة إحدى وستّين.
وقال أَبُو سعد السَّمعانيّ: إمام فاضل، مفتي الشّافعيَّة، وهو عَلَى طريقة السَّلَف، لَهُ زاوية بجامع إصبهان أكثر أوقاته يلازمها، ورد بغداد حاجًّا بعد العشرين وحدث بها.
وقال ابن الْجَوْزيّ فِي " المنتظم ": قَالَ الشَّيْخ عَبْد الله الجبائي: ما رأيت أحدا أكثر بكاءً منه. قَالَ الْجُبّائيّ: وسمعت مُحَمَّد بن سالار أحد أصحابه [ص:247] يقول: سمعت شيخي أبا عبد الله الرستمي يقول: وقفت على ابن ماشاذه وهو يتكلّم عَلَى النّاس، فلمّا كَانَ في اللّيل رَأَيْت ربّ الْعِزَّةِ فِي المنام وهو يَقُولُ لي: يا حَسُن، وقفتَ عَلَى مبتدعٍ ونظرتَ إِلَيْهِ وسمعت كلامه، لأحرمّنك النَّظَر فِي الدّنيا، فاستيقظتُ كما ترى. قَالَ الْجُبّائيّ: وكانت عيناه مفتوحتين وهو لا ينظر بهما.(12/245)
10 - الْحَسَن بن علي ابن الرّشيد أَبِي إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الزُّبَيْر، القاضي مهذّب الدّين، أَبُو مُحَمَّد الغسّانيّ الأُسْوانيّ، [المتوفى: 561 هـ]
أخو القاضي الرشيد أَبِي الْحُسَيْن أحمد، وسيأتي فِي سنة ثلاث.
ولأبي مُحَمَّد " ديوان " شِعْر، وهو أشعر من أخيه.
تُوُفّي بالقاهرة فِي رجب، وأوّل شِعرٍ قاله في سنة ست وعشرين وخمسمائة.
وله فِي العاضد خليفة مصر:
وإنّ أميرَ المؤمنين وذِكرَهُ ... قريبان للآي الْمُنَزَّلِ فِي الذِّكْرِ
لِقَوْلِ رَسُول اللَّهِ: تَلْقَوْنَ عِتْرَتي ... معًا وكتابَ اللَّه فِي مَوْرد الحشرِ
إذا ما إمامُ العصْر لاح لِنَاظِرٍ ... فوا العصر إنّ الجاحدين لَفِي خُسْرِ
ويكفي الْوَرَى منه يتيمة تاجِهِ ... وما قد حَوَتْه من بهاءٍ ومن فَخْرِ
ولم تر عيني قبلها قَطُّ كوكبًا ... يلوح مَعَ الشَّمْس المنيرة فِي الظُّهْرِ
وما هُوَ إلّا البحر لَيْسَ بمُنْكر ... إذا ما تحلى بالجواهر والدر
عَلَى أَنَّهُ لا يقتنيها لحاجة ... وشمسُ الضُّحى تُغْني عَنِ الأنْجُمِ الزُّهْرِ
وقد قابَلَتْها للمِظَلَّة هالةٌ ... بِهِ أبدًا تَسْمُو عَلَى هالة الْبَدْرِ
وما هِيَ إلّا بعضُ سُحُبِ يميِنهِ ... وما زال منشأ السُّحُبَ من لُجَّة البحرِ
ومن شعره:
لا تغررني بمرأى أو بمستمع ... فما أصدِّقُ لا سَمْعي ولا بَصَري
وكيف آمَنُ غيري عند نائبةٍ ... يومًا إذا كنتُ من نفسي على غرر
وهو القائل: [ص:248]
وما لي إلى ماءٍ سوى النيل غُلَّةٌ ... ولو أنّه - أستغفر اللَّه - زَمْزَمُ(12/247)
11 - الْحُسَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن محبوب، أَبُو عَبْد اللَّه البغداديّ. [المتوفى: 561 هـ]
تُوُفّي فِي شعبان عَنْ ستٍّ وسبعين سنة.
أصله من غزَّة، من كبار الشّافعيَّة. سمع من أبي الحسين ابن الطيوري، وأبي الحسن ابن العلّاف، وأبي غالب الباقِلّانيّ. وعنه ابن الأخضر، وداود بْن معمّر، وابن الحُصْريّ، وآخرون.(12/248)
12 - الْحُسَيْن بن علي بن محمد بن علي، أبو علي ابن قاضي القضاة أبي الحسن ابن قاضي القُضاة أَبِي عَبْد اللَّه الدّامغانيّ. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أُبيًّا النَّرْسيّ، روى عَنْهُ عُمَر بْن علي القرشي، وتوفي في رجب.(12/248)
13 - زيد بْن عليّ بْن زيد بْن عَلي، أَبُو الْحُسَيْن السُّلَميّ الدّمشقيّ الدّواجيّ الفقيه. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أباه، وأبا محمد ابن الأكفانيّ، وجماعة. وتفقّه عَلَى جمال الْإِسْلَام، ورحل إلى بغداد فلقي أَبَا الفضل الأرمويّ وطبقته، ومات كهلا في المحرم.(12/248)
14 - سعيدة بِنْت أَبِي غالب أحمد بْن الْحَسَن ابن البناء. [المتوفى: 561 هـ]
امْرَأَة صالحة، سَمِعْتُ عَبْد الواحد بْن فهد العلّاف. وعنها السّمعانيّ، وابن الحُصْرِيّ.
ماتت فِي صفر.(12/248)
15 - شعيب بْن أَبِي الْحَسَن علي بْن عَبْد الواحد، الدِّينَوَريّ ثمّ البغداديّ، أَبُو الفُتُوح الخيّاط. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ من أَبِيهِ، روى عَنْهُ عُمَر الْقُرَشِيّ.
توفي في ربيع الأول.(12/248)
16 - عَبْد اللَّه بْن جَابِر بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ، أبو إسماعيل ابن أَبِي عطيَّة ابن شيخ الْإِسْلَام الْأَنْصَارِيّ الهَرَويّ. [المتوفى: 561 هـ]
انتهت إِلَيْهِ رئاسة الصُّوفيَّة بهَرَاة وتقدّمهم، وكان ذا قُعْدُدٍ في النَّسَب.
قَالَ أَبُو سعد السّمعانيّ: كَانَ فِيهِ سلامة، وحجّ بعد الأربعين وخمسمائة، فسافر لا عَلَى سَمْت الصُّوفيَّة وأهل العِلم. كتبتُ عَنْهُ، وكان يعقد المجالس فِي الأشهر الثّلاثة. سَمِعَ أَبَا الفتح نصر بْن أحمد بْن مُحَمَّد الحنفيّ وطبقته، وكان يحضر مجلسَه عالَمٌ لا يحصون اعتقادا إلى جده وتبركا بمكانه. ولد سنة خمس وخمسمائة، وتُوُفّي فِي جُمادَى الآخرة بهَرَاة.(12/249)
17 - عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن بْن رَوَاحَة بْن إبراهيم بن رَوَاحة، أَبُو مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ الحمويّ. [المتوفى: 561 هـ]
وُلِد بحماه سنة ست وثمانين وأربعمائة، وكان شاعرًا مُجوِّدًا.
قَالَ ابن عساكر: لَهُ يدٌ فِي القراءات وتهجُّدٌ في الخَلْوات، دخل بغداد، ومدح المقتفي لأمر اللَّه مِرارًا، وخلع عَلَيْهِ ثياب الخطابة، وقلّده إيّاها بحماه. وقد أُسِر وَلَدُهُ فِي البحر فمات قبل أن يراه، وولد لابنه الحسين بالبحر ولده أبو القاسم عبد الله، ثم خلصه الله، وأتى بابنه إلى الإسكندريَّة وسمعا الكثير من السَّلَفّي، وتُوُفّي هذا الخطيب فِي المحرَّم بحماه.
وآخر ما قَالَ:
إلهي لَيْسَ لي مَوْلًى سِواكا ... فَهَبْ من فضل فَضْلك لي رضاكا
وإن لا ترض عني فاعف عني ... لعلي أن أجوز بِهِ حِماكا
فَقد يَهَبُ الكريمُ وليس يرضى ... وأنتِ مُحَكّمٌ في ذا وذاكا(12/249)
18 - عَبْد اللَّه بْن رِفاعة بْن غدير بْن عَلي بْن أَبِي عُمَر بْن الذّيّال بْن ثابت بن نُعَيْم، أَبُو مُحَمَّد السَّعْديّ الْمَصْرِيّ، الفقيه الشّافعيّ الفَرَضِيّ. [المتوفى: 561 هـ]
كَانَ فقيهًا ديّنًا، بارِعًا فِي الفرائض والحساب، وُلّي القضاء بمصر بالجيزة مدَّةً، ثمّ استعفي فُأعفيَ، واشتغل بالعبادة. وكان مولده فِي ذي القعدة سنة سبع وستين وأربعمائة، ولزِم القاضي الخِلَعيّ، وسمع منه الكثير وقدّمه، [ص:250] وتفقه عليه، وسمع منه " السيرة " و" السنن " لأبي داود، والأجزاء العشرين، وغير ذَلِكَ. وهو آخر من حدَّث عَنْهُ.
روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن المسعوديّ، وأبو الجود المقرئ، ومحمد بْن يحيى بن أبي الرداد، ويحيى بْن عَقِيل بْن شريف بن رفاعة، والقاضي عبد الله بن محمد بن مجلي، والحسن بن عقيل بن شريف، وعبد القوي ابن الجباب، وصنيعة الملك بن هبة اللَّه بْن حَيْدَرة، ومحمد بْن عماد، وابن صبّاح، وآخرون.
وتُوُفّي فِي ذي القعدة.
أخبرنا يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَا: أخبرنا محمد بن عماد قال: أخبرنا ابن رفاعة قال: أخبرنا أبو الحسن الخلعي قال: أخبرنا أبو سعد الماليني قال: أخبرنا عبد الله بن عدي قال: حدثنا الحسن بن الفرج الغزي قال: حدثني يحيى بن بكير قال: حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانتفى من ولدها، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ.(12/249)
19 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَلي، أَبُو مُحَمَّد الأَشِيريّ المغربيّ، الفقيه الحافظ. [المتوفى: 561 هـ]
رحل فِي كِبَرِه إلى العراق وإلى الشّام، وحدَّث عَنْ أَبِي الْحَسَن عَلي بْن عَبْد اللَّه بْن مَوْهَب الْجُذَاميّ، والقاضي عِياض. سَمِعَ منه عُمَر بْن عَلي الْقُرَشِيّ، ومحمد بْن المبارك بْن مشّق، وأحمد بن أحمد، وأبو الفتوح نصر ابن الحصري، وأبو محمد ابن الأستاذ الحلبيّ، وآخرون.
وكان عالِمًا بالحديث والإِسناد واللّغة والنَّسَب والنَّحْو، مجموع الفضائل. حضر أَجَلُه باللبوة بين حمص وبعلبك، فحمل ودُفِن بظاهر بَعْلَبَكّ. وزار قبره السّلطان نور الدّين، وَبَرَّ عياله، وأجرى عليهم رِزْقًا.
وقال جمال الدّين عَلي القِفْطيّ فِي " أخبار النُّحَاة ": إنّ الأَشِيريّ كَانَ [ص:251] يخدم فِي بعض الأمور بدولة عَبْد المؤمن، ولمّا حصل مَعَ القوم بالأندلس جرى لَهُ أمر خشي عاقبته، فانهزم بأهله وكُتُبه، وقصد الشّام، فخرج من البحر إلى اللّاذقيَّة وبها الفرنج، فسلّمه الله حتّى قدِم حلبَ، فنزل عَلَى العلاء الغَزْنَويّ مدرس الحلاوية، وأقام عنده مدَّة، وروى لهم عن أَبِي بَكْر ابن العربيّ والقاضي عِياض، وأقام إلى سنة تسعٍ وخمسين. واتّفق أنّ الوزير يحيى بْن هُبَيْرة صنَّف كتاب " الإفصاح " وجمع لَهُ علماء المذاهب، فطلب فقيهًا مالكيًّا، فذكروا لَهُ الأَشِيريّ، فطلبه من نور الدّين فسيّره إليه، فأكرمه، ثمّ حجَّ مِن بغداد بعياله سنة ستّين، فضاق بهم الحال، فأقام بالمدينة، ثمّ جاء بمفرده فِي وسط السّنة إلى الشّام، فاجتمع بنور الدّين بظاهر حمص، فوعده بخير، فاتّفق أَنَّهُ مرض ومات فِي رمضان باللَّبْوَة. وله كتاب " تهذيب الاشتقاق " الَّذِي للمبرّد. ثمّ إنّ نور الدّين أحضر عائلته مَعَ متولّي السّبيل، وقرّر لهم كفايتهم بحلب، وصار ابنه جُنْديًّا.
وقال الأبّار: عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الصنهاجي الأشيري، سمع أبا جعفر ابن غزلون وغيره. وكان شاعرًا، كتب لصاحب المغرب، فلمّا تُوُفّي مخدومه استؤسر ونُهِبت كُتُبُه، فتوجّه إلى الشام. وذكره ابن عساكر، وقال: سَمِعَ منّي وسمعت منه، وتُوُفّي فِي شوّال. وقال ابن نُقْطَة: سَمِعَ من شُرَيْح بْن مُحَمَّد وابن العربيّ، وكان ثقة صالحًا حافظًا، تُوُفّي فِي رمضان.
قلت: أَشِير قلعة بالمغرب لبني حمّاد.
قَالَ ابن النجار: حدثنا عنه ابن الحصري، وقال لي: كَانَ إمامًا فِي الحديث، ذا معرفةٍ بفِقْهه ومعانيه ورجاله ولغته. ثم حكى انزعاج ابن هبيرة وقوله له: ما قلت ليس بصحيح، فانقطعِ الأَشِيريّ، وطلبه الوزير ولاطَفَه، وما تركه حتّى قَالَ لَهُ مثل قوله لَهُ، ووَصَله بمال.(12/250)
20 - عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن بن طاهر بن محمد، أبو طالب ابن العجمي، الحلبي. [المتوفى: 561 هـ][ص:252]
من بيت حِشْمة وتقدُّم وفضيلة. رحل إلى بغداد فتفقَّه عَلَى أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد الشّاشيّ، وأسعد المِيهَنيّ، وسمع من أَبِي القاسم بْن بَيَان. وعاد إلى بلده، وتقدَّم بها. وقدم دمشق رسولا من صاحب حلب، وتولّى عمارة المسجد الَّذِي ببَعْلَبَكّ فِي أيّام أتابَك زنكيّ بْن أقسنقر. ثمّ حجّ وجاور، وتولّى عمارة المسجد الحرام من قِبل صاحب المَوْصِل، وبنى بحلب مدرسةً مليحةً ووقف عليها، وكان فِيهِ عصبيَّة وهمَّة ومحبَّة للعلماء.
وُلِد سنة ثمانين وأربعمائة؛ روى عنه أبو سعد ابن السَّمعانيّ، وعمر بْن عَلي الْقُرَشِيّ، وأبو مُحَمَّد بْن علْوان الأستاذ، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وآخرون. وتوفي فِي نصف شعبان.(12/251)
21 - عَبْد الصمد بْن الْحُسَيْن بْن أحمد بْن عَبْد الصّمد بْن مُحَمَّد بْن تميم، أَبُو المعالي التّميميّ الدّمشقيّ الخطيب الشّاهد. [المتوفى: 561 هـ]
قرأ بروايات، وسمع كثيرًا من أَبِي القاسم النّسيب، وأبي طاهر الحِنّائيّ. وكان صَدُوقًا أمينًا، حدَّث بشيءٍ يسير، وتُوُفّي فِي رمضان وله ثمانٍ وستّون سنة.(12/252)
22 - عَبْد العزيز بْن الحسين، القاضي الجليس، أبو المعالي ابن الجبّاب، التّميميّ السَّعْديّ الأغلبيّ الْمَصْرِيّ. [المتوفى: 561 هـ]
كَانَ جليسًا لخليفة مصر، من أجِلّاء الأدباء وكبار الإلِبّاء.
تُوُفّي عَنْ نيِّفٍ وسبعين سنة، وهو والد عَبْد القويّ راوي " السّيرة ".
ومن شِعره:
ومن عجب أنّ السُّيُوف لديهمُ ... تَحِيض دَماءً وَالسُّيُوفُ ذُكُورُ
وأعجبُ من ذا أنّها في أَكُفّهْم ... تأجَّجُ نارًا، والأَكُفُّ بُحورُ(12/252)
23 - عَبْد القادر بْن أبي صالح عبد الله بن جنكي دُوَسْت، وزاد بعض النّاس فِي نَسَبه إلى أن وصله بالحسن بْن عَلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فقال: ابن أَبِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن يحيى الزّاهد بْن مُحَمَّد بْن دَاوُد بْن مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن عَبْد اللَّه المحض بْن الحسن المثنّى بْن الْحَسَن بْن عَلي بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجِيليّ الحنبليّ الزّاهد، [المتوفى: 561 هـ][ص:253]
صاحب الكرامات والمقامات، وشيخ الحنابلة، رحمة اللَّه عَلَيْهِ.
وُلِد بجيلان فِي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، وقدِم بغدادَ شابًّا فتفقّه عَلَى القاضي أَبِي سعد المُخَرّميّ. وسمع الحديث من أَبِي بَكْر أحمد بْن المظفَّر بْن سَوْسَن التّمّار، وأبي غالب الباقِلّانيّ، وأبي القاسم بْن بَيَان الرّزّاز، وأبي مُحَمَّد جَعْفَر السّرّاج، وأبي سعد بْن خُشَيْش، وأبي طَالِب بْن يوسف، وجماعة.
روى عنه أبو سعد السمعاني، وعمر بن علي الْقُرَشِيّ، وولداه عَبْد الرّزّاق وموسى ابنا عَبْد القادر، والحافظ عَبْد الغنيّ، والشيخ الموفّق، ويحيى بْن سعد اللَّه التِّكْريتيّ، والشّيخ عَلي بْن إدريس البعقوبي، وأحمد بْن مطيع الباجِسْرائيّ، وأبو هُرَيْرَةَ مُحَمَّد بن ليث ابن الوَسَطانيّ، وأكمل بْن مَسْعُود الهَاشميّ، وطائفة آخرهم وفاةً أَبُو طَالِب عَبْد اللطيف بْن مُحَمَّد ابن القبيطي. وآخر من روى عنه بالإجازة الرشيد أحمد بْن مَسْلَمَة.
وكان إمام زمانه، وقُطْب عصره، وشيخ شيوخ الوقت بلا مدافَعَة.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِبَعْلَبَكَّ قال: أخبرنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُدَامَةَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وستمائة قال: أَخْبَرَنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُحْيِي الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن المظفر التمار قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أخبرنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ نَجِيحٍ قال: أخبرنا يعقوب بن يوسف القزويني قال: حدثنا محمد بن سعيد قال: حدثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْتَخْلَفُوا خَلِيفَةً عَلَيْهِمْ بَعْدَ مُوسَى، فَقَامَ يُصَلِّي فِي الْقَمَرِ فَوْقَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَذَكَرَ أُمُورًا كَانَ صَنَعَهَا، فَخَرَجَ فَتَدَلَّى بِسَبَبٍ، فَأَصْبَحَ السَّبَبُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ ذَهَبَ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قَوْمًا عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ، فَوَجَدَهُمْ يصنعون لبنا، فسألهم: كيف تأخذون هَذَا اللَّبِنَ؟ قَالَ: فَأَخْبَرُوهُ فَلَبَّنَ مَعَهُمْ، وَكَانَ يأكل من عمل يده، فَإِذَا كَانَ حِينُ الصَّلَاةِ تَطَهَّرَ فَصَلَّى، فَرَفَعَ ذَلِكَ الْعُمَّالُ إِلَى قَهْرَمَانِهِمْ: إِنَّ [ص:254] فِينَا رَجُلًا يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ؛ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَهُ بِنَفْسِهِ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ، فَلَمَّا رَآهُ فر واتبعه فسبقه، فقال: انْظُرْنِي أُكَلِّمْكَ. قَالَ: فَقَامَ حَتَّى كَلَّمَهُ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَأَنَّهُ كَانَ مَلِكًا، وأنه فر من رهبة الله ربه عز وجل، قال: إني لا أظن أني لاحق بك. قال: فلحقه، فعبد اللَّهَ حَتَّى مَاتَا بِرَمْلَةِ مِصْرَ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لاهْتَدَيْتُ إِلَى قَبْرَيْهِمَا مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي وَصَفَ.
قَالَ ابن السَّمعانيّ: أَبُو محمد عبد القادر من أهل جِيلان، إمام الحنابلة وشيخهم فِي عصره، فقيه صالح دين خير، كثير الذِّكْر دائم الفِكر، سريع الدّمعة. تفقَّه على المخرمي، وصحب الشيخ حمادا الدّبّاس.
قَالَ: وكان يسكن باب الأَزَج فِي المدرسة الّتي بنوا لَهُ، مضيت يومًا لأودّع رفيقًا لي، فلمّا انصرفنا قَالَ لي بعض من كَانَ معي: ترغب فِي زيارة عَبْد القادر والتَّبرُّك بِهِ؟ فمضينا ودخلت مدرسته، وكانت بكرة، فخرج وقعد بين أصحابه، وختموا القرآن، فلمّا فرغنا أردتُ أن أقوم، فأجلسني وقال: حتّى نفرغ من الدَّرْس. فألقى درسًا عَلَى أصحابه ما فهمت منه شيئًا، وأعجب من هذا أنّ أصحابه قاموا وأعادوا ما درّس لهم، فلعلّهم فهموا لإلْفهم بكلامه وعبارته.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: كان أَبُو سعد المُخَرَّميّ قد بنى مدرسةً لطيفةً بباب الأَزَج، ففوِّضت إلى عَبْد القادر، فتكلّم عَلَى النّاس بلسان الوعظ، وظهر لَهُ صِيتٌ بالزُّهْد، وكان لَهُ سَمْتٌ وصَمْت، وضاقت المدرسة بالنّاس. وكان يجلس عند سور بغداد مستِندًا إلى الرباط، ويتوب عنده فِي المجلس خلقٌ كثير، فعُمِّرَت المدرسةُ ووُسِّعَت. وتعصّب فِي ذَلِكَ العوام، وأقام فيها يُدرّس ويعظ إلى أن تُوُفّي. [ص:255]
قلت: لم تَسَعْ مَرَارةُ ابن الجوزيّ بأن يترجمه بأكثر من هذا لما فِي قلبه لَهُ من البُغْض، نعوذ بالله من الهوى.
أنبانا أَبُو بَكْر بْن طَرْخان أن الشَّيْخ الموفق أخبرهم قال - وقد سُئل عَنِ الشَّيْخ عَبْد القادر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أدركناه فِي آخر عُمره، فأسكننا فِي مدرسته، وكان يُعنَى بنا، ورُبّما أرسل إلينا ابنه يحيى فيُسْرِج لنا السِّراج، وربّما يرسل إلينا طعامًا من منزله، وكان يُصلّي الفريضة بنا إمامًا، وكنت أقرأ عَلَيْهِ من حِفْظي من كتاب الخِرَقيّ غُدْوةً، ويقرأ عَلَيْهِ الحافظ عبد الغني من كتاب " الهداية "، في الكتاب وما كَانَ أحد يقرأ عَلَيْهِ ذَلِكَ الوقت سوانا، فأقمنا عنده شهرًا وتسعة أيّام ثمّ مات، وصلَّينا عَلَيْهِ ليلًا فِي مدرسته. ولم أسمع عَنْ أحدٍ يُحكى عَنْهُ من الكرامات أكثر مما يُحْكى عَنْهُ، ولا رَأَيْت أحدًا يعظّمه النّاسُ من أجل الدّين أكثر منه، وسمعنا عليه أجزاء يسيرة.
قرأت بخط السيف ابن المجد الحافظ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن محمود المَرَاتِبيّ يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّيْخ أَبَا بَكْر العماد رحمه اللَّه قَالَ: كنت قد قرأت فِي أُصول الدّين، فأوقع عندي شكًّا، فقلت: حتّى أمضي إلى مجلس الشَّيْخ عَبْد القادر، فقد ذكر أَنَّهُ يتكلّم عَلَى الخواطر. فمضيت إلى مجلسه وهو يتكلَّم، فقال: اعتقادنا اعتقاد السَّلَف الصّالح والصّحابة. فقلت فِي نفسي: هذا قاله اتّفاقًا. فتكلّم ثمّ التفت إلى النّاحية الّتي أَنَا فيها فأعاد القول، فقلت: الواعظ يلتفت مرة هكذا، ومرة هكذا. فالتفت إلي ثالثة وقال: يا أبا بكر - فأعاد القول - قُمْ فقد جاء أَبوك، وكان غائبًا. فقمت مبادرا إلى بيتنا، وإذا أبي قد جاء.
قلت: ونظير هذه الحكاية ما حَدَّثَنَا الفقيه أَبُو القاسم بْن مُحَمَّد بْن خَالِد قال: حدثني شيخنا جمال الدين يحيى ابن الصيرفي قال: سَمِعْتُ أَبَا البقاء النَّحْويّ قَالَ: حضرت مجلس الشيخ عبد القادر، فقرؤوا بين يديه بالألحان، فقلت في نفسي: تُرَى لأي شيء ما يُنْكر الشَّيْخ هذا؟ فقال الشَّيْخ: يجيءُ واحدٌ قد قرأ أبوابًا من الفِقْه يُنكر. فقلت فِي نفسي: لعلّ أَنَّهُ قصد غيري. فقال: إيّاك نعني بالقَول. فتبت فِي نفسي من اعتراضي عَلَى الشَّيْخ. فقال: قد قبل اللَّه توبتك. [ص:256]
وسمعت شيخنا ابن تَيْميَة يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّيْخ عز الدين أحمد الفاروثي يقول: سَمِعْتُ شيخنا شهاب الدّين السُّهْرَوَرْدِيّ يَقُولُ: عَزَمْتُ عَلَى الاشتغال بالكلام وأُصول الدّين، فقلت في نفسي: أستشير الشَّيْخ عَبْد القادر. فأتيتُه فقال قبل أن أنطِق: يا عُمَر ما هُوَ من عُدَّة القبر، يا عُمَر ما هُوَ من عُدَّة القبر. قَالَ: فتركته.
وقال أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن محمود المَرَاتِبيّ: قلت للشيخ الموفق: هل رأيتم من الشيخ عبد القادر كرامة لما أقمتم عنده؟ فقال: لا أظن، لكن كان يجلس يوم الجمعة فكنا نتركه ونمضي لسماع الحديث عند ابن شافع، فكلّ ما سمعناه لم ننتفع بِهِ.
قَالَ السّيف: يعني لنزول ذَلِكَ، وذلك أنّهم سمعوا منه " المُسْنَد " و" البخاري ".
وقال شيخنا أبو الحسين اليُونينيّ: سَمِعْتُ الشَّيْخ عزَّ الدّين بْن عَبْد السّلام يَقُولُ: ما نُقِلت إلينا كرامات أحدٍ بالتّواتر إلّا الشَّيْخ عَبْد القادر؛ فقيل لَهُ: هذا مَعَ اعتقاده، فكيف هذا؟! قَالَ: لازمُ المذهب لَيْسَ بمذْهب.
وقال ابن النّجّار فِي ترجمة الشَّيْخ عَبْد القادر: دخل بغداد سنة ثمانٍ وثمانين وله ثمان عشرة سنة، فقرأ الفقه عَلَى أَبِي الوفاء بْن عَقِيل، وأبي الْخَطَّاب، وأبي سعد المبارك المُخَرِّميّ، وأبي الْحُسَيْن ابن الفرّاء - حتّى أحكم الأُصُولَ والفُروع والخِلاف. وسمع الحديث. فذكر شيوخه.
قَالَ: وقرأ الأدب عَلَى أَبِي زكريّا التِّبْريزيّ، واشتغل بالوعْظ إلى أن برز فِيهِ، ثمّ لازَم الخُلْوة والرّياضة والسّياحة والمجاهَدَة والسَّهر والمُقام فِي الخراب والصّحراء. وصحِب الشيخ حمادا الدّبّاس، وأخذ عَنْهُ علم الطّريق. ثمّ إنّ الله أظهره للخلْق، وأوقع لَهُ الْقَبُولَ العظيم، فعقد مجلس الوعظ في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وأظهر اللَّه الحكمةَ عَلَى لسانه، ثمّ جلس فِي مدرسة شيخه أَبِي سعد للتّدريس والفتوى فِي سنة ثمانٍ وعشرين، وصار يُقصد بالزّيارة والنُّذُور. وصنِّف في الأصول والفُروع، وله كلامٌ عَلَى لسان أهل [ص:257] الطّريقة عالٍ، روى لنا عَنْهُ ولدُه عَبْد الرزاق، وأحمد ابن البَنْدَنيجيّ، وابن القُبَّيْطيّ، وغيرهم.
كتب إليَّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَسَن الْجُبّائيّ بخطّه قَالَ: قَالَ لي الشَّيْخ عَبْد القادر: طالَبَتْني نفسي يومًا بشهوةٍ، فكنت أُضاجِرُها، وأدخل فِي دربٍ وأخرج إلى دربٍ أطلب الصّحراء، فبينما أَنَا أمشي إذ رَأَيْت رُقْعةً مُلْقاةً، فإذا فيها: ما للأقوياء والشَّهَوات، إنّما خُلِقت الشَّهَوات للضُّعَفاء ليتقَوَّوا بها عَلَى طاعتي، فلما قرأتها خرجَتْ تلك الشَّهوة من قلبي، قَالَ: وقال لي: كنت أقتات بخرنوب الشَّوك، وورق الخسّ من جانب النّهر.
قرأت بخطّ أَبِي بَكْر عَبْد اللَّه بْن نصر بْن حمزة التَّيْميّ: سَمِعْتُ عَبْد القادر الْجِيليّ قَالَ: بلغت بي الضّائقة في غلاء نزل ببغداد، إلى أنْ بقيت أيّامًا لا آكل فيها طعاما بل أتبع المنبوذات، فخرجت يومًا إلى الشَّطّ لعلّي أجد ورق الخسّ والبقل، فما ذهبتُ إلى موضع إلّا وجدت غيري قد سبقني إِلَيْهِ، فرجعت أمشي فِي البلد، فلا أدرك موضعًا قد كَانَ فِيهِ شيءٌ منبوذٌ إلّا وقد سُبِقْتُ إِلَيْهِ، فأجْهَدَني الضَّعْفُ، وعجزت عَنِ التّماسُك، فدخلت مسجدًا، وقعدت، وكدتُ أصافح الموتَ، إذ دخل شابٌّ أعجميّ ومعه خُبزٌ وشِواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلّما رفع يده بالُّلْقمة أن أفتح فمي من شدَّة الجوع، حتّى أنكرت ذَلِكَ عَلَى نفسي، إذ التفَتَ فرآني، فقال: بسم الله؛ فأبيت، فأقسم علي، فبادرت نفسي إلى إجابته، فأبيت مخالفا لها ولهواها، فأقسم علي، فأجبته، فأكلت مقصِّرًا، وأخذ يسألني: ما شُغلُكَ، ومن أَيْنَ أنت؟ فقلت: أمّا شغْلي فمتفقّه، وأمّا من أَيْنَ، فمن جِيلان، فقال: وأنا والله من جِيلان، فهل تعرف لي شابًّا جيلانيًّا اسمه عَبْد القادر، يُعرف بسِبْط أَبِي عَبْد اللَّه الصومعي الزاهد؟ فقلت: أَنَا هُوَ، فاضطّرب لذلك، وتغيَّر وجهه، وقال: واللهِ يا أخي، لقد وصلت إلى بغداد، ومعي بقيَّة نفقةٍ لي فسألت عنك، فلم يُرشْدني أحدٌ، إلى أنْ نفدتْ نَفَقَتي، وبقيت بعدها ثلاثة أيّام لا أجد ثمن قُوتي إلّا من مالك معي، فلمّا كَانَ هذا اليوم الرابع قلت: قد تجاوزتْني ثلاثة أيّام لم آكل فيها [ص:258] طعامًا، وقد أُحِلَّت لي المَيْتَةُ، فأخذت من وديعتك ثمن هذا الخُبز والشِّواء، فكُلْ طيّبًا، فإنّما هُوَ لك، وأنا ضيفك الآن، فقلت: وما ذاك؟ قَالَ: أمّك وجّهت معي ثمانية دنانير، والله ما خُنْتُكَ فيها إلى اليوم، فسكّنته وطيّبت نفسه، ودفعت إِلَيْهِ شيئًا منها.
كتب إليَّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَسَن الْجُبّائيّ، قَالَ: قَالَ لي الشَّيْخ عَبْد القادر: كنت فِي الصّحراء أكرّر الفقه وأنا فِي مشقَّةٍ من الفقر، فقال لي قائل لم أر شخصه: اقترضْ ما تستعين بِهِ عَلَى طلب الفِقْه، فقلت: كيف أقترض وأنا فقير، ولا وفاء لي؟ قَالَ: اقترض وعلينا الوفاء، قَالَ: فجئت إلى بقّالٍ فقلت لَهُ: تعاملني بشرْط إذا سهّل اللَّه لي شيئًا أعطيك، وإنْ متّ تجعلني فِي حِلّ، تعطيني كلَّ يومٍ رغيفًا ورشادًا، قَالَ: فبكى وقال: يا سيّدي أَنَا بحُكْمك، فأخذت منه مدَّةً، فضاق صدري، فأظنّ أَنَّهُ قَالَ: فقيل لي: امضِ إلى موضع كذا، فأيّ شيء رَأَيْت عَلَى الدّكَّة فخُذْه وادفعه إلى البَقَليّ، فلمّا جئت رَأَيْت عَلَى دكَّةٍ هناك قطعة ذهبٍ كبيرة، فأخذتُها وأعطيتها للبقليّ.
قَالَ: ولحِقَني الجنون مرَّةً، وحُمِلت إلى المارِستان، وطرقتني الأحوال حتّى متّ، وجاؤوا بالكفن، وجعلوني على المغتسل، ثمّ سُرِّيَ عنّي وقمت، ثمّ وقع فِي نفسي أن أخرج من بغداد لكثْرة الفِتَن الّتي بها، فخرجت إلى باب الحلبة، فقال لي قائل: إلى أَيْنَ تمشي؟ ودفعني دفعةً حتّى خَرَرْتُ منها، وقال: ارجع، فإنّ للنّاس فيك مَنْفَعة، قلت: أريد سلامة دِيني، قَالَ: لك ذاك، ولم أر شخصه، ثمّ بعد ذَلِكَ طرقتني الأحوال، فكنت أتمنى من يكشفها لي، فاجتزت بالظَّفَرّية، ففتح رَجُلٌ داره، وقال لي: يا عَبْد القادر، إيش طلبت البارحة؟ فنسيت وسكتّ، فاغتاظ منّي، ودفع الباب فِي وجهي دفعةً عظيمة، فلما مَشيتُ ذكرت الَّذِي سَأَلت اللَّهَ، فرجعت أطلب الباب، فلم أعرفه، وكان حمّادًا الدباس، ثم عرفته بعد [ص:259] ذلك، وكشف لي جميع ما كان يُشكِلُ علي، وكنت إذا غبْتُ عَنْهُ لطلب العِلم ورجعت إِلَيْهِ يَقُولُ: أيْش جاء بَك إلينا؟ أنت فقيه، مُرّ إلى الفُقهاء، وأنا أسكت، فلمّا كَانَ يوم جمعة، خرجت مَعَ الجماعة معه إلى الصّلاة فِي شدَّة البرد، فلما وصلنا إلى قنطرة النهر، فدفعني ألقاني فِي الماء، فقلت: غُسْل الجمعة، بسم الله، وكان على جُبَّة صوف، وفي كمّي أجزاء، فرفعت كُمّي لئلّا تهلك الأجزاء، وخلّوني ومشوا، فعصرت الْجُبَّة، وتبِعْتُهم، وتأذّيت من البرد كثيرًا، وكان الشَّيْخ يؤذيني ويضربني، وإذا غبت وجئت يَقُولُ: قد جاءنا اليوم الخُبْز الكثير والفالوذَج، وأكلنا وما خبّأنا لك وحشةً عليك، فطمع فِيَّ أصحابه وقالوا: أنت فقيه، أيْش تعمل معنا؟ فلما رآهم الشيخ يؤذونني غار لي، وقال لهم: يا كلاب، لِمَ تؤذونه؟ واللهِ ما فيكم مثله، وإنّما أؤذيه لأمتحنه، فأراه جبلًا لا يتحرَّك، ثمّ بعد مدَّةٍ قدِم رَجُلٌ من هَمَذَان يقال له يوسف الهمذاني، وكان يقال إنه القُطْب، ونزل فِي رِباط؛ فلمّا سَمِعْتُ بِهِ مشيت إلى الرّباط، فلم أره، فسألت عَنْهُ، فقيل: هُوَ فِي السّرْداب، فنزلت إِلَيْهِ، فلمّا رآني قام وأجلسني ففرشني، وذكر لي جميع أحوالي، وحلّ لي المُشْكِل علي، ثم قال لي: تكلم عَلَى النّاس، فقلت: يا سيّدي أَنَا رَجُل أعجميّ قحّ أخرس، أيْش أتكلّم عَلَى فُصَحاء بغداد؟ فقال لي: أنت حفظتَ الفِقْه وأُصوله، والخلاف والنَّحْو واللّغة وتفسير القرآن، لا يصلح لك أنْ تتكلّم؟ اصعد عَلَى الكُرْسيّ، وتكلَّم عَلَى النّاس، فإنّي أرى فيك عِذْقًا سيصير نخلة.
قَالَ: وقال لي الشَّيْخ عَبْد القادر: كنت أؤمَر وَأُنْهَى فِي النّوم واليَقَظَة، وكان يغلب علي الكلام، ويزدحم عَلَى قلبي إنْ لم أتكلّم حتّى أكاد أختنق، ولا أقدر أن أسكت، وكان يجلس عندي رجلان وثلاثة يسمعون كلامي، ثمّ تَسَامَع النّاس بي، وازدحم علي الخلْق، حتّى صار يحضر المجلسَ نحوٌ من سبعين ألفًا.
وقال لي: فتّشت الأعمال كلها، فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطّعام، أودّ لو أنّ الدّنيا بيدي فأُطْعمها الجياع. [ص:260]
وقال لي: كفّي مثقوبة لا تضبط شيئًا، لو جاءني ألفُ دينار لم أبيّتها، وكان إذا جاءه أحد بذهب يقول له: ضعه تحت السّجّادة.
وقال لي: أتمنّي أن أكون في الصحارى والبراري، كما كنت في الأول لا أرى الخلْق ولا يروني.
ثمّ قَالَ: أراد اللَّه منّي منفعة الخلْق، فإنّه قد أسلم على يدي أكثر من خمسمائة، وتاب عَلَى يدي من العَيّارين والمشّالحة أكثرُ من مائة ألف، وهذا خيرٌ كثير.
وقال لي: ترِدُ علي الأثقال الكثيرة، ولو وُضِعت عَلَى الجبال تفسَّخَتْ، فأضع جنْبي عَلَى الأرض، وأقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يسرا} ثمّ أرفع رأسي وقد انفرجت عنّي.
وقال لي: إذا ولد لي ولدٌ أخذته عَلَى يدي، وأقول هذا ميّت، فأخرجه من قلبي، فإذا مات لم يؤثّر عندي موتُهُ شيئًا.
وقال ابن النّجّار: سَمِعْتُ عَبْد الرّزّاق بْن عَبْد القادر يَقُولُ: وُلِد لوالدي تسعٌ وأربعون ولدًا، سبعةٌ وعشرون ذَكَرًا، والباقي إناث.
وقال: كتب إليَّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَسَن الْجُبّائيّ، قَالَ: كنت أسمع كتاب " الحلْية "عَلَى ابن ناصر، فَرَقَّ قلبي، وقلت فِي نفسي: اشتهيت أن أنقطع عَن الخلْق وأشتغل بالعبادة، ومضيت فصلَّيتُ خلْف الشَّيْخ عَبْد القادر، فلمّا صلّى جلسنا، فنظر إليَّ وقال: إذا أردتَ الانقطاع، فلا تنقطعْ حتّى تتفقَّه وتجالس الشّيوخ وتتأدب، وإلا فتنقطع وأنت فُرَيْخ ما رَيَّشْتَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّاهِدُ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ ابْنِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الثَّنَاءِ بْنَ أَبِي البركات النهرملكي يَقُولُ: قَالَ لِي صَدِيقٌ لِي: قَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الشَّيْخَ عَبْدَ الْقَادِرِ لا يَقَعُ عَلَى ثِيَابِهِ الذُّبَابُ، فَقُلْتُ: مَا لِي عِلْمٌ بِهَذَا، ثُمَّ بَكَّرْنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَحَضَرْنَا مَجْلِسَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَإِلَيْهِ وَقَالَ: أَيْشَ يَعْمَلُ الذُّبَابُ عِنْدِي، لا دِبْسُ الدُّنْيَا، وَلا عَسَلُ الآخِرَةِ.
قَالَ: وأنبأنا أَبُو البقاء عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن الحنبلي، قال: سَمِعْتُ يحيى بْن نجاح الأديب يَقُولُ: قلت فِي نفسي: أريد أُحصي كم يقص الشَّيْخ [ص:261] عَبْد القادر شَعْرًا من التُّوَّاب، فحضرت المجلسَ ومعي خَيْط، فكلمّا قصّ شَعْرًا عقدت عُقْدةً تحت ثيابي من الخيط، وأنا فِي آخر النّاس، وإذا بِهِ يَقُولُ: أَنَا أحلُّ وأنت تعقد؟!.
قَالَ: وسمعت شيخ الصُّوفيَّة عُمَر بْن مُحَمَّد السُّهْرَوَرْدِيّ يَقُولُ: كنت أتفقّه فِي صباي، فخطر لي أن أقرأ شيئًا من عِلْم الكلام، وعزمت عَلَى ذَلِكَ من غير أن أتكلَّم بِهِ، فاتّفق أنّي صلّيتُ مَعَ عمّي الشَّيْخ أَبِي النّجيب، فحضر عنده الشَّيْخ عَبْد القادر مسلِّمًا، فسأله عمّي الدّعاء لي، وذكر لَهُ أنّي مشتغل بالفِقه، وقمت فقبّلت يده، فأخذ يدي وقال لي: تُبْ ممّا عزمتَ عَلَى الاشتغال بِهِ، فإنّك تُفْلِح، ثمّ سكتَ وترك يدي، ولم يتغيَّر عزمي عَنِ الاشتغال بالكلام، حتّى شوشت علي جميع أحوالي، وتكدر وقتي، فعلمت أنّ ذَلِكَ بمخالفة الشَّيْخ.
قَالَ: وسمعت أبا محمد ابن الأخضر يَقُولُ: كنت أدخل عَلى الشَّيْخ عَبْد القادر فِي وسط الشّتاء وقوة برْده، وعليه قميصٌ واحدٌ، وعلى رأسه طاقيَّة، وحوله من يُروّحه بالمِرْوحة، والعَرَق يخرج من جسده كما يكون فِي شدة الحرّ.
قَالَ: وسمعت عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الملك الشّيبانيّ يقول: سمعتُ الحافظ عبد الغني يقول: سمعت أبا محمد ابن الخشّاب النَّحْويّ يَقُولُ: كنت وأنا شابّ أقرأ النَّحْو، وأسمع النّاس يصفون حُسْن كلام الشَّيْخ عَبْد القادر، فكنت أريد أن أسمعه، ولا يتَّسع وقتي لذلك، فاتّفق أنْ حضرتُ يومًا مجلسَه، فلمّا تكلَّم لم أَستحسن كلامه، ولم أفهمه، وقلت فِي نفسي: ضاع اليوم منّي، فالتفَتَ إلى الجهة الّتي كنت فيها وقال: وَيْلَكَ تُفَضّل النَّحْو عَلَى مجالِس الذِّكْر، وتختار ذَلِكَ؟! اصْحَبْنا نُصَيِّرُكَ سِيبَوَيْه.
وقال: حكى شيخنا أحمد بْن ظفر ابن الوزير ابن هُبَيْرة قَالَ: سَأَلْتُ جدّي أنْ يأذن لي إلى الشَّيْخ عَبْد القادر، فأذِن لي، وأعطاني مبلغًا من الذَّهب، وأمرني أنْ أدفعه إِلَيْهِ، وتقدم إليَّ بالسّلام عَلَيْهِ، فحضرت، فلمّا انقضى المجلس ونزل عَنِ المِنْبر، سلّمت عَلَيْهِ، وتحرَّجت من دفْع الذَّهَب إِلَيْهِ فِي ذلك الجمع، فبادرني الشيخ مستأنفا لفِكرتي وقال: هاتِ ما معك، ولا عليك [ص:262] من النّاس، وسلِّم عَلَى الوزير، قَالَ: ففعلت وانصرفت مَدهوشًا.
وقال أَبُو بَكْر عَبْد اللَّه بْن نصر الهاشميّ: حدَّثني أَبُو الْعَبَّاس أحمد بن المبارك المُرَقَّعاتي، قَالَ: صحبْتُ الشَّيْخ عَبْدَ القادر.
وقال صاحب " مرآة الزّمان ": كَانَ سكوت الشَّيْخ عَبْد القادر أكثر من كلامه، وكان يتكلَّم عَلَى الخواطر، فظهر لَهُ صِيت عظيم، وَقَبُولٌ تامّ، وما كَانَ يخرج من مدرسته إلّا يوم الجمعة، أو إلى الرباط، وتاب عَلَى يده مُعظَم أهل بغداد، وأسلم معظم اليهود والنّصارى، وما كَانَ أحدٌ يراه إلّا فِي أوقات الصّلاة، وكان يصدع بالحقّ عَلَى المنبر، ويُنْكِر عَلَى من يولّي الظَّلَمَةَ عَلَى النّاس، ولمّا ولَّى المقتفي القاضي ابن المرخّم الظّالم، قَالَ عَلَى المنبر: وليت على المسلمين أظلم الظَّالمين، ما جوابك غدًا عند ربّ العالمين؟ وكان لَهُ كرامات ظاهرة، لقد أدركت جماعةً من مشايخنا يحكون منها جملةً؛ حكى لي خالي لأمّي خاصّبَك، قَالَ: كَانَ الشَّيْخ عَبْد القادر يجلس يوم الأحد، فبِتُّ مهتّمًا بحضور مجلسه، فاتّفق أنّني احتلمتُ، وكانت ليلةً باردة، فقلت: ما أُفَوِّت مجلسه، وإذا انقضى المجلس اغتسلتُ، وجئت إلى المدرسة والشّيخ عَلَى المِنْبر، فساعة وقعتْ عينهُ علي قَالَ: يا زُبَيْر، تحضر مجلسنا وأنت جُنُبٌ وتحتجّ بالبرْد!
وحكى لي مظفَّر الحربيّ، رَجُلٌ صالح، قَالَ: كنت أنام فِي مدرسة الشَّيْخ عَبْد القادر لأجل المجلس، فمضيت ليلةً وصعدت عَلَى سُطُوح المدرسة، وكان الْحَرُّ شديدًا، فاشتهيت الرُّطَبَ وقلت: يا إلهي وسيدي، ولو أنها خمس رطبات، قال: وكان للشّيخ بابٌ صغيرٌ فِي السطح، ففتح الباب وخرج، وبيده خمسُ رُطَبَات، وصاح: يا مظفَّر، وما يعرفني، تعال خُذْ ما طلبتَ، قَالَ: ومن هذا شيءٌ كثير، قَالَ: وكان ابن يونس وزير الْإِمَام النّاصر قد قصد أولاد الشَّيْخ عَبْد القادر، وبدّد شملهم، وفعل فِي حقّهم كلَّ قبيح، ونفاهم إلى واسط، فبدَّد اللَّه شمل ابن يونس ومزّقه، ومات أقبح موتة. [ص:263]
قلت: كَانَ الشَّيْخ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عديم النّظير، بعيد الصِّيت، رأسًا فِي العِلْم والعمل، جمع الشَّيْخ نور الدّين الشَّطَنُوفيَّ المقرئ كتابًا حافلًا فِي سيرته وأخباره فِي ثلاث مجلّدات، أتى فِيهِ بالبَرَّة وأُذُن الْجَرَّةِ، وبالصّحيح والواهي والمكذوب، فإنّه كتب فِيهِ حكاياتٍ عَنْ قومٍ لا صِدْق لهم، كما حكوا أنّ الشَّيْخ مشى فِي الهواء من مِنْبره ثلاث عشرة خُطْوةً في المجلس، ومنها أنّ الشَّيْخ وعظ، فلم يتحرَّك أحدٌ فقال: أنتم لا تتحرَّكون ولا تَطْرُبون، يا قناديل أطربي. قَالَ: فتحرَّكت القناديل، ورقصت الأطباق.
وفي الجملة فكراماته متواترة جمة، ولم يخلف بعدَه مثله.
تُوُفّي فِي عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستّين وله تسعون سنة، وشيَّعه خلْق لا يُحْصَوْن.
قَالَ الْجُبّائيّ: كَانَ الشَّيْخ عَبْد القادر يَقُولُ: الخْلق حجابك عَنْ نفسك، ونفسك حجابك عَنْ ربّك.(12/252)
24 - عَبْد العزيز بن عليّ بن مُحَمَّد بن سلمة، أبو الأصبغ ابن الطحان الأندلسي السماني الإشبيلي المقرئ المجود، ويُكنى أَبَا حُمَيْد أيضًا. [المتوفى: 561 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وتسعين وأربعمائة بإشبيلية، وأخذ القراءات عَنْ أَبِي الْعَبَّاس بْن عَيْشُون، وأبي الْحَسَن شُرَيْح، وروى عَنْهُمَا، وعن أَبِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق الكلبيّ، ويحيى بن سعادة، وأحمد بن بقاء صاحب أَبِي عَلي بْن سُكَّرَة، وروى مصنَّف النَّسَائيّ، عَنْ أَبِي مروان بْن مَسَرَّة، وروى أيضا عن جعفر ابن مكّيّ.
وانتقل بأَخَرَة إلى مدينة فاس، ثمّ حجَّ ودخل إلى العراق، ثمّ إلى الشّام.
وقرأ بواسط القراءات أيضًا، وأقرأها، وكان بارِعًا فِي معرفتها وتعليلها وله مصنَّف فِي الوقْف والابتداء.
قال أبو عبد الله ابن الأَبّار: حجّ، وسُمِع منه، وجلّ قدره، وصنَّف تصانيف، وكان أستاذًا ماهرًا فِي القراءات، روى عَنْهُ عَبْد الحق الإشبيليّ، وعليّ بْن يونس، وأجاز لشيخنا أَبِي القاسم بْن بَقِيّ، وكانت رحلته سنة أربعٍ وخمسين. [ص:264]
وقال ابن الدَّبِيثيّ: سَمِعْتُ غيرَ واحدٍ يَقُولُ: لَيْسَ بالمغرب أعلم بالقراءات من ابن الطَّحّان، قرأ عَلَيْهِ الأثير أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن أَبِي العلاء، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، ونعمة اللَّه بْن أحمد بْن أَبِي الهِنْدباء، وغيرهم، وتُوُفّي بحلب بعد السّتّين.
قلت: كتبته فِي هذه السّنة ظَنًّا لا يقينًا.(12/263)
25 - عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن أَبِي الفضل بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، الفقيهُ أَبُو الفضائل الْأَنْصَارِيّ الحَرَسْتانيّ الدّمشقيّ الشّافعيّ. [المتوفى: 561 هـ]
قَالَ الحافظ ابن عساكر: وُلِد سنة سبْع عشرة وخمسمائة، وسمع جمال الْإِسْلَام السُّلَميّ، وأبا الْحَسَن بْن قُبَيْس، ورحل فسمع ببغداد درْسَ أَبِي منصور ابن الرّزّاز، وبخُرَاسان درس مُحَمَّد بْن يحيى، وناب فِي التّدريس عَنِ ابن عصرون بالأمينيَّة، وتُوُفّي فِي رمضان.
قلت: هُوَ أخو قاضي القُضاة جمال الدّين عَبْد الصّمد.(12/264)
26 - عَبْد الواحد بن عَليّ بن عَبْد الواحد الدِّينَوَريّ، [المتوفى: 561 هـ]
أخو شعيب.
تُوُفّي قبل شُعيب بأيّامٍ فِي صَفَر، وله أربعٌ وثمانون سنة.
روى عن أبيه، روى عَنْهُ أيضًا عُمَر الْقُرَشِيّ.(12/264)
27 - عَلي بْن أَحْمَد بْن عَلي بْن أَحْمَد بْن جَعْفَر، أَبُو الْحَسَن الْقُرَشِيّ الحَرَسْتانيّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ " جزء الرافقيّ " بحَرَسْتا من أَبِي عَبْد اللَّه الْحَسَن بْن أحمد بْن أَبِي الحديد فِي سنة ثمانين وأربعمائة، وكان ذاكرًا لسماعه، وهو الَّذِي عرَّف الطَّلَبَة بنفسه لمّا رآهم يسمعون بحَرَسْتا، وقال: ما أنسى ابنَ أَبِي الحديد وقد طلع إلى هنا، وسمعنا عليه، وطلعت إلى هذا الأصل الْجَوْز، وفرطْتُ لهم منه وأنا صبيّ، فدخل الطَّلَبَة ونبشوا سماعه وسمعوا منه.
روى عَنْهُ الحافظ ابن عساكر، وابنه القاسم، ومحمود بْن شُتَيّ، وأبو القاسم بْن صَصْرَى، وسيف الدّولة مُحَمَّد بْن غسّان، ومُكْرَم، وكريمة، ولم [ص:265] يخبرني أحدٌ أَنَّهُ رَأَى أصْلَ سماع كريمة منه.
تُوُفّي فِي شوّال.
وآخر من روى لنا الجزء المذكور سنقر القضائي بحلب، عَنْ مُكْرَم عَنْهُ.(12/264)
28 - عَلي بْن أحمد بن محمد ابن الكَرْخيّ، أَبُو المظفَّر. [المتوفى: 561 هـ]
روى عَنْ الْحُسَيْن بْن علي ابن البُسْريّ، وتُوُفّي فِي المحرَّم وله أربعٌ وثمانون سنة.(12/265)
29 - عُمَر بْن ثابت بْن عَلي، أَبُو القاسم البغدادي، ويُعرف بابن الشَّمَحْل. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أَبَا منصور الخياط، وأبا الحسن ابن العلّاف، وتُوُفّي فِي ذي الحجَّة، وعنه عُمَر الْقُرَشِيّ، وأحمد بْن طارق الكَرْكيّ.
وعاش خمسًا وسبعين سنة، وكان ديوانيا متمولا، فعمل مدرسةً للحنابلة درَّس بها أَبُو حكيم النَّهْروانيّ، ثمّ ابن الجوزيّ، ثمّ قُبِض عَلَيْهِ وصودِرَ وبيعت المدرسة ولم تثبت وقفيّتها، وصارت دار أمير.(12/265)
30 - مُحَمَّدُ بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مَسْعُود بْن مفرّج، أَبُو القاسم الأندلسيّ الشِّلْبيّ، المعروف بالقَنْطَريّ. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أَبَا بَكْر بْن غالب، وأبا الْحُسَيْن بْن صاعد، وجماعة، وبإشبيلية أَبَا الحكم بن برجان، وأبا بكر ابن العربيّ، وبقُرْطُبة ابن مُغِيث، وابن أَبِي الخصال، وطائفة.
قَالَ الأَبّار: كَانَ من أهل المعرفة الكاملة بصناعة الحديث، بَعيد الصّيت فِي الحفظ والإتقان، جَمَّاعة للكُتُب، وقد شُوِّور فِي الإحكام، روى عَنْهُ يعيش بْن القديم الشِّلْبيّ، وغيره، وتُوُفّي بمَرّاكُش فِي ذي الحجَّة.(12/265)
31 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن فَرَج بْن سليمان، أبو عَبْد اللَّه القَيْسيَّ المِكْنَاسيّ الشّاطبْي، المعروف بابن تريس المقرئ. [المتوفى: 561 هـ][ص:266]
سَمِعَ من أَبِي عَلي بْن سُكَّرَة، وأبي زيد ابن الورّاق، وأبي مُحَمَّد بْن أَبِي جعفر، وأبي عمران بْن أَبِي تليد، وطائفة، وله " مُعْجَم شيوخه "، وأخذ القراءات عَنْ أَبِي بَكْر إِبْرَاهِيم بن خلف، والشيخ أبي عبد الله ابن الفرّاء الزّاهد، وجماعة.
قَالَ الأَبّار: تصدّر بشاطِبة للإقراء، سالكًا طريقةَ جَدّه مُحَمَّد بْن فَرَج، فأخذ عَنْهُ النّاس، وكان قديم الطَّلَب، مشارِكًا فِي الحديث والأدب، يتحقّق فِي القراءات، مَعَ براعة في الخطّ، وكتب عِلْمًا كثيرًا، حدَّث عَنْهُ أَبُو الحَجّاج بْن أيّوب، وأبو عُمَر بْن عيّاد، وأثنى عليه ووصفه بالتقلل من الدنيا، وقال: تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرَة ولَه سبْعٌ وستون سنة، وروى عَنْهُ ابن سُفْيَان ووَصَفَه بالمشاركة فِي حفظ التاريخ والبصر بالنَّحْو.(12/265)
32 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بن أبان، الحاجب أَبُو الفضل ابن الوكيل البغداديّ. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أَبَا القاسم بْن بَيَان، وأبا مُحَمَّد الحسن ابن رئيس الرؤساء، وتُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة، كتب عَنْهُ أَبُو المحاسن عُمَر الْقُرَشِيّ.(12/266)
33 - مُحَمَّد بْن عَليّ ابن الوزير أَبِي نصر أحمد ابن الوزير نظام المُلْك أَبِي عَلي الطُّوسيّ. [المتوفى: 561 هـ]
صدْرٌ، إمام، معظم، تفقه عَلَى أسعد المَيْهَنيّ، ودرّس بمدرسة جدّهم ببغداد ستَّة أعوام، ثمّ صُرِفَ، ثمّ أُعِيدَ سنة سبْعٍ وأربعين، وَفُوِّضَ إِلَيْهِ نظر أوقافها، كَانَ ذا جاهٍ عريضٍ، وَحُرْمَةٍ تامَّة، ثمّ عُزِل سنة سبْعٍ وخمسين، واعتُقِل مُدَيْدَة ثمّ أُطْلِق، فحجَّ سنة تسعٍ وخمسين، ثمّ سافر إلى دمشق، فأُكْرمَ موردُه، وولي تدريس الغزاليَّة إلى أن تُوُفّي.
وقد سَمِعَ من أَبِي منصور بْن خَيْرُون، وأبي الوقت، ولم يَرْوِ لأنّه مات شابا. [ص:267]
توفي في أوائل صفر.(12/266)
34 - مُحَمَّد بْن عَلي بْن مُحَمَّد بْن عُمَر، أَبُو رشيد الباغبان الإصبهانيّ. [المتوفى: 561 هـ]
تُوُفّي فِي أواخر ربيع الأوّل، وله ثمانون سنة أو نحوها.(12/267)
35 - مُحَمَّد بْن عَلي، الأديب أَبُو الفتح [المتوفى: 561 هـ]
سِبْط النَّطَنْزيّ.
تُوُفّي فِي المحرَّم، وكان من الأُدباء البُلَغاء، لَهُ النَّظْم والنَّثْر، سافر البلاد ولقي الأكابر، وسمع من أَبِي عَلي الحدّاد، وغانم البُرْجيّ، وببغداد من أَبِي القاسم بْن بَيَان، وابن نبهان، كتب عنه أبو سعد السمعاني، والمبارك بْن كامل.
وكان محتشمًا، نديمًا للملوك، يرجع إلى دِينٍ وخير.
ونَطَنْز: بُلَيْدة بنواحي إصبهان.
ومن شِعره:
يا طالبًا للعلم كيْ تَحْظَى بِهِ ... دِينًا ودُنيا حظْوةً تُعليهِ
اسمَعْه ثمّ احفَظْهُ ثمّ اعْمَلْ بِهِ ... لله ثمّ انشُرْهُ في أهْلِيهِ(12/267)
36 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن أحمد، أَبُو الأزهر بْن غزال، الواسطيّ، الكاتب. [المتوفى: 561 هـ]
وُلِد سنة خمسٍ وثمانين، وسمع من خميس الحَوْزيّ، وأبي نُعَيْم مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الجماريّ، وكان من كبار الكُتّاب المتصرّفين، روى عَنْهُ أحمد بْن طارق الكَرْكيّ، وتُوُفّي فِي وسط السّنة.(12/267)
37 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن هِبة اللَّه، أَبُو بكر القادسي، البغداديّ، المغسّل. [المتوفى: 561 هـ]
روى عَنْ أَبِي سعد بْن خُشَيْش، روى عَنْهُ أحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجيّ، وتُوُفّي فِي ربيع الآخر.(12/267)
38 - مُحَمَّد بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرة، الرئيس عزّ الدّين ابن الوزير عون الدّين. [المتوفى: 561 هـ]
ناب فِي الوزارة عَنْ أَبِيهِ مدَّة، فلمّا تُوُفّي أَبُوهُ حُبِس فهرب من الحبس، وواعد بدويًّا حتّى يهرب بِهِ، فَنَمَّ بِهِ وذهب إلى أستاذ الدّار، فأخبره بِهِ، فأخذه وضربه ضربًا مبرّحًا وأُلقي في مطمورة، ثمّ خُنق رحمه اللَّه، وأُخرج من دار الخلافة ميتًا، ثمّ خُنِق أخوه شرف الدّين ظَفَر فِي السّنة الآتية.(12/268)
39 - مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم بْن بابجوك، الأستاذ أبو الفضل الخوارزمي، البقالي، النَّحْويّ، [المتوفى: 561 هـ]
صاحب التّصانيف.
ويُعرف أيضًا بالأَدَمِي، لِحفْظه فِي النَّحْو " مقدمة الأَدَمِيّ " تلميذ الزَّمَخْشَريّ؛ وجلس بعده فِي حلقته، واشتهر اسمه وبَعُد صِيتُه، وأقبل الطَّلَبَة عَلَى تصانيفه.
مات فِي سلْخ جُمادَى الآخرة، وقد نيّف عَلَى السّبعين.(12/268)
40 - مسعود بْن مُحَمَّد بْن أحمد، القاضي أَبُو الفضائل المَدِينيّ، الخطيب. [المتوفى: 561 هـ]
تُوُفّي فِي الخامس والعشرين من ذي الحجَّة رحمه اللَّه تعالى، قاله عَبْد الرحيم الحاجي.(12/268)
41 - مُشرف بْن أَبِي سعد مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الخبّاز، [المتوفى: 561 هـ]
والد ثابت.
شيخ بغداديّ، سَمِعَ بإفادة أخيه المفيد علي من أبي الغنائم ابن المهتدي بالله، ومحمد بن عبد الباقي الدوري، وجماعة، روى عَنْهُ ابنه، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، ومات فِي صفر.(12/268)
42 - مُعَمَّر بْن عسكر بْن قاسم، أَبُو الْحَسَن المُخَرِّميّ المؤدّب. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أَبَا بَكْر أحمد بْن سَوْسَن التّمّار، وأبا القاسم بْن بيان، وأبا مُحَمَّد الحريريّ البصْريّ.
روى عَنْهُ دَاوُد بْن معمر بْن الفاخر فِي " معجمه ". [ص:269]
وكان صالحًا يؤدّب، وهو والد عَبْد اللّطيف الَّذِي روى عَنْهُ الأَبْرَقُوهيّ " جزء أَبِي الْجَهْم "، تُوُفّي فِي رجب.(12/268)
43 - مكّيّ بْن مُحَمَّد بْن هُبَيْرَة. [المتوفى: 561 هـ]
كَانَ أسنّ من أخيه الوزير عون الدّين، كنيته أَبُو جعفر، وكان فاضلًا، شاعرًا فقيهًا، نظم " الخِرَقيّ " فِي الفِقْه وقُرِئ عَلَيْهِ مِرارًا؛ ووُلِد قبل السّبعين.
وخاف عندما سُقي أخوه، فنزح عَنْ بغداد، فأدركه الموت بنواحي المَوْصِل فِي ذي الحجَّة، وله نحوٌ من تسعين سنة أو أكثر، ولم يسمع إلّا من المتأخّرين، ولو سَمِعَ عَلَى مقدار عُمره لسمع من أصحاب المخلص.(12/269)
44 - هبة اللَّه بْن عَبْد العزيز بْن عَلي، أَبُو القاسم الْجَزَريّ، المعدّل. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أَبَا عثمان بن ملة، روى عنه نصر ابن الحُصْريّ بمكَّة، وتُوُفّي فِي ذي القعدة ببغداد فيما أرى.(12/269)
45 - يوسف بْن فَتُّوح، أَبُو الحَجّاج الأندلسيّ، المريّيّ، العشّاب. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أَبَا عَلي بْن سُكَّرَة، وخَلَف ابن الْإِمَام، وكان ذكيًّا فاضلًا، ولّي الشُّورَى ببلده، ثمّ حجّ، ونزل بمدينة فاس، وكان لَهُ حظّ من الفِقْه، والتّفسير، ومعرفة النّبات؛ كَانَ يجلبه ويتَّجر فِيهِ، روى عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بن النقرات، وأبو عبد الله بن العقار، ويحيى بْن أحمد الْجُذَاميّ، ويوسف بْن أحمد، تُوُفّي سنة إحدى أو اثنتين وستّين، قاله الأبار.
وقد ذكره ابن فرتون فقال: أخذ بقُرْطُبَة عَنْ أَبِي عليّ الْجَيَّانيّ، وأبي القاسم خَلَف ابن الإمام الإشبيلي، وتحمل عنه " الموطِأ " وكان بصيرا بالنبات، وركب من المرية إلى بجاية، فغرقت كتبه بمرسى بجاية، فأتى فاس، وأخفى نفسه عَنِ الرّواية، ثمّ روى " الموطّأ ".(12/269)
46 - يوسف بْن المبارك، أبو الفرج ابن البيني الدّلّال. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ أَبَا القاسم الرَّبَعيّ، وجعفر السّرّاج، وعنه ابن عساكر، وابن الأخضر، وابن الحُصْريّ. [ص:270]
مات فِي ذي القعدة.(12/269)
47 - يوسف بْن مُحَمَّد بن سماجة، أَبُو الحَجّاج الدّانيّ. [المتوفى: 561 هـ]
سَمِعَ من أَبِي عليّ الصدفي ابن سكرة، وتفقه بأبي محمد بن أبي جعفر، وناظر وبرع فِي الفقه، وكان مائلًا إلى علم الكلام وأُصول الفِقْه، مشاركًا فِي الحديث، وُلّي قضاء دانية، ثمّ بَلَنْسِيَة، وتُوُفّي عَلَى قضائها يوم عيد الفطر، وله ثمان وسبعون سنة.(12/270)
48 - أَبُو عاصم بْن الْحُسَيْن بْن زينة، الإصبهاني المحدّث. [المتوفى: 561 هـ]
أجاز لكريمة، وغيرها، واسمه أحمد، يروي عن أحمد بْن أَبِي الفتح الخِرَقيّ، وغير واحد.
توفي في أواخر ربيع الأوّل.(12/270)
49 - أَبُو الفضائل بْن شُقران البغداديّ. [المتوفى: 561 هـ]
قَالَ ابن الْجَوْزيّ: كَانَ فِي مبدأ أمره يتتلمذ لأبي العزّ الواعظ، ثمّ صار فقيهًا، ثمّ صار مُعيدًا بالنّظاميَّة، ووعظ، وأخذ ينصر مذهب أَبِي الْحَسَن الأشْعريّ ويبالغ، فتقدّم الوزير ابن هبيرة بمنعه، فأُنزل عَنِ المنبر يوم جلوسه، ثمّ ترك الوعظ، وأقام برباط بهروز مدَّة.
وتُوُفّي فِي صفر.
وهو أحمد المذكور فِي أوّل السنة.(12/270)
-سنة اثنتين وستين وخمسمائة(12/271)
50 - أحمد بْن عَبْد الملك بْن مُحَمَّد، أَبُو البركات البزوغائي ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 562 هـ]
سَمِعَ أَبَا سعد بْن خُشَيْش، وأبا الحسين ابن الطُّيُوريّ، وابن العلّاف، سَمِعَ منه أَبُو سعد السّمعانيّ، وحدَّث عَنْهُ ابن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، وأحمد بْن أحمد البَنْدَنِيجَيّ.
وُلِد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، ومات فِي شعبان.(12/271)
51 - أحمد بْن عَلي بْن الخليل، أَبُو الْعَبَّاس الْجَوْسقي، المقرئ، الخطيب، [المتوفى: 562 هـ]
خطيب صَرْصَر.
سَمِعَ مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الدُّوريّ، وعبد القادر اليُوسُفيّ، وابن الحُصَيْن، روى عَنْهُ ابنه خليل، وابن الأخضر، وأحمد ابن البَنْدَنِيجَيّ، ووصفاه بالصّلاح.
مات فِي رمضان عَنْ أربعٍ وسبعين سنة.(12/271)
52 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد الله الإصبهاني، المعدل، المعروف بقلا. [المتوفى: 562 هـ]
قدِم بغداد، وحدَّث عَنْ غانم البُرْجيّ، والحدّاد، وأبي منصور بْن مَنْدَوَيْه الشُّرُوطيّ، وجماعة، روى عنه ابن الأخضر، ونصر ابن الحُصْريّ.
تُوُفّي فِي سادس شوّال بإصبهان.(12/271)
53 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد، أَبُو العابس الأنصاري الأندلسي. [المتوفى: 562 هـ][ص:272]
روى عَنْ أَبِي بَكْر بْن غالب بْن عطية، وأبي علي الصدفي، وأبي الحسن ابن الباذش، وأبي الوليد بْن رُشْد، وأبي مُحَمَّد بْن عتّاب، وغيرهم.
وكان متقنًا للقراءات، والتّفسير، والكلام، يغلب عَلَيْهِ علم اللّغة.
حدَّث عَنْهُ أَبُو ذَرّ الخُشَنيّ، وأبو الْخَطَّاب بْن واجب، وأبو عَبْد اللَّه الأندرشيّ.
ورّخه الأبّار.(12/271)
54 - أحمد بْن موهوب بْن أحمد النَّرْسيّ. [المتوفى: 562 هـ]
عَنْ ابن بيان الرّزّاز، وابن العلّاف، وعنه عُمَر الْقُرَشِيّ، وأبو الفتوح ابن الحصري.
توفي في شعبان.(12/272)
55 - الخَضِر بْن شِبْلِ بْن عَبْد، الفقيه أَبُو البركات الحارثيّ، الدّمشقيّ، الشّافعيّ، [المتوفى: 562 هـ]
خطيب دمشق ومدرس الغزاليَّة، والمُجاهديَّة.
كَانَ فقيهًا، إمامًا كبير القدْر، بعيد الصِّيت، بنى نورُ الدّين مدرسته الّتي عند باب الفَرَج، وجعله مدرِّسَها، وقد قرأ عَلَى أَبِي الوحش سُبَيْع، وسمع منه، ومن ابن المَوَازِينيّ، وجماعة، روى عَنْهُ ابن عساكر، وابنه، وزين الأمناء، وأبو نصر بن الشيرازي، وآخرون.
وذكر له ابن عساكر ترجمة حسنة، فقال: سمع النسيب وأبا طاهر الحنائي، وأبا الحسن ابن الموازيني، وأبا الوحش المقرئ، وجماعة كثيرة.
وصحب أبا الحسن بن قبيس، وتفقّه عَلَى جَمال الْإِسْلَام، وأبي الفتح نصر اللَّه المصّيصيّ، وكتب كثيرًا من الحديث والفِقْه، ودرس سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وكان سديد الْفَتْوَى، واسع المحفوظ، ثَبْتًا فِي الرّواية، ذا مُرُوءة ظاهرة، لزِمتُ درسه مدَّةً، وعلّقت عَنْهُ من مسائِل الخلاف، وكان عالِمًا بالمذهب، يتكلَّم فِي الأصول والخلاف، وُلِد فِي شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة، وتُوُفّي فِي ذي القعدة، ودُفن بمقبرة باب الفراديس.
وقد قَالَ السِّلَفيّ: سَمِعْتُ أَبَا البَرَكات الخَضِر بْن شِبْلٍ صاحبنا بدمشق [ص:273] يَقُولُ: سَمِعْتُ الشّريف النّسيب أبا القاسم يَقُولُ: أبو علي الأهوازي المقرئ، ثقة ثقة.(12/272)
56 - الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن علي بْن المطّلب، أَبُو علي [المتوفى: 562 هـ]
ناظر بعقوبا.
سيئ السّيرة، سَمِعَ ابن العلّاف، وابن نبهان، وعنه أحمد بْن طارق، مات فِي ذي الحجَّة.(12/273)
57 - عَبْد الجليل بْن أَبِي سعد منصور بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعد بْن أَبِي بِشْر بْن مُحَمَّد، أَبُو مُحَمَّد الهَرَوِيّ، الفامِيّ، المعدَّل. [المتوفى: 562 هـ]
قَالَ ابن السَّمْعانيّ: كَانَ من أهل الخير والصِّدْق، سَمِعَ أَبَا منصور عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد البُوشَنْجيّ كُلار، وأمّ الفضل بِيبي، وتفرَّد عَنْهُمَا، وأبا إِسْمَاعِيل شيخ الْإِسْلَام، وغيرهم.
قلت: روى عَنْهُ هُوَ، وابنه عَبْد الرحيم، وقال: وُلِد فِي سادس شعبان سنة سبعين، وروى عَنْهُ عَبْد القادر الرُّهَاويّ وهو أعلى شيخ له رواية، وعبد الباقي بن عبد الواسع الْأَزْدِيّ، وآخرون.
ولم يكن بقي فِي الدّنيا أعلى إسنادًا منه، وبموته ختم حديث البَغَويّ بعُلُوّ، رحمه اللَّه.(12/273)
58 - عَبْد الرَّحْمَن بْن يَحْيَى بن عَبْد الباقي بن محمد، أبو مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، البغداديّ. [المتوفى: 562 هـ]
قَالَ ابن مَشَق: تُوُفّي فِي ثامن عشر ذي الحجَّة، ودُفن عند أخيه، ومولده في سنة سبع وسبعين وأربعمائة، ويُعرف بابن شُقْران، وهم جماعة إخوة.
سَمِعَ هذا من أَبِي الفضل أحمد بْن خَيْرُون، والحسين بْن مُحَمَّد السّرّاج، وهبة اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق الْأَنْصَارِيّ، وعبد المحسن الشّيحيّ، سَمِعَ منه أَبُو الْحَسَن الزَّيْديّ، وأبو المحاسن الْقُرَشِيّ، وأحمد بن طارق الكركي، وعبد العزيز ابن الأخضر، وغيرهم.
قَالَ ابن الدَّبِيثيّ: ولأبي الفضْل بْن شافع فِيهِ كلامٌ يغمزه بِهِ. [ص:274]
قلت: آخر من روى عَنْهُ بالإجازة ابن مَسْلَمَة.
قَالَ ابن النّجّار: روى لنا عَنْهُ ابن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، وابن الحُصْريّ، وعليّ بْن مظفّر العُكْبَرِيّ.
قَالَ عُمَر بْن عَلي: بانَ لنا تزويرُ هذا الشَّيْخ، وعلِمْنا منه أشياءَ تُبْطِلُ روايته.
وقال أحمد بْن شافع: كَانَ ذا هنةٍ، قد صحِب العُلماء لو لم يُفْسِد نفسَه بنفسه، ولم يكن من أهل هذا الشّأن.(12/273)
59 - عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بْن منصور بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الجبّار بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن جعفر، الحافظ الكبير أبو سعد، الملقّب بتاج الْإِسْلَام، ابن الْإِمَام الأوحد تاج الْإِسْلَام مُعين الدّين أبي بكر ابن الْإِمَام المجتهد أَبِي المظفَّر التّميميّ السَّمْعانيّ المَرْوَزِيّ، [المتوفى: 562 هـ]
محدّث المشرق، وصاحب التّصانيف.
وُلِد فِي الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمسمائة بمَرْو، وحمله والده أَبُو بَكْر إلى نَيْسابور سنة تسع، وأحضره السَّماع من عَبْد الغفار الشِّيرُوِيّيّ، وأبي العلاء عُبَيْد بْن مُحَمَّد القُشَيْريّ، وجماعة وأحضره بمرُو عَلَى أَبِي منصور مُحَمَّد بْن عَلي الكُرَاعيّ، وغيره.
ومات أَبُوهُ سنة عشر فِي أوّلها، وتربّي أَبُو سعد بين أعمامه وأهله، فلمّا راهَقَ أقبل عَلَى القرآن والفقه والاشتغال؛ وكبر وأحبّ الحديث والسّماع، وعُنِي بهذا الشّأن، ورحل قبل الثّلاثين وبعدها إلى خُراسان، وإصبهان، والعراق، والحجاز، والشّام، وطَبَرِسْتان، وما وراء النّهر، فسمع بنفسه من الفُرَاوِيّ، وزاهر الشّحّاميّ، وهبة اللَّه السّيّديّ، وتميم الْجُرْجَانيّ، وعبد الجبار الخواري، والحسين بْن عَبْد الملك الخلّال، وسعيد بْن أَبِي الرجاء الصّيْرَفيّ، وإسماعيل بْن مُحَمَّد بْن الفضل الحافظ، وإسماعيل بن أبي القاسم القارئ، وأبي سعد أَحْمَد ابْن الْإِمَام أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن ثابت الخُجَنْدِيّ، وأبي نصر أحمد بْن عُمَر الغازي، وعبد المنعم ابن القشيري، وعبد الواحد بن حمد الشرابي، ومحمد بن محمد الكِبْريتيّ، وفاطمة بِنْت زَعْبَل، وأبي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِيّ، وعلي بْن عَلي الأمين، وعبد الرحمن بن محمد الشيباني [ص:275] القزاز، وعمر بْن إِبْرَاهِيم العَلَويّ الكوفيّ.
وسمع بمُدُنٍ كثيرة، وألّف " معجم البُلدان " الّتي سَمِعَ بها، وصنَّف كتاب " الأنساب "، وكتاب " ذيل تاريخ بغداد "، وكتاب " تاريخ مَرْو "، وعاد إلى وطنه سنة ثمانٍ وثلاثين، فتزوَّج ووُلِد لَهُ أَبُو المظفّر عَبْد الرحيم، فاعتنى بِهِ، وأسمعه الكثير، ورحل بِهِ إلى نَيْسابور ونواحيها، وهَرَاة ونواحيها، وبلْخ، وسَمَرْقَنْد، وبُخَارى، وصنَّف لَهُ " مُعْجَمًا "، ثمّ عاد بِهِ إلى مَرْو، وألقى بها عصى الترحال، وأقبل عَلَى التّصنيف والإملاء والوعْظ والتّدريس؛ درّس بالمدرسة العميديَّة، وكان عالي الهمَّة فِي الطَّلَب، سريع الكتابة جدًّا، مجتهدًا، مضبوط الأوقات، كتب عمّن دبّ ودَرَج، وجمع " مُعْجَمه " فِي عشر مجلدات كبار.
قال أبو عبد الله ابن النّجّار: سَمِعْتُ من يذكر أنّ عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيءٌ لم يبلغْه أحد، وكان مليح التّصانيف، كثير النّشْوار والأناشيد، لطيف المزاج، ظريفًا، حافظًا، واسع الرحلة، ثقة، صدوقًا، ديّنًا، جميل السّيرة، سمع منه مشايخه وأقرانه، وحدثنا عَنْهُ جماعة من أهل خُراسان، وبغداد.
قلت: روى عنه أبو القاسم ابن عساكر، وابنه القاسم، وأبو أحمد ابن سُكَيْنَة، وعبد العزيز بْن مَنِينَا، وأبو رَوْح عَبْد المعزّ الهَرَويّ، وأبو الضَّوء شهاب الشّذيانيّ، والافتخار عَبْد المطّلب الهاشميّ، وابنه أبو المظفّر عَبْد الرحيم بْن السّمعاني، ويوسف بْن المبارك الخفاف، وأبو الفتح محمد ابن مُحَمَّد بْن عُمَر الصّائغ، وآخرون.
ذِكْر مُصَنَّفاتِهِ في تاريخ ابن النجار، وذكر أنه نقلها من خطه:
" الذيل على تاريخ الخطيب " أربعمائة طاقة، " تاريخ مرو " خمسمائة طاقة، " طراز الذّهب فِي أدب الطَّلَب " مائة وخمسون طاقة، " الإسفار عَنِ الأسفار " خمسٌ وعشرون طاقة، " الإملاء والاستملاء " خمس عشرة طاقة، " معجم البلدان " خمسون طاقة، " معجم الشّيوخ " ثمانون طاقة، " تُحفة المسافر " مائة وخمسون طاقة، " التُّحَف والهدايا " خمسٌ وعشرون طاقة، " عزّ العُزْلة " سبعون طاقة، و " الأدب فِي استعمال الحَسَب " خمس طاقات، " المناسك " ستون [ص:276] طاقة، " الدَّعَوات " أربعون طاقة، " الدَّعَوات النّبويَّة " خمس عشرة طاقة، " الحَثّ عَلَى غَسْلِ اليد " خمس طاقات، " أفانين البساتين " خمس عشرة طاقة، " دخول الحمّام " خمس عشرة طاقة، " فضل صلاة التّسبيح " عشر طاقات، " التَّحَايا والهدايا " ستّ طاقات، " تُحْفَة العيدَين " ثلاثون طاقة، " فضل الدّيك " خمس طاقات، " الرسائل والوسائل " خمس عشرة طاقة، " صوم الأيّام البِيض " خمس عشرة طاقة، " سلْوة الأحباب ورحمة الأصحاب " خمس طاقات، " التّحبير فِي المُعْجَم الكبير " ثلاث مائة طاقة، " فَرْط الغرام إلى ساكني الشّام " خمس عشرة طاقة، " مقام العلماء بين يدي الأمراء " إحدى عشرة طاقة، " المساواة والمصافحة " ثلاث عشرة طاقة، " ذِكرى حبيبٍ رَحَل وبُشْرى مَشِيبٍ نَزَل " عشرون طاقة، " الأمالي الخمسمائة " مئتا طاقة، " فوائد الموائد " مائة طاقة، و " فضل الهِرّ " ثلاث طاقات، " الأخطار فِي ركوب البحار " سبع طاقات، " الهريسة " ثلاث طاقات، " تاريخ الوفاة للمتأخرين من الرواة " خمس عشرة طاقة، " الأنساب " ثلاث مائة وخمسون طاقة، " الأمالي " ستّون طاقة، " بُخَار بُخُور الْبُخَارِيّ " عشرون طاقة، " تقديم الْجِفَان إلى الضِّيفان " سبعون طاقة، " صلاة الضُّحَى " عشر طاقات، " الصِّدْق فِي الصَّداقة "، " الرّبح فِي التجارة "، " رفع الارتياب عن كتابة الكتاب " أربع طاقات، " النُّزُوع إلى الأوطان " خمسٌ وثلاثون طاقة، " حثّ الْإِمَام عَلَى تخفيف الصّلاة " فِي طاقتين، " لَفْتَة المشتاق إلى ساكني العراق " أربع طاقات، " السد لِمَن اكتَنَى بأبي سعد " ثلاثون طاقة، " فضائل الشّام " فِي طاقتين، " فضل يس " فِي طاقتين.
تُوُفّي - وأبو المظفّر ابنه هُوَ الَّذِي ورَّخه -، في غرة ربيع الأول، وله ست وخسمون سنة.(12/274)
60 - عَبْد الواحد بْن الْحُسَيْن بْن عَبْد الواحد، أَبُو مُحَمَّد البغداديّ، البزّاز، ويُعرف بابن البارِزِيّ. [المتوفى: 562 هـ]
سَمِعَ أَبَا عَبْد اللَّه النِّعَاليّ، وابن البَطِر، ويحيى بْن ثابت، روى عَنْهُ الحافظ عَبْد الغنيّ، وأبو الْحَسَن بْن رشيد، وأبو طالب بن عبد السميع، وأبو محمد بن [ص:277] قُدَامة، وآخرون، وآخر من روى عَنْهُ بالإجازة: الرشيد أحمد بْن مَسْلَمَة، وتُوُفّي فِي شوّال، وله اثنتان وثمانون سنة.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَافِظِ، قال: أخبرنا ابن قدامة، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الواحد، قال: أخبرنا الحسين بن طلحة، قال: حدثنا الحسن بن الحسين ابن المنذر، قال: حدثنا عمر بن دينار إملاء، قال: حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كَامِلٍ، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مِكْتَلٍ، وَأَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ؛ قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ".
قَالَ ابنُ النّجّار: كَانَ عَبْد الواحد شيخًا صالحًا عَلَى طريقة السَّلَف.(12/276)
61 - عَبْد الهادي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن مأمون، أَبُو عَرُوبَة السِّجِسْتانيّ الزّاهد [المتوفى: 562 هـ]
شيخ الصُّوفيَّة وإمام سِجِسْتان.
يُحَوَّل من الماضية إلى هنا، فإنّ فيها ورَّخه الحافظ يوسف بْن أحمد الشّيرازيّ، وقَالَ: كَانَ للمذهب رُكْنًا وثيقًا، ولأهل الحديث حصنًا منيعًا، وكان صلْبِ الدّين، خَلَف جدَّه وخالَه فِي الرّدِّ عَلَى المبتدعين، وكانت أوراده تستغرق ليله ونهاره، ومناقبه لا تنتهي حتّى يُنتهى عَنْهَا.
وقد سمع عنه الحفاظ لما حج كأبي مسعود كوتاه، وأبي العلاء العطار، وابن ناصر.
رحل إليه الحافظ عبد القادر، فأكثر عَنْهُ، وقال: سَمِعَ الحديث من [ص:278] جدّه عَبْد اللَّه سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة، وحج، وسمع " المسند " من ابن الحُصَيْن، وبلغني أَنَّهُ لمّا حجّ قرأ عَلَيْهِ ابن ناصر " مسلسلات أبى حاتم ابن حِبّان "، وكان زاهدًا، ورِعًا متواضعًا، كثير النّوافل، سريع الدَّمْعَة، حَسَن الأخلاق، عاش تسعًا وثمانين سنة ما عُرِفت لَهُ زلَّة، وكان منتشر الذِّكْر فِي البلاد القاصية بحُسْن السّيرة، وكان لَهُ رِباطٌ ينزل فِيهِ كلُّ من أراد من القادمين، ووقف عَلَيْهِ نصف قرية، فكان لا يتناول من ذَلِكَ شيئًا، بل يجعله فِي نفقة الرباط، ويتعيَّش بغُلَيْلَةٍ لَهُ يسيرة، ومات وعليه دَيْن؛ هذا مَعَ سعة جاهه بسِجِسْتان، حتّى عند بعض مخالفيه، بَلَغَنَا موتُه وأنا بِهَرَاة بعد مفارقتي لَهُ بقليل، فأُغلِقتْ أسوارُ هَرَاة، ومُنِع الوُعّاظ من الوعْظ، وجلس كُبراء هَرَاة من العلماء والرؤساء، والعمّال فِي الجامع عليهم ثيابُ العَزَاء، وجلس واعظ وذكر مناقبه، وبكى النّاس عَلَيْهِ، كنت يومًا عنده، فجاء إنسان فجعل يحدِّثنا بدخْل بغداد، فتعجّب وقال: سبحان اللَّه، إنسانٌ يعيش حتّى يشيخ، ولا يرى فِي يد أحدٍ عشرة دنانير! قلت: ولا رَأَيْت فِي يدك عشرة دنانير؟ قَالَ: ولا خمسة، وكان يعظ فِي رباطه، فلمّا جئت إلى عنده قال: الآن أريد أن أشتغل بالحديث، فلم يعِظْ مدَّة مُقامي، وكان قد وَلِيَ سِجِسْتان أميرٌ معتزِليّ، فقَصَد الشَّيْخ، فخرج من سِجِسْتان إلى هَرَاة، وتلقَّوْهُ مُلْتَقًى حَسَنًا، ونزل فِي رباط شيخ الْإِسْلَام، وكان لَهُ ابنٌ يقال لَهُ عَبْد المعزّ، سَمِعَ مَعَ أَبِيهِ من أَبِي نصر هبة الله بن عبد الجبار بن فاخر، وكان أعلم من أَبِيهِ، وقريبًا منه فِي السّيرة والعقل والوقار والحُرْمة عند النّاس، فلم يعش بعد أَبِيهِ طائلًا، سَمِعْتُ رجلًا بسِجِسْتان يَقُولُ: خبرت أهل سِجِسْتان لَيْسَ فيهم أَدْيَن من عَبْد الهادي وأولاده، وكان لديانته قد فوض إليه الوقف وإمامة الجامع، وكان لا يقدر أحدٌ من المخالفين يُصلّي فِي الصّفّ الأوّل من الجامع من غَلَبَة أصحابه، مَعَ قِلَّتهم وكثرة المخالفين، ومساعدة السّلطان لمخالفيه.
قلت: تُوُفّي فِي هذه السنة إن شاء اللَّه، فإنّ فيها كَانَ عَبْد القادر بهَرَاة، وقد شهد عزاءه.
وأجاز لنا أبو زكريا يحيى ابن الصيرفي الفقيه وغيره، قالوا: أخبرنا [ص:279] عبد القادر، قال: أخبرنا أبو عَرُوبة عَبْد الهادي. . . فذكر أحاديث.(12/277)
62 - عُبَيْد الله بن سعيد بن حسن ابن الخوزي، أبو منصور، [المتوفى: 562 هـ]
وكيل الوزير أَبِي المظفَّر بْن هُبَيْرة.
سَمِعَ أَبَا سعد بن خُشَيْش، وأبا القاسم بْن بَيَان، روى عَنْهُ عَبْد العزيز ابن الأخضر، وتوفي في ذي الحجة.
أخبرنا ابن الفراء، قال: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، قال: حدثنا أبو منصور ابن الخوزي، قال: أخبرنا ابن خشيش، فذكر حديثا.(12/279)
63 - علي بن أحمد بن محمد ابن الكرخي، أَبُو المظفَّر الأَزَجيّ، [المتوفى: 562 هـ]
أخو مُحَمَّد والحسن.
شيخ حسن نظيف، منزو في منزله، مشتغل بالخير، سَمِعَ أَبَا الفضل بْن خَيْرُون، ومحمد بْن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ، وأبا بَكْر الطُّرَيْثيثيّ، ومحمد بْن أَبِي نصر الحُمَيْديّ، وعنه ابن الأخضر، وعبد الرّزّاق الْجِيليّ، وغيرهما.
مولده فِي سنة سبع وسبعين وأربعمائة، ومات في المحرم سنة اثنتين وستين وخمسمائة.(12/279)
64 - علي بن الحسن بن الحسن بن أحمد، أَبُو القاسم بْن أَبِي الفضائل الكِلابيّ الدّمشقيّ الفقيه الشافعي الفرضي النحوي، المعروف بجمال الأئمة ابن الماسح. [المتوفى: 562 هـ]
من علماء دمشق الكبار، وُلِد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقرأ لابن عامر وغيره من القرّاء عَلَى أبي الوحش سبيع بن قيراط، وغيره، وسمع أَبَاهُ، وسُبَيْعًا، وأبا تُراب حَيْدَرَةَ، وعبد المنعم بْن الغُمْر، وغيرهم، وتفقّه عَلَى: جمال الْإِسْلَام السُّلَميّ، ونصر اللَّه المَصِّيصيّ، وكانت لَهُ حلقهٌ كبيرةٌ بالجامع يُقرِئ فيها القرآن والفِقْه والنَّحْو، وكان معيدا لجمال الإسلام أبي الحسن بالأمينية، [ص:280] ودرّس بالمجاهديَّة، وكان حريصًا عَلَى الإفادة، وعليه كَانَ الاعتماد فِي الْفَتْوَى وقسمة الأَرَضِين.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو المواهب وأبو القاسم ابنا صَصْرَى، وجماعة، ومات فِي ذي الحجَّة، وقد حدَّث بكتاب " الوجيز " للأهوازيّ فِي القراءات، عَنْ أبي الوحش سبيع، عَنْهُ.(12/279)
65 - عَلي بْن أَبِي سعد مُحَمَّد بْن إبراهيم بن شستان، أَبُو الْحَسَن الأَزَجيّ، الخبّاز، وقيل: اسم أَبِيهِ ثابت. [المتوفى: 562 هـ]
كَانَ عَلي أحد طَلَبة الحديث ببغداد، وكان يلقب بالمفيد، وهو خال يحيى من بَوْش، فلذلك سمّعه الكثير، سَمِعَ أَبَا القاسم بن بيان، وأبا علي بن نبهان، وأبا الغنائم ابن المهتدي، والفقيه أَبَا الْخَطَّاب فمَن بَعدهم، وحدَّث بالكثير، وكان ثقة، فاضلًا، وُلِد سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة.
روى عَنْهُ يحيى بْن بَوْش، والحافظ عَبْد الغنيّ، وابن الأخضر، والشّيخ الموفَّق، وأبو طَالِب بْن عَبْد السّميع، وعبد العزيز بْن باقا، وآخرون، وتوفي في عاشر شعبان.(12/280)
66 - عَلي بْن مهديّ بْن مفرّج، أَبُو الْحَسَن الهلاليّ الدّمشقيّ، الطّبيب. [المتوفى: 562 هـ]
سَمِعَ أبا الفضل ابن الكريدي، وأبا القاسم النّسيب، وأبا طاهر الحِنّائيّ، وجماعة، ورحل فِي الكهولة إلى بغداد، فسمع من القاضي أَبِي بَكْر الْأَنْصَارِيّ، وَأَبِي منصور بْن خيرون، ولد سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وكان يطبّ فِي المارِستَان، ونسخ الكثير، روى عنه الحافظ ابن عساكر، وأبو نصر ابن الشيرازي، ومكرم التّاجر، وكريمة، وآخرون، ومات فِي ذي الحجَّة.(12/280)
67 - عَلي بْن يوسف بْن خَلَف بْن غالب، أَبُو الْحَسَن العَبْدَري، الدّانيّ. [المتوفى: 562 هـ][ص:281]
أخذ القراءات عَنْ عُمَر بْن أَبِي الفتح، وعتيق بْن مُحَمَّد، وروى عَنْ أَبِي بَكْر ابن الخياط، وأبي العباس بن عيسى، وأبي بكر بن برنجال، وتفقّه بهم، وأخذ الآداب واللّغة عَنْ جماعة.
وكان فقيهًا، إمامًا، مُفْتِيًا، مُشَاورًا، كبير القدْر، بليغا، مفوَّهًا، متضلِّعًا من العلوم، عاش ثمانين سنة.
ويقال إنّه مات فِي سنة تسعٍ وخمسين.(12/280)
68 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نَصَر - بالتّحريك -، العلّامة أَبُو شجاع البِسْطاميّ، ثمّ البلْخيّ، [المتوفى: 562 هـ]
إمام مسجد راغوم.
ذكره ابن السَّمْعانيّ فقال: مجموع حَسَن وجُمَلُه مليحة، مُفْتٍ، مُناظِر، محدِّث، مفسِّر، واعظ، أديب، شاعر، حاسب.
قَالَ: وكان مع هذه الفضائل حَسَن السّيرة، جميل الأمر، مليح الأخلاق، مأمون الصُّحبة، نظيف الظّاهر والباطن، لطيف العِشرة، فصيح العبارة، مليح الإشارة فِي وعْظه، كثير النُّكَت والفوائد، وكان عَلَى كِبَر السّنّ حريصًا عَلَى طلب الحديث والعِلْم، مقتبسًا من كلّ أحد، قَالَ لي: وُلِدتُ فِي سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة، سَمِعَ ببلْخ أَبَاهُ، وأبا القاسم أحمد بْن مُحَمَّد الخليليّ، وإبراهيم بْن مُحَمَّد الإصبهانيّ، وأبا جَعْفَر مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن السِّمِنْجانيّ وعليه تفقّه، وجماعة كبيرة، كتبتُ عَنْهُ الكثير بمرْو وهَرَاة وبُخَارى، وبسَمَرْقَنْد، وكتب عنيّ الكثير، وحصَّل نسخة بهذا الكتاب، يعني " ذيل تاريخ الخطيب "، وكتب إليَّ من بلْخ أبياتًا، وهي:
يا آلَ سَمْعانَ ما أسنى فضائلكم ... قد صِرْنَ فِي صُحُفِ الأيّام عُنْوانا
معاهد ألفتها النّازلون بها ... فما وَهَتْ بمُرُور الدَّهْر أركانا
حتّى أتاها أَبُو سعدٍ فشيّدَها ... وزادَها بعُلُوّ الشّأن بُنْيانا
كانوا مَلاذَ بني الآمالِ فانقرضوا ... مُخلِّفِين بِهِ مثْلَ الَّذِي كَانَا
كانوا رياضًا فأهدوا من خلائقه ... إلى طبائعنا روحا وريحانا [ص:282]
لولا مكانُ أَبِي سعدٍ لما وَجَدُوا ... عَلَى مفاخرهم للناس برهانا
كأن مآثرها عينَ الزّمانِ وقد ... صارتْ مَنَاقبُه للعَيْن إنسانا
زان التّواريخَ بالتَّذْييل مخترعًا ... أعْجِبْ بذَيْلٍ بِهِ أضحى جريانا
وقاهُ ربّي من عينِ الكمال فما ... أبْقَتْ عُلاه لردّ الْعَيْنِ نُقصانا
قلت: سَمِعَ من الخليليّ " مُسْنَد الهيثم بْن كُلَيْب"، " وغريب الحديث " لابن قُتَيْبة، " والشّمائل " للتِّرْمِذيّ، وصنَّف كتابًا فِي أدب المريض والعائد.
وقال ابن السّمعانيّ فِي موضع آخر: لا يُعْرَف أجمع للفضائل منه مَعَ الوَرَع التّامّ، وسمع الْإِمَام أبا حامد أحمد بْن مُحَمَّد الشُّجَاعيّ، وأبا نَصْر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الماهانيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد الرحيم القاضي، وجماعةً كثيرة.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو سعد السَّمعانيّ، وابنه عَبْد الرحيم، وابن الْجَوْزيّ، والافتخار عَبْد المطّلب الهاشميّ، والتّاج الكِنْدِيّ، وعبد الوهاب ابن سُكَيْنَة، وأبو الفتح المَنْدائيّ، وأبو روْح عَبْد المعز الهروي، وآخرون.
توفي سنة اثنتين ببلخ.(12/281)