268 - مكّيّ بْن جَابار، أبو بَكْر الدينوري، الحافظ الفقيه. [المتوفى: 468 هـ]
رحل، وسمع بمصر والشام، ولقي خَلَف بْن مُحَمَّد الواسطي، وعبد الغني بْن سَعِيد الأزْدي، وصَدَّقَة بْن الدَّلَم الدَّمشقي، وجماعة. وكتب الكثير، وكان سُفْيانيّ المذهب. رَوَى عَنْهُ عَبْد الْعَزِيز الكتاني، وغَيْث الأرمنازي، وأبو طاهر الحِنَّائيِّ.
قال هبة اللَّه الأكفاني: كَانَتْ له عناية جيدة بمعرفة الرجال.
حدَّث بشيءٍ يسير، وولي القضاء بدَمِيرَة، وامتنع بأَخَرَة من إسماع الحديث، وكان الخطيب قد طلب أن يسمع منه فأبى عليه، تُوُفّي فِي رجب.(10/271)
269 - ناصر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن العبّاس، أبو نصر الطُّوسيّ، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 468 هـ]
من كبار الأئمة، تفقه على أَبِي مُحَمَّد الْجُويني، وكانت له كُتُب مفتخرة كثيرة. روى عن ابن مَحْمِش الزيادي، وأبي بَكْر الحِيريّ، وأكثر عن المتأخرين.(10/271)
270 - ناصر بْن مُحَمَّد بْن علي بْن عُمَر، أبو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ، التُّركيّ الأصل، [المتوفى: 468 هـ]
صهر أَبِي حكيم الخَبْرِيّ، ووالد الحافظ أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن ناصر.
أفنى عمره فِي القراءات وطلب أسانيدها، وكان حاذقًا مجوّدًا لُغَوِيًّا، سمع الكثير من كتب اللُّغة، وسمع الناس بقراءته الكثير، وكان أبو بَكْر الخطيب يرى له ويقدمه على من حضر، ويأمره بالقراءة. وهو الَّذِي قرأ عليه " التاريخ " للناس.
وكان ظريفا فصيحا صبيحًا مليحًا حيِّيًّا، مات فِي الشبيبة، وقد روى القليل. سمع الخطيب، وأبا جعفر ابن المسلمة، والصَّرِيفيني، وهذه الطبقة. [ص:272]
قال ابن ناصر: وُلِد أَبِي فِي جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وأخبرتني والدتي رابعة بِنْت الخَبْرِيّ أن والدي توفي فِي رابع عشر ذي القعدة سنة ثمانٍ وستين، رحمه اللَّه تعالى.
قَلت: تُوُفّي وابنه طفل يرضع بعد، وكان قد قرأ بواسط على غلام الهراس، وببغداد على أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن علي الخياط، وأبي علي ابن البناء، وجماعة. وكتب بخطه المليح كثيرا، وصنَّف فِي القراءات كتابًا، وقد رثاه البارع بقصيدة.(10/271)
271 - نصر بْن محمود بْن نصر بْن صالح بْن مرداس. [المتوفى: 468 هـ]
تملّكَ حلب بعد أَبِيهِ سنة، ووثب عليه الأتراك فقتلوه بظاهر حلب. وكان جوادًا ممدَّحًا جيّد السيرة، ولابن حيوس فِيهِ مدائح، وقد أجازه مرّةً بألف دينار. وتملك بعده أخوه سابق آخر ملوك بني مرداس.(10/272)
272 - يحيى بْن سَعِيد بْن أَحْمَد بْن يحيى، أبو بكر ابن الحديدي الطُّلَيْطِليّ. [المتوفى: 468 هـ]
سمع من أَبِي مُحَمَّد بْن عَبَّاس، وحماد بْن عمار. وناظر على أَبِي بَكْر بْن مغيث.
وكان نبيلًا متفننًا، فصيحًا مقدما في الشورى، وكان ذا مكانة عند المأمون يحيى بْن ذي النون، دخل معه قرطبة إذ ملكها، وكان غالبًا عليه، فَلَمَّا تُوُفّي المأمون استثقله حفيده القادر بالله حَتَّى قُتِل بقَصره فِي محرَّم سنة ثمانٍ.(10/272)
273 - يَعْلَى بْن هبة اللَّه بْن الفُضَيْل، أبو صاعد الفُضِيلي الهَرَويّ القاضي. [المتوفى: 468 هـ]
من بقايا الشيوخ بهَرَاة، روى عن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي شريح وغيره. وعنه أبو الوقت وهو آخر من حدَّث عَنْهُ. عاش أربعًا وثمانين سنة، ومن الرواة عَنْهُ أبو الفخر جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب الهروي.(10/272)
274 - يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، أبو القاسم المِهْرَواني الهَمَذَانيّ. [المتوفى: 468 هـ]
كان يسكن رباط الزوزني، وكان صالحًا زاهدًا ورِعًا ثقة معَمَّرًا. سمع أَبَا أَحْمَد بْن أَبِي مُسْلِم الفرَضي، وأبا عُمَر بن مَهْدي، وأبا الحسن بن الصلت، وأبا محمد ابن البيع، وأبا الْحُسَيْن بْن بشران.
وخرج له أبو بَكْر الخطيب خمسة أجزاء، وابن خيرون ثلاثة أجزاء. رَوَى عَنْهُ يوسف بْن أيوب الهمذاني، وأبو بكر الأنصاري، وإسماعيل ابن السمرقندي، وأبو منصور القزاز، ويحيى ابن الطراح، والأرموي.
تُوُفّي فِي رابع عشر ذي الحجّة، ودُفِن على باب رباط الزَّوْزنيّ.(10/273)
275 - يوسف بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن حسن، أبو القاسم الهَمَذَانيّ الخطيب المحدِّث. [المتوفى: 468 هـ]
رحل وصنَّف وجمعَ الجموع، وانتشرت روايته، سمع بهمذان أَبَا سهل عُبَيْد اللَّه بْن زِيرَك، وأبا بَكْر بْن لال، وأحمد بْن إِبْرَاهِيم التميمي، وأبا طاهر بْن سلمة. وببغداد أَبَا أَحْمَد الفرضي، وأبا الْحَسَن بْن الصلت، وابن مَهْديّ الفارسي، وأبا الفتح بْن أَبِي الفوارس.
رَوَى عَنْهُ حفيده أبو مَنْصُور سعد بْن سَعِيد الخطيب، وأبو عليّ أَحْمَد بْن سعد العجلي، وهبة اللَّه بْن الفَرَج، والرئيس أبو تمام إِبْرَاهِيم بْن أحمد الهَمَذَانيّ البُرُوجِرْديّ.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت هبة اللَّه بْن الفَرَج يقول: كان يوسف بْن مُحَمَّد الخطيب شيخًا كبيرًا صاحب كرامات.
وذكره إلْكِيَاشِيُرويه الدَّيْلَمي فأثنى عليه، ووصفه بالصِّدق والدّيانة، وقال: مولده فِي سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. قال: وتُوُفّي فِي خامس ذي القعدة.(10/273)
-سنة تسع وستين وأربعمائة(10/274)
276 - أَحْمَد بْن عَبْد الرحيم بْن أَحْمَد، أبو الْحَسَن الإسماعيلي النَّيْسابوري، الحاكم المعدل. [المتوفى: 469 هـ]
حدَّث عن أبي الحسين الخفاف، ويحيى بن إسماعيل الحربي، وأبي العباس السليطي، وأبي علي الروذباري. وعمر دهرا؛ روى عنه إسماعيل بن أبي صالح المؤذّن، وزاهر ووجيه ابنا الشحامي، وعبد الغافر الفارسي ووثقه.
وكذا وثقه ابن السمعاني، وكان يعظ. إلى أن قال السمعاني: وروى " السُّنَن " لأبي دَاوُد عن أَبِي عليّ الْحَسَن بْن دَاوُد بْن رضوان السَّمَرْقَنْديّ صاحب ابن داسة. وقيل: إنه سمعه أيضا من الروذباري.
توفي فِي رابع عشر جُمَادَى الآخرة.(10/274)
277 - أَحْمَد بْن عبد الواحد بن أبي بكر محمد بن أحمد بْن عُثْمَان بْن الحَكَم السُّلَميّ الدَّمشقيّ، أبو الْحَسَن بْن أَبِي الحديد. [المتوفى: 469 هـ]
سمع جدّه، وأباه، وجده لِأُمِّهِ أَبَا نصر بْن هارون، وأبا الْحَسَن بن عليّ بْن عَبْد اللَّه بْن جهضم؛ لقِيَه بمكّة، وابن أَبِي كامل، وابن أَبِي نصر. روى عنه أبو بكر الخطيب، وعمر الرواسي، وأبو القاسم النسيب، وأبو محمد ابن الأكفاني، وعبد الكريم بْن حَمْزَة، وعليّ بْن المسلم الفقيه، وطاهر بن سهل الإسفراييني، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدي، وآخرون.
وكان ثقة جليلًا، متفقدًا لأحوال الطلبة الغرباء.
ولد سنة ست وثمانين وثلاثمائة.
وقال ابن الأكفاني: كان ثقة عَدْلًا رِضي، توفي في ربيع الأول.(10/274)
278 - أحمد بن محمد بْن أَحْمَد بْن القاسم بْن سهلويه، أبو العباس الطهراني الأصبهاني، [المتوفى: 469 هـ]
وطهران: قرية على باب إصبهان. [ص:275]
سمع أبا عبد الله بن منده، روي عَنْهُ أَبُو سَعْد أَحْمَد الْبَغْدَادِي، ومات فِي رمضان.
وروى عَنْهُ يحيى بْن مَنْدَهْ، وأبو عليّ الحدّاد، وهو ابن أخت الجوّاز.(10/274)
279 - أَسْبَهْدُوست بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن، أبو مَنْصُور الدَّيْلَمي الشاعر. [المتوفى: 469 هـ]
أَخَذَ عن عَبْد السلام بْن الْحُسَيْن البصري اللغوي، والحسين بْن أَحْمَد بْن حجاج المحتسب، وأبي نصر عبد العزيز بن نباتة وروى عنه "ديوانه".
وكان شيعيا غاليا، ثُمَّ ترك ذلك. وَفِي شعره سُخْفٌ ومُجُون، ومعانٍ بديعة؛ رَوَى عَنْهُ أَحْمَد بْن خَيْرون، وعبيد اللَّه بْن عَبْد الْعَزِيز الرسولي، وأبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبو سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزوزني، وأبو مَنْصُور القزّاز، وآخرون.
وله فِي أَبِي الفتوح الواعظ، ولم يكن فِي زمانه أحسن منه صورة:
وواعظٍ تَيَّمَنَا وعْظُهُ ... فَعُرْفُه شِيبَ بإنكارِ
ينْهى عن الذَّنْب وألْحاظه ... تأمرُ فِي الذَّنْب بإصرار
وما رأينا قبله واعظًا ... مُكسِب آثامٍ وأوزارٍ
لسانُهُ يدعو إِلَى جنّةٍ ... ووجهُهُ يدعو إلى نار
توفي فِي ربيع الأول وله سبع وثمانون سنة.(10/275)
280 - حاتم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حاتم، أبو القاسم التميمي القرطبي، المعروف بابن الطَّرابُلسيّ، [المتوفى: 469 هـ]
أصله من طرَابُلس الشام.
شيخ معمَّر محدّث مُسْند، مولده بخطّ جدّه فِي نصف شعبان سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. سمع من عُمَر بْن حُسَين بْن نابِل الأُمَويّ صاحب قاسم بْن أصْبغ، ومن أَبِي المطرِّف بْن فُطَيْس الحاكم، ومحمد بْن عُمَر ابن الفخار، وحماد الزاهد، والفقيه أبي محمد ابن الشقاق، والطلمنكي. ورحل سنة اثنتين وأربعمائة فلازم أَبَا الْحَسَن القابسي وأكثر عَنْه، إِلَى أن تُوُفّي الشَّيْخ فِي جمادي الأولى سنة ثلاث. فحج فِي بقية السنة، وأدرك أَحْمَد بن إبراهيم بن فراس [ص:276] العبقسي وسمع منه، وحمل " صحيح مسلم " عن أَبِي سَعِيد السِّجْزِيّ عُمَر بْن مُحَمَّد صاحب الْجُلُودي، ولم يكتب بمصر شيئًا. وأخذ عن أبي عبد الله محمد بْن سُفْيان كتابه " الهادي " فِي القراءات. وتفقه بالقيروان، ودخل بلد الأندلس بعلمٍ جم، وسكن طُلَيْطُلَة، وأخذ بها عن أَبِي مُحَمَّد بْن عَبَّاس الخطيب، وخَلَف بْن أَحْمَد، وعليّ بْن إِبْرَاهِيم التِّبْرِيزيّ. وسمعَ ببجّانة من أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن الوهْراني.
قال الغساني: كان شيخنا مِمَّنْ عني بتقييد العلم وضبطه، ثقة فيما يروي، كتب أكثر كُتُبه بخطّه، وكان مليح الكتابة.
وقال أبو الْحَسَن بْن مغيث: كَانَتْ كتبه في نهاية الإتقان، ولم يزل مثابرًا على حمل العلم وبثه والقعود لإسماعه، والصبر على ذلك مع كبر السنّ، أَخَذَ عَنْهُ الكبار والصغار لطول سِنّه.
قال: وقد دُعي إِلَى القضاء بقُرْطُبة فأبى، وكان فِي عِداد المشاورين بها.
وممن روى عن حاتم أبو مُحَمَّد بْن عَتّاب، وكان أسند من بالأندلس فِي زمانه.
توفي فِي عاشر ذي القعدة.(10/275)
281 - حيان بْن خلف بْن حُسَيْنِ بْن حيان، أبو مروان القرطبي، [المتوفى: 469 هـ]
مَوْلَى بني أمية، شيخ الأدب ومؤرخ الأندلس.
لزم الشَّيْخ أَبَا عُمَر بْن أَبِي الحُباب النحوي صاحب القالي، وأبا العلاء صاعد بْن الْحَسَن. وسمع الحديث من أَبِي حَفْص عُمَر بْن حُسَيْنِ بْن نابل وغيره. روى عَنْه أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن عتاب، وأبو الْوَلِيد مالك بْن عَبْد اللَّه السَّهْلي، وأبو علي الغساني ووصفه بالصدق وقال: ولد سنة سبع وسبعين وثلاثمائة.
وقال أبو عبد اللَّه بْن عَوْن: كان أبو مروان بْن حيّان فصيحًا بليغًا، وكان لا يتعمد كذِبًا فِيما يحكيه فِي "تاريخه" من القصص والأخبار.
قلت: له كتاب " المقتبس فِي تاريخ الأندلس " فِي عشر مجلَّدات، وكتاب [ص:277] " المتين فِي تاريخ الأندلس " أيضًا ستين مجلّدًا. ذكرهما ابن خلكان القاضي.
ورآه بعضهم فِي النوم فسأله عن " التاريخ " الَّذِي عمله، فقال: لقد ندِمُت عليه، إلا أن اللَّه أقالني وغفر لي بلُطْفه.
تُوُفّي في أواخر ربيع الأول.(10/276)
282 - حيدرة بن علي بن محمد، أبو المنجى القحطاني الأنطاكي المالكي المعبر. [المتوفى: 469 هـ]
حدَّث بدمشق عن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نصر، والقاضي عَبْد الوهاب بْن عليّ المالكي، والحسن بْن علي الكفرطابي. روى عنه أبو محمد ابن الأكفاني، وأبو الْحَسَن بْن المسلم الفقيه، وعليّ بن أحمد بن قبيس، وأبو المفضل يحيى بْن عليّ القُرَشيّ.
قال ابن الأكفانيّ: كان من أَهْل الدين. قال: وكان يذكر انه يحفظ فِي علم تعبير الرؤيا عشرة آلاف ورقة، وثلاثمائة ونيّفًا وسبعين. كان يقول: زدتُ على أستاذي عَبْد الْعَزِيز بْن عليّ الشهرُزُوريّ المالكي بحِفْظ ثلاثمائة وسبعين ورقة.
قلتُ: هكذا كَانَتْ أيُّها اللَّعابُ هِمَمُ العلماء وأذهانهم، وأين هَذَا من محفوظات علمائنا اليوم؟(10/277)
283 - رِزْقُ اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الأخضر الأنباري، [المتوفى: 469 هـ]
أخو أَبِي الْحَسَن الأقطع.
كان ثقة، روى عن أَبِي عُمَر بْن مَهْديّ، وتُوُفّي ليلة عيد الفِطْر، رَوَى عَنْهُ قاضي المرستان.(10/277)
284 - سُلَيْمَان بْن عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد، أبو العلاء الحَسْنَابَاذيّ الأصبهاني. [المتوفى: 469 هـ][ص:278]
روى عن أبي عبد الله بن منده، وإبراهيم بن خرشيذ قوله. روى عنه أبو عبد الله الخلال وغيره.
مات في ذي الحجة.(10/277)
285 - طاهر بن أحمد بن بابشاذ، أبو الحسن المصري الجوهري النحوي، [المتوفى: 469 هـ]
صاحب التصانيف.
ورد العراق تاجرًا فِي اللؤلؤ، وأخذ عن علمائها. ثُمَّ رجع وخدم بمصر فِي ديوان الرسائل لإصلاح المكاتبات وإعرابها، وقرروا له فِي الشهر خمسين دينارًا، ثُمَّ استعفى من ذلك فِي آخر عمره، وتزهَّد فِي منارة جامع عَمْرو بْن العاص.
وكان شيخ الديار المصرية فِي الأدب، ألَّف شرحًا "للجُمَل" فِي غاية الحسن، وصنف كتاب " الحسبة فِي النحو " ثُمَّ شرحها. أَخَذَ عَنْهُ أبو القاسم ابن الفحام المقرئ، ومحمد بْن بركات السَّعِيديّ شيخ ابن بري. وصنف كتابا سماه " تعليق الغرفة " فِي النحو؛ ألّفه أيام انقطاعه.
وبَلَغنَا أن سبب تزهُّدِه أنه كان إذا جلس للغداء جاءه سنور فوقف بين يديه، فإذا ألقى له شيئًا لا يأكله، بل يحمله ويمضي، فتبِعَه يومًا لينظر أَيْنَ يذهب، فإذا هُوَ يحمله إلى موضع مظلم في الدار فيه سِنَّورٌ أُخرى عمياء، فيُلْقِيه لها فتأكله. فبُهِتَ من ذلك، وقال: إن الَّذِي سخر هَذَا السنور لهذه المسكينة ولم يهمله قادرٌ أن يُغْنِيني عن هَذَا العالم. فلزم منارة الجامع كما ذكرنا، ثُمَّ خرج ليلة لشيء عرض له، والليلة مقمرة، وَفِي عينيه بقية من النوم، فسقط من المنارة إِلَى سطح الجامع فمات.
وأبوه من مشيخة أبي عبد الله الرازي.
قد مر.(10/278)
286 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أبو القاسم الطوسي الزاهد، المعروف بكركان، [المتوفى: 469 هـ]
من أَهْل الطابران.
شيخ الصوفية فِي عصره، ذو المجاهدة والأحوال، خدم الكبار، ولازم [ص:279] الفقراء. وله الدُّوَيَرة والأصحاب الذين اهتدوا بهدْيه، وكان زكي النَّفْس مبارَك الصُّحْبَة، بقيت آثاره على المنتمين فِي الطريقة إليه. سمع عَبْد اللَّه بْن يوسف، وحمزة بْن عَبْد الْعَزِيز المهلبي، وأحمد بْن الْحَسَن الحِيري، وأصحاب الأصمّ.
قدِم بغدادَ فِي صِباه، وسمع بمكة من محمد بن أبي سعيد الإسفراييني وغيره.
قال السمعاني: حدثنا عَنْهُ ابن بنته عَبْد الواحد ابن القُدوة أبي علي الفضل الفارمذي، وعبد الجبار الخواري. مات فِي ربيع الأوّل.(10/278)
287 - عَبْدِ اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن أَحْمَد بن مجيب بْن المجمع بْن بحر بن معبد بْن هَزَارْمَرْد، أبو مُحَمَّد الصريفيني، [المتوفى: 469 هـ]
خطيب صريفين.
اختلفوا فِي نسبه فِي تقديم " مجيب " على " مجمِّع ".
وُلِد فِي صفر سنة أربعٍ وثمانين، وسمع أَبَا القاسم بْن حَبَابَة، وابن أخي ميمي الدّقّاق، وأبا حَفْص الكتاني، وأبا طاهر المخلّص، وأَمَةَ السلام بِنْت القاضي أَحْمَد بْن كامل، وجماعة.
ذكره الخطيب فقال: المعروف والده بَهَزارْمَرد، قدِم بغداد دُفعات، وحدَّث بها، وكان صدوقًا.
وقال أبو سعد السمعاني: هُوَ شيخ صالح خير، صارت إليه الرحلة من الأقطار، وُلد ببغداد وسكن صريفين. قال: وكان أحمد الناس طريقة، وأجملهم خليقة، وأخلصهم نية، وأصفاهم طوية، سمع منه الكبار مثل قاضي القضاة أَبِي عَبْد اللَّه الدامغاني، وأبي بَكْر الخطيب، والحميدي، وجدّي أَبِي المظفر السمعاني، وهبة اللَّه الشيرازي، ومحمد بْن طاهر المقدسي. وحدثنا عنه أبو بكر الأنصاري، وأبو القاسم ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وعلي بْن علي بْن سكينة.
وحكى ابن طاهر أن هبة اللَّه بْن عَبْد الوارث كان مصعدًا إِلَى الشام منصرفًا من بغداد، فدخل صريفين، فرأى شيخًا ذا هيئةٍ قاعدًا على باب داره، فسأله: هَلْ سمعت شيئًا؟ فقال: سمعت ابن حَبَابَة، والمخلِّص، وأبا حَفْص [ص:280] الكتاني، وطبقتهم. فتعجب من ذلك، وطالبه بالأُصُول، فأخرج له أُصولًا عُتْقًا بخط ابن البقال وغيره، وفيها سماعه، فقرأ هبةُ اللَّه ما كان عنده ونَسَخه. ونمَّ الخبر إِلَى عُكْبَرَا وبغداد. قال: فرحل الناسُ إليه وسمعوا منه.
وقال أبو الفضل بْن خَيْرُون: أبو مُحَمَّد بْن هَزَارْمَرْد ثقة، وله أصول جِياد. قرأتُ بخطّ والده: وُلِد ابني ليلة الجمعة لخمسٍ خَلَوْن من صَفَر، وسمع من المخلّص كتاب " النسب "، وكتاب " الفتوح "، وكتاب " المزني "، و" أخبار الأصمعي "، وكتاب " البرّ والصِّلَة "، وكتاب " الزُّهْد " لابن الْمُبَارَك، وكتاب " مُزاح النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم "، ومن الفوائد جملة.
توفي ابن هزارمرد في ثالث جمادى الآخرة.(10/279)
288 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، العلامة أبو مُحَمَّد الأصبهاني الشافعي الكروني، [المتوفى: 469 هـ]
مفتي البلد، وإمام الجامع العتيق.
سمع ببغداد من الحمامي، وابن بِشْران. أرّخه يحيى بْن منده.(10/280)
289 - عَبْد الباقي بْن أَحْمَد بْن عُمَر، أبو نصر الواعظ. [المتوفى: 469 هـ]
من أَهْل الأدب واللغة والشِّعْر. سمع أَبَا الْحُسَيْن بْن بشران، وأبا عليّ بن شاذان. روى عنه يحيى ابن الطراح.
ومات في شعبان.(10/280)
290 - عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أبو مُحَمَّد البَحِيريّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 469 هـ]
فقيه خير، روي "مُسْنَد أَبِي عَوَانة" عن أَبِي نعيم الإسفراييني. رَوَى عَنْهُ وجيه الشّحّامي، وهبة الرَّحْمَن القُشَيْريّ. قرأ عليه أبو المظفّر السمعاني جميع " مُسْنَد أَبِي عَوَانَة ".(10/280)
291 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن طاهر، أبو زَيْدُ المُرْسيّ. [المتوفى: 469 هـ]
روى عن أَبِي الوليد بن ميقل، وأبي القاسم ابن الإفليليّ. وحجّ فسمع من أَبِي ذر، وجماعة. [ص:281]
وكان فقيهًا مُفْتيا، عاش اثنتين وستين سنة.(10/280)
292 - عَبْد الكريم بْن أَحْمَد بْن طاهر بْن إبراهيم، القاضي أبو سعد الوزان الرازي. [المتوفى: 469 هـ]
إمام مناظر، بارع، محتشم، نبيل كبير القدر، سمع أبا بكر عبد الله بن أحمد القفّال المَرْوَزي، وأبا بكر الحيري، والأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني، والطرازي، وطائفة. روى عنه زاهر بن طاهر.(10/281)
293 - عَبْد الكريم بْن الْحَسَن بْن عليّ بْن رزْمة، أبو طاهر الخبّاز الكَرْخيّ. [المتوفى: 469 هـ]
صالح صدوق، صاحب أُصول جِياد. سمع أَبَا عُمَر بْن مَهْدي، وأبا الْحَسَن بْن رزقُوَيْه. رَوَى عَنْهُ يوسف بن أيوب الهمذاني، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدي، وعليّ بْن عَبْد السلام، وغيرهم.
ووثقه أبو الفضل بْن خَيْرُون وقال: تُوُفّي فِي ثاني عشري ربيع الآخر.(10/281)
294 - عُبَيْد اللَّه، أبو القاسم، ولد القاضي أبي يعلى ابن الفراء الفقيه، [المتوفى: 469 هـ]
أخو أبي الحسين وأبي خازم.
قرأ القراءات على أبي بكر محمد بن علي الخياط، وأبي علي ابن البناء، وتفقه على والده، ثُمَّ على أَبِي جعفر بْن أَبِي مُوسَى، وسمع من الخطيب. وأكثر من الحديث، وتوسَّع من العلم.
وتوفي شابًّا بطريق مكّة وهو ابن سبْعٍ وعشرين سنة.
حدث عنه أخوه أبو الحسين، وعمر الرواسي، والمبارك بْن عَبْد الجبّار.(10/281)
• - عليّ بْن مُحَمَّد بْن نصر بْن اللبّان، المحدِّث. [المتوفى: 469 هـ]
ذُكِر فِي العام الماضي.(10/281)
295 - عُمَر بْن أَحمد بْن مُحَمَّد بْن مُوسَى، الحافظ أبو مَنْصُور الْجُوري الحنفي الصوفي. [المتوفى: 469 هـ]
كان متعبدًا منعزلًا على طريقة السلف، ومن خواص أصحاب أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السلمي، أكثر عَنْه، وكتب عَنْهُ مُصنفاته. وسمع قبله من أَبِي الْحُسَيْن الخفّاف، وأبي نُعَيْم عَبْد الملك بْن الْحَسَن، ومحمد بْن الْحُسَيْن العلوي، وجماعة. رَوَى عَنْهُ زاهر ووجيه ابنا الشحامي.
وتُوُفّي فِي جُمادى الآخرة.
وروى عَنْهُ أيضًا عَبْد الغافر بن إسماعيل، وإسماعيل ابن المؤذّن، وأبو عَبْد اللَّه الفُراوي، وهو من جور نيسابور.(10/282)
296 - الفضل بْن الفَرَج، أبو القاسم الأصبهاني الأحدب، [المتوفى: 469 هـ]
من سادة الصُّوفيّة.
كان عابدًا قانتًا مجتهدًا، ترك فراشه ثلاثين سنة، وكان يقوم أكثر الليل، وقد جاوَر مدّةً.
قال يحيى بْن مَنْدَهْ: كان والله للقرآن تاليا، وعن الفَحْشَاء ساهيا، وعن المُنْكَر ناهيا، ومن دُنياه خاليا، وفي الأحوال لله شاكرا. مات فجاءة في الحمام في شوّال.(10/282)
297 - محمد بْن أحْمَد بْن محمد بْن الْحَسَن بْن هارون، أبو الْحَسَن البَرَدَاني الحنبلي الفَرَضيّ. [المتوفى: 469 هـ]
وُلِد بالبَرَدَان فِي سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة، وسكن بغداد من صِغَره. وسمع أَبَا الْحَسَن بْن رِزْقُوَيْه، وأبا الحسين بْن بشْران، وأبا الفتح بْن أَبِي الفوارس، وأبا الفضل التميمي، وأبا الحسن بن البادا، والحفّار. رَوَى عَنْهُ ابنه أبو عليّ الحافظ، وأبو بَكْر الْأَنْصَارِيّ.
وكان دينًا ثقة، عارفًا بالفرائض، كتب الكثير.
تُوُفّي فِي ذي القعدة.(10/282)
298 - محمد بن أحمد بن سعيد، أبو عبد الله ابن الفراء الجياني المقرئ. [المتوفى: 469 هـ]
كان فاضلا زاهدا، أَخَذَ القراءات عن مكّيّ بْن أَبِي طَالِب، وأقرأ الناس، وحج فِي آخر عمره، ومات بمكّة. قرأ عليه بالروايات عليّ بْن يوسف السالمي.(10/283)
299 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن منظور بْن عَبْد اللَّه بْن منظور القَيْسيّ، أبو عُبَد اللَّه الإِشْبيليّ. [المتوفى: 469 هـ]
حجَّ وجاور سنةً، وسمع " الصحيح " من أَبِي ذَرّ.
وكان من أفاضل الناس، حسن الضَّبْط، جيّد التقييد، صدوقًا نبيلًا. تُوُفّي فِي شوال.
رَوَى عَنْهُ نسيبه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن منظور، وأبو عليّ الغسّاني، ويونس بْن مُحَمَّد بْن مغيث، وشُرَيْح بْن مُحَمَّد، وآخرون.
وكان موصوفًا بالصلاح والفضل، من كبار الأئمّة، لقي أيضًا أَبَا النجيب الأُرْمَوِي، وأبا عَمْرو السَّفاقسيّ، وعاش سبعين سنة.(10/283)
300 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن وهْب، أبو الْحُسَيْن الهَمَذَانيّ البيع. [المتوفى: 469 هـ]
روى عن ابن تُرْكان، وأبي عُمَر بْن مَهْديّ الفارسي.
قال شيرويه: سمعتُ منه، وكان صدوقًا، قال لي: ولدت سنة أربع وثمانين، وتوفي في ثالث عشر جُمَادَى الأولى.(10/283)
301 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن الْحُسَيْن بْن سِكّينة، أبو عُبَد اللَّه الْبَغْدَادِيّ الأنْماطي. [المتوفى: 469 هـ]
صالح ورعِ ثقة، وُلِد سنة تسعين وثلاثمائة، سمع الكثير، ولكن ذهبت أكثر أصوله فِي النَّهْب؛ نهْب البساسيري. سمع عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد الصيدلاني، ومحمد بْن فارس الغوريّ. رَوَى عَنْهُ أبو بَكْر الْأَنْصَارِي، وأبو [ص:284] القاسم ابن السَّمَرْقَنْدي، وعبد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يوسف، وعبد المنعم بْن أَبِي القاسم القُشَيْريّ.
ومات في ذي القعدة.
قال الخطيب: كتبتُ عَنْه، وكان لا بأس به.(10/283)
302 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن صالح، الأستاذ أبو طاهر الجبُّلي، ويُعرف بصاحب الجبُّلي، وبابن العلّاف، وبالمؤدِّب الشاعر. [المتوفى: 469 هـ]
روى عَنْ أَبِي عليّ بْن شاذان. رَوَى عَنْهُ الْمُبَارَك ابن الطيوري، وأبو غالب القزاز، وهبة الله بن عبد الله الواسطي، وجماعة.
قال السلفي: أنشدنا محمد بن عبد الملك الأسدي قال: أنشدنا أبو طاهر صاحب الْجَبُّليّ لنفسه:
قد سَتَرَتْ وجْهَها عن البشر ... بساعد حل عِقْدَ مُصْطَبَري
كأنه والعيونُ ترمُقُهُ ... عَمُودُ نورٍ فِي دارة القمرِ
وممّا سار له قوله:
أتأذَنُ لي فِي أن أبُثَّك ما ألقي؟ ... فلست وإن دام التجلد لي أبقى
حَظَرت على طَرْفي الهجوع فلم أَنَمْ ... وأطْلقت عيني بالدموع فَمَا ترقا
جرى فِي مجاري الروح حُبُّكَ وانْثَنَى ... فلم يُبْق لي عظمًا ولم يُبْقِ لي عِرْقا
أيا مُتْلِفي شَوْقًا، ويا مُحْرِقي جَوًى ... ويا مُلْبِسي سُقْمًا، ويا قاتلي عِشْقا
أرى كل مملوكٍ يُسَرّ بعتْقِه ... سواي، فإني عاشق أكره العتقا
توفي فِي المارستان عن ستٍ وثمانين سنه.(10/284)
303 - مُعَاوِيَة بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُعارك، أبو عَبْد الرَّحْمَن العقيقي القُرْطُبيّ. [المتوفى: 469 هـ]
شيخ محدِّث، ومقرئ مجوّد. روى عن عُمَر بْن حُسَيْنِ بْن نابِل، وأبي بَكْر بْن وافد القاضي، وأبي القاسم الوَهْراني، وأبي المطرِّف القَنَازِعي، وأبي مُحَمَّد بْن بنّوش، ويونس بْن مغيث. وعني بالعلم وسماعه وتقييده، وكان [ص:285] مجوِّدًا للقرآن، وكان ينوب في إمامة جامع قرطبة، دفن يوم عيد الفِطْر.(10/284)
304 - مغيث بْن مُحَمَّد بْن يونس بن عبد الله بن محمد بن مُغيث، أبو الْحَسَن القرطبي. [المتوفى: 469 هـ]
لزِم جدَّه يُونُس وأكثر عَنْهُ، رَوَى عَنْهُ حفيده يُونُس بْن مُحَمَّد بْن مغيث.
وتوفي فِي ربيع الأوّل محبوسًا بإشبيلية للمحنة التي نزلت به - قدّس الله روحه - عن ست وسبعين سنة.(10/285)
305 - نجا بْن أَحْمَد بْن عَمْرو بْن حرب، أبو الْحُسَيْن الدَّمشقيّ العطار المحدِّث. [المتوفى: 469 هـ]
سمع أَبَا الحسن ابن السِّمْسار، وأبا علي وأبا الْحُسَيْن ابنا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نصر، ومحمد بْن الْحُسَيْن الطّفّال الْمَصْرِي، وخلقًا سواهم.
وكتب الكثير، وخرّج لنفسه مُعْجَمًا. رَوَى عَنْهُ الحافظ عَبْد الْعَزِيز الكتاني وهو من شيوخه، وعمر الرُّواسي، وأبو محمد ابن الأكفاني، وأبو الحسن بن المسلم الفقيه. وقد سمع ببيروت من عَبْد الوهاب بْن برهان، وبمكّة ومصر.
قال غيث الأرمنازي: كان سماعه صحيحًا، إلا أنه لم يكن له فَهْمٌ بالحديث؛ ففي مُعْجَمه من الخطأ والتصحيف ما اللَّه بْه عليم.
ولد سنة أربعمائة، وتُوُفّي فِي عاشر صَفَر، وأوّل سماعه بعد الثلاثين.(10/285)
306 - يحيى بن علي بن محمد، أبو القاسم الحمدويي الكُشْمِيهَنيّ المَرْوَزِي، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 469 هـ]
قال السمعاني: كان فقيهًا مدرسًا، ورِعًا متقنًا، قيل: إنه تفقه على أَبِي مُحَمَّد والد إمام الحرمين، وسمع الحديث وأملى عدة مجالس، وحجّ سنة ثلاثٍ وعشرين وأربعمائة. سمع أَبَاه، وأبا الهيثم مُحَمَّد بْن مكّيّ الكُشْمِيهَني - كذا قال ابن السمعاني - وأبا سعد الماليني، وأَبَا بَكْر البَرْقاني، وأبا عليّ بْن شاذان.(10/285)
-سنة سبعين وأربعمائة(10/286)
307 - أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن سُلَيْمَان، أبو عَبْد اللَّه الواسطي التاجر. [المتوفى: 470 هـ]
سمع أَبَا أَحْمَد بْن أبي مسلم الفرضي، وأبا عمر بن مهدي، وعلي بن محمد بن عبد الله بن بشران. وروي اليسير، وتُوُفّي بخوزستان.
رَوَى عَنْهُ أبو الحسن بن عبد السلام، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ.
تُوُفّي فِي ربيع الأوّل، وقد خانق السبعين.(10/286)
308 - أَحْمَد بْن عَبْد الملك بْن عليّ بْن أَحْمَد بْن عَبْد الصمد بْن بَكْر، أبو صالح النَّيْسابوري المؤذن الحافظ الصُّوفيّ، محدِّث نيسابور. [المتوفى: 470 هـ]
سمع أبا نعيم عبد الملك الإسفراييني، وأبا الْحَسَن العَلَوي، وأبا طاهر الزيادي، وأبا يَعْلي المهلّبي، وعبد اللَّه بْن يوسف بْن بامويه، وأبا عَبْد اللَّه الحاكم، وأبا عَبْد الرَّحْمَن السلمي، وخلقا من أصحاب الأصم. ورحل فسمع بجُرْجَان من حَمْزَة بْن يوسف الحافظ، وبإصبهان من أبي نعيم، وببغداد من أبي القاسم بن بشْران، وبدمشق من المسدَّد الأُمْلُوكي وعبد الرَّحْمَن بْن الطُّبَيز وأمثالهم، وبمكّة من أَبِي ذَرّ الهَرَوي، وبَمْنبج من الْحَسَن بْن الأشعث المَنْبِجِيّ. وصحِب فِي الطريقة أَبَا عليّ الدّقّاق، وأحمد بْن نصر الطالقانيّ. وعمل مسوَّدَة " تاريخ مَرْو ".
قال زاهر الشّحّاميّ: خرج أبو صالح ألف حديث عن ألف شيخ له.
وقال الخطيب: قدِم أبو صالح علينا فِي حياة ابن بشران، وكتب عني وكتبت عَنْهُ، وقال لي: أوّل سماعي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وكنتُ إذ ذاك قد حفظت القرآن. وكان ثقة.
قلت: وُلِد سنة ثمانٍ وثمانين، وأول سماعه كان من أبي نعيم الإسفراييني لمّا قدِم نيسابور، وحدَّث " بمُسْنَد " الحافظ أَبِي عَوَانَة.
وذكره أبو سعد السمعاني فقال: صوفي، حافظ متقن، نسيج وحده فِي الجمع والإفادة، وكان الاعتماد عليه فِي الودائع من كُتُب الحديث التي فِي الخزائن الموروثة عن المشايخ والموقوفة على أصحاب الحديث، فيتعهَّد [ص:287] حفظها، ويتولى أوقاف المحدثين من الحبر والكاغد وغير ذلك، ويؤذن فِي المدرسة البَيْهَقّية مدة سنين احتسابًا، ووعظ المسلمين وذكرهم الأذكار في الليالي على المئذنة، وكان يأخذ صَدَقَات الرؤساء والتُّجّار ويوصلها إِلَى المستحقين والمستورين.
قلت: روى عَنْهُ ابنه إِسْمَاعِيل، وزاهر ووجيه ابنا الشّحّامي، وعبد الكريم بْن الحسين البسطامي، ومحمد بن الفضل الفراوي، وعبد المنعم ابن القُشَيْري، وأبو الأسعد القُشَيْري، وآخرون.
وقال الحافظ عَبْد الغافر بْن إِسْمَاعِيل: أبو صالح المؤذن، الأمين المتقن المحدث، الصوفي، نسيج وحده فِي طريقته وجمعه وإفادته، ما رأينا مثله في حفظ القرآن وجمع الأحاديث، سمع الكثير، وجمع الأبواب والشيوخ، وأذن سنين حسبةً، وتوفي فِي سابع رمضان، وكان يحثني على معرفة الحديث، ولم أتمكن من جمع هَذَا الكتاب إلا من مسودَّاته ومجموعاته، فهي المرجوع إليها فيما أحتاج إِلَى معرفته وتخريجه. إِلَى أن قال: ولو ذهبت أشرح ما رَأَيْت منه لسودت أوراقًا جمة، وما انتهيت إِلَى استيفاء ذلك. سمعتُ منه كتاب " الحلية " لأبي نعيم بتمامه، و " معجم " الطبراني، و" مسند الطيالسي "، و" الأحاديث الألف ". وما تفرّغ لعقد الإملاء من كثرة ما هو بصدده من الإشغال والقراءة عليه.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن هِبَةِ اللَّه، عَنْ عَبْد الْمُعِزِّ الهروي قال: أخبرنا زاهر قال: أخبرنا أبو صالح المؤذن قال: أخبرنا محمد بن محمد الزيادي قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى البزاز قال: حدثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدثنا بشر بن السري قال: حدثنا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُراجِعَها.
وقال أبو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الهَمَذَانيّ: سمعتُ أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن أَبِي زكريا المزكي يقول: ما يقدر أحد أن يكذب فِي الحديث فِي هَذِهِ البلدة وأبو صالح حيٌ. [ص:288]
وسمعت أبا المظفر منصور ابن السمعاني يقول: إذا دخلتم على أَبِي صالح فادخلوا بالحُرْمة، فإنه نجم الزمان، وشيخ وقته فِي هَذَا الأوان.
قال أبو سعد السمعاني: رآه بعض الصالحين ليلة وفاته، وكان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قد أَخَذَ بيده وقال له: جزاك اللَّه عني خيرًا، فنِعْمَ ما أقمت بحقي، ونِعْمَ ما أدَّيتَ من قولي ونشرت من سُنَّتي.(10/286)
309 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن النَّقُّور، أبو الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ البزّاز، [المتوفى: 470 هـ]
مُسْنِد العراق فِي وقته.
رحل الناسُ إليه من الأقطار، وتفرد فِي الدنيا بنسخٍ رواها البغوي عن أشياخه؛ نسخة هُدْبة بْن خَالِد، ونسخة كامل بْن طلحة، ونسخة عمر بن زرارة، ونسخة مُصْعب الزُّبَيْريّ.
وكان مُتَحَرِّيا فيما يرويه، سمع علي بْن عُمَر الحربي، وعلي بْن عَبْد العزيز بن مردك، وعبيد اللَّه بْن حَبَابَة، وعمر بْن إِبْرَاهِيم الكتاني، ومحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن المخلص، ومحمد ابن أخي ميمي الدّقّاق.
رَوَى عَنْهُ الخطيب، وأبو بكر ابن الخاضبة، وابن طاهر المقدسي، والمؤتمن السَّاجي، والحسين بْن عليّ سبط الخياط، وإسماعيل بْن أَحْمَد السمرقندي، وأبو البركات عمر بْن إِبْرَاهِيم الحسيني الكوفي، وأبو الْحَسَن مُحَمَّد بن أحمد بن صرما، وأبو الفضل محمد بن عبد الله ابن المهتدي بالله، وأبو نصر أَحْمَد بْن علي الغازي الأصبهاني، وأبو سعد أَحْمَد بْن مُحَمَّد الزوزني، وأبو نصر إبراهيم بن الفضل البئار، وأبو البدر إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الكرخي، والقاضي مُحَمَّد بْن عُمَر الأرموي، وخلق كثير.
قال الخطيب: كان صدوقًا.
وقال ابن خيرون: هُوَ ثقة.
وقال الحسين سبط الخياط: كُنَّا نكون فِي مجلس ابن النقور، فإذا تكلم أحدٌ من الحلقة قال لكاتب الأسماء: لا تكتب اسمه.
وقال أبو الْحَسَن بْن عَبْد السلام: كان أبو مُحَمَّد التميمي يحضر مجلسه [ص:289] ويسمع منه، ويقول: حديث ابن النَّقُّور سبيكة الذَّهَب، وكان يأخذ على نسخة طالوت بْن عَبّاد دينارًا.
قال ابن ناصر: وإنمّا أَخَذَ ذلك لأن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق الشيرازي أفتاه بِذَلِك، لأن أصحاب الحديث كانوا يمنعونه من الكسب لعياله، وكان أيضًا يمنع من ينسخ فِي سماع الحديث.
وقال أبو عليّ الْحَسَن بْن مَسْعُود الدَّمشقيّ ابن الوزير: كان ابن النَّقُّور يأخذ على جزء طالوت دينارًا، فجاء غريب فقير فأراد أن يسمعه، فقرأه عليه عن شيخه قال: حدثنا البغوي قال: حدثنا أبو عثمان الصَّيْرَفي. فَمَا عرف ابن النَّقُّور أنه طالوت، وحصل للغريب الجزء كذلك.
وُلِد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فِي جُمَادَى الأولى، ومات فِي سادس عشر رجب. وآخر من روى حديثه عاليا الأَبَرْقُوهيّ.(10/288)
310 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن يعقوب بْن حُمَّدُوه، ويقال: حُمَّدُوَيْه، أبو بَكْر الْبَغْدَادِيّ المقرئ الرّزّاز، [المتوفى: 470 هـ]
من أَهْل النَّصْرية.
عُمّر، وكان آخر من حدَّث عن أَبِي الْحُسَيْن بْن سمعون. سمع ابن سمعون، وأبا الفتح بْن أَبِي الفوارس، وابا الْحُسَيْن بْن بشْران، وأبا نصر بْن حسْنُون النَّرْسيّ. وقرأ لعاصم على الحمامي.
ووُلِد فِي صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْدي، وعبد الوهاب الأنْماطي، والمبارك السِّمِّذِيّ، وأبو بَكْر القاضي.
قال أبو سعْد السمعاني: كان زاهدًا منقطعًا، حسن الطريقة خشنها، أجهد نفسه في الطاعة والعبادة، درس عليه خَلْقٌ القرآنَ.
قال الخطيب: كتبتُ عَنْه، وكان صدوقًا.
وقال غيره: تُوُفّي فِي ذي الحجّة.(10/289)
311 - أحمد بن محمد، أبو صالح السواحي الفقيه. [المتوفى: 470 هـ][ص:290]
شيخ رئيس، بهيّ ظريف لطيف،
سمع من عَبْد الغافر بْن مُحَمَّد الفارسي، ولم يحدِّث. وقد صاهر بيت القُشَيْريّ.(10/289)
312 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يحيى، أبو طاهر الحربي الدلّال. [المتوفى: 470 هـ]
سمع ابن رزقويه، وأبا الحسين بن بشران. وعنه عبد الله ابن السَّمَرْقَنْدي وغيره.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.(10/290)
313 - إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد بْن عُثْمَان بْن وَرْدُون، أبو إِسْحَاق النُّمَيْريّ الأندلسيّ، [المتوفى: 470 هـ]
مِن أَهْل المَرِيّة.
روى عَنْ أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه الوَهْراني، وأبي عَبْد اللَّه بْن حمّود، وعمر بْن يوسف.
وكان مَعْنِيا بالعلم والرّواية، أَخَذَ الناس عَنْهُ الكثير.
قال ابن بَشْكُوال: أَخْبَرَنَا عَنْهُ غير وأحد من شيوخنا، واسْتُقْضِيّ بالمَرِيّة في سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وعُزِل بعد سنتين، وعاش إحدى وثمانين سنة.(10/290)
314 - الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن طلاب، أبو نصْر القُرَشيّ الدَّمشقيّ الخطيب، [المتوفى: 470 هـ]
مَوْلَى عِيسَى بْن طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه التَّيْميّ.
رَوَى عَنْ أَبِي الْحُسَيْن بْن جُمَيْع " مُعْجَمَه "، وعن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن أَبِي الحديد، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي نصر، وعطية اللَّه الصَّيْداويّ، وجماعة. رَوَى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه بْن أَبِي الحديد، وعمر الرواسي، وأبو القاسم النسيب، وأبو الْحَسَن بْن قُبَيْس، وجمال الإسلام، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ.
وقال النسيب: هُوَ ثقة أمين.
وقال ابن قُبَيْس: كان ابن طَلَّاب قد كَسب فِي الوكالة كسْبًا عظيمًا، فحدَّثني قال: لمّا استوفيت سبعين سنةً قلت: أكثر ما أعيش عشر سِنين أخرى، [ص:291] فجعلت لكلّ سنة مائة دينار. قال: فعاش أكثر من ذلك، وكان له مِلْك بالشّاغور.
وقال النسيب: سَأَلْتُهُ عن مولده فقال: فِي آخر سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بصيدا.
وقال ابن الأكفاني: توفي يوم السبت الثالث من صفر سنة سبعين ودفن في باب الصغير. قال: وكان فاضلًا كثير الدّرْس للقرآن، ثقة مأمونا. وقال: كان يخطب للمصريين، ثُمَّ تخلّى عن ذلك.
وذكر النسيب أنه مات بَصْيدا فِي المحرَّم، والأول أصح.(10/290)
315 - سعد بْن عليّ، أبو الوفاء النَسَويّ. [المتوفى: 470 هـ]
حدَّث بأطْرابُلُس " بالبخاري " فِي هَذِهِ السَّنة، وادّعى أنه سمعه من مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُلَيْجَة عن الفِرَبْريّ. وكذا افترى أنه سمع من إِبْرَاهِيم الشرابي وحدَّثه عن عليّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فكذب.(10/291)
316 - طَلْحَة بْن أَحْمَد، أبو القاسم الأصبهاني القصّار الغسّال، المالكّي. [المتوفى: 470 هـ]
سمع أَبَا عَبْد اللَّه بْن منده. روى عنه أبو نصر البئار، وأبو عَبْد اللَّه الخلّال. مات فِي ربيع الآخر.(10/291)
317 - العاص بْن خَلَف، أبو الحَكَم الإشبيليّ المقرئ. [المتوفى: 470 هـ]
مصنف " التذكرة " فِي القراءات السَّبْع، وكتاب " التّهذيب ".
ذكره ابن بشكوال مختصرا.(10/291)
318 - عبد الله ابن الحافظ أَبِي مُحَمَّد الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عليّ الخلال، أبو القاسم الْبَغْدَادِيّ. [المتوفى: 470 هـ]
قال السمعاني: كان شيخًا صالحًا صدوقًا، صحيح السماع، من أولاد المحدثين. بَكْر به أَبُوهُ لسماع الحديث، وسمعه من عُمَر بْن إِبْرَاهِيم الكتاني، [ص:292] وأبي الحسن ابن الْجُنْدي، وأبي طاهر المخلص، وأبي القاسم الصَّيْدلاني، وغيرهم. وعُمِّرَ حَتَّى نقل عَنْهُ الكثير؛ روى لنا عنه أبو القاسم ابن السمرقندي، وأبو الفضل ابن المهتدي باللَّه، وأبو الْحَسَن بْن صِرْما، وجماعة سواهم.
ووثّقه أبو الفضل بْن خَيْرُون.
وقال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقا، وقال لي: ولدت في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.
وقال شجاع الذُّهْليّ: تُوُفّي فِي ثامن عشر صَفَر.(10/291)
319 - عَبْد الخالق بْن عِيسَى بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن أَحْمَد بْن مُوسَى بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن مَعْبَدِ بْنِ العباس بن عبد المطلب بْن هاشم، الشريف أبو جَعْفَر بْن أَبِي مُوسَى الهاشميّ الفقيه، [المتوفى: 470 هـ]
إمام الطائفة الحنبلية فِي زمانه بلا مُدافعة.
سمع أَبَا القاسم بن بشران، وأبا الحسين ابن الحَرَّاني، وأبا مُحَمَّد الخلّال، وأبا إِسْحَاق البرمكي، وأبا طَالِب العُشَاريّ. رَوَى عَنْهُ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي وغيره، وهو أجلّ أصحاب القاضي أَبِي يَعْلَى.
قال السمعاني: كان حَسَن الكلام فِي المناظرة، ورِعًا زاهدا متقِنًا، عالمًا بأحكام القرآن والفرائض، مَرْضِيّ الطريقة.
وقال أبو الحسين ابن الفراء: لِزمَتُه خمسَ سِنين. قال: وكان إذا بلغه مُنْكَر قد ظهر عظُم ذلك عليه جدًّا، وكان شديدًا على المبتدِعة، لم تَزَلْ كلمته عالية عليهم، وأصحابُه يقمعونهم، ولا يردّ يدَه عَنْهُمْ أحد. وكان عفيفًا نزها، وكان يدرّس بمسجده، ثُمَّ انتقل إِلَى الجانب الشرقي يدرس فِي مسجد، ثُمَّ انتقل فِي سنة ستٍّ وستين لأجل ما لحق نهر المُعَلَّى من الغرق إِلَى باب الطاق، ودرس بجامع المهديّ. ولما احتضر القاضي أبو يَعْلَى أوصى أن يغسله الشريف أبو جعفر، فلما احْتِضِر القائم بأمر اللَّه أوصى أيضًا أن يغسّله، ففعل. وكان قد وصى له القائم بأمر اللَّه بأشياء كثيرة فلم يأخذْها، فَقِيل له: خُذْ قميص أمير المؤمنين للبركة. فأخذ فُوطته فنشّف بها القائم وقال: قد لحِق [ص:293] الفُوطة بركة أمير المؤمنين. ثُمَّ استدعاه المقتدي فبايعه منفردًا.
ولمّا تُوُفّي كان يوم جنازته يومًا مشهودًا، وحُفِر له إِلَى جانب قبر الإمام أحمد، ولزم الناس قبره ليلا ونهارا، حَتَّى قيل: خُتِم على قبره أكثر من عشرة آلاف ختمة. ورُؤي فِي النوم فَقِيل لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: لَقِيني أَحْمَد بْن حنبل فقال: يا أَبَا جَعْفَر، لقد جاهدتَ فِي اللَّه حقَّ جهاده، وقد أعطاك اللَّه الرضا.
وطوّل ترجمته ابن الفراء إِلَى أن قال فيها: وأُخِذ الشريف أبو جَعْفَر بْن أَبِي مُوسَى فِي فتنة أَبِي نصر ابن القُشَيْري، وحُبِس أيامًا، فسرد الصَّوم وقال: ما آكل لأحدٍ شيئًا. ودخلتُ عليه فِي تلك الأيام، فرأيته يقرأ فِي المصحف، فقال لي: قال الله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} الصَّبرُ: الصوم. ولم يُفْطِر إِلَى أن بلغ منه المرض، فَلَمَّا ثَقُل وضجّ الناس من حبْسه أُخرج إِلَى الحريم الطاهري فمات هناك، ومولده في سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
وقال شجاع: تُوُفّي فِي نصف صفر سنة سبعين.(10/292)
320 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن يحيى بْن مَنْدَه، واسمه إِبْرَاهِيم بن الوليد، أبو القاسم ابن الحافظ أَبِي عَبْد اللَّه العبدي الأصبهاني. [المتوفى: 470 هـ]
كان كبير الشأن جليل المقدار، حسن الخط واسع الرواية، أمّارًا بالمعروف نهّاءً عن المنكر، ذا وقارٍ وسكون وسَمْتٍ، له أصحاب وأتْباع يقتفون بآثاره.
ولد سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وهو أكبر الإخوة. أجاز له زاهر بْن أَحْمَد السَّرْخَسِي، وسمع الكثير من أَبِيه، وإبراهيم بْن خُرَّشِيد قُوله، وإبراهيم بْن مُحَمَّد الجلاب، وأبي بَكْر بْن مردويه، وأبي جَعْفَر بْن المرزبان الأبهري، وأبي ذر ابن الطَّبَراني، وأبي عُمَر الطَّلْحيّ. وسافر إِلَى بغداد سنة ست وأربعمائة، فأدرك نفرًا من أصحاب المَحَامِلي، وسمع بواسط من ابن خزَفَة الواسطي، وبمكة من أَبِي الْحَسَن بْن جَهْضَم وابن نظيف الفرّاء. وسمع بشيراز، والدِّينَور، وهَمَذَان. ودخل نيسابور، وسمع من أَبِي بَكْر الحِيري، [ص:294] ولم يروِ عَنْهُ لأشعريته كما فعل شيخ الْإِسْلَام عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِي؛ فإنه قال: تركت الحِيريّ لله.
وقال أبو عَبْد اللَّه الدّقّاق: وُلِد الشَّيْخ السديد أبو القاسم عَبْد الرَّحْمَن فِي سنة إحدى وثمانين، فِي السنة التي مات فيها أَبُو بَكْر ابن المقرئ. قال: وفضائله ومناقبه أكثر من أن تُعَدّ، وأقول أَنَا: ومَن أَنَا لنشر فضيلته؟ سمع من أَبِيهِ. ثُمَّ سمى أشياخه، إِلَى أن قال: وكان صاحب خُلُق وفُتُوة، وسخاء وبهاء، والإجازة كَانَتْ عنده قوية. وكان يقول: ما حدَّثتُ بحديث إلا على سبيل الإجازة؛ كي لا أُوبَق فأدخل فِي كتاب أَهْل البِدْعة. وله تصانيف كثيرة، ورُدُود جَمَّة على المبتدعين والمنحرفين في صفات الله وغيرها.
وقال أبو سعد السمعاني: له إجازة من زاهر، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي شُرَيْح، وأبي عَبْد اللَّه الحاكم، وحمد بْن عَبْد اللَّه الأصبهاني ثُمَّ الرّازي، ومحمد بْن عَبْد الله بن زكريا الجوزقي. روى لنا عَنْهُ أبو نصر الغازي، وأبو سعد الْبَغْدَادِي، وأبو عَبْد اللَّه الخلّال، وأبو بَكْر الباغْبان، وأبو عَبْد اللَّه الدّقّاق، وجماعة كثيرة.
قال ابن طاهر المقدسي: سمعتُ أَبَا علي الدّقّاق بإصبهان يقول: سمعتُ أَبَا القاسم بْن مَنْدَهْ يقول: قرأتُ على أَبِي أَحْمَد الفَرَضيّ ببغداد جزءًا فأردت أخْذَ خطّه بِذَلِك، فقال: يا بُنيّ، لو قال لك قائلٌ بإصبهان: ليس هَذَا خطّ فلان، بم كنت تجيبه؟ ومَن كان يشهد لك؟ قال: فبعد ذلك لم أطلب من شيخٍ خطًّا.
قال السمعاني: سمعتُ الْحُسَيْن بْن عَبْد الملك الخلّال يقول: سمعتُ أَبَا القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عَبْد اللَّه الحافظ يقول: قد تعجبت من حالي فِي سَفَري وحَضَري مع الأقربين منّي والأبعدين، والعارفين بي والمُنْكِرين، فإنّي وجدتُ بمكة وبخُراسان وغيرهما من الآفاق التي قصدتها - من صِبايّ وإلى هَذَا الوقت - أكثر من لقيته بها موافقا كان أو مخالفًا دعاني إِلَى مساعدته على ما يقوله وتصديق قوله، والشهادة له فِي فِعْله على قبولٍ ورِضى. فإنْ كنت صدقته فيما كان يقوله وأجزت له ذلك كما يفعل أَهْل هَذَا الزّمان، سماني موافقًا. وإنْ وقفتُ فِي حرف من قوله وَفِي شيء من فِعله، سماني مخالفًا. وإنْ ذكرتُ فِي واحدٍ منهما أن الكتاب والسُّنّة بخلاف ذلك، سماني خارجيًّا. [ص:295]
وإنْ قُرئ عليَّ حديثٌ فِي التوحيد، سماني مشبِّهًا. وإنْ كان فِي الرؤية سماني سالميًّا.
إِلَى أن قال: وأنا متمسكٌ بالكتاب والسُّنّة، متبرّئ إِلَى اللَّه من الشِّبْه والمِثْل، والضد والند، والجسم والأعضاء والآلات، ومن كل ما ينسبه الناسبون إليَّ ويدّعيه المدَّعون عليّ، مِن أن أقول فِي اللَّه شيئًا مِن ذلك، أو قلته، أو أراه، أو أتوهّمه، أو أتجرّأه، أو أنتحله، أو أصفه به، وإن كان على وجه الحكاية، سبحانه وتعالى عمّا يقولُ الظالمون عُلُوًّا كبيرًا.
وقال أبو زكريّا يحيى بن مَنْدَهْ: كان عمي سيفًا على أَهْل البِدَع، وأكبر من أن يُثني عليه مثلي، كان والله آمِرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر، وفي الغدو والآصال ذاكرًا، ولنفِسه فِي المصالح قاهرًا، فأعقب اللَّه من ذَكَره بالشّرّ الندامة إِلَى يوم القيامة، وكان عظيم الحِلْم كثير العلم، وُلِد سنة ثلاثٍ وثمانين. قرأت عليه حكاية شُعْبة: مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيثًا فَأَنَا لَهُ عبدٌ. فقال عمي: مَن كَتب عنّي حديثًا فأنا له عبْدٌ.
وسمعت أبي أبا عمرو يقول: اتفق أن كنا ليلة مجتمعين للإفطار فِي رمضان، وكان الحَرُّ شديدًا، وكنا نأكل ونشرب، وكان عَبْد الرَّحْمَن يأكل ولا يشرب، فقلتُ أَنَا على سبيل اللَّعِب: مِن عادة أخي أن يأكل ليلةً ولا يشرب، ويشرب ليلةً أخرى ولا يأكل. قال: فَمَا شرب تلك الليلة. وَفِي الليلة الآتية كان يشرب ولا يأكل البتة، فَلَمَّا كَانَتِ الليلة الثالثة قال: أيها الأخ، لا تلعب بعد هَذَا بِمِثْلِه، فَإِنِّي ما اشتهيت أن أكذِّبك.
قلت: وقال الدّقّاق فِي رسالته: أول شيخ سمعتُ منه الشَّيْخ الْإِمَام السّيّد السديد الأوحد أبو القاسم بْن مَنْدَهْ، فرزقني اللَّه جلّ جلاله ببركته وحُسْن نيّته وجميل سيرته وعزيز طريقته، فَهْم حَدِيثَ رَسُولِ اللَّه صلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وكان جِذْعًا فِي أعيُن المخالفين أَهْل البِدَع والتّبدّع المتنطّعين، وكان مِمَّنْ لا يخاف فِي اللَّه لومه لائم، ووَصْفُه أكثر من أن يُحْصَى.
ذكر أبو بَكْر أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد اللُّورُدجاني أنه سمع من لفظ أَبِي القاسم سعد الزنجاني بمكة يقول: حفظ اللَّه الْإِسْلَام برجُلَين، أحدهما بإصبهان [ص:296] والآخر بهَرَاة: عَبْد الرَّحْمَن بْن مَنْدَهْ، وعبد اللَّه بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ.
وقال السمعاني: سمعتُ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الرّضا العَلَويّ يقول: سمعتُ خالي أَبَا طَالِب بْن طَبَاطَبَا يقول: كنت أشتمُ أبدًا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عَبْد اللَّه بْن مَنْدَهْ إذا سمعتُ ذِكره أو جرى ذِكْره فِي محفَل، فسافرت إِلَى جَرْباذَقْان، فرأيت أمير المؤمنين عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي المنام ويده فِي يد رَجُل عليه جُبّة زرقاء، وَفِي عينه نكتة، فسلمت عليه فلم يرد علي، وقال: لِمَ تشتُم هَذَا إذا سمعتَ اسمه؟ فَقِيل لي فِي المنام: هَذَا أمير المؤمنين عُمَر، وهذا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَنْدَهْ. فانتبهت، ثُمَّ رجعتُ إِلَى إصبهان وقصدت الشَّيْخ عَبْد الرَّحْمَن، فَلَمَّا دخلت عليه ورأيته صادفته على النَّعْت الَّذِي رَأَيْته فِي المنام، وعليه جُبّة زرقاء، فلمّا سلمت عليه قال: وعليك السلام يا أَبَا طَالِب. وقبل ذلك ما رآني ولا رَأَيْته، فقال لي قبل أن أكلّمّه: شيءٌ حرَّمه اللَّه ورسوله، يجوز لنا أنْ نُحِلَّه؟ فقلتُ له: اجعلني فِي حِلٍّ. ونَشَدْتُه اللَّه، وقبّلتُ عينيه، فقال: جعلتك فِي حِلٍّ فيما يرجع إليَّ.
قال السمعاني: سَأَلت أَبَا القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ عن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عَبْد اللَّه، فسكت ساعة وتوقف، فراجعته فقال: سمع الكثير، وخالف أَبَاهُ فِي مسائل، وأعَرض عَنْهُ مشايخ الوقت، وما تركني أَبِي أسمع منه. ثُمَّ قال: كان أخوه خيرًا منه.
وقال المؤيّد ابن الإخوة: سمعت عَبْد اللطيف بْن أَبِي سعد البغدادي قال: سمعت أبي قال: سمعت صاعد بن سيار الهروي يقول: سمعت الْإِمَام عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ يقول في عبد الرحمن بن منده: كانت مَضَرّته فِي الْإِسْلَام أكثر من مَنْفَعَته.
ذكر يحيى أن عمّه تُوُفّي فِي سادس عشر شوال، وغسّله أَحْمَد بْن مُحَمَّد البقال، وصلى عليه أخوه عَبْد الوهاب، وحضَر جنازته مَن لا يعلم عدَدَهم إلا اللَّه عزّ وجلّ.
وأوّل ما قُرِئ عليه الحديث سنة سبْعٍ وأربعمائة؛ سمع عليه عليّ بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مقرن.(10/293)
321 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بن عَبْد الرَّحْمَن، أبو القاسم النيسابوري، المعروف بالحافظ. [المتوفى: 470 هـ]
قدم همذان فِي هَذَا العام، وحدَّث عن أَبِي إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، وأبي العلاء صاعد بْن مُحَمَّد، ويحيى بْن إِبْرَاهِيم المزكيّ.(10/297)
322 - عَبْد الرزّاق بْن سلْهب الأصبهاني. [المتوفى: 470 هـ]
صالح خير، روى عن أَبِي عَبْد اللَّه بن منده.
وقع من سُلَّمٍ فمات فِي ذي القعدة، وكان خيّاطًا.(10/297)
323 - عَبْد الكريم بْن أَبِي حاتم السِّجِسْتانيّ، أبو بِشْر الحافظ. [المتوفى: 470 هـ]
تُوُفّي فِي هَذَه السنة بسِجِسْتان.(10/297)
324 - عَبْد الملك بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو سعْد السَّرْخَسِيّ الحنفي. [المتوفى: 470 هـ]
من علماء بغداد، ولي قضاء البصرة، وبها مات فِي شوال. سمع من هلال الحفار ببغداد، ومن عليّ بْن مُحَمَّد الطّرّازي بنيسابور، ومن عليّ بْن مُحَمَّد بْن نصر الدِّينَوري. كتب عَنْهُ أبو طاهر بْن سوار وغيره، ورَوَى عَنْهُ عَبْد المغيث بْن مُحَمَّد العَبْديّ.(10/297)
325 - عَبْد الملك بْن عَبْد الغفار بْن مُحَمَّد، أبو القاسم الهَمَذَانيّ الفقيه، الملقب بنجير. [المتوفى: 470 هـ]
روى عن أَبِيه، وأبي طاهر بْن سَلَمَة، وأبي سَعِيد بن شبابة، وابن عبدان، وأبي القاسم بْن بِشْران، والحسن بْن دُوما النّعّالي، وأبي نُعَيْم الحافظ، والحسين الفلاكيّ.
قال شيروَيْه: سمعتُ منه، وكان فقيهًا حافظًا، أحد أولياء اللَّه، ما رأيتُ مثله. تُوُفّي فِي المحرَّم، كان يكتب لنا ويقرأ لنا.
قلت: رَوَى عَنْهُ أَحْمَد بْن سعد العجلي، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن بطال؛ لقِيه بهمذان.(10/297)
326 - عَبْد الوهاب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان، أبو عمرو بْن أَبِي عقيل السلمي النَّيْسابوريّ المائقي، [المتوفى: 470 هـ]
ابن خال الأستاذ أَبِي القاسم القُشَيْري.
شيخ كبير نبيل ثقة، من كبار شيوخ الصُّوفية العارفين بلغة القوم ورموزهم فِي الحقائق.
تُوُفّي فِي حدود هَذِهِ السّنة.
سمع أَبَا طاهر بْن مَحْمِش، وعبد اللَّه بْن يوسف، وببغداد أَبَا الحسين بْن بِشْران. رَوَى عَنْهُ حفيده عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الوهّاب، وأبو الأسعد هبة الرحمن القشيري. وعادل القُشَيْريّ فِي المحمل إِلَى الحجاز.(10/298)
327 - عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عُثْمَان، أبو مُحَمَّد بْن أَبِي الحديد، السلمي الدَّمشقيّ المعدل. [المتوفى: 470 هـ]
سمع جَدّه، وأباه، وعبد الرحمن بن أبي نصر. روى عنه غيث بن علي، وعمر الرواسي، وأبو القاسم النسيب. روى عن جَدّه شيئًا يسيرًا.(10/298)
328 - عليّ بْن الْحَسَن بْن علي ابن العطار، [المتوفى: 470 هـ]
أخو فاطمة بِنْت الأقرع.
سمع من ابن مخلد " جزء ابن عَرَفَة "،
وعنه القاضي أبو بَكْر.(10/298)
329 - عليّ بْن الْحَسَن بْن القاسم بْن عنان، القاضي أبو الحسن الأسدآباذي، [المتوفى: 470 هـ]
نزيل قشان.
روى عن القاضي أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن التَّيْميّ.
قال شِيرُوَيْه: سمعت منه، وكان صدوقًا متعبّدًا فاضلًا، ومولده سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة.(10/298)
330 - عليّ بْن الخَضِر بْن عبدان بْن أَحْمَد بن عبدان، أبو الحسن الدمشقي العدل. [المتوفى: 470 هـ][ص:299]
حدَّث عن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نصْر، ومنصور بْن رامش. رَوَى عَنْهُ طاهر الخُشُوعي، وهبة الله ابن الأكفاني، وأبو الْحَسَن بْن المسلم.
تُوُفّي فِي جُمَادَى الأولى.(10/298)
331 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو القاسم التَّيْميّ، الكوفي ثُمَّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 470 هـ]
سمع أبا زكريا يحيى ابن المزكي، وأبا بَكْر الحيري. رَوَى عَنْهُ إِسْمَاعِيل ابن السمرقندي، وعبد المنعم ابن القُشَيْريّ.
وكان صوفيًّا، حجّ مرات، وحدَّث بهمذان، وتوفي بطريق مكّة، وكان صدوقًا.(10/299)
332 - عليّ بْن ناعم بْن عليّ بْن سهل، أبو الْحَسَن البغدادي البزّاز الحنبليّ. [المتوفى: 470 هـ]
صالح ورِع مقرئ. سمع أَبَا الفتح بْن أَبِي الفوارس، وابا الْحُسَيْن بْن بشْران. وعنه قاضي المَرِسْتان، وابن السَّمَرْقَنْدي، وأبو الْحَسَن بْن عَبْد السلام.
تُوُفّي فِي رجب.(10/299)
333 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مَخْلَد بْن عَبْد الرحمن بن أحمد بن بقيّ بن مخلد بْن يزيد القُرْطُبيّ، أبو عَبْد اللَّه، [المتوفى: 470 هـ]
قاضي قُرْطُبَة.
روى عن أَبِيه وعمه عَبْد الرَّحْمَن، وولي القضاء مرَّتين، ولم تُحْفَظ له قضية جور.
روى عنه أبو علي الغساني، وابناه أبو الْحَسَن وأبو القاسم ابنا أَبِي عَبْد اللَّه. وعُزِل ثاني مرة، وامتْحن بسبب القضاء محنة عظيمة، ومات بعد إطلاقه من السجن فِي صَفَر بإشبيلية وله ثلاث وسبعون سنة.(10/299)
334 - محمد بن أحمد بن مأمون، أبو عبد الله الكرثي. [المتوفى: 470 هـ]
تُوُفّي فِي هَذِهِ السنة ببلده.(10/299)
335 - محمد بن هبة الله، أبو الحسن ابن الورّاق، النَّحْوي، [المتوفى: 470 هـ]
شيخ العربية ببغداد.
قال السمعانيّ: تفرَّد بعِلم النَّحْو، وانتهى إليه علم العربية فِي زمانه. وكان له فِي القراءات وعلوم القرآن يدٌ ممتدّة وباعٌ طويل، وكان صدوقًا مأمونًا متحرِّيا صالحًا وَقُورًا، سمع أَبَا القاسم بْن بِشْران، وكان ضريرًا، رَوَى عَنْهُ عليّ بْن عَبْد السلام، وتُوُفّي فِي رمضان. وقد استدعاه القائم أمير المؤمنين ليعلم أولاده، فَلَمَّا خرج قال: هَذَا البحر.
قال ابن النّجّار: هُوَ سِبْط أَبِي سَعِيد السِّيرافيّ، وُلِد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة، وسمع من أَبِي عليّ بْن شاذان.
وقال أبو البركات ابن السَّقَطيّ فِي " مُعْجَمه ": انتهى إليه علم العربية، قرأت عليه كتاب " الإقناع " لجده لأمه أبي سعيد النيسابوري.(10/300)
336 - محمد بن علي بن الحسن بن محمد بْن أَبِي عُثْمَان، أبو تمّام الدّقّاق، [المتوفى: 470 هـ]
أخو أَبِي سعد المذكور سنة خمسٍ وستين.
روى عن أَبِي عُمَر بْن مَهْدِيّ، وابن رِزْقوَيْه. سمع منه ولده أَحْمَد، وأبو عَبْد اللَّه الحُمَيْديّ.
قال شُجاع الذُّهْليّ: تُوُفّي سنة سبعين.(10/300)
337 - مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن أَحْمَد، أبو الفضل الهاشمي، [المتوفى: 470 هـ]
أخو الشريف أَبِي جَعْفَر عَبْد الخالق.
سمع أَبَا القاسم بْن بِشْران وغيره، وكان من كبار علماء الحنابلة، كتب عَنْهُ شجاع الذُّهْليّ وغيره.(10/300)
338 - مَنْصُور، أبو القاسم، قاضي قضاة نيسابور ابن قاضي القُضاة أَبِي الْحَسَن إِسْمَاعِيل ابن القاضي أَبِي العلاء صاعد بْن مُحَمَّد النَّيْسابوريّ الحنفي. [المتوفى: 470 هـ]
سمع جدَّه، وأبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ، وغيرهما. ومات فِي ربيع الأول.
وكان سُنيا سليمًا مِن الاعتزال، وكان عارِفًا بالعربية عالمًا بالحديث، وكانت إليه الفتوى على مذهب أَبِي حنيفة، سافر إِلَى ما وراء النَّهر وإلى بغداد. [ص:301]
رَوَى عَنْهُ عُثْمَان بن إِسْمَاعِيل الخفّاف شيخ السمعاني، وقد سمع أيضًا من أَبِي القاسم السّرّاج وجماعة.(10/300)
339 - مُوسَى بْن علي بْن مُحَمَّد بْن علي، أبو عِمْرَانَ الصَّقَلّيّ النَّحْويّ. [المتوفى: 470 هـ]
قدِم الشام، وسمع أَبَا ذَرّ الهَرَويّ بمكّة، ومحمد بْن جَعْفَر الميماسيّ، والحسن بْن جُمَيْع، وجماعة. رَوَى عَنْهُ من شيوخه عَبْد الْعَزِيز الكتاني، وغيث الأرمنازيّ. وكان مؤدِّب الشريف النسيب.
تُوُفّي بصور.(10/301)
340 - هبة اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، أبو الحَسَن البرويي النَّيْسابوري. [المتوفى: 470 هـ]
روى عَن الحاكم، وغالب بْن عليّ الحافظ، وجماعة.
توفي في حدود السبعين، روى عنه عثمان الخفاف.(10/301)
341 - هبة الله بْن عليّ بْن محمد بْن محمد بْن محمد بن الطيب، أبو الفتح القرشي المخزومي الكوفيُّ، [المتوفى: 470 هـ]
نزيل بغداد.
حدَّث عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن الْجُعْفيّ، ومحمد بْن جَعْفَر النّجّار. وعنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ.
قال الخطيب: كتبت عَنْهُ، وكان سماعه صحيحًا.
وقال هبة اللَّه السَّقَطيّ: كان زَيْديًّا.
وقال ابن خَيْرُون: تُوُفّي هبة اللَّه بْن علي ابن الخباز في ربيع الأول.(10/301)
-المتوفون تقريبا(10/302)
342 - أَحْمَد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه، أبو نصر الدِّينَوَريّ السُّلَميّ الصُّوفيّ المقرئ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
سمع أَبَا الحسن بن جهضم، وأبا محمد ابن النحاس، وأبا سعد الماليني، وأبا مُحَمَّد بْن أَبِي نصر. رَوَى عَنْهُ نصر المقدسي، ومكّيّ الرميلي، وأبو بكر ابن الخاضبة، وغيرهم.
توفي بعد الستين وأربعمائة، أو قبلها.(10/302)
343 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد، أبو القاسم البْصريّ المناديليّ المقرئ المعدّل. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
سمع من أحمد بن يعقوب المعدل سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، ومن القاضي أَبِي عُمَر الهاشمي، وعليّ بْن أَحْمَد بْن غسّان الحافظ، وطائفة. وعنه الغِطْرِيف بْن عَبْد اللَّه، ومحمد بْن أَبِي نصر الأُشْنانيّ شيخ السِّلَفيّ، وغير واحد.
حدَّث سنة ستٍّ وستين بالبصرة، وقَعَ لنا من حديثه جزءان.(10/302)
344 - إِسْمَاعِيل بْن عليّ، الأديب أبو مُحَمَّد الدَّمشقيّ، الكاتب المعروف بابن العين زَرْبِيّ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
شاعرٌ مفلق، توفي سنة سبع وستين وأربعمائة، وهو القائل:
ترك الظاعنون جسمي بلا قلـ ... ـب وعيني عينًا من الهَمَلانِ
وَإِذَا لم تِفضْ دما سحب أجفا ... ني على بُعْدكمْ فَمَا أجفاني
حلَّ فِي مقلتي فلو فتّشوها ... كان ذاك الْإِنْسَان فِي إنساني(10/302)
345 - تُبَّع بْن القاسم بْن نصر، أبو الْحَسَن التُبَّعيّ الهَمَذَانيّ، [الوفاة: 461 - 470 هـ]
نزيل بغداد.
وكان له بها آثار جميلة من فتوات، ومنابر، وكان فقيرًا مُعانًا كثير التّلاوة. سمع أَبَا بَكْر أَحْمَد بْن عليّ بْن لال، روى عَنْهُ أبو القاسم ابن السمرقندي.(10/302)
346 - ثابت بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الفَزَاريّ، أبو القاسم ابن الطبقي. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
سمع ابن الصلت المجبر، رَوَى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه البارع وغيره.(10/303)
347 - الْحَسَن بْن مَكّيّ بْن الْحَسَن، أبو مُحَمَّد الشَّيْزَرِيّ المقرئ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
سمع أَبَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي كامل صاحب خيثمة، وأبا الفوارس أَحْمَد بْن مُحَمَّد الشَّيْزَرِيّ. وعنه المؤتمن السّاجّي، ومحمد بن طاهر المقدسي، وعمر الدهستاني.
توفي بحلب.(10/303)
348 - الْحُسَيْن بْن عَبْد اللَّه بْن الْحُسَيْن ابن الشُّوَيْخ، الفقيه أبو عَبْد اللَّه الأُرْمَويّ الشافعي. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
سمع أَبَا مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد الله ابن البيِّع، وعبد الواحد بْن مُحَمَّد بْن سَبَنَك ببغداد، ومحمد بن محمد بن محمد بن بكر الهِزّانيّ بالبصرة. رَوَى عَنْهُ عُمَر الرُّواسي، وتوفي بمصر بعد الستين وأربعمائة؛ قاله السمعاني.
وروى عَنْهُ الرّازيّ فِي " مشيخته ".(10/303)
349 - شبيب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن خُشْنَام، أبو سعْد البَسْتِيغيّ الخبّاز النَّيْسابوريّ الكرّاميّ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
حدَّث عن أبي نعيم عبد الملك الإسفراييني، وأبي الْحَسَن العلوي، وغيرهما. وعنه أبو عُبَد اللَّه الفُراويّ، وزاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ، وهبة الرحمن ابن القشيري، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وعبد الغافر بن إسماعيل الفارسي وقال: هو شيخ صالح صحيح السماع، مشتغل بكسبه. قال: وتُوُفّي سنة نيّف وستين وأربعمائة.
وقال ابن ناصر: ذكر لي زاهر الشّحّامي أنه سمع مِنْهُ، فسألته عَنْهُ فقال: لم يكن يعرف الحديث، وكان كرّاميًّا مُغاليا فِي معتَقَدة.
وقال ابن السمعاني: كان شيخًا صالحًا عفيفا، سديد السيرة. ولد قبل التسعين وثلاثمائة، روى عَنْهُ جدّي أبو المظفّر فِي " أماليه "، وتوفي في حدود السبعين وأربعمائة. وروى لأبي عَنْهُ سَعِيد بْن الحُسين الجوهري، وأبو الأسعد بن القشيري.(10/303)
350 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو الْحَسَن البَحِيريّ المزكّي النَّيْسابوريّ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
سمع أَبَا نُعَيْم عَبْد الملك بْن الْحَسَن العلويّ، وأبا عَبْد اللَّه الحاكم، وعبد اللَّه بْن يوسف، ومحمد بْن أَحْمَد بْن عبدوس المزكّي، وطبقتهم. وحدَّث وأملى؛ رَوَى عَنْهُ أبو القاسم الشّحّاميّ.
وابنه عَبْد الرَّحْمَن هُوَ المذكور فِي سنة أربعين وخمسمائة.(10/304)
351 - عبد الله بن عبيد الله بن محمد، أَبُو مُحَمَّد المصريّ المَحَامِليّ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
سمع مُحَمَّد بْن الحسن بْن عُمَر الصَّيْرفيّ وغيره. رَوَى عَنْهُ صالح بْن حُمَيْد اللّبّان، وعلي بْن الْحُسَيْن الفرّاء، وغيرهما.
أخبرنا أبو بَكْر بْن عُمَر النحوي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الإوقي قال: أخبرنا السلفي قال: أخبرنا صالح بن حميد قال: أخبرنا عبد الله بن عبيد الله المحاملي قال: أخبرنا محمد بن الحسن قال: أخبرنا محمد بن موسى النقاش قال: حدثنا محمد بن صالح الخولاني قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الخولاني قال: حدثنا سعيد بن نصر قال: حدثنا حسين الجعفي قال: كان أبو يونس القوي يطوف فِي كل يومٍ سبعين أسبوعًا.(10/304)
352 - عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أبو مُحَمَّد الكروني الأصبهاني، [الوفاة: 461 - 470 هـ]
أحد أئمة الشافعية.
تفقه على أَبِي الطَّيِّب الطّبريّ ببغداد. وسمع من أَبِي الْحُسَيْن بْن بِشْران، وهبة اللَّه اللالْكائي، وجماعة كثيرة. روى عنه محمد بن عبد الوهاب الدّقّاق، وغانم بْن خَالِد، ومحمود بْن أَحْمَد الخانيّ.
قال السمعاني: تُوُفّي سنة نيِّفٍ وستين.(10/304)
353 - عَبْد الجليل بْن أَبِي بَكْر الرَّبَعيّ القَرَوِيّ، أبو القاسم الدّيباجيّ، المعروف بالصابوني، المتكلم. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
أَخَذَ عن أبي عمران الفاسي، وأبي عبد الله الأزدي صاحب ابن الباقِلّانيّ. وصنَّف كتاب " المستوعب " فِي أصول الفقه، وكتاب " نُكَت الانتصار "، وألَّفَ معتقدًا.
درَّس بقلعة حمّاد وبفاس، أَخَذَ عَنْهُ الأصول أبو عَبْد اللَّه بْن شبرين. ورَوَى عَنْهُ أبو عبد الله بْن الخير، وأبو عَبْد الله بن خليفة، ومحمد بن داود [ص:305] القلعيّ، وأبو الحَجّاج يوسف بْن الملجوم.(10/304)
354 - عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد، أبو حنيفة الزَّوْزَنيّ، الفقيه الشّافعيّ، [الوفاة: 461 - 470 هـ]
نزيل نَيْسابور.
شيخ بهيّ رئيس، كثير التلاوة، بارع الخط، كان يداوم على كتابة المصاحف ويتأنَّق فيها، ونَفَقَ سُوقه وازدحموا على مصاحفه. سمع أَبَا بَكْر الحِيريّ، ومنصور بْن رامش.
تُوُفّي سنة نيِّفٍ وستين.(10/305)
355 - عَبْد الكريم بْن أَحْمَد بْن طاهر بْن أحمد، أبو سعد التيمي الوزّان، [الوفاة: 461 - 470 هـ]
من أَهْل طَبَرِسْتان.
سكن الرَّيّ، وكان من كبار عصره فضلا وحشمة وجاها، له قَدَم فِي المناظرة وإفحام الخصوم، تفقّه بمَرْو علي الْإِمَام أَبِي بَكْر القفّال.(10/305)
356 - عَبْد الملك بْن مُحَمَّد بْن مروان بْن زُهْر، أبو مروان الإيَاديّ الإشبيليّ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
تفقَّه وتفنّن فِي العِلْم، ثُمَّ حجّ، وتعلم الطّبّ فتقدم فِيهِ، وسكن دانية. وَفِي ذرّيته أطبّاء، وهو والد الطبيب أَبِي العلاء بْن زُهْر.
مات فِي حدود السبعين وأربعمائة.(10/305)
357 - عَبْد الوهاب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بْن أَحْمَد، أبو عَمرو السُّلَميّ الزّاهد. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
من نُبلاء مشيخة نَيْسابور، ومن أعيان الصُّوفيّة. سمع عَبْد اللَّه بْن يوسف، وابن مَحْمِش، وأبا الْحُسَيْن بْن بِشْران، وعدّة. وعاش تسعين سنة، رَوَى عَنْهُ أبو الأسعد هبة الرَّحْمَن.(10/305)
358 - عَقِيل بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو الفضل، الفارسي ثُمَّ البَعْلَبَكِّيّ، الفقيه الشافعي. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
روى عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن القطَّان، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي [ص:306] نصر. روى عنه عمر الرواسي، وهبة الله ابن الأكفاني، وابنه أَحْمَد بْن عقيل. وكان يحفظ " مختصر المُزَنيّ ".(10/305)
359 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر، أبو الحسن اللّحْسانيّ الطُّرَيْثيثي، [الوفاة: 461 - 470 هـ]
وطُرَيْثِيث من نواحي نَيْسابور.
قال السمعاني: كان شيخًا صالحًا عفيفًا صوفيًّا ظريفًا، حجّ مرات، وكان يحدَّث بَنْيسابور ويرجع إِلَى ناحيته. سمع بَهَراة شاه بْن عَبْد الرَّحْمَن ومحمد بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر المالِينيّ، وبنَيْسابور أَبَا الْحُسَيْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد الخفّاف. رَوَى عنه أبو عبد الله الفُراويّ، وأبو القاسم الشّحّاميّ.
وتُوُفّي بعد سنة ستين، وقد جاوز الثمانين.(10/306)
• - عليّ بْن مُحَمَّد بْن نصر الدِّينَوَريّ، [الوفاة: 461 - 470 هـ]
نزيل غزنة.
ذُكِر فِي سنة ثمانٍ وستين ظنًّا.(10/306)
360 - علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عَبْد الرَّحْمَن، أبو الْحَسَن بْن أَبِي عِيسَى الحَسْنَابَاذِيّ الأصبهاني. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
مشهور، صدوق، عارف بالرواية. سمع أَبَا بَكْر بْن مردوَيْه، وببغداد أَبَا الْحَسَن بْن الصَّلْت وابن رزقوّيْه.
قال السمعاني: روى لنا عَنْهُ ابن عمّه أبو الخير عَبْد السلام بْن محمود، ومحمد بْن الفضل الخانيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق.(10/306)
361 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو الحَسَن الْبَغْدَادِيّ الحنْبليّ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
أحد الأئمة الكِبار، خرج فِي فتنةِ البساسيريّ فسكن ثغر آمِد، كان أحد الأذكياء المعدودين، تفقّه على القاضي أَبِي يَعْلَى، وسمع من أَبِي القاسم بْن بِشْران، وأبي الحسين ابن الحراني، وأبي علي بن المذهب. ورحل إليه أبو القاسم ابن الفراء للتّفقُّه عليه.
تُوُفّي بآمِد سنة سبْعٍ أو ثمان وستين وأربعمائة.(10/306)
362 - عليّ بْن غنائم، أبو الْحَسَن الأوْسيّ المصريّ، المالكيّ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
سمع ابن نظيف، وصِلَة بْن المؤمل، وأبا حازم ابن الفرّاء، وجماعة. وعنه عليّ بْن طاهر، وجمال الإسلام علي بن المسلم، وإسماعيل ابن السمرقندي.
وثقه ابن الأكفاني.(10/307)
363 - الفضل بْن عطاء، أبو إِبْرَاهِيم المِهْرانيّ النَّيْسابوريّ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
شيخ بهيّ فاضل، من بيت الزُّهْد والورع، سمع الكثير من أَبِي عَبْد اللَّه الحاكم وغيره، وكان مبالغًا فِي الزُّهْد والورع.
رَوَى عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه البَحِيريّ، وتُوُفّي سنة نيّف وستين وله سبعون سنة.(10/307)
364 - مُحَمَّد بْن خَلصَة، أبو عَبْد اللَّه النَّحْويّ الشذوني، [الوفاة: 461 - 470 هـ]
نزيل دانية.
كان كفيفا ذكيا ظريفًا، من كبار النُّحَاة المذكورين والشعراء المشهورين، أخذ عن أَبِي الْحَسَن بْن سِيدَه، وبرعَ فِي اللغة والنحو، وأشغل مدة. أخذ عنه أبو عمر بن مشرف، وأبو عبد الله بن مطرف، وغيرهما.
وشعره مدون، فمنه:
أمدنف نفس بالهوى أَمْ جَلِيدُهَا ... غَدَاةَ غَدَتْ فِي حَلْبةِ الْبَيْنِ غِيدُهَا
تَخُدُّ بِأَلْحَاظٍ لَهَا وَجَنَاتُهَا ... وَتُرْهَبُ أن تَنْقَدَّ لِينًا قُدودُها
فَيا لَدِماء الأُسْد تسفكها الدِّما ... وللصيد من عُفْرِ الظِّباء تَصِيدُها
قال الأَبّار: بقي إِلَى بعد سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة.(10/307)
365 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد، الفقيه أبو المظفّر التميمي المَرْوَرُّوذِيّ الشافعي الواعظ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
روى عن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نصر التميمي الدَّمشقيّ، وجماعة. رَوَى عَنْهُ عَبْد الْعَزِيز الكتاني، وعليّ بْن الخَضِر، ومُحيي السُّنَّة أبو مُحَمَّد البَغَويّ.(10/307)
366 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد، القاضي أبو عَمْرو النَّسَويّ، الملقَّب بأقضى القُضاة. [الوفاة: 461 - 470 هـ][ص:308]
من أكابر أهل خُرَاسان فضلًا وحشمةً وإفضالًا وجاهًا، وكان رسول الملوك إِلَى الخلافة المشرفة.
سمع أبا بكر الحِيريّ، وأبا إسحاق الإسفراييني، ومحمد بْن زهير النَّسائيّ. وبمكّة أَبَا ذَرّ الهروي، وابن نظيف. وبدمشق أبا الحسن ابن السِّمْسار.
أملى سنين وتكلَّم على الأحاديث؛ رَوَى عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الفراويّ، وأبو المظفَّر ابن القشيري، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وعبد الغافر الفارسي في تاريخه وأطنب فِي وصفه، وقال: وقَفَ بعضَ بساتينة بنَسَا على مدرسة الصُّوفيّة المنسوبة إِلَى أَبِي علي الدّقّاق بنَسَا. وله بخُوارَزْم مدرسة اتخذها لما ولي قضاءها وأعمالها، وعاش ثمانين سنة، وصنف كتبا في التفسير والفقه.(10/307)
367 - واصل بْن حَمْزَة بْن علي، أبو القاسم الخُنْبُونيّ - وخُنْبُون: قرية من قرى بُخارَى - الصُّوفي الحافظ. [الوفاة: 461 - 470 هـ]
ثقة صالح خيرّ، رحّال؛ سمع عَبْد الكريم بْن عَبْد الرَّحْمَن الكَلّابَاذيّ، وأحمد بْن ماما الأصبهاني الحافظ، وإبراهيم بْن سَلْم الشِّكَّاني ببُخَارَى، وأبا العبّاس المستغفريّ بنسف، وأبا الحسين بْن فاذشاه، وأصحاب الطَّبَراني بإصبهان.
قال الخطيب: كتبتُ عَنْهُ، ولم يكن به بأس.
ورَوَى عَنْهُ أبو بَكْر قاضي المارِسْتان.
قال أبو زكريا بْن مَنْدَهْ: كان يرجع إِلَى الحِفْظ والدّيانة، وجمعَ الأبواب والطُّرُق، ثُمَّ ترك ذلك كلَّه واشتغل بشيء لا يرضاه اللَّه.
وقال السمعاني: حدث في سنة سبع وستين.(10/308)
-الطبقة الثامنة والأربعون 471 - 480 هـ(10/309)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(10/311)
-سنة إحدى وسبعين وأربعمائة
فيها عزل فخر الدّولة بن جَهِير من وزارة المقتدي بالله بأبي شجاع بن الحسين لكونه شد من الحنابلة، وكتب أَبُو الحسن محمد بن علي بن أبي الصَّقر الفقيه الواسطيّ إلى نظام المُلْك هذه الأبيات:
يا نظامَ المُلْك قد حُلّ ... ببغدادَ النّظامُ
وابنُك القاطنُ فيها ... مستهان مستضام
وبها أودى له قتـ ... ـلا غلامٌ، وغلامٌ
والّذي منهم تبقَّى ... سالمًا فيه سهام
يا قوام الدين لم يبـ ... ـق ببغداد مقام
عظم الخطب، وللحر ... ب اتصال، ودوام
فمتى لم تحسم الدا ... ء أياديك الحسام
ويكف القوم في بغـ ... ـداد قتل، وانتقام
فعلى مدرسة فيـ ... ـها ومَن فيها السّلامُ
واعتصامٌ بحريمٍ ... لك - من بعدُ - حرامُ
فَعَظم هذا الخَطْب على النّظام، وأعاد كوهرائين إلى شحنكية بغداد، وحمّله رسالة إلى المقتدي تتضّمن الشّكوى من ابن جهير. وأمر كوهرائين بأخْذ أصحاب ابن جهير وإيصال المكروه والأذى إليهم، فسار عميد الدّولة بن فخر الدّولة بن جَهير إلى النظام، وتلطّف في القضيّة إلى أن لانَ لهم.
وفيها سار المَلك تاج الدّولة تُتُش أخو السّلطان ملكشاه فدخل الشّام، وتملك دمشق بأمر أخيه بعد أن افتتح حلب، وكان معَه عسكر كثيرٌ من [ص:312] التُّركمان، وذلك أن أتْسِز - وَالعامّة تُغيُّره؛ يقولون: أقسيس - صاحب دمشق لمّا جاء المصريّون لحرْبه استنجد بتتش، فسارَ إليه من حلب، وطمع فيه، فلمّا قارب دمشق أجفل العسكر المصريّ بين يديه شبه المنهزمين، وفرح آتسز، وخرج لتلقيه عند سور المدينة، فأبدى تتش صورة، وأظهر الغَيْظ من أتسِز إذ لم يُبعِد في تلقّيه، وعاتبه بغضبٍ، فاعتذر إليه فلم يقبل، وقبض عليه وقتله في الحال، وملك البلد، وأحسن السيرة، وتحبَّب إلى النّاس.
ومنهم مَن ورَّخ فتْحَ تُتش لدمشق في سنة اثنتين وسبعين.
وكان أهل الشّام في ويْلٍ شديد مع أتسِز الخوارزميّ المقتول.(10/311)
-سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة
فيها كتب شرف الدّولة مسلم بن قُريش بن بدران العُقَيْليّ صاحب الموصل إلى السلطان جلال الدّولة ملِكْشاه ابن السلطان عضُد الدّولة ألْب أرسلان السَّلجوقيّ يطلب منه أن يُسلِّم إليه حلب على أن يحمل إليه في العام ثلاثمائة ألف دينار، فأجابه إلى ذلك، وكتب له توقيعًا بها. فسار إليها وبها سابق آخر ملوك بني مرداس، فأعطاه مسلم بن قريش إقطاعًا بعشرين ألف دينار على أن يخرج من البلد، فأجاب. فوثب عليه أخواه فقتلاه واستوليا على القلعة، فحاصرهما مسلم، ثم أخذها صلحا.
وفيها مات نصر بن أحمد بن مروان صاحب ديار بكر، وتملَّك بعده ابنه منصور.
وفيها غزا صاحب الهند إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سُبُكْتِكين في الكُفّار غزوةً كبرى.(10/312)
-سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة
فيها عرضَ السّلطان ملِكْشاه جيشه بالرَّيّ، فأسقط منهم سبعة آلاف لم يرض حالهم، فصاروا إلى أخيه تكش فقوي بهم وأظهر العصيان، واستولى على مَرْو وتِرْمذ، وسار إلى نَيْسابور، فسبقه إليها السّلطان، فَرَدَّ وتحصّن بتِرْمذ، ثمّ نزل إليه فعفا عنه.(10/312)
-سنة أربع وسبعين وأربعمائة
فيها بعث الخليفة المقتدي بالله الوزير أبا نصر بن جهير يخطُب ابنَة السّلطان، فأجابوا، على أن لا يتسرّى عليها ولا يبيت إلا عندها.
وفيها حاصر تميم صاحب إفريقية مدينة قابس، وأتلف جنده بساتينها، وضيق على أهلها.
وفيها سار تتش صاحب دمشق فافتتح أنطرسوس وغيرها.
وفيها أخذ شرف الدّولة صاحب الموصل حرّان من بني وثّاب النُّمَيْريّين، وصالحه صاحب الرُّها وخطب له.
وفيها مات الأمير داود ولد السّلطان ملكشاه فجزع عليه، ومنع مِن دفنه حتّى تغيرت رائحته، وأراد قتل نفسه مرّات فيمنعونه؛ كذا نقل صاحب "الكامل".
وفيها تملك الأمير سديد الدولة أبو الحَسَن علي بن مقلد بن نصر بن مُنْقذ الكِنَانيّ حصن شَيْزَر وانتزعه من الفرنج، وكان له عشيرة وأصحاب، وكانوا ينزلون بقرب شَيْزَر، فنازلها ثم تسلمها بالأمان، ومال بذله للأسقف بها فلم تزل شَيْزَر بيده ويد أولاده إلى أن هدمتها الزَّلْزلة وقتلت أكثر مَن بها، فأخذها السّلطان نور الدين محمود وأصلحها وجدَّدها. وأما سديد الدولة فلم يحيا بعد أن تملّكها إلّا نحو السّنة، وكان فارسًا شجاعًا شاعرًا، وتملَّك بعده ابنه أبو المرهف نصر.
وفيها مات نور الدولة دبيس ابن الأمير سند الدّولة عليّ بن مزيد الأسديّ، وقد وُلْي الإمارة صبيًّا بعد أبيه من سنة ست وأربعمائة، وبَقِي رئيس العرب هذه المدّة كلّها، وكان كريمًا عاقلًا شريفًا، قليل الشّرّ والظُلْم.(10/313)
-سنة خمس وسبعين وأربعمائة
فيها قدِم الشريف أبو القاسم البكْريّ الواعظ الأشعريّ بغداد، وكان جاء من الغرب وقصد نظام المُلْك فأحبّه ومال إليه، وبعثه إلى بغداد، فوعظ [ص:314] بالنظامية، وأخذ يذكر الحنابلة ويرميهم بالتجسيم، ويثني على الإمام أحمد ويقول: {وَمَا كَفَرَ سليمان ولكن الشياطين كفروا}. ثمّ وقَعَ بينه وبين جماعة من الحنابلة سب وخصام، فَكَبَس دُورَ بني الفرّاء وأخذ كتابَ أبي يَعْلَى الفرّاء - رحمه الله - في إبطال التّأويل، فكان يُقرأ بين يديه وهو جالس على المنبر فيُشنِّع به، فلقّبوه عَلَم السُّنَّة، ولمّا مات دفنوه عند قبر أبي الحَسَن الأشعريّ.
وفي آخر السّنة بعث الخليفة الشّيخ أبا إسحاق الشّيرازيّ رسولًا إلى السّلطان يتضمّن الشكْوى من العميد أبي الفتح.
وفيها قدم مؤيد الملك ابن نظام المُلْك من إصبهان، ونزل بالنّظاميّة، وضُربت على بابه الطبول أوقات الصلوات الثلاث، فأعطي مالًا جزيلًا حتّى قطعها وبعث بها إلى تكريت.(10/313)
-سنة ست وسبعين وأربعمائة
فيها عُزِل عميد الدّولة بن جَهير عن وزارة الخليفة، وولي أبو الفتح المظفر ابن رئيس الرؤساء ابن المسلمة، وسار ابن جَهير وأبوه إلى السلطان فأكرمهم، وعقد لابنه فخر الدّولة على ديار بكر وأعطاه الكوسات والعساكر، وأمره أن ينتزعها من بني مروان.
وفيها عصى أهلُ حرّان على شرف الدّولة مسلم بن قريش، وأطاعوا قاضيهم ابن جلبة الحنبليّ، وعَزَموا على تسليم حَرّان إلى جَنق أمير التّركمان لكونه سُنّيا، ولكون مسلم رافضيًّا. وكان مسلم على دمشق يحاصر أخا السّلطان تاج الدّولة تُتُش في هوى المصريّين، فأسرع إلى حرّان ورماها بالمنجنيق، وافتتح البلد، وقتل القاضي وولديه، رحمهم الله. وكان تاج الدولة تتش قد سار فقصد أنطاكية.
وفيها عزل المظفر ابن رئيس الرؤساء من وزارة الخليفة، وولي أبو [ص:315] شجاع محمد بن الحُسين، ولقّبه الخليفة ظهير الدين، ومدحته الشعراء فأكثروا.
وفيها قتلة سيد الرؤساء أبي المحاسن ابن كمال المُلْك بن أبي الرّضا، وكان قد قرُب من السّلطان مَلِكْشاه إلى الغاية، وكان أبوه كمال المُلْك يُكْتَب الإنشاء للسلطان، فقال أبو المحاسن: أيُّها الملك، سلِّم إليَّ نظام المُلْك وأصحابَه وأنا أعطيك ألف ألف دينار، فإنَّهم قد أكلوا البلاد. فبلغ ذلك نظام المُلْك، فمدَّ سماطًا وأقام عليه مماليكه، وهم أُلُوف من الأتراك؛ كذا قال ابن الأثير، وأقام خَيْلهم وسلاحهم. فلمّا حضر السّلطان قال له: إنني خدمتك وخدمت أباك وجدّك، وُلْي حقّ خدمة. وقد بَلَغَكَ أخذي لأموالك، وصَدَق القائل، أنا آخذ المال وأعطيه لهؤلاء الغلمان الذين جمعتهم لك، وأصرفه أيضًا في الصَّدقات والوقوف والصِّلات التي مُعظم ذِكرها وأجرها لك، وأموالي وجميع ما أملك بين يديك، وأنا أقنع بمُرَقَّعَةٍ وزاوية. فصفَا له السّلطان، وأمر أن تُسْمَل عينا أبي المحاسن، ونَفَّذه إلى قلعة ساوة، فسمع أبوه كمال المُلْك الخبر، فاستجار بنظام المُلْك وحمل مائتي ألف دينار، وعُزِل عن الطُّغراء؛ يعني كتابة السر، ووليها مؤيد الملك ابن النظام.
وفيها خرج مالك بن علوي أمير العرب على تميم ابن المعز وحاصر المهديّة، وتعب معه تميم، ثمّ سار إلى القيروان فملكها، فجهز إليه تميم جيوشه، فحاصروه بالقيروان، فعجز وخرج منها، وعادت إلى يد تميم.
وفيها رخصت الأسعار بسائر البلاد، وعاش النّاس، ولله الحمد.(10/314)
-سنة سبع وسبعين وأربعمائة
فيها بعث السّلطان جيشًا عليهم الأمير أُرْتُق بن أكسب نجدة لفخر الدولة ابن جَهير، وكان ابن مروان قد مضى إلى شرف الدّولة صاحب الموصل، واستنجد به على أن يُسلّم إليه آمد، وحلف له على ذلك، وكانت بينهما إحَنٌ قديمة، فاتفقا على حرب ابن جهير وسارا، فمالَ ابنُ جهير إلى الصُّلْح، وعلمت التُّرْكُمان نيّته، فساروا في الليل، وأتوا العرب فأحاطوا بهم، والْتَحم القتال فانهزمت العرب، وأُسِرَت أمراء بني عقيل، وغنمت التُركمان لهم شيئا [ص:316] كثيرًا، واستظهر ابن جَهير وحاصر شرف الدّولة، فراسَلَ شرف الدّولة أرتق وبذل له مالًا، وسأله أن يمُن عليه ويمكنه من الخروج من آمد، فإذن له، فساق على حَمِية، وقصد الرقة، وبعث بالمال إلى أرتق. وسار فخر الدّولة إلى خلاط، وبلغ السّلطان أنّ شرف الدّولة قد انهزم وحُصر بآمد، فجهز عميد الدّولة بن جُهير في جيش مَدَدًا لأبيه، فقدِم الموصل، وفي خدمته من الأمراء: قسيم الدّولة آقسنقر جد السّلطان نور الدين رحمه الله والأمير أرتق، وفتح له أهل الموصل البلد فتسلمه.
وسار السّلطان بنفسه ليستولي على بلاد شرف الدّولة بن قريش، فأتاه البريد بخروج أخيه تكش بخراسان، فبعث مؤيد الدولة ابن النظام إلى شرف الدّولة، وهو بنواحي الرحبة، وحلف له، فحضر إلى خدمة السّلطان، فخلع عليه، وقدم هو خيلًا عربيّة من جملتها فرسَه بَشّار، وكان فرسًا عديم النظير في زمانه، لا يُسْبق، فأُجري بين يديه فجاء سابقا، فوثب قائما من شدة فرحه، وصلح شرف الدولة. وعاد إلى خُراسان لحرب أخيه، وكان قد صالحه، فلما رأى تكش الآن بُعد السّلطان عنه عاد إلى العصيان، فظفر به السّلطان فكحله وسجنه، ولو كان قتله لاستراح؛ لأنه قصد مرو بعد، فدخلها وأباحها لعسكره ثلاثة أيام، فنهبوا الأموال وفعلوا العظائم، وشربوا في الجامع في رمضان.
وفيها سار سُليمان بن قُتْلُمِش السلْجوقيْ صاحب قونية وأقصرا بجيوشه إلى الشّام، فأخذ أنطاكية، وكانت بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وسبب أخذها أنّ صاحبها كان قد سار عنها إلى بلاد الروم ورتب بها شحنة، وكان مسيئًا إلى أهلها وإلى جُنده حتّى أنه حبس ابنه، فاتفق ابنه والشحنة على تسليم البلد إلى سُليمان، فكاتبوه يستدعونه، فركب في البحر في ثلاثمائة فارس، وجمع من الرّجّالة، وطلع من المراكب، وسار في جبالٍ وعرة ومضائق صعبة حتّى وصل إليها بغتةً ونصب السلالم ودخلها في شعبان، وقاتلوه قتالًا ضعيفًا، وقتل جماعة وعفا عن الرعيّة وعدل فيهم، وأخذ منها أموالًا لا تُحصى، ثمّ أرسل إلى السّلطان ملكشاه يبشّره، فأظهر السّلطان السرور، وهنأه النّاس.
وفيها يقول الأبيوردي قصيدته، منها: [ص:317]
لَمَعْت كناصية الحِصان الأشقرِ ... نارٌ بمعتَلِج الكثيبِ الأعفر
وفتحتَ أنطاكيَّة الرّوم التي ... نَشَرَتْ مَعَاقِلَها على الإسكندرِ
وطِئَتْ مناكبَها جيادُك فانْثَنَت ... تُلقِي أجِنِّتها بناتُ الأصفرِ
وأرسل شرف الدّولة مسلم بن قريش إلى سُليمان يطلب منه الحَمل الذي كان يحمله إليه صاحبُ أنطاكية، فبعث يقول له: إنّما ذاك المال كان جزية رأس الفردروس، وأنا بحمد الله فمؤمن، ولا أعطيك شيئًا. فنهب شرف الدّولة بلاد أنطاكيّة، فنهب سُليمان أيضًا بلاد حلب، فاستغاث له أهلُ القرى فرقَّ لهم، وأمرَ جُنْدَه بإعادة عامّة ما نهبوه.
ثمّ إنّ شرف الدّولة حشد العساكر وسار لحصار أنطاكية، فأقبل سُليمان بعساكره، فالتقيا في صَفَر سنة ثمانٍ وسبعين بنواحي أنطاكية، فانهزمت العرب، وقُتل شرف الدّولة بعد أن ثبت وقتل بين يديه أربعمائة من شباب حلب. وكان أخوه إبراهيم في سجنه، فأخرجوه وملكوه، وسار سُليمان فنازل حلب وحاصرها أكثر من شهر، وترحل عنها.
وفيها وُلْي شِحْنكيّة بغداد قسيم الدّولة آقْسُنْقر.(10/315)
-سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
كان الأدفونش - لعنه الله - قد جمع جيوشَه، وسار فنزل على مدينة طُليطلَة من بلاد الأندلس في السنين الماضية، فحاصرها سبع سنين، وأخذها في هذا العام من صاحبها القادر بالله ولد المأمون يحيى بن ذي النون، فازداد قوّةً وطغى وتجبر.
وكان ملوك الأندلس، حتّى المعتمد صاحب قُرْطُبة وإشبيلية، يحمل إليه قطيعة كلّ عام. فاستعان المعتمد بن عبّاد على حربه بالملثّمين من البربر، فدخلوا إلى الأندلس، فكانت بينهما وقعة مشهودة، ولكن أساء يوسف بن تاشفين ملك الملثمين إلى ابن عبّاد وعمل عليه، وأخذ منه البلاد، وسجنه بأغمات إلى أن مات.
وذكر اليَسَع بن حَزْم قال: كان وجّه أدفونش بن شانجة رسولًا إلى المعتمد، وكان من أعيان ملوك الفرنج يقال له البرهنس، معه كتاب كتبه رجلُ [ص:318] من فقهاء طُلَيْطلة تنصَّر، ويُعرف بابن الخيّاط، فكان إذا عُيِّر قال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي من أحببت}، والكتاب:
" من الإمبراطور ذي الملّتين الملك أدفونش بن شانجة إلى المعتمد بالله، سدّد الله آراءه، وبصّره مقاصد الرشاد، قد أبصرت تَزَلْزُل أقطار طُلَيْطُلة وحصارها في سالف هذه السّنين، فأسلمتم إخوانكم، وعطّلتم بالدِّعَة زمانكم، والحَذر من أيقظ بالَهَ قبل الوقوع في الحبالة. ولولا عهدٍ سَلَفَ بيننا نحفظ ذِمامه نهض العزم، ولكن الإنذار يقطع الأعذار، ولا يعجل إلا من يخاف الفوت فيما يرومه، وقد حملنا الرسالة إليك السيد البرهانس، وعنده من التسديد الذي يلقى به أمثالك، والعقل الذي يدبّر به بلادك ورجالك، ما أوجب استنابته فيما يدق ويجلّ ".
فلمّا قدم الرسول أحضر المعتمد الأكابر، وقرئ الكتاب، فبكى أبو عبد الله بن عبد البَر وقال: قد أبصرنا ببصائرنا أن مآل هذه الأحوال إلى هذا، وأن مسالمة اللّعين قوّة بلاده، فلو تضافرنا لم نصبح في التّلاف تحت ذلّ الخلاف، وما بَقِي إلّا الرجوع إلى الله والجهاد. وأما ابن زيدون وابن لَبُون فقالا: الرأي مهادنته ومسالمته. فجنح المعتمد إلى الحرب، وإلى استمداد ملك البربر، فقال جماعة: نخاف عليك من استمداده. فقال: رعْي الْجِمال خيرٌ من رعي الخنازير.
ثمّ أخذ وكتب جواب أدفونش بخطِّهِ، ونصّه:
الذّلُّ تأباه الكرامُ ودِيننا ... لك ما ندين به من البأساءِ
سمناك سلمًا ما أردت وبعد ذا ... نغزوك في الإصباح والإمساءِ
الله أعلى من صليبك فادرع ... لكتيبة خبطتك في الهيجاء
سوداء غابت شمسها في غَيْمها ... فجرت مدامُعها بفَيْض دماءِ
ما بيننا إلّا النزال وفتية ... قدحت زِناد الصّبر في الغماءِ
من الملك المنصور بفضل الله المعتمد على الله محمد ابن المعتضد بالله إلى الطّاغية الباغية أدفونش الّذي لقّب نفسه ملك الملوك، وتسمّى بذي الملَّتَيْن. سلام على من اتّبع الهُدى، فأول ما نبدأ به من دعواه أنه ذو المِلَّتين والمسلمون أحقّ بهذا الاسم؛ لأنّ الذي نملكه من نصارى البلاد وعظيم [ص:319] الاستعداد لا تبلغه قدرتكم، ولا تعرفه ملّتكم. وإنّما كانت سنة سعد أيقظ منها مناديك، وأغفل عن النّظر السّديد جميل مُناديك، فركبنا مركب عجز يشحذ الكْيس، وعاطيناك كؤوس دعةٍ، قلت في أثنائها: ليس. ولم تستحي أن تأمر بتسليم البلاد لرجالك، وإنّا لنعجب من استعجالك وإعجابك بصُنْع وافقك فيه القَدَر، ومتى كان لأسلافك الأخدمين مع أسلافنا الأكرمين يد صاعدة، أو وقفة مساعدة، فاستعد بحرب، وكذا وكذا. . إلى أن قال: فالحمد لله الذي جعل عقوبتنا توبيخك وتقريعك بما الموت دونه، والله ينصر دينه ولو كره الكافرون، وبه نستعين عليك.
ثمّ كتب إلى يوسف بن تاشفين يستنجده فأنجده.
وفيها استولى فخر الدّولة بن جَهير على آمد وميافارقين، وبعث بالأموال إلى السلطان ملكشاه. ثمّ ملك جزيرة ابن عَمْر بمخامرة من أهلها، وانقرضت دولة بني مروان.
وفيها وصل أمير الجيوش في عساكر مصر، فحاصر دمشق، وضيّق على تاج الدّولة تُتُش، فلم يقدر عليها، فعاد إلى مصر.
وفيها كانت فتنة كبيرة بين أهل الكرْخ الشيعة وبين السنة، وأحرقت أماكن واقتتلوا.
وجاءت زلزلة مهُولة بأرّجان، مات خَلقُ منها تحت الردم.
وفيها كانت الرّيح السّوداء ببغداد، واشتدّ الرعد والبرق، وسقط رملُ وتراب كالمطر، ووقعت عدّة صواعق، وظنّ النّاس أنّها القيامة، وبقيت ثلاث ساعات بعد العصر، نسأل الله السلامة. وقد سقت خبر هذه الكائنة في ترجمة الإمام أبي بكر الطرطوشي لأنه شاهدها وأوردها في أماليه، وكان ثقة ورعًا، رحمه الله تعالى.(10/317)
-سنة تسع وسبعين وأربعمائة
فيها نازل سليمان بن قتلمش حلب لما قتل شرف الدولة، وأرسل إلى نائبها ابن الحُتَيْتيّ العباسي يطلب منه أن يسلمها إليه، فقدّم تقدمة، واستمهله إلى أن يكاتب السلطان ملكشاه. وأرسل العباسي إلى صاحب دمشق تُتُش، وهو أخو السّلطان يحرضه على المجيء ليتسلم البلد. فسار تُتُش [ص:320] بجيشه، فقصده قبل أن يصل إليها سُليمان، وكان مع تُتُش أرتق التركماني جدّ أصحاب ماردين، وكان شجاعًا سعيدًا، لم يحضر مصَافًا قط إلًا وكان الظفر له. وقد كان فارق ابن جَهير لأمر بدا منه، ولحق بتاج الدولة تتش، فأعطاه القدس. والتقى الجمعان، وأبلى يومئذٍ أرتق بلاءً حسنًا، وحرَّض العرب على القتال، فانهزم عسكر سُليمان، وثبت سُليمان بخواصه إلى أن قُتِل، وقيل: بل أخرج سِكّينًا عند الغَلَبة قتلَ بها نفسه. ونهب أصحاب تُتُش شيئًا كثيرًا، ثمّ إنه سار لأخذ حلب فامتنعوا، فحاصرهم وأخذها بمخامرة جرت.
وأما السّلطان فإنّ البُرْدَ وصلت إليه بشُغُور حلب من ملكٍ، فساق بجيوشه من إصبهان، فقدمها في رجب، وهرب أخوه عنها ومعه أرتق. وكانت قلعة حلب عاصيةً مع سالم ابن أخي شرف الدّولة، فسلّمها إلى السّلطان، وعوضه عنها بقلعة جَعْبَر، فبقيت في يده ويد أولاده إلى أن أخذها السلطان نور الدين.
وأرسل الأمير نصر بن عليّ بن منقذ إلى السلطان ملكشاه يبذل الطاعة، وسلم إليه لاذقية وكفرطاب وفامية، فترك قصده وأقره على شَيْزَر. ثمّ سلم حلب إلى قسيم الدولة آقسنقر، فعمرها وأحسن السيرة. وأمّا ابن الحُتَيتيّ فإنّ أهلها شكوه، فأخذه السّلطان معه، وتركه بديار بكر، فافتقر وقاسى. وأما ولده فقتلته الفرنج بأنطاكية لمّا ملكوها.
خبر وقعة الزلاقة بالأندلس: وهو أنّ الأدفونش - لعنه الله - تمكّن وتمرد، وجمع الجيوش فأخذ طُلَيْطُلة، فاستعان المسلمون بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش، فبادر وعدّى بجيوشه، واجتمع بالمعتمد بن عبّاد بإشبيلية، وتهيأ عسكرها وعسكر قُرْطُبة، وأقبلت المطوعة من النواحي. وسار جيش الإسلام حتّى أتوا الزلاقة - من عمل بطليوس - وأقبلت الفرنج، وتراءى الجمعان، فوقع الأدفونش على ابن عبّاد قبل أن يتواصل جيش ابن تاشفين، فثبت ابن عبّاد وأبلى بلاءً حسنًا، وأشرف المسلمون على الهزيمة، فجاء ابن تاشفين عرضًا، فوقع على خيام الفرنج فنهبها وقتل من بها، فلم تتمالك النصارى لما رأت ذلك أن انهزمت، فركب ابن عبّاد أقفيتهم، ولقيهم ابن تاشفين من بين أيديهم، ووضع فيهم السيف، فلم ينج منهم إلّا القليل، ونجا الأدفونش في طائفة. وجمع المسلمون من رؤوس الفرنج كومًا كبيرًا وأذّنوا عليه، ثمّ أحرقوها لما جيفت. وكانت الوقعة يوم الجمعة في أوائل رمضان، وأصاب المعتمد بن عبّاد جراحات سليمة في وجهه. وكان العدو خمسين ألفًا، فيقال: إنه لم يصل منهم إلى بلادهم ثلاثمائة نفس. وهذه ملحمة لم يعهد مثلها، وحاز المسلمون غنيمة عظيمة. [ص:321]
وطابت الأندلس للملثّمين، فعمل ابن تاشفين على أخذها، فشرع أوّلًا، وقد سار في خدمته ملك غرناطة، فقبض عليه وأخذ بلده، واستولى على قصره بما حوى، فيقال: إنّ في جملة ما أخذ أربعمائة حبة جوهر، فقوَّمت كلّ واحدةٍ بمائة دينار.
ونقل ابن الأثير أنّ ابن تاشفين أرسل إلى المقتدي بالله العباسيّ يطلب أن يسلطنَه، فبعث إليه الخِلع والأعلام والتّقليد، ولقِّب بأمير المسلمين.
ولمّا افتتح السّلطان ملكشاه حلب والجزيرة، رجع ودخل بغداد، وهو أوّل دخوله إليها، فنزل بدار المملكة ولعب بالكُرة، وقدَّم تقادم للخليفة، ثمّ قدِم بعده نظام المُلْك. ثمّ سار فزار قبور الصالحين، وفيه يقول ابن زكَرَوْيه الواسطيّ:
زُرْتَ المشاهدَ زَوْرةً مشهودةً ... أرْضت مضاجع من بها مدفونُ
فكأنّك الغَيْثُ استهلّ بتُربها؛ ... وكأنّها بك روضةٌ ومعينٌ
ثمّ خرج وتصيّد، وأمر بعمل منارة القرون من كثرة ما اصطاد من الغزلان وغيرها. ثمّ جلس له الخليفة ودخل إليه وأفرغ الخِلَع عليه. ولم يزل نظام المُلْك قائمًا يقدَّم أميرًا أميرًا إلى الخليفة، وكلما قدَّم أميرًا قال: هذا العبد فلان، وأقطاعه كذا وكذا، وعدّة رجاله وأجناده كذا وكذا؛ إلى أن أتى على آخرهم. ثمّ خلع على نظام المُلْك. وكان يومًا مشهودًا.
وجلس نظام المُلْك بمدرسته، وحدَّث بها، وأملى مجلسًا. ثمّ سار السّلطان من بغداد إلى إصبهان في صَفَر من سنة ثمانين.
وفيها كانت فتنة هائلة بين السُّنّة والشّيعة، وكادت الشّيعة أن تهلك، ثمّ حجز بينهم الدّولة.
وفيها قدِم الشريف أبو القاسم عليّ بن أبي يَعْلَى الحُسينيّ الدّبّوسيّ بغداد في تجمُّل عظيم لم يُرَ مثلُه لِعالِم، ورُتب مدرسًا بالنّظاميّة بعد أبي سعد المتولّي.
وفيها زوّج السّلطان أخته زليخا بابن صاحب الموصل، وهو محمد ابن شرف الدّولة مسلم بن قريش، وأقطعه الرحْبَة، وحَرّان، والرَّقَّة، وسَرُوج، والخابور. وتسلَّم هذه البلاد سوى حَرّان، فإنّ محمد بن الشّاطر امتنع من تسليمها مدّة، ثمّ سلّمها. [ص:322]
وفيها عُزِل فخر الدّولة بن جهير عن ديار بكر بالعميد أبي على البلْخيّ، بعثه السّلطان وجعله عاملاً عليها.
وفيها أُسقطت خطبة صاحب مصر المستنصر بالحَرَمَيْن، وخطب لأمير المؤمنين المقتدي.
وفيها أسقط السّلطان المكوس والاجتيازات بالعراق.
وفيها حاصر تميم بن باديس قابِس وسَفَاقُس، وفرق عليهما جيوشه.(10/319)
-سنة ثمانين وأربعمائة.
في أوّلها عُرْسُ أمير المؤمنين على بنت السّلطان ملكشاه، عندما ذهب السّلطان للصّيد. فنُقل جهازها إلى دار الخليفة، فيما نقل ابن الأثير، على مائةٍ وثلاثين جَمَلًا مجلَّلة بالدّيباج الروميّ، وعلى أربعة وسبعين بغلًا مجلَّلة بألوان الدّيباج، وأجراسها وقلائدها الذَّهب، فكان على ستة بغال اثنا عشر صندوقًا فيها الحُلِيّ والمَصَاغ، وثلاثة وثلاثون فرساً عليها مراكب الذَّهب مرصّعة بأنواع الجوهر والحُلِيّ، ومهْد كبير كثير الذّهب، وبين يدي الجهاز الأميران كوهرائين وبُرسق. فأرسل الخليفة وزيره أبا شجاع إلى تركان خاتون زوج السلطان، وبين يديه ثلاثمائة مركبيّة، ومثلها مشاعل، ولم يبق في الحريم دكّان إلاّ وقد أوقد فيها الشّمع.
وأرسل الخليفة محفّة لم يُرَ مثلها. فقال الوزير لتُرْكان: يقول أمير المؤمنين: إِنَّ اللَّهَ يأمركم أن تؤدُّوا الأمانات إلى أهلها، وقد أَذِن في نقل الوديعة إليه.
فأجابت، وحضر نظام المُلْك فمن دونَه، وكلٌّ معهم الشّمع والمشاعل. وجاءت نساء الأمراء بين أيديهن الشّمع والمشاعل. ثمّ أقبلت الخاتون في محفّةٍ مجلَّلة عليها من الذَّهب والجواهر أكثر شيء، قد أحاط بالمحفة مائتا جارية من الأتراك بالمراكب العجيبة، فسارت إلى دار الخلافة. وكانت ليلة مشهودة لم يُرَ ببغداد مثلها. وعمل الخليفة من الغد سِماطًا لأمراء السّلطان، يُحكى أنّ فيه أربعين ألف منّ من السُّكّر، وخلع عليهم. وجاءه منها ولد في ذي القعدة سمّاه جعفرًا.
وجاء السّلطان في هذه السّنة من تركان خاتون ولده محمود الذي ولي الملك. [ص:323]
.(10/322)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(10/323)
-سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.(10/323)
1 - أحمد ابن الحافظ أبي عَمْرو عثمان بْن سَعِيد الدّاني المقرئ أبو العبّاس. [المتوفى: 471 هـ]
قرأ على أبيه، وأقرأ الناس بالروايات. أخذ عنه أبو القاسم بن مُدير.
تُوُفّي في ثامن رجب.(10/323)
2 - أحْمَد بْن عَلِيّ بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بن الفضل، أبو الحَسَن بن أبي الفرج البغداديّ البَشّاريّ، المعروف أيضًا بابن الوازع. [المتوفى: 471 هـ]
شيخ معمّر، وجدَ ابن ماكولا سماعَه من أبي طاهر المخلّص في جزء من "الفتوح" لسيف. فأفادَه الناسَ، وسمعوه منه. روى عنه مكّيّ الرُّميليّ، وإسماعيل ابن السمرقندي. وتوفّي فِي ربيع الآخر وله أربعٌ وتسعون سنة.(10/323)
3 - أحمد بن محمد بن هبة الله، أبو الحسين الدّمشقيّ الأكفانيّ، [المتوفى: 471 هـ]
والد الأمين أبي محمد.
حدَّث عن المسدَّد الأملوكيّ، وعبد الرحمن بن الطُّبيز. وعنه ابنه.
مات في ربيع الأوّل.(10/323)
4 - أتْسِز بن أوّق الخُوارَزْميّ التُركيّ، [المتوفى: 471 هـ]
صاحب دمشق.
قال ابن الأكفاني: غلت الأسعار في سنة حصار الملك آتسز ابن الخُوارَزْميّ دمشق، وبلغت الغرارة أكثر من عشرين دينارًا. ثمّ ملك البلد صُلحًا، ونزل دار الإمارة داخل باب الفراديس، وخطب لأمير المؤمنين [ص:324] المقتدي بالله عبد الله بن أبي العبّاس، وقُطِعت دعوة المصريّين، وذلك في ذي القعدة سنة ثمانٍ وستين.
وقال ابن عساكر: إنّه ولي دمشق بعد حصاره إيّاها دفعات، وأقام الدّعوة لبني العبّاس، وتغلب على أكثر الشّام، وقصد مصر ليأخذها فلم يتمّ له ذلك. ثمّ وجّه المصريّون إلى الشّام عسكرًا ثقيلًا في سنة إحدى وسبعين، فلمّا عجز عنهم راسل تُتُش بن ألب أرسلان يستنجد به. فقدم تتش دمشق، وغلب على دمشق، وقتل أتْسِز في ربيع الآخر، واستقام الأمر لتتش. وكان أتسز لمّا أخذ دمشق أنزل جُنْدَه في دُور النّاس، واعتقل من الرُّؤساء جماعةً وشمّسهم بمرج راهط حتّى افتدوا نفوسهم منه بمالٍ كثير، ونزح جماعة إلى طرابُلُس.
وقَتَلَ بالقُدس خلقًا كثيرًا كما مرَّ في الحوادث إلى أن أراح الله منه.(10/323)
5 - إبراهيم بن إسماعيل، أبو سعْد اليعقوبيّ. [المتوفى: 471 هـ]
مات بمرْو في شعبان.(10/324)
6 - إبراهيم بن عليّ، الشّيخ أبو إسحاق القبانيّ، [المتوفى: 471 هـ]
شيخ الصُّوفيّة بدمشق.
أقام بدمشق، وأقام بصور أربعين عامًا. وسمع بالرملة من شيخه أبي الحسين بن التّرجُمان، وبصيدا من الحَسَن بن جُمَيْع. روى عنه نصر المقدسيّ، وغيث الأرمنازيّ، وجماعة.
وكان صالحاً صدوقاً له معاملة.(10/324)
7 - الحَسَن بن أحمد بن عبد الله، الفقيه أبو عليّ ابن البنّاء البغداديّ الحنبليّ، [المتوفى: 471 هـ]
صاحب التّصانيف والتّخاريج.
سمع من هلال الحفّار، وأبي الفتح بْن أَبِي الفوارس، وأبي الحَسَن بن رزقوَيْه، وأبي الحسين بن بُشَران، وعبد الله بن يحيى السُّكَّريّ، وهذه الطبّقة فأكثر. [ص:325]
روى عنه أحمد بن ظَفَر المَغَازِليّ، وأبو منصور عبد الرحمن القزّاز، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وجماعة، وولداه يحيى وأحمد، وأبو الحسين ابن الفرّاء، وقاضي المرِستان.
وقرأ بالرّوايات على أبي الحسن الحمَّاميّ، وعلّق الفقه والخلاف عن القاضي أبي يَعْلَى قديمًا، ودرّس في أيّامه.
وله تصانيف في الفقه والأصول والحديث، وكان له حلقتان للفتوى وللوعْظ، وكان شديدًا على المُبْتَدِعَة، ناصرًا للسُّنَّة. آخر من روى عنه بالإجازة الحافظ محمد بن ناصر.
قال القفطيّ: كان من كبار الحنابلة. سأل فقال: هل ذكرني الخطيب في تاريخه مع الثقات أو مع الكذابين؟ فقيل له: ما ذكرك أصلًا. فقال: ليته ذكرني ولو مع الكذابين.
قال القفطيّ: كان مشارًا إليه في القراءات واللّغة والحديث. حُكي عنه أنه قال: صنّفتُ خمسمائة مصنَّف. قال: إلًا أنّه كان حنبليّ المعتَقَد، تكلّموا فيه بأنواع.
تُوُفّي في رجب.
قلت: ما تكلَّم فيه إلّا أهل الكلام لكونه كان لهجاً بمخالفتهم، كثير الذّمّ لهم، مَعْنِيا بأخبار الصِّفات. قرأ عليه جماعة. ولم يذكره الخطيب في تاريخه لأنّه أصغر منه، ولا ذكر أحدًا من هذه الطّبقة إلّا من مات قبله.
وذكره ابن النّجّار، فقال: كان يؤدَّب بني جَرْدَة. قرأ بالرّوايات على الحمّاميّ، وغيره. وكتب بخطه كثيرًا.
إلى أن قال: وتصانيفه تدلّ على قلّة فَهْمه، كان صحفيًّا قليل التحصيل. روى الكثير، وأقرأ ودرّس، وأفتى، وشرح "الإيضاح" لأبي عليّ الفارسي. إذا نظرت في كلامه بانَ لك سوء تصرُّفه. ورأيت له ترتيبًا في "غريب" أبي عُبَيْد قد خَبَطَ كثيرًا وصحّف.
حدَّث عنه أولاده أحمد ومحمد ويحيى، وابن الحصين، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو منصور القزاز، وأحمد بن ظَفَر المغازليّ. [ص:326]
قال شجاع الذُّهليّ: كان أحد القراء المجوّدين، سمعنا منه قطعة من تصانيفه.
وقال المؤتمن السّاجيّ: كان له رواء ومنظر، ما طاوعتْني نفسي للسَّماع منه.
وقال إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ: كان واحدٌ من المحدّثين اسمه الحَسَن بن أحمد بن عبد الله الَّنيسابوريّ، سمع الكثير، فكان ابن البنّاء يكشط "بوريّ" ويمدّ السّين، فتصير "البنّا" كذا قيل: إنّه كان يفعل ذلك.(10/324)
8 - الحَسَن بن علي بن محمد بن أحمد بن جعفر، الحافظ أبو عليّ البلْخيّ الوَخْشي، [المتوفى: 471 هـ]
ووَخْش: من أعمال بلْخ.
رحال حافظ كبير. سمع بدمشق من تمّام الرّازيّ وعَقِيل بن عَبْدان، وببغداد من أبي عَمْر بن مهديّ، وبالبصرة من أبي عَمْر الهاشميّ، وبمصر من أبي محمد عبد الرحمن بن عمر ابن النّحّاس، وبخُراسان من أصحاب الأصمّ.
قال أبو بكر الخطيب: علّقت عنه ببغداد، وإصبهان.
وقال ابن السَّمعانيّ: كان حافظًا فاضلًا ثقة، حَسَن القراءة. رحل إلى العراق، والجبال، والشّام، والثغور، ومصر. وذاكَرَ الحُفّاظ. وسمع ببلْخ من أبي القاسم عليّ بن أحمد الخُزَاعيّ؛ وبنَيْسابور من أبي زكريّا المزكّي والحيريّ، وببغداد من ابن مهديّ، وابن أبي الفوارس؛ وبإصبهان من أبي نُعَيْم.
روى لنا عنه عمر بن محمد بن عليّ السَّرخسيّ، وعمر بن عليّ المحموديّ.
روى عنه الخطيب في تصانيفه، وذكر الحافظ عبد العزيز النَّخشبيّ أنّه كان يتَّهم بالقَدَر.
قال السَّمعانيّ: ولد سنة خمسٍ وثمانين وثلاثمائة، وتُوُفّي في خامس ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين ببلْخ.
قلت: انتقى على أبي نُعَيم خمسة أجزاء مشهورة "بالوَخْشِيّات"، وسمعنا [ص:327] جزءًا من حديثه رواه من حِفْظه.
سُئِل عنه إسماعيل بن محمد التَّيميّ، فقال: حافظ كبير.
قلت: روى عن الوخْشِيّ كتاب "السُّنن" لأبي داود: الحسنُ بن عليّ الحُسَيْنيّ البلْخيّ، والذي قيّد وفاته صاحبُه عَمْر السَّرخسيّ. وقد حدَّث المحموديّ عنه في سنة ستًّ وأربعين وخمسمائة، وقال: كنتُ قد راهقت لمّا تُوُفّي الوخْشِيّ وحضرتُ جنازته، فلمّا وضعوه في القبر، سمعنا صيحةً، فقيل: إنّه لمّا وضع في القبر خرجت الحشرات من المقبرة، وكان في طرفها وادي، فانحدَرَت إليه الحشرات، فذهبتُ وأبصرتُ البَيْضَ الصِّغار، والعقارب، والخنافس، وهي منحدرة إلى الوادي بعينيَّ، والنّاس ما كانوا يتعرضون لها.
قال ابن النّجّار: سمع ببلْخ من عليّ بن أَحْمَد الخزاعيّ، وبهَمَذان محمد بن أحمد بن مَزْدين، وبحلب، وبعَكّا. وسمع منه نظام المُلْك ببلخ، وصدّره بمدرسته ببلْخ، وقال: جُعتُ بعسقلان أيامًا حتّى عجزت عن الكتابة، ثمّ فتح الله.
قال فيه إسماعيل التيَّميّ: حافظ كبير.(10/326)
9 - الحسين بن عَقِيل بن محمد بن عبد المنعم بن ريش الدّمشقيّ البزّاز الشاعر. [المتوفى: 471 هـ]
سمع عبد الرحمن بْن أَبِي نَصْر. روى عَنْهُ أبو بكر الخطيب مع تقدُّمه، وأبو الحَسَن بن المسلم الفقيه.(10/327)
10 - سعْد بْن عليّ بْن محمد بْن علي بْن حسين، أبو القاسم الزَّنجانيّ، الحافظ الزّاهد. [المتوفى: 471 هـ]
سمع أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف، وأبا عليّ الحسين بن ميمون الصّدَفيّ بمصر، وبغزة عليّ بن سلامة، وبزَنْجَان محمد بن أبي عُبَيْد، وبدمشق عبد الرحمن بن ياسر وأبا الحسن الجبّان، وجماعة.
روى عنه أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، وأبو المظفّر منصور السَّمعانيّ [ص:328] الفقيه، ومكّيّ الرُّميليّ، وهبة الله بن فاخر، ومحمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد المنعم ابن القُشَيْريّ، وآخرون.
وجاوَرَ بمكة زمانًا، وصار شيخ الحَرَم.
قال أبو الحَسَن محمد بن أبي طالب الفقيه الكَرَجيّ: سألت محمد بن طاهر عَنْ أفضل مِن رَأَى، فقال: سعْد الزَّنجانيّ، وعبد الله بن محمد الأنصاريّ، فسألته أيُّهما أفضل؟ فقال: عبد الله كان متفننًا، وأمّا الزَّنجانيّ فكان أعرف بالحديث منه؛ وذلك أنّي كنت أقرأ على عبد الله فأترك شيئًا لأجرّبه، ففي بعضٍ يرُد، وفي بعضٍ يسكت، والزَّنجانيُّ، كنتُ إذا تركت اسمَ رجلٍ يقول: تركتَ بين فُلان وفُلان اسمَ فُلان.
قال ابن السَّمعانيّ: صَدَق كان سعد أعرف بحديثه لقلَّته، وعبد الله كان مكثرًا.
قال أبو سعد السَّمعانيّ: سمعتُ بعض مشايخي يقول: كان جدّك أبو المظفّر قد عزم على أن يُقيم بمكّة ويجاور بها، صُحْبَةَ الإمام سعْد بن عليّ، فرأى ليلةً من اللّيالي والدته كأنّها قد كشفت رأسها وقالت له: يا بُنَيّ، بحقّي عليك إلّا ما رجعتَ إلى مرو، فإنّي لا أطيق فِراقَك. قال: فانتبهتُ مغمومًا، وقلت: أشاور الشّيخ سعدا، فمضيتُ إليه وهو قاعد في الحَرَم، ولم أقدر من الزّحام أن أكلّمه، فلمّا تفرَّق النّاس وقام تبِعْتُه إلى داره، فالتفت إليّ وقال: يا أبا المظفَّر، العجوز تنتظرك. ودخل البيت.
فعرفت أنّه تكلَّم على ضميري، فرجعتُ مع الحاجّ تلك السّنة.
قال أبو سعْد: كان أبو القاسم حافظًا، متقِنًا، ثقة، ورِعًا، كثير العبادة، صاحب كرامات وآيات. وإذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف، ويقبّلون يده أكثر ممّا يقبلون الحجر الأسود.
وقال محمد بن طاهر: ما رأيت مثله، سمعتُ أبا إسحاق الحبّال يقول: لم يكن في الدّنيا مثل أبي القاسم سعْد بن عليّ الزَّنجانيّ في الفضل. وكان يحضر معنا المجالس، ويُقرأ الخطأ بين يديه، فلا يردّ على أحدٍ شيئًا، إلّا أن يُسأل فيُجيب.
قال ابن طاهر: وسمعت الفقيه هياج بن عبيد إمام الحرم ومفتيه يقول: [ص:329] يومٌ لا أرى فيه سعد بن علي لا أعتد أني عملت خيرًا. وكان هياج يعتمر ثلاث مرات. وسيأتي ذكره.
قال ابن طاهر: كان الشّيخ سعْد لمّا عزم على المجاورة عزم على نيِّفٍ وعشرين عزيمة أنّه يُلْزِمَها نفسَه مِن المجاهدات والعبادات. ومات بعد ذلك بأربعين سنة ولم يخلّ منها بعزيمةٍ واحدة. وكان يُملي بمكّة، ولم يكن يُمْلي بها حين تولّى مكة المصريّون، وإنّما كان يُمْلي سرًّا في بيته.
وقال ابن طاهر: دخلتُ على الشّيخ أبي القاسم سعْد وأنا ضيّق الصَّدر من رجلٍ من أهل شيراز لا أذكره، فأخذت يده فقبَّلتها، فقال لي ابتداءً من غير أن أُعْلِمه بما أنا فيه: يا أبا الفضل، لا تضيِّق صدْرَك، عندنا في بلاد العجم مَثَلٌ يُضْرَب، يقال: بُخْلُ أهوازيّ، وحَمَاقةُ شِيرازيّ، وكَثْرةُ كلام رازيّ. ودخلتُ عليه في أول سنة سبعين لمّا عزمتُ على الخروج إلى العراق حتّى أودّعه، ولم يكن عنده خبرٌ من خروجي. فلمّا دخلت عليه قال:
أَرَاحِلُون فنبكي، أم مُقِيمونا؟
فقلت: ما أمر الشّيخ لا نتعدّاه.
فقال: على أيَّ شيءٍ عَزَمْت؟ قلت: على الخروج إلى العراق لألحق مشايخ خُراسان. فقال: تدخل خُراسان، وتبقى بها، وتفوتك مصر، ويبقى في قلبك. فاخرج إلى مصر، ثمّ منها إلى العراق وخراسان، فإنه لا يفوتك شيء ففعلتُ، وكان في ذلك البركة.
سمعتُ سعد بن عليّ - وجرى بين يديه ذِكْر الصّحيح الذي خرَّجه أبو ذَر الهَرَويّ - فقال: فيه عن أبي مسلم الكاتب، وليس من شرط الصّحيح.
وقال أبو القاسم ثابت بن أحمد البغداديّ: رأيتُ أبا القاسم الزَّنجانيّ في المنام يقول لي مرةً بعد أخرى: إنّ الله يبني لأهل الحديث بكلّ مجلسٍ يجلسونه بيتًا في الجنّة.
وُلِد سعد في حدود سنة ثمانين وثلاثمائة، أو قبلها، وتُوُفّي في سنة إحدى وسبعين، أو في أواخر سنة سبعين بمكّة.
وله قصيدة مشهورة في السُّنّة، وقد سئل عنه إسماعيل الطّلْحيّ فقال: إمامٌ كبيرٌ عارفٌ بالسُّنَّة.(10/327)
11 - سُلمان بن الحَسَن بن عبد الله، أبو نصر، صاحب ابن الذّهبيّة، البغداديّ. [المتوفى: 471 هـ]
رجل صالح معمَّر، روى عن أبي الحَسَن محمد بْن محمد بْن محمد بْن مَخْلَد صاحب الصّفّار.
روى عنه محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وعبد الوهّاب الأنماطيّ، وقال: عاش أكثر من مائة سنة.
مات أبو نصر في رجب.(10/330)
12 - سهل بن عَمْر بن محمد بن الحسين، أبو عمر ابن المؤَّيد أبي المعالي البِسْطاميّ ثمّ النيَّسابوريّ. [المتوفى: 471 هـ]
من بيت الإمامة والحشمة، وهو خَتَن عمه الموفّق بابنته. روى عن أبي الفضل عَمْر بن إبراهيم الهَرَويّ، وأصحاب الأصم.
تُوُفّي في شوّال.(10/330)
13 - طاهر بن محمد شاه فور، أبو المظفّر الطٌّوسيّ. [المتوفى: 471 هـ]
مات بطوس في شوّال. يروي عن ابن مَحْمِش الزّياديّ، وغيره.
وعنه زاهر الشحّاميّ.
وكان إمامًا مفسِّراً أُصوليا.
وسمّاه عبد الغافر: شاهفور.(10/330)
14 - عبد الله بن سبعون بن يحيى، أبو محمد السلّميّ القيروانيّ. [المتوفى: 471 هـ]
محدَّث عارف، سكن بغداد ونقل بخطّه الكثير، وقرأ بنفسه، سمع أبا القاسم عبد العزيز الأَزَجيّ، وأبا طالب بن غيلان، وجماعة.
وبمكة أبا نصر السِّجزيّ، وأبا الحَسَن بن صخْر، وبمصر عليّ بن منير.
روى عنه أبو القاسم السَّمرقنديّ، وأبو الحَسَن بن عبد السّلام.
تُوُفّي في رمضان.(10/330)
15 - عبد الباقي بن محمد بن غالب، أبو منصور ابن العطّار الأزجيّ [المتوفى: 471 هـ]
وكيل أميرَيِ المؤمنين القائم والمقتدي. [ص:331]
قال السمعانيّ: كان حَسَن السِّيرة، جميل الأمر، صحيح السّماع؛ سمع أبا طاهر المخلّص، وأحمد بن محمد ابن الْجُنْديّ.
روى عنه يوسف بن أيّوب الهَمذانيّ، وعبد المنعم ابن القُشَيْريّ، وأبو نصر أحمد بن عَمْر الغازي، وآخرون.
قلت: كان قليل الرّواية، رئيسًا.
قال الخطيب: كتبتُ عنه، وكان صدوقًا. قال لي: ولدت سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
تُوُفّي ابن العطّار في ربيع الآخر.(10/330)
16 - عبد الحميد بن الحَسَن بن محمد، أبو الفَرَج الهَمَذانيّ الدّلّال الفُقَاعيّ. [المتوفى: 471 هـ]
روى عن أبي بكر بن لال، وعبد الرحمن الإمام، وعبد الرحمن المؤَّدب الهمذانيين.
قال شيرويه: سمعتُ منه وليس التّحديث من شأنه. وسماعه مع أخيه علي. ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وتوفي في ثامن عشر ذي القعدة.(10/331)
17 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن علي بْن عبد الله بن منصور الطَّبريّ. [المتوفى: 471 هـ]
قال السَّمعانيّ: أبو القاسم ابن الزُّجاجي كان ينزل باب الطّاق من بغداد، وكان خيّرًا ثقة صدوقًا. سمع من أبي أحمد الفرضيّ، وحدثنا عنه أبو بكر الأنصاريّ، وأبو محمد ابن الطراح، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو نصْر أحمد بن عَمْر الغازي. تُوُفّي فِي ربيع الأوَّل.(10/331)
18 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عُلْوان بن عَقِيل، أبو القاسم الشَّيْبانيّ البغداديّ، [المتوفى: 471 هـ]
أخو عبد الواحد.
سمع من عبد القاهر بن عِترة. روى عنه قاضي المَرِسْتان؛ ووثَّقه أبو الفضل بن خَيْرُون.(10/331)
19 - عبد العزيز بن عليّ بن أحمد بن الحسين الأنْماطيّ، أبو القاسم ابن بنت السُّكّريّ العتّابيّ، [المتوفى: 471 هـ]
من محلّة العتّابيين ببغداد.
قال الخطيب: حدَّث عن أبي طاهر المخلِّص. كتبتُ عنه، وكان سماعه صحيحًا.
قلت: روى عنه أبو بكر الأنصاريّ، وعبد الوهّاب الأنماطّي، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ.
وقال عبد الوهّاب الأنماطيّ: هو ثقة.
وُلِد أبو القاسم في سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة، ومات في رجب. وآخر من حدَّث عنه أحمد ابن الطّلاّية.
قرأت على أحمد بن إسحاق، قال: أخبرنا المبارك بن أبي الجود، قال: أخبرنا أحمد بن أبي غالب الزّاهد، قال: أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَلِيٍّ سَنَةَ ثمانٍ وَسِتِّينَ وأربعمائة، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الذّهبيّ، قال: حدثنا عبد الله بن أبي داود، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لأَنْ يتصدَّق الرَّجُلُ فِي حَيَاتِهِ بدرهمٍ خيرٌ مِنْ أَنْ يتصدَّق بِمَائَةِ دينارٍ عِنْدَ مَوْتِهِ ".(10/332)
20 - عبد القاهر بن عبد الرحمن، أبو بكر الْجُرْجانيّ النَّحويّ المشهور. [المتوفى: 471 هـ]
أخذ النَّحو بجُرْجان عن أبي الحسين محمد بن الحَسَن الفارسيّ ابن أخت الشّيخ أبي عليّ الفارسيّ، وعنه أخذ عليّ بن أبي زيد الفَصِيحيّ.
وكان من كبار أئمّة العربيّة. صنَّفَّ كتاب "المغني في شرح الإيضاح" في نحوٍ من ثلاثين مجلَّداً، وكتاب "المقتصد" في شرح "الإيضاح" أيضًا، ثلاث مجلّدات، وكتاب إعجاز القرآن الكبير، وكتاب إعجاز القرآن الصغير، وكتاب العوامل المائة، وكتاب المفتاح، وكتاب شرح الفاتحة في مجلَّد، [ص:333] وكتاب العُمَد في التّصريف، وكتاب الْجُمَل وهو مشهور. وله كتاب التّلْخيص في شرح هذا الْجُمَل.
وكان شافعيَّ المذهب، متكلّمًا على طريقة الأشعريّ، مع دين وسكون.
وقد ذكره السَّلفيّ في مُعْجَمه فقال: كان ورِعًا قانعًا، دخل عليه لصٌ وهو في الصلاة فأخذ ما وجد، وعبد القاهر ينظر، فلم يقطع صلاته. سمعتُ أبا محمد الأبِيوَردِيّ يقول: ما مَقَلَتْ عيني لُغَويًّا مثله. وأمّا في النَّحْو فعبد القاهر. وله نظمٌ، فمنه:
كبِّر على العقل لا تَرُمْه ... ومِلْ إلى الْجَهْل مَيْلَ هائِمْ
وعِشْ حمارًا تَعشْ سعيدًا ... فالسَّعد في طالِع البهائم
توفّي عبد القاهر سنة إحدى وسبعين، وقيل: سنة أربعٍ وسبعين، فالله أعلم.(10/332)
21 - عليّ بن أحمد بن عليّ، أبو القاسم السَّمْسار الأصبهانيّ. [المتوفى: 471 هـ]
مات في ربيع الأوّل.(10/333)
22 - عليّ بن محمد بن أحمد بن حمدان بن عبد المؤمن، أبو الحَسَن المَيْدانيّ، [المتوفى: 471 هـ]
ميدان زياد الذي على باب نَيْسابور، سكن هَمَذان.
روى عن محمد بن يحيى العاصميّ، وأبي حفص بن مسرور. ورحل فسمع من عبد الملك بن بشران، وبشرى الفاتنيّ، وطائفة كبيرة.
قال شيروَيْه: سمعتُ منه. وكان ثقة، صدوقاً، معتنيَّاً بهذا الشّأن، متقنًا، زاهدًا، صامتًا، لم تَرَ عيناي مثله. وسمعتُ أحمد بن عمر الفقيه يقول: لم يَرَ أبو الحَسَن المَيْدانيّ مثلَ نفسه.
قال شيروَيْه: ازدحموا على جنازته، وأطنبوا في وصْفه وفضله. تُوُفّي يوم الجمعة ثامن عشر صَفَر.
قلت: روى عنه هبة الله بن الفَرَج.(10/333)
23 - عليّ بن محمد بن علي بن هارون، أبو القاسم التَّيميّ الكوفيّ ابن الإدلابيّ النَّيسابوريّ. [المتوفى: 471 هـ][ص:334]
حدَّث عن أبي زكريا المُزكّى، وعبد الرحمن بن محمد السّرّاج، وأبي بكر الحِيريّ، وابن نظيف المصريّ، وعبد الملك بن بشرْان. وحدَّث ببغداد بمُسْنَد الشّافعيّ.
روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو البركات بن أبي سعّد، ومحمد بن طلحة الرّازيّ.
وكان ثقة.
مات في ربيع الأوّل سنة إحدى وسبعين.(10/333)
24 - عَمْر بن عبد الملك بن عمر بن خلف، أبو القاسم ابن الرّزّاز. [المتوفى: 471 هـ]
أحد عُدول بغداد وفقهائها، سمع أبا الحسن بن رزقويه، وأبا القاسم الحرفيّ، وابن شاذان.
روى عنه ابن السَّمرقنديّ.
تُوُفّي في رجب.(10/334)
25 - عمر بن عبيد الله بن عمر، أبو الفضل ابن البقّال البغداديّ الأَزَجيّ المقرئ. [المتوفى: 471 هـ]
قرأ القرآن على أبي الحَسَن الحمامي، وسمع أبا أحمد بن أبي مسلم الفَرَضيّ، وختم عليه خلْق، وكان وِرْدُه كلَّ يومٍ ختمة.
روى عنه أبو بكر الأنصاريّ، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنديّ، وأحمد بن عَمْر الغازي، وكان مولده في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.(10/334)
26 - الفُضيل بن يحيى بن الفُضَيل، أبو عاصم الفُضَيْليّ الهَرَويّ، الفقيه. [المتوفى: 471 هـ]
راوي المائة وغيرها. عن عبد الرحمن بن أبي شريح، وأقرانه.
ذكره أبو سعد السَّمعانيّ، فقال: كان فقيهًا، مزكِّياً، صدوقًا، ثقة. عمِّر حتّى حُمِل عنه الكثير. روى عنه أبو الوقت.
وكان مولده في سنة ثلاثٍ وثمانين وثلاثمائة، وتوفّي في جمادى الأولى. روى عن أبي عليّ منصور بن عبد الله الخالديّ، وأبي الحسين بن بشران، وقدم بغداد، وروى عنه عبد السّلام [ص:335] بكبرة، ومحمد بن الحسين العلويّ.(10/334)
27 - محمد بْن عبد الله بْن أَبِي تَوْبَة، أَبُو بكر الكُشْمِيهَنيّ. [المتوفى: 471 هـ]
تُوُفّي بمرّو، وكان واعظًا فقيهًا، تفقَّه على أبي بكر القفّال، وسمع من جماعة.(10/335)
28 - محمد بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد اللَّه، أبو بكر المستعمل السِّمسار. [المتوفى: 471 هـ]
سمع البرقانيّ، وأبا عليّ بن شاذان. روى عنه عبد الله، وإسماعيل ابنا السَّمرقنديّ.(10/335)
29 - محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن علي بن مردين، أبو الفضل القومساني، ثمّ الهَمَذانيّ، ويُعرف بابن زيرَك. [المتوفى: 471 هـ]
قال شيرُوَيْه: هو شيخ عصره، ووحيد وقته في فنون العلم، روى عن أبيه، وعمّه أبي منصور محمد، وخاله أبي سعد عبد الغفار، وابن جانجان، وعلي بن أحمد بن عبدان، ويوسف بن كج، والحسين بن فنجويه الثقفي، وعبد الله بن الأفشين، وجماعة. وروى بالإجازة عن أبي عبد الرحمن السُّلميّ، وأبي الحَسَن بن رزقوَيْه. وسمعتُ منه عامة ما مرَّ له. وكان صدوقًا ثقة، له شأن وحشمة. وله يد في التفسير، حَسَن العبارة والخطّ، فقيهًا، أديبًا، متعّبدًا. تُوُفّي في سَلْخ ربيع الآخر. وقبره يُزار ويتبرَّك به، وسمعته يقول: ولدت سنة تسعٍ وتسعين وثلاثمائة.
قَالَ شِيرُوَيْهِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَكِّيٍّ يقول: سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ الْقُومَسَانِيَّ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: رَأَيْتُ رَجُلا دَفَعَ إليَّ كِتَابًا، فَأَخْذُتُه، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُومَسَانِيِّ، سلامٌ عَلَيْكُمْ.
وسمعتُ إبراهيم بن محمد القزّاز الشّيخ الصّالح يقول: رأيتُ ابن عَبَدان ليلة مات أبو الفضل القُومَسَانّي، فأخذ بيدي ساعة، ثمّ قرأ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا. يريد موته.
سَمِعْتُ أَبَا الْفَضْلِ الْقُومَسَانِيّ يَقُولُ: رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: [ص:336] " اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي " مَعْنَاهُ مشكلٌ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ يَرِثَانِهِ بَعْدَهُ دُونَ سَائِرِ أَعْضَائِهِ؟ فَتَأَوَّلُوهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الدُّعَاءَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: "إِنِّي لَا غِنَى بِي عَنْهُمَا، فَإِنَّهُمَا مِنَ الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ السَّمع وَالْبَصَرِ مِنَ الرَّأْسِ". فَكَأَنَّهُ دَعَا بِأَنْ يُمَتَّعَ بِهِمَا فِي حَيَاتِهِ، وَأَنْ يَرِثَاهُ خِلَافَةَ النُّبوَّة بَعْدَ وَفَاتِهِ. وَلَا يَجِدُ الْعُلَمَاءُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَجْهًا وَلَا تَأْوِيلًا غَيْرَ هَذَا.
فرأيتُ أبا هريرة في المنام، وكنت مارّاً في مقبرة سراسكبهر، فقال لي: أتعرفني؟ فقلت: لا. قال: أنا أبو هريرة. أصبتَ ما قلتَ، أنا رويتُ هذا الحديث وكذا أراد به النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما فسرتَ.
سمعتُ أبا الفضل يقول: مرضتُ حتّى غلب علي ظنّي أنّي سأموت، فأشتدّ الأمرُ وعندي أبي وعمر خادم لنا، فكان أبي يقول: يا بُنَيّ أَكْثِر من ذِكْر الله. فأشهدته وعمر على نفسي، أنّي على دين الإسلام، وعلى السُّنّة. فرأيتُ وأنا على تلك الحال كأنّ هَيْبةً دخلت قلبي، فنظرتُ فإذا أنا برجلٍ يأتي من جهة القِبْلة، ذو هَيْبة وجمال، كأنّه يسبح في الهواء، فازدَدْتُ له هيبة. فلمّا قرُب مني قال لي: قلْ. قلت: نعم. وهبته أن أقول له: ماذا أقول. فكرَّر عليّ وقال: قلْ. قلت: نعم، أقول. فقال: قل الإيمان يزيد وينقُص، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته، وأنّ الله تعالى يُري في الآخرة، وقُلْ بفضل الصّحابة، فإنّهم خيرٌ من الملائكة بعد الأنبياء.
قلتُ: لست أطيق أن أقول ذلك من الهيبة. فقال: قل معي. فأعاد الكلمات فقلتها معه، فتبسَّم، وقال: أنا أشهد لك عند العرش.
فلمّا تبسَّم سكن قلبي، وذهبت عنّي الهَيبة، فأردت أن [ص:337] أسأله: هل أنا ميت؟ فكأنه عرف، فقال: أنا لا أدري. أو قال: من أين أدري؟ فقلت في نفسي: هذا ملك، وعُوفيتُ من المرض.
وسمعته يقول: أصابني وجعٌ شديد، فرأيتُ في المنام كأنّ قائلًا يَقُولُ لي: أقرأ على وَجَعِك الآيات التي فيها اسمُ الله الأعظم.
فقلت: ما هي؟ قال: بَدِيعُ السَّماوات والأرض إلى قوله: اللَّطيف الخبير. فقرأته فعُوفيت.
وسمعته يقول: أتاني رجلٌ من خُراسان فَقَالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاني في منامي وأنا في مسجد المدينة، فقال لي: إذا أتيتَ هَمَذان فاقرأ على أبي الفضل بن زيرَك منّي السَّلام. قلت: يا رسول الله، لماذا؟ قال: لأنه يُصلّى عليَّ في كلّ يومٍ مائة مرّة. فقال: أسألك أن تعلّمنيها. فقلتُ: إنّي أقولُ كل يوم مائة مرّة أو أكثر: اللهمَّ صلَّ على محمد النّبيّ الأُمّيّ، وعلى آل محمد، جزى الله محمدًا صلَّى الله عليه وسلّم عنّا ما هو أهله. فأخذها عنّي، وحلف لي: إنّي ما كنتُ عرفتك ولا اسمك حتّى عرَّفك لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعرضت عليه بِرًّا لأنّي ظنَنْتُه متزيِّداً في قوله، فما قبِل منّي وقال: ما كنتُ لأبيع رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرضٍ من الدّنيا. ومضى فما رأيته بعد ذلك.(10/335)
30 - محمد بن عليّ بن محمد بن يحيى ابن المهديّ بالله الهاشميّ العبّاسيّ البغدادي الشّاعر، ويعرف بابن الحنْدَقُوقيّ. [المتوفى: 471 هـ]
سمع أبا الحَسَن بن رزقوَيْه، وأبا الحسين القطّان. وسمع بالبصرة من القاضي أبي عمر الهاشميّ. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ.
تُوُفّي في ذي الحِجّة، وهو في عَشْر الثّمانين.(10/337)
31 - محمد بن عَمْر، أبو طاهر الأصبهاني، النّقّاش. [المتوفى: 471 هـ](10/337)
32 - محمد بن أبي عمران موسى بن عبد الله، أبو الخير المَرْوَزِيّ الصّفّار. [المتوفى: 471 هـ]
آخر من روى صحيح البخاريّ في الدّنيا بعلوٍّ، رواه عن أبي الهيثم الكُشْمِيهنيّ.
قال ابن طاهر المقدسي: ظهر سماعه على الأصل بالصّحيح، فقرئ [ص:338] عليه. ثمّ استحضره الوزير نظام المُلْك، وسمعوا منه. فسقط يومًا عن دابّته، وحُمِل إلى بيته فمات.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل المروزي الخراجي، والحافظ أبو جعفر محمد بْن أبي عليّ الهَمَذَانيّ، وأبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الكشميهني الخطيب، وهو آخر أصحابه.
قال الحافظ ابن طاهر: سمعتُ عبد الله بن أحمد السَّمرقنديّ يقول: لم يصحّ لهذا الرجل أبي الخير بن أبي عمران، من الكُشْمِيهنيّ سَمَاع، وإنّما وافق الاسمُ الاسمَ، وكان هذا آخر من روى الكتاب بمرو. ثم حُمِل إلى الوزير نظام المُلْك ليقرأ عليه، فقرئ عليه بعضه، وطرحته البغلة فمات، ولم يتمّ، وقد رأيتُ أهل مرو يضحكون إذا قيل: إنّ أبا الخير بن أبي عمران سمع من أبي الهيثم، ويشيرون إلى أنّ هذا غير ذاك.
وقال أبو سعد السَّمعانيّ: كان صالحًا سديد السِّيرة. حدَّث "بالبخاريّ"، وحدَّث ببعض الجامع للتِّرْمِذيّ، عن أحمد بن محمد بن سراج الطّحّان. وعُمّر، وصار شيخ عصره. تكلَّم بعضهم في سماعه، وليس بشيء. أنا رأيتُ سماعَه في القدر الموجود من أصل أبي الهيثم، وأثنى عليه والدي.
وقال الأمير ابن ماكولا: سألتُ أبا الخير عن مولده، فقال: كان لي وقت ما سمعتُ الصحيح عشْر سِنين، وسمع في سنة ثمان وثمانين. توفّي في رمضان.(10/337)
33 - محمد ابن المهديّ، وهو محمد بن عبد العزيز بن العبّاس ابن المهديّ الهاشميّ البغداديّ، [المتوفى: 471 هـ]
والد أبي عليّ محمد.
يروي عن أبي عَمْر الهاشمي البصْريّ. وعَنْه ابنه.(10/338)
34 - مهديُّ بنُ نصْر، أبو الحَسَن الهَمَذانيّ الفقيه المشطيّ. [المتوفى: 471 هـ]
روى عن رافع القاضي، وطاهر الإمام.
قال شيرُوَيْه: صدوق، سمعتُ منه.(10/338)
35 - هبة الله بن حسين بن المهلَّب البزّاز، أبو محمد. [المتوفى: 471 هـ]
بغداديّ، سمع أبا عَمْر بن مهديّ، وأبا الحسين بن بِشْران، وابن [ص:339] رزقويه، وغيرهم.
روى عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو بكر القاضي، وأبو نصر الغازي.
قال ابن خيرون: كان سماعه صحيحاً.
وقال السّمعانيّ: كان من ملاح البغدادييّن، وكان ممّن يشار إليه في الدعابة والولع، وحدث ببغداد، ومات في ربيع الآخر.(10/338)
-سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة.(10/340)
36 - أحمد بن الحَسَن بن محمد، أبو العبّاس القارئ مسكُوَيْه. [المتوفى: 472 هـ]
مات في جُمَادَى الآخرة.(10/340)
37 - أحمد بن محمد بن أحمد، أبو ذَرّ الإسكاف. [المتوفى: 472 هـ]
حدَّث بأصبهان عن أبي سعيد محمد بن موسى الصَّيرفيّ. روى عنه سعيد بن أبي الرجاء.(10/340)
38 - أحمد بن محمد بن عثمان، الأستاذ أبو عمر البَشْخُوانيّ، [المتوفى: 472 هـ]
شيخ الصُّوفيّة.
كان مولده في سنة أربعمائة، وهو من ذرّية الحسن بن سُفيان النَّسويّ. وبَشْخُوان: من قرى نَسَا.
وُلْي الخطابة ونيابة القضاء، ثمّ ترك ذلك وتجرَّد، وحجّ ورجع، فخدم أبا سعيد المِيهنيّ، وأبا القاسم القُشَيْريْ، وظهرت عليه أحوال الطريقة، وصار من أصحاب الكرامات، وسمع من شيخ الإسلام أبي عثمان الصّابونيّ، وبنى بقريته الخانقاه، وصار شيخ تلك النّاحية. أضرّ في آخر عمره.
ذكره السِّمعانيّ.(10/340)
39 - أمة القاهر بنت محمد بن عثمان بن دوست العلاّف. [المتوفى: 472 هـ]
عن جدّها. روى عنها إسماعيل ابن السمرقندي.
توفيت في جمادى الآخرة.(10/340)
40 - الحسن بن إسماعيل بن صاعد بن محمد، قاضي القضاة أبو عليّ الحنفيّ النيَّسابوريّ. [المتوفى: 472 هـ]
سمع الكثير من أبي يَعْلَى حمزة المهلَّبيّ، وعبد الله بن يوسف، وأبي الحسن بن عبدان. ولم يحدث.
تُوُفّي في جُمادى الأولى.(10/340)
41 - الحَسَن بن عبد الرحمن بْن الحَسَن بن محمد بْن أحمد بْن إبراهيم بن عبد الله بن العبّاس بن جعفر بن أبي جعفر المنصور العبّاسيّ، أبو عليّ المكّيّ الشّافعيّ الحنّاط. [المتوفى: 472 هـ]
شيخ ثقة، كان يبيع الحنطة، روى عن أحمد بن إبراهيم بن فِراس، وعُبَيْد الله بن أحمد السَّقطيّ، وغيرهما.
روى عنه أبو المظفّر منصور السَّمعانيّ، وعبد المنعم ابن القشيري، ومحمد بن طاهر، وأحمد بن محمد العباسي المكي، وطائفة من حجاج المغاربة، وغيرهم.
قيل: إنّه تُوُفّي في ذي القعدة. وكان أسند من بقي بالحجاز.
وثقه ابن السَّمعانيّ في الأنساب.
وقال محمد بن محمد بن يوسف الفاشاني: كنت أقرأ الحديث على هبه الله بن عبد الوارث الشيرازي، فقال: قرأتُ على أبي عليّ الشّافعيّ بمكة:
ألَا لَيْتَ شِعْري هِل أبيتنَّ ليلةً ... بفَخٍّ ..
قال هبة الله: فقرأته بالتّصحيف "بفَجٍّ"، فقال أبو عليّ، وأخرجني إلى ظاهر مكّة، وأتى بي إلى موضعٍ، فقال: يا بنّي، هذا هو الفخّ، بالخاء المعجمة، وهو الموضع الّذي تمنّى بلال أن يكون به.
وقد سأل ابنَ السّمعانيّ إسماعيلُ بنُ محمد الحافظ، عن أبي عليّ المذكور، فقال: عدلٌ ثقة، كثير السّماع.(10/341)
42 - الحسين بْن عليّ بْن أبي شريك الحاسب. [المتوفى: 472 هـ]
كان آيةً في الهندسة والحساب، ولم يكن بذاك. سمع عبد الودود بن عبد المتكبِّر. روى عنه أبو القاسم هبة الله الحاسب.(10/341)
43 - عبد الله بن أحمد بن عُبَيْد الله بن عثمان، أبو محمد بن أبي الخير البغداديّ السكِّريّ، [المتوفى: 472 هـ]
صاحب الزّاهد عبد الصّمد.
كان أمينًا مطبوعًا، صحيح الأُصُول، سمع أبا أحمد الفرضيّ، ومحمد [ص:342] ابن بكران الرّازيّ.
روى عنه أبو نصر الغازي بأصبهان، ويحيى ابن الطراح، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ.
وكان يعرف بابن المّطوِّعة.(10/341)
44 - عبد الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَحّاف، أبو المطرِّف المَعَافِريّ، الفقيه البَلَنْسيّ، [المتوفى: 472 هـ]
قاضي بَلَنْسِيَة.
روى عن خَلَف بن هانئ الطُّرطوشيّ. روى عنه أبو بحر سُفيان بن العاص الأسَديّ، وأبو اللَّيث السَّمرقنديّ.
وسمع خَلَف من أحمد بن الفضل الدَّينوريّ.(10/342)
45 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بن عَبْد الرَّحْمَن بن عبّاس، أبو محمد القُرْطُبيّ المقرئ. [المتوفى: 472 هـ]
قرأ على مكّيّ بن أبي طالب بالروايات، وسمع من حاتم بن محمد، وأبي عبد الله محمد بن عتّاب.
قال ابن بَشْكُوال: كان من جلَّة المقرئين، وخيارهم. عارفًا بالقراءات، ضابطًا لها، مجوَّداً، مع الدّين والعفاف. أخبرنا عنه جماعة، وتوفّي في ذي الحِجّة.(10/342)
46 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بن عَبْد الرَّحْمَن بن محمد بن مسلم، أبو سعيد الأبْهريّ المالكيّ. [المتوفى: 472 هـ]
سمع بمصر من عليّ بن منير، وعبد الله بن الوليد الأندلسيّ، وحدَّث بدمشق، روى عنه نصر المقدسيّ، وهبة الله ابن الأكفانيّ، ونصر الله المصِّيصيّ وآخرون.(10/342)
47 - عبد الملك بن الحسين بن خَيْران، أبو نصر الدّلّال. [المتوفى: 472 هـ]
سمع أبا بكر ابن الإسكاف.
مات في جُمَادَى الأولى.(10/342)
48 - عليّ بن عبد الرحمن بن محمد، أبو القاسم المَحْميّ. [المتوفى: 472 هـ]
شيخ رئيس من بيت الرواية والتَّزكية. سمع من ابن مَحْمِش، وأبي بكر الحِيريّ، وجماعة. مولده سنة أربعمائة.
روى عنه إسماعيل بن عبد الرحمن العَصَائِديّ، وغيره.(10/343)
49 - عليّ بن أبي القاسم بن عبد الله بن عليّ، أبو الحَسَن السَّرقسطيّ، [المتوفى: 472 هـ]
نزيل طُلَيْطُلة.
حجّ، وأخذ عن أبي ذر الهَرَويّ، وأبي الحَسَن بن صخْر، والقاضي عبد الوهّاب المالكيّ، وجماعة.
وكان رجلًا صالحًا، فاضلًا، لم تكن له خبرة بالإسناد، وفي كُتُبه تخليط كثير.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، وكانت له جنازة مشهودة بقرطبة.(10/343)
50 - الفضل بن عبد الله بن محمد بن المحبّ. [المتوفى: 472 هـ]
قال عبد الغافر: تُوُفّي في المحرَّم سنة اثنتين وسبعين.
وقال غيره: توفّي في سنة ثلاثٍ، وهو هناك.(10/343)
51 - محمد بن حسّان بن محمد، أبو بكر المُلْقَابَاذيّ النيَّسابوريّ. [المتوفى: 472 هـ]
سمع مُسْنَد أبي عَوَانه من أبي نُعَيم، وحدَّث به. وكان من كبار الفقهاء، روى عنه وجيه الشّحّاميّ، وعُبَيْد الله بن جامع الفارسيّ، وأحمد بن سهل المطرَّزيّ، وآخرون مِن آخرهم وفاةً أبو طالب محمد بن عبد الرحمن الحنْزَبارانيّ.
قال أبو سعْد: محمد بن أبي الوليد حسّان بن محمد بن القاسم فقيه، ثقة، عدل مشتغل بنفسه، غير دخّال في الأمور، أدرك الأسانيد العالية. سمع أبا الحَسَن العلويّ، وعبد الله بن يوسف، وابن مَحْمِش.
وروى عنه جدي أبو المظفّر في الأحاديث الألف. وُلِد في المحرَّم سنة أربعٍ وتسعين وثلاثمائة، [ص:344] ومات بَنْيسابور في ذي القعدة سنة اثنتين.(10/343)
52 - محمد بن الحسن بن محمد ابن الأنماطيّ، الخُزاعيّ الكوفيّ، أبو عبد الله. [المتوفى: 472 هـ]
سمع أبا عبد الله محمد بْن عَبْد اللَّه الْجُعْفيّ القاضي، وغيره. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي.
ولد سنة أربعمائة، ومات في شوّال.(10/344)
53 - محمد بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن دينار بن يزدانيار، أبو جعفر السَّعيديّ الهَمَذانيّ الصُّوفيّ، ويُعرف بالقاضي. [المتوفى: 472 هـ]
روى عن يوسف بن أحمد بن كَجّ، وأبي عبد الله بن فَنْجُوَيْه، ومحمد بن أحمد بن حمدويه الطُّوسيّ، وعبد الرحمن ابن الإمام، وأحمد بن الحسن الإمام، وأحمد بن عمر حموش، ونصر بن الحارث، وجماعة كبيرة.
قال شيرويه: سمعت منه، وكان ثقة صدوقا فقيرًا. وكان أصمّ، وكنتُ إذا دخلتُ بيته ضاق صدري لمّا أرى من حاله. تُوُفّي في جُمَادَى الأولى. وكان مولده في سنة ثمانين وثلاثمائة.(10/344)
54 - محمد بن أبي مسعود عبد العزيز بن محمد، أبو عبد الله الفارسي الهَرَويّ. [المتوفى: 472 هـ]
راوي جزء أبي الْجَهْم، ونُسْخة مُصْعَب الزُّبيريّ، وأجزاء ابن صاعد السّتّة، وغير ذلك عن عبد الرحمن بن أبي شُرَيْح.
روى عنه محمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد السّلام بن أحمد بن بَكْبَرَة، وأبو الفتح محمد بن عليّ المُضَريّ، وأبو الوقت عبد الأوّل، وأهل هراة ورحل ابن طاهر إليه بالقصد إلى هُرَاة، فحكى أنّه مُنِع من الدخول فتنازل إلى أن يدخل ويقرأ عليه حديثًا واحدًا، فإذن له. فلمّا دخل عليه قرأ عليه الحديث الذي في ذِكْر خيبر، وقد رواه البخاريّ بواسطة ثلاثة بينه وبين مالك، والشيخ يروي هذا الحديث بواسطة ثلاثة كالبخاريّ، فقال لابن طاهر: لم اخترت قراءة هذا الحديث؟ فوصف له عُلُوّه [ص:345] فيه، فقال: اقرأ باقي الجزء، ولازمة حتّى أكثر عنه.
تُوُفّي في شوّال.(10/344)
55 - محمد بن عبد العزيز بن محمد، أبو يعلى ابن المناطقيّ البغداديّ [المتوفى: 472 هـ]
الدّلّال في الملك.
سمع ابن رزقُوَيْه، وأبا الحسين بن بِشْران. وعنه أحمد بن المجلّيّ، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ.
ومات في رمضان.(10/345)
56 - محمد بن عليّ بن محمود بن إبراهيم بن ماخرة، أبو بكر الزَّوزنيّ الصُّوفيّ، [المتوفى: 472 هـ]
ولد الشّيخ أبي الحَسَن.
سمع أبا الحَسَن بن مَخْلَد، وأبا القاسم الحرفيّ. روى عنه أبو عليّ البردانيّ، وإسماعيل ابن السمرقندي.
ومات في ذي القعدة عن ستين سنة.(10/345)
57 - محمد بن قاسم بن هلال القيسيّ الطلُّيطليّ، الفقيه. [المتوفى: 472 هـ]
حدَّث عن أبيه، وأبي عمر الطَّلمنكيّ. تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.(10/345)
58 - محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن عبد العزيز، أبو منصور العُكْبريّ الإخْباريّ النّديم. [المتوفى: 472 هـ]
فارسيّ الأصل، كان راوية للأخبار والحكايات، مليح النادرة، حادّ الخاطر، طيب العشرة، من أولاد المحدّثين.
ولد سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، وسمع بالكوفة من محمد بن عبد الله الْجُعْفيّ، وببغداد من هلال الحفار، وابن رزقُوَيْه، وأبي الحسين بن بِشْران.
روى عنه عبد الله النحَّويّ، والحسين سبطا الخيّاط، ويحيى ابن الطراح، وإسماعيل ابن السمرقندي.
قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقا.
وقال عبد الله بن عليّ سبط الخيّاط: كان يتشيَّع. [ص:346]
وقال ابن خَيْرُون: إنّه خلّط في غير شيء، وسمّع لنفسه فيه، وتُوُفّي في رمضان.
قال أبو سعْد السَّمعانيّ: قول ابن خَيْرُون لا يقدح فيه، لأنّ عُمدة قدْحه كَوْنه استعار منه جزءًا، فنقل فيه سماعَه وردّه، وما زالت الطَّلبة يفعلون ذلك.
قلت: وقع لنا المجتنى لابن دُرَيْد بعُلُوّ من طريقه، سمعناه من أبي حفص ابن القوّاس، عن الكِنْديّ إجازة، قال: أخبرنا سبط الخيّاط، قال: أخبرنا أبو منصور النّديم، قال: أخبرنا أبو الطّيّب محمد بن أحمد بن خَلَف بن خاقان العكبريّ، قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد. والنّديم أيضاً بنزول، عن أبي أيّوب الشّافعيّ، عن ابن الجّراح، عنه.(10/345)
59 - محمد بن هبة الله بن الحَسَن بن منصور، أبو بكر ابن الحافظ أبي القاسم الطَّبريّ اللّالَكائيّ ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 472 هـ]
ثقة، مكثر. سمّعه أبوه من هلال الحفَّار، وأبي الحسين بن بِشْران، وأبي الحسين بن الفضل القطّان.
روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو محمد سبط الخيّاط، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.
ومولده في ذي الحِجّة سنة تسعٍ وأربعمائة.
قلت: فيكون سماعه من الحفار حُضُورًا.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.
وكان شافعي المذهب، تبارَدَ من أورده في علماء الشّافعيّة، فإنّه ليس هناك.(10/346)
60 - محمد بن يحيى بن سعيد، أبو عبد لله السِّرقسطيّ، خطيب سَرَقُسْطَة. ويعرف بابن سَمَاعة. [المتوفى: 472 هـ]
حدَّث عن أبي عمر الطَّلمنكيّ. روى عنه أبو عليّ بن سكَّرة، وقال: مشهور بالصَّلاح التّامّ.(10/346)
61 - نصر بن أحمد بن مروان الكُرْديّ، [المتوفى: 472 هـ]
صاحب ديار بكر.
مات عن سنٍّ عالية، وتملَّك ابنه منصور سنة اثنتين وسبعين.(10/347)
62 - هياج بن عُبَيْد بن حسين، الفقيه الزّاهد أبو محمد الحِطّينيّ. [المتوفى: 472 هـ]
وحِطّين: قرية بين عكّا وطبرية، بها قبر شعيب عليه السلام فيما قيل.
سمع أبا الحَسَن عليّ بن موسى السِّمسار، وعبد الرحمن بن عبد العزيز بن الطُّبيز، ومحمد بن عَوْف المُزَنّي، وجماعة بدمشق، وأبا ذر الهَرَويّ بمكة، وعبد العزيز الأزَجيّ وغيره ببغداد، ومحمد بن الحسين الطّفّال، وعليّ بن حمِّصة بمصر، والسَّكن بن جُمَيْع بصَيْدا، ومحمد بن أحمد بن سهل بقَيْسارية.
روى عنه هبة الله الشّيرازيّ في مُعْجَمه فقال: أخبرنا هيّاج الزّاهد الفقيه، وما رأت عيناي مثله في الزُّهد والورع.
وروى عنه محمد بن طاهر، وعمر الرُّواسيّ، ومحمد بن أبي عليّ الهَمَذانيّ، وثابت بن منصور القَيْسرانيّ، وإبراهيم بن عثمان الرّازقيّ، وأبو نصر هبة الله السِّجزيّ، وغيرهم.
قال ابن طاهر المقدسيّ: كنّا جلوسًا بالحرم، فتمارى اثنان أيُّهما أحسن: مصر، أو بغداد؟ فقلت: هذا يطول، ولا يفصل بينكما إلا من دخل البلدين. فقالوا: من هو؟ فقلت: الفقيه هيَّاج. فقمنا بأجمعنا إليه، قال: فِيَم جئتم؟ فقصصت عليه وقلت: قد احتكما إليك.
فأطرق ساعةً ثمّ قال: أقول لكما أيُّهما أطيب؟ قلنا: نعم. فقال: البصرة. قلت: إنّما سألا عن مصر وبغداد، فقال: البصرة أطيب؛ ذاك الخراب وقلة الناس، ويطيب القلب بتلك المقابر والزيارات. وأما بغداد ومصر، فليس فيهما خير من الزَّحمة والأكاسرة.
وكان هياج فقيه الحرم بعد رافع الحمال، وسمعته يقول: كان لرافع الحمال في الزُّهد قدم، وإنما تفقه أبو إسحاق الشّيرازيّ، وأبو يعلى ابن الفرّاء بمُراعاة رافع. كانوا يتفقهون، وكان يكون معهما ثمّ يروح يحمل على رأسه، ويعطيهما ما يتقوَّتان به.
قال ابن طاهر: كان هَيّاج قد بلغ من زُهْده أنه يصوم ثلاثة أيام، ويواصل ولا يُفْطِر إلّا على ماء زمزم. فإذا كان آخر اليوم الثالث من أتاه بشيء أكله، ولا [ص:348] يسأل عنه.
وكان قد نيف على الثمانين، وكان يعتمر في كلّ يومٍ ثلاث عُمَر على رِجْلَيه، ويدرس عدّة دروس لأصحابه. وكان يزور عبد الله بن عبّاس بالطائف كلّ سنة مرّة، يأكل بمكة أكله، وبالطائف أخرى. وكان يزور النبّيَّ صلى الله عليه وسلم كلّ سنة مع أهل مكّة. كان يتوقّف إلى يوم الرحيل، ثمّ يخرج، فأوّل من أخذ بيده كان في مؤنته إلى أن يرجع، وكان يمشي حافيا من مكّة إلى المدينة ذاهبًا وراجعًا.
وسمعته يقول: وقد شكى إليه بعض أصحابه أنّ نَعْلَه سُرقت في الطّواف: اتَّخذ نَعْلَين لا يسرقهما أحد. ورُزق الشهادة في وقعةٍ وقعَتَ لأهل السُّنَّة بمكّة، وذلك أنّ بعض الرّوافض شكى إلى أمير مكّة: أنّ أهل السُّنَّة ينالون منّا ويبغضونا. فأنفذ وأخذ الشّيخ هيَّاجاً، وجماعة من أصحابه، مثل أبي محمد ابن الأنماطي، وأبي الفضل بن قوّام، وغيرهما. وضربهم، فمات الاثنان في الحال، وحُمل هيّاج إلى زاويته، وبَقِي أيّامًا، ومات من ذلك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقال السّمعانيّ: سألت إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ، عن هيّاج بن عُبَيْد، فقال: كان فقيهًا زاهدًا. وأثنى عليه.(10/347)
63 - يحيى بن محمد بن الحسن، الشّريف أبو محمد ابن الأقساسيّ، العلويّ الكوفيّ، [المتوفى: 472 هـ]
من ولد زيد بن عليّ بن الحسين، وأقساس: قرية من قرى الكوفة.
ثقة، روى عن محمد بن عبد الله الجعفيّ. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو الفضل الأُرْمَويّ.
تُوُفّي في حدود هذه السّنة.(10/348)
-سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة(10/349)
64 - أحمد بن حاتم بن بسّام بن عامر، أبو العبّاس البكريّ التَّيميّ الأصبهاني الشاهد. [المتوفى: 473 هـ]
له رحلة إلى خُراسان وإلى بغداد سنة عشرين، فسمع من جماعة؛ روى عَنْ أَبِي عليّ بْن شاذان.
روى عَنْهُ الحسين بن عبد الملك الأديب.
توفّي في صَفَر.(10/349)
65 - أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن سرابان، أبو طاهر الرُّوذباريّ الصّائغ ابن الزّاهد. [المتوفى: 473 هـ]
روى عن أحمد بن تُركان، وعبد الرحمن المؤدّب، وأبي سلمة الهمذانيين، ومنصور بن رامش.
قال شيرويه: سمعتُ منه، وكان ثقة متقنًا. تُوُفّي في شوّال، وله ثمانون سنة.(10/349)
66 - أحمد بْن محمد بْن أحمد بن الأخضر البغداديّ المقرئ. [المتوفى: 473 هـ]
كان من أحسن النّاس تلاوة في المحراب، وكان مُقِلًّا قانعًا. روى عن أبي عليّ بن شاذان. وعنه ابن السَّمرقنديّ، وعلي بن أحمد بن بكار المقرئ.(10/349)
67 - أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن الخياط الأنصاري. [المتوفى: 473 هـ]
روى عن ابن خرَّشيد قُولَه، وأبي الفَرَج البُرْجيّ.(10/349)
68 - إسماعيل بن أحمد بن محمد بن عَبْد الله الحيري، أبو محمد الَّنيسابوريّ البزاز. [المتوفى: 473 هـ]
شيخ معمَّر، صالح، مجاور بالجامع، سمع الكثير، وحدَّث عن أبي الحسن العلويّ، وأبي طاهر بن مَحْمِش، وعبد الله بن يوسف بن بامويه، وأبي [ص:350] عبد الرحمن السُّلميّ.
روى عنه عبد الغافر الفارسيّ وقال: تُوُفّي في رابع ذي الحِجّة، والحسين بن عليّ الشحّاميّ، وسعيدة بنت زاهر الشحّاميّ، وآخرون.(10/349)
69 - أَمَةُ الرحمن بنت عَمْر بن محمد بن يوسف بن دُوَسْت العلاف أمّ الخير. [المتوفى: 473 هـ]
صالحة مستورة، رَوَت عن عمّها عثمان بن دوست. روى عنها إسماعيل ابن السمرقندي. وماتت في شوّال.(10/350)
70 - أَمَةُ القاهر بنت محمد بن أبي عَمْرو بن دُوَسْت العلاف، أمّ العزّ. [المتوفى: 473 هـ]
عن جدّها. وعنها إسماعيل ابن السمرقندي، وغيره.
أرّخها ابن النّجّار.(10/350)
71 - الحسين بن عليّ بن عمر بن عليّ، أبو عبد الله الأنطاكي. [المتوفى: 473 هـ]
كان ينوب بدمشق في القضاء عن أبي الفضل بن أبي الْجِنّ العلويّ. سمع من تمام الرازي، وعبد الرحمن بن أبي نصر، وكان يسكن بالشاغور، وهو آخر من حدَّث عن تمّام.
روى عنه أبو بكر الخطيب، وهبة الله بن أحمد الأكفانيّ، وجمال الإسلام أبو الحَسَن، وعليّ بن قُبيس. وسأله غيث عن مولده، فقال: سنة أربعٍ وتسعين وثلاثمائة. تُوُفّي في المحرَّم.(10/350)
72 - الحُسَين بن عليّ بن محمد بن أحمد بن إسحاق، أبو القاسم النَّيسابوريّ المختار. [المتوفى: 473 هـ]
حدَّث عن عبد الله بن يوسف، وابن محمش، والأستاذ أبي سعْد، وأصحاب الأصمّ، ودفن إلى جانب ابن نُجَيْد. وله كلام في المعرفة.(10/350)
73 - الحسين بن محمد بن مبشّر، أبو عليّ الأنصاري السَّرقسطيّ. ويعرف بابن الإمام. [المتوفى: 473 هـ]
أخذ القراءة عن أبي عَمْرو الدّانيّ، وأبي عليّ الإلبِيريّ. ورحل وسمع من أبي ذر عبد بن أحمد، وإسماعيل الحدّاد المقرئ. وأقرأ النّاس. وكان خيِّراً فاضلاً.(10/351)
74 - سعيد بن يوسف، أبو طالب. [المتوفى: 473 هـ]
صَلَبوه بَهَمَذَان في شوّال.(10/351)
75 - سُفيان بن الحسين بن محمد بن فَنْجُوَيْه. [المتوفى: 473 هـ]
ورّخه بعضهم فيها، والصّحيح ما تقدَّم.(10/351)
76 - شيبان بْن عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن محمد، أبو المعمّر البُرْجيّ الأصبهاني المحتسب. [المتوفى: 473 هـ]
تُوُفّي في ربيع الآخر. شيخ صالح صاحب سُنّة، يعِظ في القُرى.
سمع أبا عبد الله بن مَنْدَهْ، والْجُرْجانيّ، وأبا سعْد المالينيّ، وأبا بكر بن مَرْدَوَيْه.
أرّخه يحيى بن مَنْدَهْ.(10/351)
77 - عبد الله بن عبد العزيز، أبو محمد بن عزّون التّميميّ المهدويّ المغربيّ المالكيّ. [المتوفى: 473 هـ]
من أصحاب أبي عمران الفاسيّ، وأبي بكر عبد الرحمن. وكان أحد الفقهاء الأربعة الذين نزحوا بعد خراب القيروان عنها، وهم: عبد الحميد الصائغ، وأبو الحَسَن اللَّخميّ، وهذا، وأبو الرّجال المكفوف.
وكان ابن عزون متفننِّاً في العلوم؛ تخرَّج به ابن حسّان، والقاضي ابن شُغْلان، وكان من أقيم النّاس على المدوَّنة، وأبحثِهم في أسرارها، توفّي في حدود هذا العام.(10/351)
78 - عبد الرحمن بن الحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن أيّوب، أبو القاسم العُكْبريّ. [المتوفى: 473 هـ][ص:352]
من بيت العلم والعدالة. كان ثقة ورعًا، أضرّ في آخر عمره. سمع عمّ أبيه الحسين، وعَمْر بن أحمد بن أبي عَمْرو، وعبد الله بن عليّ بن أيّوب العُكْبريّين.
روى عنه ابن السَّمرقنديّ، وأبو الحَسَن بن عبد السّلام.
حدَّث في هذا العام.(10/351)
79 - عبد الرحمن بن عيسى بن محمد، أبو زيد الأندلسيّ، قاضي طُلَيْطُلة، ويُعرف بابن الحشاء. [المتوفى: 473 هـ]
سمع بقرطبة من يونس بن عبد الله، وأبي المطِّرف القَنَازعيّ. وسمع بدَانِيَة من أبي عَمْرو المقرئ، وأبي الوليد بن فَتْحُون، وبمكّة من أبي ذر الهروي، وأبي الحسن بن صخر، وبالمغرب من عبد الحقّ بن هارون الصَّقلّيّ، وبمصر من أبي القاسم عبد الملك بن الحَسَن، وعليّ بن إبراهيم الحَوْفيّ، وبالقيروان من أبي عمران الفاسيّ الفقيه.
استقضاه المأمون يحيى بن ذي النُّون بطُلَيْطُلة بعد أبي الوليد بن صاعد. وحُمدت سيرتُه، ثم استُقْضى بدانِيَة.
وقال أبو بكر الطّرطوشيّ: لمّا ولي جدّي، يعني لأمّه، أبو زيد ابن الحَشَاء القضاء بطُلَيْطُلة جمع أهلَها وأخرج لهم صندوقًا فيه عشرة آلاف دينار، وقال: هذا مالي، فلا تحسبوا ظهور حالي من ولايتكم، ولا نموَّ مالي مِن أموالكم.(10/352)
80 - عبد السلام ابن شيخ الشيوخ أبي الحَسَن بن سالبة، أبو الفتح. [المتوفى: 473 هـ]
توفّي في جمادى الأولى بأصبهان ظنا.(10/352)
81 - عبد الواحد بن محمد بن عُبَيْد الله، أبو القاسم البغداديّ الزّجّاج. ثمّ الخبّاز. [المتوفى: 473 هـ]
سمع ابن بشران، وابن رزقويه. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي.
مات في ربيع الأوّل سنة ثلاثٍ وسبعين.(10/352)
82 - عبد الواحد بن المطهر بن عبد الواحد بن محمد البُزَانيّ الأصبهاني. [المتوفى: 473 هـ][ص:353]
قدِم بغداد عميدًا على العراق، ومات كهْلًا قبل أبيه.(10/352)
83 - عليّ بن محمد بن عُبَيْد الله بن حمزة، القاضي أبو الحَسَن الهاشميّ العبّاسيّ الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 473 هـ]
سمع عبد الرحمن بن أبي نصر. وعنه جمال الإسلام.(10/353)
84 - علي بن محمد بن علي، أبو الحَسَن الصُّليحيّ، [المتوفى: 473 هـ]
الخارج باليمن.
ذكره القاضي ابن خلِّكان فقال: كان أبوه قاضيا باليمن، سنِّيّ المذهب. وكان الدّاعي عامر بن عبد الله الزّواخيّ يلاطف عليًّا، فلم يزل به حتّى استمال قلبَه وهو مراهق، وتفرَس فيه النّجابة. وقيل: كانت عنده حليته في كتاب الصُّور، وهو من الذّخائر القديمة، فأوقف عليًّا منه على تنقُّل حالِه، وشَرَف مآله، وأطلعه على ذلك سِرًا من أبيه.
ثمّ مات عامر عن قريب، وأوصى لعليّ بكتبه، فعكف علي على الدّرس والمطالعة، فحصّل تحصيلًا جيدًا. وكان فقيهًا في الدّولة المصرية الإماميّة، مستبصرًا في علم التأويل، يعني تأويل الباطنّية، وهو قلبُ الحقائق، ولُبّ الإلحاد والزَّندقة. ثمّ إنه صار يحجّ بالنّاس على طريق السَّراة والطائف خمس عشرة سنة.
وكان النّاس يقولون له: بَلَغَنَا أنك ستملك اليمن بأسره، فيكره ذلك، ويُنْكر على قائله. فلمّا كان في سنة تسعٍ وعشرين وأربعمائة، ثار عليٌ بجبل مسار، ومعه ستون رجلًا، قد حلفوا له بمكّة على الموت والقيام بالدّعوة. وآووْا إلى ذروةٍ منيعة برأس الجبل، فلم يتمّ يومهم إلّا وقد أحاط بهم عشرون ألفّا، وقالوا: إنْ لم تنزل وإلّا قتلناك ومن معك جوعًا وعطشًا. فقال: ما فعلتُ هذا إلّا خوفًا علينا وعليكم أن يملكه غيرنا، فإن تركتموني أحرسه، وإلّا نزلت إليكم. وخَدعهم، فانصرفوا عنه. ولم تمض عليه أشهر حتّى بناه وحصّنه وأتقنه، وازداد أتباعه، [ص:354] واستفحل أمره، وأظهر الدّعوة فيما بين أصحابه لصاحب مصر المستنصر.
وكان يخاف من نجاح صاحب تهامة، ويلاطفه، ويعمل عليه، فلم يزل به حتّى سقاه سُمًّا مع جاريةٍ مليحة أهداها له في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة. وكتب إلى المستنصر يستأذنه في إظهار الدّولة، فإذن له. فطوى البلاد طيًّا، وطوى الحصون والتّهائم. ولم تخرج سنة خمسٍ وخمسين حتّى ملك اليمن كلَّه، حتّى أنه قال يومًا وهو يخطب في جامع الْجُنْد: في مثل هذا اليوم نخطب على منبر عَدَن. ولم يكن أخذها بعد. فقال بعض من حضر: سبُّوح قدُّوس يستهزئ به. فأمر بالحَوْطَة عليه، وخطب يومئذٍ على منبر عدن كما قال: واتّخذ صنعاءَ كرسيَّ مملكته، وأخذ معه ملوك اليمن الذّين أزال مُلكهم، وأسكنهم معه، وبنى عدّة قصور، وطالت أيامه.
وقال صاحب المرآة: في سنة خمسٍ وخمسين دخل الصُّليحيّ إلى مكّة، واستعمل الجميل مع أهلها، وطابت قلوبُ النّاس، ورخصت الأسعار، ودعوا له. وكان شابًا أشقر، أزرق، إذا جاز على جماعةٍ سلَّم عليهم. وكان ذكيًّا فطنًا لبيبًا، كسا البيت ثيابًا بيضاء، ودخل البيتَ ومعه الحُرّة زوجته التي خُطِب لها على منابر اليمن.
وقيل: إنّه أقام بمكّة شهرًا ورحل، وكان يركب فَرَسًا بألف دينار، وعلى رأسه العصائب. وإذا ركبت الحُرّة ركبت في مائتي جارية، مُزيّنات بالحُلِيّ والجواهر، وبين يديها الجنائب بسُرُوج الذَّهب.
وقال ابن خلكِّان: وقد حجّ في سنة ثلاثٍ وسبعين، واستخلف مكانه ولده الملك المكرَّم أحمد. فلمّا نزل بظاهر المَهْجَم وثب عليه جيّاش بن نجاح وأخوه سعيد فقتلاه بأبيهما نجاح الّذي سمّه. فانذعر النّاس، وكان الأخوان قد خرجا في سبعين راجلًا بلا مركوب ولا سلاح بل مع كلّ واحدٍ جريدة في رأسها مسمار حديد، وساروا نحو السّاحل. وسمع بهم الصُليحيّ فسيّر خمسة آلاف حَرْبة من الحبشة الذين في ركابه لقتالهم فاختلفوا في الطّريق. ووصل السبعون إلى طرف مخيّم الصُّليحيّ، وقد أخذ منهم التّعب والحفا، فظنَّ النّاس أنّهم من [ص:355] جملة عُبَيْد العسكر، فلم يشعر بهم إلّا عبد الله أخو الصُّليحيّ، فدخل وقال: يا مولانا أركب، فهذا والله الأحول سعيد بن نجاح. وركبَ عبد الله، فقال الصُّليحيّ: إنّي لا أموت إلّا بالدُّهيم وبئر أمّ مَعْبَد. معتقدًا أنّها أمّ مَعْبَد التي نزل بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمّا هاجر. فقال له رجل من أصحابه: قاتِلْ عن نفسك، فهذه والله الدُّهيم، وهذه بئر أمّ مَعْبَد. فلمّا سمع ذلك لحِقَه زَمَع اليأس من الحياة على بغْتة، وبال، ولم يبرح من مكانه حتّى قطع رأسه بسيفه، وقُتِل أخوه وأقاربه، وذلك في ذي القعدة من السنّة.
ثمّ أرسل ابن نجاح إلى الخمسة آلاف، فقال: إنّ الصُّليحيّ قد قُتِل، وأنا رجلٌ منكم، وقد أخذت بثأر أبي، فقدِموا عليه وأطاعوه. فقاتَلَ بهم عسكر الصُّليحيّ، فاستظهر عليهم قتْلًا وأسْرًا، ورفع رأس الصُّليحيّ على رمح، وقرأ القارئ: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ ممَّن تشاء. ورجع فملك زبيد، وتِهَامَة، إلى أن عملت على قتله الحرَّة، ودبّرت عليه، وهي امرأة من أقارب الصُّليحيّ. فقُتِل سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
قال محمد بن يحيى الزَّبيديّ الواعظ: أنشدني الفقيه عبد الغالب بن الحَسَن الزَّبيديّ لنفسه بزبيد:
أيا هذا المغرور لم يدم الدَّهـ ... ـر لعادٍ الأولى ولا لثَمُودِ
نقّبوا في البلاد، واجتاب مجتا ... بهم الصَّخر، باليَفَاع المشيدِ
والذي قد بنى بأيدٍ متينٍ ... إرمًا هل وراءها من مزيد؟
وقرونا من قبل ذاك ومن بعـ ... ـد جنودًا أهلكن بعد جنود
والصُّليحيّ كان بالأمس ملكًا ... ذا اقتدارٍ وعدّةٍ وعديد
دخل الكعبة الحرام، وزارت ... منه للشحر خافقات البنود
فرماه ضحى بقاصمة الظَّهـ ... ـر قضاء أتيح غير بعيد
وأبو الشبل إذ يتيه بما أعـ ... طي من مخلبٍ ونابٍ حديد
وأخو المخطم المدلَّ بنابيـ ... ـن كجذعين من سقى مجود
وهي قصيدة طويلة.(10/353)
85 - عليّ بن أحمد بن الفَرَج، أبو الحَسَن العُكْبريّ البزّاز الفقيه الحنبليّ، ويعرف بابن أخي أبي نصر. [المتوفى: 473 هـ]
كان مفتي عُكْبَرا وعالمها. وكان ورعًا، زاهدًا، ناسكًا، فرضيا، مقرِئًا، له محلٌّ رفيع عند أهل عُكْبَرا. سمع أبا عليّ بن شاذان، والحسن بن شهاب العُكْبريّ.
روى عنه مكّيّ الرُّميليّ، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ.
وتُوُفّي في ربيع الآخر.(10/356)
86 - عليّ بن مقلّد بن عبد الله بن كرامة، أبو الحَسَن الأَطْهَريّ، [المتوفى: 473 هـ]
البوّاب الحاجب.
صَدوق، خيّر. سمع محمد بن محمد بن الرُّوزبهان، والحسين بن الحسن الغضائريّ. روى عنه علي بن هبة الله الكاتب، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ.
تُوُفّي في ربيع الآخر.(10/356)
87 - عليّ بن عبد الغافر بن عليّ بن الحَسَن، أبو القاسم الخُزاعيّ النيَّسابوريّ. [المتوفى: 473 هـ]
حدَّث عن عبد الله بن يوسف الأصبهاني، وابن مَحْمِش، وجماعة.
تُوُفّي في ثاني شوّال.(10/356)
88 - الفضل بن عبد الله بن المُحِبّ، أبو القاسم الَّنيسابوري، الواعظ. [المتوفى: 473 هـ]
سمع أبا الحسين الخفّاف، وتفرَّد في وقته عنه، وسمع السّيد أبا الحَسَن العلويّ، وعبد الله بن يوسف، وابن مَحْمِش.
وهو معروف بالوعظ، قد صنَّف فيه. وكان من أهل الخير والسَّداد والعلم. أثنى عليه ابن السَّمعاني فيما انتقى لولده عبد الرحيم. وممّن حدَّث عنه سعيد بن الحسين الجوهريّ، والحسين بن عليّ الشّحّاميّ، ومحمد بن إسماعيل بن أحمد المقرئ، وهبة الرحمن ابن القُشَيْريّ، وَمُلَيْكَة بنت أبي [ص:357] الحَسَن الفَنْدُورَجيّ، ومحمد بن طاهر، وزاهر الشّحّاميّ، وأبو طالب محمد بن عبد الرحمن الكَنْجَروذيّ الحِيريّ، ومحمد بن إسماعيل الشّاماتيّ، وآخرون وبالإجازة: وجيه الشّحّاميّ، والحافظ ابن ناصر.
وقال ابن طاهر: رحلت من مصر إلى نيْسابور لأجل الفضل بن عبد الله بن المحبّ صاحب الخفّاف، فلمّا دخلتُ قرأتُ عليه في أوّل المجلس جزأين من حديث السَّرَّاج، فلم أجد لذلك حلاوة، واعتقدتُ أنّي نلْته بلا تعبٍ، لأنّه لم يمتنع عليَّ، ولا طالبني بشيء، وكلّ حديثٍ من الجزأين يسوى رحلة.(10/356)
89 - محمد بن حارث بن أحمد بن منيوه، أبو عبد الله السَّرقسطيّ النَّحويّ. [المتوفى: 473 هـ]
كان من جِلّة الأُدباء. روى عن أبي عَمْر أحمد بن صارِم الباجيّ كثيرًا من كتب الأدب. أخذ عنه بغَرْناطَة: أبو الحَسَن عليّ بن أحمد المقرئ في هذا العام، وبَقِي بعده.(10/357)
90 - محمد بن الحَسَن بن الحسين، أبو عبد الله المَرْوَزِيّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 473 هـ]
تفقّه بمَرْو على أبي بكر القفّال، وسمع بهَرَاة من عَمْر بن أبي سعد، وجماعة.
وكان إماماً، متقنا، متفنناً، ورعاً، عابداً.
وقيل: توفّي سنة أربع وسبعين، فالله أعلم.(10/357)
91 - محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو عليّ ابن الشِّبل البغداديّ، الشّاعر المشهور. [المتوفى: 473 هـ]
له ديوان سائر، وقد سمع غريب الحديث من أحمد بن عليّ بن البادا، وكان ظريفاً، نبيلا، نديمًا، مطبوعًا، رقيق الشِّعر. روى عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو الحَسَن بن عبد السّلام، وأبو سعد الزَّوزنيّ.
وهو القائل: [ص:358]
ما أطيبَ العَيْش في التّصابي ... لو أنّ عهد الصّبا يدوم
لو كان طِيب الشّباب يبقى ... لم يتْلُهُ الشَّيب والهموم
وله:
خُذْ ما تعجّل واتْرُكْ ما وُعِدْتَ به ... فِعْل الأريب فللتّأخير آفاتُ
فلِلسّعادة أوقاتٌ ميسَّرة ... تُعطي السُّرور وللأَحزان أوقاتُ(10/357)
92 - محمد بن سلطان بن محمد بن حيُّوس، الأمير مصطفى الدّولة أبو الفتيْان الغَنَويّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 473 هـ]
أحد فُحُول الشعراء، له ديوان كبير. سمع من خاله أبي نصر ابن الْجُنْديّ.
روى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو محمد ابن السَّمَرْقَنديّ. وروى عنه من شعره أبو القاسم النّسيب، وأبو المفضل يحيى بن عليّ القُرَشيّ.
وقال ابن ماكولا: لم أدرك بالشام أشعر منه.
وقال النّسيب: مولده بدمشق في سنة أربع وتسعين وثلاثمائة. وورد أنّ أباه كان من أمراء العرب. وقد مدح في شِعره ملوكًا وأكابر، وتُوُفّي بحلب في شعبان.
ومن شِعره:
طالما قلتُ للمُسائل عنهْم ... واعتِمَادي هدايةُ الضُّلاّل
إنّ تُرِد عِلْمَ حالهم عن يقينٍ ... فالْقَهُمْ في مكارمٍ أو نزال
تلْقَ بِيضَ الأَعْراضِ سُوَد مُثار النّـ ... ـقع خُضْرَ الأكنافِ حُمْرَ النِّضال
وله:
أسُكانَ نُعمان الأراك تيقَّنوا ... بأنكم في ربع قلبي سُكّانُ
ودُوموا على حفْظ الوداد فطَال ما ... منينا بأقوامٍ إذا استحفظوا خانوا
سلوا اللَّيل عنّي قد تناءت دياركم ... هل اكتحلت بالنّوم لي فيه أجفان
وهل جرَّدت أسياف برقٍ دياركم ... فكانتْ لها إلا جفوني أجفان(10/358)
93 - محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن، أبو سعيد الكرابيسيّ الصّفّار المؤذّن. [المتوفى: 473 هـ]
سمَّعه أبوه من عبد الله بن يوسف بن بامويه، وأبي عبد الرحمن السُّلميّ. روى عنه وجيه الشّحّاميّ، وغيره. ومات في ذي الحِجّة.
وروى عَنْهُ أيضًا عَبْد الغافر بن إسماعيل. وسمع أيضًا من ابن مَحْمِش، وأكثر عن السُّلميّ. وكان من الصّالحين الثّقات. روى عنه أيضًا هبة الرحمن ابن القشيريّ، وجامع السّقّاء، ومحمد بن منصور الكاغديّ لكن الكاغدي بالإجازة.(10/359)
94 - محمد بن محمد بن عليّ، أبو الفضل العُكْبريّ المقرئ. [المتوفى: 473 هـ]
من نُبلاء القرّاء؛ قرأ عَلَى أبي الفرَجَ عبد الملك النَّهروانيّ، وأبي الحسن الحمّاميّ، والحسن بن محمد ابن الفحّام، وأتقن القراءات. وسمع من ابن رزقُوَيْه.
وكان صدوقًا.
تُوُفّي في ربيع الآخر بعُكْبَرا عن سنٍّ عالية. روى عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنديّ وأخوه. وقد حدَّث عن ابن رزقُوَيْه، وكان ضريرًا.
ويقال له: الْجَوْزَرَانيّ، بجيم ثم زاي.(10/359)
95 - محمد بن يحيى الهاشمي السَّرقسطيّ. [المتوفى: 473 هـ]
تُوُفّي في هذه الحدود.
سمع بمصر أبا العبّاس بن نفيس، وكان يحفظ صحيح البخاريّ كلّه، والموطَّأ.(10/359)
96 - محمود بن جعفر بن محمد، أبو المظفّر الأصبهاني الكَوْسَج التّميميّ. [المتوفى: 473 هـ]
سمع من عمّ أبيه الحسين بن أحمد الكَوْسَج، والحسن بن عليّ بن أحمد [ص:360] ابن سُليمان البغداديّ ثمّ الأصبهاني، وغير واحد.
وسُئِل عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، فقال: عدلُ مرضيّ.(10/359)
97 - نصر بن أحمد بن مزاحم، الخطيب أبو الفتح السِّمنجانيّ البلْخيّ. [المتوفى: 473 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان البزّاز، وغيره. روى عنه أَبُو بكر محمد بن عبد الباقي القاضي، وأبو غالب ابن البنّاء.
وكتب عنه أبو الفضل بن خَيْرُون مع تقدُّمه. وكان يترسّل إلى الإطراف من الدّيوان. وقد سمع ببُخَارى من منصور بن نصر الكرْمينيّ، وغيره.(10/360)
98 - نصر بن المظفّر بن طاهر البوشنجيّ، أبو الحسن. [المتوفى: 473 هـ]
توفّي بأصبهان في رجب.(10/360)
99 - هيّاج بن عُبَيْد الحِطّينيّ الزّاهد. [المتوفى: 473 هـ]
ورد أيضًا أنه تُوُفّي في ذي الحِجّة من هذه السّنة، وقد ذكرّ في سنة اثنتين.(10/360)
100 - يحيي بن أبي نصر الهَرَويّ، الفقيه أبو سعد. [المتوفى: 473 هـ]
سمع من أبي منصور محمد بن محمد الأزْديّ القاضي، وأبي بكر الحِيريّ.(10/360)
101 - يحيى بن محمد بن الحسن، أبو محمد ابن الأقساسيّ العلويّ الحُسَينيّ الكوفيّ. [المتوفى: 473 هـ]
روى عن محمد بن عبد الله الجعفيّ. وعنه ابن الطُّيوريّ، والمؤتمن السّاجيّ، وإسماعيل ابن السمرقندي، وأبو الفضل الأرمويّ.
ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، ومات سنة ثلاث وسبعين.(10/360)
102 - يوسف بن الحسن بْن محمد بْن الحسن، أبو القاسم التفكري الزنجاني. [المتوفى: 473 هـ][ص:361]
رحل وقرأ معاجم الطبراني على أبي نعيم الحافظ، وسمع ببلده من أبي عبد الله الحسين الفلاكي، وأبي علي بن بندار، وببغداد من أبي عبد الله الصوري وجماعة على كبر السن، فإن مولده في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. وتفقه في كبره ببغداد لما سكنها على أبي إسحاق الشيرازي، وصار من كبار أصحابه.
وكان إماماً زاهداً، ورعاً، متنسكاً، خاشعاً، خائفاً، كبير القدر. روى عنه أبو القاسم ابن السمرقندي، وعبد الخالق بن أحمد اليوسفي، وشيرويه الديلمي، وغيرهم.
توفي ببغداد في حادي عشري ربيع الآخر.(10/360)
103 - يوسف بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن حمَّاد، أبو يعقوب [المتوفى: 473 هـ]
من مدينة مجريط.
روى عن أبيه، وعن أبي عبد الله ابن الفخار، وأبي عمر الطلمنكي. وحج ولقي أبا ذر الهروي، وجماعة.
وكان ثقة سمع منه الناس؛ ولد سنة خمس وتسعين وثلاثمائة.(10/361)
-سنة أربع وسبعين وأربعمائة(10/362)
104 - أحمد بن عبد العزيز بن عليّ، أبو طالب الشُّروطيّ الْجُرْجانيّ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 474 هـ]
وُلِد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وسمع أباه، وبكر بن شاذان الواعظ، وأبا عليّ بن شاذان، وأوّل سماعه سنة أربع وأربعمائة من أبيه عن بشر الإسفراييني.
روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، ويحيى ابن الطّرّاح.
وتُوُفّي في المحرَّم.(10/362)
105 - أحمد بْن عليّ بْن الحَسَن بن محمد بن عَمْرو بن مُنْتاب، أبو محمد بن أبي عثمان البصْريّ ثمّ البغداديّ الدّقّاق، المقرئ. [المتوفى: 474 هـ]
كان ثقة، مكثرًا من الحديث، مهيبًا، جليلًا. ختم عليه جماعة. سمع أباه، وإسماعيل بن الحَسَن الصَّرصريّ، وأحمد بن محمد المُجْبِر، وأبا عمر بن مهديّ، وأبا أحمد الفَرَضي، والحسن بن القاسم الدّبّاس، وابن البيِّع.
وعنه مكّيّ الرُّميليّ، وهبة الله الشّيرازيّ، وعبد الغافر بن الحسين الكاشغريّ، وعمر الرُّواسيّ، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاريّ، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، ومحمد بن عبد الملك بن خَيْرون.
ومولده سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة.
قال يحيى ابن الطراح: أخبرنا أبو محمد بن أبي عثمان، قال: أخبرنا الحسن بن القاسم سنة أربعمائة حضوراً، قال: أخبرنا أحمد وكيل أبي صخرة، فذكر حديثًا.
وقال إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ: سُئِل أبو محمد أخو أبي الغنائم بن أبي عثمان أن يستشهد، فامتنع، فكلِّف، فقال: أصبروا إلى غدٍ. ودخل البيت، فأصبح ميتًا رحمه الله.
ومثلها حكاية نصْر بن عليّ الْجَهْضَميّ لمّا ورد عليه الكتاب بتوليته القضاء، فاستصبرهم وبات يُصلّي إلى السَّحر، فسجد طويلًا ومات.
تُوُفّي أبو محمد في ذي القعدة، وشيعه قاضي القُضاة الدّامغانيّ، والشيخ [ص:363] أبو إسحاق، وخلائق، وأمَّهم أخوه أَبُو الغنائم.(10/362)
106 - أحمد بْن محمد بْن إبراهيم بْن عليّ، أبو طاهر الخُوارَزْميّ القصار. [المتوفى: 474 هـ]
سمع أبا عَمْر بن مهديّ، وإسماعيل بن الحَسَن الصَّرصريّ. روى عنه ابنه محمد، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وجماعة.
مات في ذي الحِجّة. وكان صحيح السَّماع فاضلًا.(10/363)
107 - أحمد بن محمد بن عبد الله شاهكوَيْه الصُّوفيّ، [المتوفى: 474 هـ]
كأنّه إصبهانيّ.(10/363)
108 - أحمد بن المطهّر ابن الشّيخ أبي نزار محمد بن عليّ، أبو سعْد العبْديّ العَبقسيّ الأصبهاني. [المتوفى: 474 هـ]
روى عن جدّه، والحافظ أبي بكر بن مَرْدَوَيْه.(10/363)
109 - أحمد بن هِبَةُ الله بن محمد بن يوسف بن صَدَقَة، أبو بكر الرحْبيّ الدّبّاس. [المتوفى: 474 هـ]
قِيلَ: إنّه من ولد سعْد بْن مُعاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. كان شيخًا معمَّراً، نيَّف على المائة، ويسكن بغداد بمحلّة النَّصرية. سمع أبا الحَسَين بن بِشْران، ومحمد بن الحسين القطّان. روى عنه أبو بكر الأنصاريّ، وأبو القاسم ابن السَّمرقنديّ.
قال شجاع الذُّهليّ: حدَّثني غير مرّة أنّه وُلِد سنة سبعين وثلاثمائة.
وقال ابن ناصر: مات أبو بكر الرَّحبيّ في رجب، وقد بلغ مائة وأربع سنين.
وقال ابن النّجّار: كان يذكر أنّه سمع من أبي الحسين بن سمعون، والمخلِّص، وأنّ أُصوله ذهبت في النَّهب.(10/363)
110 - إبراهيم بن عقيل بن جيش، أبو إسحاق القُرَشيّ السّاميّ النَّحويّ، المعروف بالمَكْبَرَيّ. [المتوفى: 474 هـ][ص:364]
روى عن عليّ بن أحمد الشّرابيّ، وعن خَيْثَمَة الأطْرَابُلُسيّ. روى عنه الخطيب في كتاب التلخيص.
ضعفه ابن الأكفانيّ، واطّلع عليه بتركيب سندٍ مستحيلٍ للنَّحو.(10/363)
111 - أرسلان تكين بن ألْطُنْطَاش، أبو الحارث التُّركيّ. [المتوفى: 474 هـ]
ببغداد. ويُعرف أبوه بسيف المجاهدين. روى عن أبي عليّ بن شاذان. وعنه أبو القاسم ابن السمرقندي.
مات في جمادى الأولى.(10/364)
112 - الحسين بن عبد الرحمن بن عليّ الْجُنَابَذِيّ، أبو عليّ الفقيه. [المتوفى: 474 هـ]
حدَّث عن ابن مَحْمِش، وأبي إسحاق الإسفراييني، والحيريّ، ومات بنَيْسابور.(10/364)
113 - الحسين بن عليّ بن عبد الرحمن بن محمد بن محمود، أبو بكر النَّيسابوريّ الحاكم الحنفيّ الدّهّان. [المتوفى: 474 هـ]
من أعيان مذهبه، روى عن أبي الحَسَن بن عَبْدان، وجماعة من أصحاب الأصمّ، وتُوُفّي في ذي الحِجّة.(10/364)
114 - حَمْدُ بن عبد العزيز، أبو القاسم الأصبهانيّ العدّل. [المتوفى: 474 هـ]
حدَّث في هذه السّنة عن أبي عبد الله الْجُرْجانيّ. روى عنه مسعود الثّقفيّ، والحسن بن العبّاس الرُّستميّ.(10/364)
115 - حَمْد بن محمد بن أحمد بن العبّاس، أبو عبد الله الأسديّ الزُّبيريّ الآمليّ. [المتوفى: 474 هـ]
ولي القضاء والرياسة بآمل طبرستان سِنين، وكان من رجال الدَّهر رأيا وكفاءة، وصاهر نظام الملك، وكان يلقَّب بناصر السُّنَّة.
روى عن أبيه، وناصر العُمريّ، وأبي محمد الْجُوَيْنيّ، وتُوُفّي في ربيع الأوّل، وله بضعٌ وخمسون سنة.(10/364)
116 - دُبَيْس بن عليّ بن مَزْيَد الأَسَديّ، نور الدّولة [المتوفى: 474 هـ]
أمير عرب العراق.
كان نبيلاً، جواداً، ممدَّحاً، بعيد الصِّيت، عاش ثمانين سنة، ومات في شوّال، ورثاه الشُّعراء فأكثروا.
وولي بعده ابنه بهاء الدّولة أبو كامل منصور، فسارَ إلى السّلطان، وخلع عليه الخليفة أيضًا، وأعطاه الحلَّة كأبيه.(10/365)
117 - سعْد بن محمد بن يحيى، أبو المظفّر الجوهريّ الأصبهاني المؤدَّب الضرير. [المتوفى: 474 هـ]
حدَّث أيضًا في هذه السّنة عن عثمان البُرجيّ. وعنه مسعود، والرُّستميّ.
وهو أخو سعيد شيخ للسّلفيّ.(10/365)
118 - سُليمان بْن خَلَف بْن سعْد بْن أيّوب بن وارث، الإمام أبو الوليد التُّجيبي القُرْطُبيّ الباجيّ، [المتوفى: 474 هـ]
صاحب التصانيف.
أصله بَطَلْيُوسيّ، وانتقل آباؤه إلى باجة، وهي مدينة قريبة من إشبيلية.
ولد في ذي القعدة سنة ثلاثٍ وأربعمائة، أخذ عَنْ يونس بْن عَبْد اللَّه بْن مُغيث، ومكّيّ بن أبي طالب، ومحمد بن إسماعيل، وأبي بكر محمد بن الحَسَن بن عبد الوارث، وجماعة.
ورحل سنة ستٍّ وعشرين، فجاوَرَ ثلاثة أعوام، ولزِم أبا ذر، وكان يروح معه إلى السَّراة، ويتصرف في حوائجه، وحمل عنه عِلمًا كثيرًا.
وذهب إلى بغداد، فأقام بها ثلاثة أعوام. وأظنه قدِمها من على الشّام، لأنّه سمع بدمشق أبا القاسم عبد الرحمن بن الطُّبيز، وعليّ بن موسى السِّمسار، والحسين بن جُمَيْع. وسمع ببغداد أبا طالب عَمْر بن إبراهيم الزُّهريّ، وعبد العزيز الأَزَجيّ، وعُبَيْد الله بن أحمد الأزهريّ، وابن غَيْلان، والصُّوريّ، وجماعة.
وأخذ الفقه عن أبي الطّيِّب الطَّبريّ، وأبي إسحاق الشّيرازيّ. وأقام بالموصل على أبي جعفر السمِّنانيّ سنةً يأخذ عنه علم الكلام والأصول.
وأخذ أيضًا عن القاضي أبي عبد الله الحسين بن عليّ الصَّيمريّ الحنفيّ، وأبي الفضل بن عَمْرُوس المالكيّ، وأحمد بن محمد العَتِيقيّ، وأبي الفتح الطَّناجيريّ، ومحمد بن عبد الواحد بن رزمة، وطبقتهم، حتّى برع في الحديث وبرز فيه على أقرانه، وأحكم الفقه وأقوال العلماء. وتقدَّم في علم النّظر [ص:366] والكلام.
ورجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلومٍ كثيرة.
روى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب، والحافظ أبو عمر بن عبد البَرّ، وهما أكبر منه، ومحمد بن أبي نصر الحُمَيْدِيّ، وعليّ بن عبد الله الصّقلّيّ، وأحمد بن عليّ بن غَزْلُون، وأبو عليّ بن سكَّرة الصَّدفيّ، وابنه العلّامة الزّاهد أبو القاسم أحمد بن سُليمان، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد القاضي، وأبو بكر محمد بن الوليد الطُّرطوشيّ، وابن شبرين القاضي، وأبو عليّ بن سهل السَّبتي، وأبو بحر سُفيان بن العاص، ومحمد بن أبي الخير القاضي، وآخرون. وتفقَّه به جماعة كثيرة.
وكان فقيرًا قانعًا، خَدَم أبا ذر بمكّة.
قال القاضي عياض: وآجَّر نفسه ببغداد لحراسة درب. وكان لمّا رجع إلى الأندلس يضرب ورق الذَّهب للغزْل، ويعقد الوثائق. وقال لي أصحابه: كان يخرج إلينا للقراءة عليه، وفي يده أثَرُ المطرقة، إلى أن فشا علمه، وهيتت الدنيا به، وعظُم جاهه، وأُجْزِلَت صِلاتُه، حتّى مات عن مالٍ وافر. وكان يستعمله الأعيان في التَّرسُّل بينهم، ويقبل جوائزهم. وولي قضاء مواضع من الأندلس.
صنَّف كتاب المُنْتَقَى في الفقه، وكتاب المعاني في شرح الموطّأ، عشرين مجلّدًا، لم يؤلَّف مثله. وكان قد صنَّف كتابًا كبيرًا جامعًا بلغ فيه الغاية سمّاه كتاب الاستيفاء، وصنَّف كتاب الإيماء في الفقه، خمس مجلَّدات، وكتاب السراج في الخلاف. لم يتمَّم، ومختصر المختصر في مسائل المدوَّنة، وكتاب اختلاف الموطآت، وكتاب الجرح والتعديل، وكتاب التّسديد إلى معرفة التّوحيد وكتاب الإشارة في أُصُول الفقه، وكتاب إحكام الفصول في أحكام الأصول، وكتاب الحدود، وكتاب شرح المنهاج، وكتاب سُنن الصّالحين وسُنن العابدين، وكتاب سُبُل المهتدين، وكتاب فرق الفقهاء، وكتاب تفسير القرآن، لم يتمّه، وكتاب سُنَن المنهاج وترتيب الحُجَّاج. [ص:367]
ابن عساكر: حدَّثني أبو محمد الأشيريّ، قال: سمعتُ أبا جعفر بن غَزْلُون الأُمَويّ الأندلسيّ يقول: سمعتُ أبا الوليد الباجيّ يقول: كان أبي من تجّار القَيْروان من باجة القيروان، وكان يختلف إلى الأندلس ويجلس إلى فقيهٍ بها يقال له أبو بكر بن شماخ، فكان يقول: تُرى أرى لي ابنًا مثلك؟ فلمّا أكثر من ذلك القول قال: إنْ أحببت ذلك فاسكن بقرطبة، والزَمْ أبا بكر القَبْريّ، وتزوج بنته، عسى أن تُرزق ولدًا مثلي. ففعل ذلك، فجاءه أبو الوليد وآخر صار صاحب صلاة، وثالثُ كان من الغزاة.
وقال أبو نصر بن ماكولا: أمّا الباجيّ ذو الوزارتين أبو الوليد سُليمان بن خَلَف القاضي، فقيه، متكلّم، أديب، شاعر، رحل وسمع بالعراق، ودَرَس الكلام على القاضي السِّمنانيّ، وتفقه على أبي إسحاق الشيرازي، ودرس وصنَّف، وكان جليلا رفيع القدر والخطر. توفي بالمرية من الأندلس، وقبره هناك يزار.
وقال أبو علي بن سكَّرة: ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي، وما رأيت أحداً على سمته وهيبته وتوقير مجلسه مثل أبي الوليد الباجي. ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم، فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة أبي بكر محمد بن المظفر الشامي، وكان ممن صحبه أبو الوليد الباجي قديما، فلما دخلت عليه قلت له: أدام الله عزَّك، هذا ابن شيخ الأندلس. فقال: لعلّه ابن الباجي؟ قلت: نعم. فأقبل عليه.
وقال عياض القاضي: حَصَلت لأبي الوليد من الرؤساء مكانة، وكان مخالطًا لهم، يترسَّل بينهم في مهِم أمورهم، ويقبل جوائزهم. وهم له في ذلك على غاية التِّجلَّة، فكثُرت القالة فيه من أجل هذا. وولي قضاء مواضع من الأندلس تصغُر عن قدره كأوريُولة وشبهها، فكان يبعث إليها خلفاءه، وربما أتاها المرَّة ونحوها.
وكان في أول أمره مقلا حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره، واستئجار نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته مستفيضا لحراسة درب، فكان يستعين بإجارته على نفقته وبضيائه على دراسته، وكان بالأندلس يتولى [ص:368] ضرب ورق الّذهب للغزل والأنزال، ويعقد الوثائق. وقد جمع ابنه شعره. وكان ابتدأ كتابا سماه الاستيفاء في الفقه، لم يضع منه غير الطّهارة في مجلَّدات.
قال: ولمّا قدم الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوة إلّا أنّه كان خارجًا عن المذهب، ولم يكن بالأندلس مَن يشتغل بعلمه، فقَصُرت أَلْسِنةُ الفقهاء عن مجادلته وكلامه، واتَّبعه على رأيه جماعةٌ من أهل الجهل، وحلّ بجزيرة مَيُورقَة، فَرَأس فيها، واتَّبعه أهلّها. فلّما قدِم أبو الوليد كلِّم في ذلك، فدخل إلى ابن حزْم وناظَرَه، وشهرَ باطلَه، وله معه مَجَالس كثيرة. ولمّا تكلَّم أبو الوليد في حديث البخاريّ ما تكلَّم من حديث المقاضاة يوم الحُدَيْبية، وقال بظاهر لفظه، أنكر عليه الفقيه أبو بكر ابن الصّائغ وكفّره بإجازته الكَتْبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمي، وأنّه تكذيبٌ للقرآن، فتكلَّم في ذلك مَن لم يفهم الكلام، حتّى أطلقوا عليه الفتنة، وقبّحوا عند العامة ما أتى به، وتكلّم به خطباؤهم في الجمع.
وفي ذلك يقول عبد الله بن هند الشّاعر قصيدة منها:
بَرئتُ ممّن شَرَى دُنْيا بآخِرةٍ ... وقال: إنّ رسولَ الله قد كَتَبَا
فصنَّف أبو الوليد في ذلك رسالةً بيَّن فيها أن ذلك لا يقدح في المعجزة، فرجع جماعة بها.
ومن شعره:
قد أفلح القانتُ في جُنْح الدُّجى ... يتلو الكتابَ العربيَّ النيِّرا
له حنينٌ وشهيقٌ وبُكا ... بيلَ من أَدْمُعِهِ تُرَب الثَّرا
إنّا لسفرٌ نبتغي نَيْل المَدَى ... ففي السُّرا بُغْيتُنا لا في الكَرَى
مَن ينصَبِ اللّيلَ يَنَلْ راحتَه ... عند الصّباح يَحْمَدُ القَومُ السُّرا
وله:
إذا كنت أعلمُ عِلْمًا يقينًا ... بأنّ جميعَ حياتي كساعَة
فلِمْ لا أكون ضنينًا بها ... وأجعلها في صلاح وطاعة
وله يرثي أمَّه وأخاه: [ص:369]
رعى اللهُ قبرَيْن استكانا ببلدةٍ ... هما أسكناها في السّواد من القلب
لئن غيَّباً عن ناظري وتبوَّءا ... فؤادي لقد زاد التباعد في القُرب
يقرُّ بعيني أن أزور رباهما ... وألزق مكنون التّرائب بالتُّرب
وأبكي، وأبكي ساكنيها لعلّني ... سأنجد من صحبٍ وأسعد من سحب
فما ساعدت ورق الحمام أخا أسي ... ولا روَّحت ريح الصَّبا عن أخي كرب
ولا استعذبت عيناي بعدهما كرى ... ولا ظمئت نفسي إلى البارد العذب
أحنُّ ويثني اليأس نفسي على الأسى ... كما اضطُّرّ محمولٌ على المركب الصَّعب
وله:
إلهي، قد أفنيت عمري بطالة ... ولم يثنني عنها وعيدٌ ولا وعد
وضيَّعته ستين عامًا أعدُّها ... وما خير عمر إنما خيره العدُّ
وقدمت إخواني وأهلي، فأصبحوا ... تضمُّهم أرضٌ ويسترهم لحد
وجاء نذير الشيب لو كنت سامعًا ... لوعظ نذير ليسٍ من سمعه بدُّ
تلبست بالدنيا، فلمّا تنكرت ... تمنيت زهدًا حين لا يمكن الزُّهد
وتابعت نفسي في هواها وغيهِّا ... وأعرضت عن رشدي وقد أمكن الجهد
ولم آت ما قدّمته عن جهالةٍ ... فيمكنني عذرٌ ولا ينفع الجحد
وها أنا من ورد الحمام على مدى ... أراقب أن أمشي إليه وأن أعدو
ولم يبق إلّا ساعة إن أضعتها ... فما لك في التوفيق نقدٌ ولا وعد
قال ابن سكَّرة: تُوُفّي بالمَريّة لتسع عشرة ليلة خَلَت من رجب.
ذكره ابن السّمعانيّ، وقال: باجة بين إشبيلية وشنترين من الأندلس.
وذكر ابن عساكر في تاريخه: أنّ أبا الوليد قال: كان أبي من باجة القيروان تاجرًا، كان يختلف إلى الأندلس. وهذا أصحّ.(10/365)
119 - العبّاس بن محمد بن عبد الواحد بن العبّاس، أبو الفضل الرّارانيّ. [المتوفى: 474 هـ][ص:370]
إصبهانيّ، تُوُفّي في صَفَر.(10/369)
120 - عبد الله بن عبد العزيز بن الشدّاد. [المتوفى: 474 هـ]
بغداديّ، سمع من أبي الحَسَن بن رزقُوَيْه، ومحمد بن فارس الغُوريّ.
روى عنه قاضي المَرِسْتان، وعبد الوهّاب الأنماطيّ، وكان صدوقًا.(10/370)
121 - عبد الرحمن بن منصور بن رامش الزّاهد، أبو سعْد الدَّينوريّ، [المتوفى: 474 هـ]
نزيل نَيْسابور.
سمع أباه، وأبا طاهر بن مَحْمِش، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، والحاكم أبا عبد الله، وجماعة.
وكان ثقة، صوفيّا، نبيلًا، رئيساً، كثير الكتابة، روى عنه زاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ، وعبد الغافر الفارسيّ. وتوفّي في شعبان.(10/370)
122 - عبد القاهر بن عبد الرحمن، أبو بكر الْجُرْجانيّ. [المتوفى: 474 هـ]
قيل: تُوُفّي فيها. وقد مرّ.(10/370)
123 - عليّ بن أحمد بن محمد بن عليّ، أبو القاسم ابن البُسْريّ، البغداديّ البنْدار. [المتوفى: 474 هـ]
والد الحُسَين.
قال أبو سعْد السَّمعانيّ: كان شيخًا صالحًا، ثقة، فهمًا، عالمًا، عُمّر، وحدَّث بالكثير، وانتشرت عنه الرواية. سمع أبا طاهر المخلّص، وأبا أحمد الفَرَضيّ، وأبا الحَسَن بن الصَّلت المُجْبر، وإسماعيل بن الحَسَن الصَّرصريّ، وأبا عمر بن مهديّ، وجماعة. وأجاز له نصر بن أحمد بن الخليل المُرجي، وأبو عبد الله بن بطّة؛ وأبو الحَسَن محمد بن جعفر التّميميّ. وكان حسن الأخلاق متواضعًا، ذا هَيْبَة ورُواء.
قال الخطيب: كتبتُ عنه، وكان صدوقًا.
قال أبو سعْد: وسألت إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ عنه فأثنى عليه وقال: شيخ ثقة. [ص:371]
وسأله الخطيب عن مولده، فقال: في صَفَر سنة ستًّ وثمانين وثلاثمائة.
روى عنه أبو الفضل محمد ابن المهتديّ بالله، وعليّ بن طِراد الزَّينبيّ، وإسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنديّ، والزاهد يوسف بن أيّوب الهَمَذانيّ، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأبو منصور موهوب ابن الجواليقيّ، والإمام أبو الحسن عليّ ابن الزّاغونيَّ، وأخوه أبو بكر محمد، ومحمد بن طاهر المقدسيّ، والحافظ عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو القاسم سعيد ابن البنّاء، وأبو الفضل محمد بن ناصر، ونصر بن نصر العُكْبريّ، وخلْق كثير. وآخر من روى عنه بالإجازة، والله أعلم، أبو المعالي ابن اللّحّاس.
وتُوُفّي في سادس رمضان.(10/370)
124 - عليّ بن محمد بن أحمد، أَبُو الحَسَن البغداديُّ الصابونيّ. [المتوفى: 474 هـ]
سمع أبا عَمْر بن مهديّ. روى عنه عبد الوهّاب الأنماطيّ.
وتوفّي في ذي الحجّة.(10/371)
125 - قُتَيْبة بن محمد بن مُحَمَّد بْن أحمد بن عثمان بن عبد الله، أبو رجاء العثماني النَّسفيّ الحافظ، [المتوفى: 474 هـ]
نافلة أبي العبّاس المستغفريّ.
سمع الكثير بسَمَرْقَنْد، وأملى بها وبنَسَف مجالس كثيرة. روى عنه المستغفريّ، وعبد الملك بن القاسم، وطائفة.
قال عمر بن محمد النَّسفيّ في كتاب القند: مولده سنة تسعٍ وأربعمائة، وهو أوّل من سمعت منه، أملى علينا في صفر من السّنة. وتوفّي في ربيع الآخر.(10/371)
126 - محمد بن إبراهيم بن محمد بن فارس، أبو عبد الله الشيّرازيّ الكاغديّ. [المتوفى: 474 هـ]
كان له دُكّان يبيع فيها الكُتُب ببغداد. وكان ظاهريّ المذهب. وُلِد سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة بشيراز، وسمع بها من عبد الرحمن بن محمد الرّشيقيّ، وبمصر من ابن نظيف الفرّاء، وبدمشق من الحسين بن محمد الحلبيّ.
روى عنه أبو الحسين ابن الطُّيوريّ، وأبو بكر قاضي المرستان، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، ومحمد بن القاسم بن المظفّر الشَّهرزوريّ. [ص:372]
قال شجاع بن فارس: كان غير ثقة.
وقال ابن ناصر: سَّمع لنفسه.
وقال أحمد بن خيرون: تُوُفّي في نصف المحرَّم، وحدَّث عن أبي القاسم بن بِشْران.
قال: وقيل إنّه حدَّث عن أبي حيّان التّوحيديّ، ولم يكن له عنه ما يعوَّل عليه.(10/371)
127 - محمد بن الحَسَن بن الحسين، أبو عبد الله المروزيّ المهربندقشانيُّ. [المتوفى: 474 هـ]
نسبة إلى قريةٍ على بريدٍ من مَرْو.
كان إمامًا ورعًا، عابدًا، فقيهًا، مُفْتيا، سمع الكثير، وتفقه على أبي بكر القفّال، وسمع منه، ومن مسلم بن الحَسَن الكاتب، ومحمد بن محمود السَّاسجرديّ.
ورحل إلى هَرَاة، فسمع أبا الفضل عمر بن إبراهيم بن أبي سعد، وأبا أحمد محمد بن محمد المعلّم، وأحمد بن محمد بن الخليل. روى عنه محمد بن أبي ناصر المسعوديّ، ومحمد بن أبي النَّجم البزّاز، ومُصْعَب بن عبد الرزّاق، وعبد الواحد بن أبي عليّ الفارْمَذِيّ، وآخرون.
تُوُفّي في سنة أربعٍ. وقيل: سنة ثلاثٍ، وقد ذكرته فيه مختصرًا.(10/372)
128 - محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن أحمد بن العجوز، الفقيه أبو عبد الله الكُتَاميّ السَّبتيّ. [المتوفى: 474 هـ]
من كبار فُقهاء المالكيّة، وعليه وعلى ابن الثُّريا كانت العُمدة في الفتوى.
أخذ عن أبي إسحاق التُّونسيّ بالقيروان. وكانت بينه وبين المذكور وبين حمّود مطالبات ومشاحنات، جرت عليه منها محنة بسبب كلمةٍ قالها. وذلك أنّه خطب الخطيب، فقال: "وأعدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ من" عدَّة فقال النّاس: أخطأ الخطيب، أبدل مكان (قوَّة) (عدَّة). فقال: هو الوزن واحد. فقيل: كَفَر. وأفتى عليه أولئك الفُقهاء بالاستتابة، فسُجن، ثمّ أخرج، [ص:373] فرحل إلى فاس، فولاّه أمير المسلمين ابن تاشفين قضاء فاس، فأحسن السيرة.
تفقه عليه أبو عبد الله بن عيسى التّميميّ، والفقيه أبو عبد الله بن عبد الله.
تُوُفّي في رمضان، وخلّف ثلاثة أولاد: عبد الرحمن وهو فقيههم وكبيرهم، وعبد الله، وعبد الرحيم.(10/372)
129 - محمد بن علي بن محمد بن جعفر بن جُولة، أبو بكر الأبْهَريّ الأصبهاني المؤدَّب. [المتوفى: 474 هـ]
روى عن محمد بن إبراهيم الْجُرْجانيّ. وعنه مسعود الثّقفيّ.
تُوُفّي في حدود هذا العام.(10/373)
130 - محمد بن محمد بن أحمد، أبو جعفر الشاماتيّ النَّيسابوريّ الأديب. [المتوفى: 474 هـ]
سمع عَبْد اللَّه بْن يوسف الأصبهاني، وأبا طاهر بن مَحْمِش، وأبا عبد الرَّحمن السُّلميّ. روى عنه الحافظ عبد الغافر، وقال: شيخ فاضل، عفيف. تخرَّج به جماعة من المتأدّبين، وله الخَطّ المنسوب المشهور بالحسن، والحظّ الوافر في التّأديب.
وروى عنه وجيه الشحامي، وأبو نصر الغازي.
أخبرنا أحمد بن هبة الله، قال: أخبرنا إسماعيل بن عثمان كتابةً، قال: أخبرنا وجيه بن طاهر حضوراً، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد، قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السُّلميّ، قال: حدثنا جدّي إسماعيل بن نُجَيْد، قال: سمعتُ أبا بكر محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة، وسُئِل هل تكفّر من قال: القرآن مخلوق؟ قال: نعم. ولِمَ لا أُكفّره وقد سمعتُ المُزَنّي والربيع يقولان: من قال القرآن مخلوق فهو كافر، وقالا: سمعنا الشّافعيّ يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. ثمّ قال: وما لي لا أكفّره وقد كفّره مالك، وابن أبي ذئب قالا: مَن قال القرآن مخلوق لا يُستتاب، بل يُقتل فإنه كفرٌ به وارتداد.(10/373)
131 - محمد بن محمد بن المختار، أبو الفتح الواسطيّ النَّحويّ. [المتوفى: 474 هـ]
أخذ عن أبي القاسم بن كردان، وأبي الحسين بن دينار، وسمع من أبي الحَسَن بن عبد السلام بن عبد الملك البزّاز، ومحمد بن أحمد السَّقطيّ.
وكان حَسَن الفَهْم، متيقظًا في الشّهادة.
عاش تسعين سنة؛ قاله خميس الحَوْزيّ.(10/374)
132 - محمد بن مكّيّ بن أبي طالب بن محمد بن مختار، أبو طالب القَيْسيّ القرطبيّ. [المتوفى: 474 هـ]
روى الكثير عن أبيه، وعن يونس بن عبد الله القاضي، وأبي القاسم ابن الإفليليّ. وولي إمامة جامع قُرْطُبة، وأحكام السُّوق. وكان عالماً، مشكور السّيرة.
توفّي في المحرَّم عن ستين سنة.(10/374)
133 - محمد بن يحيى بْن إبراهيم بْن محمد بْن يحيى بن سخْتَوْيه، أبو بكر المزكّى النَّيسابوريّ، [المتوفى: 474 هـ]
المحدَّث ابن المحدَّث أبي زكريّا ابن المزكّى أبي إِسْحَاق.
قال عبد الغافر الحافظ: هو من أظرف المشايخ الذين لقيناهُم، وأكثرهم سماعًا وأُصوُلًا، جمع لنفسه فبلغ عدد شيوخه خمسمائة شيخ. وكان يروي عن نحوٍ من خمسين من أصحاب الأصَمّ.
وأكثر عَن أبيه، وعن أبي عبد الرحمن السُّلميّ. وأملى ببغداد، فحضر مجلسه القاضي أبو الطّيّب الطَّبريّ، وحضره أكثر من خمسمائة محبرة. وأوصى لي بعد وفاته بالكُتُب والأجزاء.
وقال أبو سعْد السَّمعانيّ: كان من أظرف الشيوخ وأرغبهم في التّجمُّل والنظافة، وأحفظهم لأيّام المشايخ، خرج إلى الحجّ، وبقي بالعراق وغيرها نحوًا من عشرين سنة، ثمّ رجع إلى نيسابور وأملى، ورزق الرواية، ومتِّع بما سمع.
سمع أبا عَبْد اللَّه الحاكم، وعبد اللَّه بْن يوسف، ومحمد بن محمد بن [ص:375] محمش، والسُّلميّ.
حدثنا عنه وجيه الشّحّاميّ، وهبة الرحمن ابن القُشَيْريّ، وأبو نصر الغازي.
وقال الخطيب في ترجمته في تاريخه: أخبرنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن بالويه، قال: حدثنا محمد بن الحسين القطّان، قال: حدثنا قطن، فذكر حديثًا وقع لنا عاليا في مجلس ابن بالويه هذا.
قال السّمعانيّ: كان الخطيب متوقفًا فيه، فإنّه قال: كتبتُ عنه، ثمّ عاد إليّ بعد ستّ سنين، فحدَّث عن الحاكم، ولم يكن حدَّث فيما تقدَّم. ولم نر له أصلًا، وإنما كان يروي من فروع. وتُوُفّي في رجب وله ثمانون سنة.(10/374)
134 - يعقوب بن أحمد، أبو سعْد الأديب النَّيسابوريّ. [المتوفى: 474 هـ]
من علماء العربيّة، روى عن أبي بكر الحِيريّ وغيره. روى عنه وجيه الشّحّاميّ، وتُوُفّي في رمضان.
قال عبد الغافر فيه: أستاذ البلد في العربيّة واللّغة، كثير التصانيف والتلامذة، تلمذ للحاكم أبي سعد بن دُوسْت، وقرأ عليه الأصول، وقرأ الحديث الكثير على المشايخ. وأفاد أولاده، وحدَّث عن أبي القاسم السّرّاج، وابن فَنْجُوَيْه، وطبقة أصحاب الأصمّ. ثمّ روى عنه عبد الغافر حديثًا.(10/375)
135 - يونس بن أحمد بن يونس، أبو الوليد الأزْديّ الطُّليطليّ. ويُعْرَف بابن شَوْقَةْ. [المتوفى: 474 هـ]
روى عن قاسم بن هلال، وأبي عمر بن سُمَيْق، وجماهر بن عبد الرحمن.
وكان خيِّراً، فاضلًا، زاهدًا، له بصرٌ بالفِقه، وتصرُّف في الحديث، وفيه مروءة. تُوُفّي بمجريط.(10/375)
-سنة خمس وسبعين وأربعمائة(10/376)
136 - أحمد بن الحَسَن المانْدكانيّ، أبو نصْر الأصبهاني المعروف بالقاضي. [المتوفى: 475 هـ]
تُوُفّي في شوّال.(10/376)
137 - أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن حَسْنَوَيْه، أبو نصر الخُراسانيّ. [المتوفى: 475 هـ]
سمع أبا بكر الحيريّ، والصَّيرفيّ، والطرازيّ.(10/376)
138 - إبراهيم بن علي بن سهل، أبو إسحاق الحلبي [المتوفى: 475 هـ]
نزيل بغداد.
سمع أبا القاسم بن بشران. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وابن عبد السلام الكاتب.(10/376)
139 - بُديل بن عليّ بن بُديل، أبو محمد البَرْزَنْديّ الشّافعيّ. [المتوفى: 475 هـ]
سكن بغداد، وتفقه، وسمع من أبي الطّيّب الطّبريّ، والبرمكّي، وكتب الكثير.
روى عن إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو العزّ بن كادش، وجماعة.
صالح، خيِّر، من أهلِ السُّنّة.
قال ابن خَيْرُون: مات في جُمَادَى الآخرة.(10/376)
140 - بكر بن محمد بن أبي سهل السُّبعيّ الصُّوفيّ، أَبُو عليّ النَّيسابوريّ. [المتوفى: 475 هـ]
حدَّث ببغداد عن أَبِي بكَر الحِيريّ. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ.
وكان جدّه مُثْرِيا فوقف سُبْع أملاكه، فلذا قيل له السُّبعيّ.
توفّي ببغداد.(10/376)
141 - جعفر بن عبد الله بن أحمد القرطبي، ثم الطُّليطليّ، أبو أحمد. [المتوفى: 475 هـ]
قرأ القرآن على أبي المطرِّف عبد الرحمن بن مروان القنازعي، وسمع منه [ص:377] الكثير في سنة إحدى عشرة وأربعمائة. وقرأ الأدب على قاسم بن محمد المرواني، وحكم بن منذر. وأخذ أيضا عن أبي محمد بن عباس الخطيب، وغير واحد.
قال ابن بشكوال: وكان ثقة فيما رواه، فاضلا منقبضا. سمع الناس منه. وأخذ عنه أبو عليّ الغسّانيّ، وأخبرنا عنه محمد بن أحمد الحاكم، وقال لي: قتل بداره ظلما ليلة عيد الأضحى، ومولده سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاثمائة.
قلت: هذا من مسندي الأندلس في عصره، وشيخه القنازعيّ قرأ على الأنطاكيّ.(10/376)
142 - الحَسَن بن محمد بن محمد بن حَمُّوَيْه، أبو عليّ النَّيسابوريّ، الصّفّار الفقيه. [المتوفى: 475 هـ]
سمع أبا بكر الحِيريّ. وعنه زاهر الشّحّاميّ، وأبو طالب محمد بن عبد الرحمن الحِيريّ، وغيرهما.
مات في صَفَر.(10/377)
143 - الحسين بن عبد الله بن عليّ، أبو عبد الله بن عربية الرَّبعيّ البغداديّ، [المتوفى: 475 هـ]
والد أبي القاسم عليّ.
سمع مع ولده من أبي الحَسَن بن مَخْلَد البزّاز. روى عنه أَبُو بكر محمد بن عبد الباقي.
وتُوُفّي في ذي الحِجّة.(10/377)
144 - حَمْد بن الفضل بن أحمد بن منصور الرّازيّ الفقيه. [المتوفى: 475 هـ]
تُوُفّي في ربيع الآخر.(10/377)
145 - خَلَف بن محمد بن جعفر، أبو القاسم الأندلسيّ. [المتوفى: 475 هـ]
من أهل المريَّة. حجّ، وأخذَ عن أبي عِمران الفاسيّ، وأبي ذَرّ عبد بن أحمد. روى عنه أبو جعفر بن أحمد بن سعيد. [ص:378]
ولي خطابة بلده. وعاش ثمانين سنةً.(10/377)
146 - سهل بن عبد الله بن عليّ، أبو الحَسَن الغازي الأصبهاني الزّاهد. [المتوفى: 475 هـ]
سمع عثمان بن أحمد البُرْجيّ، ومحمد بن إبراهيم الْجُرْجانيّ، وابن مَرْدَوَيْه. روى عنه مسعود الثقفيّ، وأبو عبد الله الرُّستميّ.
مات في ربيع الآخر.(10/378)
147 - عبد الله بن أحمد بن أبي الحسين، أبو الحسين النَّيسابوريّ الشّاماتيّ الأديب. [المتوفى: 475 هـ]
سمع من أبي الحسين بن عبد الغافر، وغيره. وأدَّب بالعربيّة بنيسابور، وصنَّف شرحًا لديوان المتنّبي، وشرحًا للحماسة، وشرحًا لأمثال أبي عُبَيْد، وغير ذلك. وتُوُفّي في رابع عشر رجب.(10/378)
148 - عبد الله بن مفوَّز بن أحمد بن مفوَّز، أبو محمد المَعَافِريّ الشّاطبيّ. [المتوفى: 475 هـ]
روى الكثير عن أبي عمر بن عبد البَرّ، ثمّ زهَدَ فيه لصُحْبته السّلطان. وروى عن أبي تمّام القُطينيّ، وأبي العبّاس العذريّ.
وكان مشهورًا بالعِلْم والزُّهد. وهو أخو الحافظ طاهر.(10/378)
149 - عبد الوهّاب ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إِسْحَاق بْن محمد بْن يحيى بْن مَنْدَه، أبو عمرو العَبْديّ الأصبهاني. [المتوفى: 475 هـ]
وكان أصغر من أخويه عبد الرحمن، وعُبَيْد الله. وكان حسن الأخلاق، متواضعًا، رحيمًا باليتامى والأرامل، حتّى كان يقال له: أبو الأرامل.
سمع الكثير من والده، وسمع من إبراهيم بن خرَّشيذ قوله، وأبي عمر بن عبد الوهّاب، وأبي محمد الحسن بن يَوَه. وسمع بمكّة الحَسَن بن أحمد بن فِراس.
ووقع لنا أجزاء من حديثه. وروى بالإجازة عن أبي الحسين الخفّاف [ص:379] القَنْطَرِيّ، وأبي عبد الله الحاكم، وجماعة. وحديثه في هذا الوقت بالإجازة من العوالي.
روى عنه إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ، ومحمد بن طاهر، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأخوه خالد بن عمر، وأبو سعْد البغداديّ، وأحمد بن محمد بن أحمد بن الفتح الْفيج، والحسن بن العبّاس الرُّستميّ، وأبو الخير محمد بن أحمد بن الباغْبان، ومسعود بن الحَسَن الثّقفيّ، وآخرون. ورحل النّاس إليه من البلدان.
قال أبو سعْد السَّمعانيّ: رأيتُ النّاس بإصبهان مُجْمِعِين على الثناء عليه والمدْح له. وكان شيخنا إسماعيل الحافظ كثير الثناء عليه والرواية عنه. وكان يفضله على أخيه أبي القاسم.
وقال ابنه أبو زكريّا يحيى: تُوُفّي ليلة تاسع عشر من جُمَادَى الآخرة.
قرأتُ على فاطمة بنت سُليمان، وغيرها، عن محمود بن إبراهيم، أنّ أبا الخير محمد بن أحمد أخبرهم، قال: أخبرنا عبد الوهّاب بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت الحسين بن علي النَّيسابوريّ يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خُزَيْمَة يقول: دخلَ إليَّ جماعة من الكُلابية، وسماهم بأسمائهم، قال: فقلت لهم: إنْ كان كما تزعمون أنّ الله لم يكن خالقًا حتّى خلق الخلْق، فأنتم تزعمون أن الله ليس بالآخر، والله يقول: هو الأوَّل والآخر، وأنّه ليس بمالِك يوم الدين، لأنّ يوم الدّين يوم القيامة، فبُهِتوا ورجعوا.
وقال السِّلفيّ: سألت المؤتمن السّاجيّ، عن أبي عَمْرو بن مَنْدَهْ فقال: لم أرَ شيخًا أَقْعَدَ منه وأثبتَ منه في الحديث. قرأت عليه إلى أن فاضت نفْسُه، ولم أُفْجَع بموت شيخٍ لقيتُهُ كما فجعت به رحمه الله.(10/378)
150 - عليّ بن عبد الملك بن محمد بن عَمْر بن إبراهيم بن بِشْر، أبو الحَسَن الحفصيّ. [المتوفى: 475 هـ]
من أهل إسْتِراباذ. قدِم بغداد، وسمع من هلال الحفّار، وغيره. وحدَّث بإسْتِراباذ؛ سمع منه محمد بن طاهر، وعبد الله بن أحمد السَّمرقنديّ، ومحمد [ص:380] ابن أبي عليّ الهَمَذانيّ.
وُلِد سنة ستٍّ وتسعين وثلاثمائة، وتُوُفّي بإسْتِراباذ.(10/379)
151 - عليّ بن هبة الله بن ماكولا الحافظ. [المتوفى: 475 هـ]
يقال: إنّه قُتِل فيها، وسيأتي في سنة سبعٍ وثمانين.(10/380)
152 - قتيبة بن سعيد بن محمد البقّال. [المتوفى: 475 هـ]
توفّي بكرمان.(10/380)
153 - محمد بن أحمد بن علي، أبو بكر السمَّسار. [المتوفى: 475 هـ]
أصبهانيّ مسند، سمع إبراهيم بن خرَّشيذ قوله، وجعفر بن محمد بن جعفر، وأبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، وغيرهم. روى عنه أبو عبد الله الرُّستميّ، ومسعود الثّقفيّ. ومات في نصف شوّال عن سنٍّ عالية.
قال السَّمعانيّ: سألتُ أبا سعْد البغداديّ عنه، فأثنى عليه وقال: كان من المعمَّرين، سمعته يقول: وُلدت سنة خمسٍ وسبعين. وعاش مائة سنة.(10/380)
154 - محمد بن أحمد بن عِلّان، أبو الفَرَج الكَرَجِيّ، ثمّ الكوفيّ. [المتوفى: 475 هـ]
حدَّث في هذا العام عَنْ القاضي أَبِي عَبْد الله محمد بْن عبد الله الهَرَوانيّ الكوفيّ. روى عنه أبو الحسن بن غبرة.(10/380)
155 - محمد بن الحَسَن بن عليّ، كمال المُلْك أبو جعفر [المتوفى: 475 هـ]
ابن الوزير نظام المُلْك.
كان هُمَام الطَّبع، شجاع القلْب. كانت فيه نَخْوَةُ الوزارة وكبرياء الملك. جمع خزائن وأموالاً، وعدّة غلمان وحجّاب، وأشياء لم تجتمع إلّا لأبيه. ووَزَرَ مدّةً للأمير تِكِش. وكان أكبر أولاد أبيه، ففُجع به.(10/380)
156 - محمد بن عَمْر بن محمد بن تانَة، أبو نصر الأصبهانيّ الخَرْجانيّ، [المتوفى: 475 هـ][ص:381]
وخَرْجان: محلّة بإصبهان.
تُوُفّي في شهر رجب. يروي عن الحافظ ابن مَرْدَوَيْه، ورحل فسمع من أبي عليّ بن شاذان. روى عنه أبو سَعْد أَحْمَد بن محمد البغدادي، وأبو عبد الله الرُّستميّ، وإسماعيل الحافظ.
وكان عارفاً بالقراءات، ليس بالصّالح.(10/380)
157 - محمد بن فارس بن عليّ، أبو الوفاء الأصبهاني الصُّوفيّ. [المتوفى: 475 هـ]
سمع أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ. وعنه الرُّستميّ.
توفّي ليلة عيد الفِطْر.(10/381)
158 - محمد بن المحسن بن الحَسَن بن عليّ، أبو حرب العَلَويّ الدَّينوريّ النَّسَّابة. [المتوفى: 475 هـ]
قال شيرُوَيْه: قدِم علينا من بغداد في جُمَادَى الآخرة سنة خمسٍ وسبعين. وروى عن أبيه، وأبي عليّ بن شاذان، وأبي الطَّيّب الطَّبريّ. وكان فاضلًا، استمليتُ عليه.(10/381)
159 - مسعود بن عبد الرحمن ابن القاضي أبي بكر أحمد بن الحَسَن، أبو البركات الحيري النَّيسابوريّ. [المتوفى: 475 هـ]
سمع الكثير من جدّه، ومن جماعة، وتوفّي في ربيع الآخر عن إحدى وسبعين سنة. وعنه عبد الغافر.(10/381)
160 - مسعود بن عليّ، أبو نصر النَّيسابوريّ المحتسب. [المتوفى: 475 هـ]
روى عن أبي بكر الحِيريّ، والصَّيرفيّ، والطّرازيّ.
ومات في رجب.(10/381)
161 - المطهّر بن عبد الواحد بن محمد، أبو الفضل اليَرْبُوعيّ البُزانيّ الأصبهاني. [المتوفى: 475 هـ]
سمع أبا جعفر بن المَرْزُبان، وأبا عبد اللَّه بن مَنْدَهْ، وأبا عَمْر بن عبد الوهّاب السُّلميّ، وجماعة، وإبراهيم بن خرَّشيد قوله أيضًا. وطال عُمره، وأكثر النّاسُ عنه. [ص:382]
ولا أعلم متى توفّي، لكنّه بقي إلى هذا العصر. روى عنه مسعود الثّقفيّ، والرُّستميّ.
وكان رئيسًا كاتبًا، سأل السّمعانيّ أبا سعْد البغداديّ عنه، فقال: كان والده محدّثاً، أفاده في صغره.(10/381)
162 - أبو عبد الله بن أبي الحَسَن بن أبي قدامة القرشيّ الخراسانيّ الأمير. [المتوفى: 475 هـ]
مات في رجب.(10/382)
163 - الأمير أبو نصر بن ماكولا. [المتوفى: 475 هـ]
توفّي فيها في قول، وسيأتي في سنة سبعٍ وثمانين.(10/382)
-سنة ست وسبعين وأربعمائة(10/383)
• - أحمد بن عليّ، أبو الخطّاب، [المتوفى: 476 هـ]
يُذكر بكنيته.(10/383)
164 - أحمد بن محمد بن الفضل، الإمام أبو بكر الفَسَويّ. [المتوفى: 476 هـ]
تُوُفّي بسَمَرْقَنْد.
ذكره عبد الغافر في تاريخه فقال: الإمام ذو الفنون، دخل نَيْسابور، وحصّل بها العلوم.
قرأ على الإمام زَين الإسلام، يعني القُشَيْريّ، الأُصول. وسمع من أبي بكر الحِيريّ، وأقام بَنْيسابور مدّةً، ثمّ خرج إلى ما وراء النّهر، وصار من أعيان الأئمّة. وشاع ذِكره، وانتشر عِلمه.(10/383)
165 - إبراهيم بن عليّ بن يوسف، الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ الفيروزاباديّ، شيخ الشّافعيّة في زمانه، لقبه: جمال الدّين. [المتوفى: 476 هـ]
ولد سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاثمائة. تفقَّه بشيراز على أبي عبد الله البَيْضاويّ، وعلى أبي أحمد عبد الوهّاب بن رامين. وقدِم البصرة فأخذ عن الخَرَزَيّ. ودخل بغداد في شوّال سنة خمس عشرة وأربعمائة، فلازمَ القاضي أبا الطَّيِّب وصحبَه، وبرع في الفقه حتّى نابَ عن أبي الطَّيَّب، ورتَّبه مُعِيدًا في حلقته. وصار أنظر أهل زمانه. وكان يُضرب به المَثَل في الفصاحة.
وسمع من أبي عليّ بن شاذان، وأبي الفَرَج محمد بن عُبَيْد الله الخَرْجُوشيّ. وأبي بكر البَرْقانيّ، وغيرهم.
وحدَّث ببغداد، وهَمَذَان، ونَيْسابور. روى عنه أبو بكر الخطيب، وأبو الوليد الباجيّ، وأبو عبد الله الحميديّ، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو البدر إبراهيم بن محمد الكَرْخيّ، ويوسف بن أيّوب الهَمَذانيّ، وأبو نصر أحمد بن محمد الطُّوسيّ، وأَبُو الحسن بن عبد السّلام، وطوائف سواهم.
وقرأت بخطّ ابن الأنْماطيّ أنّه وجد بخطٍّ: قال أبو عليّ الحَسَن بن أحمد الكَرْمانيّ الصُّوفي، يعني الّذي غسّل الشّيخ أبا إسحاق: سمعته يقول: ولدت سنة تسعين وثلاثمائة، ودخلتُ بغداد سنة ثماني عشرة وله ثمانٍ وعشرون [ص:384] سنة. ومات لم يخلّف دِرهمًا، ولا عليه درهم. وكذلك كان يقضي عُمْرَه.
قال أبو سعْد السَّمعانيّ: أبو إسحاق إمام الشّافعيّة، والمدرّس بالنّظاميّة، شيخ الدّهر، وإمام العصر. رحل النّاس إليه من البلاد، وقصدوه من كلّ الجوانب، وتفرَّد بالعلم الوافر مع السيرة الجميلة، والطريقة المَرْضيّة. جاءته الدّنيا صاغرة، فأباها واقتصر على خشونة العَيْش أيّام حياته. صنَّف في الأصول، والفروع، والخلاف، والمذهب. وكان زاهدًا، ورعًا، متواضعًا، ظريفًا، كريمًا، جوادًا، طلْق الوجه، دائم البشْر، مليح المحاورة. وتفقَّه بفارس على أبي الفَرَج البَيْضاويّ، وبالبصرة على الخَرَزيّ.
إلى أن قال: حدَّثنا عنه جماعة كثيرة، وحُكي عنه أنّه قال: كنتُ نائمًا ببغداد، فرأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار، فأريد أن أسمع منك خبرًا أتشرَّف به في الدنيا، وأجعله ذخيرةً للآخرة. فقال: يا شيخ، وسمّاني شيخًا وخاطبني به، وكان يفرح بهذا. ثمّ قال: قُلْ عنّي: مَن أراد السّلامة فلْيَطْلُبْها في سلامة غيره.
رواها السّمعانيّ، عن أبي القاسم حَيْدَر بن محمود الشّيرازيّ بمرْو، أنّه سمع ذلك من أبي إسحاق.
وورد أنّ أبا إسحاق كان يمشي، وإذا كلبٌ، فقال فقيهٌ معه: اخسأ. فنهاه الشّيخ، وقال: لِمَ طَرَدْتَه عن الطريق؟ أما علِمت أنّ الطريق بيني وبينه مشتركٌ؟
وعنه قال: كنتُ أشتهي ثَرِيدًا بماء باقِلّاء أيّام اشتغالي، فما صحَّ لي أكْلَةٌ، لاشتغالي بالدّرس، وأخذ النَّوبة.
قال السَّمعانيّ: قال أصحابنا ببغداد: كان الشّيخ أبو إسحاق إذا بَقِي مدّةً لا يأكل شيئًا صعِد إلى النَّصريّة، فله فيها صديق، فكان يثرد له رغيفًا، ويشربه بماء الباقِلّاء. فربما صعِد إليه، وقد فرغ، فيقول أبو إسحاق: تلك إذا كرَّةٌ خاسرة، ويرجع.
قال أبو بكر الشّاشيّ: الشّيخ أبو إسحاق حجّة الله على أئمّة العصر.
وقال الموفّق الحنفيّ: أبو إسحاق، أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء.
قال السَّمعانيّ: سمعت محمد بن عليّ الخطيب يقول: سمعتُ محمد بن محمد بن يوسف الفاشانيّ بمرو يقول: سمعت محمد بن محمد بن هانئ [ص:385] القاضي يقول: إمامان ما اتَّفق لهما الحَجّ: أبو إسحاق، والقاضي أبو عبد الله الدّامغانيّ. أما أَبُو إسحاق فكان فقيرًا، ولكن لو أراد لحملوه على الأعناق، والدّامغانيّ، لو أراد الحجّ على السُّندس والإسْتَبْرَق لأَمْكَنَه.
قال: وسمعتُ القاضي أبا بكر محمد بن القاسم الشَّهرزوريّ بالمَوْصل يقول: كان شيخنا أبو إسحاق إذا أخطأ أحدٌ بين يديه قال: أيُّ سكتةٍ فاتَتْك. وكان يتوسوس؛ سمعتُ عبد الوهّاب الأنماطيّ يقول: كان أبو إسحاق يتوضأ في الشّطّ، وكان يشك في غَسْل وجهه، حتّى غسّله مرات، فقال له رجل: يا شيخ، أما تستحي، تغسل وجهك كذا وكذا نَوْبَة؟ فقال له: لو صحّ لي الثلاث ما زدتّ عليها.
قال السّمعانيّ: دخل أبو إسحاق يومًا مسجدًا ليتغدّى على عادته، فنسي دينارًا معه وخرج، ثمّ ذكر، فرجع، فوجده، ففكّر في نفسه وقال: ربّما وقع هذا الدّينار من غيري، فلم يأخذه وذهب. وبَلَغَنَا أنّ طاهرًا النَّيسابوري خرَّج للشّيخ أبي إسحاق جزءًا، فكان يذكر في أوّل الحديث: أخبرنا أبو عليّ بن شاذان، وفي آخر: أخبرنا الحسن بن أحمد البزّاز، وفي آخر: أخبرنا الحَسَن بن أبي بكر الفارسي، فقال: من هذا؟ قال: هو ابن شاذان، فقال: ما أريد هذا الجزء. هذا فيه تدليس، والتّدليس أخو الكذِب.
وقال القاضي أبو بكر الأنصاريّ: أتيت الشَّيخ أبا إسحاق بفُتْيا في الطّريق، فناولته الفنيا، فأخذ قلم خبّازٍ ودَوَاته، وكتب لي في الطريق، ومسح القلم في ثوبه.
قال السّمعانيّ: سمعتُ جماعة يقولون: لمّا قدِم أبو إسحاق رسولًا إلى نَيْسابور، تلقّاه النّاسُ لمّا قدِم، وحَمَلَ الإمام أبو المعالي الْجُوَيْنيّ غاشيةَ فرسِهِ، ومشى بين يديه، وقال: أنا أفتخر بهذا.
وكان عامّة المدرّسين بالعراق والجبال تلامذتَه وأشياعَه وأتباعه، وكفاهم بذلك فَخْرًا. وكان يُنِشد الأشعار المليحة ويُوردُها، ويحفظ منها الكثير.
وصنَّف المهذّب في المذهب، والتنبيه، واللُّمع في أُصول الفقه، وشرح اللُّمع، والمعونة في الْجَدَل، والملخَّص في أصول الفقه، وغير ذلك. [ص:386]
وعنه قال: العلم الذي لا ينتفع به صاحبه: أن يكون الرجل عالِمًا، ولا يكون عاملًا، ثمّ أنشد لنفسه:
علِمْتَ ما حلّل المَوْلَى وحرَّمه ... فاعملْ بعِلْمك، إنّ العِلَم للعمل
وقال: الجاهل بالعالم يقتدي، فإذا كان العالِم لا يعمل، فالجاهل ما يرجو من نفسه؟ فالله الله يا أولادي، نعوذ بالله من علم يصير حجَّةً علينا.
وقيل: إنّ أبا نصر عبد الرحيم ابن القُشَيْريّ جلس بجنْب الشّيخ أبي إسحاق، فأحسّ بثِقَلٍ في كُمّه، فقال: ما هذا يا سيدنا؟ قال: قُرْصي الملّاح. وكان يحملهما في كُمْه طَرْحًا للتكلُّف.
قال السّمعانيّ: رأيتُ بخطّ أبي إسحاق في رُقْعة: " بسم الله الرحمن الرحيم، نسخةُ ما رآه الشّيخ السّيّد أبو محمد عبد الله بن الحَسَن بن نصْر المَزْيَدِيّ، أبقاه الله: رأيت في سنة ثمانٍ وستّين وأربعمائة ليلة جُمعة أبا إسحاق إبراهيم بن عليّ بن يوسف الفيروزاباديّ - طوَّل الله عُمره - في منامي يطير مع أصحابه في السماء الثالثة أو الرابعة، فتحيرت، وقلت في تفسير هذا: هو الشيخ الإمام مع أصحابه يطير، وأنا معهم استعظامًا لتلك الحالة والرؤية. فكنتُ في هذه الفكرة، إذ تلقى الشّيخ ملكٌ، وسلَّم عليه، عن الرّبّ تبارك وتعالى، وقال له: إنّ الله تعالى يقرأ عليك السّلام ويقول: ما الذي تدرَّس لأصحابك؟ فقال له الشّيخ: أدرَّس ما نُقِل عن صاحب الشَّرع.
فقال له المَلَك: فاقرأ عليَّ شيئًا لأسمعه. فقرأ عليه الشّيخ مسألة لا أذكرها، فاستمع إليه المَلَك وانصرف، وأخذ الشّيخ يطير، وأصحابه معه. فرجع ذلك المَلَك بعد ساعة، وقال للشيخ: إنّ الله يقول: الحقُّ ما أنت عليه وأصحابك، فادخُلِ الجنة معهم.
وقال الشّيخ أبو إسحاق: كنت أعيدُ كلّ قياسٍ ألف مرة، فإذا فرغت، أخذتُ قياسًا آخر على هذا، وكنتُ أُعيد كلَّ درسٍ مائة مرة، فإذا كان في المسألة بيتُ يُستشهد به حفظت القصيدة التي فيها البيت.
كان الوزير عميد الدّولة بن جهير كثيرًا ما يقول: الإمام أبو إسحاق وحيد عصره، وفريد دهره، ومستجاب الدّعوة.
وقال السّمعانيّ: لمّا خرج أبو إسحاق إلى نيسابور، خرج في صحبته [ص:387] جماعةٌ من تلامذته، كانوا أئمّة الدّنيا، كأبي بكر الشاشيّ، وأبي عبد الله الطَّبريّ، وأبي مُعاذ الأندلسيّ، والقاضي عليّ المَيَانِجيّ، وأبي الفضل بن فتيان قاضي البصرة، وأبي الحَسَن الآمدي، وأبي القاسم الزَّنجانيّ، وأبي عليّ الفارقيّ، وأبي العبّاس ابن الرُّطبيّ.
وقال أبو عبد الله ابن النّجّار في تاريخه: وُلِد، يعني أبا إسحاق، بفيروزآباد، بُلَيدة بفارس، ونشأ بها. ودخل شِيراز. وقرأ الفقه على أبي عبد الله البَيْضاويّ، وابن رَامِين. وقرأ على أبي القاسم الدّارَكيّ، وقرأ الدّارَكيّ على المَرْوَزِيّ صاحب ابن سُرَيْج.
وقرأ أبو إسحاق أيضًا على الطَّبريّ، عن الماسَرْجِسيّ، عن المَرْوَزِيّ. وقرأ أبو إسحاق أيضًا على الزَّجاجيّ، وقرأ الزَّجّاجيّ على ابن القاصّ صاحب ابن سُرَيْج.
وقرأ أصول الكلام على أبي حاتم القزوينيّ، صاحب أبي بكر ابن الباقلّانيّ. وكان أبو إسحاق خطُّه في غاية الرَّداءة.
أنبأني الخشوعي، عن أبي بكر الطُّرطوشيّ، قال: أخبرني أبو العبّاس الْجُرْجانيّ القاضي بالبصرة، قال: كان أبو إسحاق لا يملك شيئًا من الدنيا، فبلغ به الفقر حتّى كان لا يجد قُوتًا ولا مَلْبَسًا. ولقد كنّا نأتيه وهو ساكن في القطيعة، فيقوم لنا نصف قَوْمة، كي لا يظهر منه شيءٌ من العري. وكنت أمشي معه، فتعلَّق به باقِلّاني، وقال: يا شيخ، أفقرتني وكسرتني، وأكلت رأس مالي، ادفع إليَّ ما لي عندك.
فقلنا: وكم لك عنده؟ قال: أظنّه قال: حبّتان من ذهب، أو حبتان ونصف.
وقال أبو بكر محمد بن أحمد ابن الخاضبة: سمعتُ بعض أصحاب الشّيخ أبي إسحاق يقول: رأيتُ الشّيخ كان يركع رَكْعَتين عند فراغ كلّ فصل من المهذَّب.
قال: قرأتُ بخطّ أبي الفُتُوح يوسف بن محمد بن مقلّد الدّمشقيّ: سمعت الوزير ابن هبيرة يقول: سمعت أبا الحسن محمد ابن القاضي أبي يَعْلَى يقول: جاء رجل من ميَّافارقين إلى والدي ليتفقه عليه، فقال: أنت شافعيٌّ، وأهل بلدك شافعية، فكيف تشتغل بمذهب أحمد؟ قال: قد أحببته لأجلك. فقال: يا ولدي ما هو مصلحة. تبقى وحدك في بلدك ما لكَ من تذاكره، ولا [ص:388] تذكر له درسًا، وتقع بينكم خصومات، وأنت وحيد لا يطيب عَيْشُك.
فقال: إنّما أحببته وطلبته لِمَا ظهر من دينك وعِلْمك. قال: أنا أدلّك على من هو خيرٌ مني، الشّيخ أبو إسحاق.
فقال: يا سيدي، إنّي لا أعرفه. فقال: أنا أمضي معك إليه.
فقام معه وحمله إليه، فخرج الشّيخ أبو إسحاق إليه، واحترمه وعظّمه، وبالغ.
وكان الوزير نظام المُلَك يُثني على الشّيخ أبي إسحاق ويقول: كيف لنا مع رجلٍ لا يفرَّق بيني وبين بهروز الفرّاش في المخاطبة؟ لمّا التقيتُ به قال: بارك الله فيك. وقال لبهروز لما صبّ عليه الماء: بارك الله فيك!.
وقال الفقيه أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الهَمَذَانيّ: حكى أبي، قال: حضرتُ مع قاضي القضاة أبي الحَسَن الماوَرْديّ عزاء النّابتيّ قبل سنة أربعين، فتكلَّم الشّيخ أبو إسحاق وأجاد، فلمّا خرجنا قال الماوَرْديّ: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رآه الشّافعيّ لتجمَّل به.
أخبرنا ابن الخلاّل، قال: أخبرنا جعفر، قال: أخبرنا السِّلفيّ، قال: سألت شُجاعًا الذُّهليّ، عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشّافعي، والمقدَّم عليهم في وقته ببغداد. كان ثقة، ورِعًا، صالحًا، عالمًا بمعرفة الخلاف، عِلْمًا لا يشاركه فيه أحد.
أنبؤونا عن زين الأمناء قال: أخبرنا الصّائن هبة الله بن الحسن، قال: أخبرنا محمد بن مرزوق الزَّعفرانيّ قال: أنشدنا أبو الحَسَن عليّ بن فضّال القَيْروانيّ لنفسه في التّنبيه، للإمام أبي إسحاق:
أكتابُ التّنبيه ذا، أم رياض ... أم لآلئ فَلَوْنُهُن البَياضُ
جمع الحسن والمسائل طرَّا ... دخلت تحت كله الأبعاض
كلُّ لفظٍ يروق من تحت معنى ... جرية الماء تحته الرَّضراض
قلَّ طولًا، وضاق عرضا مداه ... وهو من بعد ذا الطّوال العراض
يدع العالم المسمَّى إمامًا ... كفتاةٍ أتى عليها المخاض
أيُّها المدعون ما ليس فيهم ... ليس كالدُّرّ في العقود الحضاض
كلُّ نعمى عليَّ يا ابن عليّ ... أنا إلا بشكرها نهاض
ما تعدَّاك من ثنائي محالُ ... لَيْسَ في غير جوهرٍ أعراض [ص:389]
أنت طودٌ لكنه لا يسامى ... أنت بحرٌ، لكنه لا يخاض
فأبق في غبطةٍ وأنت عزيز ... ما تعدى عن المنال انخفاض
وقال أبو الحسن محمد بن عبد الملك الهمذاني: نَدَب المقتدي بالله الشّيخ أبا إسحاق الشيرازيّ للخروج في رسالةٍ إلى المعسكر، فتوجه في ذي الحِجّة سنة خمسٍ وسبعين، وكان في صُحْبَته جماعةٌ من أصحابه، فيهم الشاشيّ، والطَّبريّ، وابن فتيان، وإنّه عند وصوله إلى بلاد العجم كان يخرج إليه أهلُها بنسائهم وأولادهم، فيمسحون أردانه، ويأخذون تراب نَعْلَيْه يستشْفُون به.
وحدَّثني القائد كامل قال: كان في الصُّحبة جمال الدّولة عفيف، ولمّا وصلنا إلى ساوة خرج بياضها وفُقهاؤها وشهودُها، وكلّهم أصحاب الشّيخ، فخدموه. وكان كلّ واحدٍ يسأله أن يحضر في بيته، ويتبرَّك بدخوله وأكْله لمّا يحضره. قال: وخرج جميع مَن كان في البلد من أصحاب الصنِّاعات، ومعهم من الذي يبيعونه طُرَفًا ينثرونه على محفَّته. وخرج الخبازون، ونثروا الخبز، وهو ينهاهم ويدفعهم من حَوَاليه ولا ينتهون.
وخرج من بعدهم أصحاب الفاكهة والحلْواء وغيرهم، وفعلوا كفِعْلهم. ولمّا بلغت النَّوبة إلى الأساكفة خرجوا، وقد عملوا مداساتٍ لطافًا للصَّغار ونثروها، وجعلت تقع على رؤوس النّاس، والشيخ أبو إسحاق يتعجَّب. فلمّا انتهوا بَدَأ يُداعبنا ويقول: رأيتم النّثار ما أحسنه، أيّ شيء وصل إليكم منه؟ فنقول لعْلمِنا أنّ ذلك يعجبه: يا سيدي؟ وأنت أيّ شيء كان حظَّك منه؟ فقال: أنا غطّيت نفسي بالمِحَفّة.
وخرج إليه من النِسْوة الصُّوفيات جماعة، وما منهن إلّا من بيدها سُبْحة، وألقوا الجميع إلى المحفة، وكان قصدهن أنْ يلمسها بيده، فتحصل لهنّ البَرَكَة، فجعل يمرَّها على بَدَنه وجسده، وتبرَّك بهنّ، ويقصد في حقّهنّ ما قَصَدْن في حقّه.
وقال شيرُوَيْه الدَّيلميّ في تاريخ هَمَذان: أبو إسحاق الشيرازيّ، إمام عصره، قدِم علينا رسولًا من أمير المؤمنين إلى السّلطان ملِكْشاه. سمعتُ منه ببغداد، وهمذان؛ وكان ثقة، فقيهًا، زاهدًا في الدّنيا. على التحقيق أوحد زمانه.
قال خطيب الموصل أبو الفضل: حدَّثني والدي قال: توجَّهت من [ص:390] الموصل سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة إلى بغداد، قاصدًا للشّيخ أبي إسحاق، فلمّا حضرتُ عنده بباب المراتب، بالمسجد الذي يدرّس فيه رحّب بي، وقال: من أين أنت؟ قلت: من المَوْصل. قال: مرحبًا، أنت بلدييّ. فقلت: يا سيّدنا، أنت من فَيْروزاباد، وأنا من المَوْصل! فقال: أما جَمَعتنا سفينةُ نوحٍ؟ وشاهدتُ من حُسن أخلاقه ولطافته وزهده ما حبَّب إليَّ لزومه، فصحبتُه إلى أن تُوُفّي.
قلت: وقد ذكره ابن عساكر في طبقات الأشعرية، ثمّ أورد ما صورته، قال: وجدتُ بخطّ بعض الثقات: ما قول السّادة الفُقّهاء في قومٍ اجتمعوا على لعن الأشعريّة وتكفيرهم؟ وما الّذي يجب عليهم؟ أفْتُونا.
فأجاب جماعة، فمن ذلك: الأشعريّة أعيان السُّنّة انتصبوا للرّدّ على المبتدعة من القدريّة والرّافضة وغيرهم. فَمَن طعن فيهم فقد طعن على أهل السُّنّة، ويجب على النّاظر في أمر المسلمين تأديبه بما يرتدع به كلّ أحدٍ. وكتبَ إبراهيم بن عليّ الفَيْروزاباديّ.
وقال: خرجت إلى خُراسان، فما دخلت بلدةً ولا قريةً إلّا كان قاضيها، أو خطيبها، أو مُفْتيها، تلميذي، أو من أصحابي.
ومن شعره:
أُحِبّ الكأسَ من غير المُدام ... وألهوا بالحِسان بلا حرام
وما حبّي لفاحشةٍ ولكنْ ... رأيتُ الحبّ أخلاق الكرامِ
وله:
سألت النّاسَ عن خِلّ وفيٍّ ... فقالوا: ما إلى هذا سبيل
تمسك إن ظفرت بذيل حُرٍّ ... فإنّ الحرَّ في الدّنيا قليلُ
وله:
حكيم يرى أنّ النّجومَ حقيقةٌ ... ويذهب في أحكامها كلَّ مَذْهبِ
يُخبّر عن أفلاكها وبُرُوجِها ... وما عند علمٌ بما في المغَّيب
ولسلاّر العقيليّ:
كفاني إذا عنّ الحوادث صارمٌ ... يُنيلُني المأمول في الإثر والأثر [ص:391]
يقدّ ويفري في اللّقاء كأنّه ... لسان أبي إسحاق في مجلس النّظرْ
ولعاصم بن الحَسَن فيه:
تراه من الذّكاء نحيفَ جسمٍ ... عليه من توقُّده دليلُ
إذا كان الفتى ضخْمَ المَعَالي ... فليس يَضيره الجسمُ النَّحيل
ولأبي القاسم عبد الله بن ناقيا يرثيه:
أجرى المدامع بالدّم المُهْراقِ ... خطبٌ أقام قيامةَ الآماقِ
خطبٌ شَجَا منّا القلوبَ بلوعةٍ ... بين التَّراقي ما لها من راق
ما للّياليّ لا تؤلّف شملّها ... بعد ابن بَجْدَتها أبي إسحاقِ
إنْ قيل: مات، فلم يَمُتْ من ذِكْرُهُ ... حيٌّ على مرّ اللّيالي باق
تُوُفّي ليلة الحادي والعشرين من جُمَادَى الآخرة ببغداد، ودُفن من الغد، وأحضِر إلى دار المقتدي بالله أمير المؤمنين، فصلّى عليه، ودُفن بباب أبْرز. وجلس أصحابه للعزاء بالمدرسة النظاميّة. وكان الذي صلّى عليه صاحبه أبو عبد الله الطَّبريّ.
ولمّا انقضى العزاء رتَّب مؤيَّد الدّولة ابن نظام الملك أبا سعد المتولّي مدرّسًا، فلمّا وصل الخبر إلى نظام المُلْك، كتب بإنكار ذلك، وقال: كان من الواجب أن تُغلق المدرسة سنةً من أجل الشّيخ. وعابَ على من تولّى مكانه، وأمر أنّ يدرس الشّيخ أبو نصر عبد السّيّد ابن الصّبّاغ مكانه.(10/383)
166 - طاهر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله، أبو الوفاء القوّاس البغدادي، الفقيه الحنبليّ الزّاهد، [المتوفى: 476 هـ]
من أهل باب البصرة.
ولد سنة تسعين وثلاثمائة. وسمع من هلال الحفَّار، وأبي الحسين بن بِشْران، وأبي سهل محمود العُكْبريّ، وجماعة. روى عنه أبو محمد، وأبو القاسم ابنا السَّمرقنديّ، وأبو البركات عبد الوهّاب الأنماطيّ، وعليّ بن طراد، وآخرون.
ذكره السَّمعانيّ فقال: من أعيان فقهاء الحنابلة وزُهّادهم، أجَهَد نفسه في الطاعة والعبادة، واعتكف في بيت الله تعالى خمسين سنة. وكان يواصل [ص:392] ليله بنهاره. وكان قارئًا للقرآن، فقيهًا، ورعًا، خشن العيش. كانت له حلقة بجامع المنصور.
قال عبد الوهّاب الأنْماطيّ: سأله رجلٌ في حلقته عن مسألةٍ، فقال: لا أجيبك حتّى تقوم وتخلع سراويلك وتتكشّف. وكان قد رآه كذلك في الحمام. فقال: هذا لا يمكن، وأنا أستحيي.
فقال: يا فلان، فهؤلاء بعينهم هم الذين رأوك في الحمّام بلا مِئْزر، إيش الفرق بين هنا وبين الحمام؟! فخجل. وذكر الشّيخ فصلًا في النَّهي عن كشف العورة.
تُوُفّي يوم الجمعة سابع عشر شعبان.(10/391)
167 - العبّاس بن أحمد بن محمد بن العبّاس بن بكران، أبو الفضل الهاشميّ البغداديّ. [المتوفى: 476 هـ]
روى عن: الحسين بن أبي الحَسَن الغضائريّ. روى عنه قاضي المَرِسْتان، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.(10/392)
168 - عَبْد الله بْن إبراهيم بْن عَبْد الله، أبو حكيم الخبريّ الفقيه الفرضيّ. [المتوفى: 476 هـ]
تفقه على أبي إسحاق الشّيرازيّ، وبرع في الفرائض، والحساب، والعربيّة، واللّغة، وسمع من الحسين بن حبيب القادسيّ، والحسن بن عليّ الجوهريّ.
وصنَّف الفرائض وشرح كتاب الحماسة، وديوان البُحْتُريّ، وديوان المتنبيّ، وديوان الشريف الرَّضيّ. وكان متدينًا صدوقًا، روى عنه ابن بنته أبو الفضل محمد بن ناصر، وأبو العزّ بن كادش.
قال السِّلفيّ: سألت الذُّهليّ، عن أبي حكيم فقال: كان يسمع معَنا من الجوهريّ ومن بعده. وكان قيِّمًا بعِلم الفرائض، وله فيها مصَّنف، وله معرفة بالآداب صالحة.
قال ابن ناصر: كان جدّي أبو حكيم يكتب المصاحف، فبينما هو ذات [ص:393] يوم قاعدًا مستندًا يكتب، وَضَع القلم واستند، وقال: والله إنّ هذا موت مُهنّأ، موتُ طيّب. ثمّ مات.
ورّخ أبو طاهر الكرجيّ موته في ذي الحِجّة.(10/392)
169 - عبد الله بن عطاء بن عبد الله بن أبي منصور بن الحَسَن بن إبراهيم، أبو محمد الإبراهيميّ الهَرَويّ. [المتوفى: 476 هـ]
أحد من عني بهذا الشأن، وسمع أبا عَمْر عبد الواحد المليحيّ، وجمال الإسلام أبا الحسن الداودي، وأبا إسماعيل شيخ الإسلام.
ورحل فسمع ببغداد من أبي الحسين ابن النَّقُّور، وعبد العزيز ابن السُّكَّريّ، وهذه الطبقة. وسمع بإصبهان، ونَيْسابور.
روى عنه زاهر الشّحّاميّ، وأبو محمد سبط الخيّاط، وأبو بكر ابن الزّاغونيّ، وأبو المعالي ابن اللّحّاس، وغيرهم.
قال يحيى بن مَنْدَهْ: كان أحد من يفهم الحديث ويحفظ، صحيح النَّقل، حسن الفهم، سريع الكتابة، حسن التذكير.
وقال هبة الله السَّقطيّ: كان يصحف في الأسماء والمُتُون، ويُصرّ على غَلَطه، وكان متهافتًا، تظهر على لسانه الأباطيل، ويركِّب الأسانيد، فمن ذلك ما حدثنا، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد العبديّ، قال: حدثنا الحسين بن محمد الدَّينوريّ، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن شنبة، قال: حدثنا محمد بن موسى بن زياد الأصبهانيّ، قال: حدثنا الحسن بن محمود بن وكيع، قال: حدثنا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَدُّوا الزَّكاة وتحرُّوا بِهَا أَهْلَ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ أَبَرُّ وَأَتْقَى".
قال السّمعانيّ: محمد بن موسى، وشيخه، مجهولان، وهو موضوع لا شكّ فيه.
تُوُفّي الإبراهيميّ راجعًا من الحجّ بقرب العراق، وروى عنه وجيه الشّحّاميّ. [ص:394]
وقال خميس الحَوْزيّ: رأيته ببغداد ملتحقًا بأصحابنا، متخصّصًا بالحنابلة، يخرَّج لهم أحاديث الصِّفات وأضْدادُه يقولون: هو يضعها، وما علِمتُ ذلك فيه.(10/393)
170 - عبد الله بن علي بن بحر، أبو بكر. [المتوفى: 476 هـ]
توفّي ببوشنج في رجب.(10/394)
171 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بن عَبْد الرَّحْمَن بن عيسى بن زياد، أبو عيسى الأصبهاني التّانيّ، الأديب. [المتوفى: 476 هـ]
كان يشبه الصّدر الأوّل. عنده جزء لُوَيْن، وغريب القرآن للقُتبيّ.
مات في شعبان سنة ستٍّ.
وُجِد سماعُه في آخر عُمره. روى عنه مسعود الثقفيّ، وغيره.(10/394)
172 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الرَّحْمَن بْنِ أَبِي عاصم، أبو عطاء الهَرَويّ الجوهريّ. [المتوفى: 476 هـ]
روى عن محمد بن محمد بن جعفر المالينيّ، وأبي منصور محمد بن محمد الأزديّ، وأبي محمد حاتم بن أبي حاتم محمد بن يعقوب، وجماعة. روى عنه أبو الوقت السِّجزيّ، ووجيه، وعبد الجليل بن أبي سعْد الهَرَويّ.
تُوُفّي في شعبان.
قال السّمعانيّ: كان شيخًا ثقه، صدوقًا. تفرَّد عن أبي مُعاذ الشّاة، والمالينيّ، سمع منه جماعة كثيرة. وُلِد سنة سبعٍ أو ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة. حدَّثنا عنه أحمد بن أبي سهل الصوفي، وعبد الواسع بن أميرك.(10/394)
173 - عبد السّميع بْن عَبْد الودود بْن عَبْد المتكبّر بْن هارون بن عبيد الله ابن المهتدي بالله، أبو أحمد الهاشميّ، [المتوفى: 476 هـ]
أخو الحَسَن.
سمع أبا الحسين بن بِشْران. سمع منه الحميديّ، وشجاع الذُّهليّ.
قال إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ: سألته عن مولده، فقال: سنة أربعٍ وأربعمائة. [ص:395]
مات في جمادى الأولى سنة ست وسبعين.(10/394)
174 - عبد الوهّاب بن أحمد بن جَلبَة، الفقيه أبو الفتح الخزاز البغداديّ ثمّ الحرانيّ، الحنبليّ، [المتوفى: 476 هـ]
مفتي حرّان وعالمها.
تفقه على القاضي أبي يَعْلَى ولازمه، وكتبَ عنه تصانيفه، وسمع من أبي بكر البَرْقانيّ، وأبي عليّ بن شاذان، وأبي عليّ الحَسَن بن شهاب العُكْبريّ.
سمع منه هبة الله الشّيرازيّ، ومكّيّ الرُّميليّ، والرَّحّالة بحران. وقُتِل شهيدًا مظلومًا.
قال أبو الحسين ابن القاضي أبي يَعْلَى: ولي أبو الفتح بن جَلَبة قضاء حرّان من قبل الوالد، وكتب له سجلًا. وكان ناشرًا للمذهب، داعيًا إليه في تلك الدّيار. وكان مفتيها وواعظها وخطيبها وقاضيها. قتل على يد ابن قُريش العُقَيْليّ في سنة ستٍّ وسبعين، عند اضطّراب أهل حران على ابن قُريش، لما أظهر سبَّ السَّلف رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
قلتُ: جاء في حديث ماكِسِين من أربعي السِّلفيّ: وقال السِّلفيّ: أخبرنا أحمد بن محمد بن حامد الحرّانيّ، قاضي ماكسين، قال: أخبرنا عبد الوهّاب، فذكر حديثًا.(10/395)
175 - عتيق، أبو بكر المغربيّ الواعظ المعروف بالبكْريّ. [المتوفى: 476 هـ]
كان من غُلاة الأشاعرة ودُعاتهم. هاجر إلى باب نظام المُلْك، فنفق عليه. وكتبَ له كتابًا بأنْ يجلس بجوامع بغداد. فقدم وجلس للوعظ، وذكر ما يُلْطخ به الحنابلة من التّجسيم، وهاجت الفِتَن ببغداد، وكفَّر بعضهم بعضًا. ولمّا همَّ بالجلوس بجامع المنصور، قال نقيب النُّقباء: اصبروا لي حتّى أنقل أهلي من هذه الناحية، لأني أعلم أنّه لا بدّ مِن قتلٍ ونهبٍ يكون.
ثمّ إنّ أبواب الجامع أُغْلِقت سوى بابٍ واحد، فصعِد البكريّ على المِنبر، والأتراك بالقسِيّ والنشّاب حوله، كأنّه حرْب - فنعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن - ولقبوه بعَلم السُّنّة، وأعطوه ذَهَبًا وثيابًا، فتعرَّض لأصحابه قومٌ من الحنابلة، فكُبست دُورُ بني القاضي أبي يَعْلَى، وأُخِذَت كُتُبُهم، ووُجد فيها كتاب الصفات. فكان يقرأ بين يدي البكْريّ وهو على مِنْبر الوعظ، وهو يُشنّع [ص:396] عليهم. وكان عميد بغداد أبو الفتح بن أبي الَّليث، فخرج البكْريّ إلى المُعَسْكر شاكيا منه، فلمّا عاد مرض ومات.
ولمّا تكلَّم بجامع المنصور رَفَع من الإمام أحمد وقال: {وما كفر سليمان ولكنَّ الشَّياطين كفروا} فجاءته حَصَاةً، وأُخرى، فأحسَّ بذلك النّقيب، فكشف عن الأمر، فكانوا ناسًا من الهاشميّين من أصحاب أحمد اختفوا في السُّقوف، فأخذهم فعاقبهم.
مات في جُمَادَى الأولى.
ذكره ابن النّجّار.(10/395)
176 - عليّ بن أحمد بن عبد الله، الأستاذ أبو الحَسَن الطَّبريّ. [المتوفى: 476 هـ]
تُوُفّي في شهر ربيع الآخر.(10/396)
177 - عليّ بن الحسين بن الحَسَن بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن محمد بْن الحَسَن بْن مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنُ بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب الحسنيّ أبو طالب الهَمَذانيّ. [المتوفى: 476 هـ]
قال شيرُوَيْه: وحيد زمانه في الفضل والخُلُق، وطراز البلد. روى عن جدّه لأمّه أبي طاهر الحسين بن عليّ بن سَلَمة، وأبي منصور القُومسانيّ، وعبد الله بن حسّان، ورافع بن محمد القاضي، وأبي بكر عبد الله بن أحمد بن بَيْهَس.
ورحل فسمع بَنْيسابور من أبي سعْد الفضل بن عبد الرحمن بن حمدان النَّضروييّ، وأبي حفص بْن مسرور، وأبي الحُسَيْن عَبْد الغافر الفارسيّ. وسمع بأصبهان من ابن ريذة، وعبد الكريم بن عبد الواحد الحَسْنَابَاذيّ، وأحمد بن محمد بن النُّعمان، وعامة أصحاب ابن المقرئ. وسمع بالدَّينور من أبي نصر أحمد بن الحسين بن بوّان الكسّار، وعامّة مشايخ زمانه. سمعتُ منه واستمليتُ عليه. وكان صدوقًا، حسن لخلق، خفيف الرُّوح، كريم الطَّبع، ملجأ أصحاب الحديث، أديبًا، فاضلًا، من أدباء وقته.
وُلِد سنة إحدى وأربعمائة، وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى، ودُفن في داره.(10/396)
178 - علي بن عبد الله بن سعيد، أبو الحَسَن النَّيسابوريّ، التّاجر الحنفيّ الفقيه. [المتوفى: 476 هـ][ص:397]
شيخ ثقة، سمع الكثير من أصحاب الأصمّ. وتُوُفّي في عاشر رجب، وله خمسُ وثمانون سنة.(10/396)
179 - عَمْر بن عَمْر بن يونس بن كُرَيِب، أبو حفص الأصبحيّ السَّرقسطيّ. [المتوفى: 476 هـ]
نزيل طُلَيْطُلة.
روى عن عليّ بن موسى بن حزب الله، ويحيى بن محارب، وأبي عَمْرو الدّانيّ، وخَلَف بن هشام العَبْدريِ القاضي.
وكان فاضلًا ثقة، عمَّر وأسنّ. قاله ابن بَشْكُوال.(10/397)
180 - عَمْر بن واجب بن عمر بن واجب، أبو حفص البَلَنْسيّ. [المتوفى: 476 هـ]
روى عن أبي عَمْر الطَّلمنكيّ، وسمع من أبي عبد الله ابن الحذّاء صحيح مسلم. وكان صاحب أحكام بَلنْسِيَة. روى عنه حفيده أبو الحَسَن محمد بن واجب بن عَمْر، وأبو عليّ بن سكَّرة.(10/397)
181 - فَرَج، مولى سيّد بن أحمد الغافقيّ الكُتُبيّ، أبو سعيد الطُّليطليّ. [المتوفى: 476 هـ]
حجّ وسمع أبا ذر الهَرَويّ، وكان صالحًا ثقة. رَوَى عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه المعدّل، وغيره.(10/397)
182 - محمد بن أحمد بن عَمْر بن شَبُوَيْه، أبو نصر الأصبهاني التاجر. [المتوفى: 476 هـ]
سمع بَنْيسابور من أبي بكر الحِيَريّ، وأبي سعيد الصَّيرفيّ. روى عنه الرٌّستميّ، ومسعود الثقفيّ.
تُوُفّي في المحرَّم.(10/397)
183 - مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل، أبو طاهر بن أبي الصَّقر اللّخْميّ الأنباريّ الخطيب. [المتوفى: 476 هـ]
له مشيخة في جزءين، سمعناها، وله رحلة إلى الشّام، والحجاز، [ص:398] ومصر، وسمع عبد الرحمن بن أبي نصر التّميمي، وأبا نصر بن الجبّان، وأبا عبد الله بن نظيف، ومحمد بن الحُسَين الصَّنعانيّ، وإسماعيل بن عَمْرو الحدّاد المصريّ، وعبد الوهّاب المُرّيّ، وأبا العلاء بن سُليمان المَعَري، وأبا محمد الجوهريّ، وصلة بن المؤمل المصريّ.
وكان دخوله إلى مصر سنة ثلاثٍ وعشرين. وأكبر شيوخه ابن أبي نصر.
روى عنه أبو بكر الخطيب، وعبد الله بن عبد الرّزّاق بن الفُضَيل، وإسماعيل بن أحمد السِّمرقنديّ، وأبو الفتح محمد بن أحمد الأنباريّ الخلاّل، وعبد الوهّاب الأنماطيّ، والحافظ ابن ناصر، وموهوب بن أحمد ابن الْجَوَالِيقيّ. وآخر من روى عنه أبو بكر ابن الزّاغونيّ.
ولد سنة ستًّ وتسعين وثلاثمائة.
قال السّمعانيّ: سمعتُ خليفة بن محفوظ بالأنبار يقول: كان ابن أبي الصَّقر صوامًا قوَّامًا. سأله بعض النّاس: كم مسموعات الشّيخ؟ قال: وقر جملٍ، سوى ما شذّ عنّي. قال خليفة: وكان قد أصيب ببعضها.
وقال السّمعانيّ: سمعتُ خطيب الأنبار أبا الفتح ابن الخلّال يقول: خرج شيخنا ابن أبي الصَّقر إلى الرحلة قبل سنة ثمان عشر وأربعمائة.
وله شعرٌ، فمنه:
حبيبٌ خصَّ بالكَرَم ... إمام الحُسَن في الأُممِ
بوجه نور جوهره ... يريك البدرَ في الظُّلم
مهذَّبة خلائقُهُ ... شُمًّا بالأصل والشِّيمِ
حلفتُ على الوِدادِ لهُ ... بربّ البيتِ والحَرمِ
لأنتَ أعزّ مِن بَصَري ... عليَّ وكلّ ذِي رحِمِ
فقال: لك الوفاء بِذا ... ولو لم تأت بالقسم
توفّي بالأنبار فِي جُمَادَى الآخرة.(10/397)
184 - محمد بْن أَحْمَد بْن الحَسَن بن جَرْدة، أبو عبد الله العكبريُّ التّاجر. [المتوفى: 476 هـ][ص:399]
كان رأسماله نحو مائتي درهم يتَّجر بها من عُكْبرا إلى بغداد، فاتَّسعت عليه الدنيا، إلى أن ملك ثلاثمائة ألف دينار. وصاهَرَ أبا منصور بن يوسف على بنته، وبنى دارًا عظيمة في غاية الكِبَر والحُسن، واتَّخذ لها بابين، وعلى كلّ باب مسجد. ولمّا دخل البساسيريُّ بغداد بذل لقُرَيش بن بدران عشرة آلاف دينار حتّى حمى داره، واختفت عنده زوجة السّلطان طُغرُلْبَك، فلمّا قدِم طُغْرُلْبَك بغداد جاء إلى داره متشكرًا.
وله برٌّ معروف، وأوقاف، وآثار جميلة. روى شعرًا عن الوزير أبي القاسم ابن المغربيّ. وروى عنه أبو العزّ بن كادش، وغيره.
ومات في عاشر ذي القعدة عن إحدى وثمانين سنة. وكان سِبْط الخيّاط إمام مسجده الكبير.(10/398)
185 - محمد بن أحمد بن علّان، أبو الفَرَج الكَرَجيّ، ثمّ الكوفيّ. [المتوفى: 476 هـ]
ثقة، مُسْند، مشهور، روى عن أبي الحسن ابن النّجّار، وأبي عبد الله الهروانيّ.
كتب عنه أبو الغنائم النَّرسيّ، وغيره. وآخر من بقي من أصحابه أبو الحسن بن غبرة الذي أجاز لكريمة.
قال النَّرسيّ: كان ثقة، من عدول الحاكم. تُوُفّي في شعبان.(10/399)
186 - محمد بن الحسن بن محمد بن القاسم بن المنثور، أبو الحسن الجهني الكوفي. [المتوفى: 476 هـ]
من الرؤساء لكنه سيء المعتقد، شيعي. وهو آخر من حدَّث عن محمد بن عبد اللَّه الْجُعْفيّ الهَرَوانيّ. تُوُفّي في شعبان. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وعَمْر بن إبراهيم الحُسَيْنيّ، ومحمد بن طُرْخان.
وعاش اثنتين وثمانين سنة.(10/399)
187 - محمد بن الحسين، أبو بكر البغداديّ البنّاء. ويعرف بأخي قبيدة، بالضّمّ وبموحّدة. [المتوفى: 476 هـ]
سمع البرقانيّ، وأبا عليّ بن شاذان. وعنه إسماعيل، وعبد الله ابنا [ص:400] السَّمرقنديّ. وكان مقرئًا خيرًا. مات في شهر رجب، ذكره ابن نقطة.(10/399)
188 - محمد بن شُرَيْح بن أحمد بن محمد بن شُرَيْح، أبو عبد الله الرُّعينيّ الإشبيليّ المقرئ، [المتوفى: 476 هـ]
مصنَّف كتاب الكافي، وكتاب التّذكير، وخطيب إشبيلية.
كان من جلَّة المقرَّئين في زمانه بالأندلس. رحل وحجّ، وسمع من أبي ذرَّ الهَرَويّ، وأجاز له مكّيّ القَيْسيّ.
وسمع بمصر من أبي العبّاس بن نفيس، وأبي القاسم الكحّال؛ وبإشبيلية من عثمان بن أحمد القيشطاليّ. وقرأ بالروايات بمكّة على القنطريّ، وبمصر على ابن نفيس.
روى عنه ابنه الخطيب أبو الحَسَن شُرَيْح، وقال: تُوُفّي عصر يوم الجمعة الرابع من شوّال، وله أربع وثمانون عامًا إلاّ خمسة وخمسين يومًا.(10/400)
189 - محمد بن طلحة بن محمد، أبو سعد الْجُنَابَذِيّ النَّيسابوريّ التّاجر. [المتوفى: 476 هـ]
سمع من أصحاب الأصمّ، وسمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطُّبيز.
روى عنه عبد الغافر بن إسماعيل، وقال: كان صالحًا ثقة كثير البرّ.
روى عنه بالإجازة وجيه الشحاميّ.(10/400)
190 - محمد بن عليّ بن أَحْمَد بن الحسين، أبو الفضل السَّهلكيّ البسْطاميّ الفقيه. [المتوفى: 476 هـ]
شيخ الصُّوفية. له الأصحاب والتصانيف في الطّريق. سمع أبا بكر الحِيريّ، وغيره، وحدَّث بنيسابور.
وقيل: توفّي سنة سبع وسبعين، فالله أعلم.(10/400)
191 - يوسف بن سُليمان بن عيسى، أبو الحَجَّاج الأندلسيّ النَّحويّ المعروف بالأَعْلَم، [المتوفى: 476 هـ]
من أهل شَنْتَمَريّة. [ص:401]
رحل إلى قُرْطُبة في سنة ثلاثٍ وثلاثين، وأتى أبا القاسم إبراهيم بن محمد الإفْلِيليّ فلازمه، وأخذ عن أبي سهل الحَرّانيّ، ومسلم بن أحمد الأديب.
وكان عالما باللُّغات والإعراب والمعاني، واسع الحفظ، جيد الضَّبط، كثير العناية بهذا الشأن. اشتهر اسمه، وسار ذكره. وكانت الرحلة إليه في وقته. أخذ عنه أبو علي الغساني، وطائفة كبيرة.
وكف بصره في آخر عمره، وكان مشقوق الشَّفة العليا شقا كبيرا. توفي بإشبيلية، وله ستٌّ وستّون سنة.
قال أبو الحسن شريح بن محمد: توفي أبي في منتصف شوال فأتيت أبا الحجاج الأعلم فأعلمته بموته، فإنهما كانا كالأخوين، فانتحب وبكى، وقال: لا أعيش بعده إلاّ شهرًا. فكان كذلك.(10/400)
192 - أبو الخطاب الصّوفيّ، هو أحمد بن عليّ بن عبد الله المقرئ البغداديّ المؤدَّب. [المتوفى: 476 هـ]
أحد الحذَّاق، قرأ القراءات على الحمّاميّ. وله قصيدة مشهورة في السُّنَّة، رواها عنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ. وقصيدة في آي القرآن، رواها عنه قاضي المَرِسْتان. قرأ عليه: هبة الله ابن المجليّ، والخطيب أبو الفضل محمد بن المهتدي بالله.
قال أبو الفضل بن خَيْرون: كان عنده عن ابن الحمّاميّ السّبعةُ تلاوةً.
وقال شُجاع الذَّهليّ: كان أحد الحفّاظ للقرآن المجودَّين. يذكر أنه قرأ بالرّوايات على الحمّاميّ، ولم يكن معه خطٌّ بذلك، فأحسن النّاسُ به الظّنّ، وصدّقوه، وقرؤوا عليه. مات في رمضان سنة ستّ؛ وكذا ورّخه ابن خَيْرُون، ووُلِد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.(10/401)
-سنة سبع وسبعين وأربعمائة(10/402)
193 - أحمد بن الحسين بن محمد بن محمد، أبو الحسين البغداديّ العطّار. [المتوفى: 477 هـ]
سمع أبا الحَسَن بن رزقُوَيْه، وأبا الفضل عبد الواحد التّميميّ، وأبا القاسم الحرفيّ. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهّاب ابن الأنماطيّ، وأثنى عليه عبد الوهّاب، ووصفه بالخير، وقال: ما كان يعرف شيئًا من الحديث.
ولد سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة، ومات في سادس ذي القعدة.(10/402)
194 - أحمد بن عبد الرحمن بن محمد، أبو الحسين النَّيسابوريّ الكيّاليّ المقرئ. [المتوفى: 477 هـ]
سمع أبا نصر محمد بن عليّ بن الفضل الخُزاعيّ صاحب محمد بن الحسين القطّان. روى عنه إسماعيل بن أبي صالح المؤذن.(10/402)
195 - أحمد بن عبد العزيز بن شيبان، أبو الغنائم بن المُعَافَى التّميميّ الكرخيّ. [المتوفى: 477 هـ]
سمع أبا الحسين بن بِشْران، وأبا محمد السُّكَّريّ. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.
مات في ربيع الأول.(10/402)
196 - أحمد بن محمد بن الفضل، أبو بكر الفَسَويّ، [المتوفى: 477 هـ]
نزيل سَمَرقند.
كان إمامًا ذا فنون وورع وديانة، سمع أبا نُعَيم الحافظ، وأبا بكر الحِيريّ، ومحمد بن موسى الصَّيرفيّ، والحسين بن إبراهيم الجمّال.
مات في رمضان عن بضعٍ وسبعين سنة، روى عنه بالإجازة أحمد بن الحسين الفراتيّ.(10/402)
197 - أحمد بن محمد بن عبد الله الأصبهاني البقّال. [المتوفى: 477 هـ]
تُوُفّي في رجب.(10/403)
198 - أحمد بْن محمد بْن رِزْق بن عبد الله، أبو جعفر القرطبيّ، الفقيه المالكيّ. [المتوفى: 477 هـ]
تفقّه بابن القطّان، وأخذ عن أبي عبد الله بن عتاب، وأبي شاكر بن موهب، وابن يحيى المرييّ. ورحل إلى ابن عبد البر فسمع منه.
وكان فقيها، حافظا للرأي، مقدّمًا فيه، ذاكرًا للمسائل، بصيرًا بالنّوازل.
كان مدار طلبة الفقه بقرطبة عليه في المناظرة والتَّفقُّه، نفع الله به كلَّ من أخذ عنه. وكان صالحا، دينا، متواضعا، حليما. على هدى واستقامة؛ وصفه بذلك ابن بشكوال، وقال: أخبرنا عنه جماعة من شيوخنا، ووصفوه بالعلم والفضل.
وقال عياض القاضي: تخرّج به جماعة كأبي الوليد بن رُشْد، وقاسم بن الأصْبَغ، وهشام بن أحمد شيخنا.
وذكره أبو الحَسَن بن مغيث، فقال: كان أذْكى مَن رأيت في علم المسائل، وألْيَنَهُم كلمةً، وأكثَرَهُم حرصا على التّعليم، وأنفعهم لطالب فرُع، على مشاركةٍ له في علم الحديث.
توفّي ابن رزق فجاءةً في ليلة الإثنين لخمسٍ بقين من شوّال، وكان مولده سنة سبعٍ وعشرين وأربعمائة.(10/403)
199 - أحمد بن المحسِّن بن محمد بن علي بن العبّاس، أبو الحَسَن بن أبي يَعْلَى البغداديّ العطّار الوكيل. [المتوفى: 477 هـ]
أحد الدُّهاة المتبحّرين في علم الشُّروط والوثائق والدَّعاوى، يُضرب به المثل في التّوكيل.
قال أبو سعْد السّمعانيّ: سمعتُ محمد بن عبد الباقي الأنصاريّ يقول: طلّق رجل امرأته، فتزوَّجت بعد يوم، فجاء الزوج إلى القاضي أبي عبد الله ابن البيضاويّ، فطلبها القاضي ليشهِّرها، فجاءت إلى ابن المحسّن الوكيل، وأعطته مبلغًا، فجاء إلى القاضي، فقال: الله الله، لا يسمع النّاس. فقال: أين العدّة؟ [ص:404] قال: كانت حاملًا فوضعت البارحة ولدًا ميتًا، أفلا يجوز لها أن تتَّزوج.
قال عبد الوهّاب الأنماطيّ: كان صحيح السّماع، قبيح الأفعال والحيْل.
قلت: روى عن أبي القاسم الحرفيّ، وأبي عليّ بن شاذان، ومحمد بن سعيد بن الرُّوزبهان. وقرأ القرآن على أبي العلاء الواسطيّ، وأقرأ مدّة. روى عنه مكّيّ الرُّميليّ، وإسماعيل ابن السمرقندي، ويحيى ابن الطّرّاح، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.
تُوُفّي في رجب. وولد في سنة إحدى وأربعمائة.
وأبوه اسمه المحسّن عند ابن السّمعانيّ، والحسين عند ابن النّجّار، فلعلّهما إسمان، واتفقت وفاتهما في سنةٍ واحدة. ويقوّي أنّهُما اثنان اختلاف كُنْيتهما ونسبهما، وأنّ كنية أحمد بن الحسين أبو الحسين، وأنّ اسم جدّه محمد بن محمد بن سلمان، وأنّه ليس بوكيل، وأنّه مات في ذي القعدة، وغير ذلك.(10/403)
200 - إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل ابن الإمام أَبِي بَكْر أحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن إِسْمَاعِيل، المفتي أبو القاسم الإسماعيليّ الْجُرْجانيّ. [المتوفى: 477 هـ]
صدر محتشم، نبيل القدر، تامّ المروءة، واسع العِلْم، صدوق. كان يعِظُ ويُمْلي على فهمٍ ودراية. وحدَّث ببلاد كثيرة. وكان عارفًا بالفقه، مليح الوعْظ، له يدٌ في النَّظم والنَّثر والتَّرسُّل، حدَّث بكتاب الكامل وبالمعجم لابن عَدِيّ، وبتاريخ جُرْجان. سمع أباه، وعمّه المُفَضَّل، وحمزة السَّهميّ، والقاضي أبا بكر محمد بن يوسف الشالنجي، وأحمد بن إسماعيل الرَّباطيّ، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ زاهر ووجيه ابنا الشحامي، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأبو سعد أحمد بن محمد البغداديّ، وإسماعيل ابن السمرقندي، وأبو منصور بن خيرون، وأبو الكرم الشهرزوري، وأبو البدر الكرخي، وآخرون.
ولد في سنة سبعٍ وأربعمائة.
قال إسماعيل ابن السَّمرقنديّ: سمعت ابن مسعدة يقول: سمعت حمزة بن يوسف يقول: سمعتُ أبا بكر الإسماعيليّ يقول: كتْبه الحديث رقّ الأبد. [ص:405]
توفّي ابن مسعدة بجرجان.(10/404)
201 - بيبي بنت عبد الصّمد بن عليّ بن محمد، أم الفَضل، وأم عزَّى الهرثميَّة الهَرَويّة، [المتوفى: 477 هـ]
راوية الجزء المنسوب إليها.
عن عبد الرحمن بن أبي شُرَيْح صاحب البغويّ، وابن صاعد.
توفيت في هذا العام أو في الذي بعده، وقد كمَّلت التسعين وتعدَّتها؛ روى عنها ابن طاهر المقدسي، ووجيه الشحامي، وأبو الوقت السِّجزيّ، وعبد الجليل بن أبي سعد الهروي وهو آخر من روى عنها.
قال أبو سعد السَّمعانيّ: هي من أهل بخشة، قرية على أربعة فراسخ من هراة، صالحة عفيفة. عندها جزء من حديث ابن أبي شريح تفرَّدت بروايته في عصرها.
سمع منها عالمٌ لا يُحصون. وكانت ولادتها في حدود سنة ثمانين وثلاثمائة.
قال: وماتت في حدود خمسٍ وسبعين بهراة، روى لنا عنها أبو الفتح محمد بن عبد الله الشيرازيّ، وعبد الجبّار بن أبي سعْد الدّهّان، وجماعة.
قلت: وقد روى أبو عليّ الحدّاد في معجمه، عن ثابت بن طاهر الهَرَويّ، عن بيبي الهرثمية.
وَقَدْ أَدْخَلَ بَعْضُ الْمُتَفَضِّلِينَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي رَوَتْهُ حَدِيثًا مَوْضُوعًا، رَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ أَخِي مِيمِيٍّ، عَنِ الْبَغَوِيِّ؛ أَخْبَرْنَاهُ أَبُو الحسين اليونينيّ، وأبو عبد الله بن النحاس النَّحويّ، وآخرون أنّ أبا المنجَّى ابن اللُّتّيّ أخبرهم، وأخبرناه أبو المعالي الأبرقوهيّ، قال: أخبرنا زكريا العلبيّ؛ قالا: أخبرنا عبد الأوّل السِّجزيّ. (ح). وأخبرنا يحيى بن أبي منصور إجازةً، قال: أخبرنا عبد القادر الحافظ، قال: أخبرنا عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ أَبِي سَعْدٍ الْمُعَدَّلُ، قَالَا: أخبرتنا بيبى، قالت: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح، قال: حدثنا عبد الله البغويّ، قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبير - وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ - عَنْ جَابِر قال: بينا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ دَخَلَ أَبُو بكر وعمر من بَعْضِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، مَعَهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ يتمارون، وقد ارتفعت أصواتم، يردّ بعضهم [ص:406] عَلَى بَعْضٍ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " مَا الَّذِي كُنْتُمْ تُمَارُونَ قَدِ ارْتَفَعَتْ فِيهِ أَصْوَاتُكُمْ وَكَثُرَ لَغَطُكُمْ "؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَيْءٌ تكلَّم فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَاخْتَلَفَا، فَاخْتَلَفْنَا لاخْتِلَافِهِمْ.
فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: فِي الْقَدَرِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُقَدِّرُ اللَّهُ الْخَيْرَ، وَلَا يقدَّر الشَّرَّ. وَقَالَ عُمَرُ: يُقَدِّرُهُمَا جَمِيعًا.
فَقَالَ: أَلَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا فِيهِ بِقَضَاءِ إِسْرَافِيلَ بَيْنَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ مَقَالَةَ عُمَرَ، وَقَالَ مِيكَائِيلُ مَقَالَةَ أَبِي بَكْرٍ؛ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ.
تأملتُ هذا الحديث يومًا فإذا هو يشبه أقوال الطُّرقيّة، فجزمت بوضعه، لكونه بإسنادٍ صحيح. ثمّ سألت شيخنا ابن تيمية عنه، فقال: هذا الحديث كذب، فأكتُب على النُّسخ أنّه موضوع.
قلت: والظّاهر أنّ بعض الكذابين أدخله على البغويّ لمّا شاخ وانهرم.
وأمّا ابن الجوزيّ فقال في الموضوعات: المتَّهم به يحيى بن زكريّا، قال ابن مَعِين: هو دجّال هذه الأمّة.(10/405)
202 - ثابت بن أحمد بن الحسين، أبو القاسم البغداديّ. [المتوفى: 477 هـ]
قدِم دمشق من بغداد حاجًّا، وذكر أنّه سمع أبا القاسم بن بِشْران، وأبا ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ، ومحمد بن جعفر الميماسيّ. روى عنه الفقيه نصر المقدسي، وأحمد بن حسين سبط الكامليّ.
قال غَيْث الأرمنازيّ: قدِم علينا وذكر أنّه سمع من عبد الملك بن بشران وأبي ذرّ. وأجاز لنا في ربيع الأوّل سنة سبعٍ وسبعين، وانّ مولده في أوّل سنة إحدى وأربعمائة.
وروى نصر في أماليه، أنّ ثابتًا هذا حدّثه أنه شاهد رجلًا أذّن بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عند قبره صلى الله عليه وسلم للصبح، وقال في الأذان: الصّلاة خير من النوم، فجاء بعض خَدَم المسجد فلطمَهُ، فبكى الرجل وقال: يا رسول الله، في حضْرتك يُفعل بي هذا! ففُلِج الخادم في الحال، فحملوه إلى بيته، فمات بعد ثلاثٍ.(10/406)
203 - الحسين بن أحمد بن عليّ ابن البقال، أبو عبد الله الأزجيّ، الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 477 هـ]
تلميذ أبي الطّيّب الطَّبريّ.
علّامة مدقّق، زاهد متعبد. وُلْي قضاء الحريم مدّة. ودرَّس وأفتى. وحدَّث عن عبد الملك بن بشْران.
تُوُفّي في شعبان عن ستَّ وسبعين.(10/407)
204 - الحسين بن عثمان بن أبي بكر النَّيسابوريّ. [المتوفى: 477 هـ]
حدَّث عن عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ، وغيره. وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(10/407)
205 - الحسين بن محمد بن الحسين، أبو الغنائم ابن السّراج الشّاذانيّ. [المتوفى: 477 هـ]
بغداديّ، سمع من عبد الله بن يحيى السُّكَّريّ. روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وله سميٌّ في الطّبقة الآتية.(10/407)
206 - خَلَف بن إبراهيم بن محمد، أبو القاسم القيسيّ الطُّليطليّ، [المتوفى: 477 هـ]
نزيل دانِية.
قرأ على أبي عمرو الدّاني، وأقرأ النّاس.
مات في ربيع الأوّل.(10/407)
207 - طاهر بن هشام بن طاهر، أبو عثمان الأزْديّ، الفقيه المالكيّ الأندلسيّ، [المتوفى: 477 هـ]
مفتي المَرِيّة.
روى عن المهلب بن أبي صُفْرة، ورحل وأخذ عن أبي عمران الفاسيّ، وأبي ذر الهَرَويّ.
قال ابن بشكوال: أخبرنا عنه جماعة من شيوخنا، وقيل: إنّه عاش ستًّا وثمانين سنة.(10/407)
208 - عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن، الإمام أبو سعد ابن القشيريّ، النيسابوري. [المتوفى: 477 هـ]
كان أكبر أولاد الشّيخ، وكان كبير الشأن في السُّلوك والطريقة، ذكيا أصوليا، غزير العربيّة.
سمع أبا بكر الحِيري، وأبا سعيد الصَّيرفيّ، وهذه الطّبقة. ومولده سنة أربع عشرة وأربعمائة، وقدم بغداد مع أبيه، وسمع من أبي الطَّيِّب الطَّبريّ، وأبي محمد الجوهريّ.
قال السّمعانيّ: كان رضيع أبيه في الطريقة، وفخر ذويه وأهله على الحقيقة. ثمّ بالغ في تعظيمه في التَّصوُّف، والأصول، والمناظرة، والتفسير.
قال: وكانت أوقاته ظاهرًا مستغرقًا في الطّهارة والاحتياط فيها، ثمّ في الصلوات والمبالغة في وصل التّكبير، وباطنًا في مراقبة الحقّ، ومشاهدة أحكام الغيب. لا يخلو وقته عن تنفُّس الصُّعداء وتذكر البُرَحاء، وترنُّم بكلامٍ منظومٍ أو منثور، يُشعرُ بتذكر وقتٍ مضى، وتأسُّفٍ على محبوب مَرّ وانقضى. وكان أبوه يعاشره معاشرة الإخْوة، وينظر إلى أحواله بالحُرمة.
روى عنه ابن أخته عبد الغافر بن إسماعيل الفارسيّ، وابن أخيه هبة الرحمن، وعبد الله ابن الفُرَاويّ، وعائشة بنت أحمد الصّفّار، وجماعة.
وذكر عبد الغافر أنّ خاله أصابته علّة احتاج في معالجتها إلى الأدوية الحارّة، فظهر به علّةٌ من الأمراض الحادّة، وامتدّت مدّة مرضه ستة أشهر، إلى أن ضعف ومات في سادس ذي القعدة قبل أمّه بأربع سنين، وهي فاطمة بنت الدّقّاق.
قال عبد الغافر: هو أكبر الإخوة، من لا ترى العيون مثله في الدُّهور، ذو حظًّ وافر في العربيّة، وحصّل الفقه، وبرع في علم الأصول بطبْع سيّال، وخاطر إلى مواقع الإشكال ميّال، سباق إلى درَك المعاني، وقاف على المدارك والمباني. وأمّا علوم الحقائق فهو فيها يشقّ الشَّعر.
قلت: وطوّل ترجمته.(10/408)
209 - عبد الرحمن بن محمد بن عفيف، أبو منصور البّوشنجيّ الهَرَويّ، المعروف بكلاّريّ. [المتوفى: 477 هـ][ص:409]
سمع عبد الرحمن بن أبي شُرَيْح، وقيل: إنّه آخر من روى عنه.
روى عنه أبو الوقت، ووجيه الشّحّاميّ، وأبو عليّ الحسن بن محمد بن محمد بن السَّنجبستيّ، ومحمد وفضيل ابنا إسماعيل الفُضَيْليّان، وضحاك بن أبي سعْد الخباز، وزهير بن عليّ بن زهير الجذاميّ السرَّخسيّ، وعبد الجليل بن أبي سعْد.
وقع لنا من طريقه بعُلُوّ حكايات شُعْبة للبَغَويّ. وكان صالحًا معمَّرًا. مات في رمضان ببُوشَنْج.(10/408)
210 - عبد السيد بْنِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْوَاحِدِ بْن أَحْمَد بْن جعفر ابن الصّبّاغ، الفقيه أبو نصر البغداديّ الشّافعيّ، [المتوفى: 477 هـ]
فقيه العراق، ومصِّنف كتاب الشامل.
كان يقدَّم على الشّيخ أبي إسحاق في معرفة المذهب.
ذكره السّمعانيّ فقال: ومن جملة التّصانيف الّتي صنفّها: الشّامل، والكامل، وتذكرة العالم والطريق السالم.
قال: وكان يضاهي أبا إسحاق. وكانوا يقولون: هو أعرف بالمذهب من أبي إسحاق. وكانت الرحلة إليهما في المختلف والمتفق.
قال: وكان أبو نصر ثبتا حجة دينًِّا خيرا. ولي النظامية بعد أبي إسحاق، وكفَّ بصره في آخر عمره. وحدَّث بجزء ابن عرفة، عن محمد بن الحسين القطّان.
وسمع أيضًا أبا عليّ بن شاذان. روى لنا عنه ابنه أبو القاسم عليّ، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو نصر الغازي، وإسماعيل بن محمد بن الفضل، وغيرهم.
ومولده في سنة أربعمائة.
وقال ابن خلَّكان: كان تقيا، صالحًا، له كتاب الشّامل، وهو من أصحّ كُتُب أصحابنا، وأثبتها أدِلةً. درَّس بالنظامية ببغداد أوّل ما فتحت، ثمّ عُزِل بأبي إسحاق بعد عشرين يومًا. وذلك في سنة تسعٍ وخمسين وأربعمائة.
وكان النّظّام أمر أن يكون المدرَّس بها أبو إسحاق، وقرروا معه أن يحضر في هذا اليوم للتدريس، فاجتمع النّاسُ، ولم يحضر أبو إسحاق، فطلب، فلم يوجد، فأُرسل إلى أبي نصر وأحضِر، ورتَّب مدرَّسها، وتألم أصحاب أبي [ص:410] إسحاق، وفَتَرُوا عن حضور درسه، وراسلوه أنّه إنْ لم يدرس بها لزِموا ابن الصّبّاغ وتركوه، فأجاب إلى ذلك، وصُرف ابن الصّبّاغ.
قال شجاع الذُّهليّ: توفّي أبو نصر ابن الصَّبَّاغ في يوم الثّلاثاء ثالث عشر جُمَادَى الأولى، ودفن من الغد في داره بدرب السَّلوليّ.
قال ابن السّمعانيّ: ثمّ نُقِل إلى مقابر باب حرب، وقد درس بعد أبي إسحاق سنة، ثمّ عُزِل أيضًا وعَمِي.(10/409)
211 - عبد الوهّاب بن عليّ بن عبد الوهّاب البغداديّ السُّكّريّ البزاز المعروف بابن اللَّوح. [المتوفى: 477 هـ]
سمع من هلال الحفّار. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي.
وتوفّي في رمضان وله ست وسبعون سنة، وسمع من أبي أحمد الفرضيّ أيضًا.(10/410)
212 - عليّ بن أحمد بن عبد العزيز بن طنيز، أبو الحَسَن الأنصاريّ المَيُورْقيّ الأندلسيّ. [المتوفى: 477 هـ]
حكى عن أبي عَمْر بن عبد البرّ، وغيره. وسمع بدمشق من عبد العزيز الكتّانيّ، وابن طلّاب.
وكان من علماء اللغة والنَّحو، دينًا، فاضلًا، فقيهًا، عارفًا بمذهب مالك. كتبَ بصور عامَّة تصانيف أبي بكر الخطيب وحصلها.
وحدَّث بالقُدس، والبحرين، وبغداد، حكى عنه شيخاه الخطيب، والكتّانيّ، وعمر الرُّواسيّ، وأثنى عليه الحافظ ابن ناصر، وقال: انحدر إلى البصرة وتُوُفّي بها، وقال: سمعتُ أبا غالب محمد بن الحَسَن الماوَرْديّ يقول: قدِم علينا أبو الحَسَن سنة تسعٍ وستين، فسمع السَّنن من أبي عليّ التُّستريّ، وأقام عنده نحوًا من سنتين، ثمّ ذهب بعد ذلك إلى عُمان، والتقيتُ به بمكّة في سنة ثلاثٍ وسبعين. وأخبرني أنّه ركبَ البحر إلى بلاد الزَّنج، وكان معه من العلوم أشياء، فما نفق عندهم إلّا النَّحو، وقال: لو أردت أن أكسب منهم آلافًا لأمكن ذلك، وقد حصل لي نحوٌ من ألف دينار، وأسِفوا على خروجي من عندهم.
ثمّ إنّه عاد إلى البصرة على أن يقيم بها، فلمّا وصل إلى باب البصرة وقع عن الجمل، فمات بعد رجوعه من الحجّ. [ص:411]
وقال ابن عساكر: حدثنا عنه هبة الله ابن الأكفانيّ ووثقه.
قلت: وذكر وفاته هبة الله في هذه السُّنّة. وأما ابن السّمعانيّ وغيره فقالوا: تُوُفّي سنة أربعٍ وسبعين، وهو أشبْه.(10/410)
213 - عليّ بن محمد، أبو الحَسَن الغَزْنَويّ. [المتوفى: 477 هـ]
ولي قضاء دمشق في أيام تاج الدّولة تُتُش بن ألْب أرسلان. وفي هذه السّنة ضُرِب وسجن، وولي القضاء نجم القُضاة.
ذكره ابن عساكر مختصرًا.(10/411)
214 - الفضل بن محمد، أبو عليّ الفارَمْذِيّ. [المتوفى: 477 هـ]
تُوُفّي في شهر ربيع الآخر. وكان شيخ الصَّوفيّة في زمانه.
ذكره عبد الغافر فقال: هو شيخ الشّيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير التّي لم يُسبق إليها في عبارته وتهذيبه، وحسن أدائه، ومليح استعارته، ودقيق إشارته، ورقة ألفاظه، ووقع كلامه في القلوب.
دخل نَيْسابور، وصحب زينَ الإسلام القُشَيْريّ، وأخذ في الاجتهاد البالغ. وكان ملحوظًا من الإمام بعين العناية، موفرًا عليه منه طريقة الهداية. وقد مارس في المدرسة أنواعًا من الخدمة، وقعد سنين في التّفكر، وعَبَر قناطر المجاهدة، حتّى فُتِح عليه لوامع من أنوار المشاهدة.
ثمّ عاد إلى طُوس، واتصل بالشيخ أبي القاسم الكركانيّ الزّاهد مصاهرةً، وصُحبةً، وجلس للتذكير، وعفّى على من كان قبله بطريقته، بحيث لم يعهد قبله مثله في التذكير. وصار من مذكّري الزّمان، ومشهوري المشايخ. ثمّ قدِم نَيْسابور، وعقد المجلس، ووقع كلامه في القلوب، وحصل له قبول عند نظام المُلْك خارج عن الحدّ، وكذلك عند الكبار. وسمعتُ ممّن أثق به أنّ الصّاحب خدمه بأنواع من الخدمة، حتّى تعجَّب الحاضرون منه.
وكان ينفق على الصوفية أكثر ما يفتح له به. وكان مقصدًا من الأقطار للصُّوفيّة.
وكان مولده في سنة سبعٍ وأربعمائة، وسمع من أبي عبد الله بن باكويه، [ص:412] وأبي حسّان المزكّى، وأبي منصور البغداديّ، وابن مسرور، وجماعة.
روى عنه عبد الغافر، وعبد الله بن عليّ الخركوشيّ، وعبد الله بن محمد الكوفيّ العلويّ، وأبو الخير جامع السّقّاء، وآخرون.(10/411)
215 - أبو الفضل ابن القاضي أبي بكر أحمد بن الحَسَن بن أحمد الحيريّ. [المتوفى: 477 هـ]
تُوُفّي فِي صفر.(10/412)
216 - مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن إبراهيم بن سلمة، أبو الطّيِّب الأصبهاني. [المتوفى: 477 هـ]
عن أبي عليّ الحَسَن بن عليّ بن أحمد البغداديّ. وعنه الحافظ أبو سعْد البغداديّ، وأبو القاسم الطّلْحيّ، وأبو الخير الباغبان، وآخرون.
حدَّث في ذي الحِجّة من السنة، وانقطع خبره.(10/412)
217 - مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن محمد بن أحمد بن القاسم، أبو الفضل ابن العلّامة أبي الحَسَن المَحَامليّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 477 هـ]
سمع أَبَا الْحُسَيْن بْن بشران، وأبا علي بن شاذان، وجماعة. أخذ عنه مكّيّ الرُّميليّ، وغيره.
وكان من الأذكياء، مات في رجب عن إحدى وسبعين سنة.(10/412)
218 - محمد بن سعيد بن محمد بن فرُّوخ زاد، القاضي أبو سعيد النَّوقانيّ، الفرخزاديّ الطُّوسيّ. [المتوفى: 477 هـ]
قال السّمعانيّ: فاضل، عالم، سديد السّيرة، مكثر من الحديث، سمع من ابن مَحْمِش، وعبد اللَّه بن يوسف الأصبهاني، والسُّلميّ، ويحيى المُزَكّيّ، وأبي عَمْر البسطاميّ. وسمع من الثعَّلبيّ أكثر تفسيره.
مولده سنة تسعين. وقيل: نيّفٌ وتسعين وثلاثمائة.
حدَّث عنه أبو سعد محمد بن أحمد الحافظ، والعباس بن محمد العصّاريّ، وأحمد بن محمد بن بِشْر النَّوقانيّ، ومحمد بن أحمد بن عثمان النَّوقانيّ، وصخر بن عبيد الطّابَرَانيّ.
تُوُفّي سنة سبعٍ وسبعين. [ص:413]
قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ عَسَاكِرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ ابن السّمعانيّ قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان بنوقان قال: أخبرنا محمد بن سعيد، قال: أخبرنا أبو طاهر بن محمش، قال: أخبرنا صاحب بن أحمد، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المروزيّ، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا مبارك بن فضالة قال: حدَّثنيّ الْحَسَنُ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إِلَى خَشَبَةٍ، فَلَمَّا كَثُرَ النّاس قال: " ابنوا لي منبرًا ". . . الحديث.(10/412)
219 - محمد بن عمّار، أبو بكر المَهْريّ الأندلسيّ، ذو الوزارتين. [المتوفى: 477 هـ]
شاعر الأندلس. كان هو وابن زيدون الأندلسيّ القُرْطُبيّ كَفَرَسَيْ رِهان. وكان ابن عمّار قد اشتمل عليه المعتمِد بن عبّاد، وبلغ الغاية القصوى، إلى أن استوزره، ثمّ جعله نائبًا له على مَرْسِية، فعصى بها على المعتمد، فلم يزل يحتال عليه ويتلطف إلى أن وقع في يده، فذبحه صبرًا بيده، لعصيانه، ولكونه هجا المعتمِد وآباءه، بقوله:
مما يُقَبِّحُ عندي ذِكْر أندلسٍ ... سماعُ معتمدٍ فيها ومُعْتَضِد
أسماءُ مملكةٍ في غير موضعها ... كالهرّ يَحكي انتفاخًا صَوْلَةَ الأسدِ
وقيل: قتله في سنة تسعٍ وسبعين.
ومن شعره:
أَدرِ الزُّجاجة فالنّسيمُ قد انْبَرى ... والنَّجم قد صرف العِنانَ عن السُّرى
والصُّبح قد أهدى لنا كافوره ... لمّا استردّ اللَّيل منّا العنبرا
ومنها:
ملكٌ إذا ازدحم الملوكُ بموردٍ ... ونَحَاهُ لا يردوه حتّى يصدُرا
أنْدَى على الأكباد من قَطْرِ النَّدى ... وأَلَذُّ في الأجفان من سِنة الكرى
قدَّاح زند المجد لا ينفكُّ من ... نار الوَغَى إلًا إلى نار القِرى
جلَّلت رمحك من رؤوس كُمَاتِهِم ... لمّا رأيت الغُصْنَ يُعَشْق مُثِمرًا
والسَّيف أفصحُ من زيادٍ خُطْبةً ... في الحرب إنْ كانت يمينُك مِنْبَرا
وله: [ص:414]
عليَّ وإلّا ما بكاءُ الغمائمِ؟ ... وفيَّ وإلّا ما نِياحُ الحمائمِ؟
وعنيّ أثارَ الرَّعد صَرْخَةَ طالب ... لثأرٍ وهزَّ البرق صفحة صارم
وما لبست زهر النُّجوم حدادها ... لغيري ولا قامت له في مأتم
ومنها:
أبى الله أنْ تَلْقاه إلّا مقلَّدًا ... حَمِيلةَ سيفٍ أو حَمَالَة غارمِ
وقد جال ابن عمّار في الأندلس، ومدح الملوك والرؤساء، حتّى السُّوقة؛ حتّى أنّه مدح رجلًا مرة، فأعطاه مِخلاة شَعِير لحماره، وكان ذلك الرجل فقيرًا. ثمّ آل بابن عمّار الأمرُ إلى أن نفق على المعتمد، ووّلاه مدينة شِلْب، فملأ لصاحب الشعير مِخلاة دراهم، وقال للرسول: قل له: لو ملأتها بُرًا لملأناها تِبْرًا.
ولمّا استولى على مُرْسِية خلع المعتمد، ثمّ عمل عليه أهل مُرْسية فهربَ ولجأ إلى بني هُود بسرَقُسْطَة، فلم يقبلوه، ثمّ وقع إلى حصن شقُّورة فأحسن متولّيه نُزُلَه، ثمّ بعد أيّام قيَّده، ثمّ أُحضر إلى قُرْطُبة مقيِّدًا على بغلٍ بين عِدْلي تبنٍ لِيَراه النّاس. وقد كان قبل هذا إذا دخل قُرْطُبة اهتزت له، فسجنه المعتمد مدَّةً، فقال في السّجن قصائد لو توسل بها إلى الزّمان لنَزَع عن جَوْره، أو إلى الفُلْك لكَفّ عن دَوْره، فكانت رقيً لم تنْجَع، وتمائم لم تنفع، منها:
سجاياكَ - إن عافَيتَ - أنْدى وأسْجحُ ... وعُذرك - إنّ عاقبتَ - أجْلَى وأوْضحُ
وإنْ كان بين الخطَّتين مزيَّة ... فأنتَ إلى الأدْنى من الله تجنح
حنانيك في أخْذي برأيك، لا تُطِعْ ... عِدايَ، ولو أثْنَوا عليك وأفصحوا
أقِلْني بما بيني وبينك مِن رضى ... له نحو روح الله بابٌ مفتَّح
ولا تلتفت قولَ الوشاة ورأيهم ... فكُل إناءٍ بالّذي فيه يَرْشَحُ(10/413)
220 - محمد بن محمد بن أصبغ، أبو عبد الله الأزْديّ القُرْطُبيّ، [المتوفى: 477 هـ]
خطيب قرطبة.
جوَّد القرآن على مكّيّ بن أبي طالب، وأخذ عن حاتم بن محمد، ومحمد بن عتّاب، وجماعة. [ص:415]
وكان فاضلًا، ديّنًا، متواضعًا، مقرئا، كثير العناية بالعِلم، ولا نعلمه حدَّث.(10/414)
221 - محمد بن محمد بن جعفر، أبو الحَسَن النّاصحّي النَّيسابوري الفقيه. [المتوفى: 477 هـ]
كان ديَّنًا ورِعًا فاضلًا، روى عن أصحاب الأصمّ. روى عنه عبد الغافر بن إسماعيل.
يروى عن الحِيريّ، والسُّلميّ، وتفقّه على أبي محمد الجوينيّ.(10/415)
222 - محمد بن محمود بن سَوْرة، الفقيه أبو بكر التّميميّ النَّيسابوريّ، [المتوفى: 477 هـ]
ختن أبي عثمان الصابونيً على ابنته.
سمع ابن مَحْمِش الزياديّ، وأبا عبد الرحمن السُّلميّ. روى عنه زاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ، وجماعة.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، وروى عنه سعيدة بنت زاهر، وعبد الله ابن الفراويّ.(10/415)
223 - مسعود الرَّكّاب الحافظ. [المتوفى: 477 هـ]
قال ابن النّجّار: قدِم بغداد بعد الثّلاثين وأربعمائة، فسمع من بُشْرَى مولى فاتن، وجماعة، وبواسط من أحمد بن المظفّر العطّار.
سمع منه الصُّوريّ، وهو شيخه.
وقال عبد الغافر الفارسيّ: كان متقنًا ورعًا، قصير اليد، زجّى عمره كذلك إلى أن ارتبطه نظام المُلْك بَبْيَهق مدّةً، ثمّ بطُوس للاستفادة منه. وكان يُسمع إلى آخر عمره.
وقال أحمد بن ثابت الطُّرقيّ: سمعت ابن الخاضبة يقول: كان مسعود قدريا. سمعته قرأها: "فحجَّ آدم"، بالنَّصب.(10/415)
224 - مسعود بن ناصر بن أبي زيد عبد الله بن أحمد، أبو سعيد السِّجزيّ الرّكّاب الحافظ. [المتوفى: 477 هـ]
أحد الرّحّالين والحُفّاظ، صنَّف التّصانيف وجمع الأبواب؛ وسمع بسِجِسْتان من أبي الحَسَن عليّ بن بُشْرَى، وأبي سعيد عثمان النُّوقانيّ، وبَهَراة من محمد بن عبد الرحمن الدّبّاس، وسعيد بن العبّاس القُرَشيّ، وأبي أحمد منصور بن محمد بن محمد الأزْديّ، وبنيسابور من أبي حسان محمد بن أحمد المزكي، وأبي سعد النَّصرويي، وأبي حفص بن مسرور، وبَبغداد من ابن غَيْلان، وأبي محمد الخلّال، والتَّنوخيّ، وبإصبهان من ابن رِيذَة، وخلْق كثير.
روى عنه محمد بن عبد العزيز العِجْليّ المَرْوَزِيّ، وأبو بكر عبد الواحد بن الفضل الطُّوسيّ، وأبو نصر الغازي، وهبة الرحمن ابن القُشَيْريّ، وأبو الغنائم النّرْسيّ، والحافظ أبو بكر الخطيب مع تقدُّمه، ومحمد بن عبد الواحد الدّقّاق، وقال: ولم أر فيهم - يعني المحدّثين - أجود إتقانًا ولا أحسن ضَبْطًا منه.
وقال زاهر الشّحّاميّ: كان مسعود بن ناصر يذهب إلى رأي القَدَريّة، ويميل إليهم، وكان يقرأها في الحديث: "فحجَّ آدَمَ مُوسَى". وقد روى أبو بكر الخطيب عن مسعود.
وتُوُفّي بَنْيسابور في جُمَادَى الأولى، وصلى عليه أبو المعالي الْجُوَيْنيّ، ووقفَ كُتُبَه بَنْيسابور، وكانت كثيرة نفيسة.(10/416)
225 - منصور بْن عَبْد الله بْن محمد بْن منصور المنصوريّ، الفقيه أبو القاسم الطُّوسيّ. [المتوفى: 477 هـ]
روى عن أصحاب الأصمّ، مثل أبي بكر الحِيريّ، وأبي سعيد الصَّيرفيّ، وروى عنه عبد الغافر وقال: تُوُفّي ليلة عيد الأضحى، وكان صالحًا مكثرًا.(10/416)
226 - نصْر بن بِشْر، أبو القاسم الشّافعيّ. [المتوفى: 477 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان، وجماعة، وتفقه على القاضي أبي الطّيّب، ونزل البصرة.
سمع منه: الحميديّ، وشجاع الذَّهليّ.(10/416)
-سنة ثمان وسبعين وأربعمائة(10/417)
227 - أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحسين، الشيخ أبو الحسين الكيّاليّ النَّيسابوريّ المشّاط المقرئ. [المتوفى: 478 هـ]
شيخ ثقة، جليل، عالم، ذو ثروة وحِشْمة. روى عن أبي نصر محمد بن الفضل بن عقيل، وابن مَحْمِش الزَّياديّ، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني.
ثم سمع الكثير مع ابنه مسعود من أبي بكر الحِيريّ، وأبي الحَسَن السّقّاء، وأبي سعْد الصَّيرفيّ.
ذكره عبد الغافر فأثنى عليه وقال: قيل: كان له سماع من أبي الحُسين الخفّاف. وُلِد سنة أربعٍ وثمانين. وتوفّي في سابع عشر جُمَادَى الأولى سنة ثمانٍ.
روى عنه عبد الغافر المذكور، وإسماعيل ابن المؤذّن، وإسماعيل بن عبد الرحمن العصائديّ، وأحمد بن الحَسَن الكاتب، وآخرون. وقلَّ ما روى.(10/417)
228 - أحمد بن عَمْر بن أنّس بن دُلْهاث بن أنّس بن فَلْذان بن عَمْر بن منيب، أبو العبّاس العذريّ الدَّلائي. [المتوفى: 478 هـ]
ودَلايةَ من عمل المَريّة.
رحل مع أبَوَيْه فدخلوا مكَّة في رمضان سنة ثمانٍ وأربعمائة، وجاوروا بها ثمانية أعوام، فأكثر عن أبي العبّاس الرّازيّ راوي صحيح مسلم، وأبي الحسن بن جهضم، وأبي بكر بن نوح، وعليّ بن بندار القزوينيّ. وصحب أبا ذرّ، وسمع منه البخاريّ سبْعَ مرات.
وسمع من جماعة من الحَجَّاج، ولم يسمع بمصر شيئًا. وكتب بالأندلس عن أبي عليّ البجَّانيّ الحسين بن يعقوب صاحب سعيد بن فَحْلُون، وعن أبي عَمْر بن عفيف، والقاضي يونس بن عبد الله، والمهلَّب بن أبي صُفْرة، وأبي عمر السَّفاقسيّ.
وكان مَعْنِيا بالحديث، ثقة، مشهورًا، عالي الإسناد، ألحَقَ الأصاغر بالأكابر. [ص:418]
حدَّث عَنْه إماما الأندلس: أبو عمر بن عبد البَرّ، وأبو محمد بن حَزْم، وأبو الوليد الوَقْشيّ، وطاهر بن مفوَّز، وأبو عليّ الغسّانيّ، وأبو عبد الله الحُمَيْدِيّ وأبو عليّ الصَّدفيّ، وأبو بحر سُفيان بن العاص، والقاضي أبو عبد الله بن شبرين، وجماعة كثيرة.
ولد في رابع ذي القعدة سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاثمائة، ومات في سَلْخ شعبان. وصلى عليه ابنه أنّس.
وقد صنَّف كتاب دلائل النُّبوَّة، وكتاب المسالك والممالك.
قلت: أحسبه آخر من روى عن ابن جَهْضَم في الدُّنيا.
قال ابن سكَّرة: أخبرنا أبو العّباس العذريّ، قال: حدثنا محمد بن نوح الأصبهانيّ بمكّة، قال: حدثنا أبو القاسم الطّبَرانيّ، فذكر حديثًا.(10/417)
229 - أحمد بن عيسى بن عبّاد بن عيسى بن موسى، أبو الفضل الدَّينوريّ، المعروف بابن الأستاذ. [المتوفى: 478 هـ]
قدم هَمَذان قبل السبعين، وحدَّث عن أبيه أبي القاسم، وأبي بكر بن لال، وأحمد بن تُرْكان، وعبد الرحمن الإمام، وعبد الرحمن الصّفّار، وطاهر بن ماهلة، وأبي عمر بن مهديّ، وعليّ البيِّع، وجماعة.
قال شيرُوَيْه: سمعتُ منه بهمذان، والدَّينور، وكان صدوقًا. سألته عن مولده فقال: ولدت سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، ومات بالدَّينور سنة ثمانٍ.
قلت: فيكون عمره سبعًا وتسعين سنة، وكان مُسْنِد تلك الدَّيار في زمانه.(10/418)
230 - أحمد بن محمد، أبو العبّاس النَّيسابوريّ التّاجر الصّوفيّ، المعروف بأحمد محمود، [المتوفى: 478 هـ]
خادم الفقراء في مدرسة الحدّادين سنين.
وقد خدم الشّيخ محمود الصُّوفي مدّة، ولِذا نُسب إليه. وقد ورث عن أبيه أموالًا جمّة، أنفقها على الفقراء.
وقد تخرَّج به جماعة، وكان له نفسُ صادق، وقَبُول بين الأكابر. يفتح على يديه ولسانه للفقراء أنواع الفتوح. وقد سمع من أبي حفص بن مسرور. [ص:419]
وتوفّي بناحية جوين في شعبان كَهْلا.(10/418)
231 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن فُورك، أبو بكر الزُّهريّ النَّيسابوريّ [المتوفى: 478 هـ]
سبط الأستاذ أبي بكر بن فورك.
كان أحد الكتَّاب والمترسِّلين، لبس الحرير.
سمع مسند الشّافعيّ من أبي بكر الحِيريّ، وسمع من أبي حفص بن مسرور، وجماعة.
وكان زوج بنت القُشَيْريّ، ذكيًّا مُناظرًا، واعظًا، شَهْمًا، مُقبِلًا على طلب الجاه والتّقدُّم، وبسببه وقعت فتنةٌ ببغداد بين الحنابلة والأشاعرة. وقد روى عنه إسماعيل بن محمد التَّيميّ الحافظ، وأبو القاسم إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وغيرهما.
ووعظ ببغداد، ونَفَقَ سُوقُه وزادت حشمته وأملاكه ببغداد، وتردّد مرّاتٍ إلى المعسكر. وكان نظام المُلْك يُكرمه ويحترمه.
قال ابن ناصر: كان داعيةً إلى البدْعة، يأخذ مَكْس الفحْم من الحدادين.(10/419)
232 - أحمد بن محمد بن الحَسَن بن داود الأصبهاني الخيّاط، [المتوفى: 478 هـ]
سِبْط محمد بن عمر الجرواءانيّ.
مات فجأةً في سَلخ ذي القِعْدة.(10/419)
233 - أحمد بْن محمد بْن عَبْد الرحمن بن أحمد بن يحيى ين خليل بن ماسويه، أبو العبّاس ابن الحدّاد الأنصاريّ البَلَنْسِيّ. [المتوفى: 478 هـ]
حجّ سنة اثنتين وخمسين، ودخل إلى خُراسان، وعاد إلى مصر، وكان واسع العلم والرواية.
ذكره ابن الآبّار في تاريخه.(10/419)
234 - إسماعيل بن أحمد بن عبد العزيز، أبو القاسم السّياريّ العطّار النَّيسابوريّ. [المتوفى: 478 هـ]
شيخ، معتَمَد، رئيس. صحب أبا محمد الْجُوَيْنيّ، وسمع ابن محمش [ص:420] الزّياديّ، وحدَّث ببغداد بعد السّبعين، وتُوُفّي سنة ثمانٍ.
ثمّ حضر إليَّ تاريخ عبد الغافر فإذا فيه:(10/419)
235 - إسحاق بن أحمد بن عبد العزيز بن حامد، أبو يعقوب المحمَّداباذيّ الزّاهد، المعروف بإسحاقك. [المتوفى: 478 هـ]
شيخ ثقة من العُبّاد، عديم النّظير في زُهْده وورعه. وكان من أصحاب أبي عبد الله. قليل الاختلاط بالناس، محتاط في الطهارة والنّظافة. وُلِد سنة أربعمائة، وسمع من أبي سعيد الصَّيرفيّ.
توفّي عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين.(10/420)
236 - إسماعيل بن عمرو بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو سعيد البَحِيريّ النَّيسابوري. [المتوفى: 478 هـ]
حدَّث في هذا العام - لمّا حجّ - بَهَمَذان، عن أبيه أبي عثمان، وأبي حسّان محمد بن أحمد المزكّي، وأبي سعد النَصروييّ، والحسين بن إبراهيم الكيليّ، ومحمد بن عبد العزيز النّيليّ، وبِشْرُوَيْه بن محمد المغفَّليّ، وأبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم النَّصراباذيّ.
قال شيرُوَيْه: سمعتُ منه، وكان صدوقًا.(10/420)
237 - الحسين بن عليّ بن أبي نزار، الحاجب الصدر أبو عبد الله المردوسيّ، [المتوفى: 478 هـ]
حاجب باب النُّوبيّ.
محمود السيرة، ديِّن، خيِّر، متعبّد. مات فِي ذي القعدة، وله أربعٌ وتسعون سنة. لم يروِ شيئًا.(10/420)
238 - حمزة بن عليّ بن محمد بن عثمان ابن السّوّاق، أبو الغنائم البغداديّ البُنْدار. [المتوفى: 478 هـ]
ولد سنة اثنتين وأربعمائة، وسمع أبا الحسين بن بِشْران، وأبا الفَرَج أحمد بن عمر الغضاريّ صاحب جعفر الخُلديّ. وعنه أبو بكر الأنصاريّ، وأبو القاسم ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، والمبارك بن أحمد.
مات في شعبان.(10/421)
239 - زياد بْن عَبْد اللَّه بْن محمد بْن زياد، أبو عبد الله الأنصاريّ الأندلسيّ، [المتوفى: 478 هـ]
خطيب قُرْطُبة.
أخذ عن يونس بن عبد الله، وحجّ فسمع من أبي محمد بن الوليد، وأجاز له أبو ذَرّ.
قال ابن بَشْكُوال: وكان فاضلًا، ديَّنًا، ناسكًا، خطيبًا، بليغًا، محببًَّا إلى النّاس، معظَّمًا عند السُّلطان، جامعًا لكلّ فضيلة، حَسَن الخُلُق، وافر العقل. أخبروني عن محمد بن فَرَج الفقيه، قال: ما رأيت أعقل من زياد بن عبد الله.
تُوُفّي زياد في رمضان، وله ستٌّ وثمانون سنة، أخبرنا عنه أبو الحسن بن مغيث.(10/421)
240 - سُليمان بن أحمد الواسطيّ. [المتوفى: 478 هـ]
عن ابن شاذان. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي.(10/421)
241 - طلْحة بن عليّ بن يوسف، أبو محمد الرّازيّ. ثمّ البغداديّ، الصُّوفيّ الفقيه. [المتوفى: 478 هـ]
من ساكني رباط أبي سعْد. كان حسن السيرة.
سمع أبا الحسين بن بشران، وأبا القاسم الحرفيّ.
وعنه ابنه محمد بن طلحة، وإسماعيل ابن السمرقندي.
توفّي في صفر.(10/421)
242 - ظَفَر بن عبد الواحد بن عبد الرّحيم، أبو محمد الأصبهانيّ. [المتوفى: 478 هـ]
في ذي الحجّة.(10/421)
243 - عبد الله بن إسماعيل بن محمد بن خَزْرَج، أبو محمد اللَّخميّ الإشبيليّ الحافظ المؤرِّخ. [المتوفى: 478 هـ]
ولد سنة سبعٍ وأربعمائة، وروى عن أبي عَمْرو المرشانيّ، وأبي الفتوح الْجُرْجانيّ، وأبي عبد الله الخَوْلانيّ، وخلْق، وعدد شيوخه مائتان وستّون رجلًا.
وكان مع حِفْظه فقيهًا مشاورًا. أكثر النّاسُ عنه، روى عنه شُرَيْح بن محمد، وأبو محمد بن يَرْبُوع.
مات في شوّال بإشبيلية.(10/422)
244 - عبد الله بن علي بن محمد بن أحمد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ الباجيّ، أبو محمد اللَّخْميّ، [المتوفى: 478 هـ]
من أهل إشبيلية.
سمع من جدّه، وكان فقيهًا فاضلًا، روى عنه أحمد بن عبد الله بن جابر.(10/422)
245 - عبد الرحمن بن الحَسَن، أبو القاسم الشّيرازيّ الفارسيّ. [المتوفى: 478 هـ]
إمامٌ ذو فنون، سافر الكثير، وسكن ميهنة، قَصَبة خابران، في آخر عمره، وكان من مُريدي أبي سعيد بن أبي الخير المَيْهَنيّ. سمع ببغداد أبا يَعْلَى بن الفرّاء؛ وبدمشق الحسين بن محمد الحِنّائيّ، وبالمعرَّة أبا صالح محمد بن المهذَّب، وجماعة.
روى عنه أبو بكر المحتاجي الخطيب بمَيْهَنَة. وحدَّث في هذا العام، ولم نعرف وفاته.(10/422)
246 - عبد الرحمن بن مأمون بن عليّ، الإمام أبو سعْد المتولّي النيَّسابوري، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 478 هـ]
أحد الكبار، قدِم بغداد، وكان فقيهًا محققًِّا، وحبْرًا مدقِّقًا. وُلْي تدريس النّظاميّة بعد الشّيخ أبي إسحاق، ودرَّس وروى شيئًا يسيرًا، ثمّ عُزِل من المدرسة بابن الصّبّاغ في أواخر سنة ستٍّ وسبعين، ثمّ أُعيد إليها سنة سبعٍ وسبعين.
وقد تفقّه على القاضي حسين بمَرْو الرُّوذ، وعلى أبي سهل أحمد بن [ص:423] عليّ الأَبيوَرْديّ ببُخَارى، وعلى أبي القاسم عبد الرحمن الفورانيّ بمَرْو، حتّى برع وتميَّز.
وكان مولده في سنة ستٍّ وعشرين وأربعمائة، وتُوُفّي ببغداد.
وله كتاب التَّتمَّة تمَّم به الإبانة لشيخه الفُورانيّ، لكنّه لم يُكْمِلْه، وعاجَلَتْه المنيَّة، وانتهى فيه إلى الحدود. وله مختصر في الفرائض، ومصنَّف في الأصول، وكتاب في الخلاف جامعٌ للمآخِذ.(10/422)
247 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بن عَبْد الرَّحْمَن بن زياد، أبو عيسى الأصبهاني الأديب الزّاهد. [المتوفى: 478 هـ]
لا أعرف متى تُوُفّي، وتُوُفّي في هذه الحدود، وسمع أبا جعفر بن المرزبان الأبهريّ.
روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، ويحيى بن عبد الله بن أبي الرجاء، ومحمد بن أبي القاسم الصالحاني، ومسعود الثقفيّ، والحسن بن العبّاس الرُّستميّ، وآخرون.
وكان رحمه الله من بقايا الصّالحين والعُلماء.(10/423)
248 - عبد الرحمن بن محمد بن سَلَمة، أبو المطرِّف الطُّليطليّ. [المتوفى: 478 هـ]
عن أبيّ عَمْر الطَّلمنكيّ، وأبي عَمْر بن عبّاس الخطيب.
وكان من كبار الفقهاء المفتين.
مات فجاءةً في صَفَر، وله سبعٌ وسبعون سنة.(10/423)
249 - عبد الكريم بن عبد الصّمد بن محمد بن عليّ، أبو مَعْشَر الطّبريّ القطّان المقرئ، [المتوفى: 478 هـ]
مقرئ مكّة.
كان إمامًا مجودًا، بارعًا، مصنفًا، له كُتُبُ في القراءات، قرأ بحرّان على أبي القاسم الزَّيديّ، وبمصر على أصحاب السّامرّيّ، وأبي عَدِيّ عبد العزيز. وقرأ بمكة على أبي عبد الله الكارَزينيّ.
وسمع بمصر من أَبِي عَبْد اللَّه بْن نظيف، وأبي النُعمان تُراب بن عَمْر، وعبد الله بن يوسف بتنيس، وأبي الطّيّب الطّبريّ [ص:424] ببغداد، وعبد الله بن عَمْر بن العبّاس بغزّة. وسمع بمنْبج، وحَرّان، وآمِد، وحلب، وسَلَمَاس، والجزيرة.
روى عنه أبو نصر أحمد بن عَمْر الغازي، ومحمد بن عبد الباقي الأنصاريّ، وأبو تمّام إبراهيم بن أحمد الصَّيمريّ.
قال ابن طاهر: سمعتُ أبا سعْد الحَرَميّ بهَرَاة يقول: لم يكن سماع أبي مَعْشَر الطَّبريّ في جزء ابن نظيف صحيحًا، وإنّما أخذ نسخةً فرواها.
قلت: قرأ عليه القراءات خلق، منهم أبو عليّ ابن العرجاء، وأبو القاسم خلف ابن النّحّاس، وأبو عليّ بن بَليّمة. وله كتاب " سوق العروس "، يقال: فيه ألف وخمسمائة طريق. تُوُفّي بمكّة.
وله كتاب " الدُّرر " في التفسير، وكتاب " الرّشاد " في شرح القراءات الشاذّة، وكتاب " عيون المسائل "، وكتاب " طبقات القرّاء "، وكتاب " مخارج الحروف "، وكتاب " العدد "، وكتاب " هجاء المصاحف "، وكتاب في اللّغة.
وقد روى كتاب شفاء الصُّدور للنّقّاش، عن الزَّيديّ، عنه، ومسند أحمد عن الزَّيديّ، عن القطيعيّ، وتفسير الثّعلبيّ، رواه عن مؤلِّفه. وكان فقيهًا شافعيًّا.(10/423)
250 - عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حَيَّوَيْهِ، إمام الحَرَمَيْن أبو المعالي ابن الإمام أبي محمد الْجُوَيْنيّ، الفقيه الملقَّب ضياء الدّين، [المتوفى: 478 هـ]
رئيس الشّافعيّة بَنْيسابور.
قال أبو سعْد السّمعانيّ: كان إمام الأئمّة على الإطلاق، المجمع على إمامته شرقًا وغربًا، لم تَرَ العيون مثله.
ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة في المحَّرم، وتفقَّه على والده، فأتى على جميع مصنفاته، وتُوُفّي أبوه وله عشرون سنة، فأُقعِد مكانه للتّدريس، فكان يدرّس ويخرج إلى مدرسة البيهقيّ. وأحكم الأصول على أبي القاسم الإسفراييني الإسكاف. وكان ينفق من ميراثه وممّا يَدْخله من معلومه، إلى أن ظهر التعّصُّب بين الفريقين، واضطّربت الأحوال، واضطّر إلى السَّفر عن نَيْسابور، فذهب إلى المعسكر، ثمّ إلى بغداد، وصحب أبا نصْر الكُنْدُريّ الوزير مدّةً يطوف معه، ويلتقي في حضرته بالأكابر من العلماء، ويُناظرهم، ويحتكّ بهم، حتّى تهذَّب في النَّظر وشاع ذكْرُه. ثمّ خرج [ص:425] إلى الحجاز، وجاور بمكّة أربع سنين، يدرّس ويُفتي، ويجمع طُرُق المذهب، إلى أن رجع إلى بلده نيسابور بعد مُضِي نوبة التعصب، فأُقعِد للتّدريس بنظاميّة نَيْسابور، واستقامت أمور الطَّلبة، وبَقِيّ على ذلك قريبًا من ثلاثين سنة غير مُزاحَم ولا مُدافَع، مسَّلم له المحراب، والمِنبر، والخطابة والتّدريس، ومجلس الوعْظ يوم الجمعة، وظهرت تصانيفه، وحضَر درسَه الأكابر والْجَمْع العظيم من الطَلبة، وكان يقعد بين يديه كلَّ يومٍ نحوٌ من ثلاثمائة رجل. وتفقه به جماعة من الأئّمة، وسمع الحديث من أبيه، ومن أبي حسّان محمد بن أحمد المزكّي، وأبي سعد النصروييّ، ومنصور بن رامش، وآخرين. حدثنا عنه أبو عبد الله الفُراويّ، وأبو القاسم الشّحّاميّ، وأحمد بن سهل المسجديّ، وغيرهم.
أخبرنا أبو الحسين اليونينيّ، قال: أخبرنا الحافظ زكيّ الدّين المنذريّ قال: تُوُفّي والد أبي المعالي، فأُقعِد مكانه، ولم يكمّل عشرين سنةً، فكان يدرِّس، وأحكم الأُصول على أبي القاسم الإسكاف الإسفراييني، وجاوَرَ بمكّة أربع سنين، ثمّ رجع إلى نَيْسابور، وجلس للتدريس بالنّظاميّة قريبًا من ثلاثين سنة، مسلَّم له المحراب، والمِنْبَر، والخطابة، والتّدريس، والتّذكير، سمع من أبيه، ومن عليّ بن محمد الطِّرازيّ، ومحمد بن أبي إسحاق المزكّى، وأبي سعْد بن عليَّك، وفضل الله بن أبي الخير الميهَنِي، والحسن بن عليّ الجوهريّ البغداديّ، وأجاز له أبو نُعَيم الحافظ.
قال المؤلف: في سماعه من الطِّرازيّ نظر، فإنّه لم يَلْحق ذلك، فلعلّه أجاز له.
قال السّمعانيّ: قرأتُ بخطّ أبي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الهَمَذَانيّ: سمعتُ أبا إسحاق الفَيْرُوزآباديّ يقول: تمتَّعوا بهذا الإمام، فإنّه نزهة هذا الزمان، يعني أبا المعالي الْجُوَيْنيّ.
قال: وقرأتُ بخط أبي جعفر أيضًا: سمعتُ أبا المعالي يقول: قرأت خمسين ألفًا في خمسين ألفًا، ثمّ خلّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم [ص:426] الظّاهر، وركبت البحر الخضمَّ العظيم، وغُصْتُ في الذي نُهي أهل الإسلام منها، كلّ ذلك في طلب الحقّ، وكنت أهرب في سالف الدّهر من التّقليد، والآن رجعتُ من الكُلّ إلى كلمة الحقّ. عليكم بِدِين العجائز. فإنْ لم يدركْني الحقُّ بلطيف بِرّه، فأموت على دين العجائز، ويختُم عاقبة أمري عند الرحيل على بُرهة أهل الحقّ، وكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، فالويْلُ لابن الْجُوَيْنيّ - يريد نفسه -.
وكان أبو المعالي مع تبحُّره في الفقه وأصوله لا يدري الحديث، ذكر في كتاب البرهان حديث مُعَاذ في القياس، فقال: هو مدوَّنُ في الصّحاح، متَّفق على صحته. كذا قال: وأنَّى له الصّحّة، ومداره على الحارث بن عَمْرو، مجهول، عن رجالٍ من أهل حمص لا يُدْري من هم، عن معاذ.
وقال المازريّ في شرح البرهان في قوله: " إنّ الله تعالى يعلم الكلّيات لا الْجُزْئيّات ": ودِدْتُ لو مَحَوْتُها بدمي.
قلت: هذه لفظة ملعونة. قال ابن دحية: هي كلمة مكذِّبة للكتاب والسَّنة، مكفّر بها، هَجَره عليها جماعة، وحلف القُشَيْريّ لا يكلّمه أبدًا؛ ونُفي بسببها مدّةً، فجاورَ وتاب.
قال السّمعانيّ: وسمعتُ أبا رَوْح الفَرَج بن أبي بكر الأُرْمَويّ مذاكرةً يقول: سمعتُ أستاذي غانم الموُشيليّ يقول: سمعتُ الإمام أبا المعالي الْجُوَيْنيّ يقول: لَوِ استقبلتُ مِنْ أَمْرِي مَا استدبرتُ مَا اشتغلت بالكلام.
وقال أبو المعالي الْجُوَيْنيّ في كتاب الرسالة النظاميّة: اختلفت [ص:427] مسالك العلماء في الظّواهر التي وردت في الكتاب والسُّنّة، وامتنع على أهل الحقّ اعتقاد فَحْواها، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في آي الكتاب وما يصح من السُّنن، وذهب أئّمةُ السلف إلى الانكفاف عن التّأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأيا، وندين الله به عقدا اتِّباع سلف الأمة؛ فالأولى الاتِّباع وترك الابتداع، والدليل السَّمعيُّ القاطع في ذلك أنّ إجماع الأمّة حُجّةٌ متبعة وهو مُسْتَنَدُ معظَم الشريعة. وقد دَرَج صَحْبُ الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك التّعريض لمعانيها، ودَرْك ما فيها، وهم صفوة الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يأْلُون جهدًا في ضبط قواعد الملَّة، والتّواصي بحِفْظها، وتعليم النّاس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغًا أو محتومًا لأوْشَك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا تصرَّمَ عصرهم وعصْر التابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك قاطعّا بأنّه الوجه المتبَّع، فحقَّ على ذي الدّين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المُحْدَثين، ولا يخوض في تأويل المشْكَلات، وَيَكل معناها إلى الرّبّ فَلْيُجْر آية الاستواء والمجيء، وقوله: {لما خلقت بيديّ}، {ويبقى وجه ربِّك}، و {تجري بأعيننا}، وما صح من أخبار الرسول كخبر النّزول وغيره على ما ذكرنا.
وقال محمد بن طاهر الحافظ: سمعتُ أبا الحَسَن القَيْروانيّ الأديب بَنْيسابور، وكان يسمع معنا الحديث، وكان يختلف إلى درس الأستاذ أبي المعالي الْجُوَيْنيّ، يقرأ عليه الكلام، يقولُ: سمعتُ الأستاذ أبا المعالي اليوم يقول: يا أصحابنا، لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفتُ أنّ الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به.
وحكى أبو عبد الله الحَسَن بن العبّاس الرُّستميّ فقيه إصبهان، قال: حكى لنا أبو الفتح الطَّبرّي الفقيه، قال: دخلتُ على أبي المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا عليَّ أنّي قد رجعتُ عن كلّ مقالةٍ تخالف السَّلف، وأنّي أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور.
وذكر محمد بن طاهر أنّ المحدِّث أبا جعفر الهَمَذانيّ حضر مجلس وعْظ أبي المعالي، فقال: كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان عليه. فقال أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها، ما قال عارفٌ قطّ: [ص:428] يا الله؛ إلّا وجَدَ من قلبه ضرورة تطلب العلوَّ، لا نلتفت يَمْنَةً ولا يَسْرَة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن أنفُسنا. أو قال: فهل عندك من دواء لدفع هذه الضّرورة الّتي نجدها؟ فقال: يا حبيبي، ما ثمَّ إلًا الحَيْرَة. ولَطَمَ على رأسه ونزل، وبَقِيّ وقتُ عجيب، وقال فيما بعد: حيرَّني الهَمَذانيّ.
ولأبي المعالي من التصانيف: كتاب نهاية المَطْلَب في المذهب، وهو كتابٌ جليل في ثمانية مجلَّدات، وكتاب الإرشاد في الأصول، وكتاب الرسالة النظاميّة في الأحكام الإسلامية، وكتاب الشامل في أصول الدّين، وكتاب البرهان في أصول الفقه، ومدارك العُقُول لم يتمُه، وكتاب غياث الأُمم في الإمامة، وكتاب مغيث الخلق في اختيار الأحق، وغُنْية المسترشدين في الخلاف.
وكان إذا أخذ في علم الصُّوفية وشرح الأحوال أبكى الحاضرين.
وقد ذكره عبد الغافر في تاريخه فأسهب وأطْنَب، إلى أن قال: وكان يذكر في اليوم دروسًا يقع كلّ واحدٍ منها في عدّة أوراق، لا يتعلثم في كلمةٍ منها، ولا يحتاج إلى استدراك عثرةٍ، مَرًّا فيها كالبرق بصوت كالرَّعد. وما يوجد في كُتُبه من العبارات البالغة كُنْه الفصاحة غَيْض من فَيْض ما كان على لسانه، وغَرْفه من أمواج ما كان يعهد من بيانه، تفقّه في صباه على والده. وذكر التّرجمة بطولها.
وقال عليّ بن الحَسَن الباخَرْزِيّ في الدُمْية، وذكر الإمام أبا المعالي فقال: فالفقه فقه الشّافعيّ، والآدب أدب الأصمعيّ، وفي بصره بالوعظ الحَسَن البصْريّ. وكيف ما هو، فهو إمامُ كلّ إمام، والمستَعْلي بهمّته على كلّ هُمام. والفائز بالظَّفر على إرغام كلّ ضرغام. إذا تصدَّر للفقه، فالمزنيّ من مُزْنَتِه قَطْرَه، وإذا تكلَّم فالأشعريّ من وفْرته شَعْرَه، وإذا خطب ألجم الفصحاء بالعي شقاشقه الهادرة، ولثم البلغاء بالصَّمت حقائقه البادرة.
وقد أخبرنا يحيى بن أبي منصور الفقيه وغيره في كتابهم عن الحافظ عبد القادر الرّهاويّ أنّ الحافظ أبا العلاء الهَمَذانيّ أخبره قال: أخبرني أبو [ص:429] جعفر الهَمَذانيّ الحافظ قال: سمعتُ أبا المعالي الْجُوَيْنيّ، وقد سُئل عن قوله تعالى: {الرَّحمن على العرش استوى} فقال: كان الله ولا عرش، وجعل يتخبّط في الكلام، فقلت: قد علِمنا ما أشرت إليه، فهل عندك للضّرورات من حيلة؟ فقال: ما تريد بهذا القول وما تعني بهذه الإشارة؟ فقلتُ: ما قال عارف قطّ: يا ربّاه، إلّا قبل أن يتحرّك لسانه قام من باطنه قصْدٌ، لا يلتفت يَمْنَةً ولا يَسْرةً، يقصد الفَوق. فهل لهذا القصْد الضّروريّ عندك من حيلةٍ، فنَّبئنا نتخلَّص من الفوق والتَّحت؟ وبكيتُ، وبكى الخلْق، فضرب بكُمه على السرير، وصاح بالحَيْرة. وخرَّق ما كان عليه، وصارت قيامة في المسجد، ونزل ولم يُجِبْني إلّا: بيا حبيبي، الحَيْرَة الحَيْرَة والدّهشة الدّهشة! فسمعتُ بعد ذلك أصحابه يقولون: سمعناه يقول: حيرَّني الهَمَذانيّ.
وقد تُوُفّي أبو المعالي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر، ودُفِن في داره، ثمّ نُقِل بعد سنين إلى مقبرة الحسين، فدُفن إلى جانب والده وكُسِر مِنْبَره في الجامع، وأُغلقت الأسواق، وَرَثَوْه بقصائد. وكان له نحو من أربعمائة تلميذ، فكسروا محابرهم وأقلامهم، وأقاموا على ذلك حولًا. وهذا من فعل الجاهلية والأعاجم، لا من فِعْل أهل السُّنّة والإتّباع.(10/424)
251 - علي بن أحمد بن علي، أبو الحَسَن الشَّهرستانيّ، [المتوفى: 478 هـ]
شيخ الصُّوفيّة برباط شهرستان.
خدم الكبار، وعُمِر وأسنَ، ولعله نيفٌ على المائة.
قال عبد الغافر: اجتمعت به وأكرم موردي في سنة ثمان، وتوّفي بعد بقليل.(10/429)
252 - عليّ بن أحمد بن محمد بن أبي سعد الهرويّ الشُّروطيّ، أبو الحسن. [المتوفى: 478 هـ]
سمع من الحاكم أبي الحَسَن الدِّيناريّ، والقاضي أبي عَمْر البسْطاميّ.(10/429)
253 - عليّ بن الحَسَن بن سلمُوَيْه، أبو الحَسَن النَّيسابوري الصُّوفيّ التّاجر. [المتوفى: 478 هـ]
روى عن أبي بكر الحِيريّ، والطّرازيّ، والصَّيرفيّ، وغيرهم. وتوفيّ في [ص:430] شعبان.
روى عنه عَمْر بن محمد الدّهسْتانيّ.(10/429)
254 - عليّ بن عبد السلام الأرمنازيّ. [المتوفى: 478 هـ]
له شِعْر حَسَن، روى عنه منه ابنه المحدِّث غَيْث، والحافظ محمد بن طاهر.(10/430)
255 - عليّ بن عبد العزيز بن محمد، أبو القاسم النَّيسابوري الخشاب. [المتوفى: 478 هـ]
من شيوخ الشّيعة.
سمع الكثير عن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن السقاء الإسفراييني، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، وطائفة.
تُوُفّي في ربيع الأوّل، وله تسعون سنة.(10/430)
256 - عليّ بن محمد، أبو الحسن القيراونيّ، الفقيه المالكيّ المعروف باللَّخميّ، [المتوفى: 478 هـ]
لأنّه ابن بنت اللَّخميّ.
تفقَّه بابن محرز، وأبي الفضل بن خلدون، والسيوريّ.
وظهرت في أيّامه له فتاوٍ كثيرة، وطال عمره، وصار عالم إفريقيّة.
تفقَّه به جماعة من السفاقُسيّين، وأخذ عنه أبو عبد الله المازريّ، وأبو الفضل النَّحويّ، وأبو عليّ الكَلاعيّ، وعبد الحميد السَّفاقسيّ.
وله تعليق كبير على المدوَّنة، سمّاه التَّبصرة.(10/430)
257 - عَوَضُ بن أبي عبد الله بن حمزة، السّيّد أبو الرضا العلويّ الهرويّ. [المتوفى: 478 هـ]
توفّي في رمضان.(10/430)
258 - فَرَجُ بن عبد الملك الأنصاريّ القُرْطُبيّ. [المتوفى: 478 هـ]
روى عن مكّيّ، وصحِب محمد بن عتّاب، وتقدَّم في الفقه والحديث. وكان يحفظ.(10/430)
259 - الفضل بن محمد بن أحمد، أبو القاسم الأصبهانيّ البقّال المؤدب، عرف بتافه. [المتوفى: 478 هـ]
سمع محمد بن إبراهيم الجرجانيّ، وعليّ بن مَيْلَة. وكان صالحًا عابدًا.
روى عنه مسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرُّستميّ.(10/431)
260 - فيّاض بن أميرجة، أبو القاسم الهرويّ السوسقانيّ. [المتوفى: 478 هـ]
مات بالكوفة.(10/431)
261 - محمد بن إبراهيم بن سُليمان، أبو الطّيّب الأصبهاني. [المتوفى: 478 هـ]
في ذي الحِجّة بإصبهان.(10/431)
262 - محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد، شيخ المعتزلة أبو عليّ بن الوليد الكرخيّ. [المتوفى: 478 هـ]
ولد سنة ستٍّ وتسعين وثلاثمائة، وأخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصريّ، وحفظ عنه حديثًا واحدًا بإسناده، وهو حديث القعنبيّ: "إذا لم تستحي فاصنع من شئت"، رواه عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ الْأَنْمَاطِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. وأخذ عنه ابن عقيل شيخ الحنابلة، وبه انحرف عن السُّنَّة.
قال محمد بن عبد الملك في تاريخه: في ذي الحِجّة تُوُفّي أبو عليّ بن الوليد شيخ المعتزلة وزاهدهم، ولم نعرف في أعمارنا مثل تورُّعه وقناعته. تورَّع عن ميراثه من أبيه، وقال: لم أتحقق أنه أخذ حرامًا، ولكنّي أعافُه. ولمّا كبر وافتقر جعل ينقض داره، ويبيع منها خشبه، يتقوَّت بها، وكانت من حِسان الدُّور. وكان يلبس الخَشِن من القُطْن.
وقال أبو الفضل بن خيرون: تُوُفّي في خامس ذي الحِجّة، ودفن في الشونيزيّة، إلى جنب أبي الحسين البصْريّ أستاذه، وكان يدرّس الاعتزال والمنطق، وكان داعية إلى الاعتزال.(10/431)
263 - محمد بن خيرة، أبو عبد الله بن أبي العافية الأندلسيّ. [المتوفى: 478 هـ]
من كبار فقهاء المَرِيّة، وممن شهر بالحفظ.
روى عن حاتم بن محمد.(10/432)
264 - مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد، أَبُو بكر القصّار، المعروف بابن الكنداجيّ، البغداديّ المقرئ. [المتوفى: 478 هـ]
روى عن أبي الحسين بن بشران، وأبي الحسن الحمّاميّ، والحرفّي. روى عنه قاضي المرستان، وإسماعيل ابن السمرقندي، وأبو بكر ابن الزّاغونيّ.
تُوُفّي في صَفَر.(10/432)
265 - محمد بن عليّ بن محمد بن المطّلب، أبو سعْد الكرْمانيّ الكاتب، [المتوفى: 478 هـ]
والد الصّاحب الوزير أبي المعالي هبة الله.
قدم أبوه من كرمان، وولد هو ببغداد. ونظر في الأدب وأخبار الأوائل، وسمع من أبي الحسين بن بِشْران، وأبي عليّ بن شاذان.
روى عنه يحيى ابن البنّاء، وشُجاع الذُّهليّ.
وكان شاعرًا هجّاءً، بليغ الفحش، مقدمًا في ذلك في زمانه، عُزِل لهجوه، فقال:
عُزِلتُ وما خُنْتُ فيما وليت ... وغيري يخون ولا يعزل
فهذا يدلَّ على أنَّ من ... يولِّي ويَعْزِل لا يعقل
ومن شعره:
يا حسرتا مات حظّي من قلوبكُمُ ... وللحُظُوظ كما للنّاس آجال
تصرَّم العمر لم أحظ بقربكم ... كم تحت هذه القبورِ الخُرْس آمالُ
قال هبة الله السَّقطيّ: كنتُ أجتمع بأبي سعْد كثيرًا، فقلَّ أنَّ انفصلتُ عنه إلّا بنادرةٍ أو شِعْر، ولم يزل الحالُ به إلى أنْ تاب، وأُلْهِم الصّلاة والصَّوم والصَّدقات، وغَسَلَ مسوَّدات شِعْره قبل موته، مات في ربيع الآخر، وله أربع وثمانون سنة.(10/432)
266 - محمد بن عليّ بن محمد بن حسن بن عبد الوهّاب بن حسُّويه، قاضي القُضاة أبو عبد الله الدَّامغانيّ، الحنفيّ. [المتوفى: 478 هـ]
شيخ حنفية زمانه. تفقَّه بخراسان، ثمّ قدِم بغداد في شبيبته، ودرس على القُدُوريّ، وسمع الحديث من القاضي أبي عبد الله الحسين بن عليّ الصَّيمريّ، والحافظ محمد بن عليّ الصُّوريّ، وشيخه أبي الحسين أحمد بن محمد القُدُوريّ.
روى عنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وعليّ بن طِراد الزَّينبيّ، والحسين المقدسيّ، وغيرهم، وتفقّه به جماعة.
وكان مولده بدَامَغَان سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة، وحصّل العلم على الفقر والقنوع.
قال أبو سعْد السَّمعانيّ: قال والدي: سمعتُ أحمد بن الحسين البصْريّ الخبّاز يقول: رأيتُ أبا عبد الله الدّامَغَانيّ كان يحرس في درْب الريّاح، وكان يقوم بعيشته إنسان اسمُه أبو العشائر الشيْرَجيّ.
قلتُ: ثمّ آل به الآمرُ إلى أن ولي قضاء القُضاة للمقتدي بالله، ولأبيه قبله. وطالت أيّامه، وانتشر ذِكْرُه، وكان مثل القاضي أبي يوسف قاضي الرّشيد في أيّامه حشمةً وجاهًا وسُؤْدُدًا وعَقْلًا، وبَقِيّ في القضاء نحوًا من ثلاثين سنة، ولي أولًا في ذي القعدة سنة سبعٍ وأربعين، بعد موت قاضي القُضاة أبي عبد اللَّه بن ماكولا.
وقال محمد بن عبد الملك الهَمَذانيّ في طبقات الفُقَهاء: قال قاضي القضاة الدّامغانيّ: قرأتُ على أبي صالح الفقيه بدامَغَان، وهو من أصحاب أبي عبد الله الْجُرْجانيّ، وأصابني جُدَرِيّ فاكتحلتُ، وجئت إلى المجلس بعدما برأتُ فقال: أنت مجدور، فقم. فقمت وقصدت من دامغان نيسابور، فأقمت أربعة أشهر، وصحِبْتُ أبا العلاء صاعد بن محمد الأُسْتَوَائيّ قاضيها. وقرأت على أبي الحَسَن المصعبيّ لِدِينه وتواضعه، وجَرَت فتنة بين الطّوائف هناك، فمنعهم محمود بن سُبُكْتِكِين مِن الْجَدَل، فخرجتُ إلى بغداد وورَدْتُها.
قال محمد: فقرأ على القُدُوريّ إلى أن توفّي سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة، [ص:434] ولازم أبا عبد الله الصَّيمريّ فلمّا مات، انفرد بالتدريس، وصار أحد شهود بغداد. ثمّ ولي قضاء القائم بأمر الله، وبعده لابنه ثلاثين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيّام. وقد شهد عنده شيخ الشّافعيّة أبو الطّيّب الطَّبريّ، وكان أبو الطّيّب يقول: أبو عبد الله الدّامَغَاني أَعْرفُ بمذهب الشّافعيّ من كثيرٍ من أصحابنا.
قال: وكان عندنا بدامَغَان أبو الحَسَن صاحب أبي حامد الإسفراييني، يعني فاستفاد منه الدّامغانيّ. وكان أبو عبد الله الدّامَغَانيّ قد جمع الصّورة البهيّة، والمعاني الحسنة من الدّين والعقل والعِلْم والحِلْم، وكَرَم المعاشرة للنّاس، والتّعصُّب لهم. وكانت له صَدَقات في السّرِّ، وإنصافٌ في العِلْم لم يكن لغيره. وكان يورد من المداعبات في مجلسه والحكايات المضحكة في تدريسه نظيرَ ما يورده الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ، فإذا اجتمعا صار اجتماعهما نُزْهة.
عاش ثمانين سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيّام، وغَسَله أبو الوفاء ابن عَقِيل الواعظ، وصاحبه الفقيه أبو ثابت مسعود بن محمد الرّازيّ، وصلّى عليه ولده قاضي القُضاة أبو الحسن على باب داره بنهر القلاّئين.
ولقاضي القُضاة أصحاب كثيرون انتشروا بالبلاد، ودرسوا ببغداد، فمنهم أبو سعْد الحَسَن بن داود بن بابشاذ المصريّ، ومات قبل الأربعين وأربعمائة. ومنهم نور الهدى الحسين بن محمد الزَّينبيّ، ومنهم أبو طاهر الياس بن ناصر الدَّيلميّ. ومات في حياته. ومنهم أبو القاسم عليّ بن محمد الَّرحبيّ ابن السَمَنانيّ، وآخرون فيهم كَثْرة ذكرهم ابن عبد الملك الهمذانيّ.
توفّي في رابع عشري رجب، ودفن في داره بنهر القلاّئين، ثمّ نقل ودفن في القبّة إلى جانب الإمام أبي حنيفة.(10/433)
267 - محمد بن عَمْر بن محمد بن أبي عَقِيل، أبو بكر الكَرَجيّ الواعظ. [المتوفى: 478 هـ]
وُلِد بالكَرَج سنة أربع وأربعمائة، ورحل إلى إصبهان فسمع مُعْجَم الطَّبرانيّ، عن شيوخه من ابن ريذة.
وسمع بالشّام من محمد بن الحسين بن [ص:435] التُّرجمان، والسَّكن بن جُمَيْع، وجماعة.
روى عنه الفقيه نصر، وهبة الله بن طاوس.
توفّي في رجب بدمشق.(10/434)
268 - محمد بن محمد بن موسى، أبو عليّ النعُّيميّ النَّيسابوريّ. [المتوفى: 478 هـ]
حدَّث عن أبي الحَسَن محمد بن الحسين العَلَويّ، وعُمِّر أربعًا وتسعين سنة، وتوفّي في رجب.(10/435)
269 - مسلم ابن الأمير أبي المعالي قُرَيْش بن بدران بن مقلّد حسام الدّولة أبي حسّان بن المسيب بن رافع العُقَيْليّ، السّلطان الأمير شرف الدّولة أبو المكارم. [المتوفى: 478 هـ]
كان أبوه قد نهب دار الخلافة مع البساسيريّ، ومات سنة ثلاثٍ وخمسين كَهْلًا، فقام شرف الدّولة بعده، واستولى على ديار ربيعة، ومُضَر، وتملَّك حلب، وأخذ الحمْل والإتاوة من بلاد الرّوم، أعني من أنطاكيّة، ونحوها. وسار إلى دمشق فحاصرها. وكان قد تهيَّأ له أخذها، فبلغه أنّ حرّان قد عصى عليه أهلُها، فسار إليهم، فحاربهم وحاربوه، فافتتحها وبذل السَّيف، وقتل بها خلقًا من أهل السُّنَّة.
وكان رافضيا خبيثًا، أظهر ببلاده سبّ السَّلف، واتسعت مملكته، وأطاعته العرب، واستفحل أمرُه حتّى طمع في الاستيلاء على بغداد بعد وفاة طُغْرُلْبَك.
وكان فيه أدبٌ، وله شعرٌ جيّد. وكان له في كلّ قرية قاض، وعامل، وصاحب خبر. وكان أحول، له سياسة تامّة. وكان - لهيبته - الأمنُ، وبعض العدْل في أيّامه موجودًا. وكان يصرف الجزية في بلاده إلى العلويّين. وهو الذي عمَّر سُور المَوْصل وشيّدها في ستّة أشهر من سنة أربع وسبعين.
ثمّ إنّه جرى بينه وبين السّلطان سُليمان بن قُتْلُمش السَّلجوقيّ ملك الرّوم مصافٌّ في نصف صَفَر على باب أنطاكيّة فقُتِل فيه مسلم، وله بضعٌ وأربعون [ص:436] سنة، قال صاحب الكامل، والقاضي شمس الدّين بن خَلِّكان.
وقال المأمونيّ في تاريخه: بل وثب عليه خادمٌ في الحمام فخنقه.
ثمّ إنّ السّلطان ملكشاه رتَّب ولده محمدا في الرَّحبة، وحرّان وسروج، وزوّجه بأخته زليخا.(10/435)
270 - هبة اللَّه بْن عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن محمد، أبو الحَسَن القَصْريّ السيبيّ، [المتوفى: 478 هـ]
من أهل قصر ابن هبيرة.
قدِم بغداد مع عمّه أبي عبد الله ابن السّيبيّ، وسمع الحديث من أبي الحسين بن بشران، وغيره.
روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو نصْر أحمد بن عَمْر الغازي، وعليّ بن عبد السلام.
وكان فاضلًا. قرأ طَرَفًا من النَّحو والفقه، وولي القضاء بناحيته. ثمّ إنه طُلِب لتأديب أمير المؤمنين المقتدي بالله وبَنيه من بعده. وولي القضاء بالحريم الشّريف. وكان وَقُورًا مهيبًا فهمًا عالمًا.
تُوُفّي في ثاني عشر المحرَّم عن بضعٍ وثمانين سنة.(10/436)
271 - يحيى بن محمد بن القاسم بن محمد، أبو المعمَّر بن طَبَاطَبَا العَلَويّ الشّيعيّ. [المتوفى: 478 هـ]
من كبار الإماميّة. روى عن الحسين بن محمد الخلّال. وشارك في العلم، روى عنه أبو نصر الغازي، وإسماعيل ابن السمرقندي.(10/436)
-سنة تسع وسبعين وأربعمائة(10/437)
272 - أحمد بن عبد العزيز بن شَيْبان البغداديّ. [المتوفى: 479 هـ]
روى عن أبي الحسين بن بِشْران، وعبد الله بن يحيى السُّكَّريّ. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.(10/437)
273 - أحمد بن عُبَيْد الله، أبو غالب ابن الزّيّات البيّع الخيّاط المؤذّن. [المتوفى: 479 هـ]
سمع ابن شاذان، والحرفيّ. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وأبو بكر ابن الزّاغُونيّ.
تُوُفّي في شعبان.(10/437)
274 - أحمد بن محمد بن دوست دَادَا، شيخ الشيوخ أبو سعْد النَّيسابوريّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 479 هـ]
صحِب الزّاهد القُدوة أبا سعيد فضل اللَّه بْن أَبِي الخير الميْهَنيّ، وسافر الكثير. وكان ذا همّةٍ شريفة وأخلاق سَنِيّة. حجّ على التجريد مرّات، لأنّ الطّريق كان منقطعًا. وكان يجمع جماعة من الفُقراء والصُّوفيّة، ويدور في قبائل العرب، وينتقل من حلّة إلى حلّة، إلى أن يصل مكّة. وكان بينه وبين نظام المُلْك مودَّة أكيدة، اتفق أنّه كان منصرفًا من إصبهان إلى حضرة نظام المُلْك، فنزل بنهاوند، وكان قد غَرُبَت الشمس، فنزل فأتى خانقاه أبي العبّاس النَّهاونديّ، فمُنع من الدّخول وقيل: إنْ كنت من الصُّوفيّة، فليس هذا وقت دخول الخانقاه، وإنْ كنتَ لستَ منهم، فليس هذا موضعك. فباتَ تلك الليلة على باب الخانقاه في البرد، فقال في نفسه: إنْ سهْل الله لي بناء خانقاه أمنع من دخولها أهل الجبال، وتكون موضع نزول الغرباء من الخُراسانيّين.
قال أبو سعْد السّمعانيّ: بَلَغَني أنّه خرج مرّةً إلى البادية، فأضافه صاحبه أحمد بن زَهْراء، وكانت له زاوية صغيرة يجتمع فيها الفقراء، فلمّا دخلها أبو سعْد قال: يا شيخ لو بنيت للأصحاب موضعًا أوسع من هذا، وبابًا أرفع من هذا، حتّى لا يحتاج الدّاخل إلى انحناء ظهره. فقال له أحمد: إذا بنيت أنت رِباطًا للصُّوفيّة في بغداد، فاجعل له بابًا يدخل منه الجمل وعليه الرّاكب. [ص:438]
فضرب الدَّهر ضربانه، وانصرف أبو سعْد إلى نَيْسابور، وباعَ أملاكه، وجمع ما قدر عليه، وقدِم بغداد، وبنى الرّباط، وحضر فيه الأصحاب، وأحضر أحمد بن زَهْراء وركب واحدٌ جملًا حتّى دخل من باب الرِّباط. وسمعت ولده أبا البركات إسماعيل يقول: لما غرق جميع بغداد في سنة ستًّ وستّين وأربعمائة، وكان الماء يدخل الدُّور من السُّطوح، وضرب الجانب الشّرقيّ بالكلّية، اكترى والدي زورقًا، وركب فيه، وحمل أصحابه الصُّوفيّة وأهله. وكان الزَّورق يدور على الماء، والماء يخرّب الحِيطان، ويحمل الأخشاب إلى البحر، فقال أحمد بن زَهْراء لوالدي: لو اكتريت زورقًا ورجلًا يأخذ هذه الْجُذُوع ويربطها في موضع، حتّى إذا نقص الماء بنيت الرّباط، كان أخفَّ عليك.
قال: يا شيخ أحمد هذا زمان التفرقة، ولا يمكن الجمع في زمن التفرقة. فلمّا هبط الماء بنى الرّباط أحسن ممّا كان.
تُوُفّي في ربيع الآخر، وهو الذي تولّى رباط نهر المعلَّى. وكان عالي الهمّة، كثير التّعصُّب لأصحابه، جدَّد تربة معروف الكَرْخيّ بعد أن احتَرَقَت. وكان ذا منزلةٍ كبيرةٍ عند السّلطان، وحُرْمة عند الدّولة. وكان يقال: الحمد لله الذي أخرج رأس أبي سعْد من مرقَّعةٍ، فلو خرج من قباء لَهَلَكْنا.
وابن زَهراء هذا هو أبو بكر الطُّريثيثيّ.(10/437)
275 - أحمد بن محمد بن مفرّج، أبو العبّاس الأنصاري القُرْطُبيّ، يُعرف بابن رُمَيْلَة. [المتوفى: 479 هـ]
كان معنيا بالعِلم، وصحبة الشّيوخ. وله شعر حسن في الزُّهد، وفيه عبادة. واستُشهد بوقعة الزّلّاقة، مقبِلًا غير مُدبْر رحمه الله، وكانت يوم الجمعة ثاني عشر رجب على مقربةٍ من بَطَلْيُوس، قُتِل فيها من الفرنج ثلاثون ألف فارس، ومن الرَّجَّالة ما لا يحصى؛ وهي من الملاحم المشهورة كما تقدم.(10/438)
276 - أحمد بن يوسف بن أصبغ، أبو عمر الطُّليطليّ. [المتوفى: 479 هـ]
سَمِعَ أَبَاهُ، وعبد الرحمن بْن محمد بْن عبّاس. وكان ماهرًا في الحديث [ص:439] والفرائض والتّفسير، ورحل إلى المشرق وحجّ. وولي قضاء طليطلة. ثمّ عزل.
وكان ثقة رضا، تُوُفّي في شعبان.(10/438)
277 - إبراهيم بن عبد الواحد بن طاهر القطّان، أبو الخطاب البغداديّ. [المتوفى: 479 هـ]
ثقة صالح، سمع البرقانيّ، وأبا القاسم الحرفيّ، وابن بِشْران.
وعنه ابن السَّمرقنديّ، والأنْماطيّ.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى.(10/439)
278 - إسماعيل بن زاهر بن محمد، أبو القاسم النوُّقانيّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 479 هـ]
قال السَّمعانيّ: فقيه صالح، صدوق، كثير السّماع، سمع أبا الحَسَن العَلَويّ، وأبا الطَّيِّب الصُّعْلُوكيّ، وعبد الله بن يوسف بن بامويه، وابن مَحْمِش بَنْيسابور، وأبا الحسين بن بِشْران، ونحوه ببغداد، وجناح بن بدر بالكوفة؛ وابن نظيف، وأبا ذر بمكّة.
روى عنه زاهر الشحامي، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وإسماعيل بن عبد الرحمن القارئ.
وقد تفقّه على أبي بكر الطُّوسيّ، وعقد مجلس الإملاء، وأفاد الكثير، وكان مولده في سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة.
ومن آخر مَن روى عنه عبد الكريم بن محمد الدّامَغَانيّ.
قال عبد الغافر: هو من أركان فقهاء الشّافعيّة. سمعتُ منه بعض أماليه.
وروى عنه أيضًا: سعيد بن عليّ الشّجّاعيّ، وعائشة بنت أحمد الصّفّار، وأبو الفتوح عبد الله بن عليّ الخركوشيّ، وعبد الكريم بن عليّ العَلَويّ، وعبد الملك بن عبد الواحد ابن القُشَيْريّ، ومحمد بن جامع خيّاط الصُّوف، وغيرهم، ومن مسموعاته كتاب تاريخ الفَسَويّ؛ رواه عن ابن الفضل القطّان، عن ابن دَرَسْتَوَيْه، عن الفسويّ.(10/439)
279 - إسماعيل بن محمد بن أحمد، أبو سعْد الحَجَّاجيّ الفقيه. [المتوفى: 479 هـ]
سمع الحسين بن محمد بن فنجُوَيْه الثقفيّ، وأبا بكر الحِيريّ، وأبا سعيد الصَّيرفيّ، وابن حيد. وعنه إسماعيل بن أبي صالح، وعبد الغافر الفارسيّ، وعبد الله ابن الفراويّ.(10/440)
280 - ثابت بن الحسين بن شراعة، أبو طالب التّميميّ الهمذانيّ الأديب. [المتوفى: 479 هـ]
روى عن أبي طاهر بن سَلَمة، ومنصور بن رامش، وابن عيسى وجماعة.
قال شيرُوَيْه: سمعتُ منه، وكان صدوقًا. توفّي في صفر.(10/440)
281 - جَعبْر بن سابق، الأمير سابق الدّين القُشَيْريّ. [المتوفى: 479 هـ]
صاحب قلعة جعبر، الحصن الّذي على الفرات. قتله السّلطان ملكشاه السَّلجوقيّ لمّا قدِم حلب لأنّه بلغه أنّ ولديه يقطعان الطّريق.
يُقال لقلعة جَعْبَر أيضًا الدَّوسريّة، لأنّ دَوْسَر غلام ملك الحيرة النعمان بن المنذر بناها.(10/440)
282 - الحَسَن بن محمد بن القاسم بن زَيْنَة، أبو عليّ البغداديّ الدّقّاق الكاتب. [المتوفى: 479 هـ]
قال السّمعانيّ: شيخ صالح، ثقة مأمون. سمع الكثير، وتفرّقت كُتُبُه. وكان يُسْمع من أصول غيره.
روى عن هلال الحفّار. حدثنا عنه إسماعيل ابن السَّمرقنديّ، وعبد الوهّاب الأنماطي، وأحمد بن الإخوَّة، مات في صَفَر، وله ثمانون سنة.(10/440)
283 - حمْد بن أحمد الحلمقريّ الهَرَويّ. [المتوفى: 479 هـ]
يروي عن أبي منصور الأزديّ.(10/440)
284 - سعيد بن فضل الله بن أبي الخير، الشّيخ أبو طاهر [المتوفى: 479 هـ]
ابن الإمام القدوة، أبي سعيد الميهني.
توفي في شعبان، وهو أكبر أولاد أبيه، وجلس في المشيخة بعد والده [ص:441] ولم يحدّث.
روى عن أبي بكر الحِيريّ، وعن والده.(10/440)
285 - سُليمان بن قُتُلْمِش بن سلْجُوق، [المتوفى: 479 هـ]
أمير قُونية، وجدّ سلاطين الرّوم.
قُتِلَ في صَفَر في المُصَافّ بأرض حلب، وقام بعده ابنه قلج أرسلان.(10/441)
286 - شافع بن محمد بن شافع، أبو بكر الأبيورديّ. [المتوفى: 479 هـ](10/441)
287 - صالح بن أحمد بن يوسف، أبو رجاء البُسْتيّ، المعبّر. [المتوفى: 479 هـ]
جاور بمكّة مدّةً، وحدَّث عن أبي المستعين محمد بن أحمد البُسْتيّ، وطاهر بن العبّاس المَرْوَزِيّ، وأبي ذَرّ الهَرَويّ. سمع منه عمر الرواسي، وغيره.
وتوفّي بعد سنة ثمانٍ وسبعين.(10/441)
288 - طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف، أبو عبد الرحمن الشّحّاميّ النَّيسابوريّ المستملي، [المتوفى: 479 هـ]
والد زاهر ووجيه.
كان أحد من عنى بالحديث وأكثر منه. وسمَّع أولاده، وحدَّث عن أبي بكر الحِيريّ، وأبي سعيد الصَّيرفيّ، وفضل الله بن أبي الخير الميْهَنيّ الزّاهد، ووالده أبي بكر محمد بن محمد الرجل الصّالح، والأستاذ أبي إسحاق الإسفرايينيّ، وصاعد بن محمد القاضي.
روى عنه ابناه، وحفيداه عبد الخالق بن زاهر، وفاطمه بنت خَلَف، وعبد الغافر الفارسيّ.
وصنَّف كتابًا بالفارسيّة في الشرائع والأحكام، واستملى على نظام المُلْك، وغيره.
وكان فقيهًا، أديبًا، بارعًا، شُرُوطيًّا، صالحًا، عابدًا. تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وله ثمانون سنة.(10/441)
289 - عبد الله بن أحمد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الصّمد ابن المهتدي بالله ابن الواثق ابن المعتصم ابن الرشيد، الخطيب أبو جعفر العبّاسيّ البغداديّ، [المتوفى: 479 هـ]
والد أبي الفضل محمد بن عبد الله.
كان خطيبًا جليلًا رئيسًا صالحًا، يخطب بجامع الحربيّة. سمع أبا القاسم [ص:442] ابن بِشْران، وغيره.
وعنه ابن السَّمرقنديّ. ومات في شعبان.(10/441)
290 - عبد الجليل بن عبد الجبّار بن عبد الله بن طلحة، أبو المظفّر المَرْوَزِيّ، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 479 هـ]
قدِم دمشق، وتفقه به جماعةُ منهم: أبو الفضل يحيى بن عليّ القُرَشيّ. وكان قد تفقَّه على الكازرونيّ، وولي القضاء حين دخل التُّرك إلى دمشق.
وكان فاضلًا مهيبًا عفيفًا. حدَث عن عبد الوهّاب بن برهان، وغيره.
وعنه غيث الأرمنازيّ، وهبة الله بن طاوس.(10/442)
291 - عبد الخالق بن هبة الله بن سلامة، أبو عبد الله الواعظ ابن المفسِّر، [المتوفى: 479 هـ]
خال رزق الله التّميميّ.
صالح، زاهد، ورِع، نبيل، مَهِيب. سمع أبا عليّ بن شاذان.
روى عنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ. مولده سنة تسعين وثلاثمائة.(10/442)
292 - عبد الكريم بن عبد الواحد، أبو الفتح الأصبهانيّ، الصّحاف الدّلاّل. [المتوفى: 479 هـ]
سمع عثمان بن أحمد البُرْجيّ، وأبا عبد الله الْجُرْجانيّ. روى عنه الثقفيّ، والرُّستميّ.(10/442)
293 - عبد الواحد بن محمد بن عبد السميع بن إسحاق، أبو الفضل بن الطَّوابيقيّ، العبّاسيّ، [المتوفى: 479 هـ]
من أولاد الواثق بالله.
سمع أبا الحَسَن عليّ بن هبة الله العيسَويّ. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وغيره.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة ببغداد.(10/442)
294 - عُبَيْد الله بن عثمان بن محمد بن يوسف دُوَسْت، أبو منصور ابن العلّاف. [المتوفى: 479 هـ]
من أولاد الشيوخ. روى عن الحسين بن الحَسَن الغَضَائِريّ، وعُبَيْد الله بن [ص:443] منصور الحربيّ.
وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهّاب الأنماطيّ، وعمر بن السّدنك.
تُوُفّي في شعبان عن ستٍّ وثمانين سنة، قاله ابن النّجّار.(10/442)
295 - عليّ بن أحمد بن علي بن إبراهيم بن بحر، أبو عليّ التُّستريّ، ثمّ البصْريّ السَّقطيّ. [المتوفى: 479 هـ]
كانت الرحلة إليه في سماع سنن أبي داود؛ رواها عن أبي عمر الهاشميّ.
وروى عن عمه أبي سعيد الحَسَن بن عليّ.
روى عنه المؤتمن السّاجيّ، وعبد الله بن أحمد السَّمرقنديّ، وأبو الحَسَن محمد بن مرزوق الزَّعفرانيّ، وأبو غالب محمد بن الحَسَن الماوَرْدِيّ، وعبد الملك بن عبد الله، وآخرون.
وكان صدوقًا، وآخر من حدَّث عنه أبو طالب محمد بن محمد بن أبي زيد العلويّ النّقيب؛ روى عنه الجزء الأوّل من السُّنن بالسَّماع، والباقي إجازةً إنّ لم يكن سماعًا، وبقي إلى سنة ستيّن وخمسمائة.(10/443)
296 - عليّ بن أحمد بن عليّ، الأديب أبو القاسم الأُسَديّ النّجّاشيّ. [المتوفى: 479 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان، وطبقته. وكان إخباريا، عارفًا، راوية؛ روى عنه أبو محمد ابن السمرقندي، وهبة الله ابن المُجْلي.
يُعرف بابن الكوفيّ، تُوُفّي في رجب.(10/443)
297 - عليّ بن فضّال بن عليّ بن غالب، أبو الحَسَن القَيْروانيّ، المُجاشِعيّ التّميميّ، الفَرَزْدَقيّ النَّحويّ، [المتوفى: 479 هـ]
صاحب التّصانيف.
مسقط رأسه هجَر، وطوَّف الأرض حتّى وصل إلى غَزْنَة، وأقبل عليه أكابرها. وانخرط في صحبة الوزير نظام المُلْك، وصنَّف بُرهان العَمِيديّ في التفسير، في عشرين مجلدًا، وكتاب الإكسير في علم التفسير خمسة وثلاثون مجلَّدًا، وكتابًا في النَّحو، في عدّة مجلدات وهو كتاب إكسير الذّهب في صناعة الأدب، وغير ذلك. [ص:444]
قال ابن طاهر المقدسيّ: سمعتُ إبراهيم بن عثمان الأديب الغَزّيّ يقول: لمّا دخل أبو الحَسَن بن فضّال النَّحويّ نَيْسابور اقترح عَليه أبو المعالي الْجُوَيْنيّ أنّ يصنّف باسمه كتابًا في النَّحو، فصنَّفه وسمّاه الإكسير. ووعده بألف دينار، فلمّا صنَّفه وفرغ ابتدأ أبو المعالي بقراءته عليه، فلمّا فرغ من القراءة انتظره أيامًا أن يدفع إليه ما وعده، فلم يُعْطه شيئًا، فأرسل إليه: إنّك إنّ لم تَفِ بما وعدتَ وإلًا هجوتُك. فأنفذ إليه على يد الرسول: نكثتها، عرضي فداؤك. ولم يُعطِه حبة.
وقيل: إنّ ابن فَضّال روى أحاديث، فأنكرها عليه عبد الله بن سبعون القيروانيّ، فاعتذر إليه بأنّه وهْم. وقد صنَّف ابن فَضّال بغَزْنة عدَّة كُتُب بأسماء أكابر غَزْنَة.
وكان إمامًا في اللغة، والنَّحو، والسِّير، وأقرأ الأدب مدّةً ببغداد، ومن شعره:
وإخوان حسِبْتُهُمُ دُرُوعًا ... فكانوها ولكنْ للأعادي
وخِلْتُهُم سهامًا صائباتٍ ... فكانوها ولكنْ في فؤادي
وقالوا: قد صَفَتْ منّا قُلُوبٌ ... لقد صدقوا ولكنْ عن وِدادي
وله:
لا عُذْرَ للصَّبّ إذا لم يكُنّ ... يخلَعُ في ذاك العذار العِذارْ
كأنّه في خدّهِ إذْ بدا ... ليلٌ تبدّى طالعًا من نهارْ
وشعره كثير.
وله من التّصانيف أيضًا: كتاب النُّكَّت في القرآن، وكتاب البَسْمَلة وشرحها مجلّد، وكتاب العوامل والهوامل في الحروف خاصّة، وكتاب الفُصُول في معرفة الأُصُول، وكتاب الإشارة في تحسين العبارة، وكتاب شرح عنوان الإعراب، وكتاب العَرُوض، وكتاب معاني الحروف، وكتاب الدُّول في التّاريخ، وهو كبير وُجد منه ثلاثون مجلَّدًا، وكتاب شجرة الذَّهب في معرفة أئمة الأدب، وكتاب معارف الأدب، وغير ذلك مع ما تقدَّم. [ص:445]
قال ابنُ ناصر: تُوُفّي ابن فَضّال المُجَاشِعيّ في الثاني والعشرين من ربيع الأوّل.(10/443)
298 - عليّ بن مقلَّد بن نصر بن مُنْقذ بن محمد، الأمير سديد المُلْك أبو الحَسَن الكنانيّ [المتوفى: 479 هـ]
صاحب شَيْزَر.
أديب شاعرٌ. قدِم دمشقَ مرَّات. واشترى حصن شَيْزَر من الرّوم، وكان أخا محمود بن صالح صاحب حلب من الرضاعة.
ومن شعره في غلام:
أَسْطُو عليه وقلبي لو تمكّن من ... يديَّ غلَّهما غيْظًا إلى عُنقي
وأستعير إذا عاتبتُه حَنَقًا ... وأين ذلُّ الهَوَى من عِزّة الحَنقِ
وكان قبل تملُّك شَيْزَر ينزل في نواحي شيزر، على عادة العرب؛ وقيل: إنّه حاصرها وأخذها بالأمان في سنة أربعٍ وسبعين. ولم تزل في يد أولاده إلى أن هدمتها الزَّلزلة، وقتلت سائر من فيها في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة.
وكان جوادًا ممدَّحًا، مدحَه ابن الخيّاط، والخَفَاجيّ، وغيرهما، وقيل: بل تُوُفّي سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة، وهلك في الزَّلْزَلة حفيده تاج الدّولة محمد بن سلطان بن عليّ ابن عمّ الأمير أسامة الشّاعر.(10/445)
299 - الفضل ابن العلّامة أبي محمد عليّ بن أَحْمَد بن سعيد بن حَزْم، أبو رافع القُرْطُبيّ. [المتوفى: 479 هـ]
روى عن أبيه، وابن عبد البَرّ، وكتب بخطه علما كثيرا. وكان ذا أدبٍ ونباهة، وذكاء.
توفّي بوقعة الزلاقة شهيدا، وكان مع مخدومه المعتمد.(10/445)
300 - محمد بْن أحْمَد بْن عثمان بْن أحْمَد بْن محمد، أبو الفتح الخزاعي المطيري. المعروف بالباهر، [المتوفى: 479 هـ]
خطيب قصر عروة، من [ص:446] أعمال سامراء.
روى عن عَلِيّ بْن أحمد بْن محمد بْن يوسف السّامرّيّ الرّفّاء، وأبي محمد الحَسَن بن محمد بن يحيى الفحام، وأبي عليّ بن شهاب العُكْبريّ، وأبي الحَسَن محمد بن جعفر بن محمد التّميميّ النَّحويّ الكوفيّ، وجماعة.
روى عنه هبة الله السَّقطيّ، وأبو العزّ بن كادش. ولد في رمضان سنة خمسٍ وثمانين وثلاثمائة.
وقال السَّقطيّ: مات بقصر عروة. فذكر السّنة وقال: تسمَّح في حديثه عن الرّفّاء خاصة.(10/445)
301 - محمد بن أحمد بن محمد بن يونس الأنصاريّ، أبو عبد الله السَّرقسطيّ المقرئ. [المتوفى: 479 هـ]
أخذ عن أبي عمرو الدّانيّ، وأبي عَمْر بن عبد البَرّ. روى عنه هبة الله ابن الأكفاني.(10/446)
302 - محمد بن الحَسَن بن منازل، أبو سعْد المَوْصليّ الحدّاد الإسكاف. [المتوفى: 479 هـ]
سمع ابن مَخْلَد الرّزّاز، وأبا القاسم بن بِشْران، وزعم أنّه سمع شيئًا من أبي الحسين بن بِشْران. روى عنه قاضي المَرِسْتان، وعبد الوهّاب الأنماطيّ، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وإسماعيل بن محمد الطّلْحيّ.
مات في شعبان؛ قاله السّمعانيّ.(10/446)
303 - مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هلال، أبو الحسن ابن الخبّازة، المستعمل العتّابي، الملقَّب بالْجُنَيد. [المتوفى: 479 هـ]
سَمِعَ: أبا الحَسَن بن رزقوَيْه، وأبا الحسين بن بِشْران، وغيرهما.
رَوَى [ص:447] عَنْهُ: يحيى ابن الطّرّاح، وابن السَّمرقنديّ، ومحمد بن مسعود بن السَّدنك.
تُوُفّي في ذي الحِجّة.(10/446)
304 - محمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف، أبو بكر البغداديّ، [المتوفى: 479 هـ]
أخو أحمد.
كان ورِعًا صالحًا لا يخرج من منزله إلّا للصَّلوات. سمع أَبَا الفتح بْن أَبِي الفوارس، وابا الحسين بن بشران، والحمَّاميّ.
روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ، وعبد الوهّاب الأنماطيّ.
قال ابن ناصر: كان عالمًا، متقنًا، مجوَّدًا، كثير السّماع، ورِعًا، ثقة. هجر أخاه لكونه حضر مجلس أبي نصر ابن القُشَيْريّ، مات في ربيع الأوّل.(10/447)
305 - محمد بن عُبَيْد اللَّه بن محمد، أبو الفضل الصّرّام النَّيسابوريّ الصّالح العابد. [المتوفى: 479 هـ]
سمع أَبَا نُعَيْم عَبْد الملك بْن الْحَسَن، وعبد الله بن يوسف بن بامويه، وأبا الحَسَن العلويّ، وأبا عبد الله الحاكم، وجماعة.
روى عنه وجيه الشّحّاميّ، وإسماعيل ابن المؤذن، ومحمد بن جامع الصّوّاف، وعبد الله ابن الفُراويّ، وجماعة.
وطال عُمره، ومات في شعبان، وكان أبوه من رؤساء نَيْسابور، وهو فكان يقرأ القرآن في ركعة أو ركعتين، ويديم التّعبُّد والتّلاوة.(10/447)
306 - محمد بن عليّ بن إبراهيم الأُمَويّ، يُعرف بابن قرْذِيال، أبو عبد الله الطُّليطليّ. [المتوفى: 479 هـ]
سمع من جماعة من رجال بلده، وكان يُقرئ الفقه. وله تصنيفٌ في شرح البخاريّ.
ذكره ابن بَشْكُوال.(10/447)
• - محمد بن عمّار. [المتوفى: 479 هـ][ص:448]
قيل: قُتِل فيها، وقد مرّ سنة سبعٍ.(10/447)
307 - محمد بن محمد بن علي بن الحَسَن بن محمد بن عبد الوهاب بن سُليمان بن محمد بْن سُليمان بْن عَبْد اللَّه بْن محمد بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي بن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أبو نصْر الهاشميّ العبّاسيّ، الزَّينبيّ. [المتوفى: 479 هـ]
مُسْنِد العراق في زمانه، وآخر من حدَّث عن المخلّص.
قال السّمعانيّ: شريف، زاهد، صالح، متعبِّد، دين، هجر الدّنيا في حداثته، ومال إلى التّصوُّف. وكان منقطعًا إلى رباط شيخ الشّيوخ أبي سعْد. وانتهى إسناد البَغَوي إليه. ورحل إليه الطَّلبة، وسمع المخلّص، وأبا بكر محمد بن عمر الورّاق، وأبا الحسن الحمّاميّ، وغيرهم.
حدثنا عنه ابنا أخيه عليّ ومحمد ابنا طراد، وأبو الفضل الأرْموَيّ، والفُرَاويّ، ووجيه الشّحّاميّ، وأبو تمّام أحمد بن محمد المؤيَّد بالله، ومحمد بن القاسم الشَّهرزوريّ، والمظفر بن أبي أحمد القاضي بسنجار، وإسماعيل الحافظ، وأبو نصر الغازي، وآخرون.
ثمّ قال: أخبرنا فُلان وفُلان، إلى أن سمى سبعَة عشر رجلًا، قالوا: أخبرنا أبو نصر الزَّينبيّ، قال: أخبرنا المخلّص، قال: حدثنا البغويّ، قال: حدثنا أبو نصر التّمّار، عن حمّاد، فذكر حديث: " يوم يقوم النّاس لرب العالمين ".
وقد وقع لي عاليا في أوّل المخلّصيّات.
وقال السّمعانيّ: سمعت أبا الفضل محمد ابن المهتدي بالله يقول: كان أبو نَصْر إذا قُرئ عليه اللَّحن ردّه لكثرة ما قُرِئت عليه تلك الأجزاء.
قلت: كان أبو نصر أسند مَن بقي، وكذا أخوه طِراد، وكذا أخوهما نور الهدى الحسين، ومات سنة اثنتي عشرة وخمسمائة عن اثنتين وتسعين سنة.
قال السّمعانيّ: سمعتُ إسماعيل الحافظ بإصبهان يقول: رَحَلَ أبو سعْد البغدادي إلى أبي نصر الزَّينبيّ، فدخل بغداد، ولم يلْحقه، فحين أخبر بموته خرَّق ثوبه، ولطم، وجعل يقول: من أين لي عليّ بن الْجَعْد، عن شُعْبة؟ [ص:449]
سألت إسماعيل الحافظ، عن أبي نصر، فقال: زاهد صحيح السَّماع، آخر من حدَّث عن المخلّص.
قلتُ: آخر من حدَّث عنه هبة الله الشّبليّ القصّار، وبقي بعده يروي بالإجازة عن أبي نصر أبو الفتح ابن البطّيّ.
قال السّمعانيّ: وُلِد في صَفَر سنة سبعٍ وثمانين وثلاثمائة، وتُوُفّي في الحادي والعشرين من جُمَادَى الآخرة.(10/448)
308 - محمد بن محمد بن عليّ، أبو الحسين البَجَليّ الكوفيّ، ويُعرف بالرُّزّيّ. [المتوفى: 479 هـ]
عن أبي الطّيّب أحمد بن عليّ الجعفريّ ابن عمشليق سمع منه سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. روى عنه أبو الحسن ابن الطُّيوريّ، وإسماعيل ابن السمرقندي، ومات في جمادى الآخرة سنة تسعٍ.(10/449)
309 - محمد بْن أَبِي جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عمر ابن المسلمة، أبو عليّ. [المتوفى: 479 هـ]
سمع جدّه أبا الفَرَج، وهلالًا الحفّار. وعنه أبو بكر قاضي المرستان، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنديّ. تُوُفّي في رمضان وله ثمانون سنة.
قال ابن النّجّار: كان زاهدًا متعبّدًا، له كرامات، وسئل عنه المؤتمن بن أحمد، فقال: كان شيخًا شديدًا في السُّنَّة ثَبْتًا في الحديث، لا يخرج إلّا لجمعة.(10/449)
310 - محمد بن أبي القاسم عبد الجبّار بن عليّ الإسفراييني، أبو بكر الإسكاف المتكلّم [المتوفى: 479 هـ]
إمام الجامع المَنِيعيّ.
سمع أبا عبد الرحمن السُّلميّ، وأبا إسحاق الإسفراييني المتكلّم، وجماعة. أخذ عنه أبو المظفّر السّمعانيّ، والكبار.
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: حدثنا عنه إسماعيل العَصَائديّ، وأحمد بن العبّاس الشّقّانيّ، وأبو العبّاس الشّقّانيّ، وأبو القاسم محمد بن الحسين العَلَويّ. مات في جُمَادَى الأولى سنة سبعٍ بَنْيسابور.(10/449)
311 - مسعود بن سهل بن حَمَك، أبو الفتح العميد النَّيسابوريّ، [المتوفى: 479 هـ]
أحد الأكابر. [ص:450]
حدَّث في هذا العام ببغداد في شوّال. عن عليّ بن أحمد بن عَبْدان، والحسين بن محمد بن فَنْجُوَيْه الثَّقفيّ. روى عنه أبو محمد، وأبو القاسم ابنا السَّمرقنديّ.
وقد تزهَّد وحجَّ، وأنفق الأموال على الصُّوفية والعُبّاد، ولبس المرقَّعة، وكان مولده سنة ثمان وأربعمائة.(10/449)
312 - المعتزّ بن عُبَيْد الله بن المعتزّ بن منصور، أبو نصْر البَيْهَقيّ، [المتوفى: 479 هـ]
ولد الرئيس أبي مسلم.
سمع عليّ بن محمد بن عليّ ابن السّقاء الإسْفَرايينيّ، وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السّرّاج. روى عنه أبو البركات ابن الفراويّ، وعبد الرحمن بن عبد الصّمد القاينيّ المقرئ.
عاش خمسًا وسبعين سنة.(10/450)
313 - منصور بن دُبَيْس بن عليّ بن مَزْيَد الأَسَديّ، أمير العرب بهاء الدّولة، [المتوفى: 479 هـ]
صاحب الحلّة والنّيل.
كان فارسًا شجاعًا مذكورًا. أديبًا شاعرًا. ذا رأي وسماحة. قرأ الأدب وأخبار الجاهلية وأشعارها. وقرأ النَّحو على عبد الواحد بن برهان.
وكان عادلا حسن السيرة، مات في الكهولة سامحه الله، وولي بعده ولده سيف الدولة صدقة بن منصور.(10/450)
314 - واقد بن الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل، الخطيب أبو زيد بن أبي يعلى القزوينيّ. [المتوفى: 479 هـ]
قدم همذان في هذا العام، وحدث عن أبيه، وعن علي بن الحسن بن إدريس العمري القزويني صاحب أبي الحَسَن عليّ بن إبراهيم القطّان.
قال شيرُوَيْه: سمعتُ منه بَهَمَذان وقَزْوِين، وكان فقيهاً فاضلاً صدوقاً مفتياً.(10/450)
315 - هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن عبيد الله ابن المهتدي بالله، أبو الحَسَن بن أبي الحسين ابن الغريق. [المتوفى: 479 هـ][ص:451]
أحد الأعيان، وخطيب جامع القصْر. سمع أبا بكر البَرْقانيّ، روى عنه ابن السَّمرقنديّ، وكان أفصح خطباء بغداد.
قتل في صفر في الفتنة.(10/450)
316 - يحيى ابن الموفق بالله أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل بن زيد، أبو الحسين العَلَويّ الحُسينيّ الزَّيديّ الشَّجريّ الرّازيّ. [المتوفى: 479 هـ]
كان مفتي الزَّيدية ومقدّمهم وعالمِهم. وكان متفننًا من العِلم، والأدب، واللّغة. سمع ابن غَيْلان والصُّوريّ، والعَتِيقيّ ببغداد، وأبا بكر بن ريذَة وابن عبد الرّحيم الكاتب بإصبهان. رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، ونصْر بن مهديّ العَلَويّ، وأبو سعْد يحيى بن طاهر السّمّان.
وكان ممّن عُنِي بالحديث والرحلة فيه، تُوُفّي بالرَّيّ في سنة تسعٍ وسبعين.(10/451)
-سنة ثمانين وأربعمائة(10/452)
317 - أحمد بن الحَسَن بن عليّ بن عَمْر بن جعفّر بن عبد السّلام، أبو نصر ابن الحدّاد الأزْديّ التِّبْرِيزيّ. [المتوفى: 480 هـ]
قدِم في صَفَر إلى هَمَذَان، وحدَّث عن محمد بن منصور الميْمذيّ.
قال شيرويه: قرأت عليه مصنَّفاً له في أُصول السُّنَّة، فأنكرتُ عليه مسائل فيه، فرجع إليَّ فيها.(10/452)
318 - أحمد بن عليّ بن محمد، أبو نصر الهبَّاري، البصْريّ. [المتوفى: 480 هـ]
شيخ مُسنّ يخضب، قدِم مَرْو، وحدَّث بسُنَن أبي داود عن أبي عمر الهاشميّ. وحدَّث بالسُّنن ببُخَارى، واتُّهم في ذلك.
قال: محمد بن عبد الواحد فيه: كذّاب لا تحلّ الرواية عنه. وكذا كذبه غيره.
وحدَّث بمَرْو في هذا العم. وسيُعاد.(10/452)
319 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن عُمَر، أبو الحَسَن البغداديّ الأَوَانيّ البزّاز. [المتوفى: 480 هـ]
سمع أبا علي بن شاذان. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنديّ. وتُوُفّي فِي شوّال.(10/452)
320 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد، أبو القاسم العاصميّ البُوشَنْجيّ. [المتوفى: 480 هـ]
سمع أبا الحسين بن العالي، وعفيف بن محمد الخطيب. روى عنه أبو الوقْت، وعبد الجليل بن منصور العدْل.
مات في المحرَّم عن نحوٍ من ثمانين سنة.(10/452)
321 - أحمد بن أبي الربيع محمد بن أحمد بن عبد الواحد، الحافظ، أبو طاهر الإسْتِرَاباذيّ. [المتوفى: 480 هـ][ص:453]
سمع أباه، وأبا سعْد المالينيّ، وعليّ بن عَمْر الأَسَدَابَاذيّ. روى عنه الرُّستميّ، وطائفة.
مات في رجب.(10/452)
322 - إسماعيل بن عبد الله بن موسى، أبو القاسم السّاويّ. [المتوفى: 480 هـ]
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى. كان صدوقًا فاضلًا، أملى مجالس. سمع أبا بكر الحِيريّ، ورحل فسمع ببغداد أبا محمد السُّكّريّ، وابن الفضل القطّان، وجماعة. روى عنه زاهر الشّحّاميّ، وابنه عبد الخالق، وأخوه وجيه، وعبد الله بن الفراويّ.(10/453)
323 - الحَسَن بن عليّ بن العلاء بن عَبْدَوَيْه، أبو عليّ البُشْتيّ، [المتوفى: 480 هـ]
وبُشت - بالمعجمة -: ناحية من أعمال نَيْسابور، غير بُسْت التي بالمهملة.
كان واعظًا فاضلًا كبير القدْر، لكنه كان قليل العقل، يأكل في الطُّرق، ويسفّه، ويطرق على الأبواب. ثمّ عَمِي، وبقي في حالٍ زَرِيّ، فكان يؤذيه الصِّبْيان، ويبسط هو لسانه فيهم، قاله ابن السّمعانيّ.
سمع ابن مَحْمِش الزّياديّ، وأبا عبد الرحمن السُّلميّ، وعليّ بن محمد السقاء وغيرهم. روي عنه أبو الأسعد هبة الرحمن، وشريفة بنت الفراوي، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن، وآخرون.
تُوُفّي في رمضان. وكان أبوه أبو الحسن من كبار الشّافعيّة.(10/453)
324 - شافع بن صالح بن حاتم، الفقيه أبو محمد الجيليّ الحنبليّ، الفقيه الزّاهد. [المتوفى: 480 هـ]
قدِم بغداد بعد الثّلاثين وأربعمائة. ولزم القاضي أبا يَعْلَى، وكتب معظم مصنّفاته، وبرع في الأُصُول والفروع، وسمع الحديث، ودرّس وأفاد. وكان ذا تقشُّف، وعنه سمع من ابن غيلان.(10/453)
325 - عبد الله بن الحسين، الإمام أبو الفضل ابن الجوهريّ المصريّ الواعظ. [المتوفى: 480 هـ][ص:454]
من جلَّة مشايخ بلده ومن بيت العِلْم. روى عن أبي سعْد المالينيّ. أخذ عنه أبو عبد الله الحُمَيْدِيّ، وغيره. وكان أبوه من كبار العلماء والصُّلحاء.
أنشد أبو الفضل على كرسي وعظه:
أقبل جيش الهجر في موكبٍ ... بين يديه علمٌ يخفق
وصار قلبي في حصار الهوى ... كأنما النار له تحرق
مات في سابع عشر شوال منه السنة، وروى عنه علي بن المشرف الأنماطي، وطائفة من مشيخة السلفي. واسم جده سعيد.(10/453)
326 - عبد الله بن سهل بن يوسف، أبو محمد الأنصاري الأندلسي المرسي المقرئ. [المتوفى: 480 هـ]
أخذ عن أبي عَمْر الطَّلمنكيّ، ومكّيّ، وأبي عمرو الدّانيّ. ورحل فأخذ بالقيروان عَن مصنّف الهادي في القراءات، أبي عبد الله محمد بن سُفيان، وأبي عبد الله محمد بن سُليمان الأُّبِّيّ.
وكان ضابطًا للقراءات وطُرُقها، عارفًا بها، حاذقًا بمعانيها، أخذ النّاس عنه.
قال أبو عليّ بن سكَّرة: هو أمام أهل وقته في فنّه، لقيته بالمريّة، لازم أبا عَمْرو الدّانيّ ثمانية عشر عامًا، ثمّ رحل ولقي جماعة. وأقرأ بالأندلس، وبَعُد صِيتُه؛ فمن شيوخه: الطَّلمنكيّ، ومكّيّ، وأبو ذر الهَرَويّ، وأبو عمران الفاسيّ، وأبو عبد الله بن عابد، وحسن بن حمَّود التونسيّ، وعبد الباقي بن فارس الحمصيّ.
قال: وجرت بينه وبين أبي عَمْرو شيخه عند قدومه منافسه، وتقاطعا، وكان أبو محمد شديدًا على أهل البِدَع، قوّالًا بالحقّ مَهيبّا، جَرَت له في ذلك أخبار كثيرة، وامتحِن بالتّغرّب، ولَفَظَتْهُ البلاد، وغمزه كثيرٌ من النّاس، فدخل سبْتة، وأقرأ بها مُدَيْدة، ثمّ خرج إلى طَنْجَة، ثمّ رجع إلى الأندلس، فمات برُنْدَة.
قال ابن سكَّرة: عزمتُ على القراءة عليه، فقطع عن ذلك قاطعٌ. [ص:455]
قال القاضي عياض: وقد حدَّث عنه غير واحدٍ من شيوخنا، وحدثنا عنه شيخنا أبو إسحاق بن جعفر، وحدَّث عنه خالي أبو بكر محمد بن عليّ.
وقال أبو الإصبغ بن سهل: أشْكَلَتْ عليَّ مسائل من علم القرآن، لم أجد في من لقيت من يشفيني، حتّى لقيته.
قال: وكانت بينه وبين القاضي أبي الوليد الباجي منافرة عظيمة، بسبب مسألة الكتابة، فكان ابن سهل يلعنه في حياته، وبعد موته، فأدى ذلك أصحاب الباجيّ إلى القول في ابن سهل، والإكثار عليه.
قلت: وقرأ عليه بالروايات أبو الحَسَن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع المذكور في أسانيد الشّاطبيّ.(10/454)
327 - عبد الباقي بن أحمد بن هبة الله، أبو الحَسَن البزاز. [المتوفى: 480 هـ]
صهْر المقرئ أبي عليّ الأهوازيّ.
دمشقيّ، سمع من الأهوازيّ، وأبي عثمان الصابوني، وابن سلوان المازنيّ. روى عنه أبو القاسم الخضر بن عَبَدان.
وذكر هبة الله بن طاوس أنّ هذا زوَّر سماعًا لنفسِه في جزء.(10/455)
328 - عبد الرحيم بن أبي عاصم بن الأحنف، أبو سعْد الهَرَويّ الزّاهد. [المتوفى: 480 هـ]
سمع من أبي محمد حاتم بن محمد بن يعقوب المتوفى في سنة أربع وأربعمائة.(10/455)
329 - عبد الملك بن الحَسَن بن خَيْرُون بن إبراهيم، أبو القاسم الدّبّاس، [المتوفى: 480 هـ]
أخو الحافظ أبي الفضل أحمد.
كان من خيار البغداديّين وسراتهم وصلحائهم. سمع البَرْقَانيّ، وعبد الملك بن بِشْران. روى عنه ابنهُ المقرئ أبو منصور محمد، وعبد الوهّاب الأنماطيّ. ومات في ذي الحِجّة.(10/455)
330 - عبد الواحد بن إسماعيل، الإمام أبو القاسم البوشنجيّ الفقيه. [المتوفى: 480 هـ](10/456)
331 - عليّ بْن أحمد بْن محمد بْن عَبْد الله بن اللَّيث، أبو الحسن النّامقيّ، ثمّ النيَّسابوريّ. [المتوفى: 480 هـ]
سمع أبا طاهر بن مَحْمِش. وعنه زاهر الشّحّاميّ، وبنته سعيدة بنت زاهر، وعائشة بنت الصّفّار، والحسين بن عليّ الشّحّاميّ، وغيرهم.
تُوُفّي في سلخ جُمَادَى الأولى.(10/456)
332 - عليّ بن أبي بكر أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحَسَن الفارسيّ ثمّ النَّيسابوريّ. [المتوفى: 480 هـ]
سمع ابن مَحْمِش، وأبا بَكْر الحِيريّ، وجماعة. حدَّث عنه عبد الخالق بن زاهر، وغيره.
أرَّخه السّمعانيّ في رابع ربيع الأوّل.(10/456)
333 - فاطمة بنت الحسن بن عليّ العطار، أمّ الفضل البغداديّة الكاتبة، المعروفة ببنت الأقرع. [المتوفى: 480 هـ]
كانت تكتب طريقة ابن البّواب؛ كتب النّاس وجوَّدوا على خطها، وهي التي أُهِّلَتْ لكتابة كتاب الهُدْنة إلى ملك الروم من الدّيوان العزيز، يُضرب المثل بحُسن خطها.
وكان لها سماعٌ عالٍ؛ رَوَت عن أبي عَمْر بن مهديّ، وغيره. روى عنها: أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنديّ، وأبو البركات الأنْماطيّ، وأبو سعْد البغداديّ الأصبهانيّ، وقاضي المرستان، وغيرهم.
قال السّمعانيّ: سمعتُ محمد بن عبد الباقي الأنصاريّ يقول: سمعت [ص:457] فاطمة بنت الأقرع قالت: كتبتُ ورقةً لعميد الملك أبي نصر الكُنْدُريّ، فأعطاني ألف دينار.
تُوُفِّيت في المحرَّم.(10/456)
334 - فاطمة بنت الأستاذ أبي عليّ الحَسَن بن عليّ الدّقّاق، أمّ البنين النيَّسابوريّة الحُرّة الزّاهدة، [المتوفى: 480 هـ]
زوجة أبي القاسم القُشَيْريّ وأمّ أولاده.
سمعت أبا نُعَيم عبد الملك الإسفراييني، وأبا الْحَسَن العَلَويّ، وعبد اللَّه بْن يوسف الأصبهانيّ، وأبا عليّ الرُّوذباريّ، وأبا عَبْد اللَّه الحاكم، وأبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلميّ، وغيرهم.
روى عنها: سِبْطُها أبو الأسعد هبة الرحمن، وعبد الله ابن الفُراويّ، وزاهر الشّحّاميّ، وآخرون. وأوّل سماعٍ لها من أبي الحَسَن العَلَويّ، وذلك في سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة. وعُمرت تسعين سنة.
وكانت عابدةً، قانتة، مُتَهجِّدة، مُتَبتِّلة، تُوُفّيت في ثالث عشر ذي القعدة.
قال أبو سعْد السّمعانيّ: كانت فخر نساء عصرها، ولم يُرَ نظيرها في سيرتها، كانت عالمة بكتاب الله، فاضلة. إلى أن قال: سمعت من أبي نُعَيم، والعَلَويّ. ثمّ قال: ولدت سنة إحدى وأربعمائة. وهذا غلظٌ بيّن والصّواب أنّها وُلِدت قبل ذلك بمدّة.(10/457)
335 - الفضل بن محمد بن أحمد، أبو القاسم المدينيّ البقّال. [المتوفى: 480 هـ]
مات في رمضان.(10/457)
336 - محمد بن إبراهيم بن عليّ، العلّامة أبو الخطّاب الكعْبي الطَّبريّ [المتوفى: 480 هـ]
شيخ الشّافعيّة ببُخارى.
تفقَّه بأبي سهل أحمد بن عليّ الأَبيوَرْديّ، وكان من العلماء الزُّهّاد، تخَّرج به الأصحاب.
قال السّمعانيّ: حتّى كان يقعد بين يديه أكثر من مائتي فقيه على ما قيل. سمع من شيخه أبي سهل، والحسن بن أبي المبارك الشّيرازيّ الحافظ، ومكّيّ [ص:458] ابن عبد الرّزّاق الكُشْمِيهَنيّ، ومحمد بن عبد العزيز القنْطريّ، وعبد الكريم بن عبد الرحمن الكَلَاباذيّ، والمظفّر بن أحمد. حدثنا عنه عثمان بن عليّ البِيكَنْدِيّ. مات ببُخَارى في ربيع الأوّل.(10/457)
337 - محمد بن الحَسَن بن عليّ بن أحمد، أبو طاهر الحلبيّ المعروف بابن المِلْحيّ. [المتوفى: 480 هـ]
روى عن رشأ بن نظيف، وأبي عليّ الأهوازيّ، وجماعة. وعنه ابن الأكفانيّ.(10/458)
338 - محمد بن أبي سعيد أحمد بن الحَسَن بْن عَلِيّ بْن أحْمَد بْن سُليمان، أبو الفضل البغداديّ، ثمّ الأصبهاني. [المتوفى: 480 هـ]
من بيت العِلم والحديث. كان واعظًا، عالمًا، فصيحًا، حلو المَنْطق، عارفًا بالتّفسير، له مشيخة خرَّج فيها عن جماعة منهم: أبوه، وأبو الحسين بن فاذشاه، وابن ريذَة، وعبد العزيز بن أحمد بن فاذويه، وغيرهم. روى عنهابنه الحافظ أبو سعد أحمد، وإسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهّاب ابن الأنماطيّ.
حجّ، ورجع، فأدركه أجله ببغداد، في صفر.(10/458)
339 - محمد بن هلال بن المحسّن بن إبراهيم بن هلال ابن الصّابئ، أبو الحَسَن البغداديّ، غرس النِّعمة. [المتوفى: 480 هـ]
من بيت الكتابة والبلاغة والتاريخ. جمع ذيلًا على تاريخ أبيه. وكان عاقلًا، لبيبًا، رئيسًا مُبَجّلًا، سمع أبا علي بن شاذان، وغيره. روى عنه ابن السَّمرقنديّ، والأنماطيّ. وتُوُفّي في ذي القعدة عن ستين سنة، أو أربعٍ وستّين سنة. وله أيضًا كتاب الربيع، وكتاب الهفَوات.(10/458)
340 - مسعود بن سهل بن حَمَك، أبو الفتح النَّيسابوريّ، [المتوفى: 480 هـ]
نزيل مَرْو.
كان أحد الرؤساء المتموّلين. روى عن عليّ بن أحمد بن عَبْدان الأهوازيّ، وجماعة.
تُوُفّي في حدود هذه السَّنة. وقد ذُكر سنة تسعٍ أيضًا.(10/458)
-ومن المتوفين تقريباً(10/459)
341 - إسماعيل بن أحمد بن حسن، الفقيه أبو سُرَيْج الشّاشيّ الصُّوفيّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
شيخ جوّال، لقي المشايخ والصُّلحاء، وحدَّث بَنْيسابور، وغيرها. سمع بهَرَاة: أبا الحَسَن محمد بن عبد الرحمن الدّبّاس، وأبا عثمان سعيد بن العبّاس القُرَشيّ. روى عنه عبد الغفّار الفارسيّ ووثّقه، وأثنى عليه في سياقه، ولقِيه سنة سبعين.(10/459)
342 - إسماعيل بن أحْمَد بن محمد بن محمد بن يحيى بن مُعَاذ الرّازيّ، أبو إبراهيم. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
شيخ من أهل نَيْسابور. صدوق خيّر. سمع عبد الملك بن أبي عثمان الخَرْكُوشيّ الواعظ، وغيره. روى عنه سعيد بن الحُسين الجوهريّ، شيخٌ لعبد الرحيم ابن السّمعانيّ.(10/459)
343 - إفرائيم بن الزّفّان، أبو كثير اليهوديّ المصريّ، الطّبيب. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
خدم ملوك الباطنية بمصر، ونال دنيا عريضة، واقتنى من الكُتُب شيئًا كثيرًا. وهو أمهرُ تلامذة عليّ بن رضوان المذكور في سنة ثلاثٍ وخمسين. وكان إفرائيم في أيّام الأفضل ابن أمير الجيوش. وخلَّف من الكُتُب ما يزيد على عشرين ألف مجلَّد، ومن الأموال شيئًا كثيراً.(10/459)
344 - الْجُنَيْد بن القاسم، أبو محمد المُحْتاجي، [الوفاة: 471 - 480 هـ]
خطيب مَيْهَنَة.
سمع أبا بكر الحِيريّ، وأبا إسحاق الإسفراييني. روي عنه حفيده محمد بن أحمد بن الْجُنَيْد. وسماعه منه في سنة اثنتين وسبعين.(10/459)
345 - سعيد بن محمد بن أحمد بن سعيد بن صالح، البقّال، أبو القاسم الأصبهاني الحافظ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
عن ابن المَرْزُبان الأبْهَريّ، وابن مَرْدَوَيْه، وخلْق. وهو والد قُتَيْبة بن [ص:460] سعيد البقّال، وأخته لامِعَة. ذكرهم ابن نُقْطَة مختصرًا.(10/459)
346 - سُليمان بن أبي الفضل عبّاس بن سُليمان، الشّيخ أبو محمد القيروانيّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
مُسْنِد معمَّر، أجاز له من الحجاز أبو الحَسَن أحمد بن إبراهيم بن فراس، وأبو القاسم عُبَيْد الله السَّقطيّ. وأجاز له من القيروان أبو الحَسَن القابسيّ.
سمع منه: أبو عليّ الصَّدفيّ، وغيره، وقال: قال لي: لمّا ولدتُ ذهب أبي إلى أبي الحَسَن القابسيّ، فقال: سمِّه باسم الأعمش. أخبرنا سليمان، قال: أخبرنا ابن فراس كتابةً، قال: أخبرنا نافلة ابن المقرئ، فذكر حديثاً.(10/460)
347 - شبيب بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن خُشْنَام البَسْتِيغيّ النَّيسابوريّ، أبو سعْد. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
وُلِد سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاثمائة.
سمع أبا نعيم عبد الملك الإسفراييني، وأبا الحَسَن العَلَويّ، وغيرهما. روى عنه أبو عبد الله الفُرَاويّ، وزاهر الشَّحّاميّ، وأخوه وجيه، وأبو الأسعد القُشَيْريّ.
ذكره ابن السّمعانيّ في الأنساب، وقال: كان من الكرَّاميّة، وبَسْتِيغ: قرية من سواد نيسابور، توفّي في سنة نيف وسبعين وأربعمائة.(10/460)
348 - عبد الله بن محمد بن عمر، أبو محمد الطُّليطليّ، ويُعرف بابن الأديب. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
روى عن الصّاحبين أبي إسحاق بن شنطير، وأبي جعفر بن ميمون، وعَبْدُوس بن محمد، وأبي عبد الله ابن الفخّار. وسمع على أبي القاسم البراذعيّ كتابه في اختصار المدوّنة. وعُمّر دهرًا. وحمل النّاس عنه.
قال ابن بَشْكُوال: مات في عشر الثّمانين وأربعمائة.(10/460)
349 - عبد الرحمن بن عبد الله بن أسد الْجُهَنيّ، أبو المطرِّف الطُّليطليّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
روى عن محمد بن مغيث، وأبي محمد العشاريّ، ولقي بمكّة أبا ذر الهَرَويّ. [ص:461]
وكان ثقة، محدّثًا، فقيهًا، مشاوَرًا، ذا خيرٍ وتواضع، وسنّ وجلالة، تُوُفّي قبل الثمانين.(10/460)
350 - عبد الرحمن بن محمد بن اللّبّان الصّنْهاجيّ القُرْطُبيّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
روى عن مكّيّ بن أبي طالب، وأبي عَمْر أحمد بن مهديّ، واختص بمحمد بن عتاب.
وكان عارفًا، نبيهًا، يقظًا، كامل الأدوات، مليح الخطّ، تُوُفّي في نحو الثمانين أيضًا.(10/461)
351 - عبد الرحمن بن محمد بن يونس بن أفلح، أبو الحَسَن الأندلسيّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
من كبار النُّحاة، أخذ عن أبي تمّام القطينيّ، وأبي عثمان الأصفر. حمل النّاس عه، ومات بإشبيلية في حدود الثّمانين أو بعدها.(10/461)
352 - عبد الصّمد بن سعدون، أبو بكر الصَّدفيّ، المعروف بالرّكانيّ الطُّليطليّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
روى عن قاسم بن محمد بن هلال، وحجّ فسمع بمصر من أبي محمد بن الوليد، وأبي العبّاس أحمد بن نفيس، وأبي نصر الشيرازيّ.
وكان صالحًا يلقّن القرآن، وتُوُفّي بعد سنة خمسٍ وسبعين، قاله ابن بَشْكُوال.(10/461)
353 - عبد الوهّاب بْن محمد بْن الحَسَن بْن إبراهيم، أبو أحمد الْجَزَريّ البُرُوجِردِيّ، [الوفاة: 471 - 480 هـ]
نزيل اليمن.
مقرئ فاضل، سمع أَبَا عُمَر بْن مَهْدِيّ ببغداد، وأبا محمد ابن النّحّاس بمصر. روى عنه مكّيّ الرُّميليّ، وابن طاهر المقدسيّ، ومحمد بن القاسم الحلوانيّ، تُوُفّي بعد السّبعين. قاله السّمعانيّ.(10/461)
354 - عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن محمد بن أحمد بن محمد بن حسْكان، القاضي أبو القاسم ابن الحذّاء القُرَشيّ النَّيسابوريّ الحنفيّ الحاكم، الحافظ. [الوفاة: 471 - 480 هـ][ص:462]
شيخ متقن، ذو عناية تامّة بالحديث والسَّماع. أسنّ وعُمِّر، وهو من ذُرّيّة عبد الله بن عامر بن كُرَيْز. سمع وجمع وصنَّف، وجمع الأبواب والطُّرق، وتفقَّه على القاضي أبي العلاء صاعد. وحدَّث عن جدّه، والسّيد أبي الحَسَن العَلَويّ، وأبي عبد الله الحاكم، وابن مَحْمِش الزّياديّ، وعبد الله بن يوسف، وأبي الحَسَن بن عَبْدان، وابن فنجويه، وأبي الحسن ابن السّقّاء، وابن باكُوَيْه، وأبي حسّان المُزَكّيّ، ومن بعدهم إلى أبي سعْد الكَنْجَرُوذيّ، وطبقته. واختصّ بأبي بكر بن الحارث الأصبهاني، وأخذ عنه. وكذا أخذ العلم عن أحمد بن عليّ بن فَنْجُوَيْه. وما زال يَسمع ويُسمع ويُحدِّث ويفيد.
وقد أكثر عنه أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل، وذكره. ولم أجدْه ذكر له وفاةً. وقد بقي إلى بعد السّبعين وأربعمائة. ووجدتُ له مجلسًا في تصحيح ردّ الشَّمس وترغيم النّواصب الشُّمس. وقد تكلَّم على رجاله كلامَ شيعيٍّ عارفٍ بفنّ الحديث.
ويُعرف بالحَسّكانيّ، وابن حسْكوَيْه الذي روى عنه عبد الخالق الشّحّاميّ آخر يأتي سنة ثمانٍ وثمانين، اسمه عُبَيْد الله بْنُ عَبْد الله بن محمد بن أحمد بن حسْكوَيْه أبو سعْد.(10/461)
355 - عليّ بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن بَكْر، أبو الحسن المحكَّميّ الأسداباذيّ الفقيه الأديب. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
سمع الحديث، وأكثر منه. وعُمّر حتّى حدَّث وحُمل عنه. سمع بأسداباذ: أبا عبد الله بن شاذي الْجِيليّ، وأبا القاسم نصْر بن أحمد، وببغداد: أبا الحسين بن بِشْران، وأبا الحَسَن الحمَّاميّ، وجماعة، وبَنْيسابور: أبا بكر الحِيريّ، وغيره، وبإصبهان وغيرها. روى عنه هبة الله ابن أخت الطّويل الهَمَذانيّ. ووُلِد سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاثمائة.(10/462)
356 - محمد بن أحمد بن عثمان، أبو عبد الله القَيْسيّ الأندلسيّ ابن الحدّاد الشّاعر المشهور. ولقَبُه: مازن، [الوفاة: 471 - 480 هـ]
من أهل مدينة وادي آش، سكن المريّة.
ذكره الأبّار، فقال: كان من فُحُول الشُّعراء، وأفراد البلغاء، له ديوان كبير، ومؤلَّف في العروض. اختصَّ بالمعتصم محمد بن مَعْن بن صُمَادح، وفيه استفرغ مدائحه. ثمّ سار عنه إلى سَرَقُسْطَة وأقام في كنف المقتدر بن هود. توفّي في حدود الثّمانين وأربعمائة.(10/463)
357 - محمد بن أحمد بن أبي الحَسَن العارف المَيْهَنيّ، أبو الفضل. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
شيخ صالح، ثقة، صوفيّ، سمع الكثير. حدَّث بمرو عن أبي بكر الحِيريّ، وأبي سعيد الصَّيرفيّ، وجماعة. وعن جدّه أبي العبّاس.
سمع منه أبو المظفّر السّمعانيّ وابنُه مُسْنَد الشّافعيّ في سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة. روى عنه أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب الكُشْمِيهَنيّ، والحافظ أبو سعْد محمد بن أحمد بن محمد بن الخليل، ومحمد بن أحمد بن الْجُنَيْد المُحْتاجيّ، والعبّاس بن محمد العصّاريّ، وعبد الواحد بن محمد التُّونيّ، وسعيد بن سعْد المَيْهَنيّ، وآخرون، سمع منهم عبد الرّحيم ابن السّمعانيّ.(10/463)
358 - محمد بن عليّ بن حيدرة، أبو بكر الهاشميّ الجعفريّ البخاريّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
تفقَّه على القاضي أبي عليّ الحسين بن الخضر النَّسفيّ، وسمع الكثير، وأملى عن أبي الطّيَّب إسماعيل بن إبراهيم الميدانيّ صاحب خَلَف الخيّام. وعن إبراهيم بن سَلَم الشِّكَانيّ، وأبي مقاتل أحمد بن محمد بن حمدي، ومحمد بن أحمد الغُنْجار الحافظ.
ولد قبل الأربعمائة، حدَّث عنه عثمان بن عليّ البَيْكَنْديّ، وجماعة.(10/463)
359 - محمد بن عليّ بن محمد بن جُولة، أبو بكر الأبْهَريّ الأصبهاني. [الوفاة: 471 - 480 هـ][ص:464]
عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الْجُرْجانيّ، وأبي بكر بن مَرْدَوَيْه. وعنه أبو المبارك عبد العزيز الأدميّ، وأبو سعْد أحمد بن محمد البغداديّ، وأحمد بن حامد بن أحمد بن محمود الثقفيّ، وأبو مسعود عبد الجليل كوتاه.(10/463)
360 - محمد بن الفضل بن جعفر، أبو عبد الله المَرْوَزِيّ الخَرَقِيّ الزّاهد، [الوفاة: 471 - 480 هـ]
من أهل قرية: خَرَق.
قال السّمعانيّ: كان فقيهًا ورعًا زاهدًا متبرَّكاً به. سمع محمد بن عمر بن طرفة السّجزيّ، وعليّ بن عبدا الطَّيسفونيّ. وكان في الزُّهد والورع إلى غاية. ولد قبل سنة أربعمائة، وبقي إلى حدود سنة ثمانٍ وسبعين. حدثنا عنه عبد الواحد بن محمد التُّونيّ.(10/464)
361 - محمد بن محمد بن زيد بن علي بن موسى، الشّريف المُرْتَضَى أبو المعالي، وأبو الحَسَن. ذو الشَّرفين، العَلَويّ، الحُسَينيّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
وُلِد ببغداد وسمع بها من أبي القاسم الحرفيّ، وأبي عبد الله المحامليّ، والبرقانيّ، وطلحة الكتانيّ، ومحمد بن عيسى الهَمَذانيّ، وأبي عليّ بْن شاذان، وأبي القاسم بْن بِشْران، وطائفة. وتخرَّج بأبي بكر الخطيب ولازمه.
روى عنه الخطيب شيخه، وأبو العبّاس المُسْتَغفِريّ أحد شيوخه، وزاهر الشّحّاميّ، ويوسف بن أيّوب الهَمَذانيّ، وأبو الأسعد ابن القُشَيْريّ، وهبة الله السّيِّديّ، وخلْق آخرهم وفاةً الخطيب أبو المعالي المَدِينيّ. وممّن حدَّث عنه أبو طالب محمد بن عبد الرحمن الحِيريّ، وأبو الفتح أحمد بن الحسين الأديب السمَّرقنديّ؛ حدَّث هذا عنه بالإجازة.
قال فيه السّمعانيّ: أفضل عَلويّ في عصره، له المعرفة التّامّة بالحديث. وكان يرجع إلى عقلٍ وافر، ورأيٍ صائب. وبرع على الخطيب في الحديث؛ نقل عنه الخطيب، أظنُّ في كتاب البخلاء. ورُزق حسن التّصنيف وسكن في آخر عُمره سَمَرْقَند، ثمّ قدِم بغداد وأملى بها. وحدَّث بإصبهان، ثمّ ردّ إلى سَمَرْقَند.
سمعتُ يوسف بن أيّوب الهَمَذانيّ يقول: ما رأيت علويًّا أفضل منه. وأثنَى عليه. وكان من الأغنياء المذكورين. وكان كثير الإيثار، ينفّذ كلّ سنةٍ [ص:465] إلى جماعةٍ من الأئمّة إلى كلّ واحدٍ ألف دينار أو خمسمائة أو أكثر، وربّما يبلغ مبلغَ ذلك عشرةَ آلاف دينار، ويقول: هذه زكاة مالي، وأنا غريب، ففرِّقوا على من تعرفون استحقاقه. ويقول: كلّ من أعطيتموه شيئًا، فاكتبوا له خطًّا، وأرسِلُوه حتّى نُعطيه من عُشْر الغلَّة. وكان يملك قريبًا من أربعين قرية خالصة بنواحي كِش، وله في كلّ قرية وكيلٌ أوْفَى من رئيسٍ بسمرقند.
قلت: هذا فرط في المبالغة من السّمعانيّ.
ثمّ قال: سمعتُ أبا المعالي محمد بن نصر الخطيب يقول ذلك، وكان من أصحاب الشّريف. وسمعتُ أبا المعالي يقول: إنّ الشّريف عمل بستانًا عظيمًا، فطلب ملك سمرقند وما وراء النهر الخضر خاقان أنْ يحضر البُسْتان، فقال الشّريف السّيّد لحاجب الملك: لا سبيل إلى ذلك، فألح عليه، فقال: لكنْ لا أحضُر، ولا أهيّئ آلة الفِسْق والفساد لكم، ولا أفعل ما يعاقبني الله عليه في الآخرة. فغضب الملك، وأراد أن يمسكه، فاختفى عند وكيل له نحو شهرين، ونُوديَ عليه في البلد، فلم يظفروا به. ثمّ أظهروا النَّدم على ما فعلوا، فألحّ عليه أهله حتّى ظهر، وجلس على ما كان مدّة. ثمّ إنّ الملك نفَّذ إليه يطلبه ليشاوره في أمر، فلمّا استقرَّ عنده أخذه وسجنه، وأخذ جميع ما يملكه من الأموال والجواهر والضّياع، فصبَر وحمد الله، وقال: مَن يكون من أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا بدّ وأن يبتلى، وأنا ربِّيت في النّعمة، وكنتُ أخاف لا يكون وَقَعَ خَلَلٌ في نسبي، فلمّا وقع هذا فرِحْتُ، وعلمتُ أنّ نسبي متّصل!
قال لنا أبو المعالي: فسمعنا أنّهم منعوه من الطّعام حتّى مات جوعًا. ثمّ أُخرج من القلعة ودفن. وهو من ولد زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عَنْهُ.
قال السّمعانيّ: قال أبو العبّاس الجوهريّ: رأيتُ السّيّد المرتضى أبا المعالي بعد موته وهو في الجنّة، وبين يدية مائدة من طعام، وقيل له: ألا تأكل؟ قال: لا حتى يجيء ابني، فإنّه غدًا يجيء. فلمّا انتبهت، وذلك في رمضان سنة اثنتين وتسعين، قُتِل ابنه أبو الرّضا في ذلك اليوم.
وُلِد السّيّد المرتضى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في سنة خمسٍ وأربعمائة، واستشهد بعد سنة ستٍّ وسبعين، وقيل: سنة ثمانين، قتله الخاقان خَضِر بن إبراهيم صاحب ما وراء النَّهر.
وقد قدِم رسولًا من سلطان ما وراء النّهر إلى الخليفة القائم بأمر الله في سنة ثلاثٍ وخمسين. [ص:466]
قلت: وقع لنا من تصنيفه كتاب فرحة العالِم، سمعناه بالإجازة العالية من ابن عساكر، فأخبرنا أحمد بن هبة الله قال: أخبرنا أبو المظفّر ابن السّمعاني كتابةً، قال: أخبرنا أبو الأسعد ابن القشيريّ، قال: أخبرنا أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنِيُّ الْحَافِظُ، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الفارسيّ، قال: أخبرنا محمد بن العبّاس بن نجيح، قال: حدثنا عبد الملك بن محمد، قال: حدثنا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالا: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه كأنّما على رؤوسهم الطَّير.
الفارسيّ هو شاذان.(10/464)
362 - مطهر بن بحير بن محمد بن أحمد بْن محمد بْن جعفر بْن محمد بْن بَحِير، أبو القاسم البَحِيريّ النَّيْسابوريّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
حدَّث عن أبيه، والحاكم، وحمزة المهلَّبيّ، وابن محمش. وعنه ابن ماكولا، وابن طاهر المقدسي، وعبد الغافر وقال: شيخ معروف سديد.(10/466)
363 - نصْر بن عليّ بن أحمد بن منصور بن شاذوَيْه، أبو الفتح الحاكميّ الطُّوسيّ. [الوفاة: 471 - 480 هـ]
شيخ عالم مشهور معمَّر، حدَّث بالسُّنن لأبي داود، عن أبي عليّ الرُّوذباريّ. وسمع أيضًا من أبي بكر الحيريّ.
وأحضر إلى نيسابور، فسمعوا منه السُّنن.
قال أبو سعد السَّمعاني: فسَمعه منه جدّي. روى عنه لولدي عبد الرّحيم: صخُر بن عُبيد الطّابَرَانّي، وهبة الرحمن ابن القُشَيْريّ، وأبو الفتح محمد بن أبي أحمد الحصريّ. مات بعد السّبعين والأربعمائة.(10/466)
-الطبقة التاسعة والأربعون 481 - 490 هـ(10/467)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(10/469)
-سنة إحدى وثمانين وأربعمائة
فيها استولت الفرنج على مدينة زَوِيلَة من بلاد إفريقيّة، جاؤوا في البحر في أربعمائة قطعة فنهبوا وسَبوا، ثمّ صالحهم تميم بْنُ بَادِيس، وبذَل لهم من خزانته ثلاثين ألف دينار فردّوا جميع ما حووه.
وفيها مات النّاصر بن عَلنّاس بن حمّاد، ووليّ بعده ابنه المنصور، فجاءته كُتُب تميم بن المعزّ، وكُتُب يوسف بن تاشفين صاحب مَرّاكُش بالعزاء والهناء.
وفيها مات ملك غَزْنَة الملك المؤيّد إبراهيم بن مسعود بن محمود بن سُبُكْتِكِين وكان كريمًا، عادلًا، مجاهدًا، عاقلًا، له رأي ودهاء، ومن مخادعته أنّ السّلطان ملكشاه سار بجيوشه يقصده، ونزل بإسْفِزَار، فكتب إبراهيم كُتُبًا إلى جماعةٍ من أعيان أمراء ملكشاه يشكرهم، ويعتذر لهم بما فعلوه من تحسينهم لملكشاه أن يقصده: ليتمّ لنا ما استقرّ بيننا من الظَّفَر به، وتخليصكم من يده، ويَعِدُهم بكلّ جميل. وأمر القاصد بالكُتُب أن يتعرَّض لملكشاه في تصيُّده، فأُخِذَ وأُحضر عند ملكشاه فقرّره، فأنكر، فأمر بضربه، فأقرّ واخرج الكُتُب، فلمّا فتحها وقرأها تخيّل ملكشاه من أمرائه، وكتم ذلك عنهم خوفَ الوحشة، ورجع من وجهه.
وكان إبراهيم يكتب في العام خَتْمَةً، ويهديها ويتصدَّق بثمنها. وكان يقول: لو كنتُ بعد وفاة جدّي محمود لما ضَعُفَ ملكُنا، ولكنّي الآن عاجز أن أستردّ ما أُخذ منّا من البلاد لكثرة جيوشهم. [ص:470]
وقام في المُلْك بعده ولده جلال الدّين مسعود، الّذي كان أبوه زوّجه بابنة السّلطان ملكشاه، وناب نظام المُلْك في عُرْسِه عليها مائة ألف دينار.
وفيها جمع أقْسُنْقُر متولّي حلب العساكر، ونازل شيزر، ثمّ صالحه صاحبها ابن منقذ.
وفيها مات الملك أحمد ابن السّلطان ملكشاه، وله إحدى عشرة سنة، وكان قد جعله وليّ عهده عام أوّل، ونثَر الذَّهَب على الخُطَباء في البلاد عند ذِكْره. فلمّا مات عُمل عزاؤه ببغداد سبعة أيّام بدار الخلافة، ولم يركب أحدٌ فرساً وناح النّساء في الأسواق عليه، وكان منظراً فظيعاً.
وفيها توجه ملكشاه إلى سمرقند ليملكها، فوصل إليها في السنة المقبلة كما سيأتي.(10/469)
-سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة
في صَفَر كَبَس غَوْغَاء السُّنَّة الكَرْخَ، وقتلوا رجلًا وجرحوا آخر، فأغلق أهل الكَرْخ أسواقهم، ورفعوا المصاحف وثياب الرّجُلين بالدّماء، ومضوا إلى دار كمال المُلْك الدّهسْتانيّ مستغيثين، فأرسل إلى النّقيب طِراد يطلب منه إحضار الرّجُلين القاتلين، فلم يقدر، وكفّ النّاسَ، فلمّا سار السُّلطان عادت الفتنة.
وفيها ملك السّلطان ما وراء النَّهْر، وذلك لأن سمرقند تملكها ابن أخي تركان زوج السّلطان، وكان صبيًّا ظلومًا غَشُومًا، كثير المصادرة فكتبوا إلى السّلطان سِرًّا يستغيثون به ليتملّك عليهم، فطمع السّلطان، وتحرّكت همّته، وسار من إصبهان بجميع جيوشه، وعَبَر النَّهر، وقَصَد بُخَارى فملكها، وقصد سَمَرْقَنْد ونازَلها، وكاتب أهلها، ففرح به التُّجّار والرّؤساء، وفرَّق صاحبها أحمد خان الأبرِجة على الأمراء، وسلَّم برج العيّار إلى رجلٍ علويّ، فنصح في القتال. وكان ولده ببخارى فأسر فبعث إليه ملكشاه يهدّده بقتله، ففتر عن القتال. ورمى السّلطان عدّة أماكن من السُّور بالمنجنيقات، فلمّا صعِدوا السّورَ اختفى أحمد خان في بيت عاميّ، فغُمِز عليه، وحُمِلَ إلى السّلطان يُجَرّ بحبْل، [ص:471] فأكرمه السلطان وأطلقه، وأرسله تحت الاحتياط إلى إصبهان. ورتَّب لسَمَرْقَنْد أبا طاهر عميد خُوارَزْم.
ثمّ قصد كاشْغَر، فبلغ إلى يوزكَنْد، وهي بلدة يجري على بابها نهرٌ، فأرسل رُسُلَه إلى ملك كاشغر يأمره بإقامة الخطْبة والسّكّة له، ويتهدّده إنْ خالف. فدخل في الطّاعة، وجاء إلى الخدمة، فأكرمه السّلطان وعظّمه، وأنعم عليه، وردّه إلى بلده. ثمّ ردَّ إلى خُرَاسان، فوثب عسكر سَمَرْقَنْد بالعميد أبي طاهر، فاحتال حتّى هرب منهم، وكان كبيرهم عين الدّولة، ثمّ ندم وخاف، فكاتب يعقوب أخا الملك صاحب كاشغر فحضر واتّفق معه، وجَرَت أمورٌ، فلمّا اتّصلت الأخبار بالسّلطان كرّ راجعًا إلى سَمَرْقَنْد، فهرب يعقوب وكان قد قتل عين الدّولة، فلحِق بفَرْغَانة وهي ولايته، ثمّ هادنه، ورجع بعد فصول طويلة.
وفيها أرسلت ابنة السّلطان زوجة الخليفة تشكو من الخليفة كثرة اطراحه لها، فأرسل يطلب بنته طلباً لا بد منه، فأذِن لها الخليفة، ومعها ولدُها جعفر، وسعد الدّولة كوهرائين، فذهبت إلى إصبهان، فأدركها الموت في ذي القعدة من السّنة، وعمل الشّعراء فيها المراثي.
فيها جاء عسكر مصر فافتتحوا صور وصيدا، وكانّ فتحها في السنة الآتية.(10/470)
-سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة
فيها افتتح أهل مصر صور، وكان قد تغلَّب عليها القاضي عين الدّولة ابن أبي عَقِيل، ثمّ تُوُفّي ووليها أولاده، فسلَّموها لضعفهم. وسارت العّساكر إلى صيدا فتسلموها. ثمّ ساروا إلى عكا، فحاصروها وضيّقوا على المسلمين فافتتحوها. وملكوا مدينة جُبَيْل، ورتّبوا نوّاب المستنصِر بها، ورجعوا إلى مصر منصورين مظفرين بعزم أمير الجيوش.
وفيها عظُمت البليّة ببغداد بين السُّنّة والشِّيعة، وقُتِل بينهم بشرٌ كثير، وركب شِحْنة بغداد ليكفهم فعجز، وذلت الرّافضة بإعانة الخليفة وأعوانه عليهم، وأجابوا إلى إظهار السُّنّة، وكتبوا بالكَرْخ على أبواب مساجدهم: خير الناس بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عليّ فعظُمَ هذا [ص:472] على جهلتهم وشُطّارهم، فثاروا ونهبوا شارع ابن أبي عَوْف، وفي جملة ما نهبوا دار المحدّث أبي الفضل بن خَيْرُون، فذهبَ مستصرخًا ومعه خلْق، ورفعت العامّة الصُّلْبان وهجموا على الوزير وما أبقوا ممكنًا، وقُتِل يومئذٍ رجل هاشميّ بسهمٍ غرْبٍ، فقتلت السُّنّة عِوَضَه رجلًا علويًّا واحرقوه. وجَرَت أمور قبيحة، فطلب الخليفة من صدقة بن مَزْيَد عسكرًا فبعث عسكرًا، وتتبَّعوا المفسدين إلى أن خمدت الفتنة.
وفيها كان قحط بإفريقيّة وحروب، ثمّ أمنوا ورخصت الأسعار.
وفيها عُمِلت ببغداد مدرسة لتاج المُلْك مستوفي الدّولة بباب أبرز، ودرّس بها أبو بكر الشّاشيّ، وتعرف بالمدرسة التاجية.
وفيها عمرت منارة جامع حلب.
وفيها سَرَق رجلٌ نَحْويٌّ أشقر ثيابًا فأُخِذ وهمّوا به فهرب وذهب إلى بلاد بني عامر، بنواحي الإحساء، وقال لأميرهم: أنت تملك الأرض ويتمّ لك، وأنت أجدادك أفعالهم بالحاجّ في التّواريخ. وحسن له نهب البصرة فجمع العربان، وقصد البصرة بغتةً، والنّاسُ آمِنون بهيبة السّلطان، فملكها ونهبها، وفَعَلوا كلّ قبيح، وأحرقوا عدّة أماكن، وجاء الصريخ إلى بغداد، فانحدر سعْد الدّولة كوهرائين، وسيف الدّولة صَدَقَة بن مَزْيَد، فوجدوا الأمر قد فات، ثمّ أُخِذَ ذلك النَّحْويّ فشُهِّر وصُلِب ببغداد.
وفيها وصل للنظاميّة مُدرّسان، كلّ واحدٍ معه منشورٌ بها من نظام المُلْك، وهما أبو محمد عبد الوهّاب الشّيرازيّ، وأبو عبد الله الطَّبَريّ. ثمّ تقررّ الأمرُ أنّ كلّ واحدٍ يدرِّس يومًا.
وفيها مات فخر الدّولة بن جهير.
وفي شعبان تسلَّم ابن الصّبّاح رأس الإسماعيليّة قلعة أصبهان، وذلك أول ظهورهم. وسيأتي ذكرهم في سنة أربع وتسعين.(10/471)
-سنة أربع وثمانين وأربعمائة
فيها عُزِل عن الوزارة ببغداد أبو شجاع بعميد الدّولة بن جَهِير وأُمِرَ بلزوم داره، فتمثل عن نفسه بقول الشاعر:
تولاها وليس له عدو ... وفارقها وليس له صديق
وفيها استولى أمير المسلمين يوسف على بلاد الأندلس قُرْطُبة، وإشبيلية، وسجَنَ ابن عبّاد، وفعل في حقه ما لا ينبغي لملك، فإنّ الملوك إمّا أن يُقتلوا، وإمّا أن يُسجنوا، ويُقرَّر لذلك المحبوس راتبٌ يليق به، وهذا لم يفعل ذلك، بل استولى على جميع مملكته وذخائره، وسجنه بأغْمات، ولم يُجْرِ على أولاده ما يكفيهم، فكن بنات المعتمد بن عباد يغزلن بالأجرة، وينفقن على أنفسهنّ، فأبان أمير المسلمين بهذا عن صغر نفس، ولؤم طبع.
واتسعت ممكلته واستولى على المغرب وكثير من إقليم الأندلس، وترك كثيرًا من جيوشه بثغور الأندلس، وطاب لهم الخصب والرّفاهية، واستراحوا من جبال البربر وعَيْشِها القشب، ولقبهم بالمرابطين. وسالمه المستعين بالله ابن هود صاحب شرق الأندلس، وكان يبعث إليه بالتُّحَف. وكان هو وأجناده ممّن يُضْرَب بهم المَثَلُ في الشّجاعة، فلمّا احتضر يوسف بن تاشفين أوصى وَلَده عليًّا ببني هود وقال: اتركهم بينك وبين العدو، فإنهم شجعان.
وفيها استولت الفرنج على جميع جزيرة صَقَلّية، وأوّل ما فتحها المسلمون بعد المائتين، وحكم عليها آلُ الأغلب دهرًا، إلى أن استولى المهديّ العُبَيْديّ على الغرب، وكان العزيز العُبَيْديّ صاحب مصر قد استعمل عليها الأمير أبا الفتوح يوسف بن عبد الله فأصابه فالج، فاستناب ولده جعفرًا فضبط الجزيرة، وأحسن السيرة إلى سنة خمس وأربعمائة، فخرج عليه أخوه عليّ في جَمْعٍ من البربر والعبيد، فالتقوا فقُتِل خلْقٌ من البربر والعبيد، وأُسِرَ عليّ، وقتله أخوه، فعظُم قتْلُه على أبيه وهو مفلوج، وأمر جعفر بنفْي كل بربريّ بالجزيرة، فطُرِدوا إِلى إفريقيّة، وقتلوا سائر العبيد، واستخدم له جُنْدًا من أهل البلد، فاختلف عسكره، ولم تمض إلّا أيّام حتّى أخرجوه وخلعوه، وأرادوا قتله. وكان ظَلُومًا لهم، عَسوفًا، فعملوا حِسْبَتَه، وحَصَروه في قصره سنة عشر وأربعمائة، فخرج إليهم أبوه أبو الفتوح في مِحَفَّةٍ، فَرَقُّوا لحاله، [ص:474] وأرضاهم، واستعمل عليهم ابنه أحمد المعروف بالأكحل. ثمّ جهزّ ابنه في البحر في مركب إِلى مصر، وسار هو بعد ابنه ومعهما من العين ستّمائة ألف وسبعون ألف دينار. وكان ليوسف من الخيل ثلاث عشرة ألف حجرة، سوى البِغال وغيرها. ومات يوم مات وما له إلا فرس واحدة.
وأمّا الأكحل فكان حازمًا سائسًا أطاعه جميع حصون صقلّية الّتي للمسلمين، ثمّ إنّ أهل صَقَلّية اشتكوا منه، وبعث المعزّ بن باديس جيشًا عليهم ولده، فحصروا الأكحل، ووثب عليه طائفة من البلد، فقتلوه في سنة سبع وعشرين وأربعمائة. ثمّ رأوا مصلحتهم في طرد عسكر ابن باديس عنهم، فالتقوا، فانهزم الإفريقيّون، وقُتِل منهم ثمانمائة نفس، ورجع الباقون بأسوأ حال، فولّى أهل صقلّية عليهم الأمير حَسَنًا الصِّمْصام أخا الأكحل، فلم يتّفقوا وغلب كلّ مقدّم على قلعةٍ، واستولى الأراذل. ثمّ أخرجوا الصِّمْصام، فانفرد القائد عبد الله بن منكوت بمَازَرَ وطَرَابُنُش، وانفرد القائد عليّ بن نعمة بقَصْرُيَانِه وجُرْجنْت، وانفرد ابنُ الثُمنة بمدينة سَرَقُوسة وقطانية، وتحارب هو وابن نعمة، وجرت لهما خُطُوب، فانهزم ابن الثُمنة، فسوّلت له نفسه الانتصار بالنّصارى، فسار إلى مالطة، وقد أخذتها الفرنج بعد السبعين وثلاثمائة وسكنوها، فقال لملكها: أنا أملكك الجزيرة، وملأ يدَ هذا الكلب خسايا، فسارت الفرنج معه في سنة أربع وأربعين وأربعمائة، فلم يلقوا من يمنعهم، فأخذوا ما في طريقهم، وحاصروا قَصْرُيَانِهْ. وعمل معه ابن نعمة مُصَافًا، فهزموه، فالتجأ إلى القصر، وكان منيعًا حصينًا. فرحلوا عنه واستولوا على أماكن كثيرة، ونَزَحَ عنها خلْقٌ من الصّالحين والعلماء، واجتمع بعضهم بالمعزّ، فأخبره بما النّاس فيه من الوَيْل مع عدوّهم، فجهَّز أسطولًا كبيرًا، وساروا في الشّتاء، فغرَّق البحر أكثرهم، وكان ذلك ممّا أضعف المعزّ، وقويت عليه العرب، وأخذت البلاد منه، وتملّك الفرنج أكثر صَقَلّية.
واشتغل المعزّ بما دهمِه من العرب الّذين بعثهم صاحب مصر المستنصِر لحربه وانتزاع البلاد منه، فقام بعده ولده تميم في المُلْك، فجهَّز أسطولًا وجيشًا إلى صَقَلّية، فَجَرَت لهم حروبٌ وأمورٌ طويلة، ورجع الأسطول، وصحِبهم طائفة من أعيان أهل صَقَلّية، ولم يبق أحدٌ يمنع الفرنج، فاستولوا على بلاد صَقَلّية، سوى قَصْرُيَانِهْ وجُرْجنْت، فحاصروا المسلمين مدّة حتّى [ص:475] كلّوا، وأكلوا الميتة من الجوع، وسلَّم أهل جرجنت بلدهم، ولبثت قصريانه بعدهم ثلاث سِنين في شدَّةٍ من الحصار، ولا أحد يغيثهم، فسلموا بالأمان، وتملك روجار، جميعَ الجزيرة، وأسكنها الرومَ والفرنجَ مع أهلها.
وهلك رجار قبل التسعين وأربعمائة، وتملّك بعده ابنه، فاتَّسَعت ممالكه، وعمّر البلاد، وبالغ في الإحسان إلى الرّعيّة، وتطاول إلى أخذ سواحل إفريقيّة.
وفي رمضان وصل السّلطان إلى بغداد، وهي القدْمة الثّانية، وبادر إلى خدمته أخوه تاج الدّولة تُتُش صاحب دمشق، وقسيم الدّولة أقْسُنْقُر صاحب حلب، وغيرهما من أمراء النّواحي، فعمل الميلاد ببغداد، وتأنّقوا في عمله على عادة العجم، وانبهر النّاسُ، ورأوا شيئًا لم يعهدوه من كثرة النّيران، حتّى قال شاعرهم:
وكُلُّ نارٍ على العُشَّاق مضرمةٌ ... مِن نار قلبي أو من ليلة الصَدَقِ
نارٌ تَجَلَّت بها الظَّلْمَاءُ فاشتبهتْ ... بسُدْفةِ اللَّيل فيه غرةٌ الفَلَقِ
وزارتِ الشّمسُ فيه البدرَ واصطلحا ... على الكواكب بعد الغَيْظِ والحَنَقِ
مُدّت على الأرض بسطٌ من جواهرها ... ما بين مجتمع وارٍ ومفترقِ
مثلَ المصابيح إلّا أنّها نزلتْ ... من السّماء بلا رجمٍ ولا حَرَقِ
أعْجِبْ بنارٍ ورضوانٌ يُسعّرُهَا ... ومالكٌ قائمٌ منها على فَرَقِ
في مجلسٍ ضحِكَتْ روضُ الْجِنَانِ لهُ ... لمّا جلى ثغْرُهُ عن واضحٍ يَقَقِ
وللشُّمُوع عيونٌ كلْما نظرتْ ... تظلّمتْ من يديها أنْجُمُ الغَسَقِ
من كل مرهفة الأعطاف كالغصن الـ ... ـمياد لكنّه عارٍ من الوَرَقِ
إنِّي لأعجب منها وهي وادعةٌ ... تبكي وعِيشَتُهَا من ضَرْبة العُنُقِ
وفي آخرها أمر السّلطان بعمل جامعٍ كبير له ببغداد، وعمل الأمراء حوله دُورًا لهم ينزلونها، ولم يدروا أن دولتهم قد ولَّت، وأيامهم قد تصرمت نسأل الله خاتمة صالحة.
وفيها كانت زلازل عظيمة مزعجة بالشام، وتخرب من سور أنطاكية تسعون برجًا، وهلك من أهلها عالمٌ كثير تحت الرَّدْم، فأمر السّلطان بعمارتها.(10/473)
-سنة خمس وثمانين وأربعمائة
فيها وقعة جَيّان بالأندلس؛ كانت بعد وقعة الزّلّاقة، وتُقاربُها في الكِبَر فإنّ الأذفونش جمع جُموعًا عظيمة، وقصد بلاد جَيّان، فالتقاه المرابطون فانهزم المسلمون، وأشرف النّاسُ على خُطّةٍ صعبة، ثمّ أنزل الله النّصر، فثبتوا وهزموا الكُفّار، ووضعوا السّيف فيهم، ونجا الأذفونش في نَفَرٍ يسير. ثمّ تهيّأ في العام القابل وأغار على القُرى وحرَّق الزَّرع، وبقي النّاس معه في بلاءٍ شديد، وشاخ وعُمِّر، وكان من دُهاة الرّوم، وهو أكبر ملك للفرنج، تحت يده عدّة ملوك وجعل دار مملكته طُلَيْطُلَة، فبقي مجاورًا لبلاد الإسلام. وهو من ذُرّيّة هِرَقْل. وكان عنده كِتَابَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جدّه، قال الْيَسَعُ بنُ حزْم: حدّثنا الفقيه أبو الحسن بن زيدان قال: لمّا توجّهنا إلى ابن بنتِه رُسُلًا أنا وفُلان، أمرَ فأُخْرِج سفْطٌ فيه حقٌّ ذهب مرصَّع بالياقوت والدُّرّ، فاستخرج منه الكتاب كما نصّه في " صحيح البخاريّ " فلمّا رأيناه بكينا، فقال: مم تبكون؟ فقلنا: تذكرنا بِهِ النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: إنّما هذا الكتاب شَرَفي وشَرَف آبائي من قبلي.
وفيها أمر السّلطان ملكشاه لقسيم الدّولة وبوزان وغيرهما أن يسيروا في خدمة أخيه تُتُش، حتّى يستولوا على ما بيد المستنصِر العُبَيْديّ بالسّواحل، ثمّ يسيرون بعد ذلك إلى مصر فيفتحونها، فسَاروا إلى أن نزلوا على حمص، وبها صاحبها ابن مُلاعِب، وكان كثير الأذِيّة للمسلمين، فأخذوا منه البلد بعد أيّام. ثمّ ساروا إلى حصْن عِرْقه، فأخذوه بالأمان. ثمّ نازل طرابُلُس، فرأى صاحبُها جلال المُلْك ابن عَمّار جيشًا لا قِبَل له به، فأرسل إلى الأمراء الّذين مع تُتُش، ووعدهم ليُصلِحوا حاله، فلم يَرَ فيهم مطمعًا ثمّ سيّر لقسيم الدّولة ثلاثين ألف دينار وتقادُم فسَعى له عند تُتُش هو وكاتبُه، فغضب تتش وقال: هل أنت إلا تابع لي. فخلاه في الليل، ورحل إِلى حلب، فاضطّر تُتُش إلى التَّرحُّل عن البلد وانتقض ما قرَّر لهم السّلطان من الفتوح.
وفيها افْتُتِح للسّلطان اليمنُ؛ كان فيمن حضر إلى خدمته ببغداد جبق أمير التّركمان صاحب قرميسين، فجهَّزَه السّلطان في جماعة أمراء من التُّرْكُمان إلى [ص:477] الحجاز واليمن، وأن يكون أمرهم إلى سعْد الدّولة كوهرائين، فاستعمل عليهم كوهرائين عِوَضَه ترشك، فساروا إلى اليمن واستولوا عليها، فظلموا وعَسفوا وفَسَقوا فأسْرَفوا، ومَلَكوا عدن، وظهر عَلَى ترشك جدري أهلكه بعد جمعة من وصوله إِلى عدن. وعاش سبعين سنة فنقله أصحابه معهم، ودفن ببغداد عند مشهد أبي حنيفة.
قال صاحب " المرآة ": وفي غُرَّة رمضان توجّه السلطان من إصبهان إلى بغداد عازمًا على تغيير الخليفة، فوصل بغدادَ في ثامن عشر رمضان، فنزل داره، ثمّ بعث إلى الخليفة يقول: لا بُدّ أن تترك لي بغداد، وتذهب إلى أيّ بلدٍ شئت. فانزعج الخليفة وقال: أمهلني ولو شهرًا. فقال: ولا ساعة. فبعث الخليفة إلى وزير السّلطان تاج المُلْك، فطلب المهلة عشرة أيّام. فاتَّفق مرض السّلطان وموته، وعُدَّ ذلك كرامةً للخليفة.
وفي عاشر رمضان قُتِل نظام المُلْك الوزير بقُرب نهاوند؛ أتاه شابٌّ دَيْلَميّ من الباطنيّة في صورة مستغيث فضربه بسِكّين عندما أُخْرجت محفَّته إلى خيمة حُرَمِه بعد إفطاره، وتَعِس الباطنيّ فلحِقُّوه وقتلوه. وكان مولده سنة ثمانٍ وأربعمائة.
وقيل: إنّ السّلطان هو الّذي دسّ عليه مَن قَتَله؛ لأن ابن نظام المُلْك كان شابًا طريا، ولي نظر مرْو ومعه شِحْنة للسّلطان، فعمد وقبض عليه. فغضب السّلطان، وبعث جماعةً إلى نظام المُلْك يعنِّفه ويوبِّخه ويقول: إن كنتَ شريكي في المُلْك فلذلك حكمٌ! وهؤلاء أولادك قد استولى كلّ واحدٍ على كورةٍ كبيرة، ولم يكفهم حتّى تجاوزوا أمر السياسة، فأدوا الرسالة، فقوى نفسه، وأخذ يمُتّ بأمورٍ ما أظنّ عاقلًا يقولها، ويقول: إن كان ما علم أني شريكه في الملك فليعلم، فازداد غضب السّلطان ملكشاه وعمل عليه، ولكنّه ما مُتِّع بعده، إنّما بقي خمسةٍ وثلاثين يوماً ومات.
فلمّا مات السّلطان كتمت زوجته تُرْكان مَوْتَه، وأرسلت إلى الأمراء سرًّا فاستحلفتهم لولدها محمود ابن السّلطان، وهو في السّنة الخامسة من عمره. فحلفوا له، وأرسلت إلى المقتدي بالله في أنْ يُسلْطنه، فأجاب، وخُطِب له، [ص:478] ولُقِّب ناصر الدُّنيا والدِّين، وأرسلت في الحال تُرْكان إلى إصبهان من قَبَضَ على بركيارُوق أكبر أولاد السّلطان فقبض عليه. فلمّا اشتهر موتُ أبيه وثب المماليك بإصبهان، وأخرجوه وملكوه بأصبهان. وطالبت العساكر تاج الملك الوزيرَ بالأرزاق، فوعدهم فلمّا وصل إلى قلعة برجين التي فيها الخزائن صعِد إليها ليفرّق فيهم، فأغلقها وعصى على تُركان فنهبت العساكر أثقاله، وذهبت هي إلى إصبهان. فندم ولحِقها، وزعم أنّ متولِّي القلعة حبَسه، وأنّه هرب منه، فقبلت عُذْرَه.
وأمَّا بَركيَارُوق ففارق إصبهان، وبادر إلى الريّ، وانضم إليه فرقةٌ من العسكر، وأكثرهم من المماليك النّظامية، لبُغضهم لتاج المُلْك؛ لأنّه كان عدوًّا لمولاهم، وهو المتهم بقتله، فنازلو قلعة طبرك، وأخذوها عنوةً، وجهَّزت تُركان عساكرها لحربهم، فالتقى الجمعان بناحية بَرُوجِرْد، فخامَر طائفة، والتفّوا أيضًا على بَركيَارُوق، واشتدّ الحرب. ثمّ انهزم عسكر تُركان، وساق بركياروق في أثرهم، فنازل إصبهان في آخر السّنة. وأُسِر بعد الوقعة تاج المُلْك، فأُتِي به بَركيَارُوق وهو على إصبهان، فأراد أن يستوزره.
وأخذ تاج المُلْك في إصلاح كبار النّظامية، وفرَّق فيهم مائتي ألف دينار، وبلغ ذلك عثمان ابن نظام المُلْك، فشغب عليهم سائر الغلمان الصِّغار، وقال: هذا قاتل أستاذكم. ففتكوا به، وقطّعوه في المحرَّم سنة ستٍّ. وكان كثير المحاسن والفضائل وإنّما غطّى ذلك ممالأته على قتل النظام، ولأنّ مدّته لم تَطُلْ، وعاش سبْعًا وأربعين سنة.
وأمّا عرب خَفَاجَة فطمعوا بموت السّلطان، وخرجوا على الركْب العراقيّ، فأوقعوا بهم، وقتلوا أكثر الْجُنْد الّذين معهم، ونهبوا الوفد، ثمّ أغاروا على الكوفة، فخرجت عساكر بغداد وتبعَتْهم حتّى أدركتهم فقُتِل من خَفَاجَة خلْق، ولم تقْوَ لهم شوكة بعدها.
وفيها كان الحريق المَهُول ببغداد، وكان من الظُّهر إلى العصر. قال صاحب " الكامل ": واحترق من النّاس خلْق كثير، واحترق نهر مُعَلَّى، من عقد الحديد إلى خرابة الهرّاس، إلى باب دار الضَّرب، واحترق سوق الصاغة، [ص:479] والصّيارف، والمخلّطين والرَّيْحانيّين، وركب الوزير عميد الدّولة ابن جَهير وأتى، فما زال راكبًا حتّى أُطْفِئ.
وفيها وقع بالبصرة بَرَد عظيمٌ كبار، أهلك الحرث والنَّسْل. كانت البَرَدة من خمسة أرطال إلى عشرة أرطال.(10/476)
-سنة ست وثمانين وأربعمائة
استُهِلَّت وبركياروق مُنَازِلٌ إصبهان، فخرج إليه جماعة من أولاد نظام المُلْك، فاستوزر عزّ المُلْك ابن نظام الملك الذي كان متولي خوارزم.
وأمّا تاج الدّولة تُتُش صاحب دمشق، فلمّا علم بموت أخيه ملكشاه جمع الجيوش وأنفق الأموال، وسار يطلب السّلطنة، فمرّ بحلب وبها قسيم الدّولة أقْسُنْقُر فصالحه وصار معه، وأرسل إلى ياغي سيان صاحب أنطاكية، وإلى بوزان صاحبُ الرّها وحَرّان، يشير عليهما بطاعة تُتُش، فصاروا معه، وخطبوا له في بلادهم، وقصَدَوا الرَّحْبة، فملكوها في المحرّم سنة ستٍّ. ثمّ سار بهم وحاصر نصيبين، فسبُّوه ونالوا منه، فغضب وأخذها عَنْوَةً، وقتل بها خلْقًا ونهبها. ثمّ سلّمها إلى محمد ابن شرف الدّولة العقيلي، وقصد الموصل.
واستوزر الكافي ابن فخر الدّولة بن جهير، أتاه من جزيرة ابن عمر.
وكان قد غلب على الموصل إبراهيم بن قُرَيش أخو شرف الدّولة، فعمل معه مصافاً، وتعرف بوقعة المصنع، فكان هو في ثلاثين ألفًا، وكان تُتُش في عشرة آلاف فتمَّت الكسْرة على جيش إبراهيم، وأخِذ أسيرًا، ثمّ قُتِل صبْرًا. وقيل: إنّ تقدير القتلى من الفريقين عشرة آلاف، وامتلأت الأيدي من السَّبْي والغنائم، حتّى أبيع الْجَمَل بدينار، وأمّا الغنم فقيل: أُبيعت مائة شاة بدينار. ولم يُشَاهد أبشع من هذه الوقعة، وقتل بعض نُسوان العرب أنفسهنَّ خوف الفضيحة، ومنهنّ من غرَّقت نفسَهَا.
وأقرَّ تُتُش على الموصل الأمير علي ابن شرف الدّولة وأمّه صفيّة، وهي عمّة تُتُش، ثمّ بعث إلى بغداد يطلب تقليدًا بالسّلطنة، وساعده كوهرائين فتوقفوا قليلاً.
وسار تُتُش فملك ميّافارقِين، وديار بكر وقصد أَذَرْبَيْجَان، وغلبَ على [ص:480] بعضها، فبادر بركياروق ليدفع عمّه تتش عن البلاد، وقصده، فالتقيا، فقال قسيم الدّولة لبوزان: إنّما أطعنا هذا لننظر ما يكون من أولاد السّلطان، والآن فقد ظهر ابنُه هذا، وينبغي أن نكون معه، ففارقا تُتُش وتحوّلا بعسكرهما إلى بَركيَارُوق، فلمّا رأى ذلك تُتُش ضَعُف ورجع إلى الشّام، واستقام دَسْت بركياروق.
وفيها في جُمَادى الآخرة جاء عسكر المصريّين، فتملِّكوا مدينة صور بمخامرة أهلها، وأُخِذ متولّيها إلى مصر، فقتل هو وجماعة.
ولم يحجّ أحدٌ من العراق، بل خرج ركْبٌ من دمشق، فنهبهم أمير مكّة محمد بن أبي هاشم، وخرجت عليهم العُربان غير مرة ونهبوهم، وتمزقوا، وقتل جماعة، ورجع من سلم في حال عجيب.
وأما بغداد فهاجت بها فتنةٌ مزعجة على العادة بين السُّنّة والرَّافضة.
وسار سيف الدّولة صَدَقَة بن مَزْيَد أميرُ العرب، فلقي السّلطان بركياروق بنَصِيبِين، وسار في خدمته إلى بغداد، فوصلها في ذي القعدة، وخرج عميد المُلْك بن جَهير الوزير والنّاس معه إلى تلقيه.
ومات جعفر ابن المقتدي بالله، وله ستُّ سِنين، وهو سِبْط السّلطان ملكشاه.(10/479)
-سنة سبع وثمانين وأربعمائة
في أولها خطب ببغداد للسّلطان بَركيَارُوق، ولُقِّب " رُكن الدّولة " وعلَّم الخليفة على تقليده، ومات الخليفة المقتدي من الغد فجاءة، وبويع بالخلافة ولده المستظهر.
وأمّا تاج الدّولة تُتُش فإنّه رجع وشرع يجمع العساكر، وصار قسيم الدّولة وبوزان ضدًّا له، وأمدَّهما بركياروق بعسكر، فكان بينهما مصافٌّ بتلّ السّلطان، على بريد من حلب، فانهزم جَمْع أقْسُنْقُر صاحب حلب، وثبت هو، فأُخِذ أسيرًا، وأُحضر بين يدي تُتُش، فقال له: لو كنتَ ظفرتَ بي ما كنت تفعل بي؟ قال: كنت أقتلك، فذبحه صبراً. وساق إلى حلب وقد دخلها المنهزمون، فحاصرها حتّى ملكها، وأخذ الأميرين بوزان وكربوقا أسيرين. فقتل بوزان ثمّ بعث برأسه إلى أهل حران والرها، فخافوه، وسلموا له البلدين، وسجن [ص:481] كربوقا بحمص. ثمّ سار إلى بلاد الجزيرة فملكها، ثمّ ملك خِلاط وغيرها. ثمّ سار فافتتح أذربيجان جميعها، وكثرت جيوشه واستفحل أمره.
وسار بركياروق في طلب عمّهِ، فبيَّتَه ليلةً عسكر تُتُش، فانهزم بَركيَارُوق في طائفة يسيرةٍ، ونُهِبت أثقالُه، فقصد إصبهان لمّا بلغه موت امرأة أبيه تُركان، ففتحوا له خديعةً، وقبضوا عليه، وأرادت الأمراء أن يكحّلوه، فاتّفق أنّ أخاه محمود ابن السّلطان ملكشاه جدّر، فقال لهم الطبيب: ما كأنه يسْلَم، فلا تَعْجَلوا بكَحْل هذا، وأنتم تكرهون أن يملك تاج الدّولة تُتُش، فدعوا هذا حتّى تنظروا في أمركم، فمات محمود في سَلْخ شوّال وله سبْعٌ سنين، فملّكوا بركياروق، ووزر له مؤيد الملك ابن نظام المُلْك، لأن أخاه الوزير عزّ المُلْك مات بناحية الموصل مع السّلطان، فأخذ مؤيّد المُلْك يكاتب له الأمراء ويتألَّفهم، فقوي سلطانه وتم.
وفيها مات المستنصر بالله الرّافضيّ صاحب مصر، وقام بعده ابنه المستعلي.
وفيها مات بدر أمير الجيوش قبل المستنصر بأشهر.
وفيها مات محمد بن أبي هاشم الحسينيّ أمير مكّة، وقد نيّف على السّبعين وكان ظالمًا قليل الخير، أمرَ بنهب الرَّكْب في هذا العام.
وفيها قتل السّلطان بَركيَارُوق عمّه تِكِش وغرَّقه، وكان محبوساً مكحولاً بقلعة تِكْريت، لأنّه اطّلع منه على مكاتبات.
وكانت تُركان الخاتون قد بعثت جيشًا مع الأمير أُنَرْ لأخْذ فارس من الملك تورانشاه بن قاروت بك، فانهزم تورانشاه، ولم يحسن أنر تدبير أمر فارس، واستوحش منه الأجناد وانحازوا إلى تورانشاه، وعمل معه مصافًّا، فانهزم أنر. ومات تورانشاه من سَهْم أصابه، ومرضت تُركان وهي بنت طمغان خان أحد ملوك الترك، وكان لها هيبة وصَوْلة، وأمرٌ مُطاع، لأنّها بنت ملك كبير، ولأنّ زوجها سلطان الوقت كان، وابنها ولي عهد، وهي حماة المقتدي بالله، إلى غير ذلك. وكانت قد تجهَّزت تريد المسير إلى تاج الدّولة لتتزوّج به. فأدركها الأجل، وأوصت بولدها إلى الأمير أُنَرْ، ولم يكن بقي له سوى أصبهان. [ص:482]
وفيها دخلت الروم لعنهم الله بَلَنْسِيَة صُلْحًا بعد حصار عشرين شهرًا، فلا قوّة إلّا بالله.(10/480)
-سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
في المحرّم قتل أحمد خان صاحب سَمَرْقَنْد، وكان قد كرهه جُنْدُهُ واتَّهموه بالزَّنْدَقة، لأنّ السّلطان ملكشاه لمّا تملّك سَمَرْقَنْد وأسَرَ أحمد خان وَكَلّ به جماعة من الدَّيْلَم، فحسَّنوا له الانْحلال، وأخرجوه إلى الإباحة، فلمّا عاد إلى سَمَرْقَنْد كان يظهر منه الانحلال، وعصى طُغْرُل يَنال بقلعةٍ له، فسَار لحصاره، فتمكَّن الأمراء وقبضوا عليه، ورجعوا به، وأحضروا الفُقهاء، وأقاموا له خصومًا ادَّعوا عليه بالزَّنْدَقة، فأنكر، فشهدوا عليه، فأفتى العلماء بقتْله، فخنقوه، وملّكوا ابن عمه.
وفي صَفَر بعث تتش شَحْنة لبغداد، وهو يوسف بن أبق التُّرْكُمَانيّ، فجاء صَدَقَة بن مزيد صاحب الحلة ومانعه، فسار نحو طريق خُراسان، ونهب باجِسْرى، وبَعْقُوبا أفْحَش نهْبٍ، ثمّ عاد إلى بغداد، وقد راح منها صدَقَة، فدخلها وأراد نَهْبها، فمنعه أميرٌ معه، فجاءه الخبر بقتل تتش فترحل إلى الشّام، وذلك أنّ تتش لمّا هزم بَرْكيارُوق سار بركياروق فحاصر همذان، ثمّ رحل عنه، ومرض بالْجُدَرِيّ، وقصد تتش إصبهان وكاتب الأمراء يدعوهم إلى طاعته، فتوقّفوا لينظروا ما يكون من بركياروق. فلمّا عُوفي فرحوا به، وأقبلت إليه العساكر حتّى صار في ثلاثين ألفًا والتقى هو وتتش بقرب الرّيّ فانكسر عسكر تتش، وقاتل هو حتّى قُتِل، قتله مملوكٌ لقسيم الدّولة، وأخذ بثأر مخدومه.
وانفرد بركياروق بالسّلطنة، ودانت له الممالك بعد أن انهزم من عمّه بالأمس في نفرٍ يسير إلى إصبهان، ولو اتّبعه عشرون فارسًا لأسروه؛ لأنّه بقي على باب إصبهان أيّامًا، ثمّ خدعوه وفتحوا له، ثمّ قبضوا عليه وهموا بكحْله فحُمّ أخوه محمود وجدَّر ومات فملكوه عليهم، وشرعت سعادته.
وقد كان تُتُش بعث إلى ولده رضوان يأمره بالمجيء إلى بغداد، وينزل بدار السّلطنة، فسار في عسكرٍ كبير، فلمّا قارب هِيت جاءه نعيُ أبيه، فردّ إلى [ص:483] حلب، وتملّكها بعد أبيه، وجعل زوجَ أمّه جناحَ الدّولة حسينَ بنَ أيْدكين أتَابِكَه ومدبِّر دَولته، فأحسن السّياسة، وصالحهم صاحب أنطاكيّة ياغي سِيان التُّرْكُمَانيّ، فقصدوا ديار بكر، والتفّ عليهم نُوّابُ الأطراف الّذين لتتش، فساروا يريدون سَرُوج، فسبقهم إليها الأمير سقمان بن أرتق، فحكم عليها. ثمّ ملك رضوان الرها، ووهبها لصاحب أنطاكيّة. ثمّ وقع بينهم اختلاف، فسار جناح الدّولة مُسرعًا إلى حلب، ثمّ قدِم رضوان.
وأمّا أخوه دُقَاق الملك فإنّه كان في خدمة عمّه السّلطان ملكشاه، وهو صبيٌّ قد خطب ابنة السّلطان، وسار بعد موت عمّه مع تُركان إلى إصبهان. ثمّ خرج إلى بركياروق، فصار معه، ثمّ هرب إلى أبيه، وحضر مقتل أبيه، وهرب مع بعض المماليك إلى حلب، فبقي مع أخيه، فراسله الخادم ساوتِكِين متولّي قلعة دمشق سرًّا، يدعوه ليملّكه فهرب، وأرسل أخوه وراءه فوارس، فلم يُدركوه، وفرح الخادم بقدومه، وتملك دمشق.
واتّفق مجيء طُغْتِكين هو وجماعة من خواصّ تتش قد سَلِموا، فخرج لتلقّيهم دُقَاق وأكرمهم، وقيل: كانوا قد أُسروا يوم المصافّ، ثمّ تخلّصوا. وكان طُغْتِكِين زوجَ أمِّ دُقَاق، فتمكَّن من الأمور، وعمل على قتل الخادم فقتله.
وجاء إلى الخدمة ياغي سيان صاحب أنطاكيّة، ومعه أبو القاسم الخوارزمي، فاسوزره دقاق.
وفيها تُوُفّي المعتمد بن عَبَّاد مسجونًا بأغْمات وكان من محاسِن الدّنيا جُودًا، وشجاعةً، وسُؤْدُدًا، وفصاحةً، وأدبًا، وما أحسن قوله:
سلَّت عليَّ يدُ الخُطُوبِ سُيوفَها ... فَجَذَذْنَ من جَسَدي الخصيب الأفتنا
ضرَبَتْ بها أيدي الخطوبِ وإنّما ... ضَرَبَتْ رقابَ الآمِلينَ بنا المُنى
يا آملي العاداتِ من نَفَحاتنا ... كُفُّوا، فإنّ الدّهرَ كفَّ أكُفَّنا
وفيها تُوُفّي الوزير أبو شجاع وزير الخليفة مجاوراً بالمدينة.
وفيها عملوا سور الحريم ببغداد، فزيّنوا البلد لذلك، وعملوا القباب والمغاني، وجدوا فيه.
وفي رمضان وثب رجلٌ فجرح السّلطان بركياروق. [ص:484]
وفيها قدِم الغزاليّ، رحمه الله، إلى الشّام متزهِّدًا، وصنَّف كتاب " الإحياء " واسْمَعَه بدمشق، وأقام بها نحو سنتين، ثمّ حج، وسار إلى خراسان.
وفيها عزل بركياروق مؤيد الملك ابن النظام من الوزارة بأخيه فخر المُلْك.(10/482)
-سنة تسع وثمانين وأربعمائة
تملُّك كربوقا الموصل:
قد ذكرنا أنّ تُتُش سجنه فأطلقه رضوان بن تتش، وأطلق أخاه ألْتُونْتاش، فالتفّ عليهما كثيرٌ من العسكر البطّالين، فأتيا حرّان، وجاء إليهما محمد بن شرف الدّولة مسلم بن قُريش يستنصِر بهما على أخيه علي صاحب الموصل من جهة تتش، فسار كربوقا، ثمّ غدر بمحمد، وقبض عليه، وغرَّقه، ونازل الموصل على فَرْسخٍ منها، ونزل أخوه ألْتُونْتاش من الجهة الأخرى، فجاء صاحب الجزيرة العُمرية جكرمِش ليكشف عنهم، فهزمه ألْتُونْتاش، وطالت مصابرتهما لأهل الموصل حتّى عُدِمت بها الأقوات، وكلّ شيء حتّى ما يوقدونه، ودام الحصار تسعة أشهر، ففارقها صاحبُها، وسار إلى الحلّة إلى الأمير صَدَقَة، واستولى كربوقا على الموصل، وشرع ألْتُونْتاش في مُصادرة النّاس، فقتله أخوه وأحسن السيرة، ثمّ سار فملك الرحبة.
وفيها اجتمعت الكواكب السَّبعة، سوى زُحَل في برج الحوت، فحكم المُنجِّمون بطوفانٍ يقارب طوفانَ نوح، فاتّفق أنّ الحُجَّاج نزلوا في وادي المناقب، فأتاهم سيل، فغرق أكثرهم؛ كذا قال " ابن الأثير "، ونجا من تعلَّق بالجبال، وذهبت الجمال والأزواد.
وفيها درّس بالنّظامية ببغداد أبو عبد الله الطبري الفقيه.(10/484)
-سنة تسعين وأربعمائة
فيها قُتِل الملك أرسلان أَرْغُون ابن السّلطان ألْب أرسلان السَّلْجُوقيّ بمَرْو، وكان قد حكمَ على خراسان. وسبب قتله أنّه كان مؤذياً لغلمانه، جبّارًا عليهم، فوثب عليه غلامٌ بسِكّين فقتله. وكان قد ملك مَرْو، وبَلْخ، ونَيْسابور، وتِرْمِذ، وأساء السّيرة، وخرّب أسوار مُدُن خُراسان، وصادر وزيره عماد الملك ابن نظام الملك، وأخذ منه ثلاثمائة ألف دينار، ثمّ قتله.
وفيها عصى متولي مدينة صور على المصريّين، فسار لحربه جيش، وحاصروه، ثمّ افتتحوها عَنْوَةً وقتلوا بها خلْقًا ونهبوها، وحمل واليها إلى مصر، فقتل بها.
وكان بَركيَارُوق قد جهَّز العساكر مع أخيه الملك سَنْجَر لقتال عمّه أرسلان أرغون المتغلِّب على خُراسان، فلمْا بلغوا الدّامَغان أتاهم قتْلُه، ثمّ لحِقهم السّلطان بَركيارُوق، وسار إلى نَيْسابور، فتسلَّمها ثمّ تسلّم سائر خُراسان بلا قتال، ثمّ نازل بلْخ وتسلّمها، وبقي بها سبعة أشهر، وخطبوا له بسَمَرْقَنْد، وغيرها. ودانت له البلاد، وخضعت له العباد. واستعمل أخاه سنجر على خُراسان، ورتَّب في خدمته من يسوس الممالك، لأنه كان حدثاً.
وفيها أمر بركياروق الأمير محمد بنَ أَنُوشتِكِين على خُوارَزْم. وكان أبوه مملوك الأمير بلكابَك السَّلْجُوقيّ، فطلع نجيباً، كامل الأوصاف، فولد له محمد هذا، فعلِّمه وأدَّبه، وترقِّت به الحال إلى أن ولي خُوارَزْم، ولُقِّب خُوارَزْم شاه. وكان كريمًا، عادلًا، محسِنًا، مُحِبًّا للعلماء، فلمّا تملك السّلطان سنجر أقرَّ محمدًا على خُوارَزْم، ولمّا تُوُفّي ولي بعده ولده أتسز بن خُوارَزْم شاه فمدَّ ظُلَل الأمن، ونَشَر العدل، وكان عزيزًا على السّلطان سنجر، واصلًا عنده لشهامته وكفايته وشجاعته، وهو والد السّلطان خُوارَزْم شاه محمد الذي خرج عليه جنكزخان.
وفيها نازل رضوان صاحب حلب مدينة دمشق ليأخذها من أخيه دُقَاق، فرأى حصانتها، فسَار ليأخذ القدس فلم يُمكنه، وانقطعت عنه العساكر. وكان معه ياغي سِيان ملك أنطاكيّة، فانفصل عنه، وأتى دمشق، وحسّن لدُقَاق محاصرةَ حلب، فسَار معه، واستنجد رضوان بسُقْمان بن أرتق، فنجده بجيش التُّركمان، [ص:486] وخاض الفُرات إليه. والتقى دُقَاق ورضوان بقِنَّسْرين، فانهزم دُقَاق وجَمْعه، ونُهِبوا، ورجعوا بأسوأ حال. ثمّ قُدّم رضوان في الخطبة على أخيه بدمشق، واصطلحا.
وفيها خُطب للمستعلي بالله المصريّ في ولاية رضوان بن تُتُش، لأنّ جناح الدّولة زوج أمّ رضوان رأى من رضوان تغيُّرًا، فسَار إلى حمص، وهي يومئذٍ له، فجاء حينئذٍ ياغي سيان إلى حلب، وصالح رضوان، وكان لرضوان منجمٌ باطنيٌ اسمه أسعد، فحسّن له مذهب المصريّين، وأتته رُسُل المستعلي تدعوه إلى طاعته، على أن يمدّه بالجيوش، ويبعث له الأموال ليتملّك دمشق، فخطب للمستعلي بحلب، وأنطاكيّة، والمَعَرّة، وشَيْزَر شهرًا. فجاءه سُقْمان، وياغي سِيان، فأنكرا عليه وخوّفاه، فأعاد الخُطْبة العباسية.
ورد ياغي سيان إلى أنطاكية، فما استقرّ بها حتّى نازَلَتْها الفرنج يحاصرونها.
وكانوا قد خرجوا في هذه السّنة في جَمْعٍ كثير، وافتتحوا نيقية، وهو أوّل بلدٍ افتتحوه، ووصلوا إلى فامية، وكَفِرْطَاب، واستباحوا تلك النّواحي. فكان هذا أوّل مظهر الفرنْج بالشّام. قدِموا في بحر القُسطنطينيّة في جَمْعٍ عظيمٍ، وانزعجت الملوك والرّعيّة، وعظُم الخَطْب، ولا سيما سلطان بلاد الرّوم سليمان، فجمع وحشد، واستخدم خلقاً من التركمان، وزحف إلى معابرهم، فأوقع بخلقٍ من الفرنْج، ثمّ إنّهم التقوه، ففلّوا جَمْعَه، وأسروا عسكره، واشتدّ القلق وزاد الفَرَق، وكان المصافّ في رجب.(10/485)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(10/487)
-ذكر من تُوُفّي في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة من المشاهير(10/487)
1 - أحمد بن إبراهيم، أبو بكر القُرَشيّ الدّرْعيّ الهَرَويّ. [المتوفى: 481 هـ]
تُوُفّي بهَرَاة في شهر صَفَر، سمع أبا الفضل الجاروديّ.(10/487)
2 - أحمد بن عبد الصّمد بن أبي الفضل، أبو بكر الغُورَجيّ الهَرَويّ التاجر. [المتوفى: 481 هـ]
سمع " الجامع " لأبي عيسى من الجراحي. روى عنه المؤتمن السّاجيّ، وعبد الملك الكَرُوخيّ. وتُوُفّي في ذي الحجّة بهَرَاة.
وثّقه الحسين بن محمد الكُتُبيّ.(10/487)
3 - أحمد بن محمد بن حسن بن خضر، أبو طاهر الجواليقيّ، [المتوفى: 481 هـ]
والد أبي منصور ابن الجواليقيّ.
كان صالحًا صحيح السّماع، سمع أبا القاسم بن بِشْران. وعنه عبد الوهّاب الأنماطيّ.(10/487)
4 - أحمد بن محمد بن أحمد، أبو نصر الثّعالبيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 481 هـ]
تُوُفّي في رجب بخُراسان. روى عن ابن محمش، وأبي عبد الرحمن السلمي، وجماعة.(10/487)
5 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه، أَبُو الفضل الرصاص الأصبهاني. [المتوفى: 481 هـ][ص:488]
سمع محمد بن إبراهيم الجرجاني. وعنه مسعود الثقفي، والرستمي.
توفي في هذه السنة تقريبا.(10/487)
6 - إبراهيم بْن محمد بْن إبراهيم، أبو إِسْحَاق الأصبهانيّ الطّيّان القفّال. [المتوفى: 481 هـ]
سمع إبراهيم بن خرّشيذ قوله. وعنه مسعود الثقفي، والرستمي.
توفي في صفر.
وقد سئل أبو سعد البغدادي عنه، فقال: شيخ صالح، سمعت أنّه كان يخدم ابن خرّشيذ في صِغَره، وما سمعتُ فيه إلّا خيرًا.(10/488)
7 - إسماعيل بن عليّ بن محمد بن عبد الله، أبو الفضل الدّلْشاذيّ الفقيه، [المتوفى: 481 هـ]
من تلامذة أبي محمد الجُوينيّ.
صالح مستور، حدَّث عن أبي القاسم عبد الرحمن السّرّاج، وأبي بكر الحِيريّ، وأبي سعيد الصَّيَرْفيّ. روى عنه عبد الغافر الفارسيّ، وقال: تُوُفّي في الحادي والعشرين من المحرّم.(10/488)
8 - إسماعيل بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن نوح، القاضي الخطيب أبو محمد النوحي السّمرقنديّ. [المتوفى: 481 هـ]
توفي يوم الأضحى، وحدَّث عن جعفر المستغفِريّ، وعنه عمر بن محمد النَّسَفيّ، وغيره، وعاش تسعًا وخمسين سنة.(10/488)
9 - جعفر بن حيدر، أبو المعالي العَلَويّ الهَرَويّ الزّاهد. [المتوفى: 481 هـ]
أحد الكبار، بنى بهَرَاة الخانقاه، وكان له مريدون وأصحاب أشعريّون. سمع عبد الغافر الفارسيّ، وجماعة.(10/488)
10 - حَجّاج بن قاسم، أبو محمد المأمونيّ السّبْتيّ الفقيه. [المتوفى: 481 هـ]
سمع من أبيه؛ وبمكّة من أبي ذَرّ عبدٍ الهَرَويّ، وأبي بكر المُطَّوِّعيّ، وسكن المَرِية، وصار رئيس علمائها، وبعد ذلك انتقل إلى سَبْتَة، وحدَّث [ص:489] " بصحيح البخاريّ ". سمع منه قاضي القضاة أبو محمد بن منصور، وأبو عليّ بن طريف، وأبو القاسم بن العجوز وآخرون.
وكان أبوه قاسم بن محمد الرُّعَيْنيّ ممّن لقي ابن أبي زيد، تُوُفّي سنة ثمانٍ وأربعين.(10/488)
11 - الحسن بْن محمد بْن الحسن، أبو القاسم الخَوَافيّ. [المتوفى: 481 هـ]
نزيل نَيْسابور.
سمع من ابن مَحْمِش، وعبد اللَّه بن يوسف، والسُّلَميّ. روى عنه أبو البركات الفُراويّ، وعائشة بنت الصّفّار، ومحمد بن الحسن الزُّوزَنيّ.
قال ابن السَّمعانيّ: مات بعد سنة ثمانين.(10/489)
12 - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ محمد بن أحمد بن عليّ بن جعفر بن منصور بن مَتّ، شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاريّ الهَرَويّ الحافظ العارف، [المتوفى: 481 هـ]
من ولد صاحب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أبي أيّوب الأنصاريّ.
قال أبو النَّضْر الفاميّ: كان بكر الزمان وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال في فنون الفضائل، وأنواع المحاسن، منها نُصّرة الدّين والسُّنّة من غير مداهنةٍ ولا مراقبة لسلطان ولا وزير. وقد قاسى بذلك قصْد الحُسّاد في كلّ وقت، وسَعَوا في روحه مراراً، وعمدوا إلى إهلاكه أطْوارًا فوقاه الله شرّهم، وجعل قَصْدهم أقوى سببٍ لارتفاع شأنه.
قلت: سمع من عبد الجبّار الْجَرَّاحيّ " جامع التِّرْمِذِيّ "، وسمع من الحافظ أبي الفضل محمد بن أحمد الجاروديّ، والقاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزْديّ، وأحمد بن محمد بن العالي، ويحيى بن عمّار السِّجْزيّ المفسّر، ومحمد بن جبريل بن ماحٍ، وأبي يعقوب القَرّاب، وأبي ذَرّ عبد بن أحمد الهَرَويّ، ورحل إلى نَيّسابور، فسمع من محمد بن موسى الحَرَشيّ، وأحمد بن محمد السَّلِيطيّ، وعليّ بن محمد الطّرّازيّ الحنبليّ أصحاب الأصمّ، والحافظ أحمد بن عليّ بن فَنْجُوَيْه الأصبهاني. وسمع من خلقٍ كثير بهراة، أصحاب [ص:490] الرّفّاء فمن بعدهم.
وصنَّف كتاب " الفاروق في الصّفات " وكتاب " ذمّ الكلام " وكتاب " الأربعين حديثًا " في السُّنَّة. وكان جِذْعًا في أعين المتكلِّمين، وسيفاً مسلولاً على المخالفين، وطوداً في السّنة لا تزعزعه الرّياح.
وقد امْتُحِن مرَّاتٍ؛ قال الحافظ محمد بن طاهر: سمعتُ أبا إسماعيل الأنصاريّ يقول بهَرَاة: عُرِضتُ على السَّيف خمس مرّات، لا يقال لي: ارجعْ عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكُت عمّن خالفك، فأقول: لا أسكت. وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أَسْرُدُها سَردًا.
قلت: خرّج أبو إسماعيل خلْقًا كثيرًا بهَرَاة، وفسّر القرآن زمانًا، وفضائله كثيرة. وله في التصوف كتاب " منازل السّائرين " وهو كتاب نفيس في التَّصوُّف، ورأيت الاتحاديّة تعظّم هذا الكتاب وتنتحله، وتزعم أنّه على تصوّفهم الفلسفيّ. وقد كان شيخنا ابن تميمة بعد تعظيمه لشيخ الإسلام يحطّ عليه ويرميه بالعظائم بسبب ما في هذا الكتاب. نسأل الله العفو والسلامة.
وله قصيدة في السُّنّة، وله كتاب في مناقب أحمد بن حنبل، وتصانيف أُخر لا تحضُرني.
روى عنه المؤتمن السّاجيّ، ومحمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الصّبور بن عبد السّلام الهَرَويّ، وعبد الملك الكَرُوخيّ، وأبو الفتح محمد بن إسماعيل الفاميّ، وعطاء بن أبي الفضل المعلّم، وحنبل بن عليّ البخاريّ، وأبو الوقت عبد الأوّل، وعبد الجليل بن أبي سعد، وخلْق سواهم. وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيّار.
قال السِّلَفيّ: سألت المؤتمن عنه، فقال: كان آيةً في لسان التّذكير والتّصوُّف، من سلاطين العلماء؛ سمع ببغداد من أبي محمد الخلال، وغيره. ويروى في مجالس وعْظِه أحاديث بالإسناد، ويَنْهَى عن تعليقها عنه. وكان بارعًا في اللُّغة، حافظًا للحديث. قرأت عليه كتاب " ذمّ الكلام "، وكان قد روى فيه حديثًا عن عليّ بن بُشْرى، عن أبي عبد الله بن مَنْدَهْ، عن إبراهيم بن [ص:491] مرزوق. فقلت له: هذا هكذا؟ قال: نعم. وإبراهيم هو شيخ الأصمّ وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على هذا الوجه.
قلتُ: وكذا سقط عليه رجلان في حديثين مخرَّجين من " جامع التِّرْمِذِيّ ". وكذا، وقعت لنا في " ذمّ الكلام ". نبهت عليهما في نسختي، واعتقدتها سقطت على المنتقى من " ذمّ الكلام " ثمّ رأيت غير نسخةٍ كما في " المنتقى ".
قال المؤتَمَن: وكان يدخل على الأمراء والجبابرة، فما كان يُبالي بهم، وكان يرى الغريب من المحدِّثين، فيُكْرمه إكرامًا يتعجَّب منه الخاصّ والعامّ. وقال لي مرّة: هذا الشّأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشّأن. يعني: طَلَب الحديث. وسمعته يقول: تركت الحِيريّ لله، يعني القاضي أبا بكر أحمد بن الحسن صاحب الأصمّ. قال: وإنّما تركه لأنّه سمع منه شيئاَ يخالف السُّنّة.
وقال أبو عبد الله الحسين بن محمد الكُتُبيّ في " تاريخه ": خرّج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطّه، إلى أن ذهب بصره، فلمّا ذهبَ بصرُهُ أمر واحدًا بأن يكتب لهم ما يخرِّج، ثمّ يصحّح عليه، وكان يخرّج لهم متبرعًا لحبّه للحديث، وقد تواضع بأن خرَّج لي فوائد. ولم يبق أحدٌ خرّج له سواي.
وقال الحافظ محمد بن طاهر: سمعتُ أبا إسماعيل الأنصاريّ يقول: إذا ذكرتُ التّفسير، فإنّما أذكره من مائةٍ وسبعة تفاسير.
وسمعت أبا إسماعيل ينشد على المنبر هذا:
أنا حنبليٌّ ما حَييت، وإنّ أمُت ... فوصيّتي للنّاس أن يتحنبلوا
وسمعتُ أبا إسماعيل يقول: لما قصدت الشيخ أبا الحسن الخرقانيّ الصّوفيّ، وعزمتُ على الرّجوع، وقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالرَّيّ وألتقي به - وكان مقدَّم أهل السُّنّة بالرَّيّ - وذلك أنّ السّلطان محمود بن سُبُكْتِكِين لمّا دخل الرَّيّ، وقتل بها البّاطنيّة، منع سائر الفِرَق من الكلام على المنابر، غير أبي حاتم، وكان مَن دخل الرّيّ مِن سائر الفِرَق، يعرض اعتقاده عليه، فإنْ رَضَيَه إذِن له في الكلام على النّاس وإلّا منعه، فلمّا قَرُبْتُ من الرَّيّ كان معي في الطّريق رجلٌ مَن أهلها، فسألني عن مذهبي. [ص:492]
فقلت: أنا حنبليٌّ. فقال: مذهبٌ ما سمعتُ به وهذه بدْعة. وأخذ بثوبي وقال: لا أفارقك حتّى أذهب بك إلى الشّيخ أبي حاتم. فقلت: خيْرة. فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلسٌ عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهبًا لم أسمع به قطّ. قال: ما قال؟ قال: أنا حنبليّ. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبليًّا فليس بمُسلمٍ.
فقُلت: الرجلُ كما وُصِف لي: ولزِمْتُه أيّامًا وانصرفت.
قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أنّ السّلطان ألْب أرسلان قدِم هَرَاة ومعه وزيره نظام المُلْك، فاجتمع إليه أئمّة الفريقين من الشّافعيّة والحنفيّة للشّكاية من الأنصاريّ، ومطالبته بالمناظرة. فاستدعاه الوزير، فلمّا حضر قال: إنّ هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإنّ يكن الحقّ معك رجعوا إلى مذهبك، وإنّ يكن الحقّ معهم إمّا أن ترجع وإمّا أن تسكت عنهم.
فقام الأنصاريّ وقال: أناظر على ما في كُمَّيَّ، فقال: وما في كُمَّيْكَ؟ قال: كتاب الله، وأشار إلى كُمِّه الأيمن، وسُنَّة رسوله، وأشار إلى كُمِّه اليسار، وكان فيه " الصّحيحان ". فنظر الوزير إليهم كالمستفهم لهم، فلم يكن فيهم مَن يمكنه أن يُناظره من هذا الطّريق.
وسمعتُ أحمد بن أميرجة القَلانسِيّ خادم الأنصاريّ يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير أبي عليّ، يعني نظام المُلْك، وكان أصحابه كلّفوه الخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلْخ. قلتُ: وكان قد غُرِّب عن هَرَاة إلى بَلْخ. قال: فلمّا دخل عليه أكرمه وبجّله، وكان في العسكر أئمة من الفريقين. في ذلك اليوم، قد علموا أنّ الشّيخ يأتي، فاتَّفقوا على أن يسألوه عن مسألةٍ بين يدي الوزير، فإنْ أجاب بما يجيب بهَرَاة سقط من عين الوزير، وإنْ لم يُجِبْ سقط من عيون أصحابه. فلمّا استقرّ به المجلس قال: العَلَويّ الدّبّوسيّ: يأذن الشّيخ الإمام في أن أسأل مسألة؟ قال: سَلْ. فقال: لِمَ تَلْعن أبا الحسن الأشعريّ؟ فسكت، وأطرق الوزير. فلمّا كان بعد ساعةٍ، قال له الوزير: أَجِبْه. فقال: لا أعرف الأشعريّ، وإنّما ألعَن من لم يعتقد أنّ الله في السّماء، وأنّ القرآن في المصحف، وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اليوم غير نبي.
ثمّ قام وانصرف، فلم يمكن أحدٌ أن يتكلّم بكلمةٍ من هيبته وصلابته وصَوْلته. فقال الوزير للسّائل أو مَن معَه: هذا أردتم، كنّا نسمع أنّه يذكر هذا بهَرَاة، فاجتهدتم [ص:493] حتّى سمعناه بآذاننا. وما عسى أن أفعل به؟ ثمّ بعث خلفه خِلَعًا وصِلَةً، فلم يقبلْها، وخرج من فوره إلى هَرَاة ولم يتلبّث.
قال: وسمعت أصحابنا بهَرَاة يقولون: لمّا قدم السّلطان ألْب أرسلان هَرَاة في بعض قِدْماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل الأنصاريّ، وسلّموا عليه وقالوا: قد وَرَدَ السّلطان، ونحن على عزْمٍ أنْ نخرج ونسلّم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسّلام على الشّيخ الإمام، ثمّ نخرج إلى هناك. وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنمًا من نحاس صغيرًا، وجعلوه في المحراب تحت سجّادة الشّيخ، وخرجوا. وذهبَ الشّيخ إلى خلوته، ودخلوا على السّلطان، واستغاثوا من الأنصاريّ أنّه مجسِّم، وأنّه يترك في محرابه صَنَمًا، ويقول: إنّ الله على صورته، وإنْ بعث السلطانُ الآن يجد الصَّنَم في قِبْلة مسجده. فعظُم ذلك على السّلطان، وبعث غلامًا ومعه جماعة، ودخلوا الدّار وقصدوا المحراب، وأخذوا الصَّنَم من تحت السّجّادة، ورجع الغلام بالصّنم، فوضعه بين يدي السّلطان، فبعث السّلطان من أحضر الأنصاريّ، فلمّا دخل رأى مشايخ البلد جلوسًا، ورأى ذلك الصَّنِم بين يدي السّلطان مطروحًا، والسّلطان قد اشتدّ غضبه، فقال له السّلطان: ما هذا؟ قال: هذا صنمٌ يُعْمل من الصُّفْر شِبْه اللُّعْبة. قال: لست عن هذا أسألك.
فقال: فَعَمّ يسألني السّلطان؟ قال: إنّ هؤلاء يزعمون أنّك تعبد هذا، وأنّك تقول: إنّ الله على صورته. فقال الأنصاريّ: سبحانك، هذا بُهْتَانٌ عظيم. بصوتٍ جَهُوريّ وصَوْلَة، فوقع في قلب السّلطان أنَّهم كذبوا عليه، فأمرَ به فأُخْرِج إلى داره مكرماً، وقال لهم: أصدِقُوني، وهددهم، فقالوا: نحن في يد هذا الرّجل في بليةٍ من استيلائه علينا بالعامّة، فأردنا أنْ نقطع شرّه عنّا، فأمَرَ بهم، ووكل بكلّ واحد منهم، ولم يرجع إلى منزله حتّى كتب خطه بمبلغٍ عظيم يحمله إلى الخزانة. وسَلِموا بأرواحهم بعد الهوان والجناية.
وقال أبو الوقت السِّجْزيّ: دخلت نَيْسابور، وحضرتُ عند الأستاذ أبي المعالي الْجُوَينيّ فقال: مَن أنت؟ قلت: خادم الشّيخ أبي إسماعيل الأنصاريّ. فقال: رضي الله عنه؟
وعن أبي رجاء الحاجّيّ قال: سمعتُ شيخ الإسلام عبد الله الأنصاريّ يقول: أَبُو عَبْد اللَّه بْن مَنْدَه سيد أهل زمانه. [ص:494]
وقال شيخ الإسلام في بعض كتبه: أخبرنا أبو بكر أحمد بن عليّ بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني أحفظ مَن رأيت مِن البشر.
وقال ابن طاهر: سمعتُ أبا إسماعيل الأنصاريّ يقول: كتاب أبي عيسى التِّرْمِذِيّ عندي أفْيَد من كتاب البخاري ومسلم. قلتُ لِمَ؟ قال: لأنّ كتاب البخاري ومسلم لا يصل إلى الفائدة منهما إلّا مَن يكون مَن أهل المعرفة التّامّة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه وبيَّنها، فيصل إلى فائدته كلّ واحدٍ من النّاس من الفُقَهاء، والمحدِّثين، وغيرهم.
قال ابن السَّمعانيّ: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن عبد الله الأنصاريّ، فقال: إمام حافظ.
وقال في ترجمته عبد الغافر بن إسماعيل: كان على حظٍّ تامّ من معرفة العربيّة، والحديث، والتّواريخ والأنساب، إمامًا كاملًا في التّفسير، حَسَن السّيرة في التَّصوُّف، غير مشتغلٍ بكسبٍ، مُكْتَفيا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسِه في السَّنة مرَّة أو مرّتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوفٍ من الدّنانير، وأعدادٍ من الثّياب والحُلِيّ، فيجمعها ويفرقها على القصّاب والخبَّاز، وينفق منها، ولا يأخذ من السّلاطين ولا من أركان الدّولة شيئًا، وقلَّ ما يُراعيهم، ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزاً مقبولاً قبولاً أتمّ من الملك، مُطاع الأمر، قريبًا من ستّين سنة، من غير مزاحمة.
وكان إذا حضر المجلس لبس الثّياب الفاخرة، وركب الدّوابّ الثّمينة، ويقول: إنّما أفعل هذا إعزازًا للدّين، ورغماً لأعدائه، حتّى ينظروا إلى عزّي وتجمّلي، ويرغبوا في الإسلام، ثمّ إذا انصرف إلى بيته عاد إلى المُرَقَّعَة، والقُعُود مع الصُّوفيّة في الخانقاه، يأكل معهم، ولا يتميَّز في المطعوم ولا الملبوس. وعنه أخذ أهل هَرَاة، التبكير بالصُّبح، وتسمية أولادهم في الأغلب بالعبد المضاف إلى أسماء الله، كعبد الخالق، وعبد الهادي، وعبد الخلّاق، وعبد المُعِزّ.
قال ابن السّمعانيّ: كان مُظْهِرًا للسُّنَّة، داعيا إليها، محرِّضًا عليها، وكان [ص:495] مكتفيا بما يباسط به المُريدين، ما كان يأخذ من الظَّلَمة والسلاطين شيئًا، وما كان يتعدَّى إطلاق ما ورد في الظّواهر من الكتاب والسُّنَّة، معتقدًا ما صحّ، غير مصرِّحٍ بما يقتضيه من تشبيه. نُقِل عنه أنّه قال: من لم ير مجلسي وتذكيري وطعَن فيَّ، فهو في حِلٍّ. ومولده سنة ست وتسعين وثلاثمائة.
وقال أبو النضر الفامي: توفي في ذي الحجّة، وقد جاوز أربعًا وثمانين سنة.(10/489)
13 - عبد العزيز بن طاهر بن الحسين بن عليّ، أبو طاهر البغداديّ الصَّحراويّ. [المتوفى: 481 هـ]
زاهد، عابد، قانت. لازم التَّفرُّد والعُزلة، روى شيئًا يسيرًا عن أبي الحسن بن رزقوَيْه، وعثمان بن دُوَسْت العلّاف.
تُوُفّي في شعبان.(10/495)
14 - عبد الكريم بن أبي حنيفة بن العباس، أبو المظفر الأندقي البخاري، [المتوفى: 481 هـ]
شيخ الحنفية في زمانه بما وراء النهر.
تفقه على الإمام عبد العزيز بن أحمد الحلواني، وسمع من محمد بن علي بن أحمد الإسماعيلي، وأبي إبراهيم إسماعيل بن محمد المزكي، وجماعة. روى عنه عثمان بن علي البيكندي، وغيره.
توفي في شعبان عن نحو من ثمانين سنة، وأنْدَقى قريةٌ من قُرى بُخَارى.(10/495)
15 - عبد الملك بن أحمد، أبو طاهر ابن السّيُوريّ. [المتوفى: 481 هـ]
شيخ صالح، بغداديّ، سمع أبا القاسم بن بشران، وبشرى الفاتِنيّ، وعثمان بن دُوَسْت. روى عنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وجماعة.
تُوُفّي في جُمَادى الآخرة، وروى عنه أبو محمد سِبْط الخيّاط.(10/495)
16 - عثمان بن محمد بن عُبَيْد الله، أبو عَمْرو المَحْميّ النَّيْسابوريّ المزكّيّ. [المتوفى: 481 هـ]
حدَّث عن أبي نُعَيْم عبد الملك بن الحسن الإِسْفَرَايِينِيّ، وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكيّ، وأبي عبد الله الحاكم، وجماعة. روى عنه محمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد الغافر بن إسماعيل، وعبد الله ابن الفراويّ، وهبة الرحمن ابن القُشَيْريّ، وعبد الخالق بن زاهر، ومحمد بن جامع الصّواف، وعبد الكريم بن الحسن الكاتب، والحسين بن عليّ الشّحّاميّ، وعبد الرحمن بن يحيى النّاصحيّ وأخوه أبو نصر أحمد، وخلْق كثير.
قال عبد الغافر: سمع المشايخ والصُّدور، وأدرك الإسناد العالي، وحضر الوقائع. وكان شيخا حسن الصحبة والعشرة، وتوفي في صفر.
قلت: روى عنه بالإجازة محمد بن ناصر الحافظ، وقيل: هو عثماني.(10/496)
17 - عطاء بن الحسن، أبو خالد الخراسانيّ. [المتوفى: 481 هـ]
توفي في ذي الحجة.(10/496)
18 - علي بن الحسين بن علي بن عمرويه، أبو الحسن. [المتوفى: 481 هـ]
نيسابوري مستور، روى عن الحِيريّ، وأبي سعيد الصَّيْرفيّ، وأبي عبد الله بن فَنْجُوَيْه. وتُوُفّي في نصف شوال.(10/496)
19 - عليّ بن منصور ابن الفرّاء، أبو الحسن القَزْوينيّ، ثمّ البغداديّ المؤدِّب. [المتوفى: 481 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان، وأبا بكر البَرْقَانيّ، واللالكائيّ، ونسخ بخطّه الكثير. وكان صالحًا خيراً. روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وأبو الكرّم الشَّهْرُزُورِيّ، وأبو منصور محمد ولده.(10/496)
20 - عمر بن الحُسين الدُّونيّ الصُّوفيّ الفقيه السُّفْيانيّ المُذْهِب، [المتوفى: 481 هـ]
نزيل صور. [ص:497]
سمع من السَّكَن بن جُمَيْع. وعنه الأرْمنازيّ. مات في ذي الحجّة، وقد جاوز الثّمانين.(10/496)
21 - غانم بن عبد الواحد بن عبد الرّحيم، أبو شُكْر الأصبهانيّ، الفقيه الشّافعيّ [المتوفى: 481 هـ]
إمام جامع إصبهان.
أحد العلماء، سمع محمد بن إبراهيم الْجُرجَانيّ. روى عنه مسعود الرُّسْتُميّ، وجماعة.
تُوُفّي في ثالث رجب.(10/497)
22 - الفضل بن عبد الله بن عليّ بن عمر الأدبوجانيّ، أبو سعد المعروف بالقاضي. [المتوفى: 481 هـ]
قال شِيرُوَيْه: قدِم همذان في رجب للتحديث، وروى عن عُبَيْد الله بن أبي حفص بن شاهين، وأبي منصور محمد بن محمد السواق، وأبي محمد الخلال، وجماعة. انْتُخِب عليه. وكان ثقة له أُصُولٌ مقيدة بخط أبي بكر الخطيب وغيره.(10/497)
23 - القاسم بن عليّ، أبو عدنان القرشي الشريف، العميد الهَرَويّ. [المتوفى: 481 هـ]
روى عن أَبِي مَنْصُور مُحَمَّد بْن مُحَمَّد القاضي، وأبي الحسن الدّيناريّ وغيرهما.(10/497)
24 - مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن، أبو بكر بن ماجه الأبْهَريّ، [المتوفى: 481 هـ]
أبهر إصبهان لازنجان وهي قرية كبيرة.
وُلِد سنة ستٍّ وثمانين وثلاثمائة، روى " جزء لُوَيْن " عن أبي جعفر بن المَرْزُبان، وطال عُمره، وأكثروا عنه. تُوُفّي في هذه السّنة.
روى عنه ابن طاهر المقدسيّ، وأبو سعد البغْداديّ، وأبو القاسم التَّيميّ، ومحمود بن محمد بن ماشَاذَه، وأبو منصور عبد الله بن محمد الكِسائيّ، وعبد المغيث بن أبي عدنان، وأبو الغنائم مسعود بن إسماعيل، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأبو الخير محمد بن أحمد الباغْبَان، ومحمود بن عبد الكريم [ص:498] فُورَجَة، وأبو الغنائم محمد بن عبد المؤمن، وأبو رشيد أحمد بن حمْد الخِرَقيّ، وعبد المنعم بن محمد بن سعْدُوَيْه، والحسن بن رجاء بن سُلَيْم، والأديب محمد بن أبي القاسم الصّالحانيّ، وغيرهم.(10/497)
25 - محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد بن جعفر، أبو الحسن الباقَرْحيّ البغداديّ الصَّيْرَفيّ. [المتوفى: 481 هـ]
سمع ابن المُتيَّم وابن رزقوَيْه، وغيرهما. روى عنه محمد بن ناصر.(10/498)
26 - محمد بن الحُسين بن عليّ بن محمد بن محمود، أبو يعلى الهَمَذَانيّ السّرّاج. [المتوفى: 481 هـ]
سمع بمكّة " صحيح البخاري " من كريمة المَرْوَزِيّة، وبمصر من القاضي أبي عبد الله محمد القُضَاعيّ، وببغداد من الجوهريّ.
وكان صدوقًا، حَسَن السّيرة كثير الصَّدَقة، تُوُفِّي فِي صَفَر.(10/498)
27 - مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بن أحمد، أبو بكر النَّيْسابوريّ الماوَرْديّ الصُّوفيّ الحنفيّ. [المتوفى: 481 هـ]
صوفيّ، نظيف، ظريف، ورِع، روى عن أبي العلاء صاعد بن محمد. وعنه عبد الغافر بن إسماعيل؛ وهو وصفه.(10/498)
28 - محمد بن محمد بن بشير، أبو عبد الله المعافري القرطبي الصيرفي المقرئ، [المتوفى: 481 هـ]
صاحب مكّيّ.
روى عنه أبو عليّ الغسّانيّ، وقال: كان رجلًا صالحًا، طلب الأدب عند أبي بكر مسلم بن أحمد الأديب. وقرأ القرآن على مكّي بن أبي طالب. وحجّ، وكتب " صحيح مسلم " بمصر، عن أبي محمد بن الوليد.
وكان رجلًا منقبضًا، مقبلًا على ما يعنيه، وتُوُفّي في رمضان.(10/498)
29 - محمد بن هشام بن محمد بن عثمان بن نصر، أبو بكر القَيسيّ الوزير القُرْطُبيّ، ويُعرف بابن المُصْحَفيّ. [المتوفى: 481 هـ][ص:499]
روى عن أبيه، وعن ثابت بن محمد الْجُرْجَانيّ، وأبي الحسن التِّبريزيّ، وأبي عبد الله بن فَتْحون، وصاعد بن الحسن اللُّغويّ، وأبي عمر بن عفيف.
روى عنه أبو عليّ الغسّانيّ، وقال: كان من المتحقّقين بالأدب، الدّائبين على طلبه مدّة عُمره. وكان ذا صيانة وجلالة. أكثر الناس عنه.
وقال ابن بشكوال: أَخْبَرَنَا عَنْهُ غير وأحد.
وقال أبو الحسن بن مغيث: كان حافل الأدب، متّسع المعرفة، من بيت نباهةٍ ووجاهة، دَمِث الأخلاق، مثابرًا على المطالعة. وكانت كُتُبه في غاية الإتقان والتّقييد.
تُوُفّي الوزير أبو بكر في ثالث جُمَادى الأولى، وله ثمانون سنة.(10/498)
30 - محمد بن يبقى، أبو عبد الله الأندلسيّ اللّخْميّ. [المتوفى: 481 هـ]
من أهل المَرِية.
كان فقيهًا عالمًا بالأثر. اختلفَ إلى الشّيوخ كثيرًا.
ورّخه أبو القاسم بن مدير، وقال: ما تركت بالمَرِية أحدًا فوقه.(10/499)
31 - مسعود بن سعيد بن عبد العزيز النِّيليّ، أبو الفضل النَّيْسابوريّ الطّبيب. [المتوفى: 481 هـ]
قال السّمعاني: ولد سنة أربعٍ وأربعمائة، وتُوُفّي في سنة نيّفٍ وثمانين. يروي عن الحسين بن فنجويه الثقفيّ. حدثنا عنه أبو البركات ابن الفُرَاويّ، وغيره. وعبد الخالق الشّحّاميّ.(10/499)
32 - مُعَلَّى بن حيدرة، الأمير حصن الدّولة أبو الحسن الكتامي. [المتوفى: 481 هـ]
تغلّب على إمرة دمشق في شوّال سنة إحدى وستّين بعد هروب أمير الجيوش بدر، وبعد بارزطغان، فأساء السّيرة، وصادر النّاس وعذَّبهم. وزعم أنّ التّقليد وصل إليه من المستنصر صاحب مصر. وعَمَّ بلاؤه إلى أن خرِبت أعمال البلد وجَلَا كثير من النّاس، ووقعت بينه وبين العسكر وَحْشة فخافهم وهرب إلى بانياس في آخر سنة سبعٍ وستين، وأراح الله منه. ثُمَّ خاف من [ص:500] عسكرٍ قدم من مصر سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وهرب إلى صور، ومنها إلى طرابُلُس، فأُخِذ منها؟ وحُمِل أسيرًا إلى مصر، وبقي بها إلى أن قتل في هذه السّنة.(10/499)
33 - هبة الله بن عليّ، أبو سعْد الكوّاز القارئ. [المتوفى: 481 هـ]
تُوُفّي ببغداد في رجب.
يروي عن عبد الملك بن بشران. وعنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل الطّلْحيّ.(10/500)
34 - هبة الله بن محمد بن محمد بن مَخْلَد، أبو المفضل بن الْجَلَخْت الأزديّ الواسطيّ الزّاهد، المقرئ. [المتوفى: 481 هـ]
سمع عليّ بن عبد الله الطَّرَسُوسيّ، وأبا تمّام عليّ بن محمد العبديّ، وعمر بن عليّ الميمونيّ. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وغيره.
قال خميس الحَوْزيّ: أبو المفضل شيخنا يَقْصُر الوصَف عمّا كان عليه من خشونة الطّريقة وحُسْنها. صام وقته كلّه، ولازم الجامع معتكفاً، يقرئ القرآن ويحدث. وكان حسن المعرفة بالفقه والحديث، جماعةٌ لخلال الخير، ذا جاهٍ عظيم عند السّلطان. تُوُفّي في أوّل السّنة، ودُفِن بداره، وله سبعٌ وخمسون سنة.(10/500)
-سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة(10/501)
35 - أحمد بْن عُمَر بْن أحمد بْن عليّ، أبو بكر الهَمَذَانيّ الصُّنْدُوقيّ البزّاز المعبّر. [المتوفى: 482 هـ]
روى عن أبي طاهر بن سَلَمَة، وأبي سعيد بن شبابة، ومحمد بن عيسى وأكثر عنه، وابن المحتسب، وجعفر الأَبْهَريّ، وطاهر بن أحمد الإمام، وعليّ بن أحمد، وعليّ بن شُعيب، وأبي نصر بن الكسّار، وأبي الفضل عمر بن إبراهيم بن أبي سعْد الهَرَويّ، ومنصور بن رامش، وأبي حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش الرازي الفقيه، وخلْق كثير.
قال شيرُوَيْه: سمعتُ منه كثيرًا، وكان ثقة صدوقًا، عارفًا بأحوال البلد وأهلها، وبأخبار المشايخ. وكان أحد دُهاة الفُرس. حَسَن السّيرة، اعتكف في الجامع نيِّفًا وأربعين سنة، تُوُفّي في ذي الحجّة، وتولّيت غُسْلَه.(10/501)
36 - أحمد بن محمد بن أحمد، أبو العباس الْجُرجَانيّ الفقيه، [المتوفى: 482 هـ]
قاضي البصرة وشيخ الشّافعيّة بها.
وهو مذكور في أعيان الأدباء، له تصانيف، وسمع من أبي طالب بن غَيْلان، وابي الحسن القزْوينيّ، والصُوريّ. روى عنه الحسين بن عبد الملك الأديب بإصبهان، وله كتاب سمّاه كتاب " الأدباء " أورَد فيه نفائس من النَّظم والنَّثْر.
وكان من أجلاد العالَم، تفقّه على الشّيخ أبي إسحاق. وقد روى عنه أبو عليّ بن سُكّرة الحافظ، وأثنى عليه. وروى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ.(10/501)
37 - أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر، أبو الفتح الأصبهاني الوَبَرِيّ المقرئ. [المتوفى: 482 هـ]
قرأ بالرّوايات على أبي المظفّر عبد الله بن شبيب، والباطِرْقانيّ، وسمع من أبي نُعَيْم، وجماعة. وروى اليسير، وكان مقرئ إصبهان في وقته.(10/501)
38 - أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد، أبو نصر القاضي الصّاعديّ، [المتوفى: 482 هـ]
رئيس نَيْسابور وقاضيها.
أجرى رياسة بلده ورسومها على أحسن مجاريها. وكان معظّمًا عند السّلطان، وله معرفة بالفروسية ورمْي القَوْس، وكان من أعيان الحنفيّة.
سمع الحديث من جده أبي العلاء صاعد بن محمد القاضي والقاضي أبي بكر الحِيريّ، ومحمد بن موسى الصَّيْرَفيّ، وعليّ بن محمد الطّرّازيّ، ويحيى بن إبراهيم المزكّيّ. وسمع ببغداد في الكُهولة من القاضي أبي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وغيره.
وكان مولده في سنة عشرٍ وأربعمائة.
روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو سعْد البغداديّ، وسُفيان بن مَنْدَهْ، وزاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ، ومنصور بن محمد حفيده، وعبد الله ابن الفُرَاويّ، وعبد الخالق بن زاهر، وأبو الغنائم منصور بن محمد الكُشْمِيهَنيّ، وإسماعيل العصائديّ، وأحمد بن عليّ المقرئ البهيقي، ومحمد بن عليّ بن دُوَسْت، وآخرون.
قال السّمعاني: تعصب بأخرة في المذهب، حتّى أدى إلى إيحاش العلماء، وأغرى بعض الطّوائف على بعضٍ، حتّى غيّرت الخُطَباء، وشرع اللّعن على أكثر الطّوائف مِن المسلمين، فانتهى الأمرُ إلى السّلطان ألْب أرسلان، والوزير نظام المُلْك، فأبطل ذلك، ولزم القاضي أبو نصر بيته مدّة إلى دولة ملكشاه، ففوّض القضاء إليه، وكان العدل والإنصاف في أيّامه. وعقد مجلس الإملاء في خميسات رمضان، وكان يحضر إملاءه من دبَّ ودَرَج. توفي في ثامن شعبان. وكان أحد من يُقال له شيخ الإسلام.(10/502)
39 - أحمد بن محمد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن شجاع، الأستاذ أبو حامد الشُّجَاعيّ السَّرْخَسِيّ ثمّ البلْخيّ، الفقيه. [المتوفى: 482 هـ]
كان إمامًا مبرِّزًا كبير القدْر، تفقّه على أبي عليّ السِّنْجيّ، ودرَّس مدّة، وله أصحاب. سمع الحديث من الليث بن الحسن اللَّيْثيّ، وغيره. روى عنه ابن أخيه محمد بن محمود السَّرَهْ مَرْد بسَرْخس، وأبو حفص عمر بن محمد [ص:503] المروزي، ومحمد بن أبي الحسن القومسي البلخي، وعمر البسطامي الحافظ، وأبو بكر محمد بن القاسم القاضي الشَّهْرُزُورِيّ، وآخرون؛ سمع منهم: أبو سعد السّمعاني.
وتوفي ببلْخ. وقع لنا مجلسٌ من أماليه.(10/502)
40 - إبراهيم بن سعيد بن عبد الله، الحافظ أبو إسحاق النُّعْمانيّ، مولاهم المصريّ، المعروف بالحبّال. [المتوفى: 482 هـ]
قال أبو عليّ بن سُكّرة: أخبرنيّ أن مولده في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وأنّه سمع من الحافظ عبد الغنيّ بن سعيد سنة سبعٍ وأربعمائة وأنّ عبد الغنيّ تُوُفّي سنة ثمانٍ.
قلتُ: سمع أحمد بن عبد العزيز بن ثَرْثال صاحب المَحَامِليّ، وهو أكبر شيخٍ له، وعبد الغنيّ المذكور، ومحمد بن أحمد بن شاكر القطّان، ومحمد بن ذَكْوان التِّنِّيسيّ سِبْط عثمان السَّمَرْقَنْديّ، وأحمد بن الحسين بن جعفر النُّخَاليّ العطّار، وقال: ما أُقَدِّم عليه أحدًا من شيوخي في الثّقة وجميع الخِصال الّتي اجتمعتْ فيه؛ وعبد الرحمن بن عمر النحاس، واحمد بن محمد بن الحاج الإشبيلي، ومنير بن أحمد، والخصيب بن عبد الله، ومحمد بن محمد النَّيْسابوريّ صاحب الأصمّ، وابن نظيف، وخلْقًا سواهم.
وجمع لنفسه عوالي سُفْيان بن عُيَيْنَة، وغير ذلك. وكان يتّجر في الكُتُب، ولهذا حصّل من الأُصُول والأجزاء ما لا يوصف. وكان متقنًا، ثقة، حافظًا مُتَحَرِّيا، صادقًا.
روى عنه أبو عبد الله الحُمَيْديّ، وإبراهيم بن الحسن العَلَويّ المصريّ النّقيب، وعبد الكريم بن سوار التككيّ، وعطاء بن هبة الله الإخْمِيميّ، ووفاء بن ذبيان النّابُلُسيّ، ويوسف بن محمد الأَرْدَبيليّ، سمع السِّلَفيّ من خمستهم، ومحمد بن محمد بن جماهر الطُّلَيْطُلِيّ، ومحمد بن إبراهيم البكريّ الطُّلَيْطُلَيّ، وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسيّ، وأبو الفضل محمد بن بُنان الأنباريّ، وعليّ بن الحُسين المَوْصِليّ الفرّاء، وأبو بكر محمد بن عبد الباقيّ قاضي [ص:504] المَرِسْتان. وآخر من روى عنه بالإجازة الحافظ محمد بن ناصر.
وكان خلفاء مصر الرّافضة قد منعوه من التحديث، وأخافوه، فلِهذا انقطع حديثُه بوقتٍ؛ قال أبو عليّ بن سُكَّرة: مُنِعْتُ من الدُّخول إليه، فلم أدخل عليه إلّا بشرط أن لا يُسْمِعَني، ولا يكتب إجازة، فأوّل ما فاتحتُه الكلام خلّط في كلامه، وأجابني على غير سؤالي حَذرًا أنْ أكون مدسوسًا عليه، حتّى بسطتّه، وأعلمته أنّي من أهل الأندلس أريد الحجّ، فأجاز لي لفظا، وامتنع من غير ذلك.
وقال ابن ماكولا: كان الحبّال مكثِرًا ثقة، ثبْتًا، ورِعًا، خيِّرًا، ذكر أنّه مولى لابن النُّعْمان قاضي قُضاة مصر.
وحدَّث عنه ابن ماكولا وذكر أنّه ثبَّته في غير شيء، وروى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب إجازة، ثمّ قال: وحدَّثني عنه أبو عبد الله الحُمَيْديّ.
وقد أتى الحبّال بعض الطَّلَبة، قبل أن يمنعه بنو عُبَيْد من الرّواية، ليسمعوا منه جزءًا، فأخرج به عشرين نسخة، وناول كلّ واحدٍ نسخةً يُعارض بها.
وقال الحافظ محمد بن طاهر: سمعتُ أبا إسحاق الحبّال يقول: كان عندنا بمصر رجلٌ يسمع معنا الحديث، وكان متشدّدًا. وكان يكتب السّماع على الأصول، ولا يكتب اسم رجلٍ حتّى يستحلفه أنّه سمع الجزء، ولم يذهب عليه منه شيء.
وَسَمِعْتُهُ يقول: كنا يوما نَقْرَأُ عَلَى شيخٍ جُزْءًا، فَقَرَأْنَا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ". وَكَانَ فِي الْجَمَاعَةِ رجلٌ مِمَّنْ يَبِيعُ الْقَتَّ، وَهُوَ عَلَفُ الدَّوَابِّ، فَقَامَ وَبَكَى، وَقَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ بَيْعِ الْقَتِّ. فَقِيلَ: لَيْسَ هُوَ الَّذِي يَبِيعُ الْقَتَّ، وَلَكِنَّهُ النَّمَّامُ الَّذِي يَنْقُلُ الْحَدِيثَ مِنْ قومٍ إِلَى قَوْمٍ. فَسَكَنَ بُكَاؤُهُ وَطَابَتْ نَفْسُهُ.
قال ابن طاهر: كان شيخنا الحبّال لا يُخْرِجُ أصلَه من يده إلّا بحضوره، يدفع الجزء إلى الطّالب، فيكتب منه قدْر جلوسه، فإذا قام أخذ الأصل منه. [ص:505]
وكان له بأكثر كُتُبه عدة نُسَخ، ولم أرَ أحدًا أشدّ أخْذًا منه، ولا أكثر كُتُبًا منه. وكان مذهبه في الإجازة أن يقدّمها على الأخبار، يقول: أجاز لنا فُلان، أخبرنا فلان، ولا يقول: أخبرنا فلان إجازة؛ يقول: ربّما تُترك إجازة، فيبقى إخبارًا، فإذا ابْتُدِئ بها، لم يقع الشّكّ، فيه.
وسمعته يقول: خرَّج أبو نصر السِّجَزيّ الحافظ على أكثر من مائة شيخ، لم يبق منهم غيري.
وقال ابن طاهر: كان قد خرَّج له عشرين جزءًا في وقت الطَّلب، وكتبها في كاغدٍ عتيق، فسألت الحبّال عن الكَاغَد، فقال: هذا من الكاغَد الّذي كان يحمل إلى الوزير من سَمَرْقَنْد، وَقَعت إليَّ من كُتُبه قطعة، فكنتُ إذا رأيتْ ورقةً بيضاء قَطَعْتُها، إلى أن اجتمع لي هذا القدْر، فكنتُ أكتب فيه هذه الفوائد.
قال ابن طاهر: لمّا دخلت مصر قصدتُ الحبّال، وكان قد وصفوه لي بحِلْيَتْه وسِيرته، وأنّه يخدم نفسِه، فكنتُ في بعض الأسواق ولا اهتدي إلى أين أذهب، فرأيت شيخًا على الصّفة الّتي وُصِف بها الحبّال، واقِفًا على دُكّان عطّار، وكُمَّيه ملأى من الحوائج. فوقع في نفسي أنّه هو، فلمّا ذهبَ سألتُ العطّار: مَن هذا الشّيخ؟ فقال: وما تعرفه، هذا أبو إسحاق الحبّال! فتَبِعْتُه وبلغته رِسالةَ سعْد بن عليّ الزَّنْجَانيّ، فسألني عنه، وأخرج من جيبه جزْءًا صغيرًا، فيه الحديثان المسلسلان اللّذان كان يرويهما، أحدهما، وهو أوّل حديثٍ سمعته منه، فقرأهما عليَّ. وأخذت عليه الموعد كلّ يومٍ في جامع عَمْرو بن العاص إلى أن خرجت.
قلت: كان لقيّ ابن طاهر له في سنة سبعين وأربعمائة، وقد سمع منه القاضي أبو بكر الأنصاريّ في سنة ستٍّ وسبعين، وإنّما منعوه من التّحديث بعد ذلك.(10/503)
41 - إبراهيم بن عثمان بن إبراهيم بن يوسف، أبو القاسم الخلاّلي، [المتوفى: 482 هـ]
مُسْنِد جُرْجَان في زمانه.
تُوُفّي بعد الثّمانين.
ذكره أبو سعد السّمعانيّ، فقال: ثقة، مُكثِر، مُعمّر، روى الكثير، سمع أبا نصْر محمد ابن الإسماعيليّ، وحمزة السَّهْميّ، والحسن بن محمد الأديب، [ص:506] وأبا مسلم غالب بن عليّ الرّازيّ الحافظ، والمفضّل بن إسماعيل الإسماعيليّ، وأبا عَمْرو عبد الرحمن بن محمد الْجُرْجَانيّ، وأخاه عبد الواسع، وأبا الفضل محمد بن جعفر الخُزَاعِيّ، وأبا سعْد المالِينيّ، وبِشْر بن محمد الأبيورديّ، وطبقتهم. مولده في ذي القعدة سنة تسعين وثلاثمائة. قال: وتُوُفّي بجُرْجَان سنة نيفٍ وثمانين. أُنْبئتُ عن أبي المظفر ابن السّمعاني قال: أخبرنا سعد بن عليّ العصاريّ قال: أخبرنا إبراهيم الخلّاليّ بجُرْجَان، فذكر حديثًا.(10/505)
42 - أَصْرَم بن عبد الوهاب بن محمد بن خريم الأصبهاني، أبو نهشل. [المتوفى: 482 هـ]
سمع أبا بكر بن أبي عليّ، وأبا سعيد بن حسنَوَيْه.
مات في شوّال؛ أرّخه يحيى بن منده.(10/506)
43 - الحسن بن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن أَبِي بَكْر محمد بْن أحمد بْن عثمان بْن الوليد، أبو عبد الله السُّلَميّ الدمشقيّ، ابن أبي الحديد المعدّل، الخطيب. [المتوفى: 482 هـ]
حكم بين النّاس بدمشق حين عُزِل عنها القاضي الغَزْنَويّ إلى حين وصول الشَّهْرسْتانيّ من الحجّ، وحدَّث عن المسدّد الأملوكيّ، وأبي الحسن ابن السِّمْسار، وأبي الحسن العتيقيّ، وعبد الرحمن بن الطّبيز، وجماعة.
روى عنه حفيده أبو الحسين الخطيب، وهبة الله ابن الأكفانيّ، وهبة الله بن طاوس، وأبو القاسم بن البُنّ، وعليّ بن عساكر الخشّاب، وعليّ بن أحمد الحَرَسْتانيّ.
تُوُفّي في آخر السّنة وكان مولده سنة ستّ عشرة.
أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ بِدِمَشْقَ، وَسَنُقِرُّ الْمَحْمُودِيُّ بحلب، قالا: أخبرنا مكرم التاجر، قال: أخبرنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بِحَرَسْتَا سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وخمسمائة، قال: أخبرنا الحسن بن أحمد السلمي، قال: أخبرنا المسدّد بن عليّ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الكريم الحلبيّ، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الرافقيّ، قال: حدثنا صالح بن عليّ النوفليّ، قال: حدثنا يحيى الحمانيّ، قال: حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عن [ص:507] عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَلا أُرِيكُمْ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فرفع يديه فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ.(10/506)
44 - الحسن بن عبد الصّمد بن أبي الشّخْباء، أبو عليّ، الشّيخ المُجيد العسْقلانيّ، [المتوفى: 482 هـ]
صاحب الرّسائل والخطب.
كان القاضي الفاضل جُلّ اعتماده على حِفْظ كلام الشّيخ المُجيد، تُوُفّي مقتولًا في سجن خزانة البُنُود بالقاهرة في هذه السّنة.
فمن شِعره:
ما زال يختار الزّمانُ ملوكَه ... حتّى أصاب المصطفى المُتَخَيَّرا
قُلْ للأُلَى ساسوا الوَرَى وتقدموا ... قدماً: هلموا شاهدوا المتأخرا
تجدوه أوسَعَ في السّياسة منكمُ ... صدْرًا، وأحمد في العواقب مصدرا
قد صام، والحسناتُ مِلْءُ كتابه ... وعلى مثالِ صيامه قد أفطرا(10/507)
45 - الحسن بن عليّ بن عبد الواحد بن الموحّد، أبو محمد السُّلَميّ الدمشقيّ، المعروف بابن البُرِّيّ. [المتوفى: 482 هـ]
سمع عبد الرحمن بْن أَبِي نصر، وأبا نصر عَبْد الوهّاب بن الجبّان، ومنصور بن رامش. روى عنه أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، والفقيه نصر المقدسيّ، وأبو المفضل يحيى بن عليّ القاضي، ونصْر بن قاسم المقدسيّ، ونصر بن أحمد بن مقاتل. [ص:508]
توفي في نصف رمضان؛ كذا ورّخه ابن الأكفانيّ. ووردَ عن غيث أنّه تُوُفّي في صَفَر.(10/507)
46 - الحسين بن عليّ بن أحمد، أبو طاهر الأصبهاني، الشّيخ الصّالح. [المتوفى: 482 هـ]
روى عن أبي عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبي بكر بن مردويه.
ومولده سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة، مات فِي شوّال؛ قاله يحيى بْن مَنْدَهْ.(10/508)
47 - طاهر بن بركات بن إبراهيم بن عليّ بن محمد، أبو الفضل القُرَشيّ الدّمشقيّ، المعروف بالخُشُوعيّ. [المتوفى: 482 هـ]
سمع أبا القاسم الحِنائيّ، وأبا الحسين بن مكّيّ، وعبد الدّائم الهلاليّ، والكتّانيّ، والخطيب، وطبقتهم، وخرَّج " مُعْجم شيوخه ". سمع منه الفقيه نصر المقدسيّ، وهو من شيوخه، ومكّيّ الرُّمَيليّ.
قال ابن عساكر الحافظ: سألت ابنه أبا إسحاق لِمَ سُمّوا الخُشُوعيّ؟ فقال: كان جدّنا الأعلى يؤمّ النّاسَ، فتُوُفّي في المحراب. وذكر أنّ أباه طاهرًا تُوُفّي وقد ناهز الخمسين سنة.(10/508)
48 - ظاهر بن أحمد بن عليّ، الحافظ المفيد أبو محمد السَّلِيطيّ النَّيْسابوريّ، ويُسمّى أيضًا عبد الصّمد. [المتوفى: 482 هـ]
وُلِد بالرَّيّ ونشأ بها، وكتب الكثير بخطّه المتقن الصّحيح. سمع أبا عليّ بن المُذْهِب، والتَّنُوخيّ، والجوهريّ، وطبقتهم. روى عنه ابن بدران الحلواني، وأبو بكر المَرْوَزِيّ. وسكن هَمَذَان.(10/508)
49 - ظَفَر بن الدّاعي بن مهديّ بن حسن، السّيّد أبو الفضل العَلَويّ، [المتوفى: 482 هـ]
من ذرّيّة مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب، من أهل إستراباذ. [ص:509]
سمع الكثير، وأملى مدّة. روى عن والده، وحمزة السَّهْميّ، وإبراهيم بن مطرف، وعلي بن أحمد بن عبدان الأهوازي، وأبي بكر الحيري، وأجاز له السلميّ.
مات في هذا الحدود بعد الثمانين. روى عنه عبد الله ابن الفراويّ، وعائشة بنت الصفار.(10/508)
50 - عبد الله بن محمد بن إبراهيم ابن غريب الخال. [المتوفى: 482 هـ]
سمع الحرفيّ، وعثمان بن دُوَسْت، وأبا عليّ بن شاذان. روى عنه أبو غالب ابن البناء، وابنه سعيد ابن البناء، وإسماعيل ابن السمرقندي.(10/509)
51 - عبد الرحمن ابن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هَوَازن، أبو منصور القُشَيْريّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 482 هـ]
كان صالحًا عابدًا، سمع عبد الرحمن بن حمدان النصرويي، وأبا عبد الله بن باكُوَيْه بنَيْسابور، وأبا الطّيّب الطَّبَريّ، وجماعة ببغداد. روى عنه أبو الأسعد هبة الرحمن، وأبو حفص عمر الفَرغوليّ.
وتُوُفّي بمكّة هذه السّنة.(10/509)
52 - عبد السلام بن منصور بن الياس، أبو الفتح الهَرَويّ. [المتوفى: 482 هـ]
تُوُفّي في جُمَادى الآخرة، وتُوُفّي أخوه عبد البديع قبله بيوم.(10/509)
53 - عبد الصّمد بن أحمد بن عليّ، أبو محمد السَّلِيطيّ النَّيْسابوريّ المعروف بظاهر. [المتوفى: 482 هـ]
أصله رازيّ، كان أحد أئمّة الحفّاظ، نسخ الكثير بخطّه المتقن، ورحل فسمع أبا عليّ بن المُذْهِب، وأبا طاهر الصّبّاغ، وأبا الطّيّب الطَّبَريّ، والجوهريّ، وخرَّج للجوهريّ أمالي معروفة.
روى عنه محمد بن بطّال بهَمَذَان، وعبد الواحد بن الفضل الفارَمْذِيّ، ومحمد بن أميرك. إلّا أنّه أخذ كُتُب النّاس في نهْب البساسيريّ، وجمعها، ولم ينفعه الله بها. [ص:510]
توفي بنواحي همذان.(10/509)
54 - عبد الكريم بن زكريّا بن سعْد بن عمّار، أبو محمد البخاريّ الخبازيّ البزّاز. [المتوفى: 482 هـ]
فقيه حافظ فاضل، يفهم الحديث؛ سمع الكثير وأملى عن أبي نصر أحمد بن الحَسَن المَرَاجليّ، وحمزة بن أحمد الكَلاباذيّ، والحُسَين بن الخضر النَّسَفيّ، وطبقتهم. وعنه عثمان بن عليّ البَيْكَنديّ، وجماعة.
ولد سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، ومات في ربيع الأوّل.(10/510)
55 - عبد الواحد بن عليّ بن أحمد، أبو الفضل الهَمَذَانيّ الكرابيسيّ، المعروف بابن يُوّغة الصُّوفيّ. [المتوفى: 482 هـ]
روى عن ابن تُرْكان، وعليّ بن أحمد البيِّع، وسعد بن علويه، ومحمد بن علي بن خذاداذ، وجماعة.
قال شيرويه: شيخ الصوفية صدوق، سمعت منه جميع ما مر له، ومات في سلْخ ذي الحجّة، ومولده في سنة تسعين وثلاثمائة.
وقال السّمعانيّ: سمع أبا بكر بن حمدُوَيْه الطُّوسيّ، وأجاز له أبو بكر بن لال. حدثنا عنه حمدان بن الحسن الضّرير، وأبو الفخر سعْد بن محمد الصُّوفيّ، وأبو المكارم عبد الكرم بن عبد الملك الكرابيسيّ. وكان شيخ الصُّوفيّة بهَمَذَان.(10/510)
56 - عبد الواحد بن عليّ بن البَخْتَريّ، أبو القاسم. [المتوفى: 482 هـ]
بغداديّ مُقِلّ، روى عن أبي القاسم بن بِشْران. كتب عنه أبو محمد ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأخوه.
ومات في صَفَر.(10/510)
57 - عبد الواحد بن محمد بن عمر، أبو زيد الطَّرَسُوسيّ. [المتوفى: 482 هـ]
مات في ربيع الأوّل.(10/510)
58 - عبد الوهّاب بن أحمد بن محمد بن زكريّا، أبو منصور الثّقفيّ النَّيْسابوريّ الأُطْرُوش. [المتوفى: 482 هـ][ص:511]
قال السّمعانيّ: شيخ ظريف، خفيف، أصمّ، صُوفيّ. سافر الكثير ولقي المشايخ، وتبرَّع بأنواعٍ من القُرَب من عمارة القبور، وإعادة الأسماء على مشاهد الأئمّة، واتّخاذ الأواني النّحاس للصُّوفيّة. وسمع بخُراسان، والعراق. وكان يقرأ بنفسه لصَمَمَه.
حدَّث عن أبي بكر الحِيريّ، وأبي عبد الرحمن السُّلَميّ، وأبي الحسن الطّرّازيّ، وأبي عليّ السِّخْتِيانيّ، وأبي عبد الله بن باكُوَيْه. روى عنه أبو عثمان العصائديّ، وأبو الوقت عبد الأوّل.
تُوُفّي في خامس رجب. وقع لنا من طريقه مجلسا السُّلَميّ، وابن باكُوَيْه.(10/510)
59 - عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد بْن أبي عبد الرحمن، البَحِيريّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 482 هـ]
قال عبد الغافر: هذا الشّيخ رقيق الحال في التَّزْكيّة والعدالة، سمع من أبي عَبْد اللَّه الحاكم، وعبد اللَّه بْن يوسف الأصبهانيّ، وجماعة. وتوفي في تاسع ذي القعدة وله خمسٌ وثمانون سنة وأيّام.
قلت: روى عنه عبد الغافر، وغيره، والأمير أحمد بن محمد الفراتيّ.(10/511)
60 - عليّ بن أحمد بن عليّ بن حَنَوَيْه، أبو الحسن الشّهرستانيّ الفاروزيّ الكاتب. [المتوفى: 482 هـ]
سمع اللّيْث بن الحسن اللَّيْثيّ بسَرْخَس، وأبا بكر الحِيريّ، وصحِب أبا عبد الله بن باكُوَيْه.
تُوُفّي في ذي القعدة عن مائة سنة.(10/511)
61 - عليّ بن أبي نصْر المَنَاديليّ، أبو الحسن النَّيْسابوريّ الحافظ. [المتوفى: 482 هـ]
كان من نوادر الزّمان؛ جمع ما لم يجمعه غيره من أنواع العلوم، حتّى فاق أقرانه في القراءات، ومعرفة أسماء الرّجال، والمُتون، والطّبّ، وغير ذلك. [ص:512]
بالغ الحافظ عبد الغافر في وصفه، وقال: ما رأيت أحسن ولا أصحّ من قراءته. سمع من أبي القاسم القُشَيْريّ، والفضل بن المُحِبّ، وطبقتهما. ولم يتكهَّل ولم يبلغ أوان الرّواية.
قال عبد الغافر: لمّا عاد من بغداد سمعته يقول: ما استفدت في سفري من غيري، بل كلّ من لقيته استفاد منّي. وقال لي: لست أطالع شيئًا مرّةً أو مرّتين إلّا وحفظته ولا أنساه.
فُقِد من البلد ولا يدري ما تمّ له.(10/511)
62 - عليّ بن أبي يَعْلَى بن زيد بن حمزة، أبو القاسم الحسينيّ الدَّبَوسيّ، [المتوفى: 482 هـ]
ودَبوسيّة: بلدة بقرب سَمَرْقَنْد.
كان من كبار أئمّة الشّافعيّة، متوحدًا متفرِّدًا في الفقه والأصول واللُّغة والنَّحو والنَّظر والجدل. وكان حسن الخَلْق والخُلُق، سمْحًا جوادًا كثير المحاسن. قدِم بغداد، وولي تدريس النّظاميّة. تفقّه عليه جماعة من البغداديّين، ومن الغرباء، وأملى ببغداد مجالس.
سمع أبا عمرو محمد بن عبد العزيز القنطريّ، وأبا سهل أحمد بن عليّ الأبِيوَرْديّ، وأبا مسعود أحمد بن محمد البَجَليّ. روى عنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو غانم مظفّر البَروجِرْديّ، ومحمد بن أبي نصر المسعوديّ المَرْوَزِيّ، وآخرون.
تُوُفّي ببغداد في شعبان، وهو من ذرية الحسين الأصغر ابن زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه.(10/512)
63 - عليّ بن محمد بن حسين ابن المحدث عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد، الإمام أبو الحسن البَزْدَوِيّ النَّسَفيّ الزّاهد، [المتوفى: 482 هـ]
صاحب التَّصانيف الجليلة، والمدرِّس بسَمَرْقَنْد.
تُوُفّي بكِسّ في رجب.
قال السّمعانيّ: كان إمام أصحاب أبي حنيفة بما وراء النهر، وممن [ص:513] يُضْرب به المَثَل في حِفْظ المذهب، وطريقته مفيدة. ظهر له الأصحاب، وهو أخو القاضي أبي اليُسْر.
تفقّه بالشّمس عبد العزيز بن أحمد الحلواني، وسمع منه؛ ومن عمر بن منصور بن خنْب، وأبي الوليد الحسن بن محمد الدَّرْبَنْديّ. وكان مولده في حدود الأربعمائة. روى عنه أبو المعالي محمد بن نصر الخطيب.(10/512)
64 - عليّ بْن محمد بْن عبد العزيز بْن حَمْدين، أبو الحسن القرطبي. [المتوفى: 482 هـ]
روى عن يحيى بن محمد القليعيّ، ومحمد بن عَتَّاب، وأبي جعفر الكِنْديّ الزّاهد وهو خاله.
وكان من أهل العلم والفْقه والصَّلاح والتّلاوة والإقبال على نشر العلم، صدرًا مشاوَرًا في الأحكام، معظَّمًا في النُّفوس، متعيّنًا للوزارة.
قال اليسع بن حزْم: له همَّة انتعلت السّماك، وتبوّأت الأفلاك، كتب مرّة إلى المعتمد بن عَبَّاد:
يا مَن حَلَلْتُ جِوارَه ... والْجُودُ طَوْعُ يمينهِ
أتجير من ألقى إليـ ... ـك بنفسه وبدينه
حاشى نهاك بأنْ يرى ... بُخْلًا بعين مَعِينه
إنّي غرست به الثّنا ... فقطعتُ حُسْن يقينهِ
وُلد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وتوفي في ربيع الأوّل.(10/513)
65 - عليّ بن محمد بن الحسين بن موسى، أبو الحسن الأسدي الفارقي. [المتوفى: 482 هـ]
شيعي غال، كثير المُجُون والدّعابة. سمع أبا الحسن بن مَخْلَد البزّاز، وعنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ.(10/513)
66 - عيسى بن نصر بن عيسى، أبو الطّيّب الرّازيّ البزّاز. [المتوفى: 482 هـ]
رحل وسمع بمصر أبا عبد الله بن نظيف، وشعيب بن المنهال.
رَوَى عَنْهُ: [ص:514] أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو البركات الأَنْماطيّ.
وتُوُفّي في شوّال.(10/513)
67 - غانم بن محمد بن عبد الواحد بن عُبَيْد الله الأصبهاني، الحافظ أبو سهل. [المتوفى: 482 هـ]
تُوُفّي بإصبهان في جُمَادى الأولى، يروي حُضورًا عن علي بن منده الفقيه الزاهد.(10/514)
68 - محمد بن أحمد بن حامد بن عُبَيْد، أبو جعفر البَيْكَنْديّ البخاريّ المتكّلم، [المتوفى: 482 هـ]
المعروف بقاضي حلب.
وَرَدَ بغداد في أيّام عبد الملك بن محمد بن يوسف، فمنعه من دخولها، فلمّا مات ابن يوسف دخلها وسكنها. وكان رأسًا في الاعتزال، داعيةً إليه. روى عن أبي عامر عدنان بْن مُحَمَّد الضبي، وأبي الفَضْل أَحْمَد بْن عليّ السليماني، ومنصور بْن نصر الكاغدي، وطائفة. روى عَنْهُ عليّ بن هبة الله بن زهمُوَيْه، وثابت بن منصور الكيلي، وصدقة السياف، وأبو غالب ابن البناء، وغيرهم.
وروى عن إسماعيل بن حاجب الكُشَانيّ، واتُّهِم في ذلك، ورماه بالكَذِب عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وغيره.
وُلِد سنة اثنتين وتسعين، وقال مرّةً أخرى: سنة أربعٍ وتسعين. ومات في رابع المحرّم ببغداد.(10/514)
69 - محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو الفتح بن سَمْكُوَيْه الأصبهاني، [المتوفى: 482 هـ]
نزيل هَرَاة.
أحد الحفاظ المذكورين، سمع الكثير، وكتب، وحصّل الأصول، ونسخ كثيرًا؛ سمع ببغداد من أبي محمد الحسن بن محمد الخلّال، وطبقته، وبنَيْسابور من أبي عثمان الصّابونيّ، وأبي حفص بن مسرور، والطّبقة، وبإصبهان أصحاب ابن المقرئ، وبشيراز من الحافظ أبي بكر بن أبي عليّ، وبسمرقند من ابن شاهين السَّمَرْقَنْديّ.
ومولده بأصبهان في سنة تسعٍ وأربعمائة. [ص:515]
صنَّف، وجمع الأبواب، روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وكان يُتَبَرَّك بدعائه.
وقال أبو عبد الله في " رسالته ": كان لابن سَمْكُوَيْه التّواليف الكثيرة الوافرة في كتب الحديث، وَوَهْمه أكثر من فهمه، خرج إلى نَيْسابور في صُحْبة عبد العزيز النَّخْشبيّ، ثمّ خرج إلى ما وراء النّهر، وأقام بهَرَاة سِنين يورّق، صادفتُه بها وبنَيْسابور، وبيني وبينه ما كان من الحِقْد والحَسد، وتُوُفّي بنَيْسابور.
قلت: فِي ذي الحجة.(10/514)
70 - مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن عليّ بن شَكْرُوَيْه، القاضي أبو منصور الأصبهاني. [المتوفى: 482 هـ]
تُوُفّي بإصبهان في شعبان.
قال يحيى بن مَنْدَهْ: هو آخر من روى عن أبي عليّ ابن البغدادي، وأبي إسحاق بن خرشيذ قُولَهْ، وسافر إلى البصرة. وسمع من أبي عمر الهاشميّ، وعليّ بن القاسم النّجّاد، وجماعة. إلّا أنّه خلط في كتاب " السُّنَن " ما سمعه بما لم يسمعه، وحكَّ بعض السَّماع؛ كذلك أراني مؤتمن السّاجيّ، ثمّ ترك القراءة عليه، وخرج إلى البصرة، وسمع الكتابَ من أبي عليّ التُّسْتَرِيّ.
وقال المؤتمن السّاجيّ: ما كان عند ابن شكرويه عن ابن خرشيذ قُولَهْ، والْجُرْجَانيّ، وهذه الطّبقة فصحيح. وأطلعني ابن شَكْرُوَيْه على كتابه " لسُنَن أبي داود "، فرأيت تخليطا ما استحللت معه سماعه.
وقال ابن طاهر: لمّا كنّا بإصبهان كان يُذكر أنّ " السُّنَن " عند ابن شَكْرُوَيْه، فنظرتُ فإذا هو مضطّرب، فسألتُ عن ذلك، فقيل: إنّه كان له ابن عم، وكانا جميعًا بالبصرة، وكان القاضي أبو منصور مشتغلًا بالفقه، وإنّما سمع اليسير من القاضي أبي عمر الهاشميّ، وكان ابن عمّه قد سمع الكتابَ كلَّه، وتُوُفّي قديمًا، فكشَط أبو منصور اسم ابن عمّه، وأثبت اسمَه، فخرجتُ إلى البصرة، وقرأتُه على التُّسْتَرِيّ.
وقال السّمعانيّ: سألتُ أبا سعْد البغداديّ، عن أبي منصور بن شكرويه، [ص:516] فقال: كان أشعريًّا، لا يُسلِّم علينا ولا نُسلِّم عليه، ولكنّه كان صحيح السّماع.
وقال يحيى بن مَنْدَهْ: كان أبو منصور على قضاء قرية سِين، سافر إلى البصرة فسمع من الهاشميّ، وأبي الحسن النّجّاد، وأبي طاهر بن أبي مسلم.
وُلِد ابن شَكْرُوَيْه سنة ثلاث وتسعين وثلاث منه، ومات في العشرين من شعبان. وقد روى عنه إسماعيل الحافظ، وابن طاهر المقدسيّ، ونصر الله بن محمد المصّيصيّ، وهبة الله بن طاوس الدّمشقيّان، وأبو عبد الله الرُّسْتُميّ، وطائفة كبيرة منهم أبو سعْد البغداديّ، وعبد العزيز الأَدَميّ، والْجُنَيْد القايِنيّ.(10/515)
71 - محمد بن أحمد بن عبد الله بن هارون بن ررا، أبو الخير الأصبهاني. [المتوفى: 482 هـ]
سمع أبا عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبا بكر بن مردُوَيْه، وعثمان بن أحمد البُرجيّ. وعنه إسماعيل الحافظ، ومسعود الثّقفيّ، والرستمي، ومحمد بن عبد الواحد المغازلي، وأبو البركات ابن الفُرَاويّ، وعبد المنعم بن محمد بن سَعْدُوَيْه، وآخرون.
مات في رجب.
وكان صالحًا واعظًا فقيهًا متعبدًا، أمَّ بجامع إصبهان مدّة. وممّن روى عنه عبد العزيز بن محمد الشّيرازيّ الأدمي.(10/516)
72 - محمد بن أحمد بن أبي جعفر الطَّبَسيّ النَّيْسابوريّ، أبو الفضل. [المتوفى: 482 هـ]
محدِّث زاهد، عالم، صنَّف كتاب " بستان العارفين "، وسمع من أبي عبد الله الحاكم، وأبي طاهر بن مَحْمِش، وعبد الله بن يوسف بن بامويه، وأصحاب الأصمّ. روى عنه الْجُنَيْد بن محمد القايِنيّ، وجماعة من القدماء، وأملى مدّة. وممّن روى عنه وجيه الشّحّاميّ، وأبو الأسعد القُشَيْريّ، وجماعة. [ص:517]
تُوُفّي في رمضان.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: شيخ، فاضل، زاهد، صوفيّ، ورِع، ثقة، كتب الكثير، وجمع التّصانيف المفيدة. وقد سمع " مُسْنَد أبي الموجَّه " بمَرْو، ومن القاضي أبي بكر الصَّيْرَفيّ. قدِم علينا، وأفادنا في آخر عمره، وأملى بالنّظاميّة أيّامًا، ثمّ عاد إلى طَبَس، وبها مات.(10/516)
73 - محمد بن أحمد بن الحسين بن علي، أبو عبد الله ابن الإمام الكبير أبي بكر البَيْهَقيّ. [المتوفى: 482 هـ]
مات في شعبان.(10/517)
74 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن مُحَمَّد بن جعفر، أبو سعْد الرُّسْتُميّ البغداديّ. [المتوفى: 482 هـ]
وُلِد سنة أربعمائة، وسمع أبا الحسين بن بشْران، وأبا الفضل القطّان. روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وعبد الوهّاب الأنْماطي.
وكان رجلا خيرا، توفي في ربيع الأوّل.(10/517)
75 - محمد بن منصور بْن عُمَر بْن عليّ، أَبُو بَكْر ابْن الإمام الفقيه أبي القاسم الكرْخيّ، الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 482 هـ]
والد الشّيخ أبي البدر إبراهيم الكرخي.
صالح، متدين، عالم، سمع أبا علي بن شاذان. روى عنه إسماعيل بن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ. ومات في جُمَادى الأولى.
وأمّا أبوه فَمِن كبار أئمّة الشّافعيّة، سمع أبا طاهر المخلّص، ودرَس على الأستاذ أبي حامد الإِسْفَرَايِينِيّ، وصنَّف واشتغل.(10/517)
76 - محمد بن نعمة، أبو بكر الأسَديّ ابن القيرواني العابر. [المتوفى: 482 هـ]
روى عن أبي عمران الفاسيّ، ومروان بن علي البوني، وعلي بن أبي طالب العابر.
وله كتب في التعبير. سكن المرية، وحمل الناس عنه. [ص:518]
قال ابن بشكوال: سمعتُ بعضهم يضعّفه. تُوُفّي سنة إحدى أو اثنتين وثمانين.(10/517)
77 - مرزوق بن فتح بن صالح، أبو الوليد القيسيّ الأندلسيّ الطّلبِيريّ. [المتوفى: 482 هـ]
روى عن محمد بن موسى بن عبد السّلام، والوليد بن فَتُّوح، وأبي محمد بن عباس الخطيب، وأبي محمد الشنتجالي، وجماعة. وحج سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة، ولقي أبا ذر، فسمع منه، وسمع بمصر.
وكان من أهل المعرفة والتيقظ والمحافظة على الرواية.
ترجمه ابن بشكوال، وقال: أخبرنا عَنْهُ غير واحد، وتُوُفّي فِي جُمَادى الآخرة.(10/518)
78 - هبة الله بن أبي الصَّهْباء محمد بن حيدر القُرَشيّ، الشّريف العدْل أبو السّنابل. [المتوفى: 482 هـ]
شيخ نبيل رئيس، من أهل نَيْسابور، سمع الأستاذ أبا إسحاق الإِسْفَرَايِينِيّ، وأبا بكر الحِيريّ، وعبد الله بن يوسف بن مامويه، وابن محمش، ويحيى بن إبراهيم المزكيّ، وأبا عبد الرحمن السُّلَميّ، وجماعة. روى عنه عبد الخالق بن زاهر، وعائشة بنت أحمد الصّفّار، ووجيه الشّحّاميّ، ومحمد بن جامع الصَّوّاف، وآخرون.
وكان ثقة مُكْثِرًا، روى الكثير؛ وقد سمع " سُنَن النَّسَائيّ " من الحسين بن فَنْجُوَيْه الدِّينَوريّ.
وُلِد سنة إحدى وأربعمائة، وعاش نَيِّفًا وثمانين سنة، وهو من أولاد الأَمِيْرِ عَبْد اللَّه بْن عَامِرِ بْن كُرَيْز العَبْشَميّ.(10/518)
79 - هبة الله بن عليّ بن محمد بن أحمد ابن المُجْليّ، الحافظ أبو نصْر البغدادي البابَصْريّ. [المتوفى: 482 هـ]
وُلد سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وسمع عبد الصّمد بن المأمون، وأبا [ص:519] جعفر ابن المسلمة، وابن المهتديّ بالله، وطبقتهم. وعنه أخوه أبو السُّعُود أحمد بن عليّ، وأبو البركات بن أبي سعد، وهبة الله ابن الشّبْليّ. وله تصانيفٌ وخُطَب.
قال السّمعانيّ: فاضل، ديّن، ثقة، وله تخريجات وجُمُوع، وكتب الكثير، أدركته المنيّة شابًّا.
قلت: مات في جُمَادى الأولى.(10/518)
80 - هبة الله بن محمد بن علي بن عبد الغفار، أبو القاسم البغدادي ابن السّمسميّ المُذْهِب. [المتوفى: 482 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، ومات فجاءةً في ربيع الأوّل.
وكان مليح الكتابة، يكتب المصاحف وغيرها ويذهّبها ويزوّقها، وكان في الطّبقة العليا في التّذهيب. وكان حَسَنَ الخَلْق والخُلُق، متودّدًا مطبوعًا.(10/519)
81 - هبة الله بن محمد بن أحمد، أبو طاهر الحيري، المؤدّب. [المتوفى: 482 هـ]
تُوُفّي بإصبهان في سابع جُمَادى الآخرة.(10/519)
82 - الوليد بن عبد الملك بن أبي عَمْرو عبد الوهاب ابن الحافظ ابن مَنْدَهْ الأصبهاني، أبو غالب التّاجر. [المتوفى: 482 هـ]
مات في السَّفَر.
وقد تُوُفّي بإصبهان في هذه السّنة جماعة لا أعرفهم.(10/519)
-سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.(10/520)
83 - أحمد بن عثمان بن أحمد بن نفيس، أبو البركات الواسطيّ. [المتوفى: 483 هـ]
حدَّث بواسط وبغداد عن التُّبانيّ، وعليّ بن خَزَفَة، وأبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي، وغير واحد. روى عنه أبو القاسم ابن السمرقندي، وسعد بن عبد الكريم الغندجاني الواسطي، وأبو محمد عبد الله بن علي سبط الخياط.
توفي في جمادى الأولى، وله إحدى وثمانون سنة، وكان مؤدبا.(10/520)
84 - أحمد بن يحيى بن هلال، أبو الفضل ابن العداد البغدادي الخياط المقرئ، [المتوفى: 483 هـ]
إمام النظامية.
روى عن أبي القاسم بن بشران. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي.
توفي في جمادى الآخرة.(10/520)
85 - إسماعيل بن محمد النوحي القاضي. [المتوفى: 483 هـ](10/520)
86 - جعفر بن محمد بن جعفر ابن المكتفي بالله العباسي. [المتوفى: 483 هـ]
أحد المعمرين، عاش ستا وتسعين سنة، وفاته السماع من المخلص، وطبقته. حدث عن أبي القاسم بن بشران. روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي.(10/520)
87 - خُوَاهَرْ زاذَة، شيخ الحنفيّة، اسمه محمد بن الحسين بن محمد، أبو بكر البخاريّ القُدَيْديّ، الحنفيّ الفقيه، [المتوفى: 483 هـ]
ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري، ولهذا قيل له بالعجمي: خواهرزاذة، وتفسيره: ابن أخت عالم.
كان أبو بكر إمامًا كبير الشّأن، بحرًا في معرفة المذهب، وطريقته أبسط طريقة للأصحاب، وكان يحفظها. [ص:521]
سمع أباه، وأبا الفضل منصور بن نصر الكاغدي، وأبا نصر أحمد بن علي الحازمي، وسعيد بن أحمد الأصبهاني، والحاكم أبا عمر محمد بن عبد العزيز القَنْطَريّ.
وأملى ببُخَارى مجالس، وخرّج له أصحاب أئمّة، وكان عالِم ما وراء النّهر؛ روى عنه عثمان بن عليّ البَيْكَنديّ، وعمر بن محمد بن لُقمان النَّسَفيّ، وغيرهما.
تُوُفّي ببُخارى في جُمَادى الأولى.
ذكره السمعاني في " الأنساب ".(10/520)
88 - عاصم بن الحسن بن محمد بن عليّ بن عاصم بن مهران، أبو الحسين العاصميّ البغداديّ، العطّار الكرْخيّ الشَّاعر. [المتوفى: 483 هـ]
أحد ظُرفاء البغداديّين وأكياسهم، كان صاحب مُلَح ونوادر، وله الشِّعْر الرائق، مع الصلاح والورع والعفة. سمع الكثر، ورحل إليه الطلبة واشتهر اسمه، وسار نظمه، وحدَّث عن أبي الحسين بن المُتَيّم الواعظ، وأبي عمر بن مهديّ، وهلال الحفّار، وأبي الحسين بن بشْران، ومحمد بن عبد العزيز البَرْذَعيّ.
روى عنه الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب " المؤتنف "، وإسماعيل بن محمد، وأبو نصر أحمد بن عمر، وأبو سعْد أحمد بن محمد الأصبهانيون، وهبة الله بن طاوس، ونصر الله بن محمد المصّيصيّ الدّمشقيّان، ووجيه الشّحّاميّ، وأبو عبد الله الفُرَاويّ النَّيْسابوريّان، وعبد الخالق بن أحمد اليُوسفيّ، ومحمد بن ناصر، وسعيد ابن البناء، وأحمد بن عبد الباقي بن قَفرجل، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وهبة الله بن الحسن الدّقّاق، ومحمد بن عبد العزيز البيِّع، وابن البطّيّ، وخلْق سواهم.
قَرَأْتُ عَلَى الأَبَرْقُوهِيِّ: أَخْبَرَكَ مُحَمَّدُ بْنُ هِبَةَ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عَمَّهُ أَبَا بَكْرٍ الْبَيِّعَ أَخْبَرَهُمْ، قال: أخبرنا عاصم بن الحسن، قال: أخبرنا عبد الواحد بن محمد، قال: حدثنا الحسين المحاملي، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ [ص:522] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إذا مات الإنسان انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةِ، أَوْ علمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ ولدٍ صالحٍ يَدْعُو لَهُ ".
قال السّمعانيّ: سألت أبا سعد أحمد بن محمد الحافظ، عن عاصم بن الحسن، فقال: كان شيخًا، متقنًا، أديبًا، فاضلًا، كان حُفّاظ بغداد يكتبون عنه، ويشهدون بصحّة سماعه.
قال: وسمعتُ الحافظ عبد الوهّاب بن المبارك يقول: ضاع الجزء الرابع من " جامع " عبد الرزاق، لابن عاصم. وكان سماعه، قرؤوه عليه بالسّماع قبل أنْ ضاع، ثمّ بعد أن ضاع ما كان يرويه إلّا إجازةً، فلمّا كان قبل موته بأيّام جاءني شجاع الذهلي وقال: وجدت أصل ابن عاصم بالرابع، تعال حتّى نسمعه منه. فمضينا وأريناه الأصل، فسجد لله، وقرأناه عَلَيْهِ بالسّماع. قال لي عبد الوهّاب: كان عاصم عفيفًا، نَزِه النَّفس صالحًا، رقيق الشِّعْر، مليح الطَّبْع، قال لي: مرضت، فغسلت ديوان شِعْري. تُوُفّي عاصم في جُمَادى الآخرة، وقد استكمل ستًّا وثمانين سنة.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة: كَانَ عاصم ثقة فاضلا، ذا شعر كثير، كَانَ يلزمني، وكان لي منه مجلسٌ يوم الخميس، لو أتاه فيه ابن الخليفة لم يمكنه.
أنبأني أبو اليمن ابن عساكر، قال: أنشدنا أبو القاسم بن صَصْرَى، قال: أنشدنا أبو المظفر ابن التريكي من كتابه، قال: أنشدني عاصم بن الحسن لنفسه:
لو كان يعلم من أحب بحالي ... لرثى لقلبي من جوى البِلْبالِ
لكنّه ممّا أُلاقي سالمٌ ... من أين يعلم بالكئيب الحال
لَهْفى على صَلِف أَحَلَّ قطيعتي ... ظُلْمًا وحرَّم زَوْرَتي ووِصالي
يقْظانُ يَبْخَلُ باللّقاءِ فَلَيْتَهُ ... في النَّوْم يسمح لي بطَيْف خيالِ(10/521)
89 - عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد، أَبُو القاسم المَرْوَزِيّ الكنانيّ القرِينِينيّ. [المتوفى: 483 هـ]
عالمٌ صيّن، سمع أبا بكر محمد بن الحسن بن عبوَيْه الأنباريّ، وأزدشير بن محمد الهشاميّ.
حدَّث في هذا العام، ولم تُضْبَط وفاته، روى عنه الحسن بن عليّ القطّان، وغيره.(10/523)
90 - عبد الرّزّاق بن عمر بن بَلْدَج، أبو بكر الشّاشيّ المقرئ. [المتوفى: 483 هـ]
رحل إلى مصر، وأخذ عن عبد الباقيّ بن فارس المقرئ، وخلف بن أحمد الحوفيّ، وجماعة. روى عنه الحسين بن الحسن بن البُنّ، وأبو الحسن بن المسلم.
وتُوُفّي بدمشق في جُمادى الآخرة.(10/523)
91 - عبد العزيز بْن محمد بْن عليّ بْن إبراهيم بْن ثُمَامَة، أبو نصْر التِّرْياقيّ الهَرَويّ. [المتوفى: 483 هـ]
سمع " جامع التِّرْمِذِيّ " سوى الجزء الأخير منه، وهو من أوّل مناقب ابن عبّاس، من عبد الجبّار الجراحيّ، سمعه منه المؤتمن السّاجيّ، وأبو الفتح عبد الملك الكَرُوخيّ.
وتِرْياق: قرية من قُرى هَرَاة.
وسمع أبو نصْر أيضًا من القاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزْديّ، وأبي الفضل الجاروديّ. وكان ثقة أديبا، توفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة.(10/523)
92 - عبد الغنيّ بن بازل، أبو محمد الألواحيّ المصريّ، [المتوفى: 483 هـ]
من بُليدة ألواح.
شيخ، صالح، فقيه شافعي، رحل وسمع أبا إسحاق البرمكي، وأبا الحسن الماوَرْدِيّ، وأبا بكر أحمد بن الحسين البَيْهَقيّ، وأبا عثمان البِحِيريّ. [ص:524]
روى عنه أبو سعد أحمد ابن البغداديّ، وإسماعيل بن عليّ الحماميّ.(10/523)
93 - عليّ بن عبد الله بن فَرَح، أبو الحسن الْجُذَاميّ الطُّلَيْطُلَيّ المقرئ، خطيب طُلَيْطُلَة، ويُعْرَف بابن الإلْبِيريّ. [المتوفى: 483 هـ]
أخذ عن مكّيّ بن أبي طالب، وعن أبي القاسم وليد ابن العربيّ المقرئ، وأبي محمد بن عبّاس الخطيب، وأبي الربيع بن صهينة، ومحمد بن مساور، وجماعة كثيرة. وأقرأ النّاس بالرّوايات، وكان عارفًا بها، عاقلًا وقورًا ثقة، صالحًا واعظًا مذكّرًا. قدِم قُرْطُبة، فَقُدِّم إلى الإقراء بجامعها في سنة ثلاثٍ وثمانين، فأقرأ الناس بها نحو شهرين، ومات، ومولده سنة عشر وأربعمائة.(10/524)
94 - علي بن محمد بن محمد بن الطيب، أبو الحسن الواسطيّ المَغَازِليّ، ويُعرف بابن الْجُلابيّ. [المتوفى: 483 هـ]
سمع الكثير، وسمّع ابنه أبا عبد الله، وذيّل " تاريخ واسط " في كراريس. سمع عليّ بن عبد الصّمد الهاشميّ، وأبا غالب بن بِشْران. روى عنه ابنه. ونزل ليتوضّأ فغرِق في دجلة في صفر ببغداد، ثم أُحْدِر إلى واسط.(10/524)
95 - عليّ بن محمد بن علي ابن الطراح، أبو الحسن المدير، [المتوفى: 483 هـ]
والد يحيى ابن الطّرّاح.
سمع أبا القاسم بن بِشْران، ومَن بعده. روى عنه ابنه يحيى، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ وأثنى عليه.
تُوُفّي في ذي الحجّة.(10/524)
96 - عيسى بن إبراهيم، أبو الأصبغ الأموي السَّرَقسطيّ. [المتوفى: 483 هـ]
روى عن أبي عمر الطَّلَمْنكيّ، وغيره. وكان من أهل المعرفة والأدب والفَهْم، حدَّث عنه أبو علي بن سكرة.(10/524)
97 - القاسم بن عبد الرحمن بن محمد، أبو سعد الخلقاني النيسابوري. [المتوفى: 483 هـ][ص:525]
حدث عن ابن محمش، وأبي عبد الرحمن السلمي، وأبي بكر الحيري. وتوفي في ربيع الآخر عن ثمانين سنة، روى عنه عبد الغافر في " تاريخه ".(10/524)
98 - محمد بن أحمد ابن الجبان، أبو الحسن ابن اللّحّاس البغداديّ. [المتوفى: 483 هـ]
عن أبي الحَسَن بن رزقوَيْه، وأبي الحسين بن بُشَران، وابن أبي الفوارس. وعنه أبو علي أحمد بن أحمد ابن الخزّاز، وحفيده أبو المعالي محمد بن محمد.
مات في ثامن رجب.(10/525)
99 - محمد بن إسماعيل بن محمد بن السَّرِيّ بن بَنُّون بن جميل، أبو بكر التَّفْلِيسيّ ثمّ النَّيْسابوريّ الصُّوفيّ المقرئ. [المتوفى: 483 هـ]
شيخ صالح مستور، سليم النّفس، صوفيّ الطَّبْع. سمع من أبي يَعْلَى حمزة المهلَّبيّ، وعبد الله بن باموَيْه، وأبي صادق الصَّيْدَلانيّ، وأبي عبد الرحمن السُّلَميّ، وجماعة من أصحاب الأصمّ. وأملى وحدَّث سِنين. وكان مولده في سنة أربعمائة في رَجَبها.
روى عنه عبد الغافر بن إسماعيل، وأثنى عليه، وإسماعيل ابن المؤذّن، ووجيه الشّحّاميّ، وآخرون.
تُوُفّي في سَلْخ شوّال.
وقد سئل عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، فقال: شيخ صالح يُتبرَّك بدعائه، سمع الكثير من المهلَّبيّ.(10/525)
100 - محمد بن ثابت بن حسن، أبو بكر الخُجَنْديّ، [المتوفى: 483 هـ]
أحد فحول المتكلّمين.
كان يعِظ ويتكلّم في كلّ فنٍّ، ويقع كلامه من القلوب الموقع العظيم. استوطن إصبهان، ونفق على أهلها وصار من رؤساء علمائها ومحتشميهم، وتفقّه به جماعة في مذهب الشّافعيّ، وانتشر ذِكْره، وولي تدريس نظاميّة [ص:526] إصبهان. وتفقّه على أبي سهل الأبِيَوْرديّ، وحدَّث عن والده. وتُوُفّي في ذي القعدة.(10/525)
• - محمد بن الحسين، أبو بكر البخاريّ الفقيه، هو خواهرزاذة، [المتوفى: 483 هـ]
تقدَّم ذِكْره.(10/526)
101 - محمد بن سهل بن محمد بن أحمد، أبو نصْر الشّاذْيَاخيّ السّرّاج. [المتوفى: 483 هـ]
كان أسند مَن بقي بنَيْسابور. سمع أَبَا نُعَيْم عَبْد الملك بْن الْحَسَن، وعبد الله بن يوسف بن بامويه، والإمام سهل الصلعوكي، وابن مَحْمِش، وجماعة.
روى عنه ابن طاهر المقدسيّ، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وعبد الله ابن الفراوي، ومحمد بن جامع خياط الصوف، وآخرون، والحافظ عبد الغافر، وقال: شيخ نظيف ظريف، مختص بمجلس الصاعدية للمنادمة والخدمة، سمع الحديث الكثير، وتوفي في صفر وله تسعون سنة.(10/526)
102 - مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد، أَبُو نصْر الأصبهاني المعروف بالصَّيْقل. [المتوفى: 483 هـ]
قدِم بغداد حاجًّا، فحدَّث بها عن الحسين بن إبراهيم الجمّال، وأبي الحسين بن فاذشاه، وأبي ذَرّ محمد بن إبراهيم الصّالحانيّ. كتب عنه أبو بكر ابن الخاضبة، وروى عنه ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الملك بن عليّ بن يوسف، وغيرهم.
ذكره ابن النّجّار.(10/526)
103 - محمد بن عليّ بن الحسن، أبو طالب ابن الواسطيّ، الكَرْخِيّ، البزّاز، النِّيليّ، التّاجر، السّفّار. [المتوفى: 483 هـ]
سمع، وكتب بخطّه، وحدَّث بنَيّسابور وهَرَاة، وسمع ابن غيلان، وأبا محمد الخلال، وأبا الطيب الطبري، وأبا القاسم التّنوخيّ، وجماعة.
رَوَى عَنْهُ: [ص:527] المؤتمن السّاجيّ، ومحمد بن عبد الواحد الدّقّاق، وأبو البركات عبد الله ابن الفُرَاويّ.
ومات بنَيّسابور.(10/526)
104 - محمد بن محمد بن جهير، الوزير فخر الدولة، أبو نصر الثعلبي، مؤيّد الدّين، [المتوفى: 483 هـ]
ناظر ديوان حلب، ووزير ميّافارقين.
كان من رجال العالم حزّمًا ودهاءً ورأيا. سعى إلي أن قدِم بغداد، وتوصّل إلى أن ولي وزارة أمير المؤمنين القائم بأمر الله في سنة أربعٍ وخمسين وأربعمائة، ودامت دولته مدّة. ولمّا بويع المقتدي بالله أقرّه على الوزارة عامين، ثمّ عزله في حدود سنة سبعين.
وفي سنة ستٍّ وسبعين استدعاه السّلطان ملكشاه، فعقد له على ديار بكر، وسار معه الأمير أُرْتُق بن أكسب صاحب حُلْوان، فلمّا وصلوا فتح زعيم الرّؤساء أبو القاسم ابن الوزير أبي نصر مدينة أمِد، بعد أن حاصرها حصارًا شديدًا. ثمّ فتح أبوه فخر الدّولة ميافارقين بعد أشهر.
وكان رئيسًا جليلًا، مدحه الشُّعراء، وعاش نيِّفًا وثمانين سنة، وتُوُفّي بالموصل، وكان قد قدِمها متولّيا من جهة ملكشاه في سنة اثنتين وثمانين. وكان الخليفة قد أعاده إلى الوزارة مدّة، قبل سنة ثمانين، وفي حدودها. ووُلِد في ثالث عشر المحرم سنة اثنتين وأربعمائة.
قال ابن النّجّار في " تاريخه ": ذكر أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الهَمَذَانيّ أنّه نشأ بالموصل، وبها وُلِد، وكان مشتغلًا بالتّجارة، ثمّ تركها، وصحب قِرْواش بن المقلّد بن المسيّب أمير عبادة. فلمّا قبض الأمير بركة على أخيه قرواش قرب منه أبا نصر، ونفذه رسولًا إلى القُسْطَنطينيّة.
ثمّ كاتَبَه ابن مروان صاحب ديار بكر، فورد عليه ووَزَرَ له في أوّل سنة ستٍّ وأربعين وأربعمائة، وذلك في آخر أيّام ابن مروان، فاستولى أبو نصر على الأمور، ووصل إلى ما لم يصل إليه غيره بشهامته وإقدامه، على صعاب الأمور، فأقام الهيبة، وأكثر العطاء والبذْل، وكاتَبَه ملوك الأطراف بالشّيخ الأجلّ النّاصح كافيّ الدّولة. ومَدَحه الشُّعَراء، وقصَدَه العلماء. فلمّا مات ابن مروان سنة ثلاثٍ وخمسين أقام ولده نصر بن أبي نصر في الإمرة، فحاربه إخوته [ص:528] سعيد، وأبو الفوارس، واختلفوا، فسَفَّر أبو نصر أمواله، وكاتب القائم في وزارته، وبذل له ثلاثين ألف دينار، فخرج إليه طراد النّقيب، وأظهر أنّه في رساله إلى ابن مروان، فلمّا عاد طراد من ميافارقين خرج ابن جَهير لتوديعه، فصَحِبه إلى بغداد، ومعه ولداه عميد الدّولة أبو منصور محمد، وزعيم الرّؤساء أبو القاسم، فتلقّاه أرباب الدّولة، ووَزَرَ للقائم، ولقَّبه فخر الدّولة، وكانت الخطْبة بالشّام جميعه إلى عانَة تقام للمصريّين، فكاتب فخر الدّولة أهلَ دمشق، وبني كلب ومحمود ابن الزوقلية صاحب حلب والمتميّزين بها وجماعتهم أصدقاؤه، يدعوهم إلى الدّعوة العباسية، فأجابوه، وجاءت رسلهم بالطاعة.
قال: وعزله القائم في سنة ستّين، وأُخرج من بغداد، ورشحٍ للوزارة أبو يَعْلَى كاتب هزارسب، وطُلب من همذان، فأتته المنيّة بغتةً لسعادة ابن جَهير فطلبه القائم وأعاده إلى الوزارة، وبقي إلى أن عُزِل في أوّل سنة سبعين، فإنّ السُّعاة سَعَت بينه وبين نظام المُلْك وزير السّلطان، فكلَّف النّظّام السّلطان إن يكتب إلى الخليفة يطلب منه أن يعزل ابن جَهير، فعزله. ثمّ صارت الوزارة إلى ولده عميد الدّولة.
قال محمد بن أبي نصر الحُمَيْديّ: حدَّثني أبو الحسن محمد بن هلال ابن الصابئ، قال: حدثني الوزير فخر الدولة بن جهير، قال: حدثني نصير الدولة أبو نصر بن مروان صاحب آمِد وميافارقين، قال: كان بعض مقدَّمي الأكراد معي على الطّبق، فأخذت حجلةً مَشْوِيّة، فناولته، فأخذها وضحِك. فقلتُ: ممّ تضحك؟ قال: خبرٌ. فألححت عليه، ودافع عن الجواب، حتّى رفعت يدي وقلت: لا آكل حتّى تعرّفني. فقال: شيء ذكَّرَتْنيه الحجْلة، كنتُ أيّام الشّباب قد أخذت تاجرًا وما معه، وقرَّبته لأذبحه خوفا من غائلته، فقال: يا هذا، قد أخذتَ مالي، فَدَعني أرجع إلى عيالي فأكدّ عليهم، وبكى وتضرَّع إليَّ، فلم أرقّ له، فلمّا آيس من الحياة التفتَ إلى حجْلين على جبلٍ وقال: اشهدا لي عليه عند الله أنّه قاتلي ظُلْمًا. فقتلته، فلمّا رأيت الحجلة الآن ذكرت حمقه في استشهاده الحجل عليَّ. قال ابن مروان: فحين سمعت قوله اهتززت حتّى ما أملك نفسي، وقلت: قد والله شهدت الحجلتان عليك عند مَن أقادك بالرجل، وأمرتُ بأخْذه، وكتّفوه، ثمّ ضُرِبت رقبته بين يدي، فلم آكل حتى رأيت رأسه [ص:529] تبرأ من بدنه. قلتُ للوزير: قد والله ذكر التّنُوخيّ في كتاب " النّشْوار " مثل هذه الحكاية بعينها، عن الراسبي عامل خوزستان، لا تزيد حرفا، ولا تنقص حرفا، وعَجِبْنا من اتفاق الحكايتين.
تُوُفّي فخر الدّولة في يوم الثّلاثاء ثامن صفر سنة ثلاثٍ بالموصل.(10/527)
105 - محمد بن المؤمّل بن محمد بن إسحاق، أبو صالح النَّيْسابوري البُشْتيّ. [المتوفى: 483 هـ]
شيخ صالح عابد، سمع أبا عبد الرحمن السُّلَميّ، وأبا زكريّا المزكيّ، وتُوُفّي بإصبهان. روى عنه سفيان بن مَنْدَهْ، وإسماعيل الحافظ، وعبد الخالق الشّحّاميّ.(10/529)
106 - الموفّق بن طاهر، أبو نصر الجوزقيّ الإمام. [المتوفى: 483 هـ]
سمع بهَرَاة أبا الفضل عمر بن أبي سعد، وأبا يعقوب القراب.(10/529)
107 - هبة الله بن عليّ بن بُنْدَار بن أحمد بن فُورَك بن بطّة، أبو منصور الأديب. [المتوفى: 483 هـ]
أظنه أصبهانيا.(10/529)
108 - أبو القاسم المحسّن بن محمد بن المحسّن بن سَبْسنُوَيْه الأصبهاني الطّرّاق. [المتوفى: 483 هـ]
سمع أبا بكر بن مردوَيْه.
ورَّخه ابن مَنْدَهْ.(10/529)
-سنة أربع وثمانين وأربعمائة(10/530)
109 - أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن أبي عليّ أَحْمَد بن عبد الرحمن، أبو الحسين الهَمَذَانيّ الذَّكْوانيّ الأصبهاني. [المتوفى: 484 هـ]
سمع جدّه أبا بكر، وأبا الفَرَج عثمان بن أحمد البُرْجيّ، وأبا بكر أحمد بن موسى بن مردويه، وأبا طاهر السيرجاني، ومحمد بن إبراهيم الجرجاني.
روى عنه الحفاظ: إسماعيل الطلحي، وأبو نصر الغازي، وأحمد بن محمد أبو سعْد البغداديّ، ومحمد بن أبي نصر اللّفْتوانيّ، وعبد الجليل كُوتَاه، وعِدّة.
وعاش تسعين سنة، تُوُفّي يوم عَرَفَة، وكان صدوقًا نبيلًا.(10/530)
110 - أُرْتُق بن أكسب التُّرْكُمانيّ، جدّ الملوك الأُرْتُقيّة. [المتوفى: 484 هـ]
كان أميرًا مُطاعًا، تغلّب على حلوان والجبل، وكثر أتباعه، فسار إلى الشام، وملك ولده سُقْمان بيت المقدس. وذرّيّته هم ملوك ماردين من مائتي سنة وإلى وقتنا هذا.(10/530)
111 - الياس بن مُضَر بن محمد، أبو عَمْرو التّميميّ الهَرَويّ، [المتوفى: 484 هـ]
شيخ المزكّين بهَرَاة.
كان فاضلًا أديبًا، سمع عبد الرحمن بن أحمد السَّرْخَسِيّ، ويحيى بن عمّار الواعظ، والقاضي محمد بن محمد الأزْديّ، ومحمد بن عليّ الباشانيّ، وعدّة. وعنه عبد الصَّبُور بن عبد السلام الفاميّ، وحفيدته جوهرناز بنت مُضَر.
مات في صفر، وله أربع وثمانون سنة.(10/530)
112 - الحسن بن أحمد بن الحسن، أبو عليّ الدّقّاق. [المتوفى: 484 هـ]
تُوُفّي في رمضان.
إصبهانيّ، ثقة، حافظ، وبصُحبة محمد بن عبد الواحد الدّقّاق لأبي عليّ الدّقّاق عُرِف محمد بالدّقّاق.
وكان أبو عليّ أحد الرّحّالين، كتب الكثير بخطّه، وسمع العالم بقراءته، [ص:531] وكانت له معرفة وفهم، سمع منه مكّيّ الرُّمَيْليّ، وابن طاهر، حدَّث عن ابن ريذة، وأصحاب ابن المقرئ، وحدَّث " بالمعجم الصَّغير ".(10/530)
113 - الحسين بن علي بن خلف بن جبريل، أبو عبد الله الألْمعيّ الكاشْغَريّ، ويُعرَف بالفضل. [المتوفى: 484 هـ]
رحل، وسمع من عبد العزيز الأزَجيّ، ومحمد بن عليّ الصُّوريّ، ومحمد بن محمد بن غَيْلان، وأبي عبد الله العَلَويّ الكوفيّ. روى عنه محمد بن محمود السَّرَه مَرْد، وأبو سفيان العبدويي، بسَرْخَس.
وكان بكّاءً خائفًا واعظًا، لا يخاف في الله لومة لائم، تاب على يديه خلْقٌ كثير، لكنّ في حديثه مناكير.
قال السّمعانيّ: قال محمد بن عبد الحميد: كان الكَاشْغَرِيّ يضع الأحاديث.
قال السّمعانيّ: وقرأتُ بخطّ عطاء بن مالك النَّحْويّ فهرسّتَ تصانيف أبي عبد الله الكَاشْغَرِيّ: " المُقْنِع في تفسير القرآن "، كتاب " التّوبة "، كتاب " الورع "، كتاب " الزُّهد ". إلى أن ذكر السّمعانيّ له أكثر من مائة تصنيف، سائرها في التّصوّف والآداب الدينيّة. ثمّ ورّخ وفاته فقال: بعد سنة أربعٍ وثمانين.(10/531)
114 - الحسين بن محمد، أبو عليّ الدّلفيّ المقدسيّ، ثمّ البغداديّ الزّاهد. [المتوفى: 484 هـ]
تُوُفّي في ذي الحجّة.
قال أبو عليّ بن سُكَّرَة: لم ألق ببغداد أزهد منه. وقد سمع من أبي بكر محمد بن جعفر الميماسيّ بعسقلان، وتفقّه على أبي نصر ابن الصّبّاغ ببغداد.
وروى عنه هبة الله بن عليّ بن مُجْليّ، وأبو سعْد أحمد بن محمد البغدادي، وسمع منه أبو بكر ابن الخاضبة.(10/531)
115 - طاهر بن مُفَوَّز بن أحمد بن مُفَوَّز، الحافظ أبو الحسن المعافري الشاطبي. [المتوفى: 484 هـ]
صاحب أبي عمر بن عبد البَرّ، اختصّ به، وهو من أثبت النّاس فيه، وأكثرهم عنه، وسمع من أبي العبّاس العُذْريّ، وأبي الوليد الباجيّ، وأبي شاكر [ص:532] الخطيب، وأبي الفتح السَّمَرْقَنْديّ. وسمع بقُرْطُبة من حاتم بن محمد، وأبي مروان بن حيّان.
وكان من أهل العلم والذّكاء، عُني بالحديث أتمّ عناية، وشُهِر بحفظه وإتقانه ومعرفته، وكان حَسَن الخطّ، جيّد الضَّبْط، مع الفضل، والصّلَاح، والورع، والانقباض، والوقار. وكان أخوه عبد الله أزهد النّاس بالأندلس.
تُوُفّي أبو الحسن في رابع شعبان، وفيه وُلِد سنة تسعٍ وعشرين، روى عنه أبو علي بن سكرة.(10/531)
116 - عبد الله بْن الحَسَن بْن أحمد بْن المحتسب، أبو سعْد النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 484 هـ]
شيخ صالح، سمع من ابن مَحْمِش، وأبي بكر الحِيريّ، والصَّيْرَفيّ، وجماعة.
توفي في المحرم، وولد سنة أربعمائة.
روى عنه عبد الغافر.(10/532)
117 - عبد الرحمن بن أحمد بن علّك، أبو طاهر السّاويّ، [المتوفى: 484 هـ]
أحد أئمة الشافعية.
ولد بأصبهان بعد الثلاثين وأربعمائة، وحُمِل إلى سَمَرْقَنْد، فتفقَّه بها، وصحِب عبد العزيز النَّخْشَبيّ، وأخذ منه علم الحديث. سمع أبا الربيع طاهر بن عبد الله الإيلاقي، وأحمد بن منصور المغربي النيسابوري، وأبا الحسن بن النقور. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، ومحمد بن عليّ الإِسْفَرَايِينِيّ نزيل مَرْو.
تُوُفّي ببغداد.(10/532)
118 - عبد الرّزّاق بن عبد الكريم بن عبد الواحد، أبو الفتح الحَسْنَابَاذِيّ الأصبهاني. [المتوفى: 484 هـ][ص:533]
روى عن أبي عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبي الحسين بن بِشْران المعدّل، وله رحلة إلى بغداد. روى عنه إسماعيل الحافظ، وهبة الله بن طاوس الدّمشقيّ.(10/532)
119 - عبد الغفّار بن محمد بن أحمد، أبو مطيع الطُّيُوريّ الأصبهاني الأديب. [المتوفى: 484 هـ]
سمع أبا عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبي الفَرَج البُرْجيّ.(10/533)
120 - عبد الملك بن عليّ بن خَلَف بن محمد بن النَّضْر بن شَغَبَةَ، أبو القاسم الأنصاري البصري الحافظ، الزاهد. [المتوفى: 484 هـ]
قال ابن سُكَّرَة: أدركته وقد ترك كلّ شيء وأقبل على العبادة، وهو في نهاية السِّنّ، فدخلت عليه مسجده بعد صلاة الصُّبْح، فوجدته مستقبل القِبلة يدعو ويبكي، فَانْحَنَيْتُ لأقبّل رأسَه، فانقبض عنّي، فقالوا لي: دعْه. فتركتُه حتّى أكمل غرضَه، ثمّ قرأت عليه شيئًا من الحديث، ولم أتكرّر عليه، ورُزق الشّهادة في آخر عمره، وكان عنده جملة من " سُنَن أبي داود "، عن أبي عمر الهاشميّ، وكان كثير الحديث.
وقال السّمعانيّ: شيخ متقِن، حافظ، ثقة، مكثِر. سمع أبا عمر الهاشميّ، ويوسف بن غسّان، والحسن بن بشّار السّابوريّ، وأبا طاهر أحمد بن محمد بن أبي مسلم، وعليّ بن هارون التميمي المالكي، وغيرهم. حدثنا عنه أبو نصر الغازي بإصبهان، وجابر الأنصاريّ بالبصرة. وقد روى عنه أبو نصر بن ماكولا، وحضر مجلس إملائه. قُتِل ابن شَغَبَة في هذا العام.
وروى عنه ابن طاهر المقدسيّ، وعبد الله ابن السمرقندي، وأبو غالب الماوردي.(10/533)
121 - عليّ بن أَحْمَد بن عبد اللَّه بن البَطِر، أبو الحسن الدّقّاق، [المتوفى: 484 هـ]
أخو أبي الفضل محمد وأبي الخطّاب.
سمع من أبي عليّ بن شاذان. وحدَّث عن ابن رزقوَيْه؛ فتكلّموا فيه.
مات في صَفَر؛ روى عنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأحمد بن عليّ الدّلّال، وغيرهما.(10/533)
122 - عليّ بن أحمد بن محمد بن حُمَيْد، أبو الحسن الواسطيّ النّاقد البزّاز. [المتوفى: 484 هـ]
سمع أَبَا الحسين بْن بِشْران، وابن الفضل القطّان.
وكان صالحًا مستورًا، روى عنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الخالق بن البَدِن.
مات في رجب.(10/534)
123 - عليّ بن الحسن بن عليّ، الزّاهد أبو الحسن الصَّنْدَليّ، النَّيْسابوريّ الحنفيّ. [المتوفى: 484 هـ]
ذكره عبد الغافر فقال: وجْه أئمّة أصحاب أبي حنيفة في عصره، وصاحب القبول الخارج عن الحدّ المعهود. سمع " شرح آثار الطّحاويّ " عن أبي بكر أحمد بن عليّ الأصبهاني. وتُوُفّي في ربيع الآخر، ودُفِن في مدرسته.(10/534)
124 - عليّ بن الحسن بن طاوس بن سِكْر - كذا في " تاريخ ابن النّجّار "، وفي " المشتبه ": سُكّر - أبو الحسن العاقوليّ، المعروف بتاج القُرَّاء. [المتوفى: 484 هـ]
سكن دمشق، وسمع بها من أبي الحسين بن أبي نَصْر التّميميّ، وابن سلْوان المازنيّ. وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بِشْران، والقاضي أبي عبد الله الحسين بن عليّ الصَّيْمري، وأحمد بن عليّ التَّوَّزِيّ، وجماعة.
روى عنه غَيْث الأرمنازيّ، ونصر الله بن محمد المصّيصيّ، وإبراهيم أبو البركات الخُشُوعيّ، ونصر بن أحمد السُّوسيّ.
قال غيث: كان فكها، حسن المحادثة، لا بأس به، حدَّثني أنّه نسخ إحدى وثمانين ختْمة، ونحوًا من ثلاثين ألف ورقة، مثل " الصحيحين "، و" سنن أبي داود ". ورأيته يكتب في تعليقه القاضي أبي الطّيّب، وكان سريع الكتابة جدًا. [ص:535]
قال ابن الأكْفَانيّ: تُوُفّي بصور في شَعبان.
وله نحوٌ من سبعين سنة.
وقال ابن عساكر: كان ثقة.(10/534)
125 - عليّ بن الحسين بن عليّ بن الحسن بن عثمان بن قُرَيش، أبو الحسن الحربيّ النَّصْريّ، [المتوفى: 484 هـ]
من محلّة النَّصْريّة، البنّاء.
قال السّمعانيّ: كان صالحًا، ثقة، صدوقًا. سمع أحمد بن محمد بن الصَّلْت الأهوازيّ، وأبا الحسن الحمامي، وأبا القاسم الحرفي. روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن ناصر، وآخرون.
تُوُفّي في ذي الحجّة. ومن آخر أصحابه أحمد بن هبة الله ابن الفرضي المقرئ، وعبد الخالق بن يوسف.(10/535)
126 - محمد بن أحمد بن محمد، أبو الحسن البغداديّ العطّار الجبّان. [المتوفى: 484 هـ]
روى عن أبي الحسين بن بِشْران، وغيره، وعن أحمد بن عِمران الإسكاف. روى عنه حفيده أبو المعالي محمد بن محمد، شيخ ابن اللّتّيّ.(10/535)
127 - محمد بن أحمد بن عليّ بن حامد، أبو نصر الكُرْكَانْجيّ المَرْوَزِيّ، الأستاذ المقرئ، [المتوفى: 484 هـ]
صاحب أبي الحسين الدّهّان.
قال أبو سعْد السّمعانيّ: كان إمامًا في علوم القرآن، له مصنفات في ذلك، مثل كتاب " المعول "، وكتاب " التذكرة ". طوف الكثير إلي العراق، والحجاز، والشام، والجزيرة، والسواحل في القراءة علي الشيوخ، إلي أن صار أوحد عصره. وكان زاهدًا ورِعًا. حكى لي بعض المشايخ أنّ أبا نصر المقرئ قال: غرِقْتُ نوبةً في البحر، فكنت أغوص في الماء، ويلعب بي [ص:536] الموج، فنظرتُ إلى الشّمس، فرأيتها قد زالت. قال: فغصتُ في الماء، ونويت فَرْضَ الظُّهر، وشرعت في الصّلاة، فخلَّصني الله ببَرَكَة ذلك.
قرأ بمرو على أستاذه أبي الحسين عبد الرحمن بن محمد الدّهّان، وبنَيْسابور على محمد بن عليّ الخبّازيّ، وسعيد بن محمد المعدّل، وببغداد على أبي الحسن الحمّاميّ مُسْنِد العراق في القراءات، وبالموصل على الحسين بن عبد الواحد المعلّم، وبحَرّان على أبي القاسم عليّ بن محمد الشّريف الزَّيْديّ، وبدمشق على الحسين بن عُبَيْد الله الرُّهاويّ، وبصور على أحمد بن محمد المصريّ، وبمصر على إسماعيل بن عَمْرو بن راشد الحدّاد.
مولده في سنة تسعين وثلاثمائة تقريبًا، وتُوُفّي في ذي الحجّة سنة أربعٍ وثمانين كذا ورخه السمعاني في " الذيل "، ووجدت في " الأنساب " له، لكن النسخة سقيمة، توفي سنة إحدى وثمانين، فالله أعلم، والصّواب الأوّل.
ذكره مؤرّخ خُوارَزْم، أخذ عنه خلْق كثير.(10/535)
128 - محمد بن الحسين بن أحمد بن الهيثم، أبو منصور القزويني المقومي، [المتوفى: 484 هـ]
راوي " سُنَن ابن ماجه " عن القاسم بن أبي المنذر الخطيب.
سمع الكثير في سنة ثمانٍ وأربعمائة وبعدها من القاسم، ومن الزُّبَير بن محمد بن أحمد بن عثمان، وعبد الجبّار بن أحمد المتكلّم، وجماعة، وحدث بالرَّيّ في هذه السّنة، ولم أقع بوفاته.
وقد سأله ابن ماكولا عن مولده، فقال: في سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة.
روى عنه مِلْكداذ بن عليّ العَمْرَكيّ، وعليّ بن شافعيّ، وعبد الرحمن بن عبد الله الرّازيّ، وأبو العلاء زيد وأبو المحاسن مسعود ابنا عليّ بن منصور الشّرُوطيان، ومحمد بن طاهر المقدسي، وابنه أبو زُرْعة المقدسيّ، وهو آخر من حدَّث عنه.(10/536)
129 - محمد بن الحسن بن محمد بن سُلَيْم، القاضي أبو بكر الأصبهاني. [المتوفى: 484 هـ][ص:537]
سمع أبا عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبا بكر بن مردوَيْه، وجماعة. ورحل فسمع ببغداد من أبي عليّ بن شاذان، وغيره. روى عنه مسعود الثّقفيّ، والحسن الرُّسْتُميّ، وعامّة الأصبهانيين.
ومات بإصبهان في ذي القعدة.(10/536)
130 - مُحَمَّد بْن عَبْد الله بن الحسين، قاضي القُضاة أبو بكر النّاصحيّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 484 هـ]
سمع أبا بكر الحِيري، وأبا سعيد الصَّيْرفي، وأبا الحسين عبد الغافر الفارسيّ.
قال فيه عبد الغافر بن إسماعيل: قاضي القُضاة ابن إمام الإسلام أبي محمد النّاصحيّ، أفضل عصره في أصحاب أبي حنيفة، وأعرفهم بالمذهب، وأوجههم في المناظرة، مع حظٍّ وافر من الأدب، وحِفْظ الأشْعَار والطّبّ. أُقْعِد في التَّدريس في حياة والده في مدرسة السّلطان. وفوِّض إليه أمرها وأمور أوقافها، وهي الآن برسْم أولاده. ثمّ ولي القضاء بنَيْسابور في أيّام السّلطان ألْب أرسلان، فبقي في القضاء عَشْر سِنين، ونال من الحشْمة والدّرجة لأصلِه وفضلِه وبراعتِه. وكان فقيه النَّفْس، حسَن الإيراد، تكلَّم في مسائل مع إمام الحرمين أبي المعاليّ؛ شاهدتُ ذلك، وكان الإمام يُثني عليه. وبقي على ذلك إلى ابتداء الدّوله الملكشاهيّة، فشُكيَ قلّة تعاونه في قبض يده ووكلاء مجلسه وأصحابه عن الأموال، وفشا منهم زيادة البَسْط في التَّرِكات، وأشرف بعضُ الحقوق على الضَّيَاع من فتح أبواب الرّشا، فعُزِل، ولم يُهمل لعَظَمته، فولي قضاء الرَّيّ، وكانت تلك الديار أكثر احتمالًا، فبقي على ذلك إلى أن تُوُفّي منصَرَفَه من الحجّ في رجب.
قلت: وقد شاخ. روى عنه عبد الوهّاب ابن الأنماطي، وأبو بكر ابن الزاغوني، ومحمد بن عبد الواحد الدّقّاق، وجماعة.
ومات على فراسخ من إصبهان في غُرّة رجب.(10/537)
131 - محمد بن عبد السّلام بن عليّ بن عفان، أبو الوفاء البغداديّ الواعظ. [المتوفى: 484 هـ][ص:538]
مذكر حسَن الوعْظ، رضيّ السّيرة، له صِيت وقبول. سمع أبا عليّ بن شاذان. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ.
وتُوُفّي في جُمَادى الآخرة.(10/537)
132 - محمد بن عبد السّلام بن عليّ بن نظيف، أبو سعْد البغداديّ، الضّرير. [المتوفى: 484 هـ]
سمع أبا طالب عمر الزُّهْريّ، وأبا الحسين النَّهْروانيّ، وعبد الملك بن بِشْران. روى عنه عبد الوهّاب الأنماطيّ، وعبد الخالق بن عبد الصمد.
توفي في ذي القعدة.(10/538)
133 - محمد بن معْن بن محمد بن أحمد بن صُمادح، السّلطان أبو يحيى التُّجَيبيّ الأندلسيّ، الملَقَّب بالمعتصم. [المتوفى: 484 هـ]
كان جدّه محمد صاحب مدينة وَشْقة، فحاربه ابن عمه منذر بن يحيى، فعجز عنه، فترك له وشقة وهرب، وكان من الدهاة. وكان ابنه معن مصاهرا لعبد العزيز بن عامر صاحب بَلَنْسِية والمَرِيّة، فاستخلف معنا على المرية، فخانه وتملكها، وتم له الأمر. ثم انتقل ملكها إلى ولده المعتصم.
وكان حليما جوادا، مدحه الشعراء، وهو أحد من داخل ابن تاشفين واختص به. ثم إن ابن تاشفين عزم على أخذ البلاد من المعتصم، وكان معه المرية وبجانة والصمادحية، فأظهر المعتصم العصيان، وكان له مع الله سريرة، فلم يكن بينه وبين حلول الفاقرة إلا أياما يسيرة، فمات واستراح وهو في عزه وبلده.
وقد روى عن أبيه، عن جدّه مختصَره في " غريب القرآن ". روى عنه إبراهيم بن أسود الغسّانيّ.
حكت جارية قالت: إنّني لَعِنْده وهو يُوصي، وقد غُلِب، وجيشُ ابن تاشفين بحيث تعد خيامهم، وتسمع أصواتهم إذ سَمَعَ وجَبَة من وجَبَاتهم، فقال: لا إله إلّا الله، نُغِّص علينا كلّ شيء حتى الموت. فدمعت عينيّ، فلا أنساه وهو يقول بصوتٍ ضعيف: [ص:539]
ترفَّقْ بدمْعِكَ لا تُفْنِهِ ... فبين يديك بكاءٌ طويل
توفي في ربيع الآخر.(10/538)
134 - يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد، أَبُو بَكْر الغَافقيّ القُرْطُبيّ المعروف بالرُّشْتسانيّ. [المتوفى: 484 هـ]
حجّ وأخذ بمصر عن أبي محمد بن الوليد. وسمع بإشبيليّة من أبي عبد الله بن منظور، وكتب للقاضي أبى عبد الله بن بقى.
وكان ثقة فاضلا؛ أخذ عنه أبو الحسن بن مغيث، وتُوُفّي في ذي القعدة.(10/539)
-سنة خمس وثمانين وأربعمائة(10/540)
135 - أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عُبيد الله، أبو الحسن المَحْميّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 485 هـ](10/540)
136 - أحمد بن محمد، أبو غالب الأَدَميّ القارئ بين يديّ الوعّاظ. [المتوفى: 485 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان، وأبا القاسم الحرفي. وعنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ.
مات في ذي الحجة ببغداد.(10/540)
137 - تميم بن عبد الواحد، أبو طاهر الأصبهاني المؤدب. [المتوفى: 485 هـ](10/540)
138 - جعفر بن يحيى بن إبراهيم، أبو الفضل التّميميّ المكّيّ الحكّاك. [المتوفى: 485 هـ]
قال السّمعانيّ: كان ثقة، متقنا خيرا صالحًا، كثير السّماع، كان يترسَّل عن أمير مكّة إلى الخلفاء. سمع أبا الحسن بن صخْر، وأبا ذَرّ الهَرَويّ، وأبا نصر السَّجْزيّ. وانتقى ببغداد على أبي الحسن ابن النَّقُّور، وتكلّم على التَّخريج بكلام مفيد. سمع منه أئمة، وحدثنا عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل بن محمد الحافظ، ومحمد بن ناصر. وقد سمع بإصبهان من أصحاب أبي بكر ابن المقرئ. وكان مولده في سنة ستّ عشرة وأربعمائة. سألت عبد الوهّاب الأنْماطيّ عنه، فقال: ثقة مأمون. وتُوُفّي في رابع عشر صَفَر.
أمير مكّة هو ابن أبي هشام، كان جعفر يتولّى ما يُدفع إليه مِن المال، فيقبضه مع كسوة الكعبة.(10/540)
139 - الحسن بن الحسين بن جعفر. أبو عليّ الدّيناراباذيّ الخطيب. [المتوفى: 485 هـ]
حدَّث بهَمَذَان مرّات عن القاضي أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدِ بْنِ [ص:541] عبد الرحمن التَّيْميّ اللّبّان، وعبد الصّمد بن أحمد الهَيْثَميّ، وأحمد بن منصور الحنفيّ.
قال شيرُوَيْه: سمعتُ منه، وكان شيخا ثقة، فاضلا متدينا، توفي في شعبان بدينارآباذ.(10/540)
140 - الحسن بن عليّ بن إسحاق بن العبّاس، الوزير أبو عليّ الطُّوسيّ، الملقَّب نظام المُلْك قِوام الدّين. [المتوفى: 485 هـ]
ذكره السّمعانيّ فقال: كعبة المجد، ومنبع الْجُود، كان مجلسه عامرًا بالقُرَّاء والفُقَهاء، أَمَر ببناء المدارس في الأمصار، ورغَّب في العِلم كلَّ أحد. سمع الحديث، وأملى في البلاد، وحضَر مجلسَه الحفّاظ. وابتداء حالهِ أنّه كان من أولاد الدّهّاقين بناحية بَيْهَق، وأنّ أباه كان يطوف به على المرضِعات فيُرضعنه حسْبة، فنشأ، وساقه التّقدير إلى أنْ علِق بشيء من العربيّة وقاده ذلك إلى الشُّروع في رسوم الاستيفاء. وكان يطُوف في مُدُن خُراسان، فوقع إلى غَزْنَة في صُحْبة بعض المتصرّفين ووقع في شُغل أبي عليّ بن شاذان المعتَمَد عليه ببلْخ من جهة الأمير جغري، حتّى حسُن حالُه عند ابن شاذان، إلى أن توفي. وكان أوصى به إلى السّلطان ألْب أرسلان ملك بَلْخ يومئذٍ، فنَصبه السّلطان مكان ابن شاذان، وصار وزيرًا له، فاتّفق وفاة السّلطان طُغْرُلُبَك، ولم يكن له من الأولاد من يقوم بالأمر، فتوجّه الأمر إلى ألْب أرسلان، وتعيَّن للمُلْك، وخُطِب له على منابر خُراسان، والعراق، وكان نظام المُلْك يُدبِّر أمره، فجرى على يده من الرُّسوم المستحسَنة ونفْي الظُّلْم، وإسقاط المُؤَن، وحُسْن النَّظر في أمور الرَّعيّة، ورتَّب أمور الدّواوين أحسن ترتيب، وأخذ في بذْل الصِّلات وبناء المدارس والمساجد والرّباطات، إلى أن انقضت مدّة السّلطان ألْب أرسلان في سنة خمسٍ وستّين، وطلع نجم الدولة المِلكْشاهيّة وظهرت كفاية نظام المُلْك في دفْع الخُصُوم حتّى توطّدت أسباب الدّولة، فصار المُلْك حقيقةً لنظامه، ورسْمًا للسّلطان ملكشاه بن ألْب أرسلان. واستمرّ على ذلك عشرين سنة. وكان صاحب أناةٍ وحلْم وصمْت. ارتفع أمره، وصار سيّد الوزراء من سنة خمسٍ وخمسين وإلى حين وفاته. [ص:542]
حكى القاضي أبو العلاء الغَزْنَويّ في كتاب " سرّ السُّرور ": أنّ نظام المُلْك صادف في السَّفَر رجلًا في زِيّ العلماء، قد مسّه الكلال، فقال له: أيّها الشّيخ، أعييت أمْ عييت؟ فقال: أعييت يا مولانا. فتقدم إلى حاجبه أن يركبه جنيبا، وأن يُصلح من شأنه، واخذ في اصطناعه، وإنما أراد بسؤاله اختباره، فإن عيى في اللّسان، وأعيى: تعِب.
ورُوِيَ عن عبد الله السّاوجيّ أنّ نظام المُلْك استأذن ملكشاه في الحجّ، فأذِن له، وهو إذ ذاك ببغداد، فعبر الجسر، وهو بتلك الآلات والأقمشة والخيام، فأردتُ الدّخول عليه، فإذا فقيرٌ تلوح عليه سيماء القوم فقال لي: يا شيخ، أمانة ترفعها إلى الوزير؟ قلت: نعم. فأعطاني ورقةُ، فدخلتُ بها، ولم أفتحها فوضعتها بين يدي الصّاحب، فنظر فيها وبكي بكاءً كثيرًا، حتّى ندمتُ وقلت في نفسي: ليتني نظرتُ فيها. فقال لي: أَدْخِلْ عليَّ صاحبَ الرُّقْعة. فخرجت فلم أجده، وطلبته فلم أره، فأخبرتُ الوزير، فدَفَعَ إليَّ الرُّقْعَة، فإذا فيها: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المنام فقال لي: اذهب إلى حَسَن، وقُلْ له: أين تذهب إلى مكة؟ حجك ها هنا. أما قلتُ لك أقِم بين يدي هذا التُّرْكيّ، وأغِث أصحاب الحوائج من أمَّتي؟ فامتثل النظام وأقام ولم يحج، وكان يودّ أن يرى ذلك الفقير. قال: فرأيته يتوضّأ ويغسل خُرَيْقات، فقلت: إنّ الصّاحب يطلبك. فقال: ما لي وله، إنما كان عندي أمانةٌ أدّيتها.
قال ابن الصّلاح: كان السّاوجيُّ هذا شيخَ الشّيوخ، نَفَقَ على النّظام حتّى أنفق عليه وعلى الفقراء باقتراحه في مدةٍ يسيرةٍ قريبًا من ثمانين ألف دينار.
رجعْنا إلى تمام التّرجمة.
وكان ملكشاه منهمكًا في الصَّيد واللّهو. سمع النّظام من أبي مسلم محمد بن علي بن مهريزد الأديب، بإصبهان، ومن أبي القاسم القُشَيْريّ، وأبي حامد الأزهريّ، وهذه الطّبقة. روى لنا عنه عمّي أبو محمد الحسن بن منصور السّمعانيّ، ومُصْعَب بن عبد الرّزّاق المُصْعَبيّ، وعليّ بن طراد الزَّيْنبيّ.
قلت: ونصر بن نصر العُكْبَريّ، وغيرهم.
قال: وكان أكثر مَيْله إلى الصُّوفيّة. وحُكي عن بعض المعتَمدين، قال: حاسبتُ نفسي، وطالعت الجرايد، فبلغ ما قضاه الصَّدْر من ديوانٍ واحدٍ من [ص:543] المتنمسين المقبولين عنده في مدّة سنين يسيرةٍ ثمانين ألف دينار حُمْر. وقيل: إنّه كان يدخل عليه أبو القاسم القُشَيّريّ، وأبو المعالي الْجُوَيْنيّ، فيقوم لهما، ويجلس في مُسْنَده كما هو. ويدخل عليه الشّيخ أبو عليّ الفارْمَذيّ فيقوم ويجلس بين يديه، ويُجْلِسه مكانه، فقيل له في ذلك، فقال: أبو القاسم وأبو المعالي وغيرهما، إذا دخلوا عليَّ يُثّنُون عليَّ ويُطْروني بما ليس فيّ، فيزيدني كلامُهم عُجْبًا وتِيهًا، وهذا الشّيخ يذكّرني عيوبَ نفسي، وما أنا فيه من الظُّلم، فتنكسر نفسي، وأرجع عن كثير مما أنا فيه.
مولده في يوم الجمعة من ذي القعدة سنة ثمانٍ وأربعمائة، وأدركته الشهادة في شهر رمضان، فقُتِل غِيلةً وهو صائم، وذلك بين إصبهان وهمذان، أتاه شابٌ في زِيّ صوفيّ، فناوله ورقةً، فتناولها منه، فضربه بسكينٍ في فؤاده، وقُتِل قاتلُه.
وقيل: إنّ السّلطان سئم منه، واستكثر ما بيده من الأموال والأقطاع، فدسّ هذا عليه، ولم يبق بعده السّلطان إلّا مدّةً يسيرة.
وهو أوّل مَن بنى المدارس في الإسلام، بنى نِظاميّة بغداد، ونِظاميّة نَيْسابور، ونِظاميّة طُوس، ونِظاميّة إصبهان.
ونقل القاضي ابن خلِّكان: إنّ نظام المُلْك دخل على الإمام المقتدي بالله، فأذِن له في الجلوس، وقال له: يا حسن، رِضَى الله عنك كَرِضَى أمير المؤمنين عنك. وكان النّظام إذا سمع الآذان أمسك عمّا هو فيه حتّى يَفّرَغ المؤذّن.
ومن شِعره:
بعد الثّمانين ليس قُوَّه ... قد ذهبت شِرّةُ الصُّبْوة
كأنّني والعصا بكفّي ... موسى ولكنْ بلا نُبُوّه
قال شيروَيْه في " تاريخ هَمَذَان ": قدِم نظام المُلْك علينا في سنة سبعٍ وسبعين إرغامًا لأنُوفنا بما أصابنا من الجور والظُّلم. روى عن أبي مسلم الأديب صاحب ابن المقرئ، وأبي سهل الحفْصيّ، وإسماعيل بن حمدون، [ص:544] وبُنْدَار بن عليّ، وأحمد بن الحسن الأزهريّ، وأميرك القَزْوينيّ، ويوسف الخطيب، وقاضينا عبد الكريم بن أحمد الطَّبَريّ. وسمعتُ منه بقراءة أبي الفضل القومساني، وقتل ببندجان ليلة الجمعة حادي عشر رمضان.
وقال السِّلَفيّ: سمعتُ صوابَ بن عبد الله الخَصِيّ ببغداد يقول: قُتِل مولاي نظام المُلْك شهيدًا بقُرب نهاوند في رمضان. قال: وكان آخر كلامه أنّ قال: لا تقتلوا قاتلي، فقد عفوت عنه. وتشهَّد ومات.
وقد طوَّل ابن النجار في ترجمته وسيرته.(10/541)
141 - حَنْدور بن فتّوح بن حُمَيْد، أبو محمد الزّناتيّ، الفقيه المالكيّ الأصيليّ. [المتوفى: 485 هـ]
أصله من أصيلا، نزل سَبْته، وأخذ عن أبي إسحاق بن يربوع، ويوسف بن أبي مسلم. وسافر للتّجارة إلى الأندلس.
انفرد برياسة الفتيا بسبتة في دولة برغواطة. وكان صالحًا خيِّرًا، والخير أغلب عليه من العلم.(10/544)
142 - خلف بن مروان، أبو القاسم الأموي القرطبي المقرئ. [المتوفى: 485 هـ]
أخذ عن مكّيّ بن أبي طالب، ومسلم بن أحمد الأديب، وحجّ، ولقي أبا محمد بن الوليد.
وكان صالحًا، متواضعًا، ديِّنًا، ورِعًا، نحْويًّا، لُغويًّا، يؤمّ بجامع قُرْطُبة ويُقرئ القرآن، ويعلم النحو.
قال ابن بشكوال: أخبرنا عنه جماعة من شيوخنا، ووصفوه بما ذكرته. ولد سنة سبعٍ وأربعمائة، وتوفي في سابع ذي الحجة.(10/544)
143 - عبد اللَّه بن محمد بن أبي أحمد، أبو أحمد الطُّوسيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 485 هـ]
شيخ جليل طيّب الوقت، فتى من الفتيان، خدم الفُقَراء، ولقي الأستاذ أبا عليّ الدّقّاق في صِباه، وسمع أبا بكر الحِيريّ، وغيره.
روى عنه عبد الغافر الفارسيّ، وقال: تُوُفّي في عاشر ذي القعدة.(10/544)
144 - عبد الباقي بن الحسن بن علي الشاموخي، الزّاهد، [المتوفى: 485 هـ]
خطيب البصرة.
روى عن أبيه. روى عنه أبو عليّ بن سُكَّرَة، وقال: كان مشهورّا بزهدٍ وخيرٍ وأمرٍ بمعروف. وكان العامّةُ حزبه، قدم بغداد، فأدركه أجله بها، وكانت جنازته حفلة؛ لقد تجمعت الصوفية وجماعة من الأئمة، وختم على قبره عدة ختم. توفي في ربيع الآخر سنة خمس.(10/545)
145 - عبد الباقي بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا، أبو القاسم الحريمي البغدادي الشاعر. [المتوفى: 485 هـ]
شاعر مجود، صنف عدة كتب منها: " تفسير الفصيح " لثعلب، و" الأغاني " وغير ذلك، إلا أنّه كان معثَّرًا ثلّابة، يطعن على الشّريعة، ويذهب إلى رأي الأوائل، وله مقالة في التعطيل، وكان كثير المُجُون والهزْل، سمع أبا القاسم الحرفيّ.
ترجمه السّمعانيّ، وقال: رُوي لنا عنه ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو الفضل بن ناصر. وسألت عبد الوهّاب عنه، فقال: ما كان يُصلّي، وكان يقول: في السّماء نهرٌ من خمر، ونهرٌ من لبن، ونهرٌ من عسل، لا ينقط منه شيء، بل ينقط هذا الّذي يخرّب البيوت، ويهدم السقوف. مات في المحرَّم وله خمسٌ وسبعون سنة.(10/545)
146 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أحمد بن إبراهيم بن الفضل بن شجاع بن هاشم بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُديل بن وَرْقَاء بن نَوْفَل، أبو محمد الخُزَاعيّ النَّيْسابوريّ الشّيعيّ، [المتوفى: 485 هـ]
نزيل الرَّيّ.
محدِّث حافظ رحّال، كثير الفضائل، لكنّه غالٍ في التَّشيُّع. سمع ببغداد هَنَاد بن إبراهيم النَّسَفيّ، وابن المهتدي بالله، وأبا الحسين بن النَّقُّور، ورحل إلى الشّام، والحجاز، وخُراسان.
قال ابن السّمعانيّ: حدثنا عنه أبو البركات عمر بن إبراهيم الزيدي، وأبو حرب المجتبى ابن الداعي الحَسَنيّ، وأحمد بن عبد الوهّاب الصَّيْرَفيّ؛ كلاهما بالرَّيّ. طالعتُ عدّة مجالس من أماليه بالرَّيّ، فرأيت فيها مجلسا أملاه في باب [ص:546] إسلام أبي طالب، غير أنّه كان مكثِرًا من كَتْب الحديث، وله به أَنَسَة، وتُوُفّي سنة خمس.
وقد قال ابن أبي طيئ: كان عبد الرحمن الخُزَاعيّ من أعلم النّاس بالحديث، وأبصرهم به وبرجاله حدثنا شيخنا رشيد الدّين، عن أبيه، قال: حضرت مجلس الإمام الخُزَاعيّ، فكان في مجلسه أكثر من ثلاثة آلاف محبرة مُسْتَمْلي. وكان إذا قيل له في الحديث: هل جاء في " الصّحيحين "؟ قال: ذروني من المكسورين، والله لو حوققنا، وأنصف النَّاس فيهما لما سلم لهما إلا القليل.
قال: وما سئل عن حديثٍ إلّا وعرف علّته وصحّته من سَقَمِه، وكان يقول: أُذاكِرُ بمائة ألف حديث، وأحفظ مائة ألف حديث.
وكان يقول: لو أنّ لي سلطانًا يشدّ على يدي، لأسقطت خمسين ألف حديث يُعمل بها، ليس لها صحة ولا أصل.
قلت: عين ما مدحه به ابن أبي طيئ من هذه الفضائل هو عين ما نذمه به، فأنّ هذا كلام مَن في قلبه غِلٌ على الإسلام وأهله، لا بارَكَ الله فيه.(10/545)
147 - عبد الرحمن بن أحمد بن شاه، الفقيه أبو أحمد السِّيقذَنْجيّ. نسبةً إلى قريةٍ على ثلاثة فراسخ من مَرْو، كان يُعرف بفقيه الشّاه. [المتوفى: 485 هـ]
سمع الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد القفّال، وعبد الرحمن بن أحمد الشِيرْنَخْشِيريّ، وغيرهما.
ذكره ابن السّمعانيّ في " الأنساب " وقال: حدثنا عنه محمد بن أبي بكر السّنْجيّ، وأبو حنيفة محمد بن النُّعْمان، ومحمد بن أبي سعيد، وغيرهم.
قال: تُوُفّي بعد سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة.(10/546)
148 - عبد الرحمن بن إبراهيم بن أبي نصر السّقّاء النَّيْسابوريّ الصُّوفيّ، أبو نصر. [المتوفى: 485 هـ]
له حال عجيب في السماع، سمع عبد الرحمن النصرويي، وحدث.(10/546)
149 - عبد الرحمن بن محمد بن الحسن، أبو مسلم الصّبّاغ الأصبهاني. [المتوفى: 485 هـ]
تُوُفّي في رجب.(10/547)
150 - عبد الصّمد بن عبد الملك بن عليّ، أبو سعْد النيسابوري العدل الحنفي. [المتوفى: 485 هـ]
مشهور، نبيل، ثقة، محتشم، سمع أبا بكر الحِيريّ، وأبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السّرّاج، وأبا سعيد الصَّيْرَفيّ، وحدث باليسير.
قدم بغداد ليحج فتوفي بها في شوّال.(10/547)
151 - عبد الملك بن موسى بن أبي جمرة المُرْسيّ. [المتوفى: 485 هـ]
سمع من أبيه، وأبي عَمْرو الدَّانيّ، وأجاز له أبو عبد الله بن عابد، وغيره.
مات في جُمَادى الآخرة؛ روى عنه ولده أحمد.(10/547)
152 - عُرْوة بن أحمد بن محمد بن عُرْوة، الحاكم أبو القاسم النَّيْسابوريّ الحنفيّ. [المتوفى: 485 هـ]
من أركان مجلس الحكم، سمع الكثير، وحدَّث عن أبي بكر الحِيريّ، وجماعة، وأكثر عن المتأخرين.
وتوفي في رمضان.(10/547)
153 - الفضل بن القاسم بن سعيد بن عثمان بن سعيد، أبو سعيد الهَرَويّ القطّان. [المتوفى: 485 هـ]
روى عن إسحاق بن يعقوب القرّاب، وأقرانه، وعاش ثنتين وسبعين سنة.(10/547)
154 - محمد بْن الحُسَيْن بن محمد بْن الحُسَين بن عبد الله بن فَنْجُوَيْه، أبو بكر الثّقفيّ الدِّينَوَريّ ثمّ الهَمَذَانيّ. [المتوفى: 485 هـ][ص:548]
روى عن أبيه أبي عبد الله، وأبي عمر البسْطاميّ، وسعْد بن عبد الله القطّان.
قال شيروَيْه: كتبتُ عنه، وكان شيخًا صُوَيْلحًا، عاش تسعين سنة.(10/547)
155 - محمد بن خَلَف بن مسعود بن شعيب، أبو عبد الله ابن السّقّاط الأندلسيّ، [المتوفى: 485 هـ]
قاضي قُونكَة.
حجّ سنة خمس عشرة وأربعمائة، وسمع " الصّحيح " من أبي ذَرّ، وأخذ كتاب الْجَوْزَقيّ عن أبي بكر بن عقال، عن المؤلف. وأخذ عن أبي بكر المطَّوِّعيّ، ومحمد بن خميس. ونسخ بمكة " صحيح البخاريّ ".
قال ابن بَشْكُوال: كان سريع الكتابة، حَسَن الخطّ، ثقة فيما رواه وعُني به. وروى بالأندلس عن أبي القاسم خلف بن أبي سرور صاحب أبي محمد الباجيّ، عن المنذر بن المنذر، وأبي عمر الطَّلَمَنْكيّ، وأبى عمرو الداني، وأخذ عن أبي الحسن بن بطّال كتابه في " شرح البخاريّ ".
وولي القضاء بمدينته قُونْكَة. وكان مُحبَّبًا إلى أهلها، امْتُحِن في آخر عُمره، وذهبَ مالُه وكُتُبُه. وتُوُفّي بدانِية سنة خمسٍ وثمانين أو نحوها، ووُلِد سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة.(10/548)
156 - محمد بن خَلَف بن سعيد بن وهْب الأندلسي المريي، القاضي أبو عبد الله ابن المرابط، [المتوفى: 485 هـ]
قاضي المَرِيّة ومفتيها وعالمها.
سمع أبا القاسم المهلَّب بْن أَبِي صُفْرة، وأبا الْوَلِيد بْن مِيقُل. وأجاز له أبو عمر الطَّلَمَنْكيّ، وأبو عَمْرو الدّانيّ.
وصنَّف كتابًا كبيرًا في " شرح البخاريّ "، ورحل إليه النّاس، وسمعوا منه، وكان من العالمين بمذهب مالك.
قال القاضي عياض: أخذ عنه شيخنا أبو عبد الله بن عيسى التّميميّ، وقاضي القُضاة أبو عليّ بن سُكَّرة، وأبو محمد بن أبي جعفر الفقيه، وغيرهم، تُوُفّي في شوّال.(10/548)
157 - محمد بن سعدون بن عليّ بن بلال، أبو عبد الله القَيْروانيّ الفقيه المالكيّ. [المتوفى: 485 هـ]
سمع من أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن الفقيه، ومحمد بن محمد بن النَّاطور، وحجّ، فسمع بمصر من أبي الحسن عليّ بن منير، وجماعة، ومن أبي حِمِّصة الحرّانيّ، والطّفّال، وبمكة من أبي ذَرّ الهَرَويّ، وأبي بكر محمد بن عليّ المطَّوُّعيّ، وأبي الحسن بن صخْر القاضي. وتفقّه على أبي عبد الله، وأبي الحسن ابني الأجْدابيّ، وأبي القاسم اللّبيديّ، وابن الناطور، وأبي عليّ الزّيّات الفقيه، وأحمد بن محمد القُرَشيّ.
روى عنه أبو عليّ الغسّانيّ، وأبو عليّ بن سُكَّرة الصَّدَفيّ، وأبو الحسن طاهر بن مُفَوَّز، وأبو بحر سُفْيان بن العاص، فَمَن بعدهم.
وكان عالمًا بالأصول والفُروع، بارِعًا في المذهب، صنَّف كتاب " إكمال التّعليق " لأبي إسحاق التُّونسيّ على " المدوَّنة ".
وقال ابن بَشْكُوال: أخبرنا عنه من شيخونا أبو بحر بن العاص، وأبو عليّ الصَّدِفيّ، وأبو الحسن بن مغيث، ومحمد بن عبد العزيز القاضي، وأبو محمد بن أبي جعفر، وأبو عامر بن حبيب، وتُوُفّي بأغْمات في جُمَادى الأولى، وحدَّث بقُرْطُبة، وبَلَنْسِيّة، والمَرِيّة.(10/549)
158 - محمد بن طاهر بن مَمَّان بن الحسن، أبو العلاء الهَمَذَانيّ النّجّار العابد، المعروف بابن الصّبّاغ. [المتوفى: 485 هـ]
روى عن ابن المحتسب، وأبي سعيد بن شَبَانَة، وعليّ بْن إِبْرَاهِيم بْن حامد، وعلي بْن شعيب، وأحمد بن زَنْجُوَيْه العمريّ، ومحمد بن عيسى، وأبي الفضل الهروي، وأبي بكر الأردستاني، وخلق كثير.
قال شيرويه: سمعتُ منه عامّة ما مرَّ له، وكان أحد العبّاد في الجبل، صواما قواما، لا يفتر عن عبادة الله الليل والنهار، ثقة صدوقا. توفي فِي ذي الحجَّة.(10/549)
159 - مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن حامد، الإمام أبو بكر الشّاشيّ الفقيه الشافعي، [المتوفى: 485 هـ]
صاحب الطريقة المشهورة. [ص:550]
تفقه ببلاده على الإمام أبي بكر السّنْجيّ، وكان من أنظر أهل زمانِه، ثمّ ارتحل إلى حضرة السّلطان بغَزْنَة، فأقبل الكلُّ عليه، وقيّدوه بالإحسان والتّبجيل، واستفاد علماؤهم منه، وتأهّل، ووُلِد له الأولاد، ثمّ في آخر أمره بعدما ظهرت له التّصانيف استدعاه نظام المُلْك إلى هَرَاة، وأشار عليهم بتسريحه، وكان يشقّ عليهم مفارقة تلك الحضرة، فما وجدوا بُدًّا من امتثال أمر الصّاحب، فجهّزوه مكرَّمًا بأولاده إلى هَرَاة، فدرَّس بها مدّة بالمدرسة النّظاميّة بهَرَاة، ثمّ قصد نَيْسابور زائرًا.
قال عبد الغافر الفارسيّ: قدِمَها في رمضان سنة إحدى وتسعين، كذا قال، ولم يتّفق لي الالتقاء به لغيبتي إلى غَزْنَة. وأكرم أهل نَيْسابور مورده، فسمعتُ غير واحدٍ من الفُقَهاء يقول: إنه لم يقع منهم الموقع الّذي كانوا يعتقدونه فيه، فلقد كان بعيد الصِّيت، عظيم الاسم بين الفقهاء، ولم تَجْرِ مناظرته على الدّرجة المشهورة به، وعاد إلى هَرَاة، وحدَّث عن منصور الكاغدي، عن الهيثم بن كليب، وأخبرنا عنه والدي. وكان مولده بالشّاش سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة. وتوفي في شوال سنة خمسٍ وتسعين وأربعمائة بهَرَاة. كذا قال عبد الغافر في وفاته، فيما قرأت بخطّ أبي عليّ البكْريّ.
وقال غيره، فيما قرأت بخطّ الحافظ الضّياء، في جزء " وفيات على السّنين ": سنة خمسٍ وثمانين، فيها مات السّلطان ملكشاه، والإمام أبو بكر محمد بن عليّ الشّاشيّ بهَرَاة في سادس شوّال، وهو ابن أربعٍ وتسعين سنة. وفيها قُتِل نظام المُلْك، ودُفِن بإصبهان.
نقلتُ ترجمته من " تاريخ " عبد الغافر.
ثمْ نقلت من كلام أبي سعْد السّمعانيّ أنّ ولادته في سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة، قال: وتُوُفّي في شوّال سنة خمسٍ وثمانين، وزرتُ قبرَه بهَرَاة. روى لنا عنه محمد بن محمد السّنْجيّ الخطيب، وأبو بكر محمد بن سليمان المَرْوَزيّان.(10/549)
160 - محمد بن عليّ بن أحمد بن مبارك الدّمشقيّ، أبو عبد الله البزاز. [المتوفى: 485 هـ][ص:551]
سمع أبا عثمان الصّابونيّ، ومحمد بن عَوْف المُزَنيّ، وجماعة. روى عنه جمال الإسلام أبو الحسن، وأبو المعالي محمد بن يحيى القرشي، والخضر بن عَبْدان.
وعاش ستّين سنة.(10/550)
161 - محمد بن عيسى بن فَرَج، أبو عبد الله التُّجَيْبيّ المَغَاميّ الطُّلَيْطُلِيّ المقرئ [المتوفى: 485 هـ]
صاحب أبي عَمْرو الدّانيّ.
روى عنه، وعن مكّيّ بن أبي طالب، وأبي الربيع سليمان بن إبراهيم.
قال ابن بَشْكُوال: كان عالمًا بوجوه القراءات، ضابطًا لها، متقنا لمعانيها، إماما دينا. أَخْبَرَنَا عَنْهُ غير وأحد من شيوخنا، ووصفوه بالتّجويد والمعرفة.
وقال ابن سُكَّرة: أجاز لنا، وهو مشهور بالتّقدُّم والإمامة في الإقراء، وشدّة الأخذ على القُرّاء والالتزام للسَّمْت والهيبة معهم. ومن شيوخه مكي، وأبو عمر الطلمكني.
ومغام: حصنٌ بثغر طليطلة.
قال ابن بشكوال: توفي بإشبيلية في منتصف ذي القعدة، ووُلِد في ربيع الأوّل سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وقد وقف كُتُبَه.(10/551)
162 - محمد بن نصْر بن الحسن، أبو بكر الجميليّ البخاري الخطيب. [المتوفى: 485 هـ]
قال السّمعانيّ: كان إمامًا فاضلًا ورِعًا، سديد السّيرة. خطب مدّة بجامع بُخَارى، وسمع من منصور بن عبد الرحيم الكاغَديّ، والحسين بن الخضر النَّسَفيّ، وعبد العزيز بن أحمد الحلواني، وجماعة. روى لنا عنه عثمان بن عليّ البيكندي. ولد في حدود سنة أربعمائة ومات في ثامن شوّال.(10/551)
163 - مالك بن أحمد بن عليّ بن إبراهيم، أبو عبد الله ابن الفرّاء البانْياسيّ الأصل، البغداديّ. [المتوفى: 485 هـ][ص:552]
كان يقول: سمّاني أبي مالكًا، وكنّاني بأبي عبد الله، وسمّتني أمّي عليًّا، وكنَّتني أبا الحسن، فأنا أُعرَف بهما.
قال السّمعانيّ: كان يسكن في غرفة في سوق الرَّيْحانيّين، شيخ صالح ثقة، متديِّن، مسِن، عُمّر حتّى أخذ عنه الطَّلَبة، وتكابّوا عليه. سمع أبا الحسن بن الصَّلْت، وأبا الفتح بْن أَبِي الفوارس، وأبا الْحُسَيْن بن بِشْران، وابن الفضل القطّان. سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عنه، فقال: شيخ صالح مسن.
وقال أبو محمد ابن السَّمَرْقَنْديّ: كان مالك آخر مَن حدَّث عن ابن الصلت، وكان ثقة. سمعته يقول: ولدت سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة وقد روى عنه: كان شيخًا صالحًا مالكيًّا، وقعت النّار ببغداد بقرب حُجرته، وقد زَمِن، فأُنزِل في قفةٍ إلى باب الحُجْرة، فوجد النّار عند الباب فتركه الذي أنزله وفر، فاحترق.
قلت: روى عنه أبو عامر محمد بن سعدون العَبْدريّ، وأبو الفضل بن ناصر السُّلاميّ، وأبو بكر ابن الزّاغُونيّ، وأبو الحسن عليّ بن عبد الرحمن ابن تاج القرّاء، وخلْق كثير.
قال أبو محمد ابن السَّمَرْقَنْديّ: احترق سوق الرّيْحانيّين وسط النّهار في تاسع جُمَادى الآخرة وهلك فيه جماعة، منهم شيخنا مالك البانْياسيّ.
قلت: آخر من روى عنه أبو الفتح ابن البطي.(10/551)
164 - مسعود بن عبد العزيز، أبو ثابت ابن السّمّاك الرّازيّ الفقيه الحنفيّ. [المتوفى: 485 هـ]
قدِم بغداد فتفقّه بها على أبي عبد الله الصَّيْمريّ، وأبي الحسين القُدوريّ، ثمّ على قاضي القُضاة أبي عبد الله. وبرع في المذهب والخلاف. وأفتى ودرّس، ونُفِّذ رسولًا من الدّيوان إلى صاحب غَزْنَة، فأدركه أجَلُه بخُراسان في شعبان.
روى عن ابن غَيْلان، والصَّيْمَريّ. سمع منه إسماعيل بن محمد بن الفضل، وعبد الله ابن السَّمَرْقَنْديّ.(10/552)
165 - مَلِكْشَاه، السّلطان جلال الدّولة أبو الفتح ابن السّلطان ألْب أرسلان محمد بن داود السلجوقي. [المتوفى: 485 هـ][ص:553]
أوصى إليه أبوه بالمُلْك، ووصّى به وزيرَه نظام المُلْك، وأوصى إليه أن يفرّق البلادَ على أولاده، وأن يكون مرجعهم إلى ملكشاه، وذلك في سنة خمسٍ وستّين، فخرج عليه عمّه صاحب كرْمان، فتواقعا وقعةً كبيرة بقُرب همذان، فانهزم عمه، ثم أتي به أسيرًا فقال: أمراؤك كاتبوني، وأحضر كُتُبَهم في خريطة، فناولها لنظام المُلْك ليقرأها، فرمى بها في مِنْقَل نارٍ بين يديه، فأحرقها، فسكنت قلوب الأمراء، وبذلوا الطّاعة. وكان ذلك سبب ثبات ملكه، وخنق عمَّه بوَتَر. وتمَّ له الأمر، وملك من الأقاليم ما لم يملكه أحدٌ من السّلاطين، فكان في مملكته جميع بلاد ما وراء النّهر، وبلاد الهَيَاطِلَة، وباب الأبواب، وبلاد الرّوم، والجزيرة، والشّام. وملك من مدينة كَاشْغَر، وهي أقصى مدينة بالتُّرْك إلى بيت المقدس طولًا، ومن القُسْطَنْطِينيّة إلى بلاد الخَزَر وبحر الهند عرضًا.
وكان من أحسن الملوك سيرة، ولذلك كان يُلقَّب بالسّلطان العادل، وكان منصورًا في حروبه، مغرى بالعمائر؛ حفر الأنهار، وعمّر الأسوار والقناطر، وعمَّر جامعًا ببغداد، وهو جامع السّلطان، وأبطل المُكُوس والخفّارات في جميع بلاده. كذا نقل ابنُ خَلِّكان في " تاريخه " فالله أعلم.
قال: وصنع بطريق مكّة مصانع للماء، غرِم عليها أموالًا كثيرة. وكان لهِجًا بالصَّيْد، حتّى قِيل إنّه ضُبط ما اصطاده بيده، فكان عشرة آلاف وحش، فتصدَّق بعشرة آلاف دينار، وقال: إنّي خائف من الله لإزهاق الأرواح لغير مأكَلَةٍ. شيَّع مرّةً الحاجّ، فتعدَّى العُذَيْب، وصاد في طريقه وحشًا كثيرًا، يعني هو وجُنْدُه فبنى هناك منارةً، من حوافر حُمْر الوحْش وقرون الظِّباء؛ وهي باقية تُعرف بمنارة القرون.
وأمّا السُّبُل فأمِنَت في أيّامه أمرًا زائدًا، ورخصت الأسعار، وتزوج أمير المؤمنين المقتدي بالله بابنته. وكان السّفير بينهما الشّيخ أبو إسحاق الشّيرازيّ، وكان زفافها إلى الخليفة سنة ثمانين وأربعمائة، وفي صبيحة دخول الخليفة بها [ص:554] عمل وليمةً هائلة لعسكر ملكشاه، كان فيها أربعون ألف منًّا سُكَّر، فأولدها جعفرًا.
ودخل ملكْشَاه بغداد مرَّتين، وكان ليس للخليفة معه سوى الاسم، وقدمها ثالثًا متمرِّضًا. وكان المقتدي قد جعَل ولده المستظهر بالله وليَّ العهد، فألزم ملكشاه الخليفة أن يعزله، ويجعل ابن ابنته جعفرًا وليّ العهد، وكان طفلًا؛ وأن يسلّم بغداد إلى السّلطان ويخرج إلى البصرة، فشقَّ ذلك على الخليفة، وبالغ في استنزال السّلطان ملكشاه عن هذا الرّأي، فأبى فاستمهله عشرة أيّام ليتجهَّز، فقيل: إنّه جعل يصوم ويطوي، فإذا أفطر جلس على الرَّماد يدعو على ملكشاه، فقوي به مرضه، ومات في شوّال.
وكان نظام المُلْك قد مات من أكثر من شهر، فقيل: إنّ ملكشاه سُمّ في خلالٍ تخلّل به فهلك، ولم تشهده الدّولة، ولا عُمِل عزاؤه، وحُمِل في تابوت إلى أصبهان، فدفن بها في مدرسةٍ عظيمة، ووقى الله شرَّه، وتزوّج المستظهر بالله بخاتون بنته الأخرى.(10/552)
166 - منصور بن أحمد بن محمد، أبو المظفّر البسْطاميّ، ثمّ البلْخيّ، الفقيه الحنفيّ، [المتوفى: 485 هـ]
أحد الأعلام.
كان ذا حشمةٍ وأموالٍ وجاهٍ وتقدُّم، سمع أباه، وعبد الصّمد بن محمد العاصميّ، وأبا بكر محمد بن عبد الله بن زكريّا الْجَوْزَقيّ - كذا قال السّمعانيّ: إنّه سمع من الْجَوْزَقيّ، وهو وهْم قال: - وأبا عليّ بن شاذان، وأبا طاهر عبد الغفار المؤدّب، وأبا القاسم عبد الرحمن بن الطّبَيّز بدمشق، وأبا القاسم الزَّيْديّ بحران، وبمرو، ومصر، وحلب، وهراة.
روى عنه للسمعاني: محمد بن القاسم بن المظفّر الشّهْرُزُوريّ، وعمر بن عليّ المحموديّ قاضي بلْخ.
وتُوُفّي ببلْخ في رمضان.(10/554)
167 - هبة الله بن عبد الوارث بن عليّ، أبو القاسم الشّيرازيّ الثّقة الحافظ الجوّال. [المتوفى: 485 هـ]
سمع بخراسان، والعراق، والجبال، وفارس، وخوزستان، والحجاز، واليمن، ومصر، والشّام، والجزيرة. وحدَّث عن أبي بكر محمد بن الحسن بن [ص:555] اللَّيْث الشّيرازيّ، وأحمد بن عبد الباقي بن طَوْق، وعبد الباقي بن فارس المقرئ، وعبد الجبّار بن عبد العزيز بن قيس الشّيرازيّ، وأبي جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد ابن المأمون، وعبد الرّزّاق بن شمة، واحمد بن الفضل الباطِرقانيّ، وخلْق كثير.
وصنَّف " تاريخ شيراز ".
قال السمعانيّ: كان ثقةً صالحًا ديِّنًا خيِّرًا، حَسَن السّيرة، كثير العبادة، مشتغلًا بنفسه. خرَّج التّخاريج، واستفاد وأفاد، وسمَّع جماعةً من الطَّلَبة ببركته وقراءته، وانتفعوا بصُحْبته. وورد بغداد سنة سبعٍ وخمسين. روى لنا عنه أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الخطيب، وعمر بن أحمد الصّفّار، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو نصر محمد بن محمد بن يوسف الفاشاني، وأبو القاسم إسماعيل الحافظ، وأبو بكر اللَّفْتُوانيّ، وغيرهم. وسكن في آخر عمره مَرْو، وتُوُفّي بها.
وقال ابن عساكر: روى عنه نصر المقدسي، وغيث بن علي. وحدثنا عنه هبة الله بن طاوس، وأَبُو نصر اليونارتي، فحدثنا عنه ابن طاوس، قال: حدثنا أبو زُرْعة أحمد بن يحيى الخطيب بشيراز إملاء، قال: أخبرنا الحسن بن سعيد المطوعي، قال: حدثنا أبو مسلم الكجّيّ، فذكر حديثًا.
وقال عبد الغافر في " تاريخه ": هو شيخ عفيف، صُوفيّ، فاضل. طاف البلاد، وسمع الكثير، وخطّه مشهور معروف. وكان كثير الفوائد.
وقال محمد بن محمد الفاشانيّ: كنتُ إذا مضيت إلى أبي القاسم هبة الله، وكان قد نزل برباط يعقوب الصُّوفيّ بظاهر مَرْو، أخذ بيدي وأخرجني إلى الصّحراء وقال: اقرأ ما تريد، فالصُّوفيّة يتبرَّمون بمن يشتغل بالعلم والحديث، ويقولون: هم يشوّشون علينا أوقاتَنَا.
وقال عمر أبو الفتيان الرواسي: إنّ هبة الله مات بمَرْو في شهور سنة ستٍّ وثمانين. [ص:556]
وقال أبو نصر اليُونَارتيّ: تُوُفّي هبة الله بمرْو بالبُطْن في رمضان سنة خمسٍ وثمانين.
وقال محمد بن محمد الفاشانيّ: احتاج هبة الله ليلة مات إلى القيام سبعين مرة، أقل أو أكثر، وفي كلّ نوبةٍ يغتسل في النّهر، إلى أنْ تُوُفّي على الطّهارة، رحمه الله.
وقال المؤتمن السّاجيّ: بذلَ نفسَه في طلب الحديث جدا، وسألني فخرجت جزأين في صلاة الضُّحى، ففرح بهما شديدًا.(10/554)
-سنة ست وثمانين وأربعمائة(10/557)
168 - أحمد بن عليّ بن أحمد، أبو الحسين التّغلبيّ الأرتاحيّ. [المتوفى: 486 هـ]
تُوُفّي بدمشق. روى عن أبي الحسن الحِنّائيّ. روى عنه ابن صابر شيئًا.(10/557)
169 - أحمد بن عليّ بن قُدامة، القاضي أبو المعالي الحنفيّ، من بني حنيفة، البغداديّ، الكرْخيّ، الشّيعيّ. [المتوفى: 486 هـ]
من أجلاد الرّافضة وعلمائهم وصُلحائهم، له خبرة بالكلام والجدل والفقه، قرأ على الشريف المرتَضَى، وعلى أخيه الشّريف الرّضيّ. روى عنه الحسن بن محمد الأسْتِراباذيّ الفقيه، وأحمد بن محمد العُطَارديّ الكرْخيّ.
ذكره ابن السّمعانيّ في " الذَّيل "، وتُوُفّي فِي شوّال.(10/557)
170 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بن إبراهيم، الخبّاز الأصبهاني المؤدب. [المتوفى: 486 هـ]
مات في المحرَّم. عبدٌ صالحٌ، خيّر. سمع من أبي منصور بن معمَّر، وأبي الحسن الْجُرْجَانيّ.(10/557)
171 - أحمد بن محمد بن أبي العبّاس اللّبّاد. [المتوفى: 486 هـ]
قُتِل في آخر شعبان.(10/557)
172 - إبراهيم بن محمد، أبو إسحاق البَجَليّ البُوشَنْجيّ. [المتوفى: 486 هـ]
سكن دمشق، وأمَّ بمسجد دار بِطّيخ، وكان يكتب المصاحف، ثمّ ولي إمامة الجامع مدّة. وسمع أبا عليّ بن أبي نصر التّميميّ، ورشأ بن نظيف، والأهوازيّ. روى عنه أبو القاسم بن عبدان، وأبو القاسم بن صابر.
تُوُفّي في المحرَّم، وكان ثقة صالحًا، مولده سنة سبع وأربعمائة.(10/557)
173 - إسماعيل بن عليّ بن عبد الله، الحاكم أبو الحسن النّاصحيّ الحنفيّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 486 هـ][ص:558]
روى عن عبد الله بن يوسف الأصبهاني، والحاكم أبي الحسن ابن السّقّاء، وأبي سعيد الصَّيْرَفيّ. وعنه عبد الغافر، وقال: مات في جمادى الآخرة.(10/557)
174 - بلال بن الحسين السّقْلاطُونيّ. [المتوفى: 486 هـ]
سمع أبا القاسم بن بِشْران. وعنه أبو الوفاء بن الحُصَيْن، وغيره. مات سنة ست وثمانين هذه.(10/558)
175 - الحسن بن عَنْبَس بن مسعود، أبو محمد الرّافقيّ الشّيخ المعمّر الشّيعيّ، [المتوفى: 486 هـ]
العارف بمذهب القوم.
ذكر الكراجكيّ أنّه اجتمع به بالرَّافقة، ورأى له حلقة عظيمة يقرؤون عليه مذهب الإمامية، وكان بصيرا بالأصول، فذكر لي أنّه قرأ على الشّيخ المفيد، ولقي القاضي عبد الجبّار. مات وقد نيَّف على المائة.(10/558)
176 - الحسين بن عبد العزيز، أبو عبد الله النّحّاس البزّاز. [المتوفى: 486 هـ]
بغداديّ، سمع عبد الملك بن بشران. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي. وسمع ابن أبي الفوارس، وأبا الحسين بن بِشْران.(10/558)
177 - حَمْد بن أحمد بن الحَسَن بن أحمد بن محمد بن مهرة، أبو الفضل الأصبهاني الحدّاد، [المتوفى: 486 هـ]
أخو المقرئ أبي عليّ الحدّاد.
قدِم بغداد حاجًّا سنة خمسٍ وثمانين، وحدَّث بكتاب " الحلية " لأبي نُعَيْم عنه. وسمع أبا الحسن عليّ بن ميْلة، وعليّ بن عَبْدكُوَيْه، وأبا سعيد بن حَسْنَوَيْه، وأبا بكر بن أبي عليّ الذَّكّوانيّ، وعليّ بن أحمد بن محمد بن حسين، وجماعة.
قال السمعاني: كان إماما فاضلا صحيح السماع، محققا في الأخذ. حدثنا عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد ابن البطّيّ، وغير واحد.
قلت: ورّخه بعض الأصبهانيين في هذا العام في جُمَادى الأولى.
وقال السمعاني: ورد نعيه من إصبهان إلى بغداد في ذي الحجة سنة ثمانٍ وثمانين.(10/558)
178 - خَلَف بن أحمد بن داود، أبو القاسم الصَّدَفيّ البَلَنْسيّ. [المتوفى: 486 هـ]
سمع أبا عمر بن عبد البر، وأبا الوليد الباجيّ، وتفقّه وقال الشّعر. ومات في ذي الحجة في حصار بلنسية.(10/559)
179 - سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، الحافظ أبو مسعود الأصبهاني المِلَنْجيّ. [المتوفى: 486 هـ]
سمع الكثير، ورحل وتعب.
قال السّمعانيّ: كانت له معرفة بالحديث، جمع الأبواب، وصنَّف التّصانيف، وخرَّج على الصّحيحين. سمع بإصبهان أبا عبد الله الْجُرْجَانيْ، وأبا بكر بن مردوَيْه، وأبا سعد أحمد بن محمد المالينيّ، وأبا نُعَيْم الحافظ، وأبا سعيد النّقّاش، وابن جولة الأَبْهريّ، وجماعة كثيرة. وببغداد أبا عليّ بن شاذان، وأبا بكر البَرْقانيّ، وأبا القاسم بن بِشْران، وأبا بكر بن هارون المنقي، وأبا القاسم الحرفي، وطبقتهم. سمع منه شيخه أبو نُعَيْم؛ وروى عنه أبو بكر الخطيب مع تقدمه؛ وحدثنا عنه إسماعيل بن محمد التَّيْميّ، وأحمد بن عمر الغازيّ، وهبة الله بن طاوس، وخلْق ببلاد عديدة.
وسألتُ أبا سعد البغداديّ عنه فقال: لا بأس به، ووصفه بالرحلة والجمع والكثْرة. وقد كنّا يومًا في مجلسه، وكان يُمْلي، فقام سائلٌ وطلب شيئًا، فقال سليمان: من شؤم السّائل أن يسأل أصحاب المحابر.
وسألت إسماعيل الحافظ عنه، فقال: حافظ، وأبوه حافظ.
وقال أبو عبد الله الدّقّاق في " رسالته ": سليمان بن إبراهيم الحافظ له الرحلة والكثرة، وأبوه إبراهيم يُعْرف بالفَهْم والحِفْظ، وهما من أصحاب أبي نُعَيْم، تُكلِّم في إتقان سليمان، والحفْظ: الإتقان، لا الكثرة.
قال السّمعانيّ: وسألت أبا سعد البغداديْ عن سليمان نوبةً أخرى، فقال: شنَّع عليه اصحاب الحديث في جزءٍ ما كان له به سماع. وسكتّ أنا عنه. [ص:560]
وقال يحيى بن مَنْدَهْ في " طبقات الأصبهانيين " في ترجمة سليمان: إلّا أنّه في سماعه كلام. سمعتُ من الثّقات أنّ له أخًا يُسمَّى إسماعيل، وكان أكبر منه، فحكّ اسمه وأثبت اسم نفسه مكانه، وهو شيخٌ شَرِه لا يتورَّع، لحانٌ وَقَاح.
وقال عبد الله ابن السَّمَرْقَنْديّ: إنّ سليمان وُلِد في رمضان سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة.
وقال غيره: تُوُفّي في ذي القعدة.
وممّن روى عنه أبو جعفر محمد بن الحسن الصَّيْدَلانيّ، وأبو عليّ شرف بن عبد المطّلب الحسيني، ومحمد بن طاهر الطُّوسيّ، ومحمد بن عبد الواحد المَغَازليّ، ومسعود بن الحسن الثّقفيّ، ورجاء بن حامد المَعْدانيّ.
أَنْبَأَنَا الْمُسْلِمُ بْنُ عَلَّانَ، وغيره قالوا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، قال: أخبرنا أبو منصور القزاز، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: أخبرنا سليمان بن إبراهيم أبو مسعود، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن الحسين ابن القطان، قال: حدثنا إبراهيم بن الحارث البغدادي، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً، وَلَا شَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَسِلَاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً ".
أَخْبَرَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن الأرموي، قال: أَخْبَرَتْنَا كَرِيمَةُ الْقُرَشِيَّةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصيدلاني قال: أخبرنا سُلَيْمَانُ الْحَافِظُ، فَذَكَرَهُ.
هَذَا حديثٌ عالٍ، وَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةً، مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، وَأنَّ الْخَطِيبَ رَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ، وَعَاشَ الصَّيْدَلَانِيُّ هَذَا بَعْدَ الْخَطِيبِ مائة سنة وخمس سنين، ولله الحمد.(10/559)
180 - عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن المأمون، الرئيس أبو القاسم ابن الشيخ أبي الغنائم الهاشمي المأموني. [المتوفى: 486 هـ]
كان صدوقا، دينا، مسندا سمع أبا الحسن بن رزقويه، وأبا علي بن شاذان. روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، ومحمد بن ناصر وعبد الوهاب الأنماطي. وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة.(10/561)
181 - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ محمد بن زِكْرِيّ، أبو الفضل الدّقّاق الكاتب. [المتوفى: 486 هـ]
بغدادي مشهور، سمع أبا الحسين بن بِشْران، وأبا الحَسَن الحَمَّاميّ. وعنه إسماعيل بن محمد، وأبو سعْد البغداديّ، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو بكر ابن الزّاغُونيّ، ومحمد بن أحمد بن سوار.
قال عبد الوهّاب الأنْماطيّ: كان صالحًا ديِّنًا، ثقة.
وقال القاضي عياض: سألت أبا عليّ بن سُكَّرَة عن عبد الله بن زِكْريّ فقال: كان شيخًا عفيفًا، كنّا نقرأ عليه في داره.
وقال غيره: ولد سنة أربعمائة في آخرها. وكانت وفاته في ذي القعدة.
أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد، قال: أخبرنا هبة الله بن الحسن الدقاق، قال: أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن علي، قال: أخبرنا علي بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا سعدان بن نصر، قال: حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وجل، لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، كَمَا تَنْظُرُونَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يُغْلَبَ عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا فَلْيَفْعَلْ ".(10/561)
182 - عبد الله بن عمر بن مأمون، [المتوفى: 486 هـ]
إمام أهل سجِسْتان.
شيخ كبير القدْر، سمع عليّ بن بُشْرَى اللَّيْثيّ، وجماعة بسجسْتان، أكثر الحافظ أَبُو محمد الرّهاويّ عن حفيده أبي عَرُوبة، عنه.
مات في ذي الحجّة.(10/561)
183 - عبد الباقي بن أحمد البزّاز. [المتوفى: 486 هـ]
دمشقيّ، يروي عن أبي الحسن ابن السّمْسار. روى عنه عبد الله وعبد الرحمن ابنا صابر.(10/562)
184 - عبد الحميد بن محمد، الفقيه أبو محمد ابن الصائغ القيرواني. [المتوفى: 486 هـ]
سكن سوسة، وأدرك أبا بكر بن عبد الرحمن، وأبا عمران الفاسي، وتفقه بالعطار، وجماعة. وله تعليقة على " المدونة ". وعليه تفقه المازري المهدوي، وأبو علي بن البربري، وجماعة.
طلبه صاحب المَهْدَيّة تميم بن المُعِزّ بن باديس ليكون مفتي البلد، فأقام عنده مدّة، وتُوُفّي في هذا العام.(10/562)
185 - عبد الحميد بن منصور بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه، الأستاذ أبو محمد البَجَليّ الجريريّ العراقيّ المقرئ المجوّد. [المتوفى: 486 هـ]
شيخ القرّاء بسَمَرْقَنْد، تُوُفّي في ذي الحجّة بسَمَرْقَنْد. روى عن الحسين بن عبد الواحد الشّيرازيّ. روى عنه محمد بن عمر كتاب البخاري.(10/562)
186 - عبد العزيز، أبو محمد التُّونسيّ الزّاهد. [المتوفى: 486 هـ]
تفقّه على أبي عمران الفاسيّ، وأبي إسحاق التُّونسيّ، ومال إلى الزُّهد والتَّقشُّف، وسكن مالقة، واستقرّ أخيرًا بأغْمات، ودرس النّاسُ عليه الفقْه، ثمّ تركه لمّا رآهم نالوا به الخطط والعمالات، وقال: صرْنا بتعليمنا لهم كبائع السّلاح من اللّصوص.
قال ابن بَشْكُوال: وكان ورِعًا متقلّلًا من الدّنيا، هاربا عن أهلها، توفي بأغمات.(10/562)
187 - عبد القادر بن عبد الكريم بن حسين، أبو البركات الدّمشقيّ الخطيب. [المتوفى: 486 هـ][ص:563]
أصله من الأنبار، سمع محمد بن عَوْف، وغيره. روى عنه الخضر بن عبْدان، ونصر بن مقاتل، ووثّقه أبو محمد بن صابر، خطب بدمشق لبني العبّاس وللمصريّين.(10/562)
188 - عبد الواحد بن محمد بن عليّ بن أحمد، الشّيخ القُدْوة، أبو الفَرَج الفقيه الحنبليّ، الواعظ الشّيرازيّ الأصل الحرّانيّ المولد، وكان يُعرف في بغداد بالمقدسيّ. [المتوفى: 486 هـ]
سمع بدمشق من أبي الحسن عليّ ابن السّمْسار، ومن عبد الرّزّاق بن الفضل الكَلاعيّ، وشيخ الإسلام أبي عثمان الصَّابونيّ. ورحل إلى بغداد، ولزِم القاضي أبا يَعْلَى، وتردَّد إليه سِنين عديدة، ونسخ واستنسخ تصانيف القاضي، وبرع في الفقه. وسافر إلى الرَّحْبَة، ثمّ رجع إلى دمشق، وبَثَّ بها مذهب أحمد، وبأعمال بيت المقدس، وصنَّف التّصانيف في الفِقْه والأُصُول.
قال أبو الحسين ابن الفرّاء: صحِب والدي، وسافر إلي الشّام وحصل له الأتباع والغلمان.
قال: وكانت له كرامات ظاهرة، ووقعات مع الأشاعرة، وظهر عليهم بالحجّة في مجالس السّلاطين بالشّام.
قال أبو الحسين: ويقال إنّه اجتمع بالخضر مرّتين، وكان يتكلّم على الخاطر، كما كان يتكلّم على الخاطر الزاهد ابن القَزْوينيّ، وكان تُتُش يعظّمه، لأنّه تمّ له معه مكاشفة، وكان ناصرًا لاعتقادنا، متجرِّدًا في نشره. وله تصانيف في الفقه والوعْظ والأُصُول.
وأرَّخ وفاته ابن الأكْفَانيّ في يوم الأحد الثّامن والعشرين من ذي الحجّة بدمشق.
قلت: وقبره مشهور بجبَّانة باب الصَّغير، يُزار ويُقْصَد، ويُدعى عنده. وله ذُرّيّة فُضَلاء، وكان أبوه الشّيخ أبو عبد الله صوفيًّا من أهل شيراز، قدم الشام، وكان يعرف بالصافي. [ص:564]
ذكر ابن عساكر ترجمة لأبي الفَرَج فقال: سكن دمشق وكان صوفيا. سمع أبا الحسن ابن السّمْسار، وأبا عثمان الصّابونيّ. وصنَّف جزءًا في قِدم الحروف، رأيته يدلُّ على تقصير كثير.(10/563)
189 - عبد الواحد بن عليّ بن محمد بن فهد، أبو القاسم ابن العلّاف البغداديّ. [المتوفى: 486 هـ]
قال السّمعانيّ: شيخ صالح صدوق مكثْر، انتشرت عنه الرّواية. وكان خيِّرًا، ثقة، مأمونا، متواضعًا، سليمَ الجانب، على جادّة القدماء. وكانت بلاغاته في كُتُب النّاس؛ لأنّ كُتُبه ذهبت حريقًا ونَهْبًا. سمع أَبَا الفتح بْن أَبِي الفوارس، وأبا الفَرَج الغُوريّ، وهو آخر من حدَّث عنهما. وسمع أبا الحسين بن بشْران. روى لنا عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو سعْد البغداديّ، وأبو القاسم إسماعيل الطّلْحيّ، وعبد الخالق بن يوسف.
وتُوُفّي في سادس عشر ذي القعدة.
قلت: آخر من حدث عنه أبو الفتح ابن البطّيّ، وقع لي من عواليه.(10/564)
190 - عُبَيْد الله بن أبي العلاء صاعد بن محمد، القاضي أبو محمد. [المتوفى: 486 هـ]
تُوُفّي بنَيْسابور في خامس شعبان. وكان صالحا زاهدا، ولد سنة تسع وأربعمائة، وسمع من أبي بكر الحِيَريّ، وأبي سعيد الصَّيْرَفيّ، ووالده. وعنه عبد الغافر.(10/564)
191 - عُبَيْد الله بن عبد العزيز بن البِراء بن محمد بن مُهاصِر، أبو مروان القُرْطُبيّ. [المتوفى: 486 هـ]
روى عن إبراهيم بن محمد الإفْليليّ، وغيره. وكان من أهل اللُّغة والأدب، مَعْنيًّا بذلك، شُرُوطيًّا. روى عنه أبو الحسن بن مغيث.(10/564)
192 - عُبَيْد الله بن محمد بن أدهم، أبو بكر القُرْطُبي [المتوفى: 486 هـ]
قاضي الجماعة بقُرْطُبة. [ص:565]
استقضاه المعتمد على الله في سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة، وكان من أهل الصّرامة والحقّ والعدْل، لا يخاف في الله لومة لائم، نزها متصاونا. تفقّه على أبي عمر بن القطّان، وسمع من حاتم بن محمد، وغيره. ولم يزل على القضاء بقُرْطُبة عشرين سنة، وتُوُفّي في شعبان. وقد استكمل سبعين سنة.(10/564)
193 - عليّ بن أحمد بن يوسف بن جعفر بن عَرَفَة بن المأمون بن المؤمّل بن الوليد بن القاسم بن الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حرب بْن أُميّة القُرَشيّ الأُمويّ، أبو الحسن الهَكَّاريّ. [المتوفى: 486 هـ]
وقيل: سقط بين الوليد وبين القاسم خالد، وانّه الوليد بن خالد بن القاسم.
قال السّمعانيّ: شيخ الإسلام هذا تفرَّد بطاعة الله في الجبال، وابتنى أربطةً ومواضع يأوي إليها الفقراء والمنقطعون إلى الله. وكان كثير العبادة، حسن الزّهادة صافي النّيّة، خالص الطّويّة، لطيفًا مقبولًا وقُورًا. قدِم بغداد، ونزل برباط الزَّوْزَنيّ. ورحل، وسمع بمصر أبا عبد الله بن نظيف، وغيره، وبمكّة أبا الحسن بن صخر، وببغداد أبا القاسم بن بشْران، وبالرّملة أبا الحُسَين بن التُّرْجُمان. روى لنا عنه يحيى بن عَطّاف الموصِليّ بمكّة، وعبد الرحمن بن الحسن الفارسيّ ببغداد، والحسن بن محمد بن أبي عليّ المقرئ، وجماعة سواهم.
وقال عبد الغفّار الكرْجيّ: ما رأيت مثل شيخ الإسلام الهَكّاريّ زُهدًا وفضلًا.
وقال يحيى بن مَنْدَهْ: قدم علينا أبو الحسن الهَكّاريّ إصبهان وكان صاحب صلاة وعبادة واجتهاد، مشهور معروف، أحد كبراء الصوفية.
قال: ولدت سنة تسعٍ وأربعمائة.
وقال ابن ناصر: توفي في أول المحرم بالهكارية، وهي جبال فوق الموصل. [ص:566]
وقال ابن عساكر: لم يكن موثقا في روايته.
قال ابن النجار: كان يسكن جبال الهكارية بقرية اسمها دارس. وقد ابتنى هناك أربطة ومواضع، سمع الحديث الكثير، وسافر في طلبه، وجمع كُتُبًا في السُّنّة والزّهد وفضائل الأعمال، وحدَّث بالكثير. وانتقى عليه محمد بن طاهر. وكان الغالب على حديثه الغرائب والمنكرات، وفي ذلك مُتُونٌ موضوعة مركَّبة. رأيت بخطّ بعض المحدِّثين أنّه كان يضع الحديث. روى عنه يحيى ابن البناء، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ.
وقيل: تكلَّم فيه ابن الخاضبة.(10/565)
194 - عليّ بن عبد الواحد بن عليّ بن صالح، أبو يَعْلَى الهاشميّ، [المتوفى: 486 هـ]
قيّم مشهد باب أبرز.
سمع أَبَا الحسين بْن بشران، وابن الفضل القطان. روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وغيره.
وولد سنة ثلاثٍ وأربعمائة.(10/566)
195 - عليّ بْن محمد بْن محمد بْن محمد بن يحيى بن شعيب بن حسن الشَّيْبانيّ، أبو الحسن الأنباري، ابن الأخضر، [المتوفى: 486 هـ]
خطيب الأنبار.
تفقّه ببغداد على مذهب أبي حنيفة.
قال السّمعانيّ: كان ثقة، نبيلًا، صدوقًا، معمَّرًا، مُسْنِدًا، عُمّر حتّى صار يُقصد ويرحل إليه إلى الأنبار، وانتشرت عنه الرّواية في الآفاق. وقد قُطِعت يدُه في فتنة البساسيريّ، وكان يَقْدَم بغداد احيانًا؛ سمع أبا أحمد الفَرَضيّ، وأبا عَمْر بن مهديّ، وأبا الحسين بن بِشْران، وابن رزقويه. حدثنا عنه إسماعيل بن محمد، وأبو نصر الغازيّ، وأبو سعد بإصبهان، وهبة الله بن طاوس، ونصْر الله المصّيصيّ بدمشق، وجماعة يطول ذكرهم. وسألت إسماعيل الحافظ عنه فقال: ثقة. وسمعت محمد بن أحمد ابن الخلال إمام جامع الأنبار يقول: ولد شيخنا أبو الحسن سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. زاد غيره في صفر.
وقال ابن سُكَّرَة في مشيخته: كان شيخنا أبو الحسن أقطع اليد، حنفيّ [ص:567] المذهب، قال لي إنّه سأل وهو صبيّ في مجلس الشّيخ أبي حامد الإِسْفَرَايِينِيّ عن الوضوء من مَسِّ الذَّكَر، وقال لي: رأيتُ يحيى جدّ جدّي، وأنا اليوم جدُّ جدٍّ.
قال ابن سُكَّرَة: لم ألقَ مَن يحدِّث عن أبي أحمد الفرضي سواه، وإنما عنده عنه حديثان.
قلت: وقعا لنا بعلو، قرأتهما على عبد الحافظ، عن أبن قُدَامة، عن ابن البطّيّ، عنه.
وقال ابن ناصر: مات في شوّال بالأنبار، وهو آخر من حدَّث عن الفَرَضيّ.
قلتُ: وآخر من حدث عنه أبو الفتح ابن البطّيّ.(10/566)
196 - عيسى بن سهل، أبو الأصْبَغ الأسدي الجيَّانيّ المالكيّ، [المتوفى: 486 هـ]
نزيل قُرْطُبة.
تفقّه بابن عَتّاب القُرْطُبيّ، واختصّ به. وسمع من حاتم الأَطْرابُلُسيّ، وبغرناطة من يحيى بن زكريّا، وبطُلَيْطُلَة من ابن أسد القاضي، وابن ارفع رأسَه. وله في الأحكام كتابٌ حَسَنٌ.
قدِم سبتة، فنوه باسمه صاحبها الأمير البرغواطي، فرأسَ بها، وأخذ عنه القاضي أبو محمد بن منصور، والقاضي أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد النصري. وسمع منه خالا القاضي عياض أبو محمد وأبو عبد الله ابنا الْجَوْزِيّ؛ وولي قضاء غَرْناطة وغيرها؛ كذا ترجمه القاضي عياض.
وزاد ابن بَشْكُوال، فقال: روى عن مكّيّ القَيْسيّ، وأبي بكر بن الغرّاب، وابن الشّمّاخ، وتُوُفّي مصروفًا عن قضاء غَرْناطة في المحرَّم سنة ستٍّ، وله ثلاثٌ وسبعون سَنة، وكان من جِلّة الفُقَهاء الأئمّة.(10/567)
197 - محمد بن إسماعيل بن أحمد بن حَسْنَوَيْه، أبو عبد الله النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 486 هـ]
سمع الحِيريّ.(10/567)
198 - محمد بن عليّ بن حسن بن العَميش الحربيّ. [المتوفى: 486 هـ]
عن أبي القاسم بن بشْران، وعنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ.(10/568)
199 - محمد بن المطهّر، أبو سعْد البَحِيريّ النَّيْسابوريّ المزكيّ. [المتوفى: 486 هـ]
سمع من الطّرازيّ، وأبى نصر المفسر.(10/568)
200 - المرزبان بن خسرو بن دارست، تاج الملك أبو الغنائم. [المتوفى: 486 هـ]
كان يناوئ نظام الملك ويعاديه، فلما قتل نظام الملك عام أول استوزر ملكشاه هذا، ثم إن غلمان نظام الملك وثبوا علي هذا وقطعوه في المحرم، وله سبعٌ وأربعون سنة.
ومن أخبار تاج الملك أنه كان كاتبا لسرهنك، فلمّا مات مخدومه قصده نظام المُلْك وقال: عندك لسرهنك ألف ألف دينار. فقال: إذا قيل عنّي هذا وقد خدمتُ أحد الأمراء، فكيف بمن خدم ثلاثين سنة سلطانَين؟ يعرِّض، ولكن أنا القائم بمال سرهنك.
وحمل إليهم ألفي ألف دينار، فتقدَّم عند السّلطان ملكشاه، وعوّل عليه، وقرُب منه، فتألَّم النّظام من قُربه، وكان هو يعظم النظام ظاهرا، وينال منه باطنًا، فلمّا قُتِل النّظام، قُرِّر تاج المُلْك وزيرًا، ولكن فَجَأَ ملكشاه الموتُ، فوَزَرَ لابنه محمود. وجرَّدت أمّ محمود معه الجيش لمحاربة بَرْكَيارُوق، فانكسر عسكرها، وأُسِر تاج المُلْك وقُتِل في ثاني المحرَّم، وأراد بَرْكَيارُوق أن يستبقيه، وعُرِفت مكانته وحشمته، فهجم عليه غلمان النّظام، ففتكوا به، وزعموا أنّه هو قتل مولاهم. وكان يتنسّك ويُكْثِرُ الصَّوم.(10/568)
201 - المشطّب بن محمد بن أُسامة بن زيد، أبو المظفّر الفَرَغانيّ التُّرْكيّ، الحنفيّ. [المتوفى: 486 هـ]
تفقّه وبرع في المذهب والْجَدَل، وورد العراق في صُحبة نظام المُلْك وناظَرَ الأئمّة، وجَرَت له قصص، وكان بالأجناد أشبه منه بالعلماء. وكان جمّاعًا للمال، منَّاعًا، دَنيء النَّفس، له في البُخل حكايات، يلبس الحرير، ويرتكب المحظورات.
سمع محمود بن جعفر الكَوْسَج، وأبا عليّ الحسن بن عبد الرحمن [ص:569] الشافعي المكي. روى عنه هبة الله ابن السَّقَطيّ، وكُمارُ بن ناصر.
قال عبد الغافر بن إسماعيل: كان من فحول أهل النَّظر، مستظهرًا بالخدم والحشم والعَبيد والتّجمُّل، ينادم الوزراء، ويُزاحم الصُّدور.
قُرئ بخطْ أبي الخطّاب الكلوذانيّ مولد المشطب سنة أربع عشرة وأربعمائة. ومات بالمعسكر ببغداد في شوال سنة ست وثمانين.(10/568)
202 - موسى بن عبد الله بن أبي الحُسَين يحيى بن جعفر بْن عليّ بْن محمد بْن علي بْن موسى بن جعفر الصّادق، العَلَويّ الحُسينيّ. [المتوفى: 486 هـ]
أصله كوفيّ، ثمّ صار إلى صقلّية، ودخل الأندلس مجاهدًا، يُكَنّى أبا البسّام. كان عنده عِلْمٌ وأدبٌ، ومعرفة بالأصول على مذاهب السُّنَّة. أخذوا عنه بمَيُورقَة، وله شِعرٌ بديع.
قال ابن بَشْكُوال: ثمّ رجع إلى بلاد بني حمّاد، فامْتُحِن هنالك وقُتِل ذبْحًا ليلة سبْعٍ وعشرين من رمضان.
قلتُ: وابنه السّيّد الشّريف أبو عليّ الحسن بن موسى، تجوّل بعد والده في الأندلس، ثمّ استقرّ بمَيُورقَة، وولي خطابتها، وكان رفيع القدْر. فلمّا غلب عليها الروم في سنة ثمانٍ وخمسمائة، انهزم وسكن قُرْطُبة. وابنه أبو محمد عبد العزيز أحد بُلَغَاء العصر، كتب الإنشاء وصنَّف وأفاد.(10/569)
203 - موسى بن عمران، أبو المظفّر الأنصاريّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 486 هـ]
كان أسْنَد مَن بقي بنَيْسابور؛ تفرَّد بالرّواية عن أبي الحسن العَلَويّ وسمع من أبي عبد الله الحاكم، وأبي القاسم السّرّاج، وعُمّر ثمانيا وتسعين سنة.
وهو موسى بن عمران بن محمد بن إسحاق بن يزيد الصُّوفيّ.
قال عبد الغافر: شيخ وجيه، حَسَن المنظر والرُّواء، راسخ القدم في الطّريقة، لقي الشيخ أوحد وقته أبا سعيد بن أبي الخير المِيهَنيّ وخدمه، وصحِب القُشَيريّ وخَدَمَه، وكان من أركان الشّيوخ الّذين عَهِدْنَاهم من [ص:570] الصوفية، وقد روى الكثير.
قلت: حدث عنه عمر بن أحمد ابن الصّفّار، والحسين بن عليّ الشّحّاميّ، وعبد الله ابن الفُرَاويّ، وزاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ، وأبو عمر محمد بن عليّ بن دوِسْت الحاكم، وآخرون.
توفي في ربيع الأول، وعاش ثمانيا وتسعين سنة.(10/569)
204 - موهوب بن إبراهيم، الخبّاز البقّال، أبو نصر. [المتوفى: 486 هـ]
بغدادي، سمع عبد الملك بن بشران. وعنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ، وغيره.(10/570)
205 - الموفّق بن زياد بن محمد، أبو نصر الحنفيّ الهَرَويّ التّاجر. [المتوفى: 486 هـ]
ولد سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وسمع من عمر بن إبراهيم الزّاهد. روى عنه ولده زياد، وغيره.
مات في شعبان.(10/570)
206 - نَصْر بن الحسن بن القاسم بن الفضل، أبو اللَّيْث، وأبو الفتح التُّرْكيّ التُّنْكتيّ الشّاشيّ، [المتوفى: 486 هـ]
نزيل سَمَرْقَنْد، وتُنْكُت: بلده عند الشّاش.
وُلِد سنة ست وأربعمائة، ورحل في كِبَرِه، فسمع بنَيْسابور " صحيح مسلم " من عبد الغافر الفارسيّ. وسمع من أبي حفص بن مسرور، وأبي عامر الحسن النَّسَويّ، وبصور من أبي بكر الخطيب، وبمصر من أبي الحسن ابن الطّفّال وغيره، وبالإسكندرية من الحُسَين بن محمد المَعَافِريّ، وبالأندلس من أحمد بن دِلْهَاث العُذْريّ، وجماعة. ودخل الأندلس وغيرها تاجرًا، وأقام بالأندلس ثلاث سِنين، وصدر عنها في شوّال سنة ثلاث وستّين، وقال: كنّاني أبي أبا اللّيْث، فلمّا قدِمْتُ مصرَ كنّوني أبا الفتح، حتّى غلبت عليَّ.
قال السّمعانيّ: روى لنا عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الخالق بن أحمد، ونصر العُكْبَريّ ببغداد؛ وعبد الخالق بن زاهر بنَيْسابور. وسكن نَيْسابور في آخر عمره، وبها تُوُفّي.
ومن جملة خيراته السّقاية والمِرْجَل في وسط الجامع الجديد بها. [ص:571]
قال: وقيل إنّ تَرِكَتَه قُوِّمَت بعد موته مائةً وثلاثين ألف دينار.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: هو شيخ مشهور، ورِع، نظيف، بهيّ متجمِّل، متطلّس. جال في الآفاق، وحدَّث، ورأى العز والقبول بسبب تسميع " مسلم ". وسمع منه الخلْق في تلك الدّيار، وبورك له في كسْبه، حتّى حصل على أموالٍ جمّةٍ، وعاد إلى نَيْسابور. وكانت معه أوقارٌ من الأجزاء والكُتُب، وحدَّث ببعضها.
وقال ابن بَشّكُوال: كان عظيم اليَسَار، كريمًا، كثير الصَّدَقات، كامل الخَلْق، حَسَن السَّمْت والخُلُق، نظيف المكسب والملبس، ينمُّ عليه من الطِّيب ما يعرفه مَن يأْلَفَهُ، وإنْ لم يُبْصر شخْصَهُ، وما يبقى على ما يسلك من الطّريق رائحته بُرْهة، فيَعرف به من يسلك ذلك الطّريق إثره أنّه مشى عليه.
وقال الحُمَيْديّ: نصّر بن الحسن بن أبي القاسم بن أبي حاتم بن الأشعث الشّاشيّ التُّنْكُتيّ نزيل سَمَرْقَنْد، دخل الأندلس، وحدَّث، ولقيناه ببغداد، وسمعنا منه. وكان رجلًا مقبول الطّريقة، مقبول اللّقاء، ثقة فاضلًا.
قلت: ورَّخ السّمعانيّ وفاته في السّابع والعشرين من ذي القعدة، سنة ستٍّ وثمانين، ودُفِن بالحِيرة. وهذا الصّحيح، ووهِم مِن قال سواه.
قال أبو الحسن طاهر بن مُفَوَّز: اتّصل بنا أنّ أبا الفتح هذا تُوُفّي في أَطْرابُلُسَ الشّام سنة إحدى وسبعين وأربعمائة.
وقيّده ابن نُقْطَة فقال: التُّنْكُتيّ: بضمّ التّاء والكاف.(10/570)
207 - هبة الله بن محمد بن موسى، أبو الحسن ابن الصّفّار النُّعْمانيّ الأصل، ثمّ الواسطيّ الكاتب النَّحْويّ المقرئ. [المتوفى: 486 هـ]
قرأ القراءات على أبي عليّ أحمد بن محمد بن عَلّان صاحب الحُضَينيّ، وعلى ابن الصّوّاف، وغيرهما. وهو آخر من سمع من الحسن بن أحمد ابن التُّبَانيّ.
تُوُفّي في رمضان. [ص:572]
ترجمه خميس الحافظ، وقال: قرأت عليه القرآن.(10/571)
208 - يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سُطُورا، القاضي أبو عليّ العُكْبَريّ البَرْزَبِينيّ، [المتوفى: 486 هـ]
وبَرْزَبِين: قرية بين بغداد وأوانا.
تفقّه على القاضي أبي يَعْلَى حتّى برع في مذهب أحمد، وبرز على أقرانه، وكانت له يدٌ قويَّة في القرآن، والحديث، والأصول، والفقْه، والمحاضرات. قرأ عليه خلقٌ من الفُقَهاء وانتفعوا به، وكان جميل السيرة.
قال أبو الحسين ابن الفرّاء: كان له غلْمان كثيرون، وصنَّف في الأصول والفُروع، وكان مبارك التّعليم لم يدرس عليه أحد إلّا وأفلح. وعليه تفقّه أخي أبو حازم.
قلت: قد حدَّث عن أحمد بن عمر بن ميخائيل العُكْبَريّ، وأجاز لأبي نصر الغازي، ولأبي عبد الله الخلّال، وغانم بن خالد الأصبهانييّن.
تُوُفّي فِي شوّال عَنْ سبعٍ وسبعين سنة.
وقد ذكره السّمعانيّ في " الذّيل " وعظّمه، وقال: جرت أموره في أحكامه على سداد واستقامة، وحدَّث بشيءٍ يسير عن ابن ميخائيل.(10/572)
-سنة سبع وثمانين وأربعمائة(10/573)
209 - أحمد بن عُبَيْد الله بن سعيد الهَرَويّ. [المتوفى: 487 هـ]
سمع أبا الفضل الجاروديّ. وعنه أبو النّضْر الفاميّ.(10/573)
210 - أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خَلَف، أبو بكر الشّيرازيّ، ثمّ النَّيْسابوريّ الأديب العلّامة، [المتوفى: 487 هـ]
مُسْنِد نَيْسابور في وقته.
أكثر عن أبي عبد الله الحاكم، وحمزة بن عبد العزيز، وعبد الله بن يوسف الأصبهاني، ومحمد بن محمد بن مَحْمِش، وأبي بكر بن فُورَك، والسُّلَميّ. روى عنه عبد الله ابن السَّمَرْقَنْديّ، ومحمد بن طاهر المقدسيّ، وعبد الغافر بن إسماعيل، ووجيه الشّحّاميّ، وعمر بن أحمد الصّفّار، وأحمد بن سعيد المِيهَنيّ، وخلْق كثير، آخرهم أبو سعد عبد الوهّاب الكَرْمانيّ المُتَوَفَّى سنة تسعٍ وخمسين وخمسمائة.
قال عبد الغافر: أمّا شيخنا ابن خَلَف فهو الأديب المحدث المتقن الصحيح السماع، ما رأينا شيخًا أورع منه، ولا أشدّ إتقانًا، حصل على حظٍّ وافرٍ من العربيّة، وكان لا يسامح في فَوات كلمة ممّا يُقرأ عليه، ويراجع في المشكلات ويبالغ، رحل إليه العلماء من الأمصار، وكانت ولادته في سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة، وسمع في سنة أربعٍ وأربعمائة، سمّعه أبوه أبو الحسن الكثير، وأملى على الصّحّة. سمعنا منه الكثير، وتُوُفّي في ربيع الأوّل.
وقال إسماعيل بن محمد الحافظ: كان حسن السّيرة، من أهل العلم والفضل، محتاطًا في الأخْذ، سمع الكثير، وكان ثقة.
وقال ابن السّمعانيّ: كان فاضلًا عارفًا باللُّغة والأدب، ومعاني الحديث، في كمال العفة والورع.(10/573)
211 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد، الشّيخ أبو نصْر العِجْليّ البخاريّ. [المتوفى: 487 هـ]
من بيت العلم والخير، ولد بعيد الأربعمائة، وسمع من منصور الكاغَديّ صاحب الهيثم بن كليب، ومن أحمد بن الحسين الماخكي. [ص:574]
وبقي إلى هذا العام.
آخر من حدَّث عنه عثمان بن عليّ البَيْكَنديّ.(10/573)
212 - أحمد بن محمد بن سعيد بن محمد، أبو نصر القيسي الدّمشقيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 487 هـ]
سمع عليّ بن منير الخلّال، وأبا الحسن الطّفّال بمصر، وأبا عليّ بن أبي نصر، وابن سلْوان بدمشق. روى عنه عمر الرواسي، وجمال الْإِسْلَام أبو الْحَسَن السُّلّميّ.
تُوُفّي فِي رجب عن سبعٍ وثمانين سنة.(10/574)
213 - أحمد بن يحيى بن محمد، أبو سعْد بن أبي الفَرَج الشّيرازيّ الواعظ، المعروف بابن المطبخيّ. [المتوفى: 487 هـ]
له مسجد كبير بدرب القيّار يُعرف به. سمع أبا الحَسَن بن مَخْلَد، وأبا القاسم بن بشران. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ. كذا قال ابن النّجّار.
وقال ابن السَّمَرْقَنْديّ: سألته عن مولده، فقال: سنة ثمان عشرة وأربعمائة.
قلت: فتبين أنه لم يدرك السماع من ابن مَخْلَد.
قال شجاع الذُّهْليّ: تُوُفّي في شوال سنة سبع وثمانين وأربعمائة.(10/574)
214 - آقْسُنْقُر قسيم الدّولة، أبو الفتح الحاجب، مملوك السّلطان ملكشاه، وقيل: هو لصيق به، وقيل: اسم أبيه آل تُرْغَان. [المتوفى: 487 هـ]
تزوّج داية السّلطان إدريس بن طُغان شاه، وحظي عند السّلطان ملكشاه وقدِم معه حلب، حين قصد تاج الدولة أخاه فانهزم، وملكها ملكشاه في سنة تسعٍ وسبعين، وملك أنطاكيّة، وقرر نيابة حلب لقسيم الدّولة في أوّل سنة ثمانين، فأحسن فيها السّياسة، وأقام الهيبة، وأباد قُطّاع الطّريق، وتتبّعهم، وبالَغ، فأمِنَت البلاد، وعُمِّرت حلب، ووردها التُّجّار، ورغبوا في سُكناها للعدل، وعمّر منارة حلب، فاسمُه منقوشٌ عليها، وبنى مشهد قرنبيا، ومشهد [ص:575] الدّكّة. وكان أحسن الأمراء سياسة لرعيّته وحفظًا لهم. وتحدَّث الرُّكْبانُ بِحُسْن سيرتِه. وكان يستغلّ حلب في كل يومٍ ألفا وخمسمائة دِينار.
وأمّا تُتُش فتملّك دمشق. ولمّا كان ربيع الأوّل سنة سبعٍ وثمانين هذه خرج تُتُش، وجمع معه خلْقًا من العرب، ووافاه عسكر أنطاكية بحماه، ورعوا ونهبوا، فاتّصل الخبر بأقْسُنْقُر، فكاتَبَ السّلطان بَرْكَيارُوق، وخطب له بحلب، فجمع وحشد، وأنجده كربُوقا صاحب الموصل، وبُزان صاحب الرُّها، ويوسف بن أبق صاحب الرَّحْبَة، في ألفين وخمسمائة فارس، وتهيّأ قسيم الدّولة لِلّقاء، فقيل إنّه عرض عشرين ألف فارس، فلمّا التقوا أوّل من برز للحرب قسيم الدّولة، وحمي القتال، فحمل عسكر تُتُش، فانهزم العرب الّذين مع قسيم الدّولة، وكُسر كربُوقا وبُزان، ووقع فيهم القتْل، وثبت قسيم الدّولة، فأُسر في طائفةٍ من أصحابه وحُمل إلى تُتُش، فأمر بضرب عنقه وأعناق جماعة من أصحابه. وذلك في شهر جُمَادى الأولى، ودُفن بالمدرسة الزّجاجية داخل حلب، بعدما كان دُفن مدّةً بمشهد قرنبيا. وإنّما نقله ولده زِنْكي، وعمل عليه قُبَّة. وهو جدّ نور الدّين.(10/574)
215 - أَمَةُ الرحمن بنت عبد الواحد بن حسين، أمّ الدلّال البغدادية. عُرف أبوها بالجُنيد. [المتوفى: 487 هـ]
زاهدة عابدة، سمعت أبا الحسين بن بشْران. وعنها: أبو الحسن بن عبد السلام، وأبو بكر ابن الزاغوني.
ومولدها عام أربعمائة، وماتت في شوال.(10/575)
216 - بلال بن الحسين بن نقيش، أبو الغنائم. [المتوفى: 487 هـ]
بغداديّ، روى عن عبد الملك بن بشْران.
توفي في ربيع الأول.(10/575)
217 - الحسن بن أسد، أبو نصر الفارقيّ الأديب. [المتوفى: 487 هـ][ص:576]
قال القِفْطيّ: هو معدِن الأدب، ومنبَع كلام العرب، وعلّامة زمانه، له النَّظم الذَّائع، والنّثر الرّائع، والتّصنيف البديع في شرح " اللُّمَع "، وأشياء ليس للأديب في مثلها طمع. وكان في أيّام نظام المُلك على ديوان آمِد، ثمّ صودر.
وله كتاب مشهور في الألغاز. وكان عَزْبًا مدّة عُمره، ولمّا صُودر أُطلِق سراحه، فانتقل إلى ميّافارقين، وقد باضت الرّياسة في رأسه وفرَّخَتْ. واتّفق أنّ مَيّافارقين خَلَت من مُتَوَلٍّ، فأجمع رأي أهلها على تولية رجلٍ من أولاد ابن نُباتة، فأقام أيّامًا، ثمّ اعتزلهم، فتهيّأ لها ابن أسد، ونزل القصر وحكم، ثمّ انفصل غيرَ محمودٍ، وخاف من الدّولة، فتسحَّب إلى حلب، فأقام بها. ثمّ حمله حبُّ الرّياسة فعاد إلى الجزيرة، فلمّا صار بحَرّان قبض عليه نائبها، وشنقه في هذا العام.
ومن شِعره:
ونديمةٍ لي في الظلام وحيدةٍ ... أبدًا مجاهدة كمثل جهادي
فاللّونُ لوني والدموع فأدمعي ... والقلبُ قلبي والسُّهادُ سُهادي
لا فَرْقَ فيما بيننا لو لم يكن ... لَهبي خَفِيًّا وهو منها بادي(10/575)
218 - الحسن بن عبد الملك بن الحسين بن علي بن موسى بن إسرافيل، الحافظ أبو عليّ النَّسَفيّ. [المتوفى: 487 هـ]
سمع الكثير من أبي العبّاس المستغفِريّ، وحدَّث ببُخَارى وسَمَرْقَنْد، ومات بنسف في ثاني عشرين جُمَادى الآخرة وله ثلاثٌ وثمانون سنة.
روى عنه خلْقٌ بما وراء النّهر، وكان أبوه القاضي أبو الفوارس مفتي نَسَف. روى أبو علي أيضا عن معتمد بن محمد المكحوليّ، وأبي نُعَيْم الحسين بن محمد، وخلْق لا أعرفهم. روى عنه عثمان بن عليّ البَيْكَنْديّ، وأبو ثابت الحسين بن عليّ البَزْدَوِيّ، وأبو المعالي محمد بن نصر، وعدّة. وشيخه أبو نُعَيْم سمع من خَلَف الخيام.(10/576)
219 - ساتِكِين بن أرسلان، أبو منصور التُّركيّ المالكيّ النحوي. [المتوفى: 487 هـ][ص:577]
له مقدِّمة نَحْو، تُوُفّي بالقدس في آخر السّنة.(10/576)
220 - سعد الله بن صاعد الرَّحْبيّ الخلّال. [المتوفى: 487 هـ]
من كبار الدّمشقيّين، له حمّام القصر والدّار الّتي بقُربه الّتي عملها السّلطان نور الدّين مدرسة، وتُعرف بالعِماديّة.
سمع من المسدَّد الأمْلُوكيّ، ومحمد بن عَوْف المُزَنيّ. روى عنه ابن أخته هبة الله بن المسلم.
حدَّث في هذه السنة، ولم يؤرّخ موته.(10/577)
221 - عبد الله بن حيّان بن فَرّحُون، أبو محمد الأنصاريّ الإشبيليّ. [المتوفى: 487 هـ]
سكن بَلَنْسِيَة، وحدَّث عن أبي عمر بن عبد البَرّ، وعثمان بن أبي بكر السّفاقُسيّ، وأبي القاسم الإفْليليّ.
وكان ذا همّةٍ في اقتناء الكُتُب، جمع منها شيئًا عظيمًا، وتُوُفّي في شوّال.(10/577)
222 - عبد الله بن عبد العزيز بن محمد، أبو عُبَيْد البكريّ. [المتوفى: 487 هـ]
نَزَل قُرْطُبة، وحدَّث عن أبي مروان بن حيّان، وأبي بكر المُصْحفيّ. وأجاز له ابن عبد البَرّ. وكان إمامًا، لّغويًّا، إخباريًّا، متقِنًا، علّامة. صنَّف كتابًا في أعلام النُّبُوّة.
روى عنه محمد بن معمر المالقي، وأبو بكر محمد بن عبد العزيز اللَّخْميّ.
وصنَّف كتاب " اللالي في شرح نوادر أبي عليّ القاليّ "، وكتاب " المقال في شرح كتاب الأمثال " لأبي عُبَيْد، وكتاب " اشتقاق الأسماء "، وكتاب " معجم ما استعجم من البلاد والمواضع "، وكتاب " النّبات "، وغير ذلك.
تُوُفّي في شوّال. وكان من أوعية العلم وبُحُور الأدب.
فأمّا:(10/577)
223 - البكْريّ صاحب القصص، فهو أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكْريّ. [المتوفى: 487 هـ]
كان أيضًا في هذا الزّمان أو قبله. وإليه المُنْتَهَى في الكذِب والاختلاق، ومَن طَالَعَ تواليفه جَزَمَ بذلك.(10/578)
224 - عبد الله بن عطاء بن أبي أحمد بن بكر البغاوردي. [المتوفى: 487 هـ]
حدّث بـ " الترمذي "، عن عبد الجبّار الجرّاحيّ، رواه عنه أبو نصر اليُونَارتيّ، وأبو النّضْر الفاميّ، وجماعة.
قال الكُتُبيّ: تُوُفّي في رمضان.
وقال السّمعانيّ: هو أبو المظفّر عبد الله بن ظَفَر، كذا سمّاه.(10/578)
225 - عبد الله، أبو القاسم أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله ابن الأمير ذخيرة الدّين أبي العبّاس محمد ابن القائم بأمر الله عَبْد الله ابن القادر بالله أحمد بْن إسحاق بن جعفر المقتدر ابن المعتضد الهاشميّ العبّاسيّ. [المتوفى: 487 هـ]
بويع بالخلافة في ثالث عشر شعبان سنة سبعٍ وستّين، وهو ابن تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر، وتُوُفّي أبوه الذّخيرة والمقتدي حَمْل، وأُمُّه أمةٌ اسمها أُرْجُوان.
ظهرت في أيّامه خيراتٌ كثيرة، وآثارٌ حَسَنَة في البلدان، وتُوُفّي في ثامن عشر المحرَّم، وهو ابن تسع وثلاثين سنة فجاءةً. وكان قد أُحضِر إليه تقليد السلطان بَرْكَيارُوق ليعلم عليه، فقرأه وعلّم عليه، ثم تغدى وغسل يديه، وعنده فتاته شمس النّهار، فقال لها: ما هذه الأشخاص قد دخلوا بغير إذْنٍ؟ قالت: فالتفتُّ، فلم أَرَ شيئًا، ورأيته قد تغيّر حالُه، واسترخت يداه وسقط. فظننتُ أنّه غُشِي عليه. ثمّ تقدَّمتُ إليه، فرأيت عليه دلائلَ الموت، فقلت لجاريةٍ عندي: ليس هذا وقت النَّعي، فإنْ صحْتِ قتلتُك، وأحضرتُ الوزير، فأخبرته، فأخذوا في البيعة لولده المستظهر بالله أحمد. وعاشت أمُّه إلى خلافة ابن ابن ابنها المسترشد بالله. [ص:579]
وكانت قواعد الخلافة في أيّامه باهرة، وافرة الحُرمة، بخلاف مَن تقدَّمه. ومِن محاسنه أنّه أمر بنفي المغنيّات والخواطئ من بغداد، وأن لا يدخل أحدٌ الحمّام إلا بمئزر. وخرب أبراج الحمام صيانةً لحُرَم النّاس. وكان ديِّنًا خيّرًا، قويّ النّفس، عالي الهمّة، من نُجَباء بني العبّاس. وقيل: إنّ جاريته سمّته. وقد كان السّلطان ملكشاه صمَّم على إخراجه مِن بغداد، فحار في نفسه، وعجز، وأقبل على الابتهال إلى الله، فكفاه الله كيدَ ملكشاه ومات.(10/578)
226 - عبد الله بن فَرَح بن غزلون، أبو محمد اليَحْصُبيّ الطُّلَيْطُلِيّ ابن العسّال. [المتوفى: 487 هـ]
روى عن مكّيّ بن أبي طالب، وأبي عَمْرو الدّانيّ، وابن أرفعْ راسه، وابن شقّ اللّيل، وطائفة.
وكان متقِنًا فصيحًا مفوّهًا، حافظًا للحديث، خبيرًا بالنَّحْو واللُّغَة والتّفسير. وكان شاعرًا مُفْلِقًا، وله مجلسٌ حفل. روى عنه جماعةٌ من مشيخة ابن بَشْكُوال.
مات في عشر التّسعين.(10/579)
227 - عبد الله بن أبي طاهر محمد بن محمد بن حُسين، أبو محمد الْجُوَينيّ البغداديّ. [المتوفى: 487 هـ]
سمع أحمد بن عبد الله ابن المَحَامِليّ، وأبا القاسم بن بشْران. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي.
قال عبد الوهاب الأنماطي: كان ثقة، وله خُلُق ميشوم.(10/579)
228 - عبد الرحمن بن أحمد بن محمد، أبو القاسم الواحديّ. [المتوفى: 487 هـ]
سمع ابن مَحْمِش، ويحيى بن إبراهيم المزكيّ، وغيرهما. وعنه زاهر الشّحّاميّ. وهو أخو المفسّر أبي الحسن الواحديّ. وممّن روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وعبد الخالق، وعبد الله ابن الفرواي، وعدّة.
وكان ثقة. أملى زمانًا.(10/579)
229 - عبد السّيّد بن عَتَّاب، أبو القاسم البغداديّ الضّرير المقرئ المجوّد. [المتوفى: 487 هـ]
تُوُفّي في نصف ذي القعدة. قرأ القراءات على أبي الْحَسَن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عُمَر الحمّاميّ شيخ العراق، وعلى أبي العلاء محمد بن عليّ الواسطيّ، وأبي طاهر محمد بن ياسين الحلبيّ، وأبي بكر محمد بن عليّ بن زلال المطرّز، والحسين بن أحمد الحربيّ الزّاهد، وأبي بكر محمد بن عبد الله بن المزربان الأصبهاني صاحب ابن فُورَك القبّاب، والحسن بن الفضل الشَّرْمقَانيّ والحسن بن عليّ بن عبد الله العطّار، وأبي مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الأصبهاني الأشعري المعروف بابن اللبان قاضي إيذج، والحسن بْن عليّ بْن الصَّقْر الكاتب صاحب زيد بن أبي بلال الكوفيّ، وعليّ بن أحمد بن داود الرّزّاز، عن قراءته على أبي بكر بن مُقْسم.
قرأ عليه أبو منصور بن خَيْرُون، وأبو عليّ بن سكّرة الصّدفي، وأبو الكرم المبارك ابن الشَّهْرُزُوريّ، وجماعة. وكان من كبار المقرئين في زمانه، عاش نيّفاً وتسعين سنة أو نحوها.(10/580)
230 - عطاء بن عبد الله بن سيف، أبو طاهر الدّارميّ الهَرَويّ القرّاب. [المتوفى: 487 هـ]
تُوُفّي في شوّال عن ثلاثٍ وثمانين سنة، سمع من أصحاب حامد الرّفّاء.(10/580)
231 - عليْ بن أبي الغنائم عَبْد الصّمد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن الحسن بن الفضل ابن المأمون، أبو الحسن الهاشميّ البغداديّ. [المتوفى: 487 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان، وغيره. وكان المقدَّم بعد أبيه في الموكب، وكبُر حتّى انقطع عن الخروج.
وكان سالكًا نهْج أبيه في إيثار الخمول، وسلوك الطّريقة المُثْلى، والتَّفرُّد والعُزلة عن الخلق. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وتُوُفّي في المحرَّم، ودُفِن بقصر بني المأمون.(10/580)
232 - عليّ بن محمد بن علي بن أَحْمَد بن أبي العلاء، أبو القاسم المصّيصيّ الأصل، الدّمشقيّ، الفقيه الشّافعيّ، الفَرَضيّ. [المتوفى: 487 هـ]
وُلِد في رجب سنة أربعمائة، وسمع محمد بن عبد الرحمن القطّان، وأبا [ص:581] محمد بن أبي نصر، وعبد الوهّاب بن جعفر الميّدانيّ، وأبا نصْر بْن هارون، وعبد الوهاب المُرِّيّ، وطائفة بدمشق؛ وأبا الحسن ابن الحمّاميّ، وأبا عليّ بن شاذان، وأحمد بن علي البادا، وهبة الله اللّالكائيّ، وطلحة الكتّانيّ، وجماعة ببغداد، وأبا نصر ابن البقّال بعكبرا، ومحمداً وأحمد ابني الحسين بن سهل بن خليفة ببلد، وأبا عبد الله بن نظيف، وأبا النُّعْمان تراب بن عمر، وجماعة بمصر.
روى عنه أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، والفقيه نصر المقدسيّ، والخضر بن عَبْدان، وأبو الحسن جمال الإسلام، وهبة الله ابن الأكفاني، وأبو القاسم بن مقاتل السُّوسيّ، وأخوه عليّ، وأبو العشائر محمد بن خليل الكردي، وأبو يعلى حمزة ابن الحُبُوبيّ، وأبو القاسم الحسين بن البُنّ الأسَديّ، وهبة الله بن طاوس، وأبو المعالي محمد بن يحيى قاضي دمشق، وآخرون.
وذكر محمد بن عليّ بن قبيس أنّه وُلِد بمصر.
وقال ابن عساكر: كان فقيهًا فَرَضيًّا، من أصحاب القاضي أبي الطّيّب. وتُوُفّي بدمشق في حادي عشر جُمَادى الآخرة، ودُفِن بمقبرة باب الفراديس.
قلت: كريمة آخر من روى حديثه بعُلُوّ.(10/580)
233 - عليّ بن هبة الله بن عليّ بن جعفر بن عليّ بن محمد بن دلف ابن الأمير أبي دُلْف القاسم بن عيسى بن إدريس بن مَعْقِل العِجْليّ. [المتوفى: 487 هـ]
وعِجْل بطنٌ من بكر بن وائل من أَمَة ربيعة أخي مُضَر ابني نِزار بن مَعَدّ بن عدنان. وقد استوفى السّمعانيّ نَسَبَه إلى عدنان. وقال بعضهم فيه: عليّ بن هبة الله بن عليّ بن جعفر بن علّكان، بدل عليّ.
أصلهم من جَرْباذْقان، بلد بين هَمَذَان وإصبهان، وداره ببغداد، يُلقَّب بالأمير أبي نصْر.
وقال شِيروَيْه في " طبقاته ": يُعرف بالوزير سعْد المُلْك ابن ماكولا، قدم [ص:582] رسولًا مِرارًا، أوّلها سنة تسعٍ وستّين. روى عن أبي طالب بن غَيْلان، وعبد الصّمد بن محمد بن مُكْرَم، وعُبَيْد الله بن عمر بن شاهين، وأبي بكر محمد بن عبد الملك بن بِشران، وبشرى الفاتنيّ، وأبي الطّيّب الطَّبَريّ. سمعتُ منه، وكان حافظًا متقنًا، أحد من عُني بهذا الشّأن. ولم يكن في زمانه بعد أبي بكر الخطيب أحدٌ أفضل منه، وحضَر مجلسَه الكبار من شيوخنا، وسمعوا منه، وسمع منهم، وقال: وُلِدتُ بعُكْبَرَا في شعبان سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة.
وقال ابن عساكر: وَزَرَ أبوه للخليفة القائم، وولي عمُّه قضاء القُضاة، وهو الحسين بن عليّ.
قال: وسمع ابن غَيْلان، والعتيقيّ، وأبا منصور محمد بن محمد السّوّاق، وأبا القاسم الحِنّائيّ، وأحمد بن القاسم بن ميمون المصريّ، وخلْقًا.
روى عنه الخطيب شيخه، والفقيه نصر المقدسي، وعمر الدّهستاني. ولد بعُكْبَرَا سنة إحدى وعشرين في شعبان.
قال أبو عبد الله الحُمَيْديّ: ما راجَعتُ الخطيب في شيءٍ إلّا وأحالني على الكتاب، وقال: حتّى أبصره، وما راجَعتُ أبا نصْر بن ماكولا في شيءٍ إلّا وأجابني حِفْظًا، كأنّه يقرأ من كتاب.
وقال أَبُو الْحَسَن مُحَمَّد بْن مرزوق الزَّعْفرانيّ: لمّا بلغ أبا بكر الخطيبَ أنّ ابن ماكولا أخذ عليه في كتابه " المؤتنف "، وصنّف في ذاك تصنيفًا، وحضَر عنده ابن ماكولا، سأله الخطيب عن ذلك، فأنكر ولم يُقِرّ به وأصرّ على الإنكار، وقال: هذا لم يخطر ببالي. وقيل: إنّ التّصنيف كان في كُمّه. فلمّا مات الخطيب أظهره ابن ماكولا. وهو الكتاب الّذي سمّاه " مستمرّ الأوهام ".
قلت: لي نسخة به، وهو كتاب نفيس، يدلّ على تبحُّر مصنِّفه وإمامته.
قال ابن طاهر: سمعتُ أبا إسحاق الحبّال يمدح أبا نصر بن ماكولا ويُثْني عليه، ويقول: دخل مصر في زِيّ الكَتَبَة، فلم نرفع به رأسًا، فلمّا عرفناه كان من العلماء بهذا الشّأن. [ص:583]
وقال أبو سعْد السّمعانيّ: كان لبيبًا، عالمًا، عارفًا، حافظًا، ترشّح للحفظ، حتّى كان يقال له الخطيب الثّاني. وصنَّف كتاب " المؤتلف والمختلف " وسمّاه كتاب " الإكمال ". وكان نحْويًّا مجوّدًا، وشاعرًا مبرّزًا جَزْلَ الشِّعْر، فصيح العبارة، صحيح النَّقل، ما كان في البغداديّين في زمانه مثله. رحل إلى الشّام، والسّواحل، وديار مصر، والجزيرة، والجبال، وخُراسان، وما وراء النّهر. وطاف الدّنيا، وجال في الآفاق، ورجع إلى بغداد، وأقام بها.
وقال ابن النّجّار: أحبّ العلم من صِباه، وطلب الحديث، وكان يُحضر المشايخ إلى منزله، ويسمع منهم. ورحل إلى أن برع في الحديث، وأتقن الأدب، وله النَّظم والنَّثْر والمصنَّفات. وأنفذه المقتدي بأمر الله رسولًا إلى سَمَرْقَنْد وبُخَارى، لأخذ البَيْعة له على ملكها طَمْغان الخان. روى عنه الخطيب، والفقيه نصر، والحُمَيْديّ، وأبو محمد الحسن بن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، ومحمد بن عبد الواحد الدّقّاق، وشجاع الذُّهْليّ، ومحمد بن طرْخان، وأبو عليّ محمد بن محمد بن المهدي، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعليّ بن عبد الله بن عبد السّلام، وآخرون.
وقال هبة الله بن المبارك ابن الدّواتي: اجتمعت بالأمير ابن ماكولا، فقال لي: خذ جزأين من الحديث، واجعل متن الحديث الّذي في هذا الجزء على إسناد الّذي في هذا الجزء، من أوّله إلى آخره، حتّى أردّه إلى حالته الأولى، من أوّله إلى آخره.
أخبرني أبو علي ابن الخلال، قال: أخبرنا جعفر، قال: أخبرنا السِّلَفيّ، قال: سألت شجاعًا الذُّهْليّ عن ابن ماكولا فقال: كان حافظًا، فهْمًا، ثقةً، صنَّف كُتُبًا في علم الحديث.
وقال المؤتَمَن السّاجيّ: لم يلزم ابن ماكولا طريق أهل العلم، فلم ينتفع بنفسه.
وقال أبو الحسن بن عبد السّلام: لمّا خرج الأمير أبو نصر إلى خُراسان في طلب الحديث، كتب إلى بغداد، والشِّعْرُ له:
قَوِّضْ خِيَامَكَ عن دارٍ أُهِنْتَ بها ... وجَانِبِ الذُّلَّ إنَّ الذُلَّ يُجْتَنَبُ [ص:584]
وارحل إذا كانت الأوطان مضيعةً ... فالمندل الرّطب في أوطانه حطب
وله:
ولمّا تَوَاقَفْنَا تباكَتْ قُلُوبُنا ... فَمُمْسِكُ دَمْع يومَ ذاك كساكِبِه
فيا كَبِدي الحَرَّى الْبِسِي ثَوْبَ حسرةٍ ... فِرَاقُ الّذي تَهْوينَهُ قد كساكِ به
قال ابن عساكر: سمعت إسماعيل ابن السّمرقندي يذكر أن ابن ماكولا كان له غلمان تُرْك أحداث، فقتلوه بجُرْجَان سنة نيّفٍ وسبعين وأربعمائة.
وقال ابن النّجّار: قال ابن ناصر: كان ابن ماكولا قد سافر نحو كرمان ومعه مماليكه الأتراك، فقتلوه وأخذوا ماله وذلك في سنة خمس وسبعين وأربعمائة. وقال السمعاني: سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول قتل الأمير أبو نصر بن ماكولا الحافظ بالأهواز، إمّا في سنة ستٍّ أوْ سبعٍ وثمانين.
وقال السّمعانيّ في أوائل ترجمته: خرج من بغداد إلى خُوزسّتان، وقُتِل هناك بعد الثّمانين.
وذكر أبو الفرج ابن الجوزي في " المنتظم " إنه قتل سنة خمسٍ وسبعين، وقيل: في سنة ست وثمانين.
وقال غيره: قتل في سنة تسعٍ وسبعين. وقيل: في سنة سبعٍ وثمانين بخُوزسْتان؛ حكى هذين القولين القاضي شمس الدّين ابن خَلِّكان.(10/581)
234 - عُمَر بْن أحْمَد بْن عُمَر، أَبُو حفص السّمسار الأصبهاني الفقيه الفَرَضيّ. [المتوفى: 487 هـ]
سمع عليّ بن عَبْدكُوَيْه، وأبا بكر بن أبي عليّ الذَّكْوانيّ، وغيرهما. روى عنه مسعود الثقفي، وأبو عبد الله الرستمي.(10/584)
235 - عيسى بن خِيرة، مولى ابن بُرْد الأندلسيّ المقرئ، أبو الأصْبَغ. [المتوفى: 487 هـ]
روى عن مكّيّ بن أبي طالب، وحاتم بن محمد، ومحمد بن عتّاب، [ص:585] وأبي عمر ابن الحذّاء، وأبي عَمْرو السّفَاقّسيّ.
وكان مجوّدًا للقراءات، ورعاً، زاهداً، فاضلاً، متواضعاً، محبّباً إلى النّاس. ولي إمامة قُرْطُبة، ثمّ تخلّى عن ذلك.
ومولده سنة إحدى عشرة وأربع مائة. وتُوُفّي في ثامن جُمَادى الآخرة، وكانت جنازته مشهودة.(10/584)
236 - الفضل بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي العبّاس النَّيْسابوريّ الفُرَاويّ، [المتوفى: 487 هـ]
والد الفقيه المحدِّث أبي عبد الله محمد بن الفضل.
مولده سنة أربع عشرة وأربع مائة، سمع عبد الرحمن بن حمدان النّصرويّي، وأبا سعيد عبد الرحمن بن عليك، وطائفة. روى عنه ابنه وعبد الغافر بن إسماعيل.
وكان صوفيًّا صالحًا، مشهورًا محدِّثًا، جيّد القراءة، مليح الخطّ. تُوُفّي فِي صفر.(10/585)
237 - مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن عبد العزيز، أبو عبد الله الطّاهريّ البغداديّ، [المتوفى: 487 هـ]
من ساكني الحريم.
سمع أبا الحسن بن البادا. وعنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ.
تُوُفّي في آخر السّنة.(10/585)
238 - محمد بن إبراهيم بن محمد، أبو عبد الله الدِّينَوَريّ المؤذّن. [المتوفى: 487 هـ]
سمع بدمشق من المسدّد الأملوكي وعلي ابن السِّمْسار، وغيرهما. روى عنه القاضي أبو المعالي محمد بن يحيى القُرَشيّ، وغيره.(10/585)
239 - محمد بن الحُسين بن محمد بن طلحة، أبو الحسن الإِسْفَرَايِينِيّ، الأديب الرّئيس. [المتوفى: 487 هـ]
شاعر محسن، له ديوان شِعْر. سمع ابن مَحْمِش الزِّياديّ، وأبا الحسن [ص:586] عليّ بن محمد السّقّاء، وحمزة بن يوسف السَّهْميّ، وغيرهم. وكان أبوه من رؤساء نَيْسابور، وهو سِبْط القاضي أبي عمر البسْطاميّ. وكان يسلك طريق الفتيان ولا يتكلّف ويحفظ أشعارًا كثيرة. وله في نظام الملك قصيدة مطلعها:
ليهن الهوى إنّي خَلَعتُ عِذَارِي ... وودَّعتُ من بعد المشِيب وقَاري
فقال له نظام المُلْك: أيُّها الشّيخ، بالرّفاء والبَنِين. فقال: يا مولانا، هذه التّهنئة منك أحبُّ إليَّ من شِعري.
ومن مليح شعره قوله:
بنفسِي مَن سمحتُ له بروحي ... ولم يسمح بطيفٍ من خيالِهِ
وقد طُبع الخيال على مثالي ... كما طُبع الجمال على مثالِه
ولمّا أنْ رأى تَدْليه عقلي ... وشدّة حُرْقتي ورخاء بالِه
تبسَّم ضاحكًا عن بَرْقِ ثَغْرٍ ... يكاد البرقُ يخرج من خلالِه
وله:
بيضاء آنسة الحديث كأنّها ... شمسُ الضّحى لن تستطيع منَالَها
وأشدُّ ما بي في هواها أَنّها ... قد أطْمعتْ في الوصْل ثمّ بدا لها
قلت: روى عنه سعيد بن سعد الله المِيهَنيّ، وسعد بن المُعْتَزّ، وجماعة.(10/585)
240 - محمد بن عبد الله بن موسى بن سهل، أبو عبد الله الْجُهَنيّ القُرْطُبيّ، ويُعرف بالبيّاسيّ. [المتوفى: 487 هـ]
مُكثِر عن حاتم الأطْرَابُلُسيّ. وروى عن أبي عبد الله بن عابد، وأبي عبد الله بن عتّاب، وأبي عُمَر بن الحذّاء.
وكان مجتهدًا في طلب العِلْم وسماعه.(10/586)
241 - محمد بن عبد السّلام بن عليّ بن نظيف، أبو البركات الصَّيْدلانيّ الحمّاميّ [المتوفى: 487 هـ]
أخو أبي سعد محمد المذكور من ثلاث سِنين.
سمع عبد الملك بن بشْران. وعنه شُجاع الذُّهْليّ.(10/586)
242 - محمد بن عُبَيْد الله بن عبد البَرّ بن ربيعة، الحافظ أبو عبد الله البلنسي. [المتوفى: 487 هـ]
ورّخه الأّبار فقال: سمع أبا عمر بن عبد البرّ، وأبا المطرّف بن جحاف، وغيرهما. وكان فقيهًا حافظًا مُفْتيا. حدَّث عنه خليص بن عبد الله. مات في حصار الرّوم بلنسية.(10/587)
243 - محمد بن أبي هاشم العلويّ، [المتوفى: 487 هـ]
صاحب مكّة.
كان يخطب مرّةً لبني عُبَيْد، ومرّةً لأمير المؤمنين، بحسب مَن يقوى منهما، ويأخذ جوائز الفريقين.
مات في هذا العام.(10/587)
244 - محمود بن القاسم ابن القاضي أبي منصور محمد بْن محمد بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ بن حسين بن محمد بن مقاتل بن صُبَيْح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلَّب، القاضي أبو عامر الأزْديّ، المُهَلَّبيّ الهَرَويّ، [المتوفى: 487 هـ]
من ولد المهلَّب بن أبي صُفْرَة.
إمامٌ فقيه علّامة، شافعيّ.
حَدَّثَ " بجامع الترمذي "، عَنْ: عبد الجبّار الجراحيّ.
رَوَى عَنْهُ: مؤتَمَن السّاجيّ، ومحمد بن طاهر، وأبو نصر اليُونَارتيّ، وأبو العلاء صاعد بن سيّار، وزاهر الشّحّاميّ، وأبو عبد الله الفُرَاويّ، وأبو جعفر محمد بن أبي عليّ الهَمَذَانيّ، وطائفة آخرهم موتًا أبو الفتح نصر بن سيّار.
قال السّمعانيّ: هو جليل القدْر، كبير المحلّ، عالمٌ فاضل. سمع الجراحيّ، ومحمد بن محمد الأَزْديّ جدّه، وأبا عمر محمد بن الحسين البسْطاميّ، وأبا مُعَاذ أحمد بن محمد الصّيرفي، وأحمد الجارودي، وأبا معاذ بن عبس الزّاغاني، وبكر بن محمد المَرْوَرُّوذيّ، وجماعة.
قال أبو النّضر الفامي: عديم النّظير زهداً وصلاحاً وعفّةً. لم يزل على ذلك من ابتداء عُمره وإلى انتهائه. وكانت إليه الرّحلة من الأقطار والقصد لأسانيده. وُلِد سنة أربع مائة، وتُوُفّي في جمادى الآخرة.
وقال أبو جعفر بن أبي عليّ: كان شيخنا أبو عامر من أركان مذهب [ص:588] الشّافعيّ بهَرَاة، وكان إمامنا شيخ الإسلام يزوره، ويعوده في مرضه ويتبرَّك بدعائِه. وكان نظام المُلْك يقول: لولا هذا الإمام في هذه البلدة لكان لي ولهم شأن. يهدّدهم. وكان يعتقد فيه اعتقادًا عظيمًا، لكونه لم يقبل منه شيئًا قطّ. ولمّا سمعت منه " مُسْنَد التِّرْمِذِيّ " هنّاني شيخ الإسلام، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هَرَاة. وكان شيخ الإسلام قد سمع الكتاب قديمًا من محمد بن محمد بن محمود، عن الحسين بن الشّمّاخ، ومحمد بن إبراهيم، قالا: أخبرنا أبو عليّ التَّرّاب، عن أبي عيسى؛ ثمّ سمعه من الجراحيّ.(10/587)
245 - محمود بن منصور البغداديّ، المعروف بطاس. [المتوفى: 487 هـ]
سمع عبد الملك بن بشْران. وعنه شُجاع الذُّهْليّ، وغيره.
تُوُفّي في صَفَر.(10/588)
246 - مَعَدّ، أبو تميم الملقَّب بأمير المؤمنين المستنصر بالله ابن الظّاهر بالله ابن الحاكم بأمر الله ابن العزيز ابن المُعزّ العُبَيْديّ، [المتوفى: 487 هـ]
صاحب مصر والمغرب.
بويع بعد موت أبيه الظّاهر في شعبان، وبقي في الخلافة ستّين سنة وأربعة أشهر. وهو الّذي خُطب له بإمرة المؤمنين على منابر العراق، في نوبة الأمير أبي الحارث أرسلان البساسيريّ، في سنة إحدى وخمسين وأربع مائة. ولا أعلم أحدًا في الإسلام - لا خليفة ولا سلطانًا - طالت مُدّته مثل المستنصر هذا.
ولي الأمر وهو ابن سبْع سِنين ولمّا كان في سنة ثلاثٍ وأربعين وأربع مائة قطع الخطْبة له من المغرب الأمير المُعزّ بن باديس، وقيل: بل قطعها في سنة خمسٍ وثلاثين، وخطب لبني العبّاس، وخرج عن طاعة بني عُبَيْد الباطنيّة.
وحَدَث في أيّام هذا المتخلّف بمصر الغلاء الّذي ما عُهِد مثلُه منذ زمان يوسف - صلى الله عليه وسلم - ودام سبْع سِنين، حتّى أكل النّاس بعضهم بعضًا، حتّى قيل: إنّه بِيع رغيفٌ واحدٌ بخمسين ديناراً، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وحتّى إنّ المستنصر هذا بقي يركب وحده، وخواصّه ليس لهم دوّاب يركبونها. وإذا مشوا سقطوا من الجوع، وآل الأمر إلى أن استعار المستنصر بغلةً يركبها حامل الجتر من ابن هبة صاحب ديوان الإنشاء. [ص:589]
وآخر شيء توجَّهت أُمُّ المستنصر وبناته إلى بغداد خوفًا من أن يمُتْنَ جوعًا، وكان ذلك في سنة ستّين وأربع مائة. ولم يزل هذا الغلاء حتّى تحرَّك الأمير بدر الجمالي والد الأفضل أمير الجيوش من عكا، وركب في البحر - حسبما ذُكِر في ترجمة الأفضل شاهنشاه - وجاء إلى مصر وتولّى تدبير الأمور، وشرع الأمر في الصّلاح.
تُوُفّي المستنصر في ذي الحجّة. وفي دولته كان الرَّفْضُ والسّبّ فاشيا مجهورًا، والسُّنَّة والإسلام غريبًا مستورًا، فسبحان الحكيم الخبير الّذي يفعل في مُلْكه ما يشاء.
وقام بعده ابنه المستعلي أحمد، أقامه أمير الجيوش بدر، واستقامت الأحوال، فخرج أخوه نزار من مصر خفية، فصار إلى نصر الدّولة أمير الإسكندريّة، فأعانه ودعا إليه، فتمّت بين أمير الجيوش وبينهم حروب وأمور، إلى أن ظفر بهم.(10/588)
247 - هبة الله بن عليّ بن عِراك بن أبي اللّيث، أبو القاسم الأندلسيّ المقرئ [المتوفى: 487 هـ]
نزيل تُسْتَر.
قرأ بمصر، والشّام، والعراق القراءات، فقرأ على الأهوازيّ بدمشق، وعلى أبي الوليد عُتْبَة بن عبد الملك العثمانيّ ببغداد.
قرأ عليه القراءات في هذه السّنة بتّسْتَر: أبو سعد محمد بن عبد الجبّار الفارسي.(10/589)
248 - واضح بن محمد بن عمر بن واضح بن أبروَيْه الصُّوفيّ الأصبهاني. [المتوفى: 487 هـ]
مات في ذي القعدة.(10/589)
249 - يحيى بن الحسين بن شراعة، أبو الحسين التّميميّ الهَمَذَانيّ المؤذّن. [المتوفى: 487 هـ]
روى عن أبي طاهر بن سَلَمَة، ومحمد بن عيسى، وغيرهما. وعنه شيروَيْه، وقال: صدوق.(10/589)
-سنة ثمان وثمانين وأربع مائة(10/590)
250 - أحمد بن الحسن بن أحمد بن خَيْرُون، أبو الفضل البغداديّ الباقِلانيّ الحافظ. [المتوفى: 488 هـ]
ذكره السّمعانيّ فقال: ثقة، عدل، متقن واسع الرّواية، كتب بخطّه الكثير. وكان له معرفة بالحديث. روى عنه الخطيب في " تاريخه " فوائد.
سمع أبا بكر البَرْقانيّ، وأبا عليّ بن شاذان، وأحمد بن عبد الله ابن المَحَامِليّ، وعثمان بن دُوَسْت العلّاف، وأبا القاسم الحرفي، وعبد الملك بن بشْران، وأبا يَعْلَى أحمد بن عبد الواحد؛ فمَن بعدَهم، إلى أن سمع من أقرانه. وكتب بخطّه ما لم يدخل تحت الوصف.
قلت: وأجاز له أبو الحسين بن المُتيَّم، وأبو الحسن بن الصَّلْت الأهوازيّ، وأبو الفَرَج محمد بن فارس الغُوريّ، وابن رزقوَيْه. وتفرَّد بإجازة جماعة من الكبار.
روى عنه أبو عامر العَبْدريّ، وأبو عليّ بن سكّرة، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل بن محمد التَّيْميّ، وأبو بكر الأنصاريّ، وشيخ الشّيوخ إسماعيل، وأبو الفضل بن ناصر، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وخلْق كثير آخرهم أبو الفتح محمد ابن البطّيّ.
قال السّمعانيّ: سمعتُ أبا منصور بن خَيْرُون يقول: كتبَ عمّي أبو الفضل عن أبي عليّ بن شاذان ألف جزء.
قال: وسمعت عبد الوهاب يقول: ما رُؤيَ مثل أبي الفضل بن خَيْرُون، لو ذكرت له كُتُبه وأجزاءه التي سمعها تقول: عمّن سمع؟، وبأيّ طريقٍ سمع؟ وكان يذكر الشّيخ وما روى وما يتفرَّد به.
وقال أبو منصور: كتبوا مرّةً لعمّي " الحافظ "، فغضب وضرب عليه، وقال: إيشْ قرأنا حتّى يُكتب لي الحافظ؟
قلت: وقد أقرأ النّاسَ بالرّوايات، فقرأ على أبي العلاء الواسطيّ، وعليّ بن طلحة البصْريّ. قرأ عليه ابنُ أخيه محمد بن عبد الملك بن خيرون. [ص:591]
قال أبو عليّ الصَّدَفيّ: قرأتُ عليه عدّة خِتَم.
وممّن روى عنه أيضًا: هبة الله بن عبد الوارث، وعمر الرّواسي.
وكان يُقال: هو في زمانه كيحيى بن مَعِين في زمانه؛ إشارة إلى أنّه كان يتكلَّم في شيوخ وقته جَرْحًا وتعديلًا، ولا يُحابي أحدًا.
قال السِّلَفيّ: كان يحيى بن معين وقته، وُلِد في جُمَادى الآخرة سنة ستٍّ وأربع مائة، ومات في رابع عشر رجب.
أخبرنا أحمد بن عبد الحميد، قال: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، قال: أخبرنا أبو الفتح ابن البطّي، قال: أخبرنا أبو الفضل بن خيرون، قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن شاذان، قال: أخبرنا عبد الله بن إسحاق، قال: حدثنا أحمد بن عبيد، حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا قُرَّةُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ ". رَوَاهُ مسلم، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، عَنِ الْعَقَدِيِّ، فَوَقَعَ بَدَلًا عَالِيا.(10/590)
251 - أحمد بن زاهر بن محمد، أبو بكر بن أبي سعيد النَّيْسابوريّ المقرئ التّاجر. [المتوفى: 488 هـ]
روى عن أبي حسّان المزكيّ، ومحمد بن إبراهيم الفارسيّ. وحدَّث بإصبهان " بمسلم "، فحمله عنه طائفة.
قال يحيى بن مَنْدَهْ: تُوُفّي سنة سبعٍ أو ثمانٍ وثمانين وأربع مائة.(10/591)
252 - أَحْمَد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه، أبو سَعْد الحُصْريّ. القزّاز. شيخ بغداديّ مُسِن، يُعرف بابن تحريش. [المتوفى: 488 هـ]
سمع أبا الحسين بن بشران. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعمر المَغَازِليّ، وأبو الكرم الشَّهْرُزُورِيّ. ولم يكن يعرف شيئًا.(10/591)
253 - إبراهيم بن محمد بن سعدوَيْه، أبو نصر الأصبهاني. [المتوفى: 488 هـ][ص:592]
سمع من أبي بكر بن أبي عليّ، وجماعة. ومولده سنة سبعٍ وأربع مائة.(10/591)
254 - إسماعيل بن محمد بن أحمد، أبو القاسم الزاهري المرزوي الدَّنْدَانْقانيّ. [المتوفى: 488 هـ]
كان يدخل مَرْو أحيانًا من قريته، وكان عالمًا ورِعًا صدوقًا. أثنى عليه أبو المظفّر منصور بن السّمعانيّ.
أكثر النّاس عنه؛ سمع من أبيه أبي الفضل، وأبي بكر عبد الله بن أحمد القفّال، وعبد الرحمن بن أحمد الشّيْرنَخْشِيرِيّ، وأبي إبراهيم إسماعيل بن يَنَالَ المحبوبيّ، وأحمد بن محمد بن عَبْدُوس الحافظ النَّسَائيّ. روى عنه عبد الكريم بن بدر، وأبو طاهر محمد بن محمد السِّنْجيّ، وغير واحد. مات في ربيع الأول عن إحدى وتسعين سنة.(10/592)
255 - إسماعيل بن الفُضَيْل بن محمد، الإمام أبو محمد الفُضَيْليّ الهَرَويّ. [المتوفى: 488 هـ]
كان فقيهًا متفنّنًا في العلوم، نبيلًا، وكان أبوه عالم هَرَاة وخطيبها، وله شعرٌ رائق. وهو والد محمد بن إسماعيل شيخ أبي روح.(10/592)
256 - بَدْر، أمير الجيوش. [المتوفى: 488 هـ]
أرمنيّ الجنس. ولي إمرة دمشق من قِبل المستنصِر العُبَيْديّ سنة خمسٍ وخمسين وأربع مائة، إلى أنّ جَرَت بينه وبين الجند والرّعيّة فتنة، وخاف على نفسه، فهَرَب في رجب سنة ستٍّ وخمسين. ثمّ وليها في سنة ثمانٍ وخمسين والشّام بأسره، ثمّ وقع الخِلاف بينه وبين أهل دمشق، فهَرب سنة ستّين، وأخْرَب القصر الّذي كان خارج باب الجابية، أخربه أهل البلد والعسكر خرابًا لم يُعَمَّر بعد. ومضى إلى مصر، فَعَلَت رتبتُه، وصار صاحبَ الأمر، فبعث إلى دمشق عسكرًا بعد عسكر، فلم يظفر بها، وتُوُفْي بمصر.
وهو بدر الجماليّ، وهو الّذي بنى جامع العطّارين بالإسكندريّة.
وفيه يقول عَلْقَمة بن عبد الرزاق العُلَيْميّ:
يا بَدْرُ أُقْسِمُ لو بِكَ اعتصمَ الوَرَى ... ولجوا إليك جميعُهم ما ضاعوا
اشتراه جمال الدّين بن عمّار وربّاه، وإليه ينسب. [ص:593]
وقيل: ركب البحر في الشّتاء من صور إلى الدّيار المصريّة في سنة ستٍّ وستّين، والمستنصِر في غاية الضَّعْف واختلال الدّولة للغلاء والوباء الّذي تمّ من قريب، ولاختلاف الكلمة، فولّاه الأمور كلَّها، من وزارة السّيف، والقلم، وقضاء القُضاة، والتَّقدُّم على الدُّعاة، فضبط الأمور، وزال قُطُوع المستنصِر واستفاق، ولمّا دخل قرأ القارئ: {ولقد نصركم الله ببدر}، ووقف، فقال المستنصِر: لو أتمَّها لَضَرَبتُ عُنُقَه. ولم يزل إلى أن مات في ذي القعدة سنة ثمانٍ وثمانين.
وبنى مشهد الرّأس بعسقلان. وقد وزر ولده الأفضل في حياته لمّا مرض.(10/592)
257 - تُتُش بن ألْب أرسلان أبي شُجاع محمد بن داود بن ميكال بن سلجوق بن دُقَاق، الملك أبو سعيد تاج الدّولة السُّلْجُوقيّ، [المتوفى: 488 هـ]
ولد السّلطان وأخو السّلطان.
تُركيّ محتشم، شجاع، من بيت ملك وتقدُّم. مرّ كثيرٌ من سيرته وفتوحاته العظيمة في الحوادث. استنجد به صاحب دمشق آتسنر على قتال عسكر المصريّين الرّافضة، فقدِم دمشق في سنة اثنتين وسبعين، وقتل أتْسِز في تلك الأشْهر، وملك دمشق، وقيل: إنّه كان حَسَن السّيرة. وبقي على دمشق إلى صَفَر سنة ثمانٍ هذه، فقُتِل بمدينة الرَّيّ.
وكان قد سار من دمشق إلى خُراسان عندما سمع بموت أخيه السّلطان ملكشاه ليتملّك، فلقِيه ابن أخيه بَرْكيَارُوق، فقُتِل تُتُش في المعركة، وتسلطن بعده بدمشق ابنُه دُقَاق الملقَّب شمس الملوك، أخو فخْر الملوك رضوان.
وكان تُتُش معظِّمًا للشّيخ أبي الفَرَج الحنبليّ. وقد جَرَت في مجلسه بدمشق مناظرة عقدها لأبي الفَرَج وخصومه في قولهم: إنّ القرآن يُسمع ويُقرأ ويُكتب، وليس بصوتٍ ولا حرف. فقال الملك: هذا مثل قول من يقول: هذا قَباء، وأشار إلى قبائه، على الحقيقة، وليس بحرير، ولا قُطْن، ولا كتّان. وهذا الكلام صَدَر من تُركيّ أعجميّ، فأيّد الله شرف الإسلام أبا الفرج، فجاهد [ص:594] في الله حقّ جهاده؛ ثمّ خلّف ولدًا نجيبًا عالمًا سيفًا مسلولًا على المخالفين، وهو شرف الإسلام عبد الوهّاب.(10/593)
258 - جعفر بن عبد الله بن جحاف، أبو أحمد المَعَافِريّ، [المتوفى: 488 هـ]
قاضي بَلَنْسِيَة ورئيسها في الفتنة.
سمع أبا عمر بن عبد البَرّ. صارت إليه ولاية بَلَنْسِيَة بعد خلْع القادر بن ذي النُّون وقتله على يديه، فلم تُحْمَد دولته. امْتُحن بالكنبيطور الكلب الّذي أخذ بَلَنْسِيَة، فأخذ ماله وعذّبه، وأحرقه بالنار.(10/594)
259 - حَمْد بن أحمد بن الحسن، أبو الفضل الحدّاد. [المتوفى: 488 هـ]
قال ابن السّمعانيّ: ورد نعِيُّه من إصبهان إلى بغداد في ذي الحجّة سنة ثمانٍ وثمانين.
قلت: قد ذكرته في سنة ستٍّ، لأنّي رأيت وفاته في تاريخٍ لبعض الأصبهانيين في جُمَادى الأولى سنة ستٍّ، وهو أشبه.(10/594)
260 - الحسن بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن سَلَمَة، أبو عليّ الهَمَذَانيّ العدل، [المتوفى: 488 هـ]
إمام الجامع بهَمَذَان.
روى عن إبراهيم بن جعفر الأسَديّ، وعليّ بن إبراهيم بن حامد، والحسين بن فَنْجُوَيْه الثّقفيّ، ومحمد بن عيسى، وابن سَلَمَة، وغيرهم.
قال شيروَيْه: سمعتُ منه جميع ما كان عنده مِرارًا، وكان ثقة، صدوقًا، متديِّنًا، جمالًا للمحراب، زَيْنًا للمجالس والمحافل. من بيت العلم، تُوُفّي في صَفَر، وتَولَّيْتُ غسْلَه. قال: وكان مولده في شعبان سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة.(10/594)
261 - الحسن بن محمد بن الحسن، الفقيه أبو عليّ السَّاويّ الشّافعيّ، المتكلِّم الأشعريّ. [المتوفى: 488 هـ]
حدَّث بدمشق عن أبي طالب بن غَيْلان، وأبي ذرّ الهروي، وأبي الحسن بن صخر، وغيرهم. روى عنه الفقيه نصر المقدسيّ، وهو من أقرانه، وهبة الله [ص:595] ابن طاوس، وتُوُفّي في ذي القعدة، وله ستٌّ وسبعون سنة.(10/594)
262 - الحسين بن إسماعيل، أبو عبد الله العَلَويّ الحَسَنيّ النَّيْسابوريّ، فخر الحَرَمين. [المتوفى: 488 هـ]
روى عن عبد الرحمن بن حمدان النّصرويّي، وناصر بن الحسين العَمْريّ. روى عنه أبو سعْد خيّاط الصُّوف. مات في شوّال، وقد جاوز الثّمانين.(10/595)
263 - خديجة بنت أبي عثمان إسماعيل الصّابونيّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 488 هـ]
ماتت في رمضان، وكانت صالحة عابدة. وُلِدت سنة أربعٍ وأربع مائة، وسمعت من أصحاب الأصمّ، ومن أبي نصر عمر بن عبد العزيز بن قَتَادَة، والحسين بن فَنْجُوَيْه الثّقفيّ. وعنها أبو البركات ابن الفراوي، وعبد الخالق الشّحامي، وعمر ابن الصّفّار، وغيرهم.
ماتت في رمضان، وستأتي أختُها ستيك.(10/595)
264 - رِزْقُ الله بن عبد الوهّاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد، الإمام أبو محمد بن أبي الفَرَج التّميميّ البغداديّ، [المتوفى: 488 هـ]
رئيس الحنابلة ببغداد.
وُلِد سنة أربع مائة، وقيل: سنة إحدى وأربع مائة.
قال السّمعانيّ: هو فقيه الحنابلة وإمامهم. قرأ القرآن، والحديث، والفقه، والأصول، والتّفسير، والفرائض، واللُّغة،، والعربيّة، وعُمّر حتى صار يقصد من كل جانب. وكان مجلسه جم الفوائد. وكان يجلس في حلقة أبيه بجامع المنصور للوعظ والفتوى. وكان فصيح اللسان. قرأ القرآن على أبي الحَسَن الحمامي، وسمع منه ومن أبيه، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن المتيَّم، وأبي عمر بن مَهْديّ، وأبي الحسين بن بشران، وابن الفضل القطّان، والحرفي، وابن شاذان، وجماعة. روى لنا عنه خلْق كثير، ووَرَد إصبهان رسولًا في سنة ثلاثٍ وثمانين. وحدثنا عنه من أهلها أكثر من ستّين نفسًا. ثمّ قال: أخبرنا الْمَشَايِخُ، فَذَكَرَ سِتِّينَ بِإصبهان، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ غَيْرِهَا. ثُمّ [ص:596] قال: وجماعة سواهم، قالوا: أخبرنا رِزْقُ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، فَذَكَرَ حَدِيثَ " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا ". وَهُوَ حَدِيثٌ انْفَرَد رِزْقُ اللَّهِ بعلوه.
أخبرنا أبو المعالي الهمذاني، قال: أخبرنا أبو بكر بن سابور، قال: أخبرنا عبد العزيز الشّيرازي، قال: أخبرنا رزق الله إملاءً، فذكر مجلسًا أوّله هذا الحديث.
قال السّمعانيّ: سمعت أحمد بن سعْد العِجْليّ بهَمَذَان يقول: كان شيخنا أبو محمد التّميميّ إذا روى هذا الحديث قال: أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون /؟!
وقال السّلفي فيما أخبرنا الدّمياطي، قال: أخبرنا ابن رواج، قال: أخبرنا أبو طاهر بن سِلَفَة قال: رزق الله شيخ الحنابلة، قدِم إصبهان رسولًا من قِبَل الخليفة إلى السّلطان، وأنا إذ ذاك صغير. وشاهدته يوم دخوله. كان يومًا مشهودًا كالعيد، بل أبْلَغ في المَزِيد. وأُنْزِل بباب القصر، محلَّتنا، في دار السّلطان. وحضرت في الجامع الجورجيري مجلسه متفرّجاً، ثمّ لمّا قصدت للسّماع، قال لي أبو الحسن أحمد بن مَعْمَر اللُنْبانيّ، وكان من الأثبات: قد استجزْتُه لك في جملة من كتبتُ اسمه مِن صبياننا. فكتب خطّه بالإجازة.
وقال أبو غالب هبةُ الله قصيدةً أوّلها:
بمَقْدِم الشّيخ رِزْقِ الله قد رُزِقَتْ ... أهلُ إصبهان أسانيدًا عَجيباتِ
ثمّ قال السِّلَفيّ: وروى بالإجازة عن أبي عبد الرحمن السُّلميّ.
قال ابن النّجار: قرأ بالرّويات على الحمّاميّ. وقرأ عليه جماعةٌ من القرّاء. وتفقّه على أبيه، وعمّه أبي الفضل. وله مصنَّفاتٌ حَسَنَة. وكان واعظًا، مليح العبارة، لطيف الإشارة، فصيحًا، ظريف المعاني. له القبول التّامّ والحُرْمة الكاملة، ترسَّل إلى ملوك الأطراف.
وقال أَبُو زكريّا يحيى بْن عَبْد الوهاب بْن مَنْدَهْ: سمعتُ أبا محمد رزق الله الحنبليّ بإصبهان يقول: أدركتُ من أصحاب ابن مجاهد واحدًا يُقال له أبو القاسم عُبَيْد الله بْن محمد الخفّاف، وقرأت عَليْهِ سورة البقرة، وقرأها عَلَى أَبِي بَكْر بن مجاهد. [ص:597]
وأدركتُ أيضًا أبا القاسم عمر بن تعويذ من أصحاب الشِّبْليّ، وسمعته يقول: رأيت أبا بكر الشِّبْليّ في درب سليمان بن عليّ في رمضان، وقد اجتاز على البقّال، وهو يُنادي على البَقَل: يا صائم من كلّ الألوان. فلم يزل يكّرر هذا القول ويبكي، ثمّ أنشأ يقول:
خليليَّ إنْ دام هَمُّ النُّفوس ... على ما أراه سريعًا قَتَلْ
فَيَا سَاقيَ القَومِ لا تَنْسَني ... ويَا رَبَّةَ الخِدْر غنِّي رَمَلْ
لقد كان شيءٌ يُسمَّى السُّرُورُ ... قديمًا سمعنا به ما فَعَلْ
وقال السّمعاني: أنشدنا هبة الله بن طاوس، قال: أنْشدنا رزق الله التّميميّ لنفسِهِ:
وما شَنَّأَنَّ الشَّيْبَ من أجل لَوْنِهِ ... ولكنّه حادٍ إلى البَيْنِ مُسْرِعُ
إذا ما بدت منه الطَّليعة آذَنَتْ ... بأنّ المَنَايا خَلْفَها تتطلَّعُ
فإنْ قصَّها المقراض صاحت بأختها ... فتظهر تتلوها ثلاثٌ وأربع
وإنْ خُضِبَتْ حالَ الخِضَاب لأنّه ... يُغَالبُ صُنْعَ اللهِ واللهُ أصنعُ
إذا ما بَلَغَت الأربعينَ فقُلْ لِمَنْ ... يَوَدُّك فيما تشتهيه ويُسْرعُ
هَلُمُّوا لِنَبْكي قبل فُرْقة بَيْننا ... فما بَعْدَها عيشٌ لذيذٌ ومَجْمَعُ
وخَلِّ التَّصَابي والخلاعَةَ والهَوَى ... وأُمَّ طريقَ الخير فالخيرُ أنْفعُ
وخُذْ جنة تُنْجي وزادًا من التُّقى ... وصُحْبَة مأمومٍ فقصدُك مفزعُ
قال أبو عليّ بن سُكَّرَة: رِزقُ الله التّميميّ، قرأت عليه برواية قالون خِتْمةً، وكان كبيرَ بغداد وجليلَها، وكان يقول: كلّ الطّوائف تدّعيني. وسمعته يقول: يَقْبُحُ بكم أن تستفيدوا منّا ثمّ تذكرونا، فلا تترحّموا علينا؛ فرحمه الله.
قلتُ: وآخر من روى عنه سماعًا أبو الفتح ابن البطّي، وإجازةً أبو طّاهر السِّلَفيّ.
قال ابن ناصر: تُوُفّي شيخنا أبو محمد التّميميّ في نصف جُمَادى الأولى سنة ثمانٍ. ودُفِن في داره بباب المراتب. ثمّ دفن في سنة إحدى وتسعين إلى جنْب قبر الإمام أَحْمَد.
قال أبو الكَرَم الشَّهْرُزُوريّ: سمعته يقول: دخلت سَمَرْقَنْد، فرأيتهم [ص:598] يرْوون " النّاسخ والمنسوخ " لجدّي هبة الله، عن خمسةٍ، إليه، فرويته عن جدّي لهم.(10/595)
265 - شافع بن عليّ، أبو الفضل الطُّرَيْثيثيّ، الصُّوفيّ النَّيْسابوريّ الزّاهد. [المتوفى: 488 هـ]
كان عالِمًا عامِلًا، قانتًا عابدًا، ناسكًا كبير القْدر، صاحب مقامات وأحوال. من سكان دويرة أبي عبد الرحمن السلمي.
توفي في ذي الحجة.
وقد سمع بمكة من ابن صخْر؛ وبالبصرة من إبراهيم بن طلحة بن غسّان. روى عنه عبد الله ابن الفراوي، وعبد الخالق الشّحّامي.(10/598)
266 - صالح بن أحمد بن رضوان بن محمد بن رضوان بن جالينوس، أبو عليّ التّميميّ البغداديّ المعدّل. [المتوفى: 488 هـ]
روى عن عبد الملك بن بشْران، وغيره. روى عنه محمد بن عليّ بن عبد السّلام الكاتب.
تُوُفّي في رجب.(10/598)
267 - عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن، أبو منصور المروزي البيع. [المتوفى: 488 هـ]
سمع أبا بكر عبد الله بن أحمد القفّال، وأبا أحمد عبد الرحمن الشيرنخشيري. وعنه أبو طاهر السنجي، والخطيب أبو الفتح المسعودي.
حدث في هذه السنة، ومات بعيدها، وقد شارف السبعين.(10/598)
268 - عبد الله بن الحسن بن حمزة بن الحسن بن حمدان بن ذكوان، أبو محمد البَعْلَبَكيّ. يُعرف بابن أبي فجّة. [المتوفى: 488 هـ]
سمع عليّ بن محمد الحِنّائيّ، وعبد الرحمن بن ياسر الْجَوْبَريّ، وعليّ بن السّمْسار، وأحمد بن محمد العتيقي، وأبا نصر بن الجبّان. وأجاز له الحسين بن أبي كامل صاحب خَيْثَمَة. سمع منه عبد الرحمن وعبد الله ابنا صابر.
قال ابن عساكر: حدثنا عنه ابن ابنه عليّ بن حمزة، والخَضِر بن عليّ، وتُوُفّي في ذي القعدة.(10/598)
269 - عبد الله بن طاهر بن محمد شَهْفُور، أبو القاسم التّميميّ الفقيه، [المتوفى: 488 هـ]
نزيل بلْخ، من أهل إسفرايين.
قال السّمعانيّ: كان إمامًا فاضلًا نبيلًا، بَرَعَ في الفقه والأصول، ودرَّس بالمدرسة النّظاميّة ببلْخ، حَسَن الأخلاق، ظهرت له الحشمة التّامّة حتّى صار من أهلِ الثّروة. وكان له مروءة وإحسّان، وتفقُّد للفقراء، وسَعْيٌ جميل في الحقوق. سمع بنَيْسابور عليّ بن محمد الطّرّازيّ، وعبد الرحمن النّصرويي، وجدّه أبا منصور عبد القاهر البغدادي. روى لنا عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، والمبارك بن خَيْرُون الوزّان؛ سمعوا منه لمّا حجّ. وحدثنا عنه بهَرَاة أبو شُجاع البسْطاميّ؛ وببلْخ أخوه أبو الفتح محمد البسّطاميّ.(10/599)
270 - عبد الجبّار بن الحسين بن محمد بن القاسم، أبو يَعْلَى الهاشميّ البغداديّ الشُّرُوطيّ، المعروف بابن أبي عيسى، [المتوفى: 488 هـ]
وهم أربعة أخوة: محمد، وعبد الجبّار، وعبد السّميع، وعبد المهيمن.
سمع أبا عليّ بن شاذان. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعلي بن عبد العزيز ابن السّمّاك.
تُوُفّي في شعبان.(10/599)
271 - عبد الرحيم بن عثمان بن أحمد، أبو القاسم السُّنِّيّ الحنفيّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 488 هـ]
حدَّث عن أبي سعيد الصَّيْرَفيّ، وأصحاب الأصمّ، وعنه عبد الغافر، وقال: تُوُفّي في رمضان.(10/599)
272 - عبد السّلام بن محمد بن يوسف بن بُنْدَار، أبو يوسف القَزْوينيّ. [المتوفى: 488 هـ]
شيخ المعتزلة.
نزل بغداد، وسمع أبا عمر بن مَهْديّ الفارسيّ، وعبد الجبّار بن أحمد الهَمَذَانيّ القاضي المعتزليّ، ودرس عليه الكلام بالرَّيّ. وسمع بهَمَذَان أبا طاهر بن سَلَمَة، وبِحَرّان أبا القاسم عليّ بن محمد الزَّيْديّ، وبإصبهان أبا [ص:600] نُعَيْم الحافظ. وسمع من أبيه، وعمّه إبراهيم. وسماعه قبل الأربع مائة.
روى عنه أبو القاسم ابن السمرقندي، وأبو غالب ابن البنّاء، وهبة الله بن طاوس، ومحمود بن محمد الرَّحْبيّ، وإسماعيل بن محمد الأصبهاني الحافظ، وأبو بكر قاضي المَرِسْتان، وأبو البركات الأنْماطيّ، وأحمد بن محمد أبو سعْد البغداديّ، وآخرون.
قال السّمعاني: كان أحد المعمّرين والفضلاء المقدَّمين، جمع " التّفسير الكبير " الّذي لم يُرَ في التّفاسير كتابٌ أكبر منه، ولا أجمع للفوائد، لولا أنّه مَزَجَه بكلام المعتزلة، وبثَّ فيه مُعْتَقَدَه، وما اتَّبع نهج السَّلَف فيما صَنَّفه من الوقوف على ما ورَدَ في الكتاب والسُّنّة والتّصديق بهما. وأقام بمصر سِنين، وحصَّل أحْمالًا من الكُتُب، وحملها إلى بغداد، وكان داعيةً إلى الاعتزال. سمعتُ أبا سعْد البغداديّ الحافظ يقول: كان يصرّح بالاعتزال.
وقال ابن عساكر: هو مُصنِّفٌ مشهور. سكن طَرَابُلُس مدّةً، ثمّ عاد إلى بغداد. سمعتُ الحسين بن محمد البلْخيّ يقول: إنّ أبا يوسف صنَّف " التّفسير " في ثلاث مائة مجلَّد ونيّف، وقال: من قرأه عليّ وهبْتُه النُّسْخة. فلم يقرأه عليه أحدٌ. وسمعتُ هبة الله بن طاوس يقول: دخلتُ على أبي يوسف ببغداد وقد زَمِنَ، فقال: من أين أنت؟ قلت: من دمشق. قال: بلد النَّصْب.
وقال ابن النّجّار: قرأتُ بخطّ أبي الوفاء بن عقيل الفقيه: قدم علينا القاضي أبو يوسف القَزْوينيّ من مصر، وكان يفتخر بالاعتزال. وكان فيه توسُّع في القدْح في العلماء الّذين يخالفونه وجُرأة. وكان إذا قصد باب نظام المُلْك يقول لهم: استأذِنوا لأبي يوسف القَزْوينيّ المعتزليّ. وكان طويل اللّسان بعلمٍ تارةٍ، وبسفهٍ يؤذِي به النّاسَ أخرى. ولم يكن محقّقًا إلّا في التّفسير، فإنّه لَهِجَ بالتّفاسير حتّى جمع كتابًا بلغ خمس مائة مجلّد، حشى فيه العجائب، حتّى رأيت منه مجلَّدةً في آيةٍ واحدة، وهي قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سليمان} فذكر فيه السَّحَرة والملوك الّذين نَفَقَ عليهم السِّحْرُ وأنواع السِّحر وتأثيراته.
وقال أبو الحسن محمد بن عبد الملك: ملكَ أبو يوسف القَزْوينيّ كُتُبًا لم [ص:601] يملك أحدٌ مثلَها، فكان قومٌ يقولون ابتاعها من مصر بالخبز وقت شدة الغلاء. وحدَّثني أبو منصور عبد المحسن بن محمد أنّه ابتاعها بالأثمان الغالية. وكان يحضر بيع كُتُب السِّيرافيّ، وهو شاهدٌ معروف بمصر، وبيعت كُتُبُه في سنتين، وزادت على أربعين ألف مجلَّدة.
قال: وكان أبو يوسف يبتاع في كلّ أسبوع بمائة دينار، ويقول: قد بعتُ رَحْلي وجميعَ ما في بيتي. وكان الرُّؤساء هناك يواصلونه بالذَّهب.
وقيل: إنّه قدِم بغداد معه عشرة أحمال كُتُب، وأكثرها بالخطوط المنسوبة.
وعنه قال: ملكتُ ستّين تفسيرًا، منها " تفسير ابن جرير "، و" تفسير الجبائي "، و" تفسير ابنه أبي هاشم "، و" تفسير أبي مسلم بن بحر "، و" تفسير البلخي ".
قال محمد بن عبد الملك: وأهدى أبو يوسف لنظام المُلْك أربعة أشياء ما لأحدٍ مثلها: " غريب الحديث " لإبراهيم الحربيّ في عشر مجلّدات بخطّ أبي عمر بن حيّويه، و" شعر الكُمَيْت " في ثلاث عشرة مجلّدة بخطّ أبي منصور، و" عهد القاضي عبد الجبّار بن أحمد " بخطّ الصّاحب بن عبّاد وإنشائه، فسمعتُ أبا يوسف يقول: كان سبع مائة سطر، كلّ سطر في ورقة سَمَرْقَنْديّ، وله غلاف آبنُوس يطبق كالأُسْطُوانة الغليظة، وأهدى له مُصْحَفًا بخطٍّ منسوب واضح، وبين الأسطر القراءات بالحُمْرة، وتفسير غريبه بالخُضْرة، وإعرابه بالزُّرْقَة، وكتب بالذّهب علامات على الآيات التّي تصْلُح للانتزاعات في العهود، والمكاتبات، والتّعازي، والتّهاني، والوعيد. فأعطاه نظام المُلْك ثلاث مائة دينار. فسمعت مَن يسأل أبا يوسف عن نظام المُلْك فقال: أعطيته أكثر ممّا أعطاني، وإنّما رضيت منه بالإكرام، وعَذَرْته حين قال: ليس عندي حلال لا شُبْهة فيه سوى هذا القدر.
وسُئل عنه المؤتَمَن السّاجيّ فقال: قطعته رأسًا لِما كان يتظاهر به من خِلاف الطّريق.
وقال محمد بن عبد الملك في " تاريخه ": كان أبو يوسف فصيح العبارة، [ص:602] حُلْو الإشارة، يحفظ غرائب الحكايات والأخبار. وكان زَيْديَّ المذهب، وفسَّر بمصر القرآن في سبع مائة مجلّدٍ كبار.
قلت: وقد دخل عليه الإمام أبو حامد الغزاليّ، وجلس بين يديه، فسأله: من أين أنت؟ فقال: من المدرسة ببغداد.
وقال الغزاليّ: علمتُ أنّه ذو اطّلاعٍ ومعرفة، فلو قلت إنّني من طوس، لذكر ما يُحكى عن أهل طُوس من التّغفيل، من أنّهم توسَّلوا إلى المأمون بقبر أبيه، وكونه عندهم، وطلبوا منه أن يحوِّل الكعبة، وينقلها إلى عندهم، وأنّه جاء عن بعضهم أنّه سُئل عن نجمه، فقال: بالتّيس. فقيل له في ذلك، فقال: من سِنين كان بالْجَدْي، والآن فقد كَبُر.
قال ابن عساكر: وسمعتُ من يحكي أنّه كان بأَطْرابُلُس، فقال له ابن البرّاج: متكلِّم الرّافضة: ما تقول في الشّيخين؟ فقال: سِفْلتان ساقطان. قال: مَن تَعْني؟ قال: أنا وأنت.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة الصَّدَفيّ: أبو يوسف القَزْوينيّ كان معتزليًّا داعيةً، كان يقول: لم يبقَ مَن ينصُرُ هذا المذهبَ غيري. وكان قد بلغ من السّنّ مبلغًا يكاد أن يُخفى في الموضع الّذي كان يجلس فيه، وله لسانٌ شابٌّ. ذكر لي أنّ له تفسيرًا في القرآن في نحو ثلاث مائة مجلَّد، سبعة منها في سورة الفاتحة. وكان عنده جزءٌ ضخمٌ، من حديث محمد بن عبد الله الأنصاريّ، رواية أبي حاتم الرّازيّ، عنه، كنتُ أودّ أن يكون عند غيره بما يشقّ عليّ. قرأت عليه بعضه، رواه عن القاضي عبد الجبّار المعتزليّ، عن رجل عنه. وكان سبب مَشْيي إليه أنّ شيخنا ابن سوار المقرئ سألني أنْ أمضي مع ابْنَيه لأُسْمِعَهُمَا عليه، فأَجَبْتُه، وقرأ لهما شيئًا من حديث المحاملي، وأخبرنا أنه سمع ذلك سنة تسعٍ وتسعين وثلاث مائة، وهو ابن أربع سِنين أو نحوها. قال لي: كنتُ في سنّ هذا - يعني وَلَد شيخنا ابن سِوَار - وكنتُ أعقل من أبيه. وكان لا يُسالم أحدًا من السَّلَف؛ وكان يقول لنا: أُخرجوا تدخل الملائكة يريد المحدِّثين. قال: ولم أكتب عنه حرفاً. يعنى ابن سُكَّرَة أنّه لا يحدِّث عنه؛ وقد روى عنه شِعْرًا، وذكره في " مشيخته ". [ص:603]
قال شجاع الذُّهْليّ: أبو يوسف القَزْوينيّ أحد شيوخ المعتزلة، عاش ستًّا وتسعين سنة. ذكر لي أنّ مولده في سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاث مائة.
وقل ابن ناصر: مات في رابع عشر ذي القعدة، وقال مرَّةً: وُلِدتُ في نصف شعبان.(10/599)
273 - عبد الصّمد بن أحمد ابن الرُّوميّ، أبو القاسم البغداديّ. [المتوفى: 488 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان. روى عنه عبد الوهّاب الأنْماطيّ، ومحمد بن عليّ بن عبد السّلام.
تُوُفّي في صَفَر.(10/603)
274 - عبد الغفار بن نصر، أبو طاهر الهَمَذَانيّ المقرئ البزّاز، ويُعرف بابن هاموش. [المتوفى: 488 هـ]
قال شيروَيْه: روى عن ابن عَبْدان، وعبد الغافر الفارسي، وأبي حفص بن مسرور، النيسابوريين. قرأت عليه القرآن، وتوفي المحرَّم.(10/603)
275 - عبد الملك بن عبد الله، أبو سهل الدَّشْتيّ الفقيه. [المتوفى: 488 هـ]
نَيْسابوريّ عالى الإسناد، سمع أبا طاهر الزّياديّ، وعبد الله بن يوسف بن بامويه، وأبا عبد الرحمن السُّلَميّ. ومات في شوّال.
روى عنه عبد الغافر الفارسيّ، وقال: شيخ من بيت العِلم والتّصوّف والثّروة.
وقال السّمعانيّ: كان شيخًا مستورًا، صدوقًا من بيت العِلم والصّلاح، وُلِد سنة ستٍّ وأربع مائة.
قلت: روى عنه عبد الخالق بن زاهر، وعمر بن أحمد الصّفّار، وأبو البركات ابن الفُرَاويّ، وعبد الرحمن بن الحسن الكَرْمانيّ، وآخرون.(10/603)
276 - عُبَيْد الله بْنُ عَبْد الله بن محمد بن حَسكوَيْه، أبو سعد النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 488 هـ][ص:604]
شيخ مُسْنِد، روى عن أبي بكر الحِيريّ، والطِّرازيّ، والصَّيْرَفيّ. روى عنه وجيه، وعبد الخالق بن زاهر.
وقد مرّ أبوه سنة ثلاثٍ وخمسين.(10/603)
277 - عليّ بن أحمد بن عليّ بن زُهَير، أبو الحسن التّميميّ المالكيّ. [المتوفى: 488 هـ]
دمشقي مشهور، روى عن علي بن الخضر، وعلي ابن السّمْسار، ومحمد بن عبد الله بن بُنْدَار، وأحمد بن الحسن ابن الطّيّان، وأبي عثمان الصّابونيّ، وجماعة. روى عنه جمال الإسلام السُّلَميّ، ونصر بن أحمد بن مقاتل، وناصر بن محمود القُرَشيّ.
قال أبو محمد بن صابر: لم يكن المالكيّ ثقة. وكذلك قال أبو القاسم بن صابر، وقال: أخرج لنا جزءًا من حديث ابن زَبْر، قد كتب عليه سمَاعَه من ابن السِّمْسار سنة خمسٍ وثلاثين. ومات ابن السّمْسار سنة اثنتين وثلاثين.
تُوُفّي في ذي القعدة، وله ثلاثٌ وسبعون سنة.(10/604)
278 - عليّ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن خُشْنام، أبو الحسن الصَّيْدلانيّ. [المتوفى: 488 هـ]
شيخ نَيْسابوريّ صالح، سمع محمد بن محمد بن مَحْمِش.
وهو أخو شبيب البَسْتيغيّ.
روى عنه عمر بن أحمد الصّفّار، وإسماعيل العصائدي.(10/604)
279 - عليّ بن عَمْرو الحرّانيّ، الفقيه الحنبليّ، الرّجل الصّالح، يُكنى أبا الحسن. [المتوفى: 488 هـ]
مات بسَرُوج. وكان من أصحاب القاضي أبي يَعْلَى. تُوُفّي في شعبان.(10/604)
280 - عليّ بن عبد الصّمد بن عثمان بن سلامة، أبو الحسن العسقلاني، المعروف بالمفيد. [المتوفى: 488 هـ][ص:605]
سمع أبا عبد الله بن نظيف بمصر، ومحمد بن جعفر الميماسي بغزّة، وعلي ابن السِّمّسار بدمشق.
قال غيث بن عليّ: سمعتُ منه في سنة ثمانٍ وثمانين، وما علمتُ من أمره إلّا خيرًا.(10/604)
281 - عليّ بن عبد الغنيّ، أبو الحسن الفِهْريّ المقرئ الحُصْريّ، الشَّاعر الضّرير. [المتوفى: 488 هـ]
أقرأ النّاس بسَبْتَة وغيرها.
قال ابن بَشْكُوال: ذكره الحُمَيْديّ وقال: شاعر أديب، رخيم الشِّعْر، دخل الأندلس ولقي ملوكها؛ وشعره كثير، وأدبه موفور.
قلت: وكان عالِمًا بالقراءات وطُرُقَها.
قال ابن بَشْكُوال: روى لنا عنه أبو القاسم بن صواب، أخبرنا عنه قصيدته الّتي نَظَمَها في قراءة نافع، وهي مائتا بيت وتسعة أبيات، قال: لقيته بمُرْسِية.
ومن شعره، وقد كتب إليه المعتمد وبعث إليه خمس مائة دينار يتجهّز بها ليفد عليه:
أمرتني بركوب البحر أَقْطَعُهُ ... غيري لك الخير فاخصصه بذا الرائي
ما أنتَ نوحٌ فَتُنْجِيني سفينَتُهُ ... ولا المسيحُ أنا أمشي على الماء(10/605)
282 - الفضل بن أحمد بن محمد بن عيسى، أبو القاسم بن أبي حرب الْجُرْجَانيّ الزّجّاجيّ. [المتوفى: 488 هـ]
شيخٌ نَيْسابوريّ الدّار، ثقة، صالح، حسن السّيرة، تاجر أمين، سمع أبا عبد الرحمن السّلَميّ، وابن مَحْمِش، والحِيريّ، وغيرهم. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأحمد بن سعْد العِجْليّ الهَمَذَانيّ، وأبو عثمان العصائدي المرزوي، وعمر بن أحمد الصّفّار، وعبد الله ابن الفراوي، وأحمد بن المبارك [ص:606] ابن قُفْرَجَل، وصَدَقَة بن محمد السّيّاف.
حدَّث ببُلْدان، وحكى عنه جيرانه كثرةَ تِلاوةٍ وبُكاء.
وُلِد سنة خمسٍ وأربع مائة، وتُوُفّي في رمضان.
قال ابن النّجّار: أمين صدوق، صالح، عفيف، من التّجّار، كثير الصَّدَقة. وقيل: كان أبوه حاتم وقته.(10/605)
283 - محمد بن الحسين بن عبد الله بن إبراهيم، الوزير ظهير الدّين أبو شُجاع الرُّوذرَاوَريّ. [المتوفى: 488 هـ]
وَزَرَ للمقتدي بالله بعد عزْل عميد الدّولة منصور بن جهير سنة ستٍّ وسبعين، وصُرِف سنة أربعٍ وثمانين، وأُعيد ابن جَهِير، ولمّا عُزِل قال:
تولّاها وليس له عدوّ ... وفارقها وليس له صديق
ثمّ إنّه حجّ وجاوَرَ بالمدينة إلى أن مات بها كَهْلًا. وكان ديِّنًا عالمًا، من محاسن الوزراء.
قال العِماد الكاتب: لم يكن في الوزراء من يحفظ أمر الدّين والشَّرع مثله. وكان عصره أحسن العصور.
قال صاحب " المرآة ": ولمّا ولي وزارةَ المقتدي كان سليمًا من الطَّمع في المال، لأنّه كان يملك حينئذٍٍ ست مائة ألف دينار، فأنفقها في الخيرات والصَّدقات.
قال أبو جعفر الخرْقيّ: كنتُ أنا واحدًا من عشرة نتولّى إخراج صَدَقَاته، فحسبْت ما خرج على يديّ، فكان مائة ألف دينار.
وكان يبيع الخطوط الحَسَنة، ويتصدَّق بها، ويقول: أنا أَحَبّ الأشياء إليَّ الدّينار والخطّ الحسن، فأنا أتصدَّق بمحبوبي لله.
وجاءته قصةٌ بأنّ امرأةً وأربعة أيتام عرايا، فبعث من يكسوهم، وقال: والله لا ألبس ثيابي حتّى ترجع إلي الخبر، وتعرَّى، فعاد الغلام وهو يرعد من البرد.
وكان قد ترك الاحتجاب ويكلِّم المرأة والصّبيّ، ويحضر مجالسه الفقهاء [ص:607] والعوامّ، لا يمنع أحدًا. وأُسقطت المُكُوس في أيّامه، وألبسَ أهل الذّمّة الغيار. ومحاسنه كثيرة، وصَدَقَاته غزيرة، وتواضعه أمر عجيب - فرحمه الله تعالى -.(10/606)
284 - محمد بن عبّاد بن محمد بن إسماعيل بن قُريش، السّلطان المعتمد على الله أبو القاسم [المتوفى: 488 هـ]
ابن السّلطان المعتضد بالله أبي عمرو ابن الإمام الفقيه قاضي إشبيليّة، ثمّ سلطانها الظّافر المؤيّد بالله أبي القاسم بن أبي الوليد اللَّخْميّ،
من ولد النُّعْمان بن المنذر صاحب الحِيرة.
كان المعتمد صاحب إشبيليّة وقُرْطُبة، وأصلهم من بلاد العريش الّتي كانت في أوّل رمل مصر، فدخل أبو الوليد الأندلس.
مات المعتضد سنة إحدى وستّين وأربع مائة، فتملّك بعده المعتمد هذا. وكان عالمًا، ذكيًّا، أديبًا، شاعرًا محسناً، وكان أندى الملوك راحةً، وأرحبهم ساحةً، كانت حضرته مَلْقَى الرّحال، وموسم الشُّعراء، وقِبلة الآمال ومَأْلَفَ الفُضَلاء. وشِعره في غاية الحُسْن، وهو مدوَّن موجود.
قال أبو بكر محمد بن عيسى اللَّخْميّ الدّانيّ المعروف بابن اللّبّانة الشّاعر: ملك المعتمد من مسوَّرات البلاد ما بين أمصارٍ ومُدُنٍ وحصون مائتي مسوَّر وإحدى وثلاثين مسوَّرًا. وخُلِع من ملكه عن ثمان مائة سريّة، ووُلِد له مائةٌ وثلاثةٌ وسبعون ولدًا. وكان راتبه كلَّ يومٍ ثمان مائة رِطْل لحم، وكان له ثمانية عشر كاتبًا.
وذكر القاضي شمس الدّين ابن خلكان، قال: كان الأدفونش بن فردلند ملك الفرنج بالأندلس قد قوي أمُره، وكانت ملوك الطّوائف من المسلمين بجزيرة الأندلس يصالحونه، ويؤدُّون إليه ضريبة، ثمّ إنّه أخذ طُلَيْطُلَة في سنة ثمانٍ وسبعين وأربع مائة بعد حصارٍ شديد، وكانت للقادر بالله بن ذي النُّون. وكان المعتمد مع كونه أكبر ملوك الجزيرة يؤدِّي الضَّريبة للأدفونش، فلمّا ملك الكلب طُلَيْطُلَة قويت نفسه، ولم يقبل ضريبة المعتمد، وأرسل إليه يتهدده ويقول: تنزل عن الحصون الّتي بيدك، ويكون لك السّهل. فضرب [ص:608] المعتمدُ الرسولَ، وقتلَ من كان معه. فبلغ الأدفونش الخبر وهو متوجّهٌ لحصار قُرْطُبة، فرجع إلى طُلَيْطُلَة لأخْذ آلات الحصار، فأتى المشايخ والعلماء إلى أبي عبد الله محمد بن أدهم، وفاوضوه فيما نزل بالمسلمين، فاجتمع رأيهم أن يكتبوا إلى الأمير أبي يعقوب يوسف بن تاشَفين صاحب مرّاكش، يستنجدونه ليُعدّي بجيوشه إلى الأندلس، ويُنجد الإسلام. واجتمع القاضي بالمعتمد على الله، وأعلمه بما جرى فقال: المصلحة ذلك. ثمّ إنّ ابن تاشَفين نزل سَبْتَة، وأمر جيشه، فعبروا إلى الجزيرة الخضراء، ولمّا تكامل له جُنْدُه عبرَ هو في السّاقة. ثمّ إنّه اجتمع بالمعتمد. وقد عرض المعتمد عساكره. وأقبل المسلمون من كلّ النّواحي طَلَبًا للجهاد. وبلغ الأدفونشَ الخبرُ فخرج في أربعين ألف فارس، وكتبَ إلى ابن تاشَفين يتهدّده، فكتب ابن تاشَفين جوابه في ظهر كتابه: " الّذي يكون ستراه ". وردّه إليه. فلمّا عاينه وقرأه ارتاع لذلك، وقال: هذا رجل قد عزم. ثمّ سارَ حزبُ الإسلام وحزبُ الصّليب والتقى الْجَمْعَان بالزّلّاقة من بلد بَطَلْيُوس، فكانت مَلْحمةً كبرى، وهزم الله الأدفونش، بعد استئصال عسكره، ولم يَسْلَم معه سوى نفرٍ يسير. وذلك في يوم الجمعة من رمضان سنة تسعٍ وسبعين. وأصاب المعتمدَ جراحاتٌ في وجهه وبدنه، وشهدوا له بالشّجاعة، وغنم المسلمون شيئًا كثيرًا. وعاد ابن تاشَفين إلى بلاده. ثمّ إنّه في العام المقبل، عدَّى إلى الأندلس، وتلقّاه المعتمد، وحاصرا بعض حصون الفرنج، فلم يقدرا عليه، فرحل ابن تاشَفين، ومرَّ بغَرْناطة فأخرج إليه صاحبها عبد الله بن بُلُكِّين تقادُم سَنِيّه، وتلقّاه، فغدر به ابن تاشَفين، ودخل بلدَه وقصره، وأخذ منه ما لا يُحصى، ثمّ رجع إلى مَرّاكش، وقد أعجبه حَسْن الأندلس وبساتينها وبُناها ومطاعمها الّتي لا توجد بمَرّاكش، فإنّها بلاد بربر وأجْلاف العُربان. وجعل خواصُّ ابن تاشَفين يُعظِّمون عنده الأندلس، ويُحسِّنون له أخذها، ويُغْرون قلبه على المعتمد بأشياء.
وقال عبد الواحد بن عليّ المَرّاكشيّ في " تاريخه ": غلبَ المعتمد على قُرْطُبة في سنة إحدى وسبعين، فأخرج منها ابن عُكّاشة، ثمّ رجع إلى إشبيلية، واستخلف عليها ولده عبّادًا، ولقّبه المأمون. وفي سنة تسعٍ وسبعين جاز [ص:609] المعتمد البحرَ إلى مَرّاكش مستنصرًا بيوسف بن تاشَفِين على الرُّوم، فَلَقِيه أحسن لقاء، وأسرع إجابته. وقال: أنا أوّل منتَدبٍ لنِصْرة الدّين. فرجع مسرورًا، ولم يدرِ أنّ تدميره في تدبيره، وسلَّ سيفًا عليه لا له. فأخذ ابن تاشَفِين في أُهْبة العبور إلى الأندلس، واستنفر النّاس، وعبر في سبعة آلاف فارس، سوى الرّجّالة، ونزل الجزيرة الخضراء، وتلقّاه المعتمد، وقدَّم له تُحَفًا جليلة، وسأله أن يدخل إشبيلية، فامتنع وقال: نريد الجهاد، ثمّ سار بجيوشه إلى شرقيّ الأندلس. وكان الأدفونش - لعنه الله - يحاصر حصنًا، فرجع إلى بلاده يستنفر الفرنج، وتلقّى ابن تاشَفِين ملوك الأندلس الّذين كانوا على طريقه كصاحب غَرْناطة، وصاحب المَرِيّة، وصاحب بَلَنْسِيَة، ثمّ استعرض جُنْدَه على حصن لُورَقَة، وقال للمعتمد: هَلُمَّ ما جئنا له من الجهاد. وجعل يصغّر قدر الأندلس ويقول: في أوقاتٍ كان أمر هذه الجزيرة عندنا عظيمًا، فلمّا رأيناها وقعت دون الوصف. وهو في ذلك كله يُسِرُّ حسواً في ارتغاء. فسار المعتمد بين يديه، وقصد طُلَيْطُلَة، فتكامل عدد المسلمين زُهاء عشرين ألفًا، فالتقوا هم والعدوّ بأوّل بلاد الرّوم - لعنهم الله - وجاء الأدفونش - لعنه الله - في جيشٍ عظيم بمرّة، فلمّا رآهم يوسف قال للمعتمد: ما كنت أظن هذا الخنزير يبلغ هذا الحدّ. فالتقوا في ثاني عشر رمضان، وصبر البربر، وأبلوا بلاءً حَسَنًا، وهزم الله النَّصارى، وكانت ملحمة مشهودة. ونجا الأدفونش في تسعةٍ من أصحابه. وتُسمَّى هذه وقعة الزّلّاقة. ففرح أهل الأندلس بالبربر، وتيمَّنوا بهم، ودعوا لابن تاشَفِين على المنابر، فقوي طعمه في الأندلس. وقد كانت الفرنج تأخذ الإتاوة من ملوكها قاطبة. ثمّ جال ابن تاشَفِين في الأندلس على سبيل التَّفرُّج، وهو يُضْمر أشياءً، ويُظْهر إعظام المعتمد ويقول: إنّما نحن في ضيافته، وتحت أمره. وكان المعتصم محمد بن مَعْن بن محمد بن صُمادِح، صاحب المَرِيّة، يحسد المعتمد، فداخَلَ ابنَ تاشَفِين، وحظي عنده، فأخذ يعيب المعتمد، وقدَّم لابن تاشَفِين هدايا فاخرة، ولم يدرِ ابن صُمادِح أنّه يسقط في البئر الّذي حَفَر. وأعانه جماعةٌ على تغيير قلب ابن تاشَفِين بقول الزُّور، وبأنّه يَتَنَقَّصَك. فعبرَ إلى بلاده مُرّاكش. وفهِم المعتمد أنّه قد تغيّر عليه. ثمّ اتّفق رأي ابن [ص:610] تاشَفِين أن يراسل المعتمد، يستأذنه في رجالٍ من صُلَحاء أصحاب ابن تاشَفِين رغِبوا في الرّباط في حصون الأندلس. فاذِن له. وأراد ابن تاشَفِين أن يكون له بالأندلس أعوانًا لوقت الحاجة. وقد كانت قلوب الأندلسيّين قد أُشْرِبَت حُبَّ ابن تاشَفِين، فانتخب رجالًا، وأمّر عليهم قرابته بُلَّجِين، وقرَّر معه أمورًا، فبقوا بالأندلس إلى أن ثارت الفتنة. ومبدؤها في شوّال سنة ثلاثٍ وثمانين. فملك المرابطون جزيرة طريف، ونادوا فيها بدعوة أمير المسلمين يوسف. ثمّ زحف المرابطون الّذين في الحصون إلى قُرْطُبة فحاصروها، وفيها المأمون ابن المعتمد فدخلوها، وقتل المأمون بعد أن أبلى عذرًا وأظهر في الدّفاع جَلَدًا وصبرًا في صَفَر سنة أربعٍ وثمانين. فزادت الإحْنة والمحنة، وعَلَت الفتنة.
قال ابن خَلِّكان: وحاصروا إشبيليّة - وبها المعتمد - أشدّ المحاصرة، وظهر من شدّة بأس المعتمد ومصابرته وتَرَاميه على الموت بنفسه، ما لم يسمع بمثله. فلمّا كان في رجب سنة أربعٍ هجم جيش ابن تاشَفِين البلدَ، وشنُّوا فيه الغارات. ولم يتركوا لأحدٍ شيئًا. وخرج النّاس يسترون عوراتهم بأيديهم. وقبضوا على المعتمد.
وقال عبد الواحد المذكور: وفي نصف رجب ثاروا على المعتمد، فبرز من قصْره وسيفه بيده، وغلالته ترفّ على جسده، لا درع عليه، ولا دَرَقَة معه، فلقي فارسًا مشهور النَّجْدة فرماه الفارس بحربةٍ، فأصاب غِلالَتَه، وضرب هو الفارس بالسّيف على عاتقه، فخرَّ صريعًا. فانهزمت تلك الْجُموع، وظنَّ أهل إشبيليّة أن الخِناق قد تنفّس. فلمّا كان وقت العصر، عاودهم البربر، فظهروا على البلد من واديه، وشبّت النّار في شوانيه، فعندها انقطع العمل وخاب الأمل. وكان الّذي ظهر عليها من جهة البَرّ جدير ابن البربريّ، ومن الوادي الأمير أبو حمامة. والْتَوَتِ الحال أيّامًا، إلى أن قدِم سِير ابن أخي يوسف بن تاشَفِين بعساكره، والنّاسُ في تلك الأيّام يرمون أنفسهم من الأسوار. فاتَّسع الخَرْق على الرّاقع بمجيء سِير، ودُخِل البلد من واديه، وأُصيب حاضره وبادِيه، بعد أن جدّ الفريقان في القتال، وشُنَّت الغارة في [ص:611] إشبيليّة، ولم يترك البربر لأهلها سبدًا ولا لبدًا. ونُهِبت قصور المعتمد، وأُخِذ أسيرًا. ثمّ أُكْرِه على أن يكتب إلى ولديه: أن تُسلِّما الحصنَيْن، وإلّا قُتِلتُ، وإنّ دمي رهنٌ على ذلك. وهما الرّاضي بالله، والمُعْتدّ بالله، وكانا في رُنْدَة ومارْتلة، فنزلا بعد عهودٍ مُبْرمَة. فأمّا المعتدّ، فعند نزوله قبض عليه القائد الواصل إليه، وأخذ كلّ أمواله، وأمّا الآخر فقتلوه غِيلَةً. وذهبوا بالمعتمد وآلِه بعد استئصال جميع أحواله، وعبروا بِهِ إِلى طنجة، فبقي بها أيامًا، ثُمَّ نقلوه إلى مِكْناسَة، فتُرِك بها أشهرًا، ثمّ نقّلوه إلى مدينة أغمات، فبقي بها أكثر من سنتين مسجوناً ومات. وللمعتمد مراثٍ في ولديه اللّذين قتلوهما، وله في حاله:
تَبَدَّلْتُ من ظِلِّ عزِّ البُنُود ... بِذُلِّ الحديد وثِقْل القُيُودِ
وكان حديدي سِنانًا ذَلِيقًا ... وعَضْبًا رَقيقًا صَقيلَ الحديد
وقد صار ذاك وذا أدْهَمًا ... يَعَضُّ بساقيَّ عَضَّ الأسُودِ
وقيل: إنّ بنات المعتمد دخلن عليه السّجنَ في يوم عيدٍ، وكُنَّ يغْزِلن للنّاس بالأُجرة في أغْمات، فرآهنّ في أطمارٍ رثَّةٍ، فَصَدَعْنَ قلبه، فقال:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورًا ... فساءك العيدُ في أَغْماتَ مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعةٍ ... يغزلن للناس لا يملكن قِطْميرا
بَرَزْنَ نحوك للتّسليم خاشعةً ... أبصارهُنَّ حسيراتٍ مَكَاسيرا
يَطَأْنَ في الطِّين والأقدامُ حافيةٌ ... كأنّها لم تَطَأَ مِسْكًا وكافورا
من بات بعدَكَ في ملكٍ يُسَرُّ به ... فإنّما بات بالأحلام مغرورا
ودخل عليه ولده أبو هاشم، والقيود قد عضّت بساقيه، فقال:
قَيْدي، أما تَعْلَمُني مُسْلمًا ... أبيتَ أن تُشْفق أو تَرْحما
دمي شرابٌ لك، واللّحم قد ... أكلْتَه، لا تهشم الأعظُما
يُبصرني فيك أبو هاشمٍ ... فينثني، والقلب قد هشّما
ارحم طفيلاً طائشاً لبّه ... لم يخش أن يأتيك مسترحما [ص:612]
وارحم أخيّاتٍ له مثله ... جرّعتهُنَّ السُّمّ والعَلْقَما
وللمعتمد، وقد أُحيط به:
لمّا تماسكتِ الدّموعُ ... وتَنَهْنَهَ القلبُ الصَّدِيعُ
قالوا: الخضوعُ سياسةٌ ... فَلْيَبْدُ منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضو ... ع على فمي السّمُّ النّقِيعُ
إن تَسْتَلِبْ عنِّي الدُّنَا ... مّلْكي وتُسْلِمُني الْجُمُوعُ
فالقلبُ بين ضُلُوعِهِ ... لم تُسّلِمِ القلبَ الضُّلُوعُ
قد رُمْتُ يوم نِزَالِهم ... أنْ لا تحصِّنني الدُّرُوعُ
وبرزت ليس سوى القميـ ... ـصٍ عن الحشَى شيءٌ دَفُوعُ
أجَليَ تأخّر، لم يكن ... بهواي ذلّي والخشوع
ما سرت قطّ إلى القتا ... ل وكان في أملي رجوع
شِيَمُ الأُولَى أنا منهمُ ... والأصل تتْبعهُ الفروعُ
ولأبي بكر محمد بن اللّبّانة الدّانيّ فيه قصائد سائرة، وكان منقطعًا إليه؛ من ذلك:
لكلّ شيءٍ من الأشياء ميقاتُ ... وللمُنى من مناياهنّ غاياتُ
والدّهر في صِيغة الحِرْباء منغمسٌ ... ألوانُ حالاته فيها استحالاتُ
ونحن من لعب الشّطرنج في يده ... ورُبّما قُمِرت بالبَيْدق الشّاةُ
أنفض يديك من الدّنيا وساكِنها ... فالأرضُ قد أقْفرتْ والنّاسُ قد ماتوا
وقُلْ لعالَمِها الأرضيّ: قد كَتَمتْ ... سريرةَ العالَمِ العُلْويِّ أَغْماتُ
وهي طويلة.
وله فيه قصائد طنّانة، هي:
تنشَّق رياحينَ السّلامِ فإنّما ... أفُضُّ بها مِسْكًا عليك مختّما [ص:613]
وقل لي مَجازًا إن عَدِمْتَ حقيقةً ... بأنّك في نُعْمَى فقد كنتَ مُنْعِمَا
أفكِّرُ في عصرٍ مضى لك مُشْرقًا ... فيرجعُ ضَوءُ الصُّبْح عندي مُظْلِما
وأعْجَبُ من أُفْقِ المجَرَّةِ إذ رأى ... كسوفك شمساً كيف أطلع أنجما
قناةٌ سَعَتْ للطَّعنِ حتّى تقَصَّدَتْ ... وسيفٌ أطال الضَّربَ حتى تثلمّا
بكى آل عبّاد ولا كمحمّدٍ ... وأبنَائهِ صَوْبُ الغَمَامة إذ هُمَا
صَبَاحُهُمْ كُنَّا به نَحْمَدُ السُّرَى ... فلمَّا عَدِمْنَاهُمْ سَرَيْنَا على عَمَى
وكُنّا رَعَيْنا العزَّ حولَ حِمَاهُمُ ... فقد أجْدَبَ المَرْعَى وقد أقفر الحِمى
وقد أَلْبَسَت أيدي اللّيالي محلّهم ... مناسج سَدَّى الغَيْثُ فيها وألحَمَا
قصورٌ خَلَتْ من ساكنيها فما بها ... سوى الأدم تمشي حولَ واقفة الدّمى
كأنْ لم يكنْ فيها أنيسٌ ولا التَقَى ... بها الوفد جمعاً والخميس عَرَمْرَمَا
حكيتَ وقد فارقْتَ مُلْكَكَ مالكًا ... ومِن وَلَهِي أبكي عليك مُتمَّما
تضيقُ عليَّ الأرضُ حتّى كأنّني ... خُلِقْتُ وإيّاها سِوارًا ومعْصَمَا
وإنّي على رسمي مقيمٌ فإن أَمُتْ ... سأجْعلُ للباكِينَ رسْمي مَوْسِمَا
بَكَاكَ الحَيَا والرّيحُ شقَّتْ جُيُوبَها ... عليكَ وناح الرَّعْدُ باسمِكَ معلما
ومزّق ثوب البرق واكتست الضحى ... حِدَادًا وقامتْ أنْجُم اللّيل مأْتَمَا
وما حلَّ بدْرُ التَّمِّ بعدَك دارَةً ... ولا أظْهَرَتْ شمس الظَّهِيرة مبسما
سيُنْجيك مَن نجَّى من الْجُبُّ يوسفاً ... ويؤويك من آوى المسيح ابن مرْيَمَا
ثمّ إنّه وفد على المعتمد وهو في السّجن وفادةَ وفاءٍ لا استجداء، وحكى أنّه لمّا عزم على الانفصال عنه، بعث إليه عشرين دينارًا، وتفصيلة، وأبياتًا يعتذر فيها، قال: فَرَدَدْتُها عليه لعلمي بحاله، وأنّه لم يترك عنده شيئًا.
قال ابن خَلِّكان: مولده سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة، ومات في شوّال سنة ثمانٍ وثمانين.
قلت: وقد سمّى ابن اللّبّانة أولاد المعتمد الّذين في الحياة بأسمائهم وألقابهم، فذكر نحوًا من أربع وثلاثين بنتا، وثلاثين ذكراً.(10/607)
285 - محمد بن عبد الواحد، أبو بكر الأصبهاني، عرف بخوروست. [المتوفى: 488 هـ][ص:614]
شيخ مُسِن، قال السِّلَفيّ: لم يَمُت أحدٌ من شيوخي قبله. روى لنا عن أبي منصور بن مهربزد.(10/613)
286 - محمد بن عثمان بن عليّ بن حسّان، أبو سعيد البُسْتيّ الغازيّ القّوّاس، ابن الأديب النَّحْويّ أبي طاهر. [المتوفى: 488 هـ]
سمع من أصحاب الأصمّ. وكان أحد الرُّماة المذكورين، وتُوُفّي في ذي الحجّة عن أربعٍ وثمانين سنةٍ بنَيْسابور. روى عنه أبو البركات الفُرَاويّ، وأُمُّ سَلَمَة بنت عبد الغافر.(10/614)
287 - محمد بن عليّ بن الحسين بن يحيى بن صميدون، القاضي أبو عبد الله الصُّوريّ. [المتوفى: 488 هـ]
تُوُفّي بصُور في رمضان.(10/614)
288 - محمد بن عليّ بن أبي عثمان، أبو الغنائم. [المتوفى: 488 هـ]
قال شُجاع الذُّهْليّ: تُوُفّي فيها، وقد مرّ سنة ثلاث.(10/614)
289 - محمد بن علي بن محمد بن عبد الله، أبو عليّ الشّاذياخيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 488 هـ]
حدَّث عن أبي حسّان محمد بن أحمد المزكيّ، وأبي بكر بن الحارث، وأبي عبد الله محمد بن إبراهيم المزكيّ.
وُلِد سنة خمس عشرة وأربع مائة. وتُوُفّي في صَفَر.(10/614)
290 - محمد بْن عليّ بْن أَبِي صالح البَغَويّ الدّبّاس. [المتوفى: 488 هـ]
سمع الجراحيّ، ومسعود بن محمد البِغِويّ، وعليّ بن أحمد الإسْتِراباذيّ، وغيرهم.
وهو آخر من روى " جامع التِّرْمِذِيّ " بِعُلُوّ، روى عنه ابنه عثمان، وأبو الفتح محمد بن عبد الله الشّيرازيّ، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو الفتح محمد بن أبي علي، ومحمد بن عبد الرحمن الحمدويي، وآخرون كثرون. [ص:615]
وتُوُفّي ببغشُور في ذي القعدة، وكان من الفقهاء، عاش ثمانياً وثمانين سنة. وكنْيته أبو سعيد.(10/614)
291 - محمد بن المظفّر بن بكران بن عبد الصّمد، العلّامة قاضي القُضاة أبو بكر الشّاميّ الحَمَويّ الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 488 هـ]
وُلِد بحماة سنة أربع مائة، ورحل إلى بغداد شابًّا، فسكنها وتفقّه بها. وسمع الحديث من عثمان بن دُوَسّت، وأبي القاسم بن بشْران، وأبي طالب بن غَيْلان، وأبي محمد الخلّال، وأبي الحسن العتيقيّ، وجماعة. روى عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبه الله بن طاوس المقرئ. وكان دخوله بغداد في سنة عشرين.
قال السّمعانيّ: هو أحد المتقنين لمذهب الشّافعيّ، وله اطّلاع على أسرار الفقه. وكان ورعاً زاهداً متّقياً. جرت أحكامه على السَّداد. ولي قضاء القُضاة ببغداد بعد موت أبي عبد الله الدّامغانيّ سنة ثمانٍ وسبعين، إلى أن تغيّر عليه المقتدي بالله لأمرٍ، فمنع الشُّهُود من حضور مجلسه مدّةً، فكان يقول: ما أنعزِل ما لم يتحقَّقوا عليِّ الفِسْق. ثمّ إنّ الخليفة خلع عليه، واستقام أمره.
وسمعت الفقيه أحمد بن عبد الله ابن الأبنوسيّ يقول: جاء أمير إلى قاضي القُضاة الشّاميّ، فادّعى شيئًا، فقال: بيّنتي فلان والمشطّب الفَرَغانيّ الفقيه. فقال: لا أقبل شهادة المشطّب، لأنه يلبس الحرير. فقال: السّلطان ملِكْشاه ووزيره نظام المُلْك يَلْبَسانه. فقال: ولو شهِدا عندي ما قَبِلتُ شهادتهما أيضًا.
وقال ابن النّجّار: كان قد تفقّه على أبي الطّيّب الطّبريّ، وكان يحْفظ تعليقته، وولي قضاء القُضاة، وأبى أن يأخذ على القضاء رِزْقًا. ولم يغيّر مأكَلَه ولا مَلْبَسه، ولا استناب أحدًا في القضاء. وكان يسوّي بين الشّريف والوضيع في الحُكْم، ويقيم جاه الشَّرْع. فكان هذا سبب انقلاب الأكابر عنه، فألصقوا به ما كان منه بريًّا من أحاديث مُلَفَّقّةٍ، ومعاييب مزوَّرة. وصنَّف كتاب " البيان عن أُصول الدّين ". وكان على طريقة السَّلَف، ورِعًا نَزِهًا.
وأنبأنا أبو اليُمْن الكندي أنّ أحمد بن عبد الله ابن الآبنوسي أخبره، [ص:616] قال: كان لقاضي القُضاة الشّاميّ كِيسان، أحدهما يجعل فيه عمامته، وهي كتّان، وقميصًا من القطن الخشن، فإذا خرج لبسهما. والكيس الآخر فيه فتيت، فإذا أراد الأكل جعل منه في قصْعة، وجعل فيه قليلًا من الماء، وأكل منه.
وكان له كارك في الشّهر بدينار ونصف، كان يقتات منه. فلمّا ولي القضاء جاء إنسان فدفع فيه أربعة دنانير، فأبى، وقال: لا أغيّر ساكني. وقد ارتبتُ بك؛ لِمَ لا كانت هذه الزيادة قِبل القضاء؟ وكان يشدّ في وسَطِه مِئْزرًا، ويخلع في بيته ثيابه، ويجلس. وكان يقول: ما دخلتُ في القضاء حتّى وجب عليّ، وأعصي إن لم أقبله. وكان طُلّاب المنصب قد كثُروا، حتّى أنّ أبا محمد التّميميّ بذل فيه ذهبًا كثيرًا، فلم يُجب.
وقال سبط الجوزيّ: لمّا مات الدّامغانيّ سنة ثمانٍ وسبعين أشار الوزير أبو شجاع على الخليفة أن يولّيه القضاء، فامتنع، فما زالوا به حتّى تقلَّده، وشرط أن لا يأخذ رزقًا، ولا يقبل شفاعة، ولا يغيّر ملبوسه، فأجيب إلى ذلك، فلم يتغير حاله، بل كان في القضاء كما كان قبله.
وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ الْأَنْمَاطِيَّ يَقُولُ: كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّامِيُّ حَسَنَ الطَّرِيقَةِ؛ مَا كَانَ يَتَبَسَّمُ فِي مَجْلِسِهِ، وَيَقْعُدُ مُعْبِسًا، فَلَمَّا مُنِعَتِ الشُّهُودُ مِنْ حُضُورِ مَجْلِسِهِ، وَقَعَدَ في بيته، نفّذ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ الْقَزْوِينِيُّ الْمُعْتَزَلِيُّ: مَا عزلك الخليفة، إنّما عزلك النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَالَ: " لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ". وَأَنْتَ طُولُ عُمْرِكَ غَضْبَانُ.
وقال محمد بن عبد الملك الهَمَذَانيّ: كان حافظًا لتعليقة أبي الطّيّب، كأنّها بين عينيه، لم يقبل من سلطانٍ عطيّةً، ولا من صديقٍ هدية. وكان يعاب بسوء الخلق والحدّة.
وقال أبو عليّ بن سُكَّرَة: ورعٌ زاهدٌ، وأمّا العِلْم فكان يقال: لو رُفِع مذهب الشّافعيّ أمكنه أن يُمْليه من صدْرِه. علّق عنه القاضي أبو الوليد الباجي. [ص:617]
وقال عبد الوهّاب الأنْماطيّ: كان قاضي القُضاة الشّاميّ حسن الطّريقة، ما كان يتبسّم في مجلس قضائه.
قال السّمعانيّ: تُوُفّي في عاشر شعبان، ودُفِن في تربةٍ له عند أبي العبّاس بن سُرَيْج. وله ثمانيةٌ وثمانون عاماً.(10/615)
292 - محمد بن أبي نصر فتُّوح بن عبد الله بن فتُّوح بن حُمَيْد بن يصل، الحافظ أبو عبد الله الأزْديّ الحُمَيْديّ الأندلسيّ المَيُورقيّ، [المتوفى: 488 هـ]
ومَيُورقة: جزيرة قريبة من الأندلس.
سمع بالأندلس، ومصر، والشّام، والحجاز، وبغداد واستوطنها، وكان من كبار أصحاب أبي محمد بن حزْم الفقيه.
قال: وُلِدتُ قبل العشرين وأربع مائة. سمع ابن حزْم، وأخذ عنه أكثر كُتُبه، وأبا العبّاس أحمد بن عمر العُذْريّ، وأبا عمر بن عبد البَرّ. ورحل سنة ثمانٍ وأربعين وأربع مائة. فسمع بإفريقيّة كثيرًا، ولقي كريمة بمكّة. وسمع بمصر القاضي أبا عبد الله القضاعي، وعبد العزيز ابن الضّرّاب، وابن بقاء الورّاق، والحافظ أبا زكريّا البخاريّ، وبدمشق أبا القاسم الحسين الحِنائيّ، وعبد العزيز الكتّانيّ، وأبا بكر الخطيب، وببغداد أبا الغنائم ابن المأمون، وأبا الحسين ابن المهتدي بالله، والطّبقة، وبواسط أبا غالب بن بشْران اللُّغَويّ. ولم يزل يسمع ويُكْثِر حتّى كتب عن أصحاب الجوهريّ.
روى عنه شيخه الخطيب في مصنَّفاته، وأبو نصر بن ماكولا، وأبو عليّ بن سُكَّرَة، وأبو الحَسَن بن سَرْحان، وأبو بكر بن طرخان، وهبة الله ابن الأكفاني، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، والحافظ إسماعيل بن محمد، وصدّيق بن عثمان التِّبْريزيّ، وأبو إسحاق الغَنَويّ، وأبو الفضل محمد بن ناصر، وطائفة آخرهم أبو الفتح ابن البطّيّ. سمع الكثير ورحل وتعب. وكان من كبار الحفّاظ.
وكان ثقة، متديناً، بصيرًا بالحديث، عارفًا بفنونه، خبيرًا بالرجال، لا سيما بأهل الأندلس وأخبارها، مليح النّظم، حَسَن النِّغْمة في قراءة الحديث، صيِّنًا ورِعًا، جيّد المشاركة في العلوم. [ص:618]
وكان ظاهريّ المذهب، ويُسِرّ ذلك بعض الشيء.
قال ابن طَرْخَان: سمعتُه يقول: كنتُ أُحْمَلُ للسّماع على الكتِف سنة خمسٍ وعشرين وأربع مائة، وأوّل ما سمعتُ من الفقيه أبي القاسم أَصْبَغ بن راشد. وكنتُ أفهم ما يُقرأ عليه. وكان ممّن تفقّه على أبي محمد بن أبي زيد. وأَصْلُ أبي من قُرْطُبة، من محلةٍ يُقال لها الرّصافة، وسكن جزيرة ميورقة، وبها ولدت.
قال يحيى ابن البنّاء: كان الحُمَيْديّ مِن حِرصه واجتهاده ينسخ باللّيل في الحَرّ، فكان يجلس في إجّانة ماءٍ يتبرّد به.
وقال الحسين بن محمد بن خسْرُو: جاء أبو بكر بن ميمون، فدّق على الحُمَيْديّ، وظنّ أنّه قد أُذِن له فدخل، فوجده مكشوف الفخذ، فبكى الحُمَيْديّ وقال: والله لقد نظرت إلى موضعٍ لم ينظره أحدٌ منذ عَقَلْت.
وقال ابن ماكولا: لم أرَ مثل صديقنا الحُمَيْديّ في نزاهته وعفّته وورعه وتشاغله بالعلم. صنَّف تاريخًا للأندلس.
وقال السِّلَفيّ: سألت أبا عامر محمد بن سعدون العبدري، عن الحُمَيْديّ فقال: لا يُرى قطٌّ مثله، وعن مثله يسأل؟ جمع بين الفقيه والحديث والأدب، ورأى علماء الأندلس. وكان حافظًا.
قلت: لقي حفّاظ العصر ابن عبد البَرّ، وابن حَزْم، والخطيب، والحبّال.
وقال يحيى بن إبراهيم السّلماسي: قال أبي: لم تَرَ عينايَ مثل الحُمَيْديّ في فضله ونُبْله وغزارة عِلْمه وحرْصه على نشر العلم. قال: وكان ورِعًا تقيًّا إمامًا في الحديث وعِلَله ورُواته، متحقّقًا في علم التّحقيق والأصول على مذهب أصحاب الحديث، بموافقة الكتاب والسُّنّة، فصيح العبارة، متبحِّرًا في علم الأدب والعربيّة والتّرسّل. وله كتاب " الجمع بين الصحيحين "، و" تاريخ الأندلس "، و" جمل تاريخ الإسلام "، وكتاب " الذَّهَب المسبوك في وعظ الملوك "، وكتاب في التَّرسُّل، وكتاب " مخاطبات الأصدقاء "، وكتاب ما جاء من الآثار في حفظ الجار "، وكتاب " ذمّ النّميمة ". وله شعرٌ رصينٌ في المواعظ والأمثال.
قلت: وقد جاء عن الحُمَيْديّ أنّه قال: صيّرني " الشّهاب " شهابًا. وكان [ص:619] يُسمع عليه كثيرًا، عن مصنّفه القُضَاعيّ.
وقال ابن سُكَّرَة: كان يدلّني على المشايخ، وكان متقلّلًا من الدّنيا، يموّنه ابن رئيس الرّؤساء. ثمّ جرت لي معه قصص أوجبت انقطاعي عنه. وكان يبيت عند ابن رئيس الرّؤساء كلّ ليلة. وحدَّثني أبو بكر ابن الخاضبة أنّه لم يسمعه يذكر الدّنيا قطّ.
وقال أبو بكر بن طرْخان: سمعت أبا عبد الله الحُمَيْديّ يقول: ثلاثة كُتُب من علوم الحديث يجب تقديم الهِمم بها: كتاب " العِلل " وأحسن كتاب وُضع فيه كتاب الدَّارَقُطْنيّ، وكتاب " المؤتلف والمختلف " وأحسن كتاب وُضِع فيه كتاب الأمير ابن ماكولا، وكتاب " وَفَيات الشّيوخ " وليس فيه كتابٌ، وقد كنت أردت أن اجمع في ذلك كتابًا، فقال لي الأمير: رتبه على حروف المعجم، بعد أن ترتّبه على السِّنين.
قال ابن طرْخان: فشغله عنه الصّحيحان، إلى أن مات.
قلت: قد فتح الله بكتابنا هذا، يسّر الله إتمامه، ونفع به، وجعله خالصاً من الرّياء والرياسة.
وقد قال الحميدي في " تاريخ الأندلس ": أخبرنا أبو عمر بن عبد البرّ، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الْجُهَنيّ، بمصنّف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النَّسَائيّ، قراءةً عليه، عن حمزة بن محمد الكنَانيّ، عن النَّسَائيّ.
وللحُمَيْديْ - رحمه الله تعالى -:
كتابُ الله - عزّ وجلّ - قَولي ... وما صحَّتْ به الآثارُ دِيني
وما اتّفق الجميعُ عليه بَدْءًا ... وعَودًا فهو عن حقٍّ مُبينِ
فَدَعْ ما صَدَّ عن هذا وخُذْها ... تكُنْ منها على عين اليقينِ
وقال القاضي عياض: محمد بن أبي نصر أبو عبد الله الأزْديّ الأندلسيّ، سمع بمَيُورْقَة من أبي محمد بن حَزْم قديمًا. وكان يتعصَّب له، ويميل إلى قوله. وكانت قد أصابته فيه فتنة، ولمّا شُدِّد على ابن حَزْم وأصحابه خرج الحُمَيْديّ إلى المشرق. [ص:620]
ومن شِعْره:
طريقُ الزُّهْد أفضلُ ما طريق ... وتَقْوَى الله تأديةُ الحقوقِ
فثِقْ بالله يكْفِكَ واستعنه ... يعنك وذر بنيّات الطّريق
وله:
لقاء النّاس ليس يُفيدُ شيئًا ... سوى الهَذَيان من قيلٍ وقالِ
فاقْللْ من لقاءِ النّاس إلّا ... لأخْذِ العلمِ أو إصلاح حالِ
قال السّمعانيّ: روى لنا عَنْهُ يُوسُفَ بْنُ أَيُّوبَ الهَمَذَانيّ، وإسماعيل الحافظ، ومحمد بن علي الجلابي، والحسين بن الحسن المقدسيّ، وغيرهم، وتُوُفّي في سابعٍ عشر ذي الحجّة، ودُفِن بمقبرة باب أبْرَز بالقرب من قبر الشّيخ أبي إسحاق الشّيرازيّ، وصلّى عليه الفقيه أبو بكر الشّاشيّ بجامع القصر. ثمّ نُقِل في سنة إحدى وتسعين وأربع مائة إلى مقبرة باب حرب، ودُفِن عند قبر بِشْر الحافي.
ونقل ابن عساكر في " تاريخه " إنّ الحُمَيْديّ أوصى إلى الأجلّ مظفّر ابن رئيس الرّؤساء أن يُدْفن عند بِشْر بن الحارث، فخالف وصيّته، فلمّا كان بعد مدّة رآه في النّوم يُعاتبه على ذلك، فنقله في صَفَر سنة إحدى وتسعين، وكان كَفَنَه جديدًا، وبدنه طَرِيًّا، يفُوح منه رائحة الطِّيب. ووقفَ كُتُبَه - رحمه الله -.
وقع لنا " تذكرة " الحُمَيْديّ بِعُلُوّ.(10/617)
293 - محمد بن محمد بن جُمَاهر، أبو بكر الحَجْريّ الطُّلَيْطُلِيّ. [المتوفى: 488 هـ]
روى عن عمّه جُماهر، وقاسم بن هلال، وأبي عمر بن سُميْق، وحجّ، وسمع من أبي العبّاس بن نفيس، والقُضَاعيّ. وكان شديد العناية بالسّماع، وليس عنده كبير علم.
ورّخه ابن بشكوال.(10/620)
294 - محمد بن منصور بن عمر، أبو بكر الكَرْخيّ، الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 488 هـ]
والد أبي البدر إبراهيم الكرْخيّ.
فقيه صالح؛ سمع أبا الحسن بن مَخْلَد، وأبا عليّ بن شاذان. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي.
توفي في جمادى الأولى.(10/621)
295 - موسى بن محمد بن موسى، أبو عِمران الأصبهاني، ثمّ البغداديّ المؤدّب. [المتوفى: 488 هـ]
سمع عبد الملك بن بِشْران، وغيره. روى عنه أبو غالب ابن البناء، وابنه سعيد ابن البنّاء.(10/621)
296 - نجيب بن ميمون بن سهل بن عليّ، أبو سهل الواسطيّ، ثمّ الهَرَويّ. [المتوفى: 488 هـ]
سكن أبوه هَرَاة، وسمع نجيب من والده؛ ومن أبي عليّ منصور بن عبد الله الخالديّ، ورافع بن عُصم الضّبيّ، وطائفة من مُسْندي هَرَاة.
توفي عن بضع وتسعين سنة، وقد سمع الكثير بعد الأربع مائة. وكان مُسْنِد هَرَاة في زمانه.
روى عنه ابن طاهر المقدسي، ووجيه الشّحّامي، وأبو النّضر الفامي، وخلْق سواهم منهم: عُبَيْد الله بن حمزة الموسويّ، وأخوه عليّ بن حمزة، والمطهّر بن يَعْلَى العَلَويّ، ومحمد بن المفضل الدّهّان، والْجُنَيْد بن محمد القاينيّ، ومحمد بن رَيْحان النَّسَائيّ، وأبو الفتح نصر بن سيّار، وعليّ بن سهل الشّاشيّ، وأَمَةُ الله بنت محمد العارف، وعبد الملك بن عبد الله العدوي.
قال الدّقّاق: ليس بقي في الدّنيا من يروي عن الخالديّ سواه، وسمع من حاتم بن محمد بن أبي حاتم الهَرَويّ، وأحمد بن عليّ بن أحمد الشّارعيّ، ومحمد بن منصور الْجُولَكيّ، ومحمد بن محمد الأزْديّ القاضي.
وكان مولده في شعبان سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة، ومات في الثّاني والعشرين من رمضان سنة ثمان.(10/621)
297 - هبة الله بن محمد بن الطّيّب، أبو القاسم بن أبي بكر الصّبّاغ. [المتوفى: 488 هـ]
من سُراة البغداديّين. سمع أباه، وعثمان بن دُوَسْت، وغيرهما. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعمر بن ظَفَر الشَّيْبانيّ، وأبو الفتح محمد بن عبد السّلام.
قال ابن ناصر: توفي في سادس ذي القعدة.(10/622)
298 - يعقوب بن سليمان بن داود، أبو يوسف الإسفراييني. [المتوفى: 488 هـ]
نزيل بغداد وخازن كتب النّظاميّة.
تفقه على أبي الطيب الطبري. وقرأ النحو واللغة والأصول، وكان حسن الخط، مليح الشعر، حدَّث " بسُنَن النَّسَائيّ " عن أبي نصر الكسّار، وحدَّث عن عبد العزيز الأزجيّ، والطّبريّ.
وتُوُفّي في العشرين من ذي القعدة.(10/622)
299 - يَلْبَرْ بن خَطْلع، أبو منصور الفانيذيّ الكرْخيّ. [المتوفى: 488 هـ]
سمع " مشيخة " أبي عليّ بن شاذان منه. روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ. وكان صالحًا، صحيح السّماع.
توفي في جمادى الآخرة.(10/622)
-سنة تسع وثمانين وأربع مائة(10/623)
300 - أحمد بْن الحَسَن بْن أحمد بْن الحَسَن بْن خُداداد، أبو طاهر الكَرَجيّ الباقلّانيّ. [المتوفى: 489 هـ]
وُلِد سنة ستّ عشرة وأربع مائة، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران، وأبا بكر البَرْقانيّ. وسمع كُتُبًا كِبارًا، وتفرَّد بها، من ذلك: " سُنَن سعيد بن منصور "، تفرَّد به عن أبي عليّ بن شاذان. ولأبي طاهر السّلفي منه إجازة بمروياته.
روى عنه ابن ناصر، وعمر الدّهسْتانيّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو عليّ بن سُكَّرَة. وهو ابن خال ابن خَيْرُون.
قال السّمعانيّ: كان شيخًا عفيفًا، زاهدًا، منقطعًا إلى الله، ثقة، فهماً، لا يظهر إلّا يوم الجمعة. سمعت عبد الوهّاب الحافظ يقول: كان أبو طاهر الباقلّانيّ أكثر معرفة من أبي الفضل بن خَيْرُون. وكان زاهدًا حَسَن الطّريقة، وما كان له حلقة في الجامع، ولا قُرئ عليه فيه حديث؛ كان يقول لأصحاب الحديث: أنا لكم من السّبت إلى الخميس، ويوم الجمعة أنا بحكم نفسي للتّبكير والتّلاوة. وسمعتُ عبد الوهاب يقول: جاء نظام المُلْك إلى بغداد، وأراد أن يسمع من شيوخها، فكتبوا له أسماء الشّيوخ، وكتبوا في جملتهم اسمه، وسألوه أن يحضر دار نظام المُلْك حتّى يسمع منه. فامتنع، وألحّوا عليه، فما أجاب، ثمّ قال: إنّ ابن خَيْرُون قرابتي، وما انفردت أنا بشيء، بل كلّ ما سمعت أنا سمعه هو، وهو في خزانة الخليفة على عملكم، فاسمعوا منه.
تُوُفّي في رابع ربيع الآخر.(10/623)
301 - أحمد بن عبد الرحمن بن مظاهر، أبو جعفر الأنصاري الطّليطلي. [المتوفى: 489 هـ]
روى عن خاله جُماهر بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم بن عبد السّلام [ص:624] الحافظ، وقاسم بن هلال، وجعفر بن عبد الله، وجماعة كثيرة. وعُني بسماع العِلم ولقاء الشّيوخ، وكان ذا بَصَرٍ بالمسائل، ومَيْلٍ إلى الأثَر. صنِّف " تاريخ فُقهاء طُلَيْطُلَة "؛ رواه عنه القاضي أبو الحسن بن بَقِيّ.
وكان ثقة.(10/623)
302 - أحمد بن عمر بن الأشعث، ويقال ابن أبي الأشعث، أبو بكر السَّمَرْقَنْديّ المقرئ، [المتوفى: 489 هـ]
نزيل دمشق، ثم نزيل بغداد.
سمع أبا عثمان الصّابونيّ، وأبا عليّ بن أبي نصر، وأبا عليّ الأهوازيّ وقرأ عليه بالرّوايات. روى عنه أبو الكرم الشّهْرُزُورِيّ، وابنه أبو القاسم إسماعيل ابن السمرقندي، وأبو الفتح ابن البطّيّ.
وقال أبو الحسن عليّ بن أحمد بن قُبَيْس الغسّانيّ: كان أبو بكر يكتب المصاحف مِن حفظه. وكان إذا فرغ من الوجه كتب الوجه الآخر إلى أن يجفّ، ثمّ يكتب الوجه الّذي بينهما فلا يكاد أن يزيد ولا يُنْقص، مع كونه يكتب في قطعٍ كبير، وقطع لطيف. قال: وكان مزّاحًا. وخرج مع جماعة في فُرْجة، فقدَّموه يُصلّي بهم، فلمّا سَجَد بهم تركهم في الصّلاة، وصعِد شجرة، فلمّا طال عليهم، رفعوا رؤوسهم من السَّجْدَة، فلم يجدوه، ثمّ إذا به في الشّجرة يصيح: نَوّ نَوْ؛ فسقط من أعينهم وانتحس، وخرج إلى بغداد، وترك أولاده بدمشق.
قلت: ثمّ أرسل أخذ أهله. وسمَّع ابنيه بدمشق سنة بضعٍ وخمسين. وببغداد سنة نيّفٍ وستّين وأربع مائة. وأقرأ القرآن ببغداد، وتوفي في رمضان بها.
قال ابن النّجّار: هو من أهل سَمَرْقَنْد، سافر إلى الشّام، وكان محمودًا، متقنًا، عارفًا بالرّويات، محقّقًا في الأخذ، متحرِّيا، صدوقًا، ورِعًا. وكان يكتب على طريقة الكوفيّين، ويجمع بين نَسْخ المُصْحف من حِفْظه، وبين الأخذ على ثلاثة، ويضبط ضبطاً حسناً. حدثنا ابن الأخضر، قال: حدثنا ابن البّطي، قال: أخبرنا أحمد بن عمر السّمرقندي: أخبرنا الحسين بن [ص:625] محمد الحلبي، قال: حدثنا أحمد بن عطاء الرُّوذْباريّ إملاءً بِصُور.
قلت: مات الحلبي سنة ستٍّ وثلاثين، وهو أقدم شيخ للسَّمَرْقَنْديّ.
قال: الحسين بن محمد البلْخيّ: كان شيخنا أبو بكر السَّمَرْقَنْديّ لا يكتب لأحدٍ خطّه إذا قرأ عليه، إلّا أن يكون مجوّدًا في الغاية. وما رأيته كتب إلّا لمسعود الحلاويّ، وقال: ما قرأ عليّ أحدٌ مثله. فجاء إليه الطّبّال، فقرأ خَتْمات، وأعطى وَلَد الشّيخ دنانير، فردّها الشّيخ وقال: لا أستحلّ أن أكتبَ له.
قال البلْخيّ: وكان أبو بكر لمّا جاء من دمشق اتّصل بعفيف القائميّ الخادم، فأكرمه وأنزله، فكان إذا جاءه الفرّاش بالطعام بكى، فسأله عن بكائه، فقال: إنّ لي بدمشق أولادًا في ضيق. فأخبر الفرّاش عفيفًا، فأرسل مَن جاء بهم من دمشق، فجاؤوا أباهم بغتةً، ولم يزالوا في ضيافة عفيف حتّى مات. وُلِد أبو بكر سنة ثمانٍ وأربع مائة، ومات في سادس عشر رمضان.
قال محمد بن عبد الملك الهَمَذَانيّ في " تاريخه ": هو مشهور في التَّقدُّم بالقرآن ونسْخ المصاحف، جَعَل دأبَه أن ينسخ، ويُقرئ جماعةً بروايات مختلفة، يردُّ على المخطئ منهم. فكان له في هذا كلّ عجيبة.
قلت: قرأ عليه جماعة، وكانت قراءته على الأهوازيّ في سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة.(10/624)
303 - أحمد بن محمد بن عليّ، أبو بكر الهَرَويّ المقرئ الضّرير. [المتوفى: 489 هـ]
سكن دمشق، وسمع بها، رشأ بن نظيف، وأبا عليّ الأهوازيّ، وعليّ بن الخضر السُّلَميّ، وسمع بصور من عبد الوهاب بن برهان. سمع منه عمر الدّهسْتانيّ، وطاهر الخُشُوعيّ، وأبو محمد بن صابر ووثّقه.
وتُوُفّي بالقدس في ربيع الآخر.
قرأ على الأهوازيّ، وعاش اثنتين وثمانين سنة، ووُلِد بهَرَاة. وقد صنّف في القراءات الثّمان كتابًا سمّاه " التّذكرة ". قرأ عليه القراءات إبراهيم بن حمزة بن الْجَرْجَرائيّ، وغيره.(10/625)
304 - إسماعيل بن حَمْد بن محمد بن خيران، أبو محمد الهَمَذانيّ البزّاز. [المتوفى: 489 هـ]
سمع أبا الحسين الفارسيّ، وعمر بن مسرور، وحدَّث ببغداد، روى عنه محمد بن سعدون العبْدَريّ أبو عامر، وأبو البركات ابن السَّقَطيّ. وكان محدِّثًا مُكثِرًا.(10/626)
305 - إسماعيل بن حمزة بن فَضَالَة، أَبُو القاسم الهَرَويّ الحنفيّ العطّار. [المتوفى: 489 هـ]
عالم صدوق. حدَّث " بصحيح الإسماعيليّ "، عن الحسين بن محمد الباشانيّ. وسمع أيضًا من سعيد بن العبّاس القُرَشيّ. روى عنه الْجُنَيْد بن محمد القاينيّ، والقاسم بن الحسين الحصيريّ.
مات في ربيع الأوّل.(10/626)
306 - إسماعيل بن عبد الملك، الفقيه أبو القاسم الطُّوسيّ، الفقيه المعروف بالحاكميّ. [المتوفى: 489 هـ]
قدِم دمشق. عديل الإمام أبي حامد الغزاليّ. وسمع من نصر المقدسيّ في سنة تسعٍ وثمانين.
قال أبو المفضّل يحيى بن عليّ القُرَشيّ القاضي: كان أعلم بالأصول من الغزاليّ، وكان شافعيًّا.
قلت: لا أعلم وفاته مَتى هي.(10/626)
307 - إسماعيل بن عثمان بن عمر الأبْرِيسَميّ. [المتوفى: 489 هـ]
نَيْسابوريّ، روى عن أبي سعيد محمد بن موسى الصَّيْرفيّ. روى عنه زاهر الشّحّاميّ، وغيره.
وقيل: تُوُفّي سنة تسعين.(10/626)
308 - أَمةُ الرحمن بنت أبي القاسم عبد الواحد بن حسين بن الْجُنَيْد. [المتوفى: 489 هـ]
امرأة عالمة صالحة، متبرّكٌ بها، سمعت أبا القاسم بن بشْران. روى عنها: إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وابن عبد السّلام الكاتب. ووُلِدت سنة أربع مائة، وعمّرت.(10/627)
309 - الحُسَين بْن محمد بْن الحسين بْن عَبْد الله بن عمر، أبو عبد الله بن السّرّاج البغداديّ النّصريّ. [المتوفى: 489 هـ]
كان من أهل الصّلاح والسّداد، سمع أبا القاسم الحرفي، وعثمان بن دُوَسْت العلّاف، وعبد الملك بن بشْران، ونصْر بن علالة. روى عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، ومسعود بن محمد بن شُنَيْف، وآخرون.
تُوُفّي في صَفَر.
أخبرونا عن ابن اللُّتّيّ، عن مسعود، عنه، بجزء ابن عفّان.(10/627)
310 - حمزة بن محمد بن الحسن بن محمد، أبو القاسم القُرَشيّ الأسَديّ الزُّبَيْريّ البغداديّ. [المتوفى: 489 هـ]
شيخ صالح. سمع أبا القاسم الحرفيّ، وأبا عليّ بن شاذان.
روى عنه الأنْماطيّ، وعمر بن ظَفَر، وابن ناصر، وآخرون.
تُوُفّي في شعبان عن نيّفٍ وثمانين سنة.(10/627)
311 - سليمان بن أحمد بن محمد، أبو الربيع الأندلسيّ السَّرَقُسْطيّ. [المتوفى: 489 هـ]
دخل بغداد، وسمع بها من أبي القاسم بن بِشْران، وأبي العلاء الواسطيّ، وجماعة.
وكان عارفًا باللُّغَة، لكن قال ابن ناصر: كان كذّابًا، وكان يُلْحِق اسمه.
قال السّمعاني: حدثنا عنه عبد الوهّاب الأنماطي، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وابنه منصور بن سليمان. وسألتُ أبا منصور بن خَيْرُون عنه، فأساء القول فيه، وقال: نهاني عمّي أبو الفضل أن أقرأ عليه. [ص:628]
وتوفّي في ربيع الآخر.(10/627)
312 - شافع بن علي بن أبي الفضل، أبو الفضل الطُّرَيْثيثيّ، الصُّوفيّ، [المتوفى: 489 هـ]
من ساكني نَيْسابور.
شيخ صالح ظريف، له مجاهدة وحفظ أوقات وجمع همة. صحِب السّادة وحجّ؛ وسمع بمكة: أبا الحسن بن صخْر. وبالبصرة إبراهيم بن طَلْحة بن غسّان. روى عنه وجيه الشّحّاميّ.
وُلِد سنة أربع مائة، وتُوُفّي في ذي الحجة.(10/628)
313 - ظَفَرُ بنُ هبة الله بن القاسم، أبو نصر الكسائي الهمذاني التّاني. [المتوفى: 489 هـ]
قال شيرويه: يروي عن ابن المحتسب، وعليّ بن إبراهيم بن حامد، وأبي طاهر بن سَلَمَة، وابن عَبْدان، وأبي بكر الأردستاني. سمعت منه وولداي شهردار وزينب، وهو شيخ.
توفي في جمادى الأولى، وصلّينا عليه يوم الجمعة.(10/628)
314 - عبد الله بن الحسين بن علي بن حسين الأموي، أبو محمد السعيداني البصري، [المتوفى: 489 هـ]
من ولد أمير مكة عتاب بن أسيد - رضي الله عنه -.
كان أبو محمد محتسب البصرة. وقد سمع الكثير من عليّ بن هارون المالكيّ، والمبارك بن عليّ بن حمدان، والحسن بن أحمد الدّبّاس، وطلحة بن يوسف المواقيتيّ، وجماعة. ورحل إلى بغداد، وسمع وحدَّث.
وُلِد سنة تسعٍ وأربع مائة، وأوّل سماعه سنة ثمان عشرة. وكان حافظًا محدَّثًا، حدَّث عنه أبو عبد الله البارع، وأبو غالب الماوَرْديّ. ووثّقه الحافظ جابر بن محمد البصْريّ، وقال: عنه أخذت علم الحديث.
وقد كتب عن السَّعِيدَانيّ أبو عبد الله الحُمَيْديّ، ومكّيّ الرُّمَيّليّ، وشُجاع الذُّهْليّ.
وقد تقدَّم ذكره، ورَّخ ابن النّجّار وفاته في هذه السّنة.(10/628)
315 - عبد الله بن يوسف، القاضي أبو محمد الْجُرْجَانيّ المحدِّث. [المتوفى: 489 هـ][ص:629]
صنّف " فضائل الشّافعي " و" فضائل أحمد بن حنبل ". ودخل هَرَاة، وتُوُفّي في ذي القعدة. وسماعاته في حدود الثّلاثين وأربع مائة. روى عنه وجيه الشّحّاميّ، وغيره، وعبد الغافر الفارسيّ، سمع من عمر بن مسرور، وأبي الحسين الفارسيّ، وأبي سعْد الكَنْجرُوذيّ، وأبي عثمان البَحِيريّ، وطبقتهم، ومَن بعدهم فأكثر، وهو ثقة صاحب حديث.
قال السّمعانيّ: وُلِد بجُرْجَان سنة تسعٍ وأربع مائة، سمع من حمزة السَّهْميّ، وأحمد بن محمد الخَنْدقيّ، ومحمد بن عليّ بن محمد الطّبريّ، وكريمة بنت محمد المَغَازليّ، والأربعة سمعوا من ابن عدِيّ. وسمع من أبي نُعَيْم عبد الملك بن محمد الإستراباذي، الصّغير صاحب الإسماعيلي. ومن عبد الملك بن محمد بن شاذان الجرجاني، وأبي معمر المفضل بن إسماعيل الإسماعيليّ. روى لنا عنه الْجُنَيْد بن محمد القاينيّ، وعبد الملك بن عبد الله العدويّ، وأخوه أبو الفتح سالم، وعليّ بن حمزة المُوسُويّ، وهبة الرحمن القُشَيْريّ، وآخرون.
قال: ومات في تاسع ذي القعدة.(10/628)
316 - عبد الجبّار بن عبد الواحد بن أحمد بن شبويه، أبو الفضل بن أبي طاهر، التّاجر، الأصبهاني. [المتوفى: 489 هـ]
حدَّث عن أبي نُعَيْم. سمع منه المؤتَمَن السّاجي، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الفتح بن عبد السّلام.
وُلِد سنة ثلاثٍ وعشرين وأربع مائة، وتُوُفّي ببغداد في شوّال سنة تسعٍ وثمانين.(10/629)
317 - عبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد بن عليّ، أبو منصور الشِّيحيّ التّاجر السّفّار المعروف بابن شُهْدَانْكه، [المتوفى: 489 هـ]
من أهل محلّة النَّصْريّة ببغداد.
سمع الكثير من أبي منصور محمد بن محمد ابن السّوّاق، وأبي بكر أحمد بن محمد بن الصَّقْر، وعبد العزيز بن عليّ الأزجيّ، وابن غَيْلان، وأبي محمد الخلّال، والعتيقيّ، وطبقتهم. وكتب بخطّه أكثر مسموعاته. [ص:630]
وسمع بمصر: أبا الحسن الطّفّال، وأبا القاسم عليّ بن محمد الفارسيّ، وعبد الملك بن مسكين، وبدمشق أَبَا الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي نصر، وأبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا عبد الله محمد بن يحيى بن سلوان، وبالرَّحْبة عُبَيْد الله بن أحمد الرَّقّيّ، وطائفة سواهم.
وكتب بخطّه أكثر مصنَّفات الخطيب، وروى الكثير، حدَّث عنه شيخه أبو بكر الخطيب، وأبو السُّعُود أحمد بن عليّ، وأبو عامر العبدري، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الفتح محمد بن عبد السّلام، وسعيد بن محمد الرزّاز الفقيه، وأبو بكر ابن الزّاغُونيّ، وأبو الفضل بن ناصر، وخلْق سواهم.
سُئل إسماعيل بن محمد الحافظ عنه، فقال: شيخ فاضل ثقة.
وقال شُجاع الذُّهْليّ: كان صَدُوقًا.
وقال أبو عامر العَبْدَرِيّ: كان من أنبل من رأيت وأَوْثقه.
وقال أبو عليّ الصّدفي: كان فاضلا نبيلًا كيِّسًا ثقة، وكان عنده أصل أبي بكر الخطيب بتاريخه، خصَّه به.
قلت: لأنّه فيما قال السّمعانيّ هو الّذي حمل الخطيب إلى العراق، فأهدى إليه الخطيب تاريخه بخطّه.
وقال غيْث بن عليّ: سألته عن مولده، فقال: سنة إحدى وعشرين وأربع مائة، وأوّل سماعي سنة سبعٍ وعشرين.
وقال أبو عليّ البَرَدَانيّ: كان من المتموّلين، وكان أمينًا سَرِيًّا، كتب كثيرًا. وتُوُفّي في جُمَادى الأولى.
قال السّمعانيّ: سمعتُ شيخًا لنا يقول: إنّ الخطيب لمّا حدَّث بالجزء الأوّل من " تاريخه " استأذنه أبو الفضل بن خَيْرُون أو شجاع الذُّهْليّ في التّسميع في أيّ موضعٍ يكتب، فقال: استأذِنوا الشّيخ عبد المحسن، فإنَّ النُّسخة له، ولو كان عندي شيءٌ أعزّ منه أهديته له.
وقال أبو الفضل محمد بن عطّاف: كان شيخنا عبد المحسن على طريقةٍ حَسَنة مَرْضِيّة، حَسَن العناية بالعِلْم، وكان مالكيًّا ثقة أمينًا، قال لي: وُلِدتُ في رجب سنة إحدى وعشرين. [ص:631]
وقال ابن ناصر: تُوُفّي شيخنا عبد المحسن ابن الشِّيحيّ في سادس عشر جُمَادى الأولى.
قلت: وأبوه من شِيحة، قريةٌ من قرى حلب.(10/629)
318 - عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد، أبو الفضل المقدسي الهمذاني الفرضي، [المتوفى: 489 هـ]
نزيل بغداد.
كان واحد عصره في الفرائض. سمع الحسن بن محمد الشّاموخيّ بالبصرة، وعبد الواحد بن هبيرة العِجْليّ، وجماعة. روى عنه ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ.
وقيل: كان معتزليًّا.
تُوُفّي في رمضان ببغداد، وهو والد المؤرّخ محمد.(10/631)
319 - عبد الملك بن سِراج بن عبد اللَّه بن محمد بن سِراج، الإمام أبو مَرْوان الأُمَويّ، مولاهم القُرْطُبيّ. [المتوفى: 489 هـ]
إمام اللُّغَة بالأندلس، غير مُدافَع. روى عن أبيه، ويونس بن عبد الله القاضي، وإبراهيم بن محمد الإفْليليّ، ومكّيّ بن أبي طالب، وأبي عَمْرو السَّفاقِسيّ، وجماعة.
روى عنه أبو عليّ الصَّدَفيّ، وقال: هو أكثر مَن لقيته علماً بضروب الآداب ومعاني القرآن والحديث.
وقال القاضي أبو عبد الله ابن الحاجّ: كان شيخنا أبو مروان بن سِراج يقول: حدَّثنا وأخبرنا واحدٌ، ويحتجّ بقوله - تعالى -: {يومئذٍ تحدّث أخبارها} فجعل الحديث والخبر واحداً.
وقال القاضي عياض: الوزير أبو مروان الحافظ اللُّغَويّ النَّحْويّ إمام الأندلس في وقته في فنّه، وأَذْكرهم للسان العرب، وأوثقهم على نقله. وكان أبوه أبو القاسم قاضي قُرْطُبة من أفضل العلماء.
قال عياض: وأخبرني ابنه أبو الحسين الحافظ أنّ أبا محمد مَكِّيًّا المقرئ [ص:632] كان يعرض عليه بعض مصنَّفاته، ويأخذ رأيه فيها، وإليه كانت الرّحلة من أقطار الأندلس.
وقال الْيَسَعُ بنُ حَزْم: لكن ابن سِراج زَيْن الإيمان، وحَسَنة الزّمان، العلّامة، النّسّابة، ذو الدّعوة المستجابة، والتسهيل والإجابة. كان المعتمد يزوره ويعظّمه.
وقال أبو الحسن بن مُغِيث: كان أبو مروان من بيت خيرٍ وفضل، من مشاهير الموالي بالأندلس. كان جدّهم سِراج من موالي بني أُمَيّة، على ما حكاه أهل النَّسَب، إلّا أنّ أبا مروان قال لي غير مرّةٍ: أنّه من العرب، من كَلْب بن وَبْرَة، أصابهم سِبَاء. اختلفت إليه كثيرًا ولازمته، وكان واسع الرّواية والمعرفة، حافِلَهُما، بحرُ علمٍ، عالمًا بالتّفاسير، ومعاني القرآن، ومعاني الحديث، أحفظ النّاس للسان العرب، وأصدَقهم فيما يحمله، وأقَوَمَهم بالعربيّة والأشعار والأخبار والأيّام والأنساب. عنده يسقط حفظ الحفّاظ ودونه يكون علم العلماء. فاق النّاس في وقته، وكان حَسَنَة من حسنات الزّمان، وبقيّة الأشراف والأعيان.
وقال أبو عليّ الغسّانيّ: سمعته يقول: مولدي في ثاني عشر ربيع الأوّل سنة أربع مائة. ومُتِّع بجوارحه على اعتلاء سنِّه، إلى أن تُوُفّي، وهو حسن النقيبة، متوقِّد الذّهن، سريع الخاطر، في تاسع ذي الحجّة يوم عَرَفَة، وصلّى عليه ابنه أبو الحسن سراج.(10/631)
320 - القاسم بن الفضل بن أَحْمَد بن أَحْمَد بن محمود، أبو عبد الله الثّقفيّ الأصبهاني، [المتوفى: 489 هـ]
رئيس إصبهان وكبيرها ومُسْنِدُها.
وُلِد سنة سبعٍ وتسعين وثلاث مائة، وأوّل سماعه في ذي الحجّة سنة ثلاثٍ وأربع مائة. سمع أبا الفَرَج عثمان بْن أحمد بْن إِسْحَاق بْن بُنْدار البُرْجيّ، وعبد الله بن أحمد بن جولة الأبْهَريّ، ومحمد بن إبراهيم الْجُرْجَانيّ، وأبا بكر بن مردوَيْه، وعليّ بن فيلة الفَرَضيّ، وأحمد بن عبد الرحمن الأزدي، وجماعة بإصبهان. ومحمد بن محمد بن مَحْمِش، ومحمد بن الحُسَين السُّلَميّ، ويحيى بن إبراهيم المزكّي وأبا بكر الحِيريّ، وأبا سعيد الصَّيْرَفيّ، وعبد الرّحمن بن [ص:633] محمد بْن أَحْمَد بْن حبيب القاضي، ومحمد بن محمد بن بالوَيْه الصّائغ، والحسين بن عبد الرحمن التّاجر، وعبد الرحمن بن بالوَيْه، وعليّ بن أحمد بن عَبْدان الشّيرازيّ، وأبا عَمْرو محمد بن عبد الله الرَّزْجاهيّ، وعليّ بن محمد بن خَلَف، وأبا حازم عمر بن أحمد العبدويي، وجماعة بنَيْسابور. وهلال بْن مُحَمَّد الحفّار، وأبا الْحُسَيْن بْن بِشْران، وابن الفضل القطّان، والغَضَائريّ، والإياديّ، وجماعة ببغداد، وأبا عبد الله بن نظيف بمكّة.
روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازي، وأبو طاهر أحمد بن حامد الثّقفي، وبنيمان بن محمد الكُنْدُوج، وشَيْبان بن عبد الله المؤدّب، وبُنْدَار بن غانم، وعبد الجبّار بن محمد بن علي الصّالحاني، وأبو المطهَّر الصَّيْدَلانيّ القاسم بن الفضل، وأبو جعفر محمد بن الحسن الصَّيْدلانيّ، وأبو رشيد محمد بن عليّ بن محمد البَاغْبَان، وأبو عبد الله الحسن بن العبّاس الرُّسْتُميّ، وحفيده مسعود بن القاسم الثّقفيّ، والحافظ أبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني، وخلْق سواهم.
قال السّمعانيّ: كان ذا رأيٍ وكفاءةٍ وشهامة. وكان أيسر أهل عصره ثروةً ونعمةً وبضاعةً ونقْدًا. وكان منفقًا كثير الصَّدَقة، دائم الإحسان إلى الطّارئين والمقيمين وأهل الحديث عمومًا، وإلى العَلَويّة خصوصًا، كثير الإنفاق عليهم. وصُرِف في آخر عمره، يعني عن رياسة البلد، وصودر، فدفع مائة ألف دينار حُمْر في مدّةٍ يسيرة، لم يَبع في أدائها ضياعًا ولا عقارًا، ولا أظهر من نفسه انكسارًا إلى أن خرج من عُهْدة ذلك. وكان رجلًا من رجال الدّنيا. وعُمّر حتّى سُمع منه الكثير، وانتشرت عنه الرّواية في الأقطار، ورحلت إليه الطَّلَبة من الأمصار. وكان صحيح السّماع، غير أنّه كان يميل إلى التَّشيُّع على ما سمعتُ جماعةً من أهل إصبهان.
وقال يحيى بن مَنْدَهْ: لم يحدِّث في وقته أوثق في الحديث منه وأكثر سماعًا، وأعلى إسنادًا، إلّا أنّه كان يميل إلى الرَّفْض - فيما قيل -. سمع " تاريخ يعقوب الفَسَويّ " من ابن الفضل القطّان، عن ابن درستُوَيْه، عَنْهُ. وسمع " تاريخ ابن مَعِين " من أبي عبد الرحمن السُّلَميّ. حُكي لي أنّه وُلِد سنة خمسٍ وتسعين وثلاث مائة، وقيل: سنة سبعٍ. [ص:634]
وقال غيره: تُوُفّي في رجب.
وقال السِّلَفيّ: كان الرّئيس الثّقفيّ عظيمًا كبيرًا في أعيُن النّاس، على مجلسه هيبةٌ ووقار، وكان له ثروة وأملاك كثيرة.
وذكره ابن السّمعانيّ في تخريجٍ لولده عبد الرّحيم فقال: كان محمود السّيرة في ولايته، مُشْفِقًا على الرّعيّة. سمعتُ أنّ السّلطان ملِكْشاه أراد أن يأخذ مالاً من أهل إصبهان، فقال الرّئيس: أنا أُعطي النِّصْف، ويُعطي الوزير - يعني النّظام - وأبو سعد المستوفي النّصف، فما قام حتّى وَزَنَ ما قال. وظنِّي أنّ المال كان أكثر من مائة ألف دينار حمر. وكان يَبَرُّ المحدِّثين بمالٍ كثير، ورحلوا إليه من الأقطار.(10/632)
321 - محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور، الحافظ أبو بكر ابن الخاضبة، البغداديّ الدّقّاق. [المتوفى: 489 هـ]
مفيد بغداد، والمشار إليه في القراءة الصّحيحة مع الصّلاح والورع. حدَّث عن أبي بكر الخطيب، وأبي جعفر ابن المسلمة، وأبي الحسين ابن النّقّور، وعبد الرّحيم بن أحمد البخاريّ، وأحمد بن عليّ الدِّينَوَريّ. وأكثر عن أصحاب المخلّص. ورحل إلى الشّام والقدس. وسمع بدمشق من إمام الجامع عبد الصّمد بن محمد بن تميم. وأقدم شيخٍ له مؤدّبه أبو طالب عُمَر بن محمد بن الدَّلْو، فإنّه يروي عن أبي عُمَر بن حَيَّوَيْهِ، وتُوُفّي سنة ستٍّ وأربعين وأربع مائة. وسمع بالقدس من محمد بن مكّيّ بن عثمان الأزْديّ، وعبد الرّحيم البخاري، وأبي الغنائم محمد ابن الفرّاء.
روى عنه أبو عليّ بن سُكَّرَة، ومحمد بن طاهر المقدسيّ. وآخر من روى عنه محمد بن عبد الباقي ابن البطي.
قال ابن سكرة: كان محبوبًا إلى النّاس كلّهم، فاضلًا، حَسَن الذِّكْر. ما رأيت مثله على طريقته، وكان لا يأتيه مستعير كتابًا إلّا أعطاه، أو دلّه عند مَن هو. وسمعتُ أبا الوفاء بن عقيل الحنبليّ الإمام يقول: وذَكَر شدَّةً أصابته بمطالبةٍ طُولِب بها، وأنّه كانت له عند ذلك خَلوات يدعو ربَّه فيها ويناجيه، فقرأ علي في مناجاته: فَلَئنْ قلتَ لي يا ربّ: هل واليتَ فيَّ وليًّا؟ أقول: نعم [ص:635] يا رب، أبو بكر ابن الخاضبة. ولئن قلتَ هل عاديتَ فيَّ عدُّوًا؟ أقول: نعم يا ربّ فُلانًا ولم يُسمِّه لنا. فأخبرت ابن الخاضبة بقوله: فقال لي: اغترّ الشّيخ.
وقال ابن السّمعانيّ: نسخَ " صحيح مسلم " سنة الغرق بالأُجرة سبْع مرّات.
وقال ابن طاهر: ما كان في الدّنيا أحسن قراءةً للحديث من ابن الخاضبة في وقته، لو سمع بقراءته إنسانٌ يومين لَمَا ملَّ من قراءته.
وقال السِّلَفيّ: سألتُ أبا الكرم الحَوْزِيّ عن ابن الخاضبة، فقال: كان علّامةً في الأدب، قُدْوَةً في الحديث، جيّد اللّسان، جامعًا لخلال الخير. ما رأيتُ ببغداد من أهلها أحسنَ قراءةً للحديث منه، ولا أعرف بما يقوله.
وقال ابن النّجّار: كان ابن الخاضبة ورِعًا، تقيًّا، زاهدًا، ثقة، محبوبًا إلى النّاس، روى اليسير.
وقال أبو الحسن عليّ بن محمد الفصيحيّ: ما رأيت في أصحاب الحديث أقْوَم باللُّغة من ابن الخاضبة.
وقال السِّلَفيّ: سألت أبا عامر العَبْدَرِيّ عنه، فقال: كان خيرَ موجودٍ في وقته، وكان لا يحفظ، إنّما يعوّل على الكُتُب.
وقال ابن طاهر: سمعتُ ابن الخاضبة، وكنتُ ذكرت له أنّ بعض الهاشميّين حدَّثني بإصبهان، أنّ الشّريف أبا الحسين ابن الغريق يرى الاعتزال، فقال لي: لا أدري، ولكن أحكي لك حكاية: لمّا كان في سنة الغَرَق وقعت داري على قماشي وكُتُبي، ولم يكن لي شيء. وكان عندي الوالدة والزّوجة والبنات، فكنتُ أنسخ للنّاس، وأُنفق عليهنّ، فأعرف أنّني كتبتُ " صحيح مسلم " في تلك السّنة سبع مرات، فلمّا كان ليلة من اللّيالي رأيتُ كأنّ القيامة قد قامت، ومناديا ينادي: أين ابن الخاضبة؟ فأُحْضِرتُ، فَقِيل لي: أُدْخِل الجنَّة. فَلَمَّا دخلتُ البابَ وصرتُ مِن داخل استلقيتُ على قَفَاي، ووضعتُ إحدى رِجْليَّ على الأخرى، وقلت: استرحتُ والله من النّسخ. فرفعتُ رأسي، فإذا ببغْلة فِي يد غلام فقلتُ: لمن هَذِهِ؟ فقال: للشّريف أبي الحسين ابن [ص:636] الغريق. فلمّا أصبحت نُعي إلينا الشّريف.
وقال ابن عساكر: سمعتُ أبا الفضل محمد بن محمد بن عطّاف يحكي أنّه طلع في بعض بني الرّؤساء ببغداد إصبعٌ زائدة، فاشتدّ تألُّمُه منها ليلةً، فدخل عليه ابن الخاضبة، فشكا إليه وجَعَه، فمسح عليها وقال: أمرُها يسير. فلمّا كانت اللّيلة الثّانية نام وانتبه، فوجدها قد سقطت. أو كما قال.
توفّي في ثاني ربيع الأوّل ببغداد، وكان يومًا مشهودًا، وخُتِم على قبره خَتْمات.(10/634)
322 - محمد بن الحسن، أبو بكر الحضْرميّ، المعروف بالمُرَاديّ القَيْروانيّ. [المتوفى: 489 هـ]
دخل الأندلس، وأخذ عنه أهلها. روى عنه أبو الحسن المقرئ ابن الباذش، وقال فيه: كان رجلًا نبيهًا، عالمًا بالفقه، وإمامًا في أصول الدّين، وله في ذلك تصانيف حِسان مفيدة، وله حظٌّ وافر من البلاغة والفصاحة.
وقال أبو العبّاس الكتاني: دخل قُرْطُبة في سنة سبعٍ وثمانين رجل من القَرَويّين، وهو أبو بكر المُرَاديّ، له نهوض في علم الاعتقادات والأصول، ومشاركة في الأدب والقريض. اختلف إلى أبي مروان بن سِراج في سماع " التَّبْصرة " لمكّيّ، وحدَّثني بكتاب " فقه اللّغة " مشافهةً، عن عبد الرحمن بن عُمَر التّميميّ القصديريّ، عن محمد بن عليّ التّميميّ، عن إسماعيل بن عَبْدوس النَّيْسابوريّ، عن مصنِّفه أبي منصور الثَّعالبيّ، وبلغني موته سنة تسع وثمانين.
قلت: له رسالة " الإيماء إلى مسألة الاستواء ".(10/636)
323 - محمد بن عليّ بن محمد بن عُمَير الزّاهد، أبو عبد الله العُمَيْريّ الهَرَويّ، الرّجل الصّالح. [المتوفى: 489 هـ]
وُلِد سنة ثمانٍ وتسعين وثلاث مائة، وأوّل سماعه سنة سبعٍ وأربع مائة، سمع من أبيه عليّ بن محمد بن عُمَيْر بن محمد بن عُمَير، عن العبّاس بن الفضل النّضروييّ. وسمع من عليّ بن أبي طالب الخَوارَزْميّ، وعليّ بن جعفر [ص:637] القهندزي، وعبد الرحمن بن محمد أبي الحسن الدّيناريّ، ومحمد بن أبي اليمان منصور الخطيب وأبي إسماعيل محمد بن عبد الرحمن الحدّاد، ويحيى بن عبد الله البزّاز، ومحمد بن إبراهيم بن أُمَيَّة، وأبي بِشْر الحسن بن محمد بن أحمد القُهُندُزِيّ، وشُعَيب بن محمد البوشنجي، وضمام بن محمد الشَّعْرانيّ، وخلْق كثير بهَرَاة؛ وأبي بكر أحمد بن الحسن الحِيريّ النَّيْسابوريّ بها. وأبي عليّ بن شاذان، وطبقته ببغداد.
قال الفامِيّ في " تاريخ هَرَاة ": العُمَيْريّ تفرَّد عن أقرانه، وتوحّد عن أبناء زمانه بالعِلْم والزُّهْد في الدّنيا، والإتقان في الرّواية، والرّغبة في التّحديث، والتّجرّد من الدّنيا، والإعراض عن حطامها والإقبال على الآخِرة.
وقال محمد بن عبد الواحِد الدَّقّاق: أبو عبد الله العُمَيْريّ ليس له نظيرٌ بخُراسان، فكيف بهَرَاة.
وقال في رسالته: ولم أرَ في شيوخي كالإمام الزّاهد المتقن أبي عبد الله العُمَيْريّ - رحمةُ الله عليه -.
وقال غيره: كان فقيهاً إماماً ورعاً قدوة، واسع الرواية، حدّث بالكثير، وقد حجّ سنة عشرين وأربع مائة.
قال السّمعانيّ: ودخل بلاد اليمن، ورجع، فقدِم بغداد سنة ثلاثٍ وعشرين، وسمع بمكّة من محمد بن الحُسَين الصَّنْعانيّ، وبنَيْسابور من أبي بكر الحِيَريّ، وأبي سعيد الصَّيْرفيّ، وببغداد من الحرفي، وابن شاذان، وعثمان بن دُوَسْت، وبهَرَاة من يحيى بن عمّار، وأبي يعقوب القرّاب، ومحمد بن جبريل بن ماحٍ.
روى عنه ابن طاهر المقدسيّ، والمؤتَمَن السّاجيّ، وأبو عبد الله الدّقّاق، وأبو الوقت عبد الأوّل، وعليّ بن حمزة، والْجُنَيد بن محمد، والقاسم بن عمر الفصّاد ومحمد بن أبي عليّ الهَمَذَانيّ وأبو النَّضْر الفامِيّ.
وقال أبو جَعْفَر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ: قال لي أبو إسماعيل الأنصاريّ: [ص:638] احفظ الشّيخ أبا عبد الله العُمَيْريّ، واكتب عنه، فإنّه متقنٌ. مع ما كان بينهما من الوحشة.
قال أبو جعفر: وكان فقيهًا محدّثًا سُنّيًّا.
وسُئل إسماعيل الحافظ عنه، فقال: إمامٌ زاهد.
توفّي العميري في المحرَّم.(10/636)
324 - محمد بن عليّ بن محمد الحماميّ، أبو ياسر البغداديّ. [المتوفى: 489 هـ]
قال السّمعانيّ: كان إمامًا في القراءات، ضابطًا لها. كتب بخطّه الكثير من القراءات والحديث والكُتُب الكبار في معاني القرآن. وكان ثقة. قرأ على أَبِي بَكْر محمد بْن عليّ بْن موسى الحنّاط، ورحل إلى غلام الهرّاس فأكثر عنه. وسمع من أبي جعفر ابن المسلمة، وجماعة. وتُوُفّي في المحرَّم.(10/638)
325 - محمد بن عليّ، القاضي أبو سعيد البَغَوي الدّبّاس. [المتوفى: 489 هـ]
مرَّ في العام الماضي، أعدتّه لقول بعضهم: تُوُفّي سنة تسعٍ وثمانين.
روى عنه محمد بن عبد الرحمن الحمدونيّ، وأحمد بن ياسر المقرئ، وأبو الفضل اللّيث بن أحمد، وعبد الصّمد بن محمد الخطيب، وعبد الرحمن بن محمد بن عمر، وخلْق.(10/638)
326 - محمد بن محمد بن أحمد بن هميماه، أبو نصر الرّامشيّ النَّيْسابوريّ المقرئ، [المتوفى: 489 هـ]
ابن بنت الرّئيس منصور بن رامش.
سمع من أصحاب الأصمّ، وسمع بمكّة، والعراق، والشّام، وهراة. وحدَّث عن أبي الفضل عمر بن إبراهيم الزّاهد، وعبد الرحمن بن محمد السّرّاج، وعليّ بن محمد الطّرازيّ، وعليّ بن محمد بن عليّ السّقّاء، والحسين بن محمد بن فنجويه الثّقفي، ومحمد بن الحسين ابن التُّرْجُمان الرَّمْليّ، وأبي عليّ بن أبي نصر التّميمي، وأبي العلاء بن سليمان المعري.
قال عبد الغافر: وُلِد سنة أربعٍ وأربع مائة. وسمع مع أخواله. وعقد مجلس الإملاء في المدرسة العميديّة فأملى سِنين، وأنشدني لنفسه: [ص:639]
سَوَّدَ أيّامي المَشِيبُ ... وابْيَضَّتِ الرَّوضةُ العشيبُ
وكان روضُ الشّبابِ غَضًّا ... نوّارُ أشجارِهِ رطيبُ
فصار عَيْشي مريرَ طعمٍ ... وعَيْشُ ذي الشَّيْب لا يَطيبُ
وله:
وكنت صحيحًا والشّبابُ مُنادِمي ... فأنْهَلَني صَفْوَ الشّراب وعلَّني
وزدتُ على خمسٍ ثمانين حجّةً ... فجاء مشيبي بالضَّنَى فأعلّني
قال ابن عساكر: كان عارفًا بالنَّحْوِ وعلوم القرآن. حدَّثنا عنه عمر بن أحمد الصّفّار، وعبد الله ابن الفُرَاويّ.
وقال عبد الغافر: لمّا طعن في السّنّ تبرّز في القراءات وعلوم القرآن، وكان له حظٌّ صالح من النَّحو. وهو إمام في فنّه. ارتبطه نظام المُلْك في المدرسة المعمورة بنَيْسابور، ليُقرِئ في المسجد المَبْنِيّ فيها، فتخرَّج به جماعة، وتُوُفْي في جُمَادى الأولى.
قلت: وروى عنه عبد الخالق بن زاهر، وإسماعيل العصائدي، وجماعة.(10/638)
327 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو عبد الله المَدِينيّ المقرئ. [المتوفى: 489 هـ]
سمع مجلسًا من أحمد بن عبد الرحمن اليَزْديّ في سنة تسعٍ وأربع مائة. وهو من كبار شيوخ السِّلَفيّ، لا أعلم وفاته، بل سُمِع منه في هذه السّنة، قال السِّلَفيّ: هو أوّل من كتبتُ عَنْهُ الحديث.
ثمّ وجدت في " تاريخ ابن النّجّار " قد زاد في نسبه: محمد بن إبراهيم بن عبد الوهّاب بن بَهْمَن بن كُوشِيذ. سمع القاضي أبا بكر اليزدي، وأبا بكر بن أبي عليّ المزكّيّ، وعبد الرحمن بن محمد بن عُبَيْد الله، ومحمد بن صالح العطّار، وحدَّث ببغداد، سمع منه أبو بكر محمد بن منصور السّمعانيّ، والسِّلَفيّ.
وقال أبو زكريّا يحيى بْن مَنْدَهْ: كان شُرُوطيًّا، ثقة، أمينًا، أديبًا، وَرِعًا.
قرأ كتاب " الحُجّة " لأبي عليّ الفارسيّ، على أبي عليّ المَرْزُوقيّ، ولزِمه [ص:640] مدّة. وُلِد سنة تسعٍ وتسعين وثلاث مائة. ومات في حادي عشر شعبان سنة تسع وثمانين.(10/639)
328 - مُظهر بن أحمد بن عبد الله، أبو سعْد المُضَريّ السُّكّريّ الأصبهاني. [المتوفى: 489 هـ]
قدِم بغداد للحجّ، وحدَّث عن أبي بكر بن أبي عليّ الذَّكْوانيّ، وأبي الحسين بن فاذشاه. روى عنه عمر بن ظفر، وغيره. وله شعرٌ حسن.
توفي في شعبان.(10/640)
329 - معمر بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبان، أبو منصور العبدي اللنباني الأصبهاني، [المتوفى: 489 هـ]
شيخ الصوفية.
قال السلفي: هو شيخ شيوخ أصبهان. لم يكن يدانيه في رتبته أحدٌ. روى لنا عن أبي الحسين بن فاذشاه، وأبي بكر بن ريذة، وعليّ بن أحمد بن مهْران الصّحّاف، وله إجازة من أبي علي بن شاذان. وتفقه على أبي محمد الكرواني الشافعي، ورزق جاها وهيبة عند السلاطين.
وتوفي في شهر رمضان سنة تسعٍ وثمانين.
وجدهم أحمد يروي عن ابن أبي الدّنيا، والحارث بن أبي أُسامة.(10/640)
330 - منصور بن محمد بن عَبْد الجبّار بْن أحمد بْن محمد بْن جعفر بن أحمد بن عبد الجبّار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله، الإمام أبو المظفّر السَّمعانيّ التّميميّ المَرْوَزِيّ، الفقيه الحنفيّ ثمّ الشّافعيّ. [المتوفى: 489 هـ]
تفقّه على والده الإمام أبي منصور حتّى برع في مذهب أبي حنيفة وبرّز على أقرانه. وسمع أباه، وأبا غانم أحمد بن عليّ الكُراعيّ وهو أكبر شيوخه، وأبا بكر التُّرابيّ، وبنَيْسابور أبا صالح المؤذّن وجماعة، وبجُرْجَان أبا القاسم الخلّال، وببغداد عبد الصّمد بن المأمون، وأبا الحسين ابن المهتدي بالله. وبالحجاز أبا القاسم سعد بن عليّ، وأبا عليّ الشّافعيّ، وطائفة سواهم.
قال حفيده الحافظ أبو سعد: حدثنا عنه عمّي الأكبر، وعمر بن محمد السَّرْخَسِيّ، وأبو نصر محمد بن محمد بن يوسف الفاشانيّ، ومحمد بن أبي بكر السّنْجيّ، وإسماعيل بن محمد التّيمي الحافظ أبو القاسم، وأبو نصر أحمد بن عمر الغازيّ، وأبو سعْد البغداديّ، وجماعة كثيرة سواهم. ودخل بغداد في [ص:641] سنة إحدى وستّين وأربعمائة، وسمع الكثير بها، واجتمع بأبي إسحاق الشّيرازيّ، وناظر أبا نصر ابن الصّبّاغ في مسألةٍ. وانتقل إلى مذهب الشّافعيّ، وسار إلى الحجاز في البرّيّة، وكان الرَّكْبُ قد انقطع لاستيلاء العرب، فقصد مكّة في جماعة، فأُخِذوا، وأُخِذ جدّي معهم، ووقع إلى حلل العرب، وصبرَ إلى أن خلّصه الله، وحملوه إلى مكّة، وبقي بها في صُحْبة الشّيخ أبي القاسم الزَّنْجانيّ.
وسمعتُ محمد بن أحمد الميهني يحكي عن الحسين بن الحسن الصُّوفيّ المَرْوَزِيّ، عن أبي المظفّر السّمعانيّ قال: لمّا دخلت البادية انقطعتُ، وقطعَت العرب علينا الطّريق، وأُسِرنا، وكنتُ أخرج مع جِمالهم أرعاها، وما قلتُ لهم أنّي أعرِف شيئًا من العلم، فاتّفق أنّ مقدَّم العرب أراد أن يزّوج بنتَه من رجلٍ، فقالوا: نحتاج أنْ نخرج إلى بعض البلاد، ليعقد هذا العقْد بعضُ الفُقهاء، فقال واحدٌ من المأخُوذين: هذا الرّجل الّذي يخرجُ مع جِمالكم إلى الصّحراء فقيه خُراسان، فاستدعوني، وسألوني عن أشياء، فأجبتهم، وكلّمتهم بالعربيّة، فخجلوا واعتذروا مني، وعقدت لهم العقْد، وقرأتُ الخطبة، ففرحوا، وسألوني أن أقبل منهم شيئًا، فامتنعت، فحملوني إلى مكّة في وسط السّنة.
وذكره أبو الحسن عبد الغافر في " سياقه "، فقال: هو وحيد عصره في وقته فضلًا، وطريقة، وزُهدًا، وورعًا، من بيت العلم والزُّهْد، تفقّه بأبيه، وصار من فُحُول أهل النَّظر، وأخذ يُطالع كُتُب الحديث، وحجّ، فلمّا رجع إلى وطنه، ترك طريقته الّتي ناظر عليها أكثر من ثلاثين سنة، وتحوّل شافعيّاً، وأظهر ذلك في سنة ثمانٍ وستين وأربعمائة، واضطّرب أهل مرْو لذلك، وتشوَّش العَوَامّ، إلى أن وردت الكتب من جهة بلكا بك من بلْخ في شأنه والتّشديد عليه، فخرج من مرْو في أوّل رمضان، ورافقه ذو المجدين أبو القاسم المُوسَويّ، وطائفة من الأصحاب، وخرج في خدمته جماعة من الفقهاء، وصار إلى طُوس، وقصد نَيْسابور، فاستقبله الأصحاب استقبالًا عظيمًا، وكان في نوبة نظام المُلْك وعميد الحضرة أبي سعد محمد بن منصور، [ص:642] فأكرموا مورده، وأنزلوه في عزٍّ وحِشْمة، وعقد له مجلس التّذكير في مدرسة الشّافعيّة.
وكان بحرًا في الوعْظ، حافظًا لكثير من الرّوايات والحكايات والنُّكَت والأشعار، فظهر له القبول عند الخاصّ والعامّ، واستحكم أمره في مذهب الشّافعيّ، ثمّ عاد إلى مرْو، ودرّس بها في مدرسة أصحاب الشّافعيّ، وقدّمه نظام المُلْك على أقرانه، وعلا أمرُه، وظهر له الأصحاب، وخرج إلى إصبهان، ورجع إلى مرْو، وكان قبوله كلَّ يومٍ في عُلُوّ، واتّفقت له تصانيف في الخلاف مشهورة، مثل كتاب " الاصطلام "، وكتاب " البرهان "، و " الأمالي " في الحديث، وتعصّب للسُّنّة والجماعة وأهل الحديث، وكان شوكًا في أعيُن المخالفين، وحُجّةً لأهل السُّنّة.
قال أبو سعْد: صنَّف في التّفسير، والفقه، والأصول، والحديث، " فالتفسير " في ثلاث مجلّدات، وكتاب " البرهان " و " الاصطلام " الّذي شاع في الأقطار، وكتاب " القواطع " في أصول الفقه، وله في الآثار كتاب " الانتصار " و " الرّدّ على المخالفين "، وكتاب " المنهاج لأهل السّنّة "، وكتاب " القدر "، وأملى قريبًا من تسعين مجلسًا.
وسمعتُ بعض المشايخ يحدّث عن رفيق جدّي في الحجّ الحُسَين بن الحسن الصُّوفيّ قال: اكْترينا حمارًا ركِبه الإمام أبو المظفّر إلى خَرَق، وهي ثلاثة فراسخ من مرْو، فنزلنا بها، وقلت: ما مَعَنَا إلّا إبريق خَزَف، فلو اشترينا آخر، فأخرج من جيبه خمسة دراهم، وقال: يا حُسَين، ليس معي إلّا هذا، خُذ واشترِ ما شئت، ولا تطلب بعد هذا منّي شيئًا، فخرجنا على التّجريد، وفتح الله لنا.
سمعتُ شهردار بن شيروَيْه بهَمَذَان يقول: سمعت منصور بن أحمد الإسفزاري، وسأله أبي، فقال: سمعتُ أبا المظفّر السّمعانيّ يقول: كنتُ على مذهب أبي حنيفة، فبدا لي أن أرجع إلى مذهب الشّافعيّ، وكنتُ متردّدًا في ذلك، فحججْتُ، فلمّا بلغت سميراء، رأيت ربّ العزَّة في المنام، فقال لي: [ص:643] عد إلينا يا أبا المظفّر، فانتبهت، وعلمتُ أنّه يريد مذهب الشّافعيّ، فرجعتُ إلى مذهب الشّافعيّ.
وقال الحسين بن أحمد الحاجيّ: خرجتُ مع الإمام أبي المظفّر إلى الحجّ، فكلّما دخلنا بلدةً نزل على الصُّوفيّة، وطلب الحديث من المشيخة، ولم يزل يقول في دعائه: اللّهمّ بيّن لي الحقّ من الباطل، فلمّا دخلنا مكّة، نزل على أحمد بن عليّ بن أسد، ودخل في صُحْبة سعْد الزَّنْجانيّ، ولم يزل معه حتّى صار ببركته من أصحاب الحديث، فخرجنا من مكّة، وتركنا الكُلّ، واشتغل هو بالحديث.
قرأتُ بخطّ أبي جعفر الهِمَذَانيّ الحافظ قال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت في الطّواف، فوصلتُ إلى الملتَزَم، وإذا برجلٍ قد أخذ بطرفِ ردائي، فالتفتُّ، فإذا أنا بالإمام سعْد الزَّنْجانيّ، فتبسّمت إليه، فقال: أما ترى أين أنت؟ هذا مقام الأنبياء والأولياء، ثمّ رفعَ طرْفه إلى السّماء وقال: اللّهمّ كما أوصلته إلى أعزّ المكان، فأعطه أشرف عزٍّ في كلّ مكان وزمان، ثمّ ضحك إليَّ، وقال لي: لا تخالفني في سِرّك، وارفع معي يدك إلى ربِّك، ولا تقولنّ البتّة شيئًا، واجمع لي همّتك، حتّى أدعو لك، وأَمِّن أنتَ، ولا تخالفني عهَدَك القديم. فبكيتُ، ورفعتُ معه يدي، وحرَّك شفتيه، وأمَّنت، ثمّ قال: مُرْ في حفْظ الله، فقد أُجِيب فيك صالح دُعاء الأُمّة. فمضيت من عنده، وما شيءٌ في الدّنيا أبغض إليَّ من مذهب المخالفين.
قرأتُ بخطّ أبي جعفر أيضًا: سمعتُ الإمام أوحد عصره في علمه أبا المعالي الْجُوَيْنيّ يقول: لو كان الفقه ثوباً طاوياً لكان أبو المظفّر ابن السّمعانيّ طِرَازَه.
وقرأتُ بخطّه: سمعتُ الإمام أبا عليّ بن أبي القاسم الصّفّار يقول: إذا ناظرتُ أبا المظفّر السّمعانيّ، فكأنّي أُناظِرُ رجلًا من أئمةّ التّابعين، ممّا أرى عليه من آثار الصّالحين سمتاً، وحشمةً، ودينًا.
سمعتُ أبا الوفاء عبد الله بن محمد الدُّشّتيّ المقرئ يقول: سمعتُ والدك أبا بكر محمد بن منصور السِّمعانيّ يقول: سمعتُ أبي يقول: ما حفظتُ شيئًا فنسيته. [ص:644]
سمعتُ أبا الأسعد هبة الرحمن القُشَيْريّ يقول: سُئل جدّك أبو المظفّر في مدرستنا هذه، بحضور والدي، عن أحاديث الصّفات فقال: عليكم بدين العجائز، ثمّ قال: غُصْتُ في كلّ بحرٍ، وانقطعت في كلّ بادية، ووضعتُ رأسي على كلّ عَتَبة، ودخلتُ من كلّ باب، وقد قال هذا السّيّد، وأشار إلى أبي عليّ الدّقّاق، أو إلى أبي القاسم القُشَيْريّ: لله وصفٌ خاصٌ لا يعرفه غيره.
وُلِد جدّي في ذي الحجّة سنة ستٍّ وعشرين وأربعمائة، وتوفّي يوم الجمعة الثّالث والعشرين من ربيع الأوّل.(10/640)
331 - هشام بن أحمد بن خالد بن سعيد، أبو الوليد الكِنانيّ الطُّلَيْطُلِيّ، ويُعرف بالوَقَّشِيّ، [المتوفى: 489 هـ]
ووقَّش قرية على اثني عشر ميلاً من طليطلة.
أخذ العلم عن أبي عمر الطَّلَمَنْكيّ، وأبي محمد بن عبّاس الخطيب، وأبي عَمْرو السَّفاقِسيّ، وأبي عمر ابن الحذاء، وجماعة.
قال أبو القاسم صاعد: أبو الوليد الوقَّشيّ أحد رجال الكمال في وقته، باحتوائه على فنون المعارف، وجَمْعه لكليّات العلوم، هو من أعلم النّاس بالنَّحْو، واللُّغة، ومعاني الشِّعْر، وعلم العَرَوض، وصناعة البلاغة، بليغ، شاعر، حافظ للسُّنَن وأسماء الرّجال، بصير بالاعتقادات وأُصُول الفِقْه، واقف على كثير من فتاوى فقهاء الأمصار، نافذ في علوم الشُّرُوط والفرائض، متحقّق بعلم الحساب والهندسة، مشرف على جميع آراء الحكماء، حَسَن النَّقْد للمذاهب، ثاقب الذّهن، يجمع إلى ذلك آداب الأخلاق، مع حُسْن المعاشرة، ولِين الكَنَف، وصدْق اللّهجة.
وقال ابن بَشْكُوال: أخبرنا عنه أبو بحر الأَسَديّ، وكان مختصًّا به، وكان يعظّمه ويقدّمه على من لَقِيَه من شيوخه، ويصفه بالاستبحار في العلوم، وقد نُسِبتْ إليه أشياء الله أعلم بحقيقتها، وسائلهُ عنها ومجازيه بها.
وكان الشّيخ أبو محمد الريولي يقول فيه:
وكان من العلوم بحيث يُقْضَى ... لَهُ في كلِّ علمٍ بالجميع
وقال عتيق بن عبد الحميد: تُوُفّي في جُمَادى الآخرة، وكان مولده سنة ثمانٍ وأربعمائة. [ص:645]
وقال القاضي عياض: كان غايةً في الضَّبْط والإتقان، نسّابة، له تنبيهات ورُدود على كِبار التّصانيف التّاريخية والأدبية، وناهيك من حُسن كتابه في " تهذيب الكنَى " لمسلم، الّذي سمّاه بعكس الرُّتْبة، ومن تنبيهاته على أبي نصر الكَلابَاذِيّ، و " مؤتلف " الدَّارَقُطْنيّ، ولكنّه اتُّهِم بالاعتزال، وظهر له تأليف في القدَر، والقرآن، فزهد فيه النّاسُ، وتركه جماعة من الكبار.(10/644)
-سنة تسعين وأربعمائة(10/646)
332 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن عَلِيّ بن زكريّا بن دينار، أبو يَعْلَى العبْدي البصْري، الفقيه، شيخ مالكيّة العراق، ويُعرف بابن الصّوّاف، [المتوفى: 490 هـ]
كان ينزل القَسَامِل، إحدى محالّ البصْرة.
ولد سنة أربعمائة، وسمع بالبصْرة محمد بن عبد الرحمن الكازْرُونيّ، ومحمد بن أحمد بن داسة، وعليّ بن هارون التّميمي، والحسين القَسَامِليّ، وإبراهيم بن طلحة بن غسّان، وجماعة. وقدم بغداد سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وسمع بها من أبي عليّ بن شاذان، وأبي بكر البَرْقانيّ، روى عنه أبو عليّ بن سُكَّرَة الصَّدَفيّ، وقاضي سَبْتَة أبو بكر عتيق النّفزاوي، وجابر بن محمد البصْريّ، وأبو الحسن الصُّوفيّ البُوشَنْجيّ، وآخرون.
وتفقّه على القاضي أبي الحسن عليّ بن هارون المالكيّ؛ وصنَّف التّصانيف، ودرَّس بالبصرة، وتخرَّج به الأصحاب، تفقّه عليه أبو منصور بن باخي، وأبو عبد الله بن ضَابِح، ومالكيّة البصرة.
قال القاضي عياض: كان يُمْلي الحديث وعلى رأسه مستمليان يُسمعان النّاس، سمعَ منه عالَم عظيم.
وقال أبو سعْد السّمعانيّ: كان فقيهًا، مدرّسًا، متزّهدًا، خَشِن العَيْش، مُجِدًّا في عبادته، ذا سمتٍ ووقار. وكان جابر بن محمد البصري يقول: حدثنا أبو يعلى العبدي فريد عصره، وكان له معرفة بالحديث.
وقال غيره: كان إمامًا، زاهدًا، عابدًا، إمامًا في عشرة أنواع من العلم.
قال جابر: تُوُفّي في ثالث عشر رمضان.
قلت: كمل تسعين سنة.(10/646)
333 - أحمد بن محمد، أبو بكر بن أبي طالب البغداديّ المقرئ الملقّن، ويُعرف بابن الكِسائي. [المتوفى: 490 هـ]
سمع أبا الحسن القزويني، وأبا محمد الخلال، وعنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، تُوُفّي فِي ذي الحجّة.(10/646)
334 - أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عليّ، أبو الحسن الشُّجاعيّ النَّيْسابوريّ [المتوفى: 490 هـ]
أمين مجلس القضاء بنَيْسابور.
كان من ذوي الرّأي الكامل، ومن الشّافعيّة المتعصّبين لمذهبه، وكان له ثروة ودُنيا ورياسة، وولي أوقافًا وأنظارًا، ولم يكن بالمتحرّي فيها، وقد أملى سنين، وحدَّث عن أصحاب الأصمّ، كابي بكر الحِيريّ، وغيره.
وكان مولده في سنة عشرٍ وأربعمائة، وتُوُفّي في ثامن عشر المحرَّم سنة تسعين.
روى عنه عبد الغافر بن إسماعيل، ومن " تاريخه " اختصرته؛ ومحمد بن جامع خيّاط الصُّوف، وعمر بن أحمد الصّفّار، ومحمد بن أحمد بن الْجُنَيْد الخطيب، وعبد الخالق بن زاهر، وعبد الله ابن الفُرَاويّ، وهبة الرحمن القُشَيْريّ، روى عنه عبد الغافر بن إسماعيل.
أمّا أبو حامد أحمد بن محمد الشُّجاعيّ الفقيه، فقد ذكرنا وفاته ببلخ في سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وهو أشهر مِن ذا.(10/647)
335 - إبراهيم بن عبد الوهّاب بن محمد بن إسحاق بن مَنْدَهْ، الشّيخ الصّالح أبو إسحاق. [المتوفى: 490 هـ]
تُوُفّي في ذي الحجّة في طريق الحجّ.
سمع ابن ريذة، وأبا يَعْلَى الصّابونيّ، وعدّة. روى عنه السِّلَفيّ، وغيره.(10/647)
336 - أرغش النّظاميّ الأمير، مملوك نظام المُلْك. [المتوفى: 490 هـ]
كان من أكبر أمراء دولة بَرْكيارُوق، فزوّجه بنت عمّه. وثبَ عليه باطنيّ بالرَّيّ فقتله.(10/647)
337 - إسماعيل بن عثمان بن عمر، أبو عثمان الإبريسميّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 490 هـ]
ذكره عبد الغافر فقال: ثقة صالح مشتغل بالتّجارة، حدّث عن أبي القاسم السّرّاج، وأبي بكر الحِيريّ، وأبي إسحاق الإِسْفَرَايِينِيّ.
قلت: روى عنه عبد الله ابن الفُرَاويّ، والعبّاس بن محمد العصاريّ، ومحمد بن جامع الصّيرفي. [ص:648]
قال عبد الغافر: سمعتُ منه، وتُوُفّي في ربيع الأوّل.(10/647)
338 - بُرْسُق الأمير، [المتوفى: 490 هـ]
من كبار الدّولة الملكشاهيّة.
وثَبَ عليه دَيْلَميٌّ من الباطنيّة فضَرَبه بسِكِّينٍ بين كتفَيْه، فقضى عليه، وكان بُرْسُق من أصحاب طُغْرُلْبَك، وهو أوّل شِحْنة ولي بغدادَ للسَّلْجُوقيّة.(10/648)
339 - بنجير بن منصور بن عليّ، أبو ثابت الهَمَذَانيّ، [المتوفى: 490 هـ]
شيخ الصُّوفيّة.
روى عن شيخه جعفر الأبْهَريّ، ومحمد بن عيسى، وأبي الفضل عمر بن إبراهيم الهَرَويّ، وغيرهم.
قال شيروَيْه: سمعتُ منه عامة ما مرَّ له، وكان صدوقًا، تُوُفّي في ذي الحجّة، وأنا تولّيتُ غسْله، وكان شيخ وقته، ووحيد عصره في خدمة الفقراء واحتمالهم، رحمه الله.
قلت: أجاز للسّلفي.(10/648)
340 - الحسن بن أحمد بن محمد بن إسماعيل الشُّجاعيّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 490 هـ]
تُوُفّي في المحرَّم.(10/648)
341 - الحُسَين بن عليّ بن محمد بن مَسْلَمَة بن نجاح، القاضي أبو عليّ الأزْديّ. [المتوفى: 490 هـ]
سمع أبا عثمان الصّابوني بدمشق، روى عنه جمال الإسلام السلمي.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.(10/648)
342 - الحسين بن محمد بن الحسين، أبو القاسم الدِّهْقان المقرئ الصَّرِيفينيّ؛ [المتوفى: 490 هـ]
صَرِيفين الكوفة.
ختم عليه القرآن خلقٌ، وكان أحد العارفين بمذهب زيد بن عليّ، وكان الزَّيْديّة يستفتونه. سمع من جناح بن نذير المحاربيّ، وزيد بن جعفر العلويّ، وحدَّث، وعاش ستًّا وثمانين سنة؛ روى عنه ابن السَّمَرْقَنْديّ، وإسماعيل الطَّلْحيّ، وعبد الوهّاب الأنْماطيّ، وأحمد بن سعْد العِجْليّ الهَمَذَانيّ، وغيرهم. [ص:649]
تُوُفّي في المحرَّم.(10/648)
343 - الحسين بن محمد بن أحمد القزّاز، أبو نصر العتّابيّ. [المتوفى: 490 هـ]
سمع عبد الملك بن بشران، روى عنه عبد الوهاب الأنْماطيّ، وغيره.
ومات في صَفَر.(10/649)
344 - الحسين بن المظفّر بن الحسن، أبو عبد الله الصّائغ، ويعرف بصهر ابن لؤلؤ. [المتوفى: 490 هـ]
بغدادي معمّر، ولد سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة، وسمع أبا بكر أحمد بن طلحة المُنَقّيّ. روى عنه أيضًا عبد الوهّاب، وتُوُفّي في خامس المحرّم.(10/649)
345 - ذو النُّون بن سهل، أبو بكر الأُشْنانيّ الأصبهاني. [المتوفى: 490 هـ]
سمع أبا نُعَيْم، روى عنه السِّلَفيّ.(10/649)
346 - سُتَيْك بنتُ الشّيخ أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصّابونيّ. [المتوفى: 490 هـ]
فقيرة، عابدة، صوفيّة، وُلِدت سنة خمس عشرة وأربعمائة، وسمعت من أبي الحسن الطّرّازيّ صاحب الأصمّ. وعنها: عبد الله ابن الفُرَاويّ، ومحمد بن عبد الكريم المطرّز.
ماتت في جُمَادى الأولى.(10/649)
347 - سعْد بن عبد الله بن أبي الرّجاء محمد بن عليّ، القاضي أبو المطهّر ابن القاضي الأثير الأصبهاني. [المتوفى: 490 هـ]
حجّ في هذه السّنة، وحدَّث ببغداد " بمُسْنَد الحارث "، عن أبي نُعَيّم.
روى عنه عبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن ناصر.(10/649)
348 - سعد بن عبد الرحمن، الفقيه أبو محمد الإستراباذي. [المتوفى: 490 هـ]
سمع أبا الحسين الفارسيّ، وأبا حفص بن مسرور، والكنجروذي.
وكان فقيهًا بارعًا، إمامًا، مختصًّا بإمام الحَرَمين. وتفقّه أيضًا على القاضي حسين المَرْوَرُّوذِيّ.
تُوُفّي في نصف شوّال.(10/649)
349 - شُعْبة بن عبد الله بن عليّ، أبو بكر الطُّوسيّ الأثريّ. [المتوفى: 490 هـ][ص:650]
سمع عبد الرحمن بن حمدان النّصرويي، وأبا حسّان المزكّي، ومات في رجب.(10/649)
350 - عبد الرحمن بن عليّ بن القاسم، أبو القاسم الصُّوريّ العدل، ويُعرف بابن الكامليّ. [المتوفى: 490 هـ]
سمع أبا الحسين بن أبي نصر، وأبا عليّ الأهوازيّ، وسُلَيم بن أيّوب، وجماعة، روى عنه أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، وغيث الأرمنازي، وابن أخيه أحمد بن الحسين الكامليّ، وسكن صُور، وبها تُوُفّي في رمضان، ووُلِد سنة تسع عشرة.(10/650)
351 - عَبْد الرَّحْمَن بْن محمد بْن أَحْمَد بْن يوسف، أبو نصر الأصبهاني السِّمْسار. [المتوفى: 490 هـ]
آخر من حدَّث عَنْ أَبِي عَبْد الله محمد بْن إبراهيم الْجُرْجَانيّ، روى عنه، وعن عليّ بن ميْلة الفقيه، وأبي بكر بن أبي عليّ الذَّكْوانيّ، وغيرهم، روى عنه السِّلَفيّ، وقال: توفّي في المحرّم.
وسئل عنه إسماعيل الحافظ، فقال: شيخ لا بأس به.(10/650)
352 - عبد الرحيم بن أحمد بن عليّ، أبو الحسن النَّيْسابوريّ الدرديرانيّ. [المتوفى: 490 هـ]
شيخ صالح عفيف، سمع أبا بكر الحِيريّ، ومن بعده. وعنه عبد الغافر، وقال: تُوُفّي في ربيع الأوّل.(10/650)
353 - عبد الملك بن منصور بن حمْد بن محمد بن زائدة، أبو المعاليّ الكاتب. [المتوفى: 490 هـ]
إصبهانيّ من شيوخ السّلَفيّ القُدماء، مات في جُمَادى الأولى. سمع ابن حَسْنَوَيْه.(10/650)
354 - عبد المهيمن بن الحسين بن محمد بن القاسم، أبو منصور الهاشميّ البغداديّ. [المتوفى: 490 هـ]
تُوُفّي فِي حدود هَذِهِ السّنة، سمع أَبَا عليّ بن شاذان. وعنه عبد الوهّاب [ص:651] الأنْماطيّ، وعمر المَغَازِليّ، وغيرهما.(10/650)
355 - عَبْدُوس بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بن عَبْدُوس، أبو الفتح بن أبي محمد الرُّوذَبَاريّ الفارسيّ ثمّ الهَمَذَانيّ، [المتوفى: 490 هـ]
رئيس هَمَذَان.
سمع أباه، وعمَّ أبيه عليّ بن عَبْدُوس، ومحمد بن أحمد بن حمدويه الطّوسي - شيخ روى عن الأصمّ - وأبا طاهر الحسين بن سَلَمة، ومحمد بن عيسى المحتسب، ورافع بن محمد القاضي، وحمْد بن سهل، وحميد بن المأمون، والحسين بن محمد بن فَنْجُوَيْه. وسمع بالدِّينَوَر أبا نصر الكسّار، وبنَيْسابور منصور بن رامِش، وأبا عثمان الصّابونيّ، وعبد الغافر الفارسي، وجماعة. وأجاز له أبو بكر أحمد بن علي بن لال، وأبو عبد الرحمن السُّلَميّ، وأبو الحسن بن جهضم.
وكان أَسْنَد مَن بقي بهَمَذَان؛ حدَّث ببغداد في سنة ستٍّ وستّين، فروى عنه أبو الحسين ابن الطّيوري، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الفضل محمد بن بُنَيْمان الهَمَذَانيّ.
قال شيرويه: سمعت من عَبْدُوس، وكان صدوقًا، متقنًا، فاضلًا، ذا حشمةٍ وصِيت؛ حَسَن الخطّ، حُلْو المنطق، كُفّ بصره، وصُمّت أُذُناه في آخر عُمره، وسماع القدماء منه أصحّ إلى سنة نيّفٍ وثمانين، ومات في جُمَادى الآخرة، وأنا غسّلته. وقال: وُلِدتُ سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة.
وقال محمد بن طاهر: لمّا دخلت هَمَذَان بأولادي، كنتُ سمعتُ أنّ " سُنَن النَّسَائيّ " يرويه عَبْدوُس، فقصدته، وأَخْرَج إليَّ الكتاب، والسّماع فيه ملحقٌ بخطّه، سماعًا طريًّا، فامتنعت من قراءته، وبعد مدّة خرجت بابني أبي زُرْعة إلى الدّوني، وقرأته على عبد الرحمن بن حمد، له.
قلت: أبو زُرْعة آخِر من روى عن عَبْدُوس، له عنه جزءان من حديث الأصمّ، رواهما عبد اللّطيف بن يوسف، عنه.
وأخبرنا التّاج عبد الخالق، عن الموفّق، عن أبي زُرْعة، عن عَبْدُوس بحديثٍ واحد.(10/651)
356 - عليّ بن طاهر بن أحمد بن الملقّب، أبو الحسن الموصلي البزّاز. [المتوفى: 490 هـ][ص:652]
سمع أبا الحسن محمد بن محمد بن مَخْلَد، روى عنه ابنه إسماعيل، وعبد الوهّاب الأنماطي، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ. وقرأ القرآن على ابن شِيطا، وتُوُفّي في رجب، وله ستٌ وثمانون سنة.(10/651)
357 - عليّ بن عبد الملك، أبو الحسن الدّبيقيّ المالكيّ. [المتوفى: 490 هـ]
مات بعكّا في جمادى الأولى، ورّخه هبة الله ابن الأكفانيّ.(10/652)
358 - عليّ بن محمد بن محمد بن عليّ الحاكم، أبو الحسن الأشقر. [المتوفى: 490 هـ]
نَيْسابوريّ صالح، روى عن أبي نصر المفسّر صاحب الأصمّ، وغيره. وتُوُفّي في ربيع الآخر.(10/652)
359 - علي بْن محمد بْن عُبَيْد الله، أبو القاسم الْجُوزجانيّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 490 هـ]
سمع أبا القاسم عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السّرّاج، روى عنه عبد الله ابن الفُرَاويّ، ومنصور بن محمد الصّاعديّ، وعائشة بنت الصّفار.
مات في جمادى الآخرة.(10/652)
360 - الفضل بن عبد الواحد الأصبهاني الخبّاز. [المتوفى: 490 هـ]
يروى عن أبي نُعَيْم، روى عنه أبو طاهر بن سِلَفَة، وقال: مات في ذي الحجة.(10/652)
361 - الفضل بن محمد بن أحمد بن سعيد الحدّاد، [المتوفى: 490 هـ]
أخو أبي الفتح الحدّاد الأصبهاني.
روى عن أبي بكر بن أبي علي الذكواني، وعليّ بن عبدكوَيْه، والحسين بن إبراهيم الجمّال، وعنه السِّلَفيّ، وقال: مات في ذي القعدة.(10/652)
362 - كمشتكين الرّومي، عتيق بني مروان الأصبهاني، يكنى أبا طاهر. [المتوفى: 490 هـ]
تُوُفّي غريبًا بالبصرة، روى عن أبي القاسم ابن البسري، وعنه السلفي.(10/652)
363 - ماجد بن عليّ، أبو الجيش الأعْرَابيّ الضّبيّ. [المتوفى: 490 هـ]
حدَّث في هذا العام بإصبهان، سمع سنة عشر وأربعمائة من أبي بكر الذَّكْوانيّ. وعنه عبد الله بن عليّ الطّامَذِيّ.(10/652)
364 - محمد بن الحسين، أبو الفضل الصُّوفيّ الواعظ الحنفيّ. [المتوفى: 490 هـ]
من مشاهير الوعّاظ بخُراسان؛ ذكر بنيسابور مدة، وسكنها، وحصل له قبولٌ تام.(10/653)
365 - محمد بن علي بن الحسين، أبو عبد الله القطيعي الكاتب. [المتوفى: 490 هـ]
روى عن عبد الملك بن بشران، وغيره، وعنه عبد الرحيم ابن الأُخُوَّة، وأبو الفتح محمد بن عليّ بن عبد السّلام.(10/653)
366 - محمد بن محمد بن عُبيد اللَّه بن موسى، أبو غالب العطّار، البقّال، البغدادي، [المتوفى: 490 هـ]
من ساكني النَّصْريّة.
صَدُوق صالح، سمع أبا القاسم الحرفيّ، وأبا عليّ بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران، روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، ومسعود بن يوسف، وأحمد ابن المقرئ، وغيرهم.
توفي في رجب غريقا شهيدا في دجلة، وروى ابن اللتي عن مسعود، عنه.(10/653)
367 - محمد بن أبي نُعَيْم بن عليّ النَّسَويّ، أبو عبد الله الشّافعيّ المقرئ، ويُعرف بالبُوَيّطيّ. [المتوفى: 490 هـ]
سمع أبا محمد عبد الرحمن بن أبي نصْر، وغيره، روى عنه غيْث الأرمنازيّ، وجمال الإسلام أبو الحسن، وهبة الله بن طاوس.
تُوُفّي بدمشق في ثامن المحرَّم، وكان مولده بنسا في سنة أربع وتسعين وثلاثمائة؛ ورَّخ موتَه ابن الأكفانيّ.(10/653)
368 - مسعود بن محمد بن إسماعيل، أبو محمد الشُّجاعيّ النَّيْسابوريّ الزّاهد. [المتوفى: 490 هـ]
سمع أبا الحسين عبد الغافر الفارسيّ، وأبا عثمان الصّابونيّ، وابن مسرور، وخلْقًا كثيرًا، وروى عنه عبد الله ابن الفُرَاويّ، وغيره. وأقبل على العبادة، وكان فقيهًا عابدًا قانتًا عديم النّظير في انزوائه وورعه واجتهاده، وكان أبوه الشيخ أبو المظفر من وجوه المشايخ. [ص:654]
توّفي مسعود في ثالث عشر شوّال، وله ستٌ وسبعون سنة.(10/653)
369 - المعمّر بن محمد، النّقيب الطّاهر أبو الغنائم العَلَويّ العِراقيّ الحنفيّ، [المتوفى: 490 هـ]
نقيب الطّالبيّين ببغداد.
فيها توفّي، وولي بعده ابنه حيدرة.(10/654)
370 - مفرج بن الحسين الأرْدَبيليّ، أبو الفضل الخطيب. [المتوفى: 490 هـ]
قدِم بغداد، وسمع من عبد الملك بن بِشْران، وحدَّث في هذا العام.
روى عنه إسماعيل السَّمَرْقَنْديّ.(10/654)
371 - منصور بن إسماعيل بن صاعد بن محمد، القاضي أبو القاسم [المتوفى: 490 هـ]
ابن قاضي القُضاة أبي الحسين.
نابَ عن أبيه، ثمّ ولي قضاء القُضاة، وسمع الحديث الكثير، وقرأ وحصَّل النُّسَخ، وكان محتشمًا نبيلًا، مُفّتيا، إمامًا، إليه المرجع في مذهب أبي حنيفة، حدَّث عن أبي القاسم السّرّاج، وأبي بكر الحِيريّ، وعليّ بن أحمد بن عبدان، ومحمد بن موسى الصَّيْرَفيّ، وخلْق. روى عنه عبد الغافر الفارسيّ، وغيره.
وتُوُفّي في سلْخ ربيع الأوّل، وله رحلة إلى بغداد والرَّيّ وما وراء النّهر.(10/654)
372 - نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود، الفقيه أبو الفتح المَقْدِسيّ النّابُلسيّ الشّافعيّ، الزّاهد، [المتوفى: 490 هـ]
شيخ الشّافعيّة بالشّام، وصاحب التّصانيف.
سمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطُّبَيْز، وعلي ابن السِّمْسار، ومحمد بن عَوْف المُزَنيّ، وابن سَلْوان، وأبي عليّ الأهوازيّ، وسمع أيضًا من محمد بن جعفر المِيماسيّ بغزة؛ ومن هبة الله بن سليمان بآمِد؛ ومن سُلَيْم بن أيْوب بصور، وعليه تفقّه. وسمع من خلقٍ كثير، حتْى سمع ممّن هو أصغر منه، وأملى مجالس قد وقع لنا بعضُها.
روى عنه من شيوخه أبو بكر الخطيب، وأبو القاسم النَّسِيب، وأبو الفضل يحيى بن عليّ، وجمال الإسلام أبو الحسن السُّلَميّ، وأبو الفتح نصر الله المصّيصيّ، وعليّ بن أحمد بن مقاتل، وحسّان بن تميم الزّيّات، وأبو يَعْلَى [ص:655] حمزة ابن الحُبُوبيّ، وخلْق كثير. وسكن القدس مدّةً طويلة، ثمّ قدم دمشق سنة ثمانين وأربعمائة، فأقام بها يدرِّس ويُفْتي، إلي أن مات بها.
نقل صاحب " تاريخ دمشق " أنّ السّلطان تاج الدّولة تُتُش زار الفقيه نصرًا، فلم يقُمْ له، ولا التفت إليه، وكذا ولده دُقَاق، وسأله دُقَاق: أيُّ الأموال أَحَلُّ؟ فقال: مالُ الْجَوَالي، فبعث إليه بمبلغٍ، فلم يقبلْه، وقال: لا حاجةَ بنا إليه. فلمّا راح الرّسول لامه نصر المصّيصيّ وقال: قد عَلِمْتَ حاجتنا إليه، فقال له: لا تجزعْ، فسوف يأتيك من الدّنيا ما يكفيك فيما بعد، فكان كما تفرَّس فيه، حكاها غيث الأرمنازيّ، وقال: سمعته يقول: درستُ على سُلَيْم أربع سِنين، فسألتُهُ في كم كتبت تعليقة سليم؟ فقال: في ثلاثمائة جزء؛ وما كتبت منها شيئا إلّا على وضوء.
قلت: وكان إمامًا علّامة في المذهب، زاهدًا، قانتًا، ورِعًا، كبير الشّأن.
قال الحافظ ابن عساكر: لم يقبل من أحدٍ صلةً بدمشق، بل كان يقتات من غلةٍ تُحْمَل إليه من أرضٍ بنابُلس ملْكه، فيَخْبِزُ له كلّ ليلة قَرْصةً في جانب الكانون، حكى لي ناصر النّجّار، وكان يخدمه، أشياء عجيبة من زُهْده وتقلُّله، وترْكه تناول الشّهوات. وكان رحمه الله، على طريقةٍ واحدةٍ من الزُّهْد والتَّنزُّه عن الدَّنايا والتَّقَشُّف، وحكى لي بعض أهل العِلْم قال: صَحِبْت إمام الحَرَمَيْن بخُراسان، وأبا إسحاق الشّيرازيّ ببغداد، فكانت طريقته عندي أفضل من طريقة إمام الحَرَمَيْن. ثمّ قدِمْتُ الشّامَ، فرأيت الفقيه أبا الفتح، فكانت طريقته أحسن من طريقتيهما.
قال غيره: كان الفقيه نصر يعرف بابن أبي حائط.
ومن تصانيفه: كتابَ " الحُجّة على تارك المَحَجّة "، وهو مشهورٌ مَرْوِيٌّ، وكتاب " الانتخاب الدّمشقيّ " وهو كبير في بضعة عشر مجلّدًا، وكتاب " التّهذيب في المذهب " في عشر مجلّدات، وكتاب " الكافي " مجلَّد، ليس فيه قولين ولا وجهين، وعاش أكثر من ثمانين سنة. ولمّا قدِم الغَزَاليّ دمشقَ جالَسَ الفقيهَ نصرًا، وأخذ عنه، وتفقّه به جماعة بدمشق.
تُوُفّي يوم عاشوراء، ودُفِن بمقبرة باب الصّغير، وقبره ظاهرُ يُزار، رحمه الله. [ص:656]
وقال ابن عساكر: قال من حَضر جنازة الفقيه نصر: خرجنا بها، فلم يُمكِنّا دفْنُه إلى قريب المغرب، لأنّ الخلْق حالوا بيننا وبينه، ولم نَرَ جنازةً مثلها. أقمنا على قبره سبع ليالٍ.(10/654)
373 - هادي بن الحسن بن محمد العَلَويّ، أبو البركات الأصبهاني. [المتوفى: 490 هـ]
من أعيان السّادة، سمع ابن ريذة، والفضل بن سعيد، وعبد الرحمن بن أبي بكر الذَّكْوانيّ. روى عنه السِّلَفيّ، وقال: تُوُفّي في ذي القعدة.(10/656)
374 - يحيى بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عليّ، أبو القاسم السِّيّبيّ القَصْريّ المقرئ المعمّر. [المتوفى: 490 هـ]
سأله غير واحدٍ عن مولده، فقال: في سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة، وقال مرّةً: في جُمَادى الأولى بقصر ابن هُبَيْرَة، فيكون عُمره مائةً وسنتين.
قرأ القرآن بالرّوايات على أبي الحسن الحمّاميّ، وسمع أبا الحسن بن الصلت، وأبا الفضل عبد الواحد التّميميّ، ومحمد بن الحسين القطّان، وغيرهم. ولو سمع على قدْر مولده لسمع من أصحاب البَغَويّ، وابن أبي داود.
وكان حَسَن الإقراء، مجوِّدًا، ختم عليه خلْقٌ القرآن.
وذكره السّمعانيّ فقال: رحل النّاس إليه من الآفاق، وأخذوا عنه الحديث وأكثروا، وكان خيِّرًا، ثقةً، صالحًا، ديِّنًا. روى لنا عنه أبو بكر الأنصاري، وأبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو البركات الأنْماطيّ، وأبو الفَرَج اليُوسُفيّ، وأبو القاسم التّيْميّ الحافظ، وأبو نصْر الغازيّ، وآخرون، وسمعتُ ابن ناصر يقول: إنّه تُوُفّي في الخامس والعشرين من ربيع الآخر.
وقال ابن سُكَّرَة: كان صالحًا، مُسنًّا، عفيفًا، لو سُمع لكان من أسْنَد مَن لقِيناه، وفارقْتُه سنة تسعٍ وثمانين، وهو يمشي ويتصرّف، ويتعمَّم بالسّواد.
ذكر ابن النّجّار أنّه سمع من أبي الحسن أَحْمَد بن محمد بن الصَّلْت.(10/656)
375 - الأمير أبو نصْر، ابن الملك جلال الدّولة أبي طاهر بن بُوَيْه. [المتوفى: 490 هـ]
عُدِم في هذا العام، وهو آخر من ركب الخيل من بني بُوَيْه، كان السّلطان ملكشاه قد أقطعه المدائن وغيرها، فهرب والتجأ إلى سيف الدّولة ابن مَزْيَد، فأعرضَ عنه، فتنقّل في الأرض، وأضمرته البلاد. وكانوا قد شهدوا عليه بالزَّنْدَقة، وحكم القاضي بقتله، وكان له داران ببغداد، فعُمِلَتا مسجدَيْن بأمر الخليفة.(10/656)
-المتوفّون تقريباً من أهل هذه الطبقة(10/657)
376 - أحمد بن زاهر، أبو بكر الطُّوسيّ. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
قدِم إصبهان فروي " صحيح مسلم " عن أبي بكر محمد بن إبراهيم الفارسيّ صاحب الْجُلُوديّ، روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو الخير عبد الكريم بن فُورجَة، وجماعة.
مات سنة سبعٍ أو ثمانٍ وثمانين.(10/657)
377 - أحمد بن عبد الله بن سُمَيْر الأصبهاني المقرئ، العبد الصّالح. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
سمع ابن مردوَيْه، وأبا بكر بن أبي عليّ، وعنه إسماعيل الصّلْحيّ، ووصفه بالصّلاح، وأبو سعْد البغداديّ، وعبد العزيز بن محمد الأدَميّ الشّيرازيّ.
وسُمير: بضم المهملة.(10/657)
378 - أحمد بن عليّ بن محمد بن يحيى بن الفَرَج، أبو نصْر الهاشميّ البصْريّ، المعروف بالهبّاريّ وبالعاجيّ، المقرئ المجوّد. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
أحد من عُنِي بالقراءات والفرائض.
قال ابن النّجّار: سافر في طلب القراءات، فدخل بغداد سنة ست عشرة وأربعمائة، وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمّاميّ، وقرأ بدمشق على أبي عليّ الأهوازيّ، وبحَرَّان على الشّريف أبي القاسم عليّ بن محمد الزَّيْديّ، ثمّ جالَ في العراق، وخُراسان، وحدَّث بمرْو بكتاب " السُّنَن " لأبي داود، عن أبي عمر الهاشميّ؛ سمعه منه: أبو بكر محمد بن منصور السّمعانيّ. ثمّ دخل بُخَارى، وسَمَرْقَنْد، قرأ عليه أبو الكَرَم الشَّهّرُزُوريّ بالرّوايات.
قلت: إلى سورة الفتح.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: حدثنا أبو طاهر محمد بن محمد الخطيب، قال: كان أبوك سمع من أبي نصر الهبّاريّ كتاب " السُّنَن "، فلمّا ورد العراق طعنوا في الهبّاريّ، ورَمَوه بالكذِب والتّعمّد فيه، وشرطوا عليه أن لا يروي عنه.
وقال محمد بن عبد الواحد الدقاق: أبو نصر الهباري كذاب، لا تحل الرواية عنه.
قال خميس الحُوزيّ: وُلِد أبو نصْر بالبصرة سنة ست وتسعين وثلاثمائة، [ص:658] وحدَّث بواسط سنة ثلاثٍ وثمانين، ويقال: إنّه مات بها، فالله أعلم.(10/657)
379 - أحمد بن منصور، أبو نصر الظفري الإسبيجابي، الفقيه الحنفي، المعروف بأحمدجي. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
كان أحد الأئمّة الكبار، شرح " مختصر الطّحاوي " وتبحّر في حفظ المذهب في بلاده، ثمّ قدم سمرقند، فأجلسوه للفتوى، وتخّرج به الأصحاب، وظهرت له الآثار الجميلة.
ويقال: إنّه وُجِد لَهُ بعد وفاته صندوق فيه فتاوى كثيرة، كان فقهاء عصره قد أفتوا فيها وأخطؤوا، ووقعت في يده، فأخفاها لئلا تظهر نقصهم، وأجاب المستفتين عنها بغيرها.
وقد ذكره صاحب " القَنْد في معرفة علماء سَمَرْقَنْد "، ولم يذكر له وفاةً، وذكره بين جماعة تُوُفّوا بعد الثمانين وقبلها.(10/658)
380 - أحمد بن محمد بن عمر بن شبويه بن خرة، أبو نصر الإصْطَخْريّ ثمّ الأصبهاني. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
حدَّث عن أبي عبد الله الْجُرْجَانيّ، وأبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي، روى عنه أبو سَعْد أَحْمَد بن محمد البغدادي، وعبد الله بن أحمد السَّمَرْقَنْديّ، وآخرون.
حدَّث " بمُسْند الشافعي ".(10/658)
381 - إبراهيم بن أحمد بن عبد الله، أبو إسحاق الرّازيّ، المعروف بالبيِّع. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
رحّال، صالح، خيّر، صُوفيّ متواضع، حدَّث عن أبي الحسن بن صخر البصري، وأبي الفضل الأرجاني، وجماعة. روى عنه أبو عليّ العِجْليّ بهَمَذَان، وأبو تمّام الصَّيْمَريّ ببُرُوجِرد.
وقيل: إنّه ورِث من أبيه أكثر من سبعين ألف دينار، فأنفقها على الفقراء والمتعلّمين، وُلِد سنة إحدى عشرة، ومات بالرّي بعد الثّمانين.(10/658)
382 - الحسين بن عليّ بن خَلَف بن جبريل، الواعظ الكبير، أبو عبد الله الألْمعيّ الكاشْغَريّ، ويُعرَف بالفضل. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
قدِم بغداد مَرّات، وسمع من ابن غيلان، والصّوري، وبالكوفة من محمد [ص:659] ابن عليّ العَلَويّ، وحدَّث عن المختار بن عبد الله البصْريّ، وعبد الكريم بن أحمد الثّعالبيّ البلخي، وعبد الوهاب ابن الشَّعْبيّ. وحدَّث باليسير؛ حدَّث عنه أبو غالب ابن البناء.
قال ابن النّجّار: كان صالحًا بكّاءً خاشعًا، لَا تأخذه في الله لَوْمَةُ لائمٍ، إلَّا أنّه كثير المنكرات والموضوعات، ضُعِّف واتُّهم بها، وحدَّث ببغداد في سنة ثلاثٍ وستّين.
وقال شيروَيْه: قدِم علينا، فكنت أحضر مجلسه، وكان يعِظ النّاس وتاب على يديه خلْقٌ كثير، وعامة حديثه مناكير.
وقال السّمعانيّ: قرأت بخطّ أبي: سمعت محمد بن عبد الحميد العَبْديّ المَرْوَزِيّ يقول: كان الكاشْغَريّ يضع الأحاديث ويُركِّب المُتُون، وكان ابنه عبد الغافر يُنكر عليه ذلك. عاش بعد ابنه عبد الغافر قريبًا من عشر سِنين.(10/658)
383 - الحسين بن محمد بن مبشّر، أبو عليّ الأنصاريّ الأندلسيّ السَّرَقُسْطيّ، المقرئ، ويُعرف بابن الإمام. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
قرأ القرآن على: أبي عِمْرو الدّانيّ، وغيره، ورحل إلى ديار مصر، وقرأ القراءات على أبي عليّ الحسن بن محمد بن إبراهيم البغداديّ المالكيّ. وسمع من أبي ذَرّ الهَرَويّ، وإسماعيل بن عَمْرو الحدّاد، وتصدّر للإقراء بجامع سَرَقُسْطة نحوًا من أربعين سنة، قرأ عليه القراءات جماعة منهم أبو علي بن سكرة.(10/659)
384 - خديجة بنت أبي القاسم عبد العزيز بن عبد الرحمن الكرابيسيّ الصّفّار. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
شيخةٌ مُسِنَّة مُسْنِدَة، عاشت إلى حدود التّسعين، سمعت محمد بن أحمد بن إبراهيم الأُشْنانيّ، وأبا حامد أحمد بن الوليد الزُّوزَنيّ صاحب محمد بن أحمد بن خَنْب. روى عنها: فضل الله بن وهب الله الحذّاء، وعبد الخالق ابن الشحامي، وعبد الله ابن الفُرَاويّ، وشافع بن عليّ الشّغْريّ، وآخرون.
وقد مضى أخوها محمد في سنة ثلاثٍ وسبعين.(10/659)
• - عبد الله بن عطاء الإبراهيمي، [الوفاة: 481 - 490 هـ]
مرَّ في تلك الطّبقة.(10/659)
385 - عبد الله بن علي، أبو المظفر ابن الدّهّان الهَرَويّ. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
سمع من عبد الجبّار الجرّاحيّ، روى عنه عبد الملك الكَرُوخيّ الجزء الأخير من " التِّرْمِذِيّ ".(10/660)
386 - عبد الرحمن بن أحمد، أبو أحمد المَرْوَزِيّ المعروف بفقيه شاه. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
سمع أبا الخير أحمد بن عبد الله بن بُرَيْدة المسروريّ، وإسماعيل بن يَنَالَ المحبوبيّ.
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: حدثنا عنه أبو طاهر محمد بن محمد السنجي، ومُحَمَّد بن النُّعْمان بن أبي عاصم.
تُوُفّي بعد سنة خمس وثمانين وأربعمائة.(10/660)
387 - محمد بن أحمد بن عمر، القاضي أبو عمر النّهاونديّ. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
من بقايا المُسْنِدين بالبصْرة، روى عن جدّه لأمّه أبي بكر محمد بن الفضل بن العبّاس البابْسِيريّ، سمع منه في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وعن طلحة بن يوسف المواقيتي، صاحبي أبي إسحاق الهُجِيميّ.
وعُمّر طويلًا، سمع منه ابنه القاضي أبو طاهر، وغيره. وروى عنه بالإجازة الحافظان أبو عليّ بن سُكَّرَة الصُّدفيّ، وأبو طاهر السلفي، وبقي إلى بعد التسعين وأربعمائة. فيما أرى.
قرأتُ على عبد المؤمن الحافظ: أخبرك ابن رواج، أنّ أبا طاهر بن سِلَفَة الحافظ أخبره، قال: كتب إليَّ أبو عمر النهاوندي من البصرة: أخبرنا جدّي أبو بكر محمد بن الفضل، قال: حدثنا إبراهيم بن علي الهجيمي، قال: حدثنا أبو قلابة، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سُفْيان الثّوريّ، قال: بلغني عن الحسن أنّه قال في الرّجل يُذْنِب ثمّ يتوب، ثمّ يذنب، ثمّ يتوب ثلاثًا، قال: تلك أخلاق المؤمنين.(10/660)
388 - محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، الحاكم أبو منصور، النُّوقانيّ، الطُّوسيّ المعروف بالعارف، [الوفاة: 481 - 490 هـ]
من علماء خُراسان.
سمع عبد اللَّه بن يوسف، وأبا عبد الرحمن السّلَميّ، وأبا مسلم غالب بن عليّ الرّازيّ الحافظ، وجماعة.
قال عبد الرحيم ابن السّمعانيّ: أدركتُ من أصحابه أبا سعْد محمد بن أحمد بن الخليل الحافظ، ولد قبل عام أربعمائة. وسأله أبو محمد السَّمَرْقَنْديّ عن مولده، فقال: سنة خمسٍ وتسعين وثلاثمائة. [ص:661]
توفّي بنوقان سنة نيفٍ وثمانين وأربعمائة.(10/660)
389 - محمد بن إبراهيم بن إلياس، أبو عبد الله اللَّخْميّ الأندلسيّ، ويُعرف بابن شُعيب، [الوفاة: 481 - 490 هـ]
وهو جدّه لأمه.
روى عنه، وعن مكّيّ بن أبي طالب القَيْسيّ، وأبي العبّاس المَهْدويّ، وابي عَمْرو الدّانيّ.
قال الأبّار: تصدَّر بجامع المَرِيّة لإقراء القرآن والعربية والآداب، روى عنه أبو الحسن بن موهب، وأبو الحسن بن نافع، وأبو عبد الله بن مَعْمَر، وقفت على السّماع منه في سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.(10/661)
390 - محمد بن عبد السّلام بن شانْدُهْ، أبو المعالي الأصبهاني، ثمّ الواسطيّ الشّيعيّ. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
روى عن علي بن محمد بن علي الصيدلاني ابن خَزَفَة، وابي القاسم عليّ بن كُرْدان النَّحْويّ، وغيرهما.
قال السِّلَفي: سألت خميسًا الحَوْزيّ وقد قال لي: آخر مَن روى عن ابن كُرْدان أبو المعالي بن شانده، فقلت: مَن ابن شانده؟ قال: كان إصبهانيًّا رئيسًا محتشمًا ثقة، ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة، سمع من ابن خَزَفَة " تاريخ أحمد بن أبي خَيْثَمة "، وكان عنده عن عمّه أبي محمد التّلْعُكْبَريّ، من مصنِّفي الرَّافضة، كتبٌ من عِلْمهم لا يُسْمِعها أحدًا، ومَدَدْتُ يدي إليها يومًا، فاستلبها من يدي وقال: هذا لا يصلُح لك، وكان يتظاهر بالسُّنّة.
قلت: وممّن روى عنه عليّ بن محمد الْجُلّابيّ في " تاريخه " وبقي إلى بعد الثّمانين: والحافظ أبو عليّ بن سُكَّرَة، وقال: هو محمد بن عبد السلام بن محمد بن عبيد الله بن أحمولة نزيل واسط، سمع سنة سبع وأربعمائة من ابن خَزَفَة.(10/661)
391 - محمد بن يوسف بن عليّ بن خَلَصَة، أبو عبد الله الشّاطبيّ. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
سمع ابن عبد البَرّ، وبمكّة هَيّاج بن عبيد. روى عنه طاهر بن مُفَوَّز، وأبو إسحاق بن جماعة، وجماعة.
توفّي في نحو التسعين وأربعمائة.(10/661)
392 - المغيرة بن محمد بن محمد بن حسن، أبو الغيث الثّقَفيّ الْجُرجَانيّ. [الوفاة: 481 - 490 هـ]
ثقة، خيّر، من ذُرّيّة المغيرة بن شُعْبة، كان من بقايا أصحاب حمزة بن يوسف السّهمي.
قال السّمعانيّ: حدثنا عنه أبو عامر سعد بن علي الجرجاني بمرو. قال: وتوفّي بمرو سنة نيفٍ وتسعين وأربعمائة، وكان من أبناء تسعين سنة.(10/662)
-الطبقة الخمسون 491 - 500 هـ(10/663)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الحوادث)(10/665)
-سنة إحدى وتسعين وأربعمائة
قال ابن الأثير: ابتداء دولة الفرنج، لعنهم اللَّه، في سنة ثمان وسبعين، فملكوا طُلَيْطُلَة وغيرها من الأندلس، ثمّ قصدوا صِقِلّية في سنة أربع وثمانين فملكوها، وأخذوا بعض أطراف إفريقية، وخرجوا في سنة تسعين إلى بلاد الشّام، فجمع ملكهم بردويل جَمْعًا كثيرًا، وبعث إلى الملك رُجَار صاحب صِقِلّية يَقُولُ: أَنَا واصل إليك وسائرٌ من عندك إلى إفريقية أفتحها، وأكون مجاورًا لك، فاستشار رُجَار أكابر دولته، فقالوا: هذا جيّد لنا وله، وتصبح البلاد بلاد النّصرانيّة، فضرط ضرطةً، وقال: وحقّ ديني، هذه خير من كلامكم! قالوا: ولم؟
قال: إذا وصل احتاج إلى كلْفة كبيرة ومراكب وعساكر من عندي، فإن فتحوا إفريقية كانت لهم ويأخذون أكثر مُغَلّ بلادي، وإن لم يفلحوا رجعوا إلى بلادي وتأذيت بهم، ويقول تميم - يعني ابن باديس -: غدرت ونقضت العهد، ونحنُ إنْ وجدنا قوة أخذنا إفريقية، ثم أحضر الرسول، وقال: إذا عزمتم عَلَى حرب المسلمين فالأفضل فتح بيت المقدس، تخلّصونه من أيديهم، ويكون لكم الفخر، وأمّا إفريقيّة فبيني وبين صاحبها عُهُود وأَيْمان، فتركوه وقصدوا الشّام.
وقيل: إنّ صاحب مصر لما رأى قوة السلجوقية واستيلاءهم عَلَى الشام ودخول أَتْسِز إلى القاهرة وحصارها، كاتب الفرنج يدعوهم إلى المجيء إلى الشام ليملكوه. [ص:666]
وقيل: إنّهم عبروا خليج القُسْطنطينيّة وقدِموا بلاد قليج أرسلان بن سليمان بْن قُتُلْمش السَّلْجوقيّ، فالتقاهم، فهزموه في رجب سنة تسعين، واجتازوا ببلاد ليون الأرمني فَسَلكوها، وخرجوا إلى أنطاكية فحاصروها، فخاف ياغي سِيان من النَّصارى الذين هُمْ رعيته، فأخرج المسلمين خاصة لعمل الخندق، فأصلحوه، ثم أخرج النصارى كلهم من الغد لعمل الخندق أيضًا، فعملوا فيه إلى العصر، ومنعهم من الدخول، وأغلق الأبواب، وأَمِن غائلة النصارى، وحاصرته الفرنج تسعة أشهر، وهلك أكثر الفرنج قتلًا وموتًا بالوباء، وظهر من شجاعة ياغي سيان وحزمه ورأيه ما لم يشهد من غيره، وحفظ بيوت رعيّته النّصارى بما فيها، ثم إن الفرنج راسلوا الزّرّاد أحد المقدَّمين، وكان متسلّمًا برجًا من السور، فبذلوا له مالاً، فعامل على المسلمين وطلعوا إلى أن تكاملوا خمسمائة، فضربوا البوق وقت السَّحَر، ففتح ياغي سيان الباب، وهرب في ثلاثين فارسًا، ثمّ هرب نائبه في جماعة.
واستُبيحت أنطاكية، فإنا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون، وذلك في جُمَادَى الأولى من سنة إحدى وتسعين، وأُسْقِط في يد ياغي سيان صاحبها، وأكل يديه ندماً حيث لم يقف ويقاتل عَنْ حُرَمه حتّى يقتل، فلشدة ما لحقه سقط مغشيا عَلَيْهِ، وأراد أصحابه أنّ يُرْكِبُوه، فلم يكن فيه حَيْلٌ يتماسك بِهِ، بل قد خارت قوّته، فتركوه ونجوا، فاجتاز بِهِ أَرمنيّ حطّاب، فرآه بآخر رَمَق، فقطع رأسه، وحمله إلى الفرنج.
وقال صاحب المرآة: وكثر النفير على الفرنج، وبعث السّلطان بَرْكِيارُوق إلى العساكر يأمرهم بالمسير مع عميد الدولة للجهاد، وتجهز سيف الدولة صدقة بن مُزْيَد، فجاءت الأخبار إلى بغداد بأنّ أنطاكية أخذت، وأن الفرنج صاروا إلى المَعَرَّة، وكانوا في ألف ألف إنسان، فنصبوا عليها السلالم، ودخلوها، وقتلوا بها مائة ألف نفس، وسبوا مثل ذَلِكَ، وفعلوا بكَفَرْطَاب كذلك.
قلت: دافع أهل المَعَرّة عَنْهَا، وقاتلوا قتال الموت حتّى خُذِلوا، فقتل بها عشرون ألفًا، فهذا أصح. [ص:667]
وقال أبو يعلى ابن القلانسي: وأما أنطاكية فقتل بها وسبي من الرجال والنساء والأطفال ما لا يدركه حصر، وهرب إلى القلعة تقديرُ ثلاثة آلاف تحصنوا بها.
قَالَ أبو يَعْلَى: وبعد ذَلِكَ أخذوا المَعَرّة في ذي الحجة.
قَالَ ابن الأثير: ولمّا سمع قوام الدّولة كربوقا صاحب المَوْصِل بذلك، جمع الجيوش وسار إلى الشّام، ونزل بمرج دابق، فاجتمعت معه عساكر الشام، تُرْكُها وعَرَبُها، سوى جُنْد حلب، فاجتمع معه دقاق وطغتكين أتابك، وجناح الدّولة صاحب حمص، وأرسلان صاحب سنجار، وسقمان بن أرتق وغيرهم، فعظمت المصيبة على الفرنج، وكانوا في وهْن وقَحْط، وسارت الجيوش فنازلتهم، ولكن أساء كربوقا السيرة في المسلمين، وأغضب الأمراء وتحامق، فأضمروا لَهُ الشر، وأقامت الفرنج في أنطاكيّة بعد أنّ ملكوها ثلاثة عشر يوماً، ليس لهم ما يأكلونه، وأكل ضعفاؤهم الميتة وورق الشجر، فبذلوا البلد بشرط الأمان، فلم يعطهم كربوقا.
وكان بردويل، وصنجيل، وكندفري، والقمص صاحب الرها، وبيمنت صاحب أنطاكية، ومعهم راهب يرجعون إلَيْهِ، فقال: إنّ المسيح كانت لَهُ حَرْبَةٌ مدفونة بأنطاكية، فإن وجدتموها نُصِرْتُم، ودفن حرْبةً في مكانٍ عفّاه، وأمرهم بالصَّوم والتّوبة ثلاثة أيام، ثم أدخلهم إلى مكانٍ، وأمر بحفْره، فإذا بالحَرْبة، فبشّرهم بالظَّفَر وخرجوا للقاء، وعملوا مصافًا، فولّى بعض العساكر حرب كربوقا، لِما في قلبهم منه، وما كَانَ ذا وقت ذا، فاشتغل بعضهم ببعض، ومالت عليهم الفرنج، فهزمتهم، وهربوا من غير أن يقاتلوا، فظنت الفرنج أنّها مكيدة، إذ لم يجر قتال يوجب الهزيمة، وثبت جماعة من المجاهدين، وقاتلوا خشية، فحطمتهم الفرنج، واستشهد يومئذ ألوف، وغنمت الفرنج من المسلمين معظم ثقلهم ورختهم.
ثمّ ساروا إلى المَعَرّة، فحاصروها أيامًا، ثمّ داخل المسلمين فشلٌ وهلعٌ، وظنوا أنهم إذا تحصنوا بالدُّور الكبار امتنعوا بها، فنزلوا من السور إلى [ص:668] الدور، فرآهم طائفة أخرى، ففعلوا كفعلهم، فخلا مكانهم من السور، فصعدت الفرنج عَلَى السّلالم، ووضعوا فيهم السيف ثلاثة أيّام، وقتلوا ما يزيد عَلَى مائة ألف، وملكوا جميع ما فيها.
وساروا إلى عرقة، فحصروها أربعة أشهر، ونقّبوا أماكن، ثمّ صالحهم عليها صاحب شيزر ابن منقذ، فساروا ونازلوا حمص، ثمّ صالحهم جناح الدولة على طريق إلى عكا.
وفيها شغب الْجُنْد عَلَى السلطان بَركيَارُوق وقالوا: لا نسكت لك حتى تسلم إلينا مجد المُلْك القُمّيّ المستوفي - وكان قد أساء السيرة، وضيق أرزاقهم -، فقال القمي: نفسي فداؤك دعهم يقتلوني ويبقى عليك ملكك، فقال: والله لا مكنتهم منك، وعزم عَلَى إخفائه، فقيل لَهُ: متي خرج عنك قتلوه، ولكن اشفع فيه، فبعثه وقال للأمراء: السلطان يشفع إليكم فيه، فثاروا به وقتلوه، ثم جاؤوا وقبلوا الأرض بين يدي بركياروق، فسكت.
وقال أبو يعلى: وفيها سار أمير الجيوش أحمد حتّى نازل بيت المقدس وحاصره، وأخذه من سُقْمان بْن أُرْتُق.(10/665)
-سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة
لمّا سار السلطان بَركيَارُوق إلى خُراسان، استعمل أنر على فارس وبلادها، وكان قد غلب عليها خوارج الأعراب، واعتضدوا بصاحب كرْمان ابن قاروت، فالتقاهم أُنَرْ، فهزموه وجاءَ مَفْلُولًا، ثمّ ولي إمارة العراق، يعني من قبل بَركيَارُوق، فأخذ يكاتب الأمراء المجاورين لَهُ، وعسكر بأصبهان، ثمّ سار منها إلى إقطاعه بأذربيجان، وقد عاد، وانتشرت دعوة الباطنية بأصبهان، فانتدب لقتالهم، وحاصر قلعةً لهم بأرض إصبهان، واتصل به مؤيد الملك ابن نظام المُلْك، وجرت لَهُ أمور، ثمّ كاتب غياث الدين محمد بْن ملكشاه، وهو إذ ذاك بكنجة، ثمّ سار إلى الرّيّ في نحو عشرة آلاف، وهَمَّ بالخروج عَلَى بَركيَارُوق، فوثب عَلَيْهِ ثلاثة فقتلوه في رمضان بعد الإفطار، فوقعت الصيحة، ونهبت خزائنه، وتفرق جَمْعُه، ثمّ نقل إلى أصبهان، فدفن في داره. [ص:669]
وفيها أخذت الفرنج بيت المقدس؛ لما كسرت الفرنج خذلهم اللَّه، المسلمين عَلَى أنطاكية في العام الماضي قووا وطغوا، وكان تاج الدّولة تتش قد استولى عَلَى فلسطين وغيرها، وانتزع البلاد من نُوّاب بني عُبَيْد، فأقطع الأمير سُقْمان بن أرتق التركماني بيتَ المقدس، فرتبه وحصّنه، فسار الأفضل بْن بدر أمير الجيوش، فحاصر الأمير سُقْمان وأخاه إيلغازي، ونصبوا عَلَى القدس نيفًا وأربعين منجنيقًا، فهدموا في سوره، ودام الحصار نيفًا وأربعين يومًا، وأخذوه بالأمان في شَعْبان سنة تسع وثمانين، وأنعم الأفضل عَلَى سُقْمان وأخيه، وأجزل لهم الصِّلات، فسار سُقْمان واستولى عَلَى الرُّها، وذهب أخوه إلى العراق، ووُلّي عَلَى القدس افتخار الدولة المصري، فدام فيه إلى هذا الوقت، وسارت جيوش النصرانية من حمص، فنازلت عكّا أيّامًا، ثمّ ترحّلوا وأتوا القدس، فحاصروه شهراً ونصفا، ودخلوه من الجانب الشمالي ضحوة نهار الجمعة لسبعٍ بقين من شَعْبان، واستباحوه، فإنا لله وإنا إِلَيْهِ راجعون.
واحتمى جماعة ببرج دَاوُد، ونزلوا بعد ثلاثٍ بالأمان، وذهبوا إلى عسقلان.
قال ابن الأثير: قتلت الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد عَلَى سبعين ألفًا، منهم جماعة من العلماء والعبّاد والزُّهّاد، وممّا أخذوا أربعين قِنْديلًا من الفضّة، وزن القِنْديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنُّورًا من فضة، وزنه أربعون رِطْلًا بالشّاميّ، وغنموا ما لا يُحْصَى، وورد المستنفرون من الشّام إلى بغداد صحبة القاضي أَبِي سعْد الهَرَوِيّ، فأوردوا في الديوان كلامًا أبكى العيون وجرح القلوب، وبعث الخليفة رُسُلًا، فساروا إلى حلوان، فبلغهم قتل مجد الملك الباسلانيّ، فردّوا من غير بلوغ أربٍ، ولا قضاء حاجة، واختلف السلاطين، وتمكنت الفرنج من الشام، وللأَبِيوَرْدِيّ:
مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرضة للمراجم
وشر سلاح المرء دمع يفيضه ... إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
فإيها بني الإسلام، إنّ وراءكم ... وقائع يلحقن الردى بالمناسم [ص:670]
أتهويمةٌ في ظل أمنٍ وغبطةٍ ... وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملء جفونها ... عَلَى هفوات أيقظت كلّ نائم؟
وإخوانكم بالشام يضحي مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
فكم من دماءٍ قد أبيحت، ومن دمي ... توارى حياءً حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبا ... وسمر العوالي داميات اللهاذم
يكاد لهن المستجن بطيبةٍ ... ينادي بأعلى الصوت: يا آل هاشم
أرى أُمتي لا يشرعون إلى العدى ... رماحهم، والدين واهي الدعائم
ويجتنبون النار خوفًا من الردى ... ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الأعاريب بالأذى ... وتغضي عَلَى ذلٍ كماة الأعاجم
فليتهم إذ لم يردوا حمية ... عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: سارت الفرنج ومقدمهم كندهري في ألف ألف، منهم خمسمائة ألف مقاتل، وعملوا برجين من خشب مطلين عَلَى السور، فأحرق المسلمون البرج الّذي كَانَ بباب صهيون، وقتلوا من فيه، وأمّا الآخر فزحفوا بِهِ حتى ألصقوه بالسور وحكموا بِهِ عَلَى البلد، وكشفوا من كَانَ بإزائهم، ورموا بالمجانيق والسّهام رمية رجلٍ واحدٍ، فانهزم المسلمون من السور.
قلت: هذه مجازفة بينة، بل حكى ابن منقذ: أن ما جرى كان بجبيل، وإن قومًا وقفوا عَلَى سورها بأمر الوالي في مضيق لا يكاد يعبر منه إلّا واحدٌ بعد واحد، قَالَ: فكان عدد خيلهم ستة آلاف ومائة فارس، والرجالة ثمانية وأربعون ألفًا، ولم تزل دار الإسلام منذ فتحها عمر رضي الله عنه.
قال ابن الأثير: وكان الأفضل لما بلغه نزولهم عَلَى القدس تجهز وسار من مصر في عشرين ألف فارس، فوصل إلى عسقلان ثاني يوم الفتح، ولم يعلم، وراسل الفرنج. فأعادوا الرسول بالجواب، ورحلوا في أثره وطلعوا على المصريين عقيب وصول الرسول، ولم يعلم المصريّون بشيء، فبادروا [ص:671] السلاح والخيل، وأعجلتهم الفرنج فهزموهم، وقتلوا منهم من قُتِل، وغنموا خيامهم بما فيها، ودخل الأفضل عسقلان، وتمزق أصحابه، فحاصرته الفرنج بعسقلان، فبذل لهم ذهباً كثيراً، فردّوا إلى القدس.
قَالَ أبو يعْلى ابن القلانسيّ: قتلوا بالقدس خلقًا كثيرًا، وجمعوا اليهود في كنيسة وأحرقوها عليهم، وهدموا المشاهد.
وفيها ابتداء دولة محمد بن ملكشاه، لمّا مات أبوه ببغداد سار مَعَ أخيه محمود والخاتون تركان إلى إصبهان، ثمّ إنّ أخاه بَركيَارُوق أقطعه كنجة، وجعل لَهُ أتابكًا، فلمّا قوي محمد قتل أتابكه قتلغ تكين، واستولى عَلَى مملكة أرّان، وطلع شهمًا شجاعًا مهيباً، قطع خطبة أخيه، واستوزر مؤيد الملك عَبْد اللَّه بن نظام المُلْك، فإنه التجأ إِلَيْهِ بعد قتل مخدومه أُنَرْ، واتفق قتل مجد الملك الباسلاني، واستيحاش العسكر من بَركيَارُوق، ففارقوه وقدموا عَلَى محمد، وكثر عسكره، فطلب الرّيّ، وعرّج أخوه إلى إصبهان، فعصوا عَلَيْهِ، ولم يفتحوا لَهُ، فسار إلى خوزستان، وأما محمد فاستولى عَلَى الرّيّ وبها زبيدة والدة السلطان بَركيَارُوق، فسجنها مؤيد الملك الوزير، وصادرها وأمر بخنقها، ولكن أظفر اللَّه بركياروق بالمؤيد فقتله. وسار سعْد الدولة كوهرائين من بغداد إلى خدمة السلطان محمد، فخلع عَلَيْهِ، وردّه إلى بغداد نائباً له، وأقيمت لمحمد الخطبة ببغداد، ولقب " غياث الدنيا والدين " في آخر السنة.
وفيها، وفي العام الماضي، كَانَ بخراسان الغلاء المفرط، والوباء، حتى عجزوا عن الدفن، وعظم البلاء.
وفيها نقل الأتابك طغتكين المصحف العثماني من طبرية خوفًا عَلَيْهِ إلى دمشق، وخرج النّاس لتلقيه، فأقره في خزانةٍ بمقصورة الجامع.(10/668)
-سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة
لما سار بَركيَارُوق إلى خوزستان دخلها بجميع من معه وهم في حالٍ سيئة، ثمّ سار عسكره إلى واسط، فظلموا النّاس، ونهبوا البلاد، وسار إلى خدمته الأمير صدقة بْن مزيد صاحب الحلة. ثم سار فدخل بغداد في أثناء صَفَر، وأعيدت خطبته، وتراجع إِلَيْهِ بعض الأمراء، ولم يؤاخذ كوهرائين، [ص:672] وخلع عَلَيْهِ، وقبض عَلَى وزير بغداد عميد الدولة ابن جهير، والتزم بحمل مائة وستين ألف دينار. ثم سار بالعساكر على شهرزور، وانضم إِلَيْهِ عسكرٌ لجب، فالتقى الأخوان فكان محمد في عشرين ألفًا، وكان عَلَى ميمنته أمير آخر، وعلى ميسرته مؤيد الملك والنظامية، وكان على ميمنة بركياروق كوهرائين، والأمير صدقة، وعلى ميسرته كربوقا صاحب المَوْصِل، فهزم كوهرائين مَيْسَرة محمد، وهزم أمير آخر بميمنة محمد ميسرة بركياروق، وعاد كوهرائين فكبا به الفرس، فأتاه فارس فقتله، وانهزمت عساكر بركياروق وذل، وبقي في خمسين فارسًا، وأسر وزيره الجديد الأعز أبو المحاسن، فبالغ مؤيد الملك وزير محمد في احترامه، وكفله عمارة بغداد، وإعادة الخطبة لمحمد، فساق إلى بغداد، وخطب لمحمد ثاني مرة في نصف رجب.
وكان سعْد الدولة كوهرائين خادمًا كبيرًا محتشمًا، ولي بغداد وخدم ملوكها، ورأى ما لم يره أمير من نفوذ الكلمة والعزّ، وكان حليمًا كريمًا حَسَن السيرة، وكان خادماً تركياً للملك أبي كاليجار ابن سلطان الدولة ابن بهاء الدولة ابن عضد الدولة ابن بويه، بعث بِهِ أَبُوهُ مَعَ ابنه أَبِي نَصْر إلى بغداد، فلم يزل معه حتّى قدِم السلطان طغرلبك بغداد، فحبسه مَعَ مولاه، ثمّ خدم السلطان ألب أرسلان، وفداه بنفسه يوم وثب عَلَيْهِ يوسف الخوارزمي، وكان صاحب صلاة، وتهجدٍ، وصيام، ومعروف، رحمه الله.
وأما السلطان بَركيَارُوق، فسار بعد الوقعة إلى إسفرايين، ثمّ دخل نَيْسابور، وضيق عَلَى رؤسائها، وعمل مصافًا مَعَ أخيه سنجر، فانهزمت الفتيان، وسار بَركيَارُوق إلى جُرجان، ثمّ دخل البريّة في عسكر يسير، وطلب إصبهان، فسبقه أخوه محمد إليها.
وفيها فتح تميم بْن المعز بْن باديس مدينة سفاقس، وغيرها، واتسع سلطانه.
وفيها لقي كمشتكين ابن الدانشمند صاحب ملطية وسيواس، بيمند الفرنجي صاحب أنطاكية، بقرب ملطية، فأسر بيمند.
ووصل في البحر سبعة قوامص، فأخذوا قلعة أنكورية، وقتلوا أهلها، [ص:673] ثم التقاهم ابن الدانشمند.
قال ابن الأثير: فلم يفلت أحدٌ من الفرنج، وكانوا ثلاثمائة ألف، غير ثلاثة آلافٍ هربوا ليلًا، كذا قال: والعهدة عليه.
قال: ثم سار إليه الفرنج من أنطاكية، فالتقاهم وكسرهم.
وفيها وزر للخليفة أبو المحاسن جلال الدولة عبد الجليل الدهستاني، فجاءه كتاب بَركيَارُوق يحثه عَلَى اللحاق بِهِ، فاستوزر الخليفة المستظهر باللَّه سديد الملك أبا المعالي الفضل بن عبد الرزاق الأصفهاني أحد كتاب ديوان الجيش للسلطان ملكشاه.
قال صاحب المرآة: وفيها خرج سعد الدولة القراسي من مصر، فالتقى الفرنج عَلَى عسقلان، وقاتل بنفسه حتّى قتل، وحمل المسلمون عَلَى النصاري فهزموهم إلى قيسارية، قَالَ: فيقال: إنهم قتلوا من الفرنج ثلاثمائة ألف.
قلت: هذه مجازفة عظيمة من نوع المذكورة آنفاً.
وفيها كان القحط شديدا بالشام، والخوف من الفرنج.(10/671)
-سنة أربع وتسعين وأربعمائة
في وسطها كَانَ مصاف كبير بين السلطانين: محمد، وبركياروق، كَانَ مَعَ بَركيَارُوق خمسون ألفًا، فانهزم محمد، وأسر وزيره مؤيد الملك، فذبحه بركياروق بيده، وكان بخيلاً ظالما، سيئ الخلق، مذموم السيرة، إلّا أَنَّهُ كَانَ من دهاة العالم، عاش خمسين سنة.
ودخل بركياروق إلى الرّيّ وسجد لله، وجاء إلى خدمته صاحب الموصل كربوقا، ونور الدولة دبيس ولد صدقة.
وانهزم محمد إلى خراسان، فأقام بجرجان، وراسل أخاه لأبويه الملك سنجر يطلب منه مالًا وكسوة، فسيَّر إِلَيْهِ ما طلب، ثمّ تحالفا وتعاهدا واتّفقا. [ص:674]
ولم يكن بقي مع محمد غير ثلاثمائة فارس، فقدم إِلَيْهِ أخوه سَنْجَر وانضمّ إليهما عسكرٌ كثير، وتضرر بالعسكر أهل خراسان.
وأما السلطان بركياروق، فصار جيشه قريبًا من مائة ألف، فغلت الأسعار، واستأذنته الأمراء في التفرق للغلاء، فبقي في عسكر قليل، فبلغ ذَلِكَ أخَوَيْه، فقصداه وطَوَيا المراحل، فتقهقر ونقصت هيبته، وقصد هَمَذَان، فبلغه أنّ إياز متولّيها قد راسل محمدًّا ليكون معه، فسار إلى خُوزِسْتان، ثمّ خرج إلى حلوان. وأمّا إياز فلم يقبله محمد، فخاف وهرب إلى عند بَركيَارُوق، فدخلت أصحاب محمد، ونهبوا حواصله، فيقال إنهم أخذوا له خمسمائة فرس عربية، وتكامل مع بركياروق خمسة آلاف ضعفاء، قد ذهبت خيامهم وثقلهم، فقدم بهم بغداد، وتمرض، وبعث يشكو قلّة المال إلى الدّيوان، فتقرَّر الأمر عَلَى خمسين ألف دينار حُمِلت إِلَيْهِ، ومد أصحابه أيديهم إلى أموال الرّعية وظلموهم. وخرج عَنْ طاعته صاحب الحلّة، وخطب لأخيه محمد، وفي آخر العام وصل محمد وسَنْجَر إلى بغداد، وجاء إلى خدمته إيلغازي بْن أُرْتُق، وتأخر بَركيَارُوق وهو مريض إلى واسط، وأصحابه ينهبون القرى ويأكلون، وفرح الخليفة والناس بالسلطان محمد.
وفيها أو في حدودها ظهرت الباطنية بالعراق ونواحيها، وكثروا؛ قال أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظم: أول ما عرف من أخبار الباطنية، في أيام ملك شاه، أنّهم اجتمعوا فَصَلُّوا العيد في ساوَة، ففِطن بهم الشحنة، فأخذهم وحبسهم، ثم أطلقهم، فسألوا مؤذناً من أهل ساوة أنّ يدخل في مذهبهم، فامتنع، فخافوا أنّ ينمّ عليهم، فقتلوه، فرُفِع ذَلِكَ إلى نظام الملك، فأخذ رجلاً نجاراً اتهمه بقتله فقتله، فتحيلوا حتى قتلوا نظام الملك، وهو أوّل من فتكوا بِهِ، وكانوا يقولون: قتلتم منّا نجّارًا، فقتلنا بِهِ نظام المُلْك، ثمّ استفحل أمرهم بأصبهان، ولمّا مات السّلطان ملكشاه، آل أمرهم إلى أنّهم كانوا يسرقون الناس فيقتلونهم ويلقونهم في الآبار، فكان الإنسان إذا دنا وقت العصر ولم يعد إلى منزله يئسوا منه، وبلغ من حيلهم أنهم أجلسوا امرأة على حصير لا تبرح منه، فدخلوا الدار، يعني الأعوان، فأزالوها، فوجدوا تحت الحصير بئرًا فيها [ص:675] أربعون قتيلًا، فقتلوا المرأة، وهدموا الدّار، وكانوا يجلسون ضريرًا عَلَى باب زُقاقهم، فإذا مرّ بِهِ إنسان سأله أنّ يقوده إلى رأس الزُّقاق، فإذا فعل جذبه من في الدار إليها فقتلوه، فجدّ أهل إصبهان فيهم، فقتلوا منهم خلقاً كثيراً.
وأول قلعة ملكوها قلعة الروذبار بناحية أصبهان، كانت لقماج صاحب ملكشاه، وكان متهماً بمذهبهم، فلمّا مات ملكشاه أعطوه ألفًا ومائتي دينار، فسّلمها إليهم في سنةٍ ثلاثٍ وثمانين، وقيل: لم يكن ملكشاه مات بعد.
وكان مقدَّمهم يقال لَهُ الحَسَن بْن الصّبّاح، وأصله من مَرْو، وكان كاتبًا لبعض الرؤساء، ثمّ صار إلى مصر وتلقّى من دعاتهم، وعاد داعيةً للقوم، وحصّل هذه القلعة، وكان لا يدعو إلا غبياً، ثم يذكر لَهُ ما تمّ عَلَى أهل البيت من الظلم، ثمّ يَقُولُ لَهُ: إذا كانت الأزارقة والخوارج سمحوا بنفوسهم في القتال مَعَ بني أُميّة، فما سبب تخلُّفك بنفسك عَنْ إمامك؟ فيتركه بهذه المقالة طعمة للسباع. وكان ملكشاه نفَّذ إِلَيْهِ يتهدّده ويأمره بالطّاعة، ويأمره أنّ يكفّ أصحابه عَنْ قتل العلماء والأمراء، فقال للرسول: الجواب ما تراه، ثمّ قَالَ لجماعةٍ بين يديه: أريد أنّ أُنْفذكم إلى مولاكم في حاجةٍ، فمن ينهض بها؟ فاشرأبّ كلُّ واحدٍ منهم، وظنّ الرَّسُول أنّها حاجة، فأومى إلى شابّ فقال: اقتل نفسك، فجذب سكيناً، فقال بها في غلصمته، فخرَّ ميتًا، وقال لآخر: إرمِ نفسَك من القلعة، فألقى نفسه فتقطع، ثم قال للرسول: قل لَهُ عندي من هَؤُلَاءِ عشرون ألفًا، هذا حدّ طاعتهم، فعاد الرَّسُول وأخبر ملكشاه، فعجب، وأعرض عن كلامهم.
وصار بأيديهم قلاعٌ كثيرة، منها قلعةٌ عَلَى خمسة فراسخ من إصبهان، وكان حافظها رجلًا تركيا، فصادقه نجارُ منهم، وأهدى لَهُ جارية، وقوسًا، فوثق بِهِ، وكان يستنيبه في حفظ القلعة، فاستدعى النّجّار ثلاثين رجلًا من أصحاب ابن غطاس، وعمل دعوة، ودعا التركي وأصحابه، وسقاهم الخمر، فلما سكروا استقى الثلاثين بحبال إليه، فقتلوا أصحاب التركي، وسلم [ص:676] التركي وحده، فهرب، وملكوا القلعة.
وقطعوا الطُّرقات ما بين فارس وخوزستان، وانصرف جماعة من أصحاب جاولي إليهم وصاروا منهم؛ ثم ظفر جاولي بثلاثمائة منهم، فأحاط هُوَ وجنده بهم فقتلوهم، وكان جماعة منهم في عسكر بَركيَارُوق، فاستغووا خلقًا منهم، فوافقوهم، فاستشعر أصحاب السلطان منهم، ولبسوا السّلاح، ثمّ قتلوا منهم نحو مائة رجل.
وكان بنواحي المشان رَجُل منهم يتزهد ويدّعي الكرامات، أحضر مرة جدياً مشوياً لأصحابه، فأكلوا منه، وأمر بردّ عظامه إلى التّنّور، فردت، وجعل على التنور طبقاً، ثم رفع الطبق فوجدوا جديا يرعى حشيشًا، ولم يروا نارًا ولا رمادًا، فتلطف بعض أصحابه حتّى عرف بأن التنور كَانَ يفضي إلى سرداب، وبينهما طبق من حديد يدور بلَوْلَب، فيفرك اللَّوْلَب، فتدور النّار، ويجيء بدلها الجدْيُ والمَرْعَى.
وقال الغزالي في كتاب " سرّ العالمين ": شاهدتُ قصة الحَسَن بْن الصّبّاح لمّا تزهّد تحت حصن أَلَمُوت، فكان أهل الحصن يتمنون صعوده إليهم، ويمتنع ويقول: أما ترون المُنْكَر كيف فشا؟ وفسد الناس، فصار إليه خلق، فخرج أمير الحصن يتصيّد، وكان أكثر تلامذته في الحصن، فأصعدوه إليهم وملّكوه، وبعث إلى الأمير من قتله، ولمّا كثرت قلاعهم، واشتغل عَنْهُمْ أولاد ملكشاه باختلافهم اغتالوا جماعةً من الأمراء والأعيان.
وللغزاليّ - رحمه اللَّه - كتاب " فضائح الباطنيّة "، ولابن الباقِلّانيّ، والقاضي عَبْد الجبّار، وجماعة: الرد على الباطنية، وهم طائفة خبيثة، يظهرون الزهد، والمراقبة، والكشف، فيضلّ بهم كلّ سليمِ الباطن.
قال ابن الأثير: وفي شعبان من سنة أربعٍ وتسعين أمر السّلطان بَركيَارُوق بقتل الباطنيّة، وهم الإسماعيليّة، وهم القرامطة، قَالَ: وتجرّد بأصبهان للانتقام منهم أبو القاسم مسعود بْن محمد الخُجُنْديّ الفقيه الشّافعيّ، وجمع الْجَمَّ الغفير بالأسلحة، وأمر بحفر أخاديد أوقدوا فيها النيران، وجعل [ص:677] عليها رجلًا لقّبوه مالكًا، وجعلت العامّة يأتون ويلقونهم في النار، إلى أنّ قتلوا منهم خلقًا كثيرًا، إلى أنّ قَالَ: وكان الحَسَن بْن الصّبّاح رجلًا شهمًا، كافيا، عالمًا بالهندسة، والحساب، والنّجوم، والسحر، وغير ذَلِكَ، وكان رئيس الرّيّ أبو مسلم، فاتهم ابن صباح بدخول جماعة من دعاة المصريّين عَلَيْهِ، فخافه ابن صباح وهرب، فلم يُدركْه أبو مُسْلِم، وكان ابن صباح من جملة تلامذة أحمد بن غطاس الطّبيب الّذي ملك قلعة إصبهان، وسافر ابن صباح فطاف البلاد، ودخل عَلَى المستنصر صاحب مصر، فأكرمه وأعطاه مالًا، وأمره أنّ يدعو النّاس إلى إمامته، فقال لَهُ الحَسَن بْن الصّبّاح: فَمَن الْإِمَام بعدك؟ فأشار إلى ابنه نِزَار.
ولمّا هلك المستنصر واستخْلف ولده المُسْتعلي صار نزار هذا إلى الإسكندرية، ودعا إلى نفسه، فاستجاب لَهُ خلْقٌ، ولُقّب بالمصطفى لدين اللَّه، وقام بأمر دولته ناصر الدّولة أفتكين مَوْلَى أمير الجيوش بدر، وهذا في سنة سبع وثمانين وأربعمائة. فسار عسكر مصر لحصار الإسكندريّة في سنة ثمانٍ وثمانين، فخرج ناصر الدولة وطردهم، فردّوا خائبين، ثمّ سار الأفضل فحاصر الإسكندريّة وأخذها، وأسر نزارا، وأفتكين وعدة، وجرت أمور.
ودخل الحسن بن صباح خراسان، وكاشغر، والنّواحي، يطوف عَلَى قومٍ يضلهم، فلما رأى قلعة ألموت بناحية قزوين أقام هناك، وطمع في إغوائهم، ودعاهم في السر، وأظهر الزُّهد، ولبس المُسُوح، فتبعه أكثرهم.
وكان نائب أَلَمُوت رجلًا أعجميًّا عَلَويًّا، فيه بَلَهٌ وسلامة صدرٍ، وكان حَسَن الظن بالحسن، يجلس إليه، ويتبرك به، فلما أحكم الحسن أمره دخل يومًا على العلوي فقال له: أخرج من هذه القلعة، فتبسم، وظنه يمزح، فأمر الحسن بعض أصحاب العلوي فأخرجوه، وأعطاه ماله، فبعث نظام الملك لمّا بلغه الخبر عسكراً، فنازلوه وضايقوه، فبعث من قتل نظام الملك، وترحّل العسكر عَنْ أَلَمُوت، ثمّ بعث السلطان محمد بْن ملكشاه إليها العسكر وحاصروها.
ومن جملة ما استولوا عَلَيْهِ من القلاع: قلعة طبس، وزوزن، وقاين، [ص:678] وسيمكوه، وتأذى بهم أهل أبهر، واستغاثوا بالسلطان، فبعث عسكراً حاصروها ثمانية أشهر، وفتحت، وقتل كل من بها، ولهم عدّة قلاعٍ سوى ما ذكرنا.
قَالَ: وكان تيرانشاه ابن تورانشاه بْن قاروت بك السَّلْجُوقيّ بكرْمان قد قتل الإسماعيليّة الأتراك أصحاب الأمير إسماعيل، وكانوا قومًا سُنّة، قتلَ منهم ألفي رَجُل صبْرًا، وقطع أيدي ألفَيْن، ونفق عَلَيْهِ أبو زُرْعة الكاتب، فحسّن لَهُ مذهب الباطنيّة، فأجاب، وكان عنده الفقيه أحمد بْن الحُسين البلْخيّ الحنفيّ، وكان مُطاعًا في النّاس، فأحضره عنده ليلةً، وأطال الجلوس، فلما خرج أَتْبَعه من قتله، فلمّا أصبح دخل عَلَيْهِ النّاس، وفيهم صاحب جيشه، فقال: أيُّها الملك، من قتل هذا الفقيه؟ فقال: أنت شِحْنةُ البلد، تسألني من قتل هذا؟ أنا أعرف قاتله! ونهض، ففارقه الشحنة في ثلاثمائة فارس، وسار من كرْمان إلى ناحية إصبهان، فجهّز الملك خلفه ألفي فارس فقاتلهم وهزمهم. وقدم إصبهان وبها السلطان محمد، فأكرمه.
وأمّا عسكر كرمان، فخرجوا على تيرانشاه، وحاربوه وطردوه عن مدينة بردسير الّتي هِيَ قصبة كرمان، وأقاموا عليهم ابن عمه أرسلان شاه، وأمّا تيرانشاه فالتجأ إلى مدينة صغيرة، فمنعه أهلها وحاربوه، وأخذوا خزائنه، ثم تبعه عسكر، فأخذوه، وأخذوا أبا زُرْعة، فقتلهما أرسلان شاه.
واستفحل أمر الباطنيّة وكثروا، وصاروا يتهدّدون من لا يوافقهم بالقتل، حتّى صارت الأمراء يلبسون الدروع تحت ثيابهم، وكان الوزير الأعزّ أبو المحاسن يلبس زَرَدِيّةً تحت ثوبه، وأشارت الأمراء على بَركيَارُوق السّلطان بقصْدهم قبل أنّ يعجز عَنْ تلافي أمرهم، فأذن في قتلهم، وركب هُوَ والعسكر وطلبوهم، وأخذوا جماعة من خيامهم.
وممّن قتل واتهم بأنه مقدَّمهم الأمير محمد بْن كاكَوَيْه صاحب يزد، ونهبت خيامه، وقتل جماعة برءاء سعى بهم أعداؤهم. وقد كان أهل عانة نسبوا إلى هذا المذهب قديمًا في أيّام المقتدي باللَّه، فأنهي حالهم إلى الوزير أبي شجاع، فطلبهم، فأنكروا وجحدوا، فأطلقهم. واتُّهم إلكيّا الهَرَاسّي مدرْس [ص:679] النّظَاميّة بأنّه باطنيّ، فأمر السّلطان محمد بالقبض عليه، ثم شهدوا له ببراءة الساحة، فأطلق.
وفيها حاصر الأمين بزغش، وهو أكبر أمراء الملك سَنْجَر، حصن طبس الّذي فيه الإسماعيليّة، وضيّق عليهم، وخرّب كثيراً من سورها بالمنجنيق، ولم يبق إلّا أخذها، فرحل عَنْهُمْ وتركهم، فبنوا السور، وملؤوا القلعة ذخائر، ثمّ عاودهم بزغش سنة سبعٍ وتسعين.
وفيها سار كُنْدفْري صاحب القدس إلى عكّا فحاصرها، فأصابه سهم فقتله، فسار أخوه بَغْدَوِين، ويُقال: بردويل، إلى القدس في خمسمائة، فبلغ الملك دُقَاق صاحب دمشق، فنهض إِلَيْهِ هو وجناح الدولة صاحب حمص، فانكسرت الفرنج.
وفيها ملكت الفرنج سَرُوج، من بلاد الجزيرة، لأنّهم كانوا قد مَلَكوا الرُّها بمكاتبةٍ من أهلها النّصارى، وليس بها من المسلمين إلا قليل، فحاربهم سُقْمان، فهزموه في هذه السنة، وساروا إلى سروج، فأخذوها بالسيف، وقتلوا وسبوا.
وفيها ملكوا مدينة حَيْفا، وهي بقرب عكّا على البحر، أخذوها بالأمان، وأخذوا أرسوف بالأمان. وفي رجب أخذوا قَيْساريّة بالسّيف، وقتلوا أهلها.
وفي رمضان أمر المستظهر باللَّه بفتح جامع القصر، وأن تصلى فيه التراويح، وأن يجهر بالبسملة، ولم تجر بهذا عادة، وإنّما تركوا الجهر بالبسملة في جوامع بغداد مخالفةً للشّيعة أصحاب مصر، وأمر أيضًا بالقنوت على مذهب الشافعي.
قصة ابن قاضي جَبَلة أَبِي محمد عُبَيْد اللَّه بْن صُلَيْحَة:
كانت جَبَلَة تحت حكم ابن عمّار صاحب طرابُلُس، فتعانى ابن صليحة الجندية، وكان أَبُوهُ قاضيا، فطلع هُوَ فارسًا شجاعًا، فأراد ابن عمّار أنّ يمسكه، فعصى عَلَيْهِ، وأقام الخطبة العبّاسيّة، وحوصر، فلم يقدروا عَلَيْهِ، ثم لما غلبت الفرنج حاصروه، فشنع أن بركياروق وعساكره قد توجهوا إلى الشام، فرحلت الفرنج، ثم عاودوه، فأرجفهم بمجيء المصريين، فرحلوا عنه، ثمّ عادوا لحصاره، فقرّر مَعَ رعيّته النّصارى أن يراسلوا الفرنج، ويواعدوهم إلى [ص:680] برج ليطلعوا منه، فبادروا وندبوا ثلاثمائة من شجعانهم، فلم يزالوا يطلعون في الحبال واحدًا واحدًا، وكلّما طَلَع واحدٌ قتله ابن صُلَيْحة، إلى أنّ قتلهم أجمعين، فلمّا طلع الضوء صفف الرؤوس عَلَى السّور، ثمّ إنّهم هدموا بُرجًا، فأصبح وقد عمله، وكان يخرج من الباب بفوارسه يقاتل، فحملوا مرة عليه، فانهزم فتبعه الفرنج، فخرج أهل البلد، وركبوا أكتافهم فانهزموا، وجاء النصر، وأسر مقدم الفرنج، ثم علم ابن صليحة أن الفرنج لا ينامون عَنْهُ، فسلّم البلد إلى صاحب دمشق، وسار إلى بغداد بأمواله وخزائنه، وأخذ له السلطان بركياروق شيئاً كثيراً.
وفيها أقبل جيش للفرنج، نحو خمسين ألفا، فمروا ببلاد قِلِج أرسلان، فحشد وجمع وعَرَض ستة آلاف فارس نقاوة، وعمل له كميناً، فكسر الفرنج كسرة مشهورة، وغنم ما لا يوصف.
قال ابن منقذ: حدثني محمد المستوفي رسول جناح الدّولة إلى ملك الروم، أنهم اعتبروا عدتهم، فكانوا ثلاثمائة ألف وخمسة وأربعين ألف إنسان، ومعهم خمسون حِمْل ذهب وفضةٍ وديباجٍ، فانضاف إليهم الذين انهزموا من الوقعة المذكورة، فجمع قلج أرسلان التَّرْك ببلاده، فزادوا عَلَى خمسين ألفًا، وغوّر الماء الّذي في طريقهم، وأحرق العُشْب، وأخلى القُرى، فأقبلوا في أرضٍ بلا ماء ولا مرعى.
قال: وحدثني رسول رضوان إلى ملك الفرنج طنكلي أنه اجتمع مع الملك تبنين صاحب هذا الجمع، فقال: خرجت من بلادي في أربعمائة ألف، منهم ألفا شرابيّ، وألف طبّاخ، وألف فراش، وسبعمائة بغْل ديباج، ومال، والخيّالة تزيد عَلَى خمسين ألفًا، ولمّا سرتُ عَن القسطنطينيّة أيّامًا، لم أجد مرفقًا، ولا قبلت من صَنْجيل في غير هذه الطّريق، ولا أتمكن من العودة لضعف الناس والعطش والجوع، فعند الإياس خرجت في ثلاثة نفر، معنا كلاب وبزاة، أوهمت الناس أني أتصيد، وسرت إلى البحر، فنزلت في مركب، وتركت العسكر، وبَلَغَني أنّ التُّرْك دخلوه، فلم يمنع أحدٌ عَنْ نفسه، وهلكوا بالموت والقتْل، وغنم التُّرْكمان ما لا يوصف، ثم سار تبنين وحج القدس، ورجع إلى بلاده في البحر. [ص:681]
وفيها قدم عسكر المصريين، فالتقاهم الفرنج، فانهزم الفريقان بعد ملحمة كبيرة بقرب عسقلان.(10/673)
-سنة خمس وتسعين وأربعمائة
فيها توفي المستعلي بالله أحمد ابن المستنصر باللَّه مَعَدّ العُبَيْديّ الشيعي صاحب مصر، وقام بعده ولده الآمر بأحكام اللَّه منصور، وهو طفلٌ لَهُ خمسُ سنين، والأمور كلها إلى الأفضل أمير الجيوش، أقام هذا الصّغير ليتمكّن من جُمَيْع الأمور، وذلك في سابع عشر صفر.
وفيها؛ في المحرم كان المصاف الثالث بين الأخوين محمد وبَركيَارُوق. كَانَ محمد ببغداد من عام أول، ورحل منها هُوَ وأخوه سَنْجَر، فقصد سَنْجَر بلاده بخراسان، وقصد السلطان محمد همذان. وسار بركياروق ومعه أربعة آلاف، وكان مع محمد مثلها، فالتقوا بروذراور، وتصافوا، فلم يجر بينهم قتالٌ لشدّة البرد، وتصافوا من الغد، فكان الرجل يبرز، فيبارزه آخر، فإذا تقابلا اعتنق كل واحد منهما صاحبه، وسلم عليه، ويعود عنه. ثمّ سعت الأمراء في الصُّلْح لِمَا عمّ المسلمين من الضّرَر والوهْن، فتقرّرت القاعدة عَلَى أنّ يكون بَركيَارُوق السلطان، ومحمد الملك، ويضرب لَهُ ثلاث نوب، ويكون لَهُ جنزة وأعمالها وأذْرَبَيْجان، وديار بَكْر، والموصل، والجزيرة، وحَلَف كلٌّ واحدٍ منهما لصاحبه، وانفصل الْجَمْعان من غير حرب، ولله الحمد.
وسار كل أمير إلى أقطاعه، وكان ذلك في ربيع الأول، فلمّا كَانَ في جُمَادَى الأولى كَانَ بينهما مصافّ رابع، وذلك أنّ السّلطان محمدًا سار إلى قَزْوين، ونسب الأمراء الذين سعوا في صورة الصُّلْح إلى المخامرة، فكحل الأمير أيدكين، وقتل الأمير شمل، وجاء إلى محمد الأمير إينال، وتجمع عسكره، وقصده بَركيَارُوق، وكانت الوقعة عند الرّيّ، فانهزم عسكر محمد، وقصدوا نحو طَبَرِسْتان، ولم يُقتل غير رجل واحد، قتل صبراً، ومضت فرقة منهم نحو قَزْوين، ونهبت خزائن محمد، وانهزم في نفر يسير إلى أصبهان وحمل علمه بيده ليتبعه أصحابه، وسار في طلبه الأميران ألبكي وإياز فدخل [ص:682] إصبهان في سبعين فارسًا، وحصنها ونصب مجانيقها، وكان معه بها ألف فارس، وتبعه بَركيَارُوق بجيوش كثيرة تزيد على خمسة عشر ألفا، فحاصره وضيّق عَلَيْهِ، وكان محمد يدور كلّ ليلةٍ عَلَى السّور ثلاث مرّات. وعدمت الأقوات، فأخرج من البلد الضُّعفاء، واستقرض محمد من أعيان البلد أموالًا عظيمة، وعثرهم وصادرهم، واشتد عليهم القحط، وهانت قيم الأمتعة، وكانت الأسعار عَلَى بَركيَارُوق رخيصة.
ودام البلاء إلى عيد الأضحى، فلمّا رأى محمد أموره في إدبار، فارق البلد، وساق في مائة وخمسين فارساً، ومعه الأمير إينال، فجهز بَركيَارُوق وراءه عسكرًا، فلم ينصحوا في طلبه، وزحف جيش بَركيَارُوق عَلَى إصبهان ليأخذوها، فقاتلهم أهل البلد قتال الحريم، فلم يقدروا عليهم، فأشار الأمراء عَلَى بَركيَارُوق بالرحيل، فرحل إلى همذان.
وفيها نازل ابن صنجيل الفرنجي طرابلس، فسار عسكر دمشق مَعَ صاحب حمص جناح الدولة إلى طرابلس إلى انطرطوس فالتقوا، فانكسر المسلمون ورجعوا.
قال أبو المظفر سبط ابن الْجَوْزيّ: جهّز الأفضل عساكر مصر فوصلوا في رجب إلى عسقلان مَعَ الأمير نُصَيْر الدّولة يمن، وخرج بردويل من القدس في سبعمائة، فكبس المصريّين، فثبتوا له، وقتلوا معظم رجاله، وانهزم هو في ثلاثة أنفس، واختبأ في أَجَمَةِ قَصَب، فأحاط المسلمون بِهِ وأحرقوا القصب، فهرب إلى يافا. وأمّا عسكر دمشق، فعادوا وكشفوا عَنْ طرابلس الفرنج.
ومات صاحب حمص جناح الدولة حسين بْن ملاعب، وكان بطلًا شجاعًا مذكورًا، قفز عَلَيْهِ ثلاثةٌ من الباطنيّة يوم الجمعة في جامع حمص، فقتلوه، وقتلوا. فنازَلَها صاحب أنطاكيّة الّذي تملّكها بعد أسْر بيمنت بالفرنج، فصالحوه على مال، ثم جاء شمس الملوك دقاق فتسلمها.
وفيها قُتِل الوزير الأعزّ أبو المحاسن عَبْد الجليل الدّهسْتاني وزير بَركيَارُوق؛ جاءه شابٌ أشقر، وقد ركب إلى خيمة السّلطان وهو نازل على [ص:683] إصبهان، فقيل: كَانَ مملوكًا لأبي سَعِيد الحدّاد الّذي قتله الوزير عام أوّل، وقيل: كَانَ باطنياً، فأثخن الوزير بالجراحات. ووَزَرَ بعده الخطير أبو منصور المَيْبُذِيّ الّذي كان وزير السلطان محمد، وكان في حصار إصبهان متسلّمًا بعض السّور، وطالبه محمد بمالٍ للجند، ففارقه في اللّيل وخرج إلى مدينة مَيْبُذ، وتحصّن بها، فبعث بَركيَارُوق من حاصره، فنزل بالأمان، ثمّ رضي عنه بركياروق واستوزره.
وفيها كانت فتنة كبيرة بين شحنة بغداد إيلغازي بْن أُرْتُق وبين العامّة. أتى جُنْديٌ من أصحابه ملّاحًا ليعبُرَ به وبجماعة، فتأخّر، فرماه بنشابةٍ فقتله، فأخذت العامة القاتل، وجروه إلى باب النوبي، فلقيهم ابن إيلغازي فخلّصه، فَرَجمتهم العامّة، فتألم إيلغازي، وعبر بأصحابه إلى محلة الملاحين، فنهبوها، وانتشر الشُّطّار، فعاثوا هناك وبدَّعوا، وغرق جماعة، وقتل آخرون، واستفحل الشر، وجمع إيلغازي التركماني جمعا، وأراد نَهْب الجانب الغربيّ من بغداد، ثمّ لطف الله تعالى.
وفيها مات صاحب الموصل قوام الدولة كربوقا التُّركيّ في ذي القعدة عند مدينة خُوَيّ، وكان السلطان بَركيَارُوق قد أرسله في العام الماضي إلى أذْرَبَيْجان، فاستولى عَلَى أكثرها، ومرض ثلاثة عشر يوما، ودفن بخُوَيّ، وأوصى أمراءه بطاعة سُنْقُرجاه، فسار بهم ودخل المَوْصِل، وأقام ثلاثة أيام. وكان كبراؤها قد كاتبوا الأمير موسى التُّركمانيّ، وهو بحصن كيفا، ينوب عن كربوقا، فسار مجدًا، فظن سُنْقُرجاه أَنَّهُ قدِم إلى خدمته، فخرج يتلقاه، ثمّ ترجل كلٌّ واحدٍ منهما إلى الآخر، واعتنقا، وبكيا على كربوقا، ثمّ ركبا، فقال سُنْقُرجاه: أَنَا مقصودي المِخَدّةُ والمنصب، وأما الولايات والأموال فلكم، فقال موسى: الأمر في هذا إلى السلطان، ثمّ تنافسا في الحديث، فجذب سُنْقُرجاه سيفه، وضرب موسى صَفْحًا عَلَى رأسه فجرحه، فألقى موسى نفسه، وجذب سُنْقُرجاه إلى الأرض ألقاه، وجذب بعض خواص موسى سكينًا قتل بها سُنْقُرجاه، ودخل موسى البلد، وخلع عَلَى أصحاب سُنْقُرجاه، وطيّب قلوبهم، وحكم عَلَى المَوْصِل.
ثمّ غدر بِهِ عسكره، وانضموا إلى شمس الدولة جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر، وسار جَكَرْمِش فافتتح نصيبين، ثمّ نازل المَوْصِل، وحاصر موسى [ص:684] مدة، فأرسل موسى إلى سُقْمان بْن أُرْتُق يستنجد بِهِ، عَلَى أنّ أطلق لَهُ حصن كيفا وعشرة آلاف دينار، فسار من ديار بَكْر ونَجَدَه، فرحل عَنْهُ جكرمش، فخرج موسى يتلقّى سُقْمان، فوثب عَلَيْهِ جماعة فقتلوه، وهرب خواصُّه، وملك سُقْمان حصن كيفا، فبقيت بيد ذريته إلى سنة بضع وعشرين وستمائة، وكان بها في دولة الملك الأشرف ابن العادل محمود بْن محمد بْن قُرا رسلان بْن دَاوُد بْن سُقْمان بْن أُرْتُق صاحبها.
ثمّ سار جكرمِش وحاصر المَوْصِل، فتسلّمها صُلْحًا، وأحسن السيرة، وقتل الذين وثبوا عَلَى موسى، واستولى بعد ذَلِكَ عَلَى الخابور، وغيره، وقوي أمره.
قال ابن الأثير: كان صنجيل الفرنجي، لعنه اللَّه، قد لقي قلج أرسلان بْن سليمان بْن قُتُلْمش صاحب الروم، فهزمه ابن قتلمش، وأسر خلقاً من الفرنج، وقتل خلقاً، وغنم شيئاً كثيراً، وكان قد بقي مع صنجيل ثلاثمائة، فوصل بهم إلى الشام، فنازل طرابلس، فجاءت نجدةُ دمشق نحو ألفي فارس، وعسكر حمص، وغيرهم، فالتقوا عَلَى باب طرابلس، فرتب صَنْجيل مائة في وجه أهل البلد، ومائةً لملتقى عسكر دمشق، وخمسين فارسًا للحمصيّين، وبقي هُوَ في خمسين.
فأمّا عسكر حمص، فلم يثبتوا للحملة، وولوا منهزمين، وتبعهم عسكر دمشق. وأما أهل البلد، فإنهم قتلوا المائة الذين بارزتهم، فحمل صنجيل بالمائتين، فكسر أهل طرابلس، وقتل منهم مقتلة، وحاصرهم، وأعانه أهل البَرّ، فإنّ أكثرهم نصارى، ثمّ هادنهم عَلَى مالٍ، ونازل أَنْطرسَوُس، فافتتحها وقتل أهلها.
وفيها أطلق ابن الدانشمند بيمند الفرنجي صاحب أنطاكية، وكان أسَرَه كما تقدم، فباعه نفسه بمائة ألف دينار، وبإطلاق ابنه ياغي سيان صاحب أنطاكية، وكان أسرها لمّا أخذ أنطاكية من أبيها، فقدم أنطاكية، وقويت نفوسُ أهلها بِهِ، وأرسل إلى أهل قِنَّسْرين والعواصم يطالبهم بالإتاوة، وانزعج المسلمون. [ص:685]
وفيها سار صَنْجيل إلى حصن الأكراد فحصره، فجمع جناح الدولة عسكراً ليسير إليهم ويكبسهم، فقتله، كما قُلْتُ، باطنيُّ بالجامع، وقيل: إنّ ربيبه الملك رضوان جهّز عَلَيْهِ من قتله. وصبح صنجيل حمص فنازلها، ونزل القُمّص عَلَى عكّا، وجَدَّ في حصارها، وكاد أن يأخذها، فكشف عنها المسلمون.
وفيها سار القُمّص صاحب الرُّها إلى أنّ نازل بيروت، فحاصرها مدّةً، ثمّ عجز عَنْهَا وترحل.
وفيها عاد سنجر من بغداد إلى خراسان فخطب لأخيه محمد بجميع خراسان، ثم مرض سنجر فطمع صاحب سمرقنْد جبريل بْن عُمَر في خراسان، وجمع عساكر تملأ الأرض - قِيلَ: كانوا مائة ألف فيهم خلْقٌ من الكفار، وقصد خُراسان، وكان قد كاتبه كُنْدُغدي أحد أمراء سَنْجَر، وأعلمه بمرض سنجر، وبأن السلطانين في شغل بأنفسهما، ثم عوفي سَنْجَر، فسار لقصده في ستّة آلاف فارس، إلى أنّ وصل بلْخ، فهرب كُنْدُغدي إلى خدمة قدرخان، وهو صاحب سمرقند واسمه جبريل بْن عُمَر، ففرح بمَقْدَمِه، وسار معه فملك تِرْمِذ، وقرُب قدرخان بجيوشه إلى بلْخ، فجاءت العيون إلى سنجر وأخبروه أن قدرخان ذهب يتصيد في ثلاثمائة فارس، فندب الأمير بزغش لقصْده، فساق ولحقه وقاتله، فانهزم أصحاب قدرخان لقلتهم، وأسر قدرخان وكُنْدُغْدي، وأُحضرا بين يدي سَنْجَر، فقبَّل قدرخان الأرض واعتذر، فأمر بِهِ فقُتِل، وانملس كندغدي، فنزل في قناة مشى فيها قدْر فرسَخَيْن تحت الأرض، عَلَى ما بِهِ من النِّقْرِس، وقتل فيها حَيَّتين، وطلع من القناة، فصادف أصحابه، فسار في ثلاثمائة فارس إلى غزنة.
قَالَ ابن الأثير: وقيل: بل جمع سَنْجَر عساكر كثيرة، والتقى بصاحب سَمَرْقَنْد، وكثُر القْتلُ في النّاس، وانهزم قدرخان صاحب سَمَرْقَنْد، وأسر، ثمّ قتل، وحاصر سنجر ترمذ، وبها كُنْدُغدي، فنزل بالأمان، وأمره بمفارقة بلاده، فسار إلى غَزْنَة، فأكرمه صاحبها علاء الدّولة وبالغ، ثم خاف منه كندغدي، فهرب، فمات بناحية هراة. [ص:686]
وأحضر السلطان سَنْجَر محمد بْن سليمان بْن بُغْراخان نائب مَرْو، وملّكه سَمَرْقَنْد، وبعثه إليها، وهو من أولاد الخانيّة بما وراء النّهر، وأمه بنت السلطان ملكشاه، وسنجر خاله، فدفع عَنْ مملكة آبائه، فقصد مَرْو، وأقام بها إلى الآن، فعظم شأنُه، وكثرت جموعه، إلّا أَنَّهُ انتصب له صاغو بك، وزاحمه في المُلْك، وجرت لَهُ معه حروب.
وفيها نازل المسلمون بَلَنْسِيَة، واسترجعوها من النصارى بعد أن بقيت في أيديهم ثمانية أعوام، فجدد محراب جامعها، ودامت دار إسلام إلى أنّ أخذتها النّصارى المرة الثانية سنة ست وثلاثين وستمائة.(10/681)
-سنة ست وتسعين وأربعمائة
كَانَ يَنّال بْن أنُوشْتِكِين الحُساميّ من أمراء السلطان محمد، فسار هُوَ واخوه عليّ من جهة محمد إلى الري، وأقام الخطبة بها لمحمد وصادر أهلها، وعسف وعمل كل بخس، فورد إِلَيْهِ الأمير برسق من جهة السلطان بَركيَارُوق، فاقتتلا بظاهر الرّيّ، فانهزم ينّال وسلك الجبال، وقُتِل خلْقٌ من أصحابه، فقدم بغداد في سبعمائة فارس، فأكرمه المستظهر بالله، واجتمع هُوَ، وإيلغازي، وسقمان ابنا أُرْتُق، وتحالفوا عَلَى مناصحة محمد، وساروا إلى سيف الدولة صدقة، فحلف لهم. ورجع ينّال فظلم ببغداد وعَسَف، واستطال عسكرُه عَلَى العامّة بالضَّرْب والأذِيّة البالغة والمصادرة، وتزوَّج هُوَ بأخت إيلغازي، فبعث الخليفة إِلَيْهِ ينهاه عن الظلم، فلم ينته، وسار بعد أشهرُ إلى أوانا، فنهب وقطع الطريق، وأقطع القرى لأصحابه، ثم شعث باجسرا، وقصد شهرابان، فمنعه أهلها، فقاتلهم، فقتل بينهم طائفة، وسار، لا سلّمه اللَّه، إلى أذْرَبَيْجان قاصداً مخدومه السلطان محمدا.
وكان قد ورد قبله إلى بغداد كَمُشْتِكِين شِحْنةً من قبل بَركيَارُوق، وكان بها أيضًا شحنة لمحمد، وهو إيلغازي بن أرتق، فجرت فتنة، وترك الخطباء الدعوة للسلطان، واقتصروا على الدعاء للخليفة لا غير، وجاء سُقْمان نجدةً لأخيه، فعاث وأفسد ونهب، واجتمع بأخيه فنهبا دجيلاً، ولم يبقيا على أحد، [ص:687] واقتضت الأبكار، وعملا ما لا تعمله التتار، وغلت الأسعار. وسار كمشتكين القيصري إلى واسط، فتِبعه سيف الدّولة بالعرب وهزمهم.
وفي جُمَادَى الآخرة، كَانَ المصافّ الخامس بين بَركيَارُوق ومحمد عَلَى باب خُوَيّ، فانهزم عسكر محمد، وانهزم هُوَ إلى أَرْجِيش من أعمال خِلاط، ثمّ سار إلى خِلاط، واتصل بِهِ الأمير علي صاحب أرزن الروم.
وفي رجب قبض الخليفة عَلَى وزيره سديد الملك أبي المعالي، وحبس. وولى النّظر في الوزارة أبو سَعِيد بْن الموصلايا الملقب بأمين الدولة.
وفيها سار الملك دُقَاق إلى الرَّحْبة وحاصرها، وتسلّمها وحصّنها، ورجع وتسلّم أيضًا حمص بعد صاحبها جناح الدولة.
وفيها قدمت عساكر مصر، فحاصرت يافا وبها الفرنج، ثم التقوا هم والفرنج، فهزموهم، وقتلوا من الفرنج أربعمائة، ودخلوا بثلاثمائة أسير. ثم جاء خلق من الفرنج في البحر لزيارة بيت المقدس.
وفيها كَانَ الحصار مستمرًا عَلَى طرابلس، والناس من الفرنج بالشام في بلاءٍ شديد.
وفيها نازلت الفرنج الرستن، ثم ترحلوا، وجرت لهم وقعات، واستولوا عَلَى شيء كثير من الشام، وهادنهم أمراء البلاد عَلَى مالٍ يؤدونه إليهم كلّ عام، فلا قوة إلّا باللَّه.(10/686)
-سنة سبع وتسعين وأربعمائة
في ربيع الآخر، وقع الصلح بين السلطانين بركياروق ومحمد؛ وكان سببه أنّ الحرب لما تطاولت بينهما وعم الفساد، وصارت الأموال منهوبة، والدّماء مسفوكة، والبلاد مخرَّبة، والسلطنة مطموعًا فيها، محكومًا عليها، وأصبح الملوك مقهورين بعد أنّ كانوا قاهرين، وكان بَركيَارُوق حاكمًا حينئذٍ عَلَى الرّيّ، والجبال، وطبرستان، وفارس، وديار بكر، والجزيرة، والحرمين، وهو منعم بالرَّيّ، وكان محمد بأذربيجان وهو حاكم عليها وعلى أرمينية، وأرّان، وأصبهان، والعراق جميعه سوى تكريت، وبعض البطائح، وأما خراسان فإن السلطان سَنْجَر كَانَ يخطب لَهُ فيها جميعها، ولأخيه محمد، [ص:688] وبقي بركياروق ومحمد كفرسي رهان، فدخل العقلاء بينهم بالصلح، وكتبت بينهم أَيْمان وعُهُود ومواثيق، فيها ترجيح جانب بَركيَارُوق، وأُقيمت لَهُ الخطبة ببغداد، وتسلم إصبهان بمقتضى الصُّلْح، وأرسل الخليفة خلع السلطنة إلى بَركيَارُوق.
وفيها جاءت الفرنج في البحر، فأعانوا صَنْجيل عَلَى حصار طرابلس، وبالغوا في الحصار أيامًا، فلم يغن شيئًا، ففارقوه. ونازلوا مدينة جبيل أيامًا، وجدوا في القتال، فعجز أهلُها وتسلموها بالأمان، فغدروا بأهلها، وأخذوا أموالهم وعذبوهم. ثمّ ساروا إلى عكا نجدةً لبردوين صاحب القدس، فحاصروها برًّا وبحرًا، وأميرها زهر الدّولة نبأ الجيوشي، فزحفوا عليها مرّةً غير مرّة، إلى أن عجز نبأ عن عكا، ففارقها ونزل في البحر، وأخذتها الفرنج بالسيف، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقدم واليها إلى دمشق، ثم دخل إلى مصر، وعفا عَنْهُ أمير الجيوش الأفضل.
وفيها نازلت الفرنج حران، فسار لجهادهم سُقْمان وجَكَرْمِش في عشرة آلاف فارس، فكانت الوقعة عَلَى نهر البَلِيخ، فانهزم المسلمون أولاً، وتبعتهم الفرنج فرسخين، ثمّ عاد المسلمون عليهم فقتلوهم كيف شاؤوا، وغنموا أسلابهم، وكان فتحًا عظيمًا أذلّ نفوس الفرنج بمرة. وكان بيمند صاحب أنطاكيّة وتنكري صاحب السّاحل قد كمنا وراء جبل، فلما خرجا رأيا أصحابهم منهزمين، فتسحبا في الليل، وفطن بهم المسلمون فتبعوهم، وقتلوا وأسروا، وأَفْلَت الملكان في ستة فرسان. وأسروا قُمْص الرُّها، وحاز الغنيمة عسكرُ سُقْمان، ولم يَظْفِرْ عسكرُ جَكَرْمِش صاحب المَوْصِل بطائل.
ورحل سقمان وألبس أصحابه أسلاب الفرنج، ورفع أعلامهم، وكان يأتي الحصن فتخرج الفرنج منه، ظناً أن هؤلاء أصحابهم، فيقتلونهم، ويملك سقمان الحصن، فعل ذلك بعدة حصون.
وأمّا جَكَرْمِش فإنّه سار إلى حَرّان وتسلّمها، وقرّر بها نائبه، وسار فحاصر الرُّها خمسة عشر يوماً وبها الفرنج، ثمّ ترحّل إلى المَوْصِل وفي أسره القُمْص، ففاداه بخمسة وثلاثين ألف دينار، ومائة وستّين أسيرًا من المسلمين؛ [ص:689] حكاها ابن الأثير، وقال: كَانَ عدّة القَتْلَى تقارب اثني عشر ألف قتيل.
وفيها مات صاحب دمشق شمس الملوك دُقاق بْن تتش، وأُقيم ولده بتدبير الأتابك طُغْتِكِين، وقيل: بل لمّا مات دُقَاق أحضر طُغْتِكِين أرتاش أخا دُقَاق من بَعْلَبَكّ، وكان أخوه حَبَسه بقلعتها، فلمّا قدِم سَلْطَنَه طُغْتِكِين، فبقي في المُلْك ثلاثة أشهر، ثمّ هرب سرًّا لأمرٍ توهَّمه من طُغْتِكِين، فذهب إلى بَغْدَوِين الّذي ملك القدس مستنصرًا بِهِ، فلم يحصل منه عَلَى أملٍ، فتوجه إلى العراق عَلَى الرحبة فهلك في طريقه.
وأمّا صَنْجيل - لعنه اللَّه - فطال مُقامُه عَلَى طرابلس، حتّى أَنَّهُ بنى عَلَى ميلٍ منها حصناٍ صغيرًا، وشحنه بالرّجال والسّلاح، فخرج صاحب طرابلس ابن عمّار في ذي الحجّة، فهجم هذا الحصن وملكه، وقتل كل من فيه، وهدم بعضه، ودخل البلد بالغنائم منصوراً، وكان ابن عمار بطلاً، شجاعاً، مهيباً، برز إلى الفرنج مرات، وانتصر عليهم، وبذل وسعه في الجهاد.
وفيها جمع بزغش مقدم جيش سنجر عسكراً كثيرًا وخلقًا من المُطَّوِّعة، وسار إلى قتال الإسماعيلية، وقصد طبس، وهي لهم، فخربها وما جاورها من القلاع والقرى، وأكثر فيهم النَّهْب والسَّبْي والقتل، وفعل بهم الأفعال العظيمة. ثم إن أصحاب سنجر أشاروا بأن يؤمَّنُوا، ويشترط عليهم أن لا يبنوا حصناً، ولا يشتروا سلاحاً، ولا يدعوا أحدًا إلى عقائدهم، فسخط كثيرٌ من النّاس هذا الأمان، ونقموه عَلَى السّلطان سَنْجَر، ومات بزغش، وخُتِمَ لَهُ بغزو هَؤُلَاءِ الكلاب الزّنادقة.(10/687)
-سنة ثمان وتسعين وأربعمائة
في ثاني ربيع الآخر، مات السّلطان بَركيَارُوق، وملّكت الأمراء بعده ولَدَه جلالَ الدّولة ملكشاه، وخطب لَهُ ببغداد وهو صبيّ لَهُ دون الخمس سِنين.
وأمّا السّلطان محمد، فكان مقيمًا بتبريز، فسار إلى مراغة يريد [ص:690] جكرمش، فحصن جكرمش الموصل، وجفل أهل الضِّياع إلى البلد، فنازله محمد، وجَدّ في قتاله، وقاتل مع جَكَرْمِش أهل المَوْصِل لمحبّتهم فيه، ودام القتال مدّةً، فلمّا بلغت جَكَرْمِش وفاة بَركيَارُوق، أرسل إلى محمد يبذل الطاعة، فدخل إليه وزير السلطان محمد سعْد المُلْك، وخرج معه جَكَرْمِش، فقام لَهُ محمد واعتنقه، وقال: ارجع إلى رعيّتك، فإن قلوبهم إليك، فقبّل الأرض وعاد، فقدّم للسّلطان وللوزير تُحَفًا سَنِيّة، ومدّ سِماطًا عظيمًا بظاهر الموصل.
ثمّ أسرع محمد إلى بغداد وفي خدمته صاحب المَوْصِل، وكان ببغداد ملكشاه بْن بَركيَارُوق الصّبيّ الّذي سَلْطَنه الخليفة، وأتابك الصّبيّ إياز، فبرزوا من بغداد، وتحالفوا عَلَى حرب محمد، ومَنْعه من السلطنة، وجاء محمد فنزل بالجانب الغربي، وخطب له به، ثمّ ضعُف إياز والأمراء، فراسلوا محمدًا في الصُّلْح - وليُعطي إيازَ أمانًا عَلَى ما سَلَفَ منه، وتمّ الدَّسْتُ لمحمّد، واجتمعت الكلمة عَلَيْهِ، واستحلف السلطان إلكيا الهراسي على الأمان، وأقام السلطان محمد ببغداد ثلاثة أشهر، ثم توجه إلى أصبهان.
وأمّا إياز أتابك ملكشاه، فإنّه لمّا سلّم السلطنة إلى السلطان محمد عمل دعوةً عظيمة في داره ببغداد، ودعا إليها محمدًا، وقدّم لَهُ تُحَفًا، منها الحبل البلخش الّذي أخذه من ترِكة مؤيّد المُلْك ابن النّظّام، وحضر مَعَ السّلطان الأمير سيف الدّولة صَدَقَة بْن مَزْيَد، فاعتمد إياز اعتمادًا رديئًا، وهو أَنَّهُ ألبس مماليكه العُدَد والسّلاح ليعرضوا عَلَى محمد، فدخل عليهم رَجُلٌ مَسْخَرَة، فقالوا: لا بد من أن نلبسك درعاً ونعرضك، فألبسوه دِرْعًا وعبثوا بِهِ يصفعونه، حتّى كَلّ وهرب، والْتجأ إلى غلمان السّلطان، فرآه السّلطان مذعورًا وعليه لباسٌ عظيم، فارتاب، ثمّ جسّه غلام، فإذا درْع تحت الثياب الفاخرة، فاستشعر، وقال محمد: إذا كَانَ أصحاب العمائم قد لبسوا السلاح، فكيف الأجناد، وتخيل لكونه في داره، فنهض وخرج، فلمّا كَانَ بعد أربعة أيّام استدعى إياز وجَكَرْمِش صاحب المَوْصِل وجماعة وقال: بَلَغَنَا أنّ المُلْك قِلِج أرسلان بن سليمان بن قتلمش قصد ديار بَكْر ليأخذها، فانظروا من يُنْتَدب لَهُ، فقالوا: ما لَهُ إلّا الأمير إياز، فطلب إيازًا إلى بين يديه لذلك، وأعدّ جماعةً ليفتكوا بِهِ إذا دخل، فضربه واحدٌ أبان رأسه، فغطى الأمير صدقة وجهه بكُمّه، [ص:691] وأما الوزير فغشي عَلَيْهِ، ولُفّ إياز في مسحٍ، وألقي عَلَى الطّريق، فركب أجناده وشغبوا ثم تفرقوا، وهذا أمر جره المزاح، نسأل اللَّه السّلامة، ثمّ أخذه قوم من المطّوّعة، وكفنوه ودفنوه، وعاش نحو الأربعين، وكان من مماليك السّلطان ملكشاه، وكان شجاعًا غزير المروءة، ذا خبرة بالحروب، ثمّ قتلوا وزيره بعد شهرين.
وفيها هلك الطّاغية صَنْجيل الّذي حاصر طرابلس في هذه المدة، وبنى بقربها قلعة وكان من شياطين الفرنج ورؤوسهم، ووصل إلى الشام ليحج القدس، فأخذ بأرض صيدا وذهبت حينئذٍ عينُه، ودار في بلاد الشّام بزيّ التُّجّار؛ فلمّا تُوُفّي السّلطان ملكشاه واختلفت الكلمة دخل إلى بلاده، وجمع الفرنج للحج، وقدم أنطاكيّة، وحارب المسلمين مرّات، وتمكّن، ثمّ شنّ الغارة من حصنه، فبرز لَهُ ابن عمّار من طرابُلُس، وكبس الحصن بغتةً، فقتل من فيه، ورمى النّيران في جوانبه، ورجع صَنْجيل، فدخل الحصن، فانخسف به سقف، ثمّ مرض وغُلِب، فصالح صاحبَ طرابُلُس، ثمّ مات في سنة ثمانٍ، فقام بعده ابن أخيه؛ وجَد في حصار طرابُلُس، والأمر بيد الله تعالى.
وفيها توفي الأمير سُقْمان بْن أُرْتُق، وقد كان فخر الملك ابن عمّار صاحب طرابُلُس كاتبه واستنجد بِهِ، فتهيأ لذلك، فأتاه وهو عَلَى العزْم كتاب طُغْتِكِين صاحب دمشق: بأنّي مريض أخاف إنّ متّ أن تملك الفرنج دمشق، فاقدم علي، فبادر إلى دمشق، ووصل إلى القريتين، وأسقط في يد طُغْتِكِين وندم، فلم ينشب أنّ أتاه الخبر بموت سُقْمان بالقريتين بالخوانيق، وكانت تعتريه كثيرًا، فمات في صَفَر، ورجع بِهِ عسكره، ودُفن بحصن كَيْفا، وكان دينًا حازماً مجاهداً، فيه خير في الجملة.
وفيها ثار الباطنية بخراسان، ولم يقفوا مع الهدنة المذكورة فعاثوا بأعمال بَيْهق، وبيَّتوا الحُجّاج الخُراسانيّين بنواحي الرَّيّ ووضعوا فيهم السيف، ونجا بعضهم بأسوأ حال.
وقتلوا الإمام أبا جعفر ابن المشاط أحد شيوخ الشافعية، كان يعظ بالرَّيّ، فلمّا نزل عَن الكرسيّ وثب عليه باطني فقتله.
وفيها كانت وقعة بين الفرنج ورضوان بْن تُتُش صاحب حلب، فانكسر رضوان؛ وذلك أنّ تنكري صاحب أنطاكيّة نازل حصنًا، فجمع رضوان عسكراً [ص:692] ورجالة كثيرة من المطوعة، فوصلوا إلى تبريز، فلمّا رأى تنكري كثرة سوادهم راسل بطلب الصلح، فامتنع رضوان، فعملوا المصاف، فانهزمت الفرنج من غير قتال، ثمّ قَالُوا: نعود ونحمل حملةً صادقةً، ففعلوا، فانحطمت المسلمون، وقُتِل منهم بَشَرٌ كثير، ولم ينْجُ من الأسر إلا الخيالة، وافتتح الفرنج الحصن، ويقال لَهُ حصن أرتاح، وذلك في شعبان.
وفيها قدِم المصريّون في خمسة آلاف، وكاتَبُوا طغتكين صاحب دمشق، فأرسل ألفاً وثلاثمائة فارس، عليهم الأمير إصبهبذ صباوا فاجتمعوا، وقصدهم بَغْدوين صاحب القدس وعكّا في ألف وثلاثمائة فارس، وثمانية آلاف راجل، فكان المصافّ بين يافا وعسقلان، وثبت الفريقان، حتّى قُتِل من المسلمين ألف ومائتان، ومن الفرنج مثلُهم، فقُتِل نائب عسقلان جمال المُلْك، ثمّ قطعوا القتال وتحاجزوا، وقلّ أنّ يقع مثل هذا، ثمّ ردّ عسكر دمشق، ودخل المصريّون إلى عسقلان.
وفيها عزل عَنْ شِحْنكيّة بغداد إيلغازي بْن أُرْتُق، وجعل السّلطان محمد عَلَى بغداد قسيم الدولة سُنْقُر البُرْسُقيّ، وكان ديِّنًا عاقلًا من خوّاص محمد.
ودخل محمد إصبهان سلطانًا متمكنًا، مهيبًا، كثير الجيوش، بعد أنّ كَانَ خرج منها خائفًا يترقب، فبسط العدل، وأحسن إلى العامة.
وفيها كَانَ ببغداد جُدَريّ مُفْرِط، مات فيه خلْقٌ من الصّبيان لا يحصون، وتبعه وباءٌ عظيم.
وكان الحصار متواترًا عَلَى طرابُلُس، وكتب أهلها متواصلة إلى طُغْتِكِين يستصرخونه لإنجادهم وعونهم، فأهلك الله تعالى صنجيل مقدم الفرنج، وقام غيره كما سبق.(10/689)
-سنة تسع وتسعين وأربعمائة
فيها ظهر رجل بنواحي نهاوند فادّعى النُّبُوة، وكان يُمَخْرق بالسِّحْر والنجوم، وتبعه الخلْق، وحملوا إِلَيْهِ أموالهم، فكان لا يدّخر شيئاً، وسمى أصحابه بأسماء الصحابة كأبي بكر، وعمر. وخرج أيضا بنهاوند رجل من ولد ألب أرسلان يطلب المُلْك، فأُخذا وقُتِلا في وقتٍ واحد. [ص:693]
وفيها شرع الفرنج وعمدوا إلى حصنٍ بين طَبَريّه والبثنيّة يقال لَهُ: عال، فبلغ طغتكين صاحب دمشق، فسار وكبسهم وأسر وأخذ الحصن، وعاد بالأسارى والغنائم، وزيّنت دمشق أسبوعًا، ثمّ سار إلى حصن رفنية، وصاحبه ابن أخت صنجيل، فحصره طغتكين وملكه، وقتل به خمسمائة من الفرنج.
وفيها ملكت الإسماعيليّة حصنَ فامِيَة، وقتلوا صاحبه خلف بْن مُلاعب الكِلَابيّ، وكان خَلَف قد تغلّب عَلَى حمص، وقطع الطّريق، وعمل أنْحَس ممّا تعمله الفرنج، فطرده تُتُش عَنْ حمص، فذهب إلى مصر، فما التفتوا إِلَيْهِ، فاتّفق أنّ نقيب فَامِيَة من جهة رضوان بْن تُتُش أرسل إلى المصريّين، وكان عَلَى مذهبهم، يستدعى منهم من يسلّم إِلَيْهِ الحصن، فطلب ابن مُلاعب منهم أن يكون والياً عليه لهم، فلما ملكه خلع طاعتهم، فأرسلوا من مصر يتهدّدونه بما يفعلونه بولده الّذي عندهم رهينة، فقال: لا أنزل من قلعتي، وابعثوا إلي ببعض أعضاء ابني حتّى آكُله، وبقي بفامية يقطع الطّريق، ويخيف السّبيل، وانضمّ إِلَيْهِ كثير من المفسدين.
ثم أخذت الفرنج سَرْمِين، وأهلها رافضة، فتوجّه قاضيها إلى ابن مُلاعب فأكرمه وأحبّه، ووثق بِهِ، فأعمل القاضي الحيلة، وكتب إلى أَبِي طاهر الصّائغ، أحد رؤوس الباطنيّة ومن الواصلين عند رضوان صاحب حلب، واتفق معه على الفتك بابن ملاعب، وأحس ابن ملاعب فأحضر القاضي، فجاء وفي كمه مصحف، وتنصل وخدع ابن ملاعب، فسكت عَنْهُ؛ وكتب إلى الصائغ يشير عليه بأن يحسن لرضوان إنفاذ ثلاثمائة رجلٍ من أهل سَرْمِين الذين نزحوا إلى حلب، وينفذ معهم خيلاً من خيول الفرنج، وسلاحاً من سلاحهم، ورؤوساً، من رؤوس الفرنج، فيأتون ابن مُلاعب في صورة أنّهم غُزاة، ويشكون من سوء معاملة الملك رضوان وأصحابه لهم، وأنهم فارقوه، فلقيتهم طائفة من الفرنج، فنصروا على الفرنج، وهذه رؤوسهم، ويحملون جُمَيْع ما معهم إِلَيْهِ، فإذا أذِن لهم في المقام عنده يتفق معهم على إعمال الحيلة عليه.
ففعل الصائغ جميع ذلك، وجاؤوا بتلك الصورة، وقدّموا لابن مُلاعب ما معهم من خيل وغيرها، فانزلهم ابن مُلاعب في رَبَض فَامِيَة، فقام القاضي ليلةً هُوَ ومن معه بالحصن، فدلوا حبالًا، وأصعدوا أولئك من الرَّبَض، ووثبوا عَلَى أولاد ابن مُلاعب وبني عمّه فقتلوهم، وأتوا ابن مُلاعب وهو مع امرأته [ص:694] فقال: من أنت؟ قَالَ: مَلَك الموت جئت لقبْض روحك، ثمّ قتله، ثم وصل الخبر إلى أَبِي طاهر الصّائغ، فسار إلى فَامِيَة، وهو لا يشكّ أنّها لَهُ، فقال القاضي: إنّ وافقتَني وأقمتَ معي، وإلّا فارجع، فآيس ورجع.
وكان عند طُغْتِكِين الأتابك ولدٌ لابن مُلاعب، فولّاه حصنًا، فقطع الطّريق، وأخذ القوافل كأبيه، فهم طغتكين بالقبض عليه، فهرب إلى الفرنج، واستدعاهم إلى فَامِيَة، وقال: ما فيها إلّا قوت شهر، فنازلوه وحاصروه، وجاع أهله، وملكته الفرنج، فقتلوا القاضي المذكور، وظفروا بالصّائغ فقتلوه، وهو الّذي أظهر مذهب الباطنيّة بالشّام، فقيل: لم يقتلوه وإنما بقي إلى سنة سبعٍ وخمسمائة، فقتله ابن بريع رئيس حلب بعد موت رضوان صاحبها.
وفيها ملك سيف الدّولة صدقة بْن مَزْيَد الأَسَديّ البصرة، وحكم عليها، وأقام بها نائبًا، وجعل معه مائة وعشرين فارسًا، فاجتمعت ربيعة والعرب في جَمْعٍ كبير، وقصدوا البصرة، فقاتلهم النائب ألتونتاش، فأسروه، ودخلوا البلد بالسّيف، فنهبوا وأحرقوا، وما أبقوا ممكناً، وانتشر أهلها في السواد، وأقامت العرب تُفْسد شهرًا، فأرسل صدقة عسكرًا، وقد فات الأمر.
وأمّا ابن عمّار فكان يخرج من طرابُلُس وينال من الفرنج، وخرّب الحصن الّذي أقامه صَنْجيل، وحرق فيه، فرجع صَنْجيل ومعه جماعة من القمامصة والفرسان، فوقف عَلَى بعض السُّقُوف المحترقة، فانخسف، فمرض صنجيل عشرة أيام ومات، لعنه الله؛ وحملت جيفةُ الملعون إلى القدس، فدفنت بِهِ، ولم يزل الحرب بين أهل طرابلس والفرنج خمسَ سِنين إلى هذا الوقت، فعدموا الأقوات، وافتقر الأغنياء، وجلا الفُقراء، وظهر من ابن عمار صبر وثبات، وشجاعة عظيمة، ورأيٌ، وحزْم، وكانت طرابُلُس من أعظم بلاد الإسلام وأكثرها تجمُّلًا وثروة، فباع أهلُها من الحُلي والآلات الفاخرة ما لا يوصف بأقلّ ثمن، ولا أحد يغيثهم، ولا من يكشف عنهم.
وامتلأ الشام من الفرنج.(10/692)
-سنة خمسمائة
فيها تُوُفّي أمير المغرب والأندلس يوسف بْن تاشَفِين، وولي المُلْك بعده ابنه عليُّ بْنُ يوسف، وكان قد بعث فيما تقدَّم تقدمةً جليلة، ورسولًا إلى المستظهر باللَّه، يلتمس أنّ يولى السلطة، وأن يُقَلَّدَ ما بيده من البلاد، فكتب له تقليداً، ولقب أمير المسلمين، وبعثت لَهُ خِلَع السّلطنة، ففرح بذلك، وسُرَّ فُقهاء المغرب بذلك، وهو الّذي أنشأ مدينة مَرّاكُش.
وفي يوم عاشوراء قُتِلَ فَخْرُ المُلْك عليّ ابن نظام المُلْك، وثب عَلَيْهِ واحدٌ من الإسماعيلية في زيّ متظلّم، فناوله قَصَّةً، ثمّ ضربه بسكِّينٍ فقتله، وعاش ستًّا وستّين سنة.
ونقل ابن الأثير أَنَّهُ كَانَ أكبر أولاد النّظّام، وأنّه وَزَرَ للسّلطان بَركيَارُوق، ثمّ انفصل عَنْهُ، وقصد نَيْسابور، فأقام عند السّلطان سَنْجَر، ووَزَر لَهُ، فأصبح يوم عاشوراء صائمًا، فقال لأصحابه: رأيت اللّيلة الحُسين بْن عليّ رضي الله عَنْهُمَا وهو يَقُولُ: عجّل إلينا، ولْيكُنْ إفطارُك عندنا، وقد اشتغل فكري، ولا محيد عَنْ قضاء اللَّه وقدره، فقالوا: يكفيك اللَّه، والصّواب أنْ لا تخرج اليومَ واللّيلة، فأقام يومَه كلّه يُصلّي ويقرأ، وتصدّق بشيءٍ كثير، ثمّ خرج وقت العصر يريد دار النساء، فسمع صوت صياح مُتَظَلِّم، شديد الحُرْقة، وهو يَقُولُ: ذهب المسلمون، فلم يبق من يكشف كُرْبةً، ولا يأخذ بيد ملْهوف، فطلبه رحمةً لَهُ، وإذا بيده قصة، وذكر الحكاية.
وفيها قبض السلطان محمد علي وزيره سعد الملك أبي المحاسن، وصلبه على باب أصبهان، وصلب معه أربعة من أصحابه نسبوا إلى أنّهم باطنيّة، وأمّا الوزير فَاتهم بالخيانة، وكانت وزارته سنتين وتسعة أشهر، وكان عَلَى ديوان الاستيفاء في أيّام وزارة مؤيّد المُلْك ابن نظام الملك، ثم خدم السلطان محمدا وقام معه، فاستوزره، ثم نكبه وصلبه. ثمّ استوزر قِوام المُلْك أبا ناصر أحمد ابن نظام الملك.
وفيها انتزع السّلطان محمد قلعة إصبهان من الباطنيّة، وقتل صاحبها [ص:696] أحمد بْن عَبْد المُلْك بْن غطّاس، وكانت الباطنيّة بأصبهان قد ألبسوه تاجًا، وجمعوا لَهُ الأموال، وقدموه؛ لأن أباه عَبْد المُلْك كَانَ من علمائهم لَهُ أدب وبلاغة، وحُسْن خَطّ، وسُرعة جواب، مَعَ عِفّةٍ ونزاهة، وطلع ابنه أحمد هذا جاهلًا، قِيلَ لابن الصباح صاحب الألموت: لماذا تعظم ابن غطّاس عَلَى جَهْله؟ قَالَ: لمكان أَبِيهِ، فإنه كَانَ أستاذي.
وكان ابن غطاس قد استفحل أمرُه، واشتد بأسُه، وقطعت أصحابه الطرق، وقتلوا الناس.
قَالَ ابن الأثير: قتلوا خلقًا كثيرًا لا يمكن إحصاؤهم، وجعلوا لهم عَلَى القُرى والأملاك ضرائب يأخذونها، ليكفوا أَذَاهم عَنْهَا، فتعذَّر بذلك انتفاعُ النّاس بأملاكهم، والدّولة بالضّياع، وتمشّى لهم الأمر بالخُلْف الواقع، فلمّا صفا الوقت لمحمد لم يكن له همّه سِواهم، فبدأ بقلعة إصبهان، لتسلُّطها عَلَى سرير مُلْكه، فحاصرهم بنفسه، وصعد الجبل الّذي يقابل القلعة، ونصب لَهُ التَّخْت، واجتمع من إصبهان وأعمالها لقتالهم الأُممُ العظيمة، فأحاطوا بجبل القلعة، ودَوْرُهُ أربعةُ فَرَاسخ، إلى أنّ تعذّر عليهم القُوت، وذلّوا، فكتبوا فُتْيا: ما يَقُولُ السادة الفُقَهاء في قوم يؤمنون باللَّه وكُتُبه ورُسُلِه واليوم الآخر، وإنّما يخالفون في الْإِمَام، هَلْ يجوز للسّلطان مهادنتهم ومُوادعتهم، وأن يقبل طاعتهم؟ فأجاب الفُقهاء بالجواز، وتوقّف بعض الفُقَهاء، فجُمعوا للمناظرة، فقال أبو الحَسَن عليّ بْن عَبْد الرحمن السنجاري الشافعي: يجب قتالهم، ولا ينفعهم التلفظ بالشّهادتين، فإنّهم يقال لهم: أَخْبِرُونا عَنْ إمامكم إذا أباح لكم ما حظر الشرع أيقبلون منهم؟ فإنّهم يقولون: نعم، وحينئذ تُباح دماؤهم بالإجماع، وطالت المناظرة في ذَلِكَ.
ثمّ بعثوا السلطان يطلبون من يناظرهم، وعيّنوا أشخاصًا، منهم شيخ الحنفيّة القاضي أبو العلاء صاعد بْن يحيى قاضي إصبهان، فصعدوا إليهم، وناظروهم، وعادوا كما صعدوا، وإنّما كَانَ قصدهم التَّعَلُّل، فلجّ السّلطان حينئذٍ في حصْرهم، فأذعنوا بتسليم القلعة على أن يعطوا قلعة خالنجان، وهي عَلَى مرحلةٍ من إصبهان، وقالوا: إنا نخاف عَلَى أرواحنا من العامّة، ولا بُدّ من [ص:697] مكانٍ نأوي إِلَيْهِ، فأُشير عَلَى السّلطان بإجابتهم، فسألوا أن يؤخرهم إلى قرب النيروز، ثم يتحولون، فأجابهم، وطلبوا منه مؤونة يوما بيوم فأجابهم إلى ذلك، هذا، وقصدهم المطاولة وانتظار فتن تتفق، أو حادث يتجدّد، ورتّب لهم الوزير سعْد المُلْك راتبًا كلّ يوم، ثمّ بعثوا مَن وثب على أمير كان يجد في قتالهم، فجُرِح وسَلِم، فحينئذٍ خرّب السّلطان قلعة خالنجان، وجدّد الحصار عليهم، فطلبوا أنّ ينزل بعضهم، ويرسل السّلطان معهم من يحميهم إلى قلعة الناظر بأَرَّجَان، وهي لهم، وإلى قلعة طَبَس، وأن يقيم باقيهم في ضرس القلعة، إلى أنّ يصل إليهم من يخبرهم بوصول أصحابهم، فأجابهم إلى ذَلِكَ، وذهبوا، ورجع من أخبر الباقين بوصول أولئك إلى القلعتين، فلم يسلم ابن غطاس السن الذي احتموا فيه، ورأى السّلطان منه الغدر والرجوع عما تقرر، فزحف الناس عليه عامة، في ثاني ذي القعدة، وكان قد قل عنده من يمنع أو يقاتل، وظهر منه بأسٌ شديد، وشجاعة عظيمة، وكان قد استأمن إلى السّلطان إنسانٌ من أعيانهم فقال: أَنَا أدلكم عَلَى عورة لهم، فأتى بهم إلى جانب للسن لا يرام فقال: اصعدوا من هاهنا، فقيل: إنّهم قد ضبطوا هذا المكان وشحنوه بالرجال، فقال: إنّ الّذي ترون أسلحة وكُزاغنْدات قد جعلوها كهيئة الرجال، وذلك لقلتهم، وكان جُمَيْع من بقي ثمانين رجلًا، فصعد النّاس من هناك، وملكوا الموضع، وقتلوا أكثر الباطنية، واختلط جماعة منهم مع من دخل فسلموا، وأُسِر ابن غطاس، فشهر بأصبهان، وسُلِخ، فتجلّد حتّى مات، وَحُشِيَ جِلْدُهُ تبْنًا، وقتل ولدُه، وبُعث برأسيهما إلى بغداد، وألْقَتْ زوجته نفسها من رأس القلعة فهلكت، وخرب محمد القلعة. وكان والده السّلطان جلال الدولة ملك شاه هو الذي بناها على رأس جبل، يقال: إنّه غرم عَلَى بنائها ألفي ألف دينار ومائتي ألف دينار، فاحتال عليها ابن غطاس حتى ملكها، وأقام بها اثنتي عشرة سنة.
وفي صَفَر عُزِل الوزير أبو القاسم عليّ بْن جهير، وكان قد وزر للخليفة ثلاثة أعوام وخمسة أشهر، فهرب إلى دار سيف الدولة صدقة بْن مُزْيَد ببغداد ملتجئًا إليها، وكانت ملجأ لكلّ ملهوف، فأرسل إِلَيْهِ صدقة من أحضره إلى الحلة، وأمر الخليفة بأن تخرب داره، ثم تقررت الوزارة في أول سنة إحدى وخمسمائة لأبي المعالي هبة الله بن المطلب. [ص:698]
وفيها غرق قِلِج أرسلان بْن سليمان بْن قُتُلْمش صاحب قونية، سقط في الخابور فغرق، ووجد بعد أيّام منتفخًا، والحمد لله عَلَى العافية.
وتتابعت كُتُب أتابك طُغْتِكِين وفخر المُلْك ابن عمار ملكا الشام إلى السّلطان غياث الدين محمد بْن ملكشاه، بعظيم ما حل بالشام وأهله من الفرنج لعنهم الله، ويستصرخون بِهِ، ويستنجدون بِهِ لِيُدركهم، فندب جيشًا عليهم جاولي سقاوة، وكاتب صَدَقَةَ بْن مَزْيَد، وصاحب المَوْصِل وغيرهما لينهضوا إلى حرب الكُفّار، فثقُل ذَلِكَ عَلَى المكاتبين ونكلوا عَن الجهاد، وأقبلوا عَلَى حظوظ الأنفس، فلا قوة إلّا بالله.
وكان ابن قُتُلْمش نَفَذَ بعض جيشه لإنجاد صاحب القسطنطينية عَلَى بَيْمُنْد وإفرنج الشام، فلمّا التقى الْجَمْعان استظهر الروم وكسروا الفرنج شرّ كسْرَة، أتت عَلَى أكثرهم بالقتل والأسْر، وفصل الأتراك جُنْد ابن قُتُلْمش بعد أنّ خلع عليهم طاغية الروم وأكرمهم.(10/695)
بسم الله الرحمن الرحيم
- (الوفيات)(10/699)
-سنة إحدى وتسعين وأربعمائة(10/699)
1 - أحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن أحمد، أبو العبّاس ابن الحَطّاب الرّازيّ، ثمّ الْمَصْرِيّ الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أبا الحسن ابن السِّمْسار بدمشق، وشُعَيب بْن المنهال، وإسماعيل بْن عَمْرو الحدّاد، وعليّ بْن منير الخلّال بمصر، وجماعة كثيرة، روى عَنْهُ ابنه أبو عَبْد اللَّه الرّازيّ صاحب المشيخة والسُّداسيّات، وغيث بْن عليّ، وكتب عَنْهُ من القدماء أبو زكريّا عبد الرحيم البخاري، ومكي الرميلي.
قال ابنه: كان أبي في سكرة الموت يقول: ما لي في الدّنيا حسْرة إلّا أنّي مشيت في ركاب الشّيوخ، وسافرت إليهم باليمن والشّام، ومصر، وها أَنَا أموت، ولم يؤخذ عني ما سمعته على الوجه الذي أردته.
قال أبي: وحججت سنة أربع عشرة وأربعمائة، وقرأت بمكّة بروايات عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه الكارِزينيّ.(10/699)
2 - أحمد بْن الحُسين بْن أحمد بْن جعفر، أبو حامد الفقيه الهمذاني. [المتوفى: 491 هـ]
روى عَنْ أَبِيهِ، ومحمد بْن عيسى، وأبي نَصْر أحمد بن الحسين الكسار، وجعفر بن محمد الحسيني.
قال شيرويه: سمعته، وكان أحد مشايخ البلد ومفتيه، مات في صفر في سادس وعشرين، وكان من جلة الشافعية.(10/699)
3 - أحمد بن سهل، أبو بكر النيسابوري السراج. [المتوفى: 491 هـ]
روى عَنْ محمد بْن موسى الصَّيْرفيّ، وأبي بَكْر الحِيّريّ، وعليّ بْن مُحَمَّد الطّرازيّ.
وكان فقيهًا ورعًا، عابدًا صالحًا، وُلِد سنة ثمان وأربعمائة، وكان يتكلّم عَلَى الحديث وشرحه؛ حدَّثَ عَنْهُ أبو سعْد محمد بْن أحمد الخليليّ النَّوقانيّ [ص:700] الحافظ، وعُمَر بْن أحمد الصّفّار، وعبد اللَّه ابن الفُرَاويّ، وعبد الخالق بْن زاهر، وأبوه زاهر ووجيه ابنا الشّحّاميّ، وجماعته.
تُوُفّي في ليلة السّابع والعشرين من رمضان.(10/699)
4 - أحمد بْن عَبْد الغفار بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن أَشْتَه، أبو العبّاس الأصبهاني الكاتب. [المتوفى: 491 هـ]
شيخ مكثِر مُسْنِد، سمع أبا سَعِيد النّقّاش، وعليّ بْن ميْلَة الفقيه، وابن عَقِيل الباوَرْديّ، والفضل بْن شَهْرَيار، وغيرهم، وتُوُفّي في ذي الحجّة عَن اثنتين وثمانين سنة.
روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وأبو سعد البغداديّ.(10/700)
5 - أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرحيم التيمي الأصبهاني، المعروف بابن اللبان المتكلم. [المتوفى: 491 هـ]
يروي عَنْ أَبِي نُعَيْم، وغيره، روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وورخه.(10/700)
6 - أحمد بْن عَبْد العزيز، الْإِمَام أبو سعيد البردعي الحنفيّ الفقيه. [المتوفى: 491 هـ]
كَانَ عَلَيْهِ مَدَار الفتوى بنَيْسابور، وكان يعقد مجالس الوعظ من غير تكلُّف عَلَى طريقة أهل الورع، ويذكر مسائل الفقه مما ينفع العوامّ، وكان يميل إلى الاعتزال، ثم صار يحضر مجالس الشافعية، ويستطيب طريقة أهل السُّنَّة ويظهر أَنَّهُ تاركٌ لما كان عليه، ومال إلى التصوف.
وتوفي في ثامن عشر ذي القعدة، وما أظنه حدَّثَ.(10/700)
7 - أحمد بْن المبارك، أبو سعْد البغداديّ ابن الأكفانيّ المقرئ. [المتوفى: 491 هـ]
شيخ مَعْمَر، قرأ عَلَى أَبِي الحَسَن الحمّاميّ إلى سَورَة سبأ، قرأ عَلَيْهِ: أبو الكرم الشهرزوري، وروى عن بشرى الفاتني، روى عَنْهُ ابن السَّمَرْقَنْديّ، وابن ناصر.
وكان سمساراً.(10/700)
• - أحمد بن محمد الخليلي. [المتوفى: 491 هـ][ص:701]
قيل: فيها توفي، وقيل: سنة اثنتين.(10/700)
8 - أحمد بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَن بْن بِشْرُوَيْه، أبو العبّاس الأصبهاني الحافظ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أبا عَبْد اللَّه بْن حَسَنْكُوَيْه، ومحمد بْن عليّ بْن مُصْعَب، وأبا نُعَيْم الحافظ، ومحمد بْن عَبْد اللَّه بْن شَهْرَيار، والهيثم بْن محمد الخرّاط، وإبراهيم بْن محمد بْن إِبْرَاهِيم الجلّاب، وأبا ذَرّ محمد بْن إِبْرَاهِيم الصّالحانيّ، ومن بعدهم.
قَالَ السِّلَفيّ: كَانَ من أهل المعرفة بالحديث والفقه والفرائض، كتبنا بانتخابه كثيراً، وأكثرنا عنه لثقته ومعرفته، وسمعته يَقُولُ: ولدت سنة خمس عشرة.
قلت: تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وروى عَنْهُ هبة اللَّه بْن طاوس، وقيل: مات سنة سبعٍ.(10/701)
9 - إِبْرَاهِيم بْن خَلَف بْن إِبْرَاهِيم بْن لُبّ، أبو إِسْحَاق التُّجَيْبيّ القُرْطُبيّ، ويُعرف بابن الحاجّ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع من بَكْر بْن عيسى الكِنْديّ، وحجّ ورأى أبا ذَرّ الهَرَوِيّ، ولم يسمع منه، وأجاز لابن أخيه محمد بْن أحمد بْن خَلَف في هذا العام، وانقطع خبره بعد.(10/701)
10 - إِبْرَاهِيم بْن سُلَيْم بْن أيّوب، أبو سعْد الرّازيّ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع من والده؛ ومن أَبِي الحسين ابن الطفال بمصر؛ ومن عَبْد الوهاب بْن بُرهان الغزال بصور، ومن كريمة بمكّة؛ ومن الجوهريّ ببغداد، وتُوُفّي بدمشق في ذي الحجّة.
سمع منه: غَيْث، وأبو محمد بْن صابر.(10/701)
11 - إِبْرَاهِيم بْن يحيى بْن موسى، أبو إِسْحَاق الكَلاعيّ القُرْطُبيّ، ويُعرف بابن العطّار. [المتوفى: 491 هـ]
سمع من أَبِي محمد الشَّنْتَجاليّ، وحجّ، وسمع من أَبِي زكريّا عَبْد الرحيم الْبُخَارِيّ، وغيره.
قَالَ أبو بحر الأَسَديّ: لقيته في سنة إحدى وتسعين بالجزائر، وكان ثقة نبيهًا.(10/702)
12 - إِبْرَاهِيم بْن يونس بْن محمد، أبو إِسْحَاق المَقْدِسيّ الخطيب الأصبهاني الأصل. [المتوفى: 491 هـ]
سمع بدمشق أبا القاسم إِبْرَاهِيم بْن محمد الحِنّائيّ، وأبا القاسم عليّ بْن محمد السُّمَيْساطيّ، وبالقدس الفقيه أبا محمد عَبْد اللَّه بْن الوليد الأندلسيّ، وعليّ بْن طاهر، وعبد الرحيم بْن أحمد الْبُخَارِيّ الحافظ، وخَزْرُون بْن الحسن، وجماعة.
روى عنه أبو محمد ابن الأكفاني، والخضر بْن عَبْدان، ونصر بْن أحمد بْن مقاتل، وكان تلا القرآن.
تُوُفّي بدمشق في ذي الحجّة، وله سبعون سنة.(10/702)
13 - إسماعيل بْن عليّ بْن طاهر، أبو القاسم الرّازيّ السِّلَفيّ. [المتوفى: 491 هـ]
من شيوخ إصبهان، روى عَنْ أَبِي بكر بن أبي علي الذكواني المعدل، وأبي بكر بن محمد بن محمويه، وعلي بن أحمد الجرجاني، وعنه أبو طاهر السلفي، وقال: توفي في ربيع الآخر، وقال: لم يرو لنا عن محمد بن علي الواعظ، أو كما قال، سواه.(10/702)
14 - جعفر بْن حيدر بْن محمد، الشَّيْخ أبو المعالي العَلَويّ الهَرَوِيّ، [المتوفى: 491 هـ]
شيخ الصُّوفيّة.
كَانَ ورعًا زاهدًا، سمع بنَيْسابور شيخ الإسلام أبا عثمان الصابوني، وأبا سعد الكَنْجَرُوذيّ، وتُوُفّي بهراة. [ص:703]
ذكره السمعاني في الذيل.(10/702)
15 - حاتم بْن محمد بْن عليّ بْن أَبِي محمد حاتم بن أبي حاتم محمد بْن يعقوب بْن إِسْحَاق بْن محمود، أبو محمد الهَرَوِيّ الحاتميّ. [المتوفى: 491 هـ]
شيخ صالح، سمع أبا منصور محمد بْن عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم الفارسيّ صاحب حامد الرّفّاء، روى عَنْهُ عليّ بْن حمزة الموسويّ، وعبد الفتّاح بْن عطاء، وعبد الواسع بْن أَبِي بَكْر السَّقَطيّ.
مات بهَرَاة في جُمَادَى الأولى عَنْ نيفٍ وثمانين سنة.(10/703)
16 - حُدَيْد بْن حَسَن، المؤدِّب الشَّّيبانيّ. [المتوفى: 491 هـ]
حدَّثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاق البَرْمكيّ، تُوُفّي في شوّال.(10/703)
17 - الحَسَن بْن أحمد بْن محمد، الحافظ أبو محمد السَّمَرْقَنْديّ، [المتوفى: 491 هـ]
صاحب الحافظ جعفر بْن محمد المُسْتَغِفريّ.
تُوُفّي في ذي القعدة بنَيْسابور عَن اثنتين وثمانين سنة، كَانَ مكثِرًا فاضلًا، وغيره أتقن وأحفظ منه.
وقال ابن السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ عَن الحَسَن السَّمَرْقَنْديّ، فقال: إمام حافظ، سمع وجمع وصنَّف، سمع من المُسْتَغِفريّ، وعبد الصَّمد العاصمي، وشيوخ بُخاري، وبلْخ، ونيسابور، وأكثر السّماع عَنْهُمْ.
قلت: روى عَنْهُ خلْقٌ من شيوخ عبد الرحيم ابن السّمعانيّ.
وقال عُمَر بْن محمد بْن لُقمان النَّسَفيّ في كتاب القنْد: ذكر الْإِمَام الحافظ قوام السنة أبي محمد الحَسَن بْن أحمد بْن محمد بْن القاسم بن جعفر السمرقندي الكوخميثني نزيل نَيْسابور: لم يكن في زمانه في فنّه مثله في الشرق والغرب، لَهُ كتاب بحر الأسانيد في صحاح المسانيد، جمع فيه مائة ألف حديث، ورتَّب وهذّب، لم يقع في الإسلام مثله، وهو ثمانمائة جزء.
وذكره عَبْد الغافر فقال: عديم النظير في حفظه، قدِم نَيْسابور، وسمع ابن مسرور، وأبا عثمان الصابونيّ، والكَنْجَرُوذيّ، وطائفة، وعاد إلي [ص:704] سمرقند، ثم قدم نيسابور واستوطنها، وهو مكثر عن المستغفري.
قلت: روى عنه هبة الرَّحْمَن القُشَيْريّ، ومحمد بْن جامع خيّاط الصُّوف، والْجُنَيْد القاينيّ، وأكبر شيخ لَهُ منصور الكاغديّ.(10/703)
18 - الحُسين بْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن أيّوب بْن مُعَافَى، أبو عَبْد اللَّه العُكْبَريّ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أبا الحُسين بْن بِشْران، ومحمود بن عمر العكبري، وعنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو الكرم الشَّهْرَزُوريّ، وعُمَر بْن ظفر.
مات في شوّال، وقيل: في رمضان عَنْ ثمانٍ وثمانين سنة.(10/704)
19 - الحُسين بْن الحَسَن، الفقيه أبو عَبْد اللَّه الشِّهْرستانيّ الشّافعيّ، [المتوفى: 491 هـ]
قاضي دمشق.
سمع بنَيْسابور من أَبِي القاسم القُشَيْريّ؛ وبجرجان من إسماعيل بْن مَسْعَدَة، وبالعراق من ابن هزارمرد الصريفيني.
قال ابن عساكر: حدثنا عَنْهُ هبة اللَّه بْن طاوس، وكان حَسَن السيرة في الأحكام، ولي قضاء دمشق سنة سبعٍ وسبعين في أيام تتش، وكان شديداً عَلَى من خالف الحقّ، واستُشْهد بظاهر أنطاكيّة بيد الفرنج يوم المصافّ.(10/704)
20 - الحُسين بْن عليّ الدّمشقيّ المقرئ، ويعرف بالدمنشي. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أبا الحسن بْن أَبِي الحديد.
وكان رافضيًّا، سعى بالحافظ أَبِي بَكْر الخطيب إِلَى أمير الجيوش، وقال: هُوَ ناصبيّ يروي فضائل الصّحابة، وفضائل بني العبّاس في جامع دمشق، فكان ذَلِكَ سبب نفي الخطيب من دمشق.(10/704)
21 - رَوْح بْن محمد بْن عَبْد الواحد بْن عباس، أبو طاهر الرازي الصُّوفيّ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أبا الحَسَن عليّ بْن عَبْدكُوَيْه، وأبا بكر بن أبي علي الذكواني، وعبد الواحد الباطرقانيّ، وعليّ بْن أحمد الْجُرْجانيّ، وتُوُفّي في شعبان.
روى عنه السلفي.(10/704)
22 - سَعِيد بْن محمد بْن يحيى أبو الحُسين الأصبهاني الجوهريّ. [المتوفى: 491 هـ]
من كبار شيوخ السِّلَفيّ، يروي عن عليّ بْن ميلة الفَرَضِيّ، وأبي نُعَيْم الحافظ.
تُوُفّي في المحرَّم. وكان فقيهًا عالمًا، وأبوه يروي عَن ابن المقرئ، حدَّثَ عَنْهُ أبو سعد المطرز.
قِيلَ: ظهر لسعيد سماع من ابن مَرْدَوَيْه.(10/705)
23 - سهل بن بشر بن أحمد بن سعيد، أبو الفرج الإسفراييني الصوفي المحدث، [المتوفى: 491 هـ]
نزيل دمشق.
سمع علي بن حِمِّصَة، وعليّ بْن منير، وعليّ بْن ربيعة، ومحمد بْن الحُسين الطّفّال، والحَسَن بْن خَلَف الواسطي صاحب ابن ماسي بمصر. وسمع بجُرْجان محمد بْن عَبْد الرّحيم. وببغداد الجوهريّ. وبدمشق رشأ بْن نظيف، وابن سلوان، وهذه الطبقة؛ وبالرملة ابن الترجمان الصوفي، وبصور سُلَيْم بْن أيّوب، وبتنِّيس عليّ بْن الحسين بن جابر.
روى عنه ابناه طاهر والفضل، وجمال الإسلام أبو الحَسَن، وهبة اللَّه بْن طاوس، ومحفوظ النّجّار، ونصر اللَّه المصِّيصيّ الفقيه، وأحمد بْن سلامة، وحمزة بْن علي ابن الحُبُوبيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أَبِي الحَسَن الدّارانيّ، وجماعة.
وقال: ولدت ببسطام سنة تسعٍ وأربعمائة.
تُوُفّي في ربيع الأوّل.
وقال غَيْث: سألت أبا بَكْر الحافظ عَنْ سهل بْن بِشْر فقال: كيس صدوق.(10/705)
24 - طراد بن محمد بن علي بن الحَسَن بْن مُحَمَّد، النّقيب، الكامل، أبو الفوارس بْن أبي الحسن بن أبي القاسم بن أبي تمّام الهاشْميّ العبّاسيّ الزينبي البغداديّ، نقيب النُّقَباء. [المتوفى: 491 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: ساد الدَّهْر رُتْبةً وعُلُوًّا وفضلًا ورأيا وشهامة. ولي نقابة العباسيّين بالبصرة، ثمّ انتقل إلى بغداد. وكان من أكفى أهل الدَّهْر، متّعه اللَّه بسمعه وبصره وقوّته وحواسِّه. وكان يترسّل من الدّيوان إلى الملوك، وحدَّثَ بأصبهان كذلك، وصارت إِلَيْهِ الرحلة من الأقطار. وأملى بجامع المنصور، [ص:706] وكان يحضر مجلسَ إملائه جميعُ أهل العلم من الطوائف وأصحاب الحديث والفُقهاء. ولم يُرَ ببغداد عَلَى ما ذُكِر مثل مجالسه بعد أَبِي بَكْر القَطِيعيّ. وأملى سنة تسعٍ وثمانين بمكّة، والمدينة، وألحق الصِّغار بالكبار. سمع هلال بْن مُحَمَّد الحفّار، وأبا نَصْر أحمد بْن مُحَمَّد بْن حَسْنُون النَّرْسيّ، وأبا الحُسين بْن بِشْران، والحسين بْن عُمَر بْن برهان، وأبا الفرج أحمد بن محمد بن المسلمة، وأبا الحسن الحمامي، وابن رزقويه. وتفرد بالرواية عن هلال وجماعة.
روى عنه أبو الحسن محمد وأبو القاسم علي الوزير ولداه، وأحمد بْن المقرّب الكَرْخيّ، ويحيى بْن ثابت البقّال. وشُهْدَة بنت الإبريّ، وخلْق كثير آخرهم وفاة أبو الفضل خطيب المَوْصِل.
وقال أبو عليّ الصَّدَفيّ: كَانَ أعلى أهل بغداد منزلة عند الخليفة، وكنا نبكر إليه، فيتعذر علينا السّماع منه والوصول إِلَيْهِ، وعند بابه الحُجّاب، ولعلّ زِيّ بعضهم فوق زِيّه. وكنّا نقرأ عَلَيْهِ وهو يركع، إذ لَيْسَ عند مثله ما يردّ. وربّما اتّبعناه ونحن نقرأ عَلَيْهِ إلى أنّ يركب.
وقال السِّلَفيّ: كَانَ حنفيًّا من جِلّة النّاس وكُبَرائهم، ثقة فاضلًا، ثبتًا، لم أَلْحَقْه.
وقال أبو الفضل بْن عطّاف: كَانَ شيخنا طِراد شيخًا حَسَنًا، حَسَن اليقظة، سريع الفِطْنة، جميل الطّريقة في الرّواية، ثقة في جُمَيْع ما حدَّث بِهِ.
وقال غيره: ولد في شوال سنة ثمانً وتسعين وثلاثمائة.
وقال ابن ناصر: توفي في سلخ شوال، ودُفن بداره، ثمّ نُقِل في السّنة الآتية إلى مقابر الشّهداء.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرحمن، قال: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، قال: أخبرتنا شهدة بقراءتي عليها، قالت: أخبرنا طراد، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد، قال: أخبرنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا علي بن حرب، قال: حدثنا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ عُمَرَ توضأ من بيت نصرانية.(10/705)
25 - عبد الله بْن أحمد بْن عبد الله بَلِّيزَة، أبو القاسم الخِرَقيّ الأصبهاني المقرئ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن شَمَهْ، وقرأ القرآن عَلَى أحمد بْن مُحَمَّد المِلَنْجيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن زَنْجَوَيْه. وتلاوته عَلَى ابن زنجويه في سنة ثلاثٍ وعشرين وأربعمائة.
سمع منه السِّلَفيّ، وتلا عَلَيْهِ ختّمة لقُنْبُل في هذا الوقت، ولم يورّخ وفاته.(10/707)
26 - عَبْد اللَّه بْن الحُسين بْن هارون، أبو نَصْر الخُراسانيّ النّاسخ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أبا بَكْر أحمد بْن مُحَمَّد بْن الحارث التَّميميّ النَّحْويّ، وأبا بَكْر الحِيّريّ.
وُلِد سنة ثلاثِ عشرة، وأملى مدّة، ومات في المحرَّم.
روى عَنْه أبو سعْد محمد بن أَحْمَد بن محمد ابن الخليلي النوقاني الحافظ، ومحمد بن أحمد بن الجنيد الخطيب، وعمر بن أحمد الصفار، وأبو البركات ابن الفراوي، وعبد الخالق ابن الشحامي، وشافع بن علي، وآخرون.(10/707)
27 - عَبْد اللَّه بْن المبارك بْن عَبْد اللَّه، أبو مُحَمَّد المَدِينيّ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع عليّ بْن أحمد بْن مِهْران الصّحّاف. روى عَنْهُ السِّلَفيّ وقال: توفي في شوال.(10/707)
28 - عَبْد الأحد بْن أحمد بْن الفضل، أبو الحارث العَنْبريّ الأصبهاني. [المتوفى: 491 هـ]
سمع هارون بْن مُحَمَّد الكاتب، وأحمد بن فاذشاه الوزير. وابن ريذة. روى عنه السلفي.(10/707)
29 - عَبْد الرّزّاق بْن حسّان بْن سَعِيد بْن حسّان بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن مَنِيع بْن خَالِد بْن عَبْد الرَّحْمَن ابن سيف اللَّه خَالِد بْن الوليد المخزوميّ المَنِيعيّ، أبو الفتح بْن أَبِي عليّ المَرْوَرُّوذِيّ، الحاجّيّ الخطيب. [المتوفى: 491 هـ][ص:708]
محتشم خُراسان كوالده. وكان زاهدًا، عابدًا، عاملًا، متبتلًا، ورعًا، فقيهًا، قُدْوة. تفقّه عَلَى القاضي حسين، وعلّق عَنْهُ المذهب، وكان خطيب جامع والده. وقد حجّ وسمع ببغداد، وصار رئيس نَيْسابور، وقعد للتّدريس بالجامع، واجتمع عَلَيْهِ الفُقهاء. وعقد مجلس الإملاء، وحدَّث عَنْ أَبِي الحُسين ابن النَّقُّور، وأبي بَكْر البَيْهقيّ، وسعد الزّنْجانيّ، وأبي مسعود أحمد بن محمد البجلي.
روى عنه أبو طاهر السِّنْجيّ، وأبو شحمة مُحَمَّد بْن عليّ المعلّم المَرْوَزِيّ، وإسماعيل بْن عَبْد الرَّحْمَن العصائديّ، وآخرون.
تُوُفّي فِي ثامن عشر ذي القعدة وله ثمانون سنة.(10/707)
30 - عَبْد الرّزّاق بْن عَبْد اللَّه بْن المحسِّن، أبو غانم بن أبي حصين التّنُوخيّ المَعَرّيّ القاضي. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا صالح محمد بن المهذب، وأبا عثمان إسماعيل بْن عَبْد الرَّحْمَن الصّابونيّ، والسُّمَيْساطيّ، وأبا إِسْحَاق الحبّال الحافظ، وطائفة بدمشق والقدس ومصر.
روى عنه الخطيب مع تقدمه شيئاً من شعره، وأبو البيان مُحَمَّد بْن أَبِي غانم، وغيرهما.
وتُوُفّي بالمَعَرَّة.(10/708)
31 - عَبْد السّميع بْن عليّ بْن عَبْد السَّميع، أبو الحُسين الهاشْميّ، [المتوفى: 491 هـ]
من أهل باب البصرة ببغداد.
سمع أبا الحَسَن بْن مَخْلَد. روى عَنْهُ أبو البركات الأَنْماطيّ، وأبو بَكْر ابن الزاغوني.
وتُوُفّي في ربيع الآخر، ومولده سنة تسعٍ.(10/708)
32 - عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن عتّاب بْن محسن، أبو القاسم القُرْطُبيّ [المتوفى: 491 هـ]
أخو عَبْد الرَّحْمَن.
روى عَنْ أَبِيهِ كثيرًا، وعن حاتم الطَّرَابُلُسيّ. وأجاز له أبو حفص [ص:709] الزهراوي، وأبو عمر ابن الحذّاء، وجماعة.
وكان عارفًا بمذهب مالك، بصيرًا بالفتوى، مقدمًا في الشُّروط، لَهُ عناية بالحديث ونقله. وكان مهيبًا، وقورًا، معظمًا عند الخاصّة والعامّة.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى عَنْ إحدى وخمسين سنة. روى اليسير.(10/708)
33 - عَبْد الواحد بْن أحمد بْن إِبْرَاهِيم، أبو طاهر المغازليّ الأصبهاني الشّرابيّ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أبا نُعَيْم الحافظ. وعنه أبو طاهر السلفي، وقال: مات في صَفَر.(10/709)
34 - عبد الواحد بن عُلْوان بْن عَقِيل بْن قيس الشِّيبانيّ، أبو الفتح السَّقْلاطُونيّ البغداديّ النَّصْريّ [المتوفى: 491 هـ]
من النَّصْريّة.
شيخ ثقة صَدُوق. سمع أبا نَصْر بْن حَسْنُون، وأبا القاسم الحرفي، وعثمان بْن دُوَسْت، وهو أخو عَبْد الرَّحْمَن بْن عُلْوان. روى عَنْهُ عَبْد الباقي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي الْأَنْصَارِيّ، ووالده أبو بكر، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ، وآخرون. وآخر من روى عَنْهُ فخر النّساء شُهْدَة.
تُوُفّي في رجب.(10/709)
35 - عَبْد الوهّاب بْن رزق اللَّه بْن عَبْد الوهّاب، أبو الفضل التَّميميّ، [المتوفى: 491 هـ]
أخو عَبْد الواحد.
سمع أَبَاهُ، وأبا طَالِب بْن غَيْلان. وكان حَسَن الصورة، ظريفًا بارعًا في الوعظ.
رَوَى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدقاق، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ.(10/709)
36 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن الحسين بن خِذَام، أبو الحَسَن الخِذاميّ الْبُخَارِيّ الواعظ. [المتوفى: 491 هـ]
كَانَ معمّرًا مكثِرًا من السّماع. تفرَّد بشيوخ. روى عَنْ القاضي أَبِي عليّ الحُسين بْن الخضر النَّسَفيّ، ومنصور الكاغدي، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن القاسم الفارسيّ، وأحمد بْن الحَسَن المراجليّ، وخلْق. [ص:710]
أخذ عنه الكبار؛ روى عَنْهُ عثمان بْن عليّ البِيكَنْديّ، وأبو ثابت الحسن بن علي البرديجي وأبو رجاء مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، ومُحَمَّد بْن علي الواعظ، ومحمد بن علي السِّنْجيّ، وعدّة. وعُمِّر تسعين سنة.
مات في هذا العام تقريبا، وقد روى في أول العام.(10/709)
37 - عمر بن أحمد بن محمد بن الخليل، أبو حفص البَغَويّ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع مُسْنِد إِسْحَاق الكَوْسَج، من أَبِي الهنديّ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن البَغَويّ، ومات بعد شَعْبان في هذا العام أو بعده. روى عَنْهُ عَبْد اللَّه بن محمد بن المظفر البناء، وأسعد بن أحمد الخطيب، وأبو أحمد عبد الرحمن بن أبي نصر البغويون.(10/710)
38 - عمر بن حسن بن محمد بن أحمد بن سليم، أبو حفص الأصبهاني المعلم. [المتوفى: 491 هـ]
روى عن غلام محسن، وأبي بكر بن أبي علي، وأبي نعيم، وعلي بن أحمد الجرجاني، وغيرهم. روى عنه السِّلَفيّ، وقال: تُوُفّي في ذي الحجة، سماعاته كثيرة عالية.(10/710)
39 - فارس بْن الحُسين بْن فارس بْن حسين بن غريب، أبو شجاع الذُّهْليّ السَّهْرُوَرْديّ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 491 هـ]
شيخ فاضل، صالح، ثقة، لُغَوِيّ، شاعر، سمع أبا علي بْن شاذان، وعبد المُلْك بْن بِشْران. روى عنه قاضي المرستان، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وابن ناصر.
تُوُفّي في ربيع الآخر وقد جاوز التسعين، وابنه شجاع حافظ معروف.(10/710)
40 - الفضل بْن علي بن أحمد بن محمد بن أحمد، أبو سعْد الأصبهاني المقرئ. [المتوفى: 491 هـ]
سمع أبا سَعِيد مُحَمَّد بْن عليّ النّقّاش، وعليّ بْن ميْلة، ومَعْمَر بْن زياد. روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وقال: تُوُفّي في رجب، وكناه أبا نصر.(10/710)
41 - المحسن بْن المحسن بْن مُحَمَّد بْن جُمْهُور، أبو الرِّضا الْأَنْصَارِيّ الدّمشقيّ الفرّاء المعدّل. [المتوفى: 491 هـ][ص:711]
إمام الجامع الأموي، ثمّ ولي نظر الأوقاف وعمارة الأملاك السلطانية، فظلم وجار. حدث عَنْ مُحَمَّد بْن عَوْف المُزَنيّ، وغيره. روى عنه عمر الرواسي.(10/710)
42 - مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد، أَبُو عَبْد اللَّه المَيْبُذِيّ البغداديّ اللُّغَويّ، [المتوفى: 491 هـ]
من كبار أئمّة العربية.
سمع أبا جعفر ابن المسلمة. روى عنه ابن ناصر.(10/711)
43 - مُحَمَّد بْن جامع بْن مُحَمَّد بن علي أبو بكر ابن القطّان الهمذاني الجوهريّ. [المتوفى: 491 هـ]
روى عَنْ أَبِيهِ، والزَّنْجانيّ.
قَالَ شِيرُوَيْه: سَمِعْتُ منه، وكان كَيِّسًا صدوقًا.(10/711)
44 - مُحَمَّد بْن الحُسين بْن مُحَمَّد أبو سعْد الحرمي الْمَكِّيّ الحافظ، [المتوفى: 491 هـ]
نزيل هَرَاة.
أحد الحفّاظ والزُّهّاد، سمع بمصر مُحَمَّد بْن الحُسين الطّفّال، وأبا الفتح بْن بابشاذ، وعليّ بْن حِمّصة، وعليّ بْن بُغَا الورّاق، وبمكّة أبا نَصْر السِّجْزيّ الحافظ، وعبد العزيز بْن بُنْدار الشِّيرازيّ. وببغداد أبا بَكْر الخطيب والموجودين.
قَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الهَمَذانيّ: كَانَ أبو سعْد الحرمي من الأوتاد، ولم أرَ بعيني أحفظ منه.
وقال الواعظ أبو حامد الخيّام: إنّ كَانَ لله بهَرَاة أحدٌ من أوليائه فهو هذا. وأشار إلى أَبِي سعْد.
مات فِي شَعْبان.(10/711)
45 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد، أبو المحاسن المَحْمِيّ النَّيْسابوريّ الحنفيّ. [المتوفى: 491 هـ]
أحد الرؤساء والأكابر، خالف أهل بيته لأنّ المَحْمية شافعيّون. وقد سمع من أصحاب الأصم، وكان يضيف الطبلة.
تُوُفّي في شَعْبان عَنْ ثمانين سنة. [ص:712]
روى عنه عمر بن أحمد ابن الصفار، وعبد الله ابن الفُرَاويّ. روى عَنْ أَبِي بَكْر الحِيّريّ.(10/711)
46 - مُحَمَّد بن محمد، أبو سعد الخداشي. [المتوفى: 491 هـ]
توفي ببست وله ثمانٍ وثمانون سنة. سمع بهراة إسحاق القراب، وأبا عثمان القرشي.(10/712)
47 - مروان بن عبد الملك، أبو محمد اللواتي الطنجي الفقيه المالكي، [المتوفى: 491 هـ]
نزيل مصر.
كان متفننًا في العلوم، بارعا في المذهب، قرأ القراءات على أبى العباس أحمد بن نفيس، وسمع منه. ومن أَبِي هاشم، وأبي محمد الوليد.
قَالَ القاضي عِيَاض: كَانَ ذا عِلمٍ بالقراءات، والنَّحْو، واللّغة، خطيبًا مفَوَّهًا مِصْقَعًا، ولي الفتيا والخطبة بسَبْتَة في دولة البرغواطيّ، وسمع منه كثيرًا. وكان ذا هَيْبة وسَطْوة. سمع عَلَيْهِ القاضي عَبُّود بْن سَعِيد، وأبو إِسْحَاق بْن جعفر، وخالاي أبو عَبْد اللَّه وأبو مُحَمَّد ابنا الْجَوْزيّ. وله بَنُون نُجَباء أئمّة. وكان أخوه أبو الحَسَن من كبار الأئمّة. وله ابنان، أحدهما عَبْد اللَّه ولي قضاء غُرْناطة وغيرها، وعبد الرَّحْمَن ولي قضاء مِكْناسة مدّة، ثم ولي قضاء تلمسان بعد الثلاثين وخمسمائة عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن.(10/712)
48 - المظفّر بْن عليّ بْن الحَسَن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد، الصّدر أبو الفتح ابن رئيس الرؤساء أَبِي القاسم ابن المسلمة. [المتوفى: 491 هـ]
ناب في الوزارة في خلافة المقتدي باللَّه بعد عزل الوزير عميد الدولة أَبِي منصور بْن جهير، إلى أنّ ولي أبو شجاع الوزارة. وكانت دار أَبِي الفتح مجمعًا لأهل العلم والدين والأدب، ومن جملة من أقام في داره ومرض عنده ومات أبو إِسْحَاق مصنّف التّنبيه. وممّن كَانَ يقيم عنده أبو عَبْد اللَّه الحُمَيْديّ.
سمع الحديث من أَبِي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وأبي مُحَمَّد الجوهريّ بإفادة الخطيب. كُتُب عَنْهُ الحُمَيْديّ، وغيره. وتُوُفّي في ذي القعدة وله أربعٌ وخمسون سنة.(10/712)
49 - مكّيّ بْن منصور بْن مُحَمَّد بْن عِلّان السلار، الرئيس أبو الحسن الكرجي. [المتوفى: 491 هـ]
رئيس الكرج ومعتَمَدُها.
حدَّثَ عَنْ أَبِي بَكْر الحِيّريّ، ومُحَمَّد بْن القاسم الفارسيّ، وأبي الحسين بن بشران المعدل، وأبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وأبي القاسم هبة الله اللالكائي.
قال شيرويه: رحلت إليه إلى الكرج، وسمّعتُ منه ولديَّ، وكان شيخًا لا بأس بِهِ، محمودًا بين الرؤساء، محسِنًا إلى الفقراء والعلماء.
قلت: روى عَنْهُ أبو الحَسَن مُحَمَّد بْن عَبْد المُلْك الكَرَجيّ الفقيه، وأبو المكارم أحمد بْن مُحَمَّد بن علان البلدي، وأبو بكر أحمد بْن نَصْر بْن دُلَف، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، وإسماعيل بْن مُحَمَّد الحافظ، ورجاء بْن حامد المَعدّانيّ، ومُحَمَّد بْن أحمد بْن ماشاذة، وأبو زُرْعة طاهر المَقْدِسيّ، والقاسم بن الفضل الصَّيْدلانيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
قَالَ ابن طاهر: دخلت بابني أَبِي زُرْعة الكَرَج حتّى سمع مُسْنِد الشّافعيّ من السّلّار مكّيّ، وكان قد سمعه بنَيْسابور، وورَّق لَهُ ابن هارون، وكانت أصوله صحيحة جيّدة.
وقال السِّلَفيّ: كَانَ السّلّار جليل القدْر، نافذ الأمر، محبوبًا إلى رعيته بجود سَجِيِّته، وآخر ما قدِم إصبهان كنت أوّل من قرأ عَلَيْهِ.
وقال السّمعانيّ: هُوَ من رؤساء الكَرَج، كانت لَهُ الثّروة الكبيرة والدُّنيا العريضة الواسعة، والتّقدُّم ببلده. عُمّر حتّى صار يُرحل إِلَيْهِ، ونُقل عَنْهُ الكثير، لأنّه لحِقَ إسناد العراق وخُراسان.
وقال أبو زكريّا بْن مَنْدَهْ: تُوُفّي بأصبهان في سَلْخ جُمَادَى الأولى، ووُلِد سنة سبعٍ أو تسعٍ وتسعين وثلاثمائة.(10/713)
50 - نَصْر بْن عليّ بْن مُقَلّد بْن نَصْر بْن مُنْقذ، الأمير الجليل عزّ الدّولة أبو المُرْهَف الكِنَانيّ. [المتوفى: 491 هـ]
صاحب شَيْزَر تملّكها بعد أَبِيهِ. ولما قدم إلى الشام السلطان ملكشاه [ص:714] السلجوقي سلَّم إِلَيْهِ أبو المُرْهَف الّلاذقيّة، وفامية، وكَفَرْطَاب، وبقيت لَهُ شَيْزَر.
وكان سمحًا، كريمًا، شاعرًا شجاعا، فارسًا، عاقلًا، ديِّنًا، عابدًا، خيّرًا، وكان بارًّا بأبيه، وأحسن إلى أخوته وربّاهم. وله برٌّ كثيرُ وصدقات. ويُحكَى عَنْهُ أنّه كَانَ يقوم عامّة اللّيل.
توفي في شيزر في جمادى الآخرة.(10/713)
51 - هبة اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق بْن مُحَمَّد بن عبد الله بن الليث، أبو الحسن الْأَنْصَارِيّ الأشهليّ السَّعْديّ البغداديّ، [المتوفى: 491 هـ]
من ولد سعْد بْن مُعاذ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
سمع هلال بْن مُحَمَّد الحفار، وأبا الْحُسَيْن بْن بشران، وأبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التَّميميّ. وتفرّد بالرواية عَن التَّميميّ. وكان أحد قرّاء المواكب، ومن ذوي الهيئات النُّبلاء، وأرباب الديانات، صحيح السماع.
قال ابن السمعاني: حدثنا عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو البركات الأَنْماطيّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، وجماعة كبيرة. وسمعتُ بعض مشايخي يَقُولُ: إنّ الشّريف هبة اللَّه الْأَنْصَارِيّ كَانَ يأخذ عَلَى جزء الحفار دينارًا صحيحًا.
وُلِد هبة اللَّه في سنة اثنتين وأربعمائة، وتُوُفّي في الحادي والعشرين من ربيع الآخر.
قلت: وروى عَنْهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن مُحَمَّد الطُّوسيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن العبّاس الحرّانيّ، وجماعة. وللسِّلَفيّ منه إجازة، ولكنّه ما درى بأنّ عنده مثل جزء الحفّار، ولا خَرَّج عَنْهُ شيئًا.(10/714)
52 - هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن هارون بْن مُحَمَّد، الأديب أبو غالب الهارونيّ التّانيّ الأصبهاني. [المتوفى: 491 هـ]
سمع من جدّه هارون صاحب الطَّبَرانيّ. روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وقال: مات في رجب، وكان لَهُ حظٌّ وافر من الأدب، وإذا قرأ الحديث أطْرب.(10/714)
53 - ياسين بْن سهل، أبو رَوْح القايَنِيّ الخشّاب الصوفي. [المتوفى: 491 هـ][ص:715]
شيخ الصُّوفيّة ببيت المقدس طوَّفَ البلاد، وسمع أباه وأبا الحسن ابن الطّفّال، ورشأ بْن نظيف، وأبا الحَسَن بْن صخر، وطبقتهم. روى عنه هبة الله ابن الأكفانيّ، وأبو المعالي مُحَمَّد بْن يحيى الْقُرَشِيّ، وإسماعيل بْن أَبِي سَعِد النَّيْسابوريّ، وابن السَّمَرْقَنْديّ، ويحيى بْن عَبْد الرَّحْمَن الطُّوسيّ.
تُوُفّي في آخر السنة، وكان كبير القدْر، زاهدًا.
قَالَ غيث الأرمنازي: حدث ياسين الصوفي، وكان عندهم مجسماً محيزاً قدم علينا، ومات بالقدس في ذي الحجّة.(10/714)
54 - يحيى بن محمد، أبو بكر ابن الفرضي الداني النحوي. [المتوفى: 491 هـ]
نزيل المرية.
كان رأسًا في العربيّة واللّغة. أخذ عَنْهُ أبو الحَجّاج بْن سبْعون، وأبو عَبْد اللَّه بْن سعيد بن غلام الفرس، وأبو بَكْر بْن خطاب، وجماعة.
كَانَ حيًّا في سنة إحدى هذه.(10/715)
-سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة(10/716)
55 - أحمد بن عبد الله بن علي بن طاوس بْن موسى، أبو البَرَكات المقرئ. [المتوفى: 492 هـ]
وُلِد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ببغداد، وقرأ القراءات عَلَى أَبِي الحَسَن عليّ بْن الحَسَن العطّار، وعلى مُحَمَّد بْن عليّ بن فارس الخياط. وسمع عُبَيْد اللَّه الأزهريّ، وأبا طَالِب بْن بُكَيْر وأبا طالب بن غيلان، والعتيقي وجماعة.
وقدم دمشق، سنة إحدى وخمسين وأربعمائة فسكنها، وسمع من أَبِي القاسم الحِنّائيّ، وجماعة. وصنَّف في القراءات. وأقرأ النّاس، وكان إمامًا ماهرًا، مجوِّدًا، ثقة، ديِّنًا؛ روى عَنْهُ الفقيه نَصْر المَقْدِسيّ وهو أكبر منه، وابنه هبة اللَّه بْن طاوس، والفقيه نَصْر اللَّه المصِّيصيّ، وحمزة بن أحمد بن كردوس.
وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة. وقرأ عَلَيْهِ ابنه.(10/716)
56 - أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف أبو الحُسين البغداديّ. [المتوفى: 492 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: شيخ ثقة، جليل القدر، خيّر، مرضيّ الطريقة، حَسَن السيرة. سافر الكثير ووصل إلى المغرب، وسمع أبا القاسم الحرفي، وأبا عَمْرو بْن دُوَسْت، وأبا عليّ بْن شاذان، وأبا القاسم بْن بِشْران، وجماعة، وبمكة أبا الحسن ابن صخر، وأبا نَصْر السِّجْزيّ، وبالرملة مُحَمَّد بْن الحُسين بْن التّرجُمان، وبمصر أبا الحَسَن بْن حِمِّصَة.
روى عَنْهُ بنوه عَبْد اللَّه، وعبد الخالق، وعبد الواحد، وأبو الفضل بْن ناصر، وأبو الفتح ابن البطّيّ، وشُهْدَة، وخطيب المَوْصِل، وآخرون.
قَالَ ابن ناصر: كَانَ صالحًا ثقة.
وقال عَبْد الخالق ابنه: حدَّثني أخي قَالَ: رأيتُ أَبِي في النّوم، فقلت: يا سيّدي، ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غفر لي. [ص:717]
توفي في شعبان، وله إحدى وثمانون سنة.(10/716)
57 - أحمد بن أبي مُسْلِم مُحَمَّد بْن عليّ، الشَّيْخ أبو منصور الشعيري الأصبهاني. [المتوفى: 492 هـ]
قال السلفي: روى عن عبد الواحد بن أحمد الباطرقاني، وأبي نُعَيْم. كَتْبنا عَنْهُ ومات في شوّال سنة اثنتين.(10/717)
58 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، أَبُو القاسم الخليليّ الدُّهْقان. [المتوفى: 492 هـ]
حدَّثَ ببلْخ " بمُسْنِد الهَيْثَم بْن كُلَيْب "، عَنْ أَبِي القاسم الخُزاعيّ، عَنْهُ. وعاش مائة سنة وسنة، فإن أبا نَصْر اليُونَارتيّ قَالَ: سألته عَنْ مولده، فقال: في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة. وأنّه سمع من الخِزاعيّ لمّا قدِم عليهم بلخا في سنة ثمانٍ وأربعمائة.
وقال السّمعانيّ: تُوُفّي في صَفَر.
قلت: حدَّثَ عنه " بالمسند " أبو شجاع عمر البسطامي، ومسعود بن مُحَمَّد الغانميّ، ومُحَمَّد بْن إسماعيل الفُضَيْليّ، واليُونارتيّ، وآخرون. قَالَ: وكان ثقة، صحيح السّماع. روى " الشّمائل " أيضًا.(10/717)
59 - إِبْرَاهِيم بْن مسعود بْن محمود بْن سُبُكْتِكِين، السّلطان أبو المظفّر. [المتوفى: 492 هـ]
تُوُفّي بغَزْنَة في شوّال، وكان عادلًا، منصفًا، شجاعًا، جوادًا، منقادًا إلى الخير، محبوبًا إلى الرَّعيّة، واسع المملكة. عاش أكثر من سبعين سنة، وبقي في السلطنة أكثر من أربعين سنة.(10/717)
60 - إِبْرَاهِيم بْن أَبِي نَصْر بْن إِبْرَاهِيم، أبو إسحاق الأصبهاني ثم الْبُخَارِيّ، [المتوفى: 492 هـ]
نزيل بَلْخ.
شيخ صالح، تاجر متموّل. سمع من منصور الكاغَديّ صاحب الهَيْثَم بْن كليب جزأين. وسمع من جماعة.
تُوُفّي ببلْخ، حدَّثَ عَنْهُ أبو شجاع عمر بن محمد البسطامي، وغيره؛ ورخه [ص:718] السمعاني.(10/717)
61 - أسعد بْن عليّ، أبو القاسم الزَّوْزَنيّ، الشّاعر المشهور. [المتوفى: 492 هـ]
تُوُفّي ليلة الأضحى بنَيْسابور.
ذكره عَبْد الغافر فقال: شاعر عصره وواحد دهره في فنه، وديوان شعره أكبر من أن يحصره مجموع، وهو في الفضل ينبوع. لَهُ القصائد الفريدة قديمًا وحديثًا، والمعاني الغريبة. شاع ذِكْره، وسار في البلاد شعره، مدح عميد المُلْك الكُنْدُرِيّ وأركان دولة السّلطان طُغْرُلْبَك، ثمّ أركان الدولة الملكشاهيّة. وكان مَعَ ذَلِكَ يسمع الحديث ويكتبه.(10/718)
62 - الأَطْهَرُ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن زيد الحسيني العلوي، أبو الرضا ابن السيد الأجل الحافظ المعروف بسيد بغداد، [المتوفى: 492 هـ]
نزيل سَمَرْقَنْد.
كَانَ أبو الرِّضا يلقَّب بسيّد السّادات.
ذكره عَبْد الغافر فقال: سيّد السّادات، الفائق حشمته ودولته ومالُه وجاهُه، مُطَّرِد العادات. وأبوه كَانَ من أفاضل السّادة وأكثرهم ثروة. وله السّماع العالي والتصانيف الحسان في الحديث والشِّعر وهذا النّحل السّريّ. ورد نَيْسابور بعد وفاة أَبِيهِ، وطلب ما كَانَ لَهُ من الودائع والبضائع، وأخذها وعاد. ولم يزل يعلو شأنُه ويرتفع إلى أنّ بلغت درجتُه درجة المُلْك، وناصب الخان وباض شيطان الولاية في رأسه وفرّخ. وكان في نفسه وهمّته متكبّرًا أبلج، ما كانت همّته تسمح إلّا بالمُلْك، حتّى سَمِعْتُ أَنَّهُ أمر بضرب السُّكَّة عَلَى اسمه، ورتّب أُلُوفًا من الأعوان والشّاكريّة والأتباع. وكان يضبط الولاية ويجبي المال ويجمع ويفرّق، إلى أنّ انتهت أيّامه وامتلا صاعُ عُمره، واستعلى عَلَيْهِ من ناصَبَه، فسَعَى في دمه وقَدَّه نصفَيْن وعلّقه في السّوق، وأغار السلطان على أمواله وحرمه وخدمه، وصار حديثًا يُسْمَرُ بِهِ، ولم يبق منهم نافخٌ نار، وذلك سنة اثنتين وتسعين.(10/718)
63 - بَرَكة بْن أحمد بْن عَبْد اللَّه أبو غالب الواسطي البزاز. [المتوفى: 492 هـ]
سمع أبا القاسم بْن بِشْران، وأحمد بْن عبد الله ابن المَحَامليّ.
رَوَى عَنْهُ: [ص:719] عبد الوهاب الأنماطي، وأحمد ابن المقرب، وهبة الله بن هلال الدقاق، وإسماعيل ابن السمرقندي وإسماعيل بن محمد الحافظ.
وتُوُفّي في ذي الحجّة وله نيف وثمانون سنة.
وثّقه عَبْد الوهّاب.(10/718)
64 - بَكْر بْن نَصْر بْن أحمد، أبو مُحَمَّد الْبُخَارِيّ الخيّاط. [المتوفى: 492 هـ]
شيخ صالح سمع ببُخَارى عُمَر بْن منصور بن خنب، وبالرّيّ عَبْد الكريم بْن أحمد الوزّان، وببغداد أبا يعلى ابن الفرّاء، وهناد بْن إِبْرَاهِيم، وطائفة.
تُوُفّي ببخارى بعد هذه السنة أو فيها، روى عَنْهُ عثمان بن علي البيكندي، وصاعد بن عبد الرحمن.(10/719)
65 - الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن عليّ، العلامة أبو علي [المتوفى: 492 هـ]
ابن الشَّيْخ أَبِي جعفر الطُّوسيّ رأس الرّافضة.
وُلِد ببغداد، وسمع من أَبِي مُحَمَّد الخلّال، وأبي الطَّيِّب الطَّبَريّ. وأمَّ بالمشهد بالكوفة. روى عَنْهُ عمر بن محمد النسفي، وهبة الله ابن السَّقَطيّ، وجماعة.
بَقِيّ إلى هذه السّنة، وكان متديناً كافا عن السب.(10/719)
66 - الحُسين بْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عليّ بْن أيّوب، أبو عَبْد اللَّه العُكْبَريّ [المتوفى: 492 هـ]
أحد الأذكياء الندماء.
ولد سنة ثلاثٍ وأربعمائة. وسمع أحمد بْن عليّ بْن أيّوب العُكْبَريّ، وأبا الحُسين بْن بِشْران. روى عَنْهُ عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، وعُمَر بْن ظفر، ومُحَمَّد بْن عليّ بْن هبة اللَّه بْن عبد السلام، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عطاف.
ومات في رمضان.
وقد أجاز للسِّلَفيّ، وذكره ولم يترجمْه ولا عَرَفَه.(10/719)
67 - الحُسين بْن عَبْدُوس بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْدُوس، أبو عَبْد اللَّه الهَمَذانيّ التّانيّ. [المتوفى: 492 هـ]
روى عَنْ أَبِي نَصْر الكسّار، ومُحَمَّد بْن عيسى، وحمد بْن سهل، [ص:720] ومنصور بْن ربيعة، وجماعة.
قَالَ الحافظ شِيرُوَيْه: سَمِعْتُ منه، وكان صدوقًا، تُوُفّي في المحرَّم، ودفن بجنب والده.(10/719)
68 - زيد بْن الحَسَن بْن زيد بْن الحَسَن بْن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد بْن أميرك الحُسَينيّ الهَرَوِيّ الوضّاع الدّجّال. [المتوفى: 492 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: سافر إلى الشام، ومصر، والعراق، وفرّق حيَّاته وعقاربه بها، واختلق أربعين حديثًا تقشعرّ منها الْجُلُود، وكان يترك الجمعة فيما قِيلَ. وأكثر شيوخه مجاهيل.
مات في ذي القعدة بنيسابور.(10/720)
69 - سعْد بْن أحمد بْن مُحَمَّد القاضي أبو القاسم النسوي. [المتوفى: 492 هـ]
سكن دمشق وحدث عَنْ أَبِي الحَسَن بْن صخر، وعبد الواحد بْن يوسف. وعنه نَصْر اللَّه المصِّيصيّ، والخضر بْن عَبْدان، وأبو العشائر مُحَمَّد بْن خليل الكردي.
ولد سنة عشرين وأربعمائة. وقتل فيمن قتل يوم أخذت الفرنج البيت المقدس.(10/720)
70 - سعيد بْن زيد بْن أَبِي نَصْر الهَرَوِيّ. [المتوفى: 492 هـ]
عاش إلى هذه الحدود، وحدث عن علي بن أبي طالب الخوارزمي.(10/720)
71 - صاعد بْن سهل بْن بِشْر، أبو رَوْح الإسفراييني، ثمّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 492 هـ]
سمع أبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا بَكْر الخطيب وغيرهما. وحدَّثَ؛ سمع منه أبو مُحَمَّد، وأبو القاسم ابنا صابر. وتُوُفّي في الكهولة في رمضان.(10/720)
72 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرّزّاق بْن عَبْد اللَّه بن الحسين، أبو مُحَمَّد الكَلاعيّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 492 هـ]
سمع مُحَمَّد بْن عَوْف، ورشأ بْن نظيف، والعَتِيقيّ، وطبقتهم. [ص:721]
قَالَ ابن عساكر: سمع منه خالي، وكان يكره الرواية عنه لأجل خدمته بعض الجند، وحدثنا عَنْهُ أبو مُحَمَّد بْن صابر ووثَّقهُ.(10/720)
73 - عَبْد الأعلى بْن عَبْد الواحد أبو عطاء بْن أَبِي عُمَر المَلِيحيّ الهَرَوِيّ. [المتوفى: 492 هـ]
تُوُفّي في هذه السنة في رمضانها.
روى عَنْ القاضي أَبِي عمر محمد بْن الحُسين البسْطاميّ، وإسماعيل بْن إِبْرَاهِيم المقرئ السَّرْخَسيّ، مصنف كتاب درجات التّائبين، والقاضي أَبِي منصور مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الْأَزْدِيّ.
وعنه عليّ بْن حمزة المُوسَويّ، وأبو النَّضْر عَبْد الرَّحْمَن الفاميّ، وأبو صالح ذَكْوان بْن سيّار، وابن أخته مُحَمَّد بْن المفضل بْن سيّار، وعبد الرَّحْمَن بْن عَبْد الرحيم الدّارميّ، وعبد السّلام بْن مُحَمَّد المؤدّب، وأهل هَرَاة.
وعاش نحوًا من تسعين سنة، فإن مولده في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة.(10/721)
74 - عَبْد الباقي بْن يوسف بْن عليّ بْن صالح بْن عَبْد المُلْك بْن هارون، أبو تراب المراغي النريزي، [المتوفى: 492 هـ]
نزيل نَيْسابور.
ذكره السّمعانيّ فقال: الْإِمَام، عديم النظير في فنّه، بهيّ المنظر، سُلَيْم النّفس، عاملٌ بعِلْمه، حَسَن الخُلُق، نفّاع للخَلق، فقيه النّفس، قويّ الحِفْظ. تفقّه ببغداد عَلَى القاضي أَبِي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وسمع أبا القاسم بْن بِشْران، وأبا عليّ بْن شاذان، وجماعة. وبأصبهان أبا طاهر بْن عَبْد الرحيّم، وبالرَّيّ، ونيسابور. روى عَنْهُ عُمَر بْن عليّ بْن سهل الدّامغانيّ، وأبو عثمان العصائديّ، وزاهر الشّحّاميّ، وابنه عَبْد الخالق بْن زاهر، وآخرون. وقرأت بخطّ أَبِي جعفر مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ بهمذان، قَالَ: سَمِعْتُ أبا بَكْر مُحَمَّد بْن أحمد البسْطاميّ وغيره يَقُولُ: كنّا عند الْإِمَام أَبِي تراب المراغيّ حين دخل عَلَيْهِ عَبْد الصَّمد، ومعه المنشور بقضاء هَمَذَان، فقام أبو تراب، وصلى ركعتين، ثم [ص:722] أقبل علينا وقال: أنا في انتظار المنشور من اللَّه تعالى عَلَى يد عبده مَلَك الموت، وقدومي عَلَى الآخرة، أَنَا بهذا المنشور أَلْيَق من منشور القضاء؛ ثمّ قال: قعودي في هذا المسجد ساعة عَلَى فراغ القلب، أحب إليَّ من أنّ أكون ملك العراقين، ومسألة في العلم يستفيدها مني طالب علم أحب إليَّ من عمل الثَّقَلْين.
سألت إسماعيل الحافظ عَنْ أَبِي تراب المراغي، فقال: كَانَ مفتي نَيْسابور، أفتى سنين عَلَى مذهب الشّافعيّ، وكان حَسَن الهيئة، بهيًّا، عالمًا.
وقيل: وُلِد سنة إحدى وأربعمائة، وتُوُفّي في رابع عشر ذي القعدة. وقيل: عاش ثلاثًا وتسعين سنة.(10/721)
75 - عَبْد الجليل الرّازيّ [المتوفى: 492 هـ]
الزّاهد القدوة.
ممّن قتل بالقدس يوم أخذها.(10/722)
76 - عَبْد العزيز، أخو أَبِي نَصْر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عليّ الزَّيْنَبيّ. [المتوفى: 492 هـ]
حدَّثَ عَنْ أَبِي الحَسَن عليّ بْن أحمد الحمّاميّ بشيء يسير، ويُعرف بالشريف أَبِي الهيجاء.
مات في المحرَّم؛ روى عنه عمر بن ظفر المغازلي.(10/722)
77 - عبد الكريم بن علي بن أحمد بن محمد بن خُشْنام، أبو نَصْر الخُشْناميّ. [المتوفى: 492 هـ]
تُوُفّي في ذي القعدة بنَيْسابور.
سمع أبا بَكْر الحِيّريّ. وعنه عبد الله ابن الفُرَاويّ، وعُمَر بْن أحمد الصّفّار، وعبد الخالق بْن زاهر.(10/722)
78 - عليّ بْن الحَسَن بْن الحُسين بن محمد، القاضي أبو الحسن المَوْصِليّ الأصل، الْمَصْرِيّ، الفقيه الشّافعيّ المعروف بالخِلْعيّ. [المتوفى: 492 هـ]
ولد بمصر في أول سنة خمسٍ وأربعمائة، وسمع أبا مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر النحاس، وأبا العباس أحمد بْن مُحَمَّد بْن الحاجّ الإشبيليّ، وأبا الحَسَن الخصيب بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد القاضي، وأبا سعْد أحمد بْن مُحَمَّد [ص:723] المالينيّ، وأبا العبّاس بْن منير بْن أحمد الخشّاب، وأبا مُحَمَّد إسماعيل بْن رجاء الأديب، والحَسَن بْن جعفر الكِلَليّ، وأبا عَبْد اللَّه بْن نظيف الفرّاء، وجماعة.
وكان مُسْنِد ديار مصر في وقته. رَوَى عَنْهُ الحَمِيدِيُّ، وَمَاتَ قَبْلَهُ بِمُدَّةٍ، فَقَالَ في " تاريخه ": أخبرنا أبو الحسن، قال: أخبرنا ابن الحاج، قال: أخبرنا غندر، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو نواس، قال: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، مَرْفُوعًا: " لَا يَمُوتَنَّ أحدكم حتى يحسن الظن بِاللَّهِ " .. الْحَدِيثَ.
روى عَنْهُ أبو عليّ بْن سكرة، وأبو الفضل بْن طاهر المَقْدِسيّ، وأبو الفتح سلطان بْن إِبْرَاهِيم الفقيه، وسليمان بْن مُحَمَّد بن أبي دَاوُد الفارسيّ، وعليّ بْن مُحَمَّد بْن سلامة الرَّوِحاني، وعبد الكريم بْن سوار التككي، وعبد الحق بن أحمد البانياسي الكاتب، ومُحَمَّد بْن حمزة العِرْقيّ اللُّغَويّ. وبقي إلى سنة سبع وخمسين، وطائفة سواهم. وآخر من حدَّثَ عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن رفاعة السَّعْديّ خادمه.
وقال فيه ابن سُكَّرَة: فقيه لَهُ تصانيف، ولي القضاء وحكم يومًا واحدًا واستعفى، وانزوى بالقرافة، وكان مُسْنِد مصر بعد الحبّال.
وقال الفقيه أبو بكر ابن العربيّ: شيخ معتزل في القرافة، لَهُ عُلُوٌّ في الرّواية، وعنده فوائد. وقد حدَّثَ عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه الحُمَيْديّ، وكنّى عَنْهُ بالقرافيّ.
وقال غيره: كَانَ يبيع الخِلَع لملوك مصر.
قَالَ ابن الأَنْماطيّ: سَمِعْتُ أبا صادق عَبْد الحقّ بْن هبة اللَّه القضاعيّ المحدث بمصر يقول: سَمِعْتُ العالم الزّاهد أبا الحَسَن عليّ بْن إبراهيم ابن بنت أَبِي سعْد يَقُولُ: كَانَ القاضي أبو الحسن الخلعي يحكم بين الجن، وأنهم أبطؤوا عَلَيْهِ قدر جُمعة، ثمّ أتوه وقالوا: كَانَ في بيتك شيء من هذا الأُتْرُجّ، [ص:724] ونحن لا ندخل مكانًا يكون فيه.
قَالَ المحدث أبو الميمون عَبْد الوهّاب بْن وردان، فيما حكى عَنْ والده أَبِي الفضل، قَالَ: حدَّثني بعض المشايخ، عَنْ أَبِي الفضل الجوهريّ الواعظ قَالَ: كنت أتردّد إلى الخِلَعيّ، فقمت في ليلة مُقْمرة ظننت أنّ الفجر قد طلع، فلما جئت باب مسجده وجدت فَرَسًا حَسَنَة عَلَى بابه، فصعدت، فوجدت بين يديه شابًا لم أر أحسن منه، يقرأ القرآن، فجلست أسمع، إلى أن قرأ جزءًا، ثم قَالَ للشيخ: آجرك اللَّه. فقال لَهُ: نفعك اللَّه. ثمّ نزل، فنزلت خلفه من علو المسجد، فلمّا استوى عَلَى الفرس طارت بِهِ، فغشي عليَّ من الرُّعْب، والقاضي يصيح بي: اصْعَدْ يا أبا الفضل. فصعدت، فقال: هذا من مؤمني الجنّ الذين آمنوا بنصيبين، وإنّه يأتي في الأسبوع مرةً يقرأ جزءًا ويمضي.
قَالَ ابن الأَنْماطيّ: قبر الخِلَعيّ بالقرافة، يُعرف بقبر قاضي الجن والإنس، ويُعرف بإجابة الدّعاء عنده.
وسألت شجاعًا المُدْلجيّ وغيره من شيوخنا عَن الخِلَعيّ، نسبة إلى أيّ شيء؟ فما أخبرني أحد بشيء. وسألت السديد الرَّبَعِيّ، وكان عارفًا بأخبار المصريين وكان معدلاً، فقال: كان أبوه بزازا، وكانت أمراء المصريّين وأهل القصر يشترون الخِلَع من عنده، وكان يتصدق بثُلُث مَكْسَبه.
وذكر ابن رفاعة أَنَّهُ سمع من الحبّال، وأنّه أتى إلى الخِلَعيّ، فطرده مدّة. وكان بينهما شيء أظن من جهة الاعتقاد.
وقال أبو الحَسَن عليّ بْن أحمد العابد: سَمِعْتُ الشَّيْخ ابن بخيساه، قال: كنا ندخل عَلَى القاضي أَبِي الحَسَن الخِلَعيّ في مجلسه، فنجده في الشتاء والصَّيف وعليه قميص واحد ووجهه في غاية من الحسن لا يتغير من البرد ولا من الحر، فسألته عَنْ ذَلِكَ، وقلت: يا سيدنا، إنّا لنُكْثِر من الثّياب في هذه الأيّام، وما يُغْني ذَلِكَ عنّا من شدّة البرد، ونراك عَلَى حالةٍ واحدة في الشّتاء والصيف لا تزيد عَلَى قميص واحد، فبالله يا سيّدي أَخْبِرْني. فتغيرّ وجهه ودَمَعَتْ عيناه، ثمّ قَالَ: أتكتم عليَّ ما أقول؟ قلت: نعم. فقال: غشِيَتْني حمى يومًا، فنمت في تِلْكَ الليلة، فهتف بي هاتف، فناداني باسمي، فقلت: لبيك داعيَ اللَّه. فقال: لا. قل: لَبَّيْك رَبّيَ اللَّه، مَا تجد من الألم؟ فقلت: إلهي [ص:725] وسيّدي، قد أَخَذَتْ منّي الحُمّى ما قد علمت. فقال: قد أمرتها أنّ تُقْلِع عنك. فقلت: إلهي والبرد أيضًا، فقال: قد أمرت البرد أيضًا أنّ يُقْلع عنك، فلا تجد ألم البرد ولا الحَرّ. قال: فوالله ما أحس بما أنتم فيه من الحر ولا من البرد.
وقال ابن الأكفانيّ: تُوُفّي بمصر في السادس والعشرين من ذي الحجّة.(10/722)
79 - عليّ بْن الحُسين بْن علي بن أيوب أبو الحسن البغداديّ البزّاز، [المتوفى: 492 هـ]
كَانَ يسكن باب المراتب.
قَالَ السمعاني: كان من خيار البغداديين ومتميزيهم، ومن بيت الصَّوْن، والعفاف، والنزاهة، والثّقة، والدّيانة. سمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم الحرفي، وعبد الغفار بْن مُحَمَّد المؤدِّب، وغيرهم، سأله أبو محمد ابن السمرقندي عن مولده، فقال: سنة عشر وأربعمائة. روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو الفضل بْن ناصر، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ، وأبو الفتح ابن البطّيّ، وشُهْدَة. وآخر من حدث عَنْهُ أبو الفضل خطيب المَوْصِل.
تُوُفّي يوم عَرَفَة يوم الخميس، ودفن ليومه. ومولده سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: صحيح السَّماع، ثقة.
وقال ابن العربي: ثقة عدل.(10/725)
80 - علي بن الفضل بْن عَبْد الرّزّاق، القاضي أبو طاهر اليَزْديّ الأصبهاني. [المتوفى: 492 هـ]
روى عن أبي بكر بن أبي علي الذكواني، والجمال، وأبي حفص الزعفراني. روى عنه السلفي، وقال: تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وسمعته يَقُولُ: ولدت سنة سبعٍ وأربعمائة.(10/725)
81 - عليّ بْن مُحَمَّد أبو الحَسَن النَّيْسابوريّ المطرز الزّاهد العابد الفقيه. [المتوفى: 492 هـ]
ذكره عَبْد الغافر، فقال: عديم النظير في زهده، وتُوُفّي في عاشر صفر، وولد سنة سبعٍ وتسعين وثلاثمائة. ولم يذكر له رواية.(10/725)
82 - الغضنفر بْن فارس بْن حَسَن، أبو الوحش البلخي ثم الدمشقي البتلهي. [المتوفى: 492 هـ]
سمع ابن سلوان، وأبا القاسم السُّمَيْساطيّ. وعنه أبو محمد بن صابر.(10/726)
83 - فضلان بن عثمان بن محمد بن حسين بن محمد بن هُدْبَة بْن خَالِد بْن قيس بْن ثوبان، وليس هُدْبَة بهدبة بْن خَالِد بْن الأسود صاحب حمّاد بْن سَلَمَة، أبو أحمد القَيْسيّ الأصبهاني. [المتوفى: 492 هـ]
روى عن أبي بكر بن أبي علي، وعلي بن عبدكويه، وعبد الواحد الباطرقاني. وعنه السلفي، وقال: مات في ربيع الأوَّل، وكان أَبُوهُ عثمان من طلبة الحديث.(10/726)
84 - كامل بن ديسم بن مجاهد، أبو الحسن العسقلاني، الفقيه المعروف بالمقدسيّ. [المتوفى: 492 هـ]
سمع مُحَمَّد بْن الحُسين بْن التّرجُمان، وأبا نَصْر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الهارونيّ، وعليّ بْن صالح العسقلانيّ، وجماعة. روى عنه ابنه أبو الحسين، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وغيرهما.
قتلته الفرنج يوم دخولهم القدس وهو يصلي.(10/726)
85 - المبارك بن عليّ بْن الحَسَن، أبو سعْد الْبَصْرِيّ البزّاز، ويسمّى أيضًا عليًّا. [المتوفى: 492 هـ]
سمع عَبْد المُلْك بْن بشران. روى عنه عبد الوهاب الأنماطي، وغيره.(10/726)
86 - المبارك بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه، أبو الحسين ابن السَّواديّ الواسطيّ الفقيه، [المتوفى: 492 هـ]
نزيل نَيْسابور.
قَالَ السّمعانيّ: شيخ كبير فاضل، من أركان الفُقَهاء المكثِرين الحافظين للمذهب والخلاف. تفقَّه بواسط، وقدم بغداد، فتفقَّه عَلَى القاضي أَبِي الطَّيِّب. وكان قويّ المناظرة، ينقل طريقة العراقيّين. درّس بالمدرسة الشّطبيّة بنَيْسابور، وكان متجملًّا قانعًا. وقد سمع الحديث بواسط، والبصرة، وبغداد، [ص:727] ومصر. وأضرّ في آخر عمره، وسُرِقت أصوله. سمع أبا عليّ بْن شاذان، وأبا عَبْد اللَّه بْن نظيف.
روى عَنْهُ طاهر بْن مهدي الطبري بمرو، وإسماعيل الحافظ بأصبهان، وشافع بْن عليّ بنَيْسابور. وكان يُلْقي الدّرس فتوفي فجاءة في ربيع الآخر، وله سبع وثمانون سنة.
وقال السمعاني فيما انتخب لولده: هو إمام فاضل، ومفت مصلب، عديم النظير ورع، حَسَن السّيرة، متجمّل، قانع بقليل من التّجارة. حدثنا عنه عبد الخالق بن زاهر، وعمر ابن الصّفّار، وجماعة.(10/726)
87 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن عليّ، أبو بَكْر الطُّوسيّ، الصُّوفيّ المقرئ، [المتوفى: 492 هـ]
إمام صخرة بيت المقدس.
روى عَنْ عُمَر بْن أحمد الواسطي. وعنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ.
قتلته الفرنج في شَعْبان فيمن قتلوا.(10/727)
88 - محمد بن الحسن بن محمد بن حسنويه، أبو المظفر الأصبهاني الجوهري. [المتوفى: 492 هـ]
قال السلفي: حدثنا عن أحمد بْن محمد بْن جعفر بْن أَبِي الروس. سمع منه بمدينة سروج سنة ثلاث وأربعين. وكان بارعا في الأدب، خليعا غير مرضي.
توفي في ذي القعدة سنة اثنتين هذه.(10/727)
89 - محمد بن سليمان بن بوبا البغداديّ. [المتوفى: 492 هـ]
سمع عَبْد المُلْك بْن بِشْران.(10/727)
90 - مُحَمَّد بن عبد الله بن الحسين بن عبيد الله بن أبي بُرْدَة القاضي أبو طاهر الفَزَاريّ، [المتوفى: 492 هـ]
قاضي شيراز.
حدَّثَ بأصبهان عَنْ أَبِي بكر مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن اللَّيْث الصفار، وجماعة. روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وقال: تُوُفّي في صَفَر بشيراز.(10/727)
91 - مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حسين، أبو سعْد ابن المؤذِّن الشِّيرازيّ ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 492 هـ]
روى عَنْ أَبِي عليّ بْن دوما، وبشرى الفاتني. روى عنه المبارك بن المبارك ابن السّرّاج.
وتُوُفّي في رجب.(10/728)
92 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الواحد بْن جعفر، أبو غالب ابن الصّبّاغ البغداديّ. [المتوفى: 492 هـ]
سمع من أَبِي الحَسَن أَحْمَد بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد بن قفرجل، وأبي إِسْحَاق البَرْمكيّ. وتفقّه عَلَى ابن عمه القاضي أبي نصر ابن الصّبّاغ. روى عَنْهُ ابنه أبو المظفّر عَبْد الواحد، وهزارسب الهروي.
ومات في شعبان، وقد شهد عند قاضي القُضاة أَبِي عَبْد اللَّه الدامغاني وقبله.(10/728)
93 - مُحَمَّد بْن الفَرَج بْن منصور بْن إِبْرَاهِيم، أبو الغنائم الفارقيّ الفقيه. [المتوفى: 492 هـ]
قدِم بغداد مَعَ أَبِيهِ سنة نيفٍ وأربعين، فسمع من عَبْد العزيز الأَزَجيّ، وأبي إِسْحَاق البَرْمكيّ؛ وتفقّه عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق، وبرع في المذهب، وعاد إلى ديار بَكْر، ثمّ قدِم بعد حين.
وحدَّثَ ودرس، ثمّ عاد فسكن جزيرة ابن عمر؛ روى عنه أبو الفتح ابن البطّيّ، وتُوُفّي في مستهل شَعْبان سنة اثنتين وتسعين، وكان موصوفًا بالزهد والورع.(10/728)
94 - مُحَمَّد بْن محمد بن أحمد بن علي، أبو بكر الشِّبْليّ القصّار المدبّر. [المتوفى: 492 هـ]
شيخ مُسْنِد من أهل باب البصرة. سمع أبا القاسم الحرفيّ، وأبا عليّ بن شاذان، وأبا بكر البرقاني. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، والمبارك بن أحمد الكِنْديّ.
تُوُفّي في ثامن عشر صَفَر. [ص:729]
قال الأنماطي: كان رجلاً فيه خير.(10/728)
95 - مجد المُلْك أبو الفضل البلاشانيّ الوزير، واسمه أسعد بن موسى. [المتوفى: 492 هـ]
وزر للسلطان بركياروق، وكان من أولاد الكُتّاب، فيه دين وخير وقلّة ظُلْم وعدم سفْكٍ للدّماء. عاش إحدى وخمسين سنة.
تقدّم في الدّولة الملكشاهيّة، وعظُم محلُّه، وصار يعتضد بالباطنية في مقاصده، فقيل: إنّه وضع باطنيا عَلَى قتل الأمير بُرسْقُ سنة تسعين، واتهمه أولاده بذلك، ونفرت الأُمراء منه، واختلفوا عَلَى بَركيَارُوق، وصعدوا فوق تلٍّ، وهم طُغْرُلْ، وأمير آخر، وبنو بُرْسُق، وراسلوا السّلطان في أن يسلمه إليهم فمنعهم منه، ثمّ اضطرّ إلى أن يسلّمه إليهم واستوثق منهم بالأَيْمان، عَلَى أن يحبسوه لأنّه كَانَ عزيزًا عَلَيْهِ، فلمّا توثّق منهم وبعثه إليهم لم يدعه غلمانهم أن يصل إليهم حتّى قتلوه.
وكان شيعيًّا قد أعدّ كَفَنَه فيه تربة وسعْفَة، فلمّا أُحضر بين يديه تفكّر وقال: ما أصنع بهذا؟ ومن يحفظه؟ واللَّه ما أبقى إلا ملقى طريحا، فأنطقه اللَّه بما يصير وأحس قلبه، وكان لَهُ وردٌ باللّيل يقومه، ولا يتعاطى مُسْكِرًا، وصلاته دارة على العلويين.
قتلوه في ثامن عشر رمضان بطرف خراسان.(10/729)
96 - مقرّن بن عليّ بْن مقرّن بْن عَبْد العزيز، العلّامة أبو القاسم الأصبهاني الحنفيّ. [المتوفى: 492 هـ]
من أعيان المناظرين. روى عن ابن ريذة، وغيره. حدَّثَ عَنْهُ السِّلَفيّ، وقال: تُوُفّي في صَفَر سنة اثنتين.(10/729)
97 - مكّيّ بْن عَبْد السّلام بن الحسين بن القاسم أبو القاسم الرُّمَيْليّ، المقدسيّ الحافظ. [المتوفى: 492 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: أحد الجوّالين في الآفاق. وكان كثير النَّصَب والسَّهَر، والتِّعَب. تغرّب، وطلب، وجمع، وكان ثقة، متحرِّيا، ورِعًا، ضابطًا. شرع في " تاريخ بيت المقدس وفضائله " وجمع فيه شيئًا وحدَّث باليسير، لأنّه قُتِل قبل الشيخوخة. سمع بالقدس مُحَمَّد بْن يحيى بْن سلوان المازني، وأبا عثمان [ص:730] ابن ورقاء، وعبد العزيز بْن أحمد النَّصِيبيّ، وبمصر عبد الباقي بن فارس المقرئ، وعبد العزيز بْن الحَسَن الضّرّاب، وبدمشق أبا القاسم إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الحِنّائيّ، وعليّ بْن الخضر، وبعسقلان أحمد بْن الحُسين الشّمّاع، وبصور أبا بَكْر الخطيب، وعبد الرَّحْمَن بْن عليّ الكامليّ، وبأطْرابُلُس الحُسين بْن أحمد، وببغداد أبا جعفر بن المسلمة، وعبد الصمد ابن المأمون، وطبقتهما. وسمع بالبصرة، والكوفة، وواسط، وتكريت، والموصل، وآمِد، وميّافارِقين.
سمع منه: هبة اللَّه الشيرازي، وعمر الرواسي. وروى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عليّ بْن مُحَمَّد المهرجانيّ بمَرْو، وأبو سعْد عمّار بْن طاهر التاجر بهمذان، وإسماعيل ابن السمرقندي بمدينة السلام، وجمال الإسلام السلمي، وحمزة بْن كَرَوَّس، وغالب بْن أحمد بدمشق.
وُلِد يوم عاشوراء سنة اثنتين وثلاثين.
قال السمعاني: أخبرنا عمار بهمذان، قال: حدثنا مكي الرميلي ببيت المقدس، قال: حدثنا موسى بن الحسين، قال: حدَّثني رَجُل كَانَ يؤذّن في مسجد الخليل عَلَيْهِ السّلام، قَالَ: كنت أُؤَذّن الأَذَان الصّحيح، حتّى جاء أمير من المصريين، فألزمني بأنْ أؤذّن الأذان الفاسد، فأذّنت كما أمرني، ونمت تِلْكَ الليلة، فرأيت كأنّي أذَّنت كما أمرني الأمير، فرأيت عَلَى باب القبة الّتي فيها قبر الخليل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلًا شيخًا قائمًا، وهو يستمع أذاني؛ فلمّا قلت: مُحَمَّد وعليّ خير البشر، قَالَ لي: كذبت، لعنك اللَّه، فجئت إلى رَجُل آخر غريب صالح، فقلت: ما تحتشم من اللَّه تلعن رجلًا مسلمًا. فقال لي: واللَّه ما أَنَا لعنتك، إِبْرَاهِيم الخليل لعنك.
قَالَ ابن النّجّار: مكي بن عَبْد السّلام الْأَنْصَارِيّ المقدسيّ من الحفاظ، رحل وحصّل، وكان مفتيا عَلَى مذهب الشّافعيّ. سمع أبا عَبْد اللَّه بْن سلْوان.
قَالَ المؤتمن السّاجيّ: كانت الفتاوى تجيئه من مصر، والسّاحل، ودمشق.
وقال أبو البركات السَّقَطيّ: جمعت بيني وبينه رحلةُ البصرة، وواسط، وقد عرّض نفسه لتخريج " تاريخ بيت المقدس "، ولمّا أخذ الفرنج القدس، وقُبِض عَلَيْهِ أسيرًا، نُودي عَلَيْهِ في البلاد ليُفْتَدَى بألف مثقال، لمّا علموا أَنَّهُ من [ص:731] علماء المسلمين، فلم يَفْتَدِه أحدٌ، فقُتِل بظاهر أنطاكية، رحمه اللَّه.
وكان صدوقًا، متحريا، عالمًا، ثبتًا، كاد أنّ يكون حافظًا.
وقال مكّيّ: ولدت يوم عاشوراء سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة.
وقال غَيْث الأرمنازيّ: حدَّثني مُحَمَّد بْن خَلَف الرَّمْليّ، قَالَ: قُتِل مكّيّ بْن عَبْد السّلام، قتلته الفرنج بالحجارة في ثاني عشر شوال سنة اثنتين وتسعين عند البثرون، وكنت معهم إذ ذاك مأسوراً.(10/729)
98 - نجا بن علي بن رقاقيم، أبو القاسم البغداديّ الطّحّان. [المتوفى: 492 هـ]
سمع أبا عليّ بن شاذان. وعنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ.
تُوُفّي في ربيع الآخر.(10/731)
99 - نَصْر بْن أحمد بْن الفتح، أبو القاسم الهَمَذانيّ المؤدِّب. [المتوفى: 492 هـ]
قدِم دمشق وسمع أبا عَبْد اللَّه بْن سلْوان، ورشأ بْن نظيف، وجماعة.
قَالَ ابن عساكر: حدثنا عَنْهُ محفوظ بْن الحَسَن بْن صَصَرَى، وأبو القاسم بن عبدان، وعبد الرحمن الداراني.(10/731)
100 - نَصْر بْن إِبْرَاهِيم بْن نَصْر، السّلطان شمس المُلْك [المتوفى: 492 هـ]
صاحب ما وراء النّهر.
قال السمعاني: كان من أفاضل الملوك علما ورأيا وحزما وسياسة، وكان حسن الخط، كتب مصحفا، ودرس الفقه في دار الجوزجانية، وخطب على منبر سمرقند وبخارى، وتعجب الناس من فصاحته، وأملى الحديث عَن الشّريف حَمْد بْن مُحَمَّد الزُّبَيْريّ. وكتب الناس عنه، ونجر بيده بابا لمقصورة الخطابة. تُوُفّي في شهر ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين. أُنْبِئْتُ عَنْ أَبِي المظفّر بن السمعاني، قال: أخبرنا أبو المعالي مُحَمَّد بْن نَصْر المَدِينيّ الخطيب، قال: حدثنا الملك العالم شمْس المُلْك، فذكر حديثًا موضوعًا في فضل أبي بكر وعمر.(10/731)
101 - هبة الله بن محمد بن علي بن عَبْد السّميع، أبو تمام الهاشْميّ، [المتوفى: 492 هـ]
أحد الأشراف ببغداد. [ص:732]
سمع أبا الحَسَن بن مَخْلَد البزّاز. روى عنه أبو بكر الأنصاري، وأبو بكر بن الزاغوني.(10/731)
102 - يوسف بْن إِبْرَاهِيم، أبو الفتح الزّنْجانيّ الصُّوفيّ. [المتوفى: 492 هـ]
ممن قتل بالقدس.(10/732)
103 - يوسف بن عيسى بن علي، أبو الحجاج ابن الملجوم الْأَزْدِيّ الفاسيّ، [المتوفى: 492 هـ]
أحد الأعلام.
تفقّه بأبيه، وولي قضاء الجماعة لابن تاشَفين وغزا معه مرّات. وكان رأسًا في الفقه والحديث والآداب. روى عَنْهُ ابنه أبو موسى.
تُوُفّي في ذي الحجة.(10/732)
-سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة(10/733)
104 - أحمد بْن الحَسَن بْن الحُسين بْن كيلان، أبو بَكْر البغداديّ المقرئ الخبّاز. [المتوفى: 493 هـ]
سمع أبا القاسم الحرفي. روى عنه عبد الوهاب الأنماطي، وغيره. وتوفي في جُمَادَى الآخرة.(10/733)
105 - أحمد بْن سُليمان بْن خَلَف بْن سعْد بن أيّوب، الأستاذ أبو القاسم ابن القاضي أَبِي الوليد الباجيّ. [المتوفى: 493 هـ]
سكن سَرَقُسْطَة وغيرها، وروى عَنْ أَبِيهِ مُعْظَم عِلْمُه، وخلفه في حلقته بعد وفاته، وأخذ عَنْ حاتم بْن مُحَمَّد، وابن حيّان، ومحمد بن عتاب، ومعاوية بن محمد العقيلي، ويوسف بن الفرج. وغلب عليه علم الأصول والنظر.
وله تصانيف تدل على حذقه وتوسعه في المعارف. وله كتاب " العقيدة في المذاهب السديدة " ورسالة " الاستعداد للخلاص في المعاد ". وكان غاية في الورع، معدودا في الأذكياء. توفي بجدة بعد منصرفه من الحج، ودخل بغداد ولم يقم بها، وتحول منها إلى البحرين، وإلى اليمن، وأجاز للقاضي عياض.
وقال ابن بشكوال: أَخْبَرَنَا عَنْهُ غير وأحد من شيوخنا، ووصفوه بالنّباهة والجلالة، وكان من كبار المالكيّة.
وقال القاضي عِيَاض: خَلَف أَبَاهُ في الحلقة، وكان حافظًا للخلاف والمناظرة، أديبًا، ناظما، ورعا، تخلى عَنْ تَرِكَة أَبِيهِ لقبوله جوائز السّلطان، وكانت وافرة، وخرج عَنْ جميعها، حتّى احتاج بعد ذلك.(10/733)
106 - أحمد بن عبد الرحيم بن إسحاق، القاضي أبو نصر البخاري الريغدموني الجمال الواعظ. [المتوفى: 493 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأحمد بْن القاسم، وطاهر بْن حسين المطَّوِّعيّ، وأملى مدّة.
وُلِد سنة أربع عشرة. حدَّثَ عَنْهُ عثمان بْن عليّ البِيكَنْديّ، ومُحَمَّد بن [ص:734] أَبِي بَكْر السِّنْجيّ، وعُمَر بْن أَبِي بَكْر الصّابونيّ، وأبو رجاء مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الْبُخَارِيّ.(10/733)
107 - أحمد بْن عَبْد الوهّاب، أبو منصور الشِّيرازيّ الواعظ الشّافعيّ الفقيه المغسّل، [المتوفى: 493 هـ]
نزيل بغداد.
تفقّه عَلَى أَبِي إِسْحَاق، وسمع من أحمد بْن مُحَمَّد الزَّعْفرانيّ، وأبي مُحَمَّد الجوهريّ. سمع منه ابن طاهر، وعبد الله بن أحمد ابن السَّمَرْقَنْديّ.
ذكره ابن الصّلاح في " طبقات الشّافعيّة ".(10/734)
108 - أٍحمد بْن عُمَر بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن محمود بْن علّكان، الفقيه أبو بَكْر الهَمَذانيّ الشروطيّ البيّع، ويُعرف بابن المحتسب. [المتوفى: 493 هـ]
روى عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْدان، وأبي عَبْد الله التوثي، وأبي سعد بن زيرك، وحميد بن المأمون، وبندار بن الحسين الزاهد، وأبي عبد الله بن خرجة النهاوندي، وغيرهم.
قال شيرويه: إنه سمع منه، وإنّه كَانَ صدوقًا صالحاً، صابراً للمتعلّمين. تُوُفّي في رمضان.
قلت: روى عَنْهُ شهردار بْن شِيرُوَيْه كتاب " الألقاب " لأبي بَكْر الشِّيرازيّ، وقد وقع لنا.(10/734)
109 - أحمد بْن مُحَمَّد بن سميكة البغدادي. [المتوفى: 493 هـ]
أحد وكلاء الخليفة، روى عَنْ أَبِي عليّ بْن شاذان. روى عَنْهُ أبو القاسم ابن السمرقندي، وغيره.
مات فِي شوّال.(10/734)
110 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بن محمد بن يوسف بن دينار، أبو طالب الكندلاني، [المتوفى: 493 هـ]
وكندلان: من قرى إصبهان.
روى عَنْ أَبِي بكر بن أبي علي المعدل، وغلام محسن، والجمال. روى عنه السلفي، وغيره. وقيل: إنه سمّع لنفسه في شيء.
قَالَ السِّلَفيّ: سَمِعْتُهُ يقول: ولدت سنة اثنتين وأربعمائة، وحدثنا عن النقاش. [ص:735]
قال السمعاني: حدثنا عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد المَغَازليّ.(10/734)
111 - أحمد بْن مُحَمَّد، أبو القاسم الأصبهاني الباغبان، [المتوفى: 493 هـ]
والد أَبِي الخير وأبي بَكْر.
حدَّثَ عَنْ أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مَنْدَهْ، ومات كهْلًا.(10/735)
112 - إِبْرَاهِيم بْن يحيى، أبو إِسْحَاق التُّجَيْبيّ الطُّلَيْطُليّ النقاش المعروف بابن الزرقالة. [المتوفى: 493 هـ]
كان واحد عصره في علم العدد والرصد، وعلل الأزياج. لم تخرج الأندلس أحدًا مثله، مع ثقوب الذهن والبراعة في عمل الآلات النجومية، وله رصد بقرطبة.
وتوفى في ذي الحجّة.(10/735)
113 - إسماعيل بن إبراهيم بن عبد اللَّه، أبو الفَرَج البَردِيّ. [المتوفى: 493 هـ]
سمع الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن حَسْنَوَيْه. روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وقال: مات في شَعْبان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة.(10/735)
114 - بُرَيْدَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أبو سهل الأسْلَميّ المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 493 هـ]
سمع إسماعيل بْن يَنال المحبوبيّ صاحب مُحَمَّد بْن أحمد بْن محبوب ومولاه، وأبا بكر محمد بن الحسن بن عبويه.
قال السّمعانيّ: هُوَ الشَّيْخ الصّالح بُرَيْدَةُ بْن مُحَمَّد بْن بُرَيْدَةَ بْن أحمد بْن عَبَّاس بْن خَلَف بْن بُرْد بْن سرجس بْن عَبْد الله بْن بُريدة بْن الحُصَيْب، كان صالحاً جميل الأمر، بقية أهل بيته. تُوُفّي في ذي الحجة، وكان مولده في سنة ثمان وأربعمائة، روى لنا عَنْهُ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر السنجي، وجماعة.(10/735)
115 - ثابت بْن رَوْح بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أبو الفتح الرَّارَانّي الأصبهاني، [المتوفى: 493 هـ]
جدّ خليل بن أبي الرجاء بدر.
سَمِعَ أبا بَكْر بْن رِيذة، وأبا طاهر بن عَبْد الرحيم. روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن طاهر المَقْدِسيّ، وأبو عامر العبْدريّ، والسِّلَفيّ. [ص:736]
صوفي كبير.(10/735)
116 - جعفر بْن مُحَمَّد بْن الفضل، أبو طاهر الْقُرَشِيّ العَبَّادانيّ الْبَصْرِيّ. [المتوفى: 493 هـ]
حدَّثَ عَنْ أَبِي عُمَر الهاشمي بأجزاء من " مسند " علي بن إسحاق المادرائي، وبشيء من إملاء أَبِي عُمَر الهاشْميّ، وغير ذَلِكَ. روى عنه أبو غالب محمد بن الحَسَن الماوَرْدِيّ، وعلي بْن عَبْد المُلْك الواعظ، وطلحة بْن عليّ المالكيّ، وعبد اللَّه بْن عليّ الطّامَذِيّ، ومُحَمَّد بْن طاهر المَقْدِسيّ، وعبد اللَّه بْن عُمَر بْن سَلِيخ، وآخرون. وآخر من حدَّثَ عَنْهُ ابن سَلِيخ. وآخر من حدَّثَ عَنْهُ بالإجازة أبو طاهر السِّلَفيّ.
وأمّا قول أبي نصر اليونارتي إنه روى " سنن أَبِي دَاوُد " عَن الهاشْميّ، فقولٌ لا يُتَابَع عَلَيْهِ، فإنّ النّاس ازدحموا عَلَى أَبِي عليّ التُّسْتَريّ، ورحل إِلَيْهِ ابن طاهر، والمؤتَمَن السّاجيّ، وعبد الله ابن السَّمَرْقَنْديّ، ومُحَمَّد بْن مرزوق الزَّعْفرانيّ، وطائفة سواهم، وقد مات من سنة تسع وسبعين، فلو كَانَ العَبَّادانيّ يروي الكتاب إلى عامنا هذا، لرحل الناس إليه أكثر ممّا رُحِل إلى التُّسْتَريّ. وأيضًا، فلا نعلم أحدًا حدَّثَ " بالسُّنَن " عَن العَبَّادانيّ إلّا ما قاله أبو نَصْر واثبته لأهل إصبهان، ولو كَانَ هذا معروفًا بالعراق لسمعوا " السُّنَن " عَلَى ابن سليخ بالإجازة من العباداني ولسمعه أهل مصر، عَلَى السِّلَفيّ، عَن العَبَّادانيّ، مَعَ أنّ الاحتمال باقٍ.
قرأتُ عَلَى عَبْد المؤمن الحافظ: أخبركم ابن رواج، قال: أخبرنا السلفي، قال: كُتُب إلينا أبو طاهر جعفر بن مُحَمَّد من البصرة، وحدثني عنه شجاع الكناني، قال: أخبرنا أبو عمر الهاشمي، قال: حدثنا علي بن إسحاق، قال: حدثنا علي بن حرب، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عَن الأعمش، عَنْ شقيق قَالَ: كَانَ ابن مسعود يَقُولُ: إنّي لأُخْبَرُ بمكانكم، فما يمنعني أنّ أخرج إليكم إلّا كراهية أنّ أُمِلَّكُم، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يتخَولُّنا بالموعظة كراهية السّامة علينا. [ص:737]
قَالَ ابن سُكَّرَة: أبو طاهر رَجُل صالح أمي.
قلت: قال السلفي في الثامن من " مُعْجَم إصبهان ": سَمِعْتُ يحيى بْن مُحَمَّد البَحْرانيّ يَقُولُ: تُوُفّي العَبَّادانيّ في جُمَادَى الأولى سنة ثلاث. ونودي في البصرة: من أراد الصلاة عَلَى ابن العَبَّادانيّ الزّاهد فليحضُرْ، فلعلّه لم يتخلّف من أهل البلد إلّا القليل.
قَالَ السِّلَفيّ: كَانَ يروي عَن الهاشْميّ، وأبي الحَسَن النّجّاد. ومن مَرْوِيّاته كتاب " السُّنَن " لأبي دَاوُد، يرويه عَنْ أَبِي عُمَر الهاشْميّ. كذا قَالَ السلفي.(10/736)
117 - الحسن بن تميم، أبو علي المصري. [المتوفى: 493 هـ]
سمع كتاب " الشّهاب " من القُضاعيّ. وسمع ببغداد من ابن النَّقُّور، وبالبصرة من أَبِي عليّ التُّسْتَريّ. روى عَنْهُ عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد المَدِينيّ في " مشيخته ". وسمع منه السِّلَفيّ بأصبهان بعض " الشهاب ".
تُوُفّي في رجب.(10/737)
118 - الحُسين بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن طلحة، أبو عَبْد اللَّه النِّعَاليّ. [المتوفى: 493 هـ]
شيخ مَعْمَر من كبار المُسْنَدين ببغداد.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ صالحًا، إلّا أَنَّهُ ما كَانَ يعرف شيئاً، وكان حمامياً.
قلت: ولهذا كان يقال لَهُ الحافظ، لأنّه كَانَ قعّادًا لحِفْظ ثياب النّاس في الحمّام.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: صحيح السَّماع، خالٍ من العِلْم والفَهْم. سَمِعْتُ منه.
وبخطّ أَبِي عامر العَبْدَريّ، قَالَ: الحُسين بن طلحة عامّيّ، أُمّيّ، رافضيّ، لا يحلّ أن يحمل عنه حرف. وبخطّه أيضًا: كَانَ أُمّيًّا، لا يدري ما يُقرأ عَلَيْهِ، لم يكن أهلًا أنّ يؤُخْذ عَنْهُ.
وكذا نعته بعضُ شيوخ السّمعانيّ بعدم الفهم، وقال: لا أروي عَنْهُ.
سمعه جَدّه من أَبِي عُمَر بْن مَهْديّ، وأبي سعْد الماليني، وأبي الحسن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الحِنّائيّ، وأبي سهل العُكْبَريّ، وأبي القاسم بْن المنذر القاضي. وهو آخر من حدث عنهم. [ص:738]
قال السمعاني: حدثنا عَنْهُ جماعة ببلاد، وسألت إسماعيل الحافظ بأصبهان عَنْهُ، فقال: هُوَ من أولاد المحدثين، سمع الكثير. وسألت أبا الفَرَج إِبْرَاهِيم بْن سليمان عنه، فقال: سمعت منه، ولا أروي عَنْهُ، كَانَ لا يُعرف ما يُقرأ عَلَيْهِ. وسمعت عَبْد الوهّاب الأَنْماطي يَقُولُ: دلَّنا عَلَيْهِ أبو الغنائم بْن أَبِي عثمان، فمضينا إِلَيْهِ، فقرأت عَلَيْهِ الجزء الّذي فيه اسمه وسألناه: هَلْ عندك من الأُصوُل شيء؟ فقال: كَانَ عندي شَدَّة بعتها ابن الطُيُوريّ، ما أدري إيش فيها، فمضينا إلى ابن الطُّيُوريّ، فأخرج لنا شدة فيها سماعاته من المالينيّ وغيره، فقرأناها عَلَيْهِ.
قلت: روى عَنْهُ خلق كثير منهم: أبو الفتح ابن البطّيّ، ويحيى بْن ثابت بْن بُنْدار، وهبة اللَّه بْن الحَسَن الدّقّاق، والقاضي أبو المعالي حَسَن بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن جعفر الكَرْخيّ، والقاضي أبو مُحَمَّد عَبْد الواحد بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن حمزة الثَّقْفي، وأبو القاسم هبة اللَّه بْن الفضل القطّان، ومسعود بْن عَبْد الواحد بْن الحصين، وأبو البركات سعْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن حمدي البزاز، وأبو المعمر خزيفة بن الهاطر، والمبارك بن هبة الله ابن العقاد، وأبو المظفّر مُحَمَّد بْن أحمد بْن محمد عبد الوهاب ابن الدّبّاس، والمبارك بْن المبارك السِّمْسار، وعبد اللَّه بن منصور الموصلي، ومحمد بن إسحاق ابن الصابئ، ومحمد بن علي بن محمد ابن العلّاف، وصالح بْن الرِّخْلَة، وأبو عليّ أحمد بن محمد ابن الرَّحْبيّ، وتركناز بنت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد ابن الدامغاني، وكمال بنت عبد الله ابن السمرقندي، وشهدة الكاتبة، ونفيسة البزازة، وتجني الوهبانية، وأحمد بْن المقرّب.
ومات في صفر.(10/737)
119 - حمزة بْن مكّيّ، أبو طاهر الخبّاز. [المتوفى: 493 هـ]
بغداديّ يروي عن عبد الملك بن بشران. وعنه عُمَر بْن ظَفَر المَغَازليّ.
تُوُفّي في رجب.(10/738)
120 - خلف بن محمد بن خلف، أبو الحزم العَبْدَريّ السَّرَقُسطيّ. [المتوفى: 493 هـ]
أجاز لَهُ جَدّه أبو الحزْم خَلَف بْن أحمد بْن هاشم قاضي وشقة. وسمع من خاله موسى بْن خَلَف، وولي الأحكام، وكان فقيهاً صالحاً. [ص:739]
مات في ذي الحجة عَنْ نيف وثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة.
توفي جده سنة إحدى وعشرين.(10/738)
121 - سعْد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد المُلْك، أبو منصور البغداديّ النَّحْويّ. [المتوفى: 493 هـ]
سمع الكثير، ونسخ، وحدَّثَ عَنْ أَبِي طَالِب بْن غَيْلان، والجوهري. روى عَنْهُ هبة اللَّه السَّقَطيّ، ومات في ربيع الأوَّل، وكان صحيح النَّقْل.(10/739)
122 - سلمان بْن أَبِي طَالِب عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الفتى، أبو عَبْد اللَّه النَّهْروانيّ النَّحْويّ. [المتوفى: 493 هـ]
من كبار أئمّة العربيّة. صنَّف كُتُبًا في اللُّغة من ذَلِكَ كتاب " القانون " في عشرة أسفار في اللّغة، قليل المثل، وصنَّف كتابًا في تفسير القرآن، وشرح " الإيضاح " لأبي عليّ الفارسيّ، وصنَّف في عِلَل القراءات.
ونزل إصبهان، وتخرّج بِهِ أهلها. قرأ الأدب عَلَى أَبِي الخطّاب الجيليّ، والثمانيني، وقدم بغداد بعد الثلاثين وأربعمائة، وله شعر جيد، وسمع أبا طَالِب بْن غَيْلان، وأبا الطَّيِّب الطَّبَريّ. روى عَنْهُ أبو زكريّا بْن مَنْدَهْ، وأبو القاسم إسماعيل الطّلْحيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
وهو والد مدرّس النّظاميّة أبي علي الحسن بْن سلمان.
قَالَ السِّلَفيّ: هُوَ إمامٌ في اللغة، أخذ عن ابن برهان، وطائفة.(10/739)
123 - صالح ابن الحافظ أبي صالح أحمد بن عبد الملك النَّيْسابوريّ المؤذِّن، أبو الفضل. [المتوفى: 493 هـ]
تُوُفّي في شَعْبان، روى اليسير، ومات في الكهولة.(10/739)
124 - طاهر بْن الحُسين بْن عليّ بْن عَبْد المطلب بْن حَمْد، أبو المظفّر النَّسَفيّ. [المتوفى: 493 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ من العلماء الزُّهاد. سمع الحُسين بْن عَبْد الواحد الشِّيرازيّ الحافظ، وميمون بْن علي النسفي الميموني. أدركت واحدا من أصحابه، وهو الحسين بن محمد بن محمد النسفي الأديب. ولد سنة ثلاث [ص:740] عشرة وأربعمائة، ومات في رابع رمضان عن ثمانين سنة.(10/739)
125 - عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن صابر بْن عُمَر، أبو القاسم السُّلَميّ الدمشقي أخو عَبْد الرحمن، ويُعرف بابن سيده. [المتوفى: 493 هـ]
محدِّث مشهور، كُتُب الكثير، وسمع واستنسخ، وروى عَنْ الحافظ عَبْد العزيز الكتّانيّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن أَبِي الحديد، وأبي القاسم بْن أَبِي العلاء. روى عَنْهُ أبو القاسم بْن مقاتل.
وعاش إحدى وأربعين سنة.(10/740)
126 - عَبْد اللَّه بْن جابر بن ياسين بن الحسن، أبو مُحَمَّد العسْكريّ الحِنّائيّ، الفقيه الحنبليّ. [المتوفى: 493 هـ]
تفقّه عَلَى القاضي أَبِي يَعْلَى، وكان خال أولاده، وسمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم بن بشران. روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وابن أخته أبو الحُسين بْن أَبِي يَعْلَى، وعُمَر بْن ظفر، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ صدوقًا، مليح المحاضرة، حَسَن الخط، بهي المنظر، وكان يستملي للقاضي أَبِي يَعْلَى بجامع المنصور.
وقال السِّلَفيّ: كَانَ من مشاهير المحدثين وثقاتهم.
وقال أبو الحُسين: تُوُفّي خالي في العشرين من شوّال، وكان مولده سنة تسع عشرة.(10/740)
127 - عَبْد الله بن الحسن بْن أَبِي منصور، الحافظ أبو مُحَمَّد الطَّبَسيّ. [المتوفى: 493 هـ]
يوصف بالفهم والحفظ. سمع ابن النَّقُّور، وعبد الوهاب بن منده، وكان مشتغلًا بإخراج الصّحيح والموافقات.
مات بخُراسان.(10/740)
128 - عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن أحمد بْن العربيّ، أبو مُحَمَّد المعافري الإشبيلي. [المتوفى: 493 هـ][ص:741]
قَالَ ابن بَشْكُوال: هُوَ والد شيخنا القاضي أَبِي بَكْر بْن العربيّ. سمع ببلده من مُحَمَّد بْن أحمد بْن منظور، ومن أَبِي مُحَمَّد بْن خزرج. وبقرطبة من مُحَمَّد بْن عتّاب. وأجاز لَهُ أبو عُمَر بْن عَبْد البر. ورحل مَعَ ابنه سنة خمسٍ وثمانين وأربعمائة، وحج، وسمعا بالشّام والعراق. وكان أبو مُحَمَّد من أهل الآداب الواسعة، واللّغة، والبراعة، والذكاء، والتقدم في معرفة الخبر والشعر والافتنان بالعلوم وجمعها. تُوُفّي بمصر في المحرَّم منصرفًا عَن المشرق، وكان مولده في سنة خمسٍ وثلاثين وأربعمائة.
وقال ابن عساكر في ترجمته: أنبأني أبو بَكْر مُحَمَّد بْن طَرْخان، قَالَ: قَالَ لي أبو محمد ابن العربيّ: صَحِبْتُ الْإِمَام أبا مُحَمَّد بْن حَزْم سبعَةَ أعوام، وسمعتُ منه جُمَيْع مُصَنَّفاته سوى المجلَّد الأخير من كتاب " القصد "، وسوى أكثر كتاب " الإيصال ".
قلت: مدح الوزير عميد الدّولة ابن جَهِير بعدّة قصائد.(10/740)
129 - عَبْد الجليل بْن مُحَمَّد بْن الحُسين، أبو سعْد السّاوي التّاجر. [المتوفى: 493 هـ]
كَانَ يتاجر إلى مصر وإلى الشام، ويسمع ويكتب. وشهد عند قاضي القضاة الدّامغانيّ في سنة خمس وستين وأربعمائة. ثمّ ارتفع شأنه، ورتب في أعمال جليلة.
سمع بمصر القاضي أبا عَبْد اللَّه القُضاعيّ، وعبد العزيز بْن الحَسَن الضّرّاب، وبآمِد أحمد بْن عَبْد الباقي بْن طوق المَوْصِليّ، وبتنيس رمضان بْن عليّ، وبدمياط عَبْد اللَّه بْن عبد الوهاب، وبدمشق أبا القاسم الحُسين بْن مُحَمَّد الحِنّائيّ وعبد الصَّمد بْن تميم، وبالبصرة أبا عليّ التُّسْتَريّ، وببغداد أبا الحسين ابن المهتدي بالله، وخلقًا سواهم.
روى عَنْهُ عَبْد الوهاب الأنماطي، ومحمد ابن البطّيّ، وشُهْدَة، وغيرهم.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: مات في رجب.(10/741)
130 - عبد الصمد بن علي بن الحسين بن البدن، أبو القاسم الصّفّار البغداديّ، [المتوفى: 493 هـ]
والد الشَّيْخ عَبْد الخالق.
سمع أبا طَالِب بْن غَيْلان. روى عَنْهُ ابنه، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ.
كَانَ سُنِّيًّا قويّ النَّفس، يَضرب ويُعاقب بمحلّته.(10/742)
131 - عَبْد العزيز بْن عُمَر بْن أحمد الزَّعْفرانيّ الأصبهاني. [المتوفى: 493 هـ]
روى عن أبي بكر بن علي إذنا، روى عَنْهُ السِّلَفيّ.
تُوُفّي في صَفَر.(10/742)
132 - عَبْد الغفّار بْن طاهر بْن أحمد بْن جعفر بْن دولين البزاز، أبو أحمد. [المتوفى: 493 هـ]
تُوُفّي في أواخر رمضان. روى عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الأَرْدَسْتانيّ " صحيح الْبُخَارِيّ "، وروى عَنْ أَبِي مسعود البَجَليّ.
قَالَ شِيرُوَيْه: سَمِعْتُ منه ولم يكن التّحديث من شأنه.(10/742)
133 - عبد الغفار بن الغريب بن علي بن الغريب، أبو الفرج القرميسيني الفقيه الشروطي، [المتوفى: 493 هـ]
نزيل همذان.
روى أحاديث يسيرة.(10/742)
134 - عَبْد القاهر بْن عَبْد السّلام بْن عليّ، أبو الفضل العباسي الشريف النقيب المكي المقرئ، [المتوفى: 493 هـ]
تلميذ أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الحُسين الكارزيني.
قال السمعاني: كان نقيب الهاشميين بمكة، وكان من سراة النّاس، استوطن بغداد، وتصدّر للإقراء، وصار قدوة، وكان قيماً بالقراءات، أخذها عَن الكارَزِينيّ. وسمع من أَبِي الحَسَن بْن صخر، وسعد الزّنْجانيّ. قرأ عَلَيْهِ بالرّوايات أبو محمد سبط الخياط، وصنف كتاب " المبهج " في رواياته عَنْهُ. وقرأ عَلَيْهِ أيضًا أبو الكرم الشَّهْرَزُوريّ، ودعوان بْن عليّ. وقرأت بخطّ أَبِي الفضل مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عطّاف، قَالَ: رحمة اللَّه عَلَى هذا الشريف، فلقد كَانَ عَلَى أحسن طريقةٍ سلكها الأشراف من دين مكين وعقل رزين، قدِم من مكّة وأقام بالمدرسة النظامية، فأقرأ بها القرآن عَنْ جماعة، وحدَّث. جميل الأمر. [ص:743]
وقال غيره: تُوُفّي في يوم الجمعة من جُمَادَى الآخرة، وقال: وُلِدت سنة خمس وعشرين.(10/742)
135 - عبد الكريم بن المؤمل بن الحسن بْن عليّ، أبو الفضل السُّلَميّ الكفرطابيّ، ثمّ الدمشقي البزاز. [المتوفى: 493 هـ]
سمع جزءًا من عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي نَصْر التَّميميّ. روى عَنْهُ أبو مُحَمَّد بْن صابر، وطاهر الخشوعي، وعُمَر الدهستاني، وأبو المكارم عبد الواحد بن هلال.
ووثَّقهُ ابن صابر وقال: سألته عَنْ مولده، فقال: سنة عشر وأربعمائة. وتُوُفّي في المحرَّم.
ووقع لنا ذَلِكَ الجزء.(10/743)
136 - عَبْد الهادي بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد، أبو عَرُوبَة [المتوفى: 493 هـ]
ابن شيخ الإسلام الْأَنْصَارِيّ الهَرَوِيّ.(10/743)
137 - عليّ بْن سَعِيد بْن محرز، العلّامة أبو الحَسَن العَبْدَريّ الميورقي، [المتوفى: 493 هـ]
نزيل بغداد.
من كبار الشافعية، سمع من القاضيين أَبِي الطَّيِّب، والماورديّ، وأبي مُحَمَّد الجوهريّ. وتفقّه بالشيخ أَبِي إِسْحَاق. وصنَّف في المذهب والخلاف كتبًا.
وكان ديِّنًا حسن الطريقة؛ روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وسعد الخير، وعبد الخالق بْن يوسف.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة سنة ثلاثٍ؛ ذكره ابن النجار.(10/743)
138 - عليّ بْن المبارك بْن عُبَيْد اللَّه، أبو القاسم الوقاياتي. [المتوفى: 493 هـ]
مات ببغداد في شَعْبان. روى عَنْ أَبِي القاسم بْن بِشْران.
وكان صالحًا خيرا ضريراً يقرأ بترب الرصافة.(10/743)
139 - علي بن محمد بن حسين، أبو الحسن البخاري، ويعرف بابن خذام. [المتوفى: 493 هـ][ص:744]
روى عَنْ أَبِي الفضل منصور الكاغدي.
وقيّده أبو العلاء الفَرَضِيّ بالكسر وبدال مهملة، وقال: روى عَنْ منصور، وعن جَدّه لأمّه الحُسين بْن الخضر النَّسَفيّ، وأبي نَصْر أحمد بْن مُحَمَّد بْن مُسْلِم. وعنه صاعد بْن مُسْلِم، وأبو جعفر الخُلْميّ، وأبو المعالي بْن أَبِي اليُسْر المَرْوَزِيّ، وعُمَر بْن مُحَمَّد النَّسَفيّ الحافظ.
سمع أبو سعْد السّمعانيّ وابنه من خلْق من أصحابه.(10/743)
140 - كامكار بْن عَبْد الرّزّاق بْن محتاج، أبو مُحَمَّد المحتاجي المَرْوَزِيّ الأديب. [المتوفى: 493 هـ]
كُتُب الكثير، وعلَّم العربية، وتخرَّج بِهِ جماعة، ورحل في الحديث؛ سمع أحمد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الصَّدَفيّ، وأردشير بن محمد الهشامي، وطائفة. وعنه مُحَمَّد بْن مُحَمَّد السِّنْجيّ، والنعمان بْن مُحَمَّد، وتميم بْن مُحَمَّد، وعتيق بْن عليّ، وعبد الكريم بْن بدر المراوزة شيوخ عبد الرحيم ابن السمعاني.
ولد بعد عشر وأربعمائة، ومات في عاشر رمضان سنة ثلاث وتسعين.(10/744)
141 - لامعة بنت سَعِيد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن سَعِيد بْن مَعْدان البقال الأصبهانية. [المتوفى: 493 هـ]
سَمِعْتُ من أَبِي سَعِيد بْن حَسْنَوَيْه الكاتب. وروت كثيرًا بالإجازة من أَبِي بَكْر الحِيّريّ، وعليّ بْن ميلة، وأبي القاسم بْن بِشْران. أخذ عَنْهَا أبو بَكْر الصقلي السمنطاري في سنة تسعٍ وعشرين وأربعمائة وهي شابة. وأكثر عَنْهَا أبو طاهر السِّلَفيّ، وقال: مات أبو بَكْر بصقلية في سنة أربع وستين وأربعمائة قبلها بنحو ثلاثين سنة.
قلت: وقع لنا من حديثها.(10/744)
142 - المحسن بن علي، أبو نَصْر الفرقدي الأصبهاني. [المتوفى: 493 هـ]
وُلِد سنة عشر وأربعمائة، وسمع في كِبَرِه من هارون بْن مُحَمَّد الكاتب صاحب الطبراني. حدَّثَ عَنْهُ السِّلَفيّ، وترجمه هكذا فيها.(10/744)
143 - محمد بن أحمد بن الحسين ابن الدواتي: أبو طاهر الدّبّاس. [المتوفى: 493 هـ]
شيخ بغداديّ، حدَّثَ عَنْ أَبِي القاسم بْن بِشْران. روى عَنْهُ ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهاب الأنماطي. ومات في شعبان.(10/745)
144 - محمد بن إبراهيم بن الحسن، الزاهد أبو بكر الرازي الفقيه الحنفي الرجل الصالح. [المتوفى: 493 هـ]
قال ولد الزكي عبد العظيم: هو الشيخ الصالح، صاحب الكرامات الظّاهرة، والدّعوات المُجابة السّائرة. سكن الإسكندريّة، وحدث عن أبي إسحاق الحبال الحافظ، وتوفي بالإسكندرية سنة ثلاثٍ وتسعين.(10/745)
145 - مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أبرويْه الأسكوراني؛ [المتوفى: 493 هـ]
وأسكوران من ضياع إصبهان.
قَالَ السِّلَفيّ: توفي في جمادى الأولى، وأخبرنا، قال: أخبرنا جدي منصور بن محمد بن بهرام، قال: أخبرنا أبو الشيخ، فذكر أحاديث.(10/745)
146 - محمد بن الحسن بن محمد بن بشر بن محمد المغفلي المزني الهروي. [المتوفى: 493 هـ]
يروي عن الحافظ إسحاق القراب. وعنه أبو النضر الفامي.(10/745)
147 - محمد بن الحسين بن هريسة، أبو منصور. [المتوفى: 493 هـ]
بغداديّ من قدماء شيوخ شُهْدَة. يروي عَنْ البَرْقانيّ. وروى عَنْه عُمَر بْن ظفر المَغَازليّ، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ.(10/745)
148 - مُحَمَّد بْن سابق، أبو بَكْر الصقلي. [المتوفى: 493 هـ]
روى عَنْ كريمة المَرْوَزِيّة بغرناطة. وكان خبيرًا بعلم الكلام. روى عنه أبو بكر بن عطية، وعليّ بْن أحمد المقرئ.
مات بمصر في ربيع الأول.(10/745)
149 - مُحَمَّد بْن مأمون بْن عليّ، أبو بَكْر الأبيوردي المتولي. [المتوفى: 493 هـ]
كان يتولى أمور مدرسة البَيْهقيّ، وكان في أسلافه من يتولى الأوقاف. [ص:746]
سمع بنَيْسابور أبا بَكْر الحِيّريّ. روى عَنْهُ زاهر الشّحّاميّ، وابنه، وخيّاط الصّوف، وغيرهم.
وقيل: سنة أربع.(10/745)
150 - محمد بن محمد بن الحسين ابن المحدِّث عبد الكريم بن موسى بن عيسى بْن مجاهد، العلّامة أبو اليسر البزدوي النَّسَفيّ، [المتوفى: 493 هـ]
شيخ الحنفيّة بما وراء النهر.
قَالَ عمر بن محمد النسفي في كتاب " القند ": كَانَ إمام الأئمّة عَلَى الإطلاق، والموفود إِلَيْهِ من الآفاق، ملأ الشرق والغرب بتصانيفه في الأُصُول والفُروع. وكان قاضي قضاة سَمَرْقَنْد. وكان يدرس في الدّار الجوزجانيّة ويُمْلي فيها الحديث. تُوُفّي ببخارى في تاسع رجب.
قَالَ السّمعانيّ: عرف بالقاضي الصدر، وُلِد سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. حدثنا عَنْهُ عثمان بْن عليّ البِيكَنْديّ، وأحمد بْن نَصْر الْبُخَارِيّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر السِّنْجيّ، وعُمَر بْن أَبِي بَكْر الصّابونيّ، وأبو رجاء محمد بن محمد الخرقي.(10/746)
151 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد، أبو طالب ابن الصباغ الأزجي، [المتوفى: 493 هـ]
أخو الإمام أبي نصر مصنف " الشامل ".
سمع القاسم بن بشران. روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي.(10/746)
152 - محمد بْن محمد بْن محمد بْن جَهير، الوزير عميد الدّولة أبو منصور ابن الوزير فخر الدّولة. [المتوفى: 493 هـ]
وَزَرَ في أيّام والده، وخدم ثلاثة خُلفاء، ولمّا احتضر القائم بأمر اللَّه أوصى بِهِ ولد ولده المقتدي باللَّه. وولي الوزارة للمقتدي سنة اثنتين وسبعين، فبقي فيها خمس سنين، ثم عزل بالوزير أَبِي شُجاع، ثمّ عاد إلى الوزارة عند عزْل أَبِي شجاع سنة أربعٍ وثمانين، فبقي في الوزارة تسعة أعوام.
وكان خبيراً، كافيا، مدبّرًا، شجاعًا، نبيلًا، رئيسًا، تياهًا مُعْجَبًا، فصيحًا، مفوّها، مترسلًا، يتقعّر في كلامه، وله هَيْبة وسكون، وكلماته [ص:747] معدودة، وفضائله كثيرة، وللشعراء فيه مدائح جمة، وآخر أمره أنّ الخليفة حبسه في داره بعد أنّ صادره وزير السّلطان بركياروق، وأخذ منه خمسة وعشرين ألف دينار في رمضان، ثم أخرج من دار الخلافة ميتا في سادس عشر شوال، وحمل إلى بيته، وغسل ودفن بتربة له، فقيل: إنه أهلك في حمام أغلق عليه. وقيل: بل أهلك بأمراض وأوجاع مع شدة الخوف والفرق.
وكان قد اشتهر بالوفاء والعفة، وجودة الرأي، ووفور الهيبة، وكمال الرياسة، لم يكن يعاب بأشد من التكبر الزائد، فمن الذي كان يفرح بأن ينظر إِلَيْهِ نظرة أو يكلّمه كلمة. قال مرة لولد الشيخ أبي نصر ابن الصّبّاغ: " اشتغِلْ وتأدَّب، وإلّا كنت صبّاغًا، بغير أب "، فلمّا خرج من عنده هنَّأه من حضر بأن الوزير خاطبه بهذا.
ولمّا تغيّر المستظهر عَلَيْهِ بسعْي صاحب الدّيوان هبة اللَّه بْن المطَّلِب، وناظر الخزانة الحَسَن بْن عَبْد الواحد بْن الحصين، وصاحب ديوان الإنشاء ابن الموصلايا إلى المستظهر - وكانوا قد خافوا منه - فخرج المرسوم بحِفْظ باب العامة لأجله، فأمر زوجته بالخروج إلى الحِلّة، وهيّأ لنفسه صُنْدُوقًا يدخل فيه، ويكون من جملة صناديق زوجته، فلمّا قعد فيه أسرع الخروج منه وقال: لا يتحدّث النّاس عنّي بمثل هذا. وكان خواصّ الخليفة أيضًا قد ملّوه وسئموه، فأُخِذ وحُبِس.
قَالَ ابن الحُصَيْن المذكور: وجدتُ عميد الدّولة قد استحال في محبسه، واشتدّ إشفاقه، جعل يخاطبني ويقول: يا روحي ويا قُرّة عيني، وأنشدني في عرض حديثه:
إذا أراد الله خيرا بامرئ ... وكان ذا رأي وعقل وبصر
أغراه بالجهل وأعمى قلبه ... وسله من رأيه سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكمه ... رد إليه عقله ليعتبر
ثمّ قَالَ: نازلت الحصون وشهدت الوقائع والحروب فاستهنت خطبها، وقد قنطت من النجاة، وما أعرفها إلا منك، وأريد المقام في مكان آمن فيه بسفارتك، فقد غرقت بالمصيبة، فوعدته بأنّني أستعطف الخليفة، وخرجت وجلست أكتب ما أُرَقّق بِهِ قلب الخليفة عَلَيْهِ، فدخل عليَّ أبو نصر ابن [ص:748] الموصلايا، فجذب الورقة منّي، وقال: لَئن خرج، فما يبعد هلاكنا بتوصُّلِه، لأنّه يعلم أنّ القبض عَلَيْهِ كَانَ من جانبك، فترك ابن الحُصَيْن الكتابة. وقال ابن الحُصَيْن: آخر ما سُمع منه التَّشهُّدُ والرجوع إلى اللَّه.
وكان المستظهر باللَّه قد أقطع عميد الدّولة إقطاعًا بثلاثين ألف دينار، فعمَّره، فقال الّذين تكلّموا فيه للخليفة: إنّه قد أخرب نواحيك وعمَّر نواحيه، وأنه وأنه .. فقبض عَلَيْهِ.
وكان مولده في أوّل سنة خمسٍ وثلاثين، وقدِم بغدادَ مَعَ أَبِيهِ وله عشرون سنة، فسمع الحديث في الكهولة من أَبِي نصر الزينبي، وعاصم بْن الحَسَن، وأبي إِسْحَاق الشِّيرازيّ، وأبي القاسم ابن البسري.
سمع منه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر الْبُخَارِيّ المعروف بِكَاك، وقاضي القُضاة أبو القاسم عليّ بْن الحُسين الزَّيْنَبيّ وغيرهم. وقد شكى إِلَيْهِ الحرّاس تأخر أرزاقهم، فكتب على رقعتهم: من باع طيب يومه بقُوت يومه فسَبيله أنّ يُوَفَّى، وهؤلاء قوم ضُعفاء.
وقال قاضي القُضاة أبو الحَسَن عليّ ابن الدّامغانيّ: كنّا بحضرة عميد الدّولة، فسقط من السَّقْف حيَّة عظيمة، واضطّربت بين يديه، فبعدنا، واستحالت ألوانُنا سواه، فإنه جلس موضعه حتّى قتلها الفرّاشون.
ومن شِعر عميد الدولة:
إلى مَتَى أنت في حِلٍّ وتَرْحال ... تبغي العُلَى والمعالي مهرها غال
يا طالبَ المجدِ، دونَ المجدِ مَلْحَمةٌ ... في طيها خطر بالنفس والمال
ولليالي صروف قل ما انجذبت ... إلى مراد امرئ يسعى لآمال(10/746)
153 - مُحَمَّد بْن المسلّم بْن الحَسَن بْن هلال، أبو طاهر الْأَزْدِيّ الدّمشقيّ المعدّل. [المتوفى: 493 هـ]
سمع من جَدّه لأمّه أَبِي القاسم بْن أَبِي العلاء المصِّيصيّ وغيره، ومات كَهْلًا. روى عَنْهُ عَبْد الرحمن بن أبي الحسن الداراني.(10/748)
154 - المختار بن سعيد، أبو غالب الكاتب. [المتوفى: 493 هـ]
سمع الجوهريّ، ومُحَمَّد بْن أحمد ابن النرسي، وطائفة. روى عنه أبو البركات ابن السقطي، وخرّج لَهُ أبو عامر العَبْدَريّ جزءًا.
تُوُفّي في ربيع الآخر عَنْ تسعٍ وسبعين سنة، وإنّما سمع وهو في عَشْر الأربعين.(10/749)
155 - المظفّر بْن عَبْد الغفّار، أبو الفتح البُرُوجِرْديّ. [المتوفى: 493 هـ]
قرأ بالروايات على أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن علي الخياط، وأبي علي ابن البناء، وتفقّه عَلَى الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق. قرأ عَلَيْهِ جماعة.
قَالَ ابن ناصر: قرأت عَلَيْهِ القرآن، وأثنى عَلَيْهِ.
وسمع من الجوهريّ، سمع منه الحسين بن خسرو البلخي.
مات في ثامن ذي القعدة ببغداد.(10/749)
156 - هبة اللَّه بْن الحَسَن بْن أَبِي الغنائم، أبو محمد البزاز. [المتوفى: 493 هـ]
شيخ صالح، بغداديّ، روى عَنْ أَبِي طَالِب بْن غَيْلان أحاديث.(10/749)
157 - هبة اللَّه بْن عليّ، أبو تراب ابن الشريحي البغدادي البزاز. [المتوفى: 493 هـ]
سمع ابن دُوما النِّعَاليّ، روى عَنْهُ أبو الحَسَن بْن حرّاز الخيّاط، والحافظ سَعْد الخَيْر.(10/749)
158 - يحيى بْن عيسى بْن جَزْلَة، أبو عليّ البغدادي الطبيب، [المتوفى: 493 هـ]
مصنِّف " المنهاج " في الأدوية والعقاقير.
كَانَ نصرانيًّا فأسلم، وصنَّف رسالة في الرّدّ عَلَى النّصارى وبيان عوار مذهبهم، وكان يقرأ الكلام عَلَى أَبِي عليّ بْن الوليد المعتزلّي، فكان يورد عليه الحجج والدّلائل حتّى أسلم، وبرع أيضًا في الطّبّ، وصنَّف كُتُبًا للإمام المقتدي باللَّه، فمن ذَلِكَ: " تقويم الأبدان " وكتاب " الإشارة "، وأشياء.
تُوُفّي في شَعْبان، وكان إسلامه في سنة ستٍّ وستين وأربعمائة.
ذكره ابن خَلِّكان، وابن النّجّار.(10/749)
-سنة أربع وتسعين وأربعمائة(10/750)
159 - أحمد بْن عليّ بْن الفضل بْن طاهر بْن الفُرات، أبو الفضل الدّمشقيّ. [المتوفى: 494 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا مُحَمَّد بْن أَبِي نَصْر، ومنصور بْن رامش، وأحمد بْن مُحَمَّد العَتِيقّي، ورشأ بْن نظيف، وأبا عَبْد اللَّه بْن سَعْدان.
قَالَ ابن عساكر: حدثنا عَنْهُ هبة اللَّه بْن طاوس، ونصر بْن أحمد السُّوسيّ، والحسين بْن أُشْليها، وابنه عليّ بْن الحُسين، وأحمد بْن سلامة.
قَالَ: وكان من أهل الأدب والفضل، إلّا أَنَّهُ كَانَ مُتَّهمًا برقة الدّين، رافضيًّا. وهو واقف الكُتُب الّتي في الجامع، في حلقة شيخنا أَبِي الحسن ابن الشَّهْرَزُوريّ.
قَالَ ابن صابر: سألته عَنْ مولده فقال: بدمشق في ذي الحجة سنة إحدى عشرة وأربعمائة. قَالَ: وهو رافضيّ، سألته عَنْ نَسَبه، فانتمى إلى الوزير ابن الفُرات، وتُوُفّي في صَفَر، وله شِعرٌ جيّد، وقد هجاه جعفر بْن دَوّاس.
قلت: آخر من روى عَنْهُ عَبْد الرحمن الداراني شيخ كريمة، وهو راوي " مسند ابن عمر " لأبي أمية.(10/750)
160 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن عليّ، أبو ياسر الحربيّ. [المتوفى: 494 هـ]
سمع أبا الحَسَن القَزْوينيّ، وأبا مُحَمَّد الخلال. وعنه عبد الله بن أحمد بن جحشويه، والقاضي عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد المَدِينيّ.
تُوُفّي في صَفَر.(10/750)
161 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد، أبو منصور ابن الصّبّاغ. [المتوفى: 494 هـ]
تفقّه عَلَى عمّه أَبِي نَصْر، وأبي الطيب الطبري، وسمع منه، ومن الجوهري. وناب في القضاء، وولي الحسبة، وله مصنَّفات. روى عنه أبو الحسن ابن الخل.(10/750)
162 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه، أبو إِسْحَاق العُقَيْليّ الْجَزَري المقرئ، [المتوفى: 494 هـ]
نزيل نَيْسابور.
حدَّثَ عن أبي الحسن علي ابن السِّمْسار، وعن أَبِيهِ مُحَمَّد، والحافظ أحمد بْن علي بن منجويه الأصبهاني ثم النيسابوري، والشريف أبي القاسم الزيدي الحراني وغيرهم.
قال السمعاني: حدثنا عَنْهُ عمّي، وجماعة. وتُوُفّي في شَعْبان بنَيْسابور، وهو مقرئ صالح ثقة.
قَالَ ابن عساكر: وحدثنا عَنْهُ إسماعيل التَّيْميّ، وشافع بْن أَبِي الحَسَن.(10/751)
163 - إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل بْن زيد، أبو إِسْحَاق الشَّهْرَزُوريّ الدّمشقيّ الفقيه الفَرَضيّ الواعظ، [المتوفى: 494 هـ]
خال جمال الإسلام أَبِي الحَسَن بْن المسلم الفقيه.
سمع أبا عَبْد اللَّه بْن سلْوان، وعبد الوهاب بن برهان، وأبا القاسم الحِنّائيّ، وجماعة. روى عَنْهُ عليّ بْن نجا بْن أسد، والخضر بْن عَبْدان.
ومات وقد قارب السّبعين.(10/751)
164 - أسعد بْن مسعود بْن عليّ، أبو إِبْرَاهِيم العُتْبيّ، [المتوفى: 494 هـ]
من وُلِد عتبة بن غزوان.
نيسابوري مُسْنِد كبير، روى عَنْ أَبِي بَكْر الحِيّريّ، وأبي سَعِيد الصَّيْرفيّ. روى عَنْهُ عَبْد الخالق والفضل، وطاهر بنو زاهر الشّحّاميّ، وعَبْد اللَّه بن الفُرَاويّ، وآخرون.
وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى، وله تسعون سنة، وكان كاتبًا فضعُف ولِزم بيته، وقنع باليسير، وله نظم حسن.
مات عن سبع وثمانين سنة.(10/751)
165 - الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن عَلِيّ بْن سلمان، أبو بكر البغدادي الدقاق. [المتوفى: 494 هـ]
قال السمعاني: كان رجلا صالحا، حدَّث عَنْ أَبِي عليّ بْن شاذان، وأبي القاسم بْن بِشْران. روى عَنْهُ أبو المُعَمَّر الْأَنْصَارِيّ، وعُمَر بْن ظفر، وسعد الخير الأندلسيّ، وشهدة الكاتبة، والسلفي. وتوفي في رمضان.(10/752)
166 - سَعْد بْن عليّ بْن الحَسَن، أبو منصور العِجْليّ الأَسَدَاباذيّ الفقيه، [المتوفى: 494 هـ]
نزيل هَمَذَان.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ ثقة مُفْتيا، حَسَن المناظرة، كثير العِلْم والعمل، سمع أبا الطَّيِّب الطَّبَريّ، وأبا إِسْحَاق البَرْمكيّ، وبمكة كريمة المَرْوَزِيّة، وعبد العزيز بْن بُنْدار. روى عَنْهُ ابنه أحمد، وإسماعيل بْن مُحَمَّد الحافظ، والسِّلَفيّ إذْنًا.
وقال شِيرُوَيْه: قرأت عَلَيْهِ شيئًا من الفقه، وكان حَسَن المناظرة، كثير العبادة، هيوبًا، مات في ذي القعدة.(10/752)
167 - سَعْد بْن مُحَمَّد بْن جعفر، أبو نَصْر الأسداباذي ثم الحلواني. [المتوفى: 494 هـ]
خدم أبا طَالِب يحيى بْن عليّ الدَّسْكَريّ، ورحل، وحج حجا كثيرا، وسمع ابن مسرور الزّاهد، وأبا عثمان الصّابونيّ، وعبد الغافر الفارسي. روى عنه ابنه مُحَمَّد بْن سَعْد، وعبد الخالق بْن زاهر.
تُوُفّي في شَعْبان عَنْ نيِّفٍ وتسعين سنة.(10/752)
168 - صاعد بْن سَيَّار بْن يحيى بْن مُحَمَّد بْن إدريس، أبو العلاء الكِنَانيّ الهَرَوِيّ [المتوفى: 494 هـ]
قاضي القُضاة بهَرَاة.
سمع جَدّه القاضي أبا نَصْر يحيى، وأبا سَعِيد مُحَمَّد بْن مُوسَى الصِّيرَفي، وعليّ بْن مُحَمَّد الطّرَازِيّ، والقاضي أبا العلاء صاعد بْن مُحَمَّد، وأبا بِشْر الحَسَن بن أحمد المزكي، وسعيد بن العباس القرشي. روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن طاهر، وجماعة آخرهم حفيده نَصْر بْن سيّار.
وكان صَيِّنًا، نَزِهًا، إمامًا، انقاد لتقدُّمه جُمَيْع الطّوائف، وعُمَّر، وانتخب عَلَيْهِ شيخ الإسلام مَعَ تقدُّمِهِ.
وُلِد سنة خمس وأربعمائة في جُمَادَى الآخرة. [ص:753]
من الرُّواة عَنْهُ حفيده شهاب بْن سيّار، وعليّ بْن سهل الشّاشيّ، وعبد المعز بْن بِشْر المُزَنيّ، ومُحَمَّد بْن المفضل الدّهّان، وعبد الواسع بْن عطاء، ومسرور بْن عَبْد اللَّه الحنفي.
توفي في رجب سنة أربع.(10/752)
169 - ظَبْيان بْن خَلَف، أبو بَكْر المالكيّ المتكلّم. [المتوفى: 494 هـ]
قَالَ ابن عساكر: كَانَ متورعًا في المعيشة، يتوسوس في الوضوء. سمع مُحَمَّد بْن مكّيّ الْمَصْرِيّ، والكتاني. سمع منه غيث الأرمنازي، وعمر الرواسي.(10/753)
170 - عاصم بْن أيّوب أبو بَكْر البَطَلْيُوسيّ الأديب. [المتوفى: 494 هـ]
روى عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الغراب، وأبي عُمَر السّفاقُسِيّ، ومكّيّ بْن أَبِي طَالِب.
وكان لُغَويًّا أديبًا، فاضلًا، خيّرًا، ثقة روى عَنْهُ أبو مُحَمَّد بْن السّيّد، شيخٌ لابن بَشْكُوَال.(10/753)
171 - عَبْد اللَّه بْن الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن ماهُوَيْه: أبو مُحَمَّد بْن أَبِي عليّ الطَّبَسيّ الحافظ. [المتوفى: 494 هـ]
سمع أبا القاسم القُشَيْريّ، وأبا الحَسَن بْن المظفّر الدّاوديّ، وأبا صالح المؤذِّن، وخلقاً كبيراً بخُراسان، وأبا مُحَمَّد الصَّرِيفينيّ، وابن النَّقُّور، وابن البُسْريّ وطبقتهم ببغداد. وانتقى عَلَى الشيوخ، واستوطن مروالروذ، وكان رديء الكتابة.
قَالَ شِيرُوَيْه: كَانَ ثقة يُحسِن هذا الشّأن، ورِعًا، مشتغلًا بإخراج الصّحيح والموافقات، مواظبًا عَلَى ذَلِكَ.
وقال المؤتَمن السّاجيّ: لم يكن يتحرَّى فيما يحدِّث بِهِ الصِّدْقَ فسقط، عاش نيّفًا وخمسين سنة.(10/753)
172 - عَبْد اللَّه بْن عَبْد الصَّمد بْن أحمد، أبو بَكْر التُّرَابيّ المَرْوَزِيّ. [المتوفى: 494 هـ]
صالح خيِّر، روى عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد الشّيرنخشِيرِيّ، وغيره.
قال عبد الرحيم السمعاني: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن محمد المقرئ بمرو، قال: أخبرنا التُّرَابيّ، فذكر حديثًا.
مات بعد ربيع الأوَّل من العام.(10/754)
173 - عَبْد الباقي بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم بْن غيلان، أبو محمد [المتوفى: 494 هـ]
ابن الشيخ أبي طالب البزاز.
روى عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ ابن ناصر: ما كَانَ يُعرف شيئًا، مات في المحرَّم.(10/754)
174 - عَبْد الجبار بن سعيد، أبو نصر ابن البَحِيرِيّ أَبِي عثمان. [المتوفى: 494 هـ]
رَجُل خيّاط خَيّر، سمّعه أبوه من أبي سعيد الصَّيْرفيّ، وأبي بَكْر الحِيّرِيّ. روى عَنْهُ أبو البركات الفراوي، وأحمد بن محمد البيع، وجوهرناز بنت زاهر الشّحّاميّ، وأخوها عَبْد الخالق، وآخرون.
مات في صفر.(10/754)
175 - عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد، أبو القاسم العَيْداني الحنفيّ، [المتوفى: 494 هـ]
أحد الأئمّة.
سمع مُحَمَّد بْن أَبِي الهَيْثَم التُّرَابيّ، وخاله عليّ بن الحسن الدهقان خواهرزادة.
ولم يكن في عصره حنفيّ أطْلَبَ للحديث منه.(10/754)
176 - عَبْد الخالق بْن مُحَمَّد بْن خَلَف، أبو تراب البغداديّ المؤدِّب، ويُعرف بابن الأبرص. [المتوفى: 494 هـ]
سمع هبة اللَّه بْن الحَسَن اللّالْكائيّ، وعبد الرحمن الحرفي. وعنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو طاهر السلفي.
ولد سنة خمس وأربعمائة، وتُوُفّي في آخر رمضان. [ص:755]
وقال الأَنْماطيّ: كَانَ رجلًا صالحًا، أدَّبني.(10/754)
177 - عَبْد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن زاز بن محمد بن عبد الرحمن بن أَحْمَد بن زاز بْن حُمَيْد بْن أَبِي عَبْد اللَّه النّوَيْزيّ: فقيه مَرْو، الأستاذ أبو الفَرَج السَّرْخَسيّ، الفقيه الشّافعيّ، المعروف بالزَّازّ. [المتوفى: 494 هـ]
كَانَ أحد من يُضرب بِهِ المثل في حفظ المذهب. وكان رئيس الشافعية بمرو. رحل إِلَيْهِ الأئمّة، وسارت تصانيفه، وكان ورعًا ديّنًا، تفقّه عَلَى القاضي حسين.
وتُوُفّي في شهر ربيع الآخر، وله نيف وستون سنة. ومصنفه الّذي سمّاه الإملاء انتشر في الأقطار.
وكان عديم النّظير في الفتوى، ورِعًا، ديّنًا، محتاطًا في مأكله وملبسه إلى الغاية، وكان لا يأكل الرُّزّ لكونه لا يزرعه إلّا الْجُنْد، ويأخذون مياه النّاس غالبًا ويسقونه.
سمع الحَسَن بْن عليّ المطَّوِّعيّ، وأبا المظفّر مُحَمَّد بْن أحمد التَّميميّ، وأبا القاسم القُشَيْريّ، وخلقًا. روى عنه أحمد بن محمد بْن إسماعيل النَّيْسابوريّ، وأبو طاهر السِّنْجيّ، وعُمَر بْن أَبِي مطيع، وآخرون.(10/755)
178 - عَبْد الغفّار بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الصُّوفيّ الهَمَذانيّ، أبو بكر الصباغ. [المتوفى: 494 هـ]
أجاز للسِّلَفيّ. رحل، وسمع من أَبِي الحُسين ابن المهتدي باللَّه، وابن النَّقُّور، وجماعة. [ص:756]
قال شيرويه: سمعت منه شيئا، وكان أحد مشايخ الصُّوفيّة، كثير العبادة. تُوُفّي في شوّال.(10/755)
179 - عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن بُنْدار، الْإِمَام أبو منصور [المتوفى: 494 هـ]
خطيب هَمَذَان ومفتيها.
يروي عَنْ ابن عيسى، وابن مأمون، وأبي مسعود البجلي. أجاز للسلفي. مات في ذي القعدة.(10/756)
180 - عَبْد الواحد بْن عَبْد الرحمن بن زيد بن إبراهيم، الخطيب أبو القاسم النيسابوري المعروف بالحكيم. [المتوفى: 494 هـ]
مات بالشاش فِي جُمادى الآخرة وله سبعٌ وثمانون سنة. روى عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه الخطيب، وغيره.(10/756)
181 - عَبْد الواحد بْن عَبْد الكريم بْن هوازن بْن عَبْد الملك بن طلحة، الإمام أبو سعيد ابن الْإِمَام أَبِي القاسم القُشَيْريّ النَّيْسابوريّ الخطيب. [المتوفى: 494 هـ]
قَالَ السّمعانيّ فيه: أوحد عصره فضلًا ونفسًا وحالًا، الثاني من ذُكور أولاد أَبِي القاسم. نشأ في العلم والعبادة، وكان قويّ الحفظ، بالغًا فيه، تخرّج في العربيّة وضرب في الكتابة والشِّعْر بسهمٍ وافر، وأخذ في تحصيل الفوائد من أنفاس والده، وضبط حركاته وسكناته وما جرى لَهُ، وصار في آخر عُمره سيّد عشريته، وحجّ ثانيا بعد الثّمانين، وحدَّثَ ببغداد والحجاز، ثم عاد إلى نيسابور مشتغلاً بالعبادة، لا يفتر عَنْهَا ساعة. سمع عليّ بْن مُحَمَّد الطّرازيّ، وأبا نَصْر منصورًا المفسّر، وأبا سعد النصرويي، وببغداد أبا الطَّيِّب الطَّبَريّ، وأبا مُحَمَّد الجوهريّ. حدثنا عَنْهُ ابنه هبة الرَّحْمَن، وأبو طاهر السِّنْجيّ، وأبو صالح عَبْد المُلْك ابنه الآخر، وغيرهم. ومولده في صفر سنة ثمان عشرة وأربعمائة، ومات في جُمَادَى الآخرة.
وقال غيره: خطب نحو خمس عشرة سنة، فكان يُنشئ الخُطَب ولا يكرِّرها. وروى عَنْهُ أيضًا عَبْد اللَّه ابن الفُرَاويّ. وسماعه من الطّرازيّ والمفسّر حضورًا في الرابعة أو نحوها.(10/756)
182 - عزيزيّ بْن عَبْد المُلْك بْن منصور، أبو المعالي الجيلي القاضي، الملقب شيذلة. [المتوفى: 494 هـ]
كان شيذلة جيلانيا أشعريا، وهذا نادر. ورد بغداد وسكنها، وولي قضاء باب الأَزَج مدّة.
وكان مطبوعًا، فصيحًا، كثير المحفوظ حلو النّادرة. جمع كتابًا في " مصارع العشاق ومصائبهم ".
وسمع من أبي عبد اللَّه محمد بن عليّ الصوري، والحسين بْن مُحَمَّد الوَني الفَرَضِيّ، وجماعة. وحدَّثَ بيسير، وكان شافعيّ المذهب.
مات في سابع صَفَر.
روى عَنْهُ فخر النّساء شُهْدَة، وأبو عليّ بْن سُكَّرَة، وقال: كَانَ زاهدًا، متقلّلًا من الدّنيا، وكان شيخ الوعّاظ ومعلّمهم الوعظ بتصانيفه وتدريبه.(10/757)
183 - عليّ بْن أحمد بْن عَبْد الغفّار، أبو القاسم البَجَليّ المؤدِّب. [المتوفى: 494 هـ]
سمع من أَبِي العلاء مُحَمَّد بْن عليّ الواسطي، وأبي طالب عمر بن إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ. روى عَنْهُ عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، وعبد الخالق الغزّال، والسِّلَفيّ، وجماعة ببغداد. ومات في شَعْبان.(10/757)
184 - عليّ بْن أحمد بْن أَبِي زكري النّجّاد. [المتوفى: 494 هـ]
شيخ صالح، سمع ابن غَيْلان. روى عنه عمر بن ظفر، وأبو المعمر الأنصاري.(10/757)
185 - عليّ بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن إسماعيل بْن أَبِي الطيب أخرم، أبو الحسن المديني ثم النيسابوري الصندلي المؤذِّن الزّاهد. [المتوفى: 494 هـ]
وُلِد في رجب سنة خمسٍ وأربعمائة.
ذكره عَبْد الغافر فقال: شيخ عابد، جليل فاضل، من تلامذة الْإِمَام [ص:758] أَبِي مُحَمَّد الْجُوَينيّ، كَانَ يسكن المدينة الداخلة في المسجد المعروف بِهِ، لزِمه سِنين مُنْزَوِيا عَن النّاس، قلّ ما يخرج ويدخل. سمع أبا زكريا المزكي، والشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ، وأبا القاسم عَبْد الرَّحْمَن السّرّاج، وأبا بَكْر الحِيّريّ، وأبا سَعِيد الصَّيْرفيّ، وجماعة. روى عَنْهُ خلق كثير، وتُوُفّي في ثامن عشر المحرَّم سنة أربعٍ وتسعين، عقد مجلس الإملاء، وحضره الأعيان.
روى عَنْهُ أبو البركات الفُرَاويّ، والعباس العصاري، وعمر ابن الصّفّار، والفلكيّ، وعبد الخالق ابن الشّحّاميّ.(10/757)
186 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن أَبِي ثابت، أبو الحسن الأزهري الأَبِيوَرْديّ، عُرِف بالأيُّوبيّ. [المتوفى: 494 هـ]
إمامٌ فاضل جليل، روى عَنْ أَبِي منصور عَبْد القاهر بْن طاهر البغداديّ، وفضل اللَّه بْن أَبِي الخير المِيهَنيّ، وأبي حسّان مُحَمَّد بْن أحمد المُزَكيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن الحارث الأصبهاني، وعدّة.
وكان مولده بعد الأربعمائة.
روى عَنْهُ ابنه عَبْد المُلْك وجماعة. وتُوُفّي في هذه السنة، أو في الماضية.(10/758)
187 - الفضل بْن عَبْد الواحد بْن الفضل، أبو العبّاس السَّرْخَسيّ، ثمّ النَّيْسابوريّ الحنفيّ التّاجر. [المتوفى: 494 هـ]
سمع أبا القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد السّرّاج، وأبا بَكْر الحِيرِيّ، وصاعد بْن مُحَمَّد القاضي. وسمع بمرو أبا بكر مُحَمَّد بْن عبوَيْه الأنباريّ، وأبا غانم الكُرَاعيّ، وببخارى أبا سهل الكَلَاباذيّ. وتفرَّد بالرّواية في الدّنيا عَنْ أَبِي سهل بْن حَسْنَوَيْه، وأبي عليّ بن عبدان صاحبي الأصم.
ومولده سنة أربعمائة.
قال السمعاني: شيخ حسن السيرة، مسن، معمر، ذو نعمة وثروة، ورد بغداد مع والده في سنة عشر وأربعمائة. روى لنا عنه عمي الحسن بن منصور، وأبو طاهر السنجي، وأبو مضر الطبري، وعبد الله ابن الفراوي، وناصر بن سليمان الأنصاري، وجماعة كبيرة. وكان صلبا في مذهب أبي حنيفة. وقرأت بخط إسماعيل بن عبد الغافر قَالَ: طلبوا من الفضل بْن عَبْد الواحد ألْفي دينار، [ص:759] وأخذوه وضربوه، وحملوه إلى دار القاضي صاعد، وضمنه أبو المعالي ابن صاعد، وبقي أيّامًا في داره. وتُوُفّي في أوائل جُمَادَى الأولى سنة أربعٍ وتسعين، وخلّوه في التابوت في داره أيّامًا، وما وجدوا لَهُ شيئًا، فإنّ ابنه هرب وأصحابه.(10/758)
188 - محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بْن عليّ بْن لُقْمان، أبو بَكْر النَّسَفيّ المقرئ، [المتوفى: 494 هـ]
والد أَبِي حفص عُمَر، مؤرِّخ سَمَرْقَنْد.
ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وسمع من القاضي أَبِي الفوارس النَّسَفيّ، والإمام يوسف بن محمد المودوي، وأحمد بْن جعفر الكاسَنيّ، وأبي بَكْر بْن إِبْرَاهِيم النُّوحيّ. ودخل بُخَارى، وسَمَرْقَنْد، وتُوُفّي في أوّل صَفَر.(10/759)
189 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن عَبْد الباقي بْن طَوْق، أبو الفضائل الربعي الموصلي. [المتوفى: 494 هـ]
أحد الفُقَهاء الشّافعية، سكن بغداد، وسمع من أَبِي إِسْحَاق البَرْمكيّ، وأبي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وابن غَيْلان. وتفقَّه عَلَى أَبِي إِسْحَاق الشِّيرازيّ. روى عنه كثير من سماليق، وأبو نصر الحديثي الشّاهد.
تُوُفّي في صَفَر.(10/759)
190 - مُحَمَّد بْن الحَسَن، الفقيه أبو عَبْد اللَّه الرّاذانيّ، [المتوفى: 494 هـ]
أحد العُبّاد الحنابلة.
قال السمعاني: من الزهاد المنقطعين، والعُبّاد الورعين، مُجاب الدّعوة، صاحب كرامات. سمع أبا يَعْلَى الفقيه الحنبليّ، وغيره. حُكي عَنْهُ أَنَّهُ أراد أن يخرج إلى الصّلاة، فجاء ابنه إِلَيْهِ، وكان صغيرًا، فقال: أريد غزالًا ألعب بِهِ، فسكت الشَّيْخ، فالحَّ عَلَيْهِ، وقال: لا بُدّ لي من غزال، فقال لَهُ: أسكت، غدًا يجيئك غزال، فجاء من الغد غزال، ووقف عَلَى باب الشَّيْخ، وجعل يضرب بقرنيه الباب، إلى أن فتحوا لَهُ ودخل، فقال الشَّيْخ: يا بُنيّ، جاءك الغزال. [ص:760]
تُوُفّي رحمة اللَّه عَلَيْهِ في رابع عشر جُمَادَى الْأولى.(10/759)
191 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد، أبو مسعود السوذرجانيّ. [المتوفى: 494 هـ]
شيخ السِّلَفيّ، يروي عَنْ عليّ بْن ميلة الفَرَضِيّ، وغيره.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى عَنْ سِنٍّ عالية.(10/760)
192 - مُحَمَّد بْن عَبْدِ الْحَمِيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أحمد، العلّامة أبو سَعْد العيداني الخراساني المروزي، الحنفي، ويُعرف بخُوَاهَرْزَادَة. [المتوفى: 494 هـ]
كَانَ مائلًا إلى الحديث وكتابته، كبير الشّأن في مذهبه. روى عَنْ خاله القاضي عليّ بْن الحَسَن الدِّهْقان، والخطيب عَبْد الوهّاب الكسائي، وطائفة. ومات بمَرْو.
ذكره ابن شيخنا قاضي الحصن.(10/760)
193 - مُحَمَّد ابْن الوزير الشهيد أَبِي القاسم رئيس الرؤساء علي بن الحسن ابن المسلمة، أبو نصر. [المتوفى: 494 هـ]
ولد سنة أربعين وأربعمائة، وولي الأستاذدارية بالعراق، وكان صدرًا محتَشِمًا مُعَظَّمًا. مات في المحرَّم.(10/760)
194 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن ودعان، القاضي أبو نصر الموصلي [المتوفى: 494 هـ]
قاضي الموصل.
قدِم بغداد في سنة ثلاثٍ وتسعين قبل موته بعام، وروى " الأربعين الوَدْعَانيّة " الموضوعة الّتي سرقها عمّه أبو الفتح بْن وَدْعَان من الكذّاب زيد بْن رفاعة. سمعها منه هبة الله الشيرازي، وعمر الرواسي.
وكان مولده سنة اثنتين وأربعمائة، ومات بالموصل، قاله السمعاني.
حدث عن عمه أبي الفتح أحمد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أحمد بْن صالح بْن سليمان بْن وَدْعَان، وأبي الحَسَن مُحَمَّد بْن عليّ بْن بحشل، والحسين بْن مُحَمَّد الصَّيْرفيّ. وروى عَنْهُ أبو المُعَمَّر الْأَنْصَارِيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
وقال السِّلَفيّ: قرأتُ عَلَيْهِ " الأربعين " جَمْعَه، ثمّ تبيّن لي حين تصفّحتها تخليطٌ عظيم يدلّ عَلَى كذِبه وتركيبه الأسانيد.
وقال هزارسب: سألته عَنْ مولده، فقال: ليلة نصف شَعْبان سنة إحدى [ص:761] وأربعمائة، وأول سماعي سنة ثمان وأربعمائة.
وقال ابن ناصر: رأيته ولم أسمع منه لأنّه كَانَ متهمًا بالكذب، وكتابهُ في " الأربعين " سرقة من ابن رفاعة، وحذف منه الخطْبة، وركب على كل حديثٍ منه رجلًا أو رجلين إلى شيخ زيد بْن رفاعة، وزيد وضع الكتاب أيضا، وكان كذابًا، وألف بين كلماتٍ قد قالها النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين كلمات من كلام لُقْمان والحُكماء، وطوَّل الأحاديث.
وقال السِّلَفيّ: تُوُفّي في المحرَّم بالموصل، ولم يكن ثقة.(10/760)
195 - مُحَمَّد بْن أَبِي القاسم عليّ بْن المحسن بْن عليّ بْن مُحَمَّد، أبو الحُسين التّنُوخيّ البغداديّ المعدّل. [المتوفى: 494 هـ]
شهد عند قاضي القُضاة أَبِي عَبْد اللَّه الدّامغانيّ فقبله، وروى عَنْ أَبِيهِ، وغيره، مقطّعات من الشِّعْر. روى عَنْهُ مفلح الدومي. ومات في شوّال وانقرض بيته.(10/761)
196 - مُحَمَّد بْن القاسم بن أبي عدنان، أبو الفتح الفقيه. [المتوفى: 494 هـ]
روى عَنْ أَبِي إِسْحَاق القرّاب.(10/761)
197 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عُبيد اللَّه بْن أحمد بْن أَبِي الرّعْد العُكْبَريّ، أبو الحَسَن. [المتوفى: 494 هـ]
سمع الحَسَن بْن شهاب العُكْبَريّ. روى عَنْهُ أبو المُعَمَّر الْأَنْصَارِيّ، ومات في صَفَر، وقد أجاز للسلفي.(10/761)
198 - مُحَمَّد بْن مأمون بْن عليّ أبو بَكْر المتولّي الأَبِيوَرْديّ. [المتوفى: 494 هـ]
كَانَ متولّي أمور مدرسة البَيْهقيّ، وكان في أسلافه من يتولى الأوقاف. سمع أبا بَكْر الحِيّريّ، وغيره. روى عنه زاهر الشحامي، وتوفي في جُمَادَى الأولى وغسّلته امرأته، ودُفِن ليلًا مخافة الظَّلَمة والأعوان. وكان في زمان الغلاء والتّشويش، وقد مرّ عام أوّل.(10/761)
199 - مُحَمَّد بْن المفرّج بْن إِبْرَاهِيم، أبو عَبْد اللَّه البَطَلْيُوسيّ المقرئ. [المتوفى: 494 هـ]
قَالَ ابن بَشْكُوَال: روى عَنْ أَبِي عَمْرو الدّانيّ فيما كَانَ يزعمُ، وذكر أنّ لَهُ رحلة إلى المشرق روى فيها عَن الأهوازيّ، وكان يكذب فيما ذكره من ذلك كله، وقد وقف على ذلك أصحابنا، وأنكروا ما ذكره وتُوُفّي بالمَرِيّة.
قلت: وقد روى أبو القاسم بْن عيسى القراءات، وليس هُوَ بثقة، عن عبد المنعم بن الخلوف، عن أبيه، عن ابن المفرج هذا. وعن عبد المنعم بن الخلوف عن سليمان بن يحيى المقرئ عن ابن المفرج. وزعم أَنَّهُ قرأ عَلَى مكّيّ، وأبي عَمْرو الدّانيّ، وأبي عليّ الأهوازيّ، وأبي عَبْد اللَّه محمد بن الحسين الكارزيني.(10/762)
200 - محمد بن منصور ابن عميد خراسان، أبو سعد ابن النَّسوي. [المتوفى: 494 هـ]
عديم النظير في البرِّ والجود والخير والصلات، بنى مدرسة بمرو، ومدرسة بنيسابور بها قبره. حدث عن أبي حفص بن مسرور الزاهد، وتوفي في شوال.
وكان مستوفي ملك السلطان ملكشاه. وهو الذي بنى المشهد والقبة على ضريح أبي حنيفة، وله عدة رباطات وخانات.
انقطع في آخر عمره، ولزم داره، وكانوا يرجعون إلى رأيه، وإنما بنى المشهد بأمر السلطان، وبمال الدولة.(10/762)
201 - محمد بن هبة الله بن أحمد، أبو البركات ابن الحُلْوانيّ البغداديّ. [المتوفى: 494 هـ]
من الوُكَلاء عَلَى باب قاضي القضاة أبي عبد الله ابن الدامغاني، فمن بعده. سمع أبا محمد الحَسَن بْن مُحَمَّد الخلّال، ومُحَمَّد بْن عليّ الصوري، [ص:763] وجماعة. وعنه الحافظ ابن ناصر، وغيره.
تُوُفّي في ذي الحجّة؛ وقيل: في سنة ثلاث.(10/762)
202 - منصور بْن بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن حِيد بْن عَبْد الجبّار بْن النَّضْر، أبو أحمد بْن أَبِي منصور النَّيْسابوريّ التّاجر. [المتوفى: 494 هـ]
سمع جَدّه أبا بَكْر مُحَمَّد بْن عليّ صاحب الأصمّ، وقدِم بغداد وسكنها، وسمع أبا طالب بن غيلان، وأبا علي ابن المذهب، وعبد العزيز بْن عليّ الأَزَجيّ.
روى عَنْهُ عُمَر بْن ظفر المَغَازليّ، وأبو المُعَمَّر الْأَنْصَارِيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وشُهْدَة، وخطيب المَوْصِل، وآخرون.
توفي في شوال.(10/763)
203 - نَصْر بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن البَطِر، أبو الْخَطَّاب البغداديّ البزّاز المقرئ. [المتوفى: 494 هـ]
سمع بإفادة أخيه من أَبِي مُحَمَّد عَبْد اللَّه ابن البَيِّع، وعُمَر بْن أحمد العُكْبَريّ، ومُحَمَّد بْن أحمد بْن رَزْقُوَيْه، وأبي الحُسين بْن بِشْران، وأبي بكر المنقي، ومكّيّ بْن عليّ الحريريّ، وجماعة.
وتفرّد في وقته، ورُحِل إِلَيْهِ؛ روى عَنْهُ أبو بَكْر الأنصاري، وإسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ، وابن ناصر، وسعد الخير الأندلسيّ، وأحمد بْن عَبْد الغني البَاجِسْرَائيّ، وأبو الفتح ابن البَطِّيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن السَّكَن، وشُهْدَة الكاتبة، وخطيب المَوْصِل أبو الفضل الطوسي، وخلق سواهم، آخرهم موتاً الطوسي.
قَالَ صاحب المرآة: جرت لَهُ حكاية، كَانَ عَلَى دواليب البقر مشرفًا عَلَى عُلُوفاتهم، فكتب إلى المستظهر باللَّه رقعة: العبد ابْن البقر المشرف عَلَى البَطَر، فلمّا رآها الخليفة ضحك. وكان ذَلِكَ تغفُّلًا منه.
قَالَ أبو عليّ بن سكرة: شيخ مستور ثقة.
أخبرنا الحسن بن علي، قال: أخبرنا أبو الفضل الهمداني، قال: أخبرنا أبو طاهر السِّلَفيّ، قال: سألت شجاعًا الذُّهْليّ عن ابن البَطَر، فقال: كَانَ قريب الأمر لَيِّنًا في الرّواية، فراجعْتُهُ في ذَلِكَ وقلت: ما عرَفْنا ممّا ذكرت شيئًا، وما [ص:764] قرئ عليه شيء يشك فيه، وسماعاته كالشّمس وُضُوحًا. فقال: هُوَ لَعَمْرِي كما ذَكَرْت، غير أنّي وجدت في بعض ما كَانَ لَهُ بِهِ نسخة سماعًا، يشهد القلب ببُطْلانه، ولم يُحْمَلْ عَنْهُ شيءٌ من ذَلِكَ.
وقال السِّلَفيّ: سألت ابن البَطَر عَنْ مولده، فقال: سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وقد دخلت بغداد في الرّابع والعشرين من شوّال، فسَاعَةَ دخولي لم يكن لي شُغل إلا أن مضيت إلى ابن البطر، فدخلت عَلَيْهِ، وكان شيخًا عِسرًا فقلت: قد وصلت من إصبهان لأجلك. فقال: اقرأ. وجعل موضع الرّاء من اقرأ غَيْنًا. فقرأت عَلَيْهِ وأنا متكئ لأجل دمامل في موضع جلوسي. فقال: أبصِر ذا الكلب يقرأ وهو متّكئ! فاعتذرت بالدماميل، وبكيت من كلامه. وقرأت عَلَيْهِ سبعةً وعشرين حديثًا، وقمت، ثمّ تردّدتُ، وقرأت عَلَيْهِ نحو خمسة وعشرين جزءًا، ولم يكن بذاك.
تُوُفّي ابن البَطَر في سادس عشر ربيع الأوَّل.
وقد أخبرنا بلال المغيثيّ عَن ابن رَواج، عَن السِّلَفيّ، عَنْهُ، بجزء حديث الإفك، للآجري. وروى عنه هذا الجزء أبو الفتح بْن شاتيل، وهو غلط من بعض الطلبة وجَهْل، فإنّ أبا الفتح لم يلْحقه.
وقال السّمعانيّ: كَانَ أبو الخطّاب يسكن باب الغَرَبَة عند المَشْرَعَة، ممّا يلي البدريَّة، وعُمِّر حتّى صارت إِلَيْهِ الرِّحْلة من الأطراف، وتكاثر عَلَيْهِ الطّلبة. وكان شيخًا صالحًا صَدُوقًا، صحيح السّماع؛ سمع ابن البَيِّع، وابن رزقوَيْه، وابن بشران، وهو آخر من حدث عنهم.(10/763)
204 - هبة اللَّه بْن حمزة، أبو الجوائز العبّاسيّ. [المتوفى: 494 هـ]
روى عَنْ ابن غَيْلان. وهو ابن الكاتبة فاطمة بنت الأقرع.
توفي في صفر.(10/764)
205 - أبو الحَسَن بْن زفر العُكْبَريّ المقرئ الفقيه الحنبليّ. [المتوفى: 494 هـ]
تُوُفّي عَنْ تسعين سنة، وقيل: إنّه صام الدَّهر خمسًا وسبعين سنة.(10/764)
-سنة خمس وتسعين وأربعمائة(10/765)
206 - أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عيسى، أبو العبّاس الكِنَانيّ القُرْطُبيّ، ويُعرف بالبييرّس. [المتوفى: 495 هـ]
روى عَنْ مُحَمَّد بْن هشام المصحفي، وأبي مروان بْن سراج، وعيسى بْن خيرة، وخلف بْن رزق، وجماعة، وبرع في النَّحْو واللُّغة، وصار أحد أعلام العربية، مَعَ مشاركةٍ في الحديث والفقه والأصُول، وبذ أهل زمانه في الحفظ والإتقان، مَعَ خيرٍ وانقباض، وحُسْن خُلُق، ولين جانب.(10/765)
207 - أحمد بْن مَعَدّ، أبو القاسم الملقَّب بالمستعلي بالله ابن المنتصر ابن الظاهر ابن الحاكم ابن العزيز ابن المعز العُبَيْديّ، [المتوفى: 495 هـ]
صاحب مصر.
ولي الأمر بعد أبيه في سنة سبع وثمانين وأربعمائة، وسنه يومئذ إحدى وعشرون سنة. وفي أيّامه وَهَتْ دولتهم، واختلّت أمورهم، وانقطعت دعوتهم من أكثر مدن الشام، واستولى عليها أتراك وفرنج، فنزل الفرنج عَلَى أنطاكية، وحاصروها ثمانية أشهر، وأخذوها في سادس عشر رجب سنة إحدى وتسعين، وأخذوا المَعَرّة سنة اثنتين وتسعين، والقدس فيها أيضًا في شَعْبان، واستولى الملاعين على كثير من مدن السّاحل، ولم يكن للمستعلي مَعَ الأفضل أمير الجيوش حُكْم.
وفي أيّامه هرب أخوه نزار إلى الإسكندرية، فأخذ لَهُ البيعة عَلَى أهل الثّغر أفتكين، وساعده قاضي الثّغر ابن عمّار، وأقاموا عَلَى ذَلِكَ سنة، فجاء الأفضل سنة ثمان وثمانين، وحاصَر الثغر، وخرج إِلَيْهِ أفتكين، فهزمه أفتكين. ونازلها ثانيا، وافتتحها عَنْوةً، فقتل جماعة، وأتى القاهرة بنزار وأفتكين، فذبح أفتكين صبرًا، وبنى المستعلي عَلَى أخيه حائطًا، فهو تحته إلى الآن. ونزار هو منتسب أصحاب الدعوة بقلعة الألموت. تُوُفّي المستعلي في ثالث عشر صَفَر [ص:766] سنة خمسٍ وتسعين، قاله ابن خَلِّكان، وغيره.(10/765)
208 - إسماعيل بْن الحَسَن بْن عليّ بْن الحَسَن بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن عُمَر بْن حَسَن بْن عليّ بْن عليّ ابن رَيْحانة رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحُسين رضي الله عنه، أبو الهادي العَلَويّ الأصبهاني. [المتوفى: 495 هـ]
كثير السّماع، نبيل، سمع بمكّة أبا الحَسَن بْن صخْر الْأَزْدِيّ، وبأصبهان أبا نعيم، وأبا الحسين بن فاذشاه، وقدم بغداد في هذه السنة ليحج، فحدث؛ روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وغيره.
وقد قرأ بالرّوايات عَلَى أبي عَبْد اللَّه المليحي بأصبهان.
وكان ناسكًا صالحاً، توفي في شعبان من السنة. قرأ بمكة على الكارزيني.
قال السلفي: انتقى عليه أحمد بن بشرويه، وإسماعيل التيمي؛ وكان مقرئا.(10/766)
209 - جناح الدّولة: صاحب حمص، [المتوفى: 495 هـ]
مرّ في الحوادث.(10/766)
210 - الحسن بن محمد بن أحمد، أبو علي الكَرْمانيّ السِّيرَجَانيّ الصالح الصُّوفيّ. [المتوفى: 495 هـ]
أحد من عُني بطلب الحديث وأكثر منه ببغداد، لكنّه أفسد نفسه وادّعى ما لم يسمعه. وهو الّذي دمّر عَلَى الطُّرَيثيثيّ وأَلْحَقَ اسمه في أجزاء، فعُرِفت. وكان قد كتب عَنْ مُحَمَّد بْن الحُسين بْن الترجمان بالشام.
وحدَّثَ عَنْهُ السِّلَفيّ فقال: أخبرنا من أصله، وسمع ببغداد من عاصم، ورزق اللَّه. وكان صالحًا زاهدًا.(10/766)
211 - الحسين بن علي بن محمد بن عبد اللَّه بْن المَرْزُبان، أبو عَبْد اللَّه الهَمَذانيّ الخطيب. [المتوفى: 495 هـ]
روى عن ابن حميد، وابن الصباح، ومحمد بن ينال الصوفي، وابن غزو، وجماعة.
قال شيرويه: وكان صدوقاً فاضلاً، كثير النسخ، متدينا، عابدا.(10/766)
212 - الحسين بن محمد بن أبي علي الحسين الطبري، ثم البغدادي، الفقيه الشافعي. [المتوفى: 495 هـ]
توفي بأصبهان. وقد درس بنظامية بغداد مرتين، إحداهما استقلالا بعد الغزالي سنة تسع وثمانين. وقد تفقه علي أبي الطيب، وسمع منه، ومن الجوهريّ.
ثمّ لازم الشَّيْخ أبا إِسْحَاق حتّى برع في الفِقْه. ثمّ استُدْعِيّ إلى إصبهان من جهة أميرها، فقدمها، وأفاد أهلها ثلاث سنين، وانتقل إلى رحمة اللَّه تعالى؛ فهذا غير شيخ الحرم.(10/767)
213 - خَالِد بْن عَبْد الواحد بْن أحمد بْن خَالِد الأصبهاني، أبو طاهر التّاجر، [المتوفى: 495 هـ]
أخو غانم.
سمع أبا نعيم الحافظ، وببغداد بشرى الفاتنيّ، ومُحَمَّد بْن رُزْمَة، وابن غَيْلان. روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وجماعة.
وُلِد سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وتُوُفّي في شَعْبان.(10/767)
214 - خَلَف بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن عَبَّاس بْن مُدِير، أبو القاسم الْأَزْدِيّ [المتوفى: 495 هـ]
الخطيب بجامع قُرْطُبَة.
روى عَنْ أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ كثيرًا، وأبي العبّاس العُذْريّ، وأبي الوليد الباجيّ، وأبي شاكر القَبْريّ، وجماعة. وسكن المَرِيّة ثمّ استوطن قُرْطُبَة، وأقرأ النّاس بها، وحدَّثَ.
وكان ثقة، كثير الجمع والتقييد، كتب بيده الكثير.
وُلِد سنة سبْعٍ وعشرين وأربعمائة، وتوفي في رمضان.(10/767)
215 - سَعِيد بْن هبة اللَّه بْن الحُسين، أبو الحَسَن البغداديّ. [المتوفى: 495 هـ]
شيخ الأطباء بالعراق. وكان بارعًا أيضًا في العلوم الفلسفية، مشتهرًا بها. وخدم المقتدي باللَّه بصناعة الطّبّ، وانتهى في عصره معرفة الطب إليه. أخذ عن أبي العلاء ابن التّلميذ والد أمين الدّولة، وعن أَبِي الفضل كتيفات، وعبدان الكاتب. [ص:768]
وصنف كتباً كثيرة في الطب والمنطق والفلسفة، منها: المغني في الطّبّ وهو صغير، وكتاب الإقناع وهو كبير، وكتاب التّلخيص النظامي، كتاب خلْق الإنسان، كتاب اليرقان، مقالة في الحدود، مقالة في تحديد مبادئ الأقاويل الملفوظ بها. وعليه اشتغل أمين الدولة ابن التلميذ النصراني.
توفي في سادس ربيع الأول عَنْ ثمانٍ وخمسين سنة، وله عدة تلاميذ.(10/767)
216 - سلمان بْن حمزة بْن الخضر السُّلَميّ الدّمشقيّ، [المتوفى: 495 هـ]
أخو عَبْد الكريم.
سمع أبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا بكر الخطيب، وحدث باليسير.(10/768)
217 - عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن قُورْتس، أبو مُحَمَّد السَّرَقُسطيّ. [المتوفى: 495 هـ]
روى عَنْ أَبِيهِ، وأبي الوليد الباجيّ. وأجاز لَهُ أبو عُمَر الطَّلَمَنْكيّ، وأبو عُمَر السّفاقُسِيّ.
وكان وقورًا مهيبًا فاضلا، نوظر عليه في المسائل وولي قضاء سرقسطة.
تُوُفّي في صَفَر.(10/768)
218 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن ثابت، أبو القاسم الثّابتيّ الخِرَقيّ، [المتوفى: 495 هـ]
من قرية خَرَق بمَرْو.
كَانَ من أئمّة الشّافعيّة الكبار، ورِعًا زاهدًا، تفقّه بمَرْو عَلَى أَبِي القاسم عَبْد الرحمن الفوراني، وبمروالروذ عَلَى القاضي حسين. وأخذ ببغداد عَنْ أَبِي إِسْحَاق الشِّيرازيّ، وحجّ ورجع إلى قريته، وأقبل على العبادة والزهد والفتوى.
وسمع عَبْد اللَّه الشّيْرنَخْشِيريّ، وأبا عثمان الصّابونيّ، وجماعة. روى عَنْهُ ابنه عَبْد اللَّه، وأحمد بْن محمد بن بشار. [ص:769]
وتوفي في ربيع الأوَّل.(10/768)
219 - عَبْد الصَّمد بْن موسى بْن هذيل بْن تاجيت، أبو جعفر البَكْريّ [المتوفى: 495 هـ]
قاضي الجماعة بقرطبة.
روى عَنْ أَبِيهِ، وحاتم بْن مُحَمَّد، وناظر عند أبي عمر ابن القطّان الفقيه، وولي قضاء قُرْطُبَة.
وكان لَهُ حظٌّ من الفِقْه والشُّروط، وكان يَؤُمّ النّاس في مسجده، ويلتزم الأذان فيه، واستمّر عَلَى ذلك مدة قضائه، وكان وقورا مسمتا متصاونا، من بيت علم وجلالة، ثم صرف عَن القضاء ولزم بيته إلى أنّ مات في ربيع الآخر وله نحوٌ من سبعين سنة.(10/769)
220 - عَبْد العزيز بْن الحُسين الدّمشقيّ الدّلّال. [المتوفى: 495 هـ]
سمع أبا عَبْد اللَّه بْن سَلْوان، وغيره، ووثَّقهُ أبو مُحَمَّد بْن صابر، روى عَنْهُ عليّ بْن زيد المؤدِّب.(10/769)
221 - عَبْد العزيز بْن عَبْد الوهّاب بْن أَبِي غالب، أبو القاسم القَرَويّ. [المتوفى: 495 هـ]
روى بمكّة، أي سمع بها من القاضي أَبِي الحَسَن بْن صخر، وأبي القاسم عَبْد العزيز بْن بُنْدار.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: حدَّثَ عَنْهُ جماعة من شيوخنا، منهم يحيى بْن موسى القُرْطُبيّ، وعليّ بْن أحمد المقرئ، وقال: كَانَ شيخًا جليلًا لَهُ روايات عالية، قدِم علينا غرناطة، وكتب إليَّ أبو عليّ الغسّانيّ يَقُولُ: إنّه قدِم عليكم رَجُل صالح عنده روايات، فخُذْ عَنْهُ ولا يفوتك.
تُوُفّي في ذي القعدة.(10/769)
222 - عَبْد الواحد بْن عَبْد الرحمن بن القاسم بن إسماعيل، أبو مُحَمَّد الزُّبَيْريّ الوَرْكيّ الفقيه الزّاهد. [المتوفى: 495 هـ]
ذكره أبو سعد السمعاني وقال: عمر مائة وثلاثين سنة، وبين كتابته [ص:770] الإملاء عن أبي ذر عمار بن محمد وبين موته مائة وعشر سِنين، رحل النّاس إِلَيْهِ من الأقطار، وروى عَنْ عمّار، وعن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن يزداد الرازي، وإسماعيل بن الحسين البخاري، وإسحاق بن محمد بن حمدان المهلبي، وأحمد بن محمد بن سليمان الجوري.
روى عنه جماعة من شيوخ ابن السّمعانيّ، وقال: قبره بوركي عَلَى فرسخين من بخارى، زرت قبره.
قلت: هذا لا نظير لَهُ في العالم، ولو كَانَ قد سمع بأصبهان أو نَيْسابور ونحوهما لأدرك إسنادًا عظيمًا، ولكنه سمع بما وراء النهر، وما إسنادهم بعالٍ، وقد أدرك والله إسنادا عاليا بمرة، فإن شيخه أبا ذر المذكور روى عَنْ يحيى بْن صاعد، وقد ذكرنا في سنة سبْعٍ وثمانين وثلاث مائة موته.
روى عَنْهُ عثمان بْن عليّ البِيكَنْديّ، وأبو العطاء أحمد بْن أَبِي بَكْر الحمّاميّ، ومُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن عثمان البَزْدَويّ، وأخوه عُمَر الصّابونيّ، ومحمد بن ناصر السرخسي، ومحمود بْن أَبِي القاسم الطُّوسيّ، وخلْق سواهم.
عندي جزءٌ من حديثه بعُلُوّ.
أرّخ السّمعانيّ وفاته في سنة خمس هذه، وقال: هُوَ فقيه إمام زاهد.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ التَّمِيمِيِّ، قال: أخبرنا عثمان بن علي البيكندي، قال: أخبرنا الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِقَرْيَةِ وَرْكِي فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ أربع وتسعين وأربعمائة، قال: حدثنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْفَارِسِيُّ إِمْلَاءً سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِ مِائَةٍ، قال: حدثنا علي بن محمد بن الزبير القرشي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن عفان، قال: حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، قال: حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ عَمْرَو بْنَ الْحَمِقِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ، فَقِيلَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: وما [ص:771] عَسَلُهُ؟ قَالَ: فُتِحَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يُرْضِي عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ.(10/769)
223 - عثمان بْن عَبْد اللَّه، أبو عَمْرو النَّيْسابوريّ الجوهريّ، [المتوفى: 495 هـ]
نزيل بغداد.
قَالَ: حضرت مجلس أَبِي بَكْر الحِيّريّ، وصحِبْت أبا عثمان الصّابونيّ، وصحبت بصور الفقيه سُلَيْم بْن أيّوب، وبمصر أبا عبد الله القضاعي، روى السلفي عنه وسأله في هذه السّنة عَنْ سِنِّه، فقال: جاوزت التسعين.(10/771)
224 - عليّ بْن عَبْد الواحد بْن فاذشاه، أبو طاهر الأصبهاني. [المتوفى: 495 هـ]
سمع أبا نُعَيْم، وهارون بْن مُحَمَّد، وعنه السِّلَفيّ.
وبقي إلى هذه الحدود.(10/771)
225 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَصِيدة، أبو الحَسَن البغداديّ الغزّال، [المتوفى: 495 هـ]
أحد القرّاء الحذّاق.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: كَانَ آخر من يذكر أَنَّهُ قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي.(10/771)
226 - محمد بن أحمد بن محمد ابن الكامخي، أبو عبد الله الساوي. [المتوفى: 495 هـ]
ذكر أبو سَعْد إنّه محدّث مشهور، معروف بالطّلب، رحل وسمع بنفسه، وأكثر، سمع بنَيْسابور أبا بَكْر الحِيّريّ، وأبا سَعِيد الصَّيْرفيّ، وببغداد أبا القاسم هبة اللَّه اللَّالَكائيّ، وأبا بَكْر البَرْقانيّ، روى عَنْهُ إسماعيل بْن مُحَمَّد الحافظ، وغيره، وآخر من روى عَنْهُ أبو زُرْعة المَقْدِسيّ.
قلت: أخبرتنا عَائِشَة بنت المجد عيسى " بجزء سفيان بن عيينة "، عن جدها، عن أَبِي زُرْعة، عَنْهُ، وتُوُفّي في هذه السنة عَلَى ظَنٍّ، أو في حدودها.
وقد حدَّثَ بـ " مُسْنِد الشّافعيّ "، من غير أصل، قَالَ ابن طاهر: سماعه فيما عداه صحيح.
وممّن روى عنه سعيد بن سعد الله الميهني، وأخواه راضية وهبة اللَّه.(10/771)
227 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن عَبْد الواحد، أبو بَكْر الشِّيرازيّ البغداديّ، المعروف بابن الفقيرة. [المتوفى: 495 هـ]
رَجُل صالح من أهل النَّصْريّة، محلّة ببغداد، سمع أبا القاسم بْن بِشْران، روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وغيره.
قَالَ عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ: كَانَ ابن الفقيرة يمضي ويخرّب قبر أَبِي بَكْر الخطيب ويقول: كَانَ كثير التحامل على أصحابنا الحنابلة، فرأيته يومًأ، فأخذت الفأس من يده، وقلت: هذا كَانَ إمامًا كبير الشأن، وتوّبته وتاب، وما رجع إلى ذَلِكَ.
تُوُفّي يوم تاسع المحرَّم.(10/772)
228 - مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز، أبو غالب الرّازيّ البغداديّ، المعروف بابن أخت الْجُنَيْد. [المتوفى: 495 هـ]
سمع أبا القاسم بْن بِشْران، وكان إمام جامع الرّصافة، وكان رجلًا صالحًا، تُوُفّي في المحرَّم.
روى عَنْهُ عُمَر بْن ظَفَر، وعبد الوهّاب الأنماطي والسلفي، وقع لنا حديثه في الثالث من " البشرانيات ".(10/772)
229 - مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد اللَّه، أبو ياسر البغداديّ الخيّاط. [المتوفى: 495 هـ]
سمع البَرْقانيّ، وأبا عليّ بْن شاذان، وابن بُكَيْر النّجّار، وأبا القاسم بْن بِشْران، وكان رجلًا خيّرًا، تُوُفّي فِي جُمَادَى الآخرة، رَوَى عَنْهُ أبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو الفضل خطيب المَوْصِل، وجماعة، وسعد الخير الأندلسيّ.(10/772)
230 - مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب، أبو الفرج الكوفي الخزاز، ويعرف بالشعيري. [المتوفى: 495 هـ]
روى ببغداد عَنْ مُحَمَّد بْن عليّ بْن الحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن العَلَويّ، وعنه السِّلَفيّ.(10/772)
231 - مُحَمَّد بْن عليّ، الْإِمَام أبو بَكْر الشّاشيّ. [المتوفى: 495 هـ]
قِيلَ: تُوُفّي في هذا العام، والأصحّ ما تقدَّم وهو سنة خمسٍ وثمانين.(10/772)
232 - مُحَمَّد بْن هبة اللَّه بْن ثابت، الْإِمَام أبو نَصْر البَنْدنَيْجيّ الشّافعيّ، فقيه الحَرَم. [المتوفى: 495 هـ]
كَانَ من كبار أصحاب الشَّيْخ أَبِي إِسْحَاق الشِّيرازيّ، وقد سمع من أَبِي إِسْحَاق البَرْمكيّ، وأبي مُحَمَّد الجوهريّ، وجماعة، روى عَنْهُ إسماعيل بْن محمد بن الفضل الحافظ، ورفيقه أبو سَعْد أحمد بْن مُحَمَّد البغداديّ، وعبد الخالق بْن يوسف.
قَالَ السلفي: سمعت حمد بْن أَبِي الفتح الأصبهاني الشَّيْخ الصّالح بمكّة يَقُولُ: كَانَ الفقيه أبو نَصْر البَنْدنَيْجيّ يقرأ في كلّ أسبوع ستّة آلاف مرّة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص] ويعتمر في رمضان ثلاثين عُمْرة، وهو ضرير يؤخذ بيده.
وقال غيره: توفي بمكة وقد جاوز أربعين سنة، وعاش بضعًا وثمانين سنة، وكان مُفْتيا مدرّسًا، بارعًا، صاحب جدّ وعبادة.(10/773)
233 - مقاتل بن مطكود بْن تمريان، أبو مُحَمَّد السُّوسيّ المغربي الضّرير المقرئ. [المتوفى: 495 هـ]
قدِم دمشق، وقرأ بها عَلَى أَبِي عليّ الأهوازي، وسمع منه، ومن عليّ بْن مُحَمَّد بْن شجاع، وأبي عليّ أحمد بْن عبد الرحمن بْن أَبِي نَصْر، روى عَنْهُ حفيده نَصْر بْن أحمد، وغيره، وقدِم دمشق سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وعمره إحدى وعشرون سنة.
مات في صَفَر.(10/773)
234 - منصور بْن المؤمِّل الغزّال الضّرير، أبو أحمد. [المتوفى: 495 هـ]
سمع ابن غَيْلان، روى عنه أبو البركات السقطي، وأبو طاهر السلفي.
قال الذهلي: توفي في شعبان.(10/773)
235 - يحيى بْن عَبْد اللَّه بْن الحُسين، القاضي أبو صالح الناصحي، [المتوفى: 495 هـ]
ولد قاضي قضاة نَيْسابور.
مدرّس، مفتٍ عَلَى مذهب أَبِي حنيفة، ناب في القضاء مدة،
حَدَّثَ عَنْ: [ص:774] أَبِيهِ، وعن أَبِي حسان المُزَكيّ، وأبي سَعْد عبد الرحمن بن حمدان النصرويي، وعنه ابناه عبد الرحمن وأحمد، ومحمد بْن مُحَمَّد السِّنْجيّ، وإسماعيل العصائديّ.
مات في ذي الحجة، وله سبعون سنة.(10/773)
236 - أبو الحَسَن بْن أَبِي عاصم العَبَّادي الفقيه الشافعي، [المتوفى: 495 هـ]
مصنف كتاب " الرقم " في المذهب.
توفي عَنْ ثمانين سنة، وكان من كبار فقهاء المراوزة، لَهُ ذكر في " الروضة ".(10/774)
-سنة ست وتسعين وأربعمائة(10/775)
237 - أحمد بن الحَسَن بْن الحُسين البغداديّ البزّاز، المعروف بابن المزرر. [المتوفى: 496 هـ]
شيخ صالح، سمع عَبْد المُلْك بْن بِشْران، ومُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن رزْمة، وعنه ابن ناصر، والسِّلَفيّ، وطائفة.(10/775)
238 - أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد، أبو الفتح السُّوذَرْجانيّ الأصبهاني، [المتوفى: 496 هـ]
أخو أَبِي مسعود مُحَمَّد المتوفي سنة أربع وتسعين، وعاش أحمد بعده مدة.
سمع عليّ بْن مَيْلَة الفَرَضِيّ، وأحسَبه آخر من روى عنه، وأبا سعيد النقاش وعلي بن عبدكويه، وأبا بكر بن أبي علي الذّكْوانيّ، وعُمِّر تسعين سنة.
روى عَنْهُ أبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو رُشَيْد إسماعيل بْن غانم البَيِّع، ومحمود بْن أَبِي القاسم بْن حَمَكا.
ثمّ ظفرِتُ بوفاته في صَفَر سنة ستٍّ وتسعين، وآخر أصحابه أبو الفتح الخِرَقيّ، وكان من كبار الأُدباء والنُّحاة بأصبهان، خرَّج لَهُ الحُفّاظ.(10/775)
239 - أحمد بْن عليّ بْن عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بْن سِوار، الأستاذ أبو طاهر البغداديّ، [المتوفى: 496 هـ]
مقرئ العراق، ومصنف كتاب " المستنير في القراءات العشر ".
ولد سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ ثقة أمينًا، مقرئًا فاضلًا، حَسَن الأخذ للقرآن، ختم عَلَيْهِ جماعة كتاب الله، وكتب بخطه الكثير من الحديث، وسمع مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن رزْمة، ومُحَمَّد بْن الحُسين الحرّانيّ، وأبا طَالِب بْن غَيْلان، والتنوخي، وجماعة، وهو والد شيخينا هبة الله ومحمد، حدثنا عَنْهُ أبو الفضل بْن ناصر، والخطيب مُحَمَّد بْن الخضر المُحَوَّليّ، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ.
قلت: وروى عَنْهُ السِّلَفيّ، وجماعة.
قَالَ السّمعانيّ: سألتُ ابن ناصر عَنْهُ، فقال: نبيل، ثبت، متقن [ص:776] أنبؤونا عَنْ حمّاد الحرّانيّ أَنَّهُ سمع السِّلَفيّ يَقُولُ، وذكر ابن سَوَّار: كَانَ فاضلًا عالمًا، من أعيان أهل زمانه في علم القراءات، وله كتاب فيها، سمعناه منه، وقرأ عَلَيْهِ خلْق كثير، وكان ثقة، ثبتًا، أمينًا.
قلت: أَخْبَرَنَا بكتابه " المستنير " أبو القاسم عليّ بْن بَلبان إجازة، بسماعه من أبي طالب ابن القبيطي، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن المقرب سماعا، قال: أخبرنا المؤلِّف سماعًا.
وممّن قرأ عَلَيْهِ القراءات العَشْر أبو عليّ بْن سُكَّرَة، وقال: هُوَ حنفيّ المذهب، ثقة، خيِّر، حبس نفسه عَلَى الإقراء والتحديث.
قلت: وممّن قرأ عَلَيْهِ أبو مُحَمَّد المقرئ سبط الخياط، ومن شيوخه أبو عليّ الشّرْمقانيّ، وعُتْبة العُثْمانيّ، وأسانيده موجوده في صدر كتابه.
قَالَ ابن النّجّار: قرأ القرآن عَلَى أَبِي القاسم فرج بْن عُمَر الضّرير، والقاضي أَبِي العلاء الواسطيَّيْن، وأبي نَصْر بْن مسرور، وعليّ بْن طلحة، وعُتْبة بْن عَبْد المُلْك، والحَسَن بْن عليّ العطّار، وكان إمامًا، ثقة، نبيلًا، قرأ عَلَيْهِ سبط الخياط، والشهرزوري، مات في رابع شعبان.(10/775)
240 - أحمد بن مراون بْن قيصر، أبو عُمَر الأُمَويّ، الزّاهد المعروف بابن اليُمنَالِش، [المتوفى: 496 هـ]
من أهل المَرِيّة.
أخذ عَنْ المُهَلَّب بْن أَبِي صُفْرة، وغيره.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: فاق في الزُّهد والورع أهلَ وقته، وكان العمل أَمْلَك بِهِ، وُلِد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وتوفي في صفر.(10/776)
241 - إِبْرَاهِيم بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد، أبو طاهر السَّلَماسيّ الواعظ. [المتوفى: 496 هـ]
روى عَنْ أَبِي القاسم بْن عَلِيَّك النَّيْسابوريّ، وغيره، روى عَنْهُ هبة الله ابن السَّقَطيّ، وأبو عامر العَبْدَريّ، وولده الواعظ يحيى بْن إِبْرَاهِيم، وآخرون.
وكان شيخًا بهيا، فاضلًا، عظيم اللحية. [ص:777]
قَالَ ابنه: كَانَ أَبِي علّامةً في عِلم الأدب، والتفسير، والحديث، ومعرفة الأسانيد والمُتُون، وأوحد عصره في عِلْم الوعظ والتّذكير، أدرك جماعة من الأئمّة، وكتب بخطّه مائة وخمسين مجلّدًا، وكان من الورع وصِدْق الحديث بمكان، وُلِد سنة ثلاثة وثلاثين وأربعمائة، ومات بخوي في جمادى الآخرة.(10/776)
242 - الحُسين بْن الحُسين بْن عليّ بْن العبّاس، أبو سَعْد الهاشْميّ الفانِيذيّ البغداديّ. [المتوفى: 496 هـ]
سمع أبا علي بن شاذان، روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وابن ناصر، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وآخرون.
أثنى عَلَيْهِ عَبْد الوهّاب، وذكر شجاع الذُّهْليّ أَنَّهُ تغيّر في آخر عمره.
ولد سنة ثمانٍ وأربعمائة، وتوفي في شوال.
قال السلفي: نقص عقله بأخرة.(10/777)
243 - الحُسين بْن مُحَمَّد، أبو عبد الله الكتبي الحاكم، [المتوفى: 496 هـ]
محدث هراة.
توفي عن سبْعٍ وثمانين سنة.
صنف " التاريخ "، وسمع من أَبِي مَعْمَر سالم بْن عَبْد اللَّه، وطبقته من أصحاب الرّفاء، وابن خميرُوَيْه، روى عَنْهُ أبو النَّضْر الفامي، وأهل هَرَاة، وعبد الرّشيد بْن ناصر، وعبد المُلْك بْن عَبْد اللَّه العُمَريّ، ومسعود بْن مُحَمَّد الغانميّ، وعدة.
أثنى عليه ابن السّمعانيّ، وقال: يُعرف بحاكم كرّاسة، لَهُ عناية تامة بالتّواريخ، سمع سَعِيد بْن العبّاس الْقُرَشِيّ، وأبا يعقوب القراب، ولد سنة تسعٍ وأربعمائة، ومات في صفر بهراة.(10/777)
244 - خازم بْن مُحَمَّد بْن خازم، أبو بَكْر المخزومي القرطبي. [المتوفى: 496 هـ]
ولد سنة عشر وأربعمائة، وروى عَنْ يونس القاضي، ومكّيّ بن أَبِي طالب، وأبي محمد الشنتجالي، وأبي القاسم ابن الإفليلي، وجماعة.
قال ابن بشكوال: كان قديم الطَّلب، وافر الأدب، ولم يكن بالضّابط، وكان يخلط في أسمعته، وقفت لَهُ عَلَى أشياء قد اضطّرب فيها. [ص:778]
وكان أبو مروان بْن سراج، ومُحَمَّد بْن فرج الفقيه يضعفانه.
قلت: آخر من روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خليل نزيل مَرّاكش.
قَالَ أبو الوليد ابن الدّبّاغ: كَانَ من جلة أهل الأدب، وله اعتناء بالحديث.(10/777)
245 - سليمان بْن أَبِي القاسم نجاح، مولى أمير المؤمنين بالأندلس المؤيد بالله ابن المستنصر الأُمَويّ، الأستاذ أبو دَاوُد المقرئ. [المتوفى: 496 هـ]
سكن دانيَة، وَبَلَنْسِيَة، قرأ القراءات عَلَى أَبِي عَمْرو الدّانيّ، وأكثر عَنْهُ، وهو أثبت النّاس فيه، وروى عن أبي عمر بن عبد البر، وأبي العبّاس العُذْريّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن سعدون القَرَويّ، وأبي شاكر الخطيب، وأبي الوليد الباجيّ، وغيرهم.
قرأ عَلَيْهِ خلْق كثير، وأخذوا عَنْهُ، منهم: أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الحَسَن بن محمد بن سعيد ابن غلام الفَرَس، وأبو عليّ بْن سُكَّرَة، وأبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عاصم الثَّقْفيّ، وأحمد بْن عليّ بْن سَحْنُون المُرْسي، وإبراهيم بن أحمد بن خلف بن جماعة البَكْريّ الدّانيّ، وجعفر بْن يحيى المعروف بابن غتّال، ومُحَمَّد بْن عليّ النوالشيّ، وعبد اللَّه بْن الفَرَج الزُّهَيْريّ، وأبو الحَسَن عليّ بْن هذيل، وأبو نَصْر فتح بْن خَلَف البَلَنْسِيّ، وأبو نصر فتح بن يوسف بن أبي كبة البلنسي، وأبو داود سليمان بْن يحيى القُرْطُبيّ، وآخرون.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كَانَ من جِلّة المقرئين وفُضَلائهم وخِيارهم، عالمًا بالقراءات ورواياتها وطرقها، حسن الضبط، دينا، ثقة فيما رواه، له تواليف كثيرة في معاني القرآن العظيم وغيره، وكان حسن الخط، جيد الضِّبْط، أَخْبَرَنَا عَنْهُ جماعة ووصفوه بالعِلْم، والفضل، والدّين، وتُوُفّي ببَلَنْسِيَة، في سادس عشر رمضان، وكان مولده في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وأحفل النّاس بجنازته، وتزاحموا عَلَى نعشه.
قلت: وقرأت بخطّ بعض أصحاب أَبِي دَاوُد: تسمية الكُتُب الّتي صنّفها أبو دَاوُد: كتاب " البيان الجامع لعلوم القرآن "، في ثلاث مائة جزء؛ وكتاب " التبيين بهجاء التنزيل "، في ستٍّ مجلدات؛ وكتاب " الرَّجْز " المسمّى [ص:779] " بالاعتماد " الذي عارض بِهِ المقرئ أبا عَمْرو في أصول القرآن وعُقُود الدّيانة، عشرة أجزاء، وهو ثمانية عشر ألف بيت وأربعمائة وأربعون بيتًا، وكتاب الجواب عَنْ قوله {حَافِظُوا على الصلوات والصلاة الوسطى}، مجلد، وذكر تتمة ستة وعشرين مصنفا.(10/778)
246 - عبد الباقي بن محمد بن محمد ابن الشروطي. [المتوفى: 496 هـ]
سمع ابن غيلان، وعنه السلفي، مات فجاءة في رجب.(10/779)
247 - عَبْد الرَّحْمَن بْن الحُسين بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أبو الحُسين بْن أَبِي القاسم الحِنّائيّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 496 هـ]
سمع الكثير من أَبِيهِ، ومن أَبِي عليّ الأهوازيّ، وأبي عَبْد اللَّه بْن سَلْوان، وجماعة كثيرة.
قَالَ ابن عساكر: حدثنا عَنْهُ أبو عَبْد اللَّه النَّسائيّ، وأبو الحُسين الأبّار.
وثّقه أبو مُحَمَّد بْن صابر، وقال: سألته عَنْ مولده، فقال: في رجب سنة أربعين وأربعمائة، وتوفي في ذي القعدة.
قلت: وروى عَنْهُ سليمان بْن عليّ الرَّحْبيّ المُتَوَفَّى سنة سبعٍ وستين وخمس مائة في دمشق.(10/779)
248 - عُبَيْد اللَّه بْن طاهر بْن الحُسين، الشَّيْخ أبو الحَسَن الرَّوَقيّ، [المتوفى: 496 هـ]
سِبْط أَبِي بَكْر بْن فُورَك.
من علماء طُوس، عُمِّر دهرًا في صيانةٍ وعِلْم، سمع أَبَاهُ، وأبا عَبْد اللَّه بْن باكُوَيْه الشِّيرازيّ، وأبا مُحَمَّد الْجُوَينيّ، وأبا عثمان الصّابونيّ.
مات في رمضان.
قَالَ عَبْد الرحيم ابن السّمعانيّ: روى لنا عَنْهُ أبو حامد مُحَمَّد بْن الفضل الطّابَرَانيّ، والمُوَفَّق بْن مُحَمَّد الصّكّاك، وأبو طاهر السِّنْجيّ، وسعد بْن عُبَيْد، عاش ثمانين سنة.(10/779)
249 - عليّ بْن أحمد بْن عُمَر ابن الخل، أبو الحَسَن الكَرْخيّ البغداديّ. [المتوفى: 496 هـ][ص:780]
سمع أحمد بن عبد الله ابن المَحَامليّ، وعبد المُلْك بْن بِشْران، وغيرهما، روى عَنْهُ عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، والمظفر بْن جَهِير، ويحيى بْن ثابت، وأبو عليّ أحمد بْن مُحَمَّد الرَّحْبيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وغيرهم.
وأحسبه قرابة الفقيه أبي الحسن محمد بن الخل.
توفي في جمادى الآخرة، وله ثمان وسبعون سنة.
والخل: بفتح الخاء.(10/779)
250 - عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد، أبو الحسن ابن الدُّوش، ويقال: الدّشّ، الشّاطبيّ المقرئ. [المتوفى: 496 هـ]
روى القراءات عن أبي عمرو الداني تلاوة، وسمع منه، ومن أَبِي عُمَر بْن عَبْد البَرّ، وغيرهما.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: أقْرَأَ النّاس وأسمعهم الحديث، وكان ثقة فيما رواه، ثبتًا فيه؛ دَيِّنًا، فاضلًا، تُوُفّي في رابع شَعْبان بشاطبة.
قلت: قرأ عَلَيْهِ القراءات: أبو عَبْد اللَّه محمد بن الحسن ابن غلام الفَرَس، وأبو داود سليمان بْن يحيى بْن سَعِيد القُرْطُبيّ، وإبراهيم بْن مُحَمَّد بْن خليفة النِّفْزيّ الدّانيّ، وعلي بْن مُحَمَّد بْن أَبِي العَيْش الطَّرْطُوشيّ ثمّ الشّاطبيّ، ومُحَمَّد بْن عليّ بْن خَلَف التُّجَيْبيّ، وآخرون، وإبراهيم من آخرهم وفاةً.(10/780)
251 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن فُورَجَة، أبو الحسن الأصبهاني التّاجر. [المتوفى: 496 هـ]
يروي عَنْ عليّ بْن عَبْدكَويْه، وغيره، تُوُفّي يوم عاشوراء، وروى عَنْ أَبِي بَكْر الذّكْوانيّ، والجمّال، وجماعة.(10/780)
252 - الفَرَج بْن مُحَمَّد بْن المقرون النّجّار. [المتوفى: 496 هـ]
بغداديّ،
سمع عَبْد اللَّه بْن شاهين، وأبا مُحَمَّد الخلّال، روى عَنْهُ هبة اللَّه السَّقَطيّ.
تُوُفّي في ذي القعدة.(10/780)
253 - مُحَمَّد بْن عَبْد الجبّار بْن مُحَمَّد الضَّبّيّ الفُرْسانيّ الأصبهاني، أبو العلاء. [المتوفى: 496 هـ]
شيخ صالح مُكْثِر، سمع أبا بَكْر بْن أَبِي عليّ الذّكْوانيّ، وأبا القاسم الأَسْترَاباذيّ، روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وأبو سعد أحمد بن محمد ابن البغداديّ، وجماعة.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
وهو من قرية فُرْسان بالضّمّ والكسْر؛ وقد ذكره ابن نقطة، فقال: حدث عن علي بن عبدكويه، والجمال، وسمع منه السلفي " مسند الطيالسي " بسماعه من الحسين بن إبراهيم الجمال، وحدَّثَ عَنْهُ أبو نَصْر أحمد بْن مُحَمَّد الطرقي، ومحمد بن طاهر الكَوّاز، وإسماعيل بْن مُحَمَّد بْن أحمد الرناني.
وكان يروي أبوه أيضًا عَنْ أَبِي بَكْر ابن المقرئ، ومات قبل أَبِي نُعَيْم الحافظ.(10/781)
254 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن كادش، أبو ياسر الحنبلي المحدِّث، [المتوفى: 496 هـ]
أخو أبي العِزّ.
قرأ الكثير بنفسه، ونَسَخَ، وحصّل، وسمع أقضى القضاة أبا الحسن الماوردي، وأبا محمد الجوهري، وأكثر عن طراد وابن البطي، وطبقتهما.
وهو من شيوخ السِّلَفيّ، وكان قارئ أهل بغداد والمستملي بها، وكان يلْحن قليلًا، وله صوت جهوريّ.(10/781)
255 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه، أبو طاهر الكَرّانيّ الأصبهاني. [المتوفى: 496 هـ]
سمع ابن أَبِي عليّ الذّكْوانيّ، وغيره، وحدَّثَ.(10/781)
256 - مُحَمَّد بْن عُمَر بْن إِبْرَاهِيم بْن جعفر، أبو بَكْر الأصبهاني ابن عزيزة الفقيه. [المتوفى: 496 هـ]
روى عَنْ ابن فاذشاه، وابن ريذة، وأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد الذكواني، وعبيد الله بن المعتز، وأبي ذَرّ الصّالحانيّ، وجماعة، وعنه أبو سَعِيد [ص:782] محمد بن حامد، وأبو طاهر السلفي، وإسماعيل بن محمد الطلحي.(10/781)
257 - محمد بن المنذر بن طيبان بْن المُنْذِر، أبو البركات الكَرْخيّ المؤدِّب. [المتوفى: 496 هـ]
سمع أبا القاسم بْن بِشْران، وهو أحد شيوخ السِّلَفيّ في بعض أمالي ابن بِشْران، وروى عنه أيضا إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ.
وتُوُفّي في صَفَر.
قَالَ أبو سَعْد السّمعانيّ: سَمِعْتُ ابن ناصر يقول: إنه كَانَ كذابًا.
وقال السِّلَفيّ: هُوَ مُسْتَفاد مَعَ ظبيان.(10/782)
258 - معالي العابد، [المتوفى: 496 هـ]
أحد الزُّهاد المنقطعين إلى الله.
كان مقيما بمسجد ببغداد، وتُحكى عَنْهُ كرامات ومجاهدات.
قَالَ أبو مُحَمَّد سبط الخياط: كَانَ لا ينام إلّا جالسًا، ويلبس ثوبًا واحدًا في الصيف والشّتاء، فإذا بُرْد شدّ المئزر على كتفيه.
مات في ذي الحجة.(10/782)
259 - نَصْر بْن عَبْد الجبّار بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو منصور التّميميّ الْقَزْوينيّ الواعظ. [المتوفى: 496 هـ]
سمع أبا يَعْلَى الخليل بْن عَبْد اللَّه الحافظ، وأبا بَكْر أحمد بْن الخضر القَزْوينيّ، وجماعة، وببغداد أبا مُحَمَّد الجوهريّ، وابن الفتح العشاري، وسمع بأماكن، وجمع لنفسه معجما، وكان من أهل الفضل والدين.
وقدم بغداد في هذه السنة، وهو آخر العهد بِهِ.
روى عنه إسماعيل بن محمد الحافظ، والمعمر ابن البَيِّع، والسِّلَفيّ، وقال: هُوَ محدِّث ابن محدّث ابن محدث، وبيتهم بقزوين كبيت بني مندة [ص:783] بأصبهان، وكبيت أولاد السّمعانيّ بمَرْو، وسألته عَنْ مولده، فقال: في سنة خمسٍ وعشرين وأربعمائة.(10/782)
260 - يحيى بْن إِبْرَاهِيم بْن أَبِي زيد، أبو الحسين اللَّوَاتيّ المُرْسِي، المعروف بابن البيّاز. [المتوفى: 496 هـ]
روى القراءات عن مكي بن أبي طالب، وأبي عمرو الدّانيّ، وجماعة، ورحل إلى المشرق.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: حجّ ولقي بمصر عَبْد الوهّاب القاضي المالكيّ، وأخذ عَنْهُ " التّلقين " من تأليفه، وأقرأ النّاس القرآن، وعُمّر وأَسَنَّ.
قلت: وسمع القراءات من عَبْد الجبار بْن أحمد الطَّرَسُوسيّ، وهو آخر من روى عَنْهُمَا.
قَالَ الحافظ أبو القاسم خَلَف بْن بَشْكُوَال: أَخْبَرَنَا عَنْهُ جماعة من شيوخنا، وسمعتُ بعضهم يضعِّفه وينسبه إلى الكذب وادّعاء الرّواية عَنْ أقوامٍ لم يَلْقَهَم ولا كاتبوه، ويشبه أنّ يكون ذَلِكَ في وقت اختلاطه، لأنّه اختلط في آخر عُمره، تُوُفّي بمرسية في ثالث المحرَّم وله تسعون سنة.
قلت: روى عَنْهُ القراءات: أبو عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الدّانيّ، وعلي بْن عَبْد الله بن ثابت الخزرجي، وأبو داود سليمان بْن يحيى بْن سَعِيد المقرئ، وآخرون.
وقد وقع إسناده بالقراءات عاليا للإمام عَلَم الدين القاسم الأندلسيّ، فإنه تلا بها عَلَى أَبِي جعفر الحصّار، عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن سَعِيد المذكور.
وقد روى " الموطّأ " عَنْ يونس بْن عَبْد اللَّه بْن مُغيث.(10/783)
261 - يحيى بْن منصور، أبو زكريّا الصُّوفيّ الْجَنْزيّ، [المتوفى: 496 هـ]
والد الْإِمَام مُحَمَّد بن يحيى الفقيه.
سكن نيسابور، ونَفَقَ عَلَى نظام المُلْك، وصادِهُ بحُسْن كلامه، وسيرته قصيرة، شيخ رباطه، تُوُفّي في رمضان بنيسابور.(10/783)
-سنة سبع وتسعين وأربعمائة(10/784)
262 - أحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن يونس، الخطيب أبو الحَسَين المَقْدِسيّ. [المتوفى: 497 هـ]
سمع ببلده أبا الغنائم مُحَمَّد بن محمد ابن الفرّاء، وأبا عثمان بْن ورقاء، وأبا زكريّا عَبْد الرحيم الْبُخَارِيّ، سمع منه عَبْد الرَّحْمَن، وعبد اللَّه ابنا صابر، وتُوُفّي بدمشق.(10/784)
263 - أحمد بْن بُنْدار بْن إِبْرَاهِيم، أبو ياسر البقّال القطان، [المتوفى: 497 هـ]
أخو أبي المعالي ثابت.
سمع بشرى الفاتِنيّ، وأبا عليّ بْن دُوما، وأبا طاهر مُحَمَّد بْن عليّ العلّاف، وجماعة، روى عَنْهُ عَبْد الوهّاب الأنماطي، وأبو المُعَمَّر المبارك بْن أحمد وأثنيا عَلَيْهِ، وشُهْدَة، والسِّلَفيّ، وجماعة.
ومات في رجب.(10/784)
264 - أحمد بْن عليّ بْن الحُسين بْن زكريّا، أبو بَكْر الطُّرَيْثيثيّ، ثمّ البغداديّ الصُّوفيّ المعروف بابن زَهْراء. [المتوفى: 497 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: شيخٌ لَهُ قَدَمٌ في التَّصَوُّف، رأى المشايخ وخدمهم، وكان حَسَن التّلاوة، صحب أبا سَعْد النَّيْسابوريّ، وسمع أباه، وأبا الحُسين القطّان، وأبا القاسم اللالكائي الحافظ، وأبا القاسم الحرفي، وأبا الحسن بن مخلد، وأبا علي بن شاذان، وجماعة.
قلت: روى عنه أبو القاسم ابن السمرقندي، وابن ناصر، وأبو الفتح ابن البطي، وأبو طاهر السلفي، وطائفة آخرهم موتا أبو الفضل خطيب الموصل، وسمع منه الكبار: عبد الغافر الألمعي، وهبة الله الشيرازي، وعمر الرواسي، وابن طاهر المقدسي.
قال السمعاني: صحيح السماع في أجزاء، لكنه أفسد سماعاته بأنْ روى منها شيئًا، وادّعى أَنَّهُ سمعه من أبي الحَسَن بْن رزقويه، ولم يصح سماعه منه. [ص:785]
وقال فيه شجاع الذُّهْليّ: مُجْمَعٌ عَلَى ضعفه، وله سماعات صحيحة خلط بها غيرها.
وقال أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ: دخلت عَلَى أحمد بْن زهراء الطُّرَيْثيثيّ وهو يقرأ عَلَيْهِ جزءٌ من حديث ابن رزقويه، فقلت: متى ولدت؟ فقال: في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، فقلت: وابن رزقوَيْه في هذه السنة تُوُفّي، وأخذت الجزء من يده، وقد سمعوا فيه، فضربت عَلَى التسميع، فقام وخرج من المسجد.
وقال ابن ناصر: كَانَ كذابًا لا يُحْتَجّ بروايته.
قلت: ولهذا كان السلفي يقول: أخبرنا الطريثيثي من أصل سماعه.
وقال في معجمه: هذا أجلّ شيخ شاهدته ببغداد، من شيوخ الصُّوفيّة، وأكثرهم حُرْمَة وهَيْبة عند أصحابه، قد اقتدى بأبي سَعِيد بْن أَبِي الخير الميهني فيما أظن، وأخبرنا عَنْ جماعة لم يحدثنا عَنْهُمْ سواه، ولم نقرأ عَلَيْهِ إلّا من أصول سماعه، وهي كالشّمس وُضُوحًا، وكُفّ بَصَرُه بآخره، وكتب لَهُ أبو علي الكرماني الصوفي أجزاء طرية، فحدث بها اعتمادًا عَلَيْهِ، ولم يكن ممن يعرف طريق المحدثين ودقائقهم وإلا فكان من الثْقات الأثبات.
وذكره ابن الصّلاح في " طبقات الشّافعيّة ".
وقال أبو المُعَمَّر الْأَنْصَارِيّ: مولده في شوّال سنة إحدى عشرة، وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
قلت: قرأت بخطّ السِّلَفيّ أَنَّهُ سمع الطُّرَيْثيثيّ يَقُولُ: وُلِدتُ في شوّال سنة اثنتي عشر وأربعمائة.(10/784)
265 - أحمد بْن عليّ بْن الحُسين، أبو المعالي ابن الحدّاد البغداديّ الدّلّال المستعمل. [المتوفى: 497 هـ]
سمع أبا عليّ بْن المذهب، والعشاريّ، والجوهريّ، وعنه أبو نَصْر اليونارتي، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
مات في ربيع الآخر ببغداد.(10/785)
266 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بْن حمزة، القاضي أبو الحَسَن الكوفيّ، الثَّقْفيّ. [المتوفى: 497 هـ][ص:786]
سمع أبا طاهر مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن الحسين الصّبّاغ، ومُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن فدوَيْه، ومُحَمَّد بْن عليّ بْن الحَسَن العَلَويّ، وطائفة، وتفقّه على قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني ببغداد، وسمع ببغداد من البَرْمكيّ، وأحمد بْن محمد بن حبيب القادسي.
روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو الحسن ابن الخل الفقيه، والسِّلَفيّ.
وثّقه عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ.
وقال أبي النرسي: توفي في سادس عشري رجب.
قلت: وله خمسٌ وسبعون سنة.(10/785)
267 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن بِشْرُوَيْه الأصبهاني. [المتوفى: 497 هـ]
قد مرّ في سنة إحدى وتسعين، وقال يحيى بْن مَنْدَهْ: مات في صَفَر سنة سبعٍ.(10/786)
268 - أحمد بن محمد بن الحسن العكبري ثم الواسطي المقرئ، أبو الحَسَن. [المتوفى: 497 هـ]
قرأ القراءات عَلَى أصحاب أَبِي عليّ بْن عَلّان، وسمع الحَسَن بْن موسى الغَنْدَجانيّ، وقدِم بغداد فقرأ بها عَلَى سليمان بْن أحمد السرقسطي، ورزق اللَّه التميمي، وسمع أبا القاسم البُسْريّ.
واقرأ النّاس، وهو الّذي سمع مُحَمَّد بْن عليّ الكتّانيّ المحتسب، ولمّا مات رثاه خميس الحوزيّ.
روى عنه الكتّانيّ المذكور.(10/786)
269 - أرتاش، ويقال: ألتاش، ابن السّلطان تُتُش بْن ألْب رسلان، [المتوفى: 497 هـ]
أخو صاحب دمشق دُقَاق.
سجنه أخوه ببَعْلَبَكّ، فلمّا مات دُقاق أطلقه الأمير طُغْتِكِين وأقدمه دمشق، وأقامه في السَّلْطَنَة في هذه السّنة، ثمّ خرج سرًّا بعد ثلاثة أشهر لأمر تخيله من طُغْتِكِين، فذهب إلى بَغْدَوِين ملك الفرنج طمعًا في أنّ يكون لَهُ [ص:787] ناصرًا، فلم يحصل منه على أمل، فتوجّه على الرحبة إلى الشرق، فهلك هناك.(10/786)
270 - أردشير بْن أَبِي منصور، الأمير أبو الحُسين المروزي العبادي الواعظ. [المتوفى: 497 هـ]
قدم نيسابور ووعظ فأبدع وأعجب المستمعين بحُسْن إيراده، ونُكَت أنفاسه، وملاحة قصصه، وظهر لَهُ القبول عند الخاصّ والعامّ بغرابة إشاراته، ووقْع كلماته المطابقة لجلالته، وكان لَهُ سكونٌ وهَيْبة وأَناة وتُؤَدَة، وطريقة غريبة في تمهيد كلام سَنيِّ غير مسبوق عَلَى نَسَقٍ واحدٍ، مشحون بالإشارات الدّقيقة والعبارات الرّشيقة الحُلْوة.
خرج إلى العراق، ولقي ببغداد قَبُولًا بالغًا، ثمّ عاد إلى نَيْسابور، وأقام بها مدّة، وسُلِّم إِلَيْهِ المدرسة بباب الجامع المَنِيعيّ، فسكنها، ولم يزل قبوله في ازدياد، وسمع الحديث في كبره، ولم يحدث، ومات كهلًا في جُمَادَى الآخرة.
قَالَ ابن النّجّار: هو والد الواعظ المشهور أبي منصور المظفّر، قدِم أبو الحُسين الأمير بغداد سنة خمس وثمانين وأربعمائة ليحج، فحج وعاد ووعظ، وازدحموا عليه، وازداد التعصب له إلى أنّ مُنِع من الجلوس فردّ إلى بلده، وكان بديع الألفاظ، حُلْو الإيراد، غريب النُّكَت، سمع من أَبِي الفضل بْن خَيْرُون، وغيره، وحدَّثَ بمَرْو.
قَالَ ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ عليّ بْن عليّ الأمين يَقُولُ: اتّفق أنّ واحدًا بِهِ عِلّة جاء إلى العَبّاديّ، فقرأ عَلَيْهِ شيئًا فعُوفي، فمضيت معه إلى زيارة قبر أحمد، فلمّا خرجنا إذا جماعة من العُميان والزمني عَلَى الباب، فقالوا للأمير: نسألك أنّ تقرأ علينا، فقال: لست بعيسى ابن مريم، وذلك قولٌ وافق القدر، وقيل: إنّ بعض النّاس دخل عَلَى العَبّاديّ، فقال لَهُ: قم واغتسل، فقام، وكان جُنُبًا، وجاء عَنْهُ زُهْد وتعبُّدٌ، وتكلّم عَلَى الخواطر، وتاب عَلَى يده خلْق كثير، وكان أمارا بالمعروف، مريقا للخمور، مُكَسِّرًا للملاهي، وصَلُح أهل بغداد [ص:788] تِلْكَ الأيام بِهِ، واللَّه يرحمه ويغفر لَهُ.(10/787)
271 - إسماعيل بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو عليّ النَّيْسابوريّ القلانسي، عُرِف بالتُّرْكيّ. [المتوفى: 497 هـ]
شيخ صالح، سمع من أَبِي سَعِيد الصَّيْرفيّ، وعنه عُمَر بْن أحمد الصّفّار، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد السنجي، وأبو الأسعد ابن القُشَيْريّ.
مات في المحرَّم، وهو في عشر المائة.(10/788)
272 - إسماعيل بن علي بن حسين، الشَّيْخ أبو عليّ الجاجَرْميّ النَّيْسابوريّ الأصمّ الزّاهد. [المتوفى: 497 هـ]
كَانَ حَسَن الطّريقة صالحًا واعظًا، وُلِد سنة ست وأربعمائة، وسمع أبا عَبْد اللَّه بْن باكُوَيْه الشِّيرازيّ، وأبا بَكْر أحمد بْن مُحَمَّد بْن الحارث، وأبا سَعِيد فضل اللَّه بْن أَبِي الخَير المِيهَنيّ، وعبد القاهر بْن طاهر التَّميميّ، وأبا عثمان الصابوني، وجماعة.
وخرج له أبو صالح المؤذن فوائد؛ روى عنه إسماعيل ابن السَّمَرْقَنْديّ، وجماعة من شيوخ السّمعانيّ، وقال: دفن عند ابن خُزَيْمة.
وذكره عَبْد الغافر فقال: شيخ ظريف، خفيف الحركة، اشتغل مدّة بنَيْسابور، وكان واعظًا بكاءً، حصل لَهُ قبول زائد، توفي في المحرم.(10/788)
273 - إسماعيل بن أبي الفضل محمد بن عثمان: أبو الفَرَج القُومسانيّ، ثمّ الهَمَذانيّ، الحافظ، [المتوفى: 497 هـ]
شيخ هَمَذَان.
قَالَ شِيرُوَيْه: هُوَ شيخ البلد والمشار إِلَيْهِ بالصَّلاح والدّيانة، روى عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّد بْن عثمان بْن أحمد بْن مَزْدِين، وجدّه عثمان، وابن هُبَيْرة، وعُمَر بْن جاباره الأَبْهَريّ، وأبي الحسين ابن المهتدي بالله، والصريفيني، وابن النقور، وابن غزو النَّهاوَنْديّ، وهارون بْن طاهر بْن ماهلة، وطائفة، وكان حافظًا ثقة صدوقًا، حَسَن المعرفة بالرجال والمُتُون، أمينًا مأمونًا، وحيد عصره في حفظ شرائع الإسلام وشعاره، وكان ابن ثمانٍ وخمسين سنة، توفي في المحرم، وتوليت غسله. [ص:789]
قلت: قال السمعاني: حدثنا عَنْهُ غير واحد، وهو القائل لابن طاهر المقدسي: ثلاثة لا أحبّهم لتعصّبهم: الحاكم، وأبو نعيم، والخطيب، وذكره السلفي فيمن أجاز له، وأنه مشهور بالمعرفة التامة بالحديث.(10/788)
274 - جامع بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الحميد، أبو سهل الجرباراني النيسابوري. [المتوفى: 497 هـ]
قال السمعاني: ثقة، صالح، سمع علي بن مُحَمَّد الطّرَازِيّ.
روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن مُحَمَّد السنجي، وغيره.(10/789)
275 - الحَسَن بْن الحُسين بْن مُحَمَّد، أبو مُحَمَّد الكِلَابيّ الدّمشقيّ، رئيس دمشق المعروف بابن الصُّوفيّ. [المتوفى: 497 هـ]
سمع مُحَمَّد بْن عَوْف المُزَنيّ، وحدَّثَ باليسير؛ وأصلهم من حلب، وإنما لقب بالصوفي لأنه كان يقصر ثيابه.(10/789)
276 - الحسن بن عبد الملك بن محمد بن يوسف، أبو مُحَمَّد اليُوسُفيّ البغداديّ [المتوفى: 497 هـ]
ابن الشَّيْخ الأَجَلّ.
سمع ابن غيلان، وأبا إسحاق البَرْمكيّ،، وجماعة، وحدث، روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وابن الخل، وجماعة، وكان ذا أموال وحشمة.(10/789)
277 - الحُسين بْن إِبْرَاهِيم بْن أحمد، أبو عَبْد اللَّه الأصبهاني النَّطَنزِيّ الأديب. [المتوفى: 497 هـ]
صاحب التّصانيف الأدبية، وله النَّظْم والنَّثْر، سمع أبا بَكْر بْن ريذة، وغيره، وحدَّثَ، أظنّ أنّ السِّلَفيّ روى عَنْهُ.
قَالَ يحيى بْن مَنْدَهْ: مات في المحرَّم.(10/789)
278 - الحُسين بْن عليّ بْن أحمد بْن مُحَمَّد، أبو عبد الله ابن البسري البُنْدار. [المتوفى: 497 هـ]
محدِّث بغداد وابن محدّثها، كَانَ رجلًا صالحًا، تفرّد بالرّواية عَنْ عَبْد اللَّه [ص:790] السُّكّريّ، وسمع أيضًا من أَبِي الحَسَن بْن مَخْلَد وغيره.
روى عَنْهُ أبو عليّ بْن سكرة، وسعد الخير الْأَنْصَارِيّ، والسِّلَفيّ، وشُهْدَة، وأبو الفتح بْن شاتيل، وأبو هاشم الدوشابي، وآخرون كثيرون، آخرهم ابن شاتيل.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، ووُلِد سنة تسعٍ أو عشر.
قَالَ السِّلَفيّ: لم يرو لنا عَن السُّكّريّ سواه، قال: وروى عَنْ ابن مَخْلَد، والبَرْقانيّ، وأبي عليّ بْن شاذان.(10/789)
279 - دُقَاق، شمس الملوك أبو نَصْر بْن تُتُش بْن ألْب أرسلان. [المتوفى: 497 هـ]
ولي دمشق بعد قتل أبيه تاج الدولة، وذلك في سنة سبْعٍ وثمانين، وكان دُقاق بحلب، فراسَلَه خادمُ أَبِيهِ ونائبه بقلعة دمشق سرًا من أخيه رضوان ملك حلب، فخرج دقاق وقدم دمشق فتملكها، ثم عمل هو والأتابك طغتكين زوج أمه على خادم أبيه المذكور، واسمه ساوتكين، فقتلاه، ثمّ إنّ رضوان قدِم دمشق وحاصرها، فلم يقدر عليها، فرجع، ثمّ إنّ دُقَاق عرض لَهُ مرضٌ تطاول بِهِ إلى أنّ تُوُفّي في ثامن عشر رمضان، فغلب طُغْتِكِين عَلَى دمشق.
وأقام في اسم الملك ابن دقاق طفلا لَهُ سنة، ثمّ مات الطفل بعد قليل واستقل الأتابك ظهير الدين طُغْتِكِين بمملكة دمشق وأعمالها.
وقيل: إنّ أمّ دُقَاق رتّبت لَهُ جاريةً فسمَّت لَهُ عُنْقُودَ عنب نقبته بإبرة فيها خيط مسموم، ثمّ أطعمته، فندمت بعد ذلك أمه، وتهرى جوفه، ومات ودفن بخانكاه الطواويس.(10/790)
280 - زيد بْن عليّ بْن عَبْد اللَّه، أبو القاسم الفَسَويّ الفارسي النَّحْويّ. [المتوفى: 497 هـ]
ذكر أنّ أبا عليّ الفارسيّ النَّحْويّ خاله، فلعلّه خال أَبِيهِ أو أمّه، وإلّا فما يُمكن أنّ يكون أبو عليّ أخا أمّه لقِدَم زمانه، قدِم الشّام، وأخذ النّاس عَنْهُ بحلب، وسكن دمشق مدة، وأملى بها " شرح الإيضاح " لأبي عليّ، " وشرح الحماسة "، وحدَّثَ عَنْ أَبِي الحَسَن بْن أَبِي الحديد، سمع منه عُمَر الدهستاني، وأبو المفضل يحيى الْقُرَشِيّ. [ص:791]
وكانت وفاته بأطْرَابُلُس، وقرأ عَلَيْهِ بحلب أبو البركات عُمَر بْن إِبْرَاهِيم العَلَويّ الكوفي كتاب " الإيضاح "، ورواه عنه.(10/790)
281 - طاهر بْن أسد بْن طاهر بْن عليّ بْن هاشم بْن نزار، أبو ياسر الطّبّاخ الأَجَمِيّ الشِّيرازيّ ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 497 هـ]
وُلِد سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وسمع أبا القاسم بْن بِشْران، وعبد الباقي بْن مُحَمَّد الطّحّان، روى عَنْهُ أبو القاسم ابن السمرقندي، وأبو المعمر المبارك بن أحمد، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وآخرون، وقع لنا حديثه عاليا.
وقد قَالَ السّمعانيّ: كَانَ يُعرف النّجوم، وكان متميزًا، سكن دار الخلافة، وكان صاحب الفنجان للصّلوات والساعات، توفي في منتصف رجب.(10/791)
282 - عَبْد اللَّه بْن إسماعيل، أبو مُحَمَّد الإشبيليّ. [المتوفى: 497 هـ]
قال ابن بشكوال: كان من أهل العلم التّام والحفظ للحديث والفقه، كَانَ يميل في فقهه إلى النظر واتباع الحديث، وكان متقشفًا، سكن المغرب مدة، وولي قضاء أغْمات، ثمّ نقل إلى قضاء الحضرة، فتقلدها إلى أنّ تُوُفّي، وكان مشكور السيرة، حَسَن المخاطبة، كثيرًا ما يَقُولُ لمن يحكم عَلَيْهِ: خذوا بيد سيدي إلى السجن، وله تصنيفات في شرح " المدوّنة "، " ومختصر ابن أَبِي زيد " مُلِئت عِلْمًا.(10/791)
283 - عَبْد الرَّحْمَن بْن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو مُسْلِم السِّمْنانيّ ثمّ البغداديّ [المتوفى: 497 هـ]
ابن ابنة القاضي أَبِي جعفر السِّمْنانيّ.
سمع أبا عليّ بن شاذان، روى عنه إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وأبو طاهر السلفي، وجعفر بْن عَبْد اللَّه الدّامغانيّ، وآخرون.
وثّقه الأنماطي.
مولده سنة ست عشرة وأربعمائة، وتُوُفّي في تاسع عشر المحرَّم. [ص:792]
وقال السِّلَفيّ: كَانَ حنفيا أشعريًّا.
قلت: أخذ الكلام عَنْ جَدّه أَبِي جعفر.(10/791)
284 - عَبْد الرَّحْمَن بْن قاسم، أبو المطرِّف الشَّعْبِيّ المالقيّ. [المتوفى: 497 هـ]
قَالَ ابن بَشْكُوَال: روى عَنْ أَبِي العبّاس أحمد بْن أَبِي الربيع الإلبيريّ، وقاسم بْن مُحَمَّد المأمونيّ، وإسماعيل بْن حمزة، والقاضي يونس بْن عَبْد اللَّه إجازة، وغيرهم، وكان ذاكرًا للمسائل، فقيهًا، مشاورًا، سمع النّاس منه، وعُمّر وأسنّ، وشهر بالعلم والفضل، ولد سنة اثنتين وأربعمائة، وتُوُفّي في عاشر رجب.
وقال فيه القاضي عياض: فقيه بلده وكبيرهم في الفتيا والرواية، سمع بالمرية من قاسم المأموني، وتفقّه عنده وأبي الحَسَن بْن عيسى المالقيّ، وأجاز لَهُ يونس القاضي والشنتجالي، روى عَنْهُ شيخنا أبو عبد الله بْن سليمان، وولي قضاء بلده في أيام تميم الصنهاجي، ثمّ عزله، وجعل سجنه داره لأشياء بَلَغَتْه عَنْهُ، فلمّا دخل المرابطون دعاه أمير المسلمين للقضاء، فامتنع، وأشار عَلَيْهِ بأبي مروان بْن حَسْنُون، فقلده جملة القضاء، فكان أبو مروان لا يقطع أمرًا دونه، وبينه وبين ابن الطلاع في الوفاة جمعة.(10/792)
285 - عبيد الله بن محمد بن أردشير، الحاكم أبو الفتح المروزي الهشامي. [المتوفى: 497 هـ]
متواضع فاضل، مكثر، سمع من جده أردشير بن محمد، والمُحَسِّن بن أحمد الخالدي، وأبي سهل أحمد بن علي الأبيوردي، وجماعة، ومات في عشر المائة، روى عنه أبو طاهر محمد بن محمد السنجي، وسعيد بن محمد الميهني، ومحمد بن محمد بن منصور الغازي.(10/792)
286 - العلاء بْن حَسَن بْن وهْب بْن الموصلايا، أبو سَعْد البغدادي الكاتب [المتوفى: 497 هـ]
المنشئ بدار الخلافة.
أسلم، وكان نصرانيا، عَلَى يد المقتدي باللَّه، وحَسُن إسلامُه، وله الرّسائل المشهورة الرّائقة، والأشعار الفائقة، عُمِّر دهرًا، وكُفّ بَصَرُه، وتُوُفّي في جمادى الأولى. [ص:793]
ذكره ابن خلكان وقال: لَقَبُهُ أمين الدّولة.
وقال صاحب " المرآة ": خدم في كتابه الإنشاء خمسًا وستين سنة، وأسلم سنة أربعٍ وثمانين، ثمّ ناب في الوزارة مرّات، وكان كريم الأخلاق، حسن الفعال، أفصح أهل زمانه، وكان طاهر اللّسان، كَانَ يُمْلي عَلَى ابن أخته العلّامة أبي نصر الإنشاء إلى أن مات فجاءة، وكان الوزير عميد الدّولة ابن جَهِير يُثْني عليه وعلى ابن أخته، ويقول: هما يمينا الدولة وأميناها.
أنبأنا أحمد بن سلامة الخياط، قال: أنبأنا العماد الكاتب في " الخريدة "، قال: أنشدني عبد الرحيم ابن الأخوة البغدادي، قال: أنشدني أبو سعد ابن الموصلايا لنفسه:
يا خليليَّ، خلِّياني ووجْدي ... فملام العَذول ما لَيْسَ يُجْدِي
ودعاني فقد دعاني إلى الحكـ ... ـم غَريم الغريم للدَّين عندي
فعساهُ يرِقُّ إذ ملك الرق ... بنقدٍ من وصله أو بوعد
ثم من ذا يجير عنه إذا جا ... ر؟ ومَن ذا عَلَى تعدّيه يُعدي
قَالَ ابن الأثير: كَانَ أمين الدولة أبو سَعْد بْن الموصلايا كثير الصدقة، جميل المحضر، صالح النية، وقف أملاكه عَلَى أبواب البِرّ، ولمّا مات خُلْع عَلَى ابن أخته أَبِي نَصْر، ولقب نظام الحضرتين، وقُلَّدَ ديوان الإنشاء.
قَالَ ياقوت في " تاريخ الأدباء ": خرج توقيع الخليفة بإلزام الذّمّة بلُبْس الغيار، فأسلم بعضهم وهرب طائفة، وفي ثاني يوم أسلم الرئيسان أبو سَعْد بن الموصلايا صاحب ديوان الإنشاء، وابن أخته أبو نصر ابن صاحب الخبر عَلَى يد الخليفة، بحيث يَرَيَانِه ويسمعان كلامه، ناب أبو سَعْد في الوزارة عدّة نُوَب، ورسائله وأشعاره مدوَّنة متداولة، أخذ عنه أبو منصور ابن الجواليقي، وأبو حرب الخباز، وعليّ بْن الحُسين بْن دينار، وآخرون.
ومن شعره: [ص:794]
أحَنّ إلى رَوض التّصابي وأرتاحُ ... وأَمْتَحُ من حوض التّصافي وأمتاحُ
وأشتاق ريمًا كلّما رُمْتُ صَيْدَهُ ... تَصُدُّ يَدِي عَنْهُ سُيُوفٌ وأرماحُ
غزالٌ إذا ما لاح أو فاح نشْرُهُ ... تُعَذّبُ أرواح وتعذب أرواح
وتتضح الأعذار فيهم إذا بَدَوا ... ويفتضح اللّاحون منهم إذا لاحوا
ومات بعده بسنة وأشهر ابن أخته أبو نَصْر هبة اللَّه صاحب ديوان الإنشاء، وسيأتي.(10/792)
287 - عليّ بْن الحَسَن، أبو القاسم العَلَويّ الخراساني. [المتوفى: 497 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ عالمًا، ورعًا، رئيسًا، سمع عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمْدان النَّصْرُويّيّ، وتُوُفّي بأَبِيوَرْد.(10/794)
288 - عليّ بْن الحُسين بْن أَبِي نزار، الشَّيْخ أبو المعالي المردستيّ. [المتوفى: 497 هـ]
أحد الرؤساء ببغداد، سمع في الكهولة من أَبِي مُحَمَّد الجوهريّ، روى عَنْهُ السِّلَفيّ، عاش تسعين سنة.(10/794)
289 - عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن هارون بْن عيسى بْن هارون بْن الجرّاح، الرئيس أبو الخطّاب الشّافعيّ الكاتب البغداديّ المقرئ النَّحْويّ. [المتوفى: 497 هـ]
كَانَ حَسَن الإقراء والأخذ، ختم عليه خلق، وصنف منطومة في القراءات، سمع أبا القاسم بْن بِشْران، ومُحَمَّد بْن عُمَر بْن بُكَيْر النّجّار، وغيرهما، روى عَنْهُ عَبْد الوهّاب الأنماطي، وعمر المَغَازليّ، والسلفي، وخطيب المَوْصِل، وجماعة.
وذكره السِّلَفيّ، فقال: إمام في اللغة، وشعره ففي أعلى درجة، وخطه فمن أحسن الخطوط، والقول يتسع في فضائله، وكان يصلّي بأمير المؤمنين المستظهر باللَّه التّراويح.
وقال غيره: ولد سنة تسعٍ أو عشر وأربعمائة، وتُوُفّي في العشرين من شهر ذي الحجّة سنة سبعٍ.(10/794)
290 - عيسى ابن الحافظ أَبِي ذَرّ عَبْد بْن أحمد، أبو مكتوم الْأَنْصَارِيّ الهَرَوِيّ ثمّ السَّرَوِيّ. [المتوفى: 497 هـ]
تزوج أبو ذَرّ في العرب في سروات بُنيّ شَبَابةُ، وسكن هناك مدّة، ووُلِد لَهُ أبو مكتوم في سنة خمس عشرة وأربعمائة، سمع من أَبِي عَبْد اللَّه الصَّنعانيّ [ص:795] صاحب " التقوي " جملة من " مُسْنِد عَبْد الرّزّاق "، وسمع من أَبِيهِ " صحيح الْبُخَارِيّ "، وكتاب " الدّعوات " لأبيه، وغير ذَلِكَ.
روى عَنْهُ " الصحيح " جماعة، منهم أبو التوفيق مسعود بْن سعيد الأندلسي، وأبو عُبَيْد نعمة بْن زيادة اللَّه الغِفَارِيّ، وعليّ بْن حُمَيْد بْن عمار المكي، وروى عَنْهُ بالإجازة أبو طاهر السِّلَفيّ.
أَخْبَرَنَا عَبْد المؤمن الحافظ، قَالَ: قرأتُ على ابن رواج: أخبركم السِّلَفيّ، قَالَ: قد اجتمعنا أَنَا وأبو مكتوم بن أبي ذَرّ في عرفات سنة سبعٍ وتسعين لمّا حَجَجْت مَعَ والدي، فقال لي الإمام أبو بكر محمد ابن السّمعانيّ: اذهب بنا إِلَيْهِ نقرأ عَلَيْهِ شيئًا، فقلت: هذا الموضع موضع عبادة، وإذا دخلنا إلى مكّة نسمع عَلَيْهِ، ونجعله من شيوخ الحرم، فاستصوب ذَلِكَ، وقد كَانَ ميمون بْن ياسين الصنهاجيّ من أمراء المرابطين رغب في السماع منه بمكّة، واستقدمه من سراة بُنيّ شَبَابةُ، واشترى منه " صحيح الْبُخَارِيّ " أصل أَبِيهِ الّذي سمعه منه بجملةٍ كبيرة، وسمعه عَلَيْهِ في عدّة أشهر، قبل وصول الحجيج، فلمّا حجّ ورجع من عرفات إلى مكّة رحل إلى السّراة مَعَ النَّفَر الأوَّل من أهل اليمن.
قلت: وانقطع خبره من هذا الوقت، ورواية " الصّحيح " في وقتنا من طريقه حسنة عالية، رواه جماعة عن ابن أبي حرمي، عن ابن عمار، عنه.(10/794)
291 - محمد بن أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بْن النَّقُّور، أبو منصور بن أبي الحُسين البزّاز. [المتوفى: 497 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا إِسْحَاق البَرْمكيّ، وأبا القاسم التّنُوخيّ، وجماعة، روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وابنه أبو بَكْر عَبْد اللَّه.
وقال السِّلَفيّ: لم يكن بذاك، لكنه سمع الكثير، وكان ابنه أبو بَكْر يسمع معنا.(10/795)
292 - مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد، أَبُو الفضل البغداديّ النّاقد السِّمْسار. [المتوفى: 497 هـ][ص:796]
سمع ابن غَيْلان، وأبا منصور مُحَمَّد بْن محمد ابن السّوّاق، وعنه أبو المُعَمَّر الْأَنْصَارِيّ، والسلفي.
وكان شيعيًّا، مات في المحرَّم.(10/795)
293 - مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد العزيز، أبو مطيع المديني، [المتوفى: 497 هـ]
صاحب " الأمالي " المشهورة.
نسبه عَبْد الرحيم بن أبي الوفاء الأصبهاني، فقال: مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بْن عَبْد الْعَزِيزِ بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد بْن زكريّا.
قلت: وبعد زكريّا: أحمد بْن مُحَمَّد بْن يحيى بْن اللَّيْث بْن الضب بن عوف الضبي المجلد الناسخ الصحاف المعروف بالمصريّ، مُسْنِد أهل إصبهان، عاش بضعًا وتسعين سنة، وتفرّد بالرّواية عَنْ جماعة.
سمع من الحافظ أحمد بْن موسى بْن مَرْدَوَيْه ثلاثة مجالس، وأبي سَعِيد مُحَمَّد بْن عليّ النّقّاش، وأبي منصور مَعْمَر بْن أحمد بْن زياد الصُّوفيّ، وعبد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَقِيل الباوردي، والحسين بن إبراهيم الجمال، والفضل بْن عُبَيْد اللَّه، وأبي بَكْر بْن أبي علي، وأبي زرعة روح بن محمد الرّازيّ، والحافظ أَبِي نُعَيْم، وجماعة.
روى عَنْهُ إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو طاهر السلفي، ومُحَمَّد بْن مَعْمَر اللنبانيّ، وأبو حنيفة مُحَمَّد بن عبيد اللَّه الخطيبيّ، وأحمد بْن ينال التُّرْكيّ، وعبد اللَّه بْن أحمد أبو الفتح الخِرَقيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عليّ الأصبهاني المقرئ، وعُمَر بْن أَبِي سَعْد، وخلق من الأصبهانيين.
أخبرنا إسماعيل ابن الفراء، قال: أخبرنا أبو محمد بن قدامة، قال: أخبرنا أبو حنيفة محمد بن عبيد الله القاضي، قال: أخبرنا أبو مطيع: قال: حدثنا أحمد بن موسى الحافظ، قال: حدثنا أحمد بن هشام بن حميد الحصري: قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا علي بن عاصم، قال: أخبرنا حُصَيْنٌ، عَنْ عَامِرٍ، هُوَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ "، قِيلَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الأَجْرُ [ص:797] وَالْمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنٍ.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ شيخًا صالحًا مُعَمّرًا، أديبًا فاضلًا.(10/796)
294 - مُحَمَّد بْن فرج، أبو عَبْد اللَّه مولى مُحَمَّد بْن يحيى، المعروف بابن الطَّلّاع، القُرْطُبيّ الفقيه المالكيّ، [المتوفى: 497 هـ]
مفتي الأندلس ومُسْنِدها في الحديث.
وُلِد في سلخ ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة.
ذكره ابن بَشْكُوَال، فقال: بقيّة الشّيوخ الأكابر في وقته، وزعيم المفتين بحضرته، روى عَنْ يونس بْن عَبْد اللَّه القاضي، ومكّيّ بْن أَبِي طَالِب، وأبي عَبْد اللَّه بْن عابد، وحاتم بْن مُحَمَّد، وأبي عليّ الحدّاد الأندلسيّ، وأبي عَمْرو المرشانيّ، ومعاوية بْن مُحَمَّد العُقَيْليّ، وأبي عمر ابن القطّان.
قَالَ: وكان فقيهًا عالمًا، حافظًا للفقه، حاذقًا بالفتوى، مقدَّمًا في الشُّورَى، مقدَّمًا في عِلَل الشُّرُوط، مشاركًا في أشياء، مَعَ دِينٍ وخير وفضل، وطول صلاة، قوالا للحق وإن أُوذِيَ فيه، لا تأخذه في اللَّه لومةُ لائم، معظَّمًا عند الخاصّة والعامّة يعرفون لَهُ حقه، ولي الصّلاة بُقْرطُبة، وكان مجودًا لكتاب اللَّه، أفتى النّاس بالجامع، وأسمع الحديث، وعمر حتى سمع منه الكبار والصغار، وصارت الرّحْلة إليه، ألف كتابا حسنا في أحكام النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأته عَلَى أَبِي رحمه اللَّه، عَنْهُ، وتُوُفّي لثلاث عشرة ليلة خَلَت من رجب، وشهده جَمْعٌ عظيم.
وقال القاضي عِيَاض: كَانَ صالحًا قوالًا بالحق، شديدًا عَلَى أهل البِدَع، غير هَيُوبٍ للأمراء، شوور عند موت ابن القطّان، إلى أنّ دخل المرابطون فأسقطوه من الفُتْيا لتعصُّبه عليهم، فلم يُسْتَفْت إلى أنّ مات، سمع منه عالمٌ كثير، ورحل النّاس إِلَيْهِ من كلّ قُطْر لسماع " المُوَطّأ " ولسماع " المدوَّنة " لعُلُوّة في ذَلِكَ.
وحدَّثَ عَنْهُ أبو عليّ بْن سُكَّرَة، وقال في " مشيخته " الّتي خرّجها لَهُ [ص:798] عِيَاض: سمع يونس بْن عَبْد اللَّه بْن مغيث، وحمل عنه " الموطأ " و " سنن النَّسَائيّ "، وكان أسند من بقي، صحيحًا، فاضلًا، عنده بله بأمر دُنْياه وغَفْلَة، ويؤثر عَنْهُ في ذَلِكَ طرائف، وكان شديدًا عَلَى أهل البدع، مُجانبًا لمن يخوض في غير الحديث.
وروى الْيَسَع بْن حَزْم عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ ابن الطّلّاع في بستانه، فإذا بالمعتمد بْن عباد مجتاز من قصره، فرأى ابن الطّلّاع، فنزل عَنْ مركوبه، وسأل دُعاءه وتذمّم وتضرّع، ونذر وتبرَّع، فقال لَهُ: يا مُحَمَّد انتبه من غفلتك وسِنَتِك.
قلت: وآخر من روى عَنْهُ عَلَى كثرتهم: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خليل القَيْسيّ اللّبليّ نزيل مَرّاكش، وبقي إلى سنة سبعين وخمس مائة.
وقد أجاز لنا رواية " المُوَطّأ " أبو مُحَمَّد بْن هارون الطّائيّ، قَالَ: حدثنا أبو القاسم أحمد بن بقي، قال: حدثنا محمد بن عبد الخالق الخزرجي القرطبي، قال: حدثنا ابن الطّلّاع بإسناده.
وروى عَنْهُ عليّ بْن حُنَيْن، ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خليل كتاب " المُوَطّأ "، وهما من شيوخ ابن دِحْيَة.(10/797)
295 - المؤمَّل بْن أحمد بْن المؤمَّل، أبو البركات المصِّيصيّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 497 هـ]
سمع ابن سلْوان، ورشأ بْن نظيف، والأهوازيّ، سمع منه أبو مُحَمَّد بْن صابر، وقال: كَانَ يكذب في انتمائه إلى عثمان رضي الله عنه.(10/798)
296 - يزيد، مولى المعتصم باللَّه مُحَمَّد بْن مَعْن بْن صُمَادح، أبو خَالِد، [المتوفى: 497 هـ]
من أهل المَرِية.
روى الكثير عَنْ أَبِي العبّاس العُذْريّ.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: روى عَنْهُ غير واحدٍ من شيوخنا، وكان معتنيا بالأثر وسماعه، ثقة في روايته، وكان مقرئًا فاضلًا، تُوُفّي في المحرَّم.
قلت: روى عنه أبو العباس ابن العريف الزّاهد، وأبو العبّاس أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بن عاصم الثَّقْفيّ.(10/798)
-سنة ثمان وتسعين وأربعمائة(10/799)
297 - أحمد بْن الحُسين بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم، أبو طَالِب الْبَصْرِيّ، ثمّ البغداديّ الكَرْخيّ الخبّاز. [المتوفى: 498 هـ]
شيخ عامي صحيح السَّماع، سمع سنة إحدى وعشرين وأربعمائة من عَبْد المُلْك بْن بِشْران، وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.
وهو من شيوخ السِّلَفيّ في " البشْرانيّات ".(10/799)
298 - أحمد بْن خَلَف بْن عَبْد المُلْك بن غالب، أبو جعفر ابن القَلَعيّ، [المتوفى: 498 هـ]
من أهل غَرْناطة.
روى عَنْ حاتم بن محمد، وأبي عبد الله بن عتاب، وجماعة.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: كَانَ ثقة صدوقًا، أخذ النّاس عَنْهُ، وتُوُفّي في ربيع الآخر.(10/799)
299 - أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الخطيب، أبو منصور الهاشمي المعروف بابن الذبح الكوفيّ. [المتوفى: 498 هـ]
سمع مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن العَلَويّ، ومحمد بن إسحاق بْن فَدُّوَيْه، وعنه المبارك بْن أحمد الْأَنْصَارِيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
تُوُفّي فِي ذي الحجّة.(10/799)
300 - أَحْمَد بْن مُحَمَّد بن أحمد بن محمد بْن حَسَن، الحافظ أبو عليّ البَرَدَانيّ البغداديّ. [المتوفى: 498 هـ]
ولد سنة ست وعشرين وأربعمائة، وأوّل سماعه في سنة ثلاثٍ وثلاثين من أَبِي طَالِب العشاريّ.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ أحد المتميّزين في صنعة الحديث وأحد حفاظه، [ص:800] خرّج لنفسه وللشّيوخ، وكتب الكثير، وكان ثقة صالحًا، سمع عَبْد العزيز بْن عليّ الأَزَجيّ، وأبا الحَسَن القَزْوينيّ، وأبا طَالِب بْن غَيْلان، وأبا إِسْحَاق البَرْمكيّ، وأبا مُحَمَّد الجوهريّ، والقاضي أبا يَعْلَى، وأبا بَكْر الخطيب، وطبقتهم، وكان حنبليا؛ واستملى لأبي يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَنْهُ إسماعيل بْن مُحَمَّد الحافظ.
قلت: وقد جمع مجلدًا في " المنامات النبوية "، انتخبه السِّلَفيّ، وسمعه منه، وهو ممّا يروى اليوم بعُلُوّ بالنسبة إِلَيْهِ، تُوُفّي في حادي وعشرين شوّال.
قَالَ السِّلَفيّ: كَانَ أبو عليّ أحفظ وأعرف من شُجاع الذُّهْليّ، وكان ثقة ثَبْتًا، لَهُ مصنَّفات، قَالَ: وكانا حنبَليَّيْن.
قلت: وروى عَنْهُ عليّ بْن طراد الوزير، وأحمد بْن المقرّب، وجماعة، قرات بخط أبي علي: أخبرنا عثمان بْن مُحَمَّد بْن دُوست العلّاف إجازةً كتبها لي سنة ثمانٍ وعشرين وأربعمائة، وفيها مات، قال: أخبرنا أبو بَكْر الشّافعيّ، فذكر حديثًا، وقد سأله السِّلَفيّ في كراسٍ عَنْ جماعة من الرجال، فأجابه جواب عارفٍ محقِّق.(10/799)
301 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُوسَى بْن مَرْدُوَيْه بْن فُورَك بْن موسى، أبو بَكْر سِبْط الحافظ، أبي بكر بن مردويه، المفيد الحافظ. [المتوفى: 498 هـ]
سمع أبا منصور محمد بن سليمان الوكيل، وعُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن الهَيْثَم الواعظ، وغلام محسن، والحسين بن إبراهيم الجمال، وأبا بكر بن أبي علي الذكواني، وعبد اللَّه بْن أحمد بْن قُولُوَيْه التّاجر، وأحمد بْن إِبْرَاهِيم الثَّقْفيّ الواعظ، وجماعة.
قَالَ السِّلَفيّ: كتبنا عَنْهُ كثيرًا، وكان ثقة جليلًا، سَمِعْتُهُ يقول: كتب عني في مجلس أبي نعيم الحافظ.
قلت: روى عَنْهُ أبو رُشَيْد إسماعيل بْن غانم، وعدّة، تُوُفّي بسُوذَرْجان، إحدى قرى إصبهان.
قَالَ يحيى بْن مَنْدَهْ: وُلِد سنة تسع وأربعمائة، وكان كثير السَّماع، واسع الرّواية.
قلت: بقي حفيده عليّ بْن عَبْد الصَّمد إلى سنة سبعين وخمس مائة يحدث [ص:801] عَن الثَّقْفيّ، أمّا هُوَ فرأيت لَهُ " طُرُق طلب العلم فريضة " تدل عَلَى معرفته وحِفْظَه، لم يلحق الأخذ عَنْ جده.(10/800)
302 - أحمد بْن نَصْر بْن أحمد، أبو منصور الخراساني الخوجاني الواعظ. [المتوفى: 498 هـ]
قدِم بغداد في هذا العام، وروى عَنْ أَبِي عثمان الصّابونيّ، سمع منه عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وغيرهما.(10/801)
303 - بَركيَارُوق، السُّلطان أبو المظفّر رُكْن الدين ابن السّلطان الكبير ملِكْشاه بْن ألْب أرسلان بْن دَاوُد بْن ميكائيل بْن سلْجُوق بْن دُقَاق السَّلْجوقيّ، ويُلَقَّب أيضًا شهاب الدّولة. [المتوفى: 498 هـ]
تملَك بعد موت أَبِيهِ، وكان أَبُوهُ قد ملك ما لم يملكه غيره، وكان السّلطان سَنْجَر نائب أخيه رُكْن الدين عَلَى بلاد خُراسان، وكان ملازمًا للشُّرْب، بقي في السَّلْطنة اثنتي عشرة سنة وأشهرا، وتوفي شابا فإنه أقيم في الملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتُوُفّي ببرُوجِرْد في شهر ربيع الأول، وقيل: الآخر، وأمّا أخوه سَنْجَر، فامتدّت أيّامه، وعاش إلى بعد سنة خمسين وخمس مائة.
وبَركيَارُوق بفتح الباء الموحَّدة، تمرّض بأصبهان بالسُّلّ والبواسير، فسار منها في مِحَفَّة طالبًا بغداد، فضعُف في الطريق وعجز، ولمّا احتضر خلع عَلَى ولده ملكشاه، وله نحو خمس سنين، وجعله وليَّ عهده بمشورة الأمراء، وحلفوا لَهُ، ومات وهو ببروجرد، ودُفن بأصبهان في تربة لَهُ، وعاش خمسًا وعشرين سنة، قاسى فيها من الحروب واختلاف الأمور ما لم يُقاسه أحد، واختلفت بِهِ الأحوال ما بين انخفاض وارتفاع، فلمّا قوي أمره، وصار كبير البيت السَّلْجوقيّ أدركته المنية، وكان مَتَى خُطِب لَهُ ببغداد وقع الغلاء، ووقفت المعايش، ومع ذَلِكَ يحبّونه ويختارونه، وكان فيه حلْم وكَرَم وعقْل وصَفْح، عفا اللَّه عنه.(10/801)
304 - ثابت بْن بُنْدار بْن إِبْرَاهِيم بْن بُنْدار، أبو المعالي الدِّيَنَوَريّ الأصل، البغداديّ المقرئ البقّال. [المتوفى: 498 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ صالحًا، ثقة، فاضلًا، واسع الرّواية، أقرأ القرآن، وحدَّثَ بالكثير، سمع أبا القاسم الحرفي، وأَبَا بَكْر البَرْقاني، وأبا عليّ بْن شاذان، وعثمان بْن دُوَسْت، وأبا عليّ بْن دوما، روى لنا عَنْهُ ابنه يحيى، وابن السَّمَرْقَنْديّ، وابن ناصر، وعبد الخالق بْن أحمد اليُوسُفيّ، وجماعة كثيرة بمَرْو، وبلْخ، وبُوشَنْج، وقرأت بخطّ والدي: ثابت ثابت.
وقال عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ: ثقة مأمون.
وقال غيره: كَانَ يُعرف بابن الحمامي، ولد سنة ست عشرة وأربعمائة، وقرأ عَلَى ابن الصقر الكاتب، وأبي تَغْلِب المُلْحَميّ.
قرأ عَلَيْهِ سِبْط الخيّاط، وأحمد بْن مُحَمَّد بْن شُنَيْف، وروى عَنْهُ أبو طاهر السلفي، وأحمد بن المبارك المرقعاتي، وأحمد وعمر ابنا بنيمان المستعمل، وشُهْدَة الكاتبة، وأبو عليّ بْن سُكَّرَة.
توفي في جمادى الآخرة، وحدث عنه بالإجازة الفقيه نصر المقدسي.(10/802)
305 - الحَسَن بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز، أبو بَكْر الطّائيّ المُرْسِي النَّحْويّ، ويُعرف بالفقيه الشّاعر [المتوفى: 498 هـ]
لغلبة الشعر عَلَيْهِ.
روى عن أَبِي عَبْد اللَّه بْن عتاب، وأبي عمر ابن القطان، وأبي محمد ابن المأموني، وأبي بكر ابن صاحب الأحباس، وابن أرفع رأسه، وجالس أبا الوليد بْن ميقل، وله كتاب " المقنع في النَّحْو ".
تُوُفّي في رمضان، وله ستٍّ وثمانون سنة.(10/802)
306 - الحُسين بْن عليّ بْن الحُسين، أبو عَبْد اللَّه الطَّبَريّ الفقيه، [المتوفى: 498 هـ]
نزيل مكة ومحدّثها.
ولد سنة ثمان عشرة وأربعمائة بآمل طبرستان، ورحل فسمع بنيسابور سنة تسعٍ وثلاثين " صحيح مسلم " من عبد الغافر الفارسي، وسمع عمر بن [ص:803] مسرور، وأبا عثمان الصّابونيّ، وسمع بمكّة " صحيح الْبُخَارِيّ " من كريمة.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ حَسَن الفتاوى، تفقّه عَلَى ناصر بْن الحُسين العُمَريّ المَرْوَزِيّ، وصار لَهُ بمكّة أولاد وأعقاب.
قلت: روى عَنْهُ إسماعيل الحافظ، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو غالب الماوَرْدِيّ، وأحمد بْن مُحَمَّد العبّاسيّ الْمَكِّيّ، ورَزِين بْن معاوية العَبْدَريّ مصنِّف " جامع الأصول "، وأبو عليّ بْن سُكَّرَة، وأبو بَكْر مُحَمَّد بْن العربيّ القاضي، وأبو الحَجّاج يوسف بْن عَبْد العزيز المَيُورقيّ، ووجيه الشّحّاميّ، وخلق من المغاربة.
قَالَ ابن سكرة في " مشيخته " التي خرّجها عِيَاض لَهُ: هُوَ شافعي أشْعَريّ جليل، قَالَ: وبعضهم يكنّيه بأبي عليّ، ويُدْعَى إمام الحرمين، لازم التّدريس لمذهب الشّافعيّ والتّسميع بمكّة نحْوًا من ثلاثين سنة، وكان أسند من بقي في " صحيح مُسْلِم "، يعني بمكّة؛ سمعه منه عالم عظيم، وكان من أهل العلم والعبادة، وجرت بينه وبين أَبِي مُحَمَّد هياج بْن عُبَيْد الشّافعيّ وغيره من الحنابلة ممّن يَقُولُ من أصحاب الحديث بالحرف والصوت خطوب.
وقال هبة الله ابن الأكفانيّ: تُوُفّي بمكّة في العشر الأواخر من شَعْبان.
وقال ابن السّمعانيّ: سَمِعْتُ أَنَّهُ انتقل إلى إصبهان، فمات بها.(10/802)
307 - الحُسين بْن مُحَمَّد بْن أحمد، الحافظ أبو عليّ الغسّانيّ الْجَيَّانيّ، [المتوفى: 498 هـ]
ولم يكن من جَيّان، إنّما نزلها أَبُوهُ في الفتنة، وأصلهم من الزَّهْراء، رئيس المحدّثين بُقْرطُبة، بل بالأندلس.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: روى عَنْ حَكَم بْن مُحَمَّد الْجُذَاميّ، وأبي عُمَر بْن عَبْد البَرّ، وأبي شاكر القَبْريّ عَبْد الواحد، وأبي عَبْد اللَّه بن عتاب، وحاتم بن محمد، وأبي عمر ابن الحذاء، وسراج بن عبد الله القاضي، وأبي الوليد الباجي، وأبي العباس العذري، وجماعة يكثرون سمع منهم وكتب عَنْهُمْ، وكان من جهابذة المحدّثين وكبار العلماء المسندين، وعني بالحديث وضبْطه، وكان بصيرًا باللُّغة، والإعراب، والغريب، والشِّعْر، والأنساب، جمع من ذَلِكَ كلّه ما لم يجمعه أحدٌ في وقته، ورحل النّاس إِلَيْهِ، وعوَّلُوا في الرواية عليه، [ص:804] وجلس لذلك بجامع قرطبة، وسمع منه الأعلام، وأخبرنا عَنْهُ غير واحد، ووصفوه بالجلالة، والحِفْظ، والنّباهة، والتّواضع، والصّيانة.
قَالَ السهيلي في " الروض ": حدَّثني أبو بَكْر بْن طاهر، عَنْ أَبِي عليّ الغساني، أنّ أبا عُمَر بْن عَبْد البَرّ قَالَ لَهُ: أمانةُ اللَّه في عُنُقِك، مَتَى عبرتَ عَلَى اسمٍ من أسماء الصّحابة لم أذْكُرُه، إلّا أَلْحَقْتَه في كتابي الّذي في الصّحابة.
وقال ابن بَشْكُوَال: قَالَ شيخنا أبو الحسن بن مغيث: كان من أكمل من رأيت عِلْمًا بالحديث، ومعرفة بطُرُقُه وحِفْظًا لرجاله، عانى كُتب اللغة، وأكْثَرَ من رواية الأشعار، وجمع من سعة الرّواية ما لم يجمعه أحد أدركناه، وصحّح من الكُتُب ما لم يصحّحه غيرُه من الحُفّاظ، كُتُبه حُجّةٌ بالغة، جمع كتابًا في رجال الصّحيحين سمّاهُ " تقييد المُهْمَل وتمييز المُشْكَل " وهو كتابٌ حَسَن مفيد، أخذه النّاس عَنْهُ.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: وسمعناه عَلَى القاضي أَبِي عَبْد اللَّه بن الحاج، عَنْهُ، وتُوُفّي ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خَلَت من شَعْبان، ومولده في المحرَّم سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وكان قد لزم داره قبل موته بمدة لزَمانَةٍ لِحقَتْه.
قلت: روى عَنْه مُحَمَّد بْن محمد بن الحكم الباهلي شيخ العثماني، والسِّلَفيّ في سماع " تقييد المُهْمَل " ومُحَمَّد بْن أحمد بْن إِبْرَاهِيم الْجَيَّانيّ المشهور بالبغداديّ، وأبو عليّ بْن سُكَّرَة، وأبو العلاء زهر بْن عَبْد المُلْك الإياديّ، وعَبْد اللَّه بْن أحمد بْن سماك الغَرْناطيّ، وعبد الرَّحْمَن بْن أحمد بْن أَبِي ليلى الْأَنْصَارِيّ الحافظ، ويوسف بْن يَبْقى النَّحْويّ، وخلْق كثير، آخرهم فيما أرى وفاةً: مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن خليل القيسي مُسْنِد مُرّاكش، سمع منه " صحيح مُسْلِم "، وتُوُفّي سنة سبعين وخمس مائة.(10/803)
308 - سُقْمان، ويقال: سُكْمان بْن أُرْتُق بْن أَكْسَب التُّرْكُمانيّ. [المتوفى: 498 هـ]
ولي هُوَ وأخوه إيل غازي إمرةَ القُدس الشَريف بعد أبيهما، فقصدهما الأفضل شاهنشاه أمير الجيوش، وأخذه منهما في شوّال سنة إحدى وتسعين، [ص:805] فتوجها إلى الجزيرة، وأخذا ديار بَكْر، ثمّ تُوُفّي سُقْمان بين طرابُلُس وبيت المقدس، وماردين هِيَ إلي اليوم لذُرِّيّته، وقد ساق صاحب " الكامل " أخباره في أماكن، إلى أنّ ذكر وفاته، فحكى أن ابن عمار طلبه ليكشف عنه الفرنج على مالٍ يعطيه، وأن صاحب دمشق مرض وخاف عَلَى دمشق، فطلبه ليسلّم إِلَيْهِ البلد، فسار إلي دمشق ليملكها، ويتجهز منها لغزو الفرنج، فأخذته الخوانيق، وتُوُفّي بالقريتين، ونُقِل فدفن بحصن كيفا.
قال: وأما تملكه ماردين فإنّ صاحب المَوْصِل كَرْبُوقا قصد آمِد، فجاء سُقْمان ليكشف عَنْهَا، فالتقوا، وكان عماد الدين زنكي بْن آقسُنْقُر حينئذٍ صبيًّا مَعَ كَرْبُوقا، فظهر سُقْمان عليهم، فألقى الصَّبيَّ إلى الأرض، وصاح مماليك أَبِيهِ: قاتِلُوا عَنْ زنكي، فصدقوا حينئذ في القتال، فانهزم سُقْمان، وأسروا ابن أخيه فسجنوه بماردين، وهي لإنسان مغن للسّلطان بَركيَارُوق، غنّاه مرّةً، فأعطاه ماردين، فمضت زوجة أُرْتُق تسأل لصاحب المَوْصِل أنّ يطلق الشاب من حبس ماردين، فأطلقه، فنزل تحت ماردين، وبقي يفكر كيف يتملّكها، وكان الأكراد الذين يجاورونها قد طمعوا في صاحبها المغني، وأغاروا عَلَى ضياع ماردين، فبعث ياقوتي ابن أخي سقمان، أعني الذي كان مسجونا بها، إلى صاحبها يَقُولُ: قد صار بيننا مَوَدَّة، وأريد أنّ أُعمِّر بلدك، وأمنع الأكراد منه، وأقيم في الرُّبَض، فأذِن لَهُ، فبقي يُغِير من بلاد خلاط إلى أطراف بغداد، وصار ينزل معه بعض أجناد القلعة، وهو يكرمهم، ويكسبون معه، إلى أنّ صار ينزل معه أكثرهم، فلمّا عادوا من الغارة أمسكهم وقيَّدهم، وساق إلى القلعة، فنادى أهاليهم: إنّ فتحتم الباب وإلّا ضربت أعناقهم، فامتنعوا، فقتل إنسانًا منهم، فسلّموا القلعة إِلَيْهِ، ثمّ جمع جمعًا، وأغار عَلَى جزيرة ابن عُمَر، فجاء صاحبها جَكَرْمِش، وكان ياقوتي قد مرض، فأصابه سهم فسقط، وجاء جَكَرْمِش، فوقف عَلَيْهِ وهو يجود بنفسه، فبكى عَلَيْهِ، فمضت امرأة أُرْتُق إلى ابنها سُقْمان، وجمعت التُرْكُمان، وطلبت بثأر ابن ابنها، وحاصر سُقْمان نصيبين، وملك ماردين عليّ أخو ياقوتي، ودخل في طاعة صاحب المَوْصِل، [ص:806] وسار إلى خدمته، واستناب بها أميرًا، فعمل عليه وطلب سقمان وقال: إن ابن أخيك يريد أن يسلم ماردين لجكرمش، فتملكها سقمان.(10/804)
309 - عَبْد الله بْن إبراهيم بْن عَبْد الله بْن إبراهيم بن يوسف بْن بشير، أبو مُحَمَّد المَعَافِريّ القُرْطُبيّ. [المتوفى: 498 هـ]
من بيت فقهٍ وقضاء، روى عَنْ حَكَم بْن مُحَمَّد، وحاتم بْن مُحَمَّد، وأبي عَبْد اللَّه بْن عتاب، وأبي عمر ابن الحدّاد.
وكان حَسَن الطّريقة، ذا سمتٍ وهديٍ صالح، وله اعتناء بالعِلْم والرّواية، سمع منه النّاس.
تُوُفّي أبو مُحَمَّد بْن بشير في المحرَّم، وله أربعٌ وثمانون سنة، ومات معه ابنه عُبَيْد اللَّه قاضي الجماعة.(10/806)
310 - عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن الحُسين بْن الْجُنَيْد، الحاكم أبو نَصْر النَّيْسابوريّ الحنفيّ. [المتوفى: 498 هـ]
شيخ صالح، سمع أبا الحسن علي بن محمد الطرازي، وأبي سعيد الصيرفي، وعنه عبد الله ابن الفراوي، وعمر ابن الصّفّار، وعبد الخالق بْن زاهر، وأبو طاهر السِّنْجيّ.
مات في شوّال في عَشْر التّسعين.(10/806)
311 - عبيد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد العزيز، أبو غالب ابن الدّهّان الطّرائفيّ. [المتوفى: 498 هـ]
بغداديّ، سمع ابن غَيْلان وغيره، وعنه السِّلَفيّ.
وقال شجاع الذُّهْليّ: لا بأس بِهِ.(10/806)
312 - عليّ بْن خَلَف بْن ذي النُّون بْن أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن هُذَيْل، أبو الحَسَن العَبْسيّ القُرْطُبيّ الإشبيليّ الأصل، المقرئ. [المتوفى: 498 هـ]
أحد الأعلام والزهاد والأئمة والأوتاد، أولو العِلْم والعمل، سمع من أَبِي مُحَمَّد بْن خَزْرَج، ورحل فأخذ بمصر عَنْ أَبِي العبّاس بْن نفيس تلاوة، وأبي عَبْد اللَّه القُضاعيّ كتاب " الشهاب "، وعليه عول النَّاس فيه، وروى عَنْ أَبِي مُحَمَّد بْن الوليد الأندلسيّ، والفقيه نَصْر المَقْدِسيّ. [ص:807]
أخذ عَنْهُ عَبْد الجليل بْن عَبْد العزيز الأُمَويّ، وعبد اللَّه بْن موسى القُرْطُبيّ، ويحيى بْن مُحَمَّد بْن سعادة المقرئ.
قَالَ ابن بَشْكُوال: كان من جلة المقرئين، وفضلائهم، وعُلمائهم، وخيارهم، وأقرأ النّاس بالمسجد الجامع بُقْرطُبة، وأسمعهم الحديث، وكان ثقة، شُهِر بالخير والزهد في الدنيا، والتَّقَلُّل والصّلاح والتّواضع، وشُهِرت إجابة دعوته، وعُلِمَت في غير ما قصة، توفي لسابع عشرة تبقّى من جُمَادَى الأولى، وكانت جنازته مشهودة، ومولده في سنة سبع عشرة وأربعمائة.(10/806)
313 - عليّ بْن مُحَمَّد بْن إسماعيل العراقي، أبو الحَسَن الشّافعيّ، ويُلَقِّب بقاضي القضاة. [المتوفى: 498 هـ]
ولي القضاء بطُوس، وتفقه عَلَى أَبِي مُحَمَّد الْجُوَينيّ، وسمع أبا حفص بْن مسرور، وأبا عثمان إسماعيل الصّابونيّ، وابن المهتدي باللَّه، وعدة، روى عَنْهُ أبو طاهر محمد بن محمد السِّنْجيّ.
تُوُفّي بطوس في أوّل رمضان، وله أربع وثمانون سنة.(10/807)
314 - عليّ بْن محمد بْن محمد بْن محمد بْن قُنيْن، أبو الحَسَن العبْديّ الكوفي الخزّاز. [المتوفى: 498 هـ]
قدِم في هذه السّنة بغداد، وحدَّثَ بها عن أبي طاهر محمد بن محمد ابن الصباغ، سمع منه في سنة ثلاثٍ وثلاثين وأربعمائة، روى عنه أبو بكر ابن السمعاني، وأبو طاهر السنجي.(10/807)
315 - عيسى بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم، الواعظ أبو المؤيد الغَزْنَويّ. [المتوفى: 498 هـ]
كاتب، شاعر، متفنّن، متعصُب للأشعريّ، قدِم بغداد ووعظ وحصّل لَهُ قبولٌ عظيم، ثم ذهب، فمات بإسفرايين في هذه السنة.(10/807)
316 - الفضل بْن عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن الحُسين بْن الفضل بْن يعقوب، أبو عَبْد الله بن أبي القاسم [المتوفى: 498 هـ]
ابن الشيخ أبي الحسين ابن القطّان المَتُّوثيُّ.
قَالَ السّمعانيّ: هُوَ والد شيخنا هبة اللَّه الشاعر، كَانَ من أولاد المحدّثين، وكان بقية بيته، سمع مُحَمَّد بْن عليّ بْن كردي، وأبا طَالِب بْن [ص:808] غيلان، وغيرهما، روى لنا عَنْهُ عَبْد الوهّاب الحافظ، ومُحَمَّد بْن ناصر، وأبو طاهر السِّنْجيّ المَرْوَزِيّ.
قلت: وروى عَنْهُ السِّلَفيّ، وقع لي جزء من طريقه، ولد سنة ثمان عشرة وأربعمائة، وتُوُفّي لست بقين من ربيع الأوَّل.(10/807)
317 - فِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن شاذي، أبو الحسن الشَّعْرانيّ الهَمَذانيّ. [المتوفى: 498 هـ]
قدم بغداد سنة تسعين حاجًّا، وحدث، سمع أبا الفضل عُمَر بْن إِبْرَاهِيم الهَرَوِيّ، وعليّ بْن شُعَيْب القاضي، وأبا منصور أحمد بْن عُمَر، وأبا مسعود البَجَليّ، وأحمد بْن زَنْجَوَيه، ومنصور بن رامش، وعلي بن إبراهيم سخْتام، ومُحَمَّد بْن عيسى محدِّث هَمَذَان، وأحمد بْن عَبْد الواحد بْن شاذي.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ صالحًا، مكثرًا، صدوقًا، من أولاد المحدثين، عُمِّر حتّى انتشرت عَنْهُ الرّواية، روى لنا عَنْهُ عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، وعُمَر المَغَازليّ، وأبو طاهر السنجي، وغيرهم، ولد فيد في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وأربعمائة، وتُوُفّي في أواخر ربيع الآخر.
قلت: وممّن روى عَنْهُ أبو الفتوح الطّائيّ، ومُحَمَّد بْن محمد السنجي، مات بهمذان.(10/808)
318 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن مُحَمَّد بْن قَيْداس، أبو طاهر التُّوثيّ الحطّاب، [المتوفى: 498 هـ]
من محلّة التُّوثَة.
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم الحرفي، وأجاز لَهُ أبو الحُسين بْن بِشْران.
وُلِد سنة عشر وأربعمائة، وتُوُفّي في المحرَّم، روى عَنْهُ أبو طاهر السلفي.(10/808)
319 - مُحَمَّد بْن عَبْد السّلام بْن أحمد بْن محمد، الشريف أبو الفضل الأنصاري البزاز. [المتوفى: 498 هـ]
كَانَ ثقة صالحًا، من بيت حديثٍ وخير؛ سمع أبا القاسم الحرفيّ، وأبا عليّ بن شاذان، وأبا بَكْر البَرْقانيّ، وغيرهم، روى عَنْهُ أبو طاهر السِّلَفيّ، وشُهْدَة، وأبو المظفَّر يحيى بْن عليّ الخيميّ، وأبو طاهر السِّنْجيّ، وخطيب المَوْصِل.
ومات في ربيع الآخر، وله أربعٌ وثمانون سنة.(10/809)
320 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن الحَسَن بْن أَبِي الصَّقْر، أبو الحَسَن الواسطيّ الفقيه الشّافعيّ الكاتب. [المتوفى: 498 هـ]
أحد الشُّعراء، لَهُ ديوان في مجلد؛ وعاش بضعًا وثمانين سنة، روى عَنْهُ السلفي، وغيره، تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرازيّ، وكان يتردّد ما بين واسط وبغداد، وحدث عن عبيد الله ابن القطان، روى عنه كثير من سماليق، وابن ناصر أيضًا.
ومن شِعره:
من عارضَ اللَّه في مشيئته ... فما من الدّين عنده خَبَرُ
لا يقدر النّاس باجتهادهم ... إلّا عَلَى ما جرى به القدر
ولما وقعت الفتنة بين الحنابلة والأشاعرة، قام فيها وقعد، وعمل فيها أشعارًا.(10/809)
321 - مُحَمَّد بْن فَتُّوح بْن عليّ بْن وليد، أبو عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ الطَّلْبيريّ، [المتوفى: 498 هـ]
قاضي غرناطة.
روى عن أبي جعفر محمد بْن مغيث، والطَّلَمَنْكيّ، وأبي عُمَر بْن عَبْد البر، وأبي عمر بن سميق، وجماعة، وكان عالمًا بالرأي والوثائق.
تُوُفّي بمالقة في صفر.(10/809)
322 - محمد بن محمد بن محمد بن الطيب، أبو الفضل ابن الصباغ البزاز. [المتوفى: 498 هـ][ص:810]
سمع ابن دُوَسْت العلّاف، وأبا القاسم بْن بشران، وعنه سبط الخياط، وابن ناصر، والسلفي.
مات في صَفَر.(10/809)
323 - مُحَمَّد بْن محمود بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم، أبو عَبْد اللَّه الرّشِيديّ النَّيْسابوريّ الفقيه. [المتوفى: 498 هـ]
خَدَم أبا عثمان الصّابونيّ، وكان تقيًّا رضِيّ الأخلاق، منفقًا عَلَى أهل العلم، سمع ببغداد من أَبِي طَالِب بْن غَيْلان؛ ويحتمل أَنَّهُ سمع من أصحاب الأصمّ، فإنّه أدركهم، وأملى مجالس، وتُوُفّي في شوّال وله سبْعٍ وثمانون سنة.
وقد سمع من أبي سعيد فضل اللَّه المِيهَنيّ، روى عَنْهُ أبو البركات ابن الفُرَاويّ، وأبو طاهر السِّنْجيّ، وعُمَر بْن أحمد الصّفّار، وأبو نَصْر أحمد بْن عَبْد الوهّاب، وجماعة.(10/810)
324 - نَصْر اللَّه بْن أحمد بْن عثمان، أبو عليّ الخُشْناميّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 498 هـ]
ثقة صالح؛ قاله أبو سَعْد السّمعانيّ.
سمع أبا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ، وأبا بَكْر الحِيّري، وعليّ بْن أحمد بْن عَبْدان، وأبا سَعِيد الصَّيْرفيّ، وصار مُسْنِد خُراسان، وطال عُمره، وما أراه يروي عَنِ السُّلَميّ إلّا حُضورًا، فإن السّمعانيّ قَالَ: وُلِد في رمضان سنة تسعٍ وأربعمائة، قَالَ: وتُوُفّي في شَعْبان؛ روى لنا عَنْهُ خلق.
قلت: وقع لنا حديثه في جزء الفَلكَيّ، وروى عَنْهُ حفيده مسعود بْن أحمد، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد السِّنْجيّ، وعبد الخالق بْن زاهر، وعمر ابن الصّفّار، وخلْق.(10/810)
325 - نَصْر اللَّه بْن محمد بن هبة اللَّه بْن أحمد، أبو المكارم الوكيل. [المتوفى: 498 هـ]
شيخ بغدادي، سمع من القاضيَيْن أَبِي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وأبي يعلى ابن [ص:811] الفراء، روى عَنْهُ أبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو الوفاء أحمد بْن مُحَمَّد بْن الحُصَيْن.
تُوُفّي في المحرَّم.(10/810)
326 - هبة اللَّه بْن الحَسَن بْن عليّ الكاتب، تاج الرؤساء أبو نَصْر [المتوفى: 498 هـ]
ابن أخت أمين الدولة ابن الموصلايا، وقد أسلما معا.
ولأبي نَصْر رسائل مدوّنة، وعاش سبعين سنة، ذكره ابن خلكان.
أبو نصر ابن الموصلايا صاحب ديوان الإنشاء بدار الخلافة، قُلِّدَ الديوان بعد عمّه أَبِي سَعْد، فبقى نحو سنتين، ومات عَنْ سبعين سنة، وكان يبخل، إلّا أَنَّهُ كَانَ كثير الصدقة، ولم يُخَلِّف وارثا؛ لأن عصباته نصارى.(10/811)
-سنة تسع وتسعين وأربعمائة(10/812)
327 - أحمد بْن خَلَف، أبو عمر الأُمَويّ القُرْطُبيّ المؤدِّب. [المتوفى: 499 هـ]
جوّد القرآن عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه الطّرَفيّ المقرئ، وسمع من حاتم بْن مُحَمَّد، روى عَنْهُ القاضي أبو عَبْد اللَّه بْن الحاجّ.(10/812)
328 - أحمد بْن عَبْد المنعم بْن أحمد بن بندار، القائد أبو الفضل ابن الكُرَيْديّ. [المتوفى: 499 هـ]
سمع أبا القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن الطّبيز، وأحمد بْن مُحَمَّد العَتِيقيّ، وأبا بَكْر أحمد بن حريز السلماسي، وعلي ابن السمسار.
قال ابن عساكر: حدثنا عَنْهُ أبو الحَسَن النّابُلسيّ، وعبد اللَّه بْن خليفة، وغالب بْن أحمد، وأبو الحَسَن بْن مهديّ الهلاليّ، وآخرون، وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى بدمشق.(10/812)
329 - أحمد بن علي بن عبد الغفار ابن الإخوة، أبو طاهر البيع البغدادي. [المتوفى: 499 هـ]
روى أناشيد عن أبي تمام عليّ بْن مُحَمَّد الواسطيّ، وأبي الحَسَن محمد بْن أحمد بْن الحُسين السُّكّريّ، روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وعبد الخالق بْن يوسف، وعُمَر بْن ظفر المَغَازليّ، وقد سمع أبا مُحَمَّد الخلّال، وضاع سماعه.
تُوُفّي في رمضان عَنْ نيف وثمانين سنة.(10/812)
330 - أحمد بْن الفضل بْن أَبِي القاسم الأصبهاني، أبو الفضل القصّار. [المتوفى: 499 هـ]
شيخ صالح، سمع أبا القاسم سِبْط بَحْرُوَيْه، وبمكّة سَعْد بْن عليّ، وهياج بن عبيد الزاهدين.
تُوُفّي من البرد بطريق مكّة، روى عَنْهُ السلفي.(10/812)
331 - أحمد بن محمد، أبو بكر ابن الموازيني الإسكاف. [المتوفى: 499 هـ][ص:813]
شيخ بغدادي، سمع من أبي الحسن القزويني، سمع منه السلفي.
توفي في صفر.(10/812)
332 - بدر النشوي، أبو النجم الصوفي. [المتوفى: 499 هـ]
سافر الكثير، وصحب المشايخ، وسكن بغداد، وسمع بها من أبي القاسم ابن البسري، وأبي نصر الزينبي، وحدَّثَ؛ روى عَنْهُ السِّلَفيّ، ومُحَمَّد بْن عَبْد الله بن حبيب العامريّ، ومُحَمَّد بْن عليّ بْن فولاذ الطَّبَريّ، سمعوا منه في هذا العام، وقال: أَنَا في عشر الثمانين.(10/813)
333 - بنجير بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن عَمُّوَيْه، أبو الوفاء الزّنْجانيّ، ثمّ الهَمَذانيّ. [المتوفى: 499 هـ]
قَالَ شِيرُوَيْه: كهْلٌ، سمع معنا، روى عَنْ أَبِي الفَرَج البَجَليّ، وعبد الحميد بْن الحَسَن الفُقَاعيّ، ومُحَمَّد بْن الحُسين، وعامة مشايخنا، مات في صَفَر، وكان صالحا متدينا صدوقا.(10/813)
334 - الحَسَن بْن أحمد بْن عليّ بْن فتحان بْن منصور بْن عَبْد اللَّه بْن دَلف ابن الأمير أَبِي دُلَف العِجْليّ ابن الشَّهْرَزُوريّ العطّار، أبو منصور، [المتوفى: 499 هـ]
من ساكني خرابة ابن جردة.
قرأ القرآن عَلَى أَبِي نَصْر أحمد بْن مسرور، وسمع من أحمد بن علي التوزي، وأبي عليّ بْن المذهب، وطائفة، قرأ عَلَيْهِ ولده شيخ القراء المبارك، وحدَّثَ عَنْهُ هُوَ، والسِّلَفيّ.
مات في جُمَادَى الآخرة؛ ذكره ابن النجار.(10/813)
335 - الحُسين بْن إِبْرَاهِيم، أبو عَبْد اللَّه النَّطَنْزِيّ الأصبهاني، النَّحْويّ، الملقب بذي اللّسانين. [المتوفى: 499 هـ]
من كبار أئمة العربية.(10/813)
336 - الحُسين بْن سَعْد الآمِديّ الأديب. [المتوفى: 499 هـ]
حدَّثَ بأصبهان عَن ابن غَيْلان، وبها تُوُفّي، وهو من أئمة النحو.(10/813)
337 - خمارتكين، أبو منصور الجستانيّ، [المتوفى: 499 هـ]
أمير الحاجّ.
قَالَ السِّلَفيّ: قرأنا عَلَيْهِ بالمدينة النبوية: أخبركم أبو مُحَمَّد [ص:814] الجوهري، توفي بمراغة في المحرم.(10/813)
338 - دارا بن العلاء بْن أحمد، أبو الفتح الفارسي الكاتب البليغ، [المتوفى: 499 هـ]
ذو النظم والنثر كاتب السّلطان ملكشاه.
سمع مَعَ نظام المُلْك من ابن شكْرُوَيْه الأصبهاني، وطائفة، وأخذ عَنْهُ السلفي، وهزارسب.
أرخه ابن النجار.(10/814)
339 - سهل بْن أحمد بْن عليّ، الحاكم أبو الفتح الأَرْغِيَانيّ الفقيه الشّافعيّ الزّاهد، [المتوفى: 499 هـ]
أحد الأئمة.
تفقه على القاضي حسين، وأخذ الأصول والتفسير عن شهفور الإسفراييني بطُوس، وأخذ عَنْ أَبِي المعالي الْجُوَينيّ علم الكلام، وولى القضاء بناحيته أَرْغِيان، وهي قُرَى كثيرة من أعمال نَيْسابور، ثمّ تعبد وترك القضاء وآوى إلى الخانقاه، ووقف عليها، ولزم العبادة، وصحب الزّاهد حَسَن السِّمْنانيّ.
وله فتاوى مجموعة معروفة بِهِ، وقد سمع أبا حفص بْن مسرور، وأبا عثمان الصّابونيّ، وهذه الطبقة فأكثر، روى عَنْهُ أبو طاهر السِّنْجيّ، وغيره.
توفي في يوم النحر.(10/814)
340 - عبد الله بن علي بن إسحاق بن العبّاس، أبو القاسم الطُّوسيّ، [المتوفى: 499 هـ]
أخو نظام المُلْك.
قال السمعاني: وجه مشايخ نَيْسابور في عصره، العفيف في نفسه، النّظيف في ملابسه ومجالسه وصلواته، المواظب عَلَى قراءة القرآن في أكثر أحواله، دخل نَيْسابور في طلب العلم، وسمع الحديث؛ وكان من أولاد الدّهاقين، لهم ضيعةٌ موروثة، وكان يتجمّل بها، ثمّ استمرّ بِهِ الحال إلى أن تَرَقّى أمرُ أخيه، فما غير هيئته، سمع أبا حسّان مُحَمَّد بْن أحمد المُزَكيّ، وأبا عثمان الصّابونيّ، وأبا حفص بْن مسرور، سمع منه والدي، روى لنا عنه جماعة، وحدث ببغداد، حدثنا عَنْهُ بها ابن السَّمَرْقَنْديّ، وكان مولده في سنة أربع عشرة وأربعمائة، ومات في جُمَادَى الآخرة.(10/814)
341 - عبد الله بن عمر ابن الخوّاص البغداديّ، أبو نَصْر الدّبّاس. [المتوفى: 499 هـ]
سمع أبا طَالِب بْن غَيْلان، وأبا القاسم التّنُوخيّ، روى عَنْهُ المبارك بْن أحمد، والسِّلَفيّ، وغيرهما.
قَالَ السِّلَفيّ: كَانَ مشهورًا بالصلاح، وسماعه صحيح.(10/815)
342 - عَبْد العزيز بْن مُحَمَّد بْن أحمد، أبو مُسْلِم الشِّيرازيّ اللُّغَويّ النَّحْويّ. [المتوفى: 499 هـ]
لَهُ عدة مصنَّفات.
قَالَ السِّلَفيّ: كَانَ من أفراد الدّهر وأعيان العصر، متفنّنًا، نحويا، لُغَويا، فقيهًا، متكلمًا، شاعرًا، لَهُ مصنَّفات كثيرة، وكان حافظًا للتواريخ، ما رأينا في معناه مثله، تُوُفّي في ذي الحجة وقد نيّف على التّسعين، حضرت الصّلاة عَلَيْهِ.(10/815)
343 - عليّ بْن الحَسَن بْن عَبْد السّلام بْن أبي الحزور الْأَزْدِيّ الدّمشقيّ، أبو الحَسَن. [المتوفى: 499 هـ]
سمع أبا الحَسَن ابن السِّمْسار، ومُحَمَّد بْن عَوْف، وأبا عثمان الصّابونيّ، وعنه الخضر بْن عَبْدان، ونصر بْن أحمد السُّوسيّ.
تُوُفّي في ربيع الأوَّل، وكان يقرأ على القبور.(10/815)
344 - علي بن عبد اللَّه بْن حَسَن بْن أَبِي صادق، أبو سَعْد الحِيّريّ النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 499 هـ]
حدَّثَ في آخر هذه السنة، ولا أعلم مَتَى مات، سمع عليّ بن محمد الطرازي صاحب الأصم، وأبا عَمْرو محمد بن عبد الله الرَّزْجاهيّ، وأبا عَبْد اللَّه بْن باكُوَيْه، ومُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم المُزَكيّ، روى عَنْهُ عَبْد اللَّه التَّفْتازَانيّ.(10/815)
345 - عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يوسف، أبو الحَسَن الْأَنْصَارِيّ العَبّاديّ الطُّلَيْطُليّ، ويُعرف بابن اللَّوْنقَة. [المتوفى: 499 هـ]
روى عن أبي المظفر بْن سَلَمَة، وأبي سَعِيد الورّاق، وابن عَبْد البَرّ النمري، وكان فقيها ورعا، بصيرا بالطب، أخذه عن أبي المطرف بن وافد. [ص:816]
توفي بقرطبة في هذه السنة أو في التي قبلها.
روى عنه ابنه الحسن.(10/815)
346 - عمر بن المبارك بن عمر بن عثمان ابن الخرقي، أبو الفوارس المحتسب البغدادي. [المتوفى: 499 هـ]
قال السمعاني: شيخ صالح دين خير، سمع أبا القاسم بن بشران، حدثنا عنه عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، وعُمَر المَغَازليّ، ومُحَمَّد بْن مُحَمَّد السِّنْجيّ.
قلت: وروى عَنْهُ السِّلَفيّ في " البشرانيات "، توفي في نصف جمادى الآخرة.(10/816)
347 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن عليّ بْن عَبْد الرّزّاق، الشَّيْخ أبو منصور الخياط البغداديّ المقرئ الزّاهد. [المتوفى: 499 هـ]
قَالَ السّمعانيّ: ثقة صالح عابد، يقرئ النّاس ويلقن.
قلت: سمع أبا القاسم بْن بِشْران، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر بْن الأخضر الفقيه، وعبد الغفار بْن مُحَمَّد المؤدِّب، والقزويني وحدَّثَ عَنْهُ بـ " مُسْنِد الحُمَيْديّ "، وقرأ القرآن عَلَى الشَّيْخ أَبِي نَصْر بْن مسرور المقرئ، وكان قديم المولد، فلو أَنَّهُ سمع في حدود العشر وأربعمائة لأدرك أبا عمر بن مهدي والحفار، فإن مولده في سنة إحدى وأربعمائة، وكان يمكن أنّ يقرأ عَلَى أَبِي الحَسَن الحمّاميّ ولكنّ هذه الأشياء قسمية.
روى عَنْهُ جماعة منهم سِبْطاه أبو عَبْد اللَّه الحُسين والمقرئ الكبير أبو محمد عبد الله شيخا الكِنْديّ، وابن ناصر، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وأبو الفضل خطيب الموصل، وسعد الله ابن الدّجاجي، وأحمد البَاجِسْرَائيّ.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ لَهُ ورد بين العشائين، يقرأ فيه سبعًا من القرآن قائمًا وقاعدًا، حتّى طعن في السّنّ، وكان صاحب كرامات.
قَالَ ابن ناصر: كانت لَهُ كرامات.
وقال أبو منصور بْن خَيْرُون: ما رأيت مثل يوم صُلِّيَ عليّ أَبِي منصور الخيّاط من كثرة الخلْق والتبرك بالجنازة.
وقال السّمعانيّ: وقد رُؤيَ بعد موته في المنام، فقيل لَهُ: ما فعل اللَّه [ص:817] بك؟ فقال: غفر لي بتعليمي الصبّيان فاتحة الكتاب، وكان إمام مسجد ابن جردة بالحريم الشّريف، واعتكف فيه مدة يعلِّم العُمْيان القرآن لله، ويسأل لهم، وينفق عليهم.
قَالَ ابن النّجّار في " تاريخه ": إلى أنّ بلغ عدد من أقرأهم القرآن من العُميان سبعين ألفًا، قَالَ: هكذا رأيته بخط أَبِي نَصْر اليُونَارْتيّ الحافظ.
قلت: هذا غلطٌ لا ريب فيه، لعلّه أراد أنّ يكتب سبعين نفسًا، فكتب سبعين ألفًا، ولا شك أنّ من ختم عليه القرآن سبعون أعمى يعزّ وقوع مثله.
قَالَ السِّلَفيّ: ذكر لي المؤتمن السّاجيّ في ثاني جمعة من وفاة أَبِي منصور: اليوم ختموا عَلَى رأس قبره مائتين وإحدى وعشرين ختْمة، يعني أنهم كانوا قد قرؤوا الختم قبل ذلك إلى سورة الإخلاص، فختموا هناك، ودعوا عقيب كل ختمة.
قَالَ السِّلَفيّ: وقال لي علي بن الأيسر العُكْبَريّ، وكان رجلًا صالحًا: حضرت جنازة أَبِي منصور، فلم أر أكثر خلقًا منها، فاستقبلنا يهودي، فرأى كثرة الزّحام والخلْق فقال: أشهد أن هذا هو الدين الحقّ، وأسلم، تُوُفّي يوم الأربعاء سادس عشر محرَّم سنة تسعٍ، ودفن بمقبرة باب حرب.(10/816)
348 - مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن خَلَف، أبو نعيم الواسطي ابن الْجُمَّاريّ. [المتوفى: 499 هـ]
روى " مُسْنِد مسدَّد "، عَنْ أحمد بْن المظفّر العطّار، روى عَنْهُ عليّ بْن نغوبا، وهبة الله ابن البوقي، وهبة الله بن الجلخت، وأبو طَالِب مُحَمَّد بْن عليّ الكتّانيّ.
وثّقه الحافظ خميس الحَوْزيّ.
آخر ما حدَّثَ في هذه السنة، ولم تُؤرَّخ وفاته.(10/817)
349 - مُحَمَّد بْن عبد الله بن يحيى، أبو البركات ابن الوكيل، الخباز الدباس المقرئ الشِّيرَجيّ، [المتوفى: 499 هـ]
أحد الفُضَلاء بالكَرْخ. [ص:818]
قرأ القراءات عَلَى أَبِي العلاء الواسطيّ، والحسن بْن الصَّقْر، وعليّ بْن طلحة الْبَصْرِيّ، ومُحَمَّد بْن بُكَيْر النّجّار، وتفقّه عَلَى أَبِي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وسمع " ديوان المتنبيّ " من عليّ بْن أيّوب، وسمع أبا القاسم بْن بِشْران.
قرأ عليه أبو الكرم الشهرزوري، والسلفي، وسبط الخياط، وروى عَنْهُ أبو بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ، وابن ناصر، والسِّلَفيّ، وأبو بَكْر عَبْد الله بن النقور، وآخرون.
قَالَ ابن ناصر: كَانَ رجلًا صالحًا، اتُّهِمَ بالإعتزال، ولم يكن يذكره، ولا يدعو إِلَيْهِ.
وقال أبو المُعَمَّر المبارك بْن أحمد: دخلت عَلَيْهِ مَعَ المؤتَمَن السّاجيّ في مرضه، فقال له المؤتمن: يا شيخنا، تبلغنا عنك أشياء، فقال: ذَلِكَ صحيح، وأنا قد رجعت إلى الله، وتبت عن ذَلِكَ الاعتقاد.
وُلِد في رمضان سنة ستٍّ وأربعمائة، ومات في ربيع الأوَّل، وله ثلاثٌ وتسعون سنة.(10/817)
350 - مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن الحَسَن بْن الحُسين بْن أَبِي البقاء، أبو الفَرَج الْبَصْرِيّ، [المتوفى: 499 هـ]
قاضي القضاة بالبصرة.
كَانَ عالمًا، فهمًأ، فصيحًا، كثير المحفوظ، مهيبًا، تام المروءة، متدينًا، قدِم بغداد وسمع الطَّبَريّ، والتنوخي، وأبا الحَسَن الماوَرْدِيّ، وكان يقرئ كُتُب الأدب.
تُوُفّي في المحرَّم بالبصرة.
وقد سَمِعَ بالكوفة من مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن العَلَويّ، وبالبصرة من الفضل بْن مُحَمَّد القصباني، وعيسى بْن موسى الأندلسيّ؛ وبواسط من أبي غالب مُحَمَّد بْن أحمد بْن بِشْران.
وأملى مجالس بجامع البصرة؛ روى عنه أبو القاسم ابن السَّمَرْقَنْديّ، وأبو عليّ بْن سُكَّرَة الصَّدَفيّ، وقال: كَانَ من أعلم النّاس بالعربية واللّغة، وله تصانيف، ما رأيت مجلسًا أوقر من مجلسه.
وقال السلفي فيما أخبرنا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ، عَنِ ابْنِ رَوَاجٍ، عَنْهُ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أَبُو الْفَرَجِ، قَالَ: أخبرنا محمد بن علي بن بشر البصري، قال: [ص:819] أخبرنا طاهر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو خليفة، قال: حدثنا مسدد، عن عيسى بن يونس، قال: حدثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رجلٍ فَلَهُ وَلَاؤُهُ ".
قَالَ السِّلَفيّ: كَانَ من أجلّاء الرؤساء القضاة.
قلت: وبنى دارًا للعِلْم بالبصرة في غاية الحَسَن والزخرفة، ووقف بها اثني عشر ألف مجلَّدة، ثمّ ذهبت عند فتنة العرب والتُّرْك لمّا نهبت البصرة.(10/818)
351 - محمد بن محمد بن محمد بن الطيب بن سعيد ابن الصباغ، أبو الفضل البغدادي البزاز، [المتوفى: 499 هـ]
ولد الشَّيْخ أَبِي الحُسين.
سمع عثمان بْن مُحَمَّد بن دوست العلاف، وعبد الملك بن بشران، وجماعة، وعنه ابن ناصر، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، وأبو محمد سبط الخياط، والسِّلَفيّ.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: مات في أوّل ربيع الأوَّل سنة تسعٍ، وأمّا أبو عامر العَبْدَريّ، فقال: مات في صفر سنة ثمانٍ وتسعين كما ذكرناه، وقال: في العشرين منه.
قلت: ومولده سنة عشرين أو إحدى وعشرين وأربعمائة.
نقله ابن النجار.(10/819)
352 - المُعَمَّر بْن مُحَمَّد بْن عليّ بْن إسماعيل، أبو البقاء الكوفيّ الحبّال الخزّاز المعروف في بلده بخُرَيْبَة. [المتوفى: 499 هـ]
روى بالكوفة وبغداد عَن الكبار، سمع القاضي جناح بْن نذير المُحَارِبيّ، [ص:820] وزيد بْن أَبِي هاشم العَلَويّ، وأبا الطَّيِّب أحمد بن علي الجعفري، روى عنه عَبْد الوهّاب الأنماطي، وكثير بْن سماليق، والمبارك بْن أحمد الْأَنْصَارِيّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، وابن ناصر، والسِّلَفيّ.
قَالَ السّمعانيّ: شيخ ثقة، صحيح السّماع، انتشرت عَنْهُ الرّواية، وعُمّر حتّى روى كثيرا، وكان قليل السّماع، إلّا أَنَّهُ بُورك لَهُ فيما سمع، روى لنا عَنْهُ أبو طاهر السِّنْجيّ، وأبو المعالي الحُلْوانيّ بمَرْو، وأبو القاسم إسماعيل الحافظ بأصبهان، وقد سأله هزارسب بْن عوض عَنْ مولده، فقال: سنة عشرٍ وأربعمائة، وقال أبو بَكْر بْن طُرْخان، والحسين بْن خسرو: سألناه عَنْ مولده، فقال: سنة ثلاث عشرة، تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة بالكوفة.(10/819)
353 - مكّيّ بْن بجير بْن عَبْد اللَّه بْن مكّيّ بْن أحمد، أبو مُحَمَّد الهَمَذانيّ الشّعّار. [المتوفى: 499 هـ]
سمع من شيخه أَبِي القاسم نَصْر بْن عليّ، وابن حُمَيْد، وابن أبي الليث، وأبي سعد ابن الصفار، وأبي سعد بن مموس، وأبي طَالِب بْن الصّبّاح، وهارون بْن ماهلة، وابن مأمون، وعامّة مشايخ هَمَذَان، ورحل إلى بغداد، فسمع من أَبِي مُحَمَّد الجوهريّ، وأبي جعفر ابن المسلمة، وجمع كُتُبًا كثيرة في العلوم.
قَالَ شِيرُوَيْه: كُنَّا نسمع بقراءته من مشايخ البلد ومن القادمين، وكان حسن السيرة، شديدًا في السُّنّة، متعصِّبًا لأهل الأثر، مؤمنًا، متواضعًا.
قلت: روى عنه أبو طاهر محمد بن محمد السِّنْجيّ، وأبو الفتوح مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الطّائيّ، وطائفة سواهم، تُوُفّي في ثامن وعشرين جُمَادَى الآخرة، وأجاز لأبي طاهر السلفي.(10/820)
354 - مُهَارِش بْن مجلي بْن عُكَيْث، أبو الحارث مجير الدين العقيلي [المتوفى: 499 هـ]
أمير العرب بعانة والحُدَيْثَة.
كَانَ كثير الصلاة والخير والبِرّ، يتصدق كل يوم بثلاث مائة رطل خُبْز. [ص:821]
ولما خرج أرسلان البساسيري في سنة خمسين وأربعمائة عَلَى الخليفة القائم، انحاز الخليفة، فآوى إلى مُهَارِش هذا كما تقدَّم، فكان يخدم الخليفة بنفسه تِلْكَ السّنة، ورد القائم شاكرًا لَهُ، وقد مدحه مُهَارِش بقصيدةٍ، وبعث بها إِلَيْهِ، أولها:
لولا الخليفة ذو الإفضال والمنن ... نجل الخلائف آل الفَرْضِ والسُّنَنِ
ما بِعْتُ قومي وهم خير الأنام ولا ... أصبحت أعرف بغدادا وتعرفني
حاربتُ فيه ذوي القُرْبَى، وبِعْتُ بِهِ ... ما كنت أهواه من دارٍ ومن سكن
ما يستحق سواي مثل منزلتي ... ما دام عَدْلُكَ هذا اليوم ينصفني.
توفي عن سن عالية.(10/820)
-سنة خمسمائة(10/822)
355 - أحمد بْن الحُسين بْن عليّ بْن عَمْروَيْه، أبو منصور النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 500 هـ]
سمع أَبَاهُ، وأبا سَعِيد النصرويي، وعبد الغافر الفارسي، والكَنْجَرُوذيّ، وتُوُفّي في سادس شعبان وله أربع وثمانون سنة.(10/822)
356 - أحمد بْن عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد، الشَّيْخ أبو منصور بن الذبح الهاشمي الموسوي الكوفي الخطيب. [المتوفى: 500 هـ]
ولد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وحدَّثَ ببغداد عَنْ العَلَويّ، وابن فَدَويْه، وعنه أبو الوفاء أحمد بن محمد بن الحصين، والسلفي.
لم أجد وفاته.(10/822)
357 - أحمد بْن محمد بْن أحْمَد بْن سَعِيد، أَبُو الفتح الحدّاد المقرئ الأصبهاني التّاجر، [المتوفى: 500 هـ]
سِبْط الحافظ أَبِي عَبْد اللَّه بْن مَنْدَهْ.
كَانَ شيخًا جليل القدْر، ورعًا، خيِّرًا، كثير الصَّدقات، تفرّد بالإجازة من إسماعيل بْن يَنّال المحبوبيّ الّذي يروي عَن ابن محبوب " جامع التِّرْمِذيّ "، وأجاز لَهُ أبو سَعِيد الصَّيْرفيّ، وعليّ بن مُحَمَّد الطّرَازِيّ، وسمع أبا سَعِيد مُحَمَّد بْن عليّ النّقّاش، وعليّ بْن عَبْدكَويْه، وأحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن يَزْداد غلام محسن، وأبا سهل عُمَر بْن أحمد بْن عُمَر الفقيه، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن الحُسين الدّشْتيّ، وأبا سَعِيد الحسن بن محمد عَبْد اللَّه بْن حَسْنَوَيْه، وعبد الواحد بْن أحمد الباطرقاني، وأبا الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن شَهْرَيار، وطائفة كبيرة.
روى عَنْهُ أبو طاهر السلفي، وأبو الفتح عبد الله الخرقي، وجماعة بأصبهان، وشاكر بن علي الأسواري، وعبد الوهّاب الأَنْماطيّ، وصدقة بْن مُحَمَّد ببغداد، وقد قرأ القراءات عَلَى أَبِي عُمَر الخرقي، وبمكّة عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه الكارَزِينيّ، وهو آخر أصحابه وفاةً، قرأ عليه السلفي لعاصم إلى / 32 حم عسق «، وكان مولده في سنة ثمان وأربعمائة. [ص:823]
وتُوُفِّي فِي ذي القعدة.(10/822)
358 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن مُظَفَّر، الْإِمَام أبو المظفَّر الخَوَافيّ الفقيه الشّافعيّ، [المتوفى: 500 هـ]
عالم أهل طُوس مَعَ الغزاليّ.
كَانَ من أنظر أهل زمانه، وهو رفيق الغزالي في الاشتغال عَلَى إمام الحَرَمين.
وخواف: قرية من أعمال نَيْسابور.
وكما رُزِق الغزاليّ السّعادة في تصانيفه، رزق الخوافي السعادة في مناظرته، توفي بطوس، وله العبارة الرشيقة المهذبة والتضييق في المناظرة على الخصم والإرهاق إلى الانقطاع، تفقه على أبي إبراهيم الضرير ثم انتقل إلى إمام الحرمين أبي المعالي ولزمه وبرع عنده حتى صار من أعيان أصحابه، وكان من جملة منادميه بالليل، وكان معجبا به وبكلامه، ثم درس في حياة أبي المعالي، وولي قضاء طوس ونواحيها، ثم صرف لا عن تقصير من جهته.
وكان حسن العقيدة، ورع النفس ما عهد منه هنات قط، وقد سمع من أبي صالح المؤذن، وغيره.(10/823)
359 - أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بْن زَنْجَوَيه، الفقيه أبو بَكْر الزّنْجانيّ. [المتوفى: 500 هـ]
وُلِد سنة ثلاث وأربعمائة، وتُوُفّي في عشر المائة، سمع ببغداد من أَبِي عليّ بن شاذان، وغيره، وسمع من القاضي أبي عبد الله الحسين بْن مُحَمَّد الفلاكي، وأبي طَالِب الدَّسْكَريّ، وأبي القاسم عبد الله بن عمر الساوي، وعبد القاهر بْن طاهر البغداديّ، والحَسَن بْن عليّ بْن معروف الزّنْجانيّ، وجماعة.
قَالَ شِيرُوَيْه: كان فقيها متقنا، رحلت إليه مع ابني شهردار، وسمعنا منه بزنجان.
قلت: وروي عَنْهُ شعبة بْن أَبِي شكر بأصبهان، والحافظ مُحَمَّد بْن طاهر، وأبو طاهر السلفي، ولا أعلم متى توفي، لكنه حدث في هذا العام.
وكان شيخ ناحيته ومسندها ومفتيها، تفقّه بأبي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وسمع [ص:824] " مسند الإمام أحمد " من الفلاكيّ سنة نيف وعشرين، بسماعه من القَطِيعيّ، وسمع " مُسْنِد أَبِي يَعْلَى " من أَبِي عليّ المعروفي صاحب ابن المقرئ، وسمع " غريب أَبِي عُبَيْد " من ابن هارون التَّغْلِبيّ، عَنْ عليّ بْن عَبْد العزيز، عَنْهُ، وقرأ لأبي عَمْرو، عليّ ابن الصقر صاحب زيد بْن أَبِي بلال، وكان الرّحلة إِلَيْهِ، ومدار الفتيا عَلَيْهِ.
ورأيت لَهُ ترجمة بخط الحافظ عَبْد الغنيّ سمعها من أَبِي طاهر السِّلَفيّ، فيها بعض ما قدمناه، وأنّه تلا بحرف أَبِي عَمْرو عليّ الحَسَن بْن عليّ بْن الصّقْر الكاتب، وقرأ كتاب " المرشد " على مؤلفه أبي يعلى ابن السّرّاج، وتلا عَلَيْهِ بما في " المرشد " من الرّوايات، وكتب بنَيْسابور " تفسير إسماعيل الضّرير "، عَنْهُ، وسمع من أبي عبد الله بن باكويه الشِّيرازيّ، وكانت الرحلة إِلَيْهِ لفضله وعُلُوّ إسناده، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَفْتَى من سنة تسعٍ وعشرين، وقيل لي عَنْهُ إنّه لم يفت خطأ قطّ، وأهل بلده يبالغون في الثناء عَلَيْهِ، الخواص والعوام، ويذكرون ورعه، وقلة طمعه.(10/823)
360 - أسعد بن أحمد بن محمد بن حيان، أبو عَبْد اللَّه النَسَويّ الصُّوفيّ، [المتوفى: 500 هـ]
من خواص أبي القاسم القشيري.
سمع عمر بْن مسرور، وغيره، روى عَنْهُ أبو طاهر السنجي، ومات في صفر.(10/824)
361 - جعفر بن أحمد بن الحسين بْن أحمد، أبو مُحَمَّد البغداديّ السّرّاج القارئ. [المتوفى: 500 هـ]
سمع أبا عليّ بْن شاذان، وأبا مُحَمَّد الخلّال، وعُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بْن شاهين، ومحمد بن إسماعيل بن عمر بن سبنك، وأحمد بْن عليّ التَّوَّزيّ، وعليّ بْن عُمَر القَزْوينيّ، وابن غَيْلان، والبَرْمكيّ، والتّنُوخيّ، وأبا الفتح عَبْد الواحد بْن شيطا، وغيرهم ببغداد؛ والحافظ أبا نَصْر عُبَيْد اللَّه السِّجْزيّ، وأبا بَكْر مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الأَرْدَسْتانيّ بمكة؛ وأبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا بَكْر الخطيب بدمشق؛ وعبد العزيز بن الحسن الضراب، وجماعة بمصر. [ص:825]
وخرج لَهُ الحافظ أبو بَكْر الخطيب خمسة أجزاء مشهورة مَرْوِيّة.
روى عَنْهُ ابنه ثعلب، وإسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن ناصر، ومحمد ابن البطي، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وسلمان بْن مسعود الشحام، وأبو الحسن بن الخل الفقيه، وعبد الحق بْن يوسف، وشُهْدَة الكاتبة، وأبو الفضل خطيب المَوْصِل، وخلق كثير.
وكتب بخطّه الكثير، وصنَّف كتاب " مصارع العشاق "، وكتاب " حكم الصبيان "، وكتاب " مناقب السودان "، ونظم الكثير في الفقه، واللّغة، والمواعظ، وشعره حلو سهل في سائر فنون الشعر، وكان لَهُ اعتناء بالحديث، انتخب السِّلَفيّ من كتبه أجزاء عديدة.
وحدَّثَ ببغداد، ودمشق، ومصر.
قَالَ شجاع الذُّهْليّ: كَانَ صدوقًا، ألّف في فنون شتى.
وقال أبو عليّ الصَّدَفيّ: هُوَ شيخ فاضل، جميل، وسيم، مشهور، يفهم. عنده لغة وقراءات، وكان الغالب عليه الشعر، ونظم " التنبيه " لأبي إِسْحَاق الشِّيرازيّ، ونظم مناسك الحجّ.
وذكره الفقيه أبو بكر ابن العربيّ، فقال: ثقة، عالم، مقرئ، لَهُ أدب ظاهر، واختصاص بالخطيب.
وقال السِّلَفيّ: سألته عَنْ مولده، فقال: إمّا في آخر سنة سبْعٍ عشرة، وأمّا في أول سنة ثمان عشرة وأربعمائة ببغداد.
وقال السِّلَفيّ: وكان ممّن يفتخر برؤيته وروايته لديانته ودرايته، وله تواليف مفيدة، وفي شيوخه كثرة، وأعلاهم إسنادًا ابن شاذان.
وقال حمّاد الحرّانيّ: سُئل السِّلَفيّ عَنْ جعفر السّرّاج فقال: كَانَ عالمًا بالقراءات، والنحو، واللّغة، وله تصانيف وأشعار كثيرة، وكان ثقة، ثبتًا.
وقال ابن ناصر: كان ثقة، مأمونا، عالما، فهما، صالحًا، نَظَمَ كُتُبًا كثيرة، منها " المبتدأ " لوهب بْن منبه، وكان قديمًا يستملي عَلَى القَزْوينيّ، وأبي مُحَمَّد الخلّال، تُوُفّي في صَفَر رحمه الله.(10/824)
362 - خَلَف بْن مُحَمَّد، أبو القاسم الْأَنْصَارِيّ القُرْطُبيّ، المعروف بابن السّرّاج. [المتوفى: 500 هـ]
مُكْثِر عَنْ حاتم بْن مُحَمَّد، وكان رجلًا صالحًا ورعًا، يشار إِلَيْهِ بإجابة الدّعوة، وكان النّاس يقصدونه ويتبرّكون بلقائه ودُعائه، وسمعوا منه، تُوُفّي ليلة سبعٍ وعشرين من رمضان.(10/826)
363 - عَبَّاس بن مُحَمَّد بْن أحمد البَرَدَانيّ، أبو الفضل. [المتوفى: 500 هـ]
سمع مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن غَيْلان، وغيره، تُوُفّي فِي ربيع الأوَّل.(10/826)
364 - عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد بن عبد الله، أبو الحسن التُّجَيْبيّ الطُّلَيْطُليّ، ابن المشاط. [المتوفى: 500 هـ]
روى عَنْ أحمد بْن مغيث، وجماهر بْن عَبْد الرَّحْمَن، وأبي مُحَمَّد الفارقيّ.
قَالَ ابن بَشْكُوَال: كَانَ من أهل العلم، مقدمًا في الفهم، حافظًا، ذكيا، لغويا، أديبًا، شاعرًا، متيقظًا، جمع كُتُبًا في غير ما فنّ. أخبرني عَنْهُ أبو الحَسَن بْن مغيث، وقال: تردّد في الأحكام بناحية إشبيلية، ثمّ صُرف عَنْهَا، وقصد مالقة فسكنها، وبها تُوُفّي في سابع رمضان، وشهده جمعٌ عظيم.(10/826)
365 - عَبْد الوهّاب بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الوهّاب بْن مُحَمَّد الفاميّ الفارسيّ، أبو مُحَمَّد، الفقيه الشّافعيّ. [المتوفى: 500 هـ]
قدِم بغداد سنة ثلاثٍ وثمانين وأربعمائة على تدريس النظامية، وكان مدرسها يومئذٍ الحُسين بْن مُحَمَّد الطَّبَريّ، فتقرر أنّ يدرس كل واحد منهما يومًا، فبقيا عَلَى ذَلِكَ سنة وعُزِلا، فأملى أبو مُحَمَّد بجامع القصر عَنْ أَبِي بَكْر أحمد بْن الحَسَن بْن اللَّيْث الشِّيرازيّ الحافظ، ومُحَمَّد بْن أحمد بْن حَمْدان بْن عبدك، وعليّ بْن بُنْدار الحنفي، وجماعة من شيراز.
قَالَ أبو عليّ بْن سُكَّرَة: قدِم عَبْد الوهّاب الفاميّ وأنا ببغداد، وخرج كافّة العلماء والقُضاة لتلقِّيه، وكان يوم قرئ منشوره يوما مشهودا، سَمِعْتُ عَلَيْهِ كثيرًا، وسمعته يَقُولُ: صنفت سبعين تأليفًا في ثمانية عشر عامًا، ولي كتاب في [ص:827] التفسير ضمّنْتُه مائة ألف بيت شاهدًا، أملى بجامع القصر، وحُفِظ عَلَيْهِ تصحيفٌ شنيع، ثمّ أجْلِب عَلَيْهِ وطُولِب، ثمّ رمي بالإعتزال حتّى فر بنفسه.
وقال السمعاني: حدثنا أَبُو الْعَلَاءِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الحافظ، قال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ ثَابِتٍ الطَّرْقِيَّ الْحَافِظَ يَقُولُ: سمعت غير واحد ممن أثق به يقول: أَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ الشِّيرَازِيَّ أَمْلَى بِبَغْدَادَ حَدِيثًا مَتْنُهُ: " صَلَاةٌ فِي أَثَرِ صَلَاةٍ كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ " فَصَحَّفَ وَقَالَ: " كَنَارٍ فِي عِلِّيِّينَ "، وَكَانَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْخُجَنْدِيُّ حَاضِرًا، فَقَالَ: ما معناه؟ فقال: النار في الغلس تكون أضوأ.
وبه، قَالَ الطرقي: وسأله بعض أصدقائي عَنْ " جامع " أَبِي عيسى التِّرْمِذيّ: هَلْ لك بِهِ سماع؟ فقال: ما " الجامع "، ومن أبو عيسى؟ ما سَمِعْتُ بهذا قطّ، ثمّ رأيته بعد ذَلِكَ يعده في مسموعاته.
قال الطرقي: ولماذا أراد أن يملي بجامع القصر؟ قلت لَهُ: لو استعنت بحافظٍ ما، ينتقي الأحاديث، ويرتبها عَلَى ما جرت بِهِ عادتهم؛ فقال: إنّما يفعل ذَلِكَ من قلت معرفته بالحديث، أَنَا حفظي يغنيني، فأملى وامتحنت بالاستملاء، فأول ما حدَّثَ رأيته يسقط من الإسناد رجلًا، ويبدل رجلًا برجل، ويجعل الواحد رجلين، وفضائح أعجز عَنْ ذكرها، ففي غير موضعٍ: حدثنا الحَسَن بْن سُفْيَان، عَنْ يزيد بْن زريع، فأمسك أهل المجلس، وأشاروا إليّ، فقلت: سقط إمّا مُحَمَّد بْن منهال، أو أميّة بْن بِسْطام، فقال: اكتبوا كما في أصلي، وأورد: أخبرنا سهل بْن بحر، أَنَا سألته، فقال: إننا سالبة، وأما تبديل عمرو بعمر فكثير، وكذا جميل بحميل، وقال في سَعِيد بْن عَمْرو الأشعثي: سَعِيد بن عمر، والأشعثي، فجعل واو عمرو واو العطف، فقلت: إنما هو نسبه، فقال: لا، فقلت: فمن الأشعثي؟ قَالَ: فضول منك، وقال في الطور: الطَّوْد.
وقال السّمعانيّ: كانت لَهُ يد في المذهب، وحدَّثَ عَنْ عَبْد الواحد بْن يوسف الخرّاز، وأبي زرعة أحمد بن يحيى الخطيب، والحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عثمان بْن كرامة، وجماعة من الفارسيين، روى لنا عَنْهُ عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، والحسين بْن عَبْد المُلْك الخلّال، ومحمود بْن ماشاذة.
وقال يحيى بْن مَنْدَهْ: أبو مُحَمَّد الفاميّ أحفظ من رأيناه لمذهب [ص:828] الشّافعيّ، صنف كتاب " تاريخ الفُقَهاء "، وقال فيه: مات جدي أبو الفَرَج عَبْد الوهّاب سنة أربع عشرة وأربعمائة، وفيها ولدت.
وقال غيره: توفي في السابع والعشرين من رمضان بشيراز.(10/826)
366 - عليّ بْن طاهر بن جعفر، أبو الحسن السلمي الدّمشقيّ، النَّحْويّ. [المتوفى: 500 هـ]
سمع أبا عَبْد اللَّه بْن سلوان، وأبا نَصْر الكَفَرْطابيّ، وعليّ بْن الخضر السُّلَميّ، وأبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا القاسم السُّمَيْساطيّ.
روى عنه جمال الإسلام أبو الحسن، وأبو المعالي مُحَمَّد بْن يحيى الْقُرَشِيّ، وجميل بْن تمام، وحفاظ بْن الحَسَن، والخضر بْن هبة اللَّه بْن طاوس، وأبو المعالي بْن صابر.
قَالَ ابن عساكر: كَانَ ثقة، وكان لَهُ حلقة في الجامع وقف عندها كتبه، وتوفي في ربيع الأول، وقد ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.(10/828)
367 - علي بن محمد بن محمد بن المحسن بن يحيى بن جعفر بن عليّ بن محمد بن عليّ الرضا بن موسى بن جعفر الصّادق بن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنه، السيد أبو طالب الموسوي [المتوفى: 500 هـ]
نقيب مشهد علي بالعراق.
وكان شيخا معمرا له قعدد في النسب، ولد سنة ثلاث وأربعمائة، روى عنه السِّلفي شيئا عن أبي الحسين ابن المهتدي بالله.(10/828)
368 - محمد بن إبراهيم بن أنوش، العلامة أبو بكر بن أبي إسحاق البخاري الحصري الحافظ. [المتوفى: 500 هـ]
أحد كبار الحنفية، تفقّه على الإمام محمد بن أبي سهل السرخسي، وسمع الكثير بنفسه ببخارى وخراسان، والعراق، والحجاز، ورجع إلى بلده وأملى، روى عن عمر بن منصور البخاري الحافظ، وعبد الكريم بن أبي حنيفة، وعبد الواحد الزبيري المعمَّر، والأمير ابن ماكولا.
مات ببخارى كهلا.(10/828)
369 - محمد بْن الحَسَن بْن أحمد بْن الحَسَن بْن خداداذ، أبو غالب الباقلاني، الفامي. [المتوفى: 500 هـ]
شيخ صالح بغدادي من بيت الحديث، سمع أبا عليّ بن شاذان، وأحمد بن عبد الله المحاملي، والبرقاني، وعبد الملك بن بشران، روى عنه أبو بكر ابن السمعاني، وإسماعيل بن الفضل، وابن ناصر، والسلفي، وشهدة، وخطيب الموصل، وآخرون.
أثنى عَلَيْهِ عَبْد الوهّاب الأَنْماطيّ، وقال ابن ناصر: كَانَ كثير البكاء من خشية اللَّه.
توفي في شهر ربيع الآخر، وله ثمانون سنة.(10/829)
370 - محمد بن الحسن بن الحسين، أبو العلاء الشيرازي الوزير. [المتوفى: 500 هـ]
تنقل في البلاد، ووزر لصاحب خوزستان هزارسب بن عياض، وقدم بغداد بعد الأربعين وأربعمائة، وتزوج بابنة عميد الرؤساء، ثم سكن واسطا، وكان صالحا عابدا.(10/829)
371 - محمد بن سليمان بن خليفة، أبو عبد الله المالقي. [المتوفى: 500 هـ]
روى عن أبي عبد الله محمد بن عتاب، والقاضي أبي الوليد الباجي، وكان معتنيا بالعلم، ذكيًّا فهما، استُقضي ببلده، وسمع الناس منه كثيرا، ومولده سنة سبع عشرة.(10/829)
372 - محمد بن عبد الله بن محمد الأموي، أبو عبد الله ابن الصَّرَّاف السَّرقسطيُّ. [المتوفى: 500 هـ]
روى عن عمِّه أبي زيد ابن الصراف، وأبي عبد الله بن فورتش، حدَّث عنه أبو عليّ بن سُكَّرَة، وقال: كان رجلا صالحا، فاضلا.
وقال غيره: توفي في سلخ صَفَر.(10/829)
373 - محمد بن عليّ بن محمد بن عثمان، أبو الفتح ابن الحلواني البغدادي المرَّاق الحنبلي الفقيه. [المتوفى: 500 هـ]
تفقه في صغره على القاضي أبي يعلى، ثم لزم بعده الشريف أبا جعفر بن أبي موسى، والقاضي يعقوب، وبرع في المذهب، ودرس وأفتى وناظر، وكان صالحا متعبدا، روى عن أبي يعلى، وابن المسلمة، والصريفيني، وصنَّف في [ص:830] المذهب، روى عنه السِّلفي، وقال: مات فِي ذي الحجة.(10/829)
374 - مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم، الزَّاهد أبو طاهر ابن محمويه العبدي البصري الثقة. [المتوفى: 500 هـ]
ممن أجاز للسِّلفي من البصرة، ومات قبل رحلة السلفي إلى البصرة بشهر، وهو أحد الربيعين من سنة خمس مائة، وله إحدى وسبعون سنة.
وكان صاحب أصول صحيحة، يروي عن ابن غسان نحو مائة جزء، وعن محمد بن محمد البازكلي كذلك، وأعلى ما له حديث أبي خليفة الجُمَحي.(10/830)
375 - المبارك بْن عَبْد الجبّار بْن أحمد بْن القاسم بن أحمد، أبو الحسين البغدادي الصيرفي المعروف بابن الطيوري. [المتوفى: 500 هـ]
قال السمعاني: كان محدثا مكثرا صالحا أمينا، صدوقا، صحيح الأصول، صيِّنًا، ورعا، حسن السَّمْتِ، وقورا، كثير الكتابة، كثير الخير، سمع الناس بإفادته من الشيوخ، ومتَّعه الله بما سمع حتى انتشرت عنه الرواية وصار أعلى البغداديين سماعا.
سمع أبا علي بن شاذان، وأبا القاسم الحرفي، وأبا الفرج الطناجيري، وأبا الحسن العتيقي، وأبا محمد الخلال، وعلي بن أحمد الفالي، ومحمد بن علي الصوري، والعشاري، وخلقا، ورحل فسمع بالبصرة أبا علي الشّاموخيّ، وغيره.
قَالَ السّمعانيّ: أكثر عَنْهُ والدي، وحدثنا عنه أبو طاهر السنجي، وأبو المعالي الحلواني بمَرْو، وإسماعيل بْن مُحَمَّد بأصبهان، وخلق يطول ذكرهم.
وكان المؤتمن الساجي سيئ الرأي فيه، وكان يرميه بالكذب ويصرح بذلك، وما رأيت أحدًا من مشايخنا الثّقات يوافقه، فإني سألت جماعة مثل عَبْد الوهّاب الأنماطي، وابن ناصر، وغيرهما، فأثنوا عَلَيْهِ ثناء حسنًا، وشهدوا لَهُ بالطلب والصدق والأمانة، وكثرة السماع، وسمعت سلمان بْن مسعود الشحام يَقُولُ: قدِم علينا أبو الغنائم ابن النَّرْسيّ، فانقطعنا عَنْ مجلس ابن الطُّيُوريّ أيامًا، واشتغلنا بالسماع منه، فلمّا مضينا إلى ابن الطُّيُوريّ قَالَ لنا: لم انقطعتم عني هذه الأيام؟ قُلْنَا: قدِم شيخ من الكوفة كُنَّا نسمع منه، قال: فأيش [ص:831] أعلى ما عنده؟ قلنا: حديث علي بن عبد الرحمن البكائي، فقام الشَّيْخ أبو الحُسين، وأخرج لنا شدة من حديث البكائي، وقال: هذا من حديثه، سماعي من أبي الفرج ابن الطَّنَاجِيريّ.
قَالَ السّمعانيّ: وأظن أنّ هذه الحكاية سمعها من الحافظ ابن ناصر.
وُلِد ابن الطيوري في سنة إحدى عشرة وأربعمائة، وقد روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وشُهْدَة، وعبد الحق اليوسفي، وخطيب الموصل، وأبو السعادات القزاز.
وذكره أبو عليّ بْن سُكَّرَة، فقال: الشَّيْخ الصالح الثقة، كان ثبتا فهما، عفيفا، متقنا، صحب الحفاظ ودرب معهم، وسمعتُ أبا بَكْر ابن الخاضبة يَقُولُ: شيخنا أبو الحُسين ممّن يستشفى بحديثه.
وقال ابن ناصر في " أماليه ": حدثنا الثقة الثبت الصدوق أبو الحُسين.
وقال السِّلَفيّ: ابن الطُّيُوريّ محدث كبير، مفيد، ورع، لم يشتغل قطّ بغير الحديث، وحصّل ما لم يحصّله أحد من التفاسير، والقراءات، وعلوم القرآن، والمسانيد، والتواريخ، والعلل، والكتب المصنفة، والأدبيات والشعر، كلها مسموعة له، رافق الصُّوريّ، واستفاد منه، والنخشبيّ، وطاهر النَّيْسابوريّ، وكتب عنه مسعود السجزي، والحميدي، وجعفر ابن الحكاك، فأكثروا عَنْهُ، ثمّ طوّل السِّلَفيّ الثناء عَلَيْهِ.
وذكره أبو نَصْر بْن ماكولا فقال: صديقنا أبو الحسين يعرف بابن الحمّاميّ مخففًا، سمع أبا عليّ بْن شاذان، وخلْقًا كثيرًا بعده؛ وهو من أهل الخير والعفاف والصّلاح.
قَالَ ابن سُكَّرَة: ذكر لي شيخنا أبو الحُسين أنّ عنده نحو ألف جزءٍ بخطّ الدَّارَقُطْنيّ، أو أخبرت عَنْهُ بمثل ذَلِكَ. وأخبرني أنّ عنده لابن أَبِي الدّنيا أربعة وثمانين مصنفًا.
وقال عليّ بْن أحمد النَّهْروانيّ: تُوُفّي في نصف ذي القعدة.(10/830)
376 - المبارك بْن فاخر بْن مُحَمَّد بْن يعقوب، أبو الكرم ابن الدّبّاس، النَّحْويّ. [المتوفى: 500 هـ][ص:832]
من كبار أئمة العربية واللُّغة، لَهُ فيهما باع طويل، ولد سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة، وقيل: سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وهو أصح، والأوّل غلط.
أخذ عَنْ أَبِي القاسم عَبْد الواحد بْن برهان الأَسَديّ، وسمع الحديث من أَبِي الطَّيِّب الطَّبَريّ، وأبي مُحَمَّد الجوهريّ، أخذ عَنْهُ الشَّيْخ أبو مُحَمَّد سِبْط الخياط، وروى عَنْهُ أبو المُعَمَّر الْأَنْصَارِيّ، وجماعة.
وله كتاب " المعلّم " في النَّحْو، وكتاب " نحو العرف "، وكتاب " شرح خطبة أدب الكاتب ".
وكان ابن ناصر يرميه بالكذب، ويقول: كَانَ يدَّعي سماع ما لم يسمعه.
وقال أبو منصور بْن خَيْرُون: كانوا يقولون إنّه كذاب.
تُوُفّي في ذي القعدة.(10/831)
377 - مطهر بْن أحمد بْن عُمَر بْن صالح، أبو الفَرَج الهَمَذانيّ. [المتوفى: 500 هـ]
روى عَنْ أَبِي طَالِب بْن الصباح، وهارون بن طاهر، وأبي الفتح ابن الضّرّاب، وابن غزْو، وعامّة مشايخ هَمَذَان الّذين أدركهم.
قَالَ شِيرُوَيْه: كَانَ صدوقًا، حَسَن السيرة، لين الجانب، فاضلًا، مات في جُمَادَى الآخرة.(10/832)
378 - يحيى بْن سَعِيد بْن حبيب، أبو زكريّا المُحَارِبيّ الْجَيَّانيّ. [المتوفى: 500 هـ]
قرأ بالسبع عَلَى أَبِي عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن أحمد الفرّاء الزّاهد، وسمع من مُحَمَّد بْن عتّاب الفقيه، وسراج القاضي.
وأقرأ النّاس بُقْرطُبة، ثمّ استقضي بجَيّان، وخطب بها.(10/832)
379 - يوسف بْن تاشَفِين، السّلطان أبو يعقوب اللُّمْتُونيّ المغربيّ البربريّ، الملقَّب بأمير المسلمين، وبأمير المرابطين، وبأمير الملثَّمين، والأوّل هُوَ الّذي استقرّ. [المتوفى: 500 هـ]
كَانَ أحد من ملك البلاد، ودانت بطاعته العباد، واتسعت ممالكه، وطال عُمره، وقلَّ أنّ عُمِّرَ أحد من ملوك الإسلام ما عمر، وهو الّذي بنى مدينة مراكش، وهو الّذي أخذ الأندلس من المعتمد بْن عَبّاد وأسره. [ص:833]
فمن أخباره أنّ بَرّ البربر الجنوبيّ كَانَ لزَنَاتَة، فخرج عليهم من جنوبيّ المغرب من البلاد التي تتاخم أرض السودان الملثَّمون عليهم أبو بَكْر بْن عُمَر، وكان رجلًا خيِّرًا ساذجًا، فأخذت الملثَّمة البلادَ من زنَاتَة من تِلمْسان إلى البحر الأكبر، فسمع أبو بَكْر أنّ امرأةً ذهبت ناقتها في غارةٍ فبكت وقالت: ضيَّعَنَا أبو بَكْر بدخوله إلى المغرب، فتألم واستعمل عَلَى المغرب يوسف بْن تاشَفِين هذا، ورجع أبو بَكْر إلى بلاد الجنوب.
وكان ابن تاشَفِين بطلًا شجاعًا، عادلًا، اختطّ مراكش، وكان مكمنا للصوص وكان ذلك المكان مأوى للحرامية، فكان المارَون بِهِ يقول بعضُهم لبعض: مُرّاكش، وكان بناء مدينة مُرّاكش في سنة خمسٍ وستين وأربعمائة، اشتراها يوسف بماله الّذي خرج بِهِ من الصحراء، وكان في موضعها غابة من الشَّجَر وقرية فيها جماعة من البربر، فاختطهّا، وبنى بها القصور والمساكن الأنيقة، وهي في مرجٍ فسيحٍ، وحولها جبال على فراسخ منها، وبالقرب منها جبل عَلَيْهِ الثلج، وهو الذي يعدل مزاجها، وقيل: كانت ملكا لعجوزٍ مَصْمُوديّة، فأسكن مُرّاكش الخَلْق، وكثرت جيوشه وبعد صِيتُه، وخافتْه ملوك الأندلس، وكذلك خافته ملوك الفرنج لأنّها علمت أَنَّهُ ينجد الأندلسيّين عليهم.
وكان قد ظهر للملثَّمين في الحروب ضَرَبات بالسّيوف تقدّ الفارس، وطعنات تنظم الكُلَى، فكتب إِلَيْهِ المعتمد يتلطّف بِهِ، ويسأله أنّ يعرض عَنْ بلاده لمّا رأى هِمَّتَه عَلَى قصْد الأندلس، وأنّه تحت طاعته، فيقال: كَانَ في الكتاب: فإنك إنّ أعرضت عنّا نُسِبْتَ إلى كَرَمٍ، ولم تُنْسَب إلى عَجْز، وإنْ أَجَبْنا داعيك نُسِبنا إلى عقلٍ، ولم نُنْسَب إلى وهْن، وقد اخترنا لأَنْفُسِنا أجمل نسبتَيْنا، وإنّ في استبقائك ذوي البيوت دوامًا لأمرك وثبوت، وأرسل إليه تُحَفًا وهدايا، وكان بربريًّا لا يكاد يفهم، ففسَّرَ لَهُ كاتبه تِلْكَ الكلمات، وأحسن في المشورة عَلَيْهِ، فأجاب إلى السلم، وكتب كاتبه عَلَى لسانه: من يوسف بْن تاشَفِين، سلامٌ عليكم ورحمة اللَّه وبركاته تحيّة من سالمكم، وسلّم إليكم، حكَّمَهُ التّأييد والنَّصْر فيما حكم عليكم، وإنّكم في أوسع إباحة ممّا بأيديكم من الملك، وإنكم مخصوصون منّا بأكرم إيثار، فاسْتَدِيموا وفاءنا بوفائكم، [ص:834] واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم، واللَّه وليُّ التّوفيق لنا ولكم، والسلام، ففرح بكتابه ابن عَبّاد وملوك الأندلس، وقويت نفوسهم عَلَى دفع الفرنج، ونَوَوْا إنْ رأوا من ملك الفرنج ما يرِيُبهُم أن يستنجدوا بابن تاشَفِين، وصارت لابن تاشَفِين بفعله محبّةٌ في نفوس أهل الأندلس.
ثمّ إنّ الأذفُونْش أَلحَّ عَلَى بلاد ابن عَبّاد، فقال ابن عَبّاد في نفسه: إنْ دهينا من مداخلة الأضداد لنا، فأَهْوَن الأمرَيْن أمر الملثَّمين، ورعاية أولادنا جمالهم أهون من أن يَرْعَوْا خنازير الفرنج، وبقي هذا الرّأي نُصْب عينيه، فقصده الأذفونش في جيشٍ عَرَمْرَمٍ، وجفل النّاس، فطلب من ابن تاشَفِين النجدة، والجهاد، وكان ابن تاشَفِين عَلَى أتم أهبةٍ، فشرع في عُبور جيشه، فلمّا رأى ملوك الأندلس عبور البربر للجهاد، استعدوا أيضًا للنجدّة، وبلغ ذَلِكَ الأذفونش، فاستنفر دِينَ النَّصرانيّة، واجتمع لَهُ جنودٌ لا يُحْصِيهم إلّا الله، ودخل مع ابن تاشفين شيء عظيمٌ من الجمال، ولم يكن أهل جزيرة الأندلس يكادون يعرفون الجمال، ولا تعوَّدتها خيلُهُم، فتجافلت منها ومن رُغائها وأصواتها، وكان ابن تاشفين يحدق بها عسكره، ويحضرها الحروب، فتنفر خيل الفرنج عنها، وكان الأذفونش نازلًا بالزّلّاقة بالقرب من بَطَلْيُوس، فقصده حزب اللَّه، وقدم ابن تاشَفِين بين يديه كتابًا إلى الفرنج يدعوهم إلى الإسلام، أو الحرب، أو الجزية، ثمّ أقبلت الجيوش، ونزلت تجاه الفرنج، فاختار ابن عَبّاد أنْ يكون هُوَ المصادم للفرنج أوّلًا، وأن يكون ابن تاشَفِين ردفًا لَهُ، ففعلوا ذَلِكَ، فخذل الفرنج، واستحر القتل فيهم، فيقال: إنه لم يفلت منهم إلا الأذفونش في دون الثلاثين، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة، وذلك في سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وعفّ يوسف عَن الغنائم، وآثر بها ملوك الأندلس ليتمّ لَهُ الأجر، فأحبوه وشكروا لَهُ، وكانت ملحمةً عظيمةٍ قَلَّ أنْ وقع في الإسلام مثلها، وجرح فيها ملك الفرنج، وجمعت رؤوس الفرنج، فكانت كالتّلّ العظيم.
ثمّ عزم ابن عَبّاد عَلَى أمير المسلمين يوسف، ورام أنّ ينزل في ضيافته، فأجابه، فأنزله في قصوره عَلَى نهر إشبيلية، فرأى أماكن نزهة، كثيرة الخير والحُسْن والرّزْق، وبالغ المعتمد بْن عَبّاد وأولاده في خدمة أمير المسلمين، وكان رجلًا بربريا، قليل التّنعُّم والتّلذُّذ والرّفاهية، فرأى ما هاله من الحشمة [ص:835] والفرش والأطعمة الفاخرة، فأقبل خواصّه عَلَيْهِ ينبهونه عَلَى تِلْكَ الهيئة ويحسنونها، ويقولون: ينبغي أنّ تتخذ ببلادك نحو هذا، فأنكر عليهم، وكان قد دخل في الشيخوخة، وفنيت إرادته، وأدمن عَلَى عيش بلاده، ثمّ أخذ يعيب طريقة المعتمد وتنعمه المُفْرِط، وقال: مَن يتعانى هذه اللّذات لا يمكن أنّ يعدل كما ينبغي أبدًا، ومن كان هذا همته متى تشحذ في حفظ بلاده ورعيته! ثمّ سأل يوسف: هَلْ يفعل المعتمد هذا التنعم في كلّ أوقاته؟ فقيل لَهُ: بل كلّ زمانه عَلَى هذا، فسكت، وأقام عنده أيّامًا، فأتى المعتمد رجلٌ عاقل ناصح، فخوّفه من غائلة ابن تاشَفِين، وأشار عَلَيْهِ بأن يقبض عَلَيْهِ، وأن لا يُطْلقه حتّى يأمر كلَّ من بالأندلس من عسكره أنّ يرجع من حيث جاء: ثمّ تتّفق أنت وملوك الأندلس عَلَى حراسة البحر من سفينة تجري لَهُ، ثمّ تتوثق منه بالأَيْمان أن لا يغدر، ثمّ تُطْلِقه، وتأخذ منه عَلَى ذَلِكَ رهائن.
فأصغى المعتمد إلى مقالته واستوصبها، وبقي يفكّر في انتهاز الفرصة، وكان لَهُ نُدَماء قد انهمكوا معه في الّلذّات، فقال أحدهم لهذا الرجل: ما كَانَ أمير المؤمنين، وهو إمامُ أهل المَكْرُمات ممّن يُعامل بالحَيْف ويغدر بالضَّيْف، قَالَ: إنّما الغَدْر أَخْذُ الحقّ ممّن هُوَ لَهُ، لا دفْع المرء عَنْ نفسه، قَالَ النّديم: بل كَظْمٌ مَعَ وفاءٍ خيرٌ من حزْمٍ مَعَ جفاء، ثمّ إنّ ذَلِكَ النّْاصح استدرك الأمر وتلافاه، وشكر لَهُ المعتمد، وأجازه، فبلغ الخبرُ ابن تاشَفِين، فأصبح غاديا، فقدَّم لَهُ المعتمد هدايا عظيمة، فقبِلَها وعبر إلى سَبْتَة، وبقي جُلُّ عسكره بالجزيرة يستريحون.
وأما الأذفونش، فقدم إلى بلده في أسوأ حال، فسأل عن أبطاله وبطارقته، فوجد أكثرهم قد قتلوا، وسمع نَوْح الثُّكَالَى عليهم، فلم يأكل ولا الْتَذّ بعيشٍ حتّى مات غَمًّا، وخلَّف بنتًا، فتحصَّنت بطُلَيْطُلَة.
ثمّ أخذ عسكرُ ابن تاشَفِين يغيرون، حتّى كسبوا من الفرنج ما تجاوز الحدّ، وبعثوا، بالمغانم إلى مُرّاكش، واستأذن مقدّمهم سِير بْن أَبِي بكر ابن تاشَفِين في المقام بالأندلس، وأعلمه أَنَّهُ قد افتتح حصونًا، ورتّب فيها، وأنّه لا يستقيم الأمر إلّا بإقامته، فكتب إِلَيْهِ ابن تاشَفِين يأمره بإخراج ملوك الأندلس من بلادهم وإلحاقهم بالعدوة، فإن أَبَوْا عَلَيْهِ حاربهم، وليبدأ بالثغور، ولا يتعرض للمعتمد. [ص:836]
فابتدأ سير بملوك بُنيّ هود يستنزلهم من قلعة روطة، وهي منيعة إلى الغاية، وماؤها يُنْبُوعٌ في أعلاها، وبها من الذخائر المختلفة ما لا يوصف، فلم يقدر عليها، فرحل عَنْهَا، ثمّ جَنَّد أجنادًا عَلَى زِيّ الفرنج، وأمرهم أنّ يقصدوها كالمُغِيرين، وكمن هُوَ والعسكر، ففعلوا ذلك، فرأى ابن هود قلتهم، فاستضعفهم، ونزل في طلبهم، فخرج عَلَيْهِ سير، فأسره وتسلم القلعة، ثم نازل بني طاهر بشرق الأندلس، فسلموا إِلَيْهِ، ولحِقُوا بالعدْوَة، ثمّ نازل بني صُمَادِح بالمَرِيّة، فمات ملكهم في الحصار، فسلّموا المدينة، ثمّ نازلوا المتوكلّ عُمَر بْن الأفطس ببَطَلْيُوس، فخامر عَلَيْهِ أصحابه، فقبضوا عَلَيْهِ، ثمّ قتل صبرًا.
ثمّ إنّ سير كُتُب إلى ابن تاشَفِين أَنَّهُ لم يبق بالجزيرة غير المعتمد فأمره أن يعرض عَلَيْهِ التّحوّل إلى العدْوَة بأهله وماله، فإن أبى فنازله، فلمّا عرض عَلَيْهِ سير ذَلِكَ لم يجبه، فسَار وحاصره أشْهُرًا، ثمّ دخل عَلَيْهِ البلد قهرًا، وظفر بِهِ، وبعثه إلى العدْوَة مقيَّدًا، فحُبِس بأَغْمات إلى أن مات، وتسلّم سير الجزيرة كلها.
وقال ابن دحية أو غيره: نزل يوسف عَلَى مدينة فاس في سنة أربع وستين وأربعمائة وحاصرها، ثمّ أخذها، فأقرّ العامّة، ونفى البربر والجند عنها بعد أن حبس رؤوسهم، وقتل منهم، وكان مؤثرًا لأهل العلم والدّين، كثير المَشُورَة لهم.
وكان معتدل القامة، أسمر، نحيفًا، خفيف العارضيْن، دقيق الصوت، حازمًا، سائسًا، وكان يخطب لبني العبّاس، وهو أوّل من تسمى بأمير المسلمين، وكان يحبّ العفْو والصَّفْح، وفيه خيرٌ وعدل.
وقال أبو الحَجّاج يوسف البيّاسيّ في كتاب " تذكير الغافل ": إن يوسف ابن تاشَفِين جاز البحر مرة ثالثة، وقصد قُرْطُبَة، وهي لابن عَبّاد، فوصلها سنة ثلاثٍ وثمانين، فخرج إِلَيْهِ المعتمد بالضيافة، وجري معه عَلَى عادته، ثمّ إنّ ابن تاشَفِين أخذ غرناطة من عَبْد اللَّه بْن بلقين بْن باديس، وحبسه، فطمع ابن عَبّاد في غَرْناطة، وأن يُعطِيَه ابن تاشَفِين إيّاها، فعرض لَهُ بذلك، فأعرض عنه ابن تاشفين وخاف ابن عباد منه، وعمل على الانفصال عنه لا يمسكه، ورد ابن [ص:837] تاشَفِين إلى مُرّاكش في رمضان من السّنة، فلمّا دخلت سنة أربع عزم عَلَى العبور إلى الأندلس لمنازلة المعتمد بْن عَبّاد، فاستعدّ له ابن عباد، ونازلته البربر، فاستغاث بالأذفونش، فلم يلتفت إِلَيْهِ.
وكانت إمرة يوسف بْن تاشَفِين عند موت أَبِي بَكْر بْن عُمَر أمير المسلمين سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وكانت الدّولة قبلهما لزَنَاتَة، وكانت دولة ظالمة فاجرة، وكان ابن تاشَفِين وعسكره فيهم يبس وديانة وجهاد، فافتتح البلاد، وأحبَّته الرّعيّة، وضيّق لِثامَه هُوَ وجماعته، فقيل: إنهم كانوا يتلثّمون في الصّحراء كعادة العرب، فلمّا تملّك ضيّق ذَلِكَ اللّثام.
قَالَ عُزَيز: وممّا رأيته عيانًا أَنَّهُ كَانَ لي صديقٌ منهم بدمشقٍ، وبيننا مودة، فأتيتُه، فدخلت وقد غسَل عمامته، وشدّ سِرواله عَلَى رأسه، وتلثَّم بِهِ، هذا بعد أنّ انقضت دولتهم، وتفرقوا في البلاد، وحكى لي ثقة أنه رأى شيخا من الملثمة بالمغرب منزويا في نهر يغسل ثيابه وهو عريان، وعورته بادية، ويده اليُمْنى يغسل بها، ويده اليُسْرى يَسْتر بها وجهه!
وقد جعل هَؤُلَاءِ اللّثام لوجوههم جُنَّةً، فلا يُعرف الشَّيْخ منهم من الشّاب، فلا يزيلونه ليلًا ولا نهارًا، حتّى أنّ المقتول منهم في المعركة لا يكاد يعرفه أهله، حتّى يجعلوا عَلَى وجهه لثامًا، ولبعضهم:
قومٌ لهم دَرْكُ العلى في حميرٍ ... وإن انتموا صنهاجةً فهم هم
لما حووا إحراز كل فضيلةٍ ... غلب الحياء عليهمو فتلثموا
وتزوج ابن تاشَفِين بزينب زوجة أَبِي بَكْر بْن عُمَر، وكانت حاكمة عَلَيْهِ، وكذلك جميع الملثمين يكبرون نساءهم، وينقادون لأمرهن، وما يسمّون الرَجل منهم إلّا بأمّه.
وهنا حكاية، وهي أنّ ابن خلوف القاضي الأديب كَانَ لَهُ شِعْرٌ، فبلغ زينبَ هذه أَنَّهُ مدح حوّاء امرأة سير بْن أَبِي بَكْر، وفضَّلها عَلَى جُمَيْع النّساء بالجمال، فأمرت بعزْله عَن القضاء، فسار إلى أَغْمات، واستأذن عليها، فدخل [ص:838] البوّاب فأعلمها بِهِ، فقالت: يمضي إلى الّتي مَدَحها تردّه إلى القضاء، فأبلغه، فَعَزَّ عَلَيْهِ، وبقي بالحضرة أيّامًا حتّى فنيت نَفَقَتُه، فأتى خادمها فقال: قد أردت بيع هذا المهر، فأعطني مثقالين أتزود بهما إلى أهلي، وخذه فأنت أولى به، فسرَّ الخادم وأعطاه، ودخل مسرورًا بالمهر، وأخبر الست، فرقت عليه وندمت، وقالت: ائتني بِهِ، فأسرع وأدخله عليها، فقالت: تمدح حواء وتسرف، وزعمت أَنَّهُ لَيْسَ في النّساء أحسن منها، وما هذه منزلة القُضاة، فقال في الحال:
أنت بالشمس لاحِقَهْ ... وهي بالأرض لاصقهْ
فمتى ما مَدَحْتُها ... فهي من سيرَ طالقهْ
فقالت: يا قاضي طَلّقْتَها؟! قَالَ: نعم، ثلاثة وثلاثة وثلاثة، فضحكت حتّى افتضحت، وكتبت إلى يوسف يردّه إلى القضاء.
قلت: ولا رَيْب أنّ يوسف ملكٌ من الملوك، بَدَت منه هنّات وزلّات، ودخل في دهاء الملوك وغدرهم، ولمّا أخذ إشبيلية من المعتمد شن عسكر ابن تاشَفِين الغارة بإشبيلية، وخلّوا أهلها عَلَى برْد الدّيار، وخرج النّاس من بيوتهم يسترون عوراتهم بأيديهم، واقتضت الأبكار، وتتابعت الفتوحات لابن تاشَفِين، وكانت فُقهاء الأندلس قَالُوا لَهُ: لا تَجِبْ طاعتُك حتّى يكون لك عهد من الخليفة، فأرسل إلى العراق قومًا من أهله بهدايا، وكتابًا، يذكر فيه ما فعل بالفرنج، فجاءه من المستظهر باللَّه أحمد رسول بهديّة، وتقليد وخِلْعة، وراية، وكان يقتدي بآراء العلماء، ويعظّم أهل الدين، ونشأ ولده عليّ في العفاف والدّين والعِلْم، فولّاه العهدَ في سنة تسعٍ وتسعين وأربعمائة.
وتُوُفّي يوسف في يوم الإثنين ثالث المحرَّم سنة خمس مائة، ورّخه ابن خلكان، وقبله عزّ الدين ابن الأثير، وغيرهما، وعاش تسعين سنة.
قَالَ الْيَسَعُ بْن حَزْم: فمِن فضله أَنَّهُ لما أراد بناء مُرّاكش ادّعى قومٌ مَصَامِدَةٌ فيها أرضًا، فأرضاهم بمالٍ عظيم، وكان يلبس العباء، ويُؤثر الحياء، ويقصد مقاصد العز في طُرُق المعالي، ويكره السَّفساف، ويحبّ الأشرف [ص:839] المتعالي، ويقلد العلماء، ويؤثر الحكماء، يتدين بمرضاتهم، وإذا دخل عَلَيْهِ من طَوْل ثيابه وجرّها كره إِلَيْهِ وجهه وأعرض عَنْهُ، فإن كَانَ ذا ولاية عزله، وكان كثير الصدقة عظيم البِرّ والصلة للمساكين، رحمه الله تعالى.(10/832)
380 - يوسف بْن عليّ الزّنْجانيّ، أبو القاسم الشّافعيّ. [المتوفى: 500 هـ]
من كبار أصحاب أَبِي إِسْحَاق الشِّيرازيّ، مات في صفر.(10/839)
-وممن توفي تقريبا(10/840)
381 - أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَد بْن عليّ بْن الخصيب، الفقيه أبو سعد الْجَرْبَاذْقانيّ الخانساريّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع أبا طاهر بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وأحمد بْن الفضل الباطرقانيّ، روى عنه السِّلفي جزءا من حديثه سمعناه.(10/840)
382 - أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أَبُو العباس الأنصاري، الشارقي الواعظ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
حج وسمع من كريمة، وتفقّه عَلَى أَبِي إِسْحَاق الشِّيرازيّ، ودخل العراق وفارس، وسكن سَبْتَةَ، وفاس.
وكان صالحًا، دينًا، ذاكرًا، بكاءً، واعظًا، تُوُفّي بشرق الأندلس في نحو الخمس مائة؛ قاله ابن بَشْكُوَال.(10/840)
383 - أحمد بْن مُحَمَّد بْن الفضل بْن شَهْرَيار، أبو عليّ الأصبهاني. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع أبا الفَرَج مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن شَهْرَيار، وغيره، وكان من أبناء التسعين، روى عَنْهُ السِّلَفيّ، وأبو طاهر السِّنْجيّ.
مات قبل الخمس مائة بقليل.(10/840)
384 - أحمد بْن أبي هاشم، أبو طَالِب الْقُرَشِيّ الأصبهاني. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع أبا سَعِيد مُحَمَّد بْن عليّ النّقّاش، وأبا سَعِيد الحَسَن بْن مُحَمَّد بْن حَسْنَوَيْه الكاتب، ومُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن شاذان الأعرج.
روى عَنْهُ السِّلَفيّ عَنْهُمْ، وعن أبي بكر بن أبي علي.(10/840)
385 - إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بْن أسود، أبو إِسْحَاق الغسَّاني المريي، [الوفاة: 491 - 500 هـ]
من علماء أهل المَرِيّة من الأندلس.
روى عَنْ أبيه، وحاتم بْن مُحَمَّد، وأبي عُمَر بْن عَبْد البَرّ، وأبي الأصبغ عيسى بْن مُحَمَّد، وطائفة، وكان شديد العناية بالرّواية. [ص:841]
ذكره الأَبّار، فقال: روى عَنْهُ ابنه القاضي أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد، وعبد الرحيم بْن محمد الخزرجي، وأبو عبد الله بن أبي إحدى عشرة، وتُوفي نحو الخمس مائة.(10/840)
386 - إِبْرَاهِيم بْن عليّ بْن الحَسَن، أبو أحمد البصري النجيرمي. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع إِبْرَاهِيم بْن طلحة بْن غسَّان، وعنه السِّلفي.(10/841)
387 - أسعد بْن مسعود بْن عليّ، أبو إِبْرَاهِيم العتبي النيسابوري، [الوفاة: 491 - 500 هـ]
أحد الرؤساء والعلماء.
تأدَّب بأبي منصور عَبْد الملك الثّعالبيّ، وسمع من الحِيّريّ، والصَّيْرفيّ، ومن جده أبي النَّصْر العُتْبي، وقال: مات جدي سنة أربع عشرة.
روى عنه مسعود بن أحمد الخوافي، وأبو طاهر السنجي، وعبد الخالق الشحَّامي، وجماعة، وتزهَّد بأخرةٍ، عاش بضعا وثمانين سنة.(10/841)
388 - إسماعيل بْن الحُسين بْن حمزة، السَّيِّد أبو الحَسَن العلويُّ الهرويُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
رئيس محتشم، كبير الشّأن، عالي الرُّتْبة ببلده، سمع أبا عثمان سَعِيد بْن العبّاس الْقُرَشِيّ، وغيره.
روى عَنْهُ عَبْد الغافر بن إسماعيل، وذكر أنه عاش إلى سنة نيف وتسعين وأربعمائة، وأنه حدثه بنيسابور سنة أربع وتسعين.(10/841)
389 - بندار بن محمد بن أحمد بن جعفر، القاضي أبو رجاء الخلقانيُّ الأصبهانيُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
روى عن أبي نعيم الحافظ، والهيثم بن محمد الخرَّاط، وأبي القاسم عبد الله بن الحسن المطيعي.
قال السِّلفيُّ: كان مكثرًا من الطلب والمعرفة، وتُكلِّم فيه بغير حجة.
روى عنه السِّلفي، وجماعة، وآخر أصحابه أبو الفتح الخِرَقي.(10/841)
390 - الحَسَن بْن الفتح بْن حمزة بْن الفتح، أبو القاسم الهَمَذانيّ الأديب. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
من أولاد الوزراء والأعيان، كَانَ يرجع إلى معرفة باللّغة، والمعاني، والبيان، قدم بغداد سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، فكتب عنه هزارسب الهروي، والحسين بن خسرو.
ذكره ابن السّمعانيّ، ولم يذكر لَهُ وفاة.
وقال السِّلفي: كَانَ من أهل الفضل والتّقدُّم في الفرائض، والتفسير، والآداب، استوطن بغداد في آخر عمره، وله اليد البيضاء في الكلام، وله تفسير حَسَن، وشِعْرٌ فائق، علَّقت عَنْهُ حكايات وشعرا، وقد صحب أبا إِسْحَاق الشِّيرازيّ، وتفقه عَلَيْهِ، وله:
نسيم الصَّبا إنّ هجت يومًا بأرضها ... فقولي لها حالي علت عَنْ سؤالك
فها أنذا إنّ كنت يومًأ تعتبي ... فلم يبقَ لي إلّا حشاشة هالك
قَالَ ابن الصلاح: رأيت مجلدين من تفسيره من تجزئة ثلاث مجلّدات، واسمه كتاب " البديع في البيان عَنْ غوامض القرآن " فوجدته ذا عناية بالعربيّة والكلام، ضعيف الفقه.(10/842)
391 - الحُسين بْن أحمد بْن أحمد، القاضي أبو عبد الله ابن الصفَّار، [الوفاة: 491 - 500 هـ]
من فُقهاء هَمَذَان.
كَانَ ينوب عَن القضاة بها، وهو من رواة " الزهد " لأحمد عن ابن المُذْهَب، سمع ابن الكسَّار، وبشرى الفاتنيِ، والحسن بْن دوما النعِّالي، والحسين بْن عليّ الطَّناجيري، وابن غَيْلان، وخلقًا سواهم.
كُتُب عَنْهُ أبو شجاع شِيرُوَيْه الدَّيْلَمّي، وقال: كَانَ صحيح السّماع، من الأشعرية.
وذكره ابن السّمعانيّ، ولم يذكر له وفاة.(10/842)
392 - حَمْد بْن عُمَر بْن سَهْلُوَيْه، أبو العلاء الأصبهاني الشرابيُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع أبا نُعَيْم الحافظ، ويوسف بن حسين الرازي، وعنه السِّلفي.(10/843)
393 - سَعْد بْن عليّ بْن حُمَيْد، أبو علّان المُضَريّ المَرَاغيّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
روى عَنْ أحمد بْن الحُسين التراسي، وعنه السِّلفي.(10/843)
394 - عَبّاد بْن الحُسين بْن غانم الطّائيّ، الوزير أبو منصور. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
وَزَرَ لبعض ملوك العجم، وحدَّثَ ببغداد عن ابن ريذة الأصبهاني، روى عَنْهُ أبو الوفاء أحمد بْن الحصين وأبو طاهر السِّلفي.(10/843)
395 - عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن هاشم، أبو مُحَمَّد القَيْسيّ المَرِيّيّ الفقيه، ويُعرف بحفيد هاشم. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
شرح كتاب " التفريع " لابن الجلّاب في ستّ مجلدات، وأجمع أهل المَرِيّة عَلَى تقديمه للقضاء، فقال: إنّ فعلتم فررت عَنْ أهلي وولدي، واللَّه أسألكم، فتركوه، قرأ عَلَيْهِ صِهْره الخطيب أبو عَبْد اللَّه الحمزي.
وكان موجودًا في حدود الخمس مائة.(10/843)
396 - عَبْد اللَّه بْن يوسف، الحافظ أبو مُحَمَّد الجرْجانيُّ القاضي. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
صنَّف " فضائل الشافعي "، و" فضائل أحمد بْن حنبل "، وغير ذَلِكَ، وسمع الكثير.
قال أبو النضر الفامي: توفي بعد التسعين وأربعمائة.(10/843)
397 - عَبْد الرَّحْمَن بْن إسماعيل بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَحْمَد، أبو بَكْر ابن الْإِمَام أَبِي عثمان، الصّابونيّ النيسابوريُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
خَلَف أَبَاهُ في حضور المجالس، وكان لَهُ قبول تامّ لأجل والده.
وكان مليح الشّمائل، متجمّلًا بهيًّا، بَقِيّ عَلَى التّصوّن قليلًا، ثمّ لعب وأخذ في الصّيد والتنزُّه، ففتر أمره، ثمّ أصابه في الآخر نقْرس وزَمِنَ، فباع بقية ضيعة لَهُ.
سمع أَبَاهُ، وعمّه أبا يَعْلَى، وأبا حفص بْن مسرور، روى عَنْهُ مُحَمَّد بْن الحُسين الآمُليّ، وعَبْد اللَّه ابن الفُرَاويّ، وعُمَر بْن أحمد الصّفّار، وآخرون. [ص:844]
وقد سمع " صحيح مُسْلِم " من عَبْد الغافر الفارسيّ، روى عَنْهُ أيضًا هبة اللَّه بْن محمد بن هبة الله بن حنة، وبنيمان بن أبي الفوارس، وأبو رشيد إسماعيل بْن غانم، وأبو الفتح عَبْد اللَّه بن أحمد الخرقي، وعدد كثير.
توفي في حدود سنة خمس مائة؛ ترجمه السمعاني في " الذيل ".(10/843)
398 - عَبْد الرحيم بْن مُحَمَّد بْن أحمد، أبو منصور الشّرابيّ الأصبهاني. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
تُوُفّي قبل الخمس مائة أو بعدها، روى عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن الحَسَن بْن اللَّيْث الصَّفَّار صاحب ابن خميروَيْه الهَرَوِيّ، روى عَنْهُ أبو سَعْد مُحَمَّد بن عبد الواحد الصائغ.(10/844)
399 - عَبْد الملك بْن الحَسَن بْن بِتِنَّة، أبو مُحَمَّد الأنصاريُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
شيخ صالح، مجاور بمكّة، سمع أبا القاسم عليّ بْن الحُسين بْن مُحَمَّد الفسوي، والشيخ عبد العزيز بن بندار الشيرازي، وعبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الأصبهاني، وأبا بكر الأردستاني سمع منه أبو طاهر السِّلفي، وأبو بَكْر السمعاني، وغيرهما بمكة.
ذكره السِّلفي في " معجم السَّفر "، وأنّه حجّ سبْعًا وسبعين حجّة، وزار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مرّة، وله في كلّْ سنة مائة عُمْرة في رجب، وشعبان، ورمضان، وعشر ذي الحجّة.
وبتنَّة: بكسر الباء والتَّاء، ثمّ تشديد النُّون، ورأيتها مرة بفتحها.(10/844)
400 - عليّ بْن الحسن بْن أَبِي سهل، أبو القاسم النَّيْسابوريّ الأَدَميّ السَّرَّاج. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
شيخ مبارك، سمع علي بن محمد الطرازي، وجماعة، وبقي إلى سنة بضع وتسعين، روى عَنْهُ محمد بْن محمد السِّنْجِي، وعبد الله ابن الفراوي، وعمر بن أحمد الصَّفَّار، وجماعة.(10/844)
401 - عليّ بْن هبة اللَّه التَّرَّاسيُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ][ص:845]
عن أحمد بن الحسين التَّرَّاسي، وعنه السِّلفي، وغيره.(10/844)
402 - عُمَر بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن علُّويه، أبو الفتح الأصبهاني. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع أبا بَكْر الذَّكواني، وحدَّث في سنة اثنتين وتسعين، وهو إنّ شاء اللَّه من شيوخ السِّلفي، وآخر مَنْ روى عنه أبو الفتح الخِرَقي.(10/845)
403 - غالب بْن عيسى بْن نعم الخَلَف، أبو تمَّام الأنصاريُّ الأندلسيُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
طوَّف الشَّام، والعراق، واليمن، وجاوَرَ بمكّة، سمع أبا مُحَمَّد الجوهريّ، وجماعة ببغداد، وأبا غالب بْن بِشْران النَّحوي بواسط، وأبا العلاء بْن سليمان بالمعرَّة، وأحمد بْن الفضل الباطرقاني بأصبهان.
سمع منه أبو بَكْر السَّمْعاني في سنة ثمانٍ وتسعين بمكّة، وقال: كان قد نيَّف على المائة وزمن وعمي.(10/845)
404 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن جعفر، أبو صادق الأصبهاني. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع الفضل بْن عُبَيْد اللَّه بْن شَهْرَيار، وأبا بَكْر بْن أَبِي عليّ الذَّكْواني، وجماعة، وعنه السِّلفي، وقال: كَانَ كاتبًا مكثِرًا، من رؤساء البلد.(10/845)
405 - مُحَمَّد بْن أحمد بْن سَعِيد، أبو المظفّر الأصبهاني القاساني المعدل. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع سفيان بْن مُحَمَّد بْن حَسَنْكُوَيْه، وأبا نعيم، وعنه السلفي.(10/845)
406 - محمد بن أحمد بن طاهر بن حمد، أبو غالب البغدادي. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
حدَّث في هذه السنة بواسط عَنْ أَبِي القاسم التّنُوخيّ بالطّوالات؛ رواها عَنْهُ أبو طَالِب مُحَمَّد بْن عليّ الكتَّاني.(10/845)
407 - مُحَمَّد بْن إدريس بْن خَلَف، أبو تمَّام القرتائيُّ البصريُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
روى عَنْ إِبْرَاهِيم بْن طَلْحة بن غسان، سمع منه السلفي بالبصرة.(10/845)
408 - مُحَمَّد بْن جابار بْن عليّ، الواعظ المُذَكِّر أبو الوفاء الهَمَذانيّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
ممن أجاز للسِّلفي سنة أربع وتسعين. [ص:846]
ذكره شيرويه، فقال: صالح، دين، زاهد، صدوق، متعصب للحنابلة جدا، روى عَنْ عليّ بْن حُمَيْد، وحُمَيْد بْن المأمون، وطائفة، سمعت منه أحاديث.(10/845)
409 - مُحَمَّد بْن الحُسين بْن مُحَمَّد، أبو إِبْرَاهِيم البالويّ النَّيْسابوريّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
صالح سديد، سمع الْإِمَام أبا إسحاق الإسفراييني، وحدَّثَ عَنْهُ بثلاثة أجزاء، وعاش إلى سنة ثلاثٍ وتسعين، روى عَنْهُ أبو طاهر السِّنجي، وأبو البركات الفُرَاويّ، وعبد الخالق الشَّحَّامي.(10/846)
410 - مُحَمَّد بن خلف بْن قاسم الخَوْلانيّ الإشبيلي، أبو عَبْد اللَّه. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
يروي عَنْ ابن حَزْم، وأبي مُحَمَّد بْن خَزْرَج، قرأ عَلَيْهِ أبو العبّاس أحمد بْن مُحَمَّد " صحيح مُسْلِم " في سنة أربع وتسعين وأربعمائة.(10/846)
411 - محمد بن عبد الله بن أبي داود، أبو الحَسَن الفارسي ثمّ الْمَصْرِيّ الورَّاق الكُتُبيُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
شيخٌ فاضلٌ، حدَّث عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه بْن نظيف، وغيره، وكان ذا هيئة ومعرفة، روى عنه أبو علي بن سُكَّرة، وأبو بكر ابن العربي، وقال: شيخ مفيد له علو.
قلت: بقي إلى حدود الخمس مائة، وأظن سمع منه الشَّريف الخطيب أبو الفتوح.(10/846)
412 - مُحَمَّد بْن عبد العزيز بْن أحمد، أبو بَكْر الأصبهاني العسَّال. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع أبا نُعَيْم الحافظ، وسُفْيَان بْن مُحَمَّد بْن حَسَنْكُوَيْه، وعنه السِّلفي.(10/846)
413 - محمد بن عبد الواحد بن علي، أبو الفتح الأصبهاني الزجَّاج. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع عليّ بْن ماشاذة، وأبا عليّ أحمد بْن مُحَمَّد بْن حَسَن المرزوقيّ، وأبا بَكْر بْن أَبِي عليّ، والحسين بن أحمد بن سعيد الرَّازي.
قال السِّلفي: لم يرو لنا عن المرزوقي سواه.(10/846)
414 - مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الرّزّاق، أبو الحسين الأصبهاني الكاغديُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ][ص:847]
شيخ مسنٌّ، مسندٌ، روى عَنْ عليّ بْن ميلة الفرضي، روى عنه السِّلفي.(10/846)
415 - مُحَمَّد بْن المظفّر بن عُبَيْد اللَّه النَّهاوندي المعدلَّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع القاضي أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الرَّاوي عَن البكَّائي، أخذ عَنْهُ السِّلفي بنهاوند.(10/847)
416 - المطهَّر بْن الفضل بْن عَبْد الوهَّاب بْن أحمد بْن بُطَّة، أبو عليّ الأصبهاني. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
وُلِد سنة ستٍّ وأربعمائة، وسمع أبا عَبْد اللَّه الجمَّال، وأبا نُعَيْم، وجماعة، وعنه السِّلفي.(10/847)
417 - المظفَّر بْن الحُسين بْن إِبْرَاهِيم بْن هَرْثَمَة، أبو منصور الفارسيّ الأرَّجانيُّ ثمّ الغزنويُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
قَالَ السَّمْعاني: شيخ، إمام، فقيه، عارف بالحديث وطُرُقه، صنَّف تصانيف في الحديث، وسمع بغَزْنَة حنبل بْن أحمد بْن حنبل البيِّع، وبالهند أبا الحَسَن مُحَمَّد بْن الحَسَن الْبَصْرِيّ، وببغداد أبا الطَّيِّب الطَّبري، وأبا القاسم التنُّوخي، وبدمشق أبا عَبْد اللَّه بْن سلوان، وبمصر أبا الحَسَن الطَّفَّال، وعبد الملك بن مسكين.
وقدم بلْخ فحدَّث بها، روى عَنْهُ أبو شجاع عُمَر البسْطاميّ، وأبو حفص عُمَر بْن عُمَر الأشهبي، وغيرهما، وتُوفي بعد التسعين وأربعمائة.(10/847)
418 - المظفّر بْن عليّ، أبو الفتح البَنْدنَيْجيّ المالحانيُّ. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع الجوهريّ، روى عَنْهُ السِّلفي، لقيَه في سنة سبع وتسعين.(10/847)
419 - لاحق بْن مُحَمَّد بْن أحمد، أبو القاسم التَّميميّ الأصبهاني الإسكاف. [الوفاة: 491 - 500 هـ]
سمع أبا عليّ أحمد بْن مُحَمَّد بْن يزداد، وأبا بَكْر بْن أبي علي، وإبراهيم [ص:848] ابن عليّ الخيّاط، والفضل بْن شَهْرَيار، وأبا عَبْد الله الجمال، وابن عبدكويه، وأبا حفص الزعفراوي، وأبا نعيم، وأجاز له أبو سعيد النقاش، وعلي بن ميلة، والقاضي أبو بكر الحيري.
روى عنه السلفي فأكثر عنه، ولم يؤرخ موته.
آخر الطبقة والحمد لله.(10/847)
تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام
لمؤرخ الإسلام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى 748 هـ - 1374 م
المجلد الحادي عشر
501 - 550 هـ
حَقّقه، وَضَبَطَ نَصَّه، وَعلَّق عَلَيْه
الدكتور بشار عوّاد معروف
دار الغرب الإسلامي(11/1)
-الطبقة الحادية والخمسون 501 - 510 هـ(11/5)
بسم الله الرحمن الرحيم
-الحوادث(11/7)
-حوادث سنة إحدى وخمسمائة
كَانَ سيف الدّولة صَدَقة قد صار ملك العرب في زمانه، وبنى الحلة ومصرها، وقبل ذلك كان صاحب عمود وبيوت شعر، فعظُم شأنُه، وارتفع قدْره، وصار ملجأ لمن يستجير به، وكان معينًا للسلطان محمد على أخيه في حروبه، وناصرًا له، فزاد إقطاعه مدينة واسط، وأذِن لَهُ في أخذ البصرة، ثم أفسد ما بينهما العميد أبو جعفر محمد بْن الحسن البلْخيّ مَعَ ما كَانَ يفعله صَدَقة مِن إجارة مِن يلتجئ إِلَيْهِ مِن أعداء السّلطان محمد، وشغَّب العميدُ السّلطان عَليْهِ، ثمّ زاد عَليْهِ بأنْ صبغه بأنّه مِن الباطنية، ولم يكن كذلك؛ بل كان شيعيًا، وسخط السلطان على أبي دلف سرخاب صاحب ساوة، فهرب منه، فأجاره صَدَقة، فطلبه السّلطان منه، فامتنع، إلى أمور أُخر، فتوجّه السّلطان إلى العراق. فاستشار صَدَقة أصحابه، فأشار عليه ابنه دُبَيْس بأن ينفّذه إلى السّلطان بتقادُم وتُحَف وخيل، وأشار سَعِيد بْن حُمَيْد صاحب جيش صَدَقة بالحرب، فأصغى إليه، وجمع العساكر، وبذل الأموال، فاجتمع لَهُ عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فأرسل إليه المستظهر بالله ينهاه عَنِ الخروج، ويعده بأن يُصْلح أمره، وأرسل السلطان يطمئنه ويطيب قلبه، ويأمره بالتجهيز معه لقصد غزو الفرنج، فأجاب بأن السلطان قد ملؤوا قلبه علي، وقال صاحب جيشه: لم يبق لنا في صلح السلطان مطمع.
ودخل السلطان بغداد في ربيع الآخر جريدة لَا يبلغ عسكره ألفَيْ فارس، فلما تيقن ببغداد منابذة صَدَقة لَهُ، بعث شِحْنة بغداد سُنْقُر البُرْسُقيّ في عسكر، فنزل عَلَى صَرْصَرْ، وبعث بريدًا يستحث عساكره فأسرعوا إليه، ثم نشبت [ص:8] الحرب بين الفريقين شيئًا فشيئًا، وتراسلوا في الصُّلح غير مُرَّة، فلم يتّفق، وجرت لهم أمور طويلة، ثمّ التقى صَدَقة والسلطان في تاسع عشر رجب، فكانت الأتراك ترمي الرَّشْقَة عشرة آلاف سهْم، فتقع في خيل العرب وأبدانهم، وبقي أصحاب صَدَقة كلمّا حملوا منعهم نهرٌ بين الفريقين مِن الوصول، ومن عَبَر إليهم لم يرجع، وتقاعدت عُبادة وخَفَاجة شفقةً عَلَى خيلها، وبقي صَدَقة يصيح: يا آل خُزَيْمَة، يا آل ناشرة، ووعد الأكراد بكلّ جميل لَمَّا رَأَى من شجاعتهم، وَكَانَ راكبا على فرسه المهلوب، ولم يكن لأحدٍ مثله، فجُرح الفَرَس ثلاث جراحات، وكان لَهُ فرس آخر قد ركبه حاجبه أبو نصر، فلمّا رَأَى التُّرْكَ قد غشوا صَدَقة هرب عَليْهِ، فناداه صَدَقة، فلم يردّ عَليْهِ، وحمل صَدَقة عَلَى الأتراك وضرب غلامًا منهم في وجهة بالسّيف، وجعل يفتخر ويقول: أَنَا ملك العرب، أَنَا صَدَقة، فجاءه سهْمٌ في ظهره، وأدركه بزغش مملوك أشلّ، فجذبه عَنْ فَرَسه فوقع، فقال: يا غلام، أرفق، فضربه بالسّيف؛ قتله، وحمل رأسه إلى السّلطان، وقُتل مِن أصحابه أكثر مِن ثلاثة آلاف فارس، وأُسِر ابنه دُبَيْس، وصاحب جيشه سعيد بن حميد.
وكان صدقة كثير المحاسن في الجملة، محبَّبًا إلى الرعيّة، لم يتزوَّج عَلَى امرأته، ولا تَسَرَّى عليها، وكان عنده ألوف مجلَّدات من الكتب النفيسة، وكان متواضعًا محتملًا، كثير العطاء.
وأمّا طرابُلُس، فلمّا طال حصارها، وقلَّت أقواتُها، وعظمت بليتها ولا قوّة إلّا بالله، منَّ الله عليهم سنة خمسمائة بميرة جاءتهم في البحر، فتقوَّوْا شيئًا، واستناب فخر المُلْك أبو علي بن عمار على البلد ابن عمه، وسلف المقاتلة رزق ستة أشهر، وسار منها إلى دمشق؛ ليمضي إلى بَغْدَاد فأظهر ابن عمه العصيان، ونادى بشعار المصريّين، فبعث فخر الملك إلى أصحابه، يأمرهم بالقبض عَليْهِ، ففعلوا بِهِ ذَلِكَ، واستصحب فخر الملك معه تحفًا ونفائس وجواهر وخيلا عربية، فأحترمه أمير دمشق وأكرمه، ثمّ سار إلى بغداد، فدخلها في رمضان قاصدًا باب السّلطان، مستنفرًا عَلَى الفرنج، فبالغ السّلطان محمد في احترامه، وكان يوم دخوله مشهودًا، ورتَّب لَهُ الخليفة الرّواتب العظيمة، ثمّ قِدم للسّلطان التّقادم، وحادثه السّلطان في أمر قتال الفرنج، فطلب النّجدة، وضمن الإقامة بكفاية العساكر، فأجابه السّلطان. [ص:9]
وقدّم للخليفة أيضًا، وحضر دار الخلافة وخُلع عَليْهِ، وجرّد السّلطان معه عسكرًا لم يُغْنِ شيئًا، ثمّ وصل إلى دمشق في المحرَّم سنة اثنتين، وتوجه بعسكر دمشق إلى جبلة، فدخلها وأطاعه أهلها.
وأمّا أهل طرابُلُس فراسلوا المصريّين يلتمسون واليا وميرَة في البحر، فجاءهم شرف الدّولة ومعه الميرة الكثيرة، فلمّا دخلها قبض عَلَى جماعة من أقارب ابن عمار، وأخذ نعمتهم وذخائرهم، وحمل الجميع إلى مصر في البحر.
وفي شَعْبان أطلق السّلطان الضّرائب والمُكُوس ببغداد، وكثُر الدّعاء لَهُ، وشرط عَلَى وزير الخليفة العدل وحُسْن السيرة، وأن لَا يستعمل أهل الذّمّة، وعاد إلى إصبهان بعد إقامة نحو الستة أشهر، فأحسن فيها ما شاء، وكسا في يوم أربعمائة فقير، ومضى يومًا إلى مشهد أَبِي حنيفة، فانفرد وغلّق عَليْهِ الأبواب يصلّي ويتعبَّد، وكفّ غلمانه عَنْ ظُلْم الرّعيّة، وبالغ في ذَلِكَ.
وفيها حاصر بغدوين ملك الفرنج صور، وبنى تلقاءها حصنًا، وضيّق عليهم، فبذل لَهُ متولّيها سبعة آلاف دينار، فترحل عنها. ونازل صيدًا ونصب عليها البُرج الخشب، وقاتَلَها في المراكب، وجاء أصطول ديار مصر ليكشف عَنْهَا، فقاتلهم أصطول الفرنج، وظهر المسلمون، وبلغ الفرنج مسيرُ عسكر دمشق نجدةً لأهل صيدا، فتركوها ورحلوا.
وأغار أمير دمشق طُغتِكِين عَلَى طبريّة، فخرج ملكها جرْفاس - لعنة الله - فالتقوا، فقُتل خلْق مِن عسكره وأُسِر هُوَ، وفرح المسلمون.(11/7)
-سنة اثنتين وخمسمائة
كان السلطان قد بعث الأمير مودودا إلى المَوْصِل فحاصرها مدّة، وانتزعها مِن يد جاولي سقاوو، وكان جاولي قد سار في سنة خمسمائة في المحرَّم منها، قد بعثه السّلطان محمد إلى المَوْصِل والأعمال الّتي بيد جكرمِش، وكان جاولي سقاوو قبل هذا قد استولى عَلَى البلاد الّتي بين خوزستان وفارس، فأقام بها سنتين، وعمَّر قلاعها، وظلم وعسف، وقطع، وشنق، ثم خاف جاولي من السلطان، فبعث إليه السلطان الأمير مودودا، فتحصّن جاولي، وحصره مودود ثمانية أشهر، ثمّ نزل بالأمان ووصل إلى [ص:10] السّلطان فأكرمه، وأمره بالمسير لغزو الفرنج، واقطعه الموصل ونواحيها.
وكان جكرمش لما عاد مِن عند السّلطان قد التزم بحمل المال وبالخدمة، فلما حصل ببلاده لم يف بما قَالَ، فسار جاولي إلى بغداد ثمّ إلى المَوْصِل، ونهب في طريقه البوازيج بعد أن أمّن أهلها، ثمّ قصد إربل، فتجمّع جكرمش في ألْفَين، وكان جاولي في ألف، فحمل جاولي عَلَى قلب جكرمش فانهزم مِن فيه، وبقي جكرمش وحده لَا يقدر على الهزيمة؛ لفالج به، فأسروه، ونازل جاولي الموصل يحاصرها وبها زنكي بن جكرمش، ومات جكرمش في أيام الحصار عن نحو ستين سنة.
وأرسل غلمان جكرمش إلى الأمير صَدَقة بْن مَزْيَد وإلى قسيم الدّولة البُرْسُقيّ وإلى صاحب الروم قلج أرسلان بن سليمان بن قُتُلْمِش يستدعون كُلًا منهم ليكشف عَنْهُم، ويسلّمون إِليْهِ المَوْصِل، فبادر قلج أرسلان، وخاف جاولي فترحَّل، وأمّا البُرْسُقيّ شِحنة بغداد فسار فنزل تجاه الموصل بعد رحيل جاولي بيوم، فما نزلوا إِليْهِ، فغضب ورجع، وتملّكها قلج أرسلان، وحلفوا لَهُ في رجب، وأسقط خطبة السّلطان محمد، وتألّف النّاس بالعدل، وقال: مِن سعى إلي في أحد قتلته.
وأمّا جاولي فنازل الرَّحْبة يحاصرها، ثمّ افتتحها بمخامرة وأنْهبها إلى الظُّهْر، وسار في خدمته صاحبها محمد بن سباق الشيباني.
ثمّ سار قلج أرسلان ليحارب جاولي، فالتقوا في ذي القِعْدة فحمل قلج أرسلان بنفسه، وضرب يد صاحب العِلْم فأبانها، ووصل إلى جاولي فضربه بالسّيف، فقطع الكُزَاغَنْد فقط، وحمل أصحاب جاولي عَلَى الآخرين فهزموهم فعلم قلج أرسلان أنّه مأسور، فألقى نفسه في الخابور، وحمى نفسه مِن أصحاب جاولي، فدخل بِهِ فرسه في ماء عميق، فغرق، وظهر بعد أيّام، فدُفن ببعض قرى الخابور.
وساق جاولي إلى المَوْصِل، ففتح أهلها لَهُ وتملكها، وكثُر رجاله وأمواله، ولم يحمل شيئًا مِن الأموال إلى السّلطان، فلمّا قِدم السّلطان بغداد لحرب صدقة طلب جاولي فلم يحضر وراوغ فلما فرغ من أمر صَدَقة جهّز عسكرًا لحرب جاولي، وتحصّن هُوَ بالموصل وعسف وظلم، وأهلك الرعية. [ص:11]
ونازل العسكر المَوْصِل في رمضان سنة إحدى وخمسمائة وافتتحوه بمعاملة من بعض أهله، ودخله الأمير مودود، وأمن النّاس، وعَصَت زَوْجَة جاولي بالقلعة ثمانية أيام، ثم نزلت بأموالها.
وأمّا جاولي فإنّه كَانَ في عسكره بنواحي نَصِيبّين، وجَرَت لَهُ أمور طويلة، وأخذ بالِس وغيرها، وفتك ونهب المسلمين، ثمّ فارقه الأمير زنكي بْن أقسُنْقُر، وبكتاش النّهاونْديّ، وبقي في ألف فارس، فخرج لحربه صاحب أنطاكية تنكري في ألف وخمسمائة مِن الفرنج، وستّمائة مِن عسكر حلب، فانهزم جاولي لمّا رَأَى تقلّل عسكره، وسار نحو الرحبة، وقتل خلق من الفريقين، ثمّ سار جاولي إلى باب السّلطان، وهو بقرب إصبهان، فدخل وكَفَنُه تحت إبْطه، فعفا عَنْهُ، وكان السّلطان محمد كثير الحلم والصَّفْح.
وفيها سار طُغتِكين متولّي دمشق غازيا إلى طبرية، فالتقى هُوَ وابن أخت صاحب القدس بغدوين، وكان المسلمون ألفي فارس سوى الرَّجّالة، وكانت الفرنج أربعمائة فارس وألفَيْ راجل، فأشتدّ القتال، وانهزم المسلمون فترجّل طُغتِكين، فتشجَّع العسكر وتراجعوا، وأسروا ابن أخت بغدوين، ورجعوا منصورين، وبذل في نفسه ثلاثين ألف دينار، وإطلاق خمسمائة أسير فلم يقنع منه طُغتِكين بغير الإسلام، ثم ذبحه بيده، وبعث بالأسرى إلى بغداد.
ثم تهادن طُغتِكين وبغدوين عَلَى وضع الحرب أربع سنين، ثم سار طغتكين ليتسلم حصن عرقة، أطلقه لَهُ ابن عمّار لعَجْزه عَنْ حِفْظه، فقصده السّرْدانيّ بالفرنج، فتقهقر عسكر طُغتِكين ووصلوا إلى حمص كالمنهزمين، وأخذ السّرْدانيّ عرقة بالأمان من غير كلفة.
وفيها عزل وزير الخليفة هبة الله بْن المطّلب بأبي القاسم علي بن أبي نصر بن جهير.
وفيها تزوَّج المستظهر بالله بأخت السّلطان محمد عَلَى مائة ألف دينار، وعقد العقْد القاضي أبو العلاء صاعد بْن محمد النَّيْسابوريّ الحنفيّ، وقبل العقد الوزير ابن نظام الملك، وذلك بأصبهان.
وفيها وُلّي شِحْنكيّة بغداد مجاهد الدّين بهروز.
وفيها قتلت الباطنّية قاضي إصبهان عُبَيْد الله بْن عليّ الخطيبيّ بَهَمَذَان، [ص:12] وكان يحرّض عليهم، وصار يلبس دِرْعًا تحت ثيابه حَذَرًا منهم، قتله أعجميّ يوم الجمعة في صفر.
وقتلوا يوم الفِطْر أبا العلاء صاعد بْن محمد قاضي نَيْسابور وقُتِل قاتله، واستشهد كهلًا.
وفيها تجمّع قَفْلٌ كبير، وسار مِن دمشق طالبين مصر، فأخذتهم الفرنج.
وفيها ثار جماعة مِن الباطنيّة لعنهم الله في شيزر عَلَى حين غَفْلةٍ مِن أهلها، فملكوها وأغلقوا الباب، وملكوا القلعة، وكان أصحابها أولاد مُنْقذ قد نزلوا يتفرّجون عَلَى عيد النَّصارى، فبادر أهل شيزر إلى الباشورة، فأصعدهم النّساء في حبالٍ مِن طاقات، ثمّ صعِد أمراء الحصْن، واقتتلوا بالسّكاكين، فخُذِل الباطنيّة في الوقت، وأَخَذَتْهُم السُّيوف، وكانوا مائة، فلم ينج منهم أحد.
وفيها قتلت الباطنيّة شيخ الشّافعية أبا المحاسن عبد الواحد الروياني.
وفيها عَلَى ما ذكر أبو يَعْلَى حمزة أخذت طرابلس.(11/9)
-سنة ثلاث وخمسمائة
قَالَ ابن الأثير: في حادي عشر ذي الحجّة تملّك الفرنج طرابُلُس، وكانت قد صارت في حكم صاحب مصر مِن سنتين، وبها نائبه، والمدَدُ يأتي إليها، فلمّا كَانَ في شَعْبان وصل أصطول كبير مِن الفرنج في البحر، عليهم رَيْمُنْد بْن صَنْجِيل، ومراكبه مشحونة بالرجال والمِيرة، فنزل عَلَى طرابُلُس مَعَ السّرْدانيّ ابن أخت صَنْجيل الّذي قام بعد موت صَنْجيل، وهو مُنَازِلٌ لها، فوقع بينهما خُلْفٌ وقتال، فجاء تَنْكرِي صاحب أنطاكية نجدةً للسّرْداني، وجاء بغدوين صاحب القدس، فأصلح بينهما، ونزلوا جميعهم عَلَى طرابُلُس، وجدُّوا في الحصار في أوّل رمضان، وعملوا أبراجًا وألْصَقوها بالسّور، فخارت قِوى أهلها وذلّوا، وزادهم ضعفًا تأخّر الأصطول المصري بالنجدة والميرة، وزحفت الفرنج عليها، فأخذوها عَنْوَةً، فإنّا لله وإنا إليه راجعون، ونجا واليها وجماعة [ص:13] من الجند التمسوا الأمان قبيل فتحها، فوصلوا إلى دمشق، وسار تنكري إلى بانياس فأخذها بالأمان.
ونزل بعض الفرنج على جبيل وبها فخر المُلْك بْن عمّار الَّذِي كَانَ صاحب طرابُلُس، فحاصروها أيّامًا، وسلّمت بالأمان لقلّة الأقوات بها، وقصد ابن عمّار شَيْزَر، فأكرمهُ سلطان بْن عليّ بْن منقذ الكنانيّ، فاحترمه وسأله أن يقيم عنده، فسار إلى دمشق فأكرمه طُغتِكين وأقطعه الزَّبَدانيّ.
وذكر سِبط الْجَوزيّ: أخذ طرابلس في سنة اثنتين وخمسمائة، وذكر الخلاف فيه.
وفيها سار وزير السّلطان محمد، وهو أحمد ابن نظام المُلْك فحاصر الألَمُوت، وبها الحَسَن بْن الصباح، ثم رحل عنها لشدة البرد.
وفي ربيع الآخر قدم السلطان بغداد، فأقام بها أشهرًا.
وفي شعبان طفر باطنيّ عَلَى الوزير ابن نظام المُلْك فجرحه، فتعلّل أيّامًا وعوفي، وسُقِيَ الباطنيّ خمرًا وقُرّرَ، فأقر على جماعة بمسجد المأمونية، فأخذوا وقتلوا.
وفيها مات إبراهيم بْن ينال صاحب آمد، وكان ظلومًا غشومًا، نزح كثير مِن أهل آمِد عَنْهَا لجوره، وتملك بعده ابنه.
وفيها عزم محمد بْن ملكشاه عَلَى غزو الفرنج، وتهيأ، ثم عرضت له عوائق.
وفيها أخذ تَنْكري صاحب أنطاكيّة طَرَسُوس، وقرَّر عَلَى شَيْزر ضريبة في السنّة وهي عشرة آلاف دينار، وتسلم حصن للأكراد.(11/12)
-سنة أربع وخمسمائة
نزل بغدوين وابن صَنْجيل عَلَى بيروت، وجاءت الفرنج الْجَنَويّة في أربعين مركبًا، وأحاطوا بها، ثم أخذوها بالسيف، ثمّ نازلوا صيدا في ثالث ربيع الآخر، فأخذوها في نيّفٍ وأربعين يومًا، وأمنّوا أهلها، فتحوّل خلْقٌ مِن [ص:14] أهلها إلى دمشق، وأقام أكثر النّاس رعية للفرنج، وقُرّر عليهم في السّنة قطيعة عشرين ألف دينار.
وكان نائب المصريين بعسقلان شمس الخلافة، فراسل بغدوين صاحب القدس وهادنه وهاداه، وخرج عَنْ طاعة صاحب مصر، فتحيلوا على القبض عليه فعجزوا، ثم إنه أخرج الذين عنده مِن عسكر مصر خوفًا منهم، وأحضر جماعة مِن الأرمن واستخدمهم، فمقته أهل عسقلان وقتلوه، ونهبوا داره، فسُرَّ بذلك أمير الجيوش الأفضل، وبعث إليها أميرًا.
وفيها نازل صاحب أنطاكيّة حصن الأثارب، وهو عَلَى بريدٍ مِن حلب، فأخذوه عنْوةً، وقتل ألفَيْ رجلٍ، وأسر الباقين، ثمّ نازل حصن زَرْدَنا، وأخذه بالسّيف، وجَفَل أهل مَنْبِج، وأهل بالِسَ، فقصدت الفرنج البلدين، فلم يروا بها أنيسًا.
وعظُم بلاء المسلمين، وبلغت القلوب الحَنَاجر، وأيقنوا باستيلاء الفرنج عَلَى سائر الشّام، وطلبوا الهدنة، فامتنعت الفرنج إلّا عَلَى قطيعة يأخذونها، فصالحهم الملك رضوان السلجوقي صاحب حلب على اثنين وثلاثين ألف دينار، وغيرها مِن الخيل والثّياب، وصالحهم أمير صور عَلَى شيء، وكذا صاحب شَيْزر، وكذا صاحب حماه عليّ الكُرَديّ، صالحهم هذا عَلَى ألفَيْ دينار، وكانت حماه صغيرة جدًا.
وسار طائفة مِن الشّام إلى بغداد يستنفرون النّاس، واجتمع عليهم خلْق مِن الفُقهاء والمطّوّعة، واستغاثوا وكسروا منبر جامع السّلطان، فوعدهم السّلطان بالجهاد، ثمّ كثُروا وفعلوا أبلغ مِن ذَلِكَ بكثير في جامع القصر، وكثُر الضّجيج، وبَطَلت الجمعة، فأخذ السلطان في أهبة الجهاد.
وفيها عُزِل وزير السّلطان محمد نظام المُلْك أحمد بْن نظام المُلْك، ووَزَر الخطير محمد بن حسين الميبذي.
وفي رمضان دخل الخليفة ببنت السّلطان ملكشاه، وزُيّنت بغداد وعُمِلت القِباب، وكان وقْتًا مشهودًا.
وفيها هبّت بمصر ريح سوداء مظلمة أخذت بالأنفاس، حتّى لَا يبصر الرجل يده، ونزل عَلَى النّاس رمل، وأيقنوا بالهلاك، ثمّ تجليّ قليلًا وعاد إلى [ص:15] الصفرة، وكان ذلك من العصر إلى بعد المغرب.
وفيها غدر بغدوين ونازل طبريّة، وبرز طُغتِكين إلى رأس الماء، ثم وقعت هدنة فيها حَيْفٌ عَلَى المسلمين وإذلال، ولم ينجدهم لَا جيش الشّرق ولا جيش مصر، واستنصرت الفرنج بالشام.(11/13)
-سنة خمس وخمسمائة
وفيها سارت عساكر العراق والجزيرة لقتال الفرنج، فحاصروا الرُّها، ولم يقدروا عليها، واجتمعت جموع الفرنج، فلم تكن وقعة، ثمّ سار المسلمون وقطعوا الفرات إلى الشّام ونازلوا تلّ باشِر خمسة وأربعين يومًا، ورحلوا فجاءوا إلى حلب، فأغلق في وجوههم صاحبها رضوان بابها، ومات مقدّمهم سُقْمان القُطبيّ، واختلفوا ورجعوا، وما فعلوا شيئًا، إلا أنهم طمعوا في المسلمين عساكر الفرنج، فتجمّعت الملاعين، وساروا مَعَ بغدوين فحاصروا صور.
قَالَ ابن الأثير: عملوا عليها ثلاثة أبراج خشب، عُلوّ البرج سبعون ذراعًا، وفيه ألف رَجُل، فألصقوها بالسّور، وكان نائب المصريّين بها عز الملك، فأخذ المسلمون حزم حطب كثيرة، وكشفت الحُماة بين أيديهم إلى أن وصلوا إلى البرج، فألقوا الحطب حوله، وأوقدوا فيه النار، واشغلوا الفرنج عَنِ النّزول مِن البرج بالنُّشّاب، وطرشوهم بجرار ملأى عُذْرَةً في وجوههم، فخبلوهم، وتمكّنت النّار، فهلك مِن في البرج إلّا القليل، ثمّ رموا البرجين الآخرين بالنّفْط فاحترقا، وطلبوا النّجدة مِن صاحب دمشق، فسار إلى ناحية بانياس، واشتدّ الحصار.
قلت: وجَرَت فصول طويلة، وكان تِلْكَ الأيّام يغير طُغتِكين عَلَى الفرنج وينال منهم، وأخذ لهم حصنًا في السّواد، وقتل أهله، وما أمكنه مناجزة الفرنج لكثرتهم، ثمّ جمع وسار إلى صور، فخندقوا عَلَى نفوسهم ولم يخرجوا إليه، فسار إلى صيدا وأغار عَلَى ضياعها، وأحرق نحو عشرين مركبًا عَلَى السّاحل، وبقي الحصار عَلَى صور مدة، وقاتل أهلها قتال مِن آيس مِن الحياة، فدام القتال إلى المُغَلّ، فخافت الفرنج أن يستولي طغتكين على غلات [ص:16] بلادهم، وبَذَل لهم أهل صور مالًا ورحلوا عنهم.
وفيها كانت ملحمة كبيرة بالأندلس بين عليّ بْن يوسف بْن تاشفين وبين الأَذْفُونش لعنه الله، نُصر فيها المسلمون، وقتلوا وأسروا وغنموا ما لَا يعبَّر عَنْهُ، فخاف الفرنج منها، وامتنعوا مِن قصد بلاد ابن تاشفين، وذُلّ الأذفونش حينئذٍ وخاف فإنّها وقعة عظيمة أبادت شجعان الفرنج. وانصرف ابن الأذفونش جريحًا، فهلك في الطّريق، وكان أَبُوهُ قد شاخ وارتعش.(11/15)
-سنة ست وخمسمائة
فيها مات المُلْك بسيل الأرمنيّ صاحب الدّروب، فسار تَنْكري صاحب أنطاكية الفرنجيّ ليملكها فمرض، فعاد ومات بعد أيّام، وتملّك أنطاكية بعده سرجال ابن أخيه.
وفيها مات قراجا صاحب حمص، وقام بعده ولده خيرخان، وكلاهما ظالم.
وفي أواخر السّنة، خاض الفرات صاحبُ المَوْصِل مودود بْن الْتُون تكِين، وصاحب سنجار تميرك، والأمير إياز بْن إيلغازي بنية الجهاد، فتلقّاهم صاحب دمشق طُغتِكين إلى سلمية، وكان كثير المودة لمودود، وكانت الفرنج قد تابعت الغارات عَلَى حَوْران، وغلت الأسعار بدمشق، فاستنجد طُغتِكين بصديقه مودود، فبادر إليه، فاتّفق عَلَى قصْد بغدوين صاحب القدس، فساروا حتى نزلوا على الأردنّ، ونزل بغدوين عَلَى الصَّنْبَرة وبينهما الشّريعة.(11/16)
-سنة سبع وخمس ومائة
في ثالث عشر المحرم التقى عسكر دمشق والجزيرة وعسكر الفرنج بقرب طبريّة، وصبر الفريقان، واشتدّ الحرب، وكانت وقعة مشهودة، ثم انكسرت الفرنج ووضع المسلمون فيهم السّيف، وأسروا خلقًا، وأُسِر ملكهم بغدوين، لكن لم يُعرف، فأخذ الَّذِي أسره سلاحه وأطلقه، فنجا جريحًا، ثمّ مات بعد أشْهُر، وغرق منهم في الشريعة طائفة، وحاز المسلمون الغنيمة.
ثم جاء عسكر أنطاكية وعسكر طرابُلُس، فقويت نفوس المنهزمين وعاودوا الحرب، فثبت لهم المسلمون فانحاز الملاعين إلى جَبَل، ورابط المسلمون بإزائهم يرمونهم [ص:17] بالنُّشّاب، فأقاموا كذلك ستّةً وعشرين يومًا، وهذا شيء لم يسمع بمثله قطّ، وعُدِموا الأقوات.
ثمّ سار المسلمون إلى بَيْسان، فنهبوا بلاد الفرنج وضياعهم مِن القدس إلى عكا، ورجعوا فنزلوا بمرج الصفر، وسافرت عساكر المَوْصِل، ودخل مودود في خواصّه دمشق، وأقام عند صاحبه طغتكين، وأمر عساكره بالمجيء في الربيع ونزل هُوَ وطغتكين يوم الجمعة في ربيع الأول للصلاة، ومشى ويده في يد طغتكين في صحن الجامع، فوثب عَلَى مودود باطنيّ جرحه في مواضع، وقُتِل الباطنيّ وأُحرق.
قَالَ أبو يَعْلَى حمزة: ولمّا قُضَيت الجمعة تنفّل بعدها مودود، وعاد هُوَ والأتابك وحولهما مِن الأتراك والدَّيلم والأحداث بأنواع السّلاح مِن الصّوارم والصّمصامات والخناجر المجرَّدة ما شاكل الأَجَمَة المشتبكة، فلمّا حصلا في صحن الجامع وثب رجلٌ لَا يُؤبَه لَهُ، فقرب مِن مودود كأنّه يدعو لَهُ ويتصدَّق عَليْهِ، فقبض ببند قبائه، وضربه بخنجر أسفل سُرَّته ضربتين، هذا والسّيوف تنزل عَليْهِ، ومات مودود ليومه صائمًا، وكان فيه عدل وخير.
فقيل: إنّ الإسماعيلية قتلته.
وقيل: بل خافه طُغتِكين، فجهز عَليْهِ الباطني، وذلك بعيد.
قَالَ ابن الأثير: حدَّثني والدي - رحمه الله - أنّ ملك الفرنج كتب إلى طُغتِكين كتابًا فيه: وإنّ أمّة قتلت عميدها، يوم عيدها، في بيت معبودها، لَحَقيق عَلَى الله أن يُبيِدها.
ودُفن مودود في تربة دُقَاق بخانكاه الطّواويس، ثمّ حُمِل بعد ذَلِكَ إلى بغداد، فدُفن في جوار الإمام أَبِي حنيفة، ثمّ نُقل إلى أصبهان، وتسلّم صاحب سنجار حواصله وحملها إلى السلطان محمد، فأقطع السّلطان المَوْصِل والجزيرة لأقْسُنْقُر البُرْسُقيّ، وأمره أن يتوافق هُوَ والأمير عماد الدين زنكي ابن آقسنقر، يتشاوروا في المصلحة لنهضته وشهامته. [ص:18]
وكان بطبريّة مُصْحَف، قَالَ أبو يَعْلَى القلانسيّ: كَانَ قد أرسله عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى طبريّة، فحمله أتابك طُغتِكين منها إلى جامع دمشق.
وفيها مات الوزير أبو القاسم عليّ بْن جَهير، ووليّ وزارة الخليفة بعده ربيب الدّين أبو منصور الحسين بْن الوزير أَبِي شجاع.
وفيها توفي الملك رضوان صاحب حلب، وولي بعده ولده ألب أرسلان الأخرس فقتل أخوين له مباركا وملكشاه، وقتل رأس الباطنيّة أبا طاهر الصّائغ في جماعة من أعيانهم، فنزحوا عَنْ حلب، وكان لهم بها مَنْعة وشوكة قويّة.
وكان رضوان قد عمل لهم دار دعوة بحلب لقلّة دينه، وكان ظالمًا فاتكًا يقرّب الباطنيّة، ويستعين بهم، وقتل أخَويه بهرام، وأبا طالب، وكان غير محمود السيرة.
وفيها، ذكر سِبط الجوزي ثورة الباطنيّة بشَيْزَر، وقد مرّ لنا ذَلِكَ قبل هذه السّنة.
وفيها هادن بغدوين أهل صور، وأَتَتْهم النجدة والإقامات مِن مصر في البحر.(11/16)
-سنة ثمان وخمسمائة
في أوائلها قدم أقْسُنْقُر البُرْسُقيّ عَلَى مملكة المَوْصِل، وسيَّر معه السّلطان محمد ولده مسعودًا في جيشٍ كبير لحرب الفرنج، فنازل البُرْسُقيّ الرُّها في خمسة عشر ألف راكب، فحاصرها شهرين، ثمّ رحل لقلة الميرة، وعاد إلى شنجتان، فقبض عَلَى إياز بْن إيلغازي، ونهب أعمال ماردِين. ثمّ تسلَّم حصن مَرْعَش مِن الفرنج صُلْحًا.
وأمّا صاحب ماردين فغضب لخراب بلاده ولأسْر ولده، فنزل وحشد، ونزل معه ابن أخيه صاحب حصن كيفا رُكْن الدّولة دَاوُد بْن سُقْمان، فالتقى هُوَ [ص:19] والبُرْسُقيّ في أواخر السّنة، فانهزم البُرْسُقيّ وخلص إياز، ولكن خاف إيلغازي مِن السّلطان، فسار إلى دمشق، وكان صاحبها خائفًا مِن السّلطان أيضًا لأنّه نسب قتْل مودود صاحب المَوْصِل إليه، فاتّفقا عَلَى الامتناع والاعتضاد بالفرنج، فأجابهما إلى المعاونة صاحب أنطاكيّة وجاء، فاجتمعوا بِهِ عَلَى بُحَيْرة حمص، وتحالفوا وافترقوا.
وسار إيلغازي إلى ديار بَكْر، فنزل بالرَّسْتَن ليستريح، وشرب فسكر، فتبعه صاحب حمص، فأسره ودخل بِهِ حمص، ثمّ طلب أن يصاهره ويطلقه، ويأخذ ولده إياز رهينة، فأطلقه خوفًا من طغتكين.
وفيها مات سلطان الهند وغزنة علاء الدّولة مسعود، وجرت بعده أمور سُقْتُها في ترجمته.
وفيها جاءت زلزلة مهولة بالجزيرة والشّام، هلك خلق كثير تحت الهدم.
وفيها مات الشريف النسيب بدمشق.
وفيها قتل صاحب حلب تاج الدولة ألب أرسلان ابن المُلْك رضوان بْن تُتُش، قتله غلمانه، وكان المستولي عَليْهِ الخادم لؤلؤ، وملّكوا بعده سلطان شاه أخاه بإشارة الخادم.
وفيها هلك بغدوين الفرنجيّ صاحب القدس مِن جراحة، أصابته في مصاف طبرية.
وفيها مات الأمير أحمديل صاحب مراغة، وكان شجاعًا جوادًا، أقطاعه تغل في العام أربعمائة ألف دينار، وعسكره خمسة آلاف فارس، وثب عليه ثلاثة من الباطنية، فقتلوه، وقيل: بل قُتل بعد ذَلِكَ بقليل، وكذا بغدوين تأخر موته، فيحرر ذلك.(11/18)
-سنة تسع وخمسمائة
لمّا بلغ السّلطان عصيان صاحب ماردين وصاحب دمشق غضب، وبعث الجيوش لحربهما، فساروا وعليهم برسق صاحب همذان في رمضان من السّنة الماضية، وعدّوا الفُرات في آخر العام، فأخذوا حماه عَنْوَةً ونهبوها، وهي لطُغتِكين، فاستعان بالفرنج فأعانوه. [ص:20]
وسار عسكر السّلطان وهم خلْقٌ كثير، فأخذوا كفرطاب من الفرنج واستباحوها، ثمّ ساروا إلى المَعَرَّة، فجاء صاحب أنطاكيّة في خمسمائة فارس وألْفَيْ راجل، فوقع عَلَى أثقال العساكر، وقد تقدّمتهم عَلَى العادة، فنهبوها وقتلوا السّوقيّة والغلمان، وأقبلت العساكر متفرقة، لم يشعروا بشيءٍ، فكان الفرنج يقتلون كلّ مِن وصل، وأقبل بُرْسُق مُقَدَّم العساكر في مائة فارس، فرأى الحال، فصعِد تلّا هناك، والتجأ إليه النّاس وعليهم ذُلّ وانكسار، فأشار عَلَى برسق أخوه بأنّنا ننزل وننجو، فنزل بهم عَلَى حميّة، وساق وراءهم الفرنج نحو فرسخ، ثمّ ردّوا، فتمّموا الغنيمة والأسْر، وأحرقوا كثيرًا مِن النّاس، واشتدّ البلاء، وتبدَّل فرح المسلمين خوفًا وحُزْنًا، لأنّهم رجوا النَّصر مِن عساكر السّلطان، فجاء ما لم يكن في الحساب، وعادت العساكر بأسوأ حال، نعوذ بالله من الخذلان، ومات بُرْسُق، وأخوه زنكي بعد سنة {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا}.
وجالت الفرنج بالشّام، وأخذوا رَفَنية، فساق إليهم طُغتِكين عَلَى غرّة، واستردّ رَفَنيَة، وأسر وقتل.
ثمّ رَأَى المصلحة أن يتلافى أمر السّلطان، فسار بنفسه إلى بغداد بتقادُم وتُحَف للسّلطان وللخليفة، فرأى مِن الإكرام والتّبجيل ما لَا مَزِيد عليه، وشرف بالخلع، وكتب السلطان له منشورًا بإمرة الشّام جميعه، وكان السّلطان هذه السّنة قد قِدم بغداد واجتمع بِهِ طُغتِكين في ذي القعدة.
قَالَ سِبْط الجوزيّ: وفيها صالح بغدوين صاحب القدس الأفضل متولّي الدّيار المصرية، وكان بغدوين صاحب القدس قد سار إلى السبخة المعروفة به ممّا يلي العريش، فأخذ قافلة عظيمة جاءت مِن مصر، فهادنه الأفضل، وأمِن النّاس قليلًا.(11/19)
-سنة عشر وخمسمائة
الأصح أنّ أحمدِيَّل صاحب مَرَاغة قُتِل في أوّل سنة عشر ببغداد بدار السّلطان، وكان جالسًا إلى جانب طُغتِكين صاحب دمشق أتاه رجل يبكى وبيده [ص:21] قَصّة، وتضرَّع إليه أن يوصلها إلى السّلطان محمد، فأخذها منه، فضربه بسِكّين، فجذبه أحمديل في الحال، وبرك فوقه، فوثب باطنيّ آخر، فضرب أحمديل سكينا، فأخذتهما السيوف، ووثب رفيق لهما والسيوف تنزل عليهما، فضرب أحمديل ضربة أخرى، فَهَبروه أيضًا.
وفيها مات جاولي الذي كان قد حكم عَلَى المَوْصِل، ثمّ أخذها السّلطان منه، فخرج عن الطّاعة، ثمّ إنّه قصد السّلطان لِعلْمه بحِلْمه، فرضي عَنْهُ، وأقطعه بلاد فارس، فمضى إليها وحارب وُلاتها وحاصرهم، وأوطأهم ذُلًا إلى أن مات.
وفيها حاصر عليّ بْن يحيى بْن باديس مدينة تونس وضيَّق عليها، فصالحه صاحبها أحمد بن خراسان على ما أراد.
وفيها افتتح ابن باديس جَبَل وَسْلَاتِ وحكم عَليْهِ، وهو جَبَل منيع كَانَ أهله يقطعون الطريق، فظفر بهم، وقتل منهم خلقًا.
وفي يوم عاشوراء كانت فتنة في مشهد عليّ بْن موسى الرّضا بطُوس، خاصمَ عَلَويٌ فقيهًا، وتشاتما وخرجا، فاستعان كلٌ منهما بحزبه، فثارت فتنةٌ عظيمة هائلة، حضرها جميع أهل البلد، وأحاطوا بالمشهد وخرّبوه، وقتلوا جماعة، ووقع النَّهْب، وجرى ما لَا يوصف، ولم يُعمر المشهد إلى سنة خمس عشرة وخمسمائة.
ووقع ببغداد حريق عظيم، ذهب للنّاس فيه جملة.
وقال أبو يَعْلَى بْن القلانسيّ: وفي سنة عشر ورد الخبر بأنّ بدران بْن صَنْجيل صاحب طرابُلُس جمع وحشد، ونهض إلى البقاع، وكان سيف الدّين سُنْقُر البرسقي صاحب المَوْصِل قد وصل ألى دمشق لمعونة الأتابك طغتكين، فتلقاه وسُرَّ بِهِ، فاتّفقا عَلَى تبييت الفرنج، فساقًا حتى هجما عَلَى الفرنج وهم غارُّون، فوضعوا فيهم السّيف قتْلًا وأسْرًا، فقيل هلك منهم نحو ثلاثة آلاف نفْس، وهرب ابن صَنْجيل، وغنِم المسلمون خيلهم وسلاحهم، ورجعوا، وردّ البُرْسُقيّ إلى المَوْصِل، وقد استحكمت المودّة بينه وبين طغتكين.
وفيها قُتِل الخادم لؤلؤ المستولي عَلَى حلب، وكان قد قتل ألب أرسلان [ص:22] ابن رضوان، وشرع في قتل غلمان رضوان، فعملوا عَليْهِ وقتلوه.
والصحيح أنّه قُتِل في السّنة الآتية.
وفيها حج بالركب العراقي أمير الجيوش الحبشي مولى المستظهر بالله، ودخل مكة بالأعلام والكوسات والسّيوف المسلَّلة، لأنّه أراد إذلال أمير مكّة وعبيدة.(11/20)
بسم الله الرحمن الرحيم
-الوفيات(11/23)
-سنة إحدى وخمسمائة(11/23)
1 - أحمد بْن الحَسَن بْن أحمد بْن يزداد، أبو العز المستعمل. [المتوفى: 501 هـ]
روى عن: الجوهريّ، والعُشاريّ.(11/23)
2 - أحمد بْن الحسين بْن أحمد، أبو طاهر ابن النّقّار الحِمْيَريّ. [المتوفى: 501 هـ]
وُلِد بالكوفة سنة ثمان عشرة وأربعمائة، ونشأ ببغداد، وكان يعرف القراءات ويفهمها، قرأ على: خاله أبي طالب ابن النّجّار، وقرأ الأدب عَلَى أَبِي القاسم بْن بُرهان، ثمّ انتقل إلى دمشق وإلى مصر، وسكن طرابلس، وبدمشق تُوُفّي فِي رمضان.(11/23)
3 - أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن سبعون، أبو بَكْر القَيْسيّ، القَيْروانيّ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 501 هـ]
سَمِعَ: أبا الطّيّب الطَّبَريّ، وأبا محمد الجوهريّ، وعنه: ابنه عَبْد الله، وعمر بْن ظَفَر.(11/23)
4 - إبراهيم بْن مَيّاس القُشَيْريّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 501 هـ]
سَمِعَ: أبا عَبْد الله بن سلوان، وأبا القاسم الحنائي بدمشق، وأبا الحسين بْن المهتدي بالله، وغيره ببغداد، سَمِعَ منه: الصّائن هبة الله، وغيره.
تُوُفّي في شَعْبان، وله خمسٌ وستون سنة.(11/23)
5 - إسماعيل بن عمرو بْن محمد بْن أحمد، أبو سَعِيد بْن أبي عَبْد الرَّحْمَن البَحيريّ، النَّيْسابوريّ. [المتوفى: 501 هـ]
ثقة، صالح، محدّث، مِن بيت الحديث، وكان صحيح القراءة.
قَالَ السمعانيّ: سَمِعَ بإفادته خلْق، وتفقَّه عَلَى ناصر العُمَريّ، وكان [ص:24] يقرأ دائمًا صحيح مُسْلِم للغرباء والرحّالة عَلَى أَبِي الحسين عَبْد الغافر الفارسي، وكُفّ بصره بأخرة، سَمِعَ مِن: أَبِي بَكْر أحمد بن علي بن منجويه الحافظ، وأبي حسان المُزَكّيّ، وأبي العلاء صاعد بْن محمد، وعَبْد الرحمن بن حمدان النصرويي، روى لنا عَنْهُ: إسماعيل بْن جامع بمَرْو، وأحمد بْن محمد العالم بسمنان، وأبو شجاع البسْطاميّ ببخارى، وأبو القاسم الطّلْحيّ بإصبهان.
قَالَ ابن النّجّار: كَانَ نظيفًا، عفيفًا، اشتغل بالتّجارة وبُورك لَهُ فيها، وحصّل جملة.
وقال ابن السّمعانيّ: وقرأت بخطّ والدي، قَالَ: سَمِعْتُ أبا سَعِيد البحيري يَقُولُ: قرأت صحيح مُسْلِم عَلَى عَبْد الغافر أكثر من عشرين مرة.
ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة، وتُوُفّي في آخر السّنة بنَيْسابور، وقد أملى مجالس بنيسابور، وتوفي ابنه محمد قبله.(11/23)
6 - إسماعيل بْن يحيى بْن حسين، أبو نصر الملاح. [المتوفى: 501 هـ]
بغدادي لا بأس به، حدث بشيء يسير عن الجوهري، وتوفي في صفر.(11/24)
7 - تميم بْن المعزّ بْن باديس بْن المنصور بْن بُلّكين بْن زيْري بْن مَنَاد، السّلطان أبو يحيى الحِمْيَريّ الصُّنْهاجيّ، [المتوفى: 501 هـ]
ملك إفريقية بعد أَبِيهِ.
كَانَ حسن السّيرة، مُحِبًا للعلماء، قصده الشّعراء مِن النّواحي، وامتدحه الحَسَن بْن رشيق القَيْرواني، وغيره، وكان ملكًا جليلًا، شجاعًا، مَهيبًا، فاضلًا، شاعرًا، جوادًا، ممدّحًا.
وُلِد سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، ولم يزل بالمهدية منذ ولّاه أَبُوهُ إيّاها مِن صَفَر سنة خمسٍ وأربعين إلى أن تُوُفّي أَبُوهُ بعد أشهر في شَعْبان.
ومن شِعْره:
سَلِ المطَرَ العام الَّذِي عمّ أرضكم ... أجاء بمقدار الّذي فاض مِن دمعي
إذا كنتَ مطبوعًا عَلَى الصّدّ والجفا ... فمِن أَيْنَ لي صبر فأجعلَهُ طبْعي
ولابن رشيق فيه، وأجاد:
أصح وأعلى ما سمعناه في الندى ... منَ الخَبَر المأثور مُنذ قديم [ص:25]
أحاديث ترويها السُّيُول عَنِ الحَيَا ... عَنِ البحر عَنْ كفّ الأمير تميمِ
وفي أيّامه اجتاز ابن تُومَرْت بإفريقية وأظهر الإنكار عَلَى مِن خرج عَنِ الشّرع، وراح إلى مَرّاكُش.
امتدّت دولة تميم إلى هذه السنة، وتوفي في رجب، وخلّف مِن البنين أكثر مِن مائة وُلِد، ومن البنات ستّين عَلَى ما ذكره حفيده العزيز بْن شدّاد بْن تميم، وملَك بَعْده ولده يحيى وقد تكهَّل، فأحسن السّيرة في الرعية، وافتتح حصْنًا كبيرًا امتنعَ على أبيه، ولم يزل مظفرًا منصورًا.(11/24)
8 - الحَسَن بْن محمد بْن عَبْد العزيز، أبو عليّ التّكَكيّ. [المتوفى: 501 هـ]
بغدادي صالح، صحيح السّماع، سَمِعَ: أبا عليّ بْن شاذان، روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وسلْمان الشّحّام، وأبو طاهر السّلَفيّ، وأبو بكر ابن النَّقُّور.
تُوُفّي في رمضان.
أَخْبَرَنَا ابْنُ الْفَرَّاءِ، قال: أخبرنا ابن قدامة، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن النرسي، قال: أخبرنا الحسن بن محمد، قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال: أخبرنا عثمان، هو ابن السماك، قال: حدثنا موسى بن سهل، قال: حدثنا إسماعيل ابن علية، قال: حدثنا حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ الْعَبْدَ الْجَنَّةَ بِالأَكْلَةِ أَوِ الشَّرْبَةِ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، مَعَ لِينٍ فِي مُوسَى الْوَشَّاءِ.(11/25)
9 - حمزة بْن هبة الله بْن سلامة، أبو يَعْلَى العثمانيّ، الدّمشقيّ. [المتوفى: 501 هـ]
روى عَنْ: عليّ بْن الخَضِر السُّلَميّ، وغيره، سَمِعَ منه: أبو محمد بْن صابر، وغيره.(11/25)
10 - رزماشوب بن زيار، الأمير، الأديب، أبو نصر الدَّيْلَميّ. [المتوفى: 501 هـ]
أرَّخه السّلَفيّ في السنة، مات بالأهواز، وروى عنه في جزء ابن قلنبا، وقال: كَانَ مِن أفراد الدّهر، ونوادر العصر، له نظم رائق، ونثر فائق، ورياسة.(11/26)
11 - صَدَقة بْن منصور بْن دبيس بْن عليّ بْن مَزْيَد، الأمير سيف الدّولة ابن بهاء الدّولة الأَسَديّ، النّاشريّ، [المتوفى: 501 هـ]
صاحب الحلة السيفية.
كَانَ يُقال لَهُ: ملك العرب، وكان ذا بأس وسطوة، نافَرَ السّلطان محمد بْن ملكشاه، وأفْضَت بينهما الحالُ إلى الحرب، فتلاقيا عند النعْمانية، فقتُل صَدَقة في المعركة يوم الجمعة سلخ جُمَادَى الآخرة، وحمل رأسه إلى بَغْدَاد.
وكانت وفاة أَبِيهِ سنة تسع وسبعين، ووفاة جدّه في سنة ثلاث وسبعين، والحلة اختطفها صدقة سنة خمس وتسعين وأربعمائة وسكنها الناس.(11/26)
12 - عَبْد الرَّحْمَن بْن حمْد بْن الحَسَن بْن عبد الرَّحْمَن، أبو محمد الدُّونيّ، الصُّوفيّ، الزّاهد. [المتوفى: 501 هـ]
مِن بيت زُهد وعبادة، مِن قرية الدُّون، ويقال: دونة، وهي على عشرة فراسخ مِن هَمَذَان، ممّا يلي الدّيَنَور.
روى كتاب السُّنَن للنَّسَائيّ، عَنِ ابن الكسّار، وهو آخر مِن حدَّث بِهِ عَنْهُ، قرأه عَليْهِ السلفي بالدون في سنة خمسمائة، وقال: قَالَ لي ابنه أبو سَعْد: لوالدي خمسون سنة ما أفطر النهار.
وقال شِيرَوَيْه في تاريخه: كَانَ صَدُوقًا، متعبّدًا، سمعت منه السنن، ورياضة المتعبدين.
وقال السلفي: كان سفياني المذهب، ثقة، بلغنا أنه توفي في رجب.
قال: وولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة في رمضان.
وقال غيره: سَمِعَ السُّنَن في شوال سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
وحدَّث عَنْهُ: أبو بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ، وأبو العلاء الحَسَن بْن [ص:27] أحمد العطار، والسلفي، وأبو زُرْعة المقدسي، وأبو الفتح عَبْد الله بْن أحمد الخِرَقيّ، وأحمد بْن يَنال التُّرْكَ، وعبد الرّزّاق بْن إسماعيل القُومسانيّ الهَمَذانيّ، وابن عمه المطهَّر بن عبد الكريم، ومحمد بن بنيمان، وأبو الفتوح الطّائيّ، وأبو الحَسَن سعْد الخير الأندلسي، وخلْق، وأجاز للحافظ أَبِي القاسم بْن عساكر.(11/26)
13 - عَبْد الرَّحْمَن بْن خَلَف بْن مسعود، أبو الحَسَن الكِنانيّ القُرْطُبيّ. [المتوفى: 501 هـ]
روى عَنْ: حَكَم بن محمد، ومحمد بن عَتّاب، وأبي عمر ابن القطّان.
وكان مُعتنيا بالسَّماع الكثير، وكان يعظ ويُذكّر في مسجده، وهو ديّن، ثقة، عالم.(11/27)
14 - عَبْد الكريم بْن المسلّم بْن محمد بْن صدقة، السلمي العطّار. [المتوفى: 501 هـ]
سَمِعَ: أبا القاسم الحِنَّائيّ، وعبد العزيز الكتاني، وهو دمشقي، قليل الرواية.(11/27)
15 - محمد بْن أحمد بْن مسعود بْن مفرّج، أبو عَبْد الله الأندلُسيّ، الشّلْبيّ، الفقيه. [المتوفى: 501 هـ]
كَانَ مُفتي تِلْكَ النّاحية، تفقَّه عَلَى أَبِيهِ، وسمع صحيح الْبُخَارِيّ بإشبيلية مِن أبي عَبْد الله بْن منظور، وكان بصيرًا بالفتوى، إمامًا، ثقة، تُوُفّي في ذي الحجة.(11/27)
16 - محمد بْن سليمان بْن يحيى، أبو عَبْد الله القَيْسيّ، المقرئ. [المتوفى: 501 هـ]
قرأ على أصحاب أبي عَمْرو الدّانيّ بالرّوايات، ومات كهْلًا.(11/27)
17 - محمد بْن عَبْد المُلْك بْن عَبْد القاهر بْن أسد، أبو سعْد الأَسَديّ، البغداديّ، المؤدّب. [المتوفى: 501 هـ]
سَمِعَ: أبا عليّ بْن شاذان، وابن بِشْران، وغيرهما، روى عَنْهُ: السّلَفيّ، وعبد الحقّ، وخطيب المَوْصِل، وجماعة.
ضعّفه ابن ناصر لأنّه كَانَ يُلْحق سماعاته مَعَ أبيه، وكان الإلحاق بيّنا طريا.
تُوُفّي في رمضان وقد جاوز الثّمانين بيسير.
قَالَ السّمعانيّ: ألْحق سماعه في أجزاء.(11/28)
18 - محمد بن عبد الواحد بن علي، أبو الغنائم ابن الأزرق البغدادي. [المتوفى: 501 هـ]
سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان، وأبا محمد الخلّال، وعبد العزيز بْن عليّ الأَزَجيّ.
روى عَنْهُ: عُمَر بْن عَبْد الله الحربيّ، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وجماعة، ويُعرف بابن الشّهْرسْتانيّ.
وممّن روى عنه مسعود بن أبي غالب، شيخ أحمد بْن طَبَرْزَد.(11/28)
19 - محمد بْن العراقيّ بْن أبي عنان القَزْوينيّ، الطّاوسيّ، أبو جعفر. [المتوفى: 501 هـ]
حدَّث في شوّال مِن السّنة بهَمَذَان، عن محمد بْن الحسين المقوّميّ بأحاديث، وكان صالحًا، قُدْوةً.(11/28)
20 - محمد بْن عُمَر بْن قَطَريّ، أبو بَكْر الزُّبَيْديّ، الإشبيليّ. [المتوفى: 501 هـ]
سَمِعَ مِن: أَبِي الوليد الباجي، وجماعة، ورحل إلى المشرق، وسمع مِن: أَبِي بَكْر الخطيب، وجماعة، وكان عالمًا بالنَّحْو والأصُول، تُوُفّي بسَبْتة.(11/28)
21 - محمد بْن محمود بْن حسن بْن محمد بْن يوسف، أبو الفَرَج ابن العلّامة أَبِي حاتم الأنصاريّ القَزْوينيّ، [المتوفى: 501 هـ]
مِن آمُل طَبَرِسْتان.
فقيه، دَيِّن، صالح، صاحب معاملة، حجّ سنة سبْعٍ وتسعين، وأملى بمكّة مجلسًا، وضاع ابنٌ لَهُ قبل وصوله المدينة، قَالَ بعضهم: فرأيناه في مسجد النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتمرَّغ في التّراب ويتشفَّع بالنَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في لُقيّ ولده، والخَلْق حوله، فبينا هُوَ في تِلْكَ الحال إذ دخل ابنه مِن باب المسجد، فاعتنقا زمانًا. [ص:29]
رواها السّمعانيّ، عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي العباس الميهني المَرْوَزِيّ، أنّه حجّ تِلْكَ السُّنَّة، ورآه يتمرَّغ في التراب ويبكي، والخلْق مجتمعون عَليْهِ، وهو يَقُولُ: يا رَسُول اللهِ، جئتكم مِن بلدٍ بعيد زائرًا، وقد ضاع ابني، لا أرجع حتّى تردّ عليَّ ولدي، وردَّد هذا القول، حتى دخل ابنه، فصرخ الحاضرون.
سَمِعَ: أباه، ومنصور بْن إِسْحَاق الحافظ، وسهل بْن ربيعة، وأبا عليّ الحُسَينيّ، روى عَنْهُ: ابن ناصر، والسّلَفيّ، وابن الخلّ، وشُهْدَة، وآخرون.
تُوُفّي بآمُل في المحرَّم سنة إحدى، وكان أَبُوهُ مِن كبار الفقهاء.(11/28)
22 - محمد بْن هبة اللَّه بْن محمد بن الحسن ابن المأمون الهاشميّ، أبو نصر. [المتوفى: 501 هـ]
سَمِعَ: أبا محمد الجوهريّ، روى عنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ وأثنى عَليْهِ، تُوُفّي في ربيع الأوّل.
قَالَ ابن النّجّار: سَمِعَ أيضًا مِن: أبي عليّ بْن المُذْهب، وابن المحسن التّنُوخيّ، وكان مِن سَرَوات بيته، صالحًا، متديّنًا، روى عَنْهُ: أبو طاهر السّلَفيّ، وعبد الحق اليُوسُفيّ.(11/29)
23 - منصور بْن الحسن بْن عاذل، أبو الفَرَج البَجَليّ، البَوَازيجيّ، [المتوفى: 501 هـ]
والبَوَازيج: بين تِكْريت والموصل.
قِدم بغداد، وتفقَّه بأبي إِسْحَاق الشّيرازيّ، ولازمَهَ، وسمع مِن: ابن المهتدي بالله، وغيره، روى عَنْهُ: عليّ بْن أحمد اليَزْدي، ومحمد بْن أَبِي الغنائمّ التّكْريتيّ.
وكان مِن العقلاء، الصُّلَحاء، وُلّي قضاء البوازيج، وعاش إلى هذا العام.(11/29)
24 - هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أحْمَد بْن مُحَمَّد بْن حسنون، أبو طاهر بْن أَبِي الحسين بْن أبي نَصْرٍ النَرْسيّ، البغداديّ، المعدّل، الشّاهد. [المتوفى: 501 هـ]
مِن أولاد المحدّثين، سَمِعَ: أبا طَالِب بْن غَيْلان، وعبد المُلْك بن عمر الرّزّاز، روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو طاهر السنجي، وغيرهما، وتوفي في ربيع الآخر.(11/29)
25 - يحيى بْن محمد بْن بذّال، أبو نصر الحريمي، الطاهري، [المتوفى: 501 هـ]
والد محمد.
شيخ صالح،
سَمِعَ: أبا إِسْحَاق البَرْمكيّ، والجوهري، وعنه: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ، تُوُفّي في رمضان.(11/30)
-سنة اثنتين وخمسمائة(11/31)
26 - أبق بن عبد الرزاق، الأمير أبو منصور، عَضْبُ الدّولة، [المتوفى: 502 هـ]
الَّذِي بالتّربة العضبية، خارج باب الفراديس.
أحد الأمراء الكبار، مِن خواصّ صاحب دمشق تاج الدّولة تُتُش، وهو الَّذِي مدحه ابن الخيّاط بقصيدته الطّنّانة:
سَلوا سَيْفَ أَلْحاظه المُمْتَشَق ... أعِنْدَ القلوبِ دمٌ للحَدَقْ(11/31)
27 - أحمد بْن عَبْد العزيز، الدّلّال، البغداديّ، المعروف بالخُرَّميّ. [المتوفى: 502 هـ]
روى عَنْ: أَبِي الحسن القزويني يسيرًا، وعنه: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وعبد الله بن منصور الموصلي.
توفي في جمادى الأولى.(11/31)
28 - أحمد بن علي بن أحمد بن سعيد، الخطيب أبو حاتم النيسابوري، الصوفي. [المتوفى: 502 هـ]
سمع: أبا عثمان الصابوني، وحدث ببغداد، روى عنه: سعد الخير الأنصاري، والسلفي.
حدث في هذه السنة، ولا أعلم متى توفي، مولده سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة.(11/31)
29 - أحمد بن علي بن حسين، الشابُرْخُواسْتي، القاضي أبو طاهر، الصالح، الزاهد، العابد. [المتوفى: 502 هـ]
روى عن أبيه عن علي بن القاسم البصري، عن أبي روق الهزاني، روى عنه السلفي في البلد التاسع والعشرين.
توفي في هذه السنة.(11/31)
30 - بَدْرُ بْن خَلَف بْن يوسف، أبو نجم الفَرَكي، [المتوفى: 502 هـ]
والفَرَك: قرية من قرى إصبهان.
سَمِعَ: أبا نصر الكسار، وغيره، وعاش ثلاثا وثمانين سنة،
رَوَى عَنْهُ: أبو [ص:32] طاهر السلفي قطعة من ذاك الجزء المتبقي من سنن النسائي، وسمع من أبي نصر إبراهيم ابن الكساري أيضًا.(11/31)
31 - الحسين بن علي بن الحسين، أبو الفوارس ابن الخازن الكاتب، الديلمي. [المتوفى: 502 هـ]
يروي عن: أبي محمد الجوهري، حدَّث عَنْهُ: السّلَفيّ، وقال: كَانَ أحسن النّاس خطًا.
قلت: هُوَ صاحب الخطّ الفائق، كَانَ مشتهرًا بلعب النَّرْد، وقيل: إنه نسخ خمسمائة مُصْحَف، وكتب مِن مقامات الحريريّ عدّة نُسَخ، ومن الأغاني ثلاث نُسَخ ولم يخلّف وارثًا، وكان يسكن بدرب حبيب ببغداد، وله شعر جيّد، فمنه:
عَنَّتِ الدُّنيا لطالبها ... واسْتراح الزّاهد الفطِن
كُلُّ مَلْكٍ نال زُخْرُفَها ... حسْبُهُ ممّا حوى كَفَن
يَقْتَني مالًا ويتركُهُ ... في كِلا الحالين مُفْتَتَنُ
أكره الدُّنيا وكيفَ بها ... والذي تسخو بِهِ وَسَنُ
لم تدُمْ قبلي عَلَى أحدٍ ... فلماذا الهمُّ والحَزَنُ
توفي فجأة في ذي الحجّة، وقيل: تُوُفّي سنة تسع وتسعين، وسيأتي في سنة ثمان عشرة ابن الخازن الشّاعر الكاتب.(11/32)
32 - حَمْد بْن عَبْد الله بْن أحمد بْن حَنّة، أبو أحمد المعبّر. [المتوفى: 502 هـ]
إصْبهانيّ، فقيه، مشهور، سَمِعَ: أبا الوليد الحَسَن بْن محمد الدَّربَنْديّ، وأبا طاهر بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وأحمد بْن محمد بْن النُّعْمان الصّائغ، ومنصور بْن الحسين سِبْط بحروَيْه، وجماعة، وأملى عدّة مجالس، روى عَنْهُ: أبو طاهر السّلَفيّ، وأبو الفتح عَبْد الله بْن أحمد الخِرَقيّ، وآخرون.
ذكره ابن نقطة، فقال: قال السلفي: خرج له إسماعيل بن محمد بن [ص:33] الفضل الحافظ فوائد، وكان يؤم في الجامع الأعظم ثلاث صَلَوات، ويُفتي، ويعبّر الرؤيا.
وكان مِن شيوخ الصُّوفيّة، قال لي إسماعيل بن محمد بن الفضل: النزول عن نسيبك أبي الطيب الطّهراني، ومحمد بْن عزيزة، وحمْد بْن حنّة، أحب إلي من العلو عمن سواهم، فقهاء ثقات يدرون ما يروون.(11/32)
33 - زيد بْن الحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن الحُسَيْن بْن عَلِيِّ بْن الحُسَيْن بْن حَسَن بْن القاسم بْن محمد بْن القاسم بْن الحَسَن بْن زيد بْن الحُسين بْن عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب، أبو هاشم الحُسَيْنيّ الهَمَذَانيّ، [المتوفى: 502 هـ]
رئيس البلد وأميره.
روى عَنْ أَبِي سعْد جامع بْن محمد الأديب حديثًا واحدًا، وكان هَيُوبًا، مُطاعًا، سائسًا، جمع الأموال، وظلم، وعسَف، وكان يطرح الشّيء الَّذِي يساوي درهمًا بثلاثة دراهم وأكثر، واستعبد الناسُ، وعُمّر دهرًا.
تُوُفّي فِي رجب وله ثلاث وتسعون سنة، وهو ابن بِنْت الصّاحب إسماعيل بن عباد، وكانت له أموال لا تحصى، أخذ منه السلطان محمد مرة واحدة سبعمائة ألف دينار لم يبع لأجلها ملكا ولا اقترض دينارا.(11/33)
34 - صاعد بْن محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو العلاء البخاري، القاضي. [المتوفى: 502 هـ]
قال ابن السّمعانيّ: هُوَ مِن أهل إصبهان، الإمام المقدَّم في زمانه عَلَى أقرانه فضلًا، وعلمًا، وزُهدًا، وتواضعًا، تفقَّه عَلَى مذهب أَبِي حنيفة حتّى صار مفتي إصبهان، سمع مِن أصحاب ابن المقرئ، ولقي ببغداد ابن النَّقُّور، وبمكّة أبا عليّ الحَسَن بْن عَبْد الرَّحْمَن الشّافعيّ، قُتِل في جامع إصبهان يوم عيد الفِطْر وله خمسٌ وخمسون سنة، قتله باطني.(11/33)
35 - طاهر بْن سَعِيد بْن فضل الله بْن أَبِي الخيْر، أبو الفتح المِيهَني، [المتوفى: 502 هـ]
والد أحمد، وأبي القاسم.
كَانَ مِن أهل الخير، ومن بيت المشيخة والتَّصُوّف، أقام ببغداد مدّة يسمع ويطلب، وسافر الكثير، ولقي الكبار، وسمع مِن: جدّه الشَّيْخ أَبِي سَعِيد فضل الله، وخلف بْن أحمد الأبيوَرديّ، وأبي القاسم القُشَيْريّ، وأبي عليّ الحَسَن بْن غالب المقرئ البغداديّ، وأبي الغنائم ابن المأمون، روى عَنْهُ: أبو شجاع عُمَر بْن محمد البِسْطاميّ، وغيره. [ص:34]
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وكان ذا تعبّد وتأله وخير.(11/33)
36 - عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن إبراهيم، أبو عليّ الدّيَنَوريّ، المؤذّن. [المتوفى: 502 هـ]
حدث عن: عَبْد الرّزّاق بْن الفُضَيْل الكَلاعيّ، سَمِعَ منه: سهل بْن بِشْر مَعَ تقدُّمه، وأبو محمد بْن صابر.(11/34)
37 - عَبْد الله بْن سَعِيد بْن حكم، الزاهد، أبو محمد القرطبي، المفتلي. [المتوفى: 502 هـ]
قرأ القرآن عَلَى أَبِي محمد مكّيّ بْن أَبِي طَالِب، وكان آخر مِن قرأ عَليْهِ، وكان أحد العباد الزهاد، المتبرك بهم.(11/34)
38 - عبد الله بْن عُمَر بْن محمد بْن أَحْيَد، أبو القاسم الكُشانيّ، الخطيب. [المتوفى: 502 هـ]
ثقة، إمام، مشهور، أملى مدة سِنين، وطال عمره.
سَمِعَ: محمد بْن الحَسَن الباهليّ، وعليّ بْن أحمد السَّنْكَبَاثيّ، وأبا سهل عَبْد الكريم الكَلاباذيّ، وأبا نصر أحمد بْن عَبْد الله بْن الفضل، وعبد العزيز بن أحمد الحلواني.
قال السمعاني: حدثنا عَنْهُ إبراهيم بْن يعقوب الكُشَانيّ، وأبو العلاء آصف بْن محمد النسفيّ، وعطاء بْن مالك النّقّاش، وآخرون كثيرون بما وراء النَّهر، وُلِد في حدود سنة عشر وأربعمائة، وتوفي في رجب.(11/34)
39 - عَبْد الله بْن يحيى، أبو محمد التُّجَيْبيّ، الأندلسيّ، الأُقليشيّ، ويعرف بابن الوَحْشيّ. [المتوفى: 502 هـ][ص:35]
أخذ القراءات بطُلَيْطلَة عَنْ أَبِي عَبْد الله المغامي، وسمع من: حازم بْن محمد، وأبي بَكْر بْن جُمَاهر.
وكان مِن أهل المعرفة والذّكاء، واختصرَ كتاب مُشْكل القرآن لابن فُورَك، وولي أحكام أُقْليش.(11/34)
40 - عَبْد الله بْن أَبِي بَكْر، أبو القاسم النَّيْسابوريّ، البزّاز، الفقيه [المتوفى: 502 هـ]
شيخ الحنفية في عصره، ومُناظرهم، وواعظهم، حافد أبي يحيى البزاز.
سَمِعَ مِن: أَبِي الحُسَيْن عَبْد الغافر الفارسي، وغيره، وأبي طاهر محمد بْن عليّ الإسماعيلي البخاري، سمع منه الشمائل، قال: أخبرنا إبراهيم بن خلف، قال: أخبرنا الهيثم الشاشي، قال: حدثنا التّرْمِذيّ.
تُوُفّي في جُمَادَى الآخرة.(11/35)
41 - عَبْد الباقي بن محمد بن سعيد بن أصبغ، أبو بكر الأنصاري، الحجاري، الأندلسيّ، ويُعرف بابن بُريال. [المتوفى: 502 هـ]
روى عَنْ: المنذر بن المنذر، وهشام بن أحمد الكناني، وأبي عمر الطَّلَمَنْكيّ، والقاسم بْن فتح، وكان نبيلًا، حافظًا، ذكيًا، شاعرًا، محسنًا.
قال ابن بشكوال: أَخْبَرَنَا عَنْهُ غير وأحد من شيوخنا، وتُوُفّي في شَعْبان ببَلنْسِية، وكان مولده سنة ست عشرة وأربعمائة.
قلت: أخذ عنه ابن العريف والزاهد، وله سماع أيضًا مِن أَبِي عُمَر بْن عبد البر، عرض عليه القرآن وهو ابن عشرة أعوام، وأما شيخه قاسم الحجاري فمات بعد الخمسين وأربعمائة بسنة، وكان قاسم إماما علامة مجتهدا عاش ثلاثا وستين سنة، وقد ذكر.(11/35)
42 - عَبْد الواحد بْن إسماعيل بْن أحمد بْن محمد، أبو المحاسن الرُّويَانيّ، الطَّبَريّ، فخر الإسلام، [المتوفى: 502 هـ]
القاضي، أحد الأئمّة الأعلام.
لَهُ الجاه العريض، والقَبُول التّامّ في تِلْكَ الدّيار، سَمِعَ: أبا منصور محمد بْن عَبْد الرَّحْمَن الطَّبَريّ، وأبا محمد عبد الله بْن جعفر الخبّازيّ، وأبا حفص بْن [ص:36] مسرور، وأبا بَكْر عَبْد المُلْك بْن عَبْد العزيز، وأبا عَبْد الله محمد بْن بيان الفقيه، وأبا غانم أحمد بْن عليّ الكُرَاعيّ، وعبد الصّمد بْن أَبِي نصر العاصميّ الْبُخَارِيّ، وأبا نصر أحمد بْن محمد البلْخيّ، وأبا عثمان الصّابونيّ، وجدّه أبا العبّاس أحمد بْن محمد بن أحمد الروياني، وتفقه عليه، وسمع بمرو، وغزنة، وبخارى مِن طائفة.
روى عَنْهُ: زاهر الشّحّاميّ، وأبو رشيد إسماعيل بْن غانم، وأبو الفتوح الطّائيّ، وعبد الواحد بْن يوسف، وإسماعيل بْن محمد التَّيْميّ الحافظ، وأبو طاهر السّلَفيّ، وجماعة كثيرة.
وُلِد في ذي الحجّة سنة خمس عشرة وأربعمائة، وتفقَّه ببُخارى مدّة، وبرع في المذهب، حتّى كَانَ يَقُولُ فيما بَلَغَنَا: لو احترقت كُتُب الشّافعيّ أَمْلَيتها مِن حِفْظي.
وله مصنفات في المذهب ما سبق إليها، منها: كتاب بحر المذهب، وهو من أطول كُتُب الشّافعيّة، وكتاب مناصيص الشّافعيّ، وكتاب الكافي، وكتاب حِلْية المؤمن، وصنَّف في الأُصول والخلاف، وكان قاضي طَبرِسْتان.
قَالَ السّلَفيّ: بَلَغَنَا أَنَّهُ أملى بآمُل، وقُتِل بعد فراغه مِن الإملاء، بسبب التّعصُّب في الدّين، في المحرَّم، قَالَ: وكان العماد محمد بْن أَبِي سعْد صدر الرَّيّ في عصره يَقُولُ: القاضي أبو المحاسن، شافعيّ عصره.
وقال مَعْمَر بْن الفاخر: قتل بجامع أمُل يوم الجمعة حادي عشر المحرَّم، قَتَلَتْه الملاحدة، وكان نظام المُلْك كثير التّعظيم لَهُ.
رُويان: بلدة بنواحي طَبَرِسْتان.(11/35)
43 - عَبْد الواحد بْن محمد بْن عُمَر بْن هارون، الفقيه أبو عُمَر الوَلاشْجِرْدِيّ، [المتوفى: 502 هـ]
وولاشْجِرْد مِن قرى كِنكْوَر، وهي قرية مِن هَمَذَان.
كَانَ فقيهًا، دَيّنًا، خيّرًا، سَمِعَ ببغداد في رحلته من: أبي الحسين ابن المهتدي بالله، والصّرِيفِينيّ، والخطيب، وتُوُفّي بكِنْكَوِر.(11/36)
44 - عُبَيْد اللَّه بْن علي بْن عُبَيْد اللَّه، أبو إسماعيل الخطيبيّ الفقيه، [المتوفى: 502 هـ]
قاضي القُضاة بإصبهان.
سَمِعَ عَبْد الرّزّاق بْن شَمَة، روى عَنْهُ السّلَفيّ، وقال: قُتِل بهَمَذَان شهيدًا، وأنا بها، في صَفَر رحمه الله، قتلته الباطنيّة.(11/37)
45 - عُبَيْد الله بْن عُمَر بْن محمد بْن أَحْيَد، الخطيب، العالم، أبو القاسم الكُشانيّ. [المتوفى: 502 هـ]
ثقة، مُكْثِر، معمر، ولد في حدود سنة عشر وأربعمائة، وروى الكثير.
وأملى عَنْ: محمد بْن الحَسَن الباهلي، وعلي بن أحمد بن ربيع السنكباثي، وأبي سهل عبد الكريم الكلاباذي، وطائفة، وعنه: إبراهيم بْن يعقوب الكُشانيّ، وأبو العلاء آصف بْن محمد الخالديّ، وعطاء بْن مالك بْن أحمد النّقّاش، وأبو المعالي محمد بْن نصر المَدِينيّ، وآخرون.
مات في سادس عشر رجب عَنْ نيّفٌ وتسعين سنة.(11/37)
46 - عُبَيْد الله بْن محمد بْن طلحة، الدّامَغَانيّ، القاضي، [المتوفى: 502 هـ]
ابن أخت قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن عليّ الدّامَغَانيّ.
شهد عند خاله في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وولي قضاء ربع الكَرْخ سنة سبعين، وكان صالحًا، ورِعًا، عفيفًا.
سَمِعَ: أبا القاسم التّنُوخيّ، وعبد الكريم بن محمد ابن المَحَامِليّ، روى عَنْهُ: عَبْد الوهاب الأنْماطيّ، وعمر بن ظفر، وأبو طاهر السلفي.
وتوفي في صَفَر.
وكان مولده بالدّامغان سنة ثلاثٍ وعشرين وأربعمائة.(11/37)
47 - عليّ بْن أحمد بْن عليّ بْن الإخوة، المحدّث، المفيد، أبو الحَسَن البيّع، الحريميّ. [المتوفى: 502 هـ]
مِن كبار المحدثين، سمع: الخطيب، وأبا الغنائم ابن المأمون، وغيره. [ص:38]
انتقى عليه أبو علي البَرَدانيّ، وكتب عَنْهُ: أبو عامر العَبْدَريّ، وابن ناصر، مات كهلًا.(11/37)
48 - عليّ بْن الحُسَيْن بْن عَبْد الله بْن عُرَيْبَة، أبو القاسم الرَّبَعيّ، البغداديّ. [المتوفى: 502 هـ]
تفقَّه عَلَى أقضى القُضاة، أَبِي الحَسَن المَاوَرْديّ، وأبي الطَّيّب الطَّبَريّ، ولم يبْرع في المذهب، ثمّ صحِب أبا عليّ بْن الوليد وغيره مِن شيوخ المعتزلة، وأخذ عَنْهُمْ، وقد سَمِعَ: أبا القاسم بْن بِشْران، وأبا الحَسَن بْن مَخْلَد البزّار.
روى عَنْهُ: أبو بَكْر محمد بْن منصور السّمعانيّ، وعَبْد الخالق بْن أحمد اليُوسُفيّ، وأبو طاهر السّنْجيّ، وابن ناصر، وأبو طاهر السّلَفيّ، وأبو محمد بْن الخشّاب النَّحْويّ، وشُهْدَة.
قَالَ شُجاع الذُّهْليّ: كَانَ يذهب إلى الاعتزال.
وقال أبو سعْد السّمعانيّ: سَمِعْتُ أبا المَعْمَر الأنصاريّ إنْ شاء الله، أو غيره يذكر أنّه رجع عَنْ ذَلِكَ، وأشهد المؤتمن السّاجيّ وغيره عَلَى نفسه بالرجوع عَنْ رأيهم، والله أعلم، قَالَ: وسمعت عليّ بْن أحمد اليَزْديّ يَقُولُ: قَالَ لي أبو القاسم الربعي: ولدت في سنة أربع عشرة وأربعمائة، تُوُفّي في ثالث وعشرين رجب.(11/38)
49 - عليّ بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو الحَسَن السّمِنْجَانيّ، الفقيه، [المتوفى: 502 هـ]
أحد الأئمّة.
تفقَّه ببُخارى عَلَى أَبِي سهل الأبيوردي، وسمع مِن: محمد بْن عَبْد العزيز القَنْطَريّ، وغيره، روى عنه: ثامر بْن عليّ الصُّوفيّ، وإسماعيل بْن محمد الحافظ، والسّلَفيّ.
تُوُفّي في شَعْبان.(11/38)
50 - عليّ بْن عَبْد الوهاب بن موسى، أبو الكرم القاسمي، الخطيب. [المتوفى: 502 هـ]
بغدادي جليل، حدث بمجلسين عن أبي علي ابن المُذْهب، روى عَنْهُ: أبو المُعَمَّر الأنصاريّ.(11/38)
51 - عليّ بْن أَبِي طَالِب محمد بْن عليّ بْن عُبَيْد الله، المؤدب، أبو الحَسَن الهَمَذَانيّ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 502 هـ]
روى عَنْ أَبِي الطَّيّب الطَّبَريّ، وأبي محمد الجوهري.(11/39)
52 - محمد بن عبد القادر، أبو الحسين ابن السّمّاك البغداديّ. [المتوفى: 502 هـ]
روى عَنْ: ابن غَيْلان، وغيره، روى عنه: إسماعيل بن محمد الحافظ، وأبو طاهر السلفي، وتوفي في رجب، وكان واعظًا، رماه ابن ناصر بالكذب كأبيه.(11/39)
53 - محمد بْن عَبْد الكريم بْن خُشَيْش، أبو سعْد البغداديّ. [المتوفى: 502 هـ]
سمَعَ: أبا عليّ بْن شاذان وغيره، روى عَنْهُ: أبو طاهر السِّلَفيّ، وشُهْدَة، وأبو السّعادات القزّاز، وسمع " جزء ابن عَرَفَة " مِن ابن مَخْلَد، وكان شيخًا صالحًا، صحيح السَّماع.
تُوُفّي في عاشر ذي القِعْدة، وله تسعٌ وثمانون سنة.(11/39)
54 - محمد بْن يحيى بْن مُزَاحم، أبو عَبْد الله الأَشْبُونيّ، ثمّ الطُّلَيْطُليّ، المقرئ، [المتوفى: 502 هـ]
مصنَّف كتاب النَّاهج في القراءات.
وقد رحل إلى مصر وأكثر السَّماع، وحمل عن القُضاعيّ وطبقته، مات في أول السنة، وذكر أحمد بن محمد بن حرب المسيلي أنّه قرأ عَليْهِ القرآن، وأنّه قرأ عَلَى أَبِي عَمْرو الدّانيّ.(11/39)
55 - محمد بْن يوسف بْن عَطّاف، أبو عَبْد الله الأَزْدِيّ، [المتوفى: 502 هـ]
قاضي المَرِيّة.
روى عَنْ: أَبِي القاسم عَبْد الرَّحْمَن بْن مالك، وأبي عبد الله ابن القزّاز، الفقيه، وغيرهما مِن علماء الأندلس.
وكان فقيهًا، مُدرّسًا، يُناظَر عَليْهِ، ويُجْتَمَعُ في علم الرّأي إِليْهِ، أخذ عَنْهُ: أبو بَكْر بْن أسود، وعبد الرحيم ابن الفرس، وأبو عبد الله بن أبي زيد، وأبو الحسن ابن اللوان، وغيرهم. [ص:40]
تُوُفّي بالمَريّة.(11/39)
56 - مسعود بْن عثمان بْن خَلَف، أبو الخيار العبدري الشّْنتمَريّ. [المتوفى: 502 هـ]
رحل وسمع من: أبي عبد اللَّه محمد بن سلامة القضاعي، وكان شيخا صالحا، توفي بمرسية.(11/40)
57 - منصور بْن أحمد بْن الفضل بْن نصر بْن عصام، أبو القاسم المنْهاجيّ، الإسْفِزَاريّ، الفقيه الصّالح. [المتوفى: 502 هـ]
كَانَ ورِعًا، حَسَن السّيرة، ظهر لَهُ القبول التّامّ بالجبال ونواحيها، وبنى بهَمَذَان وغيرها خانقاهات، وكثُر عَليْهِ المريدون، وازدحَمَ عَليْهِ النّاس، وتبرَّكوا بلقائه، وكان قد تفقَّه بمَرْو عَلَى الإمام أَبِي المظفَّر السّمعانيّ، ولزِمه مدّة، وسمع ببَغْشُور جامع التّرْمِذيّ، مِن أَبِي سعيد محمد بْن عليّ البَغَويّ الدّبّاس.
وقُتِل فتْكًا على باب خانقاه المقرئ بهمذان في شوال.(11/40)
58 - هبة الله بْن أحمد بْن محمد بْن علي بن إبراهيم بن سعد الزهري ابن المَوْصِليّ، أبو عَبْد الله، [المتوفى: 502 هـ]
مِن أهل باب المراتب ببغداد.
شيخ صالح، صحيح السَّماع، سَمِعَ: عَبْد المُلْك بْن بِشْران، والحسين بْن عليّ بْن بطْحا، روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأَّنْماطيّ، وعبد الخالق اليُوسُفيّ، وابن ناصر، والسّلَفيّ، وخطيب المَوْصِل، وشهده، وآخرون.
وكان مولده في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وتوفي في رمضان عن ثمانين سنة ونيف.(11/40)
59 - هبة الله بْن محمد بْن بديع، الوزير أبو النّجْم الإصْبهانيّ. [المتوفى: 502 هـ]
سَمِعَ: أَبَاهُ، وأبا طاهر بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وإبراهيم سِبْط بحرُوَيْه، وغيرهم، وانتقى عَليْهِ الحافظ أحمد بْن محمد بْن شِيرَوَيْه.
روى عَنْهُ: أبو نصر اليُونَارتيّ، وأبو مسعود عَبْد الجليل كُوتاه، وأبو طاهر السّلَفيّ، وقدم دمشق، ووَزَرَ بحلب لرضوان بْن تُتُش، ثمّ استوزره طُغتِكين [ص:41] أتابك مدّة، ثمّ صادره في هذا العام، وخُنِق، وأُلقيَ في جُبّ بقلعة دمشق.
وكان مولده في سنة ست وثلاثين وأربعمائة.(11/40)
60 - يحيى بْن عليّ بْن مُحَمَّد بْن الْحُسن بْن بِسطام، أبو زكريّا الشَّيْبانيّ، التّبْرِيزيّ، الخطيب، اللُّغَويّ، [المتوفى: 502 هـ]
أحد الأعلام في علم اللّسان.
رحل إلى الشّام، وقرأ اللّغة والأدب عَلَى أَبِي العلاء بْن سليمان بالمَعَرَّة، وعلى عُبَيْد الله بن علي الرقي، وأبي محمد ابن الدّهّان اللُّغويّ، وسمع بصور مِن سُلَيْم بْن أيّوب الفقيه، ومن عَبْد الكريم بْن محمد السياري، وسمع كتبًا عديدة أدبيه من أبي بكر الخطيب، ومن أبي غالب ابن الخالة بواسط، ومن ابن برهان، وأقام بدمشق مدّة، ثمّ سكن بغداد وأقرأ بها اللُّغة.
روى عنه: أبو منصور موهوب ابن الجواليقيّ، وابن ناصر الحافظ، وسعْد الخير الأندلسيّ، وأبو طاهر السّلَفيّ، وأبو طاهر محمد بْن أَبِي بَكْر السّنْجيّ، وقد روى عَنْهُ شيخه الخطيب في تصانيفه.
وكان موثَّقًا في اللغة ونَقْلها، تخرَّج عَليْهِ خلْق، وصنَّف: شرح الحماسة، وشرح ديوان المتنبيّ، وشرح سقط الزَّنْد، وشرح السَّبْع قصائد المعلَّقات، وكتاب تهذيب غريب الحديث. وكانت لَهُ نسخة بتهذيب اللُّغة للأزهريّ فحمله في مِخْلاةٍ عَلَى ظهره مِن تِبْريز إلى المَعَرَّة. ودخل إلى مصر أيضًا، وأخذ عَنْ أَبِي الحَسَن طاهر بْن بابْشَاذ، وغيره.
ومن شِعْره:
خليلّي ما أحلى صُبُوحي بدجلةٍ ... وأطْيبُ منه بالصُّراة غُبُوقي
شربتُ عَلَى الماءين مِن ماء كَرْمةٍ ... فكانا كدُرّ ذائبٍ وعقيق
عَلَى قَمَري أفقٍ وأرض تَقَابلا ... فمن شائق حُلْو الهوى ومَشُوقِ
فما زلت أسقيه وأشرب رِيقَه ... وما زال يسقيني ويشرب ريقي
وقلت لبدر التّمّ تعرفُ ذا الفتى ... فقال نعم هذا أخي وشقيقي
ومما رواه عَنْ شيخه ابن نحرير مِن شِعْره:
يا نساء الحيّ مِن مُضَر ... إنّ سَلْمى ضرة القمر [ص:42]
إنّ سلمى لَا فُجِعْتُ بها ... أسلمتْ طَرْفي إلى السَّهَر
فهي إنْ صدّتْ وإنْ وصلتْ ... مهجتي منها على خطر
وبياض الثغر أسكنها ... في سواد القلب والبصرِ
كَانَ أبو زكريّا يُقرئ الأدب بالنّظامية.
وقال أبو منصور محمد بْن عَبْد المُلْك بْن خيرون: ما كانْ بَمْرضيّ الطّريقة، وذكر منه أشياء، تُوُفّي في جمادى الآخرة لليلتين بقيتا منه، وعاش إحدى وثمانين سنة.
وقال ابن نقطة: ثقة في علمه، مخلط في دينه، ولعبة بلسانه، وقيل: إنّه تاب مِن ذَلِكَ.
وقال ابن ناصر، عَنْ أَبِي زكريّا: التّبْريزيّ، بكسر التّاء.(11/41)
61 - يحيى بْن المفرّج، أبو الحُسَيْن اللَّخْميّ، المقدسي، الفقيه، الشافعي، [المتوفى: 502 هـ]
قاضي الإسكندريّة.
تفقَّه عَلَى الفقيه نصر المقدسيّ، وحدَّث عنه.(11/42)
-سنة ثلاث وخمسمائة(11/43)
62 - أحمد بْن إبراهيم بْن محمد، الدّيَنَوريّ، ثمّ الدّمشقيّ. [المتوفى: 503 هـ]
سَمِعَ: رشأ بْن نظيف، وأبا عثمان الصّابونيّ، وجماعة، سَمِعَ منه: أبو محمد بْن صابر.(11/43)
63 - أحمد بْن عليّ بْن أحمد، أبو بكر ابن العلبي، الحَنْبليّ، العَبْد الصّالح. [المتوفى: 503 هـ]
كَانَ أحد المشهورين بالصّلاح والزُّهْد، وإجابة الدّعوة، وظهر لَهُ قبولٌ زائد، تفقَّه عَلَى القاضي أَبِي يَعْلَى، وحدَّث عَنْهُ بشيءٍ يسير، روى عَنْهُ: عليّ بْن المبارك ابن الصُّوفيّ، وابن ناصر، وأبو طاهر محمد بْن أَبِي بَكْر السّنْجيّ.
وكان في صباه يعمل في صنعة الجصّ والإسفيذاج، ويتنزّهُ عَنِ التّصوير، وورث مِن أَبِيهِ عقارًا، فكان يبيع منه شيئًا بعد شيء، ويتقوَّت بِهِ.
حجَّ في هذا العام، وتُوُفّي عشيّة عَرَفة بعَرَفَة مُحْرِمًا، فَحُمِل إلى مكّة، وطيف بِهِ، ودُفِن عند قبر الفُضَيْل بْن عياض. وقيل: كان إذا حج يجيء إلى قبر الفُضَيْل، ويخطّ بعصاه، ويقول: يا رب ها هنا، يا رب هنا هنا، فأتّفق أنّه مات ودُفن عنده، رحمهما الله.
وروى عَنْهُ السّلَفيّ، وقال: كَانَ مِن زُهّاد بغداد، ومن القوّالين بالحقّ، والنّاهين عَنِ المنكر.(11/43)
64 - أحمد بْن المظفَّر بْن الحُسَيْن بْن عَبْد الله بْن سُوسَن، أبو بَكْر البغداديّ، التّمّار. [المتوفى: 503 هـ]
حدَّث عَنْ: أَبِي عليّ بْن شاذان، وأبي القاسم الحرفي، وأبي القاسم بن بشران، روى عنه: إسماعيل ابن السمرقندي، وعبد الوهاب الأنماطي، وابن سلفة، وابن شاكر، وآخرون.
وكان ضعيفًا.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ يُلحق سماعاته في الأجزاء، قاله شجاع الذُّهْليّ. [ص:44]
تُوُفّي في صَفَر، وله اثنتان وتسعون سنة.
وقال عَبْد الوهاب الأنْماطيّ: هُوَ شيخ مقارِب.(11/43)
65 - أحمد بن هبة الله بن محمد ابن المهتدي بالله، الخطيب، أبو تمّام ابن الغريق، الهاشميّ، البغداديّ. [المتوفى: 503 هـ]
سمع: جَدَّه القاضي أبا الحُسَيْن محمد بْن عليّ، وحدَّث، وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة، وكان مِن كبار المعدّلين، روى عَنْهُ السّلَفيّ.(11/44)
66 - إسماعيل بْن إبراهيم بْن العبّاس، أَبُو الفضل الحسيني، [المتوفى: 503 هـ]
أخو أَبِي الْقَاسِم النسيب.
كَانَ إمامًا كبير القدر، ولي قضاء دمشق وخطابتها بعد والده، وسمع: أبا الحُسَيْن أحمد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أبي نصر التّميميّ، سَمِعَ منه: أبو محمد بْن صابر.
وتُوُفّي في صفر عن ثلاث وثمانين سنة.(11/44)
67 - حمْد بْن الفضل بْن محمد، الإصبهانيّ، الخوّاص، أبو محمد. [المتوفى: 503 هـ]
تُوُفّي في ذي الحجة، وصلّى عَليْهِ القاضي أبو زُرْعة، واجتمع لجنازته خلْق كثير.(11/44)
68 - عبيد الله بن عمر ابن البقّال، أبو الكَرَم المقرئ، البغداديّ. [المتوفى: 503 هـ]
سَمِعَ: الحَسَن ابن المقتدر، وابن غَيْلان، وأبا طاهر محمد بْن عليّ العلّاف، روى عَنْهُ: عَبْد الوهّاب الأنْماطيّ، وأبو بكر ابن النقور.
وتوفي في ذي القِعْدة وله سبْعٌ وسبعون سنة.(11/44)
69 - عليّ بْن محمد بْن الحبيب بْن شمّاخ، أبو الحَسَن الغافقيّ، [المتوفى: 503 هـ]
مِن أهل مدينة غافق بالأندلس.
روى عَنْ: أبيه، والقاضي أبي عَبْد الله ابن السقاط، وكان مِن أهل المعرفة والنُّبْل والذّكاء، وُلّي قضاء بلده مدّة، وحُمِدت سيرته.(11/44)
70 - عُمَر بْن عَبْد الكريم بْن سَعْدُوَيْه بْن مهمت، أبو الفتيان الدّهسْتانيّ، الرَّوَّاسيّ، الحافظ، الرّحّال. [المتوفى: 503 هـ]
رحل إلى خُرَاسان، والعراق، والحجاز، والشّام، ومصر، والسّواحل.
وكأن أحد الحُفّاظ المبرّزين، حسن السّيرة، جميل الأمر، كتب ما لَا يوصف كثرةً.
وسمع: أبا عثمان الصّابونيّ، وأبا حفص بْن مسرور، وأبا الحُسَيْن عَبْد الغافر الفارسيّ، وطائفة، وببغداد: أبا يعلى ابن الفرّاء، وابن الَّنُّقور، وبمَرْو، ومصر، وسمع بِدِهِسْتان، أبا مسعود البَجَليّ وبه تخرَّج، وسمع بحرّان: مُبادر بْن عليّ بْن مبادر.
روى عَنْهُ: شيخه أبو بَكْر الخطيب، وأبو حامد الغزاليّ، وأبو حفص عُمَر بْن محمد الْجُرْجانيّ، ومحمد بْن عَبْد الواحد الدّقّاق، وشيخه نصر المقدسيّ الفقيه، وهبة الله ابن الأكفانيّ، وإسماعيل بْن محمد التَّيْميّ الحافظ، ومحمد بن الحسن الْجُوَيْنيّ، وآخرون، والسّلَفيّ بالإجازة، ودخل طوس في آخر عمره، وصحَّح عَليْهِ أبو حامد الغزاليّ الصّحيحين، ثمّ خرجَ مِن طوس إلى مَرْو قاصدًا إلى الإمام أَبِي بَكْر السمعاني باستدعائه إيّاه، فأدركته المَنِيّة بسرخس، فتُوُفّي في ربيع الآخر كما هُوَ مؤرَّخ عَلَى بلاطة قبره.
قَالَ أبو جعفر محمد بْن أبي عليّ الهَمَذَانيّ الحافظ: ما رَأَيْت في تِلْكَ الدّيار أحفظ منه، لَا بل في الدّيار كلّها، كان كتابًا، جوالًا دار الدنيا لطلب الحديث، لقِيتُه بمكّة، ورأيت الشّيوخ يثُنون عَليْهِ ويُحسنون القول فيه، ثمّ لقِيتُه بجُرجان، وصار من إخواننا.
وقال أبو بكر السّمعانيّ: قَالَ لي إسماعيل بْن محمد بْن الفضل بإصبهان: كَانَ عُمَر خرّيج أبي مسعود البَجَليّ، سمعته يَقُولُ: دخل أبو مسعود دِهستان، فأشترى مِن أَبِي رأسًا، ودخل المسجد يأكله، فبعثني والدي إِليْهِ، فقال لي: تعرف شيئًا؟ فقلت: لَا، فقال لوالدي: سلَّمه إليَّ، فسلّمني أبي إِليْهِ، فحملني إلى نَيْسابور، وأفادني، وانتهى أمري إلى حيث انتهى.
وقال خُزَيْمَة بْن عليّ المَرْوَزِيّ الأديب: سقطت أصابعُ عُمَر الرَّوَّاسيّ في الرحلة مِن البرد الشّديد. [ص:46]
وقال الدّقّاق في رسالته: إنّ عُمَر حدَّث بطوس بصحيح مُسْلِم مِن غير أصله، وهذا أقبح شيء عند المحدثين، وحدَّثني أنّ مولده بدهستان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وأنّه سَمِعَ منه هبة الله بْن عبد الوارث الشيرازي في سنة ست وخمسين وأربعمائة.
قال ابن نقطة في كتاب الاستدارك: سَمِعْتُ غير واحدٍ مِن أهل العِلْم يقول: أنّ أبا الفتيان سَمِعَ مِن ثلاثة آلاف وستّمائة شيخِ.
وقال الرَّوَّاسيّ: أريد أن أخرج إلى مَرْو وسرخس عَلَى الطّريق، وقد قِيلَ إنّها مقبرة العِلْم، فلا أدري كيف يكون حالي بها، قَالَ الراوي: فبَلَغَنَا أنّه تُوُفّي بها.
قَالَ ابن طاهر، وغيره: الرَّوَّاسيّ نسبة إلى بيع الرؤوس.
وقال ابن ماكولا: كتب الرَّوَّاسيّ عني، وكتبت عَنْهُ، ووجدته ذكيّا.
وقال السّمعانيّ: سَمِعْتُ أبا الفضل أحمد بْن محمد السّرْخَسيّ يَقُولُ: لمّا قِدم عُمَر بْن أبي الحسن الرواسي سرخس وروى بها وأملى، حضر مجلسه جماعة كثيرة، فقال: أَنَا أكتب أسماء الجماعة عَلَى الأصل بخطّي، وسأل الجماعة وأثبت، ففي المجلس الثّاني حضرت الجماعة، فأخذ القلم وكتب أسماءهم كلّهم عَنْ ظهر قلب، بحيث ما احتاج أن يسألهم، أو كما قَالَ، ثمّ سَمِعْتُ محمد بْن محمد بْن أحمد يَقُولُ: حضرت هذا المجلس، وكان الجمع اثنين وسبعين نفسًا.
وقال عبد الغافر بْن إسماعيل: عُمَر بْن أَبِي الحَسَن الرَّوَّاسيّ، مشهور، عارف بالطُّرُق، كتب الكثير، وجمع الأبواب، وصنَّف، وكان سريع الكتابة، وكان عَلَى سيرة السَّلَف، مُقِلًا، مُعيلًا، خرج مِن نَيْسابور إلى طوس، فأنزله الغزاليّ عنده وأكرمه، وقرأ عليه الصحيح، ثم شرحه.(11/45)
71 - محمد بْن أَبِي عَبْد الله محمد بْن محمد بْن أحمد بْن سَنْدَة، الإصبهانيّ، المطرّز، أبو سعْد، [المتوفى: 503 هـ]
خازن الرئيس أَبِي عَبْد الله. [ص:47]
سَمِعَ: الحُسَيْن بْن إبراهيم الجمّال، وأبا نُعَيْم، أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه الحافظ، وأبا عليّ بْن يزداد غلام محسّن، وأبا الحَسَن بْن عَبدكَويْه، ومحمد بْن عبد الله العطّار، كنيته أبو سعْد.
وُلِد في ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة وأربعمائة.
روى عنه: أبو طاهر السلفي، وسعد الخير الأندلسي، وأبو طاهر محمد بن محمد السّنْجيّ، وجماعة مِن الإصبهانيّين.
وروى عنه حضورًا: الحافظ أبو موسى المَدِينيّ، وقال: تُوُفّي في الثّاني والعشرين من شوّال سنة ثلاثٍ، وهو أول من حضرت عنده للسّماع.
قَالَ السّمعانيّ: ثقة، صالح.
وقال السّلَفيّ في معجمه: كاتب، رئيس في الفضل عَلَى غاية مِن الجلالة، قرأنا عليه عن غلام محسّن، وابن مُصْعَب، وجماعة، وقرأتُ عَليْهِ القرآن عن أبي بكر ابن البقار المقرئ صاحب أَبِي عليّ بْن حَبَش، وغيره، خرَّج لَهُ غانم بْن محمد الحافظ خمسة أجزاء، سمعناها.(11/46)
72 - محمد بْن عبد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن، أبو بكر الْقُرَشِيّ، الزُّهْرِيّ، الْبُخَارِيّ. [المتوفى: 503 هـ]
كَانَ فقيهًا، صالحًا، مُسِنًا، خيّرًا، سمّعه أَبُوهُ مِن جماعة مِن المتقدّمين، وعُمَّر حتّى حدَّث وأملى، وتوفي في رجب، وله ثمانون سنة.(11/47)
73 - محمد بْن عليّ بْن محمد، أبو عَبْد الله الطُّلَيْطُليّ. [المتوفى: 503 هـ]
سَمِعَ مِن: عَبْد الرَّحْمَن بْن سَلَمَة، وقاسم بْن هلال، وأبي الوليد الباجي، وولي خطابة فاس، ثمّ سَبْتَة، وكان أعمى، صالحًا.
تُوُفّي خطيبًا بسَبْتَة في المحرَّم.(11/47)
74 - محمد بْن عَبْد العزيز ابن السّنْدِوانيّ، أَبُو طاهر البَغْدَادِيّ. [المتوفى: 503 هـ]
شيخ صالح من أهل نهر الدجاج، حدَّث عَنْ: أَبِي الحَسَن القَزْوينيّ، وأبي إِسْحَاق البرمكيّ، روى عَنْهُ: أبو طالب بن خضير، وتوفي في ربيع الأول.(11/47)
75 - المحسد بْن محمد بْن أحمد بْن الحُسَيْن، أبو طاهر الإسكاف، الإصبهانيّ. [المتوفى: 503 هـ]
حدَّث بالمعجم الكبير للطّبَرانيّ، عن: أَبِي الحُسَيْن بْن فاذشاه.
قَالَ مَعْمَر، وغيره: مات في ربيع الآخر.(11/48)
76 - هِبَةُ الله بْن محمد بْن عليّ، أبو المعالي الكرماني، ويعرف بابن المطلب الوزير. [المتوفى: 503 هـ]
ولي الوزارة للخليفة مدة، وسمع من: أبي الحسين ابن المهتدي بالله، وما كأنّه حدَّث.
وُلِد سنة أربعين وأربعمائة، وتوفي في ثاني شوّال.
وكان كاتبًا مجيدًا حاسبًا بارعًا، تفرَّد في زمانه بعلم الديوان والتَّصَرُّف، ومدة وزارته سنتان وأربعة أشهر، وكان ذا بر ومعروف وجلالة.(11/48)
-سنة أربع وخمسمائة(11/49)
77 - أحمد بْن أَبِي الفتح عَبْد الله بْن محمد بْن أحمد بْن القاسم، أبو العبّاس الإصبهانيّ، الخِرَقيّ. [المتوفى: 504 هـ]
سَمِعَ: ابن رِيذة، وأبا القاسم بْن أَبِي بَكْر الذَّكْوانيّ، ومحمد بْن أحمد بْن عَبْد الرحيم الكاتب، وغيرهم، روى عنه: ابنه أبو الفتح عَبْد الله، والحافظ أبو موسى المَدِينيّ، وجماعة.
تُوُفّي في السّابع والعشرين من ذي القعدة، نعم، وروى عَنْهُ السّلَفيّ، وجماعة مِن شيوخ ابن اللّتّيّ الّذين بالإجازة، وخرق: موضع بإصبهان.
قَالَ السلفي: كَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ببغداد مِن أَبِي عليّ بْن شاذان مَعَ سليمان الحافظ.(11/49)
78 - أَحْمَد بْن محمد بْن محمد بْن عَبْد الله، أبو المكارم ابن السُّكّري، الكاتب، البغداديّ. [المتوفى: 504 هـ]
سَمِعَ: الحَسَن بْن المقتدر بالله، روى عنه: عبد الوهاب الأنماطي، والسّلَفيّ.(11/49)
79 - إسماعيل بْن عَبْد الغافر بْن محمد بْن عَبْد الغافر بْن أحمد، أبو عَبْد الله ابن الشّيخ أَبِي الحُسَيْن الفارسي، ثمّ النَّيْسابوريّ، [المتوفى: 504 هـ]
زوج بِنْت القُشَيْريّ.
سَمِعَ في صباه من: أبي حسان محمد بن أحمد المزكي، وأبا سعد عبد الرحمن بن حمدان النصرويي، وأحمد بْن محمد بْن الحارث النَّحْويّ، [ص:50] ومحمد بْن عَبْد العزيز النّيْليّ، ورحل سنة ثلاثٍ وخمسين، وبقي يطوف عشر سنين في خوزستان وفارس، وكتب قريبًا مِن ألف جزء بخطّه، وسمع ببغداد: عَبْد الصّمد بْن المأمون، وقبله أبا محمد الجوهريّ، وجماعة.
روى عَنْهُ: عبد الله ابن الفراوي، وعبد الخالق ابن الشّحّاميّ، وأبو شجاع عُمَر البِسْطاميّ، وأمّ سَلَمَة والحافظ عبد الغافر، والداه، وعمر ابن الصفار، وأبو بكر التفتازاني، وطائفة سواهم.
وتوفي في ذي القعدة، وكان مولده في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.
قَالَ السّمعانيّ: كَانَ فاضلًا، عالمًا، لم يفتر من السماع والتحصيل.(11/49)
80 - الحَسَن بن عليّ بن الحسن، الشَيخ أبو غالب البغدادي البزاز. [المتوفى: 504 هـ]
سمع ابن غيلان، وأبا منصور ابن الصواف، وأبا الحسن القزويني، وعنه ابن ناصر، والسلفي.
مات في جمادى الأولى، قاله شجاع الذهلي، وقيل: بل سنة ثلاث.(11/50)
81 - الحسين بن علي، أبو عبد الله ابن الحبّال، الحنبليّ، المقرئ. [المتوفى: 504 هـ]
سَمِعَ: أبا محمد الخلّال، والعشاري، مات في ذي القِعْدة.(11/50)
82 - حمزة بْن محمد بْن عليّ، أبو يَعْلَى، أخو طِراد الزَّيْنَبيّ، الهاشميّ. [المتوفى: 504 هـ]
تُوُفّي في رجب، في سادس عشره.
قَالَ السّلَفيّ: كَانَ أبو يَعْلَى جليل القدر، ولد سنة سبع وأربعمائة، وروى لنا عن أَبِي العلاء الواسطيّ، وأبي محمد الخلّال، وذكر لي أنّه قرأ الفصيح عَلَى عليّ بْن عيسى الرَّبَعيّ.
قلت: وكذا ورّخ ابن السّمعانيّ مولده، ولو أنّ حمزة سُمّع في صغره مثل أخيه طِراد، لسَمِعَ مِن أَبِي الحُسَيْن بْن بِشْران، وهلال الحفّار، ولصار مُسْنَد الدُّنيا في عصره، وأنا أتعجّب كيف لم يسمّعوه؟
قَالَ السّلَفيّ: قَالَ لي أبو يَعْلَى: قد سَمِعْتُ عَلَى القاضي أبا الحُسَيْن التَّوَّزيّ، وأبي الحسن بن قشيش المالكي، وعول الوزير ابن أَبِي الرّيّان عَلَى [ص:51] حملي إلى أبي الحسن ابن الحمّاميّ المقرئ، فلم يتّفق ذَلِكَ، ولا سَمِعْتُ منه.
قلت: عاش سبعًا وتسعين سنة.(11/50)
83 - عَبْد الغفّار بْن عَبْد المُلْك بْن عَبْد الغفار، أبو منصور ابن البصْريّ الأديب. [المتوفى: 504 هـ]
مِن شيوخ هَمَذَان، ثقة صدوق، لَهُ رحلة إلى بغداد، سَمِعَ مِن: أَبِي الحسين ابن الَّنُّقور، وطبقته، تُوُفّي في رجب، وقد روى اليسير.(11/51)
84 - عَبْد المنعم بْن عليّ بْن أحمد بْن الغَمْر، أبو القاسم الكِلابيّ، الدّمشقيّ، الورّاق، المعروف بالمُدَيد. [المتوفى: 504 هـ]
سَمِعَ: أبا عَبْد الله بْن سلْوان، وأبا القاسم بْن الفُرات، وأبا عليّ الأهوازي، ورشأ بْن نظيف، وأبا الحُسَيْن بْن أَبِي نصر، وجماعة، روى عَنْهُ: الصّائن هبة الله بْن عساكر، وأبو المعالي بْن صابر، وغيرهما.
وكان مولده في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وأوّل سماعه بعد الأربعين، وتوفي في ثامن ذي القِعْدة، فذكر ابن الأكفانيّ أنّه نزل في بركة حمّام حارّة فمات.(11/51)
85 - عَبْد الوهاب بْن هبة الله بْن عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّدِ بْن عَلِيِّ، أبو الفَرَج السّيِبيّ، ثمّ البغداديّ. [المتوفى: 504 هـ]
كَانَ يعرف النَّحْو واللُّغة، وأدّب أولاد الخليفة، سَمِعَ: أبا محمد الصَّريْفينيّ.
تُوُفّي في المحرَّم، وقد جاوز الثّمانين، في طريق الحجّ، ودفن بالمدينة النبوية.(11/51)
86 - عليّ بْن الحُسَيْن بْن المبارك، أبو الحَسَن، [المتوفى: 504 هـ]
ابن أخت المَزْرَفيّ، إمام مسجد درب السّلْسلة.
كَانَ إمامًا فاضلًا، حسن الإقراء، ختم عَليْهِ خلْق، وكان قد قرأ عَلَى: أَبِي بَكْر الخياط، وأبي علي ابن البناء، وغيرهما. [ص:52]
قرأ عَليْهِ القرآن سعْد الله الدّقّاق، وقال: كَانَ أوحد عصره في حُسن الأداء، والقراءة الحَسَنة، والنَّغَمة الطّيّبة، وما كَانَ لسانه يفتر عَنْ ذِكر الموت، تُوُفّي في ربيع الآخر.(11/51)