فقال: أخرجوني أسأل، فدفع إلى الحارث بن مالك الجهضمي يطوف به، وكان مغفّلا، فانتهى إلى دار لها بابان، فقال له يوسف: دعني أدخل هذه الدار، فإن فيها عمّة لي أسألها، فأذن له، فدخل، وخرج من الباب الآخر، وهرب، وذلك في خلافة سليمان بن عبد الملك «1» .
قال خليفة «2» :
ولى هشام اليمن يوسف بن عمر الثّقفيّ، فقدمها لثلاث بقين من شهر رمضان سنة ست ومائة، فلم يزل واليا حتى كتب إليه في سنة عشرين ومائة بولايته على العراق، [فسار] «3» واستخلف ابنه الصلت بن يوسف، ثم ولاها أخاه القاسم بن عمر، فلم يزل واليا حتى مات هشام.
قال «4» : وجمع هشام العراق ليوسف بن عمر الثّقفيّ سنة عشرين ومائة.
قال الليث «5» :
في سنة عشرين ومائة نزع خالد بن عبد الله القسري وأمّر يوسف بن عمر على أهل العراق.
قال ابن عياش في تسمية من ولي العراق وجمع له المصران: يوسف بن عمر.
قال الأصمعي:
ثم قام يزيد بن عبد الملك، فعزل يوسف، وولّى منصور بن جمهور. قال البخاري:
كانت ولاية يوسف بن عمر سنة إحدى وعشرين ومائة إلى سنة أربع وعشرين ومائة.
قال عبد الله بن صالح العجلي: أخبرنا الحكم بن عوانة الكلبي عن أبيه قال «6» :(74/248)
لم يؤيد الملك بمثل كلب، ولم تقل «1» المنابر بمثل قريش، ولم تطلب الترات بمثل تميم، ولم ترع الرعاية بمثل ثقيف، ولم تسدّ الثغور بمثل قيس، ولم تهج الفتن بمثل ربيعة، ولم يجب الخراج بمثل اليمن.
قال العتبي: حدّثني رجل من قريش قدم علينا الكوفة يكنى أبا عمرو الأموي قال:
سمعت يوسف بن عمر يقول في خطبته «2» : اتّقوا الله عباد الله، فكم من مؤمّل ما لا يبلغه، وجامع ما لا يأكله، ومانع ما سوف يتركه. ولعلّ من باطل جمعه، ومن حقّ منعه، أصابه حراما، وورّثه عدوّا، واحتمل إصره «3» ، وباء بوزره، وقدم على ربّه أسفا قد خسر الدنيا والآخرة.
قال ابن أبي خيثمة حدّثنا محمّد بن يزيد هو الرفاعي قال: سمعت أبا بكر بن عياش يقول:
بعث يوسف بن عمر إلى ابن أبي ليلى «4» يستقضيه على الكوفة، وكانوا لا يولون على القضاء إلّا عربيا، فقال: عربي أو مولى؟ فقال: أصابتنا يد في الجاهلية، فقال: لو كذبتني في نفسك صدقتك في غيرك، لم تزل العرب يصيبها هذا في الجاهلية، فقد وليتك القضاء بين أهل الكوفة، وأجريت عليك مائة درهم في الشهر «5» ، فاجلس لهم بالغداة والعشي، فإنما أنت أمين «6» للمسلمين.
قال الأصمعي «7» :
قال يوسف بن عمر لأعرابي «8» ولاه عملا: يا عدوّ الله، أكلت مال الله! فقال له: فمال من آكل منذ خلقت إلى الساعة؟ والله لو سألت الشيطان درهما واحدا ما أعطانيه!(74/249)
عن خالد بن سعيد قال:
جاءت امرأة إلى يوسف بن عمر الثّقفيّ، فقالت: إن ابنا لي يعقّني، قال: ويفعل ذلك؟
قالت: نعم. فقال لحرسيين على رأسه: انطلقا معها حتى تأتيا به. فخرجا معها. فقيل للمرأة: ويحك! أهلكت ابنك، إن الأمير يقتله. وندموا على ما فعلت. فلقيت عباديا أشقر أزرق، فقالت للحرسيين: خذاه، فإنه ابني! فأخذا بضبعيه «1» ، فقالا: يا عدو الله، أجب الأمير، قال: بأي جرم؟ قالا: تعقّ أمك، قال: إنها ليست لي بأمّ، فقالا: كذبت. وأدخلاه على يوسف، فلمّا نظر إلي قال: شقّا عنه. وضربه مئة سوط، ثم قال: لا تخرج بها إلّا على عنقك. فحمل المرأة على عنقه، فخرج بها، فلقيه عبادي آخر، وهيعلى عنقه، فقال:
فلان، ما هذه ويلك! قال: هذه أمي رزقنيها السلطان. وخشيت المرأة أن يفطن بها، فنزلت، وانسلّت، ومضى العبادي بأسوأ ما يكون من الحال.
قال المدائني «2» :
ثم قدم يوسف بن عمر على العراق، فكان يطعم كل يوم على خمسمائة خوان «3» ، وكانت مائدته وأقصى الموائد سواء، يتعهد ذلك ويتفقّده «4» . وكان طعامه ألوانا وشواء، وكانت فرنية «5» وأزره، فرأى يوما فرنية «6» قد ذهب عنها السكر، فقال سكر، فلم يمكن، فضرب صاحب الطعام ثلاثمائة سوط والناس يأكلون، فكانوا بعد ذلك معهم خرائط فيها سكر مدقوق، فكلما نفد سكر عن صحنه نثروا عليها.
وكان يغشى بعد العصر، فيحضر الشامي والعراقي، لا يردعه أحد «7» .
قال: وقال بشر بن عيسى: حدّثني أبي قال «8» :(74/250)
ازدحم الناس عشية في دار يوسف، وهم يتعشون، فدفع رجل من أهل الشام «1» رجلا بقائم سيفه. ورآه يوسف فضربه مائتين، وقال: يابن اللخناء، تدفع الناس عن طعامي!؟
قال «2» : ودخل عبد أسود مقيّد دار يوسف، والناس يأكلون، فدفعه رجل، ونظر إليه يوسف، فصاح به: دعه «3» . فجلس يأكل مع الناس. ودعا بالأسود حين فرغوا، فأمر بحلّ قيده، وأمر رجلا أن يشتريه، وقال للأسود: إن باعك مولاك فأنت لنا، وإن لم يرد بيعك فاحضر طعامنا كلّ يوم. وانطلق الرجل مع المقيّد، فاشتراه، فأعتقه يوسف.
وقال الحجاج:
حضرت طعام يوسف، فكنت أعتذر، فقال: يا حجاج، كل كما تأكل الرجال، قلت:
إنّ غلامي جاءني بحبارى «4» قد صاده، فأكلت منه، فقال للحاجب: لا أرى وجهه! فحجبت. وكلّمت غير واحد ليشفع لي، فلم أكلّم أحدا إلّا قال: لا أتعرّض ليوسف. فرفعت قصّة، وقعدت في أصحاب الحوائج، فلمّا دنوت قال: ما فعل الحبارى؟ قلت: لا آكل حبارى أبدا. فقال للحاجب: أعده كما كان. قال: فكنت أتجوّع، وأحضر طعامه، فإذا رآني آكل ضحك.
قال وهب بن جرير «5» حدّثنا حيان بن زهير، أبو زهير العدوي، حدّثنا أبو الصيداء صالح بن طريف قال:
لمّا قدم يوسف بن عمر العراق، فأتاهم خبره بخراسان، بكى أبو الصّيداء صالح بن طريف، فاشتد بكاؤه، وقال: هذا الخبيث، شهدته ضرب وهب بن منبّه حتّى قتله.
قال محمّد بن جرير «6» : قيل إنّ يزيد بن الوليد دعا مسلم بن ذكوان، ومحمّد بن سعيد بن مطرّف الكلبي،(74/251)
فقال لهما: إنه بلغني أنّ الفاسق يوسف بن عمر قد صار إلى البلقاء، فانطلقا فأتياني به.
فطلباه فلم يجداه، فرهّبا ابنا له، فقال: أنا أدلكما عليه، إنّه انطلق إلى مزرعة له على ثلاثين ميلا، فأخذا معهما خمسين رجلا من جند البلقاء، فوجداه «1» . وكان جالسا، فلما أحسّ بهم هرب وترك بغلته «2» ، ففتّشا، فوجدا نسوة «3» ألقين عليه قطيفة خزّ، وجلسن على حواشيها حاسرات، فجروا برجله، فجعل يطلب إلى محمّد بن سعيد أن يرضي عنه كلبا، ويدفع إليه عشرة آلاف دينار، ودية كلثوم بن عمير، وهانىء بن بسر «4» . فأقبلا به إلى يزيد، فلقيه عامل لسليمان على نوبة من نوائب الحرس، فأخذ بلحيته، فهزّها، ونتف بعضها- وكان من أعظم الناس لحية، وأصغرهم قامة فأدخلاه على يزيد، فقبض على لحية نفسه- وإنها حينئذ لتجوز سرّته- وجعل يقول: نتف والله، يا أمير المؤمنين، لحيتي، فما بقي منها «5» شعرة. فأمر به يزيد، فحبس في الخضراء، فدخل عليه محمّد بن راشد، فقال: أما تخاف أن يطلع عليك بعض من قد وترت، فيلقي عليك حجرا، فيقتلك؟ قال: لا والله، ما فطنت لهذا، فنشدتك الله ألا كلمت أمير المؤمنين في تحويلي إلى محبس «6» غير هذا، وإن كان أضيق منه. فأخبرت يزيد، فقال: ما غاب عنك من حمقه أكثر، وما حبسته إلّا لأوجه به إلى العراق، فيقام للناس «7» ، وتؤخذ المظالم من ماله، ودمه.
قال محمّد بن جرير «8» ، فحدّثني أحمد بن زهير، حدّثنا عبد الوهّاب بن إبراهيم حدّثنا [أبو] «9» هاشم مخلد بن محمّد قال:
أرسل يزيد بن خالد القسري مولى لخالد يكنى أبا الأسد في عدة من أصحابه، فدخل(74/252)
السجن، فأخرج يوسف بن عمر، فضرب عنقه. وذكر أن ذلك كان في سنة سبع وعشرين ومائة.
قال خليفة:
وهو ابن نيف وستين سنة «1» .
[10198] يوسف بن عمرو الشّعيثي ثم النّصري، من بني نصر بن معاوية رهط أبي زرعة شاعر له ذكر في حرب أبي الهيذام.
ذكره أبو الحسين الرازي فيما أفاده بعض أهل دمشق عن أبيه عن جده وبعض أهل بيته من المربين.
قال: وقال يوسف بن عمرو الشّعيثي- من بني نصر بن معاوية-:
إذا خطرت هوازن عن يميني وذبيان الغطارف «2» عن يساري
وناديت القبائل من معدّ رأيت الأرض ترجف من حذاري
وأعطتني المقادة كلّ أرض على قسر وذلّت لاقتساري
وما ركب المطايا عن عريب كهذا الحيّ، فاعلم، من نزار
وقال:
يا قيس عيلان بني الأحماس وعصمة الناس غداة الباس
كواشر الأنياب والأضراس كشر الأسود في وجوه الناس
__________
[10198] الشعيثي بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وسكون الياء المنقوطة بنقطتين من تحتها. هذه النسبة إلى شعيث، بطن من بلعنبر بن عمرو بن تميم. (الأنساب) . ونصر بن معاوية بن بكر بن هوزان بن مالك بن عوف (الأنساب) .(74/253)
[10199] يوسف بن القاسم بن يوسف ابن فارس بن سوار أبو بكر الميانجي الشافعي الفقيه
قاضي دمشق، ولي القضاء بها نيابة عن القاضي أبي الحسن علي بن النعمان «1» ، قاضي نزار الملقب بالعزيز، وكان بينه وبين أبي عبد الله محمّد بن الوليد القاضي منازعات في ولاية القضاء، وكان شيوخ المدينة يميلون مع الميانجي، والأحداث يميلون مع ابن الوليد.
روى عن أبي خليفة، وأبي يعلى الموصلي، وزكريا بن يحيى الساجي، وعبدان الجواليقي، ومحمّد بن إسحاق السراج، ومحمّد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمّد بن الحسن بن قتيبة، ومحمّد بن جرير الطبري، والقاسم بن زكريا المطرز، ومحمّد بن محمّد الباغندي، وأبي القاسم البغوي، وأبي محمّد بن صاعد، وأبي بكر بن أبي داود، وأبي عروبة الحراني، وخلق سواهم.
ورحل رحلة واسعة.
روى عن ابن أخيه أبو مسعود صالح بن أحمد بن القاسم، وأبو سليمان بن زبر، وهو من أقرانه، وعبد الوهّاب الكلابي، وأبو الحسن بن عوف، ومكي بن محمّد بن الغمر، وعبد الوهّاب الميداني، وعبد الرّحمن بن عمر بن نصر، وأبو نصر بن الجنيدي، وتمام بن محمّد، وأبو نصر ابن الجبّان، وأبو علي وأبو الحسين ابنا أبي نصر، وأبو بكر ابن الطيان وغيرهم.
[كان الميانجي مسند الشام في وقته] «2» . قال عبد العزيز الكتاني: وكان ثقة نبيلا، حدّثنا عنه عدة فوق الأربعين «3» .
توفي في شعبان سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، ومولده قبل التسعين والمائتين. وكان ثقة نبيلا مأمونا. انتقى عليه عبد الغني بن سعيد المصري الحافظ.
__________
[10199] ترجمته في الأنساب (5/425) ومعجم البلدان 5/238، واللباب 3/278 والعبر 2/372 وسير أعلام النبلاء 16/361 وتاريخ الإسلام (351- 380) ص 584 وشذرات الذهب 3/86 والنجوم الزاهرة 4/148 وتذكرة الحفاظ 3/971. الميانجي: بفتح الميم والياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح النون هذه النسبة إلى موضعين، الأول منسوب إلى موضع بالشام (الأنساب) ومعجم البلدان المصدر نفسه.(74/254)
[10200] يوسف بن محمّد بن عروة بن محمّد ابن عطية- ويقال: يوسف بن عروة- السّعدي
من أهل دمشق. كان واليا ببعلبك. ثم ولاه مروان بن محمّد مكة والمدينة والطائف.
ذكره سعيد بن كثير بن عفير، وقد تقدم «1» .
[10201] يوسف بن محمّد بن مقلد بن عيسى أبو الحجاج التّنوخي، المعروف بابن الجماهري وتكنى بعد أبا الفتح، ويعرف بابن بنت الدوانيقي
سمع معنا من بعض شيوخنا بدمشق أبي محمّد ابن الأكفاني، وأبوي الحسن الفقيهين «2» ، وأبي الفتح الفقيه، وعبد الكريم بن حمزة وطاهر بن سهل وغيرهم. ثم رحل إلى بغداد وأنا بها فسمع من أبي القاسم بن الحصين وأبي بكر الأنصاري، وأبي غالب بن البنا وجماعة سواهم، وتفقه بالمدرسة النظامية على الشيخ أبي منصور بن الرزاز، واستوطن بغداد، وتصوّف وصحب الشيخ أبا النجيب «3» ، وكان يناظر في مسائل الخلاف، ويعقد المجلس للتذكير، ويتردد من بغداد إلىالموصل للوعظ. ثم رجع إلى دمشق في آخر عمره، وهو مريض بعلة الاستسقاء، فعدته في المنزل الذي كان فيه، فقرأ لابني أبي الفتح ثلاثة أحاديث من حفظه.
وقال لنا في مرضه الذي مات فيه: أنا أبرأ إلى الله من اعتقاد التشبيه وأدين بالتنزيه، ولا.... «4» غير أني لدى ترك الخوض في ذلك طلبا للسلامة ومات في صفر سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وأنشد شعرا لنفسه «5» .
__________
[10201] الدوانيقي كذا في مختصر أبي شامة، وفي مختصر ابن منظور: الدونقي.(74/255)
[10202] يوسف بن محمّد بن أبي منصور أبو الهيثم الأستراباذي المقرىء
قدم دمشق وحدّث بها وبصور.
عن أبي الحسن بن الطفال النيسابوري، وأبي عبد الله شعيب بن أحمد بن المنهال المصري، وأبي عمرو عثمان بن أبي بكر بن حمود السفاقسي، وأبي العباس إسماعيل بن عبد الرّحمن بن النحاس.
روى عنه عبد العزيز الكتاني، وأبو الفتح نصر بن إبراهيم.
[10203] يوسف بن محمّد بن يوسف الثقفي
ابن أخي الحجاج بن يوسف. كان خال الوليد بن يزيد «1» ، فلمّا أفضى الأمر إليه ولّاه مكّة، والمدينة والطائف سنة خمس وعشرين ومائة. وحج بالناس في هذه السنة «2» .
قال خليفة «3» :
كتب الوليد إلى محمّد «4» بن هشام بن إسماعيل، وهو والي مكة لهشام بن عبد الملك، فقدم عليه، واستخلف على المدينة محمّد بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم. فعزله الوليد، وجمعها ليوسف بن محمّد بن يوسف مع مكة والطائف حتى قتل الوليد.
__________
[10203] انظر أخباره في البداية والنهاية 6/507 وتاريخ خليفة (الفهارس) وتاريخ الطبري (حوادث سنة 125) .(74/256)
قال أبو بكر بن عياش:
وحج بالناس يوسف بن محمّد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي سنة خمس وعشرين ومئة «1» .
قال يعقوب بن سفيان «2» :
فلمّا ثارت الفتنة، وبايع أهل الآفاق ليزيد بن الوليد نزع يوسف بن محمّد عن المدينة، فاستعمل عليها عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان «3» . وقد قيل: افتعل كتابا فولي المدينة.
[10204] يوسف بن ماهك المكي الفارسي- وقيل: إنه يوسف بن مهران روى عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعائشة، وأم هانىء، وعبيد بن عمير، وحفصة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن صفوان الجمحي، وأبيه ماهك بن بهزاد، وأمه مسيكة [المكية] «4» ، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله.
روى عنه: أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، وإبراهيم بن مهاجر، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وجعفر بن سليمان الضبعي، وابن جريج، وعمرو بن مرة، وغيرهم.
قال يعقوب بن سفيان «5» : حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة حدّثنا أبو بشر أنه سمع يوسف بن ماهك يقول: رأيت ابن عمر في جنازة رافع بن خديج.
حضر وفاة عمر بن عبد العزيز، وقال:
بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا رقّ من السماء فيه
__________
[10204] ترجمته في تهذيب الكمال 20/501 وتهذيب التهذيب 6/266 وطبقات ابن سعد 5/470 والجرح والتعديل 9/229 وتاريخ خليفة (الفهارس) والمعرفة والتاريخ 1/223 وسير أعلام النبلاء 5/68 وشذرات الذهب 1/147 والتاريخ الكبير 8/375. يوسف بن مهران قال المزي: والصحيح أنه غيره.(74/257)
مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم. أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار.
قال يحيى بن معين: حدّثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني يوسف بن ماهك قال:
إني عند عائشة أم المؤمنين إذ جاء رجل، فقال لها: يا أم المؤمنين، أرني «1» مصحفك؟ قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنا نقرؤه عندنا غير مؤلف. قالت: وما يضرك أيّه قرأته قبل؟ قال: فأخرج له المصحف، فأمللت أنا عليه السور.
قال خليفة «2» : في الطبقة الثانية من أهل مكة:
يوسف بن ماهك من الأبناء. مات سنة ثلاث عشرة ومائة.
قال ابن سعد في كتابه الصغير كذلك في الطبقة الثانية من أهل مكة:
يوسف بن ماهك. قال الهيثم بن عدي توفي سنة عشر ومئة. وقال الواقدي: توفي سنة ثلاث عشرة ومئة.
وقال ابن سعد في كتابه الكبير «3» :
في الطبقة الثانية من تابعي أهل [مكة «4» :
يوسف بن ماهك، روى عن أمه واسمها مسيكة.
أخبرنا محمّد بن عمر قال: مات يوسف بن ماهك سنة ثلاث عشرة ومئة.
قال: وسمعت غيره يقول: مات سنة أربع عشرة ومئة، وكان ثقة قليل الحديث.
وقال ابن سعد في الطبقة الثانية من تابعي أهل] البصرة «5» :
يوسف بن مهران روى عن ابن عباس، وكان ثقة. قليل الحديث «6» .
[قال ابن سعد:] «7»(74/258)
[أخبرنا حجاج بن محمّد عن ابن جريج قال: قلت لعطاء هذا يوسف بن ماهك يتمنى الموت، فعاب ذلك، وقال: ما يدريه على أي شيء هو منه؟
أخبرنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا عمر بن أبي خليفة قال: حدّثني أم يوسف بنت ماهك قالت: أوصى يوسف حين حضره الموت أن يكفن في ثيابه، وأن يجمّع فيها، وأن لا يجعلوا على وجهه حنوطا، ولا على الثوب الذي ينشر على السرير، وقال: شدوا رجليّ بعمامة] «1» .
[أخبرنا عفان قال: حدّثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد أنه ذكر يوسف بن مهران فقال: كان يشبّه حفظه بحفظ عمرو بن دينار] «2» .
قال الحافظ أبو القاسم:
فرق ابن سعد بين يوسف بن ماهك، ويوسف بن مهران، فجعلهما ترجمتين، فذكر ابن ماهك في المكيين، وذكر ابن مهران في البصريين- والله أعلم.
قال يعقوب بن سفيان «3» :
يوسف بن ماهك ويوسف بن مهران واحد، شعبة يقول: ابن ماهك، وحماد بن سلمة يقول: ابن مهران. يرويان عن علي بن زيد عنه، وهو مكي.
قال البخاري «4» :
يوسف بن ماهك المكي [سمع أم هانىء وابن عباس وابن عمر روى عنه جعفر بن إياس، وإبراهيم بن المهاجر] «5» أصله فارسي نزل مكة «6» .
وقال ابن أبي حاتم «7» :(74/259)
يوسف بن ماهك القرشي [روى عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعائشة، وأم هانىء، روى عنه أبو بشر جعفر بن إياس، وإبراهيم بن مهاجر، ويحيى بن أبي كثير، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، سمعت أبي يقول ذلك.
ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: يوسف بن ماهك ثقة] «1» .
وقال الكلاباذي:
نزل مكة ولم يكن له ولاء ينتمي إليه.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن الغلابي يقول:
كان يوسف بن ماهك ينزل الحضرميين، فقيل: مولى لهم، ويقال: ليس مولى، وهو مولى.
وقال الأحوص بن المفضل بن غسان: حدّثنا أبي قال: كان شعبة يحدث عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران وقد حدث ابن أبي عروبة عن يوسف بن مهران قال: سمعت من يذكر من علمائنا قال: كان يوسف بن ماهك فارسيا نزل شعب الحضارمة، ولم يكن له ولاء.
قال المفضل: وذكر أن يوسف بن ماهك مولى لا إلى الحضرمي، وكان ينزل شعب الحضارمة بمكة، وأن أخته ولدت في بني زهرة.
قال يحيى بن معين: كان شعبة يحدث عن علي بن زيد عن يوسف بن ماهك وكان حماد بن سلمة يقول: يوسف بن مهران.
وقال يحيى أيضا: يوسف بن مهران ليس يروي عن علي بن زيد.
وقال ابن خراش: يوسف بن ماهك ثقة، وقال بعد ذلك: يوسف بن ماهك هو يوسف بن مهران، لم يرو عنه إلّا علي بن زيد، ويوسف بن ماهك من أهل مكة رجلجليل، حدّث عنه عطاء بن أبي رباح، وابن جريج، وعمرو بن دينار، وعمرو بن مرة، وأيوب السختياني، وهو ثقة عدل.
قال الحافظ أبو القاسم:(74/260)
قد ذكرنا أن ابن سعد فرّق بينهما، فذكر يوسف بن ماهك في المكيين، وابن مهران في البصريين، والصحيح أن الذي روى عنه علي بن زيد يوسف بن مهران لم يحدث عنه غيره.
وقول شعبة وهم.
قال أحمد بن حنبل: حدّثنا عفان، حدّثنا حماد بن زيد قال: سمعت علي بن زيد ذكر عن يوسف بن مهران قال: كان يشبه حفظه بحفظ عمرو بن دينار.
قال الهيثم بن عدي: حدّثني ابن عياش قال: لم يكن بعد أصحاب عبد الله بن مسعود أفقه من أصحاب ابن عباس، وكان منهم سعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، وعبد الرّحمن بن سابط الجمحي، ويوسف بن ماهك، ومقسم، وكريب، وشعبة، وعمير، موالي ابن عباس، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
قال عثمان بن سعيد الدارمي: سألته يعني يحيى بن معين عن يوسف بن ماهك؟
فقال: ثقة.
مات ابن ماهك سنة عشر، أو ثلاث عشرة أو أربع عشرة «1» .
[10205] يوسف بن مخلد
حكى عن أبي عمرو مؤذن مسجد زرّا «2» .
حكى عنه أحمد بن أبي الحواري.
[10206] يوسف بن مكي بن علي بن يوسف أبو الحجاج الحارثي الفقيه الشافعي
إمام جامع دمشق. كان أبوه حائكا من أهل الباب الشرقي. ونشأ يوسف من صباه نشأ حسنا، فحفظ القرآن، وقرأه بروايات، وتفقه مدة طويلة عند الفقيه أبي الحسن السّلمي وسمع منه الحديث ومن غيره ثم رحل إلى بغداد، فسمع بها أبا طالب الزّينبي، وأبا الغنائم بن المهتدي، وأبا سعد بن الطيوري «3» وغيرهم، وكان يسمع مع أخي أبي الحسين رحمه الله،
__________
[10206] الدارس في تاريخ المدارس 1/315.(74/261)
ثم حج من بغداد، وعاد طريق الشام، ولزم الفقيه أبا الفتح نصر الله بن محمّد المصيصي «1» ، وكان يعيد درسه بالزاوية الغربية، وأوصى له بالتدريس فيها، فلم ينفذ وصيته، ودرس فيها مسعود الطريثيثي «2» المعروف بالقطب، وكان يعيد له درسه، وأعاد الدرس فيها لأبي البركات بن عبد الفقيه «3» ولأخي أبي الحسين «4» الحافظ ولأبي سعد بن أبي عصرون الفقيه «5» ، وحدّث مع أخي ببعض مسموعاته ببغداد. وعلقت عنه شيئا يسيرا، وكان ثقة مستورا. وكان قد نصب للإمامة في جامع دمشق بعد موت أبي محمّد بن طاوس في المحرم سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وكان قبل ذلك يؤم في مسجد العميد ابن الجسطار «6» بالباب الشرقي مدّة، ثم انتقل إلى إمامة الجامع. وكان قد كتب كتبا كثيرة من كتب العلم في الأصول والفروع. وكان إذا غاب خلفه أبو القاسم العمري الفارسي الصوفي. ولمّا عزم الناس على الحج سنة خمس وخمسين كان عندي في يوم عيد الفطر، فجرى ركب الحج، فقال: لو استفتيت لأفتيت، إن الخروج إلى الحج في هذا العام معصية لقلة الماء في الطريق. فما مضت إلّا أيام حتى عزم على الحج، وحكى لي فضالة بن نصر الله الفرضي عنه أنه قال: أمضي فلعلي أموت في الطريق وحكى لي عنه أنه بعد أن خرج عاد إلى البيت يطلب نطعا له، فقال له أهله: ما تصنع بنطع في الشتاء؟ فقال: لعلي أموت، فأغسل عليه، فكان كما وقع في نفسه.
توفي يوسف صبيحة يوم السبت السادس من صفر سنة ست وخمسين وخمسمائة بوسادة «7» عند مرجعه من الحج، ودفن من يومه.(74/262)
[10207] يوسف بن موسى بن عبد الله بن خالد بن حمّول- بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم- أبو يعقوب المرورّوذي
حدّث بدمشق وغيرها عن علي بن حجر، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن خبيق، وأحمد بن صالح، وأحمد بن منيع، ونصر بن علي الجهضمي، وأبي كريب، وأبي مصعب الزهري، وأبي حفص الفلاس، وإسحاق بن منصور الكوسج، وغيرهم.
وحدّث ببغداد. روى عنه أبو القاسم بن أبي العقب، وجعفر بن عدبّس، والحسن بن حبيب، وأبو بكر الشافعي، وأبو الحسين الرازي، وأبو حامد بن الشرقي، وأبو عبد الله بن الأخرم، وأبو العباس بن عقدة، وأبو علي الحسين بن علي الحافظ، وأبو العباس الدغولي، وأبو محمّد بن صاعد، وأبو جعفر محمّد بن صالح بن هانىء، وأحمد بن يوسف بن خلاد النصيبي وغيرهم. قال ابن أبي العقب: حدّثنا بدمشق سنة اثنتين وثمانين ومئتين.
قال أبو أحمد الحاكم:
سمع أبا جعفر أحمد بن صالح المصري وعبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد الفهمي.
قدم نيسابور سنة ست وتسعين ومئتين سمع منه أبو بكر أحمد بن علي الرازي.
قال الحاكم أبو عبد الله:
من أعيان محدثي خراسان والمشهورين بالطلب والرحلة. روى عنه مشايخها وأكثر أبو العباس بن عقدة عنه «1» .
قال الخطيب «2» : سافر إلى العراق والحجاز والشام ومصر وحدّث ببغداد «3» ، وكان من أعيان محدثي خراسان، مشهورا بالطلب والرحلة في الحديث إلى الآفاق البعيدة وقدم بغداد
__________
[10207] ترجمته في تاريخ بغداد 14/308 والمنتظم 13/92 وسير أعلام النبلاء 14/51 والأنساب (المروالروذي) 5/264. وكذا جاء في مختصر أبي شامة: حمول، باللام، والذي في تاريخ بغداد والأنساب: حموك، بالكاف، وفي الاكمال: حمّوك، بالكاف.(74/263)
وحدّث بها، فروى عنه من أهلها: محمّد بن عمرو البختري الرزاز، ومحمّد بن عبد الله بن عتاب، وأبو بكر الشافعي، وكان ثقة.
قال ابن ماكولا «1» :
[أما حمّوك] «2» [بحاء مهملة وميم مشددة فهو أبو يعقوب يوسف بن موسى بن عبد الله بن خالد بن حمّوك المروروّذي من أعيان محدثي خراسان، حدّث عن ابن راهويه، وعلي بن حجر، وأبي معمر الهذلي، وخلق كثير في الآفاق. روى عنه جماعة منهم ابن عقدة وأبو حامد بن الشرقي وأبو بكر بن علي وأبو بكر الشافعي] «3» ، توفي بمروروذ منصرفه من الحج سنة ست وتسعين ومئتين.
[قال ابن قانع مات في سنة ست وتسعين ومئتين] «4» .
[10208] يوسف بن مهرويه كاتب الوليد بن يزيد
ذكره أبو الحسين محمّد بن عبد الله بن الجنيد في تسمية كتاب دمشق، ولم يزد.
[10209] يوسف بن الهيذام بن عامر ابن عمارة بن خريم أبو عامر المري
حدث بدمشق.
كتب عنه أبو الحسين محمّد بن عبد الله في الدفعة الثانية، وقال: كان شيخا صالحا.
مات ببيروت مرابطا في سنة تسع عشرة وثلاثمائة.
[10210] يوسف بن ياروخ القائد ابن زوجة الأمير ساتكين والي دمشق في أيام منصور الملقب بالحاكم قيل إنه ولي دمشق لمنصور أيضا قبل ساتكين سنة ست وأربعمئة وعزل سديد الدولة أبي منصور سنة ثمان وأربعمئة.
__________
[10210] ترجمته في تحفة ذوي الألباب 2/25 وذيل ابن القلانسي ص 69 وأمراء دمشق ص 101 وسماه يوسف بن رباح.(74/264)
[10211] يوسف بن يحيى بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية الأموي
له ذكر.
[10212] يوسف بن يعقوب أبو عمرو النيسابوري
حدّث بمصر عن أبي الربيع خالد بن يوسف السمتي.
روى عنه: أبو علي محمّد بن محمّد بن آدم.
قال ابن يونس: قدم علينا مصر، وحدّث بها سنة تسعين ومئتين.
[10213] يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام
وهو فتى موسى بن عمران صلى الله عليه وسلّم، والخليفة بعده على أمته. ورد مع موسى أرض كنعان بالبلقاء من نواحي دمشق «1» .
وبلغني أنّ يعقوب دعا لجده أفرائيم ولذريته، فولد له نون بن أفرائيم، وولد لنون يوشع بن نون.
قال محمّد بن إسحاق: وهو فتى موسى الذي كان معه، صاحب أمره، نبّأه الله- عزّ وجل- في زمن موسى، وكان بعده نبيا. وهو الذي افتتح أريحا، وقتل من بها من الجبابرة، واستوقف الشمس في يومه الذي فتح الله له فيه، لبقية بقيت من الجبابرة، ليستأصلهم، خشي أن يحول الليل بينه وبين ذلك، فوقفت له الشمس «2» بإذن الله- عزّ وجل- حتى استأصلهم. ثم خلف بعد موسى على بني إسرائيل بأمر الله- عزّ وجل- يقيم فيهم التوراة، وأحكام الله التي حكم بها فيهم «3» .
قال عبد الرزّاق: أخبرنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأزدي:
__________
[10213] انظر أخباره في البداية والنهاية 1/372 والكامل لابن الأثير 1/143 وتاريخ الطبري 1/257.(74/265)
في قوله تعالى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ
[سورة البقرة، الآية: 50] ، قال: لمّا أتى موسى البحر قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون: أين أمرك ربك يا موسى؟ فو الله ما كذبت ولا كذّبت. ففعل ذلك ثلاث مرّات، وأوحى الله إلى موسى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ
[سورة الشعراء، الآية: 67] ، فضربه، فانفلق، ثم سار موسى ومن معه، فأتبعهم فرعون في طريقهم، حتى إذا تتامّوا فيه أطبقه الله عليهم. فذلك قوله:
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ.
قال ابن عباس: حدّثني أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «1» : «إنّ موسى- عليه السّلام- ذكّر الناس يوما، حتى إذا فاضت العيون، ورقّت القلوب ولّى، فأدركه رجل، فقال: يا رسول الله، هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله، فأوحى الله إليه: إنّ لي عبدا أعلم منك، قال: أي ربّ، وأين؟
قال: بمجمع البحرين، قال: يا ربّ، اجعل لي علما أعلم ذلك به، قال: خذ حوتا ميتا حيث ينفخ الله فيه الروح- وفي رواية: حيث يفارقك الحوت- فذاك قوله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ [سورة الكهف، الآية: 60] يوشع بن نون. فبينا هو في ظل صخرة إذ تضرّب «2» الحوت وموسى نائم، قال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي «3» أن يخبره، وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك الله عليه جرية البحر حتى كان أثّر في حجر- وحلّق إبهاميه واللّتين تليانهما- لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً
[سورة الكهف، الآية: 62] ، قال:
قد قطع الله عنك النّصب «4» ، وأخبره، فرجعا، فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر «5» مسجى بثوبه، قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضك من سلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلّمني مِمَّا عُلِّمْتَ
- وذكر الحديث.(74/266)
قال عبد الرزّاق: أخبرنا معمر عن قتادة قال:
قيل لموسى إن آية لقياك إياه أن تنسى بعض متاعك. فخرج موسى وفتاه يوشع بن نون، وهو أحد الرجلين اللذين.... «1» الله عليهما. قال: وأحسبه قال: هو فتى موسى.
وحكى إسحاق بن بشر عن سعيد عن قتادة عن الحسن، وجويبر عن أبي سهل عن الحسن قال:
إنّ الله لم يقبض موسى حتى أحبّ الموت، وذلك أنه لم يكن في الأنبياء أكرم، ولا أهيب، ولا أعظم عنده من موسى، فأراد الله أن يحبب الموت إلى موسى، ويزهّده في الحياة بتحويل النبوة عنه «2» .
قال: وأخبرنا إسحاق عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعب القرظيّ «3» :
أنه حين حولت النبوة إلى يوشع أحبّ موسى الموت، فكان يغدو ويروح يوشع على موسى، فيقول له موسى: يا نبيّ الله، أحدث الله إليك اليوم شيئا؟ فيقول يوشع: يا صفيّ الله «4» ، صحبتك كذا وكذا سنة، فهل سألتك عن شيء يحدث الله إليك حتى تكون أنت تبديه لي «5» ؟ فلما رأى موسى الجماعة عند يوشع أحبّ الموت «6» .
قال المعافى بن زكريا «7» : حدّثنا أحمد بن العباس العسكري حدّثنا عبد الله بن أبي سعيد «8» حدّثنا أبو الأصبغ، حدّثنا ضمرة عن ابن عطاء عن عطاء قال:
أوحى الله إلى موسى بن عمران أنّ يوشع هو القائم على الناس بعدك، فقال: يا رب، أزرع أنا، ويحصد يوشع؟ أأرعى أنا الغنم، حتى إذا صلحت واستوت صارت إلى يوشع؟!(74/267)
فقال الله له: إن أيام يوشع مخرجتك من الدنيا، فقال: يا رب، فأنا أكون ممن قبل يوشع، فقيل له: فاصنع به كما كان يصنع بك، فقال: نعم. وكان من رسم يوشع أن ينبّه موسى للصلاة، فجاء موسى إلى باب يوشع، فقال: يا يوشع، فضرب الله على أذنه، فلم ينتبه، وجعل بنو إسرائيل يمرّون على موسى، فقال: يا رب، مائة موتة أهون من ذلّ ساعة. وانتبه يوشع، فلما رأى موسى فزع «1» وقال: يا نبي الله، أنت واقف ها هنا؟! ومضى موسى إلى الجبل، واتبعه يوشع، فجعل موسى يوصيه: اصنع ببني إسرائيل كذا، وافعل كذا. ثم قال له: ارجع [فأبى] «2» ، قال: فخلع موسى نعليه، فرمى بهما، فقال: جئني بنعليّ، فذهب ليجيء بهما، فأرسل الله نورا حال بين يوشع وموسى، فلم يصل إليه، فرجع يوشع إلى بني إسرائيل، فأخبرهم، فجاؤوا إلى الموضع من الجبل فإذا موسى قد قبض، وقد رصفت «3» الحجارة عليه.
قال أحمد بن أبي الحواري حدّثنا مروان عن سعيد بن عبد العزيز قال:
لمّا كان قبل موت موسى انقطع الوحي عنه، ونزل جبريل إلى يوشع. قال: وكان إذا خرج موسى إلى البيعة «4» إلى الحكم بين بني إسرائيل توكأ على يوشع، فإذا جلس في البيعة قام يوشع على رأسه. قال: فلما نزل الوحي إلى يوشع، وخرج إلى البيعة للحكم بين بني إسرائيل توكأ على موسى، فلمّا أن دخل البيعة للحكم بينهم قام موسى على رأسه. قال: فقال موسى: يا رب، إنّي لا أطيق هذا الذلّ كله، فاقبضني إليك.
وعن سفيان بن عيينة عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال «5» :
لمّا أمر موسى بالمسير إلى قرية الجبارين، واسمها أريحا «6» -، فلما دنا منها بعث اثني عشر رجلا من أصحابه رؤساء اثني عشر سبطا، فلمّا دخلوا قرية الجبّارين دخل منهم رجلان حائط رجل من الجبّارين، فجاء، فدخل الحائط، فأبصر آثارهما، فأتبعهما حتى أخذهما،(74/268)
فجعلهما في كميه، ثم دخل بهما على ملكهم، فنثرهما، فلمّا رآهما ملك الجبارين قال:
اذهبوا فاجهدوا علينا! فخرجوا حتى أتوا موسى، فأخبروه، فقال: اكتموا علينا. فجعل الرجل يخبر أخاه وأباه وصديقه ويقول اكتم عليّ. فأشعر ذلك في عسكرهم، ولم يكتم منهم إلّا رجلان: يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، وهما اللذان أنزل الله فيها: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا
[سورة المائدة، الآية: 23] . فقال أصحاب موسى: لسنا نقاتلهم، فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ
[سورة المائدة، الآية: 24] ، فنزل: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ [سورة المائدة، الآية: 25] ، فتاهوا أربعين سنة، فهلك موسى وهارون في التّيه، وكلّ من جاوز الأربعين «1» ، فلمّا مرّت الأربعون ناهضهم يوشع بن نون، وهو الذي قام بالأمر من بعد موسى، وهو الذي افتتحها، وهو الذي قيل له: إنّ اليوم يوم الجمعة، فهموا بافتتاحها، ودنت الشمس للغروب، فخشي إن دخلت عليه ليلة السبت أن يسبتوا، فنادى الشمس: إنّي مأمور. وإنّك مأمورة، فوقفت حتى افتتحها. قال: فوجدوا فيها من الأموال ما لم يروا مثله، فقرّبوه للنار فلم تأكله، فقال أفيكم غلول، فدعا رؤساء الأسباط، وهم اثنا عشر رجلا، فبايعهم، فالتصقت يد رجل منهم بيده. فقال: الغلول في أصحابك، فبايعهم كما بايعت، فمن التصقت يده بيدك فالغلول عنده، فبايعهم، فالتصقت يده بيد رجل منهم، فقال: الغلول عندك، فأخرجه، فأخرج رأس بقرة من ذهب، لها عينان من ياقوت، وأسنان من لؤلؤ مرصعة [فقرب] مع القربان، فأتت النار، فأكلته.
قال أحمد بن حنبل «2» : حدّثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو بكر- يعني ابن عياش- عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«إنّ الشمس لم تحبس على بشر إلّا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس»
[14436] .
قال أحمد: لم أسمعه إلّا من الأسود، وأبو بكر يضطرب في حديث هؤلاء الصغار، فأما حديثه عن أولئك الكبار فما أقر به عن أبي حصين وعاصم وانه لمضطرب عن أبي إسحاق أو نحو ذلك. قال: ليس هو مثل سفيان وزائدة وزهير، وكان سفيان فوق هؤلاء وأحفظ.(74/269)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «1» : «إنّ نبيا من الأنبياء قاتل مدينة، حتى إذا كاد أن يفتحها، وخشي أن تغرب الشمس فقال لها: أيّتها الشمس، إنّك مأمور، وإنّي عبد مأمور، عزمت عليك لما ركدت عليّ ساعة من النهار. قال: فحبسها الله عليه «2» حتى فتح المدينة. وكانوا إذا أصابوا غنائم قرّبوها للقربان، فجاءت نار، فأكلتها، فلمّا أصابوا، وضعوا، فلم تجىء النار تأكلها، فقالوا: يا نبيّ الله، ما لنا لا يتقبل منا قرباننا؟ قال: فيكم غلول، قالوا: يا نبي الله، وكيف نعلم عند من الغلول وهم اثنا عشر سبطا؟ قال: يبايعني رأس كل سبط. فلصق كفّا النبي صلى الله عليه وسلّم بكف رجل منهم، فقال:
عندك الغلول؟ فقال: نعم عندي، قال: ما هو؟ قال: رأس ثور من ذهب، أعجبني، فغللته.
قال: فجاء به، فوضع مع الغنائم، فجاءت النار، فأكلته» . فقال كعب: صدق الله ورسوله، هكذا والله في الكتاب- يعني التوراة. ثم قال: يا أبا هريرة، حدّثكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيّ نبي كان؟ قال: لا، قال كعب: هو يوشع بن نون، فتى موسى. فحدّثكم أيّ مدينة هي؟ قال أبو هريرة: لا، قال كعب: هي مدينة أريحا
[14437] .
وفي رواية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
«جاهد نبيّ من الأنبياء مدينة عليها سبعة أسوار، فافتتح ستّة، وبقي سور منها، ودنت الشمس أن تغرب، فقال: اركدي يا شمس، فإنك مأمورة، فركدت حتى افتتحها. وكان إذا افتتح قرية أخذ الغنائم فوضعها، فجاءت نار بيضاء، فأخذته، فعمد إلى الغنائم، فوضعها، فلم تأت النار، فقال: فيكم غلول. وكان معه اثنا عشر سبطا، فبايع رؤوسهم، وقال: اذهبوا أنتم، فبايعوا أصحابكم، فمن لصقت يده بيد أحد منكم فليأت به، فذهبوا، فبايعوا، فالتصقت يده بيد رجلين، فاعترفا، وقالا: عندنا رأس ثور من ذهب» . قال أبو يعلى الموصلي: حدّثنا أبو كريب حدّثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «3» :(74/270)
«غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل له بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولم يبن بها ولا رجل له غنم له خلفات وهو ينتظر أولادها، ولا رجل بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، قال: فغزا، فلما دنا من القرية قال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا. قال: فواقع القوم وظفر، فجمعت الغنائم، فجاءت النار لتأكلها، فلم تطعمها، قال:
إن فيكم غلولا» .
وفي رواية:
«لا يغز معي رجل تزوج امرأة لم يبن بها، ولا رجل له غنم ينتظر ولادها، ولا رجل بنى بناء لم يفرغ منه، فلما أتى المكان الذي يريده وجاء عنده العصر فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ ساعة، فحبست له ساعة حتى فتح الله عليه» . وذكر الحديث نحو ما مضى. وقال: «فلصقت يده بيد رجلين أو ثلاثة فأخرجوا مثل رأس بقرة من ذهب فألقوه في الغنيمة فجاءت النار فأكلته» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لم تحل الغنيمة لأحد كان قبلنا، وذلك أن الله رأى ضعفنا وطيبها لنا، وزعموا أن الشمس لم تحبس لأحد قبله ولا بعده» .
وروى يونس بن بكير عن أسباط بن نصر الهمذاني عن إسماعيل بن عبد الرّحمن القرشي قال:
لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير، قالوا: فمتى تجيء، قال: «يوم الأربعاء» فلمّا كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون قد ولّى النهار ولم تجىء، فدعا النبي صلى الله عليه وسلّم، فزيد له في النهار ساعة، وحبست الشمس، فلم تردّ الشمس على أحد إلّا «1» على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يومئذ، وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين يوم الجمعة، فلمّا أدبرت الشمس خاف أن تغيب قبل أن يفرغ منهم، ويدخل السبت، فلا يحل له قتالهم فيه، فدعا الله فرد له الشمس حتى فرغ من قتالهم.
وحكى إسحاق بن بشر بإسناده عن كعب: أن يوشع بن نون لما حاصر أهل أريحا وافق ذلك يوم الجمعة فقيل لأهل أريحا إن غدا سبتهم وهم يعظمون السبت، فإذا كان عشية الجمعة بعد ما تنصرف الشمس لم يقاتلوا،(74/271)
وعكفوا ليلة السبت، ويوم السبت على سبتهم، فهجم عليهم فقتلهم، فنزلوا في آخر النهار يوم الجمعة، فخاف يوشع إن غابت الشمس حرم عليهم قتالهم، فقام يدعو الله ليحبس له الشمس حتى يقضي فيهم قضاءه. قال: فحبس الله عليه الشمس حتى فرغوا من عدوهم وظهروا عليه، ودخلوا مدينتهم، فأقاموا بها أربعين ليلة، قال: فمن يومئذ اختلط حساب المنجمين، ومن نظر في هذا العلم من قياس الشمس والساعات.
قال كعب:
وكان الله كسا هارون قباء فيه اثنا عشر علما كهيئة الكواكب، لكل سبط منهم علم، فإذا غلّ أحد من الأسباط تحول علم ذلك السبط عن نوره، فصار مظلما، فيعلم أن سبط فلان قد غلّ. وكان ذلك القباء مع يوشع، فلمّا كان يوم أريحا ردت رايته، وانهزم أصحابه، وكانوا إذا غلوا انهزموا. فدعا بالقباء، فنظر، فإذا علامة منها قد تغيّرت، فدعا رأس ذلك السّبط، فقال:
ما حملكم على أن غللتم؟ وهو.... «1» قال: فطلبوا الرجل الذي غلّ، فأصابوه، فإذا قطيفة قد غلها، فأحرقوه وإياها بالنار.
قال: وقال غير كعب: أحرق القطيفة وكانت منسوجة بالذهب والدر، فأوحى الله إليه أن ضع الكمين «2» وشد عليهم، فإنّ الله يكفيكهم. قال: فهو أوّل من وضع الكمين. وفتح الله عليهم، ودخلوا، فأوحى الله إلى يوشع أن اقتل جبابرتها، ولا تستبق منهم أحدا، ففعل، وأقام أربعين سنة حتى فتحت لهم بلاد الشام، وفتح يوشع إحدى وثمانين مدينة، ثم انصرف إلى بلادهم وأرضهم التي كانت وراثة آبائهم التي كتبها الله لهم، وهي الأرض المقدسة، آمنين على أنفسهم. ورفعت الحرب عن بني إسرائيل، فلبثوا أربعين سنة يوشع بين أظهرهم، وهم أحسن ما كانوا هيبة في جميع حالاتهم.
وذكر أبو بكر الخطيب بإسناد مجهول قال: قيل لعلي بن أبي طالب:
هل كان للنجوم أصل؟ قال: نعم، كان نبي من الأنبياء يقال له يوشع بن نون، قال له قومه: لا نؤمن بك حتى تعلّمنا بدء الخلق وآجاله. فأوحى الله إلى غمامة، فأمطرتهم.(74/272)
واستنقع «1» على الجبل ماء صاف. ثم أوحى إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء، ثم أوحى إلى يوشع أن يرتقي هو وقومه إلى الجبل، فارتقوا، فأقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجاله بمجاري الشمس والقمر والنجوم، وساعات الليل والنهار، فكان أحدهم يعلم متى يموت، ومتى يمرض، ومن الذي يولد له، ومن الذي لا يولد له، فبقوا كذلك «2» برهة من دهرهم، ثم إنّ داود قاتلهم على الكفر، فأخرجوا إلى داود في القتال من لم يحضر أجله، فكان يقتل من أصحاب داود، ولا يقتل من هؤلاء أحد. فدعا داود الله، فحبست الشمس عليهم، فزاد في النهار، فاختلطت الزيادة بالليل والنهار، فلم يعرفوا قدر الزيادة، فاختلطعليهم حسابهم.
قال علي: فمن ثمّ كره النظر في علم النجوم.
قال الخطيب في إسناد هذا الحديث غير واحد مجهول.
وعن الوضين بن عطاء قال:
أوحى الله إلى يوشع بن نون: إنّي مهلك من قومك مائة ألف، وأربعين ألفا من خيارهم، وستين ألفا من شرارهم. قال: يا رب، تهلك شرارهم، فما بال خيارهم؟ قال:
إنهم يدخلون على الأشرار فيؤاكلونهم، ويشاربونهم، ولا يغضبون لغضبي.
قال إسحاق بن بشر:
ثم قسم يوشع الأرض المقدسة، وما غلب عليه من الأسباط من بني إسرائيل، وقتل يوشع من ملوك بني كنعان أحدا وثلاثين «3» ملكا من سبعة أسباط، وكان على العماليق السميدع بن هزبر، فقتل، فقال الشاعر في ذلك:
ألم تر أنّ العملقيّ بن هزبر بآية أمسى لحمه قد تمزّعا
تداعى عليه من يهود قبائل ثمانون ألفا حاسرين ودرّعا
ثم مات يوشع بن نون، واستخلف كالب بن يوفنا «4» .(74/273)
قال أبو جعفر الطبري «1» :
كان عمر يوشع بن نون مائة سنة، وستا وعشرين سنة، وتدبيره أمر بني إسرائيل قبل أن يتوفّى موسى إلى أن توفي يوشع سبعا «2» وعشرين سنة.
وقال غير أبي جعفر:
دبّر يوشع أمر بني إسرائيل إحدى وثلاثين سنة، ومات وله مائة وعشر سنين «3» ، ودفن في جبل كنعان.(74/274)
ذكر من اسمه يونس
[10214] يونس بن أحمد بن محمّد ابن ربيعة الحضرمي
حدّث بأطرابلس عن أبيه.
روى عنه أبو الفضل محمّد بن عبد الله بن المطلب الشيباني.
[10215] يونس بن إبراهيم، أبو الخير
أظنه من أهل همذان. قدم الشام. وحكى عن راهب لقيه عند قبر شيث بالبقاع، وقال له: عظني، فقال الراهب: كل أنس دون الله وحشة، وكل طمأنينة بغير الله دهشة، وكل نعيم دون دار القرار زائل، وكل شيء سوى الله باطل. ثم قال: ثلاث بثلاث لا يدركن: الغنى بالمنى، والشباب بالخضاب، والصحة بالأدوية.
[10216] يونس بن رطاجة
ولي إمرة دمشق في خلافة المتوكل.
قال أحمد بن أبي طاهر: قتل المتوكل وعامل [ ... ] «1» على دمشق يونس بن رطاجة.
__________
[10216] ترجمته في تحفة ذوي الألباب 1/304 وفيه: «طارجة» وأمراء دمشق ص 117 وفيه أيضا:
طارجة.(74/275)
[10217] يونس بن سعيد بن عبيد بن أسيد ابن عمرو بن علاج الثّقفي الطائفي
شاعر. كان أبوه سعيد مولى زياد بن عبيد «1» ، وهبه له الحارث بن كلدة مولى أمّه سميّة.
قال المدائني:
قدم يونس بن سعيد على معاوية وزياد على البصرة- وكانت العرب تأنف إذا ادّعي مولاهم- فقال: يا أمير المؤمنين، ادّعيت مولاي «2» ! فقال معاوية: يابن سعيد، اتق الله، لا أتطيّر بك طيرة بطيئا وقوعها «3» ، قال: يا أمير المؤمنين، أفليس بي وبك المرجع إلى الله بعد؛ قال: بلى، فاستغفر الله، والحق بزياد بالعراق، فذاكره بما شئت. فقدم يونس البصرة، فنزل على عبد الله بن الحارث الكوسج، فأعلم زيادا بمكانه، فدعا به، فكلّمه خاليا، وأمر له بمائة ألف، وقال: اشخص إلى بلدك، فأبى، فأرسل زياد إلى الكوسج: أخرجه عنك، فإنه إن بلغني بعد ثالثة أنه عندك، بالبصرة قتلتك! فأخرجه، ولم يعطه شيئا، فقال: رجعن من عند زياد خيّبا سواهما «4» ونصّبا «5» ولغّبا «6»
قد كان يدعى لعبيد حقبا حتّى إذا العبد عثا «7» واختضبا
صار أبو سفيان للعبد «8» أبا فأصبح العبد تبوّا «9» منصبا
__________
[10217] له ذكر في أنساب الأشراف 5/197 وما بعدها. ومروج الذهب 3/9. وأسيد وفي مروج الذهب: أسد.(74/276)
وكان صفرا «1» فتحول ذهبا
وروي هذا الشعر لعبد الرّحمن بن أم الحكم.
وقال يونس بن سعيد «2» :
وقائلة إمّا هلكت وقائل قضى ما عليه يونس بن سعيد
قضى ما عليه ثم ودّع ماجدا وكلّ فتى سمح الخلائق يودي «3»
وقال أبو عبيدة عن أبي غسان:
لمّا بلغ يونس بن سعيد الذي كان من أمر زياد قدم على معاوية، وكلّمه، وقال: يا أمير المؤمنين، إنّ زيادا كان عبدا لأختي فهيرة «4» ، فأعتقته، وهو مولاي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «5» : «الولد للفراش، وللعاهر الحجر» . فقال له معاوية: هل تركت الشرب في الدّبّاء بعد «6» ؟ إن زيادا ليس لك بمولى، هو ابن أبي سفيان. فألحّ عليه يونس حتى كلّمه على المنبر
[14438] . وذكر معنى الحكاية.
[10218] يونس بن أبي شبيب الرقي
روى عن ميمون بن مهران، وطاووس بن كيسان، وابن جريج.
روى عنه جعفر بن برقان، وإبراهيم بن بكار، ويحيى بن كهمس الأسدي الرقّيون، ومحمّد بن الحكم السلمي. وفد على عمر بن عبد العزيز.
قال «7» : سألت طاوسا عن مسألة، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل الجزيرة،
__________
[10218] أخباره في تاريخ الرقة ص 140 و 141 والتاريخ الكبير 8/411 والجرح والتعديل 9/240.(74/277)
فقال: إذا كانت الوقعة بين الرّقّتين «1» كانت الصّيلم «2» أو الفيصل «3» .
وقال: شهدت عمر بن عبد العزيز في بعض الأعياد، وقد جاء أشراف الناس حتى حفوا بالمنبر، وبينهم وبين الناس فرجة، فلمّا جاء عمر، وصعد المنبر سلّم عليهم، فلما رأى أومأ إلى الناس أن تقدّموا، فتقدّموا حتى اختلطوا بهم.
وقال «4» : خرجت حاجّا فلقيت طاووسا [بمكة، فسألته عن أشياء فقال: أين منزلك؟ قلت بالرقة. قال طاووس:] «5» البيضاء «6» ؟ ثم وصفها فلم يدع من وصفها شيئا إلّا وصفه، قلت: كأنك قد دخلتها قال: ما دخلتها ولكني وصفتها بما وصفت لي في الحديث، ثم قال:
إن استطعت أن تتخذ بغيرها منزلا، فافعل، فإنه قد بلغني أنه لا يهلكها إلّا سنابك الخيل.
[قال أبو محمّد بن أبي حاتم] «7» :
[يونس بن أبي شبيب الرقي روى عن.... روى عنه جعفر بن برقان سمعت أبي يقول ذلك] «8» .
[قال البخاري] «9» :
[يونس بن أبي شبيب عن ابن جريج. وروى عنه جعفر بن برقان] «10» .
وقال: رأيت عمر بن عبد العزيز قبل أن يلي الخلافة، وإن حجزة «11» إزاره غائبة في(74/278)
عكنه «1» ، ثم رأيته بعد ما ولي الخلافة، ولو شئت أن أعدّ أضلاعه من بعد لعددتها.
وفي رواية: شهدت عمر بن عبد العزيز وهو يطوف بالبيت، وإن حجزة إزاره لغائبة في عكنه، ثم رأيته بعد ما استخلف ولو شئت أن أعدّ أضلاعه من غير أن أمسّها لفعلت.
[10219] يونس بن عبد الرحيم بن سعد- ويقال: ابن أيوب- العسقلاني سمع بدمشق وغيرها: عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرىء، وعبد الله بن وهب، وعمرو بن أبي سلمة التنيسي، ورشدين بن سعد، وضمرة بن ربيعة، ورواد بن الجراح، وغيرهم.
روى عنه هارون بن عبد الله، وحنبل بن إسحاق، وأبو بكر بن أبي الدنيا، ويعقوب بن سفيان، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم.
قال [أبو محمّد] بن أبي حاتم «2» :
[يونس بن عبد الرحيم العسقلاني، روى عن عبد الله بن وهب، وسوار بن عمارة الرملي. روى عنه هارون بن عبد الله البزاز، وأبو بكر بن أبي عتاب الأعين سمعت أبي يقول ذلك.] «3» وسألته عنه، فقال: كان قدم بغداد، فتكلموا فيه، وليس بالقوي.
[قال أبو بكر الخطيب:] «4» [يونس بن عبد الرحيم بن سعد العسقلاني، قدم بغداد وحدّث بها عن عبد الله بن وهب، وضمرة بن ربيعة، وسوار بن عمارة، وعبد العزيز بن عبد الغفار، وعمرو بن أبي سلمة، روى عنه هارون بن عبد الله البزاز، ومحمّد بن أبي عتاب الأعين، وحنبل بن إسحاق، وبهلول بن إسحاق الأنباري، وأبو بكر بن أبي الدنيا] «5» .
__________
[10219] ترجمته في ميزان الاعتدال 4/482 والجرح والتعديل 9/241 وتاريخ بغداد 14/251 وتحرف اسمه إلى يزيد.(74/279)
قال أبو سعيد بن يونس:
هو من أهل عسقلان. قدم مصر، وحدّث بها سنة سبع وعشرين ومائتين.
قال بكر بن سهل حدّثنا عبد الخالق بن منصور قال:
سألت يحيى بن معين عن يونس بن عبد الرحيم العسقلاني، فقال: لا أعرفه، فقلت له: إنّ بعض أصحاب الحديث يزعمون أنّك قد ذهبت إليه، وكتبت عنه؟ فقال: كذبوا، لا والله، ما رأيته قطّ، ولا أعرفه؛ ولكن قدم علينا رجل، فزعم أن أهل بلده يسيئون فيه القول.
[قال أبو بكر الخطيب] «1» :
[أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدّثنا يونس بن عبد الرحيم حدثنا ضمرة حدّثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة قال: قال لنا المسور بن مخرمة: لقد وارت القبور أقواما لو رأوني فيكم لاستحييت منهم] «2» .
[10220] يونس بن الليث العبسي
ولي على غازية البحر في خلافة المنصور من قبل عمه صالح بن علي بالشام.
[10221] يونس بن محمّد بن يونس ابن محمّد أبو نصر الأصبهاني المقرىء
نزيل بيت المقدس.
سمع بدمشق أبا محمّد بن أبي نصر، وأبا علي الحسن بن علي الكفرطابي، وأبا أحمد عبد الواحد بن محمّد الهروي، نزيل دمشق.
روى عنه عمر الدهستاني، والفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبو القاسم عبد الرّحمن بن علي بن القاسم الكاملي.(74/280)
[10222] يونس بن متّى ذو النّون نبيّ الله، ورسوله، صلى الله عليه وسلّم
وهو من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. كان من أهل الشام، من أعمال بعلبكّ. قيل إنه مات وهو صغير «1» ، فسألت أمّه نبيّ الله إلياس عليه السّلام، فدعا الله، فأحياه «2» ، ولم يكن لها غيره، ونبّىء يونس وله أربعون سنة، وكان من عبّاد بني إسرائيل، فهرب بدينه من الشام، ونزل شاطىء دجلة، فبعثه الله إلى أهل نينوى «3» .
قال إسحاق بن بشر بأسانيده:
كان يونس عبدا صالحا، لم يكن في الأنبياء أحد أكثر صلاة منه، كان يصلّي كل يوم ثلاثمائة ركعة قبل أن يطعم، وقلّما كان يطعم من دهره. وكان يصلّي كلّ ليلة قبل أن يأخذ مضجعه ثلاثمائة ركعة، وقلّما كان يتوسّد الأرض. فلما أن فشت المعاصي في أهل نينوى، وعظمت أحداثهم بعث إليهم.
عن الحسن قال:
كانت العجائب في بني إسرائيل، ولا يموت نبي حتى يبعث الله نبيا مكانه. وإنّها كانت تكون فيهم الأنبياء الكثيرة.
قال محمّد بن إسحاق «4» : حدّثني ربيعة بن أبي عبد الرّحمن قال: سمعت ابن منبه اليماني يقول:
إنّ للنبوة أثقالا ومؤونة لا يحملها إلّا القوي، وإن يونس بن متّى كان عبدا صالحا، وكان خلقه ضيقا «5» ، فلما حملت عليه النبوة تفسّخ تحتها تفسّخ الرّبع «6» تحت الحمل،
__________
[10222] انظر أخباره في تاريخ الطبري 1/375 والبداية والنهاية 1/267 والكامل لابن الأثير 1/235.(74/281)
فرفضها من يده، وخرج هاربا، فقال الله تعالى لنبيّه: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ
[سورة الأحقاف، الآية: 35] ، وقال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ
[سورة القلم، الآية: 48] .
قال علي بن عاصم: قال بعض أصحابنا:
بلغني أنّ يونس- عليه السّلام- كان في خلقه ضعف، والنبوة لها ثقل، فأتاه جبريل وهو قائم يصلي في المسجد، فقذفها عليه، فتفسّخ تحتها.
وقال علي بن عاصم عن عون عن الحسن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قال ربكم تعالى: لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى»
[14439] .
وقال ابن صاعد حدّثنا بندار حدّثنا محمّد حدّثنا شعبة «1» عن قتادة عن أبي العالية قال وحدّثنا ابن عمّ نبيكم صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن عباس قال: [قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:] «2» «قال الله تبارك وتعالى: ما ينبغي لأحد أن يقول: أنا «3» خير من يونس بن متّى» ونسبه إلى أبيه.
قال إسماعيل بن عيسى حدّثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن شهر بن حوشب قال: كان يونس بن متّى رجلا من بني إسرائيل، وكان قلما رئي ساعة تحل فيها الصلاة إلّا وجد يصلي، فأتاه الرسول، فوجده يصلي في المسجد ببيت المقدس، فانفتل إليه، فقال له: إنّ الله يأمرك أن تأتي أهل نينوى، فتدعوهم إليه، قال: إلى أهل المدرة «4» السّوء؟ قال: نعم. فجعلت نفسه تأبى، فعاد الرسول إليه، فوجده [قائما] «5» يصلّي في المسجد، فأعاد عليه الرسالة، قال: إنما آتيهم مشيا، فأخرج إلى السوق، فاشتري حذاء.
فنهض عنه الرسول. وأبت نفسه، وجعل يقول: أولئك يجيئوني، كانوا عند بني إسرائيل(74/282)
أخبث أهل الأرض، لأنهم كانوا أوّل من غزا بيت المقدس، وقتلوا وحرقوا. فعاد إليه الرسول، فوجده قائما يصلي في المسجد. فاستحثّه، فخرج مغاضبا، وأتى البحر، فوجد سفينة- فذكر ركوبه فيها، والتقام الحوت إياه «1» . عن ابن عباس في قوله تعالى: إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً
[سورة الأنبياء، الآية: 87] ، قال:
عبد أبق من ربّه «2» . ثم اجتباه.
وعنه في قوله: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ
[سورة الأنبياء، الآية: 87] ، يقول: ظن ألّا يأخذه العذاب الذي أصابه- وفي رواية: غضب على قومه، فظن أن لن نقضي عليه عقوبة، ولا بلاء فيما صنع بقومه في غضبه عليهم، وفراره.
وعن مجاهد: «فظن أن لن نقدر عليه» ؛ أن لن نعاقبه بذنبه.
وعن قتادة في قوله تعالى: فَساهَمَ، فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ
[سورة الصافات، الآية:
141] ، قال: احتبست السفينة، فعلم القوم أنّها احتبست من حدث أحدثه بعضهم، فتساهموا، فقرع يونس «3» ، فرمى بنفسه، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ
[سورة الصافات، الآية: 142] ، قال: وهو مسيء فيما صنع، فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ
[سورة الصافات، الآية: 143] ، قال: كان كثير الصلاة في الرّخاء، ناجاه.
قال إسحاق بن بشر: أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن:
أن يونس كان مع نبيّ «4» من أنبياء بني إسرائيل، فأوحى الله إليه أن ابعث يونس إلى أهل نينوى يحذّرهم عقوبتي. قال: وكانت الأنبياء تبعث بإقامة التوراة فيهم، وما أنزل الله بعد موسى كتابا إلّا الإنجيل، وزبور داود. فمضى يونس على كره منه، وكان رجلا حديدا، شديد الغضب لله- عزّ وجل- فأتاهم، وحذّرهم، وأنذرهم. فكذّبوه، وردّوا عليه نصيحته، ورموه بالحجارة، وأخرجوه. فانصرف عنهم. فقال له نبي بني إسرائيل: ارجع إليهم، فرجع، ففعلوا مثل ذلك ثلاث مرات، فأوعدهم العذاب، فقالوا: كذبت.(74/283)
قال ابن عباس: فلمّا أيس من إيمان قومه «1» دعا عليهم ربّه، وأوعدهم العذاب بعد ثلاثة أيام «2» ، وأخرج أهله، ومعه ابناه صغيرين، فصعد جبلا ينظر إلى أهل نينوى، ويترقب العذاب. قال: وعاين قوم يونس العذاب للوقت الذي وقّت لهم يونس، فلمّا استيقنوا بالعذاب سقط «3» في أيديهم، وعلموا أن يونس قد صدقهم، فبعث القوم إلى أنبياء كانت في بني إسرائيل، فسألوهم عما ابتلوا به، فقالوا: اطلبوا يونس يدعو لكم، فإنّه هو الذي دعا عليكم، فطلبوه، فلم يقدروا عليه، فقالوا: تعالوا نجتمع إلى الله، فنتوب إليه. فخرجوا جميعا الرجال والنساء والبهائم، وجعلوا الرماد على رؤوسهم، ووضعوا الشوك من تحت أرجلهم، ولبسوا المسوح «4» والصوف، ثم رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء، وجأروا «5» إلى الله، وعلم الله منهم الصدق، فقبل توبتهم «6» . يقول الله تعالى: فَلَوْلا
، يعني: فلم يكن قَرْيَةٌ آمَنَتْ
عند معاينة العذاب، فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
[سورة يونس، الآية: 98] .
قال «7» : وكانوا عاينوا العذاب أول يوم من ذي الحجة، ورفع عنهم يوم العاشر من المحرم. فلما (رأى) يونس ذلك جاءه إبليس عدو الله، فقال له: يا يونس، إنّك إن رجعت إلى قومك اتّهموك وكذبوك، فذهب مغاضبا لقومه، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ
[سورة الأنبياء، الآية: 87] ، فقد كذب. فانطلق يونس حتى أتى شاطىء دجلة معه أهله وابناه. فجاءت سفينة، فقال: احملوني، فقالوا: قد أوقرنا سفينتنا هذه، فإن شئت حملنا بعض من معك، فتلحقنا بسفينة أخرى، فتركبها. قال: فحمل أهله، وبقي يونس وابناه، فطلعت سفينة، فانطلق يونس إليها، ودنا أحد ابنيه من شاطىء دجلة، فزلّت رجله، فوقع في الماء،(74/284)
فغرق، وجاء الذئب فاحتمل ابنه الآخر، فأكله. فجاء يونس، فوجد أحد ابنيه طافيا على الماء، والآخر قد أكله الذئب، فعلم أنها عقوبة، فركب السفينة ليلحق بأهله، فلمّا توسطت السفينة الماء أوحى الله إلى السفينة أن اركدي، فركدت، والسفن تمر يمينا وشمالا، فقالوا: ما بال سفينتكم؟ قالوا: لا ندري. قال يونس: أنا أدري، فيها عبد أبق من ربّه، فلا تسير حتى تلقوه. قالوا: ومن هو؟ قال: أنا، فقالوا: أمّا أنت فلسنا نلقيك والله، ما نرجوا النجاة منها إلّا بك! قال: فاقترعوا، فمن قرع فألقوه في الماء، فاقترعوا، فقرعهم يونس، فأبوا أن يلقوه في الماء، وقالوا: إن القرعة تخطىء وتصيب. فاقترعوا الثانية، فقرعهم، فقال لهم: ألقوني في الماء، فأوحي إلى حوت كان يكون في بحر من وراء البحور أن يجيء حتى يحيط بسفينة يونس «1» ، فاخترق الحوت البحار، فاستقبل سفينة يونس، فأحاط بها، وفغر فاه، فأوحى الله إلى الحوت ألّا يخدش له لحما، ولا يكسر له عظما، فإنه نبيي وصفيي. وقال الحوت: يا رب، جعلت بطني له مسكنا، لأحفظنّه حفظ الوالدة ولدها. قال: واحتمل يونس إلى ناحية السفينة ليلقى في الماء، فانصرف الحوت إليها، فقال: انطلقوا بي إلى ناحية أخرى، فانطلقوا به، فإذا هم بالحوت، ففعلوا مثل ذلك بجميع جوانب السفينة، فقال: اقذفوني، فقذفوا به، فأخذه الحوت، وهوى به إلى مسكنه من البحر، ثم انطلق به إلى قرار الأرض، فطاف به البحار أربعين يوما «2» ، فسمع يونس تسبيح الجن، وتسبيح الحيتان، فجعل يسمع الحسّ، ولا يرى ما هو، فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: يا يونس، هذا تسبيح دوابّ البحر، فجعل يسبّح ويهلّل، وقال: سيّدي، من الجبال أهبطتني، وفي البلاد سيّرتني، وفي الظلمات الثلاث سجنتني: ظلمة الليل، وظلمة الماء، وظلمة بطن الحوت «3» . إلهي، عاقبتني بعقوبة لم تعاقبها أحدا قبلي.(74/285)
فلمّا كان تمام أربعين ليلة وهي قدر ما كان قومه في العذاب، وأصابه الغم، فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [سورة الأنبياء، الآية: 87] ، فسمعت الملائكة بكائه، وعرفوا صوته، فبكت الملائكة لبكاء يونس، وقالوا: يا ربّنا، صوت ضعيف حزين نعرفه في مكان غريب! قال: ذلك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر. فقالوا: يا رب، العبد الصالح الذي كان يصعد له كل يوم وليلة العمل الصالح الكثير؟ قال: نعم.
قال ابن عباس: هذه عقوبته لأوليائه فكيف لأعدائه؟ فشفعت له الملائكة، فبعث الله جبريل إلى الحوت يأمره أن يقذف يونس حيث ابتلعه، قال: فجاء به إلى شاطىء دجلة، فدنا جبريل من الحوت، وقرب فاه من في الحوت، وقال: السّلام عليك يا يونس، رب العزة يقرئك السلام، فقال يونس: مرحبا بصوت كنت خشيت ألّا أسمعه أبدا، ومرحبا بصوت كنت أرجوه قريبا من شدّتي. ثم قال جبريل للحوت: اقذف يونس بإذن الرحمن، فقذفه مثل الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش، فاحتضنه جبريل- وقيل: بقي يونس في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاثة «1» ليال- وقذفه على الساحل مثل الصبي المنفوس، لم ينقص منه خلقا، ولم يكسر «2» له عظما «3» .
وقيل: لمّا أمر الحوت أن يلتقمه قال: يا رب، كنت أشقى خلقك برسولك! فبعث الله حوتا آخر، فجعل يقول للحوت: والله لتلقمن يونس أو لألتقمنّك، فمضى الحوت لأمر الله تعالى. وقيل: أوحى الله إلى الحوت: إنّي لم أجعل يونس لك رزقا، وإنما جعلت بطنك له سجنا «4» ؛ فلا تهشمن من يونس عظما. وقيل: لمّا استقر في بطن الحوت قال: وعزتك، لأبنين لك مسجدا في مكان لم يبنه أحد قبلي، فجعل يسجد له. وقال تعالى: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ
[سورة الصافات، الآية: 143] ، أي من المكثرين للصلاة قبل ذلك.
قال الحسن:
شكر الله له صلاته قبل ذلك، فأنجاه بها.(74/286)
قال ميمون بن مهران: سمعت الضحاك بن قيس يقول على المنبر:
اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس كان عبدا ذاكرا لله، فلما أصابته الشدة دعا الله، فقال الله: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ
. وكان فرعون طاغيا، فلمّا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ: آمَنْتُ
«1» [سورة يونس، الآية: 90] ، فقال الله: آلْآنَ، وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ
[سورة يونس، الآية: 91] . وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«دعوة ذي النّون الذي «2» دعا بها في بطن الحوت: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
[سورة الأنبياء، الآية: 87] ، لم يدع بها مسلم في كربة إلّا استجاب الله له» «3»
[14440] . قال علي بن عثّام:
دعاء الأنبياء: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
[سورة القصص، الآية: 24] ، إِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ
[سورة هود، الآية: 47] ، لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
[سورة الأنبياء، الآية: 87] .
عن سعيد بن جبير قال:
لمّا ألقي يونس في بطن الحوت جرى به الحوت في البحور كلها سبعة أيام، ثم انتهى إلى شطّ دجلة، فقذفه على شطّ دجلة، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، قال: من نبات البرية «4» ، وأرسله إلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ
[سورة الصافات، الآية: 147] ، قال: يزيدون(74/287)
سبعين ألفا «1» ، وقد كان أظلهم العذاب، ففرقوا بين كل ذات رحم ورحمها من الناس والبهائم، ثم عجّوا إلى الله، فصرف عنهم العذاب، ومطرت السماء دما.
قال أمية بن أبي الصّلت قبل الإسلام في ذلك بيتا من شعر «2» :
فأنبت يقطينا عليه برحمة من الله، لولا الله ألقي ضاحيا «3»
عن مجاهد في قوله تعالى:
وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ
[سورة الصافات، الآية: 146] ، قال: كلّ غير ذات أصل من الدّبّاء وغيره.
عن الحسن قال:
وكان لها ظل واسع يستظل بها، وأمرت أن ترضعه أغصانها، فكان يرضع منها كما يرضع الصبيّ، ويؤوب إليه جسمه.
وفي رواية أخرى عن الحسن قال:
بعث الله تعالى إلى يونس وعلة من وعل الجبل، يدرّ ضرعها لبنا، حتى جاءت إلى يونس وهو مثل الفرخ، ثم ربضت، وجعلت ضرعها في في يونس، فكان يمصّه كما يمص الصبيّ، فإذا شبع انصرفت، فكانت تختلف إليه حتى اشتدّ، ونبت شعره خلقا جديدا، ورجع إلى حاله قبل أن يقع في بطن الحوت، فمرّت به مارّة، فكسوه كساء فبينا هو ذات يوم نائم إذ أوحى الله إلى الشمس: أحرقي شجرة يونس، فأحرقتها، وأصابت الشمس جلده، فأحرقته، فبكى وفي رواية أخرى:
فلما يبست الشجرة عنه قعد يونس يبكي حزنا عليها.
فأوحى الله إليه: أتبكي على شيء لا ينفع، ولا يضرّ ولم تبك على أن بعثتك إلى أكثر من مئة ألف.
وفي أخرى: أتبكي على شجرة أنبتها الله، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن(74/288)
تهلكهم في غداة واحدة «1» ؟ فعند ذلك عرف يونس ذنبه، فاستغفر ربّه، فغفر له.
وعن ابن عباس:
أن يونس لما التقمه الحوت، وقعد بالأرض السابعة فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ
[سورة الأنبياء، الآية: 87] فأخرجه فألقاه على وجه الأرض مثل المنفوش «2» لا ظفر ولا شعر، فأنبت الله عليه شجرة يستظل تحتها، فتساقط ورقها ويبست، فحزن لذلك، فأوحى الله إليه: أتحزن على شجرة ولا تحزن على مئة ألف أو يزيدون؟
وروي عن عائشة مرفوعا:
«أمّا صلاة الفجر فتاب الله على آدم، وأمّا صلاة الهاجرة فتاب الله على داود، وأمّا العصر فتاب الله على سليمان، وأمّا المغرب فبشر يعقوب بيوسف، وأمّا العشاء فأخرج الله يونس من بطن الحوت حين «3» اشتبكت النجوم، وغاب الشّفق، فصلى لله أربع ركعات شكرا، فجعلها الله لي ولأمّتي تمحيصا، وكفّارات ودرجات» . وكذا قال في البواقي.
وقيل: إن يونس كان آثر الصمت، فقيل له: يا نبي الله، إنّا نراك تكثر السكوت؟ فقال:
كثرة الكلام أسكنتني بطن الحوت. فلمّا خرج يونس من بطن الحوت عاتبه الله في دعائه على قومه، فقال له: آليت على نفسي أن أعذّبك، فقال: عذاب الدنيا، فقال: اخطب من فلان ابنته، ففعل، فكانت تسومه سوء العذاب.
قال محمّد بن زكريا الغلابي: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن، عن أبيه، قال: كان.... «4» يكنى أبا إسحاق، وكانت له نوادر، فبينا ذات يوم جالس إذ جاء أصحابه، فقالوا:
يا أبا إسحاق، هل لك في الخروج بنا إلى العقيق، وإلى قباء، وإلى أحد ناحية قبور الشهداء؟
فإن هذا يوم كما ترى طيب. فقال: اليوم يوم الأربعاء ولست أبرح من منزلي، فقالوا: ما تكره من يوم الأربعاء، وفيه ولد يونس بن متّى. قال: بأبي وأمي صلّى الله عليه وسلّم فقد التقمه الحوت، فقالوا:
يوم نصر فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الأحزاب. قال: أجل، ولكن بعد أن زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر.(74/289)
قال شهر بن حوشب:
كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت «1» . ولم يذهب إلى القوم إلّا من بعد ما خرج من بطن الحوت.
قال إسحاق أخبرنا سعيد عن قتادة، عن الحسن قال:
إنّ يونس كان نبيا، ثم صار من بعد ما أنجاه الله من بطن الحوت نبيا رسولا، لأنّ الله يقول: وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. وَأَرْسَلْناهُ
[يعني] «2» من بعد ذلك إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ
، قال: والزّيادة عشرون ألفا، وقيل: سبعون ألفا.
قال هشام بن عمار، حدّثنا الوليد بن مسلم، حدّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة قال:
إن يونس- عليه السّلام- لقي راعيا من أهل نينوى بعد أن كشف الله عنهم العذاب، فقال له: أنا يونس، فقال الراعي: هات بيّنة على ما تقول؛ فإنّي من قوم إذا حدّث رجل منهم فكذّب قتل. قال: هذه الشاة تشهد لك، وهذه الشجرة. فشهدتا له بذلك، فملكوه «3» .
وعن الحسن قال:
فرجع يونس، فمرّ براع من رعاة قومه، فقال له: ما فعل يونس؟ قال: لا ندري ما حاله، غير أنّه كان خير الناس، وأصدق الناس، وأخبرنا عن العذاب فجاءنا على ما قال، فتبنا إلى الله، فرحمنا. ونحن نطلب يونس، ما ندري أين هو، ولا نسمع له بذكر. فقال له يونس: هل عندك لبن؟ قال: والذي أكرم يونس ما أمطرت السماء، ولا أعشبت الأرض منذ فارقنا يونس. فقال: ائتني بنعجة، فمسح يده على بطنها، ثم قال: درّي بإذن الله، فدرّت لبنا، فاحتلبها يونس، فشرب يونس والراعي، فقال له الراعي: إن كان يونس حيا فأنت هو، قال: فإنّي أنا يونس، فأت قومك، فأقرهم مني السّلام، قال الراعي: إن الملك قد قال: من أتاني فأعلمني أنّه رأى يونس، وجاءني على ذلك ببرهان جعلت له عليه ملكي، وجعلته مكاني، ولا أستطيع أبلغه ذلك إلّا بحجة، فإني أخاف أن يقال لي: إنّما فعلت هذا القول للملك. قال يونس: تشهد الشاة التي شربت [من] «4» لبنها. فقال: ما يمنعك يا نبيّ الله أن تأتيهم، فتسلّم عليهم؟ قال: لا يروني أبدا.(74/290)
وقال سعيد عن قتادة عن الحسن: أنه رجع إليهم؛ وذلك أن الراعي انطلق، فنادى في المدينة بصوت رفيع حزين: ألا إنّ رسول الله يونس بن متّى قد رأيته. فاجتمع الناس، وكذّبوه، فقال: إنّ لي بينة، واستشهد الشاة أنه رآه، فأطلق الله لسانها، فقالت: نعم، وشرب من لبني، وأمرني أن أشهد لك. ثم انطلق بهم إلى الصخرة، فقال لها: أيّتها الصخرة، نشدتك بالذي كشف عنا العذاب، هل رأيت يونس؟ قالت: نعم، وأمرني أن أشهد لك، وإنه لتحت ظلّي الساعة، فانحدروا في الوادي، فإذا هم بيونس قائما يصلّي، فاحتملوه، ورفعوا أصواتهم بالبكاء والتضرع إلى الله حتى أدخلوه مدينتهم، فأنزل الله عليهم بركات السماء، وأخرج لهم من بركات الأرض، وجمع الله تعالى بين يونس وأهله، فأقام فيهم حتى أقام لهم السنن والشرائع. ثم سأل ربه أن يخرج، فيسيح في الأرض، فيتعبد حتى يلحق بالله، فأذن له، فخرج. وعمد الملك إلى الراعي الذي رأى يونس، فولاه الملك، وقال: أنت خيرنا وسيّدنا. ثم لحق الملك بالنّساك، فلم ير بعد ذلك يونس، ولا الملك.
وقال ابن سمعان:
لما شهدت له الصخرة والشاة، اجتمعوا فبكوا حزنا على ذكر يونس، ولما يروه، وقالوا للراعي: أنت خيرنا وسيدنا، إذا رأيت، فملكوه عليهم، وقالوا: لا ينبغي أن يكون فينا أحد أرفع منك. ولا نعصي لك أمرا بعد ما رأيت يونس، فكان ذلك آخر العهد بيونس. وكل قالوا: فملكهم الراعي أربعين سنة.
وفي رواية عمرو بن ميمون الأودي:
أن يونس قال للراعي: إني أبعث معك بشاهدين: هذه الشجرة وهذا الحجر.
فاحتملهما الراعي معه، وأتى قومه، وكانوا قد سمعوا أن الله أرسل إليهم رسولا فتلكأ، فالتقمه الحوت، فالقوم فزعون وجلون لا يدرون ما يأتيهم من أمر الله، فقالوا: كذاب، أنا.... «1» قال: إني قد جئتكم على ما أقول ببينة. قالوا: هات. قالت الشجرة: نعم، أنا أشهد أنه رسول الله إليكم. وقال الحجر: وأنا أشهد مثل ذلك. وأتاهم يونس وأمن القوم(74/291)
وصدقوه، فمات يونس ولم يولّ أمرهم أحدا، فاجتمع القوم فقالوا: مات رسول الله ولم يولّ أمرنا أحدا فمن أحق بهذا الأمر بعده. قال لهم أولو النهى: لا نعلم أحدا أحق بهذا الأمر من رسول رسول الله إليكم الذي بشركم، فملكوا الراعي عليهم، فملكهم أربعين سنة «1» .
قال أبو الجلد «2» :
إنّ العذاب لمّا هبط على قوم يونس «3» جعل يحوم على رؤوسهم مثل قطع الليل المظلم، فمشى ذوو العقول منهم إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا: إنا قد نزل بنا ما ترى فعلّمنا دعاء ندعو به عسى الله أن يرفع عنا عقوبته. قال: قولوا: يا حي حين لا حي، ويا حي تحيي «4» الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت. قال: فكشف الله عنهم. قال الفضيل بن عياض:
بلغني أنّ قوم يونس لما عاينوا العذاب قال رجل منهم: اللهم إنّ ذنوبنا قد عظمت وجلّت، وأنت أعظم منها، وأجلّ، فافعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله. قال:
فكشف الله عنهم العذاب.
قال أبو الحوراء:
كان العذاب قد أظل قوم يونس حتى كان فوق رؤوسهم، فلما دعوا الله كشف عنهم.
قال علي بن الجعد: حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرة: سمعت عبد الله بن سلمة عن علي قال: لا ينبغي لأحد- قال علي بن الجعد: عن علي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينبغي لعبد(74/292)
أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى، سبح الله في الظلمات» «1»
[14441] .
وقال ابن الجعد: أخبرنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت حميد بن عبد الرّحمن يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
«قال الله عزّ وجل: لا ينبغي لعبد أن يقول أنه خير من يونس بن متّى»
[14442] .
وقال أبو الوليد: حدّثنا شعبة عن سعد: سمعت حميدا عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متّى» .
رواه البخاري عن أبي الوليد «2» .
زاد في رواية أخرى: قال الله تعالى، فاجتباه ربه فجعله من الصالحين.
وروي أيضا من حديث سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود «3» عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ومن حديث القاسم بن عبد الله بن جعفر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ومن حديث قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال «4» : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا ينبغي لأحد أن يقول إني خير من يونس بن متّى» نسبه إلى أبيه ... «5» ذنبا ثم اجتباه ربه.
وقال ابن وهب أخبرني أبو يحيى بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قال أنا خير من يونس بن متّى فقد كذب»
[14443] .
قال إسحاق بن بشر: أخبرنا سعيد عن قتادة عن الحسن وعباد بن كثير قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(74/293)
«لا تفضّلوا بيني وبين إخوتي من النبيين، ولا ينبغي لأحد أن يفضّل على يونس بن متّى»
[14444] .
عن ابن عباس «1» : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى على وادي الأزرق «2» ، وقال: «كأني أنظر إلى موسى منهبطا وله جؤار «3» إلى ربّه بالتّلبية» . ثم أتى على ثنية «4» ، فقال: «كأنّي أنظر إلى يونس بن متّى عليه عباءتان قطوانيتان «5» يلبّي تجيبه الجبال، والله يقول له: لبيك يا يونس، هذا أنا معك»
[14445] .
وعنه قال: كانت تلبية موسى: لبّيك عبدك وابن عبدك، وكانت تلبية يونس: لبيك كاشف الكرب «6» .
قال إسحاق أخبرنا عثمان بن الأسود بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:
«لقد مرّ بفم الرّوحاء «7» سبعون نبيا على نوق حمر خطمها اللّيف، ولباسهم العباء، وتلبيتهم شتّى، فمنهم يونس بن متّى، يقول: لبّيك فارج الكرب لبيك»
[14446] .
قال ابن أبي الدنيا حدّثني محمّد بن الحسين حدّثنا محمّد بن معاوية الأزرق: حدّثنا شيخ لنا قال:
التقى يونس وجبريل- عليهما السّلام- فقال يونس: يا جبريل، دلّني على أعبد أهل الأرض، فأتى به على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وهو يقول: متّعتني بهما حيث شئت، وسلبتنيهما حيث شئت، وأبقيت لي فيك طول الأمل، يا بارئا رضاك.(74/294)
فقال يونس: يا جبريل، إنما سألتك أن ترينيه صواما قواما، قال جبريل: إنّ هذا كان قبل البلاء هكذا، وقد أمرت أن أسلبه بصره، قال: فأشار إلى عينيه، فسالتا، فقال: متّعتني بهما حيثث شئت، وسلبتنيهما حيث شئت، وأبقيت لي «1» فيك طول الأمل، يا بارئا رضاك.
فقال جبريل: هلمّ تدعو الله، وندعو معك فيردّ عليك يديك ورجليك وبصرك، فتعود إلى العبادة التي كنت فيها، قال: ما أحبّ ذلك، قال: ولم؟ قال: أمّا إذا كانت محبّته في هذا فمحبّته أحبّ إليّ من ذاك. قال يونس: بالله يا جبريل، ما رأيت أحدا أعبد من هذا قطّ. قال جبريل: يا يونس، هذا طريق لا يوصل إلى الله- عزّ وجل-بشيء أفضل منه.
قال إسحاق بن بشر: وأخبرنا ابن سمعان ومقاتل وسليمان وسعيد بن بشير عن قتادة عن كعب قال:
إن يونس لحق بالعبّاد، وكانت العباد حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل يخرجون إلى الفيافي والجبال والسواحل؛ فمنهم من كان يأكل العشب، ومنهم من كان يأكل ورق الشجر، ومنهم من يطلب الرزق طلب الطير ويجزئه من الدنيا ما يجزىء الطير، تركوا الدنيا، فلولا هؤلاء ما نظر «2» الله إلى بني إسرائيل طرفة عين، غير أنّ الله كان متجاوزا عنهم، متعطفا عليهم، يدفع عنهم بأوليائه «3» .
قال كعب:
إنّ يونس لم يجامع الناس بعد ذلك حتى لحق بالله. وكان شعيا تلميذ يونس، وكان عبدا صالحا، قد اصطفاه الله، وطهّره، فلمّا مات يونس أمر شعيا أن يلحق «4» ببني إسرائيل، وكان إذا ملك الملك على بني إسرائيل بعث الله معه نبيا يسدّده، ويرشده، ويكون فيما بينه وبين الله. قال: وشعيا «5» هو الذي بشّر بعيسى بن مريم، وبشّر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فخبّر بني إسرائيل أنّه يكون نبي يخلق من غير ذكر، من عذراء صدّيقة طيّبة مباركة، يركب الحمار، يكون على(74/295)
يديه العجائب والآيات، يبشّر بنبي من بعده اسمه أحمد من ولد قيذار بن إسماعيل، مولده بمكة، ومهاجره بأرض طيبة، أمّته خير أمّة أخرجت للناس، يركب الجمل، ويقاتل الناس بقضيب الحديد، طيّبت أمّته وقدّست وهم في أصلاب آبائهم، خير من مضى، وخير من بقي، يجعل الله فيهم العزّ والسلطان في آخر الزمان، ويظهرهم على الدين كله ولو كره المشركون «1» .
[10223] يونس بن موسى ابن عبد الرّحمن
قيل إنه دمشقي.
روى عن الحسن بن حماد بن يعلى.
روى عنه: موسى بن سيار بن عبد الرّحمن.
[10224] يونس بن ميسرة بن حلبس أبو عبيد، ويقال أبو حلبس الجبلاني الأعمى
أخو يزيد بن ميسرة.
روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ووائلة بن الأسقع، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن بسر «2» المازني، وأم الدرداء، وأبي إدريس الخولاني، وأبي مسلم الخولاني، ومحمّد بن المنكدر، وعبد الملك بن مروان وغيرهم. روى عنه الأوزاعي وكناه أبا عبيد، ومحمّد بن مهاجر، ومروان بن جناح، وسعيد بن عبد العزيز، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وأبو عبد رب [....] »
وغيرهم.
__________
[10224] ترجمته في تهذيب الكمال 20/560 وتهذيب التهذيب 6/23 والتاريخ الكبير 8/402 والجرح والتعديل 9/246 وحلية الأولياء 5/250 وسير أعلام النبلاء 5/230. و «ميسره» وفي مختصر أبي شامة: «ميسر» والتصويب عن مصادر ترجمته.(74/296)
وقال هشام بن عمار حدّثنا عمرو بن واقد، حدّثنا يونس بن حلبس قال:
سمعت معاوية بن أبي سفيان على منبر دمشق «1» .
وقال الوليد:
حدّثنا مروان عن يونس عن معاوية.
وقال ابن سميع في الطبقة الرابعة «2» ، يونس بن ميسرة بن حلبس الجبلاني، دمشقي قتل يوم دخلت المسودة دمشق.
قال يحيى بن معين:
يونس بن ميسرة بن حلبس أدرك معاوية «3» ومات يوم المسودة.
وقال محمّد بن سلام المنبجي، حدّثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن أبي حلبس، عن معاوية بن أبي سفيان:
أنه توضّأ لهم وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاثا ثلاثا، فلمّا غسل رجليه أنقاهما ولم يعدّ لهما عددا من الماء حتى أنقاهما.
قال البخاري: حدّثنا هشام، سمع محمّد بن شعيب، سمع مروان بن جناح سمع يونس بن ميسرة حدّثني من سمع معاوية يقرأ:
يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ
[سورة آل عمران، الآية: 55] .
وقال الأوزاعي: ليس تغسل الرجلين عددا، اغسلهما، وأنقهما.
قال ابن سعد في الطبقة الخامسة من أهل الشام «4» : يونس بن ميسرة بن حلبس. وكان ثقة. لمّا دخل المسوّدة في أوّل سلطان بني هاشم دمشق دخلوا مسجدها، فقتلوا من وجدوا فيه، فقتل يومئذ يونس بن ميسرة بن حلبس، وقتل يومئذ جد أبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغسّاني الدمشقي، وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، في أول خلافة أبي العباس.(74/297)
قال الدارقطني «1» :
وأما جبلان- بالباء- فهي قبيلة باليمن، وهو جبلان بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم- ورفع في نسبه إلى حمير، ثم قال: - وإخوتهم وصّاب بن سهل، إليهما «2» ينسب الجبلانيّون والوصّابيّون، وهما قبيلتان «3» بحمص. [منهم] يونس بن ميسرة الجبلاني، وعمر بن حفص الوصّابي، وغيرهما.
قال ابن ماكولا «4» :
أما حلبس- بفتح الحاء المهملة وسكون اللام، وفتح الباء المعجمة بواحدة.
[فهو: يونس بن ميسرة بن حلبس أبو حلبس. يروي عن معاوية بن أبي سفيان وأبي إدريس الخولاني وغيره. روى عنه روح بن جناح] «5» .
قال أحمد العجلي «6» :
يونس بن ميسرة بن حلبس شامي تابعي ثقة.
وقال ابن عمار: هو ثقة «7» .
وقال الدارقطني: هو ثقة «8» ، دمشقي.
قال محمّد بن إبراهيم الكتاني الأصبهاني:
قلت لأبي حاتم: ما تقول في أيوب بن ميسرة بن حلبس؟ فقال: صالح الحديث هو وأخوه يونس بن ميسرة بن حلبس. قلت لأبي حاتم: إنّ يونس بن ميسرة كان من خيار المسلمين، أدرك معاوية، ونفرا من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وروى عن أبي إدريس الخولاني وأبي(74/298)
الدرداء، وكان يقرىء في مسجد دمشق، وكفّ بصره «1» ، فلمّا دخل عبد الله بن علي البلد قام يدخل البيت، فكدمته دابة، فمات؟ فقال أبو حاتم: نعم.
قال هشام بن عمار، حدّثنا عمرو بن واقد، حدّثنا يونس بن [ميسرة بن] «2» حلبس قال:
خرجت عام توفي معاوية حاجا، فإني لأسير إذ أدركني عبد الله بن عمر، فسلّم، فرددت. ثم هازلني، فقال: جنادل «3» بلادنا أكثر من جنادل بلادكم. فقلت: وثمار بلادنا أكثر من ثمار بلادكم. فقال: أجل. قلت: أخبرني عن ابن عمر؟ فقال: لو أقسمت بالله ما عمل ابن عمر منذ أسلم عملا إلّا لله لبررت.
قال سعيد بن عبد العزيز: أخبرني ابن حلبس: إنّ لقمان قال لابنه: يا بنيّ ثق بالله، ثم سل في الناس: من ذا الذي وثق بالله فلم ينجه؟
يا بني، توكل على الله، ثم سل في الناس؛ من ذا الذي توكل على الله فلم يكفه؟ يا بني، أحسن الظنّ بالله، ثم سل في الناس: من ذا الذي أحسن بالله «4» الظنّ فلم يكن عند حسن ظنه به.
وقال يونس بن حلبس:
من عمل على غير يقين فباطل يتعنّى «5» .
وقال «6» : تقول الحكمة: يتعنى «7» ابن آدم وأجدني «8» في حرفين: يعمل بخير ما يعلم، ويذر «9» شرّ ما يعلم.(74/299)
وقال «1» : أين إخواني؟ أين أصحابي؟ ذهب المعلّمون، وبقي المتعلّمون، ذهب المطعمون وبقي المستطعمون.
وقال «2» : الزهد أن يكون حالك في المصيبة، وحالك إذا لم تصب بها «3» سواء، وأن يكون مادحك وذامّك في الخلق «4» سواء.
وقال «5» : إذا تكلّفت ما لا يعنيك لقيت ما يعنّيك.
وقال: حرّم الله على نفس أن تموت حتّى ينقطع أثرها، وحتى تأتي على آخر عملها، وحتى تستوعب آخر رزقها، وحتى ينقطع أجلها.
وقال «6» : اللهم إنّي أسألك حزما «7» في لين، وقوة في دين، وإيمانا في يقين، ونشاطا في هدى، وبرّا في استقامة، وكسبا من حلال.
قال الهيثم بن عمران «8» :
كنت جالسا عند يونس بن حلبس، وكان عند غياب الشمس يدعو بدعوات فيها: اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك. فكنت أقول في نفسي: من أين يرزق هذه الشهادة وهو أعمى؟! فلمّا دخلت المسوّدة دمشق قتل.
قال الهيثم «9» :
بلغني أن الخراسانيين اللذين قتلاه بكيا عليه لما أخبرا من صلاحه، وكان من آنس الناس مجلسا.(74/300)
قال أبو زرعة الدمشقي «1» :
وأيوب ويونس أخوان ابنا ميسرة بن حلبس، أيوب أكبرهما وأقدمهما موتا، ويونس يكنى أبا حلبس قتل سنة اثنتين وثلاثين ومئة»
، في شهر رمضان، إذ دخل عبد الله بن علي دمشق.
وقال غيره بلغ عشرين ومئة سنة «3» .
[قال عمرو بن أبي سلمة التنيسي عن سعيد بن عبد العزيز عن ابن حلبس قال عيسى عليه السّلام: إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع المال، وتزيينه عند الهوى، واستكماله عند الشهوات] «4» .
[عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: مكتوب في اللوح بين يدي الله تعالى: إني أنا الله لا إله إلّا أنا الرحمن الرحيم، أرحم وأترحم، سبقت رحمتي غضبي، وعفوي عقوبتي، وأذنت لمن جاء بواحدة من ثلاثين وثلاثمائة شريعة أن أدخله جنتي.
عن عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس أنه كان يمر على المقابر بدمشق يهجر يوم الجمعة، فسمع قائلا يقول: هذا يونس بن حلبس قد هجر، تحجون وتعتمرون كل شهر، وتصلون كل يوم خمس صلوات، أنتم تعملون ولا تعملون، ونحن نعلم ولا نعمل، قال:
فالتفت يونس، فسلم، فلم يردوا عليه قال: سبحان الله أسمع كلامكم وأسلم فلا تدرون؟
قالوا: قد سمعنا كلامك ولكنها حسنة، وقد حيل بيننا وبين الحسنات والسيئات] «5» .
[قال أبو محمّد بن أبي حاتم] «6» :
[يونس بن ميسرة بن حلبس أبو حلبس الأعمى الجبلاني الشامي روى عن وائلة بن الأسقع، وأم الدرداء، وأبي إدريس الخولاني، روى عنه الأوزاعي، ومحمّد بن مهاجر،(74/301)
ومروان بن جناح، وخالد بن يزيد المزني، وسليمان بن عتبة. سمعت أبي يقول ذلك] «1» .
[قال البخاري] «2» :
[يونس بن ميسرة بن حلبس أبو حلبس الأعمى الجبلاني الشامي عن أم الدرداء وعبد الله بن عمرو. قال أحمد بن يونس حدّثنا محمّد بن كثير عن الأوزاعي عن أبي عبيد يونس بن ميسرة الجبلاني] «3» .
[10225] يونس بن يزيد بن أبي النّجاد- ويقال: ابن مشكان أبو يزيد القرشي- مولاهم- الأيلي
حدّث عن الزهري، وهشام بن عروة، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر، ونافع مولى ابن عمر، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبي الزناد، ورزين بن حيان. روى عنه: الليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك، وأنس بن عياض، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن وهب، وسليمان بن بلال، ويحيى بن أيوب، وعنبسة بن خالد.
قدم دمشق، وصحب الزهري بالشام ثنتي عشرة سنة، وقيل: أربع عشرة سنة «4» .
قال ابن سعد «5» :
وكان بأيلة: يونس بن يزيد الأيلي، وكان حلو الحديث كثيره، وليس بحجّة، ربما «6» جاء بالشيء المنكر.
قال عباس بن محمّد: سمعت يحيى يقول: قد حدث وكيع عن يونس بن يزيد بن
__________
[10225] ترجمته في تهذيب الكمال 20/565 وتهذيب التهذيب 6/284 والتاريخ الكبير 8/406 وسير أعلام النبلاء 6/297 والجرح والتعديل 9/247 وتذكرة الحفاظ 1/162 وميزان الاعتدال 4/484 وشذرات الذهب 1/233.(74/302)
أبي النجاد الأيلي قال أبو الفضل: وما سمعت أحدا يقول: ابن أبي النجاد إلّا يحيى، وإنما يقول الناس: يونس بن يزيد الأيلي فقط.
قال أبو العباس الثقفي: حدّثنا أبو همام حدّثنا عبد الله- يعني ابن المبارك عن يونس بن يزيد [بن مشكان مولى معاوية بن أبي سفيان وقال يحيى ... في تسمية أهل أيلة....] «1» .
وذكره خليفة في الطبقة الثالثة من أهل مصر «2» : [يونس بن يزيد الأيلي] «3» .
قال أبو أحمد الحاكم:
روى عنه الأوزاعي، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وله أخوان يسمى أحدهما خالدا وهو والد عنبسة الذي حدّث عنه أحمد بن صالح، وثانيهما يكنى أبا عليحدّث عن الزهري.
قال أبو سعيد بن يونس بن عبد الأعلى:
يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، نسبوه في موالي بني أمية، يكنى أبا يزيد، سأل القاسم بن محمّد، وسالم بن عبد الله بن عمر، زعموا أنه توفي بصعيد مصر سنة اثنتين وخمسين ومئة «4» .
قال البخاري: مات سنة تسع وخمسين ومئة «5» .
قال يحيى بن معين: عقيل ويونس موليان لبني أمية، وعقيل أثبتهما.
وقال يحيى: يونس بن يزيد شهد الإملاء من الزهري للسلطان.
قال عبد الرّحمن بن مهدي: لم أكتب كتاب يونس بن يزيد إلّا عن ابن المبارك، فإنه أخبرني أنه كتبها عنه من كتابه. قال عبد الرّحمن وكتابه صحيح «6» .(74/303)
قال عبدان «1» : قال عبد الله «2» : إذا نظرت في حديث معمر ويونس، يعجبني كأنهما خرجا من مشكاة واحدة.
قال عثمان بن سعيد: سمعت أحمد بن صالح يقول: لا نقدم في الزهري على يونس أحدا.
قال ابن وهب: أخبرني يونس بن يزيد قال:
أرسلني ابن شهاب في شيء، فلمّا عدت قلت لابن شهاب: ما حدّثت بعدي؟ قال: يا يونس، لا تكاثر العلم مكاثرة، خذه في الليالي والأيام.
وقال: سمعني الزّهري أثني على عالم، فقال: ما تزيد لو رأيت عبيد الله بن عبد الله! قال هارون بن سعيد الأيلي: أخبرنا خالد يعني ابن نزار «3» قال: سألني الأوزاعي، فقال لي: أنت من أهل أيلة، أين أنت عن أبي يزيد؟ - يعني يونس بن يزيد الأيلي- فحضّني عليه.
قال أحمد «4» : كان الزّهريّ إذا قدم أيلة نزل على يونس، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس.
قال عبد الله بن المبارك- وذكر أصحاب الزّهري «5» -:
كان يونس أحفظهم للمسند. وقال: ما رأيت مثل معمر في الزّهري إلّا أنّ يونس كان آخذ للمسند.
وقال «6» : ليس أحد أعلم بحديث الزّهري من معمر إلّا ما كان من يونس فإنه كتب الكتب على الوجه.
قال أحمد: سمعت أحاديث يونس عن الزهري، فوجدت الحديث الواحد ربما سمعه من الزهري مرارا.(74/304)
قال أبو بكر الأثرم «1» : قال أبو عبد الله قال عبد الرزّاق عن ابن المبارك: ما رأيت أحدا أروى عن الزهري من معمر إلّا ما كان من يونس، فإنه كتب كل شيء. قيل لأبي عبد الله: فإبراهيم بن سعد؟ قال: وأي شيء روى إبراهيم بن سعد عن الزهري، إلّا أنه في قلة روايته أقل خطأ من يونس. ورأيته يحمل على يونس.
قال الأثرم «2» :
أنكر أبو عبد الله على يونس، وكان يجيء عن سعيد [يعني ابن المسيب] «3» بأشياء ليست من حديث سعيد وضعف أمر يونس وقال: لم يكن يعرف الحديث، وكان يكتب أرى، أول الكتاب فينقطع الكلام، فيكون أوله عن سعيد وبعضه عن الزهري، فيشتبه عليه.
قال عثمان بن سعيد الدارمي «4» : قلت ليحيى بن معين، فيونس أحب إليك أم عقيل؟
فقال: يونس ثقة، وعقيل ثقة نبيل الحديث عن الزهري، قلت: أين يقع- يعني الأوزاعي- من يونس؟ فقال: يونس أسند عن الزهري، والأوزاعي ثقة، ما أقل ما روى الأوزاعي عن الزهري.
قال يعقوب بن شيبة حدّثنا أحمد بن العباس قال: قلت ليحيى بن معين: من أثبت:
معمر أو يونس؟ قال: يونس أسندهما، وهما ثقتان جميعا «5» .
وقال عباس بن محمّد: سمعت يحيى يقول: أثبت الناس في الزهري مالك بن أنس، ومعمر، ويونس، وعقيل، وشعيب بن أبي حمزة، وسفيان بن عيينة «6» .
قال يعقوب بن سفيان: حدّثني محمّد بن عبد الرحيم قال: قال علي:
أخبرني يحيى بن سعيد قال:
لمّا قدم ابن المبارك من عند معمر قلت له: اكتب لي حديث الإفك عن معمر، قال:
إن شئت كتبته لك عن معمر قراءة، وإن شئت كتبته له عن يونس إملاء. قال: قلت: لا أريده.(74/305)
قال وكيع:
لقيت يونس الأيلي، فجهدت الجهد حتى يتخلّص منه حديث واحد، فلم يكن يحفظ. وقال: زاملت يونس إلى مكّة، فلم يكن يحفظ شيئا، كانت كتبه معه.
وقال: لقيت يونس بن يزيد الأيلي وذاكرته أحاديث الزهري المعروفة، وجهدت أن يقيم لي حديثا فما أقامه.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: معمر، ويونس عالمان بالزهري «1» .
وقال: سمعت يحيى يقول: أثبت أصحاب الزهري مالك ويونس، كانا عالمين به «2» .
قال يعقوب بن سفيان «3» : حدّثني محمّد بن عبد الرحيم قال: سمعت عليّا يقول:
أثبت الناس في الزهري: سفيان بن عيينة وزياد بن سعد ثم مالك ومعمر ويونس من كتابه.
قال يعقوب: قال الفضل بن زياد: قال أحمد: يونس أكثر حديثا عن الزهري من عقيل، وهما ثقتان» .
قال محمّد بن عبد الله بن عمار: مالك وسفيان ومعمر، هؤلاء أصحاب الزهري، ويونس بن يزيد عارف برأيه «5» ، ولكن هؤلاء هم أصحابه المثبتون.
قال يعقوب بن شيبة: يونس بن يزيد عالم بحديث الزهري، وصالح الحديث «6» .
وقال أحمد العجلي: هو ثقة «7» .
وقال أبو زرعة الرازي: لا بأس به «8» .(74/306)
وقال ابن خراش: هو صدوق من أهل أيلة «1» .
قال أحمد بن حنبل: قال وكيع: رأيت يونس الأيلي وكان سيء الحفظ «2» .
قال أحمد: سمع منه وكيع ثلاثة أحاديث.
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل أي أصحاب الزهري أعجب إليك، فكأنه كره الجواب على هذا اللفظ، ثم ابتدأ فقال: ما لك يروي أحاديث قليلة، وذكر معمر ثم ذكر يونس، فقال: كثير الخطأ عن الزهري.
قال أبو عبد الله: ويونس يروي أحاديث من رأي الزهري ويجعلها عن سعيد، ويحمل على سعيد كثيرا وعقيل «3» أقل خطأ منه قال سعيد بن عمرو البردعي: قلت لأبي زرعة الرازي: يونس بن يزيد الأيلي عن غير الزهري؟ فقال: ليس بالحافظ كان صاحب كتاب فإذا أخذ من حفظه لم يكن عنده شيء.
وقال الأحوص بن المفضل: حدّثنا أبي قال: وكان يونس وعقيل من أهل أيلة وماتا بمصر. مات عقيل سنة إحدى وأربعين ومئة «4» ومات يونس سنة تسع وخمسين ومئة.
وقال ابن يونس «5» : مات سنة اثنتين وخمسين ومائة وقد تقدم، وقيل: مات سنة ستين [ومئة] «6» .
[10226] يونس المديني الكاتب
قدم دمشق في خلافة هشام بن عبد الملك، ثمّ قدم على الوليد بن يزيد.
حكي عنه أنّه قال:
__________
[10226] انظر أخباره في الأغاني 4/398 وسماه: يونس بن سليمان بن كرد بن شهريار، من ولد هرمز، وقيل إنه مولى لعمرو بن الزبير. ومنشؤه ومنزله بالمدينة. وكان أبوه فقيها، فأسلمه في الديوان فكان من كتّابه، وأخذ الغناء، عن معبد وابن سريج ومحرز والغريض. وهو أول من دوّن الغناء.(74/307)
خرجت إلى الشام في خلافة هشام ومعي جاريتي عاتكة، وقد كنت علمتها وحذقتها، وأنا أقدّر منها ما أستغني به. فلما قربنا من دمشق نزلت القافلة على غدير، ونزلت ناحية منهم، فأقبل فتى حسن الوجه والهيئة، على فرس أشقر، ومعه خادمان، وعليه ثياب وشي مذهبة، ما أدري أوجهه أحسن أم ثيابه، فسلّم عليّ وقال: أتقبل ضيفا؟ فقمت، فأخذت بركابه، وقد علمت أنّه من أهل بيت الخلافة، ودخلني له هيبة وإجلال، وقلت: انزل سيدي، فنزل. فذكر أنه سقاه، وغنّاه وغنته الجارية حتى ظلمة «1» العشاء الآخرة، فقال: ما أقدمك بهذه الجارية؟ قلت: أردت بيعها، قال: كم قدّرت منها؟ قلت: رجوت فيها قضاء ديني، وصلاح حالي. قال: قد أخذتها بخمسين ألف درهم، ولك بعد ذلك جائزة وكسوة ونفقة طريقك، وإن أشركك في حالي أبدا ما بقيت. قلت: قد بعتكها، قال: قد قبلت، أفتثق بي أن أحمل إليك ذلك غدا وأحملها معي، أو تكون عندك؟ قلت: قد وثقت بك، فخذها، بارك الله لك فيها. فقال لأحد خادميه: احملها على دابتك، وارتدف وراءها، واحملها معك، ففعل، وركب فرسه، وودّعني. فما هو إلّا أن غاب عني حتى عرفت موضع خطئي «2» ، وقلت: ماذا صنعت بنفسي؟ رجل لا أعرفه، ولا أدري من هو- وهبني عرفته- من أين أصل إليه؟! وجلست مفكّرا، ثم قلت: الجارية برّة بي، لن تتركه أو تقضي حقّي. فلم أزل ليلتي أتململ حتى أصبحت، فصلّيت، وجلست في موضعي. ودخل أصحابي دمشق، وصهرتني «3» الشمس، وقلت: إن دخلت لم يعرف موضعي. فأقمت، وأنفذت رحلي مع بعض أهل المدينة، وجلست في ظل جدار هناك. فلمّا أضحى النهار إذا أنا بأحد «4» الخادمين قد أقبل إليّ، فما أذكر أني فرحت مثل فرحي بالنظر إليه، فقال لي: أنا منذ غدوة أدور عليك في رفقتك. فقبل أن أسأله عن شيء قلت: من صاحبي؟ قال: وليّ العهد الوليد بن يزيد.
فسكنت نفسي. ثم قال: قم فاركب، وإذا معه دابة، فركبت، ودخلت إلى داره، فقال: من تكون؟ قلت: يونس الكاتب، قال: مرحبا بك، أما ندمت على ما كان منك البارحة؟ قلت:(74/308)
معاذ الله، قال: لكني ندمت على أخذها منك، وقلت: رجل غريب لا يعرفني، وقد غممته الليلة، وسفّهت رأيي واستعجالي.
فذكر أنه أعطاه ثمنها خمسين ألفا، وزاده ألفي دينار وقال: هذه زيادة لحسن ظنّك وثقتك بنا، وخمسمائة درهم لرسم النفقة في الطريق، والهدية للأهل، وقال: إن أفضى هذا الأمر إليّ فاقصدني، فو الله لأملأنّ يديك، ولأغنينّك ما بقيت.
قال: فلمّا ولي الخلافة صرت إليه، فوفى بوعده، وزاد، ولم أزل معه حتى قتل.
بعونه تعالى تم مستدرك تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر وبه تم الكتاب كاملا إن شاء الله. ويليه الفهارس.
وقد بلغت عدة تراجم الكتاب بأجزائه ال (74) [10226] والحمد لله رب العالمين(74/309)