عن مهدى بن سابق قال طلب ابن أخي محمد بن سوقة منه شيئا فبكى فقال له والله يا عم لو علمت أن مسألتي تبلغ منك هذا ما سألتك قال ما بكيت لسؤالك إنما بكيت لأني لم أبتدئك قبل سؤالك
فضيل بن عياض عن محمد بن سوقة قال أمران لو لم نعذب إلا بهما لكنا مستحقين بهما لعذاب الله أحدنا يزاد الشيء من الدنيا فيفرح فرحا ما علم الله أنه فرحه بشىء زاده قط في دينه وينقص الشىء من الدنيا فيحزن عليه حزنا ما علم أنه حزنه على شيء نقصه قط في دينه
قال المؤلف أدرك محمد بن سوقة عن أنس بن مالك وأبا الطفيل وعامة روايته عن كبار التابعين
430 - سليمان بن مهران الأعمش الأسدى
يكنى أبا محمد مولى لبنى كاهل عن عيسى بن يونس قال ما رأينا في زماننا مثل الأعمش ما رأيت الأغنياء والسلاطين في مجلس أحد أحقر منهم في مجلس الأعمش وهو محتاج إلى درهم
وكيع قال كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم يفته التكبيرة الأولى واختلفت إليه قريبا من سبعين فما رأيته يقضى ركعة
إبراهيم بن عرعرة قال سمعت يحيى القطان إذا ذكر الأعمش (3/117)
قال كان من النساك وكان محافظا على الصلاة في الجماعة وعلى الصف الأول قال يحيى وهو علامة الإسلام
الوليد بن صالح الطائي قال قال الأعمش إني لأحب أن أعافى في إخواني لأنهم إن بلوا بليت معهم إما بالمواساة وفيها مؤونة وإما بالخذلان وفيه عار
سفيان قال لو رأيت الأعمش لقلت مسكين
أبو بكر بن عياش قال دخلت على الأعمش في مرضه الذي توفي فيه فقلت أدعو لك طبيبا فقال ما أصنع به فوالله لو كانت نفسي في يدي لطرحتها في الحش إذا أنا مت فلا تؤذنن بي أحدا واذهب بي فاطرحني في لحدي
قال المؤلف أدرك الأعمش جماعة من الصحابة وعاصرهم ورأى أنس بن مالك وسمعه يقرأ ولم يحمل عنه شيئا مرفوعا وأرسل عن ابن أبي أوفى
الفضل بن دكين ووكيع قالا ولد الأعمش يوم قتل الحسين وذلك يوم عاشوراء سنة ستين وتوفى سنة ثمان وأربعين ومائة وهو ابن ثمان وثمانين سنة
وقد قال يحيى بن عيسى الرملى ولد سنة ثمان وخمسين وقال الهيثم بن عدي مات سنة سبع وأربعين ومائة (3/118)
431 - أبو حيان بن سعيد التيمى
سمع من الشعبى وكان ثقة صالحا عبد الله بن إدريس قال ما رأيت الليل على أحد من الناس أخف منه على أبي حيان التيمي صحبناه مرة إلى مكة فكان إذا أظلم الليل فكأنه مثل هذه الزنابير إذا هيجت من عشها
432 - معروف بن واصل التيمي
أحمد بن عبدالله بن يونس قال كان معروف إمام مسجد بني عمرو ابن سعد وكان يختم القرآن في كل ثلاث سفرا وحضرا عز و جلISPLAYأم قومه ستين سنة لم يسه في صلاة قط لأنها كانت تهمه
433 - موسى بن أبي عائشة
يكنى أبا بكر مولى آل جعدة بن هبيرة الكوفى جرير بن عبدالحميد قال رأيت موسى بن أبي عائشة وإذا رأيته ذكرت الله لرؤيته وكان بين عينيه أثر السجود
أبو بكر القرشى قال أخبرني إسحاق بن إسماعيل قال أخبرنا سفيان قال أخبروني عن عمرو بن قيس قال ما رفعت رأسي بليل قط إلا رأيت موسى بن أبي عائشة قائما يصلي قال القرشى وقال غير إسحاق وكان يدعى المتهجد من شدة تغير لونه (3/119)
قال المؤلف رأى عمرو بن حريث وسعيد بن جبير وعبدالله ابن شداد وعبيد الله بن عبد الله في آخرين وروى عنه الثورى وكان يثني عليه
434 - خلف بن حوشب
عن عبدالسلام بن حرب قال ما رأيت أصبر على السهر من خلف بن حوشب سافرت معه إلى مكة فما رأيته نائما بليل حتى رجعنا إلى الكوفة
435 - كرز بن وبرة
كوفي الأصل إلا أنه سكن جرجان محمد بن فضيل بن غزوان عن أبيه قال دخلت على كرز بن وبرة بيته فإذا عند مصلا حفيرة وقد ملأها تبنا وبسط عليها كساء من طول القيام وكان يقرأ القرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات
قال أنبا محمد بن فضيل عن أبيه أو عن نفسه قال كان كرز إذا خرج يأمر بالمعروف فيضربونه حتى يغشى عليه
عن شبرمة قال صحبنا كرزا الحارثي فكنا إذا نزلنا إلى الأرض فإنما هو قائل ببصره هكذا ينظر فإذا رأى بقعة تعجبه ذهب فصلى فيها حتى يرتحل
قال ابن شبرمة سأل كرز بن وبرة ربه عز و جل أن يعطيه إسمه (3/120)
الأعظم على أن لا يسأل به شيئا من الدنيا فأعطاه ذلك فسأل الله عز و جل أن يقوى حتى يختم القرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات
خلف بن تميم قال سمعت أبي يذكر قال قدم علينا كرز بن وبرة الحارثي من جرجان فانجفل إليه قراء أهل الكوفة فكنت فيمن أتاه وما سمعت منه إلا كلمتين قال صلوا على نبيكم صلى الله عليه و سلم فإن صلاتكم تعرض عليه وقال اللهم اختم لنا بخير وما رأيت في هذه الأمة أعبد من كرز كان لا يفتر وكان يصلى في المحمل فإذا أنزل من المحمل افتتح الصلاة
عن صبيح مولى كرز بن وبرة قال أخبرني أبو سليمان المكتب قال صحبت كرزا إلى مكة فكان إذا نزل أدرج ثيابه فألقاها في الرحل ثم تنحى للصلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل قال فاحتبس يوما عن الوقت وانبث اصحابه في طلبه فكنت فيمن طلبه قال فأصبته في وهدة يصلى في ساعة حارة وإذا سحابة تظله فلما رآني أقبل نحوي فقال يا أبا سليمان لي إليك حاجة قلت وما حاجتك قال أحب أن تكتم ما رأيت قال قلت ذلك لك قال أوثق لي فحلفت أن لا أخبر به أحدا حتى تموت
محمد بن فضيل قال سمعت أبي يقول لم يرفع كرز بن وبرة رأسه إلى السماء منذ أربعين سنة
عمرو بن حميد قال أخبرني رجل من أهل جرجان قال لما مات (3/121)
كرز رأى رجل فيما يرى النائم كأن اهل القبور جلوس على قبورهم وعليهم ثياب جدد فقيل لهم ما هذا فقالوا إن أهل القبور كسوا ثيابا جددا لقدوم كرز عليهم
أبو داود الحفري قال دخلت على كرز بن وبرة بيته فإذا هو يبكي فقيل له ما يبكيك قال إن بابي لمغلق وإن ستري لمسبل ومنعت جزئى أن أقرأه البارحة وما هو إلا من ذنب أذنبته
قال المؤلف أسند كرز عن طاوس وعطاء والربيع بن خثيم والقرظى في آخرين
436 - أبو يونس القوى
واسمه الحسن بن يزيد العجلى اسمعيل بن زبان قال إنما سمي أبو يونس العجلى القوي لقوته على العبادة صلى حتى أقعد وبكى حتى عمي وصام حتى صار كالحشفة
وقال البخاري قال ابو عاصم قدم علينا ابو يونس فطاف في يوم واحد سبعين طوافا
وسمع أبو يونس من أبي سلمة وسعد بن جبير ومجاهد
437 - عبدالملك بن سعيد بن أبجر المتطيب
الوليد بن شجاع قال حدثني ابي قال كان ابن أبجر من شدة (3/122)
التوقي يقول من لا يعرفه إنه عيى وما به إلا شدة التوقى
الوليد بن شجاع قال حدثني أبي قال كان ابن أبجر من شدة التوقى إنما يتكلم بالمعاريض
عن السليط بن بسطام التميمي قال قال لي أبي إلزم عبدالملك ابن أبجر فتعلم من توقيه في الكلام فما أعلم بالكوفة أشد حفظا للسانه منه
عن جعفر الاحمر قال كان أصحابنا البكاؤون أربعة عبدالملك بن أبجر ومحمد بن سوقة ومطرف بن طريف وضرار بن مرة
سفيان قال قال سلمة بن كهيل ما بالكوفة أحد أحب أن أكون في مسلاخه أحب إلي من ابن أبجر
سفيان الثورى قال خمسة من اهل الكوفة يزدادون في كل يوم خيرا منهم ابن أبجر
عن عبدالملك بن أبجر قال ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر كيف شكره أو مبتلى ببلية لينظر كيف صبره
قال المؤلف اسند بن ابجر عن أبي الطفيل عامر بن واثلة وعن زر بن حبيش والشعبي في جماعة من نظرائهم (3/123)
438 - عمرو بن قيس الملائي
إسحاق بن خف قال أقام عمرو بن قيس الملائى عشرين سنة صائما ما يعلم به أهله يأخذ غداءه ويغدو إلى الحانوت فيتصدق بغذائه ويصوم وأهله لا يدرون
قال وكان إذا حضرته الرقة يحول وجهه إلى الحائط ويقول لجلسائه هذا الزكام وإذا نظر إلى أهل السوق قال ما أغفل هؤلاء عما أعد لهم
مفضل بن غسان قال قال عمرو حديث أرقق به قلبي وأتبلغ به إلى ربي عز و جل أحب إلي من خمسين قضية من قضايا شريح
أبو خالد الأحمر قال سمعت عمرو بن قيس الملائي يقول إذا بلغك شيء من الخير فاعمل به ولو مرة تكن من أهله
عبدالرحمن بن الحكم بن بشير بن سليمان قال أنبأ أبي قال رأيت سفيان يجىء إلى عمرو بن قيس يجلس بين يديه ينظر إليه لا يكاد يصرف بصره عنه أظنه يحتسب في ذلك
صالح بن أحمد بن عبدالله العجلى قال حدثني أبي عن أبيه عبدالله قال جاءت امرأة إلى عمرو بن قيس بثوب فقالت يا ابا عبدالله اشتر هذا الثوب واعلم أن غزله ضعيف قال فكان إذا جاءه إنسان يعرضه عليه قال إن صاحبته أخترتنى أنه كان في غزله ضعف حتى جاء رجل فاشتراه وقال هذا برأناك منه (3/124)
عمر بن حفص بن غياث قال لما احتضر عمرو بن قيس الملائي بكى فقال له أصحابه على ما تبكى من الدنيا فوالله لقد كنت تبغض العيش أيام حياتك فقال والله ما أبكي على الدنيا إنما أبكيخوفا أن احرم خوف الآخرة
المحاربي قال قال لي سفيان عمرو بن قيس هو الذي أدبني علمني قراءة القرآن وعلمني الفرائض وكنت أطلبه في سوقه فإن لم أجده في سوقه وجدته في بيته إما يصلى وإما يقرأ في المصحف كأنه يبادر أمورا تفوته فان لم أجده في بيته وجدته في بعض مساجد الكوفة في زاوية من زواياالمسجد كأنه سارق قاعدا يبكى فإن لم أجده وجدته في المقبرة قاعدا ينوح على نفسه فلما مات عمرو بن قيس أغلق اهل الكوفة أبوابهم وخرجوا بجنازته فلما خرجوا إلى الجبان وبرزوا بسريره وكان أوصى أن يصلى عليه أبو حيان التيمى تقدم أبو حيان وكبر عليه أربعا وسمعوا صائحا يصيح قد جاء المحسن وإذا البرية مملوءة من طير أبيض لم ير على خلقتها وحسنها فجعل الناس يعجبون من حسنها وكثرتها فقال أبو حيان من أي شيء تعجبون هذه الملائكة جاءت فشهدت عمرا
عن عبدالله بن سعيد الجعفي قال حضرنا جنازة عمرو بن قيس (3/125)
فحضره قوم كثير عليهم ثياب بيض فلما صلى عليه ذهبوا فلم نرهم
محمد بن يزيد الرفاعي قال سمعت من لا احصى كثرة يقول مات عمرو بن قيس بناحيه فارس فاجتمع على جنازته مالايحصى فلما دفن نظروا فلم يجدوا أحدا
أبو خالد وهو الأحمر قال لما مات عمرو بن قيس الملائي رأوا الصحراء مملوءة رجالا عليهم ثياب بيض فلما صلى عليه ودفن لم نر في الصحراء أحدا فبلغ ذلك أبا جعفر فقال لابن شبرمة وابن ابي ليلى ما منعكما أن تذكرا هذا الرجل فقالا كان يسألنا أن لا نذكره لك
قال المؤلف سمع عمرو من عكرمة وعطاء والمنهال بن عمرو وأبي اسحق السبيعي وابن المنكدر في خلق كثير من التابعين وتوفى بسجستان ويقال بالكوفة ويقال بالشام ويقال ببغداد والله أعلم
439 - عطوان بن عمرو التميمي
سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر قال كان عطوان بن عمرو التميمي رجلا منقطعا وكان يلزم الجبان بظهر الكوفة فأتاه قوم (3/126)
يسلمون عليه فوجدوه مغشيا عليه بين القبور فلم يزالوا عنده حتى أفاق فاستحيا منهم فجعل يقول لهم كهيئة المعتذر ربما غلب على النوم وربما اصابني الأعياء فالقى نفسي هكذا
محمد بن السماك قال ما رأيت أحدا أشد حذرا للموت من عطوان ابن عمرو
داود الطائي قال سألت عطوان بن عمرو التميمي قلت ما قصر الأمل قال ما بين تردد النفس
قال رستم فحدثت به الفضيل بن عياض فبكى وقال يقول يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه لقد كان عطوان من الموت على حذر
440 - قيس بن مسلم الجدلي
سفيان قال كان قيس بن مسلم يصلى حتى السحر ثم يجلس فيمسح البكاء ساعة بعد ساعة وهو يقول لأمر ما خلقنا لئن لم الآخرة بخير لنهلكن
قال وزار قيس بن مسلم محمد بن جحادة ذات ليلة فأتاه وهو في المسجد بعد صلاة العشاء قال ومحمد قائم يصلى فقام قيس بن مسلم في الناحية الأخرى يصلى فلم يزالا على ذلك حتى طلع الفجر وكان قيس بن مسلم إمام مسجده قال فرجع إلى الحي فأمهم ولم يلتقيا ولم يعلم محمد مكانه قال فقال له بعض أهل المسجد زارك أخوك (3/127)
قيس بن مسلم البارحة فلم تنفتل إليه قال ما علمت بمكانه قال فغدا عليه فلما رآه قيس بن مسلم مقبلا قام إليه فاعتنقه ثم خلوا جميعا فجعلا يبكيان
روى قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب وعبدالرحمن بن أبي ليلى وسعيد بن جبير ومات سنة عشرين ومائة (3/128)
ومن الطبقة الخامسة
441 - مسعر بن كدام بن ظهير
يكنى أبا سلمة سفيان بن عيينة قال ما لقيت أحدا أفضله على مسعر
قال سفيان الثورى لم يكن في زماننا مثله يعني مسعرا
أبو خالد الأحمر قال لم يكن في أترابه أطول صمتا منه يعني مسعرا
محمد بن مسعر قال كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع هجعة خفيفة ثم يثب كالرجل الذي قد ضل منه شيء فهو يطلبه فإنما هو السواك والطهور ثم يستقبل المحراب كذلك إلى الفجر وكان يجهد على إخفاء ذلك جدا
عن أبي أسامة قال سمعت مسعرا يقول أشتهى أن أسمع صوت باكية حزينة
محمد بن كناسة قال سمعت مسعرا يقول من أهمته نفسه تبين ذلك عليه
سفيان قال قال رجل لمسعر أتحب أن يخبرك الرجل بعيوبك قال إن كان ناصحا فنعم وإن كان يريد أن يؤنبني فلا
عبدالله بن المغيرة قال سمعت مسعر بن كدام ينشد (3/129)
ألا قد فسد الدهر ... فأضحى حلوه مرا
وقد جربت من أهوى ... فقد أنكرتهم طرا
فألزم نفسك اليأس ... من الناس تعش حرا
عبدالرحمن بن صالح يقول قال مسعر بن كدام
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
الفيض بن الفضل العجلى قال حدثني جار لمسعر قال بكى مسعر فبكت أمه فقال لها مسعر ما أبكاك يا أماه فقالت يا بني رأيتك تبكي فبكيت فقال يا أماه لمثل ما نهجم عليه غدا فلنطل البكاء قالت وما ذاك فانتحب فقال القيامة وما فيها قال ثم غلبه البكاء فقام
قال وكان مسعر يقول لولا أمي لما فارقت المسجد إلا لما لا بد منه وكان إن دخل بكى وإن خرج بكى وإن صلى بكى وإن جلس بكى
حسين بن يحيى بن آدم عن أبيه قال لما حضرت مسعرا الوفاة دخل عليه سفيان الثورى فوجده جزعا فقال له تجزع فوالله لوددت أني مت الساعة فقال مسعر أقعدوني فأعاد سفيان الكلام عليه فقال إنك إذا لواثق بعملك يا سفيان لكني والله (3/130)
على شاهقة جبل لا أدرى أين أهبط فبكى سفيان وقال أنت أخوف لله مني
احمد بن داود الحراني قال مصعب بن المقدام يقول رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام وسفيان الثوري آخذ بيده وهما يطوفان فقال الثوري يا رسول الله مات مسعر بن كدام قال نعم واستبشر به أهل السماء
قال المؤلف أسند مسعر عن أعلام التابعين وتوفى بالكوفة سنة اثنتين وقيل سنة خمس وخمسين ومائة
442 - دادود بن نصير الطائي
يكني ابا سليمان سمع الحديث وتفقه ثم اشتغل بالتعبد
احمد بن أبي الحواري قال حدثني بعض اصحابنا قال كان داود الطائي يجالس أبا حنيفة فقال له أبو حنيفة يا أبا سليمان أما الأداة فقد أحكمناها قال داود فأي شيء بقي قال بقي العمل به قال فنازعتني نفسي إلى العزلة والوحدة فقلت لها حتى تجلسي معهم فلا تجيبي في مسئلة قال فكان يجالسهم سنة قبل أن يعتزل قال فكانت المسئلة تجىء وأنا أشد شهوة للجواب فيها من العطشان إلى الماء فلا أجيب فيها قال فاعتزلتهم بعد
ابو أسامة قال جئت أنا وابن عيينة داود الطائي فقال قد جئتماني مرة فلا تعودا إلي (3/131)
ابن عائشة قال مر داود الطائي بمقبرة فسمع امرأة وهي تقول يا حبي ليت شعري بأي خديك بدأ البلى باليمنى أم باليسرى قال فصعق
قال وكان الثورى إذا ذكره قال أبصر الطائي أمره
محمد بن حاتم البغدادي قال سمعت الجماني يقول كان بدو توبة الطائي أنه دخل المقبرة فسمع امرأة عند قبر وهي تقول
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتسلى كما تبلى وأنت حبيب
أحمد بن أبي الحواري قال حدثني محمد يحيى عن داود الطائي قال ما أخرج الله عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا بشر
عن بكر بن محمد قال قال لي داود الطائي فر من الناس كما تفر من الأسد
محمد بن عثمان الصيرفي قال جاء أبو الربيع الأعرج إلى داود الطائي من واسط ليسمع منه شيئا ويراه فأقام على بابه ثلاثة ايام لا يصل اليد قال وكان إذا سمع الإقامة خرج فإذا سلم الإمام وثب فدخل منزله (3/132)
قال فصليت في مسجد آخر ثم جئت فجلست على بابه فلما جاء ليدخل الدار قلت ضيف رحمك الله قال إن كنت ضيفا فادخل فدخلت فأقمت عنده ثلاثة أيام لا يكلمني فلما كان بعد ثلاث قلت رحمك الله أتيتك من واسط وإني أحببت أن تزودني شيئا قال صم الدنيا واجعل فطرك الموت قلت زدني رحمك الله قال فر من الناس فرارك من الأسد غير طاعن عليهم ولا تارك لجماعتهم قال فذهبت أستزيده فوثب إلى المحراب وقال الله أكبر
عن أبي الربيع الأعرج قال أتيت داود الطائي وكان لا يخرج من منزله حتى يقول قد قامت الصلاة فيخرج فيصلى فإذا سلم الامام أخذ نعله ودخل منزله فلما طال ذلك على أدركته يوما فقلت يا أبا سليمان على رسلك فوقف لي فقلت له أبا سليمان أوصني قال اتق الله وإن كان لك والدان فبرهما ثم قال ويحك صم الدنيا واجعل الفطر موتك واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم
عبدالله بن إدريس قال قلت لداود الطائي أوصني قال أقلل من معرفة الناس قلت زدني قال أرض باليسير من الدنيا مع (3/133)
سلامة الدين كما رضى أهل الدنيا مع فساد الدين قلت زدني قال اجعل الدنيا كيوم صمته ثم أفطرت على الموت
إسحاق بن منصور السلولي قال دخلت أنا وصاحب لي على داود الطائي وهو على التراب فقلت لصاحبي هذا رجل زاهد فقال داود إنما الزاهد من قدر فترك
الوليد بن عقبة قال كان يخبز لداود الطائي ستون رغيفا يعلقها بشريط يفطر كل ليلة على رغيفين بملح وماء فأخذ ليلة فطره فجعل ينظر إليه قال ومولاة له سوداء تنظر إليه فقامت فجاءته بشىء من تمر على طبق فأفطر ثم أحيا ليلته وأصبح صائما فلما جاء وقت الافطار أخذ رغيفه وملحا وماء
قال الوليد بن عقبة فحدثني جار له قال جعلت أسمعه يعاتب نفسه ويقول اشتهيت البارحة تمرا فأطعمتك واشتهيت الليلة تمرا لا ذاق داود تمرا ما دام في الدنيا
عن حماد بن ابي حنيفة قال قالت مولاة لداود الطائي يا داود لو طبخت لك دسما قال فافعلي فطبخت له شحما ثم جاءته به فقال لها ما فعل أيتام بني فلان قالت على حالهم قال اذهبي به إليهم فقالت له فديتك إنما تأكل هذا الخبز بالماء قال إني إذا أكلته كان في الحش وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخورا (3/134)
صدقة الزاهد قال خرجنا مع داود الطائي في جنازة بالكوفة فقعد داود ناحية وهي تدفن فجاء الناس فقعدوا قريبا منه فتكلم فقال من خاف الوعيد قصر عليه البعيد ومن طال أمله ضعف عمله وكل ما هو آت قريب واعلم يا أخي أن كل ما يشغلك عن ربك فهو عليك مشؤم واعلم أن اهل القبور إنما يفرحون بما يقدمون ويندمون على ما يخلفون وأهل الدنيا يقتتلون ويتنافسون فيما عليه أهل القبور يندمون
أبو حفص قال سمعت ابن أبي عدي يقول صام داود الطائي اربعين سنة ما علم به أهله وكان خزازا وكان يحمل غذاءه معه ويتصدق به في الطريق ويرجع إلى أهله يفطر عشاء لا يعلمون أنه صائم
قال الشيخ وقد رويت لنا هذه الحكاية من طريق ابي حفص الفلاس أيضا
عن أبن أبي عدي أن هذا جرى داود بن أبي هند وسنذكرها في أخبار البصريين وهي بذاك أليق من داود الطائي وكان متشاغلا بالعلم ثم انقطع إلى التعبد ولم ينقل عنه أنه تشاغل بالمعاش فلعل بعض الرواة قال الطائي والله أعلم
محمد بن بشر العبدي قال قال داود يوما لمولاة له في الدار اشتهي (3/135)
لبنا فخدي رغيفا فائتى به البقال فاشترى به لبنا ولا تعلمي البقال لمن هو فذهبت فجاءت به فأكل وفطن البقال بعد أنها تريد اللبن لداود فطيبه له فقال لها علم البقال لمن تريدين اللبن فقالت نعم قال ارفعيه فما عاد فيه
قال وجاءه فضيل يوما فلم يفتتح له فجلس فضيل خارج الباب وهو داخل فبكى داود من داخل وفضيل من خارج ولم يفتح له قلت لمحمد بن بشر كيف لم يفتح له الباب قال قد كان يفتح لهم وكثروا عليه فغموه فحجبهم كلهم فمن جاءه كلمه من وراء الباب
وقالت له أمه لو اشتهيت شيئا اتخذته لك فقال أجيدي يا أماه فإني أريد أن أدعوا إخوانا لي قال فاتخذت وأجادت قال فقعد على الباب لا يمر سائل إلا أدخله قال فقدم إليهم فقالت له أمه لو أكلت قال فمن أكله غيري
قال وإنما جد واجتهد حين ماتت أمه قسم كل شيء تركت حتى لزق بالأرض وكانت موسرة
إسحاق بن منصور قال حدثني جنيد يعني الحجام قال أتيت داود الطائي فإذا قرحة قد خرجت على لسانه فبططتها وأخرجت (3/136)
قليل دواء فوضعته في خرقة فقلت إذا كان الليل فضعه عليها فقال ارفع ذلك اللبد فرفعته فإذا دينار فقال خذه قلت يا ابا سليمان ليس هذا ثمن هذا ثمن هذا دانق فوضعت الدواء في كوة وخرجت ثم غدوت بعد يومين فإذا الدواء على حاله قلت يا أبا سليمان سبحان الله لم لم تعالج بهذا الدواء فقال لي إن أنت لم تأخذ الدينار لم أمسه
إسماعيل بن زيان قال حجم حجام داود الطائي فأعطاه دينارا لا يملك غيره
حدثنا أبو سعيد السكرى قال احتجم داود الطائي فدفع دينارا إلى الحجام فقيل له هذا إسراف فقال لا عبادة لمن لا مروءة له
عبادة بن كليب قال رجل لدواد الطائي لو أمرت بما في سقف البيت من نسج العنكبوت فينظف فقال له أما علمت أنه كان يكره فضول النظر
الحسن بن عيسى قال سمعت عبدالله بن المبارك يقول وهل الأمر إلا ما كان عليه داود الطائي
عبيد الله بن محمود بن سلمة بن معبد قال لقى داود الطائي رجل فسأله عن حديث فقال دعني إني أبادر خروج نفسي
وكان الثورى إذا ذكره قال أبصر الطائي أمره
ابو خالد الأحمر قال مررت أنا وسفيان الثورى بمنزل داود (3/137)
الطائي فقال لي سفيان ادخل بنا نسلم عليه فدخلنا إليه فما احتفل بسفيان ولا انبسط إليه فلما خرجنا قلت له يا أبا عبدالله غاظني ما صنع بك قال وأي شيء صنع بي قلت لم يحفل بك ولم ينبسط إليك قال إن أبا سليمان لا يهتم في مودة أما رأيت عينيه هذا في شيء غير ما نحن فيه
أبو عمران قال حدثني أسود بن سالم أن داود الطائي كان يقول سبقني العابدون وقطع بي والهفاه
محمد بن أشكاب قال حدثني رجل من أهل داود الطائي قال قلت له يوما يا أبا سليمان قد عرفت الرحم التي بيننا فأوصني قال فدمعت عيناه ثم قال يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل فإن انقطاع السفر عن قريب والأمر أعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك فكأنك بالأمر قد بفتك إني لأقول لك هذا وما أعلم أحدا اشد تضييعا مني لذلك ثم قام وتركني
أبو المهنا الطائي قال خرج داود الطائي إلى السوق فرأى الرطب فاشتهته نفسه فجاء إلى البائع فقال له أعطني بدرهم إلى غد فقال له اذهب إلى عملك فرآه بعض من يعرفه فأخرج له صرة فيها مائة درهم وقال اذهب فإن أخذ منك بدرهم فالمائة لك فلحقه البائع وقال له (3/138)
ارجع خذ حاجتك فقال لا حاجة لي فيه إنما جربت هذه النفس فلم أرها تساوي في هذه الدنيا درهما وهي تريد الجنة غدا
حفص بن عمر الجعفي قال كان داود الطائي قد ورث عن أمه أربعمائة درهم فمكث يتقوتها ثلاثين عاما فلما نفدت جعل ينقض سقوف الدويرة فيبيعها حتى باع الخشب والبواري واللبن حتى بقي في نصف سقف وجاء صديق له فقال يا ابا سليمان لو أعطيتني هذه فابضعتها لك لعلنا نستفضل لك فيها شيئا ينتفع به فما زال به حتى دفعها إليه ثم فكر فيها فلقيه بعد العشاء الآخرة فقال أرددها علي فقال ولم ذاك يا أخي قال أخاف أن يدخل فيها شيء غير طيب فأخذها
عثمان بن زفر قال أخبرني ابن عم لداود الطائي قال ورث داود الطائي من أبيه عشرين دينارا فأكلها في عشرين سنة كل سنة دينارا منه يصل ومنه يتصدق وورث بيتا فكان يكون فيه لا يعمره كلما خربت ناحية تركها وتحول إلى ناحية أخرى فخرب كله إلا زاوية منه كان يكون فيها
محمد بن إسحاق قال سمعت محمد بن زكريا يقول سمعت بعض اصحابنا قال ورث داود الطائي من مولاة له عشرين دينارا كفته عشرين سنة (3/139)
عن عبدالله بن صالح قال قال داود الطائي يا بن آدم فرحت ببلوغ أملك وإنما بلغته بانقضاء مدة أجلك ثم سوفت بعملك كأن منفعته لغيرك
عن قبيصة قال حدثني صاحب لنا أن امرأة من اهل داود الطائي صنعت ثريدة بسمن ثم بعثت بها إلى داود حين إفطاره مع جاريه لها قالت الجارية فأتيتيه بالقصعة فوضعتها بين يديه فسعى ليأكل منها فجاء سائل فقام إليه فدفعها إليه وجلس معه على الباب حتى أكلها ثم دخل فغسل القصعة ثم عمد إلى تمر كان بين يديه قالت الجارية ظننت أنه كان أعده لعشائه ودفعه إلي وقال أقرئيها السلام قالت الجارية دفع إلى السائل ما جئناه به ودفع إلينا ما أراد أن يفطر عليه قالت وأظنه ما بات إلاطاويا قال قبيصة فكنت أراه قد نحل جدا
ابن زبان قال قالت داية داود الطائي يا ابا سليمان أما تشتهى الخبز قال يا داية بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية
عبدالله بن صالح بن مسلم العجلى قال دخلت على داود الطائي في مرضه الذي مات فيه ليس في بيته إلا دن مقير يكون فيه خبز يابس ومطهرة ولبنة كبيرة على التراب يجعلها وسادة وهي مخدته ليس في بيته بورى ولا قليل ولا كثير (3/140)
محمد بن بشير قال قال حماد لداود الطائي يا أبا سليمان لقد رضيت من الدنيا باليسير قال أفلا أدلك على من رضى بأقل من ذلك من رضى بالدنيا كلها عوضا عن الآخرة
أبو محمد العابد قال دخل أبو يوسف على داود الطائي فقال له ما رأيت أحدا رضى من الدنيا بمثل ما رضيت به فقال يا يعقوب من رضى الدنيا كلها عوضا عن الآخرة فذاك الذي رضى بأقل مما رضيت
الحارث بن إدريس قال قلت لداود الطائي أوصني فقال عسكر الموتى ينتظرونك
إسحاق بن منصور السلولي قال حدثتني أم سعيد بن علقمة النخعى وكانت طائية
قالت كان بيننا وبين داود الطائي حائط قصير فكنت أسمع حسه عامة الليل لا يهدأ
قالت وربما سمعته في جوف الليل اللهم همك عطل عليالهموم وحالف بيني وبين السهاد وشوقي إلى النظر إليك أوثق مني وحال بيني وبين اللذات فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب
قالت وربما ترنم بالآية فأرى أن جميع نعيم الدنيا جمع في ترنمه
ابن السماك قال أوصاني أخي داود الطائي بوصية انظر لا يراك (3/141)
الله حيث نهاك وأن لا يفقدك من حيث أمرك واستحيه في قربه منك وقدرته عليك
محمد بن أشكاب قال قال داود الطائي اليأس سبيل أعمالنا هذه لكن القلوب تجر إلى الرجاء
عن الحماني قال قلت لداود الطائي ما ترى في الرمي فإنى أحب أن أتعلمه فقال إن الرمى لحسن ولكن إنما هي أيامك فانظر بما تقطعها
أبو بكر محمد بن أبي داود قال سمعت شيدويه يقول لداود الطائي أرأيت رجلا دخل على هؤلاء الأمراء فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر قال أخاف عليه السوط قال إنه يقوى قال أخاف عليه السيف قال إنه يقوى قال أخاف عليه الداء الدفين العجب
عن ابي نعيم قال رأيت داود الطائي تدور في وجهه نملة عرضا وطولا لا يفطن بها يعني من الهم
أبو سعيد قال حدثني سهل بن بكار قال قالت أخت لداود الطائي لو تنحيت من الشمس إلى الظل فقال هذه خطى لا أدري كيف تكتب
عباس الترقفي قال سمعت معاوية بن عمرو يقول كنا عند (3/142)
داود الطائي يوما فدخلت الشمس من الكوة فقال له بعض من حضر لو أذنت لي سددت هذه الكوة فقال كانوا يكرهون فضول النظر وكنا عنده يوما آخر فإذا بفروه قد تخرق وخرج خمله فقال له بعض من حضر لو أذنت لي خيطنه فقال كانوا يكرهون فضول الكلام
أبو سعيد السكري قال لااحتجم داود الطائي فدفع إلى الحجام دينارا فقيل له هذا إسراف قال لا عبادة لمن لا مروءة له
أبو داود الطيالسي قال حضرت داود عند الموت فما رأيت أشد نزعا منه أتيناه من العشى ونحن نسمع نزعه قبل أن ندخل ثم غدونا إليه وهو في النزع فلم نبرح حتى مات
حفص بن عمر الجعفى قال اشتكى داود الطائي أياما وكان سبب علته أنه مر بآية فيها ذكر النار فكررها مرارا في ليلته فأصبح مريضا فوجده قد مات ورأسه على لبنة
قال ابن السماك حين مات داود الطائي يا أيها الناس إن أهل الدنيا تعجلوا غموم القلب وهموم النفس وتعب الأبدان مع شدة الحساب فالرغبة متعبة لأهلها في الدنيا والآخرة والزهادة راحة لأهلها في الدنيا والآخرة وإن داود الطائي نظر بقلبه إلى ما بين يديه فأعشى بصر قلبه بصر العيون فكأنه لم يبصر ما إليه تنظرون وكأنكم لا تبصرون ما إليه ينظر فإنكم منه تعجبون وهو منكم (3/143)
يتعجب فلما نظر إليكم راغبين مغرورين قد ذهبت على الدنيا عقولكم وماتت من حبها قلوبكم وعشقتها أنفسكم وامتدت إليها أبصاركم استوحش الزاهد منكم لأنه كان حيا وسط موتى يا داود ما أعجب شأنك ألزمت نفسك الصمت حتى قومتها على العدل أهنتها وإنما تريد كرامتها وأذللتها وإنما تريد إعزازها ووضعتها وإنما تريد تشريفها وأتعبتها وإنما تريد راحتها وأجعتها وإنما تريد شبعها وأظمأتها وإنما تريد ريها وخشنت الملبس وإنما تريد لينه وجشبت المطعم وإنما تريد طيبه وأمت نفسك قبل أن تموت وقبرتها قبل أن تقبر وعذبتها قبل أن تعذب وغيبتها عن الناس كي لا تذكر وغبت بنفسك عن الدنيا إلى الآخرة فما أظنك إلا قد ظفرت بما طلبت كأن سيماك في عملك وسرك ولم يكن سيماك في وجهك فقهت في دينك ثم الناس يفتون وسمعت الأحاديث ثم تركت الناس يحدثون ويروون وخرست عن القول وتركت الناس ينطقون لا تحسد الأخيار ولا تعيب الأشرار ولا تقبل من السلطان عطية ولا من الأخوان هدية
آنس ما يكون إذا كنت بالله خاليا وأوحش ما تكون إذا كنت مع الناس جالسا فأوحش ما تكون آنس ما يكون الناس وآنس ما تكون أوحش ما يكون الناس جاوزت حد المسافرين في أسفارهم وجاوزت (3/144)
حد المسجونين في سجونهم فأما المسافرون فيحملون من الطعام والحلاوة ما يأكلون فأما أنت فإنما هي خبزتك أو خبزتان في شهرك ترمى بها في دن عندك فإذا أفطرت أخذت منه حاجتك فجعلته في مطهرتك ثم صببت عليه من الماء ما يكفيك ثم اصطنعت به ملحا فهذا إدامك وحلواك فمن سمع بمثلك صبر صبرك أو عزم عزمك وماأظنك إلا قد لحقت بالماضين وما أظنك إلا قد فضلت الآخرين ولا أحسبك إلا قد أتعبت العابدين وأما المسجون فيكون مع الناس محبوسا فيأنس بهم وأما أنت فسجنت نفسك في بيتك وحدك فلا محدث وجليس معك ولا أدري أي الأمور أشد عليك الخلوة في بيتك تمر بك الشهور والسنون أم تركك المطاعم والمشارب لاستر على بابك ولا فراش تحتك ولا قلة يبرد فيها ماؤك ولا قصعة يكون فيها غداؤك وعشاؤك مطهرتك قلتك وقصعتك تورك وكل أمرك يا داود عجب أما كنت تشتهي من الماء بارده ولا من الطعام طيبه ولا من اللباس لينه بلى ولكنك زهدت فيه لما بين يديك فما أصغر ما بذلت وما أحقر ما تركت وما أيسر ما فعلت في جنب ما أملت أما أنت فقد ظفرت بروح العاجل وسعدت إن شاء الله في الآجل عزلت الشهرة عنك في حياتك لكي لا يدخلك (3/145)
عجبها ولا يلحقك فتنتها فلما مت شهرك ربك بموتك وألبسك رداء عملك فلو رأيت اليوم كثرة تبعك عرفت أن ربك قد أكرمك
اسحاق بن منصور قال لما مات داود الطائي شيع الناس جنازته فلما دفن قام ابن السماك على قبره فقال يا داود كنت تسهر ليلك إذ الناس نائمون فقال القوم جميعا صدقت وكنت تسلم إذ الناس يخوضون وكنت تربح إذ الناس يخسرون فقال الناس جميعا صدقت حتى عدد فضائله كلها
فلما فرغ قام أبو بكر النهشلي فحمدالله ثم قال يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم ومبلغ ما علموا اللهم اغفر له برحمتك ولا تكله إلى عمله
قال المؤلف أسند داود عن جماعة من التابعين منهم عبدالملك ابن عمير وحبيب بن أبي عمرة والأعمش وحميد الطويل واسمعيل بن أبي خالد وتوفي في سنة خمس وستين ومائة في خلافة المهدي (3/146)
ومن الطبقة السادسة
443 - سفيان بن سعيد الثوري
عبدالله بن محمد بن ايوب المخرمى قال سمعت يزيد بن هارون يقول أخذ العلم عن سفيان الثورى وهو ابن ثلاثين سنة
يزيد بن عبدالرحمن بن مصعب قال سمعت أبي يقول سمعت سفيان الثورى يقول لو لم أعلم لكان أقل لحزني
عن محمد بن يوسف الفريابي قال قلت لسفيان الثورى أرى الناس يقولون سفيان الثوري وأنت تنام الليل فقال لي اسكت ملاك هذا الأمر التقوى
يحيى بن أيوب المقابري قال سمعت علي بن ثابت يقول رأيت الثورى في طريق مكة فقومت كل شيء عليه حتى نعليه درهما وأربعة دوانيق
يحيى بن أيوب قال سمعت على بن ثابت قال لو لقيت سفيان في طريق مكة ومعك فلسان تريد أن تتصدق بهما وأنت لا تعرف سفيان ظننت أنك ستضعهما في يده وما رأيت سفيان في صدر (3/147)
المجلس قط إنما كان يقعد إلى جانب الحائط ويستند إلى الحائط ويجمع بين ركبتيه
عن علي بن عثام بن علي قال سمعت أبي قال سمعت سفيان الثورى يقول لقد خفت الله خوفا عجبا لي كيف لا أموت لكن لي أجل أنا بالغه ولقد خفت الله خوفا وددت أنه خفف عني منه ما أخاف أن يذهب عقلي
عبدالرحمن بن عبدالله قال قال سفيان إني لأضع يدي على رأسي من الليل إذا سمعت صيحة فأقول قد جاءنا العذاب
عن عبثر قال قام سفيان يصلى قبل الزوال فمر بهذه الآية فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير فخرج نادا فما لحقوه إلا في الحمراء فردوه
قال السنى وقال عمرو العتابي عن سفيان ما من موطن من المواطن أشد على من سكرة الموت أخاف أن يشدد علي فاسأل التخفيف فلا أجاب فأفتنن
يوسف بن أسباط قال قال لي سفيان وقد صلينا العشاء الآخرة ناولني المطهرة فناولته فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده ونمت فاستيقظت وقد طلع الفجر فنظرت فإذ المطهرة بيمينه ويساره على خده فقلت يا أبا عبدالله هذا الفجر قد طلع قال لم أزل منذ (3/148)
ناولتني هذه المطهرة أتفكر في أمر الآخرة حتى الساعة
قال يوسف بن أسباط كان سفيان الثورى إذا أخذ في الفكر بال الدم
أبو يزيد محمد بن حسان قال سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول ما عاشرت في الناس رجلا أرق من سفيان وكنت أرمقه الليلة بعد الليلة فما كان ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعا مرعوبا ينادي النار النار شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ثم يتوضأ ويقول على إثر وضوئه اللهم إنك عالم بحاجتي غير معلم وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار إلهي إن الجزع قد أرقنى وذلك من نعمك السابغة على إلهي لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين ثم يقبل على صلاته وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى إن كنت لا استطيع سماع قراءته من كثرة بكائه وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياء وهيبة منه
إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال كنا في مجلس الثورى وهو يسأل رجلا عما يصنع في ليله فيخبره حتى دار على القوم فقالوا يا أبا عبدالله قد سألتنا فأخبرناك فأخبرنا أنت كيف تصنع في ليلك فقال لها عندي أول الليل نومة تنام ما شاءت لا أمنعها إذا استيقظت فلا أقيلها والله
صالح بن خليفة الكوفى قال سمعت سفيان الثورى يقول إن (3/149)
فجار القراء اتخذوا القرآن إلى الدنيا سلما قالوا ندخل على الأمراء نفرج عن المكروب ونتكلم في محبوس
علي بن حمزة ابن أخت سفيان قال ذهبت ببول سفيان إلى الديراني وكان لا يخرج من باب الدير فأريته فقال ليس هذا بول حنيفى قلت بلى والله من أفضلهم فقال أنا أجىء معك فقلت لسفيان قد جاء بنفسه فقال أدخله فأدخلته فمس وجس عرقه ثم خرج فقلت أي شيء رأيت قال ما ظننت أن في الحنيفية مثل هذا هذا رجل قد قطع الحزن كبده
عبدالرحمن بن مهدي قال بات سفيان عندي فلما اشتد به الأمر جعل يبكى فقال له رجل يا أبا عبدالله أراك كثير الذنوب فرفع شيئا من الأرض فقال والله لذنوبي أهون عندي من ذا إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت
عن عبدالرحمن بن مهدي قال ليلة مات سفيان توضأ تلك الليلة للصلاة ستين مرة فلما كان وجه السحر قال لي يا بن مهدي ضع خدي بالأرض فإني ميت يا بن مهدي ما اشد الموت ما اشد كرب الموت قال فخرجت لأعلم حماد بن زيد وأصحابه فإذا هم قد استقبلوني فقالوا آجرك الله فقلت من أين علمتم ذلك فقالوا إنه ما منا أحد إلا أتي البارحة في منامه فقيل له ألا إن سفيان الثورى قد مات رحمه الله (3/150)
عن ابن أبجر قال لما حضرت سفيان الوفاة قال يا ابن أبجر قد نزل ما بي ما قد ترى فانظر من يحضرني فأتيتهم بقوم فيهم حماد ابن سلمة وكان حماد من أقربهم إلى رأسه قال فتنفس سفيان فقال له حماد أبشر فقد نجوت مما كنت تخاف وتقدم على رب كريم قال فقال يا أبا سلمة أترى الله أن يغفر لمثلي قال إي والله الذي لا إله إلا هو قال فكأنما سري عنه
عن عبدالرحمن بن مهدي قال رأيت سفيان الثورى في المنام فقلت ما فعل الله بك قال لم يكن إلا أن وضعت في اللحد حتى وقفت بين يدي الله عز و جل فحاسبني حسابا يسيرا ثم أمر بي إلى الجنة فبينا أنا أدور بين أشجارها وأنهارها ولا أسمع حسا ولا حركة إذ سمعت قائلا يقول سفيان بن سعيد قال تحفظ أنك آثرت الله على هواك يوما قلت إي والله فأخذتني صواني النثار من جميع الجنة
قال المؤلف أدرك سفيان الثورى جماعة من كبار التابعين وروى عن الأعمش ومنصور ومحمد بن المنكدر وعبدالله بن دينار وعمرو بن دينار في خلق لا يحصون ومسانيده أكثر من أن تعد
وكان مولده في سنة سبع وتسعين في خلافة سليمان بن عبدالملك وتوفى في سنة إحدى وستين ومائة وكان مستخفيا بالبصرة في خلافة (3/151)
المهدي وكلامه وأخباره كثيرة وإنما اقتصرنا هاهنا على ماذكرنا منها لأننا قد جمعناها في كتاب يزيد على ثلاثين جزءا فكرهنا الإعادة في التصانيف والله الموفق
444 - أسد بن صلهب
عن الحسن بن صالح قال قال اسيد بن صلهب إن كنت لأدعو فتصرع الطير حولى قال الحسن لولا أنه قد مات ما حدثت به عنه 446 علي والحسن ابنا صالح بن حي
قال محمد بن سعد إسم صالح حي وهو صالح بن صالح والد علي والحسن توأما في بطن واحد وكان على تقدمه بساعة فكان الحسن يعظمه ويقول قال أبو محمد
عبدالله بن هاشم الطوسى قال سمعت وكيع بن الجراح يقول كان علي والحسن إبنا صالح بن حي وأمهم قد جزؤوا الليل ثلاثة أجزاء فكان علي يقوم الثلث ثم ينام ويقوم الحسن الثلث ثم ينام وتقوم أمهما الثلث فماتت أمهما فجزأا الليل بينهما فكانا يقومان به حتى الصباح ثم مات على فقام الحسن به كله
وقد روى لنا عن محمد بن صالح العجلى عن أبيه قال كان يختم (3/152)
القرآن في بيتهم كل ليلة أمهم ثلث وعلي ثلث وحسن ثلث فماتت أمهما فكانا يختمانه ثم مات علي فكان حسن يختم كل ليلة
يحيى بن آدم قال قال الحسن بن حي قال لي أخي علي في الليلة التي توفى فيها أخي اسقني ماء وكنت قائما أصلي فلما قضيت صلاتي أتيته بماء فقلت يا أخي فقال لبيك فقلت هذا ماء قال قد شربت الساعة قلت ومن سقاك وليس في الغرفة غيري وغيرك قال أتاني جبريل الساعة بماء فسقاني وقال لي أنت وأخوك وأبوك من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وخرجت روحه
عن عبد الرحمن بن مطرف قال كان الحسن بن حي إذا أراد أن يعظ أخا له كتبه في لوح وناوله
عبد القدوس بن بكر بن خنيس قال كان الحسن بن صالح وأخوه على وكان على يفضل عليه وكانا وأمهما يتعاونون على العبادة بالليل لا ينامون وبالنهار لا يفطرون فلما ماتت أمهما تعاونا على القيام والصيام عنهما وعن أمهما فلما مات علي قام الحسن عن نفسه وعنهما وكان يقال للحسن حية الوادى يعني أنه لا ينام بالليل (3/153)
وكان يقول إني لاستحي من الله تعالى أن أنام تكلفا حتى يكون النوم هو الذي يصرعني وإذا نمت ثم استيقظت ثم عدت نائما فلا أرقد الله عيني وكان لا يقبل من أحد شيئا فيجىء إليه صبيه وهو في المسجد فيقول أنا جائع فيعلله بشيء حتى تذهب الخادم إلى السوق فتبيع ما غزلت هي ومولاتها من الليل ثم تشترى قطنا وتشترى شيئا من الشعير فتجىء به فتطحنه ثم تعجنه فتخبز ما يأكل الصبيان والخادم وترفع له ولأهله لافطارهما فلم يزل على ذلك حتى مات رحمه الله
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الدراني يقول ما رأيت أحدا الخوف أظهر على وجهه والخشوع من الحسن بن حي قام ليلة حتى الصباح بعم يتساءلون بآية فيها ثم غشى عليه ثم عاد إليها فغشى عليه فلم يختهما حتى طلع الفجر
عباد أبو عقبة قال بعنا جارية للحسن بن صالح فقال أخبروهم أنها تنخمت عندنا مرة دما
قال الحجاج وسمعت أبا نعيم يقول قال الحسن بن صالح فتشنا الورع فلم نجده في شيء أقل منه في اللسان
سليمان بن إدريس المنقرى قال اشتهى الحسن بن حى سمكا فلما أتي به ضرب بيده إلى سرة السمكة فاضطربت يده وأمر به فرفع ولم يأكل منه شيئا فقيل له في ذلك فقال إني ذكرت لما ضربت (3/154)
بيدى إلى بطهنا أن أول ما ينتن من الأنسان بطنه فلم أقدر أن أذوقه
عبدالله بن صالح قال حدثني خلف بن تميم أن حسن بن صالح كان يصلى إلى السحر ثم يجلس فيبكى في مصلاه ويجلس على فيبكى معه في حجرته قال وكانت أمهما تبكى الليل والنهار قال فماتت ثم مات علي ثم مات حسن قال فرأيت حسنا في منامي فقلت ما فعلت الوالدة قال بدلت بطول ذلك البكاء سرور الأبد قلت وعلي قال وعلي على خير قلت فأنت فمضى وهو يقول وهل نتكل إلا على عفوه
عبيدالله بن موسى قال كان حسن بن صالح إذا صعد إلى المنارة أشرف على المقابر فإذا نظر إلى الشمس تحوم على القبور صرخ حتىيحمل مغشيا عليه فينزل به
قال أبو محمد ورأيت الحسن ذات يوم شهد جنازة فلما قرب الميت ليدفن نظر إلى اللحد فارفض عرقا ثم قال فغشى عليه فحمل على السرير الذي كان عليه الميت فرد إلى منزله
إسحاق بن منصور السلولي قال نظر حسن إلىالمقابر وهو قائم يؤذن فصرخ وقطع أذانه وسقط مغشيا عليه
قال حدثني رجل من جيرانه أنه قال كنا نسمع صراخه ونحيبه (3/155)
إذا صعد إلى الأذان كما نسمع صراخ أهل المصيبة وقال وكثيرا ما كان يغشى عليه حتى يؤذن غيره
قال المؤلف أسند علي وحسن عن جماعة من التابعين وحديث الحسن أكثر
حنبل قال سمعت أبا نعيم يقول مات علي بن صالح سنة أربع وخمسين ومات أخوه الحسن بعده بثلاث عشرة سنة
قال حنبل وقال يحيى بن معين سمعت يحيى بن سعيد يقول ولد الحسن بن صالح سنة مائة وقال مات سنة تسع وستين ومائة
447 - حمزة بن عمارة الزيات
يكنى أبا عمارة مولى آل عكرمة بن ربعى التميمي وكان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان ويجلب من حلوان الجبن والجوز إلى الكوفة وكان صاحب قرآن وسنة وفرائض
أبو المنذر يعلى بن عقيل قال كان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل قال هذا حبر القرآن
جرير بن عبدالحميد قال مر بنا حمزة الزيات فاستسقى فأتيته بماء فقال أنت ممن يحضرنا في القراءة قلت نعم قال لاحاجة لي في مائك
خلف بن هشام البزاز قال قال لي سليم بن عيسى دخلت على حمزة بن حبيب الزيات فوجدته يمرغ خديه في الأرض ويبكى (3/156)
فقلت أعيذك بالله فقال لماذا استعذت رأيت البارحة في منامي كأن القيامة قد قامت وقد دعى بقراء القرآن فكنت فيمن حضر فسمعت قائلا يقول بكلام عذب لا يدخل علي إلا من عمل بالقرآن فرجعت القهقري فهتف باسمى أين حمزة بن حبيب الزيات فقلت لبيك داعى الله فبدرني ملك فقال قل لبيك اللهم فقلت لبيك كما قال لي فأدخلني دارا فسمعت فيها ضجيج القرآن فوقفت أرعد فسمعت قائلا يقول لا بأس عليك ارق واقرأ فأدرت وجهي فإذا أنا بمنبر من در أبيض دفتاه من ياقوت أصفر مراقيه من زبرجد أخضر فقال لي ارق اقرأ فرقيت فقال لي اقرأ سورة الأنعام فقرأت وأنا لا أدري على من أقرأ حتى بلغت الستين آية فلما بلغت وهو القاهر فوق عباده قال لي يا حمزة ألست القاهر فوق عبادي فقلت بلى قال صدقت اقرأ فقرأت حتى ختمتها ثم قال لي اقرأ فقرأت الأعراف حتى بلغت آخرها فأومأت إلى الأرض بالسجود فقال لي حسبك ما مضى لا تسجد يا حمزة من أقرأك هذه القراءة فقلت سليمان قال صدقت من أقرأ سليمان قلت يحيى قال صدق يحيى على من قرأ يحيى فقلت على أبي عبدالرحمن السلمي قال صدق أبو عبدالرحمن السلمى من أقرأ أبا عبدالرحمن فقلت (3/157)
ابن عم نبيك علي فقال صدق علي فمن أقرأ عليا قلت نبيك محمد صلى الله عليه و سلم قال ومن أقرأ نبيي قال قلت جبريل عليه السلام قال ومن أقرأ جبريل
قال فسكت فقال لي يا حمزة قل أنت قال فقلت ما أجسر أن أقول فقال فقلت أنت قال صدقت يا حمزة وحق القرآن لأكرمن أهل القرآن لا سيما إذا عملوا بالقرآن يا حمزة القرآن كلامي وما أحب أحدا كحبي أهل القرآن ادن يا حمزة فدنوت فضمخني بالغالية وقال ليس أفعل بك وحدك قد فعلت ذاك بنظرائك ممن فوقك ومن دونك ومن أقرأ القرآن كما أقرأته لم يرد بذلك غيري وما خبأت لك يا حمزة عندي أكثر فاعلم أصحابك بمكاني من حبى لأهل القرآن وفعلي بهم منهم المصطفون الأخيار يا حمزة وعزتي وجلالي لا أعذب لسانا تلا القرآن بالنار ولا قلبا وعاه ولا أذنا سمعته ولا عينا نظرته
فقلت سبحانك سبحانك وأنى ترى فقال يا حمزة أين نظار المصاحف فقلت يا رب أفحفاظ هم قال لا ولكني أحفظه لهم حتى يوم القيامة فإذا لقوني رفعت لهم بكل آية درجة أفتلومني أن أبكى وأتمرغ في التراب (3/158)
قال المؤلف أسند حمزة عن الأعمش وحمران بن أعين وسمع منه وكيع وتوفى بحلوان سنة ست وخمسين ومائة
أبو مسحل قال رأيت الكسائي في النوم كأن وجهه البدر فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي بالقرآن فقلت ما فعل بحمزة الزيات قال ذاك في عليين ما نراه إلا كما يرى الكوكب الدري
448 - محمد بن النضر الحارثي
يكنى أبا عبدالرحمن أبو أسامة قال كان محمد بن النضر من أعبد أهل الكوفة
الحسن بن الربيع قال سمعت عبثرا أبا زيد يقول اختفى عندي محمد بن النضر من يعقوب بن داود في هذه العلية لعلية على باب داره أربعين ليلة فما رأيته نائما ليلا ولا نهارا
الحسن بن الربيع قال سمعت ابن المبارك يقول كنت مع محمد ابن النضر في سفينه فقلت بأي شيء استخرج منه الكلام فقلت ما تقول في الصوم في السفينة فقال إنما هي المبادرة قال فجاء بفتوى غيره فتوى النخعى والشعبي
عن أبي أسامة قال قلت لمحمد بن النضر كأنك تكره أن تزار (3/159)
فقال أجل قلت أما تستوحش قال كيف استوحش وهو يقول أنا جليس من ذكرني
خالد بن يزيد قال سمعت محمد بن النضر يقول شغل الموت قلوب المتقين عن الدنيا والله ما رجعوا منها إلى سرور بعد معرفتهم بكربه وغصصه
المبارك قال كان محمد بن النضر إذا ذكر الموت اضطربت مفاصله حتى تبين الرعدة فيها
الحسن بن الربيع قال حدثني رجل من ولد الزبير بن العوام قال صحبت محمد بن النضر من عبادان إلى الكوفة فما سمعته يتكلم بكلمة حتى افترقنا
جرير بن زياد الحارثي قال كنت مسافرا مع محمد بن النضر إلى مكة وكان إذا قيل له الرحيل تقدم على رأس ميلين فلا يزال يصلي حتى إذا سمع حس الإبل تقدم أيضا فلا يزال كذلك حتى يصلى العصر ثم يركب
أبو مريم قال سمعت محمد بن صبيح يقول قال محمد بن النضر الحارثي كان يقال الجوع يبعث على البر كما تبعث البطنة على الأشر
قال المصنف كان محمد بن النضر مشغولا بالعبادة عن الرواية وقد أرسل الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ولم يصلها (3/160)
449 - وراد العجلى
عمرو بن حفص بن غياث عن أبيه قال كنا ذات يوم عند ابن ذر وهو يتكلم فذكر رواجف القيامة وزلزالها فوثب رجل من بني عجل يقال له وراد فجعل يبكى ويصرخ ويضطرب فحمل من بين القوم صريعا فقال ابن ذر ما الذي قصر بنا وكلم قلبه حتى أبكاه والله إن هذا يا أخا بني عجل إلا من صفاء قلبك وتراكم الذنوب على قلوبنا
قال عمر قال أبي وكنت أرى ورادا هذا العجلى يأتى إلى المسجد مقنع الرأس فيعتزل ناحية فلا يزال مصليا وباكيا وداعيا ما شاء الله من النهار ثم يخرج فيعود فيصلى الظهر فهو كذلك بين صلاة وبكاء حتى يصلى العشاء ثم يخرج لا يكلم أحدا ولا يجلس إلى أحد فسألت عنه رجلا من حيه ووصفته له قلت شاب من صفته من هيئته فقال بخ يا أبا عمر أتدرى عمن تسأل ذاك وراد العجلى ذاك الذي عاهد الله ألا يضحك حتى ينظر إلى وجه رب العالمين قال أبي وكنت إذا رأيته بعد هبته
قال عمر وحدثني سكين بن مسكين رجل من بنى عجل (3/161)
قال كانت بيننا وبين وراد قرابة فسألت أختا كانت له أصغر منه فقلت كيف كان ليله قالت يبكى عامة الليل ويصرخ قلت فما كان طعمه قالت قرصا في أول الليل وقرصا في آخره عند السحر قلت فتحفظين من دعائه شيئا قالت نعم كان إذا كان السحر أو قريب من طلوع الفجر سجد ثم بكى ثم قال مولاي عبدك يحب الاتصال بطاعتك فأعنه عليها بتوفيقك يا أيها المنال مولاي عبدك يحب اجتناب سخطك فأعنه على ذلك بمنك أيها المنان مولاى عبدك عظيم الرجاء لخيرك فلا تقطع رجاءه يوم يفرح الفائزون
قالت فلا يزال على هذا ونحوه حتى يصبح
قال وكان قد كل من الاجتهاد جدا وتغير لونه
قال سكين فلما مات وراد فحمل إلى حفرته نزلوا إليه ليدفنوه في حفرته فإذا اللحد مفروش بالريحان فأخذ بعض القوم الذين نزلوا إلى القبر من ذلك الريحان شيئا فمكث سبعين يوما طريا لا يتغير يغدو الناس ويروحون وينظرون إليه قال فكثر الناس في ذلك حتى خاف الأمير أن يفتتن الناس فأرسل إلى الرجل فأخذ ذلك الريحان وفرق الناس (3/162)
قال وفقده الأمير من منزله لا يدري كيف ذهب
450 - أسيد الضبى
عبد الرحمن بن مالك بن مغول قال بكى اسيد الضبى حتى عمي وكان إذا عوقب على البكاء قال الآن حين لا أهدأ وأنا أموت غدا والله لأبكين ثم لأبكين ثم لأبكين فإن أدركت بالبكاء خيرا فبمن الله وفضله علي وإن تكن الأخرى فما بكائي في جنب ما ألقى غدا قال فكان ربما بكى حتى يتأذى به جيرانه من كثرة بكائه (3/163)
ومن الطبقة السابعة
من أهل الكوفة
451 - أبو بكر بن عياش
مولى واصل بن حيان الأحدب الأسدى وقد اختلفوا في اسمه فقيل شعبة وقيل محمد وقيل مطرف والصحيح أنه لا يعرف إلا بكنيته
رستم بن أسامة قال حدثني إبراهيم بن رستم الخياط عن أبي بكر ابن عياش قال قال لي رجل مرة وأنا شاب خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة فإن اسير الآخرة غير مفكوك أبدا قال أبو بكر فما نسيتها أبدا
يحيى الحماني قال سمعت أبو بكر بن عياش يقول أتيت زمزم فاستسقيت منها عسلا وأتيتها فاستسقيت منها لبنا وأتيتها فاستسقيت منها ماء
دلويه قال سمعت عليا يعني ابن محمد بن أخت يعلى بن عبيد يقول مكث أبو بكر بن عياش عشرين سنة قد نزل الماء في إحدى عينيه ما يعلم به أهله (3/164)
محمد بن الحجاج بن جعفر بن إياس بن نذير الضبي قال كان أبو بكر بن عياش يقوم الليل في قباء صوف وسراويل وعكازة يضعها في صدره فيتكىء عليها حين كبر فيحيى ليلته
الحسين بن إدريس قال قال ابن عمار سمعت أبا بكر بن عياش يقول صمت ثمانين رمضانا
إسحاق بن الحسين قال كان أبو بكر بن عياش لما كبر يأخذ إفطاره ثم يغمسه في الماء في جر كان له في بيت مظلم ثم يقول يا ملائكتي طالت صحبتي لكما فإن كان لكما عندالله شفاعة فاشفعا لي
عن أبي هشام الرفاعي قال سمعت أبا بكر بن عياش يقول لي غرفة قد عجزت عن الصعود إليها وما يمنعني من النزول منها إلا أني أختم فيها القرآن كل يوم وليلة منذ ستون سنة
أحمد بن نصر قال سمعت إبراهيم بن رستم يقول سمعت أبا بكر بن عياش يقول من لم يطلب العلم لم يرزق عقلا (3/165)
يزيد بن هارون وذكر عنده أبو بكر بن عياش فقال كان أبو بكر بن عياش خيرا فاضلا لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة
أبو عيسى النخعى قال لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة
أحمد بن محمد بن مسروق قال سمعت الحماني يقول لما حضرت أبا بكر بن عياش الوفاة بكت أخته فقال لها ما يبكيك أنظري إلى تلك الزاوية التي في البيت قد ختم أخوك في هذه الزاوية ثمانية عشر الف ختمة
إبراهيم بن أبي بكر بن عياش قال بكيت عند أبي حين حضرته الوفاة فقال ما يبكيك أترى الله يضيع لأبيك أربعين سنة يختم القرآن كل ليلة
الهيثم بن خارجة قال رأيت أبا بكر بن عياش في النوم قدامه طبق رطب مسكر فقلت له يا أبا بكر ألا تدعونا وقد كنت سخيا على الطعام فقال لي يا هيثم هذا طعام أهل الجنة لا يأكله أهل الدنيا قال قلت وبم نلت قال تسأني عن هذا وقد مضت على ست وثمانون سنة أختم في كل ليلة منها القرآن
أسند أبو بكر بن عياش عن الأعمش ومن في طبقته وتوفى (3/166)
بالكوفة في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وقد جاوز التسعين بثلاث سنين وقيل بست
452 - عبدالله بن إدريس
ابن يزيد بن عبدالرحمن أبو محمد الأودى عبدالله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي ذكر بن إدريس فقال كان نسيج وحده
وفي رواية أخرى عن أحمد أنه قال رأيت عبدالله بن إدريس وعليه جبة لبود وقد أتى عليها الدهور والسنون
الحسن بن الربيع قال كنت عند عبدالله بن إدريس فلما قمت قال لي سل عن سعر الأشنان فلما مشيت ردني وقال لي لا تسأل فإنك تكتب عنى الحديث وأنا أكره أن أسأل من يسمع عني الحديث حاجة
حماد بن المؤمل قال حدثني شيخ على باب بعض المحدثين قال سالت وكيعا عن مقدمه هو وابن إدريس وحفص على هارون الرشيد فقال كان أول من دعا به أنا فقال لي هارون يا وكيع إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيا وسموك لي فيمن سموا وقد رأيت أن أشركك في أمانتي فقلت يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير وإحدى عيني ذاهبة والأخرى ضعيفة فقال هارون اللهم غفرا خذ عهدك أيها الرجل (3/167)
وامض فقلت يا أمير المؤمنين والله لئن كنت صادقا إنه لينبغى أن يقبل مني ولئن كنت كاذبا فما ينبغى أن تولى القضاء كذابا فقال اخرج فخرجت
ودخل ابن إدريس فسمعنا وقع ركبتيه على الأرض حين برك وما سمعنا يسلم إلا سلاما خفيا فقال له هارون أتدرى لم دعوتك قال لا قال إن أهل بلدك طلبوا مني قاضيا وإنهم سموك لي فيمن سموا وقد رأيت أن اشركك في أمانتي وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة فخذ عهدك وامض فقال له ابن إدريس وأنا وددت أنى لم أكن رأيتك فخرج
ثم دخل حفص فقبل عهده فأتى خادم معه ثلاثة أكياس في كل كيس خمسة آلاف فقال لي إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لكم قد لزمتكم في شخوصكم مؤونة فاستعينوا بهذه في سفركم
قال وكيع فقلت له أقرىء أمير المؤمنين السلام وقل له قد وقعت مني بحيث يحب أمير المؤمنين وأنا مستغن عنها وأما ابن إدريس فصاح به مر من هاهنا وقبلها حفص
وخرجت الرقعة إلى ابن إدريس من بيننا عافانا الله وإياك سألناك أن تدخل في أعمالنا فلم تفعل ووصلناك من أموالنا فلم تقبل فإذا جاءك إبني المأمون فحدثه إن شاء الله (3/168)
فقال للرسول إذا جاءنا مع الجماعة حدثناه إن شاء الله
ثم مضينا فلما صرنا إلى الياسرية التفت ابن ادريس إلى حفص فقال قد علمت أنك ستبلى والله لا أكلمك حتى تموت فما كلمه حتى مات
أبو بكر المروزي قال سمعت على بن شعيب يقول لما قدم شعيب بن حرب علي يوسف بن اسباط رأى عنده شابا يكلم يوسف ويغلظ له أو قال رفع صوته فقال له شعيب ترفع صوتك فقال له يوسف يا ابا صالح إنه ابن ادريس إنه يدرى من أين يأكل
أحمد بن إبراهيم قال حدثني سهل بن محمود عن عبدالله بن إدريس قال لو أن رجلا انقطع إلى رجل لعرف ذلك له فكيف بمن له السموات والأرض
محمد بن المنذر قال حج الرشيد ومعه الأمين والمأمون فدخل الكوفة فقال لأبي يوسف قل للمحدثين يأتونا يحدثونا فلم يتخلف عنه من شيوخ الكوفة إلا اثنان عبدالله بن إدريس وعيسى بن يونس
فركب الأمين والمأمون إلى عبدالله بن إدريس فحدثهما بمائة حديث فقال المأمون لعبدالله بن إدريس يا عم أتاذن لي أن أعيدها (3/169)
عليك من حفظى قال افعل فأعادها عليه فعجب عبدالله فقال المأمون يا عم إلى جانب مسجدك دار إن أذنت لنا اشتريناه ووسعنا بها المسجد فقال مالى إلى هذا حاجة قد أجزأ من كان قبلي وهو يجزئني فنظر إلى قرح في ذراع الشيخ فقال إن معنا متطببين وأدوية أتأذن أن يجيئك من يعالجك قال لا قد ظهر بي مثل هذا وبرأ فأمر له بمال فأبى أن يقبله
حسين بن عمرو العنقزى قال لما نزل بابن إدريس الموت بكت ابنته فقال لا تبكى فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة
سمع عبدالله بن إدريس من الأعمش وأبي أسحاق الشيباني وخلق كثير وجمع بين العلم والزهد ومولده سنة خمس عشرة ومائة وتوفى في سنة اثنتين وتسعين ومائة
453 - وكيع بن الجراح بن مليح
يكنىأبا سفيان الرواسى عبيد الله بن ثابت الجزرى قال سمعت عباسا الدورى يقول قال لي أحمد بن حنبل لو رأيت وكيعا لعلمت أنك ما رأيت مثله
محمد بن أيوب بن المعافى قال سمعت ابراهيم الحربى يقول سمعت أحمد بن حنبل ذكر يوما وكيعا فقال ما رأت عيناي مثله (3/170)
قط يحفظ الحديث جيدا ويذاكر بالفقه فيحسن مع ورع واجتهاد ولا يتكلم في أحد
بشر بن موسى قال سمعت أحمد بن حنبل يقول ما رأيت رجلا مثل وكيع في العلم والحفظ والحلم مع خشوع وورع
يحيى بن أكثم قال صحبت وكيعا في السفر والحضر وكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة
يحيى بن معين قال ما رأيت أفضل من وكيع بن الجراح كان يستقبل القبلة ويحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم
يحيى بن أيوب قال حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه قالوا كان وكيع لا ينام حتى يقرأ ثلث القرآن ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر فيصلى ركعتين
ابراهيم بن وكيع قال كان أبي يصلى الليل فلا يبقى في دارنا أحد إلا صلى حتى إن جارية لنا سوداء لتصلى
احمد بن محمد قال أخبرني بعض أصحابنا عن وكيع قال أغلظ رجل لوكيع بن الجراح فدخل وكيع بيتا فعفر وجهه في التراب ثم (3/171)
خرج إلى الرجل فقال زد وكيعا بذنبه فلولاه ما سلطت عليه
سلم بن جنادة قال جالست وكيع بن الجراح سبع سنين فما رأيته بزق ولا رأيته مس حصاة بيده وما رأيته جلس مجلسه فتحرك وما رأيته إلا مستقبل القبلة وما رأيته يحلف بالله
الحسين بن أبي زيد قال صاحبت وكيع بن الجراح إلى مكة فما رأيته متكئا ولا رأيته نائما في محمله
على بن خشرم قال سمعت وكيع بن الجراح يقول زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة تجبر نقصان الصوم كما يجبر السهو نقصان الصلاة
أسند وكيع عن الأئمة الأعلام كاسماعيل بن أبي خالد وهشام ابن عروة والأعمش وابن عون وابن جريج والأوزاعى وشعبة وسفيان
وحدث وكيع وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وجلس بعد موت الثورى في مكانه وصنف التصانيف الكثيرة وكان مولده في سنة تسع وعشرين وقيل ثمان وعشرين ومائة وحج سنة ست وتسعين فلما رجع توفى بفيد في محرم سنة سبع وتسعين وهو ابن ست وستين سنة (3/172)
454 - حسين بن علي الجعفى
يكنى أبا عبدالله كان من العلماء العباد وكان سفيان الثورى إذا رآه عانقه وقال هذا راهب جعفى وكان سفيان بن عيينة يعظمه
وقال أحمد بن حنبل ما رأيت بالكوفة أفضل من حسين الجعفى كان يشبه بالراهب
محمد بن عبيد الرحبى قال سمعت أبا بكر بن سماعة قال كنا عند ابن أبي عمر العدنى بمكة فسمعناه يقول قدم علينا هارون قدمة إلى هذا المسجد فأخبرني الخادم الذي كان معه قال كنت معه ومعه جعفر ابن يحيى فخرجنا جميعا حتى صرنا إلى الثنية فقال لي سل عن حسين ابن علي الجعفى فلقيت رجلا فقلت حسين بن علي الجعفى فقال هاهو ذا يطلع عليك راكبا حمارا وخلفه أسود يقود أجمالا له فإذا هو قد طلع فقلت هذا هو يا أمير المؤمنين فلما حاذاه قام إليه فقبل يده أو قال رجله فقال له جعفر بن يحيى يا شيخ تدرى من المسلم عليك أمير المؤمنين هارون فالتفت إليه حسين فقال له أنت يا حسن الوجه أنت مسؤول عن هذا الخلق كلهم فقعد يبكى
وأتانا آت ونحن عند ابن عيينة فقال لسفيان قدم حسين بن علي الجعفى فقام إليه يتلقاه وخرجنا معه فلما صار في الطريق إلى باب بنى لقيه فضيل بن عياض فقال له أين تريد يا أبا محمد فقال قدم حسين الجعفى فأردت لقاءه فقال أنا معك فخرجا يمشيان جميعا (3/173)
ونحن خلفهما فلما صرنا في أصحاب اللؤلؤ ذا حسين راكب حمارا فتقدم إليه فضيل فقبل رجله وتقدم سفيان فقبل يده أو قبل سفيان رجله وقبل فضيل يده فقال له فضيل بأبي رجل تعلمت القرآن على يديه أو علمني الله القرآن على يده ثم دخل المسجد فطاف بالكنية وجاء إلى الاسطوانة الحمراء فقعد عندها فأكب الناس عليه
سمع حسين الجعفى من القاسم بن الوليد وزائدة وغيرهما وتوفى في ذي القعدة سنة ثلاث ومائتين
455 - محمد بن صبيح بن السماك
يكنى أبا العباس أحمد بن حماد قال كان ابن السماك يقول يا بن آدم إنما تغدو في كسب الأرباح فاجعل نفسك فيما تكسبه فإنك لم تكسب مثلها
أبو المغيرة بن شعيب قال حضرت يحيى بن خالد البرمكى يقول لابن السماك إذا دخلت على هارون أمير المؤمنين فأوجز ولا تكثر عليه قال فلما دخل عليه وقام بين يديه قال يا أمير المؤمنين إن لك بين يدي الله تعالى مقاما وإن لك من مقامك منصرفا فانظر إلى أين منصرفك إلى الجنة أم إلى النار قال فبكى هارون حتى كاد يموت (3/174)
إبراهيم بن سلمة الشعبى قال سمعت ابن السماك يقول من امتطى الصبر قوى على العبادة ومن أجمع اليأس استغنى عن الناس ومن أهمته نفسه لم يول مرمتها غيره ومن أحب الخير وفق له ومن كره الشر جنبه ومن رضى الدنيا من الآخرة حظا فقد أخطأ حظ نفسه
عبدالله بن صالح قال سمعت ابن السماك وكتب إلى أخ له
أما بعد أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ورقيبك في علانيتك فاجعله من بالك على حالك وخفه بقدر قربه منك وقدرته عليك واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره فليعظم منه حذرك وليكثر منه وجلك واعلم أن الذنب من العاقل أعظم منه من الأحمق ومن العالم أعظم من الجاهل وقد أصبحنا أدلاء بزعمنا والدليل لا ينام في البحر وقد كان عيسى صلى الله عليه و سلم يقول حتى متى تصفون الطريق للدالجين وأنتم مقيمون في محلة المتحيرين تصفون البعوض من شرابكم وتسترطون الجمال بأحمالها أي أخي كم من مذكر بالله ناس لله وكم من مخوف بالله جري على الله وكم من داع (3/175)
إلى الله فار من الله وكم تال لكتاب الله منسلخ من آيات الله والسلام
عباية بن كليب قال سمعت ابن السماك يقول سبعك بين لحييك تأكل به كل من مر عليك قد آذيت أهل الدور في الدور حتى تعاطيت أهل القبور فما ترثى لهم وقد جرى البلى عليهم وأنت هاهنا تنبشهم إنما نرى أن نبشهم أخذ الخرق عنهم إذا ذكرت مساويهم فقد نبشتهم إنه ينبغى لك أن يدلك على ترك القول في أخيك ثلاث خلال أما واحدة فلعلك أن تذكره بأمر هو فيك فما ظنك بربك إذا ذكرت أخاك بأمر هو فيك ولعلك تذكره بأمر فيك أعظم منه فذلك أشد استحكاما لمقته إياك ولعلك تذكره بأمر قد عافاك الله منه فهذا جزاؤه إذ عافاك أما سمعت ارحم أخاك واحمد الذي عافاك
الحسين بن عبدالرحمن قال كان ابن السماك يقول من أذاقته لذانيا حلاوتها لميله إليها جرعته الآخرة مرارتها لتجافيه عنها
أبو الحسين على بن الحسين الفقيه قال سمعت عبدالله بن محمد بن السماك يقول سمعت أبي يقول إن استطعت أن تكون كرجل ذاق الموت وعاش ما بعده فسأل الرجعة فأسعف بطلبه وأعطي حاجته فهو متأهب مبادر فافعل فإن المغبون من لم يقدم من ماله شيئا ومن نفسه لنفسه (3/176)
أبو جعفر الربعى قال لما حضرت ابن السماك الوفاة قال اللهم إني وإن كنت أعصيك لقد كنت أحب فيك من يطيعك
أسد ابن السماك عن عدة من التابعين منهم اسمعيل بن أبي خالد والأعمش وهشام بن عروة
وروى عنه من الأئمة حسين الجعفى ويحيى بن يحيى النيسابورى وأحمد بن حنبل
وهو كوفى لكنه قدم بغداد فمكث بها مدة ثم عاد إلى الكوفة فتوفى فيها سنة ثلاث وثمانين ومائة (3/177)
ومن الطبقة الثامنة
من أهل الكوفة
456 - أبو داود الحفرى
وإسمه عمر بن سعد أبو بكر المروزى قال سمعت أحمد بن حنبل يقول رأيت أبا داود الحفرى وعليه جبة مخرقة وقد خرج القطن منها يصلى بين المغرب والعشاء وهو يترجح من الجوع
الحسين بن على الصدائي قال جئت إلى أبي داود الحفرى فدققت الباب عليه فقال من هذا فقلت رجل من أصحاب الحديث فقال لي اصبر علي فاطلعت من كوة في الباب فإذا هو متزر بمئزر وهو يغزل صوفا يتعيش منه فأخذ الصوف فوضعه في كوة وأخذ عليه ثوبا وأدخلني الدار إلى مسجد له فقعد معى ولم يكن في الدار سقف غير سقف رأيته على الدهليز فأملى على حتى فنى ورقى وقال لي ألك حاجة أو تكتب شيئا آخر فما رأيت رجلا يحدث لله عز و جل مثله
قال ابن عبدويه وسمعت عباسا الدورى يقول حدثنا أبو داود الحفرى ولو رأيت أباداود لرأيت رجلا كأنه اطلع إلى النار فرأى ما فيها (3/178)
أسند أبو داود الحفرى عن الثورى وغيره وتوفى سنة ثلاث ومائتين
457 - بهيم العجلى
يكنى أبا بكر روى عن أبي إسحاق الفزاري
داود بن يحيى بن يمان عن أبيه قال قال بهيم إنما أخاف أن تدفق على الدنيا دفقة فتعريني
معاوية بن عمرو قال كان بهيم رجلا طوالا شديد الأدمة إذا رأيته رأيت رجلا حزينا
شهاب بن عباد قال رأيت بهيما العجلى وكان قد بكى حتى سقطت أشفاره وكان رطب العينين جدا فقلت لابن أخ له ما شأنه يمس عينيه كثيرا قال قد فسدت من كثرة ما يبكى فهي تحكه وتضرب عليه
معاذ بن زياد قال لما اتخذت عبادان سكنها قوم نساك فيهمرجل يقال له بهيم وكان رجلا حزينا يزفر الزفرة فتسمع زفيره
مخول قال جاءني بهيم يوما فقال لي تعلم لي رجلا من جيرانك (3/179)
أو إخوانك يريد الحج ترضاه يرافقني قلت نعم فذهبت إلى رجل من الحي له صلاح ودين فجمعت بينهما وتواطيا على المرافقة ثم انطلق بهيم إلى أهله فلما كان بعد أتاني الرجل فقال يا هذا أحب أن تزوى عني صاحبك وتطلب رفيقا غيرى فقلت ويحك فلم فوالله ما أعلم في الكوفة له نظيرا في حسن الخلق والاحتمال ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيرا قال ويحك حدثت أنه طويل البكاء لا يكاد يفتر فهذا ينغص علينا العيش سفرنا كله قال قلت ويحك إنما يكون البكاء أحيانا عند التذكرة يرق القلب فيبكى الرجل أو ما تبكى أنت أحيانا قال بلى ولكنه قد بلغني عنه أمر عظيم جدا من كثرة بكائه قال قلت أصحبه فلعلك أن تنتفع به قال أستخير الله
فلما كان اليوم الذي أراد أن يخرجا فيه جىء بالإبل ووطىء لهما فجلس بهيم في ظل حائط فوضع يده تحت لحيته وجعلت دموعه تسيل على خديه ثم على لحيته ثم على صدره حتى والله رايت دموعه على الأرض
قال فقال لي صاحبي يا مخول قد ابتدأ صاحبك ليس هذا (3/180)
لي برفيق قال قلت ارفق لعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق وسمعها بهيم فقال يا أخي والله ما هو بذاك وما هو إلا أني ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة قال وعلا صوته بالنحيب
قال يقول لي صاحبي والله ما هي بأول عداوتك لي وبغضك إياي مالي ولبهيم إنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين داود الطائي وسلام بن الأحوص حتى يبكى بعضهم إلى بعض حتى يشتفوا أو يموتوا جميعا
قال فلم أزل أرفق به وأقول ويحك لعلها خير سفرة سافرتها
قال وكان طويل الحج رجلا صالحا إلا أنه كان رجلا تاجرا موسرا مقبلا على شأنه لم يكن صاحب حزن ولا بكاء قال فقال لي قد وقعت مرتى هذه ولعلها أن تكون خيرة
قال وكل هذا الكلام لا يعلم به بهيم ولو علم بشىء منه ما صاحبه قال فخرجا جميعا حتى حجا ورجعا ما يرى كل واحد منهما أن له أخا غير صاحبه فلما جئت أسلم على جارى قال لي جزاك الله يا أخي عني خيرا ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بكر كان والله يتفضل على في النفقة وهو معدم وأنا موسر ويتفضل على في الخدمة وأنا شاب قوى وهو شيخ ضعيف ويطبخ لي وأنا مفطر وهو صائم (3/181)
قال فقلت فكيف كان أمرك معه في الذي كنت تكرهه من طويل بكائه قال ألفت والله ذاك البكاء وسر قلبي حتى كنت أساعده عليه حتى تأذى بنا أهل الرفقة قال ثم والله ألفوا ذلك فجعلوا إذا سمعونا نبكى بكوا وجعل بضعهم يقول لبعض ما الذي جعلهم أولى بالبكاء منا والمصير واحد قال فجعلوا والله يبكون ونبكى
قال ثم خرجت من عنده فأتيت بهيما فسلمت عليه وقلت كيف رأيت صاحبك قال كخير صاحب كثير الذكر لله عز و جل طويل التلاوة للقرآن سريع الدمعة محتمل الهفوات للرفيق جزاك الله عني خيرا
458 - عرفجة
عن خلف بن تميم قال كان فتى من أهل الكوفة متعبد يقال له عرفجة وكان يحيى الليل صلاة فاستزاره بعض إخوانه ليلة فاستاذن أمه في زيارته فأذنت له قالت العجوز فلما كان الليل إذا أنا في منامى برجال قد وقفوا على فقالوا يا أم عرفجة لم أذنت لإمامنا الليلة (3/182)
ذكر المصطفين من عباد الكوفة المجهولين الأسماء
459 - عابد
أبو سعيد البقال قال رأيت رجلا بالكوفة قد استعد للموت منذ ثلاثين سنة قال مالي على أحد شيء ولا لاحد عندي شيء وما أريد أن أكلم أحدا ولا يكلمني أحد من الناس إلا بذكر الله تعالى وكان يأوى الجبان والمقابر
أيوب بن موسى قال سمعت شيخا في المسجد يكنى أبا سهل الترمذى قال سمعت سفيان الثورى يقول رأيت شيخا في مسجد الكوفة يقول أنا في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة أنتظر الموت أن ينزل بي لو أتاني ما أمرته بشىء ولا نهيته عن شيء ولا لي على أحد شيء ولا لأحد عندي شيء
460 - عابدان كوفيان
عن الشعبى قال جاء رجلان إلى شريح فقال أحدهما اشتريت من هذا دارا فوجدت فيها عشرة آلاف درهم فقال خذها فقال له إنما اشتريت الدار فقال للبائع فخذها أنت فقال ولم وقد (3/183)
بعته الدار بما فيها فأدار الأمر بينهما فأبيا فأتى زيادا فأخبره فقال ما كنت أرى أن أحدا هكذا بقى وقال لشريح ادخل بيت المال فألق في كل جراب قبضة حتى تكون للمسلمين
461 - عابد آخر
منصور بن عمار قال خرجت ذات ليلة فظننت أنى قد أصبحت فإذا علي ليل فقعدت عند باب صغير فإذا بصوت شاب يبكى ويقول وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك وقد عصيتك حين عصيتك وما أنا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولا بنظرك مستخف ولكن سولت لي نفسي وغلبتني شقوتي وغرني سترك المرخي علي عصيتك بجهلي وخالفتك بجهدي فالآن من عذابك من يستنقدني وبحبل من اتصل إن قطعت حبلك عني واسوأتاه على ما مضى من أيامى في معصية ربي يا ويلي كم أتوب وكم أعود قد حان لي أستحيي من ربي عز و جل
قال منصور فلما سمعت كلامه قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد الآية فسمعت صوتا واضطرابا شديدا فمضيت لحاجتي (3/184)
فلما أصبحت رجعت وأنا بجنازة على الباب وعجوز تذهب وتجىء فقلت لها من الميت فقالت إليك عني لا تجدد على أحزاني فقلت إني رجل غريب فقالت هذا ولدى مر بنا البارحة رجل لا جزاه الله خيرا فقرأ آية فيها ذكر النار فلم يزل ولدى يضطرب ويبكى حتى مات
قال منصور هكذا والله صفة الخائفين
462 - عابد آخر
عبدالله بن عمر الكوفى قال كان عندنا بالكوفة رجل قد خرج عن دنيا واسعة وتعبد قال وكان الفضيل بالكوفة في أيامه قال فقدم ابن المبارك فقال له الفضيل إن هاهنا رجلا من المتعبدين قد خرج عن دنيا فامض بنا إليه ننظر عقله
قال فجاؤوا إليه وهو عليل وعليه عباء وتحت رأسه قطعة لبنة قال فسلم ابن المبارك عليه ثم قال يا أخي بلغنا أنه ما ترك عبد شيئا لله إلا عوضه الله ما هو أكثر منه فما عوضك قال الرضا بما أنا فيه فقال ابن المبارك حسبك وقاما على ذلك
463 - عابد آخر
محمد بن منصور قال كان بالكوفة رجل متعبد يأكل في يوم نصف رغيف وكان قاعدا لا يضطجع ويضع جبهته على ركبتيه من صلاة إلى صلاة لا يتطوع بشىء غير الفرائض ولا يتكلم البتة فقلت له لو تطوعت فقال افهم ما ألقيه إليك إني لست أعصيه (3/185)
ومن عقلاء المجانين بالكوفة
464 - نمير المجنون
العباس بن محمد بن عبدالرحمن الأشهلي قال حدثني أبي عن ابن نمير قال كان لي ابن أخت سمته أختي باسم أبي نمير وكان من نساك أهل الكوفة وقد سمع سماعا حسنا وكان حسن الطهور حسن الصلاة يراعى الشمس للزوال قال فعرض له فذهب عقله فكان لا يؤيه سقف بيت إذا كان بالنهار فهو بالجبانة وإذا كان بالليل ففي السطح قائما على رجليه في البرد والمطر والريح
فنزل يوما مبكرا يريد المقابر فقلت يا نمير تنام قال لا قلت أي شيء العلة التي تمنعك من النوم قال هذا البلاء الذي تراه فقلت يا نمير أما تخاف الله عز و جل قال بلى وقال أليس يقال أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل قال قلت له أنت أعلم منى قال كلا ومضى
قال وصعدت إليه ليلة باردة وهو قائم في السطح وأمه قائمة تبكى فقلت يا نمير بقى منك شيء لم تنكره قال نعم قلت ما هو قال حب الله عز و جل وحب رسوله صلى الله عليه و سلم
قال وصعدت إليه ليلة في رمضان فقلت له يا نمير لم افطر قال ولم قلت أحب ان تراك أختي تأكل معي قال أفعل قال فاصعد إلينا طعام فجعل يأكل معي حتى فرغت وفرغ فلما أردت أن أقوم رحمته من أن يراني موليا وهو في الظلمة والريح فبكيت (3/186)
فقال ما يبكيك رحمك الله قلت له أنزل إلى الكن والضوء وأدعك في الظلمة والبرد فغضب وقال لي إن لي ربا هو أرحم بي منك وأعلم بما يصلحني فدعه يصرفني كيف يشاء فإني لا أتهمه في قضائه فقلت له لئن كنت في ظلمة الليل إن جدك في ظلمة اللحد أريد أن أعزيه وأطيب نفسه فقال لي ما جعل روح رجل صالح مثل روح رجل متلوث ثم قال لي أتاني البارحة أبي وأبوك عبدالله ابن نمير فوقف ثم أشار إلى موضع كان أبي يصلى فيه فقال لي يا نمير أما إنك ستأتينا يوم الجمعة شهيدا
قال فدعوت أمه فصعدت إلى فأخبرتها بما قال فقالت والله ما جربت عليه كذبا وما هذا مما كان يتكلم به وما قال إلا حقا قال وقال هذه المقالة عشية الأربعاء فجعلنا نتعجب ونقول غدا الخميس وبعد غد الجمعة فهبه مرض غدا ومات بعد غد فأين الشهادة
فلما كانت ليلة الجمعة في وسط الليل سمعنا هدة فإذا هو قد هاج به ما كان يهيج فبادر الدرجة فزلت قدمه فسقط منها فاندقت عنقه فحفرت له إلى جنب أبي ودفنته وانكببت على قبر أبي فقلت أيا أبة قد أتاك نمير وجاورك فوالله ما قلت هذه المقالة إلا لما كان في قلبي من الغم ثم انصرفت فلما كان الليل رأيت أبي في النوم كأنه قد دخل علي من باب البيت فقال لي يا بني جزاك الله خيرا لقد آنستني بنمير اعلم أنه منذ أتيتمونا به إلى أن جئتك يزوج بالحور والسلام (3/187)
ذكر المصطفيات من العابدات الكوفيات ذكر المسميات منهن والمنسوبات
465 - أم حسان الكوفية
كان سفيان وابن المبارك وغيرهما يزورونها
عبدالله بن المبارك قال ذكر سفيان الثوري امرأة بالكوفة يقال لها أم حسان ذات اجتهاد وعبادة فدخلنا بيتها فلم نر فيه شيئا غير قطعة حصير خلق فقال لها الثورى لو كتبت رقعة إلى بعض بني أعمامك لغيروا من سوء حالك فقالت يا سفيان قد كنت في عيني أعظم وفي قلبي أكبر مذ ساعتك هذه إني ما أسال الدنيا من يقدر عليها ويملكها ويحكم فيها فكيف اسأل من لا يقدر عليها ولا يقضي ولا يحكم فيها ياسفيان والله ما أحب أن يأتى على وقت وأنا متشاغلة فيه عن الله تعالى بغير الله فأبكت سفيان
قال عبدالله فبلغني أن سفيان تزوج بها
466 - أم الأسود بن يزيد
وكيع قال حدثنا أبي عن منصور عن إبراهيم أن أم الأسود أقعدت من رجليها فجزعت ابنة لها فقالت اللهم إن كان خيرا فزد
467 - أم مسعر بن كدام
محمد بن سعد قال كانت لمسعر أم عابدة فكان يحمل لها لبدا (3/188)
ويمشى معها حتى يدخلها المسجد فيبسط لها اللبد فتقوم فتصلى ويتقدم هو إلى مقدم المسجد فيصلى ثم يقعد ويجتمع إليه من يريد فيحدثهم ثم ينصرف إليها فيحمل لبدها وينصرف معها
468 - أم سفيان الثورى
قال وكيع قالت أم سفيان الثورى لسفيان يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي وقالت له يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى نفسك زيادة في مشيك وحلمك ووقارك فإن لم يزدك فاعلم أنه لايضرك ولا ينفعك
469 - أم الحسن وعلي ابني صالح بن حي
عبدالله بن هاشم قال سمعت وكيع بن الجراح يقول كانت أم علي والحسن ابني صالح تقوم ثلث الليل
عبدالله بن صالح قال حدثني رجل من بنى تميم أن أم الحسن وعلي ابني صالح كانت تبكى بالليل والنهار قال فرأيت حسنا بعد موته في المنام فقلت ما فعلت الوالدة قال بدلت بطول ذلك البكاء سرور الأبد
470 - أخت فضيل بن عبد الوهاب
قال محمد بن الحسين حدثني فضيل بن عبدالوهاب قال سمعت أختى يوما تقول الآخرة أقرب من الدنيا وذلك أن الرجل يهم بطلب الدنيا فلعله أن ينشىء لذلك سفرا يكون فيه (3/189)
تعب بدنه وإنفاق ماله ثم لعله أن لا ينال بغيته والرجل يطلب الآخرة فمنتهى طلبته في حسن نيته حيث ما كان من غير أن ينشىء سفرا أو ينفق مالا أو يتعب بدنا ما هو إلا أن يجمع على طاعة الله فإذا هو قد أدرك ما عند الله
قال وسمعتها تقول ما بيننا وبين أن نرى السرور أو ننادى بالويل والثبور إلا خروج هذه الأرواح من الأبدان فانظروا أي عبيد تكونون حينئذ قال ثم صرخت وغشي عليها
قال فضيل ما رأيت أحدا قط رجلا ولا امرأة أطول حزنا منها (3/190)
ذكر المصطفيات من العابدات المجهولات الكوفيات
471 - عابدة
مجرز ابو القاسم الجلاب قال حدثني سعدان قال أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خثيم فلعلها تفتنه وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده فنظر إليها فراعه أمرها فأقبلت عليه وهي سافرة فقال لها الربيع كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين أم كيف بك لو قد ساءلك منكر ونكير
فصرخت صرخة فسقطت مغشيا عليها فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق
472 - عابدة أخرى
عبدالله بن نافع قال أتى الربيع بن خيثم في منامه فقيل إن فلانة السوداء زوجتك في الجنة فلما أصبح سأل عنها فدل عليها فإذا هي ترعى أعنزا لها فقال لأقيمن عندها فأنظر ما عملها فأقام عندها ثلاث ثلاثا (3/191)
لا يراها تزيد على الفريضة فإذا أمست جاءت إلى عنيزة لها فحلبت ثم شربت ثم حلبت فسقته فقال لها في اليوم الثالث يا هذه لم لا تسقيني من غير هذه العنز قالت يا عبدالله إنها ليست لي قال فلم تسقيني من هذه قالت إن هذه منحتها أشرب من لبنها وأسقي من شئت قال يا هذه فليس لك من العمل أكثر مما أرى قالت لا إلا أني ما أصبحت على حال قط فتمنيت أني على حال سواها رضا بما قسم الله لي فقال يا هذه علمت أني رأيت في المنام إنك زوجتي في الجنة قالت له أنت الربيع بن خثيم
قلت لعبد الله بن نافع كيف علمت هذا قال لعلها أن تكون رأت فى منامها مثل ما رأى
473 - عابدة أخرى
محمد بن يحيى بن أبي حاتم قال حدثني عبدالملك بن شبيب عن رجل من ولد ابن أبي ليلى قال دخلت على امرأة وأنا أقرأ سورة هودفقالت لي يا عبدالرحمن هكذا تقرأ سورة هود والله إني لفيها منذ ستة أشهر ما فرغت من قراءتها
474 - عابدة أخرى الوضاح بن حسان الأنباري قال حدثني رجل من أهل الكوفة قال كانت امرأة من التيم مجتهدة في العبادة فكانت تفطر في كل (3/192)
ثلاث مرة ولا تخرج من مسجد الحى إلا لحاجة فقال لها إبراهيم التيمى صلاتك في بيتك أفضل من صلاتك في مسجد الحى ففعلت فلزمت بيتها فلم تزدد إلا خيرا
457 - عابدتان أختان
محمد بن قدامة قال سمعت أبا بشر يقول كانت جارة لمنصور ابن المعتمر وكان لها ابنتان لاتصعدان إلى السطح إلا بعد ما ينام الناس فقالت إحداهما ذات ليلة يا أمتاه ما فعلت القائمة التي كنت أراها في سطح فلان فقالت يا بنية لم تكن تلك قائمة إنما كان ذاك منصور يحيى الليل كله في ركعة لا يسجد فيها ولا يركع فقالت يا أمتاه بلغ به العبادة والفرق من النار هذا فما فعل قالت مات ودفنوه قالت يا أمتاه انطلقى فاشترى لي مدرعة أتعبد فيها فوالله لا يجمع رأسي ورأس رجل أبدا رجل لا ينام عشرين سنة فرقا من النار
قال فاشترت لها مدرعة من شعر فدخلت البنت الأخرى معها في العبادة فتعبدتا بعد ذلك عشرين سنة لا تنامان الليل ولا تفطران النهار
476 - عابدة أخرى
عن سفيان أنه ذكر يوما امرأة من أهل الكوفة كانت تتعبد (3/193)
فذكر عنها فضلا فقلت أي شيء تحفظ من كلامها قال قالوا إنها كانت تقول لو نادى مناد من السماء ليمت أعظم الناس جرما لرأيت أن نفسى أول ذائقة للموت
وكانت تقول طول الأمل بطأ بي عن سبيل النجاة
477 - عابدة أخرى
عن ابن السماك قال أذنب غلام امرأة من قريش ذنبا فسعت إليه بالسوط فلما قربت منه رمت بالسوط وقالت ما تركت التقوى أحدا يشفي غيظه
478 - عابدة أخرى
أبو بكر بن عبيد قال حدثنى محمد بن الحسين قال أخبرنا شهاب بن عباد قال أخبرنا سويد بن عمرو الكلبى قال كانت امرأة عابدة في غنى فكانت لا تنام من الليل إلا يسيرا فعوتبت في ذلك فقالت كفى بالموت وطول الرقدة في القبور للمؤمنين رقادا
قال أبو بكر وزادنى في هذا الحديث عن محمد بن الحسين بإسناده هذا وكانت تصوم في شدة الحر حتى يسود لونها ويتغير وجهها
فيقال لها فى ذلك فتقول إنما أدور على طول الوى والشبع فى الآخرةوكانت قد بكت حتى اسود مجارى دموعها من وجهها (3/194)
فكان يأتيها محمد بن النضر وأصحابه فيحادثها ساعة ثم تقول قوموا فالحديث هناك يطيب في دار لا هم فيها ولا موت ولا تعب
ذكر المصطفيات من عقلاء المجانين المتعبدات الكوفيات
479 - ميمونة السوداء
الفضيل بن عياض قال قال عبد الواحد بن زيد سألت الله عز و جل ثلاث ليال أن يريني رفيقى في الجنة فرأيت كأن قائلا يقول يا عبد الواحد رفيقك في الجنة ميمونة السوداء فقلت وأين هي فقال في آل بنى فلان بالكوفة
قال فخرجت إلى الكوفة وسألت عنها فقيل هي مجنونة بين ظهرانينا ترعى غنيمات لنا فقلت أريد أن أراها قالوا اخرج إلى الجبان فخرجت فإذا بها قائمة تصلى وإذا بين يديها عكاز لها وعليها جبة من صوف عليها مكتوب لا تباع ولا تشترى وإذا الغنم مع الذئاب فلا الذئاب تأكل الغنم ولا الغنم تخاف الذئاب
فلما رأتني أوجزت في صلاتها ثم قالت ارجع يا بن زيد ليس الموعد هاهنا إنما الموعد ثم فقلت رحمك الله ومن أعلمك أني ابن زيد فقالت أما علمت أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فقلت لها عظيني فقالت واعجبا (3/195)
لواعظ يوعظ ثم قالت يا بن زيد إنك وضعت معايير القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها يا بن زيد إنه بلغني أنه مامن عبد أعطى من الدنيا شيئا فابتغى إليه ثانيا إلا سلبه الله حب الخلوة معه وبدله بعد القرب البعد وبعد الأنس الوحشة ثم أنشأت تقول
يا واعظا قام لاحتساب ... يزجر قوما عن الذنوب
تنهى وأنت السقيم حقا ... هذا من المنكر العجيب
لو كنت أصلحت قبل هذا ... عيبك أو تبت من قريب
كان لما قلت يا حبيبي ... موقع صدق من القلوب
تنهى عن الغي والتمادي ... وأنت في النهي كالمريب
فقلت لها إني أرى هذه الذئاب مع الغنم فلا الغنم تفزع من الذئاب ولا الذئاب تأكل الغنم فأي شيء هذا فقالت إليك عنيفإني أصلحت ما بيني وبين سيدي فأصلح بين الذئاب والغنم
480 - بخة
عن يحيى بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل قال كانت لي أخت أسن منى فاختلطت وذهب عقلها فتوحشت فكانت في غرفة في اقصى سطوحنا فمكثت بذلك بضع عشرة سنة وكانت مع ذهاب عقلها (3/196)
تحرص على الطهور وتفقد الصلوات وربما غلبت على عقلها الأيام فتحفظ ذلك حتى تقضيه
قال فبينما أنا نائم ذات ليلة إذا باب بيتي يدق في نصف الليل فقلت من هذا قالت بخة قلت أختي قالت أختك قلت لبيك وقمت ففتحت الباب فدخلت ولا عهد لها بالبيت منذ أكثر من عشر سنين فقلت لها يا أختاه خير قالت خير أتيت الليلة في منامي فقيل لي السلام عليك يا بخة فقلت وعليك السلام فقيل لي إن الله قد حفظ أباك إسمعيل لسلمة بن كهيل جدك وحفظك لأبيك إسماعيل فإن شئت دعوت الله لك فأذهب ما بك وإن شئت صبرت ولك الجنة فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد شفعا لك إلى الله عزوجل بحب أبيك وجدك إياهما فقلت إن كان لا بد من أن أختار أحدهما فالصبر على ما أنا فيه و الجنة والله واسع لا يتعاظمه شيء إن شاء أن يجمعهما لي فعل قالت فقيل لي قد جمعهما الله لك ورضى عن أبيك وجدك بحبهما أبا بكر وعمر قومى فأنزلي فأذهب الله ما كان بها
انتهى ذكر أهل الكوفة ولله الحمد (3/197)
ذكر المصطفين من أهل البصرة من التابعين ومن بعدهم فمن الطبقة الأولى
481 - الاحنف بن قيس
يكنى أبا بحر وإنما عرف بالأحنف لأنه ولد أحنف
عن الحسن عن الأحنف قال بينا أنا أطوف بالبيت إذ لقيني رجل من بين سليم فقال أبشرك فقلت بلى قال أتذكر إذا بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قومك بني سعد أدعوهم إلى الإسلام فقلت أنت ما قال إلا خيرا ولا أسمع إلاحسنا فإني رجعت وأخبرت النبي صلى الله عليه و سلم بمقالتك فقال
اللهم اغفر للأحنف قال فما أنا لشيء أرجى منى لها
قال معاوية بن هشام لخالد بن صفوان بم بلغ فيكم الأحنف بن قيس ما بلغ قال إن شئت حدثتك ألفا وإن شئت حذفت لك الحديث حذفا قال احذفه لي حذفا قال فإن شئت فثلاثا وإن شئت فاثنتين وإن شئت فواحدة قال ما الثلاث قال كان لا يشره (3/198)
ولا يحسد ولا يمنع حقا قال فما الثنتان قال كان موفقا للخير معصوما من الشر قال فما الواحدة قال كان أشد الناس على نفسه سلطانا
عن الحسن قال كانوا يتكلمون عند معاوية والأحنف ساكت فقالوا مالك لا تتكلم يا أبا بحر قال أخشى الله إن كذبت وأخشاكم إن صدقت
عن سليمان التيمى قال قال الأحنف بن قيس ما ذكرت أحدا بسوء بعد أن يقوم من عندي
عن سلمة بن منصور عن مولى لهم كان يصحب الأحنف بن قيس قال كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل الدعاء وكان يجىء إلى المصباح فيضع أصبعه فيه ثم يقول حس ثم يقول يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا ما حملك على ما صنعت يوم كذا
عن الحسن قال قال الأحنف بن قيس والله ما سمعت كلمة إلا طأطأت لها رأسي لما هو أعظم منها
الغلابي قال حدثني رجل من بني تميم قال قال الأحنف بن قيس لا مروءة لكذوب ولا راحة لحسود ولا حيلة لبخيل ولا سودد لسيء الخلق ولا إخاء لملول
عن مغيرة قال اشتكى ابن أخى الأحنف إلى الأحنف بن قيس (3/199)
وجع ضرسه فقال له الأحنف لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتها لأحد
قبيصة قال قيل للأحنف بن قيس ألا تأتي الأمراء قال فأخرج جرة مكسورة فكبها فإذا كسر فقال من كان يجزئه مثل هذا ما يصنع بإتيانهم
وقال محمد بن سعد كان الأحنف صديقا لمصعب بن الزبير فوفد عليه الكوفة ومصعب واليها يومئذ فتوفى الأحنف عنده فرئى مصعب في جنازته يمشى بغير رداء
أسند الأحنف عن عمر وعلي وأبي ذر وغيرهم
482 - أبو عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مل
معتمر بن سليمان عن أبيه قال إني لأحسب أبا عثمان كان لا يصيب ذنبا كان ليله قائما ونهاره صائما وإن كان ليصلى حتى يغشى عليه
حماد بن سلمة عن ثابت قال كان أبو عثمان إذا دعا ودعونا يقول والله لقد استجاب الله عز و جل قال الله ادعوني استجب لكم
أدرك أبو عثمان رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يلقه وأسند عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي موسى وسلمان وأسامة وأبي هريرة في آخرين (3/200)
وكان من ساكنى الكوفة فلما قتل الحسين عليه السلام تحول إلى البصرة وقال لاأسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول الله
وتوفى بالبصرة في أول ولاية الحجاج العراق وهو ابن ثلاثين ومائة سنة
حماد بن سلمة عن حميد عن أبي عثمان قال بلغت نحوا من ثلاثين ومائة سنة ما من شيء إلا قد عرفت النقص فيه إلا أملي كما هو
483 - حجير بن الربيع العدوى
روى عن عمر بن الخطاب عبدالرحمن عن هلال بن حق قال كان حجير بن الربيع يصلى حتى ما يأتى فراشه إلا زحفا وما يعدونه من أعبدهم
484 - عامر بن عبدالله وهو الذي يقال له ابن عبد قيس
يكنى أبا عمرو وقيل أبا عبدالله من بني تميم
جعفر قال سمعت مالك بن دينار يقول بلغنا أن كعبا رأىعامر بن عبد قيس فقال من هذا فقالوا هذا عامر فقال هذا راهب هذه الأمة
عن علقمة بن مرثد قال انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم عامر بن عبدالله كان ليصلى فيتمثل إبليس في صورة الحية فيدخل تحت قميصه حتى يخرج من جيبه فما يمسه فقيل له ألا تنحى (3/201)
الحية عنك فقال إني لأستحيي من الله عز و جل أن أخاف سواه فقيل له إن الجنة لتدرك بدون ما تصنع وإن النار لتتقى بدون ما تصنع فقال والله لأجتهدن ثم والله لأجتهدن فإن نجوت فبرحمة الله وإن دخلت النار فبعد جهدي
فلما احتضر بكى فقيل له أتجزع من الموت وتبكى فقال مالي لا أبكي ومن أحق بذلك مني والله ما أبكى جزعا من الموت ولا حرصا على دنياكم ولكني أبكى على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء
وكان يقول اللهم في الدنيا الهموم والأحزان وفي الآخرة العذاب والحساب فأين الروح والفرح
عن عبدالله بن غالب عن عامر بن يساف قال سمعت المعلى ابن زياد يقول كان عامر بن عبدالله قد فرض على نفسه في كل يوم ألف ركعة وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفخت ساقاه من طول القيام فيقول يا نفس بهذا أمرت ولهذا خلقت يوشك أن يذهب العناء وكان يقول لنفسه قومى يا مأوى كل سوء فوعزة ربك لأزحفن بك زحوف البعير ولئن استطعت أن لا يمس الأرض من زهمك لأفعلن ثم يتلوى كما تتلوى الحية على المقلى ثم يقوم فينادى اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي (3/202)
ابن وهب وغيره يزيد بعضهم على بعض في الحديث أن عامر إبن عبد قيس كان من أفضل العابدين ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة يقوم عند طلوع الشمس فلا يزال قائما إلى العصر ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه وقدماه فيقول يا نفس إنما خلقت للعبادة يا أمارة بالسوء والله لأعملن بك عملا لا يأخذ الفراش منك نصيبا
قال وهبط واديا يقال له وادي السباع وفي الوادي عابد حبشي يقال له حممة فانفرد عامر في ناحية وحممة في ناحية يصليان لا هذا ينصرف إلى هذا ولا هذا ينصرف إلى هذا أربعين يوما وأربعين ليلة إذا جاء وقت الفريضة صليا ثم أقبلا يتطوعان ثم انصرف عامر بعد أربعين يوما إلى حممة فقال من أنت يرحمك الله فقال دعني وهمي قال أقسمت عليك قال أنا حممة قال عامر لئن كنت أنت حممه الذي ذكر لي لأنت أعبد من في الأرض فأخبرني عن أفضل خصلة قال إني لمقصر ولولا مواقيت الصلاة تقطع علي القيام والسجود لأحببت أن أجعل عمري راكعا ووجهي مفترشا حتى ألقاه ولكن الفرائض لا تدعني أفعل ذلك فمن أنت يرحمك الله قال أنا عامر بن عبد قيس قال إن كنت عامرا الذي ذكر لي فأنت أعبد الناس فأخبرني بأفضل خصلة قال إني لمقصر ولكن واحدة عظمت هيبة الله صدري حتى ما أهاب شيئا غيره (3/203)
واكتنفته السباع فأتاه سبع منها فوثب عليه من خلفه فوضع يديه على منكبيه وعامر يتلو هذه الآية ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود فلما رأى السبع أنه لا يكثرت له ذهب فقال حممة وبالله يا عامر ما هالك ما رأيت قال إني لأستحي من من الله عز و جل أن أهاب شيئا غيره
قال حممة لولا أن الله تعالى ابتلانا بالبطن فإذا أكلنا لا بد لنا من الحدث ما رآني ربي إلا راكعا أو ساجدا
وكان يصلى في اليوم والليلة ثمان مائة ركعة وكان يقول إني لمقصر في العبادة وكان يعاتب نفسه
المعلى بن إياد القردوسي عن عامر بن عبد قيس أنه مر بقافلة قد حبسهم الأسد من بين أيديهم على طريقهم فلما جاء عامر نزل عن دابته فقالوا يا ابا عبدالله إنا نخاف عليك من الأسد فقال إنما هو كلب من كلاب الله عز و جل إن شاء أن يسلطه سلطه وإن شاء أن يكفه كفه فمشى إليه حتى أخذ بيديه أذنى الأسد فنحاه عن الطريق وجازت القافلة وقال إني لأستحي من ربي تبارك وتعالى أن يرى في قلبي أنى أخاف من غيره (3/204)
محمد بن فضيل بن غزوان قال أنبأ أبى قال كان عامر بن عبد قيس يقول ما رأيت مثل الجنة نام طالبها وما رأيت مثل النار نام هاربها وكان إذا جاء النهار قال أذهب حر النار النوم فما ينام حتى يمسى وإذا جاء الليل قال من خاف أدلج وعند الصباح يحمد القوم السرى
سهيل أخو حزم قال بلغني عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول أحببت الله عز و جل حبا سهل علي كل مصيبة ورضاني كل قضية فما أبالى مع حبي إياه ما أصبحت عليه وما أمسيت
سعيد بن ميمون قال قيل لامرأة عامر بن عبد قيس يعنى خادمته كيف كانت عبادة عامر قالت ما صنعت له طعاما قط بالنهار فأكله إلا بالليل ولا فرشت له فراشا بالليل فاضطجع عليه إلا بالنهار
عن الحسن قال بعث معاوية إلى عبدالله بن عامر أن انظر إلى عامر بن عبد قيس فاحسن إذنه وأكرمه ومره أن يخطب إلى من شاء وأمهر عنه من بيت المال
قال فأرسل إليه إن أمير المؤمنين قد كتب إلي أن أحسن إذنك وأكرمك
قال يقول فلان أحوج مني إلى ذلك يعني رجلا كان أطال (3/205)
الاختلاف إليهم ولا يؤذن له وأمرني أن آمرك أن تخطب إلي من شئت وأمهر عنك من بيت المال قال أنا في الخطبة دائب قال إلى من قال إلى من يقبل الفلقة والتمرة
قال ثم اقبل إلى جلسائه وقال إني سائلكم فأخبروني هل منكم من أحد إلا له من قبله شعبة قالوا اللهم لا قال هل منكم من أحد إلا لأهله من قلبه شعبة قالوا اللهم لا قال هل منكم من أحد إلا لولده من قلبه شعبة قالوا اللهم لا قال فوالذي نفسي بيده لأن تختلف الاسنة في جوانحى أحب إلي من أن أكون هكذا أما والله لأجعلن الهم هما واحدا قال الحسن وفعل
عبدالله بن عياش مولى بني جشم عن أبيه عن شيخ قد سماه وكان قد أدرك سبب تسيير عامر بن عبدالله قال مر برجل من أعوان السلطان وهو يجر ذميا والذمى يستغيث فأقبل على الذمى فقال أديت جزيتك قال نعم فأقبل عليه فقال ما تريد منه قال أذهب به يكسح دار الأمير قال فأقبل على الذمى فقال تطيب نفسك له بهذا قال يشغلني عن صنعتي قال دعه قال لا أدعه قال له دعه قال لا أدعه قال فوضع كساءه فقال لا يخفر ذمة محمد صلى الله عليه و سلم وأنا حي قال ثم خلصه منه قال فتراقى (3/206)
ذلك حتى كان سبب تسييره
مالك بن دينار قال قالت المرأة التي نزل عليها عامر بن عبدالله مالى أرى الناس ينامون ولا أراك تنام قال إن ذكر جهنم لا يدعنى أن أنام
عن قتادة قال سأل عامر بن عبد قيس ربه عز و جل أن يهون عليه الطهور في الشتاء فكان يؤتى بالماء وله بخار وسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه فكان لا يبالى ذكرا لقى أم أنثى وسأل ربه أن يحول بين الشيطان وبين قلبه في الصلاة فلم يقدر على ذلك وقيل له هذه الأجمة نخاف عليك منها الأسد فقال إني لأستحى من ربي أن أخشى غيره
عن المعلى قال قال عامر بن عبد قيس أربع آيات في كتاب الله تعالى إذا ذكرتهن لا أبالى على ما أصبحت أو أمسيت ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو و سيجعل الله بعد عسر يسرا وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها (3/207)
عن مالك بن دينار عن عامر بن عبد قيس أنه كان يقول إن أشد أهل الجنة فرحا في الجنة أطولهم حزنا في الدنيا
أبو مسكين الفداني قال قال عامر بن عبد قيس من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء
عن أبي المتوكل الناجي قال قال عامر بن عبد قيس يا أبا المتوكل قلت لبيك قال عليك بما يرغبك في الآخرة ويزهدك في الدنيا ويقربك إلى الله عز و جل قلت ما هو فقال تقصر عن الدنيا همك وتشحذ إلى الآخرة نيتك وتصدق ذلك بفعلك فإذا كنت كذلك لم يكن شيء أحب إليك من الموت ولا شيء أبغض إليك من الحياة فقلت يا أبا عبدالله كنت لا أحسبك تحسن مثل هذا فقال كم من شيء كنت أحسنه وددت أنى لا أحسنه وما يغنى عنى ما أحسن من الخير إذا لم أعمل به
بلال بن سعد أن عامرا كان يشترط على رفقائه أن ينفق عليهم بقدر طاقته
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول خرج عامر من البصرة إلى الشام ومعه شكوة فيها ماء يتوضأ منه للصلاة ويشرب منه لبنا إذا شاء (3/208)
يزيد بن نعامة قال كان عامر بن عبد قيس إذا أصبح قال اللهم غدا الناس إلى أسواقهم وأصبح لكل امرىء منهم حاجة وحاجتي إليك يا رب أن تغفر لي
عن العلاء بن سالم قال حدثني من صحب عامر بن عبد قيس أربعة أشهر قال فما رأيته نام بليل ولا نهار حتى فارقته وكان له رغيفان قد جعل عليهما ودكا فيتسحر بواحد ويفطر بآخر وكان إذا أصبح علمنا القرآن حتى إذا أمكنته الصلاة قام يصلى فلا يزال يصلى حتى يصلى العصر قال ثم يعلمنا القرآن حتى يمسى فإذا صلى المغرب فهي ليلته حتى يصبح
عن الحسن قال كان عامر بن عبد قيس إذا صلى الصبح تنحى في ناحية المسجد فقال من أقرئه قال فيأتيه قوم فيقرئهم حتى إذا طلعت الشمس وأمكنته الصلاة قام يصلى إلى أن ينتصف النهار ثم يرجع إلى منزله فيقيل ثم يرجع إلى المسجد إذا زالت الشمس فيصلى حتى يصلى الظهر ثم يصلى إلى العصر فإذا صلى العصر تنحى في ناحية المسجد ثم يقول من أقرئه قال فيأتيه قوم فيقرئهم حتى إذا غربت الشمس صلى المغرب ثم يصلى حتى يصلى العشاء الآخرة ثم يرجع إلى منزله فيتناول أحد رغيفيه فيأكل ثم يهجع هجعة خفيفة ثم يقوم (3/209)
فإذا أسحر تناول رغيفه الآخر فأكله ثم شرب عليه شربة من ماء ثم يخرج إلى المسجد
قال خلف وحدثنى بعض أصحابنا قال كان منصور بن زاذان يفعل هذا كله ويفضل بخصلة لا يبيت كل ليلة حتى يبل عمامته بدموعه ثم يضعها
عن أبي العلاء بن عبدالله بن الشخير قال أخبرني ابن أخي عامر ابن عبد قيس أن عامرا كان يأخذ عطاءه فيجعله في طرف ردائه فلا يلقى أحدا من المساكين يسأله إلاأعطاه فإذا دخل إلى أهله رمى به إليهم فيعدونها فيجدونها كما أعطيها
عمارة بن عبدالله العنبري وابنه وثابت أبو الفضل قالوا ما رأينا عامر بن عبد قيس متطوعا في مسجدهم قط
قال وكان آخر من يدخل المسجد وأول من يخرج منه
عبدالله بن الشخير قال كنا نأتى عامر بن عبدالله وهو يصلى في مسجده فإذا رآنا تجوز في صلاته ثم انصرف فقال لنا ما تريدون وكان يكره أن يرونه يصلى
عن سحيم مولى بني تميم قال جلست إلى عامر بن عبدالله وهو يصلى فتجوز في صلاته ثم أقبل علي فقال أرحني بحاجتك (3/210)
فإني أبادر قلت وما تبادر قال ملك الموت رحمك الله قال فقمت عنه وقام إلى صلاته
عن أبي عبدة العنبرى قال لما هبط المسسلمون المدائن وجمعوا الأقباض أقبل رجل بحق معه فدفعه إلى صاحب الأقباض فمال الذين معه ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله ما عندنا ولا يقاربه فقالوا له هل أخذت منه شيئا فقال أما والله لولا الله ما أتيتكم به فعرفوا أن للرجل شأنا فقالوا من أنت فقال لا والله لا أخبركم لتحمدوني ولا غيركم ليقرظوني ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس
أدرك عامر الصدر الأول وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكنه اشتغل بالعبادة عن الرواية
485 - أبو العالية الرياحى
واسمه الرفيع أعتقته امرأة من بنى رياح قال أبو العالية دخلت المسجد معها فوافقنا الإمام على المنبر فقبضت على يدى فقالت اللهم أدخره عندك ذخيرة اشهدوا يا أهل المسجد أنه سائبة لله ثم ذهبت فما تراءينا بعد (3/211)
عن عاصم قال كان أبو العالية إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام
عن ابن أنس عن أبي العالية قال كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام فأول ما أتفقده من أمره صلاته فإن وجدته يقيهما ويتمها أقمت وسمعت منه وإن وجدته يضيعها رجعت ولم أسمع منه وقلت هو لغير الصلاة أضيع
عن عثمان عن أبي العالية قال قال لي أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لا تعمل لغير الله فيكلك الله عز و جل إلى من عملت له
خالد بن دينار قال سمعت أبا العالية قال كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه
سيار بن سلامة قال دخلت على أبي العالية في مرضه الذي مات فيه فقال إن أحبه إلي أحبه إلى الله عز و جل
أسند أبو العالية عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي وأبى ابن كعب وأبي موسى وأبي هريرة وابن عباس في جماعة من الصحابة رضي الله عنهم إلا أنه أرسل الحديث عن بعض هؤلاء وتوفى في شوال سنة تسعين
أبو خلدة قال مات أبو العالية في شوال يوم الاثنين سنة تسعين (3/212)
486 - عبدالله بن شقيق البصري
أبو عبد الرحمن سمع من عائشة رضي الله عنها وقال جاورت أبا هريرة سنة وقد روى عن عمر
عن الجريري قال كان عبدالله بن شقيق مجاب الدعوة كانت تمر به السحابة فيقول اللهم لا تجوز كذا وكذا حتى تمطر فلاتجوز ذلك الموضع حتى تمطر
487 - الفضيل بن زيد الرقاشي
غزا سبع غزوات في خلافة عمر وكان من عباد البصرة
عن عاصم الأحول عن فضيل بن زيد الرقاشي وكان غزا مع عمر سبع غزوات قال لا يلهينك الناس عن ذات نفسك فإن الأمر يخلص إليك دونهم ولا تقطع النهار بكيت وكيت فإنه محفوظ عليك ما قلت ولم أو شيئا أحسن طلبا ولا اسرع إدراكا من حسنة حديثه لذنب قديم
أسند الفضيل عن عبدالله بن مغفل وغيره من الصحابة
488 - هرم بن حيان العبدي
كان عاملا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
قتادة عن هرم بن حيان قال ما رأيت كالنار نام هاربها ولا كالجنة نام طالبها (3/213)
عدى بن ابي عمارة قال قال هرم بن حيان ما آثر الدنيا على الآخرة حكيم ولا عصى الله كريم
وعن الأصمعي عن صالح المري قال قال هرم بن حيان صاحب الكلام على إحدى المنزلتين إن قصر فيه حصر وإن أغرق فيه أثم
ابن شوذب قال قال هرم بن حيان لو قيل لي إنك من أهل النار لم أترك العمل لئلا تلومني نفسي فتقول لم فعلت لم ضيعت
وفي رواية أخرى تقول لي ألا صنعت ألا فعلت
عن الحسن قال خرج هرم بن حيان وعبدالله بن عامر يؤمان الحجاز فجعلت أعناق رواحلهما تتخالجان الشجر فقال هرم لابنعامر أتحب أنك شجرة من هذه الشجر فقال ابن عامر لا والله لما أرجو من ربي عز و جل فقال هرم لكني والله لوددت أني شجرة من هذه الشجر أكلتني هذه الراحلة ثم قذفتني بعرا ولم أكابد الحساب يا ابن عامر إني أخاف الداهية الكبرى إما إلى الجنة وإما إلى النار
قال الحسن وكان هرم أفقه الرجلين وأعلمهما بالله عز و جل
مطر الوراق قال بات هرم بن حيان العبدي عند حممة صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فبات حممة ليلته يبكى كلها حتى أصبح فلما أصبح قال له هرم يا حممة ما أبكاك قال ذكرت ليلة صبيحتها تبعثر (3/214)
القبور فيخرج من فيها
قال وبات حممة عند هرم بن حيان فبات ليلته يبكى حتى أصبح فسأله حين أصبح ما الذي أبكاك قال ذكرت ليلة صبيحتها تناثر نجوم السماء فأبكاني ذاك قال وكان يصطحبان أحيانا بالنهار فيأتيان سوق الريحان فيسألان الله الجنة ويدعوان ثم يأتيان الحدادين فيعوذان من النار ثم يتفرقان إلى منازلهما
عن أبي نضرة أن عمر رضي الله عنه بعث هرم بن حيان على الخيل فغضب رجل فأمر به فوجئت عنقه ثم أقبل على أصحابه فقال لا جزاكم الله خيرا ما نصحتموني حين قلت ولا كففتموني عن غضبي والله لا ألى لكم عملا ثم كتب إلى عمر يا أمير المؤمنين لا طاقة لي بالرعية فابعث إلى عملك
عن الحسن قال مات هرم بن حيان في يوم صائف شديد الحر فلما نفضوا أيديهم عن قبره جاءت سحابة تسير حتى قامت على قبره فلم تكن أطول منه ولا أقصر فرشته حتى روته ثم انصرفت
عن قتادة قال أمطر قبر هرم بن حيان من يومه وأنبت العشب من يومه
قلت لا يحفظ لهرم مسند أصلا (3/215)
489 - صلة بن أشيم العدوى
يكنى أبا الصهباء ثابت البناني قال كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبان فيتعبد فيها فكان تمر عليه شباب يلهون ويلعبون فيقول لهم أخبروني عن قوم أرادوا سفرا فحادوا النهار عن الطريق وباتوا بالليل متى يقطعون سفرهم
قال فكان كذلك يمر بهم فيعظهم فمر بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة فقال شاب منهم يا قوم إنه والله ما يعنى بهم غيرنا نحن بالنهار نلهو وباليل ننام ثم اتبع صلة فلم يختلف معه إلى الجبان ويتعبد معه حتى مات
حماد بن زيد قال حدثنا ثابت أن صلة وأصحابه مر بهم فتى يجر ثوبه فهم أصحاب صلة أن يأخذوه بألسنتهم أخذا شديدا فقال صلة دعوني أكفكم أمره فقال يا بن أخي إن لي إليك حاجة قال وما حاجتك قال أن ترفع إزارك قال نعم ونعمى عين فرفع إزاره فقال صلة لأصحابه هذا كان أمثل مما أردتم لو شتمتموه لشتمكم
حماد بن سلمة قال أنبأ ثابت أن أخا لصلة بن أشيم مات فجاء رجل وهو يطعم فقال يا أبا الصهباء إن أخاك مات فقال هلم فكل قد نعى لنا ادن فكل فقال والله ما سبقني إليك أحد فمن نعاه (3/216)
قال يقول الله عز و جل إنك ميت وإنهم ميتون
عن معاذة قالت كان أبو الصهباء يصلى حتى ما يستطيع أن يأتى فراشه إلا زحفا
حماد بن جعفر بن زيد أن أباه أخبره قال خرجنا في غزاة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة فقلت لأرمقن عمله فأنظر ما يذكر الناس من عبادته فصلى العتمة ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس حتى قلت هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبا منه ودخلت في أثره فتوضأ ثم قام يصلى
قال وجاء أسد حتى دنا منه قال فصعدت في شجرة قال فتراه التفت أوعده جرذا حتى سجد فقلت الآن يفترسه فجلس ثم سلم فقال أيها السبع اطلب الرزق من مكان آخر فولى وإن له لزئيرا تصدع الجبال منه فما زال كذلك
فلما كان عند الصبح جلس فحمد الله عز و جل بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ثم قال اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار أو مثلى يجترىء أن يسألك الجنة ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم
قال فلما دنوا من أرض العدو قال الأمير لا يشذن أحد من (3/217)
العسكر قال فذهبت بغلته بثقلها فأخذ يصلي فقالوا له إن الناس قد ذهبوا فمضى ثم قال دعوني أصلي ركعتين فقالوا الناس قد ذهبوا قال إنهما خفيفتان قال فدعا ثم قال اللهم إني أقسم عليك أن ترد بغلتي وثقلها قال فجاءت حتى قامت بين يديه قال فلما لقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر فصنعا بهم طعنا وضربا وقتلا فكسر ذلك العدو فقالوا رجلان من العرب صنعا بنا هذا فكيف لو قاتلونا فأعطوا المسلمين حاجتهم
عن أبي السليل أن صلة بن أشيم حدثه قال كنت أسير على دابة لي إذ جعت جوعا شديدا فلم أجد أحدا يبيعني طعاما وجعلت أتحرج أن اصيب من أحد من الطريق شيئا فبينما أنا أسير حسبت أنه قال أدعو ربي عز و جل وأستطعمه إذ سمعت وجبة من خلفي فالتفت فإذا أنا بمنديل أبيض فنزلت عن دابتي فأخذت الثوب فإذا فيه دوخلة ملأى رطبا قال فأخذته وركبت دابتى فأكلت منه حتى شبعت وأدركني المساء فنزلت إلى راهب في دير له فحدثته الحديث قال فاستطعمني من الرطب فأطعمته رطبا ثم إني مررت على ذلك الراهب فإذا نخلات حسان حمال فقال إنهن لمن رطباتك التي (3/218)
أطعمتني وجاء بالثوب إلى أهله فكانت امرأته تريه الناس
عن رجل من بني عدى قال لما أهديت معاذة إلى صلة أدخله ابن أخيه الحمام ثم أدخله بيتا مطيبا فقام يصلى فقامت فصلت فلم يزالا يصليان حتى برق الفجر قال فأتيته فقلت أي عم أهديت إليك ابنة عمك الليلة فقمت تصلى وتركتها فقال إنك أدخلتني أمس بيتا أذكرتني به النار ثم أدخلتني بيتا اذكرتني به الجنة فما زالت فكرتي فيهما حتى أصبحت
عن جعفر بن زيد العبدي أن صلة بن أشيم قال لمعاذة ليكن شعارك الموت فإنك لا تبالين على يسر أصبحت من الدنيا أم على عسر
عن الحسن قال مات أخ لنا فصلينا عليه فلما وضع في قبره ومد عليه الثوب جاء صلة بن أشيم فأخذ بناحية الثوب ثم نادى يا فلان ابن فلان
فان تنج منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا
قال فبكى وأبكى الناس
عن ابن عون قال قال رجل لصلة بن أشيم ادع الله عز و جل لي قال رغبك الله عز و جل فيما يبقى وزهدك فيما يفنى ووهب لك اليقين الذي لا يسكن إلا إليه ولا يعول في الدين إلا عليه
ثابت البناني أن صلة بن أشيم كان في مغزى له ومعه ابن له فقال أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك فحمل فقاتل حتى قتل (3/219)
رحمه الله ثم تقدم فقتل فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت مرحبا إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحبا بكم وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن
لقى صلة بن أشيم جماعة من الصحابة وأسند عن ابن عباس وغيره وقتل شهيدا في أول إمرة الحجاج على العراق
490 - أبو رجاء عمران بن ملحان العطاردى
ويقال عمران بن تيم يوسف بن عطية عن أبيه قال دخل أبي على أبي رجاء العطاردي فقال حدثني أبو رجاء قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم ونحن على ماء لنا وكان لنا صنم مدور فحملناه على قتب وانتقلنا من ذلك الماء إلى غيره فمررنا برملة فانسل الحجر فوقع في الرمل فغاب فيه فلما رجعنا إلى الماء فقذفنا الحجر فرجعنا في طلبه فإذا هو في رمل قد غاب فيه فاستخرجناه فكان ذلك أول إسلامي فقلت إن إلها لم يمتنع من تراب يغيب فيه لإله سوء وإن العنز لتمنع حياءها بذنبها فرجعنا إلى المدينة وقد توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم
عمارة المغولي قال سمعت أبا رجاء يقول كنا نعمد إلى الرمل (3/220)
فنجمعه ونحلب عليه فنعبده وكنا نعمد إلى الحجر الأبيض فنعبده زمانا ثم نلقيه
الجعد أبو عثمان اليشكري قال سألت أبا رجاء العطاردي قلت يا أبا رجاء أرأيت من أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانوا يخافون على أنفسهم النفاق
قال أما إني أدركت بحمد الله عز و جل منهم صدرا حسنا قال أبو عثمان وكان أدرك عمر بن الخطاب فقال نعم شديدا نعم شديدا
أبو الأشهب قال كان أبو رجاء يختم بنا في رمضان كل عشرة أيام
ابن عون قال سمعت أبا رجاء يقول ما آسى على شيء أخلفه بعدى إلا أنى كنت أعفر وجهي كل يوم وليلة خمس مرار لربي عز و جل
أسند أبو رجاء عن عمر وابن عباس وأم قومه أربعين سنة وتوفى في خلافة ابن عبد العزيز
491 - إياس بن قتادة التميمي
ابن أخت الأحنف بن قيس
عن سلمة بن علقمة قال اعتم إياس بن قتادة وهو يريد بشر ابن مروان فنظر في المرآة فإذا بشيبة في ذقنه فقال افليها يا جارية ففلتها فإذا هي بشيبة أخرى فقال انظروا من بالباب من قومى (3/221)
فأدخلوه فأدخلوا عليه فقال يا بني تميم إني قد كنت وهبت لكم شبيبتي فهبوا لي شيبتي الا أراني حمير الحاجات وهذا الموت يقرب مني ثم قال انقضى العمامة فاعتزل يؤذن لقومه ويعبد ربه ولم يغش سلطانا حتى مات
أسند إياس عن قيس بن عباد وعن أبي بن كعب وتشاغل بالتعبد عن الرواية ومن الطبقة الثانية من اهل البصرة
492 - مطرف بن عبدالله بن الشخير
يكنى أبا عبدالله سليمان بن المغيرة قال كان مطرف بن عبدالله إذا دخل بيته سبحت معه آنية بيته
ثابت قال قال مطرف لو أخرج قلبي فجعل في يدي هذه اليسار وجىء بالخير فجعل في هذه اليمنى ما استطعت أن أولج قلبي منه شيئا حتى يكون الله يضعه
غيلان قال كان مطرف يلبس البرانس ويلبس المطارف ويركب الخيل ويغشى السلطان غير أنك كنت إذا أفضيت إليه أفضيت إلى قرة عين
عن ثابت البناني قال كان مطرف يسكن البادية فاذا كان يوم الجمعة يركب فيجىء إلى الجمعة قال فمر بمقابر فنعس فرأى أهل (3/222)
القبور علىأفواه القبور فقالوا هذا يذهب إلى الجمعة قال وتعرفون يوم الجمعة من غيره قالوا نعم ونعرف ما يقول الطير في جو السماء قال ما يقول قالوا يقول سلام سلام ليوم صالح
عن ثابت البناني قال قال مطرف بن عبدالله ما مدحني أحد قط إلا تصاغرت إلى نفسي
عن ثابت عن مطرف قال لأن يسألني ربي عز و جل يوم القيامة فيقول يا مطرف ألا فعلت أحب إلي من أن يقول لم فعلت
عن ثابت عن مطرف بن عبدالله أنه كان يقول يا أخوتاه اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف ونحاذر لم نقل ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل نقول قد عملنا فلم ينفعنا ذلك
عن خلف بن الوليد عن رجل من بني نهشل قال قال مطرف ابن عبدالله وهو بعرفة اللهم لا ترد الجميع من أجلي
ثابت قال مات عبدالله بن مطرف فخرج مطرف على قومه في ثياب حسنة وقد ادهن فغضبوا وقالوا يموت عبدالله ثم تخرج في ثياب مثل هذه مدهنا قال فأستكين لها وقد وعدني ربي تبارك عليها ثلاث خصال كل خصلة منها أحب إلى من الدنيا كلها قال الله (3/223)
عز و جل الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون أفأستكين لها بعد هذا
قال ثابت وقال مطرف ما من شيء أعطى به في الآخرة قدر كوز من ماء إلا وددت إنه أخذ مني في الدنيا
غيلان قال سمعت مطرفا يقول إن وجدت ابن آدم كالشيء الملقى بين الله تعالى وبين الشيطان فإن أراد الله أن ينعشه أجتره إليه وإن أراد به غير ذلك خلى بينه وبين عدوه
المعلى بن زياد قال كان إخوان مطرف بن عبدالله عنده فخاضوا في ذكر الجنة فقال مطرف لا أدرى ما تقولون حال ذكر النار بيني وبين الجنة
عن ثابت عن مطرف أنه أقبل من مبداه فجعل يسير بالليل فأضاء له سوطه
عن أبي العلاء عن مطرف أنه قال ما أوتي عبد بعد الإيمان أفضل من العقل
وكان مطرف يقول إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فاطلبوا نعيما لا موت فيه
عن بكر بن عبدالله المزنى قال قال مطرف بن عبدالله لو علمت (3/224)
متى أجلى لخشيت على ذهاب عقلي ولكن الله من على عباده بالغفلة عن الموت ولولا الغفلة ما تهنأوا بعيش ولا قامت بينهم الأسواق عن الأعمش قال قال لي مطرف بن عبدالله وجدت الغفلة التي ألقاها الله عز و جل في قلوب الصديقين من خلقه رحمة رحمهم بها ولو ألقى في قلوبهم الخوف على قدر معرفتهم به ما هنأهم العيش
عن أبي العلاء عن أخيه يعني مطرفا قال إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله عز و جل هذا عبدى حقا
محمد بن واسع قال كان مطرف يقول اللهم ارض عنا فإن لم ترض عنا فاعف عنا فإن المولى قد يعفو عن عبده وهو عنه غير راض
عن سكين بن عبد العزيز عن أبيه عن مطرف قال إذا دخلتم على المريض فإن استطعتم أن يدعو لكم فإنه قد حرك
سفيان قال قال مطرف إن أقبح ما طلب به الدنيا عمل الآخرة
عن حميد بن هلال قال كان بين مطرف وبين رجل من قومه شيء فكذب على مطرف فقال له مطرف إن كنت كاذبا فعجل الله حتفك فمات الرجل مكانه قال فاستعدى أهله زيادا على مطرف فقال لهم زياد هل ضربه هل مسه بيده فقالوا لا فقال دعوة (3/225)
رجل صالح وافقت قدرا فلم يجعل لهم شيئا
أبو بكر السهمى قال حدثني شيخ لنا يكنى أبا بكر أن مطرف ابن الشخير قال لبعض إخوانه يا فلان إذا كانت لك حاجة فلا تكلمني فيها ولكن اكتبها في رقعة ثم ادفعها إلي فإني أكره أن أرى في وجهك ذل السؤال و قد قال الشاعر
لا تحسبن الموت موت البلى ... وإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا ... أشد من ذاك لذل السؤال
وقال الشاعر أيضا
ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ... عوضا وإن نال الغنى بسؤال
وإذا السؤال مع النوال وزنته ... رجح السؤال وخف كل نوال
فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا ... فابذله للمتكرم المفضال
عن غيلان قال كان مطرف يقول كأن القلوب ليست منا وكأن الحديث يعني به غيرنا
أسند مطرف عن عثمان بن عفان وعلي وأبي بن كعب وأبي ذر وأبيه عبدالله بن الشخير في آخرين وتوفى في ولاية الحجاج العراق بعد الطاعون الجارف وكان الطاعون سنة سبع وثمانين في خلافة الوليد بن عبدالملك وكان مطرف أكبر من الحسن البصرى بعشرين سنة (3/226)
493 - صفوان بن محرز المازني
من بني تميم عن الحسن عن صفوان بن محرز قال إذا أكلت رغيفا اشد به صلبى وشربت كوز ماء فعلى الدنيا وأهلها الغناء
المعلى بن زياد القردوسى قال كان لصفوان بن محرز سرب يبكى فيه وكان يقول قد أرى مكان الشهادة لو تشايعني نفسي
عن الحسن قال لقيت أقواما كانوا فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم الله عليكم ولقد لقيت أقواما كانوا من حسناتهم أشفق أن لا تقبل منهم من سيآتكم ولقد صحبت أقواما كان أحدهم يأكل على الأرض وينام على الأرض منهم صفوان بن محرز المازني
وكان يقول إذا أويت إلى أهلي وأصبت رغيفا أكلته فجزى الله الدنيا عن أهلها شرا والله ما زاد على رغيف حتى فارق الدنيا يظل صائما ويفطر على رغيف ويشرب عليه من الماء حتى يتروى ثم يقوم فيصلى حتى يصبح فإذا صلى الفجر أخذ المصحف فوضعه في حجره يقرأ حتى يترجل النهار ثم يقوم فيصلى حتى ينتصف النهار فإذا انتصف النهار رمى بنفسه على الأرض فنام إلى الظهر فكانت تلك نومته حتى فارق الدنيا فإذا صلى الظهر قام فصلى إلى العصر فإذا صلى (3/227)
العصر وضع المصحف في حجره فلا يزال يقرأ حتى تصفر الشمس
عن الحسن قال كان لصفوان بن محرز سرب لا يخرج منه إلا للصلاة
غيلان بن جرير قال كانوا يجتمعون صفوان وإخوانه فيتحدثون فلا يرون تلك الرقة فيقولون يا صفوان حدث أصحابك قال فيقول الحمد لله فيرق القوم وتسيل دموعهم كأنها أفواه المزاد
ثابت البناني قال أخذ عبيد الله بن زياد ابن أخ لصفوان بن محرز فحبسه في السجن فلم يدع صفوان شريفا بالبصرة يرجو منفعته إلاتحمل به عليه فلم ير لحاجته نجاحا فبات في مصلاه حزينا قال فهوم من الليل فإذا آت قد أتاه في منامه فقال يا صفوان قم فاطلب حاجتك من جهتها قال فانتبه فزعا فقام فتوضأ ثم صلى ثم دعا فأرق ابن زياد فقال على بابن أخي صفوان بن محرز فجاء بالحرس وجىء بالنيران ففتحت تلك الأبواب الحديد في جوف الليل فقال ابن أخي صفوان أخرجوه فإني قد منعت من النوم منذ الليلة فأخرج فأتى به ابن زياد فقال انطلق بلا كفيل ولا شيء فما شعر (3/228)
صفوان حتى ضرب عليه ابن أخيه بابه قال صفوان من هذا قال أنا فلان قال أي ساعة هذه الساعة فحدثه الحديث
أسند صفوان عن ابن عمر وأبى موسى وعمران بن حصين وحكيم بن حزام في آخرين وتوفي بالبصرة في ولاية بشر ابن مروان
494 - أبو الحلال العتكى
اسمه زرارة بن ربيعة من الأزد عبيد الله بن ثور قال حدثتني أمي عن عمتها العيناء بنت أبي الحلال قالت كان أبو الحلال فوق غرفة فيأتى بعض أبوابها فيشرف على شق من ناحية الحي فينادي يا فلان يا فلان ثم يقبل على الشق الآخر فينادي يا فلان يا فلان ثم يقبل على الشق الآخر فيقول مثله حتى يأتى على كل الأركان الأربعة قالت ثم يقول هل تحس منهم من أحد او تسمع لهم ركزا ثم يقبل على الصلاة
ومات يوم مات وهو ابن عشرين ومائة سنة وكان يقول اللهم لا تسلبني القرآن
وسمع أبو الحلال من عثمان بن عفان رضي الله عنه (3/229)
495 - زرارة بن أوفى الحرشي
من بنى الحريش بن كعب يكنى أبا حاجب بهز بن حكيم قال صلى بنا زرارة بن أوفى في مسجد بني قشير فقرأ فإذا نقر في الناقور فخر ميتا فحمل إلى داره فكنت فيمن حمله إلى داره
قال وكان يقص في داره وقدم الحجاج وهو يقص في داره
أبو جناب القصار قال صلى بنا زرارة بن أوفى الفجر فلما بلغ فإذا نقر في الناقور شهق شهقة فمات رحمه الله
أسند زرارة عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وعمران ابن حصين وابن عباس وتوفى فجاءه سنة ثلاث وتسعين في خلافة الوليد بن عبدالملك
496 - أبو السوار حسان ابن حريث العدوى
من بنى عدى بن زيد مناة عن ابي التياح قال سمعت أبا السوار يقول وقرأ هذه الآية وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه قال هما نشرتان وطية أما ما حييت يا بن آدم فصحيفتك منشورة فأمل فيها ما شئت فإذا مت طويت ثم إذا بعثت نشرت اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (3/230)
محمد بن الحسين قال إن أبا السوار العدوى أقبل عليه رجل بالأذى فسكت حتى بلغ منزله أو دخل قال حسبك إن شئت
عن هشام قال كان أبو السوار العدوى يعرض له رجل فيشتمه فيقول إن كنت كما قلت إني إذا لرجل سوء
أسند أبو السوار عن علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وغيرهما
497 - خليد بن عبدالله العصرى
وعصر بطن من عبد قيس محمد بن واسع قال كان خليد العصري يصوم الدهر
عن قتادة أن خليدا العصرى قال يا إخوتاه هل منكم من أحد لايحب أن يلقى حبيبه ألا فأحبوا ربكم وسيروا إليه سيرا كريما
عن قتادة عن خليد قال المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال مسجد يعمره أو بيت يستره أو حاجة من أمر دنياه لا بأس بها
عن محمد بن واسع قال قال خليد العصرى كلنا قد أيقن بالموت وما نرى له مستعدا وكلنا قد أيقن بالجنة وما نرى لها عاملا وكلنا قد أيقن بالنار وما نرى لها خائفا فعلى ما تعرجون وما عسيتم تنظرون الموت فهو أول وارد عليكم من الله بخير أو بشر فيا إخوتاه سيروا إلى ربكم سيرا جميلا (3/231)
498 - ميمون بن سياه
عن كهمس بن عبدالله قال سمعت ميمون بن سياه وكان أكبر من الحسن يقول تذاكروا عندي رجلا من هؤلاء السلاطين فوقعوا فيه ولم أذكر منه خيرا ولا شرا فانقلبت إلى بيتي فرقدت فرأيت فيما يرى النائم كأن بين يدي جيفة زنجي ميت منتفخ منتن وكأن قائما على رأسي يقول لي كل قلت يا عبدالله ولم آكل قال بما اغتيب عندك فلان قال قلت ماذكرت منه خيرا ولا شرا فقال ولكنك استمعت ورضيت
عن حزم قال كان ميمون بن سياه لا يغتاب ولا يدع أحدا يغتاب عنده ينهاه فإن انتهى وإلا قام عنه أسند ميمون عن أنس ابن مالك
499 - يزيد بن عبدالله بن الشخير
أخو مطرف يكنى أبا العلاء عن بديل بن ميسرة قال كان مطرف يقول لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر
وكان أبو العلاء يقول اللهم أي ذلك كان خيرا لي فعجل لي قال أبو صالح العقيلى كان يزيد يقرأ في المصحف حتى يغشى عليه قلت كان يزيد أكبر من الحسن البصري بعشر سنين (3/232)
وكان مطرف أكبر من يزيد بعشر سنين وقد حدث يزيد عن أبيه وغيره وتوفى بالبصرة سنة إحدى عشرة ومائة
500 - الحسن بن أبي الحسن البصرى
يكنى أبا سعيد وكان أبوه من أهل بيسان فسبي فهو مولى الأنصار ولد في خلافة عمر وحنكه عمر بيده وكانت أمه تخدم أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم فربما غابت فتعطيه أم سلمة ثديها تعلله به إلى أن تجىء أمه فيدر عليه ثديها فيشربه فيربها فكانوا يقولون فصاحته من بركة ذلك
إبراهيم بن عيسى اليشكري قال ما رأيت أطول حزنا من الحسن وما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة
عن يونس قال كان الحسن يقول نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا فقال لا أقبل منكم شيئا
حكيم بن جعفر قال قال لي مسمع لو رأيت الحسن لقلت قد بث عليه حزن الخلائق من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك النشيج
محمد بن سعد قال قال يزيد بن حوشب ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبدالعزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما
عن حفص بن عمر قال بكى الحسن فقيل له ما يبكيك فقال أخاف أن يطرحني غدا في النار ولا يبالي (3/233)
يوسف بن أسباط قال مكث الحسن ثلاثين سنة لم يضحك وأربعين سنة لم يمزح قال وقال الحسن لقد أدركت أقواما ما أنا عندهم إلا لص
عن حميد قال بينما الحسن في المسجد تنفس تنفسا شديدا ثم بكى حتى أرعدت منكباه ثم قال لو أن بالقلوب حياة لو أن بالقلوب صلاحا لأبكتكم من ليلة صبيحتها يوم القيامة إن ليلة تمخض عنصبيحة يوم القيامة ما سمع الخلائق بيوم قط أكثر من عورة بادية ولا عين باكية من يوم القيامة
أبو عبيدة الناجي أنه سمع الحسن يقول با بن آدم إنك لا تصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بعيب هو فيك وحتى تبدأ بصلاح ذلك العيب من نفسك فتصلحه فإذا فعلت ذلك لم تصلح عيبا إلا وجدت عيبا آخر لم تصلحه فإذا فعلت ذلك كان شغلك في خاصة نفسك وأحب العباد إلى الله تعالى من كان كذلك
عن يحيى بن المختار عن الحسن قال إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز و جل وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من (3/234)
صلة إليك هيهات هيهات حيل بيني وبينك ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ما أردت إلى هذا مالي ولهذا والله لا أعود لهذا أبدا إن شاء الله إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز و جل يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوراحه
مبارك بن فضالة قال سمعت الحسن وقال له شاب أعياني قيام الليل فقال قيدتك خطاياك
عبدالمؤمن بن عبيد الله عن الحسن قال يا بن آدم إنك ناظر إلى عملك يوزن خيره وشره فلا تحقرن من الخير شيئا وإن هو صغر فإنك إذا رأيته سرك مكانه ولا تحقرن من الشر شيئا فإنك إذا رأيته ساءك مكانه رحم الله رجلا كسب طيبا وأنفق قصدا وقدم فضلا ليوم فقره وفاقته هيهات ذهبت الدنيا بحال بالها وبقيت الأعمال قلائد في أعناقكم أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون المعاينة فكأن قد إنه لا كتاب بعد (3/235)
كتابكم ولا نبي بعد نبيكم يا بن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ولا تبيعن آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا
أبو عبيدة الناجي أنه سمع الحسن بن أبي الحسن يقول حادثوا هذا القلوب فإنها سريعة الدثور واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة وإنها تنازع إلى شر غاية وإنكم إن لم تقاربوها لم تبق من أعمالكم شيئا فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته
عن أبي همام الكلاعي عن الحسن أنه مر ببعض القراء على بعض أبواب السلاطين فقال أفرحتم حمائمكم وفرطحتم نعالكم وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم فزهدوا فيكم أما إنكم لو جلستم في بيوتكم حتى يكونوا هم الذين يرسلون إليكم لكان أعظم لكم في أعينهم تفرقوا فرق الله بين أعضائكم
عاصر الحسن خلقا كثيرا من الصحابة فأرسل الحديث عن بعضهم وسمع من بعضهم وقد ذكرنا ذلك في كتاب أفردناه لمناقب الحسن وأخباره وهو نحو من عشرين جزءا فلذلك اكتفينا بما ذكرنا (3/236)
ههنا لأننا نكره الإعادة في التصانيف وتوفي الحسن في سنة عشر ومائة
501 - أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدى
عن عمرو بن دينار قال أخبرني عطاء قال سمعت ابن عباس يقول لو نزل أهل البصرة عند قول جابر بن زيد لأوسعهم عما في كتاب الله عز و جل علما وقال عمرو وما رأيت أحدا أعلم من أبي الشعثاء
عن صالح الدهان عن جابر بن زيد قال نظرت في أعمال البر فإذا الصلاة تجهد البدن ولا تجهد المال والصيام مثل ذلك والحج يجهد المال والبدن فرأيت الحج أفضل من ذلك كله
عن صالح الدهان أن جابر بن زيد كان لا يماكس في ثلاث في في الكراء إلى مكة وفي الرقبة يشتريها للعتق وفي الأضحية وكان لا يماكس في كل شيء يتقرب به إلى الله عز و جل
عن ابن سيرين قال كان أبو الشعثاء مسلما عند الدينار والدرهم
عن مطر الوراق عن جابر بن زيد قال لأن أتصدق بدرهم على يتيم أو مسكين أحب إلي من حجة بعد حجة الإسلام
وأسند ابو الشعثاء عن ابن عمر وابن عباس وتوفى سنة ثلاث ومائة (3/237)
502 - أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمى
عن أيوب عن أبي قلابة قال أي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال له صغار يعفهم الله به ويغنيهم
عن صالح بن رستم قال قال أبو قلابة إذا أحدث الله عز و جل لك علما فأحدث له عبادة ولا يكن همك ما يحدث به الناس قال وقال لي الزم سوقك فإن الغنى من العافية
حميد الطويل عن أبي قلابة قال إذا بلغك عن أخيك شيءتكرهه فالتمس له العذر جهدك فإن لم تجد له عذرا فقل في نفسك لعل لأخي عذرا لا أعلمه
عثمان بن الهيثم قال كان رجل بالبصرة من بنى سعد وكان قائدا من قواد عبيد الله بن زياد فسقط عن السطح فانكسرت رجلاه فدخل عليه أبو قلابة يعوده فقال له أرجو أن تكون لك خيرة فقال له يا أبا قلابة وأي خير في كسر رجلي جميعا فقال ما ستر الله عليك أكثر
فلما كان بعد ثلاث ورد عليه كتاب ابن زياد أن يخرج فيقاتل الحسين فقال للرسول قد أصابني ما ترى فما كان إلا سبعا حتى وافى الخبر بقتل الحسين فقال الرجل رحم الله أبا قلابة لقد صدق إنه كان خيرة لي
عن ايوب قال مرض ابو قلابة بالشام فأتاه عمر بن عبدالعزيز (3/238)
يعوده فقال يا أبا قلابة تشدد ولا يشمت بنا المنافقون
أسند أبو قلابة عن أنس وغيره من الصحابة ومات بالشام سنة أربع أو خمس ومائة
503 - مسلم بن يسار
يكنى أبا عبدالله مولى طلحة بن عبيد الله التيمى كذا قال ابن سعد وقال البخاري ومسلم بن الحجاج هو مولى بني أمية وقال ابو بكر الخطيب مولى عثمان بن عفان
ميمون بن جابان قال ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتا في صلاته قط خفيفة ولا طويلة لقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع اهل السوق لهدته وإنه لفى المسجد في صلاة فما التفت
عبد الجبار بن النضر السلمى قال حدثني رجل من آل محمد بن سيرين قال رأيت مسلم بن يسار رفع رأسه من السجود في المسجد الجامع فنظرت إلى موضع سجوده كأنه قد صب فيه الماء من كثرة دموعه
جعفر بن حيان قال ذكر لمسلم بن يسار قلة التفاته في الصلاة فقال وما يدريكم أين قلبي
عن ابن شوذب قال كان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته في بيته تحدثوا فلست أسمع حديثكم
عبدالحميد بن عبدالله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال كان مسلم (3/239)
إذا دخل المنزل سكت أهل البيت فلا يسمع لهم كلام وإذا قام يصلى تكلموا وضحكوا
ابن عون قال رأيت مسلم بن يسار يصلى كأنه وتد لا يميل على قدم مرة ولا على قدم مرة ولا يتحرك له ثوب ولا يتروح على رجل
عن حبيب بن الشهيد أن مسلم بن يسار كان قائما يصلى فوقع حريق إلى جنبه فما شعر به حتى طفئت النار
عبد الحميد بن عبدالله بن مسلم بن يسار قال حدثني ابي قال رأيت مسلما وهو ساجد وهو يقول في سجوده متى ألقاك وأنت عني راض ويذهب في الدعاء ثم يقول متى ألقاك وأنت عني راض
عن ابن عون قال كان مسلم بن يسار إذا كان في غير صلاة كأنه في صلاة
ابن المبارك قال قال مسلم بن يسار لأصحابه يوم التروية هل لكم في الحج فقالوا خرف الشيخ وعلى ذلك لنطيعنه قال من أراد ذلك فليخرج فخرجوا إلى الجبان برواحلهم فقال خلوا أزمتها فأصبحوا وهم ينظرون إلى جبال تهامة
سليمان بن المغيرة قال جاء مسلم بن يسار إلى دجلة وهي تقذف بالزبد فمشي على الماء ثم التفت إلى أصحابه فقال هل تفقدون شيئا (3/240)
لقى مسلم بن يسار جماعة من الصحابة وتوفي في سنة مائة أو إحدى ومائة في خلافة عمر بن عبد العزيز
مالك بن دينار قال رأيت أبا عبدالله مسلم بن يسار في منامي بعد موته بسنة فسلمت عليه فلم يرد السلام فقلت ما يمنعك أن ترد على السلام فقال أنا ميت فكيف أرد عليك السلام قال قلت له فماذا لقيت بعد الموت قال فدمعت عينا مالك عند ذلك وقال لقيت والله أهوالا وزلازل عظاما شدادا قال فقلت فما كان بعد ذلك قال وما تراه يكون من الكريم قبل منا الحسنات وعفا لنا عن السيئات وضمن عنا التبعات
قال ثم شهق مالك شهقة خر مغشيا عليه قال فلبث بعد ذلك أياما مريضا من غشيته ثم مات فيرون أنه انصدع قلبه فمات رحمه الله
504 - محمد بن سيرين
يكنى أبا بكر مولى أنس بن مالك كاتبه أنس وقال ابن عائشة كان سيرين من أهل جرجرايا وكان يعمل قدور النحاس فجاء إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد
عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قال هذه مكاتبة (3/241)
سيرين عندنا هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه شيرون على كذا وكذا ألفا وعلى غلامين يعملان عليه
بكار بن محمد قال حدثني أبي أن أم محمد بن سيرين صفية مولاه أبي بكر بن أبي قحافة طيبها ثلاث من أزواج رسول الله ودعوته لها وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي ابن كعب يدعو وهم يؤمنون
قال بكار وأنبأ ابن عون قال كان محمد بن سيرين إذا حدث كأنه يتقى شيئا كأنه يحذر شيئا
جرير بن حازم قال سمعت محمد بن سيرين يحدث رجلا فقال ما رأيت الرجل الأسود ثم قال أستغفر الله ما أراني إلا قد اغتبت الرجل
عن ابن عون قال كانوا إذا ذكروا عند محمد رجلا بسيئة ذكره محمد بأحسن ما يعلم
طوق بن وهب قال دخلت على محمد بن سيرين وقد اشتكيت فقال كأني أراك شاكيا قلت أجل قال اذهب إلى فلان الطيب فاستوصفه ثم قال اذهب إلى فلان فإنه أطب منه ثم قال أستغفر الله أراني قد اغتبته (3/242)
عاصم الاحول قال سمعت مورقا العجلى يقول ما رأيت رجلا أفقه في ورعه ولا أروع في فقهه من محمد بن سيرين
قال وقال أبو قلابة اصرفوه حيث شئتم فلتجدنه أشدكم ورعا وأملككم لنفسه
عن أيوب قال قال أبو قلابة وأينا يطيق ما يطيق محمد بن سيرين يركب مثل حد السنان
أبو عوانة قال رأيت محمد بن سيرين يمر في السوق فيكبر الناس
قال خلف كان محمد بن سيرين قد أعطى هديا وسمتا وخشوعا فكان الناس إذا رأوه ذكروا الله
بسطام بن مسلم قال كان محمد بن سيرين إذا مشى معه رجل قام وقال ألك حاجة فإن كان له حاجة قضاها فإن عاد يمشى معه قام فقال له ألك حاجة
عن عاصم قال لم يكن ابن سيرين يترك أحدا يمشى معه
حماد عن حبيب عن ابن سيرين قال إذا أراد الله عز و جل بعبدهخيرا جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه
ابن عون قال سمعت محمدا يقول في شيء راجعته فيه إني لم أقل لك ليس به بأس إنما قلت لك لا أعلم به بأسا
الأشعث قال كان محمد بن سيرين إذا سئل عن شيء من الفقه الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان (3/243)
عن هشام قال أوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين فقيل له في ذلك وكان محبوسا فقال أنا محبوس قالوا قد استأذن الأمير فأذن لك في ذلك قال فإن الأمير لم يحبسني إنما حبسني الذي له الحق فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله
عن رجاء بن أبي سلمة قال سمعت يونس بن عبيد يقول أما ابن سيرين فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما
عن هشام عن ابن سيرين أنه اشترى بيعا فأشرف فيه على ثمانين ألفا فعرض في قلبه منه شيء فتركه قال هشام والله ما هو بربا
عن السرى بن يحيى قال لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفا في شيء دخله
قال سرى فسمعت سليمان التيمي يقول لقد تركه في شيء ما يختلف فيه أحد من العلماء
سعيد بن عامر قال سمعت هشام بن حسان يقول ترك محمد ابن سيرين أربعين ألف درهم في شيء ما ترون به اليوم بأسا
هشام بن حسان يذكره قال كان ابن سيرين إذا دعى إلى وليمة أو إلى عرس يدخل منزله فيقول اسقوني شربة سويق فيقال له يا أبا بكر أنت تذهب إلى الوليمة أو العرس تشرب سويقا فيقول إني أكره أن أحمل حد جوعي على طعام الناس
عن ابن شوذب قال كان ابن سيرين يصوم يوما ويفطر يوما (3/244)
وكان اليوم الذي يفطر فيه يتغذى ولا يتعشى ثم يتسحر ويصبح صائما
موسى بن المغيرة قال رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار يكبر ويسبح ويذكر الله عز و جل فقال له رجل يا أبا بكر في هذه الساعة قال إنها ساعة غفلة
هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين قالت كان محمد إذا دخل على أمه لم يكلمها بلسانه كله تخشعا لها
عن ابن عون قال دخل رجل على محمد وهو عند أمه فقال ما شأن محمد يشتكى شيئا فقالوا لا و لكن هكذا يكون إذا كان عند أمه
عن الربيع عن ابن سيرين قال ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره
عن ابن عون قال أرسل ابن هبيرةإلى ابن سيرين فأتاه فقال له كيف تركت أهل مصرك قال تركتهم والظلم فيهم فاش
قال ابن عون كان محمد يرى أنها شهادة يسأل عنها فكرهأن يكتمها
عن جعفر بن مرزوق قال بعث ابن هبيرة إلى ابن سيرين والحسن والشعبي قال فدخلوا عليه فقال لابن سيرين يا أبا بكر ماذا رأيت منذ قربت من بابنا قال رأيت ظلما فاشيا قال فغمزه ابن أخيه بمنكبه فالتفت إليه ابن سيرين فقال ابن سيرين إنك لست تسأل (3/245)
إنما أسأل أنا فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف وإلى ابن سيرين بثلاثة آلاف وإلى الشعبي بألفين فأما ابن سيرين فلم يأخذها
عن جعفر بن أبي الصلت قال قلت لمحمد بن سيرين ما منعك أن تقبل من ابن هبيرة قال فقال لي يا أبا عبدالله أو يا هذا إنما أعطاني على خير كان يظنه بي ولئن كنت كما ظن بي فما ينبغي لي أن أن أقبل وإن لم أكن كما ظن فبالحري أن لا يجوز لي أن أقبل
عن عمير بن رئاب عن ابن سيرين قال العزلة عبادة
عن ابن عون قال كان لابن سيرين منازل لا يكريها إلا من أهل الذمة فقيل له في ذلك فقال إذا جاء رأس الشهر رعته وأكره أن أروع مسلما
عن عبيد الله بن السرى قال قال ابن سيرين إني لأعرف الذنب الذي حمل به على الدين ما هو قلت لرجل منذ أربعين سنة يامفلس فحدثت به أبا سليمان الداراني فقال قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى
عن عاصم الأحول قال كان عامة كلام ابن سيرين سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده
عن هشام بن حسان قال ربما سمعت بكاء محمد بن سيرين في جوف الليل وهو يصلى
عن أنس بن سيرين قال كان لمحمد بن سيرين سبعة أوراد (3/246)
يقرؤها بالليل فإذا فاته منها شيء قرأه من النهار
عن هشام قال كان ابن سيرين يحيى الليل في رمضان
عن دهير قال كان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على حدته
مهدى قال كنا نجلس إلى محمد فيحدثنا ونحدثه ويكثر إلينا ونكثر إليه فإذا ذكر الموت تغير لونه واصفر وأنكرناه وكأنه ليس بالذي كان
عن ابن عون أن محمد بن سيرين كان إذا نام وجه نفسه
أبى قال كان الرجل إذا سأل ابن سيرين عن الرؤيا قال اتق الله عز و جل في اليقظة ولا يضرك ما رأيت في المنام
بشر بن عمر قال حدثتنا أم عباد امرأة هشام بن حسان قالت نزولا مع محمد ابن سيرين في الدار فكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار
الصقر يعني ابن حبيب قال مر ابن سيرين برآس قد أخرج رأسا فغشى عليه
عن حبيب بن الشهيد قال كنت أنا وأيوب السختياني عند عمر بن دينار فحلف ما رأى أحدا أفضل من طاوس فقال أيوب لو رأى ابن سيرين لم يحلف أسند محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت (3/247)
وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وعمران بن حصين وجندب وأنس وأبي هريرة وأبي بكرة في آخرين
قال علي بن المديني لم يحفظ عن زيد بن ثابت شيئا إلاأنه سمع كلامه
وتوفى في سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم وهو ابن نيف وثمانين سنة
505 - بكر بن عبدالله المزنى
عن كنانة بن جبلة السلمى قال قال بكر بن عبدالله إذا رأيت من هو أكبر منك فقل هذا سبقني بالإيمان والعملى الصالح فهو خير مني وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل سبقته إلى الذنوب والمعاصى فهو خير مني وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظمونك فقل هذا فضل أخذوا به وإذا رأيت منهم تقصيرا فقل هذا ذنب أحدثته
عن صالح المري قال وقف مطرف بن عبدالله بن الشخير وبكر بن عبدالله المزنى بعرفة فقال مطرف اللهم لاتردهم اليوم من أجلى وقال بكر ما أشرفه من مقام وأرجاه لأجله لولا أنى فيهم
عن معاوية بن عبدالكريم عن بكر بن عبدالله قال كان الرجل من بني إسرائيل إذا بلغ المبلغ فمشى في الناس تظله غمامة قال فمر رجل قد أظلته غمامة على رجل فأعظمه لما رآه لما آتاه الله عز و جل (3/248)
قال فاحتقره صاحب الغمامة أو قال كلمة نحوها فأمرت أن تتحول من رأسه إلى رأس الذي عظم أمر الله عز و جل
عن حميد قال كان بكر مجاب الدعوة
عن ابراهيم بن عيسى قال قال بكر بن عبدالله المزني من مثلك يا بن آدم خلى بينك وبين المحراب والماء كلما شئت دخلت على الله عز و جل ليس بينك وبينه ترجمان
عن حصين عن بكر بن عبدالله المزني قال لا يكون العبد تقيا حتى يكون تقى الطمع تقي الغضب
المفضل بن غسان عن أبيه قال قال بكر بن عبدالله إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس ناسيا لعيبه فاعلموا أنه قد مكر به
مسمع بن عاصم قال حدثني رجل من آل عاصم الجحدري قال رأيت عاصما الجحدري بعد موته بسنتين فقلت أليس قد مت قال بلى فقلت أين أنت قال أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبدالله المزنى فنتلاقى في أخباركم قال قلت أجسامكم أم أرواحكم قال هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح
أسند بكر عن ابن عمر وجابر وأنس وعبدالله بن مغفل ومعقل بن يسار وغيرهم وتوفى في سنة ثمان ويقال سنة ست ومائة (3/249)
506 - مورق بن المشمرج العجلى
يكنى أبا المعتمر عن هشام عن مورق قال ما تكلمت بشىء في الغضب فندمت عليه في الرضا
عن حفصة بنت سيرين قالت كان مورق العجلى يأتينا فسألته عن أهله وولده فقال هم والله متوافرون فقلت رحمك الله لم تقول هذا قال إني والله أخشى أن يحبسوني على هلكة
وكان يقول ما في الأرض نفس في موتها لي أجر إلا وددت أنها قد ماتت
المعلى بن زياد قال قال مورق العجلى مامن أمر يبلغني أحب إلي من موت أحب أهلي إلي
عن قتادة أن مورقا قال ما وجدت للمؤمن مثلا إلا مثل رجل في البحر عن خشبة فهو يدعو يا رب يا رب لعل الله عز و جل أن ينجيه
المعلى بن زياد القردوسي قال قال مورق العجلى أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة هم أقدر عليه ولست بتارك طلبه أبدا قالوا وما هو يا أبا المعتمر قال الصمت عما لا يعنيني
عن جميل بن مرة قال مستنا حاجة شديدة وكان مورق العجلى (3/250)
يأتينا بالصرة فيقول أمسكوا هذه لي عندكم ثم يمضى غير بعيد فيقول إن احتجتم إليها فأنفقوها
جعفر قال أبنا بعض أصحابنا قال كان مورق يتجر فيصيب المال فلا يأتى عليه جمعة وعنده منه شيءيلقى الأخ فيعطيه أربعمائة خمسمائة ثلثمائة فيقول ضعها عندك حتى نحتاج إليها قال ثم يلقاه بعد ذلك فيقول الأخ لا حاجة لي فيها فيقول إنا والله ما نحن بآخذيها أبدا فشأنك بها
عن عاصم أن مورقا العجلى كان يجد نفقته تحت رأسه
أسند مورق عن أبي ذر وسلمان وغيرهما وتوفى في ولاية عمر بن هبيرة على العراق
507 - غزوان بن غزوان الرقاشي
وقيل غزوان بن زيد عن الحسن قال قال غزوان بن زيد الرقاشي لله على أن لا يراني الله ضاحكا حتى أعلم أي الدارين داري
قال الحسن فعزم غزوان أن يفعل فوالله ما رئى ضاحكا حتى لحق بالله عز و جل
عمان بن عبدالحميد الرقاشي قال سمعت مشيختنا يذكرون أن (3/251)
غزوان لم يضحك منذ أربعين سنة وكان غزوان يغزو فإذا أقبلت الرفاق راجعين تستقبلهم أمه فتقول لهم أما تعرفون بغزوان فيقولون ويحك يا عجوز ذاك سيد القوم
عبدا الواحد بن زيد قال كان أصحاب غزوان يقولون له ما يمنعك من مجالسة إخوانك فيبكى عند ذلك ويقول إني اصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي
عن هارون بن رئاب أن غزوان كان في بعض مفازيهم فتكشفت جارية فنظر إليها غزوان فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت وقال إنك للحاظة إلى ما يضرك
508 - مذعور
ثابت قال قال مطرف بن عبدالله إن كان من هذه الأمة أحد ممتحن القلب فإن مذعورا ممتحن القلب
قال سليمان وأنبأ قتادة قال قال مطرف إن كان مذعور ليزورنا فيفرح به أهلنا
قال سليمان وأنبأ غيلان بن جرير قال قال مطرف ما تحاب اثنان في الله إلا كان اشدهما حبا لصاحبه أفضلهما وأنا لمذعور أشد حبا وهو أفضل مني فكيف هذا
قال فلما أمر بالرهط أن يخرجوا إلى الشام أمر مذعور فيهم (3/252)
قال فلقيني وأخذ بلجام دابتي فجعلت كلما أردت أن أنصرف يحبسني فقلت إن المكان بعيد فجعل يحبسني فقلت أنشدك الله إلا تركتني فلم تحبسني فلما ناشدته قال كليمة يخفيها جهده منى اللهم فيك فعرفت أنه أشد حبا لي مني له
509 - العلاء بن زياد بن مطر العدوى
عن أوفى بن دلهم قال كان للعلاء بن زياد مال ورقيق فأعتق بعضهم وباع بعضهم وأمسك غلاما أو اثنين يأكل غلتهما فتعبد فكان يأكل كل يوم رغيفين وترك مجالسة الناس فلم يكن يجالس أحدا يصلى في جماعة ثم يرجع إلى أهله ويجمع ثم يرجع إلى أهله ويشيع الجنازة ويعود المرضى ثم يرجع إلى أهله فطفىء فبلغ ذلك إخوانه فاجتمعوا فأتاه أنس بن مالك والحسن والناس وقالوا رحمك الله أهلكت نفسك لا يسعك هذا فكلموه وهو ساكت حتى إذا فرغوا من كلامهم قال إنما أتذلل لله عز و جل لعله يرحمني
عن حميد بن هلال قال دخلت مع الحسن على العلاء بن زياد العدوى نعوده وقد سله الحزن وكانت له أخت يقال لها شادة تندف تحته القطن غدوة وعشية فقال له الحسن كيف أنت يا علاء فقال واحزناه على الحزن فقال الحسن قوموا فإلى هذا والله انتهى استقلال الحزن (3/253)
هشام بن زياد أخو العلاء بن زياد قال كان العلاء بن زياد يحيى كل ليلة جمعة قال وجد ليلة فترة فقال لامرأته أسماء إني أجد فترة فإذا مضى كذا وكذا فأيقظيني قالت نعم فأتاه آت في منامه فأخذ بناصيته فقال يا بن زياد قم فاذكر الله عز و جل يذكرك قال فقام فما زالت تلك الشعرات التي أخذ بها منه قائمة حتى مات
قتادة عن العلاء بن زياد قال إنما نحن قوم وضعنا أنفسنا في النار فإن شاء الله أن يخرجنا منها أخرجنا
عن قتادة قال حدثنا العلاء بن زياد أن رجلا كان يرائى بعمله فجعل يشمر ثيابه ويرفع صوته إذا قرأ فجعل لا يأتى على أحد إلا سبه ولعنه ثم رزقه الله تعالى يقينا بعد ذلك فخفض من صوته وجل صلاته فيما بينه وبين ربه عز و جل فجعل لا يأتى بعد ذلك على أحد إلا دعا له بخير
عن قتادة قال كان العلاء بن زياد يقول لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت فاستقال ربه عز و جل فأقاله فليعمل بطاعة الله عز و جل
عن قتادة قال كان زياد بن مطر العدوى قد بكى حتى عمى وبكى ابنه العلاء بن زياد بعده حتى عشى بصره وكان إذا أراد أن يتكلم أو يقرأ أجهشه البكاء (3/254)
جعفر قال سمعت مالك بن دينار يسأل هشام بن حسان العدوى عن هذا الحديث فحدثناه يومئذ قال تجهز رجل من أهل الشام وهو يريد الحج فنام فأتاه آت في منامه فقال له أئت العراق ثم ائت البصرة ثم ائت بني عدي فأت العلاء ابن زياد فإنه رجل ربعه أقسمالثنية بسام فبشره بالجنة قال فقال رؤيا ليست بشيء
قال حتى إذا كانت الليلة الثانية رقد فأتاه آت فقال ألا فأتى العراق ثم تاتى البصرة ثم تأتى بني عدي فتلقى العلاء بن زياد رجل ربعة أقصم الثنية بسام فبشره بالجنة
قال فأصبح فأعد جهازه إلى العراق فلما خرج من البيوت إذا الذي أتاه في منامه يسير بين يديه يراه ما سار فإذا نزل فقده فلم يزل يراه حتى دخل الكوفة ثم فقده قال فتجهز من الكوفة فخرج فرآه يسير بين يديه حتى قدم البصرة فأتى بني عدى فوقف على باب العلاء فسلم
قال هشام فخرجت إليه فقال لي أنت العلاء بن زياد قلت لا أنزل رحمك الله فتضع رحلك ومتاعك قال لا أين العلاء ابن زياد قال قلت هو في المسجد قال وكان العلاء يجلس في المسجد يدعو بدعوات ويتحدث
قال هشام فأتيت العلاء فخفف من حديثه وصلى ركعتين ثم جاء (3/255)
فلما رآه العلاء تبسم فبدت ثنيته فقال هذا والله صاحبي قال فقال العلاء هلا حططت رحل الرجل ألا أنزلته قلت قد قلت له فأبى فقال العلاءانزل رحمك الله قال فقال أخلني قال فدخل العلاء منزله وقال يا أسماء تحولي إلى البيت الآخر قال فتحولت ودخل الرجل فبشره برؤياه ثم خرج فركب وقام العلاء فأغلق بابه فبكى ثلاثة أيام أو قال سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا ولا يفتح بابه
قال هشام فسمعته يقول في خلال بكائه أنا أنا قال فكنا نهابه أن نفتح بابه وخشيت أن يموت فأتيت الحسن فذكرت ذلك له وقلت لا أراه إلا ميتا لا يأكل ولا يشرب باكيا فجاء الحسن حتى ضرب عليه بابه وقال افتح يا أخى قال فلما سمع كلام الحسن قام ففتح بابه وبه ومن الضر شيء الله به عليم فكلمه الحسن ثم قال رحمك الله ومن أهل الجنة إن شاء الله أفقاتل نفسك أنت
قال هشام حدثنا العلاء أخي لي وللحسن بالرؤيا وقال لا تحدثوا بها ما كنت حيا
أسند العلاء عن عمران بن حصين وأبي هريرة وأرسل عن معاذ بن جبل وأبي ذر وعبادة بن الصامت وتوفي في ولاية الحجاج على العراق (3/256)
510 - معاوية بن قرة بن إياس
يكنى أبا إياس عن تمام بن نجيح عن معاوية بن قرة قال أدركت سبعين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لو خرجوا فيكم اليوم ما عرفوا شيئا مما أنتم عليه إلا الأذان
روح قال أنبأ الحجاج بن الاسود أن معاوية بن قرة قال من يدلني على بكاء بالليل بسام بالنهار
عون بن موسى قال حدثنا معاوية بن قرة قال كنا عند الحسن فتذاكرنا أي العمل أفضل فكلهم اتفقوا على قيام الليل فقلت أنا ترك المحارم فانتبه لها الحسن فقال تم الأمر تم الأمر
عن عبدالله بن ميمون البصرى قال سمعت معاوية بن قرة يقول إن الله عز و جل يرزق العبد رزق شهر في يوم واحد فإن أصلحه اصلح الله على يديه وعاش وهو وعياله بقية شهرهم بخير وإن هو أفسده أفسدالله تعالى على يديه وعاش هو وعياله بقية شهرهم بشر
مسلم قال ليقيني معاوية بن قرة و أنا جاء من الكلأ فقال لي ما صنعت فقلت اشتريت لأهلي كذا وكذا قال وأصبت من حلال قلت نعم قال لأن أغدو فيما غدوت به أحب إلي من أن أقوم الليل وأصوم النهار
عن خليد بن دعلج قال سمعت معاوية بن قرة يقول إن القوم (3/257)
ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصومون ويقومون وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم
أسند معاوية عن أبيه وعن أنس بن مالك ومعقل بن يسار وابن عباس
511 - أبو الجوزاء أوس بن خالد الربعى
هشام قال حدثني أبي عن أبي الجوزاء قال صحبت ابن عباس ثنتي عشرة سنة ما بقى من القرآن آية إلا سألته عنها وفي رواية جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة في داره
سليمان الربعي قال كان أبو الجوزاء يواصل في الصوم بين سبعة أيام ثم يقبض على ذراع الشاب فيكاد يحطمها
أسند أبو الجوزاء عن ابن عباس وعائشة وغيرهما وحرج مع ابن الأشعث فقتل أيام الجماجم في ثلاث وثمانين
512 - طلق بن حبيب العنزي
عن الحجاج بن زيد قال كان طلق بن حبيب يقول إني لأحب أن أقوم لله حتى أشتكى ظهري فيقوم فيبتدىء بالقرآن حتى يبلغ الحجر ثم يركع
روى طلق عن ابن عباس وجابر بن عبدالله (3/258)
ومن الطبقة الثالثة من أهل البصرة
513 - قتادة بن دعامة السدوسي
يكنى أبا الخطاب معمر قال سمعت قتادة يقول ما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي
سلام بن أبي مطيع عن قتادة أنه كان يختم القرآن في كل سبع ليال مرة فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة
عن مطر عن قتادة قال من يتق الله يكن الله معه ومن يكن الله عز و جل معه فمعه الفئة التي لا تغلب والحارس الذي لا ينام والهادى الذي لا يضل
سعيد بن بشير عن قتادة قال إن في الجنة كوى إلى النار فيطلع أهل الجنة من تلك الكوى إلى النار فيقولون ما بال الأشقياء وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم فقالوا إنا كنا نأمركم ولا نأتمر وننهاكم ولا ننتهى
شهاب بن خراش عن قتادة قال باب من العلم يحفظه الرجل يطلب به صلاح نفسه وصلاح الناس أفضل من عبادة حول كامل
أبو هلال قال حدثنا مطر قال ما زال قتادة متعلما حتى مات
اسند قتادة عن أنس وعبدالله بن سرجس وحنظلة الكاتب وأبى الطفيل في آخرين وكان يرسل الحديث عن الشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي وأبى قلابة ولم يسمع منهم وتوفى سنة سبع عشرة ومائة (3/259)
514 - حميد بن هلال العدوى
يكنى أبا نصر عن قتادة قال كان حميد بن هلال من العلماء الفقهاء ولم يكن يذاكر ولا يسأل إنما كان يعتزل في مكان
موسى بن اسمعيل قال سمعت أبا هلال يقول سمعت قتادة يقول ما كان بالمصرين أعلم من حميد ما أستثنى الحسن ولا محمدا
عن الجلد بن ايوب عن حميد بن هلال قال ذكر لنا أن الرجل إذا دخل الجنة فصور صورة أهل الجنة وألبس لباسهم وحلى حلاهم ورأى أزواجه وخدمه ومساكنه في الجنة يأخذه سوار فرج لو كان ينبغي أن يموت لمات فرحا فيقال له أرأيت سوار فرختك هذه فإنها قائمة لك أبدا
515 - ثابت بن مسلم البناني
يكنى أبا محمد عن بكر بن عبدالله قال من سره أن ينظر إلى أعبد رجل أدركناه في زمانه فلينظر إلى ثابت البناني فما أدركنا الذي هو أعبد منه تراه في يوم معمعاني بعيد ما بين الطرفين يظل صائما ويراوح ما بين جبينه وقدمه
عمرو بن محمد بن أبي رزين قال قال ثابت البناني كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة (3/260)
سلام بن مسكين قال أنبأ ثابت قال ما دعا الله عز و جل المؤمن بدعوة إلا وكل بحاجته جبرئيل عليه السلام فيقول لا تعجل با جابته فإني أحب أن أسمع صوت عبدي المؤمن وإن الفاجر يدعو الله عز و جل فيوكل جبرئيل بحاجته فيقول يا جبرائيل أعجل إجابة دعوته فإني أحب أن لا أسمع صوت عبدي الفاجر
جعفر قال أنبأ ثابت البناني عن رجل من العباد أنه قال يوما لإخوانه إني لأعلم متى يذكرني ربي عز و جل قال ففزعوا من ذلك فقالوا تعلم حين يذكرك ربك قال نعم قالوا متى قال إذا ذكرته ذكرني قال وإني لأعلم حين يستجيب لي ربي عز و جل قال فعجبوا من قوله قالوا تعلم حين يستجيب لك ربك قال نعم قالوا وكيف تعلم ذلك قال إذا وجل قلبي واقشعر جلدي وفاضت عيني وفتح لي في الدعاء فثم أعلم أن قد استجيب لي
سهل بن أسلم قال كان ثابت البناني يصلى كل ليلة ثلاث مائة ركعة فإذا أصبح ضمرت قدماه فيأخذهما بيده فيعصرهما ثم يقول مضى العابدون وقطع بي والهفاه
عن شعبة قال كان ثابت البناني يقرا القرآن في كل يوم وليلة ويصوم الدهر
جعفر بن سليمان قال حدثنا ثابت البناني قال كان رجل من العباد يقول إذا أنا نمت ثم استيقظت ثم اردت أن أعود إلى النوم (3/261)
فلا أنام الله عيني إذا قال جعفر كنا نراه يعني نفسه
حميد قال كنا نأتى أنس بن مالك ومعنا ثابت فكلما مر بمسجد صلى فيه فكنا نأتى أنسا فيقول أين ثابت أين ثابت إن ثابتا دويبة أحبها
قال عبدالله وحدثني أبي قال بلغني ان انسا قال لثابت ما أشبه عينك بعيني رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فما زال يبكى حتى عمشت عيناه
جعفر بن سليمان قال اشتكى ثابت البناني عينه فقال له الطبيب اضمن لي خصلة تبرأ عينك قال و ما هي قال لاتبك قال وما خير في عين لا تبكى
حماد بن زيد قال رأيت ثابتا البناني يبكى حتى تختلف أضلاعه
عن هشام قال ما رأيت قط اصبر علىطول القيام والسهر من ثابت البناني صحبناه مرة إلى مكة فكنا إن نزلنا ليلا فهو قائم يصلى وإلا فمتى شئت أن تراه أو تحس به مستيقظا ونحن نسير إما باكيا وإما تاليا
مبارك بن فضالة قال كان ثابت البناني يقوم الليل ويصوم النهار وكان يقول ماشىء أجده في قلبي ألذ عندي من قيام الليل
جعفر قال سمعت ثابتا يقول ما تركت في المسجد الجامع سارية إلا وقد ختمت القرآن عندها وبكيت عندها (3/262)
جعفر قال أخبرنا محمد بن ثابت البناني قال ذهبت ألقن أبي وهو في الموت فقلت يا أبة قل لا إله إلا الله فقال يا بني خل عني فإني في وردي السادس أو السابع
شبان بن جسر عن أبيه قال أنا والله الذي لا إله إلا هو أدخلت ثابتا البناني لحده ومعي حميد الطويل أو رجل غيره شك محمد قال فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا أنا به يصلي في قبره فقلت للذي معي ألا ترى قال اسكت فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها ما كان عمل ثابت قالت وما رأيتم فأخبرناها قالت كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه اللهم إن كنت أعطيت أحدا من خلقك الصلاة في قبره فأعطينها فما كان الله عز و جل ليرد ذلك الدعاء
إبراهيم بن الضمة المهلبى قال حدثني الذين كانوا يمرون بالجص بالاسحار قالوا كنا إذا مررنا بجنبات قبر ثابت سمعنا قراءة القرآن
أسند ثابت عن ابن عمرو وابن الزبير وشداد وأنس في آخرين وتوفى في ولاية خالد بن عبدالله على العراق
516 - إياس بن معاوية بن قرة المزنى
يكنى أبا واثلة كان قاضيا على البصرة غزير العقل والدين
داود بن أبي هند قال قال إياس بن معاوية كل رجل لا يعرف عيبه فهو أحمق قالوا يا أبا واثلة ما عيبك قال كثرة الكلام (3/263)
عن أبي إسحاق بن حفص بن نوح قال قيل لإياس بن معاوية فيك أربع خصال دمامة وكثرة كلام وإعجاب بنفسك وتعجيل بالقضاء قال أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري وأما كثرة الكلام فبصواب أتكلم أم بخطأ قالوا بصواب قال فالاكثار من الصواب أمثل وأما إعجابي بنفسي أفيعجبكم ما ترون مني قالوا نعم قال فإني احق أن أعجب بنفسي وأما قولكم إنك تعجل بالقضاء فكم هذه وأشار بيده خمسة فقالوا خمسة فقال أعجلتم ألا قلتم واحدا واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة قالوا ما نعد شيئا قد عرفناه قال فما أحبس شيئا قد تبين لي فيه الحكم
سمع إياس من أبيه وأنس بن مالك وابن المسيب وغيرهم
517 - أبو عمران عبدالملك
ابن حبيب الجونى جعفر بن سليمان الضبعى قال سمعت أبا عمران الجوني يقول في قصصه لا يغرنكم من ربكم عز و جل طول النسيئة وحسن الطلب فإن أخذه أليم شديد حتى متى تبقى وجوه أولياء الله بين أطباق التراب وإنما هم محتبسون ببقية آجالكم أيتها الأمة حتى يبعثهم الله عز و جل إلى جنته وثوابه
قال جعفر وسمعت أبا عمران الجوني يقول وعظ موسى عليه (3/264)
السلام قومه فشق رجل منهم قميصه فأوحى الله عز و جل إلى موسى عليه السلام قل لصاحب القميص لا يشق قميصه ولكن ليشرح لي عن قلبه
جعفر قال أنبأ أبو عمران الجونى قال تصعد الملائكة بالأعمال فينادي الملك ألق تلك الصحيفة ألق تلك الصحيفة قال فتقول الملائكة ربنا قالوا خيرا وحفظناه عليهم فيقول تبارك وتعالى لم يرد به وجهي قال وينادى الملك اكتب لفلان كذا وكذا مرتين فيقول يا رب إنه لم يعمله فيقول جل وعز إنه نواه نواه
الحارث بن سعيد قال كان أبو عمران الجونى إذا سمع الأذان تغير لونه وفاضت عيناه
عن خشيش أبي محرز قال قال أبو عمران الجونى وهبك تنجو بعدكم تنجو
أسند أبو عمران عن انس بن مالك وجندب بن عبدالله وعائذ بن عمرو وأبى برزة في آخرين
518 - بديل بن ميسرة العقيلى
مالك بن ضيغم قال سمعت بشر بن منصور يقول بكى بديل العقيلي حتى قرحت مآقيه فكان يعاتب في ذلك فيقول إنما أبكى خوفا من طول العطش يوم القيامة (3/265)
السرى بن يحيى عن بديل العقيلي قال من أراد بعلمه وجه الله عز و جل أقبل الله عليه بوجهه وأقبل بقلوب العباد إليه ومن عمل لغير الله عز و جل أقبل الله عنه وجهه وصرف قلوب العباد عنه
عن الوليد بن هشام عن بديل العقيلي قال الصيام معقل العابدين
سيار قال قال مهدي بن ميمون رأيت ليلة مات بديل العقيلي قائلا يقول ألا إن بديلا اصبح من سكان الجنة
أسند بديل عن انس وغيره وتوفى سنة ثلاثين ومائة
519 - أبو ريحانة عبدالله بن مطر
روى عن ابن عمر وسفينة عن فروة الأعمى مولى سعد بن أبي أمية المقرى قال ركب أبو ريحانة البحر وكان يخيط فيه بإبرة معه فسقطت إبرته في البحر فقال عزمت عليك يا رب إلا رددت على إبرتيفظهرت حتى أخذها
قال واشتد عليهم البحر ذات يوم وهاج فقال اسكن أيها البحر فإنما أنت عبد حبشى فسكت حتى صار كالزيت
520 - محمد بن واسع بن جابر
يكنى أبا عبدالله شبابة قال أخبرني موسى بن بشار قال صحبت محمد بن واسع من مكة إلى البصرة فكان يصلى الليل أجمع يصلى في المحمل جالسا يومىء برأسه إيماء وكان يأمر الحادى يكون خلفه ويرفع (3/266)
صوته حتى لا يفطن له وكان ربما عرس من الليل فينزل فيصلى فإذا اصبح أيقظ أصحابه
عبدالملك بن قريب قال حدثني نسيب لهشام القردوسي قال قال رجل دخلنا على محمد بن واسع فقالت علجة في داره فذكرت كلمات بالأعجمية معناها هذا رجل إذا جاء الليل لو كان قتل أهل الدنيا ما زاد
عبدالواحد بن زيد قال شهدت حوشبا جاء إلى مالك بن دينار فقال يا أبا يحيى رأيت البارحة كأن مناديا يقول يا ايها الناس الرحيل الرحيل فما رايت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع قال فصاح مالك صيحة وخر مغشيا عليه
قال مضر كان الحسن يسمى محمد بن واسع زين القرآن
مخلد قال كان محمد بن واسع مع قتيبة بن مسلم في جيش وكان صاحب خراسان وكانت الترك خرجت إليهم فبعث إلى المسجد ينظر من فيه فقيل له ليس فيه إلا محمد بن واسع رافعا إصبعه فقال قتيبة إصبعه تلك أحب إلي من ثلاثين ألف عنان
جعفر قال كنت إذا وجدت من قلبي قسوة نظرت إلى وجه محمد (3/267)
ابن واسع نظرة وكنت إذا رأيت وجه محمد بن واسع حسبت أن وجهه وجه ثكلى
على بن بزيغ الهلالي قال قال مطر الوراق ما اشتهيت أن أبكى قط حتىاشتفى إلا نظرت إلى وجه محمد بن واسع وكنت إذا نظرت إلى وجهه كأنه ثكل عشرة من الحزن
عن ابن شوذب قال كان إذا قيل من أفشل أهل البصرة قالوا محمد بن واسع ولم يكن يرى كثير عبادة وكان يلبس قميصا بصريا وساجا وكان له علية فإذا كان الليل دخل ثم أغلقها عليه
عن يونس قال سمعت محمد بن واسع يقول لو كان يوجد للذنوب ريح ما قدرتم أن تدنوا مني من نتن ريحي
الحارث بن نبهان قال سمعت بن واسع يقول واصحاباه ذهب أصحابي فقلت يرحمك الله أليس قد نشأ شباب يصومون النهار ويقومون الليل ويجاهدون في في سبيل الله عز و جل قال بلى ولكنأخ وتفل أفسدهم العجب
عن عبد العزيز بن أبي رواد قال رأيت في يد محمد بن واسع قرحة فكأنه رأي ما شق على منها فقال تدرى مالله على في هذه القرحة من نعمة قال فسكت فقال حيث لم يجعلها على حدقتي ولا طرف لساني ولا على طرف ذكري قال فهانت على فرحته (3/268)
عن ابن شوذب قال قسم أمير البصرة على أهل البصرة فبعث إلى مالك بن دينار فقبل وأتاه محمد بن واسع فقال يا مالك قبلت جوائز السلطان قال فقال يا أبا بكر أرسل جلسائي فقالوا يا أبا بكر اشترى بها رقابا فأعتقهم فقال له محمد بن واسع أنشدك الله أقلبك الساعة له على ماكان قبل أن يجيزك قال اللهم لا قال ترى أي شيء دخل عليك فقال مالك لجلسائه إنما مالك حمار إنما يعبد الله مثل محمد ابن واسع
عن ليث بن ابي سليم عن محمد بن واسع قال إذا اقبل العبد بقلبه إلى الله عز و جل أقبل الله عز و جل إليه بقلوب المؤمنين
سليمان التيمي ما أحد أحب إلى أن ألقى الله عز و جل بمثل صحيفته إلا محمد بن واسع
حماد بن زيد قال دخلنا على محمد بن واسع نعوده في مرضه فجاء يحيى البكاء يستأذن فقالوا يحيى البكاء فقال إن شر أيامكم يوم نسبتم إلى البكاء
عمران بن خالد قال سمعت محمد بن واسع يقول إن كان الرجل ليبكى عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم
إبراهيم بن الأشعث قال سمعت الفضيل بن عياض قال قال مالك ابن دينار إني لإغبط الرجل يكون عيشه كفافا فيقنع به فقال محمد (3/269)
ابن واسع أغبط والله عندي من ذلك أن يصبح جائعا ويمسى جائعا وهو عن الله عز و جل راض
محمد بن عبدالله الزراد قال رأى محمد بن واسع ابنا له وهو يخطر بيده فقال ويحك تعال تدرى من أنت أمك اشتريتها بمائتي درهم وأبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثله تمشى هذه المشية
محمد بن مهزم قال كان محمد بن واسع يصوم الدهر ويخفي ذلك
حيان بن يسار قال قال محمد بن واسع اللهم إن كان أخلق وجهي كثرة ذنوبي فهبني لمن أحببت من خلقك
ابن سلام قال قال محمد بن واسع ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث صاحب إذا اعوججت قومني وصلاة في جماعة يحمل عني سهوها وأفوز بفضلها وقوت من الدنيا ليس لأحد فيه منة ولا لله عز و جل فيه تبعة
زياد بن الربيع عن أبيه قال رأيت محمد بن واسع بسوق مرو يعرض حمارا له على البيع فقال له رجل أترضاه لي قال لو رضيته لك لم أبعه
قاسم الخواص قال قال محمد بن واسع لرجل أبكاك قط سابق علم الله عز و جل فيك (3/270)
أبو عامر قال حدثني صاحب لنا قال لم ثقل محمد بن واسع كثر الناس عليه في العبادة قال فدخلت فإذا قوم قيام وآخرون قعود فأقبل على فقال أخبرني ما يغنى هؤلاء عني إذا أخذ بناصيتي وقدمي غدا وألقيت في النار ثم تلا هذه الآية يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام
يونس بن عبيد قال دخلنا على محمد بن واسع نعوده فقال ما يعني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي فألقيت في النار
عن حزم قال قال محمد بن واسع وهو في الموت يا إخوتاه تدرون أين يذهب بي يذهب بي والله الذي لا إله إلا هو إلى النار أو يعفو عني
محمد بن عبدالله مولى الثقفيين قال دخلنا على محمد بن واسع وهو يقضي فقال يا إخوتي يا إخوتاه هبوني وإياكم سألنا الله الرجعة فأعطاكموها ومنعنيها فلا تخسروا أنفسكم
أسند محمد بن واسع عن أنس بن مالك وروى عن جماعة من كبار التابعين كالحسن وابن سيرين وتوفي بعد الحسن بعشر سنين كأنه مات سنة عشرين ومائة
521 - فرقد بن يعقوب السبخى
يكنى أبا يعقوب الهيثم بن معاوية قال حدثني شيخ لي قال (3/271)
اجتمع عباد من أهل الكوفة فقالوا تحدروا بنا إلى البصرة فننظرإلى عبادتهم فقال بعضهم لبعض اغدوا بنا إلى فرقد السبخى فدخلوا عليه فحدثهم ساعة ثم قالوا يا أبا يعقوب الغداء قال إنما طولت حديثي لتجوعوا فتأكلوا ما عندي أنزلوا تلك القفة فأخرجوا منها كسر خبز شعير أسود فقالوا له ملح يا أبا يعقوب فقال قد طرحنا في العجين ملحا مرة لم تعنوني أن اطلب لكم
عن جعفر بن سليمان قال قال فرقد السبخى إن ملوك بني إسرائيل كانوا يقتلون قراءهم على الدين وإن ملوككم إنما يقتلونكم على الدنيا فدعوهم والدنيا
جعفر قال سمعت فرقدا السبخي يقول قرأت في التوراة من اصبح حزينا على الدنيا اصبح ساخطا على ربه عز و جل ومن جالس غنيا فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ومن أصابته مصيبة فشكا إلى الناس فإنما يشكو ربه عز و جل
عن عبدالواحد بن زيد قال سعت فرقدا السبخي يقول ما انتهيت من نومي إلا خفت أن أكون قد مسخت
جعفر قال سمعت فرقدا السبخى يقول اتخذوا الدنيا ظئرا واتخذوا الآخرة أما ألم تروا إلى الصبى يلقى نفسه على الظئر فإذا (3/272)
ترعرع وعرف والدته ترك ظئره وألقى نفسه على والدته وإن الآخرة والدتكم يوشك أن تجركم
عن ابن شوذب قال سمعت فرقدا يقول إنكم لبستم ثياب الفراغ قبل العمل ألم تروا إلى الفاعل إذا عمل كيف يلبس أدنى ثيابه فإذا فرغ اغتسل ولبس ثوبين تقيين وأنتم تلبسون ثياب الفراغ قبل العمل
أسند فرقد عن أنس بن مالك وسمع من جماعة من كبار التابعين كسعيد بن جبير ومرة وإبراهيم النخعى وأبي الشعثاء وشغله التعبد عن حفظ الحديث فلذك يعرض النقلة عن حديثه ومات في أيام الطاعون بالبصرة سنة إحدى ثلاثين ومائة
522 - مالك بن دينار
يكنى أبا يحيى مولى لامرأة من بني سامة بن لؤي كان يكتب المصاحف
جعفر قال سمعت مالك بن دينار يقول ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله تعالى
قال وسمعته يقول يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم فإن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض وقد ينزل الغيث من السماء إلى الأرض فيصيب الحش فيكون فيه الحبة فلا يمنعها نتن (3/273)
موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن فيا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم أين أصحاب سورة أين أصحاب سورتين ماذا عملتم فيهما
قال وسمعته يقول يا هؤلاء جهالكم كثير لولا ذلك للبست المسوح ياهؤلاء لا تجعلوا بطونكم جربا للشيطان يوعى فيها إبليس ما شاء
يوسف بن عطية الصفار عن مالك بن دينار قال من دخل بيتي فأخذ منه شيئا فهو له حلال أما أنا فلا أحتاج إلى قفل ولا إلى مفتاح وكان يأخذ الحصاة من المسجد ويقول لوددت أن هذه أجزأتني في الدنيا ما عشت لا أزيد على مصها من الطعام ولا الشراب
وكان يقول لو صلح لي أن آكل الرماد لأكلته ولو صلح لي أن أعمد إلى بورى فأقطعه بقطعتين فأتزر بقطعة وأرتديبقطعة لفعلت
جعفر بن سليمان قال قال مالك بن دينار لقد هممت أن آمر إذا مت أن أغل فأدفع إلى ربي مغلولا كما يدفع الآبق إلى مولاه
جعفر قال سمعت مالك بن دينار يقول ينطلق أحدكم فيتزوج (3/274)
ديباجة الخرم يعني أجمل الناس او ينطلق إلى جارية قد سمنهاأبوها كأنها زبدة فيتزوجها فتأخذ بقلبه فيقول لها أي شيء تريدين فتقول خمار خز وأي شيء تريدين فتقول كذا وكذا قال مالك فتمرط والله دين ذلك القارىء ويدع أن يتزوجها يتيمة ضعيفة فيكسوها فيؤجر ويدهنها فيؤجر
قال وسمعت مالكا يقول كان حبر من أحبار بني إسرائيل قال فرأى بعض بنيه يوما غمز النساء فقال مهلا يا بني قال فسقط من سريره فانقطع نخاعه فأسقطت امرأته وقتل بنوه في الجيش وأوحى الله تعالى إلى نبيهم أن أخبر فلانا الحبر أني لا أخرج من صلبك صديقا أبدا ما كان غضبك لي إلا أن قلت مهلا يا بني مهلا
رياح بن عمرو القيسي قال سمعت مالك بن دينار يقول ما من أعمال البر شيء إلا دونه عقبة فإن صبر صاحبها أفضت به إلى روح وإن جزع رجع
عثمان بن إبراهيم قال سمعت مالك بن دينار يقول لرجل من أصحابه إني لأشتهي رغيفا بلبن رائب قال فانطلق فجاء به قال فجعله على الرغيف فجعل مالك يقلبه وينظر إليه ثم قال اشتهيتك منذ أربعين سنة فغلبتك حتى كان اليوم وتريد أن تغلبني إليك عني وابى أن يأكله (3/275)
مسلم قال قال مالك بن دينار منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم ولم أكره مذمتهم قيل ولم ذاك قال لان حامدهم مفرط وذامهم مفرط
سلام بن أبي مطيع قال دخلنا على مالك بن دينار ليلا وهو في بيت بغير سراج وفي يده رغيف يكدمه فقلنا له أبا يحيى الا سراج الا شيء تضع عليك خبزك فقال دعوني فوالله إني لنادم على ما مضى
أبو حفص عمر بن أحمد قال قال مالك بن دينار مثل قراء هذا الزمان كمثل رجل نصب فخا ونصب فيه برة فجاء عصفور فقال ما غيبك في التراب قال التواضع قال لأي شيء انحنيت قال من طول العبادة قال فما هذه البرة المنصوبة فيك قال أعددتها للصائمين فقال نعم الجار أنت فلما كان عند المغرب دنا العصفور ليأخذها فخنقه الفخ فقال العصفور إن كان العباد يخنقون خنقك فلاخير في العباد اليوم
جعفر بن سليمان قال مر والي البصرة بمالك بن دينار يرفل فصاح به مالك أقل من مشيتك هذه فهم خدمه به فقال دعوه (3/276)
ماأراك تعرفني فقال له مالك ومن أعرف بك مني أما أولك فنطفة مذرة وأما آخرك فجيفة قذرة ثم أنت بين ذلك تحمل العذرة فنكس الوالي راسه ومشى
عن جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار أنه كان يرى يوم التروية بالبصرة ويوم عرفة بعرفات
عون بن الحكم عن أبيه عن مالك بن دينار قال قدمت من سفر لي فلما صرت بالجسر قام العشار فقال لا يخرجن من السفينة ولا يقوم أحد من مكانه فأخذت ثوبي فوضعته على عنقي ثم وثبت فإذا أنا على الأرض فقال لي ما اخرجك قلت ليس معي شيء قال اذهب فقلت في نفسي هكذا أمر الآخرة
محمد بن عبدالعزيز بن سلمان قال سمعت أبي يقول سمعت مالك ابن دينار يقول عجبا لمن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده كيف تقر بالدنيا عينه وكيف يطيب فيها عيشه قال ثم يبكى مالك حتى يسقط مغشيا عليه
أبو سمير عن مالك قال إن لكل شيء لقاحا وإن الحزن لقاح العمل (3/277)
الصالح إنه لا يصبر أحد على هذا الأمر إلا بحزن فوالله ما اجتمعنا في قلب عبد قط حزن بالآخرة وفرح بالدنيا إن أحدهما ليطرد صاحبه
عن جعفر بن سليمان قال قال مالك بن دينار إذا ذكر الصالحون فأف لي وتف
سعيد بن عصام قال سمعت مالك بن دينار يقول كان الأبرار يتواصون بثلاث بسجن اللسان وكثرة الاستغفار والعزلة
أبو الحسن البصري قال دخل مالك بن دينار على رجل محبوس قد أخذ بخراج خرج عليه وقيد فقال يا ابا يحيى أما ترى ما أنا فيه من هذه القيود فرفع مالك راسه فإذا سلة قال لم هذه السلة قال لي قال فمربها فلتنزل فأنزلت فوضعت بين يديه فإذا دجاج وأخبصة فقال هذه وضعت القيود في رجلك لا هم وقام عنه
قال وكان مالك بن دينار يطوف بالبصرة في الأسواق فينظر إلى أشياء يشتهيها فيرجع فيقول لنفسه أبشرى فوالله ما حرمتك ما رأيت إلا لكرامتك على
جعفر قال سمعت مالك بن دينار يقول إن البدن إذا سقم ينجع فيه طعام ولا شراب ولا نوم ولا راحة وكذلك القلب إذا علقا (3/278)
حب الدنيا لم ينجع فيه المواعظ وسمعته يقول بقدر ما تحزن للدنيا كذلك يخرج هم الآخرة من قلبك وبقدر ما تحزن للآخرة فكذلك يخرج هم الدنيا من قلبك
عن جعفر بن سليمان قال جاء محمد بن واسع إلى مالك بن دينار فقال يا أبا يحيى إن كنت من أهل الجنة فطوبى لك فقال ينبغي لنا إذا ذكرنا الجنة أن نخزى
عبدالعزيز بن سلمان العابد قال انطلقت أنا وعبد الواحد بن زيد إلى مالك بن دينار فوجدناه قد قام من مجلسه فدخل منزله وأغلق عليه باب الحجرة فجلسنا ننتظره ليخرج أو لنسمع له حركة فنستأذن عليه فجعل يترنم بشىء لم نفهمه ثم بكى حتى جعلنا نأوى له من شدة بكائه ثم جعل يشهق ويتنفس حتى غشى عليه
قال فقال لي عبدالواحد انطلق ليس لنا مع هذا اليوم عمل هذا رجل مشغول بنفسه
الحارث بن سعيد قال كنا عند مالك بن دينار وعندنا قارىء يقرأ إذا زلزلت الأرض زلزالها فجعل مالك ينتفض وأهل المجلس يبكون ويصرخون حتى انتهى إلى هذه الآية فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال فجعل مالك (3/279)
والله يبكى ويشهق حتى غشى عليه فحمل بين القوم صريعا
عبدالله بن مرزوق قال بلغني أن مالك بن دينار دخل المقابر ذات يوم فإذا رجل يدفن فجاء حتى وقف على القبر فجعل ينظر إلى الرجل وهو يدفن فجعل يقول مالك غدا هكذا يصير وليس له شيء يتوسده في قبره فلم يزل يقول غدا مالك هكذا يصير حتى خر مغشيا عليه في جوف القبر فحملوه فانطلقوا به إلى منزله مغشيا عليه
مسمع بن عاصم قال قال مالك بن دينار ورأى إنسانا يضحك فقال ما أحب أن قلبي فرغ لمثل هذا وأن لي ما حوت البصرة من الأموال والعقد
عبدالله العبدي قال حدثنا جعفر عن مالك قال إن في بعض الكتب أن الله عز و جل يقول إن أهون ما أنا صانع بالعالم إذا أحب الدنيا أن أخرج حلاوة ذكرى من قلبه
عبدالملك بن قريب قال حدثني رجل صالح من أهل البصرة قال وقع حريق في بيت مالك بن دينار فأخذ المصحف وأخذ القطيفة فأخرجهما فقيل له يا أبا يحيى البيت فقال ما فيه إلا السندانة ما أبالي أن يحترق قال الدورقي وذكر عبد الله بن المبارك قال وقع حريق بالبصرة (3/280)
فأخذ مالك بن دينار بطرف كسائة وقال هلك أصحاب الاثقال
مجالد بن عبيد الله قال حدثنى عمر عن مالك بن دينار أنه كان يقول إن الله عز و جل إذا أحب عبدا انتقصه دنياه من وكف عنه ضيعته ويقول لا تبرح من بين يدى قال فهو متفرغ لخدمة ربه عز و جل وإذا أبغض عبدا دفع فى نحره شيئا من الدنيا ويقول اعزب من بين يدى فلا أراك بين يدى فتراه معلق القلب بأرض كذا وبتجارة كذا
الحسين بن زياد قال سمعت منيعا يقول مر تاجر بعشار فحبسوا عليه سفينته فجاء إلى مالك بن دينار فذكر ذلك له قال فقام مالك فمشى إلى العشار فلما رأوه قالوا يا أبا يحيى ألا تبعث إلينا حاجتك قال حاجتى أن تخلوا سفينة هذا الرجل قالوا قد فعلنا قال وكان عندهم كوز يجعلون فيه مل يأخذون من الناس من الدراهم فقالوا ادع الله لنا يا أبا يحيى قال قولوا للكوز يدعو لكم كيف أدعو لكم وألف يدعون عليكم أترى يستجاب لواحد ولا يستجاب لألف
محمد بن عبد الله عن أبى قدامه الحارث بن عبيد قال سمعت مالكا يقول لو أن القوم كلفوا الصحف لأقلوا المنطق
السرى بن يحيى عن مالك بن دينار قال والله لو وقف ملك (3/281)
بباب المسجد وقال يخرج شر من فى المسجد لبادرتكم إليه
رياح بن عمرو القيسى قال سمعت مالك بن دينار يقول دخل على جابر بن زيد وأنا أكتب فقال يا مالك مالك عمل إلا هذا تنقل كتاب الله عز و جل من ورقة إلى ورقة هذا والله الكسب الحلال
جعفر بن سليمان قال سمعت المغيره بن حبيب أبا صالح ختن مالك ابن دينار يقول قلت لنفسى يموت مالك بن دينار وأنا معه فى الدار لاأدى ما عمله قال فصليت معه العشاء الآخر ثم جئت فلبست قطيفه فى اطول ما يكون من الليل قال وجاه مالك فدخل فقرب رغيفه فأكل ثم قام إلى الصلاه فاستفتح ثم أخذ بلحيته فجعل يقول يارب إذا جمعت الاولين والآخرين فحرم شيبه مالك بن دينار على النار قال فو الله ما زال كذلك حتى غلبتنى عينى ثم انتبهت فإذا هو قائم على تلك الحال يقدم رجلا ويؤخر رجلا ويقول يارب إذا جمعت الاولين والآخرين فحرم شيبة مالك بن دينار على النار فما زال كذلك حتى طلع الفجر فقلت فى نفسى والله لئن خرج مالك بن دينار فرآنى لا تبلنى عنده بالة أبدا فجئت إلى المنزل وتركته
جعفر بن سليمان قال سمعت مالك بن دينار يقول كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة وكفى بالمرء شرا أن لا يكون صالحا ويقع فى الصالحين (3/282)
سلم الخواص قال قال مالك بن دينار خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شىء فيها قالوا وما هو قال معرفة الله عز و جل
فطر بن حماد بن واقد قال أنبأ أبى قال سمعت مالك بن دينار يقول قولوا لمن لم يكن صادقا لا يتعنى
جعفر قال سمعت مالك بن دينار يقول إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب
جعفر قال سمعت مالكا يقول اتقوا السحاره اتقوا السحاره فإنها تسحر قلوب العلماء
قال وسمعته يقول لو أعلم أن قلبى يصلح على كناسة لذهبت حتى أجلس عليها
وسمعته يقول وددت أن الله عز و جل أذن لى يوم القيامة إذا وقفت بين يديه أن أسجد سجده فأعلم أنه قد رضى عنى ثم يقول لى يا مالك كن ترابا
وسمعته يقول إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا
وسمعته يقول إنك إذا طلبت العلم لتعمل به كسرك العلم وإذا طلبته لغير العمل به لم يزدك إلا فخرا
قال وكانت الغيوم تجىء وتذهب ولاتمطر فيقول مالك أنتم (3/283)
تستبطئون وإنما أستبطىء الحجارة إن لم تمطر حجارة فنحن بخير
جعفر قال أنبا مالك بن دينار قال لما وقعت الفتنة أتيت الحسن ثلاثه أيام أسأله ياأبا سعيد ما تأمرنى فلا يجيبني قال فقلت ياأبا سعيد أتيتك ثلاثة أيام أسألك وأنت معلمي فلا تجيبني فوالله لقد هممت أن آخذ الارض بقدمى وأشرب من أفواه الأنهار وآكل من بقل البرية حتى يحكم الله عز و جل بين عباده قال فأرسل الحسن عينيه باكيا ثم قال يا مالك ومن يطيق ما تطيق ولكنا والله مانطيق هذا
قال جعفر وكنت عند مالك بن دينار فجاء هشام بن حسان وكان يأتيه هشام بن حسان وسعيد بن أبى عروبه وحوشب يطلبون قلوبهم فجاء هشام فقال أين أبو يحيى قلنا عند البقال قال قوموا بنا إليه قال فحانت منه نظرة إلى هشام فقال يا هشام إنى أعطى هذا البقال كل شهر درهما ودانقين فآخذ منه كل شهر ستين رغيفا كل ليله رغيفين فإذا أصبتهما سخنا فهو ادمهما يا هشام إنى قرأت فى زبور داود إلهى رأيت همومى وأنت من فوق العلى فانظر ما همومك ياهشام
عن السرى بن يحيى عن مالك بن دينار قال أخذ السبع صبيا لامرأة فتصدقت بلقمة فألقاه فنوديت لقمة بلقمة
جعفر بن سليمان عن مالك بن دينار قال إن الله جعل الدنيا دار (3/284)
مفر والآخرة دار مقر فخذوا لمقركم من مفركم وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم ولاتهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم ففى الدنيا حييتم ولغيرها خلقتم إنما مثل الدنيا كالسم أكله من لايعرفه واجتنبه من عرفه ومثل الحيه مسها لين وفي جوفها السم القاتل يحذرها ذوو العقول ويهوى إليها الصبيان بأيديهم
الحارث بن نبهان قال قدمت من مكه فأهديت إلى مالك بن دينار ركوة قال فكانت عنده فجئت يوما فجلست فى مجلسه فلما قضاه قال لى ياحارث تعال خذ تلك الركوة فقد شغلت على قلبى فقلت ياأبا يحيى إنما اشتريتها لك تتوضأ فيها وتشرب فقال ياحارث إنى إذا دخلت المسجد جاءنى الشيطان فقال لى يامالك إن الركوة قد سرقت فقد شغلت على قلبى
جعفر قال قلنا لمالك بن دينار ألاتدعو قارئا قال إن الثكلى لاتحتاج إلى نائحة فقلنا له ألا تستسقى فقال أنتم تستبطئون المطر لكنى أستبطىء الحجارة
جعفر قال رأيت مالك بن دينار يتقنع بعباء أو قال بكساء ثم يقول إله مالك قد علمت ساكن الجنه من ساكن النار فأى (3/285)
الدارين دار مالك وأى الرجلين مالك ثم يبكى
وسمعته يقول لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم ولو وجدت أعوانا لفرقتهم ينادون فى منار الدنيا كلها ياأيها الناس النار النار
وسمعته يقول لو كان لأحد أن يتمنى لتمنيت أن يكون لى فى الآخرة خص من قصب فأروى من الماء وأنجو من النار وسمعته يقول للمغيرة بن حبيب وكان ختنه يامغيرة كل أخ وجليس وصاحب لاتستفيد منه فى دينك خيرا فانبذ عنك صحبته
وسمعته يقول ياأخوتاه بحق أقول لكم لولا البول ماخرجت من المسجد
وسمعته يقول إنما العالم الذى إذا أتيته فى بيته فلم تجده قص عليك بيته رأيت حصيره للصلاه ومصحفه ومظهرته فى جانب البيت ترى أثر الآخرة
وسمعته يقول إن الأبرار لتلغي قلوبهم بأعمال البر وإن الفجار تغلي قلوبهم بأعمال الفجور والله يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله
وسمعته يقول إن الصديقين إذا قرىء عليهم القرآن طربت قلوبهم إلى الآخرة (3/286)
وسمعته يقول ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب وسمعته يقول إن لله تعالى عقوبات فتعاهدوهن من أنفسكم فى القلوب والابدان وضنك فى المعيشة ووهن فى العبادة وسخطة فى الرزق
جعفر عن مالك بن دينار قال خرج سليمان بن داود عليه السلام فى موكبه فمر ببلبل على غصن شوك يصفر ويضرب بذنبه فقال أتدرون ما يقول قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنه يقول قد أصبت اليوم نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء
فضيل بن عياض قال رأى مالك بن دينار رجلا يسىء صلاته فقال ما أرحمنى لعياله فقيل له يسيء هذا صلاته وترحم عياله قال إنه كبيرهم ومنه يتعلمون
الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول قال رجل لمالك بن دينار يا مرائى قال متى عرفت اسمى ماعرف اسمى غيرك
الحسين بن على الحلوانى قال دخل اللصوص إلى بيت مالك بن دينار فلم يجدوا فى البيت شيئا فأرادوا الخروج من داره فقال مالك ما عليكم لو صليتم ركعتين
حزم القطيعي قال دخلنا على مالك بن دينار فى مرضه الذى مات (3/287)
فيه وهو يكيد بنفسه فرفع رأسه إلى السماء فقال اللهم إنك تعلم أنى لم أكن أحب البقاء فى الدنيا لبطن ولا لفرج
أبو عيسى قال دخلنا على مالك بن دينار عبد الموت فجعل يقول لمثل هذا اليوم كان دؤوب أبى يحيى
عمارة بن زاذان أن مالك بن دينار لما حضره الموت قال لولا أنى أكره أن أصنع شيئا لم يصنعه أحد كان قبلى لأوصيت أهلى إذا أنا مت أن يقيدونى وأن يجمعوا يدى إلى عنقي فينطلقوا بى على تلك الحال حتى أدفن كما يصنع بالعبد الآبق
وقال غير أحمد بن محمد فإذا سألنى ربى تعالى أى رب لم أرض لك نفسى طرفة عين قط
حصين بن القاسم قال قلت لعبد الواحد بن زيد ما كان سبب موت مالك بن دينار قال أنا كنت سببه سألته عن رؤيا رأى فيها مسلم بن يسار فقصها على فانتفضت فجعل يشهق ويضطرب حتى ظننت أن كبده قد تقطعت فى جوفه ثم هدأ فحملناه إلى بيته فلم يزل مريضا يعوده إخوانه حتى مات منها فهذا كان سبب موته
أسند مالك بن دينار عن أنس بن مالك وعن جماعة من كبار التابعين كالحسن وابن سيرين والقاسم بن محمد وسالم بن عبيد الله وتوفى قبل الطاعون بيسير وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثون ومائه (3/288)
هارون بن رئاب
يكنى أبا الحسن ابن عيينة قال كان هارون بن رئاب يخفى الزهد وكان يلبس الصوف تحت ثيابه
سفيان بن عيينة قال رأيت هارون بن رئاب وكأن النور على وجهه
عن ابن شوذب قال كنت إذا رأيت هارون بن رئاب فكأنما أقلع عن البكاء
أسند هارون عن أنس وغيره 524 يزيد بن أبان الرقاشى
عن أشعث بن سوار قال دخلت على يزيد الرقاشى فقال ياأشعث تعال نبكى على الماء البارد فى يوم الظمأ قال وجعل يقول سبقنى العابدون وقطع بى والهفاه وقد صام اثنتين وأربعين سنة
عن هشام قال قال لى ثابت البناني ما رأيت أحدا أصبر على طول القيام والسهر من يزيد بن أبان
عن عبد الخالق بن موسى اللقيطى قال جوع يزيد نفسه لله عز و جل ستين عاما حتى ذبل جسمه ونهك بدنه وتغير لونه وكان يقول غلبنى بطنى فما أقدر له على حيلة
عن أبى إسحاق الخميسى قال كان يزيد يقول فى قصصه ويحك يايزيد من يترضى عنك ربك ومن يصوم لك أو يصلى لك ثم (3/289)
يقول يا معشر من القبر بيته والموت موعده ألا تبكون قال فبكى حتى سقطت أشفار عينيه
زهير السلولى قال كان يزيد الرقاشى قد بكى حتى تناثرت أشفاره وأحرقت الدموع مجاريها من وجهه
سلمه بن سعيد قال قالوا ليزيد الرقاشى أما تسأم من كثرة البكاء فبكى وقال والله لوددت أن أبكى بعد الدموع الدماء وبعد الدماء الصديد
وكان يقول ابك يايزيد على نفسك قبل حين البكاء يايزيد من يصلى لك بعدك أو من يصوم يايزيد من يضرع لك إلى ربك بعدك ومن يدعو
وكان يقول يا إخوتاه ابكوا فإن لم تجدوا بكاء فارحموا كل بكاء
أبو محمد على بن الحسن قيل لابن يزيد الرقاشى أكان أبوك يتمثل من الشعر شيئا قال كان يتمثل
إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدنى من الأجل
أسند يزيد عن أنس بن مالك وروى عن الحسن وغيره إلا أن التعبد شغله عن حفظ الحديث فأعرضت النقلة عما يروى (3/290)
525 - الأسود بن كلثوم
عن حميد بن هلال قال كان منا رجل يقال له الأسود بن كلثوم وكان إذا مشى لايجاوز بصره قدميه فكان يمر بالنسوه وفى الجدر يومئذ قصر ولعل إحداهن أن تكون واضعه ثوبها أو خمارها فإذا رأينه راعهن ثم يقلن كلا إنه الأسود بن كلثوم
فلما قرب غازيا قال إن نفسى هذه تزعم فى الرخاء أنها تحب لقاءك فإن كانت صادقة فارزقها ذلك وإن كانت كارهة فاحملها عليه وإن كرهت وأطعم لحمى سباعا وطيرا
فانطلق فى خيل فدخلوا حائطا فنذر بهم العدو فجاءوا فأخذوا بثلمة الحائط فنزل الأسود عن فرسه فضربها حتى عادت فخرج وأتى الماه فتوضأ ثم صلى
قال يقول العجم هكذا استسلام العرب إذا استسلموا ثم تقدم فقاتل حتى قتل قال فمر عظام الجيش بعد ذلك بذلك الحائط فقيل لأخيه لو دخلت فنظرت مابقى من عظم أخيك ولحمه قال لا دعا أخى بدعاء فاستجيب له فلست أعرض فى شىء من ذلك ومن الطبقه الرابعه
526 - أيوب بن أبى تميمه السختيانى
يكنى أبا بكر مولى لغنزة وإسم أبى تميمه كيسان (3/291)
حماد بن زيد قال قال أيوب إن قوما يريدون أن يرتفعوا فيأبى الله إلا أن يضعهم وآخرين يريدون أن يتواضعوا ويأبى الله ألا أن يرفعهم
قال وكان النساك يومئذ يشمرون ثيابهم وكان أيوب لا يفعل
حماد بن زيد قال كنت أمشى مع أيوب فيأخذ فى طرق إنى لأعجب له كيف يهتدى لها فرارا من الناس أن يقال هذا أيوب
ميمون الغزال قال كنا عند الحسن فجاء أيوب فسلم عليه فلما مضى وكان حيث لايسمع قال أنا الحسن هذا سيد الفتيان
وفى روايه أخرى قال الحسن أيوب سيد شباب أهل البصرة
حجاج قال سمعت شعبة يقول ربما ذهبت مع أيوب فى الحاجه أمشى معه فلا يدعنى فيخرج ههنا وههنا لكى لا يفطن له
وقال شعبه قال أيوب ذكرت وما أحب أن أذكر
الحميدي قال لقي سفيان بن عيينه ستة وثمانين من التابعين وكان يقول ما رأيت مثل أيوب
سلام بن أبى مطيع قال كان أيوب يقوم الليل يخفى ذلك فإذا كان قبيل الصبح رفع صوته كأنه إنما قام تلك الساعه
عن وهيب بن خالد قال قال أيوب السختيانى إذا ذكر الصالحون كنت منهم بمعزل
بشر بن منصور قال كنا عند أيوب فلغطنا وتكلمنا فقال لنا (3/292)
أيوب كفوا لو أردت أن أخبركم بكل شىء تكلمت به اليوم لفعلت
عن معمر قال كان فى قميص أيوب بعض التذييل فقيل له فقال الشهرة اليوم فى التشمير
صالح بن أبى الأخضر قال قلت لأيوب أوصنى قال أقل الكلام
عبد الله بن بشر قال إن الرجل ربما جلس إلى أيوب السختياني فيكون لما يرى منه أشد اتباعا منه لو سمع حديثه
حماد بن زيد قال لو رأيتم أيوب ثم استسقاكم شربة من ماء على النسك لما سقيتموه له شعر وافر وشارب وافر وقميص جيد هروى يشم الأرض وقلنسوة جيدة وطيلسان جيد ورداء عدنى
حماد بن زيد قال سمعت أيوب يقول إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون عبيد الله بن شميط قال سمعت أيوب السختيانى يقول لا ينبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان بالعفة عما فى أيدى الناس والتجاوز عما يكون منهم
عن المبارك بن إسماعيل آذى رجل أيوب السختيانى وأصحابه أذى شديدا فلما تفرقوا قال أيوب إنى لأرحمه أنا نفارقه وخلقه معه (3/293)
حماد قال رأيت أيوب لا ينصرف عن سوقه إلا معه شىء يحمله لعياله حتى رأيت قارورة الدهن بيده يحملها فقلت له فى ذلك فقال إنى سمعت الحسن يقول إن المؤمن أخذ عن الله عز و جل أدبا حسنا فأذا أوسع عليه أوسع وإذا أمسك عنه أمسك
حماد بن زيد قال ما رأيت رجلا قط أشد تبسما فى وجوه الرجال من أيوب
إسحاق بن محمد قال سمعت مالك بن أنس يقول كنا ندخل على أيوب السختيانى فإذا ذكرنا له حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم بكى حتى نرحمه
عن هشام بن حسان قال حج أيوب السختيانى أربعين حجة
عبد الواحد بن زيد قال كنت مع أيوب على حراء فعطشت عطشا شديدا حتى رأى ذلك فى وجهي فقال ما الذى أرى بك قلت العطش قد خفت على نفسى قال تستر على قلت نعم فاستحلفنى فحلفت له أن لا أخبر عنه مادام حيا قال فغمز برجله على حراء فنبع الماء فشربت حتى رويت وحملت معى من الماء قال فما حدثت به أحدا حتى مات
عن أبى بكر بن المفضل قال سمعت أيوب يقول والله ما صدق عبد إلا سره أن لايشعر بمكانه (3/294)
عن سلام بن أبى مطيع قال رجل من أهل الأهواء لأيوب ألا أكلمك بكلمة قال لا ولا نصف كلمه
عن هشام بن حسان عن أيوب السختيانى قال ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا زاد من الله عز و جل بعدا
محمد بن عمر الباهلى قال سمعت ابن عيينة يقول قال أيوب إنه ليبلغنى موت الرجل من أهل السنة فكأنما يسقط عضو من أعضائى
حماد بن زيد قال كان أيوب ربما حدث بالحديث فيرق فيلتفت فيمتخط ويقول ما أشد الزكام
الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول دخل بديل على أيوب السختيانى أظنه قال يعوده وقد مد على فراشه سبنية حمراء يدفع بها الرثاء قال له بديل ما هذا فقال أيوب هذا خير من هذا الصوف الذى عليك
يحيى العبدى قال سمعت حماد بن زيد يقول كان أيوب يطلب العلم حتى مات (3/295)
أسند أيوب عن أنس بن مالك وعمرو بن سلمة الجرمى وروى عن أبى عثمان النهدى وأبى رجاء العطاردى وأبى العالية والحسن وابن سيرين وأبى قلابة وتوفى فى الطاعون بالبصرة سنة إحدى وثلاثين ومائه
حنبل قال سمعت سليمان بن حرب يقول مات أيوب وهو ابن ثلاث وستين
527 - يحيى بن سليم
أبو مسلم البكاء ويقال يحيى بن مسلم
عن معاذ بن زياد قال كان يحيى بن مسلم البكاء قد اعتم بعمامة فأدارها على حلقه وجعل لها طرفين يبكى حتى يبل هذا الطرف ثم يبكى حتى يبل الطرف الآخر ثم يحلها من رأسه ويبكى وينتحب حتى يبل العمامه بأسرها ثم يبكى وينتحب حتى يبل أردانه
528 - سليمان بن طرخان التيمى
يكنى أبا المعتمر محمد بن سعد قال سمعت يزيد بن هارون يقول ليس سليمان بتيمى ولكنه مرى ومنزله فى التيم فنسب إليهم وكان من العباد المجتهدين يصلى الغداة بوضوء العشاء الآخرة وكان هو وابنه المعتمر يدوران بالليل فى المساجد فيصليان مرة فى هذا المسجد ومرة فى هذا حتى يصبحا
حنبل قال أنبأنا على يعنى ابن المدينى قال سمعت يحيى يعنى (3/296)
ابن سعيد وذكرنا التيمي فقال ما جلست إلى رجل أخوف لله منه
محمد بن عبدالأعلى قال سمعت معتمر بن سليمان التيمى يقول لولا أنك من أهلي ما حدثتك عن أبي بهذا مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما ويصلى الصبح بوضوء العشاء وربما أحدث الوضوء من غير نوم
الهيثم أبو علي المفلوج قال صلى سليمان التيمي الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة
حماد بن سلمة قال ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز و جل فيها إلا وجدناه مطيعا فإن كان في ساعة صلاة وجدناه مصليا فإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاأو عائدا مريضا أو مشيعا لجنازة أو قاعدا يسبح في المسجد قال فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصى الله عز و جل
قال السراج وسمعت سوار بن عبدالله يقول سمعت المعتمر يقول مات صاحب لي كان يطلب الحديث فجزعت عليه فرأى أبي جزعى عليه فقال يا معتمر كان صاحبك هذا على السنة قلت نعم قال فلاتجزع عليه ولا تحزن عليه
أسود بن سالم قال سمعت معتمر بن سليمان التيمي قال سقط بيت لنا كان ابي يكون فيه فضرب فسطاطا فكان فيه حتى مات فقيل (3/297)
له لو بنيته فقال الأمر أعجل من ذاك غدا الموت
عن يحيى بن سعيد القطان قال مكث سليمان التيمي في قبة لبود ثلاثين سنة أو نحوا من ثلاثين سنة
محمد بن عبدالله الأنصاري قال كان التيمي عامة زمانه يصلي العشاء والصبح بوضوء واحد وليس في وقت صلاة إلا وهو يصلى وكان يسبح بعد العصر إلى المغرب ويصوم الدهر
أبو علي البصري عن معمر مؤذن التيمي قال صلى إلى حنبي سليمان التيمي العشاء الآخرة وسمعته يقرأ تبارك الذي بيده الملك قال فلما أتى على هذه الآية فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا جعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا قال فخرجت وتركته
قال وعدت لأذان الفجر فإذا هو في مقامه قال فتسمعت فإذا هو لم يجزها وهو يقول فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا
الفضيل بن عياض قال قيل لسلمان التيمي أنت أنت من مثلك قال لا تقولوا هكذا لا أدرى ما يبدو لي من ربي عز و جل سمعت الله تعالى يقول وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون (3/298)
عن إبراهيم بن إسماعيل قال كان بين سليمان التيمي وبين رجل شيء فنازعه فتناول الرجل سليمان فغمز بطنه فجفت يد الرجل
الأصمعي عن معتمر عن أبيه قال إن الرجل ليذنب الذنب فيصبح وعليه مذلته
ضمرة قال السرى بن يحيى حدثناه قال قدح سليمان التيمي عينه قال فنهاه الطبيب أن يمس ماء قال فمس فرجه قال وكان يرى الوضوء من مس الفرج قال فنزع القطنة عن عينه وتوضأ وأعاد القطنة على حالها قال فجاء الطبيب فنظر فلم ير شيئا ينكر قال انظر هل ترى شيئا قال ما أرى شيئا أنكره قال فإني قد توضأت قال فإن الله قد رزقك العافية
سوار بن عبدالله قال سمعت المعتمر يقول قال لي أبي حين حضره الموت يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله عز و جل وأنا حسن الظن به
عن رقبة قال رأيت رب العزة في المنام فقال وعزتي لأكرمن مثوى سليمان يعني التيمي
وبلغنا من طريق آخر عن رقبة أنه قال رأيت رب العزة تبارك وتعالى في النوم فقال يا رقبة وعزتي وجلالي لأكرمن مثوى سليمان التيمي فإنه صلى أربعين سنة على طهر العتمة (3/299)
قال فجئت إلى سليمان فحدثته فقال أنت رأيت هذا قلت نعم قال لأحدثنك بمائة حديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بما جئتني به من البشارة قال فلما كان بعد مديدة مات فرأيته في المنام فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي وأدناني وقربني وغلفني بيده وقال هكذا أفعل بأبناء ثلاث وثمانين
أسند سليمان التيمي عن أنس بن مالك وعن أبي مالك النهدي وأبي مجلز والحسن وابن سيرين وأبي العالية في آخرين وتوفي بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائه
295 - داود بن أبي هند
يكني أبا بكر مولى لآل الأعلم القشيريين وكان يفتي في زمان الحسن واسم أبي هند دينار
عن عمرو بن علي قال سمعت ابن أبي عدي يقول صام داود أربعين سنة لا يعلم به أهله وكان خزازا يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدق به في الطريق ويرجع عشيا فيفطر معهم
سفيان قال سمعت داود بن أبي هند يقول وأصابني يعني الطاعون فأغمى علي فكأن اثنين أتياني فغمز أحدهما عكدة لساني وغمز (3/300)
الآخر أخمص قدمي فقال أي شيء تجد فقال تسبيحا وتكبيرا وشيئا من خطو إلى المسجد وشيئا من قراءة القرآن قال ولم أكن أخذت القرآن حينئذ وكنت أذهب في الحاجة فأقول لو ذكرت الله حتى آتى حاجتي فعوفيت فأقبلت على القرآن فتعلمته
أسند داود عن أنس بن مالك وروى عن كبار التابعين كسعيد ابن المسيب وأبي عثمان النهدي وأبي العالية والحسن وغيرهم وتوفي في سنة تسع وثلاثين ومائة
530 - عاصم بن سليمان الأحول
يكنى أبا عبدالرحمن مولى لبني تميم كان قاضيا بالمدائن في خلافة أبي جعفر وكان على الحسبة في المكاييل والموازين بالكوفة
محمد بن عباد قال حدثني أبي قال ربما رئي عاصم الأحول وهو صائم ثم يفطر فإذا صلى العشاء تنحى فصلى فلا يزال يصلى الفجر لا يضع جنبه
أسند عاصم عن أنس بن مالك وعبدالله بن سرجس وروى عن أبي عثمان النهدي وابن سيرين وغيرهما وتوفي سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة
531 - يونس بن عبيد
يكنى أبا عبدالله مولى لعبد القيس رسته قال سمعت زهيرا يقول (3/301)
كان يونس بن عبيد خزازا فجاء رجل يطلب ثوبا فقال لغلامه انشر الرزمة فنشر الغلام الرزمة وضرب بيده عليها وقال صلى الله على محمد فقد ارفعه وأبى أن يبيعه مخافة أن يكون مدحه
مؤمل بن اسمعيل قال جاء رجل من أهل الشام إلى سوق الخزازين فقال مطرف بأربعمائه فقال يونس بن عبيد عندنا بمائتين فنادى مناد بالصلاة فانطلق يونس إلى بنى قشير ليصلى بهم فجاء وقد باع ابن أخيه المطرف من الشامى بأربعمائة فقال يونس ما هذه الدراهم قال ذلك المطرف بعناه من هذا الرجل قال يونس يا عبد الله المطرف الذى عرضت عليك بمائتى درهم فإن شئت فخذه وخذ مائتين وإن شئت فدعه قال من أنت قال رجل من المسلمين قال بل أسألك باالله من أنت وما اسمك قال يونس ابن عبيد قال فوالله إنا لنكون فى نحر العدو فاذا اشتد الأمرعلينا قلنا اللهم رب يونس فرج عنا أو شبيه هذا فقال يونس سبحان الله سبحان الله
بشر بن المفضل قال جاءت امرأة بمطرف خز إلى يونس بن عبيد فألقته إليه تعرضه عليه فى السوق فنظر إليه فقال لها بكم قالت بستين درهما قال فألقاه إلى جار له فقال له كيف تراه بعشرين (3/302)
ومائة قال أرى ذلك ثمنه أو نحوا من ثمنه قال فقال لها اذهبى فاستأمري أهلك فى بيعه بخمس وعشرين ومائة قالت قد أمرونى أن أبيعه بستين قال ارجعى إليهم فاستأمريهم
أسماء بن عبيد قال سمعت يونس بن عبيد يقول ليس شىء أعز من شيئين درهم طيب ورجل يعمل على سنة
قال وسمعت يونس يقول إنما هما درهمان درهم أمسكت عنه حتى طاب لك فأخذتة ودرهم وجب لله وجل عليك فيه حق فأديته
جعفر بن برقان قال بلغنى عن يونس بن عبيد فضل وصلاح فكتبت إليه يا أخى بلغنى عنك فضل وصلاح فأحببت أن أكتب إليك فاكتب إلي بما أنت عليه فكتب إلى أتانى كتابك تسألنى أن أكتب إليك بما أنا عليه وأخبرك أنى عرضت على نفسى أن تحب للناس ما تحب لها وأن تكره لهم ما تكره لها فاذا هى من ذلك بعيد ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم إلامن خير فو جدت الصوم فى اليوم الحار الشديد الحر بالهواجر بالبصرة أيسر عليها من ترك ذكرهم هذا أمرى يا أخى والسلام
عن سلام بن أبى مطيع أو غيره قال ما كان يونس بأكثرهم (3/303)
صلاة ولا صوما ولكن لا والله ما حضر حق من حقوق الله عز و جل إلا وهو متهيىء له
إسحاق بن إبراهيم قال نظر يونس بن عبيد إلى قدميه عند موته فبكى فقيل له ما يبكيك با أبا عبد الله قال قدماى لم تغبرا فى سبيل الله عز و جل
قال غسان وحدثنا سعيد بن عامر عن يونس بن عبيد قال إنك تكاد تعرف ورع الرجل فى كلامه إذا تكلم
مبارك بن فضالة عن يونس بن عبيد قال لا تجد شيئا من البر واحدا يتبعه البر كله غير اللسان تجد الرجل يكثر الصيام ويفطر على الحرام ويقوم الليل ويشهد بالزور وذكر شيئا نحو هذا ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق فيخالف ذلك عمله أبدا
غسان بن المفضل قال حدثنى بعض أصحابنا من البصريين قال جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما منه بذلك فقال له يونس أيسرك ببصرك هذا الذى تبصر به مائه ألف قال لا قال فسمعك الذى تسمع به يسرك به مائه ألف قال لا قال فؤادك الذى تعقل به يسرك به مائه ألف قال لا قال فيداك يسرك بهما مائه ألف قال لا قال فرجلاك قال فذكره نعم الله عز و جل عليه فأقبل عليه يونس فقال أرى لك مئين (3/304)
ألوفا وأنت تشكو الحاجه
عن حماد بن زيد قال شكا رجل إلى يونس بن عبيد وجعا يجده فى بطنه فقال له يونس يا عبد الله هذه دار لا توافقك فالتمس دارا توافقك
عن جسر قال دخلت على يونس بن عبيد فقال منذ دخلت علينا قد مضى من آجالنا
أميه بن بسطام قال جاءت يونس بن عبيد امرأة بجبة خز فقالت له اشترها فقال بكم تبيعينها قالت بخمس مائه قال هى خير من ذلك قالت بستمائة قال هى خير من ذلك فلم يزل يقول هى من ذلك حتى بلغت ألفا وقد بذلتها بخمس مائه
قال أمية وكان يونس بن عبيد يشترى الابريسم من البصرة فيبعث به إلى وكيله بالسوس فكان وكيله يبعث إليه بالخز فإن كتب وكيله إليه إن المتاع عندهم زائد لم يشتر منهم أبدا حتى يخبرهم أن وكيله كتب أليه أن المتاع عندهم زائد
أمية قال كان يونس بن عبيد إذا طلب المتاع أرسل إلى وكيله بالسوس أن أعلم من تشترى منه أن المتاع يطلب وكلاما ذا معناه
أحمد بن سعيد الدارمى قال سمعت النضر بن شميل وسعيد بن عامر (3/305)
يقولان غلا الحرير وقال أحدهما بالخز فى موضع كان إذا غلا هناك بالبصره وكان يونس بن عبيد خزازا فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعا بثلاثين ألفا فلما كان بعد ذلك قال لصاحبه هل كنت قد علمت أن المتاع قد غلا بأرض كذا وكذا قال لا ولو علمت لم أبع قال هلم هلم إلى مالى وخذ مالك ورد عليه الثلاثين ألفا
عبيد الله بن سلام الباهلى قال سمعت يونس بن عبيد يقول لو أصبت درهما حلالا من تجارة لاشتريت به بر أثم صيرته سويقا ثم سقيته المرضى
ضمرة عن أبى شوذب قال اجتمع يونس بن عبيد وعبد الله بن عون فتذاكرا الحلال فكلاهما يقول ما أرى فى بيتى درهما حلالا
سليمان بن المغيرة قال سمعت يونس بن عبيد يقول ما أعلم شيئا أقل من طيب ينفقه صاحبه فى حق أو أخ يسكن إليه فى الإسلام وما يزدادان إلا قلة
عن هشام بن حسان قال ما رأيت أحدا يطلب بالعلم وجه الله عز و جل إلا يونس بن عبيد
عن ضمرة عن ابن شوذب قال سمعت يونس بن عبيد يقول خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سواهما من أمره وصلاته ولسانه (3/306)
حماد بن زيد قال مرض يونس بن عبيد فقال أيوب السختيانى ما فى العيش بعدك من خير
سكن الحرشى قال جاءنى يونس بن عبيد بشاة فقال بعها وابرأ من أنها تقلب العلف وتنزع الوتد ولا تبرأ بعد ماتبيع بل قل لمن تبيع
حماد بن سلمة قال سمعت يونس بن عبيد يقول ما أهم رجلا كسبه إلا أهمه أين يضعه
قال ابن عائشه وثنا سعيد بن عامر قال قال يونس بن عبيد مالى تضيع لى الدجاجة فأجد لها وتفوتنى الصلاة فلا أجد لها
منصور بن بشر قال سمعت يونس بن عبيد يقول ما من الناس أحد يكون لسانه منه على بال إلا رأيت ذلك صلاحا فى سائر عمله عن معاذ بن الأعلم عن يونس بن عبيد قال ما شبهت الدنيا إلا كرجل نائم فرأى فى منامه ما يكره وما يحب فبينما هو كذلك إذ انتبه
بشر بن الحارث قال يونس بن عبيد إنى لأعرف مائه خصله من البر ما في منها واحدة
حماد بن زيد قال قال لنا يونس بن عبيد احفظوا عنى ثلاثا مت أو عشت لا يدخلن أحدكم على سلطان يعظه ولا يخل بامرأة شابة وإن أقرأها القرآن ولا يمكن سمعه من ذى هوى (3/307)
أسند يونس بن عبيد عن أنس بن مالك وروى كثيرا عن الحسن وابن سيرين وعطاء وعكرمة ونظرائهم وتوفى فى سنة تسع وثلاثين ومائه قيل سنة أربع وثلاثين
532 - عبد الله بن عون بن أرطبان
يكنى أبا عون مولى عبد الله بن ذرة المزنى
بكار قال ما رأيت ابن عون يمازح أحدا ولا يمارى أحدا وكان مشمولا بنفسه وكان إذا صلى الغداه مكث مستقبل القبلة فى مجلسهيذكر الله عز و جل فإذا طلعت الشمس صلى ثم أقبل على أصحابه وما رأيته شاتما أحدا قط عبدا ولا أمه ولا دجاجة ولا شاه ولا رأيت أحدا أملك للسانه منه وكان يصوم يوما ويفطر يوما حتى مات وكان إذا توضأ لا يعينه أحد وكان طيب الريح لين الكسوة وكان إذا خلا فى منزله إنما هو صامت لا يزيد على الحمد لله ربنا وما رأيته دخل حماما قط وكان إن وصل إنسانا بشىء وصله سرا وأن صنع شيئا صنعه سرا يكره أن يطلع عليه أحد وكان له سبع يقرؤه كل ليلة فإذا لم يقرأه بالليل أتمه بالنهار وكان لا يخفي شاربه وكان يأخذه أخذا وسطا (3/308)
سعيد بن عامر قال لم تر بعينيك كوفيا ولا بصريا مثل ابن عون
يحيى القطان قال ما ساد ابن عون الناس أن كان أتركهم للدنيا ولكن ابن عون إنما ساد الناس بحفظ لسانه
معاذ بن معاذ قال حدثنى غير واحد من أصحاب يونس بن عبيد قال إنى لأعرف رجلا منذ عشرين سنة يتمنى أن يسلم له يوم من أيام ابن عون فلا يقدر عليه وليس ذلك أن يسكت رجل يوما لا يتكلم ولكن يتكلم فيسلم كما يسلم ابن عون
بكار بن محمد قال صحبت ابن عون دهرا من الدهر حتى مات وأوصى إلى أبي فما سمعته حالفا على يمين برة ولا فاجرة حتى فرق بيننا الموت
ابن مهدى قال ما كان بالعراق أحدا أعلم بالسنة من ابن عون أبو بكر بن أصرم قال قيل لابن المبارك ابن عون بما ارتفع قال بالاستقامة
عن خارجة يعنى ابن مصعب قال صحبت عبد الله يعنى ابن عون أربعا وعشرين سنة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة
محمد بن إسحاق الثقفى قال سمعت محمد بن عبيد الله المنادى يقول سمعت روحا يعنى ابن عبادة يقول ما رأيت رجلا أعبد من ابن عون (3/309)
بكار بن محمد قال كان ابن عون لا يغضب وإذا أغضبه الرجل قال بارك الله فيك
الأصمعى عن ابن عون قال لو أن رجلا انقطع إلى هؤلاء الملوك فى الدنيا لانتفع فكيف بمن ينقطع إلى من له السموات والارض وما بينهما وما تحت الثرى
أبو مالك بشر بن الحسن قال نازع ابن عون رجل فقال لولا أن يكتب على لقلت
حماد بن زيد عن ابن عون قال كانت له حوانيت يكريها فكان لا يكريها من المسلمين فقيل له فى ذلك فقال إن لهذا إذا جاء رأس الشهر روعة وأنى أكره أن أروع المسلم
هشام بن حسان قال حدثنى من لم تر عيناى مثله فقلت فى نفسى اليوم يستبين فضل الحسن وابن سيرين قال فأشار بيده إلى ابن عون وهو جالس
قال الربالى فذكرته للخليل بن شبان فقال سمعت عمر بن حبيب يقول عثمان البتى يقول مارأت عيناى مثل ابن عون
محمد بن عمر بن حرب قال لنا بعض أصحابنا عن ابن عون أنه نادته أمه فأجابها فعلا صوته صوتها فأعتق رقبتين
قرة بن خالد قال كنا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساناه ابن عون (3/310)
أبو عاصم قال سألت ابن عون فقلت حدثنى بهذا الحديث إن خف عليك فقال لا تقل إن خف فقلت له لمه قال أكره أن أحدثك ولا يخف على فيكون على خلاف ما سألت
أبو بكر المروزى قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وذكر ابن عون فقال كان لا يكرى دوره من المسلمين قلت لأى علة قال لئلا يروعهم
قال وكان لابن عون جمل يستقى الماء فإذا غلام ابن عون قد ضرب الجمل فذهب بعينه فجاء الغلام وقد أرعب وظن أنهم قد شكوه فلما رآه قد أرعب قال اذهب فأنت حر لوجه الله عز و جل
أشعث بن سعيد قال قال ابن عون لن يصيب العبد حقيقة الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر كرضاه عند الغنى كيف تستقضى الله فى أمرك ثم تسخط إن رأيت قضاءه مخالفا لهواك ولعل ما هويت من ذلك لو وفق لك فيه هلكك وترضى قضاءه إذا وافق هواك ما أنصفت من نفسك ولا أصبت باب الرضا
محمد بن عيسى قال قدم ابن المبارك قدمة فقيل له إلى أين تريد قال إلى البصرة قيل له من بقى قال ابن عون آخذ من أخلاقه آخذ من آدابه
أدرك ابن عون أنس بن مالك وصحبه ويقال إنه أسند عنه وروى عن الحسين وابن سيرين وأبى رجاء العطاردى والقاسم بن محمد (3/311)
ومجاهد ونافع فى آخرين
محمد بن سعد قال أخبرنا بكار قال كان ابن عون فى مرضه أصبر من أنت راء ما رأيته يشكو شيئا من علته حتى مات ومات فى رجب سنة إحدى وخمسين ومائة
533 - هشام بن حسان
أبو عبد الله الفردوسى من الأزد
حماد بن زيد قال حدثتني فارسية كانت تكون مع هشام فى الدار قالت أى ذنب عمل هذا من قتل هذا الليل كله يبكى
روى هشام عن عطاء وغيره وقال جاورت الحسن عشر سنين وتوفى فى أول يوم من صفر سنة ثمان وأربعين ومائة وقيل سنة سبع وأربعين ومائه
534 - عمران بن مسلم القصير
أبو معاويه الغلابى قال حدثني رجل قال كان عمران القصير يقول لجلسائه ألاحر كريم يصبر أياما قلائل
عبد الله بن مغيث بن سعدان اليشكري قال حدثتني أمينة بنت عمران عن أبيها وكان قد عاهد الله أن لا ينام بليل أبدا إلا مستغلبا قالت قال إنى حببت إلى طاعة الله تعالى طول الحياة ولولا الركوع والسجود وقراءة القرآن ما باليت أن لا أعيش فى الدنيا (3/312)
فواقا قالت فلم يزل مجهودا على ذلك حتى مات رحمه الله
قالت فرأيته فى منامي فقلت يا أبه أنه لا عهد لى بك منذ فارقتنا قال يابنية وكيف تعهدين من فارق الحياة وصار إلى ضيق القبور وظلمتها قالت فقلت يا أبة كيف حالك منذ فارقتنا قال خير حال بوئنا المنال ومهدت لنا المضاجع ونحن ها هنا يغدى ويراح برزقنا من الجنه قالت فقلت فما الذى بلغك هذا قال الصبر الصالح وكثرة التلاوة لكتاب الله تعالى
ذكر هذه الحكاية أبو نعيم فى ترجمة عمران مقصير وقد ذكرها ابن أبى الدنيا فى كتاب المنامات عن عمران بن زيد
عبد الله بن مغيث اليشكري قال حدثتني أمينة بنت عمران بن زيد عن أبيها فذكر الحكاية
وهذا عمران بن زيد هو أبو يحيى الملائى الطويل وهذا أليق بالصواب
أسند عمران القصير عن أنس بن مالك وعن كبار التابعين كالحسن وابن سيرين وأبى رجاء العطاردى ونافع ونظرائهم
535 - كهمس بن الحسن القيسى
يكنى أبا عبيد الله الهيثم بن معاويه عن شيخ من أصحابه قال (3/313)
كان كهمس يصلى ألف ركعة فى اليوم والليله فإذا مل قال لنفسه قومى يا مأوى كل سوء فوالله مارضيتك لله ساعة قط
عبد الملك بن قريب قال كان كهمس يعمل فى الجص كل يوم بدانقين فإذا أمسى اشترى به فاكهة فأتى بها إلى أمه
يحيى بن كثير صاحب البصري قال اشترى كهمس دقيقا بدرهم فأكل منه فلما طال عليه كاله فإذا هو كما وضعه فجعل بعد لا يأخذ منه شيئا إلا نقص حتى فنى
موسى بن هلال العبدى قال قال لى كهمس بمكة كان لى جار يشترى هذا التمر والرطب ويسأل لي عن الحوائط فمذ مات تركت التمر
أحمد بن الفتح قال سمعت بشر بن الحارث يقول خرج يوما كهمس ومعه دينار فسقط منه وطلبه فوجده قال فتركه وقال لعل هذا الدينار غير ذاك الدينار وكل ذات يوم سمكا فأخذ من حائط جاره طينا فغسل به يده فقال أنا اليوم منذ أربعين سنه أبكى على ذاك الطين لم أخذته بغير علمه
عمارة بن زازان قال قال لى كهمس بن الحسن يا أبا سلمة أذنبت ذنبا وأنا أبكى عليه أربعين سنه قلت وما هو يا أبا عبد الله قال زارنى أخ لى فاشتريت له سمكا بدانق فلما أكل قمت إلى حائط جار (3/314)
لى فأخذت منه قطعة طين فغسل بها يده فأنا أبكى عليه منذ أربعين سنة
أبو عطاء الرملى قال كان كهمس يقول فى جوف الليل أتراك معذبى وأنت قرة عينى يا حبيب قلباه
أحمد بن الفتح قال سمعت بشر بن الحارث يقول كان كهمس يصلى حتى يغشى عليه
عن اسحاق بن إبراهيم قال دخلنا على كهمس العابد فقرب إلينا إحدى عشرة بسرة حمراء وقال هذا الجهد من أخيكم والله المستعان
أسند كهمس عن خلق كثير من التابعين منهم عبد الله بن شقيق العقيلى وعبد الله ابن بريدة ومحمد بن عمر ومصعب بن ثابت وكان مشغولا بخدمة أمه مع تعبده فلما ماتت خرج إلى مكة فأقام إلى أن مات هناك
356 - حبيب أبو محمد الفارسى
كان مجاب الدعوة حضر مجلس الحسن فتأثر بموعظته فخرج عما كان يملك
يونس بن محمد قال سمعت مشيخة يقولون وكان الحسن يجلس فى مجلسه الذى يذكر فيه فى كل يوم وكان حبيب أبو محمد يجلس (3/315)
فى مجلسه الذى يأتيه فيه أهل الدنيا والتجار وهو غافل عما فيه الحسن لا يلتفت إلى شىء من مقالته إلى أن التفت إليه يوما فذكره الحسن بالجنة وخوفة من النار فانصرف من عنده فلم يزل فى تبديد ماله حتى لم يبق له شىء ثم جعل بعد يستقرض على الله
قال يونس وجاء رجل إلى أبى محمد فشكا إليه دينا عليه فقال اذهب فاستقرض وأنا أضمن فأتى رجل فأقرضه خمس مائه درهم وضمنها أبو محمد ثم جاء الرجل فقال يا أبا محمد دراهمى فقد أضربي حبسها فقال نعم غدا فتوضأ أبو محمد ودخل المسجد ودعا الله تعالى وجاء الرجل فقال له اذهب فأن وجدت فى المسجد شيئا فخذه فذهب فاذا فى المسجد صروة فيها خمس مائه درهم فذهب فوجدها تزيد على خمس مائه فرجع إليه فقال يا أبا محمد تلك الدراهم تزيد فقال اذهب فهي لك من وزنها وزنها راجحة
جعفر بن سليمان قال سمعت حبيبا يقول أتانا سائل وقد عجنتعمرة وذهبت تجىء بنار تخبزه فقلت للسائل خذ العجين فاحتمله فجاءت عمره فقالت أين العجين فقلت ذهبوا به يخبزونه قال فلما أكثرت على أخبرتها فقالت سبحان الله لا بد لنا من شىء نأكله قال فاذا رجل قد جاء بجفنة عظيمه مملوءة خبزا ولحما فقالت عمرة ما أسرع ما ردوه عليك قد خبزوه وجعلوا معه لحما
جعفر قال كان حبيب أبو محمد رقيقا من أكثر الناس بكاء (3/316)
فبكى ذات ليله كثيرا فقالت عمرة بالفارسية لم تبكى يا أبا محمد فقال لها حبيب دعينى فإنى أريد أن أسلك طريقا لم أسلكه قبل
قال وسمعت حبيبا يقول والله إن الشيطان ليلعب بالقراء كما يلعب الصبيان بالجوز ولو أن الله دعانى يوم القيامة فقال يا حبيب فقلت لبيك فقال جئنى بصلاة يوم أو صوم يوم أو ركعة أو سجدة أو تسبيحة اتقيت عليها من ابليس أن يكون طعن فيها طعنة فأفسدها ما استطعت
وسمعت حبيبا يقول لا تقصدوا فراغا فإن الموت يليكم
جميل أبو علي قال قال حبيب إن من سعادة المرء إذا مات ماتت معه ذنوبه
خلف بن الوليد قال اشترى حبيب الفارسى نفسه من ربه أربع مرات بأربعين ألف درهم أخرج بدره فقال يارب اشتريت منك نفسى بهذه ثم أخرج بدره أخرى فقال إلهى أن كنت قبلت تلك فهذه شكر لها ثم أخرج الثالثه فقال ألهى إن كنت لم تقبل الأولى والثانيه فاقبل هذه ثم أخرج الرابعه فقال إلهى أن كنت قبلت الثالثه فهذه شكر لها
أحمد بن أبى الحوارى قال سمعت أبى سليمان الداراني يقول كان حبيب أبو محمد يأخذ متاعا من التجار يتصدق به فأخذ مرة فلم يجد (3/317)
شيئا يعطيهم فقال يا رب كأنه أى ينكسر وجهى عندهم فدخل فإذا هو بحوالق من شعر كأنه نصب من أرض البيت إلى قريب السقف مملوءا دراهم فقال يا رب ليس أريد هذا فأخذ حاجته وترك البقية
مسلم بن إبراهيم أن رجلا أتى حبيبا أبا محمد فقال إن لى عليك ثلاثة مائه درهم قال من أين قال لى عليك ثلاث مائة درهم قال حبيب اذهب إلى غد فلما كان من الليل توضأ وصلى وقال اللهم إن كان صادقا فأد إليه وإن كان كاذبا فابتله فى بدنه قال فجىء بالرجل من غد قد حمل وقد ضرب شقة الفالج فقال مالك قال أنا الذى جئتك فى بالأمس لم يكن لى عليك شىء وأنما قلت يستحي من الناس فيعطينى فقال له تعود قال اللهم إن كان صادقا فألبسه العافية فقام الرجل على الأرض كأن لم يكن به شىء
عن السرى بن يحيى قال اشترى أبو محمد حبيب طعاما فى مجاعة أصابت الناس فقسمه على المساكين ثم خاط أكيسة فجعلها تحت فراشه ثم دعا الله فجاء أصحاب الطعام يتقاضونه فأخرج تلك الأكيسه فإذا هى مملوءة دراهم فوزنها فإذا هى حقوقهم فدفعها إليهم
عن السرى بن يحيى قال كان حبيب أبو محمد يرى يوم الترويه بالبصره ويرى يوم عرفة بعرفات
عن حماد قال شهدت حبيبا الفارسى يوما فجاءته امرأة فقالت (3/318)
يا أبا محمد كأنها طلبت منه شيئا فقال لها كم لك من العيال فقالت كذا وكذا فقام حبيب أبو محمد إلى وضوئه فتوظأ ثم جاء إلى مصلاه فصلى بخضوع وسكون فلما فرغ قال يا رب إن الناس يحسنون ظنهم بى وذاك من سترك علي فلا تخلف ظنهم بي ثم رفع حصيره فإذا بخمسين درهما فأعطاه إياها ثم قال يا حماد اكتم ما رأيت حياتى
عبد الواحد بن زيد قال كنا عند مالك بن دينار ومعنا محمد بن واسع وحبيب أبو محمد فجاء رجل فكلم مالكا فأغلظ فى قسمة قسمها وقال وضعتها فى غير حقها وتتبعت بها أهل مجلسك ومن يغشاك لتكثر غاشيتك ووتصرف وجوه الناس إليك قال فبكى مالك وقال والله ما أردت هذا قال بلى والله لقد أردت هذا فجعل مالك يبكى والرجل يغلظ له فلما كثر ذلك عليهم رفع حبيب يديه إلى السماء ثم قال اللهم أن هذا قد شغلنا عن ذكرك فأرحنا منه كيف شئت قال فسقط والله الرجل على وجهه ميتا فحمل إلى أهله على سرير وكان يقال إن أبا محمد مستجاب الدعوة
أبو قرة محمد بن ثابت قال قال حبيب أبو محمد لا قرة عين (3/319)
لمن لم تقر عينه بك ولا فرح لمن يفرح بك وعزتك إنك لتعلم أنى أحبك
عبيد الله بن محمد التيمى قال أصحابنا قالوا كان حبيب أبو محمد يخلو فى بيته ويقول من لم تقر عينه بك فلا قرت ومن لم يأنس بك فلا أنس
إسماعيل بن زكريا وكان جارا لحبيب أبي محمد قال كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه فأتيت أهله فقلت ما شأنه يبكى إذا أمسى ويبكي إذا أصبح قال فقالت لى يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح وإذا أصبح أن لا يمسى
أبو زكريا قال قالت امرأة حبيب أبى محمد كان يقول إن مت اليوم فأرسل إلى فلان يغسلنى وافعلى كذا واصنعى كذا فقيل لامرأته أرأى رؤيا قالت هذا يقوله كل يوم
عن عبد الواحد بن زيد أن حبيبا أبا محمد جزع جزعا شديدا عند الموت فجعل يقول بالفارسية أريد أن أسافر سفرا ما سافرته قط أريد أن أسلك طريقا ما سلكته قط أريد أن أزور سيدى ومولاى ومارأيته قط أريد أن أشرف على أهوال ما شاهدت مثلها قط أريد أن أدخل تحت التراب فأبقى تحته إلى يوم القيامةثم أوقف بين يدى الله فأخاف أن يقول لى ياحبيب هات تسبيحة واحد سبحتنى فى ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشىء فماذا (3/320)
أقول وليس لى حيلة أقول يا رب هو ذا قد أتيتك مقبوض اليدين إلى عنقي
قال عبد الواحد هذا عبد الله ستين سنة مشتغلا به ولم يشتغل من الدنيا بشىء قط فأي شىء حالنا واغوثاه بالله
أحمد بن عبد الله قال كان حبيب مشغولا بالتعبد ولا نعرفله حديثا مسندا قال وقد قيل إنه أسند عن الحسن وابن سيرين وهو وهم من قائله فإن حبيبا الذى أسند عنهما حبيب المعلم و يحفظ له حكاية عن الفرزدق
537 - عبد الواحد بن زيد
حاتم بن سليمان قال شهدت عبد الواحد بن زيد فى جنازة حوشب فلما دفن قال رحمك الله يا أبا بشر فلقد كنت حذرا من مثل هذا اليوم رحمك الله يا أبا بشر فلقد كنت من الموت جزعا أما والله لئن استطعت لأعملن رحلى بعد مصرعك هذا قال ثم شمر بعد واجتهد
الحارث بن عبيد قال كان عبد الواحد بن زيد يجلس إلى جنبى عند مالك بن دينار فكنت لا أفهم كثيرا من موعظة مالك لكثرة بكاء عبد الواحد
زيد بن عمر قال شهدت مجلس عبد الواحد بن زيد بعد العصر فكنت أنظر إلى منكبيه ترتعد ودموعه تتحدر على لحيته (3/321)
وهو ساكت والناس يبكون فقال ألا تستحيون من طول مالا تستحيون وفى القوم فتى فغشى عليه فما أقلق حتى غريب الشمس فافاق وهو يقول مالى مالى كأنه يعمى على الناس أمره ثم خرج فتوضأ
مسمع بن عاصم قال شهدت عبد الواحد ذات يوم وهو يعظ قال فمات يومئذ فى ذلك المجلس أربعة أنفس قبل أن يقوم قال مسمع فأنا شهدت جنازة بعضهم
مالك بن ضيغم قال سمعت بكر بن مصاد يقول عبد الواحد بن زيد يقول إخوتاه ألا تبكون شوقا إلى الله عز و جل لا إنه من بكى شوقا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه يا إخوتاه ألا تبكون خوفا من النار ألا إنه من بكى خوفا من النار ألا أنه من بكى خوفا من النار أعاذه الله منها يا إخوتاه ألاتبكون بلى فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا لعله يسقيكموه فى حظائر العرش مع خير الندماء والأحجاب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا قال ثم جعل يبكى حتى غشى عليه (3/322)
حصين بن القاسم الوزان يقول لو قسم بث عبد الواحد بن زيد على أهل البصرة لوسعهم فإذا أقبل سواد الليل فطرت إليه كأنه فرس رهان مضمر متحزم ثم يقوم إلى محرابه كأنه رجل فخاطب
حبان الاسود قال حدثنى عبد الواحد بن زيد قال أصابتنى علةفى ساقي فكنت أتحامل عليها للصلاه قال فقمت عليها من الليل فأجهدت وجعا فجلست ثم لففت إزاري فى محرابى ووضعت رأسى عليه فنمت فبينما أنا كذلك إذا بحاريه تفوق الدمى حسنا تخطر بين جوار مزينات حتى وقفت على وهن خلفها فقالت لبعضهن ارفعنه ولا تهجنه فأقبلن نحوى فاحتملنني عن الارض وأنا انظر إليهن فى منامي ثم قالت لغيرهن من الجوارى اللائى معها افرشنه ومهدنه ووطئن له ووسدنه قال ففرشن تحتى سبع حشايا لم أر لهن فى الدنيا مثلا ووضعن تحت رأسى مرافق خضرا حسانا ثم قالت للائى حملننى اجعلنه على الفرش رويدا لا تهجنه قال فجعلت على تلك الفرش وأنا أنظر إليها وما تأمر به من شأنى ثم قالت احففنه بالريحان قال فأتي بياسمين فحفت به الفرش ثم قامت إلى فوضعت يدها علي التى كنت أجد فى ساقى فمسحت ذلك المكان بيدها ثم قالت قم شفاك الله إلى صلاتك غير مضرور وقال فاستيقظت والله كأنى (3/323)
قد أنشطت من عقال فما اشتكيت تلك العله ليلتى تلك ولا ذهبت حلاوة منطقها من قلبى قم شفاك الله إلى صلاتك غير مضرور
أحمد بن أبى الحوارى قال قال لى أبو سليمان الدارانى أصاب عبد الواحد بن زيد الفالج فسأل الله أن يطلقه فى وقت الوضوء فإذا أراد أن يتوضأ إنطلق وإذا رجع إلى سريره عاد عليه الفالج
محمد بن عبد الله الخزاعى قال صلى عبد الواحد بن زيد الغداةبوضوء العتمة أربعين سنة
قال أبو سليمان الداراني ذكر لى عن عبد الواحد بن زيد قالت نمت عن وردى ليله فإذا أنا بجارية لم أر أحسن وجها منها عليها ثياب حرير خضر وفى رجليها نعلان والنعلان يسبحان والزمامان يقدسان وهى تقول يا ابن زيد جد فى طلبى فإنى فى طلبك ثم جعلت تقول من يشترينى ومن يكن سكنى ... يأمن فى ربحه من الغبن فقلت ياجاريه ما ثمنك فأنشأ تقول
تودد الله مع محبته ... وطول فكر يشاب بالحزن
فقلت لمن أنت يا جارية فقالت
لمالك لا يرد لي ثمنا ... من خاطب قد أتاه بالثمن فانتبه وآلى على نفسه أن لا ينام الليل (3/324)
أسند عبد الواحد عن الحسن البصرى وأسلم الكوفى
538 - عطاء السليمى أبو عبد الله بن أبي عبيدة قال سمعت عفيرة تقول لم يرفع عطاء رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين حجه فرفع رأسه مره ففتق فى بطنه فتق
بشر بن منصور قال كنت أوقد بين يدي عطاء السليمى فى غداة باردة فقلت له ياعطاء أيسرك الساعة لو أنك أمرت أن تلقى نفسك فى هذه النار ولا تبعث إلى الحساب فقال لى إي ورب الكعبه قال ثم قال والله مع ذلك لو أمرت به لخشيت أن تخرج نفسى فرحا فبل أن أصل إليها
نعيم بن مورع قال كان عطاء السليمى إذا فرغ من وضوئه انتفض وارتعد وبكى بكاء شديدا فقيل له فى ذلك فقال إنى أريد أن أقدم على أمر عظيم إنى أريد أن أقوم بين يدى الله تعالى
عن صالح المرى قال كان عطاء السليمى قد أضر بنفسه حتى ضعف قال قلت له إنك قد أضررت بنفسك وأنا متكلف لك شيئا فلا ترد كرامتى قال افعل قال فاشتريت له سويقا من أجود ما وجدت وسمنا فجعلت له شريبه ولينتها وحليتها وأرسلتها مع ابنى (3/325)
وكوزا من ماء وقلت له لاتبرح حتى يشربها فرجع فقال قد شربها فلما كان من الغد جعلت له نحوها ثم سرحت بها مع ابنى فرجع بها لم يشربها
قال فأتيته فلمته فقلت سبحان الله رددت على كرامتى إن هذا مما يعنيك ويقويك على الصلاة وعلى ذكر الله قال فلما رآنى قد وجدت من ذلك قال يا أبا بشر لا يسوءك الله قد شربتها أول ما بعثت بها فلما كان الغد راودت نفسى على أن تسيغها فما قدرت على ذلك أذا أردت أن أشربها ذكرت هذه الآية يتجرعه ولا يكاد بسيفه وتأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ فبكى صالح عند هذا وقال قلت لنفسى ألا أرانى فى وادوأنت فى آخر
العلاء بن محمد قال دخلت على عطاء السليمى وقد غشى عليه فقلت لأمرأته أم جعفر ما شأن عطاء فقالت سجرت جارتنا التنور فنظر إليه فخر مغشيا عليه
ابراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال حدثتني عفيرة العابدة وكانت قد ذهب بصرها من العبادة قالت كان عطاء إذا بكى بكى ثلاثة أيام وثلاث ليال (3/326)
قالت عفيره وحدثنى إبراهيم المحلمى قال أتيت عطاء السليمى فلم أجده فى بيته قال فنظرت فإذا هو فى ناحية الحجر جالس وإذا حوله بلل قال فظننت أنه أثر وضوء توضأه فقالت لي عجوز معه فى الدار أثر دموعه
سوار أبو عبيدة قال قالت لى أمرأة عطاء السليمى عاتب عطاء فى كثرة البكاء فعاتبته فقال لى يا سوار كيف تعاتبنى فى شىء ليس هو إلى إني إذا ذكرت أهل النار وما ينزل بهم من عذاب الله وعقابه تمثلت لى نفسى بهم فكيف لنفس تغل يدها إلى عنقها وتسحب فى النار ألا تصيح فتبكى وكيف لنفس تعذ ألاتبكى ويحك يا سوار وما أقل غناء البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله
بشر بن منصور قال قلت لعطاء السليمى يا عطاء ماذا الحزن قال ويحك الموت فى عنقى والقبر بيتى وفى القيامه موقفى وعلى جسر جنهم طريقي وربي لا أدرى ما يصنع بى ثم تنفس فغشى عليه فترك خمس صلوات فلما أفاق أخبرته فقال ويحك إذا ذهب عقلى تخاف على شيئا ثم تنفس فغشى عليه فترك صلاتين
العلاء بن محمد البصرى قال شهدت عطاء السليمى خرج فى جنازة فغشى عليه أربع مرات حتى صلى عليه كل ذلك يغشى عليه ثم يفيق فاذا نظر إلى الجنازة خر مغشيا عليه (3/327)
بشر بن منصور قال كنت أسمع عطاء السليمى كل عشيه بعد العصر يقول غدا عطاء فى القبر
عن ابراهيم بن أدهم قال كان عطاء يمس جسده بالليل خوفا من ذنوبة مخافة أن يكون قد مسخ
معاويه الكندى قال كان عطاء عند حجام والمحاجم على عنقه فمر صبى معه شعلة نار فأصابت النار الريح فسمع ذلك منها فخر مغشيا عليه فحمل إلى منزله ما يعقل
عبد الخالق قال قال رجل لعطاء يوما ما هذا الذى تصنع بنفسك قتلت نفسا أى شىء صنعت قال اصطدمت حماما لجارى منذ أربعين سنة قال ثم قال أما إنى قد تصدقت بثمنه كأنه لم يعرف صاحبه
عبد الخالق بن عبد الله العبدى قال كان عطاءإذا جن عليه الليل خرج إلى المقابر فوقف على أهل القبور ثم قال يا أهل القبور متم فواموتاه ثم يبكي ويقول ياأهل القبور عاينتم ما عملتم فواعملاه فلا يزال كذلك حتى يصبح
عن حماد بن زيد قال رجعنا من جنازة فدخلنا على عطاء السليمى فلما رآنا كأنه خاف أن يدخله شىء أى لكثرتنا فقال اللهم لا تمقتنا أو اللهم لا تمقتنى ثم قال سمعت جعفر بن زيد يقول مر رجل بمجلس فأثنوا عليه خيرا فلما جاوزهم قام وقال اللهم إن (3/328)
كان هؤلاء لا يعرفوننى فأنت تعرفنى
على بن بكار قال مكث عطاء السليمى أربعين سنة على فراشه لا يقوم من الخوف ولا يخرج
أبو جعفر بن الطباع قال سمعت مخلدا يقول ما رأيت أحدا كان أفضل من عطاء السليمى ولقد كانت الفاكهه تمر لا يعلم سعرها ولا يعرفها
عن أبى جعفر السائح قال كان عطاء السليمى يقول التمسوا لى هذه الاحاديث فى الرخص عسى الله أن يروح عنى بعض ما أنا فيهمن الغم
محمد بن معاوية الازرق قال حدثنى بعض أصحابنا قال قيل لعطاء السليمى ما تشتهى قال أشتهى أن أبكى حتى لا أقدر على أن أبكى قال وكان يبكى الليل والنهار وكانت دموعه الدهر سائله على وجهه
أبو يزيد الهدادى قال انصرفت ذات يوم من الجمعة فإذا عطاء السليمى وعمر ابن درهم يمشيان وكان عطاء قد بكى حتى عمش وكان عمر قد صلى حتى دبر فقال عمر لعطاء حتى متى نسهو ونلعب وملك الموت فى طلبنا لا يكف قال فصاح عطاء صيحة خر مغشيا عليه فأنشج موضحة واجتمع الناس وقعد عمر عند رأسه فلم يزل على حاله حتى المغرب ثم أفاق فحمل
سوار أبو عبيدة قال انقطع عطاء السليمى قبل موته بثلاثين سنة (3/329)
قال وما رأيت عطاء إلا وعيناه تفيضان قال وما كنت شبه عطاء إذا رأيته إلا بالمرأة الثكلى قال وكأن عطاء لم يكن من أهل الدنيا
عن صالح المري قال كان عطاء السليمى لايكاد يدعو إنما يدعو بعض أصحابه ويؤمن هو قال فحبس بعض أصحابه فقيل له ألك حاجه قال دعوة من عطاء أن يفرج الله عنى قال صالح فأتيته فقلت يا أبا محمد أما تحب أن يفرج الله عنك قال بلى والله إنى لاحب ذلك قلت فان جليسك فلانا قد حبس فادع الله أن يفرج عنه فرفع يديه وبكى وقال إلهى قد تعلم حاجتنا قبل أن نسألكها فاقضها لنا قال صالح والله ما برحنا من البيت حتى دخل الرجل
صالح المري قال قلت لعطاء السليمى ما تشتهى فبكى وقال أشتهى والله يا أبا بشر أن أكون رمادا لاتجتمع منه سفه أبدا فى الدنيا ولا فى لآخره قال صالح فأبكانى والله وعلمت أنه إنما أراد النجاة من عسر الحساب
بشر بن منصور قال كان عطاء السليمى يقول رب أرحم فى الدنيا غربتى وفى القبر وحدتى وطول مقامى غدا بين يديك
أدرك عطاء السليمى أيام أنس بن مالك ولقى الحسن ومالك بن دينار وخلقا من تلك الطبقه وشغلته العبادة عن الرواية
صالح بن بشير المري قال لما مات عطاء السليمى حزنت عليه حزنا شديدا (3/330)
فرأيته فى منامى فقلت يا أبا محمد ألست فى زمرة الموتى قال بلى قلت فماذا صرت إليه بعد الموت قال صرت والله إلى خير كثير ورب غفور شكور قال فقلت أما والله لقد كنت طويل الحزن فى دار الدنيا فتبسم فقال أما والله يا أبا بشر لقد أعقبنى ذلك راحة طويله وفرحا دائما قلت ففى أى الدرجات أنت قال أنا مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
539 - أبو جهير مسعود الضرير
صالح المري وساق الحديث للحراز قال قال مالك بن دينار اغد على يا أبا صالح إلى الجبان فإنى قد وعدت نفرا من إخوانى بأبى جهير مسعود الضرير نسلم عليه
قال صالح المري وكان أبو جهير هذا رجلا قد انقطع إلى زاويه يتعبد فيها ولم يكن يدخل البصرة إلا يوم الجمعه فى وقت الصلاة ثم يرجع من ساعته
قال فغدوت لموعد مالك إلى الجبان فانتهيت إلى مالك وقد سبقنى وإذا معه محمد بن واسع وإذا ثابت البنانى وحبيب فلما رأيتهم قد اجتمعوا قلت هذا والله يوم سرور قال فانطلقنا نريد أبا جهير قال فكان مالك إذا مر بموضع نظيف قال يا ثابت صل ههنا لعله (3/331)
أن يشهد لك غدا قال فكان ثابت يصلى قال ثم انطلقنا حتى أتينا موضعه فسألنا عنه فقالوا الآن يخرج إلىالصلاة فانتظرناه قال فخرج علينا رجل إن شئت قلت قد نشر من قبره قال فوثب رجل فأخذ بيده حتى أقامه عند باب المسجد ثم أمهل يسيرا ثم دخل المسجد فصلى ما شاء ثم أقام الصلاة فصلينا معه
فلما قضى صلاته جلس كهيئه المهموم فتوامر القوم فى السلام عليه فتقدم محمد بن واسع فسلم عليه فرد عليه السلام وقال من أنت لا أعرف صوتك قال أنا من أهل البصرة قال ما أسمك يرحمك الله قال أنا محمد بن واسع قال مرحبا بك وأهلا أنت الذى يقول هؤلاء القوم وأوما بيده إلى البصرة إنك أفضلهم لله أنت إنقمت بشكر ذلك اجلس فجلس
فقام ثابت البنانى فسلم عليه فرد عليه السلام وقال من أنت يرحمك الله قال أنا ثابت البنانى قال مرحبا بك يا ثابت البنانى أنت الذى يزعم أهل هذه القرية أنك من أطولهم صلاة اجلس فقد كنت أتمناك على ربى
قال فقام إليه حبيب أبو محمد فسلم عليه فرد عليه السلام وقال من أنت رحمك الله قال أنا حبيب أبو محمد قال مرحبا بك يا أبا محمد أنت الذى يزعم هؤلاء القوم أنك لم تسأل الله شيئا إلا أعطاك (3/332)
فهلا سألته أن يخفى لك ذلك اجلس يرحمك الله
قال وأخذ بيده فأجلسه إلى جنبه قال فقام إليه مالك بن دينار فسلم عليه فرد عليه السلام وقال من أنت يرحمك الله قال أنا مالك ابن دينار قال بخ بخ أبو يحيى إن كنت كما يقولون أنت الذى يزعم هؤلاء القوم أنك أزهدهم اجلس فالآن تمت أمنيتى على ربى فى عاجل الدنيا
قال صالح فقمت إليه لأسلم عليه فأقبل على القوم فقال انظروا كيف تكونون غدا بين يدى الله فى مجمع القيامة قال فسلمت عليه فرد على وقال من أنت يرحمك الله قلت أنا صالح المرى قال أنت الفتى القارىء أنت أبو بشر قلت نعم قال إقرأ يا صالح فابتدأت فقرأت فما استتمت الاستعاذة حتى خر مغشيا عليه ثم أفاق إفاقة فقال عد فى قراءتك يا صالح فعدت فقرأت وقدمنا إلى ماعملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا قال فصاح صيحة ثم انكب لوجهه وانكشف بعض جسده فجعل يخور كما يخور الثور ثم هدأ فدنونا منه ننظر فإذا هو قد خرجت نفسه كأنه خشبه
قال فخرجنا فسألنا هل له أحد قالوا عجوز تخدمه تأتيه الايام فبعثنا إليها فجاءت فقالت ماله قلنا قرىء عليه القرآن فمات قالت حق له والله من ذا الذى قرأ عليه لعله صالح القارىء قلنا (3/333)
نعم وما يدريك من صالح قالت لا أعرفه غير أنى كثيرا ما كنت أسمعه يقول إن قرأ على صالح قتلنى قلنا فهو الذى قرأ عليه قالت هو الذى قتل حبيبي فهيأناه ودفناه رحمه الله
540 - عبد الله بن غالب الحدانى
المغيره بن حبيب قال قال عبد الله بن غالب الحدانى لما برز للعدو على ما آسى من الدنيا فوالله ما فيها للبيب جذل والله لولا محبتى لمباشرة السهر بصفحة وجهي وافتراش الجبهة لك يا سيدى والمراوحة بين الاعضاء فى ظلم الليل رجاء ثوابك وحلول رضوانك لقد كنت متمنيا لفراق الدنيا وأهلها
قال ثم كسر جفن سيفه ثم تقدم فقاتل حتى قتل قال فحمل من المعركه وإن به لرمقا فمات دون العسكر فلما دفن أصابوا من قبره رائحة المسك قال فرآه رجل من إخوانه فى منامه فقال ياأبا فراس ما صنعت قال خير الصنيع قال إلى ماصرت قال إلى الجنه قال ثم قال بحسن اليقين وطول التهجد وظمأ الهواجر قال فما هذه الرائحة الطبية التى توجد من قبرك قال تلك رائحه التلاوة والظمأقال قلت أوصني قال اكسب لنفسك خيرا لا تخرج عنك الليالى والأيام عطلا (3/334)
عن مالك بن دينار قال نزلت فى قبر عبد الله بن غالب فأخذت من ترابه فاذا هو مسك وقال فتن الناس به الناس به فبعث إلى قبره فسوى
541 - أشعث الحدانى
حزم قال قال لنا أشعث الحدانىانطلقوا إلى حبيب أبى محمد نسلم عليه قال وذاك عند ارتفاع النهار فانطلقنا معه فسلم فخرج حبيب أبو محمد فأخذ فى البكاء فما زالوا يبكون حتى حضرت الظهر قال فصيلنا فأخذوا فى البكاء فما زالوا يبكون حتى حضرت العصر فما زالوا يبكون حتى حضرت المغرب ثم أدنينا حماره فركب فقال لنا إن أناسا ينهون عن هذا فأطيعهم قلنا أنت أعلم قال إذا والله لا أطيعهم
542 - الحجاج بن فرافصة
عن سفيان قال بت عند الحجاج بن فرافصة اثنتى عشرة ليله ما رأيته أكل ولاشرب ولانام
عن سفيان الثورى قال بت عند الحجاج بن الفرافصة إحدى (3/335)
وعشرين يوما فما أكل ولاشرب ولانام هكذا فى حديث أبى نعيم أحد وعشرين وفى رواية أخرى إحدى عشر ليلة
إبراهيم بن فراسه يقول سمعت سفيان الثورى يقول بت عند الحجاج بن الفرافصة إحدى عشرة ليلة فلا أكل ولاشرب ولانام
أبو موسى الأنصارى قال سمعت النضر بن شميل يقول مكث الحجاج بن الفرافصة أربعه عشر يوما لا يشرب ماء
قال أبو موسى قد سمعت النضر منه ورأه
عن ابن شوذب قال رأيت الحجاج بن فرافصة واقفا فى السوق عند أصحاب الفاكهه فقلت ما تصنع ههنا قال قال أنظر إلى هذه المقطوعه الممنوعه
أسند الحجاج عن أنس وغيره
543 - حسان بن أبى سنان
محمد بن عبد الله الزراد قال خرج حسان إلى العيد فقيل له لما رجع يا أبا عبد الله ما رأينا عيدا أكثر نساء منه فقال ما تلقتنى امرأة حتى رجعت
غسان بن المفضل قال أنبأ شيخ لنا يقال له أبو حكيم قال خرج حسان يوم العيد فلما رجع قالت له امرأته كم امرأة حسنه (3/336)
قد نظرت إليها اليوم فلما أكثرت عليه قال ويحك ما نظرت إلا فى إبهامى منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك
عبد الله قال كتب غلام لحسان بن أبى سنان إليه من الأهواز إن قصب السكر أصابته آفه فاشتر السكر فيمل قبلك قال فاشتراه من رجل فلم يأت عليه إلا القليل فإذا فيما اشترى ربح ثلاثين ألفا قال فأتى صاحب السكر فقال يا هذا إن غلامى كان كتب إلى ولم أعلمك فأقلنى فيما اشتريت منك قال الآخر قد أعلمتني الآن وطبيته لك قال فرجع فلم يحتمل قلبه قال فأتاه فقال يا هذا إنى لم آت الامر من وجهه فأحب أن تسترد هذا البيع قال فما زال به حتى رد عليه
عبد المؤمن بن عباد قال لقي حسان بن أبى سنان رجل به رهق وكان مع حسان رجل قال فسأله حسان مساءله لطيفة فقال له الرجل تساءل هذا مثل هذه المساءله حتى يظن فى نفسه أنه شىء قال وما يدريك لعله تكون فى هذا خصله يحبها الله وفيك خصله يبغضها الله عز و جل قال فقال يا أبا عبد الله وما هذه الخصله التى فيه يحبها الله عز و جل وما الخصلة التى فى يبغضها الله عز و جل قال لعله أن يكون حين رآك حدثته نفسه أنك خير منه ولعلك حين (3/337)
رأيته حدثتك نفسك أنك خير منه
عن جعفر بن سليمان أن رجل رأى النبى صلى الله عليه و سلم فى منام فقال لو أن حسانا دعا أن يتحول جبل لحول
الوليد بن بشار قال جاءت أمرأة فسألت حسان بن أبى سنان فقال لشريكه هكذا وأشار بأصبعيه السبابه والوسطى فذهب شريكه يزن لها درهمين فوزن لها مائتين فقالوا يا أبا عبد الله كنت ترضى بهذا كذا وكذا من سائل فقال أنى ذهبت فى شىء لم تذهبوا فيه إنى رأيت بها بقية من الشباب وخشيت أن تحملها الحاجة على بعض ما أكره
قال مهدى بن ميمون رأيت حسان بن أبى سنان أحسبه قال فى مرضه فقيل له كيف تجدك قال بخير أن نجوت من النار فقيل له فما تشتهى قال ليلة بعيده ما بين الطرفين أحيي ما بين طرفيها
أبو يحيى الزراد قال كنت أسمع حسان بن أبى إسحاق يتمثل كثيرا
لا صحه المرء فى الدنيا تؤخره ... ولا يقدم يوما موته الوجع
قال ابن شوذب كان حسان بن أبى سنان رجلا من تجار أهل البصرة له شريك بالبصرة وهو مقيم بالأهواز يجهز على شريكه بالبصره ثم يجتمعان على رأس كل سنه يتحاسبان ثم يقتسمان الريح فكان (3/338)
يأخد قوته من ربحه ويتصدق بما بقي وكان صاحبه يبنى الدور ويتخذ الأرضين قال فقدم حسان البصرة قدمه ففرق ما أراد أن يفرق فذكر له أهل بيت لم تكن حاجتهم ظهرت فقال أما تخبرونا فاستقرض لهم ثلاث مائة درهم فبعث بها إليهم
موسى بن هلال قال حدثتني رجل كان جليسا لنا وكانت امرأة حسان مولاة له قال حدثنى امرأة حسان بن أبى سنان قالت كان يجىء فيدخل معى فى فراشى قالت ثم يخادعنى كما تخادع المرأة صبيها فإذا علم أنى قد نمت سل نفسه فخرج ثم يقوم فيصلى قالت فقلت له ياأبا عبد الله كم تعذب نفسك ارفق بنفسك فقال اسكتى ويحك فيوشك أن أرقد رقده لا أقوم منها زمانا
عبد الله بن عيسى قال أخبرنى أبى قال كان حسان بن أبى سنان يحضر مسجد مالك بن دينار فإذا تكلم مالك بكى حسان حتى يبل ما بين يديه ولا يسمع له صوت
عن عبد الجبار بن النضر السلمى قال مر حسان بن أبى سنان بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عمالايعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها
عمارة بن زاذان قال كان حسان يفتح باب حانوته فيضع الدواةوينشر حسابه ويرخى ستره ثم يصلى فإذا أحس بإنسان قد جاء (3/339)
يقبل على الحساب يريه أنه كان فى الحساب
قال أبو داود وثنا سلام بن أبى مطيع قال كان حسان بن أبى سنان يقول لولا المساكين ما اتجرت
يحيى بن بسطام الأصفر التميمي وكان جارا لحسان بن أبى سنان قال وكان حسان يصوم الدهر ويفطر على قرص ويتسحر بآخر فنحل وسقم جسمه جدا حتى صار كهئية الخيال فلما مات فأدخل مغتسله ليغسل كشف الثوب عنه فإذا هو كهيئة الخيط الاسود قال وأصحابه حوله يبكون
قال حريث فحدثنى يحيى بن مسلم البكاء وإبراهيم بن محمد القيسى قال لما نظرنا إلى حسان وما قد أبلاه الدؤوب أكبرنا ذلك جدا واستدمع أهل البيت وعلت أصواتهم ثم هدؤوا فإنا لكذلك إذ سمعنا قائلا يقول من ناحيه البيت
تجوع للإله لكى يراه ... نحيل الجسم من طول الصيام
قال فوالله ما رأينا فى البيت إلا با كيا
قال حريث كانوا يرون أن بعض الجن بكاه
كان حسان كثير الروايه عن الحسن وثابت البنانى ويقال إنه (3/340)
أسند عن أنس غير أنه اشتغل بالعباده عن الروايه
544 - شميط بن عجلان
أبو عبد الله ويقال أبو همام عن سيار قال أنبا عبيد الله بن شميط قال سمعت أبى يقول بادروا بالصحة السقم وبالفراغ الشغل وبادروا بالحياة الموت وسمعته يقول لى بئس العبد عبد خلق للعاقبه فصدته العاجلة عن العاقبة فزالت عنه العاجلة وشقى فى العاقبه وسمعته يقول أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع كيف يعمل للآخرة من لاتنقضى من الدنيا شهوته العجب العجب كل العجب لمصدق بدار الحق وهو يسعى لدار الغرور
وسمعته يقول إن الله عز و جل جعل قوة المؤمن فى قلبه ولم يجعلها قى أعضائه ألاترون أن الشيخ يكون ضعيفا يصوم الهواجر ويقوم الليل والشاب يعجز عن ذلك
وسمعته يقول يعمد أحدهم فيقرأ القرآن ويطلب العلم حتى إذا علمه أخذ الدنيا فضمها إلى صدره وحملها على رأسه فنظر إليه ثلاثه ضعفاء امرأة ضعيفه وأعرابى جاهل وأعجمى فقالوا هذا أعلم بالله منا لو ير فى الدنيا ذخيرة ما فعل هذا فرغبوا فى الدنيا وجمعوها
سمعته يقول من رضى بالفسق فهو من أهله ومن رضى أن يعصى الله عز و جل لم يرفع له عمل (3/341)
أبو معاويه الغلابى قال حدثنى رجل قال قالت امرأة شميط يا أبا همام إنا نعمل الشىء فيبرد فنشتهى أن تأكل منه معنا فلا تجىء حتى يفسد ويبرد فقال والله إن أبغض ساعاتى إلى الساعه التى آكل فيها
جعفر قال سمعت شميطا يقول رأس مال المؤمن دينه حيثما زال معه لا يخلفه فى الرجال ولا يأمن عليه الرجال
جعفر بن سليمان قال سمعت شميطا يقول من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولابسعتها
إبراهيم بن عبد الملك قال قال شميط بن عجلان إن الله عز و جل وسم الدنيا بالوحشة ليكون أنس المطيعين به
عبيد الله بن شميط بن عجلان عن أبيه أنه كان يقول فى مواعظه إذا أصبحت آمنا فى سربك معافا فى بدنك عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء وعلى من يحزن عليها إن المؤمن يقول لنفسه إنما هى ثلاثة أيام فقد مضى أمس بما فيه وغدا أمل لعلك لاتدركيه إنما هو يومك هذا فإن كنت من أهل غد فسيجىء رب غد برزق غد إن دون غد يوما وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة فلعلك المخترم فيه (3/342)
كفى كل يوم همه ثم حملت على قلبك الضعيف هم السنين والدهور والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن يجىء وهم الصيف قبل أن يجىء فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخره ما تطلب الجنة بهذا متى تهرب من النار كل يوم ينقص من أجلك ثم لا تحزن أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع فكيف لا يستبين للعالم جهله وقد عجز عن شكر ما هو فيه وهو مفتن فى طلب الزيادة أم كيف يعمل للاخرة من لا تنقضى من الدنيا شهوته ولا تنقطع عنها رغبته فالعجب كل العجب لمن صدق بدار الحيوان كيف يسعى لدار الغرور
وكان يقول إن أولياء الله آثروا رضا ربهم تعالى على هوى أنفسهم فأرغموا أنفسهم كثيرا فى رضا ربهم فأفلحوا والله وأنجحوا وإن المنافق عبد هواه وعبد بطنه وعبد فرجه وعبد جلده عبد الدنيا وعبد أهل الدنيا
وكان يقول الناس رجلان فمتزود من الدنيا ومتنعم فيها فانظر أي الرجلين أنت إنى أراك تحب طول البقاء فى الدنيا فلأيشىء تحبه أن تطيع الله عز و جل وتحسن عبادته وتتقرب إليه بالآعمال الصالحة فطوبى لك أم لتأكل وتشرب وتلهو وتلعب (3/343)
وتجمع الدنيا وتثمرها وتنعم زوجتك وولدك فلبئس ما أردت له البقاء
وكان يقول إذا وصف المؤمنين أتاهم عن الله تبارك وتعالى أمر وقذهم عن الباطل فأسهروا الأعين وأجاعوا البطون وأظماوا الأكباد وأنفقوا الأموال واهتضموا التالد والطارف فى طلب ما يقربهمإلى الله عز و جل وفى طلب النجاة مما خوفهم به
وكان يقول إن المؤمن اتخذ كتاب الله عز و جل مرآة فمرة ينظر إلى ما نعت الله عز و جل به المؤمنين ومرة ينظر إلى ما نعتالله عزوجل به المغترين ومرة ينظر إلى الجنه وما وعد الله عز و جل فيها ومرة ينظر إلى النار وما أعد الله عز و جل فيها تلقاه حزينا كالسهم المرمى به شوقا إلى ما شوقه الله عز و جل إليه وهربا مما خوفه الله عز و جل منه
وكان يقول بلغنا أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود ألاترى إلى المنافق كيف يخدعنى وأنا أخدعه يسبحنى ويوقر بلسانه وقلبة مني بعيد يا داود قل للملأ من بنى إسرائيل لا يدعونى والخطايا في أضبانهم ليضعوها ثم ليدعونى أستجب لهم (3/344)
وكان يقول اللهم اجعل القليل من الدنيا يكفينا كما يكفى الكثير أهله اللهم ارفع رغبتنا إليك واقطع رجاءنا ممن سواك اللهم اجعل طاعتك ألذ عندنا من الطعام عند الجوع ومن الشراب عند الظمأ اللهم اجعل غفله الناس لنا ذكرا ومرح الناس لنا شكرا اللهم إذا تنعم المتنعمون بالدنيا فاجعلنا نتنعم بذكرك
وكان يقول بالدراهم والدنانير أزمة المنافقين تقودهم إلى السوءات
وكان يقول تلقى أحدهم عنده فضول يفلق بابه دون جاره وذوى رحمه ثم يخرج على القوم يحدثهم بما أكل وشرب ولعل جارهالفقير وذا رحمه المحتاج يكون فى القوم يسمع ما يقول ويحك ما كفاك أن أغلقت بابك دونه فلم تواسه ولم تذكره حتى قعدت فأخبرته بما أكلت وشربت فإذا أنت قد جمعت إساءة بعد إساءة
وكان يقول إن المؤمن أبصر الدنيا فأنزلها منزلتها فإن هى أقبلت عليه قال لامرحبا ولا أهلا والله ما أراك جئت بخير وما فيك من خير إلا أن تطلب بك الجنه ويفتدى بك من النار فإن هى أدبرت عنه قال عليك العفاء وعلى من يتبعك الحمد لله الذى خار لى وصرف عنى فتنتك وشغلك (3/345)
كان يقول إذا وصف أهل الدنيا حيارى سكارى فارسهم يركض ركضا وراجلهم يسعى سعيا لا غنيهم يشبع ولا فقيرهم يقنع
وكان يقول إذا وصف المقبل على الدنيا دائب البطنةقليل الفطنه إنما همه بطنه وفرجه وجلده متى أصبح فأكل وأشرب وألهو وألعب متى أمسى فأنام جيفه بالليل بطال بالنهار ويحك ألهذا خلقت أم بهذا أمرت أم بهذا تطلب الجنه وتهرب من النار
وكان يقول إن العافيه سترت البر والفاجر فإذا جاءت البلايا استبان عندها الرجلان فجاءت البلايا إلى المؤمن فأذهبت ماله وخادمه ودابته حتى جاع بعد الشبع ومشى بعد الركوب وخدم نفسه بعد أن كان مخدوما فصبر ورضى بقضاء الله عز و جل وقال هذا نظر من الله عز و جل لى هذا أهون لحسابى غدا وجاءت البلايا إليالفاجر فأذهبت ماله وخادمه ودابته فجزع وهلع وقال والله مالى بهذا طاقه والله لقد عودت نفسى عادة مالى عنها صبر من الحلو والحامض والحار والبارد ولين العيش فإن هو أصابه من الحلال وإلا طلبه من الحرام والظلم ليعود إليه ذلك العيش (3/346)
وكان يقول إنسانان معذبان فى الدنيا غني أعطى دنيا فهو بها مشغول وفقير زويت عنه فهو يتبعها نفسه فنفسه تقطع عليها حسرات
وكان يقول الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير فى حداثه سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا المقرب ورجل ابتكر عمره بالذنوب وطول الغفله ثم راجع توبة فهذا صاحب يمين ورجل ابتكر الشر فى حداثه سنه ثم لم يزل فيه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب شمال
أبو عمر الضرير قال أنبأنا عبيد الله بن شميط قال سمعت أبي يقول أيها المغتر بطول صحته أما رأيت ميتا قط من غير سقم أيها المغتر بطول المهلة أما رأيت مأخوذا قط من غير عدة أبالصحة تغترون أم بطول العافيه تمرحون أم بالموت تأمنون أم على ملك تجترئون إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك ثروة مالك ولا كثرة احتشادك أما علمت أن ساعة الموت ذات كرب شديد وغصص وندامة على التفريط ثم يقول رحم الله عبدا عمل لساعة الموت رحم الله عبدا عمل لما بعد الموت رحم الله عبدا نظر لنفسه قبل نزول الموت
أسند شميط عن جماعة من التابعين (3/347)
545 - خويل بن محمد الأزدي
عن الهيثم بن عدى قال سمعت خويل بن محمد وكان عابدا يقول كأن خويلا قد وقف للحساب فقيل له يا خويل قد عمرناك ستين سنه فما صنعت فيها فجمع نوم سنة مع قائلة النهار فإذا قطعه من عمري نوم وجمعت ساعات أكلى فإذا قطعة من عمري قد ذهبت فى الأكل جمعت ساعات وضوئى فإذا قطعة من عمري ذهبت فيه ثم نظر فى صلاتى فإذا صلاة منقوصة وصوم مخرق فما هو إلا عفو الله أو الهلكة ومن الطبقه الخامسة من أهل البصرة
546 - هشام بن أبي عبد الله وإسمه سنبر الدستوائى مولى لبنى سدوس
سعيد بن عامر قال كان هشام بن أبى عبد الله قد أظلم بصره من طول البكاء وكنت تراه ينظر إليك فلا يعرفك إلا أن تكلمه
شاذ بن فياض قال بكى هشام الدستوائى حتى فسدت عينه فكانت مفتوحه وهو لا يكاد يبصر بها
محمد بن حفص التيمى قال كان هشام إذا فقد السراج من بيته (3/348)
تململ على فراشه وكانت امرأته تأتيه بالسراج فقالت له فى ذلك فقال إذا فقدت السراج ذكرت ظلمه القبر
عبد الصمد قال مات هشام بن عبد الله سنه ثنتين وخمسين
زيد بن الحباب قال دخلت على هشام الدستوائى سنة ثلاث وخمسين يعنى ومائه ومات بعد ذلك بأيام
547 - شعبه بن الحجاج بن ورد
من الازد مولى للاشاقر عتاقة يكنى أبا بسطام وهو أكبر من الثوري بعشر سنين
عمرو بن علي الفلاس قال سمعت أبا بحر البكراوى يقول ما رأيت أعبد من شعبة لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم
قال عمرو بن هارون كان شعبة يصوم الدهر كله لا يرى عليه وكان سفيان الثوري يصوم ثلاثة من الشهر ترى عليه
أبو قطن قال ما رأيت شعبة ركع قط إلا ظننت أنه قد نسى ولا قعد بين السجدتين إلا ظننت أنه قد نسى (3/349)
مسلم بن إبراهيم قال ما دخلت على شعبه فى وقت صلاة قط إلا رأيته يصلى
سليمان بن حرب قال لو نظرت إلى ثياب شعبه لم تكن تساوى عشرة دراهم إزاره وقميصه ورداءه وكان كثير الصدقة
أبو قطن قال كانت ثياب شعبة لونها لون التراب وكان كثير الصلاة كثير الصيام سخي النفس
أبو حميد عبد الله بن محمد المصيصى قال سمعت حجاجا يقول ركب شعبة حمارا له فلقيه سليمان بن المغيرة فشكا إليه شعبه والله ما أملك إلا هذا الحمار ثم نزل عنه ودفعه إليه
قراد أبو نوح قال رأى شعبه على قميصا فقال بكم أخذت هذا قلت بثمانية دراهم قال لى ألااشتريت قميصا بأربعه دراهم وتصدقت بأربعة
رأى شعبة الحسن وابن سيرين وسمع من قتادة ويونس بن عبيد وأيوب وخالد الحذاء وخلق كثير من التابعين وتوفى بالبصرة فى أول سنه ستين ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة
548 - صالح بن بشير أبو بثر الموئي
كان مملوكا لامرأة من بنى مرة بن الحارث من بنى عبد القيس فأعتقته (3/350)
قال عبد الرحمن بن مهدي كنت أذكر صالحا المرى لسفيان فيقول القصص القصص كأنه يكرهه فكان إذا كانت له حاجة بكر فيها فبكر يوما وبكرت معه فجعلت طريقنا على مسجد صالح المرى فقلت يا أبا عبد الله ندخل فنصلى فى هذا المسجد فدخل فصلينا وكان يوم مجلس صالح فلما صلوا ازدحم الناس فبقينا لا نقدر أن نقوم وتكلم صالح فرأيت سفيان يبكى بكاء شديدا فلما فرغ وقام قلت له يا أبا عبد الله كيف رأيت هذا الرجل فقال ليس هذا بقاص هذا نذير قوم
عفان بن مسلم قال كنا نأتى مجلس صالح المرى نحضره وهو يقص وكان إذا أخذ فى قصصه كأنه رجل مذعور يفزعك أمره من حزنه وكثرة بكائه كأنه ثكلى وكان شديد الخوف من الله كثير البكاء
أحمد بن إسحاق الحضرمى قال سمعت صالحا المرى يقول للبكاء دواع الفكرة فى الذنوب فإن أجابت على تلك القلوب وإلانقلتها إلى الموقف وتلك الشدائد والأهوال فإن أجابت على ذلك وإلا فاعرض عليها التقلب فى أطباق النيران قال ثم صاح وغشى عليه وتصايح الناس من نوحى المسجد
الأصمعى قال شهدت صالحا المرى عزى رجلا على ابنه فقال لئن كانت مصيبتك لم تحدث لك موعظه فى نفسك فمصيبتك (3/351)
بابنك جلل فى مصيبتك فى نفسك فإياها فابك
اسند صالح عن الحسن وابن سيرين وثابت وقتادة وبكر بن عبد الله فى خلق كثير من التابعين وتوفي سنة ست وسبعين ومائة
459 - الربيع بن عبد الرحمن
ويعرف بالربيع بن برة
محمد بن سنان قال سمعت الربيع بن برة يقول ابن آدم إنما أنت جثة منتنة طيب نسيمك ماركب فيك من روح الحياة فلو قد نزع منك روحك ألقيت جثة ملقاة وجيفه منتنة وجسدا خاويا قد جيفبعد طيب رائحة واستوحش منه بعد الأنس بقربه أى الصليقة منك أعجب اذ كنت تعلم أن هذا مصيرك وأن التراب مقيلك ثم أنت بعد هذا الطول جهلك تقر بالدنيا عينا أسمعته يقول فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن فى ذلك لآيات لكل صبار شكور أما والله ماحداك على الصبر والشكر إلالعظم ثوابهما عنده لأوليائه فمن أعظم منك غفلة أو من أطول فى القيامة منك حسرة إذ كنت ترغب عما رغب لك فيه مولاك وأنت تقرأ فى الليل والنهار نعم المولى ونعم النصير (3/352)
عباد بن الوليد القرشى قال قال الربيع بن بزة عجبت للخلائق كيف ذهلوا عن أمر حق تراه عيونهم تشهد عليه معاقد قلوبهم إيمانا وتصديقا بما جاء به المرسلون ثم هاهم فى غفلة عنه سكارى يلعبون ثم يقول وأيم الله ما تلك الغفلة إلارحمة من الله لهم ونعمه من الله عليهم ولولا ذلك لألفى المؤمنون طائشة عقولهم طائرة أفئدتهم منخلعة قلوبهم لا ينتفعون مع ذكر الموت بعيش أبدا
داود بن المحبر عن أبيه قال مر بنا الربيع بن برة ونحن نسوى نعشا لميت فقال من هذا الغريب الذى بين أظهركم قلنا ليس بغريب بل هو قريب حبيب قال فبكى وقال من أغرب من الميت بين الأحياء قال فبكى القوم جميعا
عن محمد بن سلام قال سمعت الربيع بن عبد الرحمن يقول رضيت لنفسك وأنت الحول القلب أن تعيش عيش البهائم نهارك هائم وليلك نائم والأمر أمامك جد
محمد بن سلام الجمحى قال كان الربيع بن برة يقول نصب المتقون الوعيد من الله أمامهم فنظرت إليه قلوبهم بتصديق وتحقيق فهم والله فى الدنيا منغصون ووقفوا ثواب الأعمال الصالحه خلف ذلك فمتى سمت أبصار القلوب إلى ثواب الأعمال تشوقت القلوب وارتاحت إلى حلول ذلك فهم والله إلى الأخرة متطلعون بين وعيد (3/353)
هائل ووعد حق صادق لا ينفكون من خوف وعيد إلا رجعوا إلى شوق موعود فهم كذلك وعلى ذلك فى الموت جعلت لهم الراحه ثم يبكى
عاصم الخلقانى قال قال الربيع بن عبد الرحمن إن لله عبادا أخمصوا له البطون عن مطاعم الحرام وغضوا له الجفون عن مناظر الآثام وأهملوا له العيون لما اختلط عليهم الظلام رجاء أن ينير لهم قلوبهم إذا تضمنهم الارض بين أطباقها فهم الدنيا مكتئبون وإلى الآخرة متطلعون نفذت أبصار قلوبهم بالغيب إلى الملكوت فرأت فيه مارجت من عظيم ثواب الله فازدادوا لله بذلك جدا واجتهادا عند معاينه إبصار قلوبهم ما انطوت عليه آمالهم فهم الذين لاراحة لهم فى الدنيا وهم الذين تقر أعينهم غدا بطلعة ملك الموت عليهم قال ثم يبكى حتى يبل لحيته بالدموع
محمد بن سلام الجمحى قال سمعت الربيع بن عبد الرحمن يقول فى كلامه قطعتنا غفلة الآمال عن مبادرة الآجال فنحن في الدنيا حيارى لاننتبه من رقدة إلا أعقبتنا في أثرها غفلة فيا إخوتاه نشدتكم بالله هل تعلمون مؤمنا بالله أغر ولنقمته أقل حذرا من قوم هجمت بهم العبر على مصارع النادمين فطاشت عقولهم وضلت حلومهم مما رأوا العبر والأمثال ثم رجعوا عن ذلك إلى غير قلعة ولا نقلة فبالله (3/354)
يا إخوتاة هل رأيتم عاقلا رضى من حاله لنفسه بمثل هذه حالا والله يا عباد الله لتبلغن من طاعه الله ورضاه أو لتنكرن به ما تعرفون من حسن بلائه وتواتر نعمائه إن نحسن أيها المرء يحسن إليك وإنتسىء فعلى نفسك بالعتب فارجع فقد بين وحذر وأعذر فما للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما
زعم بعض نقلة الحديث أن الربيع بن برة أسند عن الحسن وذكر له حديثا وإنما الربيع المذكور فى ذلك الحديث هو الربيع بن صبيح وأما ابن برة فلا نعلم له مسندا
550 - الحجاج العابد
محمد بن صالح التميمي قال قال أبو عبد الله مؤذن مسجد بنى جدار جاورنى شاب فكنت إذا أذنت للصلاة وأقمت كأنه فى نقرةقفاي فإذا صليت صلى ثم لبس نعليه فدخل منزله فكنت أتمنى أن يكلمنى أو يسألنى حاجة فقال لى ذات يوم يا أبا عبد الله عندك مصحف تعيرنى أقرأ فيه فأخرجت إليه مصحفا فدفعته إليه فضمه إلى صدره ثم قال ليكونن اليوم لى ولك شأن
ففقدته ذلك اليوم فلم أره يخرج فأقمت المغرب فلم يخرج وأقمت العشاء الآخرة فلم يخرج فساء ظنى فلما صليت العشاء الآخرة (3/355)
جئت إلى الدار التى هو فيها فاذا فيها دلو ومطهرة وإذا على بابه ستر فدفعت الباب فإذا به ميت والمصحف فى حجره فأخذت المصحف من حجره واستعنت بقوم على حمله حتى وضعناه على سريره
وبقيت ليلتى أفكر من أكلم حتى يكفنه فأذنت الفجر بوقت ودخلت المسجد لأركع فإذا بضوء فى القبله فدنوت منه فإذا كفن ملفوف فى القبلة فأخذته وحمدت الله عز و جل وأدخلته البيت وخرجت فأقمت الصلاة فلما سلمت إذا عن يمينى ثابت البنانى ومالك بن دينار وحبيب الفارسى وصالح المرى فقلت لهم يا أخوانى ما غدا بكم قالوا لى مات فى جوارك الليله أحد قلت مات شاب كان يصلى معى الصلوات فقالوا لى أرناه فلما دخلوا عليه كشف مالك بن دينار الثوب عن وجهه ثم قبل موضعسجوده ثم قال بأبي أنت ياحجاج إذا عرفت فى موضع تحولت منه إلى موضع غيره حتى لاتعرف خذوا فى غسله وإذا مع كل واحد منهم كفن فقال كل واحد منهم أنا أكفنه فلما طال ذلك منهم قلت لهم إنى أفكرت فى أمره هذه الليله فقلت من أكلم (3/356)
حتى يكفنه فأتيت المسجد فأذنت ثم دخلت لأركع فإذا كفن ملفوف لاأدرى من وضعه فقالوا يكفن فى ذلك الكفن فكفناه وأخرجناه فما كدنا نرفع جنازته من كثرة من حضره من الجمع
551 - ضيغم بن مالك
أبو مالك العابد أبو أيوب مولى ضيغم بن مالك قال قال لى ضيغم ليله لو أعلم أن رضاه أن أقرض لحمى لدعوت بالمقراض فقرضتة
قال قال سيار رأيت ضيغما صلى نهاره أجمع وليله حتى بقى راكعا لايقدر أن يسجد فرأيته رفع رأسه إلى السماء ثم قال قرة عينى ثم خر ساجدا فسمعته يقول وهو ساجد إلهى كيف عزفت قلوب الخليقة عنك قال وربما أصابته الفترة فإذا وجد ذلك اغتسل ثم دخل بيتا فأغلق بابه وقال إلهى إليك جئت قال فيعود إلى ما كان من الركوع والسجود
قال وسمعت سيار بن حاتم يقول كان ورد ضيغم كل يوم أربعمائة ركعة
عبيد الله بن عمر قال أتيت صاحبا لى يقال له عمران بن مسلم فأرانى موضعين مبتلين فى مسجده أحدهما بحذاء الآخر فقلت (3/357)
مم هذا قال هذا والله من دموع ضيغم البارحة بين المغرب والعشاء وهو راكع
أزهر بن مروان الرقاشي قال رأيت ضيغما العابد وكنت إذا رأيته رأيت رجلا لايشبه الناس من الخشوع والضر وطول الحزن
قال القرشى وحدثنى شيخ يكنى بأبي يعقوب عن سعيد البكاء قال قال رجل لأم ضيغم ما أطول حزن ضيغم فبكت وقالت لمثل ما ندب إليه فليحزن ذهب الحسن وأصحابه بالحزن وهل رأيت يا بني محزونا
محمد بن الحسين قال حدثنى مالك بن ضيغم قال قالت أمه يعنى ضيغما ذات يوم ضيغم قال لبيك ياأماه قالت كيف فرحك بالقدوم على الله قال فحدثنى غير واحد من أهله أنه صاح صيحه صيحة لم يسمعوه صاح مثلها وسقط مغشيا عليه فجلست العجوز تبكى عند رأسه وتقول بأبى أنت مانستطيع أن نذكر بين يديك شيئا من أمر ربك
قال وقالت له يوما ضيغم قال لبيك يا أماه قالت تحب الموت قال نعم يا أماه قالت ولم يابنى قال رجاء خير ما عند الله قال فبكت العجوز وبكى فتسامع أهل الدار فجلسوا يبكون لبكائهم
قال وقالت له يوما آخر ضيغم قال لبيك ياأماه قالت تحب (3/358)
الموت قال لاأماه قالت لم يا بنى قال لكثرة تفريطى وغفلتى عن نفسى قال فبكت العجوز وبكى ضيغم واجتمع أهل الدار وجعلوا يبكون وكانت أمه عربية كأنها من أهل البادية
مالك بن ضيغم قال حدثنى الحكم بن نوح قال بكى أبوك ليلةمن أول الليل إلى آخره لم يسجد فيها سجدة ولم يركع فيها ركعة ونحن معه فى البحر فلما أصبحنا قلنا يامالك لقد طالت ليلتك لا مصليا ولا داعيا قال فبكى ثم قال لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غدا مالذوا بعيش أبدا والله إنى لما رأيت الليل وهوله وشدة سوادهذكرت به الموقف وشدة الأمر هناك وكل امرىء يومئذ تهمه نفسه و لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا قال ثم شهق ولم يزل يضطرب ما شاء الله
مالك بن ضيغم قال حدثني خالتى حبابة بنت ميمون العتكية قالت رأيت أباك ضيغما نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز وقد برد له حتى صبه ثم اكتاز من الحب ماء حارا فشرب فقلت له بعد ذلك بأبى أنت قد رأيت الذى صنعت فمم ذاك قال حانتمنى مرة نظرة إلى امرأة فجعلت على نفسي أن لا تذوق الماء البارد (3/359)
360 - أيام الدنيا فقلت أنغص عليها الحياه
محمد بن مالك بن ضيغم قال حدثنى مولانا أبو أيوب قال قال لى أبو مالك يوما يا أبا أيوب احذر نفسك على نفسك فإنى رأيت هموم المؤمنين فى الدنيا لاتنقضى وأيم الله لئن لم تأت الآخرة المؤمن بالسرور لقد اجتمع عليه الأمران هم الدنيا وشقاء الآخرة قال قلت بأبى أنت وكيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وهو ينصب لله فى دار الدنيا ويدأب قال يا أبا أيوب فكيف بالقبول وكيف بالسلامة ثم قال كم من رجل يرى أنه قد أصلح شأنه قد أصلح قربانه قد أصلح همته قد أصلح عمله يجمع ذلك يوم القيامه ثم يضرب به وجهه
يحيى بن بسطام قال قلت لجار ضيغم هل سمعت أبا مالك يذكر من الشعر شيئا قال ما سمعته يذكر إلا بيتا واحدا قلت ماهو قال
قد يخزن الورع التقى لسانه ... حذر الكلام وأنه لمفوه
سعيد الوراق قال حدثنى ابن ثعلبة وكان من العابدين قال رأيت ضيغما فى منامى بعد موته فقال لى يا ابن ثعلبه أما صليت على قال فذكرت علة كانت فقال أما لو كنت صليت على لقد كنت ربحت رأسك (3/360)
552 - حماد بن سلمة
يكنى أبا سلمة مولى لبنى تميم وهو ابن أخت حميد الطويل
عبد الرحمن بن مهدى قال لو قيل لحماد بن سلمه إنك تموت غدا ما قدر أن يزيد فى العمل شيئا
مقاتل بن صالح الخراساني قال دخلت على حماد بن سلمة فإذا ليس فى البيت إلا حصير وهو جالس عليه ومصحف يقرأ فيه وجراب فيه علمه ومطهرة يتوضأ منها فبينما أنا عنده جالس إذا دق داق الباب فقال ياصبية اخرجي فانظرى من هذا فقالت رسول محمد بن سليمان قال قولى له يدخل وحده فدخل فناوله كتابا فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن سليمان إلى حماد ابن سلمة أما بعد فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته وقعت مسأله فأتنا نسألك عنها والسلام
قال يا صبية هلمي الدواة ثم قال لى اقلب الكتاب واكتب أما بعد وأنت فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحدا فإن كانت وقعت مسألة فأتنا واسألنا عما بدا لك وإن أتيتنى فلا تأتنى إلا وحدك ولا تأتنى بخيلك ورجلك فلا أنصحك ولا أنصح نفسى والسلام
فبينا أنا عنده دق داق الباب فقال ياصبية اخرجى فانظرى من هذا فقالت محمد بن سليمان قال قولى له ليدخل وحده فدخل (3/361)
فسلم ثم جلس بين يديه فقال مالى إذا نظرت إليك امتلأت رعبا فقال حماد سمعت ثابتا البنانى يقول سمعت أنس بن مالك يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله عز و جل هابه كل شىء وإذا أراد أن يكتنز به الكنوز هاب من كل شىء فقال أربعون ألف درهم تأخذها تستعين بها على ماأنت عليه قال قال ارددها على من ظلمته بها قال والله ما أعطيتك إلا ماورثته قال لاحاجه لى فيها ازوها عنى زوى الله عنك أوزارك قال فتقسمها قال فلعلى إن عدلت فى قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق منها لم يعدل ازوها عنى زوىالله عنك أوزارك
موسى بن إسماعيل قال لو قلت لكم إنى ما رأيت حماد بن سلمه ضاحكا قط صدقتكم كان مشغولا بنفسه إما أن يحدث وإما أن يقرأ وإما أن يسبح وإما أن يصلى كان قد قسم النهار على هذه الأعمال
سوار بن عبد الله قال حدثنا أبى قال كنت آتى حماد بن سلمة فى سوقه فإذا ربح فى ثوب حبة أو حبتين شد جونته فلم يبع شيئا فكنت أظن أن ذلك يقوته فإذا وجد قوته لم يزد عليه شيئا (3/362)
يونس بن محمد قال مات حماد بن سلمة فى المسجد وهو يصلى
أسند حماد بن سلمه عن خلق لا يحصون من التابعين وتوفى فى سنة ثمان وستين ومائه
أبو عبد الله التميمي عن أبيه قال رأيت حماد بن سلمة فى النوم فقلت ما فعل بك ربك قال خيرا قلت وماذا قال قيل لى طال ما كددت نفسك فاليوم أطيل راحتك وراحه المتعوبين فى الدنيا بخ بخ ماذا أعددت لهم
553 - الحسن بن أبى جعفر
أبو سعيد الجفري واسم أبى جعفر عجلان
أبو عمران التمار قال غدوت يوما قبل الفجر إلى مسجد الجفرى فإذا باب المسجد مغلق وإذا حسن جالس يدعو وإذا ضجة فى المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه وحسن يدعو قال فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه فقام فإذن وفتح باب المسجد فلم أر فى المسجد أجدا فلما أصبح وتفرق عنه الناس قلت له يا أبا سعيد إنى والله رأيت عجبا قال ما رأيت فأخبرته بالذى رأيت وسمعت فقال أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون فيشهدون معى ختم القرآن كل ليله جمعة ثم ينصرفون
أسند الجفرى عن أبى الزبير وثابت البنانى وغيرهما وتوفى سنة ستين وقيل سنة سبع وستين ومائه (3/363)
554 - شداد المجذوم
عن مخلد بن الحسين قال كان بالبصرة رجل يقال له شداد أصابه الجذام فتقطع فدخل عليه عواده من أصحاب الحسن فقال كيف تجدك قال بخير أما إنه مافاتنى جزئى بالليل وقد سقطت وما بى إلا أنى لا أقدر أن أحضر صلاة الجماعة ومن الطبقة السادسة من أهل البصرة
555 - حماد بن زيد بن درهم
يكنى أبا إسماعيل
عبد الرحمن بن مهدى قال ما رأيت أحدا أعرف بالسنه من حماد ابن زيد
أمية بن بسطام قال سمعت يزيد بن زريع يقول يوم مات حماد ابن زيد مات اليوم سيد المسلمين
أسند حماد بن زيد عن خلق كثير من التابعين وتوفى لعشر ليال خلون من رمضان سنة تسع وسبعين ومائة وهو ابن إحدى وثمانين سنة
556 - يزيد بن زريع
أبو معاوية العيشى من بنى عائش وهم من ولد بكر بن وائل (3/364)
أبو بكر المروزى قال سمعت عبد الوهاب يقول سمعت أبا سليمان الأشقر وكفاك بأبى سليمان يقول تنزه يزيد بن زريع عن خمس مائة ألف من ميراث أبيه فلم يأخذه
وقال المروزى وسمعت أمية بن بسطام إبن عم يزيد بن زريع يقول كان يزيد يعمل الخوص وكان يكون فى هذا البيت وأشار إلى بيت لطيف فى المسجد وسمعت أبا الخطاب يذكر أن زريعا كان واليا
قال أحمد بن حنبل يزيد بن زريع كان يعمل الخوص وكان أبوهزريع والى البصرة ولم يكن يأكل منى ماله شيئا وما أتقنه وما أحفظه صدوق متقن
سمع يزيد من أيوب ومن ابن أبى عروبة وغيرهما وتوفى بالبصرة سنة اثنتين وثمانين وقيل سنة سبع وسبعين ومائة
557 - يحيى بن سعيد القطان
يكنى أبا سعيد
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول حدثنى يحيى القطان وما رأت عيناى مثله (3/365)
سفيان قال قال على كان يحيى يختم القرآن فى يوم وليله ما بين المغرب والعشاء
يحيى بن معين قال أقام يحيى بن سعيد عشرين سنة يختم القرآن فى كل ليله ولم يفته الزوال فى المسجد أربعين سنة وما رئى يطلب جماعة قط
عمرو بن على قال قلت ليحيى فى مرضه الذى مات فيه يعاقبك الله فقال أحبه إلى أحبه إلى الله عز و جل
على بن عبد الله قال كنا عند يحيى بن سعيد فقال لرجل اقرأ فقرأ حم الدخان فلما أخذ فى القراءه نظرت إلى يحيى بن سعيد يتغير فلما بلغ إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين صعق يحيى وغشى عليه وارتفع صدره من الارض وتقوص وانقلب فأصاب الباب فقار ظهره وسال الدم وصرخ النساء فخرجنا فوقفنا بالباب حتى أفاق بعد كذا وكذا ثم دخلنا عليه فإذا هو نائم على فراشه وهو يقول إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين قال على فما زالت به تلك القرحة حتى مات رحمه الله
أسند يحيى بن سعيد عن كبار الأئمة كالأعمش وابن جريج والثورى (3/366)
ومالك وغيرهم وتوفى بالبصرة سنة ثمان وتسعين ومائه
علي بن المدينى قال سنح لى ليلة خالد بن الحارث فقلت له مافعل بك ربك قال غفرلى إن الأمر شديد قلت فما فعل يحيى بن سعيد القطان قال نراه كما ترون الكوكب الدرى فى أفق السماء
558 - رياح بن عمرو القيسى
يكنى أبا المعاصر
يحيى بن راشد قال حدثنى محمد بن الحر بن عبد ربه القيسى وكان ذا قرابة لرياح قال كنت أدخل عليه المسجد وهو يبكى وأدخل عليه البيت وهو يبكى وآتية فى الجبان وهو يبكى فقلت له يوما أنت دهرك في مأتم فبكى ثم قال يحق لأهل المصائب والذنوب أن يكونوا هكذا
معاذ بن عون الضرير قال كنت أكون قريبا من الجبان فكان يمر بى رياح القيسى بعد المغرب إذا خلت الطريق فكنت أسمعه وهو يتشنج بالبكاء وهو ويقول إلى كم ياليل يانهار تحطان من أجلى وأنا غافل عما يراد بى إنا لله إنا لله فهو كذلك حتى يغيب عنى وجهه (3/367)
علي بن الحسين بن أبى مريم قال قال رياح القيسى لى نيف وأربعون ذنبا قد استغفرت لكل ذنب مائه ألف مرة
عن محمد بن يحيى قال قال رياح القيسى كما لاتنظر الأبصار إلى شعاع الشمس كذلك لاتنظر قلوب محبى الدنيا إلى نور الحكمة أبدا
مالك بن ضيغم قال جاء رياح القيسى يسأل عن أبى بعد العصر فقلنا هو نائم فقال أنوم فى هذه الساعة أهذا وقت نوم ثم ولى منصرفا فأتبعناه رسولا فقلنا قل له ألا نوقظه لك قال فأبطأ علينا الرسول ثم جاء وقد غربت الشمس فقلنا أبطأت جدا فهل قلت له قال هو كان أشغل من أن يفهم عنى شيئا أدركته وهو يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول قلت نوم هذه الساعه أفكان هذا عليك ينام الرجل متى شاء وقلت هذا وقت نوم وما يدريك أن هذا ليس بوقت نوم تسألين عما لا يعنيك وتتكلمين بما لا يعنيك أما إن لله على عهدا لاأنقضه أبدا ألا أوسدك الأرض لنوم حولا إلاالمرض حائل أو لذهاب عقل زائل سوءة لك سوءة لك أما تستحيين كم توبخين وعن غيك لا تنهين
قال وجعل يبكى وهو لا يشعر بمكاني فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته
محمد بن عبد الله قال صليت مع رياح القيسى الظهر فصليت (3/368)
إلى جانبه فجعلت دموعه تقع على البوارى مثل الوكف طق طق قال وكان رياح ربما أخذ حفنة من تراب ثم يضعها على البوريويسجد عليها وربما وجد رياح فى بعض السكك وقد غشى عليه فيحمل إلى أهله مغشيا عليه
محمد بن مسعر قال كان لرياح القيسى غل من حديد قد اتخذه وكان إذا جنه الليل وضعه فى عنقه وجعل يتضرع ويبكى حتى يصيح
عثمان قال أخبرتنى مخة وكانت إحدى العوابد قالت رأيت رياح بن عمرو القيسى ليله خلف المقام فذهبت فقمت خلفه حتى أزحفت ثم اضطجعت وهو قائم وأنا أنظر إليه فقلت بصوت حزين سبقنى العابدون وبقيت وحدى والهف نفساه فإذا رياح قد شهق وانكب على وجهه مغشيا عليه فامتلأ فمه رملا فما زال كذلك حتى أصبحنا ثم أفاق
الحارث بن سعيد قال أخذ بيدى رياح فقال هلم يا أبا محمد حتى نبكى على مر الساعات ونحن على هذه الحال قال وخرجت (3/369)
معه إلى المقابر فلما نظر إلى القبور صرخ ثم خر مغشيا عليه قال فجلست والله عند رأسه أبكى فأفاق فقال مايبكيك قلت لما أرى بك قال لنفسك فأبك ثم قال وانفساه وانفساه ثم غشى عليه
قال فرحمته والله مما نزل به فلم أزل عند رأسه حتى أفاق فوثب وهو يقول تلك إذا كرة خاسرة تلك إذا كرة خاسرة ومضى على وجهه وأنا أتبعه لا يكلمنى حتى انتهى إلى منزله فدخل وأصفق بابه ورجعت إلى أهلى ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى مات
أسند رياح عن حسان بن أبى سنان وغيره
559 - عتبة الغلام وهو عتبة بن أبان بن صمعة
وإنما سمى بالغلام لجده واجتهاده لالصغر سنة وكان يفتل الشريط
سوار أبو عبيده قال بكى عتبه الغلام فى مجلس عبد الواحد بن زيد تسع سنين لا يفتر بكاء من حين يبتدىء عبد الواحد فى الموعظه إلى أن يقوم لايكاد يسكت عتبة فقيل لعبد الواحد إنا لا نفهم كلامك (3/370)
371 - من بكاء عتبه قال فأصنع ماذا يبكى عتبه على نفسه وأنهاه أنا لبئس واعظ قوم أنا
سليم الحنيف قال رمقت عتبه ذات ليله بساحل البحر فما زاد ليلة تلك حتى أصبح على هذه الكلمات وهو قائم يقول إن تعذبنى فإنى لك محب وإن ترحمنى فإنى لك محب فلم يزل يرددها ويبكى حتى طلع الفجر
أبو توبة قال كان عتبه الغلام يأكل خبزا وملحا ويقول العرس فى الدار الأخرى
عبد الله بن الفرج العابد قال كان عتبه يعجن دقيقه ويجففه فى الشمس ثم يأكله ويقول كسرة وملح حتى نهنأ فى الدار الأخرى الشواء والطعام الطيب
سلمة الفراء قال كان عتبه الغلام من نساك أهل البصرة وكان من أصحاب الفلق وكان قد قوت لنفسه ستين فلقة يتعشى كل ليله بفلقة ويتسحر بأخرى وكان يصوم الدهر ويأتى السواحل والجبابين
عن مخلد بن الحسين قال كان عتبه يجالسنا فقال لنا يوما إنه (3/371)
لا يعجبنى رجل لا يكون فى يده حرفه فقلنا ما نراك تحترف فقال بلى رأس مالى طسوج أشترى به خوصا أعمله وأبيعه بثلاثة طساسيج فطسوج رأس مالى وقيراط خبزى
أبو عمر الضرير قال سمعت رياحا القيسى يقول قال لى عتبه يارياح إن كنت كلما دعتنى نفسى إلى الكلام تكلمت فبئس الناظر لها أنا يارياح إن لى موقفا تغتبط فيه بطول الصمت عن الفضول
مسلمه بن عرفجة العنبرى قال سمعت عنبة الخواص يقول كان عتبة الغلام يزورنى فربما بات عندى قال ذات ليله فبكى من السحر بكاءا شديدا فلما أصبح قلت له قد فزعت قلبى الليلة ببكائك فمم ذاك ياأخى قال يا عنبسة إنى والله ذكرت يوم العرض على الله ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عينيه تتقلبان قد اشتدت حمرتهما
قال ثم أزبد وجعل يخور فناديته عتبة عتبة فأجابنى بصوت خفى قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين
قال ثم جعل يحشرج بالبكاء ويردد حشرجة الموت ويقول تراك مولاى تعذب محبيك وأنت الحي الكريم قال فلم يزل يرددها حتى والله أبكانى
داود بن المحبر قال سمعت عبد الواحد بن زيد يقول ربما (3/372)
سهرت مفكرا فى طول حزن عتبه وقد كلمته ليرفق بنفسه فبكى وقال إنما أبكى على تقصيرى
الخليل بن عمرو البكرى قال سمعت مهدى بن ميمون يقول خرجت فى بعض الليالى إلى الجبان فإذا عتبة الغلام فقال لى جئت قد دعوت الله أن يجىء بك قلت أطعمنا رطبا قال فدعا فإذا دوخلة رطب بين أيدينا فأكلنا منه
زيدان قال قال عتبة الغلام كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة
عبدالله بن مبشر قال دعا عتبة الغلام ربه أن يهب له ثلاث خصال فى دار الدنيا دعا الله أن يمن عليه بصوت حزين ودمع غزير وغذاء من غير تكلف
قال فكان إذا قرأ بكى وأبكى وكانت دموعه جارية دهره وكان يأوى الى منزله فيصيب قوته لا يدرى من أين يأتيه
الحسن بن دعامة قال رأيت عتبة الغلام إذا استحسن الطير دعاه فيجىء حتى يسقط على فخذه فيمسه ثم يسيبه فيطير
عن عبد الواحد بن زيد قال انطلقت أنا عتبةالغلام فى حاجة (3/373)
حتى إذا كنا برحبة القصابين جعلت أنظر إلى عتبه يعرق عرقا شديدا حتى رشح وذلك فى يوم شات شديد البرد فقلت عتبه ترشح عرقا فى مثل هذا اليوم الشديد البرد فسكت ولم يخبرنى فقلت بالذى بينى وبينك ولم أزل به فقال ذكرت ذنبا أذنبته فى هذا الموضع
إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدى قال سألت يوسف بن عطية فقلت له ما كان لباس عتبة قال كان يلبس كساءين يأتزر بواحد ويرتدى بآخر إذا رأيته قلت بعض الأكرة
قال إبراهيم كان عتبة عربيا شريفا من عوذ
قال إبراهيم وحدثنى مضر قال قال رجل لعبد الواحد بن زيد تعلم أحدا يمشى فى الطريق مشتغلا بنفسه قال ما أعرف إلا رجلا واحدا الساعة يدخل عليكم فدخل عتبة قال وطريقه على السوق فقال له ياعتبة من تلقاك فى الطريق قال ما رأيت أحدا
قال عبد الواحد وكان عتبة يسجد السجده الطويلة على الحصا يوم الجمعة فما أراه يعقل بحره (3/374)
أحمد بن زهير المروزى قال ركب عتبة فى زورق مع قوم فأراد الملاح أن يعدل ببعضهم السفينة فلم يجد أحدا منهم أحقر فى عينيه من عتبه فضرب جنبه فقال استو فقال عتبه الحمد لله الذى لم ير فيهم أحقر فى عينه منى
أبو عبد الله الشحام قال كان عتبة يبيت عندى فقلت له ما كانت عبادته قال كان يستقبل القبلة فلا يزال فى فكر وبكاء حتى يصبح وربما جاءنى مساء فيقول أخرج إلى شربة من ماء وتمرات أفطر عليها فيكون لك مثل أجرى
عبد الخالق العبدى قال كان لعتبة بيت يتعبد فيه فلما خرج إلى الشام أقفله وقال لاتفتحوه إلى أن يبلغكم موتى فلما بلغهم قتله فتحوه فأصابوا فيه قبرا محفورا وإلا غلا حديدا
اشتغل عتبة بالعباده عن الرواية وقتل شهيدا فى بعض الغزوات
قدامه بن أيوب وكان من أصحاب عتبة قال رأيت عتبة الغلام فى المنام فقلت ماصنع الله بك قال ياقدامة دخلت الجنه بتلك الدعوات المكتوبة فى بيتك فلما أصحبت أتيت إلى بيتى فإذا خط عتبة فى الحائط مكتوب ياهادى المضلين وراحم المذنبين ومقيل عثرات العاثرين ارحم عبدك ذا الخطر العظيم والمسلمين كلهم أجمعين واجعلنا مع الأحياء المرزوقين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين آمين رب العالمين (3/375)
560 - بشر بن منصور السليمى
العباس بن الوليد قال أتينا بشر بن منصور بعد العصر فخرج إلينا وكأنه متغير فقلت له ياأبا محمد لعلنا شغلناك عن شىء فرد ردا ضعيفا ثم قال ما أكتمكم أو كلمة نحوها كنت أقرأ فى المصحف فشغلتمونى ثم قال ما أكاد ألقى أحدا فأربح عليه شيئا
غسان بن المفضل قال كان بشر بن منصور من الذين إذا رؤوا ذكر الله وإذا رأيت وجهه ذكرت الآخره رجل منبسط ليس بمتماوت ذكى فقيه وكان بشر رجلا من العرب وعلم بنيه عمل الخوص
أسيد بن جعفر ابن أخى بشر بن منصور قال مارأيت عمى بشر ابن منصور فاقته التكبيرة الأولى قط ولا رأيته قام فى مسجدنا سائل قط فلم يعط شيئا إلا أعطاه
زهير السجستانى قال سمعت بشر بن منصور يقول ما جلست إلى أحد ولا جلس إلى فقمت من عنده أو قام من عندىإلا علمت أنى لو لم أقعد إليه أو يقعد إلي كان خيرا لى
عبد الخالق أبو همام الزهرانى قال قال بشر بن منصور لرجل أقلل من معرفة الناس فإنك لا تدرى ما يكون فإن كان شىء يعنى فضيحة فى القيامة كان من يعرفك قليلا (3/376)
قال على بن المدينى بلغنى عن عبد الرحمن بن مهدي قال قال بشر ابن منصور إنى لأذكر الشىء من أمر الدنيا ألهى به نفسى عن ذكر الآخرة أخاف على عقلى
عن ابن عيينة قال قال رجل لبشر بن منصور عظنى قال عسكر الموتى ينتظرونك
عبيس بن مرحوم قال حدثنى عبدة بنت أبى شوال قالت رأيت رابعه فى المنام فقلت ما فعل ضيغم قالت يزور الله عز و جل متى شاء فقلت ما فعل بشر بن منصور قالت بخ بخ أعطى والله فوق ما كان يأمل
أسند بشر عن الثوري وغيره
561 - عبد العزيز بن سلمان
ويكنى أبا محمد أبو طارق التبان قال كان عبد العزيز بن سلمان إذا ذكر القيامة والموت صرخ كما تصرخ الثكلى ويصرخ الخائفون من جوانب المسجد قال وربما رفع الميت والميتان من جوانب مجلسه
مسمع بن عاصم قال بت أنا وعبد العزيز بن سلمان وكلاب ابن جرى وسلمان الأعرج على ساحل من بعض السواحل فبكى (3/377)
حتى خشيت أن يموت ثم بكى عبد العزيز لبكائه ثم بكى سلمان لبكائهما وبكيت والله لبكائهم لا أدرى ما أبكاهم
فلما كان بعد سألت عبد العزيز فقلت أبا محمد ما الذى أبكاك ليلتك قال إنى نظرت والله إلى أمواج البحر تموج فذكرت أطباق النيران وزفراتها فذاك الذى أبكانى ثم سألت كلابا وسلمان فقال لى نحوا من ذلك
قال مسمع ما كان فى القوم شر منى ما كان بكائى إلالبكائهم رحمة لما يصنعون بأنفسهم
عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال كان أبى إذا قام من الليل ليتهجد سمعت فى الدار جلبه شديدة واستسقاء للماء الكثير قال فنرى أن الجن كانوا يستيقظون للتهجد فيصلون معه محمد بن عبد العزيز سلمان العابد البصرى قال سمعت دهثما وكان من العابدين يقول اليوم الذى كنت لاآتى فيه عبد العزيز كنت مغبونا فأبطأت عليه ذات يوم ثم أتيته فقال ما الذى أبطأبك قلت خير قال على حال قلت شغلنا العيال كنت ألتمس لهم شيئا قال فوجدته لهم قلت لا قال هلم فلندع قال فدعا وأمنت ودعوت وأمن ثم نهضنا لنقوم فإذا (3/378)
والله الدنانير والدراهم تتناثر فى حجورنا فقال دونكها ومضى ولم يلتفت إلي
قال فأخدتها فإذا مائه دينار ومائة درهم قال محمد فقلت له ما صنعت بها قال احتبست قوت عيالى جمعة حتى يشغلنى عن عبادته وشكره وخدمته فكر فى شىء من عرض الدنيا ثم أمضيتها والله فى سبيل الله
قال محمد يحق والله أن يرزقوا بغير حساب
أحمد بن أبى الحوارى قال أنبانا عبد العزيز بن عمير قال قيل لعبد العزيز الراسبي وكانت رابعة تسميه سيد العابدين ما بقى مما تلذ به قال سرداب أخلو به فيه
محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال حدثتني أمى قالت قال أبوك ما للعابدين وما للنوم لا نوم والله فى دار الدنيا إلا نوم غالب قال فكان والله لايكاد ينام إلامغلوبا
محمد بن الحسين قال حدثنى محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال حدثنى واقد الصفار قال دعا عبد العزيز بن سلمان يوما لمقعد كان فى مجلسه وأمن إخوانه قال فوالله ما انصرف المقعد إلى أهله إلا ماشيا على رجليه (3/379)
562 - مطهر السعدى
عبد العزيز بن سلمان العابد وكان يرى الآيات والأعاجيب قال حدثنى مطهر السعدى وكان قد بكى شوقا إلى الله تعالى ستين عاما قال أريت كأنى على ضفة نهر يجرى بالمسك الأذفر حافتاه شجر لؤلؤ وقضبان الذهب فإذا أنا بجوار مزينات يقلن بصوت واحد سبحان المسبح بكل لسان سبحانه سبحان الموجود بكل مكان سبحانه سبحان الدائم فى كل الأزمان سبحانه قال فقلت من أنتن فقلن خلق من خلق الرحمن سبحانه فقلت ما تصنعن ههنا فقلن
ذرانا إله الناس رب محمد ... لقوم على الأطراف بالليل قوم
يناجون رب العالمين إلههم ... فتسرى هموم الدنيا والناس نوم
قال فقلت بخ بخ لهؤلاء من هؤلاء لقد أقر الله أعينهم بكن فقلن أو ما تعرفهم قلت لا والله ما أعرفهم قلن بلى هؤلاء المتهجدون أصحاب القرآن والسهر (3/380)
563 - كلاب بن جرى
حكيم بن جعفر قال كان مسمع يحدثنى بحالات كلاب بن جرى فأسمع شيئا ما كنت أرى أن يكون فى هذه الأمة مثله من شدة الخوف وطرب الشوق فقلت له ياأبا سيار فكيف كان ليله قال شهدته ليلة فى بعض السواحل وهو يصرخ من أول الليل إلى آخرة فلما كان بعد ذلك قلت له رحمك الله لقد أويت لك من طول ما كنت فيه ليلتك قال فبكى ثم قال يا أبا سيار فبمن أستغيث إذا قال فأبكانى والله
564 - عبد الله بن ثعلبة الحنفى
محمد بن على الهاشمى قال قال عبد الله بن ثعلبة الله يحفظك بأحراسه فإذا أصبحت غدوت على معاصيه خلافا له فإذا أمسيت أعاد حراسه عليك لايمنعه ما كان منك
يوسف بن أبى عبد الله قال سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول تضحك ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار
عن حامد بن عمر والبكراوى قال سمعت عبد الله بن ثعلبه يقول لسفيان بن عيينه ياأبا محمد واحزنا على الحزن فقال سفيان هل (3/381)
حزنت قط لعلم الله فيك فقال عبد الله آه آه تركتنى لاأفرح أبدا
أبو الحسن البصرى قال أنا أبو عروه وكان جارا لعبد الله بن ثعلبة الحنفي حتى انمحق خداه من الدموع وكان يقول
لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد
وما إن تزال دار حى قد اخرجت ... وبيت لميت بالفناء جديد
فهم جيرة الأموات أما مزارهم ... فدان وأما الملتقى فبعيد ولا نعرف لعبد الله مستندا
565 - ناشرة بن سعيد الحنفى
مسمع بن عاصم قال انطلقت أنا وعبد العزيز بن سلمان إلى ناشرة ابن سعيد الحنفى وكان قد بكى حتى أظلمت عيناه فاستأذنا عليه فأذن لنا فدخلنا فسلم عليه عبد العزيز فقال له ناشرة أبو محمد قال نعم قال ما جاء بك قال نبكى معك على ما تقدم من سالف الذنوب قال فشهق شهقة خر مغشيا عليه وجلس عبد العزيز يبكى عند رأسه (3/382)
قال وتنادى أهله فجعلوا يبكون حوله وهو صريع بينهم فلما رأيت البكاء قد كثر انسللت فخرجت
تم الجزء الثالث من كتاب صفة الصفوة ويليه الجزء الرابع وأوله ترجمة عبد الرحمن بن مهدى أبى سعيد العنبرى (3/383)
بسم الله الرحمن الرحيم ومن الطبقة السابعة من أهل البصرة
566 - عبد الرحمن بن مهدي
يكنى ابا سعيد العنبري
ويقال مولى للأرد ولد في سنة خمس وثلاثين ومائة
علي بن المديني قال كان عبد الرحمن بن مهدي يختم في كل ليلتين وكان ورده في كل ليلة نصف القرآن
هارون بن سفيان قال سمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول أملى على عبد الرحمن ابن مهدي عشرين ألف حديث حفظا
عبد الرحمن بن عمر قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول كان يقال إذا لقي الرجل من فوقه في العلم كان يوم غنيمة وإذا لقي من هو مثله دارسه وتعلم منه وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلمه ولا يكون إماما في العلم من يحدث بكل ما سمع ولا يكون إماما في العلم من يحدث عن كل أحد ولا يكون إماما في العلم من يحدث بالشاذ من العلم والحفظ والإتقان قال وسمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول لولا أني أكره أن يعصى الله تمنيت أن لا يبقى في هذا المصر أحد إلا وقع في واغتابني (4/5)
فأي شيء اهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها
وسمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول وأراد ان يبيع أرضا له فقال الدلال أعطيت بالجريب خمسين ومائتي دينار ولكن نظر إلى أرض خراب ونخل بادية العروق فلو كانت مسمدة رجوت أن أبيع الجريب بفضل خمسين دينارا وهذا كثير أربعة آلاف دينار أذهب أنا وغلامك حتى نسمدها ونبيعها فغضب وقال أربعة آلاف دينار أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لا ولا كذا أظنه قال ولا مائة ألف
قال عبد الرحمن بن عمر وحدثني يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي أن اباه كان يحيي الليل كله
قال عبد الرحمن بن عمر و سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول والله لا تجد فقد شيء تركته ابتغاء وجه الله كنت أنا وأخي شريكين فأصبنا مالا كثيرا فدخل قلبي من ذلك شيء فتركته لله وخرجت منه فما خرجت من الدنيا حتى رد الله على ذلك المال عامته إلي وإلى ولدي زوج أخي ثلاث بنات من بني وزوجت ابنتي من ابنه ومات أخي فورثه أبي ومات أبي فورثته أنا فرجع ذلك كله إلي وإلى ولدي في الدنيا (4/6)
أسند عبد الرحمن عن الأئمة كمالك بن أنس والثوري وشعبة والحمادين وقد ادرك جماعة من التابعين منهم جرير بن حازم والمثنى بن سعيد وصالح بن درهم وتوفي بالبصرة في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وستين سنة
567 - عفان بن مسلم أبو عثمان الصفار
جمع بين العلم والتقى
صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي قال ثنا أبي قال عفان بن مسلم بصري ثقة ثبت صاحب سنة جعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل ولا يقول عدل ولا غير عدل فأبى وقال لا أبطل حقا من الحقوق
حنبل بن إسحاق قال سمعت عفان يقول دعاني إسحاق بن إبراهيم فقرأ علي الكتاب الذي كتب به المأمون وإذا فيه امتحن عفان وادعه الى أن يقول القرآن كذا وكذا فإن قال فأقره على أمره وإن لم يجبك فاقطع عنه الذي يجرى عليه وكان يجرى عليه خمسمائة درهم كل شهر
قال عفان فقال لي ما تقول فقرأت قل هو الله أحد حتى ختمتها وقلت مخلوق هذا فقال إن أمير المؤمنين يقول إن لم تجبه يقطع عنك ما يجرى عليك فقلت يقول الله تعالى وفي السماء رزقكم وما توعدون فسكت عني فانصرفت (4/7)
أسند عفان عن جماعة من الأئمة كشعبة والحمادين وتوفي ببغداد في سنة عشرين ومائتين وقيل تسع عشرة وله خمس وثمانون سنة
568 - زهير بن نعيم الباني
يكنى أبا عبد الرحمن
أحمد بن عصام قال قال زهير بن نعيم إن هذا الأمر لايتم إلا بشيئين الصبر واليقين فإن كان يقين ولم يكن معه صبر لم يتم وإن كان صبر ولم يكن معه يقين لم يتم وقد ضرب لهما أبو الدرداء مثلا فقال مثل اليقين والصبر مثل فدادين يحفران الأرض فإذا جلس واحد جلس الآخر
قال أحمد بن عصام وسمعت خالي عبد العزيز بن يوسف يقول أردت الخروج من البصرة فبدأت بيحيى بن سعيد فودعته ثم ودعت عبد الرحمن بن مهدي ثم ودعت زهيرا فقلت هل من حاجة فقال نعم إلا أنها مهمة قال ففرحت فقال اتق الله فوالله لأن يتقيه عبد أحب إلي من أن تتحول لى هذه السواري كلها ذهبا
عبد الرحمن بن عمر قال انتهى إلينا يوما رجل من هؤلاء الخبثاء القدرية فقال له يا أبا عبد الرحمن بلغني أنك رجل زنديق فقال له زهير أما زنديق فلا ولكني رجل سوء
عبد الله بن عبد الغفار الكرماني قال سمعت زهير بن نعيم (4/8)
الباني يقول لوددت أن جسدي قرض بالمقاريض وأن هذا الخلق أطاع الله
عبد الله بن عبد الغفار الكرماني قال دخلت على زهير بن نعيم الباني وقد سقط من سطح وقد تهشم وجهه وهو مكفوف فقلت يا أبا عبد الرحمن كيف خبرك قال هو ذا تراني كيف أنا وهي الدنيا فليجهد جهدها
محمد بن يونس بن موسى قال سمعت زهير بن نعيم الباني وقال له رجل يا أبا عبد الرحمن توصي بشيء قال نعم احذر أن يأخذك الله وأنت على غفلة
569 - أبو عبد الله الحربي الزاهد
إبراهيم بن شبيب بن شيبة قال كنا نتجالس في الجمعة فأتى رجل عليه ثوب واحد ملتحف به فجلس إلينا فألقى مسألة فما زلنا نتكلم في الفقه حتى انصرفنا ثم جاءنا في الجمعة المقبلة فأحببناه وسألناه عن منزله فقال أنزل الحربية فسألناه عن كنيته فقال أبو عبد الله فرغبنا في مجالسته ورأينا مجلسنا مجلس فقه
فمكثنا بذلك زمانا ثم انقطع عنا فقال بعضنا لبعض ما حالنا قد كان مجلسنا عامرا بأبي عبد الله وقد صار موحشا فوعد بعضنا بعضا إذا أصبحنا أن نأتي الحربية فنسأل عنه فأتينا الحربية وكنا عددا فجعلنا نستحي أن نسأل عن أبي عبد الله فنظرنا إلى صبيان قد انصرفوا من الكتاب فقلنا أبو عبد الله فقالوا لعلكم تعنون (4/9)
الصياد قلنا نعم قالوا هذا وقته الآن يجيء فقعدنا ننتظره فإذا هو قد أقبل مؤتزرا بخرقة وعلى كتفه خرقة ومعه أطيار مذبحة وأطيار أحياء فلما رآنا تبسم إلينا وقال ما جاء بكم فقلنا فقدناك وقد كنت غمرت مجلسنا فما غيبك عنا قال إذا أصدقكم
كان لنا جار كنت أستعير منه كل يوم ذاك الثوب الذي كنت آتيكم فيه وكان غريبا فخرج الى وطنه فلم يكن لي ثوب آتيكم فيه هل لكم أن تدخلوا المنزل فتأكلوا مما رزق الله عز و جل فقال بعضنا لبعض ادخلو منزله فجاء الى الباب فسلم ثم صبر قليلا ثم دخل فأذن لنا فدخلنا فإذا هو قد أتى بقطع من البواري فبسطها لنا فقعدنا فدخل الى المرأة فسلم اليها الأطيار المذبحة وأخذ الأطيار الأحياء ثم قال أنا آتيكم إن شاء الله عن قريب فأتى السوق فباعها واشترى خبزا فجاء وقد صنعت المرأة ذلك الطير وهيأته فقدم إلينا خبزا ولحم طير فأكلنا فجعل يقوم فيأتينا بالملح والماء فكلما قام قال بعضنا لبعض رأيتم مثل هذا ألا تغيرون أمره وأنتم سادة أهل البصرة فقال أحدهم علي خمسمائة وقال الآخر علي ثلثمائة وقال هذا وقال هذا وضمن بعضهم أن ياخذ له من غيره فبلغ الذي جمعوا في الحساب خمسة آلاف درهم فقالوا قوموا بنا نذهب فنأتيه بهذا ونسأله أن يغير بعض ما هو فيه
فقمنا فانصرفنا على حالنا ركبانا فمررنا بالمربد فإذا محمد بن سليمان أمير البصرة قاعد في منظرة له فقال يا غلام ائتني بإبراهيم بن شبيب بن شيبة من بين القوم فجئت فدخلت عليه فسألني عن (4/10)
قصتنا ومن أين أقبلنا فصدقته الحديث فقال أنا أسبقكم إلى بره يا غلام ائتني ببدرة دراهم فجاء بها فقال ائتني بغلام فراش فجاء فقال احمل هذه البدرة مع هذا الرجل حتى تدفعها الى من أمرناه
ففرحت ثم قمت مسرعا فلما أتيت الباب سلمت فأجابني أبو عبد الله ثم خرج إلي فلما رأى الفراش والبدرة على عنقه كأنى سفيت في وجهه الرماد وأقبل علي بغير الوجه الأول فقال ما لي ولك يا هذا أتريد أن تفتنني فقلت يا عبد الله اقعد حتى أخبرك انه من القصة كذا وكذا وهو الذي تعلم أحد الجبارين يعني محمد بن سليمان ولو كان أمرني أن أضعها حيث أرى لرجعت إليه فأخبرته أني قد وضعتها فالله الله في نفسك فازداد علي غيظا وقام فدخل منزله وأصفق الباب في وجهي فجعلت أقدم وأؤخر ما أدري ما أقول للأمير ثم لم أجد بدا من الصدق فجئت فأخبرته الخبر فقال حروري والله يا غلام علي بالسيف فجاء بالسيف فقال له خذ بيد هذا الغلام حتى يذهب بك الى هذا الرجل فإذا أخرجه إليك فاضرب عنقه وائتني برأسه
قال ابراهيم فقلت أصلح الله الأمير الله الله فوالله لقد رأينا رجلا ماهو من الخوارج ولكني أذهب فآتيك به وما أريد بذلك إلا افتداء منه قال فضمننيه فمضيت حتى أتيت الباب (4/11)
فسلمت فإذا المرأة تحن وتبكي ثم فتحت الباب وتوارت فأذنت لي فدخلت فقالت ما شأنكم وشأن أبي عبد الله فقلت ما حاله قالت دخل فمال الي الركى فنزع منها ماء فتوضأ ثم سمعته يقول اللهم اقبضني إليك ولا تفتني ثم تمدد وهو يقول ذلك
فلحقته وقد قضى فهو ذاك ميت فقلت يا هذه أن لنا قصة عظيمة فلا تحدثوا فيه شيئا فجئت محمد بن سليمان وأخبرته الخبر فقال أنا أركب فأصلي على هذا
قال وشاع خبره بالبصرة فشهده الأمير وعامة أهل البصرة رحمة الله عليه (4/12)
وممن تأخر عن هذه الطبقات
570 - أبو الحسن البصري
أصله من مكة وسكن البصرة وإنما يعرف بالمكي
أنبأنا محمد بن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال كان أبو الحسن المكي يسف الخوص وكان لا يملك إلا دارا فلما ضعف عن سف الخوص باعها على شرط أن يكريه المشتري إياها وأودع الثمن عند المشتري وكان يأخذ منه في كل شهر خمسة دراهم لنفقته ويعطي المشتري أجرة الدار فمات قبل أن ينفد الثمن وكانت له جبة صوف بيضاء أقامت معه عشرين سنة شتاء وصيفا ما لبس غيرها وكانت في نهاية الحسن والنقاء والنظافة والصحة وكان موته حوالي سنة خمسين وثلثمائة وكانت جنازته عظيمة
ذكر المصطفين من عباد البصرة المجاهيل الأسماء
571 - عابد
عن الحسن قال احترقت أخصاص بالبصرة وبقي في وسطها خص لم يحترق وأمير البصرة يومئذ أبو موسى الأشعري فخبر بذلك فبعث الى صاحب الخص فأتي به فإذا شيخ فقال يا شيخ ما بال خصك لم يحترق قال إني أقسمت على ربي أن لا يحرقه فقال أبو موسى أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يكون في أمتي رجال طلس رؤوسهم دنس ثيابهم لو أقسموا على الله لأبرهم (4/13)
572 - عابد آخر
قال إبراهيم بن عبد الله المديني قيل للحسن ههنا رجل لم نره قط جالسا إلى أحد إنما هو أبدا خلف سارية وحده فقال الحسن إذا رأيتموه فأخبروني به قال فمر به ذات يوم ومعهم الحسن فأشاروا له إليه فقالوا ذلك الرجل الذي أخبرناك فقال امضوا حتى آتيه فلما جاءه قال يا عبد الله أراك قد حببت إليك العزلة فما يمنعك من مخالطة الناس قال ما أشغلني عن الناس قال قيأتي هذا الرجل الذي يقال له الحسن فتجلس إليه قال ما أشغلني عن الحسن وعن الناس قال له الحسن فما الذي شغلك يرحمك الله عن الناس وعن الحسن قال إني أمسي وأصبح بين ذنب ونعمة فرأيت أن أشغل نفسي عن الناس بالاستغفار للذنب والشكر لله على النعمة فقال له الحسن أنت يا عبد الله أفقه عندي من الحسن الزم ما أنت عليه
573 - عابد آخر
عطية بن سليمان قال صليت الجمعة ثم انصرفت فجلست الى يونس بن عبيد حتى صلينا العصر فقال هل لكم في جنازة فلان فمشينا الى ناحية بني سعد فصلينا على جنازة ثم قال هل لكم في فلان العابد نعوده فأتينا رجلا قد وقعت في فيه الخبيثة حتى أبدت عن أضراسه فكان إذا أراد أن يتكلم دعا بقعب من ماء وبقطنة فيبل لسانه حتى يبتل ثم يتكلم بكلمات يحسن فيهن
فلما دخلنا عليه دعا بالقدح ليفعل ما كان يفعل فبينا هو يبل (4/14)
لسانه سقطت حدقتاه في القدح فأخذهما فمر بهما بيده ثم قال إني لأجد فيهما دسما وما كنت أظنه بقي فيهما ثم استقبل القبلة فقال الحمد لله الذي أعطانيهما وأمتعني بهما شبابي وصحتي حتى إذا أفنيت أيامي وحضر أجلي أخذهما مني ليبدلني بهما إن شاء الله خيرا منهما فقال له يونس قد كنا تهيأنا لنعزيك فنحن الآن نهنئك فقال خيرا ودعا ثم خرجنا من عنده
574 - عابد آخر
محمد بن عبد الرحمن عن الرجل الذي حدثه أنهم كانوا بالبصرة في شدة قحط الناس فيها وغلا سعرهم واحتبس عنهم المطر فخرجوا يستسقون وخرجت اليهود والنصارى فاعتزلت اليهود معهم التوراة واعتزلت النصارى معهم الإنجيل واعتزل المسلمون كلهم يدعون وانصرفوا يومهم ذلك
قال فبينا أنا بعد ذلك أمشي في طريق المربد نظرت فإذا بين يدي فتى عليه أطمار تقبله النفس فهو يمشي وأنا خلفه حتى خرج إلي الجبان فدخل بعض تلك المساجد التي بالقرب من المقابر ودخلت خلفه تحول بيني وبينه أركان المسجد فصلى ركعتين ثم رفع يديه يدعو وقال في دعائه يا رب استغاث بك عبادك فلم تسقهم يا رب الآن شمتت بنا اليهود والنصارى أقسمت عليك يا رب إلا سقيتنا الساعة ولم تردني
قال فما برح يدعو حتى جاءت السحابة ومطرنا فخرج وخرجت فى أثره لاعرف موضعه فجاء الى دار فيها أخصاص وأكواخ فيها سكان فدخل بيتا منها فعرفت موضعه فانصرفت عنه وهيأت (4/15)
دراهم فى صرة ثم جئت فاستأذنت عليه فدخلت فإذا ليس فى البيت الا قطعة حصير ومطهرة فيها ماء واذا هو قاعد يعمل الخوص فسلمت فرحب بى وبش فتحدثت ساعه ثم أخرجت الصرة وقلت رحمك الله انتفع بهذه فتبسم وقال جزاك الله خيرا أنا في غنى عنها فألححت عليه فجعل يدعو ويأبى ان يأخذها فلما أكثرت عليه تنكر لي وقال حسبك الآن ليس بي إليها حاجة قال فأقبلت عليه وقلت رحمك الله إن لي عليك حقا قال وما هو رحمك الله قلت كنت أسمع دعاءك حين خرجت الى الجبان قال فاصفر وجهه حتى انكرته وساءه ما قلت له ثم خرجت من عنده
فلما كان بعد ذلك بأيام أتيته فلما دخلت الدار جعل سكان الدار يصيحون بقيم الدار هوذا هو قد جاء فجاء إلي فتعلق بي وقال يا عدو نفسه ما صنعت بذاك الفتى الذي جئته اليوم الأول أي شيء اسمعته قلت لا تعجل حتى أخبرك بالحديث فقال إنك لما خرجت من عنده قام في الحال فأخذ حصيره ومطهرته وودعنا وخرج ولم يعد إلينا إلى الساعة لا ندري أين توجه
575 - عابد آخر
عن مالك بن دينار قال احتبس علينا المطر بالبصرة فخرجنا يوما بعد يوم نستسقي فلم نر أثرا لإجابة فخرجت أنا وعطاء السليمى وثابت البناني ومحمد بن واسع وحبيب الفارسي وصالح المري وآخرين حتى صرنا الى المصلى بالبصرة فاستسقينا فلم نر أثرا لإجابة وانصرف الناس وبقيت أنا وثابت في المصلى فلما اظلم الليل إذا بأسود دقيق الساقين عظيم البطن عليه مئزران من صوف (4/16)
فجاء الى ماء فتمسح ثم صلى ركعتين خفيفتين ثم رفع طرفه الى السماء فقال سيدي الى كم ترد عبادك فيما لاينقصك أنفد ما عندك أقسمت عليك بحبك لي إلا ما سقيتنا غيثك الساعة الساعة
فما أتم الكلام حتى تغيمت السماء وأخذتنا كأفواه القرب فما خرجنا حتى خضنا الماء فتعجبنا من الأسود فتعرضت له فقلت أما تستحي مما قلت قال وما قلت قلت قولك بحبك لي وما يدريك أنه يحبك قال تنح عن همتي يا من اشتغل عنه بنفسه أين كنت انا حين خصني بتوحيده ومعرفته أتراه بدأني بذلك إلا لمحبته لي ثم بادر يسعى فقلت ارفق بنا قال أنا مملوك على فرض من طاعة مالكي الصغير فدخل دار نحاس فلما أصبحنا أتيت النحاس فقلت له عندك غلام تبيعنيه للخدمة قال نعم عندي مائة غلام فجعل يخرج إلى واحدا بعد واحد وأنا أقول غير هذا الى أن قال ما بقي عندي أحد فلما خرجنا اذا الأسود قائم في حجرة خربة فقلت بعني هذا قال هذا غلام مشوم لا همة له إلا بالبكاء فقلت ولذلك اريده فدعاه وقال لي خذه بما شئت بعد ان تبرئني من عيوبه فاشتريته بعشرين دينارا فلما خرجنا قال يا مولاي لماذا اشتريتني قلت لنخدمك نحن قال ولم ذاك قلت أليس انت صاحبنا البارحة في المصلى قال وقد اطلعت على ذلك فجعل يمشي حتى دخل مسجدا فصلى ركعتين ثم قال إلهي وسيدي سر كان بيني وبينك أظهرته للمخلوقين أقسمت عليك إلا قبضت روحي الساعة فإذا هو ميت فبقبره نستسقي ونطلب الحوائج إلى يومنا هذا (4/17)
576 - عابد آخر
حصين بن قاسم الوزان قال كنا عند عبد الواحد وهو يعظ فناداه رجل من ناحية المسجد كف يا ابا عبيدة فقد كشفت قناع قلبي فلم يلتفت عبد الواحد ومر في الموعظة فلم يزل الرجل يقول كف يا أبا عبيدة فقد كشفت قناع قلبي وعبد الواحد يعظ ولا يقطع موعظته حتى والله حشرج الرجل حشرجة الموت ثم خرجت نفسه
قال فأنا والله شهدت جنازته يومئذ فما رأيت بالبصرة يوما أكثر باكيا من يومئذ
577 - عابد آخر
عن يزيد الرقاشي قال دخلت على عابد بالبصرة وإذا أهل بيته حوله فإذا هو مجهود قد اجهده الاجتهاد قال فبكى أبوه فنظر إليه ثم قال أيها الشيخ ما الذي يبكيك قال يا بني أبكي فقدك وما أرى من جهدك قال فبكت أمه فقال أيتها الوالدة الشفيقة الرفيقة ما الذي يبكيك قالت يا بني أبكي فراقك وما أتعجل من الوحشة بعدك
قال فبكى أهله وصبيانه فنظر إليهم ثم قال يا معشر اليتامى بعد قليل ما الذي يبكيكم قالوا يا أبانا نبكي فراقك وما نتعجل من اليتم بعدك قال فقال أقعدوني أقعدوني ألاأرى كلكم يبكي لدنياي أما فيكم من يبكي لآخرتي أما فيكم من يبكي لما يلقاه في التراب وجهي أما فيكم من يبكي لمساءلة منكر ونكير وإياي اما فيكم من يبكي لوقوفي بين يدي الله ربي قال ثم صرخ صرخة فمات
578 - عابد آخر
عبد الواحد بن زيد قال خرجت الى ناحية الحربية فإذا إنسان أسود مجذوم قد تقطعت كل جارحة له بالجذام وعمي واقعد وإذا (4/18)
صبيان يرمونه بالحجارة حتى دموا وجهه فرأيته يحرك شفتيه فدنوت منه لأسمع ما يقول فإذا هو يقول يا سيدي انك لتعلم أنك لو قرضت لحمي بالمقاريض ونشرت عظامي بالمناشير ما ازددت لك إلا حبا فاصنع بي ما شئت
579 - عابد آخر
فضيل أبو حاتم قال لما كان حريق عرماز كان رجل في خص له يسف خوصا والنار قد أحدقت به فلم يضره فقيل له في ذلك فقال إني عزمت على رب النار أن لا يحرقني بالنار قيل له فاعزم عليه أن يطفئها قال ففعل فلم تلبث النار أن طفئت
580 - عباد سبعة
عن صالح المري قال قدم علينا ابن السماك مرة فقال لي أرني بعض عجائب عبادكم فذهبت به الى رجل في بعض الأحياء في خص له فاستأذنا عليه فدخلنا فإذا رجل يعمل خوصا له فقرأت إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون فشهق الرجل فإذا هو قد يبس مغشيا عليه
فخرجنا من عنده وتركناه على حاله وذهبنا الى آخر فاستأذنا عليه فقال ادخلوا إن لم تشغلونا عن ربنا فدخلنا فإذا رجل جالس في مصلى له فقرأت ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد فشهق شهقة بدر الدم من منخريه ثم جعل يتشحط في دمه حتى يبس (4/19)
فخرجنا من عنده وتركناه على حاله حتى أدرته على ستة أنفس كل نخرج من عنده وهو على هذه الحالة
ثم اتيت به السابع فاستأذنت فإذا امرأة له من وراء الخص تقول ادخلوا فدخلنا فإذا شيخ فان جالس في مصلاه فسلمنا فلم يعقل سلامنا فقلت بصوت عال إن للخلق غدا مقاما فقلل الشيخ بين يدي من ويحك ثم بقي مبهوتا فاتحا فاه شاخصا بصره يصيح بصوت له ضعيف حتى انقطع فقالت امرأته اخرجوا عنه فإنكم ليس تنتفعون به الساعة
فلما كان بعد ذلك سألت عن القوم فإذا ثلاثة قد أفاقوا وثلاثة قد لحقوا بالله عزوجل وأما الشيخ فإنه مكث ثلاثة أيام على حالته مبهوتا متحيرا لا يؤدي فرضا فلما كان بعد ثالثة عقل
581 - عابدان
ابن سماك قال دخلت البصرة فقلت لرجل كنت أعرفه دلني على عبادكم فأدخلني على رجل عليه لباس الشعر طويل الصمت لا يرفع رأسه الى أحد قال فجعلت أستنطقه الكلام فلا يكلمني فخرجت من عنده فقال لي صاحبي ههنا أبن عجوز هل لك فيه فيه قال فدخلنا عليه فقالت العجوز لا تذكروا لابني شيئا من ذكر جنة ولا نار فتقتلوه علي فإنه ليس لي غيره
قال فدخلنا على شاب عليه من اللباس نحو مما على صاحبه منكس الرأس طويل الصمت فرفع رأسه فنظر إلينا ثم قال أما إن للناس موقفا لا بدا أن يقفوه قال فقلت بين يدي من رحمك الله قال فشهق شهقة فمات
قال ابن السماك فجاءت العجوز فقالت قتلتم ولدي قال فكنت فيمن صلى عليه (4/20)
582 - عابد آخر
أبو عبد الله الخرزى قال قلت لمحمد بن السماك أخبرنى عن أعجب شيء رأيته من الخائفين قال اشتقت الى عباد البصرة فأتيت الربيع بن صبيح فنزلت عليه ثم قلت له هل تعرف ههنا أحدا من الخائفين قال نعم ههنا زاهد يقال انه من الخائفين قلت له فبكر بنا إذا صلينا قال فبكرنا الى بعض زوايا البصرة فدق بابا فخرجت عجوز فسلم عليها ثم قال ما فعل ابنك قالت أن ابنى قد نسى الدنيا قال أتأذنين لنا أن ندخل عليه قالت بشرط أن لاتذكروا له القيامة قال فأذنت لنا فدخلنا فاذا شاب عليه مدرعه شعر فى عنقه طوق وسلسله مشدودة بسارية البيت فإذا قبر محفور واذا هو جالس على شفير قبره ينظر فى لحده فقال الربيع يا هذا أخوك محمد بن السماك المذكر أتاك زائرا فالتفت إليه فقال ما أنت قائل فتلجلج لساني وهبت فجهدت الجهد أن انطلق فما قدرت فخرجنا يومئذ ثم عدت في اليوم الثاني فإذا هو على حالته التي رأيناه أمس فالتفت إلي فقال ما أنت قائل فتلجلج لساني ثم قلت إن للعباد مقاما قال ويحك عند من قلت عند مالك الملوك فشهق شهقة فإذا هو ميت في قبره ومن عقلاء المجانين بالبصرة
583 - رجل لم يعرف اسمه
أبو أحمد بن روح قال حدثني بعض اصحابنا قال رأيت مجنونا بالبصرة قد نظر الى جنازة فأنشا يقول
وصف الطبيب فهم بما ... وصف الطبيب يعالجونه (4/21)
يرجون صحة جسمه ... هيهات مما يرتجونه
قال ثم غلبه البكاء ومضى
ذكر المصطفيات من عابدات البصرة
584 - معاذة بنت عبد الله العدوية
وتكنى أم الصهباء محمد بن فضيل قال حدثنا أبي قال كانت معاذة العدوية إذا جاء النهار قالت هذا يومي الذي أموت فيه فما تنام حتى تمسي وإذا جاء الليل قالت هذه ليلتي التي أموت فيها فلا تنام حتى تصبح وإذا جاء البرد لبست الثياب الرقاق حتى يمنعها البرد من النوم
الحكم بن سنان الباهلي قال حدثتني امراة كانت تخدم معاذة العدوية قالت كانت تحيي الليل صلاة فإذا غلبها النوم قامت فجالت في الدار وهي تقول يا نفس النوم امامك لو قدمت لطالت رقدتك في القبر على حسرة أو سرور قالت فهي كذلك حتى تصبح
قال عبد الرحمن بن عمر والباهلي وحدثتنا دلال ابنة أبي المدل قالت حدثتني آسية بنت عمرو العدوية قالت كانت معاذة العدوية تصلي في كل يوم وليلة ستمائة ركعة وتقرأ جزءها من الليل تقوم به وكانت تقول عجبت لعين تنام وقد عرفت طول الرقاد في ظلم القبور
الحسن بن علي بن مسلم الباهلي قال سمعت ابا السوار العدوي يقول بنو عدي اشد أهل هذه البلدة اجتهادا هذا أبو الصهباء لا ينام ليله ولا يفطر نهاره وهذه امرأته معاذة ابنة عبد الله لم ترفع رأسها الى السماء أربعين عاما (4/22)
عن زهير السلولي عن رجل من بني عدي عن امرأة منهم أرضعتها معاذة ابنة عبد الله قالت قالت لي معاذة يا بنية كوني من لقاء الله عز و جل على حذر ورجاء واني رأيت الراجي له محقوقا بحسن الزلفى لديه يوم يلقاه ورأيت الخائف له مؤملا للأمان يوم يقوم الناس لرب العالمين ثم بكت حتى غلبها البكاء
حماد بن سلمة قال أنبأ ثابت البناني أن صلة بن اشيم كان في مغزى له ومعه ابن له فقال أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك فحمل فقاتل حتى قتل ثم تقدم فقتل فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت مرحبا إن كنتن جئتن لتهنئنني فمرحبا بكن وإن كنتن جئتن بغير ذلك فارجعن
سلمة بن حسان العدوي قال أنبأ الحسن أن معاذة لم توسد فراشا بعد أبي الصهباء حتى ماتت
عمران بن خالد قال حدثتني أم الأسود بنت زيد العدوية وكانت معاذة قد ارضعتها قالت قالت لي معاذة لما قتل أبو الصهباء وقتل ولدها والله يا بنية ما محبتي للبقاء في الدنيا للذيذ عيش ولا لروح نسيم ولكن والله أحب البقاء لأتقرب الى ربي عزوجل بالوسائل لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء وولده في الجنة
روح بن سلمة الوراق قال سمعت عفيرة العابدة تقول بلغني أن معاذة العدوية لما احتضرها الموت بكت ثم ضحكت فقيل لها مم بكيت ثم ضحكت فمم البكاء ومم الضحك قالت أما البكاء الذي رأيتم فإني ذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر فكان البكاء (4/23)
لذلك وأما الذي رأيتم من تبسمي وضحكي فإني نظرت الى أبي الصهباء قد اقبل في صحن الدار وعليه حلتان خضراوان وهو في نفر والله ما رأيت لهم في الدنيا شبها فضحكت إليه ولاأراني أدرك بعد ذلك فرضا
قال فماتت قبل أن يدخل وقت الصلاة
أدركت معاذة عائشة وروت عنها وروى عن معاذة الحسن البصري وأبو قلابة ويزيد الرشك
585 - حفصة بنت سيرين
عن عاصم الأحول قال كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا وتنقبت به فنقول لها رحمك الله قال الله والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وهو الجلباب قال فتقول لنا أي شيء بعد ذلك فنقول وأن يستعففن خير لهن فتقول هو إثبات الجلباب
هشام بن حسان قال كانت حفصة تقول لنا يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وانتم شباب فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب
قال قرأت القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة وماتت وهي ابنة تسعين
عن هشام أن حفصة كانت تدخل في مسجدها فتصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم لا تزال فيه حتى يرتفع النهار وتركع ثم تخرج فيكون عند ذلك وضوءها ونومها حتى إذا حضرت الصلاة عادت إلى مسجدها إلى مثلها (4/24)
عن مهدي بن ميمون قال مكثت حفصة في مصلاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة أو لقائلة
عن هشام ان ابن سيرين كان إذا أشكل عليه شيء من القراءة قال اذهبوا فسلوا حفصة كيف تقرأ
هشام بن حسان قال كان الهذيل بن حفصة يجمع الحطب في الصيف فيقشره ويأخذ القصب فيفلقه قالت حفصة وكنت اجد قرة فكان إذا جاء الشتاء جاء بالكانون فيضعه خلفي وانا في مصلاي ثم يقعد فيوقد بذلك الحطب المقشر وذاك القصب المفلق وقودا لا يؤذي دخانه ويدفئني نمكث بذلك ما شاء الله قالت وعند من يكفيه لو أراد ذلك
قالت وربما اردت أنصرف إليه فاقول يا بني أرجع الى أهلك ثم أذكر ما يريد فأدعه
قالت حفصة فلما مات رزق الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق غير أني كنت أجد غصة لا تذهب قالت فبينا أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل إذ أتيت على هذه الآية ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إن ما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون قالت فأعدتها فأذهب الله ما كنت أجد
قال هشام وكانت له لقحة قالت حفصة كان يبعث إلى بحلبة بالغداة فأقول يابني إنك لتعلم أني لا أشربه أنا صائمة (4/25)
فيقول يا أم الهذيل إن أطيب اللبن ما بات في ضروع الإبل أسقيه من شئت
عن هشام بن حسان قال اشترت حفصة جارية اظنها سندية فقيل لها كيف رأيت مولاتك فذكر إبراهيم كلاما بالفارسية تفسيره أنها امرأة صالحة إلاأنها أذنبت ذنبا عظيما فهي الليل كله تبكي وتصلي
عبد الكريم بن معاوية قال ذكر لي عن حفصة أنها كانت تقرأ نصف القرآن في كل ليلة وكانت تصوم الدهر وتفطر العيدين وأيام التشريق
عن هشام بن حسان قال قد رأيت الحسن وابن سيرين وما رأيت أحدا أرى أنه أعقل من حفصة
عن هشام عن حفصة قال كان لها كفن معد فإذا حجت واحرمت لبسته وكانت إذا كانت العشر الأواخر من رمضان قامت من الليل فلبسته
عن هشام قال حدثتني أم سليم بنت سيرين قالت ربما نور لحفصة بنت سيرين بيتها
عن هشام قال كانت حفصة بنت سيرين تسرج سراجها من الليل ثم تقوم في مصلاها فربما طفئ السراج فيضيء لها البيت حتى تصبح
586 - كريمة بنت سيرين أخت حفصة
عن مهدي بن ميمون قال مكثت كريمة بنت سيرين أخت حفصة بنت سيرين خمس عشرة سنة ما تخرج من مصلاها إلا لقضاء حاجة (4/26)
587 - منيبة البصرية وابنتها
أبو عياش القطان قال كانت امرأة بالبصرة متعبدة يقال لها منيبة وكانت لها ابنة أشد عبادة منها فكان الحسن ربما رآها وتعجب من عبادتها على حداثتها
فبينا الحسن ذات يوم جالس إذ أتاه آت فقال أما علمت أن الجارية قد نزل بها الموت فوثب الحسن فدخل عليها فلما نظرت الجارية إليه بكت فقال لها يا حبيبتي ما يبكيك قالت له يا أبا سعيد التراب يحثى على شبابي ولم أشبع من طاعة ربي يا أبا سعيد انظر الى والدتي وهي تقول لوالدي احفر لابنتي قبرا واسعا وكفنها بكفن حسن والله لو كنت أجهز الى مكة لطال بكائي كيف وأنا أجهز إلى ظلمة القبور ووحشتها وبيت الظلمة والدود
588 - رابعة العدوية
عبد الله بن عيسى قال دخلت على رابعة العدوية بينها فرأيت على وجهها النور وكانت كثيرة البكاء فقرأ رجل عندها آية من القرآن فيها ذكر النار فصاحت ثم سقطت
ودخلت عليها وهي جالسة على قطعة بوري خلق فتكلم رجل عندها بشيء فجعلت أسمع وقع دموعها على البوري مثل الوكف ثم اضطربت وصاحت فقمنا وخرجنا
مسمع بن عاصم ورياح القيسي قالا شهدنا رابعة وقد أتاها رجل بأربعين دينارا فقال لها تستعينين بها على بعض حوائجك فبكت ثم رفعت رأسها الى السماء قالت هو يعلم أني استحي منه أن أسأله الدنيا وهو يملكها فكيف أريد أن آخذها ممن لا يملكها (4/27)
محمد بن عمرو قال دخلت على رابعه وكانت عجوزا كبيرة بنت ثمانين سنه كأنها الشن تكاد تسقط ورأيت فى بيتها كراخه بوارى ومشجب قصب فارسى طوله من الأرض قدر ذراعين وستر البيت جلد وربما كان بوريا وحب وكوز ولبد هو فراشها وهو مصلاها وكان لها مشجب من قصب عليه أكفانها وكانت إذا ذكرت الموت انتفضت وأصابتها رعدة وإذا مرت بقوم عرفوا فيها العبادة
وقال لها رجل ادعى فالتصقت بالحائط وقالت من أنا يرحمك الله أطع ربك وادعه فإنه يجيب المضطرين
سجف بن منظور قال دخلت على رابعه وهى ساجدة فلما أحست بمكانى رفعت رأسها فإذا موضع سجودها كهيئة الماء المستنقع من دموعها فسلمت فأقبلت على فقالتيا بنى أنك حاجة فقلت جئت لأسلم عليك قال فبكت وقالت سترك اللهم سترك ودعت بدعوات ثم قامت إلى الصلاة وانصرفت
العباس بن الوليد قال قالت رابعه أستغفر الله من قله صدقى فى قولى أستغفرالله
أزهر بن مروان قال دخل على رابعه رياح القسي وصالح ابن عبد الجليل وكلاب فتذاكرو الدينا فأقبلوا يذمونها فقالت (4/28)
رابعه إنى لأرى الدنيا بترابيعها فى قلوبكم قالوا ومن أين توهمت علينا قالت إنكم نظرتم إلى أقرب الاشياء من قلوبكم فتكلمتم فيه
أبو جعفر المديني عن شيخ من قريش قال قيل لرابعة هل عملت عملا ترين أنه يقبل منك قالت إن كان فمخافتي أن يرد على
جعفر بن سليمان قال آخذ بيدي سفيان الثوري وقال مر بنا الى المؤدبة التي لاأجد من أستريح إليه إذا فارقتها فلما دخلنا عليها رفع سفيان يده وقال اللهم إني أسألك السلامة فبكت رابعة فقال لها ما يبكيك قالت أنت عرضتني للبكاء فقال وكيف قالت أما علمت أن السلامة من الدنيا ترك ما فيها فكيف وأنت متلطخ بها
وقال الثوري بين يدي رابعة واحزناه فقالت لا تكذب قل واقلة حزناه لو كنت محزونا ما هناك العيش جعفر بن سليمان قال سمعت رابعة تقول لسفيان إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وانت تعلم فاعمل
عبيس بن مرحوم العطار قال حدثتني عبدة بنت أبي شوال وكانت من خيار إماء الله وكانت تخدم رابعة قالت كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر فكنت اسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي (4/29)
فزعة يا نفس كم تنامين وإلى كم تقومين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور
قالت فكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت فلما حضرتها الوفاة دعتني فقالت يا عبدة لا تؤذني بموتي أحدا وكفنيني في جبتي هذه جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدات العيون
قالت فكفناها في تلك الجبة وخمار صوف كانت تلبسه
قالت عبدة رايتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلة إستبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم ار شيئا قط أحسن منه فقلت يا رابعة ما فعلت الجبة التي كفناك فيها والخمار الصوف قالت إنه والله نزع عني وابدلت به هذا الذي ترينه علي وطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين ليكمل لي بها ثوابها يوم القيامة
قالت فقلت لها لهذا كنت تعملين أيام الدنيا فقالت وما هذا من كرامة الله عزوجل لأوليائه قالت فقلت فما فعلت عبدة بنت أبي كلاب فقالت هيهات هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العلى قالت قلت وبم وقد كنت عند الناس أي اكثر منها قالت إنها لم تكن تبالي على أي حالة اصبحت من الدنيا وامست قالت فقلت فما فعل أبو مالك تعني ضيغما قالت يزور الله متى شاء قالت قلت فما فعل بشر بن منصور قالت بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يأمل
قالت قلت فمريني بأمر أتقرب به الى الله عزوجل قالت عليك بكثرة ذكره أوشك أن تغتبطي بذلك في قبرك (4/30)
قلت اقتصرت ههنا على هذا القدر من أخبار رابعة لأنى قد أفردت لها كتابا جمعت فيه كلامها وأخبارها
589 - عجردة العمية
رجاء بن مسلم العبدي قال كنا نكون عند عجردة العمية في الدار قال فكانت تحيي الليل صلاة وربما قال تقوم من أول الليل إلى السحر فإذا كان السحر نادت بصوت لها محزون إليك قطع العابدون دجى الليالي بتبكيرالدلج إلى ظلم الأسحار يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك فبك إلهي لا بغيرك اسالك ان تجعلني في اول زمرة السابقين إليك وان ترفعني إليك في درجة المقربين وان تلحقني بعبادك الصالحين فأنت أكرم الكرماء وأرحم الرحماء واعظم العظماء يا كريم ثم تخر ساجدة فلا تزال تبكي وتدعو في سجودها حتى يطلع الفجر فكان ذلك دأبها ثلاثين سنة
عبد الرحمن بن عمرو الباهلي قال حدثتني دلال بنت أبي المدل قالت حدثتني أمي آمنة بنت يعلى بن سهيل قالت كانت عجردة العمية تغشانا فتظل عندنا اليوم واليومين قالت فكانت إذا جاء الليل لبست ثيابها وتقنعت ثم قامت إلى المحراب فلا تزال تصلي إلى السحر ثم تجلس فتدعو حتى يطلع الفجر
قالت فقلت لها أو قال لها بعض اهل الدار لو نمت من الليل شيئا فبكت وقالت ذكر الموت لا يدعني أنام
جعفر بن سليمان قال حدثني بعض نسائي أمي أو غيرها من أهلي قالت رأيت عجردة العمية في يوم عيد عليها جبة صوف (4/31)
وقناع صوف وكساء صوف قالت فنظرت فإذا هي جلد وعظم قالت وسمعتهم يذكرون عنها انها لم تفطر ستين عاما
590 - حبيبة العدوية
عن عبد الله المكي ابي محمد قال كانت حبيبة العدوية إذا صلت العتمة قامت على سطح فشدت عليها درعها وخمارها فقالت إلهي غارت النجوم ونامت العيون وغلقت الملوك أبوابها وبابك مفتوح وخلا كل حبيب بحبيبه وهذا مقامي بين يديك فإذا كان السحر قالت اللهم وهذا الليل قد أدبر وهذا النهار قد أسفر فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهني أم رددتها علي فأعزى فوعزتك لهذا دأبي ودأبك أبدا ما أبقيتني وعزتك لو انتهزتني ما برحت من بابك ولا وقع في قلبي غير جودك وكرمك 591 أم الأسود بنت زيد العدوية
أبو عبد الرحمن السلمي قال كانت معاذة العدوية أرضعت ام الأسود وقالت أم الأسود قالت لي معاذة العدوية لا تفسدي رضاعي بأكل الحرام فإني جهدت جهدي حين أرضعتك حتى أكلت الحلال فاجتهدي لأن لا تأكلي إلا حلالا لعلك أن توفقي لخدمة سيدك والرضا بقضائه
فكانت أم الاسود تقول ما اكلت شبهة إلا فاتتني فريضة أو ورد من اورادي
592 - مريم البصرية
كانت تخدم رابعة العدوية وكانت إذا سمعت علوم المحبة طاشت فحضرت بعض المذكرين فتكلم في المحبة فماتت في المجلس (4/32)
عبد العزيز بن عمير قال قامت مريم البصرية المتعبدة من أول الليل فقالت الله لطيف بعباده ثم لم تجره حتى أصبحت
وقالت مريم ما اهتممت بالرزق ولا تعبت في طلبه منذ سمعت الله عزوجل يقول وفي السماء رزقكم وما توعدون
593 - عفيرة العابدة
روح بن سلمة الوراق قال لعفيرة العابدة بلغني أنك لا تنامين بالليل فبكت ثم قلت ربما اشتهيت أن انام فلا أقدر عليه وكيف ينام أو كيف يقدر على النوم من لا ينام عنه حافظاه ليلا ولا نهارا قال فأبكتني والله وقلت في نفسي أراني في شيء وأراك في شيء
يحيى بن بسطام قال دخلت مع نفر من أصحابنا على عفيرة وكانت قد تعبدت وبكت حتى عميت فقال بعض أصحابنا لرجل إلى جنبه ما أشد العمى على من كان بصيرا فسمعت عفيرة فقالت له يا عبد الله عمى القلب والله عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا والله وددت أن الله وهب لي كنه محبته وأنه لم تبق مني جارحة إلا أخذها
عبد الوهاب بن صالح قال سمعت محمد بن عبيد يقول دخلنا على امرأة بالبصرة يقال لها عفيرة فقيل لها يا عفيرة ادعي الله لنا فقالت لو خرس الخاطئون ما تكلمت عجوزكم ولكن المحسن أمر المسيء بالدعاء جعل الله قراكم من بيتي الجنة وجعل الموت مني ومنكم على بال (4/33)
مالك بن ضيغم قال سمعت عفيرة تقول عصيتك بكل جارحة مني على حدتها والله لئن أعنت لأطيعنك ما أستطعت بكل جارحة عصيتك بها
قال محمد بن الحسين وحدثني سعيد العمى قال قلت لعفيرة أما تسأمين من طول البكاء قال فبكت ثم قالت يا بني كيف يسأم ذو داء من شيء يرجو أن له فيه من دائه شفاء قال ثم بكت فقمت فخرجت وتركتها
بلغني عن يحيى بن راشد أنه قال كنا عند عفيرة العابدة فقدم ابن أخ لها كانت طالت غيبته فبشرت به فبكت فقيل لها ما هذا البكاء اليوم يوم فرح وسرور فازدادت بكاء ثم قالت والله ما أجد للسرور في قلبي مسكنا مع ذكر الآخرة ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله فمن بين مسرور ومثبور ثم غشي عليها
594 - عبيدة بنت أبي كلاب
شعيب بن محرز قال حدثتني سلامة العابدة قالت بكت عبيدة بنت أبي كلاب أربعين سنة حتى ذهب بصرها
عن يحيى بن بسطام الأصغر قال حدثني سلمة الأفقم وكان ينزل الطفاوة قال قلت لعبيدة بنت أبي كلاب ما تشتهين قالت الموت قلت ولم قالت لأني والله في كل يوم أصبح أخشى أن أجني على نفسي جناية يكون فيها عطبي أيام الآخرة
عبد العزيز بن سلمان قال اختلفت عبيدة وابي إلى مالك بن دينار عشرين سنة قال أبي فما سمعتها تسأل مالكا عن شيء قط (4/34)
إلا مرة قالت يا أبا يحيى متى يبلغ المتقي الدرجة العليا التي ليس فوقها درجة قال مالك بخ بخ يا عبيدة إذا بلغ المتقي تلك الدرجة العليا التي ليس فوقها درجة لم يكن شيء احب إليه من القدوم على الله قال فصرخت عبيدة صرخة سقطت مغشيا عليها
داود بن المحبر قال سمعت البراء الغنوى يقول يوم ماتت عبيدة بنت أبي كلاب ما خلفت بالبصرة أفضل منها
عبد الله بن رشيد السعدي وكان قد صحب عبد الواحد بن زيد قال رأيت الشيوخ والشباب والرجال والنساء من المتعبدين فما رأيت امرأة ولا رجلا أفضل ولا أحسن عقلا من عبيدة بنت أبي كلاب
عبيس بن مرحوم قال حدثتني عبدة بنت أبي شوال قالت رأيت رابعة في المنام فقلت ما فعلت عبيدة بنت ابي كلاب فقالت هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العلى قلت وبم وقد كنت عند الناس أي أكثر منها قالت إنها لم تكن تبالي على ما أصبحت من الدنيا أو أمست
595 - عمرةامرأة حبيب العجمي
الحسين بن عبد الرحمن قال حدثني بعض أصحابنا قال قالت امرأة حبيب ابي محمد وانتبهت ليلة وهو نائم فأنبهته في السحرة وقالت له قم يا رجل فقد ذهب الليل وجاء النهار وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا
مسلم بن إبراهيم قال سمعت سهيلا أخا حزم قال كانت لحبيب أبي محمد امرأة يقال لها عمرة فاشتكت عينها فقيل لها كيف تجدينك قالت وجع قلبي أشد من وجع عيني (4/35)
596 - بردة الصريمية
كانت إذا قيل لها كيف أصبحت تقول اصبحنا أضيافا منتجعين بأرض غربة ننتظر إجابة الداعي
اشرس أبو شيبان وكان عابدا من البكائين عن ثابت البناني أن امرأة من الصدر الأول كان يقال لها بردة وكانت تكثر البكاء حتى فسد بصرها فقيل لها اتقى الله أما تخافين على بصرك أن يذهب قالت دعوني فإن أكن من أهل النار فأبعدني الله وابعد بصري وإن أكن من أهل الجنة فسيبدلني الله عينين خيرا من عيني
عن موسى بن سعيد أو غيره قال قيل للحسن يا ابا سعيد إن ههنا امرأة يقال لها بردة قد فسدت عيناها من البكاء فدخل عليها فقال لها يا بردة إن لبدنك عليك حقا وإن لبصرك عليك حقا قالت يا ابا سعيد إن أكن من اهل الجنة فسيبدلني الله بصرا خيرا من بصري وإن أكن من أهل النار فأبعد الله بصري
عن عطاء بن المبارك قال كانت بالبصرة امرأة جليلة متعبدة يقال لها بردة وكانت تقوم الليل فإذا سكنت الحركات وهدأت العيون نادت بصوت لها حزين هدأت العيون وغارت النجوم وخلا كل حبيب بحبيبه وقد خلوت بك يا محبوبي أفتراك تعذبني وحبك في قلبي لا تفعل يا حبيباه
قال القرشي وقال محمد بن الحسين حدثني شاذ بن فياض قال حدثني رجل أدرك الحسن قال كانت امرأة في زمن الحسن إذا سمعت القرآن صرخت فربما تكلمت بما لا تريد فقيل لها في ذلك فقالت ربما سمعت القرآن فأرى ملك بني مروان قد حوى لي وكانت تبكي حتى يرحمها من رآها (4/36)
وذكر محمد بن الحسين أن الحميدي حدثه قال ذكر سفيان يوما بردة فقال رحمها الله ما كان ههنا من أولئك النساء المجاوراتاشد اجتهادا منها بكت حتى ذهب بصرها
قال سفيان كانت إذا سمعت صوت الصواعق صرخت ولم تزل تصيح حتى يغشى عليها
597 - أم طلق
محمد بن سنان الباهلي قال سمعت شعبة بن دخان يذكر أن أم طلق كانت تصلي في كل يوم وليلة أربعمائة ركعة وتقرأ من القرآن ما شاء الله
شيبة بن الأرقم قال سمعت عاصما الجحدري يقول كانت أم طلق تقول ما ملكت نفسي ما تشتهي منذ جعل الله لي عليها سلطانا
عن سفيان بن عيينة قال قالت أم طلق لطلق ما أحسن صوتك بالقرآن فليته لا يكون عليك وبالا يوم القيامة فبكى حتى غشي عليه
عن سلمة الأيهم قال سمعت عاصما الجحدري يقول كانت أم طلق تقول النفس ملك إن اتبعتها ومملوك إن أتعبتها
598 - أمة الجليل بنت عمرو العدوية
أبو بكر بن عبيد قال قرأت في كتاب محمد بن الحسين بخطه حدثني حليم بن جعفر قال حدثني مسمع بن عاصم قال اختلف العابدون عندنا في الولاية فقال بعضهم إذا استحقها عبد لم يهم بشيء (4/37)
إلا ناله في دين كان أو دنيا وقال الآخر الولي لا يعصى غير أنه لا يدرك الشيء الذي يريده من الدنيا بهمته ولا يدركه إلا بطلبه كأنهم يقولون يدعو فيجاب وقال آخرون المستحق للولاية لا يعرض لانتقاص حقه من الآخرة
فتكلموا في ذلك بكلام كثير فأجمعوا على أن ياتوا امرأة من بني عدي يقال لها أمة الجليل بنت عمرو العدوية وكانت منقطعة جدا من طول الاجتهاد فأتوها قال مسمع وأنا يومئذ مع أصحابنا فاستأذنوا عليها فأذنت فعرضوا عليها اختلافهم وما قالوا فقالت ساعات الولي ساعات شغل عن الدنيا ليس للولي في الدنيا حاجة ثم أقبلت على كلاب فقالت بنفسي أنت يا كلاب من حدثك أو أخبرك أن وليه له هم غيره فلا تصدقه
قال مسمع فما كنت أسمع إلاالصارخ من نواحي البيت
599 - أم حيان السلمية
عن أبي خلدة قال ما رأيت رجلا قط ولا امرأة أقوى ولا أصبر على طول القيام من أم حيان السلمية إن كانت لتقوم في مسجد الحي كأنها نخلة تصفقها الرياح يمينا وشمالا
مكي البصري قال حدثتني سوادة السلمية قالت كانت أم حيان تقرأ القرآن في كل يوم وليلة وكانت لا تتكلم إلا بعد العصر فإنها تأمر بالحاجة والشيء تريده
600 - أم إبراهيم العابدة
عبد المؤمن بن عبد الله القيسي قال ضربت ام إبراهيم العابدة دابة فكسرت رجلها فأتاها قوم يعزونها فقالت لولا مصائب الدنيا وردنا الآخرة مفاليس (4/38)
أبو موسى الشواء قال كنت مع أم إبراهيم العابدة فلما صرنا عند الجمار رأت الناس قد اقبلوا على الشراء والبيع فرفعت رأسها إلى السماء وقالت حبيبي أقبلوا على الدنيا وتركوك قال ثم صاحت واجتمع الناس فغطيتها بثوبي ثم قلت للناس أصابها شيء وأوهمتهم أن بها علة قال ثم اقمت عليها حتى افاقت فرفعت رأسها فقلت لها يا ام إبراهيم أي شيء هذه الشهرة فقالت يا بطال إذا كان هو يقسم الثناء فلمن يتصنع
601 - بحرية العابدة
رباح بن أبي الجراح قال رأيت بحرية العابدة تبكي وتقول تركتك وأنا رطبة وأتيتك وأنا حشفة فاقبل الحشفة على ما كان منها
وكان بها مسحة من جمال وكان الجوع قد أضر بها ومكثت اربعين يوما لم تأكل فيها شيئا إلا شيئا من حمص وكانت مجتهدة وكان لها مجلس تذكر فيه وكانت إذا تكلمت اضطربت واقشعرت
أحمد بن أبي الحواري قال حدثتني عجوز من أهل البصرة قالت سمعت بحرية تقول إذا ترك القلب الشهوات الف العلم واتبعه واحتمل كل ما يرد عليه
602 - أم الحريش
رباح بن الجراح قال رأيت أم الحريش وكانت من عباد الناس وابتليت بزوج من الجند فكانت لا تاكل من طعامه تعد لنفسها شيئا تأكله وكان ربما لم يقبل منها حتى تأكل معه فكانت تقعد تريه أنها تأكل فتضع أصابعها خارج القصعة
603 - حسنة العابدة
عن محمد بن قدامة قال بلغنا أن امرأة كان يقال لها حسنة (4/39)
تركت نعيم الدنيا فأقبلت على العبادة فكانت تصوم النهار وتحيي الليل وليس في بيتها شيء كلما عطشت خرجت الى النهر فشربت بكفيها
وكانت جميلة فقالت لها امرأة تزوجي فقالت هات رجلا زاهدا لا يكلفني من أمر الدنيا شيئا وما أظنك تقدرين عليه فوالله ما في نفسي أن أعبد الدنيا ولا أتنعم مع رجال الدنيا فإن وجدت رجلا يبكي ويبكيني ويصوم ويأمرني ويتصدق و يحضني عليه فبها ونعمت وإلا فعلى الرجال السلام
604 - زجلة العابدة مولاة معاوية
أحمد بن سهل الأزدي قال دخل على زجلة العابدة نفر من القراء فكلموها في الرفق بنفسها فقالت مالي وللرفق بها فإنما هي أيام مبادرة فمن فاته اليوم شيء لم يدركه غدا والله يا إخوتاه لأصلين ما أقلتني جوارحي ولأصومن له أيام حياتي ولأبكين له ما حملت الماء عيناي ثم قالت أيكم يأمر عبده بأمر فيحب أن يقصر فيه
عباد بن عباد أبو عتبة الخواص قال دخلنا على زجلة العابدة وكانت قد صامت حتى اسودت وبكت حتى عمشت وصلت حتى أقعدت وكانت صلاتها قاعدة فسلمنا عليها ثم ذكرناها شيئا من العفو أردنا ان نهون عليها الأمر هناك فشهقت ثم قالت علمي بنفسي قرح فؤادي وكلم قلبي والله لوددت أن الله لم يخلقني ولم أك شيئا مذكورا ثم أقبلت على صلاتها وتركناها فخرجنا من عندها (4/40)
كليب بن عيسى بن أبي حجير قال كانت زجلة لا ترفع بصرها الى السماء وكانت تخرج الى الساحل فتغسل ثياب المرابطين
قال كليب وسمعت سعيد بن عبد العزيز يقول ما بالشام ولا بالعراق أفضل من زجلة
605606 606 - غضنة وعالية
ابو الوليد العبدي قال ربما رأيت غضنة وعالية تقوم إحداهما من الليل فتقرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف في ركعة
607 - مطيعة العابدة
محمد بن الحسين قال حدثني صاحب لي من البصريين قال بكت مطيعة أربعين عاما فعوتبت على كثرة البكاء فقالت لا أزال ابكي حتى أعلم على أي الحالين انا عند الله
محمد بن الحسين قال دخلنا على مطيعة العابدة في الجبان بالبصرة فجعلنا نذاكرها شيئا في الخير فلا نستبين كثيرا من كلامها من كثرة بكائها فلما رأينا ذلك خرجنا من عندها وتركناها قال محمد وسالت مطيعة قلت منذ كم أنت ههنا في الجبان فبكت ثم قالت يا بني منذ أربع وخمسين سنة
608 - كردويه بنت عمرو البصرية
ابو عبد الرحمن محمد بن الحسين قال كانت كردوية تخدم شعوانة فقيل لها ما الذي أصابك من بركات خدمة شعوانة قالت ما أحببت الدنيا منذ خدمتها ولااهتممت لرزقي ولا عظم (4/41)
في عيني أحد من أرباب الدنيا لطمع لي فيه وما استصغرت أحدا من المسلمين قط
609 - راهبة
عثمان بن سودة الطفاوي وكانت أمه من العابدات يقال لها راهبة قال لما احتضرت رفعت رأسها الى السماء فقالت يا ذخري وذخيرتي ويا من عليه اعتمادي في حياتي وبعد موتي لا تخذلني عند الموت ولا توحشني في قبري
قال فماتت فكنت آتيها في كل جمعة فأدعو لها واستغفر لها ولأهل القبور قال فرايتها ذات ليلة في منامي فقلت يا أماه كيف أنت قالت أي بني إن للموت لكربة شديدة وأنا بحمد الله لفي برزخ محمود نفترش فيه الريحان ونتوسد فيه السندس والإستبرق الى يوم النشور فقلت ألك حاجة قالت نعم قالت لا تدع ما أنت عليه من زيارتنا والدعاء لنا فإني لأبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا اقبلت من عند أهلك يقال لي يا راهبة هذا ابنك قد أقبل من أهله زائرا لك فأسر بذلك ويسر بذلك من حولي من الأموات
610 - سلمى
خلف بن الوليد الجوهري قال قالت سلمى امرأة بصرية إلهي علمي بشدة عقوبتك ونكالك قطع عني لذاذة الدنيا ونعيمها ومعرفتي بسعة رحمتك وسعت علي خلقي فيما بيني وبين عبادك
611 - مسكينة الطفاوية
إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عمار الراهب وكان والله من العاملين لله في دار الدنيا قال رأيت مسكينة الطفاوية في منامي (4/42)
وكانت من المواظبات على حلق الذكر فقلت مرحبا يا مسكينة مرحبا فقالت هيهات يا عمار ذهبت المسكينة وجاء الغنى الأكبر قلت هيه قالت ما تسأل عمن أبيح الجنة بحذافيرها يظل منها حيث يشاء قال قلت وبم ذاك يرحمك الله قالت بمجالس الذكر والصبر على الحق قال عمار وكانت تحضر معنا مجلس عيسى بن زاذان بالأبلة تنحدر من البصرة حتى تأتيه قاصدة قال عمار قلت يا مسكينة ما فعل عيسى فضجت ثم قالت كسي حلة البهاء وطافت بأباريق حوله الخدام ثم حلى وقيل يا قارئ ارق فلعمري لقد برأك الصيام وكان عيسى قد صام حتى انحى وانقطع صوته
612 - غنضكة
عن يوسف بن بهلول قال كانت امرأة بالبصرة يقال لها غنضكة العابدة تصلي عامة الليل ثم تقول اعوذ بالله من ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فإذا قضت صلاتها قالت هذا الجهد مني وعليك التكلان
ذكر المصطفيات من عابدات البصرة المعروفات بغيرهن
613 - امرأة ابي عمران الجوني
عويد بن أبي عمران الجوني قال كانت أمي تقوم من الليل تصلي حتى تعصب ساقيها بالخرق فيقول لها ابو عمران الجوني دون هذا يا هذه فتقول هذا عند طول القيام في الموقف قليل فيسكت عنها
614 - امرأة رياح القيسي
أبو يوسف البزاز قال تزوج رياح القيسي امرأة فبنى بها (4/43)
فلما أصبح قامت الى عجينها فقال لو نظرت الى امرأة تكفيك هذا فقالت إنما تزوجت رياحا القيسي ولم أرني تزوجت جبارا عنيدا فلما كان الليل نام ليختبرها فقامت ربع الليل ثم نادته قم يا رياح فقال أقوم فقامت الربع الآخر ثم نادته فقالت قم يا رياح فقال أقوم فلم يقم فقامت الربع الآخر ثم نادته فقالت قم يا رياح فقال اقوم فقالت مضى الليل وعسكر المحسنون وأنت نائم ليت شعري من غرني بك يا رياح قال وقامت الربع الباقي
عبد الله بن الحارث قال زوج شميط بن العجلان رياحا القيسي امرأة فبينا هو قاعد معها إذ نظرت الى السماء فشهقت شهقة فخرت مغشيا عليها
وقال رياح اغتممت مرة في شيء من أمر الدنيا فقالت أراك تغتم لأمر الدنيا غرني منكم شميط ثم أخذت هدبة من مقنعتها فقالت الدنيا اهون علي من هذه
عن سيار قال حدثني رياح قال ذكرت لي امرأة فتزوجتها فكانت إذا صلت العشاء الآخرة تطيبت وتدخنت ولبست ثيابها ثم تأتيني فتقول الك حاجة فإن قلت نعم كانت معي وإن قلت لا قامت فنزعت ثيابها ثم صفت بين قدميها حتى تصبح قال رياح ففحتني والله (4/44)
615 - ابنة ام حسان الأسدية
عن سفيان الثوري قال دخلت علي بنت حسان الأسدية وفي جبهتها مثل ركبة العنز من أثر السجود فقلت لها يا بنة أم حسان الا تاتين عبد الله بن شهاب بن عبد الله فلو رفعت إليه رقعة فلعله أن يعطيك من زكاة ماله ما تغيرين به بعض الحاجة التي أراها بك فدعت بمعجر فاعتجرت به وقالت يا سفيان قد كان لك في قلبي رجحان كثير فقد اذهب الله برجحانك من قلبي يا سفيان تامني أن اسال الدنيا من لا يملكها
قال سفيان وكان إذا جن عليها الليل دخلت محرابا لها واغلقت عليها ثم نادت إلهي خلا كل حبيب بحبيبه وانا خالية بك يا محبوب فما كان من سخن يسخن من عصاك إلا جهنم ولا عذاب إلاالنار
قال سفيان فدخلت عليها بعد ثلاث فإذا الجوع قد اثر في وجهها فقلت لها يا بنت أم حسان إنك لن تؤتي أكثر مما اوتي موسى والخضر عليهما السلام إذ أتيا أهل قرية استطعما أهلها
فقالت يا سفيان قل الحمد لله فقلت الحمد لله فقالت اعترفت له بالشكر قلت نعم قالت وجب عليك من معرفة الشكر شكر وبمعرفة الشكرين شكر لا ينقضي ابدا
قال سفيان فقصر والله علمي وفه لساني فوليت أريد الخروج فقالت يا سفيان كفى بالمرء جهلا أن يعجب بعلمه (4/45)
وكفى بالمرء علما أن يخشى الله أعلم أنه لن تنقى القلوب من الردى حتى تكون الهموم كلها فىالله هما واحدا
قال سفيان فقصرت إلى والله نفسى
616 - مملوكه لابراهيم النخعى
أبو الاحوص عن مغيرة أو غيرة قال كانت مولاة لابراهيم تعمد إلى اليوم الشديد الحر فتصومه فقيل فقيل لها انك تعمدين إلى أشد الايام حرا فتصومينه فقالت إن السعر إذا رخص اشتراة كل أحد
617 - جاريه عبيد الله بن الحسن العنبرى قاضى البصرة
عبيد الله بن الحسن القاضى العنبرى قال كانت عندى جاريه أعجميه وضيئه وكنت بها معجبا فكانت ذات ليله نائمه إلى جنبى فانتبهت فلم أجدها فالتمستها فإذا هى ساجدة تقول بحبك لى اغفرلى فقلت يا جاريه لاتقولى بحبك لى قولى بحبى لك اغفرلى فقالت يابطال حبه لي اخرجني من الشرك الى الإسلام فايقظ عيني وانام عينك فقلت اذهبي فأنت حرة لوجه الله قالت يا مولاي أسأت إلي كان لي أجران فصار لي أجر واحد
618 - جارية خالد الوراق
بلغنا عن خالد الوراق أنه قال كانت لي جارية شديدة الاجتهاد فدخلت عليها يوما فأخبرتها برفق الله وقبوله يسير العمل فبكت ثم قالت يا خالد إني لأؤمل من الله تعالى آمالا لو حملتها الجبال لأشفقت من حملها كما ضعفت عن حمل الأمانة وإني لأعلم أن في كرم الله مستغاثا لكل مذنب ولكن كيف لي بحسرة السباق قال قلت وما حسرة السباق قالت غداة الحشر إذا بعثر ما في القبور وركب الأبرار نجائب الأعمال فاستبقوا إلى الصراط وعزة سيدي لا يسبق (4/46)
مقصر مجتهدا أبدا ولو حبا المجد حبواأم كيف لي بموت الحزن والكمد إذا رأيت القوم يتراكضون وقد رفعت أعلام المحسنين وجاز الصراط المشتاقون ووصل إلى الله المحبون وخلفت مع المسيئين المذنبين ثم بكت وقالت يا خالد انظر لا يقطعك قاطع عن سرعة المبادرة بالأعمال فإنه ليس بين الدارين دار يدرك فيها الخدام ما فاتهم من الخدمة فويل لمن قصر عن خدمة سيده ومعه الآمال فهلا كانت الأعمال توقظه إذا نام البطالون
619 - الماوردية
ذكر أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن في تاريخه قال كانت عجوز صالحة زاهدة بالبصرة تعرف بالماوردية قاربت ثمانين سنة بقيت خمسين سنة لم تفطر ولم تنم بالليل ولم تأكل خبزا ولارطبا ولا تمرا وإنما تطحن لها باقلا وتخبز لها خبزا تقتات به وتأكل التين اليابس دون الرطب وتنال من الزيت والعنب واللحم الشيء اليسير وكانت تكتب وتقرأ وتعظ النسوان وكانت كثيرة الخير والبركة
وتوفيت يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة سنة ست وستين وأربعمائة وتبع جنازتها اكثر الناس ودفنت خارج البلد عند قبور الصالحين (4/47)
ذكر المصطفيات من عابدات البصرة المجهولات
620 - عابدة
عن يعلى بن حكيم قال قال سعيد بن جبير ما رأيت أرعى لحرمة هذا البيت ولا أحرص عليه من اهل البصرة ولقد رأيت جارية منهم ذات ليلة تعلقت باستار الكعبة فجعلت تدعو وتبكي وتتضرع حتى ماتت
621 - عابدة أخرى
عون بن أبي عمارة البصري قال قال أبو محرز الطفاوي شكوت إلى جارية لنا ضيق المكسب علي وأنا شاب فقالت لي يا بني استعن بعز القناعة عن ذل المطالب فكثيرا والله ما رأيت القليل عاد سليما
قال أبو محرز ما زلت بعد أعرف بركة كلامها في قنوعي
622 - عابدة أخرى
عن عبد الواحد قال اتينا امرأة متعبدة في ناحية البصرة لنسلم عليها فقيل لنا لا تصلون إليها قلنا ولم ذاك قالوا قد غلقت عليها الباب منذ ثلاث تبكي قلنا ولم ذاك قالوا قتلت نملة
623 - عابدة اخرى
عن سعيد بن عطارد قال ذكرت لي امرأة بالبصرة متعبدة فأتيتها فوجدتها تصلي فانصرفت فقالت ما اسمك فقلت سعيد قالت يا سعيد كل شيء شغلك عن الله فهو عليك مشوم ثم اقبلت على صلاتها وتركتني
624 - عابدة أخرى
علي بن الحسن قال كانت امرأة بالبصرة تقول لقلبها فقدتك من قلب ما أنساك أصبحت لعظمة الله ناسيا إلهي كيف لي بالقرب منك غدا وقاسي القلب منك بعيد (4/48)
625 - عابدة أخرى
عن صالح بن عبد الكريم قال رأيت امراة سوداء بالبصرة والناس مجتمعون عليها ثم قامت فدخلت دارا فدخلوا معها وأحدقوا بها فدنوت منها فقلت يا هذه أما تخافين العجب فرفعت رأسها فنظرت إلي ثم قالت كيف يعجب بعمله من لا يدري لعله قد رد عليه
626 - عابدة أخرى
الحسين بن جعفر قال سمعت أبي قال صليت العيد في الجبان ثم انفردت فإذا انا بعجوز رافعة يديها وهي تقول انصرف الناس ولم اشعر قلبي اليأس يا صاحب الصدقة ها أناذه منصرفة فليت شعري ما زودتني رب ارحم ضعفي وكبر سني خرجت ارجوك فلا تخيب حسن ظني بك وهي تبكي فما انتفعت بنفسي يومي
627 - عابدة أخرى
حماد بن سلمة قال خرجت في ليلة ظلماء ذات برد وريح ومطر ومعي شوي قلت اقسمه في جيراني قال فإذا أنا بامرأة قد خرجت وهي تقول يا رفيق ارفق بنا
قال قلت مالك رحمك الله قالت يا حماد إنه دخل هذا المطر على يتامى تحت فرشهم فقلت يا رفيق ارفق بنا فدخلت فوجدته أيبس مما كان فقلت هاك رحمك الله هذا الشيء فأنفقيه على نفسك وعلى أيتامك فقالت إليك عني يا حماد فإني إنما اسأل أجود الأجودين (4/49)
عفان بن مسلم قال قال لي حماد بن سلمة الح المطر علينا سنة من السنن وفي جواري امرأة من المتعبدات لها بنات أيتام فوكف السقف عليهم فسمعتها تقول يا رفيق ارفق بي فسكن المطر فأخذت صرة فيها عشرة دنانير وقرعت بابها فقالت اجعله حماد بن سلمة فقلت أنا حماد سمعتك وقد تأذيت بالمطر فقلت يا رفيق ارفق بنا فما بلغ من رفقه بك فقالت سكن المطر وأدفأ الصبيان وجفف البيت
قال فأخرجت الدنانير وقلت انتفعي بهذه فإذا صبية عليها مدرعة من صوف تستبين خروقها قد خرجت علي وقالت ألا تسكت يا حماد تعترض بيننا وبين ربنا ومولانا ثم قالت يا أماه قد علمنا أنا لما شكونا مولانا أنه سيبعث إلينا بالدنيا ليطردنا من بابه ألصقت خدها بالتراب ثم قالت أما أنا وعزتك لا زايلت بابك وإن طردتني
ثم قالت يا حماد رد عافاك الله دنانيرك إلى الموضع الذي أخرجتها منه فإنا رفعنا حوائجنا إلى من يقبل الودائع ولا يبخس المعاملين
عن عبيد الله بن محمد القرشي قال كانت امرأة من عباد أهل البصرة وكان لها أولاد فأصابها مطر في بعض الليل فوكف عليها (4/50)
البيت فجعلت تنقل أولادها من موضع إلى موضع فلا يزداد الوكف إلاشدة فلما أذلقها ذلك قالت يا رفيق ارفق بي
قال فما أصابها من ذلك المطر قطرة واحدة ومن المصطفيات من عاقلات المجانين بالبصرة
628 - جارية
عن عبد الواحد قال قال عتبة الغلام خرجت من البصرة فإذا أنا بخباء أعراب قد زرعوا وإذا أنا بخيمة وفي الخيمة جارية مجنونة عليها جبة صوف عليها مكتوب لا تباع ولا تشترى فدنوت فسلمت عليها فلم ترد علي السلام ثم وليت فسمعتها تقول
زهد الزاهدون والعابدونا ... إذ لمولاهم أجاعوا البطونا
أسهروا الأعين القريحة فيه ... فمضى ليلهم وهم ساهرونا
حيرتهم محبة الله حتى ... علم الناس أن فيهم جنونا
هم ألبا ذوو عقول ولكن ... قد شجاهم جميع ما يعرفونا
قال فدنوت إليها فقلت لمن الزرع فقالت لنا إن سلم
فتركتها وأتيت بعض الأخبية فأرخت السماء كأفواه القرب فقلت والله لآتينها فأنظر قصتها في هذا المطر فإذا أنا بالزرع قد غرق وإذا هي قائمة وهي تقول والذي اسكن قلبي من طرف صفاء مودة محبته إن قلبي ليوقن منك بالرضا ثم التفتت إلى فقالت يا هذا إنه زرعه فانبته وأقامه فسنبله وركبه فشققه (4/51)
وأرسل عليه غيثا متغطمطا فقاه واطلع عليه فحفظه فلما دنا حصاده أهلكه ثم رفعت رأسها نحو السماء فقالت العباد عبادك وارزاقهم عليك فاصنع ما شئت فقلت لها كيف صبرك فقالت اسكت يا عتبة
إن إلهي لغني حميد ... في كل يوم منه رزق جديد
الحمد لله الذي لم يزل ... يفعل بي أكثر مما أريد
قال عتبة فوالله ما ذكرت كلامها إلا هيجتني انتهى ذكر أهل البصرة
ذكر المصطفين من أهل الأبلة
629 - عابد
أبو إسحاق الهروي قال كنت مع ابن الخروطي بالبصرة فأخذ بيدي وقال قم حتى نخرج إلى الأبلة فلما قربنا ونحن نمشي على شاطئ الأبلة في الليل والقمر طالع إذ مررنا بقصر لجندي فيه جارية تضرب بالعود فوقفنا في فناء القصر نستمع وفي جانب القصر الآخر في ظل القمر فقير بخرقتين واقف فقالت الجارية
كل يوم تتلون ... غير هذا بك أجمل
فصاح الفقير وقال أعيديه فهذا حالي مع الله تعالى فنظر صاحب الجارية الى الفقير فقال لها اتركي العود وأقبلي عليه فإنه صوفي فأخذت تقول والفقير يقول هذا حالي مع الله تعالى والجارية (4/52)
تردد إلى أن زعق الفقير زعقة خر مغشيا عليه فحركناه فإذا هو ميت فقلنا مات الفقير
فلما سمع صاحب القصر بموته نزل فأدخله القصر فاغتممنا وقلنا هذا يكفنه من غير وجهه فصعد الجندي وكسر كل ما كان بين يديه فقلنا ما بعد هذا إلا خير ومضينا إلى الأبلة وبتنا وعرفنا الناس
فلما أصبحنا رجعنا إلى القصر وإذا الناس مقبلون من كل وجه إلى الجنازة كأنما نودي في البصرة حتى خرج القضاة والعدول وغيرهم وإذا الجندي يمشي خلف الجنازة حافيا حاسرا حتى دفن
فلما هم الناس بالانصراف قال الجندي للقاضي والشهود اشهدوا أن كل جارية لي حرة لوجه الله تعالى وكل ضياعي وعقاري حبس في سبيل الله وفي صندوق لي أربعة آلاف دينار وهي في سبيل الله
ثم نزع الثوب الذي كان عليه فرمى به وبقي بسراويله فقال القاضي عندي مئزران من وجههما تقبلهما فقال شأنك فحملهما إليه فاتزر بواحد واتشح بالآخر وهام على وجهه فكان بكاء الناس عليه أكثر من بكائهم على الميت
ذكر المصطفيات من عابدات الأبلة شعوانة
معاذ بن الفضل أبو عون قال بكت شعوانة حتى خفنا عليها العمى فقلنا لها في ذلك فقالت أعمى والله في الدنيا من البكاء احب إلي من أن أعمى في الآخرة من النار
مالك بن ضيغم قال كان رجل من أهل الأبلة يأتي أبي كثيرا فيذكر له شعوانة وكثرة بكائها فقال له أبي يوما صف لي بكاءها (4/53)
فقال يا أبا مالك أصف لك هي والله تبكي الليل والنهار لا تكاد تفتر قال ليس عن هذا أسألك كيف تبتدئ بالبكاء قال نعم يا أبا مالك تسمع الشيء من الذكر فترى الدموع تنحدر من جفونها كالقطر قال فمجاري الدموع من المآق الذي على الأنف أكثر أم مؤخر العين مما يلي الصدغ قال يا أبا مالك إن دموعها أكثر من أن يعرف هذا من هذا ما هي إلا أن تسمع الذكر فتجيء عيناها بأربع نجوما متبادرة جدا
فبكى أبي وقال ما أرى الخوف إلا قد أحرق قلبها كله ثم قال كان يقال إن كثرة الدموع وقلتها على قدر احتراق القلب حتى إذا احترق القلب كله لم يشأ الحزين ان يبكي إلا بكى والقليل من التذكرة بحزنه
قال مالك بن ضيغم وقال لي أبي يوما انطلق مع منبوذ حتى تأتي هذه المرأة الصالحة فتنظر إليها يعني شعوانة فانطلقت أنا وأبو همام إلى الأبلة ثم غدونا عليها فدخلنا فسلم عليها منبوذ وقال هذا ابن اخيك ضيغم فرحبت بي وتحفت وقالت مرحبا بابن لم نره ونحن نحبه أما والله يا بني إني لمشتاقة إلى ابيك وما يمنعني من إتيانه إلا اني اخاف ان اشغله عن خدمة سيده وخدمة سيده اولى به من محادثة شعوانة
قال ثم قالت ومن شعوانة وما شعوانة أمة سوداء عاصية
قال ثم اخذت في البكاء فلم تزل تبكي حتى خرجنا وتركناها (4/54)
يحيى بن بسطام قال كنت اشهد مجلس شعوانة كثيرا فكنت أرى ما تصنع بنفسها فقلت لصاحب لي يقال له عمران بن مسلم لو اتيناها إذا خلت قال فانطلقنا انا وهو إلى الأبلة فاستأذنا عليها فأذنت لنا فإذا منزل رث الهيئة اثر الجدب عليه بين فقال لها صاحبي لو رفقت بنفسك فقصرت عن هذا البكاء شيئا كان أقوى لك على ما تريدين قال فبكت ثم قالت والله لوددت اني ابكي حتى تنفد دموعي ثم ابكي الدماء حتى لا تبقى في جسدي جارحة فيها قطرة من دم وأنى لي البكاء قال فلم تزل تردد حتى انقلبت حدقتاها ثم مالت ساقطة مغشيا عليها فقمنا فخرجنا وتركناها على تلك الحال
روح بن سلمة قال قال لي مضر ما رأيت احدا اقوى على كثرة البكاء من شعوانة ولا سمعت صوتا قط أحرق لقلوب الخائفين من صوتها إذا هي نشجت ثم نادت يا موتى وبني الموتى وإخوة الموتى
قال محمد وقلت لأبي عمر الضرير أتيت شعوانة قال قد شهدت مجلسها مرارا ما كنت أفهم ما تقول من كثرة بكائها قلت فهل تحفظ من كلامها شيئا قال ما حفظت من كلامها شيئا أذكره الساعة إلا شيئا واحدا قلت وما هو قال سمعتها تقول من استطاع منكم أن يبكي فليبك وإلا فليرحم الباكي فإن الباكي إنما يبكي لمعرفته بما أتى إلى نفسه
عن الحارث بن المغيرة قال كانت شعوانة تنوح بهذين البيتين
يؤمل دنيا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل (4/55)
حثيثا يروي اصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
الحسن بن يحيى قال كانت شعوانة ترددى هذا البيت فتبكي وتبكي النساك معها تقول
لقد أمن المغرور دار مقامه ... ويوشك يوما أن يخاف كما أمن
عن فضيل بن عياض قال قدمت شعوانة فأتيتها فشكوت إليها وسألتها أن تدعو بدعاء فقالت يا فضيل اما بينك وبين الله ما إن دعوته استجاب لك قال فشهق الفضيل وخر مغشيا عليه عن محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال كانت شعوانة قد كمدت حتى انقطعت عن الصلاة والعبادة فأتاها آت في منامها فقال
أذري جفونك إما كنت شاجية ... إن النياحة قد تشفي الحزينينا
جدي وقومي وصومي الدهر دائبة ... فإنما الدوب من فعل المطيعينا
فأصبحت فأخذت في الترنم والبكاء وراجعت العمل
إبراهيم بن عبد الملك قال قدمت شعوانة وزوجها مكة فجعلا يطوفان فإذ أكل أو أعيا جلس وجلست خلفه فيقول هو في جلوسه أنا العطشان من حبك لا أروي وتقول هي بالفارسية أنبت لكل داء دواء في الجبال ودواء المحبين في الجبال لم ينبت رضي الله عنها (4/56)
631 - خشة الأبلية
يعقوب بن محمد قال قالت خشة الأبلية إن الذنوب أقل في جودك من أن لا تغفرها فمن ثم خلا قلبي من الذنوب لمحبتك رضي الله عنها ومن عقلاء المجانين بالأبلة
632 - ريحانة
أبو القاسم بن سعيد قال سمعت صالحا المري يقول رأيت ريحانة المجنونة فسلمت عليها فقالت لي يا صالح اسمع
بوجهك لا تعذبني فإني ... أؤمل أن أفوز بخير دار
وأنت مجاور الأبرار فيها ... ولولا أنت ما طاب المزار
عن الربيع قال بت أنا ومحمد بن المنكدر وثابت البناني عند ريحانة المجنونة بالأبلة فقامت أول الليل وهي تقول
قام المحب إلى المؤمل قومة ... كاد الفواد من السرور يطير
فلما كان جوف الليل سمعتها تقول أيضا
لا تأنسن بمن توحشك نظرته ... فتمنعن من التذكار في الظلم
واجهد وكد وكن في الليل ذا شجن ... يسقيك كأس وداد العز والكرم
قال ثم نادت واحرباه واسلباه فقلت مم ذا فقالت
ذهب الظلام بأنسه وبألفه ... ليت الظلام بأنسه يتجدد
انتهى ذكر أهل الأبلة رضي الله عنهم (4/57)
ذكر المصطفين من عباد عبادان رضي الله عنهم
أبو بكر المروزي قال سمعت عبد الصمد يقول قال لي بشر بن الحارث عبادان ميدان العباد
قال المروزي وقال لي أبو عبد الله أحمد بن حنبل مازال العباد يأتونها وقد رأيت بها هدابا العابد
محمد بن نعيم بن الهيصم قال سمعت بشر بن الحارث قال من اراد الزهد والعمل فليأت عبادان وددت أني في زاوية من زوايا عبادان في عافية حرسها الله تعالى
633 - سعيد بن عطارد رضي الله عنه
اسحاق بن عباد قال سمع سعيد بن عطارد ضجة في مسجد أبي عاصم بالليل فقام فقال تذهب بهذا الدرهم السوق تلقيه في هذه الجياد لعل الله عزوجل يتجاوز به
عبد الصمد قال كان سعيد بن عطارد بكاء رضي الله عنه
634 - عابد من بني سعد
أبو عاصم العباداني قال كان رجل من بني سعد يقدم علينا في أول ما اتخذت عبادان فكانت إذ ذاك وبيئة قال فكان يصلي الليل والنهار لا يكاد يفتر فإذا كان السحر احتبى واستقبل البحر فجعل يبكي وينوح على نفسه (4/58)
قال فإذا أحس بإنسان امسك قال فخرجت ذات ليلة إلى الساحل فإذا أنا بصوته وإذا هو يبكي ويقول في بكائه
ألا يا عين ويحك أسعديني ... بطول الدمع في ظلم الليالي
لعلك في القيامة أن تفوزي ... بخير الدهر في تلك العلالي
قال فلما احس أمسك فرجعت وتركته
635 - عابد آخر
سلم بن زرعة بن حماد ابو المرضى شيخ بعبادان له عبادة وفضل قال ملح الماء عندنا منذ نيف وستين سنة وكان ههنا رجل من اهل الساحل له فضل قال ولم يكن في الصهاريج شيء وحضرت المغرب فهبطت لأتوضأ للصلاة من النهر وذلك في رمضان وحر شديد فإذا أنا به وهو يقول سيدي أرضيت عملي حتى أتمنى عليك أم رضيت طاعتي حتى أسألك سيدي غسالة الحمام لمن عصاك كثير سيدي لولا اني اخاف غضبك لم أذق الماء ولقد أجهدني العطش
قال ثم أخذ بكفيه فشرب شربا صالحا فتعجبت من صبره على ملوحته فأخذت من الموضع الذي أخذ فإذا هو بمنزلة السكر فشربت حتى رويت
قال أبو المرضي فقال لي هذا الشيخ يوما رأيت فيما يرى النائم كأن رجلا يقول لي قد فرغنا من بناء دارك لو رأيتها قرت عيناك وقد أمرنا بنجدها والفراغ منها الى سبعة أيام واسمها السرور فأبشر بخير فلما كان اليوم السابع وهو يوم الجمعة بكر للوضوء فنزل في في النهر وقد مد فزلق فغرق فأخرجناه بعد الصلاة فدفناه (4/59)
قال أبو المرضي فرايته بعد ثالثة في النوم وهو يجيء الى القنطرة وهو يكبر وعليه حلل خضر فقال لي يا ابا المرضي أنزلني الكريم دار السرور فما أعد لي فيها فقلت صف لي فقال هيهات يعجز الواصفون عن أن تنطق ألسنتهم بما فيها فاكتسب مثل الذي اكتسبت وليت أن عيالي يعلمون أن قد هيئ لهم منازل معي فيها كل ما اشتهت أنفسهم نعم وإخواني وأنت معهم إن شاء الله ثم انتبهت
636 - عابد آخر
العطار قال سمعت بشر بن الحارث يقول رايت رجلا على ساحل عبادان قد قطع الجذام يديه ورجليه وقد ذهب بصره فجعلت أنظر إليه واقول في نفسي مجذوم مكفوف قال فصاح وقال من ذا المتكلف الذي يدخل بيني وبين مولاي قال بشر فأدبني قوله
637 - عابد آخر
علي بن سعيد العطار قال مررت بعبادان بمكفوف مجذوم وإذا الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه فقلت الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفتح من عيني ما اغلق من عينك
قال بينما انا اردد الحمد إذ صرخ فبينا هو يتخبط نظرت إليه فإذا هو مقعد فقلت مكفوف يصرع مقعد مجذوم قال فما استتممت حتى صاح يا متكلف ما دخولك فيما بيني وبين ربي دعه يفعل بي ما شاء ثم قال وعزتك وجلالك لو قطعتني إربا إربا أو صببت علي البلاء صبا ما ازددت إلا حبا رضي الله عنه (4/60)
638 - عابد آخر
عابد بعبادان قال مكثت ستة ايام لم أطعم شيئا قال قلت أجرب نفسي على الصبر فلما كانت الليلة السابعة دخل في قلبي من ذلك سرور و رأيت أني قد صبرت وعملت شيئا فإذا بقائل يقول لم تبلغ كنه الصابرين إنما الصابرون المستقلون لأعمالهم الخائفون عليها من فسادها الوجلون من ردها عليهم فأولئك هم الصابرون
639 - عابد آخر
أحمد بن محمد البزاز قال كنت بعبادان وكانت ليلة عاشوراء فدخلت الى دار السبيل فرايت فقيرا جالسا يأكل خبز الشعير وملحا جريشا فاحترق قلبي عليه وكان معي ألف دينار للتفرقة بعبادان فسألت عنه فقيل هو أفضل من ههنا في الزهد ومنازلة الفقر فقلت في نفسي أعطيه الدنانير التي معي فإني لا أعرف المستحقين
فلما أصبحنا قصدته وسلمت عليه وجلست إليه وباسطني وباسطته فقلت له رأيت الشيخ البارحة يأكل خبز الشعير وملحا جريشا وأعلم أنه كان صائما فحملت إليه شيئا ليتحكم فيه وقدمت إليه الكيس وقلت له هو ألف دينار فشدد النظر وقال خذه فإن هذا جزاء من أفشى سره الى الناس
640 - عابد آخر
أبو الخير الأسود المعروف بالعسقلاني قال كان بعبادان رجل زنجي مفلفل الشعر يأوي الخربات فحملت معي شيئا وطلبته (4/61)
فلما رفع بصره تبسم وأشار بيده إلى الأرض فرأيت حوالي حيث أرى دراهم ودنانير تلمعان ثم قال لي هات ما معك فناولته وهربت وهالني أمره
641 - عابد آخر
عبد الله بن محمد قال كتب إلي إسحاق بن موسى الأنصاري يذكر أن عباد بن كليب حدثهم قال كنت بعبادان فرأيت شابا من قريش عليه جبة صوف فسمعته يقول إن لله عبادا يستروحون إلى الغموم فقلت يرحمك الله تلبس الصوف فقال إنما أنا عبد فإذا أعتقت لبست فذكرت ذلك لشريك فقال ما أكره الصوف لمثل هذا ما خرج هذا الكلام إلا من كنز
642 - عابد آخر
بحر بن يحيى العابد قال رأيت عابدا بعبادان يبكي عامة الليل والنهار فقلت له يا أخي كم تبكي فازداد بكاء ثم قال لي فما اصنع إذا لم أبك فما أصنع إذا لم أبك وغشي عليه ومن عابدات عبادان
643 - عابدة
صالح بن عبد الله قال خرجنا إلى عبادان منذ نحو من ستين سنة فلما صرنا عند الجبل في بعض تلك السكك ومعنا قارئ لنا فقرأ فإذا امرأة على سطح فصرخت ثم سقطت من السطح فحملت فأدخلت دارا ثم ما برحنا حتى ماتت
قال ونودي في أهل البصرة فما رأيت يوما أحسن ولاأكثر جمعا من ذلك اليوم انتهى ذكر أهل عبادان (4/62)
644 - ذكر مجنون بمهرجان قذق
أبو همام إسرائيل بن محمد القاضي كان بمهرجان قذق رجل يقال له سابق وكان معتوها ذاهب العقل قد توحش فكان مأواه الخربات والغياض والمقابر قال وكنت أحب أن اكلمه واسمع جوابه فقيل لي يوما هو في المقابر فقمت حافيا فدخلت المقابر فإذا أنا به منكس رأسه في قبر فلم يعلم حتى سلمت فرفع رأسه فقال وعليكم السلام
قال وهبته فانقطعت ولم اتكلم فرأى ذلك في فقال يا إسرائيل خف الله خوفا لا يشغلك عن الرجاء فإنك إن ألزمت قلبك الرجاء شغلته عن الخوف وفر إلى الله ولا تفر منه فإنه مدركك ولن تعجزه ولا تطع المخلوق في معصية الخالق واعلم أن لله تعالى يوما تشخص فيه القلوب والأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء
قال ثم قام فتخطى حائطا ومضى في الخرابات فقلت للذي يحفر القبور إذا جاء فأتني فاعلمني
فمكث شهرا أو اكثر قال واتاني الرجل فقال قد دخل الساعة المقابر فقمت إليه في غير نعل ولا رداء فلما بصر بي ولى وأسرعت فقلت يا سابق لاأعود إليك بعد اليوم فوقف فقلت علمني كلمات أدعو بهن فقال إن آخذ الكلام للقلوب ما جاء من (4/63)
القلوب وإن افضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس ثم قال قل اللهم اجعل نظري عبرة وسكوتي فكرة وكلامي ذكرا ثم ولى مسرعا
ذكر من اصطفى من أهل تستر
645 - سهل بن عبد الله بن يونس التستري يكنى أبا محمد رضي الله عنه
العباس بن احمد قال سمعت سهل بن عبد الله يقول آلة الفقير ثلاثة أشياء حفظ سره وأداء فرضه وصيانة فقره
أبو بكر الجوزي قال سمعت سهل بن عبد الله يقول ليس كل من عمل بطاعة الله صار حبيب الله ولكن من اجتنب ما نهى الله عنه صار حبيب الله ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب وأما أعمال البر فيعلمها البر والفاجر
أخبرنا محمد قال أنا حمد قال أنا أحمد بن عبد الله قال سمعت ابا الحسن بن مقسم يقول سمعت ابا بكر محمد بن المنذر يقول قال سهل بن عبد الله من دق الصراط عليه في الدنيا عرض عليه في الاخرة ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق له في الآخرة
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سلمة قال سمعت سهل بن عبد الله يقول استجلب حلاوة الزهد بقصر الأمل واقطع أسباب الطمع بصحة اليأس وتعرض لرقة القلب بمجالسة اهل الذكر واستفتح باب الحزن بطول الفكر وتزين لله بالصدق في كل الأحوال وإياك والتسويف فإنه يغرق الهلكى وإياك والغفلة فإن فيها سواد القلب واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر (4/64)
أبو حفص بن شاهين قال قرأت على جعفر بن محمد الثقفي سمعت سهل بن عبد الله يقول أول الحجاب الدعوى فإذا أخذوا في الدعوى حرموا
أبو بكر أحمد بن محمد السائح قال سمعت القاسم بن محمد صاحب سهل يقول سمعت سهل بن عبد الله يقول ليس بين العبد وبين الله حجاب أغلظ من الدعوى ولا طريق أقرب إليه من الافتقار
علي بن سالم سمعت سهل بن عبد الله وقيل له أي شيء اشد على النفس فقال الإخلاص لأنه لها فيه نصيب
محمد بن الحسن بن الصباح قال سمعت سهل بن عبد الله يقول أمس قد مات واليوم في النزع وغد لم يولد
أبو العباس الخواص جارنا بالدور قال كنت عند سهل ابن عبد الله وكنت أحب شيئا من امره الذي كان يسره وقد كنت سألت جماعة من أصحابه من أين يقتات فلم يقف أحد منهم على شيء فيخبرني به فجئت ليلة إلى مسجده وهو قائم يصلي فوقفت طويلا وهو لا يرجع حتى جاءت شاة فزحمت باب المسجد وانا أراها فلما سمع سهل حركة الباب ركع وسجد وسلم وخرج الى باب المسجد ففتحه وقدم الشاة إليه ومسح يده عليها وقد كان أخرج معه قدحا أخذه من طاق في المسجد فحلب وشرب ثم مسح يده عليها وكلمها بالفارسية فذهبت في الصحراء ودخل هو إلى المسجد وقام في محرابه محمد بن الحسن بن الصباح قال قال سهل بن عبد الله التسترى من أراد أن ينظر إلى مجلس الانبياء فلينظر إلى مجالس (4/65)
العلماء ويجيء الرجل فيقول يا فلان اي شيء تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول طلقت امرأته ويجيء آخر فيقول بما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا فيقول ليس يحنث بهذا القول وليس هذا إلا لنبي أو لعالم فاعرفوا لهم ذلك
أسند سهل عن خاله محمد بن سوار ولقي ذا النون وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقيل ثلاث وسبعين رضي الله عنه ومن المصطفين من اهل شيراز
646 - أبو اسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي
ولد في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة وتفقه على جماعة منهم أبو الطيب الطبرى ودخل بغداد فى سنه خمس عشرة وأربعمائه وسمع الحديث من البرقانى وأبى على بن شاذان ورأى رسول الله فى منامه فقال له يا شيخ فكان يفرح ويقول سمانى رسول الله صلى الله عليه و سلم شيخا
وقال كنت أعيد كل درس مائه مرة وإذا كان فى المسئله بيت يستشهد به حفظت القصيدة كلها لاجله وكان عاملا بالعلم وصابرا على خشونه العيش
وقال يوما لبعص أصحابه وكلتك فى أن تشترى لى دبسا بهذا القرص على وجه الاخر فمضى واشترى وجاء به وشك بأى القرصين اشترى فما أكل الشيخ وقال لاأدرى هل اشتريت بالقرص الذى وكلتك فيه أم بالاخر (4/66)
وكان يوما يمشي ومعه بعض أصحابه فعرض في الطريق كلب فزجره الصاحب فنهاه أبو اسحاق وقال لم طردته عن الطريق أما علمت أن الطريق بيني وبينه مشترك
وقال أبو الوفاء ابن عقيل شاهدت شيخنا أبا إسحاق لايخرج شيئا إلى فقير إلا أحضر النية ولا يتكلم في المسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق دون التحسن للخلق ولا صنف مسألة إلا بعد أن صلى ركعات فلا جرم شاع اسمه وانتشرت تصانيفه شرقا وغربا هذه بركات الإخلاص
وتوفي أبو اسحاق في سنة ست وسبعين ورئى في المنام وعليه ثياب بيض وعلى رأسه تاج فقيل له ما هذا البياض فقال شرف الطاعة قيل والتاج قال عز العلم رضي الله عنه ومن المصطفين من اهل كرمان
647 - شاه بن شجاع الكرماني
يكنى ابا الفوارس كان من أبناء الملوك فتزهد رضي الله عنه
أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت جدي ابا عمرو بن نجيد يقول كان شاه بن شجاع حاد الفراسة وقيل ما أخطأت فراسته
وكان يقول من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهرة باتباع السنة وعود نفسه أكل الحلال لم تخط له فراسة (4/67)
ابن الحشا قال قال شاه الكرماني من صحبك ووافقك على ما يحب وخالفك فيما يكره فإنما يصحب هواه ومن صحب هواه فهو يطلب راحة الدنيا
أبو علي الأنصاري قال سمعت شاه بن شجاع الكرماني يقول لأهل الفضل فضل ما لم يروه فإذا رأوه فلا فضل لهم ولأهل الولاية ولاية ما لم يروها فإذا رأوها فلا ولاية لهم
صحب شاه بن شجاع أبا تراب النخشبي وأبا عبيد البسري وغيرهما ولا نعلمه اسند حديثا
وحكى السلمى عن عبد الله بن محمد الرازي قال أظنه مات بعد سبعين ومائتين رضي الله عنه ومن المصطفين من أهل أرجان
648 - عابدة
عبد ربة الخواص قال قالت كان بأرجان امرأة فارسية تقول يا مولاي تدبرت حكمتك في خلقك فإذا العدل منك يقصمهم ثم رجعت بعد إلى معرفتي بسعة رحمتك فعلعت أن عفوك يسعهم مولاي اخرت الخاطئين فلم تعجل عليهم بالعقوبة فلقد أطمعهم حسن إنظارك لهم في حسن عفوك عن جرائم الخاطئين وما يمنعهم من ذلك وقد تقدم إلى الأمم إحسانك قبل ذلك
قال وكانت تنوح على نحو هذا الكلام وتبكي رضي الله عنها (4/68)
ومن المصطفين من أهل سجستان
649 - ابو داود السجستاني
واسمه سليمان بن الأشعث بن إسحاق كان من أكبر أئمة المحدثين وعلمائهم بالنقل وعلله ولم يسبقه أحد إلى مثل تصنيفه كتاب السنن وعرضه على أحمد بن حنبل فاستحسنه
وقال إبراهيم الحربي ألين الحديث لأبي داود كما الين الحديد لداود وجمع مع علمه الورع والتقوى
أبو بكر بن راشد قال سمعت أبا داود يقول كتبت عن رسول الله ص خمس مائة ألف حديث وانتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة الف وثمان مائة حديث ذكرت الصحيح وما يشابهه وما يقاربه ويكفي الإنسان لدينه من ذلك اربعة أحاديث أحدها قوله ص الأعمال بالنيات والثاني قوله ص من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث قوله ص لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه والرابع قوله ص الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات الحديث (4/69)
عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري قال أخبرني محمد بن بكر بن عبد الرزاق في كتابه قال كان لأبي داود السجستاني كم واسع وكم ضيق فقيل له يرحمك الله ما هذا قال الواسع للكتب والآخر لا يحتاج إليه
عن إبراهيم عن علقمة قال كان عبد الله يشبه بالنبي ص
في هديه ودله وكان علقمة يشبه بعبد الله
وقال جرير بن عبد الحميد كان إبراهيم يشبه بعلقمة وكان منصور يشبه بإبراهيم
وقال جرير كان سفيان يشبه بمنصور
وقال عمر بن أحمد قال أبو علي القوهستاني كان وكيع يشبه بسفيان وكان أحمد بن حنبل يشبه بوكيع وكان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل رضي الله عنهم
أبو بكر بن أبي داود قال سمعت ابي يقول الشهوة الخفية حب الرياسة
كتب أبو داود عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والبصريين والجزريين وغيرهم وسمع من مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وخلق لا يحصون وكتب عنه أحمد بن حنبل حديثا واحدا وأصله من سجستان ثم سكن البصرة وقدم بغداد مرارا
وتوفي بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين (4/70)
ومن المصطفين من أهل ديبل
650 - أبو عبد الله الديبلي
محمد بن منصور الطوسي قال سمعت أبا عبد الديبلى يقول كلمني بعض إخواني مرة أن أشتري لعيالي دارا فاشتريت لهم دارا وكان الله تعالى قد وهب لي طي الأرض فقص جناحي فبعث إلي بعض إخواني إلقنا الليلة في موضع كذا وكذا على مسافة من الأرض فبعث إليهم قد قص جناحي فادعوا لي فبعثوا إلي صلة من الموضع الذي انقص فرجعت فحرقت الصك فرد الله على ما كان ذهب مني
ذكر المصطفين من عباد البحرين
651 - خليفة العبدي
هلال بن دارم قال كان خليفة العبدي جارا لنا بالبحرين فكان يقوم إذا هدأت العيون فيقول اللهم إليك قمت أبتغي ما عندك من الخيرات ثم يعمد الى محرابه فلا يزال يصلي حتى يطلع الفجر
قال وحدثتني عجوز كانت تكون معه في الدار قالت كنت أسمعه يدعو في السجود يقول هب لي إنابة إخبات وإخبات منيب وزيني في خلقك بطاعتك وحببني لديك بحسن خدمتك وأكرمني إذا وفد إليك المتقون فأنت خير مسئول وخير معبود وخير مشكور وخير محمود (4/71)
وقالت كنت أسمعه إذا دعا في السحر يقول قام البطالون وقمت معهم قمنا إليك ونحن متعرضون لجودك فكم من ذي جرم عظيم قد صفحت له عن جرمه وكم من ذي كرب عظيم قد فرجت له عن كربه وكم من ذي ضر كثير قد كشفت له عن ضره فبعزتك ما دعانا إلى مسألتك بعد ما انطوينا عليه من معصيتك إلا الذي عرفتنا من جودك وكرمك فأنت المؤمل لكل خير والمرجو عند كل نائبة
بكر بن مصادر قال قال خليفة العبدي وكان ممن ينظر بنور الله وينطق بحكمته أصبح الخلق على خطر من الله عظيم وهم عن ذاك معرضون فإنا لله وإنا إليه راجعون
قال وكان خليفة قد أخلقه الدؤوب والكلال
يحيى بن بسطام قال قال ضيغم صلى خليفة العبدي حتى انشقت قدماه
652 - عابد آخر
إبراهيم بن عيسى اليشكري قال دخلت على رجل بالبحرين قد اعتزل الناس وتفرغ لنفسه فذاكرته شيئا من أمر الآخرة وذكر الموت قال فجعل والله يشهق حتى خرجت نفسه وأنا انظر إليه قال فدخل الناس عليه فقالوا يا عبيد الله ما أردت إلى هذا لعلك أن تكون ذاكرته بشيء من أمر الموت قال قلت أجل والله لقد كان ذلك قال فبكى رجل من جيرانه وقال رحمك الله لقد خفت أن يقتلك ذكر الموت حتى والله لقد قتلك قال ثم جهزناه ودفناه رضي الله عنه
653 - عابد أخر
قال مسمع سمعت عابدا من أهل البحرين يقول في جوف الليل ونحن على بعض السواحل قرة عيني وسرور قلبي ما الذي أسقطني (4/72)
من عينك يا مانح العصم قال ثم صرخ وبكى ثم نادى طوبى لقلوب ملأتها خشيتك واستولت عليها فمحبتك مانعة لها من كل لذة غير مناجاتك والاجتهاد في خدمتك وخشيتك قاطعة لها عن كل معصية خوفا لحلول سخطك ثم بكى وقال يا اخوتاه ابكوا على خوف فوت الآخرة حيث لا رجعة ولا حيلة
ذكر المصطفيات من عابدات البحرين
654 - منيفة بنت أبي طارق
مسمع بن عاصم المسمعي قال كانت بالبحرين امرأة عابدة يقال لها منيفة فكانت إذا هجم الليل عليها قالت بخ بخ يا نفس قد جاء سرور المؤمن فتتحزم وتلبس وتقوم إلى محرابها فكأنها الجذع القائم حتى تصبح فإذا أصبحت وأمكنت الصلاة فإنما هي في صلاة حتى ينادي بالعصر فإذا صلت العصر هجعت إلى غروب الشمس هذا دأبها فقيل لها لو جعلت هذه النومة في الليل كان أهدأ لبدنك فقالت لا والله لا أنام في ظلمة الليل ما دمت في الدنيا
قال أبو سفيان فحدثني رجل من أهلها قال فمكثت كذلك أربعين سنة ثم ماتت
قال أبو سفيان فحدثني رجل من البحرين يقال له عامر بن مليك قال رأيت منيفة بعد موتها في منامي فقلت يا منيفة ما حال الناس هناك فأقبلت علي وقالت عن أي حالهم تسأل الدار واحدة لأهل الطاعة يتعالون فيها بالأعمال ولا تسأل عن حال أهل النار قال فبكيت والله من قولها لا تسأل عن حال أهل النار ثم وليت فأتبعتني (4/73)
صوتا يا عامر عليك بالجد والاجتهاد لعلك أن تجري في مساعي السابقين غدا قال عامر فمرضت والله من هذه الرؤيا شهرا
قال أبو سيار وحدثني عامر بن مليك البحراني عن أمه قالت بت ذات ليلة عند منيفه ابنة أبي طارق فما زادت على هذه الآية من أول الليل إلى آخره ترددها وتبكي وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم
655 - ماجدة القرشية
المنهال بن يحيى البصري قال حدثني إياس بن حمزة رجل من أهل البحرين قال قالت امرأة من قريش يقال لها ماجدة كانت تسكن البحرين طوى أملي طلوع الشمس وغروبها فما من حركة تسمع ولا من قدم توضع إلا ظننت أن الموت في أثرها
وكانت تقول سكان دار أوذنوا بالنقلة وهم حيارى يركضون في المهلة كأن المراد غيرهم أو التأذين ليس لهم والمعني بالأمر سواهم آه من عقول ما أنقصها ومن جهالة ما أتمها بؤسا لأهل المعاصي ماذا غروا به من الإمهال والاستدراج
وكانت تقول بسطوا آمالهم فأضاعوا أعمالهم ولو نصبوا الآجال وطووا الآمال خفت عليهم الأعمال
وكانت تقول لم ينل المطيعون ما نالوا من حلول الجنان ورضا الرحمن إلا بتعب الأبدان لله والقيام لله بحقه في المنشط والمكره وكانت تقول كفى المؤمنين طول اهتمامهم بالمعاد شغلا (4/74)
وكانت تقول لو رأت أعين الزاهدين ثواب ما أعد الله لأهل الإعراض عن الدنيا لذابت أنفسهم شوقا إلى الموت لينالوا من ذلك ما أملوه من تفضله تعالى رضي الله عنه
ذكر المصطفيات من عابدات البحرين المجهولات الأسماء
656 - عابدة
عن عبد الواحد بن زيد قال رأيت امرأة بالبحرين تنشج على الآخرة نشيجا كلما نشجت نشجة قلت نفسها خارجة معها
قال فحرصت على أن أجاريها شيئا من الخير فلم أقدر على ذلك فكان أول ما حفظت عنها وآخره أن قالت تشاغل أيها المرء بنفسك فوالله ما هممت قط بموعظة أعظ بها غيري إلا حال تقصيري فيما بيني وبين ذلك ولئن كان المرء لا يعظ أحدا حتى يتعظ لقد أمكن إبليس من نفسه يقوده حيث يشاء و الله ما أنا بحامدة لنفسي في ذلك ولود أبليس أنه قدر على ذلك من جميع الخلق كما قدر عليه مني فلم يكن أحد يحض على طاعة الله ولكن مر أيها المرء بالبر وإن لم تستطعه واحذر أن تنهى عن الشر وتأتية ومن المصطفين من أهل اليمامة
657 - يحيى بن أبي كثير مولى لطيئى
كان من أهل البصرة فتحول إلى اليمامة ويكنى أبا نصر كذا قال البخاري
البخاري قال قال موسى سمعت وهيبا يقول سمعت أيوب يقول ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير
مسدد قال سمعت عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال سمعت أبي يقول لا يأتي العلم براحة الجسد (4/75)
مسدد ثنا عبد الله بن يحيى بن كثير قال سمعت أبي يقول ميراث العلم خير من الذهب والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ
حميد الكندي قال سمعت يحيى بن ابي كثير يقول تعلم الفقه صلاة وقراءة القرآن ودراسته صلاة
الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال العالم من يخشى الله عزوجل
يحيى بن عبد الله قال أنبأ يحيى بن أبي كثير قال يقول الناس فلان الناسك وإنما الناسك الورع
عن أبي عمرو عن يحيى بن أبي كثير قال ما صلح منطق رجل إلا عرفت ذلك في سائر عمله
الوليد قال سمعت الأوزاعي يقول قال يحيى بن أبي كثير إن ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرة
عن الأوزاعي عن يحيى أنه قال له رجل إني أحبك قال قد عرفت ذلك من نفسي
عامر بن يساف قال كان يحيى بن أبي كثير حسن اللباس حسن الهيئة ومات ولم يترك إلا ثلاثين درهما كفنوه بها
أسند يحيى عن أنس وابن أبي أوفى وغيرهما من الصحابة وتوفي سنة تسع وعشرين ومائة
قال أبو نعيم الفضل بن دكين وقال ابن المديني سنة ثنتين و ثلاثين ومائة (4/76)
658 - عابدة من البحرين أو اليمامة
عن ابن يسار يعني مسلما قال قدمت البحرين أو اليمامة في تجارة فإذا أنا بالناس مقبلين ومدبرين نحو منزل فقصدت إليه فإذا أنا بامرأة جالسة في مصلى لها عليها ثياب غليظة وإذا هي كئيبة محزونة قليلة الكلام وإذا كل ما رأيت ولدها وخولها وعبيدها والناس إليهم بالبياعات والتجارات فقضيت حاجتي ثم أتيتها فودعتها فقالت حاجتنا إليك أن تأتينا إن عدت إلينا لحاجة فتنزل بنا حاجتك
قال فانصرفت فلبثت حينا ثم إني توجهت إلى بلدها في حاجة فلما قدمتها لم أر دون منزلها شيئا مما كنت رأيت فأتيت منزلها فلم أر أحدا فأتيت الباب فاستفتحت فإذا أنا بضحك امرأة وكلامها ففتح لي فدخلت فإذا بها جالسة في بيت وإذا عليها ثياب حسنة رقيقة وإذا الضحك الذي سمعت ضحكها وكلامها وإذا امرأة معها في بيتها فقط فاستنكرت وقلت لقد رأيتك على حالين فيهما عجب حالك في قدمتي الأولى وحالك هذه قالت لا تعجب فإن الذي رأيت من حالي الأولى أني كنت فيما رأيت من الخير والسعة وكنت لا أصاب بمصيبة في ولد ولا في خول ولا مال ولا أوجه في تجارة إلا سلمت ولا يبتاع لي شيء إلا أربح فيه فتخوفت أن لا يكون لي عند الله عزوجل خير فكنت مكتئبة لذلك وقلت لو كان لي عند الله خير ابتلاني فتوالت علي المصائب في ولدي الذي رأيت وخولي ومالي فما بقي لي منه شيء ورجوت أن يكون (4/77)
الله عز و جل قد أراد بي خيرا فابتلاني وذكرني ففرحت لذلك وطابت نفسي
قال فانصرفت فلقيت عبد الله بن عمر فأخبرته خبرها فقال أرى والله هذه ما فاتها أيوب النبي ص إلا بقليل ولكني قد تخرق مطرفي هذا أو كلمة نحوها فأمرت به أن يصلح فلم يعمل كما كنت أريد فأحزنني ذلك انتهى ذكر أهل البحرين
ذكر المصطفين من أهل الدينور
659 - ممشاد الدينوري رضي الله عنه
أبو بكر الرازي قال قال ممشاد طريق الحق بعيد و الصبر مع الحق شديد
وقال ما أقبح الغفلة عن طاعة من لا يغفل عن برك وعن ذكر من لا يغفل عن ذكرك
وقال صحبة أهل الصلاح تورث في القلب الصلاح وصحبة أهل الفساد تورث فيه الفساد
صحب ممشاد يحيى الجلاء ونظراءه من المشايخ وتوفي في سنة تسع وتسعين ومائتين رضي الله عنه
660 - أبو الحسن علي بن محمد بن سهل الصائغ الدينوري
ممشاد قال خرجت ذات يوم إلى الصحراء فبينما أنا مار إذا أنا بنسر قد فتح جناحه فتعجبت منه فاطلعت فإذا بأبي الحسن الصائغ الدينوري قائم يصلي والنسر يظله (4/78)
أبو عثمان المغربي قال لم أر فيمن رأيت من المشايخ أكثر هيبة من أبي الحسن الصائغ
أسند أبو الحسن الحديث وتوفي بمصر سنة ثلاثين وثلاث مائة
661 - أبو جعفر الدينوري رضي الله عنه
أبو بكر الكتاني قال رأيت كأن القيامة قد قامت فأول من خرج من عند الله عزوجل أبو جعفر الدينوري وكتائبه بيمينه وهو يضحك ثم خرج إبراهيم الخواص بعده وكتابه بيمينه وهو يدرس القرآن ومن المصطفين من أهل همذان 662 يوسف بن أيوب الهمذاني رضي الله عنه
قدم بغداد بعد الستين والأربعمائة وتفقه على أبي اسحاق الشيرازي حتى برع في الفقه والنظر ثم اشتغل بالتعبد فاجتمع في رباطه بمرو خلق زائد على الحد من المنقطعين إلى الله تعالى وكان يقول دخلت جبل زر لزيارة عبد الله الخوني فوجدت ذلك الجبل كثير المياه والشجر معمورا بالأولياء على رأس كل عين واحد من الرجال مشتغل بالمجاهدة فطفت عليهم ولاأعلم في ذلك الجبل حجرا لم تصبه دمعتي
ثم عاد يوسف ودخل بغداد في سنة ست وخمسمائة ووعظ بها ووقع له القبول التام فقام إليه رجل متفقه يقال له ابن السقاء فآذاه في مسألة فقال لهاجلس فإني أجد من كلامك رائحة الكفر ولعلك تموت على غير دين الإسلام (4/79)
فاتفق بعد مدة أن ابن السقاء خرج إلى بلاد الروم وتنصر وقام يومئذ إلى يوسف شابان فقيهان فقالا له إن كنت تتكلم على مذهب الأشعري وإلا فلا تتكلم فقال اجلسا لا متعكما الله بشبابكما فماتا ولم يبلغا الشيحوخة ومن المصطفين من أهل قزوين
633 - والان بن عيسى أبو مريم القزويني رضي الله عنه
السري بن يحيى بعبادان عن والان بن عيسى أبي مريم رجل من أهل قزوين كان من الصالحين قال غرني القمر ليلة فخرجت إلى المسجد فصليت أما قضي الله لي وسبحت ودعوت فغلبتني عيناي فرأيت جماعة أعلم أنهم ليسوا من الآدميين بأيديهم أطباق عليها أرغفة ببياض الثلج فوق كل رغيف در أمثال الرمان فقالوا كل قلت أريد الصوم قالوا يأمرك صاحب هذا البيت أن تأكل فأكلت وجعلت آخذ ذلك الدر لأحتمله فقيل لي دعه نغرسه لك شجرا ينبت لك خيرا من هذا فقلت أين فقيل فى دار لا لاتخرب وثمرلا يتغير وملك لاينقطع وثياب لاتبلى فيها رضى وغنى وقرة العين أزواج وضيئات مرضيات راضيات لايغرن ولايغرن فعليك بالانكماش فيما أنت فيه فإنما هى غفوة حتى ترتحل فتنزل الدار
فما مكث إلا جمعتين حتى توفى (4/80)
قال السرى بن يحيى فرأيته فى الليله التى توفى فيها وهو يقول لى لاتعجب من شىء غرس لى يوم حدثتك وقد حمل قلت حمل بماذا قال لاتسال بمالا يقدر على صفته أحد لم ير مثل الكريم إذا حل به مطيع رضي الله عنه
ذكر المصطفين من أهل أصبهان
664 - محمد بن يوسف بن معدان
أبو عبد الله الأصبهاني رضي الله عنه كان ابن المبارك يسميه عروس الزهاد يحيى بن سعيد القطان قال ما رأيت رجلا أفضل من محمد بن يوسف الأصبهانيو سمعت ابن مهدي يقول ما رأيت مثل محمد بن يوسف الأصبهاني
يحيى بن سعيد القطان قال كنت إذا نظرت إلى محمد بن يوسف رأيت رجلا كأنه قد عاين الموت
قال الدورقي وسمعت رجلا من أهل أصبهان يحدث عن عبد عبد الرحمن بن مهدي قال كتب أخو محمد بن يوسف إلى محمد ابن يوسف يشكو إليه جور العمال فكتب إليه يا أخي بلغني كتابك تذكر ماأنتم فيه وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة وما أرى ما أنتم فيه إلا شؤم الذنوب
عطاء بن مسلم الحلبي قال كان محمد بن يوسف الأصبهاني يختلف إلي عشرين سنة لم أعرفه يجيء إلى الباب فيقولرجل غريب يسأل حتى رأيته يوما في المسجد فقيل ليهذا محمد بن يوسف الأصبهاني فقلت هذا يختلف إلي منذ عشرين سنة لم أعرفه (4/81)
أبو حاتم قال بلغني عن ابن المبارك قال قلت لابن إدريس أريد الثغر فدلني على أفضل رجل به فقال عليك بمحمد بن يوسف الأصبهاني فقلت فأين يسكن قالالمصيصة ويأتي السواحل
فقدم عبد الله بن المبارك المصيصة فسأل عنه فلم يعرف فقال ابن المبارك من فضلك لا تعرف
يوسف بن زكريا قال كان محمد بن يوسف لا يشتري زاده من خباز واحد ولا من بقال واحد وقال لعلهم يعرفوني فيحابوني فأكون ممن يعيش بدينه
سعيد بن عبد الغفار قال قلت لمحمد بن يوسف أوصني فقال إن استطعت أن لا يكون شيء أهم إليك من ساعتك فافعل
أيوب بن معمر قال حدثوني بالبصرة أن محمد بن يوسف كان يأوي بالليل إلى دار امرأة قالت فكان يدخل بعد العشاء ثم يخرج عند طلوع الفجر فلا ينصرف الى العشاء قالت وكان يدخل بيتا في الدار ويرد على نفسه الباب قالتفذهبت ليلة فاطلعت في البيت فرأيت عنده سراجا يزهر قالت ولم يكن في البيت سراج قالت ففطن محمد أنا اطلعنا عليه فخرج من الغد ولم يعد إلينا
قال عبد الرحمن بن مهدي رأيت محمد بن يوسف في الشتاء و الصيف فلم يكن يضع جنبه (4/82)
محمد بن أبي رجاء ومحمد بن قتيبة أو أحدهما أن محمد بن يوسف خرج في جنازة بالمصيصة فنظر إلى قبر أبي اسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين وبينهما موضع قبر فقال لو أن رجلا مات فدفن بينهما
قال فما أتت عليه إلا عشرة أيام أو نحوها حتى دفن في الموضع الذي أشار إليه
أدرك محمد بن يوسف التابعين فروى عن يونس بن عبيد الأعمش وقد روي عن الثوري والحمادين وصالح المري وغيرهم إلا أنه لم يكد يسند حديثا إنما كان يرسل الحديث شغلا بالتعبد عن الرواية
وتوفي سنة أربع وثمانين ومائة ولم يكمل له أربعون سنة
665 - أبو اسحاق إبراهيم بن عيسى الأصبهاني
كانت عبادته تشبه عبادة الملائكة قليلة يقوم إلى قريب الفجر ثم يركع ويتمها ركعتين وليلة يركع إلى قريب الفجر ثم يسجد ويتمها ركعتين وليلة يسجد إلى قريب الفجر ثم يركع ويتمها ركعتين ثم يدعو في آخر الليل لجميع الناس ولجميع الحيوان والبهائم والوحش ويقول في اليهود و النصارى اللهم اهدهم ويقول في التجار اللهم سلم تجاراتهم
وصحب معروفا الكرخي وتوفي سنة تسع وأربعين ومائتين
666 - أبو عبيد الله محمد بن يوسف البناء
كان يفتي الناس بالأجرة فيأخذ منها دانقا لنفقته ويتصدق بالباقي ويختم كل يوم ختمة ولقي ستمائة شيخ وكتب الحديث الكثير (4/83)
وبلغني عن أبي علي بن شاذان قال سمعت أبا جعفر محمد بن قتادة يقول سمعت محمد بن يوسف يقول كنت بمكة فكنت أدعو الله عزوجل وأقول يا رب إما أن تدخل قلبي المعرفة أو اقبضني إليك فلا حاجة لي في الدنيا و الحياة بلا معرفة
قال فرأيت في النوم كأن قائلا يقول إن أردت هذا فصم شهرا ولا تكلم أحدا من الناس فيه ثم ادخل قبة زمزم وسل الحاجة ففعلت ذلك وختمت كل يوم ختمة فلما انقضى الشهر على ذلك دخلت قبة زمزم ورفعت يدي ودعوت الله عزوجل وسألته الحاجة فسمعت من البئر هاتفا يقول يا ابن يوسف اختر أيما أحب إليك العلم مع الغنى والدنيا أم المعرفة مع الفقر والقلب فقلت المعرفة مع الفقر والقلب فسمعت من البئر قد أعطيت قد أعطيت
وكان محمد بن يوسف من المتدينين الأتقياء توفي في سنة ست وثمانين ومائتين
667 - أبو جعفر أحمد بن مهدي بن رستم
محمد بن حيان قال كان أحمد بن مهدي ذا مال كثير نحو ثلثمائة ألف درهم فأنفقه كله على العلم وذكر أنه لم يعرف له فراش أربعين سنة
قال أحمد بن مهدي جاءتني امرأة ببغداد ليلة من الليالي فذكرت أنها من بنات الناس وأنها امتحنت بمحنة وأسألك بالله أن تسترني فقلت وما محنتك فقالت أكرهت على نفسي وأنا حبلى و ذكرت للناس أنك زوجي وأن ما بي من الحبل منك فلا تفضحني (4/84)
استرني سترك الله فسكت عنها ومضت فلم أشعر حتى وضعت وجاء إمام المحلة في جماعة الجيران يهنئوني بالولد فأظهرت لهم التهلل ووزنت في اليوم الثاني دينارين ودفعتهما إلى الإمام فقلت أبلغ هذا إلى تلك المرأة لتنفقه على المولود فإنه سبق ما فرق بيني وبينها فكنت أدفع كل شهر دينارين وأوصله إليها بيد الإمام وأقول هذه نفقة المولود إلى أن أتى على ذلك سنتان ثم توفي المولود فجاءني الناس يعزوني فكنت أظهر لهم التسليم و الرضا فجاءتني المرأة ليلة من الليالي بعد شهر ومعها تلك الدنانير التي كنت أبعث بها بيد الإمام فردتها وقالت سترك الله كما سترتني فقلت هذه الدنانير كانت صلة مني للمولود وهي لك فإنك ربيته فاعملي فيها ما تريدين
اسند أبو جعفر الحديث الكثير
668 - علي بن سهل بن الأزهر أبو الحسن الأصبهاني
كان من المترفين فتزهد فكان يبقى الأيام الكثيرة لا يأكل
أبو حامد أحمد بن عبد الله بن رسته وكان من أصحاب علي بن سهل قال قال علي بن سهل استولى علي الشوق فألهاني عن الأكل ابو بكر محمد بن عبد الله الطبري قال سمعت علي بن سهل بن الأزهر يقول المبادرة إلى الطاعات من علامات التوفيق والتقاعد عن المخالفات من علامات حسن الرعاية ومراعاة الأسرار من علامات التيقظ وإظهار الدعاوي من رعونات البشرية ومن لم تصح مبادى إراداته لا يسلم في منتهى عواقبه (4/85)
أحمد بن عبد الله قال سمعت أبي ويره من أصحاب علي بن سهل أنه كان يقول ليس موتي كموتكم باعلال وأسقام إنما هو دعاء وإجابة أدعى فأجيب فكان كما قال كان يوما قاعدا في جماعة فقال لبيك ووقع ميتا
أبو جعفر الأصبهاني قال قال علي بن سهل بن أزهر أستاذي رحمه الله عليه إني لا أموت كما يموت أحدكم يمد رجلا ويرفع أخرى إنما يصاح بي يا علي بن سهل فأقول لبيك
فبينا هو جالس ذات يوم قال لبيك وتمدد فإذا هو ميت أو كما قال
قلت كان علي بن سهل من أحسن الناس إشارة وكان يكاتب الجنيد فيقول الجنيد ما أشبه كلامه بكلام الملائكة وتوفي سنة سبع وثلثمائة
669 - عابد أصبهاني
عن عبد الواحد بن زيد قال خرجنا أنا وفرقد السبخي ومحمد ابن واسع ومالك ابن دينار نزور أخا لنا بأرض فارس فلما جاوزنا مهرمز إذا نحن برجل مجذوم متفطر قيحا ودما فقال له بعضنا يا هذا لو دخلت هذه المدينة فتداويت وتعالجت من بلائك هذا فرفع طرفه إلى السماء ثم قال إلهي أتيت بهؤلاء ليسخطوني عليك لك الكرامة والعتبى بأن لا أخالفك أبدا (4/86)
ذكر المصطفين من أهل الري
670 - جرير بن عبد الحميد بن جرير الرازي
علي بن المديني قال كان جرير بن عبد الحميد الرازي صاحب ليل وكان له رسن يقولون إذا أعيا تعلق به يريد أنه كان يصلي
سفيان بن عيينة قال قال لي ابن شبرمة عجبا لهذا الرازي يعني جرير بن عبد الحميد عرضت عليه مائة درهم في الشهر من الصدقة فقال يأخذ المسلمون كلهم مثل هذا قلت لا قال فلا حاجة لي فيها
ولد جرير سنة عشر ومائة وفيها مات الحسن ورأى أيوب السختياني وسمع من مغيرة وحسين ومنصور بن المعتمر في خلق كثير وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة
671 - المعلى بن منصور الرازي
يحيى بن معين قال كان المعلى بن منصور الرازي يوما يصلي فوقع على رأسه كور الزنابير فما التفت ولا انفتل حتى أتم صلاته فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من شدة الانتفاخ
672 - أبو اسحق الدولابي
صاحب كرامات محمد بن منصور الطوسي قال جئت مرة إلى معروف الكرخي فعض أنامله وقال هاه لو لحقت أبا إسحاق الدولابي كان هنا الساعة يسلم علي فذهبت أقوم فقال لي أجلس لعله قد بلغ منزله بالري (4/87)
673 - أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد الرازي
كان من كبار الحفاظ وسادات أهل التقوى
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول ما جاوز الجسر أحفظ من أبي زرعة
أبو عبد الله محمد بن مسلم بن واره يقول كنت عند إسحاق ابن إبراهيم فقال رجل من أهل العراق سمعت أحمد بن حنبل يقول صح من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر وهذا الفتى يعني أبا زرعة قد حفظ ستمائة ألف
محمد بن إسحاق الصاغاني قال في حديث ذكره من حديث الكوفة فقال هذا أفادنيه أبو زرعة فقال له بعض من حضر يا أبا بكر أبو زرعة من أولئك الحفاظ الذين رأيتهم وذكر جماعة من الحفاظ منهم الفلاس فقال أبو زرعة أعلاهم لأنه جمع الحفظ مع التقوى والورع وهو يشبه بأحمد بن حنبل
أبو العباس محمد بن جعفر بن حمدوية الرازي قال سئل أبو زرعة الرازي عن رجل حلف بالطلاق أن أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث فقال لاثم قال أبو زرعة احفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الإنسان قل هو الله أحد وفي المذاكرة ثلثمائة ألف
أحمد بن سعيد الدارمي قال صلى أبو زرعة الرازي في مسجده عشرين سنة بعد قدومه من السفر كان يوم من الأيام قدم عليه قوم من أصحاب الحديث فنظروا فإذا في محرابه كتابة قالوا (4/88)
له كيف تقول في الكتابة في المحاريب فقال قد كرهه قوم ممن مضى قالوا له هو ذا في محرابك كتابة أوما علمت به قال سبحان الله رجل يدخل على الله تعالى ويدري ما بين يديه
أبو جعفر التستري قال حضرنا أبا زرعة وكان في السوق وعنده أبو حاتم ومحمد بن مسلم والمنذر بن شاذان وجماعة من العلماء فذكروا حديث التلقين وقوله عليه السلام
لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فأستحيوا من أبي زرعة وهابوا أن يلقنوه فقالوا تعالوا نذكر الحديث فقال محمد بن مسلم أنبأ الضحاك بن مخلد عن عبد الحميد بن جعفر ابن صالح ولم يجاوز والباقون سكتوا فقال ابو زرعة وهو في السوق ثنا بندار قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي غريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله ص من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وتوفي رحمه الله
أسند ابو زرعة عن خلاد بن يحيى وأبي نعيم وقبيصة وخلق كثير وجالس أحمد بن حنبل وذاكره وكان أحمد إذا ذاكره يترك الشغل ويشتغل بمذاكرته
وتوفي بالري آخر يوم من ذي الحجة سنة أربع وستين ومائتين وكان مولده سنة مائتين
أحمد بن محمد أبو العباس المرادي قالت رايت أبا زرعة في المنام فقلت يا أبا زرعة ما فعل الله بك فقال لقيت ربي عزوجل فقال (4/89)
لي يا أبا زرعة إني أوتي بالطفل فآمر به إلى الجنة فكيف بمن حفظ السنن على عبادي تبوأ من الجنة حيث شئت
674 - يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي
يكنى أبا زكريا نزيل الرى ثم انتقل إلى نيسابور فسكنها وبها مات وكانوا ثلاثه إخوة إسماعيل ويحيى وابرهيم فاسماعيل أكبرهم سنا ويحيى أوسطهم وإبراهيم أصغرهم وكانوا كلهم زهادا
محمد بن محمود السمرقندى قال سمعت يحيى بن معاذ الرازى يقول الكلام الحسن حسن وأحسن من الحسن معناة وأحسن من معناه استعماله وأحسن من استعماله ثوابه وأحسن من ثوابه رضا من يعمل له
قال وسمعت يحيى يقول إلهى حجتى حاجتى وعدتى فاقتي وسيلتى إليك نعمتك على وشفيعى إليك إحسانك إلى
طاهر بن إسماعيل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول الذى حجب الناس عن التوبه طول الأمل وعلامه التائب إسبال الدمعه وحب الخلوة والمحاسبه للنفس عند كل همه
عن أبى عمران قال سمعت يحيى بن معاذ يدعو اللهم لا تجعلنا ممن يدعو إليك بالأبدان ويهرب منك بالقلوب ياأكرم الأشياء علينا لا تجعلنا أهون الأشياء عليك
الحسن بن علويه يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول عمل كالسراب و قلب من التقوى خراب وذنوب بعدد الرمل و التراب ثم تطمع في الكواعب الأتراب هيهات أنت سكران بغير شراب (4/90)
ما أكملك لو باردت أملك ما أجلك لو بادرت أجلك ما أقواك لو خالفت هواك
محمد بن إسماعيل بن موسى قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول كيف أمتنع بالذنب من الدعاء ولا أراك تمتنع بذنبي من العطاء
أبو بكر بن طاهر فقال كان ليحيى بن معاذ أخ يقال له إسماعيل و كان أكبر منه قال رجل مع من يريد أن يعيش أخوك يحيى وقد هجر الخلق قال فذكر ذلك ليحيى فقال له يحيى ألا قلت له مع من هجرهم فيه
الحسن بن علويه الدامغاني قال سمعت يحيى بن معاذ يقول ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من طاعة أفتخر بها عليه
عبد الله بن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول ليكن حظ المؤمن منك ثلاثا إن لم تنفعه فلا تضره وإن لم تفرحه فلا تغمه وإن لم تمدحه فلا تذمه
الحسن بن علوية قال سمعت يحيى بن معاذ يقول على قناطر الفتن جاوزوا إلى خزائن المنن وسمعته يقول إلهي كيف أفرح وقد عصيتك وكيف لا أفرح وقد عرفتك وكيف أدعوك وأنا خاطئ وكيف لا أعودك وأنت كريم
جامع بن أحمد قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول ليكن بيتك الخلوة و طعامك الجوع وحديثك المناجاة فإما أن تموت بدائك أو تصل إلى دوائك
مكحول بن الفضل النسفي قال قال يحيى بن معاذ مصيبتان (4/91)
لم يسمع الأولون والآخرون بمثلها في ماله عند موته قيل ما هما قال يؤخذ منه كله و يسأل عنه كله
عبد الله بن سهل قال قال يحيى بن معاذ الكيس من عمال الله يلهج بتقويم الفرائض و الجاهل يعني بطلب الفضائل و تقويم الأعمال في تصحيح العزائم
الحسن بن علويه قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول هلم يا آبن آدم إلى دخول جوار الله تعالى بلا عمل ولا نصب ولا عناء أنت بين ما مضى من عمرك و ما بقي فالذي مضى تصلحه بالتوبة و الندم و ليس شيئا عملته بالأركان فإذا أنت إنما هو أمر نويته و تمتنع فيما بقي من الذنوب و امتناعك إنما هو شيء نويته وليس شيئا عملته بالأركان فإذا أنت نجوت بغير عمل مع القيام بالفرائض و هذا ليس بعمل و هو أكبر الأعمال لأنه عمل القلب و الجزاء لا يكون إلا على عمل القلب
الحسن بن علويه قال سمعت يحيى بن معاذ يقول دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتفكر و خلاء البطن و قيام الليل و التضرع عند السحر و مجالسة الصالحين
و سمعته يقول إذا كنت لا ترضى عن الله كيف تسأله الرضا عنك
الحسن بن علي بن يحيى قال قال يحيى بن معاذ لولا أن العفو من أحب الأشياء إليه ما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه (4/92)
عبد الله بن سهل الرازي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول كم من مستغفر ممقوت و ساكت مرحوم ثم قال يحيى هذا استغفر الله و قلبه فاجر و هذا سكت و قلبه ذاكر
أحمد بن عبد الجبار المالكي قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول حقيقة المحبة أنها لاتزيد بالبر و لا تنقص بالجفاء
السري بن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول الناس ثلاثة رجل شغله معاده عن معاشه ورجل شغله معاشه عن معاده و رجل مشتغل بهما جميعا فالأولى درجة الفائزين والثانية درجة الهالكين و الثالثة درجة المخاطرين
الحسن بن علويه قال سمعت يحيى بن معاذ يقول ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من ربه العفو
عبد الله بن صالح قال قال يحيى بن معاذ الزاهدون غرباء الدنيا و العارفون غرباء الآخرة
محمد بن الحسين بن المعلى البلخي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول يابن آدم طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها و طلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها و الدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها و الآخرة بالطلب منك تنالها فاعقل شأنك
عبد الله بن سهل الرازي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام ومفاوز الآخرة تقطع بالقلوب و سمعته يقول يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقا ما دام قلبك بحب الدنيا متعلقا
وسمعته يقول و قيل له من أي شيء دوام غمك قال من شيء واحد قيل ما هو قال خلقني و لا أدري لم خلقني (4/93)
وسمعته يقول لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة
وسمعته يقول من سعادة المرء أن يكون خصمه فهما وخصميلا فهم له قيل له ومن خصمك قال نفسي تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم بشهوة ساعة
و سمعته يقول للتائب فخر لا يعادله فخر فرح الله بتوبته
أبو العباس بن حكمويه الرازي قال سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول لا تستبطئ الإجابة إذا دعوت و قد سددت طرقاتها بالذنوب
وسمعته يقول إلهي إن كانت ذنوبي عظمت في جنب نهيك فإنها صغرت في جنب عفوك
و سمعته يقول لو سمع الخلق صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزنا و لو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقا و لو أدركت القلوب كنه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها ولها و لطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشا سبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء و ألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأنباء
الحسن بن علي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول الليل طويل فلا تقصره بمنامك و النهار نقي فلا تدنسه بآثامك
عبد الله بن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول حفت الجنة بالمكاره و أنت تكرهها و حفت النار بالشهوات و أنت تطلبها فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية و إن جزعت نفسه مما يلقي طالت به علة الضنا
عبد الله بن محمد بن وهب قال سمعت يحيى بن معاذ يقول ألا إن العاقل المصيب من عمل ثلاثا ترك الدنيا قبل أن تتركه وبني قبره قبل أن يدخله و أرضى ربه قبل أن يلقاه (4/94)
وسمعته يقول الدنيا خراب و أخرب منها قلب من يعمرها والآخرة دار عمران و أعمر منها قلب من يطلبها
وسمعته يقول أخوك من عرفك العيوب و صديقك من حذرك من الذنوب
وسمعته يقول عجبت ممن يحزن على نقصان ماله كيف لا يحزن على نقصان عمره
وسمعته يقول على قدر خوفك من الله يهابك الخلق و على قدر حبك لله يحبك الخلق و على قدر شغلك بالله يشتغل الخلق بأمرك
محمد بن محمود السمرقندي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول إن قال لي يوم القيامة عبدي ما غرك بي قلت إلهي برك بي
و سمعته يقول و سئل أرنا عارفا قال واين أنتم فأريكم عجبا لقوم عموا عن العرفاء يطلبون الخلفاء
وسمعته يقول استسلم القوم عندما فهموا
وسمعته يقول من قوة اليقين ترك ما يرى لما لا يرى
وسمعته يقول أيها المريدون إن اضررتم إلى طلب الدنيا فاطلبوها ولا تحبوها و أشغلوا بها أبدانكم و علقوا بغيرها قلوبكم فإنها دار ممر وليست بدار مقر الزاد منها و المقيل في غيرها
وسمعته يقول رضي الله عن قوم فغفر لهم السيئات و غضب على قوم فلم يقبل منهم الحسنات (4/95)
وسمعته يقول يا ابن آدم مالك تأسف عل مفقود لا يرده عليك الفوت ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت
وسمعته يقول التوحيد في كلمة واحدة ما تصور في الأوهام فهو بخلافه
وسمعته يقول طاعة لا حاجة بي إليها لا تمنعني مغفرة لا غناء بي عنها
وسمعته يقول هو ألقاهم في الذنب يوم سمى نفسه العفو الغفور
وسمعته يقول ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من عمل أدل به عليه
وسمعته يقول إلهي كيف لا أرجوك تغفر لي ذنبا رجاؤك ألقاني فيه
وسمعته يقول إن الحكيم يشبع من ثمار فيه
وسمعته يقول كيف أحب نفسي وقد عصتك وكيف لا أحبها و قد عرفتك
وسمعته يقول إن وضع علينا عدله لم تبق لنا حسنة وإن أتى فضله لم تبق لنا سيئة
وسمعته يقول إن غفرت فخير راحم وإن عذبت فغير ظالم
وسمعته يقول إلهي ضيعت بالذنب نفسي فارددها بالعفو علي
وسمعته يقول إلهي ارحمني لقدرتك علي أو لحاجتي إليك
وسمعته يقول مسكين من علمه حجيجه ولسانه وفهمه القاطع لعذره
وسمعته يقول ذنوب مزدحمة على عاقبة مبهمة ثم قال إلهي سلامة إن لم تكن كرامة (4/96)
وسمعته يقول وسئل ما العبادة فقال حرفة حانوتها الخلوة وربحها الجنة
وسمعته يقول يا من رباني في الطريق بنعمه وأشار لي في الورود إلى كرمه معرفتي بك دليلي عليك وحبي لك شفيعي إليك
وسمعته يقول يا من أعطانا خير ما في خزائنه الإيمان به قبل السؤال لا تمنعنا عفوك مع السؤال
وسمعته يقول إلهي إن إبليس لك عدو وهو لنا عدو وإنك لا تغيظه بشيء هو أنكأ له من عفوك فاعف عنا يا أرحم الراحمين
وسمعته يقول يا من يغضب على من لا يسأله لا تمنع من قد سألك
وسمعته يقول لا تقع للمؤمن سيئة إلا وهو خائف أن يؤخذ بها والخوف حسنة فيرجو أن يعفى عنها والرجاء حسنة وسمعته يقول إلهي لا تنس لي دلالتي عليك وإشارتي بالربوبية إليك رفعت إليك يدا بالذنوب مغلولة وعينا بالرجاء مكحولة فاقبلني لأنك ملك لطيف وارحمني لأني عبد ضعيف
وسمعته يقول هذا سروري بك خائفا فكيف سروري بك آمنا هذا سروري بك في المجالس فكيف سروري بك في تلك المجالس هذا سروري بك في دار الفناء فكيف يكون سروري بك في دار البقاء
عبد الله بن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول من أحب زينة الدنيا والآخرة فلينظر في العلم ومن أحب أن يعرف الزهد فلينظر في الحكمة ومن أحب أن يعرف مكارم الأخلاق فلينظر في فنون الآداب ومن أحب أن يستوثق من أسباب المعاش فليستكثر من الإخوان ومن أحب أن لا يؤذى فلا يؤذين ومن أحب رفعة الدنيا والآخرة فعليه بالتقوى (4/97)
وسمعته يقول من خان الله عزوجل فى السر هتك سرة فى العلانيه
أبو محمد الاسكاف قال سمعت يحيى بن معاذ يقول لست آمركم بترك الدنيا آمركم بترك الذنوب ترك الدنيا فضيله وترك الذنوب فريضه وأنتم إلى إقامه الفريضه أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل
الحسن بن علوية يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه ويوم حشره ميزانه
الحسن بن علوية قال سمعت يحيى بن معاذ يقول الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لا يفيق إلا في عسكر الموتى نادما بين الخاسرين
محمد بن محمود السمرقندي قال سمعت يحيى بن معاذ يقول وقال له بعض الملحدين أخبرني عن الله ما هو قال إله واحد قال كيف هو قال ملك قادر قال أين هو قال بالمرصاد قال ليس عن هذا سألتك قال يحيى فذاك إذا صفة المخلوقين وأما صفة الخالق فما أخبرتك به
سمع يحيى بن معاذ من إسحاق بن إبراهيم الرازي ومكي بن إبراهيم البخلي وعلي بن محمد الطنافسي وتوفي بنيسابور سنة ثمان وخمسين ومائتين والسلام
675 - إبراهيم بن أحمد بن إسمعيل الخواص
يكنى أبا إسحاق أصله من سر من رأى ولكنه أقام بالري ومات بها جعفر بن محمد الخلدي في كتابه قال سمعت إبراهيم الخواص يقول سلكت البادية إلى مكة سبعة عشر طريقا فيها طريق من ذهب وطريق من فضة
أبو مسلم السقاء قال سمعت بعض أصحابنا يحكى عن إبراهيم (4/98)
الخواص أنه قال كان لى وقت فترة فكنت أخرج كل يوم إلى شط نهر كبير كان حواليه الخوص وكنت أقطع شيئا من ذلك وأسفه قفافا وأطرحه فى ذلك النهر فأتسلى بذلك وكأنى كنت مطالبا به فجرى وقتى على ذلك أياما كثيرة فتفكرت يوما وقلت أمضى خلف ما أطرحه فى الماء من القفاف لأنظر أين تذهب فمضيت على شاطىء النهر ساعات ولم أعمل ذلك اليوم فإذا عجوز قاعدة على شط النهر تبكى قلت مالك تبكى فقالت لى خمسه من الأيتام مات أبوهم فأصابنى الفقر والشدة فأتيت يوما هذا الموضع فجاء على رأس الماء قفاف من الخوص فأخذتها وبعتها وأنفقت عليهم وأتيت اليوم الثاني والثالث والقفاف تجيء على رأس الماء فكنت آخذها وأبيعها واليوم ما جاءت قال ابراهيم فرفعت يدي إلى السماء وقلت اللهم لو علمت أن لي خمسة من العيال لزدت في العمل وقلت للعجوز لا تغتمي فإني الذي كنت أعمل ذلك فمضيت معها فكانت فقيرة فقمت بأمرها وبأمر عيالها سنين أو كما قال
محمد بن زياد المقيم بكلواذي وكان قد بكى حتى ذهبت عيناه قال سألت إبراهيم الخواص عن أعجب ما رآه في البادية فقال كنت ليلة من الليالي في البادية فنمت على حجر فإذا أنا بشيطان قد جاء وقال قم من ههنا فقلت اذهب فقال إني أرفسك فتهلك فقلت افعل ما شئت فرفسني فوقعت رجله علي كأنها (4/99)
خرقة فقال أنت ولى الله من أنت قلت أنا إبراهيم الخواص قال صدقت ثم قال يا إبراهيم معي حلال وحرام فأما الحلال فرمان من الجبل المباح وأما الحرام فحيتان مررت على صيادين وهما يصطادان فتخاونا فأخذت الخيانة فكل أنت الحلال ودع الحرام
حامد الأسود قال كنت مع إبراهيم الخواص في سفر فدخلنا إلى بعض الغياض فلما أدركنا الليل إذا بالسباع قد أحاطت بنا فجزعت لرؤيتها وصعدت إلى شجرة ثم نظرت إلى إبراهيم وقد استلقى على قفاه فأقبلت السباع تلحسه من قرنه إلى قدميه وهو لا يتحرك ثم اصبحنا وخرجنا إلى منزل آخر وبتنا في مسجد فرأيت بقة وقعت على وجه إبراهيم فلسعته فقال أخ فقلت يا أبا إسحاق أي شيء هذا التأوه أين أنت من البارحة فقال ذاك حال كنت فيه بالله وهذا حال أنا فيه بنفسي
علي بن محمد الحلواني قال كان إبراهيم الخواص جالسا في مسجد الري وعنده جماعة إذ سمع ملاهي من الجيران فاضطرب من ذلك من كان في المسجد وقالوا يا أبا إسحاق ما ترى فخرج إبراهيم من المسجد نحو الدار التي فيها المنكر فلما بلغ طرف الزقاق إذا كلب رابض فلما قرب منه إبراهيم نبح عليه وقام في وجهه فرجع إبراهيم إلى المسجد وتفكر ساعة ثم قام مبادرا وخرج فمر على الكلب فبصبص الكلب له فلما قرب من باب الدار خرج إليه شاب حسن الوجه وقال أيها الشيخ لم انزعجت كنت وجهت ببعض من عندك فأبلغ لك كل ما تريد وعلي عهد الله وميثاقه (4/100)
لا شربت أبدا وكسر جميع ما كان عنده من الشراب وآلته وصحب أهل الخير ولزم العبادة
ورجع إبراهيم إلى مسجده فلما جلس سئل عن خروجه في أول مرة ورجوعه ثم خروجه في الثانية وما كان من أمر الكلب فقال نعم إنما نبح علي الكلب لفساد كان قد دخل علي في عقد بيني وبين الله لم أنتبه له في الوقت فلما رجعت إلى الموضع ذكرته فاستغفرت الله عز و جل منه ثم خرجت الثانية فكان ما رأيتم وهكذا كل من خرج لإزالة منكر فتحرك عليه شيء من المخلوقات فلفساد عقد بينه وبين الله عزوجل فإذا وقع الأمر على الصحة لم يتحرك عليه شيء
أبو بكر بن محمد بن عبد الله الأنصاري قال سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد الخواص يقول من لم يصبر لم يظفر وإن لإبليس وثاقين ما أوثق بنو آدم بأوثق منهما خوف الفخر والطمع
الأزدى قال سمعت إبراهيم الخواص يقول دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين
وقال على قدر إعزاز المرء لأمر الله يلبسه الله من عزه ويقيم له العز في قلوب المؤمنين
جعفر بن محمد الخلدي قال سمعت إبراهيم الخواص يقول من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه
خير النساج قال سمعت إبراهيم الخواص وقد رجع من سفره وكان غاب عنى سنين فقلت له ما الذي أصابك في سفرك فقال عطشت عطشا شديدا حتى سقطت من شدة العطش فإذا أنا بماء قد رش على وجهي فلما أحسست ببرده فتحت عيني فإذا برجل حسن الوجه (4/101)
والزي وعليه ثياب خضر على فرس أشهب فسقاني حتى رويت ثم قال ارتدف خلفي وكنت بالحاجر فلما كان بعد ساعة قال أي شيء ترى قلت المدينة فقال انزل واقرأ على رسول صلى الله عليه و سلم مني السلام وقل أخوك الخضر يسلم عليك
وقد رويت لنا هذه الحكاية من طريق آخر وفيها قل له رضوان يقرأ عليك السلام كثيرا
عمر بن سفيان المنبجي قال اجتاز بنا إبراهيم الخواص فقلت له حدثني بأعجب ما رأيت في أسفارك قال لقيني الخضر فسألني الصحبة فخشيت أن يفسد علي سر توكلي بسكوني إليه ففارقته
محمد بن عبد الله الرازي قال مرض إبراهيم الخواص بالري في مسجد الجامع وكان به علة القيام وكان إذا قام يدخل الماء ويغتسل ويعود إلى المسجد فيركع ركعتين فدخل مرة ليغتسل فخرجت روحه وتوفي وسط الماء
قلت كان الخواص من أقران الجنيد والنوري وصحب أبا عبد الله المغربي ولا نعرف له مسندا وتوفي في جامع الرى سنه إحدى وتسعين ومائتين ويقال سنة أربع وثمانين وتولى أمره في غسله ودفنه يوسف بن الحسين الرازي
676 - يوسف بن الحسين الرازي
يكنى أبا يعقوب محمد بن موسى الرازي قال سمعت يوسف بن (4/102)
الحسين يقول علم القوم أن الله يراهم واستحيوا من نظره أن يراعوا شيئا سواه
وقال يتولد الإعجاب بالعمل من نسيان رؤية المنة
فارس البغدادي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول على قدر خونك من الله يهابك الخلق وعلى قدر حبك لله عزوجل يحبك الخلق وعلى قدر شغلك بأمر الله يشغل الخلق بأمرك
قال أبو الحسن علي بن إبراهيم البغدادي سمعت أبا عبد الله الخناقاباذي يقول حضرنا يوسف بن الحسين الرازي وهو يجود بنفسه فقيل له يا أبا يعقوب قل شيئا فقال اللهم إني نصحت خلقك ظاهرا وغششت نفسي باطنا فهب لي غشي لنفسي لنصحي لخلقك ثم خرجت روحه
أبو الحسين علي بن إبراهيم الرازي قال حكى لي أبو خلف الوزان عن يوسف بن الحسين أنه رئى في المنام فقيل له ماذا فعل الله بك قال غفر لي ورحمني فقيل بماذا قال بكلمة أو كلمات قلتها عند الموت قلت اللهم إني نصحت الناس قولا وخنت نفسي فعلا فهب خيانة فعلى لنصح قولي
سمع يوسف بن الحسين من أحمد بن حنبل وذى النون وغيرهما وتوفي سنة أربع وثلثمائة
677 - أبو عثمان سعيد بن اسماعيل الحيري
ولد بالري إلا أنه خرج إلى نيسابور مع شيخه شاه بن شجاع يزوران ابا حفص النيسابوري فزوجه أبو حفص ابنته وتوطن نيسابور ومات بها
أبو عمرو بن نجيد قال كنت أختلف إلى أبي عثمان مدة في وقت (4/103)
شبابي وكنت قد حظيت عنده فقضي من القضاء أني اشتغلت بشيء مما يشتغل به الفتيان فنقل ذلك إلى ابي عثمان وانقطعت عنه بعد ذلك وكنت إذا رأيته في الطريق اختفيت فدخلت يوما سكة من السكك فخرج علي أبو عثمان من عطفة فلم اجد عنه محيصا فتقدمت إليه وأنا دهش متشور فقال لي يا أبا عمرو لا تثقن بمودة من لا يحبك إلا معصوما
محمد بن حمدويه الحافظ قال سمعت امي تقول سمعت مريم امرأة ابي عثمان تقول كنا نؤخر اللعب والضحك والحديث إلى أن يدخل أبو عثمان في ورده من الصلاة فإنه كان إذا دخل الخلوة لم يحس بشيء من الحديث ويره
محمد بن نعيم الضبي قال سمعت أمي تقول سمعت مريم امرأة أبي عثمان تقول صادفت من أبي عثمان خلوة فاغتنمتها فقلت يا أبا عثمان اي عملك أرجى عندك فقال يا مريم لما ترعرعت وأنا بالري كانوا يريدونني على التزويج فأمتنع فجاءتني امرأة فقالت يا ابا عثمان قد أحببتك حبا اذهب نومي وقراري وأنا اسالك بمقلب القلوب واتوسل به إليك أن تتزوج بي فقلت ألك (4/104)
والد قالت نعم فلان الخياط في موضع كذا وكذا فراسلت أباها أن يزوجها مني ففرح بذلك واحضرت الشهود فتزوجتها فلما دخلت بها وجدتها عوراء عرجاء شوهاء الخلق فقلت اللهم لك الحمد على ما قدرته لي وكان أهل بيتي يلومونني على ذلك وأزيدها برا وإكراما إلى أن صارت بحيث لا تدعني أخرج من عندها فتركت حضور المجالس إيثارا لرضاها وحفظا لقلبها ثم بقيت معها على هذه الحال خمس عشرة سنة وكأني في بعض أوقاتي على الجمر وأنا لا أبدي لها شيئا من ذلك إلى أن ماتت فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي
أبو عمرو بن حمدان قال سمعت أبا عثمان الحيري يقول من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لقوله تعالى وإن تطيعوه تهتدوا
قال ابن حمدان وقرأت بخط أبي سمعت أبا عثمان يقول الخوف من الله يوصلك إليه والعجب يقطعك عنه واحتقار الناس في نفسك مرض لا يداوى
وقال أبو عثمان حق لمن أعزه الله بالمعرفة أن لا يذل نفسه بالمعصية
أبو الحسين الوراق قال سمعت أبا عثمان يقول وقد سئل عن الصحبة فقال الصحبة مع الله عزوجل بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة والصحبة مع الرسول صلى الله عليه و سلم باتباع سنته ولزوم ظاهر الحكم والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والخدمة والصحبة مع الأهل والولد بحسن الخلق والصحبة مع الاخوان بدوام (4/105)
البشر والانبساط ما لم يكن إثما والصحبة مع الجهال بالدعاء لهم والرحمة عليهم ورؤية نعمة الله إذ عافاك مما ابتلاهم به
محمد بن أحمد بن يوسف قال سمعت أبا عثمان يقول الذكر الكثير ان تذكر في ذكرك له أنك لا تصل إلى ذكره إلا به وبفضلهوبفضله
عبد الكريم بن هوازن قال سمعت أبا عثمان السلمي يقول سمعت عبد الله بن محمد الشيرازي يقول سمعت أبا عثمان يقول منذ أربعين سنة ما اقامني الله تعالى في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته
أبو عمرو بن مطر قال حضرت مجلس ابي عثمان الخيري فخرج ثم قعد على موضعه الذي كان يقعد فيه للتذكير فسكت حتى طال سكوته فناداه رجل ترى ان تقول في سكوتك شيئا فأنشأ يقول
وغير تقى يأمر الناس بالتقى ... طبيب يداوي والطبيب مريض فارتفعت الأصوات بالبكاء والضجيج
عبد الله الرازي قال لما تغيرت الحال علي عثمان وقت وفاته مزق ابنه أبو بكر قميصا كان عليه ففتح ابو عثمان عينه وقال يا بني خلاف السنة في الظاهر من رياء في باطن القلب الباطن (4/106)
أسند أبو عثمان عن حمدون القصار وتوفي يوم الثلاثاء لعشر بقين من ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين ومائتين وتسعين ومائتين
انتهى ذكر اهل الري ومن عباد دامغان
678 - فاطمة بنت عمران
كانت كثيرة الاجتهاد
الحسن بن علي قال قدم علينا أبو محمد الرملي فلقي فاطمة فقال هذه زاهدة وقتها وكانت مستجابة الدعوة مقيمة على تعهد الفقراء إلى أن ماتت
ذكر المصطفين من أهل بسطام أبو زيد البسطامي
واسمه طيفور بن عيسى بن سروشان وكان سروشان مجوسيا فأسلم وكان لعيسى ثلاثة أولاد أبو يزيد وهو أوسطهم وآدم وهو أكبرهم وعلي وهو أصغرهم وكانوا كلهم عبادا زهادا
إبراهيم الهروي قال سمعت أبا يزيد البسطامي يقول غلطت في ابتدائي في أربعة أشياء توهمت أني أذكره وأعرفه واحبه وأطلبه فلما انتهيت رأيت ذكره سبق ذكرى ومعرفته تقدمت معرفتي وطلبه لي أولا حتى طلبته
قال منصور وسمعت أبا عمران موسى بن عيسى يقول سمعت أبي يقول قال أبو يزيد عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت (4/107)
شيئا أشد علي من العلم ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لتعبت واختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد
وقال أبو يزيد لا يعرف نفسه من صحبته شهوته
إبراهيم الهروي قال سمعت أبا يزيد البسطامي وسئل ما علامة العارف قال ان لا يفتر من ذكره ولا يمل من حقه ولا يستأنس بغيره
وقال إن الله أمر العباد ونهاهم فاطاعوا فخلع من خلعه فاشتغلوا بالخلع عنه وإني لا أريد من الله إلا الله
وقال منصور وسمعت موسى بن عيسى يقول سمعت عمي يقول سمعت ابا يزيد يقول لو صفت لي تهليلة ما بليت بعدها بشيء
إبراهيم الهروي قال سمعت أبا يزيد يقول هذا فرحى بك وأنا أخافك فكيف فرحى بك إذ أمنتك
وسئل بما نالوا المعرفة قال بتضييع مالهم والوقوف مع ما له وقال اطلع الله على قلوب أوليائه فمنهم من لم يكن يصلح لحمل المعرفة صرفا فأشغلهم بالعبادة
العباس بن حمزة قال صليت خلف أبي يزيد البسطامي الظهر فلما اراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالا لاسم الله وارتعدت فرائضه حتى كنت أسمع تقعقع عظامه فهالني ذلك (4/108)
عن أبي موسى عن أبي يزيد البسطامي قال ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير بل إنما العجب من حبك لي وأنت ملك قدير
قال وقال ابو يزيد لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لساني إجلالا لله أن أذكره
قال وقال أبو يزيد أن في الطاعات من الآفات ما لا يحتاجون الى أن يطلبوا في المعاصي
قال وقال أبو يزيد ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر
قال وقال أبو يزيد أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة أولهم الزاهد بزهده والثاني العابد بعبادته والثالث العالم بعلمه ثم قال مسكين الزاهد لو علم أن الله عزوجل سمى الدنيا كلها قليلا فكم ملك من الدنيا وفي كم زهد مما يملك وأما العابد فلو رأى منة الله في العبادة عرف عبادته في المنة وأما العالم فلو علم أن جميع ما ابدى الله عزوجل من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ فكم علم هذا العالم من ذلك السطر وكم عمل مما علم
قال سمعت أبا يزيد يقول ما ذكروه إلا بالغفلة ولا خدموه إلا بالفترة
وقال اكثر الناس إشارة إليه ابعدهم منه
وسأله رجل من أصحب فقال من لا تحتاج أن تكتمه شيئا مما علمه الله منك (4/109)
قال عبيد بن عبد القاهر قال أبو يزيد غبت عن الله عزوجل ثلاثين سنة وكانت غيبتي عنه ذكري إياه فلما خنست عنه وجدته في كل حال فقال له رجل مالك لا تسافر قال لأن صاحبي لا يسافر وانا معه مقيم فقال السائل إن الماء القائم قد كره الوضوء منه فقال أبو يزيد لم يروا بماء البحر باسا هو الطهور ماؤه الحل ميتته ثم قال قد ترى الأنهار تجري لها دوي وخرير حتى إذا دنت من البحر وامتزجت به سكن خريرها وحدتها ولم يحس بها ماء البحر ولا ظهرت فيه زيادة ولا إن خرجت منه استبان فيه
قاسم الحداد قال خرج أبو يزيد البسطامي في بعض سياحته فوقف على دجلة فالتقى به الشيطان فحول وجهه ثم قال وعزتك إنك تعلم أني ما عبدتك قط لهذا فلا تحجبني به عنك
عبد الصمد بن محمد عن أبي يزيد انه صعد ليلة سور بسطم فلم يزل يدور على السور إلى وقت طلوع الفجر يريد أن يقول لا إله إلا الله فيغلبه ما يريد عليه من هيبة الاسم فلا يستطيع أن يطلق بها لسانه فلما كان وقت طلوع الفجر نزل فبال الدم
الحسن بن علويه قال قال أبو يزيد قعدت ليلة في محرابي فمددت رجلي فهتف بي هاتف من يجالس الملوك فينبغي أن يجالسهم بحسن الأدب (4/110)
الحسن بن على قال قال أبو يزيد أبعد الخلق من الله أكثرهم إشارة إليه
عبيد قال قال أبو يزيد طلقت الدنيا ثلاثا بتاتا لارجعة لى فيها وصرت إلى ربى وحدى فناديته بالاستغاثه إلهى أدعوك دعاء من لم يبق له غيرك فلما عرف صدق الدعاء من قلبى والياس من نفسى كان أول ما ورد على من إجابه هذا الدعاء أن أنسانى نفسى بالكلية ونصب الخلائق بين يدي مع إعراضي عنهم
أبو الحسن المروزي قال سمعت امرأة أبي يزيد تقول سمعت أبا يزيد يقول دعوت نفسي إلى الله فأبت علي واستعصت فتركتها ومضيت إلى الله عزوجل
أبو موسى الديبلي قال سمعت أبا يزيد يقول الناس كلهم يهربون من الحساب ويتجافون عنه وأسأل الله تعالى أن يحاسبني فقيل له لم قال لعله يقول لي فيما بين ذلك يا عبدي فأقول لبيك فقوله لي عبدي أعجب إلي من الدنيا وما فيها ثم بعد ذلك يفعل بي ما شاء
علي بن المثنى قال سمعت عمي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبا يزيد يقول رأيت رب العزة تبارك وتعالى في المنام فقلت يا بار خدا كيف الطريق إليك قال اترك نفسك ثم تعال (4/111)
أبو موسى الديبلي قال سمعت رجلا يسأل أبا يزيد فقال دلني على عمل أتقرب به إلى ربي عزوجل فقال أحبب أولياء الله تعالى ليحبوك فإن الله تعالى ينظر إلى قلوب أوليائه فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب وليه فيغفر لك
عيسى بن آدم ابن أخي أبي يزيد قال كان أبو يزيد يعظ نفسه فيصيح عليها فيقول يا مأوى كل سوء المرأة إذا حاضت طهرت بثلاثة أيام وأكثره بعشرة أنت يا نفس قاعدة منذ عشرين وثلاثين سنة بعد ما طهرت فمتى تطهرين إن وقوفك بين يدي طاهر ينبغي أن يكون طاهرا
ابو موسى الديبلي قال سمعت أبا يزيد يقول عرج قلبي إلى السماء فطاف ودار ورجع فقلت بأي شيء جئت معك قال المحبة والرضا
عن أبي موسى الديبلي عن أبي يزيد قال نظرت فإذا الناس في الدنيا متلذذون بالنكاح والطعام والشراب وفي الاخرة بالمنكوح والملذوذ فجعلت لذتي في الدنيا ذكر الله عزوجل وفي الاخرة النظر إلى الله عزوجل
أبو موسى الديبلي قال قلت لأبي يزيد من أصحب قال من إذا مرضت عادك وإذا أذنبت تاب عليك ومن يعلم منك ما يعلمه الله منك (4/112)
جعفر بن علي الترمذي أن أحمد بن خضرويه قال رأيت رب العزة في منامي فقال لي يا أحمد كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد فإنه يطلبني
ذكر أبو نعيم الأصبهاني أنه لا يعرف لأبي يزيد حديث مسند أصلا إلا حديث واحد رواه أبو الفتح الحمصي بإسناد له عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال
إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله
قال أبو نعيم وهو مركب على أبي يزيد وليس من حديثه والحمل فيه على الحمصي فقد عثر منه على غير حديث ركبه
قلت وهذا الحديث الذي أشار إليه أبو نعيم هو الذي ذكره له أبو عبد الرحمن السلمي ووجدت أنا لأبي يزيد ثلاثة أحاديث أخر مسندة منها حديثان لا يثبتان فلم أذكرهما والثالث قريب الحال فاقتصرت عليه
قال ابو موسى الديبلي ابن أخت أبي يزيد البسطامي أنبأ أبو يزيد البسطامي يعني طيفور بن عيسى قال أنبأ محمد بن منصور الطوسي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن سوقة عن نافع بن جبير عن أم سلمة قالت ذكر رسول الله (4/113)
صلى الله عليه و سلم الجيش الذي يخسف بهم فقالت أم سلمة لعل فيهم المكره قال إنهم يبعثون على نياتهم
توفي أبو يزيد سنة إحدى وستين ومائتين وله ثلاث وسبعون سنة
680 - أبو محمد البسطامي
أبو بكر محمد بن ثوابة المعبر قال كنت مصاعدا إلى الجبل في باب حلوان أيام الشتاء وعلي دثار وسراويلان أحدهما مبطن على غاية ما يكون من الشدة فلقيني رجل عليه خرقتان لا يتوارى بغيرهما فعارضته مرارا ويروغ مني فقلت له لأي شيء تفر مني انا سبع فقال لو لقيني سبعون سبعا كان أهون علي من لقائك فقلت انا أمر كذا وأنت تمضي كذا قل لي شيئا ومر في ودائع الله تعالى فقال تسمع فقلت نعم فأنشأ يقول
إذا ما عدت النفس ... عن الحق زجرناها
وإن مالت إلى الدنيا ... عن الأخرى منعناها
تخادعنا ونخدعها ... وبالصبر غلبناها
لها خوف من الفقر ... وفي الفقر أنخناها
قال فجئت إبراهيم بن شيبان بعد أربعة أيام أو خمسة وقد فرقت جميع ما علي من الدثار فلما دخلت عليه قال من لقيت (4/114)
فوصفت له فقال أبو محمد البسطامي في ذلك اليوم خرج من عندنا وقال اي شيء جرى بينك وبينه فحدثته فأمر ابنه إسحاق فكتبها
انتهى ذكر أهل بسطام
ذكر المصطفين من اهل نيسابور
681 - يحيى بن يحيى النيسابوري
يكنى أبا زكريا
أبو بكر المروزي قال ذكر أبو عبد الله أحمد بن حنبل يوما ابن المبارك فقال ما رفعه الله إلا بخبيئة كانت له ما أخرجت خراسان مثل ابن المبارك ولا بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى
قال المروزي سمعت بعض الخراسانية يقول إن يحيى بن يحيى شرب شربة دواء فقالت له امرأته لو قمت فترددت في الدار فقال يحيى ما أدري ما هذه المشية أنا أحارب نفسي منذ أربعين سنة
أبو علي الحسن بن علي بن بندار الزنجاني قال كان يحيى بن يحيى يحضر مجلس مالك فانكسر قلمه فناوله المأمون قلما من ذهب أو مقلمة ذهب فامتنع عن قبوله فقال له المأمون ما اسمك قال يحيى بن يحيى النيسابوري فقال تعرفني قال نعم أنت المأمون ابن أمير المؤمنين قال فكتب المأمون على ظهر جزئه ناولت يحيى بن يحيى النيسابوري قلما في مجلس مالك فلم يقبله (4/115)
فلما أفضت الخلافة إليه بعث إلى عامله بنيسابور وأمره أن يولى يحيى بن يحيى القضاء فبعث إليه يستدعيه فقال بعض الناس إنه يمتنع من الحضور وليته أذن للرسول فأنفذ إليه كتاب المأمون فقرىء عليه فامتنع من القضاء فرد إليه ثانيا وقال إن امير المؤمنين يأمرك بشيء وأنت من رعيته وتأبى عليه فقال قل لأمير المؤمنين ناولني قلما و أنا شاب فلم أقبله فتجبروني الان على القضاء وأنا شيخ فرفع الخبر إلى المأمون
قال قد علمت امتناعه ولكن ول القضاء رجلا تختاره فبعث إليه العامل في ذلك فاختار رجلا فولي القضاء ودخل على يحيى وعليه سواد فضم يحيى فراشا كان جالسا عليه كراهية أن يجمعه وإياه فقال أيها الشيخ ألم تخترنى قال إنما قلت اختاروه وما قلت لك تقلد القضاء
روى يحيى بن يحيى عن مالك والليث بن سعد وغيرهما وتوفى في يوم الأربعاء سلخ صفر سنة ست وعشرين ومائتين
682 - اسحاق بن ابراهيم بن مخلد بن ابراهيم أبو يعقوب الحنظلى
ويقال له ابن راهويه أحد أئمه الأسلام رحل إلى العراق والحجاز واليمن والشام وعاد فاستوطن نيسابور
محمد بن أسلم الطوسى قال حين مات إسحاق الحنظلى ماأعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق وكان أعلم الناس ولو كان سفيان الثورى فى الحياة لاحتاج إلى إسحاق (4/116)
قال محمد بن عبد السلام فأخبرت بذلك محمد بن يحيى الصفار فقال والله لو كان الحسن البصرى فى الحياة لاحتاج إلى إسحاق فى أشياء كثيرة
الحسن بن عبد الصمد قال سمعت إسحاق بن ابراهيم يقول أحفظ سبعين ألف حديث كأنها نصب عينى
أبو عبد الرحمن الجوزجانى قال سمعت أحمد بن جنبل وذكر إسحاق فقال لاأعلم ولاأعرف لاسحاق بالعراق نظيرا
أبو داود الخفاف قال سمعت أحمد بن حنبل يقول لم يعبر الجسر مثل إسحاق
الفضل بن عبدالله الحميرى قال سألت أحمد بن حنبل عن رجال خراسان فقال أما إسحاق بن راهويه فلم ير مثله
أبو يحيى الشعرانى قال ما رأيت بيد إسحاق كتابا قط ماكان يحدث إلا حفظا
وقال كنت إذا ذاكرت إسحاق العلم وجدته فيه فردا فإذا جئت إلى أمر الدنيا رأيته لا رأى له
أسند إسحاق عن جرير بن عبد الحميد وإسماعيل بن علية وسفيان بن عيينة ووكيع في خلق لا يحصون وتوفي بنيسابور ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين
683 - محمد بن رافع بن أبي يزيد أبو عبد الله النيسابوري القشيري
زكريا بن دلويه قال بعث طاهر بن عبد الله إلى محمد بن رافع بخمسة آلاف درهم على يد رسوله فدخل عليه بعد صلاة العصر (4/117)
وهو يأكل الخبز مع الفجل فوضع الكيس بين يديه فقال بعث الأمير طاهر بهذا المال إليك لتنفقه على أهلك فقال خذ خذ لا احتاج إليه فإن الشمس قد بلغت رؤوس الحيطان إنما تغرب بعد ساعة وقد جاوزت الثمانين إلى متى أعيش فرد المال ولم يقبل فأخذ الرسول المال وذهب فدخل عليه ابنه فقال يا أبة ليس لنا الليلة خبز قال فذهب بعض أصحابه خلف الرسول ليرد المال إلى حضرة صاحبه فزعا من أن يذهب ابنه خلف الرسول فيأخذ المال
قال زكريا ربما يخرج إلينا محمد بن رافع في الشتاء الشاتي وقد لبس لحافة الذي يلبسه بالليل
كان محمد بن رافع رفيق أحمد بن حنبل وقد حدث عن عبد الرزاق ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك وذهب بن جرير وغيرهم وأخرج البخاري ومسلم عنه في الصحيحين وتوفي سنة خمس وأربعين ومائتين
684 - أبو حفص النيسابوري
واسمه عمرو بن مسلم وقيل عمرو بن سلمة
وهو من أهل قرية على باب مدينة نيسابور يقال لها كورد اباذ
الخلدي قال سمعت الجنيد وذكر عنده أبو حفص النيسابوري فقال كان رجلا من أهل الحقائق ولو رأيته لاستغنيت وقد (4/118)
يتكلم من ور بعيد كان من أهل العلم البالغين ولق قال له يوما رجل من أصحابه كان من مضى لهم الآيات الظاهرة وليس لك من ذلك شيء فقال له تعالى فجاء به إلى سوق الحدادين إلى كؤر محمى عظيم فيه حديدة فأدخل عظيمة يده فأخذها فبردت في يده فقال له يجزيك فأعظم ذلك وأكبره ثم مضى
أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الرازي قال دخلت مع أبي حفص على مريض فقال المريض آه فقال ممن فسكت فقال مع من
أبو عثمان قال دخل أبو حفص النيسابوري على مريض فقال المريض آه فقال ممن فسكت المريض فقال أبو حفص مع من فقال له المريض كيف أكون وماذا أقول فقال له أبو حفص لا يكون أنينك شكوى ولا سكوتك تجلدا ولكن بين ذلك
قال محمش الجلاب صحبت أبا حفص اثنتين وعشرين سنة ما رأيته ذكر الله عزوجل على حد الغفلة والانبساط ما كان يذكر إلا على سبيل الحضور والتعظيم والجرمة وكان إذا ذكر الله تعالى تغيرت عليه حالة حتى كان يرى ذلك منه جميع من حضره
وقال مرة وقد ذكر الله تعالى وتغيرت عليه حاله فلما رجع قال ما أبعد ذكرنا من ذكر المحققين فما أظن أن محقا يذكر لله على غير غفلة ثم يبقى بعد ذلك حيا إلا الأنبياء فإنهم أيدوا بقوة وخواص الأولياء بقوة ولايأتهم (4/119)
قال السلمي وسمعت جدي يقول كان أبو حفص إذا غضب تكلم في حسن الخلق حتى يسكن غضبه ثم يرجع إلى حديثه
محفوظ بن أحمد قال قال أبو حفص حرست قلبي عشرين سنة ثم حرسني قلبي عشرين سنة ثم وردت حالة خبرنا فيها محروسين جميعا
قال السلمي وسئل أبو حفص من الولي قال من أيد بالكرامات وغيب عنها
وقال ما ظهرت حالة عالية إلا من ملازمة أصل صحيح
وقال لاتكن عبادتك لربك سببا لأن تكون معبودا
أبو علي الثقفي قال كان أبو حفص يقول من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال
أبو أحمد بن عيسى قال سمعت أبا حفص يقول حسن أدبالظاهر عنوان حسن أدب الباطن لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه
وسئل من الرجال قال القائمون مع الله بوفاء العهود قال الله تعالى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
وسئل عن العبودية فقال ترك مالك والتزام ما أمرت به
أبو محمد المرتعش قال سمعت أبا حفص النيسابوري يقول (4/120)
ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء ولا من لمحه بقلبه وإنما يستحقه من نسيه حتى كأنه لم يعط
أبو عثمان النيسابوري قال خرجنا جماعة مع أستاذنا أبي حفص النيسابوري إلى خارج نيسابور فجلسنا فتكلم علينا الشيخ فطابت أنفسنا ثم بصرنا بأيل قد نزل من الجبل حتى برك بين يدي الشيخ فأبكاه ذلك بكاء شديدا فلما هدأ الشيخ سألناه فقلنا له يا أستاذ تكلمت علينا وطابت قلوبنا فلما جاء هذا الوحش وبرك بين يديك أزعجك وأبكاك فأحببنا أن نعرف فقه ذلك فقال نعم رأيت اجتماعكم حولي و قد طابت قلوبكم فوقع في قلبي لو أن شاة ذبحتها و دعوتهم عليها فما تحكم هذا الخاطر حتى جاء هذا الوحش فبرك بين يدي فخيل لي أني مثل فرعون الذي سأل ربه أن يجري له النيل فأجراه له قلت فما يؤمنني أن يكون الله تعالى يعطيني كل حظ لي في الدنيا وأبقى في الآخرة فقيرا لا شيء لي فهذا الذي أزعجني
توفي أبو حفص سنة سبعين ومائتين ويقال سنة سبع وستين ويقال أربع وستين ويقال خمس وستين ولا نعرف له مسندا إلا انه قد رافق أحمد بن خضرويه البلخي وغيره من العباد والسلام (4/121)
685 - علي بن شعيب السقاء
حج نيفا وخمسين حجة أحرم في كل حجة من نيسابور وكان يصلي في البادية عند كل ميل ركعتين ثم يقول قال الله عزوجل ليشهدوا منافع لهم وهذه منافع في حجي والسلام
686 - أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمارة القصار
عبد الله بن مبارك قال قيل لحمدون بن أحمد ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا قال لأنهم تكلموا لعز الإسلام و نجاة النفوس و رضا الرحمن ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق
وقال كفايتك تساق إليك من غير تعب و لا نصب وإنما التعب في الفضول
عبد الله بن مبارك قال سفة رجل علي حمدون فسكت حمدون عنه و قال ياأخي لو نقصتني كل نقص لم كنقص عندي ثم قال سفه رجل على إسحاق الحنظلي فاحتمله و قال لأي شيء تعلمنا العلم
عبد الله الحجام قال قال حمدون إذا رأيت سكرانا فتمايل لئلا تنعى عليه فتبتلى بمثل ذلك قال السلمي و قال حمدون من نظر في سير السلف عرف تقصيره و تخلفه عن درجات الرجال و قال لا تفش على أحد ما تحب أن يكون مستورا منك (4/122)
وقال من استطاع منكم أن لا يعمى عن نقصان نفسه فليفعل
أسند حمدون عن إبراهيم الزراد عن ابن نمير و صحب أبا تراب النخشبي و توفي سنة إحدى وسبعين و مائتين بنيسابور
687 - أبو بكر عبد الله بن محمد بن زيد بن واصل النيسابوري
جمع بين علم الحديث و الفقه و التقوى و سمع من محمد بن يحيى الذهلي و الحسن بن محمد الزعفراني و عباس الدوري في خلق كثير و كان من الحفاظ المتقنين
كان الدارقطني يقول ما رأينا في مشايخنا أحفظ منه للأسانيد و لمتون وكان أفقه المشايخ
أبو بكر النيسابوري قال أعرف من أقام أربعين سنة لم ينم الليل و يتقوت كل يوم بخمس حبات ويصلي صلاة الغداة على طهارة عشاء الآخرة ثم قال أنا هو و هذا كله قبل أن أعرف أم عبد الرحمن أي شيء أقول لمن زوجني ثم يقول في أثر هذا ما أراد إلا الخير
توفى أبو بكر النيسابوري في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وعشرين وثلمائة
ذكر المصطفين من عابدات نيسابور
688 - فاطمه النيسابورية
محمد بن الحسن بن علي بن خلف قال سمعت ابن ملوك وكان شيخا كبيرا رأى ذا النون المصرى قال وسألته من أجل من رأيت (4/123)
قال ما رأيت أجل من امرأة رأيتها بمكه يقال لها فاطمه النيسابوريه وكانت تتكلم في فهم القرآن وتعجبت منها فسألت ذا النون عنها فقال لي هي وليه من أولياء الله عز و جل وهي أستاذي فسمعتها تقول من لم يكن الله عز و جل منه علما بال فإنه يتخطى في كل ميدان ويتكلم بكل لسان ومن كان الله منه على بال أخرسه إلا عن الصدق وألزمه الحياء منه والإخلاص
قال وقالت فاطمه الصادق المقرب في بحر تضطرب عليه امواج يدعو ربه دعاء الغريق يسأل ربه الخلاص والنجاة
وقالت فاطمه من عمل لله على المشاهدة فهو عارف ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص
قال السلمى كانت فاطمه النيسابوريه من قدماء نساء خراسان أتى إليها أبو يزيد البسطامي وسألها ذو النون عن مسائل وكانت مجاورة بمكه وربما دخلت إلى بيت المقدس ثم رجعت إلى مكه
وقال أبو يزيد البسطامي ما رأيت في عمري إلارجلا وامرأة والمرأه فاطمه النيسابوريه ما أخبرتها عن مقام من المقامات إلا وكان الخبر لها عيانا
وقال لها ذو النون عظميني وقد اجتمعا ببيت المقدس فقالت له الزم الصدق وجاهد نفسك فى أفعالك
ماتت فاطمه بمكه في طريق العمره سنة ثلاث وعشرين ومائتين (4/124)
689 - عائشة بنت أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيري النيسابوري
أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال كانت عائشة بنت أبي عثمان من أزهد أولاد أبي عثمان وأورعهم وأحسنهم حالا ووقتا وكانت مجابة الدعوة سمعت ابنتها أم أحمد بنت عائشة تقول قالت لي أمي لا تفرحي بفان و لا تجزعي من ذاهب و افرحي بالله عزوجل و اجزعي من سقوطك من عين الله عزوجل
وسمعتها تقول قالت لي أمي إلزمي الأدب ظاهرا وباطنا فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب ظاهرا ولا أساء أحد الأدب باطنا إلا عوقب باطنا
وقالت عائشة من استوحش من وحدته فذاك لقلة أنسه بربه
و قالت من تهاون بالعبد فهو من قلة معرفته بالسيد فمن أحب الصانع أحب صنعته
ماتت عائشة سنة ست و أربعين و ثلثمائة
انتهى ذكر أهل نيسابور بحمد الله ومنه
ذكر المصطفين من أهل طوس
690 - محمد بن أسلم أبو الحسن الطوسي
أبو عبد الله محمد بن القاسم الطوسي خادم ابن أسلم قال سمعت إسحاق بن راهويه يقول لم أسمع بعالم منذ خمسين سنة كان أشد تمسكا بأثر النبي صلى الله عليه و سلم من محمد بن أسلم (4/125)
قال أبو عبد الله و كتب إلي أحمد بن نصر أن كتب إلي بحال محمد ابن أسلم فإنه ركن من أركان الإسلام
قال أبو عبد الله و قال لي محمد بن أسلم يا أبا عبد الله مالي و لهذا الخلق كنت في صلب أبي وحدي ثم صرت في بطن أمي وحدي ثم دخلت الدنيا وحدي ثم يقبض روحي وحدي ثم أدخل في قبري وحدي ثم يأتيني منكر و نكير فيسألاني وحدي فإن صرت إلى خير صرت وحدي ثم يوضع عملي و ذنوبي في الميزان وحدي و إن بعثت إلى الجنة بعثت وحدي و إن بعثت إلى النار بعثت وحدي فمالي وللناس ثم تفكر ساعة فوقعت عليه الرعدة حتى خشيت أن يسقط و صحبته نيفا و عشرين لم أره يصلي حيث أراه ركعتين من التطوع إلا يوم الجمعة و لا يسبح و لا يقرأ حيث أراه ولم يكن أحد أعلم بسره و علانيته مني
وسمعته يحلف كذا كذا مرة لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت و لكني لا أستطيع ذلك خوفا من الرئاء
وكان يدخل بيتا و يغلق بابه و يدخل معه كوزا من ماء فلم أدر ما يصنع حتى سمعت ابنا له صغيرا يحكي بكاءه فنهته أمه فقلت لها ما هذا البكاء فقالت إن أبا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ القرآن و يبكي فيسمعه الصبي فيحكيه
وكان إذا أراد أن يخرج غسل وجهه واكتحل و لا يرى عليه أثر البكاء
و كان يصل قوما و يعطيهم و يكسوهم فيبعث إليهم و يقول للرسول انظر أن لا يعلموا من بعثه إليهم و يأتيهم هو بالليل فيذهب به إليهم (4/126)
ويخفي نفسه فربما بليت ثيابهم و نفذ ما عندهم و لا يدرون من الذي أعطاهم و لا أعلم منذ صحبته وصل أحدا بأقل من مائة درهم إلا أن لا يمكنه ذلك و كنت أخبز له فما نخلت له دقيقا إلا أن أعصيه و كان يقول لي اشتر لي شعيرا أسود قد تركه الناس فإنه يصير إلى الكنيف و لا تشتري لي إلا ما يكفيني يوما بيوم
و كان يقول و الله الذي لا إله إلا هو ما رأيت نفسا تصلي إلى القبلة شرا عندي من نفسي و دخلت عليه قبل موته بأربعة أيام بنيسابور فقال يا أبا عبد الله تعال أبشرك بما صنع الله بأخيك من الخير قد نزل بي الموت و قد من الله علي أنه ليس عندي درهم يحاسبني الله عليه و قد علم ضعفي فإني لا أطيق الحساب فلم يدع عندي شيئا يحاسبني عليه ثم قال أغلق الباب و لا تأذن لأحد علي حتى أموت و اعلم أني أخرج من الدنيا و ليس أدع ميراثا غير كسائي ولبدي وإنائي الذي أتوضأ فيه وكتبي
وكانت معه صرة فيها نحو ثلاثين درهما فقال هذا لابني أهداه إليه قريب له و لا أعلم شيئا أحل لي منه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال أنت و مالك لأبيك فكفنوني منها فإن أصبتم لي بعشرة دراهم ما يستر عورتي فلا تشتروا بخمسة عشر و ابسطوا على جنازتي لبدي و غطوا علي بكسائي و تصدقوا بإنائي أعطوه مسكينا يتوضأ منه ثم مات اليوم الرابع (4/127)
سمع أبو الحسن بن أسلم من أصحاب الأعمش و أصحاب الثوري والأوزاعي في آخرين و توفي فصلى عليه ألف ألف تقريبا
691 - أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي
أصله من طوس لكنه سكن بغداد و مات بها
جعفر بن محمد بن نصير قال سمعت أبا العباس بن مسروق يقول قدم علينا شيخ فكان يتكلم علينا بكلام حسن و كان عذب اللسان جيد الخاطر فقال لنا في بعض كلامه كل ما وقع لكم في خواطركم فقولوا لي فوقع في قلبي أنه يهودي و كان الخاطر يقوى و لا يزول فذكرت ذلك للحريري فكبر عليه ذلك فقلت لا بد من أن أخبر الرجل بذلك فقلت له تقول كل ما وقع في خاطركم فقولوه لي إنه يقع لي أنك يهودي فأطرق ساعة ثم رفع رأسه و قال صدقت أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله و قال قد مارست جميع المذاهب فأنتم على الحق و حسن إسلامه
أبو سعيد بن عطاء قال إن الجنيد رأى فيما يرى النائم قوما من الأبدال فسأل هل ببغداد أحد من الأولياء فقالوا نعم أبو العباس بن مسروق قال فقلت متعجبا أبو العباس بن مسروق فقالوا نعم أبو العباس بن مسروق من أهل الأنس بالله عزوجل على بن عبدالله بن جهضم قال أنا المفيد قال سمعت أحمد بن مسروق يقول كانت والدتي إذا كان يوم الجمعة تبكى (4/128)
تعلم أنى لاأنصرف من الجمعه إلا عليلا لما قد سمعته من الشيوخ وكنت أنظر إلى شيوخى فتكون رؤيتى لهم قوتى من الجمعه إلى الجمعه
جعفر بن محمد بن نصير قال سئل ابن مسروق ما التوكل قال اعتماد القلب على الله
قال السلمى وقال ابن مسروق من راقب الله فى خطرات قلبه عصمه الله فى حركات جوارحه
وقال أنت فى هدم عمرك منذ خرجت من بطن أمك
أسند ابن مسروق الكثير وروى عن محمد بن بكار وشيبان بن فروخ وخلق كثير وصحب البرجلانى ومحمد بن منصور الطوسى والحارث المحاسبى وسريا السقطى
وتوفى فى صفر سنه ثمان وتسعين ومائتين ودفن فى مقابر باب حرب وبلغ أربعا وثمانين سنه
انتهى ذكر أهل طوس بحمد الله ومنه
ذكر المصطفين من أهل هراة
692 - ابراهيم بن طهمان
ولد بهراة ونشأ بنيسابور ورحل فى طلب العلم وكان حسن الخلق سخيا واسع النفس مطعم الطعام كل من أتاة من أهل العلم (4/129)
أبو زرعه قال سمعت أحمد بن حنبل وذكر عنده إبراهيم ابن طهمان وكان متكئا من عله فاستوى جالسا وقال لا ينبغى أن يذكر الصالحون فيتكأ ثم قال أحمد حدثني رجل من أصحاب ابن المبارك قال رأيت ابن المبارك في المنام و معه شيخ مهيب فقلت من هذا معك قال أما تعرف هذا هذا سفيان الثوري فقلت من أين أقبلتم قال نحن نزور في كل يوم إبراهيم بن طهمان قلت فأين تزورونه قال دار الصديقين دار يحيى بن زكريا
أسند إبراهيم بن طهمان عن جماعة من التابعين كعبد الله بن دينار وأبي الزبير وأبي حازم وغيرهم وأقام بمكة حتى توفي بها في سنة ثلاث و ستين و مائة
المسعودي قال سمعت مالك بن سليمان يقول مات إبراهيم ابن طهمان سنة ثلاث و ستين بمكة و لم يخلف مثله
693 - أبو عبيد القاسم بن سلام
كان أبوه عبدا روميا لرجل من هراة وولد أبو عبيد بهراة ورحل في طلب العلم فسمع من اسماعيل بن جعفر و شريك وإسماعيل بن عياش وهشيم و سفيان بن عيينة وإسماعيل بن علية ويزيد بن هارون في خلق كثير و كان عالما بالقراءات و اللغة والغريب وصنف الكتب الكثيرة في فنون و كان ذا فضل و دين وورع و جود (4/130)
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال عرضت كتاب غريب الحديث لأبي عبيد على أبي فاستحسنه وقال جزاه الله خيرا
ابن عرعرة قال كان طاهر بن عبد الله ببغداد فطمع في أن يسمع من أبي عبيد و طمع في أن يأتيه في منزله فلم يفعل أبو عبيد حتى كان هو يأتيه فقدم علي بن المديني و عياش العنبري فأرادا أن يسمعا ريب الحديث فكان يحمل كل يوم كتابه و يأتيهما في منزلهما فيحدثهما به
أبو بكر بن الأنباري قال كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا فيصلي ثلثه وينام ثلثه و يضع الكتب ثلثه
أبو حاتم قال قال أبو عبيد القاسم بن سلام مثل الألفاظ الشريفة و المعاني الظريفة مثل القلائد اللائحة في الترائب الواضحة
سمعت اسحاق بن إبراهيم الحظلي يقول أبو عبيد أوسعنا علما و أكثرنا أدبا و أجمعنا جمعا و إنا نحتاج إلى أبي عبيد و أبو عبيد لا يحتاج إلينا
ثعلب قال لو كان أبو عبيد في بني إسرائيل لكان عجبا
أحمد بن كامل القاضي قال كان أبو عبيد القاسم بن سلام فاضلا في دينه و علمه ربانيا مفننا في أصناف علوم الإسلام من القرآن و الفقه و العربية و الأخبار حسن الرواية صحيح النقل لا أعلم أحدا من الناس طعن عليه في شيء من أمره و دينه (4/131)
عبد الله بن طاهر قال كان الناس أربعة ابن عباس في زمانه و الشعبي في زمانه و القاسم بن معن في زمانه و أبو عبيد القاسم ابن سلام في زمانه
إبراهيم الحربي قال أدركت ثلاثة لن يرى مثلهم أبدا تعجز النساء أن يلدن مثلهم رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام ما مثلته إلا يحبل تفتح فيه روح ورأيت بشر بن الحارث ما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا ورأيت أحمد بن حنبل فرأيت كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء و يمسك عما شاء
أقام أبو عبيد ببغداد مدة طويلة ثم ولى القضاء بطرسوس ثم خرج إلى مكة في سنة تسع عشرة و مائتين و أقام بها و توفي بها في سنة ثلاث و عشرين و قيل أربع و عشرين و مائتين وهو أبن سبع و ستين سنة
694 - إبراهيم بن علي الخراساني الهروي
إبراهيم الخواص قال نزلت إلى مشرعة الساج من بغداد و كان الماء مدا والريح تلعب بالموج فرأيت رجلا بين الموج يمشي على الماء فسجدت و جعلت بيني وبين الله تعالى أن لا أرفع رأسي حتى أعلم من الرجل فلم أطل في السجود حتى حركني و قال لي قم ولا تعاود فأنا إبراهيم بن علي الخراساني (4/132)
عبد الله الخياط قال قال إبراهيم الخراساني احتجت يوما الى الوضوء فإذا أنا بكوز من جوهر و سواك من فضة رأسه ألين من الخز فأمسكت بالسواك و توضأت بالماء و تركتهما و انصرفت
أبو سعيد الخراز قال قال لنا إبراهيم الهروي بينما أنا في بعض سياحاتي و قد بقيت أياما كثيرة لم أر فيها أحدا من الناس ولا طائرا ولا ذا لوح وكنت في تلك الحال مستقلا بلا طعام و لا شراب فوقع في نفسي أنى في معنى فخرج على شخص مع الخاطر لاادري من أين خرج فقال لي يا إبراهيم ذلك المرائى تعرفه قلت أنا هو قال وكان إلى جنبي شجرة فقال لى قل لهذه الشجرة تحمل دنانير قلت احملى دنانير فلم تحمل ثم قال لها احملى فإذا بشماريخ دنانير معلقة فاشتلغت أنظر إليها ثم التفت فلم أر الشخص وذهبت الدنانير من الشجرة
قال أبو سعيد وسمعته يقول بينما رجل في مسير له في يوم صائف إذ عدل إلى شعب فأصاب فيه مغارة قال فدخلت فيها فما لبثت أن دخل على ثعبان كأنه النخله فتطوق في شق المغارة فجعل ينظر إلى فقلت في نفسي لعلى رزق له وهالني أمره فما لبث أن خرج من المغارة ثم أقبل إلى وفى فيه رغيف (4/133)
حوارى قد ذهبت منه عضه فوضعه عند رأسى ورجع إلى موضعه فتطوق فيه فقمت فأكلت الرغيف فلما برد النهار خرجت فسرت فلقينى رفقه فقالوا من أين جئت قلت من هذا الشعب قالوا هل رأيت ما رأينا قلت و ما هو قالوا اعترض علينا في الرفقة ثعبان وقام على ذنبه و نفخ و كان معنا إنسان ظريف فيه أدب فقال أظن هذا جائعا فرمى إليه رغيفا حواري فأخذه الثعبان و مضى فقلت أنا أكلت الرغيف و مضيت و خليتهم
انتهى ذكر أهل هراة
ذكر المصطفين من أهل مرو
695 - عبد الله بن المبارك
يكنى أبا عبد الرحمن كان أبوه تركيا عند رجل من التجار من بني حنظلة و كانت أمه تركية خوارزمية ولد سنة ثماني عشرة ومائة و قيل تسع عشرة
الحسن قال كانت أم ابن المبارك تركية و كان الشبه لهم بينا فيه و كان ربما خلع قميصه فلا أرى على صدره و جسده كثير شعر و أخبرني غير واحد من أهله أنه ما دخل الحمام قط
قال و كانت دار ابن المبارك بمرو كبيرة صحن الدار نحو خمسين ذراعا في خمسين ذراعا فكنت لا تحب أن ترى في داره صاحب علم أو صاحب عبادة أو رجلا له مروءة و قدر بمرو إلا رأيته في داره يجتمعون في كل يوم خلقا يتذاكرون حتى إذا خرج (4/134)
ابن المبارك انضموا إليه فلما صار ابن المبارك بالكوفة نزل في دار صغيرة وكان يخرج الى الصلاة ثم يرجع إلى منزله لا يكاد يخرج منه ولا يأتيه كثير أحد فقلت له يا أبا عبد الرحمن ألا تستوحش ها هنا مع الذي كنت فيه بمرو فقال إنما فررت من مرو من الذي تراك تحبه وأحببت ما هاهنا للذي أراك تكرهه لي فكنت بمرو لا يكون أمر إلا أتوني فيه ولا مسألة إلا قالوا اسألوا ابن المبارك وأنا ها هنا في عافية من ذلك
قال و كنت مع ابن المبارك يوما فأتينا على سقاية والناس يشربون منها فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس فزحموه ودفعوه فلما خرج قال لي ما العيش إلا هكذا يعني حيث لم نعرف ولم نوقر
قال و بينا هو بالكوفة يقرأ عليه كتاب المناسك انتهى إلى حديث و فيه قال عبد الله و به نأخذ فقال من كتب هذا من قولي قلت الكاتب الذي كتبه فلم يزل يحكه بيده حتى درس ثم قال و من أنا حتى يكتب قولي
قال الحسن و كنا على باب سفيان بن عيينة يوما و أصحاب الحديث و هم يرون أن عنده بعض هؤلاء الكبار يحدثه فقال رجل أعياني أن أرى رجلا يسوي بين الناس في علمه فقال له آخر هذا عبد الله ابن المبارك قال نعم هات غيره أتعرف غيره (4/135)
فلما قدمت الكوفة ذكرت لابن المبارك قول الرجل وأنه فلان و لم أعلمه أنهم سموه فقال أفلا قالوا الفضيل بن عياض
قال الحسن و رأيت في منزل ابن المبارك حماما طيارة فقال ابن المبارك قد كنا ننتفع بفراخ هذه الحمام فليس ننتفع بها اليوم قلت و لم ذلك قال اختلطت بها حمام غيرها فتزاوجت بها فنحن نكره أن ننتفع بشيء من فراخها من أجل ذلك
قال الحسن و صحبت ابن المبارك من خراسان إلى بغداد فمارأيته أكل و حده
قال و زوج النضر بن محمد ولده دعي بن المبارك فلما جاء قام ابن المبارك ليخدم الناس فأبى النضر أن يدعه و حلف عليه حتى جلس
عبيد بن جناد قال قال عطاء بن مسلم يا عبيد رأيت عبد الله ابن المبارك قلت نعم قال ما رأيت مثله و لا يرى مثله
عبد الرحمن بن مهدي قال ما رأت عيناي مثل سفيان و لا أقدم على عبد الله بن المبارك أحدا
عبد الرحمن بن عبيد الله قال كنا عند الفضيل فنعى إليه ابن المبارك فقال رحمه اللهأما إنه ما خلف بعده مثله عبد الرحمن بن مهدي قال ما رأت عيناي أنصح لهذه الأمة من عبد الله بن المبارك
نعيم بن حماد قال كان عبد الله بن المبارك يكثر الجلوس في بيته فقيل له ألا تستوحش فقال كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه و سلم (4/136)
شقيق ابن إبراهيم قال قيل لابن المبارك إذا صليت معنا لم تجلس معنا قال أذهب أجلس مع الصحابة و التابعين قلنا له ومن أين الصحابة والتابعون قال أذهب أنظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم ما أصنع معكم أنتم تغتابون الناس فإذا كانت سنة مائتين فالبعد من كثير من الناس أقرب إلى الله وفر من الناس كفرارك من أسد و تمسك بدينك يسلم لك
الحسين بن الحسن المروزي قال قال عبد الله بن المبارك كن محبا للخمول كراهية الشهرة ولا تظهر من نفسك أنك تحب الخمول فترفع نفسك فإن دعواك الزهد من نفسك هو خروجك من الزهد لأنك تجر إلى نفسك الثناء و المدحة
أشعث بن شعبة المصيصي قال قدم هارون الرشيد الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك و تقطعت النعال و ارتفعت الغبرة و أشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج من قصر الخشب فلما رأت الناس قالت ما هذا قالوا عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك فقالت هذا والله الملك لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان
سويد بن سعيد قال رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم فاستقى منها ثم استقبل الكعبة فقال اللهم إن ابن أبي الموالى حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ماء زمزم لما شرب له و هذا أشربه لعطش القيامة ثم شربه
نعيم بن حماد قال كان ابن المبارك إذا قرأ كتاب الرقاق فكأنه (4/137)
بقرة منحورة من البكاء لا يجترئ أحد منا أن يدنو منه أو يسأله عن شيء
قال سفيان إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سنة واحدة مثل عبد الله بن المبارك فما أقدر أن أكون و لا ثلاثة أيام
عمران بن موسى الطرسوسي قال جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة فقال له من أين أنت قال منأهل المشرق قال أوليس عندكم أعلم أهل المشرق قال ومن هو يا أبا عبد الله قال عبد الله بن المبارك قال و هو أعلم أهل المشرق قال نعم وأهل المغرب
قال ابن عيينة نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلا إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه و سلم و غزوهم معه
حبان بن موسى قال عوتب ابن المبارك فيما يقري من المال في البلدان و لايفعل في أهل بلده كذلك فقال إني أعرف مكان قوم لهم فضل و صدق طلبوا الحديث و أحسنوا الطلب فاحتاجوا فإن تركناهم ضاع علمهم و إن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه و سلم و لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم
عبد الله بن ضريس قال قيل لعبد الله بن المبارك يا أبا عبد الرحمن إلى متى تكتب هذا الحديث فقال لعل الكلمة التي أنتفع بها ما كتبتها بعد
الحسين بن الحسن المروزي قال سمعت ابن المبارك يقول أهل الدنيا خرجوا من الدنيا أن يتطعموا أطيب ما فيها قيل له و ما أطيب ما فيها قال المعرفة بالله عزوجل (4/138)
قطن بن سعيد قال ما أفطر ابن المبارك و لا رئى نائما قط
علي بن الحسن بن شقيق قال قال سمعت ابن المبارك يقول لأن أرد درهما من شبهة أحب إلي منأن أتصدق بمائة ألف و مائة ألف حتى بلغ ستمائة ألف
عبد الله بن خبيق قال قيل لابن المبارك ما التواضع قال التكبر على الأغنياء
عياش بن عبد الله قال قال عبد الله بن المبارك لو أن رجلا أبقى مائة شيء و لم يبق شيئا واحدا لم يكن من المتقين و لو تورع عن مائة شيء و لم يتورع عن شيء واحد لم يكن ورعا ومن كان فيه خلة من الجهل كان من الجاهلين أما سمعت الله تعالى قال لنوح عليه السلام لما قال إن ابني من أهلي فقال الله تعالى إني أعظك أن تكون من الجاهلين
علي بن الحسن قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول لا يقع موقع الكسب على العيال شيء و لاالجهاد في سبيل الله عزوجل
عبد الله بن عمر السرخسي قال قال لي ابن المبارك ما أعياني شيء كما أعياني أني لا أجد أخا في الله عزوجل
سليمان بن داود قال سألت ابن المبارك من الناس قال العلماء قلت فمن الملوك قال الزهاد قلت فمن الغوغاء قال خزيمة وأصحابه قلت فمن السفلة قال الذين يعيشون بدينهم (4/139)
فضيل بن عياض قال سئل ابن المبارك من الناس قال العلماء قال فمن الملوك قال الزهاد قالفمن السفلة قال الذي يأكل بدينه
أحمد بن جميل المروزي قال قيل لعبد الله بن المبارك إن إسماعيل ابن علية قد ولى الصدقات فكتب إليه ابن المبارك
يا جاعل العلم له بازيا ... يصطاد أموال المساكين
إحتلت للدنيا و لذاتها ... بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعد ما ... كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها ... عن ابن عون و ابن سيرين
أين رواياتك و القول في ... لزوم أبواب السلاطين
إن قلت أكرهت فماذا كذا ... زل حمار العلم في الطين
فلما قرأ الكتاب بكى واستعفى
محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت أبي يقول كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو فيقولون نصحبك يا أبا عبدالرحمن فيقول لهم هاتوا نفقاتكم فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق و يقفل عليها ثم يكتري لهم و يخرجهم من مرو إلى بغداد فلا يزال ينفق عليهم و يطعمهم أطيب الطعام و أطيب الحلواء ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي و أكمل مروءة حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم فإذا صاروا إلى المدينة قال لكل رجل منهم ما أمرك عيالك أن تشتري (4/140)
لهم من المدينة من طرفها فيقول كذا ثم يخرجهم إلى مكة فإذا وصلوا إلى مكة فقضوا حوائجهم قال لكل رجل منهم ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة فيقول كذا و كذا فيشتري لهم ويخرجهم من مكة فلا يزال ينفق عليهم حتى يصيروا إلى مرو فإذا وصلوا إلى مرو جصص أبوابهم و دورهم فإذا كان بعد ثلاثة أيام صنع لهم وليمة و كساهم فإذا أكلوا و شربوا دعا بالصندوق ففتحه و دفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه
قال أبي أخبرني خادمه أنه عمل آخر سفرة سافرها دعوة فقدم إلى الناس خمسة و عشرين خوانا فالوذجا
قال و بلغنا أنه قال للفضيل بن عياض لولاك و أصحابك ما أتجزت
قال أبي و كان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم
محمد بن عيسى قال كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس و كان ينزل الرقة في خان فكان شاب يختلف إليه و يقوم بحوائجه و يسمع منه الحديث قال فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب و كان مستعجلا فخرج في النفير فلما قفل من غزوته و رجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالواإنه محبوس لدين ركبه فقال عبد الله و كم مبلغ دينه قالوا عشرة آلف درهم فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال فدعا به ليلا ووزن له (4/141)
عشرة آلاف درهم و حلفه أن لا يخبر أحدا ما دام عبد الله حيا و قال إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس
وأدلج عبد الله وأخرج الفتى من الحبس و قيل له عبد الله ابن المبارك كان هاهنا و كان يذكرك و قد خرج فخرج الفتى في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة فقال يا فتى أين كنت لم أرك في الخان قال نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوسا بدين قال وكيف سبب خلاصك قال جاء رجل وقضى دينى ولم أعلم به حتى أخرجت من الحبس فقال له عبد الله يا فتى أحمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك فلم يخبر ذلك الرجل أحدا إلابعد موت عبد الله
سلمه بن سليمان قال جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك فسأله أن يقضى دينا عليه فكتب إلى وكيل له فلما ورد عليه الكتاب قال له الوكيل كم الدين الذى سألت فيه عبد الله أن يقضيه عنك قال سبعمائه درهم فكتب إلى عبد الله إن هذا الرجل سألك أن تقضى سبعمائه درهم فكتب له بسبعه آلاف وقد فنيت الغلات فكتب إليه عبد الله إن كانت الغلات قد فنيت فإن العمر أيضا قد فنى فأجر له ما سبق به قلمى
وقد رويت لنا هذه الحكايه أبسط من هذا فأخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقى قالاأنبأ أحمد قال أنبأ أحمد بن (4/142)
عبدالله قال نبأ أبى قال نبأ محمد بن أحمد بن ابراهيم قال نبأ على بن محمد بن روح قال سمعت المسيب بن وأضح يقول كنت عند عبد الله بن المبارك إذ كلموه فى رجل يقضى عنه سبعمائه درهم دينا فكتب إلى وكيله إذا جاءك كتابى هذا وقرأته فادفع إلى صاحب هذا الكتاب سبعه آلاف درهم فلما ورد الكتاب على الوكيل وقرأه التفت إلى الرجل فقال أى شيء قضيتك فقال كلموه أن يقضى عنى سبعمائه درهم دينا فقال قد أصبت فى الكتاب غلطا ولكن اقعد موضعك حتى أجرى عليك من مالى وأبعث إلى صاحبى فأوامره فيك
فكتب إلى عبد الله بن المبارك أتانى كتابك وقرأته وفهمت ما ذكرت فيه وسألت صاحب الكتاب فذكر أنه كلمك فى سبع مائه درهم وهاهنا سبعه آلاف فإن يكن منك غلط فاكتب إلى حتى أعمل على حسب ذلك فكتب إليه إذا أتاك كتابي هذا و قرأته و فهمت ما ذكرت فيه فادفع إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفا فكتب إليه إن كان على هذا الفعال تفعل فماأسرع ما تبيع الضيعة فكتب إليه عبد الله بن المبارك إن كنت و كيلي فأنفذ ما آمرك به وإن كنت أنا وكيلك فتعال إلى موضعي حتى أصير موضعك فأنفذ ما تأمرني به
ابن عباس قال قال رسول صلى الله عليه و سلم من فاجأ من أخيه المسلم فرحة غفر الله له فأحببت أن أفاجئه فرحة على فرحة (4/143)
معاذ بن خالد قال تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك فقال اسماعيل بن عياش ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك و لاأعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا و قد جعلها في عبد الله بن المبارك و لقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الخبيص وهو الدهر صائم
عبد الله بن حبيق قال رجل لابن المبارك أوصني فقال اعرف قدرك
سعيد بن يعقوب الطالقاني قال قال رجل لابن المبارك هل بقي من ينصح قال فقال وهل تعرف من يقبل
عبدة بن سليمان قال كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما إلتقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله فازدهم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو ملثم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال و أنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا
أبو وهب قال مر ابن المبارك برجل أعمى فقال أسألك أن تدعو الله يرد بصرى قال فدعا الله فرد عليه بصره و أنا أنظر (4/144)
الحسن بن عرفة قال قال لي ابن المبارك استعرت قلما بأرض الشام فذهب على أن أرده إلى أصحابه فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي فرجعت يا أبا علي إلى أرض الشام حتى رددته على صاحبه
شريح بن مسلمة قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول كاد الأدب يكون ثلثي الدين
أبو بكر بن عبد الله بن حسن قال قال ابن المبارك طلبنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا
أحمد بن الزبرقان قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره ينبغي لنا أن نكرهها
عن القاسم بن محمد قال كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيرا ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة إن كان يصلي إنا نصلي ولئن كان يصوم إنا لنصوم و إن كان يغزو فإنا لنغزو و إن كان يحج إنا لنحج
قال فكنا في بعض مسيرنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت إذ طفئ السراج فقام بعضنا فأخذ السراج و خرج يستصبح فمكث هنيهة ثم جاء بالسراج فنظرت إلى وجه ابن المبارك و لحيته قد ابتلت من الدموع فقلت في نفسي بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا و لعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة ذكر القيامة (4/145)
قال المروزي وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل قال ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له
قال المروزي و أخبرت عن داود بن رشيد قال كان ابن المبارك عند أبي الأحوص فجاء رسول فلان الهاشمي بعض الولاة فقال يقرئك السلام و يقول يا أبا الأحوص هذا شهر رمضان و قد وسعنا على عيالنا و هذه ألف درهم توسع بها عليهم في هذا الشهر قال أبو الأحوص فعل الله به و فعل به و قال قل له يدعها عنده حتى إذا احتجنا إليها بعثنا فأخذناها
قال و انسل ابن المبارك إلى منزله فجاء بألف فقال يا أبا الأحوص هذه الألف تنفقها فإني لا آمن أن يكون قد بلغ أهلك فيخاصمونك وهذه من وجه أرجو أن تكون أطيب فقبلها
الحسن بن الربيع قال سمعت ابن المبارك حين حضرته الوفاة وأقبل نصير يقول له يا أبا عبد الرحمن قل لا إله إلا الله فقال له يا نصير قد ترى شدة الكلام علي فإذا سمعتني قلتها فلا تردها علي حتى تسمعني قد أحدثت بعدها كلاما فإنما كانوا يستحبون أن يكون آخر كلام العبد ذلك
أدرك ابن المبارك جماعة من التابعين منهم هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد والأعمش وسليمان التيمي وحميد الطويل و عبد الله بن عون و خالد الحذاء ويحيى بن سعيد الأنصاري و موسى بن عقبة في آخرين (4/146)
وروي عن كبار الأئمة كالثوري و شعبة والأوزاعي والحمادين في نظرائهم وكان أحد أئمة المسلمين
وتوفي بهيت منصرفا من الغزو لثلاث عشرة خلت من رمضان سنة إحدى و ثمانين ومائة و هو ابن ثلاث وستين سنة
محمد بن فضيل بن عياض قال رأيت عبد الله بن المبارك في المنام فقلت أي الأعمال وجدت أفضل قال الأمر الذي كنت فيه قلت الرباط والجهاد قال نعم قلت فأي شيء صنع بك ربك قالغفر لي مغفرة ما بعدها مغفرة و كلمتني امرأة من أهل الجنة أو أمرأة من الحور العين
696 - أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه
لبث مع أمه ثلاثين شهرا أبوه مروزي وولد هو ببغداد ونشأ بنيسابور واستوطن سمرقند و كان عالما بالحديث والفقه
أبو محمد الثقفي عبد الله بن محمد قال سمعت جدي يقول جالست أبا عبد الله المروزي أربع سنين فلم أسمعه طول تلك المدة يتكلم في غير العلم
أبو بكر أحمد بن إسحاق قال ما رأيت أحسن صلاة من أبي عبد الله المروزي ولقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك (4/147)
محمد بن نصر قال خرجت من مصر و معي جارية لي فركبت البحر أريد مكة فغرقت وذهب مني ألفا جزء و صرت إلى جزيرة أنا و جاريتي فما رأينا فيها أحدا وأخذني العطش فلم أقدر على الماء فاجهدت فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلما للموت فإذا رجل قد جاءني و معه كوز فقال لي هاه أخذت وشربت و سقيت الجارية ثم مضى فما أدري من أين جاء و لا أين ذهب
أسند المروزي عن عبدان ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه و خلق كثير يطول ذكرهم و كان مولده في سنة ثنتين و مائتين و توفي سنة أربع وتسعين
697 - عبد الله بن أحمد محمد الرباطي المروزي لبث مع أمه خمس سنين وهو الذي يقال له ابن شبويه
سافر مع أبي تراب النخشبي و كان الجنيد يمدحه و يقول هو رأس فتيان خراسان
مصعب بن أحمد بن مصعب قال قدم أبو محمد المروزي إلى بغداد يريد مكة وكنت أحب أن أصحبه فأتيته وأستأذنته في الصحبة فلم يأذن لي في تلك السنة ثم قدم سنة ثانية و ثالثة فأتيته فسلمت عليه وسألته فقال اعزم على شرط يكون أحدنا الأمير لا يخالفه الآخر فقلت أنت الأمير فقال لا بل أنت فقلت أنت أسن وأولى فقال فلا تعصني فقلت نعم (4/148)
فخرجت معه و كان إذا حضر الطعام يؤثرني فإذا عارضته بشيء قال ألم أشرط عليك أن لا تخالفني فكان هذا دأبنا حتى ندمت على صحبته لما يلحق نفسه من الضرر
فأصابنا في بعض الأيام مطر شديد و نحن نسير فقال لي يا أبا أحمد اطلب الميل ثم قال لي اقعد في أصله فأقعدني في أصله و جعل يديه على الميل و هو قائم قد حنا علي و عليه كساء قد تجلل به يظلني من المطر حتى تمنيت أني لم أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر فلم يزل هذا دأبه حتى دخل مكة رحمه الله عليه
698 - عبد الله بن المنير المروزي لبث في بطن أمه ما شاء الله
يحيى بن بدر القرشي قال كان عبد الله بن منير يوم الجمعة قبل الصلاة بقزوين فإذا كان وقت صلاة الجمعة يرونه في مسجد آمل فكان الناس يقولونإنه يمشي على الماء فقيل له يا أبا محمد إنك تمشي على الماء قال أما المشي على الماء فلا أدري و لكن إذا أراد الله عزوجل جمع حافتي النهر حتى يعبر الإنسان
قال وكان عبد الله بن منير إذا قام من المجلس يخرج إلى البرية مع قوم من أصحابه يجمع شيئا مثل الأشنان و غيره فيدخل السوق فيبيع ذلك فيتعيش به (4/149)
704 - حاتم الأصم
واختلفوا فى اسم أبيه فقيل حاتم بن عنوان وقيل حاتم بن يوسف وقيل حاتم بن عنوان بن يوسف يكنى أبا عبد الرحمن وهو مولى للمثنى بن يحيى المحاربى صحب شقيقا
محمد بن أبى عمران قال سمعت حاتما الأصم وسأله رجل على ما بنيت أمرك هذا فى التوكل على الله قال على خصال أربع علمت أن رزقى لا يأكله غيرى فاطمأنت به نفسى وعلمت أن عملى لايعمله غيرى فأنا مشغول به وعلمت أن الموت يأتينى بغته فأنا أبادره وعلمت أنى لاأخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحى منه
رباح بن الهروى قال مر عاصم بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم فى مجلسه فقال يا حاتم كيف تصلى قال حاتم أقوم بالامر وأمشى بالسكينة وأدخل بالنيه وأكبر بالعظمه وأقرأبالترتيل والتفكر وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع وأسلم بالسنه وأسلمها بالاخلاص إلى الله عز و جل وأخاف أن لاتقبل منى قال تكلم فأنت تحسن تصلى
عبد الله بن سهل قال سمعت حاتما الأصم يقول اختلفت إلى شقيق ثلاثين سنة فقال لي يوما أي شيء تعلمت فقلت رأيت رزقي من عند ربي فلم أشتغل إلا بربي و رأيت أن الله تعالى وكل بي ملكين يكتبان علي ما تكلمت به فلم أنطق إلا بالحق ورأيت أن الخلق ينظرون إلى ظاهري و الرب تعالى ينظر إلى باطني فرأيت مراقبته أولى وأوجب فسقطت عني رؤية الخلق ورأيت (4/161)
أن الله مستحثا يدعو الخلق إليه فاستعددت له متى جاءني لا أحتاج يقتلني يعني ملك الموت فقال لي يا حاتم ما خاب سعيك
الحسن بن علي العابد قال سمعت حاتما يقول لو أن صاحب خير جلس إليك ليكتب كلامك لاحترزت منه و كلامك يعرض على الله تعالى فلا تحترز
أبو تراب النخشبي قال سمعت حاتما يقول لي أربع نسوة و تسعة من الأولاد ما طمع الشيطان أن يوسوس لي في شيء من أرزاقهم
حامد اللفاف قال سمعت حاتما الأصم يقول مامن صباح إلا و الشيطان يقول لي ما تأكل و ما تلبس وأين تسكن فأقول آكل الموت وألبس الكفن و أسكن القبر
قال و قال رجل لحاتم ما تشتهي قال أشتهي عافية يوم إلى الليل فقيل له أليست الأيام كلها عافية قال إن عافية يومي أن لا أعصى الله فيه
قال و قال حاتم تعهد نفسك في ثلاثة مواضع إذا عملت فاذكر نظر الله إليك وإذا تكلمت فاذكر سمع الله إليك و إذا سكت فاذكر علم الله فيك
عن علي بن الموفق قال سمعت حاتما يقول لقينا الترك و كان بيننا جولة فرماني بوهق فقلبني عن فرسي و نزل عن دابته (4/162)
فقعد على صدري و أخذ بلحيتي هذه الوافرة وأخرج من خفه سكينا ليذبحني فوحق سيدي ما كان قلبي عنده و لا عند سكينه إنما كان قلبي عند سيدي أنظر ماذا ينزل به القضاء منه فقلت سيدي قضيت علي أن يذبحني هذا فعلى الرأس و العين وإنما أنالك و ملكك فبينا أنا أخاطب سيدي و هو قاعد على صدري آخذ بلحيتي ليذبحني إذ رماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه فسقط عني فقمت أنا إليه فأخذت السكين من يده فذبحته فما هو إلا أن تكون قلوبكم عند السيد حتى تروا من عجائب لطفه مالم تروا من ألآباء و الأمهات أسند حاتم الحديث و لا أعرف له إلا ما أخبرنا به محمد بن عبد الباقي قال أخبرنا حمد بن أحمد قال أنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد بن أحمد المؤذن قال حدثنا محمد بن الحسين بن علي قال حدثنا محمد بن علويه قال حدثنا ابن الحارث قال حدثنا حاتم الأصم قال حدثنا سعيد بن عبد الله الماهياني قال حدثنا إبراهيم بن طهمان قال حدثنا مالك عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال صل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار وسلم إذا دخلت بيتك يكثر خير بيتك
705 - أحمد بن الخضر
وهو المعروف بابن خضرويه البلخي
يكنى أبا حامد صحب أبا تراب النخشبي و حاتما الأصم ورحل إلى يزيد و أبي حفص النيسابوري (4/163)
و قال أبو حفص ما رأيت أحدا أكبر همة و لا أصدق حالا من أحمد بن خضرويه
محمد بن الفضل قال قال أحمد بن خضرويه القلوب جوالة إما أن تجول حول العرش وإما أن تجول حول الحش
محمد بن حامد الترمذي قال أحمد بن خضرويه الصبر زاد المضطرين و الرضا درجة العارفين
قال و قال رجل لأحمد بن خضرويه أوصني فقال أمت نفسك حتى تحييها
قال وقال أحمد لا نوم أثقل من الغفلة و لا رق أملك من الشهوة و لولا ثقل الغفلة لم تظفر بك الشهوة قال و سئل أحمد أي الأعمال أفضل فقالرعاية السر عن الالتفات إلى شيء غير الله عزوجل
محمد بن حامد قال كنت جالسا عند أحمد بن خضرويه وهو في النزع الأخير و كان قد أتى عليه خمس و تسعون سنة فسئل عن مسألة فدمعت عيناه وقال يا بني باب كنت أدقه خمسا و تسعين سنة هو ذا يفتح لي الساعة لا أدري أيفتح لي بالسعادة أو بالشقاوة أنى لي أوان الجواب
و كان قد ركبه من الدين سبعمائة دينار و حضره غرماؤه فنظر إليهم فقال اللهم إنك جعلت الرهون وثيقة لأرباب الأموال وأنت تأخذ عنهم و ثيقتهم فأد عني قال فدق داق الباب و قال هذه دار أحمد بن خضرويه فقالوا نعم قال أين غرماؤه قال فخرجوا فقضى عنه ثم خرجت روحه (4/164)
أسند أحمد بن خضرويه عن محمد بن عبدة المروزي و توفي سنة أربعين و مائتين
706 - محمد بن الفضل بن العباس أبو عبد الله البلخي
أبو بكر محمد بن عبد الله الرازي قال سمعت محمد بن الفضل يقول العجب ممن يقطع الأودية و المفاوز و القفار ليصل إلى بيته و حرمه لأن فيه آثار أنبيائه كيف لا يقطع نفسه و هواة حتى يصل إلى قلبه لأن فيه آثار مولاه
الحسن بن علويه قال قال محمد بن الفضل أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها و لابد له منها فإن من ملك نفسه عز ومن ملكته ذل
إبراهيم الخواص قال قال لي محمد بن الفضل ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله عزوجل و ما نظرت أربعين سنة في شيء أستحسنه حياء من الله عزوجل و ما أمليت على ملكي ثلاثين سنة شيئا و لو فعلت ذلك لا ستحييت منهما
أسند محمد بن الفضل عن قتيبة بن سعيد و صحب أحمد بن خضرويه وغيره و انتقل إلى سمرقند فمات بها في سنة تسع عشرة وثلاثمائة
707 - أبو بكر الوراق
و اسمه محمد بن عمر و يقال له الحكيم و أصله من ترمذ لكنه أقام ببلخ
أبو بكر بن أجيد البلخي قال سمعت أبا بكر الوراق يقول (4/165)
لو قيل للطمع من أبوك قال الشك المقدور ولو قيل ما حرفتك قال اكتساب الذل و لو قيل ما غايتك قال الحرمان
غيلان السمرقندي قال دخل رجل على أبي بكر الوراق فقالإني أخاف من فلان فقال لا تخف منه فإن قلب من تخافه بيد من ترجوه محمد بن حامد قال قلت لأبي بكر الوراق علمني شيئا يقربني إلى الله و يقربني من الناس فقال أما الذي يقربك من الله فمسألته و أما الذي يقربك من الناس فترك مسألتهم
أسند أبو بكر الوراق الحديث عن موسى بن حزام الترمذي
708 - عابد بلخي لم يعرف اسمه
عبد الوهاب قال بينا أنا جالس في الحدادين ببلخ إذ مر رجل فنظر إلى النار في الكور فسقط فقمنا فنظرنا إليه فإذا هو قد مات
709 - عابدة بلخية رضي الله عنها
أبو بلال الأسود قال خرجت حاجا فلما صرت في بعض الطريق إذا أنا بامرأة ليس معها زاد ولا إداوة فقلت لها من أين أنت قالت من بلخ فقلت لها ما أرى معك زادا و لا ما تحملين فيه الزاد فقالت لي خرج معي من بلخ عشرة دراهم و قد بقي بعضها فقلت لها إذا نفدت ما تصنعين فقالت علي هذه الجبة أبيعها وآخذ دونها وأنفق ما بين ذلك قلت إذا فنى ما تصنعين قالت أبيع هذا الخمار و آخذ دونه وأنفق ما بين ذلك قلت فإذا فنى ما تصنعين قالت يا بطال أسأله فيعطيني قلت ألا سألته قبل ذلك (4/166)
قالت ويحك إني أستحي أن أسأله شيئا من الدنيا و معي فضل من عرضها قلت اعقبي على هذا الحمار عقبة فقالت دعه فتركته معها و تخلفت لحاجة فلما قضيت حاجتي أسرعت في أثرها فإذا أنا بالحمار واقف والخرج مملوء فرآني حواري لم أر بحسنه فطلبتها بعد ذلك فما رأيتها
انتهى ذكر أهل بلخ بحمد الله و منه
ذكر المصطفين من أهل ترمذ
710 - علي بن رزين أبو الحسن
خراساني أصله من ترمذ و يقال من هراة كان أستاذ أبي عبد الله المغربي
كان علي بن رزين قد صحب الحسن البصري فيما يذكر و الله أعلم و كان يدخل إلى قرميسين فيما بلغني فيكتب عنه و شاع في الناس ذكره أنه يشرب في كل أربعة أشهر شربة ماء فسأله رجل منأهل قرميسين عن هذا فقالنعم وأي شيء في هذا سألت الله عزوجل أن يكفيني مؤونة بطني فكفاني
عاش علي بن رزين مائة و عشرين سنة و توفي سنة خمس و عشرين و مائتين و دفن على جبل الطور و دفن إلى جانبه صاحبه أبو عبد الله المغربي
711 - محمد بن علي بن الحسين الترمذي
يكنى أبا عبد الله من كبار مشايخ خراسان له التصانيف (4/167)
المشهورة و كان يقول ما صنفت شيئا لينسب إلي لكن كنت إذا اشتد علي وقتي أتسلى بمصنفاتي
منصور بن عبد الله قال قال محمد بن علي الترمذي ليس في الدنيا حمل أثقل من البر لأن من برك فقد أوثقك ومن جفاك فقد أطلقك
الحسن بن علي قال سمعت محمد بن علي الترمذي يقول من جهل أوصاف العبودية فهو بنعت الربوبية أجهل
أبو الحسين الفارسي قال سمعت محمد بن علي الترمذي يقول المؤمن بشره في وجهه و حزنه في قلبه و المنافق حزنه في وجهه و بشره في قلبه
وقال اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك واجعل شكرك لمن لا تنقطع عنك نعمته و اجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه و سلطانه
أسند محمد بن علي عن محمد بن رزام الأيلي
انتهى ذكر أهل ترمذ بحمد الله ومنه
ذكر المصطفين من أهل بخارى
712 - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري يكنى أبا عبد الله
أبو جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق قال قلت لأبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري كيف كان بدو أمرك في طلب الحديث قال ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب قلت وكم أتى عليك إذ ذاك (4/168)
فقال عشر سنين أو أقل ثم خرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي و غيره فقال يوما فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم فقلت له يا أبا فلان إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل إن كان عندك فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي كيف هو يا غلام قلت هو الزبير بن عدي عن إبراهيم فأخذ القلم مني فأحكم كتابه و قال صدقت فقال له بعض أصحابه أبن كم كنت إذ رددت عليه قال ابن إحدى عشرة سنة فلما طعنت في سن ست عشرة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع ثم خرجت مع أمي و أخي إلى مكة فلما حججت رجع أخي و تخلفت بها في طلب الحديث فلما طعنت في ثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم و صنفت كتاب التاريخ عن قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم في الليالي المقمرة
أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن البخاري قال سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل يقول لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم من أهل الحجاز و مكة و المدينة و الكوفة و البصرة وواسط و بغداد والشام و مصر
السعداني قال سمعت بعض أصحابنا يقول قال محمد بن إسماعيل أخرجت هذا الكتاب يعني الصحيح من زهاء ستمائة ألف حديث (4/169)
محمد بن يوسف الفربري قال قال محمد بن إسماعيل ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك و صليت ركعتين
بكر بن منير قال كان حمل إلى محمد بن إسماعيل بضاعة أنفذها إليه فلان فاجتمع التجار إليه بالعشية فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم فقال لهم انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوا منه تلك البضاعة بربح عشرة آلاف درهم فردهم و قال إني نويت البارحة أن أدفع إليهم بما طلبوا يعني الذين طلبوا أول مرة ففعل و قال لاأحب أن أنقض نيتي
مسبح بن سعيد قال كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان في أول ليلة من رمضان يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم فيقرأ في كل ركعة عشرين آية و كان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال و يقول عند كل ختمة دعوة مستجابة
علي بن محمد بن منصور قال سمعت أبي يقول كنا في مجلس أبي عبد الله محمد بن إسماعيل فرفع إنسان من لحيته قذاة فطرحها على الأرض فرأيت محمد بن إسماعيل ينظر إليها و إلى الناس فلما غفل الناس رأيته مد يده فرفع القذاة من الأرض فأدخلها في كمه فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها فطرحها على الأرض
محمد بن أبي حاتم قال كنت أرى أبا عبد الله يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة (4/170)
فيوري نارا و يسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه و كان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بواحدة
بكر بن منير قالسمعت محمد بن إسماعيل يقول أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا
قلت فضائل البخاري كثيرة وحفظه للحديث حفظ غزير قد شهد له الأكابر به حتى قال أحمد بن حنبل ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل وكان نحيف الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع و تسعين و مائة
وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر وذلك لغرة شوال من سنة ست و خمسين و مائتين و قبره بخرتنك
713 - عابد بخاري
إبراهيم بن أحمد الخواص قال سلكت البادية ستة عشر طريقا على غير الجادة فأعجب ما رأيت فيها رجل ليس له يدان ولا رجلان وعليه من البلاء أمر عظيم و هو يزحف زحفا فتحيرت منه و سلمت عليه فقال لي و عليك السلام يا إبراهيم قال فقلت له بم عرفتني و لم ترني قبلها فقال الذي جاء بك عرف بيني و بينك فقلت صدقت إلى أين تريد فقال إلى مكة قلت ومن أين (4/171)
أنت قال من بخارى فبقيت متعجبا أنظر إليه فنظر إلى شزرا و قال يا إبراهيم تعجب من قوي يحمل ضعيفا و يرفق به ثم دمعت عيناه وأرسل الدموع فقلت لا يا حبيبي فتركته على حاله و مضيت أنا فلما دخلت مكة رأيته في الطواف و هو يزحف زحفا
انتهى ذكر أهل بخارى ومن المصطفين من فرغانة
714 - أبو بكر بن إسماعيل الفرغاني
محمد بن داود قال ما رأيت في الفقراء أحسن من أبي بكر بن إسماعيل الفرغاني و كان ممن يظهر الغنى في الفقر يلبس قميصين أبيضين و رداء و سراويل و نعلا لطيفة و عمامة و في يده مفتاح كبير حسن و ليس له بيت ينطرح في المساجد و يطوي الخمس و الست دائما
و من المصطفين من نخشب ومن المصطفين من نخشب
715 - أبو تراب النخشبي
واسمه عسكر بن الحصين و يقال عسكر بن محمد بن حصين أبو عبد الله الجلاء قال لقيت ستمائة شيخ ما رأيت فيهم مثل أربعة أولهم أبو تراب
أبو علي الحسن بن خيران الفقيه قال مر أبو تراب النخشبي بمزين فقال له تحلق رأسي لله عزوجل فقال له إجلس (4/172)
فجلس ففيما يحلق رأسه مر به أمير من أهل بلده فسأل حاشيته فقال لهم أليس هذا أبا تراب قالوا نعم فقال أي شيء معكم من الدنانير فقال له رجل من خاصته معي خريطة فيها ألف دينار فقال إذا قام فأعطه و اعتذر إليه و قل له لم يكن معنا غير هذه فجاء الغلام إليه فقال له إن الأمير يقرأ عليك السلام و قال لك ما حضر معنا غير هذه الدنانير فقال له ادفعها إلى المزين فقال المزين أي شيء أعمل بها فقال خذها فقال لا و الله و لو أنها ألفا دينار ما أخذتها فقال له أبو تراب مر إليه فقل له أن المزين ماأخذها فخذها أنت فاصرفها في مهماتك
أبو عبد الله الجلاء قال قدم أبو تراب مرة إلى مكة فقلت له يا أستاذ أين أكلت قال جئت بفضولك أكلت أكلة بالبصرة و أكلت أكلة بالنباج و أكلة عندكم
إسماعيل بن نجيد قال كان أبو تراب يقول بيني و بين الله عز و جل عهد أن لا أمد يدي إلى حرام إلا قصرت يدي عنه
منصور بن عبد الله قال سمعت أبا تراب النخشبي يقول ألفت القلوب الأعراض عن الله عزوجل صحبتها الوقيعة في الأولياء
أبو العباس الشرقي قالكنا مع أبي تراب النخشبي في طريق مكة فمرض فعدل عن الطريق إلى ناحية فقال له بعض أصحابه (4/173)
أنا عطشان فقال فضرب برجله فإذا عين من ماء زلال فقال الفتى أحب أن أشربه في قدح فضرب بيده الأرض فناوله قدحا من زجاج أبيض كأحسن ما رأيت فشرب و سقانا و ما زال القدح معنا إلى مكة
قال فقال لي يوما ما يقول أصحابك في هذه الأمور التي يكرم الله عزوجل بها عباده فقلت ما رأيت أحدا إلا و هو يعطى الإيمان بها فقال إنما سألتك من طريق الأحوال قلت ما أعرف لهم قولا فيه فقال بلى قد زعم أصحابك إنها خدع من الحق وليس الأمر كذلك إنما الخدع في حال السكون إليها فأما من لم يعرج على الملك في اعتناق الحقائق فتلك مرتبة الربانيين
أسند أبو تراب عن محمد بن نمير و يعمر بن حماد و غيرهما و توفي بالبادية نهشته السباع في سنة خمس و أربعين و مائتين ومن المصطفين من أهل منجوران وهي قرية ببلخ
716 - علي بن محمد المنجوراي
أحمد بن سهل قال مات أبو علي المنجوراني فخرجنا نعزي ابنه علي بن محمد فلما رجعنا من دفن أبيه نزع ثيابه و دخل الماء في نهر و قال اشهدوا أني لا أملك اليوم شيئا مما ورثت عن أبي لأنه يتخالج في صدري فإن واسيتموني بقميص حتى أخرج من الماء فعلتم قال و كان لنا صديقا مؤانسا فألقوا إليه قميصا فخرج من الماء و كان أبوه ترك مالا لا يحصى (4/174)
ذكر المصطفين من عباد خراسان و المشرق الذين لم تعرف بلادهم ولاأسماؤهم
717 - عابد
صالح بن عبد الكريم قال أتى رجل من إخوان فضيل من أهل خراسان فجلس إلى فضيل في المسجد الحرام فحدثه قال فقام الخراساني يطوف فسرقت منه دنانير ستين أو سبعين قال فخرج الخراساني يبكي فقال له فضيل ما لك قال سرقت الدنانير قال عليها تبكي قال لا قال الخراساني مثلتني و إياه بين يدي الله عزوجل فأشرفت عقلي على إدحاض حجته فبكيت رحمة له
718 - عابد آخر
صالح بن أحمد قال جئت يوما إلى المنزل فقيل لي قد وجه أبوك أمس في طلبك فقلت وجهت في طلبي فقال جاءني رجل أمس كنت أحب أن تراه بينا أنا قاعد في نحر الظهيرة إذا أنا برجل يسلم بالباب و كأن قلبي ارتاح فقمت ففتحت الباب فإذا أنا برجل عليه فروة و على أم رأسه خرقة ما تحت فروته قميص ولا معه ركوة ولا جراب ولا عكاز قد لوحته الشمس فقلت ادخل فدخل الدهليز فقلت من أين أقبلت قال من ناحية المشرق أريد بعض هذه السواحل ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد (4/175)
إلا نويت السلام عليك قال قلت على هذه الحال قال نعم ما الزهد في الدنيا قلت قصر الأمل
قال و جعلت أعجب منه فقلت في نفسيما عندي ذهب و لا فضة فدخلت البيت فأخذت أربعة أرغفة و خرجت إليه فقلت ما عندي ذهب ولا فضة وإنما هذا من قوتي قال أويسرك أنأقبل ذلك يا أبا عبد الله قلت نعم فأخذها فوضعها تحت حضنه و قال أرجو أن تكفيني هذه زادي إلى الرقة أستودعك الله فلم أزل قائما أنظر إليه إلى أن خرج و كان يذكره كثيرا
719 - عابد آخر
أحمد بن علي الاخميمي قال كنا ذات يوم عند ذي النون و قد ذكر كرامات الله عزوجل لأوليائه فقال بعض من حضره أنت رأيت منهم أحدا يا أبا الفيض فقال ذو النون كان عندي فتى من أهل خراسان أعجمي بقي عندي في المسجد سبعة أيام لا يطعم الطعام و كنت أعرض عليه الطعام فيأبى فبينا نحن جلوس ذات يوم دخل سائل يطلب شيئا فقال له الخراساني لو قصدت الله عزوجل دون خلقه أغناك فقال السائل ما لي هذا المكان فقال له الخراساني أي شيء تريد فقال ما سد فاقتي و ستر عورتي
فقام الخراساني إلى المحراب و صلى ركعتين ثم أتاه بثوب جديد و طبق فيه فاكهة و أعطاه السائل
قال ذو النون فقلت له يا عبد الله لك هذا الجاه عند الله عزوجل و أنت منذ سبعة أيام لم تطعم شيئا فجثا على ركبتيه و قال (4/176)
يا أبا الفيض كيف نبسط الألسن بالمسألة و القلوب ممتلئة بأنوار الرضا عنه
قال ذو النون فقلت له فالراضون لا يسألون شيئا فقال منهم من يسأل من باب الادلال و منهم من يملؤه غنى به و منهم من يستخرج المسألة منه عطفه على غيره
ثم أقيمت الصلاة فصلى معنا العشاء الآخرة و أخذ ركوته و خرج من المسجد كأنه يريد الطهارة فلم أره بعد ذلك رضي الله عنه وأرضاه
720 - عابد من وراء النهر
عبد الله بن الفرج قال حدثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان قال
كنت يوما في مجلس لي له منظرة إلى الطريق فإذا أنا بشيخ عليه أطار و كان يوما حارا فجلس في فيء القصر ليستريح فقلت للخادم اخرج إلى هذا الشيخ فأقرئه مني السلام و سله أن يدخل إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي
فخرج إليه فقام معه فدخل إلي فسلم فرددت عليه السلام و استبشرت بدخوله وأجلسته إلى جانبي و عرضت عليه الطعام فأبى أن يأكل فقلت له من أين أقبلت فقال من و راء النهر فقلت أين تريد قال الحج إن شاء الله قال و كان ذلك أول يوم من العشر أو الثاني فقلت في هذا الوقت قال يفعل الله ما يشاء فقلت فالصحبة فقال إن أحببت ذلك (4/177)
حتى إذا كان الليل قال لي قم فلبست ما يصلح للسفر و أخذ بيدي و خرجنا من بلخ فمررنا بقرية لنا فلقيني رجل من الفلاحين فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه فقدم إلينا خبزا و بيضا وسألنا أن نأكل فأكلنا و جاء بماء فشربنا ثم قالبسم الله قم فأخذ بيدي فجعلنا نسير و أنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج فمررنا بمدينة بعد مدينة فجعل يقول هذه مدينة كذا هذه مدينة كذا هذه الكوفة ثم إنه قال لي الموعد هاهنا في مكانك هذا في الوقت الفلاني يعني من الليل حتى إذا كان الوقت إذا به قد أقبل فأخذ بيدي و قال بسم الله باسم الله فجعل يقول هذا منزل كذا هذا منزل كذا وهذا منزل كذا وهذه فيدور هذه المدينة وأنا أنظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنها الموج
فصرنا إلى قبر رسول صلى الله عليه و سلم فزرناه ثم فارقني وقال لي الوعد في الوقت من الليل في المصلى
حتى إذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلى فأخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى و الثانية حتى أتينا مكة في الليل ففارقني فقبضت عليه فقلت الصحبة فقال إني أريد الشام فقلت أنا معك فقال لي إذا انقضى الحج فالموعد هاهنا عند زمزم
حتى إذا انقضى الحج إذا أنا به عند زمزم فأخذ بيدي فطفنا بالبيت ثم خرجنا من مكة ففعل كفعله الأول و الثاني و الثالث فإذا (4/178)
نحن ببيت المقدس فلما دخل المسجد قال لي عليك السلام أنا على المقام ههنا إن شاء الله تعالى ثم فارقني فما رأيته بعد ذلك و لا عرفني أسمه
قال إبراهيم فرجعت إلى بلدي أسير سير الضعفى منزلا بعد منزل حتى رجعت إلى بلخ فكان أول أمري
قلت قد انتهينا بحمد الله ومنه إلى نهاية المشرق و نحن نعود إلى مركزنا وهو مدينة السلام بغداد فنرتقي إلى ديار الشام و المغرب و الله الموفق فمن المصطفين من أهل عكبراء
721 - أبو عبد الله عبيدالله بن محمد بن بطة
و كان عالما عابدا
القاضي أبو حامد أحمد بن محمد اللؤلؤى قال لما رجع أبو عبد الله بن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير يوما منها في السوق و لا رئي مفطرا إلا في يومي الأضحى و الفطر و كان أمارا بالمعروف و لم يبلغه خبر منكر إلا غيره أو كما قال
أحمد بن علي قال أخبرني القطيعي قال توفي أبو عبد الله بن بطة في المحرم سنة سبع و ثمانين و ثلثمائة و كان شيخا صالحا مستجاب الدعوة (4/179)
ذكر المصطفين من أهل الموصل
722 - المعافى بن عمران أبو مسعود الأزدي
جمع العلم و التقوى والورع
علي بن خشرم قال سمعت بشرا الحافي و قال له رجل ألا أراك عاشقا للمعافى بن عمران فقال مالي لاأعشقه و كان الثوري يسميه الياقوتة
و قال حضرته يوما فنعي إليه ابناه فما حل حبوته قال ظالمين أو مظلومين قيل مظلوين فحل حبوته و خر ساجدا ثم رفع رأسه و قال كيف كانت قصتهما
بشر بن الحارث قالقتل للمعافى بن عمران ابنان في وقعة الموصل فجاء إخوانه يعزونه من الغد فقال لهم إن كنتم جئتم لتعزوني فلا تعزوني و لكن هنئوني قال فهنئوه قال فما برحوا حتى غداهم و غلفهم بالغالية
يعقوب بن يوسف قالقال بشر كان المعافى صاحب كمد أصيب بابنين له قتلا وأصيب بماله فما رئى عليه أثر حزن و لا سمع في داره صوت
محمد بن مودود الموصلي قال قيل للمعافى بن عمران ما ترى في الرجل يقرض الشعر و يقوله قال هو عمرك فأفنه بما شئت (4/180)
بشر بن الحارث قال سمعت المعافى بن عمران يقول عز المؤمن استغناؤه عن الناس و شرفه قيامه بالليل
مرداد بن جميل قال سأل عمرو بن اسماعيل رجل من أصحاب الحديث المعافى بن عمران فقال له يا أبا عمران أي شيء أحب إليك أسهر و أصلي أو أكتب الحديث فقال كتابة حديث واحد أحب إلي من صلاة ليلة
أسند المعافى عن مغيرة بن زياد وأسامة بن زيد و صالح بن أبي الأخضر و الثوري و ابن أبي ذئب و مالك و ابن جريج و مسعر والليث ابن سعد و غيرهم وأكثر ملازمة الثوري وتأدب بآدابه و صنف كتبا في السنن و الزهد والأدب و توفي في سنة أربع و ثمانين ومائة و قيل خمس و ثمانين وقيل ست والله أعلم
723 - فتح بن محمد بن وشاح الأزدي الموصلي ويكنى أبا محمد
محمد بن الوليد قال سمعت فتح بن محمد الأزدي يقول في جوف الليل رب أجعتني و أعريتني و في ظلم الليل أجلستني فبأي وسيلة أكرمتني هذه الكرامة و كان يبكي ساعة و يفرح ساعة
المعافى بن عمران قال دخلت على فتح الموصلي فرأيته قاعدا في الشمس و صبية له عريانة و ابن له مريض فقلت له ايذن لي حتى أكسو هذه الصبية قال لا قلت و لم قال دعها حتى يرى الله عزوجل ضرها و صبري عليها فيرحمني
قال فتجاوزت إلى الصبي فقعدت عند رأسه فقلت حبيبي ألا تشتهي شيئا حتى أحمله قال ومن أنت قلت معافى بن عمران فرفع رأسه إلى السماء و قال مني الصبر ومنك البلاء (4/181)
أبو غسان المؤذن قال خرجنا حجاجا فأردنا غسل ثيابنا بمكة فأرشدنا إلى رجل له صلاح من أهل فارس يغسل للناس ثيابهم و يتجر على الضعفاء فيغسل ثيابهم بغير أجرة فأتيناه فقال ممن أنتم قلنا من أهل الموصل قال تعرفون فتحا قلنا نعم قال ما فعلقلنا مات قالفتوجع عليه و أظهر حزنا فقلنا كيف تعرفه و أنت رجل من أهل فارس وهو بالموصل قالرأيت في منامي عدة ليال أن إيت فتحا الموصلي فإنه من أهل الجنة فخرجت من فارس حتى أتيت الموصل فسألت عنه فقيل لي هو على الشط فأتيته فإذا رجل ملتف بكسائه و قد ألقى شصا له في الماء فسلمت عليه فرد علي فقلت له أتيتك زائرا قال فلف الشص و قام فدخلنا المسجد و غربت الشمس و صلينا و تفرق الناس
فأتى بطعام فأكلنا ثم نودي بالعشاء الآخرة فصلينا و تفرق الناس و قام فتح في صلاته و رميت بنفسي فإذا رجل قد دخل علينا المسجد فسلم و صلى إلى جنب فتح ركعتين و قعد فسلم عليه فتح وسأله فقال له الرجل متى عهدك بأبي السري قال مالي به عهد منذ أيام قال فقم بنا إليه فإنه معتل
قال فخرجنا من المسجد وأنا أنظر إليهما حتى مضيا إلى دجلة يمشيا على الماء فقعدت أنظر رجوعهما فجاء أحدهما في آخر الليل فإذا هو فتح فدخلت المسجد فرميت نفسي كأني نائم فلما أسفر الصبح و صلينا و تفرق الناس قمت إليه فقلت يا أبا محمد قد (4/182)
قضيت من زيارتك وطرا و قد رأيت الرجل الذي أتاك البارحة و ما كان منكما فجعل يعارضني فلما علم أني قد علمت الخبر أخذ علي العهود أن لا أعلم بذلك أحدا ما علمت أنه حي و قال لي ذاك الخضر و أبو السري حمزة الخولاني وهو رجل صالح في هذه القرية وأشار بيده إليها وقال اجعل طريقك عليه فألقه و سلم عليه فمضيت إليه وسلمت عليه
ذكر المعافى بن عمران أنه لم يلق أحدا أعقل من فتح هذا
وقال أبو نصر التمار توفي في سنة سبعين و مائة رحمه الله عليه
724 - فتح بن سعيد الموصلي يكنى أبا نصر
و قد يشتبه هذا بالذي قبله إذا قيل فتح الموصلي و هما إثنان معروفان عند أهل العلم و إذا فرق بينهما بالكنية أو باسم الأب تباينا و قد حكى عن هذا نحو الحكاية التي حكيناها عن الأول في حق أولاده و يحتمل أن يكون عن الأول
أبو بكر بن عفان قال سمعت بشر بن الحارث يقول بلغني أن بنتا لفتح الموصلي عريت فقيل له ألا تطلب من يكسوها فقال لاأدعها حتى يرى الله عزوجل عريها و صبري عليها قال فكان إذا كان ليالي الشتاء جمع عياله و قال بكسائه عليهم ثم قال اللهم أفقرتني و أفقرت عيالي وجوعتني و جوعت عيالي وأعريتني وأعريت عيالي فبأي وسيلة توسلتها إليك وإنما تفعل هذا بأوليائك و أحبائك فهل أنا منهم حتى أفرح (4/183)
إبراهيم بن نوح الموصلي قال رجع فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة و كان صائما فقال عشوني فقالوا ما عندنا شيء نعشيك به قال فما لكم جلوسا في الظلمة قالوا ما عندنا شيء نسرج و لا سراج بأي يد كانت مني فما زال يبكي إلى الصباح
أبو بكر بن عفان قال سمعت بشر بن الحارث يقول بلغني عن فتح الموصلي أنه كان يتجزأ بفلس في اليوم يشتري به نخالة
إبراهيم بن عبد الله قال صدع فتح الموصلي ففرح و قال يا رب ابتليتني ببلاء الأنبياء فشكر هذا أن أصلي الليلة أربعمائة ركعة
بشر بن الحارث قال قال فتح الموصلي من أدام النظر بقلبه ورثه ذلك الفرج بالمحبوب و من آثره على هواه ورثه ذلك حبه إياه و من اشتاق إليه و زهد فيما سواه و رعى حقه و خافه بالغيب ورثه ذلك النظر إلى وجهه الكريم
أبو جعفر ابن أخت بشر بن الحارث قال كنت يوما واقفا ببابنا إذ أقبل شيخ ثائر الشعر ملتف بالعباء فقال لي بشر في البيت قلت نعم فقال إدخل فقل فتح بالباب فدخلت فقلت يا خال شيخ في عباء قال لي قل لبشر فتح بالباب قال فخرج مسرعا فصافحه و اعتنقه فقال له الشيخ يا أبا نصر إني ذكرتك البارحة فاشتقت إلى لقائك قال فدفع إلي درهما فقال خذ بأربعة دوانيق خبزا (4/184)
و يكون جيدا و بدانقين تمرا فقال الشيخ قل له يكون شهريزا فجئته به فقال الشيخ قل له يأكل معنا فقال كل معنا فأكلت معهم فلما أكلنا أخذ ما فضل في طرف العباء و مضى فخرج خالي معه يشيعه إلى حرب فلما رجع قال لي يا بني تدري من هذا قلت لاقال هذا فتح الموصلي
محمد بن الصلت قال كنت عند بشر بن الحارث فجاء رجل فسلم على بشر فقال بشر إليه فقمت لقيامه فمنعني فلما سكن الرجل أخرج بشر درهما صحيحا و قال أخرج و اشتر خبزا و زبدا و تمر برني
قال فخرجت و اشتريت و حملته فوضعته بين يديه فأكل الرجل و حمل الباقي و قام فخرج فلما خرج قال لي بشر يا بني تدري لم منعتك عن القيام له قلت لا قال لأنه لم يكن بينك و بينه معرفة فكان قيامك لقيامي فأردت أن لا يكون قيامك إلا لله خالصا و تدري لماذا دفعت إليك الدرهم و قلت اشتر كذا و كذا قلت لا قال إن طيب الطعام يستخرج خالص الشكر لله تعالى وتدري لم حمل الباقي قلت لا قال عندهم إذا صح التوكل لم يضر الحمل وهذا فتح الموصلي جاءنا زائرا
عن أحمد بن أبي الحواري أنه قال سمعت شيخا من أصحاب فتح الموصلي قال كانت لفتح الموصلي بضاعة عند أخ له يعمل (4/185)
بها في البر و البحر فبعث فتح فاستردها و أنفقها و قال رأيت قلبي يميل إليها فكرهت أن تكون ثقتي سواه
إبراهيم بن موسى قال رأيت فتحا الموصلي يوم عيد و قد رأى على الناس الطيالس و العمائم قال فقال لي يا إبراهيم إنما ترى ثوبا و جسدا يأكله الدود غدا هؤلاء انفقوا خزائنهم على بطونهم وظهورهم و يقدمون على ربهم مفاليس
عبد الله بن الفرج قال قال فتح الموصلي كبرت علي خطاياي وكثرت حتى لقد آيستني من عظيم عفو الله عزوجل قال ثم قال و إني آيس منك وأنت الذي جدت على السحرة بعد أن غدوا كفرة فجرة وأنى آيس منك وأنت ولي كل نعمة وأنى آيس منك و أنت المؤمل لكل فضل و معروف وأنى آيس منك وأنت المغيث المغيث عند الكرب و لم يزل يقول آيس منك حتى سقط مغشيا عليه
عمران بن موسى الطرسوسي قال مر فتح الموصلي بصبيين مع أحدهما كسرة عليها عسل و مع الآخر كسرة عليها كامخ فقال الذي معه الكامخ للذي معه العسل أطعمني من خبزك قال إن كنت كلبا لي أطعمتك قال نعم فأطعمه من خبزه و جعل في فمه خيطا و جعل يقوده فقال فتح لو رضيت بخبزك ما كنت كلبا لهذا
قال أبو موسى فهكذا الدنيا
عثمان بن عمارة قال غبت غيبة فلما قدمت لقيت فتحا الموصلي في حانوت سالم الدورقي فقال لي يا بصري أي شيء رأيت في (4/186)
غيبتك فقلت رأيت عجائب كثيرة و أخبارا مختلفة فصاح صيحة فقلت أنت تصيح من الخبر فكيف لو شاهدت القيامة أو شاهدت صاحب القيامة فشهق شهقة ووثب من الحانوت فخر مغشيا عليه فحملناه فأدخلناه الحانوت فما زال مغشيا عليه إلى العصر فلما صليت العصر تنفس ثم فتح عينيه
رياح بن الجراح العبدي قال جاء فتح الموصلي إلى منزل صديق له يقال له عيسى التمار فلم يجده في المنزل فقال للخادم أخرجي إلى كيس أخي فأخرجته فأخذ منه درهمين و جاء عيسى إلى منزله فأخبرته الجارية بمجيء فتح وأخذه الدرهمين فقال إن كنت صادقة فأنت حرة فنظر فإذا هي صادقة فعتقت
محمد بن عبد الرحمن بن حبيب الطفاوي قال دخلت على فتح الموصلي و هو يوقد بالآجر و كان فتح رجلا من العرب و كان شريفا زاهدا
عبد الله بن الفرج العابد قال كان بالموصل رجل نصراني يكنى أبا إسماعيل قال فمر ذات ليلة برجل و هو يتهجد على سطحه وهو يقرأ وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون قال فصرخ أبو إسماعيل صرخة غشي عليه فلم يزل على حاله تلك حتى أصبح فلما أصبح أسلم ثم أتى فتحا الموصلي فاستأذنه في صحبته فكان يصحبه و يخدمه
قال وبكى أبو إسماعيل حتى ذهبت إحدى عينيه و عشى من الأخرى فقلت له ذات يوم حدثني ببعض أمر فتح الموصلي قال (4/187)
فبكى ثم قال أخبرك عنهكان و الله كهيئة الروحانيين معلق القلب بما هناك ليست له في الدنيا راحة قلتعلى ذاك قال شهدت العيد ذات يوم بالموصل و رجع بعد ما تفرق الناس و رجعت معه فنظر إلى الدخان يغور من نواحي المدينة فبكى ثم قال قد قرب الناس قربانهم فليت شعري ما فعلت في قرباني عندك أيها المحبوب ثم سقط مغشيا عليه
فجئت بماء فمسحت به وجهه فأفاق ثم مضى حتى دخل بعض أزقة المدينة فرفع رأسه إلى السماء ثم قال قد علمت طول غمي و حزني و تردادي في أزقة الدنيا فحتى متى تحبس أيها المحبوب ثم سقط مغشيا عليه فجئت بماء فمسحت على وجهه فأفاق فما عاش بعد ذلك إلا أياما حتى مات رحمه الله
إبراهيم بن موسى قال رأيت فتحا الموصلي في يوم عيد أضحى و قد شم ريح القتار فدخل إلى زقاق فسمعته يقول تقرب المتقربون بقربانهم و أنا أتقرب إليك بطول حزني يا محبوب كم تتركني في أزقة الدنيا محبوسا ثم غشي عليه و حمل فدفناه بعد ثلاث
إسماعيل بن هشام عن بعض أصحاب فتح الموصلي قال دخلت عليه يوما و قد مد كفيه يبكي حتى رأيت الدموع من بين أصابعه تنحدر فدنوت منه لأنظر إليه فإذا دموعه قد خالطتها صفرة فقلت بالله يا فتح بكيت الدم فقاللولا أنك حلفتني بالله عزوجل (4/188)
ما أخبرتك بكيت دما فقلت على ماذا بكيت الدموع و على ماذا بكيت الدم فقال بكيت الدموع على تخلفي عن واجب حق الله عز و جل و بكيت الدم على الدموع خوفا أن تكون ما صحت لي الدموع
قال الرجل فرأيت فتحا بعد موته في المنام فقلت ماصنع الله بك فقال غفر لي قلت فما صنع في دموعك فقال قربني ربي عز و جل و قال لي يا فتح الدمع على ماذا قلت يا رب على تخلفي عن واجب حقك قال فالدم لم بكيت فقلت يا رب على دموعي خوفا أن لا تصح لي فقال لي يا فتح ما أردت بهذا كله و عزتي لقد صعد إلي حافظاك أربعين سنة بصحيفتك ما فيها خطيئة
أدرك فتح عيسى بن يونس وأقرانه وأسند عن عيسى و توفي سنة عشرين و مائتين
725 - سباع الموصلي
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت المضاء يقول لسباع الموصلي ياأبا محمد إلى أي شيء أفضى بهم الزهد قال إلى الأنس به
726 - أحمد الموصلي
عن أحمد الميموني من ولد ميمون بن مهران قال قدم علينا أحمد الموصلي فأتيته فقال لي يا أحمد إن تعمل فقد عمل العاملون قبلك وإن تعبد فقد تعبد المتعبدون قبلك أولئك الذين قربوا الآخرة و باعدوا الدنيا أولئك الذين و لي الله إقامتهم على الطريق (4/189)
فلم يأخذوا يمينا و لا شمالا فلو سمعت نغمة من نغماتهم المختمرة في صدورهم المتغرغرة في حلوقهم لغيبت عليك عيشك و لطردت عنك البطالة أيام حياتك
ذكر المصطفيات من عابدات الموصل
727 - ألوف الموصلية
أبو سليمان قال خطب رجل امرأة من أهل الموصل يقال لها ألوف فقال للرسول قل له ما يسرني أنك لي عبد و جميع ما تملكه لي وأنك شغلتني عن الله عزوجل طرفة عين
728 - رقية
عبيدالله بن عمر بن عبيد الله المعمري قال أنبأ جدي قال سمعت فتحا الموصلي يقول سمعت امرأة متعبدة عندنا تقول إلهي و سيدي و مولاي لو أنك عذبتني بعذابك كله لكان ما فاتني من قربك أعظم عندي من العذاب ولو نعمتني بنعيم أهل الجنة كلهم كانت لذة حبك في قلبي أكثر
قلت هذه العابدة هي رقية
منصور بن محمد قال قالت رقية الموصلية إني لأحب ربي حبا شديدا فلو أمر بي إلى النار ما وجدت للنار حرارة مع حبه و لو أمرني إلى الجنة لما وجدت للجنة لذة مع حبه لأن حبه هو الغالب علي
محمد بن كثير المصيصي قال قالت رقية العابدة وكانت بالموصل حرام على قلب فيه رهبانية المخلوقين أن يذوق حلاوة (4/190)
حلاوة الإيمان شغلوا قلوبهم بالدنيا عن الله عزوجل ولو تركوها لجالت في الملكوت و رجعت إليهم بطرف الفوائد
و كانت تقول تفقهوا في مذاهب الإخلاص و لا تفقهوا فيما يؤديكم إلى الركوب على القلاص
728 - أمية بنت أبي المورع
أبو الوليد رياح بن أبي الجراح العبدي قالما رأيت قط مثل أمية بنت ابي المورع الموصلية و كانت من الخائفين و كانت إذا ذكرت النار قالت أدخلوا النار وأكلوا من النار وشربوا من النار وعاشوا ثم تبكي وكان بكاؤها أطول من ذلك و كانت كأنها حبة على مقلى و كانت إذا ذكرت النار بكت و أبكت دما و ما رأيت أحدا أشد خوفا و لا أكثر بكاء منها
730 - موافقة ويقال موفقة
أبو عبد الله الحصري قال سمعت فتحا الموصلي يقول مرت بي امرأة متعبدة يقال لها موافقة فعثرت فسقط ظفر إبهامها فضحكت فقيل لها يا موافقة يسقط إبهامك و تضحكين فقالت إن حلاوة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه
عبد الله بن حبيق قال مرت بفتح الموصلي امرأة يقال لها موفقة فعثرت فسقط ظفر إبهامها فضحكت فقيل لها يا موفقة سقط ظفر إبهامك و تضحكين فقالت والله إن حلاوة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه (4/191)
و قد روي أن هذه القصة جرت لامرأة فتح الموصلي
قال زيد بن أبي الزرقاء عثرت امرأة فتح الموصلي فانقطع ظفرها فضحكت فقيل لها فأين ما تجدينه من حرارة الوجع فقالت إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه
731 - راهبة الموصليه
أحمد بن أبي الحواري قال حدثتني امرأتي رابعة قالت دخلت على أخت لي عاتق بالموصل فقالت لي هل تدرين ما معنى قوله إلا من أتى الله بقلب سليم قالت قلت لا قالت القلب السليم الذي يلقى الله عزوجل و ليس فيه شيء غير الله عزوجل قال أحمد حدثت بهذا أبا سليمان فقال ليس هذا كلام الراهبة هذا كلام الأنبياء
انتهى ذكر أهل الموصل بحمد الله ومنه (4/192)
ذكر المصطفين من أهل الرقة
732 - ميمون بن مهران يكنى أبا أيوب
مولى بني نصر و قيل مولى الأزد ولد سنة أربعين
عن جعفر عن ميمون بن مهران قال قال لي عمر بن عبد العزيز مواليك قلت كانت أمي مولاة للأزد و كان أبي مكاتبا من لبني نصر فقال لي عمر يا ميمون أنت مولى للأزد
خلف بن حوشب قال تكارينا مع ميمون بن مهران دواب إلى مكان فقال ميمون لولا أن الدواب بكراء لمررنا على آل فلان
جعفر بن برقان قال قال ميمون بن مهران يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره
أبو المليح عن ميمون قال لا تضرب المملوك في كل ذنب ولكن احفظ ذلك له فإذا عصى الله عز و جل فعاقبه على معصية الله وذكره الذنوب التي أذنب بينك وبينه
أبو المليح قال ما رأيت أحدا أفضل من ميمون بن مهران قال له رجل يوما يا أبا أيوب أي شيء تشتكي أراك مصفرا قال نعم لما يبلغني في أقطار الأرض
عبد الملك الميموني قال سمعت أبي يقول سمعت عمي عمر يقول ما كان أبي يكثر الصيام ولا الصلاة ولكنه كان يكره أن يعصى الله عزوجل
قال وسمعت أبي يقول وددت أن إصبعي قطعت من هاهنا وأني لم أل فقلت ولا لعمر قال لا لعمر ولا لغيره (4/193)
أبو المليح قال سمعت ميمونا يقول لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل تائب ورجل يعمل في الدرجات
جعفر بن برقان قال سمعت ميمون بن مهران يقول إن العبد إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا تاب محيت من قلبه فترى قلب المؤمن مجلوا مثل المرآه ما يأتيه الشيطان من ناحية إلا أبصره وأما الذي يتتابع في الذنوب فإنه كلما أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء فلا يزال ينكت في قلبه حتى يسود قلبه فلا يبصر الشيطان من حيث يأتيه
قال و سمعت ميمون بن مهران يقول لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه حتى يعلم من أين مطعمه و من أين ملبسه ومن أين مشربه أمن حل ذلك أم من حرام
أبو المليح عن ميمون قال الصبر صبران و الذكر ذكران فذكر الله عزوجل باللسان حسن و أفضل منه أن تذكر الله عزوجل عندما تشرف عليه من معاصيه و الصبر عند المصيبة حسن وأفضل منه أن تصبر نفسك على ما تكره من طاعة الله عز و جلإن ثقل عليك
قال ميمون و أدركت من لم يتكلم إلا بحق أو يسكت و قد أدركت من لم يكن يتكلم بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس إلا بما يصعد و قد أدركت من لم يملأ عينيه من السماء فرقا من ربه عزوجل و لو أن بعض من أدركت نشر حتى يعاينكم ما عرف منكم شيئا إلا قبلتكم (4/194)
عيسى بن كثير الأسدي قال مشيت مع ميمون بن مهران حتى إذا أتى باب داره و معه ابنه عمروا فلما أردت أن أنصرف قال له عمرو يا أبة ألا تعرض عليه العشاء قال ليس ذلك من نيتي
أسند ميمون عن ابن عمر وابن عباس و غيرهما وتوفي في سنة سبع عشرة ومائة
733 - حناذ القلاء
حذيفة المرعشي قال مررت بالرقة بأصحاب السويق و رجل يبيع السويق عليه بتة و هو مقبل على غلامين و على رأسه كمة دنسة فقلت لو ألقيت هذه الكمة
فقال أصبت قلبي يصلح عليها قلت أراك مقبلا على الغلامين أفمن حبهما قال إني أجل الله عزوجل أن أشغل قلبي بحب أحد مع حبه و لكن أرحمهما
حذيفة العابد صاحب يوسف بن أسباط قال لما اصطلح الروم والعرب قلت فما أصنع الآن في الرباط فخرجت حتى أتيت الرقة فجئت إلى قوم قلائين فقلت أعمل معكم فتنظرون إلى عمل فتجزون من الكراء بقدر ما أستحقه قالوا نعم فجعلت أعمل معهم وكان ثم شيخ جالس بين يديه زنبيل سويق يبيع على (4/195)
رأسه قلنسوة سوداء مخرقة و فرو مخرق و بين يديه صبيان يلعبان و يقتتلان وهو متشاغل بهما يزجرهما و ينهاهما
قال فقلت له أني أحسبك تحبهما قال لا والله ما أحبهما و لكن أرحمهما و ما أحد أحب إلي من الله عزوجل
قال فأعجبني قوله و أنست به و كان ثم شباب يرفث بعضهم على بعض فقلت له ألا تنهى هؤلاء الشباب فقال إني لأجل الله عزوجل أن أذكره عند مثل هؤلاء قال فأعجبتني مقالته فقلت كيف حبك لمدحةالناس قال ما أحب أن لي ملء بيت دنانير و أنه يقع في قلبي حب مدحة الناس لي فقلت فما هذه القلنسوة على رأسك قال وجدت قلبي يصلح عليها
قال حذيفة فلم أر أحدا إن شاء الله كان أصدق منه قيل منه قيل له أين كان من يوسف بن أسباط قال ما كان يوسف بن أسباط يصلح إلا شاكر دا لذلك
قال أبو عمر فذكرت ذلك لبعض الرقيين فقالذاك حناذا القلاء
734 - توبه بن الصمة
عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا قال حدثني رجل من قريش ذكر أنه من ولد طلحة بن عبيد الله قال كان توبة بن الصمة بالرقة و كان محاسبا لنفسه فحسب فإذا هو بن ستين سنة فحسب أيامها فإذا هي أحد و عشرون ألف يوم و خمسمائة يوم فصرخ (4/196)
و قال يا ويلتا ألقى المليك بأحد و عشرين ألف ذنب كيف و في كل يوم عشرة آلاف ذنب ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت فسمعوا قائلا يقول يالك ركضة إلى الفردوس الأعلى رضي الله عنه
735 - إبراهيم بن داود القصار أبو إسحاق الرقي
أبو بكر بن شاذان قال سمعت إبراهيم القصار يقول المعرفة إثبات الرب عزوجل خارجا عن كل موهوم
و قال إبراهيم الأبصار قوية و البصائر ضعيفة
و قال من اكتفى بغير الكافي افتقر من حيث استغنى
وقال الكفايات تصل إليك بلا تعب و الأشغال و التعب في الفضول
و قال أضعف الخلق من ضعف عن رد شهواته و أقوى الخلق من قوى على ردها
إبراهيم بن أحمد بن المولد يقول سأل رجل إبراهيم القصار فقال هل يبدي المحب حبه أو هل ينطق به أو هل يطيق كتمانه فأنشأ يقول متمثلا
ظفرتم بكتمان اللسان فمن لكم ... بكتمان عين دمعها الدهر يذرف
حملتم جبال الحب فوقي و إنني ... لأعجز عن حمل القميص و أضعف
قال السلمي إبراهيم بن داود من جلة مشايخ الشام من أقران لجنيد و ابن الجلاء عمر و صحبه أكثر مشايخ الشام و كان لازما للفقر مجردا فيه محبا لأهله توفي سنة ست وعشرين و ثلثمائة (4/197)
ذكر المصطفيات من عابدات الرقة
736 - عابدة
عبيد الله بن عبد الخالق قال سبى الروم نساء مسلمات فبلغ الخبر الرقة و بها هارون الرشيد أمير المؤمنين فقيل لمنصور بن عمار لو اتخذت مجلسا بالقرب من أمير المؤمنين فحرضت الناس على الغزو ففعل فبينا هو يذكرهم و يحرض إذا نحن بخرقة مصرورة مختومة قد طرحت إلى منصور و إذا كتاب مضموم إلى الصرة ففك الكتاب فقرأه فإذا فيه إني امرأة منأهل البيوتات من العرب بلغني ما فعل الروم بالمسلمات وسمعت تحريضك الناس على الغزو وترغيبك في ذلك فعمدت إلى أكرم شيء من بدني و هما ذؤابتاي فقطعتهما و صررتهما و صررتهما في هذه الخرقة المختومة و أناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فرس غاز في سبيل الله فلعل الله العظيم أن ينظر إلي على تلك الحال نظرة فيرحمني بها
قال فبكى وأبكى الناس وأمر هارون أن ينادى بالنفير فغزا بنفسه فأنكى فيهم و فتح الله عليهم
قلت هذه امرأة حين قصدها و غلطت في فعلها لأنها جهلت أن ما فعلت منهي عنه فلينظر إلى قصدها
737 - عابدة أخرى
من أهل الشام نقل عنها مثل هذه
بلغنا عن أبي قدامة الشامي قال كنت أميرا على الجيش في بعض الغزوات فدخلت بعض البلدان فدعوت الناس إلى الغزو (4/198)
و رغبتهم في الثواب و ذكرت فضل الشهادة و مالأهلها ثم تفرق الناس و ركبت فرسي و سرت إلى منزلي فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس تنادي يا أبا قدامة فقلت هذه مكيدة من الشيطان فمضيت و لم أجب فقالت ما هكذا كان الصالحون فوقفت فجاءت و دفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية
فنظرت إلىالرقعة فإذا فيها مكتوب إنك دعوتنا إلى الجهاد و رغبتنا في الثواب و لا قدرة لي على ذلك فقطعت أحسن ما في وهما ضفيرتاي وانفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي
فلما كانت صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل فتقدمت إليه و قلت يا فتى أنت غلام غر راجل ولا آمن أن تجول الخيل فتطأك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا فقال أتأمرني بالرجوع و قد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله و مأواه جهنم و بئس المصير
فحملته على هجين كان معي فقال يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم فقلت أهذا وقت قرض فما زال يلح علي حتى قلت بشرط إن من الله بالشهادة أكون في شفاعتك قال نعم فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهما في قوسه و قال السلام عليك يا أبا قدامة ورمى به فقتل روميا ثم رمى بالآخر و قال السلام عليك يا أبا قدامة فقتل روميا ثم رمى بالآخر وقال السلام عليك سلام مودع (4/199)
فجاءه سهم فوقع بين عينيه فوضع رأسه على قربوس سرجه فتقدمت إليه و قلت لاتنسها فقال نعم ولكن لي إليك حاجة إذا دخلت المدينة فأت والدتي وسلم خرجي إليها وأخبرها فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك وسلم عليها فإنها العام الأول أصيبت بوالدي وفي هذا العام بي ثم مات
فحفرت له ودفنته فلما هممنا بالانصراف عن قبره قذفته الأرض فألقته على ظهرها فقال أصحابي إنه غلام غر و لعله خرج بغير إذن أمه فقلت إن الأرض لتقبل من هو شر من هذا فقمت و صليت ركعتين ودعوت الله عزوجل فسمعت صوتا يقول يا أبا قدامة اترك ولي الله
فما برحت حتى نزلت عليه طيور بيض فأكلته فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي فلما رأتني عادت و قالت يا أماه هذا أبو قدامة ليس معه أخي فقد أصبنا في العام الأول بأبي و في هذا العام بأخي
فخرجت أمه إلي فقالت أمعزيا أم مهنئا فقلت ما معنى هذا فقالت إن كان مات فعزني وإن كان استشهد فهنئني فقلت لا بل مات شهيدا فقالت له علامة فهل رأيتها قلت نعم لم تقبله الأرض و نزلت الطيور فأكلت لحمه و تركت عظامه فدفنتها فقالت الحمد لله فسلمت إليها الخرج ففتحته فأخرجت منه مسحا و غلا من حديد وقالت إنه كان إذا جنه الليل لبس هذا (4/200)
المسح و غل نفسه و ناجى مولاه و قال في مناجاته احشرني من حواصل الطيور فقد استجاب الله دعاءه
انتهى ذكر أهل الرقة بحمد الله ومنه ذكر المصطفين من أهل الشام فمن الطبقة الأولى من التابعين و من بعدهم
738 - عمرو بن الأسود السكوني
عن حكيم و ضمرة بن حبيب قالا قال عمر بن الخطاب من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود
عن يحيى بن جابر الطائي قال قال عمرو بن الأسود لا ألبس مشهورا أبدا ولا أملأ جوفي من طعام بالنهار أبدا حتى ألقاه
ابن عياش عن شرحبيل أن عمرو بن الأسود كان يدع كثيرا من الشبع مخافة الأشر و كان إذا خرج من بيته إلى المسجد قبض يمينه على شماله مخافة الخيلاء
أبو بكر بن عبد الله الغساني عن المشيخة أن عمرو ابن الأسود يشتري الحلة بمائتين و يصبغها بدينار و يخمرها بالنهار كله و يقوم فيها الليل كله
أسند عمرو عن معاذ و عبادة و العرباض في آخرين (4/201)
739 - أبو عبد الله الصنابحي و اسمه عبد الرحمن بن عسيلة
عن محمود بن الربيع قال كنا عند عبادة بن الصامت فأقبل الصنابحي فقالعبادة من سره أن ينظر إلى رجل كأنما رقى به فوق سبع سموات فعمل ما عمل على ما رأى فلينظر إلى هذا
أسند الصنابحي عن أبي بكر الصديق و معاذ و عبادة في آخرين
740 - يزيد بن الأسود يكنى أبا الأسود الجرشي
عن سليم بن عامر الخبائري أن الشام قحطت فخرج معاوية بن أبي سفيان و أهل دمشق يستسقون فلما قعد معاوية على المنبر قال أين يزيد بن الأسود الجرشي فناداه الناس فأقبل يتخطى فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه و رفع الناس فما كان أوشك أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس و هبت لها ريح فسقتنا حتى كاد الناس أن لايبلغوا منازلهم
عن علي بن أبي جملة قال أصاب الناس قحط بدمشق و على الناس الضحاك بن قيس الفهري فخرج بالناس يستسقي فقال أين يزيد بن الأسود الجرشي فلم يجبه أحد ثم قال أين يزيد بن الأسود الجرشي فلم يجبه أحد ثم قال أين يزيد بن الأسود الجرشي عزمت عليه إن كان يسمع كلامي إلا قام و عليه (4/202)
برنس فاستقبل الناس بوجهه و رفع جانبي برنسه على عاتقيه ثم رفع يديه ثم قال اللهم يا رب إن عبادك تقربوا إليك فاسقهم
قال فانصرف الناس و هم يخوضون الماء فقال اللهم إنه قد شهرني فأرحني منه قال فما أتت عليه إلا جمعة حتى قتل الضحاك
741 - شرحبيل بن السمط بن الأسود أبو يزيد الكندي
بكر بن سوادة قال كان رجل يعتزل الناس إنما هو وحده فجاءه أبو الدرداء فقال أنشدك الله عزوجل ما يحملك على أن تعتزل الناس قال إني أخشى أن أسلب ديني وأنا لا أشعر فحدثت بذلك رجلا من أهل الشام فقال ذاك شرحبيل بن السمط
قلت ذكر محمد بن سعد شرحبيل بن السمط في التابعين بعد يزيد بن الأسود وقد قال البخاري له صحبة
742 - كعب الأحبار بن ماتع يكنى أبا إسحاق و هو من حمير من آل ذي رعين
كان يهوديا فأسلم و قدم المدينة ثم خرج إلى الشام فسكن حمص
عبد الله بن بريدة قال قال كعب الأحبار ما كرم عبد على الله عزوجل إلا زاد البلاء عليه شدة وما أعطى رجل زكاة فنقصت من ماله و لا حبسها فزادت في ماله ولا سرق سارق إلا حسب له من رزقه (4/203)
عن عبد الله بن شقيق قال قال كعب إن لسبحان الله و الحمد لله و لاإله إلاالله والله أكبر دويا حول العرش كدوي النحل يذكرن بصاحبهن و العمل الصالح في الخزائن
عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال ما استقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر في السماء
عن أبي العوام عن كعب الأحبار قال جاء رجلان فوقفا بباب المسجد فدخل أحدهما و لم يدخل الآخر و قال مثلي لا يدخل بيت الله و قد عصيته فأوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل إنني قد جعلته صديقا بإزرائه على نفسه
عن يزيد بن قودر عن كعب أنه قال مؤمن عالم أشد على إبليس و جنوده من مائة ألف مؤمن عابد لأن الله يعصم بهم من الحرام
عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن كعب قال لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهبا والذي نفس كعب بيده ما بكى عبد من خشية الله حتى تقع قطرة من دموعه إلى الأرض فتمسه النار أبدا حتى يعود قطر السماء الذي وقع إلى الأرض من حيث جاء ولن يعود أبدا
عن علقمة بن مرثد عن كعب قال من يعبد الله عزوجل حيث لا يراه أحد يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته عن الأعمش عن زياد عن كعب قال المتخلق إلى أربعين يوما ثم يعود إلى خلقه الذي هو خلقه (4/204)
عن كرز بن وبرة قال بلغني أن كعبا قال إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يصلون بالليل في بيوتهم كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء
أسند كعب عن عمر بن الخطاب و صهيب و عائشة و توفي بحمص سنة ثنتين و ثلاثين في خلافة عثمان
743 - يزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني
عبدالرحمن بن يزيد بن جابر قال قلت ليزيد بن مرثد مالي أرى عينيك لا تجف قال و ما مسألتك عنه قلت عسى الله عزوجل أن ينفعني به قال يا أخي إن الله عزوجل قد توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار و الله لو لم يتواعدني أن يسجنني إلا في الحمام لكنت حريا أن لاتجف لي عين
قال فقلت له فهكذا أنت في خلواتك قال و مامسألتك عنه قلت عسى الله عز و جل أن ينفعني به قال و الله إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي فيحول بيني و بين ما أريد وإنه ليوضع الطعام بين يدي فيعرض لي فيحول بيني و بين أكله حتى تبكي امرأتي و يبكي صبياننا ما يدرون ما أبكانا و لربما أضجر ذلك امرأتي فتقول يا ويحها ما خصت به من طول الحزن معك في الحياة الدنيا ما تقر لي معك عين
عن الوضين بن عطاء قال أراد الوليد بن عبد الملك أن يولي يزيد ابن مرثد فبلغ ذلك يزيد فلبس فروة و قلبها فجعل الجلد على ظهره و الصوف خارجا و أخذ بيده رغيفا و عرقا و خرج بلا رداء و لا قلنسوة و لا (4/205)
نعل و لاخف وجعل يمشي في الأسواق و يأكل فقيل للوليد إن يزيد قد اختلط و أخبر بما فعل فتركه
أسند يزيد بن مرثد عن معاذ و أبي الدرداء و غيرهما
744 - عبد الله بن محيريز أبو محيريز
عن بشير بن صالح قال دخل دخل ابن محيزيز حانوتا بدانق وهو يريد أن يشتري ثوبا فقال رجل لصاحب الحانوت هذا ابن محيزيز فأحسن بيعه فغضب ابن محيريز و خرج و قال إنما إنما نشتري بأموالنا لسنا نشتري بديننا
عن رجاء بن حيوة قال أتانا نعي ابن عمر و نحن في مجلس ابن محيريز فقال بن محيريز و الله إن كنت لأعد بقاء ابن عمر أمانا لأهل الأرض
و قال رجاء بن حيوة بعد موت ابن محيريز وأنا و الله إن كنت لأعد بقاء ابن محيريز أمانا لأهل الأرض
و عن ضمرة عن رجاء قال كان ابن محيريز يجيء بالكتاب إلى عبد الملك فيه النصيحة فيقرئه إياه ثم لا يقره في يده
أيوب بن سويد قال نبأ أبو زرعة أن عبد الملك بن مروان بعث إلى ابن محيريز بجاريه فترك ابن محيريز منزله فلم يكن يدخله فقيل له يا أمير المؤمنين تغيب ابن محيريز عن منزله قال و لم قيل من أجل الجارية التي بعثت بها إليه قال فبعث عبد الملك فأخذها
عن يحيى بن أبي عمر والشيباني قال كان ابن محيريز إذا مدح قال وما يدريك و ما علمك (4/206)
و عن ضمرة عن عمر بن عبد الرحمن بن محيريز قال كان جدي ابن محيريز يختم في كل سبع
عن عبد الله بن عوف القاري قال لقد رأيتنا برودس و ما في الجيش أحد أكثر صلاة من ابن محيريز في العلانية ثم أقصر عن ذلك حين شهر و عرف
و عن ضمرة عن الأوزاعي قال كان ابن أبي زكريا يقدم فلسطين فيلقى ابن محيريز فتتقاصر إليه نفسه لما يرى من فضل ابن محيريز
عبد الواحد بن موسى قال سمعت ابن محيريز يقول اللهم إني أسألك ذكرا خاملا
عن خالد بن دريك قال كانت في ابن محيريز خصلتان ما كانتا في أحد ممن أدركت في هذه الأمة كان أبعد الناس أن يسكت عن حق بعد أن يتبين له يتكلم فيه غضب من غضب و رضي من رضي و كان من أحرص الناس أن يكتم من نفسه أحسن ما عنده
عبد الله بن المبارك عن طليق قال سمعت ابن محيريز يقول من مشى بين يدي أبيه فقد عقه إلا أن يمشي فيميط له الأذى عن طريقه ومن دعا أباه باسمه أو بكنيته فقد عقه إلا أن يقول يا أبه
أسند ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري و معاوية بن أبي سفيان و أبي محذورة و فضالة بن عبيد و غيرهم و توفي في ولاية الوليد بن عبد الملك (4/207)
745 - أبو مسلم الخولاني واسمه عبد الله بن ثوب طرحه الأسود العنسي المتنبي باليمن في النار فلم تضره فكان يشبه بالخليل عليه السلام
عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال تنبأ الأسود بن قيس العنسي باليمن فأرسل إلى أبي مسلم فقال له أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال فتشهد أني رسول الله قال ما أسمع قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال فتشهد أني رسول الله قال ماأسمع قال أتشهد أن محمدا رسول الله قال نعم قال فتشهد أني رسول الله قال ما أسمع
قال فأمر بنار عظيمة فأججت و طرح فيها أبو مسلم فلم تضره فقال له أهل مملكته إن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك فأمره بالرحيل فقدم المدينة و قد قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم واستخلف أبو بكر فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي فبصر به عمر بن الخطاب فقال من أين الرجل قال من اليمن قال فما فعل عدو الله بصاحبنا الذي حرقه بالنار فلم تضره قال ذاك عبد الله بن ثوب قال نشدتك بالله عزوجل أنت هو قال اللهم نعم قال فقبل ما بين عينيه ثم جاء به حتى أجلسه بينه و بين أبي بكر و قال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه و سلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام (4/208)
عن علقمة بن مرثد قال انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم أبو مسلم الخولاني فإنه لم يكن يجالس أحدا يتكلم في شيء من أمر الدنيا إلا تحول عنه فدخل ذات يوم المسجد فنظر إلى نفر قد اجتمعوا فرجا أن يكونوا على ذكر الله تعالى فجلس إليهم وإذا بعضهم يقول قدم غلامي فأصاب كذا و كذا و قال آخر جهزت غلامي فنظر إليهم و قال سبحان الله أتدرون ما مثلي و مثلكم كمثل رجل أصابه مطر غزير وابل فالتفت فإذا هو بمصراعين عظيمين فقال لو دخلت هذا البيت حتى يذهب هذا المطر فدخل فإذا البيت لا سقف له جلست إليكم و أنا أرجو أن تكونوا على ذكر و خير فإذا أنتم أصحاب دنيا
قال وقال له قائل حين كبر و رق قصرت عن بعض ما تصنع فقال أرأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة ألستم تقولون لفارسها دعها و ارفق بها حتى إذا رأيتم الغاية لم تستبقوا منها شيئا قالوا بلى قال فإني قد أبصرت الغاية وإن لكل ساعة غاية و غاية كل ساعة الموت فسابق و مسبوق
أبو بكر بن أبي مريم قال حدثني عطية بن قيس أن ناسا من أهل دمشق أتوا أبا مسلم الخولاني في منزله و هو غاز بأرض الروم فوجدوه قد احتفر في فسطاطه جوبة ووضع في الجوبة نطعا و أفرغ فيه ماء يتصلق فيه وهو صائم فقالوا له ما يحملك على الصيام (4/209)
و أنت مسافر و قد رخص لك في الفطر في السفر فقال لو حضر قتال لأفطرت و تقويت للقتال إن الخيل لا تجري إلى الغايات وهي بدن إنما تجري و هي ضمر إن بين أيدينا أياما لها نعمل
عن شرحبيل بن مسلم أن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني في منزله فقال بعض أهله هو في المسجد فأتياه فوجداه يركع فانتظرا انصرافه و أحصيا ركوعه فأحصى أحدهما أنه ركع ثلثمائة والآخر أربعمائة قبل أن ينصرف فقالا له يا أبا مسلم كنا قاعدين خلفك ننتظرك فقال أما إني لو علمت مكانكما لانصرفت إليكما وما كان لكما أن تحفظا على صلاتي فأقسم لكما إن كثرة السجود خير ليوم القيامة
حميد قال قال أبو مسلم الخولاني ما عملت عملا أبالي من رآه إلا أن يخلو الرجل بأهله أو يقضي حاجة غائط
محمد بن زياد عن أبي مسلم أنه كان إذا غزا أرض الروم فمروا بنهر قال أجيزوا بسم الله قال و يمر بين أيديهم قال فيمرون بالنهر الغمر فربما لم يبلغ من الدواب إلا إلى الركب أو بعض ذلك أو قريبا من ذلك فإذا جازوا قال للناس هل ذهب لكم من شيء من ذهب له شيء فأنا له ضامن قال فألقى بعضهم مخلاة عمدا فلما جازوا قال الرجل مخلاتي وقعت في النهر قال له اتبعني فإذا المخلاة تعلقت ببعض أعواد النهر (4/210)
عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال قالت امرأة أبي مسلم يعني الخولاني يا أبا مسلم ليس لنا دقيق قال عندك شيء قالت درهم بعنا به غزلا قال ابغينيه وهاتي الجراب فدخل السوق فوقف على رجل يبيع الطعام فوقف عليه سائل فقال يا أبا مسلم تصدق علي فهرب منه فأتى حانوتا آخر فتبعه السائل فقال يا أبا مسلم فهرب منه فأتى حانوتا آخر فتبعه السائل فقال تصدق علي فلما أضجره أعطاه الدرهم ثم عمد إلى الجراب فملأه نجارة النجارين مع التراب ثم أقبل إلى باب منزله فنقر الباب وقلبه مرعوب من أهله فلما فتحت الباب رمى بالجراب وذهب فلما فتحته إذا هي بدقيق حواري فعجنت وخبزت فلما ذهب من الليل الهوي جاء أبو مسلم فنقر الباب فلما دخل وضعت بين يديه خوانا وأرغفة فقال من أين لكم هذا قالت له يا أبا مسلم من الدقيق الذي جئت به فجعل يأكل ويبكي
عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى منزله كبر على باب منزله فتكبر امرأته فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته فإذا بلغ إلى باب بيته كبر فتجيبه امرأته فانصرف ذات ليلة فكبر عند باب داره فلم يجبه أحد فلما كان في الصحن كبر فلم يجبه أحد فلما كان في باب بيته كبر فلم يجبه أحد و كان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه و نعليه ثم أتته بطعامه قال فدخل فإذا البيت ليس فيه سراج و إذا امرأته (4/211)
جالسة منكسة تنكت بعود معها فقال لها مالك فقالت أنت لك منزلة من معاوية وليس لنا خادم فلو سألته فأخدمنا و أعطاك فقال اللهم من أفسد على امرأتي فأعم بصره قال و قد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت زوجك له منزلة من معاوية فلو قلت له يسأل معاوية أن يخدمه و يعطيه عشتم قال فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها إذ أنكرت بصرها فقالت مالسراجكم طفئ قالوا لا فعرفت ذنبها فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي و تسأله أن يدعو الله عزوجل لها يرد عليها بصرها قال فرحمها أبو مسلم فدعا الله عزوجل لها فرد عليها بصرها
الحسن قال قال أبو مسلم الخولاني وكان ذا أمثال أرأيتم نفسا إذا أكرمتها وودعتها و نعمتها ذمتني غدا عند الله وإن أنا أهنتها وأنصبتها وأعملتها مدحتني عند الله غدا قالوا من تيك يا أبا مسلم قال تيك والله نفسي
عن شرحبيل بن مسلم عن أبي مسلم الخولاني أنه كان إذا وقف على خربة قال يا خربة أين أهلك ذهبوا و بقيت أعمالهم وانقطعت الشهوة وبقيت الخطيئة ابن آدم ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة
أبو بكر بن أبي الأسود قال قال أبو مسلم الخولاني ما طلبت شيئا من الدنيا قط فولى لي حتى لقد ركبت مرة حمارا فلم يمش فنزلت عنه وركبه غيري فعدا قال فأريت في منامي كأن قائلا (4/212)
يقول لي لا يحزنك ما زوي عنك من الدنيا و إنما يفعل ذلك بأوليائه و أحبائه و أهل طاعته قال فسري عني
شرحبيل بن مسلم عن عمير بن سيف أنه سمع أبا مسلم الخولاني يقول لأن يولد لي مولود يحسن الله عزوجل نباته حتى إذا استوى على شبابه و كان أعجب ما يكون إلي قبضه مني أحب إلى من أن يكون لي الدنيا و ما فيها
عن عثمان بن ابي العاتكة قال كان من أمر أبي مسلم الخولاني أن علق سوطا في مسجده و يقول أنا أولى بالسوط من الدواب فإذا دخلته فترة مشق ساقه سوطا أو سوطين و كان يقول لو رأيت الجنة عيانا ما كان عندي مستزاد ولو رأيت النار عيانا ماكان عندي مستزاد
بلال بن كعب قال ربما قال الصبيان لأبي مسلم الخولاني ادع الله أن يحبس علينا هذا الطائر فيدعو الله عزوجل فيحبسه فيأخذوه بأيديهم
أدرك أبو مسلم أبا بكر و عمر و أسند عن معاذ بن جبل و عبادة ابن الصامت و توفي في خلافة يزيد بن معاوية كذا قال محمد بن سعد و قال البخاري توفي في خلافة معاوية و من الطبقة الثالثة
746 - رجاء بن حيوة أبو المقدام الكندي
عن مطر الوراق قال ما رأيت شاميا أفضل من رجاء بن حيوة
أبو أسامة قال كان ابن عون إذا ذكر من يعجبه ذكر رجاء بن حيوة (4/213)
ابن عون قال ثلاثة لم أر مثلهم كأنهم التقوا فتواصوا ابن سيرين بالعراق و القاسم بن محمد بالحجاز و رجاء بن حيوة بالشام
عبيد بن السائب قال أنبأ أبي قال ما رأيت أحدا أحسن اعتدالا في صلاته من رجاء بن حيوة
عن عبد الرحمن بن عبد الله أن رجاء بن حيوة قال لرجلين و هو يعظهما انظرا الأمر الذي تحبان أن تلقيا الله عزوجل عليه فخذا فيه الساعة وانظر الأمر الذي تكرهان أن تلقيا الله عزوجل عليه فدعاه الساعة
أسند رجاء عن عبد الله بن عمرو و أبي الدرداء و أبي أمامة و معاوية وجابر وكان يصحب الخلفاء و يأمرهم بالمعروف فلما مات عمر بن عبد العزيز انقطع عن صحبتهم فسأله يزيد بن عبد الملك أن يصحبه فأبى و استعفاه فقيل له نخاف عليك من هؤلاء فقال يكفينهم الذي تركتهم له
747 - عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية
عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر قال كان عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية خلا لعبد الملك بن مروان فلما مات عبد الملك بن مروان و تصدع الناس عن قبره وقف عليه فقال أنت عبد الملك الذي كنت تعدني فأرجوك و توعدني فأخافك أصبحت و ليس معك من ملكك غير ثوبيك وليس لك منه غير أربعة أذرع في عرض ذراعين (4/214)
ثم انكفأ الى أهله و اجتهد في العبادة حتى صار كأنه شن بال فدخل عليه بعض أهله فعاتبه في نفسه و إضراره فقال للقائل أسألك عن شيء تصدقني عنه قال نعم قال أخبرني عن حالتك التي أنت عليها أترضاها للموت قال اللهم لا قال أفعزمت على انتقال منها إلى غيرها قال ما انتصحت رأيي في ذلكقال أفتأمن من أن يأتيك الموت على حالك التي أنت عليها قال اللهم لا قال حال ما أقام عليها عاقل ثم انكفأ إلى مصلاه روى عبد الرحمن عن ثوبان
748 - خالد بن معدان الكلاعي يكنى أبا عبد الله
عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال إياكم والخطران فإنه قد تنافق يد الرجل من سائر جسده قيل و ما الخطران قال ضرب الرجل بيده إذا مشى
عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال ما من عبد إلا و له أربع أعين عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فيبصر بهما ما و عد بالغيب قال و هما غيب فآمن الغيب بالغيب وإذا أراد الله بعبد غير ذلك تركه على ماهو عليه ثم قرأ أم على قلوب أقفالها
عبد الله بن واقد عن أم عبد الله عن أبيها قال خلقت القلوب من طين و إنها تلين في الشتاء
صفوان بن عمر قال كان خالد بن معدان إذا عظمت حلقته قام فانصرف قلت لصفوان و لم كان يقوم قال كان يكره الشهرة (4/215)
أسند خالد بن معدان عن أبي عبيدة و معاذ و عبادة و أبي ذر و غيرهم
محمد بن سعد قال أنبأ يزيد بن هارون قال مات خالد و هو صائم قال ابن سعد و توفي سنة ثلاث و مائة و قال عفير بن معدان توفي خالد سنة أربع و مائة والسلام
749 - عبادة بن نسى الكندي
توفي سنة ثمان عشرة و مائة
عن رجاء قال كان بين رجل و بين عبادة بن نسى منازعة فأسرع إليه الرجل فلقي رجاء بن حيوة عبادة فقال بلغني أن فلانا كان منه إليك فأخبرني فقال لولاأن تكون غيبة مني لأخبرتك بما كان منه
750 - عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي
كان صاحب غزو من أهل دمشق عن الأوزاعي قال لم يكن بالشام رجل يفضل على عبد الله بن أبي زكريا قال عالجت لساني عشرين سنة قبل أن يستقيم لي
علي بن أبي جملة قال قال عبد الله بن أبي زكريا الدمشقي عالجت الصمت عما لا يعنيني عشرين سنة قبل أن أقدر منه على ما أريد قال وكان لا يدع أحدا يغتاب في مجلسه أحدا يقول إن ذكرتم الله أعناكم وإن ذكرتم الناس تركناكم
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عبد الله بن أبي زكريا كان يقول لو خيرت بين أن أعمر مائة سنة في طاعة الله أو أن (4/216)
أقبض في يومي هذا أو في ساعتي هذه لاخترت أن أقبض شوقا إلى الله عزوجل و إلى رسوله وإلى الصالحين من عباده
الوليد بن سليمان الدمشقي قال سمعت ابي يذكر قال كان عبد الله بن أبي زكريا إذا خاض جلساؤه في غير ذكر الله كأنه ساه وإذا خاضوا في ذكر الله كان من أحسن الناس استماعا
أسند عبد الله عن عبادة بن الصامت و أبي الدرداء في آخرين وتوفي سنة سبع عشرة و مائة ومن الطبقة الرابعة
751 - بلال بن سعد
عبد الله بن المبارك قال كان محل بلال بن سعد بالشام ومصر كمحل الحسن بالبصرة
الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعد يقول واحزناه على أنى لا أحزن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا أهلها و إذا أظهرت فلم تغير ضرت العامة
عن الأوزاعي قال سمعت بلالا يقول لا تكن وليا لله تعالى في العلانية و عدوه في السر
قال و سمعت بلالا يقول في مواعظه يا أهل الخلود و يا أهل البقاء إنكم لم تخلقوا للفناء وإنما خلقتم للخلود والأبد و لكنكم تنقلون من دار إلى دار
عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قال إن الله يغفر الذنوب و لكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يقفه عليها يوم القيامة وإن تاب (4/217)
سعيد بن عمرو قال قال بلال بن سعد ذكرك حسناتك و نسيانك سيئاتك غرة
الأوزاعي قال هلك ابن لبلال بن سعد فجاء رجل يدعي عليه ببضعة و عشرين دينارا فقال له بلال ألك بينة قال لا قال فلك كتاب قال لا قال فتحلف قال نعم قال فدخل منزله فأعطاه الدنانير فقال إن كنت صادقا فقد أديت عن ابني وإن كنت كاذبا فهي عليك صدقة
الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعد يقول رب مسرور مغبون يأكل و يشرب و يضحك و قد حق له في كتاب الله عزوجل أنه من وقود النار
الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعد يقول أخ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك دينارا
عن الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعد يقول لا تنظر إلى صغر الخطيئة و لكن انظر من عصيت
سعيد بن عبد العزيز قال قال بلال بن سعدالذكر ذكران ذكر لله عزوجل باللسان حسن جميل وذكر الله عندما أحل و حرم أفضل
الضحاك بن عبد الرحمن قال سمعت بلال بن سعد يقول يا أولى الألباب ليتفكر متفكر فيما يبقى له و ينفعه أما ما وكلكم الله عزوجل به فتضيعون وأما ما تكفل لكم به فتطلبون ما هكذا (4/218)
نعت الله عبادة المؤمنين أذوو عقول في طلب الدنيا وبله عما خلقتم له فكما ترجون الله بما تؤدون من طاعته فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصيه
قال و سمعت بلال بن سعد يقول عبادا الله اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيام طوال و في دار زوال لدار مقام و في دار نصب و حزن لدار نعيم وخلد ومن لم يعمل على اليقين فلا يتعن عباد الرحمن هل جاءكم مخبر يخبركم أن شيئا من أعمالكم تقبل منكم أو شيئا من أعمالكم غفر لكم
عن الأوزاعي عن بلال بن سعد قالأدركتهم يشتدون بين الأغراض و يضحك بعضهم إلى بعض فإذا كان الليل كانوا رهبانا
أسند بلال عن أبيه سعد بن تميم السكوتي و عن عبد الله بن عمر ابن الخطاب و جابر بن عبد الله في آخرين
752 - عمير بن هانئ أبو الوليد الشامي
قال البخاري سمع من ابن عمر و زعم آل عمير أنه أدرك ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم
سعيد بن عبد العزيز قال قلت لعمير بن هانئ أرى لسانك لا يفتر من ذكر الله عزوجل فكم تسبح كل يوم قال مائة ألف إلا أن تخطئ الأصابع
753 - أبو عبد رب واسمه عبيدة بن المهاجر
عن ابن جابر أن أبا عبد رب كان من أكثر أهل دمشق مالا فخرج إلى أذربيجان في تجارة فأمسى إلى جانب مرعى و نهر فنزل به قال (4/219)
فسمعت صوتا يكثر حمد الله عزوجل في ناحية فاتبعته فرأيت رجلا في حفير من الأرض ملفوفا في حصير فسلمت عليه وقلت من أنت قال رجل من المسلمين فسألته أن يقوم معي الى المنزل فأبى فانصرفت وقد تقاصرت إلي نفسي ومقتها أني لم أخلف بدمشق رجلا في العين يكاثرني وأنا ألتمس الزيادة فقلت اللهم إني أتوب إليك من سوء ما أنا فيه فبت ولم يعلم إخواني بما قد أجمعت عليه فلما كان السحر رحلوا فركبت دابتي وضربتها إلى دمشق فقلت ما أنا بصادق التوبة إن مضيت في متجري قال ابن جابر فلما قدم تصدق بصامت ماله وجهز به في سبيل الله عزوجلقال ابن جابر فحدثني بعض إخواني قال ما كست صاحب عباء بدانق في عباء أعطيته ستة و هو يقول سبعة فلما أكثرت قال ممن أنت قلت من أهل دمشق قال ما تشبه شيخا وفد علي أمس يقال له أبو عبد رب اشترى مني سبعمائة كساء بسبعة سبعة ما سألني أن أضع له درهما وما زال يفرقها بين فقراء الجيش فما دخل إلى منزله منها بكساء قال ابن جابر و كان عبد رب تصدق بصامت ماله و باع عقده فتصدق بها إلا دارا بدمشق ثم باعها بمال و فرقه ثم مات فما وجدوا من ثمنها إلا قدر الكفن و كان يقول و الله لو أن نهركم هذا سال ذهبا و فضة من شاء خرج إليه فأخذ ما خرجت إليه ولو قيل من (4/220)
مس هذا العود مات لسرني أن أقوم إليه شوقا إلى الله عزوجل وإلى رسوله
أسند أبو عبد رب عن معاوية بن أبي سفيان والسلام ومن الطبقة الخامسة
754 - أبو بكر بن عبد الله بن ابي مريم الغساني
بقية فقال خرجنا إلى أبي بكر بن أبي مريم نسمع منه في ضيعته و كانت كثيرة الزيتون فخرج علينا نبطي من أهلها فقال لي من تريدون فقلنا نريد أبا بكر بن أبي مريم فقال الشيخ فقلنا نعم قال ما في هذه القرية شجرة من زيتون إلا و قد قام إليها ليلته جمعاء يزيد ابن هارون قال كان أبو بكر من العباد المجتهدين فحضره الموت و هو صائم فلم يزل يجهد حتى قشروا له تفاحة فأفطر عليها وقيل لامرأته ألا تفلين ثيابه قالت أية ساعة أفليها ما يلقيها عنه ليلا و لا نهارا تقول لاشتغاله بالصلاة
الحسن بن علي بن مسلم السكوني قال كان لأبي بكر بن أبي مريم في خديه مسلكان من الدموع
يزيد بن عبد ربه قال عدت أبا بكر بن أبي مريم و هو في النزع فقلت له رحمك الله لو جرعت جرعة ماء فقال بيده لا ثم جاء الليل فقال أذن فقلت نعم فقطرنا في فمه قطرة ماء ثم مات
أسند أبو بكر عن عبد الله بن بسر و غيره (4/221)
755 - حسان بن عطية يكنى أبا بكر
عن الأوزاعي قال ما رأيت أحدا أكثر عملا منه في الخير يعني حسان بن عطية
عن الأوزاعي قال كان حسان بن عطية يتنحى إذا صلى العصر في ناحية المسجد فيذكر الله عزوجل حتى تغيب الشمس
الأوزاعي عن حسان بن عطية قال من أطال قيام الليل يهون عليه طول القيام يوم القيامة
الأوزاعي قال حدثني حسان قال يعذب الله الظالم بالظالم ثم يدخلهما النار جميعا و حدثني حسان قال إن العبد إذا عمل سيئة وقف الملك فلم يكتبها ثلاث ساعات فإن لم يستغفر كتبت وإن استغفر لم تكتب و إن الرجل إذا سافر يوم الجمعة دعي عليه أن لا يصاحب في سفره و لا يعان في حاجته و ركعتان يستن فيهما العبد خير من سبعين ركعة لا يستن فيها
أسند حسان عن أنس و شداد بن أوس وأرسل عن أبن مسعود و أبي ذر و حذيفة في خلق كثير
756 - أمية الشامي
عن سفيان بن عيينة قال كان أمية رجلا من أهل الشام يقوم فيصلي هناك مما يلي باب بني سهم فينتحب و يبكي حتى يعلو صوته وحتى تسيل دموعه على الحصى قال فأرسل إليه الأمير إنك تفسد على المصلين صلاتهم بكثرة بكائك و ارتفاع صوتك فلو أمسكت قليلا فبكى ثم قال إن حزن يوم القيامة ورثني دموعا (4/222)
غزارا فأنا أستريح إلى ذريها أحيانا و كان أمية يقول ألا إن المطيع لله ملك في الدنيا والاخرة و كان يدخل الطواف فيأخذ في البكاء و النحيب وربما سقط مغشيا عليه و من الطبقة السادسة
757 - أبو سليمان الداراني واسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي
و داريا قرية من قرى دمشق و قيل ضيعة إلى جنت دمشق
أحمد ابنأبي الحواري قال سمعت أبا سليمان عبد الرحمن بن أحمد العنسي يقول مفتاح الدنيا الشبع ومفتاح الآخرة الجوع وأصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب وإن الجوع عنده في خزائن مدخرة و لا يعطى إلا من أحب خاصة ولأن أدع من عشائي لقمة أحب إلي من أن آكلها وأقوم من أول الليل إلى آخره
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا و ما أحب البقاء في الدنيا لتشقيق الأنهار ولا لغرس الأشجار
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول سمعت أبا جعفر يبكي في خطبته يوم الجمعة فاستقبلني الغضب و حضرتني نية أن أقوم فأعظه بما أعرف من فعله إذا نزل قال فتفكرت أن أقوم إلى الخليفة فأعظه و الناس جلوس يرمقوني بأبصارهم فيعرض لي تزين فيأخر بي فأفتل على غير تصحيح فجلست و سكت (4/223)
قال أحمد و سمعت أبا سليمان يقول كنت بالعراق أعمل و أنا بالشام أعرف قال أحمد فحدثت به ابنه سليمان فقال إنما معرفة أبي بالله تعالى الشام لطاعته بالعراق ولو ازداد لله بالشام طاعة لازداد لله معرفة
ابن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول كل ما شغلك عن الله عزوجل من أهل و مال أو ولد فهو عليك مشوم
مسعود بن أبي جميل قال سمعت أبا سليمان يقول إنما عصى الله عزوجل من عصاه لهوانهم عليه و لو كرموا عليه لحجزهم عن معاصيه
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع
أحمد بن أبي الحواري قال قال لي أبو سليمان من أي وجه أزال العاقل اللائمة عمن أساء إليه قلت لا أدري قال من أنه قد علم أن الله تعالى هو الذي ابتلاه به
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول كنت ليلة باردة في المحراب فأفلقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد و بقيت الأخرى ممدودة فغلبتني عيني فهتف بي هاتف يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها و لو كانت الأخرى لوضعنا فيها ما أصابها فآليت لا أدعو إلا و يداي خارجتان
أحمد بن أبي الحواري قال قال لي أبو سليمان الداراني ياأحمد إني محدثك بحديث فلا تحدث به أحدا حتى أموت نمت ذات ليلة عن وردي فإذا أنا بحوراء تنبهني و تقول ياأبا سليمان تنام وأنا أربي لك في الخدور منذ خمسمائة عام (4/224)
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول بينا أنا ساجد إذ ذهب بي النوم فإذا أنا بها يعني الحوراء قد ركضتني برجلها فقالت حبيبي أترقد عيناك و الملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم بؤسا لعين آثرت لذة نوم على لذة مناجاة العزيز قم فقد دنا الفراغ و لقي المحبون بعضهم بعضا فما هذاالرقاد حبيبي و قرة عيني أترقد عيناك و أنا أربي لك في الخدور منذ كذا و كذا
فوثبت فزعا و قد عرقت استحياء من توبيخها إياي و إن حلاوة منطقها لعني سمعي و قلبي
أحمد بن أبي الحواري يقول سمعت أبا سليمان الداراني يقول ما ضرك ما غرك إذا أعقبك ما سرك
موسى بن عمران قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول إن النفس إذا جاعت وعطشت صفا القلب ورق و إذا شبعت ورويت عمى القلب
موسى بن عمران قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول ما يسرني أن لي من أول الدنيا إلىآخرها أنفقه في وجوه البر وأني أغفل عن الله عزوجل طرفه عين
عن أحمد بن أبي الحواري قال قال أبو سليمان الداراني لو أن الدنيا كلها في لقمة ثم جائني أخ لي لأحببت أن أضعها في فيه
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني قال إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزحمها و إذا كانت الدنيا في القلب لم تزحمها الاخرة لأن الآخرة كريمة والدنيا لئيمة (4/225)
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول من حسن ظنه بالله عزوجل ثم لا يخاف الله فهو مخدوع
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول أرجو أن أكون قد رزقت من الرضا طرفا لو أدخلني النار لكنت بذلك راضيا
محمد بن هشام قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول يوحي الله عزوجل إلى جبريل عليه السلام اسلب عبدي ما رزقته من لذة طاعتي فإن افتقدها فردها عليه وإن لم يفتقدها فلا تردها عليه أبدا
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول في مناجاته إنك إن طالبتني بشرى طالبتك بكرمك وإن أخذتني بذنوبي أتيتك بتوحيدك وإن أسكنتني النار بين أعدائك لأخبرنهم بحبي لك
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول كنت أنظر إلى الأخ من إخواني بالعراق فأعمل على رؤيته شهرا و سمعته يقول إنما الأخ الذي تعظك رؤيته قبل أن يعظك بكلامه
أحمد بن أبي الحواري قال باتأبو سليمان ذات ليلة فلما انتصف الليل قام ليتهيأ فلما أدخل يده في الإناء بقي على حالته حتى انفجر الصبح وكان وقت الإقامة فخشيت أن تفوته الصلاة فقلت الصلاة يرحمك الله فقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (4/226)
ثم قال يا أحمد أدخلت يدي في الإناء فعارضني معارض من سري هب أنك غسلت بالماء ما ظهر منك فبماذا تغسل قلبك فبقيت متفكرا حتى قلت بالغموم والأحزان فيما يفوتني من الأنس بالله عزوجل
أحمد بن أبي الحوراي قال سمعت أبا سليمان يقول ما يسر العاقل أن الدنيا له منذ خلقت إلىان تفنى يتنعم فيها حلالالا يسأل عنه يوم القيامة وأنه حجب عن الله عزوجل ساعة واحدة فكيف بمن حجب أيام الدنيا وأيام الآخرة
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول ربما مثل لي رأسي بين جبلين من نار وربما رأيتني أهوى فيها حتى أبلغ قرارها وكيف تهنئ الدنيا من كانت هذه صفته
و سمعته يقول إنما ارتفعوا بالخوف فإن ضيعوا نزلوا و ينبغي لعاقل وإن بلغ أعلى درجة أن يفزع قلبه بأسفل درجة من ذكر الموت والمقابر والبعث
و قلت لأبي سليمان إني قد غبطت بني إسرائيل قال بأي شيء ويحك قلت بثمانمائة سنة بأربعمائة سنة حتى يصيروا كالشنان البالية و كالأوتار قال ما ظننت إلا أنك قد جئت بشيء لا والله لا يريد الله عزوجل منا أن تيبس جلودنا على عظامنا و لا يريد منا إلا النية فيما عنده هذا إذا صدق في عشرة أيام نال ما نال ذاك في عمره (4/227)
وسمعت أبا سليمان و ذكر له رجل فقال لقد وقع على قلبي و لكن صف لي حاله فقلت إنه نشأ في الصوف والقرآن و أكل الملة فقال قد كنت أحب أن يكون ممن و جد طعم الدنيا ثم تركهالأنه إذا و جد طعمها ثم تركها لم يغتر بها و إذا كان ممن لم يجد طعمها لم آمن عليه إذا وجد طعمها أن يرجع إليها وسمعت أبا سليمان يقول لأهل الطاعة في ليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا
و سمعت أبا سليمان يقول لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على لذة ما فاته من الطاعة فيما مضى كان ينبغي له أن يبكيه حتى يموت
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول ما عمل داود عليه السلام عملا قط كان أنفع له من خطيئته ما زال منها خائفاخائفا هاربا حتى لحق بربه عزوجل قال و رأيت أبا سليمان أراد أن يلبي فغشي عليه فلما أفاق قال يا أحمد بلغني أن الرجل إذا حج من غير حله فقال لبيك اللهم لبيك قال له الرب لا لبيك و لا سعديك حتى ترد ما في يديك فما يؤمنني أن يقال لي هذا ثم لبى
و سمعت أبا سليمان يقول أقمت عشرين سنة لم أحتلم فدخلت مكة فأحدثت بها حدثا فما أصبحت حتى احتلمت فقلت له فأي شيء كان ذلك الحدث قال تركت صلاة العشاء في المسجد الحرام في جماعة والاحتلام عقوبة (4/228)
و سمعته يقول حيل بيني و بين قيام الليل قالأحمد كان الذكر يغلب عليه و إني لأمرض فأعرف الذنب الذي أمرض به
وسمعته يقول ما حجوا ولا رابطوا ولا جاهدوا إلا فرارا من البيت و ما يرون ما تقر به أعينهم إلا في البيت
أحمد بن أبي الحواري قال قال أبو سليمان لو اجتمع الخلق جميعا على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما قدروا على ذلك
أحمد بن أبي الحواري قال قال أبو سليمان الداراني من صفى صفي له ومن كدر كدر عليه
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأ على بن خلف قال أنبأ أبو عبد الرحمن السلمي قال أنبأ عبد الله بن محمد الرازي قال أنبأ إسحق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي قال سمعت أبا سليمان يقول من أحسن في نهاره كوفئ في ليله ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره ومن صدق في ترك الشهوة ذهب الله بها من قلبه والله أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت له
الجنيد قال قال أبو سليمان الداراني ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب و السنة
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول وقد دخلت عليه و هو يبكي فقلت له ما يبكيك فقال لي يا أبا أحمد و لم لا أبكي وإذا جن الليل ونامت العيون و خلا كل حبيب بحبيبه وافترش أهل المحبة أقدامهم وجرت دموعهم على خدودهم وقطرت في محاريبهم أشرف الجليل سبحانه فنادى جبريل (4/229)
عليه السلام بعيني من تلذذ بكلامي فلم لا ينادي فيهم ما هذا البكاء هل رأيتم حبيبا يعذب أحبابه أم كيف يجمل بي أن أعذب قوما إذا جنهم الليل تملقوني فبي حلفت إذا وردوا علي القيامة لأكشفن لهم عن وجهي الكريم حتى ينظروا إلي وأنظر إليهم
أحمد بن أبي الحواري قال قال لي أبو سليمان ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك و غيرك يفت لك و لكن أبدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد و لاخير في قلب يتوقع قرع الباب يتوقع إنسانا يجيئه يعطيه شيئا
قال و قلتلأبي سليمان سهرت ليلة في ذكر النساء إلى الصباح قال فتغير وجهه وغضب علي و قال ويحك أما استحييت منه يراك ساهرا في ذكر النساء و لكن كيف تستحيي ممن لا تعرف قال وسمعت أبا سليمان يقول إذا لذت لك القراءة فلا تركع و لا تسجد و إذا لذلك السجود فلا تركع و لاتقرأ الزم الأمر الذي يفتح لك فيه و سمعت أبا سليمان يقول من كان يومه مثل أمس فهو في نقصان و سمعت أبا سليمان يقول ما أتي منأتي من إبليس و قارون و بلعم إلا أن أصل نياتهم غش فرجعوا إلى الغش الذي في قلوبهم و الله أكرم من أن يمن على عبد بصدق ثم يسلبه إياه
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني يقول إذا ذكرت الخطيئة لم أحب الموت أبقى لعلي أتوب (4/230)
أبو عمران موسى بن عيسى الجصاص قال قال أبو سليمان رد سبيل العجب بمعرفة النفس و تخلص إلى إجمام القلب بقلة الخلطاء وتعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الخوف واستجلب نور القلب بدوام الحزن وألتمس باب الحزن بدوام الفكرة وألتمس وجوه الفكرة في الخلوات و تحرز من إبليس بمخالفة هواك و تزين لله بالإخلاص و الصدق في الأعمال و تعرض للعفو بالحياء منه و المراقبة واستجلب زيادة النعم بالشكر واستدم النعم بخوف زوالها ولا عمل كطلب السلامة و لا سلامة كسلامة القلب و لاعقل كمخالفة الهوى ولا فقر كفقر القلب و لا غنى كغنى النفس ولا قوة كرد الغضب ولا نور كنور اليقين ولا يقين كاستصغار الدنيا ولا معرفة كمعرفة النفس و لا نعمة كالعافية من الذنوب و لا عافية كمساعدة التوفيق ولا زهد كقصر الأمل ولا حرص كالمنافسة في الدرجات ولا طاعة كأداء الفرائض ولا تقوى كاجتناب المحارم ولاعدم كعدم العقل ولا فضيلة كالجهاد ولا جهاد كمجاهدة النفس ولا ذل كالطمع ومن لم يحسن رعاية نفسه أسرع به هواه إلى الهلكة ولا ينفع الهالك نجاة المعصوم ومرارة التقوى اليوم حلاوة في ذلك اليوم و الهالك من هلك في آخر سفره وقد قارب المنزل والخاسر من أبدى للناس صالح عمله وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول و سأله رجل فقال يا أبا سليمان ما أقرب ما تقرب به إليه فبكى ثم قال (4/231)
مثلي يسأل عن هذاأقرب ما تقرب به إليه أن يطلع من قلبك على أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
و سمعت أبا سليمان يقول ربما أقمت في الآية الواحدة خمس ليال و لولا أني أدع الفكر فيها ما جزتها أبدا و لربما جاءت الآية من القرآن تطير العقل فسبحان الذي رده إليهم قال أحمد و قلت لأبي سليمان إن فلانا و فلانا لا يقعان على قلبي قال ولا على قلبي و لكن لعلنا أتينا من قلبي و قلبك فليس فينا خير و ليس نحب الصالحين
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول إذا اعتقدت النفوس ترك الآثام جالت في الملكوت و عادت بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علما قلت سمع أبو سليمان الداراني الحديث الكثير و لقي سفيان الثوري و غيره ولكنه اشتغل بالتعبد عن الرواية إلاأنني وجدت له ثلاثة أحاديث مسندة
الحديث الأول أبو سليمان الداراني قال سمعت علي بن الحسن ابن أبي الربيع الزاهد يقول سمعت إبراهيم بن أدهم يذكر عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلى قبل الظهر أربعا غفر له ذنوب يومه ذلك
قال الخطيب لا أحفظ لأبى سليمان حديثا مسندا غيره
الحديث الثاني أبو سليمان الداراني قال أنبأ علي بن الحسن ابن أبي الربيع قال حدثنا إبراهيم بن أدهم قال سمعت محمد بن (4/232)
عجلان يذكر عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
من تواضع لله عزوجل رفعه الله
الحديث الثالث أبو سليمان الداراني قال حدثني شيخ بساحل دمشق يقال له علقمة بن يزيد بن سويد الأزدي قال حدثني أبي عن جدي سويد بن الحارث قال وفدت على رسول الله صلى الله عليه و سلم سابع سبعة من قومي فلما دخلنا عليه و كلمنا أعجبه ما رأى من سمتنا و زينا فقال ما أنتم قلنا مؤمنون فتبسم وقال إن لكل قول حقيقة فما حقيقة قولكم و إيمانكم قال سويد قلنا خمس عشرة خصلة خمس منها أمرتنا رسلك أن نؤمن بها و خمس منها أمرتنا رسلك أن نعمل بها و خمس منها تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وما الخمس التي أمرتكم رسلي أن تؤمنوا بها قلنا أمرتنا رسلك أن نؤمن بالله وملائكته و رسله والبعث بعد الموت قال وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها قلنا أمرتنا رسلك أن نقول لا إله إلا الله ونقيم الصلاة و نؤتي الزكاة و نصوم رمضان ويحج البيت من استطاع إليه سبيلا قال و ما الخمس التي تخلقتم بها أنتم في الجاهلية قلنا الشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء و الصدق في مواطن اللقاء والرضا بمر القضاء والصبر عند شماتة الأعداء فقال النبي صلى الله عليه و سلم علماء حكماء كادوا من صدقهم أن يكونوا أنبياء ثم قال صلى الله عليه و سلم و أنا أزيدكم خمسا فتتم لكم عشرون (4/233)
خصلة إن كنتم كما تقولون فلا تجمعوا مالا تأكلون و لا تبنوا مالا تسكنون ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه تزولون واتقوا الله الذي إليه ترجعون و عليه تعرضون وارغبوا فيما عليه تقدمون و فيه تخلدون قال أبو سليمان و قال لي علقمة بن يزيد فانصرف القوم من عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و حفظوا وصيته و عملوا بها و لا و الله يا أبا سليمان ما بقي من اولئك النفر ولا من أولادهم أحد غيري قال وما بقي إلا أيام قلائل ثم مات رحمه الله وتوفي أبو سليمان الداراني سنة خمس و مائتين وقال ابو عبد الرحمن السلمي سنة خمس عشرة والأول أصح
758 - عبد العزيز بن عمير أصله من خراسان لكنه سكن دمشق
أحمد بن محمد بن أبي موسى الأنطاكي قال سمعت أحمد بنأبي الحواري يقول سمعت عبد العزيز بن عمير يقول ترى نور الجلال عليهم وأثر الخدمة بين أعينهم ثم قال عبد العزيز إن الرجل لينقطع إلى بعض ملوك أهل الدنيا فيرى أثره عليه فكيف بمن ينقطع إلى الله عزوجل كيف لايرى أثره عليه
قال أحمد بن وديع سمعت عبد العزيز بن عمير يقول الصيام سجن المؤمن عن الدنيا
أبو خزيمة قال سمعت عبد العزيز بن عمير يقولالنفس أمارة بالسوء فإذا جاء العزم من الله عزوجل كانت هي التي تنازعك إلى الخير (4/234)
759 - مروان بن محمد
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت مروان بن محمد يقول إني أخبرك بشيء يا أحمد ما كلمت به أحدا قط قبلك ما أنا لشيء أخوف مني من أن يختم لي بكفر ومن الطبقة السابعة
760 - مضاء بن عيسى
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت مضاء بن عيسى يقول خف الله يلهمك واعمل له لا يلجئك إلى دليل
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت مضاء بن عيسى يقول إذا وصلوا إليه لم يرجعوا عنه إنما رجع من رجع من الطريق
قاسم الجوعي قال سمعت مضاء بن عيسى يقول من رجا شيئا طلبه ومن خاف من شيء هرب منه ومن أحب شيئا آثره على غيره
أسند مضاء عن شعبة و سمع من غيره رضي الله عنه
761 - أبو كريمة العبدي
عيسى بن الهذيل قال سمعت أبا كريمة و كان من عباد أهل الشام يقول ابن آدم ليس لما بقى من عمرك ثمن
762 - بشير الطبري
سكن الشام أبو عمرو الكندي قال أغارت الروم على جواميس لبشير الطبري نحوا من أربعمائة جاموس فركبت معه أنا وابن له فلقينا عبيدة الذين كانت معهم الجواميس معهم عصيهم فقالوا يا مولانا ذهبت (4/235)
الجواميس فقال وأنتم أيضا اذهبوا معها فأنتم أحرار لوجه الله تعالى فقال له ابنه يا أبة أفقرتنا قال اسكت إن ربي اختبرني فأردت أن أزيده ومن الطبقة الثامنة
763 - القاسم بن عثمان الجوعي
أحمد بن أبي الحواري قال سمعت القاسم الجوعي الكبير يقول شبع الأولياء بالمحبة عن الجوع ففقدموا لذاذة الطعام و الشراب و الشهوات و لذات الدنيا لأنهم تلذذوا بلذة ليس فوقها لذة فقطعتهم عن كل لذة و إنما سميت قاسما الجوعي لأن الله تعالى قواني على الجوع فلو تركت ما تركت و لم أوت بالطعام لم أبال رضت نفسي حتى لو تركت شهرا و ما زاد لم تأكل و لم تشرب لم تبال أنا عنها راض أسوقها حيث شئت اللهم أنت فعلت بي ذلك فأتمه علي
أحمد بن عبد الله الحافظ قال كان القاسم يقول حب الرياسة أصل كل موبقة و قليل العمل مع المعرفة خير من كثير العمل بلا معرفة و رأس الأعمال الرضا عن الله عزوجل و الورع عماد الدين و الجوع مخ العبادة والحصين ضبط اللسان
سعيد بن عبد العزيز الحلبي قال سمعت قاسما الجوعي يقول أصل الدين الورع و أفضل العبادة مكابدة الليل وأفضل طرق الجنة سلامة الصدر
عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي قال دخلت دمشق على كتبة الحديث فمررت بحلقة قاسم الجوعي فرأيت نفرا جلوسا حوله و هو (4/236)
يتكلم عليهم فهالني منظرهمفتقدمت إليه فسمعته يقول اغتنموا من زمانكم خمسا إن حضرتم لم تعرفوا وإن غبتم لم تفتقدوا وإن شهدتم لم تشاوروا وإن قلتم شيئا لم يقبل قولكم وإن عملتم شيئا لم تعطوا به أوصيكم بخمس أيضا إن ظلمتم لم تظلموا و إن مدحتم لم تفرحوا وإن ذممتم لم تجزعوا وإن كذبتم فلا تغضبوا و إن خانوكم فلا تخونوا قال فجعلت هذا فائدتي من دمشق
أسند قاسم عن سفيان بن عيينة و غيره
764 - أحمد بن أبي الحواري
يكنى أبا الحسن واسمه أبي الحواري ميمون
سكن دمشق وكان له ابن يقال له عبد الله من الزهاد و أخ يقال له محمد يشبهه في الورع والزهد وأبوه أبو الحواري من أهل الورع أيضا فبيتهم بيت الورع والزهد
و كان الجنيد يقول أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام
يحيى بن معين وذكر أحمد بن أبي الحواري فقال أظن أهل الشام يسقيهم الله الغيث به
محمود بن خالد و ذكر أحمد بن أبي الحواري فقال ما أظنه بقي على وجه الأرض مثله
العباس بن حمزة قال سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول من أحب أن يعرف بشيء من الخير أو يذكر به فقد أشرك في عبادته ومن عبد على المحبة لا يحب أن يرى خدمته سوى محبوبه وقال إني لأقرأ القرآن فأنظر في آية آية فيحار عقلي فأعجب من حفاظ (4/237)
القرآن كيف يهنيهم النوم و يسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا و هم يتلون كلام الرحمن أما لو فهموا ما يتلون و عرفوا حقه و تلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحا بما رزقوا
العباس بن حمزة قال قال أحمد بن أبي الحواري كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع
أسند أحمد بن أبي الحواري عن حفص بن غياث وأبي معاوية ووكيع و نظرائهم و توفي في سنة ثلاثين و مائتين
765 - محمد بن سمرة السائح
يوسف بن اسباط قال كتب إلي محمد بن سمرة السائح بهذه الرسالة أي أخي إياك وتأمير التسويف على نفسك و إمكانه من قلبك فإنه محل الكلال وموئل التلف و به تقطع الآمال و فيه تنقطع الآجال فإنك إن فعلت ذلك أدلته من عزمك فاجتمع و هواك عليك فغلبا واسترجعا من بدنك من السآمة ما قد ولى عنك فعند مراجعته إياك لا تنتفع نفسك من بدنك بنافعة وبادر يا أخى فإنك مبادربك و أسرع فإنك مسروع بك وجد فإن الأمر جد و تيقظ من رقدتك وانتبه من غفلتك و تذكر ما أسلفت و قصرت وأفرطت وجنيت و عملت فإنه مثبت محصي و كأنك بالأمر قد بغتك فاغتبطت بما قدمت و ندمت على ما فرطت فعليك بالحياء والمراقبة والاعتزال و قلة الملاقاة فإن السلامة في ذلك موجودة وفقنا الله وإياك لأرشد الأمور لا قوة بنا وبك إلا بالله وصلى الله على سيدنا محمد نبينا و على آله الطاهرين (4/238)
766 - أبو عباد الشامي
إبراهيم بن منصور بن عمار قال سمعت أبي يقول قال لي رجل بالشام يا أبا السري عندنا رجل من العباد من أهل واسط العراق لا يأكل إلا من كد يديه وقد دبرت من سف الخوص صفحة يديه و لو رأيته لوقذك النظر إليه فهل لك أن تمضي بنا إليه قلت نعم فأتيناه فدققنا عليه بابه فخرج إلى الباب فسمعته يقول اللهم إني أعوذ بك ممن جاء ليشغلني عما أتلذذ به من مناجاتك ثم فتح الباب فدخلنا فإذا رجل ترى به الآخرة و إذا قبر محفور ووصيته قد كتبها في الحائط و كساؤه قد أعده لكفنه فقلت أي موقف لهذا الخلق فقال بين يدي من قال ثم صاح و خر لوجهه ثم أفاق من غشيته فقال له صاحبي يا أبا عباد هذا أبو السري منصور بن عمار فقال لي مرحبا ياأخي مازلت إليك مشتاقا أعلمك أن بي داء قد أعيا المتطببين قبلك قديما فهل لك أن تتأتى له برفقك و تلصق عليه بعض مراهمك لعل الله أن ينفع بك
قال قلت و كيف يعالج مثلي مثلك و جرحي أنغل من جرحك قال وإذا كان كذلك فأني مشتاق إلى ذلك قال قلت إن كنت تمسكت باحتفار قبرك في بيتك و بوصية رسمتها بعد وفاتك و بكفن أعددته ليوم موتك فإن لله عزوجل عبادا اقتطعهم خوفه عن النظر إلى قبورهم قال فصاح صيحة ووقع في قبره و جعل يفحص (4/239)
برجليه و بال فعرفت ذهاب عقله فخرجت إلى طحان على بابه فقلت أدخل فأعنا على هذا الشيخ فاستخرجناه من قبره و هو في غشيته فقال لي الطحان ويحك ما صنعت فخرجت و تركته صريعا فلما كان الغد عدت إليه فإذا بسلخ في وجهه و إذا بشريط قد شد به رأسه لصداع وجده فلما رآني قال يا أبا السري المعاودة رحمك الله فقلت له أين بلغت أيها المتعبد من أحزانك بالله لكأني أنظر إلى آكل الفطير والصابر على خبز الشعير يأكل ما اشتهى ويسعى عليه بلحم طير ويسقى من الرحيق المختوم فشهق شهقة فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا
767 - علي بن الفتح الحلبي
أبو زرعة الدمشقي قال خرج علي بن الفتح الحلبي يوم النحر فرأى الناس يتقربون إلى الله تعالى فقال يا رب أرى الناس يتقربون إليك بألوان الذبائح وإني تقربت إليك بحزني ثم غشي عليه فأفاق ثم قال إلهي إلى متى ترددني في دار الدنيا محزونا فاقبضني إليك فوقع من ساعته ميتا
768 - علي بن عبد الحميد الغضائري
محمد بن الحسن اليقطيني و محمد بن إبراهيم يقولان سمعنا علي بن عبد الحميد الغضائري يقول دققت على السري بن مغلس بابه فسمعته يقول اللهم من شغلني عنك فاشغله بك عني (4/240)
فكان من بركة دعائه أني حججت من حلب ماشيا على قدمي أربعين عاما وكان يعد من الأبدال
أسند الغضائري الحديث عن سوار بن عبد الله
769 - جابرالرحبي
أبو جعفرالخصاف قال حدثني جابر الرحبي قال أكثر علي أهل الرحبة ينكرون علي ما يعطي الله عز و جل أولياءه فخرجت إلى خارج فركبت السبع و دخلت إلى الرحبة و أنا أقول أين الذين يكذبون أولياء الله عزوجل فكفوا عني بعد ذلك
و قال أبو جعفر الخصاف قال لي جابر يوما وأنا أماشيه مر بنا نتسابق مر أنت هكذا حتى أمر أنا هكذا قال فمررت أنا على الجسر فلما حصلت على الجسر التفت فإذا هو يمشي على الماء فلما التقينا قلت من لا يحسن مثل هذا أمشي أنا على الجسر و تمشي أنت على الماء قال و قد رأيتني قلت نعم قال أنت رجل صالح
770 - أبو عبيد البسري
وبسرى فوق دمشق (4/241)
عن محمد غلام أبي عبيد قال ودعت أبا عبيد حين أردت الحج فقال لي معك شيء قلت لا ليس معي غير هذه الركوة فقال إذا أردت شيئا أو جعت أو عطشت فصل ركعتين واجعلها على يمينك فإذا سلمت رأيت كل ما تحب قال فجئت إلى بعض المنازل و ليس فيه ماء و الناس يصيحون العطش فقلت في نفسي قد قال أبو عبيد ما قال و هو صادق فأخذت الركوة فرميت بها في مصنع وصليت ركعتين فما سلمت إلا والرياح تذهب بها و تجيء على رأس الماء فنزلت فأخذت الركوة ثم صحت بالناس فجاءوا واستقوا حتى رووا
أبو بكر بن معمر قال سمعت ابن أبي عبيد البسري يحدث عن أبيه غزا سنة من السنين فخرج في السرية فمات المهر الذي كان تحته وهو في السرية فقال يا رب أعرنا إياه حتى نرجع إلى بسرى يعني قريته فإذا المهر قائم قال فلما غزا و رجع إلى بسرى قال يا بني خذ السرج عن المهر قال قلت يا أبه هو عرق فقال لي يا بني هو عارية فلما أخذت السرج وقع المهر ميتا
أبو زرعة قال كان أبو عبيد البسري بعرفة وإلى جانبه ابنه فقال له يهنئك الفارس فقال له يا أبه و أي فارس فقال له ولد لك الساعة غلام فلما صرنا إلى بسرى وجدت زوجتي قد ولدت غلاما يوم عرفة (4/242)
عبد الله غلام لأبي عبيد قال كنت معه يوما قاعدا بدمشق أنا وجماعة من أخوانه إذ مر رجل على دابة وخلفه غلام له يعدو و قدامه بيده غاشية فلما حاذى أبا عبيد قال اللهم أعتقني وأرحني منه ثم قال ادع الله عزوجل لي فقال أبو عبيد اللهم أعتقه من النار ومن الرق فعثرت الدابة بمولاه فسقط إلى الأرض فالتفت إلى الغلام و قال له أنت حر لوجه الله عزوجل قال فرمى بالغاشية إليه وقال يا مولاي أنت لم تغتقني وإنما أعتقني هؤلاء فصحب أصحابنا و توفي بينهم
ابن أبي حسان قال قال لي أبو عبيد البسري يوما يا أبا حسان ما غمي و لا أسفي إلا أن يجعلني ممن عفا عنه فقلت يا أخي الخلق على العفو تذابحوا فقال أجل ولكن أي شيء أقبح بشيخ مثلي يوقف غدا بين يدي الله عزوجل فيقال له شيخ سوء كنت اذهب فقد عفوت عنك إنما أنا أملي في الله عزوجل أن يهب لي كل من أحبني
771 - أبو بكر الهلالي
محمد بن علي الصوري قال سمعت أبا القاسم الحسن بن عبد الله ابن أحمد بن هاشم الشيخ الصالح قال سمعت أبا بكر الهلالي يقول من عني بمجاهدة الأسرار اشتغل عن الحكايات والأخبار
و سمعته يقول رموا بهممهم إلى أعلى الفضائل وضيعوا الفرائض فلا إلى هممهم وصلوا ولا قاموا بقليل ما به وكلوا ومن قام بقليل (4/243)
ما وكل به أوتمن على الكثير ومن لم يقم بقليل ما وكل به لم يؤتمن على قليل ولا كثير
وسمعته يقول وأشار إلى شجرة في منزله فقال هذه الشجرة ما نظرت إليها نظرة فرجع طرفي إلا بعقوبة أو توبيخ في سري يقال لي تكون بين أيدينا و تنظر إلى سوانا
وسمعته يقول كنت أتمنى على الله أن يريني أبا العباسي الخضر عليه السلام فلما كان بعد مدة إذا أنا بالباب يدق علي فقلت من هذا فقال لي أنا الذي تتمناني على الله عزوجل أنا الخضر فقلت له الذي طلبناك له قد وجدناه ارجع إلى حال سبيلك
ذكر المصطفين من عباد بيت المقدس
772 - إدريس بن أبي خوله الأنطاكي
عمر بن واصل عن سهل بن عبد الله قال مرض رجل من أولياء الله عزوجل مرضا مشكلا فكان الناس إذا رأوه قالوا به جنة فأكثر عليه القول فلما عظم كلام من تكلم في أمره قالوا له نعالجك فقال لهم يا قوم اعلموا أن لي طبيبا إن سألته داوى كل عليل لكني أنا لا أسأله أن يداويني فقيل له ولم ذاك وأنت تحتاج إلى الدواء فقال أخشى إن برأت من هذه العلة طغيت فقيل له فإن لنا مجنونا فسل طبيبك هذا أن يداويه فقال نعم إيتوني به فأتوه برجل في عنقه غل عظيم و يداه مشدودة إلى عنقه في قيد ثقيل قد استمكنت منه العلة فقال لهم خلوني معه (4/244)
فعمد جهال القوم إلى يده فحلوها وأدخلوه معه في البيت الذي كان فيه وأغلقوا عليه الباب وهم يظنون أن سيقضي إليه بمكروه فلما كان بعد ساعة صاحوا به فأجابهم و خرج إليهم و كلمهم كلام عاقل وهو يبكي بكاء شديدا فقالوا له خبرنا بقصتك وما كان فقال دخلت على هذا الرجل وأنا على ما قد علمتم من علتي لاأعقل شيئا كما رأيتموني فقربني منه وأدناني و جعل يده على صدري والأخرى على رأسي فأحسست بطعم البرء يدب في جسمي حتى زال مابي فقالوا له ادخل معنا إليه فسله يدعو الله عزوجل لنا فدخل مع القوم إليه فلم يجدوه في البيت و ستره الله عزوجل عنهم فمن عقل منهم عظمت ندامته وكثر أسفه قال سهل وهذا الرجل من بيت المقدس يقال له إدريس بن أبي خولة الأنطاكي
773 - عبد العزيز المقدسي
أبو بكر بن شاذان قال سمعت عبد العزيز المقدسي يقول وكان من الأبدال لما بلغت الحلم أخذت على نفسي أن أروضها وأمنعها من الآثام واستوفقت الله تعالى فوفقني واستعنت به فأعانني ولقد حاسبت نفسي من يوم بلوغي إلى يومي هذا فإذا زلاتي لا تجاوز ستة وثلاثين زلة ولقد استغفرت الله عزوجل لكل زلة مائة ألف مرة وصليت لكل زلة ألف ركعة ختمت في كل ركعة منها ختمة وإني مع ذلك غير آمن سطوة ربي عزوجل أن يأخذني بها وأنا على خطر قبول التوبة (4/245)
ذكر المصطفين من العباد المقدسيين المجهولين الأسماء
774 - عباد ثلاثة
بشر بن بشار المجاشعي وكان من العابدين قال لقيت عبادا ثلاثة في بيت المقدس فقلت لأحدهم أوصني قال ألق نفسك مع القدر حيث ألقاك فهو أحرى أن يفرغ قلبك و يقل همك وإياك أن تسخط ذلك فيحل بك السخط وأنت منه في غفلة لا تشعر به وقلت للآخر أوصني قال ما أنا بمستوص فأوصيك قلت على ذاك عسى الله عزوجل أن ينفع بوصيتك قال أما إذأبيت إلاالوصية فاحفظ عني ألتمس رضوانه في ترك مناهيه فهو أوصل لك إلى الزلفى لديه قال فقلت للآخر أوصني فبكى واستحر سفحا للدموع ثم قال أي أخي لا تبتغ من أمرك تدبيرا غير تدبيره فتهلك فيمن هلك و تضل فيمن ضل
775 - عباد سبعة
أحمد بن محمد الصوفي قال قال لي أستاذي أبو عبد الله بن أبي شيبة كنت ببيت المقدس وكنت أحب أن أبيت في المسجد وما كنت أترك فلما كان في بعض الأيام بصرت في الرواق بحصر قائمة فلما أن صليت العتمة وراء الإمام أتيت الحصر فاختبأت وراءها وانصرف الناس والقوام ثم خرجت إلى الصحن فلما سمعت غلق الأبواب وقعت عيني على المحراب فنظرت إليه وقد انشق و دخل منه رجل وثاني وثالث إلى أن تم سبعة واصطف القوم وزال عقلي (4/246)
فلم أزل واقفا في موضعي شاخصا زائل العقل إلى أن انفجر الصبح فخرج القوم على الطريق الذي دخلوا
776 - عابد آخر
كلاب بن جري قال رأيت شابا ببيت المقدس قد عمش من طول البكاء فقلت له يا فتى كم تكون العين سليمة على هذا البكاء قال فبكى ثم قال كما شاء ربي فلتكن وإذا شاء سيدي فلتذهب فليست أكرم علي من بدني إنما أبكي رجاء السرور و الفرح في الآخرة وإن تكن الأخرى فهو والله شقاء الدهر وحزن الأبد والأمر الذي كنت أخافه وأحذره على نفسي وإني احتسبت على الله عزوجل غفلتي عن نفسي وتقصيري عن حظي ثم غشي عليه
777 - عابد آخر
عباد بن عباد أبوعتبةالخواص قال رأيت شيخا في مسجد بيت المقدس كأنه قد احترق بالنار عليه مدرعة سوداء وعمامة سوداء طويل الصمت كريه المنظر كثير الشعر شديد الكآبة فقلت رحمك الله لو غيرت لباسك هذا فقد علمت ما في البياض فبكى ثم قال هذا أشبه بلباس أهل المصيبة فإنما أنا وأنت في الدنيا في حداد وكأني بي وبك قد دعينا قال فما تم كلامه حتى غشي عليه
778 - عابد آخر
أبو مدرك عثمان بن وكيع العبدي قال جاء رجل إلى بيت المقدس فمد كساءه في ناحية المسجد فكان فيه الليل و النهار طعيمه (4/247)
خلف ذلك الكساء الذي قد مده قال فيبيت ليلة أجمع يصلي فإذا طلع الفجر مد بصوت له عند الصباح يغبط القوم السرى قال وكان يقال له ألا ترفق بنفسك فيقول إنما هي نفسي أبادرها أن تخرج
779 - عابد آخر
ذو النون قال نظرت إلى رجل في بيت المقدس قد استفرغه الوله فقلت له ما الذي أثار منك ما أرى قال ذهب الزهاد و العباد بصفو الإخلاص و بقيت في كدر الانتقاص فهل من دليل مرشد أو من حكيم موقظ
780 - عابد آخر
سمنون قال كنت ببيت المقدس في برد شديد و علي جبة وكساء وأنا أجد البرد والثلج يسقط فرأيت شابا عليه خرقتان في الصحن يمشي فقلت يا حبيبي لو استترت ببعض هذه الأروقة فيكنك من البرد فقال لي يا أخي سمنون
و يحسن ظني أنني في فنائه ... و هل أحد في كنه يجد البردا ومن عقلاء المجانين ببيت المقدس
781 - شاب
بلغنا عن أبي الجوال المغربي قال كنت ببيت المقدس جالسا مع رجل صالح وإذا قد طلع علينا شاب والصبيان حوله يقذفونه (4/248)
بالحجارة ويقولون مجنون فدخل المسجد وهو ينادي اللهم أرحني من هذه الدار فقلت له هذا كلام حكيم فمن أين لك هذه الحكمة فقال من أخلص له في الخدمة أورثه طرائف الحكمة وأيده بأسباب العصمة وليس بي جنون وولق بل قلق و فرق ثم جعل يقول
هجرت الورى في حب من جاد بالنعم ... و عفت الكرى شوقا إليه فلم أنم
وموهت دهري بالجنون عن الورى ... لأكتم ما بي من هواه فما أنكتم
فلما رأيت الشوق و الحب بائحا ... كشفت قناعي ثم قلت نعم نعم
فإن قيل مجنون فقد جنني الهوى ... وإن قيل مسقام فما بي من سقم
وحق الهوى و الحب والعهد بيننا ... وحرمة روح الأنس في حندس الظلم
لقد لامني الواشون فيك جهالة ... فقلت لطرفي أفصح العذر فاحتشم
فعاتبهم طرفي بغير تكلم ... وأخبرهم أن الهوى يورث السقم
فبالحلم يا ذا المن لا تبعدنني ... وقرب مزاري منك يا بارئ النسم
فقلت له أحسنت لقد غلط من سماك مجنونا فنظر إلي و بكى وقال أولا تسألني عن القوم كيف وصلوا فاتصلوا فقلت بلى أخبرني فقال طهروا له الأخلاق و رضوا منه بيسير الأرزاق وهاموا من محبته في الآفاق وائتزروا بالصدق وارتدوا بالإشفاق وباعوا العاجل الفاني بالآجل الباقي وركضوا في ميدان السباق وشمروا تشمير الجهابذة الحذاق حتى اتصلوا بالواحد الرزاق فشردهم في الشواهق وغيبهم عن الخلائق لا تؤويهم دار ولا يقرهم (4/249)
قرار فالنظر إليهم اعتبار و محبتهم افتخار وهم صفوة الأبرار ورهبان أخيار مدحهم الجبار ووصفهم النبي المختار إن حضروا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن ماتوا لم يشهدوا ثم أنشأ يقول
كن من جميع الخلق مستوحشا ... من الورى تسري الى الحق
واصبر فبالصبر تنال المنى ... وارض بما يجري من الرزق
واحذر من النطق وآفاته ... فآفة المؤمن في النطق
وجد في السير ممرا كما ... شمر أهل السبق للسبق
أولئك الصفوة ممن سما ... وخيرة الله من الخلق
قال فأنسيت الدنيا عند حديثه ثم ولى هاربا فأنا متأسف عليه
ذكر المصطفيان من عابدات بيت المقدس
782 - طافية
عن عطاء الخراساني قال كانت امرأة عابدة يقال لها طافية تأتي بيت المقدس تتعبد فيه وكان وهب بن منبه يقول يا طافية ما أشد العمل عليك فتقول ما أجدني أجد شيئا أشد علي من طول الفكر قال وكيف ذلك قالت إني إذا تفكرت في عظمة الله عزوجل وأمر الآخرة طاش عقلي وأظلم علي بصري واسترخت لذلك مفاصلي فقال لها وهب بن منبه إذا أنت وجدت ذاك فافزعي إلى قراءة القرآن في المصحف (4/250)
783 - لبابة
محمد بن روح قال قالت لبابة المتعبدة في بيت المقدس إني لأستحي منه أن يراني مشتغلة بغيره
محمد بن روح قال قالت لبابة المتعبدة مازلت مجتهدة في العبادة حتى صرت استروح بها وإذا تعبت من لقاء الخلق آنسني بذكره وإذا أعياني الخلق روحني التفرغ لعبادة الله عزوجل و القيام إلى خدمته وقال لها رجل هو ذا أريد الحج فماذا أدعو بالموسم فقالت سل الله تعالى شيئين أن يرضى عنك ويبلغك منزل الراضين عنه وأن يجعل ذكرك فيما بين أوليائه
ذكر المصطفيات من المجهولات الأسماء
784 - عابدة
عنأبي جعفر السائح قال رأيت عجوزا في بيت المقدس تقول حججت ماشية إثنتي عشرة حجة ما ركبت فيها أشتري كل سنة بأربعة دراهم سقطا فيكون ذلك زادي في ذهابي ومنصرفي قال فقلت لها في بيت المقدس مثلك من المتعبدات قال فذكرت نسوة يفعلن مثل ما تفعل قالت فإذا رجعنا حملنا مغازلنا إلى المسجد فلا نخرج منه إلا لحدث أو لحاجة قلت وكم بقي اليوم من هذه الصفة قالت نحو من عشرة قلت فمن أعبدكن قالت امرأة من قريش ما نراها تكلم أحدا إنما هي في الصلاة قائمة وراكعة و ساجدة يأتيها أهلها بما يصلحها (4/251)
785 - عابدة أخرى
عن أبي سليمان الداراني قال حدثني سعيد الافريقي قال كنت ببيت المقدس مع أصحاب لي في المسجد فإذا أنا بجارية عليها درع شعر و خمار من صوف فإذا هي تقول إلهي و سيدي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله وأوحش خلوة من لم تكن أنيسه فقلت يا جارية ما قطع الخلق عن الله عزوجل قالت حب الدنيا إلا أن لله عزوجل عبادا أسقاهم من حبه شربة فولهت قلوبهم فلم يحبوا مع الله عزوجل غيره ثم قالت تنشد
تزود قرينا من فعالك إنما ... قرين الفتى في القبر ما كان يعمل
ألا إنما الإنسان ضيف لأهله ... يقيم قليلا عندهم ثم يرحل
786 - عابدة أخرى
عن أبي جعفر السائح قال رأيت امرأة في بيت المقدس في متعبد لها عليها مدرعة من شعر و خمار من شعر و سوار من حديد وكان لها سلسلة تعلق بها نفسها بالليل فقلت لها منذ متى أخذت فيما أنت فيه قالت منذ ثماني سنين قال ورأيت نسوة كثيرة عليهن مدارع صوف وخمر معتكفات في المسجد لا يتكلمن بالنهار
787 - عابدة أخرى
عثمان الرجاني قال خرجت من بيت المقدس أريد بعض القرى في حاجة فلقيتني عجوز عليها جبة صوف و خمار صوف فسلمت عليها فردت علي السلام ثم قالت يا فتى من أين أقبلت فقلت من هذه القرية قالت وأين تريد قلت إلى بعض القرى في حاجة قالت كم بينك و بين أهلك و منزلك قلت ثمانية عشر (4/252)
ميلا قالت ثمانية عشر ميلا في حاجة إن هذه لحاجة مهمة قلت أجل قالت فما اسمك قلت عثمان قالت يا عثمان ألا سألت صاحب القرية أن يوجه إليك بحاجتك ولا تتعنى قال و لم أعلم الذي أرادت قلت يا عجوز ليس بيني و بين صاحب القرية معرفة قالت يا عثمان وما الذي أوحش بينك وبين معرفته وقطع بينك وبين الاتصال به فعرفت الذي أرادت فبكيت فقالت من أي شيء تبكي من شيء كنت فعلته ونسيته أو من شيء أنسيته و ذكرته قلت لا بل من شيء كنت أنسيته وذكرته قالت يا عثمان احمد الله عزوجل الذي لم يتركك في حيرتك أتحب الله عزوجل قلت نعم قالت فاصدقني قلت إي والله إني لأحب الله عزوجل قالت فما الذي أفادك من طرائف حكمته إذ أوصلك إلى محبته قال فبقيت لا أدري ما أقول قالت يا عثمان لعلك ممن يحب أن يكتم المحبة قال فبقيت بين يديها لاأدري ماأقول فقالت بأبى الله عزوجل أن يدنس طرائف حكمته و خفى معرفته و مكنون محبته بممارسة قلوب البطالين قلت رحمك الله لو دعوت الله عزوجل أن يشغلني من محبته فنفضت يديها في وجهي فأعدت القول أقتضى الدعاء فقالت يا عبد الله امض لحاجتك فقد علم المحبوب ما ناجاه الضمير من أجلك ثم ولت و قالت لولا خوف السلب لبحت بالعجب ثم قالت أوه من شوق لا يبرأ إلا بك ومن حنين لا يسكن إلا (4/253)
إليك فأين لوجهي الحياء منك وأين لعقلي الرجوع إليك قال عثمان فوالله ما ذكرت ذلك إلا بكيت و غشي علي
ذكر المصطفين من أهل جبلة
788 - مالك بن القاسم الجبلي
عبد العزيز الأهوازي قال قال لي سهل بن عبد الله مخالطة الولي للناس ذل و تفرده عز قلما رأيت وليا لله إلا منفردا إن عبد الله بن صالح كان رجلا له سابقة جليلة وموهبة جزيلة وكان يفر من الناس من بلد إلى بلد حتى أتى مكة فطال مقامه فيها فقلت له لقد طال مقامك بها فقال لي لم لا أقيم بها و لم أر بلدا ينزل فيه من الرحمة و البركة أكثر من هذا البلد فأحببت أن أكون فيه مقيما والملائكة تغدو فيه وتروح و إني أرى فيه أعاجيب كبيرة وأرى الملائكة يطوفون به على صور شتى لا يقطعون ذلك ولو قلت كل ما رأيت لصغرت عنه عقول قوم ليسوا بمؤمنين فقلت له أسألك إلا خبرتني بشيء من ذلك فقال ما من ولي لله تعالى صحت ولايته إلا وهو يحضر في هذا البلد في كل ليلة جمعة لا يتأخر عنه فمقامي ها هنا لأجل من أراه منهم ولقد رأيت رجلا يقال له مالك بن القاسم جبلي وقد جاء ويده غمرة فقلت له إنك قريب عهد بالأكل فقال لي أستغفر الله فإنني منذ أسبوع لم آكل ولكن أطعمت والدتي وأسرعت لألحق صلاة الفجر وبينه و بين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ فهل أنت مؤمن بذلك فقلت نعم فقال الحمد لله الذي أراني مؤمنا موقنا (4/254)
للأموال وإخلاق للوجوه ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق
شعيب بن حرب قال سمعت يوسف بن أسباط يقول الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الدنيا
موسى بن طريف قال سمعت يوسف بن أسباط يقول لي أربعون سنة ما حك في صدري شيء إلا تركته
قال ابن حبيق وقال ابن بشار قال لي يوسف بن أسباط تعلموا صحة العمل من سقمه فأني تعلمته في اثنتين و عشرين سنة
قال ابن حبيق و قال يوسف خرجت من شيح راجلا حتى أتيت المصيصة و جرابي على عنقي فقام ذا من حانوته يسلم علي وذا يسلم فطرحت جرابي و دخلت المسجد أصلي ركعتين فأحد قوابي واطلع رجل في وجهي فقلت في نفسي كم بقاء قلبي على هذا فأخذت جرابي ورجعت بعرقي وعنائي إلى شيح فما رجع إلى قلبي إلى سنتين
عبد الله بن حبيق قال قال يوسف بن أسباط إني أخاف أن يعذب الله الناس بذنوب العلماء وقال الأشياء ثلاثة حلال بين وحرام بين و شبهات بين ذلك فالمؤمن إذا لم يجد الحلال تناول من الشبهات ما بقيمه
قال ابن حبيق وسمعت يوسف بن أسباط يقول كان يقال اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله وتوكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له (4/262)
وسمعت يوسف يقول لي أربعون سنة ماملكت قميصين وسمعته يقول لا يقبل الله عزوجل عملا فيه مثقال حبة من رئاء
وكان يوسف يقول اللهم عرفني نفسي و لا تقطع رجاءك من قلبي
قال ابن حبيق و قال أبو جعفر الحذاء كتبت إلى يوسف بن أسباط أشاوره في التحويل إلى الحجاز فكتب إلي أما ما ذكرت من تحويلك إلى الحجاز فليكن همك خبزك وما أرى موضعك إلا أضبط للخبز من غيره وما أحسب أحدا يفر من شر إلا وقع في أشر منه وإنما يطيب الموضع بأهله فقد ذهب من يؤنس به و يستراح إليه وإذا علم الله منك الصدق رجوت أن لا يضيع لك وإن كان الصدق قد رفع من الأرض
قال حذيفة المرعشي كتب إلي يوسف بن أسباط أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والعمل بما علمك الله عزوجل والمراقبة حيث لا يراك أحد إلا الله عزوجل والاستعداد لما ليس لأحد فيه حيلة و لاتنفع الندامة عند نزوله فاحسر عن رأسك قناع الغافلين وانتبه من رقدة الموتى وشمر للسباق غدا فإن الدنيا ميدان المسابقين و لاتغتر بمن أظهر النسك و تشاغل بالوصف وترك العمل بالموصوف واعلم يا أخي أنه لا بد لي ولك من المقام بين يدي الله عزوجل يسألنا فيه عن الدقيق الخفي و عن الجليل الجافي ولست آمن أن يسألني وإياك عن وساوس الصدور ولحظات العيون وإصغاء الأسماع (4/263)
وما عسى أن يعجز مثلى عن صفته واعلم أنه مما وصف به منافقو هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدنيا بأبدانهم و طابقوهم عليها بأهوائهم و خضعوا لما طمعوا من نائلهم و داهن بعضهم بعضا في القول والفعلوالفعل فأشر و بطر قولهم ومر خبيث فعلهم تركوا باطن العمل بالتصحيح فحرمهم الله تعالى بذلك الثمن الربيح واعلم ياأخي أنه لا يجزي من العمل القول ولامن البذل العدة ولا من التقوى و لامن التوقى التلاوم وقد صرنا في زمان هذه صفة أهله فمن كان كذلك فقد تعرض للمقت وصد عن سواء السبيل وفقنا الله عزوجل وإياك لما يحب و يرضى
عبد الله بن حبيق قال سمعت يوسف بن أسباط يقول يرزق الصادق ثلاث خصال الحلاوة والملاحة والمهابة
المسيب بن واضح قال قدم ابن المبارك فاستأذن على يوسف فلم يأذن له فقلت له مالك لم تأذن له قال إني إن أذنت له أردت أن أقوم بحقه ولا أفي به ابن حبيق قال قال يوسف بن أسباط إذا رأيت الرجل قد أشر وبطر فلا تعظه فليس للعظة فيه موضع
القرقساني قال أتي يوسف بن أسباط بباكورة ثمرة فقبلها ثم وضعها بين يديه وقال إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها وإنما خلقت لينظر بها إلى الآخرة (4/264)
أبو جعفر الحذاء قالسألت شعيب بن حرب عن يوسف بن أسباط فقال ما أقدم عليه أحدا من هذه الأمة البر عشرة أجزاء تسعة منها في طلب الحلال وسائر البر في جزء واحد وقد أخذ يوسف التسعة وشرك الناس في العاشر
تميم بن سلم قال قلت ليوسف بن أسباط ما غاية الزهد قال لا تفرح بما أقبل ولا تأسف على ما أدبر قلت فما غاية التواضع قال أن تخرج من بيتك فلا تلقى أحدا إلا رأيت أنه خير منك
عبد الله بن حبيق عن أبيه قال قال لي يوسف بن أسباط خرجت سحرا لأؤذن فإذا علي ليل فقعدت فإذا أسود مقبل و في يده حجر يريد أن يضربني ووراءه شيء أبيض بيده حجر يريد أن يصرفه عني فصرفه فقلت هذان شيطانان يريدان أن يرياني أني رجل صالح فقلت كلاكما شيطانان فطارا
أدرك يوسف بن أسباط حبيب بن حسان و محل بن خليفة والسري بن إسماعيل وعابد بن شريح والثوري في آخرين وقالت زوجته كان يقول أشتهيمن ربى ثلاث خصال قلت وما هن قال قال أشتهى أن أموت حين أموت وليس في ملكي درهم ولا يكون علي دين و لا على عظمي لحم قالت فأعطي ذلك كله ولقد قال لي في مرضه أبقى عندك نفقة فقلت لا قال فماذا ترين قلت أخرج هذه الخابية للبيع فقال يعلم الناس بحالنا و يقولون ما باعوها إلا وثم حاجة شديدة فأخرج إلي شيئا كان أهداه إليه (4/265)
بعض إخوانه فباعه بعشرة دراهم و قال اعزلي منها درهما لحنوطي وأنفقي باقيها فمات و ما بقي غير الدرهم
وتوفي يوسف بن أسباط قبل المائتين بسنة
794 - مخلد بن الحسين
يكنى أبا محمد كان من أهل البصرة فتحول فنزل المصيصة عبدة بن عبد الله قال قال مخلد بن الحسين ما تكلمت بكلمة اريد أن أعتذر منها منذ خمسين سنة
محمد بن بشير الدعاء قال ذكر عند مخلد بن الحسين أخلاق من أخلاق الصالحين فقال
لاتعرضن لذكرنا في ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
سنيد بن داو قال ثنا مخلد بن الحسين قال ماندب الله تعالى العباد إلى شيء إلا اعترض فيه إبليس بأمرين ما يبالي بأيهما ظفر إما غلوا فيه وإما تقصيرا عنه
أسند مخلد عن هشام بن حسان و توفي بالمصيصة سنة إحدى وتسعين ومائة والله أعلم
795 - علي بن بكار البصري
يكنى أبا الحسن سكن المصيصة مرابطا وكان فقيها
موسى بن طريف قال كانت الجارية تفرش لعلي بن بكار فيلمسه بيده و يقول و الله إنك لطيب و الله إنك لبارد و الله لا علوتك الليلة فكان يصلي الغداة بوضوء العتمة (4/266)
أبو الحسن بن أبي الورد قال قال رجل أتينا علي بن بكار فقلنا له حذيفة المرعشي يقرأ عليك السلام فقال عليكم و عليه السلام إني لأعرفه يأكل الحلال منذ ثلاثين سنة ولأن ألقى الشيطان أحب إلي منأن ألقاه قلت له في ذلك فقال أخاف أن أتصنع له فأتزين لغير الله فأسقط من عين الله عزوجل
يوسف بن مسلم قال بكى علي بن بكار حتى عمي وكان قد أثرت الدموع في خديه
فيض بن إسحاق قال جئت إلى علي بن بكار و أنا أريد الخروج فقلت أوصني فقال اتق الله والزم بيتك وأمسك لسانك واترك مخالطة الناس تنزل عليك الحكمة من فوقك
يحيى بن زكريا قال كنا عند بن بكار فمرت سحابة فسألته عن شيء فقال اسكت أما تخشى أن تكون فيها حجارة
أبو عبد الله قال خرج أبو إسحاق الفزاري و علي بن بكار يحتطبان فأبطأ علي بن بكار على أبي إسحاق فدار أبو أسحاق في الجبل خلفه فجاء فنظر إليه وهو متربع و في حجره رأس سبع وهو نائم يذب عنه فقال له أبو إسحاقما قعودك ههنا فقال لجأ إلي فرحمته فأنا أنتظره لينتبه فألحقك
وقد بلغنا عن علي بن بكار أنه طعن في بعض مغازيه فخرجت أمعاؤه على قربوس سرجه فردها إلى بطنه وشدها بالعمامة و قاتل حتى قتل ثلاثة عشر علجا (4/267)
أسند علي بن بكار عن هشام بن حسان و أبي إسحاق الفزاري وأبي خلدة في آخرين
و صحب إبراهيم بن أدهم وتوفي بالمصيصة سنة تسع و تسعين ومائة
796 - حذيفة بن قتادة المرعشي
عبد الله بن خبيق قال قال حذيفة إن لم تخش أن يعذبك الله على أفضل عملك فأنت هالك
و قال حذيفة لو نزل علي ملك من السماء يخبرني أني لا أرى النار بعيني وأني أصير إلى الجنة إلا أني أقف بين يدي ربي تعالى يسائلني ثم أصير إلى الجنة لقلت لاأريد الجنة ولاأقف ذلك ذلك الموقف و لو جاءني رجل فقال لي والله الذي لاإله إلا هو ما عملك عمل من يؤمن بيوم الحساب لقلت له يا هذا لا تكفر عن يمينك فإنك لم تحنث
وسمعت حذيفة يقول إني لأستغفر الله من كلامكم إذا خرجتم من عندي خمسين مرة
قال ابن خبيق و قال لي حذيفة أنما هي أربعة عيناك ولسانك وهواك وقلبك فانظر عينيك لاتنظر بهما إلى ما لا يحل لك وانظر لسانك لا تقل به شيئا يعلم الله خلافه من قلبك وانظر قلبك لايكن فيه غل ولا دغل على أحد من المسلمين وانظر هواك لا تهوى شيئا فما لم تكن فيك هذه الأربع الخصال فالرماد على رأسك (4/268)
موسى بن المعلي قال قال حذيفة ياموسى ثلاث خصال إن كن فيك لم ينزل من السماء خير إلا كان لك فيه نصيب يكون عملك لله عزوجل و تحب للناس ما تحب لنفسك وهذه الكسرة تحر فيها ماقدرت
عن عبد الله بن عيسى الرقي قال قال لي حذيفة هل لك أن أجمع لك الخير كله في حرفين قلت ومن لي بذلك قال مداراة الخبز من حله وإخلاص العمل لله عزوجل حسبك
يوسف بن أسباط قال سمعت حذيفة بن قتادة المرعشي يقول لو أصبت من يبغضني على حقيقة في الله لأوجبت على نفسي حبه
يوسف بن أسباط قال قال لي حذيفة المرعشي ما أصيب أحد بمصيبة أعظم من قساوة قلبه
قال يوسف وقال حذيفة كان يقال إذا رأيتم الرجل قد جلس وحده فانظروا لأي شيء جلس فإن كان جلس ليجلس إليه فلا تجلسوا إليه
عن بشر بن الحارث قال سمعت المعافى بن عمران يقول كان عشرة ممن مضى من أهل العلم ينظرون في الحلال النظر الشديد لا يدخلون بطونهم إلا ما يعرفون من الحلال وإلا استفوا التراب منهم حذيفة المرعشي
الفيض بن إسحاق قال ذكر عند حذيفة المرعشي الوحدة وما يكره منها فقال إنما يكره ذلك للجاهل فأما عالم يعرف ما يأتي (4/269)
فلا وقال ماأعلم منأعمال البر أفضل من لزومك بيتك ولو كانت لك حيلة لهذه الفرائض لكان ينبغي لك أن تحتال لها
عبد الله بن حبيق قال قال حذيفة المرعشي إياكم و هدايا الفجار و السفهاء فإنكم إن قبلتموها ظنوا أنكم قد رضيتم فعلهم
بشر بن الحارث قال كتب حذيفة إلى يوسف بن أسباط يا أخي إني أخاف أن يكون بعض محاسننا أضر علينا في القيامة من مساوئنا
قال وكتب إليه أيضا لا حتى تكون في موضع إذا جئت إلى البقال فقلت أعطني مطهرتك قال هات كساءك
ابن أبي الدرداء قال قلت لحذيفة أوصني قال انظر خبزك من أين تأكل ولاتجالس من يرخص لك و يعطيك ثم قال إن أطعت الله في السر أصلح قلبك شئت أو أبيت
نبهان بن المغلس قال أخبرني حذيفة بن قتادة المرعشي قال كنت في المركب فكسر بنا فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة أيام فقالت المرأة أنا عطشى فسألت الله تعالى أن يسقينا فنزلت علينا من السماء سلسلة فيها كوز معلق فيه ماء فشربت فرفعت رأسي إلى السلسلة فرأيت رجلا جالسا في الهواء متربعا فقلت من أنت قال من الإنس قلت فماالذي بلغك هذه المنزلة قال آثرت مراد الله عزوجل على هواي فأجلسني كما تراني لا نحفظ لحذيفة مسندا وكان مشغولا بالرعاية عن الرواية وقد صحب الثوري وتوفي سنة سبع و مائتين (4/270)
797 - أبو معاوية الأسود
واسمه اليمان نزل طرسوس أحمد بن وديع قال قال أبو معاوية الأسود إخواني كلهم خير مني قيل له و كيف ذلك يا أبا معاوية قال كلهم يرى الفضل لي على نفسه ومن فضلني على نفسه فهو خير مني
أحمد بن فضيل العتكي قال غزا أبو معاوية الأسود فحصر المسلمون حصنا فيه علج لا يرمي بحجر ولا نشاب إلا أصاب فشكوا إلى أبي معاوية فقرأ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ثم قال استروني منه فلما وقف قال أين تريدون بإذن الله قالوا المذاكير قال يا رب سمعت ما سألوني فأعطني ما سألوني بسم الله ثم رمى فمر السهم حتى إذا قرب من الحائط ارتفع حتى أخذ العلج مذاكيره فوقع فقال شأنكم به
جعفر بن محمد بن الحسين بن زيد بن مسلم الرامهرمزي قال سمعت أبي يقول سمعت أبا معاوية الأسود يقول وهو على سور طرسوس من جوف الليل يبكي و يقول ألا من كانت الدنيا من أكبر همه طال في القيامة غدا همه ومن خاف مابين يديه ضاق في الدنيا ذرعه ومن خاف الوعيد لهى من الدنيا عما يريد يا مسكين إن كنت تريد لنفسك الجزيل فأقلل نومك بالليل إلا القليل أقبل من اللبيب الناصح إذا أتاك بأمر واضح لا تهتمن بأرزاق من تخلف فلست أرزاقهم تكلف وطن نفسك للمقال (4/271)
إذا وقفت بين يدي العزة للسؤال قدم صالح الأعمال ودع عنك كثرة الأشغال بادر ثم بادر قبل نزول ما تحاذر إذا بلغ روحك التراقي وانقطع عنك من أحببت أن تلاقي كأني بها وقد بلغت الحلقوم وأنت في سكرات الموت مغموم وقد انقطعت حاجتك إلى أهلك و أنت تراهم حولك و بقيت مرتهنا بعملك الصبر ملاك الأمر و فيه أعظم الأجر فاجعل ذكر الله من جل شأنك واملك فيما سوى ذلك لسانك ثم بكى أبو معاوية بكاء شديدا ثم قال أوه من يوم يتغير فيه لوني و يتلجلج فيه لساني و يجف فيه ابقي ويقل فيه زادي فقيل له يا أبا معاوية من قال هذا الكلام فقال لحكيم
أبو حمزة نصير بن الفرج الأسلمي و كان خادما لأبي معاوية الأسود قال كان أبو معاوية قد ذهب بصره فكان إذا أراد أن يقرأ فتش المصحف و فتحه فيرد الله عليه بصره و إذا أطبق المصحف ذهب بصره
عن أبي الزاهرية قال قدمت طرسوس فدخلت عن ابي معاوية الأسود وهو مكفوف البصر و في منزله مصحف معلق فقلت رحمك الله مصحف و أنت لا تبصر قال تكتم علي يا أخي حتى أموت قال قلت نعم قال إني إذا أردت أن أقرأ القرآن فتح لي بصري (4/272)
عبد الرحمن بن عبد الله قال استطال رجل على أبي معاوية الأسود فقال له رجل مه فقال أبو معاوية دعه يشتفي ثم قال اللهم اغفر الذنب الذي سلطت علي به هذا
أبو موسى المغازلي قال كنت أسمع أبا معاوية الأسود إذا قام من الليل يستقي الماء ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا جبر الله لهم كل مصيبة بالجنة
يحيى بن معين قال رأيت معاوية الأسود وهو يلتقط الخرق من المزابل فيلفقها و يغسلها فقيل له يا أبا معاوية إنك تكسى فقال ما ضرهم ما أصابهم في الدنيا جبر الله عزوجل لهم بالجنة كل مصيبة قال أبو علي فرأيت يحيى يبكي لانعرف لأبي معاوية مسندا
798 - سليمان الخواص
مضاء بن عيسى قال من سليمان الخواص بإبراهيم بن أدهم وهو عند قوم قد أضافوه وأكرموه فقال نعم الشيء هذا يا إبراهيم إن لم تكن تكرمة على دين
أحمد بن وديع قال قال سليمان الخواص من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة ومن وعظه على رءوس الناس فإنما وبخه
يزيد بن سعيد قال دخل سعيد بن عبد العزيز على سليمان الخواص فقال له أراك في ظلمة قال ظلمة القبر أشد من هذا قال أراك وحدك قال أن للصاحب على الصاحب حقا فخفت أن لا أقوم بحق صاحبي قال فأخرج سعيد صرة فيها شيء فقال له تنفق هذا وأنا أحلف لك بين يدي الله تعالى أنه حلال قال لا حاجة (4/273)
لي فيها فقال له يرحمك الله ما ترى ما الناس فيه دعوة قال فصرخ سليمان صرخة ثم قال مالك يا سعيد فتنتني بالدنيا و تفتنني بالدين مالي والدعاء من أنا فخرج سعيد فأخبر بما كان الأوزاعي فقال الأوزاعي دعوا سليمان لو كان سليمان من الصحابة كان مثلا
لا نعلم لسليمان مسندا كان مشغولا بالعبادة
799 - سلم بن ميمون الخواص
من أهل طبرية و بها مات
إسماعيل بن أبي سلمة قال رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت و كأن مناديا ينادي ألا ليقم السابقون فقام سفيان الثوري ثم نادى الثانية ألا ليقم السابقون فقام سلم الخواص ثم نادى الثالثة ألا ليقم السابقون فقام إبراهيم بن أدهم
أحمد بن ثعلبة قال سمعت سلما الخواص يقول كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة فقلت لنفسي اقرئيه كأنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فجاءت حلاوة قليلة ثم قلت لنفسي اقرئيه كأنك سمعته من جبريل يخبر به النبي صلى الله عليه و سلم فازددت الحلاوة قال ثم قلت لها اقرئيه كأنك سمعته منه حين يتكلم به فجاءت الحلاوة كلها
قاسم الجوعي قال جئت سلما الخواص فقدم إلي نصف بطيخة ونصف رغيف و قال لي كل يا قاسم نزلت على أخ لي فقدم لي (4/274)
نصف خيارة ونصف رغيف وقال لي كل يا سلم فإن الحلال لايحتمل السرف ومن درى من أين يكسب درى كيف ينفق
أسند سلم عن مالك بن أنس وابن عيينة وأقرانهما
800 - أبو عبيدة الخواص واسمه عباد بن عباد
وقد اشتهر بأبي عبيدة و إنما هو أبو عتبة كذلك ذكره البخاري و غيره
أبو موسى الصوري قال كتب عباد بن عباد الخواص إلى إخوانه يعظهم إنكم في زمان قد رق فيه الورع و قل فيه الخشوع و حمل العلم مفسدوه فأحبوا أن يعرفوا بحمله وكرهوا أن يعرفوا بإضاعة العمل به فنطقوا فيه بالهوى ليزينوا ما دخلوا فيه من الخطر فذنوبهم ذنوب لا يستغفر منها و تقصيرهم تقصير لا يعترف به أحبو الدنيا و كرهوا منزلة أهلها فشاركوهم في العيش و زايلوهم بالقول
أبو عبيد العسقلاني قال رأيت أبا عبيدة الساحلي لم يضحك أربعين سنة فقيل له لم لم تضحك فقال كيف أضحك أنا وفي أيدي المشركين من المسلمين أحد
عبد الأعلى بن سليمان قال رأيت أبا عبيدة الخواص على سرته خرقة و على رقبته خرقة و هو يمشي في طريق البصرة وهو يقول واشوقاه إلى من يراني و لاأراه
أحمد بن الحواري قال دخل عباد الخواص على إبراهيم بن صالح و هو أمير فلسطين فقال له يا شيخ عظني فقال بما أعظك (4/275)
أصلحك الله بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى فانظر ما يعرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم من عملك فبكى حتى سالت الدموعه على لحيته
عن بشر بن الحارث قال رأيت على جبال عرفة رجلا قد ولع به الوله و هو يقول
سبحان من سجدنا بالعيون له ... على شبا الشوك والمحمى من الإبر
لم نبلغ العشر من معشار نعمته ... ولا العشير ولا عشرا من العشر
هو الرفيع فلا الأبصار تدركه ... سبحانه من مليك نافذ القدر
سبحان من هو أنسي إذ خلوت به ... في جوف ليلي وفي الظلماء والسحر
أنت الحبيب وأنت الحب يا أملي ... من لي سواك ومن أرجوه يا ذخري ثم أنشد أيضا
كم قد زللت فمل أذكرك في زللي ... و أنت يا سيدي في الغيب تذكرني
كم أكشف الستر جهلا عند معصيتي ... وأنت تلطف بي حقا وتسترني
لأبكين بدمع العين من أسف ... لأبكين بكاء الوله الحزن
قال ثم غاص في خلال الناس فلم أره فسألت عنه فقيل هذا أبو عبيدة الخواص منذ سبعين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء حياء من الله عزوجل
عقبة بن فضالة قال سمعت أبا عبيدة الخواص بعد ما كبروا هو آخذ بلحيته يبكي و يقول قد كبرت فأعتقني (4/276)
أسند عباد الأوزاعي وأبي بكر بن أبي مريم و غيرهما
801 - أبو يوسف الغسولي
جنيد قال سمعت سريا يذكر أن أبا يوسف الغسولي كان يلزم الثغر و يغزو وكان إذا غزا مع الناس و دخلوا بلاد الروم أكل أصحابه من ذبائح الروم ومن فواكههم وكان أبو سفيان يوسف لا يأكل فيقال له يا أبا يوسف تشك أنه حلال فيقول هو حلال فيقال له فكل من الحلال فيقول إنما الزهد في الحلال
حرمى بن يونس قال سمعت أبا يوسف الغسولي يقول أنا أتفقه في مطعمي من ستين سنة
قال المروزي وسمعت بعض المشيخة يقول سمعت أبا يوسف الغسولي يقول إنه ليكفيني في السنة إثنا عشر درهما في كل شهر درهم وما يحملني على العمل إلا ألسنة هؤلاء القراء يقولون أبو يوسف من أين يأكل
قال المروزي وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول أبو يوسف الغسولي قد خلف ابن ادريس يعني في الورع
802 - أحمد بن عاصم الأنطاكي
يكنى أبا علي و يقال أبا عبد الله من متقدمي مشائخ الثغور وكان يقال له جاسوس القلوب
أحمد بن أبي الحواري قال أناأحمد بن عاصم الأنطاكي قال إذ صارت المعاملة إلى القلب استراحت الجوارح (4/277)
قال وسمعته يقول هاه غنيمة باردة أصلح فيما بقي يغفر لك ما قد مضى
وسمعته يقول ما أغبط أحدا إلا من عرف مولاه وأشتهي أن لا أموت حتى أعرفه معرفة العارفين الذين يستحبونه لا معرفة التصديق
أحمد بن عبد الله قال سمعت أبي يقول سمعت خالي عثمان ابن محمد بن يوسف يقول سمعت أبي يقول قال أحمد ابن عاصم أنفع اليقين ما عظم في عينيك ما به أيقنت وأنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي وأطال منك الحزن على ما فات وألزمك الفكر في بقية عمرك و خاتمة أمرك وأنفع الصدق أن تقر لله عزوجل بعيوب نفسك وأنفع الحياء أن تستحيي أن تسأله ما تحب و تأتي ما يكره وأنفع الصبر ما قواك على خلاف هواك وأفضل الجهاد مجاهدتك نفسك لتردها إلى قبول الحق وأوجب الأعداء منك مجاهدة أقربهم منك دنوا وأخفاهم عنك شخصا وأعظم لك عداوة وهو إبليس قلت فما ترى في الأنس بالناس قال إن وجدت عاقلا مأمونا فأنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع قلت فما أفضل ما أتقرب به إلى الله عزوجل قال ترك معاصيه الباطنة قلت فما بال الباطنة أولى من الظاهرة قال لأنك إذا اجتنبت الباطنة بطلت الظاهرة والباطنة قلت فما أضر الطاعات لي قال ما نسيت بها مساوئك و جعلتها نصب عينيك إدلالا بها وأمنا
قال وسمعته يقول استكثر من الله عزوجل لنفسك قليل الرزق تخلصا إلى الشكر واستقلل من نفسك لله عزوجل كثير الطاعة إزراء على (4/278)
النفس وتعرضا للعفو واستجلب شدة التيقظ بشدة الخوف وادفع عظيم الحرص بإيشار القناعة واقطع أسباب الطمع بصحة اليأس وسد سبيل العجب بمعرفة النفس واطلب راحة البدن باجمام القلب وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخلطاء و تعرض لرقة القلب بدوام مجالسة أهل الذكر وبادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة وأحذرك سوف
قلت لأحمد بن عاصم كلام كثير انتخبنا منه ما ذكرنا ولا نعلم له مسندا
803 - أبو عبد الله النباجي واسمه سعيد بن يزيد
قال محمد بن أبي الورد قال أبو عبد الله النباجي من خطرت الدنيا بباله لغير القيام بأمر الله حجب عن الله
وقال ابن أبي الورد صلى ابو عبد الله النباجى يوما بأهل طرسوس فصيح النفير فلم يخفف الصلاة فلما فرغوا قالوا أنت جاسوس قال و لم قالوا صيح بالنفير وأنت في الصلاة فلم تخفف قال ما حسبت أن أحدا يكون في الصلاة فيقع في سمعه غير ما يخاطبه الله عزوجل
الحسين بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله النباجي قال قال لي قائل في منامي أو يحسن بالحر المريد أن يتذلل للعبيد وهو واجد عند مولاه كل ما يريد (4/279)
أحمد بن أبي الحواري عن أبي عبد الله النباجي قال إن في خلق الله عزوجل خلقا يستحيون من الصبر لو يعلمون أقداره تلقفوها تلقفا
أحمد بن محمد بن بكر القرشي قال سمعت أبا عبد الله النباجي يقول اطلبوا النظر في الرضا عن الله عزوجل وتساءلوا عنه بينكم إنكم إن ظفرتم منه بشيء علوتم به الأعمال كلها
قال وسمعته يقول لا تستكثروا الجنة للمؤمن فإنه قد وافى بأعظم قدر عنده من الجنة معرفة الله والإيمان به و سمعته يقول الذي جعل الله عزوجل المعرفة عنده يتنعم مع الله عزوجل في كل أحواله
أبو عبيد الله الإمام قال سمعت أبا عبد الله النباجي يقول إذا كان عندك ما أعطى الله عزوجل نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلى الله عليه و سلم لا تراهم شيئا و إنما تريد ما أعطى الله نمرود و فرعون و هامان فمتى تفلح
لا نعرف للنباجي مسندا و إنما كان مشغولا بالزهد و التعبد و قد حكى عن الثوري و الفضيل و غيرهما
804 - عبد الله بن خبيق بن سابق
أبو محمد أصله من الكوفة ثم سكن أنطاكية واستفاد من يوسف ابن أسباط
محمد بن المسيب الأرغياني قال أنا عبد الله بن خبيق قال أنت لا تطيع من يحسن إليك فكيف تحسن إلى من يسيء إليك (4/280)
عمر بن عبد الله الهجري قال سمعت عبد الله بن خبيق يقول لا تغتم إلا من شيء يضرك غدا ولا تفرح بشيء لا يسرك غدا وأنفع الخوف ما حجزك عن المعاصي وأطال منك الحزن على ما فاتك وألزمك الفكرة في بقية عمرك أسند ابن خبيق عن يوسف بن أسباط و غيره
805 - أبو الحارس الأولاسي
واسمه فيض بن الخضر كان شابا يغني في أول أمره وقال بينا أنا في غفلتي رأيت عليلا مطروحا على قارعة الطريق فدنوت منه فقلت هل تشتهي شيئا قال نعم رمانا فجئته برمان فلما وضعته بين يديه رفع بصره و قال تاب الله عليك فما أمسيت حتى تغير قلبي عما كنت عليه وخرجت إلى الحج وأنا أسير بالليل إذا بقوم يشربون فلما رأوني فأجلسوني و عرضوا علي الطعام و الشراب فقلت أحتاج إلى البول فذهبت فوقعت في غابة فإذا سبع فقلت اللهم إنك تعلم ما تركت ومماذا خرجت وفيما ذا خرجت فاصرف عني شر هذا السبع فولى السبع ودخلت مكة فلقيت بها من انتفعت به منهم إبراهيم بن سعد العلوي
الحسن بن خلف قال قال لي أبو الحارث الأولاسي فيض بن الخضر رأيت إبليس له جمة شعر فأقبلت أتملقه و أقول ويحك ما أنا في هذا الخلق خلني وربي فقال هيهات هيهات كيف أخليك وفيك (4/281)
وفي أبيك هلكت لا أو تهلكوا معي قال فأخذت برأسه فجعلته على حجر وأخذت بحلقه أخنقه ثم قلت كيف أقدر على قتله و قد أخره الله عزوجل إلى يوم القيامة و لكن أرفق به فجعلت أتملقه وهو يأبى فقلت له دلني على ماينفعني فقال أدلك على السكر و الحملان والجوذابات والدنانير و الدراهم أن تكثر منها فقلت له ياملعون أنا أسألك أن تدلني على شيء ينفعني في أمر آخرتي تدلني على الدنيا و ما أصنع أنا بهذا و ما حاجتي إليه فقال من ههنا صار رأسي و حلقي في يدك تقلبه كيف شئت و تلعب به قلت أفدتني علما لا جرم أني لأرجو أن لا أنال منها شيئا إلا ما لا غنى بي عنه فقال إن تركتك فاصعد العقبة و سأستعين عليك بولد جنسك الذين زينت في أعينهم ما قبح في عينك فأجابوني إليه فبهم أستعين عليك فيأتوك من من مأمنك
توفي أبو الحارث بطرسوس سنة سبع و تسعين و مائتين
806 - أبو الخير التيناتي
أصله من المغرب و سكن تينات و هي قرية من قرى أنطاكية و يقال له الأقطع لأنه كان مقطوع اليد و كان سبب ذلك أنه كان في جبال أنطاكية و حواليها يطلب المباح و ينام بين الجبال وأنه عاهد الله تعالى أن لا يأكل من ثمر الجبال إلا ما طرحته الريح فبقي أياما (4/282)
لم تطرح له الريح شيئا فرأى يوما شجرة كمثرى فاشتهى منها فلم يفعل فأمالتها الريح إليه فأخذ واحدة واتفق أن لصوصا قطعوا هنالك الطريق وجلسوا يقتسمون فوقع عليهم السلطان فأخذهم وأخذ معهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وقطعت يده فلما هموا بقطع رجله عرفه رجل فقال للأمير أهلكت نفسك هذا أبو الخير فبكى الأمير و سأله أن يجعله في حل ففعل وقال أنا أعرف ذنبي
منصور بن عبد الله قال قال أبو الخير الدعوى رعونة لا يحتمل القلب أمساكها فليلقها إلى اللسان فتنطق بها ألسنة الحمقى قال وسمعته يقول دخلت مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم وأنا بفاقة فأقمت خمسة أيام ما ذقت ذوقا فتقدمت إلى القبر فسلمت فسلمت علىالنبي صلى الله عليه و سلم و على أبي بكر وعمر و قلت أنا ضيفك الليلة يا رسول الله و تنحيت فنمت خلف المنبر فرأيت في النوم النبي صلى الله عليه و سلم وأبوبكر عن يمينه و عمر عن شماله و علي ابن أبي طالب بين يديه فحركني علي وقال لي قم قد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فقمت إليه و قبلت بين عينيه فدفع إلي رغيفا فأكلت نصفه و انتبهت و إذا في يدي نصف رغيف
إبراهيم بن محمد المراغي قال سمعت أبا الخير التيناتي يقول بقيت بمكة سنة فأصابني ضر و فاقه فكلما أردت أن أخرج إلى المسألة هتف بي هاتف يقول الوجه الذي يسجد لي تبذله لغيري أخبرنا المحمدان ابن عبد الملك وابن ناصر قال أنبأ أحمد بن (4/283)
الحسن بن خيرون قال قرأت على أبي الحسين علي بن محمود الصوفي أخبركم علي بن المثنى و أخبرنا أبو بكر العامري قال أنبأ علي ابن أبي صادق قال أنا ابن باكويه قال أخبرني إبراهيم بن أحمد المراغي قالا سمعنا أبا الخير التيناتي الأقطع يقول ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة و معانقة الأدب و أداء الفرائض وصحبة الصالحين و خدمة الفقراء الصادقين
محمد بن الفضل قال خرجت من أنطاكية و دخلت تينات و دخلت على أبي الخير الأقطع على غفلة منه بغير إذن فإذا هو ينسج زنبيلا بيديه فتعجبت فنظر إلي وقال يا عدو نفسه ما الذي حملك على هذا فقلت هيجان الوجد لما بي من الشوق إليك فضحك ثم قال لي اقعد لا تعد إلى شيء من هذا بعد اليوم ثم قال استر علي في حياتي ففعلت
قال ابن باكويه و سمعت إبراهيم بن محمد السباك برها يقول كنا نطلع على أبي التيناتي من الخوخة و هو يسف الخوص بيديه فإذا خرج رأيناه أقطع
أبو الحسن البغراسي قال قال لي أبو الخير التيناتي إياك و كثرة السفر فإنه يقسي القلب و يذهب بالدين (4/284)
أبو بكر المصري قال سمعت بعض أصحابنا فقيرا يعرف بالأنصاري يقول دخلت على أبي الخير فناولني تفاحتين فجعلتهما في جيبي و قلت لا أتناولهما وأتبرك بهما لموضع الشيخ عندي فكانت تجري علي فاقات لا أتناولهما فأجهدتني الفاقة فأخرجت واحدة فأكلتها و أدخلت يدي لأخرج الثانية فإذا التفاحتان مكانهما فمازلت آكل منهما حتى دخلت الموصل فجزت على خراب وإذا بعليل ينادي من الخراب يا ناس أشتهي تفاحة و لم يكن وقت التفاح فأخرجت التفاحتين فناولتهما إياه فأكل و خرجت روحه من وقته فعلمت أن الشيخ أعطاني منأجل ذلك العليل
صحب أبو الخير التيناتي أبا عبد الله بن الجلاء و غيره من المشايخ و لانعلمه أسند شيئا من الحديث و توفي بعد الأربعين وثلاث مائة
ذكر المصطين من عباد الثغور المجهولي الأسماء
807 - عابد طرسوسي
أبو سليمان المغربي قال كنت أحمل الحطب من الجبل و أتقوت منه و كان طريقي فيه التوقي والتحري قال فرأيت جماعة من البصريين في النوم منهم الحسن و مالك بن دينار و فرقد السبخي فسألتهم عن علم حالي فقلت أنتم أئمة المسلمين دلوني على الحلال الذي ليس لله فيه تبعة ولا للخلق فيه منة فأخذوا بيدي فأخرجني من طرسوس إلى مرج فيه خبازي فقالوا لي هذا الحلال الذي ليس لله عزوجل فيه تبعة ولا للمخلوق فيه منة قال فمكثت آكل (4/285)
منه نصف سنة ثلاثة أشهر في دار السبيل و كنت آكله نيا و مطبوخا فصار لي حديث فقلت هذه فتنة فخرجت من دار السبيل فكنت آكله ثلاثة أشهر أخر فأوجدني الله عزوجل قلبا طيبا حتى قلت إن كان أهل الجنة بهذا القلب الذي لي فهم والله في شيء طيب وما كنت آنس بكلام الناس فخرجت يوما من باب قلميه إلى صهريج يعرف بالمدنف فجلست عنده فإذا أنا بفتى قد أقبل من ناحية لامش يريد طرسوس وقد بقي معي قطيعات من ثمن الحطب الذي كنت أجيء به من الجبل فقلت أنا قد قنعت بها الخبازي أعطى هذه القطع هذا الفقير إذا دخل طرسوس اشترى بها شيئا و أكله فلما دنا مني أدخلت يدي إلى جيبي حتى أخرج الخرقة فإذا أنا بالفقير قد حرك شفتيه وإذا كل ما حولىمن الأرض ذهب يتقد حتى كاد يخطف بصري و لبسني منه هيبة فجاوز لم أسلم عليه من هيبته قال الشيخ أبو بكر وزادنيأبو الفرج بن أبان في هذه الحكاية قال فقلت له فرأيته بعد ذلك فقال نعم خرجت يوما خارج طرسوس فإذا بالفتى جالس تحت برج من الأبرجة و بين يديه ركوة فيها ماء فسلمت عليه ثم استدعيت منه موعظة فمد رجله فقلب الماء ثم قال لي كثرة الكلام تنشف الحسنات كما أنشفت الأرض هذا الماء قم يكفيك (4/286)
808 - عابد آخر
علي بن الحسن بن موسى قال قال رجل لأمتحنن أهل البلاء قال فدخلت على رجل بطرسوس و قد أكلت الآكلة أطرافه فقلت له كيف أصبحت قال أصبحت والله وكل عرق وكل عضو يألم على حدته من الوجع وإن ذلك لبعين الله أحبه إلي أحبه إلى الله وما قدر ما أخذ ربي مني وددت أن ربي قطع مني الأعضاء التي اكتسبت بها الإثم وأنه لم يبق مني إلا لساني يكون له ذاكرا قال فقال له رجل متى بدأت بك هذه العلة فقال الخلق كلهم عبيد الله وعياله فإذا نزلت بالعباد علة فالشكوى إلى الله ليس يشتكى إلى العباد
809 - عابد مصيصي
علي بن الحسن قال كان رجل بالمصيصة ذاهب نصفه الأسفل لم يبق منه إلا روحه في بعض جسده ضرير على سرير مثقوب فدخل عليه داخل فقال له كيف أصبحت يا أبا محمد قال ملك الدنيا منقطع إلى الله عزوجل مالي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الإسلام
810 - عابد من أهل بيروت
أبو عبد الرحمن الأزدي قال كنت أدور على حائط بيروت فمررت برجل متدلي الرجلين في البحر و هو يكبر فاتكأت على الشرافة التي إلى جنبه فقلت يا شاب مالك جالسا وحدك قال اتق الله و لاتقل لي إلا حقا ما كنت قط وحدي منذ ولدتني أمي إن معي ربي حيث ما كنت ومعي ملكان يحفظان علي وشيطان (4/287)
ما يفارقني فإذا عرضت لي حاجة إلى ربي عز و جل سألته إياها و لم أسأله بلساني فجاءني بها ومن المصطفيات من عابدات الثغور
811 - زينب الطبرية
هارون بن الحسن قال سمعت سلما الخواص يقول كانت عندنا جارية يقال لها زينب وكانت تحسن خدمة مولاها فذهبت أسلم عليها فقالت يا أبا محمد كنت منذ ليال قائمة أخدم مولاي فغلبتني عيني فسمعت قائلا يقول صلاتك نور والعباد رقود ... قومي فصلي للغفور الودود
قال و خرجت يوما في حاجة فعثرت فانقطع إصبع من أصابعها قال فاجتمعنا رجالا ونساء نعزيها في إصبعها فقالت يا إخوتي وأخواتي أنساني لذة ثوابها وجعها فوهب الله لي ولكم الرضا و العفو عما مضى قوموا حتى نخدم من الطريق عليه غدا
ذكر المصطفين من عباد أهل الشام المجهولي الأسماء
812 - عابد يقال له الديلمي
محمد بن المبارك الصوري قال سمعت الوليد بن مسلم يقول غزا المسلمون غزوة فيهم الديلمي فأسرته الروم و صلبوه على الدقل فلما رآه المسلمون مصلوبا حملوا على الروم حملة فأخذوا المركب الذي (4/288)
فيه الشيخ فأنزلوه عن الدقل فقال لهم أعطوني ماء أصب علي فقالوا لم تصب عليك فقال إني جنب لأنهم لما صلبوني أخذتني نفسة فرأيت نفسي كأني على نهر فيه وصائف فمددت يدي إلى واحدة منهن فافترعتها فأصابتني جنابة
813 - عابد آخر
عن معروف الكرخي قال رأيت رجلا في البادية شابا حسن الوجه له ذؤابتان حسنتان وعلى رأسه رداء قصب وعليه قميص كتان وفي رجله نعل طاق قال معروف فتعجبت منه في مثل ذلك المكان ومن زيه فقلت السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال وعليك السلام ورحمة الله يا عم فقلت الفتى من أين فقال من مدينة دمشق قلت ومتى خرجت منها قال ضحوة النهار قال معروف فتعجبت وكان بينه و بين الموضع الذي رأيته فيه مراحل كثيرة فقلت له و أين المقصد فقال مكة فعلمت أنه محمول فودعته ومضى ولم أره حتى مضت ثلاث سنين فلما كان ذات يوم وأنا جالس في منزلي أتفكر في أمره وما كان منه إذا بإنسان يدق الباب فخرجت إليه فإذا أنا بصاحبي فسلمت عليه وقلت مرحبا وأهلا وأدخلته المنزل فرأيته منقطعا والها تالفا عليه زرمانقة حافيا حاسرا فقلت هيه أي شيء الخبر فقال ياأستاذ لاطفني حتى (4/289)
أدخلني الشبكة ورماني فمرة يلاطفني و مرة يهددني و يجيعني مرة ويكرمني أخرى فليته وقفني على بعض أسرار أوليائه ثم ليفعل بي ما شاء قال معروف فأبكاني كلامه فقلت له فحدثني ببعض ما جرى عليك منذ فارقتني فقال هيهات أن أبديه و هو يريد أن نخفيه ولكن بديا وما فعل في طريقي إليك مولاي وسيدي ثم استفرغه البكاء فقلت و ما فعل بك قال جوعني ثلاثين يوما ثم جئت إلى قرية فيها مقثأة قد نبذ منها المدود وطرح فقعدت آكل منه فبصر بي صاحب المقثأة فأقبل إلي يضرب ظهري و بطني ويقول يا لص ما خرب مقثأتي غيرك منذ كم أنا أرصدك حتى وقعت عليك فبينا هو يضربني إذ أقبل فارس نحوه مسرعا إليه و قلب السوط في رأسه و قال تعمد إلى ولي من أولياء الله عزوجل فتقول له يا لص فأخذ صاحب المقثأة بيدي فذهب بي إلى منزله فما أبقى من الكرامة شيئا إلا عمله و استحلني و جعل مقثأته لله عزوجل و لأصحاب معروف فقلت له صف لي معروفا فوصف لي معرفتك بما قد كنت شاهدته من صفتك قال معروف فما استتم كلامه حتى دق صاحب المقثأة الباب و دخل إلي وكان موسرا فأخرج جميع ماله و أنفقه على الفقراء و صحب الشاب سنة و خرجا إلى الحج فمأتا بالربذة (4/290)
814 - عابد آخر
داود بن رشيد قال حدثني الصبيح والمليح شابان كانا يتعبدان بالشام سميا الصبيح والميلح لحسن عبادتهما قالا جعنا أياما فقلت لصاحبي أو قال لي أخرج بنا إلى الصحراء لعلنا نرى رجلا نعلمه بعض دينه لعل الله عزوجل أن ينفعنا به فلما أصحرنا استقبلنا أسود على رأسه حزمة حطب فدنونا منه فقلنا له ياهذا من ربك فرمى الحزمة عن رأسه و جلس عليها و قال لا تقولا لي من ربك و لكن قولا لي أين محل الإيمان من قلبك فنظرت إلى صاحبي ونظر إلي صاحبي ثم قال سلا سلا فإن المريد لا تنقطع مسائله فلما رآنا لا نحير جوابا قال اللهم إن كنت تعلم أن لك عبادا كلما سألوك أعطيتهم فحول حزمتي هذه ذهبا فرأيناها قضبان ذهب تلتمع ثم قال اللهم إن كنت تعلم أن لك عبادا الإخمال أحب إليهم من الشهرة فردها حطبا فرجعت والله حطبا ثم حملها على رأسه ومضى فلم نجترئ أن نتبعه
815 - عابد آخر
عن عبد السلام بن حرب قال ذكر المحسن بن حي رجلا من أهل الشام فذكر عبادته فقال له خلف بن حوشب فكيف كانت رقته قال ذهبت رقته أما رأيت الثكلى تكمد (4/291)
816 - عابد آخر بكر العابد قال كان عابد من أهل الشام قد حمل على نفسه في العبادة فقالت له أمه يا بني عملت مالم يعمل الناس أما تريد أن تهجع فأقبل يردد عليها ويقول ليتك كنت لي عقيما إن لبنيك في القبر حبسا طويلا
817 - عابد آخر
أبو بكر الكتاني و جماعة من المشايخ قالوا كان لأبي جعفر الدينوري أخ يكون بالشام و كان لا يقيم في قرية و لا بمدينة أكثر من ليلة أو يوم ثم يخرج فدخل إلى قرية فاعتل فيها سبعة أيام لم يأكل و لم يشرب و لم يكلمه أحد فمات فأصبح القوم في اليوم الثامن فوجدوه ميتا فغسلوه و حنطوه و كفنوه و صلوا عليه و حملوه ليدفنوه فجاء الناس من كل قرية إليهم وقالوا سمعنا صائحا يصيح من أراد أن يحضر جنازة ولي من أولياء الله عزوجل فليحضر قرية كذا وكذا قال فصلوا عليه ودفنوه فلما كان من الغد وجدوا الكفن و الحنوط مصرورا في محرابهم ومعه كتاب فيه مكتوب لا حاجة لنا في كفنكم هذا يقيم بين أظهركم ولي من أولياء الله عزوجل سبعة أيام لا عدتموه ولا عللتموه ولا أطعمتموه ولا سقيتموه ولا كلمتموه قال الكتاني فجعل أهل تلك القرية فيها بيتا للضيافة ومن عقلاء مجانين الشام
818 - عابد
عبد الواحد بن زيد قال خرجت إلى الشام في طلب العباد (4/292)
فجعلت أجد الرجل بعد الرجل شديد الاجتهاد حتى قال لي رجل قد كان ههنا رجل من النحو الذي تريد و لكنا فقدنا من عقله فلا ندري يريد أن يحتجب من الناس بذلك أم هو شيء أصابه قلت و ما أنكرتم منه قال إذا كلمه أحد قال الوليد وعاتكة لا يزيده عليه قال قلت فكيف لي به قال هذه مدرجته فانتظرته فإذا برجل واله كريه الوجه كريه المنظر وافر الشعر متغير اللون وإذا الصبيان حوله و خلفه وهو ساكت يمشي و هم خلفه سكوت يمشون و عليه أطمار دنسة قال فتقدمت إليه فسلمت عليه فالتفت إلي فرد علي السلام فقلت يرحمك الله إني أريد أن أكلمك فقال الوليد وعاتكة قلت قد أخبرت بقصتك فقال الوليد و عاتكة
ثم مضى حتى دخل المسجد و رجع الصبيان الذين كانوا يتبعونه فاعتزل إلى سارية فركع فأطال الركوع ثم سجد فدنوت منه فقلت رحمك الله رجل غريب يريد أن يكلمك و يسألك عن شيء فإن شئت فأطل و إن شئت فأقصر فلست ببارح حتى تكلمني قال وهو في سجوده يدعو ويتضرع ففهمت عنه و هو يقول سترك سترك قال فأطال السجود حتى سئمت فدنوت منه فلم أسمع له نفسا ولا حركة قال فحركته فإذا هو ميت كأنه قد مات من دهر طويل (4/293)
فاستقبلت القبلة و صليت ما قدر لي حتى غلبتني عيني فنمت في مصلاي و نامت في مصلاها فلما كان في اليوم الثاني كان مثل ذلك أيضا فلما طال علي قلت يا هذه ألاجتماعنا معنى قال فقالت لي أنا في خدمة مولاي ومن له حق فما أمنعه قال فاستحييت من كلامها وتماديت على أمري نحو الشهر ثم بدالي في السفر فقلت لها يا هذه قالت لبيك قلت إني قد أردت السفر قالت مصاحبا بالعافية فقمت فلما صرت عند الباب قامت فقالت لي يا سيدي كان بيننا في الدنيا عهد لم يقض بتمامه عسى في الجنة إن شاء الله فقلت لها عسى فقالت لي أستودعك الله خير مستودع قال فتودعت منها و خرجت
قال ثم عدت إلى مصر بعد سنين فسألت عنها فقيل لي هي على أفضل مما تركتها عليه من العبادة والاجتهاد انتهى ذكر أهل مصر
ذكر المصطفين من عباد الاسكندرية
854 - أسلم بن زيد الجهني
إبراهيم بن أدهم قال لقيت رجلا بالاسكندرية يقال له أسلم ابن زيد الجهني فقال من أنت يا غلام فقلت شاب من أهل خراسان قال ما حملك على الخروج من الدنيا فقلت زهدا فيها ورجاء ثواب الله تعالى فقال إن العبد لا يتم رجاؤه لثواب الله تعالى حتى يحمل نفسه على الصبر فقال له رجل ممن كان معه و أي شيء الصبر فقال إن أدنى منازل الصبر أن يروض العبد نفسه على (4/333)
احتمال مكاره الأنفس قال قلت ثم مه قال إذا كان محتملا للمكاره أورث الله عزوجل قلبه نورا قلت فماذا النور قال سراج يكون في قلبه يفرق بين الحق والباطل والمتشابه ثم قال يا غلام إياك إذا صحبت الأخيار و جاريت الأبرار أن تغضبهم عليك لأن الله تعالى يغضب لغضبهم و يرضى لرضاهم وذلك أن الحكماء هم العلماء هم الراضون عن الله إذا سخط الناس يا غلام احفظ عني واعقل واحتمل ولا تعجل ولاتعجل إياك والبخل قلت وما البخل قال أما البخل عند أهل الدنيا فهو أن يكون الرجل ضنينا بماله وأما عند أهل الآخرة فهو الذي يضن بنفسه عن الله ألا وإن العبد إذا جاد بنفسه لله أورث الله قلبه الهدى والتقى وأعطي السكينة والوقار والحلم الراجح والعقل الكامل
855 - عابد آخر
العباس بن يوسف الشكلي قال دخلت الإسكندرية فسألت أهل بها أحد من الزهاد فقالوا فتى قد كان يصوم النهار ويقوم الليل فإذا أفطر أفطر على الشهوات فرأى رؤيا هالته فأخذ في التقلل و صار فطره في كل خمسة عشر يوما مرة فقلت فعلى أي شيء يفطر إذا أفطر فقيل لي على شيء من الكسب و تمرات يعجنها فهي فطره من الوقت إلى الوقت فقلت فما الرؤيا التي رآها قالوا رأى فتى وقف عليه فقال له
تجوع فإن الجوع يورث أهله ... مصادر بر خيرها الدهر دائم (4/334)
ولا تك ذا بطن رغيب وشهوة ... فتصبح في الدنيا وقلبك هائم
856 - عابدة
عن حجاج بن ريان قال دخلت أنا وابن أبي رفاعة مسجد الاسكندرية فإذا أنا بامرأة قد اعتزلت عن النساء وجعلت حولها حظيرة من حجارة فتقدم إليها ابن أبي رفاعة فقال لها مالي أراك قد اعتزلت النساء وجعلت حولك هذه الحجارة فقالت يا أبا عبد الرحمن كلمة من هذه وكلمة من هذه وقد ذهب الصيام قال فالتفت إلي ابن أبي رفاعة فقال أترى هذه سمعت من مالك بن انس شيئا يعني أن الله تعالى هو الذي بصرها ومن المصطفين من أهل ابلة
857 - أبو صخر يزيد بن أبي سمية الأبلي
محمد بن عمر قال كان أبو صخر من العباد وكان يصلي ليلة أجمع ويبكي وكانت معه في الدار امرأة يهودية ساكنة تبكي رحمة له فقال ليلة في دعائه اللهم إن هذه اليهودية قد بكت رحمة لي ودينها مخالف لديني فأنت أولى برحمتي وكان يوافي الموسم عام مع محمد بن المنذر وصفوان بن سليم ويزيد بن خصيفة وأبي حازم فيلقون عمر بن ذر فيقص عليهم و يذكرهم أمر الآخرة فلا يزالون كذلك حتى ينقضي الموسم ثم لا يلتقون بعد إلا في كل موسم (4/335)
ذكر المصطفين من أهل المغرب
858 - أبو عبد الله المغربي واسمه محمد بن اسمعيل
إبراهيم بن شيبان قال سمعت أبا عبد الله المغربي يقول ما رأيت ظلمة منذ سنين كثيرة قال إبراهيم وذلك أنه كان يتقدمنا بالليل المظلم ونحن نتبعه وهو حاف حاسر وكان إذا عثر أحدنا يقول يمينا وشمالا ونحن لا نرى ما بين أيدينا فإذا أصبحنا نظرنا إلى رجله كأنها رجل عروس قد خرجت من خدرها وكان يقعد لأصحابه يتكلم عليهم فما رأيته انزعج إلا يوما واحدا كنا على الطور وهو قد استند إلى شجرة وهو يتكلم خروب علينا فقال في كلامه لا ينال العبد مراده حتى ينفرد فردا بفرد فانزعج واضطرب ورأيت الصخور قد تدكدكت وبقى في ذلك ساعات فلما أفاق كأنه نشر من تبر
إبراهيم بن شيبان قال سمعت أبا عبد الله المغربي يقول أفضل الأعمال عمارة الأوقات في الموافقات وقال أعظم الناس ذلا فقير داهن غنيا و تواضع له
أسند أبو عبد الله المغربي الحديث عن عمرو بن أبي غيلان وتوفي على جبل الطور في سنة تسع و تسعين و قيل تسع وسبعين و مائتين و أوصى أن يدفن إلى جانب أستاذه علي بن رزين و عاش كل واحد منهما عشرين و مائة سنة فهما على جبل الطور
وكان المغربي أستاذ إبراهيم الخواص (4/336)
ذكر المصطفين من عباد المغرب المجهولي الأسماء
859 - عابد
سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون قال بينا أنا سائر في بلاد المغرب إذا أنا برجل على عريش من البلوط وعنده عين ماء تجري فأقمت عليه يوما وليله أريد أن أسمع كلامه فأشرف علي بوجهه فسمعته يقول شهد قلبي لله بالنوازل وكيف لا يشهد قلبي بذلك هيهات هيهات قد خاب لديك المقصرون سيدي ما أحلى ذكرك أليس قصدك مؤملوك فنالوا ما أملوا وجدت لهم بالزيادة على ماطلبوا فقلت له يا حبيبي إني مقيم عليك منذ يوم و ليلة أريد أن أسمع من كلامك فقال لي قد رأيتك يا بطال حين أقبلت ولكن ما ذهب روعك من قلبي إلى الآن فقلت له و لم ذلك وماالذي أفزعك مني فقال بطالتك يوم عملك و تركك الزاد ليوم معادك ومقامك على المظنون فقلت له يا حبيبي ما هاهنا فتية تستأنس بهم فقال بلى ها هنا فتية متفرقون في رؤوس الجبال قلت فما طعامهم طعامهم في هذا المكان قال أكلهم الفلق من خبز البلوط ولباسهم الخرق من الثياب قد يئسوا من الدنيا ويئست الدنيا منهم أعطوا المجهود من أنفسهم فلما دبرت المفاصل من الركوع و قرحت الجباه من السجود وتغيرت الألوان من السفر ضجوا إلى الله عزوجل بالاستغاثة (4/337)
860 - عابد آخر
يوسف بن الحسين قال قال ذو النون وصف لي رجل بالمغرب وذكر لي من حكمته و كلامه ما حملني على لقائه فرحلت إليه إلى المغرب فأقمت على بابه أربعين صباحا على أن يخرج من منزله إلى المسجد ويقعد فكان يخرج وقت كل صلاة يصلي و يرجع كالواله لا يكلم أحدا فقلت له يوما يا هذا إني مقيم ها هنا منذ أربعين صباحا لا أراك تكلمني فقال لي يا هذا لساني سبع إن أطلقته أكلني فقلت له عظني رحمك الله بموعظة أحفظها عنك قال وتفعل قلت نعم إن شاء الله قال لا تحب الدنيا و عد الفقر غنى و البلاء من الله نعمة والمنع من الله عطاء والوحدة مع الله أنسا والذل عزا والطاعة حرفة و التوكل معاشا والله تعالى لكل شديدة عدة
ثم مكث بعد ذلك شهرا لا يكلمني فقلت له رحمك الله إني أريد الرجوع إلى بلدي فإن رأيت أن تزيدني في الموعظة فقال اعلم أن الزاهد في الدنيا قوته ما وجد ومسكنه حيث أدرك ولباسه ما ستر الخلوة مجلسه و القرآن حديثه والله الجبار العزيز أنيسه والذكر رفيقه والصمت جنته والخوف سجيته والشوق مطيته والنصيحة نهمته والصبر وساده والصديقون إخوانه والحكمة كلامه والعقل دليله والجوع أدمه والبكاء دأبه والله عزوجل عدته قلت بما تتبين الزيادة من النقصان قال عند المحاسبة للنفوس (4/338)
861 - عابدة من أهل أفريقية
محمد بن حفص قال مررت على أخ لي من أهل مصر ونحن بالثغر فأخرج إلى شكالا فقال انظر من أي شيء هذا الشكال فنظرت فإذا شكال من شعر كأنه من صفاته وشدة سواده قد دهن بالدهن فقلت هذا عندي من أعراف الخيل العتاق الكرام فقال لا والله ولكنه من شعر امرأة من أهل إفريقية جعلت منه شكالا ثم أرسلت به إلي فقالت اجعله شكال فرس غاز في سبيل الله عزوجل فأني طالما تمتعت به في غير طاعة الله قلت إنما ينظر إلى ذل هذه المرأة لله تعالى وقصدها لا إلى صورة فعلها لأنها جهلت أن هذا الفعل لا يجوز
ذكر المصطفين من عباد الجبال
الجبال على ضربين جبال مسماة معروفة وجبال غير مسماة فنبدأ بالمعرفة
ذكر المصطفين من عباد جبل اللكام
و هم قسمان من يعرف اسمه ومن لا يعرف فمن المعرفين
862 - اسحاق بن إبراهيم الجمال
كان ينزل جبل اللكام عبد الله بن محمد الزنجاني قال دخلت جبل اللكام فغلطت فوقعت على شيخ متزر بجلد متشح بمسح فقال (4/339)
الله أكبر جني أم إنسي قلت بل إنسي قال ضللت الطريق قلت نعم قال فعلمني كليمات ودفع إلي عصا وقال خذ هذه العصا فإنها تدلك على الطريق فإذا بلغت مرادك فألق العصا فمشيت قليلافإذا أنا على باب أنطاكية فألقيت العصا فلا أدري كيف كان ذلك فرآني قوم فقالوا من أين قلت من اللكام ضللت الطريق فوقعت على شيخ فدلني وعلمني كلمات و قال لي منذ ثلاثين سنة ما رأيت إنسيا قالوا نعم كان ها هنا أخوان يقطعان الطريق فوقعا على هذا الشيخ فدعا لهما فتابا فليس اليوم في هذه النواحي أصلح منهما وهذا الشيخ إسحاق بن إبراهيم الجمال القسم الثاني من لا يعرف اسمه من عباد جبل اللكام
863 - عابد
أبو سليمان الداراني قال مررت في جبل اللكام في جوف الليل فسمعت رجلا يقول في دعائه يا سيدي وأملي ومؤملي ومن به تم عملي أعوذ بك من بدن لا ينتصب بين يديك وأعوذ بك من قلب لا يشتاق إليك و أعوذ بك من دعاء لا يصل إليك و أعوذ بك من عين لا تبكي عليك فعلمت أنه عارف فقلت له يا فتى إن للعارفين مقامات و للمشتاقين علامات قال وما هي قلت كتمان المصيبات و صيانات الكرامات فقال لي عظني فقلت اذهب ولا ترد غيره ولا ترد خيره ولا تبخل بشيئه عنه قال زدني قلت اذهب فلا ترد الدنيا واتخذ الفقر غنى والبلاء من الله عزوجل شفاء والتوكل معاشا والجوع حرفة واتخذ الله لكل شدة عدة فصعق صعقة فتركته (4/340)
864 - عابد آخر
جعفر بن محمد سهل السامري قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا سائر في جبل اللكام مررت على واد كثير الأشجار والنبات فبينا أنا واقف أتعجب من حسن زهرته ومن خضرة العشب في جنباته إذ سمعت صوتا أهطل مدامعي وهيج بلابل حزني فاتبعت الصوت حتى وقفني بباب مغار في سفح ذلك الوادي فإذا الكلام يخرج من جوف المغار فاطلعت فيه فإذا أنا برجل من أهل التعبد والاجتهاد فسمعته يقول سبحان من أخرج قلوب المشتاقين في رياض الطاعة بين يديه سبحان من أوصل الفهم إلى عقول ذوي البصائر فهي لا تعتمد إلا عليه سبحان من أورد حياض المودة نفوس أهل المحبة فهي لا تحن إلا إليه ثم أمسك فقلت السلام عليك يا حليف الأحزان و قرين الأشجان فقال وعليك السلام ما الذي أوصلك إلى من قد أفرده خوف المسألة عن الأنام واشتغل بمحاسبة نفسه من التنطع في الكلام قلت أوصلني إليك الرغبة في التصفح والاعتبار فقال يا فتى إن لله عزوجل عبادا قدح في قلوبهم زندا الشغف نار الومق فأرواحهم لشدة الاشتياق تسرح في الملكوت وتنظر إلى ما ذخر لها في حجب الجبروت
قلت صفهم لي قال أولئك قوم آووا إلى كنف رحمته ثم قال يا سيدي بهم فألحقني ولأعمالهم فوفقني قلت ألا توصيني بوصية قال أحب الله عزوجل شوقا إلى لقائه فإن له يوما يتجلى فيه لأوليائه وأنشأ يقول (4/341)
قد كان لي دمع فأفنيته ... و كان لي جفن فأدميته
وكان لي جسم فأبليته ... و كان لي قلب فأضنيته
وكان لي ياسيدي ناظر ... أرى به الجو فأعميته
عبدك أضحى سيدي موثقا ... لو شئت قبل اليوم داويته
865 - عابد آخر
يوسف بن الحسين قال سمعت ذا النون يقول مررت برجل بجبل اللكام وهو ساجد يقول في سجوده إلهي بك عرفتك فما حاجتي إلى غيرك
866 - عابد آخر
أبو إبراهيم الزهري قال كنت جائيا من المصيصة فمررت باللكام فأحببت أن أراهم يعني المتعبدين هناك فقصدتهم ووافيت صلاة الظهر وأحسبه رآني فيهم إنسان عرفني فقلت له فيكم رجل تدلوني عليه فقالوا أهذا الشيخ الذي يصلي بنا فحضرت معهم صلاة الظهر والعصر فقال له ذلك الرجل هذا رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف وجده أبو أمه سعد بن معاذ قال فبش بي وسلم علي كأنه قد كان يعرفني قال فقلت له من أين تأكل فقال لي أنت مقيم عندنا قلت أما الليلة فأنا عندكم قال ثم مضيت معه فجعل يحدثني و يؤانسني حتى جاء إلى كهف جبل فقعدت و دخل فأخرج قعبا يسع (4/342)
رطلا ونصفا قد أتى عليه الدهور فوضعه وقعد يحدثني حتى إذا كادت الشمس تغرب اجتمعت حواليه ظباء فاعتقل منها ظبية فحلبها حتى ملأ ذلك القدح ثم أرسلها فلما سقط القرص حساه ثم قال ما هو غير ما ترى وربما احتجت إلى الشيء من هذا فتجتمع حولي هذه الظباء فآخذ حاجتي وأرسلها قلت أبو إبراهيم اسمه أحمد ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف معروف بالعلم والزهد وكان أحمد بن حنبل إذا رآه قام قائما
867 - عابد آخر
أبو صالح الدمشقي قال كنت أدور في جبل اللكام أطلب الزهاد والعباد فرأيت رجلا عليه مرقعة جالسا على حجر مطرقا إلى الأرض فقلت له يا شيخ ما تصنع ها هنا قال أنظر وأرعى فقلت له ما أرى بين يديك إلا الحجارة فماالذي تنظر وترعى قال فتغير لونه ثم نظر إلي مغضبا وقال أنظر خواطر قلبي وأرعى أوامر ربي ويحق الذي أظهرك علي إلا جزت عني فقلت كلمني بشيء أنتفع به حتى أمضى فقال من لزم الباب أثبت في الخدم ومن أكثر ذكر الذنوب أكثر من الندم ومن استغنى بالله أمن العدم ثم تركني ومضى
868 - عابد آخر
سري السقطى قال مكثت أربعين سنة أسأل الله عزوجل أن يريني وليا من أوليائه قال فلم أر أحدا فخرجت إلى الثغر و صعدت جبل اللكام فبينما إنا أمشي في المحجة إذ رأيت قوما جلوسا نحو ثلاثين (4/343)
نفسا مرضى عليهم ثياب خلقان فسلمت عليهم ووقفت فقلت لأي شيء أنتم جلوس في هذا القفر قالوا نحن من هذه المدينة التي في أسفل الجبل إذ كان رأس كل شهر في مثل هذا اليوم في مثل هذا الموضع نجلس فإذا كان الظهر أقبل علينا رجل من هذا الموضع فنقوم إليه فيدعو الله لنا فقعدت معهم قال فلما أن كان الظهر أقبل رجل أسمر شديد السمرة عليه مئرز صوف فقرأ على كل واحد قال فلحقته فقلت له قف علي يرحمك الله أكلمك فالتفت إلي وقال يا سرى لا تعامل غيره فتسقط من عينه
869 - عابد آخر
بلغنا عن بعض السلف أنه قال مضيت إلى جبل اللكام فما رأيت أعبد من شاب أصفر اللون كان يصف قدميه فيصلي ركعتين من أول الليل إلى آخره فيختم فيها القرآن ثم يجلس فيعتذر إلى الصباح
870 - و من عقلاء المجانين بجبل اللكام
بلغنا عن ذي النون المعري قال وصف لي رجل من أهل المعرفة في جبل اللكام فقصدته فلقينى جماعة من المتعبدين فسألتهم عنه فقالوا يا ذا النون تسأل عن المجانين فقلت وما الذي رأيتم من جنونه قالوا نراه في أكثر أوقاته هائما ساهيا يكلم فلا يجيب و يتكلم فلا نفقه ما يقول وينوح في أكثر أوقاته على نفسه و يبكي فقلت في نفسي ما أحسن أوصاف هذا المجنون ثم قلت لهم (4/344)
دلوني عليه فقالوا إنه يأوي في الوادي الفلاني فانطلقت إلى الوادي فأشرفت على واد وعر فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا أنا بصوت محزون شج من وجد قلب وهو يقول
يا ذا الذي أنس الفؤاد بذكره ... أنت الذي ما إن سواه أريد
تفنى الليالي والزمان بأسره ... وهواك غض في الفؤاد جديد
قال ذو النون فاتبعت الصوت فإذا أنا بفتى حسن الوجه حسن الصوت و قد ذهبت تلك المحاسن و بقيت وسومها نحيل قد اصفر واحترق وهو شبيه بالواله الحيران فسلمت عليه فرد السلام و بقي شاخصا يقول
أعميت عيني عن الدنيا و زينتها ... فأنت والروح شيء غير مفترق
إذا ذكرتك وافي مقلتي أرق ... من أول الليل حتى مطلع الفلق
وما تطابقت الأجفان عن سنة ... إلا رأيتك بين الجفن والحدق
ثم قال يا ذا النون مالك وطلب المجانين قلت أو مجنون أنت قال قد سميت به فقلت مسألة فقال سل قلت أخبرني ما الذي حبب إليك الانفراد وقطعك عن المؤانسين وهيمك في الأودية فقال حبي له هيمني و شوقي إليه هيجني ووجدي به أفردني ثم قال يا ليت شعري يا فتى إلى متى تتركني مقلقلا في محبتي فقلت أخبرني أين محل الحب منك وأين مسكن الشوق فيك فقال مسكن الحب سواد الفؤاد قلت فما الذي تجد في خلوتك قال الحق سبحانه قلت كيف تجده قال (4/345)
بحيث لاحيث ثم قال ياذا النون أعجبك كلام المجانين قلت إى والله وأشجانى ثم قلت له ما صدق وجدانك للحق تعالى فصرخ صرخه ارتج لها الجبل ثم قال ياذا النون هكذا موت الصادقين ثم سقط إلى الأرض ميتا فتحيرت فى أمرة لاأدرى ماأصنع به وأذا به قد غاب عنى فلا أدرى أين ذهب
ذكر المصطفين من عباد جبل لبنان
وهم على ضربين معروف ومجهول فنبذا بالمعروف
871 - على الجرجرائى
كان من أستاذى بشر الحافى وكان ينزل جبل لبنان
القاسم بن القاسم قال بلغنى أن بشرآ الحافى لقى عليا الجرجرائى بجبل لبنان على عين ماء قال فلما أبصرنى قال بذنب منى لقيت اليوم إنسيا فعدوت خلفه وقلت أوصنى فالتفت إلى وقال أمستوص أنت عانق الفقر وعاشر الصبر وعاد الهوى وعاف الشهوات واجعل بيتك أحلى من لحدك يوم تنقل إليه على هذا طاب المسير إلى الله عز و جل
ذكر المصطفين من المجهولين الأسماء من عباد جبل لبنان
872 - عابد
محمد بن حسان قال بينا أنا أدور فى جبل لبنان إذ خرج على شاب قد أحرقته السموم والرياح عليه طمررث وقد سقط شعر (4/346)
رأسه على حاجبيه فلما نظر إلى ولى هاربآ مستوحشا فقلت له يا أخى موعظه لعل الله عز و جل أن ينفعنى بها فالتفت إلى وهو مار فقال يا أخى احذر الحق فإنه غيور ولا يحب أن يرى فى قلب عبده سواه
873 - عابد آخر
ابراهيم بن الجنيد قال حدثنى أبو فروة السائح قال بينا أنا أسح فى جبل لبنان إذ جن الليل على وأنا فى بعض أوديته فإذا بصوت محزون وهو يقول يا من آنسني بقربه وأوحشنى من خلقه وكان عند مسرتى ارحم اليوم عبرتى فدنوت منه فإذا شيخ قد سقط حاجباه على عينيه فلما أحس بى نفر وقال إنسى أنت قلت إنسي قال إليك عنى فمنكم فررت
874 - عابد آخر
يوسف بن الحسين قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا أسير على جبل لبنان في جوف الليل إذا أنا بعريش من ورق البلوط وإذا شاب قد أخرج رأسه من العريش بوجه أحسن من القمر فقال شهدلك قلبي في النوازل بمعرفة درجة الفضل لك وكيف لا يشهدلك قلبي بذلك ولا يحسن بقلبي أن يألف غيرك هيهات لقد خاب لديك المقصرون عنك ثم أدخل رأسه في عريشه وفاتني كلامه فلم أزل واقفا إلى أن طلع الفجر ثم أخرج رأسه فنظر إلى القمر فقال إلهي أشرقت (4/347)
بنورك السموات وأنارت بنورك الظلمات و حجبت جلالك عن العيون فوصلت به معارف القلوب ثم قال يالتجائي إليك في حزني انظر إلي نظرة من ناديته فأجاب فوثبت إليه فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت رحمك الله أسألك عن مسألة قال لا قلت و لم ذاك قال ما خرج روعك من قلبي قلت حبيبي وما الذي أفزعك مني قال بطالتك في يوم شغلك وتركك الزاد ليوم معادك ووقوفكووقوفك على الظنون يا ذا النون فوقعت مغشيا علي فما أفقت إلا بحر الشمس ثم رفعت رأسي فلم أره ولا العريش فقمت فسرت وفي منه منه حسرة
875 - عابد آخر
عن أبي الحارث الأولاسي قال بلغني أن بجبل لبنان رجلا تطوى له الأرض من يومه إلى بيت المقدس ووصف لي مكانه فصرت إليه فإذا هو رجل قدألبس سلامة فسألته من أين المطعم فدعا بظبية كانت قريبا منه في الجبل فجاء بها إلى صخرة فيها نقرة فحلبها وسقاني من اللبن ومن عقلاء المجانين بجبل لبنان
876 - شيبان المصاب
محمد بن أحمد بن سلمة قال حدثني سالم قال بينا أنا سائر مع ذي النون في جبل لبنان إذ قال لي مكانك يا سالم حتى أعود إليك (4/348)
فغاب عني في الجبل ثلاثة أيام وأنا أنتظره إذا هاجت علي النفس أطعمتها من نبات الأرض وسقيتها من ماء الغدران فلما كان بعد الثالث رجع إلي متغير اللون ذاهب العقل فقلت له بعد أن رجعت إليه نفسه يا أبا الفيض أسبع عارضك فقال لا دعني من تخويف البشرية إني دخلت كهفا من كهوف هذا الجبل فرأيت رجلا أبيض الرأس واللحية أشعث أغبر نحيفا نحيلا كأنما أخرج من قبره ذا منظر مهول وهو يصلي فسلمت عليه بعد ما سلم فرد علي السلام و قام إلى الصلاة فما زال راكعا و ساجدا حتى صلى العصر واستند إلى حجر حذاء المحراب يسبح لا يكلمني فبدأته بالكلام فقلت له رحمك الله توصيني بشيء ادع الله عزوجل لي بدعوة فقال يا بني آنسك الله تعالى بقربه ثم سكت فقلت زدني فقال يا بني من آنسه الله بقربه أعطاه أربع خصال عزا من غير عشيرة وعلما من غير طلب وغنى من غير مال وأنسا من غير جماعة
ثم شهق شهقة فلم يفق إلا بعد ثلاثة أيام حتى توهمت أنه ميت فلما كان بعد ثلاثة أيام قام فتوضأ من عين ماء إلى جنب الكهف وقال لي يا بني كم فاتني من الفرائض صلاة أو صلاتان أو ثلاث قلت قد فاتتك صلاة ثلاثة أيام بلياليهن فقال
إن ذكر الحبيب هيج شوقي ... ثم حب الحبيب أذهب عقلي
وقد استوحشت من ملاقاة المخلوقين و قد أنست بذكر رب العالمين انصرف عني بسلام فقلت له يرحمك الله وقفت عليك (4/349)
ثلاثة أيام رجاء الزيادة و بكيت فقال أحبب مولاك ولا ترد بحبه بدلا فالمحبون لله تعالى هم تيجان العباد و علم الزهاد وهم اصفياء الله وأحباؤه
ثم صرخ صرخة فحركته فإذا هو قد فارق الدنيا فما كان إلا هنية وإذا بجماعة من العباد منحدرين من الجبل حتى واروه تحت التراب فسألت ما اسم هذا الشيخ قالوا شيبان المصاب قال سالم فسألت أهل الشام عنه فقالوا كان مجنونا خرج من أذى الصبيان قلت تعرفون من كلامه شيئا قالوا نعم كلمة واحدة كان يغني بها إذا ضجر إذا بك لم أجن يا حبيبي فبمن قال سالم فقلت عمى والله عليكم
877 - عباس المجنون
عن ابن المبارك قال صعدت جبل لبنان فإذا برجل عليه جبة صوف مفتقة الأكمام عليها مكتوب لاتباع ولا تشترى قد ائتزر بمئزر الخشوع واتشح برداء القنوع فلما رآني اختفى وراء شجرة فناشدته بالله فظهر فقلت إنكم معاشر العباد تصبرون على الوحدة و تقاسون هذه القفار الموحشة فضحك ووضع كمه على رأسه وأنشأ يقول
يا حبيب القلوب من لي سواكا ... ارحم اليوم مذنبا قد أتاكا
أنت سؤلي ومنيتي وسروري ... قد أبى القلب أن يحب سواكا
ليس سؤلي من الجنان نعيم ... غير أني أريدها لأراكا
قال ثم غاب عني فتعاهدت ذلك الموضع سنة لأفع عليه فلم (4/350)
أره فلقيني غلام أبي سليمان الداراني فسألته عنه و أعطيته صفته فبكى وقال واشوقاه إلى نظرة أخرى منه فقلت من هو قال ذلك عباس المجنون يأكل في كل شهر أكلتين من ثمار الشجر ونبات الأرض يتعبد منذ ستين سنة ومن عباد جبل الطور
878 - عابد
سهل بن عيسى الجبلي قال كنت عند إبراهيم بن شيبان فسألوه عن وصف العارف فقال كنت على جبل الطور مع شيخي أبي عبد الله المغربي ومعنا نحو من سبعين رجلا أقل أوأكثر فأتانا ذات يوم شاب عليه أثر الخشوع فكنا إذا صلينا قام فصلى معنا وإذا تجارينا العلم قعد يستمع إلينا فبينا نحن ذات يوم قعود تحت شجرة في مكان فيه عشب و كانت أيام الربيع فتكلم الشيخ علينا في علوم المعارف فرأيت الشاب يتنفس فاحترق ما بين يديه من العشب ثم غاب فلم أره بعد ذلك فقال الشيخ هذا هو العارف وهذا وصفه ومن عباد جبال بيت المقدس
879 - عابد
محمد بن أحمد النيسابوري قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا في بعض جبال بيت المقدس سمعت صوتا وهو يقول ذهبت الآلام عن أبدان الخدام وولهت بالطاعة عن الشراب والطعام وألفت أبدانهم طول القيام بين يدي الملك العلام فتبعت الصوت فإذا شاب أمرد قد علا وجهه أصفرار يميل ميل الغصن إذا ميلته الريح و عليه شملة قد اتزر بها وأخرى قد اتشح بها فلما رآني توارى عني بالشجر (4/351)
فقلت له أيها العالم الجفاء ليس من أخلاق المؤمنين فكلمني وأوصني فخر ساجدا وجعل يقول هذا مقام من لاذ بك واستجار بمعرفتك وألف محبتك فيا إله القلوب وما تحويه من جلال عظمتك احجبني عن القاطعين لي عنك قال ذوالنون ثم غاب عني فلم أره ومن عابدات جبال بيت المقدس
880 - عابدة
محمد المبارك الصوري قال بينما أنا أجول في بعض جبال بيت المقدس إذا أنا بشخص منحدر من جبل فإذا هي امرأة عليها مدرعة من صوف و خمار من صوف فسلمت فردت فقالت يا هذا من أين أقبلت فقلت رجل غريب قالت يا سبحان الله وهل تجد مع سيدك وحشة الغربة وهو مؤنس الغرباء ومحدث الفقراء فبكيت فقالت مم بكاؤك ما أسرع ما وجدت طعم الدواء فقلت أولا يبكي العليل إذا وجد طعم العافية قالت لا قلت لم قالت لأنه ما خدم القلب خادم هو أحب إليه من البكاء و لا خدم البكاء خادم هو أحب إليه من الشهيق والزفير في البكاء قلت علميني رحمك الله فإني أراك حكيمة فأنشأت تقول
دنياك غرارة فذرها ... فإنها مركب جموح
دون بلوغ الجهول منها ... منيته نفسه تطيح
لا تركب الشر واجتنبه ... فإنه فاحش قبيح
والخير فاقدم عليه ترشد ... فإنه واسع فسيح (4/352)
فقلت زيديني فقالت أحبب ربك شوقا إلى لقائه فإن له يوما يتجلى فيه لأوليائه
881 - زهراء الوالهة ومن عقلاء المجانين مجنونة في جبل من جبال بيت المقدس يقال لها زهراء الوالهة
محمد بن سلمة قال سمعت ذا النون المصري يقول بينا أنا في بعض أودية بيت المقدس إذ سمعت صوتا يقول يا ذا الأيادي التي لا تحصى وياذا الجود والبقاء متع بصر قلبي من الجولان في بساتين جبروتك واجعل همتي متصلة بجود لطفك يا لطيف وأعذني من مسالك المتحيرين بحلال بهائك يا رؤوف واجعلنى لك فى جميع الحالات خادمآ وطالبآ وكن لى يا منور قلبى وغايه طلبى فى الفضل صاحبا وقال ذو النون فطلب الصوت حتى ظهرلى فإذا امرأة كانها العود المحترق وعليها درع من الصوف وضمار من الشعر أسود قد أضناها الجهد وأفناها الكمد وذوبها الحب وقتلها الوجد فقلت لها السلام عليك فقالت وعليك السلام ياذاالنون فقلت لاأله إلا الله كيف عرفت اسمى ولم ترينى قالت كشف عن سرى الجيب فرفع عن قلبى حجاب العمى فعرفنى اسمك فقلت ارجعى إلى مناجاتك فقالت أسألك ياذا البهاء أن تصرف عنى (4/353)
شر ما أجد فقد استوحشت من الحياة ثم خرت ميته فبقيت متحيرا متفكرا فأقبلت عجوز كالوالهه فنظرت إليها ثم قالت الحمد لله الذى كرمها قلت من هذه فقالت ألم تسمع بزهراء الوالهه هذه ابنتي توهم الناس منذ عشرين سنه أنها مجنونه وإنما قتلها الشوق إلى ربها ومن عباد جبال المغرب
882 - عابد
عن ذى الكفل أخى ذى النون قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا فى جبال المغرب إذوقعت على رجل عابد فى رأس جبل فسلمت عليه فأطرق إلى الأرض ثم رفع رأسه وقال وعليكم السلام قال ذو النون فقلت له ما مقامك فى هذا المكان فقال معى بضيعه قد هربت بها من الأسواق وقد جئت بها لأدفنها فى هذا المكان قلت وما بضاعتك هذه قال عقد توحيدى وخالص ضمير مكنونى قلت لو أنست بالناس قال منهم هربت وقد قصدت إلى من قصدة غيرى من الراجين فوجدوه مؤنسا ثم رفع طرفه نحو السماء ثم قال أنت أنت قال ذو النون فرفعت طرفى فى موضع رفع طرفه ورددت طرفى فلم أره ومن عباد جبال الاسكندرية
883 - عابد
جعفر بن النعمان الرازي قال قال إبراهيم بن أدهم ذات يوم يا أهل الشام تعجبون مني وإنما العجب من الرجل الاسكندراني فإني طلبته في جبال الاسكندرية حتى وقعت عليه بعد ثمانية أيام وهو (4/354)
يصلي كأنه مدهوش ثم حافت منه التفاتة إلي فقال لي من أنت قلت رجل أعرابي قال هل عندك حديث تحدثنا به قال فحدثته بخمسة أحرف فغشي عليه وأناأنظر ثم أفاق فقال خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ههنا فطلبته بعد فلم أقدر عليه ومن عباد جبل المقطم
884 - عابد
يوسف بن الحسين قال سمعت ذاالنون المصري يقول وصف لي رجل في جبل المقطم فقصدته فرأيت رجلا متعبدا فمكثت معه أربعين يوما لا أكلمه ثم استخرت الله تعالى يوما في كلامه وسألت الله أن يوفقه لي فقلت أيها الشيخ فيم النجاة فقال في التقوى والمراقبة فقلت زدني فقال فر من الخلق ولا تستأنس بهم فقلت له زدني فقال إن لله عبادا نظروا إلي باطن الدنيا لما نظر الخلق إلى ظاهرها فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم إنهم قوم صافوه بالعقول ودققوا له الفطن فسقاهم كأسا من محبته فهم في عطشهم أروياء وفي ريهم عطاش فقلت له زدني فقال إنهم أقوياء في توكلهم ومن عباد جبل الأقرع
885 - عابد
قال بشر بن الحارث كنت مارا في جبال الشام فأتيت على يقال له الأقرع فإذا أنا بشاب قد نحل جسمه ورق جلده و عليه ثوب من صوف فسلمت عليه فرد علي فقلت في نفسي أقول له (4/355)
عظني وأبلغ فقال لي قبل أن أكلمه فأجاب عن سري عظ نفسك بنفسك وفك نفسك من حبسك ولا تشتغل بموعظة غيرك من جنسك واذكر الله في الخلوات يقك السيئات و عليك بالجد والاجتهاد ثم بكى و جعل يقول شغلت النفوس يالقليل الفاني و نحبت الأبدان بالتسويف والأماني ثم قال يا بشر وما رآني وماعرفني قبل ذلك إن لله عبادا خالط قلوبهم الحزن فأسهر ليلهم وأظمأ نهارهم و أبكي عيونهم كما وصفهم ربهم في كتابه كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون
ذكر المصطفين من عباد جبال الشام المجهولة الأسماء
886 - حميد بن جابر الأمير الشامي
إبراهيم بن بشار قال كنت يوما مارا مع إبراهيم بن أدهم في صحراء إذ أتينا على قبر مسنم فترحم عليه و بكى فقلت من هذا فقال هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها كان غرقا في بحار الدنيا ثم أخرجه الله عزوجل منها فاستنقذه لقد بلغني أنه سر ذات يوم بشيء من ملاهي ملكه ودنياه وغروره وفتنته قال ثم نام في مجلسه ذلك مع من يخصه من أهله قال فرأى رجلا (4/356)
واقفا على سريره وبيده كتاب فناوله ففتحه فإذا فيه كتاب بالذهب مكتوب لا تؤثرن فانيا على باق ولا تغترن بملكك وقدرتك وسلطانك و خدمك و عبيدك و لذاتك و شهواتك فإن الذي أنت فيه جسيم فيه جسم لولا أنه عديم وهو ملك لولا أن بعده هلك وهو فرح و سرور لولا أنه لهو وغرور وهو يوم لو كان يوثق له بغد فسارع إلى أمر الله عزوجل فإن الله قال وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين قال فانتبه فزعا و قال هذا تنبيه من الله عزوجل وموعظة فخرج من ملكه لا يعلم به وقصد هذا الجبل فتعبد فيه فلما بلغتني قصته و حدثت بأمره قصدته فسألته فحدثني ببدو أمره وحدثته ببدو أمري فما زلت أقصده حتى مات و دفن ههنا فهذا قبره رحمه الله
887 - عابد آخر
بشر بن الحارث قال استقبلني رجل في طريق الشام و عليه عباءة قد عقدها مستوفرا كأنه وحشي فقلت له رحمك الله من أين جئت قال لي جئت من عنده فقلت وإلى أين تذهب فقال إليه فقلت له ففيم النجاة رحمك الله قال في التقوى والمراقبة لمن أنت له مبتغ قلت فأوصني قال لا أراك تقبل قلت أرجو أن أقبل إن شاء الله قال فر منهم و لا تأنس بهم واستوحش من (4/357)
الدنيا فإنها تعرضك للعطب ثم قال من عرف الدنيا لم يطمئن إليها ومن أبصر ضررها أعد لها دواءها ومن عرف الآخرة ألح في طلبها ومن توهمها اشتاق إلى مافيها فهان عليه العمل
ثم قال فكيف لو توهمت من يملكها ومن زخرفها ومن قال لها كوني فكانت وتزيني فتزينت والتشوق إلى مالكها أولى بقلوب المشتاقين وأطيب لعيش المستأنسين
ثم قال قد أنسوا بربهم فالأمر فيما بينهم و بينه سليم صافوه بالعقول ودققوا له الفطن فسقاهم من كأس حبة شربة فظلوا في عطشهم أروياء و في ريهم عطاشا
ثم قال يا هذا أتفهم ما أقول وإلا فلا تتبعني قلت بلى رحمك الله إني أفهم جميع ما قلت قال الحمد لله الذي فهمك قال ورأيت في وجهه السرور ثم قال خذ إليك نعم هم الذين لا يملون كاساته من تحفه فالحكمة إلى قلوبهم سائلة متواصلة لأنهم الأكياس الذين لم تدنسهم المطامع ولم تقطعهم عن الله عزوجل القواطع ليوث في تعززهم أغنياء في توكلهم أقوياء في تقلبهم قد قطعتهم الخشية وولهتهم الغربة نعيمهم اليقين وروحهم السكون ألين الخلق عريكة وأشده حياء وأشرفه مطلبا لا يركنون إلى الدنيا جزعا ولا يتطاولون ولا يتماوتون فهم صفوة الله عزوجل من خلقه و ضنائن من خالص عباده ثم قال لي أن القلوب (4/358)
الحية من دون هذا لها مقنع نفعنا الله وإياك بما علمنا و سلمنا وإياك بما علمنا السلام عليك ورحمة الله قال بشر فطلبت إليه فأبى علي وقال لست أنساك فلا تنسني ثم مضى و تركني قال بشر فلقيت عيسى بن يونس فحدثته بقصته فقال لي لقد أنس بك ذلك الرجل الصالح إنه رجل من خيار الناس يأوي في الجبل وإنما يدخل إلى المدينة في كل جمعة لصلاة الجمعة و يبيع في ذلك اليوم حطبا يكفيه الى الجمعة الأخرى وعجبا له كيف كلمك لقد حفظت عنه كلاما حسنا
888 - عابد آخر
ابن مسروق قال سمعت سريا يقول بينا نحن نسير في بلاد الشام ملنا عن الطريق ناحية جبل عليه عابد فقال رجل من القوم إنا قد ملنا عن الطريق وهاهنا عابد فميلوا بنا إليه نسأله لعل الله عزوجل يوفقه يكلمنا فملنا إليه فوجدناه يبكي قال سري فقلت له ما أبكى العابد قال ما لي لا أبكي وقد توعرت الطريق و قل السالكون فيها وهجرت الأعمال وقل الراغبون فيها وقل الحق ودرس هذا الأمر فلا أراه إلا في لسان كل بطال ينطق بالحكمة ويفارق الأعمال قد افترش الرخصة و تمهد التأويل واعتل بزلل العاصين ثم صاح صيحة و قال كيف سكنت قلوبهم إلى روح الدنيا وانقطعت عن روح ملكوت السماء ثم جعل يقول واغماه من فتنة العلماء واكرباه من حيرة الأدلاء وجال جولة ثم قال أين الأبرار من العلماء بل أين الأخيار من الزهاد ثم بكى وقال شغلهم والله (4/359)
ذكر طول الوقوف وهم الجواب عن ذكر الجنة والنار والثواب ثم قال أنا أستغفر الله من شهوة الكلام تنحوا عني فخليناه يبكي و قد ملئنا منه غما و هما
889 - عابد آخر
محمد بن أحمد الشمشاطي قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا سائر بين جبال الشام إذا بشيخ على تلعة من الأرض قد تساقطت حاجباه على عينيه كبرا فتقدمت إليه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم جعل يقول يا من دعاه المذنبون فوجدوه قريبا ويا من قصده الزاهدون فوجدوه حبيبا و يا من استأنس به المجتهدون فوجدوه مجيبا ثم أنشأ يقول
وله خصائص مصطفون لحبه ... اختارهم في سالف الأزمان
اختارهم من قبل فطرة خلقه ... فهم ودائع حكمة وبيان
890 - عابد آخر
أبو عثمان سعيد بن الحكم قال سمعت ذا النون يقول بينا أنا أسير في بلاد الشام فإذا أنا بعابد قد خرج من بعض الكهوف فلما نظر إلي استتر بين تلك الأشجار ثم قال أعوذ بك سيدي ممن يشغلني عنك يا حبيب التوابين ومعين الصادقين و غاية أمل المحبين ثم صاح واغماه من طول البكاء و طول الحزن واكرباه من طول المكث في الدنيا ثم قال سبحان من أذاق قلوب العارفين به حلاوة الانقطاع إليه فلا شيء ألذ عندهم من ذكره (4/360)
والخلوة بمناجاته ثم مضى وهو يقول قدوس قدوس قدوس فناديته أيها العابد قف لي فوقف وهو يقول اقطع عن قلبي كل علاقة واجعل شغله بك دون خلقك فسلمت عليه ثم سألته أن يدعو الله لي فقال خفف الله عليك مؤن نصب السير إليه وأداك إلى رضاه حتى لا يكون بينك و بينه علاقة ثم سعى بين يدي كالهارب من السبع و من عابدات بلاد الشام
891 - عابدة
عبد الملك بن هاشم قال سمعت ذا النون يقول كنت سائرا في بعض جبال الشام فإذا أنا بكوخ فقصدته فإذا أنا بعجوز قد عميت من البكاء فدنوت منها فسلمت و قلت يا عجوز حدثيني ما الغنى قالت الزهد في الدنيا قلت فما الزهد في الدنيا قالت ترك طلب المفقود حتى يفقد الموجود
ذكر المصطفين من عباد جبال غير معروفة المكان
892 - عابد في جبل
عن مسعر أن عابدا كان يتعبد في جبل يؤتى بقوته كل يوم قرصين قال سفيان و قال غير مسعر كان يأتيه طير أبيض قال فأتاه ذات يوم بقوته فجاءه سائل فأعطاه أحد القرصين ثم أتاه سائل آخر فكسر القرص الثاني نصفين فأعطاه النصف و بقي النصف (4/361)
لنفسه ثم قال والله ما هذا النصف بالذي يغني عن هذا شيئا و لا هذا النصف بالذي يكفيني ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان فسلم القرص كله للسائل وبات طاويا فأتي في منامه فقيل له سل فقال أسأل المغفرة فقيل له هذا شيء قد أعطيته فسل قال أسأل أن يغاث الناس قال وكان عام جدب فأغيثوا
893 - عابد آخر على جبل
أبو الهيثم عن عبد الله بن غالب أنه حدثه قال خرجت إلى الجزيرة فركبت السفينة فأرفت بنا إلى ناحية قرية عادية في سفح جبل خراب ليس فيها أحد قال فخرجت فطوفت في ذلك الخراب أتأمل آثارهم وما كانوا فيه إذ دخلت بيتا يشبه أن يكون مأهولا قال فقلت إن لهذا البيت شأنا قال فرجعت إلى أصحابي فقلت إن لي إليكم حاجة قالوا وما هي قلت تقيمون علي ليلة قالوا نعم قال فدخلت ذلك البيت فقلت إن يكن له أهل فسيأوون إليه إذا جاء الليل فلما أن جاء الليل سمعت صوتا قد انحط من رأس الجبل يسبح الله و يحمده و يكبره فلم يزل الصوت يدنو كذلك حتى دخل البيت قال ولم أر في ذلك البيت شيئا إلا جرة ليس فيها شيء ووعاء ليس فيه طعام فصلى ما شاء الله أن يصلي ثم انصرف إلى ذلك الوعاء فأكل منه طعاما ثم حمد الله تعالى ثم أتى تلك الجرة فشرب منها شرابا ثم قام فصلى حتى أصبح
فلما أصبح أقام الصلاة فصليت معه فقال رحمك الله دخلت (4/362)
بيتي بغير إذني قال قلت رحمك الله لم أرد إلا الخير و قلت رأيتك أتيت هذا الوعاء فأكلت منه طعاما و قد نظرت قبل ذلك فلم أر فيه شيئا و أتيت الجرة فشربت منها شرابا و قد نظرت قبل ذلك فلم أر فيها شيئا قال أجل ما من طعام أريده من طعام الناس إلا أكلته من هذا الوعاء و لا شراب أريده من شراب الناس إلا شربته من هذه الجرة قال قلت وإن أردت السمك الطري قال و إن أردت السمك الطري فقلت رحمك الله إن هذه الأمة لم تؤمر بالذي صنعت أمرت بالصلاة في الجماعة و عيادة المريض واتباع الجنائز فقال ههنا قرية فيها كل ما ذكرت وأنا منتقل إليها قال فكاتبني حينا ثم انقطع عني كتابه فظننت أنه مات وكان عبد الله بن غالب لما مات وجد من قبره ريح المسك
894 - عابد آخر على جبل
قال محمد بن الحسين حدثني أحمد بن سهل قال حدثني أبو فروة السائح وكان والله من العاملين لله عزوجل بمحبته قال بينما أنا أطوف في يعض الجبال إذ سمعت صدى جبل فقلت إن هاهنا لأمرا ما فاتبعت الصوت فإذا أنا بهاتف يهتف يامن آنسني بذكره وأوحشني من خلقه وكان لي عند مسرتي ارحم اليوم عبرتي وهب لي من معرفتك ما أزداد به تقربا إليك يا عظيم الصنيعة إلى أوليائه اجعلني اليوم من أوليائك المتقين (4/363)
قال ثم سمعت صرخة ولم أر أحدا فأقبلت نحوها فإذا أنا بشيخ مغشي عليه قد بدا بعض جسده فغطيته ثم لم أزل عنده حتى أفاق فقال من أنت رحمك الله قلت رجل من بني آدم قال إليكم عني فمنكم هربت قال ثم بكى و قام فانطلق وتركني فقلت رحمك الله دلني على الطريق فأومأ بيده إلىالسماء
895 - عابد آخر على جبل
محمد بن أبي عبد الله الخزاعي قال حدثني رجل من أهل الشام أنه دخل كهف جبل في ناحية عن طريق الناس فإذا هو بشيخ مكبوب على وجهه وإذا هو يقول إن كنت تطيل جهدي في دار الدنيا و تطيل شقائي في الآخرة فلقد أهملتني وأسقطتني من عينك أيها الكريم قال فسلمت فرفع رأسه فإذا دموعه قد بلت الأرض فقال ألم تكن الدنيا لكم واسعة وأهلها لكم أناسا فلما رأيت من عقله ما رأيت قلت له رحمك الله اعتزلت الناس واغتربت في هذا الموضع فقال وأنت يا أخي فحيثما ظننت أنه أقرب لك إلى الله عزوجل فابتغ إلى ذلك سبيلا فلن يجد مبتغوه من غيره عوضا قال قلت فالمطعم قال أقل ذلك عند الحاجة إليه إذا أردنا ذلك فنبت الأرض و قلوب الشجر قال فقلت ألا أخرجك من هذا الموضع فآتي بك أرض الريف والخصب قال فبكى ثم قال إنما الريف والخصب حيث يطاع الله عزوجل وأنا شيخ كبير أموت الآن لا حاجة لي بالناس (4/364)
896 - عابد آخر في جبل
أبو حفص عمر بن عبد الله المؤذن قال قال قاسم الجرعن عن خرجت حاجا على طريق الشام فبينا أنا أسير في الليل إذ غلطت الطريق فسمعت صيحة فإذا أنا بجماعة قد مسهم من الغلط مثل الذي مسني وقد وقفوا على رجل من المتعبدين في جبل وهو يبكي و يقول في بكائه أترى بكائي نافعي عندك ومنقذ رقبتي من حكمك أتراك آخذا من نفسي بحقك وموبخها على رؤوس الأشهاد بما ضيعت من أمرك ثم صاح آوه لكشف سترك عني آوه لوقوفي بين يديك يا سيداه فقال له بعض القوم إنا غلطنا الطريق فقال وأنا أيضا قد غلطت الطريق فمن لي ولكم بالاستقامة على وجهها ثم قال يا دليل الأدلاء دلني ودلهم ولاتحيرني وإياهم قال فكشف لنا عن الطريق فسلكناها وتركناها وافقا في صومعته
897 - عابد آخر في جبل
بلغنا عن أبي الحارث أحمد بن الحارث الأولاشي أنه قال رأيت رجلا على رأس جبل كأنه شن بال شاخصا ببصره نحو السماء لا يفتر عن الذكر فسألته المقام معه فقال إن أطقت ما طوقت فأقم وإلا فامض عني قلت وما هو قال يكون الذهب والفضة عندك كالحصى والمدر والسباع والهوام كالطير والأنعام وخوفك من جنسك كخوفك من السباع وخوفك من صحبتهم على دينك كخوفك من الشيطان فلعلك تنال ما تريد ومتى كان الذهب والفضة أكبر في (4/365)
قلبك فإنك ستميل إلى الأكبر ومتى هبت السباع أوشك أن تبعد إلى الأمن ومتى أنست بالمخلوقين أوشك أن تهرب من الوحشة وثلاثة أشياء هن تمام الأمر أن تعلم أنك مبتلى لا محالة وأن لك رزقا مقسوما وكذلك أجل معلوم والثالث أن تقصر الأمل فهنالك لا تبالي أين حللت من البلاد ولا من شاهدت من العباد فتقدم إن شئت على بصيرة وإلا فتأخر على علم بضعف وعجز قلت صف لي مايزيد في صبري قال تعلم أن الله عزوجل ناظر إليك فقد روي في بعض الأخبار بعيني ما يتحمل المتحملون من أجلي وما يكابد المكابدون في طلب مرضاتي فإذا علمت أن صبرك يرضي مولاك صبرت قلت فما السبيل إلى الرضاء قال علم القلب بأن المولى عادل في قضائه غير متهم فيما حكم قلت فما معنى الرضاء قال سرور القلب بمرالقضاء ثم قال لا تنم إلا نوم يقظان وكيف يأمن من لم يأته الأمان وبادر قبل الفوت واستعن على تصفية الطعمة بالقلة والتمس الصمت بقلة الخلطاء واتبع قول الرسول صلى الله عليه و سلم وقول السلف و لا تميلن إلى محدثات الأمور فكل محدثة بدعة واعلم أن الله يراك فاتقه وقم له بالقسط على نفسك وتفرد بالفرد إذ كنت له عبدا وتجرد من الهموم الشاغلة واجعل الهم واحدا تروح في العاجلة والآجلة (4/366)
898 - عابد آخر في جبل
بلغنا عن بعض السلف أنه قال رأيت في بعض الجبال شابا أصفر اللون غائر العينين مرتعش الأعضاء لايستقر على الأرض كان به وخز الأسنة ودموعه تتحادر فقلت له من انت فقال آبق من مولاه قلت فتعود وتعتذر فقال العذر يحتاج إلى إقامة حجة فكيف يعتذر المقصر فقلت تتعلق بمن يشفع فيك فقال كل الشفعاء يخافون منه قلت فمن هو قال مولاي رباني صغيرا فعصيته كبيرا شرط لي فوفاني و ضمن لي فأعطاني فخنته في ضماني و عصيته وهو يراني فواحيائي من حسن صنعه و قبيح فعلي فقلت أين هذا المولى فقال أين توجهت لقيت أعوانه وأين استقرت قدمك ففي داره فقلت ارفق بنفسك فربما أحرقك هذا الخوف فقال الحريق بنار خوفه لعله يرضى أحق وأولى ثم أنشأ يقول
لم يبق خوفك لي دمعا و لاجلدا ... لا شك أني بهذا ميت كمدا
عبد كئيب أتى بالعجز معترفا ... وناره تحرق الأحشاء والكبدا
ضاقت مساكنه في الأرض من وجل ... فهب له منك لطفا إن لقيك غدا
فقلت ياغلام الأمر أسهل مما تظن فقال هذا من فتنة البطالين هبه تجاوز وعفا أين آثار الإخلاص والصفاء ثم صاح صيحة فخرجت عجوز من كهف الجبل عليها ثياب رثة (4/367)
فقالت من أعان على البائس الحيران فقلت يا أمة الله دعوته إلى الرجاء فقالت قد دعوته إلى ذلك فقال الرجاء بلا صفاء شرك قلت من أنت منه قالت والدته فقلت أقيم عندك أعينك عليه فقالت خله ذليلا بين يدي قاتله عساه يراه بعين معين فيرحمه فلم أدر مما ذاأعجب من صدق الغلام في خوفه أو من قول العجوز وصدقها انتهى ذكر عباد الجبال بحمد الله ومنه
ذكر المصطفين من عباد الجزائر
899 - عابد
عبيد الله بن أبي نوح قال لقيت رجلا من العباد في بعض الجزائر منفردا فقلت يا أخي ما تصنع ها هنا وحدك أما تستوحش قال الوحشة في غير هذا الموضع أعم قلت مذكم أنت ها هنا قال منذ ثلاثون سنة قلت فمن أين المطعم قال من عند المنعم قلت فها هنا في القرب منك شيء تعول عليه إذا احتجت إليه من المطعم رجعت إليه قال ما أكرثك بما قد كفيته وضمن لك قلت أخبرني بأمرك قال ما لي أمر غير ما ترى غير أني أظل في هذا الليل والنهار متكلا على كرم من لا تأخذه سنة ولا نوم
قال ثم صاح صيحة أفزعني فوثبت وسقط مغشيا عليه فتركته على تلك الحال ومضيت (4/368)
900 - عابد آخر
بلغنا عن عبد الواحد بن زيد أنه قال ركبنا في مركب فطرحتنا الريح إلى جزيرة فإذا فيها رجل يعبد صنما فقلنا له من تعبد فأومأ إلى الصنم فقلنا إن معنا في المركب من يسوى مثل هذا ليس هذا بإله يعبد قال فأنتم لمن تعبدون قلنا الله عز و جل قال وما الله قلنا الذي فى السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفى الأحياء والأموات قضاؤه فقال كيف علمتم به قلنا وجه هذا الملك إلينا رسولا كريما فأخبرنا بذلك قال فما فعل الرسول قلنا لما أدى الرساله قبضه الله قال فما ترك عندكم علامه قلنا بلى ترك عندنا كتاب الملك قال أرونى كتاب الملك فينبغى أن تكون كتب الملوك حسانا فأتيناه بالمصحف فقال ما أعرف هذا فقرأنا عليه سورة من القرآن فلم نزل نقرأ ويبكى حتى ختمنا السورة فقال ينبغى لصاحب هذا الكلام أن لايعصى ثم أسلم وحملناه معنا وعلمناه شرائع الاسلام وسورا من القرآن فلما جن علينا الليل وصلينا العشاء أخذنا مضاجعنا فقال لنا يا قوم هذا الإله الذى دللتمونى عليه إذا جن عليه الليل ينام قلنا لا يا عبد الله هو عظيم قيوم لا ينام قال بئس العبيد أنتم تنامون ومولاكم لاينام فأعجبنا كلامه فلما قدمنا عبادان قلت لأصحابى هذا قريب عهد بالإسلام فجمعنا له دراهم وأعطيناه فقال ما هذه قلنا تنفقها قال لاإله إلاالله دللتمونى على طريق ما سلكتموها أنا (4/369)
كنت فى جزائر البحر أعبد صنما من دونه ولم يضيعنى يضيعنى وأنا أعرفه فلما كان بعد أيام قيل لى إنه فى الموت فأتيته فقلت هل من حاجة فقال قضى حوائجى من جاء بكم إلى جزيرتى قال عبد الواحد فحملتنى عينى فنمت عنده فرأيت مقابر عبادان روضه وفيها قبه وفى القبه سرير عليه جارية لم نر أحسن منها فقالت سألتك بالله إلاماعجلت به فقد اشتد شوقى إليه فانتبهت فإذا به قد فارق الدنيا فغسلته وكفنته وواريته فلما جن الليل نمت فرأيته فى القبه مع الجارية وهو يقرأ والملائكه يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار
ذكر المصطفين من عباد السواحل
901 - عابد بسيراف
سعيد بن ثعلبه الوراق قال بينا أنا ذات ليلة مع رجل من العابدين على الساحل بسيراف فأخذ فى البكاء فلم يزل يبكى حتى خفنا طلوع الفجر ولم يتكلم بشىء ثم قال جرمى عظيم وعفوك كثير فاجمع بين جرمى وعفوك يا كريم قال فتصارخ الناس من كل ناحيه
902 - عابد آخر
أحمد بن فارس قال حدثنى أبو بكر الكتانى قال كنت أنا وأبو سعيد الخراز وعباس بن المهتدى وآخر نسير بالشام على ساحل البحر إذا شاب يمشى معه محبرة ظننا أنه من أصحاب الحديث (4/370)
فقال له أبو سعيد يا فتى على أى طريق تسير فقال ليس أعرف إلا طريقين طريق الخاصه وطريق العامه فأما طريق العامه الذى أنتم عليه وأما طريق الخاصه فباسم الله وتقدم إلى البحر ومشى حيالنا على الماء فلم نزل نراه حتى غاب عن أبصارنا
903 - عابد آخر
عباد أبو عتبه الخواص قال حدثنى رجل من الزهاد ممن يسيح في الجبال قال لم تكن لى همه فى شىء من الدنيا ولا لذة إلا فى لقياهم يعنى الأبدال والزهاد قال فبينا أنا ذات يوم على ساحل من سواحل البحر ليس يسكنه الناس ولا ترقى إليه السفن إذا أنا برجل قد خرج من تلك الجبال فلما رآنى هرب وجعل يسعى واتبعته أسعى خلفه فسقط على وجهه وأدركته فقلت ممن تهرب رحمك الله فلم يكلمنى فقلت إنى أريد الخير فعلمنى فقال عليك بلزوم الحق حيث كنت فوالله ما أنا بحامد لنفسى فأدعوك إلى مثل عملها ثم صاح صيحة فسقط ميتا فمكثت لاإدرى كيف أصنع به قال وهجم الليل علينا فتنحيت فنمت ناحيه عنه فرأيت فى منامى أربعه نفر هبطوا عليه من السماء على خيل فحفرواله وكفنوه وصلوا عليه ثم دفنوه فاستيقظت فزعا للذى رأيت فذهبت عنى وسنه النوم بقيه الليل فلما أصبحت انطلقت إلى موضعه فلم (4/371)
أره فيه فلم أزل أطلب أثره وأنظره حتى رأيت قبرا جديدا فظننت أنه القبر الذى رأيت في منامى
904 - عابد آخر
أبو عبد الرحمن المغازلى قال قال رجل فى بلاد الشام فى بعض تلك السواحل لو بكى العابدون على الإشفاق حتى لم يبق فى أجسادهم جارحة إلاأدت ما فيها من الدم والودك دموعا جاريه وبقيت الأبدان يبسا خالية تتردد فيها الارواح إشفاقا ووجلا من يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت لكانوا محقوقين بذلك ثم غشى عليه
905 - عابد آخر
إسرافيل قال سمعت ذا النون يقول سمعت بعض المتعبدين بساحل بحر الشام يقول إن لله تعالى عبادا عرفوه بيقين من معرفته فشمروا وقصدا إليه احتملوا فيه المصائب لما يرجون عنده من الرغائب صحبوا الدنيا بالأشجان وتنعموا فيها بطول الاحزان فما نظروا إليها بعين راغب ولا تزودوا منها إلا كزاد الراكب خافوا البيات فأسرعوا ورجوا النجاة فأزمعوا بذلوا مهج أنفسهم فى رضا سيدهم نصبوا الآخره نصب أعينهم واصغوا إليها بآذان قلوبهم فلو رأيتهم رأيت قوما ذبلا شفاههم خمصا بطونهم حزينه قلوبهم ناحلة أجسامهم باكية أعينهم لم يصحبوا التعليل والتسويف وقنعوا من الدنيا بقوات طفيف لبسوا من اللباس أطمارا باليه (4/372)
وسكنوا من البلاد قفرا خاليه وهربوا من الاوطان واستبدلوا الوحده من الأخدان فلو رأيتهم لرأيت قوما قد ذبحهم الليل بسكاكين السهر وفصل الأعضاء منهم بخناجر التعب خمصا لطول السرى شعثا لفقد الكرى قد وصلوا الكلال بالكلال وتأهبوا للنقلة والارتحال
906 - عابد آخر
محمد بن إبراهيم الأخرم قال خرجت من مصر وأنا على ساحل البحر فرأيت امرأةخرجت من بريه فقلت إلى أين يا أمة الله قالت إلى صومعه ها هنا لي فيها ابن فمشيت معها فسمعت صوتا من صومعة يقول
ومشتاق وليس له قرار ... نفور ليس يملكه العذار
ومؤنس قلبه ليل طويل ... يلذ به و يوحشه النهار
قضى وطرا به فأفاد علما ... فنهمته التعبد والفرار
ألا صبرا على دنياك صبرا ... فكل أمورها فيها اعتبار
فقلت لها منذ كم صار ابنك هاهنا قالت منذ وهبته منه وقبله مني (4/373)
907 - جماعة من العباد في ساحل
عن عبد الرحمن بن زيد قال لم أر مثل قوم رأيتهم هجمنا مرة على نفر من العباد في بعض سواحل البحر فتفرقوا حين رأونا فبتنا تلك الليلة وارفينا في تلك الجزيرة فما كنت أسمع عامة الليل إلا الصراخ والتعوذ من النار فلما أصبحنا طلبناهم واتبعنا آثارهم فلم نر منهم أحدا
ذكر المصطفيات من عابدات السواحل
908 - عابدة
محمد بن جعفر القنطري قال قال ذو النون بينا أنا أسير على ساحل البحر إذ بصرت بجارية عليها أطمار شعر وإذا هي ذابلة ناحلة فدنوت منها لأسمع ما تقول فرأيتها متصلة الأحزان بالأشجان وعصفت الرياح فاضطربت الأمواج فصرخت ثم سقطت إلى الأرض فلما أفاقت نحبت ثم قالت يا سيدي بك تفرد المتفردون في الخلوات و لعظمتك سبحت النينان في البحار الزاخرات ولجلال قدسك اصطفقت الأمواج المتلاطمات أنت الذي سجد لك سواد الليل وضوء النهار والفلك الدوار والبحر الزخار والقمر النوار وكل شيء عندك بمقدار
يا مؤنس الأبرار في خلوتهم ... يا خير من حطت به النزال
فقلت زيدينا من هذا فقالت إليك عني ثم رفعت طرفها نحو السماء وقالت (4/374)
أحبك حبين حب الوداد ... وحبا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الوداد ... فحب شغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتى أراكا
فما الحمد في ذا ولاذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
ثم شهقت شهقة فإذا هي قد فارقت الدنيا فبقيت أتعجب مما رأيت منها فإذا أنا بنسوة قد أقبلن عليهن مدارع الشعر فاحتملنها فغيبنها عني فغسلنها ثم أقبلن بها في أكفانها فقلن لي تقدم فصل عليها فتقدمت فصليت عليها وهن خلفي ثم احتملنها ومضين
909 - عابدة أخرى
محمد بن أحمد السوسي الشمشاطي قال سمعت ذا النون المصري يقول بينا أنا أسير على شاطئ النيل إذا أنا بجارية تدعو وتقول يا من هو عند ألسن الناطقين ويامن هو عند قلوب الذاكرين و يامن هو عند فكر الجامدين قد علمت ما كان مني يا أمل المؤملين ثم صرخت وخرت مغشيا عليها
ذكر المصطفين من عباد البوادي والفلوات
910 - أبو حبيب البدوي
عن الثوري قال أتيت أبا حبيب البدوي أسلم عليه ولم أكن رأيته فقال لي أنت سفيان الثوري الذي يقال قال قلت نعم نسأل الله تعالى بركة ما يقال قال فقال لي يا سفيان ما رأينا خيرا قط إلا من ربنا قلت أجل قال فما لنا نكره لقاء من لم نر خيرا قط إلا منه ثم قال يا سفيان منع الله عزوجل إياك (4/375)
عطاء منه لك و ذاك لم يمنعك من بخل ولا عدم وإنما منعه نظر منه واختبار يا سفيان إن فيك لأنسا ومعك شغل
قال ثم أقبل على غنيمته وتركني
911 - شيبان الراعي
عن محمد بن حمزة الربضي قال كان شيبان الراعي إذا أجنب وليس عنده ماء دعا ربه فجاءت سحابة فأظلته فاغتسل منها وكان يذهب إلى الجمعة فيخط على غنمه فيجيء فيجدها على حالتها لم تتحرك
زيد بن العباس قال لما حج هارون الرشيد قيل له يا أمير المؤمنين قد حج شيبان العام قال اطلبوه لي فطلبوه فأتوه به فقال له يا شيبان عظني قال يا أمير المؤمنين أنا رجل ألكن لا أفصح بالعربية فجئني بمن يفهم كلامي حتى أكلمه فأتي برجل يفهم كلامه
فقال له بالنبطية قل له يا أمير المؤمنين إن الذي يخوفك قبل أن تبلغ المأمن أنصح لك من الذي يؤمنك قبل أن تبلغ الخوف فقال قل له أي شيء تفسير هذا قال قل له الذي يقول لك يا هذا اتق الله عزوجل فإنك رجل من هذه الأمة استرعاك الله عليها وقلدك أمورها وأنت مسئول عنها فاعدل في الرعية واقسم بالسوية وانفر في السرية واتق الله في نفسك هذا الذي يخوفك فإذا بلغت المأمن أمنت هو أنصح لك ممن يقول أنتم أهل بيت مغفور لكم وأنتم قرابة نبيكم وفي شفاعته فلا يزال يؤمنك حتى إذا بلغت (4/376)
الخوف عطبت قال فبكى هارون حتى رحمه من حوله ثم قال زدني قال حسبك ثم خرج
عبد الله بن عبد الرحمن قال حج سفيان الثوري مع شيبان الراعي فعرض لهم سبع فقال له سفيان الثوري أما ترى هذا السبع قال فقال لا تخف قال فلما سمع السبع كلام شيبان بصبص فأخذ شيبان أذنه فعركها فبصبص وحرك ذنبه قال سفيان ما هذه الشهرة قال أو هذه شهرة لولا مكان الشهرة ما وضعت زادي إلا على ظهره سيار قال قرأ رجل على شيبان الراعي فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال فذهب على وجهه فلم ير سنة فلما كان بعد الحول لقيه رجل فقال له من أين فقال من ذلك الحساب الدقيق فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
ذكر المصطفين من عباد البوادي والفلوات المجهولين الأسماء
912 - عابد
عن سعيد بن أبي عروبة قال حج الحجاج فنزل بعض المياه بين مكة والمدينة ودعا بالغداء فقال لحاجبه انظر من يتغدى معي (4/377)
وأسأله عن بعض الأمر فنظر نحو الجبل فإذا هو بأعرابي بين شملتين من شعر نائم فضربه برجله وقال إيت الأمير فأتاه فقال له الحجاج اغسل يديك وتغد معي فقال إنه دعاني من هو خير منك فأجبته قال ومن هو قال الله تبارك وتعالى دعاني إلىالصوم فصمت قال في هذاالحر الشديد قال نعم صمت ليوم أشد حرا من هذا اليوم قال فأفطر وصم غدا قال إن ضمنت لي البقاء إلى غد قال ليس ذاك إلي قال فكيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه قال إنه طعام طيب قال ألم تطيبه أنت ولا الطباخ إنما طيبته العافية
913 - عابد آخر
سعيد بن سالم قال نزل روح بن زنباع منزلا بين مكة والمدينة في حر شديد فانقض عليه راع من جبل فقال يا راعي هلم إلى الغداء قال إني صائم قال وإنك لتصوم في هذا الحر الشديد قال أفأدع أيامي تذهب باطلا قال روح لقد ضننت بأيامك يا راع إذ جاد بها روح بن زنباع
914 - عابد آخر
السري بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير قال خرجت مع أبي فكنا في أرض فلاة فرفع لنا سواد فظنناه شجرة فلما دنونا إذا رجل قائم يصلي فانتظرناه لينصرف فيرشدنا إلى القرية التي نريد فلما لم ينصرف قال أنه أبي إنا نريد قرية كذا و كذا (4/378)
فأوم لنا قبلها بيديك قال ففعل قال فإذا له حوض محوض يابس ليس فيه ماء وإذا قرية يابسة فقال له أبي إنا نراك بأرض فلاة وليس عندك ماء أفنجعل في قربتك من هذا الماء الذي عندنا فأومأ أن لا فلم نبرح حتى جاءت سحابة فمطرت فامتلأ حوضه ذلك فلما أن دخلناالقرية ذكرناه لهم فقالوا نعم ذاك فلان لا يكون في موضع إلا سقي قال فقال أبي كم من عبد لله عزوجل صالح لا نعرفه
915 - عابد آخر
أحمد بن أبي الحواري قال حججت أنا و أبو سليمان فبينا نحن نسير إذ سقطت السطيحة مني وكان برد عظيم فلما افتقدت السطيحة قلت بقينا بلا ماء فأخبرت أبا سليمان فقال سلم وصل على محمد صلى الله عليه و سلم و قل يا راد الضالة ويا هاديا من الضلالة رد الضالة فإذا بواحد ينادي من ذهبت له سطيحة فأخذتها منه فقال لي أبو سليمان لا يتركنا بلا ماء فبينا نحن نسير إذا برجل عليه طمران رثان و قد تدرعنا بالفراء من شدة البرد وهو يرشح عرقا فقال له أبو سليمان ألا ندثرك ببعض ما معنا فقال الرجل يا داراني الحر والبرد خلقان لله تعالى إن أمرهما (4/379)
أن يغشياني أصاباني وإن أمرهما أن يتركاني تركاني يا داراني تصف الزهد وتخاف من البرد أنا أسيح في هذه البرية ثلاثين سنة ما انتفضت ولا ارتعدت يلبسني في البرد فيحا من محبته و يلبسني في الصيف مذاق برد محبته ثم ولى وهو يقول يا داراني تبكي و تصيح وتستريح إلى الترويح فكان أبو سليمان يقول لم يعرفني غيره
916 - عابد آخر
قال الأصمعي حدثنا شبيب بن شيبة قال كنا بطريق مكة و بين أيدينا سفرة نتغدى في يوم قائظ فوقف علينا أعرابي ومعه جارية له زنجية فقال يا قوم أفيكم أحد يقرأ كلام الله عزوجل حتى يكتب لنا كتابا قال قلت له أصب من غدائنا حتى نكتب لك ما تريد قال إني صائم فعجبنا من صومه في البرية فلما فرغنا من غدائنا دعونا به فقلنا ما تريد فقال أيها الرجل إن الدنيا قد كانت ولم أكن فيها و ستكون ولا أكون فيها وإني أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه عزوجل ثم ليوم العقبة تدري ما يوم العقبة قول الله تعالى فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة اكتب ما أقول لك ولا تزيدن علي حرفا هذه فلانة خادم فلان قد أعتقها لوجه الله عزوجل ليوم العقبة (4/380)
قال شبيب فقدمت البصرة وأتيت بغداد فحدثت بهذا الحديث المهدي فقال مائة نسمة تعتق على عهد الأعرابي
917 - عابد آخر
بهيم العجلى قال ركب معنا شاب من بنى مرة من أهل البدو فى البحر فجعل يبكى الليل والنهار فعاتبه أهل المركب على ذلك وقالوا ارفق بنفسك قليلآ فقال إن أقل ما ينبغي أن يكون لنفسى عندى أن أبكيها وأبكى عليها أيام الدنيا لعلمى بما يمر عليها غد قال فما بقى فى المركب أحد إلابكى
918 - عابد آخر
من بنى تيم الله مسكين بن دينار قال كان فى بنى تيم الله شيخ متعبد يجتمع إليه فتيان الحى ونساكهم قال فيذكرهم فإذاأرادوا أن يتفرقوا قال يا إخوتاة قوموا قيام قوم قد يئسوا من المعاودة لمجلسهم خوفآ من خطفات الموكل بالنفوس قال فيبكى والله ويبكى
919 - عابد آخر
الأصمعى قال كنت بالباديه أعلم القرآن فإذا أنا بأعرابى بيده سيف يقطع الطريق فلما دنا منى ليأخذ ثيابى قال لى ياحضرى ماأدخلك البدو وقلت أعلم القرآن قال وما القرآن قلت كلام الله قال ولله كلام قلت نعم قال فأنشدني منه بيتا فقلت وفي السماء رزقكم وما توعدون قال فرمى بالسيف من يده وقال (4/381)
أستغفر الله رزقي في السماء وأناأطلبه في الأرض ثم لقيته بعد سنة في الطواف فقال ألست صاحبك بالأمس قلت بلى قال فأنشدني بيتا آخر فقلت فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون قال فوقف وبكى وجعل يقول ومن ألجأه إلى اليمين فلم يزل يرددها حتى سقط ميتا
920 - عابد آخر
الأصمعي قال قال أعرابي إني لبمضلة من الأرض إذ بصرت بأعرابي قد افترس الأسد ابنه وتفر به بعيره فدق فخذه وذلك بعد أن نازل الأسد فجد له فسمعته يقول لله درك من معصيبة جللت فلطفت وكبرت فصغرت لئن كنت أحللت قلبي ترحا لقد أورثتني فرحا وكيف لا تكونين كذلك وقد زوي بك عني عظيم وقد أورثتني صبرا جسيما فقلت الله يا أعرابي ما رأيت أربط منك جأشا ولا أصعب منك مراسا فقال يا هذا إن الصبر والجزع ضدان أحدهما بصيرة بنجدة والآخرة تهور بغرة وليس بحزم تتبع ما فات تطلبه وعزت أوبته ثم أنشأ يقول
وكذا أشتهي لحادث ريب الد ... هر إذ كان أن يكون عظيما
921 - عابد آخر
عبد الرحمن بن أبي نوح قال ذكر لي عن رجل من العرب فهم وخير فقصدت له في بعض البوادي حتى أصبته يسنو على بعير له (4/382)
فقلت له قل لي كلاما أحفظه عنك يرحمك الله قال لا تطلق لسانك فإن الفعل أولى بك من القول قلت رحمك الله إن دليل العمل القول ومفتاحه المعرفة فأعجب بقولي ثم أقبل علي فقال ياأخي إن الشفقة لم تزل بالمؤمن حتى أوفدته على خير حال وإن الغفلة لم تزل بالفاجر حتى أسلمته إلى شر حال وما خير عمر امرئ لايدري ما عاقبة أمره وما خير عيش لا يكمل ما حفظ منه ولئن كانت الرغبة في الدنيا هي المستولية على قلوبنا كما استولت على أبداننا لقد خبنا غدا في القيامة وخسرنا
922 - عابد آخر
يحيى بن معاذ قال كنت في سياحتي فبينا أنا في بعض الفلوات إذ لاح لي كوخ من قصب فقصدت نحوه فإذا أنا بشيخ مبتلي قد أكل الدود لحمه فوقع له في قلبي رحمة فقلت له ياشيخ أتحب أن أسأل الله تعالى أن يبرئك قال فرفع رأسه وهو أعمى فنظر إلي وقال يا يحيى بن معاذ الرازي وإن لك عنده هذه الدالة فلم لا تسأله أن يبغض إليك شهوة الرمان قال يحيى وكنت قد اعتقدت مع الله عزوجل ترك الشهوات ما خلا الرمان فلم أقدر على تركه لحبي له ثم نظر إلي وقال لي يا يحيى بن معاذ احذر أن تتعرض لأولياء الله فتفتضح عندهم (4/383)
923 - عابد آخر
أبو القاسم النصر آباذي قال سمعت إبراهيم بن شيبان يقول بقي إبراهيم سنة في البادية ما أكل ولا شرب ولااشتهى شيئا فقال عارضتني نفسي أن لي عند الله عزوجل رتبة فلم أشعر أن كلمني رجل عن يميني فقال يا إبراهيم ترائي الله في سرك فنظرت إليه فقلت قد كان ذلك فقال بحمد الله كم لي ههنا لم آكل ولم أشرب ولم أشته شيئا وأنا زمن مطروح قلت الله أعلم قال ثمانين يوما وأنا أستحي من الله عز و جل أن يقع لي خاطرك ولو أقسمت على الله عزوجل أن يجعل هذا الشجر ذهبا لجعله فكانت بركة رؤيته تنبيها لي ورجوعا إلى حالتي الأولى
924 - عابد آخر حجازي
أبو عبد الرحمن المغازلي قال دخلت على رجل مبتلى بالحجاز فقلت كيف تجدك قال أجد عافيته أكثر مما ابتلاني به وأجد نعمه علي أكثر من أن أحصيها قلت أتجد لما أنت فيه ألما شديدا فبكى ثم قال سلي نفسي ألم ما بي ما وعد عليه سيدي أهل الصبر من كمال الأجور في شدة يوم عسير قال ثم غشي عليه فمكث مليا ثم أفاق فقال إني لأحسب أن لأهل الصبر غدا في القيامة مقاما شريفا لا يتقدمه من ثواب الأعمال شيء إلا ما كان من الرضا عن الله تعالى (4/384)
925 - عابد آخر
الخلدي قال خرجت سنة من السنين إلى البادية فبقيت أربعة وعشرين يوما لم أطعم فيها طعاما فلما كان بعد ذلك رأيت كوخا وفيه غلام فقصدت الكوخ فرأيت الغلام قائما يصلي فقلت في نفسي بالعشي يجيء إلى هذا طعام فآكل معه فبقيت تلك الليلة والغد وبعد غد ثلاثة أيام لم يجئه أحد بطعام ولا رأيت أحدا فقلت هذا شيطان ليس هذا من الناس فتركته وانصرفت فلما كان بعد أشهر أنا قاعد في منزلي إذا داق يدق الباب فقلت من هذا ادخل فدخل الغلام وقال لي يا جعفر أنت كما سميت جاع فر
ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية
926 - خنساء بنت عمرو النخعية
عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي عن رجل من خزاعة قال لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة فقالت يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم والله ما نبت بكم الدار ولا أقحمتكم السنة ولا أرداكم الطمع والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم ولا غيرت نسبكم ولا أوطأت حريمكم ولا أبحت حماكم فإذا كان غدا إن شاء الله فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله مستبصرين فإذا رأيتم الحرب قد أبدت (4/385)
ساقها وقد ضربت رواقها فتيمموا وطيسها وجالدوا خميسها تظفروا بالمغنم والسلامة والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة
فانصرف الفتية من عندها وهم لأمرها طائعون وبنصحها عارفون فلما لقوا العدو شد أولهم وهو يقول
يا إخوتا إن العجوز الناصحة ... قد أشربتنا إذ دعتنا البارحة
نصيحة ذات بيان واضحة ... فباكروا الحرب الضروس الكالحه
فإنما تلقون عند الصائحة ... من آل ساسان كلابا نابحة
قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة ... فأنتم بين حياة صالحة
أو ميتة تورث غنما رابحة ...
ثم شد الذي يليه وهو يقول
والله لا نعصي العجوز حرفا ... قد أمرتنا حدبا وعطفا
منها وبرا صادقا ولطفا ... فباكروا الحرب الضروس زحفا
حتى تكفوا آل كسرى كفا ... وتكشفوهم عن حماكم كشفا
إنا نرى التقصير عنهم ضعفا ... والقتل فيهم نجدة وعرفا
ثم شد الذي يليه وهو يقول
لست لخنساء ولا للأخزم ... ولا لعمرو ذي السناء الأقدم
إن لم تزر في آل جمع الأعجم ... جمع أبي ساسان جمع رستم
بكل محمود اللقاء ضيغم ... ماض على الهول خضم خضرم
إما لقهر عاجل أو مغنم ... أو لحياة في السبيل الأكرم
نفوز فيها بالنصيب الأعظم (4/386)
ثم شد الذي يليه وهو يقول
إن العجوز ذات حزم وجلد ... والنظر الأوفق والرأي السدد
قد أمرتنا بالصواب والرشد ... نصيحة منها وبرا بالولد
فباكروا الحرب نماء في العدد ... إما لقهر واحتياز للبلد
أو ميتة تورث خلدا للأبد ... في جنة الفردوس في عيش رغد
فقاتلوا جميعا حتى فتح الله عزوجل للمسلمين وكانوا يعطون ألفين فيجيئون بها فيصبونها في حجرها فتقسم ذلك بينهم حفنة خفنة فما يغادر واحد من عطائه درهما
927 - منفوسة بنت زيدالفوارس
الأصمعي قال حدثني رجل من بني ثعل قال كنت ببعض نواحي نجد فرفعت لي فيه قبة من أدم فقصدتها فإذا أصوات نساء معولات فدنوت منهن وسألتهن عن شأنهن فقلن منفوسة بنت زيد الفوارس أصيبت بابنها وإذا هو في حجرها و هي تقول والله لتقدمك أمامي أحب إلي من تأخرك ورائي ولصبري عنك أجدى من جزعي عليك وما حظ مصيبة تحل من التلف محلك وتورث من العطب مثل مضجعك ولئن كان فراقك حسرة إن توقع أجرك لخيرة
ثم قالت لله در عمرو بن معدي كرب حيث يقول
وإنا لقوم لا تفيض دموعنا ... على هالك منا وإن تصم الظهرا
928 - عاتكة المخزومية
إبراهيم بن محمد المخزرمي قال بكت امرأة من بني مخزوم يقال لها عاتكة حتى ذهب بصرها فعوتبت في ذلك وقيل لها (4/387)
ما بعد ذهاب البصر شيء فقالت ما ينبغي للمخوف بالنار أن تجف له دمعة حتى يعرف موقع الأمان من ذلك فلم تزل على ذلك البكاء حتى ماتت عليه
929 - منيرة السدوسية
وبالإسناد حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني عبد الله بن محمد بن حميد بن أبي الأسود قال حدثني أبو سلمة رجل من بني سدوس قال كانت لنا عجوز في الحي لم ندركها نحن أدركها أشياخنا يقال لها منيرة فكانت تقول إذا جاء الليل قد جاء الهول قد جاءت الظلمة وقد جاء الخوف ما أشبه هذا بيوم القيامة ثم تقوم فلا تزال تصلي حتى تصبح
930 - طلحة العدوية
و بالإسناد حدثنا القرشي قال حدثنا عبد الله بن عيسى الطفاوي قال أرسلني أبي إلى طلحة العدوية فدخلنا عليها وبين يديها زنبيلان أحدهما فيه زبيب ونبق وباقلي فقيل لي إنها تسبح به وتأكل منه أحيانا
931 - أم سالم الراسبية
و بالإسناد حدثنا القرشي قال قال محمد بن الحسين حدثني أبو سمير رجل من الأزد قال أتيت أم سالم الراسبية بين الظهر و العصرفاستأذنت عليها فأذنت لي فدخلت عليها وإذا هي تصلى قائمة فلم تنفتل من صلاتها ولم تلتفت إلي حتى نودي بصلاة العصر فخرجت فصليت ثم دخلت عليها فقالت إذا كانت لك حاجة (4/388)
فلا تأتني في هذا الوقت فإن الذي يدع الصلاة في هذا الوقت فإنما يضيع حظ نفسه
932 - أم نهار العدوية
عن عتبة بن صالح الهلالي قال شهدت أعرابية بالجفر جفر بني عدي يقال لها أم نهار العدوية واقفة على قبر رجل ونحن ندفنه فقالت أيها الناس إنكم من الله عزوجل في نعمة ستر ومن الناس بمحل تزكية فإياكم ومصاداة زخاريف الرخاء فإنها ليست من صفة الأطباء فأجلوا شماذير الغفلة عن قلوبكم وتأملوا أهل هذه العرصات الخرس والربوع الصموت وارجعوها صورا بوهمكم تتنسمون روح الحياة فنادوهم يسمعوا واسألوهم يخبروا فاحيوا بموتهم وتيقظوا لغفلاتهم وخذوا خوفكم من أمنهم وحذركم من غرورهم وانظروا بهم إلى أثر البلى في أجسامكم والخراب في مساكنكم وكيف حكم فيهم التراب إذ ولي الحكم فيهم فأبدلهم بالنطق خرسا وبالسمع صمما وبالحركات سكونا رحم الله امرءا أبصر فتدبر واتعظ فاعتبر وعمل ليوم الحساب وخشي وقت العقاب ثم قالت (4/389)
الموت يفني و لايبقي على أحد ... ما أحسب الموت يبقي جدة الأبد
يا موت كم من كريم قد فجعت به ... من أقربيه ومن أهل ومن ولد
ثم قالت تغمدكم الله بالرحمة وبلغ بكم شرف الهمه
933 - عاتكة الغنوية
وبالإسناد حدثنا القرشي قال ذكر محمد بن الحسين قال
حدثني عبيد الله بن محمد التيمي قال حدثني جليس لنا كان يقال له ضرار الطفاوي قال لقيتني امرأة من غني عابدة يقال لها عاتكة فقالت يا ضرار توسل إلى مولاك بجميع ما يمكنك من الوسائل فإنك تجد ذلك لك موفرا عند حلول الأمور الجلائل وانقطع إليه في حوائجك لديه يأت لك عليها على غير تعب منك ولانصب واعلم أنه لن ينال المطيعون في الدنيا لذة أحلى في صدورهم من الازدياد لله في طاعته بقربه ولحلاوة ساعة من مطيع ألذ في قلوب المريدين من جميع ما أخرج إلى الدنيا من زهرة ولذة ولن يجد المريد فقد شيء تركه رجاء ثواب الله فنجد أي أخي قبل أن لا يمكنك الجد وبادر قبل فوات المبادرة فإن الدنيا لا تطيب لعارفها وإنما تورطها أهل الغرة و عما قليل فسوف يعلمون قال أمسكت فقامت
934 - عليلة بنت الكميت
أبو خالد القرشي قال استأذنا على عليلة بنت الكميت وكانت من العابدات قال وذلك وقت الظهر فقالوا هي تصلي فلم تزل ننتظرها إلى العصر فلما صلت العصر أذنت لنا فدخلنا عليها فقلنا رحمك الله لم نزل قعودا منذ الظهر ننتظرك قالت سبحان الله (4/390)
قعودا لم تصلوا بين الظهر والعصر قلنا لا قالت ما ظننت أن أحدا لا يصلي بين الظهر والعصر
قال وانقبضت عنا انقباضا شديدا
935 - هنيدة
عامر بن أسلم الباهلي عن أبيه قال كانت لنا جارية في الحي يقال لها هنيدة فكانت تقوم إذا مضى من الليل ثلثه أو نصفه فتوقظ ولدها و زوجها وخدمها فتقول لهم قوموا فتوضأوا وصلوا فستغتبطون بكلامي هذا فكان هذا دأبها معهم حتى ماتت فرأى زوجها في منامه إن كنت تحب أن تزوجها هناك فاخلفها في أهلها بمثل فعلها فلم يزل دأب الشيخ حتى مات فأتى أكبر ولده في منامه فقيل له إن كنت تحب أن تجاور أبويك في درجتهما من الجنة فاخلفهما في أهلهما بمثل عملهما قال فلم يزل ذلك دأبه حتى مات فكانوا يدعون القوامين
ذكر المصطفيات من عابدات العرب وأهل البادية المجهولات الأسماء
936 - عايدة من بني عبد القيس
عن أبي بكر الهذلي قال كانت عجوز من بني عبد القيس متعبدة فكانت تقول عاملوا الله على قدر نعمه عليكم وإحسانه إليكم فإن لم تطيقوا فعلى قدر ستره فإن لم تطيقوا فعلى الحياء منه فإن لم تطيقوا فعلى الرجاء لثوابه فإن لم تطيقوا فعلى خوف عقابه عن أبي بكر الهذلي قال كانت عجوز في عبد القيس متعبدة فكان إذا جاء الليل تحرمت ثم قامت إلى المحراب وكانت تقول (4/391)
المحب لا يسأم من خدمة حبيبه فإذا جاء النهار خرجت إلى القبور فبلغني أنها عوتبت في كثرة إتيانها المقابر فقالت إن القلب القاسي إذا جفا لم يلينه إلا رسوم البلى وإني لآتي القبور فكأني أنظر وقد خرجوا من بين أطباقها وكأني أنظر إلى تلك الوجوه المتعفرة وإلى تلك الأجسام المتغيرة وإلى تلك الأكفان الدسمة فيا له من منظر كريه لو أشربه العباد قلوبهم ما أثكل مرارته للأنفس وأشد إتلافه للأبدان
937 - عابدة أخرى
الأصمعي قال مات ابن الأعرابية فما زالت تبكي حتى خد الدمع في خدها ثم استرجعت فقالت اللهم إنك قد علمت فرط حنو الوالدينعلى ولدهما فلذلك لم تأمرهما ببره وقد علمت قدرت عقوق الولد لوالديه فمن أجل ذلك حضضته على طاعتهما وألزمته برهما وقد كان ولدي من البر بوالديه على ما يكون الوالدن بولدهما فأجره بذلك مني صلاة ولقه سرورا ونضرة فقال لها أعرابي نعم ما دعوت له لولا أنك شبته من الجزع بما لا يجدي عليه فقالت إذا وقعت الضرورات لم يجر عليها حكم المكتسبات و جزعي على ابني غير ممكن في الطاقة صرفه ولا في القدرة منعه والله ولي عذري بفضله فقد قال عزوجل فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (4/392)
938 - عابدة أخرى
أبو عبد الرحمن القرشي عن رجل من بني ثعلب قال شهدت امرأة من أهل البادية توصي أبنا لها وأراد سفرا فقالت يا بني أوصيك بتقوى الله فإن قليلها أجدي عليك من كثير عقلك وإياك والنمائم فإنها تزرع الضغائن وتفرق بين المحبين ومثل لنفسك ما تستحسنه من غيرك مثالا ثم اتخذه إماما واعلم أنه من جمع بين الحياء والسخاء فقد استجاد الحلة إزارها و رداءها
939 - عابدة أخرى
الصلت بن حكيم قال حدثني ابن السماك أن نفرا وردوا على عجوز في بعض البوادي يسألونها بيع شاة فقالت ما كنت لأبيع ابن السبيل شيئا ولكن خذوها على ما عند الله ثم بكى أبو العباس يعني ابن السماك و قال رحمها الله فقهت في بدوها
940 - عابدة أخرى
أبو بكر الشيرازي قال تهت في بادية العراق أياما كثيرة فلم أجد شيئا أرتفق به فلما كان بعد أيام رأيت في الفلا خباء شعر مضروبا فقصدته فإذا بيت وعليه ستر مسبل فسلمت فردت علي عجوز من داخل الخباء وقالت يا إنسان من أين أقبلت قلت من مكة قالت وأين تريد قلت الشام فقالت أرى شبح إنسان بطال ألا لزمت زاوية تجلس فيها إلى أن يأتيك اليقين ثم تنظر هذه الكسرة من أين تأكلها ثم قالت تقرأ القرآن قلت نعم فقالت اقرأ علي آخر سورة الفرقان فقرأتها فشهقت وأغمي عليها (4/393)
فلما أفاقت بعد هوي قرأت هي الآيات فأخذت مني قراءتها أخذا شديدا ثم قالت يا إنسان اقرأها ثانية فقرأتها فلحقها مثل ما لحقها في الأول و صبرت أكثر من ذلك ولم تفق فقلت أستكشف حالها ماتت أم لا فتركت البيت على حاله و مشيت أقل من نصف ميل فأشرفت على واد فيه أعراب فأقبل إلي غلامان معهما جارية فقال أحد الغلامين يا إنسان أتيت البيت في الفلاة قلت نعم قال و تقرأ القرآن قلت نعم قال قتلت العجوز ورب الكعبة فمشيت مع الغلامين حتى أتينا البيت فدخلت الجارية فكشفت عنها فإذا هي ميتة فأعجبني خاطر الغلام فقلت للجارية من هذان الغلامان
فقالت هذان جعافرة وهذه أختهم منذ ثلاثين سنة ما تستأنس بكلام الناس إذا نزلنا تواري بيتها في الفلاة تأكل في كل ثلاثة أيام أكلة وشربة
941 - عابدة أخرى
عن هشام يعني ابن حسان قال خرجنا حجاجا فنزلنا منزلا في
بعض الطريق فقرأ رجل كان معنا هذه الآية لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم فسمعت امرأة فقالت أعد رحمك الله فأعادها فقالت خلفت لي في البيت سبعة أعبد أشهدكم أنهم أحرار لكل باب واحد منهم (4/394)
942 - عابدة أخرى
مسمع قال قالت امرأة من العرب ذات عقل ودين سبحانك إلهي إمهالك المذنبين أطمعهم في حسن عفوك عنهم سبحانك إلهي لم يزل قلبي يشهد برضاك لمن نال عفوك سبحانك إلهي تفضلا منك وامتنانا على خلقك
943 - عابدة أخرى
ابن عائشة قال نظرت أعرابية إلى فتى حسن الوجه بضة فقالت
اني لأرى وجها ما غضنه بدد وضوء السحر
944 - عابدة اخرى
الأصمعي قال قال أعرابي خرجت في ليلة ظلماء فإذا أنا بجارية كأنها علم فأردتها فقالت ويلك أمالك زاجر من عقل إذا لم يكن لك ناه من دين فقلت إيها والله ما يرانا إلا الكواكب فقالت وأين مكوكبها
945 - عابدة أخرى
محمد بن سلام الجمحي قال سمعت خارجة بن زياد رجلا من بني سليم يذكر قال هويت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجت إلى المسجد فعرفت ذلك مني فقالت لي ذات ليلة ألك حاجة قلت نعم قالت وما هي قلت مودتك قالت دع ذلك ليوم التغابن قال فأبكتني والله فما عدت إلى ذلك (4/395)
946 - عابدة أخرى
بلغنا عن أبان بن تغلب أنه قال رأيت أعرابية تمرض ابنا لها وهو لما به فلما فاظ أغمضته ثم تنحت عن مقعدها عند رأسه ورجعت إلى مجلسها تجاهه فقالت يا فلان ما حق من ألبس العافية وأسبغت عليه النعمة وأطيلت له النظرة أن يعجز عن التوثق لنفسه قبل حل عقدته والحلول بعقوبته والحيال بينه وبين نفسه قال فأجابها أعرابي إنا لم نزل نسمع أن الجزع إنما هو للنساء فلا يجز عن رجل بمصيبة بعدك ولقد كرم صبرك وما أشبهت النساء فأقبلت عليه بوجهها ثم قالت ما ميز رجل بين الصبر والجزع إلا أصاب بينهما منهجين بعيدي التفاوت في حاليهما أما الصبر فحسن العلانية محمود العاقبة وأما الجزع فغير معوض مع مأثمه ولو كانا رجلين في صورة كان أولادهما بالغلبة وحسن الصورة مع أكرم الطبيعة في عاجله من الدين وآجله من الثواب وكفى ما وعد الله عزوجل فيه لمن ألهمه إياه
انتهى ذكر أهل البوادي (4/396)
ذكر المصطفين من العباد الذين لم يعرف لهم مستقر وإنما لقوا في أماكن
ذكر المصطفين ممن لقى منهم في طريق مكة
947 - عابد
أبو يوسف عبيد الله بن أبي نوح وكان من العابدين قال صحبت شيخا في بعض طريق مكة فأعجبتني هيئته فقلت إني أحب أن أصحبك قال أنت وما أحببت قال فكان يمشي بالنهار فإذا أمسى أقام في منزل كان أو غيره قال فيقوم الليل يصلي وكان يصوم في شدة ذلك الحر فإذا أمسى عمد إلى جريب معه فأخرجمنه شيئا فألقاه إلى فيه مرتين أو ثلاثا وكان يدعونى فيقول هلم فأصب من هذا فالقول في نفسي والله ما هذا بمجزيك أنت فكيف أشركك فيه فلم يزل على ذلك ودخلت له في قلبي هيبة عند ما رأيت من اجتهاده وصبره قال فبينا نحن في بعض المنازل إذ نظر إلى رجل يسوق حمارا فقال لي انطلق فاشتر ذلك الحمار فانطلقت وأنا أقول في نفسي والله ما معي ثمنه ولا أعلم معه ثمنه فكيف أشتريه قال فأتيت صاحب الحمار فساومته به فأبى أن ينقصه من ثلاثين دينارا قال فجئت إليه وقلت قد أبي أن ينقصه من ثلاثين دينارا قال خذه واستخر الله قلت الثمن قال سم الله ثم أدخل يدك في الجراب فخذ الثمن فأعطه قال فأخذت الجراب ثم (4/397)
قلت بسم الله وأدخلت يدي فيه فإذا صرة فيها ثلاثون دينارا لا تزيد ولا تنقص قال فدفعتها إلى الرجل وأخذت الحمار وجئت به فقال لي اركب فقلت له أنت أضعف مني فاركب أنت قال فلم يرادني الكلام وركب فكنت أمشي مع حماره فحيث أدراكه الليل أقام فإنما هو راكع و ساجد حتى أتينا عسفان فلقيه شيخ فسلم عليه ثم خلوا فجعلا يبكيان فلما أراد أن يتفرقا قال صاحبي للشيخ أوصني قال نعم ألزم التقوى قلبك وانصب ذكر المعاد أمامك قال زدني قال استقبل الآخرة بالحسنى من عملك وباشر عوارض الدنيا بالزهد من قلبك واعلم أن الأكياس هم الذين عرفوا عيب الدنيا حين عمي على أهلها والسلام عليكم ورحمة الله قال ثم افترقا فقلت لصاحبي من هذا الشيخ رحمك الله فما رأيت أحسن كلاما منه فقال عبد من عبيد الله قال فخرجنا من عسفان حتى أتينا مكة فلما انتهينا إلى الأبطح نزل عن حماره وقال لي أثبت مكانك حتى أنظر إلى بيت الله نظرة ثم أعود إليك إن شاء الله قال فانطلق وعرض لي رجل فقال تبيع الحمار قلت نعم قال بكم قلت بثلاثين دينارا قال قد أخذته منك قلت يا هذا والله ما هو لي وإنما هو لرفيق لي وقد ذهب إلى المسجد ولعله أن يجيء الآن قال فإني لأكلمه إذا طلع الشيخ فقمت إليه فقلت إني قد بعت الحمار بثلاثين (4/398)
دينارا قال أما إنك لو كنت استزدته لزادك إن شاء الله فأما إذ بعت فأوجر فأخذت من الرجل ثلاثين دينارا ودفعت الحمار إليه وجئت بالدنانير فقلت ما أصنع بها قال هي لك فأنفقها قلت لا حاجة لي بها قال فألقها في الجراب قال فألقيتها في الجراب قال فطلبنا منزلا بالأبطح فنزلناه فقال أبغني دواة و قرطاسا فأتيته بدواة وقرطاس قال فكتب كتابين ثم شدهما إلي وقال انطلق به إلى عباد بن عباد وهو نازل في موضع كذا وكذا فادفعه إليه وأقره مني السلام ومن المسلمين ثم دفع الآخر إلي وقال ليكن هذا معك فإذا كان يوم النحر فاقرأه إن شاء الله قال فأخذت الكتاب فأتيت به عباد بن عباد وهو قاعد يحدث وعنده خلق كثير فسلمت ثم قلت رحمك الله كتاب بعض إخوانك إليك فأخذ الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا عباد فإني أحذرك الفقر يوم يحتاج الناس إلى الذخر فإن فقر الآخرة لا يسده غنى وإن مصاب الآخرة لا تجبر مصيبته أبدا وأنا رجل من إخوانك وأنا ميت الساعة إن شاء الله فاحضرني لتليني وتول الصلاة علي وإدخالي حفرتي وأستودعك الله و جميع المسلمين واقرأ السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليكم جميعا السلام ورحمة الله قال فلما قرأ عباد الكتاب قال يا هذا أين هذا الرجل قلت بالأبطح قال فمريض هو قلت لا تركته الساعة صحيحا قال فقام وقام الناس معه حتى (4/399)
دخل عليه فإذا هو مستقبل القبلة ميت مسجى عليه عباءة فقال لى عباد وهذا صاحبك قلت نعم تركته الساعه صحيحا قال فجلس يبكى عند رأسه ثم أخذ فى جهازه وصلى عليه ودفنه قال واحتشد الناس فى جنازته فلما كان يوم النحر قلت والله لأقران الكتاب كما أمرنى ففتحته فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد وأنت يا أخى فنفعك الله بمعروفك يوم يوم يحتاج الناس إلى صالح أعمالهم وجزاك عن صحبنا خيرا فان صاحب المعروف تجده لجنبه يوم القيامه مضطجعا وان حاجتى إليك إذا قضى الله نسكك أن تنطلق إلى بيت المقدس فتدفع ميراثى إلى وارثي والسلام عليك وC قال فقلت فى نفسى كل أمرك رحمك الله عجب وهذا من أعجب أمرك كيف آتى بيت المقدس ولم تسم لى أحدا ولم تصف لى موضعا ولا أدرى إلى من أدفعه قال وخلف قدحا وجرابه ذلك وعصا كان يتوكا عليها قال وكفناه في ثوبى إحرامه ولففنا العباء فوق ذلك قال فلما انقضى الحج قلت والله لانطلقن إلى بيت المقدس فعلى أن أقع على وارث هذا الرجل قال فانطلقت حتى أتيت بيت المقدس فدخلت المسجد وثم حلق قوم فقراء مساكين قال فبينا أنا أدور لاتصفح الناس لا أدرى عمنأسأل إذ نادانى رجل من بعض تلك الحلق باسمى يافلان فالتفت (4/400)
فالتفت إليه فإذا شيخ كأنه صاحبى قال هات ميراث فلان قال فدفعت إليه العصا والقدح والجراب ثم وليت راجعا قال فوالله ما خرجت من المسجد حتى قلت لنفسى تضرب من مكه إلى بيت المقدس وقد رأيت من الشيخ الاول ما رأيت ورأيت من هذا الشيخ الثانى ما رأيت ولا تسال هؤلاء القوم أى شىء قصتهم وتسألهم عن أمرهم ومن هم قال فرجعت ومن رأيى أن لا أفارق هذا الشيخ الآخر حتى يموت أو أموت قال فجعلت أدور الحلق وأجهد على أن أعرفه أو أقع عليه فلم أقع عليه قال وجعلت أسأل عنه وأقمت أياما ببيت المقدس أطلبه وأسأل عنه فلم أجد أحدا يدلنى عليه فرجعت منصرفا إلى العراق
948 - عابد آخر
محمد بن سهل بن عسكر البخارى قال كنت أمشى فى طريق مكه إذ رأيت رجلا مغربيا على بغل وبين يديه مناد ينادى من أصاب هميانا له ألف دينار قال وإذا إنسان أعرج عليه أطمار رثه خلقان يقول للمغربى أى شىء علامه الهميان قال كذا وكذا وفيه بضائع لقوم وأنا أعطى من مالى ألف دينار فقال الفقير من يقرأالكتاب قال ابن عسكر فقلت أنا فقال اعدلوا بنا ناحيه من الطريق فعدلنا فأخرج الهميان فجعل المغربى يقول حبتان لفلانه ابنه فلان بخمسمائة دينار وحبه لفلانه بمائه دينار وجعل (4/401)
يعدد فإذا هو كما قال فحل المغربى هميانه وقال خذ ألف الدينار التى وعدت على وجادة الهميان فقال الاعرج لو كانت قيمه الهميان الذى أعطيتك عندى بعرتين ما كنت تراه فكيف آخذ منك ألف دينار على ما هذا قيمته وقام ومضى ولم يأخذ منه شيئا
949 - عابد آخر
أبو الحسن اللؤلؤى وكان خيرا فاضلا قال كنت فى البحر فانكسر المركب وغرق كل ما فيه وكان فى وطائى لؤلؤ قيمته أربعه آلاف دينار وقربت أيام الحج وخفت الفوات فلما سلم الله عز و جل روحى ونجانى مشيت فقال لى جماعه كانوا فى المركب لو توقفت عسى يجىء من يخرج شيئا فيخرج لك من رحلك شيئا فقلت قد علم الله عز و جل ما مر منى وكان فى وطائى شىء قيمته أربعه آلاف دينار وما كنت بالذى أوثره على وقفه بعرفه فقالوا وما الذى ورثك هذه المنزلة فقلت أنا رجل مولع بالحج أطلب الربح والثواب حججت فى بعض السنين وعطشت عطشا شديدا فأجلست عديلى فى وسط المحمل ونزلت أطلب الماء والناس معطشون أيضا فلم أزل أسأل رجلا رجلا ومجمعا مجمعا أمعكم ماء والناس شرع واحد حتى صرت فى ساقة القافله بميل أو ميلين (4/402)
فمررت بمصنع مصهرج وإذا رجل فقير جالس فى أرض المصنع وقد غرز عصاه فى أرض المصنع والماء ينبع من موضع العصا وهو يشرب فنزلت إليه وشربت حتى رويت وجئت إلى القافلة والناس قد نزلوا فأخرجت قربه ومضيت فملأتها ورجعت فلما رآنى الناس والقرية على كتفى مملوءة فكانه نودى فيهم أن الماء وراءكم فتبادروا إليه بالقرب فلما روى الناس عن آخرهم وسارت القافله جئت لانظر فإذا البركه ملاى تلتطم بأمواجها والناس يرمون الدلاء ويرتجزون عليه فموسم يحضرة مثل هؤلاء يقولون اللهم اغفر لمن حضر الموقف ولجماعة المسلمين أوثر عليه أربعه آلاف دينار لا والله ولا الدنيا بأسرها وترك اللؤلؤ وجميع ما فيه قال الشيخ فبلغنى أن قيمة ما كان غرق له خمسون ألف دينار
950 - عابد آخر
لقى بين الثعلبية والخزيمية
أبراهيم بن الملهب أبو الاشهب السائح قال رأيت بين الثعلبيه والخزيمية غلاما قائما يصلى عند بعض الاميال قد أنقطع عن الناس فانتظرته حتى قطع صلاته ثم قلت له ما معك مؤنس قال بلى قلت وأين هو قال أمامى وخلفى ومعى وعن يمينى وعن شمالى وفوقى فعلمت أن عنده معرفه قلت أما معك زاد قال بلى قلت وأين هو قال الاخلاص لله عز و جل (4/403)
والتوحيد والاقرار بنبيه صلى الله عليه و سلم وإيمان صادق وتوكل واثق قلت هل لك فى مرافقتي قال الرفيق يشغل عن الله عز و جل ولا أحب أن أرفق أحدا فأشتغل به عنه طرفه عين فيقطعني عن بعض ما أنا عليه قلت أما تستوحش فى هذه البرية وحدك لو كنت قال إن الانس بالله عز و جل قطع عنى كل وحشه حتى بين السباع ماخفتها ولا استوحشت منها قلت فمن أين تأكل فقال الذى غذانى فى ظلم الاحشاء والارحام صغيرا قد تكفل برزقي كبيرا قلت ففى أى وقت تجيئك الاسباب قال لى حد معلوم ووقت مفهوم إذا احتجت إلى الطعام أصبته فى أى موضع كنت وقد علم ما يصلحنى وهو غير غافل عنى قلت ألك حاجه قال نعم قلت وما هى قال إن رأيتنى فلا تكلمنى ولا تعلم أحدا أنك تعرفنى قلت لك ذلك فهل حاجه غيرها قال نعم قلت وما هى قال إن استطعت أن لا تنسانى فى دعائك عند الشدائد إذا نزلت بك فافعل قلت كيف يدعو مثلى لمثلك وأنت أفضل منى خوفا وتوكلا قال لا تقل هذا إنك قد صليت لله عز و جل وصمت قبلى ولك حق الاسلام ومعرفة الايمان قلت فإن لى أيضا حاجة قال وما هى قلت ادع الله لى فقال حجب الله طرفك عن كل معصية وألهم قلبك الفكر فيما يرضيه حتى لا يكون لك هم إلا هو قلت يا حبيبى متى ألقاك وأين أطلبك فقال أما فى الدنيا فلا تحدث نفسك بلقائى فيها وأما الآخرة فإنها مجمع المتقين فإياك أن تخالف الله فيما وندبك إليه وأن كنت تبتغى لقائى فاطلبني (4/404)
مع الناظرين إلى الله تبارك وتعالى فى زمرتهم قلت وكيف علمت ذاك قال بغض طرفى له عن كل محرم واجتنابى فيه كل منكر وماثم وقد سألته أن يجعل جنتى النظر إليه ثم صاح وأقبل يسعى حتى غاب عن بصرى
951 - عابد آخر
صالح بن عبد الكريم قال رأيت غلاما أسود فى طريق مكه عند ميل يصلى فقلت له عبد أنت قال نعم قلت فعليك ضريبة قال نعم قلت أفلا أكلم مولاك أن يضع عنك قال وما الدنيا كلها فأجزع من ذلها قال فاشتريته وأعتقته فقعد يبكى وقال لى أعتقتنى قلت نعم قال أعتقك الله يوم القيامه وقعد يبكى ويقول اشتد على الامر فناولته دنانير فأبى أن يأخذها قال فحججت بعد ذلك بأربع سنين فسألت عنه فقالوا غاب عنا فمذ غاب قحطنا وصار إلى جدة
952 - عابد آخر
جعفر الخلدى قال حججت سنه من السنين فصحبنى بعض الصوفة وكان ممن يشار إليه بالعلم والمعرفه فأضافنا الطريق إلى جبل وكنا جماعة فاستسقيناه ماء ولم يكن فى القرب ماء فأخذ ركوة وأوما بها إلى الجبل فسمعت خرير الماء بأذنى حتى امتلأت الركوة (4/405)
فسقى الجماعه وكانت عينى إلى الموضع فلا أرى للماء أثرا ولاشقا فى الجبل قال أبى فسألت جعفرا عن هذا فقال كرامه الله عز و جل لاوليائة
953 - عابد آخر
محمد بن المبارك الصورى قال خرجنا حجاجا فإذا نحن بشاب ليس معه زاد ولا راحلة فقلت حبيبى فى مثل هذا الطريق بلا زاد ولا راحلة فقال لي تحسن تقرأ فقلت نعم فقرأتبسم الله الرحمن الرحيم كهيعص فشهق شهقة خر مغشيا عليه ثم أفاق فقال ويحك تدرى ماقرأت كاف من كاف وهاء من هاد وعين من عليم وصاد من صادق فإذاكان معى كاف وهاد وعليم وصادق ما أصنع بزاد وراحلة ثم ولى وهو يقول
يا طالب العلم هاهنا وهنا ... ومعدن العلم بين جنبيكا
إن كنت ترجو الجنان تسكنها ... فمثل العرض نصب عينيكا
إن كنت ترجو الحسان تخطبها ... فأسبل الدمع فوق خديكا
وقم إذا قام كل مجتهد ... وادعه كيما يقول لبيكا
954 - عابد آخر
وبالإسناد قال عمر بن بحر وسمعت أبا الفيض يقول كنت فى تيه بنى إسرائيل أريد الحج فرأيت غلاما أمرد على المحجه يؤم (4/406)
البيت العتيق بلا زاد ولا راحله فقلت لرفيقى إن كان مع هذا الغلام يقين وإلا هلك فلحقته فقلت يا فتى فقال لبيك فقلت فى مثل هذا الموضع فى هذا الوقت بلا زاد ولا راحله قال فنظر إلى ثم قال يا شيخ ارفع رأسك انظر هل ترى غيره فقلت يا حبيبى اذهب إلى حيث شئت
955 - عابد آخر
قال ذو النون حججت سنة إلى بيت الله الحرام فضللت عن الطريق ولم يكن معى ماء ولا زاد فأشرفت على الهلكة فلاحت لى أشجار كثيرة ومحراب فطرحت نفسى فى ظل شجرة فلما غربت الشمس إذا أنا بشاب متغير اللون نحيل يؤم المحراب فركل برجله ربوة من الارض فظهرت عين تبض بماء عذب فشرب وتوضأ وقام فى محرابة فقمت إلى العين فشربت ماء عذبا وتوضأت وقمت أصلى بصلاته حتى برق عمود الصبح فلما رأى الصبح وثب قائما على قدميه ونادى بأعلى صوته ذهب الليل بما فيه وأقبل النهار بدواهيه ولم أقض من خدمتك وطرا آة خسر من أتعب لغيرك بدنه وألجا إلى سواك هممه فلما أراد أن يمضى ناديته بالذى منحك لذيذ الرغب وأذهب عنك ملال التعب إلا خفضت لى جناح الرحمه فإنى غريب أريد البيت الحرام وقد ضللت فقال يا بطال وهل قطع بوفده دون البلوغ إليه ثم قال اتبعنى فرأيت الارض تطوى (4/407)
من تحت أرجلنا حتى رأيت المحجة وسمعت ضجه فقال ها قومك ثم أنشأ يقول
من عامل الله بتقواه ... وكان فى الخلوة يرعاه
سقاه كأسا من صفا حبه ... يسلبه لذه دنياه
فأبعد الخلق وأقصاهم ... وانفرد العبد بمولاه ومن المصطفين الذين لقوا عند الاحرام
956 - عابد
عبد الله بن الجلاء قال كنت بذى الحليفه وأنا أريد الحج والناس يحرمون فرأيت شابا قد صب عليه الماء يريد الاحرام وأنا أنظر إليه فقال يا رب أريد أن أقول لبيك اللهم لبيك وأخشى أن تجيبني لا لبيك ولا سعديك
وبقى يردد هذا القول مرارا كثيرا وأنا أتسمع عليه فلما أكثر قلت له ليس لك بد من الاحرام فقل فقال يا شيخ أخشى إن قلت لبيك اللهم لبيك أجابنى بلا لبيك ولا سعديك فقلت له أحسن ظنك وقلمعى لبيك اللهم لبيك فقال لبيك اللهم وطولها وخرجت نفسه مع قوله اللهم فسقط ميتا
ذكر المصطفين من العباد الذين لقوا بعرفة
957 - عابدان
عن ثابت البنانى قال إنا لوقوف بجبل عرفة فإذا شابان عليهما العباء القطوانى نادى أحدهما صاحبه يا حبيب فأجابه الآخر (4/408)
لبيك أيها المحب قال ترى الذى تحاببنا فيه وتواددنا فيه معذبنا غدا فى القيامه قال فسمعنا مناديا سمعته الآذان ولم تره الاعين يقول لا ليس بفاعل
958 - عبد آخر
يحيى بن كامل القرشى قال أخبرنى سفيان الثورى قال سمعت أعرابيا وهو متعلق بعرفه وهو يقول إلهى من أولى بالزلل والتقصير منى وقد خلقتنى ضعيفا ومن أولى بالعفو عنى منك وعلمك فى سابق وأمرك بى محيط أطعتك بإذنك والمنه لك على وعصيتك بعلمك والحجه لك فأسألك بوجوب حجتك وانقطاع حجتى وبفقرى إليك وغناك عنى أن تغفر لى وترحمنى إلهى لم أحسن حتى أعطيتنى ولم أسىء حتى قضيت على اللهم إنا أطعناك بنعمتك فى أحب الاشياء إليك شهادة أن لاإله الله ولم نعصك فى أبغض الاشياء إليك الشرك بك فاغفر لى ما بينهما اللهم سرى إليك مكشوف وأنا إليك ملهوف إذا أوحشتنى الغربة آنسنى ذكرك وإذا صببت على الهموم لجات إليك استجارة بك علما بأن أزمة الامور بيدك وأن مصدرها عن قضائك
959 - عابد آخر
أحمد بن ابى الحوارى قال دخلت على أبى سليمان الدراني فقال لى يا أحمد لى أيام ما بكيت فقلت له حدثنى محمود ابن خلف أنه رآى رجلا عشية عرفة على رأس جبل فلما دنا (4/409)
الانصراف سمعه يقول الامان الامان قد دنا الانصراف فليت شعرى ما صنعت فى حاجة المساكين
قال فبكى حتى جعلت الدموع تثب من عينيه ولا تسيل على خده
960 - عابد آخر
أبو الاديان قال ما رأيت خائفا إلا رجلا واحدا كنت بالموقف فرأيت شابا مطرقا منذ وقف الناس إلى أن سقط القرص فقلت يا هذاابسط يديك بالدعاء فقال لى ثم وحشه فقلت له فهذا يوم العفو عن الذنوب قال فبسط يده ففى بسط يده وقع ميتا 961 عابدة لقيت بعرفه
عبد الله بن داود الواسطى قال بينا أنا واقف بعرفات إذ أنا بامرأة وهى تقول من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فماله من هاد فقلت امرأة ضاله فنزلت عن بعيرى وقلت لها يا هذه ما قصتك فقالت ولا تقف ماليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا فقلت فى نفسى حرورية لاترى كلامنا فقلت لها من أين أنت فقرأت سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى فأركبتها بعيرى وقفلت بها أريد رحال المقدسيين فلما توسطت قلت لها يا هذه لمن أصوت فقرأت إنا جعلناك خليفة فى الارض (4/410)
يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى يا يحيى خذ الكتاب بقوة فناديت يا زكريا يا يحيى يا داود فخرج إلى ثلاثة فتيان من بين الرجال فقالوا أمنا ورب الكعبة ضلت منذ ثلاث وأنزلوها وأكرموني فقلت لهم مالها لا تتكلم قالوا ما تكلمت منذ ثلاثين سنة مخافة أن تزل قلت هذه امرأة صالحة المقصد إلا انها لقلة علمها لم تدر أن هذا الفعل منهى عنه لأنها استعملت القرآن فيما لم يوضع له قال ابن عقيل لا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام لأنه استعمال له في غير ما وضع له كما لو أراد استعمال المصحف في الوزن به أو توسده قال ويكره الصمت إلى الليل لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن صمت يوم إلى الليل
ذكر المصطفين من عباد لقوا في الطواف
962 - عابد
قاسم بن عثمان الجوعى يقول رايت في الطواف رجلا لا يزيد على قوله إلهي قضيت حوائج المحتاجين وحاجتي لم تقض فقلت له مالك لا تزيد على هذا الكلام فقال أحدثك كنا سبعة أنفس من بلدان شتى ترافقنا وغزونا أرض العدو فاستؤسرنا كلنا فاعتزل بنا بطريق إلى موضع ليضرب رقابنا فنظرت إلى السماء فإذا سبعة أبواب مفتوحة في السماء عليها سبع جوار من الحور العين (4/411)
على كل باب جارية فقدم رجل منا فضربت عنقه فرايت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض حتى ضربت أعناق الستة وبقيت وأنا وبقى باب واحد فلما قدمت لتضرب رقبتي استوهبني بعض رجاله فوهبني له فسمعتها وهي تقول أي شيء فاتك يا محروم وأغلقت الباب فأنا يا أخي متحسر على ما فاتني قال قاسم الجوعي أراه أفضلهم لأنه رآى ما لم يروا وترك يعمل على الشوق
963 - عابد آخر
عمار بن عثمان قال سمعت هدابا يقول رأيت رجلا يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول في بطائه
تمن على ذي العرش ما شئت إنه ... غني كريم لا يخيب سائلا
قال ثم شهق شهقة حتى ظننت أن نفسه ستخرج قال فقلت له ما شأنك رحمك الله قال أعظم الشأن شأني إني ندبت إلى أمر فقصرت عنه قال ثم غشي عليه
964 - عابد آخر
عن محمد بن صالح قال بينا أنا في الطواف إذ نظرت إلى اعرابي بدوي متعلق بأستار الكعبة وقد شخص بصره نحو السماء وهو يقول يا خير من وفد الأنام إليه ذهبت أيامي وضعفت قوتي وقد وردت إلى بيتك المعظم المكرم بذنوب كثيرة لا تسعها الأرض ولا تغسلها البحار مستجيرا بعفوك منها وحططت رحلى بفنائك وأنفقت مالي في رضاك فماذا الذي يكون من جزائك يا مولاي (4/412)
ثم أقبل على الناس بوجهه فقال يا معشر الناس ادعو لمن وكزته الخطايا وغمرته البلايا ارحموا أسير ضر وغريب فاقه سألتكم بالذي عمتكم الرغبة إليه إلا سألتم الله تعالى أن يهب لي جرمي ويغفر لي ذنوبي ثم عاود فتعلق بأستار الكعبة وقال إلهي وسيد عظيم الذنب مكروب وعن صالح الأعمال مردود وقد أصبحت ذا فاقه إلى رحمتك يا مولاي قال محمد بن صالح ثم رأيته بعرفات وقد وضع يساره على أم رأسه يصرخ ويبكى ويشهق ويقول إليهي وسيدي ومولاي أضحكت الأرض بالزهر وأمطرت السماء بالرحمة والذي أعطيت الموحدين إن نفسي لواثقة لي ولهم منك بالرضا وكيف لا يكون كذلك وأنت حبيب من تحبب إليك وقرة عين من لاذ بك وانقطع إليك يا مولاي حقا حقا أقول لقد امرت بمكارم الأخلاق فاجعل وفودي إليك عتق رقبتي من النار
965 - عابد آخر
ابراهيم الخواص قال رايت شابا في الطواف متزرا بعباءة متشحا بأخرى كثير الطواف والصلاة فوقع في قلبي محبته ففتح علي باربعمائة درهم فجئت بهاإليه وهو جالس خلف المقام فوضعتها على طرف عبائه وقلت له يا أخي اصرف هذه القطيعات في بعض حوائجك فقام وبددها في الحصا وقال يا أبراهيم اشتريت هذه الجلسة من الله (4/413)
تعالى بسبعين ألف دينار عين تريد ان تخدعني عن الله عز و جل بهذا الوسخ قال إبراهيم فما رأيت أعز منه وهو ينظر وأذل منى وأنا أجمعها من بين الحصى ثم قام وذهب
966 - عابد آخر
أبو عبدالله بن طاهر قال رأيت في الطواف شيخا أعجميا والناس يتضرعون ويدعون وهو ساكت فقلت له ألا تدعو فمد يده ورفع بها شيبته وقال يا خداه شيخ ولم يزد على ذلك ومن عقلاء المجانين الذين لقوا في الطواف
967 - ولهان المجنون
أبو عبدالله المغربي قال كنت في الطواف فرايت ولهان المجنون وهو يقول حبك قتلني وشوقك أيضظني والاتصال بك اسقمني فعدمت قلبا يحب غيرك وثكلت خواطر أنست بسواك
ذكر المصطفيات من عابدات رئين في الطواف
968 - عابدة
مالك بن دينار قال بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بجويرية متعبدة فإذا هي تقول يا رب كم شهوة قد ذهبت لذتها وبقيت تبعتها يا رب ما كان لك عقوبة ولا أدب إلا النار قال فوالله ما زال ذلك مقامها حتى طلع الفجر قال مالك فوضعت يدي على راسي ثم صرخت وجعلت أقول ثكلت مالكا أمه وعدمته جويرية منذ الليلة قد بطلته (4/414)
969 - عابدة اخرى
عن محمد بن يزيد بن حبيش قال قال وهيب بن الورد بينما امرأة في الطواف ذات يوم وهي تقول يا رب ذهبت اللذات وبقيت التعبات يا رب سبحانك وعزتك إنك لأرحم الراحمين يا رب مالك عقوبة إلا النار فقالت صاحبة لها كانت معها يا أخية دخلت بيت ربك اليوم قالت والله ما أرى هاتين القدمين وأشارت إلى قدميها أهلا للطواف حول بيت ربي فكيف أراهما أهلا أطأ بهما بيت ربي وقد علمت حيث مشتا وإلى أين مشتا
970 - عابدة اخرى
عن الحسن قال رأيت بدوية دخلت الطواف فقالت يا حسن الصحبة جئتك من بعيد أقبلت أسألك سترك الذي لا تخرقه الرماح ولا تزيله الرياح
971 - عابدة اخرى
عن عبدالعزيز بن أبي رواد قال دخل قوم حجاج ومعهم امرأة تقول أين بيت ربي فيقولون الساعة ترينه فلما رأوه قالوا هذا بيت ربك أما ترينه فخرجت تشتد وتقول بيت ربي بيت ربي حتى وضعت جبهتها على البيت فوالله ما رفعت إلا ميتة
972 - عابدة اخرى
ابراهيم بن مسلم المخزومي قال وقفت امرأة متعبدة في جوف الليل فتعلقت بأستار الكعبة ثم بكت وقالت يا كريم الصحبة ويا حسن المعونة أتيتك من شقة بعيدة متعرضة لمعروفك الذي وسع خلقك (4/415)
فأنلني من معروفك معروفا تغنيني به عن معروف من سواك يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة قال ثم صرخت صرخة سقطت لوجهها فحملت مغشيا عليها
973 - عابدة اخرى
عن سعيد الأزرق الباهلي أنه قال دخلت الطواف ليلا فبينا أنا أطوف وإذا بأمرأة في الحجر ملتزمة للبيت قد علا نشيجها فدنوت منها وهي تقول يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الأوهام والظنون ولا تغيره الحوادث ولا يصفه الواصفون يا عالما بمثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر الأمطار وورق الأشجار وعدد ما أظلم عليه الليل واشرق عليه النهار لا تواري منه سماء سماء ولا ارض أرضا ولا جبل ما في وعره ولا بحر ما في قعره اسألك أن تجعل خير عمرى آخره وخير علمي خواتمه وخير أيامي يوم ألقاك وخير ساعاتي مفارقه الأحياء من دار الغناء إلى دار البقاء التي تكرم فيها من أحببت من أوليائك وتهين فيها من أبغضت من أعدائك أسألك إليهي عافية جامعة لخير الدنيا والآخرى منا منك على وتطولا يا ذا الجلال والإكرام ثم صرخت وغشي عليها
974 - عابدة اخرى
محمد بن زيد قال سمعت ذا النون يقول خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام فبينا أنا في الطواف إذا أنا بشخص متعلق بأستار (4/416)
الكعبة يبكى ويقول في بكائه كتمت بلائي من غيرك وبحت بسري إليك واشتغلت بك عمن سواك عجبت لمن عرفك كيف يسلو عنك ولمن ذاق حبك كيف يصبر عنك ثم أقبل على نفسه فقال امهلك فما ارعويت وستر عليك فما استحييت وسلبك حلاوة المناجاة فما باليت ثم قال عزيزي مالي إذا قمت بين يديك ألقيت على النعاس ومنقني حلاوة الخدمة لم قرة عيني لمة ثم انشأ يقول
روعت قلبي بالفراق فلم أجد ... شيئا أمر من الفراق وأوجعا
حسب الفراق بأن يفرق بيننا ... ولطالما قد كنت منه مفزعا
قال فلم أتمالك أن أتيت الكعبة مستخفيا فلما أحس بي تجلل بخمار كان عليه ثم قال يا ذا النون غض بصرك فإني حرام فعلمت أنها امرأة فقلت والله قد شغلني قولك عن كثير مما كنت فيه فقالت ولم عافك الله أما علمت أن لله عبادا لا يشغلهم سواه ولا يميلون إلى ذكر غيره
975 - عابدة اخرى
عن ذي النون المصري قال كنت في الطواف فسمعت صوتا حزينا وإذا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول
أنت تدري يا حبيبي ... من حبيبي أنت تدري
ونحول الجسم والدمع ... يبوحان بسري
يا عزيزي قد كتمت الحب ... حتى ضاق صدري (4/417)
قال ذو النون فشجاني ما سمعت حتى انتحبت وبكيت ثم قالت إلهي وسيدي ومولاي بحبك لي إلا ما غفرت لي قال فتعاظمني ذلك وقلت يا جارية أما يكفيك أن تقولي بحبي لك حتى تقولي بحبك لي فقالت إليك عني يا ذا النون أما علمت ان لله عز و جل قوما يحبهم قبل أن يحبوه أما سمعت الله عز و جل يقول فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له فقلت من أين علمت أنى ذو النون فقالت يا بطال جالت القلوب في ميدان الأسصرار فعرفتك ثم قالت انظر من خلفك فأدرت وجهي فلا أدرى السماء اقتلعتها أم الأرض ابتلعتها
976 - عابدة اخرى
أبو عبدالملك قال رأيت امرأة متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول اللهم إني أستعديك على نفسي
977 - عابدة اخرى
أبو الاشهب السائح قال بينا أنا في الطواف إذا بجويرية قد تعلقت بأستار الكعبة وهي تقول يا وحشتي بعد الأنس ويا ذلي بعدالعزويا فقري بعد الغنى فقلت لها مالك أذهب لك مال أو أصبت بمصيبة قالت لا ولكن كان لي قلب ففقدته قلت هذه مصيبتك قالت واي مصيبة أعظم من فقد القلوب وانقطاعها عن المحبوب فقلت لها أن حسن صوتك قد عطل على من سمع الكلام الطواف فقالت يا شيخ البيت بيتك ام بيته قلت بل بيته قالت فالحرم حرمك أم حرمه فقلت بل حرمه قالت فدعنا (4/418)
نتدلل عليه على قدر ما استزارنا إليه ثم قالت بحبك لي إلا رددت على قلبي قال فقلت من أين تعلمين أنه يحبك فقالت جيش من أجلي الجيوش وأنفق الأموال وأخرجني من دار الشرك وادخلني في التوحيد وعرفني نفسه بعد جهلي إياه فهل هذا إلا لعناية قلت كيف حبك له قالت أعظم شيء وأجله قلت وتعرفين الحب قالت فإذا جهلت فأي شيء أعرف إنه الحلو المجتنى ما اقتصر فإذا أفرط عاد خبلا قاتلا أو فسادا معطلا وهو شجرة غرسها كرية ومجناها لذيذ ثم ولت وأنشأت تقول
وذي قلق لا يعرف الصبر والعزا ... له مقلة عبرى أضر بها البكا
وجسم نحيل من شجى لاعج الهوى ... فمن ذا يداوي المستهام من الضنا
ولا سيما والحب صعب مرامه ... إذا عطفت منه العواطف بالفنا
978 - عابدة اخرى
الجنيد قال حججت على الوحدة فجاورت بمكة فكنت إذا جن الليل دخلت الطواف فإذا أنا بجارية تطوف وتقول
أبى الحب أن يخفى وكم قد كتمته ... فاصبح عندي قد أناخ وطنبا
إذا اشتد شوقي هام قلبي بذكره ... وإن رمت قربا من حبيبي تقربا
ويبدوا فأفنى ثم أحيا به له ... ويسعدني حتى ألذ وأطربا
قال فقلت لها يا جارية أما تتقين الله تعالى في مثل هذا المكان تتكلمين بمثل هذا الكلام فالتفتت إلي وقالت يا جنيد (4/419)
لولا التقى لم ترني ... أهجر طيب الوسن
إن التقى شردني ... كما ترى عن وطني
أفر من وجدي به ... فحبه هيمني
ثم قالت يا جنيد تطوف بالبيت أم برب البيت فقلت أطوف بالبيت فرفعت رأسها إلى السماء وقالت سبحانك ما أعظم مشيئتك في خلقك خلق كالأحجار يطوفون بالأحجار ثم أنشأت تقول
يطوفون بالأحجار يبغون قربة ... إليك وهم أقسى قلوبا من الصخر
وتاهوا فلم يدروا من التيه من هم ... وخلوا محل القرب في باطن الفكر
فلوا أخلصوا في الود غابت صفاتهم ... وقامت صفات الود للحق بالذكر
قال الجنيد فغشي على من قولها فلما أفقت لم أرها ومن المصطفين الذين لقوا عند المقام
979 - عابد
أيوب بن محمد اليمامي قال حدثني أبو عبد الرحمن العجلي أنه رآى رجلا قائما خلق المقام يصلي فافتتح القرآن فلم يزل يقرأ حتى أتى على آخر القرآن ونودى النداء الأول فجلس فسلم ثم قام فركع ركعة قال حسبتها وتره ثم قال وهو يرى أنه لاي لا يسمعه أحد عند ورود المنهل يغبط الركب الدلجة قال ثم تنحى من مكانه فاختلط بالناس ومن المصطفين الذين لقوا بين مكة والمدينة
980 - عابد
الخلدي قال حج عبدالله الأقطع على فرد قدم قال فلما بلغت (4/420)
بين المسجدين وقع في سرى أنه لم يحج مثلى فإذا أنا بمقعد يحبو فوقفت عليه أعجب منه فقال لي مالك تتعجب من قوى يحمل ضعيفا
ذكر المصطفين ممن لقي في طريق الغزاة
981 - عابد
عبدالله بن قيس أبو أمية الغفاري قال كنا في غزاة لنا فحضر عدوهم فصيح في الناس فهم يثوبون إلى مصافهم إذا رجل أمامي رأس فرسى عند عجز فرسه وهو يخاطب نفسه ويقول أي نفس ألم أشهد مشهد كذا وكذا فقلت أهلك وعيالك فأطعتك ورجعتألم أشهد مشهد كذا وكذا فقلت أهلك وعيالك فأطعتك ورجعت والله لأعرضنك اليوم على الله أخذك أو تركك فقلت لأرمقنه اليوم فرمقته فحلم الناس على عدوهم فكان في أوائلهم ثم إن العدو حمل على الناس فانكشفوا فكان في حماتهم ثم إن الناس حملوا فكان في أوائلهم ثم حمل العدو وانكشف الناس فكان في حماتهم قال فوالله ما زال ذلك دأبه حتى رايته صريعا فعددت به وبدابته ستين أوأكثر من ستين طعنة
982 - عابد آخر
عن شقيق قال خرجنا في غزاة لنا في ليلة مخوفة فإذا رجل نائم فايقظناه فقلنا تنام في مثل هذا المكان فرفع راسه فقال إني لأستحي من ذي العرش أن يعلم أني أخاف شيئا دونه ثم ضرب برأسه فنام (4/421)
983 - عابد آخر
ابو غالب قال صحبنا شيخ في بعض المغازى فكان يحيى الليل حيث كان على ظهر دابته أو على الأرض وكان إذا نظر إلى الفجر قد لمع ضوؤه نادى يا إخوتاه عند بلوغ الماء يفرح الواردون بتعجيل الرواح هنالك تنقطع كل همة
984 - عابد آخر اسمه سعيد
عباس بن يوسف قال قال ميسرة الخادم غزونا في بعض الغزوات فصادفنا العدو فإذا بغتى إلى جانبي مقنع في الحديد فحملعلى الميمنة حتى ثناها وحمل على الميسرة حتى ثناها وحمل على القلب حتى ثناه ثم انشأ يقول
أحسن بمولاك سعيد ظنا ... هذا الذي كنت له تمنى
تنح يا حور الجنان عنا ... مالك قاتلنا ولا قتلنا
لكن إلى سيدنا اشتقنا ... قد علم السر وما أعلنا
قال فحمل فقاتل فقتل منهم عددا ثم رجع إلى مصافه فتكالب عليه العدو فإذا به قد حمل على الناس وأنشأ يقول
قد كنت أرجو ورجائي لم يخب ... أن لا يضيع اليوم كدى والتعب
يا من ملا تلك القصور باللعب ... لولاك ماطابت ولا طاب الطرب فحمل فقتل منهم عددا ثم رجع إلى مصافه فتكالب عليه العدو فحمل الثالثة وأنشأ يقول (4/422)
يا لعبة الخلد قفي ثم اسمعي ... مالك قاتلنا فكفي واربعي
ثم ارجعي إلى الجنان فأسرعي ... لا تطمعي لا تطمعي لا تطمعي
قال فحمل فقاتل حتى قتل
ذكر المصطفين من عباد لقوا في طريق سفر وطريق سياحة
985 - عابد
عن ابن جابر أن أبا عبد رب كان أكثر اهل دمشق مالا فخرج إلى أذربيجان في تجارة فأمسى إلى جانب مرعى ونهر فنزل به قال أبو عبد رب فسمعت صوتا يكثر حمد الله في ناحية فاتبعته فرايت رجلا في حفير من الأرض ملفوفا في حصير فسلمت عليه وقلت من أنت يا عبد الله قال رجل من المسلمين قلت وما حالك هذه قال حال نعمة يجب على حمد الله عز و جل فيها قال قلت وكيف وإنما أنت في حصير قال ومالي لا أحمد الله أن خلقني فأحسن خلقي وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام وألبسني العافية في أركاني وستر على ما أكره نشره فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه قلت رحمك الله إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل فأنا نزول على النهر هاهنا قال ولمه قال قلت لتصيب من الطعام ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير قال فأبى قال الوليد فحسبت أنه قال إن لي في أكل العشب كفاية
قال أبو عبد رب فأردته أن يتبعني فأبى وقال ما لي به من حاجة (4/423)
فانصرفت وقد تقاصرت إلى نفسي فذكر انه رجع من تجارته وتصدق بماله
986 - عابد اخر
ذو النون قال رايت رجلا في البرية يمشى حافيا وهو يقول المحب مجروح الفؤاد ولا راحة له فسلمت عليه فقال وعليك السلام يا ذا النون فقلت عرفتني قبل هذا قال لا قلت فمن أين لك هذه الفراسة فقال ممن يمكلها ليست مني هو الذي نور قلبي بالفراسة حتى عرفني إياك من غير معرفة سبقت لي يا ذا النون قلبي عليل وجسمي مشغول وأنا سائح في البرية أسير فيها منذ عشرين سنة ما أعرف بيتا ولا يكنني سقف يسترني من الشمس إذا كظت ويحفظني من الرياح إذا هبت فصف لي بعض ما أنا فيه إن كنت وصافا فقلت القلب إذا كان عليلا جالت الأحزان والاسام فيه ليس للقلب مع ذلك دواء فصرخ صرخة ثم قال مالي وللشكوى ثم قال ما صحبت صاحبا منذ صحبته أصحبك اليوم فقلت قم بنا فقمنا جميعا نسير بلا زاد فلما أوغلنا في البرية وطوينا ثلاثا قال لي قد جعت قلت نعم قال فأقسم عليه حتى يطعمك قلت لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا سالته شيئا إن شاء اطعم وإن شاء ترك فتبسم وقال امض الآن فلقد أفيض علينا من أطايب الأطعمة ولذيذ الأشربة حتى دخلنا مكة سالمين ثم فارقني وفارقته فكان ذو النون كلما ذكره بكى وتأسف على صحبته (4/424)
987 - عابد آخر
ذو النون قال بينا أنا سائر في بعض الطرق فإذا فتى حسن الوجه أثر التهجد بين عينيه فقلت حبيبي من اين قدمت فقال من عنده فقلت وإلى أين فقال إلى عنده قال فعرضت عليه النفقة فنظر إلي مغضبا ثم ولى وأنشأ يقول
وكافر بالله أمواله ... تزداد أضعافا على كفره
ومؤمن ليس له درهم ... يزداد إيمانا على فقره
لا خير فيمن لم يكن عاقلا ... يمد رجليه على قدره
988 - عابد آخر
عن طاهر المقدسي قال خرجت من عسقلان أريد غزة في طلب البدلاء فإذا انا بفتى عليه أطمار رثة مارا على ساحل البحر قال فكأني لم أعبأ به فالتفت إلى فقال
لا تنب عني بأن ترى خلقي ... فإنما الدر داخل الصدف
علمي جديد وملبسي خلق ... ومنتهى اللبس منتهى الصلف
989 - عابد آخر
محمد بن الحسين الآجرى قال حدثني بعض أصحابنا عن أبي الفضل الشكلى قال رأيت شابا في بعض الطريق وعليه خلق فكأنى لم أحفل به فالتفت إلى ثم قال (4/425)
لا تنب عني بأن ترى خلقى ... فإنما الدر داخل الصدف
علمي جديد وملبسي خلق ... ومنتهى اللبس منتهى الصلف
قال فجعلت ألوذ به وأنست به
990 - عابد آخر
بلغنا عن محمد بن رافع قال أقبلت من بعض بلاد الشام فبينا أنا في بعض الطريق رايت فتى عليه جبة من صوف وبيده ركوة فقلت اين تريد فقال لا أدرى قلت فمن أين جئت قال لا أدرى فظننته موسوسا فقلت من خلقك فاصفر حتى خلته صبغ بالزعفران ثم قال خلقني من لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء فقلت رحمك الله أنا من إخوانك وممن يأنس إلى أمثالك فلا تنقبض مني فقال كيف لا إني والله أود لو جاز لي ترك الجماعات حتى انفرد في شاهق منيف صعب المرتقى أو في غار موحش لعلي أجد قلبي ساعة يسلو عن الدنيا وأهلها فقلت وما جنت عليك الدنيا حتى استحقت هذا البغض منك فقال جناياتها العمى عن جناياتها فقلت هل من دواء أتعالج به من هذا العمى الذي قد حجب عني ما يراد بي قال ما أراك تقدر على العلاج فاستعمل من الدواء أيسره قلت صف لي دواء لطيفا قال فما داؤك قلت حب الدينافتبسم وقال أي قرحة أعظم من هذه ولكن اشرب السموم الطرية والمكاره الصعبة قلت ثم ماذا قالمر الصبر الذى لا جزع فيه والتعب الذى لاراحة فيه قلت ثم ماذا قال الوحشة التي لا أنس فيها والفرقة التي لا اجتماع معها قلت ثم ماذا قال السلو عما تريد والصبر عما تحب فإن أردت فاستعمل هذا وإلا فتأخر واحذر الفتن (4/426)
كأنها قطع الليل المظلم قلت فدلني على علم يقرب إلى الله عز و جل فقال يا أخي قد نظرت في جميع العبادات فلم أر أنفع من الفرار من الناس وترك مخالطتهم يا أخي رايت القلوب عشرة أجزاء فتسعة مع الناس وجزء مع الدنيا فمن قوى على الانفراد حاز تسعة أجزاء من القلب ثم غاب عني فلم أره
ذكر المصطفيات من عابدات لقين في طريق السياحة
991 - عابدة
ذو النون المصري قال بينا أنا سائر في البادية إذ رايت امرأة متعبدة فلما أن دنت مني سلمت على فرددت عليها السلام فقالت من أين أقبلت فقلت من عند حكيم لا يوجد مثله فصاحت وقالت ويحك كيف فارقته وهو أنيس الغرباء فأوجع قلبي كلامها فبكيت فقالت لي مم بكاؤك قلت وقع الدواء على الداء فأسرع في نجاحه قالت فإن كنت صادقا فلم بكيت قلت والصادق لا يبكى قالت لا لأن البكاء راحة القلب وهذا نقص عند ذوي العقول با بطال قلت علمني شيئا ينفعني الله به قالت ويحك ما أفادك الحكيم من الفوائد ما تستغني به عن طلب الزوائد فقلت إن رأيت أن تعلميني شيئا فعلت فقالت اخدم مولاك شوقا إلى لقائه فإن له يوما يتجلى فيه لأوليائه وإنه تعالى سقاهم في الدنيا من محبته كأسا لا يظمئون بعدها أبدا ثم أقبلت تبكي وتقول سيدي إلى كم تدعنى في دار لا أجد فيها من يساعدني على بلائي ثم مضت وهي تقول (4/427)
إذا كان داء العبد حب مليكه ... فمن دونه يرجو طبيبا مداويا
قلت وقد رويت لنا هذه الحكاية بألفاظ أخر
أنبأ عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأ أحمد بن علي بن ثابت قال انبأ القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد البجلي قال أنبأ جعفر بن محمد الخلدي قال حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال سمعت ذا النون المصري قال بينا أنا في بعض مسيري لقيتني امرأة فقالت لي من أين أقبلت قلت رجل غريب فقالت لي ويحك وهي توجد مع الله أحزان الغربة وهو مؤنس الغرباء ومعين الضعفاء فبكيت فقالت لي ما يبكيك قلت وقع الدواء على داء قد قرح فاسرع في نجاحه قالت إن كنت صادقا فلم بكيت قلت والصادق لا يبكي قالت لا قلت ولم قالت إن البكاء راحة القلب وملجأ يلجأ إليه وما كتم القلب شيئا أحق من الشهيق والزفير فإذا أسبلت الدمعة استراح القلب وهذا ضعف عند الأولياء يأبطال فبقيت متعجبا من كلامها فقالت لي مالك قلت تعجبا من هذا الكلام قالت وقد أنسيت القرحة التي سألت عنها قلت لا علميني شيئا ينفعني الله به قالت وما أفاد الحكيم في مقامك هذا من الفوائد ما تستغني به عن طلب الزوائد قلت لا ما أنا بمستغن عن طلب الزوائد قالت صدقت أحبب ربك واشتق إليه فإن له يوما يتجلى فيه على كرسي كرامته لأوليائه واحبائه فيذيقهم من محبته كأسا لا يظمئون بعدها أبدا قال ثم أخذت في البكاء (4/428)
والزفير والشهيق وهي تقول سيدي إلى كم تخلفني في دارلا أجد فيها أحدا يسعدني على البكاء أيام حياتي ثم تركتني ومضت
992 - عابدة اخرى
ذو النون قال رأيت امرأة بنحو أرض البجة قال فناديتها فقالت وما للرجال أن يكلموا النساء لولا ضعف عقلك لرميتك بشىء فقلت لها بالله كيف تعرفين الزيادة قالت بتفقد الأحوال انصرف قال فما ناطقتها بعد ذلك
993 - عابدة اخرى
ذو النون بن ابراهيم قال كنت في تيه بني إسرائيل ومعي صاحب لي فرأيت امرأة عليها مردعة من شعر وخمار من صوف وفي كفها عكاز من حديد فقلت السلام عليك ورحمة الله فقالت وعليك السلام ما للرجال وخطاب النساء عافاك الله فقلت اخوك ذو النون المصري فقالت مرحا حياك الله بالسلام قلت ما تصنعين هاهنا قالت كلما أتيت إلى بلدة يعصى فيها الحبيب ضاق على ذلك البلد فأنا أطلب بقعة طاهرة أخر عليها ساجدة أناجيه بقلب ذاب من شدة الشوق إلى لقائه فقلت ما سمعت أحدا يذكر الحبيب أحسن من ذكرك فأي شيء المحبة قالت سبحان الله أنت الحكيم الواعظ وتسألني اول المحبة يبعث على الكد الدائم حتى إذا وصلت أرواحهم إلى أعلى الصفا جرعهم من محبته لذيذ الكؤوس ثم صرخت وخرت مغشيا عليها فأفاقت هي تقول (4/429)
أحبك حبين حب الرضا ... وحب لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الرضا ... فذكر شغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهل له ... فكشفك للحجب حتى أراكا
فما الحمد في ذا ولا ذاك لي ... ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
994 - عابدة اخرى
ذو النون المصري قال بينا أنا أسير في جبال أنطاكية فإذا انا بجارية كأنها مجنونة وعليها جبة من صوف فسلمت عليها فردت علي السلام ثم قالت ألست ذا النون المصري قلت عافاك الله كيف عرفتني فقالت عرفتك بمعرفة حب الحبيب ثم قالت أسألك عن مسألة قلت سلي فقالت أي شيء السخاء قلت البذل والعطاء قالت هذا سخاء في الدنيا فما السخاء في الدين قلت المسارعة إلى طاعة الله تعالى قالت فإذا سارعت إلى طاعة الله فهو أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد منه شيئا ويحك يا ذا النون إني أريد أن أطلب منه شهوة منذ عشرين سنة فأستحيي منه مخافة أن أكون كأجير السوء إذا عمل طلب الأجر ولكن اعم لتعظيما لهيبته وعز جلاله ومرت وتركتني
995 - عابدة اخرى
ذو النون المصري قال بينما أنا أسير في تيه بني إسرائيل إذا أنا بجارية سوداء قد استلبها الولة من حب الرحمن شاخصة (4/430)
ببصرها نحو السماء فقلت السلام عليك يا أختاه فقالت وعليك السلام ياذا النون فقلت لها من اين عرفتني يا جارية فقالت يا بطال ان الله عز و جل خلق الارواح قبل الاجساد بالفي عام ثم ادارها حول العرش فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فعرفت روحي روحك في ذلك الجولان قلت اني لأراك حكيمة علميني شيئا مما علمك الله عز و جل فقالت يا أبا الفيض ضع على جوارحك ميزان القسط حتى يذوب كل ماكان لغير الله ويبقى القلب مصفى ليس فيه غير الرب عز و جل فبعد ذلك يقيمك على الباب ويوليك ولاية جديدة ويأمر الخزان لك بالطاعة فقلت يا أختاه زيديني فقالت يا أبا الفيض خذ من نفسك لنفسك وأطع الله عز و جل إذا خلوت يجيبك إذا دعوت
ذكر المصطفين من عباد لم يعرفوا باسم ولا مكان
996 - عابد عن شقيق قال كنت في زرع لى إذ أقبلت سحابة ترهيأ قال فسمعت فيها صوتا أمطرى زرع فلان قال فأتيت الرجل فسالته ما تصنع بزرعك قال أبذر ثلثه وآكل ثلثه وأتصدق بثلثه
997 - عابد آخر مضر القارى قال كان رجل من العباد قلما ينام من الليل قال فغلبته عينه ذات ليلة فنام عن جزئه فرآى فيما يرى النائم كأن (4/431)
جارية وقفت عليه كأن وجهها القمر المستتم قال ومعها رق فيه كتاب فقالت أتقرأ أيها الشيخ قلت نعم قالت فاقرأ هذا الكتاب
قال فاخذته من يدها ففتحته فإذا فيه مكتوب
ألهتك لذة نومة عن خير عيش ... مع الخيرات في غرف الجنان
تعيش مخلدا لا موت فيها ... وتنعم في الجنان مع الحسان
تبيقظ من منامك إن خيرا ... من النوم التهجد بالقران
قال فوالله ما ذكرتها قط إلا ذهب عني النوم
998 - عابد آخر
عن البختري بن حارثة قال دخلت على عابد مرة فإذا بين يديه نار قد أججها وهو يعاتب نفسه فلم يزل يعاتبها حتى مات
999 - عابد آخر
عن رياح القيسي قال كان عندنا رجل يصلى كل يوم وليلة الف ركعة حتىاقعد من رجليه وكان يصلى جالسا ألف ركعة فإذا صلى العصر احتبى واستقبل القبلة ويقول عجبت للخليقة كيف أنست بسواك بل عجبت للخليقة كيف استنارت قلوبهم بذكر سواك (4/432)
1000 - عابد آخر
عن ميمون بن سياه قال كنت أنا وخالد الربعى ونفر من اصحابنا نذكر الله فوقف علينا رجل أسود فقال هل ذكرتم الموت فيما كنتم فيه قلنا إن لنذكره كثيرا وما ذكرناه يومنا هذا قال فبكى وقال لقد أغفلتم مالا يفغلكم ونسيتم ما تحصى عليكم الأنفاس لقدومه عليكم قال ثم مال ليسقط وسانده رجل من القوم فخرجت نفسه وإنا لنظر إليه قال فنظرنا فلم نجد أحدا يعرفه قال فغسلناه وحنطناه وكفناه ودفناه
1001 - عابد آخر
اسلم بن عبدالملك وكان شيئا عجيبا قال صحب رجل رجلا شهرين فلم يره نائما بليل ولا نهار فقال مالي لا أراك تنام قال إن عجائب القرآن أطرن نومي ما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في غيرها
1002 - عابد آخر
عبدالله بن داود قال حدثني رجل منذ خمسين سنة أو نحو خمسين سنة قال كان مملوك لإمرأة فكان يصلى الليل كله فقالت له ليس تدعنا ننام الليل فقال لها لك النهار ولي الليل إذا ذكرت النار طار نومي وإذا ذكرت الجنة طال حزني
1003 - عابد آخر
شعيب بن حرب قال صحبني رجلان في سفينة فأخذ أحدهما حبة من حنطة فألقاها في فيه فقال له صاحبه مه أي شيء صنعت قال سهوت قال لان تأكلني السباع أحب إلي من ان أصحب (4/433)
رجلا يسهو عن الله عز و جل قال ثم قال يا ملاح قرب قال فخرج قال شعيب فسمعنا زئير الاسد من الغيضة فما ندرى ما حال الرجل قال شعيب فالتفت إلى صاحبه فقال إن هذا صاحبي منذ أربعين سنة أو نيف وأربعين سنة ما رأي على زلة قبلها
1004 - عابد آخر
عن أيوب الحمال قال كان فتى ينتحل التوكل وكان عزيزا عند الأخذ من الناس وكان إذا احتاج إلى قوته وجده موضوعا فقيل له احذر لا يكون الشيطان يخدعك فقال أنا إلى الله تعالى ناظر ومنه آخذ ما رزقني فإن كان عدوى قد سخر لي فلا فرج الله عنه وأي شيء أحسن مني يخدمني عدوى وأنا أسكن إلى الله عز و جل لا إليه
1005 - عابد آخر
قال ممشاد الدينورى رأيت في بعض أسفاري شيخا توسمت فيه الخير فقلت له يا سيدي كلمة تزودني بها قال همتك فاحفظها فإن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراءها من الاعمال والأحوال
1006 - عابد آخر
حيدرة بن عبيد قال دخلنا على رجل من العباد نعوده فقلنا له كيف تجدك فقال ذنوب كثيرة ونفس ضعيفة وحسنات قليلة وسفرة طويلة وغاية مهولة قال فقلنا ما معك من الزاد لما ذكرت قال معي الأمل في السيد الكريم ثم قال اللهم (4/434)
لا تقطع بمؤملك في تلك الغمرات وارحمه في تلك الحيرة والحسرات إذا انخلعت القلوب يوم الندامات وجعل يتشهد حتى مات
1007 - عابد آخر
عن أبي عبدالله الدينورى أنه كان يوما جالسا فدخل عليه فقير عليه آثار الضر قال فطالبتني نفسي أن أجيئه بشيء فهممت أن أرهن نعلي فمنعتني نفسي وقالت كيف تتم لك طهارة مع الحفا فقلت أرهن ركوني فمنعتني ايضا وقالت بأي شيء تتوضأ فهممت أن أرهن منديلي فمنعتني وقالت تبقى مكشوف الراس فقلت وما في ذلك وجعلت أراجعها في ذلك فقام الفقير فشد وسطه وأخذ عصاه بيده ثم التفت إلي وقال يا خسيس احفظ منديلك فإني خارج فاعتقدت مع الله عز و جل أنى لاآكل الخبز حتى ألقاه فقيل إنه أقام ثلاثين سنة لم يأكل الخبز
ذكر المصطفيات من العابدات اللواتي لم يعرفن بأسم ولا مكان
1008 - عابدة
عن الوليد بن مسلم قال كانت امرأة من التابعين تقول اللهم أقبل بما أدبر من قلبي وافتح ما أقفل منه حتى تجعله هشا مرتاحا لذكرك
1009 - عابدة اخرى
وبالإسناد حدثنا أبو بكر القرشى قال حدثنا الحارث بن محمد التميمي قال حدثنا على بن محمد القرشى عن جويرية (4/435)
ابن اسماء أن إخوة ثلاثة من بني قطيعة شهدوا يوم تستر فاشتهدوا فخرجت أمهم يوما إلى السوق لبعض شأنها فتلقاها رجل قد حضر أمر تستر فعرفته فسألته عن بنيها فقال استشهدوا فقالت أمقبلين أم مدبرين فقال مقبلين فقالت الحمد لله نالوا الفوز وحاطوا الذمار بنفسي هم وأبي وأمي
1010 - عابدة أخرى
عن القاسم بن معن أنه أتته امرأة فقالت أنا امرأة فلان ما أتيك حتى خفت أن يضيق علي أن لا آتيك فقال القاسم لبعض أصحابه بقى من ذلك المال شيء قال مائتا درهم قال ادفعه إليها فأخذته وانصرفت وقال له إذا جاءني شيء فأذكرنيها ثال فجاءه مال ففرقه فذكرها وقد بقى منه سبعمائة درهم فقال اذهب به إليها وسل عنه أهل المسجد الذي خلف منزلها والمسجد الذي دونه ففعل فأخبر بعفاف عنها وعن بنات لها قال فأتيتها فقلت رسول القاسم بن معن فقالت مرحبا بالقاسم وبرسوله حاجتك قلت هذه السبعمائة درهم أرسل بها إليك القاسم فقالت أقرئه السلام وقل له قد أخذنا تلك المائتين فنحن نغزل منها ونبيع وقد عشنا بها واستفنينا فلا حاجة لنا في هذه فأتيت (4/436)
القاسم فأخبرته فقال ويحك ألا سيبتها في باب الدار وقال بيده هكذا ثم حول وجهه إلى القبلة وقال اللهم إن بلوتني بخلف فاجعله هكذا
1011 - عابدة أخرى
أبو جعفر السائح قال بلغنا عن امرأة متعبدة كانت تصلى الضحى مائة ركعة كل يوم وكانت تقرا قل هو الله أحد بالنهار عشرة آلاف مرة وكانت تصلى بالليل ولا تستريح وكانت تقول لزوجها قم ويحك إلى متى تنام قم يا غافل قم يا بطال إلى حتى أنت في غفلتك أقسمت عليك أن لاتكسب معيشتك إلا من حلال أقسمت عليك أن لا تدخل النار من أجلى بر أمك صل رحمك لا تقطعهم فيقطع الله بك
1012 - عابدة اخرى
الحسين بن جعفر قال سمعت أبي قال صليت العيد في الجبان ثم تفردت فإذا أنا بعجوز رافعة يديها وهي تقول انصرف الناس ولم اشعر قلبي اليأس يا صاحب الصدقة ها أناذه منصرفة فليت شعري ما زودتني رب ارحم ضعفي وكبر سني خرجت أرجوك فلا تخيب ظني بك وهي تبكي فما انتفعت بنفسي يومي كله
1013 - عابدة اخرى
ابو عياش القطان بلغنا أنه كان ملك كثير المال وكانت له ابنة لم يكن له ولد غيرها وكان يحبها حبا شديدا وكان يلهيها (4/437)
بصنوف اللهو و فمكث كذلك زمانا وكان إلى جانب الملك عابد فبينا هو ذات ليلة يقرأ إذ رفع صوته وهو يقول يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة فسمعت الجارية قراءته فقالت لجواريها كفوا فلم يكفوا وجعل العابد يردد الآية والجارية تقول لهم كفوا فلم يكفوا فوضعت يدها في جيبها فشقت ثيابها فانطلقوا إلى أبيها فأخبروه بالقصة فأقبل إليها فقال يا حبيبتي ما حالك منذ الليلة ما يبكيك وضمها إليه فقالت أسالك بالله يا أبه لله عز و جل دار فيها نار وقودها الناس والحجارة قال نعم قالت وما يمنعك يا أبه أن تخبرني والله لا أكلت طيبا ولا نمت على لين حتى أعلم أين منزلي في الجنة أو النار
1014 - عابدة اخرى
سعيد أبو عثمان ثقة من أهل العلم قال نظر رجل إلى امرأة فقال ما رأيت مثل هذاالحسن وهذه النضارة وما ذاك إلا من قلة الحزن فقالت يا عبدالله والله إني ليذبحني الحزن ما يشركني فيه أحد قال وكيف قالت ذبح زوجي شاة مضحيا ولي صبيان يلعبان فقال أكبرهما للأصغر أريك كيف صنع أبي بالشاة فعلقه فذبحه فما شعرنا به إلا متشحطا فلما استعلت الضجة هرب الغلام ناحية الجبل فرهقه ذئب فأكله ونحن لانعلم واتبعه أبوه يطلبه فمات عطشا فأفردني الدهر قال فكيف صبرك قالت لو رأيت في الجزع مدركا ما اخترت عليه (4/438)
1015 - عابدة اخرى
أبو بكر بن عبيد قال حدثني عبيد الله بن محمد أنه سمع امرأة من المتعبدات تقول وبكت والله لقد سئمت من الحياة حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقا إلى الله وحبا للقائه قال قلت لها أفعلى ثقة أنت من عملك قالت لا والله ولكن لحبي إياه وحسن ظني به أفتراه يعذبني وأنا أحبه
1016 - عابدة اخرى
عن الحسن بن جعفر انه سمع أباه يقول مررت بدار فإذا أنا بعجوز مكفوفة تبكى وتقول يا حليم تقرب الناس إليك بالأعمال يدعونك بها فكيف أدعوك بالذنوب ولا عمل أرضاه يا رب هب لي من حلمك ما تكفيني به وتنجيني من عذابك قال فوقفت عليها فوعظتها وقلت هل لك ولد قالت لا قلت من معك في دارك قالت سبحان الله معي من أناجيه فهل على وحشه معه وهو أنيسي قال فأبكتني فقلت لها ما معاشك قالت دع عنك مالا تحتاج إليه بلغت السن فما أحوجني إليك ولا إلى غيرك أماتقرأ القرآن والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين فقلت إيذني لي في زيارتك فقالت أعزم عليك إن فعلت أو ذكرت لي اسما ثم أجافت الباب
1017 - عابدة اخرى
عن العباس بن سهم أن امرأة من الصالحات أتاها نعى زوجها وهي تعجن فرفعت يدها من العجين وقالت هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء (4/439)
1018 - عابدة اخرى
وبالإسناد عن ابن روح عن بعض أهل العلم أن امرأة أتاها نعى زوجها والسراج يقد فأطفأت السراج وقالت هذا زيت قد صار لنا فيه شريك
1019 - عابدة اخرى
عبدالملك بن شبيب عن رجل من ولد عبد الرحمن بن أبي ليلى قال دخلت على امرأة وأنا أقرأ سورة هود فقالت لي يا عبدالرحمن هكذا تقرأ سورة هود والله إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها
1020 - عابدة أخرى
أبو الوليد القاضي قال سمعت امرأة تقول فقدتك من قلب اصبحت قاسيا ولعظمة الله ناسيا كيف تقر عيني وقد أخبرني أن قاسي القلب مني بعيد
1021 - عابدة اخرى
سري السقطى قال بلغني أن أمرأة كانت إذا قامت من الليل قالت اللهم إن إبليس عبد من عبيدك ناصيته بيدك يراني من حيث لا أراه وأنت تراه من حيث لا يراك اللهم إنك تقدر على أمره كله وهو لا يقدر من أمرك على شيء اللهم إن أرادني بشر فأرده وإن كادني فكده أدرا بك في نحره وأعوذ بك من شره ثم بكت حتى ذهبت إحدى عينيها فقيل لها اتقى الله لا تذهب الأخرى (4/440)
فقالت إن كانت عيني من عيون أهل الجنة فسيبدلني بها ما هو أحسن منها وإن كانت من عيون أهل النار فأبعدهما الله تعالى
1022 - عابدة اخرى
عن بكر بن عبدالله المزني قال كانت امرأة متعبدة فكانت إذا أمست قالت يا نفس الليلة ليلتك لاليلة لك غيرها فاجتهدي فإذا أصبحت قالت يا نفس اليوم يومك لا يوم لك غيره فاجتهدي
ذكر المصطفيات من بنيات صغار تكلمن بكلام العابدات الكبار
1023 - صبية
زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال بينا أنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعس المدينة إذ عيي فاتكأ إلى جانب جدار في جوف الليل فإذا امرأة تقول لابنتها يا أبنتاه قومى إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فقالت لها يا أماه أو ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم قالت وما كان من عزمته يا بنية قالت إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء فقالت لها يا بينة قومى إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فإنك بموضع لا يراك عمر ولا منادى عمر فقالت الصبية لأمها يا أمتاه والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء
1024 - صبية اخرى
عفان بن مسلم قال قال لي حماد بن سلمة ألح علينا المطر سنة من السنين وفي جواري امرأة من المتعبدات لها بنات أيتام فوكفالسقف عليهم فسمعتها تقول يا رفيق ارفق بي فسكن المطر (4/441)
فأخذت صرة فيها دنانير وقرعت بابها فقالت اللهم اجعله حماد بن سلمة قلت أنا حماد بن سلمة وأخرجت الدنانير وقلت لها انتفعى بهذه فإذ صبية عليها مدرعة من صوف تستبين خروقها قد خرجت على وقالت ألا تسكت يا حماد تعترض بيننا وبين ربنا ثم قالت يا أماه قد علمنا أنا لما شكونا مولانا أنه سيبعث إلينا بالدنيا ليطردنا عن بابه ثم ألصقت خدها على التراب وقالت أما أنا وعزتك لا زايلت بابك وإن طردتني ثم قالت يا حماد رد دنانيرك عافاك الله إلى الموضع الذي أخرجتها منه فإنا رفعنا حوائجنا إلى من يقبل الودائع ولا يبخس العاملين
1025 - صبية أخرى
بشر بن الحارث يقول أتيت باب المعافى بن عمران فدققت الباب فقيل من ذا فقلت بشر الحافي فقالت لي بنية له من داخل لو اشتريت نعلا بدانقين ذهب عنك هذا الأسم
1026 - صبية اخرى
عبدالله بن محمد بن وهب قال كان ليحيى بن معاذ ابنة صغيرة السن جدا فطلبت من أبيها شيئا فقال لها يا بنتي اطلبي ذاك من الله فقالت يا ابه أو ما أستحي من الله أن أتقدم إليه في شيء يؤكل
1027 - صبية أخرى
أبو العباس بن مسروق قال كنت باليمن فرايت صيادا يصطاد السمك على بعض السواحل وإلى جنبه ابنة له فكلما (4/442)
اصطاد سمكة فتركها في دوخلة معه ردت الصبية السمكة إلى الماء فالتفت الرجل فلم ير شيئا فقال لابنته أي شيء عملت بالسمك فقالت يا ابي أليس سمعتك تروى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
لا تقع سمكة في شبكة إلا إذا غفلت عن ذكر الله عز و جل فلم أحب أن نأكل شيئا غفل عن ذكر الله تعالى فبكى الرجل ورمى بالصنارة
1028 - صبية اخرى
بلغنا أن أمير بلدة حاتم الأصم اجتاز على باب حاتم فاستسقى ماء فلما شرب رمى إليهم شيئا من المال فوافقه أصحابه ففرح أهل الدار سوى بنية صغيرة فإنها بكت فقيل لها ما يبكيك فقالت مخلوق نظر إلينا فاستغنينا فكيف لو نظر إلينا الخالق سبحانه وتعالى
1029 - بنيات جماعة
خزيمة أبو محمد قال قال بنات رجل لأبيهن يا أبه لا تطعمنا إلا الحلال فإن الصبر على الجوع أيسر من الصبر على النار فبلغ ذلك سفيان الثورى فقال ما لهن رحمهن الله
1030
- ذكر المصطفين من عباد الجن
سهل بن عبدالله قال كنت ناحية ديار عاد إذ رايت مدينة من حجر منقور في وسطها قصر من حجارة منقورة سقوفه (4/443)
وأبوابه تأويه الجن فدخلت معتبرا فإذا شيخ عظيم الخلق يصلى نحو الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقه كتعجبى من طراوة جبته فسلمت عليه فرد على السلام وقال يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب وإنما تخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت وإن هذه الجبة علي منذ سبعمائة سنة بها لقيت عيسى بن مريم ومحمدا صلى الله عليه و سلم فآمنت به فقلت له من أنت قال أنا الذي نزلت في قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن
سملة بن شبيب قال عزمت على النقلة إلى مكة فبعت دراي فلما فرغتها وسلمتها وقفت علي بابها فقلت يا أهل الدار جاورناكم فأحسنتم جوارنا جزاكم الله خيرا وقد بعنا الدار ونحن علىالنقلة إلى مكة فعليكم السلام ورحمة الله قال فأجابني من الدار مجيب فقال وأنتم جزاكم الله خيرا ما راينا منكم إلا خيرا ونحن على النقلة أيضا فإن الذي اشترى الدار رافضي يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما
سرى بن اسماعيل يذكر عن يزيد الرقاشي أن صفوان بن محرز المازني كان إذا قام إلى تجده من الليل قام معه سكان داره من الجن فصلوا بصلاته واستمعوا لقراءته قال السرى فقلت ليزيد وأنى علم قال كان إذا قام سمع لهم ضجة فاستوحش لذلك فنودى لا ترع أبا عبدالله فإنما نحن إخوانك نقوم للتهجد كما تقوم فنصلى بصلاتك قال فكأنه أنس بعد ذلك إلى حركتهم (4/444)
يحيى بن عبدالرحمن العصرى قال حدثتني امرأة خليد عن خليد قلا كنت قائما أصلى فقرأت هذه الآية كل نفس ذائقة الموت فرددتها مرارا فناداني مناد من ناحية البيت كم تردد هذه الآية فلقد قتلت بها أربعة نفر من الجن لم يرفعوا رؤوسهم إلى السماء حتى ماتوا من تردادك هذه الآية قالت فوله خليد بعد ذلك ولها شديدا وأنكرناه حتى كأنه ليس الذي كان
مهدي بن ميمون قال كان واصل مولى أبي عيينة جارا لي وكان يسكن في غرفة فكنت اسمع قراءته من الليل وكان لا ينام من الليل إلا يسيرا قال فغاب غيبة إلى مكة وكنت أسمع القراءة من غرفته على نحو من صوته كأنى لا أنكر من الصوت شيئا قال وباب الغرفة مغلق فلم يلبث أن قدم من سفره فذكرت له ذلك فقال وما أنكرت من ذلك هؤلاء سكان الدار يصلون بصلاتنا ويسمعون لقراءتنا قال قلت أفتراهم قال لا ولكني أحس بهم واسمع تأمينهم عند الدعاء وربما غلب علي النوم فيوقظوني
قال القرشي وحدثني خلف قال كان فتى من أهل الكوفة متعبدا يقال له عرفجة وكان يحيى الليل صلاة قال فاستزاره بعض إخوانه ذات ليلة فاستأذن امه في زيارته فأذنت له قالت العجوز فلما كان الليل إذا أنا في منامي برجال قد وقفوا على فقالوا يا أم عرفجة لم أذنت لإمامنا الليلة (4/445)
أبو عمران التمار قال غدوت يوما قبل الفجر إلى مسجد الحسن الحفرى فإذا باب المسجد مغلق وإذا الحسن جالس يدعو وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه فجلست على باب المسجد حتى فرغ من دعائه ثم قام فأذن وفتح باب المسجد فدخلت فلم أجد في المسجد أحدا فلما أصبح وتفرق من عنده قلت له يا أبا سعيد إني والله رأيت عجبا قال وما رأيت فأخبرته بالذي رأيت وسمعت فقال أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون يشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ثم ينصرفون
محمد بن عبدالعزيز بن سلمان العابد قال كان أبي إذا قام من الليل يتهجد سمعت في الدار جلبة شديدة واستسقاء للماء كثيرة قال فنرى أن الجن كانوا يتيقظون لتهجده فيصلون معه
سرى السقطى قال بدوت يوما من الأيام وأنا حدث فطاب وقتي وجن على الليل وأنا بفناء جبل لا أنيس به فناداني مناد من جوف الجبل لا تدور القلوب في الغيوب حتى تذوب النفوس من مخافة فوت المحبوب قال فتعجبت وقلت جنى يناديني أم إنسى قال بل جنى مؤمن بالله عز و جل ومعى إخواني قال قلت فهل عندهم ما عندك قال نعم وزيادة قال فناداني الثاني منهم لا تذهب من البدن الفترة إلا بدوام الغربة قال فقلت في نفسي ما أبلغ كلامهم فناداني الثالث منهم من أنس به في الظلام لا يبقى له اهتمام قال فصعقت فما افقت إلا برائحة الطيب فإذا أترجة على صدرى (4/446)
فشممتها فأفقت فقلت وصية يرحمكم الله جميعا فقالوا جميعا أبى الله أن تحيا به إلا قلوب المتقين فمن طمع في غير ذلك فقد طمع في غير مطمع ومن تبع طبيبا مريضا دامت علته وودعوني ومضوا وقد أتى على حين ولا ازال أرى بركة كلامهم موجودة في خاطري
وبلغني عن أبي الفتح محمد بن محمد الخزيمي قال قال أبو علي الدقاق كنت بنيسابور مقيما للوعظ فظهر بي رمد فاشتقت إلى أولادي فرأيت ليلة من الليالي في المنام كأن شخصا دخل على فقال أيها الشيخ ما يمكنك الرجوع بهذه السرعة فإن جماعة من شباب الجن يحضرون مجلسك ويستمعون منك وهم بعد في بدو الإرادة فما لم ينتهو إلى إرادتهم لا يمكنك أن تفارقهم فلعل الله عز و جل أن يحييهم فأصبحت وكأنه ما بعيي رمد
1031 - ومن متعبدات الجن
صالح بن عبد الكريم قال كنت أحب أن ألقى شيئا من الجن فأكلمه فرايت امرأة فتعلقت بها فقلت عظيني فقالت اكتب تقول غزالة اشتغل بأولى الأمور بك ولا تغفل عن ساعة إن فاتتك لم تدركها (4/447)
آخر كتاب صفة الصفوة والحمد لله وحده وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه كتبه لنفسه ثم لمن شاء الله بعده فقير رحمة ربه إبراهيم بن يحيى بن حسن بن طرخان بن تميم العسقلاني الخبيلي عفا الله عنهم بكرمه في مدة آخرها يوم الخميس بين الصلاتين بالقاهرة المحروسة بالوراقين الثاني والعشرين من جمادي الآخرة من سنة سبع وسبعين وستمائة أحسن الله خاتمتها
والحمد لله وحده وسلام على عباده الذين اصطفى انتهى بحمد الله (4/448)