صفة الصفوة (1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن
قال الشيخ الامام العالم العلامة الأعلام لسان المتكلمين أوحد العلماء العاملين جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمه الله الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى حمدا إذا قابل النعم وفى وسلاما إذا بلغ المصطفين شفى وخص الله بخاصة ذلك نبينا المصطفى ومن احتذى حذوه من أصحابه وأتباعه واقتفى وفقنا لسلوك طريقهم فانه إذا وفق كفى
أما بعد فانك أيها الطالب الصادق والمريد المحقق لما نظرت في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني أعجبك ذكر الصالحين والأخيار ورأيته دواء (1/20)
لأدواء النفس إلا أنك شكوت من إطالته بالأحاديث المسندة التي لا تليق به وبكلام عن بعض المذكورين كثير قليل الفائدة وسألتني أن أختصره لك وأنتقي محاسنه فقد أعجبني منك أنك أصبت في نظرك إلا أنه لم يكشف لك كل الأمر وأنا أكشفه لك فأقول
اعلم أن كتاب الحلية قد حوى من الأحاديث والحكايات جملة حسنة إلا أنه تكدر بأشياء وفاتته أشياء
فالأشياء التي تكدر بها عشرة الأول أن هذا الكتاب إنما وضع لذكر أخبار الأخيار وإنما يراد من ذكرهم شرح أحوالهم وأخلاقهم ليقتدي بها السالك فقد ذكر فيه أسماء جماعة ثم لم ينقل عنهم شيئا من ذلك ذكر عنهم ما يروونه عن غيرهم أو ما يسندونه من الحديث كما ملأ ترجمة هشام بن حسان بما يروى عن الحسن وتلك الحكايات ينبغي أن (1/21)
تدخل في ترجمة الحسن لا في ترجمة هشام وكذلك ملأ ترجمة جعفر بن سليمان بما يروى عن مالك بن دينار ونظرائه ولم يذكر له عنه شيئا
والثاني أنه قصد ما ينقل عن الرجل المذكور ولم ينظر هل يليق بالكتاب أم لا مثل ما ملأ ترجمة مجاهد بقطعة من تفسيره وترجمة عكرمة بقطعة من تفسيره وترجمة كعب الأحبار بقطعة من التوراة وليس هذا بموضع هذه الأشياء
والثالث أنه أعاد أخبارا كثيرة مثل ما ذكر في (1/22)
ترجمة الحسن البصري من كلامه ثم أعاده في تراجم أصحابه الذين يرون كلامه وذكر في ترجمة أبي سليمان الداراني من كلامه وأعاده في ترجمة أحمد بن أبي الحواري بروايته عن أبي سليمان
والرابع أنه أطال بذكر الأحاديث المرفوعة التي يرويها الشخص الواحد فينسى ما وضع له ذكر الرجل من بيان آدابه وأخلاقه كما ذكر شعبة وسفيان ومالك وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم فانه ذكر عن كل واحد من هؤلاء من الأحاديث التي يرويها مرفوعة جملة كثيرة ومعلوم أن مثل كتابه الذي يقصد به مداواة القلوب إنما وضع لبيان أخلاق القوم لا الأحاديث (1/23)
ولكل مقام مقال ثم لو كانت الأحاديث التي ذكرها من أحاديث الزهد اللائقة بالكتاب لقرب الأمر ولكنها من كل فن وعمومها من أحاديث الأحكام والضعاف أو لو كان اقتصر على الغريب من روايات المكثرين او رخم ما يرويه المقلون كما روي عن الجنيد أنه لم يسند إلا حديثا واحدا لكان ذكر مثل هذا حسنا لكنه أمعن فيما لا يتعلق ذكره بالكتاب
ذكر أحاديث باطلة
والخامس أنه ذكر في كتابه أحاديث كثيرة باطلة وموضوعة فقصد بذكرها تكثير حديثه وتنفيق رواياته ولم يبين أنها موضوعة ومعلوم أن جمهور المائلين الى التبرر يخفى عليهم الصحيح من غيره فستر ذلك عنهم غش من الطبيب لا نصح (1/24)
السجع البارد
والسادس السجع البارد في التراجم الذي لا يكاد يحتوي على معنى صحيح خصوصا في ذكر حدود التصوف
والسابع اضافة التصوف الى كبار السادات كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وشريح وسفيان وشعبة ومالك والشافعي وأحمد وليس عند هؤلاء القوم خبر من التصوف إضافة التصوف الى غير الصحابة
فان قال قائل إنما عنى به الزهد في الدنيا وهؤلاء زهاد قلنا التصوف مذهب معروف عند أصحابه لا يقتصر فيه على الزهد بل له صفات وأخلاق يعرفها أربابه ولولا أنه أمر زيد على الزهد ما نقل عن بعض هؤلاء المذكورين ذمه فانه قد روى أبو نعيم في ترجمة الشافعي رحمة الله عليه أنه قال التصوف مبني على الكسل ولو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا وهو أحمق وقد ذكرت الكلام في التصوف ووسعت القول فيه في كتابي المسمى بتلبيس إبليس (1/25)
إطالة الكلام فيما لا طائل فيه
والثامن أنه حكى في كتابه عن بعض المذكورين كلاما أطال به لا طائل فيه تارة لا يكون في ذلك الكلام معنى صحيح كجمهور ما ذكر عن الحارث المحاسبي وأحمد بن عاصم وتارة يكون ذلك الكلام غير اللائق بالكتاب وهذا خلل في صناعة التصنيف وإنما ينبغي للمصنف أن ينتقي فيتوقى ولا يكون كحاطب ليل فالنطاف العذاب تروي لا البحر
ذكر أشياء عن الصوفية لا يجوز فعلها
والتاسع أنه ذكر أشياء عن الصوفية لا يجوز فعلها فربما سمعها المبتدىء القليل العلم فظنها حسنة فاحتذاها مثل ما روي عن أبي حمزة الصوفي أنه وقع في بئر فجاء رجلان فطماها فلم ينطق حملا لنفسه (1/26)
على التوكل بزعمه وسكوت هذا الرجل في مثل هذا المقام إعانة على نفسه وذلك لا يحل ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحال كما لم يخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من التوكل باخفائه الخروج من مكة واستئجاره دليلا واستكتامه واستكفائه ذلك الأمر واستتاره في الغار وقوله لسراقة أخف عنا
فالتوكل الممدوح لا ينال بفعل محذور وسكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه وبيان ذلك أن الله عز و جل قد خلق للآدمى آلة يدافع بها عن نفسه الضرر وآلة يجتلب بها النفع فإذا عطلها مدعيا للتوكل كان جهلا بالتوكل وردا لحكمة الواضع لأن التوكل إنما هو (1/27)
اعتماد القلب على الله سبحانه وليس من ضرورته قطع الأسباب ولو أن إنسانا جاع فلم يأكل أو احتاج فلم يسأل أو عري فلم يلبس فمات دخل النار لأنه قد دل على طريق السلامة فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه
وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أخبرنا محمد ابن قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن العباس بن أيوب قال حدثنا عبد الرحمن ابن يونس الرقي قال حدثنا مطرف بن مازن عن الثوري قال من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار
قلت ولا التفات إلى أبي حمزة في حكايته فجاء أسد فأخرجني فإنه ان صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقا وقد يكون لطفا من الله تعالى بالعبد الجاهل ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف به انما ينكر فعله الذي هو كسبه وهو إعانته على نفسه التي هي وديعة الله تعالى عنده وقد أمر بحفظها (1/28)
وكذلك روى عن الشبلي أنه كان إذا لبس ثوبا خرقه وكان يحرق والخبز والأطعمة التي ينتفع بها الناس بالنار فلما سئل عن هذا احتج بقوله فطفق مسحا بالسوق والأعناق وهذا في غاية القبح لأن سليمان عليه السلام نبي معصوم فلم يفعل إلا ما يجوز له وقد قيل في التفسير إنه مسح على نواصيها وسوقها وقال أنت في سبيل الله وإن قلنا إنه عقرها فقد أطعمها الناس وأكل لحم الخيل جائز فأما هذا الفعل الذي حكاه عن الشبلي فلا يجوز في شريعتنا فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن إضاعة المال وحكى عنه (1/29)
لما مات ولده حلق لحيته وقال قد جزت أمه شعرها على مفقود أفلا أحلق أنا لحيتي على موجود
إلى غير ذلك من الأشياء السخيفة الممنوع منها شرعا 10 خلط في ترتيب التراجم
والعاشر أنه خلط في ترتيب القوم فقدم من ينبغي أن يؤخر وأخر من ينبغي أن يقدم فعل ذلك في الصحابة وفيمن بعدهم فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل ولا على ترتيب المواليد ولا جمع أهل كل بلد في مكان وربما فعل هذا في وقت ثم عاد فخلط خصوصا في أواخر الكتاب فلا يكاد طالب الرجل يهتدي الى موضعه ومن طالع كتاب هذا الرجل ممن له أنس بالنقل انكشف له ما أشرت إليه الأشياء التي فاتت الحلية
وأما الأشياء التي فاتته فأهمها ثلاثة أشياء
أحدها أنه لم يذكر سيد الزهاد وإمام الكل (1/30)
وقدوة الخلق وهو نبينا صلى الله عليه و سلم فإنه المتبع طريقه المقتدى بحاله
والثاني أنه ترك ذكر خلق كثير قد نقل عنهم من التعبد والاجتهاد الكبير ولا يجوز أن يحمل ذلك منه على أنه قصد المشتهرين بالذكر دون غيرهم فإنه قد ذكر خلقا لم يعرفوا بالزهد ولم ينقل عنهم شيء وربما ذكر الرجل فأسند عنه أبيات شعر فحسب ففعله يدل على أنه أراد الاستقصاء وتقصيره في ذلك ظاهر
والثالث أنه لم يذكر من عوابد النساء إلا عددا قليلا ومعلوم أن ذكر العابدات مع قصور الأنوثية يوثب المقصر من الذكور فقد كان سفيان الثوري ينتفع برابعة ويتأدب بكلامها الدافع الى تأليف صفة الصفوة
وقد حداني جدك أيها المريد في طلب أخبار الصالحين وأحوالهم أن أجمع لك كتابا يغنيك عنه (1/31)
ويحصل لك المقصود منه ويزيد عليه بذكر جماعة لم يذكرهم وأخبار لم ينقلها وجماعة ولدوا بعد وفاته وينقص عنه بترك جماعة قد ذكرهم لم ينقل عنهم كبير شيء وحكايات قد ذكرها فبعضها لا ينبغي التشاغل به وبعضها لا يليق بالكتاب على ما سبق بيانه فصل
في بيان وضع كتابنا والكشف عن قاعدته وضع كتاب الصفة وطريقته
لما كان المقصود بوضع مثل هذا الكتاب ذكر أخبار العاملين بالعلم الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة المستعدين للنقلة بتحقيق اليقظة والتزود الصالح ذكرت من هذه حاله دون من اشتهر بمجرد العلم ولم يشتهر بالزهد والتعبد
ولما سميت كتابي هذا صفة الصفوة رأيت أن أفتتحه بذكر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم فإنه صفوة الخلق وقدوة العالم
فإن قال قائل فهلا ذكرت الأنبياء قبله فانهم (1/32)
صفوة أيضا
فالجواب أن كتابنا هذا إنما وضع لمداواة القلوب وترقيقها وإصلاحها وإنما نقل إلينا أخبار آحاد من الأنبياء ثم لم ينقل في أخبار أولئك الآحاد ما يناسب كتابنا إلا أن يذكر عن عباد بني إسرائيل ما حملوا على أنفسهم من التشديد أو عن عيسى عليه السلام وأصحابه ما يقتضيه الترهبن وذلك منقسم إلى ما تبعد صحته وإلى ما نهى عنه في شرعنا وقد ثبت أن نبينا صلى الله عليه و سلم أفضل الأنبياء وأن أمته خير الأمم وأن شريعته حاكمة على جميع الشرائع فلذلك اقتصرنا على ذكره وذكر أمته فصل
في بيان ترتيب كتابنا بيان ترتيب الكتاب
أنا أبتدىء بتوفيق الله سبحانه ومعونته فأذكر بابا في فضل الأولياء والصالحين ثم أردفه بذكر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وشرح أحواله وآدابه وما يتعلق به ثم أذكر (1/33)
المشتهرين من أصحابه بالعلم المقترن بالزهد والتعبد وآتي بهم على طبقاتهم في الفضل ثم أذكر المصطفيات من الصحابيات على ذلك القانون ثم أذكر التابعين ومن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم
وقد طفت الأرض بفكري شرقا وغربا واستخرجت كل من يصلح ذكره في هذا الكتاب من جميع البقاع ورب بلدة عظيمة لم أر فيها من يصلح لكتابنا وقد حصرت أهل كل بلدة فيها وترتيبهم على طبقاتهم أبدأ بمن يعرف اسمه من الرجال ثم أذكر بعد ذلك من لم يعرف اسمه فإذا انتهى ذكرت عابدات ذلك البلد على ذلك القانون وربما كان في أهل البلد من عقلاء المجانين من يصلح ذكره من الرجال والنساء فأذكره
وإنما ضبطت هذا الترتيب تسهيلا للطلب على الطالب ولما لم يكن بد من مركز يكون كنقطة للدائرة رأيت أن مركزنا وهو بغداد أولى من غيره إلا أنه لما لم يمكن تقديمها على المدينة ومكة لشرفهما بدأت بالمدينة لأنها دار الهجرة ثم ثنيت بمكة ثم ذكرت (1/34)
الطائف لقربها من مكة ثم اليمن وعدت إلى مركزنا بغداد فذكرت المصطفين منها ثم إنحدرت إلى المدائن ونزلت إلى واسط ثم إلى البصرة ثم إلى الأبلة ثم عبادان ثم تستر ثم شيراز ثم كرمان ثم أرجان ثم سجستان ثم ديبل ثم البحرين ثم اليمامة ثم الدينور ثم همذان ثم قزوين ثم أصبهان ثم الري ثم دامغان (1/35)
ثم بسطام ثم نيسابور ثم طوس ثم هراة ثم مرو ثم بلخ ثم ترمذ ثم بخارى ثم فرغانة ثم نخشب
ثم ذكرت عباد المشرق المجهولين البلاد والأسماء فلما انتهى ذكر أهل المشرق عدنا الى مركزنا وارتقينا منه إلى المغرب وقد ذكرنا أهل عكبرا ثم الموصل ثم البرقة ثم طبقات أهل الشام ثم المقدسيين ثم أهل (1/36)
جبلة ثم أهل العواصم والثغور ثم من لم يعرف بلده من عباد أهل الشام ثم عسقلان ثم مصر ثم مصر ثم الاسكندرية ثم المغرب ثم عباد الجبال ثم عباد الجزائر ثم عباد السواحل ثم أهل البوادي والفلوات ثم من لم نعرف له مستقرا من العباد وإنما لقي في طريق فمنهم من لقي في طريق مكة ومنهم من لقي بعرفة ومنهم من لقي في الطواف ومنهم من لقي في غزاة ومنهم من لقي في طريق سفر أو طريق سياحة
ثم ذكرت من لم يعرف له اسم ولا مكان من العباد ثم ذكرت طرفا من أخبار بنيات صغار تكلمن بكلام العابدات الكبار ثم ذكرت طرفا من من أخبار عباد الجن فختمت بذلك الكتاب والله الموفق (1/37)
ينقل عن القوم محاسنهم
وإنما أنقل عن القوم محاسن ما نقل مما يليق بهذا الكتاب ولا أنقل كل ما نقل إذ لكل شيء صناعة وصناعة العقل حسن الاختيار وكما أني لاأذكر مالا يصلح لا أذكر مالا يصلح أن يقتدى به ممن هو في صورة العلماء والزهاد وقد تجوزت بذكر جماعة من المتصوفة وردت عنهم كلمات منكرة وكلمات حسان فانتخبت من محاسن أقوالهم لأن الحكمة ضالة المؤمن
ومع تنقينا وتوقينا وحذف من لا يصلح وما لا يصلح فقد زاد عدد من في كتابنا على ألف شخص يزيد الرجال على ثمانمائة زيادة بينة وتزيد النساء على مائتين زيادة كثيرة ولم يبلغ عدد رجال الحلية الذين ذكرت أحوالهم في تراجمهم ستمائة بل قد ذكر جماعة لم يذكر لهم شيئا ولا أظنه ذكر في جميع الكتاب عشرين امرأة
وإلى الله سبحانه أرغب في النفع بكلمات المتقين واللحوق بدرجات أهل اليقين إنه ولي ذلك والقادر عليه (1/38)
باب ذكر فضل الأولياء والصالحين
الأولياء والصالحون هم المقصود من الكون وهم الذين علموا فعملوا بحقيقة العلم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله تعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بأفضل من أداء ما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته رواه البخاري
وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم عن جبريل عن ربه عز و جل قال من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما ترددت (1/39)
عن شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس مؤمن أكره مساءته ولا بد له منه وإن من عبادي المؤمنين من يريد بابا من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال عبدي يتنفل حتى أحبه ومن أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا دعاني فأجبته وسألني فأعطيته ونصح لي فنصحت له وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الفقر وان بسطت حاله أفسده ذلك وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك إني أدبر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير ورواه عبد الكريم الجزري عن أنس مختصرا وقال فيه إني لأسرع شيء الى نصرة أوليائي إني لأغضب لهم أشد من غضب الليث الحرب
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره (1/40)
وعن عطاء بن يسار قال موسى عليه السلام يا رب من أهلك الذين هم أهلك الذين تظلهم في عرشك قال هم البريئة أيديهم الطاهرة قلوبهم الذين يتحابون بجلالي الذين إذا ذكرت ذكروا وإذا ذكروا ذكرت نذكرهم الذين يسبغون الوضوء في المكاره ينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى وكورها ويكلفون بحبي كما يكلف الصبي بحب الناس ويغضبون لمحارمي إذا إستحلت كما يغضب النمر إذا حرب
وعن وهب بن منبه قال لما بعث الله موسى وأخاه هارون إلى فرعون قال لا تعجبنكما زينته ولا ما متع به ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز (1/41)
عن مثل ما أوتيتما لفعلت ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما وكذلك أفعل بأوليائي وقديما خرت لهم فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة
وإني لأجنبهم سلوتها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العرة وما ذاك لهوانهم علي ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالما موفرا لم تكلمه الدنيا ولم يطغه الهوى
واعلم أنه لم يتزين العباد بزينة أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا فانها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع سيماهم في وجوههم من أثر السجود أولئك هم أوليائي حقا حقا فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبك ولسانك واعلم أنه من أهان لي وليا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وباراني وعرض لي نفسه ودعاني اليها وأنا أسرع شيء الى نصرة أوليائي أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي أو يظن الذي يعاديني أن يعجزني (1/42)
أو يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والآخرة لا أكل نصرتهم إلى غيري
وعنه قال قال الحواريون يا عيسى من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فقال عيسى عليه السلام الذين نظروا الى باطن الدنيا حين نظر الناس الى ظاهرها والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم وتركوا ما علموا أن سيتركهم فصار استكثارهم منها استقلالا وذكرهم إياها فواتا وفرحهم بما أصابوا منها حزنا فما عارضهم من نائلها رفضوه أو من رفعتها بغير الحق وضعوه خلقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها وخربت بينهم فليسوا يعمرونها وماتت في صدورهم فليسوا يحيونها يهدمونها فيبنون بها آخرتهم ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم رفضوها وكانوا برفضها فرحين وباعوها ببيعها رابحين نظروا الى أهلها صرعى قد حلت بهم المثلات فأحيوا ذكر الموت وأماتوا ذكر الحياة يحبون الله ويحبون ذكره ويستضيئون بنوره لهم خبر عجيب وعندهم الخبر العجيب بهم قام (1/43)
الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا وبهم علم الكتاب وبه علموا فليسوا يرون نائلا مع ما نالوا ولا أمانا دون ما يرجون ولا خوفا دون ما يحذرون رواه الإمام أحمد (1/44)
وعن كعب قال لم يزل في الأرض بعد نوح عليه السلام أربعة عشر يدفع بهم العذاب رواه الإمام أحمد
وعن إبن عيينة قال عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قال محمد بن يونس ما رأيت للقلب أنفع من ذكر الصالحين (1/45)
باب ذكر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم وذكر نسبه
عن عمر بن حفص السدوسي قال هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار وأم رسول الله صلى الله عليه و سلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة
قلت وأما نزار فهو ابن معد بن أد بن أدد بن الهميسع بن حمل بن النبت بن قيدار بن اسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام
ذكر طهارة آبائه وشرفهم
عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله عز و جل (1/46)
اصطفى من ولد إبراهيم اسمعيل واصطفى من بني اسمعيل كنانة واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم
ذكر تزويج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب
كان عبد المطلب قد خطب آمنة لابنه عبد الله فزوجها إياه فبقي معها مدة وجرت له قصة قبل حملها برسول الله صلى الله عليه و سلم عن أبي فياض الخثعمي قال مر عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مر وكانت من أجمل الناس وأشبه وأعفه وكانت قد قرأت الكتب وكان شباب قريش يتحدثون إليها فرأت نور النبوة وفي وجه عبد الله فقالت (1/47)
يا فتى من أنت فأخبرها فقالت هل لك أن تقع علي وأعطيك مائة من الإبل فنظر إليها وقال
أما الحرام فالممات دونه ... والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالأمر الذي تنوينه ...
ثم مضى الى امرأته آمنة فكان معها
ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه فأقبل إليها فلم ير منها من الإقبال عليه آخرا كما رآه منها أولا فقال هل لك فيما قلت لي فقالت قد كان ذلك مرة فاليوم لا فذهبت مثلا وقالت أي شيء صنعت بعدي قال وقعت على زوجتي آمنة بنت وهب قالت والله إني لست بصاحبة زينة ولكني رأيت نور النبوة في وجهك فأردت أن يكون ذلك في فأبى الله إلا أن يجعله حيث جعله
وبلغ شباب قريش ما عرضت على عبد الله بن عبد المطلب وتأبيه لها فذكروا ذلك لها فأنشأت تقول
إني رأيت مخيلة عرضت ... فتلألأت بحناتم القطر (1/48)
فلمائها نور يضيء له ... ما حوله كإضاءة الفجر
فرأيته شرفا أبوء به ... ما كل قادح زنده يوري
لله ما زهرية سلبت ... ثوبيك ما سلبت وما تدري
وقالت أيضا
بني هاشم ما غادرت من أخيكم ... أمينة إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خبوه ... فتائل قد ميثت له بدهان
وما كل ما يحوي الفتى من تلاده ... لحزم ولا ما فاته لتواني
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه ... سيكفيكه جدان يصطرعان
سيكفيكه إما يد مقفعلة ... وإما يد مبسوطة ببنان
ولما قضت منه أمينة ما قضت ... نبا بصري عنه وكل لساني
وقد روى أبو صالح عن ابن عباس أن هذه المرأة من بني (1/49)
أسد بن عبد العزى وهي أخت ورقة بن نوفل وكذلك قال ابن إسحق وقال هي أم قتال وقال عروة في آخرين هي قتيلة بنت نوفل أخت ورقة
وروى جرير بن حازم عن أبي يزيد المدائني أن عبد الله لما مر على الخثعمية رأت بين عينيه نورا ساطعا إلى السماء فقالت هل لك في قال نعم حتى أرمي الجمرة فانطلق فرمى الجمرة ثم أتى امرأته آمنة ثم ذكر الخثعمية فأتاها فقالت هل أتيت امرأة بعدي قال نعم آمنة قالت فلا حاجة لي فيك إنك مررت وبين عينيك نور ساطع إلى السماء فلما وقعت عليها ذهب فأخبرها أنها حملت بخير أهل الأرض
ذكر حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه و سلم
روى يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته قالت كنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول الله صلى الله عليه و سلم كانت تقول ما شعرت أني حملت ولا وجدت له ثقلا كما تجد النساء إلا أني أنكرت رفع حيضي وأتاني آت وأنا بين النوم واليقظة فقال هل شعرت (1/50)
أنك حملت فكأني أقول ما أدري فقال إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها وذلك يوم الاثنين قالت فكان ذلك مما يقن عندي الحمل فلما دنت ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال قولي أعيذه بالواحد الصمد من شر كل حاسد
ذكر وفاة عبد الله
قال محمد بن كعب خرج عبد الله بن عبد المطلب في تجارة الى الشام مع جماعة من قريش فلما رجعوا مروا بالمدينة وعبد الله مريض فقال أتخلف عندي أخوالي بني عدي بن النجار فقام عندهم شهرا ومضى أصحابه فقدموا مكة فأخبروا عبد المطلب فبعث إليه ولده الحارث فوجده قد توفي ودفن في دار النابغة وهو رجل من بني عدي فرجع إلى أبيه فأخبره فوجد عليه وجدا شديدا ورسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ حمل ولعبد الله يوم توفي خمس وعشرون سنة
وقد روي عن عوانة بن الحكم أن عبد الله توفي بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه و سلم ثمانية وعشرون شهرا وقيل سبعة أشهر والقول الأول أصح وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان حملا يومئذ وترك (1/51)
عبد الله أم أيمن وخمسة أجمال وقطعة غنم فورث رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك وكانت أم أيمن تحتضنه
ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم
اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد يوم الإثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك الشهر لولادته على أربعة أقوال أحدها أنه ولد لليلتين خلتا منه والثاني لثمان خلون منه والثالث لعشر خلون منه والرابع لاثنتي عشرة خلت منه
وروى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم أن آمنة قالت لقد علقت به فما وجدت له مشقة وأنه لما فصل عنها خرج له نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب ووقع إلى الأرض معتمدا على يديه
وقال عكرمة لما ولدته وضعته برمة فانقلعت عنه قالت فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء
وقال العباس بن عبد المطلب ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم مختونا (1/52)
مسرورا فأعجب ذلك عبد المطلب وحظي عنده وقال ليكونن لابني هذا شأن من شأن فكان له شأن
وروى يزيد بن عبد الله بن وهب عن عمته أن آمنه لما وضعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلت إلى عبد المطلب فجاءه البشير وهو جالس في الحجر فأخبره أن آمنة ولدت غلاما فسر بذلك وقام هو ومن معه فدخل عليها فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه وروي أنه قال يومئذ
الحمد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالله ذي الأركان
حتى أراه بالغ البنيان ... أعيذه من شر ذي شنآن
من حاسد مضطرب العيان ...
وفي حديث العباس بن عبد المطلب أنه قال يا رسول الله إني (1/53)
أريد أن أمتدحك قال قل لا يفضض الله فاك فأنشأ يقول
من قبلها طبت في الظلال وفي ... مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر ... أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ... ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم ... إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من ... خندق علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت ... الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي ... النور وسبل الرشاد نخترق
ذكر أسماء رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب رواه البخاري ومسلم (1/54)
وفي أفراد مسلم من حديث أبي موسى قال سمى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه فقال أنا محمد وأحمد والمقفي والماحي والحاشر ونبي التوبة والملحمة وفي لفظ نبي الرحمة
وقد ذكر أبو الحسين بن فارس اللغوي أن لنبينا صلى الله عليه و سلم ثلاثة وعشرين اسما محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة والملحمة والشاهد والمبشر والبشير والنذير والسراج المنير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى والنبي والرسول والأمي والقثم (1/55)
والماحي الذي يمحى به الكفر والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه أي يقدمهم وهم خلفه والعاقب آخر الأنبياء والمقفي بمعنى العاقب لأنه تبع الأنبياء وكل شيء تبع شيئا فقد قفاه والملاحم الحروب والضحوك صفته في التوراة قال ابن فارس وإنما قيل له الضحوك لأنه كان طيب النفس فكها وقال إني لأمزح
والقثم من معنين أحدهما من القثم وهو الإعطاء يقال قثم له من العطاء يقثم إذا أعطاه وكان عليه السلام أجود بالخير من الريح الهبابة والثاني من القثم الذي هو الجمع يقال للرجل الجموع للخير قثوم وقثم والله أعلم ذكر من أرضعه
قالت برة بنت أبي تجرأة أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/56)
ثوبية بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأرضعت بعده سلمة ابن عبد الأسد ثم أرضعته حليمة بنت عبد الله السعدية
وعن حليمة ابنة الحارث أم رسول الله صلى الله عليه و سلم التي أرضعته السعدية قالت خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر بن هوازن نلتمس الرضعاء بمكة فخرجت على أتان لي قمراء قد أدمت بالركب قالت وخرجنا في سنة شهباء لم تبق لنا شيئا أنا وزوجي الحارث بن عبد العزى وقالت ومعنا شارف لنا والله إن تبض علينا بقطرة من لبن ومعي صبي لنا والله ما ننام ليلنا من بكائه ما في ثديي لبن يغنيه ولا في شارفنا من لبن يغذيه إلا (1/57)
أنا نرجو الخصب والفرج فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فتأباه وإنما كنا نرجو الكرامة في رضاعة من نرضع له من والد المولود وكان يتيما صلى الله عليه و سلم فقلنا ما عسى أن تصنع بنا أمه فكنا نأبى حتى لم تبق من صواحباتي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري قالت فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئا وقد أخذ صواحباتي فقلت لزوجي الحارث والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه
قالت فأتيته فأخذته ثم رجعت به إلى رحلي قالت فقال لي زوجي قد أخذته قلت نعم وذلك أني لم أجد غيره قال قد أصبت عسى أن يجعل الله فيه خيرا
قالت والله ما هو إلا أن وضعته في حجري فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي وقام زوجي الحارث إلى شارفنا من الليل فإذا هي تحلب علينا ما شئنا فشرب حتى روي وشربت حتى رويت قالت فبتنا بخير ليلة شباعا رواء قالت فقال زوجي والله يا حليمة ما أراك إلا قد (1/58)
أصبت نسمة مباركة قد نام صبيانا وقد روينا ورويا
قالت ثم خرجنا قالت فوالله لخرجت أتاني أمام الركب قد قطعتهم حتى ما يتعلق بها منهم أحد حتى إنهم ليقولون ويحك يا بنت الحارث كفي علينا أليست هذه أتانك التي خرجت عليها فأقول بلى والله فيقولون إن لها لشأنا حتى قدمنا منازلنا من حاضر منازل بني سعد بن بكر قالت فقدمنا على أجدب أرض الله قالت فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا وأسرح راعي غنمي وتروح غنمي حفلا بطانا وتروح أغنامهم جياعا هالكة مالها من لبن فنشرب ما شئنا من اللبن وما من الحاضر من أحد يحلب قطرة ولا يجدها قالت فيقولون لرعاتهم ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي غنم حليمة فيسرحون في الشعب الذي تسرح فيه غنمي وتروح أغنامهم جياعا مالها من لبن وتروح غنمي حفلا لبنا
قالت وكان يشب في اليوم شباب الصبي في شهر ويشب (1/59)
في الشهر شباب الصبي في سنة قالت فبلغ سنين وهو غلام جفر قالت فقدمنا به على أمه فقلت لها أو قال لها زوجي دعي ابني فلنرجع به فإنا نخشى عليه وباء مكة قالت ونحن أضن شيء به لما رأينا من بركته صلى الله عليه و سلم فلم نزل بها حتى قالت ارجعا به قالت فمكث عندنا شهرين
قالت فبينما هو يلعب يوما من الأيام هو وأخوه خلف البيت إذ جاء أخوه يشتد فقال لي ولأبيه أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه قالت فخرجت وخرج أبوه يشتد نحوه فانتهينا إليه وهو قائم ممتقع لونه فاعتنقته واعتنقه أبوه وقال مالك يا بني قال أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني والله ما أدري ما صنعا (1/60)
قالت فاحتملناه فرجعنا به قالت يقول زوجي والله يا حليمة ما أرى الصبي إلا قد أصيب فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه قالت فرجعنا به إلى أمه فقالت ما رد كما به فقد كنتما حريصين عليه فقلنا لا والله إلا أنا كفلناه وأدينا الذي علينا من الحق فيه ثم تخوفنا عليه الأحداث فقلنا يكون عند أمه فقالت والله ما ذاك بكما فأخبراني خبركما وخبره قالت فوالله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره قالت أتخوفتما عليه لا والله إن لابني هذا شأنا ألا أخبركما عنه إني حملت به فلم أحمل حملا قط هو أخف منه ولا أعظم بركة منه لقد وضعته فلم يقع كما يقع الصبيان لقد وقع واضعا يده في الأرض رافعا رأسه إلى السماء دعاه والحقا بشأنكما
قال الشيخ وظاهر هذا الحديث يدل أن آمنة حملت غير رسول صلى الله عليه و سلم وقد قال الواقدي لا يعرف عند أهل العلم أن آمنة وعبد الله ولدا غير رسول الله صلى الله عليه و سلم
فأما حليمة فهي بنت أبي ذؤيب واسمه عبد الله بن الحارث بن شحنة بن جابر السعدية قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد تزوج (1/61)
خديجة فشكت إليه جدب البلاد فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة وأعطتها بعيرا ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزى
قال محمد بن المنكدر استأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه و سلم وقد كانت أرضعته فلما دخلت قال أمي أمي وعمد إلى ردائه فبسطه لها فجلست عليه
فأما ثويبة فهي مولاة أبي لهب ولا نعلم أحدا ذكر أنها أسلمت غير ما حكى أبو نعيم الأصفهاني أن بعض العلماء قال قد اختلف في إسلامها
وروى الواقدي عن جماعة من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يكرم ثويبة ويصلها وهي بمكة فلما هاجر كان يبعث إليها بكسوة وصلة فجاءه خبرها سنة سبع مرجعه من خيبر أنها توفيت
عن عروة قال كانت ثويبة لأبي لهب وأعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه و سلم فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم قال ماذا لقيت يا أبا لهب فقال ما رأيت بعدكم روحا غير أني سقيت في هذه مني بعتقي ثويبة قال وأشار إلى بين الإبهام والسبابة (1/62)
قال الشيخ وقد جاء حديث شرح صدره صلى الله عليه و سلم في الصحيح
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه فصرعه وشق قلبه فاستخرج القلب ثم شق القلب فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك قال فغسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه قال وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا إن محمدا قد قتل قال فاستقبلوه وهو ممتقع اللون قال أنس وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه و سلم
انفرد بإخراجه مسلم وقد ذكرنا أن حليمة أعادته إلى أمه بعد سنتين وشهرين وقال ابن قتيبة لبث فيهم خمس سنين (1/63)
ذكر وفاة أمه آمنة
لما ردته حليمة أقام رسول الله صلى الله عليه و سلم عند أمه آمنة إلى أن بلغ ست سنين ثم خرجت به إلى المدينة إلى أخواله بني عدي بن النجار تزورهم به ومعها أم أيمن تحضنه فأقامت عندهم شهرا ثم رجعت به إلى مكة فتوفيت بالأبواء فقبرها هنالك فلما مر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأبواء في عمرة الحديبية زار قبرها وبكى
وأخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي (1/64)
ذكر ما كان من أمره صلى الله عليه و سلم بعد وفاة أمه آمنة
روى محمد بن سعد عن جماعة من أهل العلم منهم مجاهد والزهري أن آمنة لما توفيت قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم جده عبد المطلب وضمه إليه ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وقربه وأدناه وأن قوما من بني مدلج قالوا لعبد المطلب إحتفظ به فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه فقال عبد المطلب لأبي طالب إسمع ما يقول هؤلاء فكان أبو طالب يحتفظ به فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظه ومات عبد المطلب فدفن بالحجون وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وقيل ابن مائة وعشر سنين ويقال وعشرين سنة
وسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أتذكر موت عبد المطلب قال نعم وأنا يومئذ ابن ثمان سنين قالت أم أيمن رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/65)
يومئذ بكى عند قبر عبد المطلب وذكر بعض العلماء أنه كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم يوم موت عبد المطلب ثماني سنين وشهران وعشرة أيام
ذكر كفالة أبي طالب للنبي صلى الله عليه و سلم
ذكر جماعة من أهل العلم أنه لما توفي عبد المطلب قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو طالب وكان يحبه حبا شديدا ويقدمه على أولاده
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم إثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام إرتحل به أبو طالب تاجرا نحو الشام فنزل تيماء فرآه حبر من اليهود يقال له بحيرا الراهب فقال من هذا الغلام معك فقال ابن أخي فقال أشفيق عليه أنت قال نعم قال فوالله لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود فرجع به إلى مكة (1/66)
حديث بحيرا الراهب
عن داود بن الحصين قال لما خرج أبو طالب إلى الشام وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له وكان علماء النصارى يكونون في تلك الصومعة يتوارثونها عن كتاب يدرسونه فلما نزلوا ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا فصنع لهم طعاما ثم دعاهم وإنما حمله على دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظل رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة واخضلت أغصان الشجرة على النبي صلى الله عليه و سلم حين استظل تحتها فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فأتي به وأرسل إليهم فقال إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا تخلفوا منكم صغيرا ولا كبيرا حرا ولا عبدا فإن هذا شيء تكرمونني به فقال رجل إن لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع بنا هذا فما شأنك اليوم قال فإني أحببت أن أكرمكم فلكم حق
فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم من بين القوم لحداثة (1/67)
سنه ليس في القوم أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة فلما نظر بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي يعرف ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ورآها متخلفة على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بحيرا يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي قالوا ما تخلف أحد إلا غلام هو أصغر القوم سنا في رحالهم فقال ادعوه فليحضر طعامي فما أقبح أن يتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم فقال القوم هو والله أوسطنا نسبا وهو ابن أخي هذا الرجل يعنون أبا طالب وهو من ولد عبد المطلب فقال الحارث بن عبد المطلب والله إن كان بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه وجعل بحيرا يلحظ لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده من صفته فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تسألني باللات والعزى فوالله ما أبغضت شيئا بغضهما قال فبالله (1/68)
إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه قال سلني عما بدا لك فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي عنده فقبل موضع الخاتم وقالت قريش إن لمحمد عند هذا الراهب لقدرا وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه فقال الراهب لأبي طالب ما هذا الغلام منك قال أبو طالب إبني قال ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال فابن أخي قال فما فعل أبوه قال هلك وأمه حبلى به قال فما فعلت أمه قال توفيت قريبا قال صدقت إرجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبغنه بغيا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم أني قد أديت إليك النصيحة
فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا (1/69)
إلى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهي وقال لهم أتجدون صفته قالوا نعم قال فما لكم إليه سبيل فصدقوه وتركوه
ورجع به أبو طالب فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه قال الشيخ رحمه الله وما زال صلى الله عليه و سلم في صغره أفضل الخلق مروءة وأحسنهم خلقا وأصدقهم حديثا وأبعدهم من الفحش والأذى حتى سماه قومه الأمين
ذكر رعية الغنم صلى الله عليه و سلم
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة إنفرد بإخراجه البخاري وقد رواه سويد بن سعيد عن عمرو بن أبي يحيى عن جده سعيد بن أحيحة فقال فيه كنت (1/70)
أرعاها لأهل مكة بالقراريط قال سويد بن سعيد يعني كل شاة بقيراط وقال إبراهيم الحربي القراريط موضع ولم يرد بذلك القراريط من الفضة
ذكر خروجه صلى الله عليه و سلم إلى الشام مرة أخرى
قد ذكرنا أنه خرج مع أبي طالب وهو ابن اثنتي عشرة سنة فلما بلغ خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب أنا رجل لا مال لي وقد اشتد علينا الزمان وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة تبعث رجالا من قومك فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك
وبلغ خديجة ما قال له أبو طالب فقالت أنا أعطيك ضعف ما أعطى رجلا من قومك فقال أبو طالب هذا رزق قد ساقه الله إليك (1/71)
فخرج مع غلامها ميسرة وجعل عمومته يوصون به أهل العير حتى قدما بصرى من الشام فنزلا في ظل شجرة فقال نسطورا الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ثم قال لميسرة أفي عينيه حمرة قال نعم لا تفارقه فقال هو نبي وهو آخر الأنبياء ثم باع سلعته فوقع بينه وبين رجل تلاح فقال له إحلف باللات والعزى فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حلفت بهما قط وإني لامرؤ أعرض عنهما فقال الرجل القول قولك وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلان رسول الله صلى الله عليه و سلم من الشمس
ودخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في علية لها فرأت رسول الله صلى الله عليه و سلم على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/72)
فأخبرها بما ربحوا في وجههم فسرت بذلك فلما دخل ميسرة أخبرته بما رأت فقال قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام وأخبرها بما قال الراهب
ذكر تزويج رسول الله صلى الله عليه و سلم خديجة
قالت نفيسة بنت منية كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي امرأة حازمة جلدة شريفة أوسط قريش نسبا وأكثرهم مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر على ذلك قد طلبوها وبذلوا لها الأموال فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع من الشام فقلت يا محمد ما يمنعك أن تزوج فقال ما بيدي ما أتزوج به قلت فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال فمن هي قلت خديجة قال وكيف بذلك قلت علي قال وأنا أفعل فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا وكذا وأرسلت (1/73)
إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه و سلم في عمومته فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنه وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة
وقد ذكر بعض العلماء أن أبا طالب حضر العقد ومعه بنو مضر فقال أبو طالب الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل إلا رجح به فإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها الصداق ما آجله وعاجله من مالي وهو بعد هذا والله له نبأ عظيم وخطر جليل
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/74)
ذكر علامات النبوة في رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يوحى إليه
قال الشيخ قد ذكرنا أن أمة آمنة رأت عند ولادته نورا أضاء له المشرق والمغرب وقد روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال رأت أمي نورا أضاءت له قصور الشام وقد ذكرنا شق بطنه في صغره وحديث ميسرة والراهب وحديث بحيرا والغمامة التي كانت تظله والأحاديث في هذا كثير إلا أنا نروم الإختصار فلهذا نحذف
عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي يعني النبي صلى الله عليه و سلم فأدركني العطش فشكوت إليه (1/75)
فقلت يا ابن أخي قد عطشت وما قلت له ذلك وأنا أرى أن عنده شيئا إلا الجزع فثنى وركه ثم نزل فأهوى بعقبه إلى الأرض فإذا بالماء فقال إشرب يا عم فشربت
وعن ابن عباس قال أول شيء رأى النبي صلى الله عليه و سلم من النبوة أن قيل له استتر وهو غلام فما رئيت عورته من يومئذ
وقالت برة بنت أبي تجرأة لما ابتدأه الله تعالى بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى بيتا ويفضي إلى الشعاب وبطون الأوديه فلا يمر بحجر ولا شجرة إلا قال السلام عليك يا رسول الله فكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى أحدا
وعن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن رواه الإمام أحمد وانفرد بإخراجه مسلم (1/76)
فصل
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسا وثلاثين سنة شهد بنيان الكعبة وتراضت قريش بحكمه فيها وكانوا قد اختلفوا فيمن يضع الحجر فاتفقوا على أن يحكم بينهم أول داخل يدخل المسجد فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا هذا الأمين فقال هلموا ثوبا فوضع الحجر فيه وقال لتأخذ كل قبيلة بناحية من نواحيه وارفعوه جميعا ثم أخذ الحجر بيده فوضعه في مكانه
فلما أتت له أربعون سنة ويوم بعثه الله عز و جل وذلك في يوم الاثنين
ذكر بدو الوحي روى مسلم في الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن صوم يوم (1/77)
الاثنين فقال فيه ولدت وفيه أنزل علي
وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالرسالة يوم سبع وعشرين من رجب هو أول يوم هبط فيه وقال ابن إسحق ابتدىء رسول الله صلى الله عليه و سلم بالتنزيل في شهر رمضان
وعن عائشة أنها قالت أول ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصادقة وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي جبل حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الحق فيه فقال إقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت ما أنا بقارىء قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال إقرأ فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال إقرأ فقلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال إقرأ باسم ربك الذي (1/78)
خلق حتى بلغ مالم يعلم قال فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة مالي فأخبرها الخبر فقال قد خشيت علي فقالت له كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتخمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت خديجة أي ابن عم إسمع من ابن أخيك قال ورقة يابن أخي ما ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه و سلم ما رأى فقال ورقة هذا (1/79)
الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه و سلم ياليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو مخرجي هم فقال ورقة نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا
ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا لكي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه يبدى له جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه صلى الله عليه و سلم فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام فقال مثل ذلك أخرجاه في الصحيحين (1/80)
وعن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه رعبا فجئت فقلت زملوني فدثروني فأنزل الله عز و جل يا أيها المدثر أخرجاه في الصحيحين
ومعنى فجئثت فرقت يقال رجل مجؤوث
ذكر كيفية إتيان الوحي إليه صلى الله عليه و سلم
عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/81)
فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة وقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا أخرجاه في الصحيحين
وأخرجا من حديث يعلى بن أمية أنه كان يقول لعمر ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين ينزل عليه الوحي فلما كان النبي صلى الله عليه و سلم بالجعرانة جاءه رجل فسأله عن شيء فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يعلى أن تعال فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا هو محمر الوجه يغط كذلك ساعة ثم سري عنه (1/82)
وعن زيد بن ثابت قال إني قاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه و سلم يوما إذا أوحي إليه وغشيته السكينة ووقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة قال زيد فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم سري عنه فقال اكتب يا زيد
وفي أفراد البخاري من حديث زيد بن ثابت قال أملي علي (1/83)
رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يستوي القاعدون من المؤمنين فجاءه ابن أم مكتوم وهو يمليها علي فقال والله يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله عز و جل على رسوله وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عز و جل غير أولي الضرر
وقال عبادة بن الصامت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نزل عليه الوحي كرب له وتربد وجهه
وقال أبو أروى الدوسي رأيت الوحي ينزل على رسول الله (1/84)
صلى الله عليه و سلم وإنه على راحلته فترغو وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها تنفصم وربما بركت وربما قامت موئدة يديها حتى يسرى عنه من ثقل الوحي وإنه ليتحدر منه مثل الجمان
ذكر رمي الشياطين بالشهب لمبعثه
قال العلماء بالسير رأت قريش النجوم يرمى بها بعد عشرين يوما من مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن ابن عباس قال انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا مالكم فقالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الذي حال بينكم وبين خبر (1/85)
السماء قال فانطلق الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن تسمعوا له فقالوا هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا إلي قومهم فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنزل الله على نبيه قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن أخرجاه في الصحيحين
وعنه قال كان الجن يسمعون الوحي فيسمعون الكلمة فيزيدون عليها عشرا فيكون ما سمعوه حقا وما زادوه باطلا (1/86)
وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك فلما بعث النبي صلى الله عليه و سلم كان أحدهم لا يقعد مقعده إلا رمي بشهاب يحرق ما أصاب فشكوا ذلك إلى إبليس فقال ما هذا إلا من أمر قد حدث فبث جنوده فإذا هم بالنبي صلى الله عليه و سلم يصلي بين جبلي نخلة فأتوه فأخبروه فقال هذا الذي حدث في الأرض
قال الشيخ وهذا الحديث يدل على أن النجوم لم يرم بها قبل مبعث نبينا صلى الله عليه و سلم وقد روينا عن الزهري أنه قال قد كان يرمى بها قبل ذلك ولكنها غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه و سلم
ذكر اعتراف أهل الكتاب بنبوته صلى الله عليه و سلم
قال كعب الأحبار نجد نعت رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة محمد بن عبد الله عبدي المختار مولده بمكة ومهاجره المدينة (1/87)
لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق
وعن أبي هريرة قال أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بيت المدارس فقال أخرجوا إلي أعلمكم فقالوا عبد الله بن صوريا فخلا به رسول الله صلى الله عليه و سلم فناشده بدينة وبما أنعم الله به عليهم وأطعمهم من المن والسلوى وظلهم به من الغمام أتعلم أني رسول الله قال اللهم نعم وإن القوم ليعرفون ما أعرف وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكنهم حسدوك قال فما يمنعك أنت قال أكره خلاف قومي وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم
وعن ابن عباس قال كانت يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه و سلم عندهم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة فلما ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت أحبار يهود ولد أحمد الليلة فلما نبىء قالوا قد نبىء أحمد يعرفون ذلك ويقرون به ويصفونه فما منعهم عن إجابته إلا الحسد والبغي
وعن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال كان الزبير بن باطا (1/88)
وكان أعلم اليهود يقول إني وجدت سفرا كان أبي يختمه علي فيه ذكر أن أحمد نبي صفته كذا وكذا فحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى الله عليه و سلم لم يبعث فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه و سلم قد خرج إلى مكة فعمد إلى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه و سلم وقال ليس به
وعن سلمة بن سلامة بن وقش قال كان لنا جار من يهود في بني الأشهل قال فخرج علينا يوما من بيته قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه و سلم بيسير حتى وقف على مجلس بني عبد الأشهل قال سلمة وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا على بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لايرون أن بعثا كائن بعد الموت فقالوا له ويحك يا فلان ترى هذا كائنا أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم قال نعم والذي يحلف (1/89)
به يود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبقونه عليه وأن ينجو من تلك النار غدا قالوا له ويحك وما آية ذلك قال نبي يبعث من نحو هذه البلاد وأشار بيده نحو مكة واليمن قالوا ومتى تراه قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه
قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو حي بين أظهرنا فآمنا به وكفر به بغيا وحسدا فقلنا ويلك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت قال بلى وليس به
ذكر بدو دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس إلى الاسلام
روى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان (1/90)
يدعو من أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيا ثم أمر بإظهار الدعاء
وقال يعقوب بن عتبة كان أبو بكر وعثمان وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح يدعون إلى الإسلام سرا وكان عمر وحمزة يدعوان علانية فغضبت قريش لذلك
ذكر طرف من معجزاته صلى الله عليه و سلم
أعلم أن معجزات رسول الله صلى الله عليه و سلم كثيرة ونحن نذكر طرفا منها وأكبر معجزاته الدالة على صدقه القرآن العزيز الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لم يقدروا وكفى به
عن ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم شقتين حتى نظروا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اشهدوا أخرجاه (1/91)
في الصحيحين والروايات في الصحيح بانشقاق القمر عن ابن عمر وابن عباس وأنس
وعن عمران بن حصين قال كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكنا أسرينا حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا تلك الوقعة ولا وقعة عند المسافر أحلى منها قال فما أيقظنا إلا حر الشمس وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان وكان يسميهم أبو رجاء ونسيهم عوف ثم عمر بن الخطاب الرابع وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ لأنا ما ندري ما يحدث أو حدث له في نومه
فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس وكان رجلا أجوف جليدا قال فكبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ لصوته رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/92)
شكوا إليه الذي أصابهم فقال لا ضير أو لا يضير ارتحلوا فارتحل فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس فلما إنفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم فقال ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد الطيب فإنه يكفيك
ثم سار رسول الله صلى الله عليه و سلم فاشتكى إليه الناس العطش فنزل فدعا فلانا كان يسميه أبو رجاء ونسيه عوف ودعا عليا عليه السلام فقال اذهبا فابغيا الماء فذهبا فلقيا امرأة بين مزادتين أو سطيحتين من ماء على بعيرها فقالا لها أين الماء فقالت عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرنا خلوف قال فقالا لها فانطلقي إذا (1/93)
قالت إلى أين قالا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت هذا الذي يقال له الصابىء قالا هو الذي تعنين فانطلقي فجاءا بها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فحدثاه الحديث فاستنزلوها عن بعيرها ودعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بإناء فأفرغ فيه من أفواه المزادتين أو السطيحتين وأوكى أفواههما وعلق العزالي ونودي في الناس أن اسقوا واستقوا فسقى من شاء واستقى من شاء فكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء فقال اذهب فأفرغه عليك قال وهي قائمة ينظر ما يفعل بمائها قال وايم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملئة منها حين إبتدىء فيها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اجمعوا لها فجمع لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما كثيرا وجعلوه في ثوب وحملوه على بعيرها ووضعوا الثوب بين يديها فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم تعلمين والله ما رزأناك من مائك شيئا ولكن الله جل وعز هو الذي سقانا (1/94)
قال فأتت أهلها وقد احتبست عنهم فقالوا ما حبسك يا فلانة قالت العجب لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابىء ففعل بمائي كذا وكذا فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه وقالت باصبعها الوسطى والسبابة فرفعتهما إلى السماء تعني السماء والأرض وإنه لرسول الله حقا قال فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على ما حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه فقالت يوما لقومها ماأدري هؤلاء القوم الذين يدعونكم عمدا فهل لكم في الإسلام فأطاعوها فدخلوا في الإسلام أخرجاه في الصحيحين
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان بالزوراء فأتي بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه أو قدر ما يواري أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضؤا فوضع كفه في الماء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه (1/95)
وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم قال فقلنا لأنس كم كنتم قال كنا ثلاثمائة أخرجاه في الصحيحين
وعن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه و سلم بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لكم قالوا يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب ماء إلا في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه و سلم يده في الركوه فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا فقلت لجابر كم كنتم يومئذ قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة أخرجاه في الصحيحين
وعن أنس بن مالك قال أصابت الناس سنة على عهد (1/96)
رسول الله صلى الله عليه و سلم فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ قام أعرابي فقال يا رسول الله صلى الله عليه و سلم هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه وما في السماء قزعة فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته قال فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أو رجل غيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال ادع الله لنا فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه وقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوبة حتى سال الوادي وادي قناة شهرا فلم يجىء أحد من ناحية إلا حدث بالجود أخرجاه في الصحيحين (1/97)
وعن جابر بن عبد الله قال كان جذع يقوم عليه النبي صلى الله عليه و سلم فلما وضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العشار حتى نزل النبي صلى الله عليه و سلم فوضع يده عليه رواه البخاري
وقد روى محمد بن سعد عن أشياخ له أن قريشا لما تكاتبت على بني هاشم حين أبوا أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانوا تكاتبوا أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم في شيء ولا (1/98)
يكلموهم فمكثوا ثلاث سنين في شعبهم محصورين ثم أطلع الله نبيه على أمر صحيفتهم وأن الآكلة قد أكلت ما كان فيها من جور أو ظلم وبقي فيها ما كان من ذكر الله فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي طالب فقال أبو طالب أحق ما تخبرني به يا ابن أخي قال نعم والله فذكر ذلك أبو طالب لإخوته وقال والله ما كذبني قط قالوا فما ترى قال أرى أن تلبسوا أحسن ثيابكم وتخرجوا إلى قريش فنذكر ذلك لهم قبل أن يبلغهم الخبر فخرجوا حتى دخلوا المسجد فقال أبو طالب إنا قد جئنا لأمر فأجيبوا فيه قالوا مرحبا بكم وأهلا قال إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني قط أن الله قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم وبقي فيها كل ما ذكر به الله فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم وإن كان كاذبا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه إن شئتم قالوا أنصفتنا فأرسلوا إلى الصحيفة فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فسقط في أيدي القوم ثم نكسوا على رؤوسهم فقال (1/99)
أبو طالب هل تبين لكم من أولى بالظلم والقطيعة فلم يراجعه أحد منهم ثم انصرفوا
ذكر طرف من أخباره بالغائبات صلى الله عليه و سلم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله أخرجاه في الصحيحين
وعنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت من أهل النار قاتل قتالا شديدا وقد مات فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/100)
إلى النار وكاد بعض القوم يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن به جراح شديد فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر أخرجاه في الصحيحين
وعن عبد الله بن مسعود قال انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت فبينا سعد يطوف إذا أبو جهل قال من يطوف بالكعبة فقال أنا سعد فقال أبو جهل تطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا وأصحابه قال نعم فتلاحيا بينهما فقال أمية لسعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم فأنه سيد أهل الوادي ثم قال سعد والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعنك متجرك بالشام قال فجعل أمية يقول لسعد لا ترفع صوتك وجعل يمسكه فغضب سعد فقال دعنا عنك فاني سمعت محمدا صلى الله عليه و سلم يزعم أنه قاتلك (1/101)
قال إياي قال نعم قال والله ما نكذب محمدا إذا حدث
فرجع إلى امرأته فقال أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي قالت وما قال لك قال زعم أن محمدا يزعم أنه قاتلي قالت فوالله ما يكذب محمد
قال فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ قالت له امرأته أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي قال فأراد أن لا يخرج فقال له أبو جهل إنك من أشراف الوادي فسر معنا يوما أو يومين فسار معهم فقتله الله
وعن أنس قال كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال وكنت حديد البصر فرأيته فجعلت أقول لعمر أما تراه فقال سأراه وأنا مستلق على فراشي ثم أخذ يحدثنا عن أهل بدر قال إن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليرينا مصارعهم بالأمس يقول هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله
قال فجعلوا يصرعون عليها قال قلت والذي بعثك بالحق ما أخطأت رؤيتك كانوا يصرعون عليها ثم أمر بهم فطرحوا في بئر فانطلق (1/102)
إليهم فقال يا فلان يا فلان هل وجدتم ما وعدكم الله حقا فاني وجدت ما وعدني الله حقا فقال عمر يا رسول الله أتكلم قوما قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا انفرد باخراجه مسلم (1/103)
ذكر طرف مما لاقى رسول الله صلى الله عليه و سلم من أذى المشركين وهو صابر
كان أبو طالب يدافع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه و سلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما مات عمه (1/104)
أبو طالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من المبعث وهو ابن بضع وثمانين سنة وتوفيت بعده خديجة بشهر وخمسة أيام ويقال بثلاثة أيام فحسب وهي ابنة خمس وستين سنة وكانت قريش تكف بعض أذاها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مات أبو طالب فلما مات بالغوا في أذاه فلما ماتت خديجة أقام بعدها ثلاثة أشهر ثم خرج هو وزيد بن حارثة إلى الطائف فأقام بها شهرا ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي وما زال يلقى الشدائد
وعن عبد الله قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا على قريش غير يوم واحد فانه كان يصلي ورهط من قريش جلوس وسلى جزور قريب منه فقالوا من يأخذ هذا السلى فيلقيه على ظهره قال فقال عقبة بن أبي معيط أنا فأخذه فألقاه على ظهره فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة صلوات الله عليها فأخذته عن ظهره فقال (1/105)
رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم عليك الملأ من قريش اللهم عليك بعتبة ابن ربيعة اللهم عليك بشيبة بن ربيعة اللهم عليك بأبي جهل بن هشام اللهم عليك بعقبة بن أبي معيط اللهم عليك بأبي بن خلف أو أمية بن خلف
قال عبد الله فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا ثم سحبوا إلى القليب غير أبي أو أمية فإنه كان رجلا ضخما فتقطع أخرجاه في الصحيحين
وعن عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم هل أتي عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن (1/106)
الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني أن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد لك ما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين قال النبي صلى الله عليه و سلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا أخرجاه في الصحيحين
وعنه قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاصي أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه و سلم قال بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه و سلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ (1/107)
بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم فصل
فلما أتت لرسول الله صلى الله عليه و سلم خمسون سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جن نصيبين فأسلموا فلما أتت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به
ذكر معراجه صلى الله عليه و سلم
عن أنس بن مالك بن صعصعة حدثه أن النبي صلى الله عليه و سلم حدثهم عن ليلة أسري به قال (1/108)
بينا أنا في الحطيم وربما قال قتادة في الحجر مضطجع إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة قال فأتاني وقعد
قال وسمعت قتادة يقول فشق ما بين هذه إلى هذه قال قتادة فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني قال من ثغرة نحره إلى شعرته وقد سمعته يقول من قصه إلى شعرته قال فاستخرج قلبي قال فأتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة فغسل قلبي ثم حشي ثم أعيد ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض قال فقال الجارود أهو البراق يا أبا حمزة قال نعم يقع خطوه عند أقصى بصره
قال فحملت عليه فانطلق بي جبريل صلى الله عليه و سلم حتى أتى السماء الدنيا (1/109)
فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا فيها آدم صلى الله عليه و سلم قال هذا أبوك آدم سلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح
ثم صعد حتى أتى بي السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما قال فسلمت فردا السلام ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
ثم صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا يوسف قال هذا يوسف فسلم عليه قال فسلمت (1/110)
عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت إذا إدريس قال هذا إدريس فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
قال ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت قال فإذا أنا بهارون قال هذا هارون فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح
قال ثم صعد بي حتى أتي السماء السادسة فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت قال فإذا أنا بموسى قال هذا موسى فسلم عليه (1/111)
فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح قال فلما تجاوزت بكى فقيل وما يبكيك قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي
قال ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل أو قد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء قال ففتح فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا إبراهيم فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح
قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا أوراقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى قال فإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران قلت ما هذا يا جبريل قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات قال ثم رفع إلى البيت المعمور (1/112)
قال قتادة وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه أري البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه
ثم رجع إلى حديث أنس قال ثم أتيت باناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل قال فأخذت اللبن قال هذه الفطرة أنت عليها وأمتك قال ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة كل يوم قال فرجعت فمررت على موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز و جل وسله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت بأربعين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني (1/113)
عني عشرا أخر فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بثلاثين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع ثلاثين صلاة كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فوضع عني عشرا أخر فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت أمرت بعشرين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع عشرين صلاة كل يوم فاني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز و جل فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم فرجعت إلى موسى فقال بم أمرت قلت بعشر صلوات كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع عشر صلوات كل يوم وإني قد خبرت الناس قبلك وعالجت بني اسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك عز و جل فاسأله التخفيف لأمتك قال فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم قال أن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني خبرت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال قلت قد (1/114)
سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم فلما نفذت ناداني مناد قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي أخرجاه في الصحيحين
عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت ربي تبارك وتعالى رواه الإمام أحمد ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم أصحابه بالهجرة إلى أرض الحبشة
لما أظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم الإسلام أظهر له المشركون العداوة فمنعه الله بعمه أبي طالب وأمر أصحابه بالخروج إلى أرض الحبشة وقال لهم إن بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده فتحرزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه فهاجر جماعة وأستخفى آخرون بإسلامهم وكان جملة (1/115)
من خرج إلى أرض الحبشة ثلاثة وثمانين رجلا وإحدى عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب
فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا وثماني نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس منهم سبعة وشهد منهم بدرا أربعة وعشرون
فلما كانت سنة سبع من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم وكتب إليه أن يزوجه بأم حبيبة وأن يبعث إليه من بقي من أصحابه ففعل فقدموا المدينة فوجدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم قد فتح خيبر
ذكر مقدار إقامة رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة بعد النبوة
اختلفوا في ذلك فروى ربيعة عن أنس وأبو سلمة عن (1/116)
ابن عباس أنه أقام عشر سنين وهو قول عائشة وسعيد بن المسيب وروي عن ابن عباس أنه أقام خمس عشرة سنة
عن ابن عباس قال أقام النبي صلى الله عليه و سلم بمكة خمس عشرة سبع سنين يرى الضوء ويسمع الصوت وثماني توحى إليه
والصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة ويحمل قول من قال عشر سنين على مدة إظهار النبوة فإنه لما بعث استخفى ثلاث سنين ويحمل قول من قال خمس عشرة سنة على مبدأ ما كان يرى قبل النبوة من أعلامها صلى الله عليه و سلم
ذكر عرض رسول الله صلى الله عليه و سلم نفسه بالموقف على الناس لينصروه
عن جابر بن عبد الله قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه بالموقف (1/117)
ويقول ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي رواه الترمذي وعنه قال مكث رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مصر كذا قال فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله له من يثرب فآويناه ونصرناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون باسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الاسلام ثم ائتمروا جميعا فقلنا حتى (1/118)
متى نترك رسول الله صلى الله عليه و سلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في المواسم فواعدناه شعب العقبة واجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافقنا فقلنا يا رسول الله علام نبايعك قال بايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله ولا تخافوا في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني وتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة
قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم وقال رويدا يا أهل يثرب فانا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فاما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله ما ندع (1/119)
هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا قال فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة
ذكر العقبة وكيف جرى
قال ابن إسحق لما أراد الله تعالى إظهار دينه وإعزاز نبيه وإنجاز موعده خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم في الموسم الذي لقيه في النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج فذكرواأنه قال لهم ممن أنتم قالوا له من الخزرج قال أفلا تجلسون أكلمكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن وقد كانوا يسمعون من اليهود أن نبيا مبعوثا قد أظل زمانه فقال بعضهم لبعض والله يا قوم إن هذا النبي الذي تعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه فأجابوه وهم فيما يزعمون ستة أسعد بن زرارة وعوف بن مالك وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابى (1/120)
وجابر بن عبد الله بن رئاب
فلما انصرفوا إلى بلادهم وقد آمنوا ذكروا لقومهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم اثنا عشر رجلا من الأنصار فلقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعوه بيعة النساء قبل أن تفترض الحرب وفيهم عبادة بن الصامت قال عبادة بايعنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف وذلك قبل أن تفترض الحرب فان وفيتم بذلك فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله إن شاء غفر وإن شاء عذب
فلما انصرف القوم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن فنزل على أسعد بن زرارة فكان يسمى بالمدينة المقرىء فلم يزل يدعو الناس إلى الإسلام حتى شاع الإسلام ثم رجع مصعب إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية
قال كعب بن مالك خرجنا في الحجة التي بايعنا فيها رسول الله (1/121)
صلى الله عليه و سلم بالعقبة مع مشركي قومنا فواعدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم العقبة أوسط أيام التشريق ونحن سبعون رجلا ومعهم امرأتان فلما كانت الليلة التي وعدنا فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم نمنا أول الليل مع قومنا فلما استثقل الناس من النوم تسللنا من فراشنا تسلل القطا حتى اجتمعنا بالعقبة فأتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه عمه العباس ليس معه غيره فقال العباس يا معشر الخزرج إن محمدا منا حيث قد علمتم وهو في منعة من قومه وبلاده وقد أبى إلا الانقطاع إليكم فإن كنتم تخشون من أنفسكم خذلانا فاتركوه في قومه فإنه في منعة من عشيرته وقومه فقلنا
قد سمعنا ما قلت تكلم يا رسول الله فتكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعا إلى الله ورغب إلى الإسلام وتلا القرآن فأجبناه بالإيمان به والتصديق له وقلنا له يا رسول خذ لربك ولنفسك قال إني أبايعكم على أن تمنعوني مما منعتم منه أبناءكم ونساءكم فأجابه البراء بن معرور فقال نعم والذي بعثك بالحق مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر (1/122)
فعرض في الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله إن بيننا وبين أقوام حبالا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا فقال رسول الله بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم فقال له البراء بن معرور أبسط يدك يا رسول الله نبايعك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا فأخرجوهم وهم أسعد بن زرارة وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ورافع بن مالك بن العجلان وعبد الله ابن وراحة وسعد بن الربيع وعبادة بن الصامت وأسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان وسعد بن خيثمة
فأخذ البراء بن معرور بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فضرب عليها فكان أول من بايع وتتابع الناس فبايعوا (1/123)
قال ابن اسحق فلما أيقنت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد بويع وأمر أصحابه أن يلحقوا بالمدينة توامروا بينهم فقالوا والله لكأنه قد كر عليكم بالرجال فأثبتوه أو اقتلوه أو أخرجوه فاجتمعوا على قتله وأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه فبات في غيره فلما أصبح أذن له في الخروج إلى المدينة
وعن ابن عباس في قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى الله عليه و سلم وقال بعضهم بل اقتلوه وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه و سلم على ذلك فبات علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه و سلم تلك الليلة وخرج النبي صلى الله عليه و سلم حتى لحق بالغار وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي صلى الله عليه و سلم (1/124)
فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم فقالوا أين صاحبك قال لا أدري فاقتصوا أثره
ذكر هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة
كانت بيعة العقبة في أوسط أيام التشريق وقدم رسول صلى الله عليه و سلم المدينة لأثنتي ليلة خلت من ربيع الأول
قال يزيد بن أبي حبيب خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة في صفر وقدم المدينة في ربيع الأول قال ابن إسحاق دخلها حين ارتفع الضحى وكادت الشمس تعتدل
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد (1/125)
القارة قال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي قال ابن الدغنة فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج أنت تكسب المعدم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فلم تكذب مرة وأنت بجوار ابن الدغنه وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره
ثم بدا لأبي بكر فبنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ (1/126)
القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين فأرسلوا إلى ابن الدغنه فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فبنى مسجدا بفناء دره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فاسأله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الإستعلان
قالت عائشة فأتى ابن الدغنة إلى أبي فقال قد علمت الذي عاقدت لك عليه فأما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال أبو بكر فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله والنبي صلى الله عليه و سلم يومئذ بمكة فقال النبي صلى الله عليه و سلم للمسلمين إني أريت دار هجرتكم ذات (1/127)
نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة وتجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبي أنت قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر
قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدى له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال فإني قد أذن لي في الخروج قال أبو بكر الصحبة بأبي أنت يا رسول الله قال رسول الله نعم قال أبو بكر (1/128)
فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين قال رسول الله بالثمن
قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فريطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاقين قالت ثم لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فمكثنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقف فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش كبائت فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام يرعى عليهما عامر ابن فهيرة مولى لأبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهم حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما حتى ينعق (1/129)
بها عامر بن فهيره بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث واستأجر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر رجلا من بني الدبل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث فانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم على طريق السواحل
قال ابن شهاب وأخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن جعشم أن أباه أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم يقول جاءنا رسول كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت إنهم ليسوا هم ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي (1/130)
فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو لا يلتفت وأبو بكر كثير الإلتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت ولم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت له إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزأاني ولم يسلاني إلا أن قال أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي (1/131)
في رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن شهاب فأخبرني عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبا بكر ثياب بياض وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرونه فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول (1/132)
الله صلى الله عليه و سلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم صامتا فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه و سلم يحيي أبا بكر حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك فلبث رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو ابن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين بركت به راحلته هذا إن شاء الله المنزل ثم دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا بل نهبه لك يا رسول الله ثم بناه مسجدا (1/133)
وطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم ينقل معهم اللبن في ثيابه ويقول وهو ينقل اللبن
هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول
اللهم إن الأجر أجر الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
فتمثل بشعر رجل من المسلمين ولم يسم لي
قال ابن شهاب ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تمثل ببيت شعر تام غير هذه الأبيات انفرد بإخراجه البخاري (1/134)
وعن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما قال فقال أبو بكر مر البراء فليحمله إلى منزلي فقال لا حتى تحدثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنت معه قال فقال أبو بكر خرجنا فأدلجنا فاحتثثنا يومنا وليينا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل نرى ظلا نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فأويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله صلى الله عليه و سلم وفرشت له فروة وقلت اضجع يا رسول الله صلى الله عليه و سلم فاضجع ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب فإذا أنا براعي غنم فقلت لمن أنت يا غلام فقال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل في غنمك من لبن قال نعم قال قلت هل أنت حالب لي قال نعم فأمرته فاعتقل شاة منها ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار ومعي إداوة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن فصببت على القدح حتى برد أسفله ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فوافيته وقد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى (1/135)
رضيت ثم قلت هل انى الرحيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال لا تحزن إن الله معنا حتى إذا دنا منا وكان بيننا وبينه قيد رمح أو رمحين أو ثلاثة قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت فقال لماذا تبكي قال قلت أما والله ما على نفسي أبكي ولكني أبكي عليك قال فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اللهم اكفناه بما شئت فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها وقال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله عز و جل أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فإنك ستمر بابلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا حاجة لي فيها قالودعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطلق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا في الطرق وعلى الأناجير واشتد الخدم والصبيان في الطريق الله أكبر جاء رسول (1/136)
الله صلى الله عليه و سلم جاء محمد قال وتنازع القوم أيهم ينزل عليه قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك فلما أصبح غدا حيث أمر
قال البراء بن عازب أول من قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا فقلنا ما فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هو على أثري ثم قدم رسول الله ومعه أبو بكر قال البراء ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قرأت سورا من المفصل أخرجاه في الصحيحين
وعن أنس أن أبا بكر حدثه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما أخرجاه في الصحيحين حديث أم معبد
عن أبي معبد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما هاجر من مكة (1/137)
إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعيه وكانت امرأة جلدة برزة تحتبي وتقعد بفناء الخيمة تسقي وتطعم فسألوها تمرا ولحما يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك فإذا القوم مرملون مسنتون فقالت والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت هذه شاة خلفها الجهد عن الغنم فقال هل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك قال أتأذنين لي أن أحلبها قالت نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حلبا فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالشاة فمسح ضرعها وذكر اسم الله وقال اللهم بارك لها في شاتها قال فتفاجت ودرت واجترت فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه ثجا حتى غلبه الثمال فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا وشرب رسول الله صلى الله عليه و سلم آخرهم وقال ساقي القوم (1/138)
آخرهم شربا فشربوا جميعا عللا بعد نهل حتى اراضوا ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغادره عندها حتى ارتحلوا عنها فقلما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا حيلا عجافا هزلى ما تساوق مخهن قليل لا نقى بهن فلما رأى اللبن عجب فقال من أين لك هذا والشاة عازبة ولا حلوبة في البيت قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت قال والله إني لأراه صاحب قريش الذي يطلب صفيه لي يا أم معبد قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي (1/139)
صوته صحل أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر في عنقه سطع وفي لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار وإذا تكلم سما وعلاه البهاء وكأن منطقه خرزات عقد يتحدرن حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر أجهر الناس وأجملهم من بعيدو أحلاهم وأحسنهم من قريب ربعه لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا مفند
قال هذا والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر ولو كنت وافقته لا لتمست أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا (1/140)
وأصبج صوت بمكة عاليا بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرى من يقوله وهو يقول
جرى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجازى وسودد
سلوا أختكم عن شاتها وانائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادره رهنا لديها لحالب ... بدرتها من مصدر ثم مورد
فأصبح القوم وقد فقدوا نبيهم وأخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا النبي صلى الله عليه و سلم قال فأجابه حسان بن ثابت يقول
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى إليه ويغتدي (1/141)
ترحل عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على قوم بنور مجدد
فهل يستوي ضلال قوم تسكعوا ... عمى وهداة يهتدون بمهتدى
نبي يرى مالا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد
فإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في صخوة اليوم أو غد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بني كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمسلمين بمرصد
قال عبد الملك بن مروان فبلغنا أن أم معبد هاجرت إلى النبي صلى الله عليه و سلم وأسلمت
تفسير غريب الحديث البرزة الكبيرة والمرملون الذين نفد زادهم ومستون من
السنة وهي الجدب وكسر الخيمة جانبها والجهد المشقة وتفاجت فتحت ما بين رجليها للحلب ويربض الرهط يثقلهم فيربضوا والثج السيلان والثمال الرغوة وقوله عللا بعد نهل أي مرة بعد أخرى حتى أراضوا أي رووا والحيل اللواتي لسن بحوامل والنقى المخ والشاة عازب أي بعيدة في المرعى متبلج الوجه (1/142)
مشرقة والثجلة عظيم البطن واسترخاء أسفله والصعلة صغر الرأس والوسيم الحسن وكذلك القسيم والدعج السواد في العين والوطف الطول في هدب العين والصحل كالبحة والأحور الشديد سواد أصول أهداب العين خلقه والأزج من الزجج وهو دقة الحاجبين وحسنهما والأقرن المقرون الحواجب والسطع الطول وقولها إذا تكلم سما تريد علا رأسه أو يده وقولها لا نزر ولا هذر تريد أنه ليس بقليل ولا كثير وقولها لا تقتحمه عين من قصر أي لا تحتقره والمحفود المخدوم والمحشود من قولك احتشدت لفلان في كذا إذا أعددت له وجمعت وقولها ليس بعابس الوجه ولا فيه أثر هرم والفند الهرم والصريح الخالص والضرة لحم الضرع
ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة
قال الزهري نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني عمرو بن عوف بقباء فأقام فيهم بضع عشرة ليلة وقال عروة مكث بقباء ثلاث (1/143)
ليال ثم ركب يوم الجمعة فمر على بني سالم فجمع بهم وكانت أول جمعة صلاها حين قدم المدينة ثم ركب في بني سالم قمرت الناقة حتى بركت في بني النجار على دار أبي أيوب الأنصاري فنزل عليه في سفل داره وكان أبو أيوب في العلو حتى ابتنى رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجدا ومساكنه
عن عائشة قالت قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة وهي وبيئة فمرض أبو بكر فكان إذا أخذته الحمى يقول
كل امريء مصبح في رحله ... والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أخذته الحمى يقول
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل (1/144)
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل
اللهم العن شيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من مكة فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لقوا قال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد اللهم صححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى الجحفة قالت فكان المولود يولد بالجحفة فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى أخرجاه في الصحيحين
ذكر عمومة رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن السائب هم أحد عشر الحارث والزبير وأبو طالب وحمزة وأبو لهب والغيداق والمقوم وضرار والعباس وقثم وجحل واسم (1/145)
جحل المغيرة وقال غيره هم عشرة ولم يذكر قثم وقال اسم الغيداق جحل
ذكر عماته صلى الله عليه و سلم
وهن ست أم حكيم وهي البيضاء وبرة وعاتكة وصفية وأروى وأميمة فأما صفية فأسلمت من غير خلاف وأما عاتكة وأروى فقال محمد بن سعيد أسلمتا وهاجرنا إلى المدينة وقال آخرون لم تسلم منهن إلا صفية
ذكر أزواج النبي صلى الله عليه و سلم
خديجة بنت خويلد سودة بنت زمعة عائشة بنت أبي بكر حفصة بنت عمر أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان زينب بنت جحش أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب بنت خزيمة بن الحارث ابن أبي ضرار صفية بنت حيي بن أخطب ميمونة بنت الحارث ابن حزن (1/146)
وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم جماعة من النساء فلم يدخل بهن وخطب جماعة فلم يتم النكاح ويقال إن أم شريك وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم
ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه و سلم
مارية القبطية بعث بها إليه المقوقس ريحانة بنت زيد ويقال إنه تزوجها وقال الزهري استسرها ثم أعتقها فلحقت بأهلها وقال أبو عبيدة كان له أربع مارية وريحانة وأخرى جميلة أصابها في السبي وجارية وهبتها له زينب بنت جحش
ذكر أولاده صلى الله عليه و سلم
أما الذكور فالقاسم وبه كان يكنى صلى الله عليه و سلم وهو أول من مات من أولاده وعاش سنتين
عبد الله وهو الطاهر والطيب ولد له في الاسلام
وقال عروة ولدت له خديجة القاسم والطاهر وعبد الله والمطيب (1/147)
وقال سعيد بن عبد العزيز كان للنبي صلى الله عليه و سلم أربعة غلمة إبراهيم والقاسم والطاهر والمطهر
قال أبو بكر البرقي ويقال إن الطاهر هو الطيب وهو عبد الله ويقال إن الطيب والمطيب ولدا في بطن والطاهر والمطهر ولدا في بطن
إبراهيم أمه مارية القبطية ولد في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وتوفي ابن ستة عشرة شهرا وقيل ثمانية عشر شهرا ودفن بالبقيع الإناث من أولاده صلى الله عليه و سلم
فاطمة عليها السلام ولدت قبل النبوة بخمس سنين زينب تزوجها أبو العاص بن الربيع رقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان تزوج أم كلثوم بعد رقية
وجميع أولاده من خديجة رضي الله عنها سوى إبراهيم
ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم
أسلم ويكنى أبا رافع أبو رافع آخر والد البهي أحمر (1/148)
أسامة بن زيد أفلح ألسة ويكنى أبا مسروح أيمن ابن أم أيمن ثوبان ويكنى أبا عبد الله ذكوان ويقال هو مهران وقيل طهمان رافع رباح الأسود زيد بن حارثة زيد بن بولا سابق سالم سلمان الفارسي سليم ويكنى أبا كبشة وقيل اسمه أوس سعيد أبو كندير شقران واسمه صالح ضميرة بن أبي ضميرة عبيد الله بن عبد الغفار فضالة اليماني كيسان مهران ويكنى أبا عبد الرحمن وهو سفينة في قول إبراهيم الحربي وقال غيره اسم سفينة رومان وقيل عيس ومدعم نافع نفيع ويكنى أبا بكرة الثقفي نبيه واقد وردان هشام يسار أبو أثيلة أبو الحمراء أبو السمح أبو ضميرة أبو عبيد واسمه سعيد وقيل عبيد أبو مويهبة أبو واقد
قال إبراهيم الحربي ليس في موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم عبيد انما هو أبو عبيد وإنما التيمي غلط في الحديث فقال عبيد وذكر ابن أبي خيثمة أنهما اثنان عبيد وأبو عبيد (1/149)
وفرق الحربي بين رافع وأبي رافع فجعلهما اثنين وحكى ابن قتيبة أنهما واحد
وقال أبو بكر بن حزم من غلمان رسول الله صلى الله عليه و سلم كركرة وقال مصعب أهدى إليه المقوقس خصيا اسمه مابورا وذكر محمد ابن حبيب الهاشمي من موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو لبابة وأبو لقيط وأبو هند
ذكر موليات رسول الله صلى الله عليه و سلم
أم أيمن اسمها بركة أميمة خضرة رضوى ريحانة سلمى مارية ميمونة بنت سعد ميمونة بنت أبي عسيب أم ضميرة أم عياش وقيل أم عياش مولاة ابنته رقية (1/150)
ذكر مراكبه صلى الله عليه و سلم
كان له فرس يقال له السكب وفرس يقال له المرتجز وهو الذي اشتراه من الأعرابي وشهد فيه خزيمة بن ثابت وربما جعل بعضهم الاسمين لواحد وفرس يقال له اللزاز وفرس يقال له الظرب وفرس يقال له ألورد وفرس يقال النحيف وبعضهم يقول اللحيف باللام وبعضهم يسمي بعض خيله اليعسوب
وكان له الناقصة القصواء وهي الغضباء وهي الجدعاء وبغلة تسمى الشهباء والدلدل وحمار يقال له اليعفور
ذكر صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك ينعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ربعة من القوم ليس (1/151)
بالقصير ولا بالطويل البائن أزهر ليس بالآدم ولا الأبيض الأمهق رجل الشعر ليس بالسبط ولا الجعد القطط بعث على رأس أربعين أقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وتوفي على رأس ستين ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء أخرجاه في الصحيحين
وعنه قال ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا شممت ريحا قط ولا عرفا قط أطيب من ريح أو عرف النبي صلى الله عليه و سلم رواه البخاري
وقال أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قلت للربيع بنت (1/152)
معوذ صفي لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت لو رأيته لرأيت الشمس الطالعة
قال إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب قال كان علي رضي الله عنه إذا وصف رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد كان ربعة من القوم لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعدا رجلا ولم يكن بالمطهم ولا بالمتكلثم وكان في وجهه تدوير أبيض مشربا أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاش والكتد أجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة وهو خاتم النبيين أجود الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وألينهم (1/153)
عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه و سلم رواه الترمذي
وقال سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول سمعت الأصمعي يقول الممغط الذاهب طولا والمتردد الداخل بعضه في بعض قصرا وأما القطط فشديد الجعودة والرجل الذي في شعره حجونة أي تثن قليل والمطهم البادن الكثير اللحم والمتكلثم المدور الوجه والمشرب الذي في بياضه حمرة والأدعج الشديد سواد العين والأهدب الطويل الأشفار والكتد مجتمع الكتفين وهو الكاهل والمسربة الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السرة والشثن الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين والتقلع المشي بقوة والصبب الحدور تقول انحدرنا في صبوب وصبب وقوله جليل المشاش يريديريد رؤوس المناكب والعشرة الصحبة والعشير الصاحب والبديهة المفاجأة (1/154)
وعن الحسن بن علي قال سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصافا عن حلية النبي صلى الله عليه و سلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عظيم الهامة رجل العشر إن انفرقت عقيقته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفرة أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم مفلج الاسنان دقيق (1/155)
المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخيط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سابل الأطراف أو قال سائل الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكفيا ويمشي هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء جل نظره للملاحظة يسوق أصحابه ويبدر من لقيه بالسلام
قلت فصف لي منطقه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم متواصل (1/156)
الأحزان دائم الفكرة ليست له راحة طويل السكت لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلم فصلا لا فضول ولا تقصير ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا غير أنه لم يكن يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث أتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامها اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح جل ضحكه التبسم
قال الحسن فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته بها فوجدته قد سبقني إليه فسأله عما سألته عنه ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئا
قال الحسين سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء (1/157)
جزءا لله وجزءا لنفسه وجزءا لأهله ثم جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئا وكان من سيرته في جزء الأمة إبثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة يعني على الخير
قال فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في أيدي الناس ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهيه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن (1/158)
يغفلوا أو يملوا لكل حال عنده عتاد لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة
قال فسألته عن مجلسه فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر وكان إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبهم لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم يتعاطفون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب
قلت وكيف كانت سيرته في جلسائه فقال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا (1/159)
غليظ ولا سخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه قد ترك نفسه من ثلاث المراء والإكثار ومالا يعنيه وترك الناس من من ثلاث لا يذم أحدا ولا يعيبه ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى إن كان أصحابه ليستجليونهم ويقول إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافىء ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو (1/160)
قيام رواه الترمذي
وقد روى هذا الحديث أبو بكر ابن الأنباري فزاد فيه قال فسألته عن سكوت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال كان سكوته على أربع على الحلم والحذر والتقدير والتفكر فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع من الناس وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى وجمع له الحلم في الصبر ولا يغضبه شيء ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربع أخذه بالحسن ليقتدى به وتركه القبيح ليتناهى عنه واجتهاده الرأي في إصلاح أمته والقيام لهم فيما جمع لهم من خير الدنيا والآخرة (1/161)
تفسير غريب هذا الحديث
الفخم المفخم هو العظيم المعظم في الصدور والعيون والمشذب الطويل الذي ليس بكثير اللحم والرجل الشعر الذي في شعره تكسر فإذا كان الشعر منبسطا قيل شعر سبط وسبط والعقيقة الشعر المجتمع في الرأس الأزهر اللون النير وأزج الحواجب أي طويل امتدادهما لوقور الشعر فيهما وحسنه إلى الصدغين فأما جمع الحواجب فله وجهان أحدهما على مذهب من بوقع الجمع على التثنية والثاني على أن كل قطعة من الحاجب تسمى حاجبا
وقوله أقنى العرنين القنا أن يكون في عظم الأنف احديداب في وسطه والعرنين الأنف والأشم الذي عظم أنفه طويل إلى طرف الأنف وضليع الفم كبيره والعرب تمدح بذلك (1/162)
وتهجو بصغره والمسربة قد فسرناها في الحديث قبله والدمية الصورة وجمعها دمى
وقوله بادن متماسك أي تام خلق الأعضاء ليس بمسترخي اللحم ولا كثيره وقوله سواء البطن والصدر معناه أن بطنه ضامر وصدره عريض فلهذا ساوى بطنه صدره والكراديس رؤوس العظام وقوله أنور المتجرد أي نير الجسد إذا تجرد من الثياب والنير الأبيض المشرق
وقوله خمصان الأخمصين معناه أن أخمص رجله شديد الارتفاع من الأرض والأخمص ما يرتفع من الأرض من وسط باطن الرجل وقوله مسيح القدمين أي ليس بكثير اللحم فيهما وعلى ظاهرهما فلذلك ينبو الماء عنهما والتقلع والصبب قد فسرناهما في الحديث قبله
وقوله ذريع المشية واسع المشية من غير أن يظهر منه (1/163)
استعجال والمهين الحقير ويسوق أصحابه يقدمهم بين يديه ومن ورائه يفوق أراد يفضلهم دينا وحلما وكرما وقوله لكل حال عنده عتاد أي عدة يعني أنه قد أعد للأمور أشكالها وقوله يرد بالخاصة على العامة فيه ثلاثة أوجه
أحدها أنه كان يعتمد على أن الخاصة ترفع علومه وإرادته إلى العامة
والثاني أن المعنى يجعل المجلس للعامة بعد الخاصة فتنوب الباء عن من و على عن إلى
والثالث فيرد ذلك بدلا من الخاصة على العامة فتفيد الباء معنى البدل
والرواد جمع رائد وهو الذي يقدم القوم إلى المنزل يرتاد لهم الكلأ وهو هنا مثل والمعنى أنهم ينفعون بما يسمعون من وراءهم (1/164)
والذواق ههنا العلم يذوقون من حلاوته ما يذوقون من الطعام وتؤبن فيه الحرم أي تعاب وقوله لا يقبل الثناء إلا من مكافىء أي من صح عنده اسلامه حسن موقع ثنائه عليه ومن استشعر منه نفاقا أو ضعفا في دينه ألغى ثناءه ولم يحفل به وارفدوه بمعنى أعينوه
ذكر حسن خلقه صلى الله عليه و سلم
عن أبي عبد الله الجدلي قال قلت لعائشة كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في أهله قالت كان أحسن الناس خلقا لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي (1/165)
بالسيئة مثلها ولكن يعفو ويصفح رواه الإمام أحمد
وعن أنس قال خدمت رسول الله صلى الله عليه و سلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت رواه البخاري
وعن سماك قال قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه و سلم قال نعم كان طويل الصمت قليل الضحك وكان أصحابه يذكرون عنده الشعر وأشياء من أمورهم فيضحكون وربما تبسم انفرد باخراجه مسلم (1/166)
ذكر تواضعه صلى الله عليه و سلم
عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فانما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله أخرجه البخاري
وعن جابر قال جاء النبي صلى الله عليه و سلم يعودني ليس براكب بغلا ولا برذونا انفرد باخراجه البخاري
وعن أنس قال إن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنطلق به في حاجتها انفرد باخراجه البخاري وفي بعض ألفاظ الصحيح فتنطلق به حيث شاءت
وعن الأسود قال قلت لعائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع إذا دخل بيته قالت كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج فصلى انفرد باخراجه البخاري (1/167)
وعن البراء قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يوم الأحزاب ينقل التراب وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول
والله لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... إذا أرادوا فتنة أبينا
أخرجاه في الصحيحين وفي بعض الألفاظ
والله لولا الله ما اهتدينا ...
وعن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعود المرضى ويشهد الجنازة ويأتي دعوة المملوك ويركب الحمار ولقد رأيته يوما على حمار خطامه ليف
وعن الحسن أنه ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا والله ما كانت تغلق دونه الأبواب ولا يقوم دونه الحجاب ولا يغدى (1/168)
عليه بالجفان ولا يراح عليه بها ولكنه كان بارزا من أراد أن يلقى نبي الله لقيه وكان يجلس بالأرض ويوضع طعامه بالأرض يلبس الغليظ ويركب الحمار ويردف عبده ويعلف دابته بيده صلى الله عليه و سلم
ذكر حيائه صلى الله عليه و سلم
عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه أخرجاه في الصحيحين
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى على رجل صفرة فكرهها وقال لو أمرتم هذا أن يغسل هذه الصفرة قال وكان (1/169)
لا يواجه أحدا في وجهه بشيء يكرهه رواه الإمام أحمد (1/170)
ذكر شفقته ومداراته صلى الله عليه و سلم
عن أنس أن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال إني لأدخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه أخرجاه في الصحيحين (1/171)
وعنه قال قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم أين أبي قال في النار فلما رأى ما في وجهه قال إن أبي وأباك في النار انفرد باخراجه مسلم
ذكر حلمه وصفحه صلى الله عليه و سلم
عن أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاء أخرجاه في الصحيحين
وعن عبد الله قال لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه و سلم أناسا (1/172)
في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى إناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة فقال رجل والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها أو ما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته فأخبرته فقال من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر أخرجاه في الصحيحين
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن دوسا قد غصت وأبت فادع الله عليهم فاستقبل القبلة رسول الله صلى الله عليه و سلم ورفع يديه فقال اللهم (1/173)
أهد دوسا وائت بهم اللهم أهد دوسا وائت بهم اللهم أهد دوسا وائت بهم أخرجاه في الصحيحين
وعن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فأعطاه قميصه وقال آذني أصلي عليه فآذنه فلما أراد أن يصلي جذبه عمر فقال أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين فقال أنا بين خيرتين قال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم فصلى عليه فنزلت هذه الآية ولا تصل على أحد منهم مات أبدا أخرجاه في الصحيحين
وعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم خادما له قط ولا امرأة له قط وما ضرب بيده إلا أن يجاهد في سبيل الله (1/174)
وما نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه إلا أن تنتهك محارم الله فينتقم لله عز و جل وما عرض عليه أمران أحدهما أيسر من الآخر إلا أخذ بأيسرهما إلا أن يكون مأثمأ فإن كان مأثما كان أبعد الناس منه أخرجاه في الصحيحين
ذكر مزاحه ومداعبته صلى الله عليه و سلم
وعن أنس أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا وكان يهدي للنبي صلى الله عليه و سلم الهدية من البادية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يخرج فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن زاهرا بادينا ونحن حاضروه وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبه وكان رجلا دميما فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل فقال أرسلني من هذا فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه و سلم (1/175)
فجعل لا يألو ما ألصق ظهره ببطن النبي صلى الله عليه و سلم حين عرفه وجعل النبي صلى الله عليه و سلم يقول من يشتري العبد فقال يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لكن عند الله عز و جل لست بكاسد أو قال لكن عند الله أنت غال رواه الإمام أحمد قال لنا محمد بن أبي منصور قال لنا أبو زكريا الدميم بالدال المهملة في الخلق وبالذال المعجمة في الخلق
وعن عائشة قالت خرجت مع النبي صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا ثم قال لي تعالي حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت نسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالي حتى أسابقك فسابقته (1/176)
فسبقني فجعل يضحك ويقول هذه بتلك رواه الإمام أحمد
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل على أم سليم فرأى أبا عمير حزينا فقال يا أم سليم ما بال عمير حزينا قالت يا رسول الله مات نغيره فقال رسول الله يا أبا عمير ما فعل النغير أخرجاه في الصحيحين
ذكر كرمه وجوده صلى الله عليه و سلم
عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس وكان ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل عليه السلام وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن قال (1/177)
فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة أخرجاه في الصحيحين
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكن يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه قال فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة انفرد بإخراجه مسلم
ذكر شجاعته صلى الله عليه و سلم
عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس كان فزع بالمدينة فخرج الناس قبل الصوت فاستقبلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم قد سبقهم فاستبرأ الفزع على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج في عنقه السيف فقال (1/178)
لم تراعوا وقال للفرس وجدناه بحرا أو إنه لبحر أخرجاه في الصحيحين
عن أبي إسحاق قال سألت البراء وسأله رجل فقال فررتم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فقال البراء ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يفر كانت هوازن ناسا رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها وهو يقول
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
أخرجاه في الصحيحين (1/179)
ذكر فضله على الأنبياء وعلو قدره صلى الله عليه و سلم
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامةأخرجاه في الصحيحين
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب وبينا أنا نائم رأيتني أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي قال أبو هريرة رضي الله عنه (1/180)
فلقد ذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنتم تنتثلونها أخرجاه في الصحيحين
وعن أبي بن كعب قال كنت في المسجد فدخل رجل فصلى فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضيا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأ فحسن النبي صلى الله عليه و سلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله فرقا فقال لي يا أبي إن ربي أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي (1/181)
فرد إلي الثانية أن اقرأ على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتها مسألة تسألنها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم ترغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلوات الله عليه انفرد بإخراجه مسلم
وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت فأقول محمد فيقول بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك انفرد بإخراجه مسلم
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وأنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر رواه الترمذي (1/182)
قال ابن الأنباري المعنى لا أتبجح بهذه الأوصاف وإنما أقولها شكرا لربي ومنبها أمتي على إنعامه علي وقال ابن عقيل إنما نفى الفخر الذي هو الكبر الواقع في النفس المنهي عنه الذي قيل فيه لا يحب كل مختال فخور ولم ينف التجمل بما ذكره من النعم التي بمثلها يفتخر ومثله قوله لا يحب الفرحين يعني الأشرين ولم يرد الفرح بنعمة الله تعالى
قال الخطابي ما زلت أسأل عن معنى قوله لواء الحمد بيدي حتى وجدته في حديث يروى عن عقبة بن عامر أن أول من يدخل الجنة الحمادون الله على كل حال يعقد لهم لواء فيدخلون الجنة
وقد روى مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أنا أول الناس يشفع يوم القيامة وأنا أكثر (1/183)
الأنبياء تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة
وفي أفراده من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول مشفع
وعن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه و سلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه و سلم قال فغضب وقال أمتهو كون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني رواه الإمام أحمد (1/184)
ذكر مثله ومثل الأنبياء من قبله صلى الله عليه و سلم
عن أبي هريرة قال قال أبو القاسم صلى الله عليه و سلم مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل أبتنى بيوتا فأحسنها وأكملها وأجملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون لو وضعت ها هنا لبنة فيتم بنيانك فقال محمد صلى الله عليه و سلم فكنت أنا اللبنة أخرجاه في الصحيحين
ذكر مثله ومثل ما بعثه الله به صلى الله عليه و سلم
عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قوما فقال يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء فأطاعه طائفة من قومه (1/185)
فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم فذلك مثل من أطاعني واتبع ماجئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق أخرجاه في الصحيحين
ذكر مشي الملائكة من ورائه صلى الله عليه و سلم
عن جابر قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يمشون أمامه إذا خرج ويدعون ظهره للملائكة رواه الإمام أحمد
ذكر وجوب تقديم محبته على النفس والولد والوالد
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين (1/186)
أخرجاه في الصحيحين
وعن عبد الله بن هشام قال كنا مع النبي صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي فقال لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه و سلم الآن يا عمررواه البخاري منفردا
ذكر تعظيم الصحابة للنبي صلى الله عليه و سلم وحبهم اياه
عن أنس قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم والحلاق يحلقه وقد أطاف به (1/187)
أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل انفرد بإخراجه مسلم
وعنه قال لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم مجوب عليه بحجفة له وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع لقد كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة قال وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول انثرها لأبي طلحة قال فأشرف النبي صلى الله عليه و سلم ينظر إلى القوم فقال له أبو طلحة بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك رواه البخاري (1/188)
وفي الصحيحين من حديث أبي جحيفة قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فخرج بلال بوضوئه فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء فمن أصاب منه شيئا تمسح به ومن لم يصب منه أخذ من بلل يد صاحبه وخرج النبي صلى الله عليه و سلم وقام الناس فجعلوا يأخذون يده ويمسحون بها وجوههم فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من ريح المسك
وعن أنس قال لما كان يوم أحد حاص الناس حيصة وقالوا قتل محمد حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة قال فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها لا أدري بأيهم استقبلت أولا فلما مرت على آخرهم قالت من هذا قالوا هذا أخوك وأبوك وزوجك وابنك قالت فما فعل النبي صلى الله عليه و سلم فيقولون أمامك حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/189)
فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب
ذكر عبادة رسول الله صلى الله عليه و سلم واجتهاده
عن علقمة قال سئلت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخص شيئا من الأيام قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطيق أخرجاه في الصحيحين
وعن كريب أن ابن عباس أخبره أنه بات عند خالته (1/190)
ميمونة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي
قال ابن عباس رضي الله عنهما فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى ففتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح أخرجاه في الصحيحين
وعن عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة رضي الله عنها (1/191)
عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من التطوع فقالت كان يصلي قبل الظهر أربعا في بيتي ثم يخرج فيصلي بالناس ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس المغرب ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر وكان يصلي ليلا طويلا قائما وليلا طويلا جالسا فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر انفرد بإخراجه مسلم
وقد اختلفت الرواية في عدد الركعات اللواتي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصليهن بالليل فقال الترمذي أقل ما روي عنه تسع ركعات وأكثره ثلاث عشرة مع الوتر وقد روي عنه إحدى عشرة ركعة (1/192)
قلت وقد روى البخاري من حديث مسروق قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم بالليل فقالت سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر وهذا غير ما قال الترمذي
وعن حميد قال سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من الليل فقال ما كنا نشاء من الليل أن نراه مصليا إلا رأيناه وما كنا نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر شيئا أخرجاه في الصحيحين
وعن عبد الله قال صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم ذات ليلة فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء قلنا ما هممت قال هممت أن Hجلس وأدعه أخرجاه في الصحيحين (1/193)
وعن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة قال ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم إفتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول سبحان ربي العظيم فكان ركوعه نحوا من قيامه ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام طويلا قريبا مما ركع ثم سجد فقال سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريبا من قيامه انفرد بإخراجه مسلم
وسورة النساء في هذا الحديث مقدمة على آل عمران وكذلك هي في مصحف ابن مسعود
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى (1/194)
قام حتى تتفطر رجلاه قالت عائشة يا رسول الله أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا أخرجاه في الصحيحين
ذكر عيشه وفقره صلى الله عليه و سلم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا أخرجاه في الصحيحين
وعن أبي حازم قال رأيت أبا هريرة يشير باصبعه مرارا والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأهله ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا أخرجاه في الصحيحين (1/195)
وعن عائشة قالت كان ضجاع النبي صلى الله عليه و سلم ينام عليه بالليل من أدم محشوا ليفا أخرجاه في الصحيحين
وعن سماك بن حرب قال سمعت النعمان بن بشير يخطب قال ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ بطنه إنفرد بإخراجه مسلم (1/196)
وعن قتادة قال كنا نأتي أنسا وخبازه قائم قال فقال يوما كلوا فما أعلم رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى رغيفا مرققا ولا شاة سميطا قط انفرد بإخراجه البخاري
وعن أبي هريرة أنه مر بقوم وبين أيديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير رواه البخاري
وروي عن عائشة قالت ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلاث ليال تباعا حتى قبض (1/197)
وعن أبي حازم قال سألت سهل بن سعد فقلت له هل أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم النقي قال سهل ما رأى رسول الله النقي من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله قال فقلت كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول قال كنا نطحنه وننفخه فيطير ما طار فما بقي ثريناه فأكلناه
وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير رواه الترمذي
وعن جابر قال لما حفر النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه الخندق أصابهم (1/198)
جهد شديد حتى ربط النبي صلى الله عليه و سلم على بطنه حجرا من الجوع رواه الإمام أحمد
وعن عروة أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول كان يمر بنا هلال وهلال ما توقد في بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه و سلم نار قال قلت يا خالة فعلى أي شيء كنتم تعيشون قالت على الأسودين التمر والماء رواه الإمام أحمد
وعن ابن عباس قال قبض النبي صلى الله عليه و سلم وإن درعه لمرهونة عند رجل من يهود على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله (1/199)
رواه الإمام أحمد
وعن عائشة قالت ما رفع رسول الله صلى الله عليه و سلم قط غداء لعشاء ولا عشاء قط لغداء ولا اتخذ من شيء زوجين لا قميصين ولا ردائين ولا إزارين ولا من النعال ولا رئي قط فارغا في بيته إما يخصف نعلا لرجل مسكين أو يخيط ثوبا لأرملة
وعن أنس بن مالك أن فاطمة عليها السلام جاءت بكسرة خبز إلي النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما هذه الكسرة يا فاطمة قالت قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة فقال أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام عدد غزواته وسراياه صلى الله عليه و سلم
غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم سبعا وعشرين غزاة وقاتل منها في تسع (1/200)
بدر وأحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر والفتح وحنين والطائف وقيل أنه قاتل في بني النضير وفي غزاة وادي القرى منصرفه من خيبر وقاتل في الغابة
ذكر فصاحته صلى الله عليه و سلم
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أفصح العرب وكان يقول إن الله عز و جل أدبني فأحسن أدبي ونشأت في بني سعد وقال بعثت بجوامع الكلم (1/201)
وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له يا رسول الله ما بالك أفصحنا قال لأن كلام إسمعيل عليه السلام كان درس فأتى به جبريل عليه السلام فعلمنيه
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما سمعت كلمة عربية من العرب إلا وقد سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم وسمعته يقول مات حتف أنفه وما سمعتها من عربي قبله ومعنى هذا أن الميت على فراشه يتنفس حتى ينقضي رمقه (1/202)
ومن كلامه المتقن وأمثاله العجيبة صلى الله عليه و سلم
قوله إياكم وخضراء الدمن قيل له وما ذاك يا رسول الله قال المرأة الحسناء في المنبت السوء
وقوله إن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا أو يلم والمعنى أن الماشية يروقها نبت الربيع فتأكل فوق حاجتها فتهلك والحبط أن ترم بطونها وتنتفخ فزجر بهذا الكلام عن فضول الدنيا
وقوله لا ينتطح فيها عنزان ولا يلدغ المؤمن (1/203)
من جحر مرتين
وقوله هدنة على دخن وجماعة على أقذاء
وقوله الآن حمى الوطيس
وقوله الناس كأسنان المشط
والمرء كثير بأخيه
ولا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما يرى لنفسه (1/204)
وقوله في الخيل بطونها كنز وظهورها حرز
وخير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة
وقوله للأنصار إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع
وقوله خير المال عين ساهرة لعين نائمة
ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه
وقوله حبك للشيء يعمي ويصم وكل الصيد في (1/205)
جوف الفرا
جبلت القلوب على حب من أحسن إليها
والبلاء موكل بالمنطق
الناس معادن كمعادن الذهب والفضة
ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن
زر غبا تزدد حبا (1/206)
الصمت حكم وقليل فاعله
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر
إنما الأعمال بالنيات
نية المؤمن أبلغ من عمله
إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم
الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل (1/207)
المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور
ليس الخبر كالمعاينة
لا حليم إلا ذو أناة ولا حكيم إلا ذو تجربة
الحرب خدعة
يا خيل الله اركبي
إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق (1/208)
إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى
من يشاد هذا الدين يغلبه
المؤمن مرآة المؤمن
الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني
ما قل وكفى خير مما كثر وألهى (1/209)
من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
تنكح المرأة لمالها ولجمالها ودينها وحسبها فعليك بذات الدين تربت يداك
الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه وطال ليله فقامه
ليس الشديد الذي يغلب الناس ولكن الشديد الذي يغلب نفسه (1/210)
من ضمن لي ما بين لحييه ورجليه ضمنت له الجنة
اليد العليا خير من اليد السفلى
خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدأ بمن تعول
أفضل الصدقة جهد من مقل
كلمة الحكمة ضالة كل حكيم
القناعة مال لا ينفد (1/211)
استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك
الإقتصاد في النفقة نصف المعيشة والتودد إلى الناس نصف العقل وحسن السؤال نصف العلم
المؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه
شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع
أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك
لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له (1/212)
حسن العهد من الإيمان
جمال الرجل فصاحة لسانه
منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا
لا فقر أشد من الجهل ولا مال أعود من العقل ولا وحشة أشد من العجب
الذنب لا ينسى والبر لا يبلى والديان لا يموت فكن كما شئت (1/213)
كما تدين تدان
الظلم ظلمات يوم القيامة
ما جمع شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم
إلتمسوا الرزق في خبايا الأرض
كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور
العفو لا يزيد العبد إلا عزا والتواضع لا يزيده إلا رفعة (1/214)
ما نقص مال من صدقة
صنائع المعروف تقى مصارع السوء
صلة الرحم تزيد في العمر
اللهم إني أسألك واقية كواقية الوليد
اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر (1/215)
الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن كل أم يتبعها ولدها
أخسر الناس صفقة من أذهب آخرته بدنيا غيره
المجالس بالأمانة
إياكم والطمع فإنه فقر حاضر
إستعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود (1/216)
إن من كنوز البر كتمان المصائب
الدال على الخير كفاعله
نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ
الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة
ليس شيء أفضل من ألف مثله إلا الإنسان
اليمين حنث أو ندم (1/217)
لا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك
اليوم الرهان وغدا السباق والغاية الجنة والهالك من دخل النار
قلت ولو ذهبنا نذكر من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم العجيب الوجيز البليغ لطال إذ كل كلامه يتضمن حكما وكذلك لو ذهبنا نستقصي آدابه وأخلاقه وأحواله لجاءت مجلدات وإنما اقتطفنا من كل فن قطفا وأشرنا إلى جملة برمز لأن مثل كتابنا هذا لا يتسع للبسط
ذكر وفاته صلى الله عليه و سلم
ابتدأ برسول الله صلى الله عليه و سلم صداع في بيت عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم في اليوم الذي بدىء فيه فقلت وارأساه فقال بل أنا وارأساه ثم اشتد أمره في بيت ميمونة واستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له وكانت مدة علته اثني (1/218)
عشر يوما وقيل أربعة عشر
عن عبيد الله بن عبد الله قال دخلت على عائشة فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت بلى ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أصلى الناس فقلت لا هم ينتظرونك يا رسول الله فقال ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال أصلى الناس فقلنا لا هم ينتظرونك يا رسول الله قالت والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه و سلم لصلاة العشاء فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس وكان أبو بكر رجلا رقيقا فقال يا عمر صل بالناس فقال أنت أحق بذلك فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام (1/219)
ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم وجد خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا تتأخر وأمرهما فأجلساه إلى جنبه فجعل أبو بكر يصلي قائما ورسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي قاعدا
فدخلت على ابن عباس فقلت ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هات فحدثته فما أنكر منه شيئا غير أنه قال سمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت لا قال هو علي أخرجاه في الصحيحين
قال ابن حبيب الهاشمي صلى أبو بكر بالناس في مرض رسول الله صلى الله عليه و سلم سبع عشرة صلاة ويقال ثلاثة أيام
وعن أنس بن مالك الأنصاري أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع النبي صلى الله عليه و سلم الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه و سلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك فهممنا أن نفتتن من (1/220)
الفرح برؤية النبي صلى الله عليه و سلم فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن النبي صلى الله عليه و سلم خارج إلى الصلاة فأشار إلينا النبي صلى الله عليه و سلم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر فتوفي في يومه صلى الله عليه و سلم أخرجاه في الصحيحين
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعوذ بهؤلاء الكلمات أذهب البأس رب الناس اشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما قالت فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي مات فيه أخذت بيده فجعلت أمسح بها وأقولها قالت فنزع يده مني وقال رب أغفر لي وألحقني بالرفيق الأعلى قالت فكان هذا آخر ما سمعت من (1/221)
كلامه صلى الله عليه و سلم أخرجاه في الصحيحين
وعنهما قالت مات رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي ويومي وبين سحري ونحري فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب فنظر إليه فظننت أن له فيه حاجة قالت فأخذته فمضغته ونفضته وطيبته ثم دفعته إليه فاستن كأحسن ما رأيته مستنا قط ثم ذهب يرفعه إلي فسقط في يده فجعلت أدعو الله عز و جل بدعاء كان يدعو له به جبريل عليه السلام وكان هو يدعو به إذا مرض فلم يدع به في مرضه ذاك فرفع بصره إلى السماء وقال الرفيق الأعلى الرفيق الأعلى يعني وفاضت نفسه فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام (1/222)
الدنيا رواه المامام أحمد وعنها رضي الله عنها كانت تقول إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته
دخل علي عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأيته ينظر إأليه فعرفت أن يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فناولته فاشتد عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته فأخذه فأمره وبين يديه ركوة أو علبة يشك أبو عمرو فيها ماء فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده
إنفرد بإخراجه البخاري والسحر الرئة وما يتعلق بها
عن أبي بردة قال أخرجت إلينا عائشة رضي الله عنها كساء (1/223)
ملبدا وإزارا غليظا فقالت قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذين أخرجاه في الصحيحين
وعنها رضي الله عنها قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم دينارا ولا درهما ولا شاة وبعيرا ولا أوصى بشيء انفرد باخراجه مسلم
عن أبي هريرة أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي قبض فيه فقال إن الله عز و جل يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال أجدني وجعا يا أمين الله ثم جاءه من الغد فقال يا محمد إن الله عز و جل يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال أجدني يا أمين الله وجعا ثم جاءه في اليوم الثالث ومعه ملك الموت فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال أجدني يا أمين الله وجعا من هذا معك قال هذا ملك الموت عليه (1/224)
السلام وهذا آخر عهدي بالدنيا بعدك وآخر عهدك بها ولن آسى على هالك من ولد آدم بعدك ولن أهبط إلى الأرض إلى أحد بعدك أبدا فوجد النبي صلى الله عليه و سلم سكرة الموت وعنده قدح فيه ماء فكلما وجد سكرة أخذ من ذلك الماء فمسح به وجهه ويقول اللهم أعني على سكرة الموت
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين فمكث ذلك اليوم وليلة الثلاثاء ودفن من الليل
ذكر إعلام أبي بكر الناس بموت رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل (1/225)
على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجههه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبي أنت وأمي يا رسول الله والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها
قال ابن شهاب وحدثني أبو سلمة عن عبد الله بن عباس أن أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما يكلم الناس فقال اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه وتركوا عمر فقال أبو بكر أما بعد فان من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى قوله الشاكرين
قال والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى (1/226)
تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها فأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها انفرد بإخراجه البخاري ندب فاطمة عليها السلام عليه صلى الله عليه و سلم
عن أنس رضي الله عنه قال لما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضي الله عنها واكرب أبتاه فقال لها ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل أنعاه فلما دفن قالت فاطمة يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم التراب انفرد بإخراجه البخاري (1/227)
ذكر مبلغ سنه صلى الله عليه و سلم
عن ابن عباس رضي الله عنه قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن أربعين وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا وتوفي وهو ابن ثلاث وستين أخرجاه في الصحيحين
وقد ذكرنا في حديث ربيعة عن أنس أنه توفي على رأس ستين قال أبو بكر الخطيب من قال ستين قصد أعشار السنين ومن قال ثلاث وستين قصد جميع السنين والإنسان يقول سني أربعون ولعله قد زاد عليها إلا أن الزيادة لم تبلغ عشرا وقد روى عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم توفي وهو ابن خمس وستين وهذا وهم والصحيح الأول (1/228)
ذكر غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما أجمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه و سلم وليس في البيت إلا أهله عمه العباس وعلي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم ابن العباس وأسامة بن زيد وصالح مولاه فلما أجمعوا على غسله نادى من وراء الباب أوس بن خولي الأنصاري وكان بدريا علي بن أبي طالب فقال يا علي نشدتك الله حظنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له علي عليه السلام ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يل من غسله شيئا قال فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي وكان أسامة وصالح يصبان الماء وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله صلى الله عليه و سلم شيء مما يرى من الميت وهو يقول بأبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا
حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت ثم أدرج في ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة (1/229)
قال ثم دعا العباس رجلين فقال ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة وليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الأنصاري وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة قال ثم قال العباس حين سرحهما اللهم خر لرسولك قال فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه و سلم رواه الإمام أحمد
وروى جعفر بن محمد قال كان الماء يستنقع في جفون النبي صلى الله عليه و سلم فكان علي يحسوه (1/230)
ذكر موضع قبره صلى الله عليه و سلم
عن ابن جريج قال أخبرني أبي أن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لم يدروا أين يقبر النبي صلى الله عليه و سلم حتى قال أبو بكر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لم يقبر نبي إلا حيث يموت
فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه
ذكر الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم
لما غسل وكفن صلى الله عليه و سلم صلى الناس عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد فأما (1/231)
فضل الصلاة عليه باللسان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا انفرد بإخراجه مسلم
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه عشر خطيئات رواه الإمام أحمد
وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن أولى (1/232)
الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة رواه الترمذي
ذكر بلوغ سلام أمته إليه ورد السلام على من
يسلم عليه صلى الله عليه و سلم
عن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن لله عز و جل في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام رواه الإمام أحمد
وروي أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام
آخر المتعلق بأخبار نبينا محمد صلى الله عليه و سلم (1/233)
ذكر المشهورين بالعلم والزهد والتعبد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم
وذكر جمل من أحوالهم وكلامهم رضي الله عنهم بدأت بذكر العشرة ثم ذكرت من بعدهم على ترتيب طبقاتهم (1/234)
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذكر أسمه ونسبه
اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي
واسم أمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر ماتت مسلمة
وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال
أحدهما ما روي عن عائشة أنها سئلت لم سمي أبو بكر عتيقا فقالت نظر إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذا عتيق الله من النار
والثاني أنه اسم سمته به أمه قاله موسى بن طلحة
والثالث أنه سمي به لجمال وجهه قاله الليث بن سعد
وقال ابن قتيبة لقبه النبي صلى الله عليه و سلم بذلك لجمال وجهه سماه النبي صلى الله عليه و سلم صديقا وقال يكون بعدي (1/235)
اثنا عشر خليفة أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلا
وكان علي بن أبي طالب يحلق بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق
ذكر صفته كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفا خفيف العارضين معروق الوجه
ناتىء الجبهة أجنى لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه عاري الأشاجع يخضب بالحناء والكتم عن أنس قال كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم (1/236)
وعن قيس بن أبي حازم قال دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلا نحيفا خفيف اللحم أبيض
ذكر تقدم إسلامه قال حسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر
وإبراهيم النخعي أول من أسلم أبو بكر
وقال يوسف بن يعقوب بن الماجشون أدركت أبي ومشيختنا محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وصالح بن كيسان وسعد بن إبراهيم وعثمان بن محمد الأخنسي وهم لا يشكون أن أول القوم إسلاما أبو بكر وعن ابن عباس قال أول من صلى أبو بكر رحمه الله ثم تمثل بأبيات حسان
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعداها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا (1/237)
الثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس حقا صدق الرسلا
رواه عبد الله بن الإمام أحمد
وعن إبراهيم قال أول من صلى أبو بكر
ذكر أولاده وكان له من الولد عبد الله وأسماء ذات النطاقين وأمهما قتيلة
وعبد الرحمن وعائشة أمهما أم رومان ومحمد وأمه أسماء بنت عميس وأم كلثوم وأمها حبيبة بنت خارجة ابن زيد وكان أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على خارجة فتزوج ابنته
فأما عبد الله فإنه شهد الطائف (1/238)
وأما أسماء فتزوجها الزبير فولدت له عدة ثم طلقها فكانت مع ابنها عبد الله إلى أن قتل وعاشت مائة سنة
وأما عبد الرحمن فشهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم
وأما محمد فكان من نساك قريش إلا أنه أعان على عثمان يوم الدار ثم ولاه علي بن أبي طالب مصر فقتله هناك صاحب معاوية
وأما أم كلثوم فتزوجها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه سياق أفعاله الجميلة
عن أسماء بنت أبي بكر قالت جاء الصريخ إلى أبي بكر فقيل له أدرك صاحبك فخرج من عندنا وإن له غدائر فدخل المسجد وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم قال فلهوا عن رسول الله وأقبلوا (1/239)
إلي أبي بكر فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول تباركت يا ذا الجلال والإكرام
وعن أنس قال لما كان ليلة الغار قال أبو بكر يا رسول الله دعني أدخل قبلك فان كان حية أو شيء كانت لي قبلك قال أدخل فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه كلما رأى جحرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع قال فبقي جحر فوضع عقبه عليه ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه و سلم فأين ثوبك يا أبا بكر فأخبره بالذي صنع فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه وقال اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة فأوحى الله عز و جل إليه أن الله تعالى قد استجاب لك (1/240)
وعن الزهري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لحسان هل قلت في أبي بكر شيئا فقال نعم فقال قل وأنا أسمع فقال
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ صعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه ثم قال صدقت يا حسان هو كما قلت
وقال المدائني وكان ردف رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن عمر بن الخطاب قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتصدق ووافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال فجئت بنصف مالي قال فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أبقيت لأهلك فقال أبقيت لهم الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا
وعن قيس قال اشترى أبو بكر رضي الله عنه بلالا وهو (1/241)
مدفون في الحجارة بخمس أواق ذهبا فقالوا لو أبيت إلا أوقية لبعناك قال لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته سياق جمل من فضائله ومناقبه رضي الله عنه
ذكر أهل العلم بالتواريخ والسير أن أبا بكر شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بدرا وجميع المشاهد ولم يفته منها مشهد وثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد حين انهزم الناس ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم رايته العظمى يوم تبوك وأنه كان يملك يوم أسلم أربعين الف درهم فكان يعتق منها ويقوي المسلمين وهو أول من جمع القرآن وتنزه عن شرب المسكر في الجاهلية والاسلام وهو أول من قاء تحرجا من الشبهات
وذكر محمد بن إسحاق أنه أسلم على يده من العشرة خمسة عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم
عن أبي سعيد قال خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فقال إن الله عز و جل خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك (1/242)
العبد ما عنده فبكى أبو بكر رحمة الله عليه فعجبنا من بكائه أن أخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي عز و جل لاتخذت أبا بكر لكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر أخرجاه في الصحيحين
عن أبي الدرداء قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه و سلم أما صاحبكم فقد غامر فسلم فقال إني كان بيني وبين ابن الخطاب (1/243)
شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فقال أثم أبو بكر قالوا لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه و سلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه و سلم يتمعر حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله أرسلني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها انفرد باخراجه البخاري
وعن أبي قتادة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه و سلم عام حنين فلما (1/244)
التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه و سلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال من قتل قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه
فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال الثالثة مثله فقال رجل صدق يا رسول الله وسلبه عندي فأرضه عني فقال أبو بكر الصديق لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه و سلم صدق فأعطه فبعث الدرع فHبتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام رواه البخاري
هكذا روي لنا في هذا الحديث أن أبا بكر قال لاها الله إذا (1/245)
وقد ذكر أبو حاتم السجستاني فيما تلحن فيه العامة إنهم يقولون لآها الله إذا والصواب لآها الله ذا والمعنى لا والله لاأقسم به فأدخل Hسم الله بين ها وذا فعلى هذا يكون هذا من الرواة لأنهم كانوا يرون بالمعنى دون اللفظ
وهذا الحديث يتضمن فتوى أبي بكر بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم وهي من المناقب التي انفرد بها
وعن سهل بن سعد قال كان قتال في بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم وقال يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما أن حضرت الصلاة أقام بلال العصر ثم أمر أبا بكر فتقدم بهم وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد ما دخل أبو بكر في الصلاة فلما رأوه صفحوا وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر قال وكان (1/246)
أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت فلما رأى التصفيح لايمسك عنه التفت فرأى النبي صلى الله عليه و سلم خلفه فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده أن امضه فقام أبو بكر على هيئته فحمد الله على ذلك ثم مشى القهقري قال فمضى رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى بالناس فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصلاة قال أبا بكر ما منعك إذ أومأت إليك أن لا تكون مضيت فقال أبو بكر لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال للناس إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفح النساء أخرجاه في الصحيحين
وعن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت (1/247)
يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت لحفصة قولي له فقالت له حفصة يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لايسمع الناس فلو أمرت عمر فقال إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس
قالت فأمروا أبا بكر فصلى بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه و سلم في نفسه خفة قالت فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب ليتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن قم كما أنت فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى جلس عن يسار أبي بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم والناس يقتدون (1/248)
بصلاة أبي بكر أخرجاه في الصحيحين
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله رواه أحمد
وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت Hمرأة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأمرها أن ترجع إليه قالت أرأيت إن جئت ولم أجدك قال كأنها تريد الموت قال إن لم تجديني فائتي أبا بكر رواه البخاري
وعن ابن عمر قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال (1/249)
فنزل عليه جبريل فقال يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره فقال يا جبريل أنفق ماله علي قبل الفتح قال فإن الله عز و جل يقرأ عليك السلام ويقول لك قل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أبا بكر إن الله عز و جل يقرأ عليك السلام ويقول لك أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط فقال أبو بكر عليه السلام أسخط على ربي أنا عن ربي راض عن ربي راض أنا عن ربي راض
وعن أبي رجاء العطاردي قال دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين ورأيت رجلا يقبل رأس رجل ويقول أنا فداء لك لولا أنت هلكنا فقلت من المقبل ومن المقبل قالوا ذاك عمر يقبل رأس أبي بكر في قتاله أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين
وعن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر وخشيت أن (1/250)
ثم من فيقول عثمان فقلت ثم أنت فقال ما أبوك إلا رجل من المسلمين انفرد بإخراجه البخاري
وعن أبي سريحة قال سمعت عليا عليه السلام يقول على المنبر ألا إن أبا بكر منيب القلب
وعن أبي عمران الجوني قال قال أبو بكر الصديق لوددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن رواه أحمد
وعن الحسن قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ياليتني شجرة تعضد ثم تؤكل
وعن زيد بن أرقم قال كان لأبي بكر الصديق مملوك يغل عليه فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة فقال له المملوك مالك (1/251)
كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة قال حملني على ذلك الجوع من أين جئت بهذا قال مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني فلما أن كان اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني فقال أف لك كدت تهلكني فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج فقيل له إن هذه لاتخرج إلا بالماء فدعا بعس من ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها فقيل له يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة فقال لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كل جسد نبت من سحث فالنار أولى به فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة (1/252)
وقد أخرج البخاري في أفراده من حديث عائشة طرفا من هذا الحديث
وعن هشام عن محمد قال كان أغير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر
وعن محمد بن سيرين قال لم يكن أحد أهيب لما يعلم بعد النبي صلى الله عليه و سلم من أبي بكر
وعن قيس قال رأيت أبا بكر آخذا بطرف لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد
وعن ابن أبي مليكة قال كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق قال فيضرب بذراع ناقته فينيخها فيأخذه قال فقالوا له أفلا أمرتنا نناولكه قال إن حبي صلى الله عليه و سلم أمرني أن لا أسأل الناس شيئا رواه الإمام أحمد (1/253)
ذكر خلافة أبي بكر رضي الله عنه
ذكر الواقدي عن أشياخه أن أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الإثنين لإثنى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن ابن عباس قال قال عمر بن الخطاب كان من خبرنا حين توفى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن عليا والزبير تخلفوا في بيت فاطمة وتخلف عنا الأنصار بأجمعهم في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له يا أبا بكر انطلق بنا إلى اخواننا من الأنصار فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين فقلت نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم فقلت والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة فقلت ما له قالوا وجع فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله عز و جل بما هو أهله وقال (1/254)
أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة منكم تريدون أن أن تختزلونا من أصلنا وتحضنونا من الأمر
فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد وهو كان أحلم مني وأوقر فقال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بدبهته وأفضل حتى سكت فقال أما بعد فماذا ذكرتم من خير فأنتم أهله ولم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلم أكره مما قال غيرها (1/255)
وكان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقر بني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم ابو بكر إلا أن تغير نفسي عند الموت
فقال قائل من الأنصار أنا خذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الإختلاف فقلت أبسط يديك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار رواه الإمام أحمد
وعن إبراهيم التيمي قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال ابسط يدك فلأبايعك فإنك أمين هذه (1/256)
الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو عبيدة بن الجراح لعمر ما رأيت لك فهة مثلها منذ أسلمت أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين
وعن الحسن قال قال علي عليه السلام لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه و سلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه و سلم لديننا فقدمنا أبا بكر
وعن عطاء بن السائب قال لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له أين تريد يا خليفة رسول الله قال السوق قالا تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالا له انطلق حتى نفرض لك شيئا فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن
وعن حميد بن هلال قال لما ولي أبو بكر الخلافة قال (1/257)
أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم افرضوا الخليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يغنيه فقالوا نعم برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف فقال أبو بكر رضي الله عنه رضيت
وعن عمير بن إسحاق قال خرج أبو بكر وعلى عاتقه عباءة له فقال له رجل أرني أكفك فقال إليك عني لاتغرني أنت وابن الخطاب عن عيالي
قال علماء السير وكان أبو بكر يحلب للحي أغنامهم فلما بويع قالت جارية من الحي الآن لا يحلب لنا منائح دارنا فسمعها فقال بلى لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت فيه فكان يحلب لهم وإنه لما ولي استعمل عمر على الحج ثم حج أبو بكر من قابل ثم اعتمر في رجب سنة اثنتي عشرة فدخل مكة ضحوة فأتى (1/258)
منزله وأبو قحافة جالس على باب داره معه فتيان يحدثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول يا أبه لاتقم ثم التزمه وقبل بين عيني أبي قحافة وجعل أبو قحافة يبكي فرحا بقدومه وجاء والي مكة عتاب بن أسيد وسهيل بن عمر وعكرمةبن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه السلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم سلموا على أبي قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فاحسن صحبتهم فقال أبو بكر يا أبه لا حول ولا قوة إلا بالله طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله
وقال هل من أحد يتشكى ظلامة فما أتاه أحد فأثنى الناس على واليهم (1/259)
سياق طرف من خطبة ومواعظة وكلامه رضي الله عنه
عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما ولى أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال
أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم ولكن قد نزل القرآن وسن النبي صلى الله عليه و سلم السنن فعلمنا اعلموا أن أكيس الكيس التقوى وأن أحمق الحمق الفجور إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني
وعن الحسن قال لما بويع أبو بكر قام خطيبا فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره والله لوددت (1/260)
أن بعضكم كفانيه ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم مثل عمل رسول الله صلى الله عليه و سلم لم أقم به كان رسول الله صلى الله عليه و سلم عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به إلا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإذا رأيتموني زغت فقوموني واعلموا أن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لاأوثر في أشعاركم وأبشاركم
وعن يحيى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في خطبته أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشأنهم أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور الوحا الوحا النجاء النجاء (1/261)
وعن عبد الله بن عكيم قال خطبنا أبو بكر فقال أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الإلحاف بالمسألة إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال إنهمكانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين إعلموا عباد الله أن الله قد إرتهن بحقه أنفسكم وأخذ على ذلك مواثيقكم واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي وهذا كتاب الله فيكم لاتفنى عجائبه ولا يطفأ نوره فصدقوا قوله وانتصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم القيامة وإنما خلقكم لعبادته ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم فإن أقواما جعلوا (1/262)
آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم الوحا الوحا النجاء النجاء إن وراءكم طالبا حثيثا مره سريع
ذكر مرض أبي بكر ووفاته رضي الله عنه
عن عبد الله بن عمر قال كان سبب موت أبي بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم كمد فما زال جسمه يحري حتى مات
وعن ابن هشام أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر ارفع يا خليفة رسول الله والله إن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة
وقيل كان بدء مرضه أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما (1/263)
وعن أبي السفر قال مرض أبو بكر فعاده الناس فقالوا ألا ندعو لك الطبيب قال قد رآني قالوا فأي شيء قال لك قال إني فعال لما أريد
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له أتق الله يا عمر واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل وعملا بالليل لا يقبله بالنهار وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضتة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئة فإذا ذكرتهم قلت إني لأخاف أن لا ألحق بهم وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم ورد عليهم أحسنه فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغبا راهبا لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمة الله فإن أنت حفظت وصيتي (1/264)
فلايك غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك وإن أنت ضيعت وصيتي فلايك غائب أبغض إليك من الموت ولست تعجزه
وعن عائشة قالت لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه وإذا ناضح كان يسقي بستانا له فبعثنا بهما إلى عمر قالت فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبا شديدا
وعنها قالت لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهد ثم قال أما بعد يا بنية فإن أحب الناس غنى إلي بعدي أنت وإن أعز (1/265)
الناس علي فقرا بعدي أنت وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي فوددت والله أنك حزته وإنما هو أخواك وأختاك قالت قلت هذان أخواي فمن أختاي قال ذو بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية وفي رواية قد ألقي في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم
وعنها قالت لما ثقل أبو بكر قال أي يوم هذا قلنا يوم الإثنين قال فإني أرجو ما بيني وبين الليل قالت وكان عليه ثوب عليه ردع من مشق فقال إذا أنامت فاغسلوا توبي هذا وضموا إليه ثوبين (1/266)
جديدين وكفنوني في ثلاثة أثواب فقلنا أفلا نجعلها جددا كلها قال لا إنما هو للمهلة فمات ليلة الثلاثاء أخرجه البخاري
قال أهل السير توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين وأوصى أن تغسله أسماء زوجته فغسلته وأن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم وصلى عليه عمر بين القبر والمنبر ونزل في حفرته ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة بن عبيد الله
رحمه الله ورضي عنه وحشرنا في زمرته وأماتنا على سنته ومحبته (1/267)
أبو حفص عمر بن الخطاب
ابن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو ابن مخزوم أسلم سنة ست من النبوة وقيل سنة خمس
ذكر سبب اسلامه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال اللهم أعز الإسلام بأحب
الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام فكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وعن شريح بن عبيد قال قال عمر بن الخطاب خرجت أتعرض لرسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أتعجب من تأليف (1/268)
القرآن قال فقلت هذا والله شاعر كما قالت قريش قال فقرأ إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون قال قلت كاهن قال ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين إلى آخر الآية فوقع الإسلام في قلبي
وعن أنس بن مالك قال خرج عمر متقلدا بالسيف فوجده رجل من بني زهرة فقال أين تعمد يا عمر قال أريد أن أقتل محمدا قال وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمدا فقال له عمر ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه قال أفلا أدلك على العجب يا عمر إن أختك وختنك (1/269)
قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم قال وكانوا يقرؤون طه فقالا ما عدا حديثا تحدثناه بيننا قال فلعلكما قد صبوتما فقال له ختنة أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها نفحة بيده فدمي وجهها فقالت وهي غضبى أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
فلما يئس عمر قال أعطوني هذا الكتاب الذي عنكم فأقرأه وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فأغتسل أو توضأ فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ (1/270)
طه حتى أنتهى إلى قوله إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري فقال عمر دلوني على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم لك ليلة الخميس اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام قال ورسول الله صلى الله عليه و سلم في الدار التي في أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار قال وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رأى حمزة وجل الناس من عمر قال حمزة نعم هذا عمر فان يرد الله بعمر خيرا يسلم ويتبع النبي صلى الله عليه و سلم وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا قال والنبي صلى الله عليه و سلم داخل يوحى إليه قال فقام (1/271)
رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى اتى عمر فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال ما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله يعني بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب فقال عمر أشهد إنك لرسول الله فأسلم وقال اخرج يا رسول الله
وعن ابن عباس قال سألت عمر بن الخطاب لأي شيء سميت الفاروق قال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للاسلام فقلت الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت أين رسول الله فقالت أختي هو في دار الأرقم ابن أبي الأرقم عند الصفا فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلى الله عليه و سلم في البيت فضربت الباب فاستجتمع القوم فقال لهم حمزة ما لكم قالوا عمر بن الخطاب قال فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/272)
بمجامع ثيابه ثم هزه هزة فما تمالك أن وقع على ركبته فقال ما أنت بمنته يا عمر قال قلت أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد قال فقلت يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا قال بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم فقلت ففيم الاختفاء والذي بعثك بالحق لنخرجن فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد
قال فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ الفاروق
قال أهل السير أسلم عمر وهو ابن ست وعشرين سنة بعد أربعين رجلا وقال سعيد بن المسيب بعد أربعين رجلا وعشر نسوة (1/273)
وقال عبد الله بن ثعلبة بن صعير بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة
وعن داود بن الحصين والزهري قالا لما أسلم عمر نزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد استبشر أهل السماء بإسلام عمر
وقال إبن مسعود ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر
وقال صهيب لما أسلم عمر جلسنا حول البيت حلقا وطفنا وانتصفنا ممن غلظ علينا (1/274)
ذكر صفة عمر رضي الله عنه
كان أبيض أمهق تعلوه حمرة طوالا أصلع أجلح شديد حمرة العين في عارضه خفة وقال وهب صفته في التوراة قرن من حديد أمير شديد
ذكر أولاده كان له من الولد عبد الله وعبد الرحمن وحفصة أمهم زينب بنت
مظعون وزيد الأكبر ورقية أمهما أم كلثوم بنت علي وزيد الأصغر وعبيد الله أمهما أم كلثوم بنت جرول وعاصم أمه جميلة وعبد الرحمن الأوسط أمه لهية أم ولد وعبد الرحمن الأصغر أمه أم ولد وفاطمة أمها أم حكيم بنت الحارث وعياض أمه عاتكة بنت زيد وزينب أمها فكيهة أم ولد
ذكر نزول القرآن بموافقته
عن أنس قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وافقت (1/275)
ربي عز و جل في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرنهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع على رسول الله صلى الله عليه و سلم نساؤه في الغيرة فقلت عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك حديث متفق عليه
ذكر جملة من مناقبه وفضائله
قال أهل العلم لما أسلم عمر عز الإسلام وهاجر جهرا وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها وهو أول خليفة دعي بأمير المؤمنين وأول من كتب التاريخ للمسلمين وأول من جمع (1/276)
القرآن في المصحف وأول من جمع الناس على صلاة التراويح وأول من عس في عمله وحمل الدرة وأدب بها وفتح الفتوح ووضع الخراج ومصر الأمصار واستقضى القضاة ودون الديوان وفرض الأعطية وحج بأزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر حجة حجها
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر حديث متفق عليه
وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعمر والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك أخرجاه في الصحيحين (1/277)
وعن ابن عمر قال استأذن عمر الرسول صلى الله عليه و سلم في العمرة فقال يا أخي أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال أشد أمتي في أمر الله عمر
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي بعض نزعه ضعف والله يغفر له ثم أخذها عمر (1/278)
فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن حديث متفق على صحته
وعنه قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يحدث فقال بينما أنا نائم أتيت بقدح فشربت منه حتى إني أرى الري يخرج من أطرافي ثم أعطيت فضلي عمر فقالوا فما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم وهذا متفق على صحته (1/279)
ذكر خلافته قال حمزة بن عمرو توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان
بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبو بكر
عن جامع بن شداد عن أبيه قال كان أول كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال اللهم إني شديد فليني وإن ضعيف فقوني وإني بخيل فسخني
ذكر اهتمامه برعيته عن زيد بن أسلم عن أبيه قال خرجت مع عمر إلى السوق
فلحقته امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترك صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت عليهم الضبع وأنا ابنه خفاف بن ايماء الغفاري وقد (1/280)
شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه و سلم فوقف معها عمر ولم يمض وقال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وجعل بينهما نفقة وثيابا ثم ناولها خطامه فقال اقتاديه فلن يفنى هذا حتى يأتيكم الله بخير فقال رجل يا أمير المؤمنين أكثرت لها فقال عمر ثكلتك أمك والله إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه انفرد بإخراجه البخاري
وعن الأوزاعي أن عمر بن الخطاب خرج في سواد الليل فرآه طلحة فذهب عمر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر فلما أصبح طلحة ذهب إلى البيت ذلك فإذا بعجوز عمياء مقعدة فقال لها ما بال هذا الرجل يأتيك قالت إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى قال طلحة ثكلتك أمك طلحة أعثرات عمر تتبع (1/281)
وعن ابن عمر قال قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه اتقي الله وأحسني إلى صبيك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال لها ويحك إني لأراك أم سوء مالي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة قالت يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة إني أريغه عن الفطام فيأبى قال ولم قالت لأن عمر لا يفرض إلا للفطم قال وكم له قالت كذا وكذا شهرا قال ويحك لا تعجليه فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء فلما سلم قال يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين ثم أمر مناديا فنادى أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال كان عمر يصوم الدهر (1/282)
وكان زمان الرمادة إذا أمسى أتى بخبز قد ثرد في الزيت إلى أن نحروا يوما من الأيام جزورا فأطعمها الناس وغرفوا له طيبها فأني به فإذا قدر من سنام ومن كبد فقال أنى هذا قالوا يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم قال بخ بخ بئس الوالي أنا إن أكلت أطيبها وأطعمت الناس كراديسها ارفع هذه الجفنة هات لنا غير هذا الطعام فأتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد ذلك الخبز ثم قال ويحك يا يرفأ ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت بثمغ فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام وأحسبهم مقفرين فضعها بين أيديهم (1/283)
ذكر زهده رضي الله عنه
عن الحسن قال خطب عمر الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة
وعن أنس قال كان بين كتفي عمر ثلاث رقاع
وعن مصعب بن سعد قال قالت حفصة لعمر يا أمير المؤمنين اكتسيت ثوبا هو ألين من ثوبك وأكلت طعاما هو أطيب من طعامك فقد وسع الله من الرزق وأكثر من الخير فقال إني سأخاصمك إلى نفسك أما تذكرين ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يلقى من شدة العيش وكذلك أبو بكر فما زال يذكرها حتى أبكاها فقال لها أما والله لأشاركنهما في مثل عيشهما الشديد لعلي أدرك عيشهما الرخي رواه أحمد ذكر تواضعه
عن عبد الله بن عباس قال كان للعباس ميزاب على طريق (1/284)
عمر فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين فأصاب عمر فأمر عمر بقلعه ثم رجع عمر فطرح ثيابه ولبس ثيابا غير ثيابه ثم جاء فصلى بالناس فأتاه العباس فقال والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عمر للعباس وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم ففعل ذلك العباس رواه أحمد
ذكر خوفه من الله عز و جل وبكائه
عن عبد الله بن عمر قال كان عمر بن الخطاب يقول لو مات جدي بطف الفرات لخشيت أن يحاسب الله به عمر
وعن عبد الله بن عامر قال رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض فقال ليتني كنت هذه التبنة ليتني لم أخلق ليت أمي لم تلدني ليتني لم أكن شيئا ليتني كنت نسيا منسيا (1/285)
وعن عبد الله بن عيسى قال كان في وجه عمر خطان أسودان من البكاء
ذكر تعبده رحمة الله عليه
عن إبن عمر قال ما مات عمر حتى سرد الصوم
وعن سعيد بن المسيب قال كان عمر يحب الصلاة في جوف الليل يعني في وسط الليل
ذكر نبذة من كلامه ومواعظه رضي الله عنه
عن ثابت بن الحجاج قال قال عمر حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فأنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم تزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (1/286)
وعن الأحنف قال قال لي عمر بن الخطاب يا أحنف من كثر ضحكه قلت هيبته ومن مزح استخف به ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه قل حياؤه ومن قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه
وعن وديعة الأنصاري قال سمعت عمر بن الخطاب يقول وهو يعظ رجلا لا تكلم فيما لا يعنيك واعرف عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من يخشى الله ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره ولا تطلعه على سرك ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله عز و جل
ذكر وفاته رضي الله عنه
عن عمرو بن ميمون قال إني لقائم ما بيني وبين عمر إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان إذا مر بين الصفين قال استووا حتى إذا لم ير فيهن خللا تقدم فكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو (1/287)
هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه وطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه
وتناول عمر بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فأنهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله سبحان الله فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال يا بن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن (1/288)
شئت فعلت أي قتلناهم قال كذبت بعد ما تكلموا بلسانكم وصلوا إلى قبلتكم وحجوا حجكم
فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ فقائل يقول لا بأس وقائل يقول أخاف عليه فأتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه فعرفوا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة قال وددت أن ذلك كان كفافا لا لي ولا علي
فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض قال ردوا علي الغلام قال يا بن أخي ارفع ثوبك فأنه أنقى لثوبك وأتقى لربك يا عبد الله بن عمر انظر ما علي من الدين فحسبوه فوجدوه سبعة وثمانين ألفا أو نحوه قال إن وفاه مال آل عمر فأده من (1/289)
أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب فان لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأد عني هذا المال انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل لها يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فأني لست اليوم للمؤمنين أميرا قل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه فمضى فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عليك عمر السلام ويقول لك يستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولأوثرنه اليوم على نفسي
فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال ارفعوني فأسنده رجل إليه فقال ما لديك قال الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان شيء أهم إلي من ذلك فإذا أنا قبضت فاحملوني ثم سلم وقل يستأذن عمر بن الخطاب فان أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين
وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسرن معها فلما رأيناها قمنا فوجلت عليه فبكت عنده ساعة فاستأذن الرجال فولجت داخلا (1/290)
لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فلما قبض خرجنا به فانطلقنا به فسلم عبد الله بن عمر وقال يستأذن عمر قالت أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه انفرد بإخراجه البخاري
وعن عثمان بن عفان قال أنا آخركم عهدا بعمر دخلت عليه ورأسه في حجر ابنه عبد الله فقال له ضع خدي بالأرض قال فهل فخذي والأرض إلا سواء قال ضع خدي بالأرض لا أم لك في الثانية أو الثالثة وسمعته يقول ويلي وويل أمي إن لم تغفر لي حتى فاظت نفسه
قال سعد بن أبي وقاص طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين ودفن يوم الأحد صبيحة هلال المحرم قال معاوية كان عمر ابن ثلاث وستين
وعن الشعبي أن أبا بكر قبض وهو ابن ثلاث وستين وأن عمر قبض وهو ابن ثلاث وستين (1/291)
وعن سالم بن عبد الله أن عمر قبض وهو ابن خمس وستين وقال إبن عباس كان عمر إبن ست وستين وقال قتادة ابن إحدى وستين وصلى عليه صهيب وقال سليمان بن يسار ناحت الجن على عمر رضي الله عنه
عليك سلام من أمير وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت ألأمس يسبق
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض تهتز العضاه بأسوق
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي عليه السلام فقال والله ما على الأرض رجل أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب
وعن عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال كان العباس خليلا لعمر فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام قال فرآه بعد حول وهو يمسح العرق عن وجهه قال ما فعلت قال (1/292)
هذا أوان فرغت إن كاد عرشي ليهد لولا أني لقيت رؤوفا رحيما
قال الشيخ رضي الله عنه أخبار عمر رضي الله عنه من أولى ما استكثر منه وإنما اقتصرت ها هنا على ما ذكرت منها لأني قد وضعت لمناقبه وأخباره كتابا كبيرا يجمعها فمن أراد استيعاب أخباره فلينظر في ذلك والسلام (1/293)
أبو عبد الله عثمان بن عفانBه
ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمش أسلمت وكان عثمان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما ولدت له في الإسلام رقية غلاما سماه عبد الله واكتنى به
أسلم عثمان قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ولما خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بدر خلفه على ابنته رقية يمرضها وضرب له بسهمه وأجره فكان كمن شهدها وزوجه رسول الله صلى الله عليه و سلم أم كلثوم بعد رقية وقال لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان وسمي ذا النورين لجمعه بين بنتي رسول الله صلى الله عليه و سلم وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده في بيعة الرضوان (1/294)
ذكر صفته رضي الله عنه
كان ربعة أبيض وقيل أسمر رقيق البشرة حسن الوجه عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين كثير شعر الرأس عظيم اللحية يصفرها
عن الحسن قال نظرت إلى عثمان فإذا رجل حسن الوجه وإذا بوجنته نكات جدري وإذا شعره قد كسا ذراعه
ذكر أولاده وكان له من الولد عبد الرحمن بن رقية عبد الله الأصغر أمه
فاختة بنت غزوان وعمرو وخالد وأبان وعمر ومريم أمهم أم عمرو بنت جندب من الأزد والوليد وسعيد وأم سعيد أمهم فاطمة بنت الوليد وعبد الملك أمه أم البنين بنت عيينة بن حصن وعائشة وأم أبان وأم عمرو أمهن رملة بنت شيبة بن ربيعة ومريم أمها نائلة بنت الفرافصة وأم البنين أمها أم ولد (1/295)
ذكر جملة من فضائله رضي الله عنه
عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان جالسا كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله ثم استأذن عمر وهو على حاله ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه فلما قاموا قلت يا رسول الله استأذن عليك أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك فقال يا عائشة ألا أستحيي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه انفرد بإخراجه مسلم
وعن عثمان هو ابن موهب قال جاء رجل من أهل مصر حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء قالوا قريش قال فمن الشيخ فيهم قالوا عبد الله بن عمر قال (1/296)
بابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال نعم قال هل تعلم أنه تغيب عن يوم بدر ولم يشهدها قال نعم قال هل تعلم أنه تغيب عن بيعة لرضوان ولم يشهدها قال نعم قال الله أكبر
قال ابن عمر تعال أبين لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته إبنه رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان
فقال له ابن عمر إذهب بها الآن معك رواه البخاري (1/297)
وعن أبي سعيد الخدري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم من أول الليل إلى أن طلع الفجر رافعا يديه يدعو لعثمان اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه ذكر تنبيه الرسول صلى الله عليه و سلم عثمان على ما سيجري عليه
عن عائشة قالت كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا عائشة لو كان عندنا من يحدثنا قالت قلت يا رسول الله ألا أبعث إلى أبي بكر فسكت ثم قال لو كان عندنا من يحدثنا فقلت ألا أبعث إلى عمر فسكت قالت ثم دعا وصيفا بين يديه فساره فذهب
قالت فإذا عثمان يستأذن فأذن له فدخل فناجاه النبي صلى الله عليه و سلم طويلا ثم قال يا عثمان إن الله عز و جل مقمصك قميصا فإذا (1/298)
أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة يقولها له مرتين أو ثلاثا رواه أحمد
وعن أبي موسى أنه كان مع النبي صلى الله عليه و سلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل يستفتح فقال النبي صلى الله عليه و سلم إفتح له وبشره بالجنة ففتحت فإذا أبو بكر فبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال افتح له وبشره بالجنة فإذا عمر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر وكان متكئا فجلس فقال افتح له وبشره بالجنه على بلوى تصيبه أو تكون فإذا عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فأخبرته بالذي قال فقال الله المستعان
وعن سهل بن سعد قال ارتج أحد وعليه النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان فقال النبي صلى الله عليه و سلم اسكن أحد فما عليك (1/299)
إلا نبي وصديق وشهيدان رواه أحمد
ذكر أفعاله الجميلة وطاعاته
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال أشرف عثمان من القصر وهو محصور فقال أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حراء إذا اهتز الجبل فركضه بقدمه ثم قال اسكن حراء ليس عليه إلا نبي أو صديق أو شهيد وأنا معه فانتشد له رجال
قال أنشد يالله من شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين من أهل مكة قال هذه يدي وهذه يد عثمان فبليع فانتشد له رجال (1/300)
قال أنشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من يوسع لنا بهذا البيت في المسجد ببيت له في الجنة فابتعته من مالي فوسعت به المسجد فانتشد له رجال
قال وأنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم جيش العسرة قال من ينفق اليوم نفقة متقبله فجهزت نصف الجيش من مالي قال فانتشد له رجال
قال وأنشد بالله من شهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل فانتشد له رجال رواه الإمام أحمد
وعن عبد الرحمن بن خباب السلمي قال خطب النبي صلى الله عليه و سلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان علي مائة بعير بأحلاسها (1/301)
وأقتابها ثم حث فقال عثمان علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها قال ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال عثمان علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم يقول بيده يحركها ما على عثمان ما عمل بعد هذا رواه عبد الله بن الإمام أحمد
وعن الزبير بن عبد الله عن جدة له يقال لها رهيمة قالت كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله رواه الإمام أحمد
وعن ابن سيرين قال قالت امرأة عثمان حين قتل عثمان قتلتموه وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن
وعنه قال قالت امرأة عثمان بن عفان حين أطافوا يريدون (1/302)
قتله إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيي الليل كله في ركعة يجمع فيها القرآن
وعن يونس أن الحسن سئل عن القائلين في المسجد فقال رأيت عثمان بن عفان يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة ويقوم وأثر الحصى بجنبه قال فنقول هذا أمير المؤمنين هذا أمير المؤمنين رواه أحمد
وعنه قال رأيت عثمان نائما في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجيء الرجل فيجلس إليه ثم يجيء الرجل فيجلس إليه كأنه أحدهم
وعن سليمان بن موسى أن عثمان بن عفان دعي إلى قوم كانوا على أمر قبيح فخرج إليهم فوجدهم قد تفرقوا ورأى أمرا قبيحا فحمد الله إذ لم يصادفهم وأعتق رقبة وعن شرحبيل بن مسلم أن عثمان كان يطعم الناس طعام الإمارة ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت (1/303)
عن الحسن وذكر عثمان بن عفان وشدة حيائه فقال إن كان ليكون في البيت والباب عليه مغلق فما يصنع الثوب ليفيض عليه الماء يمنعه الحياء أن يقيم صلبه
وعن الزبير بن عبد الله قال حدثتني جدتي أن عثمان بن عفان كان لا يوقظ أحدا من أهله من الليل إلا أن يجده يقظانا فيدعوه فيناوله وضوءه وكان يصوم الدهر
ذكر خلافته بويع يوم الإثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين
واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين وعاش في الخلافة اثنتي عشرة سنة قال أبو معشر إلا اثنتي عشرة ليلة
ذكر مقتله حصر في منزله أياما ثم دخلوا عليه فقتلوه يوم الجمعة لثلاث
عشرة خلت من ذي الحجة ويقال لثمان عشرة خلت من سنة خمس وثلاثين (1/304)
واختلفت في قاتله فقيل الأسود التجيبي من أهل مصر وقيل جبلة بن الأيهم وقيل سودان بن رومان المرادي ويقال ضربه التجيبي ومحمد بن أبي حذيفة وهو يقرأ في المصحف وكان صائما يومئذ
ودفن ليلة السبت بالبقيع وسنة تسعون وقيل خمس وتسعون وقيل ثمان وثمانون وقيل اثنتان وثمانون
وعن عبد الله بن فروخ قال شهدت عثمان بن عفان دفن في ثيابه بدمائه وقيل صلى عليه الزبير وقيل حكيم بن حزام وقيل جبير بن مطعم
وعن الحسن قال لقد رأيت الذين قتلوا عثمان تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر أديم السماء وإن إنسانا رفع مصحفا من حجرات النبي صلى الله عليه و سلم ثم نادى ألم تعلموا أن محمدا صلى الله عليه و سلم قد برىء ممن فرق دينه وكان شيعا (1/305)
ذكر ثناء الناس عليه رضي الله عنه وأرضاه
قد صح عن أبي بكر الصديق أنه أملى على عثمان وصيته عند موته فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أغمي عليه فكتب عثمان عمر فلما أفاق قال من كتب قال عمر فقال لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا
وقد صح عن عمر أنه جعله في أهل الشورى وشهد له أن رسول الله صلى الله عليه و سلم مات وهو عنه راض
وعن مطرف قال لقيت عليا عليه السلام فقال لي يا أبا عبد الله ما بطأ بك عنا أحب عثمان أما لئن قلت ذاك لقد كان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب تعالى
عن ابن عمر قال كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان (1/306)
انفرد بإخراجه البخاري
وعن عبد الله قال حين استخلف عثمان استخلفنا خير من بقي ولم نأله
وعن ابن عمر أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قال هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته وأماتنا على سنته ومحبته (1/307)
أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أسلمت وهاجرت ويكنى أبا الحسن وأبا تراب أسلم وهو ابن سبع سنين ويقال تسع ويقال عشر ويقال خمس عشرة وشهد المشاهد كلها ولم يتخلف إلا في تبوك فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم خلفه في أهله وكان غزير العلم
ذكر صفته كان آدم شديد الأدمة ثقيل العينين عظيمهما أقرب إلى القصر من
الطول ذا بطن كثير الشعر عظيم اللحية أصلع أبيض الرأس واللحية لم يصفه أحد بالخضاب إلا سوادة بن حنظلة فإنه قال رأيت عليا أصفر اللحية ويشبه أن يكون قد خضب مرة ثم ترك (1/308)
ذكر أولاده رضي الله عنه
كان له من الولد أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة أنثى الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ومحمد الأكبر وهو ابن الحنفية وأمه خولة بنت جعفر وعبيد الله قتله المختار وأبو بكر قتل مع الحسين أمهما ليلى بنت مسعود والعباس الأكبر وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد ومحمد الأصغر قتل مع الحسين أمه أم ولد ويحيى وعون أمهما أسماء بنت عميس عمر الأكبر ورقية أمهما الصهباء سبية ومحمد الأوسط أمه أمامة بنت أبي العاص وأم الحسن ورملة الكبرى أمهما أم سعيد بنت عروة وأم هانىء وميمونه وزينب الصغرى ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم جعفر وجمانة ونفيسة وأم سلمة وهن لأمهات شتى وابنة أخرى لم يذكر اسمها ماتت صغيرة
فهؤلاء الذين عرفنا من أولاد علي عليه السلام (1/309)
ذكر ارتقائه منكب رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن أبي مريم عن علي قال انطلقت أنا والنبي عليه السلام حتى أتينا الكعبة فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم إجلس وصعد على منكبي فذهبت لأنهض به فرأى مني ضعفا فنزل وجلس لي نبي الله صلى الله عليه و سلم وقال لي اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه قال فنهض بي فإنه ليخيل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى استمكنت منه قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس رواه أحمد (1/310)
ذكر محبة الله عز و جل له ومحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية غدأ رجلا يفتح الله عليه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يذكرون أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقيل يا رسول الله يشتكي عينه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه و سلم في عينيه ودعا له فبرىء حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي عليه السلام يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال Hنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم Hدعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم رواه الإمام أحمد وأخرجاه في الصحيحين عن قتيبة (1/311)
ذكر اخاء النبي صلى الله عليه و سلم عليا عليه السلام
عن سعد بن أبي وقاص قال خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لانبي بعدي أخرجاه في الصحيحين
ذكر جمل من مناقبه رضي الله عنه
عن زر بن حبيش قال قال علي عليه السلام والله إنه لما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه قال لايبغضني إلا منافق ولا يحبني إلا مؤمن انفرد بإخراجه مسلم (1/312)
وعن زاذان قال سمعت عليا بالرحبة وهو ينشد الناس من شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم في يوم غدير خم وهو يقول ما قال فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه رواه الإمام أحمد
وعن هبيرة قال خطبنا الحسن بن علي فقال لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ولم يدركه الآخرون كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له رواه أحمد (1/313)
وعن سعيد بن المسيب قال كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن
ذكر زهده عن علي بن ربيعة عن علي بن أبي طالب قال جاءه ابن التياح
فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء فقال الله أكبر ثم قام متوكئا على ابن التياح حتى قام على بيت المال فقال
هذا جناي وخياره فيه ... وكل جان يده إلى فيه
يا ابن التياح علي بأشياخ الكوفة قال فنودي في الناس (1/314)
فأعطى جميع ما في بيت المال وهو يقول يا صفراء يا بيضاء غري غيري ها وها حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين رواه أحمد
وعن أبي صالح قال قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة صف لي عليا فقال أو تعفيني قال بل صفه قال أو تعفيني قال لاأعفيك قال أما إذا فإنه والله كان بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وينطق بالحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ماجشب كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدئنا إذا أتيناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لانكلمه هيبة ولا نبتديه لعظمه فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله (1/315)
ولا ييئس الضعيف من عدله وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه وغارب نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكأني أسمعه وهو يقول يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت أم لي تشوفت هيهات هيهات غري غيري قد بتتك ثلاثا لارجعة لي فيك فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق
قال فذرفت دموع معاوية رضي الله حتى خرت على لحيته فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء ثم قال معاوية رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها
وعن هارون بن عنترة عن أبيه قال دخلت على علي بن (1/316)
طالب بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة فقلت يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا وأنت تصنع بنفسك ما تصنع فقال وأما ماأرزؤكم من مالكم شيئا وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي أو قال من المدينة
وعن أبي مطرف قال رأيت عليا عليه السلام مؤتزرا بإزار مرتديا برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي يدور حتى بلغ سوق الكرابيس فقال يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ثم جاء أبو الغلام فأخبره فأخذأبوه درهما ثم جاء به فقال هذا الدرهم يا أمير المؤمنين قال ما شأن هذا الدرهم قال كان قميصنا ثمن درهمين قال باعني رضاي وأخذ رضاه (1/317)
وعن عمرو بن قيس أن عليا عليه السلام رئي عليه إزار مرقوع فعوتب في لبوسه فقال يقتدي بي المؤمن ويخشع له القلب
وعن أبي النوار قال رأيت عليا اشترى ثوبين غليظين خير قنبرا أحدهما
وعن فضيل بن مسلم عن أبيه أن عليا اشترى قميصا ثم قال اقطعه لي من هاهنا مع أطراف الأصابع وفي رواية أخرى أنه لبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف الأصابع
وعن علي بن الأقمر عن أبيه قال رأيت عليا عليه السلام وهو يبيع سيفا له في السوق ويقول من يشتري مني هذا السيف فوالذي فلق الحبة لطال ما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته (1/318)
ذكر ورعه عن رجل من ثقيف أن عليا عليه السلام استعمله على عكبر قال قال
لي إذا كان عند الظهر فرح إلي فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بظبية فقلت في نفسي لقد أمنني حين يخرج إلي جوهرا ولا أدري ما فيها فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فأخرج منها فصب في القدح وصب عليه ماء فشرب وسقاني فلم أصبر فقلت يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك قال أما والله ما أختم عليه بخلا عليه ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع (1/319)
من غيره وإنما حفطي لذلك وأكره أن أدخل بطني إلا طيبا
وعن عمرو بن يحيى عن أبيه قال أهدي إلي علي بن أبي طالب أزقاق سمن وعسل فرآها قد نقصت فسأل فقيل بعثت أم كلثوم فأخذت منه فبعث إلى المقومين فقوموه خمسة دراهم فبعث إلى أم كلثوم ابعثي إلي بخمسة دراهم
وعن مجاهد قال قال علي عليه السلام جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يدي ثم أتيت الماء فأصبت منه ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين (1/320)
يديها وبسط إسمعيل يديه وجمعهما فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته فأكل معي منها كلمات منتخبة من كلامه ومواعظه عليه السلام
عن عبد خير عن علي عليه السلام قال ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل أذنب ذنوبا فهو يتدارك ذلك بتوبة أو رجل يسارع في الخيرات ولا يقل عمل في تقوى وكيف يقل ما يتقبل
وعن مهاجر بن عمير قال قال علي بن أبي طالب إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد (1/321)
عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة ألا وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل
وعن رجل من بني شيبان أن علي بن أبي طالب عليه السلام خطب فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليزيح به علتكم وليوقظ به غفلتكم واعلموا أنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت وموقفون على أعمالكم ومجزيون بها فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال لا تدوم أهوالها ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور أحوال مختلفة وتارات متصرفة العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم (1/322)
بسهامها وتقصمهم بحمامها وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور
واعلموا عباد الله أنكم وما أنتم فيه من زهرة الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا وأشد منكم بطشا وأعمر ديارا وأبعد آثارا فأصبحت أموالهم هامدة من بعد نقلتهم وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية فاستبدلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار في القبور التي قد بنى على الخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والإخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأظلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا (1/323)
الحياة أمواتا وبعد غضارة العيش رفاتا فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات كلا إنها كلمة ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور وحصل ما في الصدور ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار هنالك تجزى كل نفس بما كسبت إن الله عز و جل يقول ليجزي الذين أساؤؤا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى وقال ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا (1/324)
حاضرا ولا يظلم ربك أحدا جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله إنه حميد مجيد
عن الحسن عن علي عليه السلام قال طوبى لكل عبد نومة عرف الناس ولم يعرفه الناس عرفه الله برضوان أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة سيدخلهم الله في رحمة منه ليسوا بالمذاييع البذر ولا الجفاة المرائين
وعن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام ألا إن الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من عذاب الله ولا يرخص لهم في معاصي الله ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ولا خير (1/325)
في عبادة لا علم فيها ولا خير في علم لا فهم فيه ولا خير في قراءة لا تدبر فيها
عن الشعبي أن عليا عليه السلام قال ياأيها الناس خذوا عني هؤلاء الكلمات فلو ركبتم المطي حتى تنضوها ما أصبتم مثلها لا يرجون عبد إلا ربه ولا يخافن إلا ذنبه ولا يستحيي إذا لم يعلم أن يتعلم ولا يستحيي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم واعلموا أن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا خير في جسد لا رأس له
وعن أبي عبد الرحمن السلمى عن علي بن أبي طالب قال أوحى الله عز و جل إلى نبي بين الأنبياء أنه ليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما أحب فيتحولون عن ذلك إلى ما أكره إلا تحولت لهم مما يحبون إلى ما يكرهون وليس من أهل بيت ولا أهل دار ولا أهل قرية يكونون لي على ما أكره فيتحولون من ذلك إلى ما أحب إلا تحولت لهم مما يكرهون (1/326)
إلى ما يحبون
وعن عبد الله بن عباس أنه قال ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم كانتفاعي بكتاب كتب به إلي علي بن أبي طالب فأنه كتب إلي
أما بعد فان المرء يسوءه فوت ما لم يكن ليدركه ويسره درك ما لم يكن ليفوته فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك وليكن أسفك على ما فاتك منها وما نلت من دنياك فلا تكثرن به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنا وليكن همك فيما بعد الموت
وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عليا رضي الله عنه شيع جنازة فلما وضعت في لحدها عج أهلها وبكوها فقال ما تبكون أما والله لو عاينوا ما عاين ميتهم لأذهلتهم (1/327)
معاينتهم عن ميتهم وإن له فيهم لعودة ثم عودة حتى لا يبقي منهم أحدا ثم قام فقال أوصيكم عباد الله بقتوى الله الذي ضرب لكم الأمثال ووفت لكم الآجال وجعل لكم أسماعا تعي ما عناها وأبصارا لتجلو عن غشاها وأفئدة نفهم ما دهاها إن الله لم يخلقكم عبثا ولم يضرب عنكم الذكر صفحا بل أكرمكم بالنعم السوابغ وأرصد لكم الجزاء فاتقوا الله عباد الله وجدوا في الطلب وبادروا بالعمل قبل هادم اللذات فان الدنيا لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجائعها غرور حائل وسناد مائل اتعظوا عباد الله بالعبر وازدجروا بالنذر وانتفعوا بالمواعظ فكأن قد علقتكم مخالب المنية وضمنتم بيت التراب ودهمتكم مفظعات الأمور بنفخة الصور وبعثرة القبور وسياق المحشر وموقف الحساب باحاطة قدرة الجبار كل نفس معها سائق يسوقها لمحشرها وشاهد يشهد عليها وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق (1/328)
وهم لا يظلمون فارتجت لذلك اليوم البلاد ونادى المنادي وحشرت الوحوش وبدت الأسرار وارتجت الأفئدة وبرزت الجحيم قد تأجج جحيمها وغلا حميمها عباد الله اتقوا الله تقية من وجل وحذر وأبصر وازدجر فاحتث طلبا ونجا هربا وقدم للمعاد واستظهر بالزاد وكفى بالله منتقما ونصيرا وكفى بالكتاب خصما وحجيجا وكفى بالجنة ثوابا وكفى بالنار وبالا وعقابا وأستغفر الله لي ولكم
وعن كميل بن زياد قال أخذ علي بن أبي طالب بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل بن زياد القلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم احفظ ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم (1/329)
يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق
العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة العلم حاكم والمال محكوم عليه وصنيعة المال تزول بزواله ومحبة العالم دين يدان بها العلم يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد مماته مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة
إن ههنا وأومأ بيده إلى صدره علما لو أصبت له حملة بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بنعم الله على عباده وبحججه على كتابه أو معاندا لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه ينقدح الشك في قلبه عارض من شبهة لاذا ولا ذاك أو منهوما باللذات سلس القياد للشهوات أو مغرى (1/330)
بجمع الأموال والادخار ليسا من دعاة الدين في شيء أقرب شبها بهم الأنعام السائمة
كذلك يموت العلم بموت حامليه اللهم بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا تبطل حجج الله وبيناته أولئك هم الأقلون عددا الأعظمون عند الله قدرا بهم يحفظ الله حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعونها في قلوب أشباههم هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة في المحل الأعلى آه آه شوقا إلى رؤيتهم وأستغفر الله لي ولك إذا شئت فقم
وعن أبي أراكة قال صليت مع علي بن أبي طالب عليه السلام صلاة الفجر فلما سلم انفتل عن يمينه ثم مكث كأن عليه كآبة حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال وقلب يده
لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فما أرى اليوم شيئا يشبههم (1/331)
لقد كانوا يصبحون شعثا صفرا غبرا بين أعينهم أمثال وكب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم فإذا أصبحوا فذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين
ثم نهض فما رئي مفترا يضحك حتى ضربه ابن ملجم والسلام
ذكر مقتله رضي الله عنه
عن زيد بن وهب قال قدم على علي قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعد بن بعجه فقال له اتق الله يا علي فانك ميت فقال له علي عليه السلام بل مقتول ضربة على هذا تخضب هذه يعني لحيته من رأسه عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى (1/332)
وعاتبه في لباسه فقال ما لكم وللباس هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم
وعن أبي الطفيل قال دعا علي الناس إلى البيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين ثم أتاه فقال ما يحبس أشقاها لتخضبن أو لتصبغن هذه يعني لحيته من رأسه ثم تمثل بهذين البيتين
أشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت آتيك
ولا تجزع من القتل ... إذا حل بواديك
وعن أبي مجلز قال جاء رجل من مراد إلى علي وهو يصلي في المسجد فقال احترس فإن ناسا من مراد يريدون قتلك فقال إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر عليه فإذا جاء (1/333)
القدر خليا بينه وبينه وإن الأجل جنة حصينة
قال العلماء بالسير ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاثة عشرة بقيت من رمضان وقيل ليلة إحدى وعشرين منه سنة أربعين فبقي الجمعة والسبت ومات ليلة الأحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن ودفن في السحر وفي سنه أربعة أقوال أحدها ثلاث وستون والثاني خمس وستون والثالث سبع وخمسون والرابع ثمان وخمسون
عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي عليه السلام وهو ابن ثمان وخمسين ومات لها حسن وقتل لها الحسين ومات علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين وسمعت جعفرا يقول سمعت أبي يقول لعمته فاطمة بنت حسين أم عبد الله بن حسن هذه توفي لي ثمانيا وخمسين فمات لها (1/334)
قال سفيان وسمعت جعفر بن محمد يقول وقد زدت أنا على ثمان وخمسين
وعن أبي جعفر قال هلك علي بن أبي طالب وله خمس وستون سنة قال وكان علي وطلحة والزبير في سن واحد (1/335)
أبو محمد طلحة بن عبيد اللهابن عثمان بن عمرو بن كعب
ابن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي أمه الصعبة بنت الحضري أخت العلاء أسلمت وأسلم طلحة قديما وبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مع سعيد بن زيد قبل خروجه إلى بدر يتجسسان خبر العير فمرت بهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر فخرج ورجعا يريدان المدينة ولم يعلما بخروج النبي صلى الله عليه و سلم فقدما في اليوم الذي لاقى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم المشركين فخرجا يعترضان رسول الله فلقياه منصرفا من بدر فضرب لهما بسهامهما وأجرهما فكانا كمن شهدها
وشهد طلحة أحدا وثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ووقاه بيده فشلت إصبعاه وجرح يومئذ أربعا وعشرين جراحة ويقال كانت فيه خمس وسبعون بين طعنة وضربة ورمية وسماه رسول (1/336)
الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد طلحة الخير ويوم غزوة ذات العشيرة طلحة الفياض ويوم حنين طلحة الجود
ذكر صفته كان آدم كثير الشعر ليس بالجعد القطط ولا بالسبط حسن الوجه
دقيق العرنين لا يغير شعره رضي الله عنه
ذكر أولاده كان له من الولد محمد وهو السجاد قتل معه يوم الجمل وعمران
أمهما حمنة بنت جحش وموسى أمه خولة بنت القعقاع ويعقوب قتل يوم الحرة واسماعيل وإسحاق أمهم أم أبان بنت عتبة بن ربيعة وزكريا ويوسف وعائشة (1/337)
أمهم أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وعيسى ويحيى أمهما سعدى بنت عوم وأم إسحاق تزوجها الحسن بن علي والصعبة أمهما أم ولد و مريم أمها أم ولد و صالح أمه الفريعة
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
عن عبد الله بن الزبير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يومئذ يعني يوم أحد أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه و سلم ما صنع يعني حين برك له طلحة فصعد رسول الله صلى الله عليه و سلم على ظهره رواه الإمام أحمد
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال ذاك كله يوم طلحة
قال أبو بكر كنت أول من جاء يوم أحد فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم ولأبي عبيدة بن الجراح عليكما يريد طلحة وقد نزف (1/338)
فأصلحنا من شأن النبي صلى الله عليه و سلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر بين طعنة وضربة ورمية وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه
وعن قيس قال رأيت طلحة يده شلاء وقى بها رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد انفرد باخراجه البخاري
وعن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحد صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ هذه الآية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه الآية فقام إليه رجل فقال يا رسول الله من هؤلاء فأقبلت وعلي ثوبان أخضران فقال أيها السائل هذا منهم
وعن سعدى بنت عوف قالت دخل علي طلحة ورأيته (1/339)
مغموما فقلت ما شأنك فقال المال الذي عندي قد كثر وقد كربني فقلت وما عليك أقسمه فقسمه حتى ما بقي منه درهم
قال طلحة بن يحيى فسألت خازن طلحة كم كان المال فقال أربعمائة ألف
وعن الحسن قال باع طلحة أرضا له بسبعمائة ألف فبات ذلك المال عنده ليلة فبات أرقا من مخافة ذلك المال فلما أصبح فرقه كله رواه الإمام أحمد
وعنه أن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فلما جاء بها قال إن رجلا تبيت هذه عنده في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم
وعن سعدى بنت عوف امرأة طلحة بن عبيد الله قالت (1/340)
لقد تصدق طلحة يوما بمائة ألف ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه
ذكر وفاته رضي الله عنه
قتل يوم الجمل وكان يوم الخميس لعشرة خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ويقال سهما غربا أتاه فوقع في حلقه فقال بسم الله وكان أمر الله قدرا مقدورا
ويقال إن مروان بن الحكم قتله ودفن بالبصرة وهو ابن ستين ويقال اثنتين وستين ويقال أربع وستين (1/341)
أبو عبد الله الزبير بن العوام
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأسلمت وأسلم الزبير قديما وهو ابن ثماني سنين وقيل ابن ست عشرة سنة فعذبه عمه بالدخان لكي يترك الإسلام فلم يفعل وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أول من سل سيفا في سبيل الله وكان عليه يوم بدر ريطة صفراء معتجرا بها وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه وثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد وبايعه على الموت
ذكر صفته رضي الله عنه
كان أبيض طويلا ويقال لم يكن بالطويل ولا بالقصير (1/342)
إلى الخفة ما هو في اللحم ويقال كان أسمر اللون أشعر خفيف العارضين
ذكر أولاده رضي الله عنه
كان له من الولد عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وخديجة الكبرى وأم الحسن وعائشة أمهم أسماء بنت أبي بكر
وخالد وعمرو وحبيبة وسودة وهند أمهم أم خالد وهي أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص
ومصعب وحمزة ورملة أمهم الرباب بنت أنيف بن عبيد (1/343)
وعبيدة وجعفر أمهما زينب
وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
وخديجة الصغرى أمها الحلال بنت قيس
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
عن أبي الأسود قال أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين وهاجر وهو ابن ثماني عشرة سنة وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول ارجع إلى الكفر
فيقول الزبير لا أكفر أبدا
وعن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قال كان إسلام الزبير بعد إسلام أبي بكر كان رابعا أو خامسا
وعن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه و سلم أبويه يوم أحد
وعن عبيد الله بن الزبير قال لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم الذي فيه نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/344)
أطم حسان وكان يرفعني وأرفعه فإذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة وكان يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الخندق فقال من يأتي بني قريظة فيقاتلهم فقلت له حين رجع يا أبة إن كنت لأعرفك حين تمر ذاهبا إلى بني قريظة فقال يا بني أما والله إن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليجمع لي أبويه جميعا يتفداني بهما ويقول فداك أبي وأمي أخرجاه في الصحيحين
وعن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم الخندق ندب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لكل نبي حواري وحواريي الزبير أخرجاه في الصحيحين (1/345)
وعن سعيد بن المسيب قال أول من سل سيفا في سبيل الله الزبير بن العوام بينا هو بمكة إذ سمع نغمة يعني صوتا أن النبي صلى الله عليه و سلم قد قتل فخرج عريانا ما عليه شيء في يده السيف صلتا فتلقاه النبي صلى الله عليه و سلم كفة بكفة فقال له مالك يا زبير قال سمعت أنك قد قتلت قال فما كنت صانعا قال أردت والله أن أستعرض أهل مكة قال فدعا له النبي صلى الله عليه و سلم
وعن عمرو بن مصعب بن الزبير قال قاتل الزبير مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة فكان يحمل على القوم
وعن نهيك قال كان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم يقول يتصدق بها وفي راوية أخرى فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم إلى منزله ليس معه منه شيء
وعن جويرية قالت باع الزبير دارا له بستمائة ألف قال (1/346)
فقيل له يا أبا عبد الله غبنت قال كلا والله لتعلمن أني لم أغبن هي في سبيل الله
وعن علي بن زيد قال أخبرني من رأى الزبير وإن في صدره مثل العيون من الطعن والرمي
وعن قيس بن أبي حازم عن الزبير بن العوام قال من استطاع منكم أن يكون له جنى من عمل صالح فليفعل
ذكر مقتله رضي الله عنه
قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين ويقال ستين ويقال بضع وخمسين قتله ابن جرموز
عن زر قال استأذن ابن جرموز على علي وأنا عنده فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال علي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لكل نبي حواري وحواريي الزبير
وعن عبد الله بن الزبير قال جعل الزبير يوم الجمل يوصيني (1/347)
بدينه ويقول إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي
قال فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبة من مولاك قال الله قال ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وإنما دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة قال فحسب ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فبعتهما يعني وقضيت دينه فقال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا
فقلت والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه
فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم
وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف انفرد باخراج هذا الحديث البخاري (1/348)
أبو محمد عبد الرحمن بن عوف
ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي
كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الحارث وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن
أمه الشفاء بنت عوف أسلمت وهاجرت
أسلم عبد الرحمن قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين وشهد المشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد وصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم خلفه في غزوة تبوك ذهب للطهارة فجاء وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة فصلى خلفه وأتم الذي فاته وقال ما قبض نبي حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته
وعن أبي سلمة عن أبيه أنه كان مع النبي صلى الله عليه و سلم في سفر (1/349)
فذهب النبي صلى الله عليه و سلم لحاجته فأدركهم وقت الصلاة فأقاموا الصلاة فتقدمهم عبد الرحمن فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فصلى مع الناس خلفه ركعة فلما سلم قال أصبتم أو أحسنتم
ذكر صفته كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشربا حمرة ضخم الكفين
أقنى
وقال ابن إسحاق كان ساقط الثنيتين أعرج أصيب يوم أحد فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر أصابه بعضها في رجله فعرج (1/350)
ذكر أولاده كان له من الولد سالم الأكبر مات قبل الإسلام أمه أم كلثوم
بنت عتبة بن ربيعة وأم القاسم ولدت في الجاهلية وأمها بنت شيبة بن ربيعة ومحمد وإبراهيم وحميد وإسماعيل وحميدة وأمة الرحمن أمهم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ومعن وعمر وزيد وأمة الصغرى أمهم سهلة بنت عاصم بن عدي وعروة الأكبر أمه بحرية بنت هانيء وسالم الأصغر أمه سهلة بنت سهيل بن عمرو وأبو بكر أمه أم حكيم بنت قارظ وعبد الله أمه بنت أبي الخشخاش وأبو سلمة وهو عبد الله الأصغر وأمه تماضر بنت الأصبغ وعبد الرحمن أمه أسماء بنت سلامة ومصعب وآمنة ومريم أمهم أم حريث من سبي بهرا وسهيل أبو الأبيض أمه مجد بنت يزيد وعثمان أمه غزال بنت كسرى أم ولد وعروة ويحيى وبلال لأمهات أولاده وأم يحيى وأمها زينب بنت الصباح وجويرية أمها بادية بنت غيلان (1/351)
وعن ثابت البناني عن أنس قال بينما عائشة رضي الله عنها في بيتها إذ سمعت صوتا رجت منه المدينة فقالت ما هذا قالوا عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشام وكانت سبعمائة راحلة فقالت عائشة أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن فأتاها فسألها عما بلغه فحدثته قال فإني أشهدك أنها بأحمالها وأقتابها وأحلاسها في سبيل الله عز و جل
وعنه قال بينا عائشة في بيتها سمعت صوتا في المدينة فقالت ما هذا قالوا عير لعبد الرحمن بن عوف قدمت من الشام تحمل من كل شيء قال وكانت سبعمائة بعير قال فارتجت المدينة من الصوت فقالت عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قد رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال إن استطعت لأدخلنها قائما فجعلها بأقتابها وأحمالها في سبيل الله عز و جل رواه الإمام أحمد (1/352)
وعن أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال باع عبد الرحمن بن عوف أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار فقسم ذلك المال في بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين وبعث إلى عائشة معي بمال من ذلك المال فقالت عائشة أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة
وعن الزهري قال تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم بشطر ماله أربعة آلاف ثم تصدق بأربعين ألفا ثم تصدق بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله تعالى ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله تعالى وكان عامة ماله من التجارة
وعن جعفر بن برقان قال بلغني أن عبد الرحمن بن عوف (1/353)
أعتق ثلاثين ألف بيت
وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائما فقال قتل مصعب بن عمير وهو خير فكفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه وأراه قال وقتل حمزة وهو خير مني يعني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام انفرد بإخراجه البخاري
وعن نوفل بن إياس الهذلي قال كان عبد الرحمن لنا جليسا وكان نعم الجليس وإنه انقلب بنا يوما حتى دخلنا بيته ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا وأتينا بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى عبد الرحمن بن عوف فقلنا له يا أبا محمد ما يبكيك فقال هلك رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ولا أرانا أخرنا لها لما هو خير لنا (1/354)
وعن سعيد بن حسين قال كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده
وعن أيوب عن محمد أن عبد الرحمن بن عوف توفي وكان فيما ترك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة من ثمنها بثلاثين ألفا
ذكر وفاته رضي الله عنه
توفي عبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو ابن اثنتين وسبعين ويقال خمس وسبعين (1/355)
أبو إسحق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
واسمه مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة وأمه حمنة
أسلم قديما وهو ابن سبع عشرة سنة وقال كنت ثالثا في الإسلام وأنا أول من رمى بسم في سبيل الله شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وولي الولايات من قبل عمر وعثمان وهو أحد أصحاب الشورى
ذكر صفته كان قصيرا غليظا ذا هامة شثن الأصابع آدم أفطس أشعر الجسد يخضب
بالسواد (1/356)
ذكر أولاده رضي الله عنه
كان له من الولد إسحق الأكبر وبه كان يكنى أم الحكم الكبرى أمهما ابنة شهاب بن عبد الله وعمر قتله المختار ومحمد قتله الحجاج يوم دير الجماجم وحفصة وأم القاسم وكلثوم أمهم معاوية بنت قيس بن معدي كرب وعامر وإسحق الأصغر وإسماعيل وأم عمران أمهم أم عامر بنت عمرو وإبراهيم وموسى وأم الحكم الصغرى وأم عمرو وهند وأم الزبير وأم موسى أمهم زبيدة وعبد الله أمه سلمى ومصعب أمه خولة بنت عمرو وعبد الله الأصغر وبجير واسمه عبد الرحمن وحميدة أمهم أم هلال بنت ربيع بن مري وعمير الأكبر وحمنه أمهما أم حكيم بنت قارظ وعمير الأصغر وعمرو وعمران وأم عمرو وأم أيوب وأم إسحاق أمهم سلمى بنت حفصة وصالح أمه ظبيه بنت عامر وعثمان ورملة أمهما أم حجير وعمرة وهي العمياء أمها من سبي العرب وعائشة (1/357)
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
عن سعيد بن المسيب قال قال سعد ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام
وعن علي قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يفدي أحدا بأبويه إلا سعد بن مالك فإني سمعته يقول له في يوم أحد ارم سعد فداك أبي وأمي أخرجاه في الصحيحين
عن هاشم بن هاشم الزهري قال سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت سعد بن أبي وقاص يقول نثل لي رسول الله صلى الله عليه و سلم كنانته يوم أحد وقال ارم فداك أبي وأمي
وعن قيس قال سمعت سعد بن مالك يقول إني لأول (1/358)
العرب رمى بسهم في سبيل الله عز و جل ولقد رأيتنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة وهذا السمر حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما له خلط ثم أصبحت بنو أسد يعزروني على الدين لقد خبت إذن وضل عملي
وعن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه مسح على الخفين وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك فقال نعم إذا حدثك سعد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا فلا تسأل عنه غيره
وعن جابر بن عبد الله قال أقبل سعد ورسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هذا خالي فليرني امرؤ خاله (1/359)
وعن قيس بن أبي حازم عن سعد قال قال لي النبي صلى الله عليه و سلم اللهم سدد رميته وأجب دعوته
وعن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن جده قال دعا سعد فقال يا رب إن لي بنين صغارا فأخر عني الموت حتى يبلغوا فأخر عنه الموت عشرين سنة
وعن طارق يعني ابن شهاب قال كان بين خالد وسعد كلام فذهب رجل يقع في خالد عند سعد فقال مه إن ما بيننا لم يبلغ ديننا
ذكر وفاته رضي الله عنه
مات سعد في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينه فحمل على رقاب الرجال إلى المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم وهو (1/360)
يومئذ والي المدينة ثم صلى عليه أزواج النبي صلى الله عليه و سلم في حجرهن ودفن بالبقيع وكان أوصى أن يكفن في جبة صوف له كان لقي المشركين فيها يوم بدر فكفن فيها وذلك في سنة خمس وخمسين ويقال سنة خمسين وهو ابن بضع وسبعين ويقال اثنتين وثمانين وعن مالك بن أنس أنه سمع غير واحد يقول إن سعد بن أبي وقاص مات بالعقيق فحمل إلى المدينة ودفن بها
وعن عائشة أنه لما توفي سعد أرسل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن يمروا بجنازته في المسجد ففعلوا فوقف به على حجرهن فصلين عليه وخرج من باب الجنائز فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا ما كانت الجنائز يدخل بها في المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا مالا علم لهم به عابوا علينا أن نمر بجنازة في المسجد وما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد (1/361)
أبو الأعور سعيد بن زيد
ابن عمرو بن نفيل بن العزى بن رباح بن عبد الله بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي أمه فاطمة بنت بعجة بن أمية أسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ما خلا بدرا فإنه لم يحضرها للسبب الذي ذكرناه في ترجمة طلحة وكان آدم طوالا أشعر
وله من الولد عبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأصغر وإبراهيم الأكبر وإبراهيم الأصغر وعمرو الأكبر وعمرو الأصغر والأسود وطلحة ومحمد وخالد وزيد وأم الحسن الكبرى وأم الحسن الصغرى وأم حبيب الكبرى وأم حبيب الصغرى وأم زيد الكبرى وأم زيد الصغرى وعائشة وعاتكة وحفصة وزينب وأم سلمة وأم (1/362)
موسى وأم سعيد وأم النعمان وأم خالد وأم صالح وأم عبد الحولاء وزجلة
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
عن عبد الله بن ظالم قال أخذ بيدي سعيد بن زيد فقال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اثبت حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد قال قلت من هم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن مالك ثم سكت قال قلت ومن العاشر قال أنا رواه الإمام أحمد
وعن عبد الرحمن بن الأخنس قال قال سعيد بن زيد أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول رسول الله في الجنة وأبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعلي في الجنة وعثمان في الجنة وعبد الرحمن في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وسعد في (1/363)
الجنة ثم قال إن شئتم أخبرتكم بالعاشر ثم ذكر نفسه رواه الإمام أحمد
وعن هشام بن عروة عن أبيه أن أروى بنت أويس استعدت مروان على سعيد وقالت سرق من أرضي فأدخله في أرضه فقال سعيد اللهم إن كانت كاذبة فاذهب بصرها واقتلها في أرضها فذهب بصرها ووقعت في حفرة في أرضها فماتت
ذكر وفاته رضي الله عنه
عن نافع أن سعيد بن زيد مات بالعقيق وحمل إلى المدينة فدفن بها وقال ابن سعد وقال عبد الملك بن زيد مات بالعقيق فحمل إلى المدينة ونزل في حفرته سعد وابن عمر وذلك في سنة خمسين أو إحدى وخمسين وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة والله أعلم (1/364)
أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح رضي الله عنه
ابن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة
وأسلم مع عثمان بن مظعون وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم أحد ونزع يومئذ بقية الحلقتين اللتين دخلتا في وجنة رسول الله صلى الله عليه و سلم من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه فكان من أحسن الناس هتما ذكر صفته
كان طوالا نحيفا أجنى معروق الوجه أثرم الثنيتين (1/365)
خفيف اللحية وكان له من الولد يزيد وعمير أمهما هند بنت جابر فدرجا ولم يبق له عقب
ذكر جملة من مناقبه رضي الله عنه
عن أبي قلابة قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن لكل أمة أمينا وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة ابن الجراح
وعنه أن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم سألوه أن يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال هذا أمين هذه الأمة
وعن شريح بن عبيد وراشد بن أسعد وغيرهما قالوا (1/366)
لما بلغ عمر بن الخطاب سرغ حدث أن بالشام وباء شديدا فقال بلغني شدة الوباء بالشام فقلت إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فإن سألني الله عز و جل لم استخلفته على هذه الأمة قلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن لكل نبي أمينا وأميني أبو عبيدة بن الجراح فإن أدركني أجلي وقد توفي أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل فإن سألني ربي عز و جل لم استخلفته قلت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنه يحشر يوم القيامة بين يدي العلماء نبذة
وعن عمر بن الخطاب أنه قال لأصحابه تمنوا فقال رجل أتمنى لو أن لي هذه الدار مملوءة ذهبا أنفقه في سبيل الله عز و جل ثم قال تمنوا فقال رجل أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤا وزبرجدا أو جوهرا أنفقه في سبيل الله عز و جل وأتصدق به ثم قال تمنوا (1/367)
فقالوا ما ندري يا أمير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذا الدار مملوءة رجالا مثل أبي عبيدة بن الجراح
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال لما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فإعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله فقال له عمر ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل رواه الإمام أحمد
وعن أبي قتادة أن أبا عبيدة بن الجراح قال ما من الناس من أحمر ولا أسود حر ولا عبد عجمي ولا فصيح أعلم أنه أفضل مني بتقوى إلا أحببت أن أكون في مسلاخه
وعن نمران بن مخمر عن أبي عبيدة بن الجراح أنه كان يسير في العسكر فيقول ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحديثات (1/368)
فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تغمرهن
ذكر وفاته رضي الله عنه
توفي أبو عبيدة في طاعون عمواس بالأردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك في سنة ثماني عشرة من خلافه عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة
قال الشيخ رحمه الله وإذ قد انتهينا ذكر العشرة بحمد الله ومنه فنحن نذكر المشتهرين من الصحابة بالعلم والتعبد والزهد على طبقاتهم والله الموفق (1/369)
فمن الطبقة الأولى
على السابقة في الإسلام ممن شهد بدرا من المهاجرين والأنصار وحلفائهم ومواليهم 12 حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
أمه هاله بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يكنى أبا عمارة
وكان له من الولد يعلى وعامر وبنت وهي التي اختصم عليها زيد وجعفر وعلي واسمها أمامة
انفرد الواقدي فقال عمارة
قال محمد بن كعب القرظي قال أبو جهل في رسول الله صلى الله عليه و سلم فبلغ ذلك حمزة فدخل المسجد مغضبا فضرب رأس أبي جهل بالقوس ضربة أوضحته وأسلم حمزة فعز به رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/370)
والمسلمون وذلك في السنة السادسة من النبوة بعد دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم
قال يزيد بن رومان وأول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة لحمزة
وعن علي عليه السلام قال لما كان يوم بدر ودنا الناس منا إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا علي ناد لي حمزة وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر وماذا يقول لهم فجاء حمزة فقال هو عتبة بن ربيعة وهو ينهي عن القتال قال فبرز عتبة وشيبة والوليد فقالوا من يبارز فخرج فتية من الأنصار فقال عتبة لا نريد هؤلاء ولكن يبارزنا من بني عمنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة بن الحارث رواه الإمام أحمد (1/371)
ذكر مقتل حمزة رضي الله عنه
عن جعفر بن عمرو الضمري قال خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة قلت نعم وكان وحشي يسكن حمص فجئنا حتى وقفنا عليه فسلمنا فرد السلام وعبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه فقال عبيد الله يا وحشي أتعرفني قال فنظر إليه ثم قال لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة فولدت له غلاما فاسترضعه فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فكأني نظرت إلى قدميه
فكشف عبيد الله وجهه ثم قال ألا تخبرنا بقتل حمزة فقال نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر فلما خرج الناس عام عينين قال وعينين جبل أحد بينه وبينه واد خرجت (1/372)
مع الناس إلى القتال فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز فخرج إليه حمزة فقال يا سباع يا بن أم أنمار يا بن مقطعة البظور أتحارب الله ورسوله ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب وكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي فلما أن دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى دخلت بين وركيه وكان ذلك آخر العهد به فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا فقالوا إنه لا يهيج الرسل فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآني قال أنت وحشي قلت نعم قال أنت قتلت حمزة قلت قد كان من الأمر ما بلغك يا رسول الله قال أما تستطيع أن تغيب وجهك عني قال فرجعت فلما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرج مسيلمة الكذاب قلت لأخرجن إلى (1/373)
مسيلمة لعلي أقتله فأكافيء به حمزة فخرجت مع الناس فكان من أمرهم ما كان قال وإذا رجل قائم من ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر رأسه قال فأرميه بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال ودب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته
قال عبد الله بن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول فقالت جارية على ظهر بيت وأمير المؤمنين قتله العبد الأسود انفرد بإخراجه البخاري
وعن الزبير أنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى إذا كادت تشرف على القتلى قال فكره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تراهم فقال المرأة المرأة قال الزبير فتوسمت أنها أمي صفية فخرجت أسعى إليها فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى قال فلدمت في صدري (1/374)
وكانت امرأة جلدة قالت إليك لاأرض لك قال فقلت إن رسول الله قد عزم عليك قال فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله فكفنوه بهما
قال فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة قال فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لاكفن له فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له رواه الإمام أحمد
وعن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه و سلم وقف على حمزة حيث استشهد فنظر إلى شيء لم ينظر إليه شيء قط كان أوجع لقلبه منه ونظر إليه قد مثل به فقال رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمت فعولا للخيرات وصولا للرحم ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن (1/375)
أدعك حتى تحشر من أفواه شتى أما والله مع ذلك لأمثلن بسبعين منهم مكانك فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه و سلم واقف بعد بخواتم النحل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به إلى آخر السورة فصبر النبي صلى الله عليه و سلم وأمسك عما أراد
وعن أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا صلى على جنازة كبر عليها أربعا وإنه كبر على حمزة سبعين تكبيرة
وعن جابر قال لما أراد معاوية أن يجري عينه التي بأحد (1/376)
كتبوا إليه إنا لا نستطيع أن نجريها إلا على قبور الشهداء فكتب انبشوهم قال فرأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة فانبعث دما
وعنه قال كتب معاوية إلى عامله بالمدينة أن يجري عينا إلى أحد فكتب إليه عامله إنها لا تجري إلا على قبور الشهداء قال فكتب إليه أن أنفذها قال فسمعت جابر بن عبد الله يقول فرأيتهم يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نوم حتى أصابت المسحاة قدم حمزة فانبعث دما (1/377)
زيد بن حارثة بن شراحيل
ابن عبد العزي بن امرىء القيس ويقال له زيد الحب وأمه سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر زارت قومها وزيد معها فأغارت خيل لبني القين في الجاهلية فمروا على أبيات بني معن فإحتملوا زيدا وهو يومئذ غلام يفعة فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهبته له وكان أبوه حارثة حين فقده قال
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
فوالله ما أدري وإن كنت سائلا ... أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك اليوم رجعة ... فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل (1/378)
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزنى عليه وما وجل
سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي علي منيتي ... وكل امرىء فان وإن غره الأمل
وأوصي به قيسا وعمرا كليهما ... وأوصي يزيدا ثم من بعده جبل
يعني جبلة بن حارثة أخا زيد ويزيد أخو زيد لأمه
فحج ناس من كعب فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه فقال أبلغوا أهلي هذه الأبيات فأني أعلم أنهم قد جزعوا علي وقال
ألكني إلى قومي وإن كنت نائيا ... فإني قطين البيت عند المشاعر
فكفوا عن الوجد الذي قد شجاكم ... ولاتعملوا في الأرض نص الأعابر
فإني بحمد الله في خير أسرة ... كرام معد كابرا بعد كابر (1/379)
فانطلقوا فأعلموا أباه فخرج حارثة وكعب بن شراحيل بفدائه فقدما مكة فسألا عن النبي صلى الله عليه و سلم فقيل هو في المسجد فدخلا عليه فقالا يا بن هاشم يا بن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا عندك فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه فإنا سنرفع لك في الفداء قال ما هو قالوا زيد ابن الحارثة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فهلا غير ذلك قالوا ما هو قال ادعوه فخيروه فإن اختاركم فهو لكما بغير فداء وإن إختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا قالوا قد زدتنا على النصف وأحسنت
فدعاه فقال هل تعرف هؤلاء قال نعم هذا أبي وهذا عمي قال فأنا من قد علمت ورأيت محبتي لك فاخترني أو اخترهما فقال زيد ما أنا بالذي أختار عليك أحدا أنت مني بمنزلة الأب والعم فقالا ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك قال نعم إني قد رأيت من هذا (1/380)
الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك أخرجه إلى الحجر فقال يا من حضر اشهدوا أن زيدا ابني يرثني وأرثه فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا
فدعي زيد بن محمد حتى جاء الله بالإسلام فزوجه رسول الله صلى الله عليه و سلم زينب بنت جحش فلما طلقها تزوجها النبي صلى الله عليه و سلم فتكلم المنافقون في ذلك وقالوا تزوج امرأة ابنه فنزل ما كان محمد أبا أحد من رجالكم الآية وقال أدعوهم لآبائهم فدعي يومئذ زيد بن حارثة
وعن محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد عن أبيه قال كان بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين زيد عشر سنين رسول الله صلى الله عليه و سلم أكبر منه وكان زيدا رجلا قصيرا آدم شديد الأدمة في أنفه فطس وكان يكنى أبا أسامة وقال الزهري أول من أسلم زيد (1/381)
قال أهل السير وشهد زيد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر واستخلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم على المدينة حين خرج إلى المريسيع وخرج أميرا في سبع سرايا ولم يسم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في القرآن باسمه غيره
وكان له من الولد زيد هلك صغيرا ورقية أمهما أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأسامة أمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقتل زيد في غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة
عن خالد بن سمير قال لما أصيب زيد بن حارثة أتاهم النبي صلى الله عليه و سلم قال فجهشت بنت زيد في وجهه فبكى رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى انتحب فقال له سعد بن عبادة ما هذا يا رسول الله قال هذا شوق الحبيب إلى حبيبه (1/382)
سالم مولى أبي حذيفةBه
كان لثبيته بنت يعار الأنصارية تحت أبي حذيفة بن عتبة فأعتقه فتولى أبا حذيفة وتبناه أبو حذيفة كذا ذكره محمد بن سعد
وقال أبو بكر الخطيب اسم التي اعتقته سلمى بنت تعار وقال ابن عمر كان سالم يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة لأنه كان أقرأهم وفيهم أبو بكر وعمر
وعن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكر سالما مولى أبي حذيفة فقال إن سالما شديد الحب لله عز و جل
وعن شهر بن حوشب قال قال عمر بن الخطاب لو استخلفت سالما مولى أبي حذيفة فسألني عنه ربي عز و جل ما حملك على ذلك (1/383)
لقلت رب سمعت نبيك صلى الله عليه و سلم وهو يقول يحب الله عز و جل حقا من قلبه
وعن أحمد بن عبد الله قال استشهد سالم مولى أبي حذيفة باليمامة أخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم تناولها بشماله فقطعت ثم اعتنق اللواء وجعل يقرأ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم إلى أن قتل (1/384)
عبد الله بن جحش
ابن رئاب بن يعمر ويكنى أبا محمد وأمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية وبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم على سرية إلى نخلة وفيها تسمى بأمير المؤمنين فهو أول من دعي بذلك
وعن سعيد بن المسيب أن رجلا سمع عبد الله بن جحش يقول قبل يوم أحد بيوم اللهم إنا لاقو هؤلاء غدا وإني أقسم عليك لما يقتلونني ويبقروا بطني ويجدعوني فإذا قلت لي لم (1/385)
فعل بك هذا فأقول اللهم فيك فلما التقوا فعل ذلك به فقال الرجل الذي سمعه أما هذا فقد استجيب له وأعطاه الله ما سأل في جسده في الدنيا وأنا أرجو أن يعطى ما سأل في الآخرة
وعن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص قال حدثني أبي أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد ألا ندعو الله فخلوا في ناحية فدعا عبد الله بن جحش فقال يا رب إذا لقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فاذا لقيتك غدا قلت يا عبد الله من جدع أنفك وأذنك فأقول فيك وفي رسولك فتقول صدقت قال سعد فلقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلقتان في خيط
قال الواقدي قتل عبد الله بن جحش يوم أحد قتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق ودفن عبد الله وحمزة بن عبد المطلب وهو خاله في قبر واحد وكان لعبد الله يوم قتل بضع وأربعون سنة (1/386)
عتبة بن غزوان بن جابر بن وهيب
يكنى أبا عبد الله هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا واستعمله عمر على البصرة واليا فهو الذي بصرها واختطها ثم قدم على عمر فرده إلى البصرة واليا فمات في الطريق سنة سبع عشرة وقيل خمس عشرة وهو ابن سبع وخمسين وقيل خمس وخمسين
عن خالد بن عمير قال خطب عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء (1/387)
ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها وإنكم منقلبون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فانه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى في شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا والله لتملأنه أفعجبتم والله لقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا وإني التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد فائتزر بنصفها وائتزرت بنصفها فما أصبح منا أحد اليوم حيا إلا أصبح أمير مصر من الأمصار وإني (1/388)
أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما وعند الله صغيرا وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى تكون عاقبتها ملكا وستبلون وستجربون الأمراء بعدنا انفرد بإخراجه مسلم وليس لعتبة في الصحيح غيره (1/389)
مصعب بن عمير ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي
يكنى أبا محمد دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وكتم إسلامه وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم سرا فلما علموا به حبسوه فلم يزل محبوسا حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى ثم خرج في الهجرة الثانية وكان من أنعم الناس عيشا قبل إسلامه فلما أسلم زهد في الدنيا فتحسف جلده تحسف الحية وبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة بعد أن بايع الأنصار البيعة الأولى يفقههم ويقرئهم القرآن وكان يأتيهم في دورهم فيدعوهم إلى الإسلام فأسلم منهم خلق كثير وفشا الإسلام فيهم وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يستأذنه أن يجمع بهم فأذن له فجمع بهم في دار بني خيثمه
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم مع السبعين الذين وافوه في العقبة الثانية فأقام بمكة قليلا ثم قدم قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فهو أول من قدمها
وعن ابن شهاب قال لما بايع أهل العقبة رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/390)
ورجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام سرا وتلوا عليهم القرآن وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلا من قبلك فليدع الناس بكتاب الله فأنه قمن أن يتبع فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم مصعب بن عمير فلم يزل يدعو آمنا ويهدي الله تعالى على يده حتى قل دار من دور الأنصار إلا قد أسلم أشرافهم فأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم وكان المسلمون أعز أهل المدينة فرجع مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان يدعى المقرىء
قال ابن شهاب وكان أول من جمع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن البراء قال أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب ابن عمير
وعن عمر بن الخطاب قال نظر النبي صلى الله عليه و سلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق به فقال النبي صلى الله عليه و سلم (1/391)
انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نور الله قلبه لقد رأيته بين أبوين يغدوانه بأطيب الطعام والشراب فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون
وعن محمد بن شرحبيل قال حمل مصعب اللواء يوم أحد فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضربها فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنقذه
وكان مصعب رقيق البشرة ليس بالطويل ولا بالقصير قيل وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئا
وقال ابن سعد وقال عبد الله بن الفضل قتل مصعب وأخذ اللواء ملك في صورته فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يقول له في آخر النهار (1/392)
تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك وقال لست بمصعب فعرف النبي صلى الله عليه و سلم أنه ملك أيد به
وعن عبيد بن عمير قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحد مر على مصعب بن عمير مقتولا على طريقه فقرأ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه الآية
وعن خباب قال هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله عز و جل فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئا منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم نجد له شيئا نكفنه فيه إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول صلى الله عليه و سلم أن نغطي بها رأسه ونجعل على رأسه إذخرا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أخرجاه في الصحيحين (1/393)
عمير بن أبي وقاص أخو سعد
عن عامر بن سعد عن أبيه قال رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه و سلم للخروج إلى بدر يتوارى فقلت مالك يا أخي فقال إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه و سلم فيستصغرني فيردني وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة قال فعرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستصغره فقال ارجع فبكى عمير فأجازه رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال سعد فكنت أعقد له حمائل سيفه من صغره فقتل ببدر وهو ابن ست عشرة سنة قتله عمرو بن عبدود والسلام (1/394)
عبد الله بن مسعود
ويكنى أبا عبد الرحمن أمه أم عبد أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم ويقال كان سادسا في الإسلام وهاجر إلى الحبشة الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها وكان صاحب رسولرسول الله صلى الله عليه و سلم ووساده وسواكه ونعليه وطهوره في السفر وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم في هديه ودله وسمته وكان خفيف اللحم قصيرا شديد الأدمة وكان من أجود الناس ثوبا ومن أطيب الناس ريحا وولي قضاء الكوفة وبيت المال لعمر وصدرا من خلافة عثمان ثم صار إلى المدينة فمات بها سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وهو ابن بضع وستين
عن زربن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فجاء النبي صلى الله عليه و سلم وأبو بكر (1/395)
وقد نفرا من المشركين فقالا يا غلام هل عندك من لبن تسقينا فقلت إني مؤتمن ولست ساقيكما فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل قلت نعم فأتيتهما بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه و سلم ومسح الضرع ودعا فحفل الضرع ثم أتاه أبو بكر بصخرة منقعرة فاحتلب فيها فشرب أبو بكر ثم شربت ثم قال للضرع اقلص فقلص قال فأتيته بعد ذلك فقلت علمني من هذا القول قال إنك غلام معلم فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد
وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال قال عبد الله بن مسعود لقد رأيتني سادس ستة ما على وجه الأرض مسلم غيرنا
ذكر قربه من رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال أبو موسى الأشعري لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وما أرى (1/396)
إلا ابن مسعود من أهله
وعن القاسم بن عبد الرحمن قال كان عبد الله يلبس رسول الله صلى الله عليه و سلم نعليه ثم يمشي أمامه بالعصا حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا فاذا أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقوم ألبسه نعليه ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن أبي المليح عن عبد الله أنه كان يوقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نام ويستره إذا اغتسل ويمشي معه في الأرض وحشا
وعن عبد الله بن شداد بن الهاد أن عبد الله كان صاحب الوساد والسواك والنعلين
ذكر شبهه برسول الله صلى الله عليه و سلم
عن علقمة قال كان عبد الله يشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم في هديه ودله وكان علقمة يشبه بعبد الله (1/397)
وعن عبد الله بن يزيد قال أتينا حذيفة فقلنا له حدثنا بأقرب الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم هديا وسمتا ودلا نأخذ عنه ونسمع منه قال كان أقرب الناس برسول الله هديا وسمتا ودلا عبد الله بن مسعود حتى يتوارى عنا في بيته ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفى والسلام
ذكر ثناء الرسول صلى الله عليه و سلم على عبد الله بن مسعود
عن علقمة قال جاء رجل إلى عمر وهو بعرفة فقال جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرجل فقال من هو ويحك قال عبد الله بن مسعود فما زال يطفأ ويسير عنه الغضب حتى عاد إلى حاله التي كان عليها ثم قال ويحك والله ما أعلم بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه وسأحدثك عن ذلك (1/398)
كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في أمر من أمر المسلمين وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم وخرجنا معه فاذا رجل قائم يصلي في المسجد فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم يستمع قراءته فلما كدنا نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد قال ثم جلس الرجل يدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له سل تعطه سل تعطه
قال عمر قلت والله لأغدون عليه فلأبشرنه قال فغدوت عليه فبشرته فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره ولا والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه رواه الإمام أحمد
وروى عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه كان يجتني سواكا من الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مم تضحكون قالوا يا نبي الله من دقة ساقيه فقال والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان (1/399)
من أحد
ذكر ثناء الناس عليه وكثرة علمه
عن زيد بن وهب قال أقبل عبد الله ذات يوم وعمر جالس فقال كنيف ملىء علما
وعن الشعبي قال ذكروا أن عمر بن الخطاب لقي ركبا في سفر له فيهم عبد الله بن مسعود فأمر عمر رجلا يناديهم من أين القوم فأجابه عبد الله أقبلنا من الفج العميق فقال عمر أين تريدون فقال عبد الله البيت العتيق فقال عمر إن فيهم عالما وأمر رجلا فناداهم أي القرآن أعظم فأجابه عبد الله الله لا إله إلا هو الحي القيوم حتى ختم الآية قال نادهم أي القرآن أحكم فقال ابن مسعود إن الله يأمر بالعدل والإحسان (1/400)
الآية فقال عمر نادهم أي القرآن أجمع فقال ابن مسعود فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فقال عمر نادهم أي القرآن أخوف فقال ابن مسعود ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به الآية فقال عمر نادهم أي القرآن أرجى فقال ابن مسعود يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله فقال عمر نادهم أفيكم ابن مسعود قالوا اللهم نعم
وعن أبي البختري قال سئل علي عليه السلام عن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فقال عن أيهم تسألون قالوا أخبرنا عن عبد الله ابن مسعود قال علم القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفى به علما
وعن أبي الأحوص قال شهدت أبا موسى وأبا مسعود حين مات ابن مسعود وأحدهما يقول لصاحبه أتراه ترك مثله قال (1/401)
إن قلت ذاك إن كان ليؤذن له إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا رواه الإمام أحمد
وعن عامر قال قال أبو موسى لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم يعني إبن مسعود
وعن شقيق قال كنت قاعدا مع حذيفة فأقبل عبد الله ابن مسعود فقال حذيفة إن أشبه الناس هديا ودلا برسول الله من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع ولا أدري ما يصنع في أهله لعبد الله بن مسعود والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم أنه من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة
وعن مسروق قال قال عبد الله والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت وإلا أنا أعلم فيما نزلت ولو أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله مني تناله المطي لأتيته (1/402)
وعن تميم بن حذلم قال جالست أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر وعمر وما رأيت أحدا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أحب إلي أن أكون في مسلاخه منك يا عبد الله بن مسعود
وعن مسروق قال شاممت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم عمر وعلي وعبد الله وأبي بن كعب وأبو الدرداء وزيد بن ثابت ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين علي وعبد الله
وعنه قال جالست أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فوجدتهم كالإخاذ يروي الرجل والإخاذ يروي الرجلين والإخاذ يروي المائة (1/403)
والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم فوجدت عبد الله من ذلك الإخاذ
ذكر تعبده عن زر عن عبد الله أنه كان يصوم الاثنين والخميس وعن عبد
الرحمن بن يزيد قال ما رأيت فقيها قط أقل صوما من عبد الله فقيل له لم لا تصوم قال إني أختار الصلاة على الصوم فإذا صمت ضعفت عن الصلاة
وعن محارب بن دثار عن عمه محمد قال مررت بابن مسعود بسحر وهو يقول اللهم دعوتني فأجبتك وأمرتني فأطعتك (1/404)
وهذا سحر فاغفر لي فلما أصبحت غدوت عليه فقلت له فقال إن يعقوب لما قال لبنيه سوف أستغفر لكم أخرهم إلى السحر
ذكر ورعه عن عمرو بن ميمون قال اختلفت إلى عبد الله بن مسعود سنة ما
سمعته يحدث فيها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يقول فيها قال رسول الله إلا أنه حدث ذات يوم بحديث فجرى على لسانه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فعلاه الكرب حتى رأيت العرق يتحدر عن جبهته ثم قال إن شاء الله تعالى إما فوق ذلك وإما قريب من ذلك وإما دون ذلك
ذكر شدة خوفه وبكائه رضي الله عنه
عن مسروق قال قال رجل عن عبد الله ما أحب أن أكون من أصحاب اليمين أكون من المقربين أحب إلي فقال عبد الله لكن هاهنا رجل ود أنه إذا مات لا يبعث يعني نفسه (1/405)
وعن جرير رجل من بجيلة قال قال عبد الله وددت أني إذ مت لم أبعث
وعن الحسن قال قال عبد الله بن مسعود لو وقفت بين الجنة والنار فقيل لي اختر نخيرك من أيهما تكون أحب إليك أو تكون رمادا لأحببت أن أكون رمادا
وعن أبي وائل قال قال عبد الله وددت أن الله غفر لي ذنبا من ذنوبي وأنه لا يعرف نسبي
وعن زيد بن وهب أن عبد الله بكى حتى رأيته أخذ بكفه من دموعه فقال به هكذا
ذكر تواضعه عن حبيب بن أبي ثابت قال خرج ابن مسعود ذات يوم فاتبعه ناس
فقال لهم ألكم حاجة قالوا لا ولكن أردنا أن نمشي معك قال ارجعوا فانه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع
وعن الحارث بن سويد قال قال عبدالله لو تعلمون ما أعلم (1/406)
من نفسي حثيتم على رأسي التراب
ذكر إيثاره ثواب الآخرةعلى شهوات النفس
عن الأحوص الجشمي قال دخلنا على ابن مسعود وعنده بنون له ثلاثة غلمان كأنهم الدنانير حسنا فجعلنا نتعجب من حسنهم فقال لنا كأنكم تغبطوني بهم قلنا والله إي والله بمثل هؤلاء يغبط المرء المسلم فرفع رأسه إلى سقف بيت له صغير قد عشش فيه خطاف وباض فقال والذي نفسي بيده لأن أكون قد نفضت يدي عن تراب قبورهم أحب إلي أن يسقط عش هذا الخطاف وينكسر بيضه
وعن قيس بن جبير قال قال عبد الله حبذا المكروهان الموت والفقر وايم الله إن هو إلا الغنى والفقر وما أبالي بأيهما بليت إن حق الله في كل واحد منهما واجب وإن كان الغنى إن فيه للعطف وإن كان الفقر إن فيه للصبر (1/407)
وعن الحسن قال قال عبد الله بن مسعود ما أبالي إذا رجعت إلى أهلي على أي حال أراهم بخير أو بشر أم بضر وما أصبحت على حالة فتمنيت أني على سواها
ذكر جملة من مناقبهوكلامه رضي الله عنه
عن عبد الله بن مرداس قال كان عبد الله يخطبنا كل خميس فيتكلم بكلمات فيسكت حين يسكت ونحن يشتهي أن يزيدنا
وعن عبد الله بن الوليد قال سمعت عبد الرحمن بن حجيرة يحدث عن أبيه عن ابن مسعود أنه كان يقول إذا قعد يذكر إنكم في ممر من الليل والنهار في آجال منقوضة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة فمن زرع خيرا فيوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع (1/408)
لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريض ما لم يقدر له فان أعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي شرا فالله وقاه المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالسهم زيادة رواه الإمام أحمد
وعن أبي الأحوص عن عبد الله أنه كان يوم الخميس قائما فيقول إنما هما اثنتان الهدى والكلام وأفضل الكلام كلام الله وأفضل الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم وشر الأمور محدثاتها وإن كل محدثة بدعة فلا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل فان كل ما هو آت قريب ألا وإن بعيدا ما ليس آتيا ألا وإن الشقي من شقي في بطن أمه وإن السعيد من وعظ بغيره ألا وان قتال المسلم كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام حتى يسلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويعوده إذا مرض ألا وإن شر الروايا روايا الكذب ألا وإن الكذب لا يصلح منه هزل ولا جد ولا أن يعد الرجل صبيه شيئا ثم لا ينجزه له ألا (1/409)
وان الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وان الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة ألا وأنه يقال للصادق صدق وبر ويقال للفاجر كذب وفجر ألا وأن محمدا صلى الله عليه و سلم حدثنا أن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله عز و جل صديقا ويكذب حتى يكتب عند الله عز و جل كذابا ألا وهل أنبئكم ما العضه هي قيل وقال وهي النميمة التي تفسد بين الناس
وعن عبد الرحمن بن عابس قال قال عبد الله بن مسعود إن أصدق الحديث كتاب الله عز و جل وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم وأحسن السنن سنة محمد صلى الله عليه و سلم (1/410)
وخير الهدي هدي الأنبياء وأشرف الحديث ذكر الله وخير القصص القرآن وخير الأمور عواقبها وشر الأمور محدثاتها وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ونفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها وشر المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة ندامة يوم القيامة وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى وخير ما ألقي في القلب اليقين والريب من الكفر وشر العمى عمى القلب والخمر جماع الإثم والنساء حبالة الشيطان والشباب شعبة من الجنون والنوح من عمل الجاهلية ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا ولا يذكر الله إلا هجرا وأعظم الخطايا الكذب وسباب المسلم فسوق وقتاله كفر (1/411)
وحرمة ما له كحرمة دمه ومن يعف يعف الله عنه ومن يكظم الغيظ يأجره الله ومن يغفر يغفر الله له ومن يصبر على الرزية يعقبه الله وشر المكاسب كسب الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه وإنما يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه وإنما يصير إلى أربعة أذرع والأمر إلى آخرة وملاك العمل خواتمه وشر الروايا روايا الكذب وأشرف الموت قتل الشهداء ومن يعرف البلاء يصبر عليه ومن لا يعرفه ينكره ومن يستكبر يضعه الله ومن يتول الدنيا تعجز عنه ومن يطع الشيطان يعص الله ومن يعص الله يعذبه
وعن المسيب بن رافع عن عبد الله بن مسعود قال ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس فرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخلطون وبخشوعه إذا الناس يختالون وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيا محزونا حليما حكيما سكيتا ولا ينبغي (1/412)
لحامل القرآن أن يكون جافيا ولا غافلا ولا سخابا ولا صياحا ولا حديدا رواه الإمام أحمد
وعن الأعمش قال كان عبد الله يقول لإخوانه أنتم جلاء قلبي
وعن أبي إياس البجلي قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول من تطاول تعظما حفضه الله ومن تواضع تخشعا رفعه الله وإن للملك لمة وللشيطان لمة فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق فإذا رأيتم ذلك فاحمدوا الله عز و جل ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق فاذا رأيتم ذلك فتعوذوا بالله
وعن عمران بن أبي الجعد عن عبد الله قال إن الناس قد قد أحسنوا القول فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه ومن لا يوافق قوله فعله فذاك الذي يوبخ نفسه (1/413)
وعن خيثمة قال قال عبد الله لا ألفين أحدكم جيفة ليل قطرب نهار
وعن المسيب بن رافع قال قال عبد الله بن مسعود إني لأبغض الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا في عمل الآخرة رواه الإمام أحمد
وروى أيضا عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال من لم تأمره الصلاة بالمعروف وتنهه عن المنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا
وروى عن عمر بن ميمون عن ابن سعود قال إن الشيطان أطاف بأهل مجلس ذكر ليفتنهم فلم يستطع أن يفرق بينهم فأتى على حلقة يذكرون الدنيا فأغرى بينهم حتى اقتتلوا فقام أهل الذكر (1/414)
فحجزوا بينهم فتفرقوا
وعن موسى بن أبي عيسي المزني قال قال عبد الله بن مسعود من اليقين أن لا يرضى الناس بسخط الله ولا تحمدن أحدا على رزق الله ولا تلومن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن رزق الله لا يسوقه حرص الحريص ولا يرده كره الكاره وإن الله بقسطه وحكمه وعدله وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط
وعن مرة عن عبد الله قال ما دمت في صلاة فأنت تقرع باب الملك ومن يقرع باب الملك يفتح له
وعن القاسم بن عبد الرحمن والحسن بن سعد قالا قال عبد الله إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها رواه الإمام أحمد
وعن إبراهيم بن عيسى عن عبد الله بن مسعود قال كونوا (1/415)
ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جدد القلوب خلقان الثياب تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض
وعن مسروق قال قال عبد الله إذا أصبحتم صياما فأصبحوا مدهنين رواه الإمام أحمد
وروى عن أبي وائل قال قال عبد الله أنذرتكم بلوغ القول بحسب أحدكم ما أبلغ حاجته
وعن معن قال قال عبد الله بن مسعود إن للقلوب شهوة وإقبالا وإن للقلوب فترة وادبارا فاغتنموها عند شهوتها واقبالها ودعوها عند فترتها وإدبارها
وعن عون بن عبد الله قال قال عبد الله ليس العلم بكثرة (1/416)
الرواية ولكن العلم الخشية
وعن منذر قال جاء ناس من الدهاقين إلى عبد الله ابن مسعود فتعجب الناس من غلظ رقابهم وصحتهم فقال عبد الله انكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضه قلبا وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضه جسما وايم الله لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان
وعن عوف بن عبد الله قال قال عبد الله بن مسعود لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحل بذروته حتى يكون الفقر أحب إليه من الغنى والتواضع أحب إليه من الشرف وحتى يكون حامده وذامه عنده سواء قال ففسرها أصحاب عبد الله قالوا حتى يكون الفقر في الحلال أحب إليه من الغنى في الحرام والتواضع في طاعة الله أحب إليه من الشرف في معصية الله وحتى يكون حامده وذامه عنده في الحق سواء رواه الإمام أحمد (1/417)
وعن طارق بن شهاب عن عبد الله قال إن الرجل يخرج من بيته ومعه دينه فيرجع وما معه منه شيء يأتي الرجل لا يملك له ولا لنفسه ضرا ولا نفعا فيقسم له بالله إنك لذيت وذيت فيرجع وما حبي من حاجته بشيء ويسخط الله عليه
وعن إبراهيم قال قال عبد الله لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا
وعن أبي الأحوص قال قال عبد الله بن مسعود الإثم حواز القلوب وما كان من نظرة فإن للشيطان فيها مطمعا
وعنه عن عبد الله قال مع كل فرحة ترحة وما ملىء بيت حبرة إلا ملىء عبرة رواه أحمد
وعن الضحاك بن مزاحم قال قال عبد الله ما منكم إلا (1/418)
ضيف وما له عارية فالضيف مرتحل والعارية مؤداة إلى أهلها
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال أتاه رجل فقال يا أبا عبد الرحمن علمني كلمات جوامع نوافع فقال له عبد الله لاتشرك به شيئا وزل مع القرآن حيث زال ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا ومن جاءك بالباطل فاردده عليه وإن كان حبيبا قريبا
وعن مالك بن مغول قال قال عبد الله بن مسعود يكون في آخر الزمان أقوام أفضل أعمالها التلاوم بينهم يسمون الإنتان
وعن خيثمة قال قال عبد الله إذا أحب الرجل أن ينصف من نفسه فليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه
وروى أيضا عن خيثمة قال قال عبد الله الحق ثقيل (1/419)
مريء والباطل خفيف وبيء ورب شهوة تورث حزنا طويلا
وعن عنبس بن عقبة قال قال عبد الله بن مسعود والله الذي لا إله إلا هو ما على وجه الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال إذا ظهر الزنا والربا في قرية أذن بهلاكها
وعن أبي عبيدة قال قال عبد الله من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث لا تأكله السوس ولا يناله السراق فليفعل فإن قلب الرجل مع كنزه
وعن القاسم قال قال رجل لعبد الله أوصني يا أبا عبد الرحمن قال ليسعك بيتك واكفف لسانك وابك على ذكر خطيئتك
وعن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال أنتم أطول صلاة وأكثر اجتهادا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وهم كانوا أفضل منكم قيل له بأي شيء قال إنهم كانوا أزهد في الدنيا وأرغب في (1/420)
الآخرة منكم
وعن زاذان عن عبد الله بن مسعود قال يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له أد أمانتك فيقول من أين يا رب قد ذهبت الدنيا فتمثل على هيئتها يوم أخذها في قعر جهنم فينزل فيأخذها فيضعها على عاتقه فيصعد بها حتى إذا ظن أنه خارج بها هوت وهوى في إثرها أبد الآبدين
وعن أبي الأحوص عن عبد الله قال لا يقلدن أحدكم دينه رجلا فإن آمن آمن وإن كفر كفر وإن كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله لا تكونن إمعة قالوا وما الإمعة قال يقول أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت ألا ليوطنن أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس أن لا يكفر
وعن سليمان بن مهران قال بينما ابن مسعود يوما معه نفر من (1/421)
أصحابه إذ مر أعرابي فقال على ما اجتمع هؤلاء فقال ابن مسعود على ميراث محمد صلى الله عليه و سلم يقتسمونه
وعن خيثم بن عمرو أن ابن مسعود أوصى أن يكفن في حلة بمائتي درهم
وقد سبق ذكر وفاته وموضع دفنه في أول أخباره (1/422)
المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك
كان حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري في الجاهلية فتبناه فكان يقال له المقداد بن الأسود فلما نزل قوله تعالى أدعوهم لآبائهم قيل المقداد بن عمرو
وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه و سلم وكان طويلا آدم ذا بطن كثير شعر الرأس أعين مقرون الحاجبين أقنى يضفر لحيته
وعن القاسم بن عبد الرحمن قال أول من عدا به فرسه في سبيل الله المقداد بن الأسود
وقال علي عليه السلام ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد
وعن طارق بن شهاب قال قال عبد الله لقد شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل (1/423)
به أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو يدعو على المشركين فقال والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم أشرق وجهه وسره ذلك رواه الإمام أحمد
وعن أنس قال بعث النبي صلى الله عليه و سلم المقداد على سرية فلما قدم قال له أبا معبد كيف وجدت الإمارة قال كنت أحمل وأوضع حتى رأيت أن لي على القوم فضلا قال هو ذاك فخذ أودع قال والذي بعثك بالحق لا أتأمر على اثنين أبدا
وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد يوما فمر به رجل فقال طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه و سلم والله لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت فاستغضب فجعلت أعجب ما قال إلا خيرا ثم أقبل إليه فقال ما يحمل (1/424)
الرجل على أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه ما يدري لو شهده كيف كان يكون فيه والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه و سلم أقوام كبهم الله على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه ولم يصدقوه أولا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم ولقد كفيتم البلاء بغيركم والله لقد بعث النبي صلى الله عليه و سلم على أشد حال بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل وفرق بين الوالد وولده إن كان الرجل ليرى والده وأخاه كافرا وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان يعلم أنه إن هلك دخل النار فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار وأنها للتي قال الله عز و جل والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين (1/425)
ذكر وفاته رضي الله عنه
قال أهل السير شرب المقداد دهن الخروع فمات وذلك بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالبقيع وصلى عليه عثمان وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن سبعين سنة أو نحوها (1/426)
خباب بن الأرت بن جندلة
يكنى أبا عبد الله أصابه سباء فبيع بمكة واشترته أم أنمار وأسلم خباب قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وقيل كان سادس ستة الإسلام له سدس الإسلام
وعن طارق بن شهاب قال جاء خبابا نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم فقالوا أبشر يا أبا عبد الله إخوانك تقدم عليهم غدا فبكى وقال أما إنه ليس بي جزع ولكن ذكرتموني أقواما وسميتم لي إخوانا وإن أولئك مضوا بأجورهم كما هي وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم
وعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال دخلنا على خباب بن الأرت في مرضه فقال إن في هذا التابوت ثمانين ألف درهم والله ما شددت لها من خيط ولا منعتها من سائل ثم بكى فقيل ما (1/427)
يبكيك فقال أبكي أن أصحابي مضوا ولم تنقصهم الدنيا شيئا وإنا بقينا بعدهم حتى ما نجد موضعا إلا التراب
وعن قيس بن أبي حازم قال أتينا خباب بن الأرت نعوده وقد اكتوى في بطنه سبعا فقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به فقد طال مرضي ثم قال إن أصحابنا الذين مضوا لم تنقصهم الدنيا شيئا وإنا أعطينا بعدهم مالا نجد له موضعا إلا التراب وشكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو متوسد بردا له في ظل الكعبة فقلنا يا رسول الله ألا تستنصر الله لنا فجلس محمرا وجهه فقال والله لقد كان من قبلكم يؤخذ فتجعل المناشير على رأسه فيفرق فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت لا يخاف إلا الله تبارك وتعالى والذئب على غنمه أخرجاه في الصحيحين
وعن طارق بن شهاب قال كان خباب من المهاجرين الأولين وكان ممن يعذب في الله عز و جل (1/428)
وعن الشعبي قال سأل عمر خبابا عما لقي من المشركين فقال خباب يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري فقال عمر ما رأيت كاليوم قال أوقدوا لي نارا فما أطفأها إلا ودك ظهري
ذكر وفاته رضي الله عنه
توفي خباب بالكوفة سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وصلى عليه علي بن أبي طالب حين منصرفه من صفين وهو أول من قبر بظهر الكوفة (1/429)
صهيب بن سنان ابن مالك بن النمر بن قاسط
سبي وهو غلام فنشأ بالروم فابتاعته منهم كلب فقدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان فأعتقه وأسلم قديما وكان من المستضعفين المعذبين في الله تعالى ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو من السابقين الأولين وهو سابق الروم وأمره عمر أن يصلي بالناس في زمن الشورى فقدموه فصلى على عمر وكان أحمر شديد الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير كثير شعر الرأس يخضب بالحناء
عن سعيد بن المسيب قال لما أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه و سلم وتبعه نفر من قريش نزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضرب بسيفي (1/430)
ما بقي في يدي منه شيء افعلوا ما شئتم وإن شئتم دللتكم على مالي وثيابي بمكة وخليتم سبيلي قالوا نعم فلما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة قال ربح البيع أبا يحيى ربح البيع أبا يحيى ونزلت ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله الآية
وعن صهيب قال لم يشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم مشهدا قط إلا كنت حاضره ولم يبايع بيعة إلا كنت حاضرها ولم يسر سرية قط إلا كنت حاضرها ولا غزا غزاة قط أول الزمان وآخره إلا كنت فيها عن يمينه أو عن شماله وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامهم ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم وما جعلت رسول الله صلى الله عليه و سلم بيني وبين العدو قط حتى توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم
ذكر وفاته رضي الله عنه
توفي صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثون وهو ابن سبعين سنة (1/431)
عامر بن فهيره مولى أبي بكر رضي الله عنهما
يكنى أبا عمر واشتراه أبو بكر وأعتقه قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم فكان من المستضعفين يعذب بمكة ليرجع عن دينه وشهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة سنة أربع من الهجرة وهو ابن أربعين سنة
قال العلماء بالسير طعنة جبار بن سلمى فأنفذه فقال عامر فزت والله جبار أما قوله فزت والله قالوا بالجنة فأسلم جبار ولم يوجد عامر قال عروة بن الزبير يرون أن الملائكة دفنته
روى البخاري عن عائشة قالت لحق رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر بغار في جبل فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ويدلج من عندهما بسحر ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من (1/432)
العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما حتى ينعق بها عامر ابن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث
وعن عائشة قالت لم يكن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين هاجر من مكة إلى المدينة إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة ورجل من بني الديل دليلهم
وعن الزهري قال أخبرني ابن كعب بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني سليم نفرا فيهم عامر بن فهيرة فاستجاش عليهم عامر بن الطفيل فأدركوهم ببئر معونة فقتلوهم قال الزهري فبلغني أنهم التمسوا جسد عامر بن فهيرة فلم يقدروا عليه قال فيرون أن الملائكة دفنته
وعن عروة أن عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه قالوا هو عامر بن فهيرة (1/433)
بلال بن رباح مولى أبي بكر
اسم أمه حمامة أسلم قديما فعذبه قومه وجعلوا يقولون له ربك اللات والعزى وهو يقول أحد أحد فأتى عليه أبو بكر فاشتراه بسبع أواق وقيل بخمس فأعتقه فشهد بدر وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه و سلم كان يؤذن له حضرا وسفرا وكان خازنه على بيت ماله وكان آدم شديد الأدمة نحيفا طوالا أجنأ له شعر كثير خفيف العارضين به شمط كثير لا يغيره
عن مجاهد قال إن أول من أظهر الإسلام سبعة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وبلال وصهيب وخباب وعمار وسمية أم عمار فأما رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنعه عمه وأما أبو بكر فمنعه قومه وأخذ الآخرون فألبسوهم أدراع الحديد ثم صهروهم في الشمس حتى (1/434)
بلغ الجهد منهم ما بلغ فأعطوهم ما سألوا فجاء إلى كل رجل منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء وألقوهم فيه وحملوا بجوانبه إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله حتى ملوه وجعلوا في عنقه حبلا ثم أمروا صبيانهم أن يشتدوا به بين أخشبي مكة فجعل بلال يقول أحد أحد وقد روي هذا عن ابن مسعود إلا أنه جعل مكان خباب المقداد
عن زر بن حبيش عن عبد الله قال كان أول من أظهر إسلامه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم إنسان إلا (1/435)
وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله عز و جل وهان على قومه فأعطوه الولدان فأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول أحد أحد رواه الإمام أحمد
وعن عروة بن الزبير عن أبيه قال كان ورقة بن نوفل يمر ببلال وهو يعذب وهو يقول أحد أحد فيقول أحد أحد الله يا بلال ثم أقبل ورقة على أمية بن خلف وهو يصنع ذلك ببلال فيقول أحلف بالله عز و جل إن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانا حتى مر به أبو بكر الصديق يوما وهم يصنعون ذلك به فقال لأمية ألا تتقي الله عز و جل في هذا المسكين حتى متى قال أنت أفسدته فأنقذه عما ترى قال أبو بكر أفعل عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به قال قد قبلت قال هو لك فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك فأخذ أبو بكر بلالا فأعتقه ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر من مكة ست (1/436)
رقاب بلال سابعهم
قال محمد بن إسحاق وكان أمية يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول وهو في ذلك البلاء أحد أحد
وعن جابر بن عبد الله قال قال عمر رضي الله عنه كان أبو بكر سيدنا وأعتق بلالا سيدنا
وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا سابق الحبشة
عن القاسم بن عبد الرحمن قال أول من أذن بلال
وعن أبي عبد الله الهوزني قال لقيت بلالا فقلت يا بلال حدثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ما كان له شيء كنت أنا الذي ألي له ذلك منذ بعثه الله عز و جل حتى توفي وكان (1/437)
إذا أتاه الرجل المسلم فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض وأشتري البردة فأكسوه وأطعمه
وعن عبد الله قال دخل النبي صلى الله عليه و سلم على بلال وعنده صبرة من تمر قال ما هذا يا بلال قال يا رسول الله ادخرته لك ولضيفانك فقال أما تخشى أن يكون له بخار في النار أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا
وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أتت علي ثلاثون ما بين ليلة ويوم مالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال رواه الترمذي
وعن عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي يقول أصبح النبي (1/438)
صلى الله عليه و سلم فدعا بلالا فقال يا بلال بم سبقتني إلى الجنة ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي إني دخلت البارحة فسمعت خشخشتك قال ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا
قال محمد بن إبراهيم التيمي لما توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقبر فكان إذا قال أشهد أن محمدا رسول الله انتحب الناس في المسجد فلما دفن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له أبو بكر أذن يا بلال فقال إن كنت إنما أعتقتني لأكون معك فسبيل ذلك وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له فقال ما أعتقتك إلا لله قال فإني لاأؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فذاك إليك قال فقام حتى خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتى انتهى إليها
وعن سعيد بن المسيب قال لما كانت خلافة أبي بكر تجهز (1/439)
بلال ليخرج إلى الشام فقال له أبو بكر ما كنت أراك يا بلال تدعنا على هذا الحال لو أقمت معنا فأعنتنا قال إن كنت إنما أعتقتني لله عز و جل فدعني أذهب إليه وإن كنت إنما أعتقتني لنفسك فاحبسني عندك فأذن له فخرج إلى الشام فمات بها
قال الشيخ رحمه الله وقد اختلف أهل السير أين مات فقال بعضهم مات بدمشق وقال بعضهم مات بحلب سنة عشرين وقيل سنة ثمان عشرة وهو ابن بضع وستين سنة رحمه الله (1/440)
أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته أم سلمة
وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف أول من قدم علينا المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم للهجرة أبو سلمة
وشهد أبو سلمة بدرا وجرح بأحد فمكث شهرا يداوي جراحه ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم في سرية فلما قدم انتفض جرحه ثم توفي فحضره رسول الله صلى الله عليه و سلم عند وفاته أو أغمضه بيده
توفي في سنة ثلاث من الهجرة (1/441)
الأرقم بن أبي الأرقم بن أسد
يكنى أبا عبد الله أسلم بعد ستة نفر وكانت داره على الصفا بمكة وفيها استتر رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعا الناس فيها إلى الإسلام وتصدق بها الأرقم على ولده فلم يزل المنصور يرغب ولده في المال حتى باعوه إياها ثم أعطاها المهدي الخيزران
وشهد الأرقم بدرا وأحدا والمشاهد كلها وتوفي ابن بضع وثمانين سنة في سنة خمس وخمسين بالمدينة وصلى عليه سعد بن أبي وقاص 27 عمار بن ياسر بن عمار بن مالك
وأمه سمية أسلم قديما وكان من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ليرجعوا عن دينهم أحرقه المشركون بالنار وشهد بدرا ولم يشهدها إبن مؤمنين غيره وشهد أحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وسماه الطيب المطيب (1/442)
عن عمرو بن ميمون قال أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يمر به ويمر يده على رأسه ويقول يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم عليه السلام
وعن عثمان بن عفان قال أقبلت أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم آخذ بيدي نتماشى في البطحاء حتى أتينا على أبي عمار وعمار وأمه وهم يعذبون فقال ياسر الدهر هكذا فقال له النبي صلى الله عليه و سلم اصبر اللهم اغفر لآل ياسر قال وقد فعلت
عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار قال أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر آلهتهم بخير فلما أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما وراءك قال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف تجد قلبك قال أجد قلبي مطمئنا بالإيمان قال فإن عادوا فعد (1/443)
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن عمارا ملىء إيمانا من قرنه إلى قدمه
وعن علي قال جاء عمار يستأذن على النبي صلى الله عليه و سلم فقال ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب رواه أحمد
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح
وعن خالد بن سمير قال كان عمار بن ياسر طويل الصمت طويل الحزن والكآبة وكان عامة كلامه عائذا بالله من فتنة رواه أحمد
وعن عامر قال سئل عمار عن مسألة فقال هل كان هذا بعد قالوا لا قال فدعونا حتى يكون فإذا كان تجشمناها لكم (1/444)
وعن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار Hبن ياسر أنه قال وهو يسير إلى صفين إلى جنب الفرات اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلت ولو أعلم أنه أرضى لك عني أن ألقي نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك وأنا أرجو أن لا تخيبني وأنا أريد وجهك
وعن عبد الله بن سلمة قال رأيت عمار بن ياسر يوم صفين شيخا آدم في يده الحربة وإنها لترعد فنظر إلي عمرو بن العاصي معه الراية فقال إن هذه الراية قد قاتتها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات وهذه الرابعة والله لو ضربونا حتى يبلغونا شعاف هجر لعرفت أن صاحبنا على الحق وأنهم على الضلالة
وعن أبي سنان الدؤلي صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رأيت (1/445)
عمار بن ياسر دعا بشراب فأتي بقدح من لبن فشرب منه ثم قال صدق الله ورسوله اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن آخر شيء يرويه من الدنيا صبحة لبن ثم قال والله لو هزمونا حتى يبلغونا شعاف هجر لعلمنا أنا على حق وأنهم على باطل
قال أهل السير قتل عمار بصفين مع علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قتله أبو الغادية ودفن هناك في سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وقيل أربع وتسعين سنة (1/446)
زيد بن الخطاب أخو عمر رضي الله عنه
يكنى أبا عبد الرحمن كان أسن من أخيه عمر وأسلم قبل عمر وكان طوالا أسمر شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن ابن عمر قال قال عمر بن الخطاب لأخيه زيد يوم أحد أقسمت عليك إلا لبست درعي فلبسها ثم نزعها فقال له عمر مالك فقال إني أريد بنفسي ما تريد بنفسك
وعنه قال قال عمر لأخيه زيد يوم أحد خذ درعي قال إني أريد الشهادة كما تريد فتركاها جميعا
وعن الجحاف بن عبد الرحمن من ولد زيد بن الخطاب عن أبيه قال كان زيد بن الخطاب يحمل راية المسلمين يوم اليمامة وقد انكشف المسلمون حتى غلبت بنو حنيفة عن الرحال فجعل زيد يقول أما الرحال فلا رحال وأما الفرار فلا فرار ثم جعل يصيح بأعلى (1/447)
صوته اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة وجعل يشتد بالراية ينفذ بها في نحر العدو ثم ضارب بسيفه حتى قتل ووقعت الراية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة فقال المسلمون يا سالم إنا نخاف أن نؤتى من قبلك فقال بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي (1/448)
عامر بن ربيعة بن مالك
أسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين جميعا ولم يقدم إلى المدينة للهجرة قبله غير أبي سلمة وشهد بدرا والمشاهد كلها
عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال قام عامر بن ربيعة يصلي من الليل وذلك حين نشب الناس في الطعن على عثمان فصلى من الليل ثم نام فأتي في المنام فقيل له قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالح عباده فقام فصلى ثم اشتكى فما خرج إلا على جنازة
قال ابن سعد قال الواقدي كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام وكان قد لزم بيته فلم يشعر الناس إلا بجنازته قد أخرجت رضي الله عنه 30 عثمان بن مظعون
ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح يكنى أبا السائب (1/449)
أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه و سلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين وحرم الخمر في الجاهلية وقال لا أشرب شيئا يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد
وشهد بدرا وكان متعبدا توفي في شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة وقبل النبي صلى الله عليه و سلم خده وسماه السلف الصالح وهو أول من قبر بالبقيع وكان له من الولد عبد الله والسائب أمهما خولة بنت حكيم
عن عثمان قال لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة قال والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من الأذى والبلاء مالا يصيبني لنقص كبير في نفسي فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له يا أبا عبد شمس وفت ذمتك قد رددت إليك جوارك قال لم يابن أخي لعله آذاك أحد من قومي قال لا ولكني أرضى بجوار الله عز و جل ولا أريد أن أستجير بغيره قال فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية كما أجرتك علانية (1/450)
قال فانطلقنا ثم خرجنا حتى أتينا المسجد فقال لهم الوليد هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري قال قد صدق وقد وجدته وفيا كريم الجوار ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة في مجلس من مجالس قريش ينشدهم فجلس معهم عثمان فقال لبيد وهو ينشدهم
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ...
فقال عثمان صدقت فقال
وكل نعيم لا محالة زائل ...
فقال عثمان كذبت نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد يا معشر قريش والله ما كان يؤذى جليسكم فمتى حدث فيكم هذا فقال رجل من القوم إن هذا سفيه من سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله فرد عليه عثمان حتى شري (1/451)
أمرهما فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ فقال أما والله يابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية لقد كنت في ذمة منيعة فقال عثمان بلى والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى ما أصاب أختها في الله وإني في جوار من هو أعز منك وأقدر
وعن عائشة قالت دخلت علي امرأة عثمان بن مظعون وهي باذة الهيئة فسألتها عن ذلك فقالت زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فدخل النبي صلى الله عليه و سلم فذكرت ذلك له فلقي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا أفما لك في أسوة فوالله إن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأنا
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت قال فرأيت دموع رسول الله صلى الله عليه و سلم تسيل على خد (1/452)
عثمان بن مظعون
وعن خارجة بن زيد الأنصاري أن أم العلاء امرأة من نسائهم قد بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة قالت فطار لنا عثمان بن مظعون فاشتكى فمرضناه حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال لي النبي صلى الله عليه و سلم وما يدريك أن الله أكرمه فقلت لاأدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما عثمان فقد جاءه والله اليقين إني لأرجو له الخير والله ما أدري وإني رسول الله ما يفعل بي قالت فوالله لاأزكي أحدا بعده أبدا فأحزنني ذلك قالت فنمت فأريت لعثمان عينا تجري فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته (1/453)
فقال ذلك عمله انفرد بإخراجه البخاري 31 عبدالله بن سهيل بن عمرو
هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية فلما قدم مكة أخذه أبوه فأوثقه وفتنه
قال ابن سعد قال محمد بن عمر بن عطاء خرج عبد الله ابن سهيل إلى نفير بدر مع المشركين مع أبيه سهيل ولا يشك أبوه أنه قد رجع إلى دينه فلما التقوا انحاز عبد الله إلى المسلم حتى جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل القتال فشهد بدرا مسلما وهو ابن سبع وعشرين فغاظ ذلك أباه غيظا شديدا
قال عبد الله فجعل الله لي وله في ذلك خيرا كثيرا
قال ابن سعد وشهد عبد الله أحدا والخندق والمشاهد كلها وقتل باليمامة شهيدا وهو ابن ثمان وثلاثين سنة فلما حج أبو بكر (1/454)
في خلافته أتاه سهيل بن عمرو فعزاه أبو بكر بعبد الله فقال سهيل لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يشفع الشهيد لسبعين من أهله فأنا أرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي 32 سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس
إبن زيد بن عبد الأشهل يكنى أبا عمرو وأمه كبشة بنت رافع من المبايعات أسلم سعد على يد مصعب بن عمير فأسلم بإسلامه بذو عبد الأشهل وهي أول دار أسلمت من الأنصار وشهد بدرا وأحدا وثبت مع النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ ورمي يوم الخندق ثم انفجر كلمه بعد ذلك فمات في شوال سنة خمس من الهجرة وهو ابن سبع وثلاثين سنة وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ودفن بالبقيع وله من الولد عبد الله وعمرو
عن عائشة قالت خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس فسمعت وئيد الأرض من ورائي فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن (1/455)
أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة قالت فجلست إلى الأرض قالت فمر سعد وهو يرتجز
لبث قليلا يدرك الهيجا حمل ... ما أحسن الموت إذا جاء الأجل
قالت وعليه درع قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد وكان سعد من أطول الناس وأعظمهم قالت فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين وفيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه تسبغة له تعني المغفر قالت فقال لي عمر ما جاء بك والله إنك لجريئة وما يؤمنك أن يكون تحوز أو بلاء قالت فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها
قالت فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله قالت فقال ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين (1/456)
التحوز والفرار إلا إلى الله
قالت ويرمي سعدا رجل من المشركين يقال له ابن العرقة بسهم خذها فقال خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فدعا الله سعد فقال اللهم لاتمتني حتى تشفيني من قريظة وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية
قال فرقأ كلمه وبعث الله الريح على المشركين وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا
فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ولحق عيينة ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ورجع رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد بن معاذ في المسجد قال فجاءه جبريل وعلى ثناياه النقع فقال أو قد وضعتم (1/457)
السلاح فوالله ما وضعت الملائكة السلاح بعد أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم قالت فلبس رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل
قالت فأتاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء عليهم قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح فقالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى سعد بن معاذ فحمل على حمار على إكاف من ليف فحف به قومه فجعلوا يقولون يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك ومن قد علمت ولا يرجع إليهم شيئا حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال قد آن لي أن لا أبالي في الله لومة لائم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أحكم فيهم قال فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم وتقسم أموالهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد حكمت فيهم بحكم الله وبحكم رسوله (1/458)
قالت ثم دعا الله عز و جل سعد فقال اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك قالت فانفجر كلمه وقد كان برأ قالت فحضره رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي قال فقلت فكيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصنع قالت كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته
وعن الحسن قال لما مات سعد بن معاذ وكان رجلا جسيما جزلا جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون لم نر كاليوم رجلا أخف قالوا أتدرون لم ذلك لحكمه في بني قريظة فذكر للنبي صلى الله عليه و سلم فقال والذي نفسي بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره
عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال اهتز عرش الرحمن لموت (1/459)
سعد بن معاذ أخرجاه في الصحيحين
وعن البراء أن النبي صلى الله عليه و سلم أتي بثوب حرير فجعلوا يتعجبون من حسنه ولينه فقال لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل أو خير من هذا أخرجاه في الصحيحين 33 عاصم بن ثابت بن قيس
يكنى أبا سليمان شهد بدرا وأحدا وثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ حين ولى الناس وبايعه على الموت
وكان من الرماة المذكورين وقتل يوم أحد من أصحاب لواء المشركين مسافعا والحارث فنذرت أمهما سلافة بنت سعد أن تشرب في قحف عاصم الخمر وجعلت لمن جاءها برأسه مائة ناقة
فقدم ناس من هذيل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألوه أن يوجه معهم من يعلمهم فوجه عاصما في جماعة فقال لهم المشركون استأسروا (1/460)
فإنا لا نريد قتلكم وإنما نريد أن ندخلكم مكة فنصيب بكم ثمنا فقال عاصم لاأقبل جوار مشرك وجعل يقاتلهم حتى فنيت نبله ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه فقال اللهم إني حميت دينك أول النهار فاحم لحمي آخره فجرح رجلين وقتل واحدا وقتلوه فأرادوا أن يحتزوا رأسه فبعث الله الدبر فحمته ثم بعث الله إليه سبيلا في الليل فحمله وذلك يوم الرجيع هكذا رواه محمد بن سعد
وعن بريدة بن سفيان الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث عاصم بن ثابت وزيد بن الدثنه وخبيب بن عدي ومرثد بن أبي مرثد إلى بني لحيان بالرجيع فقاتلوهم حتى أخذوا أمانا لأنفسهم إلا عاصما فإنه أبى وقال لا أقبل اليوم عهدا من مشرك ودعا عند ذلك فقال اللهم إني أحمي لك دينك فاحم لي لحمي فجعل يقاتل وهو يقول (1/461)
ما علتي وأنا جلد نابل ... والقوس فيها وتر عنابل
إن لم أقاتلهم فأمي هابل ... الموت حتى والحياة باطل
وكل ما حم الإله نازل ... بالمرء والمرء إليه آئل
قال فلما قتلوه قال بعضهم لبعض هذا الذي آلت فيه المكية وهي سلافة فأرادوا أن يحتزوا رأسه ليذهبوا به إليها فبعث الله عز و جل رجلا من دبر فلم يستطيعوا أن يحتزوا رأسه رواه أبو يعلى الأصبهاني 34 أبو الهيثم بن التيهان واسمه مالك
كان يكره الأصنام في الجاهلية ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن (1/462)
زرارة وكانا أول من أسلم من الأنصار الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة ثم شهد العقبة مع السبعين
وهو أحد النقباء الاثني عشر شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنهما 35 قتادة بن النعمان بن زيد
شهد العقبة مع السبعين وكان من الرماة المذكورين وشهد بدرا وأحدا فرميت يومئذ عينه فسالت
عن الهيثم بن عدي عن أبيه قال أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد فأتى النبي صلى الله عليه و سلم وهي في يده فقال ما هذا يا قتادة قال هذا ما ترى يا رسول الله قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن (1/463)
شئت رددتها ودعوت الله لك فلم تفتقد منها شيئا فقال والله يا رسول الله إن الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل ولكني رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يردنني ولكن تردها لي وتسأل الله لي الجنة فقال أفعل يا قتادة ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده فأعادها إلى موضعها فكانت أحسن عينيه إلى أن مات ودعا الله له بالجنة فدخل ابنه على عمر بن عبد العزيز فقال له عمر من أنت يا فتى فقال
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فياحسن ما عين ويا طيب ما يد
فقال عمر بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون ثم قال
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وشهد قتادة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم المشاهد كلها وكانت معه يوم الفتح راية بني ظفر وتوفي سنة ثلاث وعشرين وهو ابن خمس وستين وصلى عليه عمر (1/464)
عبد الله بن طارق بن عمرو بن مالك
شهد بدرا وأحدا وكان فيمن خرج في غزوة الرجيع فأخذه المشركون ليدخلوه مكة مع خبيب فلما كان بمر الظهران قال والله لا أصاحبهم إن لي بهؤلاء أسوة يعني أصحابه الذين قتلوا ونزع يده من رباطه وأخذ سيفه وجعل يشتد فيهم فرموه بالحجارة فقتلوه فقبره بمر الظهران
وكان يوم الرجيع على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة 37 معن بن عدي
شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
محمد بن سعد قال الزهري قال عروة بلغنا أن الناس بكوا على النبي صلى الله عليه و سلم حين مات وقالوا والله لوددنا أنا متنا قبله نخشى أن نفتتن بعده فقال معن لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا (1/465)
أبو عقيل عبد الرحمن بن عبد الله بن ثعلبة
شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقتل يوم اليمامة شهيدا
عن جعفر بن عبد الله بن أسلم قال لما كان يوم اليمامة واصطف الناس كان أول من جرح أبو عقيل رمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل فأخرج السهم ووهن له شقه الأيسر في أول النهار وجر إلى الرحل
فلما حمي القتال وانهزم المسلمون وجاوزوا رحالهم وأبو عقيل واهن من جرحه سمع معن بن عدي يصيح يا للأنصار الله الله والكرة على عدوكم قال عبد الله بن عمر فنهض أبو عقيل يريد قومه فقلت ما تريد ما فيك قتال قال قد نوه المنادي باسمي قال ابن عمر فقلت له إنما يقول يا للأنصار ولا يعني الجرحى قال أبو عقيل أنا من الأنصار وأنا أجيبه ولو حبوا قال ابن عمر فتحزم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى ثم جعل ينادي يا للأنصار كرة كيوم حنين فاجتمعوا رحمكم الله جميعا (1/466)
تقدموا فالمسلمون دريئة دون عدوهم حتى أقحموا عدوهم الحديقة فاختطلوا واختلفت السيوف بيننا وبينهم
قال ابن عمر فنظرت إلى أبي عقيل وقد قطعت يده المجروحة من المنكب فوقعت إلى الأرض وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلها قد خلصت إلى مقتل وقتل عدو الله مسيلمة
قال ابن عمر فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق فقلت يا أبا عقيل قال لبيك بلسان ملتاث لمن الدبرة قلت أبشر قد قتل عدو الله فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله ومات يC
قال ابن عمر فأخبرت عمر بعد أن قدمت خبره كله
فقال رحمه الله ما زال يسعى للشهادة ويطلبها وإن كان ما علمت من خيار أصحاب نبينا صلى الله عليه و سلم وقديم إسلامهم رضي الله عنه (1/467)
سعد بن خيثمة بن الحارث
يكنى أبا عبد الله أحد نقباء الأنصار الاثني عشر شهد العقبة الأخيرة مع السبعين ولما ندب رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس إلى غزوة بدر قال له أبوه خيثمة إنه لا بد لأحدنا أن يقيم فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك فأبى سعد وقال لو كان غير الجنة آثرتك به إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا
فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فقتل ببدر أخبرنا بذلك أبو بكر بن أبي طاهر قال أخبرنا الجوهري قال ابنا ابن حيوة قال ابنا ابن معروف قال ابنا ابن الفهم قال ابنا محمد بن سعد رحمه الله ورضي عنه وحشرنا في زمرته وزمرة أصحابه 40 أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري
شهد العقبة مع السبعين ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رحل (1/468)
من قباء إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن أفلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما نزل المدينة نزل على أبي أيوب فنزل النبي صلى الله عليه و سلم أسفل وأبو أيوب في العلو فانتبه أبو أيوب ذات ليلة فقال نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم فتحول فباتوا في جانب فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أسفل أرفق بي فقال أبو أيوب لا أعلو سقيفة أنت تحتها فتحول أبو أيوب في السفل والنبي صلى الله عليه و سلم في العلو
وعن ابن عباس قال لما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يخرج من خيبر قال القوم الآن نعلم أسرية صفية أم امرأة فان كانت امرأة فسيحجبها وإلا فهي سرية فلما خرج أمر بستر فستر دونها فعرف الناس أنها امرأة فلما أرادت أن تركب أدنى فخذه منها لتركب عليها فأبت ووضعت ركبتها على فخذه ثم حملها فلما (1/469)
كان الليل نزل فدخل الفسطاط ودخلت معه وجاء أبو أيوب فبات عند الفسطاط معه السيف واضع رأسه على الفسطاط فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم سمع الحركة فقال من هذا فقال أنا أبو أيوب فقال ما شأنك فقال يا رسول الله جارية شابة حديثة عهد بعرس وقد صنعت بزوجها ما صنعت فلم آمنها قلت إن تحركت كنت قريبا منك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم رحمك الله يا أبا أيوب مرتين
قال الواقدي توفي أبو أيوب عام غزا يزيد بن معاوية القسطنطنية في خلافة أبيه معاوية سنة اثنتين وخمسين وصلى عليه يزيد وقبره بأصل حصن القسطنطنية بأرض الروم فلقد بلغنا أن الروم يتعاهدون قبره ويزورونه ويستسقون به إذا قحطوا 41 حارثة بن النعمان بن نفيع الأنصاري
يكنى أبا عبد الله شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عن محمد بن سعد قال قال حارثة رأيت جبريل مرتين حين (1/470)
خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى بني قريظة مر بنا في صورة دحية ويوم موضع الجنائز حين رجعنا من حنين مررت وهو يكلم النبي صلى الله عليه و سلم فلم أسلم فقال جبريل من هذا قالوا حارثة قال لو سلم لرددنا عليه
قال ابن سعد وقال الواقدي كانت لحارثة منازل قرب منازل النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة فكان كلما أحدث النبي صلى الله عليه و سلم أهلا تحول له حارثة عن منزل بعد منزل حتى قال النبي صلى الله عليه و سلم لقد استحييت من حارثة مما يتحول لنا عن منازله
وتوفي حارثة في خلافة معاوية
عن محمد بن عثمان عن أبيه أن حارثة بن النعمان كان قد كف بصره فجعل خيطا من مصلاه إلى باب حجرته ووضع عنده مكتلا فيه تمر وغير ذلك فكان إذا سلم المسكين أخذ من ذلك التمر ثم أخذ على ذلك الخيط حتى يأخذ إلى باب الحجرة فيناوله (1/471)
المسكين فكان أهل يقولون نحن نكفيك فيقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن مناولة المسكين تقي ميتة السوء
وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نمت فرأيتني في الجنة فسمعت صوت قارىء يقرأ فقلت من هذا قالوا حارثة ابن النعمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم كذاك البر وكان أبر الناس بأمه 42 معاذ بن عفراء
وعفراء أمه نسب إليها وأبوه الحارث بن رفاعة بن الحارث شهد العقبتين وبدرا
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان معاذ بن عفراء لا يدع شيئا إلا تصدق به فلما ولد له استشفعت إليه امرأته بأخواله فكلموه وقالوا له إنك قد أعلت فلو جمعت لولدك قال أبت نفسي إلا أن أستتر بكل شيء أجده من النار (1/472)
فلما مات ترك أرضا إلى جنب أرض لرجل قال عبد الرحمن وعليه ملاءة صفراء ما تساوي ثلاثة دراهم ما يسرني الأرض بملاءتي هذه فامتنع ولي الصبيان فاحتاج إليها جار الأرض فباعها بثلاثمائة ألف
وروي عن عمر بن شبة قال حدثنا وهب بن جرير قال نا أبي قال سمعت محمد بن سيرين يحدث عن أفلح مولى أبي أيوب قال كان عمر يأمر بحلل تنسج لأهل بدر يتنوق فيها فبعث إلى معاذ بن عفراء حلة فقال لي معاذ يا أفلح بع هذه الحلة فبعتها له بألف وخمسمائة درهم ثم قال اذهب فابتع لي بها رقابا
فاشتريت له خمس رقاب ثم قال والله إن امرأ اختار قشرين يلبسهما على خمس رقاب يعتقها لغبين الرأي اذهبوا فأنتم أحرار
فبلغ عمر أنه لا يلبس ما يبعث به إليه فاتخذ له حلة غليظة أنفق (1/473)
عليها مائة درهم فلما أتاه بها الرسول قال ما أراه بعثك بها إلي
قال بلى والله فأخذ الحلة فأتى بها عمر فقال يا أمير المؤمنين بعثت إلي بهذه الحلة قال نعم إن كنا لنبعث إليك بحلة مما نتخذ لك ولإخوانك فبلغني أنك لا تلبسها فقال يا أمير المؤمنين إني وإن كنت لا ألبسها فاني أحب أن يأتيني من صالح ما عندك فأعاد له حلته توفي
معاذ بعد مقتل عثمان رضي الله عنه 43 أبي بن كعب بن قيس بن عبيد
يكنى أبا المنذر شهد العقبة مع السبعين وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان يكتب له الوحي وهو أحد الذين حفظوا القرآن كله على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحد الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يكن بالطويل ولا بالقصير وله من الولد الطفيل ومحمد وأم عمرو
قال عمر بن الخطاب في حقه هذا سيد المسلمين ومات في سنة ثلاثين
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بن كعب إن الله عز و جل أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين (1/474)
كفروا قال وسماني لك قال نعم فبكى أخرجاه في الصحيحين
وعن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني أمرت أن أعرض عليك القرآن فقال بالله آمنت وعلى يدك أسلمت ومنك تعلمت قال فرد النبي صلى الله عليه و سلم القول فقال يا رسول الله وذكرت هناك قال نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى قال فاقرأ إذا يا رسول الله
وقد روى مسلم في أفراده من حديث أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله أعظم قال قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال فضرب في صدري وقال ليهنئك العلم يا أبا المنذر (1/475)
وعن أبي المهلب عن أي بن كعب أنه كان يختم القرآن في كل ثماني ليال وكان تميم الداري يختمه في سبع
وعن عمران بن عبد الله قال قال أبي لعمر ما لك لا تستعملني قال أخاف أن يدنس دينك
وعن أبي العالية عن أبي بن كعب قال عليكم بالسبيل والسنة فانه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار وليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة يبس ورقها فبينما هي كذلك إذ أصابتها الريح فتحات عنها ورقها إلا تحاتت عنه ذنوبه كما تحات عن هذه الشجرة ورقها وإن اقتصاد في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف من سبيل وسنة (1/476)
وعن عبيد بن عمير عن أبي بن كعب قال ما من عبد ترك شيئا لله عز و جل إلا أبدله الله عز و جل به ما هو خير منه من حيث لا يحتسب وما تهاون به عبد فأخذه من حيث لا يصلح إلا أتاه الله عز و جل بما هو أشد عليه منه من حيث لا يحتسب
وعن أبي بن كعب أنه قال يا رسول الله ما جزاء الحمى قال تجري الحسنات على صاحبها ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق فقال أبي بن كعب اللهم إني أسألك حمى لا تمنعني خروجا في سبيلك ولا خروجا إلى بيتك ولا مسجد نبيك قال فلم يمس أبي قط إلا وبه حمى 44 أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود
شهد العقبة مع السبعين وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله وكان من الرماة المذكورين وله من الولد عبد الله وأبو عمير أمهما أم سليم بنت ملحان (1/477)
عن أنس بن مالك قال كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان النبي صلى الله عليه و سلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب
قال أنس فلما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال أبو طلحة يا رسول الله إن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون اللهم إن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة الله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم بخ وذاك مال رابح ذاك مال رابح وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله قال فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه أخرجاه في الصحيحين (1/478)
وعنه قال كان أبو طلحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفع رأسه من خلفه ينظر إلى مواقع نبله قال فيتطاول أبو طلحة بصدره يقي به رسول الله صلى الله عليه و سلم ويقول يا رسول الله نحري دون نحرك رواه الإمام أحمد
وروي أيضا عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة رواه الإمام أحمد
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا فأخذ أسلابهم
وعنه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما حلق في حجته بدأ بشقه الأيمن وقال هكذا فوزعه بين الناس فأصابهم الشعرة والشعرتان وأقل من ذلك وأكثر ثم قال بشقه الآخر هكذا فقال (1/479)
أين أبو طلحة فدفعه إليه
وعنه أن أبا طلحة ما أفطر بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا في مرض أو سفر حتى لقي الله
وعنه أن أبا طلحة سرد الصوم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعين عاما
وعنه أن أبا طلحة غزا البحر فمات فلم يوجد له جزيرة يدفن فيها سبعة أيام فلم يتغير
قال الواقدي أهل البصرة يرون أنه دفن في جزيرة وإنما دفن بالمدينة سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه عثمان
قلت وما روينا عن أنس أنه صام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعين سنة يخالف هذا والله أعلم 45 سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير
أحد النقباء شهد العقبة وبدرا وأحدا وقتل يومئذ رضي الله عنه
عن يحيى بن سعيد قال لما كان يوم أحد قال رسول الله (1/480)
صلى الله عليه و سلم من يأتيني بخبر سعيد بن الربيع فقال رجل يا رسول الله فذهب الرجل يطوف بين القتلى فقال له سعد بن الربيع ما شأنك قال بعثني النبي صلى الله عليه و سلم لآتيه بخبرك قال فاذهب إليه وأقرئه مني السلام وأخبره أني قد طعنت اثنتي عشرة طعنة وأني قد أنفذت مقاتلي وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأحد منهم حي
قال ابن سعد قال الواقدي ومات من جراحاته تلك 46 عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس
يكنى أبا محمد أحد النقباء الإثني عشر شهد العقبة مع السبعين وبدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وعمرة (1/481)
القضية واستخلفه رسول الله صلى الله عليه و سلم على المدينة في غزو بدر الموعد وبعثه سرية في ثلاثين إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر فقتله وأرسله إلى خيبر خارصا فلم يزل يخرص عليهم إلى أن قتل بمؤتة
وعن أبي الدرداء قال لقد رأيتنا مع النبي صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره في اليوم الحار الشديد الحر حتى إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما في القوم صائم إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبد الله ابن رواحة أخرجاه في الصحيحين
وعن قيس عن عبد الله بن رواحة أنه بكى فبكت امرأته فقال ما يبكيك قالت رأيتك بكيت فبكيت لبكائك قال (1/482)
إني أنبئت أني وارد ولم أنبأ أني صادر رواه الإمام أحمد
وعن النعمان بن بشير قال أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي عليه وتقول واجبلاه واكذا واكذا وتعدد عليه فقال ابن رواحة لما أفاق ما قلت شيئا وقد قيل لي أنت كذا
وعن عروة بن الزبير قال لما تجهز الناس وتهيئوا للخروج إلى مؤتة قال المسلمون صبحكم الله ودفع عنكم فقال عبد الله ابن رواحة
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا (1/483)
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... أرشدك ربك من غاز وقد رشدا
قال ثم مضوا حتى نزلوا أرض الشام فبلغهم أن هرقل قد نزل من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم وانضمت إليه المستعربة من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي في مائة ألف فأقاموا ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم نخبره بعدد عدونا قال فشجع عبد الله بن رواحة الناس ثم قال والله يا قوم إن الذي تكرهون الذي خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدة ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا لهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة فقال الناس صدق والله إبن رواحة فمضى الناس
وعن الحكم بن عبد السلام بن نعمان بن بشير الأنصاري أن جعفر بن أبي طالب حين قتل دعا الناس يا عبد الله بن رواحة يا عبد الله بن رواحة وهو في جانب العسكر ومعه ضلع حمل ينهشه ولم يكن ذاق طعاما قبل ذلك بثلاث فرمى بالضلع ثم قال وأنت مع الدنيا ثم تقدم فقاتل فأصيبت إصبعه فارتجز فجعل يقول (1/484)
هل أنت إلا إصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت
يا نفس إلا تقتلي تموتي ... هذا حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد لقيت ... إن تفعلي فعلهما هديت
وإن تأخرت فقد شقيت ...
ثم قال يا نفس إلى أي شيء تتوقين إلى فلانة هي طالق ثلاثا وإلى فلان وإلى فلان غلمان له وإلى معجف حائط له فهو لله ولرسوله
يا نفس ما لك تكرهين الجنة ... أقسم بالله لتنزلنه
طائعة أولا لتكرهنه ... فطال ما قد كنت مطمئنة
هل أنت إلا نطفة في شنه ... قد أجلب الناس وشدوا الرنة 47 أبو دجانة سماك بن خرشة
ابن لوذان شهد بدرا وأحدا وثبت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ وبايعه على الموت وقتل يوم اليمامة (1/485)
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخذ سيفا يوم أحد فقال من يأخذ هذا السيف فأخذه قوم فجعلوا ينظرون إليه فقال من يأخذه بحقه فأحجم القوم فقال أبو دجانة سماك أنا آخذه بحقه فأخذه ففلق هام المشركين رواه الإمام أحمد
وعن زيد بن أسلم قال دخل على أبي دجانة وهو مريض وكان وجهه يتهلل فقيل مالوجهك يتهلل فقال ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين أما إحداهما فكنت لاأتكلم فيما لا يعنيني وأما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليما 48 عبد الله عمرو بن حرام بن ثعلبة أبو جابر
أحد النقباء شهد العقبة مع السبعين وبدرا وأحدا وقتل يومئذ
عن جابر بن عبد الله قال لما قتل أبي يوم أحد جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي وجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهوني والنبي صلى الله عليه و سلم لا ينهاني قال وجعلت عمتي فاطمة بنت عمرو (1/486)
تبكي عليه فقال النبي صلى الله عليه و سلم ابكيه أولا تبكيه ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه
وعن جابر قال قتل أبي يوم أحد فبلغني ذلك فأقبلت فإذا هو بين يدي النبي صلى الله عليه و سلم مسجى فتناولت الثوب عن وجهه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهوني كراهية أن أرى ما به من المثلة ورسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينهاني فلما رفع قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما زالت الملائكة حافة بأجنحتها حتى رفع ثم لقيني بعد أيام فقال أي بني ألا أبشرك إن الله تعالى أحيا أباك فقال تمنه فقال يا رب أتمنى يا رب أن تعيد روحي وتردني إلى الدنيا حتى أقتل مرة أخرى قال إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون (1/487)
وعن جابر قال صرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين فأخرجناهم بعد أربعين سنة لينة أجسادهم تتثنى أطرافهم 9 عمير بن الحمام
قتل ببدر قال عاصم بن عمر هو أول قتيل قتل من الأنصار في الإسلام
عن أنس قال انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين في بدر فدنا المشركون فقال النبي صلى الله عليه و سلم قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض قال نعم قال بخ بخ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها قال (1/488)
فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة قال فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رضي الله عنه 50 قطبة بن عامر بن حديدة
يكنى أبا زيد لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم في الستة الذين أسلموا أول من أسلم من الأنصار وشهد العقبتين وبدرا ورمى يوم بدر حجرا بين الصفين وقال لا أفر حتى يفر هذا الحجر
وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان من الرماة المذكورين وجرح يوم أحد تسع جراحات وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنهما 51 معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس
يكنى أبا عبد الرحمن وأسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة وشهد العقبة مع السبعين وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأردفه رسول الله صلى الله عليه و سلم وراءه وبعثه إلى اليمن بعد غزوة تبوك وشيعه (1/489)
ماشيا في مخرجه وهو راكب
وكان له من الولد عبد الرحمن وأم عبد الله وولد آخر لم يذكر اسمه
ذكر صفته عن أبي بحرية قال دخلت مسجد حمص فإذا أنا بفتى حوله الناس جعد
قطط فإذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ فقلت من هذا قالوا معاذ بن جبل
إسم أبي بحرية يزيد بن قطيب السكونى
وعن أبي مسلم الخولاني قال أتيت مسجد دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى قال قلت لجليس لي من هذا قالوا هذا معاذ بن جبل
وعن الواقدي عن أشياخ له قالوا كان معاذ رجلا طوالا أبيض حسن الشعر عظيم العينين مجموع الحاجبين جعدا قططا (1/490)
ذكر نبذه من زهده
عن مالك الداري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة فقال للغلام اذهب بها إلى عبيدة بن الجراح ثم تله ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع
فذهب الغلام قال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك قال وصله الله ورحمه ثم قال تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها
فرجع الغلام إلى عمر فأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل فقال اذهب بها إلى معاذ بن جبل وتله في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع فذهب بها إليه قال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال رحمه الله ووصله تعالي يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا اذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأته فقالت ونحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق في الخرقة إلا ديناران فدحا بهما إليها فرجع الغلام إلى عمر فأخبره بذلك فقال إنهم (1/491)
إخوة بعضهم من بعض
ذكر نبذة من ورعه
عن يحيى بن سعيد قال كانت تحت معاذ بن جبل امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يشرب في بيت الأخرى الماء
وعن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له إمرأتان فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى ثم توفيتا في السقم الذي بالشام والناس في شغل فدفنتا في حفرة فأسهم بينهما أيتهما تقدم في القبر
ذكر نبذة من تعبده واجتهاده
عن ثور بن يزيد قال قال كان معاذ بن جبل إذا تهجد من الليل قال اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم وأنت حي قيوم اللهم طلبي للجنة بطيء وهربي من النار ضعيف اللهم اجعل لي عندك هدى ترده إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد (1/492)
ذكر جوده وكرمه عن ابن كعب بن مالك قال كان معاذ بن جبل شابا جميلا
سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه حتى ادان دينا أغلق ماله فكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يكلم غرماءه أن يضعوا له شيئا ففعل فلم يضعوا له شيئا فدعاه النبي صلى الله عليه و سلم فلم يبرح حتى باع ماله فقسمه بين غرمائه فقام معاذ لا مال له
قال الشيخ رحمه الله كان غرماؤه من اليهود فلهذا لم يضعوا له شيئا
ذكر ثناء رسول الله صلى الله عليه و سلم على معاذ ومشيه معه وهو راكب
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل رواه الإمام أحمد (1/493)
وعن عاصم بن حميد عن معاذ بن جبل قال لما بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه و سلم يوصيه ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي تحت راحلته فلما فرغ قال يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك تمر بمسجدي هذا وقبري فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا
ذكر ثناء الصحابة عليه
عن شهر بن حوشب قال قال عمر بن الخطاب لو استخلفت معاذ بن جبل فسألني عنه ربي عز و جل ما حملك على ذلك لقلت سمعت نبيك صلى الله عليه و سلم يقول إن العلماء إذا حضروا ربهم عز و جل كان بين أيديهم رتوة بحجر
وعن الشعبي قال حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال قال ابن مسعود إن معاذ بن جبل كان أمه قانتا لله حنيفا فقيل إن (1/494)
إبراهيم كان أمه قانتا لله حنيفا فقال ما نسيت هل تدري ما الأمة وما القانت فقلت الله أعلم فقال الأمة الذي يعلم الخير والقانت المطيع لله عز و جل وللرسول وكان معاذ بن جبل يعلم الناس الخير وكان مطيعا لله لاD ورسوله
وعن شهر بن هوشب قال كان أصحاب محمد إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له والسلام
ذكر نبذة من مواعظه وكلامه
عن أبي إدريس الخولاني أن معاذ بن جبل قال إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والصغير والكبير والأحمر والأسود فيوشك قائل أن يقول ما لي أقرأ على الناس القرآن فلا يتبعوني عليه فما أظنهم يتبعوني عليه حتى أبتدع لهم غيره إياكم وإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان يقول علي في الحكيم كلمة الضلالة وقد يقول المنافق كلمة الحق فاقبلوا الحق فإن على الحق نورا قالوا وما يدرينا رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة (1/495)
قال هي كلمة تنكرونها منه وتقولون ما هذه فلا يثنكم فإنه يوشك أن يفيء ويراجع بعض ما تعرفون
وعن عبد الله بن سلمة قال قال رجل لمعاذ بن جبل علمني قال وهل أنت مطيعي قال إني على طاعتك لحريص قال صم وأفطر وصل ونم واكتسب ولا تأثم ولا تموتن إلا وأنت مسلم وإياك ودعوة المظلوم
وعن معاوية بن قرة قال قال معاذ بن جبل لابنه يا بني إذا صليت فصل صلاة مودع لا تظن أنك تعود إليها أبدا واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين حسنة قدمها وحسنة أخرها
وعن أبي إدريس الخولاني قال قال معاذ إنك تجالس قوما لا محالة يخوضون في الحديث فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عند ذلك رغبات رواهما الإمام أحمد
وعن محمد بن سيرين قال أتى رجل معاذ بن جبل ومعه أصحابه يسلمون عليه ويودعونه فقال إني موصيك بأمرين إن حفظتهما حفظت إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر فآثر من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاما فتزول به معك أينما زلت (1/496)
وعن الأسود بن هلال قال كنا نمشي مع معاذ فقال اجلسوا بنا نؤمن ساعة
وعن أشعث بن سليم قال سمعت رجاء بن حيوة عن معاذ بن جبل قال ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وستبتلون بفتنة السراء وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير مالا يجد
ذكر مرضه ووفاته عن طارق بن عبد الرحمن قال وقع الطاعون بالشام
فاستغرقها فقال الناس ما هذا إلا الطوفان إلا أنه ليس بماء فبلغ معاذ بن جبل فقام خطيبا فقال إنه قد بلغني ما تقولون وإنما هذه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وكموت الصالحين قبلكم ولكن خافوا ما هو أشد من (1/497)
ذلك أن يغدو الرجل منكم من منزله لا يدري أمؤمن هو أو منافق وخافوا إمارة الصبيان
وعن شهر بن حوشب عن رابه رجل من قومه كان شهد طاعون عمواس قال لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة بن الجراح في الناس خطيبا فقال أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه
قال وطعن فمات رحمة الله عليه واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام خطيبا بعده فقال أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن معاذا يسأل الله أن يقسم لآل معاذ منه حظه (1/498)
قال فطعن ابنه عبد الرحمن قال ثم قام فدعا ربه لنفسه فطعن في راحته فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول ما أحب أن لي بما فيك شيئا من الدنيا فلما مات استخلف على الناس عمرو ابن العاص
وعن عبد الله بن رافع قال لما أصيب أبو عبيدة في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل واشتد الوجع فقال الناس لمعاذ ادع الله أن يرفع عنا هذا الرجز فقال إنه ليس برجز ولكنه دعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وشهادة يختص الله بها من يشاء من عباده منكم أيها الناس أربع خلال من استطاع منكم أن لا يدركه شيء منها فلا يدركه شيء منها قالوا وما هن قال يأتي زمان يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على آخر ويقول الرجل والله لا أدري على ما أنا لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة ويعطى الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة (1/499)
فطعن ابناه فقال كيف تجدانكما قالا يا أبانا الحق من ربك فلا تكونن من الممترين قال وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين
ثم طعنت إمرأتاه فهلكتا وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بفيه ويقول اللهم إنها صغيرة فبارك فيها فإنك تبارك في الصغيرة حتى هلك
وعن الحارث بن عمير قال طعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل ابن حسنة وأبو مالك الأشعري في يوم واحد فقال معاذ إنه رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبض الصالحين من قبلكم اللهم آت آل معاذ النصيب الأوفر من هذه الرحمة فما أمسى حتى طعن ابنه عبد الرحمن بكره الذي كان يكنى به وأحب الخلق إليه فرجع من المسجد فوجده مكروبا فقال يا عبد الرحمن كيف أنت فقال يا أبة الحق من ربك فلا تكن من الممترين فقال معاذ وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين فأمسكه ليلته ثم دفنه من الغد (1/500)
فطعن معاذ فقال حين اشتد به نزع الموت فنزع نزعا لم ينزعه أحد وكان كلما أفاق من غمرة فتح عينيه ثم قال رب اخنقني خنقك فوعزتك إنك لتعلم أن قلبي يحبك
وعن عمر بن قيس عمن حدثه عن معاذ قال لما حضره الموت قال انظروا أصبحنا قال فأتي فقيل لم نصبح حتى أتي في بعض ذلك فقيل له قد أصبحت فقال أعوذ بالله من ليلة صباحها النار مرحبا بالوت مرحبا زائر مغب حبيب جاء على فاقة اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك إنك لتعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر
اتفق أهل التاريخ أن معاذا رضي الله عنه مات في طاعون عمواس (1/501)
بناحية الأردن من الشام سنة ثماني عشرة واختلفوا في عمره على قولين أحدهما ثمان وثلاثون سنة والثاني ثلاث وثلاثون
وعن سعيد بن المسيب قال رفع عيسى بن مريم وهو ابن ثلاث وثلاثين ومات معاذ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة
وعن سعيد بن المسيب قال قبض معاذ بن جبل وهو ابن ثلاث وثلاثين أو أربع وثلاثين سنة 52 أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك
يكنى أبا يحيى كان من النقباء وكان أبو أسيد رئيس الأوس يوم بعاث وقتل يومئذ وكان ابنه بعده شريفا في الجاهلية وفي الإسلام وكان يكتب بالعربيه ويحسن العوم والرمي وكانوا في الجاهلية يسمون من كانت فيه هذه الخصال الكامل
أسلم أسيد على يد مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ بساعة وشهد العقبة الأخيرة مع السبعين ولم يشهد بدرا ولكنه شهد أحدا وجرح يومئذ سبع جراحات وثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين انكشف الناس وشهد الخندق والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/502)
وتوفي في شعبان سنة عشرين
عن أنس قال كان أسيد بن حضير وعباد بن بشر عند رسول الله صلى الله عليه و سلم في ليلة ظلماء حندس فتحدثا عنده حتى إذا أخرجاه أضاءت لهما عصا أحدهما فمشيا في ضوئها فلما تفرق بهما الطريق أضاءت لكل واحد منهما عصاه فمشى في ضوئها انفرد بإخراجه البخاري 53 سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة
يكنى أبا ثابت أمه عمرة بنت مسعود من المبايعات وهو أحد النقباء شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلها ما خلا بدرا فإنه تهيأ للخروج فلدغ فأقام
وكان جوادا وكانت جفنته تدور مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في (1/503)
بيوت أزواجه وكان له من الولد سعيد ومحمد وعبد الرحمن وأمامة وقيس ومندوس
وكان سعد يكتب في الجاهلية بالعربية ويحسن الرمي والعوم وقد ذكرنا أن العرب كانت تسمي من اجتمعت هذه الأشياء فيه الكامل
عن محمد بن سيرين قال كان أهل الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالرجل والرجل بالرجلين والرجل بالخمسة فأما سعد بن عبادة فكان ينطلق بثمانين كل ليلة
وعن يحيى بن أبي كثير قال كانت لرسول الله صلى الله عليه و سلم من سعد بن عبادة جفنة من ثريد في كل يوم تدور معه أينما دار من نسائه وكان إذا انصرف من صلاة مكتوبة قال اللهم ارزقني مالا أستعين به على فعالي فإنه لا يصلح الفعال إلا المال
وعن عروة عن أبيه أن سعد بن عبادة كان يدعو اللهم هب لي حمدا وهب لي مجدا لا مجد إلا بفعال ولا فعال إلا (1/504)
بمال اللهم لا يصلحني القليل ولاأصلح عليه
قال محمد بن سعد توفي سعد بن عبادة بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر كأنه مات في سنة خمس عشرة
قال عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة ما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان قد اقتحموا في بئر نصف النهار في حر شديد قائلا يقول في للبئر
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... رميناه بسهمين فلم تخط فؤاده
فذعر الغلمان فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم لذي مات فيه سعد وإنما جلس يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته فوجدوه قد اخضر جلده 54 البراء بن معرور بن صخر بن خنساء
أحد النقباء شهد العقبة وله من الولد بشير ومبشر وهند وسلافة والرباب مبايعات وهو أول من مات من النقباء مات في صفر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة بشهر (1/505)
عن محمد بن سعد قال كان البراء أول من تكلم من النقباء ليلة العقبة حين لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم السبعون من الأنصار فبايعوه وأخذ منهم النقباء فقام البراء فحمد الله وأثنى عليه فقال الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وحبانا به فكنا أول من أجاب فأجبنا الله ورسوله وسمعنا وأطعنا يا معشر الأوس والخزرج قد أكرمكم الله بدينه فإن أخذتم السمع والطاعة والمؤازرة بالشكر فأطيعوا الله ورسوله ثم جلس رضي الله عنه ومن الطبقة الثانية
من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد بدرا وله إسلام قديم 55 العباس بن عبد المطلب
ابن هاشم أبو الفضل أمه نتيلة بنت خباب وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاث سنين وله من الولد الفضل وهو أكبر ولده وبه يكنى وعبد الله وهو الحبر وعبيد الله (1/506)
وكان جوادا وعبد الرحمن وقثم ومعبد وحبيبة وأمهم جميعا أم الفضل واسمها لبابة بنت الحارث بن حزن وكثير وتمام وصفية وأميمة أمهم أم ولد والحارث وأمه حجيلة بنت جندب
أسلم العباس قديما وكان يكتم إسلامه وخرج مع المشركين يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه و سلم من لقي العباس فلا يقتله فإنه خرج مستكرها فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو ففادى نفسه ورجع إلى مكة ثم أقبل إلى المدينة مهاجرا
قال أهل السير والتواريخ جاء قوم من أهل العقبة يطلبون رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل لهم هو في بيت العباس فدخلوا عليه فقال العباس إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم من دينكم فأخفوا أمركم حتى ينصدع هذا الحاج ونلتقي نحن وأنتم فنوضح لكم هذا الأمر فتدخلون فيه على أمر بين فوعدهم رسول الله صلى الله عليه و سلم الليلة التي في صبيحتها النفر الآخر أن يوافيهم أسفل العقبة وأمرهم أن (1/507)
لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا
فخرج القوم تلك الليلة بعد هذه يتسللون وقد سبقهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعه العباس ليس معه غيره وكان يثق به في أمره كله فلما اجتمعوا كان أول من تكلم العباس فقال
يا معشر الخزرج وكانت الأوس والخزرج تدعى الخزرج إنكم قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه إليه ومحمد من أعز الناس في عشيرته يمنعه والله من كان منا على قوله ومن لم يكن منعه للحسب والشرف وقد أبى محمد الناس كلهم غيركم فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة سترميكم عن قوس واحدة فارتؤوا رأيكم وائتمروا أمركم ولا تفترقوا إلا عن اجتماع فإن أحسن الحديث أصدقه وأخرى صفوا لي الحرب كيف تقاتلون عدوكم
فأسكت القوم وتكلم عبد الله بن عمرو بن حرام فقال (1/508)
نحن والله أهل الحرب غذينا بها ومرنا ورثناها عن آبائنا كابرا فكابرا نرمي بالنبل حتى تفنى ثم نطاعن بالرماح حتى تكسرها ثم نمشي بالسيوف فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا
فقال العباس هل فيكم دروع قالوا نعم شاملة قال البراء ابن معرور قد سمعنا ما قلت إنا والله لو كان في أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه ولكنا نريد الوفاء والصدق وبذل مهج أنفسنا دون رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعهم رسول الله صلى الله عليه و سلم والعباس آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم يؤكد له البيعة تلك الليلة على الأنصار
وعن الشعبي قال انطلق النبي صلى الله عليه و سلم بالعباس إلى السبعين عند العقبة تحت الشجرة فقال العباس ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة فإن عليكم من المشركين عينا وإن يعلموا بكم يفضحوكم فقال قائلهم وهو أسعد يا محمد سل لربك ما شئت ثم سل لنفسك ولأصحابك ما شئت ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله إذا فعلنا ذلك (1/509)
فقال أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك قال الجنة قالوا فلك ذلك
وعن يزيد بن الأصم قال لما كانت أسارى بدر فيهم العباس فسهر نبي الله صلى الله عليه و سلم ليلته فقال له بعض أصحابه ما يسهرك يا نبي الله قال أنين العباس فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لي لاأسمع أنين العباس فقال رجل من القوم إني أرخيت من وثاقه شيئا قال فافعل ذلك بالأسارى كلهم
وعن أنس بن مالك أنهم كانوا إذا قحطوا على عهد عمر خرج بالعباس فاستسقى به وقال اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا إذا قحطنا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نيينا فاسقنا انفرد بإخراجه البخاري
توفي العباس يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان وهو إبن ثمان وثمانين سنة ودفن (1/510)
بالبقيع والله أعلم 56 جعفر بن أبي طالب
أمه فاطمة بنت أسد وكان أسن من علي عليه السلام بعشر سنين وله من الولد عبد الله وبه كان يكنى ومحمد وعون ولد بأرض الحبشة أمهم أسماء بنت عميس أسلم جعفر قديما وهاجر إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ومعه امرأته أسماء فلم يزل هنالك حتى قدم على النبي صلى الله عليه و سلم وهو بخيبر سنة سبع فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما أدري بأيهما أنا أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر
عن أم سلمة قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي آمننا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى فلما بلغ ذلك قريشا أئتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا إلى النجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة فجمعوا له أدما (1/511)
كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وعمرو بن العاص وقالوا لهما ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم ثم قدموا إلى النجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم
فخرجا فقدما على النجاشي فدفعا إلى كل بطريق هديته وقالا إنه قد صبأ إلى بلدكم منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاؤوا بدين مبتدع وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا على الملك بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فان قومهم أعلى بهم عينا فقالوا نعم
ثم قربوا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهم ثم كلماه فقالا له أيها الملك إنه قد صبأ إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد (1/512)
بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم فقالت بطارقته صدقوا فأسلمهم إليهما
فغضب النجاشي ثم قال لا هيم الله إذا لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوما جاوروني نزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ماذا يقول هذان في أمرهم فان كانوا كما يقولان سلمتهم إليهما وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني
قال ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعاهم فلما أن جاءهم رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا (1/513)
جئتموه قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه و سلم كائن في ذلك ما هو كائن فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين آخر من هذه الأمم
قالت وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله عز و جل إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله عز و جل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباونا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار وكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فصدقناه وآمنا به فعبدنا الله عز و جل وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا (1/514)
علينا قومنا فعذبونا وفتنونا على ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين قومنا خرجنا إلى بلدك فاخترناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك
قالت فقال له النجاشي هل معك مما جاء به عن الله عز و جل شيء قالت فقال له جعفر نعم قال فاقرأه علي فقرأ عليه صدرا من كهيعص فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ثم قال النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا
قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدا أعيبهم عنده بما استأصل به خضراءهم فقال له عبد الله (1/515)
ابن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا لا تفعل فان لهم أرحاما فقال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد
قالت ثم غدا عليه من الغد فقال له أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه
قالت فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا نقول والله فيه ما قال فيه الله عز و جل وما جاء به نبينا كائن في ذلك ما هو كائن
فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم قال له جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه و سلم هو عبد الله وروحه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول قال (1/516)
فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عودا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود ثم قال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم الآمنون من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ثم من سبكم غرم ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي رواه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه
وعن أبي بردة عن أبيه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي فبلغ ذلك قريشا فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد وجمعوا للنجاشي هدية فأتياه (1/517)
بها فقبلها ثم قالا إن ناسا من أرضنا رغبوا عن ديننا وهم في أرض الملك فبعث إلينا فقال لنا جعفر لا يتكلم منكم أحد أنا خطيبكم اليوم فلما انتهينا بدرنا من عنده فقال اسجدوا للملك فقال جعفر لا نسجد إلا لله فذكر نحو الحديث المتقدم فقال النجاشي مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه رسول الله وأنه بشر به عيسى عليه السلام ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أقبل نعله
وعن عمير بن إسحق قال حدثني عمرو بن العاص قال لما أتينا باب النجاشي ناديت ائذن لعمرو بن العاص فنادى جعفر من خلفي ائذن لحزب الله فسمع صوته فأذن له قبلي
وعن أبي هريرة قال كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسميه أبا المساكين
ذكر وفاته رضي الله عنه
قتل جعفر بن أبي طالب بمؤتة سنة ثمان من الهجرة (1/518)
عن ابن عمر قال وجدنا فيما أقبل من بدن جعفر ما بين منكبيه تسعين ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف
وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم نعى جعفرا وزيدا نعاهما قبل أن يجيء خبرهما وعيناه تذرفان 57 أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلبابن هاشم رضي الله عنه
واسمه المغيرة وكان أخا رسول الله صلى الله عليه و سلم من الرضاعة أرضعته حليمة أياما وكان ترب رسول الله صلى الله عليه و سلم يألفه إلفا شديدا فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عاداه وهجاه وهجا أصحابه وكان شاعرا
فلما كان عام الفتح ألقى الله في قلبه الإسلام فخرج متنكرا (1/519)
فتصدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأعرض عنه فتحول إلى الجانب الآخر فأعرض عنه قال فقلت أنا مقتول قبل أن أصل إليه فأسلمت وخرجت معه حتى شهدت فتح مكة وحنينا فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتا والله يعلم أني أريد الموت دونه وهو ينظر إلي فقال العباس يا رسول الله أخوك وابن عمك أبو سفيان فارض عنه فقال قد فعلت فغفر الله له كل عداوة عادانيها ثم التفت إلي فقال أخي لعمري فقبلت رجله في الركاب
وعن أبي إسحق قال لما حضر أبا سفيان بن الحارث الوفاة قال لأهله لا تبكوا علي فأني لم أتنطق بخطيئة منذ أسلمت
قال أهل السير مات أبو سفيان بن الحارث بعد أن استخلف (1/520)
عمر بسنة وسبعة أشهر ويقال بل مات سنة عشرين وصلى عليه عمر ودفن بالبقيع 58 أسامة بن زيد بن حارثة
ويقال له أسامة الحب وهو حب رسول الله صلى الله عليه و سلم ويكنى بأبي محمد وأمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر فاستعمله عليهم فكأن الناس طعنوا فيه أي لصغره فبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله وإنهما لخليقان لها أو كانا خليقين لذلك وإنه لمن أحب الناس إلي وكان أبوه من أحب الناس إلي ألا فأوصيكم بأسامة خيرا (1/521)
وعن حنش قال سمعت أبي يقول استعمل النبي صلى الله عليه و سلم أسامة وهو ابن ثماني عشرة سنة
وعن محمد بن سيرين قال بلغت النخلة من عهد عثمان بن عفان ألف درهم قال فعمد أسامة إلى نخلة فعقرها فأخرج جمارها فأطعمه أمه فقالوا له ما يحملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألف درهم قال إن أمي سألتنيه ولا تسألني شيئا أقدر عليه إلا أعطيتها
قال ابن سعد قال الواقدي قبض النبي صلى الله عليه و سلم وأسامة ابن عشرين سنة وكان قد سكن بعد النبي صلى الله عليه و سلم وادي القرى ثم نزل المدينة فمات بالجرف في آخر خلافة معاوية (1/522)
قال الزهري حمل أسامة حين مات من الجرف إلى المدينة 59 سلمان الفارسي رضي الله عنه
يكنى أبا عبد الله من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي صلى الله عليه و سلم في كتابته أسلم مقدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة ومنعه الرق من شهود بدر وأحد وأول غزاة غزاها مع النبي صلى الله عليه و سلم الخندق وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن
عن عبد الله بن العباس قال حدثني سلمان الفارسي قال كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي وكان أبي دهقان قريته وكنب أحب خلق الله إليه فلم (1/523)
يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة
قال وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال فشغل في بنيان له يوما قال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون قال فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس (1/524)
وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام
قال ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت قال قلت يا أبة مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه قلت كلا والله إنه لخير من ديننا قال فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته
قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارا من النصارى فأخبروني بهم قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين قالوا الأسقف في الكنيسة قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم (1/525)
منك وأصلي معك قال فادخل فدخلت معه
قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب قال وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فاذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا قالوا وما علمك بذلك قلت أنا أدلكم على كنزه قالوا فدلنا عليه قال فأريتهم موضعه قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدا قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة
ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه قال فأحببته حبا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان إني كنت معك (1/526)
فأحببتك حبا لم أحبه من قبلك وقد حضرتك الوفاة فالى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به
قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره قال فقال لي أقم عندي قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبت أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانا أوصى بي اليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فالى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به
قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته (1/527)
بما جرى وما أمرني به صاحبي قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فالى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني والله ما أعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فانه على مثل ما نحن عليه فان أحببت فأته فانه على مثل أمرنا
قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة قال ثم به أمر الله عز و جل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فالى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك (1/528)
أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فان استطعت أن تلحق بتلك البلاد فأفعل
قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجارا فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي
فبينا أنا عنده قدم عليه إبن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله صلى الله عليه و سلم فأقام بمكة ما أقام (1/529)
لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي
قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال
وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به (1/530)
إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم قال فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل
قال فقلت في نفسي هذه واحدة
ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله صلى الله عليه و سلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان
قال ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله صلى الله عليه و سلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم تحول (1/531)
فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسمع ذلك أصحابه
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد قال ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة بعين الرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلثمائة ودية فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون نا أضعها بيدي (1/532)
قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدعيت له قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي قال خذها فان الله عز و جل سيؤدي بها عنك قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد رواه الإمام أحمد
وقد رويت بدابة سلمان من حديث أبي الطفيل عامر بن واثله وأنه قال كنت من أهل جي وكان أهل قريتي يعبدون الخيل (1/533)
البلق فطلبت الدين فذكر نحو ما ذكرناه وأنه قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة والذي ذكرناه من لقائه له بالمدينة هو الصحيح
وفي الصحيح عن سلمان أنه قال تداولني بضعة عشر من رب إلى رب
ذكر نبذة من فضائله
عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم السباق أربعة أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة
وعن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن (1/534)
رسول الله صلى الله عليه و سلم خط الخندق وجعل لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقالت الأنصار لا بل سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم سلمان منا أهل البيت
وعن أبي حاتم عن العتبي قال بعث إلي عمر بحلل فقسمها فأصاب كل رجل ثوب ثم صعد المنبر وعليه حلة والحلة ثوبان فقال أيها الناس ألا تسمعون فقال سلمان لا نسمع فقال عمر لم يا أبا عبد الله قال إنك قسمت علينا ثوبا ثوبا وعليك حلة فقال لا تعجل يا أبا عبد الله ثم نادى يا عبد الله فلم يجبه أحد فقال يا عبد الله بن عمر فقال لبيك يا أمير المؤمنين فقال نشدتك الله الثوب الذي ائتزرت به أهو ثوبك قال اللهم نعم قال سلمان فقل الآن نسمع
ذكر غزارة علمه رضي الله عنه
عن أبي جحيفة قال آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بين سلمان (1/535)
وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال لها ما شأنك فقالت إن أخاك أبا الدرداء ليست له حاجة في الدنيا قال فلما جاء أبا الدرداء قرب طعاما فقال كل فاني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل
فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم فنام فلما كان من آخر الليل قال له سلمان قم الآن فقاما فصليا فقال إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتيا النبي صلى الله عليه و سلم فذكرا ذلك له فقال صدق سلمان انفرد بإخراجه البخاري
وعن محمد بن سيرين قال دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم جمعة فقيل له هو نائم فقال ما له فقالوا إنه إذا كانت ليلة الجمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة قال فأمرهم فصنعوا طعاما في يوم (1/536)
جمعة ثم أتاهم فقال كل قال إني صائم فلم يزل به حتى أكل فأتيا النبي صلى الله عليه و سلم فذكرا ذلك له فقال النبي صلى الله عليه و سلم عويمر سلمان أعلم منك وهو يضرب بيده على فخذ أبي الدرداء عويمر سلمان أعلم منك ثلاث مرات لا تخصن ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصن يوم الجمعة بصيام من بين الأيام
وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما (1/537)
ذكر نبذة من زهده
عن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فاذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه
وعن عمار يعني الدهني قال كان عطاء سلمان الفارسي أربعة آلاف وكارة من ثياب فيتصدق بها ويعمل الخوص
وعن مالك بن أنس أن سلمان الفارسي كان يستظل بالفيء حيثما دار ولم يكن له بيت فقال له رجل ألا نبني لك بيتا تستظل به من الحر وتسكن فيه من البرد فقال له سلمان نعم فلما أدبر (1/538)
صاح به فسأله سلمان كيف تبنيه قال أبنيه إن قمت فيه أصاب رأسك وإن اضطجعت فيه أصاب رجليك فقال سلمان نعم
وقال عبادة بن سليم كان لسلمان خباء من عباء وهو أمير الناس
وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن سلمان أنه تزوج امرأة من كندة فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت المرأة فلما بلغ البيت قال ارجعوا أجركم الله ولم يدخلهم
فلما نظر إلى البيت والبيت منجد قال أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة فلم يدخل حتى نزع كل ستر في البيت غير ستر الباب فلما دخل رأى متاعا كثيرا فقال لمن هذا المتاع قالوا متاعك ومتاع امرأتك فقال ما بهذا أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه و سلم أوصاني خليلي أن لا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الراكب
ورأى خدما فقال لمن هذه الخدم قالوا خدمك وخدم امرأتك فقال ما بهذا أوصاني خليلي صلى الله عليه و سلم أوصاني خليلي أن (1/539)
لا أمسك إلا ما أنكح أو أنكح فان فعلت فبغين كان علي مثل أوزارهن من غير أن ينقص من أوزارهن شيء ثم قال للنسوة اللاتي عند امرأته هل أنتن مخليات بيني وبين امرأتي قلن نعم فخرجن فذهب إلى الباب فأجافه وأرخى الستر ثم جاء فجلس عند امرأته فمسح بناصيتها ودعا بالبركة فقال لها هل أنت مطيعتي في شيء آمرك به قالت جلست مجلس من يطيع قال فإن خليلي أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن أجتمع على طاعة الله فقام وقامت إلى المسجد فصليا ما بدا لهما ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته فلما أصبح غدا عليه أصحابه فقالوا كيف وجدت أهلك فأعرض عنهم ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم أعادوا فأعرض عنهم ثم قال إنما جعل الله عز و جل الستور والخدر والأبواب لتواري ما فيها حسب كل امريء منكم أن (1/540)
يسأل عما ظهر له فأما ما غاب عنه فلا يسألن عن ذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق
وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال ما هذا قال بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين
ثم قال فلان يقرئك السلام قال متى قدمت قال منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها رواه أحمد
ذكر كسبه وعمله بيده
عن النعمان بن حميد قال دخلت مع خالي على سلمان الفارسي بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهما فيه وأنفق درهما على عيالي وأتصدق بدرهم ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهيت (1/541)
وعن الحسن قال كان سلمان يأكل من سفيف يده
ذكر نبذة من ورعه
عن أبي ليلى الكندي قال قال غلام سلمان لسلمان كاتبني قال ألك شيء قال لا قال فمن أين قال أسأل الناس قال تريد أن تطعمني غسالة الناس
ذكر نبذة من تواضعه
عن ثابت قال كان سلمان أميرا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان أندرا ورد وعباءة فقال (1/542)
لسلمان تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال لم أعرفك فقال له سلمان لا حتى أبلغ منزلك وفي رواية أخرى إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك
وعن عبد الله بن بريدة قال كان سلمان إذا أصاب الشيء اشترى به لحما ثم دعا المجذومين فأكلوا معه
وعن عمر بن أبي قره الكندي قال عرض أبي على سلمان أخته أن يزوجه فأبى فتزوج مولاة يقال لها بقيرة فأتاه أبو قرة فأخبر أنه في مبقلة له فتوجه إليه فلقيه معه زنبيل فيه بقل قد أدخل عصاه في عروة الزنبيل وهو على عاتقه
وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان إنما الخير والشر بعد اليوم (1/543)
وعن أبي الأحوص قال افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم
وعن أبي البختري قال صحب سلمان رجل من بني عبس ليتعلم منه فخرج معه فجعل لا يستطيع أني يفضله في عمل إن عجن جاء سلمان فخبز وإن هيأ الرجل علفا للدواب ذهب سلمان فسقاها
حتى انتهوا إلى شط دجلة وهي تطفح فقال سلمان للعبسي انزل فاشرب فنزل فشرب فقال له سلمان ازدد فازداد فقال له سلمان كم تراك نقصت منها فقال العبسي له وما عسى أن أنقص منها فقال سلمان كذلك العلم تأخذ منه ولا ينقص فعليك بالعلم بما ينفعك
قال ثم عبر إلى نهر دن فاذا الأكداس عليه من الحنطة (1/544)
والشعير فقال سلمان يا أخا بني عبس أما ترى إلى الذي فتح خزائن هذه علينا كأن نراها ومحمد حي قال فقلت بلى قال فوالذي لا إله غيره لقد كانوا يمسون ويصبحون وما فيهم قفيز من قمح قال ثم سرنا حتى انتهينا إلى جلولاء قال فذكر ما فتح الله عليهم وما أصابوا فيها من الذهب والفضة فقال يا أخا بني عبس أما ترى إلى الذي فتح خزائن هذه علينا كأن نراها ومحمد حي قال قلت بلى قال والذي لا إله غيره لقد كانوا يمسون ويصبحون وما فيهم دينار ولا درهم
ذكر ثناء الناس على سلمان واعترافهم بفضله
عن ابن عباس قال قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال أرضاك لله عبدا قال فزوجني فسكت عنه فقال أترضاني لله عبدا ولا ترضاني لنفسك فلما أصبح أتاه قوم فقال حاجة قالوا نعم قال ما هي قالوا تضرب عن هذا الأمر يعنون خطبته إلى عمر فقال أما والله ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه ولكن (1/545)
قلت رجل صالح عسى الله عز و جل أن يخرج مني ومنه نسمة صالحة
وعن أبي الأسود الدؤلي قال كنا عند علي ذات يوم فقالوا يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان قال من لكم بمثل لقمان الحكيم ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت أدرك العلم الأول والعلم الآخر وقرأ الكتاب الأول والآخر بحر لا ينزف وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم
ذكر نبذة من كلامه ومواعظه
عن حفص بن عمرو السعدي عن عمه قال قال سلمان لحذيفة يا أخا بني عبس العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما تحتاج إليه في أمر دينك ودع ما سواه فلا تعانه
وعن أبي سعيد الوهبي عن سلمان قال إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل المريض معه طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه فاذا اشتهى (1/546)
ما يضره منعه وقال لا تقربه فانك إن أتيته أهلكك فلا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما قد فضل به غيره من العيش فيمنعه الله عز و جل إياه ويحجزه حتى يتوفاه فيدخله الجنة
وعن جرير قال قال سلمان يا جرير تواضع لله عز و جل فانه من تواضع لله عز و جل في الدنيا رفعه الله يوم القيامة يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة قلت لا قال ظلم الناس بينهم في الدنيا قال ثم أخذ عويدا لا أكاد أراه بين إصبعيه قال يا جرير لو طلبت في الجنة مثل هذا العود لم تجده قال قلت يا أبا عبد الله فأين النخل والشجر قال أصولها اللؤلؤ والذهب وأعلاها الثمر
وعن أبي البختري عن سلمان قال مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد قال المقعد إني أرى تمرة ولا أستطيع أن أقوم إليها فاحملني فحمله فأكل وأطعمه (1/547)
وعن قتادة قال قال سلمان إذا أسأت سيئة في سريرة فأحسن حسنة في سريرة وإذا أسأت سيئة في علانية فأحسن حنسة في علانية لكي تكون هذه بهذه
وعن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس الإنسان عمله وقد بلغني أنك جعلت طبيبا فان كنت تبرىء فنعمالك وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين فأدبرا عنه نظر إليهما وقال متطبب والله ارجعا إلي أعيدا قصتكما
عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني مؤمل دنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك ملء فيه لا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض عنه وثلاث أحزنني حتى أبكينني فراق محمد وحزبه وهول المطلع والوقوف بين يدي ربي عز و جل ولا أدري إلى جنة أو إلى نار
وعن حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان (1/548)
قال ما من مسلم يكون بفيء من الأرض فيتوضأ أو يتيمم ثم يؤذن ويقيم إلا أم جنودا من الملائكة لا يرى طرفهم أو قال طرفاهم
وعن ميمون بن مهران قال جاء رجل إلى سلمان فقال أوصني قال لا تكلم قال لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يتكلم قال فان تكلمت فتكلم بحق أو اسكت قال زدني قال لا تغضب قال إنه ليغشاني مالا أملكه قال فان غضبت فأمسك لسانك ويدك قال زدني قال لا تلابس الناس قال لا يستطيع من عاش في الناس أن لا يلابسهم قال فان لابستهم فاصدق الحديث وأد الأمانة
وعن أبي عثمان عن سلمان قال إن العبد إذا كان يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء فدعا قالت الملائكة صوت معروف من آدمي ضعيف فيشفعون له وإذا كان لا يدعو الله في السراء فنزلت به الضراء قالت الملائكة صوت منكر من آدمي ضعيف فلا يشفعون له (1/549)
وعن حارثة بن مضرب قال سمعت سلمان يقول إني لأعد العراق على الخادم خشية الظن ورواه زهير عن أبي اسحق قال إني لأعد عراق القدر مخافة الظن بخادمي
وعن سالم مولى زيد بن صوحان قال كنت مع مولاي زيد ابن صوحان في السوق فمر علينا سلمان الفارسي وقد اشترى وسقا من طعام فقال له زيد يا أبا عبد الله تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت وتفرغت للعبادة ويئس منها الوسواس
وعن أبي عثمان عن سلمان قال لما افتتح المسلمون جوخى دخلوا يمشون فيها وأكداس الطعام فيها أمثال الجبال قال ورجل يمشي إلى جنب سلمان فقال يا أبا عبد الله ألا ترى إلى ما أعطانا الله (1/550)
فقال سلمان وما يعجبك فما ترى إلى جنب كل حبة مما ترى حساب رواه الإمام أحمد
وعن سعيد بن وهب قال دخلت مع سلمان على صديق له من كندة نعوده فقال له سلمان إن الله عز و جل يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لما مضى فيستعتب فيما بقي وإن الله عز و جل يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقله أهله ثم أطلقوه فلا يدري فيم عقلوه ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه
وعن محمد بن قيس عن سالم بن عطية الأسدي قال دخل سلمان على رجل يعوده وهو في النزع فقال أيها الملك ارفق به قال يقول الرجل إنه يقول إني بكل مؤمن رفيق والسلام (1/551)
ذكر وفاة سلمان رضي الله عنه
عن حبيب بن الحسن وحميد بن مورق العجلي أن سلمان لما حضرته الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك قال عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب قال فلما مات نظروا في بيته فلم يجدوا في بيته إلا إكافا ووطاء ومتاعا قوم نحوا من عشرين درهما
وعن عامر بن عبد الله عن سلمان أنه حين حضر الموت عرفنا به بعض الجزع فقالوا ما يجزعك يا أبا عبد الله وقد كان لك سابقة في الخير شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مغازي حسنة وفتوحا عظاما قال يحزنني أن حبيبنا محمدا صلى الله عليه و سلم عهد إلينا حين فارقنا فقال ليكف المؤمن كزاد الراكبفهذا الذي أحزنني (1/552)
قال فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا هكذا قال عامر والباقون من الرواة يذكرون الدراهم
عن أبي سفيان عن أشياخه قال ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض قال فقال سلمان أما إني ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة قال فقال له سعد يا أبا عبد الله اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك فقال يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت وعند حكمك إذا حكمت وعند بذل إذا قسمت (1/553)
وعن الشعبي قال أصاب سلمان صرة مسك يوم فتح جلولاء فاستودعها امرأته فلما حضرته الوفاة قال هاتي المسك فمرسها في ماء ثم قال انضحيها حولي فانه يأتيني زوار الآن ليس بانس ولا جان ففعلت فلم يمكث بعد ذلك إلا قليلا حتى قبض وفي أخرى أنه قال يجدون الريح ولا يأكلون الطعام
وعن سعيد بن سوقة قال دخلنا على سلمان نعوده وهو مبطون فقال لامرأته ما فعلت بالمسك الذي جئنا به من بلنجر قالت هو ذا قال ألقيه في الماء ثم اضربي بعضه ببعض ثم انضحي حول فراشي فانه الآن يأتينا قوم ليس بانس ولا جن ففعلت وخرجنا عنه ثم أتيناه فوجدناه قد قبض رضي الله عنه
عن الشعبي قال حدثني الجزل عن امرأة سلمان بقيرة قالت لما حضر سلمان الموت دعاني وهو في علية لها أربعة أبواب فقال افتحي هذه الأبواب يا بقيرة فان لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي ثم دعا بمسك له ثم قال لها اديفيه (1/554)
في تور ففعلت ثم قال انضحيه حول فراشي ثم انزلي فامكثي فسوف تطلعين فتريني على فراشي فاطلعت فاذا قد أخذ روحه كأنه نائم على فراشه أو نحو هذا
قال أهل العلم بالسير كان سلمان من المعمرين أدرك وصي عيسى بن مريم عليه السلام وعاش مائتين وخمسين سنة ويقال أكثر وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين
قال أبو بكر بن أبي داود لسلمان ثلاث بنات بنت بأصبهان وبنتان بمصر
وعن عبد الله بن سلام أن سلمان قال له يا أخي أينا مات قبل صاحبه فليترايا له قال عبد الله بن سلام أو يكون ذلك قال نعم إن نسمة المؤمن مخلاة تذهب في الأرض حيث شاءت ونسمة الكافر في سجين فمات سلمان (1/555)
قال عبد الله فبينا أنا ذات يوم قائل بنصف النهار على سرير لي فأغفيت إغفاءة إذ جاء سلمان فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقلت السلام عليك ورحمة الله يا أبا عبد الله كيف وجدت منزلك قال خيرا وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل
ردده ثلاث مرات رحمه الله 60 أبو موسى الأشعريعبد الله بن قيس بن سليم
أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينتين ورسول الله صلى الله عليه و سلم بخيبر وبعضهم ينكر هجرته إلى الحبشة
عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن وأمرهما أن يعلما الناس القرآن رواه الإمام أحمد
وقد صح من حديث أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/556)
لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فقلت يا رسول الله لو علمت أنك تسمع قراءتي لحبرته لك تحبيرا
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة ونحن ستة نفر على بعير نعتقبه قال فنقبت أقدامنا ونقبت قدمي وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزاة ذات الرقاع لما كنا نعصب على أرجلنا من الخرق قال أبو بردة فحدث أبو موسى بهذا الحديث ثم كره ذلك وقال ما كنت أصنع بأن أذكره قال كأنه كره أن يكون شيئا من عمله أفشاه
وعن أبي سلمة قال كان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى ذكرنا ربنا تعالى فيقرأ
وعن أبي عثمان النهدي قال صلى بنا أبو موسى الأشعري صلاة الصبح فما سمعت صوت صنج ولا بربط كان أحسن صوتا منه (1/557)
وعن أبي كبشة السدوسي قال خطبنا أبو موسى الأشعري فقال إن الجليس الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من الجليس السوء ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب العطر إلا يحذك يعبق بك من ريحه ألا وإن مثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إلا يحرق ثيابك يعبق من ريحه ألا وإنما سمي القلب من تقلبه وإن مثل القلب كمثل ريشة بأرض فضاء تضربها الريح ظهرا لبطن ألا وإن من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا والقاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب
قالوا فما تأمرنا قال كونوا أحلاس البيوت
وعن أبي كنانة عن أبي موسى الأشعري أنه جمع الذين قرؤوا القرآن فاذا هم قريب من ثلاث مائة فعظم القرآن وقال إن هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن عليكم وزرا فاتبعوا القرآن ولا يتبعنكم (1/558)
القرآن فانه من اتبع القرآن هبط به على رياض الجنة ومن تبعه القرآن زج في قفاه فقذفه في النار
وعن أنس أن أبا موسى كان له تبان ينام فيه مخافة أن ينكشف
وعن أبي مجلز قال قال أبو موسى إني لأغتسل في البيت المظلم فما أقيم صلبي حتى آخذ ثوبي حياء من ربي عز و جل
وعن قسامة بن زهير قال خطبنا أبو موسى فقال أيها الناس ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا فان أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت روى هذه الأحاديث الثلاثة الإمام أحمد رحمه الله
وعن أبي بردة عن أبي موسى قال خرجنا غازين في البحر والريح لنا طيبة والشراع لنا مرفوع فسمعنا مناديا ينادي يا أهل (1/559)
السفينة قفوا أخبركم حتى وإلى بين سبعة أصوات قال أبو موسى فقمت على صدر السفينة فقلت من أنت ومن أين أنت أو ما ترى أين نحن وهل نستطيع وقوفا قال فأجابني الصوت ألا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه قال قلت بلى أخبرنا قال فان الله قضى على نفسه أنه من عطش نفسه لله في يوم حار كان حقا على الله أن يرويه يوم القيامة قال فكان أبو موسى يتوخى ذلك اليوم الحار الشديد الحر الذي يكاد ينسلخ فيه الإنسان فيصومه
وعن أبي إدريس قال صام أبو موسى حتى عاد كأنه خلال فقيل له لو أجممت نفسك فقال أيهات إنما يسبق من الخيل المضمرة قال وربما خرج من منزله فيقول لامرأته شدي رحلك فليس على جسر جهنم معبر
عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب قال دعا أبو موسى (1/560)
فتيانه حين حضرته الوفاة فقال اذهبوا فاحفروا وأوسعوا وأعمقوا
فجاؤوا فقالوا قد حفرنا وأوسعنا وأعمقنا فقال والله إنها لإحدى المنزلتين أما ليوسعن علي قبري حتى يكون كل زاوية منه أربعين ذراعا ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي وما أعد الله عز و جل لي من الكرامة ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى أبعث ولئن كانت الأخرى ونعوذ بالله منها ليضيقن علي قبري حتى أكون في أضيق من القناة في الزج ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث
وعن أبي بردة قال لما حضرت أبا موسى الوفاة قال يا بني اذكروا صاحب الرغيف قال كان رجل يتعبد في صومعته أراه قال سبعين سنة لا ينزل إلا في يوم واحد قال فشبه أو شب الشيطان في عينه امرأة قال فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال قال ثم كشف عن الرجل غطاؤه فخرج تائبا فكان كلما خطا (1/561)
خطوة صلى وسجد فآواه الليل إلى دكان عليه اثنا عشر مسكينا فأدركه الأعياء فرمى بنفسه بين رجلين منهم وكان ثم راهب يبعث اليهم كل ليلة بأرغفة فيعطي كل إنسان رغيفا فجاء صاحب الرغف فأعطى كل إنسان رغيفا فقال المتروك لصاحب الرغف ما لك لم تعطني رغيفي قال أتراني أمسكه عنك سل هل أعطيت أحدا منكم رغيفين قالوا لا قال أتراني أمسكه عنك والله لا أعطيك الليلة شيئا فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه فدفعه إلى الرجل الذي ترك فأصبح التائب ميتا قال فوزنت السبعون سنة بالسبع ليالي فرجحت الليالي فوزن الرغيف بالسبع الليالي فرجح الرغيف فقال أبو موسى يا بني اذكروا صاحب الرغيف رضي الله عنه
قال أصحاب السير توفي أبو موفى سنة اثنتين وخمسين وقيل اثنتين وأربعين وقيل أربع وأربعين ودفن بمكة وقيل دفن بالثوية على ميلين من الكوفة (1/562)
ياسر بن عامر بن مالك أبو عمار
قدم مكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة فزوجه أبو حذيفة أمة له يقال لها سمية بنت خياط فولدت له عمارا رحمهم الله
ثم جاء الله بالاسلام فأسلم ياسر وعمار فلما أسلم ياسر أخذته بنو مخزوم فجعلوا يعذبونه ليرجع عن دينه
قال عثمان بن عفان أقبلت أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم وهو آخذ بيدي حتى أتينا على أبي عمار وعمار وأمه وهم يعذبون فقال ياسر الدهر هكذا فقال النبي صلى الله عليه و سلم اصبر اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت رضي الله عنه 62 عبد الله بن عمر بن الخطاب
يكنى أبا عبد الرحمن أمه زينب بنت مظعون أسلم بمكة (1/563)
مع أبيه ولم يكن بالغا حينئذ وهاجر مع أبيه إلى المدينة وعرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر فرده ويوم أحد فرده لصغر سنه وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه
عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه ثم عرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه
وعن سالم عن ابن عمر قال كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه و سلم قال وكنت غلاما شابا عزبا فكنت أنام في المسجد على عهد رسول صلى الله عليه و سلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فاذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان وأرى فيها ناسا قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار فلقيهما ملك آخر فقال لي لن ترع (1/564)
فقصصتها على حفصة فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل قال سالم فكان عبد الله بعد لا ينام من الليل إلا قليلا أخرجاه في الصحيحين
وعن نافع قال قال لي عبد الله بن عمر رأيت في المنام كأن بيدي قطعة من إستبرق ولا أشير بها إلى مكان من الجنة إلا طارت بي إليه فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن أخاك رجل صالح أو إن عبد الله رجل صالح أخرجاه في الصحيحين
وعن أبي الزناد قال اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بنو الزبير وعبد الله بن عمر فقالوا تمنوا فقال عبد الله بن الزبير أما أنا فأتمنى الخلافة وقال عروة أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم وقال مصعب أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين قال عبد الله بن عمر أما أنا فأتمنى المغفرة (1/565)
قال فنالوا ما تمنوا ولعل ابن عمر غفر له
وعن نافع قال دخل ابن عمر الكعبة فسمعته وهو ساجد يقول قد تعلم ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك
عن طاوس قال ما رأيت رجلا أورع من ابن عمر ولا رأيت رجلا أعلم من ابن عباس
وقال سعيد بن المسيب لو كنت شاهدا لرجل من أهل العلم أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر
وعن عروة قال سئل ابن عمر عن شيء فقال لا علم لي به فلما أدبر الرجل قال لنفسه سئل ابن عمر عما لا علم له به فقال لا علم لي به
وعن نافع أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ رأسه ولم يجبه حتى ظن الناس أنه لم يسمع مسألته فقال له يرحمك الله أما سمعت مسألتي قال بلى ولكنكم كأنكم ترون أن الله تعالى ليس بسائلنا عما تسألونا عنه اتركنا رحمك الله حتى نتفهم في مسألتك فان كان لها جواب عندنا وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا به (1/566)
وعن إبراهيم قال قال عبد الله إن أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله ابن عمر
وعن محمد قال نبئت أن ابن عمر كان يقول إني لقيت أصحابي على أمر وإني أخاف إن خالفتهم أن لا ألحق بهم
وعن سعيد بن المسيب قال كان أشبه ولد عمر بعمر عبد الله وأشبه ولد عبد الله بعبد الله سالم
وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال ما ناقة أضلت فصيلها في فلاة من الأرض بأطلب لأثرها من ابن عمر لعمر بن الخطاب
وعن المطعم بن مقدام الصنعاني قال كتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الله بن عمر بلغني أنك طلبت الخلافة وإن الخلافة لا تصلح لعي ولا بخيل ولا غيور
فكتب إليه ابن عمر أما ما ذكرت من أمر الخلافة أني طلبتها فما طلبتها وما هي من بالي وأما ما ذكرت من العي والبخل والغيرة فان من جمع كتاب الله عز و جل فليس بعي ومن أدى زكاة ماله (1/567)
فليس ببخيل وأما ما ذكرت فيه من الغيرة فان أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري
وعن عائشة قالت ما رأيت أحدا ألزم للأمر الأول من عبد الله بن عمر
وعنها قالت ما رأيت أحدا أشبه بأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم الذين دفنوا في النمار من عبد الله بن عمر
وعن عبد الله بن أبي عثمان قال كان عبد الله بن عمر أعتق جاريته التي يقال لها رميثة فقيل إني سمعت الله عز و جل قال في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإني والله إن كنت لأحبك في الدنيا اذهبي فأنت حرة لوجه الله
وعن حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال خطرت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فتذكرت ما أعطاني الله فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة فقلت هذه حرة لوجه الله فلا أعود في شيء جعلته لله ولولا ذلك (1/568)
لنكحتها فأنكحها نافعا وهي أم ولده
قال وعن نافع قال كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه لربه عز و جل قال نافع كان رقيقه قد عرفوا ذلك منه فربما شمر أحدهم فلزم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال الحسنة أعتقه فيقول له أصحابه يا أبا عبد الرحمن والله ما بهم إلا أن يخدعوك فيقول ابن عمر فمن خدعنا بالله انخدعنا له
قال نافع فلقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال فلما أعجبه سيره أباخه مكانه ثم نزل عنه فقال يا نافع انزعوا زمامه ورحله وجللوه وأشعروه وأدخلوه في البدن
وعن سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن عمر نزل الجحفة وهو شاك فقال إني لأشتهي حيتانا فالتمسوا له فلم يجدوا إلا حوتا (1/569)
واحدا فأخذته امرأته صفية بنت أبي عبيد فصنعته ثم قربته إليه فأتى مسكين حتى وقف عليه فقال له ابن عمر خذه فقال أهله سبحان الله قد عنيتنا ومعنا زاد نعطيه فقال إن عبد الله يحبه
وعن أبي بكر بن حفص قال لما اشتكى إبن عمر اشتهى حوتا فصنع له فلما وضع بين يديه جاء سائل فقال أعطوه الحوت فقالت امرأته نعطيه درهما فهو أنفع له من هذا واقض أنت شهوتك منه فقال شهوتي ما أريد
وعن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يعجبه شيء من ماله إلا خرج منه لله عز و جل قال وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين الفا قال وأعطاه ابن عامر مرتين ثلاثين ألفا قال فقال إبن عمر يا نافع إني أخاف أن تفتنني دراهم ابن عامر اذهب فأنت حر
وكان لا يدمن اللحم شهرا إلا مسافرا أو رمضان قال وكان يمكث الشهر لا يذوق فيه مزعة لحم
وعن ميمون بن مهران قال أتت ابن عمر اثنان وعشرون (1/570)
الف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها
وعن عاصم بن محمد عن أبيه قال أعطي ابن عمر بنافع عشرة آلاف أو الف دينار فقلت يا أبا عبد الرحمن فما تنظر أن تبيع قال فهلا ما هو خير من ذلك فهو حر لوجه الله عز و جل روى هذه الثلاثة أحاديث الإمام أحمد
وعن أبي بكر بن حفص أن عبد الله بن عمر كان لا يأكل طعاما إلا وعلى خوانه يتيم رواه عبد الله بن أحمد
وعن نافع قال ما مات ابن عمر حتى أعتق الف إنسان أو زاد
وعنه قال أتي ابن عمر ببضعة وعشرين ألفا فما قام من مجلسه حتى أعطاها وزاد عليها قال ولم يزل يعطي حتى أنفذ ما كان عنده فجاءه بعض من كان يعطيه فاستقرض من بعض من كان أعطاه فأعطاه إياه
وعنه قال كان يرسل إلى عبد الله بن عمر بالمال فيقبله ويقول لا أسأل أحدا شيئا ولا أرد ما رزقني الله (1/571)
وعنه قال كان إبن عمر يقبض على لحيته ويأخذ ما جاوز القبضة
وعنه أن معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف فلما أراد أن يبايع ليزيد قال أرى ذلك أراد إن ديني عندي إذا لرخيص رواه محمد ابن سعد
وعنه أن معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة الف فما حال الحول وعنده منها شيء
وعن أبي الوازع قال قلت لابن عمر لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم قال فغضب ثم قال إني لأحسبك عراقيا وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه
عن عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر اشتكى فاشتري له عنقود عنب بدرهم فجاء مسكين فقال أعطوه إياه فخالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم ثم جاء به إليه (1/572)
فجاءه المسكين يسأل فقال أعطوه إليه ثم خالف إليه إنسان فاشتراه منه بدرهم فأراد أن يرجع فمنع ولو علم ابن عمر بذلك العنقود ما ذاقه
وفي رواية أخرى اشتهى ابن عمر عنبا وهو مريض فذكر نحو ذلك
وعن ميمون بن مهران أن امرأة ابن عمر عوتبت فيه فقيل لها ما تلطفين هذا الشيخ قالت فما أصنع لا نصنع له طعاما إلا دعا عليه من يأكله فأرسلت إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون بطريقه إذا خرج من المسجد فأطعمتهم وقالت لهم لا تجلسوا بطريقه ثم جاء إلى بيته فقال أرسلوا إلى فلان وإلى فلان وكانت امرأته أرسلت إليهم بطعام وقالت إن دعاكم فلا تأتوه فقال ابن عمر أردتم أن لا أتعشى الليلة فلم يتعش تلك الليلة
وعن حمزة بن عبد الله بن عمر قال لو أن طعاما كثيرا كان عند عبد الله بن عمر ما شبع منه بعد أن يجد له آكلا فدخل عليه ابن مطيع يعوده فرآه وقد نحل جسمه فقال لصفية ألا تلطفيه (1/573)
فلعله أن يرتد إليه جسمه تصنعين له طعاما قالت إنا لنفعل ذلك ولكنه لا يدع أحدا من أهله ولا من يحضره إلا دعاه عليه فكلمه أنت في ذلك فقال ابن مطيع يا أبا عبد الرحمن لو اتخذت طعاما فرجع إليك جسمك فقال إنه ليأتي علي ثمان سنين ما أشبع فيها شبعة واحدة أو قال لا أشبع فيها إلا شبعة واحدة فالآن تريد أن أشبع حين لم يبق من عمري إلا ظمء حمار
وعن عبد الله بن عدي وكان مولى لابن عمر أنه قدم من العراق فجاءه فسلم عليه فقال أهديت لك هدية قال وما هي قال جوارش قال وما جوارش قال يهضم الطعام
قال ما ملأت بطني طعاما منذ أربعين سنة فما أصنع به
وعن ميمون بن مهران أن رجلا من بني عبد الله بن عمر استكساه إزارا وقال قد تخرق إزاري فقال ارقع إزارك (1/574)
ثم ألبسه فكره الفتى ذلك فقال له عبد الله ويحك اتق الله ولا تكونن من القوم الذين يجعلون ما رزقهم الله عز و جل في بطونهم وعلى ظهورهم
وعن سفيان قال أراد ابن عمر مرة الصدر من مكة فاتخذ له ابن صفوان سفرة من نقى وفالوذج وأخبصة وبعث بها إليه فأتي بها فلما نظر إليها بكى وقال ما هكذا كنا ما شبعت منذ أسلمت وأمر بها فقسمت على أهل الماء ودعا بسفرته وقال لا خير إلا فيما يبقى نفعه غدا
وعن القاسم بن أبي بزة قال حدثني من سمع ابن عمر قرأ ويل للمطففين حتى بلغ يوم يقوم الناس لرب العالمين قال فبكى حتى حن وامتنع من قراءة ما بعد (1/575)
وعن البراء بن سليم قال سمعت نافعا يقول ما قرأ ابن عمر هاتين الآيتين قط من آخر سورة البقرة إلا بكى وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ثم يقول إن هذا لإحصاء شديد رواهما الإمام أحمد
وعن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه قال جاء سائل إلى ابن عمر فقال لابنه أعطه دينارا فلما انصرف قال له ابنه تقبل الله منك يا أبتاه فقال لو علمت أن الله يقبل مني سجدة واحدة وصدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت أتدري ممن يتقبل إنما يتقبل الله من المتقين
وعن مجاهد قال صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني أكثر
وعن وهيب أن ابن عمر رحمه الله باع جملا فقيل لو أمسكته فقال لقد كان موافقا ولكنه أذهب شعبة من قلبي فكرهت أن أشغل قلبي بشيء رواهما الإمام أحمد
وعن محمد بن زيد أن أباه أخبره أن عبد الله بن عمر كان (1/576)
له مهراس فيه ماء فيصلي ما قدر له ثم يصير إلى الفراش فيغفي إعفاء الطير ثم يثب فيتوضأ ثم يصلي يفعل ذلك الليلة أربع مرار أو خمس مرار
وعن نافع عن ابن عمر أنه كان يحي الليل صلاة ثم يقول يا نافع أسحرنا فأقول لا فيعاود الصلاة ثم يقول يا نافع أسحرنا فأقول نعم فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح وعنه عن ابن عمر أنه كان يحيى ما بين الظهر إلى العصر
وعن طاوس قال ما رأيت مصليا كهيئة عبد الله بن عمر أشد استقبالا للكعبة بوجهه وكفيه وقدميه
وعن عبد الله بن سبرة قال كان ابن عمر إذا أصبح قال اللهم اجعلني من أعظم عبادك نصيبا في كل خير تقسمه الغداة ونور تهدي به ورحمة تنشرها ورزق تبسطه وضر تكشفه وبلاء ترفعه وفتنة تصرفها (1/577)
وعن سمير الرياحي عن أبيه قال شرب عبد الله بن عمر ماء مبردا فبكي فاشتد بكاؤه فقيل له ما يبكيك فقال ذكرت آية في كتاب الله عز و جل وحيل بينهم وبين ما يشتهون فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئا شهوتهم الماء وقد قال الله عز و جل أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله
وعن جابر بن عبد الله قال ما أدركنا أحدا أو قال ما رأينا أحدا إلا قد مالت به الدنيا أو مال بها إلا عبد الله بن عمر
وعن نافع قال كان ابن عمر إذا قرأ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله بكى حتى يغلبه البكاء
وعن مجاهد عن ابن عمر قال لا يصيب عبد شيئا من الدنيا إلا نقص من درجاته عند الله عز و جل وإن كان عليه كريما
وعن عمر بن ميمون عن أبيه قال قيل لعبد الله بن عمر (1/578)
توفي فلان الأنصاري قال رحمه الله فقال ترك مائة الف قال لكن هي لم تتركه
وقال رجل لابن عمر يا خير الناس وابن خير الناس فقال ابن عمر ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس ولكني عبد من عباد الله عز و جل أرجو الله عز و جل وأخافه والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه
وعن نافع قال كان البر لا يعرف في عمر ولا في ابنه حتى يقولا أو يعملا
وعنه عن ابن عمر أنه نزل على رجل فلما مضت ثلاث قال يا نافع أنفق علينا من مالنا
وعن قتادة قال سئل ابن عمر عن لا إله إلا الله هل يضر معها عمل كما ينفع مع تركها عمل قال ابن عمر عش ولا تغتر
وعن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب (1/579)
في الله وأبغض في الله وعاد في الله فانك لن تنال ولاية الله إلا بذلك ولا يجد رجل طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك وصارت مؤاخاة الناس في أمر الدنيا وإن ذلك لا يجزى عند الله شيئا
قال وقال لي ابن عمر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك فانك يا عبد الله لا تدري ما اسمك غدا
قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم ببعض جسدي فقال كن في الدنيا غريبا أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور رواه (1/580)
الطبراني
ذكر وفاة ابن عمر
عن عطية العوفي قال سألت مولى لعبد الله بن عمر عن موت عبد الله بن عمر فقال أصابه رجل من أهل الشام بزجه في رجله فأتاه الحجاج يعوده فقال لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه فقال عبد الله أنت الذي أصبتني قال كيف قال يوم أدخلت حرم الله السلاح
وعن أيوب قال قلت لنافع ما كان بدء موت ابن عمر قال أصابته عارضة محمل بين إصبعين من أصابعه عند الجمرة في الزحام فمرض فأتاه الحجاج يعوده فغمض عينيه فكلمه الحجاج فلم يكلمه
وعن نافع قال كان زج رمح رجل من أصحاب الحجاج قد أصاب رجل ابن عمر فاندمل الجرح فلما صدر انتقض عليه فدخل الحجاج يعوده فقال من أصابك قال أنت قتلتني قال وفيم قال حملت السلاح في حرم الله فأصابني بعض أصحابك (1/581)
فلما حضرته الوفاة أوصى أن لا يدفن في الحرم فغلب فدفن في الحرم وصلى عليه الحجاج
وفي رواية عن نافع قال لم يقدر على ذلك من الحجاج فدفناه في مقبرة المهاجرين بفخ نحو ذي طوى ومات بمكة سنة أربع وسبعين وقيل سنة ثلاث وسبعين زهو إبن أربع وثمانين سنة رضي الله عنه 63 عمرو بن أم مكتوم
وهو عمرو بن قيس وقيل اسمه عبد الله واسم أمه عاتكة وتكنى أم مكتوم
أسلم بمكة وهو ضرير البصر وهاجر إلى المدينة وكان يؤذن للنبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة مع بلال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستخلفه على المدينة يصلي بالناس في عامة غزواته
عن البراء بن عازب قال أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى رواه أحمد (1/582)
وعن ابن عباس قال بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وذكر آخر وكان يتصدى لهم كثيرا ويقبل عليهم رجاء أن يؤمنوا فأقبل عليه رجل أعمى يقال له عبد الله ابن أم مكتوم وهو يناجيهم فجعل عبد الله يستقرىء رسول الله صلى الله عليه و سلم آية من القرآن وقال يا رسول الله علمني مما علمك الله فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم وعبس في وجهه وتولى عنه وكره كلامه وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم نجواه وأخذ تنقلب إلى أهله أنزل الله تعالى عبس وتولى أن جاءه الأعمى فلما نزل فيه ما نزل أكرمه النبي صلى الله عليه و سلم وكلمه يقول له ما حاجتك وهل تريد مني شيئا وإذا ذهب من عنده قال هل لك حاجة في شيء
وعن البراء أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ائتوني بالكتف أو اللوح (1/583)
فكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين وعمرو بن أم مكتوم خلف ظهره فقال هل لي من رخصة فنزلت غير أولي الضرر
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال نزلت لا يستوي القاعدون فقال ابن أم مكتوم أي رب أنزل عذري فأنزل الله غير أولي الضرر فجعل بينهما
وكان بعد ذلك يغزو ويقول ادفعوا إلي اللواء فاني أعمى لا أستطيع أن أفر وأقيموني بين الصفين قال أنس بن مالك كان مع ابن أم مكتوم يوم القادسية راية ولواء
قال الواقدي مات ابن أم مكتوم بالمدينة ولم نسمع له بذكر بعد عمر رضي الله عنهما 64 أبو ذر جندب بن جنادة
وفي اسمه خلاف كثير قد ذكرته في كتابي المسمى بالتلقيح
وكان أبو ذر طوالا آدم وكان يتعبد قبل مبعث رسول الله (1/584)
صلى الله عليه و سلم وأسلم بمكة قديما وقال كنت في الاسلام رابعا ورجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق ثم قدم المدينة قال خفاف بن ايماء كان أبو ذر شجاعا ينفرد وحده فيقطع الطريق ويغير على الصرم كأنه السبع ثم إن الله تعالى قذف في قلبه الإسلام وسمع بالنبي صلى الله عليه و سلم بمكة فأتاه
وعن عبد الله بن صامت قال قال أبو ذر لقد صليت بابن أخي قبل ألقى رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاث سنين قال فقلت لمن قال لله قلت فأين تتوجه قال حيث وجهني الله عز و جل
قال وأصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس
قال أبو ذر فانطلقنا حتى نزلت بحضرة مكة وانطلق أخي أنيس فراث علي فقلت ما حبسك قال لقيت رجلا يزعم أن (1/585)
الله عز و جل أرسله على دينك قال فقلت ما يقول الناس فيه قال يقولون إنه شاعر وساحر وكاهن
قال أنيس قد سمعت قول الكهان فما يقول بقولهم وقد وضعت قوله على أقراء الشعراء فوالله ما يلتام ووالله إنه لصادق وإنهم لكاذبون
قال فقلت له هل أنت كافي حتى أنطلق فأنظر قال نعم فكن من أهل مكة على حذر فإنهم قد شنفوا له وتجهموا له فانطلقت حتى قدمت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت له أين هذا الرجل الذي يدعونه الصابىء قال فأشار إلي قال الصابىء قال فمال أهل الوادي علي بكل مدرة وعظم حتى خررت (1/586)
مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر فأتيت زمزم فشربت من مائها وغسلت عني الدم فدخلت بين الكعبة وأستارها فلبثت به يا بن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت في كبدي سخفة جوع
قان بينما أهل مكة في ليلة قمراء أي مضيئة إضحيان وضرب الله على أصمخة أهل مكة وما يطوف بالبيت غير امرأتين فأتتا علي وهما تدعوان إسافا ونائلة فقلت أنكحوا أحدهما الآخر قال فما ثناهما ذلك قال فأتتا علي فقلت هن مثل الخشبة غير أني لم أكن فانطلقتا تولولان وتقولان لو كان ها هنا أحد من أنفارنا قال فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبة بكر وهما هابطان من (1/587)
من الجبل فقالا ما لكما قالتا الصابىء بين الكعبة وأستارها قالا فما قال لكما قالتا قال لنا كلمة تملأ الفم
قال فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم هو وصاحبه حتى استلم الحجر فطاف بالبيت ثم صلى ركعتين قال فأتيته فكنت أول من حياه بتحية الإسلام فقال وعليك السلام ورحمة الله ممن أنت قال قلت من غفار قال فأهوى بيده فوضعها على جبهته قال فقلت في نفسي كره أن انتميت إلى غفار قال فأردت أن آخذ بيده فقدعني صاحبه وكان أعلم به مني قال متى أنت ها هنا قال قلت كنت ها هنا منذ ثلاثين من بين يوم وليلة قال فمن كان يطعمك قلت ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنها مباركة إنها طعام طعم
قال أبو بكر ائذن لي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم في طعامه الليلة قال (1/588)
ففعل قال فانطلق النبي صلى الله عليه و سلم وانطلقت معهما حتى فتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف قال فكان ذلك أول طعام أكلته بها
فلبثت ما لبثت ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم إني وجهت إلى أرض ذات نخل فلا أحسبها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله عز و جل ينفعهم بك ويأجرك فيهم قال فانطلقت حتى أتيت أخي أنيسا قال فقال لي ما صنعت قال قلت صنعت أني قد أسلمت وصدقت قال فما بي رغبة عن دينك فاني قد أسلمت وصدقت ثم أتينا أمنا فقالت ما بي رغبة عن دينكما فاني قد أسلمت وصدقت
فتحملنا حتى أتينا قومنا غفارا فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وكان يؤمهم خفاف بن ايماء بن رخصة الغفاري وكان سيدهم يومئذ وقال بقيتهم إذا قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم أسلمنا فقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فأسلم بقيتهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم غفار غفر الله وأسلم سالمها الله انفرد بإخراجه مسلم
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس أن أبا ذر لما دخل على (1/589)
رسول الله صلى الله عليه و سلم وأسلم قال له النبي صلى الله عليه و سلم ارجع إلى قومك حتى يأتيك أمري فقال والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه وأتى العباس فأكب عليه فقال ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجارتكم إلى الشام يعني عليهم فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها وثاروا إليه فضربوه فأكب عليه العباس فأنقذه
وعن أبي حرب بن أبي الأسود قال سمعت عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر رواه الإمام أحمد
وعن محمد بن واسع أن رجلا من أهل البصرة ركب إلى (1/590)
أم ذر بعد موته فسألها عن عبادة أبي ذر قالت كان نهاره أجمع في ناحية يتفكر
وعن عبد الله بن سيدان عن أبي ذر أنه قال في المال ثلاثة شركاء القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم
وأنت الثالث فان استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن إن الله عز و جل يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن هذا الجمل مما كنت أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي
وعن سفيان الثوري قال قام أبو ذر الغفاري عند الكعبة فقال يا أيها الناس أنا جندب الغفاري هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق فاكتنفه الناس فقال أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه قالوا بلى قال فان سفر طريق القيامة أبعد ما تريدون فخذوا ما يصلحكم قالوا وما يصلحنا (1/591)
قال حجوا حجة لعظائم الأمور وصوموا يوما شديدا حره لطول النشور وصلوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور كلمة خير تقولها أو كلمة شر تسكت عنها لوقوف يوم عظيم تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها اجعل الدنيا مجلسين مجلسا في طلب الحلال ومجلسا في طلب الآخرة الثالث يضرك ولا ينفعك لا ترده اجعل المال درهمين درهما تنفقه على عيالك من حله ودرهما تقدمه لآخرتك الثالث يضرك ولا ينفعك لا ترده
ثم نادى بأعلى صوته يا أيها الناس قد قتلكم حرص لا تدركونه أبدا
وعن عطاء بن محمد قال إبراهيم التيمي قال أبي خرجنا حجاجا فوجدنا أبا ذر بالربذة قائما يصلي فانتظرناه حتى فرغ من صلاته ثم أقبل علينا بوجهه فقال هلم إلى الأخ الناصح الشفيق (1/592)
ثم بكى فاشتد بكاؤه وقال قتلني حب يوم لا أدركه قيل وما يوم لا تدركه قال طول الأمل
وعن بكر بن عبد الله عن أبي ذر قال يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح
وعن عراك بن مالك قال قال أبو ذر إني لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم القيامة وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد تشبث بشيء منها غيري
وعن أبي السليل قال جاءت ابنة أبي ذر وعليها صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها فمكثت بين يديه وعنده أصحابه فقالت (1/593)
يا أبتاه زعم الخازنون والزارعون أن أفلسك هذه بهرجة فقال يا بنية ضعيها فان أباك أصبح بحمد الله لا يملك من صفراء ولا بيضاء إلاأفلسه هذه
وعن نافع الطاحي قال مررت بأبي ذر فقال لي ممن أنت قلت من أهل العراق قال أتعرف عبد الله بن عامر قلت نعم قال فانه كان يتقرأ معي ويلزمني ثم طلب الإمارة فاذا قدمت البصرة فترايا له فانه سيقول لك حاجة فقل له أخلني فقل له أنا رسول أبي ذر اليك وهو يقرئك السلام ويقول لك إنا نأكل من التمر ونشرب من الماء ونعيش كما تعيش
فلما قدمت تراءيت له فقال ألك حاجة فقلت أخلني أصلحك الله فقلت أنا رسول أبي ذر إليك فلما قلتها خشع لها قلبه وهو يقرأ عليك السلام ويقول لك إنا نأكل من التمر ونشرب من الماء ونعيش كما تعيش قال فحلل إزاره ثم أدخل رأسه في جيبه ثم بكى حتى ملأ جيبه بالبكاء (1/594)
وعن أبي بكر بن المنكدر قال بعث حبيب بن مسلمة وهو أمير بالشام إلى أبي ذر بثلاث مائة دينار وقال استعن بها على حاجتك فقال أبو ذر ارجع بها إليه أو ما وجد أحدا أغر بالله عز و جل منا ما لنا إلا ظل نتوارى به وثلة من غنم تروح علينا ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها ثم إني لأتخوف الفضل
وعن جعفر بن سليمان قال دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر أين متاعكم قال لنا بيت نوجه إليه صالح متاعنا قال إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا قال إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ذر قال والله لو تعلمون ما أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم ولا تقاررتم على فرشكم والله لوددت أن الله عز و جل خلقني يوم خلقني شجرة تعضد ويؤكل ثمرها
عن ابن عمر بن الخطاب عن أبيه قال قال أبو ذر الصاحب (1/595)
الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من صاحب السوء ومملي الخير خير من الصامت والصامت خير من مملي الشر والأمانة خير من الخاتم والخاتم خير من ظن السوء
ذكر خورج أبي ذر رضي الله عنه إلى الربذة
روى البخاري في أفراده من حديث زيد بن وهب قال مررت بالربذة فقلت لأبي ذر ما أنزلك هنا قال كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية الذين يكنزون الذهب والفضة فقال نزلت في أهل الكتاب فقلت فينا وفيهم
فكتب يشكوني إلى عثمان فكتب عثمان أقدم المدينة فقدمت فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكر ذلك لعثمان فقال إن شئت تنحيت فكنت قريبا فذلك الذي أنزلني هذا المنزل
وروى ابن سيرين قال قدم أبو ذر المدينة فقال عثمان كن (1/596)
عندي تغدو عليك وتروع اللقاح قال لا حاجة لي في دنياكم ثم قال ائدن لي حتى أخرج إلى الربذة فأذن له فخرج
ذكر وفاة أبي ذر رضي الله عنه
عن إبراهيم الأشتر عن أبيه عن أم ذر قالت لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك فقلت ما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض ولا يدان لي بنعشك وليس معنا ثوب يسعك كفنا ولا لك فقال لا تبكي وأبشري فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا وإني سمعت رسول الله يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية أو جماعة وإني أنا الذي أموت بالفلاة (1/597)
والله ما كذبت ولا كذبت فأبصري الطريق قالت فقلت أني وقد ذهب الحاج وتقطعت الطرق فقال انظري فكنت أشتد إلى الكثيب فأقوم عليه ثم أرجع إليه فأمرضه
قالت فبينما أنا كذلك إذ أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرخم فألحت بهم فأسرعوا إلي ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي فقالوا ما لك يا أمة الله فقلت امرؤ من المسلمين تكفنونه يموت قالوا ومن هو قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت نعم
قالت ففدوه بآبائهم وأمهاتهم وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه فسلموا عليه فرحب بهم وقال أبشروا فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا وسمعته يقول لنفر أنا فيهم ليموتن (1/598)
رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية أو جماعة وأنا الذي أموت بفلاة من الأرض والله ما كذبت ولا كذبت وإنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا أو لامرأتي ثوب يسعني كفنا لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها وإني أنشدكم الله لا يكفني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا قال فليس من القوم أحد إلا وقد قارف من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار فقال أنا أكفنك في ردائي هذا وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي قال أنت فكفني فكفنه الأنصاري ودفنه في النفر الذين معه منهم حجر بن عدي بن الأدبر ومالك بن الأشتر في نفر كلهم يمان
وقد ذكر محمد بن إسحاق في المغازي أن أبا ذر مات بالربذة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود منصرفة من الكوفة
وعن القرظي قال خرج أبو ذر إلى الربذة فأصابه قدره (1/599)
فأوصاهم أن كفنوني ثم ضعوني على قارعة الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولوا لهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعينونا على غسله ودفنه فأقبل ابن مسعود في ركب من أهل العراق رضي الله عنه 65 الطفيل بن عمرو بن طريف الدوسي رضي الله عنه
عن عبد الواحد بن أبي عون قال كان طفيل الدوسي رجلا شريفا شاعرا كثير الضيافة فقدم مكة فلقيه رجال من قريش فقالوا إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وشتت أمرنا وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين ابنه وبين الرجل وبين زوجته وإنا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه فلا تسمع منه
قال فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئا ولا ولا أكلمه فغدوت إلى المسجد وقد حشوت أذني قطنا فكان يقال (1/600)
لي ذو القطنتين فاذا رسول الله صلى الله عليه و سلم قائم يصلي فقمت قريبا منه فسمعت بعض قوله فقلت في نفسي واثكل أمي والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا فان كان حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته
فمكثت حتى انصرف إلى بيته فدخل فدخلت معه فقلت إن قومك قالوا لي كذا وكذا فاعرض أمرك علي فعرض علي الاسلام وتلا علي القرآن فقلت لا والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وقلت يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يكون لي عونا عليهم فقال اللهم اجعل له آية
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت اللهم في غير وجهي فاني أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراق دينهم فتحول النور فوقع في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في (1/601)
سوطي كالقنديل المعلق فأتاني أبي فقلت إليك عني فانك لست مني ولست منك قال ولم يا بني قلت إني أسلمت واتبعت محمد قال يا بني ديني دينك فقلت فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ففعل ثم جاء فعرضت عليه الاسلام ثم أتتني صاحبتي فقلت إليك عني فلست منك ولست مني قالت ولم بأبي أنت قلت فرق بيني وبينك الإسلام إني أسلمت وتابعت دين محمد قالت فديني دينك فأسلمت
ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطؤوا علي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة فقلت قد غلبتني دوس فادع الله عليهم فقال اللهم اهد دوسا وقال لي اخرج إلى قومك فادعهم وارفق بهم فخرجت أدعوهم حتى هاجر النبي صلى الله عليه و سلم إلىالمدينة
ومضت بدر وأحد والخندق ثم قدمت بمن أسلم ورسول الله صلى الله عليه و سلم بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ولحقنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين وقلنا يا رسول الله (1/602)
اجعلنا في ميمنتك واجعل شعارنا مبرورا ففعل
فلم أزل مع النبي صلى الله عليه و سلم حتى فتح مكة فقلت ابعثني يا رسول الله إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة أحرقه فبعثه إليه فحرقه فلما أحرقه بان لمن تمسك به أنه ليس على شيء فأسلموا جميعا ورجع الطفيل فكان مع النبي صلى الله عليه و سلم حتى مات
فلما ارتدت العرب خرج مع المسلمين فجاهد ثم خرج إلى اليمامة ومعه ابنه عمرو فقتل الطفيل باليمامة وجرح ابنه عمرو وقطعت يده ثم استبل وصحت يده فبينا هو عند عمر بن الخطاب إذ أتي بطعام فتنحى عنه فقال عمر ما لك لعلك تنحيت لمكان يدك قال أجل قال والله لا أذوقه حتى تسوطه فوالله ما في القوم أحد بعضه في الجنة غيرك (1/603)
ثم خرج عام اليرموك في خلافة عمر مع المسلمين فقتل شهيدا 66 ضماد الأزدي من أزد شنوءة
عن ابن عباس أن ضمادا قدم مكة وكان من أزد شنوءة وكان يرقي من الربح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون إن محمدا مجنون فقال لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي
قال فلقيه فقال يا محمد إني أقي من الريح وإن الله يشفي على يدي من شاء فهل لك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد (1/604)
قال فقال أعد علي كلماتك هؤلاء فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة مرات فقال لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء لقد بلغن قاموس البحر هات يدك أبايعك على الاسلام فبايعه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى قومك فقال وعلى قومي فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلمسرية فمروا بقومه فقال صاحب الجيش هل أصبتم من هؤلاء شيئا فقال رجل أصبت منهم مطهرة فقال ردها فان هؤلاء قوم ضماد انفرد باخراجه مسلم 67 أبو رهم كلثوم بن الحصين الغفاريBه
قال محمد بن سعد أسلم أبو رهم بعد قدوم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة (1/605)
وشهد معه أحدا ورمي يومئذ بسهم فوقع في نحره فجاء الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فبصق عليه فبرأ فكان يسمى المنحور
قال وقال محمد بن عمر وبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم يسير من الطائف إلى الجعرانة وأبو رهم إلى جنبه على ناقة له وفي رجليه نعلان له غليظان إذ زحمت ناقته ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو رهم فوقع حرف نعلي على ساقه فأوجعه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أوجعتني أخر رجلك وقرع رجلي بالسو فأخذني ما تقدم وما تأخر وخشيت أن ينزل في قرآن لعظيم ما صنعت
فلما أصبحنا بالجعرانة خرجت أرعى الظهر وما هو يومي فرقا أن يأتي للنبي صلى الله عليه و سلم رسول يطلبني فلما روحت الركاب سألت فقالوا طلبك النبي صلى الله عليه و سلم فقلت إحداهن والله فجئته وأنا أترقب فقال إنك أوجعتني برجلك فقرعتك بالسو فأوجعتك فخذ هذه الغنم عوضا من ضربتي (1/606)
قال فرضاه عني كان أحب إلي من الدنيا وما فيها
قال وبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قومه يستنفرهم حين أراد تبوكا 68 وهب بن قابوس المزني
قال محمد بن سعد أقبل وهب بن قابوس ومعه ابن أخته الحارث بن عقبة بغنم لهما من جبل مزينة فوجدا المدينة خالية فسألا أين الناس فقالوا بأحد خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يقاتل المشركين فقالا لا نسأل أثرا بعد عين فأسلما ثم خرجا فأتيا النبي صلى الله عليه و سلم بأحد فإذا الدولة للمسلمين فأغارا مع المسلمين في النهب وقاتلا أشد القتال وكانت قد انفرقت فرقة من المشركين فقال النبي صلى الله عليه و سلم من لهذه الفرقة فقال وهب أنا فرماهم بالنبل حتى انصرفوا ثم رجع فانفرقت أخرى فقال النبي صلى الله عليه و سلم من لهذه فقال المزني أنا فقام فذبها بالسيف حتى ولوا ورجع المزني ثم طلعت كتيبة أخرى فقال من يقوم لهؤلاء فقال المزني أنا فقال قم وأبشر بالجنة فقام المزني مسرورا يقول والله لا أقيل ولا أستقيل فجعل (1/607)
يقوم فيهم فيضرب بالسيف حتى يخرج من أقصاهم حتى قتلوه ومثلوا به ثم قام ابن أخته الحارث فقاتل كنحو قتاله حتى قتل
فوقف عليهما رسول الله صلى الله عليه و سلم وهما مقتولان فقال رضي الله عنه فإني عنك راض يعني وهبا ثم قام على قدميه وقد نال ما ناله من الجرح وإن القيام ليشق عليه فلم يزل قائما حتى وضع المزني في لحده فكان عمر وسعد بن مالك يقولان ما حال نموت عليها أحب إلينا من أن نلقى الله على حال المزني 69 حنظلة بن أبي عامر الراهب
وكان أبوه أبو عامر يسأل عن ظهور رسول الله صلى الله عليه و سلم ويستوصف صفته الأحبار ويلبس المسوح ويترهب فلما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم حسده فلم يؤمن به وكان ابنه حنظلة من خيار المسلمين واستأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يقتل أباه فنهاه عن قتله
وتزوج حنظلة جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول فأدخلت (1/608)
في الليلة التي في صبيحتها كان قتال أحد وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبيت عندها فأذن له فلما صلى الله عليه و سلم الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه و سلم بأحد ثم مال إلى جميلة فأجنب منها وكانت قد أرسلت إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه دخل بها فقيل لها في ذلك فقالت رأيت كأن السماء قد فرجت له فدخل فيها ثم أطبقت فقلت هذه الشهادة وعلقت بعبد الله بن حنظلة
وأخذ حنظلة سلاحه فلحق بالنبي صلى الله عليه و سلم وهو يسوي الصفوف فلما انكشف المسلمون اعترض حنظلة لأبي سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فوقع أبو سفيان فحمل رجل منهم على حنظلة فأنفذه بالرمح فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة
قال أبو أسيد الساعدي فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر (1/609)
ماء فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبرته أنه خرج وهو جنب فولده يقال لهم بنو غسيل الملائكة 70 حذيفة بن اليمان
يكنى أبا عبد الله رضي الله عنه واسم اليمان حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جزوة وقيل حزوة هو اليمان
خرج حذيفة وأبوه فأخذهما كفار قريش فقالوا إنكما تريدان محمدا فقالا ما نريد إلا المدينة فأتيا رسول صلى الله عليه و سلم فأخبراه وقالا إن شئت قاتلنا معك قال بل نفي ونستعين الله عليهم ففاتهما بدر وشهد حذيفة أحدا وما بعدها
عن أبي إدريس الخولاني قال سمعت حذيفة يقول كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر عن الشر مخافة أن يدركني
وعن أبي عمار عن حذيفة قال إن الفتنة تعرض على القلوب فأي قلب أنس بها نكتت فيه نكتة سوداء فإن أنكرها نكتت (1/610)
فيه نكتة بيضاء فمن أحب منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان يرى حراما كان يراه حلالا أو يرى حلالا كان يراه حراما فقد أصابته الفتنة
عن إبراهيم بن همام عن حذيفة قال ليأتين على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء كدعاء الغريق
وعن ساعدة بن سعد عن حذيفة أنه كان يقول ما من يوم أقر لعيني ولا أحب لنفسي من يوم آتي أهلي فلا أجد عندهم طعاما ويقولون ما نقدر على قليل ولا كثير وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله تعالى أشد حمية للعبد من الدنيا من المريض أهله الطعام والله تعالى أشد تعاهدا للمؤمن بالبلاء من الوالد لولده بالخير (1/611)
ذكر ولاية حذيفة عن ابن سيرين قال كان عمر بن الخطاب إذا بعث أميرا كتب
إليهم إني قد بعثت إليكم فلانا وأمرته بكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا فلما بعث حذيفة إلى المدائن كتب إليهم إني قد بعثت إليكم فلانا فأطيعوه فقالوا هذا رجل له شأن فركبوا ليتلقوه فلقوه على بغل تحته إكاف وهو معترض عليه رجلاه من جانب واحد فلم يعرفوه فأجازوه
فلقيهم الناس فقالوا أين الأمير قالوا هو الذي لقيتم قال فركضوا في أثره فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عرق وهو يأكل فسلموا عليه فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف قال فلما غفل ألقاه وقال أعطاه خادمه
وفي رواية أخرى عن ابن سيرين أن حذيفة كان راكبا على (1/612)
حمار له إكاف وبيده رغيف وعرق من لحم فقالوا سلنا ما شئت فقال أسألكم طعاما آكله وعلفا لحماري هذا ما دمت فيكم فأقام ما شاء الله ثم كتب إليه عمر أن أقدم فقدم فلما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق في مكان لا يراه فلما رآه على الحال التي خرج من عنده عليها أتاه فالتزمه وقال أنت أخي وأنا أخوك
عن ابن سيرين قال إن حذيفة لما قدم المدائن قدم على حمار له إكاف وبيده رغيف وعرق وهو يأكل على الحمار
عن طلحة بن مصرف مثله وزاد وهو سادل رجليه من جانب
ذكر نبذة من كلامه
عن يوسف بن اسباط عن سفيان قال قال حذيفة إن الرجل ليدخل المدخل الذي يجب أن يتكلم فيه لله ولا يتكلم فلا (1/613)
يعود قلبه إلى ما كان أبدا قال يوسف فحدثت به أبا إسحاق الفزاري حين قدم من عند هارون فبكى ثم قال أنت سمعت هذا من سفيان
عن عمارة بن عبد عن حذيفة قال إياكم ومواقف الفتن قيل وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله قال أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه
وعن أم سلمة قالت قال حذيفة والله لوددت أن لي إنسانا يكون في مالي ثم أغلق علي بابا فلا يدخل علي أحد ألحق بالله عز و جل أم سلمة هي أم موسى بن عبد الله
وعن الأعمش قال بكى حذيفة في صلاته فلما فرغ التفت فإذا رجل خلفه فقال لا تعلمن بهذا أحدا
ذكر وفاة حذيفة رضي الله عنه
عن زياد مولى ابن عياش قال حدثني من دخل على حذيفة في مرضه الذي مات فيه فقال لولا أني أرى أن هذا اليوم آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة لم أتكلم به اللهم إنك تعلم أني كنت أحب الفقر على الغنى وأحب الذلة على العز وأحب (1/614)
الموت على الحياة حبيب جاء على فاقة لاأفلح من ندم ثم مات رحمه الله
وعن أبي وائل قال لما ثقل حذيفة أتاه أناس من بني عبس فأخبرني خالد بن الربيع العبسي قال أتيناه وهو بالمدائن حين دخلنا عليه جوف الليل فقال لنا أي ساعة هذه قلنا جوف الليل أو آخر الليل فقال أعوذ بالله من صباح إلى النار ثم قال أجئتم معكم بأكفان قلنا نعم قال فلا تغالوا بأكفاني فإنه إن يكن لصاحبكم عند الله خير فإنه يبدل بكسوته كسوة خيرا منها وإلا يسلب سلبا
وعن أبي إسحق أن صلة بن زفر حدثه إن حذيفة بعثني وأبا مسعود فابتعنا له كفنا حلة قصب بثلثمائة درهم قال أرياني ما ابتعتما لي فأريناه فقال ما هذا لي بكفن إنما يكفنني ريطتان بيضاوان ليس معهما قميص فإني لاأترك إلا قليلا حتى أبدل خيرا منهما فابتعنا له ريطتين بيضاوين (1/615)
قال أهل السير مات حذيفة بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأشهر 71 أبو الدحداح ثابت بن الدحداح رضي الله عنه
شهد أحدا وقتل يومئذ روى الواقدي عن عبدالله بن عامر قال قال ثابت بن الدحداح يوم أحد والمسلمون أوزاع يا معشر الأنصار إلي إلي إن كان محمد قد قتل فإن الله حي لا يموت فقاتلوا عن دينكم فنهض إليه نفر من الأنصار فجعل يحمل بمن معه وقد وقفت له كتيبة خشناء فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة فحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فأنفذه فوقع ميتا وقتل من كان معه
قال الواقدي وبعض أصحابنا من رواة العلم يقولون إنه برأ من (1/616)
جراحه ومات على فراشه من جرح كان أصابه وانتفض عليه مرجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من الحديبية
وعن عبد الله بن مسعود قال لما نزلت هذه الآية من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له قال أبو الدحداح الأنصاري وإن الله ليريد منا القرض قال نعم يا أبا الدحداح قال أرني يدك يا رسول قال فناوله رسول الله يده قال فإني قد أقرضت ربي حائطي قال وحائطه له فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها قال فجاء أبو الدحداح فنادى يا أم الدحداح قالت لبيك قال أخرجي من الحائط فقد أقرضته ربي عز و جل
وفي رواية أخرى أنها لما سمعته يقول ذلك عمدت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامها فقال النبي صلى الله عليه و سلم كم (1/617)
من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح
وعن أنس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إن لفلان نخلة وإن قوام حائطي بها فأمره أن يعطيني إياها حتى أقيم بها حائطي فقال النبي صلى الله عليه و سلم أعطها إياه بنخلة في الجنة فأبى فأتى أبو الدحداح الرجل فقال بعني نخلتك بحائطي ففعل فأتى أبو الدحداح النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إني ابتعت النخلة بحائطي فاجعلها له فقد أعطيتكها فقال النبي صلى الله عليه و سلم كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة قالها مرارا فأتى أبو الدحداح امرأته فقال يا أم الدحداح أخرجي من الحائط فقد بعته بنخلة في الجنة فقالت ربح البيع ربح البيع أو كلمة تشبهها (1/618)
خبيب بن عدي بن مالك
شهد أحدا مع النبي صلى الله عليه و سلم وكان فيمن بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم مع بني لحيان فأسروه هو وزيد بن دثنة فباعوهما من قريش فقتلوهما وصلبوهما بمكة بالتنعيم
وروى البخاري من حديث أبي هريرة قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة عينا فأمر عليهم عاصم بن ثابت حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا إليهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصموا آثارهم حتى وجدوا (1/619)
مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا تمر يثرب فاتبعوا آثارهم فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا فقال عاصم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة ونزل إليهم نفر على العهد والميثاق منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر فوالله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر فابتاع بنو الحارث بن عامر ابن نوفل خبيبا وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده قالت ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك قالت والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما (1/620)
يأكل قطفا من عنب في يده وإبه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة وكانت تقول إنه لرزق رزقه الله خبيبا فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب دعوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا وقال
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة (1/621)
وأبو سروعة أسلم وروى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأخرج له البخاري في الصحيح ثلاثة أحاديث
وقال سعيد بن عامر بن حذيم شهدت مصرع خبيب وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعه فقالوا أتحب أن محمدا مكانك فقال والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمدا شيك بشوكة ثم نادى يا محمد
عن إبراهيم بن إسمعيل قال أخبرني جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثه وحده عينا إلى قريش قال فجئت إلى خشبة خبيب وأنا أتخوف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض فانتبذت عنه بعيد ثم إلتفت فلم أر خبيبا ولكأنما ابتلعته الأرض فلم ير لخبيب أثر حتى الساعة
وقد روي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال كنت فيمن حضر قتل خبيب فلقد رأيت أبا سفيان حين دعا خبيب فقال اللهم (1/622)
أحصهم عددا يلقيني إلى الأرض فزعا من دعوة خبيب وكانوا يقولون إن الرجل إذا دعي عليه فاضطجع زالت عنه الدعوة 73 أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد عم أنس بن مالك
شهد أحدا وقتل يومئذ قال الواقدي لما جال المسلمون يوم أحد تلك الجولة ونادى إبليس قتل محمد مر أنس بن النضر يقاتل فرأى عمر ومعه رهط فقال ما يقعدكم قالوا قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم جالد بسيفه حتى قتل
وعن أنس أن عمه غاب عن بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه و سلم لئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه و سلم ليرين الله ما أفعل فلقي يوم أحد فهزم الناس فقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ إليك مما جاء به المشركون فتقدم بسيفه فلقي سعد بن معاذ فقال إلى أين يا سعد إني أجد ريح الجنة (1/623)
دون أحد فمضى فقتل فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من بين طعنة وضربة ورمية بسهم أخرجاه في الصحيحين
وعن أنس أن الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت سنها فعرضوا عليهم الأرش فأبوا فطلبوا العفو فأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فأمرهم بالقصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال يا رسول الله أتكسر سن الربيع والذي بعثك بالحق لاتكسر سنها قال يا أنس كتاب الله القصاص فعفا القوم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره أخرجه البخاري عن الأنصاري 74 البراء بن مالك
إبن النضر بن ضمضم أخو أنس بن مالك لأبيه ولأمه شهد أحدا وما بعدها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان شجاعا قتل مائة مبارزة (1/624)
قال ابن سيرين كتب عمر لا تستعملوا البراء على جيش من جيوش المسلمين فإنه مهلكة يقدم بهم
وقال أنس بن مالك ركب البراء فرسا يوم اليمامة ثم قال أيها الناس إنها والله الجنة وما لي إلى المدينة سبيل فمصع فرسه مصعات ثم كبس وكبس الناس معه فهزم الله المشركين فكانت في مدينتهم ثلمة
وعن محمد بن سيرين أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين فجلس البراء بن مالك على ترس وقال ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم ففعلوا فأدركوا وقتل منهم عشرة
وعن أنس بن مالك قال استلقى البراء بن مالك على ظهره ثم ترنم فقال له أنس أي أخي تغنى إلى متى هذا فاستوى جالسا فقال أتراني أموت على فراشي وقد قتلت مائة من المشركين مبارزة سوى من شاركت في قتله
وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كم من ضعيف متضعف (1/625)
ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك وإن البراء لقي زحفا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا له يا براء إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنك لو أقسمت على الله لأبرك فأقسم على الله فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا أقسم بابراء على ربك فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبي صلى الله عليه و سلم فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيدا
وفي رواية أخرى لما كان يوم تستر انكشف المسلمون فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك فاستشهد 75 ثابت بن قيس بن شماس
كان خطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/626)
يقول نعم الرجل ثابت بن قيس فلما كان يوم اليمامة انهزم المسلمون فقال ثابت أف لهؤلاء ولما يعبدون ولهؤلاء ولما يصنعون يا معشر الأنصار خلوا ثنيتي لعلي أصلى بحرها ساعة قال ورجل قائم على ثلمة فقتله وقتل
وعن أنس أن ثابت بن قيس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين أبيضين يكفن فيهما وقد انهزم القوم فقال اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء ثم قال بئس ما عودكم أقرانكم منذ اليوم خلوا بيننا وبينهم ساعة فحمل فقاتل حتى قتل 76 أبو الدرداء عويمر بن زيد وقيل ابن عامر
وفي اسمه خلاف قد ذكرته في كتاب التلقيح ويختلفون هل شهد أحدا أم لا وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مشاهد كثيرة وولاه عمر بن الخطاب القضاء بدمشق
عن معاوية بن قرة قال قال أبو الدرداء أطلبوا العلم فإن (1/627)
عجزتم فأحبوا أهله فإن لم تحبوهم فلا تبغضوهم
وعن ميمون بن مهران قال قال أبو الدرداء ويل للذي لا يعلم مرة ولو شاء الله علمه ويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات
وعن أبي وائل قال قال أبو الدرداء إني لآمركم بالأمر وما أفعله ولكني أرجو فيه الأجر وإن أبغض الناس إلي أن أظلمه من لا يستعين علي إلا الله
عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء قال تفكر ساعة خير من قيام ليلة
عن عون هو ابن عبد الله قال سئلت أم الدرداء ما كان أفضل عمل أبي الدرداء قالت التفكر والإعتبار رواهما الإمام أحمد
وعن الضحاك قال قال أبو الدرداء يا أهل دمشق أنتم الإخوان في الدين والجيران في الدار والأنصار على الأعداء ما يمنعكم من مودتي وإنما مؤنتي على غيركم ما لي أرى علماءكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون وأراكم قد أقبلتم على ما تكفل لكم به (1/628)
وتركتم ما أمرتم به ألا إن قوما بنوا شديدا وجمعوا كثيرا وأملوا بعيدا فأصبح بنيانهم قبورا وأملهم غرورا وجمعهم بورا ألا فتعلموا وعلموا فإن العالم والمتعلم في الأجر سواء ولا خير في الناس بعدهما
وعن ابن أبي ليلى قال كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله فإذا أحبه الله حببه إلى خلقه وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله فإذا أبغضه الله بغضه إلى خلقه
وعن أنس عن أبي الدرداء قال أغد عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تك الرابع فتهلك قلت للحسن ما الرابع قال المبتدع
وعن حبيب بن عبيد أن رجلا أتى أبا الدرداء فقال له أوصني فقال له اذكر الله عز و جل في السراء يذكرك في الضراء فإذا أشرفت على شيء من الدنيا فإنظر إلى ماذا يصير رواه أحمد
أبنا أبو سعيد الكندي عمن أخبره عن أبي الدرداء أنه قال (1/629)
يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يغبنون سهر الحمقى وصومهم ومثقال ذرة من بر مع تقوى ودين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترين من الحلية لأبي نعيم عن الإمام أحمد
وعن علي بن حوشب عن أبي الدرداء قال أخوف ما أخاف أن يقال لي يوم القيامة أعلمت أم جهلت فإن قلت علمت لا تبقى آية آمرة أو زاجرة إلا أخذت بفريضتها الآمرة هل أئتمرن والزاجرة هل ازدجرت فأعوذ بالله من علم لا ينفع ونفس لا تشبع ودعاء لا يسمع رواه الإمام أحمد
وعن لقمان بن عامر عن أبي الدرداء قال إنما أخشى على نفسي أن يقال لي على رؤوس الخلائق يا عويمر هل علمت فأقول نعم فيقال ماذا عملت فيما علمت
عن سالم عن أم الدرداء قالت دخل علينا يوما أبو الدرداء مغضبا فقلت ما لك فقال والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر (1/630)
محمد صلى الله عليه و سلم إلا أنهم يصلون جميعا
وعن سالم بن أبي الجعد أن رجلا صعد إلى أبي الدرداء إلى غرفة له وهو يلتقط حبا فقال أبو الدرداء إن من فقه الرجل رفقه في معيشته
عن عبد الرزاق قال أبنا معمر عن صاحب له أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان يا أخي اغتنم صحتك وفراغك قبل أن ينزل بك من البلاء مالا يستطيع العباد رده واغتنم دعوة المبتلى يا أخي ليكن المسجد بيتك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول المساجد بيت كل تقي وقد ضمن الله عز و جل لمن كانت المساجد بيوتهم بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله عز و جل ويا أخي ارحم اليتيم وأدنه وأطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وأتاه رجل يشتكي قساوة قلبه فقال رسول الله أتحب أن يلين قلبك فقال نعم قال أدن اليتيم منك وامسح رأسه وأطعمه (1/631)
من طعامك فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك يا أخي لا تجمع ما لا تستطيع شكره فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يجاء بصاحب الدنيا يوم القيامة الذي أطاع الله عز و جل فيها وهو بين يدي ماله وماله خلفه وكلما تكفأ به الصراط قال له صاحبه امض فقد أديت الحق الذي كان عليك قال ويجاء بالذي لم يطع الله عز و جل فيه وماله بين كتفيه فيعثره ماله ويقول له ويلك هلا عملت بطاعة الله عز و جل فلا يزال كذلك حتى يدعو بالويل ويا أخي حدثت أنك اشتريت خادما وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا يزال العبد من الله وهو منه ما لم يخدم فإذا خدم وجب عليه الحساب وإن أم الدرداء سألتني خادما وأنا يومئذ موسر فكرهت ذلك لما سمعت من الحساب ويا أخي لا تغترن بصاحبة (1/632)
رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنا عشنا بعده دهرا طويلا والله أعلم بالذي أصبنا بعده
وعن جابر قال خطب يزيد بن معاوية إلى أبي الدرداء ابنة أم الدرداء فقال رجل من جلساء يزيد أصلحك الله تأذن لي أن أتزوجها قال أعزب ويلك قال فأذن لي أصلحك الله فأذن له فأنكحها أبو الدرداء الرجل قال فسار ذلك في الناس أن يزيد خطب إلى أبي الدرداء فرده وخطب إليه رجل من ضعفاء المسلمين فأنكحه قال فقال أبو الدرداء إني نظرت للدرداء فما ظنكم بالدرداء إذا قامت على رأسها الخصيان ونظرت في بيوت يلتمع فيها بصرها أين دينها منها يومئذ رواه الإمام أحمد
وروي أيضا من حديث لقمان بن عامر عن أبي الدرداء قال معاتبة الأخ خير له من فقده ومن لك بأخيك كله أعط أخاك ولن له ولا تطع به حاسدا فتكون مثله غدا يأتيك الموت (1/633)
فيكفيك قتله كيف تبكيه بعد الموت وفي الحياة تركت وصله
وقال إن ناقدت الناس ناقدوك وإن تركتهم لم يتركوك وإن هربت منهم أدركوك قال يا أبا الدرداء فما تأمرني قال هب عرضك ليوم فقرك وما تجرع مؤمن جرعة أحب إلى الله عز و جل من غيظ كظمه فاعفوا يعزكم الله
وقال إياكم ودعوة اليتيم ودعوة المظلوم فإنها تسري بالليل والناس نيام
وقال ما تصدق مؤمن بصدقة أحب إلى الله عز و جل من موعظة يعظ بها قومه فيفترقون قد نفعهم الله عز و جل بها
وعن حرام بن حكيم قال قال أبو الدرداء لو تعلمون ما أنتم راؤون بعد الموت لما أكلتم طعاما على شهوة ولا شربتم شرابا على شهوة ولا دخلتم بيتا تستظلون به ولخرجتم إلى الصعدات (1/634)
تضربون نفوسكم وتبكون على أنفسكم ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل
وعن يزيد بن مرثد أبو عثمان عن أبي الدرداء أنه قال ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر والإخلاص للتوكل والإستسلام للرب عز و جل
وروى أحمد عن فرات بن سليمان أن أبا الدرداء كان يقول ويل لكل جماع فاغر فاه كأنه مجنون يرى ما عند الناس ولا يرى ما عند الله عز و جل لو يستطيع لوصل الليل بالنهار ويله من حساب غليظ وعذاب شديد
قال وكان يقول أحب الموت وتكرهونه وأحب الفقر وتكرهونه أين الذين أملوا بعيدا وجمعوا كثيرا وبنوا شديدا فأصبح أملهم غرورا وأصبح جمعهم بورا وأصبحت منازلهم قبورا وفي (1/635)
وفي رواية أخرى أحب الموت اشتياقا إلى ربي عز و جل وأحب الفقر تواضعا لربي عز و جل وأحب المرض تكفيرا لخطيئتي
وعن ابن جابر قال كان أبو الدرداء يقول تبنون شديدا وتأملون بعيدا وتموتون قريبا
وعن محمد بن سعد الأنصاري عن أبي الدرداء قال استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل وما خشوع النفاق قال أن يرى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع رواه الإمام أحمد
وعن معاوية بن صالح عن أبي الدرداء قال إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله فإن كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء وإن كان هواه تبعا لعمله فيومه يوم صالح
وعن عبد الرحمن بن محمد المحاربي قال بلغني أن أبا الدرداء كتب إلى أخ له أما بعد فلست في شيء من أمر الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك وهو صائر له أهل بعدك وليس لك منه إلا ما قدمت لنفسك فآثرها على المصلح من ولدك فإنك تقدم على من لا يعذرك وتجمع لمن لا يحمدك وإنما تجمع لواحد من اثنين إما (1/636)
عامل فيه بطاعة الله عز و جل فيسعد بما شقيت وإما عامل فيه بمعصية الله عز و جل فيشقى بما جمعت له وليس والله واحد منهما بأهل أن تبرد له على ظهرك وأن تؤثره على نفسك ارج لمن مضى منهم رحمة الله وثق لمن بقي منهم برزق الله عز و جل والسلام من الحلية
وعن محمد بن يزيد الرحبي قال قيل لأبي الدرداء ما لك لا تشعر فإنه ليس رجل له بيت في الأنصار إلا وقد قال شعرا قال وأنا قد قلت فاسمعوا
يريد المرء أن يعطى مناه ... ويأبى الله إلا ما أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي ... وتقوى الله أفضل ما استفادا
وعن يحيى بن سعيد قال قال أبو الدرداء أدركت الناس (1/637)
ورقا لا شوك فيه فأصبحوا شوكا لا ورقة فيه إن نقدتهم نقدوك وإن تركتهم لا يتركوك قالوا فكيف نصنع قال تقرضهم من عرضك ليوم فقرك
وعن قتادة قال قال أبو الدرداء ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عن قليل تكون قبرك ابن آدم إنما أنت أيام فكلما ذهب يوم ذهب بعضك ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك من يوم ولدتك أمك
وعن روح بن الزبرقان قال قال أبو الدرداء ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة في مال ظل فرحا مسرورا والليل والنهار دائبان في هدم عمره لا يحزنه ذلك ضل ضلاله ما ينفع مال يزيد وعمر ينقص
وعن جبير بن نفير قال لما فتحت قبرس فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله قال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز و جل إذا تركوا أمره (1/638)
بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فرأيتهم كما نرى
وعن شرحبيل أن أبا الدرداء كان إذا رأى جنازة قال اغدوا فإنا رائحون وروحوا فإنا غادون موعظة بليغة وغفلة سريعة كفى بالموت واعظا يذهب الأول فالأول ويبقى الآخر لا حلم له
عن الأوزاعي وعن بلال بن بن سعد أنه سمعه يقول كان أبو الدرداء يقول اللهم إني أعوذ بك من تفرقة القلب قيل وما تفرقة القلب قال أن يوضع في كل واد مال
وعن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال إن الذين ألسنتهم رطبة بذكر الله عز و جل يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك
وعن حسان بن عطية أن أصحابا لأبي الدرداء تضيفوه فضيفهم فمنهم من بات على ثيابة كما هو فلما أصبح غدا عليهم فعرف ذلك منهم فقال إن لنا دارا لها نجمع وإليها نرجع
وعن محمد بن كعب أن ناسا نزلوا على أبي الدرداء ليلة قرة (1/639)
فأرسل إليهم بطعام سخن ولم يرسل إليهم بلحف فقال بعضهم لقد أرسل إلينا بالطعام فما هنأنا مع القر لا أنتهي أو أبين له قال الآخر دعه فأبى فجاء حتى وقف على الباب رآه جالسا وامرأته ليس عليها من الثياب إلا مالا يذكر فرجع الرجل وقال ما أراك بت إلا بنحو ما بتنا به قال إن لنا دارا ننتقل إليها قدمنا فرشنا ولحفنا إليها ولو ألفيت عندنا منه شيئا لأرسلنا إليك به وإن بين أيدينا عقبة كؤودا المخف فيها خير من المثقل أفهمت ما أقول لك قال نعم رواه الإمام أحمد
وعن أبي قلابة أن أبا الدرداء مر على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه فقال أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه قالوا بلى قال فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله عز و جل الذي عافاكم قالوا أفلا تبغضه قال إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي رواه الطبراني
وعن سليم بن عامر عن أبي الدرداء قال نعم صومعة المرء (1/640)
المسلم بيته يكف لسانه وفرجه وبصره وإياكم ومجالس الأسواق فإنها تلهي وتلغي
ذكر وفاة أبي الدرداء رضي الله عنه
عن معاوية بن قرة أن أبا الدرداء اشتكى فدخل عليه أصحابه فقالوا ما تشتكي قال أشتكي ذنوبي قالوا فما تشتهي قال أشتهي الجنة قالوا أفلا ندعو لك طبيبا قال هو الذي أضجعني
عن لقمان بن عامر عن أم الدرداء أنها قالت اللهم إن أبا الدرداء خطبني فتزوجني في الدنيا اللهم فأنا أخطبه إليك فأسألك أن تزوجنيه في الجنة فقال لها أبو الدرداء فإن أردت ذلك وكنت أنا الأول فلا تزوجي بعدي قال فمات أبو الدرداء وكان لها جمال وحسن فخطبها معاوية فقالت لا والله لا أتزوج زوجا في الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله عز و جل في الجنة
عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال قالت أم الدرداء لأبي الدرداء إن احتجت بعدك أآكل الصدقة قال لا اعملي (1/641)
وكلي قالت فإن ضعفت عن العمل قال التقطي السنبل ولا تأكلي الصدقة
عن إسمعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء أن أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول من يعمل لمثل يومي هذا من يعمل لمثل ساعتي هذه من يعمل لمثل مضجعي هذا ثم يقول ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة
عن إسمعيل بن عبيد الله أن أبا مسلم قال جئت أبا الدرداء وهو يجود بنفسه فقال ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ثم قبض رحمه الله
وعن عوف بن مالك الأشجعي قال رأيت في المنام كأني أتيت مرجا أخضر فيه قبة من أدم حولها غنم ربوض تجتر وتبعر العجوة فقلت لمن هذه فقيل لعبد الرحمن بن عوف فانتظرته حتى خرج من القبة فقال يا عوف بن مالك هذا ما أعطانا الله عز و جل بالقرآن ولو أشرفت على هذه الثنية لرأيتما لم تر عينك وسمعت (1/642)
ما لم تسمع أذنك ولم يخطر على قلبك أعده الله عز و جل لأبي الدرداء لأنه كان يدفع الدنيا بالراحتين والنحر
عن محمد بن سعد قال أخبرنا الواقدي توفي أبو الدرداء بدمشق سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان وله عقب بالشام
وأخبرني غير الواقدي عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال توفي أبو الدرداء بالشام سنة إحدى وثلاثين 77 عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام السلمي
شهد أحدا وله من الولد معاذ ومعوذ وخلاد شهدوا بدرا وقتل عمرو بن الجموح هو وابنه خلاد يوم أحد
عن عكرمة أن عمرو بن الجموح كان مناف في بيته يعني صنما فلما قدم مصعب بن عمير المدينة يعلم الناس القرآن بعث (1/643)
إليهم عمرو ما هذا الذي جئتمونا به فقالوا إن شئت جئناك فأسمعناك فواعدهم يوما فقرأوا عليه آلر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآنا عربيا فقال إن لنا مؤامرة في قومنا وكان سيد بني سلمة قال فخرجوا فدخل على مناف فقال يا مناف تعلم والله ما يريد القوم غيرك فهل عندك من نكير فقلده السيف وخرج لحاجته فقام أهله فأخذوا السيف فلما رجع دخل عليه فلم ير السيف فقال أين السيف ويحك والله إن العنز لتمنع أستها والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير ثم قال إني ذاهب إلى مالي بعلياء المدينة فاستوصوا بمناف خيرا فإني أكره أن أرى له يوم سوء فذهب فأخذوه فربطوه وكسروه وربطوه إلى جنب كلب ميت وألقوه في بئر فلما جاء قال كيف أنتم قالوا بخير يا سيدنا وسع الله عز و جل في منازلنا وطهر بيوتنا من الرجس قال والله إني لأراكم قد أسأتم خلافتي في مناف قالوا هو ذاك انظر إليه في جنب البئر فأشرف فإذا هم قد ربطوه إلى جنب (1/644)
كلب فبعث إلى قومه فجاؤوا فقال ألستم على ما أنا عليه قالوا بلى أنت سيدنا قال فإني أشهدكم أني قد آمنت بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم
فلما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قوموا بنا إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فقام وهو أعرج فقال والله لأحفزن عليها في الجنة فقاتل حتى قتل
وفي رواية أخرى أنه لما رأى صنمه في البئر أنشأ يقول
الحمد لله العلي ذي المنن ... الواهب الرزاق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن ... أكون في ظلمة قبر مرتهن
والله لو كنت إلها لم تكن ... أنت وكلب وسط بئر في قرن
فالآن فتشناك عن شر الغبن ...
وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا بني سلمة من سيدكم قالوا جد ابن قيس على أننا بخله قال وأي داء أدوأ من (1/645)
البخل بل سيدكم الأبيض عمرو بن الجموح
محمد بن سعد قال أبنا الواقدي لم يشهد عمرو بدرا وكان أعرج فلما أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم الخروج إلى أحد منعه بنوه وقالوا قد عذرك الله فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما أنت فقد عذرك الله ولا جهاد عليك ثم قال لبنيه لا عليكم أن لا تمنعوه لعل الله عز و جل يرزقه الشهادة فخلوا عنه
قالت امرأته هند بنت عمرو بن حرام كأني أنظر إليه موليا وقد أخذ درقته وهو يقول اللهم لا تردني إلى أهل حزبي وهي منازل بني سلمة قال أبو طلحة فنظرت إلى عمرو حين انكشف المسلمون ثم ثابوا وهو في الرعيل الأول لكأني أنظر إلى ظلع في رجله يقول أنا والله مشتاق إلى الجنة ثم أنظر إلى ابنه خلاد يعدو (1/646)
في أثره حتى قتلا جميعا
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو ابن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريين كان السيل قد خرب قبرهما وكانا في قبر واحد وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدوا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأمطيت يده عن جرحه ثم أرسلت فعادت كما كانت وكان بين أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة رضي الله عنهما 78 أبو قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه
شهد أحدا وما بعدها من المشاهد وكان من الفرسان المذكورين ودعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال اللهم بارك له في شعرة (1/647)
وبشره فتوفي وهو ابن سبعين سنة وكأنه ابن خمسة عشر سنة وبصق رسول الله صلى الله عليه و سلم على جرح كان به قال فما ضرب علي قط ولا قاح وتوفي بالمدينة سنة أربع وخمسين وقيل بالوقفة 79 جابر بن عبد الله بن عامر بن حرام
يكنى أبا عبد الله شهد العقبة مع السبعين وكان أصغرهم يومئذ وأراد شهود بدر فخلفه أبوه على أخواته وكن تسعا وخلفه أيضا يوم أحد ثم شهد ما بعد ذلك
عن جابر قال أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فانفتل الناس فلم يبق مع النبي صلى الله عليه و سلم إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم فأنزل الله عز و جل وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما (1/648)
توفي جابر سنة ثمان وسبعين بالمدينة بعد أن ذهب بصره 80 زيد بن الدثنة بن معاوية رضي الله عنه
شهد أحدا واستؤثر يوم الرجيع مع خبيب بن عدي فباعوهما من قريش فقتلا بمكة وكان الذي ابتاع زيدا صفوان بن أمية فقتله بأبيه فحضره نفر من قريش فيهم أبو سفيان فقال قائل يا زيد أنشدك بالله أتحب أنك الآن في أهلك وأن محمدا عندنا مكانك فقال والله ما أحب أن محمدا يشاك في مكانه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي فقال أبو سفيان والله ما رأيت من قوم قط أشد حبا لصاحبهم من أصحاب محمد له (1/649)
ومن الطبقة الثالثة من المهاجرين والأنصار ممن شهد الخندق وما بعدها 81 خالد بن الوليد إبن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم
يكنى أبا سليمان وأمه عصماء وهي لبابة الصغرى بنت الحارث أخت أم الفضل امرأة العباس
المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث قال سمعت أبي يحدث قال قال خالد بن الوليد رضي الله عنه
لما أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي حب الإسلام وحضرني رشدي وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا انصرفت وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمدا سيظهر ودافعته قريش بالراح يوم الحديبية فقلت أين المذهب وقلت أخرج إلى هرقل ثم قلت أخرج من (1/650)
ديني إلى نصرانية أو يهودية فأقيم مع عجم تابعا لها مع عيب ذلك علي ودخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة عام القضية فتغيبت فكتب إلي أخي
لم أر أعجب ذهاب رائك عن الاسلام وعقلك عقلك ومثل الاسلام جهله أحد وقد سألني رسول الله صلى الله عليه و سلم عنك فقال أين خالد فقلت يأتي الله به فقال ما مثل خالد جهل الاسلام فاستدرك يا أخي ما فاتك
فلما أتاني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الاسلام وسرتني مقالة النبي صلى الله عليه و سلم فأرى في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلد أخضر واسع فقلت إن هذه لرؤيا فذكرتها بعد لأبي بكر فقال هو مخرجك الذي هداك الله فيه للاسلام والضيق الشرك فأجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وطلبت من أصاحب فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة وخرجنا جميعا فادلجنا سحرا فلما كنا بالهدة إذا عمرو بن العاص فقال (1/651)
مرحبا بالقوم فقلنا وبك فقال أين مسيركم فأخبرناه وأخبرنا أنه يريد أيضا النبي صلى الله عليه و سلم فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه و سلم أول يوم من صفر سنة ثمان فلما طلعت على رسول الله صلى الله عليه و سلم سلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق فأسلمت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير وبايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وقلت استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله فقال إن الإسلام يجب ما قبله ثم استغفر لي وتقدم عمرو وعثمان بن طلحة فأسلما فوالله ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم من يوم أسلمت يعدل بي أحدا من أصحابه فيما يحزبه
وعن إبراهيم بن يحيى بن زيد بن ثابت قال لما كان يوم مؤتة وقتل الأمراء أخذ اللواء ثابت بن أقرم وجعل يصيح يا للأنصار فجعل الناس يثوبون إليه فنظر إلى خالد بن الوليد فقال خذ اللواء يا أبا سليمان فقال لا آخذه أنت أحق به لك سن وقد شهدت بدرا قال ثابت خذه أيها الرجل فوالله ما أخذته إلا لك وقال ثابت للناس اصطلحتم على خالد قالوا نعم فحمل اللواء وحمل بأصحابه ففض جمعا من جمع المشركين
وعن قيس بن أبي حازم قال سمعت خالد بن الوليد يقول (1/652)
لقد انقطع في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية
وعن عبد الملك بن عمير قال استعمل عمر أبا عبيدة بن الجراح على الشام وعزل خالد بن الوليد قال فقال خالد بن الوليد بعث عليكم أمين هذه الأمة إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح فقال أبو عبيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول خالد سيف من سيوف الله نعم فتى العشيرة
قال العلماء بالسير بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد في سرايا وخرج معه في غزاة الفتح وإلى حنين وتبوك وفي حجة الوداع فلما حلق رسول الله صلى الله عليه و سلم رأسه أعطاه ناصيته فكانت في مقدم قلنسوته فكان لا يلقى أحدا إلا هزمه
ولما خرج أبو بكر رضي الله عنه إلى أهل الردة كان خالد بن الوليد يحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالدا ورجع إلى المدينة (1/653)
وكان خالد يقول ما أدري من أي يومي أفر من يوم أراد الله عز و جل أن يهدي لي فيه شهادة أو من يوم أراد الله عز و جل أن يهدي لي فيه كرامة
ولما عزله عمر بن الخطاب لم يزل مرابطا بحمص حتى مرض فدخل عليه أبو الدرداء عائدا فقال إن خيلي وسلاحي على ما جعلته في سبيل الله عز و جل وداري بالمدينة صدقة قد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب ونعم العون هو على الاسلام وقد جعلت وصيتي وإنفاذ عهدي إلى عمر فقدم بالوصية على عمر فقبلها وترحم عليه
ومات خالد فقبر في بعض قرى حمص على ميل من حمص سنة إحدى وعشرين فحكى من غسله أنه ما كان في جسمه موضع صحيح من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم
وعن عبد الرحمن بن أبي الزناد أن خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى فقال لقد لقيت كذا وكذا زحفا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء (1/654)
وعن شقيق بن سلمة قال لما مات خالد بن الوليد اجتمع نسوة بني المغيرة في دار خالد يبكين عليه فقيل لعمر إنهن قد اجتمعن فانههن فقال عمر وما عليهن أن يرقن دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة
قال وكيع النقع الشق واللقلقة الصوت رضي الله عنه والله أعلم 82 عبد الله بن عمرو بن العاصي بن وائلBه
أسلم قبل أبيه واستأذن النبي صلى الله عليه و سلم في كتابة ما يسمع منه فأذن له رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال قد حفظت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الف مثل وكان عالما متعبدا
عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال استأذنت النبي صلى الله عليه و سلم في كتابة ما سمعت منه فأذن لي فكتبته فكان عبد الله يسمي صحيفته الصادقة (1/655)
وعن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال زوجني أبي امرأة من قريش فلما دخلت علي جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصلاة والصوم فجاء عمرو بن العاص إلى كنته حتى دخل عليها فقال كيف وجدت بعلك قالت خير الرجال أو كخير البعولة من رجل لم يتفش لنا كنفا ولم يعرف لنا فراشا فأقبل علي فعذلني وعضني بلسانه فقال أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فعضلتها وفعلت
قال ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه و سلم فشكاني فأرسل إلي النبي صلى الله عليه و سلم فأتيته فقال لي أتصوم النهار قلت نعم قال وتقوم الليل قلت نعم قال ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأمس النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني وقال اقرأ القرآن في كل شهر قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال فاقرأه في كل عشرة أيام
قلت إني أجدني أقوى من ذلك قال أحدهما إما حصين وإما مغيرة قال فاقرأه في كل ثلاث قال ثم قال صم في كل شهر ثلاثة أيام قلت إني أقوى من ذلك قال فلم يزل يرفقني حتى قال (1/656)
صم يوما وأفطر يوما فانه أفضل الصيام وهو صيام أخي داود قال حصين في حديثه ثم قال صلى الله عليه و سلم فان لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فاما إلى سنة وإما إلى بدعة فمن كانت فترته إلى سنة فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك
قال مجاهد فكان عبد الله بن عمرو حين ضعف وكبر يصوم الأيام يصل بعضها إلى بعض ليتقوى بذلك ثم يفطر بعدد تلك الأيام
قال وكان يقرأ من حزبه كذلك يزيد أحيانا وينقص أحيانا غير أنه يوفي العدد إما في سبع وإما في ثلاث قال ثم كان يقول بعد ذلك لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إلي مما عدل به لكني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره انفرد باخراجه البخاري
وعن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو قال تجمعون فيقال أين فقراء هذه الأمة ومساكينها قال فيبرزون فيقال ما عندكم فيقولون يا رب ابتليتنا فصبرنا وأنت اعلم ووليت الأموال والسلطان غيرنا قال فيقال صدقتم قال فيدخلون الجنة قبل سائر الناس (1/657)
بزمان وتبقى شدة الحساب على ذوى الأموال
وعن خالد بن معدان عن ابن عمرو قال أرواح المؤمنين في جوف طير خضر كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة
وعن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو قال لو تعلمون حق العلم لسجدتم حتى تنقصف ظهوركم ولصرختم حتى تنقطع أصواتكم فابكوا فان لم تجدوا البكاء فتباكوا
وعن يعلى بن عطاء عن أمه أنها كانت تصنع الكحل لعبد الله ابن عمرو قالت وإن كان ليقوم بالليل فيطفىء السراج ثم يبكي حتى رصعت عيناه
وعن عبد الله بن هبيرة عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال لأن أدمع دمعة من خشية الله عز و جل أحب إلى من أن أتصدق بألف دينار
وعن سلمان بن ربيعة أنه حج في عصابة من قراء أهل البصرة فقال والله لا نرجع حتى نلقى رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم مرضيا (1/658)
يحدثنا بحديث فلم نزل نسأل حتى حدثنا أن عبد الله بن عمرو نازل في أسفل مكة فعمدنا إليه فاذا نحن بثقل عظيم ويرتحلون ثلثمائة راحلة منها مائة راحلة ومائتا زاملة فقلنا لمن هذا الثقل فقالوا لعبد الله بن عمر فقلنا أكل هذا له وكنا نحدث أنه من أشد الناس تواضعا فقالوا لنا أما هذه المائة راحلة فلاخوانه يحملهم عليها وأما المائتان فلمن نزل عليه من أهل الأمصار ولأضيافه فعجبنا من ذلك فقالوا لا تعجبوا من هذا فان عبد الله رجل غني وإنه يرى حقا عليه أن يكثر من الزاد لمن نزل عليه من الناس
فقلنا دلونا عليه فقالوا إنه في المسجد الحرام قال فانطلقنا نطلبه حتى وجدناه في دبر الكعبة جالسا بين بردتين وعمامة ليس عليه قميص قد علق نعليه في شماله
وعن هارون بن رئاب قال لما حضرت عبد الله بن عمرو الوفاة قال إنه كان خطب إلي ابنتي رجل من قريش وقد كان مني إليه شبيه بالوعد فوالله لا ألقى الله عز و جل بثلث النفاق اشهدوا أني قد زوجتها إياه (1/659)
قال محمد بن سعد قال محمد إبن عمر وتوفي عبد الله بن عمرو بالشام سنة خمس وستين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة
قلت وقد زعم قوم أنه مات بمكة ويقال بالطائف ويقال بمصر رحمه الله ورضي عنه 83 سعيد بن عامر بن حذيم
ابن سلامان بن ربيعة الجمحي أسلم قبل خيبر وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وما بعدها
عن عبد الرحمن بن سابط قال أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعيد بن عامر فقال إنا مستعملوك على هؤلاء فسر بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم فقال يا عمر لا تفتني فقال عمر والله لا أدعكم جعلتموها في عنقي ثم تخليتم مني
وعنه قال دعا عمر بن الخطاب رجلا من بني جمح يقال له سعيد بن عامر بن حذيم فقال له إني مستعملك على أرض كذا وكذا فقال لا تفتني يا أمير المؤمنين فقال والله لا أدعك (1/660)
قلدتموها في عنقي وتركتموني فقال عمر ألا نفرض لك رزقا قال قد جعل الله تعالى في عطائي ما يكفيني دونه أو فضلا على ما أريد
قال وكان إذا خرج عطاءه ابتاع لأهله قوتهم وتصدق ببقيته فتقول له امرأته أين فضل عطائك فيقول لها قد أقرضته فأتاه ناس فقالوا ان لأهلك عليك حقا وإن لأصهارك عليك حقا فقال ما أنا بمستأثر عليهم ولا بملتمس رضا أحد من الناس لطلب الحور العين ولو اطلعت خيرة من خيرات الجنة لأشرقت لها الأرض كما تشرق الشمس وما أنا بمتخلف عن العنق الأول بعد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يجمع الله عز و جل الناس ليوم فيجيء فقراء المؤمنين فيزفون كما يزف الحمام فيقال لهم قفوا عند الحساب فيقولون ما عندنا حساب ولا آتيتمونا شيئا فيقول ربهم عز و جل صدق عبادي فيفتح لهم باب الجنة فيدخلونها قبل الناس بسبعين عاما (1/661)
فبلغ عمر أنه يمر به كذا وكذا لا يدخن في بيته فأرسل إليه عمر بمال فأخذه فصرره صررا فتصدق به يمينا وشمالا وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لو أن حوراء أطلعت إصبعا من أصابعها لوجد ريحها كل ذي روح فأنا أدعهن لكن فوالله لأنتن أحرى أن أدعكن لهن منهن لكن
وعن حسان بن عطية قال لما عزل عمر بن الخطاب معاوية ابن أبي سفيان عن الشام بعث سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي قال فخرج معه بجارية من قريش نضيرة الوجه قال فما لبث إلا يسيرا حتى أصابته حاجة شديدة قال فبلغ ذلك عمر فبعث إليه بألف دينار قال فدخل بها على امرأته فقال ان عمر بعث الينا بما ترين فقالت لو أنك اشتريت أدما وطعاما وادخرت سائرها
فقال لها أو لا أدلك على أفضل من ذلك نعطي هذا المال من يتجر لنا فيه فنأكل من ربحها وضمانها عليه قالت فنعم إذا
فاشترى أدما وطعاما واشترى غلامين وبعيرين يمتاران عليهما حوائجهم وفرقها على المساكين وأهل الحاجة (1/662)
قال فما لبث إلا يسيرا حتى قالت له امرأته إنه قد نفد كذا وكذا فلو أتيت ذلك الرجل فأخذت لنا من الربح فاشتريت لنا مكانه قال فسكت عنها ثم عاودته فسكت عنها حتى آذته ولم يدخل بيته إلا من ليل إلى ليل
قال وكان رجل من أهل بيته ممن يدخل بدخوله فقال لها ما تصنعين إنك قد آذيته وإنه قد تصدق بذلك قال فبكت أسفا على ذلك المال
قال ثم إنه دخل عليها يوما فقال على رسلك إنه كان لي أصحاب فارقوني منذ قريب ما أحب أني صددت عنهم وإن لي الدنيا وما فيها ولو أن خيرة من خيرات الجنان اطلعت من السماء لأضاءت لأهل الارض ولقهر ضوء وجهها الشمس والقمر ولنصيف تكسى خير من الدنيا وما فيها فلأنت في نفسي أحرى أن أدعك لهن من أن أدعهن لك قال فسمحت ورضيت
وعن مالك بن دينار قال لما أتى عمر رضي الله عنه الشام (1/663)
طاف بكورها قال فنزل بحضرة حمص فأمر أن يكتبوا له فقراءهم قال فرفع إليه الكتاب فاذا فيه سعيد بن عامر بن حذيم أميرها فقال من سعيد بن عامر قالوا أميرنا قال أميركم قالوا نعم فعجب عمر ثم قال كيف يكون أميركم فقيرا أين عطاؤه أين رزقه قالوا يا أمير المؤمنين لا يمسك شيئا قال فبكى عمر ثم عمد إلى الف دينار فصرها ثم بعث بها إليه وقال أقرئوه مني السلام وقولوا بعث بهذه إليك أمير المؤمنين تستعين بها على حاجتك فقال فجاء بها إليه الرسول فنظر فاذا هي دنانير قال فجعل يسترجع قال تقول له امرأته ما شأنك يا فلان أمات أمير المؤمنين قال بل أعظم من ذلك قالت فما شأنك قال الدنيا أتتني الفتنة دخلت علي قالت فاصنع فيها ما شئت قال عندك عون قالت نعم قال فأخذ دريعة فصر الدنانير فيها صرارا ثم جعلها في مخلاة ثم اعترض جيشا من جيوش المسلمين فأمضاها كلها فقالت له امرأته رحمك الله لو كنت حبست منها شيئا نستعين به قال فقال لها إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لو اطلعت (1/664)
امرأة من نساء أهل الجنة إلى أهل الأرض لملأت ريح مسك وإني والله ما كنت لأختارك عليهن فسكتت
وعن خالد بن معدان قال استعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحمص سعيد بن عامر بن حذيم فلما قدم عمر حمص قال يا أهل حمص كيف وجدتم عاملكم فشكوه إليه وكان يقال لأهل حمص الكويفة الصغرى لشكايتهم العمال قالوا نشكو أربعا لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار قال أعظم بها قال وماذا قالوا لا يجيب أحدا بليل قال وعظيمة قال وماذا قالوا له يوم في الشهر لا يخرج فيه إلينا قال عظيمة قال وماذا قالوا يغنظ الغنظة بين الأيام أي تأخذه موتة
قال فجمع عمر بينهم وبينه وقال اللهم لا تفيل رأيي فيه اليوم ما تشتكون منه قالوا لا يخرج حتى يتعالى النهار قال والله إن كنت لأكره ذكره إنه ليس لأهلي خادم فأعجن عجينهم (1/665)
ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم
فقال ما تشتكون منه قالوا لا يجيب أحدا بليل قال ما يقولون قال إن كنت لأكره ذكره إني جعلت النهار لهم وجعلت الليل لله عز و جل قال وما تشكون منه قالوا إن له يوما في الشهر لا يخرج إلينا فيه قال ما يقولون قال ليس لي خادم يغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها فأجلس حتى تجف ثم أدلكها ثم أخرج إليهم من آخر النهار قال ما تشكون منه قالوا يغنظ الغنظة بين الأيام قال ما يقولون قال شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذع فقالوا أتحب أن محمدا مكانك فقال والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمدا شيك بشوكة ثم نادى يا محمد فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم إلا ظننت أن الله عز و جل لا يغفر لي بذلك الذنب أبدا فتصيبني تلك الغنظة فقال عمر الحمد لله الذي لم يفيل فراستي
فبعث إليه بألف دينار وقال استعن بها على حاجتك فقالت امرأته (1/666)
الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك فقال لها فهل لك في خير من ذلك ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها قالت نعم فدعا رجلا من أهله يثق به فصررها صررا ثم قال انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان وإلى مسكين آل فلان وإلى مبتلي آل فلان فبقيت منها ذهيبة فقال انفقي هذه ثم عاد إلى عمله فقالت ألا تشتري لنا خادما ما فعل ذلك المال قال سيأتيك أحوج ما تكونين
ذكر وفاة سعيد محمد بن سعد قال قال الواقدي مات سعيد في سنة عشرين في
خلافة عمر رضي الله عنه 84 أبو جندل بن سهيل بن عمروBه
أسلم قديما بمكة فحبسه أبوه في الحديد ومنعه الهجرة فلما نزل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحديبية وأتاه سهيل بن عمرو فقاضاه على ما قاضاه عليه أقبل أبو جندل يرسف في قيده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رآه (1/667)
أبوه قال يا محمد هذا أول من أقاضيك عليه فرده رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبيه لأن الصلح كان قد تم بينهم وكان فيه أن من جاء من المسلمين إلى المشركين لم يردوه عليهم ومن جاء من المشركين إلى المسلمين ردوه عليهم فقال أبو جندل يا معشر المسلمين ارد إلى المشركين ليفتنوني عن ديني فقال النبي صلى الله عليه و سلم يا أبا جندل إنا قد قاضيناهم ولا بد من الوفاء فاصبر فان الله عز و جل سيجعل لك فرجا ومخرجا
ثم إنه أفلت منهم يزل ولم يغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى مات
ثم خرج إلى الشام مجاهدا فمات بها في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة 85 عياض بن غنم بن زهيرBه
أسلم قبل الحديبية وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ولما حضرت (1/668)
أبا عبيدة الوفاة ولاه عمله فأقره عمر
وكان سمحا يعطي ما يملك فكلم عمر فيه وقيل يبذر المال فقال إن سماحه في ذات يده فإذا بلغ مال الله عز و جل لم يعط منه شيئا ولا أعزل من ولاه أبو عبيدة وكان عياض على حمص فكان افتتاح الجزيرة والرهاء وحران والرقة على يديه سنة ثمان عشرة صالحهم فكتب كتابا
وعن موسى بن عقبة قال لما ولي عياض بن غنم قدم عليه نفر من أهل بيته يطلبون صلته فلقيهم بالبشر وأنزلهم وأكرمهم فأقاموا أياما ثم كلموه في الصلة وأخبروه بما لقوا من المشقة في السفر رجاء صلته فأعطى كل رجل منهم عشرة دنانير وكانوا خمسة فردوها وتسخطوا ونالوا منه فقال أي بني عم والله ما أنكر قرابتكم ولا حقكم ولا بعد شقتكم ولكن والله ما حصلت إلى ما وصلتكم به إلا ببيع خادمي وببيع مالا غنى بي عنه فاعذروني قالوا والله ما عذرك الله فانك والي نصف الشام وتعطي الرجل منا ما جهده أن يبلغه إلى أهله قال فتأمرونني أسرق مال الله فوالله لأن أشق بالمنشار أحب إلي من أن أخون فلسا أو أتعدى قالوا قد عذرناك (1/669)
في ذات يدك فولنا أعمالا من أعمالك نؤدي ما يؤدي الناس إليك ونصيب من المنفعة ما يصيبون وأنت تعرف حالنا وإنا ليس نعدو ما جعلت لنا قال والله إني لأعرفكم بالفضل والخير ولكن يبلغ عمر أني وليتنا نفرا من قومي فيلومني قالوا فقد ولاك أبو عبيدة وأنت منه في القرابة بحيث أنت فأنفذ ذلك عمر فلو وليتنا لأنفذه قال إني لست عند عمر كأبي عبيدة فمضوا لائمين له
ومات رضي الله عنه وما له مال في سنة عشرين وهو ابن ستين سنة رضي الله عنه 86 ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم
يكنى أبا عبد الله أصابه سباء فاشتراه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعتقه فلم يزل معه حتى قبض ثم نزل حمص فمات سنة أربع وخمسين
عن عبد الرحمن بن يزيد عن ثوبان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يتقبل لي بواحدة وأتقبل له بالجنة قال قلت أنا قال فلا تسأل الناس شيئا (1/670)
فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حتى ينزل فيتناوله 87 سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم
واسمه مهران ويكنى أبا عبد الرحمن من مولدي الأعراب
عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال اشترتني أم سلمة فأعتقتني واشترطت علي أن أخدم النبي صلى الله عليه و سلم ما عشت فقلت أنا ما أحب أن أفارق النبي صلى الله عليه و سلم ما عشت
وعن سعيد بن جمهان قال سألت سفينة عن اسمه فقال سماني رسول الله صلى الله عليه و سلم سفينة قلت وبم سماك سفينة قال خرج معه أصحابه فثقل عليهم متاعهم فقال لي ابسط كساءك فبسطته فحولوا فيه متاعهم ثم حملوه عليه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم احمل فما أنت إلا سفينة
وعن محمد بن المنكدر عن سفينة أنه ركب سفينة في البحر فانكسرت بهم قال فتعلقت بشيء منها حتى خرجت إلى جزيرة (1/671)
فاذا فيها الأسد فقلت أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبه يدلني على الطريق فلما خرجت إلى الطريق همهم فظننت أنه يودعني رضي الله عنه 88 الحكم بن عمرو بن مجدعBه
صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى قبض ثم تحول إلى البصرة فولاه زياد بن سفيان خراسان فخرج إليها
عن الحسن أن زيادا بعث الحكم بن عمرو وعلى خراسان ففتح الله عز و جل عليهم وأصابوا أموالا عظيمة فكتب إليه زياد أما بعد فان أمير المؤمنين كتب إلي أن أصفي الصفراء والبيضاء ولا تقسم بين الناس ذهبا ولا فضة
فكتب إليه سلام عليك أما بعد فانك كتبت تذكر كتاب أمير المؤمنين وإني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين وإنه والله لو كانت السموات والأرض رتقا على عبد فاتقى الله عز و جل لجعل الله له منهما فرجا ومخرجا والسلام عليك (1/672)
ثم قال للناس اغدوا على فيئكم فاقتسموه
قال ابن سعد وأبنا علي بن محمد القرشي قال فلم يزل الحكم على خراسان حتى مات بها سنة خمسين رحمه الله 89 جندع بن ضمرة الضميريBه
عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن جندع بن ضمرة كان بمكة فمرض فقال لأهله أخرجوني من مكة فانه قد قتلني غمها فقالوا إلى أين فأومأ بيده إلى هاهنا نحو المدينة يريد الهجرة فخرجوا فلما بلغوا اضاة بني غفار مات فأنزل الله عز و جل فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله رحمه الله (1/673)
واثلة بن الأسقعBه
يكنى أبا قرصافة عن محمد بن سعد قال أتى واثلة رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى معه الصبح وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا صلى وانصرف تصفح أصحابه فلما دنا من واثلة قال من أنت فأخبره فقال ما جاء بك قال جئت أبايع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما أحببت وكرهت قال نعم قال فيما أطقت قال نعم فأسلم وبايعه
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتجهز يومئذ إلى تبوك فخرج واثلة إلى أهله فلقي أباه الأسقع فلما رأى حاله قال قد فعلتها قال نعم قال أبوه والله لا أكلمك أبدا فأتى عمه فسلم عليه فقال قد فعلتها قال نعم قال فلامه أيسر من ملامة أبيه وقال لم يكن ينبغي لك أن تسبقنا بأمر
فسمعت أخت واثلة كلامه فخرجت إليه وسلمت عليه بتحية (1/674)
الإسلام فقال واثلة أنى لك هذا يا أخية قالت سمعت كلامك وكلام عمك فأسلمت فقال جهزي أخاك جهاز غاز فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم على جناح سفر فجهزته فلحق برسول الله صلى الله عليه و سلم قد تحمل إلى تبوك وبقي غبرات من الناس وهم على الشخوص فجعل ينادي بسوق بني قينقاع من يحملني وله سهمي قال وكنت رجلا لا رحلة بي قال فدعاني كعب بن عجرة فقال أنا أحملك عقبة بالليل وعقبة بالنهار ويدك أسوة يدي وسهمك لي قال واثلة نعم قال واثلة جزاه الله خيرا لقد كان يحملني ويزيدني وآكل معه ويرفع لي حتى إذا بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل خرج كعب في جيش خالد وخرجت معه فأصبنا فيئا كثيرا فقسمه خالد بيننا فأصابني ست قلائص (1/675)
فأقبلت أسوقها حتى جئت بها خيمة كعب بن عجرة فقلت أخرج رحمك الله فانظر إلى قلائصك فاقبضها فخرج وهو يبتسم ويقول بارك الله لك فيها ما حملتك وأنا أريد أن آخذ منك شيئا
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنا أحمد بن أحمد قال أنا احمد بن عبد الله قال أنا محمد بن علي قال أنا عبد الله بن سلام قال أنا هشام بن عمار قال أبنا صدقة بن خالد قال أبنا زيد بن واقد عن بشر بن عبد الله عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال كنا أصحاب الصفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم وما فينا رجل له ثوب ولقد اتخذ العرق في جلودنا طرقا من الغبار إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ليبشر فقراء المهاجرين ثلاثا
كان واثلة من أهل الصفة فلما قبض رسول صلى الله عليه و سلم خرج إلى الشام فمات بها سنة خمس وثمانين وهو ابن ثمان وتسعين سنة 91 معاوية بن معاوية الليثي العلائيBه
أبو محمد الثقفي قال سمعت أنس بن مالك يقول كنا (1/676)
مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور لم نرها طلعت فيما مضى فأتى جبريل النبي صلى الله عليه و سلم فقال له يا جبريل ما لي أرى الشمس اليوم طلعت بضياء ونور وشعاع لم أرها طلعت به فيما مضى قال وفيم ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم فبعث الله عز و جل إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه قال وفيم ذاك قال كان يكثر قراءة قل هو الله أحد بالليل والنهار وفي ممشاه وقيامه وقعوده قال يزيد أو قائما أو قاعدا فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض حتى تصلي عليه قال نعم قال فصلى عليه ثم رجع رحمة الله عليه والسلام 92 ذو البجادين
واسمه عبد الله بن عبد نهم بن عفيف رضي الله عنه
عن محمد بن سعد قال كان ذو البجادين يتيما لا مال له فمات أبوه ولم يورثه شيئا وكفله عمه حتى أيسر فلما قدم النبي المدينة جعلت (1/677)
نفسه تتوق إلى الإسلام ولا يقدر عليه من عمه حتى مضت السنون والمشاهد فقال لعمه يا عم إني قد انتظرت إسلامك فلا أراك تريد محمدا فائذن لي في الاسلام فقال والله لئن اتبعت محمدا لا أترك بيدك شيئا كنت أعطيتكه إلا نزعته منه حتى ثوبيك قال فأنا والله متبع محمدا وتارك عبادة الحجر وهذا ما بيدي فخذه فأخذ عطاه حتى جرده من إزاره فأتى أمه فقطعت بجادا لها باثنين فائتزر بواحد وارتدى بالآخر ثم أقبل إلى المدينة وكان بورقان فاضطجع في المسجد في السحر وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتصفح الناس إذا انصرف من الصبح فنظر إليه فقال من أنت فانتسب له وكان اسمه عبد العزى فقال أنت عبد الله ذو البجادين ثم قال انزل مني قريبا فكان يكون في أضيافه حتى قرأ قرآنا كثيرا فلما خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى تبوك قال ادع لي بالشهادة فربط النبي صلى الله عليه و سلم على عضده لحى سمرة وقال اللهم إني أحرم دمه على الكفار
فقال ليس هذا أردت قال النبي صلى الله عليه و سلم إنك إذا خرجت غازيا (1/678)
فأخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد أو وقصتك دابتك فأنت شهيد فأقاموا بتبوك أياما ثم توفي
قال بلال بن الحارث حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم ومع بلال المؤذن شعلة من نار عند القبر واقفا بها وإذا رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يقول أدنيا إلي أخاكما فلما هيأه لشقه في اللحد قال اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه فقال ابن مسعود ليتني كنت صاحب اللحد
وعن أبي وائل عن عبد الله قال والله لكأني أرى رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك وهو في قبر عبد الله ذي البجادين وأبو بكر وعمر يقول أدنيا إلي أخاكما وأخذه من قبل القبلة حتى أسكنه في لحده ثم خرج النبي صلى الله عليه و سلم وولياهما العمل فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه يقول اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه وكان ذلك ليلا فوالله لوددت أني مكانه ولقد أسلمت قبله بخمس عشر سنة (1/679)
عبد الله بن مغفل أبو سعيدBه
وكان من البكائين ومن الذين بعثهم عمر إلى البصرة يفقهونهم
عن خزاعي بن يزيد قال أري عبد الله بن مغفل أن الساعة قد قامت والناس يعرضون على مكان قال قد علمت أنه من جاز ذلك المكان نجا فذهبت أدنو منه فقال وراءك أتريد أن تنجو وعندك ما عندك قال كلا والله قال فاستيقظت من الفزع فأيقظ أهله وعنده تلك الساعة عيبة مملوءة دنانير فقال يا فلانة أريني تلك العيبة قبحها الله وقبح ما فيها فما أصبح حتى قسمها فلم يدع دينارا فلما كان المرض الذي مات فيه أوصى أهله فقال لا يليني إلا أصحابي ولا يصلي علي ابن زياد
فلما مات أرسلوا إلى أبي برزة وعائذ بن عمرو ونفر من أصحاب (1/680)
النبي صلى الله عليه و سلم فولوا غسله وتكفينه فلما أخرجوه إذا بابن زياد في موكبه بالباب فقيل له إنه قد أوصى ألا تصلي عليه فسار معه حتى إذا بلغ حد البيضاء مال إلى البيضاء وتركه
وتوفي عبد الله بالبصرة رحمة الله عليه 94 عمران بن حصين بن عبيد
يكنى أبا نجيد أسلم قديما وغزا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوات ولم يزل في بلاد قومه ثم تحول إلى البصرة فنزلها ومرض بها فسقي بطنه فبقي ثلاثين سنة على سرير مثقوب
عن محمد بن سيرين قال ما قدم البصرة أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يفضل على عمران بن حصين
وعنه قال سقي بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة كل ذلك (1/681)
وعن مجاهد أن أبي هريرة رضي الله عنه كان يقول والله إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز و جل ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل ثم مر عمر فسألته عن آية من كتاب الله عز و جل ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل فمر أبو القاسم صلى الله عليه و سلم فعرف ما في وجهي وما في نفسي فقال يا أبا هريرة فقلت لبيك يا رسول الله فقال إلحق فتبعته فدخل فأستأذنت فأذن لي فوجد قدحا فيه لبن فقال من أين لكم هذا اللبن فقالوا أهداه لنا فلان أو آل فلان فقال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال انطلق إلى أهل الصفة قال وأهل الصفة أضياف الإسلام ولم يأووا إلى أهل ولا مال إذا جاءت رسول الله صلى الله عليه و سلم هدية أصاب منها وبعث إليهم منها وإذا جاءته الصدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها
قال فأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي فقلت أنا الرسول فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم فما يبقى لي من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فأستأذنوا فأذن (1/689)
لهم فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال أبا هر خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى ثم يرد القدح حتى آتيت إلى آخرهم ودفعته إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ القدح فوضعه في يده وقد بقي فيه فضلة ثم رفع رأسه إلي وتبسم فقال أبا هر فقلت لبيك يا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بقيت أنا وأنت فقلت صدقت يا رسول الله قال فاقعد فاشرب قال فقعدت فشربت ثم قال لي اشرب فشربت فما زال يقول لي أشرب وأشرب حتى قلت والذي بعثك بالحق ما أجد لها في مسلكا قال ناولني القدح فرددت إليه القدح فشربت من الفضلة انفرد بإخراجه البخاري
وعن عبد الرحمن بن عبيد عن أبي هريرة قال إن كنت لأتبع الرجل أسأله عن الآية من كتاب الله عز و جل لأنا أعلم بها منه ومن عشرته وما أتبعه إلا ليطعمني القبضة من التمر أو السفة من السويق أو الدقيق أسد بها جوعي
فأقبلت أمشي مع عمر بن الخطاب ذات ليلة أحدثه حتى بلغ (1/690)
بابه فأسند ظهره إلى الباب فاستقبلني بوجهه فكلما فرغت من حديث حدثته آخر حتى إذا لم أر شيئا انطلقت فلما كان بعد ذلك لقيني فقال أبا هريرة أما لو أنه في البيت شيء لأطعمناك
وعن أبي رافع أن أبا هريرة قال ما أحد من الناس يهدي لي هدية إلا قبلتها فأما أن أسأل فلم أكن لأسأل
وعن عكرمة أن أبا هريرة كان يسبح في كل يوم اثنتي عشرة ألف تسبيحة ويقول أسبح بقدر ذنبي
وعن نعيم بن محرز بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به
وعن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال لقد رأيتني أصرع بين منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين حجرة عائشة فيقول الناس إنه لمجنون وما بي جنون ما بي إلا الجوع (1/691)
وعن سليمان بن أبي سليمان عن أبيه قال رأى أبو هريرة زنجية كأنها شيطان فقال يا أبا سليمان اشتر لي هذه الزنجية فانطلقت فاشتريتها وهو على حمار معه ابن له فقال لأبنه أردفها خلفي فكره ابنه ذلك فجعل ابنه يزجيه ليخرجه من السوق فقال أردفها خلفي ويحك والله لشعلة من نار أجد مسها خلفي أحب إلي من أن أرغب عن هذه ألا أحملها إني لو انتسبت وانتسبت لم نتجاوز إلا قليلا حتى نجتمع أردفها فأردفها خلفه
وعن أبي المتوكل أن أبا هريرة كانت له زنجية فرفع عليها السوط يوما فقال لولا القصاص لأغشيتك به ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك اذهبي فأنت لله عز و جل
وعن أبي عثمان النهدي قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثا يصلي هذا ثم يوقظ هذا ويصلي هذا ثم يوقظ هذا
وعن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال ما وجع أحب إلي من الحمى لأنها تعطي كل مفصل قسطه من الوجع وإن الله (1/692)
تعالى يعطي كل مفصل قسطه من الأجر
وعن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بتمرات فدعا فيهن بالبركة وقال اجعلهن في مزودك فإذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فخذه ولا تنثره فجعلته في مزودي فوجهت منه رواحل في سبيل الله تعالى وكنت آكل منه وأطعم وكان في حقوتي حتى كان يوم قتل عثمان فوقع فذهب
وعن ثعلبه بن أبي مالك القرظي أن أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال أوسع الطريق للأمير يا بن أبي مالك فقلت أصلحك الله يكفي هذا فقال أوسع الطريق للأمير والحزمة عليه
ذكر وفاة أبي هريرة رضي الله عنه
عن سالم بن بشير بن حجل أن أبا هريرة بكى في مرضه فقيل (1/693)
له ما يبكيك فقال أما إنه ما أبكي على دنياكم هذه ولكن أبكي على بعد سفري وقلة زادي وإني أصبحت في صعود مهبط على جنة ونار لا أدري أيهما يؤخذ بي
وعن ابن شوذب قال لما حضرت أبا هريرة الوفاة بكى فقيل له ما يبكيك فقال بعد المفازة وقلة الزاد وعقبة كؤود المهبط منها إلى الجنة أو النار
توفي أبو هريرة بالمدينة ويقال بالعقيق سنة سبع وخمسين وقيل سنة تسع في آخر خلافة معاوية وله ثمان وسبعون سنة رحمه الله والله أعلم 98 العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عماد بن سلمى من حضرموت
أسلم قديما وبعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المنذر بن ساوى العبدي بالبحرين بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام وولاه رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/694)
البحرين ثم عزله عنها وولاها أبان بن سعيد ثم أعاد أبو بكر الصديق العلاء إلى البحرين وكتب إليه عمر رضي الله عنه أن سر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله يعني البصرة فسار إليها فمات في الطريق سنة إحدى وعشرين وقيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة
عن سهم بن منجاب قال غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين فدعا بثلاث دعوات فاستجيبت له فيهن نزلنا منزلا فطلب الماء ليتوضأ فلم يجده فقام فصلى ركعتين وقال اللهم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم اسقنا غيثا نتوضأ منه ونشرب فإذا توضأنا لم يكن لأحد فيه نصيب غيرنا فسرنا قليلا فإذا نحن بماء حين أقلعت عنه السماء فتوضأنا منه وتزودنا وملأت إدواتي وتركتها مكانها حتى أنظر هل أستجيب له أم لا فسرنا قليلا ثم قلت لأصحابي نسيت إدواتي فجئت إلى ذلك المكان فكأنه لم يصبه ماء قط ثم سرنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم فقال (1/695)
يا عليم يا حليم يا علي يا عظيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم فاجعل لنا إليهم سبيلا فتقحم البحر فخضنا ما يبلغ لبودنا فخرجنا إليهم فلما رجع أخذه وجع البطن فمات فطلبنا ماء نغسله فلم نجده فلففناه في ثيابه ودفناه
فسرنا غير بعيد فإذا نحن بماء كثير فقال بعضنا لبعض لو رجعنا فاستخرجناه فغسلناه فرجعنا فطلبناه فلم نجده فقال رجل من القوم إني سمعته يقول يا علي يا عظيم يا حليم أخف عليهم موتي أو كلمة نحوها ولا تطلع على عورتي أحدا فرجعنا وتركناه
وعن عمرو بن ثابت قال دخلت في أذن رجل من أهل البصرة حصاة فعالجتها الأطباء فلم يقدروا عليها حتى وصلت إلى صماخه فأسهرت ليله ونغصت عيش نهاره فأتى رجلا من أصحاب الحسن فشكا ذلك إليه فقال ويحك إن كان شيء ينفعك الله به فدعوة العلاء بن الحضرمي التي دعا بها في البحر وفي المفازة قال وما هي رحمك الله قال يا علي يا عظيم يا حليم يا عليم فدعا بها فوالله ما برحنا (1/696)
حتى خرجت من أذنه ولها طنين حتى صكت الحائط وبرىء رحمه الله 99 عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس
صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وولاه عمر رضي الله عنه حمص فأما أبوه سعد فشهد بدرا ويقال له سعد القارىء وهو الذي يروي الكوفيون أنه أبو زيد الذي جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقتل سعد بالقادسية شهيدا
عن أبي طلحة الخولاني قال أتينا عمير بن سعد في داره بفلسطين وكان يقال له نسيج وحده
وعن عبد الله بن هارون بن عنترة قال حدثني أبي عن جدي عن عمير بن سعد الأنصاري قال بعثه عمر بن الخطاب عاملا على حمص فمكث حولا لا يأتيه خبره فقال عمر لكاتبه (1/697)
اكتب إلى عمير فوالله ما أراه إلا قد خاننا إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا
قال فأخذ عمير جرابه فوضع فيه زاده وقصعته وعلق إدواته وأخذ عنزته ثم أقبل يمشي من حمص حتى قدم المدينة قال فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه وطالت شعرته فدخل على عمر فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله قال عمر ما شأنك قال ما ترى من شأني ألست تراني صحيح البدن ظاهر الدم معي الدنيا أجرها بقرونها قال عمر وما معك وظن عمر أنه جاءه بمال قال معي جرابي أجعل فيه زادي وقصعتي آكل فيها رأسي وثيابي وإدواتي أحمل فيها وضوئي وشرابي وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض لي فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي قال عمر فجئت تمشي قال نعم قال أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها قال ما فعلوا وما سألتهم ذلك فقال عمر بئس المسلمون خرجت من عندهم فقال عمير اتق الله يا عمر قد نهاك الله عن الغيبة وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة قال عمر فأين بعثتك وأي شيء صنعت قال وما سؤالك يا أمير المؤمنين قال عمر سبحان الله فقال عمير أما إني لولا أخشى أن أغمك ما أخبرتك بعثتني حتى أتيت (1/698)
البلد فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم حتى إذا جمهوه وضعته مواضعه ولو نالك منه شيء لأتيتك به قال فما جئتنا بشيء قال لا قال جددوا لعمير عهدا قال إن ذلك شيء لا أعمله لك ولا لأحد بعدك والله ما سلمت بل لم أسلم لقد قلت لنصراني أخزاك الله فهذا ما عرضتني له يا عمر وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك
ثم استأذنه فأذن له فرجع إلى منزله وبينه وبين المدينة أميال فقال عمر حين انصرف عمير ما أراه إلا قد خاننا فبعث رجلا يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار وقال انطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف فإن رأيت أثر شيء فأقبل وإن رأيت حالا شديدا فادفع إليه هذه المائة الدينار فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط فقال له عمير أنزل رحمك الله فنزل ثم ساءله فقال من أين جئت فقال من المدينة فقال كيف تركت أمير المؤمنين فقال صالحا قال فكيف تركت المسلمين قال صالحين قال أليس يقيم الحدود قال بلى ضرب ابنا له على فاحشة فمات من ضربه فقال عمير اللهم أعن عمر فإني لا أعلمه إلا شديدا حبه لك (1/699)
قال فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصه من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون حتى أتاهم الجهد فقال له عمير إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل قال فأخرج الدنانير فدفعها إليه فقال بعث بها أمير المؤمنين فاستعن بها قال فصاح وقال لا حاجة لي فيها فردها فقالت له امرأته إن احتجت إليها وإلا فضعها في مواضعها فقال عمير والله ما لي شيء أجعلها فيه فشقت المرأة أسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئا فقال له عمير أقرىء مني أمير المؤمنين السلام
فرجع الحارث إلى عمر فقال ما رأيت قال رأيت يا أمير المؤمنين حالا شديدا قال فما صنع بالدنانير قال لا أدري قال فكتب إليه عمر إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل فأقبل إلى عمر فدخل عليه فقال له عمر ما صنعت بالدنانير قال صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها قال أنشد عليك لتخبرني (1/700)
ما صنعت بها قال قدمتها لنفسي قال رحمك الله فأمر له بوسق من طعام وثوبين فقال أما الطعام فلا حاجة لي فيه قد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى أن آكل ذلك قد جاء الله بالرزق ولم يأخذ الطعام وأما الثوبان فإن أم فلان عارية فأخذهما ورجع إلى منزله
فلم يلبث أن هلك رحمه الله فبلغ ذلك عمر فشق عليه وترحم عليه وخرج يمشي ومعه المشاؤون إلى بقيع الغرقد فقال لأصحابه ليتمن كل رجل منكم أمنية فقال رجل يا أمير المؤمنين وددت أن عندي مالا فأعتق لوجه الله كذا وكذا وقال أخذ وددت أن عندي مالا فأنفق في سبيل الله وقال آخر وددت أن لي قوة فأميح بدلو زمزم لحجاج بيت الله فقال عمر بن الخطاب وددت أن لي رجلا مثل عمير بن سعد أستعين به في أعمال المسلمين رحمه الله وBه (1/701)
خزيمة بن ثابت بن الفاكه
ويكنى أبا عمارة رضي الله عنه كانت معه راية بني خطمة في غزاة الفتح وكان يقال له ذو الشهادتين وشهد صفين مع علي عليه السلام وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين
عن عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم أن النبي صلى الله عليه و سلم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه و سلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه و سلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومون بالفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه و سلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي صلى الله عليه و سلم فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه و سلم فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته
فقام النبي صلى الله عليه و سلم حين سمع نداء الأعرابي فقال أو ليس قد ابتعته منك قال الأعرابي لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه و سلم بلى قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه و سلم والأعرابي وهما يتراجعان فطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا يشهد أني بايعتك فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي ويلك إن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن ليقول إلا حقا (1/702)
حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه و سلم ومراجعة الأعرابي وطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا يشهد أني بايعتك فقال خزيمة أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل النبي صلى الله عليه و سلم على خزيمة فقال بم تشهد قال بتصديقك يا رسول الله فجعل النبي صلى الله عليه و سلم شهادة خزيمة شهادة رجلين
وقد روي في بعض طرق هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لخزيمة بم تشهد ولم تكن معنا قال يا رسول الله أنا أصدقك بخبر السماء أفلا أصدقك بما تقول
قال الواقدي لم يسم لنا أخو خزيمة الذي روى هذا الحديث وله أخوان يقال لأحدهما عبد الله وللآخر وحوح
قال الخطابي ووجه هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم حكم على الأعرابي بعلمه إذ كان النبي صلى الله عليه و سلم صادقا بارا وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد لقوله له صلى الله عليه و سلم والإستظهار بها على خصمه فصارت في التقدير مع قول رسول الله صلى الله عليه و سلم كشهادة رجلين في سائر القضايا رحمه الله (1/703)
زيد بن ثابت بن الضحاك
أبو سعيد وقيل أبو خارجة قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة وأجيز في الخندق وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأمره أبو بكر رضي الله عنه أن يجمع القرآن وأمره عثمان فكتب المصحف وأبي بن كعب يملي عليه
عن الزهري قال أخبرني ابن السباق أن زيد بن ثابت الأنصاري كان ممن يكتب الوحي قال أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن يجمع القرآن قال أبو بكر فقلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال عمر هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله عز و جل لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر قال أبو بكر وإنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه و سلم فتتبع القرآن فاجمعه (1/704)
فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن
قال قلت كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر هو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت لم أجدهما مع أحد غيره لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخرها وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله عز و جل ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر انفرد بإخراجه البخاري
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أرحم أمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عز و جل عمر وأصدقها حياء عثمان وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت (1/705)
وعن ابن عباس أنه أخذ لزيد بن ثابت بالركاب فقال تنح يا بن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا
وعن موسى بن علي قال سمعت أبي قال إن كان الرجل ليأتي زيد بن ثابت فيسأله عن الشيء فيقول الله أنزل هذه فإن قال الله أنزل هذا أفتاه وإن لم يحلف تركه
وعن محمد بن سيرين قال خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة فاستقبله الناس راجعين فدخل دارا فقيل له فقال إنه من لا يستحي من الناس لا يستحي من الله
وعن ثابت بن عبيد قال كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في بيته وأزمته إذا خرج إلى الرجال
وعنه قال ما رأيت أحدا كان أفكه في بيته ولا أحلم في مجلسه إذا جلس مع القوم من زيد بن ثابت
ذكر وفاة زيد رضي الله عنه
قال الواقدي مات زيد بن ثابت بالمدينة سنة خمس وأربعين وهو (1/706)
ابن ست وخمسين سنة وقال غير الواقدي مات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين وقال آخر مات سنة خمس وخمسين
وعن عمار بن أبي عمار قال لما مات زيد بن ثابت جلسنا إلى ابن عباس في ظل قصر فقال هكذا ذهاب العلم لقد ذهب اليوم علم كثير
وعن يحيى بن سعيد قال لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة مات حبر هذه الأمة ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفا رضي الله عنه 102 أبو جهم عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه
عن ابن غزية قال كان أبو الجهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري لا يجالس الأنصار فإذا قيل له قال الناس شر من الوحدة
وكان يقول لا أؤم أحدا ما عشت وكان فيما زعموا من أعبد الناس وأشدهم اجتهادا وكان لا يفارق المسجد (1/707)
شداد بن أوس بن ثابت بن المنذريكنى أبا يعلى وكانت له عبادة وإجتهاد
عن حسان بن عطية قال كان شداد بن أوس في سفر فنزل منزلا فقال لغلامه ائتنا بالسفرة نعبث بها فأنكرت عليه فقال ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه فلا تحفظوها عي واحفظوا عني ما أقول لكم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وأسألك حسن عبادتك وأسألك قلبا سليما وأسألك لسانا صادقا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب
وعن ثابت البناني قال قال شداد بن أوس يوما لرجل من أصحابه هات السفرة نتعلل بها قال فقال رجل من أصحابه ما سمعت (1/708)
منك مثل هذه الكلمة منذ صحبتك فقال ما أفلتت مني كلمة منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا مخطومة أو مزعومة غير هذه وأيم الله لا تنفلت
وعن أسد بن وداعة عن شداد بن أوس أنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم فيقول اللهم إن النار أذهبت مني النوم فيقوم فيصلي حتى يصبح
وعنه قال كان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى فيقول اللهم إن النار قد أسهرتني ثم يقوم إلى الصلاة
وعن زياد بن ماهك قال كان شداد بن أوس يقول إنكم لن تروا من الخير إلا أسبابه ولن تروا من الشر إلا أسبابه الخير كله بحذافيره في الجنة والشر بحذافيره في النار وإن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر والآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر ولكل بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا
وقال أبو الدرداء وإن من الناس من يؤتى علما ولا يؤتى (1/709)
حلما وإن أبا يعلى قد أوتي علما وحلما
وعن أبي الدرداء أنه كان يقول إن لكل أمة فقيها وإن فقيه هذه الأمة شداد بن أوس
وعن محمود بن الربيع قال قال شداد بن أوس لما حضرته الوفاة إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة الرئاء والشهوة الخفية
قال ابن سعد نزل شداد بن أوس فلسطين ومات بها سنة ثمان وخمسين وهو ابن خمس وسبعين سنة رضي الله عنه 104 أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم رضي الله عنه
أمه أم سليم بنت ملحان ذهبت به أمه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة فكان يخدمه وكان له يومئذ تسع سنين ويقال ثمان ويقال عشر
عن حميد عن أنس قال أخذت أم سليم بيدي مقدم (1/710)
النبي صلى الله عليه و سلم المدينة فأتت بي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت هذا ابني وهو غلام كاتب
قال فخدمته تسع سنين فما قال لشيء صنعته أسأت أو بئس ما صنعت
وعن سيار بن ربيعة قال سمعت أنس بن مالك يقول ذهبت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله خويدمك إدع الله له فقال اللهم أكثر ماله وولده واطل عمره واغفر ذنبه
قال أنس فلقد دفنت من صلبي مائة غير اثنين أو قال مائة واثنين وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين ولقد بقيت حتى سئمت الحياة وأنا أرجو الرابعة
وعن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال كان أنس يصلي فيطيل القيام حتى تقطر قدماه دما
وكان كرم أنس يحمل في كل سنة مرتين
وعن ثابت أن أبا هريرة قال ما رأيت أحدا أشبه صلا (1/711)
برسول الله صلى الله عليه و سلم من ابن أم سليم يعني أنس بن مالك
وعن معتمر بن سليمان قال سمعت أنس بن مالك يقول ما بقي أحد صلى القبلتين كليهما غيري
وعن ثابت البناني قال شكا قثم لأنس بن مالك في أرضه العطش فصلى أنس فدعا فثارت سحابة حتى غشيت أرضه ثم ملأت صهريجه فأرسل غلامه فقال انظر أين بلغت هذه فنظر فإذا هي لم تعد أرضه
وعن أبي غالب قال لم أر أحدا كان أضن بكلامه من أنس ابن مالك
وعن ثابت قال كان أنس إذا أشفى على ختم القرآن من الليل (1/712)
بقي منه سورة حتى يختمه عند عياله
وعنه قال كان أنس بن مالك إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم
وعن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال كان لأنس ثوبان على المشجب كل يوم فإذا صلى المغرب لبسهما فلم نقدر عليه ما بين المغرب والعشاء قائما يصلي
وعن يزيد بن خصيفة قال تنخم أنس بن مالك في المسجد ونسي أن يدفنها ثم خرج حتى جاء إلى أهله فذكرها فجاء بشعلة من نار فطلبها حتى وجدها ثم حفر لها فأعمق فدفنها
قال أهل السير مات أنس بالبصرة سنة اثنتين وتسعين وقيل ثلاث وتسعين وقيل إحدى وتسعين وهو ابن تسع وتسعين
عن حميد أن أنسا عمر مائة سنة إلا سنة ومات سنة إحدى وتسعين (1/713)
قلت وقد قيل إنه مات ابن مائة وثلاث سنين وقيل تسع سنين وغسله محمد بن سيرين وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة رضي الله عنهم أجمعين 105 أبو سعيد الخدري رضي الله عنه
واسمه سعد بن مالك بن سنان استصغر يوم أحد فرد فخرج فيمن يتلقى رسول الله صلى الله عليه و سلم حين رجع من أحد فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال سعد بن مالك قال قلت نعم بأبي وأمي أنت قال فدنوت منه فقبلت ركبتيه فقال آجرك الله في أبيك وكان قد قتل يومئذ شهيدا ثم شهد أبو سعيد الخندق وما بعدها
عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن رجلا من الأنصار كانت له حاجة فقال له أهله ائت النبي صلى الله عليه و سلم فاسأله فأتاه وهو يخطب ويقول من استعف أعفه الله ومن استغنى أغناه الله ومن سألنا فوجدنا له أعطيناه فذهب ولم يسأل (1/714)
قلت إنما أشار بهذا إلى نفسه فهو الأنصاري الذي جرت له هذه القصة وقد بين ذلك في حديث آخر وقد قال فيه أبو سعيد أصبحت وليس عندنا طعام وقد ربطت حجرا من الجوع لي امرأتي ائت النبي صلى الله عليه و سلم فاسأله فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه وأتاه فلان فسأله فأعطاه وأتاه فلان فسأله فأعطاه فقلت لا حتى لا أجد شيئا فطلبت فلم نجد شيئا فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو يخطب فأدركت من قوله من يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله قال فما سألت أحدا بعده وما زال الله يرزقنا حتى ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا رضي الله عنه 106 قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه
وكان من رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنزلة الشرط من الأمير
عن داود بن قيس ومالك بن أنس وإبراهيم بن محمد الأنصاري وخارجة بن الحارث وبعضهم قد زاد على صاحبه في الحديث قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا عبيدة بن الجراح في سرية فيها المهاجرون (1/715)
والأنصار وهم ثلاث مائة رجل وكان فيهم قيس بن سعد بن عبادة فأصابهم جوع شديد فقال قيس بن سعد من يشتري مني تمرا بجزر يوفيني الجزر هاهنا وأوفيه التمر بالمدينة فجعل عمر يقول واعجبا لهذا الغلام لا مال له يدين في مال غيره فوجد رجلا من جهينة يعطيه ما سأل وقال والله ما أعرفك ومن أنت قال أنا قيس بن سعد بن عبادة فقال الجهني ما أعرفني بنسبك
فابتاع منه خمس جزائر كل جزور بوسقين من تمر فقال الجهني أشهد لي فقال قيس أشهد من تحب فكان فيمن استشهد عمر بن الخطاب فقال لا أشهد على هذا بدين ولا مال له إنما المال لأبيه فقال الجهني والله ما كان سعد ليخني بابنه في سفة في تمر وأرى وجها حسنا وفعالا شريفا (1/716)
وأخذ قيس الجزر فنحرها في مواطن ثلاثة كل يوم بعير فلما كان الرابع نهاه أميره وقال تريد أن تخرب ذمتك ولا مال لك قال قيس يا أبا عبيدة أترى أبا ثابت وهو يقضي ديون الناس ويحمل الكل ويطعم في المجاعة لا يقضي عني سفة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله عز و جل
فبلغ سعدا ما أصاب القوم من المجاعة فقال إن يكن قيس كما أعرف فسوف ينحر لهم
فلما قدم قيس لقيه سعد فقال ما صنعت في مجاعة القوم حيث أصابتهم قال نحرت لهم قال أصبت ثم ماذا قال ثم نحرت قال أصبت ثم ماذا قال نحرت قال أصبت ثم ماذا قال نهيت قال ومن نهاك قال أبو عبيدة أميري قال ولم قال زعم أنه لا مال لي إنما المال لك فقلت أبي يقضي عن الأباعد ويحمل الكل ويطعم في المجاعة أفلا يصنع هذا لي قال فلك أربع حوائط (1/717)
فكتب له بذلك كتابا وأتى بالكتاب إلى أبي عبيدة فشهد فيه أدنى حائط منها يجد خمسين وسقا وقدم البدوي مع قيس فأوفاه أو سقته وحمله وكساه فقال الأعرابي لسعد يا أبا ثابت والله ما مثل ابنك ضيعت ولا تركت بغير مال فابنك سيد من سادات قومه نهاني الأمير أن أبيعه وقال لا مال له فلما انتسبت إليك عرفته فتقدمت إليه لما أعرف أنك تسمو إلى معالي الأخلاق وجسيمها
وبلغ النبي صلى الله عليه و سلم فعل قيس فقال إنه في في بيت جود
وتوفي قيس بالمدينة في آخر خلافة معاوية رضي الله عنه 107 عبد الله بن سلام رضي الله عنه
يكنى أبا يوسف وكان اسمه الحصين فلما أسلم سماه (1/718)
رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد الله وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام وهو حليف القواقلة من بني عوف بن الخزرج
عن زرارة بن أبي أوفى عن عبد الله بن سلام قال لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن أتى فلما رأيت وجهه عرفت أنه غير وجه كذاب فسمعته يقول أيها الناس أفشوا السلام وصلوا الأرحام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام
عن أنس أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم مقدمه المدينة فقال يا رسول الله إني سائلك عن ثلاث خصال لا يعلمها إلا نبي قال سل قال ما أول أشراط الساعة وما أول ما يأكل منه أهل الجنة ومن أين يشبه الولد أباه وأمه
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرني بهن جبريل آنفا قال قال جبريل ذاك عدو اليهود من الملائكة أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق تحشر الناس إلى المغرب وأما أول ما يأكل منه أهل الجنة فزيادة كبد حوت وأما شبه الولد أباه وأمه (1/719)
فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها
قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وقال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني عندك فأرسل إليهم فسلهم عني أي رجل عبد الله بن سلام فيكم
قال فأرسل إليهم فقال أي رجل عبد الله بن سلام فيكم قالوا خيرنا وإبن خيرنا وعالمنا وابن عالمنا وأفقهنا وابن أفقهنا قال أرأيتم إن أسلم تسلمون قالوا أعاذه الله من ذلك قال فخرج بن سلام فقال أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله قالوا شرنا وابن شرنا وجاهلنا وابن جاهلنا فقال ابن سلام هذا الذي كنت أتخوف منهم انفرد بإخراجه البخاري
وأخرجا في الصحيحين من حديث قيس بن عبادة قال كنت جالسا في مسجد المدينة في ناس فيهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فجاء رجل في وجهه أثر خشوع فقال بعض القوم هذا رجل من أهل (1/720)
المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول إن ابني هذا سيد ولعل الله عز و جل أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين
وأخرجا من حديث أبي حجيفة قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم وكان الحسن يشبهه
وعن أنس بن مالك قال كان الحسن بن علي أشبههم وجها برسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن سعيد بن عبد العزيز قال أن الحسن بن علي سمع رجلا يسأل ربه عز و جل أن يرزقه عشرة آلاف فانصرف الحسن فبعث بها إليه
وعن محمد بن علي قال قال الحسن إني لأستحيي من ربي عز و جل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه
وعن علي بن زيد قال حج الحسن خمس عشرة حجة ماشيا (1/760)
وإن النجائب لتقاد بين يديه وخرج من ماله لله مرتين وقاسم الله عز و جل ماله ثلاث مرار حتى إن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا
ذكر وفاة الحسن عليه السلام
عن عمير بن إسحق قال دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده فقال يا فلان سلني فقال لا والله لا نسألك حتى يعافيك الله قال ثم دخل ثم خرج إلينا فقال سلني قبل ألا تسألني قال بل يعافيك الله عز و جل قال لقد ألقيت طائفة من كبدي وإني قد سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذه المرة
ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه قال يا أخي من تتهم قال لم لتقتله قال نعم قال إن يكن الذي أظن فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا وإلا يكن فما أحب أن يقتل بي بريء ثم قضى رضي الله عنه (1/761)
وعن رقبة بن مصقلة قال لما نزل بالحسن بن علي الموت قال أخرجوا فراشي إلى صحن الدار فأخرج فقال اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإني لم أصب بمثلها غير رسول الله صلى الله عليه و سلم
وقد ذكر يعقوب بن سفيان في تاريخه أن بنت الأشعث بن قيس كانت تحت الحسن بن علي فزعموا أنها هي التي سمته
مرض الحسن بن علي عليه السلام أربعين يوما وتوفي لخمس ليال خلون من ربيع الأول سنة خمسين وقيل سنة تسع وأربعين ودفن بالبقيع رضي الله عنه 121 الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام
ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة وله من الولد علي الأكبر وعلي الأصغر وله العقب وجعفر وفاطمة وسكينة
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هما ريحانتاي من الدنيا يعني الحسن والحسين عليهما السلام انفرد بإخراجه (1/762)
البخاري
وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وعن زر عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني يعني الحسن والحسين عليهما السلام
وعن علي عليه السلام قال الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه و سلم ما كان أسفل من ذلك
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال حج الحسين بن علي رضي الله عنه خمسا وعشرين حجة ماشيا ونجائبه تقاد معه
قتل الحسين صلوات الله عليه يوم الجمعة يوم عاشوراء في محرم سنة إحدى وستين وهو ابن ست وخمسين سنة وخمسة أشهر وقيل (1/763)
كان ابن ثمان وخمسين رضي الله عنه 122 عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه
يكنى أبا بكر أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو أول مولود ولو للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة وأذن أبو بكر الصديق في أذنه وحنكه رسول الله صلى الله عليه و سلم بتمرة
عن هشام عن أبيه عن أسماء أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلنا بقباء فولدته بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضعته في حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول ما دخل في جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم (1/764)
قالت ثم حنكه بتمرة ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام
قال الشيخ إنما تعني أول مولود ولد بالمدينة بعد الهجرة
وفي رواية أخرى خرجت أسماء بنت أبي بكر مهاجرة إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهي حبلى بعبد الله بن الزبير فوضعته ولم ترضعه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن مجاهد بن جبير قال ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكلفه عبد الله بن الزبير ولقد جاء سيل طبق البيت فجعل إبن الزبير يطوف سباحة
وعن عمرو بن دينار قال رأيت ابن الزبير يصلي في الحجر خافضا بصره فجاء حجر قدامه فذهب ببعض ثوبه فما انفتل
وعن مجاهد قال كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع
وعن يحيى بن وثاب أن ابن الزبير كان يسجد حتى تنزل العصافير على ظهره ولا تحسبه إلا جذم حائط (1/765)
وعن عمرو بن دينار قال ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير
وعن ابن المنكدر قال لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن شجرة تصفقها الريح والمنجنيق يقع هاهنا وهاهنا
قال سفيان كأنه لا يبالي
وعن عمر بن قيس عن أمه أنها قالت دخلت على عبد الله ابن الزبير بيته فإذا هو يصلي قالت فسقطت حية من السقف على ابنه هاشم فتطوقت على بطنه وهو نائم فصاح أهل البيت الحية ولم يزالوا بها حتى قتلوها وعبد الله بن الزبير يصلي ما التفت ولا عجل ثم فرغ بعد ما قتلت فقال ما بالكم قالت أم هاشم أي رحمك الله أرأيت إن كنا هنا عليك أيهون عليك ابنك قال فقال ويحك ما كانت التفاتة لو التفتها مبقية من صلاتي
وعن محمد بن حميد قال كان عبد الله بن الزبير يحيي الدهر أجمع ليلة قائما حتى يصبح وليلة يحييها راكعا حتى الصباح وليلة يحييها ساجدا حتى الصباح (1/766)
وعن مسلم بن يناق المكي قال ركع ابن الزبير يوما ركعة فقرأت البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه
قال الزبير وحدثني محمد بن الضحاك ابن زامي وعبد الملك ابن عبد العزيز ومن لا أحصي كثرة من أصحابنا أن عبد الله بن الزبير كان يواصل الصيام سبعا يصوم الجمعة ولا يفطر إلا ليلة الجمعة الأخرى ويصوم بالمدينة فلا يفطر إلا بمكة ويصوم بمكة ولا يفطر إلا بالمدينة
قال عبد الملك وكان إذا أفطر كان أول ما يفطر عليه لبن لقحة بسمن بقر وزادني غيره وصبر
وعن أم جعفر بنت النعمان عن أسماء بنت أبي بكر قالت كان ابن الزبير قوام الليل صوام النهار وكان يسمى حمام المسجد
وعن ابن أبي مليكة قال كان ابن الزبير يواصل سبعة (1/767)
أيام ويصبح اليوم السابع وهو إليثا
وعن محمد بن عبيد الله الثقفي قال شهدت خطبة ابن الزبير بالموسم خرج علينا قبل يوم التروية بيوم وهو محرم فلبى بأحسن تلبية سمعتها قط ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنكم جئتم من آفاق شتى وفودا إلى الله عز و جل فحق على الله أن يكرم وفده فمن كان جاء يطلب ما عند الله فإن طالب الله لا يخيب فصدقوا قولكم بفعل فإن ملاك القول الفعل والنية النية القلوب القلوب الله الله في أيامكم هذه فإنها أيام تغفر فيها الذنوب
وعن وهب بن كيسان قال كتب إلي عبد الله بن الزبير بموعظة
أما بعد فإن لأهل التقوى علامات يعرفون بها ويعرفونها من أنفسهم من صبر على البلاء ورضى بالقضاء وشكر النعماء (1/768)
وذل لحكم القرآن وإنما الإمام كالسوق ما نفق فيها حمل إليها إن نفق الحق عنده حمل إليه وجاءه أهل الحق وإن نفق عنده الباطل جاءه أهل الباطل
وعن أبي الضحى قال رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال
ذكر مقتل ابن الزبير رضي الله عنه
عن عروة قال لما كانت الغداة التي قتل فيها ابن الزبير دخل على أمه أسماء بنت أبي بكر وهي يومئذ ابنة مائة سنة لم يسقط لها سن فقالت يا عبد الله ما بلغت في حربك قال بلغوا مكان كذا وكذا وضحك وقال إن في الموت لراحة فقالت أسماء يا بني لعلك تتمناه لي ما أحب أن أموت حتى أتي على أحد طرفيك (1/769)
إما أن تملك فتقر بذلك عيني وإما أن تقتل فأحتسبك
ثم ودعها فقالت له يا بني إياك أن تعطي خصلة من دينك مخافة القتل وخرج عنها وأنشأ يقول
ولست بمبتاع الحياة بسبة ... ولا مرتق من خشية الموت سلما
وقال والله ما لقيت زحفا قط إلا في الرعيل الأول وما ألمت جرحا قط إلا أن آلم الدواء
ثم حمل عليهم فأصابته آجرة في مفرقه حتى فلقت رأسه فوقف قائما وهو يقول
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدمنا تقطر الدما
وعن عروة قال أتيت عبد الله بن الزبير حين دنا الحجاج منه فقلت قد لحق فلان بالحجاج ولحق فلان بالحجاج فقال (1/770)
فرت سلامان وفرت النمر ... وقد نلاقي معهم فلا نفر
فقلت له لقد أخذت دار فلان ودار فلان فقال
إصبر عصام إنه شر باق ... قدسك أصحابك ضرب الأعناق
وقامت الحرب بنا على ساق ...
قال فعرفت أنه لا يسلم نفسه قال فغاظني فقلت إنهم والله إن يأخذوك يقطعوك إربا إربا فقال
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
قال فعرفت أنه لا يمكن من نفسه
وعن مجاهد قال كنت مع ابن عمر فمر على ابن الزبير فوقف عليه فقال يرحمك الله فإنك كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم وإني لأرجو ألا يعذبك الله عز و جل (1/771)
وقال الواقدي عن أشياخ له قالوا حصر إبن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة ثنتين وسبعين وستة أشهر وسبع عشرة ليلة ونصب الحجاج المنجنيق يرمي به أحث الرمي وألح عليهم بالقتال من كل وجه وحبس عنهم الميرة وحصرهم أشد الحصار فقامت أسماء يوما فصلت ودعت فقالت اللهم لا تخيب عبد الله ابن الزبير اللهم ارحم ذلك السجود والنحيب والظمأ في تلك الهواجر
وقتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وهو ابن إثنتين وسبعين سنة 123 المسور بن مخرمة بن نوفل
يكنى أبا عبد الرحمن قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه أحاديث ورواها
عن محمد بن سعد قال احتكر المسور طعاما فرأى سحابا من سحاب الخريف فكرهه فلما أصبح أتى السوق فقال من (1/772)
جاءني وليته فبلغ ذلك عمر فأتاه بالسوق فقال أجننت يا مسور قال لا والله يا أمير المؤمنين ولكني رأيت سحابا فكرهته فكرهت ما ينفع الناس فكرهت أن أربح فيه فقال عمر جزاك الله خيرا
وكان المسور لا يشرب من الماء الذي يوضع في المسجد ويكرهه ويرى أنه صدقة وكان يصوم الدهر
وتوفي سنة أربع وستين وهو ابن اثنتين وستين 124 رجل من الأنصار لم يذكر اسمه
عن جابر بن عبد الله الأنصاري فيما يذكر من اجتهاد أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم في العبادة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة فغشينا دارا من دور المشركين فأصبنا امرأة رجل منهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم راجعا وجاء صاحبها وكان غائبا فذكر له مصابها فحلف لا يرجع حتى يهريق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم دما فلما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض الطريق نزل في شعب (1/773)
من الشعاب وقال من رجلان يكلآننا في ليلتنا هذه من عدونا قال فقال رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار نحن نكلؤك يا رسول الله قال فخرجا إلى فم الشعب دون العسكر
ثم قال الأنصاري للمهاجرين أتكفيني أول الليل وأكفيك آخره أو تكفيني آخره وأكفيك أوله قال فقال له المهاجري بل اكفني أوله وأكفيك آخره
فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي قال فافتتح سورة من القرآن فبينا هو فيها يقرؤها جاء زوج المرأة فلما رأى الرجل قائما عرف أنه ربيئة القوم فينزع له بسهم فيضعه فيه قال فينتزعه فيضعه وهو قائم يقرأ في السورة التي هو فيها ولم يتحرك كراهية أن يقطعها قال ثم عاد له زوج المرأة بسهم آخر فوضعه فيه قال فانتزعه فوضعه وهو قائم يصلي في السورة التي هو فيها (1/774)
ولم يتحرك كراهية أن يقطعها ثم عاد له زوج المرأة الثالثة بسهم فوضعه فيه قال فانتزعه فوضعه ثم ركع وسجد ثم قال لصاحبه أقعد فقد أتيت قال فجلس المهاجري فلما رآهما صاحب المرأة هرب وعرف أنه قد نذر به قال وإذا الأنصاري يفوح دما من رميات صاحب المرأة قال فقال له أخوه المهاجري يغفر الله لك ألا كنت آذنتني أول ما رماك قال كنت في سورة من القرآن قد افتتحتها أصلي بها فكرهت أن أقطعها وأيم الله لولا أني أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها
هذا آخر المختار ذكرهم من علماء الصحابة ومتعبديهم (1/775)
125 - خديجة بنت خويلد بن أسد إبن عبد العزى بن قصى رضي الله عنها
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم لها في تجارة فرآت عند قدومه غمامة تظله فتزوجته وقد كانت عرفت قبله زوجين وكانت يوم تزوجها بنت أربعين سنة وجاءت النبوة فأسلمت فهي أول إمرأة آمنت به ولم ينكح إمرأة غيرها حتى ماتت وجميع أولاده منها سوى إبراهيم
عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة عليها السلام أخرجاه في الصحيحين
عن أبي هريرة قال أتى جبرئيل النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت (2/7)
في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب أخرجاه في الصحيحين
وعن عائشة قالت ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه و سلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول
إنها كانت وكان لي منها ولد أخرجاه في الصحيحين
وعنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن عليها الثناء فذكرها يوما من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت هل كانت إلا عجوزا قد أخلف الله لك خيرا منها قالت فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال
لا والله ما أخلف الله لي خيرا منها لقد آمنت إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بما لها إذ حرمني الناس ورزقني الله عز و جل أولادها إذ حر مني أولاد النساء قالت فقلت بيني وبين نفسي لا أذكرها بسوء أبدا (2/8)
توفيت خديجة رضي الله عنها بعد أن مضى من النبوة عشر سنين وهي بنت خمس وستين سنة قال حكيم بن حزام دفناها بالحجون ونزل رسول الله صلى الله عليه و سلم في حفرتها ولم يكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها رضي الله عنها
126 - فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم
أمها خديجة بنت خويلد ولدتها وقريش تبني البيت قبل النبوة بخمس سنين وهي أصغر بناته تزوجها علي عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة في رمضان وبنى بها في ذي الحجة وقيل تزوجها في رجب وقيل في صفر على بدن من حديد فولدت له الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتزوج زينب عبد الله بن جعفر فولدت له عبد الله وعونا وماتت عنده وتزوج أم كلثوم عمر بن الخطاب فولدت له زيدا ثم خلف عليها بعد عمر عون بن عبد الله بن جعفر فلم تلد له شيئا ثم مات وخلف عليها محمد بن جعفر فولدت له جارية ثم خلف عليها بعده عبد الله بن جعفر فلم تلد له وماتت عنده
وزاد ابن إسحاق في أولاد فاطمة من علي محسنا قال ومات صغيرا وزاد الليث إبن سعد رقية قال وماتت ولم تبلغ (2/9)
عن عامر الشعبي قال قال علي عليه السلام لقد تزوجت فاطمة ومالى ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه الناضح بالنهار ومالي ولها خادم غيرها
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما زوجه فاطمة بعث معها بخميلة ووسادة أدم حشوها ليف ورحيين وسقاء وجرتين فقال علي لفاطمة ذات يوم والله سنوت حتى اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه فقالت وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما جاء بك وما حاجتك أي بنية قالت جئت لأسلم عليك واستحييت أن تسأله فرجعت فقال ما فعلت قالت استحييت أن أسأله فأتياه جميعا فقال علي يا رسول الله والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة لقد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله عز و جل بسبي وسعة فأخدمنا فقال والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق (2/10)
عليهم أثمانهم فرجعا وأتاهما النبي صلى الله عليه و سلم وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما فثارا فقال مكانكما ثم قال ألا أخبركما بخير مما سألتماني قالا بلى قال كلمات علمنيهن جبريل تسبحان في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين قال فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فقال له ابن الكواء ولا ليلة صفين قال قاتلكم الله يا أهل العراق نعم ولا ليلة صفين
وعن أبي ليلى قال حدثني علي عليه السلام أن فاطمة عليها السلام أتت النبي صلى الله عليه و سلم تشكو إليه ما تلقى من يدها في الرحى وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة قال فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال علي مكانكما فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال ألا أدلكما على خير مما سألتماني إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى (2/11)
فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم أخرجاه في الصحيحين
وعن عائشة قالت أقبلت فاطمة عليها السلام كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها إختصك رسول الله صلى الله عليه و سلم بحديثه ثم تبكين ثم إنه أسر إليها حديثا فضحكت فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فسألتها عما قال فقالت ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه و سلم
فلما قبض صلى الله عليه و سلم سألتها فقالت إنه أسر إلي فقال
إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل عام مرة وإنه عارضني به العام مرتين ولا أراه إلا قد حضر أجلى وإنك أول أهل بيتي لحوقا بي ونعم السلف أنا لك فبكيت لذلك ثم قال ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو سيدة نساء المؤمنين قالت فضحكت لذلك أخرجاه في الصحيحين وليس لفاطمة عليها السلام في الصحيحين غير هذا الحديث (2/12)
وعن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
إن فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني أخرجه مسلم أيضا في صحيحه وعنه قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول وهو على المنبر إن بني هشام بن المغيرة ستأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم بعلى بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد إبن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنها بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها أخرجاه في الصحيحين
وهذه المرأة المذكورة في هذا الحديث جويرية بنت أبي جهل بن هشام إبن المغيرة كان علي عليه السلام قد خطبها فجاء بنو هشام يستأمرون رسول الله صلى الله عليه و سلم في ذلك فلم يأذن لهم أن يزوجوه وأسلمت جويرية وبايعت وتزوجها عتاب إبن أسيد ثم تزوجها أبان بن سعيد بن العاصى
وعن إبن أعبد قال قال علي عليه السلام يا إبن أعبد ألا أخبرك عني عن فاطمة كانت إبنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأكرم (2/13)
أهله عليه وكانت زوجتي فجرت بالرحى حتى أثرت الرحى بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها وأصابها من ذلك ضر
وعن عطاء بن أبي رباح قال إن كانت فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم لتعجن وإن قصتها لتضرب الأرض والجفنة
توفيت فاطمة الزهراء عليها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم بستة أشهر في ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة إحدى عشرة وهي بنت ثمان وعشرين سنة ونصف وغسلها علي عليها السلام وصلى عليها وقالت عمرة صلى عليها العباس بن عبد المطلب ودفنت ليلا
وعن عائشة قالت عاشت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ستة أشهر رضي الله عنها
عن أبي جعفر قال ماتت بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم بستة أشهر قيل لسفيان عمرو عن أبي جعفر قال نعم (2/14)
عن عمرو بن دينار قال توفيت فاطمة عليها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم بثلاثة أشهر
عن الزهري ماتت بعد النبي صلى الله عليه و سلم بثلاثة أشهر يعني فاطمة عليها السلام
عن عائشة قالت كان بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين فاطمة شهران
عن أبي الزبير قال لم تمكث بعده إلا شهرين والأول أصح
127 - عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها
كانت مسماة لجبير بن مطعم فخطبها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر رضي الله عنه دعني حتى أسلها من جبير سلا رفيقا فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة في شوال قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث وهي بنت ست سنين وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين وبقيت عنده تسع سنين ولم يتزوج بكرا غيرها وعن عباد بن حمزة عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ألا تكنيني قال تكنى بابنك يعني عبد الله بن الزبير فكانت تكنى أم عبد الله (2/15)
وعن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أريتك في المنام مرتين ورجل يحملك في سرقة من حرير فيقول هذه إمرأتك فأقول إن كان هذا من عند الله عز و جل يمضه أخرجاه في الصحيحين
وعنها قالت تزوجني النبي صلى الله عليه و سلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمه فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها ما أدري ما تريد مني فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير طائر فأسلمتني إليهن فأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ضحى فأسلمنني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين أخرجاه في الصحيحين
وعن عمرو بن العاص أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال أي الناس أحب إليك يا رسول الله قال عائشة قال من الرجال قال أبوها قال ثم من قال ثم عمر أخرجاه في الصحيحين (2/16)
وعن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كمل من الرجال ولم يكمل من النساء إلا مريم بنة عمران وآسية إمرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام أخرجاه في الصحيحين
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن جبريل عليه السلام يقرأ عليك السلام قلت وعليه السلام ورحمة الله أخرجاه في الصحيحين
وعن أبي سلمة عن عائشة قالت قلت يا رسول الله أرأيت إذ نزلت واديا فيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرة لم يؤكل منها في أيهما كنت ترتع بعيرك قال في التي لم يؤكل منها تعني أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يتزوج بكرا غيرها إنفرد البخاري
وعن الزهري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن هشام أن (2/17)
عائشة زوجة النبي صلى الله عليه و سلم قالت أرسل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه و سلم فاستأذنت والنبي صلى الله عليه و سلم مع عائشة في مرضها فأذن لها فدخلت عليه فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في إبنة أبي قحافة فقال النبي صلى الله عليه و سلم أي بنية ألست تحبين ماأحب فقالت بلى قال فأحبي هذه لعائشة قالت فقامت فاطمة عليها السلام فخرجت فجاءت أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فحدثنهن بما قالت وبما قال لها فقلن ما أغنيت عنا من شيء فارجعي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت فاطمة عليها السلام والله لا أكلمه فيها أبدا فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم زينب بنت جحش فاستأذنت فأذن لها فدخلت فقالت يا رسول الله أرسلني إليك أزواجك يسألنك العدل في إبنة أبي قحافة قالت عائشة ووقعت في زينب قالت عائشة فطفقت أنظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم متى يأذن لي فيها فلم أزل حتى عرفت أن النبي صلى الله عليه و سلم لا يكره أن أنتصر قالت فوقعت بزينب فلم أنشبها أن أفحمتها فتبسم النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال إنها إبنة أبي بكر (2/18)
وعن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها
قالت عائشة فمات في اليوم الذي كان يدور فيه نوبتي فقبضه الله عز و جل وإن رأسه بين نحري وسحري وخالط ريقه ريقي أخرجاه في الصحيحين
وعنه قال كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت فاجتمع صواحبي إلى بيت أم سلمة فقالوا ياأم سلمة إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريد عائشة فمرى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه و سلم قالت فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له ذلك فقال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله مانزل علي الوحي وأنا في لحاف إمرأة منكن غيرها (2/19)
وعنه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما فرغ من الأحزاب دخل المغتسل فجاءه جبريل عليه السلام فقال أو قد وضعتم السلاح ما وضعنا أسلحتنا بعد إنهد إلى بني قريظة فقالت عائشة كأني أنظر إلى جبريل عليه السلام من خلل الباب قد عصب رأسه الغبار
وعن أبي سلمة قال قالت عائشة رأيت النبي صلى الله عليه و سلم واضعا يديه على معرفة فرس دحيه الكلبي وهوة يكلمه قالت فقلت يا رسول الله رأيتك واضعا يدك على معرفة فرس دحية الكلبي وأنت تكلمه قال أو رأيته قلت نعم قال ذاك جبريل وهو يقرئك السلام قالت وعليه السلام وجزاه الله من صاحب ودخيل خيرا فنعم الصاحب ونعم الدخيل
قال سفيان الدخيل الضيف
وعن القاسم عن عائشة قالت وثب رسول الله صلى الله عليه و سلم وثبة شديدة فنظرت فإذا رجل معه واقف على برذون وعليه عمامة بيضاء طرفها بين كتفيه ورسول الله صلى الله عليه و سلم واضع يده على معرفة برذونه فقلت يا رسول الله لقد راعتني وثبتك من (2/20)
هذا قال أرأيته قلت نعم قال ومن رأيت قلت دحية بن خليفة الكلبي قال ذلك جبريل عليه السلام حديث الإفك
عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوجة النبي صلى الله عليه و سلم حين قال لها الإفك ماقالوا فبرأها الله عز و جل وكلهم حدثني بطائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت إقتصاصا وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني وبعض حديثهم يصدق بعضا
ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه و سلم معه
قالت عائشة فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله (2/21)
صلى الله عليه و سلم من غزوة وقفل ودنونا من المدينة أذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنونا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني إبتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بهودجي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه
قالت وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يفشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه فرفعوه وكنت جارية حديثه السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما إستمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش وأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني (2/22)
حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب فاستيقظت بإسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطىء على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك من هلك في شأني
وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه و سلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فيسلم ثم يقول كيف تيكم فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد مانقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه واتبنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب
فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت (2/23)
تسبين رجلا قد شهد بدرا فقالت أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال قلت وما ذاك قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم ثم قال كيف تيكم قلت أتأذن لي أن آتي أبوي قالت وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه و سلم فجئت أبوي فقلت لأمي ياأمتاه ما يتحدث الناس فقالت أي بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت إمرأة قط حظية عند زوجها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها القول قالت قلت أي سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا
قالت فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا ترقأ لي دمعة ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي
ودعا رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله قالت فأما أسامة ابن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالذي يعلم من براءة (2/24)
أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال يا رسول الله صلى الله عليه و سلم هم أهلك ولا أعلم إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لن يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك
قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة قالت له بريرة لا والذي بعثك بالحق نبيا إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثه السن تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن فيأكله
فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول فقال وهو على المنبر يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ماعلمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فقبلنا أمرك قالت فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان (2/25)
رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ لعمرك لاتقتله ولاتقدر على قتله
فقام أسيد بن حضير وهو إبن عم سعد بن عبادة كذبت والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت
قالت عائشة رضي الله عنها وبكيت يومي ذلك لا ترقأ لي دمعة ولا أكتحل بنوم ثم بكيت ليلتي المقبلة لا ترقأ لي دمعة ولاأكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي قالت فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت على إمرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم ثم جلس عندي قالت ولم يجلس عندي منذ قيل لي في ماقيل وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني قالت فتشهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جلس ثم قال أما بعد ياعائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله عز و جل وإن كنت هممت أو لممت بذنب فاستغفري الله عز و جل وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب الله عليه (2/26)
قالت فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال والله ماأدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله فقلت والله ماأدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت عائشة وأنا جارية حديثه السن لاأقرأ كثيرا من القرآن القرآن بلى إني والله قد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى إستقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله عز و جل يعلم اني بريئة لاتصدقوني وإن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة تصدقوني وإني والله لاأجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون
قالت ثم تحولت فاضطجعت على فراشي قالت وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله عز و جل مبرئي ببراءتي ولكن والله ماكنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله عز و جل في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه و سلم في النوم رؤيا يبرئني الله عز و جل بها قالت فوالله مارام رسول الله صلى الله عليه و سلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه فأخذه ما كان يأخذه (2/27)
من البرحاء عند الوحي حتى إنه كان ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت فلما سري عنه يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يضحك كان أول كلمة تكلم بها أن قال أبشري يا عائشة أما إن الله تعالى قد برأك فقالت لي أمي قومي إليه فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله تعالى وهو الذي أنزل براءتي فانزل الله تعالى إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات فأنزل الله تعالى هذه الآيات براءتي فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره فقال والله لا أنفق عليه شيئا أبدا إن شاء الله تعالى بعد الذي قال في عائشة ماقال فأنزل الله تعالى ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم فقال أبو بكر الصديق إني لأحب أن يغفر الله عز و جل لي فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه وقال لاأنزعها منه أبدا
قالت عائشة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم سأل زينب بنت جحش عن أمري ما علمت أو ما رأيت أو ما بلغك قالت يارسول الله صلى الله عليه و سلم أحمى سمعي وبصري والله ماعلمت إلا خيرا (2/28)
قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فعصمها الله تعالى عني بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك
قال ابن شهاب فهذا ماانتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط أخرجاه في الصحيحين
ذكر نبذة من كرمها وزهدها رضي الله عنها
عن عطاء قال بعث معاوية إلى عائشة بطوق من ذهب فيه جوهر قوم مائة ألف فقسمته بين أزواج النبي صلى الله عليه و سلم
وعن أم ذرة وكانت تغشى عائشة قالت بعث إليها إبن الزبير بمال في غرارتين قالت أراه ثمانين ومائة ألف فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة فجلست تقسمه بين الناس فأمست وما عندها من ذلك درهم فلما أمست قالت يا جارية هلمي فطري فجاءتها بخبز وزيت فقالت لها أم ذرة أما إستطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم (2/29)
لحما نفطر عليه فقالت لها لاتعنفيني لو كنت ذكرتني لفعلت
وعن عروة قال لقد رأيت عائشة تقسم سبعين ألفا وهي ترقع درعها
ذكر نبذة من خوفها من الله تعالى
عن مالك بن الطفيل أن عائشة رضي الله عنها حدثت أن عبد الله إبن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة والله لتنتهين أو لأحجرن عليها فقالت أهو قال هذا قالوا نعم قالت هو لله على نذر أن لاأكلم ابن الزبير أبدا فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة فقالت والله لاأشفع فيه أبدا ولا أتحنث إلى ندري أبدا فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الله بن الأسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة بن كلاب وقال لهما أنشدكما الله إلا ما أدخلتماني على عائشة فإنها لايحل أن تنذر قطيعتي
فأقبل به المسور بن مخرمة وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة رضي الله عنها فقالا السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل قالت عائشة ادخلوا قالوا كلنا قالت عائشة نعم ادخلوا كلكم ولا تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل بن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يقبل رأسها ويبكي وطفق المسور (2/30)
وعبد الرحمن يناشدانها إلا ماكلمته وقبلت منه ويقولان لها إن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عما قد علمت من الهجرة فإنه لايحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام أو ليال فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما وتبكي وتقول لهما إني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل بدموعها خمارها انفرد بإخراجه البخاري
ذكر تعبدها وإجتهادها رضي الله عنها
عن عروة عن أبيه أن عائشة رضي الله عنها كانت تسرد الصوم
وعن القاسم أن عائشة كانت تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر
وعنه قال كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها فغدوت يوما فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم وتدعو وتبكي وترددها فقمت حتى مللت القيام فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت فإذا هي قائمة كما هي تصلي وتبكي (2/31)
ذكر طرف من مواعظها وكلامها
عن عامر قال كتبت عائشة إلى معاوية أما بعد فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عز و جل عاد حامده من الناس ذاما
وعن إبراهيم عن عائشة رضي الله عنها قالت إنكم لن تلقوا الله بشيء خير لكم من قلة الذنوب فمن سره أن يسبق الدائب المجتهد فليكف نفسه عن كثرة الذنوب
ذكر غزارة علمها رضي الله عنها
عن أبي موسى الأشعري قال ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حديث قط فسألنا عائشة عنه إلا وجدنا عندها منه علما
وعن مسروق قال نحلف بالله لقد رأينا الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يسألون عائشة عن الفرائض
وعن عروة عن أبيه قال ما رأيت أحدا من الناس أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بحلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بحديث العرب ولا بنسب من عائشة رضي الله عنها
وعن هشام بن عروة قال كان عروة يقول لعائشة يا أمتا لا أعجب من فقهك أقول زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم وابنة أبي بكر (2/32)
ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام العرب أقول ابنة أبي بكر وكان أعلم الناس أو من أعلم الناس لكن أعجب من علمك بالطب قال فضربت على منكبه وقالت أي عروة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان بسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات فكنت أعالجها فمن ثم
وعن سفيان بن عيينة قال قال الزهري لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وجميع النساء كان علم عائشة رضي الله عنها أكثر
ذكر فصاحتها رضي الله عنها
عن هشام بن عروة لا أدري ذكره عن أبيه أم لا الشك من أبي يعقوب قال بلغ عائشة رضي الله عنها أن أقواما يتناولون من أبي بكر رضي الله عنه فأرسلت إلى أزفلة منهم فلما حضروا سدلت أستارها ثم دنت فحمدت الله تعالى وصلت على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم وعذلت وقرعت ثم قالت
أبي وما أبيه أبي والله لا تعطوه الأيدي ذاك طود منيف وفرع مديد هيهات كذبت الظنون أنجح إذ أكديتم وسبق إذ ونيتم سبق الجواد إذا إستولى على الأمد فتى قريش ناشئا وكهفها كهلا يفك عانيها ويريش مملقها ويرأب شعبها حتى حليته قلوبها ثم استشرى (2/33)
في الله تعالى فما برحت شكيمته في ذات الله تعالى حتى اتخذ بفنائه مسجدا يحيى فيه ما أمات المبطلون وكان رحمه الله غزير الدمعة وقيذ الجوارح شجى النشيج فانقصفت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزئون به الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون فأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت له قسيها وفوقت له سهامها انتثلوه غرضا فما فلوا له صفاة ولا قصفوا له قناة ومر على سيسائه حتى إذا ضرب الدين بجرانه ألقى بركه ورست أوتاده ودخل الناس فيه أفواجا ومن كل فرقة أرسالا وأشتاتا اختار الله عز و جل لنبيه صلى الله عليه و سلم ماعنده فلما قبض صلى الله عليه و سلم نصب الشيطان رواقه ومد طنيه ونصب حبائله وظن رجال أن قد تحققت أطماعهم ولات حين مناص وأبي الصديق بين أظهرهم فقام حاسرا مشمرا فجمع حاشيته ورفع قطريه فرد نشر الإسلام على غربه ولم شعثه بطيه وأقام أوده بثقافة فاندفر النفاق بوطأته وانتاش الدين فنعشه فلما أراح الحق إلى أهله وقرر الرؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها أتته ميتته فسد ثلمته بنظيره في المرحمة وشقيقه في السيرة والمعدلة ذاك عمر بن الخطاب لله أم حملت به ودرت عليه لقد أوحدت به ففنخ الكفرة وديخها وشرد الشرك (2/34)
شذر مذر وبعج الأرض وبخعها فقاءت أكلها ولفظت خبيئها تر أمه ويصدف عنها وتصدى له ويأباها ثم ورع فيها وودعها كما صحبها فأروني ماتريبون وأي يوم تنقمون أيوم إقامته إذ عدل فيكم أم يوم ظعنه فقد نظر لكم أستغفر الله العظيم لي ولكم وقد روى هذا الحديث جعفر بن عون عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها
تفسير كلمات غريبة فيه
الأزفلة الجماعة وتعطوه تناوله والطود الجبل والمنيف المشرف وأكديتم خبتم ويئس من خيركم وونيتم فترتم والأمد الغاية والمملق الفقير ويرأب يجمع والشعب المتفرق واستشرى احتد والشكيمة الأنفة والحمية والوقيذ العليل والجوارح معروفة وفي رواية الجوانح وهي الضلوع القصار التي تقرب من الفؤاد والشجى الحزين والنشيج صوت البكاء وانتثلوه مأخوذ من النثلة وهي الجعبة وفلوا كسروا والصفاة الصخرة الملساء وقولها على سيسائه أي على شده والجران الصدر وهو البرك ومعنى فرفع حاشيته وجمع قطريه تحزم للأمر (2/35)
وتأهب والقطر الناحية فرد نشر الإسلام على غربه كذا وقع في الرواية والصواب على غرة أي على طية والأود العوج والثقاف تقويم الرماح وغيرها وإندفر تفرق وإنتاش الدين أي أزال عنه ما يخاف عليه ونعشه رفعه فنخ الكفرة أي أذلها وديخها أي دوخها وفي رواية ذنخها بالنون أي صغرها شذر مذر أي تفريقا وبعج الأرض أي شقها وكذلك بخعها وتر أمه أي تعطف عليه وتصدى له تعرض
وعن الأحنف بن قيس قال سمعت خطبة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب فما سمعت الكلام من في مخلوق أحسن ولا أفخم من في عائشة رحمة الله عليهم أجمعين
وعن سفيان قال سأل معاوية زيادا أي الناس أبلغ قال أنت يا أمير المؤمنين قال أعزم عليك قال إذا عزمت على فعائشة فقال معاوية مافتحت بابا قط تريد أن تغلقه إلا أغلقته ولاأغلقت بابا قط تريد أن تفتحه إلا فتحته (2/36)
ذكر وفاة عائشة رضي الله عنها
عن ذكوان حاجب عائشةأنه جاء عبد الله بن عباس يستأذن على عائشة فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقلت هذا ابن عباس يستأذن فأكب عليها إبن أخيها عبد الله فقال هذا ابن عباس فقالت دعني من ابن عباس فقال لها يا أماه إن ابن عباس من صالحي بنيك يسلم عليك ويودعك فقالت إئذن له إن شئت فأدخلته فلما دخل قال أبشرى فما بينك وبين أن تلقى محمدا صلى الله عليه و سلم والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يكن رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب إلا طيبا وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى تصبح في المنزل وأصبح الناس ليس معهم ماء فأنزل الله عز و جل فتيمموا صعيدا فكان هذا من سببك وما أنزل الله عز و جل لهذه الأمة من الرخصة وأنزل الله عز و جل براءتك من فوق سبع سموات جاء به الروح الأمين فأصبح ليس مسجد من مساجد الله عز و جل يذكر فيه الله إلا تتلى فيه آناء الليل وآناء النهار (2/37)
فقالت دعني منك يا ابن عباس فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا
قال الواقدي توفيت عائشة رضي الله عنها ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من رمضان سنة ثمان وخمسين وهي إبنة ست وستين سنة
وقال غيره توفيت سنة سبع وخمسين وأوصت أن تدفن بالبقيع مع صواحباتها وصلى عليها أبو هريرة وكان خليفة مروان بالمدينة
وعن هشام بن عروة قال مات أبو هريرة وعائشة سنة سبع وخمسين
128 - حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
كانت عند خنيس بن حذافة السهمي وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها بعد الهجرة مقدم النبي صلى الله عليه و سلم من بدر فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن إبن عمر عن عمر بن الخطاب قال تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذيفة أو حذافة شك عبد الرزاق وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ممن شهد بدرا فتوفي بالمدينة
قال عمر فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت إن (2/38)
شئت أنكحتك حفصة فقال سأنظر في ذلك فلبثت ليالي فلقيني فقال ما أريد أن أتزوج يومي هذا قال عمر فلقيت أبا بكر فقلت إن شئت أنكحتك حفصة فلم يرجع إلى شيئا فكنت أوجد عليه مني على عثمان فلبثت ليالي فخطبها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت على حين عرضت على حفصة فلم أرجع إليك شيئا قال قلت نعم قال فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك شيئا حين عرضتها على إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرها ولم أكن لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه و سلم ولو تركها لنكحتها انفرد بإخراجه البخاري
وعن قيس بن زيد أن النبي صلى الله عليه و سلم طلق حفصة بنت عمر فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون فبكت وقالت والله ما طلقني عن شبع وجاء النبي صلى الله عليه و سلم فتجلببت قال فقال لي جبرئيل عليه السلام راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة
عن عمار بن ياسر قال أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يطلق حفصة فجاء جبريل عليه السلام فقال لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة (2/39)
قال الواقدي توفيت حفصة في شعبان سنة خمس وأربعين في خلافة معاوية وهي ابنة ستين سنة وقيل ماتت في خلافة عثمان بالمدينة
129 - أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية واسمه سهيل
ويقال له زاد الركب بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد فهاجر بها إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ومات أبو سلمة سنة أربع من الهجرة فتزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم
عن إبن أم سلمة أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة فقال لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا أحب إلى من كذا وكذا لا أدري ما عدل به
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه اللهم اخلفني فيها خيرا منها إلا أعطاه الله عز و جل
قالت أم سلمة فلما أصبت بأبي سلمة قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتي هذه ولم تطب نفسي أن أقول اللهم اخلفني فيها بخير منها
ثم قالت من خير من أبي سلمة أليس أليس ثم قالت ذلك
فلما انقضت عدتها أرسل إليها أبو بكر يخطبها فأبت ثم أرسل (2/40)
إليها عمر يخطبها فأبت ثم أرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطبها فقالت مرحبا برسول الله صلى الله عليه و سلم إن في خلالا ثلاثا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة مصبية وأنا امرأة ليس لي ها هنا أحد من أوليائي فيزوجني
فغضب عمر لرسول الله صلى الله عليه و سلم أشد مما غضب لنفسه حين ردته
فأتاها عمر فقال أنت التي تردين رسول الله صلى الله عليه و سلم بما تردينه فقالت يا بن الخطاب لي كذا وكذا
فأتاها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أما ما ذكرت من غيرتك فأني أدعو الله عز و جل أن يذهبها عنك وأما ما ذكرت من صبيتك فإن الله عز و جل سيكفيكهم وأما ما ذكرت من أنه ليس من أوليائك أحد شاهد فليس من أوليائك أحد شاهد ولا غائب يكرهني
وقال لأبنها زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم فزوجه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أما إني لم أنقصك مما أعطيت فلانة
قال ثابت قلت لابن أم سلمة ما أعطى فلانة قال أعطاها جرتين تضع فيهما حاجتها ورحى ووسادة من أدم حشوها ليف
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم بابنها (2/41)
فلما رأته وضعت زينب أصغر ولدها في حجرها فلما رآها انصرف وأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم بابنتها فوضعتها في حجرها وأقبل عمار مسرعا بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتزعها من حجرها وقال هاتي هذه المشقوحة التي قد منعت رسول الله صلى الله عليه و سلم حاجته فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما لم يرها في حجرها قال أين زناب قالت أخذها عمار فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أهله
قال وكانت في النساء كأنها ليست فيهن لا تجد ما يجدن من الغيرة
توفيت أم سلمة في سنة تسع وخمسين وقيل سنة اثنتين وستين وقبرت بالبقيع وهي ابنة أربع وثمانين سنة رضي الله عنها
130 - أم حبيبة واسمها رملة
بنت أبي سفيان بن حرب كانت عند عبيد الله بن جحش وهاجر بها إلى الحبشة في الهجرة الثانية ثم ارتد عن الإسلام وتنصر ومات هنالك وثبتت أم حبيبة على دينها فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عمرو ابن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة ليخطبها عليه فزوجها إياه وأصدق عنه النجاشي أربعمائة دينار وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة (2/42)
وقيل وكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوجها وذلك في سنة سبع من الهجرة
سعيد بن العاص قال قالت أم حبيبة رأيت في النوم كأن عبيد الله ابن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهه ففزعت فقلت تغيرت والله حاله فإذا هو يقول حين أصبح يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر دينا خيرا من النصرانية وكنت قد دنت بها ثم دخلت في دين محمد ثم رجعت في النصرانية
فقلت والله ما خير لك وأخبرته بالرؤيا التي رأيتها فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات فأرى في النوم كأن آتيا يقول يا أم المؤمنين ففزعت فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يتزوجني
قالت فما هو إلا أن قد انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن فاذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلى أن أزوجه فقالت بشرك الله بخير قالت يقول لك الملك وكلي من يزوجك
فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة (2/43)
سوارين من فضة وخدمتين كانتا في رجليها وخواتيم فضة كانت في أصابع رجليها سرورا بما بشرتها
فلما كان العشى أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال
الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم صلى الله عليهما وسلم
أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلى أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار
ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال
الحمد لله أحمد وأستعينه وأستنصره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله
ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص فقبضها ثم أرادوا أن (2/44)
يقوموا فقال اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام وأكلوا ثم تفرقوا
قالت أم حبيبة فلما وصل إلى المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت لها إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي فهذه خمسون مثقالا فخذيها فاستعيني بها فأبت وأخرجت حقافه كل ما كنت أعطيتها فردته علي وقالت عزم على الملك أن لا أرزأك شيئا وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأسلمت لله عز و جل وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر
قالت فلما كان الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير فقدمت بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه و سلم فكان يراه علي وعندي فلا ينكره
ثم قالت أبرهة فحاجتي إليك أن تقرئي على رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلام وتعلميه أني قد اتبعت دينه قالت ثم لطفت بي وكانت التي جهزتني وكانت كلما دخلت علي تقول لا تنسى حاجتي إليك
قالت فلما قدمت علي رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة فتبسم وأقرأته منها السلام فقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته (2/45)
قال الزهري لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقام ودخل على ابنته أم حبيبة فما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه و سلم طوته دونه فقال يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه فقالت بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنت امرؤ نجس مشرك فلقال يا بنية لقد أصابك بعدي شر
قالت عائشة رضي الله عنها دعتني أم حبيبة عند موتها فقالت قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك فقلت غفر الله لك ذلك كله وتجاوز وحلك من ذلك كله فقالت سررتني سرك الله وأرسلت إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك
وتوفيت سنة أربع وأربعين في خلافة معاوية
131 - زينب بنت جحش بن رئاب
أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم عمة رسول الله صلى الله عليه و سلم زوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم زيد بن حارثة فلما طلقها زيد بن حارثة تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم في سنة خمس من الهجرة وكانت من المهاجرات
عن أنس قال لما انقضت عدة زينب بنت جحش قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لزيد بن حارثة اذهب فأذكرني لها فلما قال ذلك عظمت في نفسي فذهبت إليها فجعلت ظهري إلى الباب فقلت يا زينب بعثني إليك (2/46)
رسول الله صلى الله عليه و سلميذكرك فقالت ما كنت لأحدث شيئا حتى أوامر ربي عز و جل فقامت إلى مسجد لها فأنزل الله عز و جل هذه الآية فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل بغير إذن أخرجه مسلم
وقد أخرج البخاري من حديث أنس أن زينب كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم وتقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله عز و جل من فوق سبع سموات
وعنه قال كانت زينب بنت جحش تفخر على نساء النبي صلى الله عليه و سلم تقول إن الله عز و جل أنكحني من السماء وأطعم النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ عليها خبزا ولحما قال وكان القوم جلوسا في البيت فخرج النبي صلى الله عليه و سلم فلبث هنية فرجع والقوم جلوس فشق ذلك عليه وعرفت ذلك وجهه فنزلت آية الحجاب
قلت نزول آية الحجاب في قصة زينب في الصحيحين من حديث أنس بن مالك الأنصاري وفيهما من حديثه أيضا قال ما أولم رسول (2/47)
الله صلى الله عليه و سلم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أولم على زينب فقال له ثابت بما أولم قال أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه
وعن عائشة قالت كانت زينب بنت جحش هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فعصمها الله عز و جل بالورع ولم أر امرأة أكثر خيرا وأكثر صدقة وأوصل للرحم وأبذل لنفسها في كل شيء يتقرب به إلى الله عز و جل من زينب ما عدا سورة من حدة كانت فيها يوشك منها الفيئة
وعن برزة بنة رافع قالت لما جاء العطاء بعث عمر إلى زينب بنت جحش بالذي لها فلما دخل عليها قالت غفر الله لعمر لغيري من أخواتي كان أقوى على قسم هذا مني قالوا هذا كله لك
قالت سبحان الله واسترت دونه بثوب وقالت صبوه واطرحوا عليه ثوبا فصبوه وطرحوا عليه ثوبا فقالت لي أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة فاذهبي إلى آل فلان وآل فلان من أيتامها وذوي رحمها فقسمته حتى بقيت منه بقية فقالت لها برزة غفر الله لك والله (2/48)
لقد كان لنا في هذا حظ قالت فلكم ما تحت الثوب قالت فرفعنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهما ثم رفعت يديها فقالت اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا قال فماتت
وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأزواجه أولكن يتبعني أطولكن يدا قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم نمد أيدينا في الحائط نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطولنا يدا فعرفت أن النبي صلى الله عليه و سلم أراد بطول اليد الصدقة وكانت امرأة صناعا وكانت تعمل بيدها وتتصدق به في سبيل الله عز و جل
توفيت زينب بنت جحش في سنة عشرين وهي بنت ثلاث وخمسين سنة رحمها الله
جويرية بنت الحارث بن أبي ضرارBها
قالت عائشة أصاب رسول الله صلى الله عليه و سلم نساء بني المصطلق فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس فكاتبها على تسع أواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه فبينا رسول الله صلى الله عليه و سلم (2/49)
عندي إذ دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه و سلم عرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من الأمر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبني على تسع أواق فأعني في كتابتي فقال أو خير من ذلك فقالت ما هو فقال اؤدى عنك كتابتك واتزوجك قالت نعم يا رسول الله فقال قد فعلت فخرج الخبر إلى الناس فقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم يسترقون فأعتقوا ما كان في ايديهم من نساء بني المصطلق فبلغ عتقهم مائة بيت بتزويجه إياها فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها
قال إبن عباس كان اسمها برة فحوله رسول الله صلى الله عليه و سلم فسماها جويرية كره أن يقال خرج من عند برة
وعن إبن عباس عن جويرية انطلق على رسول الله صلى الله عليه و سلم غدوة وأنا أسبح ثم انطلق لحاجته ثم رجع قريبا من نصف النهار فقال أما زلت قاعدة قلت نعم قال ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن لعدلنهن ولو وزن بهن وزنهن يعني جميع ما سبحت سبحان الله (2/50)
عدد خلقه ثلاث مرات سبحان الله زنة عرشه ثلاث مرات سبحان الله رضا نفسه ثلاث مرات سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات انفرد باخراجه مسلم
تزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم جويرية وهي بنت عشرين سنة وتوفيت سنة خمسين وفي رواية ست وخمسين وهي بنت خمس وستين رحمها الله
133 - صفية بنت حيي بن أخطبBها
من سبط هارون بن عمران سباها النبي صلى الله عليه و سلم يوم خيبر فاصطفاها لنفسه فأسلمت وأعتقها وجعل عتقها صداقها وقيل وقعت في سهم دحية الكلبي فاشتراها رسول الله صلى الله عليه و سلم بسبعة أرؤس
عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أتى بصفية يوم خيبر وإنه قتل أخاها وزوجها وقال لبلال خذ بيد صفية فأخذ بيدها فمر بها بين القتلى فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى رؤي في وجهه
ثم قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فدخل عليها فنزعت شيئا كانت عليه جالسة فألقته لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم خيرها بين أن يعتقها فترجع إلى من بقى من (2/51)
أهلها أو تسلم فيتخذها لنفسه فقالت أختار الله ورسوله فلما كان عند رواحة احتقب بعيره ثم خرجت معه تمشي حتى ثنى لها ركبته على فخذه فأجلت رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تضع قدمها على فخذه فوضعت ركبتها على فخذه فركبت ثم ركب النبي صلى الله عليه و سلم فألقى عليها كساء ثم سارا فقال المسلمون حجبها رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كان على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها فأبت صفية فوجد النبي صلى الله عليه و سلم عليها في نفسه
فلما كان بالصهباء مال إلى دومة هناك فطاوعته فقال لها ما حملك على إبائك حين أردت المنزل الأول قالت يا رسول الله خشيت عليك قرب يهود فأعرس بها رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصهباء وبات أبو أيوب ليلته يحرس رسول الله صلى الله عليه و سلم يدور حول خباء رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم الوطء قال من هذا قال أنا خالد بن زيد فقال مالك قال مانمت هذه الليلة مخافة هذه الجارية عليك فأمره رسول الله صلى الله عليه و سلم فرجع
توفيت صفية سنة خمسين وقيل إثنتين وخمسين وقيل ست وثلاثين ودفنت بالبقيع (2/52)
أم شريك رضي الله عنها
وأسمها غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية قال الأكثرون هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و سلم فلم يقبلها فلم تتزوج حتى ماتت
عن ابن عباس قال وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة وكانت تحت أبي العسكر الدوسي ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها وقالوا لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا لكنا سنردك اليهم
قالت فحملوني على بعير ليس تحتي شيء ثم تركوني ثلاثا لا يطعموني ولا يسقوني وكانوا إذا نزلوا منزلا أوثقوني في الشمس واستظلوا هم منها وحبسوني عن الطعام والشراب فبيناهم قد نزلوا منزلا وأوثقوني في الشمس إذا أنا ببرد شيء على صدري فتناولته فإذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلا ثم نزع مني فرفع ثم عاد فتناولته فشربت منه ثم رفع ثم عاد فتناولته ثم رفع مرارا ثم تركت فشربت حتى رو يت ثم أفضت سائرة على جسدي وثيابي فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء ورأوني حسنة الهيئة فقالوا لي انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه قلت لا والله ولكنه كان من الأمر كذا وكذا قالوا لئن كنت (2/53)
صادقة لدينك خير من ديننا فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها فأسلموا عند ذلك وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فوهبت نفسها له بغير مهر فقبلها ودخل عليها
135 - فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد المناف
أم علي بن أبي طالب عليه السلام أسلمت وكانت صالحة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزورها ويقيل في بيتها ولما ماتت نزع رسول الله صلى الله عليه و سلم قميصه فألبسها إياه
وقال علي بن أبي طالب قلت لأمي فاطمة بنت أسد اكفى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة وتكفيك خدمة الداخل والطحن والعجين 136 أم أيمن واسمها بركة
مولاة رسول الله صلى الله عليه و سلم وحاضنته ورثها من أبيه فأعتقها حين تزوج خديجة فتزوج عبيد بن زيد من بني الحارث فولدت له أيمن ثم تزوجها زيد بن حارثة بعد النبوة فولدت له أسامة رضي الله عنه
عن عثمان بن القاسم قال خرجت أم أيمن مهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة إلى المدينة وهي ماشية ليس معها زاد وهي صائمة في يوم (2/54)
شديد الحر فأصابها عطش شديد حتى كادت تموت من شدة العطش
قال وهي بالروحاء أو قريبا منها قالت فلما غابت الشمس إذا أنا بحفيف شيء فوق رأسي فرفعت رأسي فإذا أنا بدلو من السماء مدلى برشاء أبيض قالت فدنا مني حتى إذا كان بحيث أستمكن منه تناولته فشربت منه حتى رويت قالت فلقد كنت بعد ذلك في اليوم الحار أطوف في الشمس كي أعطش فما عطشت بعدها
وعن أنس قال ذهبت مع النبي صلى الله عليه و سلم إلى أم أيمن نزورها فقربت له طعاما أو شرابا فإما كان صائما وإما لم يرده فجعلت تخاصمه أي كل فلما توفي النبي صلى الله عليه و سلم قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما مر بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزورها فلما رأتهما بكت فقالا لها ما يبكيك فقالت ما أبكى إني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد صار إلى خير مما كان فيه ولكن أبكي لخبر السماء انقطع عنا فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها
قال الواقدي حضرت أم أيمن أحدا وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى وشهدت خيبر وتوفيت في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه
137 - أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط
أسلمت بمكة وبايعت قبل الهجرة وهي أول من هاجر من النساء بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى المدينة وهاجرت في هدنة الحديبية (2/55)
عن ربيعة بن عثمان وقدامة قالا لا نعلم قرشية خرجت من بين أبويها مسلمة مهاجرة إلا أم كلثوم قالت كنت أخرج إلى بادية لنا فيها أهلي فأقيم بها الثلاث والأربع وهي ناحية التنعيم ثم أرجع إلى أهلي فلا ينكرون ذهابي البادية حتى أجمعت المسير فخرجت يوما من مكة كأني أريد البادية فلما رجع من تبعني إذا رجل من خزاعة قال أين تريدين قلت ما مسألتك ومن أنت قال رجل من خزاعة فلما ذكر خزاعة اطمأننت إليه لدخول خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وعقده فقلت إني امرأة من قريش وإني أريد اللحوق برسول الله صلى الله عليه و سلم ولا علم لي بالطريق فقال أنا صاحبك حتى أوردك المدينة ثم جاءني ببعير فركبته فكان يقود بي البعير ولا والله ما يكلمني بكلمة حتى إذا أناخ البعير تنحى عني فإذا نزلت جاء إلى البعير فقيده بالشجرة وتنحى إلى فىء شجرة حتى إذا كان الرواح حدج البعير فقربه وولى عني فإذا اركبت أخذ برأسه فلم يلتفت وراءه حتى أنزل فلم يزل كذلك حتى قدمنا المدينة فجزاه الله من صاحب خيرا فدخلت على أم سلمة وأنا متنقبة فما عرفتني حتى انتسبت وكشفت النقاب فالتزمتني وقالت هاجرت إلى الله عز و جل وإلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قلت نعم وأنا أخاف أن يردني كما رد أبا جندل وأبا بصير وحال الرجال ليس كحال النساء والقوم مصبحي قد طالت غيبتي اليوم عنهم خمسة (2/56)
أيام منذ فارقتهم وهم يتحينون قدر ما كنت أغيب ثم يطلبوني فإن لم يجدوني رحلوا
فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أم سلمة فأخبرته خير أم كثلوم فرحب بها وسهل فقلت إني فررت إليك بديني فامنعني ولا تردني إليهم يفتنوني ويعذبوني ولا صبر لي على العذاب إنما أنا امرأة وضعف النساء إلى ما تعرف وقد رأيتك رددت رجلين حتى امتنع أحداهما فقال إن الله عز و جل قد نقض العهد في النساء وحكم في ذلك بحكم رضوه كلهم وكان يرد النساء فقدم أخواها الوليد وعمارة من الغد فقالا أوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه فقال قد نقص الله الغد فانصرفا
قلت وأعلم أن نقض العهد في النساء معناه نزول الامتحان في حقوقهن فامتحنها رسول الله صلى الله عليه و سلم وامتحن النساء بعدها وذلك أنه كان يقول لهن والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام وما خرجتن لزوج ولا مال فإذا قلنا ذلك تركهن ولم يرددن إلى أهليهن وكانت أم كلثوم عاتقا حينئذ فتزوجها زيد بن حارثة فلما (2/57)
قتل عنها تزوجها الزبير فولدت له زينب ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميدا تزوجها عمرو بن العاص فماتت عنده رحمها الله
138 - الحولاء بنت تويت بن حبيبإبن أسد بن عبد العزى
أسلمت وبايعت رضي الله عنها
عن عائشة رضي الله عنها أن الحولاء مرت بها وعندها رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت هذه الحولاء وزعموا أنها لا تنام الليل فقال لا تنام الليل خذوا من العمل ما تطيقون فوالله لا
يسأم الله حتى تسأموا
139 - أسماء بنت أبي بكر الصديق
رضي الله عنها
أسلمت بمكة قديما وبايعت وشقت نطاقها ليلة خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الغار فجعلت واحدا لسفرة رسول الله صلى الله عليه و سلم والآخر عصاما لقربته فسميت ذات النطاقين تزوجها الزبير وكانت صالحة كانت تمرض المرضة فتعتق كل مملوك لها
عن عبد الله بن الزبير قال ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة (2/58)
وأسماء وجودهما مختلف أما عائشة فكانت تجمع الشيء حتى إذا اجتمع عندها قسمت وأما أسماء فكانت لا تمسك شيئا لغد رواه البخاري
وروى أيضا من حديث عروة قال دخلت أنا وعبد الله بن الزبير على أسماء قبل قتل عبد الله بعشر ليال وأسماء وجعة فقال لها عبد الله كيف تجدينك قالت وجعة قال إن في الموت لراحة قالت لعلك تشتهى موتي فلذلك تمناه فلا تفعل فوالله ما أشتهي أن أموت حتى آتي على أحد طرفيك إما أن تقتل فأحتسبك وإما أن تظفر فتقر عيني فإياك أن تعرض عليك خصلة لا توافقك فتقبلها كراهية الموت
وإنما عنى إبن الزبير أن يقتل فيحزنها ذلك
توفيت أسماء بعد قتل إبنها عبد الله رضي الله عنه بليال
140 - سمية بنت خباطBها
مولاة أبي حذيفة بن المغيرة وهي أم عمار بن ياسر أسلمت بمكة قديما وكانت ممن يعذب في الله عز و جل لترجع عن دينها فلم تفعل (2/59)
فمر بها يوما أبو جهل فطعنها في قبلها فماتت وكانت عجوزا كبيرة فهي أول شهيدة في الإسلام رحمها الله
عن مجاهد قال أول شهيد كان في الإسلام استشهد أم عمار أبو جهل بحربة في قبلها والسلام
141 - فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها
أخت عمر أسلمت قبل عمر هي وزوجها سعيد بن عمرو بن نفيل فلما علم عمر بإسلامها دخل عليها فشجها فبكت وقالت يا إبن الخطاب ما كنت صانعا فاصنعه فقد أسلمت
وقد ذكرنا هذا في قصة إسلام عمر رحمها الله
142 - أم رومان بنت عامر
أسلمت بمكة قديما وبايعت وتزوجها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فولدت له عبد الرحمن وعائشة وهاجرت إلى المدينة
وقد ذكر محمد بن سعد وإبراهيم الحربي أنها توفيت على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال آخرون بل عاشت بعده دهرا طويلا رحمها الله (2/60)
143 - أم الفضل
وهي لبابة الكبرى ابنة الحارث بن حرن وهي أول امرأة أسلمت بعد خديجة تزوجها العباس فولدت له الفضل وعبد الله وعبيد الله ومعبدا وقثم وعبد الرحمن وأم حبيب وفيها يقول عبد الله بن يزيد الهلالي
ما ولدت نجيبة من فحل ... كستة من بطن أم الفضل
أكرم بها من كهلة وكهل ...
وهاجرت إلى المدينة بعد إسلام العباس وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزورها ويقيل في بيتها وكانت تصوم الاثنين والخميس
144 - أسماء بنت عميس
أسلمت بمكة قديما وبايعت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ثم قتل عنها فتزوجها أبو بكر رضي الله عنه ومات عنها وأوصى أن تغسله ثم تزوجها علي بن أبي طالب
عن أبي موسى قال بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهم أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال بضع وإما قال ثلاثة وخمسون وإما اثنان وخمسون رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي (2/61)
فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فقال جعفر إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعثنا ها هنا وأمرنا بالاقامة فأقيموا معنا قال فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا
قال فوافقنا النبي صلى الله عليه و سلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فقسم لهم معهم قال فكان ناس من الناس يقولون لنا يعني لأصحاب السفينة سبقناكم بالهجرة
قال فدخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه و سلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها فقال عمر حين رأى أسماء من هذه فقالت أسماء بنت عميس فقال عمر الحبشية هذه البحرية هذه فقالت أسماء نعم فقال عمر سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه و سلم منكم فغضبت وقالت كلا يا عمر كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يطعم جائعكم ويعظ هالككم وكنا في دار أو في أرض البعد بالحبشة وذلك في ذات الله عز و جل وفي رسول الله صلى الله عليه و سلم وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه و سلم وأسأله والله لا أكذب ولا أزيد على ذلك (2/62)
فلما جاء النبي صلى الله عليه و سلم قالت يا نبي الله إن عمر قال كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فما قلت له قالت قلت له كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم يا أهل السفينة هجرتان قالت فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا ليسألوني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم أفرح به ولا أعظم في أنفسهم مما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لهم أخرجاه في الصحيحين
145 - أم عمارة واسمها نسيبة
بفتح النون وكسر السين
بنت كعب بن عمرو بن عوف الأنصارية أسلمت وبايعت وشهدت أحدا والحديبية وخيبر وحنينا وعمرة القضية ويوم اليمامة
وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما التفت يوم أحد يمينا ولا شمالا إلا وأراها تقاتل دوني
قال الواقدي قاتلت يوم أحد وجرحت اثنتي عشرة جراحة وداوت جرحا في عنقها سنة ثم نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى حمراء (2/63)
الأسد فشدت عليها ثيابها فما استطاعت من نزف الدم
وعن محمد بن إسحاق قال وحضرت البيعة بالعقبة امرأتان قد بايعتا إحداهما نسيبة بنت كعب وكانت تشهد الحرب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم شهدت معه أحدا وخرجت مع المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم في خلافة أبي بكر في الردة فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة ورجعت وبها عشر جراحات من طعنة وضربة
قال ابن إسحاق حدثني بهذا الحديث عنها محمد بن يحيى بن حبان ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة والسلام
146 - أم سليط الأنصارية
أسلمت وبايعت وشهدت أحدا وخيبر وحنينا قال ثعلبة بن أبي مالك إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطا بين نساء أهل المدينة فبقي منها مرط جيد فقال له بعض من حضر عنده يا أمير المؤمنين أعط هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم والتي عندك يريدون أم كلثوم فقال أم سليط أحق به فإنها ممن بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت تزفر لنا القرب يوم أحد انفرد باخراجه البخاري (2/64)
147 - أم سليم بنت ملحان بن خالد
ابن زيد بن حرام
وهي الغميصاء وقيل الرميضاء واختلفوا في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رميثة وقيل أنيفة تزوجها مالك بن النضر فولدت له أنس ابن مالك ثم قتل فخطبها أبو طلحة
عن أنس قال خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم فقالت أما إني فيك لراغبة وما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة فإن تسلم فذلك مهرى لا أسألك غيره فأسلم أبو طلحة وتزوجها
وعنه أن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت يا أبا طلحة ألست تعلم أن إلهك الذي تعبده خشية نبتت من الأرض نجرها حبشي بني فلان قال بلى قالت أفلا تستحيي أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي بني فلان لئن أنت أسلمت لم أرد منك من الصداق غيره قال حتى أنظر في أمري فذهب ثم جاء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قالت يا أنس زوج أبا طلحة
عن أنس بن مالك قال خطب أبو طلحة أم سليم فقالت ما مثلك يرد ولكن لا يحل أن أتزوجك أنا مسلمة وأنت كافر فإن تسلم فذاك مهري لا أسألك غيره فأسلم فتزوجها (2/65)
قال ثابت فما سمعنا بمهر قط كان أكرم من مهر أم سليم الاسلام
وعنه أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم إلا على أزواجه فقيل له فقال إني أرحمها قتل أخوها معي
وعنه قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يدخل على أم سليم فتبسط له النطع فيقيل عندها فتأخذ من عرقة فتجعله في طيبها
وعنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فإذا هي الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك
وعنه قال جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم من أم سليم فقال يا رسول الله ألم تر إلى أم سليم معها خنجر فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم ما تصنعين به يا أم سليم قالت أردت إن دنا أحد منهم مني طعنته
وعنه قال كان يوم أحد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم (2/66)
وعنه قال زار رسول الله صلى الله عليه و سلم أم سليم فصلى في بيتها تطوعا وقال يا أم سليم إذا صليت المكتوبة فقولي سبحان الله عشرا والحمد لله عشرا والله أكبر عشرا ثم سلي الله عز و جل ما شئت فإنه يقال لك نعم نعم نعم
وعنه قال كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال ما فعل ابني قالت أم سليم هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء فتعشي ثم أصاب منها فلما فرغ قالت واروا الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال أعرستم الليلة قال نعم قال اللهم بارك لهما فولدت له غلاما فقال لي أبو طلحة احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه و سلم وبعث معه بتمرات فقال أمعك شيء قلت نعم تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه و سلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في في الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله أخرجاه في الصحيحين
وعنه قال مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه قال فجاء فقربت (2/67)
له عشاء فأكل وشرب وقال ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع له قبل ذلك فوقع بها فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا قالت فاحتسب ابنك
فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بارك الله لكما في ليلتكما قال فحملت
قال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر وهي معه وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا فدنوا من المدينة فضربها المخاض فاحتبس عليها أبو طلحة وانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو طلحة إنك لتعلم يا رب إنه ليعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خرج وأدخل معه إذا دخل وقد احتبست بما ترى قال تقول له أم سليم يا أبا طحلة ما أجد الذي كنت أجد فانطلقنا
قال فضربها المخاض حين قدمنا فولدت غلاما فقالت لي أمي يا أنس لا يرضعنه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فلما أصحبت احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فصادفته ومعه ميسم فلما رآني قال لعل أم سليم ولدت قلت نعم فوضع الميسم وجئت به فوضعته في حجره قال ودعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت ثم قذفها في في الصبي فجعل الصبي (2/68)
يتلمظ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم انظروا إلى حب الأنصار التمر قال فمسح وجهه وسماه عبد الله
وقد روى لنا من طريق آخر أن الولد الذي مات كان اسمه حفص وكان قد ترعرع
وعن عباية بن رفاعة عن أم سليم قالت توفي إبن لي وزوجي غائب فقمت فسجيته في ناحية منالبيت فقدم زوجي فقمت فتطيبت له فوقع علي ثم أتيته بطعام فجعل يأكل فقلت ألا أعجبك من جيراننا قال ومالهم قلت أعيروا عارية فلما طلبت منهم جزعوا فقال بئس ما صنعوا فقلت هذا ابنك فقال لا جرم لا تغلبيني على الصبر الليلة فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره فقال اللهم بارك لهم في ليلتهم فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة كلهم قد قرأ القرآن 148 أم حرام بنت ملحان
أخت أم سليم أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان يقيل في بيتها
عن أنس بن مالك عن أم حرام أنها قالت بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم قائل في بيتي إذ استيقظ وهو يضحك فقلت بأبي أنت وأمي (2/69)
ما يضحكك قال عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة فقلت أدع الله أن يجعلني منهم قال اللهم اجعلها منهم ثم نام أيضا فاستيقظ وهو يضحك فقلت بأبي أنت وأمي ما يضحكك قال عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة فقلت أدع الله أن يجعلني منهم فقال أنت من الأولين فغزت مع عبادة بن الصامت وكان زوجها فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت أخرجاه في الصحيحين
وعن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عمير بن الأسود العنسي أنه حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو بساحل حمص في بناء له ومعه امرأته أم حرام قال عمير فحدثتنا أم حرام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قالت أم حرام يا رسول الله أنا منهم قال أنت منهم
قال هشام رأيت قبرها ووقفت عليه بالساحل بقاقيس
وعن هشام بن الغاز قال قبر أم حرام بنت ملحان بقبرس وهم يقولون هذا قبر المرأة الصالحة رحمها الله (2/70)
149 - عفراء بنت عبيد بن ثعلبة
أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ورزقها الله سبعة بنين كلهم شهدوا بدرا مسلمين وذلك أنها تزوجت الحارث بن رفاعة فولدت له معاذا ومعوذا ثم طلقها فقدمت مكة فتزوجت بكير بن عبد ياليل فولدت له خالدا واياسا وعاقلا وعامرا ثم رجعت إلى المدينة فراجعها الحارث ابن رفاعة فولدت له عوفا فشهدوا كلهم بدرا مسلمين فاستشهد معاذ ومعوذ وعاقل ببدر وخالد يوم الرجيع وعامر يوم بئر معونة وإياس يوم اليمامة و0البقية منهم لعوف
150 - الربيع بنت معوذ بن عفراء
أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وحدثت عنه وكانت تخرج معه في الغزوات
عن خالد بن ذكوان عن الربيع قالت كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فنخدم القوم ونسقيهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة والسلام
151 - أم عطية الأنصارية
واسمها نسيبة بنت كعب أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهذه بضم النون على خلاف اسم أم عمارة المتقدمة
عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت غزوت مع رسول الله (2/71)
صلى الله عليه و سلم سبع غزوات وكنت أخلفهم في الرحال وأصنع لهم الطعام وأقوم على المرضى وأداوي الجرحى
152 - أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث
أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم
أخبرنا إبن الحصين بالإسناد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصارية وكانت قد جمعت القرآن وكان النبي صلى الله عليه و سلم قد أمرها أن تؤم أهل دارها وكان لها مؤذن وكانت تؤم أهل دارها
وعنه عن جدته عن أمها أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث الأنصاري وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يزورها يسميها الشهيدة وكانت قد جمعت القرآن وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم حين غزا بدرا قالت له ائذن لي فأخرج معك فأداوى جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله عز و جل يهدى إلى الشهادة قال إن الله عز و جل مهد لك الشهادة وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرها أن تؤم أهل دارها حتى غدا عليها جارية وغلام لها كانت قد دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر رضي الله عنه فقيل إن أم ورقة قد (2/72)
قتلها غلامها وجاريتها فقال عمر صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول انطلقوا بنا نزور
الشهيدة رحمها الله
153 - امرأة من المهاجرات لم يذكر أسمها
عن أنس قال دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ثقيل فلم نبرح حتى قضي فبسطنا عليه ثوبه وأم له عجوز كبيرة عند رأسه فالتفت إليها بعضنا فقال يا هذه احتسبي مصيبتك عند الله عز و جل قالت وما ذاك أمات إبني قلنا نعم قالت أحق ما تقولون قلنا نعم قالت أحق ما تقولون قلنا نعم فمدت يدها إلى الله فقالت اللهم إنك تعلم أني أسلمت وهاجرت إلى رسولك صلى الله عليه و سلم رجاء أن تعينني عند كل شدة ورخاء فلا تحملني هذه المصيبة اليوم قال فكشف عن وجهه فما برحنا حتى طعمنا معه
154 - امرأة أخرى من المهاجرات
عن إبن سيرين أن أبا بكر أتي بمال فقسمه بين الناس فبعث منه إلى امرأة من المهاجرات فلما أتيت به قالت ما هذا قالوا أبو بكر (2/73)
جاءه مال فقسمه في الناس فقسم منه في نظرائك قالت أتخافوني أن أدع الإسلام قالوا لا قالت أفترشونني على ديني قالوا لا قالت فلا حاجة لي فيه
155 - اليمنية
عن أبي هريرة قال جاءت امرأة من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله ادع الله عز و جل أن يشفيني قال إن شئت دعوت الله لك فشفاك وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت بل أصبر ولا حساب علي رحمها الله 156 امرأة من الأنصار
عن أنس قال لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة وقالوا قتل محمد حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها لا أدري بأيهم استقبلت أولا فلما مرت على أخرهم قالت من هذا قالوا أخوك وأبوك وزوجك وابنك قالت فما فعل النبي صلى الله عليه و سلم قالوا أمامك فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم لا أبا لي إذا سلمت من عطب (2/74)
157 - أمة لبعض العرب
عن عائشة رضي الله عنها قالت أسلمت أمة سوداء لبعض العرب فكان لها حفش في المسجد قالت فكانت تأتينا فتحدث عندنا فإذا فرغت من حديثها قالت
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ألا إنه من بلدة الكفر نجاني
فلما أكثرت قلت لها وما يوم الوشاح قالت خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من آدم فسقط منها فانحطت عليه الحدأة وهي تحسبه لحما فأخذته فاتهموني به فعذبوني حتى بلغ من أمري أنهم طلبوه في قبلي فبيناهم حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديا حتى وازت رؤوسنا ثم ألقته فأخذوه فقلت لهم هذا الذي اتهمتموني به وأنا منه بريئة
انتهى ذكر المصطفيات من عالمات الصحابيات ومتعبداتهن (2/75)
ذكر المصطفين من التابعين ومن بعدهم
على طبقاتهم في بلدانهم
عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يأتي بعد ذلك قوم تسبق شهاداتهم إيمانهم وإيمانهم شهادتهم أخرجاه في الصحيحين
عمران بن حصين يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم لا أدري مرتين أو ثلاثا أخرجاه في الصحيحين (2/76)
ذكر المصطفين من طبقات أهل المدينةمن التابعين ومن بعدهم
فمن الطبقة الأولى
158 - محمد بن علي بن أبي طالب
وهو إبن الحنفية ويكنى أبا القاسم أمه الحنفية خولة بنت جعفر إبن قيس ويقال بل كانت أمة من سبي اليمامة فصارت إلى علي
قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها رأيت أم محمد بن الحنفية سندية سوداء وكانت أمة لبني حنيفة
عن ابن الحنفية قال قال علي يا رسول الله أرأيت إن ولد لي ولد بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم فكانت رخصة من رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي
وعن محمد بن الحنفية قال ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لم يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له فرجا أو قال مخرجا
قال محمد بن الحنفية من كرمت عليه نفسه لم يكن للدنيا عنده قدر
وعنه قال إن الله عز و جل جعل الجنة ثمنا لأنفسكم فلا تبيعوها بغيرها
قال أبو بكر بن عبيد وثنا محمد بن عبد المجيد أنه سمع إبن عيينة يقول قال محمد بن الحنفية يا منذر قلت لبيك قال كل مالا يبتغى به وجه الله يضمحل (2/77)
وعن علي بن الحسين قال كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان يتهدده ويتواعده ويحلف له ليحملن إليه مائة ألف في البر ومائة ألف في البحر أو يؤدي إليه الجزية فسقط في ذرعه فكتب إلى الحجاج أن أكتب إلى ابن الحنفية فتهدده وتواعده ثم أعلمني ما يرد وتواعده عليك منه
فكتب الحجاج إلى ابن الحنفية بكتاب شديد يتهدده ويتواعده بالقتل قال فكتب إليه ابن الحنفية إن لله عز و جل ثلثمائة وستين نظرة إلى خلقه وأنا أرجو أن ينظر الله عز و جل إلي نظرة يمنعني بها منك
قال فبعث الحجاج بكتابه إلى عبد الملك بن مروان فكتب عبد الملك إلى ملك الروم نسخته فقال ملك الروم ما خرج هذا منك ولا أنت كتبت به ولا خرج إلا من بيت نبوة
أسند محمد بن الحنفية الحديث عن جماعة من الصحابة وعامة حديثه عن أبيه علي بن أبي طالب عليهما السلام
فمن حديثه عن أبيه علي بن أبي طالب قال كثر على مارية أم إبراهيم عليه السلام في قبطى إبن عم لها كان يزورها ويختلف إليها فقال لي لرسول الله صلى الله عليه و سلم خذ هذا السيف فانطلق إليه فإن وجدته عندها (2/78)
فاقتله فقلت يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضي لما أرسلتني به أو الشاهد يرى مالا يرى الغائب قال بل الشاهد يرى مالا يرى الغائب فأقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده فأتى نخلة فرقى فيها ثم رمى بنفسه على قفاه وشغر برجليه فإذا هو أجب أمسح ما له للرجل لا قليل ولا كثير فأغمدت السيف ثم أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته فقال الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت
وعن محمد بن سعد قال بعث إبن الزبير إلى محمد إبن الحنفية بايع لي وبعث إليه عبد الملك فقال أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أحدكما بايعت فلما قتل إبن الزبير بايع لعبد الملك ومات في سنة إحدى وثمانين وله خمس وستون سنة ودفن بالبقيع رحمه الله
159 - سعيد بن المسيب بن حزن
يكنى أبا محمد ولد لسنتين خلتا من خلافة عمر رضي الله عنه
عن سعد بن إبراهيم عن سعيد بن المسيب قال ما بقي أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر مني
وعن عبد الرحمن بن حرملة قال ما كان إنسان يجترىء على سعيد إبن المسيب يسأله عن شيء حتى يستأذنه كما يستأذن الأمير (2/79)
وعن مالك أن رجلا جاء إلى سعيد بن المسيب وهو مريض فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس فحدثه فقال له ذلك الرجل وددت أنك لم تتعن فقال إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا مضطجع
وعن مالك قال كان عمر بن عبد العزيز يقول ما كان عالم بالمدينة إلا يأتيني بعلمه وأوتي بما عند سعيد بن المسيب
وعن أبي عيسى الخرساني عن سعيد بن المسيب قال لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة
وعن يزيد بن حازم قال كان سعيد بن المسيب يسرد الصوم
وعن برد مولى ابن المسيب قال ما نودي بالصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد
وعن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال صلى سعيد بن المسيب الغداة بوضوء العتمة خمسين سنة
وعن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء وقال لنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى ما من شيء أخوف عندي من النساء (2/80)
وعن عبد الله بن محمد قال قال سعيد بن المسيب ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز و جل ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله وكفى بالمؤمن نصرة من الله عز و جل أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله
وعن سعيد بن المسيب قال من استغنى بالله افتقر إليه الناس
وعن سفيان بن عيينة قال قال سعيد بن المسيب إن الدنيا نذالة هي إلى كل نذل أميل وأنذل منها من أخذها بغير حقها وطلبها بغير وجهها ووضعها في غير سبلها وعن مالك بن أنس قال قال سعيد إبن المسيب إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله
اقتصرنا على هذه النبذة اليسيرة من أخبار سعيد بن المسيب لأنا قد أفردنا لجميع أخباره كتابا مبسوطا فمن أراد الزيادة في أخباره فلينظر في ذلك
وقد أسند سعيد عن عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وعمار بن ياسر ومعاذ بن جبل وابن عمر وأبي الدرداء وعقبة بن عامر وصهيب وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وسلمان وأنس بن مالك وأبي هريرة وابن عباس وعمرو ابن أبي سلمة وعائشة وأم سلمة في آخرين (2/81)
ومات رضي الله عنه بالمدينة وهو إبن أربع وثمانين سنة على خلاف بينهم في ذلك رحمه الله
160 - سليمان بن يسار
مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه و سلم ويقال كان مكاتبا لها يكنى أبا أيوب
عن مصعب بن عثمان قال كان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجها فدخلت عليه إمرأة فسألته نفسه فامتنع عليها فقالت له إدن فخرج هاربا عن منزله وتركها فيه قال سليمان فرأيت بعد ذلك يوسف عليه السلام فيما يرى النائم وكأني أقول له أنت يوسف قال نعم أنا يوسف الذي هممت وأنت سليمان الذي لم تهم
وقد رويت لنا هذه القصة عن عطاء بن يسار أخي سليمان والله أعلم
وعن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم قال خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ومعهما أصحاب لهم حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم وبقي عطاء بن يسار قائما في المنزل يصلي (2/82)
قال فدخلت عليه إمرأة من الأعراب جميلة فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجة فأوجز في صلاته ثم قال ألك حاجة قالت نعم قال ماهي قالت قم فأصب مني فإني قد ودقت ولابعل لي فقال إليك عني لاتحرقيني ونفسك بالنار
ونظر إلى إمرأة جميلة فجعلت تراوده عن نفسه ويأبى إلا ما يريد قال فجعل عطاء يبكي ويقول ويحك إليك عني قال اشتد بكاؤه فلما نظرت المرأة إليه وما داخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه قال فجعل يبكي والمرأة بين يديه تبكي فبينما هو كذلك إذا جاء سليمان من حاجته فلما نظر إلى عطاء يبكي والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت بكى لبكائهما لايدري ما أبكاهما وجعل أصحابهما يأتون رجلا رجلا كلما أتى رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم لايسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء وعلا الصوت فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت
قال فقام القوم فدخلوا فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة قال وكان أسن منه
قال ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما فلبثا بها ماشاء الله فبينا عطاء ذات ليلة نائم إذ استيقظ وهو يبكي فقال سليمان مايبكيك يا أخي قال فاشتد بكاؤه قال ما يبكيك يا أخي قال رؤيا (2/83)
رأيتها الليلة قال وماهي قال لاتخبر بها أحدا ما دمت حيا رأيت يوسف النبي صلى الله عليه و سلم في النوم فجئت أنظر إليه فيمن ينظر إليه فلما رأيت حسنه بكيت فنظر إلي في الناس فقال ما يبكيك أيها الرجل فقلت بأبي أنت وأمي يا نبي الله ذكرتك وإمرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها وما لقيت من السجن وفرقة يعقوب فبكيت من ذلك وجعلت أتعجب منه قال فهلا تعجبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواء فعرفت الذي أراد فبكيت واستيقظت باكيا
قال سليمان اي اخي وما كان من حال تلك المرأة فقص عليه عطاء القصة فما أخبر بها سليمان أحدا حتى مات عطاء فحدث بها بعدة امرأة من أهله قال وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت اسماعيل ابن يسار رضي الله عنهما
وعن ابن أبي الزناد عن أبيه قال كان سليمان بن يسار يصوم الدهر وكان عطاء بن يسار يصوم يوما ويفطر يوما
وأسند سليمان عن أبي هريرة وابن عمرو وابن عباس في خلق كثير من الصحابة
وتوفي سنة سبع ومائة وقيل سنة ثلاث ومائة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وأسند عطاء عن أبي كعب وابن مسعود وأبي أيوب الأنصاري في خلق كثير من الصحابة توفي سنة ثلاث ومائة وقيل سنة أربع وتسعين وكان يكنى أبا محمد وهو مولى ميمونة أيضا رضي الله عنهما (2/84)
ومن الطبقة الثانية من أهل المدينة
161 - عروة بن الزبير بن العوام
أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما
عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال يا بني سلوني فلقد تركت حتى كدت أنسى وأني لأسأل عن الحديث فيفتح لي حديث يومي
وعن أبي الزناد قال إجتمع في الحجر قوم فقالوا تمنوا فقال عروة أنا أتمنى أن يؤخذ عني العلم
وعن الزهري قال كان عروة يتألف الناس على حديثه
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال قال عروة بن الزبير رب كلمة ذل إحتملتها أورثتني عزا طويلا
وعنه عن أبيه قال إذا رأيت الرجل يعمل الحسنةفإعلم أن لها عنده أخوات وإذا رأيته يعمل السيئة فإعلم أن لها عنده أخوات فإن الحسنة تدل على أختها وإن السيئة تدل على أختها
وعنه قال قال عروة لبنيه يا بني تعلموا فإنكم إن تكونوا صغار قوم عسى أن تكونوا كبارهم وأسوأتاه ماذا أقبح من شيخ جاهل
وعن ابن شوذب قال كان عروة بن الزبير إذا كان أيام الرطب ثلم (2/85)
حائطه فيدخل الناس فيأكلون ويحملون وكان إذا دخله ردد هذه الآية فيه حتى يخرج منه ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله حتى يخرج
وكان عروه يقرأ ربع القرآن كل يوم نظرا في المصحف ويقوم به الليل فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ثم عاود من الليلة المقبلة
وعن هشام بن عروة قال خرج أبي إلى الوليد بن عبد الملك فوقعت في رجله الأكلة فقال له الوليد يا أبا عبد الله أرى لك قطعها قال فقطعت وإنه لصائم فما تضور وجهه قال ودخل ابن له أكبر ولده اصطبله فرفسته دابة فقتلته فما سمع من أبي في ذلك شيء حتى قدم المدينة فقال اللهم إنه كان لي بنون أربعة فأخذت واحدا وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد وكان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا وأبقيت لي ثلاثة فلك الحمد وايم الله لئن أخذت فلقد أبقيت ولئن ابتليت طالما عافيت
وعن مسلمة بن محارب قال وقعت في رجل عروة الأكلة وقطعت ولم يدع تلك الليلة ورده وقطعت ولم يمسكه أحد (2/86)
العباس بن مزيد قال أخبرني أبي قال قال أبو عمرو الأوزاعي
خرجت في بطن قدمه يعني عروة بثرة فترامى به ذلك إلى أن نشرت ساقه فقال لما نشرت اللهم إنك تعلم أني لم أمش بها إلى حرام قط أو إلى سوء قط
وعن نافع بن ذؤيب قال لما قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك فخرج برجله الاكلة فبعث إليه يعني الوليد بالأطباء فأجمع رأيهم على أن لم ينشروها قتلته فقال شأنكم بها قالوا نسقيك شيئا لئلا تحس بما نصنع بك قال لا شأنكم بها قال فنشروها بالمنشار فما حرك عضوا عن عضو وصبر فلما رأى القدم بأيديهم دعا بها فقلبها في يده ثم قال أ / ا والذي حملني عليك أنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام قط أو قال معصية وعن هشام بن عروة أن أباه كان يسرد الصوم
وعن مالك بن أنس قال رأى عروة رجلا يصلي فخفف فدعاه وقال أما كانت لك إلى ربك سبحانه وتعالى حاجة أني لأسأل الله تبارك وتعالى في صلاتي حتى أسأله الملح
وعن هشام عن أبيه قال إذا جعل أحدكم لله عز و جل شيئا فلا يجعل له ما يستحي أن يجعله لكريمه فإن الله تبارك وتعالى أكرم الكرماء وأحق من إختير له (2/87)
هشام قال كان أبي لايفطر ولقد مات يوم مات وهو صائم
أسند عروة عن علي بن أبي طالب عليه السلام والزبير وعبد الرحمن إبن عوف وسعيد بن زيد وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وأبي أيوب الأنصاري وأسامة وأبي هريرة وإبن عباس ومعاوية والمسور بن مخرمة والنعمان بن بشير وعبد الله بن الأرقم وعائشة في خلق يطول إحصاؤهم توفي سنة أربع وتسعين في ناحية الفرع ودفن هنالك رحمه الله
162 - القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رحمهم الله تعالى وأمه أم ولد يكنى أبا محمد
عن يحيى بن سعيد قال ما أدركنا أحدا بالمدينة نفضله على القاسم بن محمد
وعن أيوب قال رأيت على القاسم رداء قد صبغ بشيء من زعفران ويدع مائة ألف لم يتلجلج في نفسه شيء منها
وعنه قال ما رأيت رجلا أفضل من القاسم ولقد ترك مائة ألف وهي له حلال
وعن مالك أن عمر بن عبد العزيز قال لو كان لي من الأمر شيء لوليت القاسم بن محمد الخلافة (2/88)
وعن أبي الزناد قال ما رأيت أحدا أعلم بالسنة من القاسم بن محمد وكان الرجل لايعد رجلا حتى يعرف السنة
وعن أيوب قال سمعت القاسم يسأل بمنى فيقول لاأدري لاأعلم فلما أكثروا عليه قال والله لانعلم كل ماتسألونا عنه ولو علمنا ما كتمنا كم ولا حل لنا أن نكتمكم وعن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم يقول مانعلم كل مانسأل عنه ولأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعرف حق الله تعالى عليه خير له من أن يقول مالا يعلم
وعن محمد بن إسحاق قال جاء أعرابي إلى القاسم بن محمد فقال أنت أعلم أم سالم قال ذاك منزل سالم يزده عليها حتى قام الأعرابي
قال محمد بن إسحاق كره أن يقول هو أعلم مني فيكذب أو يقول أنا أعلم منه فيزكى نفسه
وعن أبي الزناد عن أبيه قال ماكان القاسم يجيب إلا في الشيء الظاهر
وعن سفيان قال اجتمعوا إلى القاسم بن محمد في صدقة قسمها قال وهو يصلي فجعلوا يتكلمون فقال ابنه إنكم إجتمعتم إلى رجل والله مانال منها درهما ولا دانقا قال فأوجز القاسم ثم قال يابني قل فيما علمت قال سفيان صدق إبنه ولكنه أراد تأديبه في النطق وحفظه
أسند القاسم عن أبي هريرة وإبن عباس وعائشة وأسلم مولى عمر (2/89)
وصالح بن خوات في آخرين وتوفي سنة ثمان ومائة وقيل سنة تسع وهو إبن سبعين أو اثنتين وسبعين سنة وكان قد ذهب بصره
عن رجاء بن أبي سلمة قال مات القاسم بن محمد بين مكة والمدينة حاجا أو معتمرا فقال لابنه سن على التراب سنا وسو على قبري والحق بأهلك وإياك أن تقول كان وكان رحمه الله
163 - سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رحمهم الله تعالى
أمه أم ولد يكنى أبا عمر وكان أشبه أولاد أبيه به وكان أبوه يحبه حبا شديدا فإذا قيل له في ذلك أنشد
يلومونني في سالم وألومهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم
عن حنظلة قال رأيت سالم بن عبد الله بن عمر يخرج إلى السوق فيشتري حوائج نفسه
وعن هوذة بن عبد العزيز قال رحم سالم بن عبدالله بن عمر رجل فقال سالم بعض هذا رحمك الله فقال له الرجل ما أراك إلا رجل سوء فقال سالم ما أحسبك أبعدت (2/90)
عن مالك قال لم يكن أحد في زمن سالم بن عبد الله أشبه بمن مضى من الصالحين في الزهد والقصد والعيش منه كان يلبس الثوب بدرهمين قال له سليمان بن عبد الملك ورآه حسن السحنة أي شيء تأكل قال الخبز والزيت وإذا وجدت اللحم أكلته فقال له أو تشتهيه قال إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه
وعن محمد بن أبي سارة قال رأيت سالم بن عبد الله قدم علينا حاجا فصلى العشاء ثم قام إلى ناحية مما يلي باب بني سهم في الصلاة فلم يزل يميل يمينا وشمالا حتى طلع الفجر ثم جلس فاحتبى بثوبه
وعن سفيان بن عيينة قال دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله فقال له يا سالم سلني حاجة فقال له إني لأستحيي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله
فلما خرج خرج في أثره فقال له الآن قد خرجت فسلني حاجة فقال له سالم حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة فقال بل من حوائج الدنيا فقال له سالم ما سألت من يملكها فكيف أسأل من لايملكها
أسند سالم عن أبيه وأبي أيوب وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة وتوفي في آخر ذي الحجة سنة ست ومائة وقيل سنة ثمان رحمه الله تعالى (2/91)
164 - أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة
ليس له اسم كنيته إسمه ولد في خلافة عمر رضي الله عنه محمد بن إسحاق الثقفي قال رأيت في كتاب أبي بكر بن حسان أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وكان يقال له راهب قريش لكثرة صلاته وقال الزبير بن بكار كان أبو بكر بن عبد الرحمن يقال له راهب المدينة
أسند أبو بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود الأنصاري وأبي هريرة وعائشة وأم سلمة وغيرهم وكان حارسا لعرضه حتى إنه أودع مالا فأصيب فقال له عروة لاضمان عليك قال قد علمت ولكن لاتتحدث قريش أن أمانتي خربت فباع مالا له فقضاه وقد كان قد ذهب بصره ودخل يوما إلى مغتسله فمات فيه فجاءة وذلك في سنة أربع وتسعين وهي سنة الفقهاء (2/92)
165 - علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلامA
أمه أم ولد اسمها غزاله وهو على الأصغر وأما الأكبر فإنه قتل مع الحسين عليهما السلام وكان على هذا مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة إلا أنه كان مريضا نائما على فراش فلم يقتل وكان يكنى أبا الحسين وقيل أبا محمد
عن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال كان علي بن الحسين إذا توضأ يصفر فيقول له أهله ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء فيقول تدرون بين يدي من أريد أن أقوم
وعن عبد الله بن أبي سليم قال كان علي بن الحسين إذا مشى لاتجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فقيل له مالك فقال ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي
وعن أبي نوح الأنصاري قال وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد فجعلوا يقولون له يا بن رسول الله النار (2/93)
يا بن رسول الله النار فما رفع رأسه حتى أطفئت فقيل له مالذي ألهاك عنها قال ألهتني عنها النار الأخرى
وعن سفيان قال جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنه فقال له إن فلانا قد آذاك ووقع فيك قال فانطلق بنا إليه فانطلق معه وهو يرى أنه سينتصر لنفسه فلما أتاه قال يا هذا إن كان ما قلت في حقا فغفر الله لي وإن كان ما قلت في باطلا فغفر الله لك
وعن أبي يعقوب المدني قال كان بين حسن بن حسن وبين علي بن الحسين بعض الأمر فجاء حسن بن حسن إلى علي بن الحسين وهو مع أصحابه في المسجد فما ترك شيئا إلا قاله له قال وعلي ساكت فانصرف حسن فلما كان في الليل أتاه في منزله فقرع عليه بابه فخرج إليه فقال له علي يا أخي إن كنت صادقا فيما قلت لي فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك السلام عليكم وولى قال فاتبعه حسن فالتزمه من خلفه وبكى حتى رثى له ثم قال لاجرم لاعدت في أمر تكرهه فقال علي وأنت في حل مما قلت لي
وعن جعفر بن محمد بن محمد عن أبيه قال قال علي بن الحسين فقد الأحبة غربة وكان يقول اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي وتقبح سريرتي اللهم كما أسأت وأحسنت إلى فإذا عدت فعد على (2/94)
وكان يقول إن قوما عبدوا الله عز و جل رهبة فتلك عبادة العبيد وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وقوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار
وعنه عن أبيه أن علي بن الحسين كان لايحب أن يعنيه أحد على طهوره وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم يتوضأ ثم يأخذ في صلاته وكان يقضي ما فاته من صلاة النهار بالليل ثم يقول يا بني ليس هذا عليكم بواجب ولكن أحب لمن عود نفسه منكم عادة من الخير أن يدوم عليها
وكان لايدع صلاة الليل في الحضر والسفر وكان يقول عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء
وكان إذا أتاه السائل رحب به وقال مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة وكلمة رجل فافترى عليه فقال إن كنا كما قلت فنستغفر الله وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك فقام إليه الرجل فقبل رأسه وقال جعلت فداك ليس كما قلت أنا فاغفر لي قال غفر الله لك فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالته (2/95)
وعن شيبة بن نعامة قال كان علي بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة
وعن محمد بن إسحاق قال كنا ناس من أهل المدينة يعيشون لايدرون من أين كان معاشهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل
وعن أبي حمزة الثمالي قال كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول إن صدقة السر تطفىء غضب الرب عز و جل
وعن عمرو بن ثابت قال لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود في ظهره فقالوا ما هذا فقالوا كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة
وعن ابن عائشة قال قال أبي سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين
وعن سفيان قال أراد علي بن الحسين الخروج في حج أو عمرة فاتخذت له سكينة بنت الحسين سفرة أنفقت عليها ألف درهم أو نحو ذلك وأرسلت بها إليه فلما كان بظهر الحرة أمر بها فقسمت على المساكين (2/96)
وعن سعيد بن مرجانة أنه قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار حتى إنه يعتق باليد اليد وبالرجل الرجل وبالفرج الفرج فقال علي بن الحسين أنت سمعت هذا من أبي هريرة قال سعيد نعم فقال لغلام له أفره غلمانه إدع مطرفا فلما قام بين يديه قال اذهب فأنت حر لوجه الله عز و جل أخرجاه في الصحيحين
وكان عبد الله بن جعفر قد أعطى علي بن الحسين بهذا الغلام الذي أعتقه ألف دينار
وعن محمد بن حاطب عن علي بن الحسين أنه أتاه نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلما فرغوا فقال ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم (2/97)
الصادقون قالوا لا قال فأنتم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة قالوا لا قال أما أنتم فقد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين ثم قال أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز و جل والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سيقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا أخرجوا فعل الله بكم
وقال نافع بن جبير لعلي بن الحسين أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه يعني زيد بن أسلم فقال إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيثما كان
وعن ابن عائشة عن أبيه قال حج هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه قال وجاء علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى إستلم فقال الناس لهشام من هذا قال لا أعرفه (2/98)
فقال الفرزدق لكني أعرفه هذا علي بن الحسين
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ... أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك من هذا بضائره ... العرب تعرف من أنكرت والعجم
يغضى حياء ويغضى من مهابته ... ولا يكلم إلا حين يبتسم
وعن صالح بن حسان قال قال رجل لسعيد بن المسيب ما رأيت أحدا أورع من فلان قال هل رأيت علي بن الحسين قال لاقال ما رأيت أحدا أورع منه
وقال الزهري لم أر هاشميا أفضل من علي بن الحسين وما رأيت أحدا كان أفقه منه (2/99)
وعن طاوس قال رأيت علي بن الحسين ساجدا في الحجر فقلت رجل صالح من أهل بيت طيب لأسمعن ما يقول فأصغيت إليه فسمعته يقول عبيدك بفنائك مسكينك بفنائك سائلك بفنائك فقيرك بفنائك فوالله ما دعوت الله بها في كرب إلا كشف الله عني
وعن أبي جعفر قال كان علي بن الحسين رحمه الله يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة وتهيج الريح فيسقط مغشيا عليه
وعن عبد الغفار بن القاسم قال كان علي بن الحسين خارجا من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي فقال علي بن الحسين مهلا عن الرجل ثم أقبل على الرجل فقال ما ستر عنك من أمرنا أكثر ألك حاجة نعنيك عليها فاستحيا الرجل فألقى عليه خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فكان الرجل بعد ذلك يقول أشهد أنك من أولاد الرسول
وعن رجل من ولد عمار بن ياسر قال كان عند علي بن الحسين قوم فاستعجل خادما له بشواء كان له في التنور فأقبل به الخادم مسرعا وسقط السفود من يده على بني لعلي أسفل الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام أنت حر لم تعمده وأخذ في جهاز إبنه (2/100)
وعن عمرو بن دينار قال دخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة إبن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي فقال علي ما شأنك قال علي دين قال كم هو قال خمسة عشر ألف دينار قال فهو علي
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال أوصاني أبي قال لاتصحبن خمسة ولاتحادثهم ولا ترافقهم في طريق قال قلت جعلت فداءك يا أبت من هؤلاء الخمسة قال لاتصحبن فاسقا فإنه يبيعك بأكلة فما دونها قال قلت يا أبة وما دونها يطمع فيها ثم لاينالها
قال قلت ياأبة ومن الثاني قال قال لاتصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه
قال قلت ياأبة ومن الثالث قال لاتصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد
قال قلت ياأبة ومن الرابع قال لاتصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك
قال قلت يا أبة ومن الخامس قال لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع (2/101)
أسند علي بن الحسين عن أبيه وابن عباس وجابر بن عبد الله وصفية وأم سلمة وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وعن خلق كثير من التابعين
وتوفي بالمدينة سنة أربع وتسعين وقيل ثنتين وتسعين ودفن بالبقيع وهو إبن ثمان وخمسين سنة رضي الله عنه
166 - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة إبن مسعود
يكنى أبا عبد الله وكان بحرا من البحور في العلم
عن الزهري قال أدركت أربعة بحور من قريش سعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله وعروة بن الزبير
وعن المغيرة قال عمر بن عبد العزيز لو أدركني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة إذ وقعت فيما وقعت فيه لهان علي ما أنا فيه
وعن ابن أبي الزناد عن أبيه قال ربما كنت أرى عمر بن عبد العزيز في إمارته يأتي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فربما حجبه وربما أذن له
أسند عبيد الله عن أبي طلحة وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وإبن عباس وسهل إبن حنيف وزيد بن خالد الجهني وعائشة في آخرين وذهب بصره (2/102)
وتوفي بالمدينة في سنة ثمان وتسعين ويقال سبع وتسعين رحمه الله تعالى
167 - بسر بن سعيد مولى الحضرميين
روى عن سعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبي هريرة وأبي سعيد وكان من العباد المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا
عن مالك قال مات بسر ولم يدع كفنا
وعن مالك بن أنس قال مات رجل من بني أمية من مترفيهم ومات يومئذ بسر إبن سعيد فقال عمر بن عبد العزيز إن كان المدخلان واحدا فعيش فلان أحب إلينا فقال مزاحم إنك لاتزال توغر من أخيك عليك فقال إذا رأيت الحق قلته
168 - عكرمة مولى عبد الله بن عباس
يكنى أبا عبد الله مات إبن عباس وهو عبد فاشتراه خالد بن يزيد إبن معاوية من علي بن عبد الله بن عباس بأربعة آلاف دينار فبلغ ذلك عكرمة فأتى عليا فقال بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار فراح علي إلى خالد فاستقاله فأقاله فأعتقه
وعن الزبير بن الخريت عن عكرمة قال كان ابن عباس يجعل في رجلي الكبل ويعلمني القرآن والسنن (2/103)
وعن جابر بن زيد قال هذا عكرمة مولى إبن عباس هذا أعلم الناس
وقال الشعبي مابقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة
وقال قتادة أعلمهم بالتفسير عكرمة
وعن إبراهيم بن الحكم بن أبان قال ثنا أبي قال كنت جالسا مع عكرمة بالساحل فذكروا الذين يغرقون في البحار فقال عكرمة إن الذين يغرقون في البحار تتقسم لحومهم الحيتان فلا يبقى منهم شيء إلا العظام تلوح فتلقيها الأمواج إلى البر فتمكث العظام حينا حتى تصير نخرة فتمر بها الإبل فتأكلها ثم تسير الإبل فتبعر ثم يجيء قوم فيأخذون ذلك البعر فيوقدونه ثم تخمد تلك النار فتجيء ريح فتلقي ذلك الرماد على الأرض فإذا جاءت النفخة خرج أولئك وأهل القبور سواء
قال إبراهيم وحدثني أبي عن عكرمة قال لكل شيء أساس وأساس الإسلام الخلق الحسن
أسند عكرمة عن ابن عمرو وإبن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة والحسين بن علي وعائشة في آخرين (2/104)
وعن خالد السختياني عن عكرمة قال أدركت مئين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذا المسجد
ومات عكرمة في سنة أربع ومائة وقيل سنة خمس وقيل سنة ست وقيل سنة سبع وهو إبن ثمانين سنة
ومات هو وكثير عزة في يوم واحد فقال الناس مات أفقه الناس وأشعر الناس
169 - زياد بن أبي زياد مولى عبد الله ابن عياش بن أبي ربيعة القرشي
واسم أبي زياد ميسرة وكان زياد عبدا وكان عمر بن عبد العزيز يستزيره ويكرمه وبعث إلى مولاه ليبيعه إياه فأبى وأعتقه
وقد روى زياد عن أنس بن مالك وقال مالك بن أنس كان زياد عابدا معتزلا لايزال يذكر الله تعالى ويلبس الصوف ولا يأكل اللحم
وقال محمد بن المنكدر إنني خلفت زياد بن أبي زياد وهو يخاطب نفسه في المسجد يقول إجلسي أين تريدين أن تذهبي أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد أنظري إلى مافيه تريدين أن تبصري (2/105)
دار فلان ودار فلان ودار فلان قال وكان يقول لنفسه مالك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت ومالك من الثياب إلا هذان الثوبان ومالك من النساء إلا هذه العجوز أفتحبين أن تموتي فقالت أنا أصبر على هذا العيش (2/106)
ومن الطبقة الثالثة من أهل المدينة
170 - علي بن عبد الله بن العباسإبن عبد المطلب
أمه زرعة بنت مشرح ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب عليه السلام في رمضان سنة أربعين فسمي باسمه وكنى بكنيته فقال له عبد الملك ابن مروان لا أحتمل لك الاسم والكنية فغير كنيته فصيرها أبا محمد وكان أجمل قرشى على وجه الأرض وأكثره صلاة وكان يقال له السجاد
وعن علي بن أبي جملة والأوزاعي قالا كان علي بن عبد الله بن عباس يسجد كل يوم ألف سجدة
وعن هشام بن سليمان المخزومي أن علي بن عبد الله بن عباس كان إذا قدم مكة حاجا أو معتمرا عطلت قريش مجالسها في المسجد الحرام وهجرت مواضع حلقها ولزمت مجلس علي بن عبد الله إعظاما وإحلالا وتبجيلا فإن قعد قعدوا وإن نهض نهضوا وإن مشى مشوا جميعا حوله وكان لا يرى لقرشى في المسجد الحرام مجلس ذكر يجتمع إليه فيه حتى يخرج علي بن عبد الله من الحرم
عامة مسانيد علي بن عبد الله عن أبيه وتوفي بالشام سنة سبع عشرة ومائة ويقال ثماني عشرة رضي الله عنه (2/107)
171 - أبو جعفر محمد بن علي بن الحسينإبن علي بن أبي طالب عليهما السلام
أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب واسم ولده جعفر وعبد الله وأمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وإبراهيم وعلي وزينب وأم سلمة
وعن زياد بن خيثمة عن أبي جعفر قال الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن ولا تصيب الذاكر
وعن منصور قال سمعت محمد بن علي يقول الغنى والعز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا إلى مكان التوكل أوطناه
وعن عمر مولى غفرة عن محمد بن علي أنه قال ما دخل قلب امرىء شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك قل أو كثر
وعن جابر يعني الجعفي قال قال لي محمد بن علي يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب قلت وما حزنك وما شغل قلبك قال يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه يا جابر ما الدنيا ما عسى أن تكون هل هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم من الفتنة ولم يعمهم عن نور الله ما رأو بأعينهم من الزينة ففازوا (2/108)
بثواب الأبرار إن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة إن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين بحق الله قوامين بأمر الله فأنزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت منه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت ولبس معك منه شيء واحفظ الله تعالى ما استرعاك من دينه وحكمته
وعن حسين بن حسن قال كان محمد بن علي يقول سلاح اللئام قبيح الكلام وعنه قال والله لموت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا
وعن خالد بن أبي الهيثم عن محمد بن علي بن الحسين قال ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على النار فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة فإن الله يكفر بها بحور الخطايا ولو أن باكيا بكى في أمة لحرم الله تلك الأمة على النار
وعن الأصمعي قال قال محمد بن علي لابنه يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم تصبر على حق
عن عروة بن عبد الله قال سألت أبا جعفر محمد بن علي عن حلية السيوف فقال لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق سيفه قال قلت (2/109)
وتقول الصديق قال فوثب وثبة واستقبل القبلة ثم قال نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الدنيا ولا في الآخرة
وعن عمرو بن شمر عن جابر قال قال لي محمد بن علي يا جابر بلغني أن قوما بالعراق يزعمون أنهم يحبونا وينالون أبا بكر وعمرو ويزعمون أني أمرتهم بذلك فأبلغهم أني إلى الله منهم برىء والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت إلى الله عز و جل بدمائهم لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما إن أعداء الله لغافلون عنهما
وعن أفلح مولى محمد بن علي قال خرجت مع محمد بن علي حاجا فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته فقلت بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلا قال ويحك يا أفلح ولم لا أبكي لعل الله ينظر إلى منه برحمة فأفوز بها عنده غدا قال ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه
وعن خالد بن دينار عن أبي جعفر أنه كان إذا ضحك قال اللهم لا تمقتني
وعن عبد الله بن عطاء قال ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علما عند أبي جعفر محمد بن علي لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم (2/110)
وعن أحمد بن يحيى قال قال محمد بن علي كان لي أخ في عيني عظيم وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه
وعن موسى بن عمير عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يقول في جوف الليل أمرتني فلم آتمر وزجرتني فلم أزدجر هذا عبدك بين يديك ولا أعتذر
محمد بن مسعر قال قال جعفر بن محمد فقد أبى بغلة له فقال لئن ردها الله عز و جل لأحمدنه محامد يرضاها فما لبث أن أتي بها بسرجها ولجامها فركبها فلما استوى عليها وضم عليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال الحمد لله لم يزد عليها فقيل له في ذلك فقال وهل تركت أو أبقيت شيئا جعلت الحمد كله لله عز و جل
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر محمد بن علي قال ما من عبادة أفضل من عفة بطن أو فرج وما من شيء أحب إلى الله عز و جل من أن يسأل وما يدفع القضاء إلا الدعاء وإن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي وكفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه وأن يأمر الناس بمالا يستطيع التحول عنه وأن يؤذي جليسه بمالا يعنيه
وعن عبد الله بن الوليد قال قال لنا أبو جعفر محمد بن علي يدخل (2/111)
أحدكم يده كيس صاحبه فيأخذ ما يريد قال قلنا لا قال فلستم إخوانا كما تزعمون
وعن سلمى مولاة أبي جعفر قالت كان يدخل إليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم قالت فأقول له بعض ما تصنع فيقول يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف والاخوان وعن سليمان بن قرم قال كان محمد بن علي يجيز بالخمسمائة بالخمسمائة والستمائة إلى الألف وكان لا يمل من مجالسة إخوانه غنيا
وعن الأسود بن كثير قال شكوت إلى محمد بن علي الحاجة وجفاء الأخوان فقال بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبع مائة درهم فقال استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني
وعن أبي جعفر قال اعرف المودة لك في قلب أخيك بماله في قلبك
أسند أبو جعفر عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وإبن عباس وأنس والحسن والحسين وروى عن سعيد بن المسيب وغيره من التابعين ومات في سنة سبع عشرة ومائة وقيل ثماني عشرة وقيل أربع عشرة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وقيل ثمان وخمسين وأوصى أن يكفن في قميصه الذي كان يصلي فيه رضي الله عنه وأرضاه (2/112)
173 - عمر بن عبد العزيز بن مروان
يكنى أبا حفص أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب
محمد بن سعد قال قال ابن شوذب لما أراد عبد العزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبد العزيز قال لقيمه اجمع لي أربع مائة دينار من طيب مالي فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح فتزوج أم عمر إبن عبد العزيز
قال سفيان الثوري الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم
حميد بن زنجويه قال قال أحمد بن حنبل يروي في الحديث أن الله تبارك وتعالى يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة دينها فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز ونظرنا في المائة الثانية فإذا هو الشافعي
وعن الضحاك بن عثمان قال لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر سليمان بن عبد الملك صفت له مراكب سليمان فقال
ولولا التقى ثم النهى خشية الردى ... لعاصيت في حب الصبا كل زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا يرى ... له صبوة أخرى الليالي الغوابر
ثم قال إن شاء الله لا قوة إلا بالله قدموا إلى بغلتي (2/113)
وعن سهل بن يحيى محمد المروزي قال أخبرني أبي عن عبد العزيز إبن عمر بن عبد العزيز قال لما دفن عمر بن عبد العزيز سليمان بن عبد الملك وخرج من قبره سمع للأرض هده أورجة فقال ما هذه فقيل هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين قربت إليك لتركبها فقال مالي ولها نحوها عني قربوا إلى بغلتي فقربت إليه بغلته فركبها فجاءه صاحب الشرط يسير بين يديه بالحربة فقال تنح عني مالي ولك إنما أنا رجل من المسلمين
فسار وسار معه الناس حتى دخل المسجد فصعد المنبر واجتمع الناس إليه فقال يا أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم
فصاح المسلمون صيحة واحدة قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك فل أمرنا باليمن والبركة فلما رأى الأصوات قد هدأت ورضي به الناس جميعا حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه و سلم وقال
أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خلف من كل شيء ليس من تقوى الله عز و جل خلف فاعملوا لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر دنياه وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم وأكثروا ذكر الموت وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل (2/114)
بكم فإنه هادم اللذات وإن من لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم عليه السلام أبا حيا لمعرق في الموت وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز و جل ولا في نبيها ولا في كتابها إنما اختلفوا في الدينار والدرهم وإني والله لا أعطى أحدا باطلا ولا أمنع أحدا حقا
ثم رفع صوته حتى أسمع الناس فقال
يا أيها الناس من أطاع الله فقد وجبت طاعته ومن عصى الله فلا طاعة له أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم
ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت وأمر ببيعها وإدخال أثمانها في بيت مال المسلمين ثم ذهب يتبوأ مقيلا فأتاه اب0نه عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع قال أي بني أقيل قال تقيل ولا ترد المظالم قال أي بني إني قد سهرت البارحة في أمر عمك سليمان فإذا صليت الظهر رددت المظالم قال يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظهر قال ادن مني أي بني فدنا منه فالتزمه و قبل بين عينيه وقال الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني فخرج ولم يقل وأمر مناديه أن ينادي ألا من كانت له مظلمة فليرفعها فقام إليه رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس واللحية فقال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله
قال وما ذاك قال العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضى (2/115)
والعباس جالس فقال له يا عباس ما تقول قال أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وكتب لي بها سجلا فقال عمر ما تقول يا ذمي قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز و جل فقال عمر كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك قم فاردد عليه يا عباس ضيعته فرد عليه فجعل لا يدع شيئا مما كان في يده وفي يد أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة فلما بلغت الخوارج سيرة عمر وما رد من المظالم اجتمعوا فقالوا ما ينبغي لنا أن نقاتل هذا الرجل فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه إنك قد أزريت على من كان قبلك من الخلفاء وعبت عليهم وسرت بغير سيرتهم بغضا لهم وشنئا لمن بعدهم من أولادهم قطعت ما أمر الله به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها في بيت المال جورا وعدوانا ولن تترك على هذا
فلما قرأ كتابه كتب إليه
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين أما بعد فإنه بلغني كتابك وسأجيبك بنحو منه أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم فأمك بنانة أمة السكون كانت تطوف في سوق حمص (2/116)
وتدخل وتدور في حوانيتها ثم الله أعلم بها إشتراها ذبيان من فيء المسلمين فأهداها لأبيك فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا تزعم أني من الظالمين لم حرمتك وأهل بيتك فيء الله عز و جل الذي فيه حق القرابة والمساكين والأرامل وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك ولم تكن له في ذلك نية إلا حب الوالد لولده فويل لك وويل لأبيك ما أكثر خصماءكما يوم القيامة وكيف ينجو أبوك من خصمائه وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام ويأخذ مال الحرام وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من إستعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر أذن له في المعازف واللهو والشرب وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لعالية البربرية سهما في خمس العرب فرويدا يا بن بنانة فلو التقى حلقتا البطان ورد الفيء إلى أهله لتفرغت لك ولأهل بيتك فوضعتهم على المحجة البيضاء فطالما تركتم الحق وأخذتم في بنيات الطريق ومن وراء هذا ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل فإن لكل فيك حقا والسلام علينا ولاينال سلام الله الظالمين (2/117)
عن عمر بن ذر قال قال مولى لعمر بن عبد العزيز حين رجع من جنازة سليمان مالي أراك مغتما قال لمثل ما أنا فيه يغتم إنه ليس من أمة محمد صلى الله عليه و سلم أحد في شرق الأرض وغربها إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه غير كاتب إلي فيه ولاطالبه مني
وعن بعض خاصة عمر بن عبد العزيز أنه حين أفضت إليه الخلافة سمعوا في منزله بكاء عاليا فسئل عن البكاء فقيل إن عمر بن عبد العزيز خير جواريه فقال إنه قد نزل لي أمر قد شغلني عنكن فمن أحب أن أعتقه أعتقته ومن أراد أن أمسكه أمسكته ولم يكن مني إليها شيء فبكين يأسا منه
وعن مالك بن دينار قال لما ولى عمر بن عبد العزيز قالت رعاء الشاء في رؤس الجبال من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس قال فقيل لهم وما علمكم بذلك قالوا إنه إذا قام خليفة صالح كفت الذئاب والأسد عن شائنا
وعن مسلم قال دخلت على عمر بن عبد العزيز وعنده كاتب يكتب وشمعة تزهر وهو ينظر في أمور المسلمين قال فخرج الرجل فأطفئت الشمعة وجىء بسراج إلى عمر فدنوت منه فرأيت عليه قميصا فيه رقعة قد طبق ما بين كتفيه قال فنظر في أمري (2/118)
وعن الثقة أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أما بعد فإنك كتبت إلى سليمان كتبا لم ينظر فيها حتى قبض رحمه الله وقد بليت بجوابك كتبت إلى سليمان تذكر أنه يقطع لعمال المدينة من بيت مال المسلمين ثمن شمع كانوا يستضيئون به حين يخرجون إلى صلاة العشاء وصلاة الفجر وتذكر أنه قد نفد الذي كان يستضاء به وتسأل أن يقطع لك من ثمنه بمثل ما كان للعمال وقد عهدتك وأنت تخرج من بيتك في الليلة المظلمة الماطرة الوحلة بغير سراج ولعمري لأنت يومئذ خير منك اليوم والسلام
وعن رجاء بن حيوة قال كان عمر بن عبد العزيز من أعطر الناس وأخيلهم في مشيته فلما إستخلف قوموا ثيابه اثني عشر درهما كمته وعمامته وقميصه وقباءة وقرطقه ورداءه وخفية
وعن يونس بن أبي شبيب قال شهدت عمر بن عبد العزيز وهو يطوف بالبيت وإن حجزة إزاره لغائبة في عكنه ثم رأيته بعد ما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت (2/119)
وعن مسلمة بن عبد الملك قال دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرضه فإذا عليه قميص وسخ فقلت لفاطمة بنت عبد الملك يا فاطمة اغسلي قميص أمير المؤمنين قالت نفعل إن شاء الله ثم عدت فإذا القميص على حاله فقلت يا فاطمة ألم آمركم أن تغسلوا قميص أمير المؤمنين فإن الناس يعودونه قالت والله ماله قميص غيره
وعن الفهري عن أبيه قال كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاح الفيء فتناول إبن له صغير تفاحة فانتزعها من فيه فأوجعه فسعى إلى أمه مستعبرا فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحا فلما رجع عمر وجد ريح التفاح فقال يا فاطمة هل أتيت شيئا من هذا الفيء قالت لا وقصت عليه القصة فقال والله لقد انتزعها من إبني لكأنما نزعتها عن قلبي ولكن كرهت أن أضيع نصيبي من الله عز و جل بتفاحة من فيء المسلمين
وعن شيخ من أهل الشام قال لما مات عمر بن عبد العزيز كان استودع مولى له سفطا يكون عنده فجاؤه فقالوا السفط الذي كان استودعك عمر قال مالكم فيه خير فأبوا حتى رفعوا ذلك إلى يزيد بن عبد الملك فدعا بالسفط ودعا بني أمية وقال خيركم هذا فقد (2/120)
وجدنا له سفطا وديعة قد إستودعها ففتحوه فإذا فيه مقطعات من مسوح كان يلبسها بالليل
وعن عبد السلام مولى مسلمة بن عبد الملك قال بكى عمر بن عبد العزيز فبكت فاطمة فبكى أهل الدار لايدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء فلما تجلت عنهم العبرة قالت له فاطمة بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت قال ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله عز و جل فريق في الجنة وفريق في السعير ثم صرخ وغشي عليه
وعن زياد بن أبي زياد المديني قال أرسلني إبن عامر بن أبي ربيعة إلى عمر بن عبد العزيز في حوائج له فدخلت عليه وعنده كاتب يكتب فقلت السلام عليكم فقال وعليك السلام ثم انتبهت فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال يا بن أبي زياد إننا لسنا ننكر الأولى التي قلت والكاتب يقرأ عليه مظالم جاءت من البصرة فقال لي إجلس فجلست على أسكفة الباب وهو يقرأ وعمر يتنفس صعدا فلما فرغ أخرج من كان في البيت حتى وصيفا كان فيه ثم قام يمشي إلي حتى جلس بين يدي ووضع يديه على ركبتي (2/121)
ثم قال يا ابن أبي زياد استدفأت في مدرعتك هذه قال وعلى مدرعة من صوف وإسترحت مما نحن فيه ثم سألني عن صلحاء أهل المدينة رجالهم ونسائهم فما ترك منهم أحدا إلا سألني عنه وسألني عن أمور كان أمر بها بالمدينة فأخبرته ثم قال لي يا بن أبي زياد ألا ترى ما وقعت فيه قال قلت أبشر يا أمير المؤمنين إني أرجو لك خيرا قال هيهات هيهات قال ثم بكى حتى جعلت أرثي له فقلت يا أمير المؤمنين بعض ما تصنع فإني أرجو لك خيرا قال هيهات هيهات أشتم ولا أشتم وأضرب ولا أضرب وأوذي ولا أوذى ثم بكى حتى جعلت أرثي له فأقمت حتى قضى حوائجي ثم أخرج من تحت فراشه عشرين دينارا فقال استعن بهذه فإنه لو كان لك في الفيء حق أعطيناك حقك إنما أنت عبد فأبيت أن آخذها فقال إنما هي من نفقتي فلم يزل بي حتى أخذتها وكتب إلى مولاى يسأله أن يبيعني منه فأبى وأعتقني
وعن عمرو بن مهاجر قال قال لي عمر بن عبد العزيز إذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم هزني ثم قل يا عمر ما تصنع
وعن عبيد الله بن محمد التميمي قال سمعت أبي وغيره يحدث أن عمر ابن عبد العزيز لما ولى منع قرابته ما كان يجري عليهم وأخذ منهم القطائع (2/122)
التي كانت في أيديهم فشكوا إلى عمته أم عمر فدخلت فقالت إن قرابتك يشكونك ويزعمون أنك أخذت منه خير غيرك قال منعتهم حقا ولا أخذت منهم حقا فقالت إني رأيتهم يتكلمون وإني أخاف أن يهجوا عليك يوما عصيبا فقال كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره قال ودعا بدينار وخبث ومجمرة فألقى الدينار في النار وجعل ينفخ على الدينار حتى إذا احمر تناوله بشيء فألقاه على الخبث فنش فقال أي عمة أما تأوين لإبن أخيك من مثل هذا فقامت فخرجت على قرابته فقالت تزوجون إلى آل عمر فإذا نزعوا الشبه جزعتم إصبروا له
وعن أبي سليم الهذلي قال وخطب عمر بن عبد العزيز فقال
أما بعد فإن الله عز و جل لم يخلقكم عبثا ولم يدع شيئا من أمركم سدى وإن لكم معادا فخاب وخسر من خرج من رحمة الله وحرم الجنة التي عرضها السموات والأرض وإشترى قليلا بكثير وفانيا بباق وخوفا بأمن ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها بعدكم (2/123)
الباقون كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين في كل يوم وليلة تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عز و جل قد قضى نحبه وانقضى أجله حتى تغيبوه في صدع من الأرض في بطن صدع ثم تدعونه غير ممهد ولا موسد قد خلع الأسباب وفارق الأحباب وسكن التراب وواجه الحساب مرتهنا بعمله فقيرا إلى ما قدم غنيا عما ترك فاتقوا الله قبل نزول الموت وايم الله إني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب ما أعلم عندي وما يبلغني عن أحد منكم ما يسعه ماعندي إلا وددت أنه يمكنني تغييره حتى يستوي عيشنا وعيشه وأيم الله لو أردت غير ذلك من الغضارة والعيش لكان اللسان مني به ذلولا عالما بأسبابه ولكن سبق من الله عز و جل كتاب ناطق وسنة عادلة دل فيها على طاعته ونهى فيها عن معصيته
ثم وضع طرف ردائه على وجهه فبكى وشهق وبكى الناس وكانت آخر خطبة خطبها
سعيد بن محمد الثقفي قال سمعت القاسم بن غزوان قال كان عمر ابن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات
أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم ... وكيف يطيق النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لحرقت ... مدامع عينيك الدموع السواجم (2/124)
بل أصبحت في النوم الطويل وقددنت ... إليك أمور مفظعات عظائم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم
يغرك ما يفني وتشغل بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم
وتشغل فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وعن القاسم بن غزوان قال كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات وعن هاشم قال لما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين إنك أفقرت أفواه ولدك من هذا المال وتركتهم عيلة لاشيء لهم فلو وصيت بهم إلي وإلى نظرائي من أهل بيتك
قال فقال أسندوني ثم قال أما قولك إني أفقرت أفواه ولدي من هذا المال فوالله إني مامنعتهم حقا هو لهم ولم أعطهم ما ليس لهم وأما قولك لو أوصيت بهم فإن وصيي ووليي فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين بني أحد الرجلين إما رجل يتقي الله فسيجعل (2/125)
الله له مخرجا وإما رجل مكب على المعاصي فإني لم أكن أقويه على معاصي الله
ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرا قال فنظر إليهم فذرفت عيناه ثم قال بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلة لاشيء لهم فإني بحمد الله قد تركتهم بخير أي بني إن أباكم مثل بين أمرين بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار قوموا عصمكم الله
وعن ليث بن أبي رقية عن عمر أنه لما كان مرضه الذي قبض فيه قال أجلسوني فأجلسوه ثم قال أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت ولكن لاإله إلا الله ثم رفع رأسه وأحد النظر فقالوا له إنك لتنظر نظرا شديدا فقال إني لأرى حضرة ما هم بأنس ولاجان ثم قبض رضي الله عنه
أسند عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعمر بن أبي سلمة والسائب بن يزيد ويوسف بن عبد الله بن سلام
وقد أرسل الحديث عن القدماء منهم عبادة بن الصامت والمغيرة ابن شعبة وتميم الداري وعائشة وأم هانىء (2/126)
وقد روى عن خلق كثير من كبار التابعين كسعيد بن المسيب وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ وسالم وأبي سلمة وعروة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وخارجة بن زيد وعامر بن سعد بن أبي وقاص وأبي بردة بن أبي موسى والربيع بن سبرة وعراك بن مالك وأبي حازم والزهري والقرظي في خلق كثير يطول ذكرهم وقد ذكرنا مسنداته عنهم في كتاب أفردناه لأخباره وفضائله ولهذا اقتصرنا على هذه النبذة من أخباره هاهنا
وتوفي رضي الله عنه لعشر ليال بقين من رجب سنة إحدى ومائة وهو إبن تسع وثلاثين سنة وأشهر وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر ومات بدير سمعان وقبر هناك وكان له رضي الله عنه أولاد إلا أنه كان عينهم
173 - عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
ونحن نذكرها هنا طرفا من أخباره وإن كان دون طبقة أبيه لكنا ألحقناه به لأنه مات في حياة أبيه
وعن بعض مشيخة أهل الشام قال كنا نرى أن عمر بن عبد العزيز إنما أدخله في العبادة ما رآى من ابنه عبد الملك (2/127)
وعن إسمعيل بن أبي حكيم قال غضب عمر بن عبد العزيز يوما فاشتد غضبه وكان فيه حدة وعبد الملك حاضر فلما سكن غضبه قال يا أمير المؤمنين أنت في قدر نعمة الله عليك وموضعك الذي وضعك الله به وما ولاك من أمر عباده يبلغ بك الغضب ما أرى قال كيف قلت فأعاد عليه كلامه فقال أما تغضب يا عبد الملك فقال ماتغنى سعة جوفي إن لم أردد فيه الغضب حتى لا يظهر منه شيء أكرهه
دخل عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز على عمر فقال يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فأخلني وعنده مسلمة بن عبد الملك فقال عمر أسر دون عمك قال نعم فقال مسلمة وخرج وجلس بين يديه فقال يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك فقال رأيت بدعة تمتها أو سنة فلم تحيها فقال له يا بني أشيء حملك الرغبة إلى أم رأى رأيته من قبل نفسك قال لا والله ولكن رأى رأيته من قبل نفسي عرفت أنك مسئول فما أنت قائل فقال له أبوه رحمك الله وجزاك من ولد خيرا فوالله إني لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة وعروة عروة ومتى ما أريد مكابرتهم على انتزاع مافي أيديهم لم آمن أن يفتقوا على فتقا تكثر فيه الدماء والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يهراق في سببي محجة من دم أو (2/128)
ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة حتى يحكم الله بيننا بالحق وهو خير الحاكمين
وعن إسمعيل بن أبي حكيم قال دخل عبد الملك على أبيه عمر فقال أين وقع لك رأيك فيما ذكر لك مزاحم من رد المظالم فقال علي إنفاذه فرفع عمر يده ثم قال الحمدلله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني نعم يا بني أصلي الظهر إن شاء الله ثم أصعد المنبر فأردها على رؤوس الناس فقال عبد الملك يا أمير المؤمنين من لك بالظهر ومن لك إن بقيت أن تسلم لك نيتك فقال عمر فقد تفرق الناس للقائلة فقال عبد الملك تأمر مناديك فينادي الصلاة جامعة ثم يجتمع الناس فأمر مناديه فنادى
وعن إبن أبي عبلة قال جلس عمر يوما للناس فلما انتصف النهار ضجر ومل فقال للناس مكانكم حتى أنصرف إليكم ودخل ليستريح ساعة فجاء إليه ابنه عبد الملك فسأل عنه فقالوا دخل فاستأذن عليه فأذن له فلما دخل قال يا أمير المؤمنين ما أدخلك قال أردت أن أستريح ساعة قال أو أمنت الموت أن يأتيك ورعيتك على بابك ينتظرونك وأنت محتجب عنهم فقام عمر فخرج إلى الناس
وعن زياد بن أبي حسان أنه شهد عمر بن عبد العزيز حين دفن إبنه عبد الملك إستوى قائما وأحاط به الناس فقال والله يا بني لقد (2/129)
كنت برا بأبيك والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورا بك ولا والله ما كنت قط أشد سرورا ولا أرجى لحظى من الله فيك منذ وضعتك في المنزل الذي صيرك الله إليه فرحمك الله وغفر لك ذنبك وجزاك بأحسن عملك ورحم كل شافع يشفع لك بخير من شاهد وغائب رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمره الحمد لله رب العالمين ثم انصرف
اقتصرنا على هذا القدر من أخبار عبد الملك لأنا قد أدرجنا أخباره في الكتاب الذي جمعنا فيه أخبار أبيه والله الموفق رحمه الله ورحم أباه
174 - عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام
عن مالك بن أنس قال كان عامر بن عبد الله بن الزبير يقف عند موضع الجنائز يدعو وعليه قطيفة فربما سقطت عنه القطيفة وما يشعر بها
وعنه قال ربما خرج عامر بن عبد الله بن الزبير منصرفا من العتمة من مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فيعرض له الدعاء قبل أن يصل إلى منزله فيرفع يديه فما يزال كذلك حتى ينادي بالصبح فيرجع إلى المسجد فيصلي الصبح بوضوء العتمة قال معن وسمعت أن عامر بن عبد الله (2/130)
ربما أخرج البدرة فيها عشرة آلاف درهم فيقسمها فما يصلي العتمة ومعه منها درهم
وعن سفيان بن عيينة قال اشترى عامر بن عبد الله بن الزبير نفسه من الله عز و جل بتسع ديات
وعن أبي مودود قال كان عامر بن عبد الله بن الزبير يتحين العباد وهم سجود أبا حازم وصفوان بن سليم وسليمان بن شحم وأشباههم فيأتيهم بالصرة فيها الدنانير والدراهم فيضعها عند نعالهم بحيث يحسون بها ولا يشعرون بمكانه فيقال له ما يمنعك أن ترسل بها إليهم فيقول أكره أن يتمعر وجه أحدهم إذا نظر إلى رسولي وإذا لقيني
وعن عياش بن المغيرة قال كان عامر بن عبد الله بن الزبير إذا شهد جنازة وقف على القبر فقال ألا أراك ضيقا ألا أراك دقعا ألا أراك مظلما إن سلمت لأتأهبن لك أهبتك فأول شيء تراه عيناه من ماله يتقرب به إلى ربه وإن كان رقيقه ليتعرضون له عند إنصرافه من الجنائز ليعتقهم
وعن مصعب بن عبد الله قال سمع عامر بن عبد الله المؤذن وهو (2/131)
يجود بنفسه ومنزله قريب من المسجد فقال خذوا بيدي فقيل له إنك عليل فقال أسمع داعي الله فلا أجيبه فأخذوا بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات
أسند عامر عن أبيه وغيره من الصحابة وحدث عن خلق كثير من التابعين
قال محمد بن سعد توفي عامر قبل هشام بن عبد الملك أو بعده بقليل ومات سنة أربع وعشرين ومائة
175 - أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
كان على قضاء المدينة فلما ولى عمر بن عبد العزيز ولاه إمرة المدينة عطاف بن خالد عن أمه عن امرأة أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أنها قالت ما إضطجع أبو بكر على فراشه منذ أربعين سنة بالليل
توفي أبو بكر في سنة عشرين ومائة وهو ابن أربع وثمانين سنة رحمه الله
176 - محمد بن كعب القرظي يكنى أبا حمزة
عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه ثلاث خصال فقها في الدين وزهادة في الدنيا وبصرا بعيوبه (2/132)
عن يزيد بن عبد الملك بن المغيرة عن محمد بن كعب قال من قرأ القرآن متع بعقله وإن بلغ مائتي سنة
أبو كثير النصري قال قالت أم محمد بن كعب القرظي لمحمد يا بني لولا أني أعرفك صغيرا طيبا وكبيرا طيبا لظننت أنك أحدثت ذنبا موبقا لما أراك تصنع بنفسك في الليل والنهار قال يا أماه وما يؤمنني أن يكون الله قد اطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني فقال إذهب لاأغفر لك مع أن عجائب القرآن تردبي على أمور حتى إنه لينقضى الليل ولم أفرغ من حاجتي
وقال محمد بن كعب لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح إذا زلزلت الأرض زلزالها والقارعة لاأزيد عليهما وأتفكر فيهما وأتردد أحب إلى من أن أهذ القرآن هذا أو قال أنثره نثرا
وعن عيسى بن يونس قال كنا عند محمد بن كعب القرظي فأتاه رجل فقال يا عبد الله ما تقول في التوبة قال ماأحسنها قال أفرأيت إن أعطيت الله عهدا أن لاأعصيه أبدا فقال له محمد فمن حينئذ أعظم جرما منك تتألى على الله أن لاينفذ فيك أمره (2/133)
أسند محمد بن كعب عن زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة وأبي هريرة وأنس وإبن عباس وعبد الله بن يزيد الخطمي في آخرين من الصحابة رضي الله عنهم
قال الواقدي مات سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة ومائة وقال غيره سنة تسع وعشرين وقيل كان يقص على أصحابه فسقط المسجد عليه وعليهم فقتلهم رحمة الله
177 - أبو عمرو بن حماس
وقد إختلف علينا في اسمه فقيل يوسف بن يونس وقيل يونس إبن يوسف
قال محمد بن طلحة كان أبو عمرو متعبدا مجتهدا يصلي الليل وكان شديد النظر إلى النساء فدعا الله أن يذهب بصره فذهب بصره فلم يحتمل العمى فدعا الله أن يرد عليه بصره فبينا هو في المسجد إذ رفع رأسه فنظر إلى القنديل فدعا غلامه فقال ما هذا قال القنديل قال وذاك وذاك يعد قناديل المسجد وخر ساجدا شكر الله إذ رد عليه بصره فكان بعد ذلك إذا رأى المرأة طأطأ رأسه وكان يصوم الدهر
وعن مالك بن أنس قال كان يونس بن يوسف من العباد أو من خيار الناس (2/134)
شك عبد الرحمن فأقبل ذات يوم وهو رائح من المسجد فلقيته إمرأة فوقع في نفسه منها فقال اللهم إنك جعلت لي بصري نعمة وقد خشيت أن يكون علي نقمة فاقبضه إليك قال فعمى وكان يروح إلى المسجد يقوده ابن أخ له فإذا استقبل به الأسطوانة اشتغل الصبي يلعب مع الصبيان فإن نابته حاجة حصبه فأقبل إليه فبينا هو ذات يوم ضحوة في المسجد إذ أحس في بطنه بشيء فحصب الصبي فشغل الصبي مع الصبيان حتى خاف الشيخ على نفسه فقال اللهم إنك كنت جعلت لي بصري نعمة وخشيت أن يكون نقمة فسألتك فقبضته إليك وقد خشيت الفضيحة فرده إلي فانصرف إلى منزله صحيحا يمشي قال مالك فرأيته أعمى ورأيته صحيحا (2/135)
ومن الطبقة الرابعة من أهل المدينة
178 - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري يكنى أبا بكر
عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال ما أرى أحدا جمع بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ما جمع إبن شهاب
وقال مالك بن أنس ما أدركت فقيها محدثا غير واحد فقلت من هو فقال ابن شهاب الزهري
وعنه أنه قال إن هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم والله لقد أدركت هاهنا وأشار إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم سبعين رجلا كلهم يقول قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم آخذ عن أحد منهم حرفا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ولقد قدم علينا محمد بن شهاب الزهري وهو شاب فازدحمنا على بابه لأنه كان من أهل هذا الشأن
وقال أيوب ما رأيت أحدا أعلم من الزهري فقال صخر بن جويرية ولا الحسن قال ما رأيت أحدا أعلم من الزهري
وعن جعفر بن ربيعة قال قلت لعراك بن مالك من أفقه أهل (2/136)
المدينة قال أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه و سلم وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب وأما أغزرهم حديثا فعروة بن الزبير ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحرا إلا فجرته قال عراك فأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه
وعن معمر قال رجل من قريش قال لنا عمر بن عبد العزيز أتأتون الزهري قلنا نعم قال فائتوه فإنه لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية منه قال والحسن ونظراؤه يومئذ أحياء
وقال سفيان مات الزهري يوم مات وليس أحد أعلم بالسنة منه
وعن ابن شهاب أنه كان يقول ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته
وعن الليث قال ما رأيت عالما قط أجمع من إبن شهاب ولا أكثر علما منه ولو سمعت ابن شهاب يحدث في الترغيب لقلت لايحسن إلا هذا وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب لقلت لايحسن إلا هذا وإن حدث عن الأعراب والأنساب لقلت لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه جامعا
وعن مالك بن أنس قال أول من دون العلم ابن شهاب
وعن الزهري قال ما استعدت حديثا قط ولا شككت في حديث قط إلا حديثا واحدا فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت (2/137)
وعن يونس بن يزيد قال سمعت الزهري يقول إن هذا العلم إن أخذته بالمكابرة غلبك ولم تظفر منه بشيء ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا تظفر به
وعن سفيان قال سمعت الزهري يقول العلم ذكر لايحبه إلا الذكور من الرجال
وعن معمر عن الزهري قال ما عبد الله بشيء أفضل من العلم
وعن عمرو بن دينار قال ما رأيت أحدا أهون عليه الدينار والدرهم من ابن شهاب وما كانت عنده إلا مثل البعر
وعن عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه كان يكون معه في السفر قال فكان يعطى من جاءه وسأله حتى إذا لم يبق معه شيء تسلف من أصحابه فلا يزالون يسلفونه حتى لايبقى معهم شيء فيحلفون أنه لم يبق معهم شيء فيستسلف من عبيده فيقول أي فلان أسلفني وأضعف لك كما تعلم فيسلفونه ولا يرى بذلك بأسافر بما جاءه السائل فيقول أبشر فسيأتي الله بخير فيقيض الله لابن شهاب أحد رجلين إما رجل (2/138)
يهدي له ما يسعهم وإما رجل يبيعه وينظره قال وكان يطعمهم الثريد ويسقيهم العسل
أسند ابن شهاب عن ابن عمر وأنس بن مالك وسهل بن سعد والسائب بن يزيد وعبد الله بن ثعلبة وأبي أمامة بن سهل بن حنيف وعبد الله بن عامر بن ربيعة وعبد الرحمن بن أزهر ومحمود بن الربيع ومحمود بن لبيد ومسعود بن الحكم وكثير ابن العباس وسنين أبي جميلة وأبي مويهبة وأبي الطفيل في آخرين من الصحابة ويذكر أنه رأى إبن الزبير والحسن والحسين وسمع منهم
قال الواقدي ولد الزهري في سنة ثمان وخمسين في آخر خلافة معاوية وهي السنة التي ماتت فيها عائشة ومرض وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق ومات لسبع عشرة خلت من رمضان سنة أربع وعشرين ومائة وهو إبن خمس وسبعين سنة
قال الحسن بن المتوكل رأيت قبره بأدامى وهي أول عمل فلسطين وآخر عمل الحجاز رحمه الله (2/139)
179 - محمد بن المنكدر بن عبد الله بنالهدير بن محرز بن عبد العزى
إبن عامر بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة يكنى أبا عبد الله أمه أم ولد
عن الزبير بن بكار قال جاء المنكدر بن عبد الله إلى عائشة أم المؤمنين فشكا إليها الحاجة فقالت أول شيء يأتيني أبعث به إليك فجاءتها عشرة آلاف درهم فقالت سرع ما امتحنت به يا عائشة وبعثت بها إليه فاتخذ منها جارية فولدت له بنيه محمدا وأبا بكر وعمر وكلهم يذكر بالصلاح والعبادة ويحمل عنه الحديث
وعن أبي معشر قال دخل المنكدر على عائشة فقالت لك ولد قال لا فقالت لو كان عندي عشرة آلاف درهم لوهبتها لك قال فما أمست إلا بعث إليها معاوية بمال فقالت ما أسرع ما ابتليت وبعثت إلى المنكدر بعشرة ألاف فاشترى منها جارية فهي أم محمد وعمر وأبي بكر
قال الشيخ رحمه الله وإنما شكا المنكدر إلى عائشة للقرابة التي (2/140)
بينهما فإنه من ولد حارثة بن سعد بن تيم وأبو بكر رضي الله عنه من ولد كعب بن سعد بن تيم
وعن الحارث بن الصواف قال قال محمد بن المنكدر كابدت نفسي أربعين سنة حتى إستقامت
وعن سفيان قال كان محمد بن المنكدر ربما قام من الليل يصلي ويقول كم من عين الآن ساهرة في رزقي
وكان له جار مبتلي فكان يرفع صوته من الليل يصيح وكان محمد يرفع صوته بالحمد فقيل له في ذلك فقال يرفع صوته بالبلاء وأرفع صوتي بالنعمة
يحيى بن الفضل الأبيسي قال سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذ إستبكى فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله فسألوه مالذي أبكاك فاستعجم عليهم فتمادى في البكاء فأرسلوا إلى أبي حازم وأخبروه بأمره فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي فقال يا أخي مالذي أبكاك قد رعت أهلك فقال له إني مرت بي آية من كتاب الله عز و جل قال ماهي قال قول الله عز و جل وبدالهم من الله مالم يكونوا يحتسبون قال فبكى (2/141)
أبو حازم معه واشتد بكاؤهما قال فقال بعض أهله لأبي حازم جئنا بك لتفرج عنه فزدته قال فأخبرهم ماالذي أبكاهما
وعن عمر بن محمد المنكدر قال كنت أمسك على أبي المصحف قال فمرت مولاة له فكلمها فضحك إليها ثم أقبل يقول إنا لله إنا لله حتى ظننت أنه قد حدث شيء فقلت مالك فقال أما كان لي في القرآن شغل حتى مرت هذه فكلمتها
وعن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر قال إن الله تعالى يحفظ المؤمن في ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته وفي دويرات حوله فما يزالون في حفظ وعافية ما كان بين أظهرهم
وعن سفيان قال صلى ابن المنكدر على رجل فقيل له تصلى على فلان فقال إني أستحي من الله عز و جل أن يعلم مني أن رحمته تعجز عن أحد من خلقه
وعن أبي معشر قال بغث محمد بن المنكدر إلى صفوان بن سليم بأربعين دينارا ثم قال لبنيه يا بني ما ظنكم برجل فرغ صفوان لعبادة ربه عز و جل (2/142)
وعن عبد الله بن المبارك قال قال محمد بن المنكدر بات عمر يعني أخاه يصلي وبت أغمز رجل أمي وما أحب أن ليلتي بليلته
وعن جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر أنه كان يضع خده بالأرض ثم يقول لأمه قومي ضعي قدمك على خدي
وعن محمد بن سوقة قال سمعت محمد بن المنكدر يقول نعم العون على تقوى الله عز و جل الغنى
قال سفيان بن عيينة قيل لمحمد بن المنكدر أي العمل أحب إليك قال إدخال السرور على المؤمن قيل فما بقي من لذتك قال الإفضال على الإخوان
وعن عبد العزيز بن يعقوب الماجشون أخي يوسف قال قال أبي إن رؤية محمد بن المنكدر تنفعني في ديني
وعن سفيان بن عيينة قال قال محمد بن المنكدر الفقيه يدخل بين الله عز و جل وبين عباده فلينظر كيف يدخل
أسند محمد بن المنكدر عن ابن عمر وأبي قتادة وجابر وأبي هريرة وإبن عباس وأنس بن مالك وأميمة بنت رقيقة
وروى عن كبار التابعين كالحسن وعروة وسعيد بن جبير (2/143)
والزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد وأيوب ويونس بن عبيد في خلق يطول ذكرهم
ذكر وفاته رضي الله عنه
عن عكرمة عن محمد بن المنكدر أنه جزع عند الموت فقيل له لم تجزع قال أخشى آية من كتاب الله عز و جل قال الله عز و جل وبدالهم من الله مالم يكونوا يحتسبون فإني أخشى أن يبدو لي من الله مالم أكن أحتسب
وعن ابن زيد قال أتى صفوان بن سليم إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت فقال يا أبا عبد الله كأني أراك قد شق عليك الموت قال فما زال يهون عليه الأمر وينجلي عن محمد حتى لكأن في وجهه المصابيح ثم قال له محمد لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك ثم قضى رحمه الله
توفي محمد بن المنكدر بالمدينة سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين ومائة (2/144)
180 - عمر بن المنكدر
عن نافع بن عمر قال قالت أم عمر بن المنكدر لعمر إني أشتهي أن أراك نائما فقال يا أماه والله إن الليل ليرد على فيهولني فينقضى عني وما قضيت منه أربي
وعن سالم أبي بسطام قال كان عمر بن المنكدر لاينام الليل يكثر البكاء على نفسه فشق ذلك على أمه فقالت لأخيه محمد بن المنكدر إن الذي يصنع عمر يشق علي فلو كلمته في ذلك فإستعان عليه بأبي حازم فقالا له إن الذي تصنع يشق على أمك قال فكيف أصنع إن الليل إذا دخل علي هالني فأستفتح القرآن وما تنقصني نهمتي فيه قالا فالبكاء قال آية من كتاب الله أبكتني قالا وما هي قال قوله عز و جل وبدالهم من الله مالم يكونوا يحتسبون
وعن عبد الرحمن بن حفص القرشي قال بعث بعض الأمراء إلى عمر ابن المنكدر بمال فجاء به الرسول فوضعه بين يديه فجعل عمر ينظر إليه ويبكي ثم جاء أبو بكر فلما رأى عمر يبكي جلس يبكي لبكائه ثم جاء محمد فجلس يبكي لبكائهما فاشتد بكاؤهم جميعا فبكى الرسول أيضا لبكائهم ثم أرسل إلى صاحبه فأخبره بذلك فأرسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن ليستعلم علم ذلك البكاء فجاء ربيعة فذكر ذلك لمحمد فقال محمد (2/145)
سله فهو أعلم ببكائه فاستأذن عليه ربيعة فقال يا أخي مالذي أبكاك من صلة الأمير قال والله إني خشيت أن تغلب الدنيا على قلبي فلا يكون للآخرة فيه نصيب فذلك الذي أبكاني قال وأمر بالمال فتصدق به على فقراء أهل المدينة قال فجاء ربيعة فأخبر الأمير بذلك فبكى وقال هكذا يكون والله أهل الخير رحمه الله
181 - سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن إبن عوفيكنى أبا إسحاق ولي قضاء المدينة
عن شعبة قال كان سعد يصوم الدهر ويقرأ القرآن في كل يوم وليلة
وعن عبيد الله بن سعد الزهري قال قال عمي عن أبيه قال سرد أبي سعد بن إبراهيم الصوم أربعين سنة
وعن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال قيل له من أفقه أهل المدينة قال أتقاهم لربه
وعن إبن سعد بن إبراهيم قال كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يقرأ القرآن (2/146)
وعنه قال كان أبي سعد بن إبراهيم إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين لم يفطر حتى يختم القرآن وكان يفطر فيما بين المغرب والعشاء الآخرة وكان كثيرا إذا أفطر يرسلني إلى مساكين فيأكلون معه رحمه الله
أسند سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأنس إبن مالك ومحمد بن حاطب وسهل بن حنيف ورأى إبن عمر
وروى عن أبيه وأبي سلمة وإبن المسيب في خلق كثير من كبار التابعين
وروى عنه من التابعين أيوب ويحيى إبن سعيد
وتوفي بالمدينة سنة سبع وعشرين ومائة وهو إبن إثنتين وسبعين سنة رحمه الله (2/147)
182 - عبد الرحمن بن أبان بن عثمان إبن عفان رحمهم الله
روى عن أبيه
عن مصعب بن عثمان قال كان عبد الرحمن بن أبان يشتري أهل البيت ثم يأمر بهم فيكسون ويدهنون ثم يعرضون عليه فيقول أنتم أحرار لوجه الله أستعين بكم على غمرات الموت قال فمات وهو قائم في مسجده يصلي السبحة يعني الضحى
183 - ربيعة بن أبي عبد الرحمن
وإسم أبي عبد الرحمن فروخ مولى آل المنكدر ويكنى ربيعة أبا عثمان ويقال أبا عبد الرحمن
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز بالإسناد عن مشيخة أهل المدينة أن فروخا أبا عبد الرحمن أبا ربيعة خرج في البعوث إلى خراسان أيام بني أمية غازيا وربيعة حمل في بطن أمه وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار فقدم بعد سبع وعشرين سنة وهو (2/148)
راكب فرسا وفي يده رمح فنزل عن فرسه ثم دفع الباب برمحه فخرج ربيعة فقال له يا عدو الله أتهجم على منزلي فقال لا وقال فروخ ياعدو الله أنت رجل دخلت على حرمي فتواثبا وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا يعينون ربيعة فجعل ربيعة يقول والله لافارقتك إلا عند السلطان وجعل فروخ يقول والله لافارقتك إلا عند السلطان وأنت مع إمرأتي
وكثر الضجيج فلما بصروا بمالك سكت الناس كلهم فقال مالك أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار فقال الشيخ هي داري وأنا فروخ مولى بني فلان فسمعت إمرأته كلامه فخرجت فقالت هذا زوجي وهذا إبنه الذي خلفه وأنا حامل به فاعتنقا جميعا وبكيا فدخل فروخ المنزل فقال هذا إبني قالت نعم قال فأخرجي المال الذي عندك وهذه معي أربعة آلاف دينار فقالت المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام
فخرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته وأتاه مالك بن أنس والحسن بن زيد وإبن أبي علي اللهبي والمساحقي وأشراف المدينة وأحدق الناس به فقالت امرأته أخرج فصل في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج فنظر إلى حلقه وافرة فأتاه فوقف عليه (2/149)
ففرجوا له قليلا ونكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره فقال من هذا الرجل فقالوا هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن فقال أبو عبد الرحمن لقد رفع الله ابني فرجع إلى منزله فقال لوالدته لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحدا من أهل الفقه والعلم عليها فقالت أمه فأيما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي هو فيه من الجاه قال لا والله إلا هذا قالت فإني أنفقت المال كله عليه قال فوالله ماضيعته
وعن إبن زيد قال مكث ربيعة دهرا طويلا عابدا يصلي الليل والنهار فجالس القاسم فنطق بلب وعقل فكان القاسم إذا سئل عن شيء قال سلوا هذا لربيعة
وعن يحيى بن سعيد قال ما رأيت أحدا أفطن من ربيعة
قال الليث وقال لي عبيد الله بن عمر في ربيعة هو صاحب معضلاتنا وأعلمنا وأفضلنا
وعن يحيى بن سعيد أنه قال ما رأيت أحدا أسد عقلا من ربيعة
وعن سوار بن عبد الله قال ما رأيت أحدا أعلم من ربيعة الرأي قلت ولا الحسن وإبن سيرين قال ولا الحسن وإبن سيرين (2/150)
وعن يونس بن يزيد قال رأيت أبا حنيفة عند ربيعة وكان مجهود أبي حنيفة أن يفهم ما يقول ربيعة
وعن بكر بن عبد الله الشرود الصنعاني قال أتينا مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي فكنا نستزيده من حديث ربيعة فقال لنا ذات يوم ما تصنعون بربيعة هو نائم في ذاك الطاق فأتينا ربيعة فأنبهناه فقلنا له أنت ربيعة الذي يحدث عنك مالك قال نعم فقلنا له كيف حظى بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك قال أما علمتم أن مثقالا من دولة خير من حمل علم
قال الشيخ رحمه الله وكان السفاح قد أقدم عليه ربيعة الأنبار ليوليه القضاء فلم يفعل وعرض عليه العطاء فلم يقبل
وعن مالك قال قال لي ربيعة حين أراد الخروج إلى العراق إن سمعت أني حدثتهم شيئا أو أفتيتهم فلا تعدني شيئا فكان كما قال لما قدمها لزم بيته فلم يخرج إليهم ولم يحدثهم بشيء حتى رجع قال مالك لما قدم على أمير المؤمنين أبي العباس أمر له بجائزة فأبى أن يقبلها فأعطاه خمسة آلاف درهم ليشتري بها جارية فأبى أن يقبلها (2/151)
وعن سفيان قال كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يوما جالسا فغطى رأسه ثم اضطجع فبكى فقيل له ما يبكيك فقال رثاء ظاهر وشهوة خفية
وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال لقد رأيت مشيخة المدينة وإن لهم لغدائر وعليهم الممصر والمورد في أيديهم مخاصر وفي أيديهم آثار الحناء في هيئة الفتيان ودين أحدهم أبعد من الثريا إذا أريد على دينه
قال الشيخ قد سمع ربيعة من أنس بن مالك والسائب بن يزيد وعامة التابعين من أهل المدينة
وروى عنه مالك والثوري وشعبة والليث بن سعد
وقال أحمد بن حنبل ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثقة وتوفي بالأنبار وقيل بل رجع إلى المدينة فمات بها وذلك في سنة ست وثلاثين ومائة
وعن مالك بن أنس قال ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن (2/152)
184 - صفوان بن سليم الزهري
مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف يكنى أبا عبد الله
عن عبد العزيز بن أبي حازم قال عادلني صفوان بن سليم إلى مكة فما وضع جنبه في المحمل حتى رجع
وعن سليمان بن سالم قال كان صفوان بن سليم في الصيف يصلي بالليل في البيت فإذا كان الشتاء صلى في السطح لئلا ينام
عن أبي ضمرة أنس بن عياض قال رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له غدا القيامة ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة
وعن أبي علقمة المديني قال كان صفوان بن سليم لا يكاد يخرج من مسجد النبي صلى الله عليه و سلم فإذا أراد أن يخرج بكى وقال أخشى أن لا أعود إليه
وعن محمد بن أبي منصور قال قال صفوان بن سليم أعطى الله عهدا أن (2/153)
لا أضع جنبي على فراش حتى ألحق بربي قال فبلغني أن صفوان عاش بعد ذلك أربعين سنة لم يضع جنبه فلما نزل به الموت قيل له رحمك الله ألا تضطجع قال ما وفيت لله بالعهد إذا
قال فأسند فما زال كذلك حتى خرجت نفسه قال ويقول أهل المدينة إنه ثفنت جبهته من أثر السجود
وعن أبي مروان مولى بني تميم قال انصرفت مع صفوان بن سليم من العيد إلى منزله فجاء بخبز يابس فجاء سائل فوقف على الباب وسأل فقام صفوان إلى كوة في البيت فأخذ منها شيئا فاعطاه فاتبعت ذلك السائل لأنظر ما أعطاه فإذا هو يقول أعطاه الله أفضل ما أعطى أحدا من خلقه فقلت ما أعطاك قال أعطاني دينارا
وعن سفيان قال جاء رجل من أهل الشام فقال دلوني على صفوان إبن سليم فإني رأيته دخل الجنة فقلت بأي شيء قال بقميص كساه إنسانا
قال بعض إخوان صفوان سألت صفوان عن قصة القميص قال خرجت من المسجد في ليلة باردة فإذا رجل عريان فنزعت قميصي فكسوته (2/154)
عن سعيد بن كثير بن يحيى قال قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها قال فصلى بالناس الظهر ثم فتح باب المقصورة واستند إلى المحراب واستقبل الناس بوجهه فنظر إلى صفوان بن سليم عن غير معرفة فقال يا عمر من هذا الرجل ما رأيت سمتا أحسن منه قال يا أمير المؤمنين هذا صفوان بن سليم قال يا غلام كيس فيه خمس مائة دينار فأتى بكيس فيه خمس مائة دينار فقال لخادمه ترى هذا الرجل القائم يصلي فوصفه للغلام حتى أثبته فخرج الغلام بالكيس حتى جلس إلى صفوان
فلما نظر إليه صفوان ركع وسجد ثم سلم وأقبل عليه فقال ما حاجتك قال أمرني أمير المؤمنين وهو ذا ينظر إليك وإلي أن أدفع هذا الكيس وفيه خمسمائة دينار إليك وهو يقول استعن بهذا على زمانك وعلى عيالك فقال صفوان للغلام ليس أنا بالذي أرسلت إليه فقال له الغلام ألست صفوان بن سليم قال بلى أنا صفوان بن سليم قال فإليك أرسلت قال إذهب فاستثبت فإذا أثبت فهلم فقال الغلام فأمسك الكيس معك وأذهب قال لا إذا أمسكت كنت قد أخذت ولكن أذهب فأستثبت فأنا هاهنا جالس فولى الغلام فأخذ صفوان نعليه وخرج فلم ير بها حتى خرج سليمان من المدينة (2/155)
أبو مصعب قال لي أين أبي حازم دخلت أنا وأبي نسأل عنه يعني صفوان بن سليم وهو في مصلاه فما زال به أبي حتى رده إلى فراشه فأخبرتني مولاته أن ساعة خرجتم مات
أسند صفوان بن سليم عن إبن عمرو جابر بن عبد الله وعبد الله بن جعفر وسهل بن حنيف في آخرين وسمع من كبار التابعين كسعيد بن المسيب وأبي سلمة وعروة وسالم وعكرمة وطاوس في خلق كثير
عن أبي بكر بن صدقة قال ذكر لأحمد بن حنبل صفوان بن سليم وقلة حديثه وأشياء خولف فيها فقال هذا رجل إنما كان يستشفى بحديثه ويستنزل القطر بذكره توفي صفوان بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين ومائة
185 - أبو حازم سلمة بن دينار الأعرجمولى لقوم من بني ليث بن بكر
عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال ما رأيت أحدا الحكمة إلى فيه أقرب من أبي حازم
وعن سفيان قال قيل لأبي حازم ما مالك قال ثقتي بالله عز و جل ويأسي مما في أيدي الناس (2/156)
وعن ثوابة بن رافع قال قال أبو حازم ما مضى من الدنيا فحلم وما بقي فأماني
وعن محمد مطرف قال ثنا أبو حازم قال لا يحسن عبد فيما بينه وبين الله إلا أحسن الله ما بينه وبين العباد ولا يغور فيما بينه وبين الله عز و جل إلا أعور فيما بينه وبين العباد ولمصانعة وجه واحد أيسر من مصانعة الوجوه كلها إنك إذا صانعت هذا الوجه مالت الوجوه كلها إليك وإذا أفسدت ما بينك وبينه شنفتك الوجوه كلها
وعن عمر بن سعيد بن حسين عن أبي حازم قال إذا رأيت الله عز و جل يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فأحذره
محمد بن عبيد قال أنا بعض أهل الحجاز قال قال أبو حازم كل نعمة لا تقرب من الله عز و جل فهي بلية
وعن أبي معشر قال رأيت أبا حازم لم يقص في المسجد ويبكي ويمسح بدموعه وجهه فقلت يا أبا حازم لم تفعل هذا قال بلغني أن النار لا تصيب موضعا أصابته الدموع من خشية الله تعالى
وعن سفيان قال قال أبو حازم ينبغي للمؤمن أن يكون أشد حفظا للسانه منه لموضع قدميه (2/157)
وعن سعيد بن عامر قال قال أبو حازم نعمة الله فيما زوى عني من الدنيا أفضل من نعمته فيما أعطاني منها
وقال أبو حازم إن وقينا شر ما أعطينا لم نبال ما فاتنا
وقال إبن عيينة قال أبو حازم إن كان يغنيك من الدنيا ما يكفيك فأدنى عيش من الدنيا يكفيك وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء يكفيك
وعن عبد الجبار بن عبد العزيز بن أبي حازم قال حدثني أبي قال بعث سليمان بن عبد الملك إلى أبي حازم فجاءه فقال يا أبا حازم ما لنا نكره الموت قال لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب قال صدقت فكيف القدوم على الله عز و جل قال أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه فبكى سليمان وقال ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم قال اعرض نفسك على كتاب الله عز و جل فإنك تعلم مالك عند الله قال يا أبا حازم وأنى أصيب ذلك قال عند قوله إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم فقال (2/158)
سليمان فأين رحمة الله قال قريب من المحسنين قال ما تقول فيما نحن فيه قال أعفني عن هذا قال سليمان نصيحة تلقيها قال أبو حازم إن أناسا أخذوا هذا الأمر عنوة من غير مشاورة من المسلمين ولا اجتماع من رأيهم فسفكوا فيه الدماء على طلب الدنيا ثم ارتحلوا عنها فليت شعري ما قالوا وما قيل لهم فقال بعض جلسائه بئس ما قلت يا شيخ قال أبو حازم كذبت إن الله تعالى أخذ على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه
قال سليمان اصحبنا يا أبا حازم تصب منا ونصب منك قال أعوذ بالله من ذلك قال ولم قال أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني ضعف الحياة وضعف الممات قال فأشر على قال أتق الله أن يراك حيث نهاك وأن يفقدك حيث أمرك قال يا أبا حازم ادع لنا بخير قال اللهم إن كان سليمان وليك فيسره للخير وإن كان عدوك فخذ إلى الخير بناصيته فقال يا غلام هات مائة دينار ثم قال خذها يا أبا حازم فقال لا حاجة لي فيها إني أخاف أن يكون لما سمعت من كلامي (2/159)
فكأن سليمان أعجب بأبي حازم فقال الزهري إنه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته قط قال أبو حازم إنك نسيت الله فنسيتني ولو أحببت الله لأحببتني قال الزهري أتشتمني قال سليمان بل أنت شتمت نفسك أما علمت أن للجار على جاره حقا قال أبو حازم إن بني اسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء فلما رأى ذلك قوم من أذلة الناس تعلموا ذلك العلم وأتوا به إلى الأمراء فاستغنت به عن العلماء واجتمع القوم على المعصية فسقطوا وانتكسوا ولو كان علماؤنا يصونون علمهم لم تزل الأمراء تهابهم قال الزهري كأنك إياي تريد وبي تعرض قال هو ما تسمع
وعن الذيال بن عباد قال كتب أبو حازم الأعرج إلى الزهري عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله عليك فيما أصح من بدنك وأطال من عمرك وعلمت حجج الله تعالى مما علمك من كتابه وفقهك فيه من دينه وفهمك من سنة نبيه صلى الله عليه و سلم فرمى بك في كل نعمة أنعمها عليك وكل حجة يحتج بها عليك الغرض الأقصى ابتلى في ذلك شكرك وابدا فيه فضله عليك وقد قال عز و جل (2/160)
لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد فانظر أي رجل تكون إذا وقفت بين يدي الله عز و جل فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها وعن حججه عليك كيف قضيتها فلا تحسبن الله عز و جل راضيا منك بالتعذير ولا قابلا منك التقصير هيهات ليس ذاك أخذ على العلماء في كتابه إذ قال لتبيننه للناس ولا تكتمونه إنك تقول إنك جدل ماهر عالم قد جادلت الناس فجدلتهم وخاصمتهم فخصمتهم إدلالا منك بفهمك واقتدارا منك برأيك فأين تذهب عن قول الله عز و جل ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة اعلم أن أدنى ما ارتكبت وأعظم ما احتقبت أن آنست الظالم وسهلت له طريق الغى بدنوك حين أدنيت وإجابتك حين دعيت فما أخلقك أن ينوه غدا باسمك مع الجرمة وأن تسأل عما أردت باغضائك عن ظلم الظلمة إنك أخذت ما ليس لمن أعطاك جعلوك قطبا تدور عليه رحى باطلهم وجسرا يعبرون بك إلى بلائهم وسلما إلى ضلالتهم (2/161)
يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم لهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم واختلاف الخاصة والعامة إليهم فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك وما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك فانظر لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك وحاسبها حساب رجل مسؤل وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا وانظر كيف إعظامك أمر من جعلك بدينه في الناس مبجلا وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته مستترا وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تكون منه قريبا مالك لا تتنبه من نعستك وتستقيل من عثرتك فتقول والله ما قمت لله عز و جل مقاما واحدا أحيى له فيه دينا ولا أميت له فيه باطلا أين شكرك لمن استحملك كتابه واستودعك علمه ما يؤمنك أن تكون من الذين قال الله عز و جل فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى الآية إنك لست في دار مقام قد أوذنت بالرحيل فما بقاء المرء بعد أقرانه طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ما يؤمن من أن يموت وتبقى ذنوبه من بعده إنك لم تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك ليس أحد أهلا أن (2/162)
ترد له على ظهرك ذهبت اللذة وبقيت التبعة ما أشقى من سعد بكسبه غيره احذر فقد أتيت وتخلص فقد وهلت إنك تعامل من لا يجهل والذي يحفظ عليك لا يغفل تجهز فقد دنا منك سفر بعيد وداو دينك فقد دخله سقم شديد ولا تحسبن أني أردت توبيخك وتعييرك وتعنيفك ولكني أردت أن تنعش ما فات من رأيك وترد عليك ما عزب عنك من حلمك وذكرت قوله تعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك وبقيت بعدهم كقرن أعضب فانظر هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به أو دخلوا في مثل ما دخلت فيه وهل تراه دخر لك خيرا منعوه أو علمك شيئا جهلوه فإذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا في كبر سنك ورسوخ علمك وحضور أجلك فمن يلوم الحدث في سنه الجاهل في علمه المأفون في رأيه المدخول في عقله ونحمد الذي عافانا مما ابتلاك به والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
وعن محمد بن إسحاق الموصلي قال قال أبو حازم إن بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها فإنه لو جاء يوم نفاقها لم تصل منها إلى قليل ولا إلى كثير (2/163)
قال إبن أبي الحواري وسمعت مروان بن محمد يقول قال أبو حازم ويحك يا أعرج يدعى يوم القيامة بأهل خطيئة كذا وكذا فتقوم معهم ثم يدعى بأهل خطيئة
وعن عبد الرحمن بن جرير قال سمعت أبا حازم يقول عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح
وعن محمد بن مطرف قال قال أبو حازم ما في الدنيا شيء يسرك إلا وقد ألزق به شيء يسوءك
وعن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال إن العبد ليعمل الحسنة تسره حين يعملها وما خلق الله من سيئة هي عليه أضر منها وإن العبد ليعمل السيئة ثم تسوءه حين يعملها وما خلق الله عز و جل من حسنة أنفع له منها وذلك أن العبد حين يعمل الحسنة يتجبر فيها ويرى أن له فضلا على غيره ولعل الله عز و جل يحبطها ويحبط معها عملا كثيرا وإن العبد ليعمل السيئة تسوءه ولعل الله عز و جل يحدث له فيها وجلا فيلقى الله وإن خوفها لفي جوفه باق
وعن عون بن جرير قال سمعت أبي يقول كان أبو حازم يمر على الفاكهة فيقول موعدك الجنة (2/164)
وعن جويرية بن أسماء قال مر أبو حازم بجزار فقال يا أبا حازم خذ من هذا اللحم فإنه سمين قال ليس معي درهم قال أنظرك قال أنا أنظر نفسي
وعن الفضل قال قال حازم المديني وجدت الدنيا شيئين فشيء منها هو لي فلن أعجله قبل أجله ولو طلبته بقوة السموات والأرض وشيء منها هو لغيري فلم أنله فيما مضى ولا أرجوه فيما بقي يمنع الذي لي من غيري كما يمنع الذي لغيري مني ففي أي هذين أفنى عمري ووجدت ما أعطيت من الدنيا شيئين فشيء يأتي أجله قبل أجلي فأغلب عليه وشيء يأتي أجلي قبل أجله فأموت وأخلفه لمن بعدي ففي أي هذين أعصي ربي عز و جل
وعن حفص بن ميسرة قال قال أبو حازم عجبا لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة ويدعون أن يعملوا لدار يرحلون إليها كل يوم مرحلة
وعن إبن عيينة قال أبو حازم إني لأعظ وما أرى له موضعا وما أريد إلا نفسي وقال لو أن أحدكم قيل له ضع ثوبك على هذا الهوف حتى يرمى لقال ما كنت لأخرق ثوبي وهو يخرق دينه وحلف أبو حازم لجلسائه لوددت أن أحدكم يبقي على دينه كما يبقى على نعله (2/165)
وعن فضيل بن عياض قال قال أبو حازم اضمنوا لي اثنين أضمن لكم الجنة عملا بما تكرهون إذا أحبه الله تعالى وترك ما تحبون إذا كرهه الله عز و جل
وعن يعقوب بن عبد الرحمن قال سمعت أبا حازم يقول يسير الدنيا يشغل عن كثير من الآخرة وقال ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فقدمه اليوم وما كرهت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم
وقال كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه ثم لا يضرك متى مت وقال إنك لتجد الرجل يعمل بالمعاصي فإذا قيل له أتحب أن تموت قال يقول وكيف وعندي ما عندي فيقال له أفلا تترك ما تعمل من المعاصي فيقول ما أريد تركه وما أحب أن أموت حتى أتركه
وقال شيئان إذا عملت بهما أصبت بهما خير الدنيا والآخرة لا أطول عليك قيل وما هما أنا أبا حازم قال تحمل ما تكره إذا أحبه الله وتترك ما تحب إذا كرهه الله (2/166)
وعن محمد بن يحيى المازني قال قال أبو حازم رضي الناس من العمل بالعلم ومن الفعل بالقول
وعن سليمان بن سليمان العمري قال رأيت أبا جعفر القارى يعني في المنام على الكعبة فقلت له يا أبا جعفر قال نعم أقرىء إخواني مني السلام وخبرهم أن الله عز و جل جعلني من الشهداء الأحياء المرزوقين وأقرىء أبا حازم السلام وقل له يقول لك أبو جعفر الكيس الكيس فإن الله وملائكته يتراءون مجلسك بالعشيات
أسند أبو حازم عن إبن عمر وسهل بن سعد وأنس بن مالك وقيل إنه رأى أبا هريرة وسمع من كبار التابعين كسعيد بن المسيب وأبي سلمة وعروة وغيرهم
وتوفي في بعد سنة أربعين ومائة في خلافة المنصور (2/167)
ومن الطبقة الخامسة من أهل المدينة 186 جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام
يكنى أبا عبد الله أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق كان مشغولا بالعبادة عن حب الرياسة
وعن عمرو بن أبي المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين
وعن مالك بن أنس قال قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها فإن الله عز و جل قال في كتابه لئن شكرتم لأزيدنكم وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فإن الله تعالى قال في كتابه استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين يعني في الدنيا ويجعل لكم جنات في الآخرة يا سفيان إذا حزبك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة (2/168)
وعن إبن أبي حازم قال كنت عند جعفر بن محمد إذ جاءه آذنه فقال سفيان الثوري بالباب فقال ائذن له فدخل فقال جعفر يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان قم فاخرج غير مطرود فقال سفيان حدثني حتى أسمع وأقوم فقال جعفر حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ومن حزبه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قام سفيان قال جعفر خذها يا سفيان ثلاث وأي ثلاث
وعن الهياج بن بسطام قال كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء
وعن يحيى بن الفرات قال قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري لا يتم المعروف إلا بثلاثة بتعجيله وتصغيره وستره
وسئل جعفر بن محمد لم حرم الله الربا قال لئلا يتمانع الناس المعروف
وعن بعض أصحاب جعفر الصادق قال دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منها أن قال (2/169)
يا بني أقبل وصيتي واحفظ مقالتي فإنك إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا يا بني إنه من قنع بما قسم الله له استغنى ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ومن لم يرض بما قسم الله عز و جل له اتهم الله تعالى في قضائه ومن استصغر زلة نفسه استعصم زلة غيره ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ومن سل سيف البغى قتل به ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها ومن داخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر ومن دخل مداخل السوء اتهم يا بني قل الحق لك وعليك وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادته
وعن أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي قال وقع الذباب علىالمنصور فذبه عنه فعاد فذبه حتى أضجره فدخل جعفر بن محمد فقال له المنصور يا أبا عبد الله لم خلق الله عز و جل الذباب قال ليذل به الجبابرة
وعن الحسن بن سعيد اللخمي عن جعفر بن محمد قال من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة
وعن الحرمازي قال كان رجل من أهل السواد يلزم جعفر بن محمد ففقده فسأل عنه فقال له رجل إنه نبطى يريد أن يضع منه فقال جعفر (2/170)
أصل الرجل عقله وحسبه دينه وكرمه تقواه والناس في آدم مستوون
وعن سفيان الثوري قال سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول عزت السلامة حتى لقد خفى مطلبها فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول فإن طلبت في الخمول ولم توجد فيوشك أن تكون في التخلى وليس كالخمول فإن طلبت في التخلي ولم توجد فيوشك أن تكون في الصمت وليس كالتخلي فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون في كلام السلف الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها
وعن عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه ولم يحفظ على الدعاء وبعضه عن غيره قال حج أبو جعفر سنة سبع وأربعين ومائة فقدم المدينة وقال ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به تعبا قتلني الله إن لم أقتله فتغافل عنه الربيع لينساه ثم أعاد ذكره للربيع وقال أرسل إليه من يأتي به متعبا فتشاغل عنه ثم أرسل إلى الربيع برسالة قبيحة في جعفر وأمره أن يبعث إليه ففعل فلما أتاه قال له (2/171)
يا أبا عبد الله اذكر الله فإنه قد أرسل إليك التي لا سوى لها قال جعفر لا حول ولا قوة إلا بالله ثم أعلم أبا جعفر حضوره فلما دخل أوعده وقال أي عدو الله اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك فقال يا أمير المؤمنين إن سليمان عليه السلام أعطى فشكر وإن أيوب أبتلي فصبر وإن يوسف ظلم فغفر وأنت من ذلك السنخ فقال له أبو جعفر إلي وعندي أبا عبد الله البرىء الساحة السليم الناحية القليل الغائلة جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم
ثم تناول يده فأجلسه معه على فراشه ثم قال علي بالمنجفة فأتى بدهن فيه غالية فغلفه بيده حتى خلت لحيته قاطرة ثم قال في حفظ الله وفي كلاءته ثم قال يا ربيع ألحق أبا عبد الله جائزته وكسوته انصرف أبا عبد الله في حفظ الله وفي كنفه فانصرف ولحقته فقلت له (2/172)
إني قد رأيت قبل ذلك ما لم تره ورأيت بعد ذلك ما قدر رأيت فما قلت يا أبا عبد الله حين دخلت قال قلت اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام واغفر لي بقدرتك على لا أهلك وأنت رجائي اللهم إنك أكبر وأجل ممن أخاف وأحذر اللهم بك أدفع في نحره وأستعيذ بك من شره
وعن الليث بن سعد قال حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فأتيت مكة فلما أن صليت العصر رقيت أبا قبيس فإذا أنا برجل جالس وهو يدعو فقال يا رب يا رب حتى انقطع نفسه ثم قال يا رباه حتى انقطع نفسه ثم قال يا رب حتى انقطع نفسه ثم قال يا الله يا الله حتى انقطع نفسه ثم قال يا حي يا حي حتى انقطع نفسه ثم قال يا رحيم حتى انقطع نفسه ثم قال يا أرحم الراحمين حتى انقطع نفسه سبع مرات ثم قال اللهم إني أشتهي من هذا العنب فأطعمنيه اللهم إن بردى قد أخلقا قال الليث فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا وليس على الأرض يومئذ عنب وبردين موضوعين فأراد أن يأكل فقلت أنا شريكك فقال لي تقدم وكل ولا تأخذ منه شيئا فتقدمت فأكلت شيئا لم آكل مثله قط وإذا عنب لا عجم (2/173)
له فأكلت حتى شبعت والسلة بحالها ثم قال لي خذ أحب البردين اليك فقلت له أما البردان فأنا غني عنهما فقال لي توار عني حتى ألبسهما فتواريت عنه فارتدى أحدهما وإئتزر الآخر ثم أخذ البردين اللذين كانا عليه فجعلهما على عاتقه فنزل فاتبعته حتى إذا كان بالمسعى لقيه رجل فقال إكسني كساك الله يا إبن رسول الله فدفعهما إليه فلحقت الرجل فقلت له من هذا قال جعفر قال بن محمد قال الليث فطلبته لأسمع منه فلم أجده
أسند جعفر بن محمد عن أبيه وعن عطاء بن أبي رباح وعكرمة في آخرين
وروى عنه من التابعين جماعة منهم أيوب السختياني ومن الأئمة مالك والثوري وشعبة في آخرين
وتوفي بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة رحمه الله 187 محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة إبن الحارث بن أبي ذئب
عن محمد بن عمر قال كان محمد بن عبد الرحمن يكنى أبا الحارث ولد (2/174)
في سنة ثمانين عام الجحاف وكان من أورع الناس وكانوا يرمونه بالقدر وما كان قدريا وكان يصلي الليل أجمع
وأخبرني أخوه قال كان يصوم يوما ويفطر يوما فوقعت الرجفة بالشام فقدم رجل من أهل الشام فحدثه عن الرجفة وكان يوم إفطاره فقلت له قم تغذى قال دعه اليوم فسرد الصوم من ذلك اليوم إلى أن مات وكان يتعشى بالخبز والزيت وله طيلسان وقميص يشتو فيه ويصيف ويحفظ حديثه كله
ودخل على عبد الصمد بن علي وهو والي المدينة فكلمه في شيء فقال له عبد الصمد إني لأراك مرائيا فأخذ عودا أو شيئا من الأرض فقال من أرائي فوالله للناس عندي أهون من هذا
وحج أبو جعفر فدعا إبن أبي ذئب فقال نشدتك بالله ألست أعمل بالحق أليس تراني أعدل فقال إبن أبي ذئب أما إذا نشدتني بالله فأقول اللهم لا ما أراك تعدل وإنك لجائر وإنك لتستعمل الظلمة وتدع أهل الخير
قال محمد بن عمر فحدثني محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن يحيى وأخبرت (2/175)
عن عيسى بن علي قالوا فظننا أن أبا جعفر سيعاجله فجعلنا نكف إلينا ثيابنا مخافة أن يصيبنا من دمه فجزع أبو جعفر وإغتم وقال له قم فاخرج
ومات إبن أبي ذئب فدفن بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة وهو إبن تسع وسبعين
وعن أحمد بن علي الحافظ قال سمع إبن أبي ذئب من عكرمة ونافع وسعيد المقبري وأبي الزناد ومحمد بن المنكدر والزهري وغيرهم
وكان فقيها صالحا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أقدمه المهدي بغداد فحدث بها ثم رجع يريد المدينة فمات بالكوفة
وقال أحمد بن حنبل كان إبن أبي ذئب يشبه بسعيد بن المسيب قيل لأحمد خلف مثله ببلاده قال لا ولا بغيرها
188 - مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أبو عبد الله القرشي
عن الزبير بكار قال كان مصعب بن ثابت من أعبد أهل زمانه صام خمسين سنة
قال الزبير وحدثني يحيى بن مسكين قال ما رأيت أحدا قط أكثر ركوعا وسجودا من مصعب بن ثابت كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة ويصوم الدهر (2/176)
قال محمد بن سعد توفي مصعب بن ثابت سنة سبع وخمسين ومائة رحمه الله ومن الطبقة السادسة من أهل المدينة
189 - مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي
عن محمد بن عمر قال سمعت مالك بن أنس يقول قد يكون الحمل ثلاث سنين وقد حمل ببعض الناس ثلاث سنين يعني نفسه قال وسمعت غير واحد يقول حمل بمالك ثلاث سنين
وعن مطرف بن عبد الله قال كان مالك بن أنس طويلا عظيم الهامة أصلع أبيض الرأس واللحية شديد البياض إلى الشقرة ولباسه الثياب العدنية الجياد ويكره حلق الشارب ويعيبه ويراه من المثل
وعن أبي مصعب قال سمعت مالك بن أنس يقول ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك
وعنه قال ما أحببت في الفتيا حتى سألت من هو أعلم مني هل يراني موضعا لذلك سألت ربيعة وسألت يحيى بن سعيد فأمراني بذلك فقلت يا أبا عبد الله فلو نهوك قال كنت أنتهي لاينبغي للرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه (2/177)
وقال خلف دخلت على مالك بن أنس فقال لي أنظر ما تحت مصلاي أو حصيري فنظرت فإذا بكتاب فقال اقرأه فإذا فيه رؤيا رآها له بعض إخوانه فقال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في المنام في مسجده وقد اجتمع الناس عليه فقال لهم إني قد خبأت لكم تحت منبري طيبا أو علما وأمرت مالكا أن يفرقه على الناس فانصرف الناس وهم يقولون إذا ينفذ مالك ماأمره به رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم بكى فقمت عنه
وعن إبن أبي أويس قال كان مالك إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في الجلوس بوقار وهيبة ثم حدث فقيل له في ذلك فقال أحب أن أعظم حديث النبي صلى الله عليه و سلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا وكان يكره أن يحدث في الطريق وهو قائم أو مستعجل فقال أحب أن يفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
إبراهيم بن المنذر قال سمعت معن بن عيسى يقول كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم إغتسل وتبخر وتطيب وإذا رفع أحد صوته عنده قال أغضض من صوتك فإن الله عز و جل يقول يا أيها الذين آمنوا لاترفعوا أصواتكم فوق صوت (2/178)
النبي فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن عبد الله بن وهب قال سمعت مالك بن أنس يقول ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله في القلب
وعنه قيل لمالك بن أنس ما تقول في طلب العلم قال حسن جميل ولكن أنظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه
وعن إبن مهدي قال سأل رجل مالكا عن مسأله فقال لاأحسنها فقال الرجل إني ضربت إليك من كذا وكذا لأسألك عنها فقال له مالك فإذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم أني قلت لك لاأحسنها
وعن حنبل بن إسحاق قال سألت أبا عبد الله عن مالك فقال مالك سيد من سادات أهل العلم وهو إمام في العلم والفقه ثم قال ومن مثل مالك متبع لآثار من تقدم مع عقل وأدب
مسانيد مالك أشهر من أن تذكر وهو النجم الثاقب في أهل النقل
وعن إبن أبي أويس قال إشتكى مالك بن أنس أياما يسيره فسألت (2/179)
بعض أهلنا عما قال عند الموت فقال تشهد ثم قال لله الأمر من قبل ومن بعد
وتوفي صبيحة أربع عشرة من شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة في خلافة هارون ودفن بالبقيع وهو إبن خمس وثمانين سنة فذكرت ذلك لمصعب الزبيري فقال مات في صفر رحمه الله (2/180)
ومن الطبقة السابعة من أهل المدينة
190 - عبد الله بن عبد العزيز العمري ويكنى أبا عبد الرحمن
عن عبد الله بن خبيق قال تعبد عبد الله العمري وسكن المقابر وكان لايرى إلا وفي يده كتاب يقرؤه وترك مجالسة الناس فسئل عن فعله فقال لم أر أوعظ من قبر ولا آنس من كتاب ولا أسلم من الوحدة فقيل له قد جاء في الوحدة ما جاء قال لاتفسد إلا جاهلا
وعن الفضل بن غسان عن أبيه قال رأى العمري رجلا من آل علي يمشي يخطر فأسرع إليه فأخذ بيده فقال يا هذا إن الذي أكرمك الله به لم تكن هذه مشيته قال فتركها الرجل بعد
عن أبي المنذر إسمعيل بن عمر قال سمعت أبا عبد الرحمن العمري يقول إن من غفلتك عن نفسك إعراضك عن الله بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه ولا تأمر ولا تنهي خوفا ممن لا يملك ضرا ولا نفعا
وقال سمعته يقول من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مخافة المخلوقين نزعت منه هيبة الله تعالى فلو أمر بعض ولده أو بعض مواليه لاستخف به (2/181)
وعن أبي قدامة السرخسي قال قام العمري للخليفة على الطريق فقال له فعلت وفعلت فقال له ماذا تريد قال تعمل بكذا وتعمل بكذا فقال له هارون نعم يا عم نعم يا عم
وعن سعيد بن سليمان قال كنت بمكة في زقاق الشطوى وإلى جنبي عبد الله بن عبد العزيز العمري وقد حج هارون الرشيد فقال له إنسان يا أبا عبد الرحمن هوذا أمير المؤمنين يسعى قد أخلي له المسعى قال العمري للرجل لاجزاك الله عني خيرا كلفتني أمرا كنت عنه غنيا ثم تعلق نعليه وقام فتبعه وأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا فصاح به يا هارون فلما نظر إليه قال لبيك يا عم قال إرق الصفا فلما رقيه قال إرم بطرفك إلى البيت قال قد فعلت قال كم هم قال ومن يحصيهم قال فكم في الناس مثلهم قال خلق لايحصيهم إلا الله قال إعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه وأنت وحدك تسأل عنهم كلهم فانظر كيف تكون قال فبكى هارون وجلس وجعلوا يعطونه منديلا منديلا للدموع
قال العمري وأخرى أقولها قال قل ياعم قال والله إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر عليه فكيف بمن يسرف في مال المسلمين ثم مضى وهارون يبكي (2/182)
قال محمد بن خلف سمعت محمد بن عبد الرحمن يقول بلغني أن هارون الرشيد قال إني لأحب أن أحج كل سنة مايمنعني إلا رجل من ولد عمر ثم يسمعني ما أكره
وقد روي لنا من طريق آخر أنه لقيه في المسعى فأخذ بلجام دابته فأهوت إليه الأجناد فكفهم عنه الرشيد فكلمه فإذا دموع الرشيد تسيل على معرفة دابته ثم انصرف وأنه لقيه مرة فقال ياهارون فعلت وفعلت فجعل يسمع منه ويقول مقبول منك يا عم على الرأس والعين فقال يا أمير المؤمنين من حال الناس كيت وكيت فقال عن غير علمي وأمري وخرج العمري إلى الرشيد مرة ليعظه فلما نزل الكوفة زحف العسكر حتى لو كان نزل بهم مائة ألف من العدو مازادوا على هيبته ثم رجع ولم يصل إليه
وعن أبي يحيى الزهري قال قال عبد الله بن عبد العزيز العمري عند موته بنعمة ربي أحدث أني لم أصبح أملك إلا سبعة دراهم من لحاء شجر فتلته بيدي وبنعمة ربي أحدث لو أن الدنيا أصبحت تحت قدمي مايمنعني أخذها إلا أن أزيل قدمي عنها ما أزلتها
وعن أبي إسماعيل المؤدب قال جاء رجل إلى العمري فقال عظني (2/183)
قال فأخذ حصاه من الأرض فقال زنة هذه من الورع يدخل قلبك خير لك من صلاة أهل الأرض قال زدني قال كما تحب أن يكون الله عز و جل لك غدا فكن له اليوم
أسند العمري الحديث وأدرك من التابعين أبا طوالة وروى عن أبيه وعن إبراهيم بن سعد
وتوفي بالمدينة سنة أربع وثمانين ومائة وهو إبن ست وستين سنة
191 - موسى بن جعفر بن محمد بن علي
إبن الحسين بن علي أبو الحسن الهاشمي عليهم السلام
كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل وكان كريما حليما إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال
عن الفضل بن الربيع عن أبيه أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول يا محمد فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم قال الربيع فأرسل إلي ليلا فراعني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية (2/184)
وكان أحسن الناس صوتا فقال علي بموسى بن جعفر فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ علي كذا فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي فقال والله لافعلت ذلك ولاهو من شأني قال صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة
قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق
وعن شقيق بن إبراهيم البلخي قال خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائتين فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة يعلو فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا فقلت في نفسي هذاالفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم والله لأمضين إليه ولأوبخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ثم تركني ومضى فقلت في نفسي إن هذا لأمر عظيم قد تكلم على ما في نفسي ونطق بإسمي وما هذا إلا عبد صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحالني فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني فلما نزلنا واقصة (2/185)
إذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق إتل وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم إهتدى ثم تركني ومضى فقلت إن هذا الفتى لمن الأبدال وقد تكلم على سري مرتين فلما نزلنا رمالا إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه فرئيت قد رمق السماء وسمعته يقول
أنت ريي إذا ظمئت من الما ... ء وقوتي إذا أردت الطعاما
اللهم سيدي مالي سواها فلا تعدمنيها قال شقيق فوالله لقد رأيت البئر قد إرتفع ماؤها فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء وتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام فقلت أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك فقال يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا سويق وسكر فوالله ما شربت قط ألذ منه (2/186)
ولا أطيب ريحا منه فشبعت ورويت فأقمت أياما لاأشتهي طعاما ولا شرابا ثم لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح الله ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت أسبوعا وخرج فتبعته فإذا له حاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رأيته يقرب منه من هذا الفتى فقال هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد
وعن أحمد بن إسمعيل قال بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتىنفضي جميعا إلى يوم ليس له إنقضاء يخسر فيه المبطلون
ولد موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة في سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين ومائة وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة فأقام بها إلى ايام الرشيد فقدم الرشيد المدينة فحمله معه وحبسه بغداد إلى أن توفي بها لخمس بقين من رجب في سنة ثلاث وثمانين ومائة
آخر المصطفين من المدنيين المعروفين (2/187)
ذكر المصطفين من عباد المدينة الذين لم تعرف أسماؤهم
192 - عابد من رعاة المدينة
عبد العزيز قال قال نافع خرجت مع إبن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع فقال له عبد الله هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة فقال إني صائم فقال له عبد الله في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم فقال الراعي أبادر أيامي الخالية فعجب إبن عمر وقال هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تقطر عليه وتعطيك ثمنها قال إنها ليست لي إنها لمولاي قال فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول فأين الله
قال فلم يزل إبن عمر يقول قال الراعي فأين الله فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم رحمه الله (2/188)
عابد آخر
ابن يزيد بن أسلم قال قال محمد بن المنكدر إني لليلة مواجه هذا المنبر جوف الليل أدعو إذا أنا بإنسان عند أسطوانة مقنع رأسه فأسمعه يقول أي رب إن القحط قد إشتد على عبادك وإني مقسم عليك يارب إلا سقيتهم قال فما كان إلا ساعة إذا سحابة قد أقبلت ثم أرسلها الله عز و جل وكان عزيزا على إبن المنكدر أن يخفى عليه أحد من أهل الخير فقال هذا بالمدينة ولا أعرفه فلما سلم الإمام تقنع وانصرف وأتبعه ولم يجلس للقاص حتى أتى دار أنس فدخل موضعا فأخرج مفتاحا ففتح ثم دخل قال فرجعت فلما أصبحت أتيته فإذا أنا أسمع نجرا في بيته فسلمت وقلت أدخل قال أدخل فإذا هو ينجر أقداحا يعملها فقلت كيف أصبحت أصلحك الله قال فاستشهرها وأعظمها مني فلما رأيت ذلك قلت أخي سمعت أقسامك البارحة على الله عز و جل يا أخي هل لك في نفقة تغنيك عن هذا وتفرغك لما تريد من الآخرة قال لا ولكن غيرذلك لاتذكرني لأحد ولاتذكر هذا لأحد حتى أموت ولا تأتني يا ابن المنكدر فإنك إن تأتني تشهرني للناس فقلت إني أحب أن ألقاك قال القني في المسجد وكان فارسيا قال فما ذكر ذلك إبن المنكدر لأحد حتى مات الرجل (2/189)
قال ابن وهب بلغني أنه انتقل من تلك الدار فلم ير ولم يدر أين ذهب فقال أهل تلك الدار الله بيننا وبين ابن المنكدر أخرج عنا الرجل الصالح
194 - عابد آخر
عن محمد بن المنكدر قال كانت لي سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم أجلس أصلي إليها بالليل فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا يستسقون فلم يسقوا فلما كان من الليل صليت عشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جئت فتساندت إلى ساريتي فجاء رجل أسود تعلوه صفرة متزر بكساء وعلى رقبته كساء أصغر منه فتقدم إلى السارية التي بين يدي وكنت خلفه فقام فصلى ركعتين ثم جلس فقال أي رب خرج أهل حرم نبيك يستسقون فلم تسقهم فأنا أقسم عليك لما سقيتهم
قال ابن المنكدر فقلت مجنون قال فما وضع يده حتى سمعت الرعد ثم جاءت السماء بشيء من المطر أهمني الرجوع إلى أهلي فلما سمع المطر حمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها قط قال ثم قال ومن أنا وما أنا حيث إستجبت لي ولكن عذت بحمدك وعذت بطولك ثم قام فتوشح بكسائه الذي كان متزرا به وألقى الكساء الآخر الذي كان على (2/190)
ظهره في رجليه ثم قام فلم يزل قائما يصلي حتى إذا أحسن الصبح سجد وأوتر وصلى ركعتي الصبح ثم أقيمت صلاة الصبح فدخل في الصلاة مع الناس ودخلت معه فلما سلم الإمام قام فخرج وخرجت خلفه حتى انتهى إلى باب المسجد فخرج يرفع ثوبه ويخوض الماء فخرجت خلفه رافعا ثوبي أخوض الماء فلم أدر أين ذهب
فلما كانت الليلة الثانية صليت العشاء في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جئت إلى ساريتي فتوسدت إليها وجاء فقام فتوشح بكسائه وألقى الكساء الآخر الذي كان على ظهره في رجليه وقام يصلي فلم يزل قائما حتى إذا خشي الصبح سجد ثم أوتر ثم صلى ركعتي الفجر وأقيمت الصلاة فدخل مع الناس فيالصلاة ودخلت معه فلما سلم الإمام خرج من المسجد وخرجت خلفه فجعل يمشي وأتبعه حتى دخل دارا قد عرفتها من دور المدينة ورجعت إلى المسجد
فلما طلعت الشمس وصليت خرجت حتى أتيت الدار فإذا أنا به قاعد يخرز وإذا هو إسكاف فلما رآني عرفني وقال أبا عبد الله مرحبا ألك حاجة تريد أن أعمل لك خفا فجلست فقلت ألست صاحبي بارحة الأولى فاسود وجهه وصاح بي وقال ابن المنكدر ما أنت وذاك قال وغضب قال ففرقت والله منه وقلت أخرج من عنده الآن
فلما كان في الليلة الثالثة صليت العشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم أتيت ساريتي فتساندت إليها فلم يجيء قال قلت (2/191)
إنا لله ما صنعت فلما أصبحت جلست في المسجد حتى طلعت الشمس ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتوح وإذا ليس في البيت شيء فقال لي أهل الدار يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين هذا أمس قلت ماله قالوا لما خرجت من عنده أمس بسط كساءه في وسط البيت ثم لم يدع في بيته جلدا ولاقالبا إلا وضعه في كسائه ثم حمله ثم خرج فلم ندر أين ذهب
قال محمد بن المنكدر فما تركت بالمدينة دارا أعلمها إلا طلبته فيها فلم أجده رحمه الله
195 - عابد آخر
عن محمد بن المنكدر قال جئت إلى المسجد فإذا أنا برجل عند المنبر يدعو بالمطر فجاء المطر بصوت ورعد فقال يا رب ليس هكذا قال فمطرت قال فتبعته حتى دخل دار آل حزم أو دار آل عمر فعرفت مكانه فجئته من الغد فعرضت عليه شيئا فأبى وقال لاحاجة لي بهذا فقلت حج معي فقال هذا شيء لك فيه أجر فأكره أن أنفس عليك فأما شيء آخذة فلا (2/192)
169 - عابد آخر
عن محمد بن سويد أن أهل المدينة قحطوا وكان فيها رجل صالح لازما لمسجد النبيA فبينما هم في دعائهم إذ أنا برجل عليه طمران خلقان فصلى ركعتين أوجز فيهما ثم بسط يديه إلى الله تعالى فقال يا رب أقسمت عليك إلا أمطرت علينا الساعة فلم يرد يده ولم يقطع دعاءه حتى تغشت بالغيوم ومطروا حتى صاح أهل المدينة الغرق فقال يا رب إن كنت تعلم أنهم قد إكتفوا فارفع عنهم فسكن وتبع الرجل صاحب المطر حتى عرف موضعه ثم بكر عليه فنادى يا أهل البيت فخرج الرجل فقال قد أتيتك في حاجة قال وما هي قال تخصني بدعوة فقال سبحان الله أنت أنت وتسألني أنأخصك بدعوة مالذي بلغك ما رأيت عني فأخبره فقال ورأيتني قال نعم قال أطعت الله فيما أمرني ونهاني وسألته فأعطاني
197 - عابد علوى من أهل المدينة
عن أبي عامر الواعظ قال بينا أنا جالس في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ جاءني غلام أسود برقعة فقرأتها فإذا فيها مكتوب (2/193)
بسم الله الرحمن الرحيم متعك الله بمسامرة الفكرة ونعمك بمؤانسة العبرة وأفردك بحب الخلوة يا أبا عامر أنا رجل من إخوانك بلغني قدومك المدينة فسررت بذلك وأحببت زيارتك وبي من الشوق إلى مجالستك والإستماع إلى محادثتك مالو كان فوقي لأظلني ولو كان تحتي لأقلني فسألتك بالذي حباك بالبلاغة لما ألحفتني جناح التوصل بزيارتك والسلام
قال أبو عامر فقمت مع الرسول حتى أتى بي إلى قباء فأدخلني منزلا رحبا خربا فقال لي قف هاهنا حتى استأذن لك فوقفت فخرج فقال لي لج فدخلت عليه فإذا ببيت مفرد في الخربة له باب من جريد النخل وإذا بكهل قاعد مستقبل القبلة تخاله من الوله مكروبا ومن الخشية محزوبا قد ظهرت في وجهه أحزانه وذهبت من البكاء عيناه ومرضت أجفانه فسلمت عليه فرد علي السلام ثم تحلل فإذا هو أعمى أعرج مسقام فقال لي يا أبا عامر غسل الله من ران الذنوب قلبك لم يزل قلبي إليك تواقا وإلى إستماع الموعظة منك مشتاقا وبي جرح نغل قد أعيا الواعظين دواؤه وأعجز المتطببين شفاؤه وقد وصف لي نفع مراهمك للجراح (2/194)
والألم فلا تأل يرحمك الله في إيقاع الترياق وإن كان مر المذاق فإني ممن يصبر على ألم الدواء رجاء الشفاء
قال أبو عامر فنظرت إلى منظر بهرني وسمعت كلاما قطعني فأفكرت طويلا ثم تأتي لي من كلامي ما تأتى وسهل من صعوبته مامنه رق لي فقلت يا شيخ إرم ببصر قلبك في ملكوت السماء وأجل سمع معرفتك في سكان الأرجاء فتنقل بحقيقة إيمانك إلى جنة المأوى فترى ما أعد الله فيها للأولياء ثم تشرف على نار لظى فترى ما أعد الله للأشقياء فشتان ما بين الدارين أليس الفريقان في الأموات سواء
قال أبو عامر فأن أنة وصاح صيحة وزفر والتوى وقال الله يا أبا عامر وقع دواؤك علي دائي وأرجو أن يكون عندك شفائي زدني يرحمك الله قال فقلت يا شيخ الله عالم بسريرتك مطلع علي حقيقتك شاهدك في خلوتك بعينه كنت عند إستتارك من خلقه ومبارزته قال فصاح صيحة كصيحته الأولى ثم قال من لفقري من لفاقتي من لذنبي من لخطيئتي أنت لي يا مولاي وإليك منقلبي ثم خر ميتا رحمه الله
قال أبو عامر فأسقط في يدي وقلت ماذا جنيت على نفسي إذ (2/195)
خرجت على جارية عليها مدرعة من صوف وخمار من صوف قد ذهب السجود بجبهتها وأنفها واصفر لطول القيام لونها وتورمت قدماها فقالت أحسنت والله يا حادي قلوب العارفين ومثير أشجان غليل المحزونين لانسى لك هذا المقام رب العالمين ياأبا عامر هذا الشيخ والدي مبتلي بالسقم منذ عشر سنين صلى حتى أقعد وبكى حتى عممت وكان يتمناك على الله ويقول حضرت مجلس أبي عامر البناني فأحيا موات فكري وطرد وسن نومي وإن سمعته ثانيا قتلني فجزاك الله من واعظ ومتعك من حكمتك بما أعطاك
ثم أكبت على أبيها تقبل عينيه وتبكي وتقول يا أبي يا أبتاه يا من أعماه البكاء على ذنبه يا أبي يا أبتاه يا من قتله ذكر وعيد ربه ثم علا البكاء والنحيب والإستغفار والدعاء وجعلت تقول يا أبي يا أبتاه يا حليف الحرقة والبكاء يا أبي يا أبتاه يا جليس الإبتهال والدعاء يا أبي يا أبتاه يا صريع المذكرين والخطباء ياأبي يا أبتاه يا قتيل الوعاظ والحكماء
قال أبو عامر فأجبتها وقلت أيها الباكية الحيرى النادبة الثكلى إن أباك نحبه قد قضى وورد دار الجزاء وعاين كل ما عمل وعليه يحصى في كتاب عند ربي لايضل ربي ولاينسى فمحسن فله الزلفى أو مسيء فوارد دار من أساء (2/196)
فصاحت الجارية كصيحة أبيها وجعلت ترشح عرقا وخرجت مبادرا إلى مسجد المصطفى محمد صلى الله عليه و سلم وفزعت إلى الصلاة والدعاء والإستغفار والتضرع والبكاء حتى كان عند العصر فجاءني الغلام الأسود فآذنني بجنازتهما فقلت أحضر الصلاة عليهما ودفنهما فحضرت وسألت عنهما فقيل لي من ولد الحسين بن علي بن أبي طالب
قال أبو عامر فما زلت جزعا مما حنيت حتى رأيتهما في المنام عليهما حلتان خضراوان فقلت مرحبا بكما وأهلا فما زلت حذرا مما وعظتكما به فماذا صنع الله بكما فقال الشيخ
أنت شريكي في الذي نلته ... مستا هلا ذاك أبا عامر
وكل من أيقظ ذا غفلة ... فنصف مايعطاه للآمر
من رد عبدا آبقا مذنبا ... كان كمن قد راقب القاهر
وإجتمعا في دار عدن وفي ... جوار رب سيد غافر
198 - عابد آخر
عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وكان مصعب يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ويصوم الدهر قال بت ليلة في المسجد بعد ما خرج الناس منه فإذا برجل قد جاء إلى بيت النبي صلى الله عليه و سلم فأسند (2/197)
ظهره إلى الجدار فقال اللهم إنك تعلم أني كنت أمس صائما ثم أمسيت فلم أفطر على شيء اللهم فإني أمسيت أشتهي الثريد فأطعمنيه من عندك قال فنظرت إلى وصيف داخل من خوخة المنارة ليس في خلقه وصفاء الناس ومعه قصعة فأهوى بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وجعل الرجل يأكل وحصبني فقال هلم فجئته وظننت أنها من الجنة فأحببت أن آكل منها فأكلت منها لقمة فأكلت طعاما لايشبه طعام أهل الدنيا ثم احتشمت فقمت فرجعت لمجلس فلما فرغ من أكله أخذ الوصف القصعة ثم أهوى راجعا من حيث جاء وقام الرجل منصرفا فتبعته لأعرفه فلا أدري أين سلك فظننته الخضر عليه السلام (2/198)
ومن عقلاء المجانين بالمدينة
199 - أبو نصر المصاب
عن محمد بن إسمعيل بن أبي فديك قال كان عندنا رجل مجنون يكنى أبا نصر من جهينة ذاهب العقل في غير ما الناس فيه لايتكلم حتى يكلم وكان يجلس مع أهل الصفة في آخر مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم وكان إذا سئل عن شيء أجاب فيه جوابا حسنا معجبا فأتيته يوما وهو في آخر المسجد مع أهل الصفة منكسا رأسه واضعا جبهته بين ركبتيه فجلست إلى جنبه فحركته فانتبه فزعا فأعطيته شيئا كان معي فأخذه وقال قد صادف منا حاجة فقلت له يا أبا نصر ما الشرف قال حمل ما ناب العشيرة أدناها وأقصاها والقبول من محسنها والتجاوز عن مسيئها قلت له فما المروءة قال إطعام الطعام وإفشاء السلام وتوقي الأدناس قلت له فما السخاء قال جهد مقل قلت له فما البخل قال أف وحول وجهه عني فقلت تجيبني قال قد أجبتك
قال وقدم علينا هارون فأخلى له المسجد فوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى منبره وفي موقف جبر عليه السلام واعتنق أسطوانة التوبة ثم قال قفوا بي على أصحاب الصفة فلما أتاهم حرك أبو نصر وقيل هذا أمير المؤمنين فرفع رأسه وقال أيها الرجل إنه ليس بين عباد (2/199)
الله وأمة نبيه صلى الله عليه و سلم ورعيتك وبين الله خلق غيرك وإن الله سائلك عنهم فأعد للمسأله جوابا وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لو ضاعت سخلة على شاطىء الفرات لخاف عمر أن يسأله الله عنها فبكى هارون وقال يا أبا نصر إن رعيتي ودهري على غير رعية عمر ودهره فقال له هذا والله غير مغن عنك فانظر لنفسك فإنك وعمر تسألان عما خولكما الله
فدعا هارون بصرة فيها ثلاث مائة دينار وقال ادفعوها إلى أبي نصر فقال أبو نصر ما أنا إلا رجل من أهل الصفة فادفعوها إلى فلان يفرقها عليهم ويجعلني رجلا منهم
وكان أبو نصر يخرج في كل يوم جمعة صلاة الغداة فيدخل السوق مما يلي الثنية فلا يزال يقف على مربعة مربعة ويقول أيها الناس اتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة إن العبد إذا مات صحبه أهله وماله وعمله فإذا أوضع في قبره رجع أهله وماله وبقي عمله فاختاروا لأنفسكم ما يؤنسكم في قبوركم رحمكم الله ثم لا يزال كذلك مربعة مربعة حتى يأتي مصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يمضي إلى الجمعة فلا يخرج من المسجد حتى يصلي العشاء الأخيرة رحمه الله (2/200)
ذكر المصطفيات من عابدات المدينة
200 - فمن المعروفات مليكة بنت المنكدر
عن موسى بن عبد الملك أبو عبد الرحمن المروزي قال قال مالك بن دينار بينا أنا أطوف بالبيت إذا أنا بإمرأة جهيرة في الحجر وهي تقول أتيتك من شقة بعيدة مؤملة لمعروفك فأنلني معروفا من معروفك تغنيني به عن معروف من سواك يامعروفا بالمعروف فعرفت أيوب السختياني فسألنا عن منزلها وقصدناها وسلمنا عليها فقال لها أيوب قولي خيرا يرحمك الله قالت وما أقول أشكو إلى الله قلبي وهواي فقد أضرابي وشغلاني عن عبادة ربي قوما فإني أبادر طي صحيفتي
قال أيوب فما حدثت نفسي بإمرأة قبلها فقلت لها لو تزوجت رجلا كان يعينك على ما أنت عليه قالت لو كان مالك بن دينار أو أيوب السختياني ما أردته فقلت أنا مالك ابن دينار وهذا أيوب السختياني فقالت أف لقد ظننت أنه يشغلكما ذكر الله عن محادثة النساء وأقبلت على صلاتها فسألنا عنها فقالوا هذه مليكة بنت المنكدر
وعن أبي خالد البراد قال كلمنا إبنة المنكدر في تخفيف بعض العبادة فقالت دعوني أبادرطي صحيفتي رحمها الله (2/201)
201 - فاطمة بنت محمد بن المنكدر
عن إبراهيم بن مسلم القرشي قال كانت فاطمة بنت محمد بن المنكدر تكون نهارها صائمة فإذا جنها الليل تنادي بصوت حزين هدأ الليل واختلط الظلام وأوى كل حبيب إلى حبيبه وخلوتي بك أيها المحبوب أن تعتقني من النار رحمها الله (2/202)
ومن المجهولات الأسماء
202 - إمرأة كانت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده أسلم قال بينا أنا مع عمر بن الخطاب وهو يعس المدينة إذ أعيا واتكأ على جانب جدار في جوف الليل وإذا إمرأة تقول لإبنتها يا ابنتاه قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء فقالت لها يا أمتاه وما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم قالت وما كان من عزمته يابنية قالت إنه أمر مناديا فنادى ألا يشاب اللبن بالماء فقالت لها يا بنية قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء فإنك بموضع لايراك عمر ولامنادى عمر فقالت الصبية لأمها يا أمتاه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء
وعمر يسمع كل ذلك فقال ياأسلم علم الباب واعرف الموضع ثم مضى في عسسه حتى أصبح فلما أصبح قال يا أسلم إمض إلى الموضع فانظر من القائلة ومن المقول لها وهل لهم من بعل فأتيت الموضع فنظرت فإذا الجارية أيم لابعل لها وإذا تيك أمها وإذ ليس لهم رجل (2/203)
فأتيت عمر بن الخطاب فأخبرته فدعا عمر ولده فجمعهم فقال هل فيكم من يحتاج إلى امرأة أزوجه ولو كان بأبيكم حركة إلى النساء ما سبقه منكم أحد إلى هذه المرأة فقال عبد الله لي زوجة وقال عبد الرحمن لي زوجة وقال عاصم يا أبتاه لازوجة لي فزوجني فبعث إلى الجارية فزوجها من عاصم فولدت لعاصم بنتا وولدت البنت بنتا وولدت الإبنة عمر بن عبد العزيز
قال الشيخ كذا وقع في رواية الآجري وهو غلط ولا أدري من أي الرواة وإنما الصواب فولدت لعاصم بنتا وولدت البنت عمر بن عبد العزيز كذلك نسبة العلماء
203 - عابدة أخرى
عن عبد الله بن المبارك أن إمرأة قالت لعائشة إكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه و سلم فكشفت لها عنه فبكت حتى ماتت
204 - عابدة أخرى
عن إبراهيم بن عبد الله المديني قال حدثني أصحابنا أن إمرأة كانت بالمدينة ترهق فدخلت المقابر ذات يوم فإذا هي بجمجمة قد بدت (2/204)
قال فصرخت ثم رجعت منيبة فدخل عليها نساؤها فقلن ما هذا فقلت
بكى قلبي لذكر الموت لما ... رأيت جماجما جوف القبور
ثم قالت أخرجن عني فلا تأتيني منكن إمرأة ترغب في خدمة الله تعالى
ثم أقبلت على العبادة حتى ماتت على ذلك
205 - عابدة أخرى
عن أبي أيوب رجل من قريش أن إمرأة من أهله كانت تجتهد في العبادة وتديم الصيام وتطيل القيام فأتاها الملعون فقال إلى كم تعذبين هذا الجسم وهذه الروح لو أفطرت وقصرت عن الصيام والقيام كان أدوم لك وأقوى قالت فلم يزل يوسوس لي حتى هممت والله بالتقصير قالت ثم دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم معتصمة بقبره وذلك بين المغرب والعشاء فحمدت الله وصليت على رسوله ثم ذكرت ما نزل بي من وسواس الشيطان وإستغفرت وجعلت أدعو الله أن يصرف عني كيده ووساوسه قالت فسمت صوتا من ناحية القبر يقول إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير قالت فرجعت مذعورة وجلة القلب فوالله ماعاودتني تلك الوسوسة بعد تلك الليلة (2/205)
206 - عابدتان مدنيتان
بلغنا عن عبد الله بن أخت مسلم بن سعد أنه قال أردت الحج فدفع إلى خالي مسلم عشرة آلاف درهم وقال لي إذا قدمت المدينة فانظر أفقر أهل بيت بالمدينة فأعطهم إياها فلما دخلت سألت عن أفقر أهل بيت بالمدينة فدللت على أهل بيت فطرقت الباب فأجابتني امرأة من أنت فقلت أنا رجل من أهل بغداد أودعت عشرة آلاف وأمرت أن أسلمها إلى أفقر أهل بيت بالمدينة وقد وصفهم لي فخذوها فقالت يا عبد الله إن صاحبك اشترط أفقر أهل بيت وهؤلاء الذين بازائنا أفقر منا فتركتهم وأتيت أولئك فطرقت الباب فأجابتني امرأة فقلت لها مثل الذي قلت لتلك المرأة فقالت يا عبد الله نحن وجيراننا في الفقر سواء فاقسمها بيننا وبينهم
إنتهى ذكر أهل المدينة (2/206)
ذكر المصطفين من طبقات أهل مكة من التابعين ومن بعدهم فمن الطبقة الأولى
عبيد بن عمير بن قتادة الليثي
يكنى أبا عاصم
عن مجاهد قال كنا نفتخر بفقيهنا وقاضينا فأما فقيهنا فإبن عباس وأما قاضينا فعبيد بن عمير
وعنه عن عبيد بن عمير قال إن أعظمكم هذا الليل أن تكابدوه وبخلتم بالمال أن تنفقوه جبنتم عن العدو أن تقاتلوه فأكثروا من ذكر الله عز و جل
وعنه عن عبيد بن عمير قال ما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيما مضى
وعن قيس بن سعد عن عبيد بن عمير قال إن أهل ليتلقون الميت يتلقى الراكب يسألونه فإذا سألوه ما فعل فلان فمن كان قد مات يقول ألم يأتكم فيقولون إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية
أسند عبيد بن عمير عن أبي ابن كعب وأبي ذر وأبي قتادة وعبد الله (2/207)
ابن عمر وعبد الله إبن عمرو وأبي هريرة وإبن عباس وعائشة في جماعة من الصحابة
وروى عنه من كبار التابعين مجاهد وعطاء وأبو حازم في آخرين رحمه الله ومن الطبقة الثانية
208 - مجاهد بن جبير يكنى أبا الحجاج
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم هو مولى عبد الله بن السالب بن أبي السائب المخزومي ويقال مولى زيد بن الحارث المخزومي
عن الأعمش قال كنت إذا رأيت مجاهدا ظننت أنه خر بندج ضل حماره فهو مهتم
وعن ليث عن مجاهد قال من أعز نفسه أذل دينه ومن أذل نفسه أعز دينه
وعنه عن مجاهد قال إن الله عز و جل ليصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده (2/208)
وعنه عن مجاهد قال إن العبد إذا أقبل إلى الله عز و جل بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه
وعنه عن مجاهد قال لاتحد النظر إلى أخيك ولاتسأله من أين جئت وأين تذهب
وعنه عن مجاهد قال كانوا يكتفون من الكلام باليسير
عن محمد بن إسحاق بن أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت القرآن على إبن عباس ثلاث عرضات أقفه على كل آية أسأله كيف أنزلت وكيف كانت
وعن خالد بن زيد عن مجاهد قال إن القرآن يقول إني معك ما اتبعتني فإذا لم تعمل بي اتبعتك
وعن مجاهد قال إن لبني آدم جلساء من الملائكة فإذا ذكر الرجل أخاه المسلم بخير قالت الملائكة ولك بمثله وإذا ذكره بسوء قالت الملائكة إبن آدم المستور عورته اربع على نفسك واحمد الله الذي ستر عورتك
وعن عمر بن ذر قال قال مجاهد ما من مرض يمرضه العبد إلا ورسول ملك الموت عنده حتى إذا كان آخر مرض يمرضه العبد أتاه ملك الموت فقال أتاك رسول بعد رسول فلم تعبأ به وقد أتاك رسول يقطع أثرك من الدنيا (2/209)
وعن مجاهد قال يؤمر بالعبد إلى النار يوم القيامة فيقول ما كان هذا ظني فيقال ما كان ظنك فيقول أن تغفر لي فيقول خلوا سبيله
وعن الأعمش عن مجاهد قال كان بالمدينة أهل بيت ذوو حاجة عندهم رأس شاة فأصابوا شيئا فقالوا لو بعثنا هذا الرأس إلى من هو أحوج إليه منا قال فبعثوا به فلم يزل يدور بالمدينة حتى رجع إلى أصحابه الذين خرج من عندهم
وعنه قال كنا عند مجاهد فقال القلب هكذا وبسط كفه فإذا أذنب الرجل ذنبا قال هكذا وعقد واحدا ثم أذنب وعقد اثنين ثم ثلاثا ثم أربعا ثم رد الإبهام على الأصابع في الذنب الخامس ثم يطبع على قلبه
قال مجاهد فأيكم يرى أنه لم يطبع على قلبه
وعن عمر بن ذر عن مجاهد قال إذا أراد أحدكم أن ينام فليستقبل القبلة ولينم على يمينه وليذكر الله وليكن آخر كلامه عند منامه لا إله إلا الله فإنها وفاء لا يدري لعلها تكون منيته ثم قرأ وهو الذي يتوفاكم بالليل (2/210)
أسند مجاهد بم ن إبن عباس وإبن عمر وإبن عمرو وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة ورافع بن خديج في آخرين وحدث عن عائشة إلا أن حديثه عنها مرسل لأنه لم يسمع منها
وحدث عنه من أعلام التابعين عطاء وطاوس وعكرمة في خلق كثير
ذكر وفاته
قال الفضل بن دكين مات مجاهد سنة اثنتين ومائة يوم السبت وهو ساجد وقال يوسف بن سليمان توفي مجاهد بمكة سنة ثلاث ومائة
وعن يحيى بن سعيد قال مات مجاهد سنة أربع ومائة وقال إبن جريج بلغ مجاهد يوم مات ثلاثا وثمانين سنة رحمه الله تعالى
209 - عطاء بن أبي رباح
واسم أبي رباح أسلم وكان عطاء من مولدي الجند نشأ بمكة وهو مولى آل أبي ميسرة الفهري وكان عطاء يكنى أبا محمد
عن أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل قال العلم خزائن يقسم الله لمن أحب لو كان يخص بالعلم أحد لكان بيت النبي صلى الله عليه و سلم أولى كان عطاء بن أبي رباح حبشيا وكان يزيد بن أبي حبيب نوبيا أسود وكان الحسن مولى للأنصار وكان إبن سيرين مولى للأنصار (2/211)
وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي كان عطاء بن أبي رباح عبدا أسود لامرأة من أهل مكة وكان أنفه كأنه باقلاة قال وجاء سليمان إبن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه فجلسوا إليه وهو يصلى فلما صلى انفتل إليهم فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج وقد حول قفاه إليهم ثم قال سليمان لابنيه قوما فقاما فقال يا ابني لاتنيا في طلب العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود
وعن أحمد بن محمد قال كانت الحلقة في الفتيا بمكة في المسجد الحرام لابن عباس وبعد إبن عباس لعطاء بن أبي رباح
وعن سلمة بن كهيل قال ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله عز و جل غير هؤلاء الثلاثة عطاء وطاوس ومجاهد
وعن إبن جريج قال كان المسجد فراش عطاء بن أبي رباح عشرين سنة وعن عمر بن ذر قال ما رأيت مثل عطاء قط وما رأيت على عطاء قميصا قط ولا رأيت عليه ثوبا يساوي خمسة دراهم
وعن اسمعيل بن أمية قال كان عطاء يطيل الصمت فإذا تكلم يخيل إلينا أنه يؤيد وعن عمرو بن سعيد عن أمه قالت قدم إبن عمر مكة فسألوه فقال أتجمعون لي يا أهل مكة المسائل وفيكم إبن أبي رباح (2/212)
وعن عبد الله بن إبراهيم بن عمرو بن كيسان قال أخبرني أبي قال أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحا يصيح لا يفتى الناس إلا عطاء بن أبي رباح فإن لم يكن عطاء فعبد الله بن أبي نجيح وعن الأوزاعي قال ما رأيت أحدا أخشع لله من عطاء ولا أطول حزنا من يحيى إبن أبي كثير
وعن يعلى بن عبيد قال دخلنا على محمد بن سوقة فقال أحدثكم بحديث لعله أن ينفعكم فإنه قد نفعني ثم قال قال لنا عطاء بن أبي رباح يا بني أخي إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدون فضوله ما عدا كتاب الله عز و جل أن تقرأه وتأمر بمعروف أو تنهى عن منكر أو تنطق بحاجتك في معيشك التي لا بدلك منها أتنكرون أن عليكم حافظين كراما كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد أما يستحيى أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أمل صدر نهاره فإن أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه
وعن إبن جريج قال كان عطاء بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من البقرة وهو قائم ما يزول منه شيء ولا يتحرك
وعن إبن عيينة قال قلت لابن جريج ما رأيت مصليا مثلك قال لو رأيت عطاء (2/213)
وعن معاذ بن سعيد قال كنا عند عطاء بن أبي رباح فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه فقال عطاء سبحان الله ما هذه الأخلاق ما هذه الأخلاق إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم منه به فأريه أني لا أحسن منه شيئا وعن عثمان بن الأسود قال قلت لعطاء الرجل يمر بالقوم فيقذفه بعضهم أيخبره قال لا المجالس بالأمانة
وعن إبن أبي ليلى قال حج عطاء سبعين حجة وعاش مائة سنة أسند عطاء عن إبن عمرو إبن عمرو وأبي سعيد وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وإبن عباس وإبن الزبير في آخرين من الصحابة
وروى عنه جماعة من التابعين كعمرو بن دينار والزهري وقتادة وأيوب في آخرين
ومات عطاء بمكة في سنة خمس عشرة ومائة وقيل سنة أربع عشرة وهو إبن ثمان وثمانين سنة رحمه الله
210 - عبد الله بن عيد بن عمير
وكان من أفصح أهل مكة
عن هارون البربري عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال الآيمان قائد والعمل سائق والنفس حرون فإذا ونى قائدها لم تستقم لسائقها وإذا ونى (2/214)
سائقها لم تستقم لقائدها ولا يصلح هذا إلا مع هذا حتى تقوم على الخير الإيمان بالله مع العمل لله والعمل لله مع الآيمان بالله
وعن الوصافي عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال لا ينبغي لمن أخذ بالتقوى وزن بالورع أن يذل لصاحب الدنيا
وعن وهب بن جرير قال أنبأ أبي قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول بعث سليمان بن داود إلى مارد من مردة الجن فأتي به فلما كان على باب سليمان أخذ عودا وذرعه بذراعه ثم رمى به من وراء الحائط فوقع بين يدي سليمان فقال ما هذا فأخبر بما صنع المارد فقال أتدرون ما أراد قالوا لا قال يقول أصنع ما شئت فإنك تصير إلى مثل هذا من الأرض أسند عبد الله عن أبيه وغيره وتوفي سنة ثلاث عشرة ومائة بمكة وكان صالحا (2/215)
ومن الطبقة الثالثة من أهل مكة
211 - عبد الملك بن عبد العزيز إبن جريج مولى أمية بن خالد
يكنى أبا الوليد
عن عبد الرزاق قال كنت إذا رأيت إبن جريج علمت أنه يخشى الله وما رأيت مصليا مثله قط
وعنه قال أهل مكة يقولون أخذ إبن جريج الصلاة من عطاء وأخذها عطاء من إبن الزبير وأخذها إبن الزبير من أبي بكر الصديق وأخذها أبو بكر من النبي صلى الله عليه و سلم
قال عبد الرزاق وكان إبن جريج حسن الصلاة وعن مالك بن أنس قال كان إبن جريج صاحب ليل
سمع إبن جريج من طاوس مسألة واحدة ومن مجاهد حرفين من القرآن وسمع كثير من عطاء بن أبي رباح
وكان عطاء يقول هو سيد شباب أهل الحجاز وسمع من عمرو بن دينار وأبي الزبير وإبن المنكدر ونافع والزهري في خلق كثير وقيل أنه أول من صنف الكتب (2/216)
وتوفي سنة خمسين وقيل إحدى وخمسين ومائة وقيل تسع وأربعين رحمه الله تعالى
212 - محمد بن طارق المكي
روى عن طاوس وروى عنه الثوري
عن محمد بن فضيل قال رأيت إبن طارق في الطواف قد إنفرج له أهل الطواف عليه نعلان مطرقتان فحزروا طوافه في ذلك الزمان فإذا هو يطوف في اليوم والليلة عشرة فراسخ
وعنه قال سمعت إبن شبرمة يقول
لو شئت كنت ككرز في تعبده ... أو كإبن طارق حول البيت والحرم
قد حاول دون لذيذ العيش خوفهما ... وسارع في طلاب الفوز والكرم
قال وكان محمد بن طارق يطوف في اليوم والليلة سبعين اسبوعا وكان كرز يختم القرآن في كل يوم وليلة ثلاث ختمات
وعن إبن شبرمة قال لو اكتفى أحد بالتراب كفى إبن طارق كف من تراب رحمه الله (2/217)
213 - عثمان بن أبي دهرش المكي
يروى عن رجل من آل الحكم عن النبي صلى الله عليه و سلم روى عنه إبن عيينة عن عبد الله بن المبارك عن عثمان بن أبي دهرش أنه كان إذا رأى الفجر قد أقبل عليه تنبه وقال أصير الآن مع الناس ولا أدري ما أجني على نفسي
وقال عثمان بن أبي دهرش ما صليت صلاة قط إلا استغفرت الله تعالى من تقصيري فيها
214 - وهيب بن الورد بن أبي الورد
مولى بني مخزوم يكنى أبا أمية وقيل أبا عثمان وكان اسمه عبد الوهاب فصغر فقيل وهيب
عن سفيان بن عيينة عن وهيب بن الورد قال بينا أنا واقف في بطن الوادي إذا أنا برجل قد أخذ بمنكبي فقال يا وهيب خف الله لقدرته عليك واستحى منه لقربه منك قال فالتفت فلم أر أحدا
وعن بشر بن الحارث قال أربعة رفعهم الله بطيب المطعم وهيب بن الورد وإبراهيم بن أدهم ويوسف بن أسباط وسالم الخواص
وعن زهير بن عباد قال كان فضيل بن عياض ووهيب بن الورد وعبد الله بن المبارك جلوسا فذكروا الرطب فقال وهيب أو قد جاء (2/218)
الرطب فقال عبد الله إبن المبارك رحمك الله هذا آخره أو لم تأكله قال لا قال ولم قال وهيب بلغني أن عامة أجنة مكة من الصوافى والقطائع فكرهتها فقال عبد الله بن المبارك يرحمك الله أو ليس قد رخص في الشرى من السوق إذا لم تعرف الصوافى والقطائع منه وإلا ضاق على الناس خبزهم أو ليس عامة ما يأتي من قمح مصر إنما هو من الصوافى والقطائع ولا أحسبك تستغني عن القمح فسهل عليك قال فصعق
قال فضيل لعبد الله ما صنعت بالرجل فقال إبن المبارك ما علمت أن كل هذا الخوف قد أعطيه فلما أفاق وهيب قال يا إبن المبارك دعني من ترخيصك لا جرم لا آكل من القمح إلا كما يأكل المضطر من الميتة
فزعموا أنه نحل جسمه حتى مات هزلا
أبو بكر المروزي قال قال قادم الديلمي قيل لوهيب بن الورد ألا تشرب من زمزم قال بأي دلو
قال شعيب بن حرب ما احتملوا لأحد ما احتملوا لوهيب كان يشرب بدلوه
وعن أحمد بن عبيد بن ناصح قال قال يوسف بن أسباط عن (2/219)
القعقاع بن عمارة عن وهيب المكي قال يقول الله عز و جل وعزتي وجلالي وعظمتي ما من عبد آثر هواي على هواه إلا أقللت همومه وجمعت عليه ضيعته ونزعت الفقر من قلبه وجعلت الغنى بين عينيه واتجرت له من وراء كل تاجر وعزتي وعظمتي وجلالي ما من عبد آثر هواه على هواي إلا كثرت همومه وفرقت عليه ضيعته ونزعت الغنى من قلبه وجعلت الفقر بين عينيه ثم لم أبال في أي أوديتها هلك
وقال عبد الرحمن العراقي قال وهيب بن الورد خالطت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي ذنبا فيما بيني وبينه ولا وصلني إذا قطعته ولا ستر علي عورة ولا أمنته إذا غضب فالاشتعال بهؤلاء حمق كبير
وكان سفيان الثوري إذا حدث الناس في المسجد الحرام وفرغ قال قوموا إلى الطبيب يعني وهيبا
وعن إبن المبارك قال ما جلست إلى أحد كان أنفع لي مجالسة من وهيب كان لا يأكل من الفواكه وكان إذا انقضت السنة وذهبت الفواكه يكشف عن بطنه وينظر إليه ويقول يا وهيب ما أرى بك بأسا ما أرى تركك الفواكه ضرك شيئا (2/220)
وعن محمد بن مزاحم عن وهيب بن الورد قال وجدت العزلة اللسان
وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال وهيب بن الورد كان يقال الحكمة عشرة أجزاء فتسعة منها في الصمت والعاشرة عزلة الناس قال فعالجت نفسي على الصمت فلم أجدني أضبط كل ما أريد منه فرأيت أن هذه الأجزاء العشرة عزلة الناس
وعن إبن أبي رواد قال انتهيت إلى رجل ساجد خلف المقام في ليلة باردة مطيرة يدعو ويبكي فطفت أسبوعا ثم عدت فوجدته على حاله فقمت قريبا منه الليل كله فلما أدبر الليل سمعت هاتفا يقول يا وهيب إبن الورد ارفع رأسك فقد غفر لك قال فلم أر شيئا فلما برق الصبح رفع رأسه ومضى فاتبعته فقلت أو ما سمعت الصوت فقال وأي صوت فأخبرته فقال لا تخبر به أحدا فما حدثت به أحدا حتى مات وهيب
وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال وهيب عجبا للعالم كيف تجيبه دواعي قلبه إلى إرتياح الضحك وقد علم أن له في القيامة روعات ووقفات وفزعات ثم غشي عليه (2/221)
وعنه قال كانوا يرون الرؤيا لوهيب أنه من أهل الجنة فإذا أخبر بها اشتد بكاؤه وقال قد خشيت أن يكون هذا من الشيطان
وعنه قال حلف وهيب بن الورد ألا يراه الله ضاحكا ولا أحد من خلقه حتى يعلم ما يأتي به رسل ربه قال فسمعوه عند الموت يقول وفيت لي ولم أف لك
وعن عبد الرزاق قال سمعت وهيب بن الورد يقول من عد كلامه من عمله قل كلامه
وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال وهيب بن الورد لو أن علماءنا عفا الله عنا وعنهم نصحوا لله في عباده فقالوا يا عباد الله اسمعوا ما نخبركم عن نبيكم صلى الله عليه و سلم وصالح سلفكم من الزهد في الدنيا فاعملوا به ولا تنظروا إلى أعمالنا هذه الفسلة كانوا قد نصحوا لله في عباده ولكنهم يأبون إلا أن يجروا عباد الله إلى فتنتهم وما هم فيه
وعن عبد الله بن المبارك قال قيل لوهيب بن الورد أيجد طعم العبادة من يعصي الله قال لا ولا من يهم بالمعصية (2/222)
وعن جرير بن حازم عن وهيب قال بلغني أن موسى عليه السلام قال يا رب أخبرني عن آية رضاك عن عبدك فأوحى الله تعالى إليه إذا رأيتني أهيء له طاعتي وأصرفه عن معصيتي فذاك آية رضاي عنه
وعن محمد بن يزيد قال سمعت وهيبا يقول ضرب لعلماء السوء مثل فقيل إنما مثل عالم السوء كمثل الحجر في الساقية فلا هو يشرب الماء ولا هو يخلى الماء إلى الشجر فيحيا به
وعنه عن وهيب قال بلغنا أن عيسى عليه السلام مر هو ورجل من حوارييه بلص في قلعة له فلما رآهما اللص ألقى الله في قلبه التوبة قال فقال في نفسه هذا عيسى بن مريم عليه السلام روح الله وكلمته وهذا فلان حواريه ومن أنت يا شقي لص بني اسرائيل قطعت الطريق وأخذت الأموال وسفكت الدماء ثم هبط إليهما تائبا نادما على ما كان منه
فلما لحقهما قال لنفسه تريد أن تمشي معهما لست لذلك بأهل امش خلفهما كما يمشي الخطاء المذنب مثلك قال فالتفت إليه الحوارى فعرفه فقال في نفسه انظر إلى هذا الخبيث الشقي ومشيه وراءنا قال فاطلع الله على ما في قلوبهما من ندامته وتوبته ومن ازدراء الحوارى إياه وتفضيله نفسه عليه
قال فأوحى الله عز و جل إلى عيسى بن مريم أن مر الحوارى ولص (2/223)
بني إسرائيل أن يأتنفا العمل جميعا أما اللص فقد غفرت له ما قد مضى لندامته وتوبته وأما الحوارى فقد حبط عمله لعجبه بنفسه وازدرائه هذا التواب
قال وهيب وبلغنا أن الخبيث إبليس تبدى ليحيى بن زكريا عليهما السلام فقال له إني أريد أن أنصحك قال كذبت أنت لا تنصحني ولكن أخبرني عن بني آدم قال هم عندنا على ثلاثة أصناف أما صنف منهم فهم أشد الأصناف علينا نقبل حتى نفتنه ونستمكن منه ثم يفزع إلى الاستغفار والتوبة فيفسد علينا كل شيء أدركنا منه ثم نعود له فيعود فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك منه حاجتنا فنحن من ذلك في عناء
وأما الصنف الآخر فهم بين أيدينا بمنزلة الكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا فقد كفونا أنفسهم
وأما الصنف الآخر فهم مثلك معصومون لا نقدر منهم على شيء
فقال له يحيى على ذاك هل قدرت مني على شيء قال لا إلا مرة واحدة فإنك قدمت طعاما تأكله فلم أزل أشهيه إليك حتى أكلت أكثر مما تريد فنمت تلك الليلة ولم تقم إلى الصلاة كما كنت تقوم إليها (2/224)
قال فقال له يحيى لا جرم لا شبعت من طعام أبدا حتى أموت فقال له الخبيث لا جرم لا نصحت آدميا بعدك
محمد بن يزيد قال رأيت وهيب بن الورد صلى ذات يوم العيد فلما انصرف الناس جعلوا يمرون به فنظر إليهم ثم زفر ثم قال لئن كان هؤلاء القوم أصبحوا مستيقنين أنه قد تقبل منهم شهرهم هذا لكان ينبغي لهم أن يكونوا مشاغيل بأداء الشكر عما هم فيه وإن كانت الأخرى لقد كان ينبغي لهم أن يصبحوا أشغل وأشغل
ثم قال كثيرا ما يأتيني من يسألني من إخواني فيقول يا أبا أمية ما بلغك عمن طاف سبعا بهذا البيت ما له من الأجر فأقول يغفر الله لنا ولكم بل سلوا عما أوجب الله تعالى من أداء الشكر في طواف هذا السبع ورزقه إياه حين حرم غيره قال فيقولون إنا نرجو
فيقول وهيب فلا والله ما رجا عبد قط حتى يخاف ثم يقول كيف تجترىء أن ترجو رضا من لا يخاف غضبه إنما كان الراجي خليل الرحمن إذ يخبرك الله عز و جل عنه قال وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسمعيل ربنا تقبل منا ثم قال والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين (2/225)
وعن علي بن أبي بكر قال اشتهى وهيب لبنا فجاءته خالته به من شاة لآل عيسى بن موسى قال فسألها عنه فأخبرته فأبى أن يأكله فقالت له كل فأبى فعاودته وقالت له إني أرجو إن أكلته أن يغفر الله لك أي باتباع شهوتي فقال ما أحب أني أكلته وإن الله تعالى غفر لي فقالت لم قال إني أكره أن أنال مغفرته بمعصيته
عن عمرو بن محمد بن أبي رزين قال وسمعت وهيبا يقول إن العبد ليصمت فيجتمع له لبه
وسمعته يقول لا يكن هم أحدكم في كثرة العمل ولكن ليكن همه في إحكامه وتحسينه فإن العبد قد يصلي وهو يعصي الله في صلاته وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه
وعن مؤمل قال سمعت وهيبا يقول لو قمت قيام هذه السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال أو حرام
وعن محمد بن يزيد عن وهيب قال بلغنا والله أعلم أن موسى عليه السلام قال يا رب أوصني قال أوصيك بي قالها ثلاثا كل ذلك يقول أوصيك بي حتى قال في الآخرة أوصيك بي ألا يعرض لك أمر إلا آثرت فيه محبتي على ما سواها فمن لم يفعل ذلك لم أرحمه ولم أزكه (2/226)
وعن إبن المبارك عن وهيب قال إتق أن تسب إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر
وعن أبي صالح الجدي قال صليت إلى جنب وهيب العصر فلما صلى جعل يقول اللهم إن كنت نقصت منها شيئا أو قصرت فيها فاغفر لي قال فكأنه قد أذنب ذنبا عظيما يستغفر منه
وعن بشر بن الحارث قال كان وهيب بن الورد تبين خضرة البقل من بطنه من الهزال
وعنه قال بلغنا أن وهيبا كان إذا أتى بقرصته بكى حتى يبلها
أدرك وهيب بن الورد جماعة من التابعين كعطاء بن أبي رباح ومنصور بن زاذان وأبان بن أبي عياش وكان مشغولا عن الرواية بالتعبد على أنه قد نقل عنه حديث حسن
ومات في سنة ثلاث وخمسين ومائة رحمه الله (2/227)
ومن الطبقة الرابعة
215 - عبد العزيز بن أبي روادمولى المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة
عن شقيق البلخي قال ذهب بصر عبد العزيز بن أبي رواد عشرين سنة لم يعلم به أهله ولا ولده فتأمله إبنه ذات يوم فقال له يا أبت ذهبت عينك قال نعم يا بني الرضا عن الله تعالى أذهب عين أبيك منذ عشرين سنة
وعن شعيب بن حرب قال جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد خمسمائة مجلس فما أحسب صاحب الشمال كتب شيئا
وعن يوسف بن اسباط قال مكث عبد العزيز بن أبي رواد أربعين سنة لم يرفع طرفه إلى السماء فبينما هو يطوف حول الكعبة إذ طعنه المنصور أبو جعفر في خاصرته باصبعه فالتفت إليه فقال قد علمت أنها طعنة جبار
وعن خلاد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد قال كان يقال من رأس التواضع الرضا بالدون من شرف المجالس وكان يقول في رأس كل إنسان حكمة آخذ بها ملك فان تواضع لربه رفعه (2/228)
وقال إنتعش رحمك الله وإن تكبر قمعه وقال اخسأ خسأك الله
وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال قال رجل لعبد العزيز بن أبي رواد كيف أصبحت فبكى وقال أصبحت والله في غفلة عظيمة عن الموت مع ذنوب كثيرة قد أحاطت بي وأجل يسرع كل يوم في عمري وموئل لست أدري علام أهجم ثم بكى
وعن سعيد بن سالم القداح قال سمعت عبد العزيز بن أبي رواد يقول لرجل من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء الإسلام والقرآن والمشيب
أسند عبد العزيز بن أبي رواد عن جماعة من كبار التابعين كعطاء وعكرمة ونافع
وتوفي بمكة سنة تسع وخمسين ومائة
216 - زمعة بن صالح المكي
روى عن سلمة بن وهرام وإبن طاوس وروى عنه وكيع
عن القاسم بن راشد الشيباني قال كان زمعة نازلا عندنا وكان له أهل وبنات وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته (2/229)
يا أيها الركب المعرسونا ... أكل هذا الليل ترقدونا
ألا تقومون فترحلونا ...
قال فيتواثبون فيسمع من هنهنا باك ومن هنهنا داع ومن هنهنا قارىء ومن هنهنا متوضىء فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى رحمه الله (2/230)
ومن الطبقة الخامسة
217 - سفيان بن عيينة بن أبي عمرانيكنى أبا محمد
وهو مولى لبني عبد الله بن رويبة ولد بالكوفة وسكن مكة
عن محمد بن عمر قال أنبأ سفيان أنه ولد سنة سبع ومائة وكان أصله من الكوفة وكان أبوه من عمال خالد بن بعد الله القسري فلما عزل خالد عن العراق وولى يوسف بن عمر الثقفي طلب عمال خالد فهوبوا منه فلحق عيينة بمكة فنزلها
إبراهيم بن ازداد الرافقي قال قال سفيان بن عيينة لما بلغت خمس عشرة سنة دعاني أبي فقال لي يا سفيان قد انقطعت عنك شرائع الصبا فاحتفظ من الخير تكن من أهله ولا يغرنك من اغتر بالله فمدحك بما يعلم الله خلافه منك فانه ما من أحد يقول في أحد من الخير إذا رضي إلا وهو يقول فيه من الشر مثل ذلك إذا سخط فاستأنس بالوحدة من جلساء السوء لا تنقل أحسن ظني بك إلى غير ذلك ولن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم
قال سفيان فجعلت وصية أبي قبلة أميل معها ولا أميل عنها (2/231)
وعن صامت بن معاذ قال سمعت سفيان بن عيينة يقول من تزين للناس بشيء يعلم الله منه غير ذلك شانه الله
وعن النعمان قال سمعت إبن عيينة يقول ليس من حب الدنيا طلبك مالا بد منه
وعن محمد بن ميمون الخياط قال سمعت سفيان بن عيينة يقول إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل فما أصنع بالعلم الذي كتبت
وعن علي بن الجعد قال سمعت سفيان بن عيينة يقول من زيد في عقله نقص من رزقه
وعن إبن الأعرابي قال قال سفيان بن عيينة أرفع الناس منزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء
وعن علي بن الحسن قال سمعت سفيان بن عيينة يقول من رأى أنه خير من غيره فقد استكبر وذلك أن إبليس إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام إستكباره
وعن سعيد بن داود عن إبن عيينة قال من كانت معصيته في الشهوة فارج له التوبة فإن آدم عصى مشتهيا فغفر له فإذا كانت (2/232)
معصيته في كبر فاخش على صاحبه اللعنة فإن إبليس عصى مستكبرا فلعن
وعن بقية عن سفيان قال أوحى الله عز و جل إلى موسى عليه السلام أن أول من مات إبليس وذلك أنه أول من عصاني وأنا أعد من عصاني من الموتى
وعن إسحاق بن منيب قال قال سفيان بن عيينة لم يعرفوا حتى أحبوا أن لا يعرفوا
وعن بكر العابد قال قلت لسفيان بن عيينة يا أبا محمد أبلغك أن الناس يزدحمون يوم القيامة فقال الأقدام يوم القيامة هكذا ووضع يده فوق الأخرى ثم قال بكر بلغني أن الناس يخرجون من قبورهم وهم يقولون الماء الماء العطش العطش
وعن موسى بن اسمعيل قال سمعت إبن عيينة يقول أصابتني ذات يوم رقة فبكيت فقلت في نفسي لو كان بعض أصحابنا لرق معي ثم غفوت فأتاني آت في منامي فرفسني وقال يا سفيان خذ أجرك ممن أحببت أن يراك
إبن وهب قال قال سفيان بن عيينة إنما منزلة الذي يطلب (2/233)
العلم ينتفع به بمنزلة العبد يطلب كل شيء يرضى سيده يطلب التحبب إليه والتقرب إليه والمنزلة عنده لئلا يجد عنده شيئا يكرهه
وعن حرملة بن يحيى قال أخذ سفيان بن عيينة بيدي فأقامني في ناحية فأخرج من كمه رغيف شعير وقال لي دع يا حرملة ما يقول الناس هذا طعامي منذ ستين سنة
وعن أبي جعفر الحذاء قال سمعت إبن عيينة يقول إذا وافقت السريرة العلانية فذلك العدل وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية فذلك الفضل وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة فذلك الجور
محمد بن صباح يقول أنبأ سفيان بن عيينة إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله
وعن حيان بن نافع بن صخر بن جويرية قال كان سفيان بن عيينة بعد ما أسن يتمثل بهذا البيت
يعمر واحد فيغر قوما ... وينسى من يموت من الصغار
وعن عبيد الله بن عائشة قال قال سفيان بن عيينة لولا أن الله عز و جل طأمن إبن آدم بثلاث ما أطاقة شيء وأنهن لقيه وأنه على ذلك لوثاب الفقر والمرض والموت (2/234)
وعن حيان بن صخر بن جويرية قال سمعت سفيان بن عيينة يقول ليس يضر المدح من عرف نفسه
وعن أبي معمر عن إبن عيينة قال العلم إن لم ينفعك ضرك
وعن أبي موسى الأنصاري قال قال سفيان إن من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة
وعن إسحاق بن أبي إسرائيل قال سمعت سفيان بن عيينة قال كان يقال اسلكوا سبل الحق ولا تستوحشوا من قلة أهلها
وعن الحسن بن هارون عن سليمان قال ثنا سفيان بن عيينة قال كان يقال الأيام ثلاثة
فأمس حكيم مؤدب ترك حكمته وأبقاها عليك واليوم صديق مودع كان عنك طويل الغيبة حتى أتاك ولم تأته وهو عنك سريع الظعن وغدا لا تدري أتكون من أهله أو لا تكون
وعن عبد الله بن وهب قال ثنا سفيان بن عيينة قال لم يجتهد أحد قط اجتهادا ولم يتعبد أحد قط عبادة أفضل من ترك ما نهى الله عنه
وعن إبراهيم بن الأشعث قال ثنا سفيان بن عيينة قال كان يقال أشد الناس حسرة يوم القيامة ثلاثة رجل كان له عبد فجاء يوم القيامة أفضل عملا منه ورجل له مال فلم يتصدق منه فمات فورثه غيره فتصدق منه ورجل عالم لم ينتفع بعلمه فعلم غيره فانتفع به (2/235)
وعن أبي السري منصور بن عرار قال تكلمت في مجلس فيه سفيان بن عيينة وفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك فأما سفيان فتغرغرت عيناه ثم نشفت الدموع وأما إبن المبارك فسالت دموعه وأما الفضيل فانتحب فلما قام فضيل وإبن المبارك قلت لسفيان يا أبا محمد ما منعك أن يجيء منك مثل ما جاء من صاحبيك قال هكذا أكمد للحزن إن الدمعة إذا خرجت استراح القلب
وعن عيسى بن أبي موسى الأنصاري قال سمعت سفيان بن عيينة وسئل عن حد الرضا عن الله تعالى فقال الراضي عن الله لا يتمنى سوى المنزلة التي هو فيها
وعن حامد بن عمرو والبكراوي قال سمعت عبد الله بن ثعلبة يقول لسفيان بن عيينة يا أبا محمد واحزناه على الحزن فقال سفيان يا عبد الله هل حزنت قط لعلم الله جل وعز فيك فقال عبد الله آه تركتني لا أفرح
وعن سفيان قال قال الأحنف قال لنا عمر بن الخطاب تفقهوا قبل أن تسودوا قال سفيان لأن الرجل إذا أفقه لم يطلب السؤدد
أدرك سفيان بن عيينة ستة وثمانين نفسا من أعلام التابعين وأسند (2/236)
عن جمهورهم كعمرو بن دينار والزهري وإبن المنكدر وأبي حازم والأعمش وأيوب
وحدث عنه من كبار الأئمة الثوري وشعبة والأعمش والأوزاعي
ذكر وفاته ومبلغ سنه
عن سليمان بن أيوب قال سمعت إبن عيينة يقول شهدت ثمانين موقفا
وعن الحسن بن عمران بن عيينة إبن أخي سفيان بن عيينة قال حججت مع عمي سفيان آخر حجة حجها سنة سبع وتسعين ومائة فلما كنا بجمع وصلى استلقى على فراشه ثم قال قد وافيت هذا الموضع سبعين عاما أقول في كل سنة اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المكان وإني قد استحييت من الله من كثرة ما أسأله ذلك فرجع فتوفي في السنة الداخلة يوم السبت أول يوم من رجب سنة ثمان وتسعين ومائة ودفن بالحجون وهو إبن إحدى وتسعين سنة
وعن الحميدي قال سفيان بن عيينة يقول ولدت سنة سبع ومائة
قال الحميدي ومات سفيان سنة ثمان وتسعين في آخر يوم من جمادى الأولى رحمه الله
218 - الفضيل بن عياض التميمي
ثم أحد بني يربوع يكنى أبا علي ولد بخراسان بكورة أبيورد وقدم الكوفة وهو كبير فسمع بها الحديث ثم تعبد وانتقل إلى مكة فمات بها (2/237)
عن إبراهيم بن أحمد الخزاعي قال سمعت الفضيل بن عياض يقول لو أن الدنيا كلها بحذافيرها جعلت لي حلالا لكنت أتقذرها
وعن أبي الفضل الخزاز قال سمعت الفضيل بن عياض يقول أصلح ما أكون أفقر ما أكون وإني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي
وعن إسحاق بن إبراهيم قال كانت قراءة الفضيل حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة يرددها
وكان يلقي له حصير بالليل في مسجده فيصلي من أول الليل ساعة حتى تغلبه عنه فيلقى نفسه على الحصير فينام قليلا ثم يقوم فإذا غلبه النوم نام ثم يقوم هكذا حتى يصبح
قال وسمعت الفضيل يقول إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم مكبل كبلتك خطيئتك
وعن منصور بن عمار قال تكلمت يوما في المسجد الحرام فذكرت شيئا من صفة النار فرأيت الفضيل بن عياض صاح حتى غشي عليه فطرح نفسه
وعن أبي إسحاق قال قال الفضيل بن عياض لو خيرت (2/238)
بين أن أعيش كلبا أو أموت كلبا ولا أرى يوم القيامة لإخترت أن أعيش كلبا أو أموت كلبا ولا أرى يوم القيامة
وعن مهران بن عمرو الأسدي قال سمعت الفضيل بن عياض عشية عرفة بالموقف وقد حال بينه وبين الدعاء البكاء يقول وأسوأتاه وافضيحتاه وإن عفوت وعن أحمد بن سهل قال قدم علينا سعد بن زنبور فأتيناه فحدثنا قال كنا على باب الفضيل بن عياض فاستأذنا عليه فلم يؤذن لنا فقيل لنا إنه لايخرج إليكم أو يسمع القرآن قال وكان معنا رجل مؤذن وكان صيتا فقلنا له إقرأ ألهاكم التكاثر ورفع بها صوته فأشرف علينا الفضيل وقد بكى حتى بل لحيته بالدموع ومعه خرقة ينشف بها الدموع من عينيه وأنشأ يقول
بلغت الثمانين أو جزتها ... فماذا أؤمل أو أنتظر
أتى لي ثمانون من مولدي ... وبعد الثمانين ما ينتظر
علتني السنون فأبلينني ...
قال ثم خنقته العبرة وكان معنا على بن خشرم فأتمه لنا فقال
علتني السنون فأبلينني ... فرقت عظامي وكل البصر
وعن أبي جعفر الحذاء قال سمعت فضيل بن عياض يقول أخذت (2/239)
بيد سفيان بن عيينة في هذا الوادي فقلت له إن كنت تظن أنه بقي على وجه الأرض شر مني ومنك فبئس ما تظن
وعن علي بن الحسن قال بلغ فضيلا أن جريرا يريد أن يأتيه قال فأقفل الباب من خارج قال فجاء جرير فرأى الباب مقفلا فرجع قال علي فبلغني ذلك فأتيته فقلت له جرير فقال ما يصنع بي يظهر لي محاسن كلامه وأظهر له محاسن كلامي فلا يتزين لي ولا أتزين له خير له
وعن الفيض بن إسحاق قال سمعت فضيلا يقول لو قيل لك يامرائي لغضبت ولشق عليك وتشكو فتقول قال لي يا مرائي عساه قال حقا من حبك للدنيا تزينت للدنيا وتصنعت للدنيا ثم قال إتق ألا تكون مرائيا وأنت لاتشعر تصنعت وتهيأت حتى عرفك الناس فقالوا هو رجل صالح فأكرموك وقضوا لك الحوائج ووسعوا لك في المجالس وإنما عرفوك بالله ولولا ذلك لهنت عليهم
قال وسمعت الفضيل يقول تزينت لهم بالصوم فلم ترهم يرفعون بك رأسا تزينت لهم بالقرآن فلم ترهم يرفعون بك رأسا تزينت لهم بشيء بعد شيء إنما هو لحب الدنيا
وعن الحسين بن زياد قال دخلت على فضيل يوما فقال عساك (2/240)
إن رأيت في ذلك المسجد يعني الحرام رجلا شرا منك إن كنت ترى أن فيه شرا منك فقد إبتليت بعظيم
وعن يونس بن محمد المكي قال قال فضيل بن عياض لرجل لأعلمنك كلمة هي خير من الدنيا وما فيها والله لئن علم الله منك إخراج الآدمين من قلبك حتى لايكون في قلبك مكان لغيره لم تسأله شيئا إلا أعطاك
وعن إبراهيم بن الأشعث قال سمعت الفضيل بن عياض يقول ما يؤمنك أن تكون بارزت الله بعمل مقتك عليه فأغلق دونك أبواب المغفرة وأنت تضحك كيف ترى تكون حالك
وعن عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل يقول أدركت أقواما يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال ليس هذا لك قومي خذي حظك من الآخرة
وعن محمد بن حسان السمني قال شهدت الفضيل بن عياض وجلس إليه سفيان بن عيينة فتكلم الفضيل فقال كنتم معشر العلماء سرج البلاد يستضاء بكم فصرتم ظلمة وكنتم نجوما يهتدى بكم فصرتم حيرة ثم لايستحي أحدكم أن يأخذ مال هؤلاء الظلمة ثم يسند ظهره يقول حدثنا فلان عن فلان فقال سفيان لئن كنا لسنا بصالحين فإنا نحبهم (2/241)
وعن بشر بن الحارث قال قال الفضيل بن عياض لأن أطلب الدنيا بطبل ومزمار أحب إلي من أن أطلبها بالعبادة
وعن الفضل بن الربيع قال حج أمير المؤمنين الرشيد فأتاني فخرجت مسرعا فقلت يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال ويحك قد حك في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله فقلت هاهنا سفيان بن عيينة فقال إمض بنا إليه فأتيناه فقرعت الباب فقال من ذا فقلت أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك فقال له خذ لما جئناك له رحمك الله
فحدثه ساعة ثم قال له عليك دين قال نعم فقال أبا عباس إقض دينه فلما خرجنا قال ما أغنى عني صاحبك شيئا أنظر لي رجلا أسأله فقلت له هاهنا عبد الرزاق بن همام قال امض بنا إليه فأتيناه فقرعت الباب فقال من هذا قلت أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا فقال يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك قال خذ لما جئناك له
فحادثة ساعة ثم قال له عليك دين قال نعم قال أبا عباس اقض (2/242)
دينه فلما خرجنا قال ما أغنى صاحبك شيئا أنظر لي رجلا أسأله قلت هاهنا الفضل بن عياض قال امض بنا إليه فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها فقال اقرع الباب فقرعت الباب فقال من هذا فقلت أجب أمير المؤمنين فقال مالي ولأمير المؤمنين فقلت سبحان الله أما عليك طاعة أليس قد روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال
ليس للمؤمن أن يذل نفسه فنزل ففتح الباب ثم إرتقى إلى الغرفة فأطفأ المصباح ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه فقال يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عز و جل فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي فقال له خذ لما جئناك له رحمك الله فقال إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة فقال له سالم بن عبد الله إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم عن الدنيا وليكن إفطارك من الموت وقال له محمد بن كعب القرظي إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا وأوسطهم عندك أخا وأصغرهم عندك ولدا فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك (2/243)
وقال له رجاء بن حيوة إن أردت النجاة غدا من عذاب الله عز و جل فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك وأكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إذا شئت وإني أقول لك إني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا
فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه فقلت له ارفق بأمير المؤمنين فقال يا بن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ثم أفاق فقال له زدني رحمك الله فقال
يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا لعمر بن عبد العزيز شكا إليه فكتب إليه عمر يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء قال فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال له ما أقدمك قال خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية أبدا حتى ألقى الله عز و جل
قال فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال له زدني رحمك الله فقال يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى صلى الله عليه و سلم جاء إلى النبي (2/244)
صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أمرني على إمارة فقال له النبي صلى الله عليه و سلم
إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل
فبكى هارون بكاء شديدا وقال له زدني رحمك الله فقال يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز و جل عن هذا الخلق يوم القيامة فإن إستطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك فإن النبي صلى الله عليه و سلم
من قال من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة
فبكى هارون وقال له عليك دين قال نعم دين لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن سألني والويل لي إن ناقشني والويل لي إن لم ألهم حجتي قال إنما أعني دين العباد قال إن ربي لم يأمرني بهذا أمر ربي (2/245)
أن أوحده وأطيع أمره فقال عز و جل وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين
فقال له هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوبها على عبادتك فقال سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا سلمك الله ووفقك
ثم صمت فلم يكلمنا فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب قال هارون أبا عباس إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا هذا سيد المسلمين
فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت يا هذا قد ترى مانحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به فقال لها مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه
فلما سمع هارون هذا الكلام قال ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس السطح على باب الغرفة فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف رحمك الله فانصرفنا (2/246)
اقتصرنا على هذا القدر من أخبار الفضيل لأنا قد أفردنا لكلامه ومناقبه كتابا فمن أراد الزيادة فلينظر في ذلك الكتاب
وقد أسند الفضيل عن جماعة من كبار التابعين منهم الأعمش ومنصور بن المعتمر وعطاء بن السائب وحصين بن عبد الرحمن ومسلم الأعور وأبان بن أبي عياش وروى عنه خلق كثير من العلماء وقد ذكرنا جملة من رواياته في ذلك الكتاب
وتوفي رضي الله عنه في سنة سبع وثمانين ومائة
219 - علي بن الفضيل بن عياض
ألحقناه بدرجة أبيه لأنه مات في حياة أبيه واقتصرنا من أخباره على اليسير لأنا قد أدرجناها في كتاب فضائل أبيه رضي الله عنهما
عن فضيل بن عياض قال بكى ابني علي فقلت ياعلي مايبكيك قال يا أبة أخاف ألا تجمعنا القيامة
وعن بشر بن الحارث قال كان عشرة ينظرون في الحلال النظر الشديد لايدخل بطونهم إلا حلال ولو استفوا التراب فذكر منهم علي بن الفضيل
وعن محمد بن الحسن قال كان علي بن الفضيل يصلي حتى يزحف إلى (2/247)
فراشه ثم يلتفت إلى أبيه فيقول يا أبة سبقني العابدون
وعن سفيان بن عيينة قال ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وإبنه
أسند علي عن عبد العزيز بن أبي رواد وسفيان بن عيينة وغيرهما رضي الله عنهما
220 - محمد بن إدريس الإمام الشافعي رضي الله عنه
يكنى أبا عبد الله
عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال قال الشافعي ولدت بغزة سنة خمسين ومائة وحملت إلى مكة وأنا إبن سنتين
قال وأخبرني غيره عن الشافعي قال لم يكن لي مال فكنت أطلب العلم في الحداثة أذهب إلى الديوان أستوهب الظهور أكتب فيها
وعن حسين الكرابيسي قال سمعت الشافعي يقول كنت إمرءا أكتب الشعر وآتي البوادي فأسمع منهم وقدمت مكة وخرجت وأنا أتمثل بشعر للبيد وأضرب وحشي قدمي بالسوط فضربني رجل من ورائي من الحجبة فقال رجل من قريش ثم إبن المطلب رضي من دينه ودنياه أن يكون معلما مالشعر الشعر إذا استحكمت فيه قعدت معلما تفقه يعلك الله
قال فنفعني الله بكلام ذلك الحجبي ورجعت إلى مكة وكتبت (2/248)
عن إبن عيينه ما شاء الله أن أكتب ثم كنت أجالس مسلم بن خالد الزنجي ثم قدمت على مالك فكتبت موطأه فقلت له يا أبا عبد الله أقرأ عليك فقال يا بن أخي تأتي برجل يقرؤه علي وتسمع فقلت أقرأ عليك فتسمع إلى كلامي فقال إقرأ فلما سمع قرأت عليه حتى بلغت كتاب السير قال لي اطوه يا بن أخي تفقه تعل
وعن محمد بن إسمعيل الحميري عن أبيه قال كان الشافعي يطلب اللغة والعربية والشعر وكان كثيرا ما يخرج إلى البدو فيحمل مافيه من الأدب فبينما هو يوما في حي من أحياء العرب جاء إليه بدوي فقال له ما تقول في إمرأة تحيض يوما وتطهر يوما قال ما أدري قال يا بن أخي الفريضة أولى بك من النافلة فقال له إنما أريد هذا لذاك وعليه قد عزمت وبالله التوفيق ثم خرج إلى مالك بن أنس
وعن الحميدي عن الشافعي قال كنت يتيما في حجر أمي ولم يكن معها ماتعطي المعلم وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء فأحفظ الحديث والمسألة فكنت أنظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث والمسأله وكانت لنا جرة عظيمة فإذا امتلأ العظم تركته في الجرة وفي رواية أخرى فامتلأ من ذلك حبان (2/249)
وعن اسمعيل بن يحيى قال سمعت الشافعي يقول حفظت القرآن وأنا إبن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين
وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال يروي في الحديث أن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة سنة من يصحح لهذه الأمة دينها فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو عمر بن عبد العزيز ونظرنا في المائة الثانية فنراه الشافعي
وقال مسلم بن خالد الزنجي للشافعي يا أبا عبد الله أفت الناس آن والله أن تفتي وهو إبن دون عشرين سنة
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قلت لأبي يا أبة أي رجل كان الشافعي سمعتك تكثر من الدعاء له فقال يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف أو عوض
وعن الميموني قال سمعت أحمد بن حنبل يقول ستة أدعو لهم في السحر أحدهم الشافعي
وعن ابن راهوية قال كنت مع أحمد بمكة فقال لي تعالى حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله فأراني الشافعي (2/250)
وعن يونس بن عبد الأعلى قال سمعت الشافعي وحضر ميتا فلما سجينا عليه نظر إليه وقال اللهم بغناك عنه وفقره إليك اغفر له
وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلهما مني إلا هبته وإعتقدت مودته ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني
وعن أحمد بن خالد الخلال قال سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول ما ناظرت أحدا فأحببت أن يخطىء
وعن الحسين الكرابيسي يقول سمعت الشافعي يقول ما ناظرت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله وحفظ وما ناظرت أحدا إلا ولم أبال بين الله الحق على لساني أو لسانه
الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول أشد الأعمال ثلاثة الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف
وعنه قال سمعت الشافعي يقول لوددت أن الخلق يتعلمون مني ولاينسب إلي منه شيء وسمعته يقول طلب العلم أفضل من صلاة النافلة (2/251)
وعن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال سمعت الشافعي يقول طالب العلم يحتاج إلى ثلاث إحداها حسن ذات اليد والثانية طول عمر والثالثة يكون له ذكاء
وعن الربيع قال قال الشافعي من طلب الرياسة فرت منه وإذا تصدر الحدث فاته علم كثير
وعن يونس بن عبد الأعلى قال قال لي الشافعي يا يونس إذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادره بالعداوة وقطع الولاية فتكون ممن أزال يقينه بشك ولكن القه وقل له بلغني عنك كذا وكذا واحذر أن تسمي له المبلغ فإن أنكر ذلك فقل له أنت أصدق وأبر لاتزيدن على ذلك شيئا وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجها لعذر فأقبل منه وإن لم تر ذلك فقل له ماذا أردت بما بلغني عنك فإن ذكر ماله وجه من العذر فإقبل منه وإن لم تر لذلك وجها لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ أثبتها عليه سيئة ثم أنت في ذلك بالخيار إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة وإن شئت عفوت عنه (2/252)
والعفو أقرب للتقوى وأبلغ في الكرم لقول الله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله فإن نازعتك نفسك بالمكافأة فأفكر فيما سبق له لديك من الإحسان فعدها ثم أبدر له إحسانا بهذه السيئة ولاتبخسن باقي إحسانه السالف بهذه السيئة فإن ذلك الظلم بعينه يا يونس إذا كان لك صديق فشد يديك به فإن إتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل
قال وسمعت الشافعي يقول يا يونس الإنقباض عن الناس مكسبة للعداوة والإنبساط إليهم مجلبة لقرناء السوء فكن بين المنقبض والمنبسط
وعن أحمد بن الوزير قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي قال قبول السعاية شر من السعاية لأن السعاية دلالة والقبول إجازة وليس من دل على شيء كمن قبل وأجاز
قال وتنقص رجل محمد بن الحسن عند الشافعي فقال له مه لقد تلمظت بمضغة طالما لفظها الكرام
وعن الربيع بن سليمان قال قال الشافعي إستعينوا على الكلام بالصمت وعلى الإستنباط بالفكر (2/253)
وعنه قال سمعت الشافعي يقول من ضحك منه في مسألة لم ينسها أبدا
وعنه قال قال لي الشافعي يا ربيع رضا الناس غاية لاتدرك فعليك بما يصلحك فالزمه فإنه لاسبيل إلى رضاهم واعلم أنه من تعلم القرآن جل في عيون الناس ومن تعلم الحديث قويت حجته ومن تعلم النحو هيب ومن تعلم العربية رق طبعه ومن تعلم الحساب جزل رأية ومن تعلم الفقه نبل قدره ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه وملاك ذلك كله التقوى
وعن المزني قال سمعت الشافعي يقول من تعلم القرآن عظمت قيمته ومن نظر في الفقه نبل مقداره ومن تعلم اللغة رق طبعة ومن تعلم الحساب جزل رأيه ومن كتب الحديث قويت حجته ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه
وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول اللبيب العاقل هو الفطن المتغافل
وعن أبي الوليد الجارودي قال سمعت الشافعي يقول لو علمت أن الماء البارد ينقص من مروءتي ماشربته
وعن الربيع قال سأل رجل الشافعي عن سنه قال ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه سأل رجل مالكا عن سنه فقال أقبل على شأنك (2/254)
قال لنا أبو بكر بن أبي طاهر وجدت في هذه الحكاية زيادة من رواية أخرى ليس من المروءة أن يخبر الرجل بسنه لأنه إن كان صغيرا استحقروه وإن كان كبيرا إستهرموه
وعنه قال كان قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء الثلث الأول يكتب والثلث الثاني يصلي والثلث الثالث ينام
وعنه قال كان الشافعي للشافعي في رمضان ستون ختمة لايحسب منها مايقرأ في الصلاة
أبو بكر النيسابوري قال سمعت الربيع يقول كان الشافعي يختم كل شهر ثلاثين ختمة وفي رمضان ستين ختمة سوى ما يقرأ في الصلاة
وعن نهشل بن كثير عن أبيه قال أدخل الشافعي يوما إلى بعض حجر هارون الرشيد ليستأذن له ومعه سراج الخادم فأقعده عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد هارون الرشيد فقال سراج للشافعي يا أبا عبد الله هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهذا مؤدبهم فلو أوصيته بهم فأقبل عليه فقال ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك فإن أعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ماتستحسنه والقبيح عندهم ما تكرهه علمهم كتاب الله ولاتكرههم عليه فيملوه ولا (2/255)
تتركهم منه فيهجروه ثم روهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم
وقال الحميدي قدم الشافعي مرة من اليمن ومعه عشرون ألف دينار فضرب خيمته خارجا من مكة فما قام حتى فرقها كلها
وعن المزني قال سمعت الشافعي يقول من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله
وعن الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول لن يجفو فعل من يصفو
وعنه قال سمعت الشافعي يقول وسأله رجل عن مسألة فقال روي فيها كذا وكذا عن النبي صلى الله عليه و سلم فقال له السائل يا أبا عبد الله تقول به فرأيت الشافعي أعد وإنتفض وقال يا هذا أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا فلم أقل به نعم على السمع والبصر
قال وسمعت الشافعي وقد روى حديثا فقال له بعض من حضر تأخذ بهذا فقال إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا صحيحا فلم آخذ به فأبا أشهدكم أن عقلي قد ذهب ومد يديه (2/256)
وعنه قال سمعت الشافعي يقول إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقولوا بسنة رسول الله ودعوا ما قلت
وعن أبي بيان الأصبهاني قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم فقلت يا رسول الله محمد بن إدريس الشافعي إبن عمك هل نفعته بشيء أو خصصته بشيء فقال نعم سألت الله ألا يحاسبه فقلت بماذا يا رسول الله قال إنه كان يصلي علي صلاة لم يصل بمثل تلك الصلاة أحد فقلت وما تلك الصلاة يا رسول الله قال كان يصلي علي اللهم صلي على محمد كلما ذكره الذاكرون وصل على محمد كلما غفل عنه الغافلون
قال المصنف أخبرنا محمد بن أبي منصور قال قرأت في كتاب محمد بن طاهر النيسابوري بخطه للشافعي رضي الله عنه
إن امرأ وجد اليسار فلم يصب ... حمدا ولا شكرا لغير موفق
ألجد يدني كل شيء شاسع ... والجد يفتح كل باب مغلق
فإذا سمعت بأن مجدودا حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدق
وإذا سمعت بأن محروما أتى ... ماء ليشربه فغاض فحقق
ومن الدليل على القضاء وكونه ... بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق (2/257)
وعن المزني قال دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها فقلت كيف أصبحت فقال أصبحت من الدنيا راحلا ولإخواني مفارقا ولكأس المنية شاربا ولسوء أعمالي ملاقيا وعلى الله تعالى واردا فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنئها أو إلى النار فأعزيها ثم بكى وأنشأ يقول
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفوا منة وتكرما
سمع الشافعي رضي الله عنه من مالك بن أنس وابراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وعبد العزيز الدراوردي ومسلم بن خالد الزنجي في خلق كثير
وحدث عنه أحمد بن حنبل وغيره من العلماء
وتوفي سنة أربع ومائتين
الربيع بن سليمان قال توفي الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة آخر يوم من رجب ودفناه يوم الجمعة فانصرفنا فرأينا هلال شعبان سنة أربع ومائتين
وعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ولد الشافعي في سنة خمسين ومائة ومات في آخر يوم من رجب سنة أربع ومائتين عاش أربعا وخمسين (2/258)
وعن الربيع قال كنا جلوسا في حلقة الشافعي بعد موته بيسير فوقف علينا أعرابي فسلم ثم قال لنا أين قمر هذه الحلقة وشمسها فقلنا توفي رحمه الله فبكى بكاء شديدا ثم قال رحمه الله وغفر له فلقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجة ويسد على خصمه واضح المحجة ويغسل من العار وجوها مسودة ويوسع بالرأي أبوابا منسدة ثم انصرف
وعنه قال رأيت الشافعي بعد وفاته بالمنام فقلت يا أبا عبد الله ما صنع الله بك قال أجلسني على كرسي من ذهب ونثر على اللؤلؤ الرطب والسلام (2/259)
ممن بعد هؤلاء من الطبقات
221 - أبو غياث المكي مولى جعفر بن محمد
أبو حازم المعلي بن سعيد البغدادي قال سمعت أبا جعفر محمد بن جرير الطبري في سنة ثلاثمائة يقول كنت بمكة سنة أربعين ومائتين فرأيت خراسانيا ينادي معاشر الحاج من وجد هميانا فيه ألف دينار فرده على أضعف الله له الثواب قال فقام إليه شيخ من أهل مكة كبير من موالي جعفر بن محمد فقال له يا خراساني بلدنا فقير أهله شديد حاله أيامه معدودة ومواسمه منتظرة لعله يقع بيد رجل مؤمن يرغب فيما تبذله له حلالا يأخذه ويرده عليك قال الخراساني فكم يريد قال العشر مائة دينار قال لا أفعل ولكنا نحيله على الله عز و جل قال وافترقا
قال ابن جرير فوقع لي أن الشيخ صاحب القريحة والواجد للهميان فاتبعته فكان كما ظننت فنزل إلى دار مستفلة خلقة الباب والمدخل فسمعته يقول يا لبابة قالت له لبيك أبا غياث قال وجدت صاحب الهميان ينادي عليه مطلقا فقلت له قيده بأن تجعل (2/260)
لواجده شيئا فقال كم فقلت عشرة فقال لا ولكن نحيله على الله عز و جل بأي شيء نعمل ولا بد لي من رده فقالت له نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي وأنت تاسع القوم أشبعنا وأكسنا ولعل الله عز و جل يغنيك فتعطيه أو يكافئه عنك ويقضيه فقال لها لست أفعل ولا أحرق حشاشتي بعد ست وثمانين سنة
قال ثم سكت القوم وانصرفت فلما أن كان من الغد على ساعات من النهار سمعت الخراساني يقول يا معاشر الحاج وفد الله من الحاضر والبادي من وجد هميانا فيه ألف دينار فرده أضعف الله له الثواب قال فقام إليه الشيخ فقال يا خراساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك وبلدنا والله فقير قليل الزرع والضرع وقد قلت لك أن تدفع إلى واجده مائة دينار فلعله أن يقع بيد رجل مؤمن يخاف الله عز و جل فامتنعت فقل له عشرة دنانير منها فيرده عليك ويكون له في العشرة الدنانير ستر وصيانة قال فقال له الخراساني لا نفعل ولكن نحيله على الله عز و جل قال ثم افترقا
قال الطبري فما اتبعت الشيخ ولا الخراساني وجلست أكتب كتاب النسب للزبير بن بكار فلما كان من الغد سمعت الخراساني ينادي ذلك النداء بعينه فقام إليه الشيخ فقال له يا خراساني قلت (2/261)
لك أول أمس العشر منه وقلت لك أمس عشر العشر أعط دينار عشر عشر العشر يشتري بنصف دينار قريبة يستفي عليها للمقيمين بمكة بالأجرة وبنصف دينار شاة يحلبها ويجعل ذلك لعياله غذاء قال لا نفعل ولكن نحيله على الله عز و جل
قال فجذبه الشيخ وقال له تعال خذ هميانك ودعني أنام الليل وأرحنا من محاسبتك فقال له امش بين يدي فمشى الشيخ وتبعه الخراساني وتبعتهما فدخل الشيخ فما لبث أن خرج وقال ادخل يا خراساني فدخل ودخلت فنبش تحت درجة له مزبلة فأخرج من الهيمان أسود من خرق بخارية غلاظ فقال هذا هميانك فنظر إليه وقال هذا همياني قال ثم حل رأسه من شد وثيق ثم صب المال في حجر نفسه وقلبه مرارا وقال هذه دنانيرنا وأمسك فم الهميان بيده الشمال ورد المال بيده اليمنى فيه ثم شده شدا سهلا ووضعه على كتفه ثم أراد الخروج فلما بلغ باب الدار رجع فقال للشيخ يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك من هذه ثلاثة آلاف دينار فقال لي أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك وبع رحلي وأجعله نفقة لحجتك ففعلت ذلك وأخرجت ثلثها ألف دينار وشددتها في هذا الهميان وما رأيت منذ خرجت من خراسان إلى ها هنا رجلا أحق به منك خذه بارك الله لك فيه قال ثم ولى وتركه (2/262)
قال فوليت خلف الخراساني فعدا أبو غياث فلحقني وردني وكان شيخا مشدود الوسط بشريط معصب الحاجبين ذكر أن له ستا وثمانين سنة فقال لي إجلس فقد رأيتك تتبعني في أول يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم سمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول سمعت مالكا يقول سمعت نافعا يقول عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعمر وعلي رضي الله عنهما
إذا أتاكما الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس فاقبلاها ولا ترداها فترد لها على الله عز و جل وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر
ثم قال يا لبابة وفلانة وفلانة وصاح ببناته وأخواته وزوجته وأمها وقعد وأقعدني فصرنا عشرة فحل الهميان وقال أبسطوا حجوركم فبسطت حجري وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه فمدوا أيديهم وأقبل يعد دينارا دينارا حتى إذا بلغ العاشر إلي قال ولك دينار حتى فرغ الهميان وكانت ألفا فيها ألف فأصابني مائة دينار فداخلني (2/263)
من سرور غناهم أشد مما داخلني من سرور صيانتي بالمائة دينار
فلما أردت الخروج قال لي يا فتى إنك لمبارك وما رأيت هذا المال قط ولا أملته وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به وأعلم أني كنت أقوم فأصلي الغداة في هذا القميص الخلق ثم أنزعه فيصلين فيه واحدة واحدة ثم اكتسب إلى ما بين الظهر والعصر ثم أعود في آخر النهار بما فتح الله عز و جل لي من أقط وتمر وكسيرات ومن بقول نبذت ثم أنزعه فيتداولنه فيصلين فيه المغرب وعشاء الآخرة فنفعهن الله بما أخذن ونفعني وإياك بما أخذنا ورحم صاحب المال في قبره وأضعف ثواب الحامل للمال وشكر له
قال إبن جرير فودعته وكتبت بها العلم سنتين أتقوت بها وأشتري منها الورق وأسافر وأعطي الأجرة فلما كان بعد سنة ست وخمسين سألت عن الشيخ بمكة فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور ووجدت بناته ملوكا تحت ملوك وماتت الأختان وأمهن وكنت أنزل على أزواجهن وأولادهن فأحدثهم بذلك فيأنسون بي ويكرموني ولقد حدثني محمد بن حيان البجلي في سنة تسعين ومائتين أنه ما بقي منهم أحد فبارك الله لهم فيما صاروا إليه (2/264)
222 - أبو جعفر المزين الكبير
جاور بمكة وبها مات وكان من العباد
عن أحمد بن عبد الله هو أبو نعيم قال سمعت أبا جعفر الخياط الأصبهاني بمكة يقول سمعت أبا جعفر المزين يقول محنتنا وبلاؤنا صفاتنا فمتى فنيت حركات صفاتنا أقبلت القلوب منقادة للحق
وقال سمعت أبي يقول سمعت أبا جعفر المزين الكبير يقول إن الله لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن بقدر جوده وكرمه ولم يفرح المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته
223 - أبو الحسن علي بن محمد المزين الصغير
أصله من بغداد ولكنه أقام بمكة
عن أبي عبد الله بن خفيف قال سمعت أبا الحسن المزين بمكة يقول كنت في بادية تبوك فتقدمت إلى بئر لاستقي منها فزلقت رجلي فوقعت في جوف البئر فرأيت في البئر زاوية واسعة فأصلحت موضعا وجلست عليه وقلت إن كان مني شيء لا أفسد الماء على الناس وطابت نفسي وسكن قلبي فبينا أنا قاعد إذا بخشخشة فتأملت فإذا بأفعى ينزل على البئر فراجعت نفسي فإذا هي ساكنة فنزل ودار بي وأنا هادىء السر لا يضطرب علي ثم لف بي ذنبه وأخرجني من البئر وحلل عني ذنبه فلا أدري أرض ابتلعته أو سماء رفعته وقمت ومشيت (2/265)
وعن جعفر الخلدي قال ودعت المزين الصوفي فقلت زودني شيئا فقال إن ضاع منك شيء أو أردت أن يجمع الله بينك وبين إنسان فقل يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد إجمع بيني وبين كذا فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء أو ذلك الإنسان فما دعوت بها في شيء إلا أستجيب
وعن أبي بكر الرازي قال سمعت أبا الحسن المزين يقول الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة
وقال أبو الحسن المزين من استغنى بالله أحوج الله الخلق إليه
وقال المعجب بعلمه مستدرج والمستحسن لشيء من أفعاله ممكور به
قال السلمي صحب أبو الحسن المزين الجنيد وسهل بن عبد الله وأقام بمكة مجاورا حتى توفي بها سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة
224 - أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني
طاف الآفاق ولقي المشايخ وسكن مكة فصار شيخ الحرم
وكان إذا خرج إلى الحرم يخلون المطاف ويقبلون يده أكثر من تقبيل الحجر وكانت له كرامات (2/266)
عن أبي عبد الله محمد بن أحمد قال لما عزم الشيخ سعد على الإقامة بالحرم عزم على نفسه نيفا وعشرين عزمة يلزمها إياها من المجاهدات والعبادات ومات بعد ذلك بأربعين سنة ولم يخل منها بعزيمة واحدة
قال المصنف أنبأ إسماعيل بن أحمد عن سعد بن علي الزنجاني قال أنشدني أبو عبد الله محمد بن أحمد الواعظ قال أنشدني علي إبن عبد العزيز الجرجاني
ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت والكتاب جليسا
ليس شيء أعز عندي من العلم ... فلم أبتغي سواه أنيسا
إنما الذل في مخالطة الناس ... فدعهم وعش عزيزا رئيسا
توفي الزنجاني في سنة سبعين أو إحدى وسبعين وأربع مائة رحمه الله (2/267)
ذكر المصطفين من عباد كانوا بمكةلم تعرف أسماؤهم
225 - عابد
عن عبد الله بن المبارك قال كنت بمكة فأصابهم قحط فخرجوا إلى المسجد الحرام يستسقون فلم يسقوا وإلى جانبي أسود منهوك فقال اللهم إنهم قد دعوك فلم تجبهم وإني أقسم عليك أن تسقينا قال فوالله ما لبثنا أن سقينا
قال فانصرف الأسود واتبعته حتى دخل دارا في الخياطين فعلمتها فلما أصبحت أخذت دنانير وأتيت الدار فإذا رجل على باب الدار فقلت أردت رب هذه الدار فقال أنا قلت مملوك لك أردت شراءه فقال لي أربعة عشر مملوكا أخرجهم إليك فأخرجهم فلم يكن فيهم فقلت له بقي شيء فقال لي غلام مريض فأخرجه فإذا هو الأسود فقلت بعنيه قال هو لك يا أبا عبد الرحمن فأعطيته أربعة عشر دينارا وأخذت المملوك فلما صرنا إلى بعض الطريق قال لي يا مولاي أي شيء تصنع بي وأنا مريض فقلت لما رأيت (2/268)
عشية أمس قال فاتكأ على الحائط فقال اللهم إذ شهرتني فاقبضني إليك قال فخر ميتا قال فانحشر عليه أهل مكة
وقد رويت لنا هذه الحكاية على صفة أخرى قال إبن المبارك قدمت مكة فإذا الناس قد قحطوا من المطر وهم يستسقون في المسجد الحرام وكنت في الناس مما يلي باب بني شيبة إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش قد اتزر بإحداهما وألقى الأخرى على عاتقه فصار في موضع خفي إلى جانبي فسمعته يقول إلهي أخلقت الوجوه كثرة الذنوب ومساوي الأعمال وقد منعتنا غيث السماء لتؤدب الخليقة بذلك فأسألك يا حليما ذا أناة يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل إسقهم الساعة الساعة
قال إبن المبارك فلم يزل يقول الساعة الساعة حتى استوت بالغمام وأقبل المطر من كل مكان وجلس مكانه يسبح وأخذت أبكي إذ قام فإتبعته حتى عرفت موضعه فجئت أبي فضيل بن عياض فقال لي مالي أراك كئيبا فقلت سبقنا إليه غيرنا فتولاه دوننا فقال وما ذاك فقصصت عليه القصة فصاح وسقط وقال ويحك يا بن المبارك خذني إليه فقلت قد ضاق الوقت وسأبحث عن شأنه (2/269)
فلما كان من الغد صليت الغداة وخرجت أريد الموضع فإذا شيخ على الباب قد بسط له وهو جالس فلما رآني عرفني وقال مرحبا بك يا أبا عبد الرحمن حاجتك فقلت له احتجت إلى غلام أسود
قال نعم عندي عدة فأختر أيهم شئت فصاح يا غلام فخرج غلام جلد فقال هذا محمود العاقبة أرضاه لك فقلت ليس هذا حاجتي
فما زال يخرج واحدا بعد واحد حتى أخرج إلى الغلام فلما بصرت به بدرت عيناي فقال هذا هو قلت نعم قال ليس إلى بيعه سبيل قلت ولم قال قد تبركت بموضعه من هذه الدار وذلك أنه لا يرزؤني شيئا قلت ومن أين طعامه وشرابه قال يكسب من فتل الشريط نصف دانق أو أقل أو أكثر فهو قوته فإن باعه في يومه وإلا طوى ذلك اليوم وأخبرني الغلمان عنه أنه لا ينام هذا الليل الطويل ولا يختلط بأحد منهم مهتم بنفسه وقد أحبه قلبي فقلت له إنصرف إلى سفيان بن عيينة وإلى فضيل بن عياض بغير قضاء حاجة فقال إن ممشاك عندي كبير خذه بما شئت
قال فاشتريته فأخذت نحو دار فضيل بن عياض فمشيت ساعة (2/270)
فقال لي يا مولاي فقلت لبيك قال لا تقل لي لبيك فإن العبد أولى أن يلبي من المولى قلت حاجتك يا حبيبي قال أنا ضعيف البدن لا أطيق الخدمة وقد كان لك في غيري سعة وقد أخرج إليك من هو أجلد مني فقلت لا يراني الله أستخدمك ولكن أشتري لك منزلا وأزوجك وأخدمك أنا بنفسي قال فبكى فقلت له ما يبكيك قال أنت لم تفعل هذا إلا وقد رأيت بعض متصلاتي بالله تعالى وإلا فلم اخترتني من بين أولئك الغلمان فقلت له ليس بك حاجة إلى هذا فقال لي سألتك بالله إلا ما أخبرتني فقلت له بإجابة دعوتك فقال لي إني أحسبك إن شاء الله تعالى رجلا صالحا إن الله عز و جل خيرة من خلقه لا يكشف شأنهم إلا لمن أحب من عباده ولا يظهر عليهم إلا من قد ارتضى
ثم قال لي ترى أن تقف علي قليلا فإنه قد بقيت على ركعات من البارحة فقلت هذا منزل فضيل قريب قال لا ههنا أحب إلى أمر الله عز و جل لا يؤخر فدخل من باب الباعة إلى المسجد فما زال يصلي حتى إذا أتى على ما أراد التفت إلي وقال يا أبا عبد الرحمن هل من حاجة قلت ولم قال لأني أريد الانصراف قلت إلى أين قال إلى الآخرة قلت لا تفعل دعني أسر بك فقال لي إنما كانت تطيب الحياة حيث كانت المعاملة بيني وبينه تعالى فأما إذ اطلعت عليها (2/271)
أنت فسيطلع عليها غيرك فلا حاجة لي في ذلك ثم خر لوجهه فجعل يقول آلهي اقبضني الساعة الساعة الساعة
فدنوت منه فإذا هو قد مات فوالله ما ذكرته قط إلا طال حزني وصغرت الدنيا في عيني رحمه الله
226 - عابد آخر
عن أبي سعيد الخزاز قال كنت بمكة معي رفيق لي من الورعين فأقمنا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا وكان بحذائنا فقير معه كويزة وركوة مغطاة بقطعة خيش وربما كنت أراه يأكل خبز خوارى فقلت في نفسي والله لأقولن لهذا نحن الليلة في ضيافتك فقلت له فقال نعم وكرامة فلما جاء وقت العشاء جعلت أراعيه ولم أر معه شيئا فمسح يده على سارية فوقع على يده شيء فناولني فإذا درهمان لا تشبه الدراهم فاشترينا خبزا وأدما
فلما مضى لذلك مدة جئت إليه وسلمت عليه وقلت له إني ما زلت أراعيك منذ تلك الليلة وأنا أحب أن تعرفني بم وصلت إلى ذلك فإن كان يبلغ بعمل حدثتني فقال يا أبا سعيد ما هو إلا حرف واحد قلت وما هو قال تخرج قدر الخلق من قلبك تصل إلى حاجتك (2/272)
227 - عابد آخر
عن بيان المصري قال كنت في مكة قاعدا وشاب بين يدي فجاءه إنسان وحمل إليه كيسا فيه دراهم فوضعه بين يديه فقال لا حاجة لي فيه فقال فرقه على المساكين ففرقه فلما كان العشاء رأيته في الوادي يطلب شيئا لنفسه فقلت لو تركت شيئا لنفسك مما كان معك فقال لم أعلم أني أعيش إلى هذا الوقت
228 - عابد آخر
عن عبيد الله بن أبي نوح قال قال لنا عابد كان بمكة ما تركت النار للعاقل سرورا في أهل ولا ولد ولبئس المصير مصير مفرط في المهلة ومتكل على الغرة وطول الغفلة
وقال لنا لتكن الأثرة لله في قلوبكم المستولية على جميع أموركم يوشك أن تفوزوا بذلك يوم يخسر المبطلون رحمه الله (2/273)
ذكر المصطفيات من عابدات مكة
229 - حكيمة المكية
عن سلمة بن خالد المخزومي قال وكان من خيار بني مخزوم قال كان ها هنا امرأة من بني مخزوم مجاورة وكان يقال لها حكيمة
وكانت إذا نظرت إلى باب الكعبة قد فتح صرخت كما تصرخ الثكلى فلا تزال تصرخ حتى يغمى عليها وكانت لا تكاد تفارق المسجد إلا للأمر الذي لا بد منه قال ففتحت الكعبة يوما وهي في بعض حاجتها فلما جاءت قالت لها أمرأة كانت تجالسها حكيمة فتح اليوم بيت ربك فلو رأيت الطائفين يطوفون بالبيت والباب مفتوح وهم ينتظرون الرحمة من مليكهم لقد قرت عينك قال فصرخت حكيمة صرخة ثم لم تزل تضطرب حتى ماتت رحمه الله
230 - نقيش بنت سالم
عن أبي المورق قال حدثني من سمع نقيش بنت سالم بمكة وهي تقول يا سيد الأنام رحلت بي الشقة وهذا مقام العائذ بعفوك من سخطك وبرحمتك من غضبك يا حبيب الأوابين يا من لا يكديه الإعطاء يا ذا المن والآلاء زدني بالثقة منك وصلة واجعل قراي عتق رقبتي وأقرر عيني برضاك (2/274)
قال ورأيتها بالموقف وهي تقول بهظتني الآثام يا سيد الأنام كحلت عيني بملمول الحزن فوعزتك لانعمت بضحك أبدا حتى أعلم أين قراري وإلى أين تصير داري فلما رأت أيدي الناس مبسوطة للدعاء قالت يا رب أقامهم هذا المقام خوف النار يا قرة عيني وعيون الأبرار يلتمسون نائلك ويرجون فضلك فلما رجعوا وضعت خدها وصرخت إنصرف الناس ولم أشعر قلبي منك اليأس
231 - عائشة المكية
عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال دخلت مكة وكنت ربما أقعد بحذاء الكعبة وربما كنت أستلقي وأمد رجلي فجاءتني عائشة المكية وكانت من العابدات ممن صحب الفضيل فقالت لي يا عبد الله يقال إنك عالم أقبل مني كلمة لا تجالسه إلا بأدب فيمحوا أسمك من ديوان القرب
232 - إبنة أبي الحسن المكي
عن عبد الله بن أحمد بن بكر قال كان لأبي الحسن المكي إبنة مقيمة بمكة أشد ورعا منه وكانت لا تقتات إلا ثلاثين درهما ينفذها (2/275)
إليها أبوها في كل سنة مما يستفضله من ثمن الخوص الذي يسفه ويبيعه
فأخبرني إبن الرواس التمار وكان جاره قال جئت أودعه للحج وأستعرض حاجته وأسأله أن يدعو لي فسلم إلي قرطاسا وقال تسأل بمكة عن الموضع الفلاني عن فلانة وتسلم هذا إليها فعلمت أنها ابنته
فأخذت القرطاس وجئت فسألت عنها فوجدتها بالعبادة والزهد أشد اشتهارا من أن تخفى فتتبعت نفسي أن يصل إليها شيء من مالي يكون لي ثوابه وعلمت أنني إن دفعت إليها ذاك لم تأخذه ففتحت القرطاس وجعلت الثلاثين خمسين درهما ورددته كما كان وسلمته إليها فقالت أي شيء خبر أبي فقلت سلامة فقالت قد خالط أهل الدنيا وترك الانقطاع إلى الله تعالى فقلت أسألك بالله وبمن حججت إليه عن شيء فتصدقني فقلت نعم فقالت خلطت بهذه الدراهم شيئا من عندك فقلت نعم فمن أين علمت بهذا قالت ما كان أبي يزيدني على الثلاثين شيئا لأن حاله لا يحتمل أكثر منها إلا أن يكون ترك العادة فلو أخبرتني بذلك ما أخذت منه أيضا شيئا
ثم قالت لي خذ الجميع فقد عققتني من حيث قدرت أنك تبرني فقلت ولم قالت لا آكل شيئا ليس هو من كسبي ولا كسب أبي ولا آخذ من مال لا أعرف كيف هو شيئا فقلت خذي منها الثلاثين كما أنفذ إليك أبوك وردي الباقي فقالت لو عرفتها بعينها من جملة الدراهم (2/276)
لأخذتها ولكن قد اختلطت بما لا أعرف جهته فلا آخذ منها شيئا وأنا الآن أقتات إلى الموسم الآخر من المزابل لأن هذه كانت قوتي تلك السنة فقد أجعتني ولولا أنك ما قصدت أذاي لدعوت عليك
قال فاغتممت وعدت إلى البصرة وجئت إلى أبي الحسن فأخبرته واعتذرت إليه فقال لا آخذها وقد اختلطت بغير مالي وقد عققتني وإياها قال فقلت فما أعمل بالدراهم قال لا أدري فما زلت مدة أعتذر إليه وأسأله ما أعمل بالدراهم فقال لي بعد مدة تصدق بها ففعلت (2/277)
ذكر المصطفيات من عابدات مكة المجهولات الأسماء
333 - جارية سوداء
عن المثنى بن الصباح قال كان عطاء ومجاهد يختلفان إلى جارية سوداء في ناحية مكة تبكيهما ثم يرجعان
234 - عابدة أخرى
عن مالك بن دينار قال رأيت امرأة بمكة من أحسن الناس عينين قال فكان النساء يجئن فينظرن إليها فأخذت في البكاء فقيل لها تذهب عيناك فقالت إن كنت من أهل الجنة فيبدلني الله عينين أحسن من هاتين وإن كنت من أهل النار فسيصيبهما أشد من هذا فبكت حتى ذهبت إحدى عينيها رحمها الله
235 - عابدة أخرى
عن أبي عبد الرحمن المغازلي قال كانت حكيمة مجاورة بمكة فدخلنا عليها ذات يوم فقالت لها امرأة كانت تخدمها إخوانك جاؤوك يحبون أن يسمعوا كلامك (2/278)
قال فبكت طويلا ثم اقبلت علينا فقالت إخوتي وقرة عيني مثلوا القيامة نصب أبصار قلوبكم وردوا على أنفسكم ما قدم نقدم من أعمالكم فما ظننتم أنه يجوز في ذلك اليوم فارغبوا إلى السيد في قبوله وتمام النعمة فيه وما خفتم أن يرد في ذلك اليوم عليكم فخذوا في إصلاحه من اليوم ولا تغفلوا عن أنفسكم فترد عليكم حيث لا يوجد البدل ولا يقدر على الفداء
قال ثم بكت طويلا ثم أقبلت علينا فقالت إخوتي وقرة عيني إنما صلاح الأبدان وفسادها في حسن النية وسوئها إخواني وقرة عيني إنما نال المتقون المحبة لمحبتهم له وانقطاعهم إليه ولولا الله ورسوله ما نالوا ذلك ولكنهم أحبوا الله ورسوله فأحبهم عباد الله لحبهم الله ورسوله إخواني وقرة عيني كلم الخوف قلوب أهله فاقتطعهم والله وشغلهم عن مطاعم اللذات والشهوات إخوتي وقرة عيني بقدر ما تعرضون عن الله يعرض عنكم بخيره وبقدر ما تقبلون عليه كذلك يقبل عليكم ويزيدكم من فضله والله واسع كريم
236 - عابدة أخرى
عن إبن أبي رواد قال كان عندنا إمرأة بمكة تسبح كل يوم إثنتي عشرة ألف تسبيحة فماتت فلما بلغت القبر أختلست من أيدي الرجال رحمها الله (2/279)
237 - عابدة أخرى
عن إبن شوذب قال كتب عبدة بن أبي لبابة إلى شريك يقال له الحسن بن الخزاز ادفع ثلاث مائة درهم إلى أحوج أهل بيت بمكة فسأل فدل على أهل بيت فوقف بهم فخرجت إليه امرأة كبيرة حسنة السمت فقال لها بعث إلي بثلاث مائة درهم وأمرت أن أدفعها إلى أحوج أهل بيت بمكة فقالت المرأة إن كنت أمرت بهذا فما نحن هم ومالنا فيها من حق وأنا أعرف أهل بيت أحوج منا
فسألها فدلته عليهم فأعطاهم الدراهم وكتب إلى عبدة يخبره بحال المرأة فكتب عبدة أن أضعفها أعطها ستمائة درهم
وقد ذكرنا نحو هذه الحكاية عن عابدة من أهل المدينة
238 - عابدة أخرى
عن أبي الحسن الرام وكان من خيار الناس قال كانت امرأة بمكة يأتيها العباد فيتحدثون عندها ويتواعظون فقالت لهم يوما حجبت قلوبكم الدنيا عن الله عز و جل فلو جليتموها لجالت في ملكوت السموات ولأتتكم بطرف الفوائد (2/280)
239 - عابدة أخرى
عن صالح بن عبد الكريم قال دللت على امرأة بمكة أو بالمدنية تتعبد فأتيتها وهي تتكلم قال فاحسنت حتى سكتت قال فصبرت حتى تفرق الناس عنها ثم دنوت منها فقلت لقد تكلمت ولقد خشيت عليك العجب فقالت إنما العجب من شيء هو منك فأما ما كان من غيرك ففيم العجب ثم قالت
وله خصائص مصطفون لحبه ... اختارهم في سالف الأزمان
اختارهم من قبل فطرة خلقه ... بودائع وبحكمة وبيان
ثم قالت انهض إذا شئت
240 - عابدة أخرى
عن عبد الرحمن بن الحكم قال كانت عجوز من قريش بمكة تأوى في سرب ليس لها بيت غيره فقيل لها أترضين بهذا فقالت أو ليس هذا لمن يموت كثيرا
241 - عابدة أخرى
عن محمد بن بكار قال كانت عندنا بمكة امرأة عابدة فكانت لا تمر بها ساعة إلا وهي صارخة فقيل لها يوما إنا لنراك على حال ما نرى (2/281)
غيرك عليها فإن كان بك داء عالجناك قال فبكت وقالت من لي بعلاج هذا الداء وهل أقرح قلبي إلا التفكر في نيل معالجته أو ليس عجيبا أن أكون حية بين أظهركم وفي قلبي من الاشتياق إلى ربي عز و جل مثل شعل النار التي لا تطفأ حتى أصير إلى الطبيب الذي عنده برء دائي وشفاء قلب قد أنضجه طول الاحزان في هذه الدار التي لا أجد فيها على البكاء مسعدا
انتهى ذكر أهل مكة (2/282)
ومن المصطفين من أهل الطائف
242 - سعيد بن السائب الطائفي
روى عن أبيه ونوح بن صعصعة وغيرهما وروى عنه وكيع ومعن بن عيسى
عن سفيان قال كان سعيد بن السائب الطائفي لاتكاد تجف له دمعة إنما دموعه جارية دهره إن صلى فهو يبكي وإن طاف فهو يبكي وإن جلس يقرأ في المصحف فهو يبكي وإن لقيته في طريق فهو يبكي
قال سفيان فحدثوني أن رجلا عاتبه على ذلك فبكى ثم قال إنما ينبغي أن تعذلني وتعاتبني على التقصير والتفريط فإنهما قد إستوليا علي
قال الرجل فلما سمعت ذلك إنصرفت وتركته
وعن محمد بن يزيد بن خنيس قال ما رأيت أحدا قط أسرع دمعة من سعيد بن السائب إنما كان يجريه أن يحرك فترى دموعه كالقطر
عن محمد بن يزيد بن خنيس قال قيل لسعيد بن السائب كيف أصبحت قال أصبحت أنتظر الموت على غير عدة
وعنه قال سمعت الثوري يقول جلست ذات يوم أحدث ومعنا سعيد بن السائب الطائفي فجعل سعيد يبكي حتى رحمته فقلت يا سعيد (2/283)
مايبكيك وأنت تسمعني أذكر أهل الخير وفعالهم فقال يا سفيان ومايمنعني من البكاء إذا ذكرت مناقب أهل الخير وكنت عنهم بمعزل
قال يقول سفيان حق له أن يبكي رحمه الله
ذكر المصطفين من طبقات أهل اليمن من التابعين ومن بعدهم
فمن الطبقة الثانية
243 - طاوس بن كيسان
يكنى أبا عبد الرحمن قال الواقدي كان طاوس مولى بحير بن ريسان الحميري وكان ينزل الجند وقال الفضل بن دكين هو مولى لهمدان وقال عبد المنعم بن إدريس هو مولى لإبن هوذة الهمداني
عن الحسن بن حصين قال رأيت طاوسا مر برءاس بمكة وقد أخرج رأسا فلما رآه صعق
وعن عبد الله بن بشر أن طاوسا اليماني كان له طريقان إلى المسجد طريق في السوق وطريق آخر فكان يأخذ في هذا يوما وفي هذا (2/284)
يوما فإذا مر في طريق السوق فرأى تلك الرؤس المشوية لم يتعش تلك الليلة وقد روى لنا لم ينعس
وعن مسعر عن رجل قال أتى طاوس رجلا في السحر فقالوا هو نائم فقال ما كنت أرى أن أحدا ينام في السحر
وعن عبد الرزاق قال حدثني أبي قال كان طاوس يصلي في غداة باردة فمر به محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف أو أيوب بن يحيى وهو ساجد في موكبه فأمر بساج أو طيلسان مرتفع فطرح عليه فلم يرفع رأسه حتى فرغ من حاجته فلما سلم نظر فإذا الساج عليه قال فانتفض ولم ينظر إليه ومضى إلى منزله
وعن أبي إسحاق الضعناني قال دخل طاوس ووهب بن منبه على محمد بن يوسف أخي الحجاج وكان عاملا علينا في غداة باردة فقعد طاوس على الكرسي فقال محمد يا غلام هلم ذلك الطيلسان فألقه على أبي عبد الرحمن فألقوه عليه فلم يزل يحرك كتفيه حتى ألقى عنه الطيلسان وغضب محمد بن يوسف فقال له وهب والله إن كنت لغنيا أن تغضبه علينا لو أخذت الطيلسان فبعته وأعطيت ثمنه المساكين (2/285)
فقال نعم لولا أن يقال من بعدي أخذه طاوس فلا يصنع فيه ما أصنع لفعلت
وعن النعمان بن الزبير أن محمد بن يوسف وأيوب بن يحيى بعثا إلى طاوس بخمسمائة دينار وقالوا للرسول إن أخذها منك فإن الأمير سيكسوك ويحسن إليك فخرج بها حتى قدم على طاوس فقال يا أبا عبدالرحمن نفقة بعث بها إليك الأمير قال مالي بها من حاجة قال فأراده على قبضها فأبى فغفل طاوس فرمى بها في كوة في البيت ثم ذهب فقال لهم قد أخذها فلبثوا حينا ثم بلغهم عن طاوس شيء يكرهونه فقال ابعثوا إليه فليبعث إلينا بمالنا فجاءه الرسول فقال المال الذي بعث به إليك الأمير قال ماقبضت منه شيئا فرجع الرسول فأخبرهم فعرفوا أنه صادق
فقيل للرجل الذي ذهب بها فبعثوه إليه فقال المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن فقال هل قبضت منك شيئا قال لا قال فهل تدري أين وضعته قال نعم في تلك الكوة قال فأبصره (2/286)
حيث وضعته قال فمد يده فإذا هو بالصرة قد بنت عليها العنكبوت فأخذها فذهب بها إليهم
وعن سفيان قال جاء إبن لسليمان بن عبد الملك فجلس إلى جنب طاوس فلم يلتفت إليه فقيل له جلس إليك إبن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه قال أردت أن يعلم أن لله عبادا يزهدون فيما في يديه
وعن سفيان عن عمرو قال ما رأيت أحدا أشد تنزها مما في أيدي الناس من طاوس
وعن إبن أبي رواد قال رأيت طاوسا وأصحابه إذا صلوا العصر إستقبلوا القبلة ولم يكلموا أحدا وابتهلوا في الدعاء
وعن الصلت بن راشد قال كنت عند طاوس فسأله سلم بن قتيبة عن شيء فزبره وانتهره قال قلت هذا سلم بن قتيبة صاحب خرسان قال ذاك أهون له علي
وعن عبد الرزاق قال قدم طاوس مكة فقدم أمير قال فقيل له إن من فضله ومن ومن فلو أتيته قال مالي إليه حاجة قالوا إنا نخافه عليك قال فما هو كما تقولون (2/287)
وعن إبن طاوس قال قلت لأبي أريد أن أتزوج فلانة قال إذهب فانظر إليها قال فذهبت فلبست من صالح ثيابي وغسلت رأسي وادهنت فلما رآني في تلك الهيئة قال أقعد لاتذهب
وعن بلال بن كعب قال كان طاوس إذا خرج من اليمن يعني إلى مكة لم يشرب إلا من تلك المياه القديمة الجاهلية
وعن يوسف بن أسباط قال مر طاوس بنهر قد كري فأرادت بغلته أن تشرب فأبى أن يدعها يعني كراه السلطان
وعن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال صلى وهب بن منبه وطاوس اليماني الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة
وعن إبن جريج قال قال لي عطاء قال لي طاوس يا عطاء لا تنزلن حاجتك بمن أغلق دونك أبوابه وجعل عليها حجابة ولكن أنزلها بمن بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة أمرك أن تدعوه وضمن لك أن يستجيب لك (2/288)
وعن أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان قال كان طاوس يفترش فراشه ثم يضطجع فيتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى ثم يثب فيدرجه ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول طير ذكر جهنم نوم العابدين
وعن ليث عن طاوس قال مامن شيء يتكلم به إبن آدم إلا أحصى عليه حتى أنينه في مرضه
وعن عبد الله بن أبي صالح المكي قال دخل علي طاوس يعودني فقلت يا أبا عبد الرحمن أدع الله لي فقال ادع لنفسك فإنه يجيب المضطر إذا دعاه
وعن سفيان قال قال طاوس إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعا فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام
وعن داود بن إبراهيم أن الأسد حبس الناس ليلة في طريق الحج فدق الناس بعضهم بعضا فلما كان في السحر ذهب عنهم فنزل الناس يمينا وشمالا فألقوا أنفسهم فناموا وقام طاوس يصلي فقال إبن طاوس ألا تنام فقد نصبت الليلة فقال طاوس ومن ينام السحر
أدرك طاوس خلقا كثيرا من الصحابة وأكثر روايته عن إبن عباس (2/289)
وروى عنه من كبار التابعين مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وأبو الزبير ومحمد بن المنكدر والزهري ووهب بن منبه
وعن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس قال أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم
وعن سفيان قال قلت لعبيد الله بن أبي يزيد مع من كنت تدخل على إبن عباس قال مع عطاء والعامة وكان طاوس يدخل مع الخاصة
ذكر وفاته رحمه الله
توفي طاوس بمكة قبل يوم التروية بيوم وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة وهو خليفة سنة ست ومائة فصلى على طاوس وكان له يوم مات بضع وتسعون سنة
وعن ضمرة عن إبن شوذب قال شهدت جنازة طاوس بمكة سنة ست ومائة فسمعتهم يقولون رحمك الله أبا عبد الرحمن حج أربعين حجة رحمه الله (2/290)
244 - وهب بن منبه
من الأبناء يكنى أبا عبد الله
عن عبد العزيز بن رفيع عن وهب بن منبه قال الإيمان عريان ولباسه التقوى وزيتنه الحياء وماله الفقه
وعن عبد الصمد بن معقل أن وهب بن منبه قال في موعظة له يا بن آدم إنه لا أقوى من خالق ولا أضعف من مخلوق ولا أقدر ممن طلبته في يده ولا أضعف ممن هو في يد طالبه يا بن آدم إنه قد ذهب منك مالا يرجع إليك وأقام معك ماسيذهب
يا بن آدم أقصر عن تناول مالا تنال وعن طلب مالا تدرك وعن إبتغاء مالا يوجد وإقطع الرجاء منك عما فقدت من الأشياء واعلم أنه رب مطلوب هو شر لطالبه يابن آدم إنما الصبر عند المصيبة وأعظم من المصيبة سوء الخلف منها
يابن آدم فأي الدهر ترتجي أيوما يجيء في غرة أو يوما تستأخر فيه عن أوان مجيئه فانظر إلى الدهر تجده ثلاثة أيام يوما مضى لاترتجيه ويوما لابد منه ويوما يجيء لاتأمنه فأمس شاهد مقبول وأمين مؤد وحكيم وارد قد فجعك بنفسه وخلف في يديك حكمته واليوم صديق مودع كان طويل الغيبة وهو سريع الظعن (2/291)
أتاك ولم تأته وقد مضى قبله شاهد عدل فإن كان ما فيه لك فاشفعه بمثله
يابن آدم قد مضت لنا أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد أصله
يا بن آدم إنما أهل هذه الدار سفر لايحلون عقدة الرحال إلا في غيرها وإنما يتبلغون بالعواري فما أحسن الشكر للنعم والتسليم للمعير فاعلم يابن آدم أنه لارزية أعظم من رزية في عقل ممن ضيع اليقين
أيها الناس إنما البقاء بعد الفناء وقد خلقنا ولم نكن سنبلي ثم نعود ألا وإنما العواري اليوم والهبات غدا ألا وإنه قد تقارب منا سلب فاحش أو إعطاء جزيل فاستصلحوا ما تقدمون بما تظعنون عنه
أيها الناس إنما أنتم في هذه الدار غرض فيكم المنايا تنتضل وإن الذي أنتم فيه من دنياكم نهب للمصائب لاتتناولون فيها نعمة إلا بفراق أخرى ولا يستقبل معمر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من أجله ولا تجدد زيادة في أجله إلا بنفاد ما قبله من (2/292)
رزقه ولا يحيا له أثر إلا مات له أثر فنسأل الله أن يبارك لنا ولكم فيما مضى من هذه العظة
وعن بكار بن عبد الله قال سمعت وهب بن منبه يقول مر رجل عابد على رجل عابد فقال مالك قال أعجب من فلان أن كان قد بلغ من عبادته فمالت به الدنيا فقال لاتعجب ممن تميل به ولكن إعجب ممن إستقام
وعن أشرس عن وهب بن منبه قال أوحى الله عز و جل إلى داود يا داود هل تدري من أغفر له ذنوبه من عبيدي قال من هو يا رب قال الذي إذا ذكر ذنوبه إرتعدت منها فرائصه فذلك العبد الذي آمر ملائكتي أن يمحوا عنه ذنوبه
قال وقال داود إلهي أين أجدك إذا ماطلبتك قال عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي
وعن بكار بن عبد الله عن وهب قال قرأت في بعض الكتب أن مناديا ينادي من السماء الرابعة كل صباح أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده أبناء الخمسين ماذا قدمتم وماذا أخرتم أبناء الستين لا عذر لكم ليت الخلق لم يخلقوا وإذا خلقوا علموا لماذا خلقوا قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم (2/293)
وعن عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول قرأت في التوراة أيما دار بنيت بقوة الضعفاء جعلت عاقبتها للحراب وأيما مال جمع من غير حل جعلت عاقبته إلى الفقر
وعن عبد الرزاق قال أخبرني أبي قال سمعت وهب بن منبه يقول ربما صليت الصبح بوضوء العتمة وقد روى لنا من طريق آخر
وعن المثنى بن الصباح قال لبث وهب بن منبه عشرين سنة لم يجعل له بين العشاء والصبح وضوءا
وقد روينا في ترجمة طاوس أن وهب بن منبه صلى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة
وعن أبي سنان القسملي قال سمعت وهب بن منبه وأقبل على عطاء الخرساني فقال ويحك يا عطاء ألم أخبر أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا ويحك يا عطاء تأتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه ويظهر لك غناءه ويقول أدعوني أستجب لكم
ويحك يا عطاء إرض بالدون من الدنيا مع الحكمة ولاترض بالدون من الحكمة مع الدنيا ويحك يا عطاء إن كان يغنيك ما يكفيك فإن أدنى مافي الدنيا يكفيك وإن كان لايغنيك مايكفيك فليس في (2/294)
الدنيا شيء يكفيك ويحك يا عطاء إنما بطنك بحر من البحور وواد من الأودية فليس يملؤه إلا التراب
وعن منير مولى الفضل بن أبي عياش قال كنت جالسا مع وهب إبن منبه فأتاه رجل فقال إني مررت بفلان وهو يشتمك فغضب وقال ماوجد الشيطان رسولا غيرك فما برحت من عنده حتى جاءه ذلك الرجل الشاتم فسلم على وهب فرد عليه ومد يده وصافحه وأجلسه إلى جنبه
وعن إبراهيم بن عمر قال قال وهب بن منبه إذا مدحك الرجل بما ليس فيك فلا تأمنه أن يذمك بما ليس فيك
وعن جعفر بن برقان عن وهب بن منبه قال الإيمان قائد والعمل سائق والنفس بينهما حرون فإذا قاد القائد ولم يسق السائق لم يغن ذلك شيئا وإذا ساق السائق ولم يقد القائد لم يغن ذلك شيئا وإذا قاد القائد وساق السائق إتبعته النفس طوعا وكرها وطاب العمل
أسند وهب بن منبه عن جابر بن عبد الله والنعمان بن بشير وإبن عباس وخلق كثير يطول شرحهم (2/295)
وقد روى عن معاذ بن جبل وأبي هريرة في آخرين وروى خلق كثير من كبار التابعين كطاوس
وروى عنه من التابعين جماعة منهم عمرو بن دينار وأبان إبن أبي عياش وموسى بن عقبة في آخرين
قال الواقدي مات وهب بن منبه بصنعاء سنة عشر ومائة وقيل سنة أربع عشرة
245 - المغيرة بن حكيم الصنعاني
من الأبناء
عن عبد الله بن إبراهيم قال أخبرني أبي قال سافر المغيرة بن حكيم إلى مكة أكثر من خمسين سفرا حافيا محرما صائما لايترك صلاة السحر في سفره إذا كان السحر نزل فصلى ويمضي أصحابه فإذا صلى الصبح لحق متى ما لحق
وعن إبراهيم بن عمر قال كان جزء المغيرة بن حكيم في يومه وليلته القرآن كله يقرأ في صلاة الصبح من البقرة إلى هود ويقرأ قبل الزوال إلى أن يصلي العصر من هود إلى الحج ثم يختم
سمع المغيرة بن حكيم من إبن عمر وأبي هريرة وغيرهما (2/296)
246 - الحكم بن أبان العدني أبو عيسى
عن إسحاق بن الضيف قال سمعت مشيخة يقولون كان الحكم إبن أبان سيد أهل اليمن وكان يصلي الليل فإذا غلبه النوم ألقى نفسه في البحر وقال أسبح لله عز و جل مع الحيتان
سمع الحكم من عكرمة وغيره وتوفي سنة أربع وخمسين ومائة رحمه الله
247 - ضرغام بن وائل الحضرمي
عن الطلحي قال كان رجل بأرض اليمن يقال له ضرغام بن وائل الحضرمي وكان زاهد قومه فقال لغلامه ذات يوم أشدد كتافي وعفر خدي بالثرى ففعل فقال مليكي دنا الرحيل إليك ولا براءة لي من ذنب ولا عذر لي فأعتذر ولا لي قوة فأنتصر أنت أنت لي فتغمدني قال ومات فسمعوا قائلا يقول إسكان العبد لمولاه فقبله (2/297)
ذكر المصطفين من عباد اليمن المجهولين الأسماء
248 - عابد
عن علي بن زيد قال قال طاوس بينا أنا بمكة بعث إلي الحجاج فأجلسني إلى جنبه وأتكأني على وسادة إذ سمع ملبيا يلبي حول البيت رافعا صوته بالتلبية فقال علي بالرجل فأتي به فقال ممن الرجل فقال من المسلمين قال ليس عن الإسلام سألت قال فعم سألت قال سألتك عن البلد قال من أهل اليمن قال كيف تركت محمد بن يوسف يريد أخاه قال تركته عظيما جسيما لباسا ركابا خراجا ولاجا قال ليس عن هذا سألتك قال فعم سألت قال سألتك عن سيرته فقال تركته ظلوما غشوما مطيعا للمخلوق عاصيا للخالق
فقال له الحجاج ما حملك أن تتكلم بهذا الكلام وأنت تعلم مكانه مني قال الرجل أتراه بمكانه منك أعز مني بمكاني من الله عز و جل وأنا وافد بيته ومصدق نبيه وقاضي دينه قال فسكت الحجاج فما أحار جوابا وقام الرجل من غير أن يؤذن له فانصرف
قال طاوس وقمت في أثره وقلت الرجل حكيم فأتى البيت (2/298)
فتعلق بأستاره ثم قال اللهم بك أعوذ وبك ألوذ اللهم إجعل لي في اللهف إلى جودك والرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين وغنى عما في أيدي المستأثرين اللهم فرجك القريب القريب ومعروفك القديم وعادتك الحسنة
ثم ذهب في الناس فرأيته عشية عرفة وهو يقول اللهم إن كنت لم تقبل حجي وتعبي ونصبي فلا تحرمني الأجر على مصيبتي بتركك القبول مني ثم ذهب في الناس فرأيته غداة جمع يقول واسوأتاه والله منك وإن عفوت يردد ذلك
249 - عابد آخر
موسى بن علي الأخميمي قال قال ذو النون وصف لي رجل باليمن قد برز على الخائفين وسما على المجتهدين وذكر لي باللب والحكمة فخرجت حاجا فلما قضيت نسكي مضيت إليه لأسمع من كلامه وأنتفع بموعظته أنا وناس كانوا معي يطلبون منه مثل ما أطلب
وكان معنا شاب عليه سيماء الصالحين ومنظر الخائفين كان مصفار الوجه من غير مرض أعمش العينين من غير عمش ناحل الجسم من غير سقم يحب الخلوة ويأنس بالوحدة تراه أبدا كأنه قريب العهد بالمصيبة فخرج إلينا فجلسنا إليه فبدأ الشاب بالسلام عليه وصافحه (2/299)
فأبدى الشيخ له البشر والترحيب ثم سلمنا عليه فقال الشاب إن الله بمنه وفضله قد جعلك طبيبا لسقام القلوب معالجا لأوجاع الذنوب وبي جرح نغل وداء قد إستكمل فإن رأيت أن تلطف لي ببعض مراهمك وتعالجني برفقك
فقال له الشيخ سل ما بدا لك يا فتى فقال له الشاب يرحمك الله ما علامة الخوف من الله تعالى قال أن يؤمنه خوفه كل خوف غير خوفه قال متى يتبين للعبد خوفه من الله تعالى قال إذا أنزل نفسه من الدنيا منزلة السقيم فهو يحتمي من أكل الطعام مخافة السقام ويصبر على مضض كل دواء مخافة طول الضنى
فصاح الفتى صيحة ثم بقي باهتا ساعة ثم قال رحمك الله ما علامة المحب لله تعالى فقال له حبيبي إن درجة المحب درجة رفيعة قال وأنا أحب أن تصفها لي قال فإن المحبين لله تعالى شق لهم عن قلوبهم فأبصروا بنور القلوب عز جلال الله فصارت أبدانهم دنياوية وأرواحهم حجبيه وعقولهم سماوية تسرح بين صفوف الملائكة وتشاهد تلك الأمور باليقين فعبدوه بمبلغ إستطاعتهم حبا له لا طمعا في جنة ولا خوفا من نار
فشهق الفتى وصاح صيحة كانت فيها نفسه قال فأكب الشيخ عليه يلثمه ويقول هذا مصرع الخائفين وهذه درجة المجتهدين (2/300)
250 - عابدان
أبو بكر القرشي قال قرأت في كتاب جعفر الآدمي بخطه قال سلامة كنت باليمن في بعض مخاليفها فإذا رجل معه إبن له شاب فقال إن هذا أبي وهو من خير الآباء ولي بقر تأتيني مساء فأحلبها ثم آتي أبي وهو في الصلاة فأحب أن يكون عيالي يشربون فضله فلا أزال قائما عليه والإناء في يدي وهو مقبل على صلاته وعسى أن لاينفتل ويقبل علي حتى يطلع الفجر
قلت للشيخ ما تقول قال صدق وأثنى على إبنه ثم قال إني أخبرك بعذري إذا دخلت في الصلاة فاستفتحت القرآن ذهب بي مذاهب وشغلني حتى ما أذكره حتى أصبح
قال سلامة ذكرت أمرهما لعبد الله بن مرزوق فقال هذان يدفع بهما عن أهل اليمن قال وذكرت أمرهما لإبن عيينة فقال هذان يدفع بهما عن أهل الأرض رضي الله عنهما (2/301)
ذكر المصطفيات من عابدات اليمن
251 - خنساء بنت خدام
وليست بالصحابية
عن حفص بن عمرو الجعفي قال كانت باليمن إمرأة من العرب جليلة جهورية حسنا وجمالا كأنها بدنة يقال لها خنساء بنت خدام فصامت أربعين عاما حتى لصق جلدها بعظمها وبكت حتى ذهبت عيناها وقامت حتى أقعدت من رجليها
وكان طاوس ووهب بن منبه يعظمان قدرها وكانت إذا جن عليها الليل وهدأت العيون وسكنت الحركات تنادي بصوت لها حزين يا حبيب المطيعين إلى كم تحبس خدود المطيعين في التراب ابعثهم حتى ينجزوا موعدك الصادق الذي أتعبوا له أنفسهم ثم أنصبوها
قال فيسمع البكاء من الدور حولها
252 - سوية
عن أبي هشام رجل من قريش من بني عامر قال قدمت علينا إمرأة من أهل اليمن يقال لها سوية فنزلت في بعض رباعنا فكنت أسمع لها من الليل نحيبا وشهيقا فقلت للجارية (2/302)
أشرفي على هذه المرأة فانظري ما تصنع فإذا هي قائمة مستقبلة القبلة رافعة رأسها إلى السماء فقلت ما تصنع قالت ما أراها تصنع شيئا غير أنها لاترد طرفها عن السماء فقلت اسمعي ما تقول قالت لاأفهم كثيرا من قولها غير أني أسمعها تقول
أراك خلقت سوية من طينة لازبة غمرتها بنعمتك تغذوها من حال إلى حال وكل أحوالك لها حسنة وكل بلائك عندها جميل وهي مع ذلك متعرضة لسخطك بالتوثب على معاصيك فلته في إثر فلته أترى أنها تظن أنك لاترى سوء فعالها بلى وأنت على كل شيء قدير
ثم صرخت وسقطت ونزلت الجارية فأخبرتني بسقطها فلما أصبحنا نظرنا فإذا هي قد ماتت والسلام ومن عابدات اليمن المجهولات الأسماء
253 - عابدة
عن محمد بن سليمان القرشي قال بينا أنا أسير في طريق اليمن إذا أنا بغلام واقف في الطريق في أذنية قرطان في كل قرط جوهرة يضيء وجهه من ضوء تلك الجوهرة وهو يمجد ربه بأبيات من الشعر فسمعته يقول
مليك في السماء به افتخاري ... عزيز القدر ليس به خفاء (2/303)
فدنوت منه فسلمت عليه فقال ما أنا براد عليك حتى تؤدي من حقي ما يجب لي عليك قلت وما حقك قال أنا غلام على مذهب إبراهيم الخليل صلى الله عليه و سلم لاأتغدى ولاأتعشى كل يوم حتى أسير الميل والميلين في طلب الضيف
فأجبته إلى ذلك فرحب بي وسرت معه حتى قربنا من خيمة شعر فلما قربنا من الخيمة صاح يا أختاه فأجابته جارية من الخيمة يالبيكاه فقال قومي إلى ضيفنا فقالت الجارية حتى أبدأ بشكر المولى الذي سبب لنا هذا الضيف فقامت فصلت ركعتين شكرا لله عز و جل
فأدخلني الخيمة وأجلسني وأخذ الغلام الشفرة وأخذ عناقا ليذبحها فلما جلست في الخيمة نظرت إلى أحسن الناس وجها فكنت أسارقها النظر ففطنت ببعض لحظاتي إليها فقالت لي مه أما علمت أنه قد نقل إلينا عن صاحب يثرب صلى الله عليه و سلم أن زنى العينين النظر أما إني ما أردت بهذا أن أوبخك ولكني أردت ان أؤدبك لكي لاتعود إلى مثل هذا
فلما كان النوم بت أنا والغلام خارجا وباتت الجارية في (2/304)
الخيمة وكنت أسمع دوي القرآن الليل كله بأحسن صوت يكون وأرقه فلما أصبحت قلت للغلام صوت من كان ذلك فقال تلك أختي تحيي الليل كله إلى الصباح فقلت يا غلام أنت أحق بهذا العمل من أختك أنت رجل وهي إمرأة قال فتبسم وقال لي ويحك يا فتى أما علمت أنه موفق ومخذول
إنتهى ذكر أهل اليمن (2/305)
ذكر المصطفين من أهل بغداد
نزل بغداد خلق كثير من العلماء والزهاد والأولياء والعباد وإنما ننتخب منهم من يدخل في شرط كتابنا هذا ونذكرهم على طبقاتهم والله الموفق
254 - أبو هاشم الزاهد
قال أبو نعيم الحافظ أبو هاشم من قدماء زهاد بغداد ومن أقران أبي عبد الله البراثي وبلغني أن سفيان الثوري جلس إليه وقال ما زلت أرائي وأنا لا أشعر حتى جالست أبا هاشم فأخذت منه ترك الرثاء
محمد بن حسين قال حدثني بعض أصحابنا قال قال أبو هاشم الزاهد إن الله عز و جل وسم الدنيا بالوحشة ليكون أنس المريدين به دونها وليقبل المطيعون له بالإعراض عنها وأهل المعرفة بالله فيها مستوحشون وإلى الآخرة مشتاقون
وعن حكيم بن جعفر قال نظر أبو هاشم إلى شريك القاضي يخرج من دار يحيى بن خالد فبكى وقال أعوذ بالله من علم لا ينفع
وعن محمد بن الحسين قال قال أبو هاشم الزاهد أخذ المرء نفسه بحسن الأدب تأديب أهله (2/306)
255 - أسود بن سالم
أبو محمد العابد كان صالحا ورعا وكان بينه وبين معروف الكرخي مؤاخاة ومودة عن علي بن محمد بن إبراهيم الصفار قال حضرت أسود بن سالم ليلة فقلت
أمامي موقف قدام ربي ... يسائلني وينكشف الغطاء
وحسبي أن أمر على صراط ... كحد السيف أسفله لظاء
قال فصرخ أسود صرخة ولم يزل مغشيا عليه حتى أصبح
وعن أحمد بن الحكم الصاغاني قال جاء رجل إلى إبن حميد فقال إني إغتبت أسود بن سالم فأتيت في منامي فقيل لي تغتاب وليا من أولياء الله لو ركب حائطا ثم قال له سر لسار
وعن محمد بن إبراهيم السائح قال قال أسود بن سالم ركعتان أصليهما أحب إلي من الجنة بما فيها فقيل له هذا خطأ فقال دعونا من كلامكم رأيت الجنة رضا نفسي وركعتين أصليهما رضا ربي ورضا ربي أحب إلي من رضا نفسي
أسند أسود عن حماد بن زيد وسفيان بن عيينة واسمعيل بن علية في آخرين
وتوفي في سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة ومائتين (2/307)
256 - منصور بن عمار بن كثير
أبو السرى الواعظ
أصله من خراسان قال أبو عبد الرحمن السلمي هو من أهل مرو وقيل هو من أهل بوشنج وقيل من البصرة سكن بغداد
عن أبي سعيد بن يونس قال كان منصور بن عمار في قصصه وكلامه شيئا عجبا لم يقص على الناس مثله
وعن سليم بن منصور قال رأيت أبي في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال إن الرب قربني وأدناني وقال لي يا شيخ السوء تدري لم غفرت لك قلت لا يا إلهي قال إنك جلست للناس يوما مجلسا فبكيتهم فبكى فيه عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط فغفرت له ووهبت أهل المجلس كلهم له ووهبتك فيمن وهبت له
وعن أبي الحسين السعداني قال رأيت منصور بن عمار في المنام فقلت له ما فعل الله بك قال وقفت بين يديه فقال لي أنت الذي كنت تزهد الناس في الدنيا وترغب فيها قلت قد كان ذاك ولكن (2/308)
ما إتخذت مجلسا إلا وبدأت بالثناء عليك وثنيت بالصلاة على نبيك صلى الله عليه و سلم وثلثت بالنصحية لعبادك فقال صدق ضعوا له كرسيا في سمائي فيمجدني في سمائي بين ملائكتي كما مجدني في أرضي بين عبادي
أسند منصور عن معروف أبي الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع
وروى عن الليث وإبن لهيعة في آخرين وتوفي ببغداد
257 - ولد الرشيد المعروف بالسبتي
ويقال أسمه أحمد رضي الله عنه
عن عبد الله بن الفرج قال خرجت يوما أطلب رجلا يرم لي شيئا في الدار فذهبت فأشير لي إلى رجل حسن الوجه بين يديه مر وزبيل فقلت تعمل لي قال نعم بدرهم ودانق فقلت قم فقام فعمل لي عملا بدرهم ودانق ودرهم ودانق ودرهم ودانق
قال ثم أتيت يوما آخر فسألت عنه فقيل لي ذلك رجل لا يرى في الجمعة إلا يوما واحد يوم كذا قال فجئت ذلك اليوم فقلت تعمل لي قال نعم بدرهم ودانق فقلت أنا بدرهم فقال بدرهم ودانق فقلت قم ولم يكن بي الدانق ولكن أحببت أن أستعلم ما عنده (2/309)
فلما كان المساء وزنت درهما فقال لي ما هذا قلت درهم قال ألم أقل لك درهم ودانق أف لقد أفسدت علي فقلت وأنا ألم أقل لك بدرهم فقال لست آخذ منه شيئا قال فوزنت درهما ودانقا فقلت خذ فأبى أن يأخذه وقال سبحان الله أقول لا آخذه وتلح علي فأبى أن يأخذه ومضى
قال فأقبل علي أهلي وقالت فعل الله بك ما أردت إلى رجل عمل لك عملا بدرهم أن أفسدت عليه قال فجئت يوما أسأل عنه فقيل لي مريض فاستدللت على بيته فأتيته فاستأذنت عليه فدخلت وهو مبطون وليس في بيته شيء إلا ذلك المر والزبيل فسلمت عليه وقلت له لي إليك حاجة وتعرف فضل إدخال السرور على المؤمن أحب أن تجيء إلى بيتي أمرضك قال وتحب ذلك قلت نعم قال بشرائط ثلاث قلت نعم قال لا تعرض على طعاما حتى أسألك وإذا أنا مت أن تدفنني في كسائي وجبتي هذه قلت نعم قال والثالثة أشد منهما وهي شديدة قلت وإن كان
قال فحملته إلى منزلي عند الظهر فلما أصبحت من الغد ناداني يا عبد الله فقلت ما شأنك قال قد احتضرت افتح صرة على كم جبتي قال ففتحتها فإذا فيها خاتم عليه فص أحمر فقال إذا أنا مت ودفنتني فخذ هذا الخاتم ثم أدفعه إلى هارون أمير المؤمنين وقل له (2/310)
يقول لك صاحب هذا الخاتم ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت على سكرتك هذه ندمت
فلما دفنته سألت عن يوم خروج هارون أمير المؤمنين وكتبت قصة وتعرضت له قال فدفعتها إليه وأوذيت أذى شديدا فلما دخل قصره وقرأ القصة قال علي بصاحب هذه القصة قال فأدخلت عليه وهو مغضب قال تتعرضون لنا وتفعلون فلما رأيت غضبه أخرجت الخاتم فلما نظر إلى الخاتم قال من أين لك هذا الخاتم قلت دفعه إلي رجل طيان فقال لي طيان طيان وقربني منه فقلت له يا أمير المؤمنين إنه أوصاني بوصية فقال لي ويحك قل فقلت يا أمير المؤمنين إنه أوصاني إذا أوصلت إليك هذا الخاتم فقل له يقرئك صاحب هذا الخاتم السلام ويقول لك ويحك لا تموتن على سكرتك هذه فإنك إن مت على سكرتك هذه ندمت
فقام على رجليه قائما وضرب بنفسه على البساط وجعل يتقلب عليه ويقول يا بني نصحت أباك (2/311)
فقلت في نفسي كأنه إبنه ثم جلس وجاؤوا بالماء فمسحوا وجهه وقال لي كيف عرفته فقصصت عليه قصته قال فبكى وقال هذا أول مولود ولد لي وكان أبي المهدي ذكر إلى زبيدة أن يزوجني فبصرت بهذه المرأة فوقعت في قلبي وكانت حسنة فتزوجت بها سرا من أبي فأولدتها هذا المولود وأحدرتها إلى البصرة وأعطيتها هذا الخاتم وأشياء وقلت اكتمي نفسك فإذا بلغك أني قد قعدت للخلافة فأتيني فلما قعدت للخلافة سألت عنهما فذكر لي أنهما ماتا ولم أعلم أنه باق فأين دفنته قلت يا أمير المؤمنين دفنته في مقابر عبد الله بن مالك قال لي إليك حاجة إذا كان بعد المغرب فقف لي بالباب حتى أخرج إليك فأخرج متنكرا إلى قبره
فوقفت له فخرج متنكرا والخدم حوله ووضع يده بيدي وصاح بالخدم فتنحوا وجئت به إلى قبره فما زال ليلته يبكي إلى أن أصبح ويدير رأسه ولحيته على قبره يقول يا بني لقد نصحت أباك
قال فجعلت أبكي لبكائه رحمة مني له ثم سمع كلاما فقال كأني أسمع كلام الناس قلت أجل أصبحت يا أمير المؤمنين قد طلع (2/312)
الفجر فقال لي قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم واكتب عيالك مع عيالي مع من تهتم به فإن لك علي حقا بدفنك ولدي وإن أنا مت أوصيت من يلي بعدي أن يجرى عليك ما بقي لك عقب
ثم أخذ بيدي حتى إذا بلغ قريبا من القصر ويده بيدي إذا الخدم فلما صاروا إلى القصر قال لي انظر ما وصيتك به إذا طلعت الشمس قف لي حتى أنظر إليك وأدعو بك فتحدثني حديثه قلت إن شاء الله فلم أعد إليه
قلت وقد رويت لنا قصته من طريق آخر وفيها نوع مخالفة لهذه
عن أبي بكر بن أبي الطيب قال بلغنا عن عبد الله بن الفرج العابد قال احتجت إلى صانع يصنع لي شيئا من أمر الروزجاريين فأتيت السوق فجعلت أرمق الصناع فإذا في أواخرهم شاب مصفر بين يديه زبيل كبير ومر وعليه جبة صوف ومئزر صوف فقلت له تعمل قال نعم قلت بكم قال بدرهم ودانق قلت له قم حتى تعمل قال على شريطة قلت ما هي قال إذا كان وقت الظهر وأذن المؤذن خرجت وتطهرت وصليت في المسجد جماعة ثم رجعت فإذا كان وقت العصر فكذلك قلت نعم فقام معي فجئنا المنزل (2/313)
فوافقته على ما ينقله من موضع إلى موضع فشد وسطه وجعل يعمل ولا يكلمني بشيء
حتى إذا أذن المؤذن للظهر قال يا عبد الله قد أذن المؤذن قلت شأنك فخرج فصلى فلما رجع عمل أيضا عملا جيدا إلى العصر فلما أذن المؤذن قال يا عبد الله قد أذن المؤذن قلت شأنك فخرج فصلى ثم رجع فلم يزل يعمل إلى آخر النهار فوزنت له أجرته وإنصرف
فلما كان بعد أيام احتجت إلى عمل فقالت لي زوجتي اطلب لنا ذلك الصانع الشاب فإنه قد نصحنا في عملنا فجئت السوق فلم أره فسألت عنه فقالوا تسأل عن ذلك المصفر المشؤوم الذي لا نراه إلا من سبت إلى سبت لا يجلس إلا وحده في آخر الناس فانصرفت
فلما كان يوم السبت أتيت السوق فصادفته فقلت تعمل فقال قد عرفت الأجرة والشرط قلت إستخر الله تعالى فقام فعمل على النحو الذي كان عمل قال فلما وزنت له الأجرة زدته فأبى أن يأخذ (2/314)
الزيادة فألححت عليه فضجر وتركني ومضى فغمني ذلك فاتبعته وداريته حتى أخذ أجرته فقط
فلما كان بعد مدة إحتجنا أيضا إليه فمضيت في يوم السبت فلم أصادفه فسألت عنه فقيل لي هو عليل وقال لي من كان يخبر أمره إنما كان إلى السوق من سبت إلى سبت يعمل بدرهم ودانق يتقوت كل يوم دانقا وقد مرض
فسألت عن منزله فأتيته وهو في بيت عجوز فقلت لها هذا الشاب الروزجاري فقالت هو عليل منذ أيام فدخلت عليه فوجدته لما به وتحت رأسه لبنة فسلمت عليه وقلت لك حاجة قال نعم إن قبلت قلت أقبل إن شاء الله تعالى قال إذا أنا مت فبع هذا المر وأغسل جبتي هذه الصوف وهذا المئزر وكفني بهما وأفتق جيب الجبة فإن فيها خاتما فخذه ثم أنظر يوم يركب هارون الرشيد الخليفة فقف له في موضع يراك فكلمه وأره الخاتم فإنه سيدعو بك فسلم إليه الخاتم ولا يكن هذا إلا بعد دفني قلت نعم
فلما مات فعلت ما أمرني ثم نظرت اليوم الذي يركب فيه الرشيد فجلست له على الطريق فلما مر ناديته يا أمير المؤمنين لك عندي وديعة ولوحت بالخاتم فأمر بي فأخذت وحملت حتى دخل (2/315)
إلى داره ثم دعا بي ونحى جميع من عنده وقال من أنت فقلت عبد الله بن الفرج فقال هذا الخاتم من أين لك فحدثته قصة الشاب فجعل يبكي حتى رحمته
فلما أنس إلي قلت يا أمير المؤمنين من هو منك قال إبني قلت كيف سار إلى هذه الحال قال ولد لي قبل أن أبتلى بالخلافة فنشأ نشوءا حسنا وتعلم القرآن والعلم فلما وليت الخلافة تركني ولم ينل من دنياي شيئا فدفعت إلى أمه هذا الخاتم وهو ياقوت ويساوي مالا كثيرا فدفعته إليها وقلت لها تدفعين هذا إليه وكان برا بأمه وتسأليه أن يكون معه فلعله أن يحتاج إليه يوما من الأيام فينتفع به وتوفيت أمه فما عرفت له خبرا إلا ما أخبرتني به أنت ثم قال لي إذا كان الليل فأخرج معي إلى قبره
فلما كان الليل خرج وحده معي يمشي حتى أتينا قبره فجلس إليه فبكى بكاء شديدا فلما طلع الفجر قمنا فرجع فقال لي تعاهدني في الأيام حتى أزور قبره فكنت أتعاهده بالليل فيخرج حتى يزور قبره ثم يرجع
قال عبد الله بن الفرج ولم أعلم أنه إبن الرشيد حتى أخبرني الرشيد أنه إبنه أو كما قال إبن أبي الطيب (2/316)
قلت هذا طريق حسن والطريق الذي قبله أصح لأنه متصل ورواته ثقات وقد زاد القصاص في حديث السبتي وأبدؤوا وأعادوا وذكروا أن هذا الرجل كان من زبيدة وأنه خرج يتصيد فوعظه صالح المرى فوقع فرسه في أشياء كلها محال فاقتصرنا على ما صح والله الموفق
258 - عبد الله بن مرزوق أبو محمد
زعم أبو عبد الرحمن السلمي أنه كان وزير هارون الرشيد فخرج من ذلك وتخلى من ماله وتزهد
عن موسى بن أبي داود قال استأذنت على عبد الله بن مرزوق فدخلت عليه فإذا هو قاعد كأن حزن الخلق عليه
وعن الصلت بن حكيم قال كان عبد الله بن مرزوق كأنه رجل واله كأنه رجل قد فاته شيء وكانت له شعرات طوال عند صدغيه فكان إذا ذكر فرق نتفها أو مدها ففاض دمعه
وعن سلامة وصى عبد الله بن مرزوق قال قال عبد الله بن مرزوق في مرضه يا سلامة إن لي إليك حاجة قال قلت ما هي قال تحملني فتطرحني على تلك المزبلة لعلي أموت عليها فيرى مكاني فيرحمني رحمه الله (2/317)
259 - عبد الله بن الفرج
أبو محمد القنطري كان متعبدا وكان بشر بن الحارث يوده ويزوره وقد حكى عن فتح الموصلي وغيره حكايات
عن إبراهيم بن سهل قال قال عبد الله بن الفرج سلوا الله عفوا جميلا قال فقلنا يا أبا محمد أي شيء العفو الجميل قال أن يأمر بك من الموقف إلى الجنة يعني لا يفتشك
وعن صاعد قال لما مات عبد الله بن الفرج حضرت جنازته فلما واريته رأيته في الليل في النوم جالسا على شفير قبره معه صحيفة ينظر فيها فقلت له ما فعل الله بك قال غفر لي ولكل من شيع جنازتي قال قلت أنا كنت معهم قال هوذا أسمك في الصحيفة والسلام
260 - معروف بن الفيرزان الكرخي
يكنى أبا محفوظ وهو منسوب إلى كرخ بغداد
عن أبي صالح عبد الله بن صالح قال كان أبو محفوظ معروف قد ناداه الله عز و جل بالاجتباء في حال الصبا يذكر أن أخاه عيسى قال كنت أنا وأخي معروف في الكتاب وكنا نصارى وكان المعلم يعلم الصبيان أب وإبن فيصيح أخي معروف أحد أحد فيضربه المعلم على ذلك ضربا شديدا حتى ضربه يوما ضربا عظيما فهرب على وجهه (2/318)
فكانت أمي تبكي وتقول لئن رد الله على إبني معروفا لأتبعنه على أي دين كان
فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة فقالت له يا بني على أي دين أنت قال على دين الإسلام قالت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فأسلمت أمي وأسلمنا كلنا
وعن إبن أخت معروف قال قلت لخالي معروف يا خال أراك تجيب كل من دعاك قال يا بني إنما خالك ضيف ينزل حيث ينزل
وعن السري بن سفيان الأنصاري قال أقام معروف الصلاة ثم قال لمحمد بن أبي توبة تقدم فصل بنا وذلك أن معروفا كان لا يؤم إنما يؤذن ويقيم ويقدم غيره قال محمد بن أبي توبة إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم صلاة أخرى قال معروف وأنت تحدث نفسك أن تصلي صلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل طول الأمل يمنع خير العمل
قال محمد بن منصور الطوسي كنا عند معروف الكرخي وجاءت امرأة سائلة فقالت أعطوني شيئا أفطر عليه فإني صائمة فدعاها معروف وقال لها يا أختي سر الله أفشيته وتأملين أن تعيشي إلى الليل
وعن يحيى بن جعفر قال رأيت معروفا الكرخي يؤذن (2/319)
فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله رأيت شعر لحيته وصدغيه قائما كأنه زرع
وعن عيسى أخي معروف قال دخل رجل على معروف في مرضه الذي مات فيه فقال يا أبا محفوظ أخبرني عن صومك قال كان عيسى عليه السلام يصوم كذا قال أخبرني عن صومك قال كان داود عليه السلام يصوم كذا قال أخبرني عن صومك قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يصوم كذا قال أخبرني عن صومك قال أما أنا فكنت أصبح دهري كله صائما فإن دعيت إلى الطعام أكلت ولم أقل إني صائم
وعن أحمد بن عبد الله بن ميمون قال كان معروف الكرخي يضرب نفسه ويقول يا نفس كم تبكين أخلصي وتخلصي
وعن عمرو بن موسى قال سمعت معروفا يقول وعنده رجل يذكر رجلا فجعل يغتابه فجعل معروف يقول له أذكر القطن إذا وضعوه على عينيك أذكر القطن إذا وضعوه على عينيك
وقال سري سألت معروفا عن الطائعين لله بأي شيء قدروه على الطاعة لله عز و جل قال بخروج الدنيا من قلوبهم ولو كانت في قلوبهم ما صحت لهم سجدة (2/320)
وعن القاسم بن نصر قال جاء قوم إلى معروف فأطالوا عنده الجلوس فقال أما تريدون أن تقوموا وملك الشمس ليس يفتر عن سوقه
وعن محمد بن حماد بن المبارك قال قال رجل لمعروف أوصني قال توكل على الله حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك وأكثر ذكر الموت حتى لا يكون لك جليس غيره واعلم أن الشفاء لما نزل بك كتمانه وأن الناس لاينفعونك ولا يضرونك ولا يعطونك ولا يمنعونك
وعن القاسم بن محمد البغدادي قال كنت جار معروف الكرخي فسمعته في السحر ينوح ويبكي وينشد
أي شيء تريد مني الذنوب ... شغفت بي فليس عني تغيب
ما يضر الذنوب لو أعتقتني ... رحمة لي فقد علاني المشيب
وعن إبراهيم الأطرش قال كان معروف الكرخي قاعدا على دجلة ببغداد إذ مر بنا أحداث في زورق يضربون الملاهي ويشربون فقال له أصحابه أما ترى أن هؤلاء في هذا الماء يعصون الله إدع عليهم فرفع يده إلى السماء وقال إلهي وسيدي أسألك أن تفرحهم في الجنة كما فرحتهم في الدنيا فقال له أصحابه إنما قلنا لك أدع الله عليهم لم نقل لك أدع الله لهم فقال إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم بشيء (2/321)
أبو بكر بن الزيات قال سمعت إبن شيرويه يقول كنت أجالس معروفا الكرخي فلما كان ذات يوم رأيت وجهه قد خلا فقلت يا أبا محفوظ بلغني أنك تمشي على الماء فقال لي ما مشيت قط على الماء ولكن إذا هممت بالعبور يجمع لي طرفاها فأتخطاها
وعن محمد بن منصور قال مضيت يوما إلى معروف الكرخي ثم عدت إليه من غد فرأيت في وجهه أثر شجة فهبت أن أسأله عنها وكان عنده رجل أجرأ عليه مني فقال له كنا عندك البارحة فلم نر في وجهك هذا الأثر فقال له معروف خذ فيما تنتفع به فقال له أسألك بحق الله فانتفض معروف ثم قال له وما حاجتك إلى هذا مضيت البارحة إلى بيت الله الحرام ثم صرت إلى زمزم فشربت منها فزلت رجلي فنطح وجهي الباب فهذا الذي ترى من ذلك
وعن خليل الصياد وكفاك به قال غاب ابني إلى الأنبار فوجدت أمه وجدا شديدا فأتيت معروفا فقلت له يا أبا محفوظ ابني قد غاب فوجدت أمه وجدا شديدا قال فما تشاء قلت تدعو الله أن يرده عليها فقال اللهم إن السماء سماؤك والأرض أرضك وما بينهما لك فات به قال خليل فأتيت باب الشام فإذا إبني قائم منبهر فقلت يا محمد فقال يا أبة الساعة كنت بالأنبار
وعن محمد بن صبح قال مر معروف على سقاء يسقى الماء وهو يقول رحم الله من شرب فشرب وكان صائما وقال لعل الله أن يستجيب له (2/322)
وعن سري قال هذا الذي أنا فيه من بركات معروف إنصرفت من صلاة العيد فرأيت مع معروف صبيا شعثا فقلت له من هذا قال رأيت الصبيان يلعبون وهذا واقف منكسر فسألته لم لاتلعب قال أنا يتيم قال سري فقلت له فما ترى أنك تعمل به قال لعلي أخلو فأجمع له نوى يشتري به جوزا يفرح به فقلت له أعطنيه أغير من حاله فقال لي أو تفعل فقلت نعم فقال لي خذه أغنى الله قلبك فسويت الدنيا عندي أقل من كذا
قال عبد الله بن سعيد الأنصاري رأيت معروفا الكرخي في المنام كأنه تحت العريش فيقول الله عز و جل ملائكتي من هذا فقالت الملائكة أنت أعلم هذا معروف الكرخي وقد سكر من حبك لايفيق إلا بلقائك
وقال أحمد بن الفتح رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان وبين يديه مائدة وهو يأكل منها فقلت له يا أبا نصر ما فعل الله بك قال غفر لي ورحمني وأباحني الجنة بأسرها وقال لي كل من جميع ثمارها وإشرب من أنهارها وتمتع بجميع ما فيها كما كنت تحرم نفسك الشهوات في دار الدنيا فقلت له فأين أخوك أحمد بن حنبل قال هو قائم على باب الجنة يشفع لأهل السنة ممن يقول (2/323)
القرآن كلام الله غير مخلوق فقلت له فما فعل معروف الكرخي فحرك رأسه ثم قال لي هيهات حالت بيننا وبينه الحجب إن معروفا لم يعبد الله شوقا إلى جنته ولا خوفا من ناره وإنما عبده شوقا إليه فرفعه الله إلى الرفيع الأعلى ورفع الحجب بينه وبينه ذاك الترياق المقدس المجرب فمن كانت له إلىالله حاجة فليأت قبره وليدع فإنه يستجاب له إن شاء الله تعالى
وعن أبي بكر الزجاج قال قيل لمعروف الكرخي في علته أوص فقال إذا مت فتصدقوا بقميصي هذا فإني أحب أن أخرج من الدنيا عريانا كما دخلت إليها عريانا
أسند معروف عن بكر بن خنيس وعبد الله بن موسى وإبن السماك
وتوفي سنة مائتين وقبره ظاهر ببغداد يتبرك به وكان إبراهيم الحربي يقول قبر معروف الترياقي المجرب
وإنما إقتصرنا هاهنا على اليسير من أخباره لأنا قد جمعنا أخباره ومناقبه في كتاب أفردناهلها فمن أراد الزيادة من أخباره فعليه بذلك الكتاب والله الموفق رحمه الله وBه (2/324)
261 - بشر بن الحارث الحافي
يكنى أبا نصر ولد في سنة خمسين ومائة
عن أيوب العطار قال قال لي بشر بن الحارث الحافي أحدثك عن بدو أمري بينا أنا أمشي رأيت قرطاسا على وجه الأرض فيه إسم الله تعالى فنزلت إلى النهر فغسلته وكنت لا أملك من الدنيا إلا درهما فيه خمسة دوانق فاشتريت بأربعة دوانيق مسكا وبدانق ماء ورد وجعلت أتتبع إسم الله تعالى وأطيبه ثم رجعت إلى منزلي فنمت فأتاني آت في منامي فقال يا بشر كما طيبت إسمي لأطيبن إسمك وكما طهرته لأطهرن قلبك
وعن محمد بن بشار قال سمعت بشر بن الحارث يقول أنا لله عشت إلى زمان إن لم أعمل فيه بالجفاء لم يسلم ديني
وعن الحسين بن محمد البغدادي قال سمعت أبي يقول زرت بشر إبن الحارث فقعدت معه مليا فما زادني على كلمة قال ما إتقي الله من أحب الشهرة وعن أحمد بن نصر قال كنا قعودا قدام بشر بن الحارث نفسين قال فجاء الثالث فقام فدخل (2/325)
وعن أحمد بن الفتح قال سمعت بشرا يقول بعث إلى عاصم بن علي بأبي زكريا الصفار فقال يا أبا نصر إن أبا الحسن يقرأ عليك السلام ويقول قد إشتد شوقي إليك حتى لقد كدت أن آتيك من غير إذن فعلمت كراهيتك لمجيء الرجال فإن رأيت أن تأذن لي فآتيك لأسلم عليك فلعل الله أن ينفعني برؤيتك قال فقلت له قد فهمت رسالة الشيخ فأبلغه السلام وقل له لاتأتني فإن في مجيئك إلي شهرة علي وعليك
وعن أبي حفص عمر بن موسى قال سمعت بشر بن الحارث يقول لقد شهرني ربي في الدنيا فليته لايفضحني في القيامة ما أقبح بمثلي يظن في ظن وأنا على خلافه إنما ينبغي لي أن أكون أكثر ما يظن بي أني أكره الموت وما يكره الموت إلا مريب ولولا أني مريب لأي شيء أكره الموت
وقال أحمد بن الصلت سمعت بشر بن الحارث يقول غنيمة المؤمن غفلة الناس عنه وإخفاء مكانه عنهم
أبو بكر محمد بن الفياض قال سمعت زريقا الدلال يقول سمعت بشر بن الحارث يقول اللهم استر واجعل تحت الستر ما تحب فربما سترت على ما تكره قال ثم إلتفت إلي فقال يا أخي بادر بادر فإن ساعات الليل والنهار تذهب الأعمار (2/326)
وعن محمد بن يوسف الجوهري قال سمعت بشر بن الحارث يقول يوم ماتت أخته إن العبد إذا قصر في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه
وعن محمد بن قدامة قال لقي بشر بن الحارث رجل سكران فجعل يقبله ويقول ياسيدي يا أبا نصر ولايدفعه بشر عن نفسه فلما ولى تغرغرت عينا بشر وقال رجل أحب رجلا على خير توهمه لعل المحب قد نجا والمحبوب لايدري ما حاله
وقال رجل رأيت بشر بن الحارث وقف على أصحاب الفاكهة فجعل ينظر فقلت يا أبا نصر لعلك تشتهي من هذا شيئا قال لا ولكن نظرت في هذا إذا كان يطعم هذا من يعصيه فكيف من يطيعه
وعن أبي بكر المروزي قال سمعت بعض القطانين يقول أهدى إلي أستاذي رطبا وكان بشر يقيل في دكاننا في الصيف فقال له أستاذي يا أبا نصر هذا من وجه طيب فإن رأيت أن تأكل قال فجعل يمسه بيده ثم ضرب بيده إلى لحيته وقال ينبغي أن أستحيي من الله إني عند الناس تارك لهذا وآكله في السر (2/327)
وعنه قال سمعت أبا حفص إبن أخت بشر قال سمعت بشرا يقول ماشبعت منذ خمسين سنة
وعنه قال سمعت قرابة بشر الحافي يقول قدم بشر بن عبادان ليلا أو قال من سفر وهو متزر بحصير
عن يحيى بن عثمان قال كان لبشر بن الحارث في كل يوم رغيف قال وقال لي بشر كان لي سنور فكنت إذا وضعت طعامي بين يدي جاءت فعيناها في عيني فآكل وأرمي لها قال فقلت إليك عني تأكلين قوتي
وعن أبي بكر بن عثمان قال سمعت بشر بن الحارث يقول إني لأشتهي شواء منذ أربعين سنة ما صفا لي درهمه
وعن أبي عمران الوركاني قال تخرق إزار بشر فقالت له أخته ياأخي قد تخرق إزارك وهذا البرد فلو جئت بقطن حتى أغزل لك قال فكان يجيء بالإستارين والثلاثة قال فقالت له يا أخي إن الغزل قد اجتمع أفلا تسلم إزارك قال فقال لها هاتيه قال (2/328)
فأخرجته إلى فوزنه فأخرج ألواحه وجعل يحسب الأساتير فلما رآها قد زادت فيه قال لها كما أفسدته فخذيه
وعن الحسن بن عمرو بن الجهم قال سمعت أبا نصر التمار يوم مات بشر يقول لولا أن بشرا قد مات ماحدثتكم بهذا
أتاني ليلة فقلت يا أبا نصر الحمد لله الذي جاء بك جاءنا قطن من خراسان فغزلته الإبنة وباعته لفلان وإشترت به لحما وأشياء على أن أفطر عليه فالحمد لله الذي جاء بك فقال يا أبا نصر لاتكثر علي فلو أكلت عند أحد من أهل الدنيا أكلت عندك ثم قال إني لأشتهي الباذنجان منذ ثلاثين عاما قلت فإن فيها باذنجانا فقال حتى تصفو لي حبة الباذنجان من أين هي
وعن إبراهيم بن هاشم قال سمعت بشر بن الحارث يقول إني لأشتهي شواء ورقاقا منذ خمسين سنة ما صفا لي درهمه
الفتح بن شحرف قال قال عمر إبن أخت بشر سمعت خالي بشرا يقول لأمي جوفي وجع وخواصري تضرب علي فقالت له أمي (2/329)
إئذن لي حتى أصلح لك قليل حسا بكف دقيق عندي تتحساه يرم جوفك فقال لها ويحك أخاف أن يقول من أين لك هذا الدقيق فلا أدري أي شيء أقول له فبكت أمي وبكى معها وبكيت معهم
قال عمر ورأت أمي ليلة مابه من شدة الجوع وجعل يتنفس تنفسا ضعيفا فقالت له أمي يا أخي ليت أمك لم تلدني فقد والله تقطع كبدي مما أرى بك فسمعته يقول لها وأنا فليت أمك لم تلدني وإذ قد ولدتني لم يدر لها ثدي علي
قال عمر وكانت أمي تبكي عليه الليل والنهار
عبد الله بن خبيق قال رجل لبشر مالي أراك مغموما قال مالي لاأكون مغموما وأنا رجل مطلوب
وعن أبي الحسن أحمد بن محمد الزعفراني قال سمعت أبي يحكي عن بشر أنه قال ربما رفعت يدي في الدعاء فأردها أو قال فأستلها
أقول إنما يفعل هذا من له عنده وجه
وعن الفتح بن شحرف قال كنت جالسا عند بشر إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فأطرق مليا ثم رفع رأسه ثم أطرق ثم رفع رأسه فقال اللهم (2/330)
إنك تعلم أني أخاف أن أتكلم اللهم إنك تعلم أني أخاف أن أسكت اللهم إنك تعلم أني أخاف أن تأخذني فيما بين السكوت والكلام
وعن زبدة أخت بشر بن الحارث قالت دخل بشر علي ليلة من الليالي فوضع إحدى رجليه داخل الدار والأخرى خارج الدار وبقي كذلك يتفكر حتى أصبح فلما أصبح قلت له في ماذا تفكرت طول الليلة قال تفكرت في بشر النصراني وبشر اليهودي وبشر المجوسي ونفسي وإسمي بشر فقلت مالذي سبق منك حتى خصك فتفكرت في تفضله علي وحمدته علي أن جعلني من خاصته وألبسني لباس أحبائه
وعن أحمد بن نصر قال سمعت بشرا يقول يا مازني ليت لايكون حظي من الله هذا الذي يقول الناس بشر بشر ورأيت أشفار عينيه قد ذهبت من البكاء وعن الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول لو علمت أن رضاه أن أشد في رجلي حجرا ثم ألقي نفسي في البحر لفعلت
وعن عباس بن دهقان قال قلت لبشر بن الحارث أحب أن أخلو معك قال إذا شئت فبكرت يوما فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات لاأحسن أن أصلي مثلها فسمعته يقول في سجوده اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف اللهم إنك تعلم (2/331)
فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لاأوثر على حبك شيئا فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء فلما سمعني قال اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن هذا ههنا لم أتكلم
وقال أحمد بن حنبل والله إن بين أظهركم رجلا ما هو عندي بدون عامر بن عبد الله يعني بشر بن الحارث
وعن أحمد بن عبد الله بن خالد قال سئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال أنا أستغفر الله لايحل لي أن أتكلم في مسألة في الورع أنا آكل من غلة بغداد
لو كان بشر بن الحارث صلح أن يجيبك عنه فإنه كان لايأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد يصلح أن يتكلم في الورع
وعن أبي بكر أحمد بن عبد الرحمن المروزي قال سمعت بشرا يقول إن الجوع يصفي الفؤاد ويورث العلم الدقيق وسمعت بشرا يقول طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره
وعن أحمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث يقول حادثوا الآمال بقرب الآجال
وعن أبي بكر الباقلاوي قال سمعت أبي يقول سمعت بشر بن الحارث ونحن معه بباب حرب وأراد الدخول إلى المقبرة فقال الموتى داخل السور أكثر منهم خارج السور (2/332)
وعن أحمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث يقول ليس من المودة أن تحب مايبغض حبيبك
وعن عمرو بن موسى بن فيروز قال رأيت بشرا ومعه رجل فتقدم إلى بئر ليشرب منها فجذبه بشر وقال تشرب من البئر الأخرى حتى جاوز ثلاثة آبار فقال له الرجل أبا نصر أنا عطشان فقال له بشر أسكت فهكذا ندفع الدنيا
وعن إبراهيم الحربي قال سمعت بشر بن الحارث يقول بحسبك أن أقواما موتى تحيا القلوب بذكرهم وأن أقواما أحياء تعمى الأبصار بالنظر إليهم
وعن عمرو بن موسى الأحول قال سمعت بشرا يقول يكون الرجل مرائيا في حياته مرائيا بعد موته قيل كيف يكون مرائيا بعد موته قال يحب أن يكثر الناس على جنازته
وعن الحسن بن عمرو قال سمعت بشر بن الحارث يقول الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد ثم قال ذاك يركب ويرجع ويراه الناس وهذا يعطي سرا لا يراه إلا الله عز و جل
وسمعت بشرا يقول ما أقبح أن يطلب العالم فيقال هو بباب الأمير (2/333)
وعن أبي عبد الله الأسدي قال قال لي بشر الحافي يوما
قطع الليالي مع الأيام في خلق ... والنوم تحت رواق الهم والقلق
أحرى وأعذر لي من أن يقال غدا ... إني التمست الغنى من كف مختلق
قالوا قنعت بذا قلت القنوع غني ... ليس الغنى كثرة الأموال والورق
رضيت بالله في عسري وفي يسري ... فلست أسلك إلا أوضح الطرق
رحل بشر بن الحارث رضي الله عنه في طلب العلم إلى مكة والكوفة والبصرة وسمع من وكيع وعيسى بن يونس وشريك بن عبد الله وأبي معاوية وأبي بكر بن عياش وحفص بن غياث وإسمعيل بن عليه وحماد إبن زيد ومالك بن أنس وأبي يوسف القاضي وإبن المبارك وهشيم والمعافي إبن عمران والفضيل بن عياض وأبي نعيم في خلق كثير
غير أنه لم يتصد للرواية فلم يضبط عنه من الحديث إلا اليسير
وقد ذكرنا ما وقع إلينا من حديثه وأخباره في كتاب أفردناه لمناقبه وأخباره فلذلك إقتصرنا ههنا على ما ذكرنا
وتوفي رضي الله عنه عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول وقيل لعشر خلون من المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين وقد بلغ من العمر خمسا وسبعين سنة وقيل سبعا وسبعين (2/334)
عن يحيى بن عبد الحميد الحماني قال رأيت أبا نصر التمار وعلي بن المديني في جنازة بشر بن الحارث يصيحان هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة وذلك أن بشرا خرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يجعل في القبر إلا في الليل وكان نهارا صائفا ولم يستقر في القبر إلى العتمة
وعن الكندي قال رأيت بشر بن الحارث في النوم فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي وأقعدني على طيار من لؤلؤة بيضاء وقال لي سر في ملكي
وعن الحسن بن مروان قال رأيت بشر بن الحارث في المنام فقلت يا أبا نصر ما فعل الله بك قال غفر لي وغفر لكل من تبع جنازتي قال قلت ففيم العمل قال أفتقد الكسرة
وقال ابن خزيمة لما مات أحمد بن حنبل بت من ليلتي فرأيته في النوم فقلت له مافعل الله بك قال غفر لي وتوجني وألبسني نعلين من ذهب وقال لي يا أحمد هذا بقولك القرآن كلامي قلت فمافعل بشر فقال لي بخ بخ من مثل بشر تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام والجليل مقبل عليه وهو يقول له كل يا من لم (2/335)
يأكل وإشرب يا من لم يشرب وإنعم يا من لم ينعم رحمه الله ورضي عنه
262 - أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني
جيء به من مر وحملا فولد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة
فأما نسبه فأخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأ أبو بكر بن ثابت قال أنبأ أحمد بن عبد الله الحافظ أنبأ أحمد بن جعفر بن حمدان قال أنبأ عبد الله بن أحمد ثنا أبي أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد إبن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط إبن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر إبن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة إبن نزار بن معد بن عدنان بن أدبن أدد بن الهميسع بن حمل بن النبت إبن قيدار بن إسمعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام
وعن أبي بكر المروزي قال قال لي أبو عفيف وذكر أبا عبد الله أحمد بن حنبل فقال كان في الكتاب معنا وهو غليم يعرف فضله وكان الخليفة بالرقة فيكتب الناس إلى منازلهم فيبعث نساؤهم (2/336)
إلى المعلم إبعث إلينا بأحمد بن حنبل ليكتب لهم جواب كتبهم فيبعثه فكان يجيء إليهم مطأطىء الرأس فيكتب جواب كتبهم فربما أملو عليه الشيء من المنكر فلا يكتبه لهم
وعن إدريس بن عبد الكريم قال قال خلف جاءني أحمد بن حنبل يستمع حديث أبي عوانة فاجتهدت أن أرفعه فأبى وقال لاأجلس إلا بين يديك أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه
وعن أبي زرعة قال كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث فقيل له وما يدريك قال ذاكرته فأخذت عليه الأبواب
أبو جعفر بن أحمد بن محمد بن سليمان التستري قال قيل لأبي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ فقال أحمد بن حنبل حزرت كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغت إثني عشر حملا وعدلا ما كان على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حديث فلان وكل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه
وعن إبراهيم الحربي قال رأيت أحمد بن حنبل كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء (2/337)
وعن أحمد بن سنان قال ما رأيت يزيد بن هارون لأحد أشد تعظيما منه لأحمد بن حنبل ولا رأيته أكرم أحدا كرامته لأحمد بن حنبل وكان يقعد إلى جنبه إذا حدثنا وكان يوقره ولا يمازحه ومرض أحمد فركب إليه فعاده
قال المصنف رحمه الله قلت كانت مخايل النجابة تظهر من أحمد رضي الله عنه من زمان الصبا وكان حفظه للعلم من ذلك الزمان غزيرا وعمله به متوفرا فلذلك كان مشايخه يعظمونه فكان إسمعيل إبن عليه يقدمه وقت الصلاة يصلي بهم وضحك أصحابه يوما فقال أتضحكون وعندي أحمد بن حنبل
وقال عبد الرزاق ما رأيت أفقه ولا أورع من أحمد بن حنبل
وقال وكيع وحفص بن غياث ما قدم الكوفة مثل أحمد بن حنبل
وقال أبو الوليد الطيالسي مابالمصرين أحد أحب إلي من أحمد بن حنبل
وكان إبن مهدي يقول ما نظرت إليه إلا ذكرت به سفيان الثوري ولقد كاد هذا الغلام أن يكون إماما في بطن أمه (2/338)
وقال يحيى بن سعيد ما قدم علي مثل أحمد بن حنبل
وقال أبو عاصم النبيل وقد ذكر طلاب العلم فقال ما رأينا في القوم مثل أحمد بن حنبل
وقد ذكرنا هذه الأطراف وأمثالها في كتاب فضائل الإمام أحمد بأسانيدها فكرهنا الإعادة ههنا
وعن أبي بكر المروزي قال كنت مع أبي عبد الله نحوا من أربعة أشهر بالعسكر لايدع قيام الليل وقراءة النهار فما علمت بختمة ختمها كان يسر ذلك
وعن أبي عصمة بن عصام البيهقي قال بت ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بالماء فوضعه فلما أصبح نظر في الماء فإذا هو كما كان فقال سبحان الله رجل يطلب العلم لايكون له ورد بالليل
وعن أبي داود السجستاني قال لم يكن أحمد بن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا فإذا ذكر العلم تكلم
وعن أبي عبيد القاسم بن سلام قال جالست أبا يوسف ومحمد بن الحسن ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي فما هبت أحدا منهم ما هبت أحمد بن حنبل ولقد دخلت عليه في السجن لأسلم عليه فسألني رجل عن مسألة فلم أجبه هيبة له (2/339)
وعن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف ثوبا ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه ولاأنقى ثوبا وأشده بياضا من أحمد بن حنبل
وعن علي بن المديني قال قال لي أحمد بن حنبل إني لأحب أن أصحبك إلى مكة وما يمنعني من ذاك إلا أني أخاف أن أملك أو تملني قال فلما ودعته قلت يا أبا عبد الله توصيني بشيء قال نعم ألزم التقوى قلبك وألزم الآخرة أمامك
وقال أبو داود السجستاني كانت مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة لايذكر فيها شيء من أمر الدنيا ما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط
وعن أحمد بن عتبة قال لما ماتت أم صالح قال أحمد لإمرأة عندهم إذهبي إلى فلانة إبنة عمي فاخطبيها لي من نفسها قال فأتتها فأجابته فلما رجعت إليه قال كانت أختها تسمع كلامك قال وكانت بعين واحدة قالت له نعم قال فاذهبي فاخطبي تلك التي بعين واحدة فاتتها فأجابتها وهي أم عبد الله فأقام معها سبعا ثم قالت له كيف رأيت يا بن عم أنكرت شيئا قال لا إلا أن نعلك هذه تصر (2/340)
وعن إبراهيم الحربي قال كان أحمد بن حنبل يأتي العرس والختان والإملاك يجيب ويأكل
وعن إسحاق بن راهوية قال لما خرج أحمد بن حنبل إلى عبد الرزاق إنقطعت به النفقة فأكرى نفسه من بعض الجمالين إلى أن وافى صنعاء وقد كان أصحابه عرضوا عليه المواساة فلم يقبل من أحد شيئا
وعن الرمادي قال سمعت عبد الرزاق وذكر أحمد بن حنبل فدمعت عيناه فقال قدم وبلغني أن نفقته نفدت فأخذت عشرة دنانير وأقمته خلف الباب وما معي ومعه أحد وقلت إنه لاتجتمع عندنا الدنانير وقد وجدت الساعة عند النساء عشرة دنانير فخذها فأرجو إلا تنفقها حتى يتهيأ عندنا شيء فتبسم وقال لي يا أبا بكر لو قبلت شيئا من الناس قبلت منك ولم يقبل
وعن صالح بن أحمد قال جاءتني حسن فقالت يامولاي قد جاء رجل بتليسة فيها فاكهة يابسة وبهذا الكتاب قال صالح فقمت فقرأت الكتاب فإذا فيه
يا أبا عبد الله أبضعت لك بضاعة إلى سمرقند فوقع فيها كذا (2/341)
وكذا ورددتها فيها كذا وكذا وقد بعثت بها إليك وهي أربعة آلاف درهم وفاكهة أنا لقطتها من بستاني ورثته عن أبي وأبي ورثه عن أبيه
قال فجمعت الصبيان فلما دخل دخلنا عليه فبكيت وقلت له يا أبة أما ترق لي من أكل الزكاة ثم كشفت عن رأس الصبية وبكيت فقال من أين علمت دع حتى أستخير الله تعالى الليلة قال فلما كان من الغد قال يا صالح صبى فإني قد استخرت الله تعالى الليلة فعزم لي ألا آخذها وفتح التليسة ففرقها على الصبيان وكان عنده ثوب عشارى فبعث به إليه ورد المال قال صالح فبلغني أن الرجل إتخذه كفنا
وعن علي بن الجهم قال كان له جار فأخرج إلينا كتابا فقال أتعرفون هذا الخط قلنا هذا خط أحمد بن حنبل كيف كتب لك قال كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة ففقدنا أحمد بن حنبل أياما لم نره ثم جئنا إليه لنسأل عنه فقال لنا أهل الدار التي هو فيها هو في ذلك البيت فجئنا إليه والباب مردود عليه وإذا خلقان فقلنا له يا أبا (2/342)
عبد الله ما خبرك لم نرك منذ أيام فقال سرقت ثيابي فقلت له معي دنانير فإن شئت فخذ قرضا وإن شئت فصله فأبى أن يفعل فقلت تكتب لي بأجره قال نعم فأخرجت دينارا فأبى أن يأخذه وقال اشتر لي ثوبا وإقطعه بنصفين فأومأ إلي أنه يأتزر بنصف ويرتدي بالنصف الآخر وقال جئني بنفقته ففعلت وجئت بورق فكتب لي وهذا خطه
وعن صالح بن أحمد بن حنبل قال دخلت على أبي في أيام الواثق والله يعلم في أي حالة نحن وخرج لصلاة العصر وكان له جلد يجلس عليه قد أتت عليه سنون كثيرة حتى قد بلى فإذا تحته كتاب فيه
بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه وعن الضيق وما عليك من الدين وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك وتوسع بها على عيالك وما هي من صدقة ولا زكاة إنما هو شيء ورثته من أبي
فقرأت الكتاب ووضعته فلما دخل قلت له يا أبة ما هذا الكتاب فاحمر وجهه وقال رفعته منك ثم قال تذهب بجوابه إلى الرجل وكتب (2/343)
بسم الله الرحمن الرحيم وصل كتابك إلي ونحن في عافية فأما الدين فإنه لرجل لايرهقنا وأما عيالنا فهم بنعمة الله والحمدلله
فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل فقال ويحك لو أن أبا عبد الله قبل هذا الشيء ورمى مثلا في دجلة كان مأجورا لأن هذا الرجل لايعرف له معروف
فلما كان بعد حين ورد كتاب الرجل بمثل ذلك فرد عليه الجواب بمثل ما رد فلما مضت سنة أو أقل أو أكثر ذكرناها فقال لو كنا قبلناها كانت قد ذهبت
وعن محمد بن موسى بن حماد الزيدي قال حمل إلى الحسن بن عبد العزيز الحروي من ميراثه من مصر مائة ألف دينار فحمل إلى أحمد بن حنبل ثلاثة أكياس في كل كيس ألف دينار فقال يا أبا عبد الله هذه ميراث حلال فخذها فاستعن بها على عائلتك فقال لا حاجة لي فيها أنا في كفاية فردها ولم يقبل منها شيئا
وعن السري بن محمد خال ولد صالح قال جاء أحمد بن صالح يوضىء أبا عبد الله يوما وقد بل أبو عبد الله خرقة فألقاها على رأسه فقال له أحمد بن صالح يا جدي أنت محموم قال أبو عبد الله وأنى لي بالحمى (2/344)
وعن رحيلة قال كنت على باب أحمد بن حنبل والباب مجاف وأم ولده تكلمه وتقول له إنا معك في ضيق منزل بيت صالح يأكلون ويفعلون وهو يقول قولي خيرا وخرج الصبي معه فبكى فقال له أي شيء تريد قال زبيب قال إذهب فخذ من البقال حبة
وعن أبي بكر المروزي قال سمعت أبا عبد الله يقول إنما هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وإنها أيام قلائل وقال سمعت أبا عبد الله يقول أسر أيامي إلي يوم أصبح وليس عندي شيء
وعن صالح بن أحمد قال ربما رأيت أبي يأخذ الكسر فينفض الغبار عنها ثم يصيرها في قصعة ثم يصب عليها ماء حتى تبتل ثم يأكلها بالملح وما رأيته قط إشترى رمانا ولا سفر جلا ولا شيئا من الفاكهة إلا أن يكون يشتري بطيخة فيأكلها بخبز أو عنبا أو تمرا فأما غير ذلك فما رأيته قط إشتراه وربما خبز له فيجعل في فخارة عدسا وشحما وتمرات شهريز فيخص الصبيان بقصعة فيصوت ببعضهم (2/345)
فيدفعه إليهم فيضحكون ولا يأكلون وكان كثيرا ما يأتدم بالخل وكان يشترى له شحم بدرهم فكان يأكل منه شهرا فلما قدم من عند المتوكل أدمن الصوم وجعل لايأكل الدسم فتوهمت أنه كان جعل على نفسه إن سلم أن يفعل ذلك
وعن النيسابوري صاحب إسحاق بن إبراهيم قال لي الأمير إذا جاء إفطاره أرنيه قال فجاؤوا برغيفين خبز وخيارة فأريته الأمير فقال هذا لايجيبنا إذا كان هذا يقنعه
وعن الحسن بن خلف الصائغ قال جاءني المروزي في علة أبي عبد الله قال أبو عبد الله عليل فذهبت بالمتطبب فدخلنا عليه قال ما حالك قال إحتجمت أمس قال وما أكلت قال خبزا وكامخا قال يا أبا عبد الله تحتجم وتأكل خبزا وكامخا قال فما آكل (2/346)
وعن محمد بن الحسن بن هارون قال رأيت أبا عبد الله إذا مشى في الطريق يكره أن يتبعه أحد
وقال المروزي سمعت أبا عبد الله يقول الخوف يمنعني من أكل الطعام والشراب فما أشتهيه
قال المروزي وبال أبو عبد الله في مرضه دما فأريته عبد الرحمن المتطبب فقال هذا رجل قد فتت الغم والحزن كبده
وعن إبراهيم بن شماس قال كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام يحيي الليل
وعن المروزي قال سمعت أبا عبد الله يقول قد وجدت البرد في أطرافي ما أراه إلا من إدماني أكل الخل والملح
وعن فوران قال كنا عند أحمد بن حنبل قبل أن يموت بليلتين وكان ثم غلام أسود لأبي يوسف يعني عمه إشتراه من هذا المال فذهب بروح أحمد فنهاه
وعن سليمان بن داود الشاذكوني أن أحمد رهن سطلا عند فامي (2/347)
فأخذ منه شيئا يتقوته فجاء فأعطاه فكاكه فأخرج إليه سطلين فقال أنظر أيهما سطلك فخذه قال لاأدري أنت في حل منه ومما أعطيتك ولم يأخذ قال الفامي والله إنه لسطله وإنما أردت أن أمتحنه فيه
وعن أحمد بن محمد التستري قال ذكروا لي أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما كان طعم فيها فبعث إلى صديق له فاستقرض شيئا من الدقيق فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام فخبزوا عاجلا فلما وضع بين يديه قال كيف خبزتم هذا بسرعة قيل له كان التنور في دار صالح إبنة مسجورا فخبزنا عاجلا فقال إرفعوا ولم يأكل وأمر بسد بابه إلى دار الصالح
وعن عبد الله بن أحمد قال كان أبي أصبر الناس على الوحدة لم يره أحد إلا في مسجد أو حضور جنازة أو عيادة مريض وكان يكره المشي في الأسواق
وعنه قال كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعةفلما مرض من تلك الأسواط أضعفته فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة وقد كان قرب من الثمانين وكان يقرأ (2/348)
في كل يوم سبعا يختم في سبعة أيام وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار وكان ساعة يصلي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو وحج أبي خمس حجات ثلاث حجج ماشيا واثنتين راكبا وأنفق في بعض حجاته عشرين درهما
وعنه قال كنت أسمع أبي كثيرا يقول في دبر الصلاة اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك صنه عن المسألة لغيرك
وعن أبي عيسى عبد الرحمن بن زاذان قال صلينا وأبو عبد الله أحمد بن حنبل حاضر فسمعته يقول
اللهم من كان على هوى أو على رأي وهو يظن أنه على الحق وليس هو الحق فرده إلى الحق حتى لايضل من هذه الأمة أحد اللهم لاتشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به ولاتجعلنا في رزقك خولا لغيرك ولاتمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا ولا ترنا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا أعزنا ولا تذلنا أعزنا بالطاعة ولا تذلنا بالمعصية
وعن علي بن أبي حرارة قال كانت أمي مقعدة نحو عشرين (2/349)
سنة فقالت لي يوما إذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو الله لي فمضيت فدققت عليه الباب فقال من هذا فقلت رجل من أهل ذلك الجانب سألتني أمي وهي زمنة مقعدة أن أسألك أن تدعو الله لها فسمعت كلامه كلام رجل مغضب وقال نحن أحوج أن تدعو الله لنا فوليت منصرفا فخرجت عجوز من داره فقالت أنت الذي كلمت أبا عبد الله قلت نعم قالت قد تركته يدعو الله لها
قال فجئت من فوري إلى البيت فدققت الباب فخرجت على رجليها تمشي حتى فتحت لي الباب وقالت قد وهب الله لي العافية
وعن ميمون بن الأصبغ قال كنت ببغداد فسمعت ضجة فقلت ماهذا فقالوا أحمد بن حنبل يمتحن فدخلت فلما ضرب سوطا قال بسم الله فلما ضرب الثاني قال لاحول ولا قوة إلا بالله فلما ضرب الثالث قال القرآن كلام الله غير مخلوق فلما ضرب الرابع قال قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فضرب تسعة وعشرين سوطا
وكانت تكة أحمد حاشية ثوب فانقطعت فنزل السراويل إلى عانته فرمى أحمد طرفه إلى السماء وحرك شفتيه فما كان بأسرع أن بقي السراويل لم ينزل (2/350)
فدخلت إليه بعد سبعة أيام فقلت يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك فأي شيء قلت قال قلت اللهم إني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش إن كنت تعلم أني على الصواب فلا تهتك لي سترا
وعن محمد بن إسمعيل بن أبي سمينة قال سمعت شاباص النائب يقول لقد ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدته
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل كنت كثيرا أسمع والدي يقول رحم الله أبا الهيثم غفر الله لأبي الهيثم عفا الله عن أبي الهيثم فقلت يا أبة من أبو الهيثم فقال لما أخرجت للسياط ومدت يداي للعقابين إذا أنا بشاب يجذب ثوبي من ورائي ويقول لي تعرفني قلت لا قال أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين قال فضربت ثمانية عشر سوطا بدل ما ضرب ثمانية عشر ألفا وخرج الخادم فقال عفا عنه أمير المؤمنين
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال قال لي أبي يا بني لقد أعطيت المجهود من نفسي (2/351)
قال وكتب أهل المطامير إلى أحمد بن حنبل إن رجعت عن مقالتك ارتددنا عن الإسلام
وعن أحمد بن سنان قال بلغني أن أحمد بن حنبل جعل المعتصم في حل في يوم فتح بابك أو في فتح عمورية فقال هو في حل من ضربي
وقال إبراهيم الحربي أحل أحمد بن حنبل من حضر ضربه وكل من شايع فيه والمعتصم وقال لولا أن إبن أبي داود داعية لأحللته
وقال صالح بن أحمد بن حنبل ورد كتاب على بن الجهم إن أمير المؤمنين يعني المتوكل قد وجه إليك يعقوب المعروف بقوصرة ومعه جائزة ويأمرك بالخروج فالله الله أن تستعفي أو ترد المال فيتسع القول لمن يبغضك
فلما كان من الغد ورد يعقوب فدخل عليه فقال يا أبا عبد الله أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول قد أحببت أن آنس بقربك وأن أتبرك بدعائك وقد وجهت إليك عشرة آلاف درهم معونة على سفرك
أخرج صرة فيها بدرة نحو مائتي دينار والباقي دراهم صحاح فلم (2/352)
ينظر إليها ثم شدها يعقوب وقال له أعود غدا حتى أبصر ما تعزم عليه وانصرف
فجئت باجانة خضراء فكببتها على البدرة فلما كان عند المغرب قال يا صالح خذ هذا صيره عندك فصيرتها عند رأسي فوق البيت فلما كان سحرا إذا هو ينادي يا صالح فقمت فصعدت إليه فقال ما نمت ليلتي هذه فقلت لم يا أبة فجعل يبكي وقال سلمت من هؤلاء حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم قد عزمت على أن أفرق هذا الشيء إذا أصبحت فقلت ذاك إليك فلما أصبح قال جئني يا صالح بميزان وقال وجهوا إلى أبناء المهاجرين والأنصار ثم قال وجه إلى فلان يفرق في ناحية وإلى فلان فلم يزل حتى فرقها كلها ونفضت الكيس ونحن في حالة الله تعالى بها عليم
فجاء بني لي فقال يا أبة أعطني درهما فنظر إلي فأخرجت قطعة فأعطيته وكتب صاحب البريد إنه قد تصدق بالدراهم من يومه حتى تصدق بالكيس
قال علي بن الجهم فقلت يا أمير المؤمنين قد علم الناس أنه قد (2/353)
قبل منك وما يصنع أحمد بالمال وإنما قوته رغيف فقال لي صدقت يا علي
قال صالح ثم أخرجنا ليلا معنا حراس معهم النفاطات فلما أضاء الفجر قال لي يا صالح معك دراهم قلت نعم قال أعطهم فأعطيتهم درهما درهما ودخلنا العسكر وأبي منكس الرأس ثم أنزل دار إيتاخ وجاء علي بن الجهم فقال قد أمر لكم أمير المؤمنين بعشرة آلاف مكان التي فرقها وأمر أن لايعلم بذلك فيغتم
ثم جاءه أحمد بن معاوية فقال إن أمير المؤمنين يكثر ذكرك ويشتهي قربك وتقيم ههنا تحدث فقال أنا ضعيف
ثم حمل إلى دار الخلافة فأخبرني بعض الخدم أن المتوكل كان قاعدا وراء ستر فلما دخل أبي الدار قال لأمه يا أماه قد أنارت الدار ثم جاء خادم بمنديل فيه ثياب فألبس وهو لايحرك يديه فلما صار إلى الدار نزع الثياب عنه ثم جعل يبكي ثم قال سلمت من هؤلاء منذ ستين سنة حتى إذا كان في آخر عمري بليت بهم ثم قال ياصالح وجه هذه الثياب إلى بغداد تباع وتصدق بثمنها ولا يشتري أحد منكم شيئا منها (2/354)
وأجريت له مائدة وثلج وضرب الخيش فلما رآه تنحى فألقى نفسه على مضربة له وجعل يواصل ويفطر في كل ثلاث على تمر شهريز فمكث كذلك خمسة عشر يوما ثم جعل يفطر ليلة وليلة ولا يفطر إلا على رغيف وكان إذا جيء بالمائدة توضع في الدهليز لكي لايراها فيأكل من حضر
وأمر المتوكل أن تشترى لنا دار فقال يا صالح لئن أقررت لهم بشراء دار لتكونن القطيعة بيني وبينك فلم يزل يدفع شرى الدار حتى اندفع
ثم انحدرت إلى بغداد وخلفت عبد الله عنده فإذا عبد الله قد قدم وقد جاء بثيابي التي كانت عنده فقلت له ما جاء بك فقال قال لي انحدر وقل لصالح لاتخرج فأنتم كنتم آفتي والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أخرجت واحدا منكم معي ولولا مكانكم لمن كانت توضع هذه المائدة
وفي رواية أخرى ثم إنه مرض فأذن له المتوكل في العود إلى بغداد فعاد
قال الشيخ وإنما اقتصرنا على هذا اليسير من أخبار الإمام أحمد رضي الله عنه لأنا قد أفردنا لمناقبه وفضائله كتابا كبيرا يستوفيها (2/355)
فكرهنا الإعادة في التصانيف وذكرنا في ذلك الكتاب أسماء الأشياخ الذين لقيهم وروى عنهم
وتوفي رضي الله عنه في سنة إحدى وأربعين ومائتين وقد استكمل سبعا وسبعين سنة
قال المروزي مرض أبو عبد الله ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين ومرض تسعة أيام وتسامع الناس فأقبلوا لعيادته ولزموا الباب الليل والنهار يبيتون فربما أذن للناس فيدخلون أفواجا يسلمون عليه فيرد عليهم بيده
وقال أبو عبد الله جاءني حاجب لابن طاهر فقال إن الأمير يقرئك السلام وهو يشتهي أن يراك فقلت له هذا مما أكره وأمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره
ووضأته فقال خلل الأصابع فلما كان يوم الجمعة إجتمع الناس حتى ملأوا السكك والشوارع فلما كان صدر النهار قبض رحمه الله فصاح الناس وعلت الأصوات بالبكاء حتى كأن الدنيا قد ارتجت
وعن إسحاق قال مات أبو عبد الله وما خلف إلا ستة قطع أو سبعة وكانت في خرقة كان يمسح وجهه قدر دانقين (2/356)
وعن حنبل قال أعطى بعض ولد الفضل بن الربيع أبا عبد الله وهو في الحبس ثلاث شعرات فقال هذا من شعر النبي صلى الله عليه و سلم فأوصى أبو عبد الله عند موته أن يجعل على كل عين شعرة وشعرة على لسانه ففعل ذلك به بعد موته
وعن صالح بن أحمد قال قال لي أبي جئني بالكتاب الذي فيه حديث إبن إدريس عن ليث عن طاوس أنه كان يكره الأنين فقرأته عليه فلم يئن إلا في الليلة التي مات فيها
وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال لما حضرت أبي الوفاة جلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه فجعل يعرق ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقول بيده هكذا لابعد لابعد ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له يا أبة أي شيء هذا قد لهجت به في هذا الوقت تعرق حتى نقول قد قضيت ثم تعود فتقول لابعد لابعد
فقال لي يا بني ما تدري ما قلت قلت لا فقال إبليس لعنه الله قائم حذائي عاض على أنامله يقول لي يا أحمد فتني فأقول لا بعد لابعد حتى أموت
وعن بنان بن أحمد القصباني أنه حضر جنازة أحمد بن حنبل فيمن حضر قال فكانت الصفوف من الميدان إلى قنطرة باب القطيعة (2/357)
وحزر من حضرها من الرجال ثمان مائة ألف ومن النساء ستين ألف امرأة
وعن موسى بن هارون قال يقال إن أحمد بن حنبل لما مات مسحت الأمكنة المبسوطة التي وقف الناس عليها للصلاة فحزر مقادير الناس بالمساحة على التقدير ستمائة ألف وأكثر سوى ماكان في الأطراف والجوالي والسطوح والمواضع المتفرقة أكثر من ألف ألف
وقال أبو بكر المروزي رأيت أحمد بن حنبل في النوم كأنه في روضة وعليه حلتان خضراوان وعلى رأسه تاج من النور وإذا هو يمشي مشية لم أكن أعرفها فقلت يا أحمد ماهذه المشية التي لم أكن أعرفها لك فقال هذه مشية الخدام في دار السلام فقلت ماهذا التاج الذي أراه على رأسك فقال إن ربي عز و جل أوقفني وحاسبني حسابا يسيرا وحباني وقربني وأباحني النظر إليه وتوجني بهذا التاج وقال لي يا أحمد هذا تاج الوقار توجتك به كما قلت القرآن كلامي غير مخلوق
وعن أبي يوسف بن لحيان قال لما مات أحمد بن حنبل رأى رجل (2/358)
في منامه كأن على كل قبر قنديلا فقال ما هذا فقيل له أما علمت أنه نور لأهل القبور قبورهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم قد كان فيهم يعذب فرحم
وعن أبي علي بن البناء قال لما ماتت أم القطيعي دفنها في جوار أحمد بن حنبل فرآها بعد ليال فقال ما فعل الله بك فقالت يابني رضي الله عنك فلقد دفنتني في جوار رجل تنزل على قبره في كل ليلة أو قال في كل ليلة جمعة رحمة تعم جميع أهل المقبرة وأنا منهم
263 - محمد بن مصعب أبو جعفر الدعاء
عن حسين بن فهم قال وذكر محمد بن مصعب فقال استسقى ماء فحطت برادة فسمع صوتها فشهق وصاح وقال يا محمد بن مصعب من أين لك في النار برادة قال ثم رفع صوته فقرأ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل الآية
وعن محمد بن نصر بن منصور الصائغ قال كان المأمون قد أمر محمد بن مصعب إلى الحبس فقال وقد ذهب به إلى الحبس ورفع رأسه إلى السماء وقال أقسمت عليك إن حبستني عندهم الليلة فأخرج في جوف الليل فصلى الغداة في منزله (2/359)
أسند محمد بن مصعب عن إبن المبارك وغيره وكان أحمد بن حنبل يثني عليه ويقول كان رجلا صالحا
وتوفي ببغداد في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ومائتين
264 - سعيد بن وهب أبو عثمان مولى بني سامة بن لؤي
كان شاعرا ماجنا كثير القول في الغزل والخمر وكان يسكن البصرة ثم توطن ببغداد وتاب وتعبد وحج راجلا
عن الحسين بن عبد الرحمن قال حج سعيد بن وهب ماشيا فبلغ منه وجهد فقال
قدمي اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجن من ماء القليب
رب يوم رحتما فيه على ... زهرة الدنيا وفي واد خصيب
وسماع حسن من حسن ... صخب المزهر كالظبي الربيب
فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كل فن بنصيب
إنما أمشي لأني مذنب ... فلعل الله يعفو عن ذنوبي
توفي سعيد في زمان المأمون رحمه الله
265 - يحيى بن أيوب أبو زكريا
العابد المعروف بالمقابري كان من خيار عباد الله ومن أهل السنة (2/360)
عن العباس بن محمد بن عبد الرحمن الأشهلي قال حدثني أبي قال مررت بالمقابر فسمعت همهمة فاتبعت الأثر فإذا يحيى بن أيوب في حفرة من تلك الحفر وإذا هو يدعو ويبكي ويقول يا قرة عين المطيعين ويا قرة عين العاصين ولم لا تكون قرة عين المطيعين وانت مننت عليهم بالطاعة ولم لا تكون قرة عين العاصين وأنت سترت عليهم الذنوب
قال ويعاود البكاء قال فغلبني البكاء ففطن لي فقال لي تعال لعل الله إنما بعث بك لخير
سمع يحيى بن أيوب من شريك واسمعيل بن علية في خلق كثير وتوفي سنة أربع وثلاثين ومائتين
266 - سريج بن يونس
يكنى أبا الحارث المروزي سكن بغداد
عن أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد قال سمعت سريج بن يونس يقول رأيت رب العزة تعالى في المنام فقال لي يا سريج سلني فقلت يا رب سر بسر
وعن إسحاق بن إبراهيم الجيلي قال سمعت سريج بن يونس الشيخ الصالح الصدوق يقول رأيت فيما يرى النائم كأن الناس (2/361)
وقوف بين يدي الله وأنا في أول صف في آخره ونحن ننظر إلى رب العزة تعالى إذ قال أي شيء تريدون أن أصنع بكم فسكت الناس قال سريج فقلت أنا في نفسي ويحهم قد أعطاهم كل ذا من نفسه وهم سكوت فقنعت رأسي بملحفتي وأبرزت عينا وجعلت أمشي وجزت الصف الأول بخطا فقال أي شيء تريد فقلت رحمان سر بسر إن أردت أن تعذبنا فلم خلقتنا قال قد خلقتكم ولا أعذبكم أبدا ثم غاب في السماء فذهب
وعن موسى بن هارون قال بلغني أن سريج بن يونس رأى رب العزة تعالى في المنام فأتيته فسألته فأجبرنا أنه رأى فيما يرى النائم كأن صفا من الناس قال وأنا على يمين الصف فقال أي شيء تريدون فلم يجبه أحد فقلت ويحكم مالكم لا تتكلمون ثم قنعت رأسي ثم تقدمت وأنا أتمايل أراه قال من الهول فقلت رحمان سر بسر إذ خلقتنا فلا تعذبنا قال فاني لا أعذبكم أو قال قد غفرت لكم
ثم رأيت بعد ذلك في رمضان كأنه قد نزل إلى الأرض فقال رجل اللهم اغفر لي فقال شيئا معناه سننزل إلى الأرض فنغفر لواحد قال سريج فقلت بيدي هكذا ولم أتكلم وفي نفسي أن يغفر للمؤمنين فقال إني قد غفرت للمؤمنين
وعن أحمد بن عبد العزيز بن الجعد قال حدثني بقال سريج بن يونس (2/362)
قال جاءني سريج ليلا وقد ولد له مولود فأعطاني ثلاثة دراهم فقال أعطني بدرهم عسلا وبدرهم سمنا وبدرهم سويقا ولم يكن عندي شيء قد عزلت الظروف لأبكر وأشتري فقلت ما عندي شيء قد عزلت الظروف لأبكر وأشتري فقال لي انظر قليلا أيش ما كان امسح البراني فجئت فوجدت البراني والجراب ملاء فأعطيته شيئا كثيرا فقال لي ما هذا أليس قلت ما عندي شيء قال قلت خذ واسكت فقال ما آخذ أو تصدقني فحدثته القصة فقال لا تحدث به أحدا ما دمت حيا
أسند سريج عن سفيان بن عيينة وهشيم وغيرهما
وتوفي في ربيع الأول سنة خمس وثلاثين ومائتين
267 - أحمد بن نصر الخزاعي
يكنى أبا عبد الله كان من كبار العلماء الآمرين بالمعروف وسمع الحديث من مالك بن أنس وحماد بن زيد وهشيم وغيرهم
امتحنه الواثق بالقرآن فأبى أن يقول إنه مخلوق فقتله في يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين بسر من رأى
فصلب جسده هناك وأنفذ رأسه إلى بغداد فنصبه فلم يزل كذلك (2/363)
ست سنين ثم حط وجمع بين رأسه وبدنه ودفن بالجانب الشرقي من بغداد في المقبرة المعروفة بالمالكية في يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وثلاثين ومائتين
وعن داود بن سليمان قال حدثني أبي قال سمعت أحمد بن نصر الخزاعي يقول رأيت مصابا قد وقع فقرأت في أذنه فكلمتني الجنية من جوفه يا أبا عبد الله بالله دعني أخنقه فأنه يقول القرآن مخلوق
وعن أبي بكر المروزي قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وذكر أحمد بن نصر فقال رحمه الله ما كان أسخاه لقد جاد بنفسه
وعن إبراهيم بن اسمعيل بن خلف قال كان أحمد بن نصر خلي فلما قتل في المحنة وصلب أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن فمضيت وبت بقرب من الرأس مشرفا عليه وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه فلما هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون فاقشعر جلدي ثم (2/364)
رأيته بعد ذلك في المنام وعليه السندس والاستبرق وعلى رأسه تاج فقلت ما فعل الله بك يا أخي قال غفر لي وأدخلني الجنة إلا أني مغموما ثلاثة أيام قلت ولم قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم مر بي فلما بلغ خشبتي حول وجهه عني فقلت بعد ذلك يا رسول الله قتلت علىالحق أو على الباطل فقال أنت على الحق ولكن قتلك رجل من أهل بيتي فإذا بلغت إليك أستحيي منك وعن إبراهيم بن الحسن قال رأى بعض أصحابنا أحمد بن نصر في النوم بعدما قتل فقال له ما فعل الله بك قال ما كانت إلا غفوة حتى لقيت الله عز و جل فضحك إلي رحمه الله
268 - أبو محمد الطيب بن إسمعيل ابن إبراهيم الذهلي
ويعرف بأبي حمدون الدلال كان أحد القراء المشهورين والزهاد الصالحين
روى القراءة عن الكسائي ويعقوب الحضرمي وحدث عن المسيب بن شريك وسفيان بن عيينة وشعيب بن حرب
عن أبي العباس أحمد بن مسروق قال سمعت أبا حمدون المقرىء يقول صليت ليلة فقرأت فأدغمت حرفا فحملتني عيني فرأيت كأن نورا قد تلبب بي وهو يقول لي بيني وبينك الله قال قلت من أنت (2/365)
قال أنا الحرف الذي أدغمتني قال قلت لا أعود فانتبهت فما عدت أدغم حرفا
وعن أبي محمد الحسن بن علي بن صليح قال إن أبا حمدون الطيب بن اسمعيل كف بصره فقاده قائده ليدخله المسجد فلما بلغ المسجد قال له قائده يا أستاذ اخلع نعليك قال يا بني لم أخلعهما قال لأن فيهما أذى فأغتم أبو حمدون وكان من عباد الله الصالحين فرفع يده ودعا بدعوات ومسح بها وجهه فرد الله إليه بصره ومشى
وعن أبي عبد الله بن الخطيب قال كان لأبي حمدون صحيفة فيها مكتوب ثلثمائة من أصدقائه قال وكان يدعو لهم كل ليلة فتركهم ليلة فنام فقيل له في نومه يا أبا حمدون لم تسرج مصابيحك الليلة قال فقعد وأسرج وأخذ الصحيفة فدعا لواحد واحد حتى فرغ
وعن أبي الحسين بن المنادى قال أبو حمدون الطيب بن إسمعيل الذهلي من خيار الزهاد المشتهرين بالقرآن كان يقصد المواضع التي ليس فيها أحد يقرىء الناس فيقرئهم حتى إذا حفظوا انتقل إلى آخرين بهذا النعت وكان يلتقط المنبوذ كثيرا رحمه الله (2/366)
269 - مسرور بن أبي عوانه
واسم أبي عوانة الوضاح مولى يزيد بن عطاء الواسطي نزل بغداد وكان عابدا مجتهدا
عن إسمعيل بن زياد أبو يعقوب قال قد رأيت العباد والمجتهدين ما رأيت أحدا قط أصبر على صلاة الليل والنهار وطول السهر والقيام من مسرور بن أبي عوانة كان يصلي الليل والنهار لا يفتر
قال وقدم علينا مرة فقال أخرجوني إلى الساحل أنظر إلى الماء حتى لا أنام
وعن الفضل بن عبد الوهاب أبو المساور ختن أبي عوانة قال كان أبو عوانة من أكثر الناس صلاة بالليل وأطوله اجتهادا
فلما قدم علينا مسرور بن أبي عوانة قال لي أبو عوانة يا أبا المساور احتقرت والله نفسي أو قال تصاغرت إلى نفسي
270 - الحارث بن أسد المحاسبيأبو عبد الله
عن أحمد بن محمد بن مسروق قال سمعت حارثا المحاسبي يقول ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومة حسن الوجه مع الصيانة وحسن الخلق مع الديانة وحسن الإخاء مع الأمانة (2/367)
وقال الجنيد كنت كثيرا أقول للحارث عزلتي أنسى فيقول كم تقول أنسي وعزلتي لو أن نصف الخلق تقربوا مني ما وجدت بهم أنسا ولو أن نصف الخلق الآخر نأى عني ما استوحشت لبعدهم
وقال كان الحارث كثير الضر فاجتاز بي يوما وأنا جالس على بابنا فرأيت على وجهه زيادة الضر من الجوع فقلت له يا عم لو دخلت إلينا فنلت من شيء عندنا وعمدت إلى بيت عمي كان أوسع من بيتنا لا يخلو من أطعمة فاخرة لا يكون مثلها في بيتنا سريعا فجئت بأنواع كثيرة من الطعام فوضعته بين يديه فمد يده فأخذ لقمة فرفعها إلى فيه فرأيته يلوكها ولا يزدردها ثم وثب فخرج وما كلمني
فلما كان الغد لقيته فقلت يا عم سررتني ثم نغصت علي فقال يا بني أما الفاقة فكانت شديدة وقد اجتهدت في أن أنال من الطعام الذي قدمت إلي ولكن بيني وبين الله علامة إذا لم يكن الطعام مرضيا ارتفع إلى أنفي منه زفورة فلم تقبله نفسي فقد رميت بتلك اللقمة في دهيلزكم وخرجت
وقال الجنيد مات أبو حارث المحاسبي وإن الحارث لمحتاج إلى (2/368)
دانق فضة وخلف أبوه مالا كثيرا وما أخذ منه حبة واحدة وقال أهل ملتين لا يتوارثان وكان أبوه واقفيا
أسند الحارث عن يزيد بن هارون وطبقته
وتوفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين رحمه الله
271 - عبد الوهاب بن الحكم
ويقال إبن الحكم بن نافع الوراق يكنى أبا الحسن
عن أبي بكر الحسن بن عبد الوهاب الوراق قال ما رأيت أبي ضاحكا قط إلا تبسما وما رأيته مازحا قط ولقد رآني مرة وأنا أضحك مع أمي فجعل يقول لي صاحب قرآن يضحك هذا الضحك
وعن أبي بكر المروزي قال سمعت أبا عبد الله يقول عبد الوهاب الوراق رجل صالح مثله يوفق لإصابة الحق
وعنه قال قال لي عبد الوهاب يعني الوراق أنت كيف أستخرت تقيم بسر من رأى فذكرت ذلك لأحمد فقال فلم لم تقل له ما كان (2/369)
بد للأسير ممن يخدمه ثم قال لا نزال بخير ما كان في الناس من ينكر علينا
وعنه قال سمعت اسحاق بن داود يقول كنت أدعو عبد الوهاب فأضع الطعام بين يديه فآكل وأتركه فيقول لي يا أبا يعقوب قل لي كل فأتغافل عنه وآكل فيأخذ بيدي ويقول لي قل لي كل فأقول له فلم دعوتك
أسند عبد الوهاب عن يحيى بن سليم الطائفي وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ومعاذ بن معاذ العنبري في آخرين
وكان مختصا بصحبة أحمد بن حنبل وكان أحمد يقول إني لأدعو الله له ومن يقوى على ما يقوى عليه عبد الوهاب وقيل له عند موته من نسأل بعدك فقال سلوا عبد الوهاب
وتوفي سنة خمسين وقيل إحدى وخمسين ومائتين
عن عاصم الحربي قال رأيت في المنام بشر بن الحارث الحافي فقلت من أين يا أبا نصر فقال من عليين قلت ما فعل أحمد بن حنبل قال تركت الساعة أحمد بن حنبل وعبد الوهاب الوراق بين يدي الله تعالى يأكلان ويشربان ويتنعمان رحمهما الله (2/370)
272 - السري بن المغلس السقطي
يكنى أبا الحسن خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه وقد ذكرنا في أخبار معروف أنه دعا له وقال أغنى الله قلبك فوقع الزهد في قلبه حينئذ
عن أبي القاسم سليمان بن محمد الضراب قال حدثني بعض أخواني أن سريا السقطي مرت به جارية معها إناء فيه شيء فسقط من يدها فإنكسر فأخذ سري شيئا من دكانه فدفعه إليها بدل ذلك الإناء فنظر إليه معروف الكرخي فأعجبه ما صنع فقال له معروف بغض الله إليك الدنيا
وعن مظفر بن سهل المقري قال سمعت علان الخياط وجرى بيني وبينه مناقب سري السقطي فقال علان كنت جالسا مع سري يوما فوافته امرأة فقالت يا أبا الحسن أنا من جيرانك أخذ ابني الطائف وأنا أخشى أن يؤذيه فإن رأيت أن تجيء معي أو تبعث إليه
قال علان فتوقعت أن يبعث إليه فقام وكبر وطول في صلاته فقالت المرأة يا أبا الحسن الله الله في هو ذا أخشى أن يؤذيه السلطان فسلم وقال لها أنا في حاجتك (2/371)
قال علان فما برحت حتى جاءت إمرأة إلى المرأة فقالت الحقي قد خلوا ابنك
قال علان وأي شيء يتعجب من هذا اشترى كرلوز بستين دينارا وكتب في روزنامجة ثلاثة دنانير ربحه فصار كراللوز بتسعين دينارا فأتاه الدلال وقال أريد ذاك اللوز فقال خذ فقال بكم قال بثلاثة وستين دينارا قال له الدلال إن اللوز قد صار الكر بتسعين فقال له قد عقدت بيني وبين الله عقدا لا أحله ليس أبيعه إلا بثلاثة وستين دينارا فقال له الدلال إني قد عقدت بيني وبين الله تعالى لا أغش مسلما لست أخذ منك إلا بتسعين دينارا فلا الدلال اشترى منه ولا سري باعه فكيف لا يستجاب دعاء من هذا فعله
وعن إبن أبي الورد قال دخلت على سري السقطي وهو يبكي ودورقه مكسور فقلت مالك قال إنكسر الدورق فقلت أنا أشتري لك بدله فقال لي تشتري بدله وأنا أعرف من أين الدانق (2/372)
الذي تشتري به الدورق ومن عمله ومن أين طينه وأي شيء أكل عامله حتى فرغ من عمله
وعن سعيد بن عثمان قال سمعت سري بن المغلس يقول غزونا أرض الروم فمررت بروضة خضرة فيها الخيار وحجر منقور فيه ماء المطر فقلت في نفسي لأن أكلت يوما حلالا فاليوم فنزلت عن دابتي وجعلت آكل من ذلك الخيار وشربت من ذلك الماء فإذا هاتف يهتف بي يا سري النفقة التي بلغت بها إلى ها هنا من أين
وعن الجنيد قال سمعت سري بن المغلس يقول أشتهي منذ ثلاثين سنة جزرة أغمسها في الدبس وآكلها فما يصح لي
وعن حسن المسوحي قال دفع إلي سري السقطي قطعة فقال اشتر لي باقلي من رجل قدره داخل الباب فطفت الكرخ كله فلم أجد إلا من قدره خارج الباب فرجعت إليه فقلت خذ قطعتك فإني لا أجد إلا من قدره خارج
وعن أبي عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال سمعت سريا السقطي يقول إني لأذكر مجيء الناس إلي فأقول اللهم هب لهم من العلم ما يشغلهم عني فإني لا أريد مجيئهم ولا أن يدخلوا علي (2/373)
وعن علي بن عبد الحميد الغضائري قال سمعت السري السقطي ودققت عليه الباب فقام إلى الباب فسمعته يقول اللهم اشغل من يشغلني عنك بك
قال إبن المقري وزادني بعض أصحابنا عنه أنه قال فكان من بركة دعائه أني حججت أربعين حجة على رجلي من حلب ذاهبا وراجعا
وعن جنيد قال دخلت على سري وهو جالس يبكي وبين يديه كوز مكسور فجلست حتى سكت فقلت ما يبكيك قال كنت صائما فجاءت ابنتي بكوز فيه ماء فعلقته هناك فقالت يبرد لك لتفطر عليه فحملتني عيني فرأيت كأن جارية قد دخلت علي من هذا الباب عليها قميص فضة وفي رجليها نعلان لم أر قدما قط في نعل أحسن منهما فقلت لها لمن أنت قالت لمن لا يبرد الماء في الكيزان الخضر وضربت بكمها الكوز فرمت به وهو هذا ثم إنتبهت
قال جنيد فمكثت أختلف إليه مدة طويلة أرى الكوز بين يديه مكسورا عليه التراب وهو لا يرفعه (2/374)
وعنه قال قال لي سري إن أمكنك ألا تكون آلة بيتك إلا خزفا فافعل قال لي الجنيد وهكذا كانت آلة بيته وسمعت سريا يقول رأيت الفوائد ترد في ظلم الليل قال وكان سري إذا جن عليه الليل دافع أوله ثم دافع ثم دافع فإذا غلبه الأمر أخذ في النحيب والبكاء
جعفر بن محمد بن نصير يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري قال ما أرى لي على أحد فضلا قيل ولا على المخنثين قال ولا على المخنثين
قال السلمي وسمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا عمر الأنماطي يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السري يقول من أراد أن يسلم دينه ويستريح قلبه وبدنه ويقل غمه فليعتزل الناس لأن هذا زمان عزلة ووحدة
وعن عبدوس بن القاسم قال سمعت السري يقول كل الدنيا الدنيا فضول إلا خمس خصال خبز يشبعه وماء يرويه وثوب يستره وبيت يكنه وعلم يستعمله
وعن علي بن عبد الحميد الغضائري قال سمعت السري يقول من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم ومن هانت عليه المصائب أحرز ثوابها (2/375)
وعنه قال سمعت السري يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة كيف يقل عمل مع تقوى وسمعته يقول أقوى القوة غلبتك نفسك ومن عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز ومن أطاع من فوقه أطاعه من دونه ومن خاف الله خافه كل شيء
فقال إن إغتممت بما ينقص من مالك فابك على ما ينقص من عمرك
وقال من قلة الصدق كثرة الخلطاء ومن علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس
وعنه قال سمعت السري يقول أجلد الناس من ملك غضبه ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله ولن يكمل رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه
وعن الجنيد قال سمعت سريا يقول ما أحب أن أموت حيث أعرف أخاف ألا تقبلني الأرض فأفتضح
وقال سمعت سريا يقول إني لأنظر إلى أنفي في كل يوم مرتين مخافة أن يكون قد اسود وجهي
أحمد بن عبد الله قال أخبرني جعفر بن محمد في كتابه قال سمعت (2/376)
الجنيد قال سمعت السري بن مغلس يقول لو أحسست بإنسان يريد أن يدخل علي فقلت بلحيتي كذا وأمر يده على لحيته كأنه يريد تسويتها من أجل دخول الداخل لخفت أن يعذبني الله على ذلك بالنار
وسمعته يقول أحب أن آكل أكلة ليس لله علي فيها تبعة ولا لمخلوق علي فيها منة فما أجد إلى ذلك سبيلا
وسمعته يقول خرجنا يوما من مكة فلما أصحرنا رأيت في مجرى السيل طاقة بقل فمددت يدي فأخذتها وقلت الحمد لله ورجوت أن تكون حلالا ليس لمخلوق فيها منة فقال لي بعض من رآني وقد أخذتها يا أبا الحسن التفت فالتفت فإذا مثل تلك الطاقة كثير فقال لي خذ فقلت له الطاقة الأولى ليس لأحد فيها منة وهذا بدلالتك وإنما أريد ما لا منة فيه لمخلوق ولا لله فيه تبعة
قال وسمعته يقول كنت بطرسوس فكان معي في الدار فتيان متعبدون وكان في الدار تنور يخبزون فيه فانكسر التنور فعملت بدله من مالي فتورعوا أن يخبزوا فيه
وقال له رجل كيف أنت فأنشأ يقول
من لم يبت والحب حشو فؤاده ... لم يدر كيف تفتت الأكباد (2/377)
وسمعته يقول اللهم ما عذبتني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب
وسمعته يقول إذا فاتني جزء من وردي لا يمكنني أن أقضيه أبدا
وسمعته يقول إذا ابتدأ الإنسان ثم كتب الحديث فتر وإذا ابتدأ بكتبه الحديث ثم تنسك نفذ
وذكر له أهل الحقائق من العباد فقال أكلهم أكل المرضى ونومهم نوم الغرقى
وسمعته يقول احذر لا تكون ثناء منشورا وعيبا مستورا
وسمعته يقول وقد ذكر الناس فقال لا تعمل لهم شيئا ولا تترك لهم شيئا ولا تعط لهم شيئا ولا تكشف لهم عن شيء يريد بهذا أن تكون أعمالك كلها لله تعالى
قال وسمعت الحسن البزار يقول سألت أحمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر فقال أليس الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء قلت بلى فقال هو على سترة عندنا قبل أن يخرج
وقد كان السري يكثر من ذكر طيب الغذاء وتصفية القوت وشدة الورع حتى انتشر ذلك وبلغ أحمد بن حنبل (2/378)
قال الجنيد وكان السري يقول لنا ونحن حوله أنا لكم عبرة يا معشر الشباب أعملوا فإنما العمل في الشبيبة وكان يقول من الناس ناس لو مات نصف أحدهم ما إنزجر النصف الآخر ولا أحسبني إلا منهم
وسمعت السري يقول قلوب المؤمنين معلقة بالسوابق وقلوب الأبرار معلقة بالخواتيم هؤلاء يقولون بماذا يختم لنا وأولئك يقولون ماذا سبق من الله لنا
وعن أبي عباس المؤدب قال دخلت على سري السقطي يوما فقال لأعجبنك من عصفور يجيء فيسقط على هذا الرواق فأكون قد أعددت له لقيمة فأفتها في كفي فيسقط على أطراف أناملي فيأكل فلما كان في وقت من الأوقات سقط على الرواق ففتت الخبز في يدي فلم يسقط على يدي كما كان ففكرت في سري ما العلة في وحشته مني فوجدتني قد أكلت ملحا مطيبا فقلت في نفسي أنا تائب من الملح المطيب فسقط على يدي فأكل وانصرف
وعن الجنيد قال دخلت على سري فقال ألا أعجبك من عصفور فذكره
وعن أبي القاسم الجوهري قال دخلت على سري فقال لأعجبنك من عصفور فذكر نحوه (2/379)
وعن أبي عبيد بن حربويه قال سمعت السري السقطي يقول من النذالة أن يأكل الإنسان بدينه
وعن علي بن عبد الحميد قال سمعت السري السقطي يقول من حاسب نفسه إستحيا الله من حسابه وسمعته يقول من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل
وعن أبي عبيد بن حربويه قال سمعت سريا السقطي يقول سلب الدنيا عن أوليائه وحماها عن أصفيائه وأخرجها من قلوب أودائه لأنه لم يرضها لهم
وعن أحمد بن محمد الصوفي قال سمعت السري بن مغلس يقول انقطع من انقطع عن الله بخصلتين واتصل من اتصل بالله بأربع خصال فأما من انقطع عن الله فإنه يتخطى إلى نافلة بتضييع فرض والثاني عمل بظاهر الجوارح لم يواطىء عليه صدق القلوب وأما الذي إتصل به المتصلون فبلزوم الباب والتشمير في الخدمة والصبر على المكاره وصيانات الكرامات
وعن أبي بكر النساج قال سمعت السري يقول لو علمت أن جلوسي في البيت أفضل من خروجي إلى المجلس ما خرجت ولو علمت أن جلوسي معكم أفضل من جلوسي في البيت ما جلست ولكني إن دخلت اقتضاني العلم لكم وإن خرجت نافرتني (2/380)
الحقيقة فأنا عند منافرتي مستحي وأنا عند اقتضاء العلم محجوج
وعن الجنية قال سمعت السري يقول وودت أن حزن الخلق كلهم علي وسمعته يقول إن في النفس لشغلا عن الناس
وعن محمد بن علي الحربي قال سمعت سريا يقول حمدت الله مرة وأنا أستغفر الله من ذلك الحمد منذ ثلاثين سنة قيل وكيف ذلك قال كان لي دكان وكان فيه متاع فوقع الحريق في سوقنا فقيل لي فخرجت أتعرف خبر دكاني فلقيت رجلا فقال أبشر فإن دكانك قد سلم فقلت الحمد لله ثم أفكرت فرأيتها خطيئة
وعن الجنيد بن محمد قال دخلت على سري السقطي فسلمت وجلست فقال لي إقرب مني فقربت منه فأخذ بيدي وقال لي إعلم يا بني أن الشوق والأنس يرفرفان على القلب فإن وجدا هنالك الهيبة والإجلال حلا وإلا رحلا
وعن إبن مسروق قال سمعت سريا يقول ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل وإذا قدر لم يتناول ما ليس له
وعن جنيد قال سمعت سريا يقول إذا فاتني شيء من وردي لم أقدر أن أعيده (2/381)
قال جنيد كان سري متصل الشغل وكان إذا فاته شيء لا يقدر أن يعيده وكذا كان عمر بن الخطاب لم يكن له وقت ينام فيه فكان ينعس وهو قاعد فقيل له يا أمير المؤمنين ألا تنام فقال كيف أنام إن نمت بالنهار ضيعت أمور المسلمين وإن نمت بالليل ضيعت حظي من الله عز و جل
وعنه قال أخبرنا سري السقطي قال صليت ليلة ثم جلست ساعة ومددت رجلي فنوديت في سري يا سري من جالس الملوك ينبغي أن يحسن الأدب
وعن حسن البزار قال كان أحمد بن حنبل ها هنا وكان بشر بن الحارث ها هنا وكنا نرجو أن يحفظنا الله بهما ثم ماتا وبقي سري فإني أرجو أن يحفظنا الله بسري
وعن الجنيد قال ما رأيت أعبد لله من السري السقطي أتت عليه ثمان وسبعون سنة ما رئي مضطجعا إلا في علة الموت
وعن القاسم بن عبد الله البزار قال سمعت سري بن المغلس يقول لو أن رجلا دخل إلى بستان فيه من جميع ما خلق الله تعالى من الأشجار عليها من جميع ما خلق الله تعالى من الأطيار فخاطبه كل (2/382)
طائر منها بلغته وقال السلام عليك يا ولي الله فسكنت نفسه إلى ذلك كانت في يدها أسيرا
وعن إبراهيم بن السري السقطي قال سمعت أبي يقول عجبت لمن غدا وراح في طلب الأرباح وهو مثل نفسه لا يربح أبدا وسمعت أبي يقول لو أشفقت هذه النفوس على أديانها شفقتها على أولادها لاقت السرور في معادها
وعن الجنيد بن محمد قال سمعت سريا يقول لولا الجمعة والجماعة لسددت على نفسي الباب ولم أخرج
وعن إبن مسروق قال سمعت سريا يقول لأخوانه الدهر ثلاثة أيام يوم مضى بؤسه وشدته وغمه لم يبق منه شيء واليوم الذي أنت فيه صديق مودع لك طويل الغيبة عنك سريع الرحلة عنك وغدا في يديك تأميله ولعلك من غير أهله
وقال أمس أجل واليوم عمل وغدا أمل
وقال الجنيد كنت نائما عند سري رحمه الله فأنبهني فقال لي يا جنيد رأيت كأني قد وقفت بين يدي الله تعالى فقال لي يا سري خلقت الخلق فكلهم إدعى محبتي وخلقت الدنيا فهرب مني تسعة أعشارهم وبقي معي العشر وخلقت الجنة فهرب مني تسعة أعشار العشر وبقي معي عشر العشر فسلطت عليهم ذرة من البلاء فهرب مني (2/383)
تسعة أعشار عشر العشر فقلت للباقين معي لا الدنيا أردتم ولا الجنة أخذتم ولا من النار هربتم فماذا تريدون قالوا إنك تعلم ما نريد فقلت لهم فإني مسلط عليكم من البلاء بعدد أنفاسكم ما لا تقوم له الجبال الرواسي أتصبرون قالوا إذا كنت أنت المبتلي لنا فأفعل ما شئت فهؤلاء عبادي حقا
وعنه قال كنت يوما عند السري بن مغلس وكنا خاليين وهو متزر بمئزر فنظرت إلى جسده كأنه جسد سقيم دنف مضنى كأجهد ما يكون فقال أنظر إلى جسدي هذا لو شئت أن أقول إن ما بي من المحبة لله تعالى لكان كما أقول وكان وجهه أصفر ثم أشرب حمرة حتى تورد ثم اعتل فدخلت عليه أعوده فقلت له كيف تجدك فقال
كيف أشكوا على طبيبي ما بي ... والذي بي أصابني من طبيبي
فأخذت المروحة أروحه فقال لي كيف يجد روح المروحة من جوفه يحترق من داخل ثم أنشأ يقول
القلب محترق والدمع مستبق ... والكرب مجتمع والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له ... مما جناه الهوى والشوق والقلق (2/384)
يا رب إن كان شيء فيه لي فرج ... فأمنن علي به بي ما دام بي رمق
وعنه قال دخلت على سري السقطي وهو في النزع فجلست عند رأسه فوضعت خدي على خده فدمعت عيناي فوقع دمعي على خده ففتح عينيه فقال لي من أنت قلت أنا خادمك الجنيد فقال مرحبا فقلت له أيها الشيخ أوصني بوصية أنتفع بها بعدك قال إياك ومصاحبة الأشرار وأن تنقطع عن الله بصحبة الأخيار
وقد رواها جعفر الخلدي عن الجنيد أيضا
أسند سري عن هشيم وأبي بكر بن عياش ويزيد بن هارون وغيرهم وصحب معروفا الكرخي
قال أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي توفى سري بن المغلس يوم الثلاثاء لست خلون من رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين
وعن أبي الحسن بن مقسم المقري قال مات سري سنة إحدى وخمسين ومائتين
وقال المصنف رحمه الله والأول أصح
وعن أبي عبيد بن حربويه قال حضرت جنازة سري السقطي (2/385)
فسررت فحدثنا رجل عن آخر أنه حضر جنازة سري السقطي فلما كان في بعض الليل رآه في النوم فقال له ما فعل الله بك قال غفر لي ولمن حضر جنازتي وصلى علي فقلت فإني ممن حضر جنازتك وصلى عليك قال فأخرج درجا فنظر فيه فلم ير لي فيه إسما فقلت بلى قد حضرت قال فنظر فإذا اسمي في الحاشية رحمه الله ورضي عنه
273 - علي بن الموفق أبو الحسن العابد
عن محمد بن أحمد بن المهدي قال سمعت علي بن الموفق ما لا أحصيه يقول اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفا من نارك فعذبني بها وإن كنت تعلم أني أعبدك حبا مني لجنتك وشوقا مني إليها فاحرمنيها وإن كنت تعلم أني أعبدك حبا مني لك وشوقا مني إلى وجهك الكريم فأبحنيه واصنع بي ما شئت
قال وسمعته يقول خرجت يوما لأؤذن فأصبحت قرطاسا فأخذته ووضعته في كمي وأقمت وصليت فلما صليت قرأته فإذا فيه مكتوب
بسم الله الرحمن الرحيم يا علي يا بن الموفق تخاف الفقر وأنا ربك
وعن عبد الله بن العباس الطيالسي قال سمعت علي بن الموفق (2/386)
يقول قام رجل من إخوانكم في ليلة باردة فلما تهيأ للصلاة إذا شقاق في يديه ورجليه فبكى فهتف به هاتف من البيت أيقظناك وأنمناهم وتبكي علينا
وعن عبد الرحمن بن عبد الباقي بطرسوس قال سمعت بعض مشايخنا يقول قال علي بن الموفق لما تم لي ستون حجة خرجت من الطواف وجلست بحذاء الميزاب وجعلت أتفكر لا أدري أي شيء حالي عند الله وقد كثر ترددي إلى هذا المكان قال فغلبتني عيني فكأن قائلا يقول يا علي أتدعو إلى بيتك إلا من تحبه فأنتبهت وقد سري عني ما كنت فيه
وعن محمد بن إسحاق السراج قال سمعت علي بن الموفق يقول حججت نيفا وخمسين حجة فنظرت إلى أهل الموقف وضجيج أصواتهم فقلت اللهم إن كان في هؤلاء أحد لم يتقبل حجه فقد وهبت حجتي له فرحت إلى مزدلفة فبت بها فرأيت رب العزة تعالى في المنام فقال لي يا علي يا بن الموفق تتسخى علي قد غفرت لأهل الموقف ولأمثالهم وشفعت كل واحد منهم في أهل بيته وعشيرته وذريته وأنا أهل التقوى وأهل المغفرة (2/387)
وعن أحمد بن عبد الله الحفار قال رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت يا أبا عبد الله ما فعل الله بك قال حباني وأعطاني وقربني وأدناني قال قلت الشيخ الزمن علي بن الموفق ما صنع الله به قال الساعة تركته في زلال يريد العرش
قال المؤلف أسند إبن الموفق عن منصور بن عمار وأحمد بن أبي الحواري
وتوفي سنة خمس وستين ومائتين رحمه الله
274 - أبو شعيب البراثي العابد
قال الجنيد بن محمد أبو شعيب البراثي أول من سكن براثا في كوخ يتعبد فمرت بكوخه جارية من بنات الكبار أبناء الدنيا فتجردت مما كانت فيه وتزوجت به مكثا سنين كثيرة يتعبدان أحسن عبادة وتوفيا على ذلك متعاونين رحمهما الله
275 - أبو عبد الله بن أبي جعفر البراثي
عن أبي مريم قال قلت لأبي عبد الله البراثي كم تبكي كم هذا البكاء فأخرج إلي يده وإذا على إصبعه شعرة ملفوفة فنشرها ثم قال إذا كان المجاز على مثل هذه فأي قدم يثبت على مثل هذا ثم بكى (2/388)
وعن حكيم بن جعفر قال سمعت أبا عبد الله البراثي يقول لن يرد القيامة أرفع درجة من الراضين عن الله على كل حال ومن وهب له الرضا فقد بلغ أفضل الدرجات ومن زهد على حقيقة كانت مؤنته خفيفة ومن لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال
وعنه قال سمعت أبا عبد الله البراثي يقول كرمك أطمعنا سيدي في عفوك وجودك أطمعنا في فضلك وذنوبنا قد تؤيسنا من ذلك وتأبى قلوبنا لمعرفتها بك أن تقطع رجاءها بك منك فتفضل أيها الكريم وجد بعفوك يا رحيم
وعنه قال سمعت أبا عبد الله البراثي يقول بالمعرفة هانت على العاملين العبادة وبالرضا عن الله عز و جل في تدبيره زهدوا في الدنيا ورضوا منها لأنفسهم بتقديره
وعنه قال سمعت أبا عبد الله البراثي يقول من كرمت نفسه عليه رغب بها عن الدنيا
وعن البرجلاني قال سمعت أبا عبد الله البراثي يقول حملتنا المطامع على أسوأ الصنائع نذل لمن لا يقدر لنا على ضرر ولا على نفع ونخضع لمن لا يملك لنا رزقا ولا حياة ولا موتا ولا نشورا فكيف أزعم أني أعرف ربي حق معرفته وأنا أصنع ذلك هيهات هيهات (2/389)
276 - أبو جعفر المحولي
سكن باب المحول من بغداد فنسب إليه
عن إسماعيل بن إبراهيم الترجماني قال سمعت أبا جعفر المجولي وكان عابدا عالما يقول حرام على قلب محب الدنيا أن يسكنه الورع الخفي وحرام على نفس عليها رياسة الناس أن تذوق حلاوة الآخرة وحرام على كل عالم لم يعمل بعلمه أن يتخذه المتقون إماما
وعن عبد الله بن أبي حبيب قال سمعت أبا جعفر المحولي يقول إليك أشكو بدنا غذي بنعمتك ثم توثب على معاصيك
وعن الصلت بن حكيم قال قال أبو جعفر المحولي يوما وذكر عنده الفالوذج فقال إن قلبا يتفرغ لصنعة الفالوذج حتى يأكله لقلب فارغ جدا ثم بكى
وعنه قال سمعت أبا جعفر المجولي يقول إذا جاع العبد صفا بدنه ورق قلبه وهطلت دمعته وأسرعت إلى الطاعة أطواره وجوارحه وعاش في الدنيا كريما (2/390)
277 - إبراهيم الآجري الكبير
عن عبدون الزجاج قال قال إبراهيم الآجري وكان من الفاضلين لأن ترد همك إلى الله عز و جل ساعة خير لك مما طلعت عليه الشمس
278 - أبو بكر محمد بن مسلم بن عبد الرحمن القنطري
عن إبن المنادى قال أبو بكر محمد القنطري كان ينزل قنطرة البردان وكان يشبه في الزهد والورع والشغل عن الدنيا وأهلها ببشر بن الحارث وكان قوته شيئا يسيرا إنما كان فيما أخبرت عنه يكتب جامع سفيان الثوري لقوم لا يشك في صلاحهم ببضعة عشر درهما فمنها قوته
وقالوا كان له إبن إخت حدث فرآه يلعب بالطيور فدعا الله أن يميته فما أمسى يومه ذلك إلا ميتا
وعن أبي بكر أحمد بن محمد المروزي قال دخلت على أبي بكر بن مسلم صاحب قنطرة البردان يوم عيد فوجدته عليه قميص مرقوع نظيف مطبق وقدامه قليل خرنوب يقرضه فقلت يا أبا بكر (2/391)
اليوم عيد الفطر وتأكل خرنوبا فقال لي لا تنظر إلى هذا ولكن انظر إن سألتني عنه من أين هو إيش أقول
وقال الجنيد بن محمد عبرت يوما إلى أبي بكر بن مسلم في نصف النهار فقال ما كان لك في هذا الوقت عمل يشغلك عن المجيء إلي قلت إذا كان مجيئي إليك عملا فما أعمل
وعنه قال كان لي شيوخ كانت رؤيتهم لي قوة من الأسبوع إلى الأسبوع وإن أبا بكر بن مسلم منهم
وعن أبي بكر المروزي قال سمعت أبا بكر بن مسلم يقول الدنيا لأي شيء تراد إن كان إنما تراد للذة فلا كانت الدنيا ولا كان أهلها إنما تراد الدنيا أن يطاع الله فيها
توفي أبو بكر بن مسلم يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة سنة ستين ومائتين
279 - أبو جعفر بن السماك العابد
عن سري السقطي قال دخل علي أبو جعفر بن السماك وكان شيخا متعبدا مترويا فرأى عندي جماعة فوقف ولم يقعد ثم نظر (2/392)
إلي وقال يا سري صرت مناخ البطالين ورجع ولم يقعد وكره إجتماعهم حولي
قال المؤلف هكذا روي لنا في نسبه أبو جعفر بن السماك
وقال أبو عبد الرحمن السلمي هو أبو جعفر السماك بغدادي من مشايخ سري السقطي
280 - أيوب الحمال
يكنى أبا سليمان من العباد المجتهدين من ذوي الكرامات وهو من أقران بشر وسري وصحب سهل بن عبد الله
عن محمد بن خالد قال سمعت أيوب الحمال يقول عقدت على نفسي ألا أمشي غافلا ولا أمشي إلا ذاكرا فمشيت مشية فأخذتني عرجة فعلمت من أين أتيت فبكيت وإستغثت وتبت فزالت العلة والعرجة فرجعت إلى الموضع الذي غفلت فيه فرجعت إلى الذكر فمشيت سليما
وعن أحمد بن محمد بن وهب عن بعض أصحابه أنه حج مع أيوب الحمال قال فلما أن ظعنا في البادية وسرنا منازل إذا عصفور يحوم علينا وحولنا فرفع أيوب رأسه فنظر إليه فقال له قد جئت إلى ههنا وأخذ خبزا ففته له في كفه فوقع العصفور على يده وجعل يأكل منها ثم صب له ماء فشرب ثم قال له (2/393)
إذهب الآن فطار العصفور فلما كان من الغد رجع العصفور ففعل به أيوب مثل ما فعل في اليوم الأول ثم لم يزل يفعل به ذلك حتى انتهى إلى آخر السفرة
281 - محمد بن محمد بن عيسى بن عبد الرحمن بن عبد الصمد
مولى سعيد بن العاص القرشي يكنى أبا الحسن ويلقب نحبش ويعرف بإبن أبي الورد عن علي بن عبد الحميد قال سمعت محمد بن أبي الورد يقول هلاك الناس في حرفين اشتغال بنافلة وتضييع فريضة وعمل بالجوارح بلا مواطأة القلب عليه وإنما منعوا الوصول بتضييع الأصول
وعن أبي بكر الصوفي الاسكاف قال سمعت أبا الحسن محمد بن محمد بن أبي الورد يقول أشكر الخلق لله عز و جل من لم ير أنه شكر الله عز و جل قط
وعن جعفر بن محمد قال سئل محمد بن أبي الورد عن قوله أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا قال من ظن في إساءته أنه محسن
وقال من آداب الفقير في فقره ترك الملامة والتعبير لمن ابتلي (2/394)
بطلب الدنيا والرحمة والشفقة عليه والدعاء له ليريحه الله من تعبه فيها
وعن عبد الرحمن بن أحمد قال سمعت أبا الحسن محمد بن محمد بن أبي الورد يقول إن لله عز و جل يوما لا ينجو من شره منقاد لهواه وإن أبطأ الصرعى نهضة يوم القيامة صريع الشهوة وإن العقل معدن والفكر معول فبقدر الطاقة والقوة يكون إنتهاؤه وعلى العاقل مراعاة قلبه وحفظ ساعته لا غير
وعن أبي الحسين بن المنادى قال وأبو الحسن محمد بن محمد المعروف بحبش بن أبي الورد ما زال مشهورا بالورع والزهد والفضل والانكماش في العبادة حتى فارق الدنيا
قال المؤلف أسند محمد عن أبي النضر هاشم بن القاسم وبشر الحافي وصحب سريا والمحاسبي
وتوفي في رجب سنة ثلاث وستين ومائتين رحمه الله
282 - أخوه أحمد بن محمد بن أبي الورد
وقيل يكنى أبا الحسن أيضا
وعن جعفر بن محمد قال قال أحمد بن أبي الورد ولي الله إذا زاد جاهه زاد تواضعه وإذا زاد ماله زاد سخاؤه وإذا زاد عمره زاد إجتهاده (2/395)
وقال وصل القوم بخمس بلزوم الباب وترك الخلاف والنفاذ في الخدمة والصبر على المصائب وصيانة الكرامات
وعن أبي علي الروذباري قال كان أحمد ومحمد ابنا محمد بن أبي الورد صحبا أبا عبد الله الساجي وكان أبو عبد الله يقول من أراد أن يخدم الفقراء فليخدم خدمة ابني إبن أبي الورد صحباني عشرين سنة ما سألاني مسألة قط وما رأيت منهما منكرا قط
صحب أحمد بن أبي الورد بشرا الحافي والحارث المحاسبي وسريا ومات قبل أخيه محمد
283 - الحسن الفلاس
تأدب ببشر الحافي وعاصر سريا السقطي وكان سري يفخم أمره
عن وهب بن نعيم بن الهيصم قال جاء حسن الفلاس إلى بشر إبن الحارث مرة ومرتين وثلاثا يتردد إليه في مسألة ليكون الحجة فيما بينه وبين الله تعالى فتركه بشر وقام مرة ومرتين وثلاثا
فلما كان بعد ذلك تبعه إلى المقابر فلما صار إلى المقابر وقف بشر فقال له يا حسن أيود هؤلاء أن يردوا فيصلحوا ما أفسدوا ألا فأعلم (2/396)
يا حسن أنه من فرح قلبه بشيء من الدنيا أخطأ الحكمة قلبه ومن جعل شهوات الدنيا تحت قدميه فرق الشيطان من ظله ومن غلب هواه فهو الصابر الغالب ألا واعلم أن البلاء كله في هواك والشفاء كله في مخالفتك إياه فإذا لقيته فقل قال لي
فرجع الحسن فعاهد الله ألا يأكل ما يباع ولا ما يشترى ولا يلبس ما يباع ولا ما يشترى ولا يمسك بيده ذهبا ولا فضة ولا يضحك أبدا وكان يأوي ستة أشهر في العباسية وستة أشهر حول دار البطيخ ويلبس ما في المزابل
ولقبه رجل بالذندرن منصرفا على هذه الصورة فقال يا حسن من ترك شيئا لله عوضه الله ما هو خير منه يعني فما عوضك قال الحسن الرضا بما ترى
فلما رجع من غزاته خرج به خراج وكانت فيه ميتته فلما إشتد به الأمر قال لمولاة له لا تسقيني ماء حتى أطلب منك فلما قرب منه الأمر طلب منها الماء فشرب وقال لقد أعطاني ما يتنافس فيه المتنافسون
وعن سري السقطي قال تعجبني طريقة حسن الفلاس وكان حسن الفلاس لا يأكل إلا القمامة رحمه الله (2/397)
284 - محمد بن منصور الطوسي
يكنى أبا جعفر أصله من طوس سكن بغداد ومات بها أثنى عليه أحمد بن حنبل
وعن أحمد بن محمد بن الفضل المؤذن قال سمعت محمد بن منصور الطوسي وحواليه قوم فقالوا له يا أبا جعفر أي شيء عندك اليوم فقد شك الناس فيه يوم عرفة هو أو غيره فقال اصبروا فدخل البيت ثم خرج فقال هو عندي يوم عرفة فاستحيوا أن يقولوا من أين لك ذلك فعدوا الأيام والليالي فكان اليوم الذي قال فجاء إليه إبن سلام فقال من أين علمت أنه يوم عرفة قال دخلت البيت فسألت ربي تعالى فأراني الناس في الموقف
وعن الحسن بن علوية قال قال محمد بن منصور ست خصال يعرف بها الجاهل الغضب في غير شيء والكلام في غير نفع والعظة في غير موضعها وإفشاء السر والثقة بكل أحد ولا يعرف صديقه من عدوه
أسند محمد بن منصور عن هاشم بن القاسم وغيره ومسانيده كثيرة (2/398)
وتوفي يوم الجمعة لست بقين من شوال سنة أربع وخمسين ومائتين رحمه الله
285 - محمد السمين
الخلدي قال قال الجنيد قال لي محمد السمين كنت في وقت من الأوقات أعمل على الشوق وكنت أجد من ذلك شيئا أنه به مشتغل فخرجت إلى الغزو وهذه الحالة حالي وغزا الناس وغزوت معهم فكثر العدو على المسلمين وتقاربوا والتقوا ولزم المسلمين من ذلك خوف لكثرة الروم
قال أحمد فرأيت نفسي في ذلك الموطن وقد لحقها روع فاشتد ذلك علي وجعلت أوبخ نفسي وألومها وأؤنبها وأقول لها كذابة تدعين الشوق فلما جاء الموطن الذي يؤمل في مثله الخروج إضطربت وتغيرت فأنا أوبخها إذا وقع لي أنزل إلى النهر فأغتسل فخلعت ثيابي واتزرت ودخلت النهر فأغتسلت وخرجت وقد اشتدت لي عزيمة لا أدري ما هي فخرجت بقوة تلك العزيمة ولبست ثيابي وأخذت سلاحي ودنوت من الصفوف وحملت بقوة تلك العزيمة حملة وأنا لا أدري كيف أنا فخرقت صفوف المسلمين وصفوف الروم حتى صرت من ورائهم ثم كبرت تكبيرة فسمع الروم (2/399)
تكبيرا فظنوا أن كمينا قد خرج عليهم من ورائهم فولوا وحمل عليهم المسلمون فقتل من الروم بسبب تكبيرتي تلك نحو أربعة الآف وجعل الله عز و جل ذلك سببا للفتح والنصر
286 - زهير بن محمد بن قمير
إبن شعبة أبو محمد مروزي الأصل سكن بغداد
عن أبي القاسم أحمد بن منيع قال ما رأيت بعد أبي عبد الله أحمد بن حنبل أزهد من زهير بن قمير
وعن محمد بن زهير بن قمير قال كان أبي يجمعنا في وقت ختمة القرآن في شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث مرات تسعين ختمة في شهر رمضان
وعن عبد الله بن البغوي قال سمعت زهيرا يقول أشتهي لحما من أربعين سنة ولا آكله حتى أدخل الروم فآكله من مغانم الروم
أسند زهير بن محمد بن قمير عن الحسين بن محمد المروزي والحسن بن موسى الأشيب ويعلى بن عبيد والقعنبي وعبد الرازق في آخرين
وإنتقل في آخر عمره إلى طرسوس فرابط بها إلى أن توفي بها في سنة سبع وخمسين وقيل ثمان وخمسين ومائتين (2/400)
وذكر أبو الحسن المنادى أنه دفن في مقابر باب حرب والصحيح الأول
287 - إبراهيم بن هانىء
أبو إسحاق النيسابوري رحل في طلب العلم إلى البلدان واستوطن بغداد واختفى عنده أحمد بن حنبل وكان يثني عليه ويقول لا أطيق ما يطيق إبراهيم من العبادة
عن أبي بكر النيسابوري قال حضرت إبراهيم بن هانىء عند وفاته فقال لأبنه إسحق أنا عطشان فجاءه بماء فقال غابت الشمس قال لا قال فرده ثم قال لمثل هذا فليعمل العاملون ثم خرجت روحه
وعنه قال حضرت إبراهيم بن هانىء النيسابوري يوم وفاته فدعا إبنه إسحاق فقال هل غربت الشمس قال لا ثم قال يا أبة رخص لك في الإفطار في الفرض وأنت متطوع قال أمهل
ثم قال لمثل هذا فيعمل العاملون ثم خرجت نفسه
وعن أبي بكر بن زنجويه قال قال أحمد بن حنبل إن كان ببغداد من الأبدال أحد فأبو إسحاق إبراهيم بن هانىء (2/401)
أسند إبراهيم بن هانىء عن يعلى ومحمد إبني عبيد وقبيصة وأبي اليمان في خلق كثير
وتوفي يوم الأربعاء لأربع خلون من ربيع الآخر خمس وستين ومائتين رحمه الله
288 - فتح بن شحرف بن داودابن مزاحم أبو نصر الكشي
قال البربهاري سمعت بن شحرف يقول رأيت رب العزة جل وعز في النوم فقال يا فتح أحذر لا آخذك على غرة قال فتهت في الجبال سبع سنين
وعن رويم بن أحمد قال لقيني يوما الفتح بن شحرف فقال يا أبا محمد أنت أمين الله على نفسك لا ترى على شيئا محتاج إليه ولا عندي شيء تزحمك الحاجة إليه فتتخلف عن أخذه
وعن محمد بن المسيب قال قال الإمام أحمد بن حنبل ما أخرجت خراسان مثل فتح بن شحرف
وعن الحسين بن يحيى الأرموي قال كتب فتح بن شحرف (2/402)
على باب بيته رحم الله ميتا دخل على هذا الميت فلم يذكر الموتى عنده إلا بخير
وقال أحمد بن عبد الجبار سمعت أبي يقول صحبت فتح بن شحرف ثلاثين سنة فلم أره رفع رأسه إلى السماء ثم رفع رأسه إلى السماء وفتح عينيه ونظر إلى السماء ثم قال قد طال شوقي إليك فعجل قدومي عليك
وعن أبي الحسين الحمادى القاضي قال سمعت الفتح بن شحرف يقول رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في النوم فقلت له يا أمير المؤمنين أوصني قال لي ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء قال فقلت له زدني فأومأ إلى بكفه فإذا فيه مكتوب
قد كنت ميتا فصرت حيا ... وعن قليل نصير ميتا
أغنى بدار الفناء بيت ... فإبن بدار البقاء بيتا
حدث الفتح بن شحرف عن رجاء بن مرجا وجعفر بن عبد الواحد ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه وغيرهم
وتوفي يوم الثلاثاء للنصف من شوال من سنة ثلاث وسبعين (2/403)
ومائتين ودفن في المقبرة التي بين باب حرب وباب قطر بل وصلى عليه بدر المغازلي
قال أبو محمد الحريري غسلت الفتح بن شحرف فقلبته على يمينه فإذا على فخذه الأيمن مكتوب خلقه الله كتابة بينة قال جعفر ورأيت الفتح بن شحرف هذا وكان رجلا صالحا زاهدا لم يأكل الخبز ثلاثين سنة وكان ذا أخلاق حسنة وكان يطعم الفقراء ومن يزوره من الأصحاب الطعام الطيب وكان حسن العبادة والورع والزهد
عن أبي محمد الحريري قال غسلنا الفتح بن شحرف فرأينا على فخذه مكتوبا لا إله إلا الله فتوهمناه مكتوبا فإذا هو عرق داخل الجلد
وعن إسحاق بن إبراهيم بن هانى قال لما مات فتح بن شحرف ببغداد صلى عليه ثلاثا وثلاثين مرة أقل قوم كانوا يصلون عليه يعدون خمسة وعشرين ألفا إلى ثلاثين ألفا رحمه الله
289 - أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي
ولد سنة ثمان وتسعين ومائة وأصله من مرو وكان إماما في (2/404)
جميع العلوم وله التصانيف الحسان وكان زاهدا في الدنيا وكان يقول صحبت قوما من الكرخ في طلب الحديث فسموني الحربي لأن عندهم أن من جاوز قنطرة العتيقة من الحربية
وعن أحمد بن عبد الله بن خالد قال سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول أجمع عقلاء كل أمة أنه من لم يجر مع القدر لم يتهن بعيشه كان يكون قميصي أنظف قميص وإزاري أوسخ إزار ما حدثت نفسي أنهما يستويان قط وفرد عقبي مقطوع والآخر صحيح أمشى بهما وأدور بغداد كلها هذا الجانب وذاك الجانب لا أحدث نفسي أن أن أصلحها وما شكوت إلى أمي ولا إلى أختي ولا إلى امرأتي ولا إلى بناتي قط حمى وجدتها الرجل الذي يدخل غمه على نفسه ولا يغم عياله وكان برأسي شقيقة خمسا وأربعين سنة ما أخبرت بها أحدا قط ولي عشر سنين أبصر بفرد عين ما أخبرت به أحدا
وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين إن جاءتني بهما أمي أو أختي أكلت وإلا بقيت جائعا عطشان إلى الليلة الثانية وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة إن جاءتني امرأتي أو إحدى (2/405)
بناتي به أكلته وإلا بقيت جائعا عطشان إلى الليلة الأخرى والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة إن كانت برنيا أو نيفا وعشرين إن كان دقلا ومرضت ابنتي فمضت امرأتي فأقامت عندها شهرا فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف دخلت الحمام واشتريت لهم صابونا بدانقين فقام نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف
وعن القاسم بن بكير قال سمعت إبراهيم الحربي يقول ما كنا نعرف من هذه الأطبخة شيئا كنت أجيء من عشاء إلى عشاء وقد هيأت لي أمي باذنجانة مشوية أو لعقة بن أو باقة فجل
وقال أبو بكر بن علي الخراط كنت يوما جالسا مع إبراهيم بن إسحاق على باب داره فلماأن أصبحنا قال لي يا أبا علي قم إلى شغلك فإن عندي فجلة قد أكلت البارحة خضرتها أقوم أتغدى بحزرتها
وعن أبي عثمان الرازي قال جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد يسأله عن أمر أمير المؤمنين يفرق ذلك فرده فانصرف الرسول ثم عاد فقال إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك فقال عافاك الله هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه فلا نشغلها بتفرقته قل لأمير المؤمنين إن (2/406)
تركتنا وإلا تحولنا من جوارك
وعن أبي القاسم الجبلي قال اعتل إبراهيم الحربي علة حتى أشرف على الموت فدخلت إليه يوما فقال لي يا أبا القاسم أنا في أمر عظيم مع ابنتي ثم قال لها قومي اخرجي إلى عمك فخرجت فألقت على وجهها خمارها فقال لها إبراهيم هذا عمك كلميه فقالت لي يا عم نحن في أمر عظيم لا في الدنيا ولا في الآخرة الشهر والدهر مالنا طعام إلا كسر يابسة وملح وربما عدمنا الملح وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر بألف دينار فلم يأخذها ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منهما شيئا وهو عليل
فالتفت الحربي إليها وتبسم وقال يا بنية إنما خفت الفقر قالت نعم قال انظري إلى تلك الزاوية فنظرت فإذا كتب فقال هناك إثنا عشر ألف جزء لغة وغريب كتبته بخطى إذا مت فوجهي كل يوم بجزء فبيعه بدرهم فمن كان عنده اثنا عشر ألف درهم فليس هو فقير
وقال أحمد بن سليمان القطيعي أضقت إضاقة فمضيت إلى إبراهيم الحربي لأبثه ما أنا فيه فقال لي لا يضيق صدرك فان الله من وراء المعونة إني أضقت مرة إلى أن انتهى أمري في الإضافة إلى أن (2/407)
عدم عيالي قوتهم فقالت لي الزوجة هب أني وإياك نصبر فكيف نعمل بهاتين الصبيتين فهات شيئا من كتبك حتى نبيعه أو نرهنه
فضننت بذلك فقلت اقترضي لهما شيئا وأنظريني بقية اليوم والليلة وكان لي بيت في دهليز داري فيه كتبي وكنت أجلس فيه للنسخ والنظر
فلما كان في تلك الليلة إذا داق يدق الباب فقلت من هذا فقال رجل من الجيران فقلت أدخل فقال أطفىء السراج حتى أدخل فكببت على السراج شيئا وقلت أدخل فدخل وترك إلى جانبي شيئا وانصرف
فكشفت على السراج ونظرت فاذا منديل له قيمة وفيه أنواع من الطعام وكاغذ فيه خمسمائة درهم فدعوت الزوجة وقلت أنبهي الصبيان حتى يأكلوا
ولما كان من الغد قضينا دينا كان علينا من تلك الدراهم وكان وقت مجيء الحاج من خراسان فجلست على بابي من غد تلك الليلة فإذا جمال يقود جملين عليهما حملان ورقا وهو يسأل عن منزل إبراهيم الحربي
فانتهى إلي فقلت أنا إبراهيم الحربي فحط الحملين وقال هذان الحملان أنفذهما لك رجل من أهل خراسان فقلت من هو فقال قد استحلفني ألا أقول من هو
وعن ثعلب قال ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس نحو أو لغة نحو خمسين سنة (2/408)
وعن محمد بن صالح الأنماطي قال لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الأدب والحديث والفقه والزهد
وقال أبو الحسن العتكي سمعت إبراهيم الحربي يقول لجماعة عنده من تعدون الغريب في زمانكم هذا فقال واحد منهم الغريب من نأى عن وطنه قال آخر الغريب من فارق أصبابه وقال كل واحد منهم شيئا فقال إبراهيم الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين إن أمر بالمعروف آزروه وإن نهى عن المنكر أعانوه وإن احتاج إلى شيء من الدنيا ما نوه ثم ماتوا وتركوه
وعن مقاتل بن محمد بن بنان العتكي قال حضرت مع أبي وأخي عند أبي إسحاق يعني إبراهيم الحربي فقال إبراهيم لأبي هؤلاء أولادك قال نعم قال احذر لا يرونك حيث نهاك الله فتسقط من أعينهم
وعن محمد بن خلف وكيع قال كان لإبراهيم الحربي إبن وكان له إحدى عشرة سنة حفظ القرآن ولقنه من الفقه شيئا كثيرا قال فمات فجئت أعزيه فقال كنت أشتهي موت إبني هذا
قال قلت يا أبا إسحاق أنت عالم الدنيا تقول مثل هذا في صبي قد أنجب ولقنته الحديث والفقه قال نعم رأيت في النوم كأن (2/409)
القيامة قد قامت وكأن الصبيان بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس يسقونهم وكان اليوم يوما حارا شديدا حره قال فقلت لأحدهم اسقني من هذا الماء قال فنظر إلي وقال ليس أنت أبي فقلت أي شيء أنتم قال فقال نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا وخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء قال فلهذا تمنيت موته
وعن عيسى بن محمد الطوماري قال دخلنا على إبراهيم الحربي وهو مريض وقد كان يحمل ماؤه إلى الطبيب فجاءت الجارية وردت الماء وقالت مات الطبيب فبكى وأنشأ يقول
إذا مات المعالج من سقامى ... فيوشك للمعالج أن يموتا
وعن علي بن الحسن البزار قال سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربي يقول وقد دخل عليه قوم يعودنه فقالوا كيف تجدك يا أبا إسحاق قال أجدني كما قال الشاعر
دب في البلاء سفلا وعلوا ... وأراني أموت عضوا فعضوا
ذهبت جدتي بطاعة نفسي ... وتذكرت طاعة الله نضوا
أسند إبراهيم الحربي عن أبي نعيم الفضل بن دكين وعفان ومسدد وأحمد بن حنبل وخلق كثير لا يحصون
وتوفي ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين وقبره ظاهر يتبرك الناس به رحمه الله (2/410)
290 - يحيى الجلاء
كان من خيار الناس وصحب بشر بن الحارث قال محمد بن الحسين بن الحسن سمعت أبا عبد الله بن الجلاء قال قلت لذي النون لم سمي أبي الجلاء أكان يصنع صنعة قال لا نحن سميناه الجلاء كان إذا تكلم علينا جلا قلوبنا
وعن أبي عبد الله أحمد بن يحيى الجلاء قال مات أبي فلما وضع في المغسل رأيناه يضحك فالتبس على الناس أمره فجاؤوا بطبيب وغطوا وجهه فأخذ مجسه فقال هذا ميت فكشفوا عن وجهه الثوب فرآه يضحك فقال الطبيب ما أدري أحي هو أم ميت
فكان إذا جاء أنسان ليغسله لبسته منه هيبة لا يقدر على غسله حتى جاء رجل من إخوانه فغسله وكفنه وصلى عليه ودفن
291 - أبو إبراهيم السائح
عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال كان في دهليزنا دكان وكان إذا جاء إنسان يريد أبي أن يخلو معه أجلسه على الدكان وإذا لم يرد أن يخلو معه أخذ بعضادتي الباب وكلمه
فلما كان ذات يوم جاءنا إنسان فقال لي قل له أبو إبراهيم السائح فجلسنا على الدكان فقال لي أبي سلم عليه فإنه من كبار المسلمين (2/411)
أو من خيار المسلمين فسلمت عليه فقال له أبي حدثني يا أبا إبراهيم
فقال له أبو إبراهيم خرجت إلى الموضع الفلاني بقرب الدير الفلاني فأصابتني علة منعتني من الحركة فقلت في نفسي لو كنت بقرب الدير لعل من فيه من الرهبان يداويني فإذا أنا بسبع عظيم يقصد نحوي حتى جاءني فاحتملني على ظهره حملا رفيقا حتى ألقاني عند الدير
فنظر الرهبان إلى حالي مع السبع فأسلموا كلهم وهم أربعمائة راهب رحمه الله
292 - اسمعيل بن يوسف أبو عليالمعروف بالديلمي
جمع بين العلم والعبادة والحديث وجالس أحمد بن حنبل وحدث عن مجاهد بن موسى
عن أبي الحسين بن المنادى قال كان إسمعيل الديلمي من خيار الناس وذكر لي أنه كان يحفظ أربعين ألف حديث
قالوا وكان يعبر إلى الجانب الشرقي قاصدا محمد بن اشكاب الحافظ فيذاكره بالمسند
وكان اسمعيل من أشهر الناس بالزهد والورع والتميز بالصون وأما مكسبه فكان من المشاهرة في الارحاء (2/412)
وعن أبي علي الأبراري قال قلت لاسمعيل الديلمي تشهر في هذه الأرحاء بثلاثة دراهم وأي شيء تكفي ثلاثة دراهم فقال يا بني ما لم يتصل بنا عز التوكل فلا ينبغي أن نستعجل الذل بالتشرف
وعن كردان قال قال لي اسمعيل الديلمي اشتهيت حلوا وبلغت شهوته إلي فخرجت من المسجد بالليل لأبول فإذا جنبتي الطريق أخاوين حلوا فنوديت يا إسمعيل هذا الذي اشتهيت فإن تركته فهو خير لك فتركته
قال إبن مخلد وقد كتبت أنا عن كردان كان يكون في قنطرة بني زريق وقد رأيت اسمعيل الديلمي وكان ما شئت من رجل رأيته عند أبي جعفر بن اشكاب
قال المعافى اسمعيل هذا من خيار الناس
والناس يزورون قبره وراء قبر معروف الكرخي وبينهما قبور يسيرة وقد زرته مرارا وحدثني بعض شيوخنا عنه أنه كان (2/413)
حافظا للحديث كثير السماع وإنه كان يذاكر بسبعين ألف حديث
293 - زكريا بن يحيى بن عبد الملكأبو يحيى الناقد
كان من كبار الأخيار
عن محمد بن جعفر بن سام قال لو قيل لأبي يحيى الناقد غدا تموت ما ازداد في عمله
وقال أبو زرعة الطبري قال أبو يحيى الناقد اشتريت من الله تعالى حوراء بأربعة آلاف ختمة فلما كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء تقول وفيت بعهدك فها أنا الذي اشتريتني فيقال أنه مات عن قريب
أسند أبو يحيى الناقد عن خالد بن خداش وفضيل بن عبد الوهاب وأحمد بن حنبل في آخرين
وكان أحمد يقول فيه هذا رجل صالح
وتوفي ليلة الجمعة لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وثمانين ومائتين (2/414)
294 - أبو بكر الرقاق وأسمه محمد بن عبد الله
عن الحسن بن أحمد بن عبد العزيز قال سمعت الرقاق يقول لي تسعين سنة أرب هذا الفقر من لم يصحبه في فقره الورع أكل الحرام النص
محمد السراج قال قال جنيد رأيت إبليس في منامي وكأنه عريان فقلت له ما تستحيي من الناس فقال بالله هؤلاء عندك من الناس لو كانوا من الناس ما تلاعبت بهم كما يتلاعب الصبيان بالكرة ولكن الناس غير الناس فقلت له ومن هم قال قوم في مسجد الشونيزي قد أضنوا قلبي وانحلوا جسمي كلما هممت بهم أشاروا إلى الله تعالى فأكاد أحترق
قال جنيد فانتبهت ولبست ثيابي وجئت إلى مسجد الشونيزي وعلى ليل فلما دخلت المسجد إذا أنا بثلاثة أنفس جلوس ورؤوسهم في مرقعاتهم فلما أحسوا بي قد دخلت أخرج أحدهم رأسه وقال يا أبا القاسم أنت كلما قيل لك شيء تقبل
قال إبن جهضم ذكر لي أبو عبد الله بن جامار أن الثلاثة الذين كانوا في مسجد الشونيزي أبو حمزة وأبو الحسين النوري وأبو بكر الرقاق (2/415)
295 - أبو يعقوب الزيات
قال الجنيد بن محمد دققت علي أبي يعقوب الزيات بابه في جماعة من أصحابنا فقال ما كان لكم شغل في الله يشغلكم عن المجيء إلي قال الجنيد فقلت له إذا كان مجيئنا إليك من شغلنا به لم ننقطع عنه ففتح الباب
وقال يوما لبعض المريدين أتحفظ القرآن فقال لا فقال واغوثاه بالله مريد لا يحفظ القرآن كأترنجة لا ريح لها فبم يتنعم فبم يترنم فبم يناجي ربه رحمه الله
296 - الجنيد بن محمد بن الجنيد
أبو القاسم الخزاز القواريري كان أبوه يبيع الزجاج وكان هو خزازا وأصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد
عن جعفر الخلدي قال الجنيد ذات يوم ما أخرج الله إلي الأرض علما وجعل للخلق إليه سبيلا إلا وقد جعل لي فيه حظا ونصيبا
قال الخلدي وبلغني عن الجنيد أنه كان في سوقه وكان ورده في كل يوم ثلاثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة (2/416)
وعنه قال كان الجنيد عشرين سنة لا يأكل إلا من الأسبوع إلى الأسبوع ويصلي كل يوم أربعمائة ركعة
وعنه قال لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم وحال غير أبي القاسم الجنيد ولا أكثرهم كان يكون له علم كثير ولا يكون له حال وآخر كان يكون له حال كثير وعلم يسير والجنيد كانت له حال خطيرة وعلم غزير فإذا رأيت حاله رجحته على علمه وإذا رأيت علمه رجحته على حاله
وعن أبي محمد المرتعش قال قال الجنيد كنت بين يدي سرى السقطي ألعب وأنا إبن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي يا غلام ما الشكر فقلت ألا تعصي الله بنعمه فقال لي أخشى أن يكون حظك من الله لسانك قال الجنيد فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي
وعن أبي الحسن المجلسي قال قيل للجنيد ممن استفدت هذا العلم قال من جلوسي بين يدي الله تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرجة وأومى إلى درجة في داره
قال السلمي وسمعت جدي إسماعيل بن نجيد يقول كان الجنيد (2/417)
يجيء كل يوم إلى السوق فيفتح حانوته فيدخله ويسبل الستر ويصلي أربعمائة ركعة ثم يرجع إلى بيته
وعن أحمد بن عبد الحميد السامري قال سمعت الجنيد بن محمد يقول معاشر الفقراء إنما عرفتم بالله وتكرمون له فإذا خلوتم به فأنظروا كيف تكونون معه
وعن أبي الطيب بن الفرحان قال سمعت الجنيد يقول علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه
وعن حامد بن إبراهيم قال قال الجنيد بن محمد الطريق إلى الله مسدود على خلق الله عز و جل إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه و سلم والتابعين لسنته كما قال الله عز و جل لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة
وعن خير قال كنت يوما جالسا في بيتي فخطر لي خاطر أن أبا القاسم جنيدا بالباب أخرج إليه فنفيت ذلك عن قلبي وقلت وسوسة فوقع لي خاطر ثان يقتضي مني الخروج إن جنيدا على (2/418)
الباب فأخرج إليه فنفيت ذلك عن سري فوقع لي خاطر ثالث فعلمت أنه حق وليس بوسوسة ففتحت الباب فإذا أنا بالجنيد قائم فسلم علي وقال يا خير ألا خرجت مع الخاطر الأول
وعن أبي محمد الحريري قال سمعت الجنيد يقول لقد مشى رجال باليقين على الماء ومات بالعطش أفضل منهم يقينا
وعن أبي عمرو بن علوان قال خرجت يوما إلى سوق الرحبة في حاجة فرأيت جنازة فتبعتها لأصلي عليها ووقفت حتى يدفن الميت في جملة الناس فوقعت عيني على إمرأة مسفرة من غير تعمد فألححت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله تعالى وعدت إلى منزلي فقالت لي عجوز يا سيدي مالي أرى وجهك أسود فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي أسود فرجعت إلى سري أنظر من أين دهيت فذكرت النظرة فانفردت في موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة أربعين يوما فخطر في قلبي أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إلى بغداد فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فقال لي أدخل يا أبا عمرو تذنب بالرحبة ونستغفر لك ببغداد
وعن أبي بكر محمد بن أحمد قال سمعت الجنيد يقول فتح كل باب وكل علم نفيس بذل المجهود (2/419)
وعن أحمد بن عطاء قال قال الجنيد لولا أنه يروى أنه يكون في آخر الزمان زعيم القوم أرذلهم ما تكلمت عليكم
وعن أبي القاسم المطرز قال سمعت الجنيد بن محمد يقول أضر ما على أهل الديانات الدعاوى
وعن أبي بكر المفيد قال سمعت الجنيد يقول احذر أن تكون ثناء منشورا وعيبا مستورا
وعن العباس بن عبد الله قال سمعت الجنيد بن محمد يقول المروءة احتمال زلل الأخوان
وعن أبي القاسم النقاش قال سمعت الجنيد يقول الإنسان لا يعاب بما في طبعه إنما يعاب إذا فعل ما ينافي طبعه
وسأله رجل كيف الطريق إلى الله فقال توبة تحل الإصرار وخوف يزيل الغرة ورجاء مزعج إلى طريق الخيرات ومراقبة الله في خواطر القلوب
وقال أبو الحسن سمعت الجنيد يقول ليس يتسع على ما يرد علي من العالم لأني قد أصلت أصلا وهو أن الدار دار غم وهم وبلاء وفتنة وأن العالم كله شر ومن حكمه أن يتلقاني بكل (2/420)
ما أكره فإن تلقاني بما أحب فهو فضل وإلا فالأصل الأول
وعن جعفر بن القاسم قال سمعت الجنيد يقول كان يعارضني في بعض أوقاتي أن أجعل نفسي كيوسف وأكون أنا كيعقوب فأحزن على ما فقدت من نفسي كما حزن يعقوب على فقد يوسف فمكثت مدة أعمل على حسب ذلك
وعن محمد بن نصير في كتابه قال قال الجنيد لو أقبل صادق على الله ألف ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله
وقال رجل للجنيد علام يتأسف المحب قال على زمان بسط أورث قبضا أو زمان أنس أورث وحشة وأنشأ يقول
قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم ... فكدرته يد الأيام حين صفا
قال جعفر وقال أبو العباس بن مسروق مررت مع الجنيد في بعض دروب بغداد وإذا مغن يغني
منازل كنت تهواها وتألفها ... أيام أنت على الأيام منصور
فبكى الجنيد بكاء شديدا ثم قال يا أبا العباس ما أطيب منازل الألفة والأنس وأوحش مقامات المخالفات لا أزال أحن إلى بدو إرادتي وجدة سعيي (2/421)
إسمعيل بن نجيد يقول ودخل أبو العباس بن عطاء على الجنيد وهو في النزع فسلم عليه فلم يرد عليه ثم رد عليه بعد ساعة وقال اعذرني فإني كنت في وردي ثم حول وجهه إلى القبلة وكبر ومات رحمه الله
وقال أبو محمد الحريري كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة وهو يقرأ القرآن فقلت يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال يا أبا محمد ما رأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوى صحيفتي
وعنه قال حضرت عند الجنيد قبل وفاته بساعتين فلم يزل باكيا وساجدا فقلت له يا أبا القاسم قد بلغ بك ما أرى من الجهد فقال يا أبا محمد أحوج ما كنت إليه هذه الساعة فلم يزل باكيا وساجدا حتى فارق الدنيا
وعن فارس بن محمد قال كان أبو القاسم الجنيد كثير الصلاة ثم رأيناه في وقت موته وهو يدرس ويقدم إليه الوسادة فيسجد عليها
فقيل له ألا روحت عن نفسك فقال طريق وصلت به إلى الله لا أقطعه
وقال أبو بكر العطار حضرت الجنيد عند الموت في جماعة من أصحابنا قال فكان قاعدا يصلي ويثني رجله كلما أراد أن يسجد (2/422)
فلم يزل كذلك حتى خرجت الروح من رجله فثقل عليه حركتها فمد رجليه وقد تورمتا فرآه بعض أصدقائه فقال ما هذا يا أبا القاسم فقال هذه نعم الله أكبر فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الحريري لو اضطجعت قال يا أبا محمد هذا وقت يؤخذ منه الله أكبر فلم يزل ذلك حاله حتى مات رحمه الله
أسند الجنيد الحديث عن الحسن بن عرفة
قال المصنف رحمه الله أخبرنا أبو منصور الصرار قال أنبأ أحمد إبن علي بن ثابت قال أخبرنا أبو سعد الماليني قال أنبأ أبو القاسم عمر بن محمد بن مقبل قال أنبأ جعفر الخلدي قال أنبأ الجنيد بن محمد قال حدثنا الحسن بن عرفة قال أنبأ محمد بن كثير الكوفي عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ إن في ذلك لآيات للمتوسمين
قال أبو بكر الخطيب لا يعرف للجنيد غير هذا الحديث
قال المصنف قلت وقد رويت له حديثا آخر أخبرنا محمد بن (2/423)
عبد الباقي قال أنبأ رزق الله بن عبد الوهاب قال أنبأ أبو عبد الرحمن السلمي قال أنبأ أحمد بن عطاء الصوفي قال أنبأ محمد بن علي بن الحسين قال سئل الجنيد عن الفراسة قال فقال أنبأ الحسن بن عرفة قال ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط وذكر الحديث وقال في آخره قال لي النبي صلى الله عليه و سلم إنك عليم معلم
قلت وقد لقي الجنيد خلقا من العلماء ودرس الفقه على أبي ثور وكان يفتى في حلقته بحضرته وهو إبن عشرين سنة وصحب جماعة من العباد وإشتهر بصحبة خاله سرى والحارث المحاسبي
وتوفي يوم السبت في شوال سنة ثمان وتسعين ومائتين وقيل سبع وتسعين وغسله أبو محمد الحريري وصلى عليه ولده وحزروا الجمع الذي صلى عليه فكانوا نحو ستين ألفا
وعن جعفر الخلدي في كتابه قال رأيت الجنيد في النوم فقلت له ما فعل الله بك قال طاحت تلك الاشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في السحر رحمه الله (2/424)
297 - الحسن بن علي أبو علي المسوحي
قال أبوالقاسم الجنيد كلمت يوما حسنا المسوحي في شيء من الأنس فقال لي ويحك ما الأنس لو مات من تحت السماء ما استوحشت
وعن الجنيد وأبي العباس بن مسروق وأبي أحمد المغازلي وأبي محمد الحريري وغيرهم قالوا سمعنا حسنا المسوحي يقول كنت آوى باب الكناس كثيرا وكنت أقرب من مسجد ثم أتفيأ فيه من الحر وأستكن فيه من البرد فدخلت يوما وقد كظني الحر واشتد علي فحملتني عيني فنمت فرأيت كأن سقف المسجد قد انشق وكأن جارية قد نزلت علي من السقف عليها قميص فضة يتحشحش ولها ذؤابتان فجلست عند رجلي فقبضت رجلي عنها فمدت يدها فنالت رجلي فقلت لها يا جارية لمن أنت قالت أنا لمن دام على ما أنت عليه
أسند حسن المسوحي حديثا عن بشر الحافي وهو من كبار أصحاب سرى السقطي (2/425)
298 - أبو علي أحمد بن إبراهيمإبن أيوب المسوحي
صحب سريا السقطي وغيره وروى عن حسن المسوحي أيضا
وقال محمد بن الحسين السلمي قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم المسوحي من جلة مشايخ بغداد وظرافهم ومتوكليهم
وعن جعفر الخواص قال كان أحمد بن إبراهيم المسوحي يحج بقميص ورداء ونعل طاق ولا يحمل معه شيئا لا ركوة ولا كوزا إلا كوز بلور فيه تفاح شامي يشمه من جوف بغداد إلى مكة وكان من أفاضل الناس
299 - سمنون بن حمزة
يكنى أبا القاسم أصله من البصرة ولكنه سكن بغداد
عن أبي أحمد المغازلي قال كان ورد سمنون في كل يوم وليلة خمسمائة ركعة
وقال أبو أحمد القلانسي فرق رجل ببغداد على الفقراء أربعين ألف درهم فقال لي سمنون يا أبا أحمد ما ترى إلى ما أنفق هذا نحن ما نرجع إلى شيء ننفقه فامض بنا إلى موضع نصلي فيه بكل درهم (2/426)
أنفقه ركعة فذهبنا إلى المدائن فصلينا أربعين ألف ركعة وزرنا قبر سليمان وانصرفنا
وعن خلف بن الحسن العباداني قال سمعت سمنونا يقول أول وصال العبد للحق هجرانه لنفسه وأول هجران العبد الحق مواصلته لنفسه
وقال أبو الطيب العكي ذكر لي أن سمنونا كان جالسا على شط دجلة وبيده قضيب يضرب به فخذه حتى تبدد لحمه وهو يقول
كان لي قلب أعيش به ... ضاع مني في تقلبه
رب فاردده علي فقد ... ضاق صدري في تطلبه
وأغث ما دام بي رمق ... يا غياث المستغيث به
وعن محمد بن حمدان قال رأيت سمنونا وقد أدخل رأسه في زرمانقته ثم أخرج رأسه بعد ساعة وزفر وقال
تركت الفؤاد عليلا يعاد ... وشردت نومي فمالي رقاد
وعن أبي بكر الواسطي قال قال سمنون يا رب قد رضيت بكل ما تقضيه علي (2/427)
فاحتبس بوله أربعة عشر يوما فكان يتلوى كما تتلوى الحية على الرمل يتقلب يمينا وشمالا فلما أطلق بوله قال يا رب تبت إليك
وعن علي بن أحمد بن جعفر قال أنشدني إبن فراس لسمنون
وكان فؤادي خاليا قبل حبكم ... وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبي هواك أجابه ... فلست أراه عن فنائك يبرح
رميت ببين منك إن كنت كاذبا ... وإن كنت في الدنيا بغيرك أفرح
وإن كان شيء في البلاد بأسرها ... إذا غبت عن عيني لعيني يملح
فإن شئت واصلني وإن شئت لا تصل ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
وقال أبو الفضل بن عبد السميع الهاشمي سمعت سمنونا يقول
أمستوحش أنت مما جنيت ... فأحسن إذا شئت واستأنس
وقال
أسفا عليك وحسرة وتلهفا ... ألا أكون بحيث ما ترضاني
قد صحب سمنون سريا السقطي وأبا أحمد القلانسي ومحمد بن علي القصاب في آخرين
ولا نعلمه أسند حديثا أصلا وكان قد وسوس فانتخبنا ما ذكرنا من كلامه وتوفي بعد الجنيد (2/428)
300 - إبراهيم بن سعدأبو إسحاق العلوي
من أهل بغداد ثم إنتقل عنها إلى الشام فاستوطنها
قال أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين قال قال إبراهيم بن سعد العلوي أبو إسحاق كان حسنيا من أهل بغداد وكان يقال له الشريف الزاهد وكان أستاذ أبي الحارث الأولاشي
حكى عنه أبو الحارث قال كنت معه في البحر فبسط كساءه على الماء وصلى عليه
وعن أبي الحسن الدربندي قال رأيت إبراهيم بن سعد العلوي وكان عليه كساء فبسط كساءه على البحر ووقف وصلى على الماء
وقال أبو الحارث الأولاسي خرجت من حصن أولاس أريد البحر فقال لي بعض إخواني لا تخرج فإني قد هيأت لك عجة حتى تأكل قال فجلست وأكلت معه ونزلت إلى الساحل فإذا أنا بإبراهيم بن سعد العلوي قائما يصلي فقلت في نفسي ما أشك إلا أنه يريد أن يقول لي امش معي على الماء ولئن قال لي لأمشين معه (2/429)
فما إستحكم الخاطر حتى سلم ثم قال هيه يا أبا الحارث امش على الخاطر فقلت بسم الله فمشى هو على الماء وذهبت أمشي فغاصت رجلي فالتفت إلي وقال يا أبا الحارث العجة أخذت برجلك
وعنه قال أقبلنا من جبل اللكام مع أبي إسحاق العلوي الزاهد وكان أبو إسحاق لا يأكل إلا في كل ثلاثة أيام سفات خرنوب فلقينا إمرأة وقد سخر جندي حمارا لها فاستغاثت بنا فكلمه العلوي فلم يرد عليها فدعا عليه فخر الجندي والمرأة والحمار
ثم أفاقت المرأة ثم أفاق الحمار ومات الجندي فقلت لا أصحبك فإنك مستجاب الدعوة وأخشى أن يبدو مني سوء أدب فتدعو علي
فقال لست تأمن قلت لا قال فأقلل إذا من الدنيا ما استطعت
وعنه قال خرجت سنة من السنين من مكة في وسط السنة أريد الشام فإذا في بعض الطريق ثلاثة نفر يتذاكرون فتقدمت وسلمت عليهم وقلت أمشي معكم فقالوا ما شئت فمشيت معهم إلى أن تفرقوا وبقيت أنا وآخر فقال لي أين تريد يا شاب فقلت (2/430)
بلد الشام فقال وأنا أريد اللكام وكان الرجل إبراهيم بن سعد العلوي
فمشينا أياما وافترقنا وكانت تأتيني كتبه فما شعرت ذات يوم وأنا بالأولاش وقد خرجت أريد البحر فإذا برجل صاف قدميه يصلي على الماء فاضطرب قلبي حين رأيته وغلبتني الهيبة له فلما أحس بي أوجز في صلاته ثم التفت إلى فإذا هو إبراهيم بن سعد العلوي فقال لي غيب شخصك عني ثلاثة أيام ثم ائتني بعد ذلك
قال ففعلت ما قال ثم جئته بعد ثلاثة أيام فإذا هو قائم مكانه يصلي فلما أحس بي أوجز في صلاته ثم أخذ بيدي فوقفني على البحر وحرك شفتيه فقلت في نفسي إن مشى على الماء مشيت معه فما لبث إلا يسيرا فإذا الحيتان قد برزت مد البصر وقد أقبلت إلينا رافعة رؤوسها من الماء فاتحة أفواهها فقلت في نفسي أين إبن بشر الصياد فلما ذكرته في نفسي تفرقت فالتفت إلى إبراهيم وقال مر فلست مطلوبا لهذا الأمر ولكن عليك بالوصال والتخلي في الجبال ووار نفسك ما أمكنك حتى يشغلك بذكره عن ذكر من سواه وعليك بالتقلل من الدنيا ما استطعت حتى يأتيك اليقين ومضى
وعنه قال كان سبب رؤيتي إبراهيم بن سعد أني خرجت من (2/431)
أولاش إلى مكة في غير أيام الموسم فرافقت ثلاثة فتفرق إثنان منهم وبقيت أنا والثالث فقال لي أين تريد فقلت الشام قال وأنا أريد اللكام فإذا هو إبراهيم بن سعد العلوي وكان حسنيا ثم تفرقنا وكانت تأتيني كتبه
فخرجت يوما من أولاش فإذا إبراهيم بن سعد العلوي فلما رآني قصر في صلاته وسلم علي وجاء إلى البحر فنظر إليه وحرك شفتيه فإذا بحيتان كثيرة مصفوفة قد أقبلت فلما رأيتها قلت أين الصيادون فنظرت فإذا السمك قد تفرق فقال لي إبراهيم ما أنت بمطلوب في هذا الأمر ولكن عليك بهذه الرمال فتوار فيها ما أمكنك وتقلل من الدنيا حتى يأتيك أمر الله ثم غاب عني فلم أره وكانت كتبه ترد علي
فلما مات كنت قاعدا يوما فتحرك قلبي للخروج فلما خرجت صرت إلى المسجد فإذا أنا بأسود فقام إلي فقال لي أنت أبو الحارث قلت نعم قال آجرك الله في أخيك إبراهيم بن سعد
وكان هذا مولى له يسمى ناصحا فذكر أن إبراهيم بن سعد أوصاه أن يؤدي هذه الرسالة
يا أخي إذ نزل بك أمر من أمر الله فاستعمل الرضا فإن الله (2/432)
مطلع عليك يعلم ما في ضميرك فإن رضيت فلك الثواب الجزيل
وأنت في رضاك وسخطك لست تقدر أن تزداد في الرزق المقسوم والأمر المكتوب فإن لم تجد إلى الرضا سبيلا فاستعمل الصبر فإنه رأس الإيمان فإن لم تجد فعليك بالتجمل ولا تشك من ليس بأهل أن يشكى وهو من أهل الشكر والثناء لقديم ما أولى فإذا اضطررت وقل صبرك فالجأ إليه بهمك واشك إليه بثك واحذر أن تستبطئه وتسيء به ظنا فإن كل شيء بسبب وكل سبب أجل ولكل أجل كتاب ولكل هم من الله فرج ومن علم أنه بعين الله استحيا أن يراه يرجو سواه ومن أيقن بنظر الله إليه أسقط اختيار نفسه ومن علم أن الله الضار النافع أسقط مخاوف المخلوقين فراقب الله في قربه وأطلب الأمور من معادنها وأحذر أن تعتمد على مخلوق أو تفشي إليه سرا أو تشكوا إليه شيئا فإن غنيهم فقير وفقيرهم ذليل في فقره وعالمهم جاهل في علمه وجاهلهم فاجر في فعله إلا القليل ممن عصم الله فاتقوا الفاجر من العلماء والجاهل من العباد فأنهم فتنة لكل مفتون
وقال عبد الله بن سهل بات عندي أبو الحارث الأولاشي فسألته عن مفارقته إبراهيم بن سعد العلوي فقال كانت الدنيا طوع (2/433)
يديه فلما انتهى إلى الساحل قال لي ترجع قلت بل أصحبك فنقل في البحر فإذا جوق من سمك مصفوف فوق الماء كأنه سرير فوثب إليه ثم قال لي الله خليفتي عليك قلت أدع لي قال قد فعلت فاحفظ حدود الله وارحم خلقه إلا من عاند
301 - أبو إسحاق إبراهيم الآجري الصغير ولا يعرف أسم أبيه
قال أبو العباس بن مسروق وأبو محمد الحريري وأبو أحمد المغازلي وغيرهم عن إبراهيم الآجري قالوا جاء يهودي يقتضيه شيئا من ثمن قصب فكلمه فقال له أرني شيئا أعرف به شرف الإسلام وفضله على ديني حتى أسلم فقال له وتفعل قال نعم قال له هات رداءك قال فأخذه فجعله في رداء نفسه ولف رداءه عليه ورمى به في النار نار أتون الآجر ودخل في أثره فأخذ الرداء وخرج من الباب ففتح رداء نفسه وهو صحيح وأخرج رداء اليهودي حراقا أسود من جوف رداء نفسه فأسلم اليهودي رحمه الله (2/434)
302 - أبو نصر المحبجمع بين الزهد والمروءة
عن أبي العباس بن مسروق قال أجتزت أنا وأبو نصر المحب في الكرخ وعلى أبي نصر إزار له قيمة فإذا نحن بسائل يسأل وهو يقول شفيعي إليكم محمد صلى الله عليه و سلم فشق أبو نصر إزاره فأعطاه النصف ومشى خطوتين وقال هذه نذالة فانصرف إليه فأعطاه النصف الآخر رحمه الله
303 - أبو سعيد الخراز وإسمه أحمد بن عيسى
قال الجنيد لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخراز لهلكنا قال علي فقلت لإبراهيم وأي شيء كان حاله قال أقام كذا وكذا سنة يخرز مافاته الحق بين الخرزتين
وقال أبو جعفر الصيدلاني سمعت أبا سعيد الخراز يقول من ظن أنه ببذل الجهد يصل فمتمن ومن ظن أنه بغير بذل الجهد يصل فمتعن (2/435)
أبو الفضل العباس ابن الشاعر يذكر عن تلميذة لأبي سعيد قالت كنت أسأله مسألة والإزار بيني وبينه مشدود فاستفزني حلاوة كلامه فنظرت في ثقب من الإزار فرأيت شفته فلما وقعت عيني عليه سكت وقال جرى هاهنا حدث فأخبريني ما هو فعرفته أني نظرت إليه فقال أما علمت أن نظرك إلي معصية وهذا العلم لايحتمل التخليط
وعن أبي القاسم بن مروان قال كان عندنا بنهاوند فتى يصحبني وكنت أصحب أبا سعيد الخراز فكنت إذا رجعت حدثت ذلك الفتى ما أسمع من أبي سعيد فقال لي ذات يوم إن سهل الله لك الخروج خرجت معك حتى أرى هذا الشيخ
فخرجت وخرج معي ووصلنا إلى مكة فقال لي ليس نطوف حتى نلقى أبا سعيد فقصدناه وسلمنا عليه فقال الشاب مسألة ولم يحدثني أنه يريد أن يسأل عن شيء فقال له الشيخ سل فقال ما حقيقة التوكل فقال له الشيخ أن لاتأخذ الحجة من حمولا وكان الشاب قد أخذ حجة من حمولا وهو رئيس نهاوند وما علمت (2/436)
فورد على الشاب أمر عظيم وخجل فلما رأى الشيخ ما حل به عطف عليه وقال إرجع إلى سؤالك ثم قال أبو سعيد كنت أراعي شيئا من هذا الأمر في حداثتي فسلكت بادية الموصل فبينا أنا سائر سمعت حسا من ورائي فحفظت قلبي عن الإلتفات فإذا الحس قد دنا مني وإذا بسبعين قد صعدا على كتفي فلحسا خدي فلم أنظر إليهما حين صعدا ولاحين نزلا
وعن علي بن حفص الرازي قال سمعت أبا سعيد الخراز يقول ذنوب المقربين حسنات الأبرار
وعن أبي محمد الحريري قال سمعت أبا سعيد الخراز يقول في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم جبلت القلوب على حب من أحسن إليها يا عجبا لمن لم ير محسنا غير الله كيف لايميل بكليته إليه
وعن العباس بن أحمد الرملي قال قال أبو سعيد الخراز المعرفة تأتي القلوب من جهتين من عين الجود ومن بذل المجهود
أحمد بن عبد الله قال قال أبو سعيد الخراز إذا بكت عين الخائفين فقد كاتبوا الله بدموعهم (2/437)
وعن أحمد بن محمد الزيادي قال سمعت أبا سعيد الخراز يقول العافية سترت البر والفاجر فإذا جاءت البلوى يتبين عندها الرجال
وقال أبو بكر الشقاق سمعت أحمد بن عيسى الخراز يقول كنت يوما أمشي في الصحراء فإذا قريب من عشرة كلاب الرعاة شدوا علي فلما قربوا مني جعلت أستعمل المراقبة فإذا كلب أبيض قد خرج من بينهم وحمل على الكلاب فطردهم عني ولم يفارقني حتى تباعدت عني الكلاب ثم إلتفت أره
قال أبو سعيد وكان لي معلم يختلف إلي يعلمني الخوف ثم ينصرف فقال لي يوما إني معلمك خوفا يجمع لك كل شيء قلت ماهو قال مراقبة الله عز و جل
أسند أبو سعيد عن عبد الله بن إبراهيم الغفاري وإبراهيم بن بشاري صاحب إبراهيم بن أدهم
وصحب بشر بن الحارث وسريا وذا النون وأبا عبد الله الساجي وأبا عبيد السري ونظراءهم
وتوفي في سنة سبع وسبعين وقيل ست وثمانين ومائتين (2/438)
304 - أبو الحسين النووي
وإسمه أحمد بن محمد بغدادي المولد والمنشأ خراساني الأصل من قرية بين هراة ومرو الروذ يقال لها بغشور ولذلك كان يعرف بإبن البغوي
قال أبو أحمد المغازلي ما رأيت أحدا قط أعبد من النووي فقيل ولا جنيد قال ولاجنيد وكان له قنينة تسع خمسة أرطال ماء يشربها في خمسة أيام وقت إفطاره
قال عبد الكريم ثم حدثني أبو جعفر الفرغاني قال مكث أبو الحسين النوري عشرين سنة يأخذ من بيته رغيفين ويخرج ليمضي إلى السوق فيتصدق بالرغيفين ويدخل المسجد فلا يزال يركع حتى يجيء وقت سوقه فإذا جاء الوقت مضى إلى السوق فيظن أنه قد تغدى في بيته ومن في بيته عندهم أنه قد أخذ معه غداءه وهو صائم
قال إبن جهضم وحدثني عمر النجاد قال دخل أبو الحسين النوري إلى الماء ليغتسل فجاء لص فأخذ ثيابه فخرج عن الماء فلم يجد ثيابه فرجع إلى الماء فلم يكن إلا القليل حتى جاء اللص ومعه ثيابه فوضعها (2/439)
مكانه وقد جفت يده اليمنى فخرج أبو الحسين من الماء ولبس ثيابه وقال سيدي قد رد علي ثيابي فرد عليه يده فرد الله عليه يده ثم مضى
وقال أبو عمر الأنماطي اعتل النوري فبعث إليه الجنيد بصرة فيها دراهم وعاده فردها النوري ثم اعتل الجنيد فدخل عليه النوري فبعث عائدا فقعد عند رأسه ووضع يده على جبهته فعوفي من ساعته فقال النوري للجنيد إذا عدت إخوانك فارفق بهم بمثل هذا البر
وعن الصاد قال سمعت أبا الحسين النوري يقول وقد سئل عن الرضا فقال عن وجدي تسألون أو عن وجد الخلق فقيل له عن وجدك فقال لو كنت في الدرك الأسفل من النار لكنت أرضى ممن هو في الفردوس
أسند النوري عن سري السقطي حديثا واحدا
وتوفي قبل الجنيد في سنة خمس وتسعين ومائتين 305 عمرو بن عثمان المكي
يكنى أبا عبد الله سكن بغداد
عن أبي بكر القناديلي قال قال عمر بن عثمان المكي المروءة التغافل عن زلل الإخوان (2/440)
وقال العلم قائد والخوف سائق والنفس حرون بين ذلك خداعة رواغة فاحذرها وراعها بسياسة العلم وسقها بتهديد الخوف يتم لك ما تريد
وعن محمد بن علي بن الحسين قال سمعت عمرو بن عثمان يقول واغماه من عهد لم يقم له بوفاء ومن خلوة لم تصحب بحياء ومن أيام تفنى ويبقى ما كان فيها أبدا
وعن أبي بكر محمد بن أحمد القناديلي قال قال عمرو بن عثمان المكي لقد وبخ الله التاركين للصبر على دينهم بما أخبرنا عن الكفار أنهم قالوا امشوا واصبروا على آلهتكم فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينه
وقال عثمان بن سهل دخلت على عمرو بن عثمان المكي في علته التي توفي فيها فقلت له كيف تجدك فقال أجد سري واقفا مثل الماء لايختار النقلة ولا المقام
سمع عمرو من يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان بن سيف الحراني وغيرهم (2/441)
وكان يقول ما صحبت أحدا كان أنفع لي صحبته ورؤيته من أبي عبد الله الساجي
وتوفي ببغداد سنة ست وتسعين ومائتين وقيل سبع وتسعين قيل إحدى وتسعين ويقال مات بمكة والأول أصح رحمه الله
306 - رويم بن أحمد
ويقال إبن محمد بن رويم بن يزيد أبو الحسن ويقال أبو الحسين من بني شيبان وكان يتفقه لداود الأصبهاني
إبن الهيكل الهاشمي قال سمعت رويما يقول الفقر له حرمة حرمته ستره وإخفاؤه والغيره عليه والضن به فمن كشفه وأظهره وبذله فليس هو من أهله ولاكرامة
وعن محمد بن إبراهيم قال سمعت رويم بن أحمد يقول منذ عشرين سنة لايخطر بقلبي ذكر الطعام حتى يحضر
وقال عبد الله بن محمد الدينوري سمعت رويم بن أحمد يقول مكثت عشرين سنة لايعرض في سري ذكر الأكل حتى يحضر
وعن جعفر الخلدي في كتابه قال سمعت رويم بن أحمد يقول الإخلاص إرتفاع رؤيتك عن فعلك والفتوة أن تعذر إخوانك في زللهم ولا تعاملهم بما يحوجك إلى الإعتذار إليهم (2/442)
وسمعته يقول الصبر ترك الشكوى والرضا إستلذاذ البلوى والتوكل إسقاط رؤية الوسائط
وقال أحمد بن فارس قال رويم ليس إلا بذل الروح وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية
وعن الحسين بن هارون قال سمعت رويما الصوفي يقول إذا وهب الله لك مقالا وفعالا فأخذ منك المقال وترك عليك الفعال فلا تبال فإنها نعمة وأن أخذ منك الفعال وترك عليك المقال فنح على نفسك فإنها مصيبة وإن أخذ منك المقال والفعال فإعلم أنها نقمة
أسند رويم عن يزيد بن سنان البصري
وتوفي ببغداد في سنة ثلاث وثلاثمائة رحمه الله
307 - أبو عبد الله بن الجلاء
وإسمه أحمد بن يحيى من أهل بغداد لكنه انتقل فسكن الشام
قال أبو عمر الدمشقي سمعت إبن الجلاء يقول قلت لأبي وأمي أحب أن تهباني لله فقالا قد وهبناك لله فغبت عنهما مدة ثم رجعت من غيبتي وكانت ليلة مطيرة فدققت عليهما الباب فقالا من قلت ولدك قال كان لنا ولد فوهبناه لله ونحن من العرب لانرجع فيما وهبناه وما فتح لي الباب (2/443)
وعنه قال سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول من بلغ بنفسه إلى رتبة سقط عنها ومن بلغ به ثبت عليها
وكان إذا سئل عن المحبة قال مالي وللمحبة أنا أريد أن أتعلم التوبة
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال أبو عبد الله بن الجلاء من علت همته عن الأكوان وصل إلى مكونها ومن وقف بهمته على شيء سوى الحق فاته الحق لأنه أعز من أن يرضى معه بشريك
قال المصنف لانعلم أن إبن الجلاء أسند شيئا وقد صحب أبا تراب النخشبي وذا النون وغيرهما
وتوفي يوم السبت لإثنتي عشرة خلت من رجب سنة ست وثلاث مائة
308 - أبو العباس بن عطاء
واسمه أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الآدمي
عن الحسن بن محمد بن عيسى بن خاقان قال كان أبو العباس بن عطاء ينام من الليل والنهار ساعتين
وعن أبي الحسين بن حبيش وذكر أبا العباس بن عطاء فقال كان له في كل يوم ختمة وفي شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث (2/444)
ختمات وبقي في ختمة يستنبط مودع القرآن بضع عشرة سنة فمات قبل أن يختمها
وقال أبو جعفر محمد بن عبد الله الفرغاني قال أبو العباس بن عطاء يا أبا جعفر لي من سنين كثيرة ذكرها كل يوم ختمة لاتفوتني ولي في شهر رمضان كل يوم وليلة ثلاث ختمات ولي ختمة منذ أربع عشرة سنة مابلغت النصف منها يريد الفهم منها
وعن أبي العباس بن عطاء قال من ألزم نفسه بآداب السنة عمر الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه
وعن محمد بن علي بن حبيش قال سئل أبو العباس بن عطاء وأنا حاضر عن أقرب شيء إلى مقت الله تعالى قال رؤية النفس وأفعالها وأشد من ذلك مطالعة الأغراض عن أفعالها
وسمعته يقول علامات الولي أربعة صيانة سره فيما بينه وبين الله وحفظ جوارحه فيما بينه وبين أمر الله وإحتمال الأذى فيما بينه وبين خلق الله ومداراته للخلق على تفاوت عقولهم
أسند أبو العباس بن عطاء عن يوسف بن موسى القطان والفضل بن زياد صاحب أحمد بن حنبل ومن في طبقتهما (2/445)
وتوفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاث مائة رحمه الله
309 - أبو الحسن علي بن محمد بن الزاهد
عن أبي الحسن أحمد بن مقسم قال سمعت أبا الحسن بن بشار يقول وكان إذا أراد أن يخبر عن نفسه بشيء قال أعرف رجلا كان حاله كذا وكذا فقال ذات يوم أعرف رجلا يشتهي منذ ثلاثين سنة أن يشتهي ليترك ما يشتهي فما يجد شيئا يشتهى
ودخل أبو محمد إبن أخي معروف الكرخي إلى أبي الحسن بن بشار وعليه جبة صوف فقال له أبو الحسن يا أبا محمد صوفت قلبك أو جسمك صوف قلبك والبس القوهي على القوهي
وقال رجل لأبي الحسن بن بشار كيف الطريق إلى الله تعالى فقال له كما عصيت الله تعالى سرا تطيعه سرا حتى يدخل إلى قلبك لطائف البر
وقال منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن أعتذر منها
وقال المصنف رحمه الله كان إبن بشار يذكر الناس وكان يفتتح مجلسه فيقول وإنك لتعلم ما نريد فسأله رجل مالذي تريد فقال هو يعلم أنني ما أريد من الدنيا ولا الآخرة سواه
وحدث إبن بشار عن صالح بن أحمد بن حنبل وأبي بكر المروزي وكانت له كرامات ظاهرة (2/446)
توفي في ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وثلاث مائة وقبره ظاهر بالجانب الغربي رحمه الله
310 - أبو محمد الحريري وإسمه أحمد بن محمد بن الحسين
عن عبدالله الرازي قال سمعت الحريري يقول منذ عشرين سنة مامددت رجلي في الخلوة فإن حسن الأدب مه اللع أولى
وقال علي بن عبد الله اعتكف أبو محمد الحريري بمكة في سنة إثنتين وتسعين ومائتين فلم يأكل ولم ينم ولم يمد رجليه فقال له أبو بكر الكناني يا أبا محمد بماذا قدرت على إعتكافك فقال علم صدق باطني فأعانني على ظاهري
وقال أبو الحسن الفارسي قال أبو محمد الحريري من توهم أن عملا من أعماله يوصله إلى مأموله الأعلى والأدنى فقد ضل عن طريقه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لن ينجى أحدكم عمله فما لاينجى من المخوف كيف يبلغ إلى المأمول ومن صح إعتماده على فضل الله تعالى فذاك الذي يرجى له الوصول
وقال محمد بن داود الدينوري سمعت أبا محمد الحريري يقول (2/447)
أمرنا هذا كله مجموع على فصل واحد وهو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم على ظاهرك قائما
وعنه قال سمعت أبا محمد الحريري يقول وكان عنده جماعة فقال هل فيكم من إذا أراد الله أن يحدث في المملكة حدثا أبدى علمه إلى وليه قبل إبدائه في كونه فقالوا لا
قال مروا وابكوا على قلوب لم تجد من الله شيئا من هذا
أخبرنا إبن ناصر بالإسناد عن أبي محمد الحريري قال من إستولت عليه النفس صار أسيرا في حكم الشهوات محصورا في سجن الهوى فحرم الله على قلبه الفوائد فلا يستلذ بكلامه ولا يستحليه وإن كثر تردده على لسانه
أسند الحريري الحديث وهو من كبار أصحاب الجنيد وصحب سهل بن عبد الله
وتوفي رحمه الله في سنة إحدى عشرة وثلاث مائة رحمه الله
311 - بنان بن محمد بن حمدان الحمال
يكنى أبا الحسن أصله من واسط لكنه ببغداد نشأ وأقام وسمع الحديث إلا أنه إنتقل إلى مصر فمات بها (2/448)
وقال بنان الحمال البريء جريء والخائن خائف ومن أساء إستوحش
وعن أبي علي الروذباري قال سمعت بنان الحمال يقول دخلت البرية على طريق تبوك وحدي فاستوحشت فإذا هاتف يهتف يا بنان نقضت العهد لم تستوحش أليس حبيبك معك
وقال أبو علي الروذباري كان سبب دخولي مصر حكاية بنان وذلك أنه أمر إبن طولون بالمعروف فأمر أن يلقي بين يدي السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له مالذي كان في قلبك حين شمك السبع قال كنت أتفكر في سؤر السباع ولعابها
وعن عمرو بن محمد بن عراك أن رجلا كان له على رجل مائة دينار بوثيقة إلى أجل فلما جاء الأجل طلب الوثيقة فلم يجدها فجاء إلى بنان فسأله الدعاء فقال له أنا رجل قد كبرت وأنا أحب الحلواء إذهب فاشتر لي رطل معقود وجئني به حتى أدعو لك فذهب فاشترى له ما قال ثم جاء به فقال بنان إفتح القرطاس ففتح الرجل القرطاس فإذا هو بالوثيقة فقال لبنان هذه وثيقتي فقال خذ وثيقتك وخذ المعقود أطعمه صبيانك فأخذ ومضى (2/449)
وعن الحسين بن عبد الله القرشي قال سمعت بنان يقول من كان يسره ما يضره متى يفلح
سمع بنان من الحسن بن عرفة وحميد بن الربيع والحسن بن محمد الزعفراني وبكار بن قتيبة وغيرهم وأسند الحديث
وتوفي في رمضان سنة ست عشرة وثلاث مائة بمصر
312 - أبو علي الحسين بن صالح
إبن خيران الفقيه الشافعي
جمع بين الفقه والورع وأريد على القضاء فأبى
قال أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد العسكري أريد أبو علي بن خيران للقضاء فامتنع فوكل علي بن عيسى الوزير ببابه فشاهدت الموكلين ببابه وختم الباب بضعة عشر يوما فقال لي أبي يا بني أنظر حتى تحدث بهذا إن عشت إن إنسانا فعل هذا به ليلي فامتنع وكلم الوزير فأعفاه
وعن أبي عبد الله الحسين بن محمد الفقيه الكشفلي أن علي بن عيسى وزير المقتدر بالله أمر نازوك صاحب البلد يطلب الشيخ أبا علي بن خيران الفقيه الشافعي حتى يعرض عليه قضاء القضاة فاستتر فوكل بباب داره رجاله بضعة عشر يوما حتى إحتاج إلى الماء فلم يقدر عليه إلا من عند الجيران (2/450)
فبلغ الوزير ذلك فأمر بإزالة التوكل عنه وقال في مجلسه والناس حضور ما أردنا بالشيخ أبي علي بن خيران إلا خيرا أردنا أن يعلم أن في مملكتنا رجلا نعرض عليه قضاء القضاة شرقا وغربا وهو لايقبل
توفي أبو علي بن خيران في حدود العشرين وثلاث مائة
313 - خير بن عبد الله أبو الحسين النساج
أصله من سر من رأى لكنه نزل بغداد
وحكي السلمي عن فارس البغدادي قال كان إسم خير محمد بن إبراهيم السامري
قال السلمي وتاب في مجلسه إبراهيم الخواص والشبلي
عن جعفر الخلدي قال سألت خيرا النساج أكان النسج حرفتك قال لا قلت فمن أين سميت به قال كنت عاهدت الله ألا آكل الرطب يوما فغلبتني نفسي يوما فأخذت نصف رطل فلما أكلت واحدة إذا رجل قد نظر إلي وقال يا خير يا آبق هربت مني وكان له غلام إسمه خير قد هرب منه فوقع علي شبهه فاجتمع (2/451)
الناس فقالوا هذا والله غلامك خير فبقيت متحيرا وعلمت بم أخذت وعرفت جنايتي
فحملني إلى حانوته الذي كان ينسج فيه غلمانه فقالوا ياعبد السوء تهرب من مولاك أدخل فاعمل عملك الذي كنت تعمل فأمرني بنسج الكرباس فدليت رجلي على أن أعمل فكأني كنت أعمل من سنين فبقيت معه أربعة أشهر أنسج له
فقمت ليلة فتمسحت وقمت إلى صلاة الغداة فسجدت وقلت في سجودي إلهي لاأعود إلى مافعلت فأصبحت فإذا الشبه قد ذهب عني وعدت إلى صورتي التي كنت عليها فأطلقت
فثبت علي هذا الإسم فكان سبب النسج إتياني شهوة عاهدت الله تعالى ألا آكلها فعاقبني الله بما سمعت
وكان يقول لانسب أشرف من نسب من خلقه الله بيده فلم يعصمه ولا علم أرفع من علم من علمه الله الأسماء كلها فلم ينفعه في وقت جريان القضاء عليه
قال الخطيب هذه الحكاية طريفة جدا يسبق إلى القلب (2/452)
إستحالتها وقد كان الخلدي كتب إلى شيخنا أبي نعيم يجيز له رواية جمع علومه عنه وكتب أبو نعيم هذه الحكاية عن أبي الحسن بن مقسم عن الخلدي ورواها لنا عن الخلدي نفسه إجازة والخلدي ثقة وكان إبن مقسم غير ثقة والله أعلم
وعن عيسى بن محمد قال سمعت أبا الحسن خيرا النساج يقول تقدم إلي شاب من البغداديين وقد انطبقت يده فقلت له مالك فقال جلست إليك فحللت عقدة من طرف إزارك فجفت يدي فقلت كنت قد بعت به لأهلي غزلا ثم مسحت يده بيدي فرد الله عليه يده وناولته الدرهم وقلت إشتر به شيئا ولا تعد
قال أبو بكر الرازي قال خير النساج الخوف سوط الله يقوم به أنفسنا وقد تعودت سوء الأدب ومتى أساءت الجوارح الأدب فهو من غفلة القلب وظلمة السر
وقال العمل الذي يبلغ إلى الغايات هو رؤية التقصير والعجز والضعف
علي بن هرون الحربي يحكي عن غير واحد ممن حضر موت خير من أصحابه أنه غشي عليه عند صلاة المغرب ثم أفاق ونظر إلى ناحية من باب البيت فقال قف عافاك الله فإنما أنت عبد مأمور وأنا عبد مأمور ما أمرت به لايفوتك وما أمرت به يفوتني (2/453)
فدعني أمضي لما أمرت به ودعا بماء فتوضأ للصلاة وصلى ثم تمدد وغمض عينيه وتشهد فمات فرآه بعض أصحابه في المنام فقال له ما فعل الله بك قال لاتسألني عن هذا ولكن استرحت من دنياكم الوضرة
قال المؤلف صحب خير النساج أبا حمزة البغدادي وسريا السقطي وكان يذكر أن إبراهيم الخواص صحبه
وبلغ مائة وعشرين سنة وتوفي سنة إثنتين وعشرين وثلاث مائة
314 - أبو علي الروذباري
واسمه أحمد بن القاسم هكذا ذكر السلمي وصححه وقال أبو بكر الخطيب اسمه محمد بن أحمد وصحح ذلك
أصله من بغداد لكنه سكن مصر وتقدم بها وكانت له معرفة بالحديث كان يقول استاذي في الحديث إبراهيم الحربي وفي الفقه أبو العباس بن سريج وفي النحو ثعلب وفي التصوف الجنيد
قال محمد بن علي بن المأمون سمعت أبا علي الروذباري يقول من الإغترار أن تسيء فيحسن إليك فتترك الإنابة والتوبة توهما أنك تسامح في الهفوات وترى أن ذلك من بسط الحق لك (2/454)
وعن أبي منصور بن أحمد الأصبهاني قال بلغني عن أبي علي الروذباري أنه قال أنفقت على الفقراء كذا وكذا ألفا فما وضعت شيئا في يد فقير كنت أضع ما أدفع إلى الفقراء في يدي فيأخذونه من يدي حتى تكون يدي تحت أيديهم ولا تكون يدي فوق يد فقير
صحب أبو علي الجنيد والنوري وإبن الجلاء والمسوحي وغيرهم وأسند الحديث
وتوفي بمصر سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة وقيل ثلاث وعشرين رحمه الله
315 - أبو بكر محمد بن علي بن جعفر الكناني
أصله بغدادي لكنه أقام بمكة ومات بها وكان المرتعش يقول الكناني سراج الحرم
وقال محمد بن عبد الله بن شاذان كان يقال إن الكناني ختم في الطواف إثنتي عشرة ألف ختمة
وقال أبو جعفر الأصفهاني صحبت الكناني سنين فكان يزداد على الأيام إرتفاعا وفي نفسه إتضاعا وسمعته يقول روعة عبد عند إنتباه من غفله وإرتعاد من خوف خطيئة أعود على المريد من عبادة الثقلين (2/455)
وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال الكناني إن الله تعالى نظر إلى عبيد من عبيده فلم يرهم أهلا لمعرفته فشغلهم بخدمته
صحب الكناني الجنيد والخراز والنوري ولا نحفظ له مسندا
وتوفي بمكة سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة وقيل اثنتين وعشرين رحمه الله
316 - أبو بكر الشبلي
وإختلفوا في إسمه فقيل دلف بن جعفر وقيل دلف بن جحدر وقيل جحدر بن دلف وقيل دلف بن جعبرة وقيل دلف بن جبعوية وقيل إسمه جعفر بن يونس
أصله خراساني من أهل سروسة من قرية يقال لها شبلية ومولده بسر من رأى
وكان حاجب الموفق وكان أبوه حاجب الحجاب فحضر الشبلي يوما مجلس خير النساج فتاب فيه
وكان يقول خلف أبي ستين ألف دينار سوى الضياع فأنفقت الكل وقعدت مع الفقراء (2/456)
قال الحسين بن أحمد الصفار سئل الشبلي وأنا حاضر أي شيء أعجب قال قلب عرف ربه ثم عصاه
وعن أبي الحسن علي بن المثنى التميمي قال دخلت على أبي بكر الشبلي داره وهو يهيج ويقول
على بعدك لايصبر ... من عادته القرب
ولايقوى على هجر ... ك من تيمه الحب
فإن لم ترك العين ... فقد أبصرك القلب
وقال أحمد بن محمد الآملي سمعت الشبلي يقول مجاهدة النفس بالنفس أفضل من مجاهدة الغير بالنفس
وقال الحسين بن أحمد الصفار كنت يوما عند الشبلي وكان يذم الدنيا وأهلها فقال يامن باع كل شيء واشترى لا شيء بكل شيء وسمعته يقول ليس من استأنس بالذكر كمن استأنس بالمذكور
وسئل ما الزهد فقال نسيان الزهد
ودخل بعض أصحابنا يوما على الشبلي وهو يقول أفلا شجا بحنين أفلا رنة بأنين من قلب قريح حزين أفلا شارب بكأس العارفين أفلا مستيقظ عن رقدة الغافلين يا مسكين ستقدم فتعلم وينكشف الغطاء فتندم (2/457)
وقال الشبلي العارف سيار إلى الله عز و جل تعالى غير واقف
وسئل وأنا حاضر أي شيء أعجب قال قلب عرف ربه ثم عصاه
وكان الشبلي ينوح يوما ويقول مكر بك في إحسانه فتناسيت وأمهلك في غيك فتماديت وأسقطك من عينه فما دريت ولا باليت
وقال ليت شعري ما اسمي عندك غدا يا علام الغيوب وما أنت صانع في ذنوبي يا غفار الذنوب وبم تختم عملي يا مقلب القلوب
قال وكان الشبلي يقول في جوف الليل قرة عيني وسرور قلبي مالذي أسقطني من عينك ثم يصرخ ويبكي
قال وقال الشبلي لاتأمين على نفسك وإن مشيت على الماء حتى تخرج من دار الغرة إلى دار الأمل
وقال الشبلي إذا وجدت قلبك مع الله فاحذر من نفسك وإذا وجدت قلبك مع نفسك فاحذر من الله
وقال أحمد الحلقاني سمعت الشبلي يقول من عرف الله عز و جل لايكون له غم وسمعته يقول أحبك الخلق لنعمائك وأنا أحبك لبلائك (2/458)
وعن أبي حاتم الطبري قال سمعت أبا بكر الشبلي يقول إن أردت أن تنظر إلى الدنيا بحذافيرها فانظر إلى مزبلة فهي الدنيا وإذا أردت أن تنظر إلى نفسك فخذ كفا من تراب فإنك منه خلقت وفيه تعود ومنه تخرج وإذا أردت أن تنظر ما أنت فانظر ماذا يخرج منك في دخولك الخلاء فمن كان حاله كذلك فلا يجوز أن يتطاول أو يتكبر على من هو مثله
وعن الحسين بن أحمد الهروي قال سمعت أبا بكر الشبلي يقول ليس للأعمى من رؤية الجوهرة إلا مسها وليس للجاهل من الله إلا ذكره باللسان
وسأل جعفر بن نصير بكران الدينوري وكان يخدم الشبلي مالذي رأيت منه يعني عند وفاته فقال قال لي علي درهم مظلمة تصدقت عن صاحبه بألوف فما على قلبي شغل أعظم منه ثم قال وضئني للصلاة ففعلت فنسيت تخليل لحيته وقد أمسك علي لسانه فقبض على يدي وأدخلها في لحيته ثم مات
فبكى جعفر وقال ما تقولون في رجل لم يفته في آخر عمره أدب من آداب الشريعة
وعن بكير صاحب الشبلي قال وجد الشبلي في يوم جمعه خفة من وجع كان به فقال تنشط تمضي إلى الجامع قلت نعم (2/459)
فاتكأ على يدي حتى انتهينا إلى الوراقين من الجانب الشرقي قال فتلقانا رجل جاءني من الرصافة فقال بكير قلت لبيك قال غدا يكون لنا مع هذا الشيخ شأن
ثم مضينا فصلينا ثم عدنا فتناول شيئا من الغداء فلما كان الليل مات رحمه الله فقيل لي في درب السقائين رجل شيخ صالح يغسل الموتى فدلوني عليه في سحر ذلك اليوم فنقرت الباب خفيا فقلت سلام عليكم فقال مات الشبلي قلت نعم فخرج إلي فإذا به الشيخ فقلت لاإله إلا الله فقال لاإله إلا الله تعجبا ثم قلت قال لي الشبلي أمس لما إلتقينا بك في الوراقين غدا يكون لي مع هذا الشيخ شأن بحق معبودك من أين لك أن الشبلي قد مات قال يا أبله فمن أين للشبلي أنه يكون له معي شأن من الشأن اليوم
عمر بن عبيد قال حدثني بكير فذكر معنى الحكاية
صحب الشبلي الجنيد وطبقته وتفقه على مذهب مالك وكتب الحديث الكثير ولانعلم له مسندا سوى حديث واحد
أخبرنا أبو منصور الصرار أنبأ أبو بكر أحمد بن علي أنبأ إسمعيل بن أحمد الحيري أنبأ أبو عبد الرحمن السلمي أنبأ أحمد بن محمد بن أحمد بن حسن الهروي أنبأ أبو عبد الرحمن (2/460)
أنبأ عبد الواحد بن العباس أنبأ أحمد بن محمد بن ثابت أنبأ محمد بن علي الجمال قال
سمعت أبا بكر الشبلي يقول ثنا محمد مهدي المصري أنبأ عمر بن أبي سلمة أنبأ صدقة بن عبد الله عن طلحة بن زيد عن أبي فروة الرهاوي عن عطاء عن أبي سعيد الخدري قال
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لبلال الق الله فقيرا ولا تلقه غنيا قال يا رسول الله كيف لي بذلك قال
ماسئلت فلا تمنع وما رزقت فلا تخبأ قال يا رسول الله كيف لي بذاك قال هو ذاك وإلا فالنار
توفي الشبلي في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة وهو إبن سبع وثمانين سنة رحمه الله
317 - أبو أحمد المغازلي
جعفر الخلدي قال سمعت أبا أحمد المغازلي يقول كنت يوما من الأيام قاعدا فخطر على قلبي ذكر من الأذكار فقلت إن كان ذكر يمشى به على الماء فهو هذا فقمت إلى الماء فوضعت قدمي على الماء فثبتت ثم رفعت قدمي الأخرى لأضعها على الماء فخطر بقلبي كيفية ثبوت الأقدام على الماء فغاصتا جميعا رحمه الله (2/461)
318 - عيسى بن إسحاق بن موسى أبو العباس الأنصاري
روى عن أبي الربيع الزهراني وغيره وروى عنه أحمد بن كامل القاضي قال وكان يمشي حافيا ويلبس قميصا ناتناف تزهدا وكان صادقا زاهدا عابدا ومات قبل سنة ثمانين ومائتين
قال أبو عمر الزاهد أنبأ أبو العباس الأنصاري وكان يقال إنه من الأبدال في زمانه
319 - أبو محمد عبد الله محمد النيسابوري
ويقال له المرتعش صحب الجنيد وأقام ببغداد في مسجد الشونيزي وكانوا يقولون عجائب ببغداد ثلاثة إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات جعفر الخواص
وقال أبو الفرج الصائغ قال المرتعش من ظن أن أفعاله تنجيه من النار أو تبلغه درجة الرضوان فقد جعل لنفسه ولفعله خطرا ومن إعتمد على فضل الله بلغه الله أقصى منازل الرضوان (2/462)
وقيل له إن فلانا يمشي على الماء فقال إن من مكنه الله من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي على الهواء والماء
وعن أحمد بن علي بن جعفر قال كنت عند المرتعش قاعدا فقال رجل قد طال الليل وطاب الهواء فنظر إليه المرتعش وسكت ساعة ثم قال لاأدري ما يقول غير أني أقول ما سمعت من بعضهم يقول
لست أدري أطال ليلي أم لا ... كيف يدري بذاك من يتقلى
لو تفرعت لإستطالة ليلي ... ولرعى النجوم كنت مخلا
قال فبكى من حضره واستدلوا بذلك على عمارة أوقاته
قال السلمي وتوفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة رحمه الله
320 - أبو جعفر المجذوم
قال أبو الحسن الدراج كنت أحج فتصحبني جماعة فكنت أحتاج إلى القيام معهم والأشغال بهم فذهبت سنة من السنين يعني على الوحدة وخرجت إلى القادسية فدخلت المسجد فإذا رجل في المحراب مجذوم وعليه من البلاء شيء عظيم فلما رآني سلم علي وقال يا أبا الحسين عزمت على الحج قلت على غيظ مني وكراهية له (2/463)
قال فقال لي فالصحبة فقلت في نفسي أنا هربت من الأصحاء أقع في يدي مجذوم قلت لا قال لي افعل قلت لا والله لا أفعل فقال لي يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي فقلت نعم على الإنكار عليه
قال فتركته فلما صليت العصر إلى ناحية المغيثة فبلغت كالغد ضحوة فلما دخلت إذا بالشيخ فسلم علي وقال لي يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي قال فأخذني شبيه الوسواس في أمره
قال فلم أحس حتى بلغت القرعاء على الغد فبلغت مع الصبح فدخلت المسجد فإذا أنا بالشيخ قاعدا فقال لي يا أبا الحسين يصنع الله للضعيف حتى يتعجب القوي
قال فبادرت إليه فوقعت بين يديه على وجهي فقلت المعذرة إلى الله وإليك قال لي مالك قلت أخطأت قال وما هو قلت الصحبة قال أليس حلفت وإنا نكره أن نحنثك قال قلت فأراك في كل منزل قال ذاك لك
قال فذهب عني الجوع والعطش والتعب في كل منزل (2/464)
ليس لي هم إلا الدخول إلى المنزل فأراه إلى أن بلغت المدينة فغاب عني فلم أره
فلما قدمت مكة حضرت أبا بكر الكناني وأبا الحسين المزين فذكرت ذلك لهم فقالوا يا أحمق ذلك أبو جعفر المجذوم ونحن نسأل الله أن نراه فقالوا إن لقيته فتعلق به لعلنا نراه قلت نعم
فلما خرجنا إلى منى وعرفات لم ألقه فلما كان يوم الجمرة رميت الجمار فحدثني إنسان وقال يا أبا الحسين السلام عليك فلما رأيته لحقني من رؤيته فصحت وغشي علي وذهب عني وجئت إلى مسجد الخيف وأخبرت أصحابنا
فلما كان يوم الوداع صليت خلف المقام ركعتين ورفعت يدي فإذا إنسان خلفي جذبني فقال يا أبا الحسين عزمت عليك أن تصبح قلت لا أسألك أن تدعو لي فقال سل ما شئت فسألت الله تعالى ثلاث دعوات فأمن على دعائي فغاب عني فلم أره
فسألته عن الأدعية فقال فأما أحدها فقلت يا رب حبب إلي الفقر فليس في الدنيا شيء أحب إلي منه والثاني قلت اللهم لاتجعلني أبيت ليلة ولي شيء أدخره لغد وأنا منذ كذا وكذا سنة مالي شيء أدخره والثالث اللهم إذا أذنت لأوليائك أن ينظروا إليك فاجعلني منهم وأنا أرجو (2/465)
قال السلمي أبو جعفر المجذوم بغدادي من أقران أبي العباس إبن عطاء
321 - عباس بن المهتدي أبو الفضل
قال أبو عبد الرحمن السلمي عباس بن المهتدي من بغداد كنيته أبو الفضل يرجع إلى فترة ظاهرة وفراسة حادة وحب للفقراء وميل إليهم دخل مصر وصحب بها أبا سعيد الخراز
وعن محمد بن عبد الله الفرغاني قال تزوج عباس بن المهتدي إمرأة فلما كانت الليلة التي أراد أن يدخل بها وقعت عليه ندامة فدخل عليها وهو كاره فلما أراد أن يدنو منها زجر عنها فامتنع من وطئها وقام وخرج من عندها
فلما كان بعد ثلاثة أيام ظهر للمرأة زوج
322 - خزرج بن علي بن العباس
أبو طالب الصوفي
قال أبو عبد الله بن خفيف دخل أبو طالب خزرج بن علي شيرازا فاعتل علة فكنت أخدمه وأقدم إليه الطست في الليل مرارا كثيرة وكنت في ذلك الوقت في حال الرياضة فكنت (2/466)
لا أفطر إلا على الباقلي اليابس
فسمع أبو طالب ليلة كسرى للباقلي بأسناني فقال لي ما هذا فعرفته حالي فبكى وقال يا أبا عبد الله فإني كنت كذلك حتى حضرت ليلة مع أصحابنا في دعوة ببغداد فقدم إلينا حمل مشوي فأمسكت يدي فقال لي بعض أصحابنا كل فأكلت لقمة وأنا منذ أربعين سنة إلى خلف
قال إبن خفيف ثم تماثل وخرج إلى بعض البلدان وجلس في رباط وسود داخل الرباط وخارجه وقال هكذا جلوس أهل المصائب فما خرج منه حتى مات
قال المؤلف أسند أبو طالب الحديث عن أحمد بن عبد الله النرمسي وكان من أصحاب الجنيد
323 - أبو إسحاق إبراهيم بن حماد الأزدي
مولى آل جرير بن حازم قال القاضي أبو الحسين الجراحي ماجئت إلى إبراهيم بن حماد قط إلا وجدته قائما يصلي أو جالسا يقرأ
وقال أبو بكر النيسابوري ما رأيت أعبد منه (2/467)
أسند إبراهيم عن الحسن بن عرفة وخلق وتوفي في صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة
324 - أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن النجاد
عن أبي إسحاق الطبري قال كان أحمد بن سلمان يصوم الدهر ويفطر كل ليلة على رغيف ويترك منه لقمة فإذا كان ليلة الجمعة تصدق بذلك الرغيف وأكل تلك اللقم التي استفضلها
وقال أبو عبد الله أحمد بن عبد الله الحربي سمعت أبا بكر أحمد إبن سلمان النجاد يقول من نقر على الناس قل أصدقاؤه ومن نقر على ذنوبه طال بكاؤه ومن نقر على مطعمه طال جوعه
أسند النجاد عن أبي داود السجستاني في خلق لايحصون وكان يمشي في طلب الحديث حافيا
وتوفي في سنة ثمان وأربعين وثلاث مائة وقد بلغ خمسا وتسعين سنة ودفن عند قبر بشر بن الحارث
325 - جعفر بن محمد بن نصير الخلدي
يكنى أبا محمد حج ستين حجة
قال علي بن المثنى التميمي سمعت جعفرا الخلدي يقول لرجل (2/468)
كن شريف الهمة فإن الهمم تبلغ بالرجال لا المجاهدات
أسند جعفر الخلدي عن الحارث بن أبي أسامة وغيره وسمع الكثير من الحديث ولقي جماعة من المشايخ كالجنيد وغيره
وتوفي في يوم الأحد لتسع خلون من شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاث مائة
326 - جعفر بن حرب
عن علي بن المحسن المسوحي عن أبيه أن جعفر بن حرب كان يتقلد كبار الأعمال للسلطان وكانت نعمته تقارب نعمة الوزارة فاجتاز يوما راكبا في موكب له عظيم ونعمته على غاية الوفور ومنزلته بحالها في الجلالة فسمع رجلا يقرأ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق فصاح اللهم بلى يكررها دفعات وبكى ثم نزل عن دابته ونزع ثيابه ودخل إلى دجلة واستتر بالماء ولم يخرج منه حتى فرق جميع ماله في المظالم التي كانت عليه وردها وتصدق بالباقي
فاجتاز رجل فرآه في الماء قائما وسمع بخبره فوهب له قميصا ومئزرا فاستتر بهما وخرج فانقطع إلى العلم والعبادة حتى مات (2/469)
327 - أبو بكر محمد بن سعيد الحربي
ويعرف بابن الضرير الزاهد
عن عبد الواحد بن أبي الحسين الفقيه قال سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر ابن الضرير الزاهد يقول دافعت الشهوات حتى صارت شهوتي المدافعة فحسب
قال المصنف كان أبو بكر ينزل الحربية من بغداد وروي عن إبراهيم بن نصر المنصوري وغيره
وتوفي في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثلاث مائة
328 - أبو بكر محمد بن الحسين الآجري
كان ثقة دينا عالما مصنفا وقد سمع عن أبي مسلم الكجي وأبي شعيب الحراني وجعفر الفريابي في خلق يطول ذكرهم
وحدث ببغداد قبل سنة ثلاثين وثلاث مائة ثم انتقل إلى مكة فأقام بها حتى مات في محرم سنة ستين وثلاث مائة
قال أبو سهل محمود بن عمرو العكبري لما وصل أبو بكر محمد ابن الحسين الآجري إلى مكة إستحسنها وإستطابها فهجس في نفسه أن اللهم أحيني في هذه البلدة ولو سنة فسمع هاتفا يهتف ويقول (2/470)
يا أبا بكر لم سنة ثلاثين سنة
فلما كان في سنة ثلاثين سمع هاتفا يقول يا أبا بكر قد وفينا بالوعد فمات في تلك السنة
329 - يوسف بن عمر بن مسرور
أبو الفتح القواس قال الأزهري كان أبو الفتح من الأبدال وكان مجاب الدعوة
وقال أبو الحسن الدارقطنى كنا نتبرك بأبي الفتح القواس وهو صبي
وقال أبو ذر الهروي كنت عند أبي الفتح القواس وقد أخرج جزءا من كتبه فوجد فيه قرض الفار فدعا الله على الفارة التي قرضته فسقطت من سقف البيت فارة ولم تزل تضطرب حتى ماتت
سمع يوسف بن عمر القواس من البغوي وأبي بكر بن أبي داود ويحيى بن صاعد في خلق كثير
وتوفي يوم الجمعة لسبع بقين من شهر ربيع الآخر من سنة خمس وثمانين وثلاث مائة ودفن بمقبرة أحمد رضي الله عنهما
330 - أبو الحسين محمد بن أحمد بن إسمعيل
إبن عبيس بن سمعون وكان يلقب الناطق بالحكمة
عن أبي بكر الأصبهاني وكان خادم الشبلي قال كنت بين (2/471)
يدي الشبلي في الجامع يوم جمعة فدخل أبو الحسين بن سمعون وهو صبي على رأسه قلنسوة بشفاشك مطيلس بفوطة فجاز علينا وما سلم فنظر الشبلي إلى ظهره وقال يا أبا بكر أتدري أي شيء لله من الذخائر في هذا الصبي
وقال الحسن بن محمد الخلال قال لي أبو الحسن بن سمعون ما إسمك فقلت حسن فقال قد أعطاك الله الاسم فسله أن يعطيك المعنى
وقال أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن المظفر سمعت إبن سمعون يقول رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة فاستحالت ديانة
وقال أبو الفتح القولس لحقتني إضاقة في وقت من الأوقات فنظرت فلم أجد في البيت غير قوس لي وخفين كنت ألبسهما فأصبحت وقد عزمت على بيعهما وكان يوم مجلس أبي الحسين بن سمعون فقلت في نفسي أحضر المجلس ثم أنصرف فأبيع الخفين والقوس فحضرت فلما أردت الإنصراف ناداني أبو الحسين يا أبا الفتح لاتبع الخفين ولاتبع القوس فإن الله سيأتيك برزق من عنده أو كما قال (2/472)
وعن علي بن طلحة المقري قال سمعت أبا الحسين بن سمعون يقول كل من لم ينظر بالعلم فيما لله عليه فالعلم حجة عليه ووبال
وسمعته يقول الصادقون الحذاق هم الذين نظروا إلى مابذلوا في جنب ماوجدوا فصغر ذلك عندهم فاعتذروا
وسمعته يقول قللوا اهتمامكم لكم ووفروا اهتمامكم بكم وتوسدوا أوسادا من الشكر والبسوا لباسا من الذكر والتحفوا لحافا من الخوف تفوزوا بمدحة الرب الله أن تستهينوا بشيء يوجب الذم دون أن تستهينوا بما يوجب العقوبة
وسمعته يقول يا هذا تظلم إلى ربك منك واستنصره عليك ينصرك
وسمعته يقول إحزنوا على مافاتكم وأسفوا على تقصيركم وأحرزوا بضائعكم من التلف لاتخرج القطاع عليها
وسمعته يقول كل داء عرف دواؤه فهو صغير والذي لم يعرف له دواء كبير
وسمعته يقول إجهد يا هذا أن يسرق منك ولا يسرق لك
وسمعته يقول إحذروا الصغائر فإن النقط الصغار آثار في الثوب النقي (2/473)
وسمعته يقول احذر أن ترى عملك لك فإن رأيته لك كنت ناظرا إلى ليس لك
وسمعته يقول من الوقاحة تمنيك مع توانيك إستوف من نفسك الحقوق ثم وفها الحظوظ حسب مايكفيها لا مايطغيها قفها بين الجنة والنار تأباك الجنة بكل معنى وتقبلك النار بجملتك
وسمعته يقول معنى قوله لايزال عبدي يتحبب إلي حتى أحبه قال حتى أظهر له حبي لأنه لم يزل محبا
وسمعته يقول الخير كله في هذا الزمان ترك ما الناس عليه ومص النوى وسف الرمل وأنشدنا
لو كل جارحة مني لها لغة ... تثني عليك بما أوليت من حسن
لكان مازان شكري إذ أشرت به ... إليك أزيد في الإحسان والمنن
وأنشدنا أيضا
حاشاك من أن ترابي ... محمد يحبك خوفا
لم يبق مني وفاء ... إلا وما منك أوفى
أفنيتني عن جميعي ... فصرت أهواك طرفا
قال محفوظ بن أحمد الكلوداني قال لنا الشيخ الصالح أبو علي (2/474)
الحسن بن غالب الحربي سمعت أبا الحسين بن سمعون يقول يا هذا أكرمتك لما عاملتك وصنتك لما نهيتك فمعاملتي لك كرامة ونهى لك صيانة كلفتك الصلاة ولعلمي بتوانيك لم أجعل لها وقتا واحدا جعلت لها أولا وآخرا وأنت تقول الوقت واسع متى ما اتسع الوقت على عاقل أما علمت أن الأوقات على العقلاء أدق من ثقب الإبر تهتم لك كأني لست مولاك وتدع الإهتمام بك كأني لست مطالبك أما علمت أنه إذا بدا النهار أطالبك بحق ملكي وإذا بدا الليل أطالبك بحق حبي
قال أبو علي وكنا جلوسا عند أبي الحسين بن سمعون في مجلسه فجاز قوم معهم كلاب الصيد فنبحت عليها كلاب الدرب فقال سبحان الله كأن هذه حادثت هذه فقالت هذه الأهلية لكلاب الصيد يا مساكين رغبتم في نعيم الملوك فسوجروكم ولو قنعتم بالمنبوذ مثلنا كنتم مخلين فقالت لها كلاب الصيد خفي عليكم حالنا نحن رأو فينا آلة الخدمة فحبسونا على الخدمة وقاموا لنا بالكفاية قالت الأهلية فالواحد منكم إذا كبر خلي وصار معنا قالت كلاب الصيد لأنه قصر عما يجب عليه وكل من قصر فيما يجب عليه طرد (2/475)
قال أبو علي وسمعت أبا سعيد أحمد بن المسك بن أحمد البزاز يقول سمعت عمي محمد بن أحمد يقول رأيت في المنام رسول الله صلى الله عليه و سلم في جامع الخليفة وإلى جانبه رجل مكتهل فسألت عنه فقيل هو عيسى بن مريم روح الله وكلمته وهو يقول للنبي صلى الله عليه و سلم أليس في أمتي الأحبار أليس في أمتي الرهبان أليس من أمتي أصحاب الصوامع قال فدخل أبو الحسين بن سمعون فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم في أمتك مثل هذا فسكت وانتبهت
وعن أبي طاهر محمد بن علي العلاف قال حضرت أبا الحسين إبن سمعون يوما في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم وكان أبو الفتح بن القواس جالسا إلى جنب الكرسي فغلبه النعاس فنام فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في نومك قال نعم فقال أبو الحسين لذلك أمسكت عن الكلام خوفا أن تنزعج وتنقطع عما كنت فيه أو كما قال
وعن أبي بكر البرقاني قال لأبي الحسين بن سمعون أيها الشيخ أنت تدعو الناس إلى الزهد في الدنيا والترك لها وتلبس أحسن (2/476)
الثياب وتأكل أطيب الطعام فكيف هذا فقال كل ما يصلحك فافعله إذا صلح حالك مع الله يلبس لين الثياب وأكل طيب الطعام فلا يضرك
أسند بن سمعون عن خلق كثير يطول ذكرهم منهم عبد الله إبن أبي داود السجستاني وأملي الحديث
وتوفي يوم النصف من ذي القعدة سنة سبع وثمانين وثلثمائة وكان مولده سنة ثلثمائة ودفن في داره ثم نقل بعد تسع وثلاثين سنة إلى باب حرب وكفنه لم يبل
قال عبد القادر بن محمد بن يوسف أخبرني أبي قال كنت مع الذين أخرجوا أبا الحسين من داره وقد دفن فيها أربعين سنة فأخرج إلى قبر أحمد وأكفانه تتقعقع كما دفن رحمه الله
331 - عبد الصمد بن عمر بن محمد بن إسحاق
أبو القاسم الواعظ
كان من أهل الزهد والصلاح الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر
عن أحمد بن علي بن ثابت قال حدثني الضمري قال كان عند (2/477)
عبد الصمد جزء عن النجاد فأخذت من أبي بكر البقال نسخته ومضيت أنا وأبو يعلى بن المأمون إليه فسلمنا عليه وسألناه أن يحضرنا في المسجد لنسمع الجزء منه وسبقناه إلى المسجد
فدخل وسلم وصلى ركعتين ثم جاء فجلس بين أيدينا فقلت له إنما حضرنا لنسمع منك فإن رأيت أن ترتفع إلى صدر المجلس فقال هذا إبن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأشار إلى إبن المأمون وأنت رجل من أهل العلم وما كنت لأرتفع عليكما في المجلس
وعن علي بن محمد الحسن المالكي قال جاء رجل إلى عبد الصمد بمائة دينار ليدفعها إليه فقال له أنا غني عنها فقال فرقها على أصحابك هؤلاء فقال ضعها على الأرض ففعل فقال عبد الصمد للجماعة من احتاج منكم إلى شيء فليأخذ على قدر حاجته فتوزعها الجماعة على صفات مختلفة من القلة والكثرة ولم يمسها هو بيده ثم جاءه إبنه بعد ساعة فطلب منه شيئا فقال له اذهب إلى البقال فخذ منه ربع رطل تمرا
وقال التنوخي كنت يوم الجمعة في جامع المنصور والخطيب على المنبر وعلى يساري علي بن طلحة المقري البصري فمددت عيني فرأيت عبد الصمد بالقرب مني فهممت بالنهوض إليه وكان صديقا لي فاحتشمت من القيام في مثل ذلك الوقت مع قرب قيام الصلاة فقام (2/478)
ومشى نحوي فقمت إليه فقال لي اجلس أيها القاضي فليس إليك قصدت ولا لك أردت بمجيئي إنما هذا أردت وإليه قصدت يعني إبن طلحة وذلك أن نفسي تأباه وتكرهه فأردت أن أذلها بقصده وأخالف إرادتها فقصدته فقام إبن طلحة إليه وقبل رأسه وعاد عبد الصمد إلى موضعه
وعن محمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله السكري قال إجتاز عبد الصمد يوما بسوق الطعام فرأى غلاما يقال له عزيز وقد خرج مع العيارين وكانت أيامهم والناس مجتمعون عليه وأبواه يبكيان ويعذلانه ويأبى عليهم
فلما أكثرا عليه قال لهما مثلي يقول شيئا يرجع عنه قد قلت لأصحابي إني منكم إمضيا أطلبا عزيزا غيري شاروفتى في جيبي
يقال عبد الصمد رأيته قد تابع الهوى على الوفاء مع علمه بأنه إذا وقع في الشدائد لايجيره فبايعت ربي على الوفاء مع علمي بأني (2/479)
إذا وقعت في الشدائد يجيرني فاجتزت يوما بباب درب الديزج فشممت روائح طيبة فطالبتني نفسي منها فقلت أطلبي عبد الصمد غيري شاروفتى في جيبي
قال وسمعت عبد الصمد يقول كنت يوما أمشي في بعض الطرق وإذا بساع قد أقبل من عدوه وقد بقي عليه من الطريق بقية والناس يستقبلونه بالتحف فقال له رجل أي فلان مت اليوم حتى تعيش أبدا فقلت لنفسي هذا لك موتي اليوم حتى تعيشي أبدا
وعن أبي علي الحسن بن علي بن فهر القلاف قال قال عبد الصمد يا أبا علي رأيت اليوم عجبا اجتزت ببعض الخرابات فسمعت منها أنينا فدخلت وإذا برجل قد شد حبلا يريد أن يخنق نفسه فزعقت عليه وقلت له لايحل لك أن تفعل هذا فقال لي فأعذر فقلت وما شأنك والغدر قال قد قامرت في قتل نفسي فقمرتها وما أرى الغدر فنحيت الحبل من عنقه وعجبت كيف لم يستجز الغدر في هوى الشيطان فكيف يجوز الغدر في رضا الرحمن (2/480)
وحكى أبو الوفاء بن عقيل قال هجم عيد على عبد الصمد والبيت فارغ من القوت فجاءه رجل بدراهم فقال خذ هذه فقال يا هذا بالله دعني اليوم أتلذذ بفقري كما يتلذذ الأغنياء بغناهم وكان يقول أبدا أوجدهم في تعذيبه عذوبة
قال المؤلف بلغني عن عبد الصمد أنه كان في دعوة فقيل له انبسط وتمكن فقال ومايمكني من يحتشم ربه في الخلوة لاينبسط
وكان يحرض أصحابه على الجد ويقول هيه قد فاتتكم الدنيا فلا تفوتنكم الآخرة
وقال التنوخي حدثني من حضر عبد الصمد وقد احتضر فدخلت عليه أم الحسن بنت القاضي أبي أحمد بن الأكفاني وكانت أحد من يقوم بأمره ويراعيه فقالت له أسألك وأقسم عليك إلا سألتني حاجة فقال لها نعم كوني لهنية يعني ابنته بعد موتي كما أنت لها في حياتي فقالت أفعل ثم أمسك ساعة وقال أستغفر الله وكررها الله لها خير منك
وحكى إبن عقيل عن بعض من حضر عبد الصمد عند الموت قال (2/481)
حضرته وهو يقول ياسيدي لليوم خبأتك ولهذه الساعة اقتنيتك حقق حسن ظني بك
أسند عبد الصمد عن أحمد بن سلمان النجاد
وتوفي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة وقيل في آخر يوم من ذي الحجة سنة سبع وتسعين وثلاث مائة وقيل توفي ليلا وكانت وفاته بدرب شماس من نهر الغلابين وقبره اليوم ظاهر يتبرك به بمقبرة الإمام أحمد
332 - عثمان بن عيسى أبو عمر الباقلاني
كان يقال له العابد الصموت لإمساكه عن الكلام فيما لايعنيه
قال أحمد بن علي الحافظ كان عثمان الباقلاوي أحد الزهاد المتعبدين منقطعا عن الخلق ملازما للخلوة
قال وسمعت بعض الشيوخ الصالحين يقول سمعت عثمان الباقلاوي إذا كان وقت غروب الشمس أحسست بروحي كأنها تخرج يعني لإشتغاله في تلك الساعة بالإفطار عن الذكر (2/482)
قال وسمعته يقول أحب الناس إلي من ترك السلام علي لأنه يشغلني بسلامة عن الذكر
وقال محمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي حدثني أبي قال مضيت يوما في صحبة خالي إلى عثمان بن عيسى الباقلاوي فتلقيناه خارجا من المسجد إلى داره وهو يسبح فقال له خالي ادع لي فقال يا أبا عبد الله شغلتني أنظر ما تظنه في فافعله وادع أنت لي فقلت له أنا بالله ادع لي فقال لي رفق الله بك فاستزدته فقال الزمان يذهب والصحائف تختم
وعن أبي الحسين محمد بن محمد بن المهتدي أنه قال هذا الذي أنا فيه من بركة عثمان الباقلاوي وذلك أنني كنت أصلي به فكان إذا خلا بي مسح يده على صدري ودعا لي فأنا أعتقد أن الذي أنا فيه أنمن بركة دعائه
قال وكان له مغتسل وحارة في المسجد فكان يصلي بينهما وكنت أصلي به شهر رمضان فقرأت ليلة سورة الحاقة حتى أتيت هذه الآية فيومئذ وقعت الواقعة فصاح وسقط مغشيا عليه فما بقي أحد في المسجد إلا انتحب
وكان عثمان يتعمم بشاروفة وكان يأكل من كسب (2/483)
البوازي وكان قد سأله السعيد التركي أن يصل إليه منه شيء فأبى فقال له إذ أبيتفتأذن لي أن نشتري دهنا نشعله في المسجد وكان مأواه المسجد ما كان يخرج منه إلا إلى الجمعة فأجاب إلى ذلك فلما عاد الرسول على أنه يحمل إليه دهنا قال له لا تجئني بشيء آخر فقد أظلم علي البيت
أسند عثمان الباقلاوي عن إبراهيم بن محمد المطوعي والحسن بن أبي النجم مؤدب الطائع لله وغيرهما وتوفي في يوم الجمعة لسبع بقين من رمضان سنة إثنتين وأربع مائة ودفن في مقبرة جامع المنصور
عن عرس الخباز قال لما دفن عثمان الباقلاوي رأيت في المنام بعض من هو مدفون في جوار قبره فقلت له كيف فرحكم بجوار عثمان فقال وأين عثمان لما جيء به سمعنا قائلا يقول الفردوس الفردوس أو كما قال رحمه الله
333 - بكر بن شاذان بن بكر أبو القاسم
قرأ القرآن على جماعة وسمع الحديث من جعفر الخلدي وأبي بكر الشافعي وغيرهما وكان يقرىء القرآن ويروي الحديث ويعظ الناس وكان من قوام الليل وأهل التقوى (2/484)
عن الحسن بن غالب المقرىء أن بكر بن شاذان وأبا الفضل التميمي جرى بينهما كلام فبدر من أبي الفضل كلمة ثقلت على بكر وانصرفا ثم ندم التميمي فقصد أبا بكر بن يوسف وقال له قد كلمت بكرا بشيء قد خفي عليه وندمت على ذلك فأريد أن تجمع بيني وبينه فقال له إبن يوسف سيخرج لصلاة العصر فخرج بكر وجاء إلى إبن يوسف والتميمي عنده فقال له التميمي أسألك أن تجعلني في حل فقال بكر سبحان الله ما فارقتك حتى أحللتك وانصرف
قال التميمي قال لي والدي يا عبد الواحد احذر أن تخاصم من إذا نمت كان منتبها
قال إبن غالب وكان لبكر ورد من الليل لايخل به
توفي في يوم السبت التاسع من شوال سنة خمس وأربع مائة ودفن بمقبرة باب حرب
334 - أبو أحمد عبد الله بن أحمد إبن محمد الفرضي
قال علي بن عبد الواحد بن مهدي اختلفت إلى أبي أحمد الفرضي (2/485)
ثلاث عشرة سنة لم أره ضحك فيها غير أنه قرأ علينا يوما كتاب الإنبساط فأراد أن يضحك فغطى فمه
وقال عيسى كان أبو أحمد إذا جاء إلى أبي حامد الإسفرائيني قام أبو حامد من مجلسه ومشى إلى باب مسجده حافيا مستقبلا له
قال وكتب أبو حامد مع رجل خراساني كتابا إلى أبي أحمد يشفع له أن يأخذ عليه القرآن فظن أبو أحمد أنها مسألة قد استفتى فيها فلما قرأ الكتاب غضب ورماه عن يده وقال أنا لا أقريء القرآن بشفاعة أو كما قال
وقال أبو القاسم منصور بن عمرو الفقيه لم أر في الشيوخ من يعلم العلم خالصا لله لايشوبه شيء من الدنيا غير أبي أحمد الفرضي فإنه كان يكره أدنى سبب حتى المدح لأجل العلم
قال وكان قد اجتمعت فيه أدوات الرياسة من علم وقرآن وإسناد وحالة متسعة في الدنيا وغير ذلك وكان أورع الخلق وكان يبتدىء كل يوم بتدريس القرآن ويحضر عند الشيخ الكبير ذو الهيئة فيقدم عليه الحدث لأجل سبقه فإذا فرغ من إقراء القرآن ولى قراءة الحديث علينا بنفسه فلا يزال كذلك حتى يستنفد قوته ثم يضع الكتاب من يده وينصرف
قال وكنت أطيل القعود معه وهو على حالة واحدة لايتحرك (2/486)
ولا يعبث بشيء من أعضائه ولا يغير شيئا من هيئته حتى أفارقه
وقد بلغني أنه كان يجلس مع أهله على هذا الوصف ولم أر في الشيوخ مثله
سمع أبو أحمد من القاضي المحاملي ويوسف بن يعقوب بن البهلول وحضر مجلس أبي بكر بن الأنباري
وتوفي في يوم الثلاثاء للنصف من شوال سنة ست وأربعمائة وقد بلغ إثنتين وثمانين سنة ودفن في مقبرة جامع المدينة رحمه الله
335 - أبو العباس أحمد بن محمد
إبن عبد الرحمن بن سعد الأبيوردي
كان فقيها فصيحا من أصحاب أبي حامد الإسفرائيني توطن بغداد ولي القضاء بها على الجانب الشرقي ومدينة المنصور وكان مدرسا مفتيا مناظرا وكانت له حلقة بجامع المنصور
ذكر عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي عمن حدثه أن القاضي أبا العباس الأبيوردي كان يصوم الدهر وأن غالب إفطاره كان على (2/487)
الخبز والملح وكان فقيرا يظهر المروءة قال ومكث شتوة لايملك جبة يلبسها
وكان يقول لأصحابه في علة تمنعني عن لبس الحشو فكانوا يظنونه يعني المرض وإنما كان يعني بذلك الفقر ولايظهره تصونا ومروءة
وقال إبن ثابت حدثني الصوري أنه سأل الأبيوردي عن مولده فقال سنة سبع وخمسين وثلاثمائة
ومات يوم السبت السادس من جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وأربعمائة ودفن في مقبرة باب حرب والله أعلم
336 - أبو الحسن علي بن عمر بن محمد
إبن الحسن الحربي المعروف بالقزويني
وكان من كبار الصالحين ومولده في محرم سنة ستين وثلاث مائة ببغداد وأصل أبيه من قزوين وقرأ القرآن بالقراءات على أبي حفص الكناني وغيره
وسمع الحديث من إبن كيسان النحوي والقاضي الجراحي وأبي حفص بن الزيات وأبي عمر بن حيوة وأبي الحسين مظفر وأبي الحسين بن سمعون في جماعة أخرى وتفقه علي بن أبي القاسم الداركي وعلق النحو علي أبي الفتح بن جني (2/488)
وكان منذ كان صينا حسن الطريقة ملازما للصمت عما لايعنيه وافر العقل ثم كان يقرأ القرآن ويروي الحديث ولا يخرج من بيته إلا إلى الصلاة وله كرامات كثيرة ولما توفي غسله أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي
قال أحمد بن علي بن ثابت كان أبو الحسن القزويني أحد الزهاد المذكورين ومن عباد الله الصالحين توفي في شعبان سنة إثنتين وأربعين وأربعمائة وصلي عليه في الصحراء بين الحربية والعتابين وحضرت الصلاة عليه وكان الجمع متوافرا جدا يفوت الإحصاء لم أر جمعا على جنازة أعظم منه وغلق جميع البلد في ذلك اليوم
وقال أبو الفتح بن علوس الدينوري صلى الناس على القزويني حيث توجهوا ولم يحط إلى الأرض لكثرة الخلق إنما كان على أيدي الرجال حيث اتجه صلوا عليه
وقال أبو الوفاء بن عقيل شهدت جنازته وكان يوما لم ير في الإسلام بعد جنازة أحمد بن حنبل مثله غلقت له المكاتب (2/489)
والحمامات وبلغت المعبرة بباب الطاق مع كون الجسر ممدودا ربع دينار ولم يسع الناس جامع ولاأمكن أن يصلي عليه إمام معين فجعل كل قبيل فيه ألوف من الناس يصلي بهم رجل يصلح للتقدم وكانت الضجة تمنع التبليغ للتكبير فصلى أكثر الناس وحدانا ورأيت عدة بنانيك فيها من المداسات الكثيرة ينادى عليها ليأخذها أربابها
عبد الله بن محمد البرداني قال إنتبه أخي أبو غالب يوسف بن محمد في الليلة التي مات فيها القزويني وهو يبكي وقد أخذته الرعدة فسكنه والدنا وأمسكه وقرأ عليه وقال له مالك يا بني قال رأيت في المنام كأن أبواب السماء قد فتحت وإبن القزويني يصعد إليها فلما كان في صبيحة تلك الليلة سمعنا المنادي ينادي بموته
وقال أبو الفرج عبد العزيز بن عبد الله الصائغ صليت على أبي الحسين القزويني فهالني كثرة الخلق الذين حضروا جنازته واستعظمتهم فرأيته تلك الليلة في المنام وهو يقول لي استعظمت الخلق الذين صلوا علي قد صلى علي من الملائكة في السماء أكثر من ذلك (2/490)
337 - أبو بكر محمد بن عبد الله الدينوري
وكان يسكن الرصافة ببغداد وكان زاهدا حسن العيش
وكان أبو الحسن القزويني يقول عبر الدينوري قنطرة خلف من بعده وراءه
قال أبو الوفاء بن عقيل الواعظ كنت شابا حديث السن أتردد إلى مجلس إبن بشران الواعظ وكان يعتاد عيني الرمد كثيرا فرآني ذات يوم في المجلس رجل كان يبسط لإبن بشران بساط المنبر يقال له بكار فقال لي أراك تدوم على حضور هذا المجلس فقلت لعلي أستفيد شيئا ينفعني في ديني فقال لي إجلس حتى ينقضي المجلس فجلست
فلما انقضى المجلس أخذ بيدي وحملني إلى الرصافة وجاء بي إلى باب فطرقه فقال قائل من داخل الدار من فقال أنا بكار فقال يا بكار ألست قد كنت هاهنا اليوم فقال جئت في حاجة مهمة ففتح الباب وهو يقول لاحول ولا قوة إلا بالله
ثم دخلنا وإذا بشيخ جالس مستقبل القبلة على رأسه سطح كالطرحة فسلمنا علينا فرد السلام فقال بكار ياسيدي هذا (2/491)
صبي يداوم حضور المجلس ويحب الخير وقد دام مرض عينه فادع له فدعاني فأتيته فأدخل خنصره في فيه ثم مسح عيني به فبقيت بعد ذلك نحو ستين سنة لم ترمد عيني فلما خرجت سألت عنه فقيل لي هذا أبو بكر الدينوري صاحب إبن سمعون
توفي الدينوري في شعبان سنة ثلاثين وأربعمائة
338 - أبو الطيب طاهر بن عبد الله إبن طاهر الطبري
ولد بآمل في سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة وسافر في طلب العلم سمع من أبي أحمد الغطريفي والدارقطنى والمعافي بن زكريا وغيرهم وتفقه على أبي الحسن الماسرجسي وبرع في الفقه وجمع التقوى إلى العلم وولى القضاء بربع الكرخ بعد أبي عبد الله الصيمري وقد كان رأى النبي صلى الله عليه و سلم في المنام فقال له يا فقيه فكان يفرح ويقول سماني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيها (2/492)
قال أحمد بن علي بن ثابت أنشدني أبو الطيب الطبري لنفسه
ما زلت أطلب علم الفقه مصطبرا ... على الشدائد حتى أعقب الخيرا
وكان ما كر من درس ومن سهر ... في عظم ما نلت من عقباه مغتفرا
حفظت ماثوره حفظا وثقت به ... وما يقاس على المأثور معتبرا
صنفت في كل نوع من مسائله ... غرائب الكتب مبسوطا ومختصرا
أقول بالأثر المروي متبعا ... وبالقياس إذا لم أعرف الأثرا
إذا إنتضيت بياني عن غوامضه ... حسرت عنها قناع اللبس فانحسرا
وإن تحريت طوق الحق مجتهدا ... وصلت منها إلى ما أعجز الفكرا
وكنت ذا ثروة لما عنيت به ... فلم أدع ظاهرا منها ومدخرا
وما أبالي إذا ما العلم صاحبني ... ثم إلتقى فيه أن لا أصحب البشرا
ثنت عناني عنه همة طمحت ... إلى الهوى فاستطابت عنده الصبرا
أصدى فلا أتصدى للئيم ولا ... أبيت دون الغنى حزنان منكسرا
إذا أضقت سألت الله معتذرا ... كفايتي فأطاب الورد والصدرا
وقرأت بخط الشيخ أبي الوفا بن عقيل قال حكى لي بعض أهل العلم أن القاضي أبا الطبيب صعد من سميرية وقد تم له عشر المائة فقفز منها إلى الشط فقال له بعض من حضر يا سيدنا لاتفعل هذا (2/493)
فإن أعضاءك تضعف وربما أورث مثل هذه الطفرة فتقا في المعي فقال ياهذا إن هذه أعضاءنا حفظناها من معاصي الله فحفظها الله علينا
وقال أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله الفامي أبتدأ القاضي أبو الطيب الطبري يدرس الفقه ويتعلم العلم وله أربع عشرة سنة فلم يخل به يوما واحدا إلى أن مات
قال الخطيب وتوفي في يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة ودفن من الغد في مقبرة باب حرب وحضرت الصلاة عليه في المنصور وكان إمامنا في الصلاة عليه أبو الحسين بن المهتدي وبلغ من السن مائة سنة وسنتين وكان صحيح العقل ثابت الفهم يقضي ويفتي إلى حين وفاته رحمه الله
339 - أبو الحسن البرداني
كان من الزهاد المنقطعين بجامع المنصور
حدثني أبو محمد عبد الله بن علي المقرىء قال كان أبو الحسن البرداني صالحا مقيما بدار القطان وكان الناس يزورونه فيقول ترى أي شيء زاد في حتى أزار أنا كنت أكارا ولباسي اليوم لباسي الذي (2/494)
كان وأكلى أكلى الذي كان وما تركت شيئا من الدنيا أحمد على تركه فلماذا أزار
قال أبو محمد وكان بجامع المنصور رجل يقال له إبن عبد العزيز من القراء فسمعه البرداني بقول يوما هؤلاء الحشوية يقولون في القرآن كذا فبقي مدة لايصلي خلفه فلما شاع هذا تعصب له جماعة وجاؤوا بتوقيع من السلطان بتقديمه وتمكينه فجاء إبن عبد العزيز والناس معه فباتوا بباب البصرة فقال خادم البرداني له يا سيدي قد جاء القوم وقد عزموا على تقديمه وتمكينه فقال ما يجيئون وكيف يجيئون
فقال إبن عبد العزيز في بعض الليلة فؤادي يوجعني ومات من ليلته
340 - أبو بكر أحمد بن علي العلبي
كان يقريء القرآن ويؤم الناس ويعمل بيده ولايقبل من أحد شيئا ويذهب بنفسه في كل ليلة إلى دجلة فيأخذ في كوز له ماء يفطر عليه ويمشي في حوائج نفسه ولايستعين بأحد
وكان إذا حج يزور القبور بمكة ويجيء إلى قبر الفضيل بن عياض ويخط بعصاه ويقول يا رب هاهنا يارب ها هنا (2/495)
فاتفق أنه خرج للحج في سنة ثلاث وخمس مائة فشهد عرفة محرما وتوفي عشية ذلك اليوم في أرض عرفات فحمل إلى مكة وطيف به حول البيت ودفن يوم منحر إلى جانب الفضيل بن عياض
341 - أبو المعالي الرجل الصالح
ساكن باب الطاق قال أبو الحسن بن مالان وكان ثقة حدثني أبو المعالي الصالح قال ضاق بي الأمر في رمضان حتى أكلت فيه ربعين باقلي فعزمت على المضي إلى رجل من ذوي قرابتي أطلب منه شيئا فنزل طائر فجلس على منكبي وقال يا أبا المعالي أنا الملك الفلاني لا تمض إليه نحن نأتيك به فبكر الرجل إلى
وحدثني أبو محمد عبد الله بن علي المقرىء قال كنت عند أبي المعالي الصالح فقيل له قد جاء سعد الدولة شحنة بغداد فقال أغلقوا الباب فجاء فطرق الباب وقال ها أنا قد نزلت عن دابتي وما أبرح حتى تفتح لي ففتح له فدخل فجعل يوبخه على ما هو فيه وسعد الدولة يبكي بكاء كثيرا فانفرد بعض أصحابه وتاب على يده وقال لي أبو محمد كان أبو المعالي لا ينام إلا جالسا ولا يلبس إلا ثوبا واحدا وشتاء كان أو صيفا وكان إذا اشتد البرد عليه يشد المئزر بين كتفيه (2/496)
حدثني أبو محمد أن رجلا توفي وسلم إلى إبن عقيل مالا وأمره أن يدفعه إلى أبي المعالي الصالح ليقسمه بعد موته فلما مات الرجل بعث إبن عقيل إلى أبي المعالي بالمال وأخبره بالقصة فقال ما أقبل هذه الوصية فعاوده فأبي فبينما هم على ذلك جاء ولد الميت فقال إن أبي أوصى بمالا يخرج من الثلث فقال إبن عقيل والله لقد كوشف ذاك الرجل فهو يقبل خمسة أرطال من الخبز ولولا أنه كوشف بهذا ما رده رحمه الله
342 - أخو جمادى
كان منقطعا بباب الطاق والناس يزورونه ويتبركون به
حدثني أبو محمد عبد الله بن علي المقرىء عن أخي جمادي قال خرجت في يدي عيون وانتفخت فأجمع الأطباء على قطعها فبت ليلة على سطح قد رقيت إليه فقلت في الليل يا صاحب هذا الملك الذي لا ينبغي لغيره هب لي شيئا بلا شيء فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت يا رسول الله يدي أنظر إليها
فقال مدها فمددتها فأمر يده عليها وأعادها وقال قم فقمت وإنتبهت والخرق التي شدت بها مخانق (2/497)
فقمت في الليل وذهبت إلى باب الأزج إلى قرابة لي فطرقت الباب فقالت المرأة لزوجها قد مات فلان تعنيني وظنت أن مخبرا قد جاء يخبرها بذلك فلما فتحت الباب ورأتني تعجبت
ورجعت إلى باب الطاق فرأيت الناس من عند دار السلطان إلى منزلي خلقا لا يحصى معهم الجرار والأباريق فقلت مالكم فقالوا قيل لنا إن رجلا قد رأى النبي صلى الله عليه و سلم ها هنا يتوضأ في بئر
فقلت في نفسي إن مضيت لم يكن لي معهم عيش فاختفيت في الخرابات طول النهار
343 - عبد الوهاب بن المبارك إبن أحمد الأنماطي
ويكنى أبا البركات سمع الكثير وكتب الكثير وروى لنا عن أبي محمد الصريفيني وإبن النقور وخلق كثير من القدماء
وما عرفنا من مشايخنا أكثر سماعا منه ولا أكثر كتابة للحديث ولا أصبر على الإقراء ولا أحسن بشرا ولقاء ولا أسرع دمعة ولا أكثر بكاء (2/498)
ولقد كنت أقرأ عليه الحديث في زمان الصبا ولم أذق بعد طعم العلم فكان يبكي بكاء متصلا وكان ذلك البكاء يعمل في قلبي وأقول ما يبكي هذا هكذا إلا لأمر عظيم فإستفدت ببكائه ما لم أستفد بروايته
وكان مجلسه منزها عن غيبة الناس وكان رضي الله عنه على طريقة السلف وكنا ننتظره من يوم الجمعة ليأتي من داره بنهر القلائين إلى جامع المنصور فلا يأتي على قنطرة باب البصرة وإنما يمر على القنطرة العتيقة فسألته عن سبب هذا فقال كانت تلك دار إبن معروف القاضي فلما قبض عليه بنيت قنطرة
قال وحدثنا أبو محمد التميمي عنه أنه أحل من يعبر عليها غير أني لا أفعل
وكان مولده في رجب سنة إثنتين وستين وتوفي يوم الخميس الحادي والعشرين من المحرم سنة خمس وثلاثين وخمس مائة
وعدته في مرضه وقد بلي وذهب لحمه فقال لي إن الله عز و جل لا يتهم في قضائه (2/499)
ذكر المصطفين من عباد بغدادالمجهولين الأسماء
344 - عابد
عن أبي عبد الله أحمد بن يحيى الجلاء قال سمعت أبي يقول كنت عند معروف في مجلسه فدخل عليه رجل فقال يا أبا محفوظ رأيت في هذه الليلة عجبا قال وما رأيت رحمك الله قال أشتهي على أهلي سمكا فذهبت إلى السوق فاشتريت لهم سمكة وحملتها مع حمال فمشى معي فلما سمعنا أذان الظهر قال الحمال يا عم هل لك أن نصلي فكأنه أيقظني من غفلة فقلت له نعم نصلي
فوضع الطبق والسمكة عليه على مستراح ودخل المسجد فقلت في نفسي الغلام قد جاد بالطبق أجود أنا أيضا بالسمكة فلم يزل يركع حتى أقيمت الصلاة فصلينا جماعة وركع بعد الصلاة وخرجنا فإذا الطبق على حاله موضوع فجئت إلى البيت وحدثت أهلي بهذا فقالوا لي قل له يأكل معنا من هذا السمك فقلت له تأكل معنا من هذا السمك فقال أنا صائم فقلت له فأفطر عندنا قال نعم أروني طريق المسجد فأريته فدخل المسجد وجلس إلى أن صلينا المغرب (2/500)
فجئت إليه وقلت له تقوم رحمك الله فقال أو نصلي عشاء الآخرة فقلت في نفسي هذه ثانية يريد أن فيه خيرا
فلما صلينا جئت به إلى منزلي ولنا ثلاثة أبيات بيت فيه أنا وأهلي وبيت فيه صبية مقعدة ولدت كذلك لها فوق العشرين سنة وبيت كان فيه ضيفنا
فبينا أنا مع أهلي إذ دق داق الباب في آخر الليل فقلت من يدق الباب فقالت أنا فلانة فقلت فلانة قطعة لحم مطروحة في البيت كيف يستوي لها أن تمشي فقالت أنا هي افتحوا لي ففتحنا لها فإذا هي فقلت أي شيء الخبر فقالت سمعتكم تذكرون ضيفنا هذا بخير فوقع في نفسي أن أتوسل إلى الله عز و جل به فقلت اللهم بحق ضيفنا هذا وبجاهه عندك إلا أطلقت أسري فأستويت وقمت وأنا في عافية كما تروني
فقمت إليه أطلبه في البيت فإذا البيت خال ليس فيه أحد فجئت إلى الباب فوجدته مغلقا بحاله فقال معروف نعم فيهم صغار وكبار يعني الأولياء
345 - عابد آخر مجذوم
أبو عبد الله البراثي قال قال خلف البرزالي أتيت برجل مجذوم ذاهب اليدين والرجلين أعمى فجعلته مع المجذومين فغفلت (2/501)
عنه أياما ثم ذكرته فقلت يا هذا إني غفلت عنك فكيف حالك فقال لي حبيبي ومن أنا أحبه فقد أحاطت محبته بأحشائي فلا أجد لما أنا فيه من ألم مع محبته لا يغفل عني
فقلت له إني نسيت فقال إن لي من يذكرني وكيف لا يذكر الحبيب حبيبه وهو نصب عينيه تائه العقل واللب قلت له ألا أزوجك امرأة تنظفك من هذه الأقذار قال فبكى ثم تنفس ورمى ببصره نحو السماء وقال يا حبيب قلبي ثم أغمي عليه
فأفاق فقلت ما تقول فقال كيف تزوجني وأنا مالك الدنيا وعروسها قلت أي شيء الذي عندك من ملك الدنيا وأنت ذاهب اليدين والرجلين أعمى تأكل كما تأكل البهائم قال رضي عني سيدي إذ أبلي جوارحي وأطلق لساني بذكره
قال فوقع مني بكل موقع فما لبث إلا يسيرا حتى مات فأخرجت له كفنا فيه طول فقطعت منه فأتيت في منامي فقيل لي يا خلف بخلت على وليي ومحبي بكفن طويل قد رددنا عليك كفنك وكفناه عندنا بالسندس والإستبرق قال فصرت إلى بيت الأكفان فإذا الكفن ملقى (2/502)
346 - عابد آخر
قال إبراهيم الآجري الكبير كنت يوما قاعدا على باب المسجد في يوم شات إذ مر بي رجل عليه خرقتان فظننت أنه من هؤلاء الذين يسألون فقلت في نفسي لو عمل هذا بيده كان خيرا له قال ومضى الرجل
فلما كان الليل أتاني ملكان فأخذا بضبعي ثم أدخلاني المسجد الذي كنت على بابه قاعدا فإذا رجل نائم عليه خرقتان فكشف لي عن وجهه فإذا هو الذي مر بي فقالا لي كل لحمه فقلت ما أغتبته قالا لي بلى حدثت نفسك بغيبته ومثلك لا يرضى منه بمثل هذا
قال فأنتبهت فزعا فمكثت ثلاثين يوما أقعد على باب المسجد لا أقوم إلا لفرض أنتظر أن يمر بي فأستحله
فلما كان بعد الثلاثين مر بي على حاله والخرقتان عليه فوثبت إليه فغمز وغمزت خلفه فلما خفت أن يفوتني قلت يا هذا قف أكلمك قال فالتفت إلى ثم قال يا إبراهيم وأنت أيضا ممن يغتاب المؤمنين بقلبه قال فسقطت مغشيا علي قال فأفقت وهو عند رأسي فقال أتعود قلت لا ثم غاب عن عيني فلم أره بعد ذلك (2/503)
347 - عابد آخر
قال الجنيد أرقت ليلة فرمت السكون فما وجدته ثم أجتهدت في قضاء ورد كان لي فلم أقدر ثم حرصت على دراسة شيء من القرآن فلم أقدر فوقع بي إنزعاج شديد فأخذت ثوبي على كتفي ثم إنصرفت وذاك آخر الليل
فلما توسطت الدرب عثرت بإنسان ملتف في عباء فرفع رأسه وقال إلى الساعة فقلت سيدي عن موعد تقدم فقال لا ولكن سألت محرك القلوب أن يحرك لي قلبك فقلت قد فعل حاجة قال نعم قلت ما هي قال يا أبا القاسم متى يكون الداء دواء فقلت إذا خالفت النفس هواها صار داؤها دواءها قال فتنفس وقال قد أجبتها بهذا الجواب الليلة سبع مرات فقالت لا أو أسمعه من جنيد ها قد سمعت منه ثم مضى فما رأيته بعد ذلك
348 - عابد آخر
عبيد الله بن عبد الله قال كنت عند الجنيد يوم قدم أبو حفص النيسابوري فوثب إليه الجنيد وعانقه فقال للجنيد عندك من المعانقة عند شيء تطعمني فقال له أي شيء تومي فعين له على شيء يطبخ (2/504)
فالتفت الجنيد إلى بن زيري فقال قد سمعت فمضى إبن زيري فغاب ساعة ثم عاد ومعه ما أراد فقال الجنيد لأبي حفص قد حضر ما ذكرت فقال يا أخي قد أخببت أن أوثر به أتساعدني فقال له أحب ما تحب فقال الجنيد لابن زيري قد سمعت فأنفذه إلى مستحق فأقبل إبن زيري إلى الحمال فقال
أمش بين يدي وحيث أعييت فقف فمشى الحمال ساعة ووقف بين دارين فدق إبن زيري أقرب الدارين إلى الحمال فإذا نداء من داخل الدار أدخل إن كان معك كذا كذا وإلا فلا وعين على ما كان مع الحمال قال ففتحت الباب فإذا شيخ قاعد وخيش مرسل على باب فوضعت ما كان مع الحمال بين يدي الشيخ وصرفت الحمال وقعدت
فقال لي وراء هذا الخيش صبيان وبنات يحتاجون إلى هذا الطعام فقلت له لا إنصرف أو تخبرني بالحال فقال هؤلاء الصبيان يسألوني هذا الطعام منذ مدة ولم تسامح نفسي أن أسأل الله تعالى فوجدت البارحة مسامحة أن أسأل فجعلت علامة إجابة الله إياي وجود المسامحة من السؤال فلما دققت الباب علمت ما معك (2/505)
349 - عابد آخر
من بعض قرى بغداد
بلغنا عن جنيد قال سمعت السري بن المغلس يقول إن في قرى بغداد لأولياء لا يعرفهم الخلق قال وكنت أدور في القرى لعلي أجد منهم واحدا فبينا أنا يوما في بعض القرى دخلت مسجدا فرأيت فيه شابا ساكتا فتقدم إلي وقال لي أتأذن أن أسألك مسألة فقلت هات فقال مسألة فسأل مسألة من أحوال القلب دقيقة فأجبته فقلت له يقع لك مثل هذه المسألة فقال كثير فقلت كيف تعمل قال أنا إنسان قد لازمت هذا الموضع فإذا وقع لي مثل هذه المسألة قيد الله لي وليا مثلك فيجيبني فعلمت صدق قول السري
350 - عابد آخر
أبو جعفر السقاء قال خرجت يوما من بيتي في يوم مطير فإذا أسود مطروح على المزبلة مريض فجررته فأدخلته إلى بيتي فلما أمسينا دعاني فقال يا أبا جعفر لا تفسد ما صنعت أقعد عندي قال وفاح البيت بريح المسك وصار ريح جبتي وكسائي وجرتي وكوزي وكل شيء في البيت ريح المسك
قال فقال أقعد عندي قال ثم قال بيده هكذا لا تضيق (2/506)
على جلسائي قال فسمعته يقول أندك أندك يا بارخذاه أرفق بي يا مولاي قال ثم خرجت نفسه
قال قلت أبيع كسائي أبيع جبتي فأشتري له كفنا قال فطرق بابي قريب من سبعين إنسانا كل يقول يا أبا جعفر مات عندك إنسان يحتاج إلى كفن
351 - عابد آخر
عن أبي الحسن بن خيرون صاحب أبي بكر عبد العزيز قال قال لي أبو بكر عبد العزيز
كنت مع أستاذي يعني أبا بكر الخلال وأنا غلام مشتد فأجتمع جماعة يتذاكرون بعد عشاء الآخرة فقال بعضهم لبعض أليس مقبل يعني رجلا أسود كان ناطورا بباب حرب لنا مدة ما رأيناه فقاموا يقصدونه وقال لي أستاذي يعني الخلال لا تبرح أحفظ الباب
فتركتهم حتى مضوا وأغلقت الباب وتبعتهم فلما بلغنا بعض الطريق قال أستاذي هو ذا أرى وراءنا شخصا آخر قفوا فقالوا (2/507)
لي من أنت فأمسكت فزعا من إستاذي فقال أحدهم لأستاذي بالله عليك إلا تركته فتركني ومضيت معه فدخلنا إلى قراح فيها باذنجان مملوء والأسود قائم يصلي فسلموا وجلسوا إلى أن سلم وأخرج كيسا فيه كسر يابسة وملح جريش قال كلوا فأكلوا وتحدثوا وأخذوا يذكرون كرامات الأولياء وهو ساكت
فقال واحد من الجماعة يا مقبل قد زرناك فما تحدثنا بشيء فقال أي شيء أنا وأي شيء عندي أحدثك أنا أعرف رجلا لو سأل الله تعالى أن يجعل هذا القراح الباذنجان ذهبا لفعل
فوالله ما أستتم الكلام حتى رأينا القراح يتقد ذهبا فقال له أستاذي يعني الخلال يا مقبل لأحد سبيل أن يأخذ من هذا القراح أصلا واحدا فقال له خذ وكان القراح مسقيا فأخذ أستاذي الأصل فقلعه بعروقه وجميع ما فيه ذهبا فوقعت من الأصل باذنجانة صغيرة وشيء من الورق فأخذته وبقاياه معي إلى يومي
قال ثم صلى ركعتين وسأل الله تعالى فعاد القراح كما كان وعاد كان ذلك الأصل أصل باذنجان آخر (2/508)
352 - عابد آخر
محمد بن داود الرقي قال كنت مارا ببغداد وإذا بعض الفقراء يمر في الطريق وإذا مغن يغني ويقول
أمد كفي بالخضوع ... إلى الذي جاد بالصنيع
قال فشهق الفقير شهقة خر ميتا
قال المؤلف وقد رويت لنا عن الرقي عن غيره
الحسين بن محمد قال سمعت الرقي يقول سمعت العسقلاني يقول كنت مارا ببغداد فإذا أنا ببعض الفقراء مارا في الطريق ومغن يغني ويقول
أمد كفي بالخضوع ... إلى الذي جاد بالصنيع
قال فشهق الفقير شهقة خر ميتا
353 - عابد آخر
بلغنا عن أبي الصوفي قال دخلت في يوم عيد على بعض مشايخنا فرأيت عنده خلا وهندباء فاشتغل قلبي وخرجت فدخلت على بعض أهل الدنيا فأخبرته فدفع إلي صرة فيها دراهم وقال أحملها إلي فقلت جئت بها لتستعين بها على وقتك قال وما الذي رأيت من (2/509)
حالي قلت له رأيت عندك خلا وهندباء فقال كأنك إفتقدت ذلك لو كان في بيتي امرأة كنت تفتقدها قم فوالله لا كلمتك شهرا
فخرجت فضرب الباب في وجهي فسال الدم فأتيت الشبلي فقلت له يا أبا بكر رجل مشى في طاعة الله فإنفتح وجهه ما سبب هذا فقال لعله أراد أن يأتي إلى شيء صاف يكدره
354 - عابد آخر
عن أبي الحسين بن سمعون قال اجتزت يوما على الصراة فرأيت إمرأة تلتقط ورق البقل الذي يأتي على الماء فقلت لا شك أن هذه إمرأة فقيرة فوقفت حتى رجعت فتبعتها فأتت إلى دار فدخلت فرجعت إلى بيتي فما إستقر بي المنزل حتى أتاني خادم معه دنانير ودراهم فقال إدفع هذا إلى محتاج
فأخذته وقمت فأتيت بيت المرأة فطرقت الباب فخرج رجل من خواص مجلسي ومن الملازمين لي فلما رآني قال مالك هكذا فقلت جئتكم بهذه الدنانير تستعينون بها على الوقت فنظر إلي (2/510)
مغضبا وقال يا شيخ تحذرنا من الدنيا وتأتينا بها ثم رد الباب في وجهي ودخل فرجعت منكسرا إلى بيتي
ثم قلت في نفسي لا بد أن أعود إليه فأعتذر فأتيته في اليوم الثاني فطرقت الباب مرارا فلم يجبني أحد وإذا امرأة من الجيران تقول مالك يا رجل فقلت لها ما فعل أهل هذه الدار فقالت كان في هذه الدار رجل مع والدته وكنا نتبرك بهم فجاء بالأمس شيطان فكلمهم بما كرهوا فانتقلوا عنا
قال فعدت وأنا شديد الحزن على ما فعلت وجعلت أتفقد مجلسي ولا أرى الرجل
فلما كان يوم عرفة وأنا أتكلم على الناس رأيته في أواخرهم فلم أنقضى المجلس مضيت إليه وسلمت عليه فرد علي وقال لا تعد ما فات ولا تقل شيئا فلولا أني أعتقد كلامك دواء لقلبي لم أحضر وإنما غبت عنك لأنا إنتقلنا إلى مكان آخر حتى لا نعرف فقلت ما آتيت إلا معتذرا وما أعود ثم فارقته (2/511)
ذكر المصطفين من عقلاء المجانين ببغداد
355 - سعدون المجنون
قال يحيى بن أيوب خرجت يوما إلى مقابر باب خراسان ثم جلست في موضع أرى منه من يدخل المقابر فنظرت إلى رجل دخل المقابر مقنعا فجعل يجول في المقابر كلما رآى قبرا محفورا أو منخسفا وقف عليه وبكى
فقمت رجاء أن أنتفع به فلما صرت إليه إذا هو سعدون المعتوه وكان يكون في كوخ مقابر عبدالله بن مالك فقلت له يا سعدون أي شيء تصنع فقال يا يحيى هل لك في أن تجلس فنبكي على بلى هذه الأبدان قبل أن تبلى فلا يبكي عليها باك ثم قال يا يحيى البكاء من القدوم على الله عز و جل أولى بنا من البكاء على بلى الأبدان ثم قال يا يحيى وإذا الصحف نشرت ثم صاح صيحة شديدة وقال واغوثاه بالله مما يقابلني في الصحف قال يحيى فغشى علي فأفقت وهو جالس يمسح وجهي بكمه وهو يقول يا يحيى من أشرف منك لو مت
قال الفتح بن شخرف كان سعدون صاحب محبة لله صام ستين (2/512)
سنة حتى خف دماغه فسماه الناس مجنونا لتردد قوله في المحبة فغاب عنا زمانا فبينا أنا قائم على حلقة ذي النون رأيته عليه جبة صوف وعليها مكتوب لا تباع ولا تشترى فسمع كلام ذي النون فصرخ وأنشأ يقول
ولا خير في شكوى إلى غير مشتكى ... ولا بد من سلوى إذا لم يكن صبر
أحمد بن عبد الله بن ميمون قال سمعت ذا النون المصري يقول خرج الناس إلى الإستسقاء بالبصرة فخرجت فيمن خرج فبينا أنا مار بين الناس إذا بيدين قبضتا على رجلي فقلت من أنت خل عني فقال أنا سعدون المجنون أين تريد يا أبا الفيض قلت أريد المصلى أدعو الله تعالى فقال بقلب سماوي أو بقلب جاف فقلت بقلب سماوي قال انظر يا ذا النون لا تبهرج فإن الناقد بصير وقال تدعو الله وأؤمن على دعائك أو أدعو الله وتؤمن على دعائي فقلت تدعو أنت وأؤمن عليه
قال فصف قدميه ثم قال إلهي بحق البارحة إلا أمطرتنا قال ذو النون لقد رأيت الغيوم قد ارتفعت عن اليمين والشمال حتى التقت (2/513)
فجاءنا المطر كأفواه العزالي فقلت له بحق معبودك أي شيء كان بينك وبين الله البارحة فقال لي لا تدخل بيني وبين قرة عيني قلت لا بد أن تخبرني فأنشأ يقول
أنست به فلا أبغي سواه ... مخافة أن أضل فلا أراه
فحسبك حصرة وضنى وسقما ... بطردك عن مجالس أولياه
قال ذو النون رأيت سعدونا في المقبرة في يوم حار وهو يناجي ربه عز و جل بصوت عال ويقول أحد أحد فأتبعته فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت له بحق من تناجيه إلا وقفت لي وقفة فوقف وقال لي قل وأوجز فقلت أوصني بوصية أحفظها عنك أو تدعو لي بدعوة فقال
يا طالب العلم هاهنا وهنا ... ومعدن العلم بين جنبيكا
إن كنت تبغي الجنان تدخلها ... فأذرف الدمع فوق خديكا
وقم إذا قام كل مجتهد ... وادع لكيما يقول لبيكا
قال ثم مضى فقال يا غياث المستغيثين أغثني قلت له أرفق بنفسك فلعله يلحظك بلحظة فيغفر لك فنفض يده من يدي وعدا يقول (2/514)
أنست به فلا أبغي سواه ... مخافة أن أضل فلا أراه
فحسبك حسرة وضني وسقما ... بطردك عن مجالس أولياه
قال الأصمعي مررت بسعدون المجنون فإذا هو جالس عند رأس شيخ سكران يذب عنه فقلت له سعدون مالي أراك جالسا عند رأس هذا الشيخ فقال أنه مجنون فقلت له أنت المجنون أو هو قال لا بل هو قلت من أين قلت ذلك قال لأني صليت الظهر والعصر جماعة وهو لم يصل جماعة ولا فرادى فقلت له فهل قلت في ذلك شيئا فأنشأ يقول
تركت النبيذ لأهل النبيذ ... وأصبحت أشرب ماء قراحا
لأن النبيذ يذل العزيز ... ويكسو الوجوه النضار الصباحا
فإن كان ذا جائزا للشباب ... فما العذر فيه إذا الشيب لاحا
فقلت له صدقت وإنصرفت
قال صالح المري قرأت بين يدي سعدون المجنون كأنهن الياقوت والمرجان فصرخ ثم قال ملاح والله ثم أنشأ يقول
إن في الخلد جارية ... هي حسن كما هيه
لو تراها على النما ... رق بالغنج ماشية
لتمنيت أنها ... لك ما عشت باقيه (2/515)
كتبت في شقائق الخد سطرا بغاليه ...
أنا للزاهد الذي عينه الدهر باكيه ...
356 - بهلول
سرى السقطي قال اجتزت يوما بالمقابر فإذا أنا ببهلول قد لى رجليه في قبر وهو يلعب بالتراب فقلت أنت ههنا قال نعم أنا عند قوم لا يؤذونني وإن غبت عنهم لا يغتابوني فقلت يا بهلول الخبز قد غلا فقال والله ما أبالي ولو حبة بمثقال إن علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا ثم ولى عني وهو يقول
يا من تمتع بالدنيا وزينتها ... ولا تنام عن اللذات عيناه
أفنيت عمرك فيما لست تدركه ... تقول لله ماذا حين تلقاه
عن سري السقطي قال خرجت يوما إلى المقابر فرأيت بهلولا قد دلى رجليه في قبر وهو يعبث بالتراب فقلت له أي شيء تصنع ههنا فقال أنا عند قوم لا يؤذوني وإن غبت عنهم لا يغتابوني فقلت لا تكون جائعا فولى وأنشأ يقول
نجوع فإن الجوع من علم التقى ... وإن طويل الجوع يوما سيشبع (2/516)
فقلت له إن الخبز قد غلا فقال والله ما أبالي ولو بلغت حبة بمثقال علينا أن نعبده كما أمر وعليه أن يرزقنا كما وعد ثم ولى وهو يقول
أف للدنيا فليست لي بدار ... إنما الراحة في دار القرار
أبت الساعات إلا سرعة ... في بلى جسمي بليل ونهار
عن الفضل بن الربيع قال حججت مع هارون الرشيد فمررنا بالكوفة فإذا بهلول المجنون يهذي فقلت اسكت فقد أقبل أمير المؤمنين فسكت فلما حاذاه الهودج قال يا أمير المؤمنين حدثني أيمن بن نابل قال أنبأنا قدامة بن عبد الله العامري قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم بمنى على جمل وتحته رحل رث فلم يكن ثم طرد ولا ضرب ولا إليك إليك قلت يا أمير المؤمنين إنه بهلول المجنون قال قد عرفته قل يا بهلول فقال يا أمير المؤمنين
هب أنك قد ملكت الأرض طرا ... ودان لك البلاد فكان ماذا
أليس غدا مصيرك ترب ... ويحثو الترب هذا ثم هذا
قال أجدت يا بهلول أفغيره قال نعم يا أمير المؤمنين من (2/517)
رزقه الله جمالا ومالا فعف في جماله واتقى في ماله كتب في ديوان الأبرار
قال فظن أنه يريد شيئا قال فإنا قد أمرنا بقضاء دينك قال لا تفعل يا أمير المؤمنين لا تقض دينا بدين أردد الحق إلى أهله واقض دين نفسك من نفسك
قال إنا قد أمرنا أن تجري عليك جراية قال لا تفعل يا أمير المؤمنين لا يعطيك وينساني أجرى علي الذي أجرى عليك لا حاجة لي في جرايتك
357 - مجنون آخر يقال له أبو علي المعتوه
خلف بن سالم قال قلت لأبي علي المعتوه وكان ينزل في المخرم يا أبا علي ألك مأوى قال نعم قلت وأين مأواك قال في دار يستوي فيها العزيز والذليل قال قلت له وأين هذه الدار قال المقابر قلت يا أبا علي ما تستوحش في ظلم الليل قال إني (2/518)
أكثر ذكر ظلم اللحد ووحشته فوهن علي ظلم الليل قلت له فربما رأيت في المقابر شيئا تنكره قال ربما ولكن في هول الآخر ما يشغل عن هول المقابر
قال الأشهلي قلت لأبي يا أبة مثل هذا الكلام الجيد الصحيح يتكلم به مجنون قال يا بني هؤلاء قوم كان لهم فضل ودين ومعرفة فزالت عقولهم وبقي ذلك الفضل فلم يختلط فيما اختلط
358 - مجنون آخر
أبو بكر الشبلي قال رأيت يوم الجمعة معتوها عند جامع الرصافة قائما عريانا وهو يقول أنا مجنون الله أنا مجنون الله فقلت له لم لا تدخل الجامع وتتوارى وتصلي فأنشد
يقولون زرنا وأقض واجب حقنا ... وقد أسقطت حالي حقوقهم عني
إذا هم رآوا حالي ولم يأنفوا لها ... ولم يأنفوا منها أنفت لهم مني
359 - مجنون آخر
قال لي إبن القصاب الصوفي البغدادي دخلنا جماعة إلى المارستان فرأينا فيه فتى مصابا شديد الهوس فولعنا به وزدنا في الولع فأتعبناه فصاح وقال أنظر إلى شعور مطررة وأجساد معطرة قد جعلوا (2/519)
الولع بضاعة والسخف صناعة جانبوا العلم رأسا فقلنا له تحسن العلم نسألك فقال إي والله إني لأحسن علما جما فسلوني
فقلت له من السخي في الحقيقة فقال الذي رزق أمثالكم وأنتم لا تساوون قوت يوم فضحكنا وقلنا من أقل الناس شكرا قال من عوفي من بلية فرآها في غيره فترك العبرة والشكر إلى الطنز واللهو فكسر قلوبنا بذلك
وقال له آخر ما الظرف قال خلاف ما أنتم عليه ثم بكى وقال يا رب إن لم ترد علي عقلي فرد علي يدي لعلي كنت أصفع واحدا من هؤلاء فتركناه وإنصرفنا (2/520)
ذكر المصطفيات من عابدات بغداد
360 - جوهرة العابدة البراثية
نزلت براشة مع زوجها أبي عبد الله البراثي
حكيم بن جعفر قال كانت جوهرة إمرأة أبي عبد الله البراثي جارية لبعض الملوك فعتقت فخلعت الدنيا ولزمت أبا عبد الله البراثي فتزوج بها وتعبدت
أبو عبد الله البراثي قال قالت لي جوهرة يوما يا أبا عبد الله النساء يحلين في الجنة إذا دخلنها قلت نعم قال فصاحت صيحة غشي عليها فلما أفاقت قلت ما هذا الذي أصابك قالت ذكرت حالي تلك وما كنت قد نلت من الدنيا فخشيت والله حرمان الآخرة
أبو عبد الله البراثي قال رأت جوهرة في منامها خياما مضروبة فقالت لمن ضربت هذه الخيام فقيل للمتهجدين بالقرآن فكانت بعد ذلك لا تنام (2/521)
عن أبي عبد الله البراثي قال كانت جوهرة تنبهني من الليل وتقول يا أبا عبد الله كاروان رفت معناه قد سارت القافلة
حكيم بن جعفر قال كنا نأتي أبا عبد الله بن أبي جعفر الزاهد وكان يسكن براثة وكانت له إمرأة متعبدة يقال لها جوهرة وكان أبو عبد الله يجلس على جلة خوص بحرانية وجوهرة جالسة حذاءه على جلة آخرى مستقبلة القبلة في بيت واحد
قال فأتيناه يوما وهو جالس على الأرض ليست الجلة تحته فقلنا يا أبا عبد الله ما فعلت بالجلة التي كنت تقعد عليها قال إن جوهرة أيقظتني البارحة فقالت أليس يقال في الحديث إن الأرض تقول لإبن آدم تجعل بيني وبينك سترا وأنت غدا في بطني قال قلت نعم قالت فأخرج هذه الجلال لا حاجة لنا فيها فقمت والله فأخرجتها
361 - زوجة أبي شعيب البراثي العابد
الجنيد بن محمد قال كان أبو شعيب البراثي أول من سكن (2/522)
براشا في كوخ يتعبد فيه فمرت بكوخه جارية من بنات الكبار من أبناء الدنيا كانت ربيت في قصور الملوك فنظرت إلى أبي شعيب فاستحسنت حاله وما كان عليه فصارت كالأسير له فعزمت على التجرد من الدنيا والأتصال بأبي شعيب
فجاءت إليه وقالت أريد أن أكون خادمة فقال لها إن أردت ذلك فغيري هيئتك وتجردي عما أنت فيه حتى تصلحي لما أردت فتجردت عن كل ما تملكه ولبست لبسة النساك وحضرته فتزوجها
فلما دخلت الكوخ رأت قطعة خصاف كانت مجلس أبي شعيب تقيه من الندى فقالت ما أنا مقيمة فيه حتى تخرج ما تحتك لأني سمعتك تقول إن الأرض تقول لإبن آدم تجعل اليوم بيني وبينك حجابا وأنت غدا في بطني فما كنت لأجعل بيني وبينها حجابا
فأخذ أبو شعيب الخصاف ورمى بها فمكثت معه سنين كثيرة يتعبدان أحسن عبادة وتوفيا على ذلك متعاونين
قال المؤلف قد ذكرنا عن جوهرة العابدة مثل هذه الحكاية وهذا قد إتفق لهاتين المرأتين فلا نظن أن الحكايتين واحدة (2/523)
362 - أخوات بشر الحافي
وهن ثلاث مضغة ومخة وزبدة بنات الحارث وأكبرهن مضغة
قال السلمي أخوات بشر مخة وزبدة ومضغة
وكانت زبدة تكنى أم علي
وكانت مضغة أخت بشر أكبر منه وماتت قبله وقيل لما ماتت مضغة توجع عليها بشر توجعا شديدا وبكى بكاء كثيرا فقيل له في ذلك فقال قرأت في بعض الكتب أن العبد إذا قصر في خدمة ربه سلبه أنيسه وهذه كانت أنيستي من الدنيا
قال الخطيب وذكر إبراهيم الحربي أن بشرا قال هذا يوم ماتت أخته مخة والله أعلم
أبو عبد الله بن يوسف الجوهري قال سمعت بشر بن الحارث يوم ماتت أخته يقول إن العبد إذا قصر في طاعة الله عز و جل سلبه من يؤنسه
أبو عبد الله القحطبي قال كان لبشر أخت صوامة قوامة
غيلان القصائدي قال قال بشر بن الحارث تعلمت الورع من أختي فإنها كانت تجتهد ألا تأكل ما للمخلوق فيه صنع (2/524)
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال كنت مع أبي يوما من الأيام في المنزل فدق داق الباب فقال لي أخرج فانظر من بالباب فخرجت فإذا إمرأة فقالت لي استأذن لي على أبي عبد الله قال فاستأذنته قال أخلها
قال فدخلت فسلمت عليه وقالت له يا أبا عبد الله أنا إمرأة أغزل بالليل في السراج فربما طفىء السراج فأغزل في القعر فعلي أن أبين غزل القمر من غزل السراج قال فقال لها إن كان عندك بينهما فرق فعليك أن تبيني ذلك قال قالت يا أبا عبد الله أنين المريض شكوى قال أرجو ألا يكون ولكنه اشتكاء إلى الله عز و جل
قال فودعته وخرجت فقال يا بني ما سمعت قط إنسانا يسأل عن مثل هذا إتبع هذه المرأة فانظر أين تدخل قال فاتبعتها فإذا قد دخلت إلى بيت بشر بن الحارث وإذا هي أخته قال فرجعت فقلت له فقال محال أن تكون مثل هذه إلا أخت بشر
قال المصنف قلت هذه المرأة التي سألت أحمد هي مخة وقد نقلت عنها حكاية سميت فيها تشبه هذه الحكاية
عبد الله بن أحمد بن حنبل ببغداد قال جاءت مخة أخت بشر بن الحارث إلى أبي فقالت إني امرأة رأس مالي دانقان أشتري القطن (2/525)
فأغزله وأبيعه بنصف درهم فأتقوت بدانق من الجمعة فمر إبن طاهر الطائف ومعه مشعل فوقف يكلم أصحاب المسالح فاستغنمت ضوء المشعل فغزلت طاقات ثم عاب عني المشعل فعلمت أن لله في مطالبة فخلصني خلصك الله فقال لها تخرجين الدانقين ثم تبقين بلا رأس مال حتى يعوضك الله خيرامنه
قال عبد الله قلت لأبي يا أبه لو قلت لها لو أخرجت الغزل الذي أدرجت فيه الطاقات فقال يا بني سؤالها لا يحتمل هذا التأويل ثم قال من هذه قلت مخة أخت بشر بن الحارث فقال من ها هنا أتيت
قرأت بخط أبي على الراذاني قال كانت مخة من بين أخوات بشر تقصد أحمد بن حنبل وتسأله عن الورع والتقشف وكان أحمد يعجب بمسائلها
السلمي قال قالت زبدة أخت بشر أثقل شيء على العبد الذنوب وأخفه عليه التوبة فما له يدفع أثقل شيء بأخف شيء
363 - إمرأة عبد الله بن الفرج العابد
أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال بلغني أن عبد الله بن الفرج لما مات لم تعلم زوجته إخوانه بموته وهم جلوس بالباب ينتظرون (2/526)
الدخول عليه في علته فغسلته وكفنته في كساء له وأخذت فرد باب من أبواب بيته وجعلته فوقه وشدته بشريط ثم قالت لإخوانه قد مات وقد فرغت من جهازه
فدخلوا واحتملواه إلى قبره وأغلقت الباب خلفهم
364 - ميمونة أخت إبراهيم إبن أحمد الخواص لأمه
كانت تسلك مسلك أخيها إبراهيم في الزهد والتقلل والورع والتوكل
أحمد بن سالم قال دق داق باب إبراهيم الخواص فقالت له أخته من تطلب فقال إبراهيم الخواص فقالت قد خرج فقال متى يرجع فقالت من روحه بيد غيره من يعلم متى يرجع
365 - مؤمنة بنت بهلول
عيسى بن إسحاق الأنصاري قال سمعت مؤمنة بنت بهلول تقول ما النعيم إلا في الأنس بالله والموافقة لتدبيره
366 - أم عيسى بنت إبراهيم الحربي
أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ذكر لي أن أم عيسى بنت إبراهيم الحربي كانت فاضلة عالمة تفتي في الفقه ودفنت إلى جنب أبيها إبراهيم والسلام (2/527)
367 - أمة الواحد بنت القاضي أبي عبد الله الحسين
إبن اسمعيل المحاملي
أبو بكر البرقاني قال كانت بنت المحاملي تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة
أبو الحسن الدارقطني قال أمة الواحد بنت الحسين بن اسمعيل إبن محمد القاضي المحاملي سمعت أباها وإسمعيل بن العباس الوراق وعبد الغافر بن سلامة الحمصي وأبا الحسن المصري وحمزة الهاشمي الإمام وغيرهم
وحفظت القرآن والفقه على مذهب الشافعي والفرائض وحسابها والنحو وغير ذلك من العلوم وكانت فاضلة في نفسها كثيرة الصدقة مسارعة في الخيرات وحدثت وكتب عنها الحديث
وتوفيت في رمضان من سنة سبع وسبعين وثلاثمائة (2/528)
ذكر المصطفيات من العابدات البغداديات المجهولات الأسماء
368 - عابدة
نوح الأسود قال رأيت إمرأة تأتي أبا عبد الله البراثي فتجلس تسمع كلامه ولاتكاد تتكلم ولا تسأل عن شيء فقلت لها ذات يوم لاأراك يرحمك الله تتكلمين ولا تسألين عن شيء فقالت قليل الكلام خير من كثيره إلا ما كان من ذكر الله والمنصت أفهم للموعظة ولن ينصحك إمرؤ لاينصح نفسه وجملة الأمر يا أخي إن أردت الله بطاعة أرادك الله برحمة وإن سلكت سبيل المعرضين فلا تلم إلا نفسك إذا صرت غدا في زمرة الخاسرين
قال ثم استبكت فقامت وسمعتها تعظ إبنها يوما وتقول
ويحك يا بني احذر بطالات الليل والنهار فتنقضي مهلات الأعمار وأنت غير ناظر لنفسك ولا مستعد لسفرك ويحك يا بني مامن الجنة عوض ولا في ركوب المعاصي ثمن من حلول النار ويحك يابني مهد لنفسك قبل أن يحال بينك وبين ذلك وجد قبل أن (2/529)
يجد الأمر بك وإحذر سطوات الدهر وكيد الملعون عند هجوم الدنيا بالفتن وتقلبها بالعبر فعند ذلك يهتم التقي كيف ينجو من مصائبها
ثم قالت بؤسا لك يا بني إن عصيت الله وقد عرفته وعرفت إحسانه وأطعت إبليس وقد عرفته طغيانه
369 - عابدة أخرى
غيلان صاحب السري قال كان لسري تلميذة وكان لها ولد عند المعلم في الكتاب فبعث به المعلم إلى الرحى فنزل الصبي في الماء فغرق
فجاء المعلم إلى سري فأخبره بذلك فقال سري قوموا بنا فمضوا إلى أمه فجلس عندها وتكلم سري في علم الصبر إلى حد ما ثم تكلم عليها في علم الرضا فقالت له يا أستاذي وأي شيء تريد بهذا فقال لها إن إبنك قد غرق فقالت إبني قال لها نعم فقالت إن ربي عز و جل ما فعل هذا ثم عاد سري في كلامه في الصبر فقالت قوموا بنا
فقاموا معها حتى إنتهوا إلى النهر فقالت أين غرق فقالوا ههنا فصاحت إبني محمد فأجابها لبيك يا أماه فنزلت فأخذت بيده ومضت به إلى منزلها (2/530)
قال غيلان فالتفت سري إلى الجنيد وقال أي شيء هذا فقال جنيد أقول بمقال سري قال إن المرأة مراعية لما لله عز و جل عليها وحكم من كان مراعيا لما لله عز و جل عليه ألا تحدث حادثة حتى يعلم بذلك فلما لم تكن حادثة تعلمها بذلك فأنكرت وقالت ربي عز و جل ما فعل هذا
370 - عابدة أخرى
أبو الحسن البحراني صاحب إبراهيم الخواص قال سألت إمرأة من المتعبدات إبراهيم الخواص عن تغير وجدته في قلبها وتغير وجدته في حالها فقال لها عليك بالتفقد فقالت قد تفقدت فما رأيت شيئا فأطرق الخواص ساعة ثم رفع رأسه وقال أما تذكرين ليلة المشعل فقالت بلى فقال هذا التغير من ذلك
فبكت وقالت نعم كنت أغزل فوق السطح فانقطع خيطي فمر مشعل للسلطان فغزلت في ضوئه خيطا ثم أدخلت ذلك الخيط في غزل ونسجت منه قميصا ولبسته
ثم قامت إلى ناحية فنزعت القميص وقالت يا إبراهيم إن أنا (2/531)
بعته وتصدقت بثمنه يرجع قلبي إلى الصفاء فقال إن شاء الله تعالى ذلك
371 - عابدتان بغداديتان
بلغني أنه كان ببغداد رجل بزاز له ثروة فبينا هو في حانوته أقبلت إليه صبية فالتمست منه شيئا تشتريه فبينا هي تحادثه كشفت وجهها في خلال ذلك فتحير وقال قد والله تحيرت مما رأيت فقالت ماجئت لأشتري شيئا إنما لي أيام أتردد إلى السوق ليقع بقلبي رجل أتزوجه وقد وقعت أنت بقلبي ولي مال فهل لك في التزوج بي فقال لها لي إبنة عم وهي زوجتي وقد عاهدتها ألا أغيرها ولي منها ولد فقالت قد رضيت أن تجيء إلي في الأسبوع نوبتين فرضي وقام معها فعقد العقد ومضى إلى منزلها فدخل بها
ثم ذهب إلى منزله فقال لزوجته إن بعض أصدقائي قد سألني أن أكون الليلة عنده ومضى فبات عندها وكان يمضي كل يوم بعد الظهر إليها
فبقي على هذا ثمانية أشهر فأنكرت إبنة عمه أحواله فقالت لجارية لها إذا خرج فانظري أين يمضي فتبعته الجارية فجاء إلى الدكان فلما جاءت الظهر قام وتبعته الجارية وهو لايدري إلى أن دخل بيت تلك المرأة فجاءت الجارية إلى الجيران فسألتهم لمن هذه (2/532)
الدار فقالوا لصبية قد تزوجت برجل تاجر بزاز فعادت إلى سيدتها فأخبرتها فقالت لها إياك أن يعلم بهذا أحد ولم تظهر لزوجها شيئا
فأقام الرجل تمام السنة ثم مرض ومات وخلف ثمانية آلاف دينار فعمدت المرأة التي هي إبنة عمه إلى ما يستحقه الولد من التركة وهو سبعة آلاف دينار فأفردتها وقسمت الألف الباقية نصفين وتركت النصف في كيس وقالت للجارية خذي هذا الكيس وإذهبي إلى بيت المرأة وأعلميها أن الرجل مات وقد خلف ثمانمائة آلاف دينار وقد أخذ الإبن سبعة آلاف بحقه وبقيت ألف فقسمتها بيني وبينك وهذا حقك وسلميه إليها
فمضت الجارية فطرقت عليها الباب ودخلت وأخبرتها خبر الرجل وحدثتها بموته وأعلمتها الحال فبكت وفتحت صندوقها وأخرجت منه رقعة وقالت للجارية عودي إلى سيدتك وسلمي عليها عني وأعلميها أن الرجل طلقني وكتب لي براءة وردي عليها هذا المال فإني ما أستحق في تركته شيئا
فرجعت الجارية فأخبرتها بهذا الحديث
إنتهى ذكر أهل بغداد
إنتهى الجزء الثاني من كتاب صفة الصفوة
ويليه الجزء الثالث وأوله ذكر من اصطفى من أهل المدائن (2/533)
372 - شعيب بن حرب
ويكنى أبا صالح
نزل المدائن واعتزل بها ثم خرج إلى مكة فنزلها إلى أن مات بها
ابن إسماعيل قال ذهبنا إلى المدائن إلى شعيب بن حرب وكان قاعدا على شط دجلة وكان قد بنى كوخا وخبز له معلق في شريط ومطهره يأخذ كل ليلة رغيفا يبله في المطهرة ويأكله فقال بيده هكذا وإنما كان جلدا وعظما قال فقال أترى ههنا بعد لحما والله لأعملن في ذوبانه حتى أدخل القبر وأنا عظام تقعقع أريد السمن للدود والحيات قال فبلغ أحمد بن حنبل قوله فقال شعيب بن حرب حمل على نفسه في الورع
السرى بن المغلس السقطى قال أربعة كانوا في الدنيا أعملو أنفسهم في طلب الحلال ولم يدخلوا أجوافهم إلا الحلال فقيل له من هم قال وهيب بن الورد وشعيب بن حرب ويوسف بن أسباط وسليمان بن الخواص (3/7)
عبد الله بن خبيق قال سمعت شعيب بن حرب يقول أكلت في عشرة ايام أكلة وشربت شربة
ابن عبد العزيز عن شعيب بن حرب قال رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فجئت فقال أوسعوا له فإنه حافظ لكتاب الله عز و جل
إبراهيم بن عبد الملك قال جاء رجل إلى شعيب بن حرب وهو بمكة فقال ما جاء بك قال جئت أؤنسك قال جئت تؤنسني وأنا أعالج الوحدة منذ أربعين سنة
الحسن بن صالح قال سمعت شعيب بن حرب يقول لا تجلس إلا مع أحد رجلين رجل جلست إليه يعلمك خيرا فتقبل منه أو رجل تعلمه خيرا فيقبل منك والثالث اهرب منه
أحمد بن الحوارى قال سمعت شعيب بن حرب يقول لرجل إن دخلت القبر ومعك الإسلام فأبشر
أحمد بن الفضل قال رأيت شعيب بن حرب بمكة وعليه جبة صوف رقيقة نظيفة وعليه إزار خفيف إلى الصفرة وعمامة وهو حاف وقد صفر لحيته على لون ووجهه مصفر وفي كمه دريهمات تكون (3/8)
مقدار ثلاثين درهما وقال ما أصبحت أملك شيئا من الدنيا أستطيبه إلا هذه ورأيته بكى حتى رأيت دموعه تسيل على لحيته
وقال لي شعيب أهدى لي رجل صديق لي سكرة واحدة فأنا أتحلى بها بعد عشائي منذ ثمان ليال
بشر بن الحارث قال نزل على شعيب بن حرب أخ له يقال له عبده فلما نادوا بالنفير خرج عبدة فتبعه شعيب فلما أراد مفارقته قال له شعيب اجعلني في حل قال من أي شيء قال من أجل الأخوة فإني لم أقم بأخوتك
محمد بن عيسى قال سمعت شعيب بن حرب يقول من أراد الدنيا فليتهيأ للذل
عبد الوهاب قال كان ههنا قوم خرجوا الى المدائن إلى شعيب ابن حرب فلما رجعوا إلى دورهم ولقد أقام بعضهم يستقى الماء وكان شعيب يقول لبعضهم الذى يستقي الماء لو رآك سفيان لقرت عينه
قال المروزى وقلت لأبي عبد الله أرويه عنك فأجازه (3/9)
وفي رواية أخرى قال يزيد بن هارون بت عند المستسلم بن سعيد وكان لا يكاد ينام إنما هو قائم وقاعد وذكر أنه لم يضع جنبه منذ أربعين عاما فظننت أنه يعنى بالليل فقيل ولا بالنهار
376 - هشيم بن بشير بن أبي خازم
واسم أبي خازم القاسم بن دينار ويكنى هشيم أبا معاوية السلمى مولى لبني سليم
قال أبو إسحاق الحربى كان هشيم رجلا كان أبوه صاحب صحناة وكواميخ يقال له بشير وطلب ابنه هشيم الحديث فاشتهاه وكان أبوه يمنعه فكتب الحديث حتى جالس أبا شيبة القاضي وكان يناظر أبا شيبة في الفقه فمرض هشيم فقال أبو شيبة ما فعل ذلك الفتى الذي كان يجىء إلينا قالوا عليل فقال قوموا بنا حتى نعوذه فقام أهل المجلس جميعا يعودونه حتى صاروا إلى منزل بشير فدخلوا إلى هشيم فجاء رجل إلى بشير ويده في الصحناة فقال الحق إبنك قد جاء القاضي يعوده فجاء بشير والقاضي في داره فلما خرج قال لإبنه يا بني قد كنت أمنعك من طلب الحديث فأما اليوم فلا صار القاضي يجىء إلى بابي متى أملت هذا (3/15)
قال الحربى وكان حافظ الحديث أربعة هشيم شيخهم يزعمون أنه مارئي له إلا دفتر واحد
عبد الله بن أحمد قال سمعت أبي يقول لزمت هشيما أربع سنين أو خمس سنين ماسألته عن شىء هيبة إلا مرتين قال لي وكان هشيم كثير التسبيح بين الحديث يقول بين ذلك لا إله إلا الله يمد بها صوته
محمد بن حاتم المؤدب قال قيل لهشيم كم كنت تحفظ يا أبا معاوية قال كنت أحفظ في مجلس مائة ولو سئلت عنها بعد شهر لأجبت
نصر بن بسام وغيره من أصحابنا قالوا أتينا أبا محفوظ معروفا الكرخى فقال لنا رأيت النبي صلى الله عليه و سلم في النوم وهو يقول لهشيم يا هشيم جزاك الله عن أمتى خيرا قال ابن بسام فقلت يا أبا محفوظ أنت رأيته قال نعم هشيم خير مما نظن هشيم خير مما نظن رضى الله عن هشيم
عمرو بن عون قال مكث هشيم يصلى الفجر بوضوء عشاء الآخرة قبل أن يموت عشر سنين (3/16)
قال المؤلف سمع هشيم من عمرو بن دينار والزهري ويونس ابن عبيد وأيوب السختياني وابن عون وخالد الحذاء ومنصور ابن زاذان في خلق كثير
وروى عنه مالك بن أنس وسفيان الثورى وشعبة وابن المبارك ويزيد بن هارون في جماعة من الكبار وانتقل عن واسط إلى بغداد فسكنها إلى أن مات بها وكان أبوه بشير طباخ الحجاج ابن يوسف كان يعمل الكواميخ والصحناة
ومات هشيم في يوم الأربعاء لعشر مضين من شعبان من سنة ثلاث وثمانين ومائة
377 - يزيد بن هارون
يكنى أبا خالد مولى لبنى سليم وقيل أصله من بخارى
على بن المديني قال ما رأيت رجلا قط أحفظ من يزيد ابن هارون
قال أبو جعفر أحمد بن سنان ما رأيت عالما قط أحسن صلاة من يزيد بن هارون يقوم كأنه أسطوانة وكان يصلى بين المغرب والعشاء والظهر والعصر لم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار هو وهشيم جميعا معروفان بطول الصلاة بالليل والنهار (3/17)
عاصم بن علي قال كان يزيد بن هارون إذا صلى العتمة لا يزال قائما حتى يصلى الغداة بذلك الوضوء نيفا واربعين سنة
أبو جعفر محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة قال قال رجل ليزيد ابن هارون كم حزبك فقال وأنام من الليل شيئا إذا لا أنام الله عيني
محمد بن الربيع بن الحكم قال سمعت يزيد بن هارون يقول من طلب الرئاسة في غير أوانها حرمه الله إياها في أوانها
الحسن بن عرفة قال رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو أحسن الناس عينين ثم رأيته بعين واحدة ثم رأيته وقد ذهبت عيناه فقلت يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان فقال ذهب بهما بكاء الأسحار
أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان فقال أحدهما يا أبا عبدالله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له يا أبا خالد ما فعل الله بك قال غفر لى وشفعنى وعاتبني قال قلت غفر لك وشفعك قد عرفت ففيم عاتبك قال قال لي يا يزيد أتحدث عن حريز بن عثمان قال قلت يا رب ما علمت إلا خيرا قال يا يزيد إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب (3/18)
قال وقال الآخر وأنا رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له هل أتاك منكر ونكير قال إى والله وسألاني من ربك وما دينك ومن نبيك قال قلت ألمثلي يقال هذا وأنا أعلم الناس هذا في دار الدنيا فقال لي صدقت فنم نومة العروس لا بؤس عليك
حوثرة بن محمد المقرى قال رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته بأربع ليال فقلت ما فعل الله بك قال تقبل مني الحسنات وتجاوز عن السيئات ووهب لي التبعات قلت وما كان بعد ذلك قال هل يكون من الكريم إلا الكرم غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة قلت بم نلت قال بمجالس الذكر وقول الحق وصدقى في الحديث وطول قيامي في الصلاة وصبري على الفقر
قلت منكر ونكير حق قال إي والله والله والذي لا إله إلا هو لقد أقعداني وسألاني من ربك وما دينك ومن نبيك فجعلت أنفض لحيتي البيضاء من التراب فقلت مثلى يسأل أنا يزيد ابن هارون الواسطى وكنت في دار الدنيا ستين سنة أعلم الناس فقال أحدهما صدق هو يزيد بن هارون نم نومة العروس ولا روعة عليك بعد اليوم قال أحدهما أكنت تكتب عن حريز (3/19)
ابن عثمان قلت نعم وكان ثقة في الحديث قال ثقة ولكنه كان يبغض عليا أبغضه الله تعالى
قال المؤلف أسند يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد الأنصاري وسليمان التميمي وعاصم الأحول وحميد الطويل وداود بن أبي هند وعبدالله بن عون وحسين المعلم في خلق كثير وكان مولده ثمان عشرة ومائة وتوفي في سنة ست ومائتين وهو ابن سبع أو ثمان وثمانين سنة
انتهى ذكر أهل واسط (3/20)
ذكر المصطفين من أهل الكوفة من التابعين ومن بعدهم فمن الطبقة الأولى
378 - سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر
يكنى أبا أمية رحل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فوصل إلى المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فصحب أبا بكر وعمر وعثمان وعليا
وروى عنه الشعبي أنه قال أنا أصغر من رسول الله صلى الله عليه و سلم بسنة
عن عمران بن مسلم قال كان سويد بن غفلة إذا قيل له أعطى فلان وولى فلان قال حسبى كسرتي وملحي
عن عثمان بن عمران قال قال سويد بن غفلة لو استطعت أن أكون مؤذن الحي لفعلت
عن خيثم عن سويد بن غفلة قال إذا أراد الله أن ينسى أهل النار جعل لكل واحد منهما تابوتا من نار على قدره ثم أقفل عليهم (3/21)
بأقفال من نار فلا يضرب فيهم عرق إلا وفيه مسمار من نار ثم يجعل ذلك التابوت في تابوت آخر من نار ثم يقفل عليه بأقفال من نار ثم تضرم بينهما نار ثم يجعل ذلك في تابوت آخر من نار ثم يقفل بأقفال من نار ثم تضرم نار فلا يرى أحد منهم أن في النار غيره
عن سويد بن غفلة قال إن الملائكة تمشى أمام الجنازة وتقول ما قدم ويقول الناس ما ترك
عن الوليد بن علي عن أبيه قال كان سويد بن غفلة يؤمنا في شهر رمضان في القيام وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة
عن عاصم قال تزوج سويد بن غفلة وهو ابن ستة عشرة ومائة سنة وكان يمشى يأتى الجمعة ماشيا
حنش بن الحارث قال رأيت سويد بن غفلة يمر بنا في المسجد إلى امرأة له من بنى أسد وهو ابن سبع وعشرين ومائة سنة
عن عاصم بن كليب قال تزوج سويد بن غفلة بكرا وهو ابن ست عشرة ومائة سنة وكان يمر بنا إلى الجمعة يمشى وهو ابن ست عشرة ومائة
قال المؤلف أسند سويد عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وبلال وغيرهم (3/22)
قال محمد بن سعد مات سويد ابن ثمان وعشرين ومائة سنة في إحدى أو ثنتين وثمانين
379 - الأسود بن يزيد بن قيس ابن عبدالله
يكنى أبا عمرو وهو ابن أخى علقمة بن قيس وهو أكبر من علقمة
عن منصور بن إبراهيم قال كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين وكان ينام بين المغرب والعشاء وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال
عن أبي إسحاق قال حج الأسود ثمانين من بين حج وعمرة
عن عبدالرحمن بن تروان الأودى قال كان الأسود بن يزيد يجهد نفسه في الصوم والعبادة حتى يخضر جسده ويصفر وكان علقمة يقول له ويحك لم تعذب هذا الجسد فيقول إن الأمر جد إن الأمر جد
عن علقمة بن مرثد قال انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم الأسود بن زيد وكان يجتهد في العبادة ويصوم حتى يصفر (3/23)
ويخضر فلما احتضر بكى فقيل له ما هذا الجزع فقال لا أجزع ومن أحق بذلك مني والله لو أتيت بالمغفرة من الله عز و جل لأهمني الحياء منه بما قد صنعت إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنبالصغير فيعفو عنه ولا يزال مستحيا منه قال لقد حج الأسود ثمانين حجة
حنش بن الحارث قال رأيت الأسود وقد ذهبت إحدى عينيه من الصوم
عمارة قال ما كان الأسود إلا راهبا من الرهبان
عن الحكم قال كان الأسود يصوم الدهر
أسند الأسود عن أبي بكر وعلى وابن مسعود ومعاذ وأبى موسى وسلمان وعائشة ولم يورد عن عثمان شيئا وتوفى بالكوفة في سنة خمس وسبعين
380 - مسروق بن الأجدع بن مالك أبو عائشة الهمداني
سرق وهو صغير ثم وجد فسمى مسروقا وأسلم أبوه الأجدع ولقى مسروقا عمر بن الخطاب فقال له ما اسمك فقال مسروق بن الأجدع فقال الأجدع شيطان أنت مسروق بن عبد الرحمن فثبت ذلك عليه (3/24)
عن مسروق قال بحسب المؤمن من الجهل أن يعجب بعمله وبحسب المؤمن من العلم أن يخشى الله
عن مسروق قال إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله عز و جل
عن اسماعيل بن أمية قال قيل لمسروق لو أنك قصرت عن بعض ما تصنع أي من العبادة فقال والله لو أتاني آت فأخبرني أن الله لا يعذبني لاجتهدت في العبادة قيل وكيف ذلك قال حتى تعذرني نفسي إن دخلت جهنم لا ألومها أما بلغك في قوله عز و جل ولا أقسم بالنفس اللوامة إنما لاموا أنفسهم حين صاروا إلى جهنم واعتقبتهم الزبانية وحيل بينهم وبين ما يشتهون وانقطعت عنهم الأماني ورفعت عنهم الرحمة وأقبل كل امرىء منهم يلوم نفسه
عن أبي اسحاق قال حج مسروق فلم ينم إلا ساجدا على وجهه حتى رجع
عن أنس وابن سيرين أن امرأة مسروق قالت كان يصلى حتى تورم قدماه فربما جلست خلفه أبكى مما أراه يصنع بنفسه
عن ابراهيم قال كان مسروق يرخى الستر بينه وبين أهله ثم يقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم (3/25)
عن مسلم وغيره عن مسروق قال إني أحسن ما أكون ظنا حين يقول الخادم ليس في البيت تفيز ولا درهم
عن مسلم عن مسروق قال إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكر ذنوبه يستغفر منها
عن علقمة بن مرثد قال انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين منهم مسروق بن الأجدع فإن امرأته قالت ما كان يوجد إلا وساقاه قد انتفختا من طول الصلاة فلما احتضر بكى فقيل له ما هذا الجزع قال مالى لا أجزع وإنما هي ساعة ولا أدرى أين يسلك بي بين يدي طريقان لا أدرى إلى الجنة أم إلى النار
عن الشعبي قال غشى على مسروق في يوم صائف وهو صائم فقالت له ابنته أفطر قال ما أردت بي قالت الرفق قال يا بنية إنما أطلب الرفق لنفسي في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة
أسند مسروق عن عمر وعلي وابن مسعود وخباب وزيد بن ثابت والمغيرة وعبدالله بن عمرو وعائشة ولم يسند عن عثمان شيئا ولكنه قد رآه ورأى أبا بكر أيضا وكان على بن المديني يقول لا أقدم على مسروق أحدا من أصحاب ابن مسعود ومات مسروق بالكوفة في سنة ثلاث وستين والسلام (3/26)
381 - علقمة بن قيس بن عبدالله ابن مالك النخغى
يكنى أبا شبل هو عم الأسود بن يزيد وخال ابراهيم التيمي
قال أبو ظبيان أدركت ما شاء الله من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يسألون علقمة ويستفتونه
عن ابراهيم عن علقمة قال كان عبدالله يشبه النبي صلى الله عليه و سلم في هديه ودله وسمته وكان علقمة يشبه بعبد الله
قال مرة بن شراحيل كان علقمة من الربانيين
عن ابراهيم قال كان علقمة يختم القرآن في كل خمس
عن المسيب بن رافع قال قيل لعلقمة لو جلست فأقرأت الناس القرآن وحدثتهم قال أكره أن توطأ عقبى وأن يقال هذا علقمة وكان يكون في بيته يعلف غنمه ويقت لهن
عن مالك بن الحارث قال قيل لعلقمة ألا تخرج فتحدث الناس قال أخرج يتبعون عقبي ويقولون هذا علقمة قالوا أفلا تدخل على السلطان فتنتفع قال إني لا أصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من ديني مثله (3/27)
ولا تؤذنوا بي أحدا وأغلقوا الباب ولا تتبعني امرأة ولا تتبعوني بنار وإن استطعتم أن يكون آخر كلامي لا إله إلا الله
قال المؤلف أسند علقمة عن عمر وعثمان وعلى وابن مسعود وحذيفة وأبى موسى وخباب بن الأرت وسلمان وأبى مسعود وعائشة وتوفي بالكوفة سنة إحدى وستين وقيل سنة اثنتين وستين وقيل ثلاث وستين وقيل اثنتين وسبعين وقيل ثلاث وسبعين وله تسعون سنة رحمه الله
382 - شقيق بن سلمة الأسدى يكنى أبا وائل
عن عاصم أن أبا وائل كان له خص من قصب وكان يكون فيه هو وفرسه فاذا غزا نقضه وتصدق به وإذا رجع أنشأ بناءه
عن عاصم قال ما رأيت أبا وائل يلتفت في صلاة ولا في غيرها قط
عن ابراهيم قال ما من قرية إلا وفيها من يدفع عن أهلها به وإني لأرجو أن يكون أبو وائل منهم
سعيد بن صالح قال رأيت أبا وائل يسمع النوح ويبكى (3/28)
عن الأعمش عن أبي وائل قال إن أهل بيت يضعون على مائدتهم رغيفا حلالا لأهل بيت غرباء
عن مغيرة قال كان إبراهيم التيمي يذكر في منزل أبي وائل فكان أبو وائل ينتفض انتفاض الطير
عن عاصم قال كان أبو وائل إذا خلا يسبح ولو جعلت له الدنيا على أن يفعل ذلك وأحد يراه لم يفعل
عمرو بن قيس قال كان شقيق بن سلمة يدخل المسجد يصلى ثم ينشج كما تنشج المرأة
عن عاصم بن أبي النجود قال كان عطاء أبي وائل ألفين فإذا خرج أمسك ما يكفي أهله سنة وتصدق بما سوى ذلك
عن عاصم قال سمعت شقيق بن سلمة يقول وهو ساجد رب اغفر لي رب اعف عني إن تعف عني تعف عني تطولا من فضلك وإن تعذبني تعذبني غير ظالم لي قال ثم يبكى حتى اسمع نحيبه من وراء المسجد (3/29)
قال المؤلف أدرك أبو وائل زمان رسولا الله صلى الله عليه و سلم ولم يلقه وسمع عن عمر وعثمان وعلى وعبدالله بن مسعود وعمارة وخبابوأبى موسى وأسامة بن زيد وحذيفة وابن عمر وأبي مسعود وسلمان وأبي الدرداء والبراء والمغيرة بن شعبة وأبى هريرة وجرير وكعب ابن عجرة وسهل بن حنيف وقيس بن أبي غرزة وابن عباس وابن الزبير وعائشة وأم سلمة
قال سعيد بن صالح كان أبو وائل يؤم جنائزنا وهو ابن مائة وخمسين سنة قال الفضل بن دكين توفى أبو وائل في زمن الحجاج بعد الجماجم
383 - زيد بن وهب الجهني
أحد بني حسل بن نصر بن مالك يكنى أبا سليمان
عبدالله بن داود قال خبرتنا مولاة لزيد بن وهب قالت كان زيد قد أثر الرحل بوجهه من الحج والعمرة
قال المصنف رحل يزيد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبض رسول صلى الله عليه و سلم وزيد في الطريق
وروى عن عمر وعلى وابن مسعود وكبار الصحابة وتوفى بعد الجماجم (3/30)
384 - يزيد بن شريك التميمي وهو أبو إبراهيم
عن ليث بن أبي سليم عن إبراهيم التميمي عنأبيه قال قدمت البصرة فربحت فيها عشرين ألفا فما أكثرت بها فرحا وماأريد أن أعود إليها لأني سمعت أبا ذر يقول إن صاحب الدرهم يوم القيامة أخف من صاحب الدرهمين
عن الأعمش عن إبراهيم التميمي عن أبيه أنه خرج إلى البصرة فاشترى رقيقا بأربعة آلاف ثم باعهم فربح أربعة آلاف فقلت يا أبة لو أنك عدت إلى البصرة فاشتريت مثل هؤلاء فربحت فيهم فقال يا بني لم تقول هذا فوالله ما فرحت بها حين أصبتها ولا أحدث نفسى أن أرجع فاصيب مثلها
روى يزيد عن عمر وعلى وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود في خلق كثير
385 - زر بن حبيش الأسدى يكنى أبا مريم
عن عاصم بن أبي النجود قال أدركت أقواما كانوا يتخذون هذا الليل جملا منهم زر وأبو وائل (3/31)
عن سويد الكلبي أن زر بن حبيش كتب إلى عبد الملك بن مروان كتابا يعظه فيه فكان في آخر كتابه ولا يطمعنك يا أمير المؤمنين في طول الحياة ما يظهر من صحة بدنك فأنت أعلم بنفسك واذكر ما تكلم به الأولون
إذا الرجال ولدت أولادها ... وبليت من كبر أجسادها
وجعلت أسقامها تعتادها ... فذلك زروع قد دنا حصادها
فلما قرأ الكتاب بكى حتى بل طرف ثوبه ثم قال صدق زر ولو كتب إلينا بغير هذا كان أرفق
عن إسماعيل بن أبي خالد قال افتض زر بن حبيش جارية وهو ابن عشرين ومائة سنة
قال المؤلف أسند زر عن عمر وعلي وابن عوف وابن مسعود وأبى بن كعب وحذيفة وصفوان بن عسال وتوفى وهو ابن اثنتين وعشرين ومائة
386 - عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة
عن زيد سمعت أبا وائل يقول ما رأيت همدانيا أحب إلى أن أكون في مسلاخه من أبي ميسرة قيل ولا مسروق قال ولا مسروق
عن فضيل بن غزوان عن امرأة عمر بن شرحبيل قالت كان (3/32)
عمرو إذا آوى إلى فراشه قال وددت أني لم أك شيئا قط
قال المؤلف أسند عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وخباب بن الأرت وغيرهما والسلام
387 - عبد الله بن أبي الهذيل يكنى أبا المغيرة
عن أبي فروة كنا نجالس عبدالله بن أبي الهذيل فإذا جاء إنسان فألقى حديثا من حديث الناس قال يا عبدالله ليس لهذا جلسنا
عن خالد أبي سنان قال شكا عبدالله بن أبي الهذيل يوما من ذنوبه فقال له رجل يا أبا المغيرة أو لست التقي النقى فقال اللهم إن عبدك هذا أراد أن يتقرب إلي وإني أشهدك على مقته
عن العوام بن حوشب عن ابن أبي الهذيل قال لقد شغلت النار من يعقل عن ذكر الجنة
عن العوام بن حوشب قال ما رأيت ابن أبي الهذيل إلا وكأنه مذعور
قال المؤلف أسند عبدالله بن أبي الهذيل عن أبي بكر وعمر وعلي وعبدالله بن مسعود إلا أنه أرسل الحديث عنهم وسمع من عمار وخباب بن الأرت وعبدالله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وجرير وابن عباس وعبد الرحمن بن أبزى (3/33)
388 - مرة بن شراحيل الهمداني
ويقال له مرة الطبيب سمى بذلك لعبادته
حصين قال أتينا مرة بن شراحيل الطبيب نسأل عنه فقالوا إنه في غرفة له قد تعبد اثنتي عشرة سنة فدخلنا عليه
عن زبيد اليامي قال كان مرة الهمداني يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة
عن عطاء بن السائب قال كان مرة يصلى كل يوم وليلة الف ركعة فلما ثقل وبدن صلى أربعمائة ركعة وكنت أنظر إلى مباركه كأنها مبارك الابل
العلاء بن عبد الكريم الأيامي قال كنا نأتى مرة الهمداني فيخرج الينا فنرى أثر السجود في جبهته وكفيه وركبتيه وقدميه فيجلس معنا هنية ثم يقوم قائما فإنما هو ركوع وسجود
قال المؤلف أسند مرة عن أبي بكر وعمر وعلى وابن مسعود وغيرهم
الحارث الغنوي قال سجد مرة الهمداني حتى أكل التراب جبهته فلما مات رآه رجل من أهله في منامه كأن موضع سجوده كهيئة الكوكب الدرى يلمع قال فقلت له ما هذا الذي أرى بوجهك قال كسى موضع السجود بأكل التراب له نورا قال فما منزلتك في الآخرة قال خير منزلة دار لا ينقل عنها أهلها ولا يموتون (3/34)
389 - عمرو بن ميمون الأودى
عن أبي إسحاق قال كان عمرو بن ميمون إذا دخل المسجد فرئي ذكر الله عز و جل
عن أبي اسحاق ان عمرو بن ميمون حج مائة حجة وعمرة كذا رواه اسرائيل ورواه شعبة عن أبي اسحاق أنه حج ستين حجة وعمرة
قال أبو المليح قال عمرو بن ميمون ما يسرني أن أمرى يوم القيامة إلى أبوى
قال المصنف أسند عمرو عن عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي أيوب وأبي مسعود عقبة بن عمرو وعبدالله بن عمرو وأبي هريرة وابن عباس وآخرين
توفي سنة أربع أو خمس وسبعين في أول خلافة عبدالملك
390 - همام بن الحارث النخعي
عن إبراهيم عن همام بن الحارث أنه كان يدعو اللهم اشفني من النوم باليسير وارزقني سهرا في طاعتك وكان لا ينام إلا هنية وهو قاعد
عن إبراهيم قال أصبح همام مترجلا فقال بعض القوم إن جمة (3/35)
همام لتخبركم أنه لم يتوسدها الليلة
عن الأعمش قال كانوا يأتون همام بن الحارث يتعلمون في هديه وسمته
قال المؤلف أسند همام عن عمر وابن مسعود وحذيفة وأبي مسعود وأبي الدرداء وعدى بن حاتم وجرير وعائشة وتوفى بالكوفة في ولاية الحجاج
391 - ربعي بن حراش
بن جحش الغطفاني
عبدالله العجلى قال حدثني أبي قال إن ربعي بن حراش لم يكذب كذبة قط وكان له إبنان عاصيان على الحجاج فقيل للحجاج إن أباهما لم يكذب كذبة قط لو أرسلت إليه فسألته عنهما قال أين ابناك قال هما في البيت قال قد عفونا عنهما بصدقك
عن الحارث الغنوى قال آلى ربعي بن حراش أن لا يضحك حتي يعلم في الجنة هو أو في النار
قال الحارث الغنوى فلقد أخبرني غاسله أنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا من غسله (3/36)
قال المؤلف أسند ربعى عن عمر وعلى وحذيفة وأبي بكر وعمران بن حصين قال أبو نعيم الفضل بن دكين وتوفي سنة إحدى ومائة وقال المدائني سنة أربع ومائة وكذلك قال يحيى ابن معين
392 - أخو ربعى بن حراش ولم يسم لنا
عن عبدالملك بن عمير عن ربعى بن حراش قال كنا أخوة ثلاثة وكان أعبدنا وأصومنا وأفضلنا الأوسط منا فغبت غيبة إلى السواد ثم قدمت على أهلى فقالوا أدرك أخاك فإنه في الموت فخرجت أسعى إليه فانتهيت إليه وقد قضى وسجى بثوب فقعدت عند رأسه أبكيه فرفع يده فكشف الثوب عن وجهه وقال السلام عليكم قلت أي أخى أحياة بعد موت قال نعم إني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان ورب غير غضبان وأنه كساني ثيابا خضرامن سندس وإستبرق وإني وجدت الأمر أيسر مما تحسبون ثلاثا وإني لقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقسم أن لا أبرح حتى آتيه فعجلوا جهازي ثم طفيء فكأنه أسرع من حصاة لو ألقيت في ماء (3/37)
393 - زياد بن حدير الأسدى يكنى أبا المغيرة وقيل أبا عبد الرحمن
عن حفص بن حميد قال كان الرجل يأتى زياد بن حدير فيقول له إني أريد رستاق كذا وكذا فيقول له اقطع طريقك بذكر الله
عن أبي صخرة عن زياد بن حدير قال وددت أني في حيز من حديد معي فيه ما يصلحني لا أكلم الناس ولا يكلموني حتى ألقى الله
روى زياد عن علي وعمر وابن مسعود
394 - شريح بن الحارث بن قيس القاضي يكنى أبا أمية ولاه عمر الكوفة
عن ابن عون عن إبراهيم عن شريح قال سيعلم الظالمون حظ من نقصوا إن الظالم ينتظر العقاب والمظلوم ينتظر النصر
عن ابن سيرين قال سمعت شريحا يحلف بالله ما ترك عبد شيئا لله فوجد فقده
قال ابن سيرين ولا أرى شريحا حلف إلا على علم
عن الأعمش قال اشتكى شريح رجله فطلاها بالعسل وجلس في الشمس فدخل عليه عواده فقالوا كيف تجدك قال صالحا (3/38)
فقالوا ألا أريتها الطبيب فقال قد فعلت فقالوا فما قال لك قال وعدا خيرا
عن إبراهيم عن شريح أنه قضى على رجل باعترافه فقال يا أبا أمية قضيت علي بغير بينة فقال أخبرني ابن اخت خالك
عن ميسرة عن شريح أنه افتقد إبنا له فبعث في طلبه فقال لطالبه أين أصبته فقال كان يهارش بالكلاب فقال صليت قال لا فقال للرسول اذهب به إلىالمؤدب وقال
ترك الصلاة لأكلب يسعى لها ... طلب الهراش مع الغواة النجس
فإذا أتاك فعضه بملامة ... وعظنه موعظة الأديب الكيس
وإذا هممت بضربه فبدرة ... وإذا ضربت بها ثلاثا فاحبس (3/39)
واعلم بأنك ما أتيت فنفسه ... مع ما يجرعني أعز الأنفس
عن عامر أن إبنا لشريح قال لأبيه بيني وبين قوم خصومة فانظر فإن كان الحق لي خاصمتهم وإن لم يكن لي الحق لم أخاصمهم فقص قصته عليه فقال انطلق فخاصمهم فانطلق إليهم فخاصمهم إليه فقضى على إبنه فقال له لما رجع إلى أهله والله لو لم أتقدم إليك لم ألمك فضحتني فقال والله يا بني لأنت أحب إلي من ملء الأرض مثلهم ولكن الله هو أعز على منك أن أخبرك أن القضاء عليك فتصالحهم فتذهب ببعض حقهم
عن الشعبي قال شهدت شريحا وجاءته امرأة تخاصم رجلا فأرسلت عينيها وبكت فقلت يا أبا أمية ما أظنها إلا مظلومة فقال يا شعبي إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون
عن الأعمش قال سمعتهم يذكرون عن شريح أنه رأى جيرانا له يجولون فقال ما لكم قالوا فرغنا اليوم فقال ما بهذا أمر الفارغ (3/40)
عن أبي حيان التيمي قال أنا أبي قال كان شريح إذا مات لأهله سنور أمر بها فألقيت في جوف داره ولم يكن لها مثعب شارع إلا في جوف داره اتقاء لأذى المسلمين
قال أبو نعيم خرج شريح من عند زياد فلقيه رجل فقال كبرت سنك ورق عظمك وارتشى ابنك قال فرجع إليه فأخبره فقال من قال لك قال لا أعرفه فأعفني قال لا أعفيك حتى تشير على برجل فأشار عليه بأبى بردة فولاه القضاء
قال المؤلف أسند شريح عن عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وغيرهما وتوفى سنة ست وسبعين وقيل ثمان وسبعين وقد بلغ مائة وثمان سنين (3/41)
395 - شبيك بن عوف بن أبي حية
أبو الطفيل الأحمسي من بجيلة أدرك الجاهلية
عن إسماعيل بن أبي خالد عن شبيل بن عوف قال ما اغبرت رجلاي في طلب دينا قط
قال المؤلف شبيل من عمر بن الخطاب وزيد بن أرقم وغيرهما
396 - سويد بن شعبة اليربوعي
من بني تميم وكان من الذين اختطوا بالكوفة أيام عمر بن الخطاب
عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال دخلت على سويد بن شعبة وكان من أصحاب الخطط الذين خط لهم عمر بن الخطاب بالكوفة فاذا هو منكب على وجهه مسجى بثوب فلولا أن امرأته قالت أهلى فداؤك ما نطعمك ما نسقيك ما ظننت أن تحت الثوب شيئا فلما رآني قال يا بن أخي دبرت الحراقف والصلب فما من ضجعة غير ما ترى والله ما أحب أني نقصت منه قلامة ظفر
قال الأصمعي الحرقفة مجتمع رأس الورك ورأس الفخذين (3/42)
397 - معضد بن يزيد العجلى
يكنى أبا ذر
عن بلال بن سعد عن معضد قال لولا ثلاث ظمأ الهواجر وطول ليل الشتاء ولذاذة التهجد بكتاب الله عز و جل ما بالبيت أن أكون يعسوبا
عن إبراهيم عن همام قال انتهيت إلى معضد وهو ساجد فأتيته وهو يقول اللهم اشفني من النوم باليسير ثم مضى في صلاته
قال المؤلف لم يحفظ لمعضد حديث مسند وإنما كان مشغولا بالتعبد
398 - أويس بن عامر بن جرير بن مالك القرني
وقال علقمة بن مرثد أويس بن أنيس وقيل أويس بن الحليس
عن أسير بن جابر قال كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد أهل اليمن سألهم هل فيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال أنت أويس بن عامر قال نعم
قال من مراد ثم قرن قال نعم قال كان بف برص فبرأت (3/43)
منه إلا موضع درهم قال نعم قال لك والدة قال نعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
يأتي عليكم أويس بن عامر مع امداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بار لو أقسم على الله عز و جل لأبره فان استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستفعر لي فاستغفر له
فقال عمر رضي الله عنه وC أين تريد قال الكوفة فقال ألا أكتب لك إلى عاملها فيستوصى بك قال لأن أكون في غبر الناس أحب إلي
قال فلما كان من العام المقبل حج رجل من اشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس كيف تركته قال تركته رث الهيئة قليل المتاع فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يأتي عليك أويس بن عامر مع امداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله عز و جل لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل
فلما قدم الكوفة أتى أويسا فقال استغفر لي فقال أنت أحدث (3/44)
عهدا بسفر صالح فاستغفر لي لقيت عمر قال نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه
قال أسير وكسوته بردا فكان إذا رآه انسان عليه قال من أين لأويس هذا البرد انفرد باخراج هذا الحديث مسلم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله عز و جل يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء الشعثة رؤوسهم المغبرة وجوههم الخمصة بطونهم الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا وإن غابوا لم يفتقدوا وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم وإن مرضوا لم يعادوا وإن ماتوا لم يشهدوا
قالوا يا رسول الله كيف لنا برجل منهم قال ذاك أويس القرني قالوا وما أويس القرني قال أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين المنكبين معتدل القامة آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلى صدره رام ببصره إلى موضع سجوده واضع يمينه على شماله يتلو القرآن يبكى على نفسه ذو طمرين لا يؤبه له متزر بازار صوف ورداء صوف مجهول في أهل الأرض معروف في السماء لو أقسم على الله لأبر قسمه ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء ألا وإنه (3/45)
إذ كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلو الجنة ويقال لأويس قف فاشفع فيشفعه الله عز و جل في مثل ربيعة ومضر يا عمر يا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما
قال فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه فما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر قام على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته يا أهل الحجيج من اليمن أفيكم أويس فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال إنا لا ندري ما أويس ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكرا وأقل مالا وأهون أمرا من أن نرفعه اليك وإنه ليرعى إبلنا حقير بين أظهرنا فعمى عليه عمر كأنه لا يريده وقال بن أخيك هذا أبحر منا هو قال نعم قال أين يصاب قال اأراك عرفات
قال فركب عمر وعلى سراعا إلى عرفات فإذا هو قائم يصلى إلى شجرة والأبل حوله ترعى فشدا خماريهما ثم أقبلا إليه فقالا السلام عليك ورحمة الله فخفف أويس الصلاة ثم قال السلام عليكما ورحمة الله قالا من الرجل قال راعى ابل وأجير قوم قالا لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الاجارة ما اسمك قال عبدالله قالا قد علمنا أن أهل السموات والأرض كلهم عبيد الله ما اسمك الذي سمتك أمك قال يا هذان ما تريدان إلي قالا وصف لنا محمد (3/46)
صلى الله عليه و سلم أويسا القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا فإن كانت بك فأنت هو فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه وقالا نشهد أنك أويس القرني فاستغفر لنا يغفر الله لك قال ما أخص باستغفارى نفسي ولا أحدا من ولد آدم ولكنه في البر و البحر من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يا هذان قد شهر الله لكما حالى وعرفكما أمرى فمن أنتما قال علي عليه السلام أما هذا فعمر أمير المؤمنين وأما أنا فعلى بن أبي طالب فاستوى أويس قائما وقال السلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته وأنت يا علي بن أبي طالب فجزاكما الله عن هذه الأمة خيرا قالا وأنت فجزاك الله عن نفسك خيرا فقال له عمر مكانك يرحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي هذا المكان ميعاد بيني وبينك قال ميعاد بيني وبينك لا أراك بعد اليوم فعرفني ماأصنع بالنفقة وما أصنع بالكسوة أما ترى على إزارا من صوف ورداء من صوف متى تراني أخرقهما أو ترى أن نعلي مخصوفتان متى تراني أبليهما إني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم فمتى تراني آكلها ياأمير المؤمنين (3/47)
إن بين يدي ويديك عقبة كؤودا لا يجاوزها إلا ضامر مخف مهزول فأخفف رحمك الله
فلما سمع عمر ذلك ضرب بدرته الأرض ثم نادى بأعلى صوته ألا ليت عمر لم تلده أمه ياليتها كانت عاقرا لم تعالج حملها ألا من يأخذها بما فيها ولها ثم قال يا أمير المؤمنين خذ أنت هاهنا حتى آخذ أنا هاهنا فولى عمر ناحية مكة وساق أويس إبله فوافى القوم بإبلهم وخلى عن الرعاية وأقبل على العبادة حتى لحق بالله عز و جل
عن علقمة بن مرثد قال انتهى الزهد إلى ثمانية منهم أويس القرني ظن أهله أنه مجنون فبنوا له بيتا على باب دارهم فكانت تأتى عليه السنة والسنون لا يرون له وجها وكان طعامه مما يلتقط من النوى فإذا أمسى باعه لإفطاره فإن اصاب حشفة حبسها لإفطاره
فلما ولى عمر بن الخطاب قال بالموسم أيها الناس قوموا فقاموا فقال اجلسوا إلا من كان من اليمين فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من مراد فجلسوا فقال اجلسوا إلا من كان من قرن فجلسوا إلا رجلا وكان عم أويس القرنى فقال له عمر أقرنى أنت قال نعم قال أتعرف أويسا قال وما تسأل عن ذلك يا أمير المؤمنين (3/48)
ابن عون عن ابراهيم قال إن كانوا ليكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن حديثه أو قال أحسن ما عنده
عن مغيرة عن إبراهيم قال كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى صلاته وإلى هدية وإلى سمته
عن أبي هاشم الرماني عن إبراهيم قال لا يستقيم راى إلا براوية ولا رواية إلا برأي
عن منصور عن إبراهيم قال إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يدك منه
سفيان عن الاعمش قال جهدنا بإبراهيم أن يستند إلى سارية فأبى علينا
عن الأعمش قال كان إبراهيم يتوقى الشهرة وكان لا يجلس إلى أسطوانة وكان يجلس مع القوم فيجىء الرجل فيوسع له فإذا اضطره المجلس إلى أسطوانة قام
عن مغيرة قال كنا نهاب إبراهيم كما نهاب الأمير
عن زبيد قال ما سألت إبراهيم عن شيء إلا عرفت منه الكراهية
عن أبي الحصين قال سألت إبراهيم عن شيء فقال ما وجدت أحدا تسأله فيما بيني وبينك غيري (3/88)
أبو بكر قال سألت الأعمش أخبرني عن أكثر من رأيت عند إبراهيم قط قال أربعة أو خمسة
عن مغيرة قال كان رجل على حال حسنة فأحدث حدثا أو أذنب ذنبا فرفضه أصحابه ونبذوه فبلغ إبراهيم فقال مه تداركوه وعظوه ولا تدعوه
عن الأعمش عن إبراهيم قال إني لأرى الشيء مما يعاب فما يمنعني من عيبه إلا مخافة أن أبتلى به
عن إبراهيم بن مهاجر عنإبراهيم قال كانوا يستحبون المريض أن يجهد عند الموت
عن منصور عن إبراهيم أنه قال كان يستحبون شدة النزع
عن عمران الخياط قال دخلنا على إبراهيم النخعى نعوده وهو يبكى فقلنا له ما يبكيك أبا عمران قال أنتظر ملك الموت لا أدري يبشرني بالجنة أم بالنار
عن شعيب بن الحبحاب قال كنت ممن صلى على إبراهيم النخعى ليلا ودفن في زمان الحجاج ثم أصبحت فغدوت فقال دفنتم ذلك الرجل الليلة قلت نعم قال دفنتم أفقه الناس قلت ومن الحسن فقال أفقه من الحسن ومنأهل البصرة وأهل الكوفة وأهل الشام وأهل الحجاز
وقال المؤلف أدرك إبراهيم النخعي جماعة من الصحابة منهم (3/89)
أبو سعيد الخدري وعائشة وعامة ما يروى عن التابعين كعلقمة ومسروق والأسود
وتوفي سنة خمس وتسعين وقيل ست وتسعين بالكوفة وهو ابن تسع وأربعين سنة وقيل ابن نيف وخمسين سنة
ابن عون قال مات إبراهيم وهو ما بين الخمسين إلى الستين
413 - إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي
يكني أبا أسماء الأعمش قال كان إبراهيم التيمي إذا سجد تجىء العصافير متنقر على ظهره كأنه جذم حائط
الأعمش قال لإبراهيم التيمي بلغني أنك تمكث شهرا لا تأكل شيئا قال نعم وشهرين ما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلي فأكلتها ثم لفظتها فقلت للأعمش أصدقته فقال إبراهيم بن يزيد التيمي يريد أنه صدق
عن أبي حيان عن إبراهيم التيمي قال ما عرضت عملي على قولي إلا خشيت أن أكون مكذبا
سفيان قال قال التيمي كم بينكم وبين القوم أقبلت عليهم الدنيا فهربوا وأدبرت عنكم فاتبعوها
العوام بن حوشب قال ما رأيت رجلا قط خيرا من إبراهيم (3/90)
التيمي رافعا بصره إلى السماء في صلاة ولا في غيرها وسمعته يقول إن الرجل ليظلمني فارحمه
عن العوام بن حوشب قال ما رأيت إبراهم التيمي رافعا رأسه في الصلاة ولا في غيرها ولا سمعته يخوض في شيء من أمر الدنيا قط
عن بكير أو ابي بكير عن أبي إبراهيم التيمى قال ينبغي لمن لا يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار لأن أهل الجنة قالوا الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن وينبغي لمن لا يشفق أن يخاف أن لا يكون من اهل الجنة لأنهم قالوا إنا كنا في أهلنا مشفقين
العوام بن حوشب عن أبيه عن إبراهيم التيمي قال أعظم الذنب عند الله عز و جل أن يحدث العبد بما ستر الله عليه
سفيان بن عيينة قال قال إبراهيم التيمي مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها ثم مثلت نفسي في ا لنار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج سلاسلها وأغلالها فقلت لنفسي أي شيء تريدين قالت أريد أن (3/91)
أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قال قلت فأنت في الأمنية فأعملي
قال المؤلف أسند إبراهيم التيمي عن أبيه والحارث بن سويد في آخرين وتوفي في حبس الحجاج في سنة اثنتين وتسعين
على بن محمد قال كان سبب حبس إبراهيم التيمي أن الحجاج طلب إبراهيم النخعي فجاء الذي طلبه فقال أريد إبراهيم فقال إبراهيم التيمي أنا إبراهيم فأخذه وهو يعلم أنه إبراهيم النخعي فلم يستحل أن يدله عليه فجاء به الحجاج فأمر بحبسه في الديماس ولم يكن لهم ظل من الشمس ولا كن من البرد وكان كل اثنين في سلسلة فتغير إبراهيم فجاءته أمه في الحبس فلم تعرفه حتى كلمها فمات في السجن فرأى الحجاج في منامه قائلا يقول مات في هذه الليلة رجل من أهل الجنة فلما اصبح قال هل مات الليلة أحد بواسط قالوا نعم إبراهيم التيمى مات في السجن فقال حلم نزغة من نزغات الشيطان فأمر به فألقى على الكناسة
414 - خيثمة بن عبدالرحمن ابن أبي سبرة
واسمه يزيد بن مالك الجعفي عن الأعمش قال ورث خيثمة بن عبدالرحمن مائتي ألف درهم فأنفقها على القراء والفقهاء (3/92)
الأعمش قال كان خيثمة يصنع الخبيص والطعام الطيب ثم يدعو إبراهيم يعني النخعي ويدعونا معه فيقول كلوا ما أشتهيه ماأصنعه إلا من أجلكم
الأعمش قال ربما دخلنا على خيثمة فيخرج السلة من تحت السرير فيها الخبيص والفالوذج فيقول ما أشتهيه كلوا أما إني ما جعلته إلا لكم وكان موسرا وكان يصر الدراهم فإذا الرجل من اصحابه مخرق القميص أو الرداء أو به خلة تحينه فإذا خرج من الباب خرج هو من باب آخر حتى يلقاه فيعطيه فيقول اشتر قميصا اشتر رداء اشتر حاجة كذا
عن طلحة قال خيثمة كان يعجبهم أن يموت الرجل عند خير يعمله إما حج وإما عمرة وإما غزاة وإما صيام رمضان
عن الأعمش قال نفست امرأة المسيب بن رافع وهو غائب فاشترى لها خيثمة خادما بستمائة
عن الحكم عن خيثمة قال إذا طلبت شيئا فوجدته فاسأل الله الجنة فلعله يكون يومك الذي يستجاب فيه (3/93)
عن الأعمش عن خيثمة قال تقول الملائكة يا رب عبدك المؤمن تزوى عنه الدنيا وتعرضه للبلاء قال فيقول للملائكة اكشفوا لهم عن ثوابه قالوا يا رب لا يضره ما أصابه في الدنيا قال ويقولون عبدك الكافر تزوى عنه البلاء وتبسط له الدنيا قال فيقول للملائكة اكشفوا لهم عن عقابه قال فإذا رأوا عقابه قالوا يا رب لا ينفعه ماأصابه من الدينا
قال المؤلف وقد روى هذا الكلام عن خيثمة عن عبدالله ابن العاصي عن النبي صلى الله عليه و سلم إلا أن الصحيح أنه من قول خيثمة
عن محمد بن خالد الضبي قال لم نكن ندري كيف يقرأ خيثمة القرآن حتى مرض فثقل فجاءته امرأة فجلست بين يديه فبكت فقال لها ما يبكيك الموت لا بد منه فقالت له المرأة الرجال بعدك علي حرام فقال لها خيثمة ما كل هذا أردت منك إنما كنت أخاف رجلا واحدا وهو اخي محمد بن عبدالرحمن و هو رجل فاسق يتناول الشراب فكرهت أن يشرب في بيتي الشراب بعد إذ القرآن يتلى فيه كل ثلاث
عن سفيان عن رجل عن خيثمة أنه أوصى أن يدفن في مقبرة فقراء قومه
قال المصنف أدرك خيثمة علي بن أبي طالب عليه السلام وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمرو وعدي بن حاتم والنعمان ابن بشير في جماعة من الصحابة ومات قبل أبي وائل (3/94)
415 - عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد
أبو جعفر النخعي كان يدخل على عائشة محمد بن إسحاق قال قدم علينا عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد حاجا فاعتلت إحدى قدميه فقام يصلي حتى اصبح على قدم واحدة قال وصلى الفجر بوضوء العشاء قال وقدم علينا ليث بن أبي سليم فصنع مثلها
416 - القاسم بن مخيمرة الهمداني
كوفي الأصل ثم نزل الشام سعيد بن عبدالملك قال قال القاسم ابن مخيمرة ما اجتمع على مائدتي لونان من طعام واحد ولاأغلقت باب ولي خلفه هم
قال القاسم وأتيت عمر بن عبد العزيز فقضى عني سبعين دينارا وحملني على بغلة وفرض لي في كل سنة خمسين فقلت أغنني عن التجارة فسألني عن حديث فقلت هيبتي يا أمير المؤمنين كأنه كره أن يحدثه به على هذا الوجه
عن الأوزاعي عن القاسم أنه كره صيد الطير أيام فراخه
روى القاسم عن عبدالله بن عمرو بن العاص وأسند عن خلق من التابعين وتوفى في خلافة عمر بن عبدالعزيز (3/95)
ومن الطبقة الثالثة
417 - طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب
يكنى أبا عبدالله وقيل أبا محمد وكان قارىء أهل الكوفة يقرؤون عليه القرآن فلما رأى كثرتهم عليه كره ذلك فمشى إلى الأعمش وقرأ عليه فمال الناس إلى الأعمش وتركوا طلحة
سفيان قال قال الاعمش ما رأيت مثل طلحة إن كنت قائما فقعدت قطع القراءة وإن كنت محتبيا فحللت حبوتي قطع القراءة مخافة أن يكون أملني
ابن أبي غنية قال حدثني شيخ عمن حدثته قالت أرسل إلي طلحة بن مصرف إني أريد أن أوتد في حائطك وتدا فأرسلت إليه نعم قالت ودخلت خادمنا منزل طلحة تقتبس نارا وطلحة يصلى فقالت لها امرأته مكانك يا فلانة حتى نشوى لأبي محمد هذا القديد على قصبتك يفطر عليه فلما قضى صلاته قال ما صنعت لا أذوقه حتى ترسل إلى سيدتها لحبسك إياها وشوائك على قصبتها
عن حريش بن سليم قال كان طلحة بن مصرف يقول في دعائه اللهم اغفر لي رئائي وسمعتي (3/96)
عبد الصمد بن يزيد قال سمعت الفضيل بن عياض يقول بلغني عن طلحة أنه ضحك يوما فوثب على نفسه فقال فيم الضحك إنما يضحك من قطع الأهوال وجاز الصراط ثم قال آليت أن لا أفتر ضاحكا حتى أعلم بم تقع الواقعة فما رئي ضاحكا حتى صار إلى الله عز و جل
عن ليث قال كنت أمشى مع طلحة فقال لو علمت أنك أسن مني بليلة ماتقدمتك
عن عبدالملك بن هانىء قال خطب زبيد إلى طلحة ابنته فقال إنها قبيحة قال قد رضيت قال إن بعقبها أثرا قال قد رضيت
عبدالرحمن بن عبدالملك بن الحر عن أبيه قال ما رأيت طلحة بن مصرف في ملأ إلا رأيت له الفضل عليهم
الصلت بن بسطام قال حدثني رجل من تيم الله وكان قد جالس الشعبي وإبراهيم قال ما رأيت أحدا أملك للسانه من طلحة ابن مصرف
حريش بن سليم قال سألت زبيدا من أعجب من أدركت إليك قال ماأدركت أحدا أعجب إلي من طلحة
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال يعجبني أخلاق طلحة بن مصرف وزيد وقد جرحتهما
عن محمد بن فضيل عن أبيه قال دخلنا على طلحة بن مصرف (3/97)
نعوده فقال له أبو كعب شفاك الله فقال أستخير الله
عن ليث قال حدثت طلحة في مرضه الذي مات فيه أن طاوسا كان يكره الأنين فما سمع طلحة يئن حتى مات رحمه الله
قال المؤلف أدرك طلحة جماعة من الصحابة وسمع من أنس وعبدالله بن أبي أوفى وعبدالله بن الزبير وكان قد خرج من قراء الكوفة إلى الجماجم أيام الحج وتوفى بعد ذلك سنة اثنتي عشرة ومائة
418 - زبيد بن الحارث اليامي
يكني أبا عبدالرحمن ويقال أبا عبدالله الأشعث بن عبدالرحمن ابن زبيد عن أبيه قال كان زبيد قد قسم علينا الليل أثلاثا ثلثا عليه وثلثا علي وثلثا على أخي فكان زبيد يقوم ثلثه ثم يضربني برجله فإذا رأى مني كسلا قال نم يا بني فأنا أقوم عنك ثم يجىء إلى أخي فيضربه برجله فإذا رأى منه كسلا قال نم يا بني فأنا أقوم عنك قال فيقوم حتى يصبح
قال الأشج وحدثني المحاربي عن سفيان قال دخلنا على زبيد نعوده فقلنا شفاك الله فقال أستخير الله سفيان قال كان زبيد إذا كانت الليلة مطيرة أخذ شعلة من النار (3/98)
فطاف علي عجائز الحي فقال أوكف عليكم بيت أتريدون نارا فإذا أصبح طاف على عجائز الحي فقال ألكم في السوق حاجة أتريدون شيئا
قال وكيع وحدثني أبي قال كنت جالسا مع زبيد فأتاه رجل ضرير يريد أن يسأله فقال له زبيد إن كنت تريد أن تسأل عن شيء فإن معي غيري
محمد بن الحسين قال حدثني سليمان بن أيوب عن بعض أشياخه قال قام زبيد اليامي ذات ليلة ليتهجد قال فعمد إلى مطهرة له قد كان يتوضأ منها فغمس يده في المطهرة فوجد الماء باردا شديدا كاد يجمد من شدة برده فذكر الزمهرير ويده في المطهرة فلم يخرجها منها حتى أصبح فجاءت الجارية وهي على تلك الحال فقالت ما شأنك يا سيدي لم تصل الليلة كما كنت تصلي وأنت قاعد هاهنا على هذه الحال قال ويحك أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد على برد الماء فذكرت به الزمهرير فوالله ما شعرت بشدة برد يدي حتى وقفت علي فانظري لاتحدثي بها أحدا ما دمت حيا قال فما علم بذلك أحد حتى مات
أنبأ سفيان بن زبيد قال يسرني أن يكون لي في كل شيء نية حتى في الأكل والنوم (3/99)
قال سعيد بن جبير لو خيرت عبدا ألقى الله في مسلاخه اخترت زبيدا الأيامي
المنذر أبو عبدالله من أهل الكوفة قال قال لي محمد بن سوقة لو رأيت طلحة وزبيدا لعلمت أن وجوههما قد أخلقها سهر الليل وطول القيام وكانا والله ممن لا يتوسد الفراش
قال المؤلف أدرك زبيد اليامي جماعة من الصحابة منهم أبن عمر وأنس وتوفي في سنة اثنتين وعشرين ومائة وقيل في سنة ثلاث وعشرين في أولها
حنبل قال سمعت أبا نعيم يقول مات زبيد سنة اثنين وعشرين ومائة وكان طلحة أكبر من زبيد بعشر سنين واستوفى زبيد عشر سنين قبل أن يموت
419 - عون بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود الهذلي
مطرف بن معقل الشقري قال سمعت عون بن عبدالله يقول ذاكر الله في غفلة الناس كمثل الفئة المنهزمة يحميها الرجل لولا ذلك الرجل هزمت الفئة ولولا من يذكر الله في غفلة الناس هلك الناس
سفيان قال قال عون بن عبدالله صحبت الأغنياء فلم يكن (3/100)
أحد أطول غما مني أن رأيت أحدا أحسن ثيابا مني وأطيب ريحا مني فصحبت الفقراء فاسترحت
عن مسعود قال قال عون بن عبدالله كفى بك من الكبر أن ترى لك فضلا على من هو دونك
عن أبي هارون قال كان يحدثنا وللحيته رش بالدموع
عن المسعودى قال عون بن عبدالله ما أحسب أحدا تفرغلعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه
وقال عون جالسوا التوابين فإنهم أرق الناس قلوبا
مطرف بن معقل الشقرى قال حدثني عون بن عبدالله قال الدنيا والآخرة في قلب ابن آدم ككفتى الميزان ترجح إحداهما بالأخرى وما تحاب رجلان في الله إلا كان أفضلهما أشدهما حبا لصاحبه
المسعودى قال قال عون بن عبد الله إن من كان قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم وإنكم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم
عن عون قال إن الله ليكره عبده على البلاء كما يكره أهل المريض مريضهم وأهل الصبى صبيهم على الدواء ويقولون إشرب هذا فإن لك في عاقبته خيرا
عن المسعودى عن فرعون قال كان رجل يجالس قوما فترك (3/101)
مجالستهم فأتى في منامه فقيل له تركت مجالستهم لقد غفر لهم بعدك سبعين مرة
المسعودى عن عون بن عبدالله أنه كان يقول في بكائه وذكر خطيئته ويح نفسي بأي شيء لم أعص ربي ويحي إنما عصيته بنعمته عندي ويحى من خطيئة ذهبت شهوتها وبقيت تبعتها عندي ويحي كيف أنسى الموت ولا ينساني ويحي إن حجبت يوم القيامة عن ربي ويحي كيف أغفل ولا يغفل عني أم كيف تهنئني معيشتي واليوم الثقيل ورائي أم كيف لا تطول حسرتي ولا أدري ما يفعل بي أم كيف يشتد حبي لدار ليست بداري أم كيف أجمع بها وفي غيرها قراري أم كيف تعظم فيها رغبتي والقليل فيها يكفيني أم كيف أوثرها وقد أضرت بمن آثرها قبلي أم كيف لا أبادر بعملي قبل أن يغلق باب توبتي أم كيف يشتد إعجابي بما يزايلني وينقطع عني أم كيف لا يكثر بكائي ولا أدري ما يراد بي أم كيف تقر عيني مع ذكر ما سلف مني أم كيف تطيب نفسي مع ذكر ما هو أمامي ويحي هل ضرت غفلتي أحدا سواي ام هل يعمل لي غيري إن ضيعت حظي ويحي كأنه قد تصرم أجلي ثم أعاد ربي خلقي كما بدأني ثم وقفني وسألني ثم أشهدت الأمر الذي أذهلني وشغلت بنفسي من غيري وسارت الجبال وليس لها مثل خطيئتي وجمع (3/102)
الشمس والقمر وليس عليهما مثل حسابي وانكدرت النجوم وليست تطلب بما عندي وحشرت الوحوش ولم تعمل مثل عملي وشاب الوليد وهو أقل ذنبا مني ويحي ما أشد حالي وأعظم خطري فاغفر لي واجعل طاعتك همتي ولا تعرض عني يوم تعرض ولا تفضحني بسرائري ولا تخذلني بكثرة فضائحي بأي عين أنظر إليك وقد علمت سرائري وكيف أعتذر إليك إذا ختمت على لساني ونطقت جوارحي بكل الذي كان منى إلهي أنا الذي ذكرت ذنوبي لم تقر عيني أنا تائب إليك فاقبل ذلك مني ولا تجعلني لنار جهنم وقودا بعد توحيدي وإيماني برحمتك
المسعودي عن عون بن عبدالله قال ما أحد ينزل الموت حق منزلته إلا عد غدا ليس من أجله كم من مستقبل يوما لا يستكمله وراج غدا لا يبلغه لو تنظرون إلى الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره
عن ابن عجلان عن عون بن عبدالله قال إن من تمام التقوى أن تبتغى إلى ما قد علمت منها علم ما لم تعلم وإن النقص فيما قد علمت ترك ابتغاء الزيادة فيه و إنما يحمل الرجل على ترك ابتغاء الزيادة قلة الانتفاع بما قد علم
عن زيد العمى عن عون بن عبدالله قال كان أهل الخير يكتب بعضهم إلى بعض بهؤلاء الكلمات الثلاث ويلقى بها بعضهم بعضا (3/103)
من عمل لآخرته كفاه الله عز و جل دنياه ومن أصلح ما بينه وبين الناس أصلح الله ما بينه وبين الناس ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته
أبو المحجل الأسدى قال قال عون بن عبدالله قلب التائب بمنزلة الزجاجة يؤثر فيها جميع ما اصابها فالموعظة إلى قلوبهم سريعة وهم إلى الرقة أقرب فداووا القلوب بالتوبة فلرب تائب دعته توبته إلى الجنة حتى أوفدته عليها وجالسوا التوابين فإن رحمة الله إلى التوابين أقرب
عن أبي معشر قال رأيت عون بن عبدالله في مجلس أبي حازم يبكى ويمسح وجهه بدموعه فقيل له لم تمسح وجهك بدموعك قال بلغني أنه لا تصيب دموع الإنسان مكانا من جسده إلا حرم الله عز و جل ذلك المكان على النار
قال المؤلف أدرك عون بن عبدالله جماعة من الصحابة وسمع من ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وجمهور روايته عن أبيه
420 - ابو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعى
ولد في ولاية عثمان عن مغيرة قال كنت إذا رأيت أبا إسحاق ذكرت به الصدر الأول
أبو بكر بن عياش قال سمعت أبا إسحاق السبيعى يقول ذهبت (3/104)
الصلاة مني وضعفت ورق عظمي إني اليوم أقوم في الصلاة فما أقرأ إلا البقرة وآل عمران
العلاء بن سام العبدي قال ضعف أبو إسحاق عن القيام فكان لا يقدر أن يقوم إلى الصلاة حتى يقام فإذا أقاموه فاستتم قائما قرأ الف آية وهو قائم
سفيان قال كان أبو إسحاق يقوم ليل الصيف كله وأما الشتاء فأوله وآخره وبين ذلك هجعة
عن سفيان قال قال أبو إسحاق أما أنا فإذا استيقظت لم أقلها
قال المؤلف أدرك أبو إسحاق خلقا كثيرا من الصحابة وأسند عن ثلاثة وعشرين منهم وسمع من علي بن أبي طالب وسعيد بن زيد وابن عمر وأسامة وابن الزبير وانفرد بالرواية عن ثلاثة من الصحابة لم يرو عنهم غيره أحدهم عبدة بن حزن ويقال عبيدة ويقال بشر ويقال نصر والثاني كدير الضبي والثالث مطر ابن عكامس فهؤلاء الثلاثة عدهم جماعة من أهل العلم في الصحابة وأبى قوم أن يكون لهم صحبة
وتوفى أبو إسحاق في سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل تسع وعشرين وهو ابن ثمان أو تسع وتسعين سنة (3/105)
421 - عمرو بن مرة الجملي من مراد
قراد قال سمعت شعبة يقول ما رأيت بالكوفة شيخا خيرا من زبيد الايامي وما رأيت عمرو بن مرة في صلاته إلا ظننت أنه لا ينصرف حتى يستجاب له
سفيان قال قلت لمعمر من أفضل من رأيت قال ما يخيل إلي أني رأيت أحدا أفضله على عمرو بن مرة ما رأيته قط يدعو إلا قلت يستجاب له
عن العلاء بن المسيب عن عمرو بن مرة قال من طلب الآخرة أضر بالدنيا ومن طلب الدنيا أضر بالآخرة فأضروا بالفاني للباقي
سعيد بن سنان قال قال عمرو بن مرة ما أحب أني بصير إني أذكر أني نظرت نظرة وأنا شاب
عن أبي سنان عن عمرو بن مرة قال نظرت إلى امرأة فأعجبتني فكف بصرى فأرجو أن يكون ذلك كفارة
سلام بن سليم قال كنت أقرأ على عمرو بن مرة فكنت أسمعه كثيرا يقول اللهم اجعلني ممن يعقل عنك
مسعر قال سمعت عبدالملك بن ميسرة يقول ونحن في جنازة عمرو ابن مرة إني لأحسبه خير أهل الأرض (3/106)
قال المصنف أسند عمرو عن عبدالله بن أبي أوفى وعن خلق من كبار التابعين وتوفى سنة ست عشرة ومائة وقيل سنة ثمان عشرة
422 - حبيب بن أبي ثابت الأسدى
مولى لبني كاهل واسم أبي ثابت قيس بن دينار
أبو بكر بن عياش قال رأيت حبيب بن أبي ثابت ساجدا فلو رأيته قلت ميت يعني من طول السجود
عن كامل أبي العلاء قال أنفق حبيب بن أبي ثابت على القراء مائة ألف
سفيان قال قال حبيب بن أبى ثابت ما استقرضت من أحد شيئا أحب إلي من نفسي أقول لها أمهلي حتى تجىء من حيث أحب
قال المؤلف أسند حبيب عن ابن عمر وابن عباس وجابر وحكيم ابن حزام وأنس بن مالك وابن أبي أوفى في آخرين وتوفى سنة تسع عشرة ومائة
423 - مجمع بن يسار أبو حمزة التيمي
أبو الربيع الواسطى قال سمعت حفص بن غياث يقول دخل سفيان الثورى على مجمع التيمى فإذا في إزار سفيان خرق قال (3/107)
فأخذ أربعة دراهم فناول سفيان فقال اشتر به إزارا فقال سفيان لا أحتاج إليها قال مجمع صدقت أنت لا تحتاج ولكني أحتاج قال فأخذها فاشترى بها إزارا فكان سفيان يقول كسائي مجمع جزاه الله خيرا
وقال سفيان ليس شيء من عمل أرجو أن يشوبه شيء كحبى مجمعا التيمى
سفيان قال حلف لنا أبو حيان التيمى ما مر من عمله شيء أوثق في نفسه من حبه مجمعا التيمى
أبو بكر بن عياش قال رأيت مجمعا التيمى في سوق الغنم فقالوا له كيف شاتك هذه قال ما أرضاها قال ابو بكر ومن كان أروع من مجمع
سفيان قال قال مسعر جاء مجمع بشاة إلى السوق يبيعها فقال يخيل إلي أن في لبنها ملوحة
عن الأعمش عن مجمع أنه نزل عليه ضيف فما سأله من أين جئت وما جاء بك حتى خرج من عنده
قال المؤلف لا نعلم مجمعا أسند سيئا إلا أنه قد روى عن ماهان الزاهد وروى عنه أبو حيان التيمى وسفيان الثورى
وقال أبو حاتم الرازي دعا مجمع ربه عز و جل أن يميته قبل الفتنة مات من ليلته وخرج زيد بن علي من الغد (3/108)
424 - الربيع بن أبي راشد
ويكنى أبا عبدالله عمر بن ذر قال كنت إذا رأيت الربيع بن أبي راشد كأنه مخمار من غير شراب
عن خلف بن حوشب قال كنت مع الربيع بن أبي راشد في الجبانة فقرأ رجل يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث الآية فقال الربيع حال ذكر الموت بيني وبين كثير مما أريد من التجارة فلو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لخشيت أن يفسد علي قلبي ولولا أن أخالف من كان قبلي لكانت الجبانة مسكني إلى أن أموت
عن خلف بن حوشب قال قال الربيع بن أبي راشد اقرأ على يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فقرأتها عليه فبكى ثم قال والله لولا ان تكون بدعة لسحت أو قال لهمت في الجبال
عمر بن ذر قال قال الربيع بن أبي راشد ورأى رجلا مريضا يتصدق بصدقة فقسمها بين جيرانه فقال الهدايا أمام الزيارة فلم يلبث الرجل إلا أياما حتى مات فبكى عند ذلك الربيع وقال أحسن والله بالموت وعلم أنه لا ينفعه من ماله إلا ما قدم بين يديه
عن مالك بن مغول قال قال الربيع بن أبي راشد لولا ما يأمل (3/109)
المؤمنون من كرامة الله عز و جل لهم بعد الموت لانشقت في الدنيا مرائرهم ولتقطعت أجوافهم
عن سفيان قال لم يكون بالكوفة رجل أكثر ذكرا للموت من الربيع بن أبي راشد إن كان الربيع من الموت لعلى حذر
قال المؤلف أسند الربيع عن منذر الثورى وسمع من سعيد ابن جبير وفي حديثه قلة
425 - عبدة بن أبي لبابة
مولى قريش يكنى أبا القاسم الأوزاعى عن عبدة قال إن أقرب الناس من الرثاء آمنهم له
وعن عبيدة قال إذا ختم الرجل القرآن نهارا صلت عليه الملائكة حتى يمسى وإذا ختم القرآن ليلا صلت عليه الملائكة حتى يصبح
عقبة بن علقمة قال سمعت الأوزاعى يقول كان عبدة إذا كان في المسجد لم يذكر شيئا من أمن الدنيا
قال المؤلف أدرك عبدة عبدالله بن عمر وسمع منه
426 - محمد بن جحادة الأودى مولى لبنى أود
عن سفيان قال كان محمد بن جحادة من العابدين وكان يقال (3/110)
إنه لا ينام من الليل إلا أيسره
قال فرأيت امرأة من جيرانه كأن حللا فرقت على أهل مسجدهم فلما انتهى الذي يفرقها إلى محمد بن جحادة دعا بسفط مختوم فأخرج منه حلة صفراء قالت فلم يقم لها بصري فكساه إياها وقال له هذه لك بطول السهر قالت تلك المرأة فوالله لقد كنت أراه بعد ذلك فإخالها عليه
روى محمد بن جحادة عن أبي صالح وروى عنه الثورى (3/111)
ومن الطبقة الرابعة
427 - منصور بن المعتمر السلمى
يكنى أبا عثاب عن زائدة بن قدامة قال صام منصور بن المعتمر أربعين سنة قام ليلها وصام نهارها ةكان اليل يبكى فتقول له أمه يا بني أقتلت قتيلا فيقول أنا أعلم بما صنعت بنفسى قال فإذا أصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه وخرج إلى الناس فأخذه يوسف بن عمر عامل الكوفة يريده على القضاء فامتنع قال فجاءه خصمان فقعدا بين يديه فلم يسألهما ولم يكلمهما وقيل ليوسف بن عمر إنك لو نثرت لحمه لم يل لك قضاء فخلى عنه
قال المؤلف هكذا في هذه الرواية صام أربعين سنة وفي رواية أخرى عن زائدة صام سنة وفي رواية صام ستين سنة
أبو عوانة قال لما أجلس منصور بن المعتمر في القضاء كان يأتيه الرجل فيقص عليه فيقول قد فهمت ما قلت ولا أدرى ما الجواب فيه فكان يفعل ذلك فذكروا ذلك لابن هبيرة وكان هو الذى ولاه قال هذا أمر لا يصلح إلا ان يعين عليه صاحبه بشهوة فتركه (3/112)
أبو بكر بن عياش قال ربما كنت مع منصور في منزله جالسا فتصيح به أمه وكانت فظة غليظة فتقول يا منصور يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى عليه وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها
حسن بن صالح قال كان منصور في الديوان فقال له إنسان ناولني الطين أختم به قال أرني كتابك حتى أنظر أي شيء فيه
العلاء بن سالم العبدى قال كان منصور يعنى ابن المعتمر يصلي في سطحه فلما مات قال غلام لأمه يا أماه الجذع الذي كان في سطح آل فلان ليس أراه قالت يا بني ليس ذاك بجذع ذاك منصور قد مات
أبو بشر قال كانت جارة لمنصور بن المعتمر وكان لها ابنتان لاتصعدان السطح إلا بعد ما ينام الناس فقالت إحداهما ذات ليلة يا أمتاه ما فعلت القائمة التي كنت أراها في سطح فلان فقالت يا بنية لم تكن تلك قائمة إنما كان منصور يحيى الليل كله في ركعة لا يسجد فيها ولا يركع
قال أبو الأحوص إن منصور بن المعتمر كان إذا جاء الليل اتزر وارتدى إن كان صيفا وإن كان شتاء التحف فوق ثيابه ثم قام إلى (3/113)
محرابه كأنه خشبة منصوبة حتى يصبح
زائدة بن قدامة قال كان منصور بن المعتمر إذا رأيته قلت رجل قد أصيب بمصيبة منكس الطرف منخفض الصوت رطب العينين إن حركته جاءت عيناه بأربع ولقد قالت له أمه يوما ما هذا الذي تصنع بنفسك تبكى الليل عامته لا تكاد تسكت لعلك يا بني أصبت نفسا لعلك قتلت قتيلا قال فيقول يا أماه أنا أعلم ما صنعت بنفسي
عن سفيان قال كانوا يقولون في ذلك الزمان إن أطول أهل الكوفة تهجدا طلحة وزبيد وعبد الجبار بن وائل
قال الحميدي فقلت فمنصور قال نعم إنما كان الليل عنده مطية من المطايا متى شئت أصبته قد ارتحله
سفيان بن عيينة وذكر منصور بن المعتمر فقال قد كان عمش من البكاء
عن الثورى قال لو رأيت منصورا يصلى لقلت يموت الساعة
خلف بن تميم قال سمعت أبي تميم بن مالك يقول كان منصور ابن المعتمر إذا صلى الغداة أظهر النشاط لأصحابه فيحدثهم ويكثر إليهم ولعله إنما بات قائما على أطرافه كل ذلك ليخفى عليهم العمل
عن أبي عمار قال سمعت عطاء بن جبلة يقول سألوا أم منصور (3/114)
ابن المعتمر عن عمله فقالت كان ثلث الليل يقرأ وثلثه يبكى وثلثه يدعو
جرير قال صام منصور وقام فكان يأكل فيرى الطعام في مجراه
ابن عيينة قال رأيت منصور بن المعتمر في المنام فقلت ما فعل الله بك قال كدت ألقى بعمل نبي
قال سفيان إن منصورا صام ستين سنة يقوم ليلها ويصوم نهارها
قال المؤلف أدرك منصور بن المعتمر أنس بن مالك وروى عنه ورأى ابن أبي أوفى وروى عن جماعة من التابعين كالأعمش وسليمان التميمي وأيوب السختياني وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين ومائة
428 - ضرار بن مرة الشيباني
يكنى أبا سنان شهاب الدين بن عباد قال قال أصحابنا كان البكاؤون بالكوفة أربعة ضرار بن مرة وعبدالملك بن أبجر ومحمد بن سوقة ومطرف بن طريف وكان ضرار قد حفر قبره قبل موته بخمس عشرة سنة فكان يأتيه فيختم فيه القرآن
محمد بن فضيل قال كان ضرار حفر في بيته قبرا كان يتعبد فيه
المحاربى قال كان ضرار بن مرة ومحمد بن سوقة إذا كان يوم (3/115)
الجمعة طلب كل واحد منهما صاحبه فإذا اجتمعا جلسا يبكيان
عبدالله بن الأجلح قال كان ضرار بن مرة يقول لنا لا تجيئوني جماعة ولكن ليجىء الرجل وحده فإنكم إذا اجتمعتم تحدثتم وإذا كان الرجل وحده لم يخل من أن يدرس جزأه أو يذكر ربه
أبو سنان قال قال إبليس إذا استمكنت من ابن آدم ثلاثا أصبت منه حاجتي إذا نسي ذنوبه واستكثر عمله وأعجب برأيه
قال المصنف أسند ضرار عن سعيد بن جبير وغيره
429 - محمد بن سوقة
مولى بجيلة يكنى أبا بكر وكان سوقة بزازا
قال سفيان ما بقى أحد يدفع به عن أهل الكوفة إلا ابن سوقة كانت عنده عشرون ومائة ألف فقدمها
قال العباس وسمعت شهاب بن عباد قال دخل رجل بيت محمد ابن سوقة فرأى على الباب ستر مسح فجعل ينظر إليه ففطن ابن سوقة فقال لعلك ترى أني ندمت لا ما ندمت
سفيان بن عيينة قال نزل محمد بن المنكدر على محمد بن سوقة بالكوفة فحمله على حمار فسألوه فقالوا يا عبد الله أي العمل أحب إليك قال إدخال السرور على المؤمن قالوا فما بقي مما يستلذ قال الإفضال على الأخوان (3/116)