أخبار ابن وهب وفضائله
للإمام الحافظ المؤرخ محدث الأندلس
أبي القاسم خلف بن عبد الملك الأنصاري القرطبي
المعروف بابن بشكوال
(494 - 578 هـ)
رحمة الله تعالى ورضوانه عليه
دراسة وتحقيق وتعليق
قاسم علي سعد
أستاذ الحديث وعلومه المساعد
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة
دار البشائر الإسلامية
الطبعة الأولى
1429 هـ - 2008 م(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبار أبي محمد عبد الله بن وهب القرشي المصري(1/73)
الزاهد التقي الفاضل المرضي، العالم السري نضر الله وجهه، وفضله وزهده، وسبب وفاته
أخبرنا أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث رحمه الله، قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا القاضي أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى إجازة، عن أبي القاسم عبد الوارث بن(1/76)
سفيان قال: أخبرنا أبو محمد قاسم بن أصبغ البياني قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن زهير بن حرب قال:(1/77)
سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن وهب المصري ثقة، وسمع من ابن جريج وهو صغير.(1/78)
قال أحمد: وسمعت يحيى بن معين يقول: إنما كان سبب موته، يعني موت ابن وهب أنه كان يقرأ عليه كتاب ((الأهوال)) -أهوال يوم القيامة- فسقط، فمات من تلك السقطة، رحمه الله.
أخبرنا أبو محمد بن عتاب وغيره، عن أبي عمر(1/79)
النمري قال: أخبرنا خلف بن قاسم قال: حدثنا سلم بن الفضل قال: حدثنا إبراهيم بن أبي حسان قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا أبو عبد الله(1/80)
الهمذاني قال: شهدت عبد الله بن وهب فحدثني بهذا الحديث، قال: إن في الجنة حوراء يقال لها: الغنجة، فإذا أراد ولي الله أن يأتيها أتاها جبريل صلى الله عليه فآذنها فقامت على أطرافها، معها أربعة آلاف وصيفة يحملون أذيالها وذوائبها، فيجمرونها بمجامر بلا نارٍ.(1/81)
قال أبو عبد الله: فغشي على ابن وهب، فحملناه فأدخلناه منزله، فلم نزل نعوده حتى مات رحمه الله.
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله إجازة، عن قاسم بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عبيدة، عن زياد بن عبد الرحمن القروي [قال: نا صالح بن محمد] (1) قال: أخبرنا محمد بن أحمد، عن جعفر بن محمد قال: سمعت
__________
(1) سقط من الأصل، واستدركته من الفوائد المنتخبة للمؤلف.(1/82)
محمد بن عيسى يقول: كان عبد الله بن وهب ذات يوم يقرأ ذكر الجنة والنار فمات، فبينا هم يغسلونه إذ وجدوا في فيه رطبة، وباعوا كتبه فبلغت خمس مائة دينارٍ.
وأخبرنا القاضي الشهيد أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خلف التجيبي جملةً قال: أخبرنا(1/83)
أبو علي حسين بن محمد، قال: أخبرنا أبو عمر النمري، قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد، عن(1/84)
أبيه قال: حدثنا محمد بن عمر بن لبابة قال: سمعت العتبي محمد بن أحمد يقول: حدثني سحنون بن سعيد، أنه رأى(1/85)
عبد الرحمن بن القاسم في النوم فقال له: ما فعل بك ربك؟(1/86)
قال: وجدت عنده ما أحببت، فقال له: فأي عملك وجدت أفضل؟ قال: تلاوة القرآن، قال: قلت له: فالمسائل؟(1/87)
فكان يشير بأصبعه يلشيها، قال: فكنت أسأله عن ابن وهب، فيقول لي: هو في عليين.(1/90)
وأخبرنا أبو محمد بن محسن، وأبو عمران الشاطبي،(1/91)
وأبو جعفر بن خالد وغيرهم، أن أبا عمر النمري أخبرهم قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد، ومن خطه نقلته، قال: حدثنا أحمد بن مطرف قال: حدثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان قال: حدثنا الخشني، قال: حدثنا أبو جعفر(1/92)
الأيلي، قال: سمعت ابن وهب رحمه الله يقول: ما من ليلة تمر بي إلا وأنا أستهولها وأذكر بها هول الآخرة.
قال الأيلي: وشهدت ابن وهب بعد الجمعة وهو يقرأ عليه في منزله كتاب ((الأهوال)) الذي كان يرويه، أنه بلغه عن أبي هريرة، وشهد أبو أسامة البكاء، فأفرغ ابن وهب في البكاء وأبو أسامة، ثم إن أبا أسامة قام بتلك الزَّفَّة يقرأ، ورتَبَ ابن وهب(1/93)
على حاله في البكاء، والقارئ يقرأ وابن وهب ينشج رافعا صوته، حتى أني لأحسب من كان منه على خمسين ذراعا يسمع صوته، فلم يزل كذلك حتى مال على الحائط الذي كان مستندا عليه، ثم احتمل وحمل إلى منزله، فلم يزل على تلك الحال لم يعقل عقلا يعرف أنه يعقل فيه حتى توفي رحمه الله، وكنا نرى أن قلبه قد انصدع.
وبإسناده عن أبي عثمان قال: حدثنا ابن وضاح قال: كان مالك بن أنس(1/94)
يكتب إلى ابن وهب: ((إلى فقيه مصر))، وما أعلم أحداً من أهل الأمصار كتب إليه مالك بذلك.
وقال له الثوري أول ما لقيه: أنت ابن وهب المصري؟ قال: نعم، قال: ما زلت أعلم مقامك في الإسلام منذ بلغني عنك.(1/95)
قال: وقال سفيان بن عيينة إذ نعي إليه ابن وهب: فجع الناس به عامة، وفجعت أنا به خاصةً.
قال أبو عثمان: قال ابن وضاح: قال لنا سحنون: كان ابن وهب قد قسم دهره على ثلاثة أجزاء، فكان أربعة أشهر يعلم الناس، وأربعة أشهر في الرباط بالإسكندرية، وأربعة أشهر في الحج.(1/96)
قال ابن وضاح: حج ابن وهب سبعة وثلاثين حجةٌ، أو ثلاثة وثلاثين، أو نحو هذا، الشك من أبي عثمان في هذا.
وبإسناده عن أبي عثمان قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن باز ابن القزاز(1/97)
قال: قال سحنون: والله، ما أود أنه فاتني من موطأ ابن وهب(1/98)
حرف – أو قال: حديث – وأن لي عيرا أو قطارا تحمل الذهب(1/100)
من هاهنا إلى مصر، ووالله ما يبالي من كان موطأ ابن وهب عند رأسه متي جاءه الموت، لقد أخذ للموت عدته.
قال أحمد بن مطرف: وسمعت سعيد بن خمير يقول: سمعت وهب بن نافع يقول: سمعت سحنون يقول:(1/101)
ما كنت أعد اليوم الذي أختلف فيه إلى ابن وهب إلا خسارة، وما كنت أود اليوم بحمله قطارة تحمل الذهب والفضة من هاهنا إلى برك الغماد، ولو لم أحمله عن ابن وهب لخرجت من هاهنا إلى مصر على كبر سني إلى هذا الذي يقال له أبو الطاهر، على أنه ما يقلب حافر حتى أحمله عنه.
قال أحمد بن مطرف: وسمعت أبا عثمان الأعناقي يقول: سمعت أبا عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب يقول:(1/102)
كنت عند عمي عبد الله بن وهب جالسا في مرضه الذي توفي فيه، وأمه -وهي جدتي- جالسة عند رأسه، فاشتهى رطباً، فقيل له: ليس هذا أوان الرطب، فسكت، ثم رأيناه يلك شيئاً، فأدخلت أمه أصبعها في فيه ففغرت فاه فاستخرجت منه نواة من رطب، فعجبنا من ذلك، فأخذت أمه النواة فصرتها في طرف خمارها، فدخل عليها(1/103)
عبد الله بن عبد الحكم فأخبرته أمه بالخبر، فعجب من ذلك عبد الله، ثم مدت أمه يدها إلى طرف خمارها فحلت العقدة لتعرض عليه النواة فلم تجد في العقدة شيئاً.
أخبرنا أبو عمران موسى بن عبد الرحمن الشاطبي، أن أبا عمر بن عبد البر أخبرهم قال: يقولون: إن مالكاً رحمه الله لم يكتب إلى أحد كتاباً، يعنونه بالفقيه إلا إلى ابن وهب، وكان رجلاً صالحاً خائفاً لله تعالى،(1/104)
كان سبب موته أنه قرئ عليه كتاب ((الأهوال)) من جامعه،(1/105)
فأخذه شيء كالغشي، فحمل إلى داره فلم يزل كذلك إلى أن قضى نحبه.(1/107)
وذكر أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه قال: حدثنا الجوهري، قال: حدثنا خالد بن خداش قال: قرئ على عبد الله بن وهب كتبه في أهوال يوم القيامة، فخر مغشيا عليه،(1/108)
فلم يتكلم بكلمة حتى مات رحمه الله، وذلك بمصر سنة سبعٍ وتسعين ومائةٍ.
وذكر يحيى بن عمر قال: أخبرني موسى بن(1/109)
سابق، أن ابن وهب سألوه أن يقرأ لهم هذا الكتاب، يعني كتاب ((أهوال يوم القيامة))، فأبى، فحمل عليه حتى قرأه، فلما قرئ عليه بدأ يعبث بيديه ويجبذ ثيابه عن نفسه حتى انكشف، فلما رأوه كذلك رفع فلم ير بعد ذلك، فمات من قراءته.
وأخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، عن أبيه قال: حدثنا أبو عثمان بن سلمة قال: حدثنا أحمد بن عون الله، قال: حدثنا ابن الورد، قال: حدثنا عبيد بن(1/110)
محمد، قال: سمعت أحمد بن صالح يقول: ما رأيت أفضل من رجلين: ابن وهب، ورجل بالعراق، يريد به أحمد بن حنبل، رحمهما الله.(1/111)
أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه قال: أخبرنا غير واحد عن أبي محمد الباجي، قال: أخبرنا محمد بن فطيس الإلبيري، قال: قال لنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، وسألناه عن عمه وما ذكر الناس من موته، فقال لنا: كان [لا] (1) يقرئ عليه كتاب ((الأهوال)) حتى أتاه أبو البشر زيد بن بشر وغيره فألحوا عليه
__________
(1) لا توجد في الأصل، وأضفتها حتى يستقيم الكلام حسب فهي.(1/112)
فيه فواعدهم، فلما أن قرأوه عليه أو بعضه صعق فغشي عليه، حتى انكشف بعض بدنه وذهب عقله فاحتملناه، فلم يزل كذلك حتى مات رحمه الله.
وسألناه عن كنيته، فقال: كان يكنى أبا محمدٍ.
وسألناه عن كم عالمٍ روى؟ فقال: عن أربعمائة عالمٍ.
وأعلمنا أنه لما توفي(1/113)
تلك الليلة رأى رجل في منامه أنه قيل له: مات الليلة أربعمائة عالمٍ، فلما انتبه سمع النوح، فسأل عنه، فقيل له: مات ابن وهبٍ.
قال: وسألنا أبا عبيد الله: ابن كم أنت؟ فقال: ابن ثمانين عاماً.
قال: ومات عمي ابن اثنتين وسبعين سنة.
وأخبرنا قال: ما رأيت قط أزهد منه في الدنيا، كان ينهدم عليه بعض بنيانه فلا يبنيه ولا يصلحه، وما بنى شيئاً قط،(1/114)
وما رأيت أكثر رباطاً منه قط.(1/115)
قال ابن فطيس: قال محمد بن عبد الحكم: حضرت كتب ابن وهب بيعت بثلاثمائة دينار وستين ديناراً، ولم يكن في أصحاب مالك أعلم بأصول مالك من ابن وهب، ولولا ابن وهب لذهب علم المدينة.(1/116)
قرأت بخط أبي الوليد بن الفرضي: أخبرنا يحيى بن مالك قال: حدثنا قاسم بن أصبغ أبو محمد قراءة منه قال: حدثنا ابن وضاح قال: أخبرني يحيى بن زكريا [بن محمد] (1) بن الحكم،
__________
(1) إضافة من كتب التراجم، وموقعه في الأصل بياض.(1/117)
عن أبيه قال: سمعت عبد الرحمن بن زياد بن أنعم يقول:
صحبني ابن وهب من مصر إلى مكة، فنزل في دارٍ من دورها، فقرع الباب، قال ابن وهب: فخرجت فإذا برجل عليه سمت حسن، فقال لي: هاهنا نزل الشيخ عبد الرحمن بن زياد؟ فقلت له: نعم، فقال: استأذن لي عليه، فدخلت فقلت له: بالباب شيخٌ يستأذن عليه سمت حسن، قال: ائذن له، فدخل فسلم ودعا بكلمتين له إيجاز أعجبتني ثم قعد معه قليلاً، ثم انصرف الشيخ، فلما ولى قلت لعبد الرحمن: من هذا فلقد أعجبني؟ قال: هذا سفيان الثوري.
قال ابن وهب: فخرجت إلى المسجد الحرام فرأيته جالسا وقد اجتمع الناس حوله، فرفع رأسه إلي فقال: لعلك الفتى الذي(1/118)
كان آنفا عند الشيخ عبد الرحمن بن زياد؟ قلت: نعم، قال: فلعلك ابن وهب المصري؟ قلت: نعم، فقال لي: ما زلت أعرف مكانك من المسلمين منذ بلغني عنك.
قال ابن وضاح: حدثنا أبو الطاهر قال: سمعت ابن وهب يقول: لقيت العمري عبد الله بن عبد العزيز -وهو العابد الذي بايع الناس له بمنى- فسلمت عليه، قال: ولم أكن لقيته قبل ذلك، ولم أكن أعلم أنه عرفني، فقلت له: تعرفني يرحمك الله، فنظر إلي، ثم قال: أنت ابن وهب المصري، قال: فعجبت من معرفته إياي ولم أكن لقيته قبل ذلك.(1/119)
قرأت بخط القاضي يونس بن عبد الله رحمه الله قال: وجدت في كتاب بعض شيوخي -رحمهم الله- بخط يده، حدثنا أحمد بن علي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين قال: حدثنا يحيى بن عثمان قال: سمعت أبي يقول:
سألت عبد الله بن وهب -رحمه الله- عن رؤية الله جل ثناؤه في الآخرة، فقال: أولم يكفك ما سمعتني أرويه وأخذت به من(1/120)
الحديث في ذلك؟ فقلت له: إن العالم قد يروي الشيء وقد لا يقول به.
فقال لي: رؤية الله عز وجل حق، ولو خيرت بين دخول الجنة وبين النظر إلى ربي تبارك وتعالى لاخترت النظر إليه دون دخول الجنة.
أخبرنا أبو محمد بن عتاب، أخبرنا ابن عابد، أخبرنا أبو بكر بن إسماعيل، حدثنا أبو القاسم بن قديد، حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا يوسف بن عمرو قال: بينما(1/121)
ابن وهب عند مالك إذ قام، فقال مالك: هكذا يكون العلماء، لما رأى من تخشعه.
قال: وقال يوسف بن عمرو: كنا مع ابن وهب بطريق مكة فحضرت الصلاة فقدمناه، فقرأ لنا سورة ما أدري {إذا الشمس كورت} أو غيرها، قال: فلما قرأ منها خنقته العبرة، ولم يقدر أن يجوز، فركع حيث بلغ.
وقال أحمد بن عمرو: قال ابن وهب: ما مللت العلم قط، وما نبت لحمي إلا من الكتاب.(1/122)
وأخبرنا أبو محمد، حدثنا ابن عابد، حدثنا أبو بكر بن إسماعيل، حدثنا أبي، حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال رجل لعبد الله بن وهب وأنا أسمع: بلغني يا أبا محمد أنك ذكرتني بشيءٍ، كأنه يقول مما أكره، فقال ابن وهبٍ: معاذ الله، لقد جعلت علي في كل كلمة أذكر بها مسلما صدقة.
قال الخطابي: حدثنا محمد بن إبراهيم المكتب قال:(1/123)
حدثني شكر، حدثنا أحمد بن محمد بن مدركٍ قال: سمعت حرملة بن يحيى يقول: قال لي ابن وهب،(1/124)
لا تعد إلا من يعودك، ولا تشهد جنازة من لا يشهد جنازتك، ولا تؤد حق من لا يؤدي [حقك]، فإن عدلت عن ذلك فأبشر بالجور.(1/125)
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله العدل، عن(1/128)
قاسم بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم الصقلي إجازة، قال: حدثنا زياد بن موسى قال: حدثنا سعيد بن حكمون قال: أخبرنا محمد بن سحنون،(1/129)
عن أبيه وعون بن يوسف، أن عبد الله بن وهب كان من العابدين، وكان قد جزأ سنته، فكان يرابط بالإسكندرية شعبان وشهر رمضان، ثم يقبل إلى مصر في شوال، فيأخذ في جهازه إلى مكة، ثم يخرج في ذي القعدة فيقيم في حجه ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وصفر، ثم يقعد في مصر يسمع الناس ويعلمهم شهر ربيع الأول والآخر وجمادى الأولى والآخرة ورجب، فكان هذا عمله رحمه الله.(1/130)
قال محمد بن سحنون: وسمعت أحمد بن عمرو بن سرح يقول: سمعت ابن وهب يقول: جعلت على نفسي صدقة درهما كلما اغتبت أحداً، فخفت علي الدراهم فجعلت صدقة دينار فأمسكت عن ذلك.
وقال محمد: عن سليمان بن داود، سمعت رجلاً يحدث عند ابن وهب أن رجلاً تكلم عند الموت أراه في النوم، فقال: أبو شريح في الجنة، الليث بن سعد في الجنة، ابن وهبٍ في الجنة.(1/131)
فقال ابن وهب: قال أبو بكر الصديق: تسرني ولا تغرني أو نحو هذا.
قال سليمان: سمعت عبد الأول يقول: مررت أنا وحجاج بن زبان في السحر ونحن نريد المسجد وكانت غرفة(1/132)
ابن وهب على الطريق، فسمعناه يقرأ في هذه الآية: {مثل الجنة التي وعد المتقون}، ويرددها ويبكي إلى وقت الصلاة.
قال محمد: وقال أحمد بن عمرو: انصرفنا عشية مع ابن وهب فعرض له محمد بن عبد الملك الحذاء وكان عابداً، فقال له: يا أبا محمد، إني رأيتك في منامي كأنك على فرش وعليك ثياب وهيئة، فكأن قائلاً يقول: لو رأيت هذا غداً {رأيت نعيما وملكا كبيرا}
قال ابن وهب: {نعيما وملكا كبيرا} لا حول ولا قوة إلا بالله، وخشع.
قال أبو الطاهر: وكان مالك يكتب: إلى عبد الله بن وهب المفتي، ولم يكن يفعل هذا لغيره.(1/133)
قال: وطلب ابن وهب من مالك كحلاً، فقال لجاريته: أعطني من الكحل لصديقي المصري، قال: فأتوه بأنبوبة أو أنبوبتين.
وقال محمد بن سحنون أيضاً عن ربيع المؤذن: أتى رجل إلى ابن وهب وأنا عنده فقال له: إن فلاناً روى عنك أنك قلت: يروى أنه قال: (لا تكرهوا الفتنة، فإنها حصاد المنافقين)، فغضب ابن وهب وأنكر ذلك إنكاراً شديداً، وقال: اللهم إن(1/134)
كان كاذباً علي فاعمه، فعمي ذلك الرجل.
وأخبرنا أبو الحسن بن مغيث، عن أبي عمر أحمد بن محمد بن يحيى، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد(1/135)
العتكي، عن أبي سعيد بن يونس قال: عبد الله بن وهب بن مسلم مولى يزيد بن رمانة، مولى أبي عبد الرحمن يزيد بن أنيس الفهري،(1/136)
يكنى أبا محمدٍ (1) .
حدثني أبي، عن جدي أنه حدثه قال: سمعت
__________
(1) أسقط الناسخ كلاماً هنا في نحو أربعة أسطر، ثم ألحقه في الحاشية، لكن أصيبت هذه الحاشية برطوبة طمست جملة من الكلمات والحروف، فلا يقرأ الكلام من الصورة إلا متقطعاً .. ..(1/137)
عبد الله بن وهب يقول: ولدت سنة خمس وعشرين ومائة، وطلبت العلم وأنا ابن سبع عشرة، ودعوت يونس بن يزيد يوم عرسي لوليمتي، فسمعته يقول: قال ابن شهاب في عرس لصاحبه: بالجد الأسعد، والطائر الأيمن، قال: وهذه تهنئة أهل الحجاز.(1/138)
قال أبو سعيد: وحدثني القاسم بن حبيش بن برد قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال: حدثني محمد بن عاصم بن حفص، عن رشدين بن سعد قال:
كان الحسن بن ثوبان قد امتنع من الحديث، فأتاه ابن وهب وأنا عنده فسأله عن شيء من الحديث فامتنع الحسن بن(1/141)
ثوبان فاعتذر إلى ابن وهب، فقام ابن وهب موليا، فقال الحسن بن ثوبان: يا أبا الحجاج، لئن عاش هذا الفتى ليكونن إمام هدى.
قال أبو سعيد: وحدثني عاصم بن رازح قال: قال لي أحمد بن معاوية،(1/142)
سمعت الحارث بن مسكين يقول: أخبرني من سمع الليث بن سعد يقول لابن وهب: إن كنت لأجد للحارث ابني شيئاً فإني لأجد لك مثل ذلك.
قال الحارث: ولقد كان ابن وهب مستوجبا لذلك، جمع ابن وهب الفقه، والرواية، والعبادة، ورزق من العلماء حظوة ومحبة، وكان مقدما عند مالك بن أنس، وكان إماماً، وما أتيته قط إلا وأنا أفيد منه خيراً.(1/143)
قال: وحدثني جعفر بن أحمد التجيبي، قال: حدثني مقدم مولى عبد الله بن وهب، قال: كان قوت مولاي عبد الله بن وهب وَيْبَة قمح في كل شهرٍ.
قال أبو سعيد: حدثنا علي بن خلف بن قديد قال: حدثني يحيى بن عثمان بن صالحٍ قال: حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال:(1/144)
طلب عباد بن محمد عمي عبد الله بن وهب يوليه القضاء، فتغيب في منزل يحيى بن حرملة، فهدم عباد بعض دارنا، فقال(1/145)
الصباحي لعباد: متى طمع هذا الكذا والكذا أن يلي القضاء حتى يتغيب، فبلغ قوله عمي، فدعا عليه بالعمى فعمي بعد جمعةٍ.
قال أبو سعيد: حدثني العباس بن محمد البصري قال:(1/146)
حدثني أبو الربيع ابن أخي رشدين قال: حدثني حجاج بن رشدين بن سعد قال: سمعت ابن وهب يتذمر ويصيح، فأشرفت عليه من غرفتي فسلمت عليه، وقلت: ما شأنك يا أبا محمد؟ فقال لي: يا أبا الحسن، بينا أنا أرجو أن أحشر في زمرة العلماء أحشر في زمرة القضاة، فتغيب في يومه ذلك فطلب.(1/147)
قال أبو سعيد: وحدثني أبي، عن جدي أنه حدثه(1/149)
قال: توفي ابن وهب في شعبان سنة سبع وتسعين ومائةٍ، وكانوا أرادوه على القضاء فامتنع وتغيب.
قال أبو الطاهر أحمد بن عمرو: ولد ابن وهب سنة خمس وعشرين ومائةٍ.
وقال يحيى بن بكير: قال لي عبد الله بن وهبٍ: ولدت في ذي القعدة سنة خمس وعشرين ومئة.(1/150)
وتوفي يوم الأحد لأربع بقين من شعبان سنة سبعٍ وتسعين ومائةٍ.
قال أبو سعيد: حدثني كهمس بن معمر قال: حدثنا أحمد بن عمروٍ قال: جاء نعي ابن وهبٍ ونحن في مجلس سفيان بن عيينة، فقال سفيان: إنا لله [وإنا] إليه راجعون،(1/151)
أصيب به المسلمون عامة، وأصبت به خاصةً.
قال: ذكر أحمد بن شعيب النسوي يوما ونحن عنده عبد الله بن وهب، فقال: ثقة، وما أعلمه روى عن الثقات حديثاً منكراً.
قرأت بخط أبي بكر التجيبي:(1/152)
قال ابن وضاح: حدثنا سحنون عن ابن وهب قال: صحبت امرأتي أربعين سنةً فما سعدت معها ليلةً.
أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أحمد بن بشر،(1/153)
عن أبيه قال: حدثنا خالد بن سعد قال: حدثنا الأعناقي قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي بمصر قال: سمعت عبد الله بن وهب يقول: إن الرجل ليحدثني بالحديث أنا أعلم به منه فأصغي إليه، كأني لم أسمعه قط.
روينا عن أبي عبد الله محمد بن أحمد القروي، عن أبي بكر بن(1/154)
اللباد قال: حدثت أن ابن وهب لما قرئ عليه كتاب "الأهوال" فأصابه الذي أصابه منه قيل شعراً أوله:
كم أبكت النار بذكراها ... من مريد بات يخشاها
فقيل ذلك عنده، فصاح من ذكرها، ثم مات رحمه الله.
قرأت بخط أبي بكر محمد بن جماهر، أخبرنا أبو أحمد الدهان قال: حدثنا أبو جعفر البرذعي قال: حدثنا(1/155)
أبو هريرة العدوي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن موسى بن نصير قال: حدثني حرملة بن يحيى قال: رأيت عبد الله بن وهب نظر إلى إنسان يمضغ اللبان بالإسكندرية، فقال ابن وهب: إنه يضعف البصر، ويكثر القمل، ويقسي القلب.(1/156)
قال: ورأيت ابن وهب نظر إلى غلام في وجهه قرح، فقال له: احتجم.(1/157)
أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبي عمر النمري قال: أخبرنا خلف بن قاسم قال: حدثنا أحمد بن أسامة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: سألت أبا عبيد الله: ما كان صيام عمك في الجمعة من الأيام؟
قال: كان يصوم الاثنين والخميس، وكان قيامه بالليل الثلث الباقي، يبكي ويصيح ويجهر بقراءته، وكان حسن الصوت شجيه، إذا مرت به آية خوف بكى وتضرع واستجار، وإذا مر بآية رحمة بكى وتضرع وتخشع وألح في الدعاء، هذا كان دأبه حتى يطلع الفجر.(1/158)
قال ابن قاسم: وحدثني عبد الله بن الورد قال: حدثنا محمد بن سلمة المرادي قال: حدثنا أبي قال: مررت بعبد الله بن وهب في السحر وهو في غرفة له وهو يردد هذه الآية: (1)
[وأخبرنا القاضي أبو علي حسين بن محمد الشهيد رحمه الله
__________
(1) الكلام في آخر هذه الصفحة من الأصل مبتور كما هو ظاهر ، ويبدو أن هناك ورقة على الأقل ساقطة من هذا الموضع.(1/159)
إجازة] (1) منه لي، تجاوز الله عنا وعنه قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو علي الحسين بن محمد المقدسي قراءة عليه ببغداد قال: حدثنا أبو بكر محمد بن علي المقرئ، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن الحسين بن حمكان الفقيه قال: حدثنا أبو مسعود محمد بن أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني قال: حدثنا يونس بن
__________
(1) سقط من الأصل، وأثبته من الفوائد المنتخبة.(1/160)
عبد الأعلى قال: سمعت ابن وهب يقول:
جعلت على نفسي كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما، فهان علي الصوم، فجعلت على نفسي كلما اغتبت إنسانا تصدقت بدرهم، فثقل علي فتركت الغيبة.(1/161)
أخبرنا أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، حدثنا القنازعي، حدثنا ابن رشيق، حدثنا علي بن يعقوب، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم الأزدي، قال: حدثنا أحمد بن زياد، قال:(1/162)
سمعت عبد الله بن وهب يقول: يغسل أحدكم رأسه بطين بلده، فإنه ينفي الصداع.(1/163)
روينا عن محمد بن فطيس، حدثنا أبو زيد قال: سمعت(1/164)
أبا نصر جليس أبي الطاهر يقول: سمعت شعيب بن الليث يقول: قلت لأبي الليث بن سعد: تروي لابن وهب شيئاً؟ فقال: نعم، وإني لأراه لذلك أهلاً.(1/165)