بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وهو المحمود على كل حال، المتفرِّد بصفات الكمال ونعوت الجلال، أحمده سبحانه وأشكره وهو للحمد أهل، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك في ربوبيَّته، وألوهيَّته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلَّغ رسالة ربه أتمَّ بلاغ، وترك أمَّته على مثل البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلى الله عليه وسلم كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فهذا جزء حديثيٌّ وقفت عليه، فأثار اهتمامي، وإلى تحقيقه وإخراجه انقاد زمامي؛ فمؤلِّفه هو: الجِهْبِذُ الناقد أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، وموضوعه: «علم علل الحديث» الذي هو أهمُّ مباحث علم الحديث، وأدقُّها مَسْلَكًا، فلا يحسنه إلا القلائل(1)؛ الذين إذا ذكروا كان أبو الحسن الدارقطني فيهم من الأوائل. وأما مجال هذا الجزء: فهو أصحُّ الكتب بعد كتاب الله؛ صحيح الإمام الناقد أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الذي سلَّمت له الدنيا حفظًا ومعرفةً وإتقانًا، ولذا ستكون هذه الأحاديث التي بين دفَّتي هذا الجزء من الأحاديث التي تتجاذبها وجهتا نظر هذين الإمامين في هذا الفنِّ، فهي أحاديث يرى البخاري صِحَّتها، وأخرجها في "صحيحه"، ويرى الدارقطني أنها معلولة، وسيأتي التعريف به مُفَصَّلاً.
__________
(1) انظر مقدمة تحقيق كتاب "العلل" لعبد الرحمن بن أبي حاتم.(1/1)
ولا شكَّ أن صحيحي البخاري ومسلم قد لقيا من عناية علماء الأُمَّة الإسلاميَّة بهما مالم يلْقه كتاب آخر، سوى القرآن؛ لمكانة هذين الكتابين اللذين تَلَقَّتْهما الأُمَّة بالقبول، فكم من الكتب التي صُنِّفَت في شرحهما، وشرح غريبهما، وذكر مناسباتهما، وذكر أطرافهما، والكتب التي أُفْرِدَت لرجالهما، ورواياتهما، وبيان مُهْمَلِهِما، وتمييز مُشْكِلِهما، والتعاليق والأسانيد المقطوعة فيهما ... إلخ ماهنالك من جوانب العناية بهما، الذي يُعَدُّ ذكر علل أحاديثهما جانب منه، وبناء عليه جاء هذا الجزء الذي أملاه الدارقطني في علل بعض أحاديث "صحيح البخاري".
وقد دلَّني عليه الأخ محمد المباركي وفَّقه الله وحفظه من كل سوء ومكروه، وأعطاني مُصَوَّرَتَه، فله مني الشكر والدعاء بأن يجزل الله له المثوبة.
ويتلخَّص عملي في الكتاب في الآتي:
قدَّمت بمقدِّمة قسمتها إلى قسمين:
القسم الأول: عرَّفت فيه بالدارقطني رحمه الله تعريفًا موجزًا، ولم أتوسَّع في ترجمته؛ لكثرة من عَرَّف به.
القسم الثاني: عرَّفت فيه بالكتاب، وبالنسخة الخطِّيَّة، وترجمت لرجال إسنادها، وأرفقت نماذج من مُصَوَّرَتِها.
نسخت الكتاب، وقمت بمقابلته، وضبط نصِّه حسب الوسع والطَّاقة.
خَرَّجت الأحاديث التي يُصَدِّر بها الدارقطني، والطرق التي يذكرها في عرضه للخلاف.
ذكرت اسم الراوي المُهْمَل، أو الذي ذُكِر بكنيته، أو لقبه، أو نسبته.
علَّقت على الكتاب بتعليقات هدفي منها إبراز العلَّة، وذكر من وافق الدارقطني على إعلاله، والجواب عنها ما أمكن، وذكر من وافق البخاري على تصحيحه للحديث.
بيَّنت الأحاديث التي ذكرها الدارقطني في "التتبع"، و"العلل"، والتي لم يذكرها، وذكرت خلاصة قوله فيهما، وقد أنقل كلامه أحيانًا، بحسب المناسبة.
ختمت الكتاب بفهرس لأحاديثه، وآخر لموضوعاته.(1/2)
وفي الختام أكرر شكري للأخ محمد المباركي الذي كان سببًا في تعريفي بالكتاب، كما أشكر أخانا الفاضل الأستاذ أبا زكريا صالح بن سليمان الحجي رئيس قسم المخطوطات بجامعة الملك سعود على ماقدَّمه لي من عون في الاطلاع على الأصل الخطي لهذا الجزء، ومحاولة استظهار الطمس فيه.
وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
…………كتبه/ سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حُمَيِّد
……………الرياض – في 6/شعبان/1427هـ
التعريف بالدارقطني(1)
__________
(1) ترجمته في: "تاريخ بغداد" للخطيب (12/34 - 40)، و"أطراف الغرائب والأفراد" لابن طاهر المقدسي (1/43-52)، و"الأنساب" للسَّمعاني (2/206- 207)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (43/93 - 106)، و"المنتظم" لابن الجوزي (14/378- 380)، و"معجم البلدان" لياقوت (2/422)، و"تكملة الإكمال" (1/99 - 103)، و"التقييد" (ص 410 - 412) كلاهما لابن نقطة، و"طبقات الشافعية" لابن الصلاح (2/616- 619)، و"وَفَيات الأعيان" لابن خَلِّكان (3/297- 299)، و"سير أعلام النبلاء" (16/449 - 461)، و"تذكرة الحفاظ" (3/991 - 995)، و"العبر في أخبار من عَبَر" (2/167)، و"معرفة القراء الكبار" (1/350 - 352)، و"تاريخ الإسلام" (حوادث ووَفَيات سنة 385هـ/ص101- 105) جميعها للذهبي، و"مرآة الجنان" لليافعي (2/425 - 426)، و"الوافي بالوَفَيات" للصفدي (21/348 - 350)، و"طبقات الشافعية الكبرى" للسُّبكي (3/462 - 411)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (15/459 - 462)، و"طبقات القراء" لابن الجزري (1/558- 559)، و"طبقات الشافعية" للأسنوي (1/508- 509)، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شُهْبة (1/161- 163)، و"النجوم الزاهرة" لابن تَغْري بَرْدي (4/172)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (3/116 - 117)، وترجم له الدكتور عبدالله بن ضيف الله الرحيلي ترجمة مطولة في كتابه "الإمام أبو الحسن الدارقطني وآثاره العلمية".(1/3)
هو: الإمام الحافظُ أبو الحسن عليُّ بنُ عمرَ بنِ أحمدَ بنِ مهديِّ بنِ مسعود بنِ النُّعمانِ بنِ دينارِ بنِ عبدِاللهِ، الدَّارَقُطْنيُّ نسبةً إلى مَحَلَّةِ «دارِ القُطْن» ببغدادَ.
وُلِد ببغدادَ سنة ستٍّ وثلاثِ مئةٍ.
وبدأ بطلب العلم في الصِّغر، فقد كان بَدءُ كتابته للحديث في أوَّل سنة خمسَ عشرةَ وثلاثِ مئةٍ.
وقد سمعَ في صِباهُ من أبي القاسم البغويِّ، ويحيى بن محمد بن صاعِد، وأبي بكر ابن أبي داود، وغيرهم.
وكان أبوه عمرُ بنُ أحمدَ من المحدِّثينَ الثقات، سمع وحدَّث، إلى جانب معرفته بالقراءات.
وقد سمع أبو الحسن الدارقطني الحديثَ من أبيه، وحدَّث عنه، وعرض عليه القرآنَ.
وكان أهل عصره يتوقَّعون أن يكون الدارقطني من القُرَّاء، يقول هو عن نفسه: «كنتُ أنا والكتَّاني(1) نسمع الحديثَ، فكانوا يقولون: يخرج الكتانيُّ محدثَ البلد، ويخرج الدارقطنيُّ مقرئَ البلد، فخرجت أنا محدثًا والكتانيُّ مقرئًا»(2).
وله في القراءات مؤلَّف وصفه الخطيب البغدادي بقوله: «إن له فيها كتابًا مختصرًا موجزًا جمع الأصولَ في أبوابٍ عقدها أوَّلَ الكتاب، وسمعتُ بعض من يعتني بعلوم القرآن يقول: لم يُسبَق أبو الحسن إلى طريقَته التي سلكها في عَقْد الأبواب في أوَّل القراءات، وصار القُرَّاء بعده يسلكون طريقَتَه في تصانيفهم، ويَحْذُون حَذْوَه»(3).
__________
(1) هو: عمر بن إبراهيم بن أحمد، أبو حفص الكتاني، ولد سنة ثلاث مئة، وتوفي سنة تسعين وثلاث مئة. ترجمته في: "تاريخ بغداد" (11/269)، و"سير أعلام النبلاء" (16/482 - 484).
(2) "المنتظم" لابن الجوزي (14/380).
(3) "تاريخ بغداد" (12/34 - 35).(1/4)
وقد جمع الدارقطني إلى الحديث والقراءات معرفة الفقه، أشاد بذلك الخطيب البغداديُّ في ذكره الفنون التي برع فيها، فقال: «ومنها المعرفةُ بمذاهبِ الفقهاء، فإن كتابَ "السُّنَن" الذي صنَّفَه يدلُّ على أنه كان ممَّن اعتنى بالفقه؛ لأنه لا يَقْدِرُ على جمع ما تضمَّن ذلك الكتابُ إلا من تقدَّمَت معرفتُه بالاختلاف في الأحكام، وبلغَني أنه درس فقهَ الشافعيِّ على أبي سعيد الإِصْطَخْري، وقيل: بل درسَ الفقه على صاحبٍ لأبي سعيد، وكتب الحديثَ عن أبي سعيدٍ نفسه»(1).
ومن العلوم التي حُظِيَ الدارقطني منها بنصيب: اللغة والنَّحو والأدب والشِّعر؛ فقد روى الخطيبُ البغداديُّ(2) عن الأزهريِّ: أن أبا الحسن لما دخل مِصْرَ كان بها شيخٌ عَلَوِيٌّ من أهل مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقالُ له: مسلم بن عُبَيدالله، وكان عنده كتابُ "النَّسَب" عن الخضر بن داود، عن الزُّبَير بن بَكَّار، وكان مسلمٌ أحدَ الموصوفينَ بالفَصاحة، المطبوعينَ على العربيَّة، فسأل الناسُ أبا الحسن أن يقرأَ عليه كتاب "النَّسَب"، ورغبوا في سماعه بقراءته، فأجابهم إلى ذلك، واجتَمَع في المجلس مَنْ كان بمِصْرَ من أهل العلم والأدب والفَضْل، فحَرَصُوا على أن يحفظوا على أبي الحسن لَحْنةً، أو يَظْفَروا منه بسَقْطَة، فلم يقدروا على ذلك حتَّى جعل مسلمٌ يَعْجَبُ ويقول له: وعربيَّةً أيضًا؟!
وقد دفع الدارقطنيَّ شَغَفُه بالعلم إلى الرحلة للقاء الشيوخ في سائر النواحي، فرحل إلى البصرة وله من العمر أربعةَ عشرَ عامًا، كما ارتحل إلى واسِط والكوفة وخُوزِسْتان ودمشق ومصر وغيرها.
وقال أبوعبدالله الحاكم في كتاب "مزكي الأخبار": «أبو الحسن صار واحدَ عصره في الحِفْظ والفَهْم والوَرَع، وإمامًا في القرَّاء والنَّحويِّين، أول ما دخلتُ بغدادَ كان يَحضُر المجالسَ وسنُّه دون الثلاثين، وكان أحدَ الحفَّاظ».
__________
(1) "تاريخ بغداد" (12/35).
(2) في الموضع السابق.(1/5)
وقال أيضًا: «صار الدارقطنيُّ أوحدَ عصره فى الحفظ والفهم والوَرَع، وإمامًا فى القرَّاء والنحويِّين، وفي سنة سبعٍ وستِّينَ أقمتُ ببغداد أربعةَ أشهرٍ، وكثر اجتماعُنا بالليل والنهار فصادَفتُه فوق ما وُصِف لي، وسألتُه عن العللِ والشيوخ ...، وأشهدُ أنَّه لم يخلِّف على أَديمِ الأرض مثلَه»(1).
وقال الحافظُ عبدالغني بن سعيد الأزديُّ: «أحسنُ الناس كلامًا على حديث رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثةٌ: عليُّ بن المَديني في وقته، وموسى بن هارونَ في وقته، وعليُّ بن عمر الدارقطنيُّ في وقته»(2).
قال البَرقانيُّ :« كنت أسمع عبدَ الغنيِّ بنَ سعيدٍ الحافظ كثيرًا إذا حكَى عن أبي الحسن الدارقطنيِّ شيئًا يقول: قال أستاذي، وسمعتُ أستاذي، فقلتُ له في ذلك، فقال: وهل تعلَّمنا هذَينِ الحَرْفَين من العلم إلاَّ من أبي الحسن الدارقطنيِّ»(3).
وقال الخطيبُ البغداديُّ: «وكان فريدَ عصره، وقريعَ دهره، ونسيجَ وَحْدِه، وإمامَ وقته، انتهى إليه علمُ الأثر والمعرفةُ بعلل الحديث وأسماء الرجال وأحوال الرُّواة، مع الصِّدق والأمانة، والفِقْه والعَدالة، وقَبول الشَّهادة، وصِحَّة الاعتقاد وسَلامة المذهَب، والاضْطِلاع بعُلوم سوى علم الحديث، منها: القراءات، ومنها المعرفةُ بمذاهب الفقهاء، ومنها أيضًا المعرفةُ بالأدب والشِّعر»(4).
وقال الذهبيُّ: «كان من بُحور العلم ومن أئمَّة الدنيا، انتهى إليه الحِفْظ ومعرفةُ علل الحديث ورجاله، مع التقدُّم في القراءات وطُرُقها، وقُوَّة المُشاركة في الفِقْه والاختلاف، والمَغازي وأيَّام الناس، وغير ذلك»(5).
__________
(1) انظر في هذا النص والذي قبله: "تاريخ دمشق" (43/96)، و"سير أعلام النبلاء" (16/450- 451)، و"طبقات الشافعية الكبرى" (3/463).
(2) "تاريخ بغداد" (12/36)، و"تاريخ دمشق" (43/101).
(3) "تاريخ بغداد" (12/36).
(4) "تاريخ بغداد" (12/34 - 35).
(5) "سير أعلام النبلاء" (16/4509).(1/6)
وأقوال أهل العلم في الثناء على الدارقطني وذكر مناقبه كثيرة يطول استقصاؤها.
ولعُلُوِّ كعبه في كثير من العلوم حرص أهل العلم على النَّهَل من علمه، والأخذ عنه، فتتلمذ عليه أئمة كبار؛ كأبي عبدالله محمَّد بن عبدالله الحاكم النَّيْسابوري صاحب كتاب "المستدرك" (ت 405هـ)، وعبدالغني بن سعيد الأَزْدي المِصْري (ت 409هـ)، وتَمَّام بن محمَّد الرَّازي (ت 414هـ)، وأبي نُعَيم أحمدُ بن عبدالله الأَصْبَهاني (ت 430هـ)، وغيرهم.
ولم يجعل الله الخلد لأحد من البشر، فالموت حقٌّ وكلُّ الناس سيلقونه، وقد كتب الله لقاءه للدارقطني سنةَ خمسٍ وثمانينَ وثلاثِ مئة، ودُفنَ في مَقْبَرة بابِ الدَّيْر قريبًا من قبر مَعْروفٍ الكَرْخي، بعد أن خلَّف عددًا من المصنفات التي خلَّدت ذكره في التاريخ، وهي كثيرة جدًّا، من أهمها:
1 - الأحاديثُ التي خُولفَ فيها إمامُ دار الهجرة مالكُ بن أنس.
2 - أحاديثُ الموطَّأ، واتِّفاقُ الرُّواة عن مالك، واختلافُهم فيه، وزياداتُهم ونُقصانُهم.
3 - أخبارُ عمرو بن عُبَيد، وكلامُه في القرآن، وإظهارُ بدعته.
4 - الإخوَةُ والأخوات.
5 - أربعونَ حديثًا من مسند بُرَيد بن عبدالله بن أبي بُرْدَة.
6 - المستجاد من فعلات الأجواد، ويسمى أيضًا "الأسخياء والأجواد"
7 - أسماءُ التابعينَ ومن بعدَهُم ممَّن صَحَّت روايتُه عند مسلم.
8 - الإلزاماتُ على صَحيحَي البخاريِّ ومسلم.
9 - التتَبُّع: وهو في ذكر أحاديث معلولة اشتمل عليها كتاب البخاري ومسلم، أو أحدهما، بيَّن الدارقطني عللها والصواب فيها.
10 - تعليقٌ واستدراكاتٌ للدارقطنيِّ على كتاب "المجروحين" لابن حبَّان.
11 - الجُزء الثالثُ والعشرونَ من حديث أبي طاهِر محمَّد بن أحمدَ بن عبدالله الذُّهْلي القاضي.
12 - ذكرُ أسماء التابعينَ ومن بعدَهُم ممَّن صَحَّت روايتُه عند البخاريِّ.(1/7)
13 - ذكرُ قوم أخرجَ لهم البخاريُّ ومسلمٌ في صَحيحَيهما، وضعَّفهُم النسائيُّ في كتاب "الضعفاء".
14 - رؤيةُ الله تعالى، وطبع مرة أخرى بعنوان: الرؤية
15 - السُّنَن.
16 - سُؤالاتُ البَرْقاني .
17 - سُؤالاتٌ أُخْرى للبَرْقاني.
18 - سُؤالاتُ أبي عبدالله الحاكم.
19 - سُؤالاتُ السُّلَمي.
20 - سُؤالاتُ السَّهْمي.
21 - سؤالات أبي عبدالله بن بكير للدار قطني.
22 - الصِّفاتُ، أو أحاديثُ الصِّفات.
23 - الضُّعَفاء والمتروكونَ من المُحدِّثين.
24 - العِلَلُ، أو العِلَلُ الواردةُ في الأحاديث النبويَّة.
25 - فَضائلُ الصَّحابة.
26 - الفَوائدُ المُنتَخَبة من حديث أبي عليٍّ محمَّد بن أحمدَ بن الحسن المعروف بابن الصوَّاف.
27 - المُؤتَلفْ والمُختَلفْ.
28 - النُّزول. أو أحاديثُ النُّزول.
ومنها كتابنا هذا، وإليك التعريف به.
التعريف بالكتاب
ذكرت في المقدمة أن أحاديث هذا الجزء من الأحاديث التي تتجاذبها وجهتا نظر البخاري والدارقطني إمامي هذا الفنِّ، فهي أحاديث يرى البخاري صِحَّتها، وأخرجها في "صحيحه"، ويرى الدارقطني أنها معلولة.
وربما كان الحق مع البخاري فيما ذهب إليه من تصحيح الحديث؛ كما في الحديث الأول والحادي عشر، وربما كان الحق مع الدارقطني فيما ذهب إليه من إعلال الحديث؛ كما في الحديث الثالث، وربما كان الأمر مُحْتَمِلاً وكلٌّ منهما معذور فيما ذهب إليه؛ كما في الحديث الثاني، وربما كان إعلال الدارقطني لبعض طرق الحديث عند البخاري، مع تنصيصه على صِحَّته من الوجه الآخر؛ كما في الحديث السادس عشر، وربما وجدنا الدارقطني في بعض كتبه الأخرى يخالف اجتهاده هنا، ويرجِّح ما رجَّحه البخاري؛ كما تجده في الحديث الرابع والتاسع والعاشر والثامن عشر.(1/8)
ومن الواضح أن الدارقطني أملى أحاديث هذا الجزء من حفظه؛ كما يدل عليه ظاهر عبارته في بعض المواضع؛ كقوله بعد ذكره لمتن الحديث رقم (6): «أو نحوٌ من هذا الكلام»، ولذا وقعت له بعض الأوهام؛ كما في الحديث رقم (17)؛ حيث أخطأ في متنه، ولكن هذه الأوهام مغمورة في بحر صوابه رحمه الله، ويكفيه فخرًا أنه أملى "كتاب العلل" من حفظه؛ نقل ذلك الذهبي(1) عن راوي "كتاب العلل" أبي بكر البَرْقانيِّ حين قال: «كان الدارقطنيُّ يُمْلي عليَّ العللَ من حفظه»، ثم عقَّب الذهبيُّ على ذلك بقوله: «إن كان "كتابُ العلل" الموجودُ قد أملاه الدارقطنيُّ من حِفْظه - كما دلَّت عليه هذه الحكايةُ - فهذا أمرٌ عظيمٌ يُقْضى به للدارقطنيِّ أنَّه أحفظُ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضَهُ من حِفْظه فهذا مُمكن».
ويكثر في أحاديث هذا الجزء إعلال الحديث بزيادة رجل في بعض طرق الحديث أو نقصانه، ولذا أجدني مُضْطَرًّا هنا للتذكير بقاعدة مُهَمَّةٍ من القواعد التي ذكرها أئمة هذا الشأن في هذا الموضوع الذي يكثر وجوده في الروايات واختلافها، وهو الزيادة في الإسناد، وإليك بيان هذه القاعدة، فأقول:
يقع في كثير من الأحاديث اختلاف بين الرواة في زيادة رجل ونقصانه في الإسناد، وهو على قسمين:
الأول: أن تكون الزيادة بذكر الصحابي وإسقاطه، وهي مسألة تعارض الوصل والإرسال المشهورة، وطريقة المحدِّثين فيها معروفة؛ بأنهم يُرَجِّحون رواية الأكثر عددًا، أو الأحفظ(2).
الثاني: أن تكون الزيادة بذكر رجل في الإسناد غير الصحابي أو نقصانه، وهذه تدخل في مبحث التدليس، والإرسال الخفي، والشاذ، والمزيد في متصل الأسانيد، وأمثلتها كثيرة في كتب العلل.
__________
(1) في "سير أعلام النبلاء" (16/455).
(2) انظر "فتح المغيث" للسخاوي (1/197)(1/9)
وطريقة كثير من الأئمة الأخذ بالإسناد الذي فيه الزيادة، وَيَرِدُ في إطلاقات بعضهم قوله: «الزيادة من الثقة مقبولة»(1)، ولا يعنون بها على الإطلاق كما هي طريقة الفقهاء والأصوليين ومن مجرى مجراهم، ولكن يعنون بها هذه المسألة على وجه الخصوص، ولا يقبلون الإسناد الناقص إلا بتوفر شرطين(2)، وهما:
أن يَقَعَ التصريح بالسماع في موضع الزيادة(3).
أن يكون من نقص أكثرَ عددًا ممن زاد أو أحفظ.
فإن توفر هذان الشرطان قُبِلَ الإسناد الناقص، وعدُّوا الإسناد الزائد إما شاذًّا، أو من المزيد في متصل الأسانيد، وإلا فالأصل قبول الإسناد الزائد.
__________
(1) انظر "العلل" لابن أبي حاتم (333 و361 و474 و488 و571 و920 و1209 و1961 و2077 و2416 و2655 و2659 و2778)، و"العلل" للدارقطني (4 و120 و194 و205 و238 و301 و1761 و2049 و2106 و2107 و2330)
(2) انظر "اليواقيت والدرر" للمناوي (2/94)، و"شرح نخبة الفكر" للقاري (ص479-480).
(3) سأل عبد الرحمن بن أبي حاتم في "العلل" (361) أباه عن حديثٍ رواه الزهري، وأسامة بن زيد، ونافع، وابن اسحاق، والوليد بن كثير، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي - رضي الله عنه -: نهاني النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القراءة راكعًا... الحديث، ورواه الضحاك بن عثمان، وداود بن قيس الفرَّاء، وابن عجلان، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، فزادوا في الإسناد ابن عباس بين عبد الله بن حنين وعليٍّ - رضي الله عنه -؟ فقال أبو حاتم: «لم يقل هؤلاء الذين رووا عن أبيه: سمعتُ عليًّا، إلا بعضهم، وهؤلاء الثلاثة مستورون، والزيادة مقبولة من ثقة، وابن عجلان ثقة، والضحاك ابن عثمان ليس بالقوي ... وأسامة ليس بالقوي». وذكر ابن أبي حاتم أن أباه قال مَرَّةً أخرى: «الزهري أحفظ».(1/10)
وربما قبلوا الإسناد الناقص ولو لم يرد التصريح بالسماع في موضع الزيادة؛ لجلالة الراوي الذي نقص وحفظه وإتقانه(1)؛ كما في حديث عثمان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه))، الذي اختلف فيه شعبة والثوري، وهو الحديث الثامن عشر من أحاديث هذا الجزء(2).
ويُعَدُّ هذا الجزء فرعًا من موضوع كتاب "التتبع" الذي صَنَّفَه الدارقطني في بيان الأحاديث المعلولة في صحيحي البخاري ومسلم، غير أنه كما زاد في "التتبع" ذكر علل الأحاديث في "صحيح مسلم"، فقد شَمَل أيضًا عددًا أكثر من أحاديث البخاري، فَعِدَّةُ أحاديث هذا الجزء اثنان وعشرون حديثًا، وَعِدَّة أحاديث البخاري في "التتبع": مئة حديثٍ، وحديثٌ؛ بزيادة تسعة وسبعين حديثًا.
وقد تضمَّن هذا الجزء بعض الفوائد التي من أهمها:
وجود بعض الأحاديث فيه مما لم يذكره الدارقطني في "التتبع" ولا في "العلل"؛ كالحديثين رقم (10 و11)، وبعضها لم يذكرها في "التتبع"، وذكرها في "العلل"؛ كالأحاديث رقم (14 و15 و16).
ومنها: وقوفنا على القول الآخر للدارقطني في بعض الأحاديث التي تغيَّر اجتهاده فيها، مما يُطَمئننا إلى أن عِلَّتها ليس مقطوعًا بها، ويبقى بعد ذلك النظر: أي هذه الكتب كان أسبق: كتابنا هذا، أو "التتبع"، أو "العلل" ؟ وهذا مالم أجد مايسعفني في معرفته، والله أعلم.
ومن فوائد هذا الجزء أيضًا: أننا سَنَحْفَلُ في التعليق عليه بكلام أئمة آخرين على هذه الأحاديث التي اختلف فيها البخاري والدارقطني، فإنه مامن حديث من أحاديث هذا الجزء إلا وهناك أئمة آخرون يشاركون أحد هذين الإمامين في حكمه على الحديث، من آخرهم الحافظ ابن حجر؛ رحم الله الجميع.
__________
(1) ومن ذلك ترجيح أبي حاتم - في التعليق السابق - رواية الزهري.
(2) مع أن الدارقطني رجَّح في "العلل" رواية شعبة التي فيها الزيادة، وهذا يدلُّ على دِقَّة هذه المسالة.(1/11)
ومن فوائده أيضًا: تصحيح الأخطاء والأوهام التي في "التتبع"؛ كما في الحديث رقم (17).
ومن فوائده: أننا سنطَّلِع فيه على مُرَجِّحات وقرائن يعزُّ وجودها؛ تُرَجَّحُ بها بعض وجوه الاختلاف؛ كما تراه في التعليق على الحديث رقم (6)، في قول الحافظ ابن حجر(1) _ وهو يبيِّن عذر البخاري في إخراج الحديث -: «قلت: إذا صحّ أصل الحديث صحّ قول من وصله، وقد بيّن البخاري الخلاف فيه، وقد قدمنا أنه في مثل هذا يعتمد على القرائن». وقال أيضًا(2) : «نظر [يعني البخاري] إلى أصل الحديث، لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة».
وفي التعليق على الحديث رقم (15) قال(3) : «قلت: وإنما صححه البخاري مع هذا الاختلاف اعتمادًا على صحة سماع عروة من أبيه، وعلى صحة سماع عبد الله بن الزبير من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيفما دار فهو على ثقة. ثم الحديث ورد في شيء يتعلق بالزبير، فداعية ولده متوفرة على ضبطه، وقد وافقه مسلم على تصحيح طريق الليث التي ليس فيها ذكر الزبير». وقال أيضًا(4): «وإنما أخرجه البخاري بالوجهين على الاحتمال؛ لأن عروة صح سماعه من أبيه ، فيجوز أن يكون سمعه من أبيه وثبّته فيه أخوه، والحديث مشتمل على أمر متعلق بالزبير، فدواعي أولاده متوفرة على ضبطه، فاعتمد تصحيحه لهذه القرينة القوية. وقد وافق البخاري على تصحيح حديث الليث هذا: مسلم، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، وغيرهم، مع أن في سياق ابن الجارود له التصريح بأن عبد الله بن الزبير رواه عن أبيه الزبير، وهي رواية يونس عن الزهري، والله أعلم».
وقد وقع هذا الجزء للحافظ ابن حجر، ونقل منه بعض المسائل التي ليست في "التتبع"؛ كالكلام على الحديث رقم (14 و15)، غير أنه ليس من مسموعاته التي ذكرها في "المعجم المفهرس"، و"المجمع المؤسس".
__________
(1) في "
(2) في "(1/12)
وهذا الجزء من محفوظات قسم المخطوطات بالمكتبة المركزية بجامعة الملك سعود برقم (1280/11م)، وقد دلَّني عليه الأخ محمد المباركي كما أشرت إليه في المقدمة، وأعطاني مُصَوَّرَتَه.
ويقع في (7) ورقات، في الورقة وجهان، وفي الوجه (17) سطرًا، وفي السطر قرابة (12) كلمة.
وهو بخط نسخي جيد واضح ومقروء، وفيه تصويبات تدل على أنه قوبل، ويؤكد ذلك الدائرة المنقوطة عقب كل مقطع، غير أنه لحقه بعض الرطوبة التي التصقت بسببها بعض الورقات، وتداخل مدادها، ولم أستطع قراءة بعض كلماتها كما أوضحته في موضعه.
والجزء يقع ضمن مجموع ناسخه هو: محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد الكاتب.
وتاريخ النسخ: سنة 633هـ.
وجاء على صفحة العنوان ما نصُّه: «الجزء فيه بيان أحاديث أودعها البخاري رحمه الله كتابه الصحيح وبيّن عللها الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني - رضي الله عنه -»، وهو عنوان طويل أبقيت عليه لأني لم اظفر له بتسمية أخرى، وإن كان يمكن اختصاره هكذا: «بيان علل أحاديث في صحيح البخاري».(1/13)
وفي بداية الجزء مانصُّه: «بسم الله الرحمن الرحيم. قال أبو الفضل إسماعيل بن علي بن إبراهيم الْجَنْزَوي: أنا الأمين أبو محمد هِبَةُ الله بن أحمد بن محمد بن الأَكْفاني رحمه الله - بقراءة الصّائِن أبي الحسين هِبَةِ الله الحافظ وأنا أسمع في شهر رمضان سنة خمس عشرة وخمس مئة - قال: أنا الشيخ أبو نصر أحمد بن محمد بن سعيد الطُّرَيْثيثي الصُّوفي - مُسْتَهَلّ المحرم من سنة ثلاث وستين وأربع مئة في جامعها المعمور بقراءتي عليه - قال: وجدت في جزءٍ بمصر بخطِّ أبي الحسن علي بن عمر الدّارَقُطْني الحافظ رحمه الله؛ عند أبي الحسن علي بن بَقا الوَرّاق، ذكر أن الدارقطني كتبه لأبي عمران بن رباح، وترجمته: ما حضرني ذكره من الأحاديث التي خرّجها محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في كتاب "السنن الصحاح" عنده؛ مما اختلف في أسانيد بعضها، وفي إرسال بعضها، وفي إيصالها، وفي عدالة ناقليها وجرحهم».
وفيما يلي ترجمة لرجال إسناد النسخة المذكورين في مقدمة الجزء:
فراوي النسخة هو: الشيخ الفاضل الْمُحَدِّث الْفَرَضي الشُّرُوطي العدل؛ أبو الفضل إسماعيل ابن علي بن إبراهيم بن أبي القاسم الْجَنْزَوي(1) الأصل، الدمشقي، الكاتب، ويقال فيه : الْجَنْزي والكَنْجي.
مولده في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وأربع مئة، فهو أسن من الحافظ ابن عساكر بسنة.
سمع من الأمين هبة الله ابن الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وطاهر بن سهل، ويحيى بن بطريق، وطبقتهم.
وتفقه على جمال الإسلام أبي الحسن ابن المسلم، وأبي الفتح المصيصي.
روى عنه أبو المواهب ابن صصرى، والقاسم ابن عساكر، وابن الأخضر، وعبد القادر الرهاوي، والضياء المقدسي، وعبد الله بن الخشوعي، وابن عبد الدائم، وخلق.
__________
(1) نسبة إلى جَنْزَةَ، وهي من مدن أَرَّان، وهو إقليم صغير بين أَذَرْبيجان وأَرْمِينية. انظر "معجم البلدان" (2/171) و(4/482)، و"سير أعلام النبلاء" (1/235).(1/14)
وكان من كبار الشهود والْمُحَدِّثين .
مات في سَلْخ جمادى الأولى، سنة ثمان وثمانين وخمس مئة، وله تسعون عامًا وشهران(1).
وشيخه هو: الإمام المحدِّث الأمين، مفيد الشام؛ أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن فارس الأنصاري، الدمشقي المعدّل، المعروف بابن الأَكْفاني.
مولده في سنة أربع وأربعين وأربع مئة.
وسمع من والده وأبي القاسم الحنائي وأبي بكر الخطيب وعبدالعزيز الكتاني - ولازمه مدة - وخلق كثير.
وكان سمع وهو ابن تسع سنين.
حدث عنه أبو بكر ابن العربي وأبو طاهر السِّلَفي وابن عساكر وأبو طاهر الخشوعي وغيرهم.
قال السِّلَفي: هو مكثر ثقة حافظ، كتب ما لم يكتبه أحد من أبناء جنسه بالشام وكان تاريخ الشام.
وقال ابن عساكر: سمعت منه الكثير، وكان ثقة ثبتًا مُتَيَقِّظًا مَعْنِيًّا بالحديث وجمعه، غير أنه كان عسرًا في التحديث، وتفقَّه على القاضي المروزي مدة، وكان ينظر في الوقوف ويزكِّي الشهود.
توفي ابن الأكفاني في سادس المحرم سنة أربع وعشرين وخمس مئة بدمشق(2).
والقارئ هو: الإمام العالم الفقيه المفتي المحدث صائن الدين أبو الحسين هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الدمشقي الشافعي ابن عساكر، أخو الحافظ أبي القاسم، وكان الأكبر.
ولد سنة ثمان وثمانين وأربع مئة.
__________
(1) انظر ترجمته في "تكملة الإكمال" لابن نقطة (2/527)، و"المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي" (1/138-139)، و"معجم البلدان" (2/172)، و"سير أعلام النبلاء" (21/234-235)، و"تاريخ الإسلام" (41/294)، و"الوافي بالوفيات" (9/95)، و"طبقات الشافعية" (7/52-53).
(2) انظر ترجمته في: "معجم السفر: للسِّلَفي (ص410)، و"التقييد" (1/474-475)، و"تكملة الإكمال" (1/149) كلاهما لابن نقطة، و"مرآة الجنان" (3/240)، و"سير أعلام النبلاء" (19/576-578)، و"النجوم الزاهرة" (5/235)، و"شذرات الذهب" (4/73).(1/15)
حفظ القرآن العظيم في صباه، وتلا بالروايات على أبي الوحش سبيع صاحب الأهوازي وعلى مصنف المقنع في القراءات أحمد بن خلف الأندلسي.
وتفقه وبرع ورحل فسمع من أبي علي بن نبهان، وأبي علي ابن المهدي، وعِدَّة، وقرأ الأصول والنحو، وتقدم وسمع الكثير، وكتب بخطه من العلم شيئا كثيرًا، ودرس بالغزالية بالجامع الأموي، وعرضت عليه خطابة دمشق فامتنع، واجتهد به خاله القاضي أبو المعالي محمد بن يحيى القرشي أن ينوب عنه في الحكم فأبى.
حدث عنه أخوه أبو القاسم علي بن الحسن، وابنا أخيه: القاسم وزين الأمناء، وأبو القاسم بن صصرى، وسيف الدولة محمد بن غسان، وجماعة.
وقع في الحمام ففلج أيامًا، ثم مات في شعبان سنة ثلاث وستين وخمس مئة رحمه الله تعالى(1).
وشيخ هبة الله بن الأكفاني هو: أحمد بن محمد بن سعيد بن محمد بن الحسين أبو نصر القَيْسي، الطُّرَيْثيثي الدمشقي الصوفي.
مولده يوم الجمعة، الثاني عشر من المحرم، سنة أربع مئة، أو إحدى وأربع مئة.
سمع بمصر أبا الحسن علي بن منير، وأبا الحسن علي بن عمر بن محمد الحراني، وبدمشق أبا علي بن أبي نصر، وأبا الحسين أخاه، وأبا بكر خليل بن هبة الله بن محمد التميمي، وأبا حفص عمر بن أحمد بن محمد الواسطي ببيت المقدس.
روى عنه عمر بن عبد الكريم الدهستاني، وعمر الرؤاسي، وجمال الإسلام أبو الحسن السُّلَمي.
توفي يوم الثلاثاء، التاسع من رجب، سنة سبع وثمانين وأربع مئة، بدمشق.
وكان سبب وفاته: أن امرأة قد جُنَّتْ، فرآها أبو نصر الطريثيثي هذا على باب الجامع مكشوفة الرأس، فأمرها أن تغطي رأسها، فضربته بسكين، فمات بعد أيام(2).
__________
(1) انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (20/495-496)، و"تاريخ الإسلام" (39/181-183)، و"الوافي بالوفيات" (27/156)، و"فوات الوفيات" (2/577).
(2) انظر ترجمته في "تاريخ دمشق" (5/363)، و"تاريخ الإسلام" (33/200).(1/16)
وأما أبو عمران بن رباح الذي كتب له الدارقطني هذا الجزء: فلم أجد من ترجم له، وقد روى الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(1) قصة من طريق أبي يعقوب بن يوسف بن يعقوب، حدثني أبو عمران بن رباح، عن أبي بكر بن مجاهد، عن محمد بن الجهم، عن الفراء قال: تغدَّى الحجاج يومًا مع الوليد... إلخ.
وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(2): « ومما يدل على سعة علم مقاتل: ما قرأت بخط يعقوب النميري، قال: حدثني أبو عمران بن رباح، عن سركس قال: خرجت مع المهدي إلى الصيد...» إلخ.
وذكر النديم في "الفهرست"(3) أبا عمران موسى بن رباح المعتزلي، وهو من أصحاب الأخشيد، ومات على حدود الأربع مئة(4).
فلست أدري أهؤلاء المذكورون رجل واحد، أو أكثر، ولكن تشابهت الكنية والنسبة؟ وهل المذكور في هذا الجزء واحد منهم أو لا؟
وأما الذي وجد أبو نصر الطُّرَيْثيثي عنده هذا الجزء بخط الدارقطني: فهو محدث ديار مصر؛ أبو الحسن علي بن بقا بن محمد الورَّاق المصري، كاتب الحافظ عبد الغني ابن سعيد الأزدي، كتب الكثير، وروى عن الحافظ عبد الغني، والقاضي أبي الحسن الحلبي، وأبي عبد الله محمد بن الحسين بن عمر اليمني التنوخي، وطائفة، روى عنه سهل بن بشر الإسفرايني والعلاء بن أبي المغيرة الأندلسي وأبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي، وتوفي سنة خمسين وأربع مئة(5). والله أعلم.
نماذج من النسخة الخطِّيَّة
الجزء فيه بيان أحاديث أودعها البخاري رحمه الله كتابه الصحيح
وبيّن عللها الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن
أحمد بن مهدي الدارقطني - رضي الله عنه -
بسم الله الرحمن الرحيم
__________
(1) 12/155).
(2) 10/253).
(3) ص246 و247).
(4) كما في "لسان الميزان" (6/117).
(5) انظر في ترجمته: "تاريخ دمشق" (7/281)، و"المنتظم" (11/336)، و"وفيات الأعيان" (3/214)، و"العبر" للذهبي (3/225)، و"طبقات الشافعية" (1/243)، و"شذرات الذهب" (3/189 و285).(1/17)
قال أبو الفضل إسماعيل بن علي بن إبراهيم الْجَنْزَوي: أنا الأمين أبو محمد هِبَةُ الله بن أحمد بن محمد بن الأَكْفاني رحمه الله - بقراءة الصّائِن أبي الحسين هِبَةِ الله الحافظ وأنا أسمع في شهر رمضان سنة خمس عشرة وخمس مئة - قال: أنا الشيخ أبو نصر أحمد بن محمد بن سعيد الطُّرَيْثيثي الصُّوفي - مُسْتَهَلّ المحرم من سنة ثلاث وستين وأربع مئة في جامعها المعمور بقراءتي عليه - قال: وجدت في جزءٍ بمصر بخطِّ أبي الحسن علي بن عمر الدّارَقُطْني الحافظ رحمه الله؛ عند أبي الحسن علي بن بَقا الوَرّاق، ذكر أن الدارقطني كتبه لأبي عمران بن رباح، وترجمته: ما حضرني ذكره من الأحاديث التي خرّجها محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في كتاب "السنن الصحاح" عنده؛ مما اختلف في أسانيد بعضها، وفي إرسال بعضها، وفي إيصالها، وفي عدالة ناقليها وجرحهم:(1/18)
[1]ـ أخرج البخاري رحمه الله(1) عن إسحاق بن شاهين، عن خالد(2)، عن الشيباني(3)، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه (4)، عن أبي موسى: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذًا إلى اليمن ...، الحديث بطوله، وفيها(5): قلت: يا رسول الله، إن بها أَشْرِبَةً، وهي البِتْعُ والمِزْرُ(6)، فقال: ((كل مسكر حرام)).
ثم قال البخاري على إثره: وقال جرير(7) وعبد الواحد(8): عن الشيباني، عن أبي بردة، عن أبي موسى(9).
__________
(1) في "صحيحه" برقم (4343)، ولفظه: حدثني إسحاق؛ حدثنا خالد، عن الشيباني، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى اليمن، فسأله عن أشربة تُصنع بها، فقال: ((وما هي؟))، قال: البِتْع والمِزْر - فقلت لأبي بردة: ما البِتْع؟ قال: نبيذ العسل، والمِزْر: نبيذ الشعير - فقال: ((كل مسكر حرام)). رواه جرير وعبد الواحد، عن الشيباني، عن أبي بردة .اهـ .
(2) هو: ابن عبد الله الطّحّان الواسطي.
(3) هو: أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز.
(4) هو: أبو بردة بن أبي موسى الأشعري.
(5) كذا في الأصل، وحقه أن يقول: «وفيه»، فلعله أراد: «وفي القصة».
(6) تقدم تفسيرها.
(7) هو: ابن عبد الحميد.
(8) هو: ابن زياد.
(9) لم يذكر البخاري - فيما اطَّلعت عليه من نسخ "صحيحه" - قوله: «عن أبي موسى»، ولم يذكره الدارقطني أيضًا في "التتبع" (ص161)، وَذِكْرُه صحيح كما سيأتي في تخريج الروايات.(1/19)
وأخرجه أيضًا(1) عن موسى بن إسماعيل(2)، عن أبي عوانة(3)، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا وأبا موسى، ولم يذكر بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أبي بردة أحدًا(4)
__________
(1) برقم (4341 و4342)، ولفظه: حدثنا موسى؛ حدثنا أبو عوانة؛ حدثنا عبد الملك، عن أبي بردة قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن. قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف - قال: واليمن مخلافان - ثم قال: ((يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنَفِّرا))، فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبًا من صاحبه أحدث به عهدًا، فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبًا من صاحبه أبي موسى، فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه، وإذا هو جالس وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس، أيم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه، قال: لا أنزل حتى يقتل؛ قال: إنما جيء به لذلك، فانزل، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل، ثم نزل فقال: يا عبد الله، كيف تقرأ القرآن؟ قال: أتفوّقه تفوّقًا، قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل، فأقوم وقد قضيت جزئي من النوم، فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
(2) هو: أبو سلمة التَّبوذَكي.
(3) هو: الوَضّاح بن عبد الله اليَشْكُري.
(4) وخالف موسى بنَ إسماعيل الهيثمُ بنُ جميل، فرواه عن أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة، عن أبي موسى، به هكذا موصولاً. أخرجه البزار (3153). وأخرجه البزار أيضًا (3154) من طريق عبد الحكيم بن منصور، عن عبد الملك بن عمير، به موصولاً كذلك. لكن عبد الحكيم بن منصور هذا متروك، وكذّبه ابن معين كما في "التقريب" (3750).
وقد ذكر الدارقطني في "التتبع" (ص162-164رقم 37) طريق موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة هذه، ثم قال: «وقد خالف الهيثم بن جميل؛ رواه عن أبي عوانة، عن عبد الملك، عن أبي بردة، عن أبيه. تابعه عبد الحكيم [في الأصل: عبد الحكم]».
وذكر في "العلل" (1298) الاختلاف في هذا الحديث، ثم قال: «والصواب من حديث عبد الملك: المرسل، ومن حديث الشيباني: عن أبي بردة، عن أبي موسى».
ولما ذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص371) ذِكْرَ الدارقطني لطريق الهيثم بن جميل؛ قال: «قلت: هذا يقوِّي حديث أبي موسى [في الأصل: حديث موسى]، وذلك أن البخاري أخرج هذا الحديث من طرق، منها: عن أبي بردة، عن أبي موسى، فاعتمد أن أبا بردة حمله عن أبيه، وترجّح ذلك عنده بقرينة كونها تختص بأبيه، فدواعيه متوفرة على حملها عنه؛ كما تقدمت نظائره...» إلخ.
وذكر في "فتح الباري" (8/61) رواية البخاري المرسلة هذه، ثم قال: «هذا صورته مرسل، وقد عقبه المصنف بطريق سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى، وهو ظاهر الاتصال، وإن كان فيما يتعلق بالسؤال عن الأشربة، لكن الغرض منه إثبات قصة بعث أبي موسى إلى اليمن، وهو مقصود الباب، ثم قوّاه بطريق طارق بن شهاب؛ قال: حدثني أبو موسى؛ قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض قومي ... الحديث، وهو وإن كان إنما يتعلق بمسألة الإهلال، لكنه يثبت أصل قصة البعث المقصودة هنا أيضًا، ثم قوّى قصة معاذ بحديث ابن عباس في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - له حين أرسله إلى اليمن، وبرواية عمرو بن ميمون عن معاذ، والمراد بها أيضًا إثبات أصل قصة بعث معاذ إلى اليمن، وإن كان سياق الحديث في معنى آخر».(1/20)
، وقد بيَّن هو اختلاف بعض الرواة في إسناده(1) .
قلت أنا: وهذا الحديث قد رواه جماعة من الحفاظ الثقات عن الشيباني، منهم: جرير بن عبد الحميد(2)، وعبد الواحد بن زياد(3)، ومحمد بن فضيل(4)، وعلي بن مُسْهِر(5)، وعمرو بن أبي قيس(6)، وسفيان الثوري، وإبراهيم بن الزّبْرقان(7)، وورقاء بن عمر(8)، وإبراهيم بن طَهْمان، ومنصور بن أبي الأسود، وسعيد بن حازم أبو عبد الله التيمي وغيرهم(9)؛ رووه عن الشيباني، عن أبي بردة، عن أبي موسى؛ لم يذكر أحد في إسناده سعيد بن أبي بردة كما ذكره خالد (10)
__________
(1) يعني حين قال: رواه جرير وعبد الواحد، عن الشيباني، عن أبي بردة.
(2) أخرج روايته الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (4/153) من طريق الجرجاني صاحب "الأمالي".
(3) لم أجد من أخرجها، ولم يصلها الحافظ ابن حجر في الموضع السابق من "تغليق التعليق"، وقد ذكرها الدارقطني أيضًا في "العلل" (7/214)، و"التتبع" (ص161).
(4) أخرج روايته النسائي في "سننه" (5604)، وابن حبان في "صحيحه" (5377).
(5) أخرج روايته ابن أبي شيبة (24087 و24313)، وأبو عوانة (5/99 رقم 7945).
(6) لم أجد روايته على هذا الوجه، ولكن أخرجه الطبراني في "الصغير" (1048) فقال: حدثنا محمد بن نوح الجنديسابوري، حدثنا موسى بن سفيان الجنديسابوري، حدثنا عبد الله بن الجهم، عن عمرو بن أبي قيس، عن أبي ليلى، عن الشعبي، عن أبي بردة، عن أبي موسى ومعاذ بن جبل قالا: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن... . الحديث. ثم قال الطبراني: «لم يروه عن الشعبي إلا ابن أبي ليلى، تفرد به عمرو بن أبي قيس».
(7) أخرج روايته أبو عوانة في "مسنده" (5/99 رقم 7944).
(8) أخرج روايته أبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (362).
(9) ومنهم أيضًا: حفص بن غياث، وروايته أخرجها أبو داود في "سننه" (4356).
(10) ذكر الدارقطني في "التتبع" (ص161رقم35) هذا الحديث وتكلم عليه بنحو ما هنا، وذكر الاختلاف فيه أيضًا في "العلل" (1298)، ولم يرجح.
والغريب أن الدارقطني رجَّح هنا بالكثرة، مع كونهم نقصوا من الإسناد، ولم يُصَرِّح أحد منهم في روايته بالسماع في موضع الزيادة، ومن عادة الدارقطني قبول الإسناد الزائد في غالب أحكامه؛ كما بيَّنته في المقدمة (ص)، والذي ظهر لي أن للبخاري رحمه الله في إخراجه لهذا الطريق شفوف نظر، وذلك أن للحديث أصلاً من رواية سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده أبي موسى - رضي الله عنه -؛ أخرجه البخاري (3038 و4344 و4345 و6124)، ومسلم (1733 وبعد 2001) من طريق شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، به، ورواه مسلم أيضًا في الموضع نفسه من طريق عمرو بن دينار وزيد بن أبي أُنيسة، كلاهما عن سعيد، به.
وبما أن أبا إسحاق الشيباني لم يصرِّح بالسماع من أبي بردة، وأدخل خالد بن عبد الله الواسطي في روايته عنه بينه وبين أبي بردة: سعيد بن أبي بردة، فإن رواية خالد هذه تُقَدَّم على رواية غيره بناءً على القاعدة التي ذكرتها في المقدِّمة (ص)، ولا نقدِّم رواية غيره عليه إلا إذا وقع التصريح فيها بالسماع بين أبي إسحاق وأبي بردة، والله أعلم.
هذا، واعلم أن الكلام السابق إنما هو على طريقي أبي إسحاق الشيباني وعبد الملك بن عمير.
وللحديث طريق أخرى عن أبي بردة؛ يرويها بريد بن عبد الله، عنه؛ أخرجها مسلم (1732 وقبل الحديث 1825)، وطريق أخرى يرويها حميد بن هلال، عن أبي بردة، أخرجها البخاري (2261 و6923 و7156 و7157)، ومسلم (قبل الحديث 1825).
وله طريق أخرى عن أبي موسى - رضي الله عنه - يرويها ابنه أبو بكر؛ أخرجها الإمام أحمد (4/402) وغيره .
ولبعض هذه الطرق علل دفعت الدارقطني لذكرها في "التتبع" (ص161و164-165 رقم 36و38)، و"العلل" (7/215)، وانظر "تاريخ بغداد" (2/375)، و"تحفة الأشراف" (6/451)، و"هدي الساري" (ص371)، و"تغليق التعليق" (4/154).(1/21)
.
[2]ـ وأخرج البخاري أيضًا رحمه الله(1) حديث العوّام بن حَوْشب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن السَّكْسَكي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مرض العبد أو سافر يقول الله - عز وجل -: اكتبوا لعبدي ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا))، أو كما قال.
__________
(1) في "صحيحه" برقم (2996)، فقال: حدثنا مطر بن الفضل؛ حدثنا يزيد بن هارون؛ حدثنا العوام؛ حدثنا إبراهيم أبو إسماعيل السَّكْسَكي؛ قال: سمعت أبا بردة، واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: سمعت أبا موسى مرارًا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مرض العبد أو سافر؛ كُتِب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا)).
وأخرجه ابن أبي شيبة (10805)، والإمام أحمد (4/410 و418 رقم 19679 و19753)، وعبد بن حميد (534)، وابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" (123)، وابن حبان (2929)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/85)، والبيهقي في "السنن" (3/374)، "وشعب الإيمان" (9928)، جميعهم من طريق يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، به.
وأخرجه الإمام أحمد أيضًا (4/418 رقم19753)، والمحاملي في "الأمالي" (366)، من طريق محمد بن يزيد الكلاعي، عن العوام، به.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (778)، وأبو نعيم في "الحلية" (10/24) من طريق أحمد بن أبي الحواري، عن حفص بن غياث، عن مِسْعَر بن كِدام والعوام بن حوشب، عن إبراهيم السَّكْسَكي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، به مرفوعًا. قال الطبراني: «لم يروه عن مسعر إلا حفص ، تفرد به ابن أبي الحواري».
وقد أعلَّ الدارقطني هذه الرواية، فقال في "العلل" (1290): «وقال أحمد بن أبي الحواري: عن حفص بن غياث، عن العوام ومسعر، عن إبراهيم، عن أبي بردة، عن أبي موسى، حمل حديث أحدهما على الآخر، ومسعر لا يُسْنِده، والعوام يسنده».(1/22)
وهذا حديث تفرّد به العوّام بن حَوْشب متّصلاً مُسْندًا، وخالفه مِسْعَر بن كِدام - وهو أثبت منه - فرواه عن إبراهيم بن عبد الرحمن السَّكْسَكي، عن أبي بردة من قوله، ولم يذكر فيه أبا موسى، ولا رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -(1)
__________
(1) ذكر الدارقطني هذا الحديث في "التتبع" (ص165-166 رقم 39)، و"العلل" (1290) بنحو ما هنا.
وذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص363) إعلال الدارقطني، وأجاب عنه بقوله: «قلت: مسعر أحفظ من العوام بلا شك، إلا أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي، فهو في حكم المرفوع، وفي السياق قصة تدل على أن العوام حفظه، فإن فيه: اصطحب يزيد بن أبي كبشة وأبو بردة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: أفطر؛ فإني سمعت أبا موسى مرارًا يقول ... فذكره، وقد قال أحمد بن حنبل: إذا كان في الحديث قصة دلّ على أن راويه حفظه. والله أعلم».اهـ.
وذكر أيضًا في "فتح الباري" (6/136-137) بعض الشواهد لهذا الحديث، ومنها:
ما أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (1/117 رقم255) عن مُحَمَّدِ بن الْمُنْكَدِرِ، عن سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عن رَجُلٍ عِنْدَهُ رِضًا؛ أَنَّهُ أخبره أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما مِنِ أمرئٍ تَكُونُ له صَلاَةٌ بِلَيْلٍ يَغْلِبُهُ عليها نَوْمٌ، إِلاَّ كَتَبَ الله له أَجْرَ صَلاَتِهِ، وكان نَوْمُهُ عليه صَدَقَةً)).
ومن طريق مالك أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (1237)، وأبو داود (1314)، والنسائي (1784)، وابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة" (1/195).
والرجل الذي أبهمه سعيد بن جبير، وأخبر أنه عنده رضًا: هو الأسود بن يزيد؛ نصَّ على ذلك النسائي وابن بشكوال في الموضع السابق، وابن عبد البر في "التمهيد" (12/261)، و"الاستذكار" (2/80)، واستدلوا برواية أبي جعفر الرازي للحديث عن محمد بن المنكدر، عن سعيد بن جبير، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة.
أخرجه النسائي (1785)، والطبراني في "الأوسط" (6172)، ومن طريق النسائي أخرجه ابن عبد البر في الموضع السابق من "التمهيد"، وابن بشكوال في الموضع السابق من كتابه.
قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/231) بعد أن ذكره: «رواه مالك وأبو داود والنسائي، وفي إسناده رجل لم يُسَمَّ، وسماه النسائي في رواية له: الأسود بن يزيد، وهو ثقة ثبت، وبقية إسناده ثقات».
ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق (20308) - ومن طريقه الإمام أحمد (2/203 رقم6895) – عن معمر، عن عاصم بن أبي النجود، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة، ثم مرض؛ قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طليقًا حتى أطلقه أو أكفته إلي)). قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/147): «وإسناده حسن»، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/303): «إسناده صحيح»، وذكر ابن حجر في الموضع السابق أن الحاكم صححه.
ومنها: ماأخرجه ابن أبي شيبة (10927)، والإمام أحمد (3/148 و238 و258 رقم12503 و13501 و13712)، وابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات" (160)، وأبو يعلى (4233 و4235) من طريق حماد بن سلمة، عن أبي ربيعة سنان بن ربيعة، عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله: اكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله وطهره، وإن قبضه غفر له ورحمه)).
قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/147): «رواه أحمد، ورواته ثقات»، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/304): «رواه أبو يعلى وأحمد، ورجاله ثقات».(1/23)
.
[3]ـ وأخرج البخاري(1) عن علي بن عيّاش، عن أبي غسّان - هو محمد بن مُطَرِّف - عن أبي حازم(2)، عن سهل بن سعد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نظر إلى رجل يقاتل المشركين ... القصّة بطوله (3)، وفي آخره: ((إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس، وإنه لمن أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها)).
__________
(1) في "صحيحه" برقم (6493)، ولفظه: حدثنا علي بن عيّاش الأَلْهاني الحمصي؛ حدثنا أبو غسان؛ قال: حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد الساعدي؛ قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل يقاتل المشركين - وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم - فقال: ((من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا))، فتبعه رجل، فلم يزل على ذلك حتى جرح، فاستعجل الموت، فقال بذبابة سيفه، فوضعه بين ثدييه، فتحامل عليه حتى خرج من بين كتفيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن العبد ليعمل _ فيما يرى الناس _ عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار، ويعمل _ فيما يرى الناس _ عمل أهل النار وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بخواتيمها)).
وأخرجه برقم (6607) من طريق سعيد بن أبي مريم، عن أبي غسان، عن أبي حازم، به.
ومن طريق سعيد بن أبي مريم أخرجه أيضًا أبو عوانة (140)، والطبراني في "الكبير" (5784).
وأخرجه الإمام أحمد (5/335 رقم 22835) من طريق يزيد بن هارون، والبغوي في "الجعديات" (2929) من طريق علي بن الجعد، والطبراني (5799) من طريق يحيى بن الحارث الشيرازي، ثلاثتهم عن أبي غسان محمد بن مطرف، به.
(2) هو: سلمة بن دينار.
(3) كذا في الأصل.(1/24)
قلت: وهذه الكلمة _ ((إنما الأعمال بخواتيمها)) _ لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي حازم غير أبي غسان وحده، تفرد بها دون أصحابه(1)، وقد روى هذا الحديث جماعة نحوٌ من عشرة عن أبي حازم، فلم يذكرها أحد منهم عنه، منهم: يعقوب بن عبد الرحمن القاريّ(2)، وعبد العزيز بن أبي حازم(3)، وسعيد بن عبد الرحمن الْجُمحي(4)، والجرّاح بن موسى الأسدي(5)، وغيرهم(6)
__________
(1) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "الغرائب والأفراد" (2147/أطرافه)، وقال: «ثابت غريب من حديثه [يعني : أبا حازم]، عن سهل، قوله: ((إنما الأعمال بالخواتيم))، تفرد به بهذا اللفظ أبو غسان».
(2) أخرج روايته البخاري في "صحيحه" برقم (2898 و 4202) ، ومسلم (112، وبعد 2651)، والطبراني في "الكبير" (6001).
(3) روايته أخرجها البخاري في "صحيحه" (4207)، وعبد بن حميد في "مسنده" (459)، والطبراني في "الكبير" (5891)، وعلقها أبو عوانة في "مسنده" عقب الحديث (140).
(4) أخرج روايته أبو يعلى (7544)، والطبراني (5825)، والبغوي في "الجعديات" (2930 و2931) بعد أن قال: «وقد روى هذا الحديث سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن أبي حازم، وزاد فيه كلامًا كثيرًا».
(5) لم أجد روايته، وليس هو بالمشهور، بل ضعفه الأزدي وجهّله كما في "لسان الميزان" (405).
(6) منهم: عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وروايته أخرجها الإمام أحمد (5/332 رقم 22813)، ومنهم: سليمان بن بلال، وروايته أخرجها عبد بن حميد (457)، والطبراني (5806)، ومنهم: أسامة بن زيد، وروايته أخرجها ابن حبان (6175)، ومنهم: محمد بن جعفر بن أبي كثير وفضيل بن سليمان، وروايتهما أخرجها الطبراني أيضًا (5830 و5952).
وذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص201 رقم70) فقال: «وأخرج البخاري حديث أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل: ((إنما الأعمال بخواتيمها))، رواه ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسعيد الجمحي، لم يقولوا هذا. وأخرجه مسلم من حديث يعقوب فقط».
وذكر الحافظ ابن حجر كلام الدارقطني هذا في "مقدمة الفتح" (ص380)، ثم قال: «قلت: زادها أبو غسان وهو ثقة حافظ، فاعتمده البخاري».
كذا قال الحافظ! والذي يظهر أن ماذهب إليه الدارقطني من إعلال رواية أبي غسان محمد بن مطرف هو الصواب، ولعله الذي منع مسلمًا من إخراج طريقه هذا.
وأما لفظ: ((الأعمال بالخواتيم)): فإنه صحيح من حيث المعنى؛ فقد جاء معناه في عدّة أحاديث، منها: حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)). أخرجه البخاري (3208)، ومسلم (2643).
وقد أخرج ابن حبان في "صحيحه" (339) حديث معاوية - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إنما الأعمال بخواتيمها كالوعاء، إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله)).(1/25)
.
[4]ـ وأخرج البخاري(1)
__________
(1) في "صحيحه" برقم (1368)، ولفظه: حدثنا عفان بن مسلم؛ حدثنا داود بن أبي الفُرات، عن عبد الله ابن بريدة، عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة - وقد وقع بها مرض - فجلست إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فمرّت بهم جنازة ، فأُثنيَ على صاحبها خيرًا، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت، ثم مُرّ بأخرى، فأُثنيَ على صاحبها خيرًا، فقال عمر - رضي الله عنه -: وجبت، ثم مُرّ بالثالثة ، فأُثنيَ على صاحبها شرًّا، فقال: وجبت، فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة))، فقلنا: وثلاثة؟ قال: ((وثلاثة))، فقلنا: واثنان؟ قال: ((واثنان))، ثم لم نسأله عن الواحد.
ثم أخرجه البخاري أيضًا برقم (2643) من طريق شيخه موسى بن إسماعيل، عن داود بن أبي الفرات، به مثل اللفظ السابق، إلا أنه قال: «وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتًا ذريعًا».
وأخرجه ابن أبي شيبة (11996)، والإمام أحمد (1/45 رقم318)، والبيهقي (4/75) من طريق عفان بن مسلم، والإمام أحمد أيضًا (1/30 رقم204)، والنسائي (1934)، وابن حبان (3028) من طريق أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، والإمام أحمد أيضًا (1/21و45 رقم139 و318) من طريق يونس بن محمد المؤدب وعبد الصمد بن عبد الوارث، والترمذي (1059) من طريق أبي داود الطيالسي، والبزار (312) من طريق عارم محمد بن الفضل السدوسي – على شك من البزار فيه - والنسائي في الموضع السابق من طريق أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وأبو يعلى (145) من طريق شيبان بن فروخ، والبيهقي (10/123) من طريق موسى بن إسماعيل، جميعهم عن داود بن أبي الفرات، به.(1/26)
رحمه الله أيضًا حديث داود بن [أبي](1) الفُرات، عن عبد الله ابن بريدة، عن أبي الأسود الدِّيلي(2)، عن عمر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه مُرَّ عليه بجنازة، فقال: ((وجبت)) ... الحديث بطوله.
قلت: وهذا مما انفرد به داود بن أبي الفُرات، عن ابن بريدة، وغير داود أثبت منه.
وقال علي بن المديني في هذا الحديث: إن عبد الله بن بريدة إنما يروي عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود الديلي، ولم يقل في هذا الحديث: سمعت أبا الأسود، فيكون متصلاً(3) ذلك الحديث عنده من هذا الوجه.
قلت: وقد روى هذا الحديث وكيع - وهو من الحفاظ - عن عمر بن الوليد [الشَّنِّي](4)، عن عبد الله بن بريدة مرسلاًلم يذكر فيه أبا الأسود ولا غيره، حدّث به أحمد بن حنبل(5)، عن وكيع كذلك(6)
__________
(1) ما بين المعقوفين سقط من المخطوط فاستدركته من "صحيح البخاري"، وسيأتي على الصواب.
(2) ويقال: الدُّؤَلي، مشهور بكنيته، ومختلف في اسمه، فقيل: ظالم بن عمرو، وقيل: عمرو بن ظالم، وقيل: عمرو بن عثمان، وقيل عثمان بن عمرو، وقيل غير ذلك. انظر "تقريب التهذيب" (7940).
(3) نقل الدارقطني في "التبع" (ص316) قول علي بن المديني من بدايته إلى هنا، وعن الدارقطني نقله ابن حجر في "فتح الباري" (3/230).
(4) في الأصل: «السني»، والتصويب من "التتبع" (ص316)، و"العلل" (2/247) كلاهما للدارقطني، وانظر "الجرح والتعديل" (6/139رقم761)، و"تعجيل المنفعة" (1779).
(5) في "مسنده" (1/54 رقم 389).
(6) ذكر الدارقطني هذا الحديث في "التتبع" (ص270رقم126) وقال: «وقد كتبت علّته في موضع آخر»، ثم ذكره في (ص316 برقم162)، وفصَّل في عِلَّته بنحو ما هنا.
وذكره في "العلل" (247) فقال: «هو حديث رواه عبد الله بن بريدة، واختلف عنه. فرواه داود بن أبي الفرات - وهو ثقة - عن ابن بريدة، واختلف عن داود. فقال يعقوب الحضرمي: عنه، عن ابن بريدة، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود، ووهم في ذكر يحيى بن يعمر في إسناده؛ لكثرة من خالفه من الثقات الحفاظ عن داود، منهم: عفان بن مسلم، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وزيد بن الحباب، ويونس بن محمد المؤدب، وأبو عبد الرحمن المقرئ، وأبو الوليد الطيالسي، وشيبان بن فروخ، وغيرهم، فإنهم رووه عن داود، عن ابن بريدة، عن أبي الأسود، لم يذكروا بينهما أحداً. وكذلك رواه سعيد بن رزين، عن عبد الله بن بريدة، عن أبي الأسود، كرواية الجماعة عن داود. ورواه عمر بن الوليد الشني، عن عبد الله بن بريدة _ مرسلاً _ عن عمر لم يذكر بينهما أحداً. والمحفوظ من ذلك ما رواه عفان ومن تابعه عن داود بن أبي الفرات».اهـ.
فترجيح الدارقطني في هذا الموضع من "العلل" يخالف ظاهر كلامه في جزئه هذا، وهو يدل على تغيُّر اجتهاده، لكن لاندري أيَّ قوليه الآخر.
فتلخَّص مما سبق أن للحديث عِلَّتين: إحداهما: أنه من رواية عبد الله بن بريدة عن عمر - رضي الله عنه - مرسلاً، رواه هكذا عمر بن الوليد الشَّنِّي، وروايته غير محفوظة؛ كما يقتضيه كلام الدارقطني في "العلل".
العِلَّة الثانية: أن عبد الله بن بريدة لم يصرِّح بالسماع من أبي الأسود، وهو عادة ما يروي عنه بواسطة يحيى بن يعمر، وقد أثبت هذه الواسطة يعقوب الحضرمي في روايته للحديث عن داود بن أبي الفرات، فوهم في ذلك.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص356) كلام الدارقطني هنا، ثم قال: «ولم أره إلى الآن من حديث عبد الله بن بريدة إلا بالعنعنة، فعلته باقية، إلا أن يعتذر للبخاري عن تخريجه بأن اعتماده في الباب إنما هو على حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بهذه القصة سواء، وقد وافقه مسلم على تخريجه، وأخرج البخاري حديث أبي الأسود كالمتابعة لحديث عبد العزيز بن صهيب، فلم يستوف نفي العلة عنه كما يستوفيها فيما يخرجه في الأصول، والله أعلم».
وقال في "فتح الباري" (3/230): «قلت: وابن بريدة ولد في عهد عمر، فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب، لكن البخاري لا يكتفى بالمعاصرة فلعله أخرجه شاهدًا، واكتفى للأصل بحديث أنس الذي قبله، والله أعلم».(1/27)
.
[5]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1)
__________
(1) في "صحيحه" برقم (764)، فقال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مُلَيكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم؛ قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لَكَ تقرأ في المغرب بِقِصارٍ وقد سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطولَى الطوليين؟.
ومن طريق أبي عاصم أخرجه ابن خزيمة (515)، والطبراني ( 5/122 رقم 4812)، والبيهقي (2/392).
وأخرجه عبد الرزاق (2691) فقال: أخبرنا ابن جريج؛ قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة يقول: أخبرني عروة ابن الزبير: أن مروان بن الحكم أخبره؛ قال: قال لي زيد بن ثابت ... فذكره.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الإمام أحمد (5/189 رقم21646)، وأبو داود (812)، وابن خزيمة (516)، والطبراني ( 4811 ).
وأخرجه الإمام أحمد أيضًا (5/188 و189 رقم21641 و21646) من طريق محمد بن جعفر ومحمد بن بكر البرساني، كلاهما عن ابن جريج، به.
وأخرجه النسائي (990) من طريق خالد بن الحارث، وابن خزيمة (516) من طريق روح بن عبادة، وابن المنذر في "الأوسط" (2/337) من طريق حجاج بن محمد، جميعهم عن ابن جريج، به، وفي رواية روح وحجاج تصريح ابن جريج بالسماع.(1/28)
حديث ابن جُرَيج(1)، عن ابن أبي مُلَيكة(2)، عن عروة(3)، عن مروان(4)؛ قال: قال لي زيد بن ثابت: مالَكَ تقرأ في المغرب بقصار الْمُفَصَّل وقد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ فيها بطولِ(5) الطوليين؛ عن أبي عاصمٍ(6)، عنه.
__________
(1) هو: عبد الملك بن عبد العزيز.
(2) هو: عبد الله بن عبيد الله.
(3) هو: ابن الزبير.
(4) هو: ابن الحكم.
(5) كذا جاء في الأصل، وهو من التصحيف الذي وقع لبعض المحدّثين. قال الخطابي في "إصلاح خطأ المحدّثين" (ص61-62): «ومنها: حديث زيد بن ثابت؛ قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بطولى الطوليين؛ يعني سورة الأعراف، يرويه المحدِّثون: "بطول الطوليين"، وهو خطأ فاحش، فالطول: الحبل، وإنما هو: بطولَى؛ تأنيث أطول، والطوليان: تثنية الطولى؛ يريد أنه يقرأ فيها بأطول السورتين؛ يريد الأنعام والأعراف».اهـ. وانظر "غريب الحديث" لابن الجوزي (2/45).
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/247): «قوله: "بطولى الطوليين"؛ أي بأطول السورتين الطويلتين، وطولى: تأنيث أطول، والطوليين - بتحتانيتين -: تثنية طولى، وهذه رواية الأكثر، ووقع في رواية كريمة: بطول - بضم الطاء، وسكون الواو - ووجَّهه الكرماني: بأنه أطلق المصدر وأراد الوصف؛ أي: كان يقرأ بمقدار طول الطوليين، وفيه نظر؛ لأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر السورتين، وليس هو المراد كما سنوضِّحه، وحكى الخطابي أنه ضبطه عن بعضهم بكسر الطاء، وفتح الواو؛ قال: وليس بشيء؛ لأن الطِّوَل: الحبل، ولا معنى له هنا. انتهى...».
(6) هو: الضحاك بن مخلد النَّبيل، والجار والمجرور متعلق بقوله: «وأخرج»، والمعنى: وأخرج البخاري عن أبي عاصم، عن ابن جريج.(1/29)
قلت: وقد رواه أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل(1)، عن عروة، فخالف رواية ابن أبي مُلَيكة؛ رواه أبو الأسود عن عروة، عن زيد بن ثابت،لم يذكر فيه مروان بن الحكم؛ قال ذلك عمرو بن الحارث(2) - وهو من الأثبات - عن أبي الأسود كذلك.
واختُلِف عن هشام بن عروة في روايته لهذا الحديث عن أبيه، وقال يحيى بن سعيد القطان(3)، والليث بن سعد(4)، وحماد بن سلمة(5)، وغيرهم(6)
__________
(1) وهو المعروف بـ «يتيم عروة». وقد ذكر روايته الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/274)، ثم قال: «وصرح الطحاوي من هذا الوجه بالإخبار بين عروة وزيد، فكأن عروة سمعه من مروان عن زيد، ثم لقي زيدًا فأخبره». وسيأتي تخريج روايته.
(2) روايته أخرجها النسائي (989)، وابن خزيمة (541)، وابن حبان (1836)، والطبراني (5/122 رقم 4813).
وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/211) من طريق حيوة بن شُريح وابن لهيعة، والطبراني (5/126 رقم 4827) من طريق ابن لهيعة، كلاهما عن أبي الأسود، به، وفي رواية حيوة بن شريح قال عروة: «أخبرني زيد بن ثابت».
قال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" (3/223) بعد أن ذكر رواية الطحاوي هذه: «وصححه ابن القطان، وقال: كان عروة لا يعتمد على مروان حتى يستظهر عليه. وقال: وهذا شبيه بحديثٍ عنه، عن بسرة، ثم لقي بسرة».
(3) روايته أخرجها الإمام أحمد (5/185 رقم 21609)، لكن بالشك في كونه عن زيد بن ثابت، أو أبي أيوب الأنصاري.
(4) روايته أخرجها الطبراني في "المعجم الكبير" (5/125 رقم 4825).
(5) روايته أخرجها الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/211)، بالشك كذلك هل هو عن زيد أو أبي أيوب؟.
(6) منهم: وكيع، وعبدة بن سليمان، ومُحاضر بن الموَرِّع، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وشعيب بن إسحاق.
أما رواية وكيع: فأخرجها ابن أبي شيبة (3729)، والإمام أحمد (5/418 رقم23544)، وابن خزيمة (519)، والطبراني (5/125 رقم 4823)، ولفظ أحمد قال فيه: ثنا وكيع؛ ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي أيوب - أو عن زيد بن ثابت -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين. ونحوه لفظ الباقين.
وأما رواية عبدة بن سليمان: فأخرجها ابن أبي شيبة مقرونة برواية وكيع السابقة، وأخرجها أيضًا مفردة برقم (3591).
وأما رواية محاضر: فأخرجها ابن خزيمة (517)، والحاكم في "المستدرك" (1/237)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/179)، وفيها يقول محاضر: نا هشام، عن أبيه، عن زيد بن ثابت: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ ... الحديث من غير شك. قال ابن خزيمة: «لا أعلم أحدًا تابع محاضر بن الموَرِّع بهذا الإسناد؛ قال أصحاب هشام في هذا الإسناد: عن زيد بن ثابت أو عن أبي أيوب؛ شك هشام». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين - إن لم يكن فيه إرسال - ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما اتفقا على حديث ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عروة، عن مروان، عن زيد بن ثابت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في صلاة المغرب يطول الركعتين، وحديث محاضر هذا مفسر ملخص، وقد اتفقا على الاحتجاج بمحاضر».
وعلّق البيهقي (2/392) رواية محاضر هذه وقال: «والصحيح هي الرواية الأولى»؛ يعني رواية البخاري.
وأما روايتا أبي أسامة حماد بن أسامة وشعيب بن إسحاق: فأخرجهما ابن خزيمة (518 و519 و540) بالشك أيضًا، وفيها التصريح بأن الشك من هشام، ثم قال ابن خزيمة: «وهكذا رواه وكيع وشعيب ابن إسحاق عن هشام قالا: عند زيد أو عن أبي أيوب».
ورواه الطبراني (5/125 رقم4824) من طريق عقبة بن خالد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زيد بن ثابت، به من غير شك، لكنه قال: بسورة الأنفال، بدل الأعراف.
وأخرجه النسائي (991)، والبيهقي (2/392) من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن هشام، به، فجعله من مسند عائشة رضي الله عنها.(1/30)
: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زيد بن ثابت(1)؛ أنه قال لمروان(2). وقال عبد الرحمن بن أبي الزِّناد(3)، وأبو حمزة(4): عن هشام، عن أبيه، عن مروان(5) بن الحكم، عن زيد؛ كقول ابن أبي مُلَيكة(6)
__________
(1) تقدم أن يحيى القطان ووكيع بن الجراح وعبدة بن سليمان وحماد بن سلمة وأبا أسامة حماد بن أسامة وشعيب بن إسحاق رووه عن هشام بالشك: هل هو عن زيد بن ثابت، أو عن أبي أيوب خالد بن زيد؟.
(2) في الأصل: «لمرون».
(3) روايته أخرجها الإمام أحمد في "المسند" (5/187 رقم21633).
(4) لم أجد روايته، ولم أعرفه، إلا أن يكون هو محمد بن ميمون أبا حمزة السُّكَّري، فإنه في هذه الطبقة، لكن لم أجد من ذكر أنه يروي عن هشام بن عروة.
(5) في الأصل: «مرون».
(6) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص314رقم160)، وذكر نحو ما هنا، إلا أنه حكم على رواية عروة عن زيد بن ثابت بالإرسال.
وذكره أيضًا في "العلل" (6/127رقم1026)، فقال: «يرويه هشام بن عروة، واختلف عنه: فقال محمد بن عبد الرحمن الطُّفاوي: عن هشام، عن أبيه، عن أبي أيوب وزيد. وخالفه أصحاب هشام، منهم: عبدة بن سليمان ومحمد بن بشر ووكيع وغيرهم، فقالوا: عن هشام، عن أبيه، عن أبي أيوب - أو زيد بن ثابت - وهو الصحيح عن هشام، فإنه كان يشك في هذا الحديث، والصحيح من هذا الحديث: زيد بن ثابت، ولم يسمعه عروة منه، إنما سمعه من مروان، عن زيد بن ثابت؛ بيَّن ذلك ابن جريح عن ابن أبي مليكة، عن عروة؛ قال: أخبرني مروان بن الحكم، عن زيد بن ثابت».
وقال الترمذي في "العلل الكبير" (ص73 رقم 108): «سألت محمدًا [ يعني: البخاري ] عن حديث محمد بن عبد الرحمن الطُّفاوي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي أيوب وزيد بن ثابت؛ قالا: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من المغرب بالأعراف؟ فقال: الصحيح: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي أيوب أو زيد بن ثابت؛ هشام بن عروة يشك في هذا الحديث، وصحح هذا الحديث عن زيد بن ثابت؛ رواه بن أبي مليكة، عن عروة، عن مروان بن الحكم، عن زيد بن ثابت».
وذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2/274) رواية أبي الأسود يتيم عروة، عن هشام بن عروة، ثم قال: «وصرح الطحاوي من هذا الوجه بالإخبار بين عروة وزيد، فكأن عروة سمعه من مروان عن زيد، ثم لقي زيدًا فأخبره».
وقال أيضًا في "النكت الظراف" (12/159): قلت: «رواه عبدة بن سليمان وشعيب بن إسحاق ووكيع وأبو أسامة عن هشام، عن أبيه، عن أبي أيوب أو زيد بن ثابت. ورواه محاضر، عن هشام، عن أبيه، عن زيد ابن ثابت جازمًا. ورواه الطفاوي، عن هشام، عن أبيه، عن أبي أيوب. فهذا اختلاف شديد. وقد رواه أبو الأسود، عن عروة، عن زيد بن ثابت. ورواه الزهري، عن عروة، عن مروان، عن زيد بن ثابت. فالظاهر أن قول من قال: عن زيد بن ثابت أرجح، وقد اعتمده البخاري».(1/31)
.
[6]ـ وأخرج(1)
__________
(1) أي: البخاري في "صحيحه" برقم (3144 و4320)، ولفظه: حدثنا أبو النعمان؛ حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله، إنه كان عليّ اعتكاف يوم في الجاهلية، فأمره أن يفيَ به. قال: وأصاب عمر جاريتين من سَبْي حُنين، فوضعهما في بعض بيوت مكة. قال: فمنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سبي حنين، فجعلوا يَسْعون في السِّكَك، فقال عمر: يا عبد الله، انظر ما هذا؟ فقال: منّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السبي. قال: اذهب فأرسل الجاريتين. قال نافع: ولم يعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجِعْرانة، ولو اعتمر لم يَخْفَ على عبد الله. وزاد جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: من الخُمُس. ورواه معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: في النذر، ولم يقل: يومٍ.اهـ.
وقال في الموضع الثاني: «وقال بعضهم: حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر. ورواه جرير بن حازم وحماد ابن سلمة عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -».
وهذا الحديث أخرجه الإسماعيلي في "مستخرجه" _ كما في "فتح الباري" (8/35) _ من طريق سليمان بن حرب وأبي الربيع الزهراني وخلف بن هشام، ثلاثتهم عن حماد بن زيد، به مرسلاً كرواية أبي النعمان .
وخالفهم أحمد بن عبدة، فرواه عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع؛ قال: ذُكر عند ابن عمر عمرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة، فقال: لم يعتمر منها. قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية ... الحديث. أخرجه مسلم ( 1656 )، وابن خزيمة ( 2228 )، وأبو عوانة (5878)، والإسماعيلي كما في الموضع السابق من "فتح الباري" .(1/32)
عن أبي النعمان عارِم(1)، عن حمادٍ(2)، عن أيوب(3)، عن نافع(4): أن عمر - رضي الله عنه - كان عليه نذرُ اعتكافِ يومٍ، فأُمِر أن يَفيَ به، وأصاب جاريتين من سَبْيِ هوازن، غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق سَبْيَ هوازن، فأعتقهما، أو نحوٌ من هذا الكلام، ثم قال: وزاد جرير بن حازم(5) عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: من الخمس.
قلت: فحديث حماد بن زيد عن أيوب مرسل، ليس فيه ابن عمر، ووصله جرير بن حازم فذكر فيه ابن عمر، وحماد أثبت في أيوب وغيره من جرير بن حازم وأحفظ منه، وقد روى معمر(6) عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر حديث النذر دون حديث الجاريتين(7)
__________
(1) هو: محمد بن الفضل السّدوسي، لقبه: عارم.
(2) هو: ابن زيد.
(3) هو: ابن أبي تميمة كيسان السَّختياني.
(4) هو: مولى ابن عمر.
(5) أخرج روايته مسلم (1656)، وأبو عوانة (5876)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/133).
(6) أخرج روايته البخاري (4320)، ومسلم (1656)، والنسائي في "الكبرى" (3352)، وأبو عوانة (5877).
(7) هذا الذي ذكره الدارقطني وقع في رواية عبد الله بن المبارك للحديث في "مسنده" (178) عن معمر، ومن طريق ابن المبارك أخرجه البخاري في "صحيحه" (4320).
ورواه عبد الرزاق عن معمر بتمامه، ولفظه: حدثنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: لما قفل النبي - صلى الله عليه وسلم - من حنين سأل عمر عن نذر كان نذره في الجاهلية؛ اعتكاف يوم؟ فأمره به، فانطلق عمر بين يديه. قال: وبعث معي بجارية كان أصابها يوم حنين، قال: فجعلتها في بعض بيوت الأعراب حين نزلت، فإذا أنا بسبي حنين قد خرجوا يسعون يقولون: أعتقنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فقال عمر لعبد الله: اذهب فأرسلها، قال: فذهبت فأرسلتها. أخرجه الإمام أحمد (2/35 رقم 4922) عن عبد الرزاق _ واللفظ له _ وأخرجه مسلم (1656) من طريق عبد بن حميد عن عبد الرزاق.
والحديث في "مصنف عبد الرزاق" (8030) من رواية إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه كرواية ابن المبارك عن معمر؛ بذكر النذر فقط. ومن طريق الدبري أخرجه النسائي في "الكبرى" (3352)، وأبو عوانة (5877).
وأخرجه ابن حبان (4381) من طريق عبد الله بن محمد الأزدي عن الدبري كرواية الإمام أحمد وعبد بن حميد عن عبد الرزاق، وهذا يوضح أن الحديث عند معمر بتمامه، لكن بعض الرواة يختصره، وبعضهم يرويه بتمامه، والله أعلم.
وتابع معمرًا عليه أيضًا حماد بن سلمة، وروايته أخرجها الإمام أحمد (2/153 رقم 6418)، ولفظه: ثنا عبد الصمد وعفان؛ قالا: ثنا حماد بن سلمة؛ أنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة، فقال: إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام؟ قال عبدالصمد: ومعه غلام من سبي هوازن، فقال له: «اذهب فاعتكف»، فذهب فاعتكف. فبينما هو يصلي؛ إذ سمع الناس يقولون: أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبي هوازن، فدعا الغلام فأعتقه.
وأخرجه مسلم (1656)، وأبو عوانة (5879) كلاهما من طريق حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، به بذكر النذر فقط.
وفي هذا الطريق مخالفة للطرق السابقة في كون المسبيّة امرأة، لكنها متابعة تدل على وجود الزيادة في حديث أيوب، والله أعلم.
وأما الاختلاف بين رواية حماد بن زيد ورواية جرير بن حازم ومعمر في كون المسبيّة جارية أو جاريتين: فإما أن يقال: إن معمرًا وجرير بن حازم تابع كل منهما الآخر، فترجح روايتهما على رواية حماد بن زيد، وإما أن يجمع بينهما بما سيأتي ذكره عن الحافظ ابن حجر، والله أعلم.(1/33)
، واختُلِف عن ابن عيينة عن أيوب، فأرسله عنه قوم(1)، ووصله آخرون(2)؛ أعني حديث الجاريتين(3)
__________
(1) لم أجد رواية من رواه مرسلاً، لكن اختلف الرواة عنه _ كما سيأتي _ في كونه من مسند عمر، أو ابنه عبد الله بن عمر.
(2) الحديث رواه الإمام الشافعي في "الأم" (1/287)، والحميدي (691)، والإمام أحمد (2/10 رقم4577)، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن عمر نذر ... الحديث.
وأخرجه النسائي (3821) من طريق محمد بن عبد الله بن يزيد، وابن خزيمة (2229) من طريق عبد الجبار ابن العلاء، كلاهما عن سفيان بن عيينة، به كسابقه.
ورواه أبو موسى إسحاق بن موسى الخطمي الأنصاري، عن سفيان، واختلف على أبي موسى.
فأخرجه أبو عوانة (5882) من طريق أبي العباس موسى بن إسحاق بن موسى، عن أبيه، به كالرواية السابقة.
وخالفه ابن ماجه (1772)، والنسائي (3820) فروياه عن إسحاق بن موسى، عن سفيان بن عيينة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر: أنه كان عليه نذر ليلة ... الحديث هكذا بجعله من مسند عمر.
ويمكن الجمع بين الروايتين بحمل رواية ابن ماجه والنسائي على أن المقصود بقوله: «عن عمر»: أي عن قصة عمر، والله أعلم.
(3) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (253-254 رقم112 و113) فقال: «أخرج البخاري عن أبي النعمان، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع: أن عمر قال: نذرت نذراً... مرسلاً. ووصله حماد بن سلمة وجرير بن حازم ومعمر، عن أيوب. ووصله عبيدالله، عن نافع.
وأخرج البخاري أيضاً من حديث حماد، عن أيوب: أن عمر أصاب جاريتين من سبي خيبر، وهذا مرسل؛ أرسله حماد، ووصله جرير بن حازم، عن أيوب، وابن كاسب، عن ابن عيينة، عن أيوب، وقول حماد المرسل أصح».كذا جاء النص في المطبوع من "التتبع"، وفيه سقط فيما يظهر!.
وذكر الدارقطني الحديث أيضًا في "العلل" (93) وذكر بعض الاختلاف فيه، ثم قال: «ورواه أيوب، عن نافع، واختلف عنه أيضًا، فقيل: عن ابن عُلَيّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، وكذلك قال أبو يعلى الثوري وإسحاق بن موسى الأنصاري، عن ابن عيينة، عن أيوب، وأرسله حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، لم يذكر فيه ابن عمر».
وذكر الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (1/364) كلام الدارقطني في "التتبع"، ثم تعقبه قائلاً: «قلت: إذا صحّ أصل الحديث صحّ قول من وصله، وقد بيّن البخاري الخلاف فيه، وقد قدمنا أنه في مثل هذا يعتمد على القرائن، والله الموفق».
وقال في "فتح الباري" (8/35): قوله: «عن نافع: أن عمر قال: يا رسول الله»: هكذا ذكره مرسلاً مختصرًا، ثم عقبه برواية معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موصولاً تامًّا، وقد عاب عليه الإسماعيلي جمعهما؛ لأن قوله: «لما قفلنا من حنين» لم يقع في رواية حماد بن زيد؛ أي الرواية الأولى المرسلة، والجواب: أن البخاري إنما نظر إلى أصل الحديث، لا إلى النقص والزيادة في ألفاظ الرواة، وإنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن روايته مرجوحة؛ لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فيه فوصلوه، بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه عنه موصولاً كما أشار إليه البخاري أيضًا هنا، على أن رواية حماد بن زيد وإن لم يقع فيها ذكر القفول من حنين صريحًا، لكنه فيها ضمنًا كما سأبيّنه، وقد وقع في رواية بعضهم ما ليس عند معمر أيضًا مما هو أدخل في مقصود الباب كما سأبيّنه، فأما بقية لفظ الرواية الأولى فقد ساقها هو في فرض الخمس بلفظ أن عمر قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه كان عليّ اعتكاف ليلة في الجاهلية، فأمره أن يَفيَ به. قال: وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين، فوضعهما في بعض بيوت مكة ... الحديث. وكذا أورده الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب وأبي الربيع الزهراني وخلف بن هشام، كلهم عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع: أن عمر كان عليه اعتكاف ليلة في الجاهلية فلما نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة سأله عنه، فأمره أن يعتكف. لفظ أبي الربيع. قلت: وكان نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة بعد رجوعه من الطائف بالاتفاق، وكذا سبي حنين إنما قسم بعد الرجوع منها فاتّحدت رواية حماد بن زيد ومعمر معنًى، وظهر ردّ ما اعترض به الإسماعيلي. وأما رواية من رواه عن حماد ابن زيد موصولاً: فأشار إليه البخاري بقوله: "وقال بعضهم عن حماد" الخ، فالمراد بحماد: ابن زيد؛ فإنه ذكر عقبه رواية حماد بن سلمة، وهي مخالفة لسياقه. والمراد بالبعض المبهم: أحمد بن عبدة الضّبّي؛ كذلك أخرجه الإسماعيلي من طريقه ... . وأما رواية من رواه عن أيوب موصولاً: فأشار إليه البخاري بقوله: "ورواه جرير ابن حازم وحماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر". فرواية جرير بن حازم وصلها مسلم وغيره من رواية ابن وهب، عن جرير بن حازم؛ أن أيوب حدثه: أن نافعًا حدثه: أن عبد الله بن عمر حدثه: أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالجعرانة _ بعد أن رجع من الطائف _ فقال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام ، فكيف ترى؟ قال: ((اذهب فاعتكف يومًا)). وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أعطاه جارية من الخمس فلما أعتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا الناس، قال عمر: يا عبد الله، اذهب إلى تلك الجارية فخلّ سبيلها. فاشتمل هذا السياق على فوائد زوائد، وعرف وجه دخول هذا الحديث في باب غزوة حنين. ورواية حماد بن سلمة وصلها مسلم من طريق حجاج بن منهال؛ حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب مقرونة برواية محمد ابن إسحاق، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر؛ قال ... في قصة النذر؛ يعني دون غيره؛ من ذكر الجارية والسبي. وقد ذكرت في فرض الخمس كلام الدارقطني على هذا الحديث، وأنه قال: رواه ابن عيينة عن أيوب، فاختلف الرواة عنه، فمنهم من أرسله، ومنهم من وصله، وممن رواه موصولاً: محمد بن أبي خلف، وهو من شيوخ مسلم، أخرجه الإسماعيلي من طريقه، وفيه ذكر النذر والسبى والجارية كما في رواية جرير بن حازم، وفي المغازي لابن إسحاق في قصة الجارية فائدة أخرى؛ قال: حدثني أبو وَجْزَة يزيد بن عبيد السعدي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى من سبي هوازن على بن أبي طالب جارية يقال: لها ريطة بنت حبان بن عمير، وأعطى عثمان جارية يقال: لها زينب بنت خناس: وأعطى عمر قلابة، فوهبها لابنه. قال ابن إسحاق: فحدثني نافع، عن ابن عمر؛ قال: بعثت جاريتي إلى أخوالي في بني جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف بالبيت، ثم أتيتهم، فخرجت من المسجد، فإذا الناس يشتدّون، قلت: ما شأنكم؟ قالوا: ردّ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءنا وأبناءنا، فقلت: دونكم صاحبتكم فهي في بني جمح، فانطلقوا فأخذوها. وهذا لا ينافي قوله في رواية حماد بن زيد: إنه وهب عمر جاريتين، فيجمع بينهما: بأن عمر أعطى إحدى جاريتيه لولده عبد الله، والله أعلم.اهـ.(1/34)
.
[7]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1) عن أبي سعيد الجُعْفي(2)، عن ابن وهب(3)، عن عمر بن محمد؛ قال: حدثني جَدّي زيد، عن أبيه؛ قال: بينا عمر في الدار؛ إذ جاء العاص بن وائل ... فذكر إسلام عمر - رضي الله عنه - .
__________
(1) في "صحيحه" برقم (3864)، ولفظه: حدثني يحيى بن سليمان؛ قال: حدثني ابن وهب؛ قال: حدثني عمر بن محمد؛ قال: فأخبرني جدي زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه؛ قال: بينما هو في الدار خائفًا؛ إذ جاءه العاص بن وائل السهمي أبو عمرو عليه حُلّة حِبَرَة وقميص مكفوف بحرير _ وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية _ فقال له: ما بالك؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت، قال: لا سبيل إليك، بعد أن قالها أمنت. فخرج العاص، فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ، قال: لا سبيل إليه، فكرّ الناس.
وأخرجه الإسماعيلي في "مستخرجه" _ كما في "فتح الباري" (7/178) _ من طريق ابن وهب، به.
وأخرجه ابن بشكوال في "غوامض الأسماء" (2/809_810) من طريق علي بن الحسين الدرهمي، عن عمر ابن محمد بن زيد بن عبد الله، عن أبيه، به.
كذا جاء في المطبوع من "غوامض الأسماء"، وأظن صوابه: «عمر بن محمد، عن زيد بن عبد الله، عن أبيه».
(2) هو: يحيى بن سليمان.
(3) هو: عبد الله.(1/35)
قلت: رواه الوليد بن مسلم، فخالف عبد الله بن وهب؛ حدّث به الوليد، عن عمر بن محمد؛ قال: حدثني أبي، عن أبيه زيد، عن جدّه عبد الله بن عمر؛ قال: بينا عمر - رضي الله عنه - ... نحوه؛ قاله عبد الله بن أحمد بن حنبل(1)، عن داود بن رُشَيد، عن الوليد(2).
[8]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(3)
__________
(1) لم أجد من أخرج هذا الطريق.
(2) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص258 رقم116) فقال: «وأخرج البخاري عن يحيى الجعفي، عن ابن وهب، عن عمر بن محمد، حدثني جدي زيد، عن ابن عمر: إسلام عمر، خالفه الوليد بن مسلم، عن عمر بن محمد، حدثني أبي، عن جده، عن ابن عمر؛ زاد فيه رجلاً».
وذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص368) كلام الدارقطني في "التتبع"، ثم قال: «قلت: قد صرح في رواية البخاري بسماعه من جده، فالظاهر أنه سمعه منهما إن كان الوليد حفظه».
(3) برقم (3912)، ولفظه: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن ابن جريج؛ قال: أخبرني عبيد الله ابن عمر، عن نافع؛ يعني: عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ قال: كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمس مئة، فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه.
وسيأتي كلام الحافظ ابن حجر عن قوله هنا: «يعني: عن ابن عمر».
ومن طريق البخاري أخرجه البيهقي في "سننه" (6/349).
وأخرجه أبو يعلى (162)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/261)، وابن عساكر (8/70) و(19/367)، جميعهم من طريق عبد العزيز بن محمد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي، فقلت: إنما هجرتي وهجرة أسامة واحدة! فقال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك، وإنه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك، وإنما هاجر بك أبواك.
وأخرجه أبو عبيد في "الأموال" (559) فقال: وحدثني يحيى بن سعيد، عن خارجة بن مصعب، عن عبيد الله ابن عمر، عن نافع _ أو غيره، هكذا قال يحيى _ عن ابن عمر: أنه لما كلم أباه في ذلك قال له: إن زيدًا كان أحب إلى رسول الله من أبيك، وإن أسامة كان أحب إليه منك.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (4/70) من طريق عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: فرض عمر بن الخطاب لأسامة بن زيد كما فرض للبدريين: أربعة آلاف، وفرض لي ثلاثة آلاف وخمس مئة، فقلت: لم فرضت لأسامة أكثر مما فرضت لي، ولم يشهد مشهدًا إلا وقد شهدته؟ فقال: إنه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك ، وكان أبوه أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (3/559) من طريق صالح بن خوات، عن نافع، به نحو سابقه، إلا أنه جعل نصيب أسامة ثلاثة آلاف، ونصيب ابن عمر ألفين وخمس مئة.(1/36)
عن إبراهيم بن موسى الفَرّاء، عن هشام بن يوسف، عن ابن جريج (1)، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن [عمر] (2): أنه فرض للمهاجرين الأوّلين أربعةَ آلافٍ، وفرض لابن عمر ثلاثةَ آلافٍ، وقال: إنما هاجر به أبواه؛ ليس كمن هاجر بنفسه.
قلت: وهذا حديثٌ مرسلٌ؛ لأن نافعًالم يدرك عمر ولا زمانه(3).
__________
(1) هو: عبد الملك بن عبد العزيز.
(2) في الأصل: «ابن عمر»، والتصويب من "صحيح البخاري"، والموضع الآتي من "التتبع"، وهو الذي يقتضيه السياق.
(3) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص256 رقم114) بنحو ما هنا مختصرًا.
وذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص368_369) كلام الدارقطني في "التتبع"، ثم قال: «قلت: لكن في سياق الخبر ما يدل على أن نافعًا حمله عن عبد الله بن عمر، فقد قدّمنا مرارًا أن البخاري يعتمد مثل ذلك إذا ترجح بالقرائن أن الراوي أخذه عن الشيخ المذكور في السياق، والله أعلم. وقد أورده أبو نعيم من طريق أخرى عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، فذكر نحوه وأتمّ منه».
وقال في "فتح الباري" (7/253): قوله: «عن عمر: كان فرض للمهاجرين»: هذا صورته منقطع؛ لأن نافعًا لم يلحق عمر، لكن سياق الحديث يشعر بأن نافعًا حمله عن ابن عمر. ووقع في رواية غير أبي ذر هنا: «عن نافع؛ يعني عن ابن عمر»، ولعلّها من إصلاح بعض الرواة، واغترّ بها شيخنا ابن الملقّن، فأنكر على ابن التين قوله: «إن الحديث مرسل»، وقال: لعلّ نسخته التي وقعت له ليس فيها ابن عمر، وقد روى الدَّرَاوَرْدي عن عبيد الله بن عمر، فقال: عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي ... فذكر قصة أخرى شبيهة بهذه أخرجها أبو نعيم في "المستخرج" هنا .اهـ.
قلت: وهذه القصة التي أشار إليها ابن حجر تقدم تخريجها، والله أعلم.(1/37)
[9]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1) حديث ابن عيينة(2)، عن عمرو بن دينار، عن طاوس (3)، عن ابن عباس: أن عمر رضي الله عنهما قال: قاتل الله سَمُرة! ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لعن الله اليهود! حُرِّمَتْ عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا أثمانها))، أو قال(4).
قلت: وقد تابعه مسلم(5) على إخراجه، فأخرج معه عن روح بن القاسم، عن عمرو؛ مثل قول ابن عيينة.
__________
(1) في "صحيحه"برقم (2223 و3460)، ولفظه في الموضع الأول: حدثنا الحميدي؛ حدثنا سفيان؛ حدثنا عمرو بن دينار؛ قال: أخبرني طاوس: أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: بلغ عمر بن الخطاب أن فلانًا باع خمرًا، فقال: قاتل الله فلانًا! ألم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قاتل الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم، فجملوها، فباعوها))؟.
ولفظه في الموضع الثاني: حدثنا علي بن عبد الله؛ حدثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس؛ قال: سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول: قاتل الله فلانًا! ألم يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لعن الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم، فجملوها، فباعوها ))؟.
وقد أخرجه البخاري في الموضع الأول من طريق الحميدي، والحميدي أخرجه في "مسنده" (13).
وأخرجه الإمام الشافعي في "الأم" (6/179)، وعبد الرزاق (10046 و14854)، وابن أبي شيبة (21615)، والإمام أحمد (1/25 رقم170)، والدارمي (2104)، ويعقوب بن شيبة في "مسند عمر" (113 و114)، وابن ماجه (3383)، والبزار (207)، والنسائي (4257)، وابن الجارود (577)، وأبويعلى (200)، وأبو عوانة (5355 و5356)، وابن حبان (6253)، جميعهم من طريق سفيان بن عيينة، به. وأخرجه مسلم كما سيأتي.
(2) هو: سفيان.
(3) هو: ابن كيسان.
(4) كذا في الأصل! وقد استشكلها الناسخ، فكتب فوقها: «كذا»، وكتب في الهامش: «لعله: كما»؛ أي: فتكون العبارة: «أو كما قال».
(5) في "صحيحه" برقم (1582).(1/38)
قلت: وقد روى هذا الحديث حماد بن زيد(1) عن عمرو بن دينار، عن طاوس مرسلاً، لم يذكر فيه ابن عباس، وكذلك رواه الوليد بن مسلم(2)، عن حنظلة بن أبي سفيان _ وهو من الثقات المعلي(3) _ عن طاوس مرسلاً، ليس فيه ابن عباس(4)
__________
(1) أخرج روايته يعقوب بن شيبة في "مسند عمر بن الخطاب" (ص114_115)، والترمذي في "العلل الكبير" (343).
(2) لم أجد من أخرج روايته، لكن ذكرها الدارقطني في "العلل" (2/81)، وذكر أنه رواه أيضًا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، به مرسلاً.
(3) كذا في الأصل! وكتب الناسخ حذاءها في الهامش: «كذا في الأصل».
(4) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (260رقم118) بنحو ما هنا.
ولعلّه رجع عن إعلال هذا الحديث لرواية حماد بن زيد ومن وافقه، فقد ذكره أيضًا في "العلل" (123) فقال: «رواه عمرو بن دينار، عن طاوس، واختلف عنه. فرواه روح بن القاسم وسفيان بن عيينة وورقاء بن عمر، عن طاوس، عن ابن عباس، عن عمر، وخالفهم حماد بن زيد ومحمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن طاوس _ مرسلاً _ عن عمر. ورواه حنظلة بن أبي سفيان، عن طاوس مرسلاً، وقول روح بن القاسم وابن عيينة هو الصواب؛ لأنهما حافظان ثقتان».
وذكر الترمذي في "العلل الكبير" (ص193_194) الحديث من طريقي حماد بن زيد وسفيان بن عيينة، ثم قال: «فسألت محمدًا [يعني البخاري]؟ فقال: حديث ابن عيينة أصح، وسفيان بن عيينة أحفظ من حماد بن زيد. قال: قلت لمحمد: هو سمرة بن جندب؟ قال: نعم».
وذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص360) كلام الدارقطني في "التتبع"، ثم قال: «قلت: صرح ابن عيينة عن عمرو بسماع طاوس له من ابن عباس، وهو أحفظ الناس لحديث عمرو، فروايته الراجحة، وقد تابعه روح بن القاسم، أخرجه مسلم من طريقه».
وللحديث طريق أخرى، فقد أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (10047 و14855)، فقال: أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن رجل، عن ابن عباس قال: رأيت عمر يقلّب كفّه ويقول: قاتل الله سمرة؛ عويمل لنا بالعراق خلط في فيء المسلمين ثمن الخمر والخنزير، فهي حرام، وثمنها حرام.(1/39)
.
[10]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1) حديث الأنصاري(2)، عن أبيه، عن ثمامة(3)، عن أنس: أن عمر - رضي الله عنه - لما قَحَطُوا استسقى بالعباس - رضي الله عنه -، ولم يروه غير الأنصاري، عن أبيه، وأبوه عبد الله بن المثنى ليس بالقوي(4)
__________
(1) في "صحيحه" برقم (1010 و3710)، ولفظه: حدثنا الحسن بن محمد؛ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري؛ حدثني أبي عبد الله بن المثنى، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس - رضي الله عنه -: أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا - صلى الله عليه وسلم - فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، قال: فيسقون.
(2) هو: محمد بن عبد الله بن المثنى، وقد أخرج هذا الحديث في "جزئه" (61).
ومن طريقه أخرجه: ابن سعد (4/28_29)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة" (1/273)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (351)، وابن خزيمة (1421)، وابن حبان (2861)، والطبراني في "الكبير" (1/72 رقم84)، و"الدعاء" (965)، واللالكائي في "كرامات الأولياء" (86 و87)، والبيهقي (3/352)، وابن عساكر (26/355).
(3) هو: ابن عبد الله بن أنس.
(4) لم يذكر الدارقطني هذا الحديث في "التتبع"، ولكنه ذكر حديثين غيره بالإسناد نفسه، وأعلها بغير هذه العلة، فقال (ص251-252 رقم110 و111): «وأخرج البخاري عن الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة، عن أنس: حديث الصدقات، وهذا لم يسمعه ثمامة من [في الأصل: ثمامة بن] أنس، ولا سمعه عبدالله بن المثنى من عمه ثمامة.
قال علي بن المديني: عبدالله بن المثنى قال: دفع إليَّ ثمامة هذا الكتاب. قال: وحدثنا حماد؛ قال: أخذت من ثمامة كتابًا عن أنس؛ نحو هذا. وكذلك قال حماد بن زيد عن أيوب: أعطاني كتاباً، فذكر هذا.
وأخرج أيضًا بهذا الإسناد: كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر، والقول فيه مثل القول في الأول».
وأما قول الدارقطني هنا: «عبد الله بن المثنى ليس بالقوي»: فإنه خالفه في "السنن" (2/182 رقم7) بعد أن أخرج حديثًا في الحجامة للصائم من طريق خالد بن مخلد، عن عبد الله بن المثنى، عن أنس بن مالك، ثم قال: «كلهم ثقات ولا أعلم له علة». وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (5/338): «وقال الدارقطني: ثقة، وقال مرة: ضعيف». وهذا يدلّ على اضطراب الدارقطني رحمه الله في حال عبد الله بن المثنى هذا؛ لأن الخلاف فيه قوي؛ فقد ذكره الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص416) فقال: «عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري: وثقه العجلي والترمذي، واختلف فيه قول الدارقطني، وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: صالح، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الساجي: فيه ضعف، ولم يكن من أهل الحديث وروى مناكير، وقال العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه. قلت: لم أر البخاري احتج به إلا في روايته عن عمه ثمامة، فعنده عنه أحاديث، وأخرج له من روايته عن ثابت، عن أنس حديثًا توبع فيه عنده، وهو في فضائل القرآن، وأخرج له أيضًا في اللباس عن مسلم بن إبراهيم، عنه، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ في النهي عن القزع بمتابعة نافع وغيره، عن ابن عمر، وروى له الترمذي وابن ماجة».(1/40)
.
[11]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1) عن إسماعيل بن أبي أُوَيس - وهو ضعيف عند أهل الحديث - عن مالك(2)
__________
(1) في "صحيحه"برقم (3059)، ولفظه: حدثنا إسماعيل؛ قال: حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - استعمل مولًى له يُدْعى هُنَيًّا على الحمى، فقال: يا هُنَيُّ اضْمُمْ جناحك عن المسلمين، واتّق دعوة المظلوم؛ فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأَدْخِل ربَّ الصُّرَيْمَةِ وربَّ الغُنَيْمَةِ، وإيّايَ ونَعَمَ ابْنِ عوف، ونَعَمَ ابن عفان! فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخلٍ وزرعٍ، وإن ربَّ الصُّرَيْمَةِ وربَّ الغُنَيْمَةِ إن تهلكْ ماشيتُهما يأْتِني بِبَنيه فيقول: يا أمير المؤمنين، أَفَتَارِكهم أنا لا أبا لك؟! فالماء والكَلأُ أيسر عليَّ من الذهب والوَرِق، وايْمُ الله! إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم فقاتَلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله، ما حَمَيْتُ عليهم من بلادهم شِبْرًا.
(2) ومالك أخرجه في "الموطأ" برواية يحيى الليثي (2/1003 رقم 1822)، و(ص531 رقم795) برواية سويد بن سعيد، ومع ذلك قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (6/177): «وهذا الحديث ليس في "الموطأ"؛ قال الدارقطني في "غرائب مالك": هو حديث غريب صحيح».
وأخرجه الدارقطني في "غرائب مالك" من طريق معن بن عيسى القزاز كما في "فتح الباري" لابن حجر (6/176)، وأخرجه البيهقي في "السنن" (6/146) من طريق يحيى بن بكير، كلاهما عن الإمام مالك، به.
وأخرجه الإمام الشافعي في "الأم" (4/46 و48 و50)، والدارقطني في "السنن" (4/237 رقم119) كلاهما من طريق عبد العزيز بن محمد الدَّرَاوَرْدي، وابن أبي شيبة (32915) من طريق هشام بن سعد، كلاهما (الدراوردي وهشام بن سعد) عن زيد بن أسلم، عن أبيه، به.(1/41)
، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: استعمل عمر - رضي الله عنه - هُنَيًّا على الحِمَى ... بطوله(1)
__________
(1) لم يذكر الدارقطني هذا الحديث في "التتبع".
وعذر البخاري رحمه الله في إخراجه هذا الحديث واضح؛ فإن إسماعيل بن أبي أويس لم ينفرد بهذا الحديث عن مالك كما تبيّن من التخريج، فالعجب من الدارقطني في انتقاده البخاري في هذا!!.
قال الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص364): «قال الدارقطني فيما وجدت بخطه: أخرج البخاري حديث إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر استعمل مولى له يُدعى: هُنَيًّا على الْخُمس ... الحديث بطوله. قال: وإسماعيل ضعيف. قلت: سيأتي الكلام عليه، وأظن أن الدارقطني إنما ذكر هذا الموضع من حديث إسماعيل خاصة وأعرض عن الكثير من حديثه عند البخاري؛ لكون غيره شاركه في تلك الأحاديث وتفرد بهذا، فإن كان كذلك فلم يتفرد به، بل تابعه عليه معن بن عيسى، فرواه عن مالك كرواية إسماعيل سواء، والله أعلم».
وقال أيضًا (ص391): «إسماعيل بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ابن أخت مالك بن أنس: احتج به الشيخان، إلا أنهما لم يكثرا من تخريج حديثه، ولا أخرج له البخاري مما تفرد به سوى حديثين، وأما مسلم فأخرج له أقل مما أخرج له البخاري، وروى له الباقون، سوى النسائي، فإنه أطلق القول بضعفه، وروى عن سلمة بن شبيب ما يوجب طرح روايته، واختلف فيه قول ابن معين، فقال مرة: لا بأس به، وقال مرة: ضعيف، وقال مرة: كان يسرق الحديث هو وأبوه، وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان مُغَفَّلاً، وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به، وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح. قلت: وروينا في مناقب البخاري بسند صحيح أن إسماعيل أخرج له أصوله، وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه، وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه؛ لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح؛ من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره، إلا إن شاركه فيه غيره، فيعتبر فيه».(1/42)
.
[12]ـ وأخرج أيضًا (1) عن إسماعيل بن أبي أُوَيس - وهو ضعيف عند أكثر أهل العلم - وعن عبد الله بن يوسف(2) جميعًا(3) عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسير ومعه عمر، فكلّمه، فلم يجبه.
وهذا الحديث مرسل، وكذا رواه أصحاب "الموطأ"(4) عن مالك، وأسلم لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا زمانه.
__________
(1) في "صحيحه" برقم (5012)، ولفظه: حدثنا إسماعيل؛ قال: حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً، فسأله عمر عن شيء، فلم يجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك! نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحركت بعيري حتى كنت أمام الناس، وخشيت أن ينزل فيَّ قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخًا يصرخ بي، قال: فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل فيَّ قرآن، قال: فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه، فقال: ((لقد أُنزلت عليَّ الليلة سورة لهيَ أحبُّ إلي مما طلعت عليه الشمس))، ثم قرأ: { إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا } [سورة الفتح، آية (1)].
وقد توبع إسماعيل بن أبي أويس من عدد من الرواة كما سيأتي .
(2) برقم (4177)، ولفظه نحو لفظ إسماعيل بن أبي أويس.
(3) رواه البخاري أيضًا _ كما سيأتي _ من طريق القعنبي، عن مالك، به نحو روايتي إسماعيل وعبد الله بن يوسف.
(4) منهم: يحيى الليثي في روايته (1/203 رقم 477)، والقعنبي برقم (145)، وابن القاسم في روايته بتلخيص أبي الحسن القابسي (167). ومن طريق القعنبي أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (4833).
وأخرجه أبو يعلى (148) من طريق مصعب الزبيري، وابن حبان (6409) من طريق أحمد بن أبي بكر، كلاهما عن مالك، به مرسلاً.(1/43)
قلت: وقد حدَّث به ابن عَثْمة(1) وقُرادٌ(2) وغيرُهما(3) - في غير "الموطأ" - عن مالك، فوصلوه، ولم يخرج البخاري حديث من وصله عن مالك(4)
__________
(1) هو: محمد بن خالد، وروايته أخرجها الترمذي (3263)، والبزار (264)، وفيها يقول أسلم: «سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول ...».
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه بعضهم عن مالك مرسلاً».
(2) هو: أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان، لقبه: قُرادٌ، وروايته أخرجها الإمام أحمد (1/31 رقم 209)، والبزار (265)، والنسائي في "الكبرى" (11499). قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم حدث به عن زيد بن أسلم إلا مالك، ولا رواه عن مالك إلا محمد بن خالد ابن عثمة وعبد الرحمن بن غزوان».
(3) وصله أيضًا يزيد بن أبي حكيم العدني، فقال: حدثنا مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سير ... الحديث. أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخه" (5/167).
وأخرج ابن عبد البر في "التمهيد" (3/264) من طريق محمد بن حرب، عن مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسير في بعض أسفاره، وعمر يسير معه ليلاً، فسأله عمر عن شيء، فلم يجبه، ثم سأله، فلم يجبه، ثم سأله، فلم يجبه _ ثلاثًا _ فقال عمر: ثكلتك أمك عمر! نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحركت بعيري ... الحديث.
(4) ذكر الدارقطني هذا الحديث في "التتبع" أيضًا (ص266 رقم124) فقال: «وأخرج البخاري عن القعنبي وابن يوسف وإسماعيل، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسير ومعه عمر فنزلت: { إنا فتحنا لك } ، مرسلاً، ووصله قراد وابن عثمة ويزيد بن أبي حكيم والخريبي».
وسئل عنه في "العلل" (171)؟ فقال: «يرويه عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر متصلاً مسندًا: محمد بن خالد بن عَثْمَةَ وأبو نوح عبد الرحمن بن غزوان وإسحاق بن إبراهيم الْحُنَيني ويزيد بن أبي حكيم ومحمد بن حرب بن سليم المكي، هؤلاء كلهم أسندوه عن مالك، وأما أصحاب "الموطأ" فرووه عن مالك مرسلاً، منهم معن والقعنبي والشافعي ويحيى بن بكير وغيرهم».
وقال أبو الحسن القابسي في الموضع السابق من "تلخيصه لرواية ابن القاسم": قوله: «قال: فحركت بعيري ...»، إلى آخره: يُبَيِّن أن أسلم عن عمر رواه».اهـ.
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (3/263_264): «هذا الحديث عندنا على الاتصال؛ لأن أسلم رواه عن عمر، وسماع أسلم من مولاه عمر - رضي الله عنه - صحيح لا ريب فيه، وقد رواه محمد بن حرب عن مالك كما ذكرنا ...»، ثم أسنده من طريقه كما سبق.
وذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص373) كلام الدارقطني في "التتبع"، ثم قال: «قلت: بل ظاهر رواية البخاري الوصل؛ فإن أوله وإن كان صورته صورة المرسل، فإن بعده ما يصرح بأن الحديث لأسلم عن عمر؛ ففيه بعد قوله: "فسأله عمر عن شيء فلم يجبه: فقال عمر: نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركت بعيري، ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن"، وساق الحديث على هذه الصورة حاكيًا لمعظم القصة عن عمر، فكيف يكون مرسلاً؟ هذا من العجب! والله أعلم».
وقال في "فتح الباري" (8/583): «هذا السياق صورته الإرسال؛ لأن أسلم لم يدرك زمان هذه القصة، لكنه محمول على أنه سمعه من عمر، بدليل قوله في أثنائه: قال عمر: فحركت بعيري... الخ، وإلى ذلك أشار القابسي، وقد جاء من طريق أخرى: سمعت عمر، أخرجه البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة، عن مالك، ثم قال: "لا نعلم رواه عن مالك هكذا إلا ابن عثمة وابن غزوان".انتهى. ورواية ابن غزوان - وهو عبدالرحمن أبو نوح المعروف بِقُراد - قد أخرجها أحمد عنه، واستدركها مغلطاي على البزار ظانًّا أنه غير ابن غزوان، وأورده الدارقطني في "غرائب مالك" من طريق هذين ومن طريق يزيد بن أبي حكيم ومحمد بن حرب وإسحاق الحنيني أيضًا، فهولاء خمسة رووه عن مالك بصريح الاتصال، وقد تقدم في المغازي أن الإسماعيلي أيضًا أخرج طريق ابن عثمة، وكذا أخرجها الترمذي».(1/44)
.
[13]ـ وأخرج البخاري(1) من حديث الليث(2)، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر - رضي الله عنه -: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، ووفاة في بلد رسولك - صلى الله عليه وسلم -.
قال البخاري: وقال روح بن القاسم(3)
__________
(1) في "صحيحه" برقم (1890)، ولفظه: حدثنا يحيى بن بُكَير؛ حدثنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد ابن أبي هلال، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر - رضي الله عنه -؛ قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك - صلى الله عليه وسلم -. وقال ابن زريع: عن روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن أمه، عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؛ قالت: سمعت عمر ... نحوه. وقال هشام: عن زيد، عن أبيه، عن حفصة؛ سمعت عمر - رضي الله عنه -.اهـ.
(2) هو: ابن سعد.
(3) روايته أخرجها الإسماعيلي في "مستخرجه" _ كما في "فتح الباري" (4/101)، و"تغليق التعليق" (3/136) _ والطبراني في "الأوسط" (2795)، كلاهما من طريق يزيد بن زريع، عن روح.
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/53_54).
ومن طريق أبي نعيم أخرجه ابن حجر في الموضع السابق من "تغليق التعليق".
ووقع في "الحلية" لأبي نعيم: «عن أبيه» بدل «عن أمه»، وجاء على الصواب عند الطبراني وابن حجر.
وذكر الدارقطني في "العلل" (2/140) أن حفص بن ميسرة تابع روح بن القاسم على ذكر «عن أمه»، ولم أجد من رواه عن حفص هكذا، وإنما أخرجه ابن شبة في "أخبار المدينة" (1476)، فقال: حدثنا يحيى بن سعيد؛ قال: حدثنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة بنت عمر رضي الله عنها؛ سمعت عمر - رضي الله عنه - يقول: اللهم ارزقني قتلاً في سبيلك، ووفاة ببلد نبيك. قالت حفصة رضي الله عنها: أَنَّى لك ذلك يا أبه؟ قال: إن الله يأتي بأمره أَنَّى شاء.
ونقله ابن حجر في "الفتح" (4/101) عن ابن شبة كما ذكرت.(1/45)
: عن زيد بن أسلم، عن أمِّه، عن حفصة: سمعت عمر - رضي الله عنه -.
قال البخاري: وقال هشام بن سعد(1): عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة بنت عمر .
وهذه ثلاثة أقوال عن زيد بن أسلم قد ذكرها البخاري، وأخرج الحديث على اختلافهم فيه(2)
__________
(1) روايته أخرجها ابن سعد في "الطبقات" (3/331)، ومن طريقه أخرجه ابن حجر في الموضع السابق من "تغليق التعليق".
(2) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص265 رقم123) بأخصر مما هنا.
وسئل عنه في "العلل" (163)؟ فقال: «يرويه زيد بن أسلم، واختلف عنه. فرواه روح بن القاسم وحفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أمه، عن حفصة. ورواه هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن حفصة. والصحيح قول من قال: عن أمه».
وقال ابن حجر في "فتح الباري" (4/101): «وأراد البخاري بهذين التعليقين بيان الاختلاف فيه على زيد بن أسلم، فاتفق هشام بن سعد وسعيد بن أبي هلال على أنه عن زيد، عن أبيه أسلم، عن عمر. وقد تابعهما حفص بن ميسرة عن زيد عند عمر بن شبة، وانفرد روح بن القاسم عن زيد بقوله: «عن أمه». وقد رواه ابن سعد عن معن بن عيسى، عن مالك، عن زيد بن أسلم: أن عمر ... فذكره مرسلاً. وللحديث طريق أخرى أخرجها البخاري في "تاريخه" من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القارئ، عن جده، عن أبيه محمد، عن أبيه عبد الله: أنه سمع عمر يقول ذلك. وطريق أخرى أخرجها عمر بن شبة من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر، إسنادها صحيح. ومن وجه آخر منقطع، وزاد: فكان الناس يتعجبون من ذلك ولا يدرون ما وجهه، حتى طعن أبو لؤلؤة عمر - رضي الله عنه -».
وقال في "مقدمة الفتح" (ص358): «قلت: الظاهر أنه كان عند زيد بن أسلم عن أبيه، عن عمر، وعن أمه، عن حفصة، عن عمر؛ لأن الليث وروح بن القاسم حافظان، وأسلم مولى عمر من الملازمين له العارفين بحديثه، وفي سياق حديث زيد بن أسلم عن أمه عن حفصة زيادة على حديثه عن أبيه، عن عمر كما بينته في كتاب "تغليق التعليق"، فدل على أنهما طريقان محفوظان. وأما رواية هشام بن سعد فإنها غير محفوظة؛ لأنه غير ضابط، والله أعلم. وقد رواه مالك عن زيد بن أسلم، عن عمر لم يذكر بينهما أحدًا، ومالك كان يصنع ذلك كثيرًا».
وللحديث طرق أخرى عن عمر .
منها: ما أخرجه مالك في "الموطأ" (2/462 رقم989) عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب كان يقول: «اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، ووفاة ببلد رسولك».
وتقدم جواب ابن حجر عن الانقطاع في رواية مالك هذه.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (3/331) من طريق معن بن عيسى، عن مالك كسابقه.
وأخرجه ابن شبة في "أخبار المدينة" (1484) من طريق القعنبي، عن مالك؛ قال: بلغني أن عمر ... فذكره.
ومنها: ما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (9550)، وفي "جامع معمر" (19637) عن معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر.
ومنها: ما أخرجه البخاري في "تاريخه" (5/141) تعليقًا عن إبراهيم بن حمزة؛ حدثنا محمد بن عبد الله، عن جده عبد الرحمن بن محمد، عن أبيه محمد بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عبدٍ؛ سمع عمر - رضي الله عنه - يقول: اللهم ارزقنا القتل في سبيلك، ووفاة ببلدة رسولك.
ومنها: ما أخرجه ابن شبة في "تاريخه" (1485) حيث قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث؛ قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر - رضي الله عنه - قال: «اللهم اجعل وفاتي في سبيلك في بلد رسولك».
وتقدم أن ابن حجر قال عن هذا الإسناد إنه صحيح.(1/46)
.
[14]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1) عن التِّنِّيسي(2)، عن الليث(3)، عن الزهري(4)، عن عروة(5)، عن عبد الله بن الزبير: أن رجلاً خاصم الزبير في شِراج الْحَرّة(6)
__________
(1) في "صحيحه" برقم (2359 و2360)، ولفظه: حدثنا عبد الله بن يوسف؛ حدثنا الليث؛ قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه حدثه: أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في شِراج الحرّة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سَرِّح الماء يَمُرّ، فأَبَى عليه، فاختصما عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير: ((اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك)). فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك، فتَلَوَّن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: ((اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر))، فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } .
وأخرجه الإمام أحمد (4/4 رقم16116)، وأبو يعلى (6814) من طريق هاشم بن القاسم، ومسلم (2357)، والترمذي في "جامعه" (1363و3027)، وفي "العلل" (373)، والنسائي في "المجتبى" (5416)، وفي "الكبرى" (5964 و11110)، وابن منده في "الإيمان" (252)، وأبو نعيم في "المستخرج" (6)، من طريق قتيبة بن سعيد، ومسلم أيضًا في الموضع السابق، وابن ماجه (15 و2480)، وأبو نعيم (6) من طريق محمد بن رمح، وعبد بن حميد (519)، وأبو داود (3637)، والبزار (969)، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (706)، وابن حبان (24) من طريق أبي الوليد الطيالسي، جميعهم عن الليث، عن الزهري، به.
(2) هو: عبد الله بن يوسف.
(3) هو: ابن سعد.
(4) هو: محمد بن مسلم.
(5) هو: ابن الزبير.
(6) الشِّراج: جمع شَرْجَة، وهي: مسيل الماء من الحرّة إلى السهل. "النهاية" لابن الأثير (2/456).
والحَرّة: أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة. المرجع السابق (1/365).(1/47)
... الحديث بطوله، وقضيَّة(1) النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير، وقول الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ كان ابنَ عَمَّتِك، فنزلت: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } (2).
قلت: فهذا إسناد متّصلٌ،لم يصله هكذا غير الليث بن سعد(3)
__________
(1) يعني: وقضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير.
(2) الآية (65) من سورة النساء.
(3) وصله أيضًا يونس بن يزيد، ومحمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري.
فقد أخرجه النسائي (5407)، وابن الجارود (1021)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (8/519_520 رقم9912)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (632)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5558)، وفي "العلل" (1185 و1774)، وابن منده في "الإيمان" (253)، جميعهم من طريق عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد والليث بن سعد، كلاهما عن ابن شهاب الزهري؛ أن عروة بن الزبير حدّثه؛ أن عبد الله بن الزبير حدّثه عن الزبير بن العوام: أنه خاصم رجلاً من الأنصار ... الحديث.
ونقل ابن أبي حاتم _ بعد ذكره لهذه الرواية _ عن أبيه أنه قال: «أخطأ ابن وَهْب في هذا الحديث، اللَّيْث لا يقول: عن الزُّبَيْر». ثم أردف ابن أبي حاتم _ بعد نقله لكلام أبيه _ قائلاً: «إنما يقول اللَّيْث: عن الزهري، عن عروة؛ أنَّ عبد الله بن الزُّبَيْر حَدَّثه: أنَّ رجلاً مِنَ الأنصار خاصم الزُّبَيْر ...».
ونقل الترمذي في "العلل الكبير" (374) عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: «رواه شعيب وغيره عن الزهري عن عروة مرسلاً، ولا يذكرون فيه عبد الله بن الزبير، وكأن حديث يونس عن الزهري مدرج، وكل شيء عن ابن وهب مدرج فليس بصحيح».
قال الحافظ ابن حجر بعد ذكره لهذه الرواية في "الفتح" (5/35): «وكأن ابن وهب حمل رواية الليث على رواية يونس، وإلا فرواية الليث ليس فيها ذكر الزبير، والله أعلم».
وذكر الدارقطني في "العلل" (4/229) أن أحمد بن صالح وحرملة بن يحيى روياه عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن عروة؛ أن الزبير خاصم رجلاً ... الحديث هكذا مرسلاً.
وذكر الدارقطني أيضًا أن شبيب بن سعيد رواه عن يونس مثل رواية أحمد بن صالح وحرملة، عن ابن وهب.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (3/364) من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري، عن عمّه الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير بن العوام؛ قال: استعدى عليّ رجل من الأنصار ... الحديث.(1/48)
، عن الزهري، ورواه غير الليث عن الزهري، فلم يذكروا فيه عبد الله بن الزبير(1).
[15]ـ وأخرج البخاري رحمه الله أيضًا عن عَبْدان(2)، عن ابن المبارك(3)، عن معمر(4)، عن الزهري ، عن عروة : خاصم الزبير ... .
__________
(1) سيأتي تخريج هذه الروايات والكلام على باقي هذه المسألة في المسألة التالية.
(2) هو: عبد الله بن عثمان بن جَبَلَة، وروايته أخرجها البخاري في "صحيحه" برقم (2361)، ولفظه: حدثنا عبدان؛ أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة؛ قال: خاصم الزبير رجل من الأنصار، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا زبير اسق، ثم أرسل))، فقال الأنصاري: إنه ابن عمتك، فقال - عليه السلام -: ((اسق يا زبير، ثم يبلغ الماء الجدر، ثم أمسك))، فقال الزبير: فأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } .
وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (634) من طريق نعيم بن حماد، والبيهقي في "السنن" (6/153)، و(10/106) من طريق نعيم بن حماد وحبان بن موسى المروزي، كلاهما عن ابن المبارك، به.
وأخرجه محمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (705)، وابن منده في "الإيمان" (254) من طريق عبدالرزاق، عن معمر، به. وسيأتي من رواية محمد بن جعفر غندر، عن معمر.
(3) هو: عبد الله.
(4) هو: ابن راشد.(1/49)
[ وعن ] (1) محمد(2)، عن مخلد(3)، عن ابن جُرَيج(4)، عن الزهري، عن عروة: خاصم الزبير ... .
__________
(1) في الأصل: «عن»، سقطت الواو.
(2) هو: ابن سَلاَم البِيْكَنْدي، وروايته أخرجها البخاري في "صحيحه" برقم (2362)، ولفظه: حدثنا محمد؛ أخبرنا مخلد؛ قال: أخبرني ابن جريج؛ قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة بن الزبير أنه حدثه: أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير في شِراج من الحرّة يسقي بها النخل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اسق يا زبير _ فأمره بالمعروف _ ثم أرسل إلى جارك)). فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك، فتلوَّن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: ((اسق، ثم احبس حتى يرجع الماء إلى الْجَدْر))، واستوعى له حقه. فقال الزبير: والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } . قال لي ابن شهاب: فقَدّرَت الأنصار والناس قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اسق، ثم احبس حتى يرجع إلى الجدر))، وكان ذلك إلى الكعبين.
وأخرجه البيهقي في "سننه" (6/154) من طريق حجاج بن محمد، عن ابن جريج، به.
(3) هو: ابن يزيد الحرّاني.
(4) هو: عبد الملك بن عبد العزيز.(1/50)
وعن علي(1)، عن محمد بن جعفر، عن معمر، عن الزهري مثله.
وعن أبي اليمان(2)
__________
(1) هو: ابن عبد الله المديني، وروايته أخرجها البخاري في "صحيحه" برقم (4585)، ولفظه: حدثنا علي ابن عبد الله؛ حدثنا محمد بن جعفر؛ أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة؛ قال: خاصم الزبير رجلاً من الأنصار في شَريجٍ من الحرّة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك))، فقال الأنصاري يا رسول الله، أن كان ابن عمتك، فتلوّن وجهه، ثم قال: ((اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الْجَدْر، ثم أرسل الماء إلى جارك))، واستوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري؛ كان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } .
(2) هو: الحكم بن نافع، وروايته أخرجها البخاري في "صحيحه" برقم (2708)، ولفظه: حدثنا أبو اليمان؛ أخبرنا شعيب، عن الزهري؛ قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن الزبير كان يحدث: أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدرًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شِراجٍ من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير: ((اسق يا زبير، ثم أرسل إلى جارك))، فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله آن كان ابن عمتك! فتلوّن وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: ((اسق، ثم احبس حتى يبلغ الْجَدْر)). فاستوعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذٍ حقه للزبير، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى للزبير حقه في صريح الحكم. قال عروة: قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ... } الآية.
وأخرجه الإمام أحمد (1/165_166 رقم1419)، ومحمد بن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (707)، والشاشي في "مسنده" (47)، ثلاثتهم من طريق أبي اليمان، به.(1/51)
، عن شعيب(1)، عن الزهري مثله.
وكل هؤلاء لم يذكر في حديثه عبد الله بن الزبير كما ذكره الليث بن سعد عن الزهري، وتابعهم جماعة(2) من أصحاب الزهري على ترك ذكر عبد الله بن الزبير في الإسناد(3)
__________
(1) هو: ابن أبي حمزة.
(2) منهم: عبد الرحمن بن إسحاق، وروايته أخرجها يحيى بن آدم في "الخراج" (337)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (8/521_522 رقم 9913).
وذكر الدارقطني في "العلل" _كما سيأتي _ أنه رواه محمد بن أبي عتيق، وعمر بن سعيد، عن الزهري، فلم يذكرا فيه عبد الله بن الزبير.
(3) لم يذكر الدارقطني هذا الحديث في "التتبع"، ولكن سئل عنه في "العلل" (526)؟ فقال: «هو حديث يرويه الزهري واختلف عنه. فرواه ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير؛ قال ذلك ضرار بن صُرَد، عن الدَّرَاوَرْدي، عن ابن أخي الزهري. وكذلك قال ابن وهب، عن يونس بن يزيد والليث ابن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن ابن الزبير، عن الزبير. وقال غيره: عن الليث بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن ابن الزبير: أن رجلاً خاصم الزبير عند النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ جعلوه من مسند عبد الله بن الزبير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ورواه شعيب بن أبي حمزة ومحمد بن أبي عتيق وابن جريج ومعمر وعمر بن سعيد، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، ولم يذكروا فيه عبد الله بن الزبير. وكذلك قال شبيب بن سعيد عن يونس. وتابعه أحمد بن صالح وحرملة، عن ابن وهب، عن يونس، وهو المحفوظ عن الزهري، والله أعلم».
وقال الترمذي بعد إخراجه هذا الحديث من طريق الليث (1363): «هذا حديث حسن صحيح. وروى شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن الزبير، ولم يذكر فيه: عن عبد الله بن الزبير. ورواه عبد الله بن وهب، عن الليث ويونس، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير، نحو الحديث الأول».
وقال بعد الحديث (3027): «سمعت محمدًا [ يعني : البخاري ] يقول: قد روى ابن وهب هذا الحديث عن الليث بن سعد ويونس، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الله بن الزبير، نحو هذا الحديث، وروى شعيب بن أبي حمزة عن عروة عن الزبير، ولم يذكر عن عبد الله بن الزبير».
وقال الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص360): «الحديث الثاني والثلاثون: قال الدارقطني فيما نقلت من خطه من جزء مفرد، وليس هو في "كتاب التتبع" ... » ثم ذكره كلامه هنا، ثم قال: «وإنما أخرجه البخاري بالوجهين على الاحتمال؛ لأن عروة صح سماعه من أبيه ، فيجوز أن يكون سمعه من أبيه وثبّته فيه أخوه، والحديث مشتمل على أمر متعلق بالزبير، فدواعي أولاده متوفرة على ضبطه، فاعتمد تصحيحه لهذه القرينة القوية. وقد وافق البخاري على تصحيح حديث الليث هذا: مسلم، وابن خزيمة، وابن الجارود، وابن حبان، وغيرهم، مع أن في سياق ابن الجارود له التصريح بأن عبد الله بن الزبير رواه عن أبيه الزبير، وهي رواية يونس عن الزهري، والله أعلم».
وقال في "الفتح" (5/35): «قلت: وإنما صححه البخاري مع هذا الاختلاف اعتمادًا على صحة سماع عروة من أبيه، وعلى صحة سماع عبد الله بن الزبير من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيفما دار فهو على ثقة. ثم الحديث ورد في شيء يتعلق بالزبير، فداعية ولده متوفرة على ضبطه، وقد وافقه مسلم على تصحيح طريق الليث التي ليس فيها ذكر الزبير».(1/52)
.
[16]ـ وأخرج البخاري رحمه الله (1)
__________
(1) في "صحيحه" برقم (292)، ولفظه: حدثنا أبو معمر؛ حدثنا عبد الوارث، عن الحسين؛ قال يحيى: وأخبرني أبو سلمة؛ أن عطاء بن يسار أخبره: أن زيد بن خالد الجهني أخبره: أنه سأل عثمان بن عفان فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره. قال عثمان: سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وأبي بن كعب - رضي الله عنهم -، فأمروه بذلك. قال يحيى: وأخبرني أبو سلمة؛ أن عروة بن الزبير أخبره: أن أبا أيوب أخبره: أنه سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأخرجه الإمام أحمد (1/63 رقم448)، ومسلم (347)، وابن خزيمة (224)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/53_54)، وابن حبان (127 و1172)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (2)، وأبو نعيم في "المستخرج" (776)، والبيهقي (1/164)، جميعهم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن حسين المعلم، به.
وأخرجه الطحاوي أيضًا (1/54)، وأبو نعيم في "المستخرج" (822) من طريق موسى بن إسماعيل أبي سلمة التبوذكي، عن عبد الوارث، عن حسين، به.
وأخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة" (3/362-363)، والطحاوي في الموضع السابق، والإسماعيلي في "المستخرج" _ كما في "الإمام" لابن دقيق العيد (3/10) _ وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (1)، وأبو نعيم في "المستخرج" (776)، والخطيب في "الموضح" (2/246)، جميعهم من طريق يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني، عن عبد الوارث، عن حسين، به.
وأخرجه البخاري أيضًا في "صحيحه" (179) من طريق سعد بن حفص، وابن أبي شيبة (965)، والبزار (351)، والبيهقي (1/164) من طريق عبيد الله بن موسى، والإمام أحمد (1/64 رقم458) وأبو عوانة (820) من طريق الحسن بن موسى الأشيب، ثلاثتهم عن شيبان بن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، به.
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2839)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (3) كلاهما من طريق معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، به.
وأخرجه عبد الرزاق _كما في "التمهيد" لابن عبد البر (23/113_114) _ وابن أبي شيبة (957) كلاهما عن شيخهما سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (2/78 رقم570).
وأخرجه ابن شاهين في "الناسخ" (4) من طريق عبد الله بن نصر الأنطاكي، عن سفيان بن عيينة، به.(1/53)
عن أبي مَعْمَر (1)، عن عبد الوارث (2)، عن حسين(3)، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن خالد: أنه سأل عثمان - رضي الله عنه - عن الرجل يجامع أهله ولا يُمني؟ فقال عثمان - رضي الله عنه -: يتوضأ ويغسل ذكره، سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: وسألت عن ذلك عليًّا، والزبير، وطلحة، وأُبَيَّ بن كعب رحمهم الله، فأمروه بذلك.
قال يحيي بن أبي كثير: وأخبرني أبو سلمة: أن عروة أخبره: أن أبا أيوب أخبره: أنه سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: وهذا الإسناد الثاني فيه وهم، وموضع الوهم منه قوله: «أن أبا أيوب أخبره: أنه سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»؛ لأن أبا أيوب الأنصاري لم يسمع هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنما سمعه من أُبَيّ بن كعب، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(4)
__________
(1) هو: عبد الله بن عمرو الْمُقْعَد.
(2) هو: ابن سعيد.
(3) هو: ابن ذكوان الْمُعَلِّم.
(4) وافق الحافظُ ابنُ عبد البر الدارقطنيَّ على هذا الإعلال، فقال في "التمهيد" (23/116): «ولا حجة في حديث أبي أيوب؛ لأنه إنما يرويه عن أبي كعب».
ولكن تابع عروة على رواية الحديث على هذا الوجه: عبد الرحمن بن سعاد، عن أبي أيوب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الماء من الماء)). أخرجه عبد الرزاق (964)، والإمام أحمد (5/416 رقم23531)، والنسائي (199)، وابن ماجه (607)، والطوسي في "مختصر الأحكام" (95)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/54)، جميعهم من طريق عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن السائب، عن عبد الرحمن بن سعاد، به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الإمام أحمد (5/421 رقم23575)، والدارمي (785).
وفي سنده عبد الرحمن بن السائب، وعبد الرحمن بن سعاد، وكلاهما مقبول كما في "التقريب" (3870 و3872).(1/54)
، كذلك رواه هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي أيوب، عن أبي بن كعب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، [ حدّث ](1) به عن هشام بن عروة كذلك جماعة من الحفاظ الثقات، منهم: شعبة بن الحجاج(2)، وسفيان الثوري(3)، وعبد الملك بن جريج(4)، ومعمر بن راشد(5)، وحماد بن زيد(6)، وحماد بن سلمة(7)، ويحيى بن سعيد القطان(8)، وأنس ابن عياض، وأبو أسامة(9)، وعمر بن علي الْمُقَدَّمي، وغيرهم(10)، وهو صحيح، وقد أخرجه البخاري(11) أيضًا من حديث هشام على
__________
(1) في الأصل: «حدثه».
(2) أخرج روايته مسلم في صحيحه (346)، وأبو نعيم في "المستخرج" (775).
(3) أخرج روايته عبد الرزاق في "المصنف" (958)، لكن جعله من رواية أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكر أُبَيَّ بن كعب في سنده.
(4) هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وروايته أخرجها عبد الرزاق في "المصنف" (957)، ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" (2/76رقم564).
(5) أخرج روايته عبد الرزاق في "المصنف" (959).
(6) أخرج روايته الإمام أحمد (5/114 رقم21090)، ومسلم (346)، وأبو نعيم في "المستخرج" (774).
(7) أخرج روايته ابن أبي شيبة في "المصنف" (964)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/54).
(8) أخرج روايته البخاري في "صحيحه" (293)، وابن حبان في "صحيحه" (1169)، وأبو نعيم في "المستخرج" (774)، والبيهقي في "سننه" (1/164).
(9) هو: حماد بن أسامة.
(10) منهم: أبو معاوية محمد بن خازم، وروايته أخرجها مسلم (346)، وأبو عوانة (821). ومنهم: عبدة ابن سليمان، وروايته أخرجها الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/54)، وابن حبان (1170). ومنهم: أحمد بن بشير، وروايته أخرجها الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص325). وقال الإمام الشافعي في "اختلاف الحديث" (ص493): «أخبرنا غير واحد من ثقات أهل العلم عن هشام بن عروة ...»، ثم ذكره.
(11) يعني: رواية يحيى القطان المتقدم تخريجها.(1/55)
الصواب(1)
__________
(1) لم يذكر الدارقطني هذا الحديث في "التتبع"، ولكن ذكره في "العلل" كما سيأتي.
وقال الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص350): «قال الدارقطني فيما قرأت بخطه ... »، ثم ذكر كلامه هنا بتصرف، ثم تعقبه قائلاً: «وقد وافق البخاريَّ مسلمٌ على تخريجه على الوجهين، وقال الخطيب: "قوله: إن أبا أيوب سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - خطأ، فإن جماعة من الحفاظ رووه عن هشام، عن أبيه، عن أبي أيوب، عن أبي بن كعب". قلت: وغاية ما في هذا: أن أبا سلمة وهشامًا اختلفا، فزاد هشام فيه ذكر أبي بن كعب، ولا يمنع ذلك أن يكون أبو أيوب سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسمعه أيضًا من أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع أن أبا سلمة أجل وأسن وأتقن من هشام، بل هو من أقران عروة والد هشام، فكيف يُقْضَى لهشام عليه، بل الصواب أن الطريقين صحيحان، ويحتمل أن يكون اللفظ الذي سمعه أبو أيوب من أبي بن كعب غير اللفظ الذي سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن سياق حديث أبي بن كعب عند البخاري يقتضي أنه هو الذي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه المسألة، فتضمن زيادة فائدة، وحديث أبي أيوب عنده لم يسق لفظه، بل أحال به على حديث عثمان كما ترى، وعلى تقدير أن يكون أبو أيوب في نفس الأمر لم يسمعه إلا من أبي بن كعب فهو مرسل صحابي، وقد اتفق المحدثون على أنه في حكم الموصول، وقد أخرج مسلم في صحيحه شبيهًا به ولم يتعقبه الدارقطني، وهو حديث ابن عباس في قصة إرسال معاذ بن جبل إلى اليمن، فإن في بعض الروايات: عن ابن عباس عن معاذ، وفي بعضها عن ابن عباس قال: أرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا».
وذكر أبو عمر بن عبد البر في "الاستذكار" (3/78) حديث سعيد بن المسيب الذي أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (1/45رقم 102) عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون: «إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل»، ثم قال ابن عبد البر: «هذا حديث صحيح عن عثمان بأن الغسل يوجبه التقاء الختانين، وهو يدفع حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن؛ أن عطاء بن يسار أخبره؛ أن زيد بن خالد الجهني أخبره: أنه سأل عثمان بن عفان ...»، الحديث، ثم قال ابن عبد البر: «وهذا حديث منكر لا يعرف من مذهب عثمان ، ولا من مذهب علي، ولا من مذهب المهاجرين، انفرد به يحيى بن أبي كثير ولم يتابع عليه، وهو ثقة إلا أنه جاء بما شذّ فيه وأُنكر عليه. ونكارته: أنه مُحالٌ أن يكون عثمان سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يسقط الغسل من التقاء الختانين، ثم يفتي بإيجاب الغسل منه ... .
قال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: حديث حسين المعلم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عطاء بن يسار، عن زيد بن خالد؛ قال: سألت خمسة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عثمان، وعليًّا، وطلحة، والزبير، وأبي بن كعب، فقالوا: الماء من الماء، أفيه علة تدفعه بها؟ قال: نعم، ما يروى من خلافه عنهم. قلت: عن علي وعثمان وأبي بن كعب؟ قال : نعم. وقال أحمد بن حنبل: الذي أرى: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل. قيل: إنه قد كنت تقول غير هذا! قال: ما أعلمني قلت غير هذا قط. قيل له: قد بلغنا ذلك عنك، قال: الله المستعان.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني _ وذكر هذا الحديث _ فقال: إسناد حسن، ولكنه حديث شاذ غير معروف. قال علي: وقد روي عن عثمان وعلي وأبي بن كعب بأسانيد جياد أنهم أفتوا بخلافه. قال يعقوب ابن شيبة: هو حديث منسوخ؛ كانت هذه الفتوى في أول الإسلام، ثم جاءت السنة بعد ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل))...». ثم أخذ ابن عبد البر في ذكر الأحاديث والآثار التي تدل على نسخ هذا الحكم الذي في حديث زيد بن خالد، وذكر نحو هذا في "التمهيد" (23/100_117). وانظر "شرح معاني الآثار" (1/55_62).(1/56)
.
[17]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1) حديث [عثمان] (2)، عن شعبة، عن أبي إسحاق(3)، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي(4): أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أشرف عليهم حين حوصر، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاثة))(5)
__________
(1) سيأتي تخريجه.
(2) في الأصل: «عفان»، والتصويب من "صحيح البخاري"، وسيأتي على الصواب في كلام الدارقطني.
(3) هو: عمرو بن عبد الله السَّبيعي.
(4) هو: عبد الله بن حبيب.
(5) كذا ذكر الدارقطني لفظ هذا الحديث! وعُرِفَ من عادته رحمه الله أنه يملي علل الأحاديث من حفظه كما بيَّنته في المقدمة (ص)، ولذا تقع منه بعض الأوهام أحيانًا، وهذا منها؛ فإن البخاري لم يخرج حديث عثمان - رضي الله عنه - من هذا الطريق بهذا اللفظ، وإنما ساقه في "صحيحه" (2778) مُعَلَّقًا هكذا: «وقال عَبْدَانُ: أخبرني أبي، عن شُعْبَةَ، عن أبي إِسْحَاقَ، عن أبي عبد الرحمن: أَنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - حيث حُوصِرَ أَشْرَفَ عليهم وقال: أَنْشُدُكُمْ اللَّهَ، ولا أَنْشُدُ إلا أَصْحَابَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ)) فَحَفَرْتُهَا، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قال: ((من جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ))، فجهزته؟ قال: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قال».
وأخرجه البزار (399) من طريق عبد الله بن الحارث، والدارقطني (4/199) من طريق القاسم بن محمد المروزي، والبيهقي (6/167) من طريق أبي الْمُوَجِّه محمد بن عمرو، ثلاثتهم عن عبدان بن عثمان، به.
وأخرجه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (2083)، والترمذي (3699)، والبزار (398)، والنسائي (3610)، وابن خزيمة (2491)، وابن حبان (6916)، والآجري في "الشريعة" (1438)، والطبراني في "الأوسط" (1170)، والقطيعي في "زياداته على الفضائل" (849)، واللالكائي (2565)، والحاكم (1/419-420)، والدارقطني والبيهقي في الموضعين السابقين، جميعهم من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق السبيعي، به.
وسبب وهم الدارقطني في لفظ هذا الحديث –والله أعلم-: مجيء هذا اللفظ في قصة حصار عثمان - رضي الله عنه - ومقتله، لكن من غير هذا الطريق؛ فقد قال سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ: ثنا حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن يحيى بن سَعِيدٍ، عن أبي أُمَامَةَ بن سَهْلٍ؛ قال: كنا مع عُثْمَانَ وهو مَحْصُورٌ في الدَّارِ، وكان في الدَّارِ مَدْخَلٌ من دَخَلَهُ سمع كَلامَ من على الْبَلاطِ، فَدَخَلَهُ عُثْمَانُ فَخَرَجَ إِلَيْنَا وهو مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ، فقال: إِنَّهُمْ لَيَتَوَاعَدُونَنِي بِالْقَتْلِ آنِفًا! قُلْنَا: يَكْفِيكَهُمُ الله يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قال: وَلِمَ يَقْتُلُونَنِي؛ سمعت رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إِسْلامٍ، أو زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، أو قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ))، فَوَاللَّهِ ما زَنَيْتُ في جَاهِلِيَّةٍ ولا إِسْلامٍ قَطُّ، ولا أَحْبَبْتُ أَنَّ لي بِدِينِي بَدَلاً مُنْذُ هَدَانِي الله، ولا قَتَلْتُ نَفْسًا، فَبِمَ يَقْتُلُونَنِي؟!
أخرجه الإمام أحمد (1/61 و65 و70 رقم437 و468 و509)، والدارمي (2343)، وأبو دَاوُد (4502)، والترمذي (2158)، والنسائي (4019)، وابن ماجه (2533)، وابن الجارود (836)، والحاكم (4/350). قال الترمذي: «هذا حديث حسن»، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه».(1/57)
.
قلت: وهذا مما تفرد به عثمان بن جَبَلة عن شعبة(1)
__________
(1) تقدم أن زيد بن أبي أنيسة رواه عن أبي إسحاق، مثل رواية شعبة، وذكر الدارقطني في "العلل" (3/52) أن عبد الكبير بن دينار رواه أيضًا عن أبي إسحاق كرواية شعبة وزيد، فيُستأنس بهاتين المتابعتين – وإن كانتا قاصرتين – على رفع تفرُّد عثمان بن جبلة، لكن يبقى أمر آخر، وهو: مخالفة يونس بن أبي إسحاق وابنه إسرائيل لشعبة ومن وافقه، وقد حكى الدارقطني هذا الخلاف في "العلل" (282) بعد أن سئل عن هذا الحديث؟ فقال: «يرويه أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه: فرواه زيد بن أبي أنيسة، وشعبة، وعبد الكبير بن دينار عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، وخالفهم يونس بن أبي إسحاق، وإسرائيل بن يونس، فروياه عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وقول شعبة ومن تابعه أشبه بالصواب، والله أعلم».
ورواية يونس بن أبي إسحاق التي أشار إليها الدارقطني: أخرجها الإمام أحمد في "المسند" (1/59 رقم420)، وفي "فضائل الصحابة" (751 و805)، وابن أبي عاصم في "السنة" (1309)، والنسائي في "سننه" (3609).
ورواية ابنه إسرائيل أخرجها الدارقطني في "سننه" (4/198 رقم7).(1/58)
؛ لم يسمع أبو عبد الرحمن السُّلَمي من عثمان بن عفان شيئًا(1)
__________
(1) سبب جزم الدارقطني بعدم سماع أبي عبد الرحمن السُّلَمي من عثمان: أن الأصل عدم السماع، ولم يثبت عنده ما يدُلُّ على السماع؛ فقد سئل في "العلل" (284) عن حديث أبي عبد الرحمن السُّلَمي عن عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب: أنهم كانوا يتعلَّمون القرآن عشرًا عشرًا؟ فقال: «رواه جرير وعلي بن عاصم عن عطاء ابن السائب، عن أبي عبد الرحمن قال: حدثنا الذين كانوا يقرؤونا: أنهم كانوا يستقرؤون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسميا أحدًا، ورواه صالح بن عبد الله الترمذي، عن يحيى بن كثير أبي النضر، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن قال: حدثني الذين كانوا يقرؤونا: عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وأُبَيُّ بن كعب، فَسَمَّى هؤلاء الثلاثة، ولم يُسَمِّهم سواه، والأول أشبه بالصواب».اهـ.
والخلاف في سماع أبي عبد الرحمن السُّلَمي من عثمان قويٌّ وقديم، فقد روى عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في "المراسيل" (ص106-108) عن شعبة بن الحجاج أنه قال: «لم يسمع أبو عبدالرحمن السُّلَمي من عثمان، ولا من عبدالله بن مسعود، ولكنه قد سمع من علي - رضي الله عنهم -»، ثم روى إنكار الإمام أحمد عليه قوله إنه لم يسمع من عبد الله بن مسعود، ولم ينكر عليه قوله لم يسمع من عثمان، وروى عن أبيه أبي حاتم الرازي قوله: «أبو عبد الرحمن السُّلَمي ليس تثبت روايته عن علي»، فقيل له: سمع من عثمان بن عفان؟ قال: «قد روى عنه، ولم يذكر سماعًا».
والظاهر أن سبب إنكار الإمام أحمد على شعبة: أن أبا عبد الرحمن السُّلَمي كان هو وعبد الله بن مسعود بالكوفة، وقد تعاصرا، وأما عثمان فكان بالمدينة، وإلا فابن مسعود توفي قبل عثمان بنحو سنتين أو ثلاث سنين. انظر "التقريب" (3613) و(4503).
وقد ذهب البخاري إلى صِحَّة سماعه من عثمان، فأخرج في "صحيحه" هذا الحديث والحديث الآتي، وفيه يقول الراوي عنه سعد بن عبيدة: «وَأَقْرَأَ أبو عبد الرحمن في إِمْرَةِ عُثْمَانَ حتى كان الْحَجَّاجُ». وترجم له في "التاريخ الكبير" (5/72) فقال: «سمع عليًّا وعثمان وابن مسعود - رضي الله عنهم -»، وأسند عنه قوله عن نفسه: «صمت ثمانين رمضان». وذكر الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/269) قول شعبة السابق، ثم قال: «كذا قال شعبة! ولم يتابع». وقال في "معرفة القراء الكبار" (1/53): «لأبيه صحبة، وولد هو في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقرأ القرآن وجوَّده، وبرع في حفظه، وعرض على عثمان وعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم - وغيرهم، وحدث عن عمر وعثمان رضي الله عنهما». وقال أيضًا (1/57): «قلت: وقول حجاج عن شعبة إن أبا عبد الرحمن لم يسمع من عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ليس بشيء؛ فإنه ثبت لقيُّه لعثمان، وكان ثقة كبير القدر، وحديثه مخرج في الكتب الستة». وقال العلائي في "جامع التحصيل" (ص208): «أخرج له البخاري حديثين عن عثمان: خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه، والآخر: أن عثمان أشرف عليهم وهو محصور، وقد عُلِم أنه لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء». وانظر "السبعة في القراءات" لأبي بكر بن مجاهد (ص67-69).
وقال ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص374): «قال الدارقطني: وقال حجاج بن محمد عن شعبة: لم يسمع أبو عبدالرحمن من عثمان شيئًا، قال: وقد أخرج البخاري حديثًا من طريق أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان. قلت: الحديث الذي أشار إليه ذكره البخاري في كتاب الوقف تعليقًا، وهو مناشدة عثمان للصحابة عند حصاره في ذكر حفر بئر رومة وغير ذلك من مناقبه، والحديث عند البخاري من طرق غير هذا موصولة، فلهذا لم أفرده بالذكر؛ لأنه إنما أورده اعتبارًا، وأخرج أبو عوانة في "صحيحه" حديث أبي عبدالرحمن السُّلَمي في القرآن من طريق حجاج، عن شعبة وقال في إثره: قال شعبة: "ولم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان"، ثم أخرج أبو عوانة حديث الثوري ومتابعة عمرو بن قيس الملائي ومحمد بن أبان وغيرهما له على إسقاط سعد بن عبيدة، والحديث مخرج في الكتب الأربعة من السنن من هذا الوجه...»، ثم ذكر نقل الترمذي ترجيح ابن المديني حديث سفيان على حديث شعبة، وأن غير شعبة أثبت سماع أبي عبد الرحمن من عثمان، ومنهم البخاري حيث صرح بذلك في "التاريخ الكبير" كما تقدم، والله أعلم.(1/59)
، وليس في الحديث سماع أبي إسحاق من أبي عبد الرحمن السُّلَمي، ولا نعلم سمعه أبو إسحاق من أبي عبد الرحمن؛ لأن أبا داود(1) قد روى حديثًا عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي: أن عليًّا - رضي الله عنه - كان يصلي بعد الجمعة ستًّا، قال: فقلت لأبي إسحاق: سمعتَه من أبي عبد الرحمن؟ قال: لا، حدثني به عطاء بن السائب عنه(2)، والله تعالى أعلم(3).
__________
(1) هو: الطيالسي.
(2) أخرجه ابن أبي حاتم في "مقدمة الجرح والتعديل" (1/167) عن أبيه، عن مقاتل بن محمد، عن أبي داود، به.
(3) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص28/مخطوط) مختصرًا هكذا: «وأخرج مسلم حديث [عبدان]، عن أبيه، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن: أن عثمان أشرف عليهم».اهـ. وقد تصحَّف قوله: «عبدان» في المخطوط إلى: «عيذار»، وإنما صار العزو هنا إلى المخطوط؛ لأن تصحيف المطبوع أشدُّ، فقد تصحَّف فيه قوله: «حديث عبدان» إلى: «حديثان».
وقوله: «وأخرج مسلم»: خطأ، وصوابه: «وأخرج البخاري» كما وقع هنا، ولم يخرج مسلم هذا الحديث.
وقال الحافظ ابن حر في "فتح الباري" (5/407): «قال الدارقطني: تفرد بهذا الحديث عثمان والد عبدان عن شعبة، وقد اختلف فيه على أبي إسحاق: فرواه زيد بن أبي أنيسة عنه كهذه الرواية؛ أخرجه الترمذي والنسائي، ورواه عيسى بن يونس عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة، عن عثمان. أخرجه النسائي أيضًا، وتابعه أبو قطن عن يونس. أخرجه أحمد. قلت: وتفرُّدُ عثمان والد عبدان لا يضرُّه، فإنه ثقة، واتفاق شعبة وزيد بن أبي أنيسة على روايته هكذا أرجح من انفراد يونس عن أبي إسحاق، إلا أن آل الرجل أعرف به من غيرهم، فيتعارض الترجيح، فلعل لأبي إسحاق فيه إسنادين».(1/60)
[18]ـ وأخرج البخاري أيضًا رحمه الله(1) حديث الثوري، عن علقمة بن مَرْثَد، عن أبي عبد الرحمن(2)، عن عثمان - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلَّمَه))، عن أبي نعيم عنه(3).
وأخرجه أيضا(4) عن حجاج بن مِنْهال، عن شعبة، عن علقمة بن مَرْثَد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان نحوه، وقال فيه: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، وقال: ذلك أقعدني مقعدي هذا.
__________
(1) برقم (5028)، فقال: حدثنا أبو نُعَيْمٍ، حدثنا سُفْيَانُ، عن عَلْقَمَةَ بن مَرْثَدٍ، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، عن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ أَفْضَلَكُمْ من تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)).
(2) هو: عبد الله بن حبيب السُّلَمي.
(3) يعني: أخرجه البخاري عن أبي نعيم الفضل بن دُكَيْن، عن سفيان الثوري.
ومن طريق أبي نعيم أيضًا أخرجه أبو عوانة (3771 و3772)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (5122)، والبيهقي في "الشعب" (1783)، وفي "الصغرى" (981) .
(4) برقم (5027)، فقال: حدثنا حَجَّاجُ بن مِنْهَالٍ، حدثنا شُعْبَةُ، قال: أخبرني عَلْقَمَةُ بن مَرْثَدٍ، سمعت سَعْدَ ابن عُبَيْدَةَ، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، عن عُثْمَانَ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خَيْرُكُمْ من تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)). قال: وَأَقْرَأَ أبو عبد الرحمن في إِمْرَةِ عُثْمَانَ، حتى كان الْحَجَّاجُ، قال: وَذَاكَ الذي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هذا. ومن طريق حجاج أخرجه الإمام أحمد (1/58 رقم412)، والدارمي (3381)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (2/340)، وأبو عوانة (3765)، والبيهقي في "سننه" (2/17).(1/61)
قلت: وقد اختلف شعبة والثوري في إسناد هذا الحديث، فأدخل شعبة بين علقمة وبين أبي عبد الرحمن سعد بن عبيدة، وجعله الثوري عن علقمة، عن [أبي](1) عبد الرحمن،لم يذكر بينهما أحدًا، وهذا اختلاف(2)
__________
(1) مابين المعقوفين سقط من الأصل، ولا بُدَّ منه؛ فأبو عبد الرحمن هو السُّلَمي كما في أول المسألة.
(2) وقد اختُلِفَ على الثوري أيضًا في هذا الحديث، فرواه الإمام أحمد (1/69 رقم500)، والترمذي (2908)، وابن ماجه (211)، والنسائي في "الكبرى" (7983) من طريق يحيى بن سعيد القطان عن شعبة والثوري كليهما، بزيادة سعد بن عبيدة، وذكر الترمذي أنه رواه غير واحد عن سفيان الثوري ولم يذكروا فيه سعد بن عبيدة، ونقل عن محمد بن بشار أنه قال إن ذلك أصح، ثم قال الترمذي: «وكأن حديث سفيان أصح». وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/398) من طريق سعيد بن سالم القداح، عن الثوري ومحمد بن أبان، كلاهما عن علقمة به بزيادة سعد بن عبيدة، ثم قال: «وذِكْرُ سعد بن عبيدة في هذا الإسناد عن الثوري غير محفوظ، وإنما يُذكر هذا عن يحيى القطان؛ جمع بين الثوري وشعبة، فذكر عنهما جميعًا في الإسناد في هذا الحديث سعد بن عبيدة، وسعد إنما يذكره شعبة، والثوري لا يذكره، فحمل يحيى حديث شعبة على حديث الثوري، فذكر عنهما جميعًا "سعد"، ويقال: لا يُعرف ليحيى بن سعيد خطأ غيره»، وذكر نحو هذا في (6/45) . وقد أشار الدارقطني لهذا الاختلاف أيضًا في "التتبع" (ص275-276 رقم130)، والعلل" (283)، فذكر أنه خالف يحيى القطان وسعيد بن سالم كُلٌّ من: عبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، وأبي نعيم، وعبد الرزاق، ومحمد بن بشر، وموسى بن أعين، وقبيصة، وأبو أسامة، ومُؤَمَّل بن إسماعيل، ويحيى بن اليمان، وعبد الله بن وهب، فرووه عن الثوري عن علقمة بن مرثد، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، عن عثمان. ثم ذكر في "العلل" رواية شعبة ومن وافقه بزيادة سعد بن عبيدة، ثم قال: «وأصحها: حديث علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -».(1/62)
، وقد تابع شعبة على زيادته في الإسناد سعد بن عبيدة من لا يُحْتَجُّ به(1)
__________
(1) ذكر الدارقطني في الموضعين السابقين من "التتبع" و"العلل" أنه تابع شعبة على زيادته سعد بن عبيدة: قيس ابن الربيع، ومحمد بن أبان، ومحمد بن جحادة، وموسى بن قيس الحضرمي، ومحمد بن جابر، والنضر بن إسحاق السُّلَمي. واختلف قوله في عبد الله بن عيسى، فذكر في "التتبع" أنه وافق شعبة وأنه يُختلف عنه في رفعه، وذكر في "العلل" أنه وافق الثوري، إلا أنه وقفه.
أما رواية قيس بن الربيع: فأخرجها البزار في "مسنده" (397)، وابن عدي في "الكامل" (6/45)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (4/109) و(11/35)، وأشار إليها الدارقطني في "العلل" (3/56)، وقد قرن معها الخطيب أيضًا متابعة أبي حنيفة له.
وأما رواية محمد بن أبان: فتقدم أن ابن عدي أخرجها من طريق سعيد بن سالم عنه، وأشار إليها الدارقطني في "العلل" (3/56). وأخرجها أبو عوانة (3776) من طريق حسين بن علي عنه، ولم يذكر سعد بن عبيدة.
وأما رواية عبد الله بن عيسى: فلم أجد من أخرجها على هذا الوجه الذي حكاه الدارقطني، لكن أخرجها الفريابي في "فضائل القرآن" (10) من طريق زهير بن معاوية عنه، وجعله موقوفًا على عثمان. وقد ذكر الدارقطني في "التتبع" أن عبد الله بن عيسى يُختَلَف عنه في رفعه، وذكر في "العلل" أن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى رواه عن علقمة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان موقوفًا، ثم قال الدارقطني: «ورفعه بعض الكوفيين عن زهير، عن عبد الله بن عيسى، ولا يثبت مرفوعًا».
وأما رواية محمد بن جحادة، وموسى بن قيس الحضرمي، ومحمد بن جابر، والنضر بن إسحاق السُّلَمي: فذكرها الدارقطني في "التتبع" (ص276)، ولم أجد من أخرجها.(1/63)
، ولا بد(1) [.....](2) الثوري ولا بغيره(3).
وتابع الثوري جماعة ثقات، منهم : مِسْعَر(4)، [وعمرو](5) بن قيس الْمُلائي(6)، وأبو اليَسَع(7)
__________
(1) كذا في الأصل! وقد تكون جزءًا من كلمة من البياض الآتي.
(2) بياض في الأصل بمقدار كلمة أو أقل.
(3) كذا جاءت العبارة في الأصل غير واضحة المعنى بسبب البياض، وقد أهملها الحافظ ابن حجر فلم ينقلها ضمن كلام الدارقطني الذي نقله من هذا الجزء في "مقدمة الفتح" (ص374-375).
(4) هو: ابن كِدام. وروايته أخرجها: تمام في "فوائده" (211)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (27/11).
(5) في الأصل: «وعمر»، والتصويب من "التتبع" (ص276)، و"العلل" (3/53)، ومصادر التخريج.
(6) أخرج روايته: أبو عوانة في "مسنده" (3775)، والعيسوي في "فوائده" (1/مجموع فيه عشرة أجزاء حديثية) من طريق أبي جعفر محمد بن عمرو بن البختري الرَّزَّاز، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/33-34) عن أبي سلم عمرو بن عثمان البُرِّي، ثلاثتهم (أبو عوانة، والرَّزَّاز، والبُرِّي) عن سعدان بن نصر، عن أبي بدر شجاع بن الوليد، عنه، به. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (1784) من طريق أبي الحسين بن بشران، عن الرَّزَّاز وإسماعيل بن محمد الصفار، كلاهما عن سعدان بن نصر، به بزيادة سعد بن عبيدة في إسناده، وهذه الزيادة في إسناد البيهقي خطأ بلا شك؛ لأن العيسوي رواه عن الرَّزَّاز ولم يذكرها، مع متابعة أبي عوانة والبُرِّي، فإما أن يكون الخطأ من البيهقي، أو من شيخه ابن بشران، أو تكون هي رواية إسماعيل الصفار، وحمل ابن بشران عليها رواية الرَّزَّاز، والله أعلم.
(7) هو: المكفوف، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/458 رقم2351) ونقل عن أبيه أنه قال: «يكتب حديث»، ونقل عن أبي زرعة أنه سئل عن اسمه؟ فقال: «لا أعرف اسمه». وروى عباس الدوري في "تاريخه" (1447) عن يحيى بن معين أنه قال: «أبو اليسع كوفي ثقة يروي عنه محمد بن عبيد الطنافسي»، ولم يُسَمِّه. وذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام" (9/689)، وقال: «وكان ضريراً لا يعرف اسمه».
وأما ابن حبان في "الثقات" (9/250)، والدارقطني في "الغرائب والأفراد" (1/174_أطرافه)، وابن ماكولا في "الإكمال" (7/329) فسَمَّوْه: يحيى بن شعيب. وذهب إلى هذا الخليلي في "الإرشاد" (2/629) وشيخه عمر ابن سهل، في قصة ذكرها الخليلي.
ورواية أبي اليسع هذا ذكرها الدارقطني أيضًا في "التتبع" (ص276)، و"العلل" (3/53)، وأخرجها أبو عوانة في "مسنده" (3774) من طريق محمد بن عبيد الطنافسي، عنه.
ورواه الخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (2/269) من طريق شيبان بن فروخ، عن عثمان البُرِّي، عن أبي اليسع، عن سلمة بن كهيل، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، به هكذا بجعل سلمة مكان علقمة.(1/64)
، وغيرهم(1).
__________
(1) 0554196814 ( )ذكر الدارقطني - في الموضعين السابقين من "التتبع" و"العلل" - ممن تابع الثوري أيضًا على روايته عن علقمة: عمرو بن النعمان، ومحمد بن طلحة، وأبا حماد، وحفص بن سليمان، وأيوب بن جابر، وسلمة بن الأحمر، وغياثًا، والجراح بن الضحاك، وأبا اليمان، وعبد الله بن عيسى.
وللحديث طرق أخرى عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي خرَّجتها في تعليقي على الحديث رقم (21) من "سنن سعيد بن منصور".
وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا والاختلاف فيه في "التتبع" (ص275-276رقم130)، وذكره في "العلل" (283) فأطال في ذكر الاختلاف فيه، ثم قال: «وأصحها: حديث علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن عثمان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -».
وذكر أبو نعيم في "الحلية" (4/194) نحو كلام الدارقطني، فالظاهر أنه أخذه عنه، والله أعلم.
ونقل الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص374-375) كلام الدارقطني في "جزئه" هذا بتصرُّف، ولم يذكر كلامه في "التتبع" ولا في "العلل"، ثم قال في الجواب عنه: «قلت: قد قدَّمنا أن مثل هذا يخرجه البخاري على الاحتمال؛ لأن رواية الثوري عند جماعة من الحفاظ هي المحفوظة، وشعبة زاد رجلاً، فأمكن أن يكون علقمة سمعه من سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن، ثم لقي أبا عبد الرحمن فسمعه منه».
وذكر ابن حجر بعد هذا إعلال الحديث بعدم سماع أبي عبد الرحمن السُّلَمي من عثمان، وأجاب عنه، وتقدمت مناقشة هذا بما يغني عن إعادته هنا، والله أعلم.(1/65)
[19]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1) عن مَكِّيِّ بن إبراهيم، عن هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: لقد رأيتني وأنا ثُلُُُثُ الإسلام ... الحديث(2).
قلت: وهذا الحديث يقال: إن مَكِّيَّ بن إبراهيم(3) وَهَمَ في إسناده(4)
__________
(1) برقم (3726)، فقال: حدثنا مَكِّيُّ بن إبراهيم، حدثنا هَاشِمُ بن هَاشِمٍ، عن عَامِرِ بن سَعْدٍ، عن أبيه قال: لقد رَأَيْتُنِي وأنا ثُلُثُ الإِسْلَامِ.
(2) كذا قال! وليس للحديث بقيَّة، لكن الرواية الأخرى الآتية فيها زيادة في اللفظ كما سيأتي.
(3) في الأصل: «مكي بن عبدان إبراهيم»، ثم ضرب على قوله: «عبدان».
(4) الذي يظهر أن مكي بن إبراهيم لم يهم في إسناده، بل له فيه إسنادان، وبيان ذلك: أن البخاري رواه عنه على الوجه المتقدم؛ بجعله من رواية عامر بن سعد، عن أبيه.
وأخرجه الإمامُ أحمد في "فضائل الصحابة" (1320)، وأحمد الدورقي في "مسند سعد" (99)، والدولابي في "الكنى" (79) من طريق علي بن معبد بن نوح، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (20/298) من طريق الحسن الزعفراني، جميعهم (الإمام أحمد، والدورقي، وعلي بن معبد، والزعفراني) رووه عن مكي بن إبراهيم، عن هاشم بن هاشم، عن سعيد بن المسيب، عن سعد؛ كما رواه الجماعة عن هاشم.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (3/498) من طريق عبد الصمد بن الفضل، عن مكي بن إبراهيم بالوجهين كليهما، فدل هذا على أنه محفوظ عن مكي على الوجهين، والله أعلم.(1/66)
، وإنما رواه هاشم بن هاشم، عن سعيد بن المسيب، عن سعد، ولم يروه عن عامر بن سعد، كذلك رواه جماعة من الرُّفَعاء، منهم: أبو أسامة(1) ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة(2) ويحيى بن سعيد الأُموي(3) وغيرهم(4)، عن هاشم بن هاشم، عن سعيد بن المسيب، خلاف رواية مَكِّي.
__________
(1) أخرج روايته البخاري برقم (3858) - وسيأتي تنبيه الدارقطني على ذلك – فقال: حدثني إِسْحَاقُ، أخبرنا أبو أُسَامَةَ، حدثنا هَاشِمٌ، قال: سمعت سَعِيدَ بن الْمُسَيَّبِ قال: سمعت أَبَا إِسْحَاقَ سَعْدَ بن أبي وَقَّاصٍ يقول: «ما أَسْلَمَ أَحَدٌ إلا في الْيَوْمِ الذي أَسْلَمْتُ فيه، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلَامِ».اهـ.
وأخرجه البزار (1079)، والدولابي في "الكنى" (80)، والطبراني في "الكبير" (1/138رقم 298)، وأبو نعيم في "الإمامة" (21)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/169-170) جميعهم من طريق أبي أسامة، به.
(2) أخرج روايته البخاري برقم (3727) - وسيأتي تنبيه الدارقطني على ذلك – فقال: حدثني إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، أخبرنا ابن زَائِدَةَ، حدثنا هَاشِمُ بن هَاشِمِ بن عُتْبَةَ بن أبي وَقَّاصٍ ... فذكره مثل روايته السابقة، إلا أنه لم يذكر كنية سعد بن أبي وقاص، ثم قال البخاري: «تَابَعَهُ أبو أُسَامَةَ، حدثنا هَاشِمٌ».اهـ.
وأخرجه البخاري أيضًا في "التاريخ الكبير" (4/43)، وابن ماجه (132)، والطبراني في "الكبير" (1/142 رقم 313). ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/92).
(3) روايته أخرجها ابن عساكر في "تاريخه" (20/298).
(4) رواه هكذا أيضًا مكي بن إبراهيم كما تقدم، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وروايته أخرجها الدورقي في "مسند سعد" (98)، والخطيب في "تاريخه" (1/144-145)، وابن عساكر في "تاريخه" (20/298).(1/67)
وقد أخرجه البخاري من حديث أبي أسامة وابن أبي زائدة على الصواب(1).
[20]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(2)
__________
(1) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص191رقم61) مختصرًا.
وذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص367) كلام الدارقطني هنا، ثم قال: «قلت: قد أخرج البخاري حديث ابن أبي زائدة إثر حديث مكي، وعلق حديث أبي أسامة. وطريق الأموي أخرجها الإسماعيلي. والظاهر أن البخاري أخرجه على الاحتمال؛ لقرينة معرفة عامر بن سعد بحديث أبيه، وصحة سماع هاشم منه ومن سعد [كذا] جميعًا».اهـ.
قلت: والظاهر أن الحافظ ابن حجر حال كتابته لكلامه السابق لم يكن مستحضرًا الموضع الذي أخرج البخاري فيه حديث أبي أسامة متَّصلاً، ولهذا قال: «وعلَّق حديث أبي أسامة».
(2) برقم (2896)، ولفظه: حدثنا سُلَيْمَانُ بن حَرْبٍ، حدثنا محمد بن طَلْحَةَ، عن طَلْحَةَ، عن مُصْعَبِ بن سَعْدٍ قال: رَأَى سَعْدٌ - رضي الله عنه - أَنَّ له فَضْلاً على من دُونَهُ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هل تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إلا بِضُعَفَائِكُمْ؟)).
وأخرجه المعافى بن عمران في "الزهد" (122) عن محمد بن طلحة، وأخرجه الدورقي في "مسند سعد" (51) من طريق أبي نعيم، والشاشي في "مسنده" (70)، والبيهقي في "سننه" (6/331) من طريق يحيى بن حماد، وتمام في "فوائده" (699) من طريق عاصم بن علي، وأبو نعيم في "الحلية" (5/26) و(8/290) من طريق عاصم بن علي والمعافى بن عمران، جميعهم عن محمد بن طلحة، به.
وأخرجه البزار (1159)، والنسائي (3178)، وتمام (698)، والبيهقي (3/345)، جميعهم من طريق عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن مسعر، عن طلحة بن مُصَرِّف، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أنه ظن أن له فضلاً على من دونه ... فذكره هكذا متصلاً.
وكذا أخرجه تمام أيضًا (700) من طريق زُبيد اليامي، عن طلحة.
وأخرجه أبو نعيم (8/290) من طريق الحسن بن عمارة، عن طلحة مرسلاً كرواية محمد بن طلحة.
لكن هذه المتابعة لايُعْتَدُّ بها؛ فالحسن بن عمارة البَجَلي، مولاهم الكوفي: متروك كما في "التقريب" (1264).
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (4148) من طريق علي بن سعيد، وأبو نعيم في "الحلية" (5/100) من طريق محمد بن إبراهيم بن زياد، كلاهما عن عبد المؤمن بن علي الزعفراني، عن عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما ينصر الله المسلمين بدعاء المستضعفين)).
قال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن مرة إلا أبو خالد، ولا عن أبي خالد إلا عبد السلام، تفرد به عبد المؤمن». وقال أبو نعيم: «غريب من حديث عمرو وأبي خالد، تفرد به عبدالسلام».
وقد خالف عبدَ المؤمن البخاريُّ، فرواه عن عبد السلام بن حرب على الوجه المتقدم، وعبدالمؤمن هذا وإن كان قد عُدِّل في الجملة، فالبخاري أوثق منه، فقد قال عنه مسلم بن الحجاج: «سألت أبا كريب عن عبد المؤمن بن علي الرازي؟ فأثنى عليه، وقال: لولا عبد المؤمن من أين كان يسمع أبو غسان النهدي من عبد السلام بن حرب؟» وروى عنه أبو حاتم الرازي، وقال: «أخرج إليَّ عبد المؤمن بن علي أصول كتب عبد السلام بن حرب، فقال: قرأ علي عبد السلام ثم وهب لي». انظر "الجرح والتعديل" (6/66).(1/68)
عن سليمان بن حرب، عن محمد بن طلحة، عن طلحة، عن مصعب بن سعد: رأى [سعد] (1) أن له فضلاً على من دونه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما ينصر الله هذه الأمة بالضعفاء)).
قلت: وقول مصعب: «رأى [سعد] (2)» ليس فيه رواية عن أبيه، وهو مرسل؛ لأن مصعبًا لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا وُلِد في عهده، والله أعلم(3)
__________
(1) في الأصل: «سعدًا»، والتصويب من "صحيح البخاري".
(2) في الأصل: «سعدًا»، وتقدم تصويبه.
(3) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص194رقم64) بأخصر مما هنا.
وسئل عنه في "العلل" (589)؟ فقال: «يرويه طلحة بن مُصَرِّف عن مصعب بن سعد؛ حدث به زُبيد ومسعر وليث فوصلوه، ورواه محمد بن طلحة عن طلحة، عن مصعب بن سعد: أن سعدًا رأى له فضلاً على دونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسنده كما أسنده غيره. ومحمد بن طلحة لم يسمع من أبيه، والمتصل أصح».اهـ.
وقد ذكر الدارقطني في هذا الموضع من "العلل" عِلَّة أخرى لم يذكرها في هذا الجزء؛ وهي: أن محمد بن طلحة ابن مُصَرِّف لم يسمع من أبيه، وقد ذهب إلى هذا القول: عفان بن مسلم؛ حيث قال: «كان محمد بن طلحة يروي عن أبيه وأبوه قديم الموت، وكان الناس كأنهم يكذبونه، ولكن من يجترئ أن يقول له: أنت تكذب؛ كان من فضله، وكان». وقال أبو كامل مظفر بن مدرك: «قال محمد بن طلحة: أدركت أبي كالحلم، وقد روى عن أبيه أحاديث صالحة». وقال الإمام أحمد: «لا بأس به، إلا أنه كان لا يكاد يقول في شيء من حديثه: حدثنا». وقال العجلي: «ثقة إلا أنه سمع من أبيه وهو صغير». انظر "الجرح والتعديل" (7/291)، و"تهذيب الكمال" (25/419)، و"تهذيب التهذيب" (9/211).
وهذه العبارات التي تقدمت عن هؤلاء الأئمة ليست صريحة في الجزم بعدم السماع، بل فيها مايُشعر بالسماع في الجملة، والظاهر أن سبب الإشكال: تقدُّم وفاة طلحة بن مُصَرِّف؛ فقد كانت وفاته سنة (112هـ)، أو (113هـ)، ووفاة ابنه محمد سنة (167هـ)، فالفرق بين وفاتيهما (55) أو (54) سنة، ولم أجد من ذكر سنة ولادة محمد بن طلحة، ولا سنَّه حين وفاته، حتى ننظر في سنِّه عند وفاة أبيه، وهذا الفرق بين وفاتيهما مُعتاد ويمكن معه السماع، وبخاصَّة إذا كان محمد من الْمُعَمَّرين، وقد نشأ في كَنَفِ أبيه، ولذا ذهب البخاري إلى صِحَّة سماعه؛ فأخرج حديثه في "صحيحه"، وجزم بذلك صراحة في "التاريخ الكبير" (1/122 رقم358) حين قال: «محمد بن طلحة بن مُصَرِّف الأيامي الكوفي: سمع أباه وزبيدًا».
وقال الحميدي في "الجمع بين الصحيحين" (1/196): «هكذا أخرجه البخاري منقطعاً ومرسلاً من رواية سليمان بن حرب، وجوَّده مسعر، عن محمد بن طلحة، عن أبيه، فقال فيه: "عن مصعب بن سعد، عن أبيه"، وأخرجه أيضاً أبو بكر البرقاني عن مسعر وعن غيره مسنداً».
وذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص362) إعلال الدارقطني هذا الحديث بالإرسال، ثم قال: «قلت: صورته صورة المرسل، إلا أنه موصول في الأصل، معروف من رواية مصعب بن سعد عن أبيه، وقد اعتمد البخاري كثيرًا من أمثال هذا السياق، فأخرجه على أنه موصول إذا كان الراوي معروفًا بالرواية عمن ذكره، وقد رويناه في "سنن النسائي"، وفي "مستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم"، وفي "الحلية" لأبي نعيم، وفي "الجزء السادس من حديث أبي محمد بن صاعد"؛ من حديث مصعب بن سعد، عن أبيه: أنه رأى... فذكره. وقد ترك الدارقطني أحاديث في الكتاب من هذا الجنس لم يتتبعها».اهـ.
وقال في "فتح الباري" (6/88 -89): «وقوله: "رأى سعد": أي: ابن أبي وقاص، وهو والد مصعب الراوي عنه، ثم إن صورة هذا السياق مرسل؛ لأن مصعبًا لم يدرك زمان هذا القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي، فأخرجه من طريق معاذ بن هانئ، حدثنا محمد بن طلحة، فقال فيه: "عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، فذكر المرفوع دون ما في أوله، وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر، عن طلحة بن مُصَرِّف، عن مصعب، عن أبيه...» إلخ. وانظر "التلخيص الحبير" (2/97).(1/69)
.
[21]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1)
__________
(1) في "صحيحه" برقم (3156 و3157)، ولفظه: حدثنا علي بن عبد الله؛ حدثنا سفيان؛ قال: سمعت عَمْرًا قال: كنت جالسًا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس، فحدثهما بَجَالَة _ سنة سبعين، عام حجّ مصعب ابن الزبير بأهل البصرة، عند درج زمزم _ قال: كنت كاتبًا لِجَزْء بن معاوية عمّ الأحنف، فأتانا كتاب عمر ابن الخطاب قبل موته بسنة: فرِّقوا بين كل ذي محرم من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هَجَر.
وأخرجه البخاري أيضًا في "التاريخ الأوسط" (1/284رقم573)، والإمام الشافعي في "الأم" (4/174)، و"اختلاف الحديث" (ص510)، و"الرسالة" (ص430)، والطيالسي (222)، وعبد الرزاق (9973 و18746 و19391)، والحميدي (64)، وأبو عبيد في "الأموال" (77) _ ومن طريقه الشاشي في "مسنده" (255) _ وأخرجه سعيد بن منصور (2180)، وابن أبي شيبة (25880 و28982 و32648 و32652)، والإمام أحمد (1/190 رقم1657)، جميعهم عن سفيان بن عيينة، به.
وأخرجه الدارمي (2543) من طريق الفريابي، وأبو داود (3043) من طريق مسدد، والترمذي (1587) من طريق ابن أبي عمر، والبرتي في "مسند عبد الرحمن بن عوف" (36 و52) من طريق إسحاق بن إسماعيل وعبيد الله بن عمر، والبزار (1060) من طريق أحمد بن عبدة، وأبو يعلى (861) من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل، وابن الجارود (1105) من طريق ابن المقرئ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2026) من طريق أحمد بن الحسن الكوفي، والدارقطني (2/154) من طريق يوسف بن موسى، جميعهم عن سفيان بن عيينة، به.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (9972 و10024 و18745 و18748 و19261 و19390) من طريق ابن جريج، عن عمرو بن دينار، به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الإمام أحمد (1/ 194 رقم1685)، والدارقطني (2/155).
وأخرجه عبد الرزاق أيضًا (18746 و18756) من طريق معمر، عن عمرو بن دينار، به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الدارقطني في الموضع السابق.
وأخرجه الترمذي (1586)، والدارقطني أيضًا، كلاهما من طريق الحجاج بن أرطاة، عن عمرو ابن دينار، عن بجالة بن عبدة؛ قال: كنت كاتبًا لجزء بن معاوية على مناذر، فجاءنا كتاب عمر: انظر مجوس من قبلك، فخذ منهم الجزية؛ فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر.
وأخرجه ابن أبي شيبة (32654) من طريق آخر عن بجالة، فقال: حدثنا ابن علية، عن عوف؛ قال: حدثني عباد، عن بجالة بن عبدة؛ قال: كتب عمر إلى أبي موسى: أن اعرضوا على من قبلكم من المجوس أن يدعوا نكاح أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم، ويأكلوا جميعًا؛ يُلحقوا بأهل الكتاب، واقتلوا كل ساحر وكاهن.
وأخرج سعيد بن منصور (2182)، وأبو داود (3044)، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" (2/655)، والدارقطني (2/155 رقم3)، وابن عبد البر في "التمهيد" (2/125) جميعهم من طريق هشيم بن بشير، أخبرنا داود بن أبي هند، عن قشير بن عمرو، عن بجالة بن عبدة، عن ابن عباس؛ قال: جاء رجل من الأسبذيين من أهل البحرين _ وهم مجوس أهل هجر _ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمكث عنده، ثم خرج، فسألته: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شر، قلت: مه؟! قال : الإسلام، أو القتل. قال: وقال عبد الرحمن بن عوف: قبل منهم الجزية. قال ابن عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن بن عوف، وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي .اهـ، واللفظ لأبي داود.
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في تعليقه على "التتبع" للدارقطني (ص292): «إنما أخذ الناس برواية عبد الرحمن، وتركوا رواية ابن عباس؛ لأن رواية ابن عباس عن مجوسي، فهي غير مقبولة؛ إذ من شروط الرواية الإسلام والعدالة».
وأخرجه ابن أبي شيبة (32653) فقال: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن داود بن أبي هند، عن قشير بن عمرو، عن بجالة بن عبدة العنبري، وكان كاتبًا لجزء بن معاوية، وكان على طائفة الأهواز، فحدث: أن أبا موسى وهو أمير البصرة كتب إلينا: أن عمر بن الخطاب كتب إليه يأمره بقتل الزمازمة حتى يتكلموا، وأن تنزع كل امرأة من حريمها، وأن يقتل كل ساحر. فكتب بهذا أبو موسى إلى جزء بن معاوية، فدعا الزمازمة، فتكلموا. قال: وكنا إذا كانت المرأة شابة نزعناها من حريمها وأنكحناها آخر، وإذا كانت عجوزًا نهينا عنها وزجرنا عنها.(1/70)
عن علي(1)، عن ابن عيينة، عن عمرو(2)، عن بَجَالَة(3): كنت كاتبًا لِجَزْءِ بن معاوية، فأتانا كتاب عمر - رضي الله عنه - قبل موته بسَنَة ... القصة بطولها، وفيه: ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هَجَر(4).
قلت: بجالة لم يشهد [.....](5) ولا عبد الرحمن، وإنما هو مكاتبة على ما ذكر في أن [.....](6) مرسل عن بجالة، عن عبد الرحمن، والله أعلم(7)
__________
(1) هو: ابن عبد الله المديني.
(2) هو: ابن دينار.
(3) هو: ابن عَبَدَة التميمي.
(4) هَجَر: هي ناحية البحرين كلها كما في "معجم البلدان" (5/393)، وهي المعروفة الآن بالأحساء في شرق المملكة العربية السعودية.
(5) ما بين المعقوفين في موضعه طمس في الأصل بنحو ثلاث كلمات بسبب الرطوبة، والمعنى ظاهر في أن الدارقطني يعل الرواية بعدم سماع بجالة من عمر وعبد الرحمن بن عوف، وسيأتي نقل كلامه في "التتبع".
(6) ما بين المعقوفين في موضعه طمس في الأصل بنحو ثلاث كلمات بسبب الرطوبة .
(7) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص291-292 رقم143)، فقال: «وأخرج البخاري من حديث ابن عيينة، عن عمرو، عن بجالة،لم يسمع من عمر[كذا!]، وإنما يأخذ من كتابه، وهو حجة في قبول المكاتبة ورواية الإجازة. وقد رواه قشير [في الأصل: بشير] بن عمرو وعباد العنبري [في الأصل: الغبري]، عن بجالة موقوفًا؛ قاله داود، عن قشير بن عمرو [في الأصل: بشير بن عمر] وعباد».
وذكره أيضًا في "العلل" (580) من رواية ابن عيينة، وموافقة ابن جريج له، وذكر أن حجاج بن أرطاة خالفهما، فجعله من رواية عمر بن الخطاب، عن عبد الرحمن بن عوف، ثم ذكر رواية قشير بن عمرو، ثم قال: «وقول ابن عيينة وابن جريج هو الصحيح».
وقال الشافعي في "الأم" (4/174): «وحديث بجالة متصل ثابت؛ لأنه أدرك عمر، وكان رجلاً في زمانه كاتبًا لعُمّاله». وقال في "الرسالة" (ص431): «وحديث بجالة موصول؛ قد أدرك عمر بن الخطاب رجلاً، وكان كاتبًا لبعض ولاته».
ونقل الشافعي في موضعٍ آخر من "الأم" (6/139) عن شخصٍ يناظره أنه استدلَّ بحديث بجالة هذا، وقال: «فكيف لم تأخذوا به؟!». قال الشافعي: «فقلت له: بجالة رجل مجهول ليس بالمشهور، ولا يعرف أن جزء معاوية كان لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عاملاً».
وقد أجاب البيهقي رحمه الله في "السنن" (8/248) عن هذا التعارض بين عبارتي الشافعي فقال: «وكأن الشافعي رحمه الله لم يقف على حال بجالة بن عبد _ ويقال ابن عبدة _ حين صنف كتاب الحدود، ثم وقف عليه حين صنف كتاب الجزية، إن كان صنفه بعده. وحديث بجالة أحد ما اختلف فيه البخاري ومسلم، فتركه مسلم، وأخرجه البخاري في الصحيح عن علي بن عبد الله المديني، عن سفيان بن عيينة».
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (1914): «وقد اختلف كلام الشافعي في بجالة، فقال في الحدود: هو مجهول، وقال في الجزية: حديثه ثابت».
وقال في "فتح الباري" (6/261): «قوله: "ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف": قلت: إن كان هذا من جملة كتاب عمر فهو متصل، وتكون فيه رواية عمر عن عبد الرحمن بن عوف، وبذلك وقع التصريح في رواية الترمذي: ولفظه: فجاءنا كتاب عمر: انظر مجوس من قبلك، فخذ منهم الجزية؛ فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني ... فذكره. لكن أصحاب الأطراف ذكروا هذا الحديث في ترجمة بجالة بن عبدة، عن عبد الرحمن بن عوف، وليس بجيد. وقد أخرج أبو داود من طريق قشير بن عمرو، عن بجالة، عن ابن عباس؛ قال: جاء رجل من مجوس هجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما خرج قلت له: ما قضى الله ورسوله فيكم؟ قال: شر؛ الإسلام أو القتل. قال: وقال عبد الرحمن بن عوف: قبل منهم الجزية. قال ابن عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن، وتركوا ما سمعت. وعلى هذا: فبجالة يرويه عن ابن عباس سماعًا، وعن عمر كتابة، كلاهما عن عبد الرحمن بن عوف». اهـ.
وقال في "النكت الظراف" (8/208): «قلت: هو من رواية بجالة عن كتاب عمر، عن عبد الرحمن، وليس في شيء من طرقه أن بجالة حمله عن عبد الرحمن، فكان ينبغي أن يذكر في ترجمة عمر بن الخطاب، عن عبد الرحمن. وسياق الترمذي من طريق حجاج، عن عمرو بن دينار صريح في ذلك، فإن لفظه عن كتاب عمر: خذوا الجزية من المجوس، فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني ... فذكره».(1/71)
.
[22]ـ وأخرج البخاري رحمه الله(1) عن قيس بن حفص، عن عبد الواحد بن زياد، عن الحسن بن عمرو، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من قتل مُعَاهَدًا لم يجد ريح الجنة، وريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا)).
قلت: هذا الحديث لم يسمعه مجاهد من عبد الله بن عمرو، إنما أرسله عبد الواحد، عن الحسن بن عمرو(2)
__________
(1) رقم (3166 و6914)، فقال: حدثنا قَيْسُ بن حَفْصٍ، حدثنا عبد الْوَاحِدِ، حدثنا الْحَسَنُ بن عَمْرٍو، حدثنا مُجَاهِدٌ، عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قَتَلَ مُعَاهَدًا لم يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ من مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)).اهـ. ولفظه في الموضع الثاني نحو هذا اللفظ.
وأخرجه ابن أبي شيبة (28404)، وابن ماجه (2686)، وابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" (623) ثلاثتهم من طريق أبي معاوية محمد بن خازم، عن الحسن بن عمرو، به كرواية عبد الواحد ابن زياد.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن شاهين في الموضع السابق، والبيهقي (8/133)، و(9/205).
وأخرجه البزار (2373) من طريق عبد الرحمن بن مغراء، عن الحسن بن عمرو، به كسابقه.
وأخرجه البزار أيضًا (2383) من طريق عمرو بن عبد الغفار الفُقَيْمي، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله ابن عمرو، به.
وهذه متابعة جيدة للحسن بن عمرو لو صحَّت، غير أنه لايُفرح بها، فعمرو بن عبد الغفار الفُقَيْمي ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6/246) ونقل عن أبيه أنه قال: «ضعيف الحديث، متروك الحديث». وقال ابن عدي في "الكامل" (5/147): «وكان السلف يَتَّهمونه بأنه يضع في فضائل أهل البيت، وفي مثالب غيرهم». وقال العقيلي في "الضعفاء" (3/286): «منكر الحديث».
(2) يعني: رواه عن الحسن بن عمرو، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو بلا واسطة.
وقد تابع عبد الواحد بن زياد على روايته – كما سبق -: أبو معاوية محمد بن خازم، وعبد الرحمن بن مغراء، ورواه عمرو بن عبد الغفار عن الأعمش، عن مجاهد، ولكن لايُفرح بهذه المتابعة لما تقدم عن حال عمرو بن عبد الغفار.(1/72)
.
وقد رواه مروان الفزاري(1) - وهو من الثقات - على الصواب؛ رواه عن الحسن بن عمرو، عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مُتَّصلاً. ولم يخرج البخاري حديث مروان، ولَعَلَّه لم يقع إليه؛ لأن رجاله ثقات، وكلهم من رتبة الذي خرَّجه؛ لو كان وقع إليه لعدل عن إخراج حديث عبد الواحد بن زياد المرسل الذي لم يذكر فيه جنادة، وأخرج المتصل من حديث مروان، والله أعلم(2)
__________
(1) هو: مروان بن معاوية، وروايته أخرجها: الإمام أحمد (2/186 رقم6745)، وابن أبي عاصم في "الديات" (ص46)، والنسائي في "الكبرى" (6926 و8689)، وابن الجارود (834)، والطبراني (14308)، والحاكم في "المستدرك" (2/126-127)، ومن طريقه وطريقٍ آخر أخرجه البيهقي (8/133)، و(9/205).
(2) ذكر الدارقطني هذا الحديث أيضًا في "التتبع" (ص153-154 رقم29)، ولم يذكر قوله: «ولم يخرج البخاري حديث مروان ...» إلخ.
وذكر الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص364) عبارة الدارقطني في "التتبع"، ثم قال: «قلت: مروان أثبت من عبد الواحد، وقد زاد في الإسناد رجلاً، ولكن قد تابع عبد الواحد أبو معاوية؛ أخرجه ابن ماجه من طريقه، وعمرو بن عبد الغفار الفقيمي، ومن طريقه أخرجه الإسماعيلي، والظاهر أن رواية عبدالواحد أرجح؛ لمن تابعه، وأما رواية مروان بن معاوية - التي زاد فيها جنادة -: فأخرجها النسائي وغيره، ووهم الحاكم فاستدركه، ويحتمل أن يكون مجاهد سمعه من عبد الله بن عمرو بعد أن سمعه من جنادة عنه، والله أعلم».
وذكر في "فتح الباري" (6/270) رواية عبد الواحد عند البخاري، وقال: «وتابعه أبو معاوية عند ابن ماجه، وعمرو بن عبد الغفار الفقيمي عند الإسماعيلي، فهؤلاء ثلاثة رووه هكذا، وخالفهم مروان بن معاوية، فرواه عن الحسن بن عمرو، فزاد فيه رجلاً بين مجاهد وعبد الله بن عمرو، وهو جنادة بن أبي أمية؛ أخرجه من طريقه النسائي، ورجح الدارقطني رواية مروان لأجل هذه الزيادة، لكن سماع مجاهد من عبد الله بن عمرو ثابت، وليس بمدلس، فيحتمل أن يكون مجاهد سمعه أوَّلاً من جنادة، ثم لقي عبد الله بن عمرو، أو سمعاه معًا وثبَّته فيه جنادة، فحدَّث به عن عبد الله بن عمرو تارة، وحدث به عن جنادة أخرى، ولعل السر في ذلك ما وقع بينهما من زيادة أو اختلاف لفظ، فإن لفظ النسائي من طريقه: "من قتل قتيلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة"، فقال: "من أهل الذمة"، ولم يقل: "مُعَاهَدًا"، وهو بالمعنى، ووقع في رواية أبي معاوية: "بغير حق" كما تقدم، ووقع في رواية الجميع: "أربعين عامًا"، إلا عمرو بن عبد الغفار فقال: "سبعين"، ووقع مثله في حديث أبي هريرة عند الترمذي».
وقال في "فتح الباري" أيضًا (12/259): «قوله: "مجاهد، عن عبد الله بن عمرو": هكذا في جميع الطرق بالعنعنة، وقد وقع في رواية مروان بن معاوية: عن الحسن بن عمرو، عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبد الله بن عمرو، فزاد فيه رجلاً بين مجاهد وعبد الله، أخرجه النسائي وابن أبي عاصم من طريقه، وجزم أبو بكر البرديجي في كتابه في بيان المرسل أن مجاهدًا لم يسمع من عبد الله بن عمرو ... ، وقد ذكرت في الجزية من تابع عبد الواحد على إسقاط جنادة، ونقلت ترجيح الدارقطني لرواية مروان لأجل الزيادة، وبينت أن مجاهدًا ليس مُدَلِّسًا، وسماعه من عبد الله بن عمرو ثابت، فتُرَجَّح رواية عبد الواحد؛ لأنه توبع، وانفرد مروان بالزيادة».(1/73)
.
آخر الجزء، والحمد الله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
[.....](1) اثنان وعشرون حديثًا.
__________
(1) طمس في الأصل بمقدار كلمتين تقريبًا، ومن الواضح أنه يتحدَّث عن عدد أحاديث هذا الجزء، فعددها اثنان وعشرون حديثًا، والله أعلم.(1/74)