ـ[إنباه الرواة على أنباه النحاة]ـ
المؤلف: جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي (المتوفى: 646هـ)
الناشر: المكتبة العنصرية، بيروت
الطبعة: الأولى، 1424 هـ
عدد الأجزاء: 4
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم](0/0)
الجزء الأول
[مقدمات التحقيق]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
تصدير
عنى كثير من علماء المسلمين وأدبائهم بجمع كثير من الحقائق المبعثرة فى بطون الكتب، أو التى تلقوها بالرواية والسماع، أو خبروها بأنفسهم. ثم نسقوا هذه الحقائق، ونظموا كل طائفة متشاكلة منها فى سلك واحد؛ فدوّنوا السير وتراجم العلماء والحكماء والأطباء والأدباء ورواة الحديث والقرّاء والفقهاء والنحاة. ووصفوا البلدان والأقطار التى ارتادوها، أو قرءوا عنها أو سمعوا بها؛ كما وصفوا الحيوان والنبات؛ فكان من وراء ذلك كله طائفة كبيرة من كتب السير والطبقات والمعاجم المنوّعة والموسوعات الجامعة فى شتى نواحى العلم؛ حتى أصبحت اللغة العربية من أغنى لغات العالم كلها بمثل هذه الكتب؛ إن لم تكن أغناها. ومع ذلك لم يكن العرب هم أوّل من استحدثها؛ إذ أنهم لم يأخذوا فى مثل هذا التدوين إلا منذ القرن الثانى للهجرة (الثامن الميلادى) عندما وضع أبو بكر بن إسحاق سيرة النبىّ الهاشمىّ- عليه الصلاة والسلام-، ثم اعتمد عليه ابن هشام المتوفى سنة 213 هـ. ثم جاء ابن سعد وابن سلّام فألف كل منهما طبقاته، وتتابع ظهور أمثال هذه الكتب، وتعدّدت مناحيها وموضوعاتها. وفى القرن السابع زادت وكثرت على الرغم مما حل فيه بالحضارة الإسلامية والثقافة العربية من نكبات؛ فصار لدينا كتب متعدّدة عن كل عظيم نابه، وكل فئة خاصة أو طبقة معينة من العلماء والأدباء فى مختلف القرون أو فى قرن بعينه. وإنّ نظرة واحدة إلى فهارس المكتبات العربية لتقنعنا بالكثرة الوافرة من الكتب التى وضعها العرب فى هذه الناحية من التأليف.(1/5)
وقد كان لهذه السير والتراجم والطبقات قيمتها للعلم والأدب والتاريخ؛ إذ يسرت للباحث والعالم والمؤرّخ الوصول إلى كثير من الحقائق التى يقوم عليها بحثه، وبيّنت للعالم مدى إقبال المسلمين وكتّاب العربية فى مختلف العصور على البحث والتدوين، وما عانوا فيه من مشقة وجهد علمىّ مشكور؛ كما بينت للخلف مقدار ما تركه له أسلافه من ثروة ثقافية ضخمة يفخر بها كما يفخر كل محب للعلم والبحث.
ومما يؤسف له كل الأسف أن الشطر الأعظم من هذه الثروة العلمية الضخمة قد ضاع فى تلك النكبات التى حلت بالعالم الإسلامى من غزوات متكررة وحروب وثورات ومجاعات وحرائق وسرقات وجهل الحكام وطمع الطامعين.
وإنى لأرجو من الله أن تتاح لنا أو لغيرنا الفرصة لجمع كل أسماء الكتب العربية الموجودة والضائعة التى أشار إليها المؤلفون فيما وصل إلينا من كتبهم، وتنسيقها فى ثبت شامل يكون مرجعا للباحثين وهاديا لهم؛ فلعل التوفيق يوافى طائفة منهم بالعثور على بعضها والاستفادة منها.
ومما يذكر أن القدامى فى الزمن السالف قد درجوا على محو ما لديهم من بعض الكتب ليستغلوا رقوقها فى كتابة تأليف جديد من عندهم، أو تدوين مذكرات خاصة بهم، وقد تكررت هذه العملية مرات؛ لأن قراطيس البردى والرقوق كانت غالية الثمن على الكثيرين.
وإذ قد توصل العلم الحديث إلى إستعادة هذه الكتابة الممحوّة مما تركته وراءها من آثار فى البردىّ أو فى الرقوق، فقد استطاع العلماء الأوربيون الحصول على نسخ من مؤلفات قيمة ظنوا أنها ضاعت، ولا سبيل إلى العثور عليها. ففى المتحف البريطانى مثلا مخطوطات سريانية أخذت من أديار وادى النطرون؛ منها مخطوط ألفه ساويرس الأنطاكى فى القرن التاسع الميلادى كان مكتوبا عليه إلياذة(1/6)
هو ميروس وإنجيل لوقا، وعلى أوراق كان عليها هندسة إقليدس مكتوبة فى القرنين السابع والثامن. وقد تكون ثمة كتب عربية كثيرة قد أصابها مثل ذلك فمحيت وكتب عليها غيرها أحدث منها وأقل قيمة.
ومهما يكن من الأمر فمن الخير للعلم والإنسانية أن يضاعف العاملون منا جهودهم فى جمع المتفرّق من التراث الثقافىّ العربىّ من مظانه، ونشر القيم منه، وهو كثير حافل، وما لم ينشر منه إلى اليوم لا يزال كثيرا.
فمثلا جمال الدين أبو الحسن على القفطىّ المصرى وزير الأيوبيين فى حلب، المتوفى سنة 646 قد خلف لنا قرابة الثلاثين كتابا ضاع أكثرها، ولم يصل الينا منها سوى كتاب واحد كامل، ومختصران له اختصرهما غيره «1» ، ومختصر لكتاب «2» آخر، وقطعة «3» من كتاب ثالث.
والكتاب الكامل هو الذى بين يدى القارئ الجزء الأوّل منه، وهو يشمل الكثيرين من علماء النحو واللغة وغيرهم، منهم من سبق لنا معرفتهم ومنهم من لم نعرف.
ولما كان الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم قد توفر سنين طويلة على دراسة هذا الكتاب، وكان حضرته قد تمرّس بنشر الكتب وتحقيقها من قبل،(1/7)
انتهزنا هذه الفرصة وعهدنا إليه بمراجعة هذا الكتاب وإعادة تحقيقه، وإعداده للنشر، فقام بذلك بهمة ملحوظة وأمانة مشكورة، باذلا فيه غاية الجهد، وكان نصيبه التوفيق.
هذا وسيظهر الكتاب في أربعة أجزاء، يشمل آخرها الفهارس المنوّعة التي دأبنا على العناية بها تسهيلا للباحث وتوفيرا لوقته؛ فلا يخفى أنّ كتابا مثل هذا يفقد جزءا كبيرا من فائدته المرجوّة إذا ظهر خلوا من الفهارس.
هذا، وأرجو من كل باحث يعنى بهذا الكتاب أن يتفضل مشكورا ويبعث إلينا بما قد يعنّ له من ملاحظات على هذه الطبعة لنستدركه في الطبعة التالية إن شاء الله؛ فكلنا يسعى إلى الاقتراب من المثل الأعلى في كل ما يعمل.
أيدنا الله بعون من عنده حتى نضاعف جهودنا في سبيل الثقافة العربية، ونحقق بعض ما نصبو إليه من خير لها. والله ولي التوفيق(1/8)
مقدّمة المحقق
(1) ترجمة المؤلف [1]
حياته:
قفط بلدة بالصعيد الأعلى بمديرية قنا، تبعد قليلا عن الشاطئ الشرقى للنيل، شمالى قوص. وكانت معروفة فى التاريخ المصرى القديم، ودار حولها كثير من القصص والأساطير. ولما كان الفتح الإسلامىّ وارتبطت مصر ببلاد العرب ارتباطا وثيقا صار لها شأن خاص، وأصبحت ممرّا للتجار والرّحالين والحجاج، فى طريقهم ذاهبين إلى عيذاب وجدّة فبلاد العرب والهند، أو عائدين من هذه البلاد إلى مصر والمغرب وبلاد الأندلس. فأثرى أهلها، وحفلت أسواقها، واستفاض العمران بها، واجتذبت إليها كثيرا من العلماء ممن كان يذهب إلى مكة للحج أو يعود. وأقيمت بها حلقات الدروس، وامتلأت مساجدها ونواديها بأفضل العلماء، وجهابذة الأدباء، ونشطت فيها الحركة العلمية؛ كما نشطت فى قنا وقوص وأدفو وأسوان وغيرها من بلاد الصعيد.
__________
[1] . مصادر الترجمة:
إعلام النبلاء 4: 414- 426 بغية الوعاة 358 تاريخ علم الفلك عند العرب لنلينو 50- 64 حسن المحاضرة 1: 238 شذرات الذهب 5: 236 الطالع السعيد 237- 238 عيون التواريخ (مخطوط) وفيات سنة 646 فوات الوفيات 2: 121 معجم الأدباء 15: 175- 204 معجم البلدان 3: 55- 56.(1/9)
فى هذه البلدة ولد الصاحب جمال الدين أبو الحسن على بن يوسف بن إبراهيم ابن عبد الواحد الشيبانىّ، ونسب إليها، وصار يعرف بالقفطىّ فيما بعد، ويلقب بالقاضى الأكرم.
وكان مولده فى أحد ربيعى سنة 568 على ما ذكر أخوه إبراهيم مؤيد الدين «1» ، وقضى بها شطرا من طفولته، ثم ذهب إلى القاهرة، وتعلم بمدارسها، وأخذ عن شيوخها وعلمائها، ثم عاد إليها فى ربيع شبابه، وقضى بها حقبة من الزمن، نهل من موارد العلم، وقبس من ضياء المعرفة، وتخرّج على من كان بها من العلماء.
وهو عربىّ صريح النسب، كريم النبعة، ينتمى قومه إلى شيبان. وقد نزحوا من الكوفة مع القبائل العربية التى توافدت على مصر بعد الفتح أرسالا، وهاجر إليها أفرادها جماعات، ثم انتشروا فى شمال الوادى وجنوبه، وطاب لهم العيش، وامتدّت بهم أسباب الحياة.
وأبوه يوسف بن إبراهيم الملقب بالقاضى الأشرف. كان كاتبا ناصع البيان، متصرفا فى ضروب الإنشاء، حسن الترسل، مليح الخط. ولد بقفط سنة 548، وقضى بها صدرا من حياته، نابه الذكر، مرعىّ المكانة، سامى الرتبة. ولما نشبت الفتنة «2» بها، وأعلن أهلها خروجهم على السلطان صلاح الدين الأيوبىّ نزح عن البلاد(1/10)
طلبا للعافية، وإيثارا للسلامة. ثم ذهب إلى القاهرة، واتصل بالملوك الأيوبيين، فأنزلوه منزلة كريمة، وولوه أعمالا بالصعيد ثم بلبيس وبيت المقدس، وناب عن القاضى الفاضل بحضرة صلاح الدين. ولما ملك العادل الشام لم تطب للقاضى الأشرف الإقامة ببيت المقدس، وغادرها إلى حرّان. وهناك استوزره الملك الأشرف موسى بن العادل، ثم استأذنه فى الحج فأذن له على أن يعود؛ ولكنه امتنع من العود، وذهب إلى اليمن، فاستوزره أتابك سنقر، وأقام فى الوزارة زمنا؛ ثم بدا له أن ينقطع عن خدمة الملوك، فذهب إلى ذى جبلة «1» ، وآثر العزلة عن الناس، والإخلاد إلى الوحدة. فأقام بها منفردا بنفسه، بعيدا عن الخاصة والعامّة إلى أن توفى سنة 624.
وكانت القاهرة حين وفد القفطىّ إليها معمورة بالمدارس، مأهولة بالعلماء، زاخرة بالكتب، فأخلى ذرعه للدرس، وقصر نفسه على العلم، وأحاط منه بقدر صالح كبير. ولقى كثيرا من العلماء وأخذ عنهم؛ وكان ممن لقيه محمد بن محمد بن بنان الأنبارىّ، وكان شيخا فاضلا عالما، تصدّر للإقراء، فلزمه وأخذ عنه سماعاته، وأجازه فى رواياته، وسمع منه كتاب الصّحاح للجوهرىّ.
وترامت إليه أخبار أبى طاهر السّلفىّ نزيل الإسكندرية وعالمها فى ذلك الحين، فارتحل إليه، وانتظم فى حلقة الطلاب الذين وفدوا عليه من أطراف البلاد، وكان صغيرا فى ذلك الحين؛ إلا أنه أفاد منه، وتحدّث عنه فى كتاب الإنباه.
ثم عاوده الحنين إلى وطنه، واشتاق إلى ملاعب طفولته، ومنبت أهله وعشيرته، فسافر إلى قفط، وكان قد اكتمل عقله، وأوفى على الغاية استعداده.
وهناك خالط علماءها، وناظر أدباءها، والتقى بصالح بن عادى العذرىّ نزيلها.(1/11)
وكان ابن عادى ممن حذق النحو، وتقصّى مسائله، وجمع أشتاته، وأحاط بأصوله وفروعه، ونقّب عن مقيسه وشاذه. فلزمه واستفاد منه، وحمل عنه علما كثيرا.
ثم عاد إلى القاهرة ليقضى بها مدة قصيرة ويرحل عنها فلا يعود. ففى سنة 591 سافر أبوه إلى بيت المقدس واليا عليها من قبل الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين، فصحبه فى سفره، ونزل معه ببيت المقدس، وطاب له المقام فيها زمانا؛ وهناك عايش أهلها، ولابس رجالها، ولقى عندهم جوارا كريما، ومنزلا طيبا، ولقوا منه رجلا محمود الصحبة، جميل العشرة، لطيف الطبع، أديبا بارعا عذب الموارد، وعالما فاضلا جمّ الفوائد، يتجمّل بالخلق الكريم، والطبع السرىّ النبيل، فأحبهم وأحبوه، واطمأنّ إليهم واطمأنوا إليه. ثم رغبوا إليه فى أن يتولى شيئا من أمور الملك فأبى عليهم، وآثر أندية العلم، ومجامع الأدب والفضل، وزهد فى مجالس الحكم وديوان السلطان.
وعصفت ببيت المقدس أقدار، وتقلبت عليها أهوال، وانتهت إلى أن دخلت فى حوزة الملك العادل ووزيره ابن شكر. ولم يكن أبوه القاضى الأشرف من شيعة العادل، ولا ممن يوادّون ابن شكر، فتوجس منهما خيفة، وخرج منها بليل، وذهب إلى حرّان. وعندئذ تعذّر على القفطى المقام بعد أبيه، ونبا به المنزل، فترك بيت المقدس، وقصد إلى حلب مع من قصد إليها.
وكان السلطان صلاح الدين قد أعطى ولاية حلب لابنه الملك غازى المعروف بالظاهر «1» فى حياته، ثم ظلت فى حكمه بعد وفاة أبيه، وتوارثها أولاده من بعده،(1/12)
فكانت بعيدة عن الفتن التى شجرت بين خلفاء صلاح الدين، والحال فيها خير من الحال فى مصر والعراق وبقية بلاد الشام؛ فازدهرت فيها الآداب، وأينعت العلوم، ورحل إليها العلماء؛ ممّا طابت له نفس القفطىّ، ووافق هواه، ووجد المكان الذى يطمئن له العيش فيه.
وفى صدر أيامه بحلب كان مصاحبا لميمون القصرىّ صديق أبيه، ورفيقه فى الرحلة إلى حلب، وأحد الولاة الذين صار لهم نصيب من السلطان. فلازمه على سبيل الصداقة والمودّة، لا على سبيل العمل والخدمة. وفى هذه المدّة اجتمع بجماعة من العلماء المقيمين بحلب والواردين عليها، واستفاد بمحاضرتهم، وفقه بمناظرتهم. ثم جدّ فى شراء الكتب وسعى فى اقتنائها وجلبها، واستطارت شهرته بذلك فى الآفاق، وتوافد عليه الورّاقون والناسخون وباعة الكتب، كما توافد عليه العلماء والشعراء وذوو الفضل. وكان ممّن وفد إليه فى ذلك الحين ياقوت ابن عبد الله الحموىّ صاحب معجم الأدباء. فآواه إلى ظله، وأنزله فى داره، وأفرد له مكانا من مجلسه. وعرف فيه ياقوت الفضل والعلم؛ فأذاع بفضله فى كل محفل، وروى عنه فيما صنف من الكتب، وأهدى إلى خزانته كتابه معجم البلدان.
وبينما كان القفطىّ مطمئنا إلى هذه الحياة الهادئة الخصيبة، يجالس العلماء، ويأخذ عنهم ويأخذون عنه، ويقتنى الكتب ويقرؤها ويستوعب ما فيها، ويحصّل العلوم ويؤلف فى شتى نواحيها؛ وإذا بميمون القصرىّ يموت وزيره فيلزمه أن يحل مكانه؛ فيقبل على كره، وفى ذلك يقول ياقوت «1» :
«ألزمه ميمون القصرىّ خدمته، والاتّسام بكتابته، ففعل ذلك على مضض واستحياء، ودبّر أموره أحسن تدبير، وساس جنده أحسن سياسة، وفرغ بال(1/13)
ميمون من كل ما يشغل به بال الأمراء، وأقطع الأجناد إقطاعات رضوا بها، وانصرفوا شاكرين له، لم يعرف عنه- منذ تولى أمره إلى أن مات ميمون القصرىّ- جندىّ اشتكى أو تألم. وكان وجيها عند ميمون المذكور، يحترمه ويعظم شأنه، ويتبرك بآرائه إلى أن مات ميمون سنة 610» .
وعندئذ عاد إلى منزله، والتزم العزلة أكثر من عام، يطالع وينسخ ويستفيد.
ولكنه ألزم بالخدمة مرّة أخرى، فظل متوليا أمور الديوان حتى مات الملك غازى سنة 613، وتولى الملك ابنه العزيز «1» ، فعاد إلى داره، ومكث ملتزما الخلوة والبعد عن السلطان. وشهاب الدين طغريل وزير العزيز يجرى عليه رزقا يستعين به على الانقطاع والخلوة، إلى أن كانت سنة 616؛ حيث ألزمه الأمير تولى أمور الديوان، فلم يجد من قبول ذلك بدّا.
وطالت أيامه فى هذه المدّة؛ فإنه ظل من سنة 616 إلى سنة 628، يسوس الأمور أحسن سياسة، وينصح للأمير، ويرعى مصالح الرعية. روى عنه ياقوت: «أنه مر فى طريقه بصعلوك شكا إليه أنه قد اتهم بسرقة الملح، وأخذت دابته، ثم طولب بجباية. فلم يكد يستمع إلى شكواه حتى ذهب إلى شهاب الدين طغريل، وقال له: أيها الأمير، روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ثلاثة أشياء مباحة، الناس مشتركون فيها: الكلأ والماء والملح، وقد جرى كيت وكيت، ولا يليق بمثلك وأنت عامّة وقتك جالس على مصلّاك أن تكون مثل هذه الأشياء فى بلدك!» .(1/14)
«فقال: اكتب الساعة إلى جميع النواحى برفع الجبايات ومحو اسمها، وأمر الولاة أن يعملوا بكتاب الله وسنة رسوله. ومن وجب فيه حدّ من الحدود الشرعية يقام فيه على الفور، ولا يلتمس منه شئ آخر، ومر الساعة بإراقة كل خمر فى المدينة، ورفع ضمانها، واكتب إلى جميع النواحى التى تحت حكمى بمثل ذلك، وأوعد من يخالف ذلك عقوبتنا فى الدنيا عاجلا، وعقوبة الخالق فى الآخرة آجلا» . قال القفطىّ:
«فخرجت وجلست فى الديوان، وكتبت بيدى- ولم أستعن بأحد من الكتاب فى شىء من ذلك- ثلاثة عشر كتابا إلى ولاة الأطراف» .
ولا تكتب بكفّك غير شىء ... يسرّك فى القيامة أن تراه
وكأنه رأى أن طول هذه المدّة قد أقصاه عن المطالعة، وصرفه عن التأليف، وحال بينه وبين الانقطاع إلى مدارس العلم، فأعفى نفسه من تكاليف السلطان، وخلع عن عنقه ربقة الإمارة، و «انقطع «1» فى داره مستريحا من معاناة الديوان، مجتمع الخاطر- على شأنه- للمطالعة والفكرة وتأليف الكتب، منقبضا عن الناس، محبا للتفرّد والخلوة، لا يكاد يظهر لمخلوق» .
ولكن الملك العزيز حينما جاوز حداثته، واستقل بالملك وحده لم يلبث أن دعاه إليه، واتخذه وزيره، وألقى إليه زمام أموره؛ مطمئنا إلى نفاذ بصيرته، وأصالة رأيه. فأصفى له النصح، واجتهد فى المشورة، وتوخى مناهج الرشد، والتزم القصد والسداد.
ومات العزيز وتولى بعده ابنه الناصر «2» ، لم تجاوز سنه سبع سنوات، فاستمرّ(1/15)
القفطىّ فى تدبير المملكة، وفيا بالعهد، قائما بمصالح الملك، بعيد الصيت، مرعىّ الجانب، إلى أن توفّى سنة 646، ودفن بالمقام بحلب.
علمه وثقافته:
كان القفطىّ أديبا جيدّ الملكة، وافر المحفوظ، عالما طويل الباع، واسع الاطلاع، غزير المادّة واضح القصد، مصنفا سديد المنهج جامعا لأشتات الفوائد، ومنثور المسائل؛ جال فى كل فنّ، وشارك فى كل ناحية من نواحى المعرفة. قال ياقوت: «اجتمعت «1» بخدمته فى حلب، فوجدته جمّ الفضل، كثير النبل، عظيم القدر، سمح الكف، طلق الوجه، حلو البشاشة. وكنت ألازم منزله ويحضر أهل الفضل وأرباب العلم، فما رأيت أحدا فاتحه فى فنّ من فنون العلم، كالنحو واللغة والفقه والحديث وعلم القرآن والأصول والمنطق والرياضة والنجوم والهندسة والتاريخ والجرح والتعديل وجميع فنون العلم على الإطلاق، إلّا قام به أحسن قيام، وانتظم فى وسط عقدهم أحسن انتظام» .
وقد تضافرت ظروف نشأته وحياته، وتعدّد أسفاره ورحلاته، واتصاله بشيوخه فى حلقات الدرس، ومناظرته للعلماء والأدباء فى مجالس الأدب والعلم، وعمله فى ديوان الإنشاء، وقراءته الموصولة فى الكتب والأسفار على تكوين ذوقه الأدبىّ، وتمكينه من المعرفة الشاملة، وذلك المحصول الوافر.
كانت أمه بدوية من عرب قضاعة، فصيحة مطبوعة تحفظ الشعر وترويه، وكان أبوه على ما عرفناه كاتبا، من كتّاب ديوان الإنشاء، فنشأ أديبا صافى الديباجة فتيق اللسان حرّ البيان.
وكانت القاهرة حينما ارتحل إليها منهلا للعلم والمعرفة، وموردا للفنون والآداب، حافلة بالعلماء، وقبلة للشعراء والأدباء، ودور الكتب ميسّرة لكل(1/16)
دارس، ومعاهدها مفتوحة لكل وافد، والملوك الأيوبيون من وراء ذلك يشيدون المدارس، ويعقدون المناظرات، ويشجعون الدارسين، ويرفدون العلماء بالهبات والأعطيات. فتهيأ له من كل ذلك دراسة كاملة، ومعرفة شاملة؛ درس القرآن، وتلقى الحديث، وحذق النحو، وحفظ اللغة، ووعى التاريخ، وأحاط بقسط وافر من الفلسفة والحكمة وعلم الكلام.
ثم كانت المحاضرات التى عقدت بمجلسه فى حلب، والأحاديث التى دارت حول المعقول والمنقول فى مسائل العلوم، والتحدّث بالغرائب والطرائف. وكتبه التى عكف عليها فى داره، فاستجلى غوامضها، واستلهم أسرارها، واستقصى ما فيها استقصاء الدارس الحصيف، ونقدها نقد الصيرفىّ الخبير.
من هذه المنابع الصافية تكوّنت ثقافته، وتلاقت معارفه، وانسجمت أفكاره وخواطره، وتألفت منها تلك الكنوز التى نثر منها فى مجالسه الخاصة، وأودعها كتبه المتنوّعة.
أدبه:
وكان القفطىّ صاحب نثر وشعر؛ أما النثر فقد تخرّج فيه على أبيه، وتمرّس به فى ديوان الإنشاء، وأثر عنه كثير من الرسائل، وجرى قلمه بشىء منه فى كتاب الإنباه. وقد اعتنق طريقة القاضى الفاضل، وسار على نهجه؛ من تنميق اللفظ والاحتفال بالسجع، والقصد إلى التورية والجناس، والاستشهاد بالنظم فى أثناء المنثور؛ سواء فى ذلك رسائله الإخوانية أو الديوانية، أو ما سال به قلمه فى بعض التراجم.
ومن رسائله التى أوردها ياقوت «1» :
«وأما سؤاله عن سبب التأخر والتجمّع، والتوقّف عن التطاول فى طلب الرياسة والتوسّع، والتعجب من التزامى قعر البيت، وارتضائى بعد السبق(1/17)
بأن أكون السّكيت «1» ، فلا تنسبّنى فى ذلك إلى تقصير، وكيف ولسانى فى الّلسن غير ألكن وبنانى فى البيان غير قصير! ولقد أعددت للرياسة أسبابها، ولبست لكفاح أهلها جلبابها، وملكت من موادّها نصابها، وضاربت أضرابها، وباريتهم فى ميدان الفضائل، فكنت السابق وكانوا الفساكل «2» . وظننت أنى قد حللت من الدولة أمكن مكانها، وأصبحت إنسان عينها وعين إنسانها، إذا الظنون مخلفة، وشفار العيون إلى الأعداء مرهفة، والفرقة المظنونة بالإنصاف غير منصفة، وصار ما اعتقدته من أسباب التقريب مبعدا، ومن اعتقدته لى مساعدا غدا علىّ مسعدا «3» ، ومن أعددته لمرادى موردا أصبح لمثالبى موردا. وجست مقاصد المراشد فوجدتها بهم مقفلة، ومتى أظهرت فضيلة اعتمدوا فيها تعطيل المشبهة وشبه المعطّلة «4» » .
«وإذا ركبت أشهب النهار لنيل مرام، ركبوا أدهم الليل لنقض ذلك الإبرام، وإن سمعوا منى قولا أذاعوا، وإن لم يسمعوا اختلقوا من الكذب ما استطاعوا. وقد صرت كالمقيم وسط أفاع لا يأمن لسعها، وكالمجاور لنار يتّقى شرها ويستكفى لذعها. والله المسئول توسيع الأمور إذا ضاقت مسالكها، وهو المرجوّ لإصلاح قلوب الملوك على مماليكهم؛ إذ هو رب الملكة ومالكها. وهأنا جاثم جثوم الليث فى عرينه، وكامن كمون الكمىّ فى كمينه. وأعظم كانت النار لهبا إذا قلّ دخانها، وأشدّ ما كانت السفن جريا إذا سكن سكّانها «5» والجياد تراض ليوم السباق، والسهام تكنّ فى كائنها لإصابة الأحداق، والسيوف لا تنتضى من الأغماد إلا ساعة الجلاد، واللآلئ لا تظهر من الأسفاط «6» إلا للتعليق(1/18)
على الأجياد. وبينما أنا كالنهار الماتع «1» طاب أبرداه «2» ، إذ ترانى كالسيف القاطع خشن حدّاه. ولكل أقوام أقوال، ولكل مجال أبطال نزال. وسيكون نظرى بمشيئة الله الدائم ونظرهم لمحة، وريحى فى هذه الدولة المنصورة عادية «3» وريحهم فيها نفحة. وهأنا مقيم تحت كنف إنعامها، راج وابل إكرامها من هاطل غمامها، منتظر لعدوّى وعدوّها أنكأ سهامها من وبيل انتقامها» .
وأما شعره فقد كانت تبدو عليه الصنعة. ويشيع فيه التكلّف. وكان مقلا، محدود الغرض، ضيق المجال. ومن قوله فى تصوير نفسه:
ضدّان عندى قصرا همّتى ... وجه حيىّ ولسان وقاح «4»
إن رمت أمرا خاننى ذو الحيا ... ومقولى يطمعنى فى النجاح
فأنثنى فى حيرة منهما ... لى مخلب ماض وما من جناح
شبه جبان فرّ من معرك ... خوفا وفى يمناه عضب الكفاح
ومن قوله فى المدح:
إذا أوجفت منك الخيول لغارة ... فلا مانع إلا الذى منع العهد
نزلت بأنطاكيّة غير حافل ... بقلّة جند إذ جميع الورى جند
فكم أهيف «5» حازته هيف رماحكم ... وكم ناهد أودى بها فرس نهد «6»
لئن حلّ فيها ثعلب الغدر لاون ... فسحقا له قد جاءه الأسد الورد
وكان قد اغتر اللعين بلينكم ... وأعظم نار حيث لا لهب يبدو(1/19)
جنى النحل مغترا وفى النحل آية ... فطورا له سم وطورا له شهد
تمدّك أجناد الملوك تقرّبا ... وجند السخين العين جزر ولا مدّ
ومن قوله فى الغزل:
تبدّت فهذا البدر من كلف بها ... - وحقك- مثلى فى دجى الليل حائر
وماست فشق الغصن غيظا ثيابه ... ألست ترى أوراقه تتناثر
غرامه بالكتب:
وقد أغرم القفطى بالكتب إغراما شديدا، ونافس فى اقتنائها، وبذل النفيس فى شرائها، وأنفق وقته فى حفظها وترتيبها، وأصبحت داره فى حلب قبلة الورّاقين، ومقصد النساخين. يجلبون له الكتب والأسفار. وهو يضاعف لهم الثمن، ويجزل العطاء. وله فى تلك البابة أعاجيب.
قال ابن شاكر «1» : «جمع من الكتب ما لا يوصف، وقصد بها من الآفاق، وكان لا يحب من الدنيا سواها، ولم تكن له دار ولا زوجة، وأوصى بكتبه للناصر صاحب حلب، وكانت تساوى خمسين ألف دينار» .
وروى أنه اقتنى نسخة من كتاب الأنساب للسمعانىّ حرّرت بيد المؤلف؛ إلا أن فيها نقصا. وبعد الاطّلاب المديد والافتقاد الطويل حصل على الناقص، إلا أوراقا بلغه أن قلانسيا قد استعملها قوالب لقلانسه فضاعت، فتأسف غاية الأسف على هذا الضياع؛ حتى كاد يمرض، وامتنع أياما عن خدمة الأمير فى قصره. فصار عدّة من الأفاضل والأعيان يزورونه تعزية له، كأنه قد مات أحد أقار به المحبوبين.
وفى كتابه الإنباه نجده كثيرا ما يفخر بأنه اقتنى كتابا بخط مؤلف معروف، أو ناسخ مشهور، أو عثر على نسخة فريدة من كتاب لا توجد عند سواه.(1/20)
وقد جمع مقدارا وافرا من التعليقات والفوائد والطرف التى تعوّد العلماء أن يضعوها على ظهور الكتب. ولما اجتمع له قدر صالح منها رأى أنها تستأهل أن تكون كتابا، فكان كتاب نهزة الخاطر ونزهة الناظر فى أحاسن ما نقل من ظهور الكتب.
مؤلفاته:
(1) إخبار العلماء بأخبار الحكماء. ذكره ابن أصيبعة فى عيون الأنباء (2: 87) واختصره محمد على بن الزورنىّ، وسماه المنتخبات الملتقطات من كتاب تاريخ الحكماء، ذكر ذلك صاحب كشف الظنون (2: 536 طبعة إستانبول سنة 1311) . طبع هذا المختصر فى ليبسك سنة 1903، وبمطبعة السعادة بمصر سنة 1326.
(2) أخبار المتيمين. ذكره ياقوت فى معجم الأدباء. وأورده باسم الدرّ الثمين فى أخبار المتيمين، وابن شاكر فى عيون التواريخ وفوات الوفيات، وابن العماد الحنبلى فى شذرات الذهب.
(3) أخبار المحمدين من الشعراء. منه نسخة بدار الكتب المصرية برقم 2217 تاريخ تيمور، مصوّرة عن نسخة بخزانة باريس. وأصل النسخة كتبت سنة 1156.
كانت بالأزهر، وقفها محمد بك الألفى على رواق الصعايدة. والموجود بها من أول الكتاب من ترجمة «محمد بن أحمد الرقى» إلى «محمد بن سعيد البغداذىّ» ، وذكر كاتبه بآخره أن ذلك آخر ما وجد بخط المصنف. وكتب العلامة أحمد تيمور على ظهر النسخة: «ولا يدرى أكتب المصنف شيئا بعد ذلك أم ضاعت بقية النسخة؛ لأنه أحال فى مواضع على أسماء بعد هذا الحرف» .
(4) أخبار مصر من ابتدائها إلى أيام صلاح الدين. ذكره ياقوت والأدفوى فى الطالع السعيد، والسيوطى فى حسن المحاضرة وبغية الوعاة. وذكره(1/21)
ابن شاكر أيضا وقال: إنه يقع فى ستة مجلدات. وسماه صاحب كشف الظنون تاريخ مصر. ونقل عنه صاحب النجوم الزاهرة فى مواضع كثيرة.
(5) أخبار السلجوقية منذ ابتدائهم إلى نهايته. ذكره ياقوت وابن شاكر والسيوطى فى حسن المحاضرة. وذكره صاحب كشف الظنون وسماه تاريخ آل سلجوق.
(6) أخبار المصنفين وما صنفوه. ذكره ياقوت والأدفوى وابن شاكر.
وسماه صاحب كشف الظنون الدرّ الثمين فى أسماء المصنفين.
(7) أشعار اليزيدين. ذكره الأدفوىّ.
(8) إصلاح خلل الصحاح. ذكره ياقوت والسيوطى فى بغية الوعاة، وابن العماد وصاحب كشف الظنون.
(9) إنباه الرواة على أنباه النحاة. وسيأتى وصفه.
(10) الأنيق فى أخبار ابن رشيق. ذكره المؤلف فى كتاب الإنباه (1: 303) .
(11) الإيناس فى أخبار آل مرداس. ذكره ياقوت وابن شاكر.
(12) تاريخ بنى بويه. ذكره الأدفوى والسيوطى فى حسن المحاضرة.
(13) تاريخ القفطى. ذكره صاحب كشف الظنون وقال: هو تاريخ كبير، رتبه على السنوات ولخصه تاج الدين أحمد بن عبد القادر بن مكتوم المتوفى سنة 749. ويظهر أنه هو الكتاب المتقدّم ذكره باسم تاريخ مصر.
(14) تاريخ محمود بن سبكتكين وبنيه إلى حين انفصال الأمر عنهم. ذكره ياقوت وابن شاكر.
(15) تاريخ المغرب ومن تولاها من أتباع ابن تومرت. ذكره ياقوت وابن شاكر.(1/22)
(16) تاريخ اليمن ذكره ياقوت والأدفوى وابن شاكر وصاحب كشف الظنون (17) الذيل على أنساب البلاذرىّ. ذكره فى ترجمته أخوه مؤيد الدين.
(18) الردّ على النصارى فى مجامعهم. ذكره ياقوت وابن شاكر.
(19) «شرح المفصل» ، ذكره صاحب كشف الظنون ص 1775.
(20) كتاب الضاد والظاء. ذكره ياقوت وابن شاكر والسيوطى فى حسن المحاضرة وصاحب كشف الظنون.
(21) الكلام على صحيح البخارى. ذكره ياقوت وابن شاكر وابن العماد، وقالوا:
إنه لم يتم.
(22) الكلام على الموطأ. ذكره ياقوت وابن شاكر، وقالا: إنه لم يتمّ.
(23) المحلى فى استيعاب وجوه كلا. ذكره ياقوت وابن شاكر والسيوطى فى بغية الوعاة وصاحب كشف الظنون.
(24) مشيخة تاج الدين الكندى. ذكره ياقوت وابن شاكر.
(25) المفيد فى أخبار أبى سعيد. ذكره المؤلف فى ترجمة أبى سعيد السيرافىّ فى كتاب الإنباه (1: 314) .
(26) من ألوت الأيام إليه فرفعته، ثم ألوت عليه فوضعته. ذكره ياقوت وابن شاكر.
(27) نهزة الخاطر ونزهة الناظر فى أحاسن ما نقل من ظهور الكتب. ذكره ياقوت وابن شاكر وابن العماد.
وهذه الكتب على كثرتها وعظيم خطرها وتنوّع موضوعاتها لم يصل إلينا منها إلا كتاب إنباه الرواة، ومختصر إخبار العلماء بأخبار الحكماء، وقطعة من أخبار المحمدين. أما بقيتها فقد أدركه الضياع، أو أنه مغمور فى دور الكتب لم تكشف عنه الأيام.(1/23)
وربما كانت المحن التى توالت على حلب وتعرّضها لغزو التتار على يد هولاكو سنة 658، وانقراض دولة الأيوبيين بها، وتعرّضها لغزو التتار مرة أخرى سنة 801، وما تبع ذلك من تخريب مدارسها وإبادة مكاتبها وتقويض قلاعها- أضاعت كتب القفطى كما ضاعت كتب الجاحظ وأبى العلاء وغيرهما من أعلام الإسلام، وكما ضاعت الكتب التى كانت تزخر بها مكاتب بغداد ودمشق والقاهرة والأندلس وصقليّة. ولو وصلت إلينا هذه الكتب لوصل إلينا علم وافر، وذخائر ثمينة؛ هيهات أن تعوّض على وجه الزمان.
(2) كتاب إنباه الرواة
وكتاب إنباه الرواة يصوّر ناحية من نواحى التأليف ظهرت فى القرنين السادس والسابع تصويرا صحيحا، فقد تميز هذا العصر بالتوسع فى المعاجم التاريخية؛ نتيجة لكثرة المعارف، وتنوّع الفنون، ووفرة الكتب، واتصال العلماء بعضهم ببعض، وتوفر ثقافة علمية واسعة تنتظم ما بين الأندلس غربا إلى آخر حدود فارس فى شرقا.
وقد تميزت هذه المعاجم بجمع الحقائق المنثورة فى تضاعيف الكتب، وتنسيق المعارف التى وردت على ألسنة الرواة، وحشد المشاهد التى وقعت للعلماء حول موضوعات خاصة مرتبة على حسب حروف المعجم، حرصا على الاستقراء والحصر، وقصدا إلى تيسير الإفادة والنفع، مع خلوّها من الإسناد، كما كان ذلك متعارفا فيما قبلها من الكتب. فكان كتاب الأنساب للسمعانى، واللباب لابن الأثير، ومعجم البلدان ومعجم الأدباء لياقوت، وإنباه الرواة وأخبار الحكماء للقفطى، وعيون الأنباء لابن أصيبعة، ووفيات الأعيان لابن خلكان.(1/24)
وكتاب إنباه الرواة معجم شامل لتراجم «مشايخ «1» علمى النحو واللغة، ممن تصدر لإفادتهما تصنيفا وتدريسا ورواية» ؛ من عصر أبى الأسود الدؤلىّ حتى عصر المؤلف فى القرن السابع. وقد تضمن أيضا تراجم كثيرة للقراء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمتصوّفين والعروضيين والأدباء والشعراء والكتاب والمؤرّخين والمنجمين؛ ممن كان له أدنى مشاركة فى اللغة أو معرفة بالنحو. وبهذا اجتمع فيه قرابة ألف ترجمة من تراجم العلماء.
ولم يختص هذا المعجم بعصر دون عصر، أو إقليم دون آخر، بل شمل كل من كان له شأن مذكور فى «أرض «2» الحجاز واليمن والبحرين وعمان واليمامة والعراق وأرض فارس والجبال وخراسان وكرمسير وغزنة وماوراء النهر وأذربيجان والمذار وإرمينية والموصل وديار بكر وديار مضر والجزيرة والعواصم والشام والساحل ومصر وعملها وإفريقية ووسط المغرب وأقصاه وجزيرة الأندلس وجزيرة صقلية» .
وقد اعتمد المؤلف فى معارفه التى أودعها فى هذا الكتاب على مصدرين أساسيين:
(1) الكتب المؤلفة قبله فى التراجم والسير والأخبار مثل تاريخ بغداد للخطيب، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ مصر لابن يونس، وتاريخ نيسابور لابن البيّع، وتاريخ همذان لشيرويه، وتاريخ غرس النعمة للصابى، وطبقات الأمم لصاعد الأندلسى، والمقتبس فى تاريخ الأندلس لابن حيان، ورجال الأندلس لابن حزم، والصلة لابن بشكوال، وأخبار النحويين لابن درستويه، وطبقات النحويين واللغويين للزبيدى، والمقتبس فى أخبار النحويين واللغويين للمرزبانى، والفهرست لابن النديم، وطبقات الشعراء لابن سلام، والمختلف والمؤتلف لابن حبيب،(1/25)
والأنموذج لابن رشيق، ويتيمة الدهر وتتمة اليتيمة للثعالبى، ودمية القصر للباخرزى، ووشاح الدمية للبيهقىّ، وخريدة القصر للعماد الأصفهانى، وغيرها؛ يصرح بالنقل عنها تارة، وينقل من غير تصريح تارة أخرى، مما نبهت عليه فى موضعه.
(2) معارفه الخاصة التى استمدّها من شيوخه فى القاهرة والاسكندرية وقفط، أو شاهدها فى أسفاره بين مصر والشام، أو أفادها من مجالسه فى حلب، أو كاتبه بها العلماء من مختلف الأمصار.
وكثير من الحقائق التى نثرها فى كتابه قد انفرد بها، أو نقلها من كتب لم تصل إلينا. فهو بذلك يختص من بين الكتب المتداولة بقيمة تاريخية علمية نادرة المثال.
وليست للمؤلف فى تراجمه طريقة خاصة أو منهج محدود؛ وهو فى الغالب يذكر المترجم باسمه، ثم يتبعه بشهرته، ويستطرد بعد ذلك بذكر أخباره، ويعدّد كتبه، ويذكر سنة وفاته، وإقليمه الذى عاش فيه، وقد يذكر سنة ولادته فى بعض الأحيان، وربما ترجم للشخص مرتين؛ مرة باسمه ومرة بكنيته أو شهرته، وهذا قليل.
ولا يقف فيما يذكره عند حدّ الرواية أو النقل، بل يتجاوز ذلك إلى النقد والتحليل، وكثيرا ما أبدى رأيه فيمن ترجم لهم- وخاصة المعاصرين له منهم- فى صراحة، وتناول كتبهم بالوصف. وكثير من هذه الكتب لا يعرف إلا من طريق هذا الكتاب.
والكتاب وإن كان موضوعا على حسب حروف المعجم؛ إلا أنه لم يرتب ترتيبا دقيقا؛ فيذكر مثلا إبراهيم بن عبد الله قبل إبراهيم بن إسحاق، والخليل بن أحمد قبل خلف بن محرز؛ ومثل هذا كثير. وقد صرح المؤلف بأن الترتيب لم يكن من عمله، بل كان من عمل الناسخ، قال: «وقد «1» ترجمت أنباءهم على الترتيب فى أوراق(1/26)
مفردة فى أوّل الجزء ليبيضه الناسخ له على ذلك الترتيب. فإن الجمع عند التأليف قد أعجل عن ترتيبه على الوجه، فليعلم ذلك من يريد العمل موفقا إن شاء الله» .
ويؤخذ على المؤلف أنه كرر بعض التراجم بأسماء مختلفة، كما فعل فى ترجمة إبراهيم بن صالح الورّاق، فإنه ذكره وذكر أخباره مع من يسمى إبراهيم، ثم عاد فى حرف الصاد فذكر هذه الترجمة بعينها لصالح بن إبراهيم الورّاق. وقد نبه ابن مكتوم على بعضها فى التلخيص، وأشرت إلى ما ظهر لى من ذلك فى الحواشى.
ويظهر أنه تقلبت على الكتاب أسماء مختلفة، فإن المؤلف يسميه فى كتاب أخبار الحكماء ص 113 باسم أخبار النحاة وكذلك سماه ياقوت فى معجم الأدباء (12: 46- 47) ، وصرّح بالنقل عنه، والأدفوى فى الطالع السعيد ص 195.
وذكره السيوطى فى البغية وحسن المحاضرة وصاحب الفلاكة باسم تاريخ النحاة، وذكره ياقوت مرة أخرى فى ترجمته للقفطىّ باسم أخبار النحويين، وكذلك سماه ابن شاكر فى الفوات وعيون التواريخ. ثم استقرّ أخيرا باسم إنباه الرواة على أنباه النحاة «1» كما هو على ظهر المجلد الأوّل من النسخة المصوّرة عن مكتبة «طوپ قپوسراى» والمجلد الثانى من النسخة المصوّرة عن مكتبة «فيض الله» ، وكما نص عليه ابن مكتوم فى التلخيص، وهو أيضا يوافق ما فى الطالع السعيد ص 238.
ولم أقف على نص صريح يشير إلى التاريخ الذى بدأ فيه المؤلف الكتاب أو انتهى منه. ويظهر أنه ألفه فى فترات طويلة، وتناوله بالزيادة على مرّ الأزمان إلى أن انتهى إلى وضعه الأخير. والثابت أن الكتاب كان موجودا قبل سنة 626، وهى السنة التى توفى فيها ياقوت، وقد ذكره فى كتابه معجم الأدباء.
والثابت أيضا أن النسخة التى اعتمدت عليها فرغ منها قبل سنة 638، وهى السنة التى كتبت فيها.(1/27)
(3) نسخ الكتاب
(1) نسخة كاملة مصوّرة محفوظة بدار الكتب المصرية بالقاهرة، فى تسع مجلدات، تحتوى على 1081 لوحة محفوظة برقم 2579، وهى منقولة عن الأصل المحفوظ بمكتبة «طوپ قپوسراى» باستانبول برقم 2858، تقع فى خمسة أجزاء من تجزئة المؤلف، مكتوبة بقلم النسخ، مضبوطة بالشكل. وأسماء المترجمين فيها بخط كبير، وعلى هامشها بعض تصحيحات قليلة، وتعليقات بخط مخالف.
وفى آخرها: «تمت كتابتها فى العاشر من جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وستمائة، على يد أبى المحاسن بن سعيد بن سعيد السنحى» . ومتوسط السطور فى كل صفحة 19 سطرا. ومتوسط الكلمات فى كل سطر 10 كلمات.
(2) نسخة تحتوى على الجزء الرابع والخامس، فى مجلد واحد، تحتوى على 211 لوحة، محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 110604 ح، مصوّرة عن النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة «فيض الله» بإستانبول تحت رقم 1382، مكتوبة بخط النسخ الواضح، كتبها محمود بن على بن محمد المعروف بابن اليمنى المعلم، وفى آخرها: «وقع الفراغ من نسخ هذا الكتاب خامس شهر رجب المبارك من سنة ست وأربعين وستمائة» ، وذكر أنه كتبها من نسخة قرئت على المؤلف. وعناوين الأسماء فيها بخط أكبر. وعلى الصفحة الأولى تملكات ومطالعات لبعض العلماء، منها مطالعة لهذا المجلد وما قبله للعلامة جمال الدين عبد الله بن هشام الأنصارى، صاحب المغنى المتوفى سنة 761. هذا نصها: «طالعه والجزء الذى قبله عبد الله ابن هشام الأنصارىّ غفر الله ذنوبه» . وبآخرها خط العلامة أحمد بن عبد القادر ابن مكتوم القيسى المتوفى سنة 749، ونص ما كتب: «لخص هذا المجلد لنفسه أحمد بن مكتوم القيسى» . وعدد الأسطر لكل صفحة 21 سطرا، ومتوسط الكلمات فى كل سطر 10 كلمات.(1/28)
(3) نسخة من كتاب أخبار النحويين واللغويين المذكورين فى كتاب الإنباه.
لخصه وكتبه بخطه أحمد بن مكتوم القيسى المتوفى سنة 749. محفوظة بدار الكتب المصرية برقم 2069 تاريخ تيمور، مكتوبة بقلم معتاد، بها نقص يسير من آخرها، وبأثنائها خروم، وبالنسخة أكل عث وأرضة. وأكثر أسماء المترجمين فيها بعلامة باللون الأحمر، ومتوسط أسطر الصفحة 18 سطرا، ومتوسط الكلمات 11 كلمة فى كل سطر.
وحين بدأت العمل فى هذا الكتاب اعتمدت على النسخة المصوّرة عن مكتبة «طوپ قپوسراى» واتخذتها أصلا باعتبارها النسخة الكاملة الوحيدة. ولما مضيت فى العمل وأخذت فى التحقيق، هالنى ما فيها من تحريف واقتضاب وغموض، وخطأ فى النحو والرسم مما يتعذر الاعتماد عليها وحدها؛ ليظهر الكتاب على الوجه الكامل، فعمدت إلى مراجعة الكتب التى نقل عنها المؤلف، والكتب الأخرى التى شاركته فى موضوعه، وأخذت أقابل النصوص بمثلها، والعبارات بما يشبهها. وبهذه الطريقة أمكن إصلاح الخطأ، وردّ الكلمة المصحفة إلى أصلها، مع إكمال الناقص، وشرح المبهم. وقد انتفعت فى ذلك بتلخيص ابن مكتوم أيما انتفاع، وخاصة فإن النسخة المذكورة بخط مؤلفها؛ وهو عالم جليل، ومؤلف ثقة ثبت معروف، وله تعليقات جيدة، وتحقيقات قيمة أثبتها فى حواشى الكتاب.
وقد عنيت عناية كبرى بذكر مراجع التراجم فى الكتب الأخرى، ونسبت الأشعار لقائليها، ودللت على مواضعها فى أصولها. ثم طرزت الكتاب بحواشى ضمنها اختلاف العبارات، وتراجم الأعلام، وشرح ما خفى من الكلمات، وما اقتضاه المقام من التعليق على الكتاب. وقد وضعت الزيادة بين علامتين وأشرت إلى مصدرها، وأهملت الإشارة إذا كانت الزيادة مما يقتضيه السياق.(1/29)
وقد أشرت فى تعليقاتى إلى النسخة المصوّرة عن مكتبة «طوپ قپوسراى» بأنها (الأصل) ، ورمزت إلى النسخة المصوّرة عن مكتبة «فيض الله» بحرف (ب) ، وإليهما معا (بالأصلين) .
وأما الفهارس العامة، ومراجع الضبط والتحقيق، فسيذكر كل ذلك في آخر الكتاب.
وبعد فإن هذا الكتاب الجليل، ظهر مطبوعا بعد أن ظل محجوبا عن الناس أجيالا عديدة وسنين طويلة لا يعرفه إلا القليل، وهو أيضا يدخل في عداد الكتب النادرة القيمة.
وأسأل الله أن يجعله عملا نافعا مقبولا.
محمّد أبو الفضل إبراهيم(1/30)
[مقدمة المؤلف]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) *
(وبه توفيقى) الحمد لله خالق الأمم، وبارىء النسم؛ علّم الإنسان ما لم يعلم، وألهمه البيان؛ فهو يورده تارة باللسان ومرة بالقلم؛ سبحانه من قادر قاهر، أعاد إلى العدم عادا ولم ترمّم بعدها إرم «1» .
قال الشيخ الأجل الإمام الواثق بعفو ربه، جمال الدين أبو الحسن علىّ بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الواحد الشيبانىّ القفطىّ- عفا الله عنه-:
أما بعد، فقد كان بعض منتحلى «2» صناعة التصنيف قد أجرى ذكر أخبار النحاة [و] رغب فى جمعها، وكان عادم الموادّ، فسأل إعارته بعض ما أنعم الله به من أوعية «3» العلوم، فأجبته إلى ملتمسه، ونبّهته على الترتيب والتبويب، وأعنته غاية إمكانى.
فلما فرغ منه أو كاد، طلب ورقا ليبيّض منه نسخة لأجلى، فمكّنته من ذلك.
ثم بلغنى أنه أباع «4» الورق، وتعلّل عن النّسخ لهذا المجموع وغيره، فذهب كالمغضب، فالتقمه حوت الموت وهو مليم «5» ؛ فأرجو ألّا يكون من كذبه ولؤمه فى العذاب الأليم.(1/35)
وقد شرعت- بتأييد الله وتوفيقه- فى جمع ما أمكن من ذلك، واستثارة كامنه من مكامنه، واستنباط وارده من موارده، والتورّد على مناهله فى مجاهله، واختراف «1» أثماره من أشجاره، واقتطاف نوّاره من أزهاره؛ بعد أن استوعبت جهد الإمكان؛ حسب ما وقع إلىّ من الموادّ على تطاول الزمان، وذكرت مشايخ علمى النحو واللغة، ممّن تصدّر لإفادتهما تصنيفا وتدريسا ورواية، فى أرض الحجاز، واليمن، والبحرين، وعمان، واليمامة، والعراق، وأرض فارس، والجبال «2» ، وخراسان «3» ، وكرمسير «4» ، وغزنة «5» ، وما وراء النهر «6» ، وأذربيجان «7» ، والمذار «8» ، وإرمينية «9» ، والموصل «10» ، وديار بكر، وديار مضر «11» ، والجزيرة «12» ، والعواصم «13» ، والشام، والساحل «14» ، ومصر(1/36)
وعملها، وإفريقية «1» ، ووسط المغرب وأقصاه، وجزيرة الأندلس، وجزيرة صقلّيّة «2» .
وبالله أسترشد، ومنه أستمدّ الإعانة والتوفيق. وقد جعلته على حروف المعجم؛ ليسهل تناوله، بحول الله وقوته؛ إله العزة لا إله غيره، ولا ربّ سواه.(1/37)
[التراجم]
ذكر أول من وضع النحو وما قاله الرواة فى ذلك
الجمهور من أهل الرواية على أنّ أوّل من وضع النحو أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب- كرم الله وجهه- قال أبو الأسود الدّؤلىّ رحمه الله:
دخلت على أمير المؤمنين علىّ- عليه السلام- فرأيته مطرقا مفكّرا؛ فقلت: فيم «1» تفكر يا أمير المؤمنين؟ فقال: سمعت ببلدكم لحنا، فأردت أن أصنع كتابا فى أصول العربيّة. فقلت له: إن فعلت هذا أبقيت فينا «2» هذه اللغة العربية، ثم أتيته بعد أيام، فألقى إلىّ صحيفة فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم. الكلام كلّه اسم وفعل وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل.
ثم قال: تتّبعه وزد فيه ما وقع لك. واعلم أن الأشياء «3» ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشىء ليس بظاهر ولا مضمر؛ وإنما يتفاضل العلماء فى معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر.
فجمعت أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها: إنّ، وأنّ، وليت، ولعلّ، وكأنّ. ولم أذكر لكنّ، فقال: لم تركتها؟
فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بلى هى منها، فزدها فيها.(1/39)
هذا هو الأشهر من أمر ابتداء النحو. وقد تعرّض الزجّاجىّ أبو القاسم إلى شرح هذا الفصل من كلام علىّ، كرم الله وجهه.
ورأيت بمصر فى زمن الطلب بأيدى الورّاقين جزءا فيه أبواب من النحو، يجمعون على أنها مقدّمة علىّ بن أبى طالب التى أخذها عنه أبو الأسود الدّؤلىّ.
وروى أيضا عن أبى الأسود قال: دخلت على أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب- عليه السلام- فأخرج لى رقعة فيها: الكلام كلّه اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. قال: فقلت: ما دعاك إلى هذا؟ قال: رأيت فسادا فى كلام بعض أهلى؛ فأحببت أن أرسم رسما يعرف به الصواب من الخطأ. فأخذ أبو الأسود النحو عن على- عليه السلام- ولم يظهره لأحد.
ثم إن زيادا سمع بشىء مما عند أبى الأسود، ورأى اللحن قد فشا؛ فقال لأبى الأسود: أظهر ما عندك ليكون للناس إماما. فامتنع من ذلك، وسأله الإعفاء، حتى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولِهِ بالكسر؛ فقال: ما ظننت أمر الناس آل إلى هذا. فرجع إلى زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير؛ فليبغنى «1» كاتبا لقنا «2» يفعل ما أقول، فأتى بكاتب من عبد القيس «3» ، فلم يرضه، فأتى بكاتب آخر- قال المبرّد: أحسبه منهم- فقال له أبو الأسود:
إذا رأيتنى قد فتحت فمى بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن ضممت فمى فانقط نقطة بين يدى الحرف، وإن كسرت فاجعل نقطة من تحت الحرف، وإن مكّنت «4» الكلمة بالتنوين فاجعل أمارة ذلك نقطتين. ففعل ذلك، وكان أوّل ما وضعه لهذا السبب.(1/40)
وقد قيل: إن الذى رآه أبو الأسود ونكره، أنه مرّ به سعد- وكان رجلا فارسيّا من أهل نوبندجان «1» - كان قدم البصرة مع جماعة [من] أهله، فادّعوا لقدامة «2» بن مظعون أنهم أسلموا على يديه؛ فإنّهم بذاك من مواليه. ولما مرّ سعد بأبى الأسود- وكان يقود فرسا له- قال له أبو الأسود: ما لك لا تركبه يا سعد؟
قال: «إن فرسى ظالعا» . وأراد أن يقول: «ظالع» «3» قال: فضحك به بعض من حضر، فقال أبو الأسود: هؤلاء الموالى قد رغبوا فى الإسلام ودخلوا فيه، فصاروا لنا إخوة، فلو علّمناهم الكلام! فوضع باب الفاعل والمفعول.
وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل والتصحيح أنّ أوّل من وضع النحو علىّ بن أبى طالب- كرّم الله وجهه- وأخذ عنه أبو الأسود الدّؤلىّ، وأخذ عن أبى الأسود الدّؤلىّ نصر بن عاصم البصرىّ، وأخذ عن نصر أبو عمرو بن العلاء البصرىّ، وأخذ عن أبى عمرو [الخليل بن أحمد، وأخذ عن الخليل] «4» سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر «5» ، وأخذ عن سيبويه أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط، وأخذ عن الأخفش أبو عثمان بكر بن محمد المازنىّ الشيبانىّ وأبو عمر الجرمىّ، وأخذ عن المازنىّ والجرمىّ أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد، وأخذ عن المبرّد أبو إسحق الزجّاج وأبو بكر بن السرّاج، وأخذ عن ابن السّراج أبو على الحسن ابن عبد الغفار الفارسىّ؛ وأخذ عن الفارسىّ أبو الحسن على بن عيسى الرّبعىّ؛ وأخذ عن(1/41)
الرّبعىّ أبو نصر القاسم بن مباشر الواسطىّ؛ وأخذ عن ابن المباشر طاهر بن أحمد ابن بابشاذ «1» المصرىّ. وأخذ أيضا عن الزجّاج أبو جعفر النحّاس أحمد بن إسماعيل المصرىّ؛ وأخذ عن النحّاس أبو بكر الأدفوىّ «2» ، وأخذ عن الأدفوىّ أبو الحسن على ابن إبراهيم الحوفىّ؛ وأخذ عن الحوفىّ طاهر بن أحمد بن بابشاذ «3» النحوىّ؛ وأخذ عن ابن بابشاذ أبو عبد الله محمد بن بركات النحوىّ المصرىّ، وأخذ عن ابن بركات وعن غيره أبو محمد بن برّىّ، وأخذ عن ابن برّىّ جماعة من علماء أهل مصر، وجماعة من القادمين عليه من المغرب وغيرها؛ وتصدّر فى موضعه بجامع عمرو بن العاص تلميذه الشيخ أبو الحسين النحوىّ المصرىّ المنبوز بخرء الفيل. ومات فى حدود سنة عشرين وستمائة.
ومن الرواة من يقول: إنّ أبا الأسود هو أوّل من استنبط النحو، وأخرجه من العدم إلى الوجود، وإنه رأى بخطه ما استخرجه، ولم يعزه إلى أحد قبله.
فممّن قال ذلك محمد بن إسحاق أبى يعقوب أبو الفرج المعروف بابن النديم «4» ، وكان كثير البحث والتفتيش عن الأمور القديمة، كثير الرغبة فى الكتب وجمعها وذكر أخبارها وأخبار مصنّفيها، ومعرفة خطوط المتقدمين، قال «5» :
«كان بمدينة الحديثة «6» رجل يقال له محمد بن الحسين، ويعرف بابن أبى بعرة، جمّاعة للكتب، له خزانة لم أر لأحد مثلها كثرة، تحتوى على قطعة من الكتب العربية(1/42)
فى النحو واللغة والأدب والكتب القديمة، فلقيت هذا الرجل دفعات، فأنس بى- وكان نفورا ضنينا بما عنده، خائفا عليها من بنى حمدان- فأخرج لى قمطرا كبيرا، فيه نحو ثلاثمائة رطل؛ جلود وصكاك «1» ، وقرطاس مصرىّ، وورق صينىّ، وورق تهامىّ وجلود أدم «2» وورق خراسانىّ، فيها تعليقات لغة عن «3» العرب، وقصائد مفردات من أشعارهم، وشىء من النحو والحكايات والأخبار والأنساب والأمهات، وغير ذلك من علوم العرب وغيرهم. وذكر أن رجلا من أهل الكوفة، ذهب عنى اسمه، كان مستهترا «4» بجمع الخطوط القديمة، وأنه لما حضرته الوفاة خصّه بذلك لصداقة كانت بينهما، وإفضال من محمد بن الحسين عليه، ومجانسته بالمذهب، فإنه كان شيعيا» .
قال ابن النديم: «فرأيتها وقلّبتها فرأيت عجبا! إلا أن الزمان قد أخلقها وعمل فيها عملا؛ درسها «5» وأحرفها «6» . وكان على كل جزء أو ورقة أو مدرجة «7» توقيع بخطوط العلماء؛ واحدا بعد واحد، يذكر فيه خط من هو، وتحت كل توقيع توقيع آخر، خمسة وستة من شهادات العلماء على خطوط بعض لبعض، ورأيت فى جملتها مصحفا بخط خالد بن أبى الهياج، صاحب على عليه السلام «8» . ورأيت فيها بخطوط الأئمة «9» من [آل] الحسن وآل الحسين- عليهم السلام- ورأيت عنده(1/43)
أمانات وعهودا بخط أمير المؤمنين علىّ- عليه السلام-، وبخط غيره من كتّاب النبى صلّى الله عليه وسلم. ورأيت من خطوط العلماء فى النحو واللغة، مثل أبى عمرو بن العلاء، وأبى عمرو الشيبانىّ، والأصمعىّ، وابن الأعرابىّ [و] سيبويه، والفرّاء، والكسائىّ، ومن خطوط أصحاب الحديث مثل سفيان بن عيينة وسفيان الثّورىّ والأوزاعىّ وغيرهم.
ورأيت ما يدل على أن النحو من «1» من أبى الأسود، ما هذه حكايته، وهى أربع أوراق، وأحسبها من ورق الصين. ترجمتها: هذه فيها كلام فى الفاعل والمفعول من أبى الأسود- رحمة الله عليه- بخط يحيى بن يعمر، وتحت هذا الخط بخط عتيق: هذا خط علّان النحوىّ، وتحته: هذا خط النّضر بن شميل» .
قال ابن النديم: «ثم لما مات هذا الرجل فقدنا القمطر وما كان فيه، فما سمعنا له خبرا، ولا رأيت منه «2» غير المصحف؛ هذا على كثرة بحثى عنه» .
فقد تعيّن إذا ذكر أمير المؤمنين على بن أبى طالب- كرم الله وجهه- وذكر مختصر من خبره؛ ثم أتبعه بذكر أبى الأسود الدؤلىّ وشىء من أخباره، ثم أذكر النحاة بعد ذلك على حروف المعجم؛ ليسهل تناول أخبارهم لطالب ذلك. وإذا ذكرت الشخص منهم فى بابه علم من خبره وزمانه من أىّ الطبقات هو؟
والله الموفّق؛ إنه على كل شىء قدير؛ وبالإجابة جدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.(1/44)
1- ذكر أخبار أمير المؤمنين علىّ كرم الله وجهه [1]
هو علىّ بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ ابن كلاب بن مرة بن كعب [بن لؤىّ] بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ابن معدّ بن عدنان.
واسم أبى طالب عبد مناف. وأم علىّ فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ابن قصىّ. وقالوا: هى أول هاشمية ولدت لهاشمىّ «1» ، أسلمت وهاجرت إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم وماتت، وشهدها النبىّ صلى الله عليه وسلم.
وقال محمد بن المهلّب: حدّثنا عبد الله بن رجاء، أخبره إسرائيل عن أبى إسحق «2» ، قال: انطلق بى أبى يوم الجمعة [إلى المسجد] ؛ فلما خرج علىّ بن أبى طالب فصعد
__________
[1] . ترجمته فى أسد الغابة 4: 16- 40، والإصابة 4: 269- 271، وتاريخ الإسلام للذهبى 2: 191- 207، وتاريخ بغداد 1- 133- 138 وتاريخ أبى الفدا 1: 181- 182، وتاريخ الطبرىّ 6: 88- 91، وتاريخ ابن كثير 7: 332- 361 و 8: 1- 13، وتذكرة الحفاظ 1: 10- 13، وتقريب التهذيب 184، وتهذيب الأسماء واللغات 1: 344- 349، وتهذيب التهذيب 7: 334- 339، وحلية الأولياء 1: 61- 87، وخلاصة تذهيب الكمال 232، رالرياض النضرة 2: 153- 249، وشذرات الذهب 1: 49- 51، وشرح ابن أبى الحديد 1: 4- 10، وصفة الصفوة 1: 119- 144، وطبقات ابن سعد 6: 6، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1:
546- 547، ومروج الذهب 2: 45- 50، والمعارف 88- 92، ومعجم الأدباء 14: 41- 50، ومعجم الشعراء 279- 280، ومقاتل الطالبيين 24- 45، والنجوم الزاهرة 1: 119- 120. وتوفى فى رمضان سنة 40، كما فى النجوم الزاهرة وسائر كتب التاريخ.(1/45)
المنبر قال لى: يا عمرو، قم فانظر إلى أمير المؤمنين. قال: فقمت، ونظرت إليه قائما، فإذا هو فى إزار ورداء؛ ليس عليه قميص؛ وإذا هو رجل ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية، فلم يرفع يده كما يرفع هؤلاء، ولم يجلس على المنبر حتى نزل.
وذكر حبّة العرنىّ «1» قال: سمعت عليا قال: «أنا أول رجل صلى مع النبىّ صلى الله عليه وسلم» . وروى مسلم الملائىّ «2» عن أنس قال: بعث النبىّ- صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين، وأسلم علىّ يوم الثلاثاء. وعن ابن إسحاق قال: ثم كان أول من أسلم بعد خديجة علىّ بن أبى طالب، وهو يومئذ ابن عشر سنين، وبويع بالخلافة سنة خمس وثلاثين للهجرة، فأقام فى الخلافة خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.
ولما ولى علىّ الخلافة بعد عثمان أراد الانحدار إلى العراق؛ فقال له عبد الله ابن سلام «3» : أقم عند منبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا أراك تتحرك «4» ،(1/46)
ولا تنحدر إلى العراق، فإنك إن انحدرت لم ترجع. فهمّ به ناس من أصحابه؛ فقال:
دعوه فإنه منّا أهل البيت. فانحدر إلى العراق، فكان من أمره ما كان. فلما قتل قال عبد الله بن سلام: هذا رأس الأربعين، وسيكون مصلح، وما قتلت أمّة نبيّها إلا قتل الله به منهم سبعين ألفا، ولا قتلوا خليفة- أو قال خليفتهم- إلا قتل به منهم خمسا وثلاثين ألفا.
وقال عبد الله بن رافع: سمعت عليا- واجتمع الناس عليه حتى أدموا رجله- فقال: «اللهم إنى قد كرهتهم» . قال: فما مات إلا تلك الليلة. وروى أبو معشر قال:
قتل علىّ بن أبى طالب- عليه السلام- فى شهر رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة منه.
وكان علىّ يخرج إلى الصبح وبيده درّة يوقظ بها الناس، فخرج، فضربه ابن ملجم، فأخذ، فقال علىّ: «أطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره، فإن أصبح فأنا ولىّ دمى، أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت، فإن أنا هلكت، فبدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به» . وقتل على- عليه السلام- وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وقيل ابن سبع وخمسين سنة، وقيل ابن ثلاث وستين سنة.
ولو أردت أن أجعل أخباره فى عدة مجلدات لوجدت من المواد ما يعين على ذلك، بمنّ الله وجوده، ولكننى اقتصرت «1» على هذه النّبذة؛ لتكون لائقة بهذا المختصر، وبه أستعين.(1/47)
2- أخبار أبى الأسود الدؤلىّ رحمه الله [1]
أبو الأسود ظالم بن عمرو بن سفيان، وقيل: ظالم بن عمرو بن جندل بن سفيان، وقيل: ابن سفيان بن جندل بن عمرو بن عدىّ بن الدّئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. وقيل: اسمه عثمان. وقيل: ابن عمرو بن حلبس «1» بن نفاثة- وقيل حلس «2» .
وابن حبيب «3» ينسبه فيقول: الديلىّ (بكسر الدال وإسكان الياء) ، وأما المبرّد وغيره فيقولون: الدئلىّ (بضم الدال وكسر الياء والهمزة) . وكذلك قال ابن سلّام.
__________
[1] . ترجمته فى أخبار النحويين البصريين 13- 20، وأسد الغابة 3: 69- 70، والإصابة 3: 304- 305، والأغانى 11: 101- 119، والأنساب 233 ا، وبغية الوعاة 274، وتاج العروس (دأل) ، وتاريخ الإسلام 3: 94- 96، وتاريخ ابن عساكر 18: 481- 522 وتقريب التهذيب 288 وتلخيص ابن مكتوم 4- 5، وتهذيب الأسماء واللغات 2: 175- 176، وتهذيب التهذيب 12: 10- 11، وجمهرة الأنساب 175، وخزانة الأدب 1: 136- 138، وخلاصة تذهيب الكمال 381، وابن خلكان 1: 240- 241، وروضات الجنات 341- 345، وسرح العيون 191- 192، وشذرات الذهب 1: 114- 116، والشعر والشعراء 707- 709، وطبقات ابن سعد 5: 70، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 345- 346، وطبقات الزبيدىّ 5- 9، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 323- 329، وفهرست ابن النديم 40، واللباب 1: 429- 430، ومختصر تاريخ ابن عساكر 7: 104- 117، ومراتب النحويين 11- 19، والمزهر 2: 397، 418، 461، والمعارف 192، ومعجم الأدباء 12: 34- 38، ومعجم الشعراء 151، والنجوم الزاهرة 1: 184، ونزهة الألباء 6- 14، مسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 267.(1/48)
قال ابن سلّام «1» الجمحىّ: «أوّل «2» من أسس العربية وفتح بابها وأنهج سبيلها ووضع قياسها أبو الأسود الدّئلىّ؛ وهو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدىّ بن الدّئل. وكان رجل أهل البصرة، وكان علوىّ الرأى» .
وقال بعض أهل الضبط: هم ثلاثة: الدّول من حنيفة بن لجيم، من ربيعة الفرس (ساكن الواو) ، والدّيل فى عبد القيس (ساكن الياء) ، والدّئل (بكسر الياء وهمزها) فى كنانة، رهط أبى الأسود.
وقال المبرّد: الدّؤلىّ (مضمومة الدال مفتوحة الواو «3» ) ، من الدّئل (بضم الدال وكسر الياء) ، وامتنعوا من أن يقولوا الدّئلىّ لئلا يوالوا بين الكسرات- فقالوا:
الدّؤلىّ، كما قالوا: فى النّمر النّمرىّ. والدّئل: الدابّة «4» ، ويقال: دويبّة.
ويقال عن محمد بن حبيب أيضا إنه قال: «فى ربيعة بن نزار الدّول بن حنيفة [ابن] لجيم بن صعب بن علىّ بن بكر بن وائل، وفى الأزد الدّيل بن هداد بن زيد مناة ابن الحجر، وفى عنزة الدّول بن صباح بن عتيك بن أسلم بن يذكر «5» بن عنزة «6» ، وفى تغلب الدّيل بن زيد بن غنم بن تغلب، وفى إياد بن نزار الدّيل بن أمية بن حذاقة بن زهيرة «7» بن إياد، وفى الأزد الدّول بن سعد مناة بن غامد، وفى ضبّة بن أدّ الدّول(1/49)
ابن ثعلبة بن سعد بن ضبّة، وفى للرّباب الدّول بن جلّ «1» بن عدىّ بن عبد مناة بن أدّ، وفى كنانة بن خزيمة الدّيل «2» بن بكر بن عبد مناة؛ رهط أبى الأسود الدّيلىّ، واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدىّ بن الدّيل؛ ويقال: اسمه عثمان بن عمرو بن سفيان، وفى عبد القيس الدّيل بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس، وفى الهون بن خزيمة بن مدركة الدّئل- مهموز مثل فعل- بن محلّم بن غالب بن يثيع «3» بن الهون بن خزيمة» . وهذا كله من كتاب المختلف والمؤتلف «4» لابن حبيب.
وقيل لأبى الأسود: من أين لك هذا العلم؟ - يعنون النحو- فقال: لقنت حدوده من علىّ بن أبى طالب- عليه السلام- وكان أبو الأسود من القرّاء، قرأ «5» على أمير المؤمنين علىّ- عليه السلام.
وقد اختلفت روايات الناس فى سبب وضعه النحو، فمن ذلك ما تقدّم ذكره، ومنه ما روى أنه جاء إلى زياد قوم فقالوا: أصلح الله الأمير! توفّى أبانا وترك بنون. فقال زياد: توفى أبانا وترك بنون! ادع لى أبا الأسود؛ فقال: ضع للناس العربية.
وقيل: إنه كان استأذنه فى وضع كتاب، فنهاه، فلما سمع هذا أمره بوضعه.(1/50)
وقيل: إن زياد ابن أبيه قال لأبى الأسود: إن بنىّ يلحنون فى القرآن، فلو رسمت لهم رسما. فنقط المصحف. فقال: إن الظئر «1» والحشم قد أفسدوا ألسنتهم.
فلو وضعت لهم كلاما. فوضع العربية.
وقيل: إن ابنة لأبى الأسود قالت له: يا أبت ما أشدّ الحر! فى يوم شديد الحر- فقال لها: إذا كانت الصّقعاء من فوقك، والرمضاء «2» من تحتك. فقالت:
إنما أردت أن الحرّ شديد. فقال لها: فقولى إذن ما أشد الحرّ! والصقعاء: الشمس.
وقيل: إنه دخل إلى منزله، فقالت له بعض بناته: ما أحسن السماء! قال: أىّ بنية، نجومها، فقالت: إنى لم أرد أىّ شىء منها أحسن؟ وإنما تعجبت من حسنها؛ فقال: إذا فقولى: ما أحسن السماء! فحينئذ وضع كتابا «3» .
قال أبو حرب بن أبى الأسود: أوّل باب رسم أبى من النحو باب التعجب. وقيل:
أوّل باب رسم باب الفاعل والمفعول، والمضاف، وحروف الرفع والنصب والجر والجزم.
قيل: وأتى أبو الأسود عبد الله بن عباس، فقال: إنى أرى ألسنة العرب قد فسدت؛ فأردت أن أضع شيئا لهم يقوّمون به ألسنتهم. قال: لعلك تريد النحو؛ أما إنه حق، واستعن بسورة يوسف.
وحدّث أبو الحسن المدائنىّ عن عباد بن مسلم عن الشعبىّ قال: كتب عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- إلى أبى موسى: «أما بعد؛ فتفقهوا فى الدين؛ وتعلموا السّنة؛ وتفهّموا العربية، وتعلّموا طعن الدّرية «4» ؛ وأحسنوا عبارة الرؤيا، وليعلّم أبو الأسود أهل البصرة الإعراب» .(1/51)
وكان أبو الأسود من المتحقّقين بولاية أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب- عليه السلام- ومحبّته وصحبته ومحبّة ولده، وشهد معه الجمل وصفّين وأكثر مشاهده؛ وهو الذى يقول لبنى قشير- وكانوا أخواله وأصهاره، وكانوا يردّون عليه قوله فى علىّ- عليه السلام «1» :
يقول الأرذلون بنو قشير ... طوال الدهر لا تنسى عليّا
فقلت لهم: وكيف يكون تركى ... من الأعمال «2» ما يجدى عليّا
أحب محمدا حبّا شديدا ... وعبّاسا وحمزة والوصيّا
وجعفر إن جعفر خير سبط ... شهيدا فى الجنان مهاجريّا
بنو عمّ النبى وأقربوه ... أحبّ الناس كلّهم إليّا
فإن يك حبّهم رشدا أصبه ... ولست بمخطئ إن كان غيّا
فقالت له بنو قشير: شككت يا أبا الأسود فى قولك: «فإن يك حبّهم» .
فقال: أما سمعتم قول الله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
وتمام الشعر:
هم أهل النصيحة من لدنّى «3» ... وأهل مودّتى ما دمت حيّا
هوى أعطيته لمّا استدارت ... رحى الإسلام لم يعدل سويا
أحبهم كحبّ الله حتّى ... أجيب إذا بعثت على هويّا «4»
رأيت الله خالق كلّ شىء ... هداهم واجتبى منهم نبيّا(1/52)
هم آسوا رسول الله حتّى ... تربّع أمره أمرا قويّا «1»
وأقوام أجابوا الله لمّا ... دعا لا يجعلون له سميا
مزينة منهم وبنو غفار ... وأسلم أضعفوا معه بليّا «2»
يقودون الجياد مسوّمات ... عليهنّ السوابغ والمطيا «3»
واستعمله أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب- عليه السلام- على البصر واستعمل زيادا على الديوان والخراج؛ وكان زياد يسبع «4» أبا الأسود عند على- عليه السلام- فقال فى ذلك أبو الأسود أشعارا؛ منها:
رأيت زيادا ينتحينى بشرّه ... واعرض عنه وهو باد مقاتله
ويعجبه صفحى له وتحمّلى ... وذو الفحش يحذو «5» الجهل من لا يماثله
وفيها:
وذى خطل فى القول ما يعترض له ... من القول من آرابه فهو قائله «6»
وثمّ ظنون «7» مستظنّ ملعّن ... لحوم الصديق لهوه ومآكله
تجاوزت عمّا قال لى واحتسبته ... وكان من الذنب الذى هو نائله
فقلت لنفسى والتذكر كالنهى: ... أتسخط ما يأتى به وتماثله
فكرّ قليلا ثم صدّ وقد نثت «8» ... على كرهه أنيابه وأنامله(1/53)
فما إن ترانى ضرّنى إذ تركته ... بظهرى، وأشقى الناس بالجهل فاعله
وصاحب صدق ذى حياء وجرأة ... ينال الصديق نصره وفواضله
كريم حليم يكسب الحمد والندى ... إذا الورع «1» الهيّاب قلّت نوافله
مددت بحبل الود بينى وبينه ... كلانا مجدّ «2» ما يليه وواصله
وولى أبو الأسود القضاء بالبصرة فى ولاية عبد الله بن العباس، واستخلفه حين خرج إلى الحكمين.
وقال أبو الأسود حين قتل علىّ- عليه السلام «3» :
ألا أبلغ معاوية بن حرب ... فلا قرّت عيون الشامتينا
أفى الشهر الحرام فجعتمونا ... بخير الناس طرّا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا ... وأكرمهم «4» ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها «5» ... ومن قرأ المثانى والمبينا «6»
إذا استقبلت وجه أبى حسين ... رأيت البدر راق الناظرينا
وقد علمت قريش حيث «7» كانت ... بأنك خيرها حسبا ودينا
وقال يرثى حسينا ومن أصيب معه من بنى هاشم- عليهم السلام:
أقول لعاذلتى مرّة ... وكانت على ودّنا قائمه
إذا أنت لم تبصرى ما أرى ... فبينى وأنت لنا صارمه «8»(1/54)
ألست ترين بنى هاشم ... قد افنتهم الفئة الظالمه
وأنت ترثّيهم بالهذاء «1» ... وبالطفّ «2» هام بنى فاطمه
فلو كنت راسخة فى الكتاب ... وبالحرب خابرة عالمه
علمت بأنهم معشر ... لهم «3» سبقت لعنة حاتمه
سأجعل نفسى لهم جنّة «4» ... فلا تكثرى لى من اللائمه
أرجىّ بذلك حوض الرسو ... ل والفوز بالنعمة الدائمه
أرجىّ بذلك حوض الرسو ... ل والفوز بالنعمة الدائمه
لتهلك إن هلكت «5» برّة ... وتخلص إن خلصت غانمه
وأصاب أبا الأسود الفالج بالبصرة، فقال له عبيد الله بن زياد بعد ما فلج:
لو وجدتك صحيحا لاستعملتك، قال: إن كنت تريد الأمانة والغناء فعندى، وإن أردت المراهنة؛ فليس عندى! ومات أبو الأسود بالبصرة سنة تسع وستين «6» ؛ وهو ابن خمس وثمانين سنة فى طاعون الجارف «7» . ويقال: مات قبل الطاعون؛ لأنه لم يسمع له فى فتنة مسعود «8» وأمر المختار «9» خبر.(1/55)
وولد لأبى الأسود عطاء وأبو حرب؛ فأما عطاء «1» فكان على شرط أبيه بالبصرة، ثم بعج «2» العربية هو ويحيى بن يعمر العدوانى بعد أبى الأسود؛ ولا عقب لعطاء.
وأما أبو حرب فكان عاقلا شجاعا، ولّاه الحجّاج جوخا «3» ، وقال له: أما والله لو أدركت أبا الأسود لقتلته؛ لأنه كان شيعيّا. فقال: أصلح الله الأمير! أو يأتى عليه عفوك «4» كما أتى عليه عفو من قبلك. قال: وذاك. فلم يزل على جوخا إلى أن مات الحجّاج. فولد أبو حرب جعفرا؛ فكان أسرى إخوته؛ وله عقب بالبصرة.
ومات أبو حرب؛ وهو اسمه، سنة تسع ومائة «5» .
أخبار منثورة من أخبار أبى الأسود
كان لأبى الأسود جار سوء- لعن الله الجار السوء وأباده وكاده، ونقصه ولا زاده، وأساء له البدء والإعادة، ولا أعاده، وقرّب إبعاده، وأنجز إيعاده، وسلب عنه السيادة، وسعادة الشهادة؛ يا ذا الجلال والإكرام، استجب دعائى عاجلا غير آجل- وكان جار أبى الأسود من بنى جندل بن يعمر بن حلبس بن نفاثة ابن عدىّ بن الدّئل، وكان هذا الجار قد أولع برمى أبى الأسود بالحجارة؛ كلما أصبح وكلما أمسى، فشكا أبو الأسود ذلك إلى قومه وغيرهم، فكلّموا جاره، فكان(1/56)
فيما اعتذر به إليهم أن قال: إن الله يرميه لقطيعته الرحم وسرعته إلى الظلم. فقال أبو الأسود: والله لا أجاور رجلا يقطع رحمى، ويكذب على ربّى، ولو رمانى الله لأصابنى.
فباع داره واشترى دارا له فى هذيل، فقال له قومه: يا أبا الأسود، بعت دارك: فقال لم أبع دارى وإنما بعت جارى؛ فأرسلها مثلا، ولذلك قيل: «الجار قبل الدار» . ومن أبى الأسود أخذ مالك قوله: «تركت الدار من سوء الجوار» .
وقال أبو الأسود فى ذلك:
رمانى جارى ظالما برميّة ... فقلت له: مهلا فأنكر ما أتى
وقال: الذى يرميك ربّك جازيا ... بذنبك والأذناب «1» تعقب ما ترى
فقلت له: لو أن ربى برمية ... رمانى لما أخطا إلهى ما رمى
جزى الله شرا كل من نال سوءة ... وينحل فيها ربّه الشّرّ والأذى «2»
قال: وخاصمت امرأة أبى الأسود أبا الأسود إلى زياد فى ولدها- وكان أبو الأسود طلّقها، فقالت له: أنا أحقّ بولدى، فقال أبو الأسود: أنا أحق بولدى؛ حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه.
فقالت: صدق- أصلحك الله- حمله خفّا وحملته ثقلا، ووضعه شهوة ووضعته كرها، فقال زياد: خصمتك «3» ؛ هى أحقّ بولدها ما لم تتزوّج.(1/57)
وقال أبو الأسود: ما غلبنى قط إلّا رجل أخذت منه ثوبا بعشرين، ومررت بجماعة سألونى عنه، فقلت: أخذته بأربعين، فلما وفّيت الرجل العشرين قال: ما آخذ إلّا أربعين، وهؤلاء الشهود عليك! وقال ابن دأب «1» : بلغنى أن معاوية قال لأبى الأسود الدّؤلىّ: إن عليا- كرّم الله وجهه- أراد أن يدخلك فى الحكومة؛ فعزمت عليك إلّا أخبرتنى أىّ شىء كنت تصنع فى ذلك؟ قال: كنت آتى المدينة؛ فأجمع ألفا من المهاجرين وألفا من الأنصار؛ فإن لم أجدهم أتممتهم من أبنائهم، وأستحلفهم بالله الذى لا إله إلا هو: المهاجرون أحقّ بها أم الطّلقاء؟ فقال معاوية: إذن والله لا يختلف عليك اثنان.
وفى الصّدق نجاة حس ... ين لا ينجيك إحسان «2»
وقال الزبير بن بكّار: بلغنى أن أبا الأسود الدّؤلىّ قال لرجل هنّأه بتزويج: باليمن والبركة، وشدّة الحركة، والظفر عند المعركة.
ورأى عبيد الله بن أبى بكرة القاضى «3» على أبى الأسود الدّؤلىّ جبّة رثّة، فقال له:
يا أبا الأسود، ما تملّ هذه الجبّة! فقال: ربّ مملول لا يستطاع فراقه! فوجّه إليه بمائة ثوب، فأنشأ أبو الأسود يقول:
كسانى ولم أستكسه «4» فشكرته ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر «5»
وإن أحقّ الناس إن كنت شاكرا ... بشكرك من أعطاك والعرض وافر(1/58)
(حرف الألف)
3- أحمد بن إبراهيم السيّارىّ [1]
خال أبى عمر الزاهد صاحب ثعلب. كان نحو يا لغويّا صاحب رواية؛ روى عنه أبو عمر أخبارا عن الناشى «1» وابن مسروق الطوسىّ «2» وأبى العباس المبرّد وغيرهم.
قال أبو بكر بن حميد: قلت لأبى عمر الزاهد: من هو السيّارىّ؟ قال: خال لى كان رافضيّا «3» ، مكث أربعين سنة يدعونى إلى الرّفض «4» فلم أستجب له، ومكثت أربعين سنة أدعوه إلى السّنة فلم يستجب لى.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 321 ا، وتاريخ بغداد 4: 12، وتلخيص ابن مكتوم 5، وروضات الجنات 57، وطبقات ابن قاضى شهية 1: 189، واللباب 1: 584. والسيارىّ، بفتح السين وتشديد الياء: منسوب إلى سيار أحد أجداده.(1/59)
4- أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود [1]
أحد النحاة الأدباء من الأعراب. أخذ عنه أبو العباس ثعلب، وكان له شعر، ولم يكن له شهرة المبرّد. كان بصرىّ النحو؛ أنشد له علىّ بن يحيى المنجّم:
أضبحت بين حسيب ما له أدب ... يسمو به وأديب ما له حسب
فصار يحسدنى هذا على الحسب الز ... اكى ويحسدنى هذا على الأدب «1»
5- أحمد بن إبراهيم الشيبانىّ أبو رياش اللغوىّ [2]
من أهل اليمامة، وسئل عن مولده فقال: ولدت باليمامة، ولعبت بالخضرمة، وتأدبت بالبصرة. والخضرمة: بستان فى ناحية اليمامة، له خاصيّة فى عظم البصل. روى عن مشايخ زمانه بالبصرة، وكان فصيح اللسان. روى عنه عبد السلام البصرىّ وطبقته.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 126، وتلخيص ابن مكتوم 6، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 184، ومعجم الأدباء 2: 204- 218. كان خصيصا بالمتوكل ونديما له، وذكر له ياقوت من الكتب المصنفة:
أسماء الجبال والمياه والأودية، وكتاب بنى مرة بن عوف، وكتاب بنى نمر بن قاسط، وكتاب طىء، وكتاب شعر العجير السلولىّ وصنعته، وكتاب شعر ثابت بن قطنة، وكتاب بنى عقيل، وكتاب بنى عبد الله بن غطفان.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 178، وتلخيص ابن مكتوم 6، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 188، والوافى بالوفيات ج 2 مجلد 2: 191- 192، ومعجم الأدباء 2: 123- 131، واليتيمة 2: 324- 326، وترجم له المؤلف ترجمة أخرى فى الكنى. عدّه السيوطى فيمن سمى بإبراهيم، وهو خطأ، ونقل ياقوت عن كتاب «نشوار المحاضرة» أن اسمه أحمد بن أبى هاشم، ثم قال:
«وجدت بخط بعض أدباء مصر أن اسمه أحمد بن إبراهيم الشيبانىّ؛ ولعل أبا هاشم كنية إبراهيم» .
ونقل أيضا عن أبى غالب همام بن الفضل بن مهذب المعرىّ أن وفاته كانت سنة 339.(1/60)
قال ابن خالويه: قدم أبو رياش علينا ببغداذ، وقال: إنى أريد أن أدخل على أبى عمر الزاهد، ولا تعلمه بمكانى إذا دخلت عليه- وكانت فى أبى عبد الله ابن خالويه دعابة. قال: فلما حضر أبو رياش عرّفت أبا عمر الزاهد بمكانه، فقال:
إذا رآنى أبو رياش زاد فى ريشى ورياشى؛ يا أبا رياش: ما الرّيش والرّيش والرّيش والرّياش «1» ؟ وما معنى قول الراجز:
أقول والعيس تشجّ الصّمدا «2» ... وهى تشكّى وجعا ولهدا
لتنتجنّ عرضا «3» أو نقدا ... أو لتحوّين برجل قردا «4»
فأشار أبو رياش له إلى ظهره، ولم يزد على ذلك. وإنما قصد تفسير اللهد؛ من قولهم: لهد البعير الحمل «5» ؛ إذا ثقل على ظهره حتى يحدث به وهن أو ظلع.
وشرح أبو رياش الحماسة على سبيل النّكت فلم يأت بشىء، ووقع وهم فى الذى أورده من ذلك. واعتذر له عبد السلام البصرىّ- وكان خصيصا به- أنّ الوهم إنما دخل من النّقل؛ وذلك أنهم كانوا يستأذنون أبا رياش فى نقل الأخبار من الكتب، فيأذن لهم فى ذلك، ويلحقونها فى المواضع التى يحتمل أن تكون فيها ممّا وضعه أبو تمّام.(1/61)
6- أحمد بن إبراهيم بن أبى عاصم أبو بكر اللؤلؤى النحوىّ القيروانىّ [1]
كان من العلماء النقّاد فى العربيّة والغريب والنحو والحفظ لذلك، والقيام بأكثر دواوين العرب، وكان كثير الملازمة لأبى محمد المكفوف النحوىّ «1» ، وعنه أخذ، وكان صادقا فى علمه، صادق البيان لما يسأل عنه، وألّف كتابا فى الضاد والظاء، فحسّنه وبيّنه، وكان شاعرا مجيدا؛ وكان يحتذى «2» فى كثير من شعره على أشعار العرب ومعانيها، وكان والده موسرا فلم يكن يمدح أحدا لمجازاته، وترك الشعر فى آخر عمره، وأقبل على طلب الحديث والفقه، وهو القائل المحسن:
أيا طلل الحىّ الذين تحمّلوا ... بوادى الغضى كيف الأحبة والحال!
وكيف قضيب البان والقمر الذى ... بوجنته ماء الملاحة يختال
كأن لم تدر ما بيننا ذهبيّة ... عبيريّة الأنفاس عذراء سلسال
ولم أتوسّد ناعما بطن كفّه ... ولم يحو جسمينا مع الليل سربال
فبانت به عنّى ولم أدر بغتة ... طوارق صرف البين، والبين قتّال
فلما استقلّت ظعنهم وحدوجهم «3» ... دعوت ودمع العين فى الخدّ هطّال
سقيت نقيع السم»
إن كان ذا الذى ... أتاك به الواشون عنّى كما قالوا «5»
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 127، وتلخيص ابن مكتوم 6، وسلم الوصول 62، وطبقات الزبيدىّ 165، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 188، ومعجم الأدباء 2: 218- 224، والوافى بالوفيات ج 2 مجلد 1: 81. واللؤلؤىّ منسوب إلى بيع اللؤلؤ.(1/62)
وله أيضا:
لا تقتل الصّبّ فما حلّ لك ... يا مالكا أسرف فيما ملك
وتوفى سنة ثمانى عشرة وثلاثمائة، وله ست وأربعون سنة.
7- أحمد بن إبراهيم أبو نصر الباخرزىّ [1]
الكاتب المعروف بالأعرابىّ، ولقب بذلك لشبهه بالأعراب فى المخاطبة «1» ، وكان يؤدّب أبا على الحسن بن أبى الطيب الباخرزىّ، وكان أديبا فاضلا، ذا بيان ومعرفة تامة باللغة والعربية، واتصل بالأمير أحمد الأعرابىّ «2» حينا من الدهر.
وله شعر كثير؛ فمن ذلك قوله:
ألا لا تبال بصرف الزمان ... ولا تخضعنّ لدور الفلك
وساخف زمانك واسخر به ... فما العيش إلّا الذى طاب لك
ومن شعره إلى [أبى] الفضل بن العميد:
سلام عليك غياث العباد ... غدوت علينا غدوّ العهاد «3»
قدمت فأقدمت فصل الربيع ... وخضّرت وجه الزمان الجماد
وألبسته الوشى حتى غدا ... تسرّده «4» فى متون النّجاد
وتجلو عرائسه «5» فى الرياض ... مزيّنة بحلى المستفاد
وأنبهت ناعس «6» نوّاره ... وكان ولوعا بحب الرّقاد
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 7، ودمية القصر 262، والوافى بالوفيات ج 2 مجلد 1: 86.
والباخرزىّ، بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الزاى: منسوب إلى باخرز، من نواحى نيسابور.(1/63)
وأضحكته ببكا المعصرات «1» ... وصوب السماء وزجر الرّعاد
وأطلعت للحقّ سعد السعود ... بوجه يروّى نفوس الصّوادى
كسوت الزمان ثياب العروس ... وقد كان من قبل ذا فى حداد
وأصلحت بين الورى والزمان ... وأضحى يصافحهم بالوداد
8- أحمد بن إبراهيم بن سمكة القمّىّ [1]
النحوىّ اللغوىّ، كان إماما فاضلا مذكورا فى وقته، صاحب تصانيف حسان، انقطع إلى [آل «2» ] العميد لتأديبهم، وصنّف لهم.
فمن تصانيفه الحسان: كتابه فى الأمثال، وهو كتاب جامع على الأبواب، ككتاب أبى عبيد القاسم بن سلّام، إلا أنه أكبر وأكثر شرحا وبيانا، وله كتاب العسل؛ المستوفى فيه ما جاء فى ذكر العسل وصفته، وما قيل فى النحل، وما ورد فى ذلك عن العرب، واستوفى هذا الباب حق الاستيفاء، إلى غير ذلك من تصانيفه. مات فى حدود سنة خمسين وثلاثمائة.
9- أحمد بن إسحاق النحوىّ المصرىّ [2]
ويعرف بالجفر «3» الحميرىّ. أبو الطاهر. تصدر لإقراء هذا النوع، ومات بمصر سنة إحدى وثلاثمائة.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 7. والقمىّ، بضم القاف وتشديد الميم: منسوب إلى قم، وهى بلدة بين أصبهان وساوة. مصرت فى أيام الحجاج سنة 83.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 128، وتلخيص ابن مكتوم 7، وطبقات الزبيدىّ 148، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 191، ومعجم الأدباء 2: 226. والحميرىّ: منسوب إلى حمير، وهو أصل من أصول عرب قحطان باليمن.(1/64)
10- أحمد بن إسحق بن موهوب بن أحمد بن محمد ابن الخضر الجواليقىّ البغداذىّ [1]
أبو العباس بن أبى طاهر بن أبى منصور. من بيت أهل علم وفضل وصلاح ورواية، سمع من أبى بكر محمد بن عبد الله «1» بن الزاغونىّ «2» ، وأبى الوقت عبد الأوّل ابن عيسى السّجزىّ «3» ، وغيرهم.
وكان فيه فضل وعلم وتقدّم، وتصدر لإقراء الأدب ببغداذ. وتوفّى شابا قبل سنّ الرواية. وكانت وفاته فى ذى القعدة من سنة سبع وثمانين وخمسمائة، ودفن عند جدّه وأبيه بمقبرة باب حرب.
11- أحمد بن أبان بن سيّد اللغوىّ [2]
صاحب الشرطة بقرطبة، يكنى أبا القاسم. عالم فاضل لغوىّ. روى عن أبى علىّ البغداذىّ وسعيد بن جابر الإشبيلىّ وغيرهما. وحدث بكتاب الكامل
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 7- 8، والوافى بالوفيات ج 2 مجلد 1: 86- 87.
والجواليقىّ، بفتح الجيم والواو، وكسر اللام بعد الألف وسكون الياء وكسر القاف: منسوب إلى الجواليق؛ جمع جوالق. قال فى اللباب (1: 244) : ولعل بعض الأجداد المنتسب إليهم كان يبيعها أو يعملها.
[2] ترجمته فى بغية الملتمس 159، وبغية الوعاة 126، وتلخيص ابن مكتوم 8، وروضات الجنات 65، وسلم الوصول 62، والصلة لابن بشكوال 7- 8، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 183، وكشف الظنون 1121، ومعجم الأدباء 2: 203، والوافى بالوفيات ج 2: مجلد 1: 80، وترجم له المؤلف ترجمة أخرى فى الكنى. و «سيد» : ضبطه ابن قاضى شهبة بفتح السين وتشديد الياء المكسورة.(1/65)
عن سعيد بن جابر، وأخذ «1» عنه أبو القاسم بن الإفليلىّ، وأخذ عن أبى «2» علىّ كتاب النوادر وغير ذلك.
وكان معتنيا بالآداب واللغات وروايتهما وتصنيفهما؛ مقدّما فى معرفتهما وإتقانهما، وكان مطلق القلم بالتصنيف؛ فمن تصنيفه كتاب العالم فى اللغة.
مائة مجلد على الأجناس «3» . كتاب العالم والمتعلم فى النحو. كتاب شرح كتاب الكسائىّ «4» فى النحو. وقد سقت خبره فى باب من عرف بأبيه عند كتاب الكنى آخر هذا الكتاب، فانظره هناك. وتوفى سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة.
12- أحمد بن أبى الأسود النحوىّ القيروانىّ الإفريقىّ [1]
كان غاية فى علم النحو واللغة، وهو من أصحاب أبى الوليد المهرىّ «5» ، وله أوضاع فى النحو والغريب، ومؤلّفات حسان. وكان شاعرا مجيدا، وكان قد عتب على ابن الزندىّ «6» بعد مودّة وتواصل، فركب إليه ابن الزندىّ، وسأله الرجعة إلى ما كان عليه، فلم يجبه إلى ذلك، وكاتبه مرارا، وجاء إليه رسوله مرّة
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 128، وتلخيص ابن مكتوم 8، وطبقات الزبيدىّ 158، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 191، ومعجم الأدباء 2: 230. والقيروانىّ: منسوب إلى القيروان، وضبطها السمعانىّ وابن خلكان بفتح القاف وسكون الياء وفتح الراء والواو. وهى مدينة عظيمة بإفريقية، ذكر ابن كثير (8: 45) أن عقبة بن عامر أسسها سنة 50.(1/66)
ببطاقة، وعنده جماعة من طلّاب الأدب، فلما قرأها مدّ يده إلى القلم فأخذه، وكتب اليه:
«أما بعد فإن طول المناجاة «1» تورث الملال، وقلّة غشيان الناس أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم: زر غبّا تزدد حبّا. وللقلوب نبوة، فإن أكرهت لم يكن لما يتولد منها لذة، ولا بدّ من استجمامها إلى غاياتها. أسأل الله أن يجعلها منّا عزمة، ومنك سلوة، والملتقى- إن شاء الله- فى داره وجواره، حيث لا تحاسب ولا تصاحب، والسلام» .
13- أحمد بن أسباط النّصيبى النحوىّ [1]
أديب عالم خبير بالعربية، شاعر. لقيه أبو القاسم عبد الصمد بن حنيش «2» الحمصىّ، «3» وكتب عنه شعرا هذه الأبيات:
ضحكت سرّ لاعتراض المشيب ... وثنت طرف ناظر مستريب
سرّ، إن تعجبى لشيبى فما االشي ... ب بمستنكر ولا بعجيب
أنا ملقى على طريق الليالى ... بين أحداثها وبين الخطوب
قبّح الله الشيب أىّ جراح ... فى فؤادى منه وأىّ لهيب!
كالنهار المضىء فى العين إلّا ... أنه ليل ظلمة فى القلوب
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 8- 9.(1/67)
14- أحمد بن إسماعيل بن بشر النحوىّ التّجيّبىّ الأندلسىّ المعروف بابن الأغبس [1]
كان فقيها على مذهب الشافعىّ، ومائلا إلى الحديث، وكان عالما بكتب القرآن، من جهة التفسير والعربية واللغة والقراءة. وكان حافظا للغة والعربية، كثير الرواية، جيّد الخط ضابطا للكتب. وأخذ عن العجلىّ والخشنىّ وابن الغازى وطاهر بن عبد العزيز. توفى سنة ست وعشرين وثلاثمائة «1» .
15- أحمد بن جعفر أبو علىّ الدّينورىّ [2]
نزيل مصر، النحوىّ. أصله من دينور؛ وقدم البصرة، وأخذ عن المازنىّ، وحمل عنه كتاب سيبويه، ثم دخل إلى بغداذ، فقرأ على أبى العباس المبرّد، وكان ختن «2» ثعلب، وكان يخرج من منزل ختنه أبى العباس ثعلب، فيتخطّى أصحابه، ويمضى ومعه محبرته ودفتره يقرأ كتاب سيبويه على المبرّد، وكان يعاتبه ثعلب
__________
[1] . ترجمته فى بغية الملتمس 161، وبغية الوعاة 129، والديباج المذهب 33، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 40، وتاج العروس 4: 201، وتلخيص ابن مكتوم 9، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 191، وطبقات الزبيدىّ 194، وعلماء الأندلس لابن الفرضىّ 1: 32، ومعجم الأدباء 2:
235- 236. والتجيبى. بضم التاء وكسر الجيم: منسوب إلى تجيب، وهى قبيلة من كندة، ولهم خطة بمصر سميت بهم. معجم البلدان (2: 367) . والأغبس، على وزن أفعل، من الغبس، وهو الظلام.
قال ابن مكتوم: «وصوابه أحمد بن بشر بن محمد إسماعيل» .
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 130، وتلخيص ابن مكتوم 9، وشذرات الذهب 2: 170، 294، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 192، وسلم الوصول 74- 75، وطبقات الزبيدىّ 145- 146، وكشف الظنون 108، 1087، 1914، ومعجم الأدباء 2: 239- 240، والوافى بالوفيات ج 2 مجلد 2: 197. والدينورىّ، بكسر الدال وسكون الياء وفتح النون: منسوب إلى الدينور، وهى من بلاد الجبل. وقال السمعانىّ: إنّ الدال من الدينور مفتوحة، وتابعه ابن الأثير فى اللباب. قال ابن خلكان: والأصح الكسر.(1/68)
على ذلك ويقول: إذا رآك الناس تمضى إلى هذا الرجل، وتقرأ عليه يقولون ماذا؟ فلم يكن يلتفت إلى قوله.
وكان أبو علىّ حسن المعرفة، ثم قدم مصر، وألّف كتابا فى النحو سماه المهذّب، وذكر فى صدره اختلاف الكوفيين والبصريين، وعزا كل مسألة إلى صاحبها، ولم يعتلّ لواحد منهم، ولا احتجّ لمقالته، فلما أمعن فى الكتاب ترك الاختلاف، ونقل مذهب البصريين، وعوّل فى ذلك على كتاب الأخفش سعيد [بن مسعدة] ، وله كتاب مختصر فى ضمائر القرآن، استخرجه من كتاب المعانى للفرّاء «1» .
ولما قدم علىّ بن سليمان الأخفش مصر خرج عنها أبو علىّ الدّينورىّ، ثم عاد إليها بعد خروج الأخفش إلى بغداذ. وتوفى الدّينورىّ بمصر سنة تسع وثمانين ومائتين.
16- أحمد بن الحسن بن العبّاس بن الفرج بن شقير أبو بكر النحوىّ البغداذىّ [1]
روى عن أحمد بن عبيد بن ناصح تصانيف الواقدىّ، وكان ممن اشتهر برواياتها. وحدّث عنه إبراهيم بن أحمد الخرقىّ وأبو بكر بن شاذان وغيرهما. وقال الدار قطنىّ: أحمد بن حسن بن شقير النحوىّ، بغداذىّ يروى عن أبى عصيدة
__________
[1] . ترجمته فى أخبار النحويين البصريين 109، وبغية الوعاة 130، وتاج العروس 3: 313، وتاريخ بغداد 4: 89، وتلخيص ابن مكتوم 9، وسلم الوصول 75، وطبقات ابن قاضى شهبة 1:
193- 194، ومعجم الأدباء 3: 11، ونزهة الألباء 315، والوافى بالوفيات ج 2 مجلد 2:
64. ذكر له ياقوت من التصانيف: كتاب مختصر فى النحو، وكتاب المقصور والممدود، وكتاب المذكر والمؤنث ثم قال: «قرأت فى كتاب ابن مسعدة أن الكتاب الذى ينسب للخليل ويسمى الجمل من تصانيف ابن شقير» .(1/69)
أحمد بن عبيد بن ناصح عن الواقدىّ المغازى والسير وغير ذلك. توفى فى سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
قال الخطيب أحمد بن على بن ثابت «1» : «وهم أبو الحسن فى ذكر وفاته لأنها كانت فى سنة سبع عشرة وثلاثمائة، كذلك ذكر أبو الفتح عبيد الله بن أحمد النحوىّ المعروف بجخجخ. وذكر «2» طلحة بن محمد بن جعفر قال: مات أبو بكر ابن شقير النحوىّ فى صفر سنة سبع عشرة» .
17- أحمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن إسحاق أبو طاهر النقار الحميرىّ [1]
ولد بالكوفة سنة ثمان عشرة وأربعمائة، ونشأ ببغداذ؛ وكان يحفظ القراءات السبع، قرأ على خاله أبى طالب بن النجار الكوفىّ النحوىّ، وقرأ النحو على أبى القاسم بن برهان الأسدىّ؛ وانتقل إلى دمشق وسكنها مدّة مفيدا، ورحل إلى مصر، ولقى بها جماعة من الفقهاء على مذهب الشافعىّ، ثم سكن طرابلس، وعاد إلى دمشق سنة سبع وتسعين وأربعمائة. أنشد ابنه أبو محمد قال: أنشدنى أبى لنفسه:
يا خليلىّ أقصرا عن ملامى ... قلّ صبرى وفلّ غرب اعترامى «3»
وبدا الدهر كاشرا لى عن أن ... يابه باهتضام كلّ الأنام
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 10.(1/70)
معرضا لى خطوبه من ورائى ... إن تلفتّ تارة وأمامى
ولعمرى إن الزمان كفيل ... لبنيه بالنّقض والإبرام
لا ترع إن أتتك منه سهام ... طالما عطّلت أكفّ الرامى
وقال ابنه: إنه توفى فى ليلة الجمعة، مستهلّ شهر رمضان سنة إحدى وخمسمائة بدمشق، ودفن بظاهر باب الفراديس على أبيه.
18- أحمد بن حاتم أبو نصر النحوى [1]
صاحب الأصمعىّ «1» . روى عن الأصمعىّ كتب اللغة والأدب، وصنف كتبا فى اللغة. وحكى عن الأصمعىّ أنه كان يقول: ليس يصدق علىّ أحد إلا أبو نصر.
حدث عنه إبراهيم الحربىّ الشيح الصالح- رضى الله عنه- وأبو العباس ثعلب، وكان ثقة. قيل إنه مات فى سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وبلغ من العمر نيّفا وسبعين سنة- رحمه الله- وفيها مات ابن «2» الأعرابىّ، وعمرو بن أبى عمرو الشيبانىّ صاحب الأصمعىّ.
ومن تصانيفه: كتاب الشجر والنبات. كتاب الإبل. كتاب الخيل.
كتاب ما يلحن فيه العامة. كتاب الزرع والنخل. كتاب أبيات المعانى «3» .
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 130، وتاريخ بغداد 4: 114، وتلخيص ابن مكتوم 10، وطبقات الزبيدىّ 127- 128، والفهرست 56، ومراتب النحويين 134- 135، والمزهر 2: 408، ومعجم الأدباء 2: 283- 285، وكشف الظنون 102، والنجوم الزاهرة 2:
259، والوافى بالوفيات ج 2 مجلد 2: 207، وترجم له المؤلف ترجمة أخرى فى الكنى، وذكره ابن كثير فى وفيات سنة 231.(1/71)
قال أحمد بن يحيى ثعلب: كان أبو نصر صاحب الأصمعىّ يملى شعر الشّمّاخ؛ وكنت أحضر مجالسه؛ وكان يعقوب بن السّكّيت يحضرها قبلى؛ لأنه كان قد قعد عن مجالسهم، وطلب الرياسة؛ فجاءنى إلى منزلى، وقال: اذهب بنا إلى أبى نصر حتى نقفه على ما أخطأ فى بيت كذا، وصحّف فى حرف كذا- وأنا ساكت.
فقال: ما تقول؟ فقلت له: ليس يحسن هذا، نحن بالأمس نرى على باب الشيخ نسأله ونكتب عنه؛ ثم نمضى إليه ونخطّئه ونهجّنه! فقال: لا بدّ من ذلك؛ فمضينا إليه، فدققنا الباب عليه، فخرج الشيخ فرحّب بنا، وأقبل عليه يعقوب، فقال: كيف تنشد هذا البيت للشمّاخ؟ فقال: كذا. فقال: أخطأت. ثم قال:
وكيف تقول فى هذا الحرف من شعره؟ قال: كذا. قال: أخطأت. قال: فلما مر ثلاث أو أربع مسائل اغتاظ الشيخ، ثم قال: يا مصّان، «1» تستقبلنى بمثل هذا، وتقوى نفسك على مثل هذا، وأنت بالأمس تلزمنى حتى يتهمنى الناس بك! ونهض أبو نصر، فدخل داره وردّ الباب فى وجوهنا، فاستحيا يعقوب، فأقبلت عليه، وقلت له:
ما كان أغنانا عن هذا! فما نطق بحلوه ولامرّه. وقلت له: لا مقام لك ها هنا؛ تخرج إلى سرّ من رأى، واكتب إلىّ ما تحتاج إليه لأسأل عنه وأعرّفك إياه. «2»
19- أحمد بن عبد العزيز بن فرج بن أبى الحباب أبو عمر القرطبىّ النحوىّ [1]
من أهل العربية والأدب؛ كان أستاذا متقدّما لإفادة هذا الشأن، وكان مع حذقه ذا غفلة فى غير ذلك من أموره، وكان من نحاة الدولة العامريّة، لزم أبا علىّ
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 10، وبغية الوعاة 140، والصلة لابن بشكوال 20. وفى الأصل:
«فرحة» ، وما أثبته عن الصلة وبغية الوعاة.(1/72)
القالىّ؛ وأخذ عنه، وكان عالما باللغة والأخبار، حافظا لها. توفّى ليلة الجمعة، ودفن فى يومها سلخ المحرّم سنة أربعمائة، ودفن فى مقبرة الرّصافة «1» ، وصلّى عليه القاضى أحمد بن ذكوان، وكان قارب السبعين سنة، وكان فى غفلته من آيات ربّه، وكان معلم المظفّر عبد الملك بن أبى عامر، ونسبه فى مصمودة «2» من البرابر- رحمه الله.
20- أحمد بن حذيفة أبو الحسن النّيسابورىّ البستىّ [1]
الأديب الفاضل. ذكره الحافظ ابن البيّع «3» فى تاريخ نيسابور، وسماه: الأديب، وقال: العاقل، فى وصفه. [نادم] الأمير الماضى إسماعيل بن أحمد، وأمير المؤمنين المعتضد، وكان أمير المؤمنين يرضى عقله وينادمه. سمع بخراسان إسحق بن منصور، ومحمد بن يحيى، وبالعراق الحسن بن محمد الصباح. روى عنه أبو العباس إسماعيل بن عبد الله الميكالىّ، وأبو زكريا يحيى بن محمد العنبرىّ. توفى ببست سنة ست وثلاثمائة.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 10. والبستى بضم الباء وسكون السين: منسوب إلى بست، وهى مدينة بين سجستان وغزنين، ويقال لنا حيّبا كرم سير. معجم البلدان (2: 170) .(1/73)
21- أحمد بن الحطيئة أبو العباس المغربىّ [1]
المقرئ العبد الصالح. مولده بفاس «1» من أرض المغرب، ورحل إلى الشام ودخلها، وحجّ ونزل مصر واستوطنها، وكان رأسا فى القراءات السبع والأدب والعربية، وكان لا يقبل لأحد برّا، ولا يرزق على إقراء، ونزل خارج مدينة مصر فى مسجد كبير، يعرف بمسجد راشدة. وكانت له زوجة وابنة يكتبان خطا مثل خطه، وإذا شرعوا فى كتاب أخذ كل واحد «2» منهم جزءا من الكتاب، وكتب؛ فلا يفرق بين خطوطهم، ثم نسخوا الكثير بالأجرة والبيع، وكان خطه- رحمه الله- خطا صحيحا، كتب جملة من كتب الآداب والفقه والحديث؛ وخطه مرغوب فيه من أئمة العلم بمصر، لصحّته وتحقيقه. وكان إذا غلا شىء من المأكول تركه واشترى غيره، ويقول: إذا تعدّى الحدّ وفى غيره عنه غنى كان اشتراؤه سفها.
واتفقت بمصر مجاعة اشتد فيها الحال؛ فمشى أجلّاء المصريين إليه، وسألوه قبول شىء، فامتنع غاية الامتناع، وأجمعوا رأيهم أن خطب أحدهم البنت، وكان يعرف بالفضل بن يحيى الطويل، وكان عدلا بزّازا «3» بالقاهرة، فتزوجها وسأل أن تكون أمّها عندها مدّة، فأذن لها فى ذلك، فخفّفوا عنه من العائلة، وبقى بنفسه ينسخ ويأكل من نسخه إلى أن زالت الشدّة- رحمه الله، ورضى عنه.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 11، وحسن المحاضرة 1: 192، وابن خلكان 1: 54- 55، وسلم الوصول 89، وشذرات الذهب 4: 188، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 71، والنجوم الزاهرة 5: 370. وفى ابن خلكان اسمه: «أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام بن الحطيئة اللخمىّ الفاسىّ» . قال: «والحطيئة، بضم الحاء المهملة وسكون الياء المثناة وبعد الهمزة هاء» .(1/74)
ولم يزل على قدم المجاهدة إلى أن توفى بمصر فى آخر المحرم سنة ستين وخمسمائة.
قرأ القرآن العزيز على شيخه ابن الفحام وعلى غيره، وسمع الحديث على أبى عبد الله الحضرمىّ وأبى الحسن بن المشرف وغيرهما.
22- أحمد بن حمزة التّنوخىّ العرقىّ أبو الحسن النحوىّ اللغوىّ [1]
رحل عن الشام إلى مصر، واستفاد هذا الشأن وأفاده. سمع بإسكندرية من السّلفى الأصبهانىّ أبى طاهر «1» كثيرا من الحديث، وعلق عنه السّلفىّ فوائد أدبية، وذكر أنه رأى ابن الصوّاف المقرئ وأبا إسحاق الحبّال «2» الحافظ المصرىّ، وأبا الفضل بن الجوهرىّ الواعظ، وقرأ القرآن على أبى الحسين الخشّاب، واللّغة على ابن القطّاع، والنحو على المعروف بمسعود الدولة الدمشقى النحوىّ، نزيل مصر.
وولى أبوه القضاء بمصر. وكان مولده- أعنى أحمد بن حمزة هذا- سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوفى بإسكندرية، وحمل فى تابوت إلى مصر.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 11، ومعجم البلدان (6: 156) . والعرقىّ، بكسر العين وسكون الراء: منسوب إلى عرقة، وهى بلدة بالشام قريبة من طرابلس.(1/75)
23- أحمد بن خالد أبو سعيد البغدادىّ الضرير [1]
اللغوىّ الفاضل الكامل. لقى ابن الأعرابىّ «1» وأبا عمرو الشيبانىّ، وحفظ عن الأعراب نكتا كثيرة. وكان طاهر بن عبد الله استقدمه من بغداذ إلى نيسابور، وأقام بها، وأملى بها كتبا فى معانى الشعر والنوادر، وردّ على أبى عبيد حروفا كثيرة من كتاب غريب الحديث، وقدم على القتيبىّ «2» وأخذ عنه. وكان شمر وأبو الهيثم شيخا العجم فى اللغة والعربية يوثّقانه ويثنيان عليه، وكان بينه وبين أبى الهيثم الرازىّ اللغوىّ فضل مودّة.
24- أحمد بن داود أبو حنيفة الدّينورىّ [2]
من أهل الدّينور، أخذ عن البصريين والكوفيين، وأكثر أخذه عن ابن السّكّيت وأبيه، وكان مفتّنا فى علوم كثيرة، منها النحو واللغة والهندسة والهيئة والحساب، ثقه فيما يرويه ويمليه، معروفا بالصدق، وله من الكتب كتاب الفصاحة. كتاب الأنواء. كتاب حساب الدور «3» . كتاب الردّ على الأصبهانىّ «4» . كتاب البحث فى حساب الهند. كتاب البلدان،
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 131- 132، وتلخيص ابن مكتوم 11- 12، ومعجم الأدباء 3: 15- 26، ونكت الهميان 96- 98.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 132، وتلخيص ابن مكتوم 12، وخزانة الأدب 1: 26، وسلم الوصول 82، والفهرست 78، وكشف الظنون 280، 664، 1399، 1446، 1466، ومعجم الأدباء 3: 26- 32، ونزهة الألباء 305- 306، وذكره ابن كثير وأبو الفدا فى وفيات سنة 282.(1/76)
كبير. كتاب الجمع [والتفريق «1» ] . كتاب الجبر والمقابلة. كتاب نوادر الجبر.
كتاب الوصايا. كتاب الشعر والشعراء. كتاب لحن العامة. كتاب الكسوف، ملكته بخطه. كتاب تاريخ الأخبار الطوال «2» . كتاب النبات «3» .
نقلت من خط ياقوت الموصلىّ «4» الكاتب ما مثاله: «وجدت على ظهر الجزء الأول من كتاب النبات لأبى حنيفة الدينورىّ بخط أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن أحمد بن الخشاب ما هذه حكايته فنقلته: وجدت بخط أبى عبد الله الحسين ابن محمد بن جعفر الخالع الشاعر- رحمه الله- ما هذه حكايته، فنقلته: قرأت هذا الكتاب على القاضى أبى سعيد السّيرافىّ ورواه لى عن مسبّح بن الحسين بن أخت أبى حنيفة الدينورىّ، وذكر أنه قرأه على خاله أبى حنيفة. وقرأ عليه بهذه الرواية كتاب الأنواء، وسمعته قراءة عليه. وقرأناه على أبى عبد الله الحسين بن هارون القاضى الضبىّ بهذه الرواية أيضا، وبقراءة أبى أحمد عبد السّلام بن الحسين البصرىّ، وسمع أبو الحسين السّمسمىّ، وسمع الشريف المرتضى أبو القاسم. نقله أحمد ابن أحمد «5» فى جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. وبخطه أيضا على ظهر النسخة المذكورة: قرأ جميع هذه المجلّدة- وعددها سبع عشرة كراسة على الشيخ يحيى(1/77)
ابن الحسين ابن أحمد بن البناء من أوّلها إلى البلاغ المقابل لنسخة الخالع بروايته عن أبى القاسم على بن أحمد السّرىّ، إجازة عن [أبى] عبد الله الضبىّ، وإجازة عن مسبّح بن الحسين عن أبى حنيفة- عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب فى مجالس آخرها يوم الأحد سابع رجب من سنة سبع وعشرين وخمسمائة، والباقى وجادة؛ «1» لأنه لم يقابل بالمسموع من الضبىّ. وأثبت بحمد الله نقل المذكور جميعه ياقوت ابن عبد الله فى سابع رجب من سنة ست وستمائة بمدينة الموصل» .
توفى أبو حنيفة أحمد بن داود ليلة الاثنين لأربع بقين من جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين ومائتين- رحمه الله.
وحكى ابن رواحة البروجردىّ «2» قال: زعموا أن أبا العباس المبرّد ورد الدّينور زائرا لعيسى بن ماهان، فأوّل ما دخل إليه وقضى سلامه قال له: أيها الشيخ، ما الشاة المجثّمة التى نهى النبىّ صلى الله عليه وسلم عن أكل لحمها؟ فقال: هى الشاة القليلة اللبن مثل الّلجبة «3» ، فقال: هل من شاهد؟ فقال: نعم، قول الراجز:
لم يبق من آل الجعيد «4» نسمه ... إلّا عنيز لجبة مجثّمه
فإذا بالحاجب يستأذن لأبى حنيفة الدّينورىّ، فأذن له، فلما دخل قال له عيسى ابن ماهان: ما الشاة المجثّمة التى نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكلها؟ فقال:
هى التى جثّمت على ركباتها ونحرت من قفاها. فقال: كيف تقول وهذا شيخ العراق- يعنى أبا العباس المبرّد- يقول: هى مثل اللّجبة، وهى القليلة اللبن،(1/78)
وأنشد البيتين «1» . فقال أبو حنيفة: أيمان البيعة تلزم أبا حنيفة إن كان هذا الشيخ سمع هذا التفسير، وإن كان البيتان إلا لساعتهما هذه.
فقال أبو العباس المبرّد: صدق الشيخ أبو حنيفة، أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكرى ما قد شاع، فأوّل ما تسألنى عنه لا أعرفه. فاستحسن منه هذا الإقرار وترك البهت «2» .
25- أحمد بن سليمان المعبدىّ [1]
أبو الحسين. أحد العلماء بهذا الشأن الثقات. روى عن على بن ثابت، عن أبى عبيد. وله خط صحيح يرغب فيه العلماء، وهو مشهور العلم بين العالم.
26- أحمد بن سعيد الدّمشقىّ [2]
النحوىّ الأخبارى الفقيه العلامة، أحد أفراد الدهر فى فنون متعدّدة من العلوم وكان يؤدّب أولاد «3» المعتز، فتحمّل أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذرىّ «4» على قبيحة أم المعتز بقوم سألوها أن تأذن له أن يدخل إلى ابن المعتز وقتا من النهار، فأجابت أو كادت تجيب. فلما اتصل الخبر بأحمد بن سعيد جلس فى منزله غضبا، فكتب إليه أبو العباس عبد الله بن المعتز، وله إذ ذاك ثلاث عشرة سنة:
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 12، ومعجم الأدباء 3: 64، وانظر رقم 31. والمعبدىّ.
منسوب إلى معبد بن العباس بن عبد المطلب. وذكر ياقوت أنه توفى سنة 292.
[2] ترجمته فى تاريخ بغداد 4: 171- 172، وتلخيص ابن مكتوم 12، ومعجم الأدباء 3: 46- 49، وذكره صاحب النجوم الزاهرة فى (3: 166) ضمن مؤدّبى ابن المعتز. وكانت وفاته سنة 306، كما ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد.(1/79)
أصبحت يا بن سعيد خدن «1» مكرمة ... عنها يقصّر من يحفى وينتعل
سربلتنى حكمة قد هذّبت شيمى ... وأججّت غرب ذهنى فهو مشتعل
أكون «2» إن شئت قسّا فى فصاحته ... أو حارثا «3» وهو يوم الفخر مرتجل
وإن أشأ فكزيد «4» فى فرائضه ... أو مثل نعمان «5» إمّا ضاقت الحيل
أو الخليل عروضيّا أخا فطن ... أو الكسائىّ نحويّا له علل
تغلى بداهة ذهنى فى مركّبها ... كمثل ما عرفت آبائى الأول
وفى فمى صارم ما سلّه أحد ... من غمده فدرى ما العيش والجذل
عقباك شكر طويل لا نفاد له ... تبقى معالمه ما أطّت الإبل «6»
27- أحمد بن شريس القيروانىّ الإفريقىّ [1]
جدّ بنى أبى ثور النجار لأمهم، وكان ذا علم بالعربية واللغة والأخبار، وكان من أصحاب حمدون النعجة «7» وتلاميذه، وتوفى سنة سبع وتسعين ومائتين.
28- أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو جعفر الكاتب [2]
ولد ببغداذ، وروى عن أبيه كتبه المصنفة. حدّث عنه أبو الفتح بن المراغىّ النحوىّ «8» ، وعبد الرحمن بن إسحق الزّجاجىّ النحوىّ مصنف كتاب الجمل
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 133، وتلخيص ابن مكتوم 12 وطبقات الزبيدىّ 165.
[2] ترجمته فى تاريخ بغداد 4: 229، وتاريخ ابن كثير 11: 180، وحسن المحاضرة 1: 156، والديباج المذهب 35، وشذرات الذهب 2: 170، ومعجم الأدباء 3: 103- 104، والنجوم الزاهرة 3: 246.(1/80)
فى النحو وغيره، وغيرهما. وولّى أحمد بن عبد الله بن قتيبه قضاء مصر، وأقام بها إلى أن وافاه أجله.
ذكر أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن خرّزاذ النّجيرمىّ النحوىّ اللغوىّ، أديب مصر ونزيلها: أن أبا جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة حدّث بكتب أبيه كلها بمصر، ولم يكن معه كتاب، روى ذلك عن أبى الحسن المهلّبىّ، وكان المهلّبىّ يروى عن ابن قتيبة. ورد مصر قاضيا فى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، وتوفّى بمصر وهو على القضاء فى شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة- رحمه الله.
29- أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء المعرىّ [1]
كتب إلىّ أبو اليمن «1» زيد بن الحسن بن زيد الكندىّ- رحمه الله: أخبرنا القزّاز «2» ، أخبرنا أحمد بن على «3» فى كتابه قال «4» :
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 110 ا- 110 ب وبغية الوعاة 136- 137، وتاريخ بغداد 4: 240- 241، وتاريخ أبى الفدا 2: 176- 177، وتاريخ ابن كثير 12:
72- 76، وتتمة اليتيمة 1: 9، وابن خلكان 1: 33- 35، ودمية القصر 50- 52، وروضات الجنات 37، وسلم الوصول 89، وشذرات الذهب 3: 28، وكشف الظنون 992، 1272، 1548. واللباب 1: 184. ومعاهد التنصيص 1: 136- 145، ومعجم الأدباء 3: 107- 218، والنجوم الزاهرة 5: 61- 62، ونزهة الألباء 425- 427، ونكت الهميان 101- 110 وهو فيما سقط من تلخيص ابن مكتوم. والمعرّى: منسوب إلى معرّة النعمان، وهى مدينة قديمة مشهورة من أعمال حمص، بين حلب وحماة. معجم البلدان (8: 6) .(1/81)
«أحمد بن عبد الله بن سليمان، أبو العلاء التّنوخىّ «1» الشاعر، من أهل معرّة النعمان.
كان حسن الشعر، جزل الكلام، فصيح اللسان، غزير الأدب، عالما باللغة حافظا لها.
وذكر لى القاضى أبو القاسم التّنوخىّ «2» ، أنه ورد بغداذ فى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وأنه قرأ عليه دواوين الشعراء ببغداذ.
وقال لى التّنوخىّ: هو أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد ابن سليمان بن داود بن المطهّر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور ابن أسحم بن أرقم بن النّعمان بن عدىّ بن غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
أنشدنى القاضى أبو القاسم على بن المحسّن قال: أنشدنا أبو العلاء المعرّى لنفسه يرثى بعض أقاربه «3» :
غير مجد فى ملّتي واعتقادى ... نوح باك ولا ترنّم شاد
وشبيه صوت النعىّ إذا قس ... ت «4» بصوت البشير فى كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنّ ... ت على فرع غصنها الميّاد
صاح هذى قبورنا تملأ الأر ... ض «5» فأين القبور من عهد عاد(1/82)
خفّف الوطء ما أظن أديم ال ... أرض إلا من هذه الأجساد
وقبيح بنا وإن قدم العص ... ر «1» هوان الآباء والأجداد
سر إن اسطعت فى الهواء رويدا ... لا اختيالا على رفات «2» العباد
ربّ لحد قد صار لحدا مرارا ... ضاحك من تزاحم الأضداد
ودفين على بقايا دفين ... فى طويل الزّمان «3» والآباد
فاسأل الفرقدين عمن أحسّا ... من قبيل وآنسا من بلاد
كم أقاما على زوال نهار ... وأنارا لمدلج فى سواد
تعب كلّها الحياة فما أع ... جب إلا من راغب فى ازدياد
إنّ حزنا فى ساعة الموت «4» أضعا ... ف سرور فى ساعة الميلاد
خلق الناس للبقاء فضلّت «5» ... أمّة يحسبونهم للنّفاد
إنما ينقلون من دار أعما ... ل إلى دار شقوة أو رشاد
والقصيدة طويلة.
حدّثنى أبو الخطّاب العلاء بن حزم الأندلسىّ «6» قال: ذكر لى أبو العلاء المعرّى أنه ولد فى يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
وكان أبو العلاء ضريرا، عمى فى صباه، وعاد من بغداذ إلى بلده معرّة النعمان وأقام بها إلى حين وفاته، وكان يتزهّد ولا يأكل اللحم، ويلبس خشن الثياب، وصنّف(1/83)
كتابا فى اللغة، وعارض سورا من القرآن. وحكى عنه حكايات مختلفة فى اعتقاده، حتى رماه بعض الناس بالإلحاد. وبلغنا أنه مات فى يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأوّل، سنة تسع وأربعين وأربعمائة» .
انقضى كلام أحمد بن على فى كتابه.
وذكر غيره أن أبا العلاء جدر فى السنة الثالثة من عمره، وكفّ من الجدرىّ.
وقال: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر، فإننى ألبست فى مرض الجدرىّ ثوبا مصبوغا بالعصفر، فأنا لا أعقل غير ذلك، وكل ما أذكره من الألوان فى شعرى ونثرى إنّما هو تقليد الغير، واستعارة منه.
ولما كبر أبو العلاء، [و] وصل إلى سنّ الطلب، أخذ العربية عن قوم من بلده، كبنى كوثر، أو من يجرى مجراهم من أصحاب ابن خالويه وطبقته، وقيّد اللّغة عن أصحاب ابن خالويه أيضا. وطمحت نفسه إلى الاستكثار من ذلك، فرحل إلى طرابلس الشام، وكانت بها خزائن كتب قد وقفها ذوو اليسار من أهلها، فاجتاز باللّاذقيّة «1» ، ونزل دير الفاروس «2» ، وكان به راهب يشدو شيئا من علوم الأوائل، فسمع منه أبو العلاء كلاما من أوائل أقوال الفلاسفة، حصل له به شكوك لم يكن عنده ما يدفعها «3» به، فعلق بخاطره ما حصل به بعض الانحلال، وضاق عطنه عن كتمان ما تحمّله من ذلك، حتى فاه به فى أول عمره، وأودعه أشعارا له، ثم ارعوى ورجع، واستغفر واعتذر، ووجّه الأقوال وجوها احتملها التأويل.
ولم يكن من ذوى الأحوال «4» فى الدنيا، وإنما خلّف له وقف يشاركه فيه غيره من قومه. وكانت له نفس تشرف عن تحمّل المنن، فمشى حاله على قدر الموجود،(1/84)
فاقتضى ذاك خشن الملبوس والمأكل، والزهد فى ملاذّ الدنيا. وكان الذى يحصل له فى السنة مقدار ثلاثين دينارا، قدّر منها لمن يخدمه النّصف، وأبقى النّصف الآخر لمؤونته؛ فكان أكله العدس إذا أكل مطبوخا، وحلاوته التّين، ولباسه خشن الثياب من القطن، وفرشه من لبّاد فى الشتاء، وحصيره من البردىّ فى الصيف، وترك ما سوى ذلك. ولما عورض فى الوقف المذكور بيد بعض نوّاب حلب سافر إلى العراق شاكيا ذلك فى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
واشتهر ذكره ببغداذ، وقرئ عليه كتابه سقط الزّند، واجتمع بالشريف الرضىّ والمرتضى، ولدى أبى أحمد، وشهدا بفضله وفطنته وفرط ذكائه.
وحضر خزانة الكتب التى بيد عبد السلام البصرىّ، وعرض عليه أسماءها، فلم يستغرب فيها شيئا لم يره بدور العلم بطرابلس، سوى ديوان تيم اللّات، فاستعاره منه، وخرج عن بغداذ، وقد سها عن إعادته، ولم يذكره حتى صار بالمعرّة، فأعاده إليه، وفى صحبته القصيده التائية التى أوّلها «1» :
هات الحديث عن الزّوراء أوهيتا ... وموقد النار لا تكرى بتكريتا «2»
يقول فيها:
اقر السّلام على عبد السّلام فلى ... جيد إلى نحوه ما زال «3» ملفوتا
وذكر فيها ديوان تيم اللات فقال:(1/85)
[سألته قبل يوم السّير مبعثه ... إليك ديوان تيم اللّات ماليتا «1» ]
ولما عاد إلى المعرّة فى سنة أربعمائة لازم منزله، وشرع فى التّصنيف، وأخذ عنه الناس، وسار إليه الطّلبة من الآفاق، وقدّر له ابن أبى «2» هاشم، فكتب عنه تصانيفه من غير أجرة.
وكاتبه العلماء والوزراء والفضلاء وأهل الأقدار، واختاروا عليه التصنيفات ففعل، وكان نادرة زمانه.
ولما دخل إلى العراق قصد من أكابرها الإعانة بجاههم على بلوغ أغراضه؛ من كف من تطرق أذاه إليه فى أمر وقفه، فلم يجد منهم ذلك.
أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد الأصبهانىّ، «3» أذننا إذنا عاما، قال فى كتابه:
أخبرنا أبو محمد عبد الله «4» بن الوليد بن غريب الإيادىّ، بالإسكندرية- وأبو محمد هذا، على ما حكاه لى ولد بالمعرّة، ودخل أصبهان وغيرها من بلاد الشرق، ثم استوطن مصر، وقد حج ورأى نفرا من أدباء بلده، وكان يحفظ من شعرهم يسيرا، من جملتهم أبو العلاء التّنوخىّ- سمعته يقول:
دخلت على أبى العلاء وأنا صبىّ مع عمى أبى طاهر، نزوره، فرأيته قاعدا على سجادة لبد، وهو شيخ، فدعا لى ومسح على رأسى، وكأنى أنظر إليه الساعة، وإلى عينيه: إحداهما نادرة»
، والأخرى غائرة جدا، وهو مجدّر الوجه، نحيف الجسم.(1/86)
وذكر لى أحد نقلة العلم مذاكرة: أن مشايخ الأدب باليمن يذكرون أنّ أبا العلاء كان يحفظ ما يمرّ بسمعه، وكان عنده من الطلبة من يطالع له التصانيف الأدبية، لغة وشعرا وغير ذلك، وكان لا يكاد ينسى شيئا مما يمرّ بسمعه.
ويذكرون أن رجلا منهم وقع إليه كتاب فى اللغة، سقط أوّله، وأعجبه جمعه وترتيبه، فكان يحمله معه ويحجّ، فإذا اجتمع بمن فيه أدب أراه إياه، وسأله عن اسمه، واسم مصنّفه، فلا يجد أحدا يخبره بأمره، واتفق أن وجد من يعلم حال أبى العلاء، فدلّه عليه. فخرج الرجل بالكتاب إلى الشام، ووصل إلى المعرّة، واجتمع بأبى العلاء، وعرّفه ما حاله، وأحضر الكتاب، وهو مقطوع الأوّل. فقال له أبو العلاء: اقرأ منه شيئا. فقرأه عليه. فقال له أبو العلاء: هذا الكتاب اسمه كذا، ومصنّفه فلان، ثم قرأ عليه من أوّل الكتاب إلى أن وصل إلى ما هو عند الرجل، فنقل عنه النقص، وأكمل عليه تصحيح النّسخة، وانفصل إلى اليمن، فأخبر الأدباء بذلك.
وقد قيل إن هذا الكتاب هو ديوان الأدب للفارابىّ «1» اللغوىّ، وهو مضبوط على أوزان الأفعال، ومصنّفه كان يسكن ما وراء النهر. ويقال: إنه خال الجوهرىّ، مصنف كتاب الصحاح. وقيل إن الجوهرىّ خاله، والأوّل أشبه. والله أعلم.
وقرأت على نسخة من هذا الكتاب وردت من ترمذ، «2» بخط خطيب ترمذ، أن الفارابىّ مصنفه مات فى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة «3» . وأهل اليمن يهمون «4» فيه،(1/87)
ويقولون: مات بعد سنة أربعمائة، ويزعمون أنه دخل اليمن. «1» وكأنهم خلطوا، وظنوا أن الذى دخل به من عند أبى العلاء هو المصنّف، وليس كذلك، وإنما هو المصحّح، ولم يحققوا أمره لغفلتهم.
ولأهل اليمن بهذا [الكتاب] عناية تامة: يقرءونه، وينسخونه ويتكلمون على فوائده، حتى شرحه منهم القاضى نشوان بن سعيد، «2» فجاء كتابه فى شرحه كبيرا حسنا، كثير الفوائد، وسماه إعلام العلوم وشفاء كلام العرب من الكلوم.
وشاهدت على ظهر جزء من ديوان الأعشى بخط ابن وداع، «3» وحواشيه بخط أبى عبد الله بن مقلة، فى شهور سنة تسع «4» وثمانين بقفط: أن صالح بن مرداس صاحب حلب، خرج إلى المعرّة وقد عصى عليه أهلها، فنزل عليها، وشرع فى قتالها، ورماها بالمجانيق «5» . فلما أحسّ أهلها التغلّب سعوا إلى أبى العلاء، وسألوه الخروج إليه والشفاعة فيهم عنده، فخرج متوكّئا على يد قائد له. وقيل لصالح: إن باب المدينة قد فتح، وخرج منها رجل يقاد كأنّه أعمى. فقال صالح: هو أبو العلاء! بطّلوا القتال، إلى أن نرى فى أى أمر جاء. فلما وصل إلى الخيمة أذن له، وأكرمه عند دخوله عليه، وعرّفه شوقه إلى نظره. ولما استقر بمجلسه قال له: ألك حاجة؟
فقال له أبو العلاء: الأمير- أطال الله بقاه- كالسيف القاطع، لان متنه(1/88)
وخشن حدّاه، وكالنهار الماتع، «1» قاظ وسطه وطاب أبرداه «2» . خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ
فقال صالح: قد وهبتها لك يا أبا العلاء. ثم قال له صالح: أنشدنا شيئا من شعرك يا أبا العلاء، لنرويه عنك. فأنشد ارتجالا فى المجلس: «3»
تغيّبت فى منزلى برهة ... ستير العيوب فقيد الحسد
فلمّا مضى العمر إلا الأقلّ ... وحمّ «4» لروحى فراق الجسد
بعثت شفيعا إلى صالح ... وذاك من القوم رأى فسد
فيسمع منّي سجع الحمام ... وأسمع منه زئير الأسد
فلا يعجبنّى هذا النّفاق «5» ... فكم نفّقت محنة ما كسد
فقال صالح: بل نحن الذين تسمع منا سجع الحمام، وأنت الذى نسمع منك زئير الأسد. ثم أمر بخيامه فوضعت، وبأثقاله فرفعت، ورحل عنها. فرجع أبو العلاء إلى المعرّة، وهو ينشد: «6»
نجّى المعرة من براثن «7» صالح ... ربّ يداوى كلّ داء معضل
ما كان لى فيها جناح بعوضة ... الله ألحفهم «8» جناح تفضّل
ولما صنف أبو العلاء كتاب اللامع العزيزى فى شرح شعر المتنبى، وقرئ عليه، أخذ الجماعة فى وصفه. فقال أبو العلاء: رحم الله المتنبىّ! كأنما نظر إلىّ بلحظ الغيب، حيث يقول: «9»(1/89)
كأنّما نظر الأعمى إلى أدبى ... وأسمعت كلماتى من به صمم
وسمع الجماعة يوما يذكرون بطّيخ حلب، فتكلّف وسيّر من ابتاع له منه حملا، وأحضرهم إيّاه، فأفردوا له منه عددا يسيرا، وتركوه فى سرداب له كان إذا أراد الأكل نزل إليه وأكل مستترا، ويقول: الأعمى عورة، والواجب استتاره فى كلّ أحواله.
ولما كان بعد أيام نزل خادمه إلى تفقّد المغارة؛ [و] «1» وجد البطّيخ بحاله لم يعرض له وقد فسد، فراجعه فى ذلك فلم يجبه. واستدل الجماعة بذلك على أنه ما كان يتفكّه. وربّما كان يتناول ما يقوم بالأود من أيسر الموجودات.
وذكر أنّه نزل إلى السّرداب، وأكل شيئا من ربّ أو دبس، «2» ونقط على صدره منه يسير وهو لا يشعر به. فلما جلس للإقراء لمحه بعض الطلبة فقال:
يا سيّدى، أكلت دبسا! فأسرع بيده إلى صدره ومسحه، وقال: نعم، لعن الله النّهم! فاستحسن منه سرعة فهمه بما على صدره، وأنه الذى أشعر به.
وكان الطّلبة إذا قصدوه أنفقوا على أنفسهم من موجودهم، ولم يكن له من السّعة ما يبرّهم به. وأهل اليسار من أهل المعرّة يعرفون بالبخل، فكان- رحمه الله- يتأوّه من ذلك، ويعتذر إلى قاصديه.
ولقد قصده من الطلبة رجل أعجمى يعرف بالكردانىّ، وكتب عنه فيما كتب ذكرى حبيب. فتقدم أبو العلاء إلى بعض نسبائه بما كتبه له على الكتاب المذكور وهو:
«قال أحمد بن عبد الله بن سليمان التّنوخىّ، من أهل معرة النعمان: قرأ علىّ هذا الجزء، وهو الجزء الثانى من الكتاب المعروف بذكرى حبيب الشيخ الفاضل(1/90)
أبو الحسن يحيى بن محمد الرازىّ، أدام الله عزّه، من أول الجزء إلى آخره، ووقع الاجتهاد منى فى تصحيح النسخة، وكان ابتداؤه بقراءته لسبع بقين من شعبان سنة ست وأربعين وأربعمائة، وفرغ من قراءته لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وأجزت له أن يرويه عنى على حسب ما قرأه. ويشهد الله أنى معتذر إلى هذا القارئ من تقصيرى فيما هو علىّ مفترض من حقوقه، والاعتراف بالمعجزة تمنع من اللائمة المنجّزة. وكتب جابر بن زيد بن عبد الواحد ابن عبد الله بن سليمان، بإذن أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرىّ، فى المحرم سنة ثمان وأربعين وأربعمائة» .
وأحضرنى بعض البغداذيين بالبلاد الشامية أوراقا تشتمل على ذكر تصانيف أبى العلاء، وتقادير أكثرها، فنقلتها على فصّها، وهى:
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) *
«أسماء الكتب التى صنّفها الشيخ أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان- رحمه الله.
قال الشيخ أبو العلاء رضى الله عنه: لزمت مسكنى منذ «1» سنة أربعمائة، [واجتهدت] «2» أن أتوفّر على تسبيح الله وتحميده، إلا أن أضطرّ إلى غير ذلك، فأمليت أشياء تولى نسخها الشيخ أبو الحسن على بن عبد الله بن أبى هاشم، أحسن الله معونته، ألزمنى بذلك حقوقا جمّة، وأيادى بيضاء؛ لأنه أفنى [معى] زمنه، ولم يأخذ عما صنع ثمنه، والله يحسن له الجزاء، ويكفيه حوادث الزمان والأرزاء.
وهى على ضروب مختلفة، فمنها ما هو فى الزهد والعظات، وتمجيد الله سبحانه، من المنظوم والمنثور. فمن ذلك: الكتاب المعروف بالفصول والغايات. وهو كتاب(1/91)
موضوع على حروف المعجم، ما خلا الألف؛ لأن فواصله مبنية على أن يكون ما قبل الحرف المعتمد فيها ألفا، ومن المحال أن يجمع بين ألفين، ولكن تجىء الهمزة وقبلها ألف، مثل: الغطاء وكساء؛ وكذلك السراب والشباب، فى الباء، ثم على هذا الترتيب.
ولم يعتمد فيه أن تكون الحروف التى بنى عليها مستوية الإعراب، بل تجىء مختلفة.
وفى الكتاب قواف تجىء على نسق واحد، وليست الملقّبة بالغايات؛ وإنما سميت بغاية البيت، وهى قافيته. ومجيئها على قرىّ «1» واحد؛ مثل أن يقال: لهامها وغلامها، وأمرا وتمرا، وما أشبهه. وفيه فنون كثيرة من هذا النوع. ومقدار هذا الكتاب مائة كراسة.
كتاب أنشئ فى غريب هذا الكتاب وما فيه من اللّغة، وهو كتاب مختصر لقبه السادن «2» . ومقدار عشرون كراسة.
وكتاب آخر لطيف مقصور على تفسير اللغز، لقبه إقليد الغايات. ومقداره عشر كراريس.
وكتاب يعرف بالأيك والغصون. وهو كتاب كبير يعرف بكتاب الهمز والرّدف، بنى على إحدى عشرة حالة من الحالات: الهمزة فى حال انفرادها وإضافتها، وتمثال ذلك: السماء، بالرفع، والسماء، بالنصب، والسماء، بالخفض، سماء، يتبع الهمزة التنوين، سماؤه، مرفوع مضاف، سماءه، منصوب مضاف، سمائه، مجرور مضاف، ثم سماؤها [وسماءها] «3» وسمائها، على التأنيث، ثم همزة بعدها [هاء] «4» ساكنة، مثل: عباءة وملاءة. فإذا ضربت أحد عشر فى حروف المعجم الثّمانية والعشرين(1/92)
خرج من ذلك [ثلاثمائة فصل وثمانية فصول] «1» . وهى مستوفاة فى كتاب الهمز والرّدف.
وذكرت فيه الأرادف الأربعة بعد ذكر الألف، وهى الواو المضموم ما قبلها، والواو التى قبلها فتحة، والياء المكسور ما قبلها، والياء التى قبلها فتحة. ويذكر لكلّ جنس «2» من هذا أحد عشر وجها، كما ذكر للألف «3» . ويكون مقدار هذا الكتاب ألفا ومائتى كراسة.
والكتاب المعروف بالفصول «4» . ومقدار هذا الكتاب أربعمائة كراسة.
والكتاب المعروف بتاج الحرة. وهو فى عظات النّساء خاصّة، وتختلف فصوله. ويكون مقدار هذا الكتاب أربعمائة كراسة.
وكتاب يعرف بسيف الخطب «5» المشتمل على الخطب الست. وفيه: خطب الجمع، والعيدين، والخسوف، والكسوف، والاستسقاء، وعقد النكاح. وهى مؤلفة على حروف من حروف المعجم، وفيها خطب عمادها الهمزة، وخطب بنيت على الباء، وخطب على التاء، والدال، وعلى الزاى، وعلى اللام، والميم، والنون، وتركت «6» الجيم والحاء وما جرى مجراهما؛ لأن الكلام المقول فى الجماعات ينبغى أن يكون سجيحا «7» سهلا. مقداره أربعون كراسة.
وكتاب تسميته: خطب الخيل. يتكلم [فيه] على ألسنتها. مقداره عشر كراريس.(1/93)
وكتاب يعرف بخطبة الفصيح. يتكلم فيه على أبواب الفصيح. مقداره خمس عشرة كراسة.
وكتاب يشرح فيه ما جاء فى هذا الكتاب من الغريب، يعرف بتفسير خطبة الفصيح.
وكتاب يعرف برسيل الراموز «1» . مقداره ثلاثون كراسة.
وكتاب يعرف بلزوم ما لا يلزم. وهو فى المنظوم، بنى على حرف المعجم، ويذكر كل حرف سوى الألف بوجوهه الأربعة، وهى الضم، والفتح، والكسر، والوقف. ومعنى لزوم ما لا يلزم أن القافية يردّد فيها حرف لو غيّر لم يكن ذلك مخلّا بالنظم، كما قال كثيّر: «2»
خليلىّ هذا ربع عزّة فاعقلا ... قلوصيكما «3» ثم انزلا حيث حلّت
فلزم اللام قبل التاء، وذلك لا يلزمه. ولم يفعل كما فعل الشنفرى فى قصيدته على التاء، لأنه لم يلتزم قبلها حرفا واحدا، ولكنه خالف بين الحروف التى قبل الروىّ، فقال: «4»
أرى أمّ عمرو أزمعت فاستقلّت «5» ... وما ودّعت جيرانها يوم ولّت
وقال فيها:
بريحانة من نبت حلية «6» نوّرت ... لها أرج من حوله غير مسنت «7»(1/94)
وقال فيها:
لها وفضة فيها ثلاثون سيحفا ... إذا آنست أولى العدىّ اقشعرّت «1»
مقدار هذا الكتاب أربعة أجزاء، مائة وعشرون كراسة.
وكتاب فيما يتعلق بهذا الكتاب اسمه زجر النابح «2» . مقداره أربعون كراسة.
وكتاب يتعلق به أيضا، تسميته نجر الزجر «3» . مقداره كذا «4» .
وكتاب يعرف براحة اللزوم. يشرح فيه ما فى كتاب لزوم ما لا يلزم من الغريب. «5» مقداره مائة كراسة.
كتاب لطيف يعرف بملقى السبيل. مقداره أربع كراريس.
وكتاب آخر يعرف بخماسيّة الراح فى ذم الخمر خاصة. ومعنى هذا الوسم أنه بنى على حروف المعجم، فذكر لكلّ حرف يمكن حركته خمس سجعات مضمومات، وخمسا مفتوحات، وخمسا مكسورات، وخمسا موقوفات. يكون مقداره عشر كراريس.
وكتاب لطيف يعرف بمواعظ الستّ «6» . ومعنى هذا اللقب أن الفصل الأول منه فى خطاب رجل، والثانى فى خطاب اثنين، والثالث فى خطاب جماعة،(1/95)
والرابع فى خطاب امرأة، والخامس فى خطاب امرأتين، والسّادس فى خطاب نسوة. مقداره خمس عشرة كراسة.
كتاب يعرف بتظلّم السّور «1» . مقداره ست كراريس.
وكتاب يعرف بالجلّىّ والحلّىّ. عمل لرجل من أهل حلب يعرف بأبى الفتح ابن الجلّىّ «2» . مقداره عشرون كراسة.
كتاب يعرف بسجع الحمائم. مقداره ثلاثون كراسة.
كتاب يعرف بجامع الأوزان الخمسة التى ذكرها الخليل بجميع ضروبها، ويذكر فيه قوافى كلّ ضرب. مثال ذلك أن يقال: للضرب الأول من الطويل أربع قواف: المطلقة المجردة، مثل قول القائل: «3»
ألا يا اسلمى يا هند هند بنى بدر ... وإن كان حيّانا عدى آخر الدّهر
والقافية المردفة، مثل قول امرئ القيس: «4»
ألا انعم صباحا أيّها الطّلل البالى
والمقيّدة المجرّدة، وذلك مفقود فى الشعر القديم والمحدث، وإنما جاء به المحدثون على النحو الذى يسمى مقصورا، كما قال ابن عبد القدّوس، «5» وهو فى السجن:(1/96)
إلى الله أشكو إنه موضع الشّكوى ... وفى يده كشف المصيبة والبلوى
خرجنا من الدّنيا ونحن من اهلها ... فما نحن بالأحياء فيها ولا الموتى
إذا ما أتانا زائر متفقّد ... فرحنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
ويعجبنا الرّؤيا فجلّ حديثنا ... إذا نحن أصبحنا- الحديث عن الرؤيا
فإن حسنت لم تأت عجلى وأبطأت ... وإن قبحت لم تحتبس وأتت عجلى
ثم [القافية المقيدة المؤسسة، مثل أن] «1» يكون العادل والقائل، وذلك مرفوض متروك. [ثم] على هذا النحو إلى آخر الكتاب. ومقدار هذا الكتاب ستون كراسة.
وتكون عدد أبيات الشعر المنظومة نحوا من تسعة آلاف بيت.
كتاب لطيف يشتمل على شىء نظم قديما فى أول العمر يعرف بسقط الزّند.
مقداره خمس عشرة كراسة، تزيد الأبيات المنظومة فيه عن ثلاثة آلاف بيت.
وكتاب فيه تفسير ما جاء فى هذا النظم [من] الغريب، يعرف بضوء السّقط.
مقداره عشرون كراسة «2» .
وكتاب يعرف برسالة الصّاهل «3» والشّاحج. يتكلم فيه عن لسان فرس وبغل.
مقداره أربعون كراسة.
وكتاب لطيف فى تفسير المقدّم ذكره بالصاهل والشّاحج يعرف بلسان الصاهل والشاحج. وكان الذى عمل له الكتاب يدعى عزيز الدولة «4» .(1/97)
وكتاب يعرف بالقائف على معنى كليلة ودمنة؛ ألّفت منه أربعة أجزاء، ثم انقطع تأليفه بموت من «1» أمر بعمله، وهو عزيز الدولة المقدّم ذكره. ومقدار هذا الكتات ستّون كراسة.
وكتاب يعرف بمنار القائف فى تفسير ما جاء فيه من اللّغز والغريب.
مقداره عشر كراريس.
كتاب يعرف بالسّجع السّلطانى. يشتمل على مخاطبات الجنود والوزراء وغيرهم من الولاة. ومقداره ثمانون كراسة.
كتاب يعرف بسجع الفقية. ومقداره ثلاثون كراسة.
كتاب يعرف بسجع المضطرّين. وهو كتاب لطيف عمل لرجل تاجر يستعين به على شؤون دنياه.
كتاب يعرف برسائل المعونة.
كتاب يعرف بذكرى حبيب. تفسير شعر أبى تمام «2» حبيب بن أوس الطائىّ. مقداره ستون كراسة.
كتاب يتصل بشعر البحترىّ يعرف بعبث الوليد. وكان سبب إنشائه أن بعض الرؤساء «3» أنفذ نسخة ليقابل له بها، فأثبت ما جرى من الغلط ليعرض ذلك عليه. مقداره عشرون كراسة.(1/98)
كتاب يعرف بالرياشىّ المصطنعىّ «1» . فى شرح مواضع من الحماسة الرياشية.
عمل لرجل يلقب بمصطنع «2» الدولة. مقداره أربعون كراسة.
كتاب يعرف بتعليق الخلس. مما يتصل بكتاب أبى القاسم الزجّاجىّ عبد الرحمن بن إسحاق، المعروف بالجمل.
كتاب يتعلق بهذا الكتاب أيضا يعرف بإسعاف الصديق.
كتاب يتصل بالكتاب المعروف بالكافى الذى ألفه أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس، ولقبه قاضى الحق.
كتاب يعرف بالحقير النافع فى النحو. مقداره حمس كراريس.
كتاب يتصل به يعرف بالظّل الطّاهرىّ. عمل لرجل يكنى أبا طاهر «3» ، من أهل حلب.
كتاب يتصل بكتاب محمد بن سعدان «4» ، لقبه المختصر الفتحىّ «5» . عمل لولد كاتبه أبى الفتح محمد بن على بن أبى هاشم.(1/99)
كتاب «1» يعرف بالّلامع العزيزىّ فى شرح غريب شعر أبى الطيّب أحمد بن الحسين المتنبىّ. عمل للأمير عزيز الدولة أبى الدوام ثابت «2» [بن] «3» الأمير تاج الأمراء معزّ الدولة أبى العلوان ثمال بن نصر بن صالح بن مرداس. مقداره مائة وعشرون كراسة.
كتاب فى العظة والزهد والاستغفار، يعرف بكتاب استغفر واستغفرى منظوم. مقداره مائة وعشرون كراسة، يشتمل على نحو من عشرة آلاف بيت.
كتاب ديوان الرسائل، وهو ثلاثة أقسام: الأول رسائل طوال تجرى مجرى الكتب المصنّفة، مثل رسالة الملائكة، والرسالة السّندية، «4» ورسالة الغفران، ورسالة الغرض «5» ، ونحو ذلك. والثانى دون هذه فى الطول مثل رسالة المنيح «6» ورسالة الإغريض «7» . والثالث رسائل قصار، كنحو ما تجرى به العادة فى المكاتبة. ومقداره ثمانمائة كراسة.
كتاب يعرف بخادم الرسائل. فيه تفسير بعض ما جاء فيها من الغريب.
دعاء يعرف بدعاء ساعة.
دعاء الأيام السبعة.(1/100)
رسالة على لسان ملك الموت.
كتاب جمع فيه بعض فضائل علىّ عليه السلام.
رسالة تعرف بأدب العصفورين.
كتاب لطيف يعرف بالسجعات العشر، موضوع على كل حرف من حروف المعجم عشر سجعات فى الوعظ.
كتاب يعرف بعون الجمل فى شرح شئ من كتاب الجمل. شرحه لمحمد ابن على بن أبى هاشم، وهو آخر شىء أملاه.
كتاب يعرف بشرف السيف. عمل لأمير الجيوش «1» . مقداره عشرون كراسة.
كتاب يشرح فيه كتاب سيبويه، غير كامل. مقداره خمسون كراسة.
ومن الأمالى التى لم تتمّ، ولم يفرد لها اسم ما مقداره مائة كراسة.
فذلك الجميع خمسة وخمسون مصنّفا. العدد بتقريب، سوى ما لم يذكره.
«أربعة آلاف ومائة وعشرون كراسة» .
قلت: وأكثر كتب أبى العلاء هذه عدمت، وإنما يوجد منها ما خرج عن المعترة قبل هجم «2» الكفار عليها، وقتل من قتل من أهلها، ونهب ما وجد لهم.
فأما الكتب الكبار التى لم تخرج عن المعترة فعدمت، وإن وجد شىء منها فإنّما يوجد البعض من كل كتاب.
فمن ذلك كتاب الأيك والغصون. ولم أجد أحدا يقول رأيته، ولا رأيت شيئا منه، إلى أن نظرت فى فهرست وقف نظام الملك الحسن بن إسحاق الطّوسىّ، الذى وقفه ببغداذ، فرأيت فيه من كتاب الأيك والغصون ثلاثة وستّين مجلدا.(1/101)
وأما إسعاف الصديق وقاضى الحق فإننى رأيت أجزاء من الإسعاف من تجزئة ما؛ أرانيها أحد بنى حرب الحلبيّين، ومن قاضى الحق من تجزئة سبعة مجلدات، أرانيها المذكور. ثم سألت عنها بعد مدة، فذكر أنها أحرقت فى مقام إبراهيم عند ما احترق، فذهبت، ولم أر بعدها من الكتابين سواهما.
فأما الذى رأيته أنا من كتبه فهو ما أنا ذاكره:
لزوم ما لا يلزم. وزجر النابح. وملقى السبيل. وخماسيه الراح فى ذم الراح، هو الذى ذكره ابن الخطيب [أبى] هاشم، وهو خماسية الراح.
كتاب جامع الأوزان. سقط الزّند. الصاهل والشاحج. لسان الصاهل والشاحج، ذاكرنى به ولد أبى هاشم خطيب حلب، وذكر أنه عنده.
كتاب القائف. كتاب السجع السلطانى. كتاب سجع الفقيه.
ذكرى حبيب. عبث الوليد. الرياشىّ «1» المصطنعىّ. إسعاف الصّديق. قاضى الحق. الحقير النّافع. الظل الطّاهرىّ. اللّامع العزيزىّ. استغفر واستغفرى. كتاب فى الرسائل يعرف بالسجع السلطانى «2» . رسالة الغفران. رسالة التعزية إلى بعض الحلبيّين فى ولد له مات. الرسالة السّندية. رسالة الملائكة. رسالة المنيح. رسالة الإغريض. كتاب السادن. كتاب الإقليد.
*** ورأيت فى أوراق منقولة عن المعرّيين أنه مات- سامحه الله- فى يوم الجمعة لليلتين خلتا من شهر ربيع الأوّل من سنة تسع وأربعين وأربعمائة.(1/102)
كتب إلىّ أبو الضياء شهاب بن محمد بن منصور المروزىّ الشّيبانىّ رحمه الله، من خراسان: أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزىّ، رحمه الله، فى كتابه بقراءة أبى النصر الفامىّ عليه ونحن نسمع، أنشدنا أحمد بن المبارك بن عبد العزيز الأرجىّ من لفظه إملاء، أنشدنى أبو زكريا يحيى بن على الخطيب الشيبانىّ، أنشدنى أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرىّ لنفسه، بمعرة النعمان؛ من شعره «1» :
منك الصّدود ومنّى بالصّدود رضا ... من ذا علىّ بهذا فى هواك قضى
بى منك ما لو غدا بالشّمس ما طلعت ... من الكآبة أو بالبرق ما ومضا
جرّبت دهرى وأهليه فما تركت ... لى التجارب فى ود امرئ غرضا
وقد غرضت «2» من الدنيا فهل زمنى ... معطى حياتى لغرّ بعد ما غرضا
إذا الفتى ذمّ عيشا فى شبيبته ... فما يقول إذا عصر الشباب مضى
وقد تعوّضت عن كلّ بمشبهه ... فما وجدت لأيام الصّبا عوضا
أنبأنا الشيبانىّ قال: أخبرنى المروزىّ، أنشدنى أبو عثمان المبارك بن أحمد ابن عبد العزيز الأنصارىّ إملاء من حفظه، أنشدنا أبو زكريا يحيى بن على الشيبانىّ التّبريزىّ، أنشدنا أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرّى لنفسه «3» :
وصفراء لون التبر «4» مثلى جليدة ... على نوب الأيام والعيشة الضّنك
تريك ابتساما دائما وتجلّدا ... وصبرا على ما نابها وهى فى الهلك
ولو نطقت يوما لقالت أظنّكم ... تخالون أنى من حذار الرّدى أبكى
فلا تحسبوا دمعى «5» لوجد وجدته ... فقد تدمع الأحداق من كثرة الضّحك(1/103)
شاهدت على نسخة من كتاب إصلاح المنطق، يقرب أن يكون بخط المعرّيين، أن الخطيب أبا زكريا يحيى بن على بن الخطيب التّبريزىّ قرأه على أبى العلاء، وطالبه بسنده متصلا، فقال له: إن أردت الدّراية «1» فخذ عنى ولا تتعدّ، وإن قصدت الرّواية فعليك بما عند غيرى.
وهذا القول من أبى العلاء يشعر أنه قد وجد من نفسه قوة على تصحيح اللّغة، كما وجدها ابن السّكيت مصنّف الإصلاح، وربما أحسّ من نفسه أوفر من ذلك، لأن ابن السّكيت لم يصادف اللغة منقّحة مؤلّفة، قد تداولها العلماء قبله، وصنّفوا فيها وأكثروا، كما وجدها أبو العلاء فى زمانه.
وقد روى أبو العلاء، ولم يكن مكثرا، وذلك أننى شاهدت بخط ابن كهبار الفارسىّ، صاحب الخطيب أبى زكريا التبريزىّ، والآخذ عنه- وكان ذكيا فاضلا محققا لما ينقله، حاكيا عن صاحبه فى تصنيفه لتهذيب غريب الحديث لأبى عبيد:
قال الخطيب التّبريزىّ: وكنت قرأت هذا الكتاب، سنة خمس وأربعين وأربعمائة، على أبى العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخىّ المعرىّ، قال: قرأ علينا سنة خمس وثمانين وثلاثمائة كتاب غريب الحديث القاضى أبو عمرو عثمان ابن عبد الله الكرجىّ، وذكر أنه سمعه من أبى عمير عدىّ بن عبد الباقى، وسمعه أبو عمير من علىّ بن عبد العزيز صاحب أبى عبيد.
كنت «2» فى سن الصبا- وذلك فى حدود سنة خمس وثمانين وخمسمائة- أقدح فى اعتقاد أبى العلاء؛ لما أراه من ظواهر شعره، وما ينشد له فى محافل(1/104)
الطلب، فرأيت ليلة فى النوم، كأننى قد حصلت فى مسجد كبير، فى شرقيّه صفّة «1» كبيرة، وفى الصّفة سلّ الحصر مفروش من غير نسج، وعليه رجل مكفوف سمين متوسّط البياض، ورأسه مائل إلى جهة كتفه الأيسر، وهو مستقبل القبلة فى جلسته، وإلى جانبه طفل، وكأننى فهمت أنّه قائده، وكأنّنى واقف أسفل الصّفة، ومعى ناس قليل، ونحن ننظر إليه، وهو يتكلّم بكلام لم أفهم منه شيئا.
ثم قال فى أثناء كلامه مخاطبا لى: ما الذى يحملك على الوقيعة فى دينى؟ وما يدريك لعل الله غفر لى؟! فخجلت من قوله، وسألت عنه من إلى جانبى، فقال لى أحدهم: هذا أبو العلاء المعرّىّ. فابتسمت متعجّبا للرؤيا، واستغفرت الله لى وله، ولم أعد إلى الكلام فى حقّه إلا بخير.
ومرت على ذلك سنون، فلما كان فى سنة خمس وستمائة، أرسلنى من كنت فى صحبته بحلب، إلى القوم المقيمين فى جبل بهراء «2» فى حصونهم، لإصلاح ما بينهم وبين أمير من أمراء الدولة، يعرف بأحمد بن على بن أحمد، وكان قد خشى عاديتهم، فلمّا عدت اجتزت بالمعرّة، فدخلت للصلاة فى جامعها. وعند ما شاهدته رأيته قريبا مما رأيته فى المنام، فأذكرنى من ذلك ما أنسيته على طول المدة، ونظرت فإذا الصّفّة إلى جانبه الشرقىّ، وهى قريب مما رأيته، وإذا فيها رجل عليه هيئة الرّهبان؛ وبيده قشّ يفتله، فقصدته وسألته عما يفعله، فقال: إن هذا الجامع إذا احتاج إلى حصر حصّل له النوّاب هذا البردىّ، وعلى رهبان الدّير الذين أنا منهم عمل ذلك، وقد آلت النوبة إلىّ، فحضرت لذلك. فعجبت من أمر الرؤيا، وقربها مما رأيته من الصحة بعد حين.(1/105)
وسألته عن قبر أبى العلاء، فقال: لا أعرفه، ولم أعلم حال المقبره ومن بها. وبينما أنا معه فى الحديث إذ حضر رجل من أهل المعرّة يعرف بساطع، كنت أعرفه بحلب قبل ذاك، فسألته عن قبر أبى العلاء، فقصدت إليه، وإذا هو فى ساحة من دور أهله، وعلى الساحة باب، فدخلنا إليه، فإذا القبر لا احتفال لأهله به، ورأيت على القبر خبّازى قد طلعت «1» وجفّت، والموضع على غاية ما يكون من الشّعث والإهمال، فزرته وقرأت عنده، وترحمت عليه، واعتذرت إليه مما تقدم- رحمه الله.
وذكر أنه قرئ بحضرته يوما أن الوليد لما تقدّم بعمارة جامع دمشق، أمر المتولين بعمارته ألّا يصنعوا حائطا إلا على جبل، فامتثلوا، وتعسّر عليهم وجود جبل لحائط جهة جيرون، وأطالوا الحفر امتثالا لمرسومه، فوجدوا رأس حائط مكين العمل، كثير الأحجار، يدخل فى عملهم، فأعلموا الوليد أمره، وقالوا: نجعل رأسه أسّا، فقال: اتركوه واحفروا قدامه، لتنظروا أسه وضع على حجر أم لا. ففعلوا ذلك، فوجدوا فى الحائط بابا عليه حجر مكتوب بقلم مجهول، فأزالوا عنه التراب بالغسل «2» ، ونزّلوا فى حفره «3» لونا من الأصباغ، فتميّزت حروفه، وطلبوا من يقرؤها، فلم يجدوا ذلك، وتطلّب الوليد المترجمين من الآفاق، حتى حضر منهم رجل يعرف بقلم اليونانية الأولى، المسمّى ليطين، فقرأ الكتابة الموجودة فكانت: «باسم الموجد الأوّل أستعين.
لمّا أن كان العالم محدثا، لاتّصال أمارات الحدوث «4» به، وجب أن يكون له محدث، لا كهؤلاء كما قال ذو السّنّين وذو اللّحيين وأشياعهما، [فوجبت عبادة خالق المخلوقات «5» ] .(1/106)
حينئذ أمر بعمارة هذا الهيكل، من صلب ماله، محبّ «1» الخيل، على مضىّ ثلاثة آلاف وسبعمائة عام لأهل الأسطوان «2» . فإن رأى الداخل إليه ذكر بانيه عند باريه بخير، فعل، والسلام» .
فأطرق أبو العلاء عند سماع ذلك، وأخذ الجماعة فى التعجّب من أمر هذا الهيكل، وأمر الأسطوان المؤرّخ به، وفى أىّ زمان كان. فلمّا فرغوا من ذلك رفع أبو العلاء رأسه، وأنشد فى صورة متعجّب: «3»
سيسأل قوم ما الحجيج ومكّة ... كما قال قوم ماجد يس وما طسم «4»
وأمر بسطر الحكاية، فسطرت على ظهر جزء من استغفر واستغفرى بخط ابن أبى هاشم كاتبه. وأكثر من نقل الكتاب نقل الحكاية على مثل [ما على] الجزء الذى هى مسطورة عليه.
وذكره الباخرزىّ «5» فى كتابه، وسجع له فقال:»
«أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعرىّ التنوخىّ، ضرير، ماله فى الأدب ضريب، ومكفوف، فى قميص الفضل ملفوف، ومحجوب، خصمه الألدّ محجوج. قد طال فى ظلال الإسلام آناؤه،(1/107)
ولكن ربما رشح «1» بالإلحاد إناؤه، وعندنا خبر بصره، والله العالم ببصيرته، والمطّلع على سريرته. وإنما تحدّثت الألسن بإساءته، لكتابه الذى- زعموا- عارض به القرآن، وعنونه بالفصول والغايات، [و] «2» محاذاة السور والآيات، وأظهر من نفسه تلك الجناية، وجذّ تلك الهوسات كما يجذّ البعير الصّلّيانة «3» ، حتى قال فيه القاضى أبو جعفر محمد بن إسحاق البحّاثىّ الزّوزنىّ «4» قصيدة أولها:
كلب عوى بمعرّة النعمان ... لما خلا عن ربقة الإيمان
أمعرة النعمان ما أنجبت إذ ... أخرجت منك معرّة العميان
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ «5» فى إجازته العامة: سمعت أبا الحسن علىّ ابن بركات بن منصور التاجر الرّحبىّ، بالذّنبة، «6» من مضافات دمشق يقول:
سمعت أبا عمران يقول: عرض على أبى العلاء التّنوخىّ الكفيف كفّ من اللّوبيا، فأخذ منها واحدة ولمسها بيده، وقال: ما أدرى ما هى، إلا أنى أشبّهها بالكلية. فتعجّبوا من فطنته وإصابة حدسه.
قال محمد بن طاهر المقدسىّ: سمعت الرئيس أحمد بن عبدوس الوفراوندىّ بها يقول: سألت شيخ الاسلام أبا الحسن على بن أحمد بن يوسف الهكّارىّ، «7» عن أبى العلاء بن سليمان التّنوخىّ المعرّىّ- وكان رآه- فقال: رجل من المسلمين.(1/108)
ولما وصلت إلى هذا الموضع من خبره، وسقت ما سقته من أثره، قال لى بعض من نظر: لو سقت شيئا مما نسب إليه من أقواله التى كفّر بها، لكنت قد أتيت بأحواله كاملة، فإنّ النفس إذا مرّ بها من الأقوال ما مرّ، اشتهت أن تقف على فحواه. فأجبته إلى ملتمسه، وذكرت ما ساقه غرس النعمة محمد بن الرئيس هلا «1» ابن المحسن بن إبراهيم، فى كتابه «2» ، فإنه قال:
«وفى يوم الجمعة الثالث عشر من شهر ربيع الأول- يعنى من سنة تسع وأربع وأربعمائه- توفّى بمعرّة النعمان من الشام أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليم التّنوخىّ المعرىّ الشاعر، الأديب الضرير. وكان له شعر كثير، وفيه أدب غزير ويرمى بالإلحاد، وأشعاره دالة على ما نزل به من ذلك. ولم يك يأكل لحوم الحيوان ولا البيض، ولا اللبن، ويقتصر على ما تنبت الأرض، ويحرّم إيلام الحيوان ويظهر الصوم زمانه جميعه. ومولده فى يوم الجمعة لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة.
ونحن نذكر طرفا مما بلغنا من شعره، ليعلم صحّة ما يحكى عنه من إلحاده فمن ذلك «3» :
صرف الزمان مفرّق الإلفين ... فاحكم إلهى بين ذاك وبينى
أنهيت عن قتل النفوس تعمّدا ... وبعثت أنت لقبضها ملكين
وزعمت أنّ لها معادا ثانيا ... ما كان أغناها عن الحالين(1/109)
ومنه «1» :
يد بخمس مىء من عسجد فديت ... ما بالها قطعت فى ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السّكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار
ومنه «2» :
قران المشترى زحلا «3» يرجّى ... لإيقاظ النّواظر من كراها
وهيهات! البريّة فى ضلال ... وقد فطن اللّبيب لما اعتراها
تقضّى الناس جيلا بعد جيل ... وخلّفت النّجوم كما تراها
تقدّم صاحب التوراة موسى ... وأوقع بالخسار من اقتراها «4»
فقال رجاله وحى أتاه ... وقال الآخرون بل افتراها
وما حجّى إلى أحجار بيت ... كؤوس الخمر تشرب فى ذراها
إذا رجع الحكيم «5» إلى حجاه ... تهاون بالمذاهب وازدراها
ومنه «6» :
عقول تستخفّ بها سطور «7» ... ولا يدرى الفتى لمن الثّبور
كتاب محمد وكتاب موسى ... وإنجيل ابن مريم والزّبور
ومنه «8» :
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ... وترزق مجنونا وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على امرئ ... يرى منك ما لا يشتهى فتزندقا(1/110)
ومنه «1» :
ضحكنا وكان الضّحك منّا سفاهة ... وحقّ لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطّمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك
ومنه «2» :
خبر المقابر فى القبور ومن لهم ... بمبشّر يأتى بصدق المحشر
هيهات يرجى ميّت فى قبره ... لو صحّ ذاك لكان عين المتجر
خسرت تجارتهم فهل من ميّت ... يرجو التجارة من ضريح الحفر
ومنه «3» :
فى كل أمرك تقليد تدين به ... حتى مقالك ربّى واحد أحد
وقد أمرنا بفكر فى بدائعه ... فإن تفكّر فيه معشر لحدوا
ومنه «4» :
لولا التنافس فى الدنيا لما وضعت ... كتب التناظر لا المغنى ولا العمد «5»
ومنه «6» :
أستغفر الله فى أمنى وأوجالى ... من غفلتى وتوالى سوء أفعالى
قالوا هرمت ولم تطرق تهامة فى ... مشاة وفد ولا ركبان أجمال
فقلت إنى ضرير والذين لهم ... رأى أروا غير فرض حجّ أمثالى
ما حجّ جدى ولم يحجج أبى وأخى ... ولا ابن عمى ولم يعرف منى خالى(1/111)
وحجّ عنهم قضاء بعد ما ارتحلوا ... قوم سيقضون عنّى بعد ترحالى
فإن يفوزوا بغفران أفز معهم ... أولا فإنى بنار مثلهم صالى
ولا أروم نعيما لا يكون لهم ... فيه نصيب وهم رهطى وأشكالى
فهل أسرّ إذا حمّت محاسبتى ... أو يقتضى الحكم تعناتى وتسآلى
من لى برضوان أدعوه أرخّمه «1» ... ولا أنادى مع الكفار يا مال «2»
يقول فى آخرها:
سأعبد الله لا أرجو مثوبته ... لكن تعبّد إعظام وإجلال
ومنه «3» :
هفت الحنيفة والنّصارى ما اهتدت ... ويهود حارت والمجوس مضلّله
اثنان أهل الأرض: ذو عقل بلا ... دين وآخر ديّن لا عقل له
ومنه «4» :
كأنّ منجّم الأقوام أعمى ... لديه الصحف يقرؤها بلمس
لقد طال العناء فكم نعانى ... سطورا عاد كاتبها بطمس
أتى عيسى فعطّل دين موسى ... وجاء محمد بصلاة خمس
وقيل يجىء دين بعد هذا ... وأودى الناس بين غد وأمس
ومن لى أن يعود الدين غضّا ... فينقع من تنسّك بعد خمس «5»(1/112)
ومهما كان من دنياك أمر ... فما يخليك من قمر وشمس
لحاها الله دارا لا تدارى ... بمثل المين فى لجج وقمس «1»
وأوّلها بآخرها شبيه «2» ... ونصبح فى عجائبها ونمسى
قدوم أصاغر ورحيل شيب ... وهجرة منزل وحلول رمس
إذا قلت المحال رفعت صوتى ... وإن قلت اليقين أطلت همسى
ومنه «3» :
ما بال ذا الحيوان يؤكل لحمه ... ويقدّ جلدته ويهشم عظمه
إن كان ذا أكل فأكلك أكله ... أو كان ذا شرب فشربك شربه
قل للمريق نجيعه من نحره ... ما شأنه ما ذنبه ما جرمه
الله يقتصّ الجرائم كلّها ... ويعيدها فى نحر من ذا دأبه
ومنه «4» :
قلتم لنا خالق قديم ... صدقتم هكذا نقول «5»
زعمتموه بلا زمان ... ولا مكان ألا فقولوا
هذا كلام له خبىء ... معناه ليست لكم «6» عقول
ومنه «7» :
دين وكفر وأنباء تقال «8» وفر ... قان ينصّ وتوراة وإنجيل
فى كل جيل أباطيل يدان بها ... فهل تفرّد يوما بالهدى جيل(1/113)
ومنه «1» :
شهدت بأن الكلب ليس بنابح ... يقينا وأن الّليث فى الغاب ما زأر
وأنّ قريشا ليس منها خليفة ... وأن أبا بكر شكا الحيف من عمر
وأنّ عليا لم يصلّ بصحبه ... وما هو والله العظيم من البشر
ومنه «2» - وقد قيل إن هذا من الإلغاز:
الحمد لله [قد] أصبحت فى لجج ... مكابدا من هموم الدّهر قاموسا «3»
قالت معاشر لم يبعث إلهكم «4» ... إلى البريّة لا عيسى ولا موسى
وإنّما جعلوا الرحمن مأكلة ... وصيّروا دينهم للملك ناموسا «5»
ولو قدرت لعاقبت الّذين طغوا ... حتى يعود حليف الغىّ مغموسا «6»
ومنه «7» :
فلا تحسب مقال الرّسل حقّا ... ولكن قول زور سطّروه
وكان الناس فى عيش رغيد ... فجاءوا بالمحال فكدّروه
ومنه «8» :
والنفس أرضية «9» فى رأى طائفة ... وعند قوم ترقّى فى السموات
تمضى على هيئة الشخص الذى سكنت ... فيه إلى دار نعم «10» أو شقاوات(1/114)
وكونها فى ضريح الجسم أحوجها «1» ... إلى ملابس عنّتها «2» وأقوات
وإنما حمّل التوراة قارئها ... كسب الفوائد لا حبّ التّلاوات
إن الشرائع ألقت بيننا إحنا ... وأورثتنا أفانين العداوات
وهل أبيحت نساء الروم «3» عن عرض ... للعرب إلا بأحكام النّبوّات
ومنه «4» :
لعمرى لقد طال هذا السّفر ... على وأصبحت أحدو النّفر «5»
أأخرج من تحت هذى السماء ... فكيف الإباق وأين المفر
لحى الله قوما إذا جئتهم ... بصدق الأحاديث قالوا: كفر
وإن غفرت موبقات الذنوب ... فكلّ مصائبهم تغتفر
هنيئا لجسمى إذا ما استقرّ ... وصار لعنصره «6» فى العفر «7»
وله كتاب سماه الفصول والغايات، عارض به السور والآيات، لم يقع إلينا منه شىء فنورده.
وحدثنى الوزير فخر الدولة أبو نصر بن «8» جهير. قال: حدثنى المنازىّ «9» الشاعر قال: اجتمعت بأبى العلاء المعرىّ بمعرّة النعمان، وقلت له: ما هذا الذى يروى عنك(1/115)
ويحكى؟ فقال: حسدنى قوم فكذبوا علىّ، وأساءوا إلىّ. فقلت له: على ماذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟ فقال: والآخرة أيها الشيخ! قلت:
إى والله. ثم قلت له: لم تمتنع من أكل اللحم، ولم تلوم من يأكله؟ فقال: رحمة للحيوان. قلت: لا! ولعمرى بل تقول إنه من شره «1» الناس! إنهم يجدون ما يأكلون، ويتجزّون «2» به عن اللّحمان ويتعوّضون. فما تقول فى السباع والجوارح التى خلقت لا غذاء لها غير اللّحوم من النّاس والبهائم والطير، ودمائها وعظامها؛ ولا طعام تعتاض به عنها ولا تتجزّى به، حتى لم يخلص [من] ذاك حشرات الأرض؟
فإن كان الخالق لها الذى نقوله نحن فما أنت بأرأف منه بخلقه، ولا أحكم منه فى تدبيره. وإن كانت الطبائع المحدثة لذاك- على مذهبك- فما أنت بأحذق منها، ولا أتقن صنعة، ولا أحكم عملا، حتى تعطّلها، ويكون رأيك وعملك وعقلك أوفى منها وأرجح، وأنت من إيجادها «3» ، غير محسوس عندها! فأمسك» .
قال غرس النعمة: «وأذكر عند ورود الخبر بموته، وقد تذاكرنا أمره، وإظهاره الإلحاد وكفره، ومعنا غلام يعرف بأبى غالب بن نبهان، من أهل الخير والسلامة، والفقه والديانة، فلما كان من غد يومنا حكى لنا- وقد مضى ذلك الحديث بسمعه عرضا- فقال: أريت البارحة فى منامى رجلا شيخا ضريرا، وعلى عاتقه أفعيان متدلّيتان إلى فخذيه، وكل منهما يرفع فمه إلى وجهه، فيقطع منه لحما يزدرده وهو يصيح ويستغيث، فقلت: من هذا؟ - وقد أفزعنى ما رأيت منه، وروّعنى ما شاهدته عليه- فقيل لى: هذا المعرىّ الملحد. فعجبنا من ذلك واستطرفناه بعقب ما تفاوضناه من أمره وتجاريناه» .(1/116)
قرأت بخط المفضّل بن مواهب بن أسد الفازرىّ الحلبىّ، المسمى بشاعر آل محمد، حدّثنى الشيخ أبو عبد الله الأصبهانىّ «1» ، قال: لما حضرت الشيخ أبا العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التّنوخىّ الوفاة أتاه القاضى الأجلّ أبو محمد عبد الله التنوخىّ «2» بقدح شراب، فامتنع من شرابه، فحلف القاضى أيمانا مؤكّدة لابدّ من أن يشرب ذلك القدح، وكان سكنجبينا، فقال أبو العلاء مجيبا له عن يمينه:
أعبد الله، خير من حياتى ... وطول ذمائها «3» موت مريح
تعلّلنى لتسقينى فذرنى ... لعلّى أستريح وتستريح
وكان مرضه ثلاثة أيام، ومات فى اليوم الرّابع، ولم يكن عنده غير بنى عمّه، فقال لهم فى اليوم الثالث: اكتبوا. فتناولوا الدّوىّ والأقلام، فأملى عليهم غير الصواب. فقال القاضى أبو محمد: أحسن الله عزاءكم فى الشيخ، فإنه ميّت.
فمات فى غداة غده.
وإنما أخذ القاضى هذه المعرفة من ابن بطلان «4» ، لأن ابن بطلان كان يدخل على أبى العلاء، ويعرف ذكاءه وفضله، فقيل له قبل موته بأيام قلائل: إنه أملى شيئا فغلط فيه. فقال ابن بطلان: مات أبو العلاء. فقيل:
وكيف عرفت ذلك؟ فقال: هذا رجل فطن ذكىّ، ولم تجر عادته بأن يستمرّ عليه سهو أو غلط، فلمّا أخبرتمونى بأنه غلط علمت أن عقله قد نقص، وفكره قد انفسد، وآلاته قد اضطربت، فحكمت عليه عند ذلك بالموت. والله أعلم.(1/117)
ومن شعره أيام مرضه، فى القاضى أبى محمد عبد الله التّنوخىّ: «1»
وقاض لا يزال الليل عندى ... وطول نهاره بين الخصوم «2»
يكون أبّر بى من فرخ نسر ... بوالده وألطف من رحيم
سأنشر شكره فى يوم حشر ... أجل، وعلى الصّراط المستقيم
هذه آخر أخبار أبى العلاء بن سليمان.
30- أحمد بن عبد الله بن أحمد بن طريف بن سعد [1]
من أهل قرطبة، يكنى أبا الوليد. روى عن القاضى سراج بن عبد الله بقرطبة وطبقته، وكان نحويّا فاضلا أديبا لغويا، وله تصنيف فى الأفعال. واختلف الناس فى ذلك القطر إليه، واستفادوا منه. وتوفى- رحمه الله- هناك يوم الجمعة.
ودفن يوم السبت بعد صلاة العصر بمقبرة سلمة سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. «3»
31- أحمد بن عبد الله المعبدىّ النحوىّ [2]
صاحب ثعلب، من ولد «4» معبد بن عباس بن عبد المطلب «5» وكان بارعا.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 14، والصلة لابن بشكوال 1: 79- 80.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 160، وتلخيص ابن مكتوم 14. وطبقات الزبيدىّ 111، والفهرست 79، ومعجم الأدباء 3: 105، وهو الذى ترجم له المؤلف ص 79 باسم «أحمد بن سليمان المعبدىّ» . قال ياقوت عند الكلام على ترجمته: «وقد تقدم ذكر آخر يقال له أحمد بن سليمان، لا أدرى: أهو هذا ونسب إلى جد له أعلى يقال له سليمان، أم هو غيره؟» . مات سنة 292؛ كما ذكره ياقوت والسيوطىّ.(1/118)
32- أحمد بن عبيد الله بن الحسن بن شقير أبو العلاء البغداذىّ النحوىّ [1]
روى عن أبى عمر الزاهد، وأبى بكر بن الأنبارى، وابن دريد، وأحمد بن فارس، وغيرهم من مشايخ الحديث.
33- أحمد بن عبيد بن ناصح بن بلنجر أبو جعفر النحوىّ [2]
مولى بنى هاشم، ويعرف بأبى عصيدة، وهو ديلمىّ الأصل. حدّث عن الواقدىّ والأصمعىّ والحسين بن علوان «1» وغيرهم، وأكثر من السماع من المشايخ.
كان نحويا متصدرا للإقراء بسرّ من رأى، وهو معدود فى نحاة الكوفة، وروى عنه أبو محمد «2» قاسم الأنبارىّ. ولما أراد المتوكل أن يأمر باتخاذ المؤدّبين لولديه:
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 144، وتلخيص ابن مكتوم 14 ومعجم الأدباء 3: 243.
[2] ترجمته فى الأنساب 90 ب، وبغية الوعاة 144، وتاريخ بغداد 4: 258- 268، وتقريب التهذيب 8، وخلاصة تذهيب الكمال 8، وتهذيب التهذيب 1: 16، وروضات الجنات 55، وسلم الوصول 99، وطبقات الزبيدىّ 143، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 224- 225، والفهرست 73، واللباب 1: 143، ومراتب النحويين 158، ومعجم الأدباء 3: 228- 232، وهو فيما سقط من تلخيص ابن مكتوم. وبلنجر، على وزن غضنفر، كما فى القاموس. وضبطه السمعانىّ بضم الجيم، وتابعه ابن الأثير فى اللباب. وكانت وفاته سنة 273؛ كما قاله ياقوت.(1/119)
المنتصر والمعتز جعل ذلك إلى إيتاخ، فأمر إيتاخ «1» كاتبه بتولى ذلك، فبعث إلى الأحمر «2» والطّوال «3» ، وابن قادم «4» ، وأحمد بن عبيد، وغيرهم من الأدباء، فأحضرهم مجلسه، فجاء أحمد بن عبيد فقعد فى آخر الناس، فقال له من قرب منه: لو ارتفعت. فقال:
حيث انتهى بى المجلس. فلما اجتمعوا قال لهم الكاتب: لو تذاكرتم وقفنا على موضعكم من العلم. فألقى لهم بيت ابن غلفاء «5» ، وهو:
ذرينى إنما خطئى وصوبى ... علىّ وإنّ ما أنفقت مال
وقال: ارتفع «مال» بماذا؟ فقيل: ارتفع «مال» بما؛ إذا كانت موضع الذّى، ثم سكتوا. فقال أحمد بن عبيد: هذا الإعراب، فما المعنى؟ فأحجم القوم. فقيل له: ما المعنى عندك؟ فقال: أراد ما لومك إياى؛ إنما أنفقت ما لا، ولم أنفق عرضا «6» ، والمال لا ألام عليه فى إنفاقه.
فجاء خادم من صدر المجلس، فأخذ بيده حتى تخطّى به إلى أعلى المجلس، وقال: ليس هذا موضعك، فقال: لأن أكون فى مجلس أرفع منه إلى أعلاه أحبّ(1/120)
إلىّ من أن أكون فى مجلس أرتفع منه إلى آخره، ثم أحطّ عنه. واختير وآخر معه، وهو ابن قادم. وله من الكتب المصنفة كتاب الزيادات فى معانى الشعر ليعقوب، وإصلاحه «1» . وكتاب المقصور والممدود، وكتاب المذكر والمؤنث «2» .
34- أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس أبو اليمن الأطرابلسىّ [1]
النحوىّ اللغوىّ الأديب. حدّث بصور فى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة.
ذكره أبو طاهر الصورىّ فى جملة الشيوخ الذين أدركهم بطرابلس قال:
أبو اليمن أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس. عاصر ابن خالويه، وكان يدرس العربية واللغة، ومات بطرابلس، وخلّف ولدا شخص إلى العراق وتقدم هناك.
35- أحمد بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بالهيثم أبو العباس النحوىّ المصرىّ [2]
كان من أهل الديار المصرية، وكان أديبا ومتصرفا فى علم الأدب والعربية؛ شاعرا حسنا، له يد فى الغزل، وكان فى عصر كافور الإخشيدىّ، وربما مرّ له فى هذا الكتاب ذكر. ومن شعره:
إذا ما نلت من دنياك حظا ... فأحسن للغنىّ وللفقير
ولا تمسك يديك على قليل ... فإنّ الله يأتى بالكثير
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 139. وهو فيما سقط من تلخيص ابن مكتوم. والأطرابلسى، بفتح الألف وسكون الطاء وضم الباء واللام: منسوب إلى أطرابلس، وهى مدينة مشهورة على ساحل الشام.
وقد تسقط منها الألف، كما ذكره ياقوت فى معجم البلدان. قال السيوطىّ إنه كان حيا سنة 413.
[2] لم أعثر له على ترجمة فى غير هذا الكتاب، وهو فيما سقط من تلخيص ابن مكتوم.(1/121)
36- أحمد بن عبد السيد بن على النحوىّ البغدادىّ أبو الفضل [1]
يعرف بابن الأشقر. كان ينزل بالقطيعة «1» من باب الأزج. أديب فاضل، له معرفة بالأدب والنحو واللغة والعربية. قرأ على أبى زكريا يحيى بن على الخطيب التبريزىّ، ولازمه حتى حصّل معرفة الأدب، وسمع شيئا من الحديث من شيوخ زمانه.
وكان من رآه يصفه بالفضل والمعرفة، وكان أبو محمد بن الخشّاب النحوىّ يقصد ابن الأشقر هذا ويذاكره، ويسأله عن أشياء، ويبحث معه. قرأ عليه جماعة وأخذوا عنه؛ منهم أبو العباس أحمد بن هبة الله، المعروف بابن الزاهد.
37- أحمد بن على بن محمد بن بطّة البغداذىّ الأديب [2]
قرأ الأدب بالعراق، وروى عن أبى بكر بن دريد، وقدم دمشق فى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، وروى بها عن أبى بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدىّ.
سمع منه أبو بكر أحمد بن محمد بن سرام الغسانىّ النحوىّ، وأبو علىّ الحسن بن على الصّقلّىّ النحوىّ. ولابن بطّه شعر، منه:
إذا كنت ترضى من أخ ذى مودّة ... إخاء بلا شىء فواخ المقابرا
فلا خيرها يرجى ولا الشرّ يتّقى ... ولا حاسدا منها تظل محاذرا
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 140، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 221- 222، ومعجم الأدباء 3: 219- 220، وهو فيما سقط من تلخيص ابن مكتوم.
[2] ترجمته فى تاج العروس 5: 109، وتهذيب ابن عساكرا 1: 409، وهو فيما سقط من تلخيص بن كلتوم. وبطة، بفتح الباء، كما ضبطه صاحب تاج العروس.(1/122)
ومن شعره:
لا تصنعنّ إلى اللئام صنيعة ... فيضيع ما تأتى من الإحسان
وضع الصنائع فى الكرام فشكرها ... باق عليك بقيّة الأزمان
ومن شعره:
ما شدّة الحرص وهو قوت ... وكلّ ما بعده يفوت
لا تجهد النفس فى ارتياد ... فقصرنا أنّنا نموت
38- أحمد بن على بن محمد أبو عبد الله النحوىّ الرّمّانىّ المعروف بالشّرابىّ الأديب [1]
دمشقى الدار، حدّث بكتاب إصلاح المنطق ليعقوب بن السّكّيت، عن أبى جعفر محمد بن أحمد الجرجانىّ، عن أبى علىّ الحسن بن إبراهيم الآمدىّ عن أبى الحسن على بن سليمان الأخفش، عن ثعلب، عن ابن السّكّيت، رواه عنه أبو نصر بن طلّاب الخطيب. توفى أحمد بن على الرمّانىّ النحوىّ بدمشق يوم الجمعة ليومين مضيا من ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة.
39- أحمد بن على بن هبة الله [2]
ابن الحسين بن على بن محمد بن يعقوب بن الحسين بن المأمون العباسىّ. «1» ابن أبى الحسن الهاشمى المعروف بابن الزوال. «2» والأصل فيه الزّول، وهو الرجل الشجاع،
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 151، وتهذيب ابن عساكر 1: 410، ومعجم الأدباء 3:
270- 271. وهو فيما سقط من تلخيص ابن مكتوم. والرمانىّ: منسوب إلى الرمان وبيعه.
والشرابى منسوب إلى الشراب. واشتهر بهذه النسبة جماعة كان أجدادهم يصنعون الشراب ويحفظونه.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 151، وروضات الجنات 82، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 228، وهو فيما سقط من تلخيص ابن مكتوم.(1/123)
ونطق الناس فيه بزيادة الألف. فاضل حافظ للقرآن المجيد، قرأ بالقراءات على أبى بكر المرزوقىّ وغيره، وله معرفة حسنة بالأدب، [و] قرأ على الشيخ أبى المنصور ابن الجواليقىّ وأكثر؛ حتى صار من متميّزى أصحابه. وسمع الحديث من مشايخ زمانه وأكثر، وحدّث بالكثير، وصنف اللغة، وأقرأ الأدب، وتولى قضاء دجيل «1» ، وكان ينزل بالحظيرة «2» من نواحى دجيل، ويقدم بغداذ فى أكثر الأوقات.
سئل عن مولده فقال: فى ضحا نهار الثلاثاء ثالث عشر ذى القعدة من سنة تسع وخمسمائة ببغداذ بدرب فيروز. وتوفى يوم السبت تاسع عشر شعبان من سنة ست وثمانين وخمسمائة، ودفن بباب حرب.
40- أحمد بن علىّ أبى جعفر بن أبى صالح البيهقىّ المعروف ببو جعفرك [1]
نزيل نيسابور. كان إماما فى القراءة والتفسير والنحو واللغة، وصنّف التصانيف فيها، وانتشرت فى البلاد. منها كتاب تاج المصادر «3» ، وظهر له أصحاب وتلامذة نجباء، وتخرّجوا عليه، وكان لازما بيته فى المسجد القديم بنيسابور، لا يخرج إلا فى أوقات الصلوات، ولا يزور أحدا، بل كان يزار ويتبرّك به، وكانت ولادته فى حدود سنة سبعين وأربعمائة. وتوفى يوم الثلاثاء بعد العصر، آخر يوم
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 150، وسلم الوصول 106، وطبقات المفسرين 4، وكشف الظنون 269، ومعجم الأدباء 4: 49- 51. والبيهقىّ، بفتح الباء وسكون الياء: منسوب إلى بيهق، وهى قرى مجتمعة بنواحى نيسابور. وكلمة «بو» بالفارسية هى «أبو» بالعربية؛ كما فى معجم استينجاس 204، والكاف فى «جعفرك» للتصغير، بالفارسية. قاله ياقوت فى معجم الأدباء، والسيوطىّ فى بغية الوعاة.(1/124)
من شهر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة عن مرض قليل، وصلى عليه يوم العيد فى الدهليز المتصل بالجامع القديم، وتزاحم الناس عليه، ودفن بمقبرة نوح.
41- أحمد بن على حمّويه النيسابورىّ [1]
ذكره ابن البيّع الحافظ فى تاريخه، وسماه النحوىّ، وقال عنه: سمع أبا معاذ الفضل بن خالد النحوىّ، وحفص بن عبد الله السلمىّ، وروى عنه محمد بن عبد الوهاب العبدىّ، وإبراهيم بن عيسى الذّهلىّ.
42- أحمد بن عمر بن بكير النحوىّ [2]
نحوىّ مذكور متصدر لإقراء العلم، عاصر أبا عبيدة معمر بن المثنّى التيمىّ والأصمعىّ ونصر بن على الجهضمىّ. ووطئ بسط الأمراء والكبراء والوزراء.
وروى عنه أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب وطبقته.
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: أخبرنى «1» أحمد بن عمر بن بكير النحوىّ، قال:
لما قدم الحسن بن سهل العراق قال: أحبّ أن أجمع قوما من أهل الأدب، فيخبرون «2» بحضرتى فى ذلك، فحضر معمر بن المثنّى التيمىّ أبو عبيدة، والأصمعىّ، ونصر بن علىّ الجهضمىّ، وحضرت معهم.
فابتدأ الحسن ينظر فى رقاع كانت بين يديه للناس فى حاجاتهم، ووقّع عليها فكانت خمسين رقعة، ثم أمر فدفعت إلى الخازن، ثم أقبل علينا فقال: قد فعلنا خيرا، ونظرنا فى بعض ما نرجو نفعه من أمور الناس والرّعية، فنأخذ الآن فيما نحتاج إليه.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 147، وتلخيص ابن مكتوم 15.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 15، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 225.(1/125)
فأفضينا فى ذكر الحّفاظ، فذكرنا الزّهرى وقتاده ومررنا، فالتفت أبو عبيدة فقال: ما الغرض أيها الأمير فى ذكر ما مضى؟ وإنما نعتمد فى قولنا على حكاية عن قوم، ونترك ما نحضره. ها هنا من يقول: إنه ما قرأ كتابا قطّ فاحتاج أن يعود فيه، ولا دخل قلبه «1» شىء فخرج عنه، فالتفت الأصمعىّ وقال: إنما يريدنى بهذا القول أيها الأمير، والأمر فى ذلك على ما حكى، وأنا أقرّب عليه، قد نظر الأمير فيما نظر من الرّقاع، وأنا أعيد ما فيها وما وقّع به الأمير على رقعة رقعة، على توالى الرّقاع.
قال: فأمر، فأحضر الخازن الرّقاع، وإذا الخازن قد شكّها «2» على توالى نظر الحسن، فقال الأصمعىّ: سأل صاحب الرقعة الأولى كذا واسمه كذا ووقّع له بكذا، وسردهم على التوالى، حتى مرّ على نيّف وأربعين رقعة، فالتفت إليه نصر ابن على فقال: يأيها الرجل، أبق على نفسك من العين. فكفّ الأصمعىّ.
43- أحمد بن عمّار بن أبى العباس المهدوىّ المغربىّ [1]
النحوىّ اللغوىّ المفسر. أصله من المهديّة من بلاد إفريقية. روى عن الشيخ الصالح أبى الحسن القابسىّ، ودخل الأندلس فى حدود الثلاثين والأربعمائة.
وكان عالما بالأدب، والقراءات، متقدما فيها، وألف كتبا كثيرة النفع، مثل كتاب التفصيل، وهو كتابه الكبير فى التفسير، ولما أظهر هذا الكتاب فى الأندلس قيل لمتولّى الجهة التى نزل بها من الأندلس: ليس الكتاب له، وإذا أردت علم ذلك فخذ الكتاب إليك، واطلب منه تأليف غيره. ففعل ذلك، وطلب غيره؛
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 152، وتلخيض ابن مكتوم 15، والصلة لابن بشكوال 89- 90، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 92، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 227، وطبقات المفسرين 5، ومعجم الأدباء 5: 39- 40. والمهدوىّ: منسوب إلى المهدية، بينها وبين القيروان مرحلنان؛ بناها أحمد بن إسماعيل المهدىّ على ساحل البحر. وذكر السيوطىّ أنه مات سنة 440.(1/126)
فألّف له التحصيل، وهو كالمختصر منه، وإن تغيّر الترتيب بعض تغير. والكتابان مشهوران فى الآفاق، سائران على أيدى الرّفاق. وله كتاب تعليل القراءات السبع، وهو كتاب جميل، ذاكرات به بعض أدباء عصرنا فقال: هو عندى أنفع من الحجة لأبى علىّ الفارسىّ. فقلت له: وهو صغير الحجم؟ فقال: إلا أنه كثير الفوائد، حسن الاختصار، يصلح للمبتدى والمنتهى، وإنّ الواقف على كتاب الحجة إذا نظر إلى «1» أبى علىّ على مألك، وما تصرف به القول فيها صدّ؟؟؟
عن النظر فى شىء بعده «2» .
44- أحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين [1]
المقيم بهمذان «3» . من أعيان أهل العلم، وأفراد الدهر، وهو بالجبل كابن لنكك «4» بالعراق، يجمع إتقان العلماء وظرف الكتاب والشعراء، وله كتب بديعة، ورسائل
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 153، وتاريخ ابن كثير 11: 535، وتلخيص ابن مكتوم 15- 16، وابن خلكان 1: 35- 36، ودمية القصر 257 والديباج المذهب 36- 37، وروضات الجنات 64- 65، وسلم الوصول 112، وشذرات الذهب 3: 132- 133، والفلاكة والمفلوكين 108- 110، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 230- 232، وطبقات المفسرين 5، والفهرست 80، وكشف الظنون 1064، والمستفاد 20- 21 ومعجم الأدباء 4: 80- 98، والنجوم الزاهرة 4: 212- 213، ونزهة الألباء 392- 396، واليتيمة 3: 365- 371.(1/127)
مفيدة وأشعار جيدة، وتلامذة كثيرة «1» ، منهم بديع الزمان الهمذانىّ. وكان شديد التعصب لآل العميد، وكان الصاحب بن عبّاد يكرهه لأجل ذلك. ولما صنّف للصاحب كتاب الحجر، وسيّره إليه فى وزارته قال: ردّوا الحجر من حيث جاء، وأمر له بجائزة ليست سنية.
ولابن فارس شعر جميل، ونثر نبيل، فمن شعره:
سقى همذان الغيث لست بقائل ... سوى ذا وفى الأحشاء نار تضرّم
ومالى لا أصفى الدعاء لبلدة ... أفدت بها نسيان ما كنت أعلم
نسيت الذى أحسنته غير أنّنى ... مدين وما فى جوف بيتى درهم
وله أيضا:
وقالوا كيف حالك قلت خير ... تقضّى حاجة وتفوت حاج
إذا ازدحمت هموم الصّدر قلنا ... عسى يوما يكون لها انفراج
نديمى هرّتى وأنيس نفسى ... دفاتر لى ومعشوقى السّراج
وله أيضا:
وصاحب لى أتانى يستشير وقد ... أراد فى جنبات الأرض مضطربا
قلت اطلّب أى شىء شئت واسع ورد ... منه الموارد إلّا العلم والأدبا
وذكره أبو الحسن الباخرزىّ وسجع له فقال: «2» «أبو الحسين بن فارس: إذا ذكرت اللغة فهو صاحب مجملها، لا؛ بل صاحبها المجمل [لها] «3» ، وعندى أن تصنيفه ذلك من أحسن ما صنّف فى معناها، وأن مصنفها إلى أقصى غاية من الإحسان تناهى» .(1/128)
ورأيت ترجمة لأحمد بن فارس فى بعض تصانيف المتأخرين، وقد لقفها من أماكن متعددة، فنقلتها على صورتها وهى:
«أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب أبو الحسين الرازىّ- وقيل القزوينىّ الزهراوىّ الأشتاجردىّ. واختلفوا فى وطنه؛ فقيل كان من قزوين، ولا يصح ذلك؛ وإنما قالوه لأنه كان يتكلم بكلام القزاونة. وقيل كان من رستاق الزهراء، من القرية المدعوّة كرسف جياناتاذ.
كان واسع الأدب، متبحرا فى اللغة العربية، فقيها شافعيا، وكان يناظر فى الفقه، وكان ينصر مذهب مالك بن أنس. وطريقته فى النحو طريقة الكوفيين، وإذا وجد فقيها أو متكلما أو نحويا كان يأمر أصحابه بسؤالهم إياه، ويناظره فى مسائل من جنس العلم الذى يتعاطاه، فإن وجده بارعا جدلا جرّه فى المجادلة إلى اللغة، فيغلبه بها، وكان يحث «1» الفقهاء دائما على معرفة اللغة ويلقى عليهم مسائل، ذكرها فى كتاب سماه كتاب فتيافقيه العرب، ويخجلهم بذلك؛ ليكون خجلهم داعيا إلى حفظ اللغة ويقول: من قصّر علمه عن اللغة وغولط غلط» .
قال أبو عبد الله الحميدىّ: «2» سمعت أبا القاسم سعد بن على بن محمد الزّنجانىّ «3» يقول:
كان أبو الحسين أحمد بن فارس الرازىّ من أئمة أهل اللغة فى وقته محتجّابه فى جميع(1/129)
الجهات غير منازع، منجبا فى التعليم، ومن تلاميذه بديع الزمان الهمذانى وغيره.
وأصله من همذان، ورحل إلى قزوين إلى أبى الحسن إبراهيم بن على بن إبراهيم ابن سلمة بن فخر، الإمام الفقيه الجليل الأوحد فى العلوم، فأقام هنالك مدة، ورحل إلى زنجان «1» إلى أبى بكر أحمد بن الحسن بن الخطيب رواية ثعلب، ورحل إلى ميانج. «2»
ومن شيوخه أحمد بن طاهر بن المنجّم أبو عبد الله. وكان أبو الحسين بن فارس يقول عن أبى عبد الله هذا: إنه ما رأى مثله، ولا رأى هو مثل نفسه.
واستوطن أبو الحسين الرّىّ بأخرة، «3» وكان سبب ذلك أنه حمل إليها من همذان، ليقرأ عليه مجد الدولة أبو طالب بن فخر الدولة، فسكنها واكتسب مالا، وبلغ ذلك «4» بتعليمه من النجابة مبلغا مشهورا.
وكان ابن فارس كريم النفس جواد اليد، لا يكاد يردّ سائلا حتى يهب ثيابه وفرش بيته، ومن رؤساء أهل السنة المجوّدين «5» على مذهب أهل الحديث، وتوفّى بالرّى فى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة. ودفن مقابل مشهد القاضى علىّ بن عبد العزيز الجرجانىّ رحمهما الله تعالى.
أنشد أبو الفتح سلم بن أيوب الفقيه الرازىّ بصور قال: أنشدنى أبو الحسين ابن فارس لنفسه:
إذا كنت تأذى بحرّ المصيف ... ويبس الخريف وبرد الشتا
ويلهيك حسن زمان الربيع ... فأخذك للعلم قل لى متى
وله مقطعات متعددة من الشعر، توجد فى كتب من صنّف أخبار الشعراء.(1/130)
45- أحمد بن قاسم النحوىّ المعروف بابن الأديب [1]
من أهل قرطبة، من مقبرة كلع. سكن المرّية، «1» يكنى أبا عمر. كان من أهل العناية بالعلم والأدب، كفّ بصره فى حداثة السن. وتوفى بالمرّية ليلة الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت لذى القعدة سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، ودفن بعد صلاة الظهر يوم الثلاثاء فى الشريعة، وصلى عليه القاضى أبو الوليد الزّبيدىّ.
46- أحمد بن كليب النحوىّ [2]
أديب شاعر أندلسى، قد أفرط فى حب أسلم «2» بن قاضى الجماعة، إلى أن مات بذلك، وكان يقول فيه أشعارا خفية؛ ثم اشتهرت؛ حتى زمر بها زامر عندهم يعرف بالنكورىّ فى الأعراس، وهى.
أسلمنى «3» فى هوا ... هـ أسلم هذا الرشا «4»
غزال له نبلة «5» ... يصيب بها من يشا
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 16، والصلة لابن لشكوال 1: 56.
[2] ترجمته فى بغية الملتمس 189- 192، وتاريخ ابن كثير 12: 38، وتزيين الأسواق 162، وتلخيص ابن مكتوم 16، ومصارع العشاق 194- 197، ومعجم الأدباء 4: 108- 126، والنجوم الزاهرة 4: 281- 282. وكانت وفاته سنة 426، كما ذكره ابن تغرى بردى وابن كثير.(1/131)
وشى بيننا حاسد ... سيسأل عمّا وشى
ولو شاء أن يرتشى ... على الوصل روحى ارتشى
وكان معه مغنّ حسن يسايره فيها، ولما شاع ذلك استحى أسلم، وانقطع عن الظّهور لأحد، وتحيّل أحمد بن كليب عليه أن جاءه فى زىّ فلّاح بالليل، ومعه دجاج، وما يشبهها ممّا يؤتى به من الضّياع، وكلّمه وتحدّث معه، ثم ظهر له أنه «1» أحمد بن كليب، فتركه ودخل داره كارها لما جرى. فمرض أحمد «2» عقيب ذلك لمّا استمرّ على عدم رؤيته، ومات من مرضه. ولما حضرته الوفاة قال لشيخه «3» فى الأدب، وهو عنده: اسمع منّى:
أسلم يا راحة العليل ... رفقا على الهائم النّحيل
وصلك أشهى إلى فؤادى ... من رحمة الخالق الجلبل «4»
وفارق الدنيا عقبها، وبقى أسلم «5» زائرا لقبره فى يوم مطير، لا يكاد احد أن يمشى فيه.
47- أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة بن منصور بن كعب ابن يزيد أبو بكر القاضى [1]
أحد أصحاب محمد بن جرير الطبرىّ، وكان من العلماء بالأحكام وعلوم القرآن، والنحو والشعر، وأيام الناس، وتواريخ أصحاب الحديث. وله مصنّفات فى أكثر ذلك «6» .
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 153- 154، وتاريخ بغداد 4: 357- 359، وتلخيص ابن مكتوم 16، وسلم الوصول 113، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 98، والفهرست 32، ومعجم الأدباء 4: 102- 108.(1/132)
قال أبو الحسن بن رزقويه: لم تر عيناى مثله.
قال ابن كامل: ولدت فى سنة ستين ومائتين، وأنشد:
عقد الثمانين عقد ليس يبلغه ... إلا المؤخّر للأخبار والعبر
وأنشد ابن كامل لنفسه:
ليس لى عدّة تشدّ قوامى ... غير ذى الطّول عدّتى وظهيرى
هو ذخرى لكلّ ما أرتجيه ... وغياثى وراحمى ونصيرى
وأنشد لنفسه أيضا:
صرف الزّمان تنقّل الأيام ... والمرء بين محلّل وحرام
وإذا تقشّعت الأمور تكشّفت ... عن فضل إنعام وقبح أثام
مات أحمد بن كامل يوم الأربعاء لثمان خلون من المحرم سنة خمسين وثلاثمائة، ودفن فى يومه.
48- أحمد بن محمد الحلوانىّ بن عاصم [1]
كان قريبا لأبى سعيد السكّرىّ، وروى عنه كتبه، وأخذ عنه الأدب، وله خطّ فى غاية القبح والرداءة، إلا أنه خطّ عالم.
__________
[1] . ترجمته فى تاريخ بغداد 5: 76، وتلخيص ابن مكتوم 17، ومعجم الأدباء 4: 187- 188. وكانت وفاته سنة 333؛ كما ذكر الخطيب فى تاريخ بغداد.(1/133)
49- أحمد بن محمد بن الوليد ولّاد أبو العباس النحوىّ التميمىّ المصرىّ [1]
أصله من البصرة، وانتقل جدّه إلى مصر. وهو نحوىّ ابن نحوىّ ابن نحوىّ «1» .
وكان نحوىّ مصر وفاضلها. خرج إلى العراق، وسمع من أبى إسحاق الزّجّاج وطبقته، ورجع إلى مصر، وأقام بها يفيد ويصنّف إلى أن مات- رحمه الله. وله سماع كثير. وكان يقول: ديوان رؤبة رواية لى عن أبى عن جدّى.
وروى أبو العباس عن أبيه عن جدّه قال: كان رؤبة بن العجّاج يأتى مكتبنا بالبصرة، فيقول: أين تميميّنا؟ فأخرج إليه، ولى ذؤابة، فيستنشدنى شعره.
ولأبى العباس كتاب الانتصار لسيبويه من المبرّد، وهو من أحسن الكتب. وكان أبو العباس ممّن أتقن الكتاب على الزجّاج وفهمه، وكان أبو إسحاق يسأله عن مسائل، فيستنبط لها أجوبة يستفيدها أبو إسحاق منه. وله كتاب المقصور والممدود على حروف المعجم، وقد كان قد أملى كتابا فى معانى القرآن، وتوفّى ولم يخرج منه إلا بعض سورة البقرة.
قال الزّبيدىّ «2» : «كان أبو إسحاق الزجّاج يفضّل [أبا] «3» العباس بن ولّاد، ويقدّمه على أبى جعفر بن النّحاس، وكانا جميعا تلميذيه، وكان الزّجاج لا يزال يثنى
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 169، وتلخيص ابن مكتوم 17، وحسن المحاضرة 1: 228، وسلم الوصول 141، وطبقات الزبيدىّ 148- 149، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 246- 247، ومرآة الجنان 2: 311- 312، ومعجم الأدباء 4: 201- 203، وشذرات الذهب 2:
332.(1/134)
عليه عند من قدم بغداذ من المصريّين، ويقول لهم: لى عندكم تلميذ من حاله وشأنه ... ، فيقال له: أبو جعفر بن النّحاس، فيقول: هو [أبو] «1» العباس ابن ولّاد» .
قال: «وجمع بعض ملوك مصر بين ابن ولّاد وأبى جعفر بن النّحاس، وأمرهما بالمناظرة، فقال ابن النّحاس لأبى العباس: كيف تبنى مثال: «افعلوت» من رميت؟ فقال له أبو العباس: ارمييت، فخطّأه أبو جعفر، وقال: ليس فى كلام العرب «افعلوت» ، ولا «افعليت» ؛ فكأنّه غالطه التمثيل. وابن الوليد مثّل على تقدير السّؤال، وإن لم يكن له أصل، وهو صحيح. وقال أبو العباس:
إنّما سألتنى أن أمثّل لك بناء، [ففعلت] . وإنّما تغفّله أبو جعفر بذلك» .
قال الزّبيدىّ: «وأحسن أبو العباس فى قياسه حين قلب الواو ياء، وقال فى ذلك بالمذهب المعروف؛ [لأنّ الواو تنقلب فى المضارعة ياء لو قيل؛ ألا ترى أنّك كنت تقول فيه: يرمى؛ فلذلك قلت: ارمييت، ولم تقل: ارميوت «2» ] .
والذى ذكره أبو جعفر: أنّه لا يقال: «افعليت» «3» صحيح، فأمّا ارعويت ونحوه فهو على مثال: «افعللت» مثل احمررت، فانقلبت الواو الثانية ياء لانقلابها فى المضارعة- أعنى يرعوى- ولم يلزمها الإدغام، كما لزم احمرّ، لانقلاب المثل الثانى ألفا فى ارعوى. وقد بيّنت ذلك فى كتابى المؤلّف فى أبنية الأسماء والأفعال» .(1/135)
وأبو العباس بن ولّاد تبع سنّة الأخفش سعيد «1» بن مسعدة، فإنّه كان يبنى عن الأمثلة ما لا مثال له؛ يفعل ذلك إذا سئل أن يبنى عليه. وقوله فى ذلك من الأقوال التى رغب عنها جماعة النحويّين.
وتوفى أبو العباس بن ولّاد بمصر فى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
50- أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادىّ أبو جعفر النحّاس النحوىّ المصرىّ [1]
كان من أهل العلم بالفقه والقرآن. رحل إلى العراق، وسمع من الزجّاج، وأخذ عنه النحو وأكثر، وسمع من جماعة ممّن كان بالعراق فى ذلك الأوان، كابن الأنبارىّ ونفطويه وأمثالهما.
وله مصنّفات فى القرآن؛ منها كتاب الإعراب، وكتاب المعانى، وهما كتابان جليلان أغنيا عما صنّف قبلهما فى معناهما، وكتاب اشتقاق أسماء الله عز وجل، وتفسير أبيات كتاب سيبويه، ولم يسبق إلى مثله، وكلّ من جاء من بعده استمدّ منه، وكتاب الكتّاب، وكتاب الكافى فى النحو، ومختصر فى النحو أيضا اسمه التفاحة، وفسّر عشرة دواوين وأملاها، وله سماع كثير عن علىّ بن سليمان الأخفش وغيره.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 555 ا، وبغية الوعاة 157، وتاريخ ابن كثير 11: 222، وتلخيص ابن مكتوم 17، وحسن المحاضرة 1: 228، وابن خلكان 1: 29، وروضات الجنات 60، وطبقات الزبيدىّ 149- 150، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 236- 238، والفلاكة والمفلوكين 80، وكشف الظنون، 123، 426، 1379، 1391، 1427، 1740، 1809، 1920، ومرآة الجنان 2: 311، والمزهر 2: 420، 466، والمستفاد 22، ومعجم الأدباء 4: 224- 230، والنجوم الزاهرة 3: 300، ونزهة الألباء 363- 365، وشذرات الذهب 2: 346.(1/136)
وذكر أنه جلس على درج المقياس «1» بمصر على شاطئ النيل وهو فى مدّه وزيادته، ومعه كتاب العروض، وهو يقطّع منه بحرا، فسمعه بعض العوام، فقال: هذا يسحر النيل، حتى لا يزيد، فتغلو الأسعار، ثم دفعه برجله، فذهب فى المدّ، فلم يوقف له على خبر.
قال الزّبيدىّ: «كان «2» النّحاس واسع العلم، غزير الرواية، كثير التأليف، ولم يكن له مشاهدة، وإذا خلا بقلمه جوّد وأحسن، وله كتب فى القرآن مفيدة.
منها كتاب المعانى فى القرآن، وكتاب إعراب القرآن، جلب فيه الأقاويل وحشد الوجوه، ولم يذهب فى ذلك مذهب الاختيار والتقليد.
وكان لا يتكبّر أن يسأل الفقهاء وأهل النظر، ويناقشهم عمّا أشكل عليه فى تأليفاته، وكان يحضر حلقة ابن الحدّاد الفقيه الشافعىّ، «3» وكانت لابن الحدّاد ليلة فى كل جمعة، يتكلّم فيها عنده فى مسائل الفقه على طريق النحو، وكان لا يدع حضور مجلسه تلك الليلة.
وله كتاب تفسير أسماء الله عز وجلّ، [أحسن فيه] «4» ، ونزع فى صدره لاتّباع السنة والانقياد للآثار. وله ناسخ القرآن ومنسوخه، كتاب حسن.(1/137)
وله كتاب سماه المقنع «1» فى اختلاف البصريين والكوفيين فى النحو، حسن، وكتاب سمّاه الكافى فى أصول النحو، صويلح، وكتاب صناعة الكتّاب، فيه حشو وتقصير فيما يحتاج إليه، وكتاب الاشتقاق، حسن، وشرح أبيات سيبويه، فيه علم كثير طائل جليل، وشرح المعلّقات، وزيادة قصيدتين، وكتاب فى أخبار الشعراء، شريف.
قال أبو بكر الزّبيدىّ: «وحدّثنى قاضى القضاة المنذر بن سعيد البلّوطىّ «2» قال:
أتيت ابن النحاس فى مجلسه، وألفيته يملى فى أخبار الشعراء شعر قيس بن معاذ المجنون، حيت يقول:
خليلىّ هل بالشام عين حزينة ... تبكّى على نجد لعلّى أعينها
قد اسلمها الباكون إلا حمامة ... مطوّقة باتت وبات قرينها
فقلت: باتا يفعلان ماذا؟ أعزّك الله! فقال لى: وكيف تقول أنت؟
فقلت: «بانت وبان قرينها» ، فسكت، وما زال يستثقلنى بعدها حتى منعنى كتاب العين، وكنت قد عزمت على الانتساخ من نسخته؛ فلما قطع بى قيل لى: أين أنت عن أبى العباس بن ولّاد، فقصدته، فلقيت رجلا كامل العقل والأدب، حسن المروءة، وسألته الكتاب فأخرجه لى. ثم تندّم أبو جعفر حين بلغه إباحة [أبى] «3» العباس كتابه لى، وعاد إلى ما كنت أعرفه منه.
وكان أبو جعفر النحّاس لئيم النفس، شديد التقتير على نفسه، وكان ربّما وهبت له العمامة فقطّعها ثلاث عمائم، وكان يلى شرى حوائجه بنفسه، ويتحامل فيها على أهل معرفته. وتوفّى بمصر لخمس خلون من ذى الحجة، سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة» .(1/138)
وذكره أبو سعيد بن يونس «1» - مؤرخ مصر ومحدّثها- فى تاريخه، فقال:
«أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس النحوىّ، يكنى أبا جعفر المعروف بابن النحّاس. كان يقول فى نسبه: المرادىّ. كان عالما بالنحو حاذقا، وكتب الحديث عن الحسن بن غليب وطبقته، وخرج إلى العراق، ولقى أصحاب المبرد.
وله تصانيف فى النحو وفى تفسير القرآن، جياد مستحسنة. توفّى فى ذى الحجة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة» .
51- أحمد بن محمد المدينىّ المغربىّ النحوىّ [1]
من أهل تونس، وكان عروضيا نحويا، يؤدّب الصبيان، ويقفهم على حدود العربية، وله أشعار حسان.
52- أحمد بن محمد بن أحمد بن سلمة، أبو بكر بن أبى العباس الغسانىّ المعروف بابن سرام النحوىّ [2]
سمع من مشايخ الرواية، وأخذ النحو عن أبى القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجّاجىّ، صاحب كتاب الجمل، نزيل دمشق، ومن أحمد بن على بن محمد الرمّانىّ النحوىّ، وتصدّر للإقراء والإفادة، وكتب بخطّه الكتب الأدبية، وكان خطا حسنا صحيحا، رأيت منه جزءا من أمالى أبى القاسم الزّجّاجىّ، وتصفّحته، فكان محكم الصحة- رحمه الله.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 170، وتلخيص ابن مكتوم 17، وطبقات الزبيدىّ 161.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 155، وتلخيص ابن مكتوم 17، ومعجم الأدباء 4: 263- 264.
وفى تلخيص ابن مكتوم: «ابن شرام» ، بالشين.(1/139)
ولم يزل على إفادة أهل دمشق العربية إلى أن توفّى فى يوم الثلاثاء لعشر خلون من شعبان سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
53- أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ الحنفىّ اللغوىّ أبو الطيب الصّعلوكىّ [1]
عمّ الأستاذ أبى سهل «1» ، من أهل نيسابور. ذكره الحافظ أبو عبد الله «2» فى تاريخ نيسابور، وقال: «كان مقدّما فى معرفة اللغة ودرس الفقه، وأدرك الأسانيد العالية، وصنّف فى الحديث، وأمسك عن الرواية والتحديث بعد أن عمّر، وكنا نراه بأخرة «3» ، وتوفّى لسبع بقين من رجب سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وصلّى عليه أبو الحسن المبارك، ودفن فى مقبرة باعك. شهدت الصلاة عليه» .
54- أحمد بن محمد بن عبد الله أبو عمرو الزّردىّ [2]
ذكره الحافظ أبو عبد الله «4» فى تاريخ نيسابور فقال: «الأديب اللغوىّ العلّامة، أبو عمرو الزردىّ. والزّرد: قرية من قرى أسفرايين، من رساتيق «5» نيسابور. وكان
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 18، وطبقات الشافعية 2: 98. وهو منسوب إلى صعلوك؛ بضم الصاد وسكون العين؛ كما ذكره ابن خلكان والسمعانىّ، ونقله عنه ابن الأثير فى اللباب.
[2] ترجمته فى الأنساب 273 ا، وبغية الوعاة 160، وتلخيص ابن مكتوم 18، وروضات الجنات 64، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 242- 243، واللباب 1: 498، ومعجم الأدباء 4: 209- 211.(1/140)
أبو عمرو واحد هذه الديار فى عصره بلاغة وبراعة وتقدّما فى معرفة أصول الأدب.
وكان رجلا ضعيف البنية مسقاما، يركب حميّرا ضعيفا، ثم إذا تكلم تحيّر العلماء من براعته. سمع الحديث الكثير، وتوفّى فى شعبان سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة» .
55- أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقىّ أبو علىّ النحوىّ [1]
أحد علماء وقته فى الأدب والنحو، أخذ الناس عنه، واستفادوا منه، وحثّوا إليه آباط الرّحال، وكان الحجة فى وقته، وصنف التصانيف الجليلة فى علم العربية.
فمن تصنيفه: كتاب شرح الحماسة، وهو الغاية فى بابه، وشرح الفصيح، وهو كتاب جميل فى نوعه، ومفردات متعددة فى النحو «1» . توفّى فى ذى الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة.
56- أحمد بن محمد بن أحمد بن شهمردار البصرىّ [2]
كان أديبا فاضلا، بارعا فى الأدب، يجلس للإفادة، وعلّم جماعة من رؤساء أصبهان وأجلّائها، وكان فصيحا كثير السماع، حسن الخط، صاحب أصول. توفّى بأصبهان فى شوال سنة ست وأربعين وأربعمائة.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 159، وتلخيص ابن مكتوم 18، وروضات الجنات 67، وسلم الوصول 123، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 239، وكشف الظنون 1273، ومعجم الأدباء 5: 34- 35.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 18، ومعجم الأدباء 5: 44. وفى الأصل: «شهمردان» ، وما ذكرته يوافق ما فى التلخيص ومعجم الأدباء.(1/141)
57- أحمد بن محمد أبو حامد الخارزنجىّ البشتىّ [1]
ذكره الحافظ أبو عبد الله بن «1» البيع فى تاريخ نيسابور، فقال: «إمام أهل الأدب بخراسان فى عصره بلا مدافعة، ولما حجّ بعد الثلاثين والثلاثمائة شهد له أبو عمر الزاهد ومشايخ العراق بالتّقدمة. وكتابه المعروف بالتكملة البرهان فى تقدّمه وفضله.
سمع الحديث من أبى عبد الله محمد بن إبراهيم البوسنجىّ وأقرانه، وبلغنى أنه حدّث. توفّى فى رجب سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.
سمعت أبا حامد الخارزنجىّ يقول فى قول الله عزّ وجلّ: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا
بالتشديد مُتْرَفِيها
: فيها ثلاث لغات: أمّرنا، وآمرنا، وأمرنا (بالتخفيف) ، فمن قرأ أمّرنا (بالتشديد) يقول: كثّرنا، ومن قرأ آمرنا (بفتح الألف والمد) يريد شاورنا، ومن قرأ أمرنا (بالتخفيف) يقول من الأمر» .
وذكره أبو منصور الأزهرىّ «2» فقال: «وممن ألّف فى عصرنا هذا فصحّف وغيّر، وأزال العربية عن وجهها رجلان: أحدهما يسمى أحمد بن محمد البشتىّ، ويعرف بالخارزنجىّ، والآخر يكنى أبا الأزهر البخارىّ «3» . فأما البشتىّ، فإنه ألّف كتابا سماه
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 1184، وبغية الوعاة 169- 170، وتلخيص ابن مكتوم 18، وروضات الجنات 61 وسلم الوصول 143، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 247- 248، واللباب 1: 335، ومعجم الأدباء 4: 203- 208. والخارزنجىّ، بسكون الراء وفتح الزاى وسكون النون: منسوب إلى خارزنج، وهى قرية بنواحى نيسابور. والبشتىّ، بضم الباء وسكون الشين: منسوب إلى بشت، وهى من نواحى نيسابور أيضا.(1/142)
التكملة، أومأ إلى أنه كمّل بكتابه كتاب العين المنسوب إلى الخليل بن أحمد.
وأما البخارىّ فإنه سمّى كتابه الحصائل، وأعاره هذا الاسم، لأنه قصد تحصيل ما أغفله الخليل «1» .
ونظرت فى أول كتاب البشتىّ، فرأيته أثبت فى صدره الكتب المؤلّفة التى استخرج كتابه منها، فعدّدها وقال:
منها للأصمعىّ: كتاب الأجناس، وكتاب النوادر، وكتاب الصفات، وكتاب اشتقاق الأسماء، وكتاب فى السّقى والموارد «2» ، وكتاب فى الأمثال، وكتاب ما اختلف لفظه واتّفق معناه.
وقال: ومنها لأبى عبيدة: كتاب النوادر، وكتاب الخيل، وكتاب الدّيباج. ومنها لابن شميل: كتاب معانى الشعر، وكتاب غريب الحديث، وكتاب الصفات.
قال: ومنها مؤلفات أبى عبيد: المصنّف، والأمثال، وغريب الحديث.
ومنها مؤلفات ابن السّكّيت: كتاب الألفاظ، وكتاب الفروق، وكتاب الممدود والمقصور، وكتاب إصلاح المنطق، وكتاب المعانى، وكتاب النوادر.(1/143)
وقال: ومنها لأبى زيد: كتاب النوادر بزيادات أبى مالك.
ومنها: كتاب الصفات لأبى خيرة.
ومنها كتب لقطرب، وهى الفروق، والأزمنة، واشتقاق الأسماء.
ومنها النوادر لأبى عمرو الشيبانىّ، والنوادر للفرّاء. ومنها:
النوادر لابن الأعرابىّ.
قال: ومنها: نوادر الأخفش، ونوادر اللّحيانىّ، والنوادر لليزيدىّ.
ومنها: لغات هذيل لعزيز بن الفضل الهذلىّ.
قال: ومنها كتب أبى حاتم السّجزىّ.
ومنها: كتاب الاعتقاب لأبى تراب.
ومنها: نوادر الأعاريب الذين كانوا مع ابن طاهر بنيسابور، رواها عنهم أبو الوازع محمد بن عبد الخالق. كان عالما بالنحو والغريب، صدوقا، يروى عنه أبو تراب وغيره.
قال أحمد بن محمد البشتىّ: استخرجت ما وضعته فى كتابى من هذه الكتب.
ثم قال: ولعل بعض الناس يبتغى العنت بتهجينه والقدح فيه، لأنى أسندت ما فيه إلى هؤلاء العلماء من غير سماع.
قال: وإنما إخبارى عنهم إخبار «1» عن صحفهم، ولا يزرى ذلك على من عرف الغثّ من السمين، وميّز بين الصحيح والسقيم، وقد فعل مثل ذلك أبو تراب صاحب كتاب الاعتقاب، فإنه روى عن الخليل بن أحمد، وأبى عمرو بن العلاء، والكسائىّ، وبينه وبين هؤلاء فترة، وكذلك القتيبىّ، روى عن سيبويه والأصمعىّ وأبى عمرو، وهو لم ير منهم أحدا» .(1/144)
قال الأزهرىّ: «قلت أنا: قد اعترف البشتىّ بأنّه لا سماع له فى شىء من هذه الكتب، وأنه نقل ما نقل إلى كتابه «1» [من صحفهم «2» ] ، واعتلّ «3» بأنه لا يزرى ذلك بمن عرف الغثّ من السمين. وليس كما قال، لأنه اعترف بأنه صحفىّ، «4» [والصّحفىّ] «5» إذا كان رأس ماله صحفا قرأها، فإنه يصحّف فيكثر؛ وذلك أنه يخبر عن كتب لم يسمع «6» بها، ودفاتر لا يدرى: أصحيح ما كتب فيها أم لا! وإنّ أكثر ما قرأنا من الصّحف الّتى لم تضبط بالنقط «7» الصحيح، ولم يتولّ تصحيحها أهل المعرفة لسقيمة لا يعتمد عليها «8» إلا جاهل.
وأما قوله: إن غيره من المصنّفين رووا فى كتبهم عمّن لم يسمعوا منه، مثل أبى تراب والقتيبىّ «9» فليس رواية هذين الرجلين عمّن لم يرياه حجة له، لأنهما وإن كانا لم يسمعا من كلّ من رويا عنه فقد سمعا من جماعة من الثقات المأمونين؛ فأما أبو تراب فإنه شاهد أبا سعيد الضّرير سنين كثيرة، وسمع منه كتبا جمّة، ثم رحل إلى هراة، فسمع من شمر بعض كتبه. هذا، سوى ما سمع من الأعراب الفصحاء لفظا، وحفظه عن أفواههم خطابا، فإذا ذكر رجلا لم يره، ولم يسمع منه سومح فيه، وقيل: لعلّه حفظ ما رأى له فى الكتب من جهة سماع ثبت له، فصار قول من لم يره تأييدا لما كان سمعه من غيره، كما يفعل علماء المحدّثين، فإنهم إذا صحّ لهم فى الباب حديث رواه لهم الثقات أثبتوه واعتمدوا عليه، ثم ألحقوا به ما يؤيّده من الأخبار التى أخذوها إجازة.(1/145)
وأما القتيبىّ فإنه رجل سمع من أبى حاتم السّجزىّ كتبه، «1» ومن الرّياشىّ سمع «2» فوائد جمة- وكانا من المعرفة والإتقان بحيث يثنى بهما الخناصر «3» - وسمع من أبى سعيد الضّرير، وسمع كتب أبى عبيد، وسمع من ابن أخى الأصمعىّ، وهما «4» من الشهرة وذهاب الصّيت والتأليف الحسن بحيث يعفى لهما عن خطيئة غلط، ونبذ «5» زلّة تقع فى كتبهما، ولا يلحق بهما [رجل من أصحاب الزّوايا، لا يعرف إلا بقريته، ولا يوثق بصدقه ونقله الغريب الوحشىّ من نسخة إلى نسخة، ولعلّ النسخ التى نقل عنها ما نسخ كانت سقيمة. والذى ادّعاه»
] البشتىّ من تمييزه بين الصحيح والسقيم، ومعرفته الغثّ من السمين دعوى» «7» .
قال الأزهرىّ: «وبعض ما قرأت من كتابه دلّ على ضدّ دعواه. وأنا ذاكر لك حروفا صحّفها، وحروفا أخطأ فى تفسيرها، من أوراق يسيرة كنت تصفّحتها من كتابه لأثبت عندك أنه مبطل فى دعواه، متشبّع بما لا يفى به.
فممّا عثرت عليه من الخطأ فيما ألّف وجمع: أنه ذكر فى باب العين والثاء أن أبا تراب أنشد: «8»
إن تمنعى صوبك صوب المدمع ... يجرى على الخدّ كضيب الثّعثع
فقيده البشتىّ «الثّعثع» ، بكسر الثاءين [بنقطه «9» ] ، ثم فسر «ضيب الثّعثع» أنه شىء له حبّ يزرع، فأخطأ فى كسر الثاءين، وفى تفسيره إياه.(1/146)
والصواب أنه «الثّعثع» ، بفتح الثاءين، وهو اللؤلؤ. قال ذلك أبو العباس أحمد بن يحيى، ومحمد بن يزيد المبرّد، رواه عنهما أبو عمر الزاهد. قالا: وللثعثع فى العربية وجهان آخران لم يعرفهما البشتىّ، وهذا أهون، وقد ذكرت الوجهين الآخرين فى موضعهما من باب العين والثاء.
قال: وأنشد البشتىّ: «1»
فبآمر وأخيه «2» مؤتمر ... ومعلّل وبمطفئ الجمر
قال البشتىّ: سمى أحد أيام العجوز «آمرا» ، لأنه يأمر الناس بالحذر منه، قال:
وسمّى اليوم الآخر «مؤتمرا» لأنه يأتمر الناس، أى يؤذنهم» «3» .
قال الأزهرىّ: «قلت: وهذا خطأ محض؛ لا يعرف فى كلام العرب ائتمر بمعنى آذن، وفسّر قول الله عز وجل: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
على وجهين:
أحدهما: يهمّون بك، والثانى: يتشاورون فيك. وائتمر القوم، وتآمروا؛ إذا أمر بعضهم بعضا، وقيل لهذا مؤتمر؛ لأن الحىّ يؤامر بعضهم بعضا للظّعن والمقام، فجعلوا المؤتمر نعتا لليوم، والمعنى: أنه مؤتمر فيه، كما قالوا: ليل نائم، أى ينام فيه، ويوم عاصف، أى تعصف فيه الريح، ومثله قولهم: نهاره صائم، إذا كان يصام فيه. ومثله كثير فى كلامهم.
وذكر فى باب العين واللام: أبو عبيد عن الأصمعىّ: أعللت الإبل، فهى عالّة، إذا أصدرتها ولم تروها.(1/147)
قلت: وهذا تصحيف منكر، والصواب أغللت الإبل (بالغين) ، وهى إبل غالّة، أخبرنى المنذرىّ عن أبى الهيثم عن نصير الرازىّ قال: صدرت الإبل غالّة وغوالّ، وقد أغللتها، من الغلّة والغليل، وهو حرارة العطش. وأما أعللت الإبل وعللتها فهما ضدّ أغللتها، لأن معنى أعللتها وعللتها أن تسقيها الشّربة الثانية، ثم تصدرها رواء، «1» وإذا علّت الإبل فقد رويت، ومنه قولهم: عرض علىّ سوم عالّة «2» .
وقد فسّر فى موضعه.
وروى البشتىّ فى باب العين والنون، قال الخليل: العنّة: الحظيرة، وجمعها العنن، وأنشد «3» :
ورطب يرفّع فوق العنن
قال البشتىّ: العنن هاهنا: حبال تشدّ ويلقى عليها لحم القديد» «4» .
قال الأزهرىّ: «قلت: والصواب فى العنّة والعنن ما قاله الخليل- إن كان قاله- وقد رأيت حظرات «5» الإبل فى البادية تسوّى من العرفج والرّمث «6» فى مهبّ الشّمال كالجدار المرفوع قدر قامة لتناخ الإبل فيها، وهى تقيها برد الشّمال، ورأيتهم يسمونها عننا، لاعتنانها مغترضة فى مهبّ الشّمال، فإذا يبست هذه الحظرات فنحروا جزورا نشروا لحمها المقدّد فوقها فيجفّ عليها. ولست أدرى عمّن أخذ(1/148)
ما قاله فى العنّة إنه الحبل الممدود، ومدّ الحبل من فعل الحاضرة. ولعل قائله رأى فقراء الحرم يمدّون الحبال بمنى، فيعلّقون عليها لحوم الهدى والأضاحى التى يعطونها، ففسّر قول الأعشى بما رأى. ولو شاهد العرب فى باديتها لعلم أن العنّة هى الحظار من الشّجر.
وأنشد أحمد البشتىّ:
يا ربّ شيخ «1» منهم عنّين ... عن الطّعان وعن التّجفين
قال البشتىّ فى قوله «عن التجفين» : هو من الجفان؛ أى لا يطعم فيها» .
قال الأزهرىّ: «قلت: والتّجفين فى هذا البيت من الجفان والإطعام فيها خطأ، والتّجفين ها هنا [كثرة] «2» الجماع، ورواه أبو العباس عن ابن الأعرابىّ.
قال: وقال أعرابىّ: «أضوانى دوام التّجفين» ، أى أنحفنى وأهزلنى «3» الدّوام على الجماع. ويكون التّجفين فى غير هذا الموضع نحر الناقة وطبخ لحمها وإطعامه فى الجفان. يقال: جفّن فلان ناقته؛ إذا فعل ذلك.
وذكر البشتىّ: أن عبد الملك بن مروان قال لشيخ من غطفان: صف لى النساء، فقال: خذها ملسّنة «4» القدمين، مقرمدة الرّفغين. قال البشتىّ: المقرمدة: المجتمع قصبها، «5» وذلك لالتفاف فخذيها» .
قال الأزهرىّ: «قلت: وهذا باطل، ومعنى المقرمدة الرّفغين: الضّيّقتهما، وذلك لالتفاف فخذيها [واكتناز بادّيها] «6» . وقيل فى قول النابغة يصف ركب امرأة:
رابى المجسّة بالعبير مقرمد(1/149)
إنه الضّيّق، وقيل: هو المطلىّ بالعبير، كما يطلى الحوض بالقرمد إذا ضرّج.
ورفغا المرأة: باطنا أصول فخذيها.
وقال البشتىّ فى كتاب العين والباء: أبو عبيد: العبيبة: الرائب من الألبان» .
قال الأزهرىّ: «قلت: وهذا تصحيف قبيح، وإذا كان المصنّف لا يميّز بين العين والغين استحال ادّعاؤه التمييز بين السقيم والصحيح. وأقرأنى أبو بكر الإيادىّ عن شمر لأبى عبيد فى كتاب المؤلّف: «1» الغبيبة (بالغين المعجمة) :
الرائب من اللبن. وسمعت العرب تقول للّبن البيّوت: «2» [فى السقاء] «3» إذا راب من الغد: غبيبة، ومن قال عبيبة (بالعين) فى هذا فهو تصحيف فاضح.
وروينا لأبى العباس عن ابن الأعرابىّ أنه قال: الغبب: أطعمة النّفساء (بالغين معجمة) ، واحدها غبيبة. قال: والعبب (بالعين) : المياه المتدفّقة. وقال غيره: العبيبة (بالعين) : لبن يقطر من المغافير» «4» .
قال الأزهرىّ: «وقال البشتىّ فى باب العين والهاء والميم: العوهج، الحية فى قول رؤبة: «5»
حصب الغواة العوهج المنسوسا «6»
قال الأزهرىّ: «قلت: وهذا تصحيف دالّ على أن صاحبه أخذ عربيّته من كتب سقيمة، ونسخ غير مضبوطة ولا صحيحة، وأنه كاذب فى دعواه الحفظ(1/150)
والتمييز. والحيّة يقال «1» له: العومج (بالميم) ، ومن صيّره العوهج (بالهاء) فهو جاهل ألكن، وهكذا روى الرواة بيت رؤبة. وقيل للحية: عومج لتعمّجه فى انسيابه؛ أى لتلوّيه. ومنه قال الشاعر يشبّه زمام البعير بالحية فى انسيابه «2» :
تلاعب مثنى حضرمىّ «3» كأنه ... تعمّج شيطان بذى خروع قفر
وقال فى باب العين والقاف والزاى، قال يعقوب بن السّكّيت: يقال: قوزع الديك، ولا يقال قنزع. قال البشتىّ: معنى قوله قوزع الديك: أنه نفش برائله «4» ، وهى قنازعه» .
قال الأزهرىّ: «قلت: غلط فى قوله قوزع؛ أنه يعنى «5» تنفيشه قنازعه، ولو كان كما قال لجاز فنزع، وهذا حرف لهج به عوامّ أهل العراق وصبيانهم، [يقولون: فنزع الديك؛ إذا فرّ من الديك الذى يقاتله] «6» ، وقد وضع أبو حاتم هذا الحرف فى باب المذال»
المفسد، وقال: صوابه قوزع. وكذلك ابن السّكّيت وضعه فى باب ما يلحن فيه العامة «8» .
وروى أبو حاتم عن الأصمعىّ أنه قال: العامة تقول للديكين إذا اقتتلا فهرب أحدهما: فنزع الديك، وإنما يقال: قوزع الديك إذا غلب، ولا يقال قنزع» .
قال الأزهرىّ: «قلت: وظنّ البشتىّ بحدسه وقلة معرفته أنه مأخوذ من القنزعة، فأخطأ فى ظنه، وإنما قوزع «فوعل» ، من قزع يقزع؛ إذا خفّ فى عدوه؛ كما يقال قونس، وأصله قنس» .(1/151)
قال الأزهرىّ: «وقال البشتىّ فى باب العين والضاد: العيضوم: المرأة الكثيرة الأكل.
قلت: وهذا تصحيف قبيح، دالّ على قلة مبالاة المؤلف إذا صحّف، والعيصوم (بالصاد) هو «1» الصواب، وكذلك رواه أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابىّ. وقال فى موضع آخر: هى العصوم، والمرأة إذا كثر أكلها قيل لها: عصوم وعيصوم؛ لأن كثرة أكلها يعصمها من الهزال «2» .
وقال فى باب العين والضاد مع الباء: يقال: مررت بالقوم أجمعين أبضعين (بالضاد) . وهذا [أيضا «3» ] تصحيف فاضح، يدلّ على أن قائله غير مميّز ولا حافظ كما زعم.
أخبرنى أبو الفضل المنذرىّ، عن أبى الهيثم الرازىّ أنه قال: العرب تؤكد الكلمة بأربع تواكيد، فتقول: مررت بالقوم أجمعين أكتعين أبصعين أبتعين.
هكذا رواه بالصاد، وكذلك رواه أبو العباس عن ابن الأعرابىّ؛ قال: وهو مأخوذ من البصع؛ وهو الجمع. وقرأته فى غير كتاب من كتب حذّاق النحويين، هكذا بالصاد» .
قال الأزهرىّ: «وقال فى باب العين والقاف مع الدال. قال: يعقوب ابن السّكّيت: يقال لابن المخاض حين يبلغ أن يكون ثنيّا: قعود «4» وبكر، وهو من الذكور كالقلوص من الإناث.(1/152)
قال البشتىّ: ليس هذا من القعود التى يقتعدها الراعى، فيركبها ويحمل عليها زاده وأداته، وإنما هو صفة للبكر إذا بلغ الإثناء.
قلت: أخطأ البشتىّ فى حكايته كلام ابن السّكّيت، ثم أخطأ فيما فسره من كيسه «1» فى قوله إنه غير القعود التى يقتعدها الراعى من وجهين آخرين؛ فأما يعقوب بن السّكّيت فإنه قال: يقال لابن المخاض حتى يبلغ أن يكون ثنيّا قعود وبكر، وهو من الذكور كالقلوص من الإناث. فجعل البشتىّ «حتى» «حين» ، ومعنى حتى إلى، وهو انتهاء الغاية، وأحد الخطأين من البشتىّ فيما قال كيسه تأنيثه القعود [ولا يكون القعود «2» ] عند العرب إلا ذكرا، والثانى أنه لا قعود فى الإبل تعرفه العرب غير ما فسّره ابن السّكّيت. ورأيت العرب تجعل [القعود «3» ] البكر من الإبل حين يركب، أى يمكّن ظهره من الركوب، وأقرب ذلك أن يستكمل سنتين إلى أن يثنى، فإذا أثنى سمّى جملا. والبكر والبكرة بمنزلة الغلام والجارية اللّذين لم يدركا، ولا تكون البكرة قعودا.
وقال ابن الأعرابىّ فيما أخبرنى المنذرىّ عن ثعلب عنه: البكر: قعود مثل القلوص فى النوق إلى أن يثنى. وهكذا قال النّضر بن شميل فى كتاب الإبل» .
قال الأزهرىّ: «قلت: وقد ذكرت لك هذه الحروف التى أخطأ فيها، والتقطتها من أوراق قليلة؛ لتستدلّ بها على أن الرجل لم يف بدعواه، وذلك أنه ادّعى معرفة وحفظا يميّز بهما الغثّ من السمين، والصحيح من السقيم، بعد اعترافه أنه استنبط كتابه من صحف قرأها. فقد أقرّ أنه صحفىّ، لا رواية له ولا مشاهدة،(1/153)
[و «1» ] دلّ تصحيفه وخطؤه على أنه لا معرفة له ولا حفظ. فالواجب على طلبة هذا العلم ألا يغتروا بما أودع كتابه، فإن فيه مناكير جمّة، ولو استقصيت تهذيبها اجتمعت منها دفاتر كثيرة، والله يعيذنا أن نقول ما لا نعلمه، وندّعى ما لا نحسنه، أو نتكثّر بما لم نؤته. وفقنا الله للصواب، وأداء النصح فيما قصدناه، ولا حرمنا ما أمّلناه من الثواب» .
58- أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن مالك السّهلكىّ الأديب أبو الفضل الصّفّار النيسابورىّ [1]
شيخ أهل الأدب فى عصره. ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وتخرّج به جماعة من الأئمة، منهم الإمام أبو الحسن على بن أحمد الواحدىّ، وغيره.
59- أحمد بن محمد بن إبراهيم الأستاذ أبو إسحاق الثعالبىّ [2]
ويقال: الثعلبىّ. المقرئ المفسّر الواعظ الأديب الثّقة الحافظ، صاحب التصانيف الجليلة، العالم بوجوه الإعراب والقراءات. توفّى سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 160، وتتمه اليتيمة 2: 23، وتلخيص ابن مكتوم 18، ومعجم الأدباء 4: 261- 263. وفى تلخيص ابن مكتوم: «أحمد بن محمد بن عبد الله بن سهلك السهلكىّ» . والكاف فى آخر الاسم للتصغير بالفارسية. وقد ذكر ياقوت أن وفاته كانت بعد سنة 416.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 154، وتلخيص ابن مكتوم 19، وابن خلكان 1: 22، وتاريخ ابن كثير 12: 40، وروضات الجنات 68، وسلم الوصول 115، وطبقات الشافعية 3: 23، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 233- 234، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 100، وكشف الظنون 1131، واللباب 1: 194، ومعجم الأدباء 5: 36- 39، والنجوم الزاهرة 4:
283. قال ابن الأثير فى اللباب: الثعلبىّ لقب له، وليس بنسب.(1/154)
وله التفسير الكبير، والعرائس فى قصص الأنبياء، ونحو ذلك.
وسمع منه الواحدىّ التفسير، وأخذ عنه.
قال زين الإسلام أبو القاسم القشيرىّ: رأيت ربّ العزة عز وجل فى المنام «1» ، وكان يخاطبنى وأخاطبه، فكان فى أثناء ذلك إذا قال الرب تعالى اسمه: أقبل الرجل الصالح، فألتفت فإذا أحمد الثعلبىّ- أو الثعالبىّ- مقبل.
60- أحمد بن محمد بن على الشيخ أبو طالب الأدمىّ البغداذى [1]
الإمام فى النحو والتصريف. خادم الشيخ أبى عبد الله الجرجانىّ. قدم نيسابور فى شهور سنة ثلاثين وأربعمائة، وأقام بها، وأفاد واستفاد، وكانت له مقامات مع الأئمة، واختصاص بالإمام زين الإسلام، ورسم فى المناظرة فى النحو والأدب بحضوره، وكان يتكلّم فى دقائق النحو بمجالس النظر، وينبط المسائل، وبقى فى نيسابور إلى أن توفّى بعد الخمسين وأربعمائة.
وله شعر قد ذكر الباخرزىّ «2» منه شيئا فى كتابه دمية القصر «3» . نكتب منه عند التّبييض إن شاء الله «4» .
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 162، وتاريخ بغداد 5: 129، وتلخيص ابن مكتوم 19، ودمية القصر 88- 89. والأدمىّ، بفتح الألف والدال: منسوب إلى بيع الأدم، وهو الجلد المدبوغ.(1/155)
61- أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الفضل الميدانىّ النيسابورىّ [1]
إمام أهل الأدب فى عصره. ويقال له الميدانىّ، لأنّه سكن المحلّة بأعلى ميدان زياد بن عبد الرحمن «1» ، وقد اشتهر بأدبه، وعرف فى البلدان بتصانيفه الحسان المشهورة. قرأ الأصول وأحكمها، ثم أخذ فى التّصنيف، فأحسن كلّ الإحسان فيما جمعه وصنّفه، وأربى على من تقدّم بالترتيب والتحقيق، واستدرك على بعض من زلّ قبله من المصنّفين، وأصلح مواضع الغلط، وتخصّص بصحبة الإمام علىّ بن أحمد الواحدىّ، والأخذ عنه، وسماع التفسير منه، وقراءة النحو عليه. وقرأ على غيره، وكتب عن الإمام أبى الحسن على بن فضال المجاشعىّ النحوىّ القادم على نيسابور عند منصرفه من غزنة «2» سنة سبعين وأربعمائة.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 548 ا، وتلخيص ابن مكتوم 19، وابن خلكان 1: 46، وتاريخ ابن كثير 12: 194، وروضات الجنات 80، وسلم الوصول 117، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 234- 235، والفلاكة والمفلوكين 99، وكشف الظنون 974، 1597، 1703، 1943، ومعجم الأدباء 5: 45- 51، ونزهة الألباء 466- 467، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 253.(1/156)
وله يد باسطة فى أنواع الأدب، وصنّف التصانيف الجليلة، مثل: الهادى فى الحروف والأدوات، والسامى فى الأسامى، وكتاب الأمثال.
ومن شعره:
حننت إليهم والديار قريبة ... فكيف إذا سار المطىّ مراحلا
وقد كنت قبل البين- لا كان بينهم- ... أعاين للهجران فيهم دلائلا
وتحت سجوف الرّقم أغيد ناعم «1» ... يميس كخوط «2» الخيزرانة مائلا
وينضو «3» علينا السّيف من جفن مقلة ... يريق دم الأبطال فى الحبّ باطلا
ويسكرنا لفظا ولحظا كأنما ... بفيه وعينيه سلافة بابلا
وشعره كثير.
توفّى- رحمه الله- يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسائة. وصلى عليه الإمام شاهقور، ودفن بالمقبرة بأعلى ميدان زياد ابن عبد الرحمن.
وذكره البيهقىّ «4» فى الوشاح، فقال: «الإمام صدر الأفاضل، أحمد بن محمد الميدانىّ، صدر الفضلاء، وقدوة الأدباء، قد صاحب الفضل فى أيام نفد زاده،(1/157)
وفنى عتاده، وضاعت عدّته، وبطلت أهبته، فقوّم سناد العلوم بعد ما غيّرتها الأيام بصروفها، ووضع أنامل الأفاضل على خطوطها وحروفها، ولم يخلق الله تعالى فاضلا فى عصره إلا وهو فى مأدبة آدبه ضيف، وله من بابه وداره شتاء وصيف، وما على من عام لجج البحر الحضمّ «1» ، واستشرف الدّرر ظلم وحيف» .
وأنشد له:
شفة لماها زاد فى آلامى ... فى رشف ريقتها شفاء سقامى
قد ضمّنا جنح الدّجى وللثمنا ... صوت كقطّك أرؤس الأقلام
وأنشد له:
تنفّس صبح الشيب فى ليل عارضى «2» ... فقلت عساه يكتفى بعذار «3»
فلمّا فشا عاتبته فأجابنى ... ألا هل ترى صبحا بغير نهار
وله أيضا:
يا كاذبا أصبح فى كذبه ... أعجوبة أية أعجوبه
وناطق ينطق فى لفظة ... واحدة سبعين أكذوبه
شبّهك الناس بعرقوبهم «4» ... لمّا رأوا أخذك أسلوبه
فقلت كلا إنه كاذب ... عرقوب لا يبلغ عرقوبه
ولما صنّف الميدانىّ كتاب الأمثال وقف عليه الزّمخشرىّ فحسده، وأخذ القلم، وزاد فى لفظة «الميدانىّ» سنينة «5» ، فصار «النّميدانىّ» . معناه بالفارسية: الذى(1/158)
لا يعرف شيئا. فلما وقف الميدانىّ على ذلك أخذ بعض تصانيف الزمخشرىّ، وزاد فى نسبته «1» سنينة، وأبدل الميم نونا، فصار «الزّنخشرىّ» . معناه بائع زوجته، بالفارسية.
ومن تصنيف الميدانىّ: كتاب جامع الأمثال، وكتاب السامى فى الأسامى، وكتاب الأنموذج «2» فى النحو، وكتاب الهادى للشادى، وكتاب النحو الميدانىّ، وكتاب المصادر، وكتاب نزهة الطرف فى علم الصرف، وكتاب شرح المفضّليات، وكتاب منية الراضى فى مسائل القاضى.
62- أحمد بن محمد العروضىّ أبو الفضل المعروف بالصّفار [1]
إمام الأدب خنّق «3» التسعين، وأنفق عمره على مطالعة العلوم، وتدريس متأدّبى نيسابور، واحتراز الفضائل والمحاسن، وهو القائل فى صباه:
أوفى على الدّيوان بدر الدّجى ... فسل نجوم السّعد ما حظّه
أخطّه أملح أم خدّه ... ولحظه أفتن أم لفظه
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 160، وتتمة اليتيمة 2: 23، وتلخيص ابن مكتوم 20، ومعجم الأدباء 4: 261- 262. والعروضى، بفتح العين وضم الراء: منسوب إلى العروض؛ وهو العلم بأوزان الشعر. ويظهر لى أنه مكرر 58، والأخبار التى ذكرت هنا وهناك ذكرها ياقوت مجتمعة فى ترجمة واحدة.(1/159)
63- أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو سليمان الخطابىّ البستىّ [1]
كان يشبّه فى عصره بأبى عبيد القاسم بن سلّام علما وأدبا، وزهدا وورعا، وتدريسا وتأليفا. ومن مشهور كتبه فى اللغة: كتاب غريب الحديث، وهو غاية فى بابه، وله معالم السّنن فى شرح سنن أبى داود، وأعلام السّنن فى شرح البخارىّ، وكتاب الشّجاج، وغير ذلك «1» .
وله شعر جيّد، منه:
وما غربة الإنسان فى شقّة النّوى ... ولكنّها والله فى عدم الشكل
وإنى غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتى وبها أهلى
مات الخطابىّ فى بست، فى حدود سنة أربعمائة «2» .
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 80 ب، وبغية الوعاة 239، وتذكرة الحفاظ 3: 209- 210، وتلخيص ابن مكتوم 20، وخزانة الأدب 1: 282، وابن خلكان 1: 166- 167، وطبقات الشافعية 2: 218، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 233- 234، وكشف الظنون 108، 545، 1005، 1032، 1205، 1439، واللباب 1: 122، ومعجم الأدباء 4: 246- 260، ومعجم البلدان 1: 172، ويتيمة الدهر 4: 310- 311. والخطابىّ: منسوب إلى جدّه الخطاب؛ إذ هو من ذرية زيد بن الخطاب، أخى عمر بن الخطاب. والبستى، بضم الباء وسكون السين:
منسوب إلى بست، وهى مدينة بين هراة وغزنة. وقد ذكره لمؤلف فى باب الأحمدين تبعا للثعالبىّ وأبى عبيد الهروىّ، وتابعهما ياقوت فى معجم الأدباء ومعجم البلدان. والصحيح أن اسمه «حمد» .
قال ابن البيّع: سألت أبا القاسم المظفر بن طاهر بن محمد البستىّ عن اسم أبى سليمان الخطابىّ: أحمد، أو حمد؟ فقال: سمعته يقول: اسمى الذى سميت به «حمد» ، ولكن الناس كتبوا أحمد، فتركته عليه.(1/160)
64- أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك بن المغيرة اليزيدىّ أبو جعفر [1]
كان متقنا فى العلوم، راوية للشعر والأخبار، شاعرا. قال: أصبحت فى يوم غيم ورذاذ، ففكّرت فيمن أبعث إليه، فخطر بقلبى أبو جعفر محمد ابن الفضل، فأخذت الدواة لأكتب إليه، فإذا الغلام يقول: أبو جعفر محمد بن الفضل بالباب، فقلت: يدخل، فلما دخل قمت إليه، والقلم والقرطاس فى يدى، فقلت: هذا والله كتابى إليك، فالحمد لله الذى جاء بك، فقال: ليس أقيم عندك، ولا تقعد من قيامك؛ حتى توافينى إلى البيت، ولست أنتظرك، فإن عندى إنسانا يشتاقك وتشتاقه، ثم قال: يا غلام أسرج الدابة، واذهب أنت يا غلام، فجئ بثيابه، ثم مضى وتركنى، ولحقت به.
فدخلت وهو قاعد على مصلّى عند باب الرّواق، وبحذاء المصلّى آخر عليه مخارق المغنّى، وقد أخلى لى الصّدر، فلما دخلت قام إلىّ مخارق فسلّم علىّ، ثم جلس،
__________
[1] . ترجمته فى الأغانى 18: 91- 94، وبغية الوعاة 169، وتاريخ بغداد 5: 117، وتلخيص ابن مكتوم 20، وطبقات الزبيدىّ 53، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 247، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 133، والفهرست 50- 51، ومعجم الأدباء 4: 139- 143، والوافى بالوفيات ج 2 مجلد 3: 437. واليزيدىّ منسوب إلى يزيد بن منصور بن عبد الله بن يزيد الحميرىّ، خال المهدىّ العباسىّ، وكان جدّه يحيى بن المبارك بن المغيرة منقطعا إليه، مؤدبا لأولاده، فنسب إليه، وكانت وفاته قبل سنة 260؛ كما ذكره السيوطىّ فى بغية الوعاة. واليزيديون جماعة: يحيى وأولاده:
محمد، (وهو المقدم منهم) ، وإبراهيم، وإسماعيل، وعبد الله؛ وهؤلاء الأربعة برعوا فى اللغة والعربية، ويعقوب وإسحاق، وهذان زهدا وتعلما الحديث. ثم أولاد محمد بن يحيى المذكور، وعددهم اثنا عشر:
أحمد، والعباس، وجعفر، والحسن، والفضل، وسليمان، وعبيد الله، (وهؤلاء برعوا) ، وعبد الله، وعلىّ، وعيسى، ويوسف، والحسين. انظر الفهرست ص 50، والأنساب ص 600 ا، وبغية الوعاة ص 439.(1/161)
فأقبلنا نتذاكر أيامنا، فقال محمد بن الفضل: يا غلام، ما عندك من الطعام؟ فقال:
جدى بارد، وفراريج وشرائح «1» ، فقال: ائتنا بما حضر، ولا تحبسنا بانتظار شىء.
ثم بعث إلى الجوارى فخرجن إلينا، ومع كل واحدة وصيفة تحمل عودها، وأخذن عيدانهنّ، وكان إذا مرّ بى الصوت استحسنته من مخارق، واستعدته. فغنىّ مخارق:
يقول أناس لو تبدّلت غيرها ... لعلّك تسلو إنما الحبّ كالحبّ
فاستحسنته، واستعدته مرّات، فقال لى مخارق يا أبا جعفر، كأنه كان لك! قلت:
نعم: قال: ففيه عيب، قلت: وما ذاك يا أبا المهنّأ؟ قال: هو بيت فرد، ويجب أن يكون له رفيق، فقلت:
فقلت لهم لو أنّ قلبى يطيعنى ... فعلت ولكن لا يطاوعنى قلبى
فأخذه، وغنّاه فأحسن.
وذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر «2» فقال: «أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك بن المغيرة اليزيدىّ النحوىّ، كان من ندماء المأمون وقدم معه دمشق، وتوجّه منها غازيا للروم. سمع أباه «3» ، وأبا زيد الأنصارى سعيد بن أوس، وكان مقرئا؛ وروى عنه أخواه عبيد الله والفضل ابنا محمد، وابن أخيه محمد «4» بن العباس بن محمد، وعون بن محمد الكندىّ، ومحمد بن عبد الملك الزيات» .(1/162)
65- أحمد بن محمد بن سنام أبو العباس الضّبعىّ النحوىّ البغداذىّ [1]
حدّث عن قاسم بن محمد بن بشّار الأنبارىّ أخبارا وحكايات تتعلق بالأدب، وكان متصدرا لإقراء النحو فى زمانه. روى عنه الحسن بن الحسين بن على النّوبختىّ.
66- أحمد بن محمد بن يزديار بن رستم بن يزديار أبو جعفر النحوىّ الطّبرىّ [2]
سكن بغداذ، وحدّث بها عن نصير بن يوسف، وهاشم بن عبد العزيز صاحبى على بن حمزة الكسائىّ. وسمع منه ببغداذ فى سنة أربع وثلاثمائة. وكان متصدّرا لإقراء النحو وإفادته الطلبة، وله من الكتب: كتاب غريب القرآن، وكتاب المقصور والممدود، وكتاب المذكر والمؤنث، وكتاب صورة الهمز، وكتاب التّصريف، وكتاب النحو.
67- أحمد بن محمد العروضىّ [3]
أديب قيّم بعلم العروض، له أنسة «1» بالعربيّة، يقرئها ويفيدها. وكان متصدرا ببغداذ، وروى عن عبيد بن عبد الواحد بن شريك. وروى عنه ابن الثّلّاج. مات فى سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة «2» .
__________
[1] . ترجمته فى تاريخ بغداد 5: 30، وابن مكتوم 21.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 169، وتاريخ بغداد 5: 125- 126، وتلخيص ابن مكتوم 21، وسلم الوصول 143، وطبقات القراء لابن لجزرىّ 1: 114، والفهرست 60، ومعجم الأدباء 4: 193- 194. ورستم بضم التاء وفتحها.
[3] ترجمته فى تاريخ بغداد 5: 140، وتاريخ ابن مكتوم 21، ومعجم الأدباء 4: 233- 234.(1/163)
68- أحمد بن محمد بن منصور أبو بكر الخياط النحوىّ [1]
أخذ عن المبرّد، وله تصنيف حسن.
69- أحمد بن محمد أبو العباس المهلبىّ [2]
مقيم بمصر بعد الثلاثمائة، وكان نحو يا مجيدا، وصنّف. فمن تصنيفه: كتاب شرح علل النحو «1» .
70- أحمد بن محمد العمركىّ الهمذانىّ [3]
ذكره شيرويه «2» فى كتاب طبقات علماء همذان. فقال: «أحمد بن محمد العمركىّ أبو عبد الله اللغوىّ. روى عن عبد الرحمن بن حمدان الجلّاب، وأبى الحسين محمد الجزرىّ صاحب أبى شعيب الحرّانىّ وغيرهما. وروى عنه عبد الله الإمام وغيره» .
71- أحمد بن محمد بن الحسين بن سليمان بن أحمد بن محمد بن القاسم ابن سليمان بن سليط بن يربوع [4]
أبو الحسين السّليطىّ النّيسابورىّ. العدل الأديب، إمام فى العربية. فاضل فيها، متقن لها، معروف بها. انتفع به أهل ذلك المصر، وهو من أهل البيت المعروف.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 21، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 246.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 170، وتلخيص ابن مكتوم 21، والفهرست 84، ومعجم الأدباء 4: 189- 190.
[3] ترجمته فى بغية الوعاة 170، وتلخيص ابن مكتوم 21، ومعجم الأدباء 5: 43- 44.
[4] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 21. والسليطىّ، بفتح السين وكسر اللام: منسوب إلى سليط، أحد أجداده.(1/164)
روى الحديث عن الأصمّ «1» وطبقته، وتصدّر لإفادة علم العربية؛ وتوفّى بناحية أستوا «2» ، وحمل إلى نيسابور فى جمادى الأولى سنة إحدى وعشرين وأربعمائة.
72- أحمد بن محمد بن حمدان أبو الطيب الحمدانىّ الأديب الأسفرايينىّ [1]
شيخ العربية فى زمانه، وإمام أهل اللغة والنحو فى أوانه. كان بخراسان، وربما روى الحديث، ومات بعد سنة أربعمائة.
73- أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث الإمام أبو بكر التميمىّ الأصبهانىّ [2]
المقرئ النحوىّ، المحدّث الدّيّن الزاهد، الورع الثّقة، الإمام، الحقيقة، فريد عصره. تخرّج عليه العلماء والنحاة والأدباء، وكان يعقد المجالس، ويملى العلوم، وتخرّج به الرؤساء والأجلّاء، وظهرت بركته على طلبته. وكان مولده بأصبهان
__________
[1] . ترجمته فى ابن مكتوم 22. والأسفرايينىّ: منسوب إلى أسفرايين، بفتح الألف، وهو يوافق ما فى معجم البلدان. وفى الأنساب واللباب وابن خلكان ومعجم استينجاس بكسر الألف.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 22. والأصبهانىّ، بفتح الهمزة وكسرها: منسوب إلى أصبهان؛ وهى مدينة عظيمة من نواحى الجبل.(1/165)
فى سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وتوفّى بنيسابور ليلة الثلاثاء، التاسع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاثين وأربعمائة فى مدرسة البيهقىّ، فى سكة سار، ودفن فى مقبرة شاهنبر «1» ، بقرب الشيخ أبى إسحاق الأرموىّ- رحمه الله.
74- أحمد بن منصور بن راشد الحنظلىّ أبو صالح المروزىّ [1]
ذكره الحافظ أبو عبد الله «2» ، وقال: «الملقب بزاج، صاحب النّضر بن شميل وراويه، وسمع فى رحلته [إلى] الكوفة الحسين «3» بن علىّ الجعفىّ ومحمدا ويعلى ابنى عبيذ، وبالبصرة عمر بن يونس بن القاسم اليمانىّ وأبا عامر العقدىّ «4» وروح ابن عبادة، وروى عنه مسلم بن أبى طالب» . وقال: «مات فى شهر ذى الحجة سنة سبع وخمسين ومائتين» .
__________
[1] . ترجمته فى تاريخ بغداد 5: 150- 151، وتلخيص ابن مكتوم 22، وتهذيب الأسماء واللغات 1: 113، وتهذيب التهذيب 1: 82- 83، وخلاصة تذهيب الكمال 11. والمروزىّ، بفتح الميم والواو، وبينهما راء ساكنة: منسوب إلى مرو الشاهجان، على غير قياس.(1/166)
75- أحمد بن محمد بن القاسم بن خذيو أبو رشاد الأخسيكثىّ [1]
الملقب بذى الفضائل. مات فجأة ليلة الأحد الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. وأخسيكث «1» : مدينة من فرغانة، مما وراء النهر، يقال فى اسمها بالتاء والثاء. وكان هو وأخوه «2» أديبين غير مدافعين، شهد لهما بذلك أهل الأدب. قدما مرو، وسكناها إلى أن ماتا بها.
وكان ذو الفضائل هذا شاعرا أديبا مصنفا كاتبا، ومرسلا فى ديوان السلاطين، وله تصانيف؛ منها كتاب فى التاريخ، وكتاب فى قولهم: «كذب عليك كذا «3» » ، وكتاب زوائد فى شرح سقط الزّند، وغير ذلك.
ذكره أبو سعد السمعانىّ «4» فى مشيخته وقال: «كان له الباع الطويل فى معرفة النحو، وكان أكثر فضلاء خراسان قرءوا عليه الأدب، وتلمذوا له. وكانت ولادته فى حدود سنة ستين وأربعمائة» . قلت: وله شعر أديب «5» ، أكثر منه.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 21 ب، وسلم الوصول 135، واللباب 1: 26، ومعجم الأدباء 5: 52- 55، ومعجم البلدان 1: 150.(1/167)
76- أحمد بن محمد بن جعفر بن مختار الواسطىّ أبو علىّ النحوىّ [1]
الشاهد العدل. أخذ النحو عن أبى غالب محمد بن بشران النحوىّ الواسطىّ «1» .
توفّى بعد سنة خمسمائة. وروى عنه أبو طاهر السّلفىّ «2» وخميس الحوزىّ «3» ، وكان يرتزق بالطحن، له طاحونة بمشرعة التنانيريّين.
77- أحمد بن محمد بن علىّ أبو محمد العاصمىّ [2]
من أهل خراسان. أديب فاضل، تميّز فى النحو والتصريف، وله مصنفات حسان، منها كتاب البهجة شرح المفضليات «4» ، وله كتاب المهجة فى أصول التصريف. مولده فى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وله شعر كشعر الأدباء، منها أبيات يصف فيها كتابه المهجة استبردتها واسترذلتها، فلم أوردها.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 158، وتلخيص ابن مكتوم 26، ومعجم الأدباء 5: 59- 62.
[2] ترجمته فى ابن مكتوم 26. والعاصمىّ: منسوب إلى عاصم، أحد أجداده.(1/168)
78- أحمد بن محمد بن الحداد الهروى [1]
من أهل هراة. أبو نصر الأديب. كان إماما فى زمنه، مبرّزا فى علم العربية، مقدّما عند أهل بلده بالفضل والمعرفة. قال أبو النصر عبد الرحمن ابن عثمان الفامىّ الهروىّ: أنشدنا أبو النصر أحمد بن محمد الحدّاد الأديب لنفسه:
أيابن العلا والمجد لا بل أبوهما ... وحسبهما فخرا بهذا ولا فخر
فقل لصروف الدهر ما شئت فافعلى ... فمن عندك السّوءى ومن عندى الصبر
79- أحمد بن محمود بن عبديل أبو بكر الأديب العبديلىّ [2]
من أهل أصفهان. إمام فى الأدب وعلم العربية واللغة، وافر المعرفة، فاضل.
وله شعر أجود من شعر الأدباء؛ منه ما قاله فى الحافظ أبى موسى:
قلت لسعدى حين ودّعتها: ... كلم فؤادى عند من يوسى «1» ؟
فجاوبتنى إذ رأتنى لقى «2» ... من حادثات الدهر مأبوسا «3»
عند الإمام الحافظ المقتدى ... الناقد الحبر أبى موسى
80- أحمد بن محمد بن الجرّاح أبو بكر [3]
صاحب أبى بكر الأنبارىّ، وكان يروى أكثر تصانيفه ورواياته عنه.
قال هلال بن المحسّن بن إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن هارون «4» : سمعت منه.
توفى فى يوم الجمعة الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.
__________
[1] . ترجمته فى ابن مكتوم 26. والهروىّ: منسوب إلى هراة، وهى مدينة مشهورة بخراسان.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 26.
[3] ترجمته فى تاريخ بغداد 5: 81- 82، وتلخيص ابن مكتوم 22.(1/169)
81- أحمد بن مغيث بن أحمد بن مغيث الصّدفىّ [1]
من أهل طليطلة. يكنى أبا جعفر. من جملة علمائها، يعلم علوما كثيرة؛ منها اللغة والإعراب والتفسير وعقد الشروط، «1» وله فيه كتاب حسن، اسمه المقنع.
وكان كلفا بجمع المال. توفّى فى صفر سنة «2» سبع وخمسين وأربعمائة. ومولده سنة ست وأربعمائة.
82- أحمد بن مطرّف الطائىّ اللغوىّ المغربىّ [2]
أظنه من الأندلس. كان واسع النّفس فى علم العربية واللغة. صنّف فى اللغة كتابا كبيرا، سمّاه ديوان الكلم. رأيت منه المجلّد العشرين فى الأسماء المعتلّة، فرأيت منه ما يستدلّ به [على] سعة ما عنده من هذا النوع.
ولقد حاضرت «3» به يوما الخطيب أبا الحسن علىّ بن أحمد بن جعفر بن عبد الباقى الأموىّ العثمانىّ «4» ، من ولد أبان بن عثمان، نزيل قفط، هو وسلفه من قديم- وهو أنبه من رأيت، وأنصف وأعلم بالعربية نحوا ولغة، كثير المحفوظ- فلما سمع كلام الطائىّ هذا وتحقيقه لمواضع مشكلة من اللغة، واتساعه فيما يتصرّف فيه من الكلمات اللغوية على الأصول النحوية قال لى: هذا مثل تصنيف رأيته فى هذا النوع، وقد كان الكلام الذى طالعناه منه: «أسا الجرح يأسوه» ، وشاهدنا من اتساعه فى هذا الحرف شيئا لم نشاهده من غيره.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 22، وسلم الوصول 152، والصلة لابن بشكوال 1: 62، وطبقات المفسرين 6، وكشف الظنون 1809. وفى الأصل «أحمد بن شعيب» ، وهو تحريف.
[2] ترجمته فى تاريخ علماء الأندلس 1: 42- 43، وتلخيص ابن مكتوم 22- 23.(1/170)
وقد ذكر الحميدىّ «1» فى علماء الأندلس رجلا يعرف بأحمد بن مطرّف بن عبد الرحمن، وعظّمه بالعلم والفضل والتقدّم عند ولاة الأمور بالأندلس. وذكر وفاته فى سنة نيّف وخمسين وثلاثمائة، فلا أدرى أهو هذا أم لا، ورأيت كتابا فى القراءات معلّلا، ليس بالكبير، لأحمد بن مطرّف الطائىّ؛ يدلّ على فضل وتضلّع من العربية، شاهدته فى حلب يباع فى مجلّدين متوسطين.
83- أحمد بن موسى الرازىّ الأندلسىّ [1]
النحوىّ اللغوىّ الأخبارىّ. كان نحويا لغويا كاتبا بليغا غزير الرواية، حافظا للأخبار، وله كتاب فى أخبار أهل الأندلس، وتواريخ دول الملوك فيها، بلغ الغاية من استيعابه لكلّ ذلك، والتّقصّى فيه. وجدّه من أهل الرىّ، دخل إلى الأندلس وأقام به. توفّى الرازىّ هذا فى رجب سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
84- أحمد بن معدّ بن عيسى بن وكيل التّجيبىّ الأندلسىّ المعروف بالأقليشىّ [2]
المحدّث النحوىّ اللغوىّ، أبو العباس. أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ «2» ، أنشدنى أبو العباس أحمد بن معدّ بن عيسى بن وكيل التّجيبىّ الأندلسى بالثغر- يعنى
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 172، وتلخيص ابن مكتوم 23، وطبقات الزبيدىّ 209.
والرازىّ: منسوب إلى الرىّ على غير القياس. والرىّ: قصبة بلاد الجبال.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 171، وتلخيص ابن مكتوم 23، وسلم الوصول 152، ومعجم البلدان 1: 313، ونفح الطيب 3: 355- 356. والأقليشى، بضم الهمزة وسكون القاف وكسر اللام: منسوب إلى أقليش، وهى بلدة من أعمال طليطلة بالأندلس.(1/171)
الإسكندرية؛ قال: أنشدنى أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيّد اللغوىّ لنفسه بالأندلس:
قل لقوم لا يتوبون ... وعلى الإثم يصرّون
خفّفوا ثقل المعاصى ... أفلح القوم المخفّون
لن تنالوا البر حتّى ... تنفقوا مما تحبون
ثم قال السّلفىّ: أبو العباس هذا يعرف بالأقليشىّ. كان من أهل المعرفة باللغات والأنحاء والعلوم الشرعية. ومن جملة أسانيده أبو محمد البطليوسىّ، وأبو الحسن ابن سبيطة الدانىّ وأبو محمد القلنّىّ وآخرون، وله شعر جيد ومؤلّفات حسنة «1» ؛ قدم علينا الإسكندرية سنة ست وأربعين وخمسمائة، وقرأ علىّ كثيرا، وتوجّه إلى الحجاز، وبلغنا أنه توفى «2» بمكة- رحمه الله.
قال السّلفىّ: ومن شعره: أنشدنى أبو العباس أحمد بن معدّ بن عيسى بن وكيل الأندلسىّ التّجيبىّ لنفسه، وكتب بخطه:
كان حقى ألّا أذكّر غيرى ... وأنا ما كفيت شرّى وضيرى
غير أنى برحمة الله ربّى ... أرتجى أن يفيدنى كلّ خير
قال: وأنشدنى لنفسه:
تتحدّر العبرات من أحداقه ... فترى لها فى خدّه آثارا
ولربّما امتزجت دما من قلبه ... حتى كأنّ الدمع يطلب ثارا(1/172)
85- أحمد بن هبة الله بن العلاء بن منصور المخزومىّ [1]
النحوىّ اللغوىّ، أبو العباس المعروف بابن الزاهد البغداذىّ. كان أحمد هذا أديبا فاضلا، له معرفة بالنحو واللغة والعربية وأشعار العرب وغير ذلك. قرأ على أبى الفضل الأشقر «1» النحوىّ وعلى أبى محمد بن الخشاب «2» ، ولازمه مدة، وسمع الحديث، وروى واستفاد الطلبة منه. توفّى يوم الاثنين ثالث عشر رجب، من سنة إحدى عشرة وستمائة، وقد نيّف على الثمانين، وله شعر منه:
فما رفع الهندىّ «3» وهو حديدة ... على التّبر إلا ضربه «4» بالمطارق
ولو رمت ما راموه بالعلم لم يكن ... وجيههم «5» فى حلبة المجد لاحقى «6»
86- أحمد بن يحيى بن زيد بن سيّار، أبو العباس النحوىّ الشيبانىّ مولاهم المعروف بثعلب [2]
إمام الكوفيين فى النحو واللغة. سمع إبراهيم بن المنذر الحزامىّ، ومحمد بن سلّام الجمحىّ، ومحمد بن زياد الأعرابىّ، وعلىّ بن المغيرة الأثرم، وسلمة بن عاصم، وعبيد الله بن عمر القواريرىّ، والزّبير بن بكّار، وغيرهم.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 172، وتلخيص ابن مكتوم 23- 24. ومعجم الأدباء 5:
84- 86.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 11- 12، وبغية الوعاة 172- 174، وتاريخ بغداد 5: 204- 212، وتاريخ أبى الفدا 2: 60، وتاريخ ابن كثير 11: 98- 99، وتلخيص ابن مكتوم 24- 25، وتذكرة الحفاظ 2: 214- 215، وتهذيب الأسماء واللغات 2: 275، وابن خلكان 1: 30، وسلم الوصول 158، وشذرات الذهب 2: 207- 208،-(1/173)
روى عنه محمد بن العباس اليزيدىّ، وعلى بن سليمان الأخفش، وإبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدىّ، وأبو بكر الأنبارىّ، وعبد الرحمن بن الزّهرىّ، وأبو عمر الزاهد، وغيرهم.
وكان ثقة حجة صالحا ديّنا مشهورا بالحفظ «1» وصدق اللهجة، والمعرفة بالغريب ورواية الشعر القديم، مقدّما عند الشيوخ مد هو حدث. ويقال: إنّ أبا عبد الله الأعرابىّ كان يشكّ فى الشىء فيقول: ما عندك يا أبا العباس فى هذا! ثقة بغزارة حفظه.
ولد فى سنة مائتين. وكان يقول: طلبت العربية واللّغة فى سنة ست عشرة ومائتين، وابتدأت بالنظر فى حدود «2» الفرّاء «3» وسنّى ثمان عشرة سنة، وبلغت خمسا وعشرين سنة، وما بقى علىّ مسألة للفرّاء إلا وأنا أحفظها، وأحفظ موضعها من الكتاب، ولم يبق شىء من كتب الفرّاء فى هذا الوقت إلّا قد حفظته.
قال: سمعت من عبيد الله بن عمر القواريرىّ مائة ألف حديث. وقال: مات معروف الكرخىّ سنة مائتين، وفيها ولدت.(1/174)
وقال أبو محمد الزهرىّ: كان لثعلب عزاء ببعض أهله، فتأخرت عنه إذ لم أعلم، ثم قصدته معتذرا؛ فقال لى: يا أبا محمد، ما بك حاجة إلى تكلّف عذر؛ فإنّ الصديق لا يحاسب، والعدوّ لا يحتسب له.
وكان لا يتكلّف إقامة الإعراب فى كلامه إذا لم يخش لبسا فى العبارة، وذكر ذلك لإبراهيم الحربىّ «1» - رحمه الله، فقال: أيش «2» يكون إذا لحن فى كلامه! كان هشام النحوىّ يلحن فى كلامه، وكان أبو هريرة يكلّم صبيانه بالنّبطية «3» .
ودخل عليه رجل جاهل، فقال له: يا أبا العباس، قد هجاك المبرّد، فقال:
بماذا؟ فأنشد:
أقسم بالمبتسم العذب ... ومشتكى الصّبّ إلى الصبّ
لو كتب النحو عن الرّبّ ... ما زاده إلا عمى القلب
قال الرازىّ: فقال أبو العباس: أنشدنى من أنشده أبو عمرو بن العلاء:
شاتمنى عبد بنى مسمع ... فصنت عنه النّفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقارى به ... ومن يعضّ الكلب إن عضا «4»
قال أبو العباس محمد بن عبيد «5» الله بن عبد الله بن طاهر: [قال لى أبى «6» ] : حضرت مجلس أخى محمد بن عبد الله بن طاهر، وحضره أبو العباس أحمد بن يحيى،(1/175)
وأبو العباس محمد بن يزيد النحوىّ، فقال أخى: قد حضر هذان الشيخان، وإنى أودّ أن أعلم أيّهما أعلم، فاجلس فى الدار الفلانية، واجمع بينهما، واسمع كلامهما.
قال: ففعلت ذلك، وتناظرا، ثم عدت إلى أخى، فسألنى عن أمريهما، فقلت:
لمّا شرعا فى النظر شاركتهما فى فهم ما قالا، ثم دقّقا، فلم أفهم من كلامهما الدقيق شيئا، وما يعلم أيّهما أفضل إلا من هو أعلم منهما «1» . فقال أخى: إنصافك أدقّ من كلامهما.
وسئل أبو بكر بن السّراج- رحمه الله: أيّهما أعلم؟ فقال: ما أقول فى رجلين، العالم بينهما! ولما مات المبرّد- رحمه الله- وقف رجل على حلقة أبى العبّاس أحمد ابن يحيى ثعلب، وأنشد:
بيت من الآداب أصبح نصفه ... خربا وباقى نصفه فسيخرب
مات المبرّد وانقضت أيامه ... ومع المبرّد سوف يذهب ثعلب
وأرى لكم أن تكتبوا ألفاظه ... إذ كانت الألفاظ فيما تكتب «2»
وذكر أن رجلا سأل ثعلبا عن مسألة فقال: لا أدرى، فقال: مثلك يقول: لا أدرى! فقال: لو أنّ لأمّك عدد ما للا أدرى بعرا لاستغنت «3» .
وقال ابن عبد الملك التاريخىّ «4» : ثعلب فاروق النحويين، والمعاير على اللّغويين من الكوفيين والبصريين؛ أصدقهم لسانا، وأعظمهم شأنا، وأبعدهم ذكرا؛(1/176)
وأرفعهم قدرا، وأصحّهم علما، وأوسعهم حلما، وأثبتهم «1» حفظا، وأوفرهم حظا فى الدين والدنيا.
وقال المفضّل «2» بن سلمة بن عاصم الضبىّ: رأس أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب النحوىّ، واختلف الناس إليه فى سنة خمس وعشرين ومائتين.
وقال ابن عبد الملك التاريخىّ: سمعت إبراهيم الحربىّ- وقد تكلم الناس فى الاسم والمسمّى- يقول: بلغنى أن أبا العباس أحمد بن يحيى النحوىّ قد كره الكلام فى الاسم والمسمّى، وقد كرهت لكم ما كره أحمد بن يحيى؛ ورضيت لكم ولنفسى ما رضى.
قال: وسمعت المبرّد يقول: أعلم الكوفيين ثعلب. فذكر له الفرّاء، فقال: لا يعشره «3» .
قال التاريخىّ: وكان [أبو الصّقر] «4» إسماعيل بن بلبل الوزير الشيبانىّ «5» قد ذكر أبا العباس أحمد بن يحيى للناصر لدين الله الموفّق بالله «6» ، فأخرج له رزقا سنيّا سلطانيّا، فحسن موقع ذلك من أهل العلم والأدب، وقال قائلهم لأبى الصّقر [و] «7» أبى العباس، فى أبيات ذكرها:(1/177)
فيا جبلى شيبان لازلتما لها ... حليفى «1» فخار فى الورى وتفضّل
فهذا ليوم الجود والسيف والقنا ... وأنت لبسط العلم غير مبخّل
عليك أبا العبّاس «2» كلّ معوّل ... لأنك بعد الله خير معوّل
فككت حدود النحو بعد انغلاقه ... وأوضحته شرحا وتبيان مشكل
فكم ساكن فى ظلّ نعمتك التى ... على الدهر أبقى من ثبير ويذبل «3»
فأصبحت للإخوان بالعلم ناعشا ... وأخصبت منه منزلا بعد منزل
وقال بعض الطاهرية «4» يوما لثعلب: لو علمت ما لك من الأجر فى إفادة الناس العلم لصبرت على أذاهم؛ فقال: لولا ذاك ما تعذّبت، ثم أنشد بعد هذا:
يعابثن «5» بالقضبان كلّ مفلّج ... به الظّلم «6» لم يفلل لهنّ غروب «7»
رضابا كطعم الشّهد يجلو متونه ... من الضّرو «8» أو غصن الأراك قضيب
أولئك لولا هنّ ما سقت نضوة «9» ... لحاج ولا استقبلت برد جنوب «10»
وقال أبو بكر بن مجاهد «11» المقرئ- رضى الله عنه وأرضاه: قال لى أبو العباس ثعلب: يا أبا بكر، اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه(1/178)
ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغلت أنا بزيد وعمرو، فليت شعرى ماذا يكون حالى فى الآخرة! فانصرفت من عنده، فرأيت تلك الليلة النبىّ صلى الله عليه وسلم فى المنام، فقال لى: أقرئ أبا العباس عنى السّلام، وقل له:
إنك صاحب العلم المستطيل.
قال أبو عبد الله الروذبارىّ «1» ، العبد الصالح، رضى الله [عنه] : أراد أنّ الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل، وأنّ جميع العلوم مفتقرة إليه.
مات أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب- رحمه الله- يوم السبت لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين ومائتين، وكان مولده سنة مائتين، ودفن فى مقبرة باب الشام، وقبره هناك ظاهر معروف.
وسئل الرياشىّ حين انصرف من بغداذ إلى البصرة فقال: ما رأيت فيهم أعلم من الغلام المنبّز «2» (أعنى ثعلبا) .
وكان ثعلب يدرس كتب الفرّاء والكسائىّ درسا، فلم يكن يعلم مذهب البصريين، ولا مستخرجا للقياس، ولا طالبا له؛ وكان يقول: قال الفرّاء، وقال الكسائىّ؛ فإذا سئل عن الحجة والحقيقة لم يأت بشىء.
وكان ختنه أبو علىّ «3» الدينورىّ زوج ابنته يخرج من منزله وهو جالس على باب داره يتخطّى أصحابه، ويمضى ومعه محبرته؛ يقرأ كتاب سيبويه على المبرّد فيعاتبه ثعلب على ذلك ويقول له: إذا رآك الناس تمضى إلى هذا الرجل وتقرأ عليه يقولون ماذا؟ فلم يكن يلتفت إلى قوله.(1/179)
وكان أبو علىّ هذا حسن المعرفة؛ قال له إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم المصعبىّ: يا أبا علىّ، كيف صار محمد [بن] يزيد النحوىّ أعلم بكتاب سيبويه من أحمد بن يحيى ثعلب؟، فقال: لأنّ محمد بن يزيد قرأه على العلماء، وأحمد بن يحيى قرأه على نفسه.
وكتب أبو نصر الطوسىّ «1» إلى أبى أحمد «2» من سرّ من رأى يقول: شككا فى حرف كذا وكذا، فصر إلى أبى العبّاس فسله عنه، فإنّه كان أحفظ لما سمعه منا.
وكان أبو العباس مع سعة رزقه، وكثرة موجوده ضيّق النفقة، مقتّرا على نفسه، ولم يكن مع علمه موصوفا بالبلاغة، وكان إذا كتب كتابا إلى أحد لم يخرج عن طباع العوام فى كتبهم، فإذا سئل عن علم الكسائىّ والفرّاء نقل العجب.
وكان هو ومحمد بن يزيد المبرّد شيخى وقتهما، وكان المبرّد يودّ الاجتماع به والمذاكرة، فيمتنع ثعلب من ذلك. وسئل ختنه الدّينورىّ عن ذلك، فقال: المبرّد حسن العبارة؛ فإذا اجتمعا حكم للمبرّد؛ فإن مذهب ثعلب مذهب المعلمين.
قال ثعلب: دخلت يوما إلى محمد بن عبد الله بن طاهر وعنده أبو العباس محمد بن يزيد- وكان محمد بن عيسى وصفه له- فلما قعدت قال لى محمد بن عبد الله:
ما تقول فى بيت امرئ القيس: «3»
له متنتان خظاتا كما ... أكبّ على ساعديه النّمر(1/180)
قال ثعلب: فقلت يقال: خظابظا، إذا كان صلبا مكتترا، وصف فرساء وقوله:
«كما أكبّ» ؛ أى فى صلابة ساعد النّمر إذا اعتمد على يده، والمتن: الطريقة «1» الممتدّة عن يمين الصّلب وشماله. والذى فيه من العربية أنه قال: خظتا، فلما تحرّكت التاء أعاد الألف من أجل الحركة والفتحة.
قال: فأقبل محمد بن عبد الله بوجهه على محمد بن يزيد، فقال له: أعز الله الأمير! إنما أراد فى «خظاتا» «2» الإضافة؛ أضاف خظاتا إلى «كما» . فقلت له:
ما قال هذا أحد. فقال محمد بن يزيد: بل سيبويه يقوله، فقلت لمحمد بن عبد الله:
لا والله، ما قال هذا سيبويه قطّ، وهذا كتابه فليحضر، ثم أقبلت على محمد بن عبد الله؛ فقلت: ما حاجتنا إلى كتاب سيبويه! أيقال: مررت بالزيدين صديقى «3» عمرو، فيضاف نعت الشىء إلى غيره؟ فقال محمد بن عبد الله- بصحة طبعه: لا، والله ما يقال هذا- ونظر إلى محمد بن يزيد- فأمسك ولم يقل شيئا. وقمت، ونهض المجلس.
قال البصريون: والقول ما قاله المبرّد، وإنما ترك الجواب أدبا مع محمد بن عبد الله بن طاهر لمّا تعجّل اليمين وحلف: لا يقال هذا. وهذا مما يدلّك على أنّ المبرّد كان خبيرا بمجالسة الأجلاء والخلفاء والملوك وآداب صحبتهم.
وقال ثعلب: صحبت أحمد بن سعيد بن سلم- وكان ظريفا يشبه الناس- فى سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وفارقته سنة خمس وعشرين ومائتين، وصحبت العباس بن بوكردان «4» إلى سنة ثلاث وأربعين ومائتين. وصحبت محمد بن عبد الله(1/181)
ابن طاهر فى هذه السنة أوّل يوم من المحرّم، وصحبته ثلاث عشرة سنة إلى أن توفّى- رحمه الله.
وقال: أقعدنى محمد بن عبد الله بن طاهر مع ابنه طاهر، وأفرد لى دارا فى داره، وأقام لنا وصيفة، وكنت أقعد معه إلى أربع ساعات من النهار، وأنصرف إذا أراد الغداء، فنمى ذلك إليه، فوجّه فكسا البهو والأروقة والمجالس الخيش «1» ، وأضعف ما كان يعدّ من الألوان والثلج والفاكهة والخوان «2» ، فلما حضر وقت الانصراف انصرفت، فنمى ذلك إليه، فقال للخادم الموكّل بطاهر: نمى إلىّ انصراف أحمد بن يحيى فى وقت الطعام والفاكهة، فظننت أنه استقلّ ما كان نحضره، وأنه لم يستطب الموضع، فأضعفنا ما كان يقام، وزدنا «3» فى الخيش، ثم نمى إلىّ أنه قد انصرف بعد ذلك، فتقول له عن نفسك: بيتك أبرد من بيتنا! أو طعامك أطيب من طعامنا! وتقول له عنّى: انصرافك إلى منزلك فى وقت الغداء هجنة «4» علينا.
فلما عرّفنى الخادم ذلك أقمت، فكنت على هذا الحال ثلاث عشرة سنة، وكان يتغدّى معنا من يحضر من خاصّته، مثل أبى عون وغيره، وكان يقيم لى مع ذلك كل يوم سبع وظائف «5» من الخبز الخشكار «6» ، ووظيفة من الخبز السّميذ «7» ، وتسعة(1/182)
أرطال من اللحم، وعلوفة رأس «1» ، وأجرى لى فى الشهر ألف درهم، وكان يتفقّد من يجرى عليه القوت من الخبز واللحم؛ حتى يصل ذلك إليه فى وقته، ولا يتأخر عنه.
خلّف ثعلب- رحمه الله- أحدا وعشرين ألف درهم وألفى دينار، ودكاكين بباب الشام؛ قيمتها يومئذ ثلاثة آلاف دينار، فردّ ماله على ابنه وابنته.
وأوصى إلى علىّ بن محمد الكوفىّ من تلاميذه، وتقدّم إليه فى دفع كتبه إلى أبى بكر أحمد بن إسحاق بن سعيد القطربّلىّ، فقال إبراهيم الزجّاج للقاسم بن عبيد الله:
هذه كتب جليلة فلا تفوتنّك، فأحضر خيران الورّاق، فقوّم ما يساوى عشرة دنانير بثلاثة دنانير، فبلغت أقلّ من ثلاثمائة دينار، [فأخذها القاسم بها] «2» .
وكان أبو سعيد السكرىّ كثير الكتب جدا، وكتب بخطه [ما] لم يكتبه أحد، وكان إذا لقى الرجال لا يفارقه كتاب، وكان أحمد بن يحيى ثعلب لا يرى بيده كتاب، ويتّكل على حفظه.
فأما إقتاره على نفسه، فإنّه كان غاية فيه. قال بعض أصحابه: دخلت عليه يوما، وقد احتجم، وبين يديه طبق فيه ثلاثة أرغفة وخمس بيضات وبقل وخلّ، وهو يأكل؛ فقلت له: يا أبا العباس، قد احتجمت؛ فلو أخذ لك رطل واحد من لحم، فأصلحت به قديرة «3» لكان أصلح، فقال: رطل لحم، وثمن توابل، ومثله أيضا للعيال، ما له معنى! قال ثعلب: دخلت على يعقوب بن السّكّيت، وهو يعمل بعض كتبه، فسألنى عن شىء من الإعراب، فتكلمت فيه، فلم يقع له فهمه، فصحت، فقال:
لا تصح، فإنما أريد أن أتعلّم، فاستحييت.(1/183)
وكان محمد بن عبد الله بن طاهر قد أجرى على ثعلب كما ذكرنا فى كلّ شهر ألف درهم، وعلى خليفته خمسمائة درهم، وعلى ختنه ثلاثمائة درهم.
قال ثعلب: سألنى محمد بن زياد الأعرابىّ- رحمه الله: كم لك من الولد؟
فقلت: ابنة، وأنشدته «1» :
لولا أميمة لم أجزع من العدم ... ولم أجب فى الليالى حندس الظّلم «2»
تهوى حياتى وأهوى موتها شفقا ... والموت أكرم نزّال على الحرم
وكان ثعلب لا يكاد يجتمع مع المبرّد فى مجلس، للسبب الذى تقدّم ذكره، فإذا تلاقيا فى الطريق تواقفا وتساءلا- رحمهما الله.
وكانت بنت أبى العباس قد استهلكت له ألف دينار من ألفى دينار، فطالبها بذلك أشدّ مطالبة، وأغلظ لها، وجمع عليها أصحابه، وناظرها بحضرتهم، فقالت له من وراء السّتر: أنت أعرف بموضع الدنانير، كان الوقت صيفا كما علمت، وكنت تخرج عنا بكرا «3» ؛ فإذا انتصف النهار ترجع إلينا؛ فتخلع ثيابك، وتقول: عندكم شىء نأكله؟ فتخرج إليك الجارية مائدة، عليها أرغفة سميذ؛ وقطعة من جدى أو دجاجة، أو بذج «4» ، وفضلة من جام «5» ، حلواء، فتأكل من ذلك، ولا تقول: من أين لكم هذا، فلا يزال ذلك دأبك، ولا تسأل عمّا يقدّم إليك، ولا عمّا ترى من الفاكهة والطّيبات؛ يا أصحابه، قولوا له: تلك الدنانير ذهبت فيما كنت تأكله ولا تسأل عنه؛ نأكل ونطعمك. فافترقا، وقد أوجبت عليه الحجّة، ولم يصل منها إلى درهم واحد.(1/184)
وكان أبو العباس فى آخر عمره قد ثقل سمعه، وساء خلقه، ولمّا مات دفن فى باب الشام، فى حجرة اشتريت له، وبنيت بعد ذلك. وكان سبب وفاته- كما شاء الله- أنه كان يوم جمعة قد انصرف من الجامع بعد صلاة العصر، وكان يتبعه جماعة من أصحابه إلى منزله، فلما صار إلى درب بناحية باب الشام اتّفق أن ابنا لإبراهيم بن أحمد البادرانىّ «1» يسير على دابة، وخلفه خادم على دابة، وقد قلق واضطرب، وكان أبو العباس هذا قد صمّ، ما يكاد يسمع الكلام إلا بعد تعب، وكان فى يده دفتر ينظر فيه، وقد شغله عما سواه، فصدمته دابّة الخادم، وهو لا يسمع حسّها لصممه، فسقط على رأسه فى هوّة من الطريق قد أخذ ترابها، فلم يقدر على القيام، فحمل إلى منزله، وهو كالمختلط يتأوّه من رأسه، وكان سبب وفاته من ذلك- رحمه الله.
قال ثعلب- رحمه الله: رأيت المأمون لمّا قدم من خراسان، وذلك سنة أربع ومائتين، وقد خرج من باب الحديد، وهو يريد قصر الرّصافة، والناس صفان إلى المصلّى. قال: فحملنى أبى على يده، فلما مر المأمون رفعنى على يده، وقال لى: هذا المأمون، وهذه سنة أربع، فحفظت ذلك عنه إلى الساعة، وكان سنى يومئذ أربع سنين.
وله من الكتب والتصنيف: كتاب المصون. كتاب اختلاف النحويين «2» . كتاب معانى القرآن. كتاب الموفّقى «3» فى مختصر النحو.
كتاب ما تلحن فيه العامة. كتاب القراءات. كتاب معانى الشعر.(1/185)
كتاب التصغير. كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف أو كتاب ما يجرى وما لا يجرى. كتاب الشواذ. كتاب الأمثال «1» . كتاب الأيمان.
كتاب الوقف والابتداء. كتاب استخراج الألفاظ [من الأخبار] «2» .
كتاب الهجاء. كتاب الأوسط «3» . كتاب إعراب القرآن. كتاب المسائل. كتاب حدّ النحو. كتاب تفسير كلام ابنة الخسّ «4» .
كتاب المجالس «5» .
87- أحمد بن يحيى بن سهل بن السّرىّ أبو الحسين الطائىّ المنبجىّ [1]
الشاهد المقرئ النحوىّ. سكن دمشق، وكان وكيلا فى الجامع، وروى بها عن عدّة من المشايخ الذين روى عنهم، وروى عن الأدباء اللغويين، منهم
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 172، وتلخيص ابن مكتوم 24، ومعجم الأدباء 5: 150- 151. والمنبجىّ، بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء: منسوب إلى منبح إحدى بلاد الشام.(1/186)
أبو العباس «1» أحمد بن فارس، وتوفّى بدمشق سنة خمس عشرة وأربعمائة، ووثّقوه فى روايته.
88- أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان بن المهاجر المصرىّ مولى قيسبة بن كلثوم السّومىّ [1]
يكنى أبا عبد الله. كان عالما بالشعر والأدب والأخبار وأيام الناس والأنساب والفقه. وكان يجالس عبد الله بن وهب، وكان مولده فى سنة إحدى وسبعين ومائة. وتوفّى فى شوّال سنة خمسين ومائتين فى حبس ابن المدبّر صاحب الخراج- لخراج كان عليه- ودفن يوم الأحد لاثنتين وعشرين ليلة خلت من شوّال.
89- أحمد بن يعقوب بن يوسف الأصبهانىّ أبو جعفر النحوىّ المعروف ببزرويه [2]
غلام نفطويه. أصبهانىّ سكن بغداذ. روى عن أبى خليفة الفضل بن الحباب، ومحمد بن العباس اليزيدىّ، وتصدّر لإقراء النحو والعربية إلى أن مات فى رجب سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. ذكر ذلك أبو بكر بن شاذان.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 318 ا، وبغية الوعاة 174، وتلخيص ابن مكتوم 25، وتهذيب التهذيب 1: 89، وخلاصة تذهيب الكمال 12، واللباب 1: 578، ومعجم الأدباء 5: 149- 150. والسومىّ، بفتح السين المشدّدة وسكون الواو: منسوب إلى بنى سوم، قبيلة يمنية.
وفى اللباب: «مولى بشر بن كلثوم السومىّ» .
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 175، وتاريخ بغداد 5: 226، وتلخيص ابن مكتوم 25- 26، ومعجم الأدباء 5: 152- 153، ونزهة الألباء 365. و «برزويه» كعمرويه يوافق ما فى معجم الأدباء وبغية الوعاة، وتاريخ بغداد. وفى الأصل «بزويه» .(1/187)
90- أحمد بن عبد الله بن شبيل بن الرّدينىّ أبو رياش بن أبى هاشم القيسىّ الرّبعىّ اللغوىّ اليمامىّ [1]
هكذا نقلت نسبه. واليمامة: مدينة بالبادية من بلاد العوالى، «1» وكان من المتوسّعين فى الحفظ، حتى قيل إنه حفظ من اللغة خمسة آلاف ورقة، ومن الشعر عشرة آلاف بيت، وله شعر كان يحذو فيه حذو الأوائل. وكان بينه وبين ابن لنكك «2» البصرىّ ملاحاة شديدة، وعداوة متباينة، وهجاه ابن لنكك، ولم يجبه أبو رياش، وكان منقطعا إلى الوزير أبى محمد الحسن بن محمد المهلّبىّ. وتوفّى فى سنة خمسين وثلاثمائة.
ومن شعره يمدح أبا حامد ورقاء بن محمد بن ورقاء الشيبانىّ من قصيدة:
إلى ماجد لم يبق فى الأرض مشرق ... ولا مغرب إلّا له فيه حامد
فتى من بنى شيبان أوفى به العلا ... فأشرف خال لا يسامى ووالد
ومنها:
ترى الناس أفواجا إليه لكلّهم ... عليه من المعروف حاد وقائد
فما ضلّ منتاب «3» ولا خاف عائذ ... ولا ذيد «4» هيمان ولا خاب رائد
جميل المحيّا يجعل المال جنّة ... لأعراقه ما وحّد الله ساجد
__________
[1] . سبق أن ترجم له المؤلف فى هذا الجزء برقم 5 ص 60 باسم: «أحمد بن إبراهيم الشيبانىّ أبى رياش اللغوىّ» ، وترجم له أيضا فى باب الكنى. والأخبار التى أوردها متفرقة فى التراجم الثلاث ذكرها ياقوت مجتمعة فى ترجمة واحدة. انظر معجم الأدباء (2: 123- 131) .(1/188)
91- أحمد بن عبد الله بن عبد الجليل التّدميرىّ الأندلسىّ اللغوىّ أبو العباس [1]
من أماثل النحاة واللغويين، عالم بالعربية واللغة، أديب فاضل، يدلّ على فضله شرحه لمقصورة أبى بكر بن دريد، فإنه أودعها علما جمّا من أنواع علم العربية، حتى إنه لم يشرحها أحد من العلماء كشرحه، وله فى خطبتها شعر يمدح به من صنّفها له، ومنه:
إمام همام ما استمرّت مريرة «1» ... من الأمر إلا منذ كان أميره
92- إبراهيم بن عبد الله أبو إسحاق الغزّال الهمذانىّ اللغوىّ [2]
كان من أئمة اللّغة والعربية، وفيه فضل وأدب. أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ فى إجازته العامّة. قال: أنشدنى أبو القاسم الحسن بن الفتح بن حمزة الهمذانىّ قال: أنشدنى إبراهيم بن عبد الله الغزّال اللّغوىّ لنفسه، وكان يتبجّح «2» بهما:
والبرق فى الديجور أهطل مزنة «3» ... أبدت نباتا أرضه كالزّرنب «4»
فوجدت بحرا فيه نار فوقه ... غيم يرى فيه كليل الغيهب «5»
__________
[1] . لم أعثر له على ترجمة، ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص؛ ولكنى وجدت فى بغية الوعاة ص 138، وسلم الوصول ص 93، والمعجم لابن أبار ص 41، وكشف الظنون ص 508، 604، 1273 ترجمة لأحمد بن عبد الجليل بن عبد الله أبو العباس التدميرىّ، وذكروا له من المصنفات: التوطئة فى النحو، وشرح أبيات الجمل، وشرح الفصيح. ولم يذكر واحد من هؤلاء أنه شرح مقصورة ابن دريد، ولم يذكره صاحب كشف الظنون فيمن شرحوها. والتدميرىّ: منسوب إلى تدمير، وهى من بلاد الأندلس، ضبطها ياقوت بضم التاء، وضبطها السمعانىّ وابن الأثير فى اللباب بالفتح.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 182، ومعجم الأدباء 1: 202، ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.(1/189)
93- إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله بن ديسم أبو إسحاق الحربىّ [1]
العالم الكامل، الفاضل، اللغوىّ، المحدّث. ولد فى سنة ثمان وتسعين ومائة.
روى عن العالم الجمّ من العلماء، وروى عنه من الأدباء أبو بكر بن الأنبارىّ النحوىّ، [و] أبو عمر الزاهد صاحب ثعلب.
وكان إماما فى العلم، رأسا فى الزهد، عارفا بالفقه، بصيرا بالأحكام، حافظا للحديث، قيّما بالأدب، جمّاعا للّغة. وصنّف كتبا كثيرة؛ منها:
غريب الحديث، وهو أجلّ كتاب، وأكبر ما صنّف فى هذا النوع. «1»
وكان أصله من مرو. قال: أمّى تغلبيّة، وكان أخوالى نصارى أكثرهم.
وصحبت قوما من الكرخ على الحديث «2» - وعندهم ما جاز قنطرة العتيقة «3» من الحربيّة- فسمونى «الحربىّ» بذلك.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 162 ا، وبغية الوعاة 178، وتاريخ بغداد 6: 27- 40، وتاريخ أبى الفدا 2: 58، وتاريخ ابن كثير 11: 79، وتلخيص ابن مكتوم 27، وشذرات الذهب 2: 190، وصفة الصفوة 2: 228- 232، وطبقات الشافعية 2: 26- 27، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 163- 164، وفهرست ابن النديم 231- 232، وفوات الوفيات 1: 4- 5، وكشف الظنون 1205، 1424، ومرآة الجنان 2: 209- 210، ومعجم الأدباء 1: 112- 129، ومعجم البلدان 3: 245، والنجوم الزاهرة 3: 116، ونزهة الألباء 276- 278. والحربىّ، بفتح الحاء: منسوب إلى الحربية، وهى محلة كبيرة ببغداد.(1/190)
وورث أموالا كثيرة، فأنفقها على طلب الحديث. ومن زهده أنّه ما احتفل فى ملبسه ولا فى مأكله يوما قطّ، ولا شكا مرضا يجده إلى أحد من أهله. وأقام سنين ينظر بفرد عين، وما أعلم أحدا بذلك، وأفنى من عمره ثلاثين سنة لا يأكل سوى رغيفين؛ إن جاءته أمّه وأخته بهما، وإلا بات جوعان «1» . واقتنع ثلاثين أخرى برغيف فى كلّ يوم، إن جاءه أكل، وإلا بات جوعان، وربّما مشى قطعة من زمانه بنصف رغيف وأربع عشرة تمرة.
وغابت امرأته عنه عند بنته زائرة لمرضها، فكانت مؤنته فى الشهر بدرهم ودانقين «2» ونصف. واشترى صابونا، ودخل الحمام بدانقين، فقامت نفقة الشهر- وهو رمضان- بدرهم وأربعة دوانق [ونصف] .
وقال: «3» ما كنا نعرف من هذه الصّباغ «4» شيئا سوى باذنجانة مشوية، أو لعيقة بنّ، «5» أو باقة فجل. وما تروّح بمروحة قط، ولا روّح، ولا أكل من شىء واحد فى يوم مرتين.
وجاء إنسان «6» إلى إبراهيم الحربىّ يشكو إليه ضائقة أدركته؛ فقال له إبراهيم:
لا تقنط؛ فإن مع العسر يسرا، ولقد ضقت مرة حتى عدمنا القوت، فقالت لى امرأتى: إن الصبيّين لا يصبران على ما نصبر عليه، فأعطنى شيئا من كتبك(1/191)
نبعه، ونتفرّج به، فشحّت نفسى بالكتب، وقلت لها: أمهلينى «1» بقيّة اليوم والليلة، فالله مرجوّ الفرج، فما دخل الليل حتى دقّ الباب، فقلت: من؟ قال: رجل، قلت: ادخل. قال أطف «2» السراج؛ قال: فكببت على السراج شيئا، ودخل فوضع شيئا كان معه إلى جانبى، [وانصرف] «3» ، فرفعت الغطاء عن السّراج، فإذا شىء ملفوف، فكشفته فإذا هى أطعمة، وإذا فيها قرطاس فيه خمسمائة درهم، فقلت للمرأة: أنبهى الصّبيّين ليأكلا، وأوفى ما علينا من دين.
فلما أصبحت جلست على باب الدار، وإذا رجل معه جملان محمّلان، وكان الحاجّ»
الخراسانىّ قد قدم، وهو يسأل عن بيت إبراهيم الحربىّ، فقلت له: أنا إبراهيم، فقال: قد سيّر إليك رجل من خراسان هذين الحملين، وهما ورق خراسانىّ، فقلت: من هو؟ فقال: قد أحلفنى ألّا أذكر لك اسمه، فأخذتهما منه، ودعوت الله لمرسلهما وللحامل.
وسيّر إليه المعتضد «5» عشرة آلاف درهم، فلم يقبلها، فقيل له: فرّقها فى جيرانك، فقال للرسول: قل لأمير المؤمنين: هذا مال ما تعبنا فى جمعه، فلا نتعب فى تفريقه، فإن تركنا أمير المؤمنين، وإلا رحلنا من جواره.
وسيّر إليه المعتضد وهو مريض ألف دينار، فلم يقبلها وردّها، فخاصمته بنته، فقال لها: أتخشين إذا متّ الفقر؟ فقالت: نعم. قال لها: فى تلك الزاوية اثنا عشر ألف جزء حديثية ولغويّة وغير ذلك، كتبتها بخطّى، فبيعى منها كلّ يوم جزءا بدرهم. ومن له اثنا عشر ألف درهم ليس بفقير!(1/192)
وقال ثعلب: ما فقدت إبراهيم الحربىّ من مجلس لغة أو نحو خمسين سنة.
وقال له رجل- وقد رأى كتبه: كيف قويت على جمعها؟ فغضب إبراهيم وقال: بلحمى ودمى، وبلحمى ودمى!.
ومات إبراهيم الحربىّ- رحمه الله- يوم الاثنين لسبع بقين من ذى الحجة، ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من ذى الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين. وصلّى عليه يوسف بن يعقوب القاضى فى شارع باب الأنبار، وكان الجمع كثيرا جدا.
وكان يوم مطر، وحمل ودفن فى بيته.
94- إبراهيم بن إسماعيل الطرابلسىّ اللغوىّ المغربىّ الإفريقىّ المعروف بابن الأجدابىّ [1]
من أهل اللغة، وممن تصدّر فى بلده، واشتهر بالعلم. وأجدابية «1» : قرية من قرى إفريقية ينسب سلفه إليها، وكانت له يد جيّدة فى اللغة وتحقيقها وإفادتها، وهو متأخر، وصنّف فى اللغة مقدّمة لطيفة، سماها كفاية المتحفّط يشتغل بها الناس فى الغرب ومصر «2» .
95- إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو إسحاق الطبرىّ النحوىّ [2]
يعرف بتيزون «3» . كان من أهل الفضل والأدب، وسكن بغداذ، وصحب أبا عمر الزاهد صاحب ثعلب، وأخذ عنه وعن غيره علما كثيرا «4» . وذكر أبو القاسم بن
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 178، وتلخيص ابن مكتوم 27، وكشف الظنون 1399، 1500، ومعجم الأدباء 1: 130، ومعجم البلدان 1: 123.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 177، وتاريخ بغداد 6: 17، ومعجم الأدباء 1: 109- 111، ونزهة الألباء 405- 406.(1/193)
الثّلّاج أنه حدّثه عن إبراهيم بن عبد الوهاب الأبزارىّ «1» الطبرىّ صاحب أبى حاتم السّجستانىّ، وكان يكتب خطا حسنا صحيحا، ينافس فى تحصيله الرّغبة فى الأدب.
نقلت من خط ابن الرّزّاز «2» البغداذىّ فى الوفيات التى جمعها «وفيها- يعنى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة- توفى أبو إسحاق الطبرىّ النحوىّ- يعرف بتيزون- وذلك فى جمادى الأولى» .
96- إبراهيم بن السرىّ بن سهل أبو إسحاق الزّجّاج النحوىّ [1]
صاحب كتاب معانى القرآن «3» . كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، وله مؤلّفات حسان فى الأدب.
قال أبو محمد بن درستويه النحوىّ: حدّثنى الزّجاج قال: كنت أخرط الزّجاج، فاشتهيت النحو، فلزمت المبرّد لتعلّمه- وكان لا يعلّم مجانا، ولا يعلّم
__________
[1] . ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافىّ 108، وإشارة التعيين الورقة 2، والأنساب 272 ا، وبغية الوعاة 179- 180، وتاريخ بغداد 6: 89- 95، وتاريخ أبى الفدا 2: 72، وتاريخ ابن كثير 11: 148- 149، وتلخيص ابن مكتوم 28- 29، والتهذيب للأزهرىّ 1: 13، وتهذيب الأسماء واللغات 2: 170- 171، وابن خلكان 1: 11- 12، وروضات الجنات 44- 45، وسلم الوصول 18، وشذرات الذهب 2: 259- 260، وطبقات الزبيدىّ 81- 82، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 165- 168، والفهرست 60- 61، وكشف الظنون 575، 723، 1391: 1399، 1428، 1438، 1445، 1446، 1447، 1451، 1459 1980، واللباب: 1: 397، ومراتب النحويين 136، والمزهر 2: 409، 420، 465، ومعجم الأدباء 1: 130- 151، والنجوم الزاهرة 3: 208، ونزهة الألباء 308- 312.(1/194)
بأجرة إلا على قدرها- فقال لى: أىّ شئ صناعتك؟ قلت: ألخرط الزجاج، وكسبى فى كل يوم درهم ودانقان، أو درهم ونصف، واريد أن تبالغ فى تعليمى، وأن أعطيك كلّ يوم درهما، وأشرط لك أنى أعطيك إياه أبدا، إلى أن يفرق الموت بيننا: استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه.
قال: فلزمته، وكنت أخدمه «1» فى أموره مع ذلك، فأعطيه الدرهم، فينصحنى فى العلم حتى استقللت، فجاءه كتاب بعض بنى مارمة «2» من الصّراة «3» ، يلتمسون معلّما نحويّا لأولادهم، فقلت: أسمنى لهم، فأسمانى، فخرجت، فكنت أعلّمهم، وأنفذ إليه فى كل شهر ثلاثين درهما، وأتفقّده بعد ذلك بما أقدر عليه.
ومضت مدة على ذلك، فطلب منه عبيد الله بن سليمان «4» مؤدّبا لابنه القاسم.
فقال له: لا أعرف لك إلا رجلا زجّاجا بالصّراة، مع بنى مارمة. قال: فكتب إليهم عبيد الله، فاستنزلهم عنى، فنزلوا له، فأحضرنى، وأسلم القاسم إلىّ. فكان ذلك سبب غناى، وكنت أعطى المبرّد ذلك الدرهم فى كلّ يوم إلى أن مات، ولا أخليه من التفقّد معه بحسب طاقتى.
وحكى أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن عيّاش القاضى: حدثنى أبو إسحاق الزّجاج قال: كنت أؤدّب القاسم «5» بن عبيد الله فأقول له: إن بلّغك الله مبلغ أبيك، وولّيت الوزارة ماذا تصنع بى؟ فيقول: ما أحببت، فأقول له: تعطنى عشرين ألف(1/195)
دينار- وكانت غاية أمنيّتى- فما مضت إلا سنون حتى ولى القاسم الوزارة، وإنّى على ملازمتى له، وقد صرت نديما له، فدعتنى نفسى إلى إذكاره بالوعد؛ ثم هبته، فلما كان فى اليوم الثالث من وزارته قال لى: يا أبا إسحاق، لم أرك أذكرتنى بالنّذر! فقلت: عوّلت على رعاية الوزير- أيّده الله- وأنّه لا يحتاج إلى إذكار لنذر عليه فى أمر خادم واجب الحق، فقال لى: إنه المعتضد، ولو لاه «1» ما تعاظمنى دفع ذلك كلّه إليك فى مكان واحد، ولكن أخاف أن يصير لى معه حديث، فاسمح لى بأخذه متفرّقا، فقلت: يا سيدى افعل. فقال: اجلس للناس، وخذ رقاعهم فى الحوائج الكبار؛ واستجعل «2» عليها، ولا تمتنع من مسألتى شيئا تخاطب فيه، صحيحا كان أو محالا، إلى أن يحصل لك مال النّذر. قال: ففعلت ذلك، وكنت أعرض عليه كلّ يوم رقاعا، فيوقّع فيها، وربما قال لى: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول: كذا وكذا، فيقول: غبنت! هذا يساوى كذا وكذا، ارجع فاستردّ، فأراجع القوم، فلا أزال أماكسهم «3» ويزيدوننى، حتى أبلغ الحدّ الذى رسمه.
قال: وعرضت عليه شيئا عظيما، فحصلت عندى عشرين ألف دينار وأكثر منها فى مديدة. فقال لى بعد شهور: يا أبا إسحاق، حصل مال النّذر؟ فقلت: لا، فسكت، وكنت أعرض عليه؛ فيسألنى فى كل شهر أو نحوه: هل حصل المال؟
فأقول: لا، خوفا من انقطاع الكسب، إلى أن حصل عندى ضعف ذلك المال.
وسألنى يوما، فاستحييت من الكذب المتّصل، فقلت: قد حصل ذلك ببركة الوزير، فقال: فرّجت والله عنى، فقد كنت مشغول القلب إلّا أن يحصل لك.(1/196)
قال: ثم أخذ الدواة، فوقّع لى إلى خازنه بثلاثة آلاف دينار صلة، فأخذتها، وامتنعت أن أعرض عليه شيئا، ولم أدر كيف أقع منه، فلما كان من غد جئته، وجلست على رسمى، فأومأ إلىّ: هات ما معك؛ يستدعى منى الرّقاع على الرسم، فقلت: ما أخذت من أحد رقعة؛ لأن النّذر قد وقع الوفاء به- ولم أدر كيف أقع من الوزير- فقال: يا سبحان الله! أترانى كنت أقطع عنك شيئا قد صار لك عادة، وعلم به الناس، وصارت لك به منزلة عندهم وجاه، وغدوّ إلى بابك ورواح، ولا يعلم سبب انقطاعه، فيظنّ ذلك لضعف جاهك عندى، أو تغيّر رتبتك! اعرض علىّ على رسمك، وخذ بلا حساب. فقبّلت يده، وباكرته من غد بالرقاع، فكنت أعرض عليه كلّ يوم شيئا إلى أن مات، وقد تأثّلت حالى هذه- رحمه الله.
قال أبو على الفارسىّ: دخلت مع شيخنا أبى إسحاق الزجّاج على القاسم بن عبيد الله الوزير، فورد إليه خادم، وسارّه بشىء استبشر له، ثم تقدّم إلى شيخنا أبى إسحاق بالملازمة إلى أن يعود، ثم نهض، فلم يكن بأسرع من أن عاد، وفى وجهه أثر الوجوم «1» ، فسأله شيخنا عن ذلك، لأنس كان بينه وبينه، فقال له: كانت تختلف إلينا جارية لإحدى المغنيات، فسمتها «2» أن تبيعنى إياها، فامتنعت من ذلك، ثم أشار عليها أحد من ينصحها بأن تهديها إلىّ، رجاء أن أضاعف لها ثمنها، فلما وردت أعلمنى الخادم بذلك، فنهضت مستبشرا لافتضاضها، فوجدتها قد حاضت، فكان منّى ما ترى. فأخذ شيخنا الدواة من بين يديه وكتب:
فارس ماض بحربته ... حاذق بالطّعن فى الظّلم
رام أن يدمى فريسته ... فاتّقته من دم بدم(1/197)
وذكر أنه جرى بين الزّجاج وبين «1» مسينة- وكان من العلماء- شرّ استحكم حتى خرج الزّجاج إلى حدّ الشتم، فكتب إليه مسينة:
أبى الزجّاج إلا شتم عرضى ... لينفعه فآثمه «2» وضرّه
وأقسم صادقا ما كان حرّ ... لينطق لفظه فى شتم حرّه
ولو أنى كررت لفرّ منى ... ولكن للمنون علىّ كرّه
فأصبح قد وقاه الله شرّى ... ليوم لا وقاه الله شرّه
فلما اتصل هذا بالزجاج قصده معتذرا إليه، وسأله الصفح.
واجتاز يوم نيروز بشارع الأنبار راكبا، فصبّ عليه بعض الصبيان ماء، فأنشأ يقول، وهو ينفض رداءه من الماء:
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه ... ولا خير فى وجه إذا قلّ ماؤه
وسأل الجماعة «3» ، فقيل هو الزجّاج.
قال أبو الفتح عبيد الله بن أحمد النحوىّ: توفّى أبو إسحاق إبراهيم بن السرىّ الزجّاج النحوىّ فى جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. وقال غيره مات يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من الشهر، وقيل: توفى ببغداذ فى سنة ست عشرة وثلاثمائة، وقد أناف على الثمانين. وكان الزجّاج نديما للمكتفى.
وقال الأوارجىّ «4» الكاتب: وحدّثنى بعض أصحابنا أن الزجّاج قال: لازمت خدمة عبيد الله بن سليمان الوزير ملازمة قطعتنى عن أبى العباس المبرّد وعن برّه(1/198)
وإجرائى عليه ما كان تعوّده منى، ثم مضيت إليه يوما، فقال لى: هل يقع حسد الإنسان إلا من نفسه؟ فقلت: لا، قال: فما معنى قول الله عز وجل: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ
، فلم أدر ما وجه ذلك، فقال: ينبغى أن تعلم أن هاهنا أشياء قد بقيت عليك، فاعتذرت إليه، ووعدته بالرجوع إلى ما تعوّده منى «1» .
وكانت «2» درجة الزجاج قد ارتفعت، ونادم المعتضد. وسبب اتصاله به أن بعض الندماء وصف للمعتضد كتاب جامع النطق الذى عمله محمد «3» النّديم، وهو محمد بن يحيى [بن أبى عبّاد] «4» ، ويكنى أبا جعفر، واسم أبى عباد «5» جابر «6» بن يزيد بن الصباح العسكرىّ، وكان حسن الأدب، ونادم المعتضد، وجعل كتابه جداول، فأمر المعتضد قاسم بن عبيد الله أن يتطلّب من يفسّر تلك الجداول، فبعث إلى ثعلب، وعرضه عليه، فلم يتوجّه إلى حساب الجداول، وقال: لست أعرف هذا، فأعطى للزجاج ففكّه، وتقدّم به، وصار له به رزق فى الفقهاء، ورزق فى الندماء «7» .(1/199)
وله من التصانيف كتاب ما فسّر من جامع النطق. كتاب معانى القرآن. كتاب الاشتقاق. كتاب القوافى. كتاب العروض.
كتاب الفرق. كتاب خلق الإنسان. كتاب خلق الفرس. كتاب مختصر فى النحو. كتاب فعلت وأفعلت. كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف. كتاب شرح أبيات سيبويه. كتاب النوادر. كتاب الأنواء.
وذكر أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدىّ الأصل، البصرىّ المنشأ، أحد أئمة الأدب، قال: حدّثنى أبو إسحاق الزجّاج، قال: كنا ليلة بحضرة القاسم بن عبيد الله نشرب- وهو وزير- فغنّت بدعة جارية عريب:
أدّل فأكرم به من مدلّ ... ومن ظالم لدمى مستحلّ
إذا ما تعزّز قابلته ... بذلّ وذلك جهد المقلّ
فأدّت فيه صنعة حسنة جدا، فطرب القاسم عليه طربا شديدا لجودة الصنعة والشعر، وأفرط، فقالت له بدعة: يا مولاى! إن لهذا الشعر خبرا حسنا، أحسن منه، قال: وما هو؟ قال: هو لأبى خازم القاضى. قال: فعجبنا من ذلك؛ من شدّة تقشف أبى خازم وورعه وتقبّضه «1» ، فقال الوزير: بالله يا أبا إسحاق، اركب إلى أبى خازم، واسأله عن هذا الشعر وسببه، فباكرته، وجلست حتى خلا وجهه، ولم يبق إلا رجل بزىّ القضاة، عليه قلنسوة، فقلت له: بيننا شىء أقوله على خلوة، فقال: ليس هذا ممّن أكتمه شيئا، فقصصت عليه الخبر، وسألته عن الشعر والسبب، فتبسم، وقال: هذا شىء قلته فى الحداثة، فى والدة هذا- وأومأ إلى القاضى الجالس، وإذا هو ابنه- وكنت إليها مائلا، وكانت لى مملوكة، فأمّا الآن فلا عهد لى بمثله منذ سنين، ولا عملت شعرا منذ دهر طويل، وأنا أستغفر الله مما مضى.(1/200)
قال: فوجم الفتى حتى ارفضّ عرقا، وعدت إلى القاسم فأخبرته، فضحك من خجل الابن، وكنّا نتعاود ذلك زمانا.
97- إبراهيم بن سفيان الزّيادىّ [1]
ورأيت فى بعض كتب المغاربة «سفيان» ، وقد سماه «شقيرا» ، وهو تصحيف، وإنما هو سفيان الزيادىّ أبو إسحاق النحوىّ.
قال أبو العباس المبرّد: هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان بن سلم بن [أبى] «1» بكر ابن عبد «2» الرحمن بن زياد بن أبيه. هكذا نسبه المبرّد.
وكان الزيادىّ قرأ كتاب سيبويه ولم يتممه. وقرأ على الأصمعىّ، وعلى غيره.
قال الزيادىّ: قرأت على الأصمعىّ هذا البيت: «3»
أغنيت شأنى فأغنوا اليوم شأنكم «4» ... واستحمقوا فى مراس الحرب أو كيسوا «5»
فصحّفت، فقلت: «أغنيت شاتى» ، فقال الأصمعىّ: «فاغنوا اليوم تيسكم» .
قال ابن السّكّيت: قال أبو الحسن: «6» الزيادىّ نسيج وحده، «7» الذى ينفرد برأيه، ولا يكاد يخطئ؛ وهو مدح من مدائح الرجال.
__________
[1] . ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافىّ 88- 89، والأنساب 283 ا، وبغية الوعاة 181، وتلخيص ابن مكتوم 29، وطبقات الزبيدىّ 69، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 169- 170، والفهرست 58، وكشف الظنون 501، 1427، 1467، واللباب 1: 515، ومراتب النحويين 122، والمزهر 2: 408، ومعجم الأدباء 1: 158- 161، ونزهة الألباء 269. وذكر ياقوت أن وفاته كانت سنة 249.(1/201)
وقال محمد بن إسحاق النديم فى كتابه: «1» «الزيادىّ، هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان ابن أبى بكر بن عبد الرحمن بن زياد بن أبيه، قرأ على الأصمعىّ وغيره من العلماء» . وله من الكتب: كتاب إخراج نكت كتاب سيبويه. كتاب الأمثال. كتاب النّقط والشكل. كتاب تنميق الأخبار. كتاب أسماء السحاب والرياح والأمطار.
98- إبراهيم بن زادرة أبو إسحاق السّجلماسىّ [1]
كان من العلماء المتقدّمين فى علم النحو واللغة، أديبا فاضلا، وله شعر. أنبأنا الحافظ أبو طاهر السّلفىّ فى إجازته العامة قال: «2» أخبرنا أبو شاكر أحمد بن محمد العثمانىّ، قال: أنشدنى أبو عبد الله محمد بن على بن زياد السّجلماسىّ المجاور بمكة- شرفها الله تعالى- بباب دار العجلة، قال: أنشدنى إبراهيم بن زادرة النحوىّ بسجلماسة لنفسه.
زعموا أن من تباعد يسلو ... ولقد زادنى التباعد وجدا
إنّ وجدى بكم وإن طال عهدى ... وجد يعقوب حين أصبح فردا
99- إبراهيم بن سعيد بن الطيب أبو إسحاق الرفاعىّ [2]
من عبد القيس، من ربيعة الفرس. أخبرنا أبو طاهر السّلفىّ، قال: سألت أبا الكرم «3» خميس بن على بن أحمد الحوزىّ «4» عن أبى إسحاق الرّفاعىّ فقال: هو من عبد القيس.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 34. والسجلماسىّ: منسوب إلى سجلماسة، وهى مدينة فى جنوب المغرب، فى طرف بلاد السودان.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 180، وتلخيص ابن مكتوم 34- 35، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 15، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 168- 169، ومعجم الأدباء 1: 154- 157، ونكت الهميان 88- 89. وذكر ابن الجزرىّ أنه مات سنة 394، وقال ياقوت فى معجم الأدباء:
إنه مات سنة 411، وعنه نقل الصفدىّ فى نكت الهميان، والسيوطىّ فى بغية الوعاة.(1/202)
وكان ضريرا، قدم صبيا ذا فاقة إلى واسط، فدخل الجامع، وجلس فى حلقة عبد الغفار الحضينىّ، «1» فتلقّن القرآن، وكان معاشه من أهل الحلقة، ثم أصعد «2» إلى بغداذ، فصحب أبا سعيد السّيرافىّ، وقرأ عليه شرح كتاب سيبويه، وسمع منه كتب اللغة والدواوين، وعاد إلى واسط، وقد مات عبد الغفار، فجلس صدرا يقرئ الناس فى الجامع.
ونزل محلّة الزّيدية «3» من واسط، وهناك تكون الشّيعة، فنسب إلى مذهبهم، ومقت على ذلك، وجفاه الناس. «4»
وكان شاعرا حسن الشعر جيّده. قال أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوىّ، أنشدنى أبو إسحاق الرفاعىّ لنفسه:
وأحبّة ما كنت أحسب أنّنى ... أبلى بينهم فبنت وبانوا
نأت المسافة فالتذكّر حظّهم ... منّى وحظّى منهم النسيان(1/203)
100- إبراهيم بن سعدان بن حمزة الشيبانىّ [1]
ذكره ابن عليل العنزىّ، «1» ونسبه هذه النسبة. وكان إبراهيم بن سعدان يؤدّب المؤيّد «2» ، وكان ذا منزلة عنده.
وقال ابن أبى طاهر: كان إبراهيم بن سعدان النحوىّ يؤدّب ولد المؤيّد بسرّ من رأى، ومنزله بقرب دار وصيف التركىّ، فلما استتر صالح بن وصيف فى أيام المهتدى هجم الأتراك على منزله لطلب صالح، فلم يجدوه فيه.
وقال أحمد بن محمد بن حسان فى حمار إبراهيم بن سعدان:
ألا أيّها العير «3» المصرّف لونه ... بلونين فى قرّ الشتاء وفى الصيف
هلمّ وقال الله من كل آفة ... إلى مجد مولاك الشفيق على الضّيف
101- إبراهيم بن صالح أبو إسحاق النيسابورىّ الورّاق الأديب [2]
كان من مذكورى الأدباء بنيسابور، وهو تلميذ أبى نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهرىّ، ومن شعره يهجو ابن زكريا المتكلّم الأصفهانىّ:
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 180، وتاريخ بغداد 6: 99، وتلخيص ابن مكتوم 29، ومعجم الأدباء 1: 151- 154، وذكره صاحب الأغانى فى 18: 138، و 20: 187.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 35، ودمية القصر 304، 308، وسماه باسم أبى صالح الوراق، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 170، ومعجم الأدباء 1: 162. وترجم له المؤلف ترجمة أخرى باسم: «صالح بن الوراق النيسابورىّ» رقم 305 من هذا الكتاب.(1/204)
أبا أحمد يا أشبه الناس كلّهم ... خلاقا وخلقا بالرّخال «1» النواسج «2»
لعمرك ما طالت بتلك اللّحى لكم ... حياة ولكن بالعقول الكواسج «3»
وقال فى معنى دود القزّ:
وبنات جيب ما انتفعت بعيشها ... ووأدتها «4» فنفعننى بقبور
ثم انبعثن عواطلا فإذا لها ... قرن الكباش إلى جناح طيور
102- إبراهيم بن عبد الله أبو إسحاق البغداذىّ النحوىّ النّجيرمىّ [1]
ونجيرم التى ينسب إليها هى محلّة بالبصرة؛ قاله الإمام أبو سعد السمعانىّ.
وأقول أنا: إنّ نجيرم قرية على ساحل البحر الهندىّ، فى طريق فارس من البصرة، وهى وسيراف على هذا المجرى، وأهل اللغة اليوم يسمونها نيرم، فإن كان أحد من أهلها استوطن البصرة، فعرفت محلّتهم بهذا الاسم فيمكن، وإلا فالمشهور ما ذكرته.
صحب إبراهيم بن عبد الله هذا أبا اسحق إبراهيم بن السرىّ الزجّاج، وأخذ عنه وأكثر، ونبغ فيمن نبغ من تلاميذه، وكان حسن الرواية، جميل التصنيف، حلو الشعر، ورحل عن بغداذ إلى مصر فى أيام كافور الإخشيدىّ، وكان كافور يعرف
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 181، وتلخيص ابن مكتوم 35، ومعجم الأدباء 1: 198- 200(1/205)
قدره، ويكثر برّه، وكان يتّجر فى الخشب، ويكتسب منه، وتبعه على ذلك جماعة من أهل بيته.
حضر يوما عند كافور، ودخل أبو الفضل بن عيّاش، «1» فدعا أبو الفضل لكافور بأن قال: «أدام الله أيام مولانا» ، بخفض أيام، فتبسم كافور، ونظر إلى أبى إسحاق النّجيرمىّ- وقد فطن للّحن- فقام أبو إسحاق النّجيرمىّ، وأنشد ارتجالا:
لا غرو أن لحن الداعى لسيدنا ... وغصّ من هيبة بالرّيق والبهر «2»
فمثل سيدنا حالت مهابته ... بين البليغ وبين القول بالحصر «3»
فإن يكن خفض «الأيام» من دهش ... من شدّة الخوف لا من قلّة البصر
فقد تفاءلت فى هذا لسيدنا ... والفأل نأثره عن سيد البشر «4»
فإنّ أيامه خفض بلا نصب «5» ... وإنّ دولته صفو بلا كدر
فأمر له كافور الإخشيدىّ بثلاثمائة دينار، ولابن عيّاش بمثلها.
103- إبراهيم بن على الفارسىّ النحوىّ اللغوىّ أبو إسحاق [1]
من الأعيان فى علم اللغة والنحو. ورد بخارى، فأجل وبجّل، ودرس عليه أبناء الرؤساء والكتّاب بها، وأخذوا عنه، وولى التّصفّح فى ديوان الرسائل، ولم يزل يليه إلى أن استأثر الله به.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 184، وتلخيص ابن مكتوم 26، وسلم الوصول 25، ومعجم الأدباء 1: 204- 205، ويتيمة الدهر 4: 140.(1/206)
وله شعر؛ منه ما كتب به إلى بعض الرؤساء يستهدى جبّة خزّ بيضاء، غير لبيس: «1»
وأعن على برد الشتاء بجبّة ... تذر الشتاء مقيّدا مسجونا
سوسيّة «2» بيضاء يترك لونها ... ألوان حسادى شواحب جونا «3»
عدراء لم تلبس ككفّك فى العلا ... تؤتى «4» عذاراها وتأبى العونا «5»
تسبى ببهجتها عيونا لم تزل ... تسبى قلوبا فى الهوى وعيونا»
وأخذ إبراهيم هذا عن أبى سعيد السّيرافىّ فأكثر، وكان قيّما بالكتاب.
104- إبراهيم بن عثمان أبو القاسم النحوىّ القيروانىّ المعروف بابن الوزّان [1]
إمام الناس فى النحو بذلك القطر، وكبيرهم فى اللغة العربية والعروض، مع قلّة ادّعاء، وصدق لهجة، وخفض جناح، وصحّة ودّ، ونقاء صدر.
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 2، وبغية الوعاة 183، والديباج المذهب 91، وسلم الوصول: 22، وشذرات الذهب 2: 372، وطبقات الزبيدىّ 168- 169، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 171- 172، ومعجم الأدباء 1: 203- 204.(1/207)
وانتهى من علم النحو فى حداثته إلى أن كان أبو محمد عبد الله بن محمد الأموى المكفوف؛ إذ وردت عليه مسائل من النحو سأله عنها، وطلب منه الإجابة فيها، وأقرّ له بالتقدّم فى ذلك، وانتهى من اللّغة والعربية إلى ما لعلّه لم يبلغ أحد قبله، وأمّا فى زمانه فما يشكّ فيه.
وحفظ كتاب العين للخليل بن أحمد، وقد حفظ قبل ذلك كتاب سيبويه، وكتاب المصنّف لأبى عبيد، وإصلاح المنطق لابن السّكّيت، وغيرها من كتب اللغة، ثم كتب الفرّاء، وكان يميل إلى قول أهل البصرة، مع علمه بقول الكوفيين، وكان يفضّل المازنىّ فى النحو، وابن السّكّيت فى اللغة.
قال بعض أهل الفضل هناك: ولو أن قائلا قال: إنه أعلم من المبرّد وثعلب أصدقه من وقف على علمه ونفاذه.
قال: وسمعت جماعة ممّن جالس ابن النحاس النحوىّ المصرىّ من أهل بلدنا وأهل المشرق، ثم جالس أبا القاسم يزعمون أنه أعلم من ابن النحاس، وأكمل نظرا، وكان أعلم من خلق الله، وهو مع ذلك حسن الاستخراج، ولقد كان يستخرج من مسائل النحو والعربية أمورا لم يتقدمه فيها أحد، وأمره فى ذلك يفوق كلّ أمر، وكان غاية فى استخراج المعمّى، وكان مقصّرا فى صناعة الشعر، ولم يكن يتعرّضه، «1» وربما أتى منه بشىء، ولا يحب أن يوسم به؛ وإنما صنعه فى آخر عمره. وله أوضاع فى النّحو واللغة.
وسأله رجل عن هذا البيت «2» وتقطيعه:
رجل بمكة قتل رجلا وسر ... رق الّذ كان فى عمامة يوسفا(1/208)
فقال: يتفعّل من الطويل والكامل؛ فتفعيله من الطويل على هذا التقطيع: «1»
رجلن بمكّتن قتر رجلنوسر ... رقلّل ذكانفى عمام تيوسفا
ومن الكامل: «2»
رجلنبمكّ كتنقتر رجلنوسر ... قللذكا نفيعما متيوسفا
والعرب تقول: رجل ورجل، وهى لغة بنى تميم وربيعة. قال شاعرهم:
وأحفظ من أخى ما حفظ منى ... ويكفينى البلاء إذا بلوت
وكان إذا سئل عن حرف من اللغة أورده ووسّع فيه. وتوفّى فى يوم عاشوراء من سنة ست وأربعين وثلاثمائة.
105- إبراهيم بن الفضل الهاشمىّ أبو إسحاق الأديب [1]
ذكره الحافظ أبو عبد الله بن البيّع «3» فى تاريخ نيسابور وقال: «أقام بنيسابور سنة خمس وسبعين [وثلاثمائة] «4» ، وسمعته يذكر سماعه من أبى محمد بن صاعد:
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 184، وتلخيص ابن مكتوم 30، ومعجم الأدباء 1: 207.(1/209)
سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن الفضل، سمعت أبا بكر محمد بن الحسن بن دريد ينشد لنفسه:
ودّعته حين لا تودّعه ... روحى «1» ولكنّها تسير معه
ثمّ افترقنا وفى القلوب له ... ضيق مكان وفى الدّموع سعه
106- إبراهيم بن قطن المهرىّ القيروانىّ [1]
كان عالما بالعربية، متصدّرا لإفادة هذا الشأن بمدينة القيروان، وقصده الناس لطلب ما عنده، واستفاد منه جماعة، وخمل ذكره بإشهار ذكر أخيه أبى الوليد عبد الملك بن قطن، «2» وهو كان سبب طلبه للعلم، وذلك أن أبا الوليد دخل على أخيه إبراهيم، ومدّ يده إلى كتاب من كتبه ينظر فيه- ولم يكن يعلم شيئا من هذا الشأن- فجذبه إبراهيم من يده، ووبّخه بالجهل به، فغضب أبو الوليد لما قابله به أخوه إبراهيم، وأخذ فى طلب العلم حتى علا عليه وعلى أهل زمانه، واشتهر ذكره، فخمل ذكر إبراهيم؛ حتى جهله الناس لشهرة أخيه، وكان إبراهيم يرى دين الإباضيّة. «3»
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 185، وتلخيص ابن مكتوم 30، وطبقات الزبيدىّ 153- 154، ومعجم الأذباء 1: 208.(1/210)
107- إبراهيم بن ليث بن إدريس التّجيبىّ أبو إسحاق الأندلسىّ المعروف بالقويدس [1]
كان من أهل قلعة «1» أيوب، ثم خرج عنها واستوطن طليطلة، وتأدّب بها، وبرع فى علم العربية، وأدّب بها الناس، وأفاد الطلبة زمانا طويلا، وكان عالما بعلم العدد والهندسة والفرائض، وكان بصيرا بعلم الهيئة، هيئة الأفلاك وحركات النجوم. قال القاضى صاعد بن الحسن: وعنه أخذت كثيرا من ذلك.
وتوفّى- رحمه الله- ليلة الأربعاء لثلاث بقين من رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وهو ابن خمس وأربعين سنة.
108- إبراهيم بن محمد الشمّاسىّ النحوىّ [2]
فى طبقة المبرّد، ونظر فى كتاب سيبويه، ولم يشتهر شهرة المبرّد.
109- إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلّب بن أبى صفرة أبو عبد الله العتكىّ الأزدىّ الواسطىّ الملقّب نفطويه النحوى [3]
سكن بغداد. حدّث وحدّث عنه، وكان صدوقا، وله مصنّفات كثيرة، وله شعر، منه:
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 30.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 31.
[3] ترجمته فى إشارة التعين الورقة 2- 3، وبغية الوعاة 187- 188، وتاريخ بغداد 6: 159- 162، وتاريخ أبى الفدا 2: 83، وتاريخ ابن كثير 11: 183، وتلخيص ابن مكتوم 31- 32، وتهذيب اللغة للأزهرىّ 1: 13، وابن خلكان 1: 11، وروضات الجنات 43- 44، وسلم الوصول 33- 34، وشذرات الذهب 2: 298- 299،-(1/211)
أستغفر الله ممّا يعلم الله ... إن الشقّى لمن لم يسعد الله
هبه تجاوز لى عن كلّ مظلمة ... واسوءتا من حياتى «1» يوم ألقاه
وله أيضا:
كم قد خلوت بمن أهوى فيمنعنى ... منه الحياء وخوف الله والحذر
كم قد خلوت بمن أهوى فيقنعنى ... منه الفكاهة والتّحديث والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لى فى حرام منهم وطر
كذلك الحبّ لا إتيان معصية ... لا خير فى لذة من بعدها سقر
قال أبو بكر بن شاذان: بكّر إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه يوما إلى درب الرّواسين، «2» فلم يعرف الموضع، فتقدّم إلى رجل يبيع البقل، فقال له: أيّها الشيخ، كيف الطريق إلى درب الرّواسين؟ قال: فالتفت البقلىّ إلى جار له، وقال:
يا فلان، ألا ترى إلى الغلام، فعل الله به وصنع! احتبس «3» علىّ، فقال: وما الذى تريد منه؟ فقال: لم يبادر ويجيئنى بالسّلق، «4» بأى شىء نصفع هذا العاضّ بظر أمّه! لا يكنى. قال: فتركه ابن عرفة، وانصرف ولم يجبه بشىء.(1/212)
ذكر «1» أنه توفّى يوم الأربعاء لست خلون من صفر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، ودفن فى يوم الخميس فى مقابر باب «2» الكوفة، وصلى عليه البربهارىّ «3» رئيس الحنابلة.
وذكر أن مولده سنة أربعين ومائتين، وكان يخضب «4» بالوسمة. «5» وقيل: إنه دفن فى يومه، وكان موته فى اليوم المقدّم ذكره بعد طلوع الشمس بساعة.
كان- رحمه الله- متقنا فى العلوم، وكان ينكر الاشتقاق «6» فى كلام العرب ويحيله، «7» وله فى ذلك مصنّف، وكل حجّة فيه مدخولة. وكان أبو بكر بن السرّاج فى طرف آخر فى هذا النوع، يتهافت فى الاشتقاق وإثباته واستعماله تهافتا يخرجه عن حدّ الحقيقة الماشية على أصول من تقدّم.
وقال الزّبيدىّ: «كان «8» نفطويه أديبا مفتنّا «9» فى الأدب، حافظا لنقائض جرير والفرزدق وشعر ذى الرّمّة وغيرهم من الشعراء، وكان يروى الحديث، وكان ضيّقا النحو، وكان يخضب رأسه ولحيته إلى أن مات، وكان سمج المنظر. وتوفّى ببغداذ سنة ثلاث وثلاثمائة لست خلون من صفر» .(1/213)
وقال رجل يهجوه: «1»
أحرقه الله بنصف اسمه ... وصيّر الباقى نواحا عليه «2»
وقال محمد بن إسحاق النديم فى كتابه: «3» «أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة ابن سليمان بن المغيرة بن حبيب بن المهلّب العتكىّ الأزدىّ. أخذ عن ثعلب والمبرّد، وسمع من محمد بن الجهم، وعبد الله بن إسحاق بن سلام، وأصحاب المدائنىّ. وأمّه من ولد خالد بن عبد الله المزنىّ، الطحّان المحدّث، ومولده سنة أربع وأربعين ومائتين. وكان طاهر الأخلاق، حسن المجالسة، وخلط نحو الكوفيين «4» بنحو البصريين، وكان مجلسه فى مسجد الأنباريّين بالغدوات، وتفقّه على مذهب داود «5»(1/214)
ورأس فيه. وتوفى فى صفر لست منه، سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، ودفن فى ثانى يوم موته بباب الكوفة، وصلى عليه ابن البربهارىّ.
وله من التصانيف: كتاب التاريخ. كتاب الاقتضابات «1» . كتاب غريب القرآن. كتاب المقنع فى النحو. كتاب الاستيفاء «2» فى الشروط.
كتاب الأمثال. كتاب الشهادات. كتاب يبطل الاشتقاق. كتاب الردّ على من قال بخلق القرآن. كتاب الردّ على المفضّل فى نقضه على الخليل «3» .
وذكره أبو عبد الله محمد بن عمران «4» المرزبانىّ فى كتابه فقال: «وأبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المهلّبىّ الواسطىّ. حدّثنى أبو الحسن على بن مالك قال:
أبو عبد «5» الله إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان بن عبد الله بن قبيصة «6» بن المهلّب ابن أبى صفرة، وأمه من ولد خالد بن عبد الله المزنىّ الطحّان، ومولده فى سنة أربع وأربعين ومائتين. وحدّثنى أبو عبد الله قال: أبو الهيثم خالد بن عبد الله المزنىّ جدّ جدّى لأمى، وتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، وفيها مات حمّاد بن زيد؛ ومالك بن أنس بن أبى عامر الأصبحىّ، وأبو الأحوص سلام بن سليم.(1/215)
وحدّثنى أحمد بن كامل القاضى قال: هو إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان ابن المغيرة بن حبيب بن المهلّب بن أبى صفرة، ومولده فى سنة خمس ومائتين.
والأوّل أثبت وأصح. وتوفّى- رحمه الله- يوم الأربعاء لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة. حضرت جنازته عشاء، ودفن فى مقابر باب الكوفة، وصلى عليه البربهارىّ- رحمه الله.
وكان- رحمه الله- يخضب بالوسمة، وكان من طهارة الأخلاق، وحسن المجالسة والصدق فيما يرويه على حال ما شاهدت عليها أحدا ممّن لقيناه. وكان يقول: جلست إلى هذه الأسطوانة «1» منذ خمسين سنة (هى مجلسه بجامع المدينة «2» ) .
وكان حسن الحفظ للقرآن أوّل ما يبتدئ به فى مجلسه بمسجد الأنباريّين بالغدوات إلى أن يقرئ القرآن على قراءة عاصم، «3» ، ثم الكتب بعدها، وكان فقيها عالما بمذهب داود الأصفهانىّ، رأسا فيه، سلّم له ذلك جميع أصحابه، وكان مسندا «4» فى الحديث، ثقة صدوقا؛ لا يتعلق عليه بشىء من سائر ما رووه. وكان حسن المجالسة للخلفاء والوزراء، متقن الحفظ للسّير وأيام الناس وتواريخ الزمان، ووفاة العلماء، وكانت له مروءة وفتوّة وظرف، ولقد هجم علينا يوما فى بستان كان له بالزّبيدية «5» فى سنة عشرين أو إحدى وعشرين وثلاثمائة، فرآنا على حال تبدّل، فانقبضت، وذهبت أعتذر إليه، فقال لى: التغافل عن النبيذ سخف «6» .(1/216)
وكان يقول من الشعر المقطّعات فى الغزل، وما جرى مجرى ذلك؛ كما يقول المتأدّبون؛ فمن ذلك ما أنشدنا لنفسه سنة اثنتى عشرة وثلاثمائة:
غنج الفتور «1» يدور «2» فى لحظاته ... والورد غضّ القلب فى وجناته
وتكلّ ألسنة الورى عن وصفه ... أو أن تروم بلوغ بعض صفاته
لا يعرف الإسعاف إلا خطرة ... لكنّ طول الصدّ من عزماته
لا يستطيع «نعم» ولا يعتادها ... بل لا تسوغ «لعلّ» فى لهواته «3»
وله فى العفة:
كم قد خلوت «4» بمن أهوى فيقنعنى ... منه الفكاهة والتّحديث والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لى فى حرام منهم وطر
كذلك الحبّ لا إتيان معصية ... لا خير فى لذة من بعدها سقر
وأنشدنا لنفسه:
تشكو الفراق وأنت تزمع رحلة ... هلّا أقمت ولو على جمر الغضا
فالآن عذ بالصّبر أو مت حسرة ... فعسى يردّ لك القضا «5» ما قد مضى «6»(1/217)
110- إبراهيم بن محمد بن زكريا الزّهرىّ النحوىّ الأندلسىّ أبو القاسم المعروف بابن الإفليلىّ [1]
روى عن أبى بكر محمد بن الحسن الزّبيدىّ كتاب النوادر لأبى علىّ القالىّ.
وكان متصدّرا بالأندلس، يقرئ علم الأدب، ويقرأ عليه، ويختلف فيه إليه.
وكان مع علمه بالنحو واللغة يتكلّم فى معانى الشعر وأقسام البلاغة والنقد لها. وله كتاب شرح فيه معانى شعر المتنبّى، وهو كتاب حسن.
ذكره ابن بشكوال «1» فى الصّلة فقال: «إبراهيم بن محمد بن زكريا بن مفرّج ابن يحيى بن زياد بن عبد الله بن خالد بن سعد بن أبى وقّاص القرشىّ الزّهرىّ، «2» المعروف بابن الإفليلىّ. من أهل قرطبة، يكنى أبا القاسم. قال الطّبنىّ: «3» أخبرنى أن إفليلا قرية من قرى الشام، كان هذا النّسب إليها. روى عن أبيه، وعن أبى عيسى الليثىّ، وأبى محمد القلعىّ، وأبى زكريا بن عائذ، وأبى عمر «4» بن [أبى] «5»
__________
[1] . ترجمته فى بغية الملتمس 199، وبغية الوعاة 186، وتلخيص ابن مكتوم 32، وابن خلكان 1: 12، والذخيرة لابن بسام 1: 241- 242، وسلم الوصول 32، وشذرات الذهب 3:
266، والصلة لابن بشكوال 1: 93- 94، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 175- 176، ومعجم الأدباء 2: 4- 9، ومعجم البلدان 1: 306- 307.(1/218)
الحباب، وأبى القاسم أحمد بن أبان، وغيرهم. وولى الوزارة «1» للمستكفى بالله بالأندلس.
وكان حافظا للأشعار واللغة، قائما عليها، عظيم السلطان على شعر حبيب الطائىّ وأبى الطّيب المتنبى، كثير العناية بهما خاصة، على عنايته الوكيدة بسائر كتبه. «2»
وكان ذاكرا للأخبار وأيام الناس، وكان عنده من أشعار أهل بلده قطعة صالحة، وكان أشدّ الناس انتقادا للكلام ومعرفة برائقه، «3» وعنى بكتب جمة، كالغريب المصنّف «4» والألفاظ «5» وغيرهما.
وكان صادق اللهجة، حسن الغيب، صافى الضّمير، حسن المحاضرة، مكرما لجليسه. لقى جماعة من أهل العلم والأدب، وجماعة من مشاهير المحدّثين.
ولد فى شوّال سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وتوفّى- رحمه الله- فى آخر الساعة الحادية عشرة وأوّل الساعة [الثانية] عشرة من يوم السبت الثالث عشر من ذى القعدة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، ودفن يوم الأحد بعد صلاة العصر فى صحن مسجد حرب، عند باب عامر، وصلى عليه محمد بن جهور بن محمد بن جهور «6» .(1/219)
111- إبراهيم بن محمد بن العلاء الكلابزىّ [1]
له فضل وعلم بالأدب؛ ورواية. فى طبقة ابن دريد. توفّى فى سنة ست عشرة وثلاثمائة.
112- إبراهيم بن محمد بن سعدان بن المبارك النحوىّ [2]
جمّاعة للكتب، وقد ذكرته فى موضع آخر من هذا الكتاب. صحيح الخط، صادق الرواية، جمع بين المذهبين فى النحو، وصنّف كتاب الخيل، لطيف «1» .
وكان لسعدان بن المبارك ابن يسمىّ إبراهيم، روى عن أبيه النّقائض، ورواها عنه أبو سعيد السّكرىّ.
113- إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن على بن الحسين بن على ابن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن على بن أبى طالب [3]
من أهل الكوفة. شريف فاضل، عارف باللغة والنحو والأدب. سافر إلى الآفاق، وأقام بمصر زمانا طويلا، وفاق على المصريين، ورجع إلى وطنه بالكوفة، وسكنها إلى أن توفّى. وسمع الحديث، وكان له شعر جزل.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 491 ب، وبغية الوعاة 188، وطبقات الزبيدىّ 129، ومعجم الأدباء 2: 3. سماه السمعانىّ فى الأنساب: «إبراهيم بن حميد» ، وقال: «والكلابزىّ، بفتح الكاف واللام والباء الموحدة المكسورة وفى آخرها الزاى، هذه النسبة إلى حفظ الكلاب وتربيتها والصيد بها» .
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 186، وتلخيص ابن مكتوم 33، وسلم الوصول 32، والفهرست 79، ومعجم الأدباء 1: 215- 216.
[3] ترجمته فى بغية الوعاة 188، وتلخيص ابن مكتوم 33، ومعجم الأدباء 2: 1- 14.(1/220)
ولما كان بمصر ضاق صدره، فأنشد:
فإن تسألينى كيف أنت فإنّنى ... تنكّرت دهرى والمعاهد» والصّحبا
وأصبحت فى مصر كما لا يسرّنى ... بعيدا عن الأوطان منتزحا غربا «2»
وإنّى فيها كامرئ القيس مرّة ... وصاحبه لمّا بكى ورأى الدّربا «3»
فإن أنج من بابى زويلى فتوبة ... إلى الله أن لا مسّ خفّى لها تربا
قال ولده «4» : قال لى أبى: قلت هذه الأبيات بمصر، وما كنت ضيّق اليد- وكان قد حصل من المستنصر «5» خمسة آلاف دينار مصرية- وصنف شرحا للّمع «6» متوسط فى الجودة، ومات بالكوفة فى شوال سنة ست وستين وأربعمائة، وله ثلاث وعشرون سنة «7» .(1/221)
114- إبراهيم بن محمد بن إبراهيم النّسائىّ الفراوىّ أبو إسحاق [1]
شيخ ظريف فاضل، له معرفة تامة بالأدب والشعر. كان بنيسابور، ورحل عنها، ورجع إلى خراسان، وأفاد واستفاد. وكان يروى عن العلاء بن عبد العزيز ابن محمد بن أبى نصر شعرا كثيرا لعبد القاهر الجرجانىّ النحوىّ «1» .
فمن ذلك ما قال: أنشدنى شيخى وأستاذى أبو نصر عبد العزيز بن محمد العلاء، للإمام عبد القاهر الجرجانىّ:
خلع الناس إهابا ... وتبدّوا فى إهاب «2»
إن إثراء «3» من الما ... ل بلثم للتراب
ليس من خيم الكريم ... الخيم والمحض اللّباب «4»
ليس بالإقبال ما ني ... ل بتقبيل الكلاب
إنّ باغى الربح والخس ... ران من باب وباب
تاجر غير بصير ... بمقادير الحساب
وقال أيضا: أنشدنى عبد العزيز بن محمد العلاء لعبد القاهر الجرجانىّ:
لا تأمن النّفثة من شاعر ... مادام حيّا سالما ناطقا
فإنّ من يمدحكم كاذبا ... يحسن أن يهجوكم صادقا
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 186، وتلخيص ابن مكتوم 33، ومعجم الأدباء 2: 14.
والنسائىّ: منسوب إلى نسا، وهى بلدة بخراسان، والفراوىّ: منسوب إلى فراوة؛ وهى بلدة مما يلى خوارزم؛ ضبطها السمعانىّ وابن الأثير فى اللباب بضم الفاء، وضبطها ياقوت بفتحها.(1/222)
وقال: أنشدنى أبو نصر العلاء لعبد القاهر:
لا يوحشنّك أنهم ما ارتاحوا ... مما جلاه عليهم المدّاح
فهم كقوم علّقت بإزائهم ... بيض المرائى والوجوه قباح
115- إبراهيم بن محمد العمرىّ النحوىّ [1]
أظنه شاميّا. روى عنه خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسىّ، وسماه النحوىّ، وكانت روايته عنه بصنعاء دمشق، وهى محلة خارجها بقرب العقيبة، خربت الآن، والله أعلم.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ، نزيل الإسكندرية فى إجازته العامة، لمن يقول فى وقت الإجازة- وذلك فى عام موته: «لا إله إلا الله محمد رسول الله «1» » . وكان عمرى إذ ذاك ثمانية أعوام، أخبرنا أبو الحرم مكىّ بن الحسن ابن المعافى الحبيلىّ بدمشق، أخبرنا أبو القاسم على بن محمد بن أبى العلاء المصّيصىّ، أخبرنا عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمىّ الدمشقى، حدّثنا خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسىّ، حدّثنا إبراهيم بن محمد العمرىّ النحوىّ بصنعاء، حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن يوسف الحذاقىّ، حدثنا عبد الملك بن الصباح بن الوليد، عن سفيان الثّورىّ، عن الأعمش، عن عطية العوفىّ، عن أبى سعيد الخدرىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الدرجات العلا يراهم من تحتهم كما ترون النجم فى الأفق من آفاق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما «2» » .
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 33- 34.(1/223)
116- إبراهيم بن مسعود بن حسان أبو إسحاق الضرير الملقّب بالوجيه الذكىّ [1]
من أهل الرّصافة «1» ، وجدّه حسان، يعرف بالشاعر. كان إبراهيم هذا من أكثر أهل زمانه محفوظا، وأتمهم فهما للنحو، وأحسنهم معرفة به مع صباه، حفظ أكثر الكتب الصغار المصنّفة فيه، وأتى على كتاب سيبويه إلا يسيرا منه.
وكان سريع الحفظ، ثابت الذهن، حاضر الجواب. قرأ على مصدق بن شبيب النحوىّ «2» وغيره، وكان ابن شبيب يراجعه فى أشياء تشكل عليه، وكان مشهورا فى فنّه، معترفا له بالفضل والمعرفة. توفى شابا فى يوم الثلاثاء، عاشر جمادى الأولى من سنة تسعين وخمسمائة، وصلّى عليه يوم الأربعاء، ودفن بالمقبرة المعروفة بالمالكية، المنسوبة إلى أحمد بن مالك الخزاعى، قريبة من الرّصافة ببغداذ، وعمره على ما قيل- سبع وعشرون سنة وثلاثة أشهر.
117- إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو إسحاق بن أبى محمد المعروف بابن اليزيدىّ [2]
بصرىّ سكن بغداذ، وكان ذا قدر وفضل، وحظ وافر من الأدب. سمع من أبى زيد الأنصارىّ، وأبى سعيد الأصمعىّ.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 189، وتلخيص ابن مكتوم 34، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 180، ومعجم الأدباء 2: 14- 15، ونكت الهميان 91. ولقبه الصفدىّ فى نكت الهميان بالوجيه الصغير، وقال: لأنه كان ببغداد نحوىّ آخر يعرف بالوجيه الكبير، واسمه المبارك.
[2] ترجمته فى الأغانى 18: 87- 91، والأنساب 600 أ، وبغية الوعاة 189- 190، وتاريخ بغداد 6: 210، وتلخيص ابن مكتوم 34، وسلم الوصول 38، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 29، والفهرست 50- 51، وكشف الظنون 1462، 1572، ومختصر تاريخ ابن عساكر 2: 308- 310، والمزهر، 2: 419، 462، ومعجم الأدباء 2: 97- 104، ونزهة الألباء 223- 226. واليزيدىّ: منسوب إلى يزيد بن منصور الحميرىّ خال المهدى الخليفة العباسىّ، وكان أبوه مؤدب ولده، معروفا به، وانظر حاشية ص 161 من هذا الجزء.(1/224)
وله كتاب مصنّف، يفتخر به اليزيديون، وهو: ما اتفق لفظه واختلف معناه نحو من سبعمائة ورقة، رواه عنه ابن أخيه عبيد الله بن محمد بن أبى محمد اليزيدىّ، وذكر إبراهيم أنه بدأ يعمل ذلك الكتاب، وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمله إلى أن أتت عليه ستون سنة، وله كتاب مصادر القرآن، وكتاب فى بناء الكعبة وأخبارها، وكان شاعرا مجيدا.
قال إبراهيم بن أبى محمد: كنت يوما عند المأمون، وليس معنا إلا المعتصم، فأخذت الكأس من المعتصم، فعربد «1» علىّ، فلم أحتمل ذلك، فأجبته، فأخفى ذلك المأمون، ولم يظهره ذلك الإظهار. فلما صرت من غد إلى المأمون، كما كنت أصير إليه قال لى الحاجب: أمرت ألا آذن لك. فدعوت بدواة وقرطاس، وكتبت:
أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
سكرت «2» فأبدت منّى الكأس بعض ما ... كرهت وما إن يستوى السّكر والصّحو
ولا سيما إذ كنت عند خليفة ... وفى مجلس ما إن يليق به اللّغو «3»
ولولا حميّا «4» الكأس كان احتمال ما ... بدهت «5» به لا شكّ فيه هو السّرو «6»
تنصّلت من ذنبى تنصّل ضارع «7» ... إلى من إليه يغفر العمد والسهو
فإن تعف عنى ألف خطوى واسعا ... وإلا يكن عفو فقد قصر الخطو
فأدخلها الحاجب، ثم رجع فأدخلنى، فمدّ المأمون باعيه، فأكببت على يديه، فقبلتهما، فضمنى إليه وأجلسنى.(1/225)
وقيل: إن المأمون وقّع على ظهر هذه الأبيات:
إنّما مجلس الندامى بساط ... للمودات بينهم وضعوه
فإذا ما انتهوا إلى ما أرادوا ... من حديث ولذة رفعوه
والذى ألفه إبراهيم بن أبى محمد يحيى بن المبارك من الكتب: كتاب ما اتفقت ألفاظه واختلف معناه. كتاب بناء الكعبة. كتاب المقصور والممدود.
كتاب مصادر القرآن، وبلغ فيه إلى سورة «الحديد» . ومات «1» - رحمه الله.
118- إسماعيل بن أحمد النحوىّ المعروف بابن الدّجاجىّ [1]
فاضل من النحاة، فى طبقة المبرّد، ولم يشتهر شهرته، ونظر فى كتاب سيبويه، وأفاد، واستفاد منه جماعة.
119- إسماعيل بن إبراهيم بن محمد الرّبعىّ اليمنىّ [2]
النحوىّ اللغوىّ الشاعر. من أهل صنعاء اليمن، وكان مؤدّبا لأولاد ملوك الصّليحيّين، «2» وله قصيدة فى غريب اللغة، جعل ترتيبها على ترتيب كتاب العين،
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 35.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 193، وتلخيص ابن مكتوم 35، وسلم الوصول 188، وكشف الظنون 1367.(1/226)
وسماها قيد الأوابد «1» ، أورد فيها خلال التفسير نوادر من محاسن الأخبار، وأنشد فيها محاسن من الأشعار، مما يليق بموضعه من فصول الكتاب، وأوّلها:
أجيبوا يا ذوى التّحصي ... ل للآداب من يسأل
عن العيهق والعوه ... ق والعنجه والعيهل «2»
وهى قصيدة طويلة، تشتمل على أكثر كتاب العين. كان موجودا فى أوائل المائة الخامسة للهجرة «3» .
120- إسماعيل بن إبراهيم القيروانىّ اللغوىّ الزّويلىّ [1]
زويلة: رملة المهديّة «4» . وطىء الأكناف، تقدّم فى علم الغريب وطلبه وعلوّ سماعه.
لقى شيوخا جلة من العلماء ببلده وغيره من ناحية المشرق فى أيام حجّه، وبحث عن المشذوذ بحثا شديدا، وإلى أمّهات كتبه ترجع جميع النّسخ، وبها تقابل، [و] «5» عليها تصلح.
وطريقته فى الشعر طريقة العلماء؛ فمن ذلك قصيدة مدح بها المعز بن باديس الصّنهاجىّ «6» الحميرىّ ملك إفريقية:
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 35.(1/227)
وله ذؤابة حمير وسناؤها ... وسنام يعرب الرّفيع العالى
ويحلّ فى قحطان أعلى ذروة ... يعيا «1» محاولها وليس بآل
ما زال يبتاع العلا متغاليا ... إنّ العلا وأبيك علق غال
أضحت به الدّنيا عروسا تجتلى ... وتبلّجت عن زهرة الآمال
وإذا تراءى للعيون بداله ... سعد السّعود وطالع الإقبال
بذّ الملوك جلالة ومهابة ... وعلا على النّظراء والأشكال
كان إسماعيل هذا حيّا فى سنة عشرين وأربعمائة بإفريقية؛ لأنه مدح المعزّ ابن باديس.
121- إسماعيل بن الحسين بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله بن نوح الكرمانىّ بديع الزمان [1]
إمام ملك كرمان»
، النحوىّ اللغوىّ. فى الفضل كبير الشأن، نسيج وحده فى قوّة الخاطر وحدّة الفهم. كان فى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة حيّا، وله شعر، منه قوله:
طوق الحمامة صدغاه «3» إذا انعطفا ... وإنّنى مثل باز «4» طار فى أثره
لا بل كمخلب باز صدغه وأنا ... أطير مثل حمام الأيك من حذره
وشعره كثير جيد.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 37.(1/228)
122- إسماعيل بن حمّاد الجوهرىّ [1]
من أعاجيب الدنيا؛ وذلك أنه من الفاراب، إحدى بلاد الترك، وهو إمام فى علم اللغة؛ وخطّه يضرب به المثل فى الحسن، ويذكر فى الخطوط المنسوبة كخطّ ابن مقلة «1» ، ومهلهل، واليزيدىّ، ثم هو من فرسان الكلام، وممّن آتاه الله قوّة بصيرة، وحسن سريرة وسيرة، وكان يؤثر السفر على الوطن، والغربة على السّكن والمسكن، ويخترق «2» البدو والحضر، ودخل ديار ربيعة ومضر، فى طلب الأدب، وإتقان لغة العرب؛ وحين قضى وطره من قطع الآفاق، والاقتباس من علماء الشام والعراق، عاود خراسان، وتطرّق الدّامغان «3» ، فأنزله أبو الحسين بن على- وهو من أعيان الكتّاب وأفراد الفضلاء- عنده، وبذل فى إكرام مثواه وإحسان قراه جهده، وأخذ من آدابه وخطّه حظّه، ثم سرّحه «4» بإحسان إلى نيسابور، فلم
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 4- 5، وبغية الوعاة 195، وتلخيص ابن مكتوم 37، ودمية القصر 300، وسلم الوصول 193، وشذرات الذهب 3: 142- 143، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 262- 265، وكشف الظنون 1071- 1073، ومعجم الأدباء 6:
151- 165، ومعجم البلدان 6: 322، والمزهر 1: 97- 99، والنجوم الزاهرة 4:
207- 208، ونزهة الألباء 418- 421، ويتيمة الدهر 4: 373- 374.(1/229)
يزل مقيما بها على التدريس والتأليف، وتعليم الخط الأنيق وكتابة المصاحف والدفاتر اللطائف، حتى مضى لسبيله، عن آثار جميلة، وأخبار حميدة.
وله كتاب الصّحاح «1» فى اللغة، أكبر وأقرب متناولا من مجمل «2» اللّغة؛ وفيه يقول أبو محمد إسماعيل بن محمد النيسابورىّ «3» - وكان عنده الكتاب بخط مؤلّفه:
هذا كتاب الصّحاح سيّد ما ... صنّف قبل الصّحاح فى الأدب
يشمل أنواعه ويجمع ما ... فرّق فى غيره من الكتب
وهذا كتاب الصّحاح «4» قد سار فى الآفاق، وبلغ مبلغ الرّفاق، ولمّا دخلت منه «5» نسخة إلى مصر نظرها العلماء، فاستجودوا مأخذها وقربه، ولمحوا فيها أوهاما(1/230)
كثيرة انتدبوا «1» لإصلاحها، وزادوا فيها بعض ما لعلّه أخلّ به من ألفاظ لغوية، الحاجة داعية إليها، فلا شبهة فى أنه نقلها من صحف فصحّف، وانفرد فى تصريف الكلم برأيه فحرّف.
وقيل إنه اختلط فى آخر عمره، ومات متردّيا من سطح داره بنيسابور فى شهور سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. ورأيت فيما رأيت أنه مات فى حدود سنة أربعمائة.
وله شعر أنشد له أبو منصور الفرّاء «2» فى كتابه «3» :
لو كان لى بدّ من الناس ... قطعت حبل الناس بالياس
العزّ فى العزلة لكنّه ... لابدّ للنّاس من النّاس
وله أيضا:
فها أنا يونس فى بطن حوت ... بنيسابور فى ظلم «4» الغمام
فبيتى والفؤاد ويوم دجن «5» ... ظلام فى ظلام فى ظلام
وله أيضا:
رأيت فتى أشقرا أحمرا ... قليل الدّماغ كثير الفضول
يفضّل من حمقه دائما ... يزيد «6» بن هند على ابن البتول «7»(1/231)
وله أيضا:
يا صاحب الدّعوة لا تجزعن ... فكلّنا أزهد من كرز «1»
والماء كالعنبر فى قومس ... من عزّه يجعل فى الحرز
فسقّنا ماء بلا منّة ... وأنت فى حلّ من الخبز
ومن العجيب أن أهل مصر يروون كتاب الصّحاح عن ابن القطّاع الصّقلىّ متصل الطريق إلى الجوهرىّ، ولا يرويه أحد من أهل خراسان. وقد قيل:
إن ابن القطّاع لما دخل إلى مصر سئل عن الكتاب فقال: ما وصل إلينا إلى العرب. ولما رأى رغبة المصريين فيه، وكثرة اشتغالهم له، ركّب عليه طريقا ورواه لهم، فنسأل الله السّتر والسلامة بمنّه وطوله.
وذكره الباخرزىّ فى كتابه «2» فى فصل الأدباء من أهل العربية، وسجع له، فقال:
«أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهرىّ، صاحب صحاح اللغة، لم يتأخر فيها عن شرط أقرانه، ولا انحدر عن درجة أبناء زمانه. أنشدنى الأديب يعقوب بن أحمد، قال: أنشدنى الشيخ أبو إسحاق بن صالح الورّاق «3» الجوهرىّ تلميذ الجوهرىّ «4» له:
يا ضائع العمر بالأمانى ... أما ترى بهجة «5» الزّمان
فقم بنا يا أخا هموم ... «6» نخرج إلى نهر بشتقان «7»(1/232)
لعلّنا نجتنى سرورا ... حيث جنى الجنّتين دان
كأننا والقصور فيها ... بحافتى كوثر الجنان
والطير فوق الغصون تحكى ... بطيب أصواتها الأغانى
وراسل الورق عندليب ... كالزّير والبمّ والمثانى «1»
وبركة حولها تآخت «2» ... عشر من الدّلب «3» واثنتان
وعمرك «4» اليوم فاغتنمه ... فكلّ يوم سواه فان
123- إسماعيل الضرير النحوىّ البغداذىّ أبو علىّ [1]
كان إماما فى هذا الشأن، تصدّر للإفادة ببغداذ، وحضر مجالس الوزراء، وكان خصيصا بالوزير أبى القاسم رئيس الرؤساء بن المسلمة «5» وزير القائم. وسئل إسماعيل عن الوزير رئيس الرؤساء كيف تراه فى النحو؟ فقال: يتكلّم فيه كلام أهل الصّنعة، وسئل رئيس الرؤساء عن إسماعيل النحوىّ هذا فقال: ما أرى مفتوح الفكّ فى النحو إلا هذا المغمض العين. وكان إسماعيل هذا موجودا فى حدود سنة خمسين وأربعمائة «6» .
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 198، ومعجم الأدباء 6: 150- 151، ونكت الهميان 119، ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص، وهو إسماعيل بن المؤمل بن الحسين بن إسماعيل الإسكافىّ أبو غالب الضرير؛ كما ذكره الصفدىّ فى نكت الهميان.(1/233)
124- إسماعيل بن سيده النحوىّ اللغوىّ الأندلسىّ [1]
والد أبى الحسن بن سيده اللغوىّ، من أهل مرسية «1» . لقى أبا بكر الزّبيدىّ، وأخذ عنه مختصر العين، وكان من النحاة، ومن أهل المعرفة والذكاء، وكان أعمى، وتوفى بمرسية بعد الأربعمائة بمدة.
قلت: قوله «2» أعمى، إن صحّ ذلك فهو أعمى، وولده أعمى. وولده صاحب كتاب المحكم فى اللغة، وقد ذكرته فى هذا الكتاب.
125- إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال [2]
ذكره الحافظ أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور، فقال: «أبو العباس الأديب الشريف، شيخ خراسان ووجيهها وعينها فى عصره. سألت الرئيس أبا محمد بن أبى العباس عن نسب ميكال فى العجم، فقال: ميكال بن عبد الواحد بن جبريل بن القاسم بن بكر بن ديواتشى «3» ، وهو شور الملك بن شور بن شور، [بن شور] «4» ، أربعة من الملوك، بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام بن جور.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 37، والصلة لابن بشكوال 1: 109.
[2] ترجمته فى الأنساب 548 ب- 548 ا، وتتمة اليتيمة 2: 107، وتلخيص ابن مكتوم 37، وشذرات الذهب 3: 41، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 174، ومعجم الأدباء 7: 5- 12.(1/234)
ولد «1» الشيخ أبو العباس بنيسابور، فلما قلّد أمير المؤمنين المقتدر أباه عبد الله ابن محمد الأعمال بكور الأهواز حمل إلى حضرة أبيه، فاستدعى أبا بكر محمد بن الحسن الدّريدىّ لتأديبه، فأجيب إليه إيجابا له، وبعث بأبى بكر الدّريدىّ إليه، فهو كان مؤدّبه، وهو أوحد عصره.
وفى عبد الله بن محمد بن ميكال وابنه أبى العباس قال الدّريدىّ قصيدته المشهورة فى الدنيا التى مدحهم بها «2» . وتوفى- رحمه الله- ليلة الاثنين الخامس(1/235)
عشر من صفر سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وصلّى عليه ابنه الرئيس أبو محمد، ودفن فى مقبرة باب معمر، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة» .
126- إسماعيل بن عبد الله بن الحارث بن عمر البزّاز [1]
يكنى أبا على. دخل العراق واليمن وخراسان وغيرها، ولقى الأبهرىّ وغيره، واستكثر الرواية عن العلماء، وكان علم اللغة والعربية أغلب عليه، وكان من أهل الدّين والفضل، ورحل إلى الأندلس تاجرا سنة ثلاثين وأربعمائة، ومولده فى حدود سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة.
127- إسماعيل بن عبّاد أبو القاسم [2]
الوزير المشهور المذكور، وإنما ذكرته فى جملة هذه الجماعة؛ لأنه صنّف كتابا فى اللغة العربية، كثّر فيه الألفاظ، وقلّل الشواهد، فاشتمل من اللغة على جزء متوفّر، وهو مرتّب على الحروف، وهذا الكتاب فى وقف بغداذ. وذكر لى ياقوت الرومىّ الناسخ أنه نسخ منه نسخة بالأجرة فى سبعة مجلدات، استنسخه إياها تاج الدين بن حمدون كاتب السكّة «1» ببغداذ، واتصل بى أنها أبيعت فى تركة المذكور.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 37، والصلة لابن بشكوال 1: 110- 111. والبزاز فى الأصل: من يبيع البز، وهو الثياب.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 196- 197، وتاريخ ابن خلدون 4: 466، وتاريخ أبى الفدا 2: 130، وتاريخ ابن كثير 11: 314- 317، وتلخيص ابن مكتوم 38، وابن خلكان 1: 75- 76، وروضات الجنات 104- 110، وسلم الوصول 196، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 266- 274، والفهرست 135، وكشف الظنون 619، 901، 1376، 1621، ومرآة الجنان 2: 421- 424، والمستفاد 26- 27، ومعاهد التنصيص 4: 111- 136، ومعجم الأدباء 6: 168- 317، والنجوم الزاهرة 4: 169- 171، ونزهة الألباء 397- 401، ويتيمة الدهر 3: 169- 260، وهو المشهور بالصاحب، قيل: لقب بذلك لأنه صحب مؤيد الدولة بن بويه منذ الصبا، وسماه الصاحب، فاستمرّ عليه هذا اللقب، واشتهر به.(1/236)
وهذا الصاحب بن عبّاد ممّن اشتركت الألسن فى وصفه، وسلّم إليه أهل البلاغة ما عاناه من نثره ونظمه، وحسن ترتيبه ورصفه، وأطال مؤرّخو أخبار الوزراء فى ذكره، وشرحوا ما شرحوه من مستحسن أمره، ورزق من السعادة ما لازمه إلى رمسه، وما لقى يوما من الأيام إلا وكان فيه أجلّ من أمسه. وقيل: إن كلّ من مات نقصت حرمته لعدم ما يرجى منه إلا ابن عبّاد؛ فإنّه لمّا أخرج تابوته للصلاة عليه خرّ الدّيلم سجودا له.
وكان ممّن قنا «1» العلوم وأكثر منها، حتى حكى أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسىّ النحوىّ قال: سمعت الصاحب يقول: أنفذ إلىّ أبو العباس تاش الحاجب رقعة فى السّر بخط صاحبه نوح بن منصور ملك خراسان يريدنى فيها على الانحياز إلى حضرته، ليلقى إلىّ مقاليد ملكه، ويعتمدنى لوزارته، ويحكّمنى فى ثمرات بلاده. قال: وكان مما اعتذرت به من تركى امتثال أمره ذكر طول ذيلى، وكثرة حاشيتى، وحاجتى لنقل كتبى خاصة إلى أربعمائة جمل، فما الظنّ بما يليق بها من تحمّلى.
مات- رحمه الله- ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة بالرّىّ وحمل إلى أصبهان، ودفن فى قبة بمحلة تعرف بباب دريه. قال لى ابن البندارى الأصبهانىّ نزيل دمشق: هى عامرة معروفة إلى الآن، والعلويّون من ولد «2» بنته يبتاعون لها فى الوقت بعد الوقت كلسا «3» أصبهانيا يبيّضونها به.(1/237)
واسم كتابه فى اللغة المحيط، وله الوقف والابتداء، والعروض، وجوهرة الجمهرة، ورسائله وشعره، وغير ذلك.
128- إسماعيل بن على أبو على الحظيرىّ [1]
سكن بغداذ، وقرأ الأدب على أبى محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشّاب النحوىّ، وأبى الحسن على بن عبد الرحيم السّلمىّ الرّقى المعروف بابن العصّار، وغيرهما.
وله ترسّل وخطب وشعر. توفّى يوم السبت عاشر صفر سنة ثلاث وستمائة.
129- إسماعيل بن على بن يوسف الحميرى المهدوىّ المغربىّ أبو الطاهر [2]
من أهل المهديّة، من أرض إفريقية. فيه فضل وأدب من النحو واللغة، يعرف ذلك معرفة تامة، وله ترسّل.
قرأ فى بلاده، ورحل إلى المشرق، وخالط العلماء والفضلاء، وحضر مجالسهم وروى عنهم، ورووا عنه، وله شعر يروى عنه، فمن شعره فى جارية صوّر على خدّها بالغالية «1» صورة حيّة:
تبدّت لنا من جانب السّجف «2» غادة ... لها الشمس وجه والملاحة خال
فقلت وقد لاح الهلال بوجهها ... متى طلعت شمس الضّحى وهلال
الهلال الأوّل: من أسماء الحية، والهلال الثانى: هلال الأفق.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 197، وتلخيص ابن مكتوم 38، وطبقات ابن قاضى شهبة 1:
275، ومعجم الأدباء 7: 23- 24. والحظيرىّ، بفتح الحاء وكسر الظاء: منسوب إلى الحظيرة، وهى قرية كبيرة من أعمال بغداد، من ناحية دجيل.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 38.(1/238)
130- إسماعيل بن القاسم بن هارون بن عيذون أبو علىّ القالىّ المعروف بالبغداذىّ [1]
نزيل مصر. الإمام الفاضل، الراوى النحوىّ اللغوىّ العلّامة. أصله ومولده بمناز «1» كرد من إرمينية، ودخل إلى بغداذ فى طلب العلم؛ فى صحبة أهل قاليقلا «2» ، فأكرموا، وأكرم معهم، لموضعهم من الثّغر «3» ، وعرف فى بغداذ بالقالىّ.
وأدرك المشايخ ببغداذ كابن الأنبارىّ، وابن درستويه، وابن دريد، ومن فى عصرهم، وأكثر الرواية عن مشايخ الوقت، وخرج إلى الأندلس إلى عبد الرحمن
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين 4- 5، والأنساب 439 ب، وبغية الملتمس 216- 218، وبغية الوعاة 198، وتاريخ علماء الأندلس 1: 65- 66، وسلم الوصول 199، وشذرات الذهب 3: 18، وطبقات الزبيدىّ 130- 133، وطبقات ابن قاضى شهبة: 1- 275- 277، وفهرست ابن خير 395، وكشف الظنون 165، 216، 1383، 1447، 1462، 1740، 1778، واللآلى 1: 4، ومرآة الجنان 2: 359، والمزهر 2: 420، 448، 465، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 238- 239، ومعجم الأدباء 7: 25- 33، ومعجم البلدان 7: 17، ونفح الطيب 4: 70- 75. و «عيذون» ، ضبطه ابن خلكان بفتح العين وسكون الياء وضم الذال. وفى الأصل، «عبدون» ، تحريف.(1/239)
الناصر الأموىّ «1» ، فأكرمه وقدّمه «2» ، وصنّف له ولولده الحكم المستنصر «3» ، وبثّ علومه هناك.
قرأ على ابن درستويه كتاب سيبويه أجمع، واستفسره جمعه، وناظره فيه، ودقّق النظر، وكتب عنه تفسيره، وعلّل العلّة، وأقام عليها الحجّة، وأظهر فضل البصريين على الكوفيين، ونصر مذهبه على من خالفه من البصريّين أيضا، وأقام الحجّة.
قال أبو علىّ: وقرأ معى الكتاب أجمع أبو جعفر بن أبى محمد بن درستويه تعليما ورواية.
وله أوضاع كثيرة أملاها عن ظهر قلبه، منها كتابه فى الأخبار والحكايات المعروف بالنوادر والأمالى أملاه ظاهرا من قلبه فى الأخمسة بجامع الزّهراء «4»(1/240)
بقرطبة، وارتجل تفسير ما فيه، وهذا الكتاب غاية فى معناه، وهو أنفع الكتب؛ لأنّ فيه الخبر الحسن، والمثل المتصرّف، والشعر المنتقى فى كل معنى، وفيه أبواب من اللّغة مستقصاة، وليست توجد فى شىء من كتب اللغة مستقصاة مثل ما هى فى هذا الكتاب، وفيه القلب والإبدال مستقصى، وفيه تفسير الإتباع، وهو ممّا لم يستيقظ إليه أحد، إلى فوائد فيه كثيرة «1» .
ومنها كتابه فى المقصور والممدود، بناه على التّفعيل ومخارج الحروف من الحلق، مستقصى فى بابه، لا يشذّ عنه شىء من معناه، لم يوضع له نظير، ومنها كتابه فى الإبل ونتاجها، وما تصرّف معها، ومنها كتابه فى حلى الإنسان والخيل وشياتها.
ومنها كتابه فعلت وأفعلت، ومنها كتابه فى مقاتل الفرسان، ومنها كتابه فى تفسير القصائد والمعلّقات، وتفسير إعرابها ومعانيها، إلى كتب كثيرة.
وارتجل جميعها، وأملاها عن ظهر قلب كلّها.
وألّف كتاب البارع فى اللغة، فبناه على حروف المعجم، وجمع فيه كتب اللغة، وعزا كلّ كلمة من الغريب إلى ناقلها من العلماء، واختصر الإسناد عنهم، وهو يشتمل على خمسة آلاف ورقة، ولا يعلم أحد من العلماء المتقدّمين والمتأخرين ألّف مثله فى الإحاطة والاستيعاب، وتوفى قبل أن ينسخه، فاستخرج «2» من المسوّدة، وأظنه لم يتم.(1/241)
قال الزّبيدىّ: «1» «وسألت أبا على عن مولده ونسبه، فقال: أنا إسماعيل ابن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سليمان، مولى عبد الملك بن مروان، ولدت بمنازكرد «2» من ديار بكر سنة ثمان وثمانين ومائتين، ورحلت إلى بغداذ سنة ثلاث وثلاثمائة، فأقمت بالموصل، وكتبت عن أبى يعلى الموصلىّ وغيره، ثم دخلت بغداذ سنة خمس وثلاثمائة، فأقمت بها إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة أكتب الحديث، فممن كتبت عنه: أبو بكر عبد الله بن أبى داود السّجستانىّ، وأبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، وأبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب القاضى، وأبو القاسم عبد الله محمد بن عبد العزيز البغوىّ المعروف بابن بنت منيع، وإبراهيم بن عبد الصّمد بن موسى الهاشمىّ من ولد الإمام، «3» وأحمد بن إسحاق البهلول القاضى، وأبو عبد الله الحسين القاضى، وأبو عبيد أخوه القاسم ابنا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الضّبىّ المعروف بالمحاملىّ. «4» وأبو بكر بن يوسف بن يعقوب بن البهلول الأزرق الكاتب، وأبو بكر أحمد [بن محمد] «5» البستنبان، «6» وابن قطن الإسكافىّ، وأبو سعيد الحسن «7» بن على بن زكريا بن يحيى العدوىّ.
قال: وسمعت الأخبار واللغة من أبى بكر محمد بن دريد الأزدىّ البصرىّ، وأبى بكر محمد بن القاسم الأنبارىّ، وأبى عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة المعروف(1/242)
بنفطويه، ومن أبى بكر محمد بن السّرىّ النحوىّ، ومن أبى بكر محمد بن شقير النحوىّ، ومن أبى إسحاق إبراهيم بن السرىّ بن سهل الزّجّاج النحوىّ، ومن أبى الحسن على بن سليمان بن الفضل الأخفش، ومن أبى بكر محمد بن أبى الأزهر، ومن أبى محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه أخذت منه كتاب سيبويه عن المبرّد، ومن أبى جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة أخذت منه كتب أبيه، ومن أبى بكر أحمد بن محمد بن موسى بن مجاهد المقرئ قرأت عليه القرآن بحرف أبى عمرو ابن العلاء غير مرة، وأخذت كتابه فى القراءات السبع وغير ذلك، ومن أبى عمر محمد بن عبد الواحد المطرّز غلام ثعلب، حدّثنا عن ثعلب، ومن أبى بكر محمد بن عبد الملك التّاريخىّ، ومن أحمد بن يحيى المنجّم الأديب النديم أخذت منه كتب أبيه وغير ذلك، ومن الطوسىّ على بن الحسن بن على بن نصر أخذت منه كتاب الزّبير بن بكّار فى النسب، ومن الدّمشقىّ أحمد بن سعيد، ذكرلى أنه سمع منه.
قال أبو علىّ: وخرجت من بغداذ سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ثم دخلت إلى الأندلس سنة ثلاثين وثلاثمائة، ثم دخلت إلى قرطبة فى شعبان لثلاث بقين منه سنة ثلاثين وثلاثمائة» .
قال الزّبيدىّ: «وسألت أبا علىّ: لم قيل له القالىّ؟ فقال: لمّا انحدرنا إلى بغداذ كنا فى رفقة فيها أهل قاليقلا، فكانوا يحافظون لمكانهم من الثّغر، فلما دخلت بغداذ تنسّبت «1» إلى قاليقلا، وهى قرية من منازكرد، ورجوت أن أنتفع بذلك عند العلماء، فمضى علىّ القالىّ. وتوفّى فى ربيع الآخر سنة ست وخمسين وثلاثمائة بقرطبة، ودفن بمقبرة متعة، وصلّى عليه أبو عبيد الجبيرىّ»
» .(1/243)
وكان مولده سنة ثمانين ومائتين، وقيل سنة ثمان وثمانين.
وشوهد بخط ولده ما مثاله: ابتدأ أبى- رحمه الله تعالى- بعمل كتاب البارع فى رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، ثم قطعته علل وأشغال، ثم عاود النظر فيه بأمر أمير المؤمنين وتأكيده عليه، فعمل فيه من سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، فأخذه بجدّ واجتهاد، وكمل له، وابتدأ بنقله، فكمل لنفسه إلى شوّال سنة خمس وخمسين وثلاثمائة كتاب الهمز، وكتاب الهاء، وكتاب العين، ثم اعتلّ فى هذا الشهر.
وتوفّى إلى رحمة الله إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن سليمان البغداذىّ ليلة السبت لسبع خلون من جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثلاثمائة، ومولده سنة ثمان وثمانين ومائتين فى جمادى الآخرة، ودخل قرطبة لثلاث بقين من شعبان سنة ثلاثين وثلاثمائة، وكان وصوله إلى بجاية «1» فى رجب من هذا العام. وكان مولده بمنازكرد من ديار بكر فى التاريخ المذكور، ورحل إلى بغداذ سنة ثلاث وثلاثمائة، وأقام بالموصل، ودخل بغداذ سنة خمس وثلاثمائة، وخرج إلى الأندلس من بغداذ سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
وكان يعرف بالقالىّ، وكان يقول- رحمه الله: لما خرجنا من بلدنا كان فى جملتنا جماعة من قاليقلا، وكانت معهم خيل، فكلّما دخلنا بلدا حافظ أهله أهل قاليقلا، وكانت معهم دوابّ، فأراد بعض العمال أخذها منهم، فلما انتسبوا إلى قاليقلا تركوها، ورأيت الناس يعظّمونهم، فلما دخلت بغداذ انتسبت إلى قاليقلا، ورجوت أن ينفعنى ذلك عند العلماء، فلم انتفع بذلك، وعرفت بالقالىّ.(1/244)
131- إسماعيل القزّاز المصرىّ النحوىّ [1]
قريب العهد فى زماننا، أدركته بالقاهرة، وهو متصدّر لإقراء القرآن والعربية بالجامع الأزهر، وله على ذلك رزق من الديوان، وكان مزوّجا إلى بنت الشيخ المقرئ عساكر «1» ، ورأيتهما يسكان فى دار واحدة بحارة الدّيلم «2» ، وله عدّة أولاد منها، لم يفلح أحد منهم فى القرآن ولا العربية، وكان كثيرا ما يسألنى عن شيخنا صالح ابن عادىّ العذرىّ الأنماطىّ نزيل قفط، ويقول: هو رفيقى فى الطّلب على أكثر مشايخى. ولم يزل- رحمه الله- على الإفادة والتعليم، إلى أن مات فى حدود سنة ست وثمانين وخمسمائة فى القاهرة المعزّية.
132- إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقىّ أبو محمد بن أبى منصور اللغوىّ [2]
شيخ فاضل، له معرفة بالأدب، حافظ للقرآن الكريم، وقور، صاحب سكينة وسمت حسن، وطريقة حميدة، وكان له خدمة واختصاص بدار الخلافة فى أيام
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 139.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 199- 200، وتاريخ ابن كثير 12: 305، وتلخيص ابن مكتوم 40، وشذرات الذهب 4: 249- 250، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 279- 280، ومعجم الأدباء 7: 45- 47. والجواليقى، بفتح الجيم والواو، وكسر اللام بعد الألف وسكون الياء وكسر القاف: منسوب إلى الجواليق، جمع الجوالق. وانظر حواشى ص 65 من هذا الجزء.(1/245)
المستضىء «1» ، يؤمّ بباب الحجرة الشريفة. قرأ الأدب على أبيه، وسمع الحديث من غيره من مشايخ زمانه، وأقرأ الناس العربية بعد أبيه، وحدّث، فسمع الناس منه. كان مولده فى شعبان سنة اثنتى عشرة وخمسمائة، وتوفّى يوم الجمعة بعد صلاة العصر الخامس عشر من شوّال سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وصلّى عليه يوم السبت سادس عشره بجامع القصر «2» ، وحمل إلى الجانب الغربىّ، فدفن بباب «3» حرب، عند أبيه.
133- إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن عبد الرحمن أبو علىّ الصفّار [1]
صاحب المبرّد. روى عن جماعة منهم ممن تقدّمه، وروى عنه جماعة؛ منهم الدّار قطنىّ وجماعة نحوه، وتصدّر ببغداذ لإقراء الأدب، وكان واسع الرواية، وعمّر. قال الدار قطنىّ: صام إسماعيل الصفّار أربعة وثمانين رمضان، وكان متعصّبا للسنّة. قال المرزبانىّ: أنشدنى إسماعيل بن محمد الصفّار لنفسه:
إذا زرتكم لقّيت «4» أهلا ومرحبا ... وإن غبت حولا لا أرى لكم رسلا
وإن غبت لا أعدم ألا «5» قد جفوتنا ... وقد كنت زوّارا فما بالنا نقلى
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 188، وتاريخ بغداد 6: 302- 303، وتاريخ ابن كثير 11:
226، وتلخيص ابن مكتوم 40، وشذرات الذهب 2: 358، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 277- 278، ومعجم الأدباء 7: 33- 36، والنجوم الزاهرة 3: 309، ونزهة الألباء 354- 356.(1/246)
أفى الحق أن أرضى بذلك منكم ... بل الضّيم أن أرضى بها منكم فعلا
ولكنّنى أعطى صفاء مودّتى ... لمن لا يرى يوما علىّ له فضلا
وأستعمل الإنصاف فى الناس كلّهم ... فلا أصل الجافى ولا أقطع الخلّا
وأخضع لله الذى هو خالقى ... ولن أعطى «1» المخلوق من نفسى الذّلا
ولد الصفّار فى سنة سبع وأربعين ومائتين فى ليلة الاثنين لليلتين خلتا من شهر رمضان من هذه السنة، وقيل فى سنة ثمان وأربعين، وتوفّى سحر يوم الخميس الرابع عشر من المحرّم. وقيل توفّى يوم الأربعاء، ودفن يوم الخميس لسبع خلون من المحرّم سنة إحدى وأربعين، ودفن مقابل معروف الكرخىّ، بينهما عرض الطريق، دون قبر أبى بكر الأدمىّ وأبى عمر الزاهد- رضى الله عنهم أجمعين.
كتب إلىّ أبو الضياء شهاب بن محمود الهروىّ الورّاق من هراة، أخبره تاج الإسلام بن محمود المروزىّ فى كتابه، أخبرنا عبد الله بن علىّ القيسرانىّ، يعنى القصرىّ «2» بقراءتى عليه بحلب، أخبرنا أبو القاسم على بن أحمد بن محمد بن زيان الرزّاز قراءة عليه ببغداذ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزّاز، حدّثنا أبو على إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفّار النحوىّ، حدّثنا الحسن بن عرفة بن يزيد، حدّثنا إسماعيل بن عيّاش عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان،(1/247)
عن كثيّر بن مرة الحضرمىّ، عن عقبة بن عامر الجهنىّ- رضى الله عنه، قال:
سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمستسرّ بالقرآن كالمستسرّ بالصدقة» .
134- إسماعيل بن أبى محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة اليزيدىّ [1]
أحد أولاده الخمسة «1» النّجباء. كان فاضلا كإخوته، عالما بالعربية، خبيرا بأخبار الشعراء «2» . ألف كتاب طبقات الشعراء.
135- إسماعيل بن يوسف القيروانىّ النحوىّ المعروف بالطّلّاء «3» المنجم [2]
كان من ذوى العلم بالعربية، وغاية فى النّجامة «4» ، وهو أوّل من أدخل العراقىّ بالقيروان، وتلطّف فى علمه [بالعراق «5» ] ؛ إذ هم يضنّون بصناعتهم.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 600 ا، وتاريخ بغداد 6: 283- 284، وتلخيص ابن 40، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1، 170، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 280، والفهرست 50- 51، ومعجم الأدباء 7: 47- 50. واليزيدىّ: منسوب إلى يزيد بن منصور الحميرىّ، خال المهدى الخليفة العباسىّ، وكان أبوه مؤدّب ولده، معروفا به، فنسب إليه. وانظر حواشى هذا الجزء ص 161، 224.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 200، وتلخيص ابن مكتوم 40، وطبقات الزبيدىّ 164- 165.
وما أورده المؤلف فى هذه الترجمة يوافق ما فى طبقات الزبيدىّ.(1/248)
ابن يوسف هذا قد لازمهم، فكانوا يخرجون إليه وإلى أصحابه من التلاميذ العقاقير للدقّ [مختلطة] ، «1» فتحيّل [إسماعيل «2» بن] يوسف، حتى حقّق أوزانها بطريق لطيف من التحيّل، حتى استرق الصناعة «3» .
وغزا مع إبراهيم بن الأغلب «4» أمير إفريقية غزوة المجّان «5» ، وشهد حرب طبرمين «6» ، وأقام الطّالع يوم فتحها، وقد انصرف إبراهيم عن حربها منتصف النهار، فأعلمه أنه يفتحها للوقت، ونظر إبراهيم أيضا فى ذلك فوافقه- وكان إبراهيم ينتحل علم النّجامة- فعاود الحرب، ففتحها للوقت، ووهب للطّلاء ثمانية عشر رأسا من السّبى.
واتّهم أنه عمل دنانير خارج دار الضرب بالقيروان، وخاف لأجل ذلك، فانهزم إلى الأندلس. وكان يرمى بالخروج عن الملة.(1/249)
136- إسحاق البغوىّ النحوىّ الكوفىّ [1]
من أصحاب الكسائىّ؛ أخذ عنه طرفا وافرا من نحو نحاة الكوفة، وله بينهم ذكر.
137- إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ أبو محمد [2]
أحد العلماء باللغة والغريب وأخبار الشعراء وأيام الناس، وكان شاعرا مجيدا، وقد روى من العلم والأخبار قطعة حسنة. يروى عنه مصعب بن عبد الله الزبيرىّ «1» ، والزبير بن بكّار «2» وغيرهما من رواة العلم أخبارا عجيبة.
فأما نسبه؛ فإنه قال: نحن فرس، من أهل أرّجان «3» ، وموالينا قوم من الجنظليّين «4» ، كانت لهم ضياع عندنا.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 192، وتلخيص ابن مكتوم 40، وطبقات الزبيدىّ 95. والبغوىّ:
منسوب إلى بغشور- ويقال لهابغ- على غير قياس، وهى من بلاد خراسان.
[2] ترجمته فى الأغانى 5: 49- 134، وتاريخ بغداد 6: 338- 345، وتاريخ ابن كثير. 1: 314- 315، وتلخيص ابن مكتوم 40، وابن خلكان 1: 65- 66، وسلم الوصول 174: 175، وشذرات الذهب 2: 82- 84، والفهرست 140- 141، واللآلى 137- 138، ومختصر تاريخ ابن عساكر 2: 414- 427، ومسالك الأبصار ج 6 مجلد 1: 168- 197، ومعجم الأدباء 6: 5- 58، والنجوم الزاهرة 2: 288، ونزهة الألباء 227- 232.(1/250)
وقولهم: الموصلىّ أنه لما نشأ وأدرك صحب الفتيان، واشتهى الغناء وطلبه، فاشتدّ عليه أخواله فى ذلك، وبلغوا منه، فهرب منهم من الكوفة إلى الموصل، فأقام بها نحوا من سنة، فلما رجع إلى الكوفة قال إخوانه من الفتيان: مرحبا بالفتى الموصلىّ، فلصق به هذا الاسم «1» .
وهو من بيت شرف وقدر فى العجم «2» ، وانتقل جدّه ماهان «3» إلى الكوفة، ومات فى الطاعون الجارف «4» ، وخلف ولده إبراهيم صبيا، ابن سنتين أو ثلاث، وأخوين أكبر منه. وولد إسحاق سنة خمسين ومائة، ومات سنة خمس وثلاثين ومائتين، وكانت سنة خمسا وثمانين سنة.
قال أحمد بن يحيى النحوىّ: رأيت لإسحاق الموصلى ألف جزء من لغات العرب سماعه، وما رأيت اللغة فى منزل أحد قطّ أكثر منها فى منزل إسحاق، ثم فى منزل ابن الأعرابىّ.(1/251)
وقال إسحاق بن إبراهيم: قال لى الأصمعىّ ونحن نريد الرقّة «1» مع الرشيد:
كم حملت معك من كتبك؟ قلت: خفّفت، فحملت ثمانية عشر صندوقا، فقال لى: أو هذا تخفيف! هذا نهاية التثقيل.
وقال عمر بن شبّة: ما رأيت مثل إسحاق بن إبراهيم قطّ، قال: وسألته عمّا عنده من الكتب فقال: عندى مائة قمطر.
وقال أحمد بن أبى خيثمة: كان «2» أبى ويحيى بن معين يجلسان بالعشيّات إلى مصعب الزبيرىّ، وكنت أحضر، فمرّبنا رجل على حمار فاره «3» ، فسلّم ووقف، فقالوا له: إلى أين يا أبا الحسن؟ قال: إلى من يملأ أسماعنا علما وأكمامنا دنانير، فقال له يحيى: من هو؟ قال: إسحاق الموصلىّ. قال يحيى: ذلك والله أصحّ الناس سماعا، وأصدقهم لهجة «4» ، فسألت عن الرجل، فإذا هو المدائنىّ «5» .
ومدح إسحاق الرشيد يوما بشعر؛ منه:
وآمرة بالبخل قلت لها اقصرى ... فذلك شىء ما إليه سبيل
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ... ورأى أمير المؤمنين جميل
فقال: لا كيف إن شاء الله، ثم التفت إلى الفضل بن الربيع، فقال: أبا العباس «6» ، أعطه مائة ألف درهم، فلله درّ أبيات تأتينا بها، ما أحكم أصولها، وأحسن(1/252)
فصولها! فقلت: كلام أمير المؤمنين أحسن من شعرى، فقال: أحسنت والله! يا فضل، أعطه مائة ألف أخرى.
ودخل «1» إسحاق الموصلىّ على يحيى بن «2» أكثم، فتفاوضا فى الحديث، إلى أن قال إسحاق ليحيى: أيها القاضى، أما ترى ظلم الناس لى؛ ينسبوننى إلى الغناء وحده، وهو أقلّ آلاتى، وإن كان من العلوم النّفيسة الشريفة، ولا يذكروننى بسائر ما أعلمه من اللغة والحديث والشعر وأيام الناس، وغير ذلك من سائر العلوم! فقال له يحيى:
الجواب فى هذا على أبى عبد الرحمن العطوىّ «3» ، فقال أبو عبد الرحمن- وكان حاضرا- وما أنا وهذا! قال: أقسمت عليك لما أجبته فيما أحب أن يعلمه من هذا الأمر! فقال له أبو عبد الرحمن: أخبرنى عنك، إذا قيل: من أفقه الناس؟
فما تظنهم يقولون؟ إسحاق أفقه من أبى محمد يحيى ومن بشر المريسىّ «4» ؟ قال: أبو محمد وبشر «5» . [قال] : فإذا قيل: من أعلم الناس بالحديث؟ يقولون: علىّ بن المدينىّ «6»(1/253)
ويحيى «1» بن معين أو إسحاق؟ قال: بل هذان. قال: فإذا قيل: من أعلم الناس بالشعر؟ يقال: الأصمعى وابن الأعرابىّ أو إسحاق؟ قيل: بل هما. قال: فإذا قيل: من أعلم الناس بالغناء؟ أيجوز أن يقول قائل: فلان أعلم من إسحاق؟ قال:
لا. قال: فبهذا صرت أولى أن تذكر به.
وفضائل إسحاق كثيرة جدا. وجالس الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق، وبقى إلى صدر أيام المتوكل، ومدحه. وعمى إسحاق قبل أن يموت بسنتين. وتوفى فى شوّال سنة ست وثلاثين ومائتين- عفا الله عنه، وتجاوز عن سيئاته «2» .(1/254)
138- إسحاق بن السّكّيت أبو يعقوب [1]
كان دائم الصمت، يعرف بالسّكّيت: قال ابن الكوفىّ «1» : لما مات الكسائىّ اجتمع أصحاب الفرّاء، وسألوه الجلوس لهم، وقالوا: أنت أعلمنا، فأبى أن يفعل، فألحّوا عليه فى ذلك بالمسألة، فأجابهم.
واحتاج أن يعرف أنسابهم، ليرتّب كلّ رجل منهم على قدر مجلسه، فكان فيمن سأله عن نسبه السّكّيت، فقال: ما نسبك؟ فقال: خوزىّ «2» - أصلحك الله! من قرى دورق، من كور الأهواز. فبقى الفرّاء أربعين يوما فى بيته لا يظهر لأحد من أصحابه؛ فسئل عن ذلك، فقال: سبحان الله! أستحى أن أرى السّكّيت، لأنّى سألته عن نسبه، فصدقنى عن ذلك، وفيه بعض القبح «3» .
وكان عالما، وكان ابنه يقول: أنا أعلم من أبى بالنحو، وأبى أعلم منى بالشعر واللغة.
139- إسحاق بن الجنيد البزّاز البصرىّ الورّاق اللغوىّ [2]
صاحب أبى بكر بن دريد. كان يورّق لابن دريد، وياخذ عنه. ويعرف بورّاق ابن دريد.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 40- 41، والفهرست 72.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 191، وتلخيص ابن مكتوم 41، وطبقات الزبيدىّ 130، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 259.(1/255)
140- إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيبانىّ اللغوىّ [1]
صاحب العربية. كوفىّ نزل بغداذ، روى عنه ابنه عمرو، وأحمد بن حنبل، وأبو عبيد القاسم بن سلّام. وقيل: لم يكن شيبانيا «1» ؛ وإنما كان معلّما مؤدّبا لأولاد ناس من بنى شيبان، فنسب إليهم.
وكان من أعلم الناس باللغة، موثّقا فيما يحكيه، جمع أشعار العرب ودوّنها.
قال عمرو بن أبى عمرو: ولما جمع أبى أشعار العرب كانت نيّفا وثمانين قبيلة، فكان كلما عمل منها قبيلة وأخرجها إلى الناس كتب مصحفا، وجعله فى مسجد الكوفة؛ حتى كتب نيّفا وثمانين مصحفا بخطه.
وقال أبو العباس ثعلب: كان مع أبى عمرو من العلم والسّماع عشرة أضعاف ما كان مع أبى عبيدة، ولم يكن من أهل البصرة مثل أبى عبيدة فى السماع والعلم.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 192، وتاريخ بغداد 6: 329- 332، وتاريخ ابن كثير 10:
265، 267، وتقريب التهذيب 308، وتلخيص ابن مكتوم 41، وتهذيب اللغة للأزهرىّ 1- 6، وتهذيب التهذيب 12: 182- 184، وخلاصة تذهيب الكمال 384، وابن خلكان 1:
65، وسلم الوصول 179، وشذرات الذهب 2: 23، 31، وروضات الجنات 100، وطبقات الزبيدىّ 134- 135، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 259- 260، والفهرست 68، وكشف الظنون 104، 722، 1209، 1383، 1410، 1415، 1466، 1980، ومرآة الجنان 2: 57، ومراتب النحويين 148، والمزهر 2: 411، 419، 463، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 223- 224، والمعارف 237، ومعجم الأدباء 6: 77- 84، والنجوم الزاهرة 2: 191، ونزهة الألباء 120- 125.(1/256)
وكان أبو عمرو يعرف فى وقته بين العلماء بصاحب ديوان اللغة والشعر، وكان خيّرا فاضلا صدوقا. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبى يلزم مجالس أبى عمرو ويكتب أماليه.
قال أبو عمرو الشيبانىّ: كنت أسير على الجسر ببغداذ؛ فإذا أنا بشيخ على حمار مصرىّ مسرج بسرج مدينىّ، فعلمت أنه من أهلها؛ فكلّمته؛ فإذا فصاحة وظرف؛ فقلت: ممّن أنت؟ فقال: من الأنصار، أنا ابن المولى، «1» الشاعر- إن كنت سمعت به. قال: قلت: إى والإله! لقد سمعت به؛ أنت الذى تقول:
ذهب الرّجال فما أحسّ رجالا ... وأرى الإقامة بالعراق ضلالا
قال: نعم، قلت: كيف قلت:
يا ليت ناقتى التى أكريتها «2» ... نحزت وأعقبها النّحاز «3» سعالا
قال: لم أقل كذا، وإنما قلت:
وأعقبها القلاب «4» سعالا
فدعوت عليها بثلاثة أدواء.(1/257)
وكان أبو عمرو فى مجلس سعيد بن سلم الباهلىّ «1» ، وفيه الأصمعىّ، فأنشد الأصمعى بيت الحارث بن حلّزة:
عننا باطلا وظلما كما تع ... نز عن حجرة الرّبيض الظّباء «2»
فقال للأصمعىّ: وما معنى «تعنز» ؟ قال: تنحّى، ومنه قيل: «العنزة» التى كانت تجعل قدّام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو عمرو: الصواب «كما تعتر عن حجرة الرّبيض» ، أى تنحر فتصير عتائر «3» . فوقف الأصمعىّ، فقال أبو عمرو: والله لا تنشد بعد اليوم إلا «تعتر» .
قال يونس بن حبيب: دخلت على أبى عمرو الشيبانىّ، وبين يديه قمطر فيه أمناء «4» من الكتب يسيرة، فقلت له: أيّها الشيخ، هذا جميع عملك! فتبسم إلىّ، وقال: إنه من صدق كثير.(1/258)
وقال أبو العباس ثعلب: دخل أبو عمرو إسحاق بن مرار البادية، ومعه دستيجان «1» حبرا، فما خرج حتى أفناهما بكتب سماعه عن العرب.
وكان أبو عمرو الشيبانىّ نبيلا فاضلا عالما بكلام العرب، حافظا للغاتها، عمل كتاب شعراء «2» ربيعة ومضر واليمن إلى ابن هرمة «3» ، وسمع من الحديث سماعا واسعا، وعمّر عمرا طويلا أناف على التسعين، وهو عند الخاصة من أهل العلم والرواية مشهور معروف.
والذى قصّر به عند العامة من أهل العلم أنه كان مشتهرا بالنبيذ والشرب له.
وسمع الناس من عمرو بن أبى عمرو عن أبيه سنين- وأبوه [أبو] عمرو فى الأحياء- وهو يحدّث عن أبيه.
مات أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيبانىّ النحوىّ سنة عشر ومائتين، يوم السّعانين «4» .
وصنف أبو عمرو كتاب الحروف فى اللغة، وسماه كتاب الجيم، وأوّله الهمزة، ولم يذكر فى مقدّمة الكتاب لم سمّاه الجيم، ولا علم أحد من العلماء ذلك.(1/259)
ولقد ذكر لى أبو الجود حاتم بن الكنانىّ الصّيداوىّ «1» نزيل مصر- وكان كاتبا يخالط أهل الأدب، وأسنّ رحمه الله- قال: سئل ابن القطّاع السّعدىّ «2» الصّقلىّ اللّغوىّ- نزيل مصر- عن معنى الجيم، فقال: من أراد علم ذلك من الجماعة فليعطنى مائة دينار؛ حتى أفيده ذلك، فما فى القوم من نبس بكلمة.
ومات ابن القطّاع، ولم يفدها أحدا.
ولمّا سمعت ذلك من أبى الجود- رحمه الله- اجتهدت فى مطالعة الكتب والنظر فى اللغة، إلى أن عثرت على الكلمة فى مكان غامض من أمكنة اللغة، فكنت أذاكر الجماعة، فإذا جرى اسم الجيم أقول: من أراد علم ذاك فليعط عشرة دنانير، فيسكت الحاضرون عند هذا القول «3» . فانظر إلى قلة همة الناس وفساد طريق العلم، ونقض العزم! فلعن الله دنيا تختار على استفادة العلوم! فأمّا أبو منصور الأزهرىّ الهروىّ- رحمه الله- فإنه ذكر فى مقدّمة كتابه فى اللغة الذى سماه التهذيب أسماء جماعة من علماء العربية؛ منهم أبو عمرو الشيبانىّ- عفا الله عنه- فأخطأ فى اسم أبيه، وأورده مصحّفا، فقال: «مراد» ، وهو خطأ كبير من مثله، وروى ذلك بخطه فى مقدّمة الكتاب.(1/260)
أخبرنى ياقوت «1» ، واسمه ياقوت الرومىّ مولى عسكر الحموىّ، قال: شاهدت بمرو نسخة من الكتاب، بخط الأزهرىّ عند بنى السمعانىّ «2» ، وفيها «مراد» ، وكتب هذا المذكور من هذه النسخة نسخة، وأحضرها فى صحبته من خراسان- رحمه الله ورضى الله عنه.
ونقلت من كتاب اليمنىّ «3» فى طبقات النحاة واللغويين أن كتاب الجيم هو كتاب الحروف الذى صنّفه أبو عمرو، وجمع فيه الحوشىّ، ولم يقصد المستعمل.
قال: وجميع ما فيه خارج عن كتابه النوادر، وفيهما «4» علم كثير.
قال الجاحظ: إنما قيل له الشيبانىّ لانقطاعه إلى ناس من بنى شيبان، وليس له نسب فيهم، وتوفّى سنة ست عشرة ومائتين «5» .
وقيل لأبى زيد الأنصارىّ: إن أبا عمرو الشيبانىّ يروى هذا الحرف للأعشى «6» :
بساباط حتى مات وهو محزرق «7»
بكسر الراء، فقال: إنها نبطيّة، وأمّ أبى عمرو نبطيّة، فهو أعلم بها منا.(1/261)
وقال أبو بكر محمد بن الحسن الأندلسىّ «1» فى كتابه: «إنّ أبا عمرو الشيبانىّ هو إسحاق بن مرار، من رمادة الكوفة، وجاور شيبان، فنسب إليهم» .
«ودخل الأصمعىّ على أبى عمرو الشيبانىّ فى منزله ببغداذ، وهو جالس على جلد فراء، فأوسع له أبو عمرو، فجرّ الأصمعىّ يده على الفراء، ثم قال: يا أبا عمرو، ما يعنى الشاعر بقوله «2» :
بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كإيزاغ المخاض تبورها «3»
فقال: هى هذه التى تجلس عليها يا أبا سعيد، فقال الأصمعىّ لمن حضر: يا أهل بغداذ، هذا عالمكم! والفراء هاهنا جمع فرأ، وهو الحمار الوحشىّ، وكانت رواية أبى عمرو «كآذان الفراء» ، فتغفّله الأصمعىّ بغير روايته، فزلّ؛ يقال: فرأ وفراء، بالمد والقصر.
ولأبى عمرو بنون وبنو بنين، كلّهم رووا عنه. وله من التصانيف: كتاب الخيل. كتاب اللغات، وهو الجيم، ويعرف بكتاب الحروف، غريب. كتاب النوادر الكبير ثلاث نسخ. كتاب غريب «4» الحديث.
كتاب النحلة «5» . كتاب الإبل. كتاب خلق الإنسان «6» .(1/262)
وقال يعقوب بن السّكّيت: مات أبو عمرو الشيبانىّ، وله مائة سنة وثمانى عشرة سنة، وكان يكتب بيده إلى أن مات. قال: وكان ربّما استعار منّى الكتاب، وأنا إذ ذاك صبىّ آخذ عنه، وأكتب من كتبه.
وقال ابن كامل: مات أبو عمرو فى اليوم الذى مات فيه أبو العتاهية وإبراهيم الموصلىّ سنة ثلاث عشرة ومائتين.
قال الأزهرىّ: «كان «1» يقال له: أبو عمرو الأحمر [جاور بنى شيبان بالكوفة، فنسب إليهم، ثم] «2» قدم بغداذ، وسمع منه أبو عبيد، وروى عنه الكثير ووثّقه. وكان قرأ دواوين الشعراء على المفضّل الضبىّ، وسمعها منه أبو حسان، وابنه عمرو بن أبى عمرو، وكان الغالب عليه النوادر وحفظ الغريب وأراجيز العرب. وله كتاب كبير فى النوادر قد سمعه «3» أبو العباس أحمد بن يحيى من ابنه عمرو عنه، وسمع أبو إسحاق الحربىّ هذا الكتاب أيضا من عمرو بن أبى عمرو. [وسمعت أبا الفضل المنذرىّ يروى عن أبى إسحاق عن عمرو بن أبى عمرو] جملة من الكتاب» .
وذكره المرزبانىّ «4» فقال: «إسحاق بن مرار (بكسر الميم) أبو عمرو، مولى وليس من بنى شيبان؛ ولكنّه كان مؤدّبا لأولاد ناس من بنى شيبان، فنسب إليهم؛ كما نسب اليزيدىّ إلى يزيد بن منصور الحميرىّ، حين أدّب ولده» .(1/263)
«وأبو عمرو راوية أهل بغداذ، واسع العلم باللغة والشعر، ثقة، كثير الحديث كثير السماع، وله كتب كثيرة فى اللغة جياد؛ منها النوادر، ومنها كتاب الحروف الذى لقّبه بالجيم ومصنّفات فى خلق الإنسان والخيل والإبل وسائر فنون اللغة، وأخذ عنه دواوين أشعار القبائل كلّها، وله بنون وبنو بنين يروون عنه كتبه، وأصحاب علماء ثقات، وكان ممّن يلزم مجلسه ويكتب عنه الحديث أحمد بن حنبل» .
وقال أحمد بن يحيى النحوىّ ثعلب: كان عند أبى عمرو الشيبانىّ ما يحتاج إليه، وما لا يحتاج إليه لكثرة ما طلب وجمع.
قال أبو عمرو إسحاق بن مرار: توفى ابنى محمد، فرأيته فى النوم، فقلت:
مازلت أعرفك مسرفا، كنت تفعل كذا وكذا، فقال:
أيارب إن تغفر فإنّك أهله ... وإن تكن الأخرى فإنّى مجرم
قال: فقال لى شيخ من ناحية: هو أفقه منك! قال محمد الكندىّ: بلغ أبو عمرو الشيبانىّ مائة سنة وعشر سنين، ومات سنة ست أو خمس ومائتين.
وقال يعقوب بن السكّيت: مات أبو عمرو الشيبانىّ، وله مائة وثمانى عشرة سنة، وكان يكتب بيده إلى أن مات، وربما استعار منّى الكتاب، وأنا إذ ذاك صبىّ، آخذ عنه، وأكتب من كتبه.
وقال أحمد بن كامل القاضى: توفّى أبو العتاهية الشاعر فى سنة ثلاث عشرة ومائتين، وفى يوم مات فيه أبو عمرو الشيبانىّ وإبراهيم الموصلىّ المغنى، والد إسحاق، وكانت وفاته ببغداذ.
وروى أن أبا عمرو مات سنة ست عشرة ومائتين، وله مائة سنة وسنتان.(1/264)
141- إسحاق بن موهوب بن محمد بن الخضر الجواليقىّ أبو طاهر بن أبى منصور [1]
أخو إسماعيل «1» . شارك أخاه فى السّماع والأدب، وتصدّر للإفادة، وكان أصغر من أخيه إسماعيل. ولد فى شهر ربيع الأوّل سنة سبع عشرة وخمسمائة، وتوفّى يوم الأربعاء حادى عشر شهر رجب سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وصلّى عليه يوم الخميس ثانى عشره، وحمل إلى مقبرة باب حرب، ودفن عند أبيه.
142- أسعد بن علىّ الحسينىّ النحوىّ [2]
موصلىّ الأصل، مصرىّ الدار، هاجر إليها، واتخذها سكنا. وكان أديبا فاضلا، متصدّرا لإفادة هذا الشأن، مع رفعة المكانة، وجلالة التصدّر عند الخلفاء العلويين، وأدرك أيام الصالح بن رزّيك، «2» ومدحه، ومن شعره:
ومن يهو إدراك المعالى فإنه ... يعدّ المنايا من ملابسه طمرا «3»
قريع الرزايا والقنا يقرع القنا ... خطير العطايا يستقلّ الجدا خطرا «4»
ويحفظ بالخطّىّ فى النّقع موطنا ... يحوز العلا والموت يلحظه شزرا «5»
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 41، ومعجم الأدباء 6: 88- 89. والجواليقىّ، بفتح الجيم والواو وكسر اللام بعد الألف: منسوب إلى الجواليق جمع جوالق، وانظر ص 65 من هذا الجزء.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 41.(1/265)
143- أسعد بن مهذّب بن زكريا بن ممّاتى أبو المكارم [1] الكاتب المصرىّ
من أقباط مصر فى عصرنا، وجدّه ممّاتى كان جوهريا بمصر، وكان يصبغ البلّور صبغة الياقوت؛ فلا يعرفه إلا الخبير بالجواهر، ولقد حكى لى رجل كان يعرف بالرشيد الصائغ أنّ الفصّ من عمل ممّاتى كان إذا نودى عليه فى سوق الصاغة تشوّفت نحوه العيون أكثر من تشوّفها إلى غيره من الجواهر لجودته، وحسن منظره.
وجدّه الأبعد أبو مليح كاتب الأفضل «1» ، وصاحب ديوانه، وهو الذى قال فيه ابن مكنسة «2» الشاعر:
طويت سماء المكرما ... ت وكوّرت «3» شمس المديح
[وتناثرت شهب العلا] «4» ... مذ «5» قيل مات أبو المليح «6»
__________
[1] . ترجمته فى أعلام النبلاء 4: 323- 328، وتاج العروس 3: 543، وتاريخ ابن كثير 13: 53، وتلخيص ابن مكتوم 41- 42، وحسن المحاضرة 1: 242- 243، وخطط المقريزى 3: 260- 261، وابن خلكان 1: 68- 69، وسلم الوصول 180- 181، وشذرات الذهب 5: 20، وكشف الظنون 1015، 1215، ومعجم الأدباء 6: 100- 126.
ومماتى ضبطه ابن خلكان بفتح الميمن، والثانية منهما مشدّدة، وبعد الألف تاء مكسورة.(1/266)
أسلم هذا أسعد وأبوه الخطير «1» مهذّب فى صدر الدولة الغزّية»
، عند استيلائها على الأعمال المصرية.
وتولى ديوان الإقطاعات المدة الطويلة، سالما فى نفسه وجاهه ومآله إلى أن استولى على الأمر عبد الله بن علىّ بن مقدام الدّميرىّ «3» - وكان عامّيا أحمق، قليل التدبير، حاسدا لكلّ ذى فضيلة- فقبّح أثره عند مخدومه «4» ، فلحقته إهانة، فخرج من مصر مختفيا بعد شدّة أدركته، وقصد حلب، فأتى إلى من «5» بها بقديم الصحبة، فأخفق مسعاه، وأجدب مرعاه، وعاش بشجاه، إلى أن أدركته الوفاة، فمات بها فى شهور سنة ست أو سبع وستمائة، ودفن بالمقبرة المعروفة بالمقام على جانب الطريق المسلوك إلى دمشق خارج تربة رجل متمحل، يعرف بعلىّ بن أبى بكر الهروىّ الموصلىّ الخرّاط.
ولما ورد إلى حلب اطّرحوا قدره، واستبردوا نظمه ونثره، وتحاموا محاضرته، وقلّلوا مكاثرته؛ فكان فيها غريبا على التحقيق، عادم التصديق والصديق؛ وإلا(1/267)
فهو كما قال فيه محمد بن محمد بن حامد «1» عندما وصفه: «ذو الفضل الجلىّ، والشعر العلىّ، والنظم السوىّ، والخاطر القوىّ، والروىّ الروىّ، والقافية القافية أثر الحسن، والقريحة المقترحة صور اليمن، والفكرة المستقيمة على جدد البراعة، والفطنة المستمدّة من مدد الصناعة، شابّ الأدب رابّ؛ وعن الفضل ذابّ، وله شعر حسن، منه قوله يوم فتح الخليج «2» بالقاهرة:
خليج كالحسام له صقال ... ولكن فيه للرائى مسرّه
رأيت به الصّغار تجيد عوما ... كأنّهم نجوم فى المجرّه
وله فى غلام نحوىّ:
وأهيف أحدث لى نحوه ... تعجّبا يعرب عن ظرفه
علامة التأنيث فى لفظه ... وأحرف العلّة فى طرفه
وقوله فى غلام خيّاط:
وخيّاط نظرت إلي ... هـ مفتونا بنظرته
أسيل الخدّ أحمره ... بقلبى ما بوجنته
وقد أمسيت ذا سقم ... كأنّى خيط إبرته
وأحسد منه ذاك الخي ... ط فاز برىّ ريقته(1/268)
وكان السديد أبو القاسم الكاتب فى ديوان الإنشاء من فضلاء المتصرّفين، قد عمل قصيدة لامية مقيّدة؛ فقال فيها الأسعد هذا:
تبكى قوافى الشعر لاميّة ... بيّضتها من حيث سوّدتها
لما «1» علا وسواس ألفاظها ... ظننتها جنّت فقيّدتها
وله فى جماعة لا يجتمعون إلا فى مجلس الشراب:
أراكم كحباب الكأس منتظما ... فما أرى جمعكم إلّا على قدح
وشعره ونثره كثير طيّب، وليس هذا موضع التكثير منه، وإنما ذكرته فى هذا التصنيف؛ لأنه تعرّض إلى تهذيب أفعال ابن طريف «2» فى اللغة، فاختاره وأجاده، وأتى فيه بالحسنى وزيادة. وقد كانت تصانيفه «3» كثيرة لطيفة، ومقاصده فيها طريفة «4» .(1/269)
144- أسعد بن نصر بن أسعد أبو منصور الأديب [1]
يعرف بابن العبرتىّ، منسوب إلى عبرتا، ناحية بالنّهروان. قرأ النحو على الشيخ أبى محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب، ومن بعده على الشيخ الكمال أبى البركات عبد الرحمن بن محمد الأنبارىّ، وصارت له به معرفة حسنة، وتصدّر له، وأقرأه، وله شعر لا بأس به، فمنه:
قل لمن يشكو زمانا ... حاد عما يرتجيه
لا تضيقنّ إذا جا ... ء بما لا تشتهيه
ومتى نابك دهر ... حالت الأحوال فيه
فوّض الأمر إلى اللّ ... هـ تجد ما تبتغيه
وإذا علّقت آما ... لك فيه ببنيه
حرت فى قصدك حتى ... قيل ماذا بنبيه
توفّى أسعد بن العبرتىّ يوم السبت رابع عشر شهر رمضان سنة تسع وثمانين وخمسمائة «1» .
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 193، وتلخيص ابن مكتوم 42- 43-، ومعجم البلدان 6: 110.(1/270)
145- آدم بن أحمد بن أسد الهروى الأسدىّ أبو سعيد [1]
من أهل هراة، سكن بلخ. كان أديبا فاضلا، عالما بأصول اللغة، صائنا حسن السيرة، ورد بغداذ حاجّا سنة عشرين وخمسمائة، وقرأ بها الحديث والأدب، وجرى بينه وبين أبى منصور الجواليقىّ منافرة فى مذاكرة الأدب، واختلفا فى شىء، وشرّقت بينهما القضية، إلى أن قال الأسدىّ للجواليقىّ: أنت لا تحسن أن تنسب نفسك، فإن الجواليقىّ نسبة إلى الجمع، والنّسبة إلى الجمع لا تصحّ.
وعاد إلى بلخ، وتصدّر للإفادة بها، فاستفاد منه الناس، إلى أن توفى- رحمه الله- فى عصر يوم الجمعة الخامس والعشرين من شوّال سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
146- إقبال بن علىّ بن أبى بكر واسمه أحمد بن برهان أبو القاسم المقرئ النحوىّ اللغوىّ [2]
يعرف بابن الغاسلة، من أهل واسط، قرأ النّحو على مشايخ عصره، وورد بغداذ مرارا، وقرأ بها الأدب على موهوب الجواليقىّ وغيره.
قال إقبال: كنت حاضرا فى حلقة أبى منصور الجواليقىّ ببغداذ فى جامع القصر الشريف يوم جمعة بعد الصلاة، فسأله رجل عن هذا البيت:
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 176، وتلخيص ابن مكتوم 43، ومعجم الأدباء 1: 101- 107.
والهروىّ: منسوب إلى هراة، وهى من أمهات مدن خراسان.
[2] ترجمته فى تاريخ الإسلام للذهبى، وفيات 584، وتلخيص ابن مكتوم 43، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 282- 283، وذكره باسم «إسماعيل» .(1/271)
يحاولن منّى عادة قد عرفنها ... قديما فما يضحكن إلّا تبسّما
وقيل له: كيف تستثنى التبسّم من الضحك؟ فقال: يكون حرف الاستثناء- وهو إلّا هاهنا- بمعنى لكن التى معناها الاستدراك؛ ويكون معنى البيت:
فما يضحكن لكن يتبسّمن.
قال إقبال بن على: هذا، ومثله قوله تعالى: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ
معناه: لكن من ظلم.
ولد إقبال فى ثامن رمضان من سنة ثمان وتسعين وأربعمائة بواسط، وتوفّى بها ليلة الاثنين يوم عيد الأضحى من سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وصلّى عليه بعد صلاة العيد بجامع واسط، ودفن بمقبرة سكة الأعراب بواسط.
147- أسامة بن سفيان النحوىّ السجزىّ [1]
من نحاة سجستان فى العهد القريب، وكان متصدّرا هناك لإفادة العربية طالبيها، وله شعر مذكور؛ إلا أنه كشعر النحاة، فمنه:
أبى النّاى إلا أن يجدد لى ذكرا ... لمن ودّعتنى وهى لا تملك العبرا «1»
وقالت: رعاك الله ما خلت أنّنى ... أراك تسلّى إذ تطيق لنا هجرا
وكنت ترى فرط العلاقة ساعة ... تغيّبها عنا- وإن قصرت- شهرا
وتجزع من وشك الفراق فمالنا ... على فرقة الأحباب أن نظهر الصبرا
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 191، وتلخيص ابن مكتوم 43، ومعجم الأدباء 5: 186- 188.
والسجزىّ، بكسر السين وسكون الجيم: منسوب إلى سجستان، على غير قياس.(1/272)
148- الأعشى النحوى الأندلسىّ [1]
ما عرفت اسمه. كنيته أبو محمد، ولقبه أشهر من كنيته، فذكرته لأجلها فى الألف، وله شعر منه:
ملك إذا ادّرع الدّلاص «1» حسبته ... لبس الغدير وهزّ منه جدولا
فحذار ليثا لا ينهنه باسلا ... تجد الصّوارم غيله والذّبّلا «2»
149- الإمام المغربىّ النحوىّ [2]
ذكره صاحب كتاب الوشاح «3» ، ولم يسمّه، وقال فى وصفه: «سلّ فى بلاد خراسان مع الأفاضل سيوف المنازعة والبغضاء، وحال عن الرضا والارتضاء، ورمى إلى الأئمة بسهام الملام، وغادر بينهم كلام «4» الكلام، ولبعض الأئمة فصول فى التنصّل عما نسبه هذا الإمام إليه، وحكم به عليه، وفى الخلاف بين الجهال ذكر؛ ولكنه بين العقلاء شىء نكر، وأما من أحيا ذكره بالخلاف وخلّده، فإنه فرّق شمل الإنصاف وبدّده» .
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 43، وخريدة القصر 12: 10.
[2] لم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص، ولم أعثر له على ترجمة فيما لدى من الكتب.(1/273)
وأنشد الإمام محمد بن شاهقور قال: أنشدنى هذا الإمام لنفسه:
سقى روحى بكأس الهجر ساقى ... وبلّ الوجه من مطر المآقى
فتندبنى الطيور لما أعانى ... وترحمنى «1» النجوم لما ألاقى
أفيقا لائمىّ فلست ممّن ... يفيق من الهوى قدر الفواق «2»
150- الأهنومىّ النحوىّ اليمنىّ [1]
نزيل الديار المصرية، بالقاهرة المعزّية. رجل يعرف طرفا من النحو، وشيئا من اللغة، قدم إلى الإقليم المصرى فى زماننا، وتصدّر بالجامع الأزهر لإفادة هذا النوع، وقرأ عليه الناس، وكان شخت الحلقة «3» ، قصيرا دميما، يقول شعرا متوسّطا من أشعار النحاة، يتوصّل به إلى قضاء حوائجه، وكان ضيّق العطن، عسر الإجابة عند السؤال، وكنت قد مشيت إليه لطلبة الإفادة فلم أجد عنده شيئا، فتركته ثم اجتمعت به فى شهور سنة ست وثمانين، أو سبع وثمانين فى «4» مدرسة القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على البيسانىّ- رحمه الله- وكان يتكرر
__________
[1] . لم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص، ولم أعثر له على ترجمة، إلا ما ذكره ياقوت فى معجم البلدان (5: 336) حينما ذكر أبا الخير الصبرىّ، وقال عنه: «شيخ الأهنوىّ الذى كان بمصر» ، والأهنوىّ: منسوب إلى أهنوم، وهى سوق ببلاد اليمن، كما فى صفة جزيرة العرب للهمدانىّ ص 113.(1/274)
إليها لإقراء ولده الأشرف بها الدين أحمد. وتجاذبنا ذكر الألغاز، فأنشدتهم بيتا واحدا فى ذلك، وقلت له: لست المقصود بذلك الجواب؛ وإنما هذا مذاكرة بين الطلبة، فأبى إلا أن يتعرّض للجواب، فكان كلّما قال قولا رددته عليه، وأظهرت موضع الخطأ منه، فلما عىّ عن الجواب دمعت عيناه، وكادت نفسه أن تذهب خجلا لضيق عطنه، فقلت له: قد قلت لك: لست المقصود به، فزاده ذلك حنقا وغيظا وخجلا، وسأل الجماعة ذكر الجواب، فذكرته، فلم يكن له عليه دخل، وتحقّق به أن قوله كان هذرا، فأطرق منكّسا، وتركته ولم أره بعد ذلك، وبلغنى أنه مات فى حدود سنة تسعين وخمسمائة بالقاهرة، وخلّف عائلة عالّة؛ فإنه كان مقلّا مقتّرا، عليه حرفة الأدب بادية- رحمنا الله وإياه.
وكنت قد سألته يوما: على من قرأت؟ أو سئل بحضورى، فقال: على شيخ من مشايخ بلادى، يقال له أبو الخير الصّبرىّ، أو قال: ابن أبى الخير.
وسئل عن النسبة، فقال: هو منسوب إلى جبل صبر، عمل بمخاليف اليمن.(1/275)
(حرف الباء «1» )
151- البرّ النحوىّ القرقيسىّ [1]
من أهل قرقيسياء «2» ، نزيل سنجار، نحوىّ خامل الذكر، مجهول المكانة.
كان بسنجار من بلاد الجزيرة «3» بعد طلبه هذا الشأن. قرأ عليه علىّ بن دبابا السّنجارىّ النحوىّ، واستفاد منه، وتصدّر بعده بسنجار لإفادة هذا الشأن، وذلك فى أوائل المائة السادسة من الهجرة بعد العشرين والخمسمائة، وذلك تقديرا لا تحريرا، والله أعلم؛ فإن تلميذه علىّ بن دبابا مات بعد أن أفاد فى حدود ستين وخمسمائة.
152- بزرج بن محمد العروضىّ الكوفىّ [2]
كان حافظا راوية، وكان كذّابا، يحدّث بالشىء عن رجل، ثم يحدّث به عن غيره، وكان يونس النحوىّ يقول: إن لم يكن بزرج النحوىّ أروى الناس فهو أكذب الناس.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 43. وفى الأصل: «البربن» ، وما أثبته عن المؤلف فى ترجمة على بن دبابا السنجارىّ.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 44، ولسان الميزان 2: 11، ومعجم الأدباء 7:
71- 75. و «بزرج» ضبطه ابن حجر بضم الباء وسكون الراء.(1/276)
وكان منقطعا إلى الفضل بن يحيى. وهو من الكوفيين، مذكور فى أخبار علماء الكوفة.
وذكر أحمد بن أحمد المعروف بابن أخى «1» الشافعىّ ورّاق الجهشيارىّ «2» - وكان محقّقا- أن لبزرج من التصانيف كتاب العروض الكبير. كتاب العروض الصغير. كتاب بناء الكلام فى جلود «3» . كتاب النقض على الخليل وتغليطه فى كتاب العروض. كتاب تفسير الغريب «4» .
وذكره المرزبانىّ محمد بن عبيد الله قال: «بزرج العروضىّ مولى بجيلة» .
وقال الصولىّ: بزرج بن محمد، أظنه من موالى كندة.
وقال عبد الله بن جعفر «5» : «من علماء الكوفة بزرج بن محمد العروضىّ، وهو الذى صنف كتابا فى العروض، فنقض فيه العروض- بزعمه- على الخليل، وأبطل «6» الدوائر والألقاب [والعلل] «7» التى وضعها الخليل للأوزان فى كتابه، واستشهد على ذلك بأشعار رواها مولّدة، وضعها [ونسبها] «8» إلى قبائل العرب، وكان كذّابا» .(1/277)
وكان الناس قد أكبّوا عليه لكثرة حفظه، فساء ذلك حمّادا»
وجنّادا «2» ، فدسّا إليه من اختبره؛ فإذا هو يحدّث بالحديث عن رجل فعل شيئا، ثم يحدّث به عن رجل آخر. فتركه الناس حتى كان يجلس وحده.
ولبزرج أشعار مروية، منها:
ليس بينى وبين صحبى إلا ... أنّنى فاضل لهم فى الذكاء
حسدونى فزخرفوا فىّ قولا ... تتلقّاه ألسن البغضاء
كنت أرجو العلاء فيهم بعلمى ... فأتانى من الرّجاء بلائى
شدّة استفدتها من رخاء ... وانتقاض جنيته من وفاء
153- بشّار النحوىّ الضرير الأندلسىّ [1]
كان نحويا أستاذا فى العربية، شيخا من شيوخ الأدب، وكان مختصا بمجاهد ابن عبد الله العامرىّ، المدعو بالموفّق «3» ، ومنقطعا إليه، وله مع أبى العلاء صاعد
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 44، وبغية الملتمس للضبىّ 234- 235.(1/278)
الموصلىّ الأديب الطارئ على المغرب حكاية «1» ظريفة، وكان صاعد يتّهم بالكذب فيما يذكره من اللغة، ويأتى به من الغرائب.
وذلك أنه لما ورد صاعد دانية «2» وافدا على الأمير الموفّق- وكان يوصف بسرعة الجواب فيما يسأل عنه، ويتّهم فيما يجاوب به- قال بشّار للموفّق: أيها الأمير، أتريد أن أفضح أبا العلاء بحضرتك فى حرف من الغريب لم يسمع قط؟
فقال له الموفّق: الرأى لك ألّا «3» تتعرّض له، فإنه سريع الجواب، وربما أتى ما تكره؛ فأبى إلا أن يفعل.
فلما اجتمعوا عنده، واحتفل المجلس قال بشار: أبا العلاء! قال: لبيك، قال: حرف من الغريب، قال: قل، قال: ما الجرنفل فى كلام العرب؟ ففطن «4» له أبو العلاء، فأطرق، ثم أسرع فقال: هو الذى يفعل بنساء العميان- لا يكنى، ولا يكون الجرنفل جرنفلا [حتى] «5» لا يتعدّاهنّ إلى غيرهن. فحجل بشّار وانكسر، وضحك من كان حاضرا، وتعجّب. وقال له الموفّق: قد خشيت عليك مثل هذا!
154- بكر بن حبيب السّهمىّ [1]
وهو والد عبد الله المحدّث. كان عالما بالعربية فى طبقة أبى عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر، وهو أكبر من الخليل بن أحمد، ولم يكن له شهرته.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 202، وتلخيص ابن مكتوم 45، وطبقات الزبيدىّ 23، ومعجم الأدباء 7: 86- 90. والسهمىّ: منسوب إلى سهم بن عمرو بن ثعلبة، وهو بطن من باهلة.(1/279)
واختلف عيسى بن عمر وأبو عمرو بن العلاء فى سطر «1» وسطر، وكانا عند بلال ابن أبى بردة «2» ، فأرسلوا إلى بكر بن حبيب السهمىّ فحكّموه، فقال: سطر (مخفف) أفصحهما «3» ، ومن قال: سطرا (بالتخفيف) جمعه على سطور، ومن قال سطرا (بالتحريك) جمعه على أسطار.
وكان بكر بن حبيب سهميا، من سهم باهلة. قال بكر: عرضت لى حاجة إلى بلال ابن أبى بردة، فأتيته فيها، وكان يحسد على الفصاحة، فطاولنى الكلام، فجعلت لا أزيده على المطاولة إلا فصاحة، فقال لى يابكر: لجاد ماتخذك أهلك! فقلت:
أصلح الله الأمير! أرادوا جمال أمرى، وقضاء حاجتى. وسألته الحاجة، فقال: والله لا ترجع بها، فقلت: أصلح الله الأمير! لو علمت لحضّجت «4» حضجات أبى شيخ ابن العرق الفقيمىّ- وكان لحّانا- قال: فلقينى أبو شيخ، فقال: يا أخا باهلة، أما وجدت أحدا يضرب به المثل غيرى! هلا ضربت المثل بابن عمك عمير بن سلم حين يقرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الظالّون.
وقال ابن أبى إسحاق لبكر بن حبيب «5» : ما ألحن فى شىء، فقال له: لا تفعل.
قال: فخذ علىّ كلمة، فقال: هذه «6» ، قل: كلمه. وقربت منه سنّورة، فقال اخسى، فقال له: أخطأت؛ إنما هو اخسئ «7» .(1/280)
155- بكر بن محمد بن بقية، وقيل بكر بن محمد بن عدىّ بن حبيب أبو عثمان المازنىّ النحوىّ [1]
من بنى مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علىّ بن بكر ابن وائل. من أهل البصرة، وهو أستاذ أبى العباس المبرّد.
روى عن أبى عبيدة والأصمعىّ وأبى زيد الأنصارىّ ومحبوب بن الحسن، وروى عنه الفضل بن محمد اليزيدىّ والمبرّد وعبد الله بن أبى سعد الورّاق.
ورد بغداذ، فأخذ عنه أهلها، وروى عنه منهم الحارث بن أبى أسامة، ومحمد ابن أبى الجهم السّمّرىّ «1» ، وموسى بن سهل الجونىّ.
قال أبو الفضل ميمون بن هارون: إن أبا عثمان المازنىّ قدم بغداذ فى أيام المعتصم. وروى أنّ قدومه بغداذ كان فى أيام الواثق.
__________
[1] . ترجمته فى أخبار النحويين البصريين 74- 85، وإشارة التعيين الورقة 5، والأنساب 500 ب، وبغية الوعاة 202- 203، وتاريخ بغداد 7: 93- 94، وتاريخ أبى الفدا 2: 41، وتاريخ ابن كثير 10: 352- 353، وتلخيص ابن مكتوم 45، وابن خلكان 1: 92- 93، وشذرات الذهب 2: 113- 114، وطبقات الزبيدىّ 57- 64، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 281- 284، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 179، والفلاكة والمفلوكين 70- 71، والفهرست 57، وكشف الظنون 412، 1396، 1428، 1438، 1451، ولسان الميزان 2: 57، والمزهر 2: 408، 419، 444، 464، ومسالك الأبصار، ج 4 مجلد 2: 285- 287، ومعجم الأدباء 7: 107- 128، والنجوم الزاهرة 2: 263، 329، ونزهة الألباء 242- 250، والوافى بالوفيات ج 3 مجلد 1: 159- 164.(1/281)
قال أبو عثمان المازنى: دخلت على الواثق، فقال لى: يا مازنىّ، ألك ولد؟
قلت: لا، ولكن لى أخت بمنزلة الولد، قال: فما قالت لك؟ قلت: ما قالت بنت «1» الأعشى للأعشى «2» :
فيا أب لا تنسنا غائبا ... فإنّا بخير إذا لم ترم
أرانا إذا أضمرتك البلا ... د نجفى ويقطع منّا الرّحم
قال: فما قلت لها؟ قال: قلت لها ما قال جرير: «3»
ثقى بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنّجاح
قال: أحسنت! أعطه خمسمائة دينار.
وللمازنىّ من التصانيف: كتاب ما يلحن فيه العامة، وكتاب الألف واللام، وكتاب التصريف، وكتاب العروض، وكتاب القوافى، وكتاب الديباج، على خلاف كتاب أبى عبيدة.
قال أبو جعفر الطحاوىّ المصرىّ الحنفىّ «4» : سمعت القاضى بكّار بن قتيبة- رحمه الله- يقول: ما رأيت نحو يا قطّ يشبه الفقهاء إلا حبّان بن هلال «5» والمازنىّ- يعنى أبا عثمان.
قال أبو سعيد السكّرىّ: توفى المازنىّ سنة ثمان وأربعين ومائتين. وقال غيره: مات سنة تسع وأربعين بالبصرة.(1/282)
وكان أبو العباس المبرّد يصف المازنىّ بالحذق بالكلام والنحو. قال:
وكان إذا ناظر أهل الكلام لم يستعن بشىء من النحو، وإذا ناظر أهل النحو لم يستعن بشىء من الكلام.
وقال الجاحظ فى كتاب البلدان، وقد ذكر فضل البصرة ورجالها: «وفينا اليوم ثلاثة رجال نحويّون ليس فى الأرض مثلهم، ولا يدرك مثلهم- يعنى فى الاعتلال والاحتجاج والتقريب؛ منهم أبو عثمان بكر بن محمد المازنىّ، والثانى العباس بن الفرج الرياشىّ، والثالث أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن الزيادىّ.
وهؤلاء لا يصاب مثلهم فى شىء من الأمصار» . وكتب كتابه «1» هذا فى شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وكان المازنىّ من فضلاء الناس ورواتهم وثقاتهم، وكان متخلّقا «2» رفيقا بمن يأخذ عنه، فذكر محمد بن يزيد عنه قال: قرأ علىّ رجل كتاب سيبويه فى مدّة طويلة، فلما بلغ آخره قال لى: أمّا أنت فجزاك الله خيرا، وأما أنا فما فهمت منه حرفا.
وذكره المبرّد قال، قال المازنىّ: قرأت على يعقوب بن إسحاق الحضرمىّ القرآن، فلما ختمت رمى إلىّ بخاتمه وقال: خذه، ليس لك مثل، وكذلك فعل يعقوب بأبى حاتم، ختم عليه سبع ختمات، وقيل خمسا وعشرين ختمة، فأعطاه خاتمه، وقال: أقرئ الناس.
وكان الواثق كتب فى حمله من البصرة إلى سرّ من رأى، فأراده على النظر والكلام، فأبى وقال: أنا تارك، فأعفوه. ووهب له الواثق مالا، وردّه إلى البصرة.(1/283)
وروى أيضا أن السبب فى حمله غير هذا، وقد يجوز أن يكون قد حمل مرتين؛ وذلك أن جارية غنّت الواثق:
أظليم «1» إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّة ظلم
فردّ بعض الحاضرين عليها نصبها «رجلا» ، وظنّ أنه خبر إن، وإنما هو مفعول المصدر، و «مصابكم» فى معنى «إصابتكم» ، و «ظلم» خبر إن، فقالت:
لا أقبل هذا ولا أغيّره، وقد قرأته كذا على أعلم الناس بالبصرة، أبى عثمان المازنىّ.
فتقدم «2» الواثق بإحضاره.
قال المازنىّ: لما دخلت على الواثق قال: باسمك؟ يريد: ما اسمك؟
قال المازنىّ: وكأنه أراد أن يعلمنى معرفته بإبدال الباء مكان الميم فى هذه اللغة، فقلت له: بكر بن محمد المازنىّ. قال: مازن شيبان أم مازن تميم «3» ؟ قلت: مازن شيبان، فقال: حدّثنا، فقلت: يا أمير المؤمنين، هيبتك تمنعنى من ذلك، وقد قال الراجز «4» :
لا تقلواها وادلواها دلوا ... إنّ مع اليوم أخاه غدوا «5»(1/284)
قال: فسّره لنا، قلت: لا تقلواها: لا تعنّفاها فى السير: يقال: قلوته؛ إذا سرت سيرا عنيفا، ودلوت: إذ سرت سيرا رفيقا.
قال: ثم أحضر التّوّزىّ «1» - وكان فى دار الواثق- وكان التّوّزىّ يقول:
«إن مصابكم رجل» ، يظنّ أن «مصابكم» مفعول، «2» و «رجل» ، خبر، فقال له المازنىّ: كيف تقول: «إن ضربك زيدا ظلم» ؟ فقال التوّزىّ: حسبى، وفهم.
وكان عبد الصمد بن المعذّل «3» قد هجا المازنىّ لأمر أوجب ذلك، وأفحش، وكان فى آخر القصيدة بيت، وهو:
هممت» أعلو رأسها وأدمغه «5»
فبلغ أبا عثمان هذا الهجاء، فقال: قولوا له الجاهل: بم نصبت: «وأدمغه» ؟
لو لزمت مجالسة أهل العلم كان أعود عليك.
وقال المازنىّ: حضرت يوما مجلس المتوكل، وحضر يعقوب بن السّكّيت، فقال المتوكل: تكلّما فى مسألة نحوية. فقلت له: اسأل، فقال: اسأل أنت، فقلت له: ما وزن «نكتل» اللفظة الواردة فى الآية المذكورة فيها قصة إخوة يوسف؟ قال: فتسرّع، وقال: وزنها: «نفعل» ، فقلت له: اتّئد وانظر،(1/285)
قال: فأفكر «1» ، ثم قال: وزنها «نفتعل» . قال: فقلت له: «نكتل» أربعة أحرف، و «نفتعل» خمسة أحرف، فكيف تقدر الرباعىّ بالخماسىّ! قال: فبهت «2» ، ولم يحر جوابا «3» ، فقال له المتوكل، فما تقول أنت يا مازنىّ؟ قال: قلت: وزنها فى الأصل «نفتعل» ؛ لأنها «نكتيل» ، فلما تحرّك حرف العلة، وهو الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، فصارت «نكتال» ، ولما دخل الجازم صارت «نكتل» .
فقال المتوكل: هذا هو الحق، وانخزل ابن السكيت ووجم، وظهر ذلك عليه، وقمنا، فلما خرجنا قال ابن السكيت فى الطريق: بالغت اليوم فى أذاى! فقلت له: لم أقصدك بشىء ممّا جرى، وإنما مسألة كانت قريبة من خاطرى، فذكرتها.
وذكر أن بعض تلامذة المازنىّ دخل عليه، وهو يعالج نفسه، قال: فقلت له:
امرخ «4» صدرك يلين؛ لأنى سمعت فى حلقه حشرجة، فقال لى: امرخ صدرك يلن.
قال المازنىّ: قال له الواثق: إن ها هنا قوما يختلفون إلى أولادنا فامتحنهم، فمن كان منهم عالما ينتفع بعلمه ألزمناه إياهم، ثم أمر فجمعوا، فامتحنتهم، فما وجدت طائلا، وخافوا، فقلت: لا بأس على أحد، فلما رجعت إليه قال: كيف رأيتهم؟
قلت: يفضل بعضهم بعضا، وكلّ يحتاج إليه، فقال: لله درّك يا بكر!، وأمر لى بصلة جزلة، وأجرى لى فى كل شهر مائة دينار، فكنت بحضرته.
قال المازنىّ: قلت لابن قادم، أو لابن سعدان لمّا كابرانى: كيف تقول:
«نفقتك دينارا أصلح من درهم؟» ، فقال: «دينار» بالرفع، قلت: فكيف تقول:
«ضربك زيدا خير لك؟» ، فنصب زيدا، فقلت له: فرّق بينهما، فانقطع، وكان ذلك عند الواثق.(1/286)
وشاهدت فى بعض المجاميع «1» ذكر دخول المازنىّ على المتوكل- وهو أصحّ- فى إنشاده «لا تقلواها» ، من أن يكون أنشدها عند الواثق.
قال المازنىّ: ذكرت للمتوكل، فأمر بإشخاصى، فلما دخلت عليه رأيت من العدّة والسلاح والأتراك ما راعنى- والفتح بن خاقان بين يديه- وخشيت أنى إن «2» سئلت عن مسالة ألّا أجيب فيها، فلما مثلت بين يديه، وسلّمت قلت:
يا أمير المؤمنين، أقول كما قال الأعرابىّ:
لا تقلواها وادلواها دلوا ... إنّ مع اليوم أخاه غدوا
قال المازنىّ: فلم يفهم عنى ما أردت، واستبردت فأخرجت، ثم دعانى بعد ذلك، فقال: أنشدنى أحسن من شعر الأعرابىّ، فأنشدته قصيدة أبى ذؤيب الهذلىّ:
أمن المنون وريبها تتوجّع «3»
فقال: ليست بشىء، ثم أنشدته قصيدة متمّم بن نويرة:
لعمرى وما دهرى بتأبين مالك «4»(1/287)
فقال: ليست بشىء، ثم أنشدته عدّة قصائد فى هذا الفن «1» ، وهو يقول مثل قوله فسكتّ، فقال: من شاعركم اليوم بالبصرة؟ قلت: عبد الصمد بن المعذّل ابن غيلان، قال: فأنشدنى له، فأنشدته أبياتا قالها فى قاضينا ابن «2» رياح:
أيا قاضية البصره ... قومى فارقصى قطره
ومرّى برواشنك «3» ... فماذا البرد والفتره
أراك قد تثيرين ... عجاج القصف يا حرّه
بتحذيفك خدّيك ... وتجعيدك للطرّه
قال المازنى: فاستحسنها المتوكل، واستطار لها سرورا وابتهاجا، وأمر لى بجائزة؛ فكنت أتعمّل له حفظ مثل ذلك، واستدللت على نقصه، وكمال الواثق.
قال ابن الفرّاء المصرىّ: وتوفّى المازنىّ سنة تسع وأربعين ومائتين بالبصرة.
هكذا ذكره فى تاريخه.
وقال أحمد بن أبى يعقوب بن واضح الكاتب «4» : توفى المازنىّ سنة ست وثلاثين ومائتين، ذكره فى كتابه الكبير.
قال أبو عثمان المازنىّ: قال لى أبو عبيدة: ما أكذب النحويين! فقلت له:
لم قلت ذلك؟ قال: يقولون: إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث، وإن(1/288)
الألف التى فى «علقى» «1» ملحقة ليست للتأنيث. قال: فقلت: وما أنكرت من ذاك؟ قال: سمعت رؤبة «2» ينشد:
فحطّ فى علقى وفى مكور «3»
فقلت له: ما واحد العلقى؟ فقال: علقاة «4» . قال أبو عثمان: فلم أفسّر له؛ لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل ذلك. وحقّ ذلك أن يكون علقى جمعا موضوعا على غير علقاة، ولكن كالشاء من شاة «5» . ومن زعم- وهو قول أبى العباس- أن شاء جمع شاة على لفظها كتمرة وتمر؛ فإنما يقول الهمزة بدل من الهاء لازم؛ وذلك أن شاة حذفت منها هاء. ولو جاء على تمرة وتمر لقلنا فى الجمع شاه، فاعلم، فوصلنا بالهاء؛ لأن حق شاة شاهة، وقد كانت الهمزة تبدل من الهاء للمجاورة فقط، وبدلها هاهنا لنفى اللبس؛ ألا ترى أنها مبدلة فى قولك ماء، فاعلم، فإذا صغّرت قلت مويه، فإذا جمعت قلت أمواه ومياه. ومن هذا قولهم للشاء شوىّ؛ مما تقاربت ألفاظه بمداخلتها، وليس من لفظ شاة وشاء على هذا القول.(1/289)
قال محمد بن يزيد: فقلت للمازنىّ: فما تقول أنت؟ قال: القول فيه أن علقى إذا لم تنصرف فى النكرة؛ فإنما هو اسم مأخوذ من لفظ علقى الذى ينصرف، وليس به، والألف فيه ملحقة، فعلّق على التأنيث فهو مشتق من لفظه، ومعناه كمعناه؛ ألا ترى أنك تقول: سبطر فهو بمعنى السّبط «1» ولفظه، وليس هو إياه بعينه، ولا مبنيا عليه، وإنما هو بمنزلة اسم وافق اسما فى معناه، وقاربه فى لفظه، وكذلك لّال لصاحب اللؤلؤ، وهذا البناء لا يكون فى ذوات الأربعة، وإنما هو اسم مشتق من اللّؤلؤ، وفى معناه، وليس بمبنىّ عليه. وإذا كانت الألف فى علقى للتأنيث لم يجز أن يكون واحدها علقاة؛ لأن تأنيثا لا يدخل على تأنيث.
وقال المازنىّ: قلت للأخفش سعيد بن مسعدة: كيف تقول: «لقضو الرجل «2» » ؟. قال: كذلك أقول [قلبت] الياء واو الضمة الضاد. قال: فقلت له:
كيف تسكّنها فى قول من قال: «علم «3» الأمر» ، فقال: أقول «لقضو الرجل» ، فأسكن.
قلت: فلم لا تردّ الواو إلى الأصل إذا كانت الضمة فى الضاد قد ذهبت؟ فقال:
إنى إنما أسكنتها من فعل، فأنا أنوى فيها الضمة. فقلت: فكيف تصغر سماء؟ قال:
سميّة. قلت: أليس هى محذوفة من سمّيية؟ قال: بلى! قلت: فلم لا تحذف «4» الهاء؟(1/290)
ألأنك لا تنوى الياء التى حذفتها؟ قال: ليس هذا مثل «لقضو الرجل» . قال:
فسألت الفضل فلم يكن عنده شىء، فسألت أبا عمر الجرمىّ، فشعّب علىّ.
قال أبو عثمان: إن هذا لا يلزم؛ لأن التصغير عندى يستأنف على حدّ آخر:
قال أبو العباس: ولم يصنع أبو عثمان شيئا، قال: ونحن نقول: «لقضو الرجل» ، و «لقضو الرجل» ، فنسكن ونحرّك، ولم نقل قطّ فى مثل سماء سميّية، نحو تصغير عطاء، لا نقول «عطيّى» ، فلما لم نقله صار بمنزلة ما ليس فى الكلام، فكأننا حقّرنا شيئا على ثلاثة أحرف، ليس فيها هاء التأنيث، كما تقول فى هند هنيدة، وفى دلو دليّة.
156- البكرىّ أبو الفضل محمد بن أبى غسان [1]
ونسبه أشهر من اسمه. نحوىّ مذكور فى وقته، مصنّف، ومن تصنيفه كتاب مختصر فى النحو.
157- بندار الأصبهانىّ [2]
لغوىّ، راوية للأخبار والأشعار، مكثر حافظ لآثار العرب ونوادرها، سمع منه ابن كيسان.
وقال محمد بن القاسم بن بشار الأنبارىّ: قال أخبرنى: أبى، القاسم بن بشار أبو محمد، قال: كان بندار يحفظ سبعمائة قصيدة، أوّل كل قصيدة «بانت سعاد» .
158- بقاء بن غريب النحوىّ المقرئ [3]
عراقىّ. وصفه بهذه الصفة المبارك بن كامل فى كتابه، واستنشده أبياتا عن يحيى بن إبراهيم الواعظ.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 45، والفهرست 89.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 45، وروضات الجنات 136، ومعجم الأدباء 7:
128- 134.
[3] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 45، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 280- 281.(1/291)
159- بندار بن عبد الحميد بن لرّة [1]
ولرّة «1» لقب أبيه. عالم من علماء الجبل «2» ، لغوىّ نحوىّ، خلط المذهبين. ويكنى بندار بأبى عمرو، وله ذكر وفضل فى قطره، وله تصانيف، منها: كتاب معانى الشعر. كتاب شرح معانى الباهلىّ. كتاب جامع اللغة.
__________
[1] . ترجمته فى الإكمال لابن ماكولا 1: 79، وبغية الوعاة 208، وتلخيص ابن مكتوم 45، والفهرست 83.(1/292)
(حرف التاء)
160- توفيق بن محمد بن الحسين بن عبيد الله [بن] محمد بن زريق أبو محمد الأطرابلسىّ النحوىّ [1]
كان جدّه محمد بن زريق يتولّى الثغور الشامية من قبل الطائع «1» لله، وانتقل ابنه عبيد الله إلى الشام. وولد توفيق بأطرابلس، وانتقل إلى دمشق، وسكنها.
وكان أديبا فاضلا حاسبا هندسيا عالما بعلم الهندسة وتسيير الكواكب. يعلم كلام الأوائل ومقاصدهم ومذاهبهم، ويفيد علم العربية.
قرأ عليه عالم من الأدباء، ونحرّجوا به، وكان له شعر جيد، فمن شعره:
وجلّنار «2» كأعراف الديوك، على ... خضر يميس كأذناب الطواويس
مثل العروس تجلّت يوم زينتها ... حمر الحلى على خضر الملابيس
فى مجلس لعبت أيدى السرور به ... لدى عريش يحاكى عرش «3» بلقيس
سقا الحيا أربعا تحيا النفوس بها ... ما بين مقرى إلى باب الفراديس «4»
__________
[1] . ترجمته فى أخبار الحكماء 74، وبغية الوعاة 209، وتلخيص ابن مكتوم 45- 46، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 285- 286، ومختصر تاريخ ابن عساكر 3: 360- 361، ومعجم الأدباء 7: 138- 139.(1/293)
توفّى توفيق فى صفر سنة عشر وخمسمائة، ودفن فى مقابر باب «1» الفراديس، وروى عنه أبو القاسم علىّ بن عساكر»
الحافظ شيئا من شعره، وروى عنه محمد بن نصر بن صغير القيسرانىّ «3» الشاعر شيئا من شعره، وقرأ عليه شيئا من علوم الحكماء فى تسيير النجوم وتأثيرها. ورأيت نسخة من زيج «4» كشيار «5» ، وقد حقّقها بقراءتها عليه.
ذكره محمد بن محمد بن حامد «6» : فقال: «رأيت من تلاميذه مشايخ، وهم يقولون:
كان توفيق ذا توفيق، وعلم وتحقيق، ونظر وتدقيق، وله تصانيف، وشعر حسن لطيف» «7» .
161- تمام بن غالب المعروف بابن التّيّانىّ أبو غالب الأندلسىّ المرسىّ اللغوىّ [1]
كان إماما فى اللغة، ثقة فى إيرادها، مذكورا بالديانة والعفّة والورع، وله كتاب مشهور، جمعه فى اللغة، لم يؤلّف مثله اختصارا أو إكثارا.
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 5، وفى بغية الملتمس للضبىّ 236، وبغية الوعاة 209، وتلخيص ابن مكتوم 46، وابن خلكان 1: 97، وروضات الجنات 140- 141، والصلة لابن بشكوال 1: 124، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 285، وكشف الظنون 481، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 298- 299، ومعجم الأدباء 7: 135- 138. قال ابن خلكان: «والتيانىّ؛ أظنه منسوبا إلى التين وبيعه» .(1/294)
ولما غلب أبو الجيش مجاهد بن عبد الله العامرىّ «1» على مرسية وجّه إلى غالب ألف دينار، وأبو غالب يومئذ ساكن بمرسية، وطلب منه أن يزيد فى ترجمة هذا الكتاب: «ممّا ألّفه أبو غالب تمّام بن غالب لأبى الجيش مجاهد» ، فردّ الدنانير وامتنع من ذلك، وقال: لا أستجيز الدنيا بالكذب «2» ؛ فإننى إنما صنّفته للناس عامة.
وذكره ابن حيّان «3» ، فقال: «وكان أبو غالب هذا مقدّما فى علم هذا الشأن أجمعه، مسلّمة له اللغة، شارعا مع ذلك فى أفانين من المعرفة، وله كتاب جامع فى اللغة سماه: تلقيح «4» العين، جمّ الإفادة. وكان بقية مشيخة أهل اللغة، الضابطين لحروفها، والحاذقين بمقاييسها، وكان ثقة صدوقا عفيفا. وتوفى بالمريّة «5» فى أحد الجمادين من سنة ست وثلاثين وأربعمائة» .(1/295)
(حرف الثاء)
162- ثابت بن أبى ثابت أبو محمد اللغوىّ [1]
من أصحاب أبى عبيد القاسم بن سلّام، وثابت أثبت أصحابه فيما أخذه عنه.
وله كتاب فى خلق الإنسان؛ أجاد فيه حقّ الإجادة، وأحسن فيه ما شاء، وأربى على من تقدّمه. وأحسن حالات المتأخرين الأخذ منه.
واسم أبيه أبى ثابت سعيد، وقيل محمد «1» . لقى ثابت فصحاء الأعراب، وأخذ النحو من كبار النحويين.
وله من التصانيف: كتاب خلق الإنسان. كتاب الفرق «2» . كتاب الزّجر «3» . كتاب خلق الفرس. كتاب العروض. كتاب الوحوش.
كتاب مختصر العربية.
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 5- 6، وفى بغية الوعاة 210، وتلخيص ابن مكتوم 46، وروضات الجنات 142، وطبقات الزبيدىّ 143، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 188، والفهرست 69، ومعجم الأدباء 7: 140- 141. وذكر السيوطىّ فى بغية الوعاة ص 210. بعد هذه الترجمة ترجمة أخرى باسم «ثابت بن أبى ثابت علىّ بن عبد الله الكوفىّ، ثم قال: «قلت: وأنا أظنه الذى جاء قبله، وجاء الخلاف فى اسم الأب» .(1/296)
163- ثابت بن عبد العزيز الأندلسىّ [1] وولده قاسم
كانا من أهل العلم بالعربية والحفظ للّغة والتفنّن فى ضروب العلم، من علم الدين وغيره. ورحلا إلى المشرق، فلقيا رجال الحديث ورجال اللغة، وجمعا هنالك علما كثيرا. وهما أوّل من أدخل كتاب العين الأندلس.
وألّف قاسم بن ثابت كتابا فى شرح الحديث، سماه كتاب الدلائل «1» ، وبلغ فيه الغاية من الإتقان والتجويد حتى حسد عليه. وذكر الطاعنون أنه من تأليف غيره من أهل المشرق. ومات قبل إكماله، فأكمله أبوه ثابت بن عبد العزيز.
وقال أبو علىّ إسماعيل بن القاسم القالىّ- رحمه الله-: لم يؤلّف بالأندلس كتاب أكمل من كتاب ثابت فى شرح الحديث، وقد طالعت كتبا ألّفت فى الأندلس، ورأيت كتاب الخشنىّ فى شرح الحديث وطالعته، فما رأيته صنع شيئا، وكذلك كتاب عبد الملك بن حبيب.
قال أبو بكر الزّبيدىّ: «2» «ولو قال إسماعيل: إنه لم ير بالمشرق كتابا أكمل من كتاب قاسم فى معناه لما رددت مقالته؛ على أنّ لأبى عبيد فى هذا الفن «3» فضل السبق إليه» .
وكان ثابت وقاسم ولده من أهل الفضل والورع والعبادة. ومن جمعهما كتاب غريب الحديث ممّا لم يذكر أبو عبيد ولا ابن قتيبة.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 46، وطبقات الزبيدىّ 195- 196، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 286. وفى بغية الوعاة 210، والديباج المذهب 102، وتاريخ علماء الأندلس 1: 88- 89 ترجمة لثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى العوفىّ، ونسبوا إليه أو لابنه قاسم كتاب الدلائل.
وانظر بغية الملتمس للضبىّ 238، والفهرست لابن خير 191، وكشف الظنون 760.(1/297)
164- ثابت بن عمرو بن حبيب [1]
مولى [على «1» بن] رابطة «2» . صحب أبا عبيد القاسم بن سلّام، وروى عنه كتبه كلّها.
165- ثابت بن محمد الجرجانىّ العدوىّ أبو الفتوح النحوىّ [2]
رحل فى طلب العلم، ولقى العلماء، وروى عن جلّة من أهل الرواية، وكان إماما فى العربية، متمكنا فى علم الأدب، مذكورا بالتقدّم فى علم المنطق.
رحل بعد تمكنه من العلوم إلى الأندلس، وروى لهم بها عن أبى أحمد عبد السلام البصرىّ «3» وأبى الفتح عثمان بن جنّىّ وأبى الحسن على بن عيسى بن الفرج الرّبعىّ، وروى كثيرا من الأدب واللغات، وأملى بالأندلس كتابا فى شرح الجمل لأبى القاسم الزجاجىّ.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 47، والفهرست 72. وانظر طبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 188.
[2] ترجمته فى الإحاطة 1: 285- 288، وبغية الوعاة 210، وتلخيص ابن مكتوم 47، والصلة لابن بشكوال 1: 127- 128، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 287، وكشف الظنون 604، ومعجم الأدباء 7: 145- 148.(1/298)
وقتل بالمغرب، قتله باديس بن حيّوس البربرىّ «1» لتهمة اتّهمه بها، وهى أنه يقوم عليه مع ابن عمه يديربن «2» حباسة «3» .
وكان مولده فى سنة خمسين وثلاثمائة، وكان قتله فى ليلة السبت لليلتين بقيتا من المحرم سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.(1/299)
(حرف الجيم)
166- جعفر بن شاذان النحوىّ البصرىّ أبو القاسم [1]
فاضل فى النحو، كامل فى علم الأدب. تصدّر بمصر عند ارتحاله إليها، وأفاد قاصديه هذا النوع، وروى لهم.
قال ابن الطحّان المصرىّ المؤرّخ الراوى: أنشدنا أبو القاسم جعفر بن شاذان النحوىّ البصرىّ، أنشدنا القاضى أحمد بن خلف بن شجرة، أنشدنا محمد بن يزيد المبرّد:
إذا نلت الإمارة فاسم فيها ... إلى العلياء بالأمر الوثيق
ولاتك عندها حلوا فتحسى ... ولا مرّا فتنشب فى الحلوق
فكلّ إمارة إلا قليلا ... مغيّرة الصديق على الصديق
167- جعفر بن علىّ بن محمد السعدىّ الصّقّلىّ اللغوىّ أبو محمد المعروف بابن القطّاع [2]
أحد العلماء باللغة، المبرّز فيها، المتصرّف فى علم العربية، القادر عليها. وله فى الترسّل طبع نبيل، وفى المعانى ونقد الشعر حظ جزيل؛ فمن شعره قوله من قصيدة يتغزّل فيها، أوّلها:
بنيّة قد والله زاد بى الحال ... وأرّقنى شوق إليك وبلبال
أكابد هذا الليل أرعى نجومه ... يسامرنى فيه هموم وأوجال
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 47.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 6، وتلخيص ابن مكتوم 47.(1/300)
فقد صار قلبى للصّبابة موطنا ... معاهدها فيه غدوّ وأوصال
فو الله لا أشكوك ما هبّت الصّبا ... ولو كثرت فىّ الأحاديث والقال
وشعره كثير. وقد كان فى وسط المائة الخامسة موجودا بصقلّيّة، والله أعلم.
168- جعفر بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن ناصر بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب [1]
التّهامىّ المكىّ أبو محمد. كان عارفا بالنحو واللغة؛ شاعرا يمتدح الأكابر، طالبا لرفدهم، وكان فى رأسه دعاوى وخيوط خارجة عن الحدّ.
رحل من الحجاز إلى العراق، وجاب الآفاق. وجرى يوما وهو حاضر فى بعض محافل الأدب والمذاكرة حديث أحمد بن يحيى ثعلب النحوىّ وتبحّره فى اللغة، فقال: ومن ثعلب! أنا أفضل من ثعلب.
دخل خراسان، وأقام بها مدّة، ثم عاد إلى العراق، ودخل واسط، وسار عنها إلى أرض فارس، ولم يعلم له خبر بعد ذلك، فمن شعره:
أما لظلام ليلى من صباح ... أما للنّجم فيه من براح
كأنّ الأفق سدّ فليس يرجى ... له نهج إلى كلّ النواحى
كأنّ الشمس قد مسخت «1» نجوما ... تسير مسير أذواد طلاح «2»
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 212، وتلخيص ابن مكتوم 47، والوافى بالوفيات ج 3 مجلد 2:
257- 258.(1/301)
كأنّ الليل منفىّ طريد ... كأنّ النّسر مكسور الجناح «1»
خلوت ببيت بثّى فيه أشكو ... إلى من لا يبلّغنى اقتراحى
وكيف أكفّ عن نزوات دهرى ... وقد هبّت رياح الإرتياح
وإنّ بعيد ما أرجو قريب ... سيأتى فى غدوّى أو رواحى
169- جعفر بن محمد بن مكى بن أبى طالب بن محمد بن مختار القيسىّ اللغوىّ [1]
من أهل قرطبة. وجدّه مكىّ بن أبى طالب القيروانىّ، المقرئ المصنّف المذكور. كان جعفر عالما بالأدب واللغات، ذاكرا لها، متقنا لما قيّده منها، ضابطا لما جمعه من ذلك، وعنى به عناية تامة، وجمع من ذلك كتبا كثيرة، وهو من بيت علم ونباهة.
ولد بعد الخمسين والأربعمائة بيسير، وتوفّى- رحمه الله- ليلة الخميس، ودفن بعد صلاة العصر من يوم الجمعة لتسع بقين من محرّم سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، ودفن بالرّبض «2» .
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 212، والصلة لابن بشكوال 1: 131، وتلخيص ابن مكتوم 47، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 288، والوافى بالوفيات ج 3 مجلد 2: 272.(1/302)
170- جعفر بن موسى أبو الفضل النحوىّ [1]
يعرف بابن الحدّاد. كتب الناس عنه شيئا من اللغة وغريب الحديث، وما كان كتب عن أبى عبيد، مما سمعه من أبى عبد الله أحمد بن يوسف التغلبىّ «1» ، وغير ذلك.
كان من ثقات المسلمين وخيارهم. توفى يوم الأحد بالعشىّ، ودفن يوم الاثنين لثلاث خلون من شعبان سنة تسع وثمانين ومائتين، وصلّى عليه أبو موسى الأنصارىّ ثم الزّرقىّ، ودفن فى الدّويرة «2» قريب منزله، عند ساباط «3» حسن وحسين، ظهر قنطرة «4» البردان- رحمه الله.
171- جعفر بن هارون بن زياد أبو محمد النحوىّ [2]
فاضل عارف بفنون الأدب، راو للحديث. أخذ عن المشايخ وأخذ عنه.
روى ببغداذ. روى البرقانىّ «5» أبو بكر عن أبى أحمد الحسين بن على النيسابورىّ عنه، وقال: حدثنا ببغداذ.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 212، وتاريخ بغداد 7: 192، وتلخيص ابن مكتوم 48، ومعجم الأدباء 7: 205، والوافى بالوفيات ج 3 مجلد 2: 281.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 48، وتاريخ بغداد 7: 225.(1/303)
172- جعفر بن هارون بن إبراهيم بن الخضر بن ميدان أبو محمد النحوىّ الدينورىّ [1]
نزل بغداذ، وكان يؤدّب بها أولاد ابن عبد العزيز الهاشمىّ، سمع عليه الحديث فى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
173- الجعد وهو أبو بكر محمد بن عثمان [2]
ولقبه أشهر من اسمه. صاحب ابن كيسان. نحوىّ خلط المذهبين، وله شهرة فى العلم، وتقدّم فى الفهم.
وله من التصانيف: كتاب معانى القرآن. كتاب القراءات. كتاب المقصور والممدود. كتاب الهجاء. كتاب المذكر والمؤنث. كتاب مختصر فى النحو. كتاب العروض. كتاب خلق الإنسان. كتاب الفرق «1» .
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 212، وتاريخ بغداد 7: 225، ومعجم الأدباء 7: 205، ونزهة الألباء 345.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 72، وتاريخ بغداد 3: 47، وتلخيص ابن مكتوم 48، وكشف الظنون 1457، ومعجم الأدباء 18: 250، ونزهة الألباء 382. قال ياقوت: إنه مات سنة نيف وعشرين وثلاثمائة.(1/304)
174- الجنيد بن محمد بن المظفّر الحنفىّ الطّايكانىّ الغزنونىّ أبو القاسم بن أبى بكر الخبّازىّ [1]
من أهل سرخس «1» . كان شيخا حسن السيرة، عفيف النفس، قانعا مرضىّ الطريقة، له معرفة بالحديث واللغة. سافر الكثير، وحج وسمع من المشايخ فى طريقه، وعاد إلى سرخس واستوطنها، وأفاد الطلبة من علمه وروايته.
كتب إلىّ الشهاب أبو الضياء محمود الشديانىّ الهروىّ الورّاق من هراة، أخبرنا تاج الإسلام عبد الكريم بن محمد المروزىّ التميمىّ فى كتابه، حدّثنا الجنيد ابن محمد بن المظفر من لفظه بسرخس، أنبأنا أبو السعادات أحمد بن محمد بن عبد الواحد الهاشمىّ ببغداذ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الحافظ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمىّ قال: قرأت على أبى حاتم محمد بن يعقوب عن [ابن] «2» أبى نعم، قال: كنت عند ابن عمر، فسأله رجل عن دم البعوض، فقال:
أتانى هذا يسألنى عن دم البعوض، وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم،! وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هما ريحانتاى من الدنيا» .
توفى الجنيد بن أبى بكر- رحمه الله- فى شهر ربيع الأوّل سنة أربعين وخمسمائة بسرخس، ودفن عند الشيخ أبى الفضل بن الحسن- رحمه الله.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 48، والجواهر المضية 1: 181. والطايكانىّ بفتح الطاء وسكون الألف والياء: منسوب إلى طايكان، وهى بلدة بنواحى بلخ من كور طخارستان.(1/305)
175- جهم بن خلف المازنىّ [1]
راوية عالم بالغريب والشعر فى زمن خلف والأصمعىّ، وكانوا ثلاثتهتم يتقاربون فى علم الشعر والغريب، وله شعر فى الحشرات والجارح من الطير، وكان من آل أبى عمرو بن العلاء.
ولابن مناذر «1» يمتدح جهما:
سمّيتم آل العلاء لأنكم ... أهل العلاء ومعدن العلم
ولقد بنى آل العلاء لمازن ... بيتا أحلّوه من النّجم
176- جودىّ بن عثمان النحوىّ المغربى المورورىّ [2]
مولى لآل طلحة العنبسيّين، من أهل مورور. رحل إلى المشرق، ولقى الكسائىّ والفرّاء وغيرهما، وعاد وقد صار معه طرف من هذا الشأن. وسكن قرطبة من مدن الأندلس بعد قدومه من المشرق، وأخذ الناس عنه، وتصدّر لإقراء الأدب، وألف تأليفا فى النحو. وفى حلقته أنكر على عبّاس بن ناصح قوله:
يشهد بالإخلاص نوتّيها ... لله فيها وهو نصرانى
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 213، وتلخيص ابن مكتوم 48، ومعجم الأدباء 7: 211- 212، والوافى بالوفيات ج 3 مجلد 2: 344.
[2] ترجمته فى إشارة التعين الورقة 6، وبغية الوعاة 213، وتلخيص ابن مكتوم 48، وطبقات الزبيدىّ 174، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 290، ومعجم الأدباء 7: 213- 214.(1/306)
فلحّن حيث لم يشدّد ياء النسب، وكان بحضرتهم رجل من أصحاب عباس، وكان مسكنه بالجزيرة، فسار إلى عباس، فلما طلع عليه، قال له عباس:
ما أقدمك- أعزّك الله- فى هذا الأوان؟ قال: أقدمنى لحنك، قال عباس:
وكيف ذلك؟ فأعلمه بما جرى من القول فى البيت، قال: فهلّا أنشدتهم بيت عمران بن حطّان:
يوما يمان إذا لاقيت ذا يمن ... وإن لقيت معدّيا فعدنانى
فلما سمع الرجل البيت كرّ راجعا. فقال له عباس: لو نزلت فأقمت عندنا! قال: ما بى إلى ذلك من حاجة. ثم قدم قرطبة، واجتمع بجودىّ وأصحابه، فأعلمهم.
وتوفى جودىّ سنة ثمان وتسعين ومائة.
177- الجرفىّ [1]
بضم الجيم. نحوىّ مشهور بالأندلس، وله كتاب شرح فيه كتاب الكسائىّ فى النحو. ذكره أبو محمد على بن أحمد «1» ، وأثنى عليه.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 49.(1/307)
(حرف الحاء)
178- الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان أبو على الفارسىّ النحوىّ [1]
ولد بفسا «1» من أرض فارس، وقدم بغداذ فاستوطنها، وأخذ من علماء النحو بها، وعلت منزلته فى النحو، حتى قال قوم من تلامذته: هو فوق المبرّد وأعلم.
وصنّف كتبا عجيبة حسنة لم يسبق إلى مثلها، واشتهر ذكره فى الآفاق، وبرع له غلمان حذّاق، مثل عثمان بن جنىّ وعلى بن عيسى الشّيرازىّ وغيرهما. وخدم الملوك، ونفق عليهم، وتقدّم عند عضد الدولة، حتى قال عضد الدولة «2» : أنا غلام أبى علىّ النحوىّ الفسوىّ فى النحو، وغلام أبى الحسين الرازىّ الصّوفىّ «3» فى النجوم،
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 13، وبغية الوعاة 216- 217، وتاريخ بغداد 7:
275- 276، وتاريخ أبى الفدا 2: 124- 125، وتاريخ ابن كثير 11: 306، وتلخيص ابن مكتوم 49، وابن خلكان 1: 131- 132، وذيل كشف الظنون للبغدادىّ 1: 288، وشذرات الذهب 3: 88- 89، وطبقات الزبيدىّ 86، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 295- 296، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 206- 207، والفهرست 64، وكشف الظنون 131، 211، 384، 470، 1068، 1462، 1667، 1670، والمزهر 2: 420، ولسان الميزان 2: 195، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 301- 302، ومعجم الأدباء 7: 232- 261، ومعجم البلدان 6: 376، والنجوم الزاهرة 4: 151، ونزهة الألباء 387- 389.(1/308)
وكان متّهما بالاعتزال. وتوفّى- رحمه الله- فى يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ببغداذ.
وله من الكتب: كتاب التذكرة «1» ، كبير. كتاب الإيضاح والتكملة، صنّفه لعضد الدولة «2» . كتاب المقصور والممدود. كتاب الحجّة فى القراءات.
كتاب الأغفال «3» ، فيما أغفله الزجّاجىّ فى المعانى. كتاب العوامل المائة.
كتاب المسائل الحلبيّات. كتاب المسائل البغداذيات. كتاب المسائل الشّيرازيات. كتاب المسائل القصريات «4» . كتاب المسائل العسكرية.
كتاب المسائل البصرية. كتاب نقض الهاذور. كتاب المسائل المجلسيات. كتاب المسائل الكرمانية. كتاب المسائل الذهبيات «5» .
وذكر الرّبعىّ فى صدر شرحه الإيضاح نسب أبى على، فقال: «أبو [على] الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمد بن سليمان الفارسىّ. وأمّه من ربيعة الفرس، سدوسيّة، من سدوس شيبان» .(1/309)
قال: «كان أوّل من سمع الإيضاح ورواه- بإذن ممن ألّف له- أنا وأبو أحمد بن الجلّاب؛ رسم لنا أخذه عن أبى على، ثم خرج إلى الناس من بعد» .
وقال أبو القاسم بن أحمد الأندلسىّ: جرى ذكر الشعراء، فقال أبو علىّ- وأنا حاضر: إنى لأغبطكم على قول الشعر، فإنّ خاطرى لا يوافقنى على قوله، مع تحقّقى بالعلوم التى هى من موادّه. فقال له رجل: فما قلت قطّ شيئا منه البتّة! قال: ما أعلم أن لى شعرا إلا ثلاثة أبيات فى الشّيب، وهى قولى:
خضبت الشّيب لما كان عيبا ... وخضب الشيب أولى أن يعابا
ولم أخضب مخافة هجر خلّ ... ولا عيبا خشيت ولا عتابا
ولكنّ المشيب بدا ذميما ... فصيّرت الخضاب له عقابا
179- الحسن بن أحمد الفزارىّ أبو عبد الله اللغوىّ [1]
مشتهر بين أئمة العلم بالفضل، روى وروى عنه.
180- الحسن بن أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الحوثرىّ أبو علىّ بن أبى العباس [2]
ولد ببغداذ، ونشأ بها، وقرأ بها القرآن، وسمع بها الحديث. قرأ الأدب على أبى محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد الخشّاب وأبى الحسن على بن عبد الرحيم بن العصّار، وانتقل فى آخر عمره إلى واسط، وسكّنها إلى حين وفاته، وقرأ عليه قوم من أهلها الأدب، وتخرّجوا به، وكان يديم الصوم، ويكثر العبادة، وله شعر، منه:
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 49.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 49- 50، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 297.(1/310)
غرامى غرامى والهوى ذلك الهوى ... وحبّى لكم حبّى ووجدى بكم وجدى
وليس محبّا من يدوم وداده ... على القرب لكن من يدوم على البعد
أحبّاى منّوا بالوصال فإنّنى ... على هجركم غير الصبور ولا الجلد
صرمتم حبالى حين واصلت حبلكم ... وأسكرتمونى إذ صحوتم من الوجد
توفّى الحسن بن أحمد الحوثرىّ بواسط، يوم الخميس ثانى عشر ذى الحجة من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وصلّى عليه الجمع الكثير بغد، ودفن فى مسجد زنبور بها.
181- الحسن بن أمد بن عبد الله بن البنّاء المقرئ الحافظ اللغوىّ أبو علىّ [1]
أخذ عن الأعيان المشار إليهم فى الزمان، فى علوم القرآن والقراءات والتجويد والحديث وطرقه واللغة. وله معرفة بالحديث، وقد صنّف فى العلوم التى يعلمها عدّة مصنفات. وحكى عنه أنه قال: صنّفت خمسمائة مصنف.
وكان حلو العبارة، متصدّرا للإفادة فى كل علم عاناه. وكان حنبلىّ المعتقد، وقد تكلّموا فيه.
وسأل: هل ذكره الخطيب «1» فى التاريخ؟ ومع من ذكره؟ أمع الكذّابين أم مع أهل الصدق؟ فقيل له: ما ذكرك أصلا، فقال: ليته ذكرنى ولو مع الكذّابين.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 216، وتلخيص ابن مكتوم 50، وشذرات الذهب 3: 338- 339، ومختصر طبقات الحنابلة 397، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 206، ومعجم الأدباء 7: 265- 270، ولسان الميزان 2: 195- 196.(1/311)
توفّى فى يوم السبت الخامس من رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، ودفن فى مقبرة باب حرب.
182- الحسن بن أحمد الطبسىّ النيسابورىّ أبو سعيد [1]
من تلامذة أبى بكر الخوارزمىّ «1» . وذكره الباخرزىّ «2» ، وسجع له فقال «3» : «رأيته فى مجلس الرئيس أبى القاسم عبد الحميد بن يحيى الزّوزنىّ شيخا، أخذ منه الهرم فصار فرخا
وزاد على السنين صبا وحسنا ... كما رقّت على العتق الشّمول
فالقدّ من الكبر حنىّ؛ ولكن نور الظّرف جنىّ، ومذاق العشرة هنىّ. ومن مسموعاته التى رغب العامّ فى استفادتها والخاص، حتى شرق بهم مجلسه الغاصّ كتاب الغريبين، من تأليف أبى عبيد الهروىّ؛ فإنّه سمع ذاك من مؤلّفه، واستملاه من مصنّفه» .
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 50- 51. والطبسىّ، بفتح الطاء والباء: منسوب إلى طبس، وهى مدينة بين نيسابور وأصبهان. وقد أورد الباخرزىّ فى دمية القصر ص 305- 307 هذه الترجمة للموفق بن سيار.(1/312)
ومن شعره ما قاله فى مرثيّة أستاذه أبى بكر الخوارزمىّ:
شيّب فرط الأسى قذالى ... وكدّر الدهر صفو حالى «1»
وارتجع الدّهر ما حباه ... وحيعل المجد بالزّوال
وعادت النّيّرات بهما ... وناحت العصم فى الجبال «2»
فقلت: يا صاحبىّ ماذا ... أتت به كرّة الليالى
أقام ربى النّشور أم قد ... دعا إلى العرض والسؤال
أم الهمام الإمام أودى ... به حمام، فبيّنا لى
لهفى على الشّعر والمعانى ... لهفى على ناقد الرجال
ربّ الفيافى أبى القوافى ... عمّ المعانى أخى العوالى
حاربه الدهر وهو حرب «3» ... لمّا رآه بلا مثال
يا أهل خارزم من يعزّى ... أنتم أم المجد والمعالى
أم القوافى أم المذاكى «4» ... أم التعاليق والأمالى
مضى الذى لو رآه قسّ ... يوما لأصحى بلا مقال
وفلّ منه الردى حساما ... ما فلّه كثرة النّزال
وأنضب الدهر منه بحرا ... يموج بالدّرّ واللآلى
يا من غدا يدّعى المعالى ... قد رفع الفخّ «5» لا تبالى
صلّى على روحه إلا هى ... مادام يتلو البيان تال
وما سرى فى الظلام سار ... وشدّ بالكور والرّحال(1/313)
183- الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود [1]
ابن سليمان، المعروف بذى الدّمينة بن عمرو بن الحارث بن أبى حبش بن منقذ ابن الوليد بن الأزهر بن عمرو بن طارق بن أدهم بن قيس بن ربيعة بن عبد ابن عليان بن أرحب «1» بن الدّعام بن مالك بن ربيعة بن الدّعام بن مالك بن معاوية ابن صعب بن دومان بن بكيل بن جشم بن خيوان بن نوف بن همدان. الأديب النحوىّ الطبيب المنجّم الأخبارىّ اللغوىّ اليمنىّ المعروف بابن الحائك..
نادرة زمانه، وفاضل أوانه، الكبير القدر، الرفيع الذّكر، صاحب الكتب الجليلة، والمؤلفات الجميلة. لو قال قائل: إنه لم تخرج اليمن مثله لم يزلّ؛ لأن المنجّم من أهلها لا حظّ له فى الطبّ، والطبيب لا يد له فى الفقه، والفقيه لا يد له فى علم العربية وأيام العرب وأنسابها وأشعارها، وهو قد جمع هذه الأنواع كلّها، وزاد عليها.
فأما تلقيبه بابن الحائك؛ فلم يكن أبوه حائكا، ولا أحد من أهله، ولا فى أصله حائك؛ وإنما هو لقب لمن يشتهر بقول الشعر. وكان جدّه سليمان بن «2» عمرو المعروف بذى الدّمينة شاعرا؛ فسمى حائكا لحوكه «3» الشعر.
__________
[1] . ترجمته فى أخبار الحكماء 113، وبغية الوعاة 217، وتلخيص ابن مكتوم 51- 52، وذيل كشف الظنون للبغدادى 1: 362، وروضات الجنات 238، وطبقات الأمم لصاعد الأندلسىّ 58- 59، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 319، وكشف الظنون 144، 1338، 1415، 1822، 2050، ومعجم الأدباء 7: 230- 231. وترجم له السيوطىّ فى البغية ص 232 ترجمة أخرى باسم «الحسين بن أحمد بن يعقوب أبى محمد الهمدانىّ» ، وذكره ابن قاضى شهبة وصاحب روضات الجنات باسم «حسين» أيضا.(1/314)
وكان آباؤه ينزلون المراشى «1» من بلاد بكيل «2» ، ثم انتقل داود بن سليمان ذى الدّمينة إلى الرّحبة «3» من نواحى صنعاء، ثم إلى صنعاء، وكان بها ولده.
وكان رجلا محسّدا فى أهل بلده، وارتفع له صيت عظيم- أعنى الحسن ابن أحمد هذا- وصحب أهل زمانه من العلماء، وراسلهم وكاتبهم.
فمن العلماء الذين كان يكاتبهم ويعاشرهم أبو بكر محمد بن القاسم بن بشّار الأنبارىّ، وكان يختلف بين صنعاء وبغداذ، وهو أحد عيون العلماء باللغة والعربية وأشعار العرب وأيامها، وكذلك أبوه القاسم؛ على ما ورد فى أخبارهم. وكان يكاتب أبا عمر النحوىّ صاحب ثعلب، وأبا عبد الله الحسين بن خالويه.
وأقام بمكة دهرا طويلا، وسار إلى العراق، واجتمع بالعلماء، واجتمعوا به فيما قيل.
وسار فى آخر زمانه إلى ريدة «4» من البون «5» الأسفل من أرض همدان، وبها قبره وبقية أهله.
وكان ملوك اليمن وأجلّاؤها يكرّمونه ويقرّبونه، وكان خائفا من العلويّين المستولين على صعدة «6» ؛ لكلام بلغهم عنه.(1/315)
وقصد مرة أحد أجلّاء اليمن- ويعرف بابن الرويّة «1» المرادىّ- من مذحج، وامتدحه فى سنة شديدة، فأكرمه، وأنزله أجمل منزل، وطوّل عليه فى تأخير، فأقام شهرا، وهو فى قلق من أمر أهله، وما تركهم عليه من الإعسار فى ذلك الوقت. فلما انقضى الشهر استأذنه فى الرجوع إلى أهله، فأذن له، فرجع كئيبا صفر اليد، ممّا قصده له. ولما صار قريبا من أهله تلقّاه بنوه وقرباؤه على هيئة جميلة، ومراكب نفيسة، فأعجب بذلك، وسألهم عن سببه، فقالوا: هو ما بعثت لنا. ففطن للأمر؛ وسألهم صورة ما سيّر إليه، فذكروا جملة كثيرة، من مال وملبوس ومركوب ومفترش.
ففرح وأمعن فى مدح ابن الرويّة المذكور، وبالغ فى وصفه، واشتهرت هذه المكرمة بالبلاد اليمنية، وسار مديحه له. وكان ابن الرويّة هذا قد ولى أعمال صنعاء زمانا، ثم استقرّ أمره بالسّرّ «2» ، وبها ولده.
وممّن كان يكرمه من ملوك اليمن ويرعى حقّه إسماعيل بن إبراهيم النبعىّ الحميرىّ، وهو من آل ذى نبع بن الحارث بن مالك بن اليشرج «3» بن يحصب بن دهمان ابن مالك بن سعد بن عدىّ بن مالك بن زيد بن شدد بن زرعة بن سبأ الأصغر، ثم من ولد شرحبيل بن ذى نبع.
والأنبوع ممن ولى الملك باليمن، وكان ينزل بضبا من أعمال التّعكر «4» ، وفيه يقول:
يطلبن من عرض البلاد وطولها ... بلدا به النّبعىّ إسماعيل
فضياء غرّته وريح نواله ... لوجوههنّ إلى حماه دليل
وكان مصنّفا للكتب فى كل فنّ؛ فمن ذلك كتابه فى السّير والأخبار، وكتابه المسمى باليعسوب فى فقه الصيد وحلاله وحرامه والأثر الوارد فيه وكيفية الصيد،(1/316)
وعمل العرب فيه، وغريب ذلك ونحوه، والشعر فيه؛ وهو كتاب جيد جدا، مفيد للمتأدّبين.
وكتابه فى معارف اليمن وعجائبه وعجائب أهله، المسمى بالإكليل، وهو عشرة أجزاء: الجزء الأوّل فى المبتدأ ونسب مالك بن حمير، والجزء الثانى فى أنساب ولد الهميسع من ولد حمير ونوادر من أخبارهم، والجزء الثالث فى فضائل اليمن ومناقب قحطان، والجزء الرابع فى سيرة حمير الأولى، والجزء الخامس فى سيرة حمير الوسطى، والجزء السادس فى سيرة حمير الأخيرة إلى الإسلام، والجزء السابع فى ذكر السيرة القديمة والأخبار الباطلة المستحيلة، والجزء الثامن فى القبوريات، وعجائب ما وجد فى قبور اليمن وشعر علقمة بن ذى جدن وأسعد تبّع، والجزء التاسع فى كلام حمير وحكمهم وتجاربهم المروية بلسانهم، الموضوع للرطانة عندهم. والجزء العاشر فى معارف همدان وأنسابها ونتف من أخبارها.
وهو كتاب جليل جميل، عزيز الوجود، لم أر منه إلا أجزاء متفرّقة وصلت إلىّ من اليمن، وهى الأوّل، والرابع يعوزه يسير، والسادس، والعاشر، «1» ، والثامن «2» . وهى على تفرّقها تقرب من نصف التصنيف؛ وصلت فى جملة كتب الوالد «3» المخلّفة عنه، حصّلها عند مقامه هناك.(1/317)
وقيل: إن هذا الكتاب يتعذّر وجوده تاما، لأن المثالب المذكورة [فيه] ، فى بعض قبائل اليمن، [و] أعدم أهل كل قبيلة ما وجدوه من الكتاب، وتتبعوا إعدام النسخ منه، فحصل نقصه لهذا السبب. وكتابه فى أيام العرب كتاب جميل.
وكتابه فى المسالك والممالك باليمن «1» ؛ وعندى منه نسخة وردت فى الكتب اليمنيّة- رحم الله مخلّفها. وكتابه فى الطب المسمى بكتاب القوى «2» . وكتابه فى صناعة النجوم، المسمى بسرائر الحكمة «3» . وكتاب الجواهر العتيقة «4» . وكتابه فى الطالع والمطارح. وزيجه الموضوع.
وله من التصانيف الشاذة إلى البلاد ما يكثر ولا يكاد يعرفه أهل اليمن.
وله كتاب القصيدة الدامغة النونية «5» على معدّ والفرس، وهى قصيدة طويلة، وقد شرحها ولده، فيها علم جمّ؛ ولله الحمد، أحضرت فى جملة الكتب اليمنية أيضا- رحم الله مخلفها- وهذه القصيدة أحدثت له العداوة من النزاريّة والمتنزّرة. وله شعر جميل كثير.(1/318)
ولما دخل الحسين بن خالويه الهمذانىّ النحوىّ إلى اليمن، وأقام بها بذمار «1» جمع ديوان «2» شعره وعرّبه وأعربه. وهذا الديوان بهذا الشرح والإعراب موجود عند علماء اليمن، وهم به بخلاء. وشعره يشتمل فى الأكثر على المقاصد الحسنة، والمعانى الجزلة الألفاظ، والتشبيهات المصيبة الأغراض، والنعوت اللاصقة بالأعراض، والتحريض المحرّك للهمم المراض، والأمثال المضروبة، والإشارات المحجوبة، والتصرّف فى الفنون العجيبة «3» .
قال القاضى صاعد بن الحسن الأندلسىّ قاضى طليطلة- رحمه الله- فى كتابه «4» :
«وجدت بخط أمير الأندلس الحكم المستنصر بالله بن الناصر عبد الرحمن الأموىّ أن أبا محمد الهمدانىّ توفّى بسجن صنعاء فى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة» .
184- الحسن بن إسماعيل النحوىّ المصرىّ [1]
نحوى مشهور فى وقته، متصدّر لإفادة هذا النوع. قال الحسن بن إسماعيل هذا: ذكر لى عبد الوهاب أبو سهل بن غوث كاتب محمد بن عبده أبى عبيد الله وأمينه على تنّيس «5» ودمياط «6» وأعمالها أنه يقيم مائة يوم وعشرين يوما فى الشتاء
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 52.(1/319)
لا يشرب الماء، وفى الصيف ثمانين كذلك لا يشرب الماء، وأنه يأكل من الطعام المالح والحلو والحامض. قال: وسألته عن البول، فذكر أنه يبول فى كل يوم مرتين.
185- الحسن بن بشر الآمدىّ- رحمه الله [1]
هو أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدىّ الأصل، البصرىّ المنشأ. إمام فى الأدب، وله شعر حسن، واتساع تام فى علم الشعر ومعانيه [رواية] ودراية وحفظا، وصنّف كتبا فى ذلك حسانا.
وكان فى البصرة كاتبا للقضاة من بنى عبد الواحد، صحب المشايخ والجلّة، مثل أبى إسحاق الزجّاج وطبقته.
قال: حدّثنى «1» أبو إسحاق الزجّاج قال: كنا ليلة بحضرة القاسم «2» بن عبيد الله نشرب- وهو وزير- فغنّت بدعة جارية عريب:
أدلّ فأكرم به من مدلّ ... ومن ظالم لدمى مستحلّ
إذا ما تعزّز قابلته ... بذلّ وذلك جهد المقلّ «3»
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 14، وبغية الوعاة 218، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 370) ، وتلخيص ابن مكتوم 52، وروضات الجنات 219، وطبقات ابن قاضى شهبة 1:
298- 299، والفهرست 155، وكشف الظنون 462، 1447، 1637، 1889، 1928، ومعجم الأدباء 8: 75- 93، ومعجم البلدان 1: 62. والآمدىّ: منسوب إلى آمد، وهى أعظم مدن ديار بكر.(1/320)
فأدّت فيه صنعة حسنة، فطرب القاسم عليه طربا شديدا، واستحسن فيه الصنعة جدا والشعر، فأفرط. فقالت له بدعة: يا مولاى، إن لهذا الشعر خبرا حسنا أحسن منه. قال: وما هو؟ قالت: هو لأبى خازم «1» القاضى.
قال: فعجبنا من ذلك مع شدّة تقشّف أبى خازم وورعه وتقبّضه. فقال له الوزير: بالله يا أبا إسحاق! اركب إلى أبى خازم، واسأله عن هذا الشعر وسببه.
فباكرته، وجلست حتى خلا وجهه، ولم يبق إلا رجل بزىّ القضاة، عليه قلنسوة، فقلت له: بيننا شىء أقوله على خلوة، فقال: فليس هذا ممّن أكتمه شيئا. فقصصت عليه الخبر، وسألته عن الشعر والسبب، فتبسّم، وقال: هذا شىء قلته فى الحداثة، كنت قلته فى والدة هذا- وأومى إلى القاضى الجالس، فإذا هو ابنه- وكنت إليها مائلا، وكانت لى مملوكة، ولقلبى مالكة، فأما الآن فلا عهد لى بمثله منذ سنين، ولا عملت شعرا منذ دهر طويل، وأنا أستغفر الله مما مضى. فوجم الفتى حتى ارفضّ عرقا، وعدت إلى القاسم، فأخبرته، فضحك من خجل الابن.
وكنّا نتعاود ذلك زمانا.
كان قد ولى القضاء بالبصرة فى سنة نيّف وخمسين وثلاثمائة رجل لم يكن عندهم بمنزلة من صرف به، لأنه قد ولّى صارفا لأبى الحسن محمد بن عبد الواحد الهاشمىّ، فقال فيه أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدىّ هذا- كاتب القاضيين أبى القاسم جعفر وأبى الحسن محمد بن عبد الواحد:(1/321)
رأيت قلنسية «1» تستغي ... ث من فوق رأس تنادى: خذونى
وقد قلقت فهى طورا تمي ... ل من عن يسار ومن عن يمين
فطورا تراها دوين «2» القفا ... وطورا تراها فويق الجبين
فقلت لها: أىّ شىء دهاك؟ ... فردّت بقول كئيب حزين
دهانى أن لست فى قالبى ... وأخشى من الناس أن يبصرونى
وأن يعبثوا بمزاح معى ... وإن فعلوا ذاك بى قطّعونى
فقلت لها: مرّ من تعرفين ... من المنكرين لهذى الشؤون
ومن كان يشهق إمّا رآك ... ويخرج من جوفه كالرنين
ومن كان يصفع «3» فى الله لا ... يملّ ويشتدّ فى غير لين
ويسلح ملأك كيل التما ... م إمّا على صحة أم جنون
ففارقها ذلك الإنزعاج ... وعادت إلى حالها فى السكون
وكان الآمدىّ يكتب خطا حسنا من خطوط الأوائل، وهو أقرب خط إلى الصحة. وكتب الكثير.
وصنف كتبا حسانا، منها كتاب الموازنة بين أبى تمام والبحترىّ، وهو كتاب كبير حسن فى فنه، وكتاب المختلف والمؤتلف فى أسماء الشعراء، وهو كتاب جليل، وكتاب الردّ على قدامة «4» فى نقد الشعر، وهو كتاب جليل ظريف، وكتاب الحروف فى اللغة.(1/322)
ورأيت فى بعض المجاميع ما صورته: الحسن بن بشر بن يحيى أبو القاسم الآمدىّ الكاتب النحوىّ؛ من أهل البصرة، وهو صاحب كتاب الموازنة بين الطائيين.
كان حسن الفهم جيد الدّراية والرواية، سريع الإدراك، وصنّف كتبا كثيرة؛ منها كتاب المؤتلف والمختلف فى أسماء الشعراء، وكتاب نثر المنظوم، وكتاب فى أن الشاعرين لا تتفق خواطرهما، وكتاب [ما] «1» فى عيار الشعر [من الخطأ] «2» ، ردّ فيه على ابن طباطبا «3» ، وكتاب فرق ما بين الخاص والمشترك من معانى الشعراء، وكتاب تفضيل امرئ القيس على الجاهليين، وكتاب فى شدة حاجة الإنسان إلى أن يعرف قدر نفسه، وكتاب تبيين غلط قدامة بن جعفر فى كتاب نقد الشعر، وكتاب معانى شعر البحترىّ، وكتاب الرّد على ابن عمار فيما خطّأ فيه أبا تمام، وكتاب ديوان شعره، وغير ذلك «4» .
وكان مولده بالبصرة، وقدم بغداذ، وأخذ عن الحسن بن على بن سليمان الأخفش وأبى إسحاق الزجاج وأبى بكر بن دريد وأبى بكر بن السراج اللغة والأخبار.
واتسع فى الآداب وبرّز فيها، وانتهت رواية الشعر القديم والأخبار فى آخر عمره بالبصرة إليه.
وكان يكتب بمدينة السلام لأبى جعفر بن هارون بن محمد الضبىّ خليفة أحمد ابن هلال صاحب عمان بحضرة المقتدر بالله، وكانت وفاته سنة سبعين وثلاثمائة، وكان يتعاطى مذهب الجاحظ فيما يعمله من الكتب.(1/323)
ومن شعره يستدعى صديقا له:
عندى أخى وأخوك فى الأدب ... نسب له فضل على النسب
فى ساحة للهو نعمرها ... بالجدّ أحيانا وباللعب
ولنا حديث بيننا حسن ... كالنّور بين منابت العشب
وكأنما كاساتنا شهب ... تهوى إلى الأحزان والكرب
وبدالنا المنثور «1» فى حلل ... يدعو إلى اللّذات والطرب
كم منظر للعين فيه وكم ... فيه لذى الآراب من أرب
يحكى قشور الدرّ أبيضه ... والصّفر منه قراضة الذهب
وله ضروب أشبهت فلق ال ... ياقوت حين هوت من السّخب
يوم يطيب إذا حضرت وإن ... غيّبت عنا فيه لم يطب
فاجمع بوجهك شمل لذّتنا ... يا قدوة فى العلم والأدب
واعلم بأنك إن أجبت ولم ... تكن الجواب لنا فلم تجب
وقوله أيضا:
يا واحدا بان فى الزمان ... ممّن يجاريه أو يدانى
دعنى من نائل وبرّ ... يعجز عن شكره لسانى
ولست والله مستميحا «2» ... ولا أخا مطمع ترانى
وهب إذا كنت لى وهوبا ... من بعض أخلاقك الحسان
وقال يرثى المعمرىّ:
يا عين أذرى الدموع وانسكبى ... أصبح ترب العلوم فى التّرب
لقيت بالمعمرىّ يوم ثوى ... أوّل رزء بآخر الأدب
كان على أعجمىّ نسبته ... فضيلة من فضائل العرب(1/324)
186- الحسن بن بندار أبو محمد التّفليسىّ الأديب [1]
درس الأدب والعربية خمسين سنة؛ كما ذكر عن نفسه فى كتابه المسمى بالمناقب والمثالب؛ صنّفه للأمير المظفّر أبى الحسن على بن جعفر. وعمل أيضا رسالة كبيرة فى المفاخرة والمكاثرة، وهى ما بين ابن الرومى وأبى الطيب المتنبى خاصة. وله رسالة سماها المسابقة والمسارقة، بيّن فيها ما أخذه المتنبى من الشعراء. وكان عالما بذلك، خبيرا بنقد الشعر ومعانيه. وكان شيعيا مغاليا فى ولايته، وله قصائد مطوّلة فى ذكر التشيّع والأئمة، عليها تكلّف وبرد كشعر النحاة، فلم أرد كتب شىء منها؛ إذ لم يكن هذا موضعها «1» .
187- الحسن بن إسحاق بن أبى عبّاد اليمنىّ النحوىّ [2]
كان من وجوه أهل اليمن. صحب الفقيه يحيى بن أبى الحسين الصّبرىّ «2» ، وصنّف مختصرا فى النحو، مشهورا فى اليمن، يقرؤه المبتدئون. وكان قريب العهد، تقارب وفاته سنة تسعين وخمسمائة. ومما نسب إليه من شعره قوله:
لعمرك ما الفخر «3» من شميتى ... ولا أنا من خطإ ألحن
ولكنّنى قد عرفت الأنام ... فخاطبت كلّا بما يحسن
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 52. والتفليسىّ: منسوب إلى تفليس. قال ابن الأثير فى اللباب: «وهى آخر بلاد أذربيجان، مما يلى الثغر» .
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 218، وتلخيص ابن مكتوم 53، وروضات الجنات 222، ومعجم الأدباء 8: 53- 54.(1/325)
188- الحسن بن تميم الصفّار الأصبهانىّ أبو علىّ [1]
ذكره الحافظ أبو نعيم «1» فى تاريخ أصبهان «2» ، وقال: «النحوىّ، حدّث عن البصريّين، منهم عبد الواحد بن غياث، وأبو مروان العثمانىّ» «3» .
روى أبو نعيم، عن أحمد بن إبراهيم بن يوسف أبى جعفر، عنه «4» .
189- الحسن بن الحسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العلاء بن أبى صفرة بن المهلّب بن أبى صفرة أبو سعيد السكرىّ النحوىّ [2]
سمع يحيى بن معين وأبا حاتم السّجستانىّ والعباس بن الفرج الرياشىّ ومحمد ابن حبيب وعمر بن شبّة وغيرهم. وكان ثقة ديّنا صادقا، يقرئ القرآن. وانتشر عنه من كتب الأدب شىء كثير.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 218- 219، وتاريخ أصبهان لأبى نعيم 1: 264، وتلخيص ابن مكتوم 53.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 14، وبغية الوعاة 218- 219، وتاريخ بغداد 7: 296- 297، وتاريخ أبى الفدا 2: 54، وتاريخ ابن كثير 11: 54، وتلخيص ابن مكتوم 53، وطبقات الزبيدىّ 129، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 300- 301، والفهرست 78، 157، 158، وكشف الظنون 5، 1469، ومعجم الأدباء 8: 94- 99، والمنتظم (وفيات سنة 275) ، ونزهة الألباء 274- 275.(1/326)
كتب إلىّ زيد بن الحسن بن زيد: أخبرنا أبو منصور القزّاز، حدّثنا أحمد ابن على بن ثابت من كتابه، أخبرنا الحسن بن أبى بكر، حدّثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله القطّان، حدّثنا أبو سعيد السّكرىّ، حدّثنا الرّياشىّ، حدّثنا ابن أبى رجاء عن الهيثم عن عمر بن مجاشع عن تميم بن الحارث عن أبيه، عن علىّ:
أنه كان يكره أن يتزوّج الرجل أو يسافر إذا كان القمر فى محاق «1» الشهر أو العقرب «2» .
قال الهيثم: والمحاق لثلاث بقين من الشهر.
ولد سنة اثنتى عشرة ومائتين، ومات- رحمه الله- فى سنة خمس وسبعين ومائتين. وذكر ابن قانع «3» أنه مات فى سنة تسعين. والأوّل أقرب إلى الصحة، والله أعلم.
ولما مات نعى إلى ثعلب، فقال:
المرء يخلق وحده ... ويموت يوم يموت وحده
والناس بعدك إن هلك ... ت كمن رأيت الناس بعده
كان السّكّرىّ حسن المعرفة باللغة والأنساب، مرغوبا فى خطه لصحته.
وله من الكتب: كتاب المناهل والقرى «4» . كتاب الوحوش، جوّده.
كتاب النبات «5» .
وجمع عدّة أشعار ودوّنها لشعراء العرب، وهى: ديوان امرئ القيس،(1/327)
ديوان النابغتين «1» . ديوان قيس بن الخطيم ديوان تميم بن أبىّ بن مقبل.
أشعار اللصوص «2» . ديوان شعراء هذيل «3» . ديوان هدبة بن خشرم.
ديوان الأعشى. ديوان مزاحم العقيلىّ. ديوان الأخطل «4» . ديوان زهير. ديوان أبى نواس وشرحه «5» ، نحو ألف ورقة «6» .(1/328)
190- حسن بن أسد الفارقىّ الشيخ أبو نصر [1]
معدن الأدب، ومنبع كلام العرب، فاضل مكانه، وعلّامة زمانه، له النثر الرائع، والنظم الذائع، والنحو المعرب عن مشكل الإعراب. وله التصنيف البديع فى شرح اللّمع، إلى غير ذلك ممّا ليس لأديب فى مثله طمع.
كان فى زمان نظام الملك الحسن بن إسحاق الطّوسىّ «1» الوزير، والسلطان ملكشاه. «2»
وكان مستوليا على آمد «3» فى ديوانها، متولّيا لجباية أموالها، وقبض عليه وصودر، وتوسّط الطبيب الكامل فى خلاصه، والتنبيه على مكانته من الفضل.
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين 13- 14، وبغية الوعاة 218، وتلخيص ابن مكتوم 53- 54، وروضات الجنات 221، وشذرات الذهب 3: 380، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 298، وفوات الوفيات 1: 149- 151، وكشف الظنون 1563، ومعجم الأدباء 8: 54- 75. والفارقى:
منسوب إلى ميافارقين، وهى مدينة بديار بكر، وخريدة القصر 2: 172- 183.(1/329)
وشعره سائر فى الآفاق، تتناشده رفقة الرفاق؛ فمنه قوله فى شمعة:
ونديمة لى فى الظلام وحيدة ... مثلى، مجاهدة كمثل جهادى
فاللون لونى والدموع مدامعى «1» ... والقلب قلبى، والسّهاد سهادى
لا فرق فيما بيننا لو لم يكن ... لهبى خفيّا وهو منها بادى
أخبرنا أبو طاهر السّلفىّ فى إجازته العامة، أنشدنى أبو الحسن على بن السند الفارقىّ الشّروطىّ بميّا فارقين، أنشدنا أبو نصر الحسن بن أسد الفارقىّ النحوىّ لنفسه:
يا من هواه بقلبى ... مقداره ما يحدّ
وجدت له ما صورته: الحسن بن أسد بن الحسن أبو نصر الفارقىّ النحوىّ، الشاعر الأديب. كان من أهل ميّا فارقين، وكان ذا أدب غزير، وفضل كثير. وله كتاب شرح اللّمع، أجاد فيه وزاد، وأورده زائدا عن المراد. وإذا أنعم الناظر فيه النّظر وجده قد شرح كلام ابن جنّى المجموع بكلامه المبسوط، وأو جز فى العبارة حتى صار كالإشارة. وإذا أردت تحقيق هذا فانظر كلامه فيه على الكلام والقول تجده قد اختار ما ورد فى صدر كتاب الخصائص. وإذا نظرت إلى كلامه فى العوامل وجدته قد اختار الكلام على الحروف فى سرّ الصناعة. ومن أين لابن أسد فى ميّافارقين إلا ما ينقله من كتب المصنّفين! وإنما هو من تصنيف أبى سعيد «2» ، وبعض تصانيف ابن جنّى. وليس ذلك بقليل، فإنه نقل شرح أبى سعيد بخطه، وهو فيما بلغنى وقف بخزانة جامع ميّافارقين.(1/330)
وكان فى زمان نظام الملك وملكشاه قد تولّى الديوان بآمد، وأساء التدبير فيه لكوهنة تتداخله، فحوقق «1» واعتقل؛ إلى أن شفع فيه طبيب كان حظيّا بحضرة ملكشاه، فأطلق سراحه، وانتقل إلى ميّافارقين، وقد باضت الرياسة فى رأسه وفرّخت. وجرت بميّافارقين حركة طلب لأجلها من يتولّى من قبل السلطان، فاجتمع أهل المدينة على من يولّونه، واجتمع رأيهم على رجل من بيت آل نباتة «2» الخطباء، ليتولى الإصلاح بين المتخاصمين، فأقام أياما، ثم رأى الأمر لا يستقرّ على ما هو عليه، فاعتزل الأمر، ولزم منزله، فتهيأ لها ابن أسد الفارقىّ، ونزل القصر بها، وحكم وما أحكم، وجرت أحوال قضت له بالانفصال على غير جميل، وخاف سطوة السلطان، فخرج عنها إلى حلب، وأقام مدّة، ثم حمله حبّ الرياسة والوطن، فعاد طالبا لها. ولما حصل بحرّان قبض عليه نائب السلطان وشنقه.
ومن أعجب ما اتّفق أنه قال عند عزمه على المسير من حلب أبياتا كانت طيرة «3» عليه، وهى:
لو أنّ قلبك لمّا قيل قد بانوا ... يوم النوى صخرة صمّاء صوّان
لعيل صبرك مغلوبا ونمّ بما ... أخفيته مدمع للسر صوّان «4»
زجرت «5» أشياء فى أشياء تشبهها ... إذ بينهنّ رضاعات وألبان
فقال لى الطّلح «6» يوم طالح ونوى ... وحقّق البين عندى ما وأى البان»(1/331)
واستحلبت حلب جفنىّ فانحلبا ... وبشّرتنى بحرّ القتل حرّان «1»
فالجفن من حلب ما انفكّ من حلب ... والقلب بعدك من حرّان حرّان
وكان قتله بحرّان فى شهور سنة سبع وثمانين وأربعمائة. وله أشعار كثيرة ومقطّعات يتعمّد فى أكثرها التجنيس، إلى أن صار له بذلك أنسة تامة، وعناية عامة. وله كتاب فى الألغاز «2» مشهور.
وكان عزبا مدّة عمره، يكره النّسل. وممّا يحكى من كوهنته أنه كان إذا رأى صغيرا قد لبس وزيّن، واجتيز به عليه يبالغ فى سبّ أبويه ويقول: هما عرضاه لى، يرغّبانى فى مثله.
ومن كوهنته أيضا ما حكى عنه أهل بلده، وهو أنه كان يجلس فى دهليز «3» له إلى جانب شبّاك يشرف على الطريق المسلوك، فسمع ليلة رجلا سكران ينشد نصف بيت من «الكان وكان» «4» ، وهو:
غسلت له فركت له ماجا إلىّ ولا التفت(1/332)
وانتظر من ابن أسد إتمام البيت، فلم يتمّه، وسار فى قصده، فخرج ابن أسد يخبّ فى الطين والظلمة، والمزاريب على رأسه، وهو يسير خلفه يسمع تمام البيت، فسار طويلا. واتفق أن السّكران زلق [و] وقع، فقال عند وقوعه:
مشيه يعجب وخطوه، زلق وقع فى الطين
فقال له: يا ظالم! كنت قلت هذا من قريب. ثم رجع.
191- الحسن بن رشيق القيروانىّ [1]
الفاضل الأديب، الجليل القدر، مصنّف كتاب العمدة فى صناعة الشعر، وغيره. ووجدت له ما صورته:
هو الحسن بن رشيق الإفريقىّ المعروف بالقيروانىّ. من أهل مدينة من مدن إفريقية، تعرف بالمحمّدية «1» . وأبوه رشيق، مملوك رومىّ لرجل من أهل المحمّدية، من الأزد.
ولد الحسن بن رشيق بالمحمّدية فى شهور سنة سبعين وثلاثمائة، ونشأ بها، وعلّمه أبوه صنعته، وهى الصياغة. وقرأ الأدب بالمحمّدية، وقال الشعر قبل أن يبلغ الحلم، واشتاقت نفسه إلى التزيّد من ذلك وملاقاة أهل الأدب، فرحل إلى
__________
[1] . ترجمة فى إشارة التعيين الورقة 14، وبغية الوعاة 220، وتلخيص ابن مكتوم 54- 55، والحلل السندسية 100- 102، وابن خلكان 1: 133، وروضات الجنات 217- 218، وشذرات الذهب 3: 297- 298، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 301، وكشف الظنون 185، 301، 973، 1029، 1169، 1907، 1918، ومعجم الأدباء 8: 110- 121. وألف الأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب رسالة سماها: «بساط العقيق فى حضارة القيروان وشاعرها ابن رشيق» ، والأستاذ عبد العزيز الميمنى رسالة سماها: «ابن رشيق» ، وأخرى سماها:
«النتف من شعر ابن رشيق وابن شرف» . وانظر فوات الوفيات 2: 255.(1/333)
القيروان، وعمره ستّ عشرة سنة، وامتدح بها. واشتهر بجودة الخاطر، وصدق الفريحة، وحسن المحاضرة. وامتدح صاحب القيروان ابن باديس «1» فى سنة سبع عشرة وأربعمائة بقصيدة، ذكر فيها بناء ابتناه فى منزله «2» بصبرة، وهى منظرة جليلة أنيقة.
أوّلها:
ذمّت لعينك أعين الغزلان ... قمر أقرّ لحسبها القمران
ومشت فلا والله ما حقف النّقا «3» ... مما أرتك ولا قضيب البان «4»
يقول فيها:
وثن الملاحة غير أنّ ديانتى ... تأبى علىّ عبادة «5» الأوثان
يابن الأعزّة من أكابر حمير ... وسلالة الأملاك من قحطان
من كلّ أبلج آمر بلسانه ... يضع السيوف مواضع التيجان
وذكر بناء المنظرة بصبرة- وهى محلة الملك بالقيروان- فقال:
وحللت من علياء صبرة موضعا ... أكرم به من موضع ومكان
زادت بناه على الخورنق بسطة ... وحوت أعزّ حمى من النعمان «6»
وغدا ابن ذى يزن بسفل «7» دونه ... همما نزلن به على غمدان «8»(1/334)
ولما تحقّق ابن باديس مكانته من الأدب ومحلّه من قول الشعر قرّبه، فامتدحه بقصيدة صاربها فى جملته، ونسب لأجلها إلى خدمته، ولزم ديوانه وأخذ الصلة منه، وحمل على مركب يميّز به، فمن قوله فى مديحها:
لدن الرماح لما تسقى أسنتها ... من مهجة القيل أو من مهجة البطل «1»
لو أورقت من دم الأعداء سمرقنا ... لأورقت عنده سمر القنا الذّبل
إذا توجّه فى أولى كتائبه ... لم تفرق العين بين السّهل والجبل
فالجيش ينفض حوليه أسنّته ... نفض العقاب جناحيها من البلل
يأتى الأمور على رفق وفى دعة ... عجلان كالفلك الدّوار فى مهل
ومن قوله من قصيدة فى العتاب:
أجدّك لم أجد للصّبر بابا ... فتدخله على سعة وضيق
بلى وأقلّ ما لاقيت يسلى ... ولكن لا أرى عتب الصديق
نهضت بعبء إخوانى فزادوا ... وأثقل ما يرى حمل المطيق
ولكن ربّ إحسان وبرّ ... دعا بعض الرجال إلى العقوق
فإن أصبر فعن إفراط جهد ... وإن أقلق فحسبك من قلوق
يقول فيها:
حصلت من الهوى فى لجّ بحر ... بعيد القعر منخرق عميق
سأعرض عنك إعراضا جميلا ... وأبدى صفحة الوجه الطّليق
ولا ألقاك إلا عن تلاق ... بعيد العهد بالذكرى سحيق
لتعلم أننى عفّ السجايا ... عزوف النفس متّبع البروق
وأنى مذ قصرت يدىّ طالت ... إليك يد العدوّ المستفيق(1/335)
وله فى الرثاء قصيدة يرثى بها قاضى بلدة المحمّدية طاهر بن عبد الله، وقد بلغته وفاته بالقيروان، منها:
العفر «1» فى فم ذاك الصارخ النّاعى ... ولا أجيبت بخير دعوة الدّاعى
فقد نعى ملء أفواه وأفئدة ... وقد نعى ملء أبصار وأسماع
أما لئن صحّ ما جاء البريد «2» به ... ليكثرنّ من الباكين أشياعى
يا شؤم طائر أخبار مبرّحة ... يطير قلبى لها من بين أضلاعى
مازلت أفزع من يأس إلى طمع ... حتى تربّع يأسى فوق أطماعى
فاليوم أنفق كنز العمر أجمعه ... لمّا مضى واحد الدّنيا بإجماع
توفّى الطاهر القاضى فوا أسفا ... إن لم يوفّ تباريحى وأوجاعى
فللديانة فيه لبس ثاكلة ... وللقضاء عليه قلب ملتاع
وله فى الهجو أبيات يهجو بها رجلا اسمه فرات- وأحسن فيها- وهى:
قالوا رأينا فراتا ليس يوجعه ... ما يوجع الناس من هجو به قذفا
فقلت: لو أنه حىّ لأوجعه ... لكنّه مات من جهل وما عرفا
وما هجوت فراتا غير تجربة ... وذو الرماية من يستصغر الهدفا
وكان بين ابن رشيق وبين محمد بن شرف «3» الشاعر مباينة بعد مواصلة، وذلك أنهما كانا شاعرى ابن باديس، ودخلا إليه، واتّصلا بخدمته فى وقت واحد. وكان(1/336)
ابن شرف ممن لا ينكر حدقه، ولا يدفع فى هذا النوع صدقه، ولم يزل بينهما مكاتبات ومخاطبات. فمن شعر ابن شرف قصيدة كتب بها إلى ابن رشيق، وهو بالمهديّة يتشوّقه، أولها:
عدمناك من بعد وإن زدتنا قربا ... على أنّ فيما بيننا سبسبا سهبا «1»
وكتب إليه ابن رشيق جوابا عنها قصيدته التى أوّلها:
عتابا عسى أنّ الزمان له عتبى «2» ... وشكوى فكم شكوى ألانت لنا قلبا
إذا لم يكن إلّا إلى الدمع راحة ... فلا زال دمع العين منهملا سكبا «3»
وكانت القصيدة التى تقدم بها ابن شرف، واتصل بخدمة ابن باديس:
قفا فتنسما عطر النسيم ... برسم الدار من بعد الرّسيم «4»
أنيخا الناعجين «5» ولا تروما ... فما السلوان بالأمر العظيم
قفا تريا السبيل إلى التصابى ... لمغناها وكيف صبا الحليم
يقول- حين وصل إلى مدحه- فيها:
هو الشرف الذى نسب المعالى ... إليه وهو ذو الشّرف القديم
شهاب الحرب يهلك كلّ باغ ... ومحرق كلّ شيطان رجيم
تقطّع دونه البيض المواضى ... وتجفل عنه إجفال الظّليم «6»
ويجلو عنه ليل النّقع وجه ... كبدر التّم فى الليل البهيم(1/337)
ثم إن المنافسة أوقعت بينهما، وتخارجا فى الهجاء، وعمل ابن رشيق عدة تصانيف «1» فى الردّ عليه وإخراج معايب أقواله، سأستوفى لمحها وملحها فى كتابى الذى أسميه الأنيق فى أخبار ابن رشيق بمشيئة الله وعونه.
ولم يزل ابن رشيق على ما هو عليه من إقامة سوق الأدب، والتنبيه على فضل لغة العرب، بما يصنّفه فيها ويؤلفه، ويحرّره ويرصفه، مرة فى لغتها، ومرة فى معانيها الواردة فى أشعارها وأمثالها وأخبارها إلى أن هجم العرب على القيروان «2» ، وقتلوا من بها، وخرّبوا منازلها، وانتهبوا أموالها؛ فعند ذلك فرّ عنها إلى ساحل البحر المغربىّ، ولم يمكنه المقام هناك، فعدّى البحر إلى جزيرة صقلّيّة، ونزل بمازر «3» إحدى مدنها على أميرها ومتوليها ابن مطكود «4» ، فأكرمه واختصّه، وقرأ عليه كتبه. ومن جملة ما رأيته من قراءاته عليه كتاب العمدة فى صنعة الشعر، وهو أجلّ كتبه وأكبرها. ورأيت خطّ ابن رشيق على نسخة منها، ولم يزل عنده إلى أن مات بمازر فى حدود سنة خمسين «5» وأربعمائة- رحمه الله تعالى.(1/338)
فمن تصانيفه: كتاب العمدة فى صناعة الشعر أربعة مجلدات، اشتمل من هذا النوع على ما لم يشتمل عليه تصنيف من نوعه، وأحسن فيه غاية الإحسان.
وذكر هذا الكتاب بحضرة القاضى الأجل الفاضل عبد الرحيم بن على البيسانىّ فقال:
هو تاج الكتب المصنّفة فى هذا النوع.
وله كتاب قراضة الذهب فى صناعة الأدب، وهو كتاب لطيف الجرم، كثيف العلم، لطيف العبارة، متين الإشارة، صادق القصد، هنىّ الورد.
وله كتاب الشذوذ «1» ، فى اللغة، ذكر فيه كلّ كلمة جاءت شاذة فى بابها، عربية فى معناها، دلّ به على كثرة اطّلاعه، ومتانة اضطلاعه «2» .
192- الحسن بن رجاء الدهّان المعروف بالأديب [1]
بغداذىّ، عالم بالعربية، متصدّر لإفادتها، قائم بأصولها وفروعها وفصولها.
له ذكر فى زمانه، ووجاهة بالأدب فى مكانه، ولم يزل على قدم الإفادة والتدريس، إلى أن أتاه أجله ببغداذ فى يوم الاثنين الثالث من جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 56، وبغية الوعاة 229، والجواهر المضية 1: 202- 203، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 314- 315.(1/339)
193- الحسن بن صافى بن عبد الله بن نزار بن أبى الحسن النحوىّ البغداذىّ ملك النحاة [1]
كان أبوه لرجل يسمى حسين الأرموىّ «1» . ولد الحسن بالجانب الغربىّ من مدينة السلام بشارع دار الرقيق، فى سنة تسع وثمانين وأربعمائة. ثم انتقل إلى الجانب الشرقىّ، واشتغل بالعلم، فقرأ علم الكلام على أبى عبيد الله محمد بن أبى بكر القيروانىّ (مغربىّ قدم بغداذ، وأقام بها) ، والأصول على أبى الفتح أحمد بن على بن برهان، والخلاف «2» على أسعد بن أبى نصر الميهنىّ «3» ، والنحو على أبى الحسن علىّ بن [أبى] زيد الفصيحى.
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين 14- 15، وبغية الوعاة 220- 221، وتاريخ أبى الفدا 3: 54، وتاريخ ابن كثير 12: 272، وتلخيص ابن مكتوم 56- 57، وابن خلكان 1:
134- 135، والحلل السندسية 102- 104، وخريدة القصر 1: 88- 92، وروضات الجنات 221- 222، وشذرات الذهب 4: 227، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 302- 304، وطبقات الشافعية 4: 210- 211، وكشف الظنون 624، 628، 815، 1170، 1849، 1787، ومختصر تاريخ ابن عساكر 4: 166- 170، ومرآة الجنان 3: 386، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 316- 322، ومعجم الأدباء 8: 122- 139، والنجوم الزاهرة 6: 68.(1/340)
برع فى النحو حتى صار أنحى أهل طبقته، وكان فهما ذكيا فصيحا، له نظم ورصف حسن؛ إلا أنه كان عنده عجب بنفسه، وتيه بعلمه. لقّب نفسه «ملك النحاة» ، وكان يسخط على من يخاطبه بغير ذلك.
وخرج عن بغداذ بعد العشرين وخمسمائة، وسكن واسطا مدّة، وأخذ عنه جماعة من أهلها أدبا كثيرا، ووصفوه وأثنوا عليه بالفضل والمعرفة مع خرق فيه، وصار منها إلى شيراز وكرمان، وتنقل فى البلاد سنين؛ حتى استقرّ به الحال بدمشق، فسكنها إلى حين وفاته، وله شعر، منه:
حنانيك «1» إن جاءتك يوما خصائصى ... وهالك أصناف الكلام المسخّر
فسل منصفا عن قالتى غير جائر ... يجبك بأنّ الفضل للمتأخّر «2»
توفى أبو نزار النحوىّ بدمشق يوم الثلاثاء من شوال سنة ثمان وستين وخمسمائة، ودفن يوم الأربعاء تاسعه بمقبرة الباب الصغير.
ومن شعره عند مقامه بواسط «3» وارتحاله عنها؛ يتشوّقها:
أراجع لى عيشى الفارط ... أم هو عنى نازح شاحط!
ألا وهل تسعفنى أوبة ... يسمو بها نجم المنى الهابط
أرفل فى مرط «4» ارتياح وهل ... يطرق سمعى: «هذه واسط» «5» !(1/341)
يا زمنى عد لى فقد رعتنى ... حتى عرانى شيبى الواخط «1»
كم أقطع البيداء فى ليلة ... يقبض ظلّى خوفها الباسط
أأرقب الراحة أم لا وهل ... يعدل يوما دهرى القاسط «2» !
أيا ذوى الودّ أما اشتقتم ... إلى إمام جأشه رابط «3»
وهل عهودى عندكم غضّة ... أم أنا فى ظنى إذا غالط
لتهنكم ما عشتم واسط ... إنى لكم يا سادتى غابط
وله أيضا:
الحشّ «4» والبرم «5» الكثير ... منظوم ذلك والنثير
ودخان عود الهند والشمع ... المكفّر «6» والعبير
ورشاش ماء الورد قد ... عرفت «7» به تلك النحور
ومثالث العيدان يسعد ... حسنها بمّ وزير «8»
وتخافق النايات يقلق ... بينها الطبل القصير
والشرب بالقدح الكب ... ير يحثّه القدح الصغير
أحظى إلىّ من الأبا ... عر والحداة بها تسير
للعبد أن يلتذّ فى ... دنياه والله الغفور(1/342)
كتب إلىّ محمد بن هبة الله بن مميل الشيرازىّ: أخبرنا أبو القاسم على بن الحسن بن هبة الله الدمشقىّ «1» من كتابه: «الحسن بن أبى الحسن، واسم أبى الحسن صافى، مولى حسين الأرموىّ التاجر، أبو نزار البغداذىّ المعروف بملك النحاة.
ذكر لى أنه ولد ببغداذ سنة تسع وثمانين وأربعمائة، فى الجانب الغربىّ بشارع دار الرقيق، ثم نقل إلى الجانب الشرقىّ، إلى جوار حريم الخلافة، وهناك قرأ العلوم، وسمع الحديث من الشريف أبى طالب الزينبىّ، وقرأ المذهب على أحمد الأشنهىّ «2» .
وأصول الدين على أبى عبد الله القيروانىّ، وأصول الفقه على أبى الفتح بن برهان، وعلم الخلاف على أسعد الميهنىّ، والنحو على أبى الحسن على بن [أبى] زيد الفصيحىّ الأستراباذىّ، وقرأ الفصيحىّ على عبد القاهر الجرجانىّ» .
«وفتح له الجامع، ودرس فيه، ثم سافر إلى بلاد خراسان وكرمان وغزنة، ثم دخل الشام، وقدم دمشق، ثم خرج منها، ثم عاد إليها واستوطنها إلى أن مات بها. توفى يوم الثلاثاء، ودفن يوم الأربعاء التاسع من شوال سنة ثمان وستين وخمسمائة، ودفن بمقبرة الباب الصغير» .
«وكان صحيح الاعتقاد كريم النفس. ذكر لى أسماء مصنفاته: الحاوى فى النحو، مجلّدتان. العمد فى النحو، مجلدة. المنتخب فى النحو، مجلّدة، وهو كتاب نفيس. المقتصد فى التصريف، مجلدة ضخمة. أسلوب الحق فى تعليل القراءات العشر وشىء من الشواذ، مجلدتان. التذكرة السّفرية، انتهت إلى أربعمائة كرّاسة. العروض، مختصر محرّر. مصنف فى الفقه على(1/343)
مذهب الشافعىّ، سمّاه الحاكم، مجلدتان. مختصر فى أصول الفقه مختصر فى أصول الدين. ديوان مجموع من شعره «1» .
أنبأنا محمد بن محمد بن حامد «2» فى كتابه «3» - وذكر ملك النحاة هذا- فقال: «أحد الفضلاء المبرّزين؛ بل واحدهم فضلا، وماجدهم نبلا، وكبيرهم قدرا، ورحيبهم صدرا. قد غلبت عليه سمة ملك النحاة، وشهدت بفضله خلّانه والعداة، سمح البديهة فى المقاصد النبيهة، عزيز النفس كثير الأنفة عن المطامع الدنية بالمطالب النّزيهة، والمراتب الوجيهة. ولقد كانت نجابته للنّحاة بضاعة وافية، وبراعة يراعته للكفاة كافية، يأخذ القلم فيمشق الطّرس «4» فى عرضه نظما يعجز، ونثرا يعجب، ونكتا ترقص. ونتفا تطرب. طاف بلاد العجم، ولقى كرماء كرمان، ووصل فى سنة إحدى وأربعين إلى أصفهان، وسافر إلى دمشق، فأقام بها إلى آخر عمره فى رعاية نور الدين محمود بن زنكى «5» - رحمه الله» .
«وكان مطبوعا متناسب الأحوال والأعمال، يحكم على أهل التمييز بحكم ملكه فيقبل ولا يستثقل؛ يقول: [هل] «6» سيبويه إلا من رعيّتى وحاشيتى! ولو عاش(1/344)
ابن جنّى لم يسعه إلا حمل غاشيتى. مرّ الشّيمة، حلو الشتيمة، يضم من الذهب يده على المائة والمائتين، ويمسى وهو منها صفر اليدين، مولع باستعمال الحلاوات السّكرية وإهدائها لجيرانه وإخوانه، مغرم مغرى بإحسانه إلى خلصائه وخلّانه» .
«وتوفى بدمشق سنة ثمان وستين وخمسمائة، وقد ناهز الثمانين، ولقى العرانين، وجرّب «1» الغث والسمين؛ أذكره وقد وصلت إليه خلعة مصرية، وجائزة سنية، فأخرج القميص الدّبيقىّ «2» إلى السوق، فبلغ دون عشرة دنانير، فقال: قولوا:
هذا قميص ملك كبير، أهداه إلى ملك كبير، ليعرف الناس قدره، فيحلوا عليه البدر «3» على البدار «4» ، وليجلّوا قدره فى الأقدار. ثم قال: أنا أحقّ به إذا جهلوا حقّه، وتنكّبوا سبل الواجب وطرقه» .
194- الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكرىّ أبو أحمد اللغوىّ [1]
العالم الفاضل الكامل، الرواية المتقن، صاحب التصانيف الحسان. من أهل عسكر مكرم «5» . روى عن أبى بكر بن دريد وطبقته من الأدباء وأجلّة الأجلاء.
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 15، والأنساب 390 ب، وبغية الوعاة 221، وتاريخ ابن الأثير 7: 188- 189، وتاريخ أبى الفدا 2: 133، وتاريخ ابن كثير 11: 320- 321، وتلخيص ابن مكتوم 58، وخزانة الأدب 1: 97- 98، وابن خلكان 1: 132- 133، وروضات الجنات 216، وشذرات الذهب 3: 102- 103، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 104- 305، وكشف الظنون 411، 675، 829، 956، 1548، 1637، واللباب 2: 136- 137، ومرآة الجنان 2: 415- 416، ومعجم الأدباء 8:
233- 267، ومعجم البلدان 6: 176- 177، والنجوم الزاهرة 4: 163. والعسكرى:
منسوب إلى عسكر مكرم، وهى مدينة من كور الأهواز.(1/345)
وكانت بينه وبين الصاحب «1» بن عبّاد مكاتبات ومخاطبات «2» . وله من الأتباع والأصحاب علماء أعلام؛ كأبى هلال العسكرىّ «3» ومثاله. دوّخ البلاد، واستفاد وأفاد.
وله من الكتب كتاب المختلف والمؤتلف مما يدخل منه الوهم على المحدّثين «4» ، وهو كتاب جليل، وكتاب ما لحن فيه الخواصّ من العلماء، وهو كتاب معتبر، وكتاب علم النظم «5» ، وهو فى غاية الجودة، ومن أحسن ما يستعمله الشعراء، إلى غير ذلك من التصانيف.
عاش إلى حدود سنة ثمانين وثلاثمائة «6» .(1/346)
ومن تصانيفه كتاب: الحكم والأمثال، وكتاب الزواجر «1» .(1/347)
195- الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو سعيد القاضى السّيرافىّ النحوىّ [1]
سكن بغداذ، وكان يسكن الجانب الشرقىّ، وولى القضاء ببغداذ، وكان أبوه مجوسيا أسلم، واسمه بهزاذ، فسماه أبو سعيد عبد الله.
وكان يدرس القرآن والقراءات وعلوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض والكلام والشعر والعروض والقوافى والحساب، وعلوما سوى هذه.
وكان من أعلم الناس بنحو البصريين، وينتحل فى الفقه مذهب أهل العراق.
قرأ على أبى بكر بن مجاهد القرآن، وعلى أبى بكر بن دريد اللغة، ودرسا جميعا عليه النحو. وقرأ على أبى بكر بن السراج وعلى أبى بكر المبرمان النحو، وقرأ عليه أحدهما القراءات، ودرس الآخر عليه الحساب.
وكان زاهدا لا يأكل إلا من كسب يده، ولا يخرج من بيته إلى مجلس الحكم، ولا إلى مجلس التدريس فى كل يوم إلا بعد أن ينسخ عشر ورقات، يأخذ أجرها
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 15، والأنساب 321 ب، وبغية الوعاة 221- 222، وتاريخ ابن الأثير 7: 97، وتاريخ بغداد 7: 341- 342، وتاريخ أبى الفدا 2: 130، وتاريخ ابن كثير 11: 294، وتلخيص ابن مكتوم 58- 59، والجواهر المضية 1: 196- 197، وابن خلكان 1: 130- 131، وروضات الجنات 218- 219، وشذرات الذهب 3: 65، وطبقات الزبيدىّ 86، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 307- 308، والفلاكة والمفلوكين 71، والفهرست 62- 63، وكشف الظنون 140، 150، 1107، 1427، 1470، واللباب 1:
586، ومرآة الجنان 2: 390- 391، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 300- 301، ومعجم الأدباء 8: 145- 232، ومعجم البلدان 5: 193، والنجوم الزاهرة 4: 133- 134، ونزهة الألباء 379- 382. والسيرافىّ، بكسر السين وسكون الياء: منسوب إلى سيراف، وهى من بلاد فارس على ساحل البحر مما يلى كرمان.(1/348)
عشرة دراهم، تكون قدر مؤونته، ثم يخرج إلى مجلسه. وكان يذكر عنه الاعتزال ولم يكن يظهر ذلك. وكان نزها عفيفا، جميل الأمر، حسن الأخلاق.
وكانت سنّه يوم توفى ثمانين سنة. توفى- رحمه الله- فى يوم الاثنين الثانى من رجب سنة ثمان وستين وثلاثمائة. وكانت وفاته بين صلاتى الظهر والعصر من اليوم المذكور، ودفن فى مقبرة الخيزران بعد صلاة العصر من هذا اليوم.
وقد ذكرت أخباره هنا مختصرة، وأفردت لها مصنّفا سميته: المفيد فى اخبار أبى سعيد، وهو كتاب ممتع.
ومن تصانيفه كتاب شرح سيبويه، كبير. كتاب أخبار النحاة «1» ، لطيف.
كتاب الإقناع فى النحو، مات ولم يكمله فكمّله ولده يوسف. كتاب ألفات الوصل والقطع، مقداره ثلاثمائة ورقة «2» .
قال ولده أبو محمد يوسف بن سعيد- رحمه الله: أصل أبي من سيراف، وبها ولد، وبها ابتدأ يطلب العلم، وخرج عنها قبل العشرين، ومضى إلى عمان، وتفقّه بها، ثم عاد إلى سيراف، ومضى إلى العسكر، فأقام عامه، وأتى «3» محمد بن عمر الصّيمرىّ «4» المتكلّم، وكان يقدّمه ويفضّله على جميع أصحابه. وكان فقيها على(1/349)
مذهب العراقيين. ودخل بغداذ، وخلف القاضى أبا محمد بن معروف على قضاء الجانب الشرقىّ، ثم الجانبين، ثم الجانب الشرقىّ. وكان الكرخىّ الفقيه «1» يقدّمه ويفضّله، وعقد له حلقة يقرئ فيها، ومولده قبل التسعين والمائتين، وتوفّى فى رجب لليلتين خلتا منه سنة ثمان وستين وثلاثمائة.
196- الحسن بن على بن يوسف المحوّلىّ أبو علىّ [1]
أديب فاضل، له معرفة حسنة بالنحو واللغة العربية. قرأ على أبى محمد بن الحسين بن شبل، وروى عنه. قرأ عليه شرف الدولة أبو الحسن على بن الوزير أبى على بن صدقة، وروى عنه الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب، وغيرهما.
197- الحسن بن على المدائنىّ النحوىّ [2]
متحقق بهذا الشأن، متصدّر للإفادة، مذكور بين أهله. كنيته أبو محمد.
مات يوم الثلاثاء لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 59، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 311. والمحوّلى، بضم الميم وفتح الحاء: منسوب إلى المحوّل، هى قرية على فرسخين من بغداد.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 225، وتلخيص ابن مكتوم 59، ومعجم الأدباء 9: 27.(1/350)
198- الحسن بن على بن بركة بن أبى عبيد الله أبو محمد ابن أبى الحسن المقرئ النحوىّ [1]
من أهل الجانب الغربىّ من بغداذ. كان يسكن بالكرخ فى درب رياح.
مقرئ حسن القراءة جيد الأداء، له معرفة بالنحو. قرأ القرآن الكريم ببغداذ بالقراءات على أبى منصور محمد بن عبد الملك بن خيرون الدّباس، وعلى أبى محمد عبد الله بن علىّ، سبط أبى منصور الخياط، وبالكوفة على الشريف أبى البركات عمر بن إبراهيم العلوىّ اليزيدىّ، وقرأ النحو على الشريف أبى السعادات هبة الله ابن علىّ بن الشّجرىّ العلوىّ، وسمع الحديث منهم ومن غيرهم من مشايخ وقته.
وكانت له معرفة بالفرائض وقسمة التركات. أقرأ الناس مدّة القرآن المجيد، وتخرّج به جماعة فى علم النحو والفرائض، وسمعوا منه.
وتوفى يوم الخميس ثامن عشرين شوّال سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
199- الحسن بن على بن غسّان اللغوىّ أبو عمر [2]
أظنه بصريا. روى أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ «1» عن أبى الحسن على بن أحمد ابن الحسين بن عمر المالكىّ، إمام جامع البصرة، عنه.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 223- 224، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات 582) ، وتلخيص ابن مكتوم 59، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 301- 302، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1:
224، ومعجم الأدباء 9: 40- 43، وفى طبقات ابن قاضى شهبة وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ:
«بركة بن عبيدة» ، بفتح العين.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 59- 60.(1/351)
200- الحسن بن علىّ بن عبد الر من الميداسىّ النحوىّ [1]
نزيل مصر. نحوىّ مشهور فى وقته، مذكور. كان متصدرا لإفادة هذا النوع بمصر. وكنيته أبو محمد. تصدّر فى الأيام الكافورية، وأدرك الدولة القصرية، وقرأ عليه أجلّاء مصر من أهل مصر والطارئين عليها؛ فمنهم أبو العلاء عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن مهذّب، الطارئ على الدولة العلويّة.
أخذ عن ابن الميداسىّ «1» وأكثر.
ومات الميداسىّ «2» هذا بمصر فى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، ذكر ذلك القاضى الموفق يوسف بن الخلّال «3» ، كاتب الإنشاء بالدولة القصرية.
201- الحسن بن علىّ بن محمد بن محمد بن عبد العزيز الطائىّ [2]
من أهل مرسية. يكنى أبا بكر، ويعرف بالفقيه الشاعر، لغلبة الشعر عليه، وكان نحويا متحققا بالنحو، له فى النحو كتاب سماه المقنع فى شرح كتاب ابن جنّى. وله غير ذلك من التواليف.
ولد فى سنة اثنتى عشرة وأربعمائة، وتوفى فى رمضان سنة ثمان وتسعين وأربعمائة.
202- الحسن بن عليل بن الحسين بن على بن حبيش ابن سعد أبو على العنزىّ [3]
الأديب اللغوىّ الأخبارىّ، صاحب النوادر عن العرب. روى عن يحيى
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 60. ويظهر لى أنه «الحسن بن على المدائنى» المترجم برقم 197؛ إذ فيه اتفاق فيه الاسم والأب والكنية وسنة الوفاة، ولم يذكر ياقوت والسيوطى سوى ترجمة واحدة بهذا الاسم.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 225، وتلخيص ابن مكتوم 60، وذيل كشف الظنون للبغدادىّ 2: 548 والصلة لابن بشكوال 1: 140.
[3] ترجمته فى تاريخ بغداد 7: 398، وتلخيص ابن مكتوم 61.(1/352)
ابن معين، وهدبة بن خالد، وأبى خيثمة زهير بن حرب، وعبد الله بن مروان بن معاوية، وقعنب بن المحرز الباهلىّ، وأبى الفضل الرّياشىّ. روى عنه قاسم بن محمد الأنبارىّ وغيره. وكان صدوقا. واسم أبيه علىّ، ولقبه عليل، وهو الغالب عليه.
وله شعر منه:
كلّ المحبين قد ذمّوا السّهاد وقد ... قالوا بأجمعهم: طوبى لمن رقدا!
وقلت: يا ربّ لا أهوى الرّقاد ولا ... ألهو بشىء سوى ذكرى له أبدا!
إن نمت نام فؤادى عن تذكّره ... وإن سهرت شكا قلبى الذى وجدا
مات- رحمه الله- فى سلخ المحرّم أو صفر سنة تسعين ومائتين بسرّ من رأى.
فمما رأيته من تصنيفه- وهو بخطه، وملكته ولله الحمد- كتاب النوادر.
203- الحسن بن الفرج القاضى النحوىّ [1]
بصرىّ معروف بهذا النوع. ذكره أبو إسحاق الحبّال فى الوفيات. توفى يوم عاشوراء من سنة ثلاثين وأربعمائة.
204- الحسن بن محمد التميمىّ النحوىّ اللغوىّ النّسابة الإفريقىّ [2]
أصله من مدينة تاهرت «1» ، وطلب الأدب بالقيروان. وكان أبو عبد الله التميمىّ محمد بن جعفر النحوىّ المعروف بالقزّاز القيروانىّ قد عنى به محبة له، فبلغ به نهاية الأدب، وعلم الخبر والنّسب، وله فى ذلك تأليف مشهور.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 60.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 230، وتلخيص ابن مكتوم 60، وعيون التواريخ (وفيات سنة 420(1/353)
وكان شاعرا مقدّما قوىّ الكلام خبيرا باللغة. صحب بنى أبى العرب على يد عبد المجيد بن مهذّب، وأبى البهلول بن سريج، فتقدّم تقدما كثيرا. وله من قصيدة يمدح بها محمد بن أبى العرب:
فلمّا التقى الجمعان واستمطر الأسى ... مدامع منا تمطر الدمع والدما
بدا مأتم للبين غنّى به الهوى ... بشجو وحنّ الشوق فيه فأرزما «1»
تصدّت فأشجت ثم صدّت فأسلمت ... ضميرك للبلوى عقيلة أسلما «2»
قال الحسن بن رشيق: كفى بهذا الشعر شاهدا بالحذق؛ لما فيه من القوّة والاندفاع، وجزالة اللفظ، والمجانسة بين «تصدّت» و «صدّت» ، وبين «أسلمت» و «أسلم» .
205- الحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان أبو محمد الحربىّ النحوىّ [1]
وهو أخو علىّ بن محمد الأكبر. روى عن إسماعيل بن إسحاق القاضى كتاب النوادر، وسئل أبو نعيم الحافظ «3» عن أبى محمد بن كيسان فقال: كان ثقة. وقال ابن شاذان: توفّى الحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان النحوىّ لأيام خلون من شوال سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. وقال محمد بن أبى الفوارس: توفّى يوم السبت لأربع خلون من شوّال.
__________
[1] . ترجمته فى تاريخ بغداذ 7: 422، وتلخيص ابن مكتوم 60- 61 والنجوم الزاهرة 4: 28.(1/354)
206- الحسن بن محمد بن يحيى بن عليم [1]
من أهل بطليوس «1» . يكنى أبا الحزم، وكان مقدّما فى علم اللغة والأدب والشعر، وله شرح «2» فى كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة، أخذ الناس عنه.
207- الحسين بن إبراهيم بن أحمد أبو عبد الله النّطنزىّ الأديب الأصبهانىّ [2]
الفاضل الكامل، العالم بفن العربية، المتصدّر لإفادتها من شبابه. وكان يلقّب فى زمانه بذى اللسانين. أنفق عمره فى العلم والتعليم. مات فى المحرم سنة سبع وتسعين وأربعمائة «3» .
208- الحسين بن أحمد الزّوزنىّ البصير النحوىّ الأصولىّ [3]
بصير بالأدب خبير، وضرير ماله فى دهره نظير، له يد فى الأصول الكلامية، ومنزلة رفيعة فى العلوم الأدبية. وله كتاب المصادر «4» ، وهو تصنيف جميل فى نوعه، وله كتاب فى الأصول سماه القانون، وله شعر منه:
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 15، وبغية الوعاة 229- 230، وتلخيص ابن مكتوم 61، والصلة لابن بشكوال 1: 139.
[2] ترجمته فى الأنساب 564 ا، وبغية الوعاة 231، وعيون التواريخ (وفيات 499) ، وتلخيص ابن مكيوم 61، ومعجم البلدان 8: 297. والنطنزىّ، بفتح النون والطاء وسكون النون الأخرى: منسوب إلى نطنز، وهى بلدة بنواحى أصبهان. وفى عيون التواريخ ذكره باسم «الحسن» وقال فى نسبته: «الطنزىّ» .
[3] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 61، وكشف الظنون 1703.(1/355)
فتى لا يقتنى غير المعالى ... ولا يرضى سوى العلياء جارا
حوى من كل مكرمة نصيبا ... وأنجد فى العلوم كما أغارا
فلو كانت مكارمه هلالا ... لما لاقى محاقا أو سرارا «1»
ولو كانت فضائله نجوما ... لما رضيت لها الفلك المدارا
ولو كانت شمائله مداما ... لما ألقت لشاربها خمارا «2»
كان هذا الشيخ موجودا فى المائة السادسة من الهجرة.
209- الحسين البيهقىّ [1]
ذكره الباخرزىّ فقال: «شيخ غزير الفضل، عزيز النفس. رأيته فى دار عميد الحضرة يؤدب ولده أبا الفتح مسعودا، ويستطلع من أفلاك نجابته سعودا «3» .
وحدّثنى أبو القاسم مهدىّ بن أحمد الخوافىّ قال: دخلت عليهما؛ فأملى الحسين على تلميذه الرئيس مسعود بيتين فى الثناء علىّ، وهما:
بمهدىّ بن أحمد تمّ أنسى ... وكنت إليه كاللهج الحريص
وإذ شاهدته شاهدت منه ال ... خليل مع المبرّد فى قميص
قال الأديب أبو القاسم مهدى بن أحمد الخوافىّ: فعرضت الدّرج «4» المحلّى بالبيتين، الموشّى بالخط الذى يزيد فى نور العين على والده والى الحضرة، وقلت: إن البيتين لولدك، والخطّ خطّ من هو فلذة من كبدك. فسرّ بذلك سرورا برقت له أساريره وخرجت من عنده، وقد حظيت بما شئت منه.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 61، ودمية القصر 227- 228، ورد ذكره فيها باسم «الحسن» .(1/356)
210- الحسين بن حميد بن الحسين الحموىّ المعرّىّ النحوىّ [1]
نزيل مصر. كان ضرير البصر، وله حلقة فى جامع عمرو بن العاص بمصر لإقراء القرآن والنحو، وكان يسمع الحديث على مشايخ. قال أبو طاهر السّلفىّ «1» : كان ثقة يسمع عندى الحديث علىّ وعلى من قرأ عليه من الشيوخ. وقال: أنشدنى الحسين ابن حميد بن الحسين الحموىّ الضرير لنفسه بمصر:
بصرت بقبر الشافعىّ محمد ... فأبصرت قبرا قد حوى خير ناطق
وأرسلت دمع العين لمّا رأيته ... كأنّى منه فى سماء الرقائق
ومن ذا الذى لا يسبل الدمع لحظه ... إذا ما رأى الجوزاء تحت السّمالق «2»
إمام تقىّ عالم متورّع ... يحصّن دين الله من كل مارق
أقام على التقوى صبورا على الأذى ... تخلّى عن الدّنيا لنيل الحقائق
ومن عرف الدنيا تحقّق أمرها ... شراب وما فيها فليس برائق
وكلّ التذاذ باللّباس وغيره ... ينسّيه أهل الذّكر حسن الخلائق
فلا زال رضوان الإله دليله ... إلى جنّة حفّت له بحدائق
211- الحسين بن حميد بن عبد الرحمن أبو على الخطيب النحوىّ [2]
حدّث عن أبى خيثمة زهير بن حرب وغيره. روى عنه أحمد بن كامل القاضى- وكان عنده- أخبار المأمون، من تصنيف أبى على هذا
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 233، وتلخيص ابن مكتوم 61، ومعجم السفر 1: 29. والحموىّ:
منسوب إلى حماة، من مدن الشام.
[2] ترجمته فى تاريخ بغداد 8: 39، وتلخيص ابن مكتوم 61- 62.(1/357)
212- الحسين بن سعد بن الحسين أبو على الآمدى الأديب [1]
فريد عصره فى وقته. نزل أصبهان. وأفاد واستفاد الناس منه، وحدّث بها عن أبى محمد الجوهرى وأبى طالب القارى وغيرهما. وتوفى فى ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وأربعمائة «1» .
213- الحسين بن علىّ النّمرىّ البصرىّ الشاعر النحوىّ الأديب [2]
من مشاهير الأدباء وأجلّة الشعراء. قال أبو محمد بن حسان: حدّثنى أبو عبد الله الحسين بن على النّمرىّ البصرىّ قال: قصدت ذا الكفايتين أبا الفتح بن «2» العميد إلى الرّىّ بعد أن ألحّ فى استدعائى، وأنفذ من حملنى. فاتّفق فى بعض الأيام أن جاء مطر ضعيف؛ إلّا أنّ الريح كان ينفضه إلينا، فانتقلنا من مكان إلى مكان، فقلت:
يابن العميد اشرب على أخيكا ... فيما تراه وأخى أبيكا
فقال: اسكت أيها الشيخ. ثم قال:
أتاك يحكيك كما يحييكا
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 233، وتلخيص ابن مكتوم 62، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 320، وعيون التواريخ (وفيات 499) ، ومعجم الأدباء 9: 266- 269.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 235، وتلخيص ابن مكتوم 62، ويتيمة الدهر 2: 331- 334.(1/358)
فقلت: أيها الأستاذ، من خاطرى أخذته. والذى يدلّ على ذلك البيت الذى بعده. فقال لى: الشيخ- أيده الله- لا يدافع فى هذا ولا ينازع، وهو:
أتاك يحكيك كما يحييكا ... لأنّنى صادفته ركيكا
214- الحسين بن على بن محمد أبو الطيب النحوىّ المعروف بالتّمّار [1]
تصدّر ببغداذ لإقراء الأدب ورواية الحديث.
215- الحسين بن على بن الحسين بن المرزبان أبو علىّ النحوىّ [2]
أديب متصدر لإقراء الأدب. روى عنه منصور بن جعفر بن ملاعب الصّيرفىّ، ومحمد بن أبى بكر الإسماعيلىّ. وكان صدوقا.
216- الحسين بن محمد بن خالويه النحوىّ اللغوىّ أبو عبد الله [3]
من أهل همذان «1» ، ودخل بغداذ، وأدرك أجلّة العلماء بها؛ مثل أبى بكر بن الأنبارىّ وابن مجاهد وأبى عمر الزاهد وابن دريد. وقرأ على أبى سعيد السّيرافىّ،
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 235، وتاريخ بغداد 8: 70، وتلخيص ابن مكتوم 62.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 62.
[3] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 16- 17، وإعلام النبلاء 4: 54- 56، وبغية الوعاة 231- 232، وتلخيص ابن مكتوم 62، وابن خلكان 1: 157- 158، وروضات الجنات 237، وشذرات الذهب 3: 71- 72، وطبقات الشافعية 2: 212- 213، وطبقات ابن قاضى شهبة 1:
317- 319، والفلاكة والمفلوكين 101- 102، والفهرست 84، وكشف الظنون 123، 602، 1397، 1454، 1461، 1808، ومرآة الجنان 2: 394- 395، والمزهر 2:
421، 466، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 243- 244، ومعجم الأدباء 9: 200- 205، والنجوم الزاهرة 4: 139، ونزهة الألباء 383- 385، ويتيمة الدهر 1: 88- 89؛ وهو فى جميع هذه الكتب، عدا تلخيص ابن مكتوم مذكور باسم «الحسين بن أحمد» .(1/359)
وكان منتصرا له على أبى علىّ الفارسى. وانتقل إلى الشام، وصحب سيف «1» الدولة ابن حمدان، وأدّب بعض أولاده وتصدر بحلب وميّافارقين وحمص للإفادة والتصنيف، وعاش بعد سيف الدولة فى صحبة ولده شريف وغيره من آل حمدان، ومات بحلب فى سنة سبعين وثلاثمائة.
وله من التصانيف: كتاب الاشتقاق. كتاب الجمل فى النحو.
كتاب اطرغشّ «2» . كتاب القراءات. كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن العزيز «3» . كتاب المقصور والممدود. كتاب المذكر والمؤنث.
كتاب الألفات «4» . كتاب الأسد. كتاب ليس. كتاب تقفية ما اختلف لفظه واتفق معناه لليزيدىّ. كتاب المبتدأ فى النحو. كتاب شرح المقصورة. كتاب اشتقاق خالويه. كتاب تذكرته، وهو مجموع، ملكته بخطّه «5» .
وذكره شيرويه «6» فى علماء همذان فقال: «الحسين بن محمد بن خالويه، أبو على الأديب. رفيق عبد الرحمن بن حمدان الجلّاب بالشام. روى عن ابن دريد(1/360)
والصولىّ وغيرهما. روى عنه أبو أحمد عبد الله بن عدىّ الحافظ، وقال: رأيته ببيت المقدس، وكان إماما، أحد أفراد الدهر فى كل قسم من أقسام العلم والأدب، وكان إليه الرّحلة من الآفاق. سكن حلب، وكان آل حمدان يكرمونه، ومات بها- رحمه الله» .
وذكره اللحجىّ «1» اليمنىّ فى كتاب الأترجّة عند ذكره ابن الحائك اليمنىّ، ووصف شعر ابن الحائك، وقال: «ومن الشاهد على ذلك أنّ الحسين بن خالويه الإمام لما دخل اليمن ونزل ديارها، وأقام بها شرح ديوان ابن الحائك «2» ، وعنى به، وذكر غريبه وإعرابه» .
قلت: ولم أعلم أنّ ابن خالويه دخل اليمن إلا من كتاب الأترجّة هذا، وهو كتاب غريب قليل الوجود، اشتمل على ذكر شعر اليمن فى الجاهلية والإسلام، إلى قريب من زماننا هذا، وما رأيت به نسخة ولا من ذكره؛ إلا نسخة واحدة جاءت فى كتب الوالد، أحضرت بعد وفاته من أرض اليمن.
وذكر الرئيس أبو الحسن محمد بن علىّ بن نصر الكاتب فى كتاب المفاوضة «3» :
«حدثنى «4» أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الببغاء قال: كان أبو الطيب المتنبى يأنس(1/361)
بى، ويشكو عندى سيف الدولة، ويأمننى على غيبته له، فكانت الحال بينى وبينه صافية عامرة دون باقى الشعراء، وكان سيف الدولة يغتاظ من عظمته وتعاطيه، ويجفو عليه إذا كلّمه، والمتنبى يجيبه فى أكثر الأوقات، ويتغاضى فى بعضها» .
قال: «وأذكر ليلة، وقد استدعى سيف الدولة بدرة، فشقها بسكّين الدواة، فمدّ أبو عبد الله بن خالويه النحوىّ جانب طيلسانه، وكان صوفا أزرق، فحثا «1» فيه سيف الدولة شيئا صالحا، ومددت ذيل درّاعتى «2» ، وكانت ديباجا، فحثا إلىّ فيها، وأبو الطيب حاضر، وسيف الدولة ينتظر منه أن يفعل مثل فعلنا، أو يطلب شيئا منها، فما فعل، فغاظه ذلك، فنثرها كلها. فلما رأى المتنبى أنها قد فاتته زاحم الغلمان يلتقط معهم، فغمزهم عليه سيف الدولة فداسوه، وركبوه، وصارت عمامته وطرطوره «3» فى عنقه، واستحى، ومضت له ليلة عظيمة، وانصرف» .
«وخاطب أبو عبد الله بن خالويه سيف الدولة فى ذلك، فقال: ما يتعاظم تلك العظمة، ويتّضع إلى مثل هذه المنزلة إلا لحماقته» .
217- الحسين بن محمد بن الحسين أبو عبد الله الصّورىّ الضرّاب النحوىّ
[1] كان فى وقته نحوىّ بلده ومدرّسه. وكانت له حال واسعة، وسمع الحديث، ورواه ببلده. توفى سنة أربع عشرة- أظن- وأربعمائة. وكان غيث بن على الأرمنازىّ «4» روى خبره.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 235- 236، وتلخيص ابن مكتوم 62، ومختصر تاريخ ابن عساكر 4: 456. والضراب: منسوب إلى ضرب الدنانير.(1/362)
218- الحسين بن محمد أبو الفرج النحوىّ الدمشقىّ المعروف بالمستور [1]
نحوى أديب، متصدّر للإفادة. وله شعر مذكور فى مصره. وتوفى سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة.
219- الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد ابن الحسن بن عبد الله بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان ابن وهب الدّبّاس [2]
أبو عبد الله المعروف بالبارع. المقرئ النحوىّ اللغوىّ الشاعر. أديب فاضل، أحسن المعرفة باللّغة والأدب، وكان مقرئا، قرأ جماعة عليه القرآن، وكان يسكن البدريّة، إحدى المحالّ الشرقية ممّا يلى دار الخلافة والشطّ. وكبر وأسنّ، وأفاد عالما.
ولد فى سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة فى صفر. وشعره كثير، فمنه:
كلّ غصن مال جانبه ... فكأنّ الغصن سكران
فى غدير من مقبّله ... ومن الصّدغين بستان
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 236، وتلخيص ابن مكتوم 62- 63، ومختصر تاريخ ابن عساكر 4: 359، ومعجم الأدباء 10: 163- 166.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 236، وتاريخ ابن كثير 12: 201، وتلخيص ابن مكتوم 63، وخريدة القصر 1: 85، وابن خلكان 1: 158- 159، وروضات الجنات 248- 249، وشذرات الذهب 4: 69، وطبقات القراء 1: 251، ومعجم الأدباء 10: 147- 154، والنجوم الزاهرة 5: 236. والدباس، بفتح الدال وتشديد الباء؛ يقال لمن يعمل الدبس أو يبيعه.
والدبس: عسل التمر.(1/363)
وكان قد أضرّ فى آخر عمره. توفى يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة، ودفن يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
أنبأنا محمد بن محمد بن حامد بن محمد فى كتابه، وذكر البارع فقال «1» : «من أهل بيت السّودد «2» ، الكريم المحتد. كان نحوىّ زمانه، عديم النّظير فى أوانه.
وله مصنفات ومؤلفات، وديوان شعر، وكان قد أضرّ فى آخر عمره، وتوفّى سابع عشر جمادى الآخرة سنة أربع وعشرين وخمسمائة. ومولده فى صفر سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. والله أعلم» .
220- حمّاد بن سلمة بن دينار النحوىّ اللغوىّ [1]
كان إماما فاضلا قديم العهد. قيل ليونس النحوىّ: أيّما أسنّ، أنت أو حمّاد بن سلمة؟ قال: هو أسنّ منى، ومنه تعلّمت العربية.
وقال حمّاد بن سلمة: مثل الذى يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة ولا شعير فيها.
__________
[1] . ترجمته فى أخبار النحويين البصريين 42- 44، وبغية الوعاة 240، وتذكرة الحفاظ 1: 189- 190، وتقريب التهذيب 64، وتلخيص ابن مكتوم 63، وتهذيب التهذيب 3:
11- 16، والجواهر المضية 1: 225، وخلاصة تذهيب الكمال 78، وروضات الجنات 262، وشذرات الذهب 1: 262، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 325- 327، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 258، ومرآة الجنان 1: 353، ومعجم الأدباء 10: 254- 258، والنجوم الزاهرة 2: 56، ونزهة الألباء 50- 53.(1/364)
وقال يونس بن حبيب: كان حمّاد رأس حلقتنا، ومنه تعلّمت العربية.
وسأله سيبويه فقال: أحدّثك هشام بن عروة عن أبيه فى رجل رعف فى الصلاة؟
فقال: أخطأت يا سيبويه؛ إنما هو رعف «1» ، فانصرف سيبويه إلى الخليل شاكيا ما لقيه به حمّاد، فقال: صدق حماد، أمثله يلقى بمثل هذا! ولأبى محمد يحيى بن المبارك اليزيدىّ قصيدة «2» يمدح فيها نحويّى البصرة، منها فى حمّاد:
يا طالب النحو ألا فابكه ... بعد أبى عمرو وحمّاد
يعنى أبا عمرو بن العلاء وحمّاد بن سلمة «3» .
221- حمّاد بن الزّبرقان [1]
ذكره ثعلب عن محمد بن سلّام فى ترتيب النحويين البصريين [فقال] :
«وحماد بن الزّبرقان «4» ؛ وكان يونس بن حبيب يفضّله» .
__________
[1] . ترجمته فى أخبار النحويين البصريين 44، وتلخيص ابن مكتوم 63، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 325، ولسان الميزان 2: 347. وانظر الأغانى 5: 157، و 13: 70، و 15:
25، وأمالى المرتضى 1: 92، والشعر والشعراء 743، 744، 754.(1/365)
وكان حمّاد حلو المحاضرة. لطيف العبارة، ظريف المفاكهة والمداعبة. قال يوما لحمّاد الراوية: إن أحسن أبو عطاء السّندىّ «1» أن يقول: «جرادة» ، و «زجّ» ، و «شيطان» فبغلتى وسرجها ولجامها لك.
قال حمّاد الراوية: ألست إنما تريد أن يتكلم بها؟ قال: بلى. فأتياه، فقال له حمّاد: يا أبا عطاء، كيف علمك بالأوابد «2» ؟ قال: سلنى، قال:
وما صفراء تكنى أمّ عوف ... كأنّ رجيلتيها منجلان
قال أبو عطاء: هى «زرادة» «3» ، فقال حمّاد: ... أتعرف مسجدا لبنى تميم
فويق السّال «4» دون بنى أبان(1/366)
قال أبو عطاء: ذاك مسجد بنى «سيطان» «1» ، بالسين غير معجمة، قال حمّاد:
فما اسم حديدة فى رأس رمح ... دوين الصدر ليست بالسّنان
فقال أبو عطاء: هى «ززّ» «2» ، قال: فلم يستحق البغلة ولا السرج ولا اللجام.
222- حمدون بن أبى سهل المقرئ أبو محمد النحوىّ النيسابورىّ [1]
ذكره ابن البيّع «3» فى كتابه فقال: «ومسكنه ميدان زياد، ومسجده معروف به. حديثه عن النضر بن أبى عاصم، وعمرو بن عاصم الكلابىّ وعفّان بن مسلم.
روى عنه أبو عمرو المستملى ومحمد بن إسحاق بن خزيمة. وكان محمد بن يحيى يقول لحمدون المقرئ: أنا لحّان، فإذا لحنت فقوّمنى.
223- حمدون النحوىّ، واسمه محمد بن إسماعيل أبو عبد الله القيروانىّ المغربىّ الإفريقىّ [2]
كان مقدّما فى الأدب بالقيروان بعد المهرىّ؛ لأنه كان يحفظ كتاب سيبويه، وله كتب فى النحو وأوضاع فى اللغة، وكان أحد المتشدّقين فى كلامه، والمتقعّرين
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 239، وتلخيص ابن مكتوم 63، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 261.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 22، وتلخيص ابن مكتوم 63- 64، وطبقات الزبيدىّ 158- 159؛ وما ذكره المؤلف هنا يوافق ما فى الطبقات.(1/367)
فى خطابه، وكان معلّمه المهرىّ على خلاف ذلك، وكان حمدون فى العربية والغريب والنحو الغاية، ولم يكن مرضىّ العقل. وله شعر ضعيف متكلّف.
وحكى أبو إسحاق بن قيّار عن حمدون قال: كنت جالسا عند أبى الوليد المهرىّ، فأردت شربة ماء، وكانت له جارية تسمى سلّامة، وربما سماها «سل لئيمة» إذا غضب عليها، فقلت: يا سلّامة، اسقينى ماء. فأبطأت، فقلت:
أرى «سل لئيمة» قد أبطأت
فقال المهرىّ:
وعلة إبطائها للكسل «1» ... فلا تعملن نظرا فى الكتاب
وما شئت من نحو «2» علم فسل
فقلت أنا:
فإنك بحر لنا زاخر ... يظلّ وأمواجه ترتكل «3»
فقال المهرىّ:
كريم النّجار إذا جئته ... تلقّاك بالبشر لا بالزّلل
فإن يك حمدون ذا فطنة ... فقد كان فيما مضى قد غفل
فقلت أنا:
فأنت بفضلك أحييته ... وكان قديما به قد جهل
وتوفى بعد المائتين «4» .(1/368)
224- حمدون بن أحمد بن خورمرد الغندجانىّ أبو نصر النحوىّ اللغوىّ [1]
وغندجان «1» من نواحى فارس. كانت له معرفة تامة بالأدب واللغة، وكان علّامة فى ذلك الوقت.
225- حمد بن محمد بن فورّجة البروجردىّ [2]
إمام فاضل، عالم كامل، مطّلع على أنواع العربية أيّما اطلاع، قائم باللغة ومعنى الشعر. رحل إلى أبى العلاء بن سليمان بمعرّة النّعمان، وأخذ عنه الأدب واللغة، وتصدّر لإفادة هذا الشأن، وصنّف الكتابين المشهورين فى الردّ على ابن جنّى فى شرح شعر المتنبى؛ أحدهما: الفتح على أبى الفتح، والآخر التجنّى على ابن جنّى، وهما- وإن صغر جرمهما- فقد كبر فهمهما؛ اشتملا على أنواع من الأدب غزيرة، وقف عليهما عمق بحره، والسّحر الصادر عن صدره وسحره. وله شعر رواه عنه أبو عامر الجرجانىّ فاضل خراسان. قال: أنشدنى ابن فورّجة لنفسه:
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 64.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 18، وبغية الوعاة 39 و 239، وتتمة اليتيمة 1: 123- 125، وتلخيص ابن مكتوم 64، وفوات الوفيات 2: 247- 248، وكشف الظنون 810، 1233، ومعجم الأدباء 18: 188- 189. وما ذكره من اسمه يوافق ما فى إشارة التعيين وتلخيص ابن مكتوم والبغية ص 239، وفى بقية الكتب والبغية ص 39 اسمه «محمد بن حمد» .
و «فورّجة» ، ضبطه ياقوت بضم الفاء وسكون الواو وتشديد الراء وفتح الجيم. وفى فوات الوفيات «فوزجة» بالزاى. والبروجردىّ، بالفتح ثم الضم والسكون وكسر الجيم وسكون الراء: منسوب إلى بروجرد، وهى من بلاد الجبل، قريبة من همذان.(1/369)
دعنى أمرّ لطيّتى «1» ... لا تعقلنّ مطيّتى
هذا الذى فى عارض ... ىّ فضول مسك ضفيرتى
أتميتنى وجدا وأن ... ت سمىّ محيى الميّت
تقبيل ثغرك منيتى ... ولو انّ فيه منيّتى
سهل علىّ مناله ... لكن بلائى عفّتى
وتعجّبى لأليّتى «2» ... بهواك وهو بليّتى
وكان هذا الشيخ متصدّرا للإفادة بالرّىّ فى سنة أربعين وأربعمائة «3»
226- حمزة بن الحسن الأصبهانىّ المؤدّب [1]
الفاضل الكامل، المصنف المطلع، الكثير الروايات. كان عالما فى كل فنّ، وصنّف فى ذلك، وتصانيفه فى الأدب جميلة، وفوائده الغامضة جمة، وله كتاب الموازنة بين العربى والعجمىّ؛ وهو كتاب جليل، دلّ على اطلاعه على اللغة وأصولها، لم يأت أحد بمثله، صنّفه للملك عضد الدولة «4» فنّاخسرو بن بويه، وكان ينسب إلى الشّعوبية «5» ، وأنه يتعصّب على الأمة العربية.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 64، والفهرست 139.(1/370)
وله كتاب تاريخ أصبهان، وهو من الكتب المفيدة العجيبة الوضع، الكثيرة الغرائب. ولكثرة تصانيفه «1» وخوضه فى كل نوع من أنواع العلم سماه جهلة أصبهان «بائع الهذيان» . وما الأمر والله كما قالوا، ومن جهل شيئا عاداه.
227- حمزة بن غاضرة الأسدىّ البغداذىّ [1]
ترامت به الأسفار إلى فوشنج «2» فأقام بها، وبنيت له مدرسة بها، وانثالت التلامذة عليه. وكان أديبا نحويا، وله شعر الأدباء والنحاة، وكان حيا فى سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. ومن شعره قوله:
أضعت الشباب وخنت المشيب ... برفض الوقار وخلع الرسن
ولم ترع سمعا إلى واعظ ... فحتى متى ذا أما آن أن!
وله شعر ليس بالكثير. ولما لقى يومه وافق ذلك وفاة الإمام أبى الحسن على بن طالوت البلخىّ، وكانا معا فردى دهر هما، فرثاهما شرف السادة أبو الحسن البلخىّ بقصيدة أولها:
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 64- 65، والوافى بالوفيات ج 4 م 1: 109.(1/371)
لا تسلم العصم «1» فى خلقاء «2» راسية ... طودولا «3» الحقب «4» فى يهماء «5» سبروت «6»
منها:
نكا «7» ابن غاضرة إذ شدّ أرحله ... قرحا بقلبى من شدّ ابن طالوت
نجمان فى أفق الآداب قد أفلا ... والدهر يرجع يوما كلّ ما يوتى
228- حامد الباهسىّ السّنجارىّ [1]
والقرية التى ينسب إليها من قرى سنجار. كان رجلا أديبا يقرأ عليه العربية وعلى أخيه، وهو أنحى من أخيه، وكان يرتزق من ملك له، وهو قريب من زماننا هذا، قريب الوفاة؛ ولم يزل على الاشتغال والإفادة إلى أن توفّى- رحمه الله.
229- حبشىّ بن محمد بن شعيب الشيبانىّ أبو الغنائم الضّرير النحوىّ [2]
من أهل واسط، من قرية تعرف بالأفشوليّة «8» غربىّ واسط، بينها وبين البلد نحو فرسخ. جالس بواسط أبا لحسن على بن العنبرىّ محمد المعروف بابن دوّاس القنا الشاعر، وسمع منه، وقدم بغداذ واستوطنها إلى أن مات بها.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 65.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 214- 215، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات 565) ، وتلخيص ابن مكتوم 65، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 291- 292، ومعجم الادباء 7:
214- 216، ونكت الهميان 133- 134، والوافى بالوفيات ج 4 مجلد 1: 65.
و «حبشى» ، ضبطه الذهبى بفتح الحاء وسكون الباء وشين مكسورة.(1/372)
وقرأ النحو على الشريف أبى السعادات هبة الله على بن الشجرىّ، واللغة على الشيخ أبى منصور بن الجواليقىّ، وسمع منهما ومن غيرهما، وأقرأ الناس النحو مدّة.
ووصفه مصدّق بن شبيب النحوىّ بالفضل والمعرفة، وذكر أنه أخذ عنه وانتفع به.
وتوفّى- رحمه الله- يوم الثلاثاء سادس عشر ذى القعدة، من سنة خمس وستين وخمسمائة، وصلّى عليه بالمدرسة النظامية «1» ، ودفن بالشّونيزىّ «2» ، وقبره بصفّة «3» رويم بن أحمد الصوفىّ «4» أعلى المقبرة مما يلى الطريق.
230- الحرمىّ أبو العلاء المكّىّ، واسمه أبو عبد الله أحمد ابن محمد بن إسحاق بن أبى خميصة [1] «5»
أحد العلماء، وله خطّ حسن يرغب فيه لجودة ضبطه. وكان أخباريا «6» . ورأيت من الموفّقيّات «7» للّزبير بن بكّار «8» جزءا بخطه، وهو على نهاية الصحة، وحسن الترصيع- رحمه الله «9» .
__________
[1] . ترجمته فى تاريخ بغداد 4: 390- 391، وشذرات الذهب 2: 275، ومعجم الأدباء 4: 208- 209. ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص. والحرمىّ؛ بفتح الحاء والراء:
منسوب إلى حرم الله تعالى.(1/373)
231- الحزنبل [1]
لقبه أشهر من اسمه. وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عاصم التميمىّ.
عالم راوية؛ روى عن ابن السّكيت كتاب السّرقات «1» . وله خط جيد معروف بين العلماء بالصحة والتحقيق، متوافر القيمة.
232- حسّان بن الجاحظ القيروانىّ النحوىّ [2]
تصدّر فى ذلك القطر وأفاد، وأخذ عنه موسى الطّرزىّ «2» .
233- الحكم بن معبد بن أحمد بن عبيد بن عبد الله ابن الأحجم الخزاعىّ أبو عبد الله [3]
ذكره أبو نعيم فى كتابه تاريخ أصبهان، وقال: « [يتفقه «3» على مذهب الكوفيين] . صاحب أدب وغريب. توفى سنة خمس وتسعين ومائتين» .
234- حمران بن أعين الطّائىّ المقرئ النحوىّ أبو عبد الله [4]
قال المرزبانىّ: «أخبرنى محمد بن يحيى، قال: من علماء الكوفة حمران ابن أعين سنبس «4» ، مولى الطائيين، يكنى أبا عبد الله.
__________
[1] . ترجمته فى تبصير المنتبه لابن حجر 136، والفهرست 73. ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.
و «الحزنبل» ضبطه ابن حجر بفتح الحاء والزاى وسكون النون، وهو فى الأصل القصير من الرجال.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 65، وطبقات الزبيدىّ 158.
[3] ترجمته فى بغية الوعاة 238- 239، وتاريخ أصبهان لأبى نعيم 1: 298، وتلخيص ابن مكتوم 65.
[4] ترجمته وتلخيص ابن مكتوم 65، وتقريب التهذيب 64، وتهذيب التهذيب 3: 25، وخلاصة تذهيب الكمال 79. وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 261.(1/374)
وقال عبد الله بن جعفر عن أحمد بن يحيى عن الفراء: «وابن حمران من موالى جعفر. قارئ نحوىّ حسن الصوت شاعر» .
قال عبد الله وقال غيره: كان حمران ضعيفا فى النحو والقراءة والرواية، قال:
وكان يتشيّع، وهو من شيعة جعفر بن محمد- رضى الله عنهما. ويقال إنه حضر عند جعفر بن محمد- رضوان الله عليهما- فاستقرأه، فقرأ وأحسن، ثم تكلم فى العلوم، ففزع أهل المجلس، فقال من حضر: إنما أراد جعفر أن يرينا مثله من شيعته.
قرأ حمران على أبى الأسود، وقرأ أبو الأسود على علىّ بن أبى طالب- كرم الله وجهه- وعلى عثمان بن عفان، رضى الله عنه.
وقال حمزة»
الزيات: سمعت حمران بن أعين يقول، لا تأمننّ على صحيفة قارئا، ولا جمّالا على حبل.
ومن شعر حمران يرثى جعفر بن محمد- رضى الله عنهما:
بكيت على خير ما «2» لاحق ... بسابقه صفوة الخالق
بكيت على ابن نبىّ الهدى ... بدمع على وجنتى سابق
ربيع البلاد وغيث العباد ... لسارب صبح وللطارق
ووارث علم نبىّ الهدى ... وميزان حقّ به ناطق
فصلّى الإله على روحه ... وأكرم مثواه من صادق(1/375)
(حرف الخاء)
235- الخليل بن أحمد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الفراهيدىّ الأزدىّ [1]
من الفراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث. وقيل: هو منسوب إلى فرهود «1» بن شبابة بن مالك بن فهم.
وقد نسب [إلى] الفراهيد على غير هذا الوجه؛ يقال رجل فراهيدىّ. وكان يونس يقول: فرهودىّ مثل قردوسىّ «2» . والفراهيد: «3» صغار الغنم.
__________
[1] . ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافىّ 38- 40، وإشارة التعيين الورقة 18- 19، والأنساب 421 ا، وتاريخ أبى الفدا 2: 8، وتاريخ ابن كثير 10: 161- 162، وتقريب التهذيب 72، وتلخيص ابن مكتوم 65- 66، وتهذيب الأسماء واللغات 1: 177- 178، وتهذيب التهذيب 3: 163- 164، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 4- 5، وخلاصة تذهيب الكمال 91، وابن خلكان 1: 172- 175، وروضات الجنات 272- 276، وسرح العيون 184- 187، وشذرات الذهب 1: 275- 277، وشرح مقامات الحريرى للشريشى 2: 246- 248، وطبقات الزبيدىّ 22- 25، وطبقات ابن قاضى شهبة 1:
335- 338، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 275، والفلاكة والمفلوكين 69- 70، والفهرست 42- 43، وكشف الظنون 1441- 1444، واللباب 2: 201، ومرآة الجنان 1: 362- 367، ومراتب النحويين 43- 64، والمزهر 2: 401- 402، 461، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 273- 276، والمعارف 236، ومعجم الأدباء 11:
72- 77، والنجوم الزاهرة 1: 311- 312 و 2: 82، ونزهة الألباء 54- 59.(1/376)
نحوىّ لغوىّ عروضىّ، استنبط من العروض «1» وعلله ما لم يستخرجه أحد، ولم يسبقه إلى علمه سابق من العلماء كلّهم. وقيل إنه دعا بمكة أن يرزق علما لم يسبقه إليه أحد، ولا يؤخذ إلا عنه، فرجع من حجّة، ففتح عليه بالعروض «2» .
وللخليل بن أحمد قصيدة على «فعلن فعلن» ثلاثة متحركات وساكن. وله قصيدة أخرى على «فعلن فعلن» متحرك وساكن، فالتى على ثلاثة متحركات وساكن قصيدته التى فيها:
سئلوا فأبوا فلقد بخلوا ... فلبئس لعمرك ما فعلوا
أبكيت على طلل طربا ... فشجاك وأحزنك الطّلل
والتى على «فعلن» ساكنة العين قوله:
هذا عمرو يستعفى من ... زيد عند الفضل القاضى
فانهوا عمرا إنى أخشى ... صول الليث العادى الماضى
ليس المرء الحامى أنفا ... مثل المرء الضّيم الراضى(1/377)
فاستخرج المحدثون من هذين الوزنين «1» وزنا سمّوه «المخلّع» ، وخلطوا فيه من أجزاء هذا وأجزاء هذا «2» .
واستنبط أيضا من علم النحو ما لم يسبق إليه، وحصر علم اللغة بحروف المعجم وسماه كتاب العين.
وله علم بالإيقاع، وله كتاب فيه. ومعرفته بالنّغم ومواقعها أحدث له علم العروض.
وأما كتاب العين «3» فقد اختلف الأئمة فيه؛ فمنهم من ينسبه إليه، ومنهم من يحيل نسبته «4» إلى الخليل، وقد استوفى ابن درستويه الكلام فى ذلك فى كتاب له مفرد لهذا النوع، ملكته بخط تيزون «5» الطبرىّ، وهو تصنيف مفيد.(1/378)
وكان الخليل من الزّهاد، وقال: إن لم تكن هذه الطائفة- يعنى أهل العلم- أولياء الله، فليس له ولىّ.
وذكر النسابون أنهم لا يعرفون بين النبىّ وأبى الخليل من اسمه أحمد سواه.
ووهم يحيى بن معين، وقال فى نسب أبى السّفر «1» : «ابن أحمد» ، وهو أقدم من أبى الخليل. والصحيح فى اسمه « [ابن] «2» يحمد» .
وكان الخليل عفيف النفس؛ لا يختار صحبة الملوك والأمراء. ووجّه إليه سليمان بن حبيب بن المهلّب من السّند «3» يستزيره- وكان له عليه جار «4» فكتب إليه «5» :
أبلغ سليمان أنّى عنه فى دعة «6» ... وفى غنى غير أنى لست ذا مال
سخّى «7» بنفسى أنّى لا أرى أحدا ... يموت هزلا «8» ولا يبقى على حال
الرزق عن قدر لا الضعف ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال
والفقر فى النّفس لا فى المال تعرفه ... ومثل ذاك الغنى فى النفس والمال
فلما بلغ سليمان قطع جاريه عليه عنه، فقال:
إنّ الذى شقّ فمى ضامن ... لى الرزق حتّى يتوفّانى
حرمتنى خيرا كثيرا فما ... زادك فى مالك حرمانى(1/379)
فبلغت سليمان فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل يعتذر، وأضعف جائزته، فقال الخليل:
وزلّة يكثر الشيطان إن ذكرت ... منها التعجّب جاءت من سليمانا
لا تعجبنّ لخير زلّ عن يده ... فالكوكب النّحس يسقى الأرض أحيانا
وأنشد له المبرّد فى معناه:
صلب الهجاء على امرئ من قومنا ... إذ حاد عن سنن السبيل وحادا
أعطى قليلا ثم أقلع نادما ... ولربّما غلط البخيل فجادا
وقال النّضر بن شميل: أقام الخليل فى خصّ «1» من أخصاص البصرة، لا يقدر على فلس، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال؛ ولقد سمعته يقول: إنى لأغلق علىّ بابى، فما تجاوزه همّتى.
وقال وهب بن جرير: كان الخليل بن أحمد يكثر إنشاد بيت الأخطل «2» :
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال
وقيل: لم يكن بعد الصّحابة أذكى من الخليل، ولا أجمع لعلم العرب.
واجتمع الخليل وابن المقفّع ليلة بطولها يتذاكران وافترقا؛ فسئل الخليل عن ابن المقفع، فقال: رأيت رجلا علمه أكثر من عقله، وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ فقال: رأيت رجلا عقله أكثر من علمه.
وللخليل- رحمه الله- أخبار صالحة، ونوادر مفيدة، لا يسوغ استيفاؤها فى هذا الموضع.(1/380)
ولد- رحمه الله- سنة مائة، وتوفى سنة خمس وسبعين ومائة «1» . وكان سبب موته أنه قال: أريد أن أقرّب نوعا من الحساب تمضى به الجارية إلى البقّال، فلا يمكنه ظلمها، ودخل المسجد، وهو معمل فكره فى ذلك، فصدمته سارية، وهو غافل عنها بفكره؛ فانقلب على ظهره، فكانت سبب موته. وقيل:
بل كان يقطّع بحرا من العروض. والله أعلم أىّ الأمرين كان.
والذى تحقّق أنّ الخليل صنّفه: كتاب العين فى اللغة، مشهور. كتاب العروض. كتاب الشواهد. كتاب النقط والشكل. كتاب النغم «2» ، كتاب فى العوامل، منحول عليه.
وقال الأصمعىّ: قال الخليل بن أحمد: العلوم أربعة؛ فعلم له أصل وفرع، [وعلم له أصل ولا فرع له، وعلم له فرع] ولا أصل له، وعلم لا أصل له ولا فرع.
فأما الذى له أصل وفرع فالحساب؛ ليس بين أحد من المخلوقين فيه خلاف، وأما الذى له أصل ولا فرع له فالنجوم؛ ليس لها حقيقة يبلغ تأثيرها فى العالم- يعنى الأحكام والقضايا على الحقيقة- وأما الذى له فرع ولا أصل له فالطبّ؛ أهله منه(1/381)
على التجارب إلى يوم القيامة، والعلم الذى لا أصل له ولا فرع فالجدل. قال أبو بكر الصّولى: يعنى الجدل بالباطل.
وقال الخليل بن أحمد: أربع تعرف بهنّ الآخرة؛ الصّفح قبل الاستقالة «1» ، وتقديم حسن الظنّ قبل التّهمة، والبذل قبل المسألة، ومخرج العذر قبل العتب.
236- خليل بن محمد بن عبد الرحمن النحوىّ أبو محمد النّيسابورىّ الرّمجارىّ [1]
ذكره ابن البيّع فى كتابه، وسماه النحوىّ، وقال: «سمع من عبد الله بن المبارك «2» .
روى عنه محمد بن عبد الوهاب «3» » . وقال: «سمع محمد بن عبد الوهاب يقول:
سمعت الخليل أبا محمد يقول: كان ابن المبارك إذا خرج إلى مكة يقول:
بعض الحياء وخوف الله أخرجنى ... وبيع نفسى بما ليست له ثمنا
إنى وزنت الذى يبقى ليعدله ... ما ليس يبقى فلا والله ما اتّزنا
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 245، وتلخيص ابن مكتوم 66. والرّمجارىّ، بفتح الراء وسكون الميم: منسوب إلى رمجار، وهى محلة بنيسابور.(1/382)
237- خلف الأحمر بن حيان بن محرز أبو محرز [1]
مولى بلال «1» بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعرىّ. من أبناء الصّغد «2» الذين سباهم قتيبة «3» بن مسلم، فوهبه سلم بن قتيبة بن مسلم لبلال.
وهو أحد رواة الغريب واللغة والشعر ونقّاده والعلماء به وبقائليه وصناعته.
وله صنعة فيه. وهو أحد الشعراء المحسنين؛ ليس فى رواة الشعر أحد أشعر منه.
وكان يبلغ من حذقه واقتداره على الشعر أن يشبّه شعره بشعر القدماء؛ حتى يشبّه بذلك على جلّة الرواة، ولا يفرقون بينه وبين الشعر القديم؛ من ذلك قصيدته التى نحلها ابن أخت تأبّط شرا، التى أولها»
:
__________
[1] . ترجمته فى إشارة التعيين 18، والأمالى لأبى على القالى 1: 156- 157، وبغية الوعاة 242، وتلخيص ابن مكتوم 66، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 4، وروضات الجنات 270، والشعر والشعراء 763- 765، وطبقات الزبيدى 113- 116، وطبقات ابن قاضى شهبة 1- 334، والفهرست 50، واللآلى لأبى عبيد البكرى 412- 413، والمزهر 2: 403، والمعارف 237، ومعجم الأدباء 11: 66- 72، ونزهة الألباء 69- 71. وانظر الأغانى 3: 43، و 9: 39، و 14: 31، و 17: 11، 12، و 18: 77، 80، 81. ويطلق «الأحمر» على أربعة، أشهرهم اثنان: خلف بن حيان وعلى بن حسن الكوفىّ. والثالث أبان ابن عثمان الطولوى والرابع أبو عمرو إسحاق بن مرار.(1/383)
إن بالشّعب الذى دون سلع ... لقتيلا دمه ما يطلّ «1»
جازت على جميع الرواة، فما فطن بها إلّا بعد دهر طويل بقوله:
خبر ما نابنا مصمئلّ ... جلّ حتى دقّ فيه الأجلّ «2»
فقال بعضهم:
جلّ حتى دقّ فيه الأجلّ
من كلام المولّدين. فحينئذ أقرّ بها خلف «3» .
وخرج خلف الأحمر يوما على أصحابه، فأنشدهم قول النّمر بن تولب «4» :
ألمّ بصحبتى وهم هجود ... خيال طارق من أم حصن
وقال: لو كان مكان «أم حصن» «أم حفص» كيف يكون قوله:
لها ما تشتهى عسل مصفّى ... وإن شاءت فحوّارى بسمن «5»(1/384)
فقالوا: لا ندرى، [فقال] :
وإن شاءت فحوّارى بلمص
واللّمص: الفالوذج.
ووصفه العلماء بعلم «1» الشعر. وقد أغنانا المبرّد فى الروضة عن التطويل فى ذكره، وكان قد تعبّد فى آخر عمره.
وكان أبو نواس تلميذا له، ويفتخر به، ورثاه فى ديوانه «2» . وصنف كتاب جبال العرب وما قيل فيها من الشعر.(1/385)
238- خلف بن مختار الأطرابلسىّ المغربىّ النحوىّ الإفريقىّ [1]
كان صاحب نحو ولغة، بخيلا بعلمه. قال سعيد بن إسحاق الجشمىّ: سألت خلف بن مختار أن أقرأ عليه قصيدة النابغة: «يا دارمية» «1» فقال: افعل، فأنشدته حتى انتهيت إلى قوله:
وظل يعجم أعلى الروق منقبضا ... فى حالك اللّون صدق غير ذى أود «2»
فقال لى: لتخبرنّى- وقد علمت ما أراد-: ما الصّدق؟ فقلت:
لا أعلم، قال: فما الصّدق؟ (بالكسر) قلت: الصّدق من القول. فقال لى:
فيجب عليك أن تروى ما تعرف، وتدع ما لا تعرف، فأنشدته بالكسر، لأعلم ما يكون منه، فرأيته يبتسم، وكان إنشادى لها ليلا فى المسجد الجامع،- وكنت أحفظها- فقلت له: لم تبسمت؟ الصّدق: الصّلب، وكذلك الرواية؛ ولكن تجاهلت لك لأعلم ما يكون منك.
فخجل من ذلك، وقال أنشد ما أحببت؛ فإنى لا أخفى عنك شيئا. فكان بعد تلك الليلة كما وعد.
وكان يقرض الشعر، ويجيد المعانى، وكان مولده سنة خمس عشرة ومائتين، وتوفى سنة تسعين ومائتين.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 243، وتلخيص ابن مكتوم 67، وطبقات الزبيدىّ 161- 162.
وما ذكره هنا يوافق ما فى طبقات الزبيدىّ.(1/386)
239- خلف بن زريق الأموىّ القرطبى أبو القاسم النحوىّ اللغوىّ [1]
أخذ عن مكى بن أبى طالب القيروانىّ، وأبى بكر بن مسلم بن أحمد الأديب، ورحل إلى المشرق وحجّ، ولقى بمصر أبا محمد بن الوليد، وأجاز له ما رواه.
وكان أديبا نحويا لغويا، وكان إماما بمسجد الزّجاجين بقرطبة وصاحب الصلاة بالمسجد الجامع بقرطبة. وكان يقرئ القرآن، ويعلم العربيّة، وكان حسن التلقين، جيّد التعليم، نفع الله به.
توفّى- رحمه الله- يوم الخميس لست خلون من ذى الحجة ست خمس وثمانين وأربعمائة، ودفن عشية يوم الجمعة فى مقبرة الرّبض العتيقة، وصلى عليه ابنه عبد الرحيم، وكان مولده سنة سبع وأربعمائة.
240- خالد بن كلثوم الكوفىّ [2]
لغوى راوية لأشعار القبائل وأخبارها، وعارف بالأنساب والألقاب وأيام الناس، وله صنعة فى الأشعار والقبائل. هكذا ذكر عنه على بن الكوفىّ.
وله من التصانيف: كتاب الشعراء المذكورين. كتاب أشعار القبائل، يحتوى على عدّة قبائل.
__________
[1] . ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 67، والصلة لابن بشكوال 1: 172- 173، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 334- 335. وما ذكره المؤلف يوافق ما فى كتاب الصلة.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 18، وبغية الوعاة 241، وتلخيص ابن مكتوم 67، وطبقات الزبيدىّ 134، والفهرست 66.(1/387)
241- خزعل بن عسكر بن خليل المصرىّ [1]
من سواديّة مصر؛ من أهل قرية شمالية تعرف بدار البقر «1» . رحل إلى العراق، وقرأ على ابن الأنبارىّ عبد الرحمن المدعو أبا [البركات] الكمال، وروى عنه بعض تصانيفه. رأيت ذلك بخطه. وخرج عن العراق إلى مكة، وركب البحر إلى مصر، فوصل إلى صعيدها فى حالة رثة.
اجتمعت به فى جامع قفط، فرأيته كثير الدعوى، غثّ العبارة، قد تعلق بأطراف من علم العربية. وحضر حلقة شيخنا أبى البقاء صالح بن عادى العذرىّ النحوىّ، واحتفل فى مسألة سأله عنها ليس فيها طائل، وذلك أنه قال: ما الذى منع العرب أن تقول: «منتن» ، وقالت: «منتن» ؟ فقال له الشيخ بعد أن استردأ سؤاله: الجواب عن سؤالك من ثلاثة أوجه: أحدها أنه سؤال لا يرد؛ لأنها لو قالت كما قلت لتوجّه السؤال على خلافه، فتصير المسألة دورا. والثانى أن واضع اللغة لا اعتراض عليه، ولو توجه عليه الاعتراض لجاز أن يقال فى جميع أوزان
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 241، وتلخيص ابن مكتوم 67- 68، والذيل على الروضتين لأبى شامة 149، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 333- 334، والوافى بالوفيات ج 4 مجلد 2:
250، و «خزعل» ، ضبطه السيوطى بفتح الخاء والعين وسكون الزاى.(1/388)
اللغة مثل ذلك. والثالث هو أضعف الوجوه: أنهم كرهوا الخروج من الأخفّ إلى الأثقل. فسكت خجلا ولم يعاود الحلقة بعدها.
ثم رأيته بعد سنين ببيت المقدس يرتزق فى مدرسة بها على طلب فقه الشافعى، ويزعم أنه يفيد النحو لطالبيه، وما رأيت قارئا له عليه. وبلغنى أنه رحل عن المقدس إلى دمشق، وصار بها أحد من يحضر عقود الأنكحة؛ إلى أن مات فى حدود سنة عشرين وستمائة «1» .(1/389)
242- خشّاف اللغوىّ الكوفىّ [1]
كان من علماء أهل الكوفة باللغة، وهو قديم العهد. قال القاسم «1» بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الكوفىّ العلامة: عدت خشّافا فى مرضه الذى مات فيه، فقال: يا أبا عبد الله، ما أشوقنى إليك! لو كان لى نهوض خرجت إليك، ولولا أن بيتى قد أوأل «2» وأكرس لأحببت أن تدخله. يريد بالوألة بعر الشاء، كما قال بشر بن أبى خازم:
عليه وألة «3» الضّان
وأكرس: من الكرس «4» ، وهو السّرجين. قال العجّاج «5» :
يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا «6»
وكان موت القاسم بن معن الراوى عن خشّاف هذا ما رويناه فى سنة خمس وسبعين ومائة برأس «7» عين؛ لأنه كان قد خرج مع بعض أبناء الرشيد إلى الرّقة.
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 241، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات 175) ، وتلخيص ابن مكتوم 68، والنجوم الزاهرة 2: 82.(1/390)
243- الخضر بن ثروان بن أحمد بن أبى عبد الله الثعلبىّ التّوماثىّ أبو العباس [1]
وتوماثا: قرية عند برقعيد «1» . ولد بجزيرة «2» ابن عمر من أرض الموصل، ونشأ بميّافارقين، وقرأ بها الأدب على جماعة، ثم انحدر إلى بغداذ، وقرأ الأدب على الشيخ أبى منصور بن الجواليقىّ، والنّحو على الشريف أبى السعادات بن الشجرىّ ولازمهمها.
وكان ضريرا حافظا لأصول اللغة، عالما بها. وكان يحفظ المجمل، وشعر الهذليّين وأخبار الأصمعى وشعر رؤبة بن العجاج وذى الرّمة وغيرهما من المخضرمين وأهل الإسلام والجاهلية. وسار بعد ذلك إلى خراسان، وأقام بنيسابور، ودخل مرو وبلخ. وكان مولده فى المحرم سنة خمس وخمسمائة، وله شعر منه:
أنت فى غمرة النعيم تعوم ... لست تدرى بأنّ ذا لا يدوم
كم رأينا من الملوك قديما ... همدوا فالعظام منهم رميم
ما رأينا الزمان أبقى على شخ ... ص شقاء فهل يدوم النعيم
والغنى عند أهله مستعار ... فحميد منهم به وذميم
__________
[1] . ترجمته فى بغية الوعاة 241، وتلخيص ابن مكتوم 68، 69، وروضات الجنات 270، ومعجم الأدباء 11: 59- 61، ومعجم البلدان 2: 431، ونكت الهميان 149، والوافى بالوفيات ج 4 مجلد 2: 273.(1/391)
ومن شعره أيضا:
كتبت وقد أودى المداد بمقلتى ... وقد ذاب من شوقى إليكم سوادها
فما وردت لى نحوكم من رسالة ... وحقّكم إلا وذاك مدادها
ومن شعره أيضا:
لا تعجبوا من نزول الشّيب فى شعرى ... فإنه لم ينازلنى من الكبر
لكن رأى مقلتى قد شاب ناظرها ... فجاءنى ليعزينى على النظر
244- خطّاب بن أحمد بن عدى بن خطّاب بن خليفة بن عبد الله ابن وليد بن أبى الوليد التّلمسانىّ أبو الحسين اللّغوىّ الأديب [1]
إمام فاضل، رحل عن بلاده إلى المشرق، وورد العراق. وكان له شعر حسن، وله يد باسطة فى اللّغة؛ فمن شعره:
حرام على نفسى لذاذة عيشها ... إلى أن تقرّ النفس عينا بما تدرى
بعلم يزكّى النفس عند مليكها ... وتؤنسها أنواره فى دجى القبر
245- الخطّابىّ القديم [2]
نسبه أشهر من اسمه. اسمه عبد الله بن محمد بن حرب بن الخطّاب النحوىّ.
من نحاة الكوفة، ويعرف بالخطّابىّ. مذكور فى نحاة الكوفة.
وله من التصانيف: كتاب النحو الكبير، وسماه الحدود. كتاب النحو الصغير. كتاب المكتم فى النحو. كتاب عمود النحو وفصوله.
__________
[1] . ترجمته فى الأنساب 108 ا، وتلخيص ابن مكتوم 69، واللباب 1: 179، ومعجم البلدان 2: 409. والتلمسانىّ، بكسر التاء واللام وسكون الميم: منسوب إلى تلمسان؛ وهى مدينة من مدن المغرب، أنشأها الملثمون ملوك المغرب.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 287، والفهرست 70، وكشف الظنون 1173، 1812.(1/392)
246- خليفة بن محفوظ بن محمد بن على المؤدّب اللّغوىّ الأنبارىّ أبو الفوارس [1]
من أهل الأنبار. يعلّم الصبيان القرآن واللغة والخطّ، شيخ صالح حسن السيرة ومطبوع الأخلاق. ولد فى سنة خمس وستين وأربعمائة- بالظن- بالأنبار.
247- خلوف بن عبد الله بن البرقىّ النحوى المقرئ [2]
نزيل صقلّية. عالم بالقراءات والإعراب، متفنّن فى سائر الآداب، وله شعر صالح. وكان فى وسط المائة الخامسة؛ فمن شعره قوله:
يأيها المغرور ده ... رك كم تقيم على الغراره
إذ جمع شملك للشتا ... ت وربح مالك للخساره
وقوله أيضا:
كتبت إليك مشتاقا ... كثير الوجد توّاقا
سئولا داعيا للّ ... هـ آصالا وإشراقا
بإن تبقى على الأيا ... م للا قران سبّاقا
248- خميس بن علىّ بن أحمد بن على بن الحسن الحوزىّ أبو الكرم [3]
من أهل واسط. سمع الكثير، ونقل بخطّه، وكانت له معرفة بالحديث واللغة. وله شعر رائق، وفصاحة وبلاغة. وتوفى شابا قبل أوان الرواية «1» . فمن شعره:
__________
[1] . لم أعثر له على ترجمة، ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 69.
[3] ترجمته فى بغية الوعاة 245- 246، وتلخيص ابن مكتوم 70، وخريدة القصر 1: 415- 417، ومعجم الأدباء 11: 81- 83، ومعجم البلدان 3: 362، ومعجم السفر للسلفىّ 1: 43.(1/393)
وصاحب كنت أستشفى برؤيته ... فآض عن كثب من أدوأ الدّاء
حالت به الحال من بعد الصّفاء إلى ... أن صار يتبع حسادى وأعدائى
أطلعته طلع أحوالى على ثقة ... بأنه لا يبادينى بنكراء
فحين غيّره صرف الزمان بدا ... يبثّ ذلك عودا بعد إبداء
والله لا وثقت نفسى إلى أحد ... من بعده فبلائى من أودّائى
والحوز «1» الذى ينسب إليه: قرية بإزاء واسط من شرقيها الأعلى. وكان حوزىّ الأصل، واسطىّ المولد، ومؤدّبا بها.
أنبأ محمد بن محمد بن حامد «2» فى كتابه- وقد ذكر الحوزىّ-: «كان معلما، لم يزل يعرف فضله معلما، ومؤدّبا مهذبا كل متأدب إلى ورد علم خميس خامس «3» ، وبه أنار بواسط لأهلها كلّ ليل من الجهل دامس. فرد هو فى خميس «4» من الفضائل، متفرّد، من مكتبه خرج الكتاب والأفاضل» .(1/394)
[الفهارس]
فهرس التراجم [بحسب ورودها فى الكتاب]
رقم الترجمة الصفحة
1- ذكر أخبار أمير المؤمنين على كرم الله وجهه 45
2- أخبار أبى الأسود الدؤلىّ رحمه الله 48
أخبار منثورة من أخبار أبى الأسود 56
(حرف الألف)
3- أحمد بن إبراهيم السيارىّ 59
4- أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود 60
5- أحمد بن إبراهيم الشيبانىّ أبو رياش اللغوىّ 60
6- أحمد بن إبراهيم بن أبى عاصم أبو بكر اللؤلؤىّ النحوىّ القيروانىّ 62
7- أحمد بن إبراهيم أبو نصر الباخرزىّ 63
8- أحمد بن إبراهيم بن سمكة القمىّ 64
9- أحمد بن إسحاق النحوىّ المصرىّ 64
10- أحمد بن إسحاق بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقىّ البغداذىّ 65
11- أحمد بن أبان بن سيد اللغوىّ 65
12- أحمد بن أبى الأسود النحوىّ القيروانىّ الإفريقىّ 66
13- أحمد بن أسباط النصيبىّ النحوىّ 67
14- أحمد بن إسماعيل بن بشر النحوىّ التجيبىّ الأندلسىّ المعروف بابن الأغبس 68(1/395)
15- أحمد بن جعفر أبو على الدينورىّ 68
16- أحمد بن الحسن بن العباس بن الفرج بن شقير أبو بكر النحوىّ البغداذىّ 69
17- أحمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن إسحاق أبو طاهر النقار الحميرىّ 70
18- أحمد بن حاتم أبو نصر النحوىّ 71
19- أحمد بن عبد العزيز بن فرج بن أبى الحباب أبو عمر القرطبىّ النحوىّ 72
20- أحمد بن حذيفة أبو الحسن النيسابورىّ البستىّ 73
21- أحمد بن الحطيئة أبو العباس المغربىّ 74
22- أحمد بن حمزة التنوخى العرقى أبو الحسن النحوىّ اللغوىّ 75
23- أحمد بن خالد أبو سعيد البغداذىّ الضرير 76
24- أحمد بن داود أبو حنيفة الدينورىّ 76
25- أحمد بن سليمان المعبدىّ 79
26- أحمد بن سعيد الدمشقىّ 79
27- أحمد بن شريس القيروانى الإفريقىّ 80
28- أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو جعفر الكاتب 80
29- أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء المعرىّ 81
30- أحمد بن عبد الله بن أحمد بن طريف بن سعد 118
31- أحمد بن عبد الله المعبدىّ النحوىّ 118
32- أحمد بن عبيد الله بن الحسن بن شقير أبو العلاء البغداذىّ النحوىّ 119
33- أحمد بن عبيد بن ناصح بن بلنجر أبو جعفر النحوىّ 119
34- أحمد بن عبد الرحمن بن قابوس أبو اليمن الأطرابلسىّ 121(1/396)
35- أحمد بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بالهيثم ابو العباس النحوىّ المصرىّ 121
36- أحمد بن عبد السيد بن على النحوىّ البغداذىّ أبو الفضل 122
37- أحمد بن على بن محمد بن بطة البغداذىّ الأديب 122
38- أحمد بن على بن محمد أبو عبد الله النحوىّ الرمانىّ المعروف بالشرابىّ الأديب 123
39- أحمد بن على بن هبة الله بن الحسين بن على بن محمد المعروف بابن الزوال 123
40- أحمد بن على أبى جعفر بن أبى صالح البيهقىّ المعروف ببو جعفرك 124
41- أحمد بن على حمويه النيسابورىّ 125
42- أحمد بن عمر بن بكير النحوىّ 125
43- أحمد بن عمار بن أبى العباس المهدوىّ المغربىّ 126
44- أحمد بن فارس بن زكريا أبو الحسين 127
45- أحمد بن قاسم النحوىّ المعروف بابن الأديب 131
46- أحمد بن كليب النحوىّ 131
47- أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة بن منصور بن كعب بن يزيد أبو بكر القاضى 132
48- أحمد بن محمد الحلوانىّ بن عاصم 133
49- أحمد بن محمد بن الوليد ولاد أبو العباس النحوىّ التميمى المصرىّ 134
50- أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادى أبو جعفر النحاس النحوىّ المصرىّ 136
51- أحمد بن محمد المدينىّ المغربىّ النحوىّ 139
52- أحمد بن محمد بن أحمد بن سلمة أبو بكر بن ابى العباس الغسانىّ المعروف بابن سرام النحوىّ 139(1/397)
53- أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ الحنفىّ اللغوىّ أبو الطيب الصعلوكىّ 140
54- أحمد بن محمد بن عبد الله أبو عمرو الزردىّ 140
55- أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقىّ أبو على النحوىّ 141
56- أحمد بن محمد بن أحمد بن شهمردار البصرىّ 141
57- أحمد بن محمد أبو حامد الخارزنجىّ البشتىّ 142
58- أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن مالك السهلكىّ الأديب أبو الفضل الصفار النيسابورىّ 154
59- أحمد بن محمد بن إبراهيم الأستاذ أبو إسحاق الثعالبىّ 154
60- أحمد بن محمد بن على الشيخ أبو طالب الأدمىّ البغداذىّ 155
61- أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الفضل الميدانىّ النيسابورىّ 156
62- أحمد بن محمد العروضىّ أبو الفضل المعروف بالصفّار 159
63- أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو سليمان الخطابى البستىّ 160
64- أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك بن المغيرة اليزيدىّ أبو جعفر 161
65- أحمد بن محمد بن سنام أبو العباس الضبعىّ النحوىّ البغداذىّ 163
66- أحمد بن محمد بن يزديار بن رستم بن يزديار أبو جعفر النحوىّ الطبرىّ 163
67- أحمد بن محمد العروضى 163
68- أحمد بن محمد بن منصور أبو بكر الخياط النحوىّ 164
69- أحمد بن محمد أبو العباس المهلبىّ 164
70- أحمد بن محمد العمركىّ الهمذانىّ 164
71- أحمد بن محمد بن الحسين بن سليمان بن أحمد بن محمد بن القاسم ابن سليمان بن سليط بن يربوع 164
72- أحمد بن محمد بن حمدان أبو الطيب الحمدانى الأديب الأسفرايينىّ 165(1/398)
73- أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث الإمام أبو بكر التميمىّ الأصبهانىّ 166
74- أحمد بن منصور بن راشد الحنظلىّ أبو صالح المروزىّ 166
75- أحمد بن محمد بن القاسم بن خذيو أبو رشاد الأخسيكثىّ 167
76- أحمد بن محمد بن جعفر بن مختار الواسطىّ أبو على النحوىّ 168
77- أحمد بن محمد بن على أبو محمد العاصمىّ 168
78- أحمد بن محمد بن الحداد الهروىّ 169
79- أحمد بن محمود بن عبديل أبو بكر الأديب العبديلىّ 169
80- أحمد بن محمد بن الجراح أبو بكر 169
81- أحمد بن مغيث بن أحمد بن مغيث الصدفىّ 170
82- أحمد بن مطرف الطائىّ اللغوىّ المغربىّ 170
83- أحمد بن موسى الرازىّ الأندلسىّ 171
84- أحمد بن معد بن عيسى بن وكيل التّجيبىّ الأندلسىّ المعروف بالأقليشى 171
85- أحمد بن هبة الله بن العلاء بن منصور المخزومىّ النحوىّ اللغوىّ أبو العباس المعروف بابن الزاهد 173
86- أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار أبو العباس النحوى الشيبانىّ مولاهم المعروف بثعلب 173
87- أحمد بن يحيى بن سهل بن السرىّ أبو الحسين الطائىّ المنبجىّ 186
88- أحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان بن المهاجر المصرىّ مولى قيسبة ابن كلثوم السومىّ 187
89- أحمد بن يعقوب بن يوسف الأصبهانى أبو جعفر النحوىّ المعروف ببزرويه 187
90- أحمد بن عبد الله بن شبيل بن الردينىّ أبو رياش بن أبى هاشم القيسى الربعىّ اللغوىّ اليمامىّ 188(1/399)
91- أحمد بن عبد الله بن عبد الجليل التدميرىّ الأندلسىّ اللغوى أبو العباس 189
92- إبراهيم بن عبد الله أبو إسحاق الغزال الهمذانىّ اللغوىّ 189
93- إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن بشير بن عبد الله بن ديسم أبو إسحاق الحربىّ 190
94- إبراهيم بن إسماعيل الطرابلسىّ اللغوىّ المغربىّ الإفريقىّ المعروف بابن الأجدابىّ 193
95- إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو إسحاق الطبرىّ النحوى 193
96- إبراهيم بن السرىّ بن سهل أبو إسحاق الزجاج النحوىّ 194
97- إبراهيم بن سفيان الزيادىّ 201
98- إبراهيم بن زادرة أبو إسحاق السجلماسىّ 202
99- إبراهيم بن سعيد بن الطيب أبو إسحاق الرفاعى 202
100- إبراهيم بن سعدان بن حمزة الشيبانىّ 204
101- إبراهيم بن صالح أبو إسحاق النيسابورىّ الوراق الأديب 204
102- إبراهيم بن عبد الله أبو إسحاق البغداذىّ النحوىّ النجيرمىّ 205
103- إبراهيم بن على الفارسى النحوىّ اللغوىّ أبو إسحاق 206
104- إبراهيم بن عثمان أبو القاسم النحوىّ القيروانىّ المعروف بابن الوزان 207
105- إبراهيم بن الفضل الهاشمىّ أبو إسحاق الأديب 209
106- إبراهيم بن قطن المهرىّ القيروانىّ 210
107- إبراهيم بن ليث بن إدريس التجيبى أبو إسحاق الأندلسىّ المعروف بالقويدس 211
108- إبراهيم بن محمد الشماسى النحوىّ 212
109- إبراهيم بن محمد بن عرفة بن سليمان أبو عبد الله العتكى الأزدىّ
الواسطى الملقب نفطويه النحوىّ 213(1/400)
110- إبراهيم بن محمد بن زكريا الزهرىّ النحوىّ الأندلسى أبو القاسم
المعروف بابن الإفليلىّ 218
111- إبراهيم بن محمد بن العلاء الكلابزىّ 220
112- إبراهيم بن محمد بن سعدان بن المبارك النحوىّ 220
113- إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن على بن الحسين بن على
ابن حمزة بن يحيى بن الحسين بن زيد بن على بن أبى طالب 220
114- إبراهيم بن محمد بن إبراهيم النسائىّ الفراوىّ أبو إسحاق 222
115- إبراهيم بن محمد العمرىّ النحوىّ 223
116- إبراهيم بن مسعود بن حسان أبو إسحاق الضرير الملقب بالوجيه الزكىّ 224
117- إبراهيم بن يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو إسحاق بن أبى محمد المعروف بابن اليزيدىّ 224
118- إسماعيل بن أحمد النحوىّ المعروف بابن الدّجاجىّ 226
119- إسماعيل بن إبراهيم بن محمد الربعىّ اليمنىّ 226
120- إسماعيل بن إبراهيم القيروانى اللغوىّ الزويلىّ 227
121- إسماعيل بن الحسين بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله بن نوح الكرمانىّ بديع الزمان 228
122- إسماعيل بن حماد الجوهرىّ 229
123- إسماعيل الضرير النحوىّ البغداذى أبو علىّ 233
124- إسماعيل بن سيده النحوى اللغوىّ الأندلسىّ 234
125- إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال 234
126- إسماعيل بن عبد الله بن الحارث بن عمر البزاز 236
127- إسماعيل بن عباد أبو القاسم 236
128- إسماعيل بن على أبو على الحظيرىّ 238
129- إسماعيل بن على بن يوسف الحميرىّ المهدوىّ المغربى أبو الطاهر 238(1/401)
130- إسماعيل بن القاسم بن هارون بن عيذون أبو علىّ القالىّ المعروف بالبغداذىّ 239
131- إسماعيل القزاز المصرىّ النحوىّ 245
132- إسماعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقىّ أبو محمد بن أبى منصور اللغوىّ 245
133- إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن عبد الرحمن أبو على الصفّار 246
134- إسماعيل بن أبى محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة اليزيدىّ 248
135- إسماعيل بن يوسف القيروانىّ النحوىّ المعروف بالطّلاء المنجم 248
136- إسحاق البغوىّ النحوىّ الكوفىّ 250
137- إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ أبو محمد 250
138- إسحاق بن السّكيت أبو يعقوب 255
139- إسحاق بن الجنيد البزاز البصرىّ الورّاق اللغوىّ 255
140- إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيبانىّ اللغوىّ 256
141- إسحاق بن موهوب بن محمد بن الخضر الجواليقىّ أبو طاهر بن أبى منصور 265
142- أسعد بن على الحسينىّ النحوىّ 265
143- أسعد بن مهذب بن زكريا بن ممّاتى أبو المكارم الكاتب المصرىّ 266
144- أسعد بن نصر بن أسعد أبو منصور الأديب 270
145- آدم بن أحمد بن أسد الهروىّ الأسدىّ أبو سعيد 271
146- إقبال بن على بن أبى بكر واسمه أحمد بن برهان أبو القاسم المقرئ النحوىّ اللغوىّ 271
147- أسامة بن سفيان النحوىّ السّجزىّ 272
148- الأعشى النحوى الأندلسىّ 273(1/402)
149- الإمام المغربىّ النحوىّ 273
150- الأهنومىّ النحوىّ اليمنىّ 274
(حرف الباء)
151- البرّ النحوى القرقيسىّ 276
152- بزرج بن محمد العروضى الكوفىّ 276
153- بشار النحوىّ الضرير الأندلسىّ 278
154- بكر بن حبيب السهمىّ 279
155- بكر بن محمد بن بقية، وقيل بكر بن محمد بن عدىّ بن حبيب أبو عثمان المازنىّ النحوىّ 281
156- البكرى أبو الفضل محمد بن أبى غسان 291
157- بندار الأصبهانىّ 291
158- بقاء بن غريب النحوىّ المقرئ 291
159- بندار بن عبد الحميد بن لرة 292
(حرف التاء)
160- توفيق بن محمد بن الحسين بن عبيد الله بن محمد بن زريق أبو محمد الأطرابلسىّ النحوىّ 293
161- تمام بن غالب المعروف بابن التّيّانىّ أبو غالب الأندلسىّ المرسىّ اللغوىّ 294
(حرف الثاء)
162- ثابت بن أبى ثابت أبو محمد اللغوىّ 296
163- ثابت بن عبد العزيز الأندلسىّ وولده قاسم 297
164- ثابت بن عمرو بن حبيب 298
165- ثابت بن محمد الجرجانىّ العدوىّ أبو الفتوح النحوىّ 298(1/403)
(حرف الجيم)
166- جعفر بن شاذان النحوىّ البصرى أبو القاسم 300
167- جعفر بن على بن محمد السعدىّ الصقلىّ اللغوىّ أبو محمد
المعروف بابن القطاع 300
168- جعفر بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن ناصر بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن الحسن بن على بن أبى طالب 301
169- جعفر بن محمد بن مكّى بن أبى طالب بن محمد بن مختار القيسىّ اللغوىّ 302
170- جعفر بن موسى أبو الفضل النحوىّ 303
171- جعفر بن هارون بن زياد أبو محمد النحوىّ 303
172- جعفر بن هارون بن إبراهيم بن الخضر بن ميدان أبو محمد النحوىّ الدينورىّ 304
173- الجعد وهو أبو بكر محمد بن عثمان 304
174- الجنيد بن محمد بن المظفر الحنفىّ الطايكانىّ الغزنوىّ أبو القاسم ابن أبى بكر الخبازىّ 305
175- جهم بن خلف المازنىّ 306
176- جودىّ بن عثمان المغربىّ المورورىّ 306
177- الجرفىّ 307
(حرف الحاء)
178- الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن سليمان أبو على الفارسىّ النحوىّ 308
179- الحسن بن أحمد الفزارى أبو عبد الله اللغوىّ 310
180- الحسن بن أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان الحوثرىّ أبو على ابن أبى العباس 310(1/404)
181- الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء المقرئ الحافظ اللغوىّ أبو على 311
182- الحسن بن أحمد الطبسىّ النيسابورىّ أبو سعيد 312
183- الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود اليمنىّ المعروف بابن الحائك 314
184- الحسن بن إسماعيل النحوىّ المصرىّ 319
185- الحسن بن بشر الآمدىّ 320
186- الحسن بن بندار أبو محمد التّفليسىّ الأديب 325
187- الحسن بن إسحاق بن أبى عباد اليمنىّ النحوىّ 325
188- الحسن بن تميم الصفّار الأصبهانىّ أبو علىّ 326
189- الحسن بن الحسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العلاء بن أبى صفرة بن المهلب بن أبى صفرة أبو سعيد السكرىّ النحوىّ 326
190- حسن بن أسد الفارقىّ الشيخ أبو نصر 329
191- الحسن بن رشيق القيروانىّ 333
192- الحسن بن رجاء الدهان المعروف بالأديب 339
193- الحسن بن صافى بن عبد الله بن نزار بن أبى الحسن النحوىّ البغداذى ملك النحاة 340
194- الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكرىّ أبو أحمد اللغوىّ 345
195- الحسن بن عبد الله بن المرزبان أبو سعيد القاضى السيرافىّ 348
196- الحسن بن علىّ بن يوسف المحوّلى أبو علىّ 350
197- الحسن بن على المدائنىّ النحوىّ 350
198- الحسن بن على بن بركة بن أبى عبيد الله أبو محمد بن أبى الحسن المقرئ النحوىّ 351
199- الحسن بن على بن غسان اللغوىّ أبو عمر 351
200- الحسن بن على بن عبد الرحمن الميداسى النحوىّ 352(1/405)
201- الحسن بن على بن محمد بن محمد بن عبد العزيز الطائىّ 352
202- الحسن بن عليل بن الحسين بن على بن حبيش بن سعد أبو علىّ العنزىّ 352
203- الحسن بن الفرج القاضى النحوىّ 353
204- الحسن بن محمد التميمى النحوىّ اللغوىّ النسابة الإفريقىّ 353
205- الحسن بن محمد بن أحمد بن كيسان أبو محمد الحربىّ النحوىّ 354
206- الحسن بن محمد بن يحيى بن عليم 355
207- الحسين بن إبراهيم بن أحمد أبو عبد الله النّطنزىّ الأديب الأصبهانىّ 355
208- الحسين بن أحمد الزوزنىّ البصير النحوىّ الأصولىّ 355
209- الحسين البيهقىّ 356
210- الحسين بن حميد بن الحسين الحموىّ المعرىّ النحوىّ 357
211- الحسين بن حميد بن عبد الرحمن أبو على الخطيب النحوىّ 357
212- الحسين بن سعد بن الحسين أبو علىّ الآمدىّ الأديب 358
213- الحسين بن على النّمرىّ البصرى الشاعر النحوىّ الأديب 358
214- الحسين بن على بن محمد أبو الطيب النحوىّ المعروف بالتّمار 359
215- الحسين بن على بن الحسين بن المرزبان أبو على النحوىّ 359
216- الحسين بن محمد بن خالويه النحوىّ اللغوىّ أبو عبد الله 359
217- الحسين بن محمد بن الحسين أبو عبد الله الصورى الضراب النحوىّ 362
218- الحسين بن محمد أبو الفرج النحوىّ الدمشقىّ المعروف بالمستور 363
219- الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عبد الله بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب الدباس 363
220- حماد بن سلمه بن دينار النحوىّ اللغوىّ 364
221- حمّاد بن الزّبرقان 365
222- حمدون بن أبى سهل المقرئ أبو محمد النحوىّ النيسابورىّ 367(1/406)
223- حمدون النحوىّ واسمه محمد بن إسماعيل أبو عبد الله القيروانىّ المغربىّ الإفريقىّ 367
324- حمدون بن أحمد بن خورمرد الغندجانىّ أبو نصر النحوىّ اللغوىّ 369
225- حمد بن محمد بن فورّجة البروجردىّ 369
226- حمزة بن الحسن الأصبهانى المؤدب 370
227- حمزة بن غاضرة الأسدىّ البغداذىّ 371
228- حامد الباهسىّ السنجارى 372
229- حبشى بن محمد بن شعيب الشيبانىّ أبو الغنائم الضرير النحوىّ 372
230- الحرمىّ أبو العلاء المكى، واسمه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إسحاق بن أبى خميصة 373
231- الحزنبل 374
232- حسان بن الجاحظ القيروانىّ النحوىّ 374
233- الحكم بن معبد بن أحمد بن عبيد بن عبد الله بن الأحجم الخزاعىّ أبو عبد الله 374
234- حمران بن أعين الطائى المقرئ النحوىّ أبو عبد الله 374
(حرف الخاء)
235- الخليل بن أحمد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الفراهيدىّ الأزدىّ 376
236- خليل بن محمد بن عبد الرحمن النحوىّ أبو محمد النيسابورىّ الرمجارىّ 382
237- خلف الأحمر بن حيان بن محرز أبو محرز 383
238- خلف بن مختار الأطرابلسىّ المغربىّ النحوىّ الإفريقىّ 386
239- خلف بن زريق الأموى القرطبى أبو القاسم النحوىّ 387
240- خالد بن كلثوم الكوفىّ 387(1/407)
341- خزعل بن عسكر بن خليل المصرىّ 388
242- خشاف اللغوىّ 390
343- الخضر بن ثروان بن أحمد بن أبى عبد الله الثعلبىّ التوماثىّ أبو العباس 391
244- خطاب بن أحمد بن عدى بن خطاب بن خليفة التلمسانىّ 392
245- الخطابى القديم (عبد الله بن محمد بن حرب بن الخطاب) 392
246- خليفة بن محفوظ بن محمد بن على المؤدب اللغوى الأنبارىّ أبو الفوارس 393
247- خلوف بن عبد الله بن البرقىّ النحوى المقرئ 393
248- خميس بن على بن أحمد بن على بن الحسن الحوزىّ أبو الكرم 393(1/408)
فهرس الأعلام المترجمة فى الحواشى
(ا)
إبراهيم بن الأغلب 249
إبراهيم بن هرمة 259
أبو أحمد- محمد بن محمد بن أحمد ابن إسحاق الحاكم أحمد بن أحمد الورّاق 78
أحمد بن رياح 288
أحمد بن طلحة المعتضد بالله (الخليفة العباسى) 192
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو نعيم الأصبهانىّ 326
أحمد بن عطاء بن أحمد الروذبارىّ 179
أحمد بن على بن ثابت الخطيب 70
أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو طاهر السلفىّ 75
أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو القاسم الشريف المعروف بابن طباطبا 323
أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب أبو بكر البرقانىّ 303
أحمد بن محمد بن سلامان أبو جعفر الطحاوي 282
أحمد بن محمد بن مسروق الطوسىّ 59
أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد أبو بكر 178
أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرىّ 79
أحمد بن يوسف أبو نصر المنازىّ 115
إسرائيل بن يونس 45
أسعد بن أبى نصر الميهنىّ 340
أسلم بن قاضى الجماعة 131
إسماعيل بن محمد النيسابورىّ 230
الأصم- محمد بن يعقوب بن يوسف
الأفضل بن بدر الجمالىّ 266
أفلح بن يسار أبو عطاء السندى 366
أمير الجيوش- أبو منصور التركىّ
أنوشتكين الدزبرىّ
أنوشتكين الدزبرى أمير الجيوش 101
إيتاخ التركى 120
(ب)
الباخرزىّ- على بن الحسن بن على ابن أبى الطيب الباخرزىّ
باديس بن حيوس البربرىّ 299
ابن باديس الصنهاجى- المعز بن باديس
البرقانى- أحمد بن محمد ابن أحمد بن غالب
بشر بن غياث المريسىّ 253
ابن بشكوال- خلف بن عبد الملك
ابن بطلان- المختار بن الحسن ابن بطلان
أبو بكر الخوارزمىّ- محمد بن العباس(1/409)
أبو بكر بن الحداد المصرىّ 137
أبو بكر الزاغونىّ- محمد بن عبد الله
أبو بكر بن مجاهد المقرئ- أحمد
ابن موسى بن العباس
بلال بن أبى بردة 280
ابن البيع- محمد بن عبد الله الضبى النيسابورىّ
البيهقىّ- على بن زيد بن أبى القاسم
(ت)
التاريخىّ- محمد بن عبد الملك التاريخىّ
(ث)
الثعالبىّ- عبد الملك بن محمد ...
(ج)
أبو جعفر الطحاوىّ- أحمد بن محمد ابن سلامان
جناد بن واصل 278
(ح)
حبان بن هلال الباهلى 282
حبة العرتىّ 46
ابن الحداد الشافعى- أبو بكر ابن الحداد
أبو حرب بن أبى الأسود 56
الحسن بن إسحاق الطوسىّ نظام الملك 329
الحسن بن على الجعفىّ 166
الحسن بن يوسف المستضئ بأمر الله (الخليفة العباسى) 246
أبو الحسين الرازى الصوفى- عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سهل الصوفى
الحسين بن علوان 119
الحكم بن عبد الرحمن الناصر (الخليفة الأموى بالأندلس) 240
حماد بن ميسرة المعروف بحماد الراوية 278
حمزة الزيات 375
الحميدى- محمد بن أبى نصر فتوح ابن عبد الله الحميدى
حيان بن خلف بن حسين بن حيان (مؤرّخ الأندلس) 295
(خ)
أبو خازم القاضى- عبد الحميد ابن عبد العزيز
أبو الخطاب- العلاء بن حزم الأندلسىّ
الخطيب- أحمد بن على بن ثابت
خلف بن عبد الملك بن مسعود ابن بشكوال 218
(د)
داود بن على بن خلف الأصبهانى 214
ابن دأب- عيسى بن يزيد بن بكر
(ر)
رويم بن أحمد الصوفى 373
ابن رياح- أحمد بن رياح(1/410)
(ز)
الزبير بن بكار 250
(س)
أبو سعد السمعانى- عبد الكريم ابن أبى بكر محمد أبى المظفر
سعد بن على بن محمد الزنجانى أبو القاسم 129
سعيد بن أبى السفر 379
سعيد بن سلم الباهلى 258
أبو سعيد بن يونس- عبد الرحمن ابن أحمد بن يونس
السلفىّ الأصبهانىّ- أحمد بن محمد ابن أحمد بن إبراهيم سلفة
أبو سهل الصعلوكىّ- محمد بن سليمان ابن سليمان
سيف الدولة- على بن عبد الله
ابن حمدان
(ش)
ابن شرف القيروانىّ- محمد بن شرف
ابن شكر- عبد الله بن مقدام الدميرىّ
شيرويه بن شهردار بن شيرويه 360
(ص)
الصليحيون (ملوك اليمن) 226
(ط)
أبو طاهر- المسلم بن على بن تغلب
أبو طاهر السلفى- أحمد بن محمد ابن أحمد بن إبراهيم
الطائع لله- عبد الكريم بن الفضل
ابن طباطبا- أحمد بن محمد بن إبراهيم
الطبنىّ- عبد الملك بن زيادة الله
طلائع بن رزيك 265
طلحة بن المتوكل بن المعتصم 177
(ظ)
الظاهر- غازى بن يوسف
(ع)
عاصم بن بهدلة أبى النجود 216
أبو عامر العقدى- عبد الملك بن عمرو القيسى العقدى
عبد الأوّل بن عيسى السجزىّ أبو الوقت 65
عبد الحميد بن عبد العزيز القاضى أبو خازم 321
عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفى أبو سعيد 139
أبو عبد الرحمن العطوى- محمد
ابن عطية عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سهل الصوفى 308
عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيبانى المعروف بالقزاز 81
عبد الرحمن بن محمد الناصر (الخليفة الأموى بالأندلس) 240
عبد الصمد بن أحمد بن حنيش الحمصىّ 67
عبد الصمد بن المعذل 285
عبد الكريم بن أبى بكر محمد بن أبى المظفر السمعانىّ 167(1/411)
عبد الكريم بن الفضل المطيع لله (الخليفة العباسى) 293
أبو عبد الله الحميدى- محمد بن أبى نصر فتوح بن حميد الأندلسى
أبو عبد الله الروذبارىّ- أحمد ابن عطاء بن أحمد
عبد الله بن سلام الخزرجىّ 46
عبد الله بن على القيسرانى القصرىّ 247
عبد الله بن على بن مقدام الدميرىّ المعروف بابن شكر 267
عبد الله بن المبارك 282
عبد الملك بن عمرو القيسى العقدىّ 166
ابن عبد الملك التاريخىّ- محمد بن عبد الملك التاريخىّ
عبد الملك بن زيادة الله أبو مروان الطبنىّ 218
عبد الملك بن محمد الثعالبى أبو منصور 231
عبيد الله بن الحسين بن دلال أبو الحسن الكرخى الفقيه 350
عبيد الله بن سليمان (وزير المعتضد) 195
عزيز الدولة- فاتك بن عبد الله الرومى
ابن عساكر- على بن الحسن بن هبة الله
عساكر بن على بن إسماعيل أبو الجيوش 245
عضد الدولة- فنا خسرو بن ركن الدولة بن بويه
أبو عطاء السندىّ- أفلح بن سيار
العلاء بن حزم الأندلسى أبو الخطاب 83
على بن أحمد بن حزم الأندلسى أبو محمد 307
على بن أحمد بن يوسف الهكارىّ 108
على بن الحسن بن أبى الطيب الباخرزىّ 107
على بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر 162
على بن الحسين بن أحمد أبو القاسم ابن المسلمة (وزير القائم الخليفة العباسى) 233
على بن زيد بن أبى القاسم البيهقىّ 157
على بن عبد الله بن حمدان التغلبىّ المعروف بسيف الدولة 360
على بن عبد الله بن جعفر المدينىّ 253
على بن محمد بن الحسين بن محمد أبو الفتح بن العميد 358
على بن محمد بن عبد الله المدائنى 252
على بن المحسن بن على التنوخى أبو القاسم 82
العماد الأصفهانى- محمد بن محمد ابن حامد
عمرو بن عبد الله السبيعىّ الكوفىّ أبو إسحاق 45
عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب 58
(غ)
غازى بن يوسف صلاح الدين بن أيوب الظاهر (ملك حلب) 267
(ف)
فاتك بن عبد الله الرومى أبو شجاع المعروف بعزيز الدولة 97(1/412)
أبو الفتح بن العميد- على بن محمد ابن الحسين بن محمد
فخر الدولة- محمد بن محمد بن جهير فنا خسرو بن ركن الدولة بن بويه الديلمى (عضد الدولة) 308
(ق)
أبو القاسم الزنجانى- سعد بن على ابن محمد الزنجانى
أبو القاسم التنوخى- على بن المحسن ابن على التنوخى
القاسم بن عبيد بن سليمان (وزير المعتضد) 195
أبو القاسم بن عساكر- على بن الحسن ابن هبة الله
أبو القاسم بن مسلمة- على ابن الحسين بن أحمد
القاسم بن معن 390
قتيبة بن مسلم بن عمرو الباهلىّ 383
قدامة بن جعفر 322
قدامة بن مظعون الجمحىّ 41
القزاز- عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الواحد الشيبانىّ
(ك)
الكرخى الفقيه- عبيد الله بن الحسين ابن دلال
كليب بن على أبو غالب المعروف بمصطنع الدولة 99
(ل)
اللحجى اليمنى- مسلم بن محمد اللحجى
ابن لنكك- محمد بن محمد بن جعفر
(م)
مجاهد بن عبد الله العامرى 278
محمد بن إسحاق أبى يعقوب أبو الفرج المعروف بابن النديم 42
محمد بن جهور بن محمد بن جهور 219
محمد بن سليمان بن محمد أبو سهل الصعلوكى 140
محمد بن شرف القيرواني 336
محمد بن العباس أبو بكر الخوارزمى 312
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله المستكفى بالله (الخليفة الأموىّ بالأندلس) 219
محمد بن عبد الرحمن بن عطية العطوىّ 253
محمد بن عبد الله الزاغونىّ 65
محمد بن عبد الله الضبى النيسابورىّ المعروف بابن البيع 73
محمد بن عبد الله بن مسلم بن المولى 257
محمد بن عبد الملك التاريخىّ 176
محمد بن عبد الوهاب بن حبيب النيسابورىّ 382
أبو محمد على بن أحمد- على بن أحمد
ابن حزم محمد بن على بن الحسين بن مقلة 229
محمد بن عمر الصيمرىّ 349(1/413)
محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق أبو أحمد الحاكم 180
محمد بن محمد بن جعفر البصرىّ المعروف بابن لتكك 127
محمد بن محمد بن جهير 115
محمد بن محمد بن حامد (العماد الأصفهانى) 268
محمد بن محمد بن يوسف أبو النصر الطوسى 180
محمد بن مناذر 306
محمد بن نصر بن صغير القيسرانىّ 294
محمد بن أبى نصر فتوح بن حميد الأندلسى 129
محمد بن يعقوب بن يوسف المعروف بالأصم 165
محمود بن زنكى نور الدين 344
المختار بن الحسن بن بطلان 117
المختار بن أبى عبيد الثقفى 55
المدائنى- على بن محمد بن عبد الله المدائنى
المستضىء بأمر الله (الخليفة العباسى) - الحسن بن يوسف
المستكفى بالله- محمد بن عبد الرحمن ابن عبد الله
المستنصر- معد بن أبى الحسن
ابن مسروق الطوسى- أحمد بن محمد
ابن مسروق مسعود بن عمرو بن عدى 55
المسلم بن على بن تغلب 99
مسلم بن كيسان الملائى 46
مسلم بن محمد اللحجىّ اليمنى 361
مصطنع الدولة- كليب بن على
مصعب بن عبد الله الزبيرىّ 250
المعتضد (الخليفة العباسى) - أحمد بن طلحة
معد بن أبى الحسن المستنصر بالله (الخليفة الفاطمىّ) 221
المعز بن باديس الصنهاجى 227
ابن مقلة- محمد بن على بن الحسن
ابن مقلة ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقى 329
المنازى- أحمد بن يوسف أبو نصر المنازى
أبو منصور الفراء- عبد الملك ابن محمد الثعالبىّ
ابن المولى- محمد بن عبد الله بن مسلم ابن المولى
(ن)
الناصر لدين الله الموفق بالله- طلحة ابن المتوكل
ابن النديم- محمد بن إسحاق
أبو نصر بن جهير فخر الدولة- محمد ابن محمد بن جهير
أبو نصر الطوسى- محمد بن محمد ابن يوسف بن الحجاج
نظام الملك- الحسن بن إسحاق الطوسىّ
أبو نعيم الأصبهانىّ- أحمد بن عبد الله ابن أحمد بن إسحاق
التمر بن تولب 384
نور الدين بن زنكى- محمود بن زنكى(1/414)
(هـ)
ابن هرمة- إبراهيم بن هرمة
هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابى 169
(و)
أبو الوقت- عبد الأوّل بن عيسى السجزىّ
(ى)
ياقوت بن عبد الله الموصلىّ 77
يحيى بن أكثم 253
يحيى بن معين 254
يوسف بن إبراهيم الشيبانى القفطى 317
يوسف بن الخلال القاضى الموفق 352(1/415)
موضوعات هذا الجزء
تصدير 5
مقدّمة محقق الكتاب 11
«المؤلف 35
ذكر أوّل من وضع النحو وما قاله الرواة فى ذلك 39
«أخبار أمير المؤمنين على كرم الله وجهه 45
أخبار أبى الأسود الدؤلى رحمه الله 48
«منثورة من أخبار أبى الأسود 56
التراجم:
حرف الألف 59
«الباء 276
«التاء 293
«الثاء 296
«الجيم 300
«الحاء 308
«الخاء 376
فهرس التراجم 395
«الأعلام المترجمة فى الحواشى 409(1/416)
الجزء الثاني
[تتمة التراجم]
(حرف الدال)
249- دماذ أبو غسّان اللغوىّ [1]
من أصحاب أبي عبيدة. وكان قد قرأ من النحو إلى باب الواو والفاء.
ومن قول الخليل وأصحابه: أنّ ما بعدهما «1» ينتصب بإضمار أن. فساء فهمه عنه.
قال عبد الله بن حيّان النحوىّ: كتب دماذ إلى المازنىّ «2» :
تفكرت في النحو حتى مللت ... وأتعبت نفسى» به والبدن
وأتعبت بكرا «4» وأصحابه ... بطول المسائل «5» فى كل فنّ
[فمن علمه ظاهر بيّن ... ومن علمه غامض قد بطن «6» ]
فكنت بظاهره عالما ... وكنت بباطنه ذا فطن «7»
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 248، وتلخيص ابن مكتوم 71، وسمط اللآلى 3: 57، وطبقات الزبيدىّ 128، والفهرست 54.(2/5)
خلا «1» أن بابا عليه العفا ... ء للفاء يا ليته لم يكن
وللواو باب إلى جنبه ... من المقت أحسبه قد لعن
إذا قلت: هاتوا لماذا يقا ... ل: «لست بآتيك أو تأتين» «2»
أجيبوا لما «3» قيل هذا كذا ... على النصب قالوا: بإضمار أن
[وما إن رأيت لها موضعا ... فأعرف ما قيل إلا بظنّ «4» ]
[فقد خفت يا بكر من طول ما ... أفكّر فى أمر «أن» أن أجنّ]
ودماذ لقب؛ واسمه رفيع بن سلمة. وكان كاتب أبى عبيدة فى الأخبار، وكان من أوثق الناس عن أبى عبيدة فى الأخبار. وكان أبو حاتم إذا ذوكر فى شىء منها قال: عليكم بذاك الشيخ- يعنى أبا غسّان.
ويقال: إن المازنىّ نقل قدميه إلى أبى غسّان يسمع منه الأخبار.
250- دومى الكوفىّ النحوىّ اللغوىّ العروضىّ [1]
اسمه عمر بن محمد «5» بن جعفر الزعفرانىّ، ويكنى أبا أحمد. كان له معرفة باللغة والنحو وفنون الشعر. وصنّف وروى عن ثعلب، وتأخر بعد زمانه طويلا.
__________
[1] ترجمته فى الفهرست 84.(2/6)
وله من التصنيف: كتاب العروض؛ كبير. كتاب أىّ؛ طوّل فيه وأحسن. كتاب القوافى.
وكان يكتب خطا حسنا جميلا صحيحا فى غاية الصحة- رحمه الله. خلط المذهبين فى النحو.
251- دهمج بن محرز البصرىّ [1]
من بنى نصر بن قعين، من بنى أسد بن خزيمة. فصيح لغوىّ. أفاد الناس فى زمانه، ونقلوا عنه.
وصنّف فى الغريب كتاب النوادر. قال محمد بن إسحاق النديم: «رواه عنه الحجاج «1» بن نصير الأنبارىّ. رأيته فى نحو مائة وخمسين ورقة، وفيه إصلاح [بخط «2» ] أبى عمر الزاهد» .
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 70، والفهرست 46؛ وذكره باسم «دهمج بن محرر» .(2/7)
(حرف الذال)
252- الذاكر النحوىّ المصرىّ [1]
نحوىّ مشهور، كثير التفنن فيه. صاحب نكّت وهوامش وتعليقات مفيدة.
نقل عنه الكاتب الأديب المصرىّ فى مجموعه فوائد جمة. وكان الذاكر هذا قد أخذ عن ابن جنّى أبى الفتح علما كثيرا، واستوطن مصر، وأفاد بها، وتصدّر لإقراء هذا الشأن. وله شعر، منه ما هجا به أبا سعد التّسترىّ «1» :
تعاطيت تدبير الأمور سفاهة ... وأنت بدار الضّرب «2» والصّرف أعرف
وإنى لأرجو أن أراك مجدّلا «3» ... وريد المنايا من نجيعك يرعف «4»
فكان الأمر فيه كما تمنّاه؛ فإنه قتل فى الموكب.
عاش الذاكر إلى حدود أربعين وأربعمائة، ومات بمصر فى زمن المستنصر.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 70- 71.(2/8)
(حرف الراء)
253- ربيعة البصرىّ [1]
بدوىّ تحضّر. كان قيّما باللغة، فصيحا شاعرا مصنّفا، راوية للأخبار.
صنّف كتاب ما قيل فى الحيّات «1» من الشعر والرّجز. كتاب حنين الإبل إلى الأوطان.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 71، والفهرست 50.(2/9)
(حرف الزاى)
254- زيد بن الحسن بن زيد بن الحسين بن سعيد بن عصمة ابن حمير بن الحارث بن ذى رعين الأصغر، التاج أبو اليمن الكندى [1]
البغداذىّ مولدا ومنشأ، الدمشقى دارا ووفاة. شيخ فاضل، حفظ القرآن الكريم فى صغره، وقرأ بالقراءات الكثيرة وله عشر سنين «1» على جماعة؛ منهم الشيخ أبو محمد عبد الله بن على بن أحمد، سبط أبى منصور الخياط. وروى عن عالم من المشايخ «2» ، وله مشيخة كبيرة على حروف المعجم. «3»
وقرأ النحو على الشريف أبى السعادات بن الشّجرىّ وأبى محمد عبد الله بن الخشاب، واللغة على أبى منصور بن الجواليقىّ.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 19، وبغية الوعاة 249- 250، وتاريخ ابن الأثير 9: 312، وتاريخ أبى الفدا 3: 117، وتاريخ ابن كثير 13: 71- 74، وتلخيص ابن مكتوم 71- 72، وابن خلكان 1: 196- 197، وخريدة القصر 1: 100- 101، والذيل على الروضتين 95- 98، وروضات الجنات 300- 301، وشذرات الذهب 5: 54- 55، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 341- 346، وطبقات القراء 1: 297- 298، وكشف الظنون 1070، 1925، ومرآة الجنان 4: 25- 27، ومعجم الأدباء 11: 171- 175، والنجوم الزاهرة 6: 216- 217.(2/10)
وسافر عن بغداد فى شبابه. وآخر ما كان بها فى سنة ثلاث وستين وخمسمائة، ودخل حلب، واستوطنها مدّة، وصحب بها بدر الدين حسن بن الداية النووىّ واليها، وكان يبتاع الخليع «1» من الملبوس، ويسافر به إلى بلد الروم، ويعود إلى حلب. ثم انتقل إلى دمشق، وصحب الأمير عز الدين فرّخشاه بن شاهنشاه بن أيوب، «2» ابن أخى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وتقدّم عنده، واختص به، وسافر فى صحبته إلى الديار المصرية، واقتنى من كتب خزائنها- عند ما أبيعت فى الأيام الناصرية- كلّ نفيس، على قلّة ما ابتاعه.
وعاد إلى دمشق واستوطنها، «3» وقصده الناس، ورووا عنه. وكان ليّنا فى الرواية، معجبا بنفسه فيما يذكره ويرويه ويقوله، وإذا نوظر جبّه بالقبيح، واستطال بغير الحقيقة. ولم يكن موفّق القلم فيما يسطّره «4» ، وقد رأيت له أشياء قد ذكرها لا تخلو من برد فى القول وفساد فى المعنى واستعجال فيما يخبر به.
ولقد أخبرنى بعض أهل الأدب من أهل حلب قال: حضرت عنده، وجرت مسألة، فقال فيها الخطأ، فقلت: قد قال فيها ابن جنّى كذا، فقال: ما قال بهذا(2/11)
أحد. فطلبت منه سرّ الصناعة لابن جنى، فأحضرها، وأخرجت منها الكلمة على ما قلت، فوقف عليها وتأمّلها، وكان جوابه: قد كنت أظن أنّ ابن جنى محقق إلى الآن! ولم يقم على تخطئته دليلا. واشتهر عنه أنه لم يكن صحيح العقيدة. والله أعلم.
كتب إلىّ بالإجازة غير مرة- عفا الله عنه- وذكر أن مولده فى سنة عشرين وخمسمائة، فى العشرين من شعبانها. وتوفى بدمشق ضحوة يوم الاثنين السادس من شوّال من سنة ثلاث عشرة وستمائة، وصلى عليه بعد صلاة العصر من هذا اليوم بجامعها، ودفن عشيته بجبل قاسيون، «1» عن ثلاث وتسعين سنة وستة عشر يوما «2» .
أنبأنا محمد بن محمد بن حامد فى كتابه «3» - وذكر الكندىّ- فقال: «عالم شاعر نحوى عروضىّ متفنّن، متقن للأدب محسن، خبير بالنقد والتّزييف، مدقّق فى التقوية والتضعيف، ولم يزل متقربا عند الملوك، متاجرا فى سوق الفضل(2/12)
من غرره بالتبر المسبوك «1» والوشى «2» المحوك؛ ما يكاد يسلم ذو أدب من محاككته ومحاققته، ومضايقته فى الطرق الخفية ومدافعته» .
وأنشد له أشعارا منها «3» :
هذه مبتدا الرسا ... ئل بل أوّل الخدم
ليس إلا التزام ما ... كان مولاى قد رسم
أيها العالم الذى ... شيّد المجد والكرم
والذى فضله أقا ... م مديحى على قدم
قد رزينا وصالكم ... والرزايا لها قيم
فلهذا دموعنا ... بعدكم فيضهنّ دم
وكان بحلب قبل مسيره إلى مصر متخصّصا بالأمير بدر الدين حسن، أخى مجد الدين بن الداية، ثم كتب إليه بعد مفارقته، يعرب عن معاتبته:
بنفسى من أعلقت كفى بحبله ... فأصبح لى فى ذروة المجد غارب «4»
وجدت به مولى مريعا «5» جنابه ... منيعا ترجّى من يديه المواهب
تعمّد إيناسى إلى أن لقيته ... كأنّى له من ضجعة المهد صاحب
وأدنى سرارى من سرائر «6» قلبه ... فلم يبق من دون الضميرين حاجب(2/13)
وكان عصا موسى لدىّ وداده ... أظلّ ولى ما عشت فيه مآرب
فصار يرى بالظنّ فىّ معايبا ... توهّمها فى ودّ مثلى معايب
ولا عجب إن غيّر الدهر صاحبا ... فكلّ تصاريف الزمان عجائب
رمانى بأمر لا أبوح بذكره ... وأقبل بالإعراض عنى يعاقب
وأظهر لى حسن اللقاء تكلّفا ... ومن تحت إحسان اللقاء عقارب
وإنى على عتبى عليه لشيّق ... وإنى على شوقى إليه لعاتب
ولا ذنب منّى غير أنى ذخرته ... لدهرى ألا إنى إلى الدهر تائب
سيعلم والأيام فيها كفاية ... إذا ملت عنه قدر من هو ذاهب
وإن هو بعدى جرب الناس كلّهم ... ليحظى بمثلى ندّمته التجارب «1»
255- زيد بن القاسم بن أسعد العامرىّ النيسابورىّ أبو الحسن الأديب [1]
لا يشقّ فى اللغة غباره، ولا تحلق فى الاداب آثاره، وهو وأبوه وأبو العباس عمه، كلّهم أدباء نجباء فضلاء، متصدّرون فى الأدب، وإفادة علم العرب.
ولزيد شعر؛ منه فى الهجاء؛ وهو ما أنشده القاضى أبو جعفر البحّاثىّ «2» :
الله أغنانى بعزّ جلاله ... عن جعفر والمبتغى من ماله
لا يعجبنّك قدّه وجماله ... فمناكر «3» الأدباء تحت جماله
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 72.(2/14)
لا تنظرنّ إلى أبيه وجدّه ... وانظر إلى المذموم من أفعاله
وانظر إلى محبوبه وقرينه ... لترى خساسته وفرط سفاله
يا لائمى فى بغضه وهجائه ... أقصر فلم تعرف حقيقة حاله
256- زيد بن سليمان الحجرىّ النحوىّ الأندلسىّ أبو الربيع المعروف بالبارد [1]
كان عالما بالعربية واللغة؛ حسن الضبط للكتب؛ متقنا لها، وهو الذى جمع بين الأبواب فى كتاب الأخفش، واقتدى الناس به، وكانت الأبواب مفرّقة.
وتوفى سنة [ثلاثمائة] «1» .
257- زيد بن عطية الصّعدىّ اليمنىّ اللغوىّ [2]
من أهل صنعاء «2» ، ونسبه فى الربيعة من خولان، ومولده بناحية صعدة «3» .
وكان لغويا شاعرا منجّما حاسبا هندسيا، يسلّم إليه المنجمون هناك فى ديار صنعاء وصعدة النجوم والحساب. وله تصانيف فى ذلك؛ منها زيجان كبير وصغير، وأحكام نجومية، وفصول.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 250، وتكملة الصلة 1: 73- 74، وتلخيص ابن مكتوم 72، وطبقات الزبيدىّ 195.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 72.(2/15)
وله شعر جيد متداول بين أدباء اليمن. مدح الأمير فاتك بن جياش بن نجاح «1» بزبيد «2» ، بقصيدة أوّلها:
لما رأت وضحا فى الرأس أفوافا ... ظلّت شموسا كأنّ الموت قد وافى «3»
ما أنكرت من نجوم الليل طالعة ... يضمّها منه أوساطا وأطرافا
تجردت فى شواتى «4» وهى طالعة ... كما سللت من الأغماد أسيافا
ولست خالع ثوب اللهو ما بقيت ... إن أنصف الشيب فى فودىّ أو حافا «5»
منها فى الخروج إلى المدح:
ثم ادّلجنا على حدب معطّفة ... شوازب كقسىّ النّبع إخطافا «6»
تطوى بنا البيد أجزاعا وصفصفة ... مع الحزونة أسفاحا وأشعافا «7»
حتى انتهينا على كدّ إلى ملك ... يقرى الضيوف ويعطى المال إسرافا(2/16)
258- زيد بن علىّ النحوىّ الفارسىّ أبو القاسم [1]
ابن أخت [أبى] على الفارسىّ النحوىّ. نحوىّ كامل فاضل، أخذ النحو عن خاله، وروى عنه كتاب الإيضاح من تصنيفه.
وخرج عن فارس إلى العراق، وقصد الشام، واستوطن حلب لإقراء النحو بها؛ فقرءوا عليه، واستفاد أهلها منه، وعمّر إلى أن قرأ عليه الشريف أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد الزيدىّ الكوفى النحوىّ كتاب الإيضاح بحلب عند رحلته إليها من الكوفة فى شهر رجب سنة خمس وخمسين وأربعمائة. وروى الناس كتاب الإيضاح عن هذا الشريف عن أبى القاسم المذكور المدّة الطويلة بالكوفة.
قال أبو القاسم علىّ الدمشقىّ «1» فى كتابه «2» : «زيد بن علىّ بن عبد الله أبو القاسم الفسوىّ الفارسىّ النحوىّ اللغوىّ. سكن دمشق مدّة، وأقرأ بها النحو واللغة، وأملى بها شرح الإيضاح لأبى على الفارسىّ، وشرح الحماسة. وحدّث عن الشيخ أبى الحسن بن أبى الحديد الدمشقىّ، وسمع منه جدّى القاضى أبو الفضل عمر بن أبى الحسن الدّهستانىّ «3» وأبو الحسن على بن طاهر النحوىّ» .
«توفى بطرابلس فى ذى الحجة سنة سبع وتسعين وأربعمائة. قاله لنا ابن الأكفانىّ» .
قلت: فى هذا القول نظر؛ فإنه يكون قد مات قبل ذلك.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 250- 251، وتلخيص ابن مكتوم 72- 73، وروضات الجنات 300، ومختصر ابن عساكر 6: 25، ومعجم الأدباء 11: 176- 177.
.(2/17)
259- زيادة الله بن علىّ بن حسين التميمىّ الطّنبىّ [1]
نزيل قرطبة. يكنى أبا مضر. كان من أهل العلم بالآداب واللغات والأشعار.
روى الناس عنه علما كثيرا، وكان كثير الإغراب.
كان مولده فى شعبان من سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وتوفى- رحمه الله- لعشر خلون من ربيع الأوّل سنة خمس عشرة وأربعمائة.
260- زنجى بن المثنّى النحوىّ القيروانىّ [2]
كان مؤدّبا لكثير من رجال السلطان فى تلك الناحية، عالما بالعربية واللغة.
261- زهير بن ميمون الفرقبىّ النحوىّ الكوفىّ [3]
من علماء الكوفة. نحوىّ قارئ، همدانىّ؛ وإنما قيل له الفرقبىّ؛ لأنه كان يتّجر إلى ناحية فرقب، «1» فنسب إليها. وكان من أهل الكوفة، وكان مولى للنّخع.
وقيل لغيرهم.
وقال أبو بكر بن عياش: قلت لزهير الفرقبىّ بمكة: أنّى لك النحو؟ قال:
سمعناه من أصحاب أبى الأسود فأخذناه. قال: ومات زهير سنة خمس وخمسين ومائة. وقيل: سنة ست وخمسين ومائة.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 73، والصلة لابن بشكوال 1: 192. والطبنى، بضم الطاء وسكون الباء: منسوب إلى طبنة، وهى بلد فى طرف إفريقية فتحها موسى بن نصير.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 249، وتلخيص ابن مكتوم 73، وطبقات الزبيدى 166.
[3] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 73، وطبقات القرّاء 1: 295.(2/18)
وقال الهيثم بن عدىّ: رأيت زهيرا الفرقبىّ، وقد اجتمع عليه ناس يسألونه عن القراءات والعربية، وهو يجيبهم ويحتجّ على ما يقول بأشعار العرب. وكان يروى كثيرا من ذلك عن ميمون الأقرن. وكان أبو جعفر الرؤاسىّ يأخذ عنه، وكان عالما بالنّسب.
قال: ورأى النبى صلى الله عليه وسلم فى النوم وهو يقول: «يا زهير، عليك بالقرآن» . فلم يكن بعد ذلك يتكلم فى غيره.(2/19)
(حرف السين)
262- سليمان بن معبد أبو داود النحوىّ السّنجىّ المروزىّ [1]
سمع النّضر بن شميل، والنّضر بن محمد الجرشىّ، «1» وسيار بن حاتم «2» ، والهيثم «3» بن عدىّ، وعبد الرزاق «4» بن همّام، والأصمعىّ، وغيرهم.
ورحل فى طلب العلم إلى العراق والحجاز ومصر واليمن، وذاكر الحفّاظ، مثل يحيى بن معين «5» ، وروى عنه مسلم بن «6» الحجاج وأبو بكر بن أبى «7» داود وأمثالهما. وكان ثقة. وكان له شعر، فمنه:
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 313 ا، وبغية الوعاة 263- 264، وتاريخ بغداد 9: 51- 52، وتقريب التهذيب 102، وتلخيص ابن مكتوم 73، وتهذيب التهذيب 4: 219- 220، وخلاصة تذهيب الكمال 131، وشذرات الذهب 2: 136، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 359- 360، واللباب 1: 570، ومعجم الأدباء 11: 257- 258، ومعجم البلدان 5: 147، والمنتظم (وفيات 257) ، والنجوم الزاهرة 3: 27، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 1: 137.
والسنجىّ، بكسر السين وسكون النون وجيم: منسوب إلى سنج؛ وهى من قرى مرو.(2/20)
يا آمر الناس بالمعروف مجتهدا ... وإن رأى عاملا بالمنكر
انتهره ابدأ بنفسك قبل الناس كلّهم ... فأوصها واتل ما فى سورة البقرة
أتأمرون ببرّ تاركين له ... ناسين، ذلك دأب الخيّب الخسره
وإن أمرت ببرّ ثم كنت على ... خلافه لم تكن إلّا من الفجره
من كان بالعرف أمّارا وتاركه ... فذاك يسبق منه سيله مطره
قال أبو رجاء محمد بن حمدويه بن موسى: سليمان بن معبد من أهل السّنج.
جالس الأصمعىّ وجلّة الفقهاء. مات فى سنة سبع وخمسين ومائتين. زاد غيره فى ذى الحجة.
263- سليمان بن محمد بن أحمد أبو موسى النحوىّ المعروف بالحامض [1]
كان أحد المذكورين من العلماء بنحو الكوفيين. أخذ عن أبى العباس ثعلب،- وهو المقدّم من أصحابه- ومن خلفه بعد موته، وجلس مجلسه. وصنّف كتبا حسانا فى الأدب.
روى عنه أبو عمر الزاهد وأبو جعفر الأصبهانىّ المعروف ببزرويه «1» ، غلام نفطويه. وكان ديّنا صالحا.
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 152 ا، وبغية الوعاة 262- 263، وتاريخ بغداد 9: 61، وتلخيص ابن مكتوم 73- 74، وابن خلكان 1: 214- 215، وطبقات الزبيدىّ 110- 111، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 358- 359، والفهرست 79، وكشف الظنون 723، 1469، واللباب 1: 271، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 292، ومعجم الأدباء 11: 253- 255، والمنتظم (وفيات 305) ، والنجوم الزاهرة 3: 193، ونزهة الألباء 306- 307. قال ابن خلكان: «وإنما قيل له الحامض لأنه كانت له أخلاق شرسة، فلقب الحامض لذلك. ولما احتضر أوصى بكتبه لأبى فاتك المقتدرىّ، بخلابها أن تصير إلى أحد من أهل العلم» .(2/21)
قال أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمى «1» : «وأما أبو موسى الحامض فكان أوحد الناس فى البيان والمعرفة بالعربية واللغة والشعر» .
«قال أبو المعالى النقار: دخل الكوفة أبو موسى، وسمعت منه كتاب الإدغام عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء. قال أبو علىّ: فقلت له: أراك تلخّص الجواب تلخيصا ليس فى الكتب. قال: هذا ثمرة صحبة ثعلب أربعين سنة» .
توفى أبو موسى الحامض ليلة الخميس لسبع بقين من ذى الحجة سنة خمس وثلاثمائة، وكان قد أخذ عن البصريين، وخلط النحوين، وكان حسن الوراقة فى الضّبط، وكان يتعصّب على البصريين فيما أخذ عليهم فى عربيتهم.
فمن تصنيفه: كتاب خلق الإنسان. كتاب النبات. كتاب الوحوش. كتاب مختصر النحو «2» .
264- سليمان بن محمد بن سليمان أبو الربيع الخلّى اليمنىّ [1]
من موضع باليمن؛ يعرف بالخلّة، قريب من بلد بنى مسلية، من مذحج. قرأ النحو باليمن، وانتقل فى مدنها فى حالة إقتار وغلاء، وخرج إلى مصر، وتوصّل إلى ملكها الكامل «3» ، وحضر مجلسه- وللكامل غرام بعلم النحو؛ يشتهى أن يخالط
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 263، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات 650) ، وتلخيص ابن مكتوم 74، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 358، ومعجم البلدان 3: 460.(2/22)
النحاة ليستفيد منهم، ويكره نحاة مصر- فقرّب هذا الغريب على بعد داره، وقرّر له معلوما هو بالنسبة إلى العدم قريب، فقنع به المذكور.
وسمعت أنه اجتاز بحلب فى شهور سنة سبع وعشرين وستمائة، واجتمع بنحاتها فلم يجدوا عنده شيئا يوجب التصدّر، ثم عاد إلى مصر عند عودة العساكر الكاملية عن البلاد الجزريّة «1» بعد أخذ آمد «2» فى سنة ثلاثين وستمائة، وهو مقيم بمصر فى الصّحبة على حاله. «3»
265- سليمان بن سليمان بن حجاج بن عمير أبو أيوب [1]
كان له حظ من معرفة النحو واللغة، من مشاهير الأندلسيين فى قطره. وله شعر «4» مذكور متداول بينهم، يتناشدونه فى أنداء «5» الأدب هناك. وله خطابة وبلاغة، وقال الشعر بعد أن أسنّ، فمن شعره فى ابن عم له:
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 74، وطبقات الزبيدىّ 207- 208.(2/23)
قريب رحم بعيد مرحمة «1» ... ما نالنى من أذى فمنه وبه
أخذ علمه من الأدب عن أبى الغازى وغيره من العلماء. توفى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة.
266- سليمان بن أحمد بن محمد السّرقسطىّ أبو الربيع الأندلسىّ المقرئ اللغوىّ [1]
رحل إلى المشرق، وروى عن جماعة من مشايخ بغداذ وغيرهم؛ كأبى بكر أحمد ابن على بن ثابت الخطيب وغيره. وروى عنه الناس، وأقرأ القرآن وأفاد اللغة.
وتكلموا فيه.
أخبرنا عبد الكريم بن محمد المروزىّ فى كتابه سماعا عليه ببلخ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن الإخوة العطّار بقراءتى عليه فى داره، أخبرنا أبو الربيع سلمان ابن أحمد بن محمد السّرقسطىّ قراءة عليه وأنا أسمع، أخبرنا أبو بكر «2» أحمد بن على ابن ثابت الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن فضالة الحافظ، أخبرنا الحسين ابن جعفر بن محمد، حدّثنا أحمد بن أبى طلحة، حدّثنا أحمد بن على السيارىّ،
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 296 ب، وتلخيص ابن مكتوم 74، ولسان الميزان 3: 75- 76، وميزان الاعتدال 1: 366، والمنتظم (وفيات سنة 489) ، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 1: 49، والسرقسطى، بفتح السين والراء وضم القاف وسكون السين الثانية: منسوب إلى سرقسطة، وهى مدينة على ساحل البحر من بلاد الأندلس.(2/24)
حدّثنا نصر بن على الجهضمىّ قال: كان فى جيرانى رجل طفيلىّ. وكنت إذا دعيت إلى مدعاة ركب لركوبى، فإذا دخلنا الموضع أكرم من أجلى. فاتخذ جعفر ابن سليمان أمير البصرة دعوة، فدعيت إليها، وقلت فى نفسى: والله إن جاء هذا الرجل معى لأخزينّه. فلما أن ركبت ركب لركوبى، ثم دخلت الدار، فدخل معى، وأكرم من أجلى. فلما حضرت المائدة قلت: حدّثنا درست بن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر- رضى الله عنه- عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من مشى إلى طعام لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما» قال:
فقال الطّفيلىّ: استحييت لك يا أبا عمرو، مثلك يتكلّم بهذا الكلام على مائدة الأمير! فليس هاهنا أحد إلا يظنّ أنك رميته بهذا الكلام ثم إنك لا تستحى، تتحدّث عن درست «1» بن زياد، ودرست كذاب لا يحتج بحديثه، عن أبان بن طارق، «2» وأبان كان صبيا من صبيان أهل «3» المدينة يلعبون. ولكن أين أنت عما حدّثنا أبو عاصم النبيل عن ابن جريج «4» عن أبى الزبير «5» عن جابر «6» - رضى الله عنه- عن النبى(2/25)
صلى الله عليه وسلم قال: «طعام الواحد يكفى الاثنين، وطعام الاثنين يكفى الأربعة» !.
قال نصر بن على: فكأنى ألقمت حجرا. فلما خرجنا من الدار أنشأ الطّفيلىّ يقول:
ومن ظنّ ممّن يلاقى الحروب ... بألّا يصاب فقد ظنّ عجزا
توفى أبو الربيع السّرقسطىّ الأندلسىّ فى يوم الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين وأربعمائة ببغداد، ودفن من يومه.
267- سليمان بن أبى طالب عبد الله بن الفتى الحلوانىّ النهروانىّ أبو عبد الله [1]
والد الحسن «1» بن سليمان الفقيه المدرس بالنظامية «2» . كان له حظ وافر من العربية، ومعرفة تامّة باللغة والأدب.
__________
[1] ترجمته فى الإكمال لابن ماكولا 1: 218 ب، وبغية الوعاة 260، وتلخيص ابن مكتوم 75، ودمية القصر 87- 88، وشذرات الذهب 3: 399، وطبقات المفسرين للداودى 82 ا- 82 ب، وطبقات المفسرين للسيوطى 13، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 355- 356، وعيون التواريخ (وفيات سنة 494) ، وكشف الظنون 1313، ومرآة الجنان 3: 156، ومعجم الأدباء 11: 351- 353، والوافى بالوفيات ج 4 مجلد 2: 369- 370.(2/26)
نزل أصبهان وسكنها. وأكثر أئمة أصبهان وفضلائها قرءوا عليه الأدب.
ذكره يحيى بن منده «1» فى تاريخ أصبهان، فقال:
«سليمان بن عبد الله بن الفتى، البغداذىّ. قدم أصبهان، واستوطن بها.
وكان جميل الطريقة، فاضلا أديبا، حسن الخلق، إماما فى اللغة والنحو. صنف كتاب التفسير «2» . مسكنه فى باب الوزير قريب من الجامع» .
وذكره الأمير ابن ماكولا «3» فقال:
«وأما الفتى «4» ، أوّله فاء مفتوحة بعدها تاء معجمة باثنين من فوقها، فهو أبو عبد الله سليمان «5» بن عبد الله. يعرف بابن الفتى. من أهل النّهروان؛ دخل بغداذ بعد سنة ثلاثين وأربعمائة، وتشاغل بالأدب، وقرأ على أبى الخطاب الجبلىّ والثمانينى وغيرهما من أدباء ذلك الوقت. وحضر عندى وتأدّب، وقال الشعر،(2/27)
وسافر إلى الجبل، وشاهدته بالرّىّ دفعات وبهمذان، ووجدته فاضلا مليح الشعر حسن الأدب حافظا» .
وذكره الباخرزىّ «1» فقال: «عاشرته «2» بالنّهروان سنة ثلاث وستين، ووجدته لطيف العشرة، وفتّشته عما يتحلّى به من علم الإعراب، فمدّ «3» فيه أطناب «4» الإطناب، حتى كاد يكون مكانه من المبرّد والزّجّاج، مكان الأسنّة من الزّجاج «5» . وهو مع هذا أشعر أبناء جنسه. فممّا أنشدنى لنفسه «6» من قصيدة نظامية:
يا ظبية حلّت بباب الطاق «7» ... بينى وبينك أوكد الميثاق
فوحقّ أيام الصّبى ووصالنا ... قسما بها وبنعمة الخلّاق
ما مرّ من يوم ولا من ليلة ... إلا إليك تجدّدت أشواقى
سقيا لأيام جنى لى طيبها ... ورد الخدود ونرجس الأحداق
وإذا أضرّت بى عقارب صدغها «8» ... كانت مراشف ريقها ترياقى(2/28)
268- سليمان بن حبّون النحوىّ الشاعر [1]
من أهل الرّحبة «1» . نزل حرّان «2» ، وقطن بها، وتصدّر لإفادة هذا الشأن. وكان مستوحشا من الناس، منقطعا عنهم، يقول شعرا مصنوعا قريب الحال، يقصد به الاستعطاء.
رأيته بحلب فى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وقد حضر إليها من حرّان ليمدح الملك الظاهر غازى بن الملك الناصر «3» صلاح الدين- سقى الله عهده- ونزل عند رجل من أهلها يعرف بابن خرخاز، ورأيته ينسخ فى كتاب القوافى للزجّاج، وذاكرته فى النحو، فرأيته نزقا «4» لا يرغب أن يباحث فيه. وسألته: من لقيت من المشايخ؟ فقال: اصطحبت أنا والمهذّب بن العطّار فى الكلك «5» إلى بغداذ؛ لم يزدنى على ذلك.
وتوجه بعد أن أخذ الجائزة عن مدحه إلى حرّان. ومات قريبا من ذلك فيما بلغنى، وخلّف بها بنات. وكان ظاهر أمره الإقلال. وسمعت أنه امتدح العادل
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 75.(2/29)
أبا بكر «1» بن أيوب عند ملكه حرّان، فلم يجزه شيئا، فذكر أبياتا عرّض له فيها بأنك جواد ما زلت؛ ولكنّ أرضنا غيّرتك، فقال: هجانا هذا الرجل بطريق لطيف. وبيت القصيدة:
قسما بآل محمد ... ما فوق ذلك من قسم
إن المليك محمدا ... لولاه ما عرف الكرم
يعطى اليراع براعة ... كالسيف «2» يخضبه بدم
لكنّ تربة أرضنا ... نقلته عن تلك الشّيم
269- سعيد بن أوس بن ثابت أبو زيد الأنصارىّ [1]
صاحب النحو واللغة. حدّث عن عمرو بن عبيد وأبى عمرو بن العلاء.
روى عنه أبو عبيد القاسم بن سلّام، ومحمد بن سعد الكاتب، وأبو حاتم
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 19- 20، وأخبار النحويين البصريين 52- 57، وبغية الوعاة 254- 255، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 215) ، وتاريخ بغداد 9: 77- 80، وتاريخ أبى الفدا 2: 30، وتاريخ ابن كثير 10: 269- 270، وتلخيص ابن مكتوم 76، وتقريب التهذيب 90، وتهذيب التهذيب 4: 3- 5، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 5- 6، وخلاصة تذهيب الكمال 115، وابن خلكان 1: 207- 208، وشذرات الذهب 2: 34- 35، وطبقات الزبيدى 116- 117، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 349- 351، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 305، وطبقات المفسرين للداودى 76 ب- 77 ا، وعيون التواريخ (وفيات سنة 215) ، والفهرست 54- 55، وكشف الظنون 1383، 1409، 1447، 1454، 1459، 1465، 1466، 1472، ومراتب النحويين 67- 70، ومرآة الجنان 2: 58- 59، والمزهر 2:
402، 419، 461، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 224- 225، والمعارف 237، ومعجم الأدباء 11: 212- 217، والنجوم الزاهرة 2: 210، ونزهة الألباء 173- 179.(2/30)
السّجستانىّ وأبو زيد عمر بن شبة، وأبو حاتم الرازىّ. وكان ثقة ثبتا «1» من أهل البصرة.
قال ابن القدّاح «2» : أبو زيد النحوى، سعيد بن أوس بن ثابت بن زيد ابن قيس بن زيد بن النعمان «3» بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج. وشهد ثابت ابن زيد أحدا والمشاهد بعدها. وهو أحد العشرة الذين بعث عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- مع أبى موسى الأشعرى إلى البصرة، وأحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبى صلى الله عليه وسلم «4» .
هكذا نسب أبى زيد فى هذه الرواية. وفيه إخلال؛ والصواب ما ذكره محمد ابن سعد «5» ، قال: « [أخبرنا «6» ] أبو زيد النحوى، واسمه سعيد بن أوس بن ثابت ابن بشير بن أبى زيد [قال «7» ] : ثابت «8» بن زيد بن قيس [هو جدّى؛ وقد شهد أحدا «9» ] » .(2/31)
قال أبو عثمان المازنىّ: كنا عند أبى زيد، فجاء الأصمعىّ، فأكبّ على رأسه وجلس، وقال: هذا عالمنا ومعلّمنا منذ عشر سنين «1» .
قال أبو زيد الأنصارىّ: وقفت على قصّاب وعنده بطون، فقلت: «بكم البطنان يا غلام؟» قال: «بدرهمان يا ثقيلا» .
وقال أبو زيد: وقفت بباب سليمان بن أبى العاص الثقفىّ على قصّاب، وقد أخرج بطنين سمينين موفورين، فعلّقهما، فقلت: بكم البطنان؟ فقال: بمصفعان يا مضرطان. قال: فغطيت رأسى وفررت؛ لئلا يسمع الناس فيضحكوا منى.
قال أبو زيد الأنصارىّ: كنا ببغداذ، فأردت الانحدار إلى البصرة، فقلت لابن أخى: اكترلنا. فجعل ينادى: «يا معشر الملاحون» ؛ فقلت له: ويلك! ما تقول؟ قال: جعلت فداك! أنا مولع بالرفع «2» .
وقال روح بن عبادة: كنا عند شعبة «3» ، فضجر من الحديث، فرمى بطرفه، فرأى سعيد بن أوس فى أخريات الناس، فقال: يا أبا زيد:
استعجمت «4» دارمىّ ما تكلّمنا ... والدّار لو كلّمتنا ذات أخبار(2/32)
إلىّ أبا زيد. فجاءه، فجعلا يتناشدان الأشعار، فقال بعض أصحاب الحديث:
يا أبا بسطام، نقطع إليك ظهور الإبل لنسمع منك حديث رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- فتدعنا وتقبل على الأشعار! قال: فرأيت شعبة قد غضب غضبا عليه وسلّم- فتدعنا وتقبل على الأشعار! قال: فرأيت شعبة قد غضب غضبا شديدا؛ ثم قال: يا هؤلاء، أنا أعلم بالأصلح لى. أنا والله الذى لا إله إلا هو فى هذا أسلم منى فى ذاك! قال أبو زيد: لقيت أبا حنيفة، فحدّثنى بحديث فيه: «يدخل الجنة قوم حفاة عراة منتنين قد أحمشتهم النار» ، فقلت له: «منتنون قد محشتهم «1» النار» .
فقال: ممّن «2» أنت؟ قلت: من أهل البصرة، قال: كل أصحابك مثلك؟ قلت:
أنا أخسّهم حظّا فى العلم، فقال: طوبى لقوم تكون أخسّهم! وسرق أصحاب الحديث نعل أبى زيد، فكان إذا جاء أصحاب الشعر والعربية والأخبار رمى بثيابه ولم يتفقدها، وإذا جاء أصحاب الحديث جمعها كلها، وجعلها بين يديه وقال: ضمّ يا ضمّام، واحذر لا تنام.
مات أبو زيد الأنصارى سنة أربع عشرة ومائتين. وقيل سنة خمس عشرة ومائتين، وله ثلاث وتسعون سنة، بالبصرة.
وكان أبو زيد من أهل العدل والتشيّع، وكان ثقة، وكان عالما بالنحو، ولم يكن مثل سيبويه والخليل. وكان يونس أعلم منه بالنحو، وكان مثله فى اللغات. وكان أبو زيد أعلم من الأصمعى وأبى عبيدة بالنحو. وكان يقال [له] :
أبو زيد النحوىّ. وله كتاب فى تخفيف الهمز على مذهب النحويين. وفى كتبه المصنفة فى اللغة وشواهد النحو عن العرب ما ليس لغيره.(2/33)
وكان كثير السماع من العرب. وقال أبو زيد: سألنى الحكم بن قنبر عن «تعاهدت ضيعتى» ، فقلت: «تعهّدت» ، فقال: لا- وكان عنده ستة من الأعراب الفصحاء- فقلت: اسألهم. فسألهم «1» . فكلّ قال: «تعهّدت» . فقال:
يا أبا زيد، علم كنت سببه، أو كلاما نحو هذا.
ولم يأخذ أحد من علماء البصريين عن الكوفيين إلا أبا زيد، فإنه روى عن المفضّل فى أوّل كتابه «النوادر» «2» ، قال: أنشدنى المفضّل لضمرة بن ضمرة:
بكرت «3» تلومك بعد وهن فى النّدى ... بسل عليك ملامتى وعتابى «4»
وكان أبو زيد يلقّب أصحابه، فلقّب الجرمىّ بالكلب لجدله واحمرار عينيه، ولقب المازنى «تدرج» «5» لمشيته، ولقب أبا حاتم برأس البغل «6» ، ولقب التوّزىّ(2/34)
أبا الوذواذ لخفة حركته وذكائه، ولقّب الزيادىّ طارقا، لأنه كان يأتيه بليل.
وكان هؤلاء أخذوا عن أبى زيد.
قال أبو زيد: أتيت بغداذ حين قام المهدى، فوافاه العلماء من كل بلدة بأنواع العلوم، فلم أر رجلا أفرس ببيت شعر من خلف، ولا عالما أبذل لعلمه من يونس.
وتوفى أبو زيد فيما قاله محمد بن إسحاق النديم سنة خمس عشرة ومائتين.
وقال: « «1» وله من الكتب المصنفة كتاب إيمان عثمان. كتاب حيلة ومحالة.
كتاب القوس «2» والتّرس. كتاب مسائية «3» . كتاب المعزى. كتاب الإبل «4» . كتاب خلق الإنسان. كتاب الأبيات. كتاب المطر.
كتاب المياه. كتاب الغرائز. كتاب النبات والشجر. كتاب اللغات. كتاب قراءة أبى عمرو. كتاب النوادر. كتاب الجمع والتثنية. كتاب اللبن. كتاب بيوتات العرب. كتاب تخفيف الهمز. كتاب حياة «5» . كتاب المقتضب «6» . كتاب الوحوش.
كتاب الفرق. كتاب فعلت وأفعلت. كتاب غريب الأسماء.
كتاب الهمز. كتاب المصادر «7» . كتاب الحلبة. كتاب نابه ونبيه.
كتاب معانى القرآن. كتاب النحو الكبير. كتاب الصفات «8» » .(2/35)
270- أخبار أبى الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط [1]
هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعىّ، مولى مجاشع «1» . أخذ النحو عن سيبويه- وكان أكبر منه- وصحب الخليل أولا، وكان معلّما لولد الكسائىّ.
وسبب ذلك أنه لما جرى بين الكسائىّ وسيبويه ما جرى من المناظرة «2» رحل سيبويه إلى الأهواز. «3»
__________
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 50- 51، وإشارة التعيين الورقة 20، وبغية الوعاة 258، وتاريخ أبى الفدا 2: 29، وتلخيص ابن مكتوم 77، وابن خلكان 1: 208، وشذرات الذهب 2: 36، وطبقات الزبيدىّ 45- 46، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 355، وعيون التواريخ (وفيات سنة 210) ، والفهرست 52، وكشف الظنون 201، 1391، 1438، 1451، 1463، 1670، 1729، 1730، ومراتب النحويين 109، ومرآة الجنان 2: 61، والمزهر 2: 405، 419، 444، 463، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 283- 284، والمعارف 227- 228، ومعجم الأدباء 11: 224- 230، ونزهة الألباء 184- 188.
والأخفش فى اللغة: الصغير العينين مع سوء بصرهما. قال السيوطى فى بغية الوعاة ص 436:
«الأخفش أحد عشر: أشهرهم ثلاثة: عبد الحميد بن عبد المجيد [الأكبر] ، والأوسط سعيد بن مسعدة، والأصغر على بن سليمان، والرابع أحمد بن عمران، والخامس أحمد بن محمد الموصلىّ، والسادس خلف بن عمر، والسابع عبد الله بن محمد، والثامن عبد العزيز بن أحمد، والتاسع على بن محمد المغربى الشاعر، والعاشر على بن إسماعيل الفاطمى، والحادى عشر هارون بن موسى بن شريك» .
وقال ابن خلكان: «كان يطلق على سعيد بن مسعدة الأخفش الأصغر، فلما ظهر على بن سليمان المعروف بالأخفش أيضا صار هذا وسطا» .(2/36)
قال الأخفش «1» : فلما دخل إلى شاطئ البصرة وجّه إلىّ فجئته، فعرّفنى خبره مع البغداذىّ، وودّعنى ومضى إلى الأهواز، فتزوّدت وجلست فى سمارية «2» حتى وردت بغداذ، فوافيت مسجد الكسائىّ، فصلّيت خلفه الغداة، فلما انفتل من صلاته، وقعد فى محرابه- وبين يديه الفرّاء والأحمر وهشام وابن سعدان- سلّمت عليه، وسألته عن مائة مسألة، فأجاب بجوابات خطّأته فى جميعها.
فأراد أصحابه الوثوب علىّ، فمنعهم من ذلك، ولم يقطعنى ما رأيتهم عليه ممّا كنت فيه.
فلما فرغت من المسائل قال لى الكسائىّ: بالله أنت أبو الحسن سعيد ابن مسعدة الأخفش؟ قلت: نعم، فقام إلىّ، وعانقنى وأجلسنى إلى جانبه، ثم قال لى: أولادى أحبّ أن يتأدّبوا بك، ويخرّجوا «3» على يديك، وتكون معى غير مفارق لى. وسألنى ذلك فأجبته، إليه.
فلما اتصلت الأيام بالاجتماع، سألنى أن أؤلف له كتابا فى معانى القرآن، فألفت كتابى فى المعانى، فجعله إماما، وعمل عليه كتابا فى المعانى، وعمل الفرّاء كتابه فى المعانى عليهما. وقرأ عليه الكسائىّ كتاب سيبويه، ووهب له سبعين دينارا.
قال أبو حاتم سهل بن محمد السّجستانىّ- رحمه الله-: وأخذ الأخفش كتاب أبى عبيدة فى القرآن، فأسقط منه شيئا، وزاد شيئا، وأبدل منه شيئا، قال: فقلت له:(2/37)
اىّ شىء هذا الذى تصنع من هذا؟ من أعرف بالعربية؟ أنت أو أبو عبيدة؟
فقال: الكتاب لمن أصلحه، وليس لمن أفسده. قال: فلم يلتفت إلى كتابه، وصار مطّرحا.
قال أبو حاتم: وكان الأخفش رجل سوء، قدريّا شمريا. وهم صنف من القدرية «1» ، نسبوا إلى [أبى] شمر «2» ، ولم يكن يغلو فيه.
وقال أيضا: كتابه فى المعانى صو يلح؛ إلا أن فيه مذاهب سوء فى القدر.
وكان أبو حاتم يعيب كتابه فى القرآن فى جمع الواحد.
وقال أبو حاتم فى كتابه فى القراءات؛ حيث ذكر القرّاء والعلماء: «كان فى المدينة علىّ الملقّب بالجمل وضع كتابا فى النحو لم يخلّ شيئا «3» ، فذهب. وأظن الأخفش هذا وضع كتابه فى النحو منه، ولذلك قال فيه: الزيت رطلان بدرهم.
والزيت لا يذكر بالبصرة؛ لأنه ليس بإدام لهم» .
وقال الأخفش: لما دخلت بغداذ أتانى هشام الضرير، فسألنى عن مسائل عملها، وفروع فرّعها، فلما رأيت أن اعتماده واعتماد غيره من الكوفيين على المسائل عملت كتاب المسائل الكبير، فلم يعرفوا أكثر ما أوردته فيه.(2/38)
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: أوّل من أملى غريب كل بيت من الشعر تحته الأخفش- وكان ببغداذ- والطوسىّ مستمليه. قال: ولم أدركه؛ لأنه قبل عصرنا. وكان يقال له: الأخفش الراوية. وتوفى سنة خمس عشرة ومائتين.
أنبأنى الشريف النقيب محمد بن أسعد النحوىّ الجوّانىّ «1» ، أخبرنا عبد السلام ابن مختار اللغوىّ عن ابن بركات السعيدىّ، أخبرنا محمد بن سهل الهروىّ، أخبرنا محمد بن الحسين اليمنىّ «2» من كتابه قال: «أخبرنى أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد قال: أخبرنا أبو إسحاق الزّجّاج عن المبرّد قال: سعيد بن مسعدة مولى بنى مجاشع؛ وهو من أهل بلخ- وكان أجلع فيما أخبرنا به عن أبى حاتم- والأجلع: الذى لم تنطبق شفتاه. وكان يقول بالعدل» .
قال أبو العباس المبرّد: أخبرنى المازنى قال: كان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل، وكان غلام أبى شمر، وكان على مذهبه.
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: حدّثنى سعيد بن سلم قال: دخل الفرّاء على سعيد بن سلم، فقال: قد جاءكم سيد أهل اللغة، وسيد أهل العربية. فقال الفرّاء:
أما مادام الأخفش- يعنى سعيد بن مسعدة- يعيش فلا.
والأخفش أحذق أصحاب سيبويه، وهو أسنّ منه، ولقى من لقيه من العلماء إلا الخليل. والطريق إلى كتاب سيبويه الأخفش؛ وذلك أن كتاب سيبويه لا يعلم أحد قرأه على سيبويه، ولا قرأه عليه سيبويه؛ ولكنه لما مات قرئ على الأخفش فشرحه وبينه. ولم يكن أيضا ناقصا فى اللغة. وله كتب مستحسنة.(2/39)
وكان أخذ عن أبى مالك النّميرىّ. وذكر المبرّد عن المازنىّ قال: قال الأخفش: سألت أبا مالك عن قول أمية بن [أبى] الصلت «1» :
سلامك ربّنا فى كلّ فجر ... بريئا ما تغنّثك الذّموم «2»
فقلت: ما «تغنّثك» ؟ فقال: ما تتعلّق بك.
وكان فيمن قرأ كتاب سيبويه أبو عمر الجرمىّ وأبو عثمان المازنىّ.
وذكر ابن مجاهد قال: حدّثنا ثعلب عن سلمة عن الأخفش قال: جاءنا الكسائىّ إلى البصرة، فسألنى أن أقرأ عليه كتاب سيبويه ففعلت، فوجه إلىّ خمسين دينارا. قال: وكان الأخفش يعلّم ولد الكسائىّ.
وقال المبرّد: الأخفش أكبر سنا من سيبويه؛ إلا أنه لم يأخذ عن الخليل، وكانا جميعا يطلبان، فجاءه الأخفش، فناظره بعد أن برع، فقال له الأخفش:
إنما أناظرك لأستفيد لاغير. قال: أترانى أشكّ فى هذا! وكان أبو العباس ثعلب يفضّل الأخفش ويقول: كان أوسع الناس علما.
وله كتب كثيرة فى العروض والنحو والقوافى.
قال ثعلب: ومات الأخفش بعد الفرّاء، ومات الفرّاء سنة سبع ومائتين، بعد دخول المأمون العراق بثلاث سنين.
وذكر ابن عبد الملك التاريخى فى كتابه: «حدّثنى الحسين بن إسماعيل البصرىّ، قال: سمعت العباس بن الفرج الرياشىّ يقول: أخبرنى الأخفش قال:
يهمز الحرف إذا كان فيه ألف وقبلها فتحة، وأنشد للعجاج «3» :(2/40)
وخندف «1» هامة هذا العألم
فى قصيدته التى يقول فيها:
يا دار سلمى يا سلمى ثم اسلمى
فلما همز «العألم» للفتحة التى قبلها لم يكن مؤسّسا «2» ؛ لأنهم يجعلون الهمزة بمنزلة سائر الحروف [مثل] العين والقاف» .
قال: «وكان أبو حية النميرىّ ممّن يهمز مثل هذا. قال: والواو إذا كانت قبلها ضمة همزوها، مثل «يؤقن» . قال: فقلت له: فالياء إذا كانت قبلها كسرة؟
قال: لا أدرى» .
وذكر الجاحظ أن أبا الحسن الأخفش كان يعلم ابنا للمعذّل بن غيلان يقال له: عبد الله، فكتب إلى المعذّل، وقد استجفى الغلام:
أبلغ أبا عمر إذا جئته ... بأنّ عبد الله لى جاف
قد أحكم الآداب طرّا فما ... يجهل شيئا غير إنصافى
فكتب إليه المعذّل:
إن يك عبد الله يجفوكم ... يكفيك إلطافى وإتحافى
وذكر محمد بن إسحاق النديم فى «3» كتابه قال: «مات الأخفش سنة إحدى عشرة ومائتين، بعد الفراء» . قال: «وقال البلخى فى كتاب فضائل خراسان: أصله من خوارزم، ويقال: توفّى فى سنة خمس عشرة ومائتين. وروى الأخفش عن حمّاد بن الزبرقان- وكان بصريا» .(2/41)
وله من الكتب المصنفة: كتاب الأوسط فى النحو. كتاب تفسير معانى القرآن. كتاب المقاييس، فى النحو. كتاب الاشتقاق.
كتاب الأربعة. كتاب العروض. كتاب المسائل الكبير. كتاب القوافى. كتاب الملوك، كتاب معانى الشعر. كتاب وقف التمام. كتاب المسائل الصغير. كتاب الأصوات. كتاب صفات الغنم وعلاجها وأسنانها. [كتاب التّصريف «1» ] » .
ووقف أعرابى على مجلس الأخفش، فسمع كلامهم فى النحو، فحار وعجب وأطرق ووسوس «2» ، فقال له الأخفش: ما تسمع يا أخا العرب؟ قال: أراكم تتكلمون بكلامنا فى كلامنا بما ليس فى كلامنا، فأنشد الأخفش لبعض العرب:
ماذا لقيت من المستعربين ومن ... تأسيس نحوهم هذا الذى ابتدعوا
إن قلت قافية فيما يكون لها ... معنى يخالف ما قاسوا وما صنعوا
قالوا: لحنت وهذا الحرف منخفض ... وذاك نصب وهذا ليس يرتفع
وحرّشوا بين عبد الله واجتهدوا ... وبين زيد فطال الضّرب والوجع
إنى نشأت بأرض لا تشبّ بها ... نار المجوس ولا تبنى بها البيع «3»
ولا يطا القرد والخنزير ساحتها ... لكن بها العين والذّيال والصّدع «4»
ما كل قولى معروف لكم فحذوا ... ما تعرفون وما لا تعرفون دعوا(2/42)
كم بين قوم قد احتالوا لمنطقهم ... وآخرين على إعرابهم طبعوا
وبين قوم رأوا شيئا معاينة ... وبين قوم رأوا بعض الذى سمعوا
قال الأخفش سعيد بن مسعدة: كان أمير البصرة يقرأ: (إنّ الله وملائكته يصلّون) «1» بالرفع، فيلحن، فمضيت إليه ناصحا له، فزبرنى «2» وتوعّدنى، وقال:
تلحّنون أمراءكم!.
ثم عزل وولى محمد بن سليمان، فكأنه تلّقاها من فم المعزول. فقلت فى نفسى: هذا هاشمىّ، ونصيحته واجبة، فخشيت أن يلقانى بما لقينى به الأوّل، ثم حملت نفسى على نصيحته، فصرت إليه وهو فى غرفة، ومعه أخوه والغلمان على رأسه؛ فقلت: أيها الأمير، جئت لنصيحة، قال: قل، قلت:
هذا- وأومأت إلى أخيه- فلما سمع ذلك قام أخوه، وفرّق الغلمان عن رأسه- وأخلانى- فقلت: أيها الأمير، أنتم بيت الشرف وأصل الفصاحة، وتقرأ:
(إنّ الله وملائكته) بالرفع، وهذا غير جائز، فقال: قد نصحت ونبهت، فجزيت خيرا، فانصرف مشكورا. فلما صرت فى نصف الدّرجة إذا الغلام يقول لى:
قف مكانك، فقعدت مروّعا، وقلت: أحسب أن أخاه أغراه بى؛ فإذا بغلة سفواء «3» وغلام وبدرة وتخت «4» ثياب وقائل يقول: البغلة والغلام والمال لك، أمر به الأمير. فانصرفت مغتبطا بذلك «5» .(2/43)
هشام «1» للمظفر «2» بن أبى عامر. قال: فقال لى ابن القزاز: إن هشاما لضعيف.
هذه الجنة المذكورة هى أوّل أصل اتخذه عبد الرحمن «3» بن معاوية، وكان فيها نخلة أدركتها بنفسى، ومنها ولدت كل نخلة بالأندلس. وفى ذلك يقول عبد الرحمن- وقد تنزه إليها، فرأى تلك النخلة فحنّ:
يا نخل أنت غريبة مثلى ... فى الغرب نائية عن الأصل
فابكى وهل تبكى ملثّمة ... عجماء لم تطبع على خبل
لو أنها مثلى إذا لبكت ... ماء الفرات ومنبت «4» النخل
لكنّها ذهلت وأذهلنى ... بغضى بنى العباس عن أهلى
وكان أبو عثمان هذا حافظا للغة والعربية، حسن القيام بهما، ضابطا لكتبه، متفنّنا فى نقله. وله كتاب فى الردّ على صاعد بن الحسن اللغوىّ البغداذىّ ضيف محمد ابن أبى عامر، فى مناكير كتابه فى النوادر والغريب؛ المسمى بالفصوص، وأكثر التحامل عليه فيه.
وكان ثقة من أجلّ أصحاب أبى على القالى، ومن طريقته صحّت اللغة بالأندلس بعد أبى علىّ، ومن طريق أبى على بن أبى الحباب وأبى بكر الزّبيدىّ.(2/46)
وفقد أبو عثمان- فى وقعة قفلش، فلم يوجد حيا ولا ميتا- يوم السبت للنصف من ربيع الأوّل سنة أربعمائة؛ كذا ذكر ابن حيان وغيره. وذكر ابن عبد البرّ أن وفاته كانت فى أربع أو خمس وتسعين وثلاثمائة- رحمه الله.
274- سعيد بن عيسى الأصفر الاندلسىّ [1]
ساكن طليطلة. أبو عثمان. كان عالما بالنحو واللغة والأشعار، و [له] مشاركة فى المنطق وكتب الأخبار. وله شرح الجمل للزّجّاجىّ.
توفى نحو الستين والأربعمائة.
275- سعيد بن المبارك بن على بن الدهان البغداذىّ أبو محمد [2]
من أهل المقتدية، إحدى المحال الشرقية. رجل عالم فاضل، كيس نبيه نبيل، له معرفة كاملة بالنحو، ويد باسطة فى الشعر.
رحل إلى أصبهان، وسمع بها، واستفاد من خزائن وقوفها. وكتب الكثير من كتب الأدب بخطه، وعاد إلى بغداد، واستوطنها زمانا، وأخذ الناس عنه
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 78، وروضات الجنات 272، والصلة لابن بشكوال 1: 222.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 20، وبغية الوعاة 256- 257، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 569) ، وتلخيص ابن مكتوم 77، وخريدة القصر 1: 82- 83، وابن خلكان 1: 209- 210، وروضات الجنات 314- 315، وشذرات الذهب 4: 233، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 352- 354، وطبقات المفسرين للداودى 78 ا، والفلاكة والمفلوكين 126- 127، وكشف الظنون 72، 116، 212، 438، 752، 872، 960، 1156، 1212، 1265، 1438، 1563، 1630، 1977، ومرآة الجنان 3: 390، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 255- 247، ومعجم الأدباء 11: 219- 223، والنجوم الزاهرة 6: 72، ونكت الهميان 158- 159.(2/47)
شرح الإيضاح فى النحو لأبى على الفارسى، فى ثلاثه وأربعين مجلدا، وشرح اللمع شرحا كبيرا فى عدّة مجلدات، وصنف غير ذلك.
وخرج عن بغداذ قاصدا دمشق، واجتاز الموصل، وبها وزيرها جمال الدين الجواد «1» الأصبهانىّ، فارتبطه عنده، ومعه الاجتياز بالإحسان، وصدّره بالموصل للإقراء والإفادة والتصنيف. وكان آخر كتبه ببغداذ، وهى التى أتعب فيها خاطره وناظره، وبلغه أن الغرق قد استولى على بغداذ، فسير من يحضر كتبه إن كانت سالمة، فوجدها قد غرقت فيما غرق، وزادها على الغرق أنّ خلف مسكنه مدبغة فاض الماء منها إلى منزله؛ فأهلك الكتب زيادة على هلاكها، فلما أحضرت إليه أخذ فى تأملها على نتنها وتغير لونها. فأشير عليه بأن يبخّر ما سلم منها على فساده بشىء مما يغير الرائحة، فشرع فى تبخيرها باللّاذن، «2» ولازم ذلك إلى أن بخّرها بما يزيد على ثلاثين رطلا من اللّاذن. فطلع ذلك إلى رأسه وعينيه، فأحدث له العمى، فانكف بصره قبل موته- رحمه الله- ونعوذ بالله من سوء التقدير، إنه هو اللطيف الخبير.
وكان مولده فى رجب سنة أربع وتسعين وأربعمائة بنهر طابق «3» .(2/48)
قال تاج الإسلام أبو سعيد عبد الكريم بن محمد المروزىّ «1» : سمعت أبا القاسم على بن الحسين بن هبة الله «2» الحافظ الدّمشقى من لفظه بدمشق يقول: سمعت سعيد ابن المبارك بن الدّهان بنهر طابق ببغداذ يقول: رأيت فى النوم شخصا أعرفه، وهو ينشد شخصا كأنه حبيب له:
أيها الماطل دينى ... أملّى وتماطل
علّل القلب فإنّى ... قانع منك بباطل
قال: فرأيت سعيد بن المبارك بن الدّهان، وعرضت عليه هذه الحكاية، فقال: ما أعرفها. ولعل ابن الدهان نسى. وأبو القاسم على بن القاسم الدمشقى من أوثق الرواة، جمع له الحفظ والمعرفة.
قلت: وقد سمعت من يذكر عمّن حضر هذه الحكاية أن ابن الدّهان استملاها من ابن السمعانىّ. وقال: أخبرنى ابن السمعانىّ المروزىّ قال: أخبرنى أبو القاسم بن عساكر الدمشقىّ عنى أنى أخبرته ... وساق باقى الحكاية؛ فكأنما روى عن رجلين عن نفسه، وهو أغرب ما وقع فى طريق الرواية.
ومن شعر سعيد بن المبارك بن الدّهان:
أهوى الخمول لكى أظلّ مرفّها ... مما يعانيه بنو الأزمان
إن الرياح إذا عصفن رأيتها ... تولى الأذيّة شامخ الأغصان
وأنشد سعيد بن المبارك النحوىّ لنفسه:
بادر إلى العيش والأيام راقدة ... ولا تكن لصروف الدهر تنتظر
فالعمر كالكأس يبدو فى أوائله ... صفو وآخره فى قعره كدر(2/49)
ومن شعره أيضا:
أرى الفضل منّاح التأخّر أهله ... وجهل الغنى يسعى له فى التقدم
كذاك أرى الخفّاش ينجيه قبحه ... ويحتبس القمرىّ حسن الترنم
وشعره كثير. وتوفى- رحمه الله- بالموصل فى شهور سنة تسع وستين وخمسمائة.
ومن مصنفاته: كتاب شرح الإيضاح، ثلاثة وأربعون مجلدا، وكتاب شرح اللمع، ثلاثة مجلدات. كتاب شرح بيت من شعر الصالح صنفه للصالح بن رزّيك «1» ، مجلد. كتاب العروض، مجلد. كتاب الدّروس «2» فى النحو، مجلد. كتاب الفصول «3» فى النحو، مجلد. كتاب الرسالة السعيدية فى المآخذ الكندية يشتمل على سرقات المتنبى، مجلد. كتاب تذكرته، وسماه زهر الرياض، سبعة مجلدات، رأيتها وملكتها بخطه «4» .(2/50)
أنبأنا محمد بن محمد بن حامد «1» فى كتابه قال: «الشيخ أبو محمد بن الدّهان النحوىّ، من أهل بغداذ، سعيد بن المبارك بن على بن الدّهان: بحر لا يغضغض «2» ، وحبر لا يغمض «3» ، سيبويه عصره، ووحيد دهره. لقيته ببغداذ فى وقت انتقالنا إليها، وكانت داره بالمقتدية فى جوارنا، وكان يقال حينئذ: النحويون ببغداذ أربعة: ابن الجواليقىّ وابن الشّجرىّ وابن الخشاب وابن الدّهان. وكان جماعته يتعصّبون له، ويفضّلونه على غيره، ويقصدون نحوه لنحوه، ثم قصد الموصل فى زمان جمال الدين الجواد، وسكن فى ظلّه الوارف، وحظى من فضله الوافر، وأقام بعده بها إلى أن توفى سنة تسع وستين وخمسمائة، وقد أضرّ بصره، واختلّ نظره- رحمه الله» .
276- سعيد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميدانىّ النيسابورىّ [1]
ولد الميدانىّ «4» الأديب المشهور، صاحب كتاب الأمثال وغيره. وولده هذا ذكره البيهقىّ فى الوشاح فقال فى وصفه:
«من حطّ الرّحال [عنده] يوما للتحصيل والتعليم، فلا شكّ أنه يخيّم فى فضاء التبجيل والتعظيم، ولا يبقى صفر الراحة من المال، معطّل الباحة من حسن الحال،
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 548 ا، وبغية الوعاة 254، وتلخيص ابن مكتوم 78، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 349. والميدانى، بفتح الميم وسكون الياء: منسوب إلى محلة تعرف بميدان زياد بنيسابور. قال السمعانى إنه توفى فى حدود سنة 540. وفى بغية الوعاة وطبقات ابن قاضى شهبة أنه توفى سنة 539.(2/51)
وهذا الإمام تأدّب بآداب أبيه اللائحة، واجتهد فى سلوك سبله الواضحة؛ حتى تحقق فيه قول القائل: «ما أشبه الليلة بالبارحة» .
ومن منظومه قصيدة قالها فى الإمام فخر الدين عبد العزيز الكوفىّ:
غرض «1» العذول وملّ من تعنيفى ... وأماط عنه حبائل التخويف
لما رأى ألّا أريم «2» من الضّنى ... مثواى رقّ لجسمى المنزوف «3»
لانت عريكته «4» وذلّ شماسه «5» ... لمتيمّ رهن الغرام لهيف
من لى بقلب المستهام ومن له ... بجميل صبر للغرام رديف
طاف الهوى بهما جميعا مثل ما ... [طافت على] الأرواح ريح خريف
ومنها:
قالت خليلك رهطه «6» كوفيّة ... فلأجل ذا بوفائه لا يوفى
قلت اخسئ فلقد نرى متوفّرا ... كلّ الوفاء لدى الامام الكوفى
شمس يعمّ الخافقين إياتها «7» ... مأمونة من غيبة وكسوف
خاض العباب إلى العلوم فنالها ... موفورة والناس عند السّيف «8»
لا زال صدر الدين فيه موشّحا ... بقلائد التيجان والتشريف
أضحى كمثل الشمس فى فلك العلا ... والشمس تستغنى عن التعريف(2/52)
277- سعيد بن محمد الغسّانى النحوىّ القيروانىّ أبو عثمان [1]
كان أستاذا فى كل فنّ، عالما بالعربية واللغة والجدل- وكان الجدل أغلب الفنون عليه- وكان دقيق النظر جدا، ثابت الحجّة، شديد العارضة «1» ، حاضر الجواب، صحيح الخاطر.
وله كتب كثيرة: منها كتاب توضيح المشكل فى القرآن، وكتاب المقالات ردّ فيه على المذاهب أجمعين، وكتاب الاستيعاب، وكتاب الأمالى، وكتاب عصمة الدينيين، وكتاب العبادة الكبرى والصغرى، وكتاب الاستواء، إلى كتب كثيرة جملتها فى الاحتجاج على الملحدين.
وله مع أبى عبد الله المعلّم مسائل برز فيها، وظهرت حجته فيها، ثم أملاها سعيد على أصحابه، وسماها المجالس.
وكان العراقيون يوجهون إليه مع تلاميذهم من يعنّته ويسأله، فحدّث بعض أهل القيروان قال: أتوه يوما فألفوه فى الحمام، فتلقوه وهو خارج منه، فقالوا:
أعزك الله! كيف وجدت الحمام؟ فقال لهم: غاية فى الطّيب. فقالوا له: من جهة الذوق طيبه- أصلحك الله-؟ فقال لهم: يا حثالة الزنادقة، وإخوان المدابير، وتلاميذ الملحدين، أرأيتم قول الله تعالى: (حَتَّى «2» إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ
) ، أمن قبل الذوق وجد طيب الريح!.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 257، وتلخيص ابن مكتوم 78، وروضات الجنات 314، وطبقات الزبيدىّ 162- 164، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 354- 355. وفى طبقات الزبيدىّ اسمه: «ابن الحداد سعيد بن محمد الغسانى» ، وما ذكره هنا المؤلف فى ترجمته يوافق ما فى الطبقات.(2/53)
وكان لسعيد بالقيروان فى أوّل دخول الشيعة مقامات محمودة، ناضل فيها عن الدّين، وذبّ عن السّنن، حتى مثّله أهل القيروان فى حاله تلك بأحمد بن حنبل «1» أيام المحنة «2» ، وكان يناظرهم ويقول: قد أوفيت على التسعين، وما بى إلى العيش من حاجة، ولا بدّ لى من المناضلة عن الدين، وأن أبلغ فى ذلك عذرا. ففعل. وكان المعتمد عليه فيها؛ وذلك أنهم لما ملكوا البلد وأظهروا تبديل الشرائع، وإحالة السّنن، بدروا إلى رجلين كبيرين من أصحاب سحنون «3» فقتلوهما، وعرّوا أجسادهما، ثم نودى عليهما: هذا جزاء من ذهب مذهب مالك «4» .(2/54)
278- سعيد بن عبد الله بن دحيم الأزدىّ القرشىّ النحوىّ أبو عثمان [1]
سكن إشبيلية. كان عالما بالآداب والأخبار، إماما فى كتاب سيبويه، ذا حظّ وافر فى علم اللغة، وشروح الأشعار وضروب الآداب والأخبار. وشيوخه فى ذلك الوقت أبو نصر هارون بن موسى ومحمد بن عاصم وابن أبى الحباب ومحمد ابن خطاب وغيرهم. وذكره ابن خزرج.
وتوفى يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة تسع وعشرين وأربعمائة.
279- سعدان بن المبارك النحوىّ الكوفىّ أبو عثمان [2]
مولى عاتكة، مولاة المهدى بن المعلّى بن أيوب بن طريف. والمبارك من سبى طخارستان «1» . من علماء الكوفيين ورواتهم. وقد روى عن أبى عبيدة من البصريين.
وتوفى «2» . وله من الكتب: كتاب خلق الإنسان. كتاب الوحوش.
كتاب الأمثال. كتاب النقائص، رواه عن أبى عبيدة. كتاب الأرضين والمياه والجبال والبحار «3» .
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 255، وتلخيص ابن مكتوم 78، والصلة لابن بشكوال 1: 219.
وفى تلخيص ابن مكتوم: «سعيد بن عبد الله بن دحم» .
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 254، وتاريخ بغداد 9: 203، وتلخيص ابن مكتوم 78- 79، والفهرست 71، ونزهة الألباء 206. وما ذكره يوافق ما فى الفهرست وتاريخ بغداذ.(2/55)
280- سلمة بن عاصم أبو محمد النحوىّ [1]
من نحاة الكوفة. روى عن يحيى بن زياد الفرّاء كتبه. وحدّث عن أحمد ابن يحيى ثعلب، وكان أديبا فاضلا عالما. قال إدريس بن عبد الكريم: قال لى سلمة بن عاصم: أريد أن أسمع كتاب العدد من خلف «1» . فقلت لخلف، فقال:
فليجئ، فلما دخل رفعه لأن يجلس فى الصّدر، فأبى وقال: لا أجلس إلا بين يديك. وقال: هذا حقّ التعلّم، فقال له خلف: جاءنى أحمد بن حنبل يسمع حديث أبى عوانة «2» ، فاجتهدت أن أرفعه، فأبى وقال: لا أجلس إلا بين يديك، أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه.
وقال ثعلب: كان سلمة حافظا لتأدية ما فى الكتب، وكان ابن قادم حسن النظر فى العلل، وكان الطّوال حاذقا بإلقاء العربية.
وقال محمد بن القاسم بن بشار الأنبارىّ: كتاب سلمة أجود الكتب- يعنى كتابه فى معانى القرآن- قال: لأن سلمة كان عالما، وكان لا يحضر مجلس الفرّاء يوم الإملاء، ويأخذ المجالس ممّن يحضر ويتدبّرها، فيجد فيها السهو، فيناظر عليها الفرّاء، فيرجع عنه.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 260، وتلخيص ابن مكتوم 79، وطبقات الزبيدى 96، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 356، وطبقات القرّاء لابن الجزرى 1: 311، والفهرست 67، وكشف الظنون 1730، ومعجم الأدباء 11: 242- 243، ونزهة الألباء 204- 205. قال ابن الجزرى: «توفى بعد السبعين ومائتين فيما أحسب» ، وذكر صاحب كشف الظنون أنه توفى سنة 310. وذكر ياقوت له من الكتب المصنفة: معانى القرآن، والمسلوك فى العربية، وغريب الحديث.(2/56)
وكان ثعلب سمع كتاب المعانى للفرّاء من سلمة بن عاصم عن الفراء.
والحدود فى النحو ستون حدا، سمعها من سلمة عن الفرّاء أيضا. وأنشد ابن شقير «1» الشاعر فى سلمة:
لو تلفّفت فى كساء الكسائى ... وتفرّيت فروة الفرّاء
وتخلّلت بالخليل وأضحى ... سيبويه لديك عبد سباء «2»
وتلبّست من سواد أبى الأس ... ود ثوبا يكنى أبا السوداء
لأبى الله أن يراك ذوو الأل ... باب إلا فى صورة الأغبياء
ورأيت فى المجموع الذى نقلت منه هذه الأبيات أبياتا أخرى؛ فلا أدرى:
أهى فى سلمة أم فى مثله من النحاة؛ وهى:
يا غليظ الطّباع يا أبرد النا ... س إلى اليوم منذ كنت صبيا
لو يقوم الخليل أو يبعث الل ... هـ من القبر يونس النحويّا
فأفاداك كلّ باب من النح ... وبعلاته لكنت غبيّا
أنت نىّ غثّ ركيك ولمّا ... تستحبّ النفوس ما كان نيّا
وقال أحمد بن يحيى ثعلب النحوىّ: جئت سلمة وهو غضبان، فقلت له:
مالك يا أبا محمد؟ فقال: جاءنى شيخ يزعم أن الفرّاء أخطأ قولهم «قائمين كان الزيدون» إذ كان لا يجيز «قائما ضربت زيدا» . فقلت: عدّ عن هذا، إنما جاز «قائمين كان الزيدون» لأن «قائمين» خبر لكان، ولم يجز «قائما ضربت زيدا» لأن «قائما» ليس خبرا «لضربت» :
ورئى فى كمّ سلمة بن عاصم شعر العباس بن الأحنف، فقيل له: مثلك- أعزّك الله- يحمل هذا! فقال: ألا أحمل شعر من يقول:(2/57)
أسأت «1» إذ أحسنت ظنى بكم ... والحزم سوء الظن بالناس
يقلقنى «2» شوقى فآتيكم ... والقلب مملوء من الياس
281- سلمة بن سعد النحوى الأندلسىّ القرطبىّ [1]
يكنى أبا القاسم، يروى عن أبى الحسن الأنطاكىّ المقرئ وأبى بكر الزبيدىّ ومحمد بن يحيى الرّياحى ومحمد بن أصبغ النحوىّ. كان مشهورا بمعرفة الأدب؛ أخذ عنه أبو محمد قاسم بن إبراهيم الخزرجىّ كثيرا.
282- سهل بن محمد أبو حاتم السّجستانىّ الجشمىّ النحوىّ اللغوىّ المقرئ [2]
نزيل البصرة وعالمها. قال المبرّد: سمعته يقول: قرأت كتاب سيبويه على الأخفش «3» مرتين. وكان كثير الرّواية عن أبى زيد وأبى عبيدة والأصمعىّ، عالما
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 79.
[2] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافىّ 93- 96، وإشارة التعيين الورقة 21، والأنساب 291 ب، وبغية الوعاة 265، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 250) ، وتقريب التهذيب 104، وتلخيص ابن مكتوم 79- 80، وتهذيب التهذيب 4: 257- 258، وابن خلكان:
1: 218- 219، وشذرات الذهب 2: 121، وطبقات الزبيدى 64- 67، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 361- 364، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 320- 321، وطبقات المفسرين للداودى، 89 ب، وعيون التواريخ (وفيات سنة 250) ، والفلاكة والمفلوكين 86، والفهرست 58- 59، وكشف الظنون 33، 115، 123، 1383، 1429، 1436، 1439، 1446، 1449، 1452، 1454، 1457، 1458، 1466، 1469، 1577، 1781، ومراتب النحويين 123، 130- 134، ومرآة الجنان 2: 156، والمزهر 2: 408، 419، 445، 464، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 233- 234، ومعجم الأدباء 11: 263- 265، والنجوم الزاهرة 2: 332، ونزهة الألباء 251- 254. والسجستانى، بكسر السين والجيم وسكون السين الثانية: منسوب إلى سجستان. وهو إقليم بين فارس والسند. وقال بعضهم:
بل هو منسوب إلى سجستانة، من قرى البصرة. والجشمىّ، بضم الجيم وفتح الشين: منسوب إلى جشم، وهو يطلق على عدّة قبائل: قال ابن خلكان: «ولا أدرى إلى أيها ينسب أبو حاتم المذكور» .(2/58)
باللغة والشعر، حسن العلم بالعروض وإخراج المعمّى. وله شعر جيّد، ويصيب المعنى، ولم يكن حاذقا فى النحو.
وله مصنفات كثيرة فى اللغة والقرآن. قال المبرّد: ولو قدم [بغداذ «1» ] لم يقم له منهم أحد.
وكان إذا التقى هو والمازنىّ فى دار عيسى «2» بن جعفر الهاشمىّ تشاغل أو بادر خوفا من أن يسأله المازنىّ عن النحو.
وكان جّماعة للكتب، وكان يتّجر «3» فيها. قال أبو العباس المبرّد: أتيت السّجستانىّ وأنا حدث، فرأيت منه بعض ما ينبغى أن تهجر حلقته له. فتركته مدّة، ثم صرت إليه، فعمّيت له بيتا لهرون الرشيد، فأجابنى «4» :
أيا حسن الوجه قد جئتنا ... بداهية عجب فى رجب
فعمّيت بيتا وأخفيته ... فلم يخف بل لاح مثل الشهب
فأظهر مكنونه الطّيطوى «5» ... وهتّك عنه الحمام الحجب
فذلّل ما كان مستصعبا ... لنا فتناولته من كثب
أيا من إذا ما دنونا له ... نأى وإذا ما نأينا اقترب
عذرناك إذ كنت مستحسنا ... وبيتك ذو الطير بيت عجب(2/59)
[سلام على النازح المغترب ... تحيّة صبّ به مكتئب «1» ]
وله شعر كثير، وعليه اعتمد ابن دريد فى أكثر اللغة.
وتوفى أبو حاتم سنة خمس وخمسين ومائتين.
كان يقرأ عليه كتب الأخفش فيردّ فيها ردا حسنا. قال ابن الغازى: ثم رأيتها تقرأ على أبى الفضل الرياشىّ؛ فلا حول ولا قوّة إلا بالله، أىّ ندف كان يندفها.
قال الرياشىّ على قبر أبى حاتم: ذهب بعلم كثير. قيل له: كتبه؛ فقال الرّياشىّ: الكتب تؤدّى ما فيها، ولكن صدره! وقيل لأبى زيد: على من يقرأ بعدك؟ فقال: على أبى سهل. وكان أبو حاتم يتّهم بحب الصبيان، وكان بريئا من ذلك؛ إنما كان كثير الدّعابة، فوجد ذلك السبيل إلى عرضه.
وقال أبو عثمان الخزاعىّ: رأيت كأنى بين النائم واليقظان، وسمعت قائلا يقول «2» :
أبو حاتم عالم بالعلوم ... وأهل العلوم له كالخول «3»
عليكم أبا حاتم إنّه ... له بالقراءة علم جلل
فإن تفقدوه فلن تدركوا ... له ما حييتم بعلم بدل «4»(2/60)
ودخل أعرابى مسجد البصرة، فتفقد أبا حاتم- وكان يختلف إليه- فأعلم بموته، فقال «1» :
يا بانى الدّنيا للذّاته ... أعظم بذكر الموت من هادم
أما ترى الإخوان قد سارعوا ... بقادم منهم على قادم
ومرّ من قد كنت تزهى به ... ولست مما ذاق بالسّالم
وليس نقص الأرض من جاهل «2» ... مات ولكن ذاك من عالم
أما العراقان «3» فقد أقفرا ... لحادث حلّهما قاصم
من كان للخطبة يعنى بها ... وللغريب المشكل القائم
[قد ذهب العلم بأعلامه ... والنحو من بعد أبى حاتم «4» ]
من للدواوين «5» إذا حصّلت ... وكتب أملاك بنى هاشم
مفتاح قفل ضلّ مفتاحه ... ولؤلؤ «6» يبقى بلا ناظم
يا مسجد البصرة لم تبكه ... بواكف من دمعك السّاجم
قال أبو بكر بن دريد: مات أبو حاتم بالبصرة فى رجب سنة خمس وخمسين «7» ومائتين ودفن بسرّة المصلّى، وصلى عليه سليمان بن جعفر بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب- وكان والى البصرة يومئذ.(2/61)
وقال مروان بن عبد الملك: توفى أبو حاتم فى المحرّم من هذا التاريخ. وقال آخر: مات فى هذا التاريخ، وكان يوما مطيرا، وصلى عليه سليمان بن القاسم أخو جعفر بن القاسم.
وله من الكتب: كتاب إعراب القرآن. كتاب ما تلحن فيه العامة.
كتاب الطير. كتاب المذكر والمؤنث. كتاب النبات. كتاب المقصور والممدود. كتاب الفرق. كتاب القراءات. كتاب المقاطع والمبادئ. كتاب الفصاحة. كتاب النخلة «1» . كتاب الأضداد «2» . كتاب القسىّ والنبال والسهام. كتاب السيوف والرماح.
كتاب الدرع والترس. كتاب الوحوش. كتاب الحشرات. كتاب الهجاء. كتاب الزرع. كتاب خلق الإنسان. كتاب الإدغام، كتاب اللّبأ «3» واللبن الحليب. كتاب الكرم. كتاب الشتاء والصيف.
كتاب النحل والعسل. كتاب الإبل. كتاب العشب «4» . كتاب الإتباع.
كتاب الخصب والقحط. كتاب اختلاف المصاحف. كتاب الشوق إلى الأوطان. كتاب الحرّ والبرد والشمس والقمر والليل والنهار. كتاب الفرق بين الآدميين وبين كل ذى روح.(2/62)
وكتابه فى القراءات مما يفخر به أهل البصرة؛ فإنه أجلّ كتاب صنّف فى هذا النوع إلى زمانه.
ولأبى حاتم كتاب كبير فى إصلاح المزال والمفسد، مشتمل على الفوائد الجمة. وما رؤى كتاب فى هذا الباب أنبل منه ولا أكمل «1» .
وقال أبو حاتم سهل بن محمد السّجستانىّ: كنت «2» عند أبى الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش وعنده التّوّزىّ، فقال لى: يا أبا حاتم، ما صنعت فى كتاب المذكر والمؤنث؟
قلت: قد عملت فى ذلك شيئا، فقال: فما تقول فى الفردوس؟ قلت: ذكر.
قال: فإن الله عز وجل يقول: (الفردوس «3» هم فيها خالدون) . قال: قلت: ذهب إلى الجنة فأنّث. فقال لى التّوّزىّ: يا غافل، أما تسمع الناس يقولون: أسألك الفردوس الأعلى! فقلت له: يا نائم، الأعلى هاهنا «أفعل» وليس «بفعلى» .
وذكر أبو حاتم سهل بن محمد قال: «كان «4» جزئى على يعقوب «5» ، ومنزلتى عنده فيمن يقرأ أن أجلس إلى جنب من يقرأ عليه، فإذا فرغ أخذت من الموضع الذى يتركه، فأقرأ عليه. فجئت ذات يوم، ورجل يقرأ عليه من «سورة البقرة» حتى انتهى إلى قوله:
(وقال لهم نبيّهم «6» ) . فابتدأت من هذا المكان، حتى انتهيت إلى قوله: (فلمّا جاوزه هو(2/63)
والذين آمنوا معه) ، فحصبنى وقال: أحسن [أحسن] ، فأعدت الحرف من غير إدغام، وقد كنت قرأت عليه الإدغام مرارا كثيرة، فقلت له: هذا لا يجوز الإدغام فيه، فقال: لم- وحدّثنى غير واحد عن أبى عمرو أنه كان يدغم؟. فقلت له: اتّهم الرواة، فإنهم لم يضبطوا عنه. فقال- وحدّثنى وأكثر منه. فقلت له: هذا لا يجوز [لأنّ] «1» بينهما واوا، وكيف تدغم الحرف فى الحرف وبينهما حرف آخر! فقال: اقرأ. فقرأت.
وكان الأخفش النحوىّ يجلس خلف أسطوانة يعقوب، فصرت إلى الأخفش، فسلمت عليه، فقال لى: يا رأس البغل، لعنك الله؛ تأبى إلا أن تعلم ما يعلم المشايخ! والله لا قرأ يعقوب إلا كما قلت» .
واتفق أن ابن اللّيث الصّفّار «2» صاحب سجستان ملك بعد موت أبى حاتم شيراز والأهواز، وخاف منه أهل البصرة أن يستولى على بلدهم. وسمع ابن الصّفار بموت أبى حاتم، واشتاقت نفسه إلى كتبه، فسيّر من ابتاعها من ورثته، ووقف أهل البصرة عن المزايدة فيها، خشية من ابن الصفّار ومصانعة له، فأبيعت بقيمة أربعة عشر ألف دينار، ونقلت إلى يعقوب، لم يترك منها شىء.
283- سلمويه النحوىّ الكوفىّ [1]
تلميذ الكسائى، أخذ عنه جزءا من النحو، وتصدّر لإفادته الطلبة.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 80، وبغية الوعاة 260، وطبقات الزبيدى 95.(2/64)
284- سماك بن حرب بن أبى سعيد [1]
محدّث «1» راوية. قال حمّاد «2» الكاتب: كنا نأتى سماك بن حرف فنسأله عن الشعر، ويأتى أصحاب الحديث، فيقبل علينا ويدعهم ويقول: هؤلاء ثقلاء.
285- السّرخسىّ [2]
من نحاة الكوفة، ونسبه أشهر من اسمه. واسمه عبد العزيز بن محمد، ويكنى أبا طالب. كان جارا لهشام الضرير، وكان يجلس للإفادة فى مسجد الترجمانية.
وله تصنيف فى النحو كبير، غير موجود.
__________
[1] ترجمته فى تاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 123) ، وتلخيص ابن مكتوم 80، وتقريب التهذيب 103، وتهذيب التهذيب 4: 232- 234، وخلاصة تذهيب الكمال 132، وشذرات الذهب 1: 161، وطبقات الزبيدى 113، وعيون التواريخ (وفيات سنة 123) ، ومرآة الجنان 1: 259- 260، والنجوم الزاهرة 1: 290، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 1: 158.
وما ذكره المؤلف من اسمه وترجمته يوافق ما فى طبقات الزبيدىّ. واسمه فى بقية كتب التراجم: سماك بن حرب بن أوس بن خالد الذهلىّ البكرىّ.
[2] ترجمته فى الفهرست 70.(2/65)
286- سراج بن عبد الملك بن سراج أبو الحسين اللغوىّ الأندلسىّ [1]
قرطبىّ نحوى مشهور فى زمانه، متصدّر للإفادة فى إقليمه، يقرأ عليه.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ «1» فى إجازته العامة، حدّثنى أبو الوليد يوسف بن المفضل ابن الحسن الأنصارىّ القبذاقىّ «2» بالإسكندرية بعد قفوله من الحجاز وتوجهه إلى الأندلس، حدّثنى أبو بكر يحيى بن محمد بن زيدان القرطبىّ بها، قال: حضرت مجلس أبى الحسين سراج بن عبد الملك بن سراج اللغوىّ، فقرئ عليه فى الموطّأ «3» :
«لا قطع فى ثمر ولا كثر» «4» ، فأنشد لصاعد بن الحسن الرّبعىّ «5» :
ومهفهف أبهى من القمر ... قهر الفؤاد بفاتر النّظر
خالسته تفّاح وجنته ... فأخذتها منه على غرر
فأخافنى قوم فقلت لهم: ... «لا قطع فى ثمر ولا كثر»
__________
[1] ترجمته فى بغية الملتمس للضبى 290- 291، وبغية الوعاة 251- 252، وتلخيص ابن مكتوم 80، والديباج المذهب 126، والصلة لابن بشكوال 1: 226، والمعجم لابن أباره 305- 307، ومعجم الأدباء 11: 181- 182. قال ابن مكتوم: «توفى أبو الحسن سراج يوم الإثنين لسبع بقين من جمادى الآخرة من سنة ثمان وخمسمائة بقرطبة، ومولده سنة تسع وثلاثين وأربعمائة- رحمه الله ورضى عنه» .(2/66)
287- سالم بن أحمد بن سالم بن أبى الصقر أبو المرجى النحوىّ العروضىّ العراقىّ [1]
كانت له معرفة بالنحو وبقول الشعر، ويعرف عروضه وأوزانه. وله فى ذلك يد جيدة. سافر الكثير، ولقى جماعة من الأدباء، وأخذ عنهم، ونظم أرجوزة فى النحو على الأبواب كملحة أبى محمد الحريرىّ البصرىّ، وامتدح جماعة بقصائد من شعره.
وتوفى ببغداذ يوم الأحد خامس ذى القعدة سنة إحدى عشرة وستمائة، وصلى عليه فى هذا اليوم، وحمل إلى الجانب الغربىّ، ودفن فى مشهد موسى ابن جعفر.
288- سلامة بن غيّاض [2]
بغين معجمة، وياء آخر الحروف مشدّدة. ابن أحمد. أبو الخير النحوىّ الشامىّ. من أهل كفر طاب. «1» كان أديبا فاضلا، له معرفة جيدة بالنحو واللغة، وله فى النحو تصانيف. قرأ بمصر على أبى الحسن على بن جعفر العرقىّ وابن القطّاع الصّقلّىّ اللغوىّ وغيرهما. وقدم العراق بعد سنة عشرين وخمسمائة، وأقام ببغداذ مدّة، وقرأ عليه قوم بها وسمعوا منه، ثم سار إلى واسط وأقام بها، ودرس بها النحو فى جامعها؛ علّقه عنه أبو الفتح بن زريق الحدّاد وجماعة معه، ورحل إلى
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 251، وتلخيص ابن مكتوم 80- 81، ومعجم الأدباء 11:
178، والوافى بالوفيات ج 4 مجلد 2: 304.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 259، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 533) ، وتلخيص ابن مكتوم 81، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 367- 368، ومعجم الأدباء 11: 233- 234، وكشف الظنون 393.(2/67)
البصرة، ثم رحل إلى بلاد العجم، وجال فى أقطارها، وعاد بعد ذلك إلى الشام، واستوطن حلب، ومات بها فى شهور سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وخلف بها عقبا. ومن بنات ابنه من هو باق إلى الآن، ويعرفون بالعالمات النحويات، نسبة إليه.
وكان- رحمه الله- حسن الضبط والخط، كثير التنقيب والتحقيق، [وله رسالة فى فضل العربية والحث على تعليمها «1» ] ، وقعت إلىّ بخطه، وهى فى غاية الجودة والصحة وحسن النّقيبة «2» .
289- سالم بن أبى الصقر أحمد بن سالم العروضىّ الملقب بالمنتجب [1]
من ساكنى درب القرنفليّين ببغداذ. كانت له معرفة جيدة بالأدب والعروض وصناعة الشعر. قرأ على الشيخ أبى البقاء النحوىّ، وعلى الشيخ أبى الخير مصدّق بن شبيب، وعلى أبى البركات عبد الرحمن بن الأنبارى الشيخ الصالح النحوىّ، وصحب الوجيه النحوىّ، وسافر إلى بلاد العجم، وعاد إلى بغداذ، وتوفى بها فى اليوم الخامس من ذى القعدة، يوم الأحد سنة إحدى عشرة وستمائة، ودفن بمشهد موسى بن جعفر.
__________
[1] هو مكرر رقم 287.(2/68)
290- ساتكين بن أرسلان أبو منصور التركىّ المالكى الأديب [1]
نزيل دمشق. كانت له فى النحو يد، وصنف فيه مقدّمة لطيفة. ذكره الحافظ أبو القاسم على بن عساكر فى تاريخه «1» .
291- سليم بن أيوب بن سليم أبو الفتح الرازىّ الفقيه الأديب [2]
سكن الشام مرابطا محتسبا لنشر العلم، وصنف كتابا فى غريب الحديث. قال سليم: دخلت بغداذ فى حداثتى لطلب علم اللغة، فكنت آتى شيخا (ذكره) ، فبكّرت فى بعض الأيام إليه، فقيل لى: هو فى الحمام. فمضيت نحوه، فعبرت فى طريقى على الشيخ أبى حامد الأسفرايينىّ «2» وهو يملى، فدخلت المسجد وجلست مع الطلبة، فوجدته فى كتاب الصيام فى هذه المسألة: «إذا أولج ثم أحس بالفجر فنزع» .
فاستحسنت ذلك وعلّقت الدرس على ظهر جزء كان معى، فلما عدت إلى منزلى
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 251، وتاريخ ابن عساكر 15: 14، وتلخيص ابن مكتوم 81، والوافى بالوفيات ج 4 مجلد 2: 291.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 81، وابن خلكان 1: 212- 213، وطبقات الشافعية 3: 168، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 1: 28. والرازى: منسوب إلى الرىّ، وهى مدينة عظيمة من بلاد الديلم. والنسبة على غير القياس.(2/69)
وجعلت أعيد الدرس حلا لى، وقلت: أتمّ هذا الكتاب- يعنى كتاب الصيام- فعلّقت كتاب الصيام، ولزمت الشيخ أبا حامد حتى علّقت عنه جميع التعليق.
وكان قد استوطن صور، وكان يقول: وضعت منى صور، ورفعت من أبى الحسن المحاملىّ «1» بغداذ.
وكان سليم ببغداذ ترد عليه الكتب من الرّىّ فلا يقرؤها؛ إلى أن استكمل ما أراد من أنواع العلم، ثم فتحها فوجد فيها من موت أهله وحدوث ما يشغل خاطره أمرا لو قرأه لاشتغل به عن الطلب. وكان فى أوّل أمره يطلب الأدب، ثم تفقه بعد الأربعين من عمره.
قال غيث بن على الأرمنازىّ الصّورىّ «2» : غرق سليم بن أيوب الفقيه فى بحر القلزم «3» عند ساحل جدّة بعد عوده من الحج، فى صفر سنة سبع وأربعين وأربعمائة، وكان قد نيّف على الثمانين، ودفن فى جزيرة بقرب الجار «4» عند المخاضة.(2/70)
292- سيبويه السّنجارىّ النحوىّ [1]
قريب العهد فى زماننا هذا. رحل عن سنجار إلى بغداذ، وأخذ عن الكمال الأنبارىّ وعن عبد الرحيم العصار، وعاد إلى بلده سنجار، وتصدّر لإفادة هذا الشأن.
وكان ممن أدركته حرفة الأدب، وأحوجته الحاجة إلى الارتزاق بالتفقه على مذهب النعمان، وابتلى مع عيشه الأنكد بمدرّس يمتهنه فى المحافل، ويمنحه الإلواء عنه والتغافل، وله عائلة تحمله على الذلّ، وعنده إقلال صيّره الأخسّ الأقل. ولم يزل مكابد الفقر إلى أن صار إلى قبره. فسبحان من رزق الجاهل، وحرم الفاضل؛ صنع لا يفهم معناه، وحكم لا يستحلى مجناه؛ يفعل الله ما يشاء، ويحكم ما يريد، فله الحمد إذ لا يحمد على المكروه سواه. وكانت وفاته بسنجار فى حدود سنة ست وستمائة.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 81- 82. والسنجارىّ، بكسر السين وسكون النون:
منسوب إلى سنجار؛ وهى من بلاد الجزيرة.(2/71)
(حرف الشين)
293- شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمىّ النحوىّ المؤدب البصرىّ [1]
سكن الكوفة زمانا، ثم انتقل عنها إلى بغداذ، وحدّث بها عن الحسن البصرىّ «1» وقتادة، وكان يؤدّب سليمان بن داود الهاشمى ببغداذ. وكان شيبان النحوىّ ينسب إلى بطن يقال لهم نحو، وهم بنو نحو بن شمس (بضم الشين) ، بطن من الأزد.
وذكر أبو الحسين بن المنادى: المنسوب إلى القبيلة من الأزد التى يقال لها نحو، هو يزيد النحوىّ، لا شيبان.
وقال أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث: يزيد النحوىّ، هو يزيد بن أبى سعيد، وهو من بطن من الأزد يقال لهم بنو نحو، ليس من نحو العربية.
ولم يرو منهم الحديث إلا رجلان: أحدهما يزيد هذا. وسائر من يقال له النحوىّ
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 556 ا، وتاريخ بغداد 9: 271- 274، وتذكرة الحفاظ 1: 202- 203، وتقريب التهذيب 110، وتلخيص ابن مكتوم 82، وتهذيب التهذيب 4: 273- 274، وخلاصة تذهيب الكمال 142، وشذرات الذهب 1: 259، وطبقات ابن سعد 6: 262، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 2- 3، وطبقات القرّاء لابن الجزرى 1: 329، ومعجم الأدباء 11: 275- 276، ونزهة الألباء 38- 41.(2/72)
فمن نحو العربية؛ شيبان بن عبد الرحمن، وهارون بن موسى النحوىّ وأبو زيد النحوى. قال يحيى بن معين: شيبان ثقة. وهو صاحب كتاب صحيح «1» .
يقال إنه مات ببغداذ فى خلافة المهدى، ودفن فى مقابر الخيزران. توفى سنة أربع وستين ومائة.
294- شيث بن إبراهيم بن الحاج القفطىّ [1]
الفقيه النحوى الزاهد العالم المتفنن. كان من أهل مدينة قفط، من صعيد مصر، وأهله أهل قرآن وخير وصلاح، أصحاب سنة وجماعة، أرباب تعصب فى ذلك، وقد كانوا يتظاهرون به فى الدولة العلوية القصرية، وعلم منهم ذلك فلم يعارضوا. وكان أخوه الفقيه محمد المقرئ «2» ممن سلمت إليه صناعة القرآن فى الروايات وجودة التلاوة وطيب النغمة، ولم يزل مفيدا للناس فى مسجد له بمحلّة «3» مفردة له ولأهله، تعرف بحارة ابن الحاج.
وكان الفقيه شيث هذا قيّما بعلم النحو، وله تصنيفان: أحدهما اسمه المختصر، وآخر أخصر منه سماه المعتصر من المختصر، وقد جدول فى المختصر جدولا لعوامل الإعراب، أجمع من رآه أنه لم يأت أحد بمثله. وله مسائل نحوية؛ أجوبة عن مآخذ أخذها عليه بعض النحاة، سماها حز الغلاصم «4» وإفحام المخاصم «5» .
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 267، وتلخيص ابن مكتوم 82، والطالع السعيد 137- 139، والديباج المذهب 127- 129، ومعجم الأدباء 11: 277- 281، ونكت الهميان 168- 170.(2/73)
وكان يتفقه على مذهب مالك بن أنس. وله مسائل وتعاليق فى الفقه جميلة، وله كلام فى الرقائق.
وقد كان- رحمه الله- حسن العبارة مخلوقا من حذر، لم يره أحد ضاحكا قط ولا هازلا، وكان يسير فى أفعاله على سنن السلف الصالح، وكان ملوك البلاد يجلون قدره، ويرفعون ذكره.
وكان [القاضى] الفاضل عبد الرحيم بن علىّ البيسانىّ «1» يعرف قدره، ويعظم ذكره، ويقبل إشارته فى حق من يشفع فيه، وله إليه مكاتبات ومخاطبات يشهد بها ترسّله، وانتقل فى آخر عمره إلى مدينة قريبة من مدينته اسمها إقنا، وأقام بها لاشتهار كلمة السّنة بها، إلى أن توفىّ- رحمه الله- فيما بلغنى قريبا من سنة ستمائة «2» ، بعد أن طعن فى السن، وكف بصره.(2/74)
295- الشّمر بن نمير النحوىّ المقرىء [1]
كان من أهل العلم بالعربية واللغة، ورحل من قرطبة بعد التأدب بها إلى المشرق، فلقى رجالا من أهل الحديث، منهم حسين «1» بن [أبى «2» ] ضميرة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستوطن مصر، وروى عنه عبد الله بن وهب «3» وغيره من نظرائه، وتوفى هنالك. وبقى له بالأندلس ابن يسمى عبد الرحمن، وكان يؤدّب ابن أبى عبده، واتصل بالأمير عبد الرحمن «4» بن الحكم قبل أن يلى الأمر، فلما ولى قربه من تخصصه، وأنسه به.
وكان من ألطف الناس محلا عنده، وكان شاعرا مفلقا. وروى أن عبد الرحمن ابن الحكم أجنب فى بعض غزواته فلما قضى طهره، بعث فى طلب عبد الرحمن ابن الشّمر، فدخل [و «5» ] الوصيف يخفّف شعره، فقال له ابن الشّمر:
شاقك من قرطبة السّارى ... فى الليل لم يدر به دار
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 267، وتاريخ علماء الأندلس 1: 166، وتلخيص ابن مكتوم 82- 83، وطبقات الزبيدى 175، ولسان الميزان 3: 153، وميزان الاعتدال 1: 404.
وما ذكره المؤلف هنا يوافق ما فى طبقات الزبيدى.(2/75)
فأجابه بديهة:
زار فحيّا فى ظلام الدّجى ... أهلا به من زائر سار
فانصرف من غزوته، واستناب على الجيش من يقدم به إلى جلّيقية «1»
296- شبيل بن عزرة الضّبعىّ [1]
من خطباء الخوارج وعلمائهم. صاحب غريب، وهو القائل قصيدة الغريب.
وكان أوّلا شيعيا نحو سبعين سنة، ثم انتقل إلى الشّراة «2» ، وقال:
برئت من الروافض فى القيامه ... وفى دار المقامة والسلامه
أقام بالبصرة، وأخذ الناس عنه الغريب، ولم يزل بها إلى أن مات. وخلّف بها عقبا.
297- شبيل بن عبد الرحمن الأديب النحوىّ النيسابورىّ [2]
ذكره الحاكم أبو عبد الله بن البيّع فى تاريخ نيسابور، وسماه «النحوى» ، وقال عنه:
«سمع أبا عاصم الضّحّاك بن مخلد، وعبد الملك بن قريب الأصمعىّ. وروى عنه الحسن بن منصور السّلمىّ ومحمد بن عبد الوهاب العبدىّ» .
__________
[1] ترجمته فى الاشتقاق 193، والبيان والتبيين 1: 343، وتلخيص ابن مكتوم 83، والحيوان 1: 313- 314، والفهرست 45، واللآلى 194- 195. وانظر الأغانى 21: 57، والأمالى 1: 48، وخزانة الأدب 1: 43. وما ذكر المؤلف يشبه ما فى البيان والتبيين والحيوان والفهرست. وقد ورد اسمه محرّفا فى الخزانة (شبل بن عمر) ، وفى الأمالى (شبيل بن عمرو) ، وفى الفهرست (شبيل بن عرعرة) ، وفى القاموس (شبيل بن عروة) ، والصواب ما ذكره المؤلف؛ كما ضبطه ابن دريد فى الاشتقاق ص 193، ونبه عليه الزبيدى فى تاج العروس.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 83.(2/76)
298- شمر أبو عمرو بن حمدويه الهروىّ اللغوىّ [1]
الأديب الفاضل الكامل. إليه الرحلة فى هذا الفنّ من كل مكان، وكانت له عناية صادقة بهذا الشأن. رحل إلى العراق فى عنفوان «1» شبابه، فكتب الحديث، ولقى ابن الأعرابى وغيره من اللغويين، وسمع دواوين الشعر من وجوه شتى، ولقى جماعة من أصحاب أبى عمرو الشيبانىّ وأبى زيد الأنصارىّ وأبى عبيدة والفرّاء؛ منهم الرّياشىّ وأبو حاتم وأبو نصر وأبو عدنان وسلمة بن عاصم وأبو حسان.
ثم لما رجع إلى خراسان لقى أصحاب النّضر بن شميل، والليث بن المظفّر، فاستكثر منهم.
ولما ألقى عصاه بهراة «2» ألف كتابا كبيرا فى اللغات أسسه على حروف المعجم، وابتدأ بحرف الجيم، فأشبعه وجوّده، إلا أنه طوّله فى الشواهد والشعر والروايات الجمة على أئمة العرب وغيرهم من المحدثين، وأودعه من تفسير القرآن بالروايات عن المفسرين، ومن تفسير غريب الحديث أشياء لم يسبقه إلى مثلها أحد تقدّمه، ولا أدرك شأوه فيه من بعده. ولما أكمل الكتاب ضنّ به فى حياته، ولم ينسخه طلابه، فلم يبارك له فيما فعله، حتى مضى لسبيله، فاختزل بعض أقار به ذلك الكتاب من تركته، واتصل بيعقوب «3» بن الليث السّجزىّ، فقلده بعض أعماله، واستصحبه إلى فارس ونواحيها، وكان لا يفارقه ذلك الكتاب فى سفر ولا حضر.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 21- 22، وبغية الوعاة 226- 227، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 12، وكشف الظنون 1410، ومعجم الأدباء 11: 274- 275، ونزهة الألباء 259- 261. وما ذكره المؤلف يوافق ما فى مقدّمة تهذيب اللغة للأزهرى.(2/77)
ولما أناخ يعقوب بن الليث بسيب بنى ماوان من أرض السّواد وحطّ بها سواده، وركب فى جماعة من المقاتلة من عسكره مقدّرا لقاء الموفّق «1» وأصحاب السلطان فجّر الماء من النّهروان «2» على معسكره، فغرق ذلك الكتاب فى جملة ما غرق من سواد العسكر.
قال الأزهرىّ: «ورأيت أنا من أوّل ذلك الكتاب تفاريق أجزاء بخط محمد بن قسورة، فتصفّحت أبوابها فرأيتها فى غاية الكمال. والله يغفر لأبى عمرو، ويتغمد زلّته. والضنّ بالعلم غير محمود ولا مبارك فيه» . وتوفى شمر سنة خمس وخمسين ومائتين.
299- شريح بن أحمد الشّجرى الأديب [1]
ذكره الباخرزىّ وسجع له فقال: «أنجبت «3» به ولاية نيمروز «4» ، فسار ذكره وطار، وملأ الأقطاب والأقطار، فكم من أدب أفاد، وشرح به كاسمه الفؤاد. وكان فى الشّعر قصير النّفس، ولم يكن يظفر به الرواة إلا فى الخلس، فمما أنشدنى له بهراة قوله فى العبدلكانى الزوزنىّ:
عبدلكانينا محلّى ... بالعلم والجانب العفيف
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 83، ودمية القصر 308، وذكره باسم «شريح بن عليم» .(2/78)
مكحّل العين زوزنىّ ... [مذهبه «1» ] مذهب المضيف
وله فى الزهد:
قد طال فى الذنب عمرى ... وما ارعويت فويحى
وفاض دمعى بسيل ... إذ جاد طرفى بسيح
وقد عدمت صريح ال ... تّقى فجئت بصبح
وليس يجدى صراخى ... وليس ينفع صيحى
فمنّ يا ربّ واشرح ... بالعفو صدر شريح(2/79)
(حرف الصاد)
300- صالح بن اسحاق أبو عمر الجرمىّ النحوىّ [1]
صاحب الكتاب المختصر فى النحو. بصرىّ قدم بغداذ، وناظر بها يحيى بن زياد الفرّاء. وقيل: إنه مولى بجيلة بن أنمار بن أراش بن الغوث بن خثعم.
وقيل له الجرمىّ؛ لأنه نزل فى جرم.
وكان ممّن اجتمع له مع العلم صحة المذهب وصحة الاعتقاد. وقيل إنه مولى لجرم «1» بن ربّان. وجرم من قبائل اليمن.
أخذ أبو عمر عن الأخفش وغيره. ولقى يونس بن حبيب، ولم يلق سيبويه.
وأخذ اللغة عن أبى عبيدة وأبى زيد والأصمعى وطبقتهم. وكان ذا دين وأخا ورع.
__________
[1] ترجمته فى أخبار أصبهان 1: 346- 347، وأخبار النحويين البصريين للسيرافى 72- 74، وإشارة التعيين الورقة 22، والأنساب للسمعانى 128 ا، وبغية الوعاة 268، وتاريخ بغداد 9: 313- 315، وتلخيص ابن مكتوم 84، وابن خلكان 1: 228، وروضات الجنات 334- 335، وشذرات الذهب 2: 57، وطبقات الزبيدى 46- 47، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 4- 5، وطبقات القرّاء لابن الجزرى 1: 332، وعيون التواريخ (وفيات سنة 225) ، والفهرست 56- 57، وكشف الظنون 4، 493، 1630، واللباب لابن الأثير 1: 222- 223، ومراتب النحويين 122، ومرآة الجنان 2: 90- 91، والمزهر 2: 408، 419، 428، 463، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 284- 285، ومعجم الأدباء 12: 5- 6، والنجوم الزاهرة 2: 243، ونزهة الألباء 198- 203.(2/80)
قال المبرّد: كان الجرمىّ أثبت القوم فى كتاب سيبويه، وعليه قرأت الجماعة، وكان عالما باللغة، حافظا لها، وله كتب انفرد بها، وكان جليلا فى الحديث والأخبار، وله كتاب فى السيرة عجيب.
قال ابن قادم: قدم أبو عمر الجرمىّ على الحسن بن سهل، فقال لى الفرّاء:
بلغنى أن أبا عمر الجرمىّ قدم، وأنا أحبّ أن ألقاه. فقلت له: فإنى أجمع بينكما.
فأتيت أبا عمر فأخبرته، فأجاب إلى ذلك، وجمعت بينهما، فلما نظرت إلى الجرمىّ قد غلب الفرّاء وأفحمه، ندمت على ذلك. قال ثعلب: قلت له: ولم ندمت؟ فقال: لأن علمى علم الفرّاء، فلما رأيته مقهورا قل فى عينى، ونقص علمه عندى.
مات الجرمىّ فى سنة خمس وعشرين ومائتين. وكان أبو عمر فقيها فى الدين.
وله فى النحو كتاب جيد يعرف بالفرخ، معناه فرخ كتاب سيبويه.
وكان أغوص على الاستخراج من المازنىّ. وكان المازنىّ أخذ منه. وإليه وإلى المازنىّ انتهى علم النحو فى زمانهما.
واجتمع الأصمعىّ والجرمىّ، فقال الأصمعىّ: يا أبا عمر، كيف تنشد قول الشاعر «1» :
قد كنّ يخبأن الوجوه تسترا ... فاليوم حين بدين «2» للنظّار «3»(2/81)
أو «بدأن» ؟ فقال له: بل «بدأن» . قال الأصمعى،: أخطأت؛ إنما هو «بدون» ، أى برزن وظهرن «1» .
وقال له أبو عمر الجرمىّ: يا أبا سعيد؛ كيف تصغر «مختارا» فقال الأصمعى: «مخيتير» ، فقال له الجرمىّ: أخطأت، إنما هو «مخيّر» لأن التاء فيه زائدة.
وللجرمىّ من الكتب التى صنفها: كتاب الفرخ. كتاب الأبنية.
كتاب العروض. كتاب مختصر نحو المتعلمين. كتاب غريب سيبويه.
وذكره الحافظ أبو نعيم فى تاريخ أصبهان فقال: «صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمىّ النحوىّ. قدم أصبهان مع فيض بن محمد عند منصرفه من الحج، فأعطاه يوم مقدمه عشرين ألف درهم. وكان يعطيه كل سنة اثنى عشر ألف درهم.(2/82)
يؤخذ عنه النحو والغريب. روى عن يزيد «1» بن زريع وعبد الوارث بن سعيد والبصريين «2» » .
301- صالح بن عادى العذرىّ الأنماطىّ المصرىّ النحوىّ [1]
العبد الصالح. شيخى نزيل قفط. أصله من قرى مصر الشمالية، وسكن سلفه مصر، وعانى هو صناعة الأنماط، وقرأ على المتأخرين من مشايخ ابن برّىّ
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 269، وتلخيص ابن مكتوم 84- 85، والطالع السعيد 139- 140. والأنماطى، بفتح الألف وسكون النون: منسوب إلى بيع الأنماط، وهى الفرش التى تبسط.(2/83)
- رحمه الله- وأكمل الصناعة على ابن برّىّ، وكان النحو على خاطره طريا، وكتب بخطه أصوله وحشّاها، وكانت فى غاية التحقيق والصحة.
وكان كثير المطالعة لكتب النحو، وكان على غاية من الدين والورع والنزاهة وقيام الليل ولزوم سمت المشايخ الصالحين، مستجاب الدعوة.
وكان قد حج، واجتاز بعد الحج بقفط، فرغّبه أهلها فى المقام بين أظهرهم للإفادة، فأقام. وأخذه إليه القاضى الخطيب أبو الحسن على بن أحمد بن جعفر بن عبد الباقى العثمانىّ «1» ، من ولد أبان بن عثمان القفطىّ، الذى ما رأيت أكمل منه أدبا، ولا أغزر فضلا وذكاء. وضمن له كفايته، فأقام عنده مقدار خمسين سنة على غاية ما يكون من الرفاهية والإكرام، وخلطه بأهله، وكان يخدمه بنفسه على جلالة قدره؛ والتزم له أدبا ما التزمه أحد لشيخه- فرحمهما الله، وعفا عنهما.
قرأنا عليه، واستفدنا منه. وكان يجلس للإفادة ما بين الظهر والعصر بجامع قفط، وانتفع ببركته كلّ من صحبه، وأدركه فى آخر عمره نوع من الفالج فاعتقل له لسانه عن بعض النطق. وبعد ذلك ما أخّر مجالسه المفيدة للطلبة. ولم يزل على إقامة وظائفه من العبادة والإفادة إلى أن توفى- رحمه الله- فى شهور سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وقد بلغ سنا عالية، ودفن بقفط- غفر الله له، وأعاد على كل مستحقّ الرحمة والتوفيق.
302- صيغون أبو محمد الخيارىّ النحوىّ القيروانىّ الإفريقىّ المغربىّ [1]
أحد النحاة فى ذلك القطر، وله بينهم اشتهار وذكر.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 85. والخيارى، بكسر الخاء وفتح الياء آخر الحروف وبعده ألف وراء: منسوب إلى الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان.(2/84)
303- صعودا [1]
ولقبه أشهر من اسمه. واسمه محمد بن هبيرة الأسدىّ أبو سعيد. أحد العلماء بالنحو الكوفىّ واللغة، وكان منقطعا إلى عبد الله بن المعتز. وصنف كتاب مختصر ما يستعمله الكاتب، وهذبه عبد الله بن المعتز «1» .
304- صاعد بن الحسن الرّبعىّ اللغوىّ أبو العلاء [2]
من بلاد الموصل. قرأ ببلاده اللغة على مشايخها، وحفظ منها الكثير، وتفنن فى فنون من الأدب.
وكان فصيح اللسان، حاضر الجواب سريعه؛ يجيب عن كل ما يسأل عنه؛ غير متوقّف؛ فنسب لإكثاره إلى الكذب. وبلغه أن اللغة بالأندلس مطلوبة، والآداب هناك مرغوب فيها من ملوكها ورعيتها، فارتحل إلى الأندلس، ودخلها فى حدود سنة ثمانين وثلاثمائة. والمستولى على ولاية الأندلس يومئذ من بنى أمية
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 110، (وترجم له ترجمة أخرى فى صفحة 92 باسم محمد بن القاسم) ، وتاريخ بغداد 3: 370- 371، وتلخيص ابن مكتوم 85، والفهرست 74، ومعجم الأدباء 19: 105.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 22، وبغية الملتمس 306- 311، وبغية الوعاة 267- 268، وتلخيص ابن مكتوم 85، وجذوة المقتبس الورقة 102- 103، وابن خلكان 1: 229، والذخيرة لابن بسام ج 4 مجلد 1: 2- 13، وروضات الجنات 333- 334، وشذرات الذهب 3: 206- 207، والصلة لابن بشكوال 1: 235- 236، والفلاكة والمفلوكين 76- 77، وكشف الظنون 1261، والمعجب 19- 24، ومعجم الأدباء 11: 281- 286، والمكتبة الصقلية 625- 626، 644، 659، ونفح الطيب 4: 75- 84، 93- 96.(2/85)
هشام «1» بن الحكم المؤيّد، وواليه على ما وراء بابه المنصور بن أبى عامر «2» - وكان صاعد حسن الشعر فكه المجالسة- فأكرمه المنصور، وأحسن إليه وزاد.
وكان صاعد حسن الطريقة فى استخراج ما فى أيدى الناس من الأموال، جميل التوصّل إلى ذلك؛ فمن ذلك أنه عمل قميصا من خرق الصّلات التى وصلت إليه من المنصور بن أبى عامر، ولبسه بحضرته، وأتبعه الشكر والثناء. فشكره المنصور على ذلك، وزاد فى رفده.
وقد ألف كتاب الفصوص على مثل نوادر أبى على القالىّ. وكان يصنّف كتبا فى أخبار العشاق، ويسمى أسماء غريبة لا أصل لها، وينسب إليها كلاما منظوما ومنثورا؛ يرصّعها من قوله وقول غيره؛ فمنها كتاب الهجفجف «3» ، وكتاب الجوّاس. وكان المنصور مغرما بكتاب الجوّاس «4» ، يقرأ عليه كل ليلة شىء منه.(2/86)
ولما مات المنصور لم يحضر صاعد مجلس أنس بعده. وقد كان أولاده تولوا الأمر، فاعتذر عن الحضور بألم ادّعاه فى ساقه، وكان يمشى على عصا، والتزم ذلك. ومن شعره «1» فى هذا المعنى:
إليك حدوت ناجية «2» الرّكاب ... محمّلة أمانى كالهضاب
وبعت ملوك أهل الشرق طرّا ... بواحدها وسيّدها اللّباب «3»
ومنها:
إلى الله الشّكيّة من شكاة ... رمت ساقى «4» وجلّ بها مصابى
وأقصتنى عن الملك المرجّى ... وكنت أرمّ «5» حالى باقتراب
حسبت المنعمين على البرايا ... فألفيت اسمه صدر الحساب
وما قدّمته إلا كأنى ... أقدّم تاليا أمّ الكتاب
ومما وجدته أن المنصور سأله يوما: هل رأيت فيما وقع لك من الكتب كتاب «القوالب والزوابل» لمبرمان بن يزيد؟ فقال: نعم رأيته ببغداذ فى نسخة لأبى بكر بن دريد، بخط كأكرع النمل، فى جوانبها علامات للوضاع هكذا وهكذا.
فقال له: أما تستحى أبا العلاء من هذا الكذب! هذا كتاب عاملنا ببلد كذا يذكر فيه أن الأرض قد قلبت وزبلت. فأخذت من قوله ما سألتك عنه. فأخذ يحلف أن القول صادق حقيقة.(2/87)
وسأله يوما- وقدّامه تمر يأكل منه-: ما «التمركل» فى كلام العرب؟ فقال:
يقال: «تمركل» الرجل؛ إذا التف بكسائه، فقال: إنما ركّبت له اسما من التّمر والأكل؛ فقال: قد وافق ذلك أمرا كان. وله من هذا كثير.
ولولا مزحه وكثرة ما كان يأتى به فى تصانيفه ما كان إلا عالما. وقد اختبرت الكتب المطولة فى اللغة وغيرها، فوجد فيها حقيقة ما اتهم فيه. وكان صاعد غير صاعد؛ فى النحو مقصرا، وباللغة قيما. وله يد طولى فى استنباط معانى الشعر.
ومن عجيب سعادته أنه أهدى إلى المنصور بن أبى عامر أيّلا، «1» وكتب معه:
يا حرز كلّ مخوّف وأمان ك ... لّ مشرّد ومعزّ كلّ مذلّل
جدواك إن تخصص به فلأهله ... وتعمّ بالإحسان كلّ مؤمّل
كالغيث طبّق «2» فاستوى فى وبله ... شعث البلاد مع المراد «3» المبقل
الله عونك ما أبرّك للهدى ... وأشدّ وقعك فى الضّلال المشعل
ما إن رأت عينى- وعلمك شاهدى ... شروى علائك فى معمّ مخول «4»
أندى بمقربة كسرحان الغضا «5» ... ركضا وأوغل فى مثار القسطل
مولاى مؤنس غربتى متخطّفى ... من ظفر أيامى ممنّع معقلى
عبد نشلت بضبعه «6» وغرسته ... فى نعمة أهدى إليك بأيلّ «7»(2/88)
سميته «غرسية» وبعثته ... فى حبله ليتاح فيه تفاؤلى
فلئن قبلت فتلك أسنى نعمة ... أسدى بها ذو منحة وتطوّل
صبحتك غادية السرور وجلّلت ... أرجاء ربعك بالسحاب المخضل
فقضى فى سابق علم الله أن غرسية بن شانجة من ملوك الروم- وهو أمنع من النّجم- أسر فى ذلك اليوم بعينه الذى بعث فيه صاعد بالأيّل، وكان ذلك فى ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.
وخرج صاعد عن الأندلس فى أيام الفتنة، وقصد جزيرة صقلّيّة، فمات بها قريبا من سنة عشر «1» وأربعمائة- وقد أسنّ.
قال ابن حيّان «2» مؤرّخ الأندلس: «وجمع أبو العلاء صاعد للمنصور محمد بن أبى عامر كتابا سماه الفصوص، فى الأدب والأشعار. وكان ابتداؤه له فى شهر ربيع الأوّل سنة خمس وثمانين، وأكمله فى شهر رمضان المعظم، وأثابه عليه بخمسة آلاف دينار فى دفعة، وأمره أن يسمعه الناس بالمسجد الجامع بالزهراء، واحتشد له جماعة أهل الأدب ووجوه الناس «3» » .(2/89)
قال ابن حيّان: «وقرأته عليه منفردا سنة تسع وتسعين وثلاثمائة» . قال أبو محمد بن حزم «1» : «توفى صاعد- رحمه الله- بصقلّيّة فى سنة تسع عشرة وأربعمائة» .
305- صالح الورّاق النيسابورىّ أبو إسحاق [1]
هو تلميذ الشيخ أبى نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهرىّ. كان أديبا فاضلا وصاحب خط جيّد صحيح. لازم الجوهرىّ، وأخذ عنه كتابه فى اللغة المسمّى الصّحاح، وغيره.
وكان صاحب أدب وشعر؛ فمن أشعاره ما أنشده له الأديب يعقوب بن أحمد- وهو أحسن ما قيل فى معنى دودة القزّ:
وبنات جيب ما انتفعت بعيشها ... ووأدتها «2» فنفعننى بقبور
ثم انبعثن عواطلا فإذا لها ... قرن الكباش إلى جناح طيور
وله يهجو ابن زكريا المتكلم الأصبهانىّ:
أبا أحمد يا أشبه الناس كلّهم ... خلاقا وخلقا بالرّخال «3» النواسج «4»
لعمرك ما طالت بتلك اللّحى لكم ... حياة ولكن بالعقول الكواسج «5»
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 35، ودمية القصر 304، 308، (وذكره باسم أبى صالح الورّاق) ، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 170، ومعجم الأدباء 1: 162. وسبق للمؤلف ترجمته فى الجزء الأوّل ص 169- 170 واسمه هناك «إبراهيم بن صالح أبو إسحاق النيسابورى الورّاق» .(2/90)
(حرف الضاد)
306- الضحاك أبو عاصم النبيل [1]
كان قد نيّف على التسعين «1» ، وهو ذكىّ بعلم الأدب والشعر وأيام العرب.
وهو أحد الرواة للحديث «2» .
وقال أبو زيد الأنصارىّ: كان أبو عاصم ضعيف العقل فى حديثه، وكان يطلب العربية، فيقال له: كيف تصغّر الضحاك؟ وهو اسمه- فيقول:
«ضحيكيك» ، ثم «3» تنبّل، فكان يزرى على غيره.
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 552 ب- 553 ا، وبغية الوعاة 270، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 212) ، وتذكرة الحفاظ 1: 333- 334، وتقريب التهذيب 116، وتلخيص ابن مكتوم 86، وتهذيب التهذيب 4: 450- 453، والجواهر المضية 1: 263- 265، وخلاصة تذهيب الكمال 149- 150، وطبقات الزبيدى 28- 29، وطبقات ابن قاضى شهبة 2:
6- 7، وعيون التواريخ (وفيات سنة 212) ، ومروج الذهب 2: 340، ومعجم الأدباء 12:
15، والنجوم الزاهرة 2: 204، 207. وهو- كما فى الأنساب-: الضحاك بن مخلد بن الضحاك ابن مسلم بن رافع بن رفيع بن الأسود بن عمرو بن رالان بن سلال بن ثعلبة بن شيبان الشيبانى النبيل البصرى.
واختلفوا فى سبب تلقيبه بالنبيل؛ فروى السمعانى فى الأنساب أنه سئل: لم سميت نبيلا، قال: كنا أبوى عاصم عند ابن جريج، وكنت أتجمل فى الثياب، فقال يوما: أين أبو عاصم النبيل؟ فسميت بنبيل. وفى تذكرة الحفاظ: «سمى نبيلا لنبله وعقله» . وفى الجواهر المضية: «لقبته جارية لزفر الفقيه بذلك» .(2/91)
(حرف الطاء)
307- الطّوال النحوىّ الكوفىّ [1]
ويكنى أبا عبد الله. من أصحاب محمد بن زياد الفرّاء النحوىّ. قال أبو العباس ثعلب: كان الطّوال حاذقا بإلقاء المسائل العربية، وكان سلمة «1» حافظا لتأدية ما فى الكتب، وكان ابن قادم «2» حسن النظر فى العلل؛ وهؤلاء الثلاثة الأجلّاء من أصحاب الفرّاء. ولم يشتهر للطّوال تصنيف.
308- طالب بن عثمان بن محمد بن أبى طالب أبو أحمد الأزدىّ النحوىّ المقرىء المؤدّب [2]
بغداذىّ. تصدر لإقراء القرآن والنحو. وتأدّب به جماعة، وكفّ بصره فى آخر عمره. وكان ثقة فى الرواية. مات فى سنة ست وتسعين وثلاثمائة.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 20، وتلخيص ابن مكتوم 85، وطبقات الزبيدى 96، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 339، والفهرست 68. قال ابن مكتوم: «واسم الطوال محمد بن أحمد أبو عبد الله.
من أهل الكوفة. قدم بغداد، ولقى الأصمعى وروى عنه، وسمع منه أبو عمر حفص بن عمر المقرئ. ومات يوم الجمعة سلخ محرم سنة ثلاث وأربعين ومائتين» .
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 271، وتاريخ بغداد 9: 365- 366، وتلخيص ابن مكتوم 86، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 338، ومعجم الأدباء 12: 16- 17، ونزهة الألباء 409- 410.(2/92)
309- طلحة بن كردان النحوىّ [1]
نحوى عراقى مشهور. تصدر للإقراء والإفادة والرواية. من أصحاب أبى سعيد السّيرافىّ. [قال] : أنشد أبو بكر بن دريد لنفسه «1» :
لا تحتقر عالما وإن قصرت ... رتبته عن لحاظ رامقه «2»
وانظر إليه بعين ذى كرم «3» ... مهذّب الخلق «4» فى طرائقه
فالمسك بينا تراه ممتهنا ... بفهر «5» عطّاره وساحقه
حتى تراه بعارضى ملك ... وموضع التاج من مفارقه
310- طلحة بن محمد بن النّعمانىّ أبو محمد [2]
من النّعمانية؛ بلدة بين بغداذ وواسط. كان فاضلا عارفا باللغة والأدب، حسن الشعر، رقيق الطبع، كثير المحفوظ.
خرج إلى خراسان، وأقام ببلادها مدّة، وكانت ألسنة الفضلاء بها متفقة على الثناء عليه، والإطناب فى جودة شعره، وسرعة خاطره بالنّظم. ودخل خوارزم
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 86.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 273، وتلخيص ابن مكتوم 86، وخريدة القصر 1: 52- 59، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 9، وعيون التواريخ (وفيات سنة 509) ، ومعجم الأدباء 12: 26- 27، ونزهة الألباء 460- 461.(2/93)
وكان يوما يمشى فى سوق العشاق، فاستقبلته عجلة»
عليها حمار ميّت يحمله الدبّاغون إلى الصحراء لسلخه، فقال أبو عمرو عثمان بن محمد بن أحمد البقالىّ- وكان يمشى معه- فى ذلك:
يا حاملا صرت محمولا على عجله
فقال أبو محمد طلحة بن محمد بن النّعمانىّ مجيبا له:
وافاك موتك منتابا على عجله
وبلغ قولهما إلى الشريف أبى القاسم الفخر بن محمد العلوىّ، فقال:
والموت لا تتخطّى الحىّ رميته ... ولو تباطأ عنه الحىّ أزعج له
311- طاهر بن محمد الرقبانىّ الصّقلىّ اللغوىّ [1]
من أهلها المقيمين بها. تغلبىّ يدعى الوزير. لم يكن فى زمانه أعلم منه بلغة العرب وكلامها، ونثرها ونظامها. وكان رئيسا مقدّما جليلا معظما، وقصدته العلماء من كل مكان، فلقوا منه بحرا خضرما، «2» وانتجعته الشعراء فوردوا قليبا «3» . وله شعر كان يخفيه، منه:
ألا أيّها القاضى الرفيع مناره ... ويا واطئا مجدا مناط الكواكب
أغثنى برأى منك يفرج كربتى ... وحل محسنا بينى وبين النوائب
وداركنى «4» نحس الزمان فنحّه ... فما زلت قرنا «5» للزمان المحارب
وعش سالما للجود ترأب صدعه ... طوال الليالى منعما غير سالب
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 87، ومختصر المنتخل من الدرة الخطيرة الورقة 8، والمكتبة الصقلية 645. والرقبانىّ (فى الأصل) : عظيم الرقبة.(2/94)
312- طاهر بن أحمد بن بابشاذ أبو الحسن النحوىّ المصرىّ [1]
العلامة المشهور المذكور. أصله من العراق، وكان جدّه أو أبوه قدم مصر تاجرا. وكان جوهريا فيما قيل.
وطاهر هذا ممن ظهر ذكره؛ وسارت تصانيفه؛ مثل المقدّمة «1» فى النحو وشرحها، وشرح الجمل «2» للزّجّاجىّ؛ سار كل منهما مسير الشمس.
وقد كان يتولى تحرير الكتب الصادرة عن ديوان الإنشاء فى الدولة القصرية بالديار المصرية إلى الأطراف؛ ليصلح ما لعلّه يجد بها من لحن خفىّ. وكان له على ذلك رزق سنىّ؛ مع رزقه على التصدّر للإقراء فى جامع عمرو بن العاص. واشتمل على العبادة والمطالعة.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 22- 23، وبغية الوعاة 272، وتلخيص ابن مكتوم 87- 88، وحسن المحاضرة 1: 228، وابن خلكان 1: 235، وروضات الجنات 338، وشذرات الذهب 3: 333- 334، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 7- 8، والفلاكة والمفلوكين 116، وكشف الظنون 111، 423، 603، 1612، 1804، ومرآة الجنان 3: 98، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 3: 459- 461، ومعجم الأدباء 12: 17- 19 والنجوم الزاهرة 5: 105، ونزهة الألباء 432- 433، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 1: 205. قال ابن خلكان: «وبابشاذ، بباءين موحدتين، بينهما ألف ثم شين معجمة، وبعد الألف الثانية ذال معجمة. وهى كلمة عجمية، تتضمن الفرح والسرور» .(2/95)
وجمع فى حالة انقطاعه تعليقة كبيرة فى النحو؛ قيل لنا: لو بيّضت قاربت خمسة عشر مجلدا، وسماها النحاة بعده الذين وصلت إليهم تعليق الغرفة وانتقلت هذه التّعليقة إلى تلميذه أبى عبد الله محمد بن بركات السعيدىّ النحوىّ اللغوىّ المتصدّر بموضعه والمتولى للتحرير. ثم انتقلت بعد ابن البركات المذكور إلى صاحبه أبى محمد عبد الله بن برّىّ النحوىّ المتصدّر فى موضعه والمتولّى للتحرير. ثم انتقلت بعده إلى صاحبه الشيخ أبى الحسين النحوىّ المنبوز بثلط «1» الفيل، المتصدّر فى موضعه.
وقيل إن كل واحد من هؤلاء كان يهبها لتلميذه المذكور، ويعهد إليه بحفظها. ولقد اجتهد جماعة من طلبة الأدب فى انتساخها، فلم يمكن.
ولما توفى أبو الحسين النحوىّ المقدّم ذكره، وبلغنى ذلك وأنا مقيم بحلب أرسلت من أثق به، وسألته تحصيل تعليق الغرفة بأى ثمن بلغت، وكتاب التذكرة لأبى علىّ. فلما عاد ذكر أن الكتابين وصلا إلى ملك مصر الكامل محمد «2» بن العادل أبى بكر بن نجم الدين أيوب، فإنه يرغب فى النحو وغريب ما صنّف فيه.
وذكر أن سبب تزهّد طاهر بن بابشاذ- رحمه الله- أنه كان له قطّ قد أنس به وربّاه أحسن تربية، فكان طاهر الخلق، لا يخطف شيئا، ولا يؤذى على عادة القطط. وأنه يوما اختطف من يديه فرخ حمام مشوىّ، فعجب له، ثم عاد بعد أن غاب ساعة، فاختطف فرخا آخر وذهب؛ فتتبعه الشيخ إلى خرق فى البيت، فرآه قد دخل الخرق، وقفز منه إلى سطح قريب، وقد وضع الفرخ بين يدى قطّ هناك. فتأمله الشيخ فإذا القط أعمى مفلوج لا يقدر على الانبعاث.(2/96)
فتعجّب، وحضره قلبه، وقال: من لم يقطع بهذا القط- وقد سخّر له غيره يأتيه برزقه، ويخرج عن عادته المعهودة منه لإيصال الراحة إليه- لجدير ألّا يقطع بى! وأجمع رأيه على التخلّى والانفراد بعبادة الله. وضمّ أطرافه وباع ما حوله، وأبقى ما لا بدّ من الحاجة إليه، وانقطع فى غرفة بجامع عمرو، وأقام على ذلك مدّة.
ثم خرج ليلة من الغرفة إلى سطح الجامع، فزلّت رجله من بعض الطاقات المؤدّية للضوء إلى الجامع، فسقط وأصبح ميتا قد رزق الشهادة- رحمه الله. قيل:
وكان ذلك فى سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وقيل بعد ذلك «1» . والله أعلم.(2/97)
(حرف العين)
313- عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخبرىّ المعلّم أبو حكيم [1]
وخبر إحدى بلاد فارس. كان يسكن درب الشاكرية ببغداذ، وكانت له معرفة تامة بالفرائض والأدب واللغة، وكان مرضىّ الطريقة ديّنا. سمع الكثير من مشايخ زمانه. وهو جدّ محمد بن ناصر السّلامىّ «1» لأمه. وروى عنه محمد. وكان يكتب خطا حسنا صحيحا «2» .
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 188 ا، وبغية الوعاة 276، وتلخيص ابن مكتوم 88، وطبقات الشافعية 3: 203- 204، وكشف الظنون 692، 779، واللباب 1: 343، ومعجم الأدباء 12: 46- 47.(2/98)
314- عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب أبو محمد النحوىّ البغداذىّ [1]
كان أديبا فاضلا عالما، له معرفة جيدة بالنحو واللغة والعربية والشعر والفرائض والحساب والحديث، حافظا لكتاب الله عز وجل، قد قرأه بالقراءات الكثيرة.
أخذ النحو عن أبى بكر بن جوامرد القطّان، ثم عن أبى الحسن على بن أبى زيد الفصيحىّ الأستراباذىّ، ثم عن الشريف أبى السعادات الشّجرىّ، وقاطعه وردّ عليه فى أماليه. وقرأ اللغة على أبى على الحسن بن على المحوّلىّ، وعلى أبى منصور الجواليقىّ وغيرهما.
وسمع الحديث من مشايخ وقته وأكثر، وكان حريصا على السماع، مداوما بالقراءة على المشايخ فى علوّ سنه. أقرأ الناس مدة، وتخرّج به جماعة فى علم النحو، وحدّث الكثير، ووصف بالفضل والعلم والمعرفة، وكان مطّرحا للتكلف فى مأكله وملبسه وحركاته، فيه بذاذة «1» ، وكان يكثر لعب الشّطرنج، ويقعد لذلك أين وجده، ولا يراعى خسّة اللاعب والموضع، ويقف على حلق الطرق والمشعوذين وغير ذلك، وكان كلامه فى حلق الإفادة أجود من قلمه.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 23، وبغية الوعاة 276- 277، وتاريخ ابن الأثير 9: 114، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 567) ، وتاريخ أبى الفدا 3: 52، وتلخيص ابن مكتوم 88- 89، وخريدة القصر 1: 82، وابن خلكان 1: 267- 268، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 17- 20، والفلاكة والمفلوكين 78- 79، وكشف الظنون 108، 602، 1563، 1791، 1795، ومرآة الجنان 3: 381- 382، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 311- 316، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد الورقة 40، ومعجم الأدباء 12: 47- 53، والمنتظم (وفيات سنة 567) ، والنجوم الزاهرة 6: 65.(2/99)
وكان ضيّق العطن ضجورا؛ ما صنّف تصنيفا فكمله. شرح كتاب الجمل لعبد القاهر الجرجانىّ، وترك أبوابا من وسط الكتاب ما تكلّم عليها، وقرئ عليه المصنّف، وكتب بخطه عليه وهو على هذه الصورة، غير معتذر من ذلك بعذر.
وشرح المقدّمة التى صنّفها الوزير ابن هبيرة «1» ، وقطعها قبيل الإتمام، ووصل منها إلى باب النونين: الثقيلة والخفيفة، وعمل فى شرح اللمع «2» مثل ذلك «3» .
وكانت له دار عتيقة ولأخ له ومن شاركهما فى ورثة أبيه، وله منها صفّة «4» كبيرة منفردة، وبها بوارىّ «5» قصب مفروشة، وفى صدرها ألواح من الخشب، مرصوص عليها كتب له، أقامت عدّة سنين ما أزيل عنها الغبار، وكانت تلك البوارىّ قد استترت بما عليها من التراب، يقعد فى جانب منها، والباقى على تلك الحالة. وقيل إن الطيور عششت فوق الكتب وفى أثنائها، وكان إذا تكلم على(2/100)
مسألة فى النحو منفردة ربما أجاد فى بعض الأوقات إذا خلا من ضجره، وكان لا يقتنى من الكتب إلا أردأها صورة، وأرخصها ثمنا. وله وظيفة فى بعض الأماكن ببغداذ. وتدل كتبه على صحّة ما ذكرته. وله شعر كشعر النحاة، فمنه ما قال ملغزا فى الكتاب:
وذى أوجه لكنّه غير بائح ... بسرّ وذو الوجهين للمرء يظهر
تناجيك بالأسرار أسرار «1» وجهه ... فتفهمها ما دمت بالعين تنظر
وله فى الشمعة:
صفراء لا من سقم مسّها ... كيف وكانت أمها «2» الشافيه
عريانة باطنها مكتس ... فاعجب لها كاسية عاريه
توفى- رحمه الله وتجاوز عنه- فى عشية الجمعة، ثالث شهر رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة بباب الأزج بدار أبى القاسم بن الفرّاء، وصلّى عليه يوم السبت بجامع السلطان، وتقدّم فى الصلاة عليه أبو النجم بن القابلة، ودفن بمقبرة أحمد، بباب حرب.
قال عبد الكريم بن محمد المروزىّ «3» : عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب أبو محمد، من ساكنى باب المراتب الشريفة، شاب «4» كامل فاضل، له معرفة تامّة(2/101)
بالأدب واللغة والنحو والحديث، ويقرأ الحديث قراءة «1» حسنة صحيحة مفهومة.
سمع الكثير بنفسه، وجمع الأصول الحسان.
قال الإمام أبو شجاع عمر بن أبى الحسن البسطامىّ ببخارى: لما دخلت بغداذ قرأ علىّ أبو محمد الخشاب كتاب غريب الحديث لأبى محمد القتيبىّ قراءة ما سمعت قبلها مثلها فى الصحة والسرعة، وحضر جماعة من الفضلاء سماعها، وكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسانه، فلم يقدروا على ذلك.
أنبأنا محمد بن محمد بن حامد فى كتابه «2» قال: «عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله الخشاب. من أهل بغداذ. شيخنا فى علم الأدب، أعلم الناس بكلام العرب، وأعرفهم بعلوم شتى من النحو واللغة والتفسير والحديث والنسب، الطود السامى، والبحر الطامى. كان فضله على أفاضل الزمان، كفضل الشمس على النجوم، والبحر على الغدران. وله المؤلفات العزيزة، والمصنفات الحريزة، والكتب المفيدة، والفكر المجيدة. وإذا كتب كتابا بخطه يشترى بالمئين، وتتنافس عليه بواعث المستفيدين. وهو ألين سجيّة من الماء العذب، وأخشن حميّة من الغرار «3» العضب. وما أظن أن الزمان يسمح بمثله، وأنّ الدهر العقيم ينتج أحدا فى فضله. كان كثير الإفادة، غزير الإجادة؛ غير أنه ينبو عن جواب سؤال الممتحنين، نبوة المستحقر المهين، ويعزّ على المتكبّر، ويذلّ للمتكّرم، متواضع عند العامة، مرتفع عند الملوك والخاصة. توفى ببغداذ سنة ثمان وستين وخمسمائة «4» ، فرأيته(2/102)
ليلة فى المنام كأنى أقول له: ما فعل الله بك؟ فقال: خيرا، فقلت: وهل يرحم الله الأدباء؟ قال: نعم، قلت: وإن كانوا مقصرين؟ قال: يجرى عتاب كثير ثم يكون النعيم» .
315- عبد الله بن أسعد بن على بن عيسى أبو الفرج الموصلىّ الفقيه الشافعىّ المعروف بابن الدّهان [1]
نحوىّ أديب، فاضل فقيه، شاعر. قدم الشام فى صحبة أبى سعد بن أبى عصرون «1» - وكان يلزم درسه- وسمع الحديث، وكتب بخطه، إلا أنه كان ضيّق العطن، ما كتب تصنيفا إلا اختصره برأيه، ولا يعنّ فيه أنه اختصره.
وكان يمدح الملوك. وهو الذى مدح الصالح بن رزّيك «2» وزير مصر، وسيّر إليه المدحة، «3» فسير إليه جملة.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 89- 90، وخريدة القصر 3: 89- 99، وابن خلكان 1: 256- 257، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 23- 24، والنجوم الزاهرة 5: 365- 366.(2/103)
وآخر أمره أنه تولى التدريس بحمص، وأقام بها إلى أن مات «1» هناك. وله أشعار. واستفيدت منه العربية، ودرسها بحمص فى جملة الفقه.
316- عبد الله بن أبى إسحاق الحضرمىّ، مولاهم [1]
المقرئ النحوىّ العلامة فى علم العربية. بصرىّ؛ وهو فى أوّل الطبقة الرابعة من النحاة؛ لأنه أقدم اخذا فيمن شاركه فى الطبقة وأقدمهم موتا.
__________
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 25- 28، وبغية الوعاة 282، وتاريخ ابن الأثير 4: 292، وتاريخ أبى الفدا 1: 208، وتقريب التهذيب 125، وتلخيص ابن مكتوم 90، وتهذيب التهذيب 5: 148، وخزانة الأدب 1: 115- 116، وخلاصة تذهيب الكمال 162، وطبقات الزبيدىّ 11- 13، وطبقات الشعراء لابن سلام 11- 13، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 22- 23، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 410، والفهرست 41، ومراتب النحويين 20، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 269- 270، والمعارف 230، والنجوم الزاهرة 1: 303، ونزهة الألباء 22- 25.(2/104)
والذين شاركوه فى العصر وعدّوا من الطبقة الرابعة أبو عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر الثقفىّ وحماد بن سلمة وحمّاد بن الزّبرقان ومسلمة بن عبد الله. وكان لتقدّمه فى وقت الطلب زاحم عنبسة وميمونا الأقرن فى آخر عصرهما، فجعل فى أوّل هذه الطبقة.
أخذ قراءته عن يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم. وقيل هو مولى حضرموت، وقيل مولى آل الحضرمىّ، وهم حلفاء بنى عبد شمس بن عبد مناف، ولذلك قال الفرزدق:
فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكنّ عبد الله مولى مواليا «1»
وسئل يونس بن حبيب عن ابن أبى إسحاق وعلمه، فقال: هو والنحو سواء، أى هو الغاية، وقيل له: فأين علمه من علم الناس اليوم؟ قال: لو كان اليوم فى الناس أحد لا يعلم إلا علمه لضحك منه، ولو كان فيهم من له ذهنه ونفاذه ونظره كان أعلم الناس.
وقال أبو خليفة: قال ابن سلام: أوّل من بعج النحو ومدّ القياس وشرح العلل عبد الله بن أبى إسحاق، وكان معه أبو عمرو بن العلاء، وكان ابن أبى إسحاق أشدّ قياسا، وأبو عمرو أوسع علما بكلام العرب ولغتها وغريبها، وكان بلال بن(2/105)
أبى بردة جمع بينهما وهو على البصرة عامل لخالد بن عبد الله القسرىّ أيام هشام ابن عبد الملك. قال يونس: قال أبو عمرو: فغلبنى ابن أبى اسحاق يومئذ بالهمز، فنظرت فيه بعد ذلك، وبالغت فيه.
وحكى يونس أن أبا عمرو بن العلاء كان أشدّ تسليما للعرب، وكان ابن أبى إسحاق وعيسى بن عمر يطعنان على العرب، وكان عيسى يقول: أساء النابغة فى قوله حيث يقول: «فى أنيابها السم «ناقع» «1» ؛ يقول: موضعها «ناقعا» «2» .
وكان ابن سيرين «3» يبغض النحويين، وكان يقول: لقد بغّض إلينا هؤلاء المسجد، وكانت حلقته إلى جانب حلقة ابن أبى إسحاق.
وبلغ ابن أبى إسحاق أنه يعيب عليه تفسير الشعر ويقول: ما علمه بإرادة الشاعر! فقال ابن أبى إسحاق: إن الفتوى فى الشّعر لا تحلّ حراما، ولا تحرّم حلالا؛ وإنما نفتى فيما استتر من معانى الشعر، وأشكل من غريبه وإعرابه بفتوى سمعناها من غيرنا، أو اجتهدنا فيها آراءنا؛ فإن زللنا أو عثرنا فليس الزلل فى ذلك كالزلل فى عبارة الرؤيا، ولا العثرة فيها كالعثرة فى الخروج عما أجمعت عليه(2/106)
الأئمة من سنة الوضوء، وكرهته الجماعة من الاعتداء فى الطّهور. فبلغ ذلك ابن سيرين، فأقصر عما كان عليه من الإفراط فى الوضوء. وكان إذا جاءه الرجل يسأله عن الرؤيا، قال: هات حتى أظنّ لك.
وكان ابن أبى إسحاق بعد أن بلغه كلام ابن سيرين يقول: أظن الشاعر أراد كذا، واللغة توجب كذا. ثم اجتمع هو وابن سيرين فى جنازة، فقال ابن سيرين:
(كذلك «1» إنّما يخشى الله من عباده العلماء «2» ) . فقال ابن أبى إسحاق: كفرت يا أبا بكر بعيبك على هؤلاء الذين يقيمون كتاب الله. فقال ابن سيرين: إن كنت أخطأت فأنا أستغفر الله. ورجع إلى حلقته.
وكان ابن أبى إسحاق يعتمد الإعراب فى عبارته حرفا واحدا، فمرّت به سنوّرة فقال: اخسى، فقال له: هذه، ألا قلت اخسئ «3» !.
توفى عبد الله بن أبى إسحاق الحضرمىّ- رحمه الله- سنة سبع عشرة «4» ومائة، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وصلى عليه بلال بن أبى بردة وهو أمير البصرة. وورث هذه العدة من السنين جماعة من نسله، فمنهم زيد بن عبد الله بن أبى إسحاق،(2/107)
مات وهو ابن ثمان وثمانين سنة، ومات يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله ابن أبى إسحاق وهو إمام البصرة فى القراءة وهو ابن ثمان وثمانين سنة.
ومات عبد الله بن أبى إسحاق وقتادة بن دعامة فى يوم واحد، فشيّع الأدباء والأشراف جنازة ابن أبى إسحاق، وشيع النّساك والفقهاء جنازة قتادة بن دعامة.
قال ابن سلّام: قلت ليونس: هل سمعت من ابن أبى إسحاق شيئا؟ قلت له:
هل يقول أحد الصّويق- يعنى السّويق؟ قال: نعم، عمرو بن تميم تقولها. وما تريد [إلى] «1» هذا؟ عليك بباب من النحو يطّرد وينقاس.
317- عبد الله بن أبى سعيد الأنصارى الأندلسىّ النحوى الغريشىّ [1]
نحوى فاضل. قرأ على مشايخ بلاده، ورحل إلى الشرق، ودخل مصر، وأفاد بها ونزل الإسكندرية.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ نزيل الإسكندرية- رحمه الله- أنشدنا الفقيه الأديب أبو محمد عبد الله بن أبى سعيد الأنصارى الأندلسى النحوىّ- أبقاه الله- بمصر، أنشدنى عبد الحليم بن عبد الواحد الكاتب السّوسىّ بصقلّيّة لنفسه- وكتب لى بخطه:
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 282- 283، وتلخيص ابن مكتوم 90- 91، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 36، ومعجم السفر للسلفىّ 1: 157- 158. والغريشىّ، ضبطه ابن قاضى شهبة بفتح الغين المعجمة وكسر الراء ثم مثناة وشين معجمة.(2/108)
يقولون كثّر عبد الحليم ... فألّا اقتصادا وألا اقتصارا «1» !
وفضل أبى القاسم المجتبى ... كفانى احتجاجا لهم واعتذارا «2»
ألم يعلموا أنّ فيض السماء ... على الأرض كثّر منها الثمارا
مآثر طالت فأضحى الطّوا ... ل من حلل المدح عنها قصارا
ومجد ينوب ثنائى مطارا ... وجود يغرّق شعرى بحارا
هو الشمس تجلو نهار العلا «3» ... ومن لى بحلى يعمّ النّهارا
وفضل يعدّ نجوم السماء ... وزهر الرّياض ويحصى القطارا
تغار العلا لابن متكودها «4» ... فلا تقبل المدح فيه اختصارا
ثم قال السّلفىّ: «أبو محمد عبد الله بن الغريشىّ هذا، كان ساكنا فى المحرس المشهور بالقشميرىّ، وكان من محارس الإسكندريه، ونسبته مستفادة تذكر مع العريشىّ.
توفى فى محرم سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وقد علقت «5» عنه فوائد جمّة- رحمه الله. وكان عفيفا من أهل القرآن» .(2/109)
318- عبد الله بن أبى سعيد أبو محمد النحوىّ الأندلسىّ المعروف بالكاسات [1]
نحوىّ، قرأ النحو فى بلاده، وانتقل إلى الشرق، واستوطن مصر. وكان له بجامع عمرو بن العاص حلقة للإقراء والإفادة. وله شعر «1» كثير.
توفى سنة عشرين وخمسمائة فى صفر بمصر.
319- عبد الله بن برىّ بن عبد الجبار بن برىّ النحوىّ اللغوىّ [2]
المصرى المولد والمنشأ، المقدسىّ الأصل. سلفه من القدس، وولد هو بمصر سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وبها نشأ، وقرأ العربية على مشايخ زمانه من المصريين والقادمين على مصر، وحصل له من ذلك ما لم يحصل لغيره، وانفرد بهذا الشأن، وقصده الطلبة من الآفاق.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 90، وخريدة القصر 2: 171- 173.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 23- 24، وبغية الوعاة 278- 279، وتاريخ ابن الأثير 9: 175، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 582) ، وتاريخ أبى الفدا 3: 71، وتاريخ ابن كثير 12: 319- 320، وتلخيص ابن مكتوم 91، وحسن المحاضرة 1: 228- 229، وابن خلكان 1: 268- 269، وشذرات الذهب 4: 273- 274، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 24- 27، والفلاكة والمفلوكين 79، وكشف الظنون 741، 1072، ومرآة الجنان 3: 424، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 3: 461- 463، ومعجم الأدباء 12: 56- 57، والنجوم الزاهرة 6: 103.
قال ابن خلكان: «ويرىّ، بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء المكسورة وبعدها ياء؛ وهو اسم علم يشبه النسبة» .(2/110)
وكان جمّ الفوائد، كثير الاطلاع، عالما بكتاب سيبويه وعلله، وبغيره من الكتب النحوية، قيّما باللغة وشواهدها. وكان إليه التصفح فى ديوان الإنشاء؛ لا يصدر كتاب عن الدولة إلى ملك من ملوك النواحى إلا بعد أن يتصفّحه، ويصلح ما لعلّه فيه من خلل خفى.
وكان ينسب إلى الغفلة فى غير العلوم العربية؛ حتى ما يقوم بمصالح نفسه.
ويحكى عنه حكايات فى التغفل أجلّه عنها، وعن ذكر شىء منها.
وكانت كتبه فى غاية الصّحة والجودة، وإذا حشّاها أتى بكل فائدة. ورئى جماعة من تلاميذه متصدّرين متميزين. وأكثر الرؤساء بمصر استفادوا منه، وأخذوا عنه.
وكان قليل التصنيف؛ لم يشتهر له شىء سوى مقدّمة سماها اللّباب «1» ، وجواب المسائل العشر «2» التى سأل عنها أبو نزار ملك النحاة، وحاشيته على كتاب الصّحاح فإنها نقلت عن أصله وأفردت فجاءت ستة مجلدات «3» ، وسماها من أفردها التنبيه والإيضاح عما وقع فى كتاب الصّحاح «4» .
ولما مات- رحمه الله- وأبيعت كتبه حضرها الجمّ الغفير من الأجلّاء بمصر فى ذى القعدة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.(2/111)
320- عبد الله بن ثابت بن يعقوب بن قيس بن إبراهيم ابن عبد الله أبو محمد العبقسىّ المقرئ النحوىّ التّوّزىّ [1]
سكن بغداذ، وروى بها عن أبيه «1» عن هذيل «2» بن حبيب تفسير مقاتل «3» بن سليمان. وروى أيضا عن عمر بن شبة «4» النميرىّ.
حدّث عنه أبو عمر بن السماك وغيره. ولد فى سنة ثلاث وعشرين ومائتين فى آخرها، ومات فى سنة ثمان وثلاثمائة، ودفن بالرملية «5» .
__________
[1] ترجمته فى تاريخ بغداد 9: 426، وتاريخ ابن كثير 11: 130- 131، وتلخيص ابن مكتوم 91، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 26- 27، وطبقات القراء لابن الجزرى 1:
411- 412، والنجوم الزاهرة 3: 199. والعبقسى: منسوب إلى عبد القيس، وهى قبيلة من أسد، والتوزى، بفتح التاء وتشديد الواو: منسوب إلى توّز (ويقال توج أيضا) ، وهى مدينة فى فارس عند بحر الهند.(2/112)
321- عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان أبو محمد الفارسىّ الفسوىّ النحوىّ [1]
نحوىّ جليل القدر، مشهور الذكر، جيّد التصانيف. روى عن جماعة من العلماء؛ منهم من مشايخ الأدب أبو العباس المبرّد، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة.
وكان فسويا، سكن بغداذ إلى حين وفاته. قرأ على المبرّد الكتاب وبرع، وكان نظّارا. وكان شديد الانتصار لمذهب البصريين فى اللغة والنحو.
وأما تصانيفه ففى غاية الجودة والإتقان؛ منها تفسير كتاب الجرمىّ، وهو غاية فى بابه، ومنها كتابه فى النحو الذى يدعى الإرشاد، ومنها كتابه فى الهجاء وهو من أحسن كتبه، ومنها شرح الفصيح، وهو فى غاية الحسن والجودة يدلّ على الاطّلاع التام، وله ردّ على المفضّل فى الردّ على الخليل، كتاب مفيد.
كتاب الهداية، كتاب المقصور والممدود. كتاب غريب الحديث.
كتاب معانى الشعر. كتاب الحىّ والميت. كتاب التوسّط بين الأخفش
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 24، والإكمال لابن ما كولا الورقة 277، وبغية الوعاة 279- 280، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 347) ، وتاريخ بغداد 9: 428- 429، وتاريخ أبى الفدا 2: 102، وتاريخ ابن كثير 11: 233، وتلخيص ابن مكتوم 91- 92، وابن خلكان 1: 251- 252، وطبقات الزبيدىّ 85- 86، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 27، وعيون التواريخ (وفيات سنة 347) ، والفهرست 63، وكشف الظنون 115، 506، 700، 839، 1108، 1272، 1415، 1451، 1461، 1729، 1730، 2041، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 299- 300، والنجوم الزاهرة 3: 321، ونزهة الألباء 356- 357. و «درستويه» ، ضبطه ابن ماكولا بفتح الدال والراء والواو. وضبطه السمعانى بضم الدال والراء وسكون السين وضم التاء وسكون الواو وفتح الياء. والفسوىّ: منسوب إلى فسا، وهى من مدن فارس.(2/113)
وثعلب فى تفسير القرآن واختيار أبى محمد فى ذلك. كتاب شرح المفضّليات، لم يتممه. كتاب شرح المقتضب، لم يتممه. كتاب تفسير السّبع الطوال، لم يتممه. كتاب المعانى فى القرآن، لم يتممه. كتاب تفسير الشىء، لم يتممه.
كتاب نقض الراوندىّ على النحويين. كتاب الردّ على بزرج العروضىّ.
كتاب الأزمنة، لم يتممه. كتاب الردّ على ثعلب فى اختلاف النحويين.
كتاب خبر قسّ بن ساعدة وتفسيره. كتاب شرح الكلام ونكته، لم يتممه.
كتاب الردّ على ابن خالويه فى الكلّ والبعض. كتاب الردّ على ابن مقسم فى اختياره. كتاب فى الأضداد. كتاب أخبار النحويين. كتاب الردّ على الفرّاء فى المعانى. كتاب جوامع العروض. كتاب الاحتجاج للفرّاء. كتاب تفسير قصيدة شبيل «1» بن عزرة. كتاب رسالة إلى نجيح الطولونى فى تفضيل العربية. كتاب الكلام على ابن قتيبة فى تصحيف العلماء. كتاب الردّ على أبى زيد البلخىّ فى النحو. كتاب الردّ على من قال بالزوائد وقال يكون فى الكلام حرف زائد. كتاب النصرة لسيبويه على جماعة النحويين، هو كبير لم يتممه. كتاب الانتصار لكتاب العين وأنه للخليل «2» .
قال: [عبد الله بن] جعفر: ولدت فى ثمان وخمسين ومائتين. وتوفى- رحمه الله- يوم الاثنين لسبع بقين من صفر سنة سبع وأربعين وثلاثمائة.(2/114)
322- عبد الله بن الحسن أبو شعيب الحرّانى اللغوىّ [1]
لغوىّ صدوق. أخذ من يعقوب بن السّكّيت وطبقته. قال الحرّانىّ: كتبت عن يعقوب بن السّكيت من سنة خمس وعشرين- يعنى ومائتين- إلى أن قتل.
قال: وقتل قبل المتوكل بسنة، وقتل المتوكل «1» سنة سبع وأربعين، وكان ما كتبه عنه مدّة إحدى وعشرين سنة «2» .
323- عبد الله بن الحسن بن عشير اليابسىّ النحوىّ [2]
من جزيرة يابسة «3» ، من نحاة بلد الأندلس. قرأ بالأندلس على أبى الحسين سليمان بن محمد بن طراوة السّبائىّ المالقىّ النحوىّ بالأندلس؛ وقال: لم أر مثله. وكان يعظمه جدا. ورحل إلى الشرق، وتصدّر للإفادة بجامع الإسكندرية لإقراء القرآن والنحو. وكان له شعر كثير.
دفن «4» بمقبرة باب البحر بالإسكندرية، ووصى أن يصلّى عليه أبو طاهر السّلفىّ، فلم يمكنه ذلك لوحل ومطر كان فى ذلك اليوم.
__________
[1] ترجمته فى تاريخ بغداد 9: 435- 437، وتاريخ ابن مكتوم 92. والحرانى، بفتح الحاء وتشديد الراء: منسوب إلى حران، وهى مدينة بالجزيرة، من ديار ربيعة؛ ينسب إليها جماعة كثيرة من العلماء.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 280، وتلخيص ابن مكتوم 92، ومعجم البلدان 8: 490.(2/115)
324- عبد الله بن الحسين أبو المظفر النحوىّ [1]
يعرف بالبغداذىّ، وهو مروزىّ الأصل. نشأ ببغداذ، وسكن سمرقند وتصدّر لإقراء العربية، وكان يذكر أنه كتب ببغداذ عن مشايخها، ولم يكن معه أصل.
ومات بسمرقند «1» ، وكان ينشد عن أبى الطيّب المتنبّى.
325- عبد الله بن الحسين بن عبد الله أبو البقاء النحوىّ الضرير [2]
العكبرىّ الأصل، البغداذى المولد والدار. كان نحويا فقيها مرضيا. تفقه على مذهب أحمد بن حنبل، وأخذ النحو عن أبى محمد بن الخشّاب وغيره، وروى عن مشايخ زمانه. وكان جمّاعة لفنون من العلم والمصنفات.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 281، وتاريخ بغداد 9: 442، وتلخيص ابن مكتوم 92. وما ذكره المؤلف يوافق ما فى تاريخ بغداد.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 281، وتاريخ ابن الأثير 9: 328، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 616) ، وتاريخ أبى الفداء 3: 124، وتاريخ ابن كثير 13: 85، وتلخيص ابن مكتوم 92، وابن خلكان 1: 266- 267، وروضات الجنات 453- 455، وشذرات الذهب 5: 67- 69، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 30- 34، وكشف الظنون 81، 98، 108، 122، 212، 214، 253، 399، 424، 440، 480، 518، 692، 714، 811، 1273، 1428، 1543، 1563، 1774، 1789، 1820، ومرآة الجنان 4: 32- 33، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد الورقة 41، ومعجم البلدان 6: 203- 204، والنجوم الزاهرة 6: 246، ونكت الهميان 178- 180. والعكبرى، بضم العين وسكون الكاف وفتح الباء: منسوب إلى عكبرا، وهى بلدة على دجلة، فوق بغداد بعشرة فراسخ.(2/116)
وله مصنفات حسان فى إعراب القرآن وقراءته، وإعراب الحديث والنحو واللغة والعربية. وشرح المقامات الحريرية، وشعر أبى الطيب المتنبى، وغير ذلك.
ولد فى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، وتوفى ليلة الأحد ثامن شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة، ودفن يوم الأحد بباب حرب.
ومن تصانيفه: كتاب إعراب القرآن والقراءات «1» . كتاب شرح الإيضاح. كتاب شرح اللّمع. كتاب اللّباب فى علل النحو. كتاب شرح المفصّل، لطيف. كتاب إعراب شعر الحماسة. كتاب شرح المتنبى «2» .
كتاب إعراب الحديث، لطيف.(2/117)
ومن شعره فيما قاله فى الوزير ناصر بن مهدىّ العلوىّ:
بك أضحى جيد الزمان محلّى ... بعد أن كان من حلاه مخلّى
لا يجاريك فى نجاريك «1» خلق ... أنت أعلى قدرا وأعلى محلّا
دمت تحيى ما قد أميت من الفض ... ل وتنفى فقرا وتطرد محلا
وقال داود بن أحمد بن يحيى الملهمىّ الشاعر يهجو أبا البقاء من أبيات:
وأبو البقاء عن الكتاب مخبّرا ... وتراه إن عدم الكتاب محيّرا
وكان- رحمه الله- إذا أراد التصنيف أحضرت له المصنفات فى ذلك الفن، وقرئ عليه منها، فإذا حصله فى خاطره أملاه. فكان يخلّ بكثير من المحتاج إليه. وما أحسن ما وصفه بعض الأدباء فقال: «أبو البقاء تلميذ تلاميذه» ، أى هو تبع لهم فيما يلقونه عليه من القراءة عند الجمع من كلام المتقدّمين.
326- عبد الله بن حمّود الزّبيدىّ الأندلسىّ [1]
صاحب أبى على الفارسىّ الذى يذكره فى تصانيفه، الذى يقول: «سألنى الأندلسىّ» ، و «قال الأندلسىّ» .
كان عبد الله هذا قد صحب أبا على القالىّ بالأندلس، وأخذ عنه، ثم رحل إلى المشرق، فصحب أبا سعيد السّيرافىّ إلى أن مات، وصحب أبا على الفارسىّ فى مقامه وسفره إلى فارس وغيرها، وأخذ عنه وأكثر وبرع.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 24، وبغية الوعاة 282، وتلخيص ابن مكتوم 93، وتكملة الصلة 2: 439- 440.(2/118)
ومن خبره مع أبى علىّ أن أبا علىّ غلّس يوما إلى الصلاة فى المسجد، فقام إليه عبد الله بن حمّود هذا من مذود- وكان لدابة أبى على خارج داره، وكان عبد الله قد بات فيه ليدلج إليه قبل الطلبة طلبا للسبق والأخذ من علمه- فارتاع منه أبو علىّ، وقال له: ويحك! من تكون؟ قال: أنا عبد الله الأندلسىّ، فقال:
إلى كم تتبعنى! والله إن على وجه الأرض أنحى منك!.
وذكر على بن عيسى بن الفرج الربعىّ صاحب [أبى] على، عبد الله بن حمّود الزّبيدىّ هذا فقال: «قرأ «1» على أبى على فى نوادر الأصمعىّ «أكأت الرجل «2» » إذا رددته عنك، فقال له أبو على: ألحق هذه الكلمة بباب «أجأ» ، فإنى لم أجد لها نظيرا غيرها. فسارع من حوله إلى كتابتها. قال الربعىّ: [فقلت] «3» أيها الشيخ، ليس «أكأ» من «أجأ» فى شىء. قال: وكيف ذلك؟ قال: قلت لأن إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ وقطربا حكما أنه يقال: «كاء «4» الرجل» ؛ إذا جبن. فخجل الشيخ وقال: إذا كان كذا فليس منه. فضرب كل واحد منهم على ما كتب.
ولم يرجع عبد الله بن حمود الزبيدىّ الأندلسىّ إلى بلاده، وما زال بالعراق إلى أن مات بها- رحمه الله. «5»(2/119)
327- عبد الله بن رستم اللغوىّ
[1] مستملى يعقوب بن السّكّيت. كان قد استفاد من يعقوب وطبقته، وكتب بخطه الكثير، وأفاد الطالبين.
328- عبد الله بن سعيد الأموىّ اللغوىّ [2]
لقى العلماء، ودخل البادية، وأخذ عن فصحاء الأعراب، وأخذ عنه العلماء وأكثروا فى كتبهم. وكان ثقة فى نقله.
وصنف كتبا، منها: كتاب النوادر. وكتاب رحل البيت. وكان جالس أعرابيا من بنى الحارث بن كعب، وسألهم عن النوادر والغريب، وكان مع ذلك حافظا للأخبار والشعر وأيام العرب.
329- عبد الله بن سعيد بن مهدى الخوافىّ الكاتب أبو منصور [3]
أديب شاعر، لغوى فرضى حاسب. كان من أتم الناس مروءة وأكبرهم نفسا، كثير الرواية لكتب الأدب، وله فى اللغة تصانيف، وجمع مجاميع فى كل فن. ومن شعره:
وخود «1» جلا التوديع عندم خدّها ... كما فتقت أكمام ورد مضرّج
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 282، وتاريخ بغداد 10: 81، وتلخيص ابن مكتوم 93، وطبقات الزبيدىّ 144.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 282، وتلخيص ابن مكتوم 93، وطبقات الزبيدىّ 134، والفهرست 48.
[3] ترجمته فى الأنساب 210 ب، وبغية الوعاة 282، وتلخيص ابن مكتوم 93- 94، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 35- 36، ونزهة الألباء 331- 332. والخوافىّ، بفتح الخاء والواو: منسوب إلى خواف؛ وهى من نواحى نيسابور، ينسب إليها كثير من العلماء. وقد ذكر السيوطىّ أن وفاته كانت سنة 480.(2/120)
ولم أر بدرا قبلها عضّ فى الدّجى ... على عنم بالأقحوان المفلّج
تضاهى الدّجى فرعا وعينا وحاجبا ... سوى أنها كالصّبح عند التبلّج
رحلنا على اللذات من جانب الصّبا ... وقلت لأحداث الزّمان ألا اخرجى
وبتنا على رغم النّوى ننشر الهوى ... ونطوى رداء الليل طيّا وننتجى «1»
فلما تجلّى الصبح ثارت كأنّها ... غزال صريم لا غزالة منبج «2»
330- عبد الله بن عبد الله الأندلسىّ المعروف بالبرقى [1]
كان عالما بالنحو واللغة، إماما فيهما، [عالما] بالعدد والهندسة. وله كتاب مشهور فى المسبّع. وكان رجلا ناسكا، ينسب إليه علم صناعة الكيمياء.
وكان الحكم المستنصر «3» يعظّمه ويوقره ويروم الإسكار معه، فيقبضه ورعه، ويكفّه عن مداخلته زهده- رحمه الله ورضى عنه وأرضاه.
331- عبد الله بن عبد الله النحوىّ القياس [2]
كان نحويا قياسيا. وأصله من الأندلس، وسكن القيروان. وكان سرىّ الأخلاق، كثير المصادقة لمن صحب. وله أشعار حسنة، وكان من يحسده يقول:
هى من أشعار الأندلسيين. وكان متصلا بابن أبى جعفر المروزىّ ومادحا لابنه كثيرا.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 94.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 94.(2/121)
332- عبد الله بن على بن أحمد بن عبد الله المقرئ أبو محمد ابن بنت أبى منصور الخياط [1]
إمام مسجد ابن جردة، قرأ القرآن بروايات، وتخرّج عليه جماعات كثيرة «1» ختموا عليه كتاب الله. وله معرفة بالنحو واللغة.
روى كتاب سيبويه عن أبى الكرم بن فاخر «2» ، ورواه لنا عنه زيد «3» بن الحسن ابن زيد الكندىّ إجازة منه لنا، وقرأه عليه ابن سعدون القرطبىّ وابن البندار.
ووقع إلىّ الأصل بذلك، بحمد الله ومنه وكرمه.
وكان أبو محمد هذا متودّدا متواضعا، حسن القراءة والتلاوة فى المحراب، خصوصا فى ليالى رمضان يحضر عنده الناس للاستماع. وكان يقول شعرا قريبا.
وصنف تصانيف «4» فى علوم القراءات، وأغرب فيها، فشنّع عليه بها، وخولف فيها، فرجع عنها.
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 214 ب، وتاريخ ابن كثير 12: 222، وخريدة القصر 1: 83- 84، وتلخيص ابن مكتوم 94، وشذرات الذهب 4: 128- 129، وطبقات ابن قاضى شهبة 2:
42- 44، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 434- 435، وكشف الظنون 206، 338، 1344، 1499، 1582، والمنتظم (وفيات سنة 541) ، ومرآة الجنان 4: 275، ونزهة الألباء 482- 484.(2/122)
وكان مولده فى ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من شعبان سنة أربع وستين وأربعمائة، وتوفى بكرة يوم الاثنين الثامن والعشرين من ربيع الآخر من سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، ودفن من الغد بباب حرب عند جدّه على دكّة الإمام أحمد بن حنبل، وصلّى عليه فى جامع القصر، فى جامع المنصور، وكان الجمع كثيرا جدا يفوت الإحصاء، وأغلق أكثر البلد فى ذلك اليوم؛ فمن شعره:
أأنصحكم على أوفى يقينى ... وسوء الظن منكم يعتريني
إذا ما جئتكم لأداء نصح ... أتانى الغشّ منكم فى الكمين
سأصبر ما حييت على أذاكم ... وأحفظ ودّكم فى كلّ حين
وله أيضا:
أيها الزائرون بعد وفاتى ... جدثا ضمنّى ولحدا عميقا
سترون الذى رأيت من المو ... ت عيانا وتسلكون الطريقا
333- عبد الله بن على بن إسحاق الصّيمرىّ النحوىّ أبو محمد [1]
قدم مصر، وحفظ عنه شىء من اللغة وغيرها. وكان فهما عاقلا. وصنف كتابا فى النحو؛ سماه التبصرة «1» ، وأحسن فيه التعليل على مذهب البصريين.
ولأهل المغرب باستعماله عناية تامة، ولا يوجد به نسخة إلا من جهتهم. وقد ذكرته فى غير موضع من هذا الكتاب.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 285، وتلخيص ابن مكتوم 94، وكشف الظنون 339.
والصيمرىّ، بفتح الصاد وسكون الياء وفتح الميم: منسوب إلى صيمرة؛ موضع بالبصرة، أو بلد بين ديار الجبل وديار خوزستان.(2/123)
334- عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن أحمد بن سعيد بن سليمان ابن محمد بن أبى حبيب الأنصارىّ الخزرجىّ أبو محمد ابن أبى بكر الأندلسىّ [1]
ولد بشلب، «1» ونشأ بإشبيلية من بيت العلم والوزارة، وصرف وجهه إلى طلب العلم حتى حصل له ما لم يحصل لغيره؛ وولى القضاء بالأندلس مدة، ثم خرج منها على عزم الحج، ودخل مصر وتوجّه إلى مكة فحج وجاور بها سنة، ثم قدم العراق وأقام ببغداذ مدّة، ثم سافر إلى خراسان فنزل هراة مدّة ومرو مدّة. وكان خبيرا بالحديث والفقه والأدب والنحو، وسمع بخراسان وسمع منه، وأفاد واستفاد؛ وشهد له علماؤها بالفضل والأدب والنبل. وكان مولده بشلب، إحدى مدن الأندلس فى ربيع الأوّل فى سنة أربع وثمانين وأربعمائة «2» .
أنبأنا أبو الضياء شهاب بن محمود الشاذمانى فى كتابه من هراة قال: أخبرنا عبد الكريم بن محمد المروزىّ من كتابه الجامع القديم بهراة بقراءة أبى النّصر الفامىّ قال: حدّثنا أبو محمد بن أبى حبيب الحافظ من لفظه بجامع هراة، حدّثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن أحمد البلخى إملاء فى جامع بلخ، أخبرنا القاضى أبو على الحسن ابن محمد الوحشىّ سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفىّ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهانىّ، أخبرنا أبو جعفر أحمد ابن مهران بن خالد الأصبهانىّ، حدّثنا محمد بن الصباح، حدّثنا إسماعيل
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 286، وتاريخ الإسلام الذهبىّ (وفيات سنة 546) وتلخيص ابن مكتوم 94- 95، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 21.(2/124)
ابن زكريا عن الحسن بن الحكم النخعىّ عن عادى بن ثابت عن أبى حازم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد عبد من سلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا» .
توفى- رحمه الله- بهراة فى شعبان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
335- عبد الله بن عمرو بن صبح المعروف بابن أبى صبح المرّىّ [1]
أعرابى بدوىّ لغوىّ، فصيح. دخل من البادية، ونزل بغداذ، ولم يزل مقيما بها حتى مات وأخذ منه. وكان شاعرا فصيحا، وله مع الفقسىّ «1» أخبار ظريفة.
قال دعبل: حضر الفقعسىّ دارا فيها وليمة، وحضرها ابن أبى صبح الأعرابىّ فازدحما على الباب، فغلب ابن أبى صبح، ودخل قبل الفقعسىّ، وقال:
ألا يا ليت أنّك أمّ عمرو ... شهدت مقامتى كى تعذرينى
ودفعى منكب الأسدىّ عنى ... على عجل بناجية زبون «2»
بمنزلة كأن الأسد فيها ... رمتنى بالحواجب والعيون «3»
وكنت إذا سمعت بحق خصم ... منعت الخصم أن يتقدّمونى
336- عبد الله بن فزارة النحوى [2]
بصرى تصدّر بها لإفادة هذا النوع، وتوفى بها سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 95، والفهرست 49.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 286، وتلخيص ابن مكتوم 95، وطبقات الزبيدىّ 147، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 45.(2/125)
337- عبد الله بن القاسم بن على بن محمد بن عثمان الحريرىّ أبو القاسم [1]
من أهل البصرة، سكن بغداذ، وهو ولد صاحب المقامات، وكان يسكن باب المراتب. شاب فاضل متميز، له حظ من الأدب واللغة، مليح الخط، قليل الحظ. ولد سنة تسعين وأربعمائة.
338- عبد الله بن محمد بن هارون أبو محمد التوّزىّ [2]
مولى قريش. وكان يدعى بالقرشىّ. وقال المبرّد: قرأ التّوّزىّ كتاب سيبويه على أبى عمر الجرمىّ. قال: ما رأيت أعلم بالشعر منه. وكان أعلم من الرياشىّ والمازنىّ وأكثرهم رواية عن أبى عبيدة. وقد قرأ على الأصمعى وغيره.
وتزوّج التوّزىّ أم أبى ذكوان النحوىّ، فكان أبو ذكوان إذا قيل له:
من التوّزى منك؟ يقول: كان أبا إخوتى.
فمن تصانيفه كتاب الأمثال. كتاب الأضداد. كتاب الخيل وأسنانها وعيوبها وإضمارها ومن نسب إلى فرسه وسبقها. كتاب فعلت وأفعلت.
كتاب النوادر.
وهو منسوب إلى موضع من بلاد فارس اسمه توّز، وهم يسمّونه اليوم توّج.
توفى- رحمه الله- سنة ثلاثين ومائتين.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 95، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد الورقة 42.
[2] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 85- 87، وبغية الوعاة 290، وتلخيص ابن مكتوم 95، وطبقات الزبيدىّ 69، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 51، والفهرست 57- 58، ومراتب النحويين 122، والمزهر 2: 408، 445، 464، ونزهة الألباء 232- 233. والتوزى، بفتح التاء وتشديد الواو: منسوب إلى توّز، وهى موضع عند بلاد الهند مما يلى فارس.(2/126)
339- عبد الله بن محمد بن هانئ أبو عبد الرحمن النيسابورىّ اللغوىّ [1]
عالم بهذا الشأن. أدرك الصدر الأوّل، وروى عن أبى زيد سعيد بن أوس الأنصارىّ، وروى عنه كتاب النوادر، وأشعار العرب، وأكثر عنهم الرواية لهذا النوع، وكان فى طبقة أبى عبيد القاسم بن سلّام وأبى حاتم سهل ابن محمد السّجستانى.
قال عبد الله بن محمد بن هانئ النيسابورىّ هذا: أنفق أبى على الأخفش اثنى عشر ألف دينار.
وكان جمّاعة للكتب، كثير الحفظ لها إلى أن صارت جملة عظيمة، وأبيعت بأربعمائة ألف درهم، وكان قد أعدّ فى حياته دارا لكل من يقدم من المستفيدين، فيأمر بإنزاله فيها، ويزيح علّته فى النسخ والورق، ويوسّع النّفقة عليه.
وله كتاب كبير يوفى على ألفى ورقة، فى نوادر العرب وغرائب ألفاظها، وفى المعانى والأمثال.
340- عبد الله بن محمد بن عيسى بن وليد النحوىّ الأندلسىّ [2]
من أهل مدينة الفرج «1» ؛ أبو محمد. كان من أهل العلم بالعربية واللغة، متحقّقا ربما، بارعا فيهما، مع وقار مجلس ونزاهة نفس. وكان قد شرع فى شرح كتاب
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 290، وتاريخ بغداد 72- 73، وتلخيص ابن مكتوم 95- 96.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 291، وتلخيص ابن مكتوم 96، وكشف الظنون 463.(2/127)
الواضح للزّبيدىّ، فبلغ منه النصف، ومات قبل إكماله. وله كلام على أصول «1» النحو. وكان يختم كتاب سيبويه فى كل خمسة عشر يوما- رحمه الله. «2»
341- عبد الله بن محمد أبو العباس المعروف بابن شرشير الناشى الكبير [1]
الشاعر النحوى العروضى المتكلم. أصله من الأنبار، وأقام ببغداذ مدّة طويلة، ثم خرج إلى مصر فنزلها إلى آخر عمره. كان يعلّم العلوم ويتبحّر فيها، علم النحو وأحكمه، ونظر فى علله وهو متكلّم، فتبين له بقوّة الكلام نقض أصوله، فنقضها وصنّف فيها. وكذلك العروض أدخل على قواعده شبها ناقضة لها، ومثّله بأمثلة غير أمثلة الخليل، وأحسن والله فى كل ذلك، وأظهر قوّة. وكذلك فعل بالكتب المنطقية. وإذا وقف الواقف على تصانيفه وأنصف ظهر له أثر الاجتهاد والإمتاع، حتى إن الغير «3» منصف ينسبه إلى التّهوّس. وليس الأمر كذلك، وإنما هى قوّة وفطنة.
__________
[1] ترجمته فى تاريخ ابن الأثير 6: 115، وتاريخ بغداد 10: 92- 93، وتاريخ أبى الفدا 2: 61، وتاريخ ابن كثير 11: 101، وتلخيص ابن مكتوم 96، وحسن المحاضرة 1:
240، وابن خلكان 1: 263- 264، وشذرات الذهب 2: 214- 215، ومراتب النحويين 139، والمزهر 2: 409، والمنتظم (وفيات سنة 297) ، والنجوم الزاهرة 3:
158- 159. والناشى، بفتح النون وبعد الألف ياء: لقب غلب عليه. وشرشير (بكسر الشين الأولى والثانية) فى الأصل: اسم طائر يصل إلى الديار المصرية فى البحر زمن الشتاء؛ وهو أكبر من الحمام بقليل، كثير الوجود بساحل دمياط؛ وجعل اسما عليه.(2/128)
وله شعر كثير يتضمن فوائد، وله قصيدة مطوّلة فى فنون من العلم على روىّ واحد وقافية واحدة، تبلغ أربعة آلاف بيت. وله مصنّفات جميلة.
فمن شعره ما أنشده له محمد بن خلف بن المرزبان، وقد أحضرت له مغنيّة حسناء:
فديتك لو أنّهم أنصفوك ... لردّوا النواظر عن ناظريك
تردّين أعيننا عن سواك ... وهل تنظر العين إلّا إليك
وهم جعلوك رقيبا علينا ... فمن ذا يكون رقيبا عليك
ألم يقرءوا- ويحهم- ما يرو ... ن من وحى حسنك فى وجنتيك!
قال ابن المرزبان: فشغفت بالأبيات. فقال ابن أبى طاهر: أحسنت والله وأجملت! قد والله حسدتك على هذه الأبيات «1» .
قال سليمان بن أحمد الطّبرانىّ: أنشدنا الناشى لنفسه بمصر سنة ثمانين- يعنى ومائتين:
ليس شىء أحرّ فى مهجة العا ... شق من هذه العيون المراض
والخدود المضرّجات اللّواتى ... شيب جريالها «2» بحسن البياض
ورنوّ الجفون والغمز بالحا ... جب عند الصّدود والإعراض
وطروق الحبيب واللّيل داج ... حين همّ السّمّار بالإغماض «3»
مات أبو العباس الناشى بمصر سنة ثلاث وتسعين ومائتين.(2/129)
342- عبد الله بن محمد بن طاهر الطّريثيثىّ أبو بكر القاضى [1]
من أهل طريثيث. أحد الأفاضل، وكانت له يد باسطة فى اللغة والأدب.
طاف البلاد، وخدم الأكابر، وورد العراق، ولقى بالإكرام والاحترام. وكان ذلك قبل سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. وصنف كتابا سماه الموازنة بين أبى طاهر وطاهر يمدح فيه أبا طاهر الخوارزمىّ، ويذم طاهرا الطّريثيثىّ. وهو كتاب كثير الفوائد من المنثور والمنظوم والحكايات المفيدة وأحوال الناس، وأودعه قطعة صالحة من شعره «1» .
343- عبد الله بن محمد بن رستم أبو محمد اللغوىّ [2]
مستملى يعقوب بن السّكّيت. كان مذكورا بالعلم والفضل، وروى عن يعقوب. حدّث عنه قاسم بن محمد الأنبارىّ، وكان ثقة.
344- عبد الله بن محمد بن سفيان أبو الحسين الخزاز النحوىّ [3]
حدث عن أبى العباس المبرّد وأبى العباس ثعلب وغيرهما. روى عنه عيسى ابن على بن عيسى الوزير «2» ، وكان ثقة.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 288، وتلخيص ابن مكتوم 96، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد الورقة 43. والطريثيثىّ، بضم الطاء وفتح الراء وسكون الياء: منسوب إلى طريثيث، وهى ناحية كبيرة من نواحى نيسابور.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 282، وتلخيص ابن مكتوم 93، وطبقات الزبيدىّ 134، والفهرست 48؛ وهو مكرر 327.
[3] ترجمته فى بغية الوعاة 287- 288، وتاريخ بغداد 10: 123، وتلخيص ابن مكتوم 96- 98، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 344، وكشف الظنون 1458، 1730.(2/130)
وله مصنّفات فى علوم القرآن «1» غزيرة الفوائد. وكان صاحب إسماعيل القاضى «2» وورّاقه. قرأ على المبرّد كتاب سيبويه؛ أى أسمعه إياه من لفظه. مات عبد الله بن محمد بن سفيان يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
345- عبد الله بن محمد بن هانئ أبو عبد الرحمن النحوىّ النيسابورىّ [1]
صاحب الأخفش. ذكره بهذا أبو عبد الله بن البيّع فى تاريخه، وقال عنه:
«سمع محمد بن جعفر، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، ويحيى بن سعيد، ويوسف بن سعيد، ويوسف بن عطية، ومبارك بن سحيم وأقرانهم من البصريين» .
روى عنه محمد بن عبد الوهاب الفرّاء، وعلى بن الحسين الهلالىّ ومن بعدهما، مثل إبراهيم بن أبى طالب وطبقته وأصحابه. ومسجده مسجد هانئ، وفيه كان يحدّث.
مات فى جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ومائتين.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 290، وتاريخ بغداد 10: 72- 73، وتلخيص ابن مكتوم 95- 96؛ وهو مكرر 339.(2/131)
346- عبد الله بن محمد البخارىّ النحوىّ الفقيه الشاعر المعروف بالبافى [1]
كان من أفقه الناس فى وقته على مذهب الشافعىّ، وله معرفة بالنحو والأدب مع عارضة «1» وفصاحة. وكان حسن المحاضرة، حاضر البديهة، يقول الشعر المطبوع من غير تكلّف، ويعمل الخطب، ويكتب الكتب الطوال من غير رويّة.
قال أبو بكر البرقانىّ «2» - رحمه الله-: قصد أبو محمد البافىّ صديقا له ليزوره فلم يجده فى داره، فاستدعى بياضا ودواة وكتب إليه:
كم حضرنا فليس يقضى التّلاقى ... نسأل الله خير هذا الفراق
إن أغب لم تغب وإن لم تغب غب ... ت كأنّ افتراقنا باتفاق
وله أيضا:
ثلاثة ما اجتمعن فى رجل «3» ... إلّا وأسلمنه إلى الأجل
ذلّ اغتراب وفاقة وهوى ... وكلّها سائق على عجل
يا عاذل العاشقين إنّك لو ... أنصفت أعفيتهم «4» عن العذل
فإنهم لو عرفت صورتهم ... عن شغل «5» العاذلين فى شغل
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 61 ا، وتاريخ بغداد 10- 139- 140، وتلخيص ابن مكتوم 97، والجواهر المضية 1: 283- 286، وشذرات الذهب 3: 152، وطبقات الشافعية 2: 232- 234، والباب 1: 90، ومعجم البلدان 2: 43، والمنتظم (وفيات سنة 398) ، والنجوم الزاهرة 4: 219. والبافىّ، بفتح الباء وفاء مكسورة وياء مشدّدة. منسوب إلى باف، وهى إحدى قرى خوارزم.(2/132)
وله إلى صديق له يستنجزه وعدا:
توسّع مطلى والزمان يضيق ... وأنت بتقديم الجميل حقيق
فإمّا «نعم» يحيى الفؤاد نجاحها ... وإمّا إياس فالغريب رقيق
فإنّ مرجّى البرّ فى الأسر موثق ... وإن طليق اليأس منك طليق
مات فى النصف من محرّم سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ببغداذ.
347- عبد الله بن محمد بن الحسين بن ناقيا أبو القاسم الأديب الشاعر اللّغوىّ [1]
كان فاضلا. له ترسّل وشعر وأدب ومقامات وتصنيفات فى الأدب. شرح كتاب الوسيط شرحا متوسطا ممتعا. وله كتاب فى ملح الممالحة وهو كتاب حسن فى نوعه «1» . كان يعرف بالبندار.
وتوفى ليلة الأحد رابع محرّم سنة خمس وثمانين وأربعمائة ببغداذ، ودفن فى مقابر باب الشام. ومولده فى ذى القعدة من سنة عشر وأربعمائة.
وله شعر سائر، فمن شعره:
أخلّاى ما صاحبت فى العيش لذّة ... ولا زال عن قلبى حنين التّذكّر
ولا طاب لى طعم الرقاد ولا اجتنت ... لحاظى مذ فارقتكم حسن منظر
ولا عبثت كفّى بكأس مدامة ... يطوف بها ساق، ولا جسّ مزهر «2»
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 292، وتلخيص ابن مكتوم 97، وخريدة القصر 1: 142، وابن خلكان 1: 266، وكشف الظنون 129، 594، 1273، 1817، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد الورقة 42. وناقيا؛ ضبطه ابن خلكان، بفتح النون وبعد الألف قاف مكسورة ثم ياء.(2/133)
348- أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد اليزيدىّ العدوىّ المعروف بابن اليزيدىّ [1]
كان عالما بالنحو واللغة. أخذ عن أبى زكرياء يحيى بن زياد الفرّاء وغيره وصنّف كتابا فى غريب القرآن، وكتابا فى النحو مختصرا، وكتاب الوقف والابتداء، وكتاب إقامة اللسان على صواب المنطق. وأخذ عنه ابن أخيه الفضل بن محمد اليزيدىّ.
قال أبو العباس ثعلب: ما رأيت فى أصحاب الفرّاء أعلم من عبد الله بن محمد اليزيدىّ، فى القرآن خاصة. ذكره ابن الأنبارىّ- رحمه الله.
349- عبد الله بن محمد بن وداع بن زياد بن هانئ الأزدىّ [2]
ويكنى أبا عبد الله. حسن المعرفة بالأدب، صحيح الخط؛ يرغب فيه الناس ويتغالون فى ثمنه لإتقانه، من زمانه وذلك فى حدود سنة ثلاثين ومائتين، وإلى يومنا هذا، وهو حدود ثلاثين وستمائة. وكان له دكان ببغداذ يورّق فيه، ويجتمع إليه عامة أهل الأدب، ويحصل فيه بينهم من المحاضرة والمذاكرة ما لا يحصل فى غيره من أندية الأدب، ولقد اقتنيت بخطه كتاب الأمثال لأبى عبيد، فرأيت من الإتقان والتحقيق ما لا شاهدته لغيره، واقتنيت بعد ذلك غيره من الكتب الأدبية بخطه. وقيل إن خطه فى زمانه كان يباع بالثمن الغالى، وكذلك اليوم عند من يعرفه.
__________
[1] وردت هذه الترجمة فى هامش الأصل ص 396 من الجزء الأوّل. وترجمته فى الفهرست 57- 58، ونزهة الألباء 226- 227. وانظر نسب اليزيدىّ فى الجزء الأوّل ص 161.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 97- 98، والفهرست 80.(2/134)
350- عبد الله بن محمد بن سفيان أبو الحسين الخزاز النحوىّ [1]
كان معلّما فى دار أبى الحسن على بن عيسى «1» ، مليح الخط صحيحه، من النحويين الذين خلطوا المذهبين. وهو الذى عمل كتاب على بن عيسى فى القرآن ونحله إياه، ورأيت بخطه كتاب شعر أبى تمام، وهو فى غاية الإتقان والجودة.
وصنّف؛ فمن تصنيفه. كتاب المختصر فى علم العربية. كتاب معانى القرآن. كتاب المقصور والممدود. كتاب المذكر والمؤنث. كتاب فى علم اللغة ومنظومها. كتاب أخبار أعيان الحلم «2» ، ألفه لأبى الحسن «3» عمر ابن محمد بن حماد بن أبى عمرو. كتاب السرارى الذهبيّات «4» والمسكيات. كتاب أعياد النفوس فى ذكر المعلم «5» . كتاب رمضان وما قيل فيه.
351- عبد الله بن محمد بن شقير أبو بكر النحوى [2]
خلط المذهبين، وهو مشهور بين النحاة، مذكور. تصدّر فأفاد، وصنف.
وله من التصنيف. كتاب مختصر نحو. كتاب المقصور والممدود. كتاب المذكر والمؤنث.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 287- 288، وتاريخ بغداد 10: 123، وتلخيص ابن مكتوم 96- 97، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 46- 47، والفهرست 82، وكشف الظنون 1458، 1461. وذكر الخطيب وابن مكتوم وابن قاضى شهبة أن وفاته كانت سنة 325، وهو مكرر 344.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 98.(2/135)
352- عبد الله بن محمد الأزدىّ أبو القاسم [1]
من أهل البصرة. نحوىّ مذكور مصنّف، فمن نصنيفه كتاب المنطق.
353- عبد الله بن محمد بن على بن محمد أبو القاسم ابن أبى عبد الله الأديب الراقطائىّ [2]
ويعرف بابن الخوارزمىّ. وراقطا: إحدى بلاد البطائح «1» . ووالده قدم من خوارزم، وسكن هذه الناحية، وولد منه عبد الله هذا بها. وطلب العلم وقرأ الأدب على أبيه وغيره، وروى عن مشايخ وقته، وأفاد بها بواسط فى سنة خمسمائة، وقدم بغداذ فى سنة عشر وخمسمائة، وروى بها شيئا من شعره وتصانيفه؛ فمن شعره:
ربّ ليل فريت فروته ... أحبّه وهو بارد بارد
على سناد سناد كلكلها ... عند الونى مثل ساعد ساعد
وما افتقرت المطىّ مفتقرا ... عمرى وما كل واجد واجد
إن تنكرى يا قتيل قتلك لى ... فلى على ذلك شاهد شاهد
تغيير لونى ولمّتى شهدا ... أن الذى طلّ عامد عامد
أقول إذ زارنى وودّعنى ... قل لى متى أنت عائد عائد
وعاد أبو القاسم بن الخوارزمىّ إلى بلده بعد قدومه بغداذ، وتوفى بعد ذلك بيسير. والله أعلم.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 98.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 98.(2/136)
354- عبد الله بن محمد بن محمد بن هبة الله بن علىّ ابن أبى عيسى [1]
من أهل شهرابان «1» ، بلدة من أعمال طريق خراسان. من بيت عدالة وقضاء وأدب، وكانت له معرفة بالأدب حسنة. قرأ على أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحو واللغة [و] العربيّة، وحصل له من ذلك طرف صالح، وسمع الحديث من بعض مشايخ زمانه، وله شعر منه:
نحن قوم قد تولّى حظّنا ... وأتى قوم لهم حظّ جديد
وكذا الأيام فى أفعالها ... تخفض الهضب فتستعلى الوهود
إنما الموت حياة لامرىء ... حظّه ينقص والهمّ يزيد
وإذا قام لأمر مكثب ... قعد الحظ به فهو بعيد
ولد ليلة الخميس ثانى عشر شهر رمضان من سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، ومرض فى بغداذ فى رجب من سنة ستمائة، فحمل مريضا إلى شهرابان، فمات قبل الوصول إليها بموضع يعرف بالحصن، فى ليلة السبت سادس عشر الشهر المذكور، فحمل ميّتا، ودفن بشهرابان- رحمه الله.
355- عبد الله بن محمد بن عبد الله بن على الأشيرىّ أبو محمد المغربىّ [2]
أصله من أشير زيرى من برّ العدوة. «2» وأشير زيرى مدينة قبالة بجاية «3» وقبلتها،
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 98.
[2] ترجمته فى تاريخ فى تاج العروس، 3: 14، وتاريخ الإسلام للذهبىّ (وفيات سنة 561) ، وتلخيص ابن مكتوم 98- 99، وشذرات الذهب 4: 198، وطبقات ابن قاضى شهبة 2:
48- 49، واللباب لابن الأثير 1: 55، ومرآة الجنان 3: 347، ومعجم البلدان 1: 264- 265، والنجوم الزاهرة 5: 372.(2/137)
بينهما ثلاثة أيام فى بلاد صنهاجة. «1» . وزيرى الذى عمرها واختطّها هو زيرى بن مناد «2» ، أحد مقدّمى صنهاجة فى وقته، وقد بقى الأمر فى ولده وولد ولده مدّة مديدة.
والمعز بن باديس بن بلجّين «3» من نسله، وهو الذى استولى على بلد إفريقية بعد الفرقة الشيعية المنتقلين إلى مصر عن إفريقية، وسلموها إلى جدّة نيابة، فانفرد بها.
وكان عبد الله بن محمد الأشيرىّ هذا يخدم فى بعض الأمور بدولة عبد المؤمن «4» ابن على، ولما حصل مع القوم بالأندلس جرى له أمر خشى عاقبته، فانصرف عنهم منهزما منهم، ومعه أهله وكتبه وما أمكنه استصحابه، وقصد الشام، فخرج إلى اللاذقيّة «5» ، وبها الفرنج، وسلّمه الله إلى أن وصل إلى حلب، ونزل على العلاء(2/138)
محمود الغزنوىّ المدرّس بمدرسة الحلاويين ظاهر باب الجامع، وأقام عنده مدّة وسمع منه الفوائد المغربية، وروى لهم عن ابن العربى «1» والقاضى عياض بن موسى اليحصبى «2» وأمثالهم، وأقام إلى سنة تسع وخمسين، واتفق أن يحيى بن هبيرة الوزير صنّف كتاب الإفصاح، وجمع له علماء المذاهب، وطلب فقيها مالكيا، فدلّوه على الأشيرىّ، فطلبه من نور الدين محمود بن زنكىّ «3» ، فسيّره إليه، فأكرمه وأنزله وأجرى له نزلا «4» ، وحضر قراءة كتاب الإفصاح «5» ، فمرّت مسألة- سأذكرها- واختلف كلامه وكلام ابن هبيرة، فسبقه عليه ابن هبيرة، وجرت بعد ما سأذكره بعد تمام ترجمته، إن شاء الله.
وحج من بغداذ سنة ستين وخمسمائة، وزار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعياله معه، وضاق بهم وبه الحال، فخرج من المدينة، وترك أهله هناك، وذلك فى وسط السنة، وقصد الشام، ولقى نور الدين بظاهر حمص، وذكر له حاله، فوعده بخير. واتفق أنه مرض ومات فى شهر رمضان من سنة إحدى وستين(2/139)
وخمسمائة، وقيل إنه دفن بظاهر سور حمص قريبا منه. وقال لى ابن الأستاذ عبد الرحمن: إنه دفن بقبر إلياس فى البقاع. والله أعلم.
وسيّر نور الدين إلى أهله نفقة، وخيّرهم فى المقام أو الحضور إلى الشام، فحضروا صحبة ولد له اسمه محمد، ونزلوا حلب وباعوا كتبه فى وفاء دين عليه، وكانت فى غاية الجودة والصحة، وخدم ولده جنديا مع الأمير عز الدين بن جرديك، ومات فى خدمته.
وإنما ذكرت الأشيرىّ فى اللّغويين لأنه صنف كتابا هذّب فيه الاشتقاق الذى صنفه المبرّد،- ورأيته- فأحسن فيه، وهو عندى بخطه- رحمه الله- وذكره الحافظ أبو القاسم «1» على فى كتابه فقال:
«عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد الصنهاجىّ المعروف بابن الأشيرىّ. كامل فاضل، سمع بالأندلس أبا جعفر بن غزلون. وأبا بكر محمد بن عبد الله بن محمد ابن العربى الإشبيلىّ وغيرهما، وحصلت له كتب حسان، وكان يكتب لصاحب المغرب، فلما مات صاحبه استشعر، فأخذ كتبه وأهله وتوجه إلى الشام، وقدم دمشق، وأقام بها مديدة، وحدّث بالموطأ وغيره، وسمع منّى وكتب عنّى، وعلّقت عنه شيئا. وكان أديبا، وله شعر جيّد. ثم توجه إلى حلب.
ذكره أبو الليث شاكر بن عبد الله التنوخىّ لنور الدين محمود بن زنكى، والأمير أبو يعقوب يوسف بن على الملثم وهما فى صحبته فى الزيارة بالبقاع، «2» وأثنيا عليه خيرا كثيرا، ورغّباه فى ترتيبه بحلب لتقوية السّنة بها، ولحاجة أهلها إلى مثله، فنقله الملك العادل إلى حلب، وقرّب له كتابته، وأقام يروى الحديث سنتى ثمان وتسع، وسافر إلى الحج فجاور سنة ستين، ثم قدم فى سنة إحدى وستين، وخلف ولده وزوجته(2/140)
بمكة، وتوجه إلى حلب مستميحا، واجتمع بمحمود بن زنكى بحلب، وسار بمسيره إلى حمص، وتخلّف بالمرض، ثم تبعه فثقل فى مرضه، وتوفى باللبوة يوم الأربعاء خامس عشرين شوّال سنة إحدى [وستين وخمسمائة] . واستأذن رفقته نور الدين فى دفنه، فرسم لهم بحمله إلى بعلبك، ودفن بظاهر باب حمص شمالى بعلبك. وزار قبره. وخاطبه أبو اليسر «1» فى أمر عيال الأشيرىّ واجتذابهم إلى ظله بالشام شفقة عليهم من ضيقة المعيشة بالحجاز، فرسم لمتولى السبيل أن يجتمع بهم ويقول لهم:
إن شئتم حملتكم إلى الشام، ويقرّر الملك لكم كفايتكم، فإن أجابوا نقلهم. فقدموا فى قافلة الحاج، وبعثهم إلى حلب، وقرّر لهم كفايتهم.
356- عبد الله بن محمد بن السّيد البطليوسىّ النحوىّ [1]
من أهل بطليوس. مدينة من مدن الأندلس، أبو محمد. سكن بلنسية.
كان عالما بالآداب واللغات، متبحّرا فيها، مقدّما فى معرفتها، يجتمع الناس إليه، ويقرءون عليه، ويقتبسون منه. وكان حسن التعليم، جيّد التلقين، ثقة حافظا ضابطا.
__________
[1] ترجمته فى أزهار الرياض 3: 101- 149، وبغية الوعاة 288، وتلخيص ابن مكتوم 99- 100، وابن خلكان 1: 265، والديباج المذهب 140- 141، وشذرات الذهب 4: 64- 65، والصلة لابن بشكوال 1: 287، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 47- 48، وطبقات القرّاء لابن الجزرى 1: 449، وعيون التواريخ (وفيات سنة 521) وقلائد العقيان 193- 202، وكشف الظنون 48، 488، 603، 992، 1587، 1907، ومرآة الجنان 3: 228، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 3: 404- 405، ومعجم البلدان 2: 217. والسيد، بكسر السين وسكون الياء، من أسماء الذئب، سمى به جده. والبطليوسىّ، بفتح الباء والطاء وسكون اللام وفتح الياء وسكون الواو: منسوب إلى بطليوس، مدينة جليلة بالأندلس.(2/141)
وألف كتبا حسانا؛ فمن ذلك كتاب الاقتضاب فى شرح أدب الكتاب «1» .
كتاب الأسباب الموجبة لاختلاف الأمة «2» كتاب شرح الموطّأ. كتاب المثلث «3» فى اللغة، كبير. كتاب شرح سقط الزّند «4» . كتاب إصلاح الخلل الواقع فى شرح الجمل «5» . كتاب شرح أبيات الجمل «6» . كتاب التذكرة الأدبية «7» .
وله شعر حسن منه:
أخو العلم حىّ خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثّرى ... يظنّ من الأحياء وهو عديم
وكان قد سكن قرطبة فى أيام محمد بن الحاج صاحب قرطبة، وكان كاتبه علىّ الكاتب، ومدار الأمور بقرطبة عليه، وكان له بنون ثلاثة؛ يسمى أحدهم(2/142)
عزون، والثانى رحمون، والثالث حسون، وكانوا صغارا فى حدّ الحلم، وكانوا من أجمل الناس صورا، وكان شكل شعورهم قطاطىّ مضفورة، وكانوا يقرءون القرآن على المقرئ، ويختلفون إلى الجامع إليه فى ذلك، وكان أبو محمد بن السّيد قد أولع بهم، ولم يمكنه صحبتهم إذ كان من غير صنفهم ولا منهم. وكان يجلس فى الجامع تحت شجرة يتعلّل فى كتاب يقرأ فيه، فقال فيهم بيتين وهما:
أخفيت سقمى حتى كاد يخفينى ... وهمت فى حبّ عزّون فعزّونى
ثم ارحمونى برحمون فإن ظمئت ... نفسى إلى ريق حسّون فأحسونى
وخاف على نفسه بسبب أبيهم، ففرّ من قرطبة وخرج إلى بلنسية، وأقرأ بها، وألّف بها تواليفه إلى أن توفّى- رحمه الله- منتصف رجب من سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. ومولده سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
357- عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الكاتب الدينورىّ النحوىّ اللغوىّ العالم [1]
صاحب التصانيف الحسان فى فنون العلوم. مروزىّ الأصل. ولد ببغداذ، ونشأ بها وتأدّب، وأقام بالدّينور مدّة فنسب إليها.
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 443 ا، وبغية الوعاة 291، وتاريخ ابن الأثير 6: 66، وتاريخ بغداد 10: 170- 171، وتاريخ أبى الفدا 2: 54، وتاريخ ابن كثير 11: 48، 57، وتذكرة الحفاظ 2: 187، وتفسير سورة الإخلاص لابن تميية 104، 120- 221، 133- 134، وتلخيص ابن مكتوم 100، وتهذيب الأسماء واللغات 2: 281، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 15، وابن خلكان 1: 251، وذيل كشف الظنون 2: 146، 506، وروضات الجنات 447، وشذرات الذهب 2: 169- 170، وطبقات الزبيدى 129، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 52- 54، وطبقات المفسرين للداودى 103 ا- 104 ب؛ والفهرست 77- 78،(2/143)
روى عن العلماء أمثال إسحاق بن راهويه «1» ، ومحمد «2» بن زياد الزيادىّ، وأبى حاتم السّجستانىّ. روى عنه العلماء كولده أحمد «3» ، وأبى محمد عبد الله بن جعفر ابن درستويه الفارسىّ.
وكان عبد الله بن مسلم بن قتيبة ثقة ديّنا فاضلا. فمن تصانيفه: غريب القرآن «4» . غريب الحديث «5» . مشكل القرآن «6» . مشكل الحديث.
__________
- وكشف الظنون 32، 47، 108، 470، 760؛ 807، 1102، 1184، 1204، 1392؛ 1399، 1469، 1695، 1724، واللباب لابن الأثير 2:
242، ولسان الميزان 3: 357- 359، ومراتب النحويين، 137- 138، ومرآة الجنان 2: 191- 192، والمزهر 2: 409، 420، 465، والمنتظم (وفيات سنة 276) ، وميزان الاعتدال 2: 70، والنجوم الزاهرة 3: 75- 76، ونزهة الألباء 272- 74. قال ابن خلكان: «والدينورى، بكسر الدال (وقال السمعانى بفتحها وليس بصحيح) وبسكون الياء وفتح النون والواو، وهذه النسبة إلى دينور، وهى من بلاد الجبل عند قرميسين، خرج منها خلق كثير» .(2/144)
أدب الكاتب «1» . عيون الأخبار «2» . المعارف «3» . طبقات الشعراء «4» .
الأشربة «5» . إصلاح الغلط «6» . كتاب الفرس «7» . معانى الشعر «8» .(2/145)
كتاب التفقيه «1» . كتاب الخيل. كتاب النحو «2» . كتاب إعراب القرآن «3» . كتاب الأنواء «4» . كتاب التسوية بين العرب والعجم. كتاب الفقه «5» . كتاب المسائل والجوابات «6» . كتاب العلم. كتاب الميسر والقداح «7» . كتاب النحو الصغير. كتاب الردّ على المشبهة «8» .
أكل- رحمه الله- هريسة فأصاب حرارة، ثم صاح صيحة شديدة ثم أغمى عليه إلى وقت صلاة الظهر، ثم اضطرب ساعة، فما زال يتشهد إلى وقت السحر، ثم مات، وذلك أوّل ليلة من رجب سنة ست وسبعين ومائتين.(2/146)
قال محمد بن إسحاق النديم فى كتابه: «إن ابن قتيبة كوفىّ؛ وإنما سمى الدّينورىّ لأنه كان قاضى الدّينور، وكان يغالى فى [مذهب] البصريين؛ إلا أنه خلط المذهبين، وحكى فى كتبه عن الكوفيين، وكان صادقا فيما يرويه، عالما باللغة والنحو وغريب القرآن ومعانيه [و] الشعر والفقه، كثير التصنيف والتأليف. وكتبه بالجبل مرغوب فيها. ومولده فى مستهلّ رجب، وتوفى سنة سبعين ومائتين» .
358- عبد الله بن مسلم القيروانىّ النحوىّ أبو محمد [1]
كانت له معرفة بالنحو واللغة، وندب إلى درسها بدار الكتب بمدرسة النظامية ببغداذ، واستفاد منه قوم. وهو مستور الحال.
359- عبد الله بن محمود أبو محمد المكفوف النحوىّ القيروانىّ [2]
كان من أعلم خلق الله تعالى بالعربية والغريب والشعر وتفسير المشروحات وأيام العرب وأخبارها ووقائعها.
وأدرك المهرىّ «1» وأخذ عنه، ثم صحب من بعده حمدون»
النعجة، فكان لا يبارحه، ولم يمت حمدون حتى علا المكفوف عليه، وفضله فى أشياء كثيرة.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 291، وتلخيص ابن مكتوم 100. وذكر السيوطى أن وفاته كانت سنة 488.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 290، وتلخيص ابن مكتوم 100- 101؛ وطبقات الزبيدىّ 159، 160، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 52، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 3: 396، ونكت الهميان 184- 185. وما ذكره المؤلف فى ترجمته يوافق ما فى طبقات الزبيدىّ.(2/147)
وله كتب كثيرة أملاها فى اللغة والعربية والغريب، وله كتاب فى العروض يفضّله أهل العلم على سائر الكتب المؤلّفة فيه، لما بيّن [فيه] «1» وقرّب. وعليه قرأ الناس المشروحات، وإليه كانت الرحلة من جميع إفريقية والمغرب، وكان يجلس مع حمدون فى مكتبه، فربما استعار من بعض الصبيان كتابا فيه شعر أو غريب أو شىء من أخبار العرب فيقتضيه صاحبه إياه، فإذ ألحّ عليه أعلم أبا محمد المكفوف بذلك فيقول: اقرأه علىّ، فإذا فعل قال: أعده ثانية، ثم يقول: ردّه على صاحبه، ومتى شئت تعال حتى أمليه عليك.
وقيل: أبطأ عنه أبو القاسم بن عثمان الوزان النحوىّ أياما كثيرة ثم أتاه، فلامه على تخلّفه عنه، فقال له أبو القاسم: نحن كنا سبب ما أنت فيه من العلم، وقد علمت كيف كنت أخصّك وأوثرك على غيرك، فلما صرت إلى هذه الحال قطعتنا عنك. فقال له: أصلحك الله! أعذر، فقد كان لى شغل، قال:
وما هو؟ قال: لى اليوم أكثر من شهر أختلف إلى رقّادة «2» إلى دار فلان- وذكر بعض السلاطين- أشكل له كتبا وأصححها، فقال: سررتنى والله، قال: بماذا سررتك؟ قال: بما يكون من برّه ومكافأته على اختلافك إليه وتصحيحك لكتبه.
فضحك وقال: والله ما هو إلا أنّه أكترى دابة إذا مررت وإذا رجعت من مالى.
فعجب من ذلك، وقال: تدرى كم وصل إلىّ من ابن الصائغ صاحب البريد؟ قال: لا. قال: نحو خمسمائة دينار، سوى الخلع وقضاء الحاجات والبرّ والإكرام؛ وما كان يسألنى عن شىء إلا أنه إذا كان يوم الجمعة بعث فى طلبى ابنه ودابته وأحضر مائدته.(2/148)
وكان أبو محمد المكفوف أصله من سرت «1» ، فهجاه إسحاق بن خنيس فقال:
ألا لعنت سرت وما جاء من سرت ... فقد حلّ من أكنافها جبل المقت
فى شعر طويل له، فقال المكفوف فيه مجيبا له:
إن الخنيسىّ يهجونى لأرفعه ... اخسأ خنيس فإنى غير هاجيكا
لم تبق مثلبة تحصى إذا جمعت ... من المثالب إلا كلّها فيكا
ولأبى محمد أشعار فصيحة وأراجيز غربية. وله كتاب فى شرح صفة أبى زبيد الطائىّ للأسد جوّد فيه وحسّنه. وتوفى سنة ثمان وثلاثمائة.
360- عبد الله بن مخلد بن خالد بن عبد الله التميمى النيسابورىّ أبو محمد النحوىّ [1]
ذكره الحافظ أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور، وسماه «النحوى» ، وقال:
«سمع بخراسان علىّ بن الحسين بن شقيق وعبدان وحفص بن عبد الرحمن ومكىّ ابن إبراهيم ويحيى بن يحيى وغيرهم، وبالبصرة من عفان وبشر بن محمد السكرىّ ومسلم وغيرهم، وبالكوفة من أبى نعيم وأبى غسّان وغيرهما، وبالحجاز من عبد العزيز الأويسى وإسماعيل بن أبى أويس وغيرهما» .
«وهو راوى كتب أبى عبيد القاسم بن سلّام عنه بخراسان. روى عنه أبو بكر الجارودىّ ومحمد بن إسحاق بن خزيمة» .
«قرأت فى بعض كتب أصحابنا: توفى عبد الله بن محمد سنة ستين ومائتين، ومسكنه بباب فراشة» .
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 29، وتلخيص ابن مكتوم 101، وخلاصة تذهيب الكمال 181.(2/149)
361- عبد الله بن مؤمن بن مؤمل بن عنافر التجيبىّ المزوكىّ النحوىّ الإشبيلىّ الأندلسىّ أبو محمد [1]
عالم بالنحو والشعر والحساب والعروض، حافظ للقرآن، كثير التلاوة، مذهبه جميل، وطريقته قويمة. وله شعر كثير فى الزهد.
362- عبد الله بن مهران بن الحسن أبو بكر النحوىّ [2]
سمع هوذة بن خليفة بن عفان بن مسلم، وعاصم بن علىّ، وعلى بن الجعد، ومعلى بن مهدىّ. روى عنه أبو عمرو بن السماك، ومحمد بن العباس بن نجيح وأحمد بن كامل القاضى، وأبو بكر الشافعىّ.
وكان ثقة يسكن سويقة نصر ببغداذ. وكان ضريرا. وذكر ابن كامل أنه سمع منه فى سنة سبع وتسعين ومائتين. وكان ثقة. وقال الدار قطنىّ: لا بأس به.
363- عبد الله بن هارون بن يحيى النيسابورىّ [3]
ذكره الحافظ أبو عبد الله فى تاريخه وقال: «أبو بكر النحوىّ، سمع إسحاق ابن إبراهيم الحنظلىّ وعمرو بن فزارة. روى عنه أبو عبد الله بن دينار. توفى فى رجب سنة تسع وثمانين ومائتين» .
364- عبد الله بن يس أبو محمد التميمىّ النحوىّ الأديب [4]
من أهل الأدب. قرأ منه قطعة صالحة على أبى منصور الجواليقىّ وابن الشجرىّ ببغداذ، وقدم دمشق، ثم خرج منها، وعاد إليها، وكان يكتب خطا
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 291، وطبقات الزبيدى 201؛ ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.
[2] ترجمته فى تاريخ بغداد 10: 178- 179؛ ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.
[3] لم أعثر له على ترجمة، ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.
[4] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 101.(2/150)
حسنا، ويذهّب المصاحف. ثم توجه إلى بلاد العجم وقطن خوارزم، ونفق على صاحبها، وكسب من جهته مالا، ومات هناك.
365- عبد الله بن يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو عبد الرحمن ابن أبى محمد العدوىّ المعروف بابن اليزيدىّ [1]
كان أديبا عارفا بالنحو واللغة. أخذ عن ابن زياد الفرّاء، وصنف كتابا فى غريب القرآن حسنا فى بابه، ورأيته فى ستّة مجلدات، يستشهد على كل كلمة من القرآن بأبيات من الشعر؛ ملكته بخطه، وقد كتب عليه أبو سيف القزوينى المعتزلىّ شيئا بخطه أخطأ فيه، وذلك أنه نسبه إلى أبى محمد أبيه.
وصنّف عبد الله أيضا كتابا فى النحو مختصرا، وكتاب الوقف والابتداء وكتاب إقامة اللسان على صواب المنطق. روى عنه أخوه الفضل بن محمد اليزيدىّ.
قال أحمد بن يحيى النحوىّ: ما رأيت فى أصحاب الفرّاء أعلم من عبد الله بن محمد اليزيدىّ وخاصّة فى القرآن ومسائله.
__________
[1] ترجمته فى تاريخ بغداد 10: 198- 199، وتلخيص ابن مكتوم 101 وطبقات القراء 1: 463، والفهرست 50- 51، ونزهة الألباء 226- 227، وما ذكره المؤلف يوافق ما فى تاريخ بغداد. وانظر نسبة اليزيدىّ فى حواشى الجزء الأوّل ص 161.(2/151)
366- عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد ابن حيّويه الجوينىّ ثم النيسابورىّ أبو محمد [1]
الأديب النحوىّ المفسر؛ أوحد زمانه. تأدّب على أبيه. توفى فى ذى القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة «1» .
367- عبيد الله بن أحمد بن محمد أبو الفتح [2]
يعرف بجحجح «2» النحوىّ. سمع أبا القاسم البغوىّ وطبقته، وأبا بكر بن دريد ومن بعده، وحدّث بشىء يسير. سمع منه أبو الحسين بن الفرات، ومحمد ابن أبى الفوارس، وروى عنه إبراهيم بن مخلد، وكان ثقة صحيح الكتاب. قال محمد بن العباس بن الفرات: مولد أبى الفتح عبيد الله بن أحمد بن محمد النحوىّ
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 144 ب، وتلخيص ابن مكتوم 101، وابن خلكان 1: 252- 253، وطبقات الشافعية 3: 208- 219، وطبقات المفسرين للسيوطى 15، وطبقات المفسرين للداودىّ الورقة 106 ب- 107 ا، وكشف الظنون 339، 385، 445، 610، 996، 1626، 1910، واللباب لابن الأثير 1: 256، 257. قال ابن خلكان: «وحيويه، بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء المثناة من تحتها وضمها وسكون الواو وفتح الياء الثانية وبعدها هاء. والجوينى، بضم الجيم وفتح الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون. هذه النسبة إلى جوين، وهى ناحية كبيرة من نواحى نيسابور، وتشتمل على قرى كثيرة مجتمعة» .
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 319، وتلخيص ابن مكتوم 101- 102، وروضات الجنات 466، وكشف الظنون 26، 1439، 1591، ونزهة الألباء 378- 379.(2/152)
سنة ست وثمانين. وتوفى ليلة الجمعة، ودفن يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة «1» .
368- عبيد الله بن فرج الطوطالقى النحوىّ القرطبىّ أبو محمد [1]
روى عن أبى على القالىّ وأبى عبد الله الرياحىّ وابن القوطية ونظرائهم، وتحقق بالأدب واللغة، وعنى بذلك؛ وألف كتابا مختصرا فى المدوّنة «2» ، استحسن؛ وتوفى يوم الاثنين النصف من رجب سنة ست وثمانين وثلاثمائة، ودفن صبحة يوم الثلاثاء بمقبرة مومرة.
369- عبيد الله بن محمد بن يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو القاسم العدوىّ المعروف بابن اليزيدىّ اللغوىّ [2]
سمع عبد الرحمن بن أخى الأصمعى، وروى عن عمه إبراهيم بن يحيى وأخيه أحمد بن محمد عن جده أبى محمد اليزيدىّ عن أبى عمرو بن العلاء حروفه فى القرآن.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 102، والصلة لابن بشكوال 1: 294- 295، ومعجم البلدان 6: 72. والطوطالقى، بضم أوّله وسكون ثانيه: منسوب إلى طوطالقة، وهى بلدة بالأندلس من إقليم باجة.
[2] ترجمته فى تاريخ بغداد 10: 338، وتلخيص ابن مكتوم 102، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 121، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 492- 493، ومعجم الأدباء 12:
59- 61.(2/153)
روى عنه ابن أخيه محمد بن العباس اليزيدىّ وغيره. وكان ثقة، وكان يعلّم النحو ويسمى النحوىّ. قال سليمان بن أحمد بن أيوب الطّبرانى: «1» حدّثنا عبيد الله بن محمد بن أبى محمد اليزيدىّ أبو القاسم البغداذىّ النحوىّ «2» . وسماه النحوىّ. وقال ابن المنادى «3» : عبيد الله بن محمد بن يحيى أبو القاسم؛ كان اليزيدىّ جدّه، كتب عنه الحروف، وشيئا من اللغة، وأكثر من الحديث فى أصناف الكتب.
توفى فى المحرّم سنة أربع وثمانين- يعنى ومائتين.
370- عبيد الله بن محمد بن جرو الأسدىّ الموصلىّ أبو القاسم النحوىّ [1]
من أصحاب أبى علىّ «4» وتلك الحلبة. قرأ وأكثر الأخذ عن النحاة، وشدا شيئا من اللغة، وتصدر لإقراء هذا الشأن.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 320، وتاج العروس 10: 71، وتلخيص ابن مكتوم 102، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 120- 121، وطبقات المفسرين للسيوطى 22، وطبقات المفسرين للداودى الورقة 158، وكشف الظنون 1774، 1904، ومعجم الأدباء 12: 62- 68.(2/154)
نقلت من خط ابن عياض النحوى الشامى الكفر طابىّ: أنشد أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن جرو الأسدىّ الموصلىّ فى مسألة ياءات الإضافة:
ويسقط «1» بينها المرئى «2» لغوا ... كما أسقطت فى الدية الحوارا «3»
وذكر هلال بن المحسن فى كتابه تاريخ بغداذ قال: «وفى يوم الثلاثاء لأربع بقين من رجب سنة سبع وثمانين وثلاثمائة توفى أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن جرو الأسدى «4» » .
371- عبد الباقى بن محمد بن بانيس النحوىّ [1]
عراقى، لقى الجماعة المذكورين: أبا سعيد، وأبا على، ويوسف بن أبى سعيد، وعلى بن عيسى بن علىّ الرمانى. وعاصر ابن جنى والربعىّ وأمثالهما.
وكان نحويا متصدّرا للإفادة.
قال هلال بن المحسن بن إبراهيم فى كتابه:
«ولعشرين بقين من ربيع الأوّل سنة أربعمائة مات عبد الباقى بن محمد بن بانيس النحوىّ» .
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 294، وتلخيص ابن مكتوم 102. واسمه فى بغية الوعاة: «عبد الباقى ابن الحسن بن عبد الله النحوىّ» ، وذكر أنه مات سنة نيف وتسعين وثلاثمائة. وحكى أنه نقل ذلك عن الصفدىّ.(2/155)
372- عبد الباقى بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا البندار الشاعر [1]
من أهل الحريم الطاهرىّ «1» ، يسكن شارع التوفيق من درب العوج. شاعر مجوّد رقيق الشعر جواد الخاطر والطبع. ولشعره ديوان كبير، وله فى العربية يد باسطة.
وصنف كتبا جميلة منها: تفسير الفصيح لثعلب، وملح الممالحة.
وكتب بخطه كتبا كثيرة فى الأدب، وينسب إلى التعطيل وذهاب مذهب الأوائل، وصنف فى ذلك مقالة، وكان كثير المجون، روى شيئا من الحديث عن بعض مشايخ زمانه. روى عنه ابن السمرقندىّ ومحمد بن ناصر السلامى.
وقال غيره: كان قليل الدين، وكان يسمى عبد الله أيضا، وقد ورد ذكره فى تبيين من اسمه عبد الله. سئل عن مولده فقال: فى النصف من ذى القعدة سنة عشر وأربعمائة. ومن شعره:
خلعت التّصابى واستراح عذولى ... وصار سبيل الناسكين سبيلى
فياربّ لهو قد شهدت وفتية ... صحبتهم صرفا بكأس شمول
وقد يرد الحانات زقّى مقدّما ... ويكرم دون الطارقين رسولى
__________
[1] ترجمته فى تاريخ ابن كثير 12: 141، وخريدة القصر، 1: 142، وابن خلكان 1: 266، وطبقات المفسرين الداودى 107 ا- 107 ب، وطبقات ابن قاضى شهبة 2:
58- 59، وكشف الظنون 769، 1173، 1817، ولسان الميزان 3: 384- 385، والمنتظم (وفيات سنة 485) ، وميزان الاعتدال 2: 82. وانظر ص 133 من هذا الجزء.
و «ناقيا» ضبطه ابن خلكان: «بفتح النون وبعد الألف قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها نون مفتوحة وبعدها ألف» .(2/156)
وخمّارة لاذت برحلى تكرما ... فكان مبيتى عندها ومقيلى
أظلّ إذا فار الهجير ببيتها ... وصحبى فى ظلّ هناك ظليل
ندير أباريق الشّمول وللدّجى ... نجوم على الآفاق غير أفول
فيغنين عن ضوء المصابيح أكؤسا ... قناديلها تذكى بغير فتيل
ومحسنة أمّا إذا شئت غردّت ... فبين خفيف تارة وثقيل
أرى الذّكر بعد المال يخلد باقيا ... ولم أر ذكرا صالحا لبخيل
قال محمد بن ناصر: مات أبو القاسم بن ناقيا يوم الأحد رابع المحرم سنة خمس وثمانين وأربعمائة ودفن بباب الشام.
قال أبو الحسن على بن محمد بن أحمد الدهّان المرتّب بجامع المنصور:
دخلت على الشيخ أبى القاسم بن ناقيا بعد موته لأغسله، فوجدت يده اليسرى مضمومة، فاجتهدت حتى فتحتها، وفيها كتابة بعضها على بعض، فتمهلّت حتى قرأتها، فإذا فيها مكتوب:
نزلت بجار لا يخيّب ضيفه ... أرجّى نجاتى من عذاب جهنم
وإنّى على خوف من الله واثق ... بإنعامه والله أكرم منعم
373- عبد الحميد بن عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الكبير النحوى [1]
أخذ عنه يونس، وهو من أئمة اللغة والنحو، وله ألفاظ لغويّة انفرد بنقلها عن العرب. والأخافش المشهورون من النحاة ثلاثة، أكبرهم هذا، والأوسط
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 26، وبغية الوعاة 296، وتلخيص ابن مكتوم 102، وطبقات الزبيدىّ 17، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 61، ومرآة الجنان 2: 61، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 272، ونزهة الألباء 53- 54. ولم يعرف تاريخ وفاته.(2/157)
سعيد بن مسعدة الآخذ عن سيبويه، والأخير علىّ بن سليمان. وقال اليمنى:
«هو الأوسط» «1» ، وغلط وقال: «هو مولى من أهل هجر، وكان نحويا لغويا أخذ عنه أبو عبيدة معمر بن المثنّى وسيبويه وغيرهما» . روى ذلك عن يوسف ابن يعقوب السكيت عن الجماز» . وقال: «هو فى طبقة عيسى بن عمر ويونس، وأخذ عنه سيبويه» .
374- عبد الدائم بن مرزوق بن جبير اللغوىّ [1]
الأندلسى المنزل، القيروانىّ الأصل. يكنى أبا القاسم. نزل المريّة، وكان قد روى كثيرا من كتب الأدب واللغة. وكان قد رحل إلى المشرق، ودخل العراق، وأخذ عن علمائها فى سنة ست وعشرين وأربعمائة، ولقى أبا العلاء المعرّىّ وأخذ عنه شيئا من الأدب، وروى عنه شيئا من شعره سقط الزّند فى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. وكان حيا «2» فى سنة سبع وستين وأربعمائة؛ فإنه كتب شيئا بخطه فى هذا التاريخ.
375- عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد الله بن سليمان الخولانىّ النحوىّ العروضىّ الخشاب المصرىّ أبو عيسى [2]
يروى عن النّسائى «3» وغيره. كان أديبا فاضلا متصدّرا بمصر لإفادة هذا الشأن، وله شعر أجود من شعر النحاة، فمنه ما قاله يرثى به الحافظ عبد الرحمن بن يونس
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 269، وتلخيص ابن مكتوم 103، وبغية الملتمس للضبىّ 386؛ واسمه فيها: «عبد الدائم بن مرزوق بن جبر» .
[2] ترجمته فى حواشى الجزء الأوّل ص 139.(2/158)
ابن عبد الأعلى المصرى «1» المحدّث المؤرّخ- رحمه الله- وكان قد حضر جنازته فى يوم الاثنين لست وعشرين ليلة مضت من جمادى الآخرة من سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، وصلى عليه أبو القاسم بن حجاج:
بثثت «2» علمك تشريقا وتغريبا ... وعدت بعد لذيذ الأنس مندوبا
أبا سعيد وما نألوك إن نشرت ... عنك الدواوين تصديقا وتصويبا
ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه ... حتى رأيناك فى التاريخ مكتوبا
أرّخت موتك فى ذكرى وفى صحف ... لمن يؤرّخنى إذ كنت محسوبا
نشرت عن مصر من سكانها علما ... مبجّلا بجمال القوم منصوبا
كشفت عن فخرهم للناس ما سجعت ... ورق الحمام على الأغصان تطريبا
أعربت عن عرب نقّبت عن نجب ... سارت مناقبهم فى الناس تنقيبا
نشرت ميّتهم حيّا بنسبته ... حتى كأن لم يمت إذ كان منسوبا
إن المكارم للإحسان موجبة ... وفيك قد ركّبت يا عبد «3» تركيبا
حجبت عنّا وما الدنيا بمظهرة ... شخصا وإن جلّ إلا عاد محجوبا
كذلك الموت لا يبقى على أحد ... مدى الليالى من الأحباب محبوبا
قال ابن الطّحان المصرى «4» فى تاريخه: «توفى عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد الله ابن سليمان الخولانىّ النحوىّ العروضى الخشاب فى صفر سنة ست وستين وثلاثمائة» .(2/159)
376- عبد الرحمن بن إسحاق ويعرف بالزجّاجىّ أبو القاسم [1]
نهاوندىّ، من أهل الصّيمرة «1» أصله، وانتقل إلى بغداذ، ولزم الزّجاج أبا إسحاق، وقرأ عليه النحو، وانتقل إلى الشام، فأقام بحلب مدّة، ثم انتقل إلى دمشق، وأقام بها وصنّف، وخرج مع ابن الحارث عامل الضّياع الإخشيدية، فمات بطبريّة «2» فى شهر رمضان سنة أربعين وثلاثمائة- رحمه الله.
وكانت طريقته فى النحو متوسطة، وتصانيفه يقصد بها الإفادة. ولما وردت له مسائل إلى العراق مع بعض الطلبة وقف عليها أبو على الفارسىّ- وقد كان رفيقه- فقال: لو رآنا الزجاجى لاستحيا منا. وقد واخذه جماعة فى تصانيفه، فمنها كتاب فى شرح مقدّمة أدب الكاتب ردّ عليه فيها جماعة من العلماء، وكتابه فى النحو المسمى الجمل «3» تعرض له البطليوسىّ، وصنف فيه كتابا سماه الحلل، فى إصلاح الخلل، الواقع فى كتاب الجمل، وقد نكت ابن بابشاذ فى شرحه نكتا فى الردّ عليه، والكتاب مبارك ما اشتغل به أحد إلا انتفع.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 26- 27، والإكمال لابن ماكولا 2: الورقة 11 ا، والأنساب 272 ا، وبغية الوعاة 297، وتاريخ ابن عساكر 22: 354- 358، وتلخيص ابن مكتوم 104، وابن خلكان 1: 288، وروضات الجنات 425، وطبقات الزبيدى 86، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 65- 66، وعيون التواريخ (وفيات سنة 340) ، والفهرست 80، وكشف الظنون 48، 164، 210، 603، 1625، واللباب 1: 497، والمزهر 2:
421، 448، 466، ونزهة الألباء 379. والزجاجىّ، بفتح الزاى وتشديد الجيم: منسوب إلى الزجاج أبى اسحاق إبراهيم بن السرى؛ لملازمته له.(2/160)
وسمعت من لفظ الشيخ أبى البقاء صالح «1» بن عادى العذرىّ الأنماطىّ النحوىّ نزيل قفط أن الزّجاجىّ- رحمه الله- صنف الجمل بمكة، حماها الله.
وكان إذا فرغ من باب طاف به أسبوعا، ودعا الله أن يغفر له، وأن ينفع به قارئه؛ فلهذا انتفع به الطلبة. وهو كتاب المصريين وأهل المغرب وأهل الحجاز واليمن والشام إلى أن اشتغل الناس باللمع لابن جنّى، والإيضاح لأبى على الفارسى. «2»
377- عبد الرحمن بن أخى الأصمعىّ [1]
ويكنى أبا محمد، وقيل يكنى أبا الحسن. وكان من الثقلاء؛ إلا أنه كان ثقة عمّا يرويه عن عمه وعن غيره من العلماء.
وكان عمه إذا أكثر أنكر عليه؛ وربما كذّبه. وقيل إن رجلا لقيه فى الطريق فقال: ما يصنع عمك؟ فقال: ها هو قاعد فى غرفته يكذب على العرب.
وصنف عبد الرحمن هذا كتاب معانى الشعر.
378- عبد الرحمن بن بزرج اللغوىّ [2]
كان حافظا للغريب والنوادر. صنف كتابا فى النوادر. قال أبو منصور الأزهرىّ الهروىّ فى كتابه تهذيب اللغة، وذكره فقال:
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 299، وتلخيص ابن مكتوم 104، وطبقات الزبيدىّ 127، والفهرست 56. وذكر الزبيدىّ أن اسمه «عبد الرحمن بن عبد الله» .
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 104، وتهذيب اللغة للأزهرىّ 1: 9.(2/161)
«وقرأت له كتابا بخط أبى الهيثم الرازىّ فى النوادر فاستحسنته، ووجدت فيه فوائد كثيرة، ورأيت له حروفا فى كتب شمر «1» التى قرأتها بخطه؛ فما وقع فى كتابى لابن بزرج فهو من هذه الجهات» .
379- عبد الرحمن بن عبيد الله بن أحمد بن أبى الحسن الخثعمىّ ثم السّهيلىّ الأندلسىّ النحوىّ اللغوىّ الأخبارىّ [1]
فاضل كبير القدر فى علم العربية، كثير الاطلاع على هذا الشأن. سمعت أنه كان مكفوفا- والله أعلم. وتصنيفه فى شرح سيرة ابن هشام يدل على فضله ونبله وعظمته وسعة علمه. وكان قريبا من زماننا؛ فإنه كان حيا بالأندلس فى سنة تسع وستين وخمسمائة، وصنّف كتابه هذا، ووسمه باسم يوسف «2» بن عبد المؤمن بن علىّ المستولى على أرض المغرب، وسمى كتابه هذا الروض الأنف «3»
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 27، وبغية الوعاة 298- 299، وتاريخ ابن كثير 12: 318- 319، وتلخيص ابن مكتوم 104، وابن خلكان 1: 280، والديباج المذهب 150- 151، وشذرات الذهب 4: 271- 272، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 69- 70، وطبقات القرّاء 1: 371، وكشف الظنون 421، 917، 1924، ومرآة الجنان 3: 422- 423، ومعجم البلدان 5: 188، ونفح الطيب 4: 370- 371، ونكت الهميان 187- 188. قال ابن خلكان: «والخثعمىّ، بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وبعدها ميم، هذه النسبة إلى خثعم بن أثمار، وهى قبيلة كبيرة. والسهيلى، بضم السين المهملة وفتح الهاء وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها لام، هذه النسبة إلى سهيل، وهى قرية بالقرب من مالقة» .(2/162)
والمنهل الرّوى، «1» فى ذكر من حدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى «2» . قال فى صدره: «فإننى انتحيت فى هذا الإملاء بعد استخارة ذى الطّول، والاستعانة بمن له القدرة والحول، إلى إيضاح ما وقع فى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم التى سبق إلى تأليفها أبو بكر محمد بن [إسحاق] «3» المطّلبىّ، «4» ولخصها عبد الملك بن «5» هشام المعافرىّ المصرىّ النسّابة النحوىّ، مما بلغنى علمه ويسّر لى فهمه؛ من لفظ غريب، أو إعراب غامض، أو كلام مستغلق، أو نسب عويص، أو موضع فقه ينبغى التنبيه عليه، أو خبر ناقص وجد «6» السبيل إلى تتمته» . ثم قال: «وذلك مستخرج من نيّف على مائة وعشرين ديوانا؛ سوى ما لقّنته [عن] «7» مشيختى، ونقّحه فكرى، ونتجه نظرى، من نكت علمية لم أسبق إليها، ولم أزحم عليها» «8» .(2/163)
روى عن أبى بكر محمد بن عبد الله بن العربىّ «1» - رحمه الله- وعن أبى مروان عبد الملك بن سعيد بن بونه القرشىّ العبدرىّ، وأبى بكر محمد بن طاهر الإشبيلىّ وطبقتههم «2» .
380- عبد الرحمن بن عتيق بن خلف المقرئ الصّقلّىّ النحوىّ المعروف بابن الفحّام [1]
من كبار القرّاء، وممّن رحل من المغرب إلى المشرق فى طلب القراءة على الشيوخ، فأدرك بمصر ابن «3» الهاشمىّ وابن نفيس «4» وعبد الباقى بن «5» فارس،
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 105، وحسن المحاضرة 1: 211، وشذرات الذهب 4:
49، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 74- 75، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 374- 375، وعيون التواريخ، وكشف الظنون 354، ومرآة الجنان 3: 213، ومعجم السفر للسلفى 1: 157- 158، والنجوم الزاهرة 5: 225.(2/164)
وأبا الحسين «1» الرازىّ وآخرين سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. وتلمذ لطاهر بن بابشاذ فى النحو، وأملى عليه شرح مقدّمته. وله تأليف حسن سماه التجريد «2» فى بغية المريد.
وكان حافظا للقراءات، صدوقا متقنا، عالما كبير السن، أقام بالإسكندرية على قدم الإفادة.
قال أبو الربيع سليمان بن عبد العزيز المقرئ الحمصىّ، حمص الأندلس:
ما رأيت أعلم بالقراءات ووجوهها منه؛ لا بالمغرب ولا بالمشرق؛ وإنه ليحفظ القراءات كما نحفظ نحن القرآن. وكان قد بقى بمصر للقراءة وطلب العلم من سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة إلى سنة أربع وخمسين. وتوفى- رحمه الله- فى ذى القعدة سنة ست عشر وخمسمائة.
381- عبد الرحمن بن عيسى بن حماد الكاتب اللغوىّ [1]
صاحب ألفاظ عبد الرحمن، أبو الحسن الهمذانىّ «3» . ذكره شيرويه «4» فى طبقة
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 105، والفهرست 137، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 1: 86؛ وذكر أن وفاته كانت سنة 320، وله ترجمة أيضا فى مقدّمة كتابه الألفاظ الكتابية.(2/165)
الهمذانيين وقال: «كان أديبا فاضلا أخباريّا، صاحب ألفاظ عبد الرحمن «1» ، قديم المولد» . «2»
وألفاظه هذه من الألفاظ اللغوية المختارة، وهى أحسن ما يستعمله الكتاب «3» .
وقد عنى جماعة بشرحها فى الآفاق، ففى مصر شرحها رجل من أهل الفضل فى المائة الخامسة يعرف بالعميدىّ، وقفت على الجزء الأوّل منها. وشرحها من فضلاء خراسان الإمام مهدى الخوافىّ «4» ، وهو فى المائة الخامسة أيضا، ووقفت على كتابه كاملا فى الشرح، وهو أجود كتاب فى فنه- رحمهم الله أجمعين.
382- عبد الرحمن بن محمد بن معمر اللغوىّ الأندلسىّ أبو محمد وأبو الوليد [1]
كان واسع الأدب، كثيّر التفنن فى اللغة وضبطها ونقلها وإتقانها؛ أفادها، وعرف فى قطره باللغوىّ، وألف كتاب تاريخ الدولة العامرية إلى آخرها.
توفى بجزائر الأندلس الشرقية فى شوّال سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 105.(2/166)
383- عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عزيز بن محمد بن يزيد ابن محمد أبو سعيد المعروف بابن دوست [1]
أحد أئمة العصر فى الأدب ورواية كتبه، والمعتمد عليه، والمرجوع إليه.
صنّف فى ذلك الكتب «1» وصحح الأصول بنيسابور. ولد سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وتوفى فى ذى القعدة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. ذكره عبد الغافر الفارسىّ «2» فى سياق تاريخ نيسابور.
384- عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن على بن عبد الغفار ابن الإخوة البيّع أبو الفتح بن أبى الغنائم [2]
له معرفة تامة بالأدب واللغة، وله خط مليح، وكان يحفظ أشعارا كثيرة وأحوالا للناس عجيبة من المنامات وغيرها. خرج من بغداذ وتغرب،
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 302، وتلخيص ابن مكتوم 105، ودمية القصر 186، وفوات الوفيات 1: 336، وعيون التواريخ (وفيات سنة 431) ، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 1: 100- 101، ويتيمة الدهر 4: 389- 391. قال الصفدى: «ودوست لقب جده محمد» .
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 105، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 73، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 1: 121.(2/167)
وسافر وسكن أصبهان وأفاد الناس بها. وكان أبوه سبط الشاعر المعروف بأبى على ابن شبل «1» .
قال أبو الفتح عبد الرحمن بن الإخوة هذا: رأيت فى المنام منشدا ينشدنى شعرا:
وأعجب من صبرى القلوص «2» التى سرت ... بهودجك المزموم أنى استقلّت
وأطبق أحناء الضّلوع على جوى ... جميع وصبر مستحيل مشتّت
فلما انتبهت جعلت دأبى [البحث] عن قائل هذين البيتين مدّة، ولم أجد بهما مخبرا، فلما مضى على هذه القضية عدّة سنين اتفق نزول الرئيس أبى الحسن ابن مشهر الموصلىّ فى ضيافتى، فتجارينا فى بعض الليالى ذكر المنامات وما يراه الإنسان فى نومه، وما يسمعه من نظم ونثر، فذكرت له حال المنام، وأنشدته البيتين، فقال: أقسم إنهما لمن شعرى من جملة قطعة هى:
إذا ما أسال الدمع نمّ على الهوى ... فليس بسرّ ما الضلوع أجنت
فوالله ما أدرى عشية ودعت ... أناحت حمامات اللّوى أم تغنّت
وأعجب من صبرى القلوص التى سرت ... بهودجك المزموم أنى استقلّت
أعاتب فيك اليعملات «3» على النوى «4» ... وأسأل عنك الريح من حيث هبّت
وألصق أحناء الضّلوع على جوى ... جميع وصبر مستحيل مشتت(2/168)
وقال: وأخبرنى أبو الحسن بن مشهر الموصلىّ عن أبى الحسن بن العين زربىّ «1» أنه رأى فى منامه منشدا ينشد هذين البيتين، وهما:
وهموم الناس إن رقدت ... آض همّى وهو يقظان
كيف يرجى الصحو من ثمل ... كلّ عضو منه سكران
وعاد ابن الإخوة من تغربه إلى بغداذ، ومات بها ليلة السبت ثامن عشرين صفر، ودفن من الغد بباب حرب سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
385- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن أبى سعيد الأنبارىّ أبو البركات الملقب بالكمال النحوىّ [1]
الشيخ الصالح، صاحب التصانيف الحسنة المفيدة فى النحو وغيره؛ وكان فاضلا عالما زاهدا. سكن ببغداذ من صباه إلى أن توفى بها، وتفقه على مذهب الشافعىّ على ابن الرّزاز «2» بالمدرسة النظامية، وأعاد بها الدرس بمدرسها، وقرأ النحو على النقيب
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 27- 28، وتاريخ ابن الأثير 9: 155، وتاريخ أبى الفدا 3: 63، وتاريخ ابن كثير 12: 310، وتلخيص ابن مكتوم 106- 107، وابن خلكان 1: 279، وروضات الجنات 425- 426، وشذرات الذهب 4: 258- 259، وطبقات الشافعية 4: 248، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 76- 80، وفوات الوفيات 1: 335، وكشف الظنون 130، 182، 212، 228، 285، 500، 605، 621، 690، 728، 1858، 1899، 1918، 1940، 1983، 2002، 2030، ومرآة الجنان 3: 408، والمزهر 2: 421، 468، والنجوم الزاهرة 6: 90، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 1: 70- 75.(2/169)
أبى السعادات ابن الشجرىّ وغيره، ولم يكن ينتمى فى النحو إلا إليه، وقرأ اللغة على الشيخ أبى منصور موهوب بن الخضر الجواليقىّ، وبرع فى الأدب حتى صار شيخ وقته، ودرس فى المدرسة النّظامية النحو مدّة، ثم انقطع فى منزله مشتغلا بالعلم والعبادة، وأقرأ الناس العلم على طريقة سديدة، وسيرة جميلة، من الورع والمجاهدة والتقلل والنسك وترك الدنيا ومحاسنة أهلها، واشتهرت تصانيفه، وظهرت مؤلفاته، «1» وتردّد الطلبة إليه، وأخذوا عنه، واستفادوا منه، وكان مقيما برباط له بشرقىّ بغداذ، فى الخاتونية الخارجة. وله شعر منه:
تدرّع بجلباب القناعة والياس ... وصنه عن الأطماع فى أكرم الناس
وكن راضيا بالله تحيا منعّما ... وتنجو من الضّراء والبؤس والباس(2/170)
فلا تنس ما أوصيته من وصيّة ... أخىّ، وأىّ الناس من ليس بالناسى
وله أيضا:
دع الفؤاد بما فيه من الحرق ... ليس التّصوّف بالتلبيس والخرق
بل التصوّف صفو القلب من كدر ... ورؤية الصّفو فيه أعظم الخرق
وصبر نفس على أدنى مطامعها ... وعن مطامعها فى الخلق بالخلق
وترك دعوى بمعنى فيه حقّقه ... فكيف دعوى بلا معنى ولا خلق
كان مولده فى شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث عشرة وخمسمائة، وتوفى فى ليلة الجمعة تاسع شعبان من سنة سبع وسبعين وخمسمائة، ودفن يوم الجمعة بباب أبزر بتربة الشيخ أبى إسحاق الشيرازىّ «1» .(2/171)
386- عبد الرحمن بن هرمز بن ابى سعد المدنىّ المقرئ النحوىّ [1]
قال أهل العلم: إنه أوّل من وضع علم العربية؛ والسبب فى هذا القول أنه أخذ عن أبى الأسود الدؤلىّ، وأظهر هذا العلم بالمدينة، وهو أوّل من أظهره وتكلّم فيه بالمدينة. وكان من أعلم الناس بالنحو وأنساب قريش، وما أخذ أهل المدينة النحو إلا منه، ولا نقلوه إلا عنه، وإليه أشار ابن برهان النحوىّ فى أوّل شرحه فى كتاب اللّمع «1» بأن قال: «النحاة جنس تحته ثلاثة أنواع: مدنيون، بصريون، كوفيون» . أراد أن أصل النحو نتج من أوّل علماء هذه المدن.
ولقد رأيت نحوىّ «2» حلب، المتصدر للإفادة، الشارح للكتب، وقد سأله سائل عن قول ابن برهان وقال: من المدنيون من النحاة؟ فسكت طويلا، وقال:
لا أدرى لأهل المدينة مقالة فى النحو. وسبق إلى خاطره أن المراد ذكر أرباب الخلاف من النحاة فى هذه الأماكن، وليس المراد إلا من نتج عنه هذا العلم من أوائل العلماء فى هذه البقاع المعينة.
ويروى أن مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضى الله عنه اختلف إلى عبد الرحمن بن هرمز عدّة سنين فى علم لم يبثه فى الناس، فمنهم من قال: تردّد
__________
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 21- 22، والأنساب 44 ا، وبغية الوعاة 303، وتاريخ ابن الأثير 4: 224، وتاريخ ابن عساكر 23: 463- 473، وتذكرة الحفاظ 1: 91- 92، وتقريب التهذيب 159، وتلخيص ابن مكتوم 107، وتهذيب الأسماء واللغات 1: 305- 306، وتهذيب التهذيب 6: 290- 291، وخلاصة تذهيب الكمال 200، وشذرات الذهب 1: 153، وطبقات الزبيدى 9، وطبقات ابن سعد 5: 209، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 81- 82، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 381، والفهرست 39، واللباب لابن الأثير 1: 60، ومرآة الجنان 1: 250، والنجوم الزاهرة 1: 276، ونزهة الألباء 18- 19.(2/172)
إليه لطلب النحو واللغة قبل إظهارهما، وقيل كان ذلك من علم أصول الدين، وما يردّ به مقالة أهل الزيغ والضلالة. والله أعلم.
وعبد الرحمن بن هرمز مدنىّ تابعىّ، أخذ عنه نافع بن أبى «1» نعيم القراءة فى جماعة من أهل المدينة، وكان عبد الرحمن أخذ القراءة عن عبد الله بن العباس وأبى هريرة.
قال ابن الجزار «2» القيروانىّ فى تاريخه: «مات أبو داود عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى محمد «3» بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بالإسكندرية، ودفن بها فى سنة سبع عشرة ومائة» .
387- عبد الرءوف بن وهب الأندلسىّ السّناط أبو وهب [1]
بصير بالعربية، حاذق فيها. طالع كتاب سيبويه، وله شعر حسن فى مدح السّناط، منه:
ليس بمن ليست له لحية ... بأس إذا حصلته ليسا
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 319، وتلخيص ابن مكتوم 107، وطبقات الزبيدى 204- 206.
قال ابن مكتوم: «صوابه عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرءوف، وزير الناصر عبد الرحمن ابن محمد؛ وما ذكره القفطى من أن اسمه عبد الرءوف خطأ، والصواب ما ذكرته» . وتحقيق ابن مكتوم يوافق ما فى بغية الوعاة وطبقات الزبيدى. والسناط، بالضم والكسر: من لا لحية له أصلا، مثل الكوسج.(2/173)
وصاحب اللحية مستقبح ... يشبه فى طلعته التّيسا
إن هبّت الريح تلاهت بها ... وماست الريح بها ميسا
وكان ذا كبر عظيم، ويظهر مع ذلك زهدا، وولى الوزارة فى قطره، فكان يرمى المسائل النحوية على بوّابه وكتابه، حتى تبرموا منه، واستعفوا من ذلك.
388- عبد الرازق بن علىّ القيروانىّ النحوىّ أبو القاسم [1]
ذكره ابن رشيق فى كتابه «1» ، وسماه النحوىّ، وقال: «هو شاعر مشهور، قادر لطلب الطباق والتجنيس طلبا شديدا، بالتصريف وتبديل الحروف، ويستعمل القوافى العويصة» .
وقال: «كتب إلىّ لما صنفت هذا الكتاب صحبة نبذ أنفذها إلىّ لأثبتها:
يا مبرزا إبريز خير سبيكة ... ومكلّلا إكليل خير متوّج
ومميزا جنسى مقدّمة النّهى ... إن أشكلا من عاقر أو منتج
ومطرّزا حلل البلاغة معجزا ... كلّ الورى ببلاغة الأنموذج
فكأنه للسمع لفظ أحبّة ... وكأنه للعين روض بنفسج
وكأنه للقلب سحر علاقة ... فى مهجة تخشى الصدود وترتجى
خصّصت أهل الأرض منه بمشرق ... بأقرّ من شمس النهار وأبهج
رتّبت بين ذوى الفصاحة منهم ... وفصلت بين مرتّب ومثبّج «2»
وكشفت عن شعرى لتلحقه به ... فاستر على خلّ لسترك محوج
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 107- 108، ومسالك الأبصار ج 11 مجلد 2:
362- 363.(2/174)
389- عبد السلام بن إسماعيل النحوىّ اللغوىّ الخراسانىّ أبو مطيع الجمعىّ الرامىّ [1]
قريب العهد. كان فى المائة السادسة. صاحب اللغة والنحو والإعراب والورع الموفور، والتقى المشكور. وله شعر كشعر النحاة:
أغالب بالصبر دهرى فعزّ ... وفى مثل قيل: «من عزّ بزّ» «1»
وقد دهمتنى صروف الزّمان ... فمن لى بصبر وقد كان عزّ
فقالوا فهل لك فيما دهاك ... مجير عليه فقلت الأعزّ
غدوت إلى بابه لائذا ... كما لاذ بالدّرّ والسّىء فزّ «2»
علىّ علا فامتطى فى العلاء ... مناط الثريا إذا ماركز
390- عبد السلام بن الحسين بن محمد أبو أحمد البصرىّ اللغوىّ [2]
سكن بغداذ، وحدث بها عن محمد بن إسحاق بن عباد التمار وجماعة من البصريين. حدّث عنه عبد العزيز الأزجىّ وغيره. وكان صدوقا عالما ديّنا قارئا للقرآن، عارفا بالقراءات. وكان يتولى ببغداذ النظر فى دار الكتب، وإليه حفظها والإشراف عليها.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 108.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 305- 306، وتاريخ ابن الأثير 7: 275، وتاريخ بغداد 11: 57- 58، وتلخيص ابن مكتوم 108، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 83- 84، وطبقات القراء 1: 385، والمنتظم (وفيات سنة 405) ، والنجوم الزاهرة 4: 238، ونزهة الألبا 412- 413.(2/175)
ذكره أبو العلاء بن سليمان فى كتاب شرحه للحماسة فقال: كان يلقب بالوجكا «1» ، وقال أبو القاسم عبيد الله بن على الرّقى الأديب: كان عبد السلام البصرىّ من أحسن الناس تلاوة للقرآن، وإنشادا للشعر. قال: وكان سخيا، ربما جاءه السائل وليس معه شىء يعطيه فيدفع إليه بعض كتبه التى لها قيمة كبيرة وخطر كبير.
قال على بن المحسن التّنوخىّ: إن عبد السّلام البصرىّ توفى فى يوم الثلاثاء التاسع عشر من المحرم سنة خمس وأربعمائة. قال غيره: ودفن فى مقبرة الشّونيزىّ عند قبر أبى علىّ الفارسىّ. وكان مولده فى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة «2» .
391- عبد الصمد بن عبد القاهر بن نصر بن عيسون السّنجارىّ النحوىّ [1]
تصدر فى قراءة النحو بسنجار، وكانت عنده فنون، منها الفقه. وتولى حكم سنجار فى زمن محمود بن زنكى. وكان- حفظه الله- كثير التسلّط على العلوم بذكائه، ويقال إن فقيها قدم سنجار بطريقة غريبة فى الخلاف، وحضر عنده، وأغرب فى الدليل، فأعرض وسأله هل وقف على الطريقة قبل ذلك، فأنكر أن
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 108.(2/176)
يكون وقف عليها. وكان حسن الضبط لما يكتبه من العربية، وإذا أفاض فى شىء من العوامل استوفاه، وبسط القول فيه. وكان أهل سنجار قسمين:
قسم يتردّد فى طلب العربية إليه، وقسم يتردّد إلى الشيخ أبى الحسن على بن دبابا النحوىّ السّنجارىّ. وكان موجودا فى وسط المائة السادسة من الهجرة.
392- عبد الصمد بن محمد بن حيّويه البخارىّ [1]
ذكره الحافظ أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور فقال: «أبو محمد الأديب الحافظ النحوىّ. وكان من أعيان الرّحالة فى طلب الحديث، وسمع فى بلده أبا حاتم سهل بن السرىّ الحافظ وأقرانه، وبمرو عمر بن علك وأقرانه» .
«قدم علينا نيسابور سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وأقام عندنا إلى سنة سبع، ثم خرج إلى العراق ودخل الشام ومصر، وجمع الحديث الكثير، وانصرف إلى بغداذ سنة أربعين، ودخلتها وهو بها سنة إحدى وأربعين؛ ثم اجتمعنا بعد ذلك بنيسابور، ثم كتبنا عنه ببخارى سنة خمس أو ست وخمسين. وكان قلّما يفارقنا بها سنين. وله عندى قصيدة مدح بها شيخنا أبا أحمد التميمىّ. ثم انصرفت إلى نيسابور. وتوفى ببخارى فى شهر رمضان سنة تسع وخمسين وثلاثمائة» .
قال الحافظ أبو عبد الله: «سمعت «1» عبد الصمد بن محمد البخارىّ، سمعت أبا بكر ابن حرب شيخ أهل الرأى يقول: كثيرا ما أرى أصحابنا فى مدينتنا هذه يظلمون أهل الحديث. كنت عند حاتم [العتكىّ] «2» ، فدخل عليه شيخ من أصحابنا من أهل الرأى، فقال: أنت الذى تروى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر بقراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام؟ فقال: قد صح الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك- يعنى قوله:
__________
[1] ترجمته فى الإكمال لابن ماكولا الورقة 184، وبغية الوعاة 306، وتاريخ ابن عساكر 24: 161- 163، وتلخيص ابن مكتوم 108- 109.(2/177)
«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» - فقال له: كذبت؛ إن فاتحة الكتاب لم تكن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإنما نزلت فى عهد عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
393- عبد الصمد بن يوسف بن عيسى النحوىّ أبو محمد الضرير [1]
من قرية من السّواد تعرف برقبينا «1» . سكن بغداذ، وحفظ القرآن الكريم، وقرأ النحو على أبى محمد بن الخشاب، ثم صار إلى واسط، فسكنها إلى آخر وفاته.
وكان يقرأ النحو، وكان كثير التلاوة للقرآن المجيد.
له أوراد من الصلاة- رحمه الله- وأوقات من الذكر. توفّى بواسط فى شهر ربيع الأوّل من سنة ست وسبعين «2» وخمسمائة، ودفن بسكة الأعراب.
394- عبد العزيز بن أبى سهل الخشنىّ النحوىّ اللغوىّ القيروانىّ المعروف بابن البقّال الضرير [2]
ذكره ابن رشيق القيروانىّ فى كتابه فقال فى وصفه: «كان مشهورا باللغة والنحو جدا، مفتقرا إليه فيهما، بصيرا بغيرهما من العلوم، ولم ير ضرير «3» أطيب منه نفسا، ولا أكثر حياء. أدركته وقد جاز السبعين «4» ، والتلاميذ يكلمونه فيحمرّ
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 306- 307، وتلخيص ابن مكتوم 108- 109، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 87، ونكت الهميان 194.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 308، وتلخيص ابن مكتوم 109- 110، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 90- 91، ومسالك الأبصار ج 11 مجلد 2: 311- 312، ونكت الهميان 194- 195، والوافى بالوفيات: ج 5 مجلد 2: 224.(2/178)
خجلا. وكان شاعرا مطبوعا، يلقى كلامه إلقاء، ويسلك طريق أبى العتاهية فى سهولة الطبع، ولطف التركيب، وقرب مآخذ الكلام، ولا غنى لأحد من الشعراء الحذّاق عن العرض عليه، والجلوس بين يديه؛ أخذا للعلم عنه، واقتباسا للفائدة منه. وكان سيدنا نصير الدولة «1» عارفا بحقّه، مقرّبا له، مقبلا عليه، لزمه بالقيروان مغرم فترك بسببه ألوف دنانير تناهز العشرة، بل تجاوز البدرة» .
ومن شعره لعبد الله بن محمد الكاتب وقد أراد إدخاله الدعوى:
لكم علىّ وفاء ما حييت ولا ... أعدو رضاكم ولا أرضى بكم أحدا
لا تسألونى من دينى فأسخطكم ... لا بعت دينى بدنياكم إذا أبدا
فأعرض عنه، ولم يعرض له بعدها. وله:
قال العواذل قد طوّلت حزنك إذ «2» ... لو شئت إخراجه عن سلوة خرجا
ولن أطيق خروج الحزن من خلدى «3» ... لأننى أنا لم آمره أن يلجا
ومن شعره:
لما تحمّل قطّان الحمى تركوا ... عندى وساوس قد فضّلن بالحرق
وفى هوادجهم سرب أوانس قد ... دخلن فى الوحش بالأجياد والحدق
من كل مطلعة شمسا بلا فلك ... حسنا ويهززن أغصانا بلا ورق
ومن شعره:
يا غصنا غضّا من الآس ... ودرّة وهى من الناس
صوّرك الله على صورة ... كانت بها أسباب وسواسى(2/179)
ترديد ذكرى لك فى خاطرى ... أكثر من ترديد أنفاسى
نسيت ودّى وتناسيتنى ... وليس قلبى لك بالناسى
وليس لى منك سوى حسرة ... تجول بين الشوق والياس
وله، وهو من رقيق شعره:
ولست كمن يجزى على الهجر مثله ... ولكننى أزداد وصلا على هجرى
وما ضرّنى إتلاف عمرى كلّه ... إذا نلت يوما من لقائك فى عمرى
395- عبد العزيز بن أحمد بن أبى الحباب النحوىّ الأندلسىّ [1]
قرطبىّ يكنى أبا الإصبع. روى عن أبيه أبى عمرو بن الحباب كتبا من روايته، ولم يكن بالضابط لها. وتوفى ودفن يوم الأربعاء لعشر خلون من ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وأربعمائة. ذكره ابن حيان «1» مؤرّخ الأندلس.
396- عبد العزيز بن خلوف النحوىّ المغربى [2]
من إفريقية فى أيام باديس، المستولى على إفريقية، وممن عاصر ابن رشيق وابن شرف وطبقتهما. تصدّر لإفادة هذا الشأن بمدينة القيروان، وتقدّم هناك فى عصره، وله شعر منه:
لقوم ببلدتنا شيمة ... نحاجى بها الناس أهل الذكاء
تماح «2» الدّلاء بآبارهم ... وآبار غيرهم بالدلاء
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 110، والصلة لابن بشكوال 1: 362.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 307، وتلخيص ابن مكتوم 110، ومسالك الأبصار ج 11 مجلد 2: 303- 304.(2/180)
وذكره الحسن بن رشيق فى كتابه فقال: «عبد العزيز بن خلوف النحوىّ الحرورى «1» . شاعر متقن، ذو ألفاظ حسنة، ومعان متمكّنة، مثقّف نواحى الكلام رطبها، حلو مذاقة الطّبع عذبها؛ يشبّه فى المنظوم والمنثور بأبى على البصير، «2» وله فى سائر العلوم حظوظ وافرة، وحقوق ظاهرة، أغلبها عليه علم النحو والقراءات، وما تعلق بها. وفيه ذكاء يخرج عن الحدّ المحدود» .
وقوله من قصيدة يمدح بها سيدنا- أدام الله سلطانه- أوّلها (قلت: يعنى بسيدهم المعز بن باديس) :
أبلحظ طرف هذه الأنضاء «3» ... شقيت إذن بالأعين الأعضاء
تتمثّل الغيد الحسان ببعض ما ... جرّت عليه الغادة الحسناء
تصبو الجمادات الموات لوجهها ... طربا فكيف النّطّق الأحياء
منها:
سارت وقد بنت الأسنّة حولها ... سورا يجاز بحدّه الجوزاء
ولما مدح المعز بن باديس بها وأطال فى المدح ختمها بقوله:
فتحت لنا نعماك كلّ بلاغة ... فجرى اليراع وقالت الشعراء
وقال ابن رشيق فى وصف هذه القصيدة: «وما حسبت أنّ أحدا من أهل عصرنا يبلغ هذه البلاغة، أو يصوغ الكلام هذه الصياغة، وإن كثيرا من أشعار المتقدّمين فى هذا الوزن والروىّ ليضعف ويقصر دون بنيتها» .(2/181)
قال: ومن جيد شعره قوله من نسيب قصيدة فى بعض الكتاب:
ومن دونها طود من السّمر شامخ ... إلى النجم أو بحر من البيض متأق «1»
وأسود لا تبدو به النار حالك ... وبيداء لا تجتازها «2» الريح سملق»
وقال فى مدحتها:
ينام عن المال «4» التّلاد وإنه ... إذا عرضت أكرومة لمؤرّق
أخو نظر أما لدفع ملمة ... فسام «5» وأمّا من حياء فمطرق
رمى ثغر الحسّاد عن قوس همة ... تحدّث عن حيث السّماك فتصدق
ومنها- وذكر القلم- فقال:
به السّحب تزجى «6» والصّواعق تتّقى ... وماء الحيا «7» ينهلّ والنار تحرق
وله فى الغزل:
مروا أن يروّح هذا الأسي ... ر بالقتل إن كان لا يطلق
أيتلف ذا العبد لا رغبة ... يباع ولا حسبة يعتق
وإنى من فقره موته ... لأنى من كبدى أنفق
لقد فتقت يد سحر العيو ... ن فتقا على العقل لا يرتق
قال ابن رشيق واصفا له: «وفى شعره من القوّة والتصرف والتصنّع ما ليس فى شعر غيره من أصحابنا، وهو مع ذلك كثير» .(2/182)
397- عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة أبو محمد السعدىّ الأندلسىّ الشاطبىّ [1]
قدم دمشق طالب علم، وسمع بها الحسن بن أبى الحديد «1» وطبقته، ورحل إلى العراق، فسمع بها أبا محمد الصّريفينىّ «2» وطبقته، وصنف غريب الحديث لأبى عبيد القاسم بن سلّام على حروف المعجم، وجعله أبوابا، وروى عنه جماعة من الدّمشقيين، ومات فى سنة خمس وستين وأربعمائة، فى شهر رمضان، فى حرّان «3»
398- عبد العزيز القارى الملقب ببشكست المدنىّ النحوىّ الشاعر [2]
أخذ عنه أهل المدينة النحو، وكان يذهب مذهب الشّراة «4» ، ويكتم ذلك؛ فلما ظهر أبو حمزة الشّارى «5» بالمدينة خرج معه؛ فقتل فيمن قتل.
__________
[1] ترجمته فى تاريخ ابن عساكر 24: 194- 195، وتلخيص ابن مكتوم 110، ونفح الطيب 3: 391.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 110، وتاريخ ابن عساكر 24: 273- 275.(2/183)
وكانت وقعة أبى حمزة الشارى فى سنة ثلاثين ومائة فى أيام مروان «1» ، فقال أحد الشعراء فى بشكست:
لقد كان بشكست عبد العزيز ... من أهل القراءة بالمسجد
فبعدا لبشكست عبد العزيز ... وأمّا القران فلا يبعد
399- عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن مهذب النحوى اللغوىّ أبو العلاء [1]
قدم هو وأبوه وعمه على الدولة المصرية العلوية؛ فأما عبد الرحمن أبوه فإنه توفى فى سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وصلى عليه عبد العزيز. وتوفى أبو جعفر محمد أخوه فى صدر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. وكان يتولى بيت المال.
وأما أبو العلاء عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن مهذب هذا فإنه أخذ اللغة بمصر عن أبى حسين المهلبىّ اللغوىّ وأكثر عنه، وامتدحه شاكرا لما أولاه، مما أفاده إياه.
وصنف أبو العلاء هذا كتابا فى اللغة، هو موجود بالديار المصرية، وقرأ النحو على أبى محمد الحسن بن عبد الرحمن المنداسىّ النحوىّ بمصر وأكثر عنه، وله شعر جيد- أعنى عبد العزيز هذا- منه:
إنّ البخيل يعيش فى ... دنياه عيش الأشقياء
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 111.(2/184)
وحسابه فى دار أخرا ... هـ حساب الأغنياء
فبلغتم قبل الثرى ال ... أنفاق أصحاب الثراء
فالمرء يرحل كلّ يو ... م رحلة نحو الفناء
وله فى سفرة طست:
لله درّ غلام جاء يخدمنا ... بسفرة من رفيع الصّوف قوراء
بفروز «1» أزرق من حول دارتها ... تحار فيه وفيها مقلة الرائى
كأنها روضة خضراء مزهرة ... من حولها جدول جار من الماء
وله أيضا:
وما طربت لمشروب ألذّ به ... ولا لعشق ظباء العجم والعرب
لكن طربت إلى دهر أنال به ... غنى فأبذله فى عصبة الأدب
400- عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغداذىّ أبو منصور [1]
الأستاذ الكامل ذو الفنون، الفقيه الأصولىّ الأديب الشاعر النحوىّ، الماهر فى علم الحساب، العارف بالعروض.
ورد نيسابور مع أبيه أبى عبد الله طاهر «2» بن محمد البغداذىّ التاجر. وكان ذا مال وثروة. أنفق عبد القاهر ماله على أهل العلم، ولم يكتسب بماله علما.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 111، وابن خلكان 1: 298- 299، وطبقات الشافعية للسبكى 3: 238- 242، وفوات الوفيات 1: 379- 380، وكشف الظنون 254، 335، 462، 471، 1274، 1432، 1769، 1820، 1970.(2/185)
درس تسعة عشر نوعا من العلوم «1» ، واستفاد منه الناس. خرج عن نيسابور فى أيام التّركمانية إلى أسفرايين «2» ، فمات بها سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ودفن عند الأستاذ أبى إسحاق «3» بها.
401- عبد القاهر بن عبد الله بن الحسين أبو الفرج الشيبانىّ الحلبىّ النحوىّ الشاعر المعروف بالوأواء [1]
وليس بالوأواء المشهور. أصله من بزاعة «4» ، ونشأ بحلب، وتأدّب بها، وكانت بينه وبين أبى عبد الله الطّليطلىّ النحوىّ نزيل شيزر «5» مكاتبات. وتردّد إلى دمشق
__________
[1] ترجمته فى إعلام النبلاء 4: 244- 247، وبغية الوعاة 310، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 551) ، وتاريخ ابن عساكر 24: 298- 301، وشذرات الذهب 4: 158، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 94، وكشف الظنون 812، والنجوم الزاهرة 5: 322- 323.(2/186)
غير مرة، وكان يقرئ بها النحو، ويشرح شعر المتنبىّ ويعربه، وله شعر، أنشد منه ابنه أبو محمد عبد الصمد قوله «1» :
أظنّوا أنهم بانوا ... وهم فى القلب سكان
تولّى النوم إذ ولّوا ... وكان العيش إذ كانوا
أناديهم وقد حثّوا ... ودمع العين هتّان
أحبّ البعد أحباب ... وخان العهد إخوان
وقالوا شفّك الدهر ... وهم للدهر أعوان
ويحيا المرء إن راعت ... هـ أسياف وخرصان
ولا يحيا إذا راعت ... هـ أحداق وأجفان
وأغيد فاتن الألحا ... ظ صاح وهو نشوان
وريان من الحسن ... إلى الأنفس ظمآن
إذا لاح فما البدر! ... وإن ماس فما البان!
وذكر أن والده توفى فى آخر شوّال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة بحلب «2» .(2/187)
402- عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانىّ أبو بكر النحوىّ [1]
فارسى الأصل، جرجانىّ «1» الدار، عالم بالنحو والبلاغة. أخذ النحو بجرجان عن الشيخ أبى الحسين محمد بن الحسن بن محمد بن عبد الوارث الفارسىّ «2» ، نزيل جرجان، ابن أخت الشيخ أبى على الفارسى، وأكثر عنه، وقرأ ونظر فى تصانيف النحاة والأدباء، وتصدّر بجرجان، وحثّت إليه الرّحال، وصنف التصانيف الجليلة.
وكان- رحمه الله- ضيّق العطن، لا يستوفى الكلام على ما يذكره مع قدرته على ذلك. فمن تصانيفه: كتاب المقتصد «3» فى شرح الإيضاح «4» وهو مقتصد من مثله على ما سماه، لم يأت فى الإيضاح بشىء له مقدار. ولما تبرع فى التكملة لم يقصّر بنسبته إلى ما عهد منه، فلو شاء لأطال.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 310- 311، وتلخيص ابن مكتوم 112- 113، وروضات الجنات 143، وشذرات الذهب 3: 340، وطبقات الشافعية: 242، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 94- 95، وطبقات المفسرين للداودى 140 ب، وفوات الوفيات 1: 378- 379، وكشف الظنون 83، 120، 212، 602، 1169، 1179، 1769، ومرآة الجنان 3: 101، ونزهة الألباء 434- 436.(2/188)
وله شرح كتاب العوامل «1» ، سماه الجمل، ثم صنف شرحه، فجرى على عادته فى الإيجاز. وله إعجاز «2» القرآن دل على معرفته بأصول البلاغات ومجاز الإيجاز. وله مسائل منثورة أثبتها فى مجلد، هو كالتذكرة له، لم يستوف القول حق الاستيفاء فى المسائل التى سطرها «3» . ومع هذا كله فإن كلامه وغوصه على جواهر هذا النوع يدل على تبحره وكثرة اطلاعه.
ولم يزل مقيما بجرجان يفيد الراحلين إليه، والوافدين عليه إلى أن توفى فى سنة إحدى وسبعين وأربعمائة «4» .
ومن تلاميذه المذكورين الواردين إلى العراق والمتصدّرين ببغداذ على بن زيد الفصيحىّ- رحمه الله- وقد تخرج به جماعة كثيرة، واستفادوا منه ما استفاده من عبد القاهر.
ولعبد القاهر شعر مدح به نظام الملك الحسن بن إسحاق:
لو جاود الغيث غدا ... بالجود منه أجدرا
أو قيس عرف عرفه ... بالمسك كان أعطرا
ذو شيم لو أنها ... فى الماء ما تغيرا
وهمة لو أنّها ... للنّجم ما تغوّرا
لو مس عودا يابسا ... أورق ثم أثمرا(2/189)
وله يشكو الزمان وأهله:
أىّ وقت هذا الذى نحن فيه ... قد دجا بالقياس والتشبيه
كلما سارت العقول لكى تق ... طع تيها توغّلت فى تيه
وأشعاره كثيرة فى ذم الزمان وأهله. وكان هذا الأمر هو السبب فى تقصيره إذا صنف؛ إذ لم يجد راحة ممن جمع لهم وألف.
قال ابن غياض الشامىّ الكفرطابىّ النحوىّ- ونقلته بخطه فى تذكرته فى آخر نسخة المقتصد لعبد القاهر الجرجانى بالرّى مكتوبا ما حكايته:
«قرأ علىّ الأخ الفقيه أبو نصر أحمد بن إبراهيم بن محمد الشجرىّ- أيده الله- هذا الكتاب من أوّله إلى آخره قراءة ضبط وتحصيل، وكتبه عبد القاهر بن عبد الرحمن بخطه فى شهر رمضان المبارك من سنة أربع وخمسين وأربعمائة، حامدا لربه، ومصليا على محمد رسوله وآله» «1» .
403- عبد الكريم بن إبراهيم بن محمد بن الحسن النحوىّ الرازى أبو سعيد [1]
نحوىّ، أفاد ببلده، ورحل إلى العراق وسمع بها أبا طالب محمد بن محمد بن غيلان البزاز، ودخل الشام، ونزل بيت المقدس، وروى به عن ابن غيلان المذكور. قرأ عليه نصر بن إبراهيم القدسىّ «2» الفقيه العالم الزاهد الورع بالمسجد الأقصى، وسمع جماعة بقراءته.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 113.(2/190)
404- عبد الكريم بن الحسن بن المحسن بن الفضل بن المسلم ابن المؤمل بن سوّار المقرئ النحوى التّككىّ المصرىّ [1]
مقرئ فاضل، من فضلاء القرّاء، ومن العارفين بالقرآن وعلومه وتفسيره، سمع أبا إسحاق الحبّال، وأبا الحسين الخلعىّ. وأستاذه فى القراءات أبو الحسن على بن محمد بن حميد الواعظ. أدركه أبو طاهر السلفىّ، واشتركا فى السماع على أبى صادق، وسمع عليه السلفىّ كتاب معانى القرآن لأبى جعفر النحاس بكماله، وكان يرويه عن الخلعىّ عن الحوفىّ عن ابن الأدفوىّ عن النحاس.
سئل عن مولده فى سنة سبع عشرة وخمسمائة، فقال: لى ستون سنة.
توفى- رحمه الله- فى شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وخمسمائة، وجلس ولده مكانه فى حلقته فى جامع عمرو بن العاص يقرئ.
405- عبد الكريم بن على بن محمد بن الطفال أبو محمد القضاعىّ النحوىّ الإسكندرىّ المكفوف البارع [2]
كان نحويا متصدّرا، صاحب حلقة الجامع بالإسكندرية لإقراء النحو.
وله شعر حسن. أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ فى إجازته العامة، أنشدنى أبو محمد عبد الكريم بن محمد بن الطّفال القضاعىّ بالثغر لنفسه ابتداء قصيدة:
ليس الوقوف على الأطلال من شغلى ... إنى وشغلى ذوات الأعين النّجل
عين أعنّ على قلبى فقلبه ... داعى الصّبا فصبا للهو والغزل
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 113، وحسن المحاضرة 1: 211، وطبقات القرّاء 1:
400، ومعجم السفر للسلفى 2: 249- 250. والتككى، بكسر التاء وفتح الكاف الأولى:
منسوب إلى التكك، جمع تكة، وهى رباط السراويل.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 114، ومعجم السفر للسلفى 1: 243- 244، ونكت الهميان 195.(2/191)
من كل فاترة الألحاظ فاتنة الأل ... فاظ تسحب ذيل الدّل والكسل
قيد القلوب تخال العقل صورتها ... مراد كل فؤاد فتنة المقل
قال السّلفىّ: عبد الكريم هذا كانت له حلقة فى الجامع للنحو، وكان مائلا إلى الخير، وله شعر فى غاية الجودة، وعندى منه مقطّعات أنشدنيها، وكان كفيف البصر.
وقال أيضا: أنشدنا أبو محمد عبد الكريم بن على بن محمد بن القضاعىّ النحوى لنفسه بالثغر:
من يكرم الله يصبح عرضة الألم ... كذا النبيون مذ كانوا على القدم
وذاك أن الرضا والسخط منزلة ... لم يحوها قطّ إلا أشرف الأمم
إن المصائب عنوان الأجور «1» فمن ... يصب يفز بنعيم غير منصرم
كذا الملوك إذا اختاروا لخدمتهم ... عبدا أصاروا إليه أجهد الخدم
فالحمد لله كلّ منه تكرمة ... فالبرء والسقم معدودان فى النّعم
ثم قال السّلفىّ: «عبد الكريم هذا يعرف بابن الطّفال، وينعت بالبارع، وكان عفيفا كفيفا، وله فى الجامع حلقة لإقراء النحو. وشعره كثير، وقد علّقت منه جملة- رحمه الله- وكان قرأ على أبى على الحضرمىّ، وقال لى على بن عبد الرحيم:
كان عبد الكريم فى ابتداء أمره على طريقة لو بقى عليها فاق أهل زمانه من الاشتغال بقراءة الحقائق؛ من كلام الحارث المحاسبى «2» وغيره، ولزوم الصمت، وإعراضه عن الدنيا. ثم تزوّج ورزق أولادا فصار يمدح ويستميح ضرورة. وتغيرت عليه الأحوال» .(2/192)
406- عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة ابن محمد القشيرىّ أبو القاسم [1]
الإمام مطلقا، المفسر الأديب النحوىّ الكاتب الشاعر. لسان عصره، وسيّد وقته فى كل فن. صنف التفسير الكبير «1» قبل العشر وأربعمائة.
407- عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن على بن أبى سعد البغداذى [2]
الموصلىّ الأصل، البغداذىّ المولد، أبو محمد بن أخى سليمان الموصلىّ، المدعو بالموفّق الملقّب بالمطجّن «2» . كان يدّعى معرفة النحو واللغة والعربية وعلم الكلام
__________
[1] ترجمته فى الأنساب للسمعانى 453 ب، وتاريخ ابن الأثير 8: 118، وتاريخ بغداد 11: 83، وتاريخ أبى الفدا 2: 190، وتاريخ ابن كثير 12: 107- 108، وتلخيص ابن مكتوم 114، وابن خلكان 1: 299- 301، ودمية القصر 194- 196، وروضات الجنات 444، وشذرات الذهب 3: 318- 319، وطبقات الشافعية 3: 243- 248، وطبقات المفسرين للداودىّ 143 ب- 147 ب، وطبقات المفسرين للسيوطى 21- 22، وكشف الظنون 520، 882، واللباب فى الأنساب 2: 264، ومرآة الجنان 3: 91- 93، ومسالك الأبصار ج 5 مجلد 1: 89- 91، والمنتظم (وفيات 465) ، ومعجم السفر 1: 17، والنجوم الزاهرة 5: 91. والقشيرىّ، بضم القاف وفتح الشين وسكون الياء: منسوب إلى قشير ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة؛ وهو أبو قبيلة كبيرة، ينسب إليها كثير من العلماء.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 311، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 629) ، وتلخيص ابن مكتوم 114- 117، وحسن المحاضرة 1: 232- 233، وشذرات الذهب 5: 132، وطبقات الشافعية 5: 132، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 98- 99، وعيون الأنباه 2: 201- 213، وفوات الوفيات 2: 9- 11، وكشف الظنون 30، 696، 714، 1169، 1274، 1315، 1361، 1397، 1466، 1715، 1937، 1996، ومرآة الجنان 4: 68، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد الورقة 50، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 2: 300- 303.(2/193)
والعلوم القديمة والطب. أسمعه والده فى صباه من جماعة كأبى الفتح محمد بن عبد الباقى «1» بن البطىّ وأبى زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسىّ «2» .
خرج عن بغداذ إلى الشام، وقدم مصر بعد سنة ثمانين، ونزل فى مسجد باب زويلة، وتعرّف بالحاجب لؤلؤ، وادّعى ما ادعاه، فمشى طلبة المصريين إليه واختبروه، فقصّر فى كلّ ما ادعاه فجفوه، وأقام بها مدة لا يعبأ به. ثم نفق على شابين كوفيين بعيدى الخاطر يعرفان بولدى إسماعيل بن حجاج المقدسىّ كاتب الجيش، فنقلاه إليهما، وأخذا عنه من العربية ما زادهما يبسا وعمى قلب ولكنة لسان. ثم خرج بعد ذلك إلى دمشق، وادعى الرواية، فقرأ عليه بعض المبتدئين.
وكان دميم الخلقة نحيلها، قليل لحم الوجه قصير الخلقة. ولما رآه زيد ابن الحسن الكندى لقّبه المطّجن- والألقاب تنزل من السماء- فشاعت ولم يعرف بعد ذلك إلا بها. وكان يدّعى تصانيف كتب «3» ما فيها مبتكر، وإنما يقف على تصانيف غيره، فإما أن يختصر أو يزيد ما لا حاجة إليه، وهى(2/194)
فى غاية البرودة والركاكة. وكان إذا اجتمع بصاحب علم فرّ من الكلام معه فى ذلك العلم، وتكلم فى غيره مغربا، ولم يكن محققا فى شىء مما يقوله ويدّعيه.(2/195)
ولقد اجتمعت به واختبرته فرأيته فيما يدّعيه كالأعمى الذى يتحسس ويدّعى حدّة النظر؛ وما وثقت من روحى بذلك حتى سألت جماعة من أهل علوم متفرقة قد كان يدّعيها، فذكروا من أمره بعد نظره وكلامه نظير ما علمته منه.
ومن أسوأ أوصافه قلة الغيرة- ونعوذ بالله من ذلك- وقطن حلب فى آخر عمره، وأجرى له بها رزق على الطب؛ وهو لا يعلمه.
وخطر له فى شهور سنة ثمان وعشرين وستمائة السفر إلى العراق ليحج، فمرض ببغداذ، وأخذ فى مداواة نفسه بطبه، فمات- كما شاء الله- فى شهور سنة تسع وعشرين وستمائة، وأبيعت كتبه بحلب، فوقعت على شىء منها، وهى فى غاية الانحطاط عن رتبة الكمال. ونعوذ بالله من فتنة الدعوى.
كان مولده سنة سبع وخمسين وخمسمائة «1» .(2/196)
408- عبد الملك بن قريب أبو سعيد الأصمعىّ [1]
عبد الملك بن قريب «1» بن عبد الملك بن علىّ بن أصمع بن مظهّر «2» بن رباح بن عمرو
__________
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 58- 67، وإشارة التعيين الورقة 129، والأنساب للسمعانى 51 ا- 52 ب، وبغية الوعاة 313- 314، وتاريخ ابن الأثير 5: 220، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 216) ، وتاريخ أصبهان لأبى نعيم 2: 130، وتاريخ بغداد 10: 410- 420، وتاريخ ابن عساكر 24: 414- 429، وتاريخ أبى الفدا 2: 30، والتصحيف والتحريف 45- 64، وتقريب التهذيب 165، وتلخيص ابن مكتوم 117- 118، وتهذيب التهذيب 6: 415- 417، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 6- 7، وجمهرة الأنساب لابن حزم 234، وخلاصة تذهيب الكمال 207- 208، وابن خلكان 1: 288- 290، وروضات الجنات 458- 462، وشذرات الذهب 2: 36- 38، وطبقات الزبيدى 117- 124، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 101- 106، وطبقات القرّاء 1: 470، وطبقات المفسرين للداودى الورقة 151، وعيون التواريخ (وفيات سنة 216) ، والفهرست 55- 56، وكشف الظنون 11، 114، 115، 722، 723، 1240، 1355، 1388، 1395، 1396، 1399، 1432، 1454، 1461، 1466، 1469، 1472، 1916، 1979، 1981، واللباب فى الأنساب لابن الأثير 1: 56، ومرآة الجنان 2: 64، ومراتب النحويين 74- 105، والمزهر 2: 404- 405، 419، 423، 462، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 225- 227، والمعارف لابن قتيبة 236- 237، والنجوم الزاهرة 2: 190، 217، ونزهة الألباء 150- 172، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 2: 354- 359، والأصمعى: منسوب إلى جدّه أصمع.(2/197)
ابن عبد شمس بن أعيا بن سعيد بن عبد [بن] «1» غنم بن قتيبة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان، أبو سعيد الأصمعىّ «2» ، صاحب اللغة والنحو والغريب والأخبار والملح.
سمع شعبة «3» بن الحجاج والحمادين «4» ومسعر بن «5» كدام وغيرهم.
روى عنه ابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله، وأبو عبيد القاسم بن سلّام، وأبو حاتم السّجستانىّ، وأبو الفضل الرّياشىّ، وأحمد بن محمد اليزيدىّ «6» وغيرهم.
وكان من أهل البصرة، وقدم بغداذ فى أيام هارون الرشيد. قال عمر بن شبّة «7» :
سمعت الأصمعىّ يقول: أحفظ ست عشرة ألف أرجوزة.(2/198)
قال الأصمعى: بعث «1» إلىّ محمد الأمين- وهو ولىّ العهد يومئذ- وقال:
إن أمير المؤمنين قد استدعاك على دوابّ البريد- وبين يديه السندىّ بن شاهك- فقال: خذه «2» وسر. فسرت، فلما وصلت إلى الرّقّة «3» أحضرنى الفضل بن «4» الربيع إلى الرشيد، وهو منفرد، وسلّمت، فردّ واستدنانى وقال: أهديت إلىّ جاريتان وأردت أن تختبرهما- وأمر بإحضارهما، وهما أحسن شىء- فسألت إحداهما عن كل فن من فنون الأدب، فأجابت بجواب حسن، فاستنشدتها «5» فأنشدت:
يا غياث البلاد فى كل محل ... ما يريد العباد إلّا رضاك(2/199)
لا ومن شرّف البلاد وأعلى ... ما أطاع الإله عبد عصاك
واختبرت الأخرى فوجدتها دونها؛ فقلت: ما تبلغ منزلة هذه، وإذا روّضت بالتعليم جادت.
فأمر بتجهيز الموصوفة وتحسينها لينال منها «1» ، ثم قال: أخبرنى «2» بشىء من أعاجيب ما سمعت من أخبار الناس، فقلت: صاحب لنا فى بدو بنى فلان، قد أتت عليه ست وتسعون سنة، وهو أصحّ الناس ذهنا، وأجودهم أكلا، وأقواهم بدنا، غبت «3» عنه مدّة وعدت إليه، فوجدته من سوء الحال على خلاف ما وصفت، فسألته:
ما الذى نزل به؟ فقال: لمحت جارية قد لاثت رأسها، وطلت بالورس ما بين قدميها إلى رأسها، وعليها قميص وقناع مصبوغان، وفى عنقها طبل توقّع عليه، وتنشد هذا الشعر:
محاسنها سهام للمنايا ... مريّشة بأنواع الخطوب
برى ريب المنون لهنّ سهما ... تصيب بنصله مهج القلوب
فأجبتها:
قفى شفتى فى موضع الطّبل ترتعى «4» ... كما قد أبحت الطّبل فى جيدك الحسن(2/200)
هبينى عودا أجوفا تحت شنّة «1» ... تمتّع فيها بين نحرك والذّقن
فلما سمعت الشعر منى نزعت الطبل فرمت به فى وجهى، وبادرت إلى الخباء.
فدخلت، فلم أزل واقفا إلى أن حميت الشمس على مفرق «2» رأسى؛ لا تخرج إلىّ، ولا ترجع جوابا، فقلت: أنا والله معها كما قال الشاعر:
فوالله يا سلمى لطال قيامتى ... على غير شىء يا سليمى أراقبه
ثم انصرفت قريح العين سخينها. فهذا الذى ترى من التغير لعشقى لها. فضحك الرشيد، ثم قال: يا عباسىّ، أعط عبد الملك مائة ألف درهم، وردّه إلى مدينة السلام «3» . فقبضتها وأتتنى صلة الجارية التى وصفتها ألف دينار مع خادم، وأمر لى الفضل بن الربيع من ماله بعشرة آلاف درهم.
وأخبار الأصمعى كثيرة مدوّنة. قال المبرّد: كان أبو زيد الأنصارىّ صاحب لغة وغريب ونحو، وكان أكثر من الأصمعى فى النحو، وكان أبو عبيدة أعلم من أبى زيد والأصمعىّ بالأنساب والأيام والأخبار، وكان الأصمعىّ بحرا فى اللغة لا يعرف مثله فيها وفى كثرة الرواية، وكان دون أبى زيد فى النحو.
وقيل لأبى نواس: قد أشخص أبو عبيدة والأصمعى إلى الرشيد. قال:
أما أبو عبيدة فإنهم إن أمكنوه من سفره «4» قرأ عليهم أخبار الأوّلين والآخرين، وأما الأصمعى فبلبل يطربهم بنغماته.(2/201)
قال الأصمعى: حضرت أنا وأبو عبيدة عند الفضل بن الربيع، فقال لى:
كم كتابك فى الخيل؟ فقلت: مجلد واحد، فقال لأبى عبيدة عن كتابه فى الخيل فقال: خمسون مجلدا، فقال له: قم إلى هذا الفرس وأمسك عضوا عضوا منه واذكر، فقال: لست ببيطار، وإنما هذا شىء أخذته عن العرب، فقال لى:
قم يا أصمعىّ وافعل ذلك، قال: فقمت وأمسكت ناصية الفرس، وشرعت أذكر منه عضوا عضوا ويدى على ذلك العضو، وأنشد ما قالته العرب، إلى أن فرغت منه. فقال: خذه، فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبته إليه.
قال محمد بن إسحاق النديم فى كتابه «1» : «مات الأصمعى فى سنة عشر «2» ومائتين.
وله من الكتب: كتاب خلق «3» الإنسان. كتاب الأجناس «4» . كتاب الأنواء. كتاب الهمز «5» . كتاب المقصور والممدود. كتاب الفرق «6» .
كتاب الصفات. كتاب الأبواب «7» . كتاب الميسر والقداح.
كتاب خلق الفرس. كتاب الخيل «8» . كتاب الإبل «9» . كتاب الشاء «10» .(2/202)
كتاب الأخبية [والبيوت «1» ] . كتاب الوحوش «2» . كتاب فعل وأفعل.
كتاب الأمثال. كتاب الأضداد «3» . كتاب الألفاظ. كتاب السلاح.
كتاب اللغات. كتاب مياه العرب. كتاب النوادر. كتاب أصول الكلام. كتاب القلب والإبدال «4» . كتاب جزيرة العرب. كتاب الدلو. كتاب الاشتقاق. كتاب الرحل. كتاب معانى الشعر.
كتاب المصادر «5» . كتاب الأراجيز. كتاب النحلة «6» . كتاب النبات «7» [والشجر «8» ] . كتاب ما اختلف لفظه واتفق معناه. كتاب غريب الحديث، [نحو مائتى ورقة، رأيته بخط السكرىّ «9» ] . كتاب السرج واللجام [والشوى والنعال] «10» والترس والنبال. كتاب غريب «11» الحديث. كتاب الكلام الوحشىّ. كتاب نوادر الأعراب. كتاب المذكر والمؤنث.
وعمل الأصمعىّ قطعة كبيرة من أشعار العرب ليست بالمرضية عند العلماء «12» لقلة غريبها واختصار روايتها» .(2/203)
ذكره الحافظ أبو نعيم فى كتاب تاريخ أصبهان وقال: «توفى سنة اثنتى عشرة ومائتين» .
قال الأصمعىّ: بعث إلىّ محمد بن هارون «1» ، فدخلت عليه، وفى يده كتاب يديم النظر إليه، ويتعجب منه، ثم قال: يا عبد الملك، أما تعجب من هذا الشاب وما يجىء به! فقلت: من هو؟ فقال: عباس بن الأحنف، ثم رمى بالكتاب إلىّ فإذا فيه شعر قاله عباس «2» :
إذا ما شئت أن تصن ... ع «3» شيئا يعجب الناسا
فصوّر هاهنا فوزا ... وصوّر ثمّ عباسا «4»
ودع «5» بينهما شبرا ... وإن زدت فلا باسا
فإن لم يدنوا حتى ... ترى رأسيهما راسا
فكذّبها بما قاست ... وكذبه بما قاسى
قال الأصمعى: وكان بينى وبين عباس شىء، فقلت: مسترق يا أمير المؤمنين، فقال: ممن؟ قلت: من العرب والعجم، قال: ما كان من العرب؟ قلت: رجل يقال له عمر، هوى جارية يقال لها قمر، فقال:
إذا ما شئت أن تصن ... ع شيئا يعجب البشرا
فصوّر هاهنا قمرا ... وصوّر هاهنا عمرا(2/204)
فإن لم يدنوا حتّى ... ترى بشريهما بشرا
فكذبها بما ذكرت ... وكذّبه بما ذكرا
قال: فما كان من العجم؟ قلت: رجل يقال له «فلقاء» هوى جارية يقال لها «زورق» ، فقال:
إذا ما شئت أن تصن ... ع شيئا يعجب الخلقا
فصوّر هاهنا زورق ... وصوّر هاهنا فلقا
فإن لم يدنوا حتى ... ترى خلقيهما خلقا
فكذبها بما لاقت ... وكذّبه بما يلقى
قال الأصمعىّ: فبينا نحن كذلك إذ جاء الحاجب، فقال: عباس بالباب، فدخل فقال: يا عباس، تسرق معانى الشعر وتدّعيه، فقال: ما سبقنى إليه أحد.
فقال محمد: هذا الأصمعىّ يحكيه عن العرب والعجم، ثم قال: يا غلام، ادفع الجائزة إلى الأصمعىّ «1» .
فلما خرجا قال العباس: كذبتنى وأبطلت جائزتى! فقلت له: أتذكر يوم كذا! وأنشأت أقول:
إذا وترت امرأ فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا «2»(2/205)
409- عبد الملك بن حبيب السّلمىّ الأندلسىّ [1]
كان قد جمع علم الفقه والحديث وعلم الإعراب واللغة والتصرف فى فنون الأدب، وله تصانيف جمة فى أكثر الفنون، منها كتابه فى إعراب القرآن، وكتابه فى شرح الحديث إلى غير ذلك «1» .
وقيل لسحنون «2» بن سعيد: مات عبد الملك بن حبيب، فقال: مات عالم الأندلس؛ بل والله عالم الدنيا.
ولم يكن من أهل السعة فى دنياه، بل كان من المقتّر عليهم رزقهم، وله فى ذلك:
صلاح أمرى والّذى أبتغى ... هين على الرّحمن فى قدرته
ألف من البيض فأقلل بها ... لعالم أزرى على بغيته
زرياب قد يأخذها قفلة «3» ... وصنعتى أشرف من صنعته
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 29، وبغية الوعاة 312، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 238) ، وتاريخ علماء الأندلس لابن الفرضى 1: 225- 228، وتذكرة الحفاظ للذهبى 2: 107- 108، وتلخيص ابن مكتوم 119، والديباج المذهب 154- 156، وشذرات الذهب 2: 90، وطبقات الزبيدىّ 176- 177، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 100، وعيون التواريخ (وفيات سنة 238) . وكشف الظنون 1205، 1996، ولسان الميزان 4: 59- 60، ومرآة الجنان 2: 122، ومطمح الأنفس 36- 37، وميزان الاعتدال للذهبى 2:
133، والنجوم الزاهرة 2: 293، ونفح الطيب 2: 214- 217، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 1: 21.(2/206)
وزرياب «1» هذا رحل من المشرق إلى الأندلس، ونال بها أموالا من ولاة الأمر «2» .
410- عبد الملك بن سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج [1]
مولى بنى أمية، من أهل قرطبة، يكنى أبا مروان. أقام اللغة بالأندلس غير مدافع. روى عن أبيه «3» وابن الإفليلىّ «4» ومكىّ بن أبى طالب القيروانىّ «5» وأبى مروان ابن حيان «6» وغيرهما.
__________
[1] ترجمته فى بغية الملتمس للضبى 367- 368، وبغية الوعاة 312، وتلخيص ابن مكتوم 119، والديباج المذهب 157، والصلة لابن بشكوال 1: 357- 358، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 2: 351.(2/207)
كان عالما بالأدب ومعانى القرآن والحديث، وقرئت عليه كتب اللغة والغريب والأدب، وقيّد ذلك كلّه عنه. وكانت الرحلة فى ذلك الوقت إليه، ومدار أصحاب اللغة والآداب عليه، وكان وقور المجلس مهيبا. وأكثر مؤرّخو الأندلس من وصفه فى كتبهم.
ولد لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة أربعمائة، وتوفى- رحمه الله- ليلة عرفة، ودفن يوم عرفة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ودفن بالرّبض «1» .
411- عبد الملك بن طريف اللغوىّ الأندلسىّ [1]
من أهل قرطبة، يكنى أبا مروان، أخذ عن أبى بكر بن القوطيّة «2» وغيره، وكان حسن التصرف فى اللغة، أصلا فى تثقيفها.
وله كتاب حسن فى الأفعال؛ وهو كثير بأيدى الناس، هذّب فيه أفعال أبى بكر ابن القوطية شيخه. وتوفى نحو الأربعمائة، وقد ذكر فى الكنى فى آخر الكتاب لشهرته بابن طريف.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 29، وبغية الوعاة 313، وتلخيص ابن مكتوم 119- 120، والصلة لابن بشكوال 1: 357، وكشف الظنون 1394، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 1: 12.(2/208)
412- عبد الملك بن قطن المهرىّ القيروانى النحوىّ [1]
شيخ أهل اللغة والعربية هناك، وراوى القوم وعميدهم ورئيسهم، والمقدّم فى بلده وزمانه. وكان من أحفظ الناس لأنساب العرب وأشعارهم ووقائعهم وأيامهم. وكانت الأشعار المشروحة تقرأ عليه مجرّدة من الشرح فيشرحها ويفسّر معانيها، فلما دخلت المشروحة إلى إفريقية نظر طلبة العلم من العربية والنحو فيها، وفيما كانوا رووا عنه فيها، فلم يجدوا فى شرحه خلافا لما قال أصحاب الشرح، ولا وجدوا عليه فى روايته وتفسيره شيئا من الخطأ.
وكان لقى جماعة من العلماء بالعربية والمعروفين بالرواية؛ منهم ابن الطرمّاح «1» الأعرابىّ وأبو المنيع الأعرابىّ. وله كتب كثيرة ألّفها؛ من ذلك كتاب فى تفسير مغازى الواقدىّ، وكتاب يسمى كتاب الألفاظ، وكتاب فى اشتقاق الأسماء؛ مما لم يأت به قطرب.
وكان شاعرا خطيبا بليغا، وكان من عقلاء العلماء. وقام بخطبة- بين يدى زيادة الله بن محمد بن الأغلب «2» - وهو أمير إفريقية يومئذ- طويلة فصيحة؛ ذهب فيها إلى تقريظه، ووصلها بشعر فيه. وكان نهما لا يقصد فى مطاعمه؛ فلا يمسك درهما ولا دينارا؛ على كثرة ما يوصل ويحبى. واستمر على حاله هذه حتى مات.
وكان بليغا؛ كتب إليه رجل كتابا وأطاله، ولم يأت بطائل، فكتب إليه:
«خير من الإطالة السكوت؛ وفى القصد إلى الحاجة قطع لمسافة الإطالة» .
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 29، وبغية الوعاة 314، وتلخيص ابن مكتوم 120، وطبقات الزبيدىّ 154- 157، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 107- 108. وكشف الظنون 102. وما ذكره المؤلف يوافق ما فى طبقات الزبيدىّ.(2/209)
وقال حمدون النحوىّ الملقب بالنعجة «1» : كنا عند المهرىّ يوما، فقال: اخرجوا بنا إلى مأجل «2» مهريّة نتفرّج، وكانت داره بالقرب من سوق الأحد، فخرجنا فجلسنا حوله؛ إلى أن مرّ بنا نحو عشرين بغلا أو أكثر، ومعها رجل راكب؛ فلما رأى المهرىّ عدل إليه ونزل، ثم قال: يقرأ مولاى عليك السلام، وقد وجّه إليك بهذه الدوابّ وهى محمّلة طعاما وعسلا وخلّا وزيتا، وبهذه العشرين دينارا.
فقبضها منه تكرّها؛ ثم دمع وقال: ذهب الناس! (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) ! أبو علىّ ابن حميد يوجّه إلىّ بهذا! قال حمدون: فقلت له احمد الله واشكره، فإنّ هذا كثير.
قال: فنظر إلىّ وهو مغضب، ثم قال: هو كثير لك ولأمثالك، فأمّا لى فلا! وقال أبو عبد الله الدارونىّ: مرّ المهرىّ بناحية القيسارية عند الصيارفة، فقام إليه فنى كان يختلف إليه، ويستمع منه، فقال له: إلى أين أصلحك الله يا أبا الوليد؟
قال: إلى سوق الطعام، أشترى بهذين الدينارين قمحا. فمدّ الفتى يده إلى صرّة.
وكانت فى كمة، فدفعها إليه وقال: استعن بها- أصلحك الله- على شرائك القمح.
فأخذها ثم مضى غير بعيد، وهو يظن أنها دراهم، ففتحها فإذا فيها خمسون دينارا، فانصرف إليه، فلما رآه الرجل تلقاه، فأخرج المهرىّ الصرّة وقال: أخاف أن تكون قد غلطت؛ إنها دنانير، فقال: ما غلطت- أصلحك الله- وإنى لمحتشم من التقصير.
وقال الدارونىّ: مشيت يوما مع أبى الوليد المهرىّ، إلى أن مررنا بالجزارين، فقام إليه رجل منهم، فقال: يا أبا الوليد، أضررت بى؛ لأن بضاعتى كلّها عندك، ولا بدّ من قبض مالى قبلك، فاعتذر إليه وسأله الصبر فأبى. فمرّ بنا رجل فقال: كم لك على الشيخ؟ فقال: عشرة دنانير، فقال: هى علىّ، مرّ حتّى(2/210)
أدفعها إليك. فمضى معه، فظننت أنه من إخوان المهرىّ، [وظنّ المهرىّ أنه «1» ] من أجلى فعل به ذلك. فلما صرنا إلى داره، قال: الرجل الذى أدّى عنى الدنانير من هو؟ قلت: ما أعرفه، وما كنت أظنّ إلا أنك عارف به. قال: فسل عنه، فسألت، فإذا هو رومىّ من أهل العطارين. وكان الناس من تعظم العلم والأدب على خلاف ما هم عليه اليوم.
وعمّر المهرىّ عمرا طويلا، وتوفى فى يوم الجمعة لعشر خلون من شهر رمضان سنة ست وخمسين ومائتين. «2»
413- عبد الملك بن هشام بن أيوب الذّهلىّ النحوىّ [1]
يكنى أبا محمد. صاحب المغازى، مغازى «3» ابن إسحاق «4» . بصرىّ، قدم مصر وحدّث بها بالمغازى وغيرها. روى المغازى عن زياد بن عبد الله البكّائى «5» عن محمد ابن إسحاق. وكان ثقة.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 315، وتاريخ أبى الفدا 2: 29- 30، وتلخيص ابن مكتوم 120- 121، وحسن المحاضرة 2: 228، وابن خلكان 1: 290، والروض الأنف 5، وشذرات الذهب 2: 45، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 111- 112، وعيون التواريخ (وفيات سنة 213) ، وكشف الظنون 179، 1012، والوافى بالوفيات ج 6 مجلد 1: 26. والذهلىّ، بضم الذال وسكون الهاء: منسوب إلى ذهل بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع، وهو بطن من كندة.(2/211)
توفّى بمصر لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة ثمان عشرة ومائتين.
وهذه السيرة «1» التى يرويها عن ابن إسحاق قد هذّب منها أماكن مرّة بالزيادة، ومرّة بالنقصان، وصارت لا تعرف إلا بسيرة ابن هشام. وللمصريّين بها فرط غرام وكثرة رواية، وعن المصريّين نقلت إلى سائر الآفاق.
وذكر السّهيلىّ «2» الأندلسىّ ابن هشام هذا فقال: «وأما عبد الملك بن هشام فمشهور بحمل العلم، متقدّم فى علم النّسب والنحو؛ وهو حميرىّ معافرىّ «3» من مصر.
وأصله من البصرة، وتوفّى بمصر سنة ثلاث عشرة ومائتين» .
وله كتاب فى شرح أنساب حمير وملوكها «4» ، وكتاب ما وقع فى أشعار السّير من الغريب فيما ذكر لى والحمد لله [كثيرا وصلواته على نبيه محمد وسلامه] » .
قلت: هذا الذى ذكره السّهيلىّ على سبيل الحدس، والمعوّل على نسبه الأوّل ووفاته الأولى؛ فإن الناقل لذلك هو أبو سعيد عبد الرحمن بن يونس المصرىّ «5» إمام مصر فى الحديث والتاريخ، ذكره فى تاريخ الغرباء القادمين على مصر حسب ما ذكرته أوّلا، والله أعلم. «6»(2/212)
414- عبد الواحد بن الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطى أبو الفتح المقرئ النحوىّ [1]
من أهل الجانب الشرقى من بغداذ، ناحية الرّصافة «1» . سمع أبا بكر بن إسماعيل الورّاق وأبا محمد بن معروف القاضى وعيسى بن على بن عيسى وإسماعيل بن سعد بن سويد.
كان ثقة عالما بوجوه القراءات «2» بصيرا بالعربية؛ حافظا لمذاهب القرّاء.
سئل عن مولده فقال: ولدت يوم الاثنين السادس عشر من رجب سنة سبعين وثلاثمائة. ومات- رحمه الله- فى يوم الأربعاء الخامس والعشرين من صفر سنة خمس وأربعمائة، ودفن من يومه فى مقبرة الخيزران.
415- عبد الواحد بن على بن برهان أبو القاسم العكبرىّ النحوىّ [2]
كان من العلماء القائمين بعلوم كثيرة، منها النحو واللغة ومعرفة النّسب والحفظ لأيام العرب وأخبار المتقدّمين، وله أنس شديد بعلم الحديث، ولم يرو شيئا من الحديث.
__________
[1] ترجمته فى تاريخ بغداد 11: 17، وتلخيص ابن مكتوم 121، وشذرات الذهب 3:
285، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 473- 474، وكشف الظنون 383، ونزهة الألباء 427- 428.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 29، والإكمال لابن ماكولا الورقة 52، وبغية الوعاة 317، وتاريخ ابن الأثير 8: 100، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 456) ، وتاريخ أبى الفدا 2:
185، وتاريخ ابن كثير 12: 92، وتلخيص ابن مكتوم 121- 122، والجواهر المضية 1:(2/213)
مات فى يوم الأربعاء ودفن فى مقبرة الشّونيزىّ يوم الخميس سلخ جمادى الأولى من سنة ست وخمسين وأربعمائة.
ذكره الباخرزىّ فى كتابه وسجع له فقال: «هو أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين بن برهان النحوىّ. رأيته ببغداذ سنة خمس وخمسين وأربعمائة شيخا بادّ «1» الهيئة، رثّ الكسوة، يمشى وقد شمل العرى [طرفيه] «2» ، ونظم رأسه وقدميه، وقصدته زائرا- ولم أكن عهدته- فإذا أنا فى باب المراتب بشيخ على ما وصفت، فلم أشكّ فى أنه ضالّتى المنشودة- وفراسة المؤمن لا تخطئ- فاقتفيت أثره إلى مسجد اجتمعت فيه تلاميذه ينتظرونه، وكمه أعجر بأجزاء النحو، فدخل عليهم وقاموا إليه، واستند إلى المحراب، وتكلم فى العلم الذى لقّب فيه، والفن الذى عقد بنواصيه، والضّرب الذى أحاط به من جميع نواحيه، فقل فى القرم «3» الهائج هادرا، أو البحر المائج زاخرا. وكان فى نفسى أن أختلف إليه، وأغترف ممّا لديه؛ فقامت العوائق تدفع فى صدر الأمانى، والأسفار تسيّرنى سير السّوانى «4» ، وما كان عندى أن له شعرا تتعاطاه الأفواه، وتتهاداه الشفاه؛ حتى نسب إليه أبو الفرج الغندجانىّ هذه الأبيات:(2/214)
أحبّتنا بأبى أنتم ... وسقيا لكم أينما كنتم
أطلتم عذابى بميعادكم ... وقلتم نزور وما زرتم
فان لم تجودوا على عبدكم «1» ... فإنّ المعزّى به أنتم
وذكره محمد بن هلال فى كتابه فقال: «فى يوم الأربعاء لليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ست وخمسين وأربعمائة توفى أبو القاسم عبد الواحد بن على بن عمر بن برهان النحوىّ، وقد أناف على الثمانين، ولولا شراسة خلق كانت فيه على من يقرأ عليه ويستمليه لكانت له آثار باقية وكتب مروية؛ لما كان فيه من الفضائل القوية. ولم يك يلبس سراويل، ولا يترك على رأسه غطاء، ولا يقبل لأحد عطاء» .
416- عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم أبو طاهر المقرئ النحوىّ [1]
من مدينة أبى جعفر. قرأ على ابن درستويه بعض كتاب سيبويه، ولم ير بعد ابن مجاهد «2» مثله. وكان يقرئ فى سكّة عبد الصمد بن على بن عبد الرحمن ابن العباس ببغداذ، وكان كوفىّ المذهب، وتوفى سنة أربع وأربعين «3» وثلاثمائة.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 317، وتاريخ بغداد 11: 7- 8، وتلخيص ابن مكتوم 122.
وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 475- 477، والوافى بالوفيات ح 6 مجلد 2: 411.(2/215)
417- عبد الواحد بن محمد الكرمانىّ النحوىّ أبو القاسم [1]
روى عن ابن حبّان «1» وابن المقرئ «2» وأبى بكر محمد بن عبد الله بن الأسقاطىّ وأحمد ابن عبيد الله السهرديرىّ وعمر بن سيف البغداذىّ وغيرهم. روى عنه ابن المأمون، وذكره شيرويه بن شهمردار فى طبقات الهمذانيين، وسماه «النحوىّ» .
418- عبد الوارث بن عبد المنعم الأبهرىّ النحوىّ اللغوىّ الأديب أبو المكارم [2]
صاحب أبى العلاء بن سليمان المعرّى. رحل من أبهر إلى أبى العلاء بمعرّة النعمان من أرض الشام، ولازمه وأخذ عنه جميع فنون الأدب، وبرع واستقلّ، ورجع إلى بلده، وتصدّر للإقراء والإفادة، وأخذ عنه أهل تلك الناحية أدبا كثيرا وبرع عليه جماعة؛ منهم فرامرز بن ميشة الأبهرىّ الأديب المشهور المذكور.
وكان لعبد الوارث شعر منه:
مراغ «3» بالمراغة «4» فى ثراها ... أحبّ إلىّ من رىّ برىّ
وأوشال «5» بها أجدى وأندى ... على الأزمان من جىّ «6» بجىّ «7»
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 122.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 122.(2/216)
419- عبد الودود بن عبد الملك بن عيسى النحوىّ المغربىّ [1]
نحوىّ مذكور مشهور، انتقل إلى المشرق، ودخل مدن الشام وتصدّر بها، وأقام بحلب مدّة، وجرى له بحلب قضية، وذلك أنه نظر إلى صبىّ مستحسن بها، فذهب رشده، وسقط إلى الأرض، وأفاق خجلا مما جرى عليه «1» ، وخرج إلى العراق، وقرأ عليه الناس ببغداذ.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ فى الإجازة العامة «2» : «قرأت على أبى الحسن عبد الودود ابن عبد الله بن عيسى النحوىّ اللغوىّ المغربىّ ببغداد ياقوتة التصريف للأستاذ أبى عبد الله محمد بن أحمد الأردستانىّ، ومن جملة ما أورده فيه قال:
ليس فى الكلام على فعل (بضم الفاء وكسر العين) إلا واحد، وهو اسم «دئل» ، وهى دويّبة، وبها سميت قبيلة أبى الأسود الدّؤلىّ» .
وقال أيضا: «قرأت على أبى الحسن عبد الودود بن عبد الملك بن عيسى النحوىّ المغربىّ ببغداذ لما قدمها شيئا من التصريف، وكان متفننا، ولم أستنشده شيئا من شعره، وكان من المجيدين، وهو الذى له القصيدة السائرة يهجو فيها أحد الرؤساء، وأوّلها:
تسلّ فللأيام بشر وتعبيس ... وأيقن فلا النّعمى تدوم ولا البوس
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 318، وتلخيص ابن مكتوم 122- 123، ومعجم السفر للسلفىّ 1: 216.(2/217)
420- عبد الوهاب بن أصبغ النحوىّ اللغوىّ الأندلسى [1]
معروف بهذا الشأن، صحب أبا على القالىّ وكتب عنه الكثير، وسمع عليه من تصانيفه كتاب المقصور والممدود. وكتب له أبو علىّ خطّه بذلك على نسخة الأصل التى بخطه، وهو يجرى مجرى من صحبه؛ كمحمد بن أبان بن سيّد، ومحمد بن الحسن الزّبيدىّ، ومحمد بن إبراهيم بن معاوية القرشىّ.
وكان متن هذا الكتاب بخط عبد الوهاب بن أصبغ؛ كذا ذكر أبو على القالىّ بخطه، وإنما أشار إلى أن المتن بخطه لسكونه إلى إتقانه وضبطه.
421- عبد الوهاب بن حريش أبو مسحل الهمذانىّ النحوىّ اللغوىّ [2]
كان من أهل العلم بالقرآن ووجوه إعرابه، عارفا بالعربية. وحدّث عن ابن حمزة الكسائىّ، روى عنه محمد بن يحيى الكسائىّ المقرئ، ويقال: إنه كان يكنى أبا محمد، ويلقّب أبا مسحل، وكان أعرابيا قدم بغداذ وافدا على الحسن بن سهل.
422- عبد الوهاب بن هبة الله بن عبد الله بن محمد بن على بن الحسن ابن يحيى بن السّيبىّ أبو الفرج [3]
له معرفة بالأدب واللّغة، وكان يؤدّب أولاد الخليفة، وكان مولده فى سنة سبع عشرة وأربعمائة، وأدّب المقتفى «1» ، وروى المقتفى عنه عن أبى محمد عبد الله
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 123.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 318، وتاريخ بغداذ 11: 25، وتلخيص ابن مكتوم 123، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 478. وفى بغية الوعاة «عبد الوهاب بن أحمد» .
[3] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 123. والسيبى، بكسر السين: منسوب إلى سيب.
قال السمعانى: وظنى أنها قرية بنواحى قصر ابن هبيرة، نسب إليها جماعة.(2/218)
ابن محمد بن هزارمرد الصّريفينىّ «1» . وروى أبو منصور موهوب بن الخضر الجواليقىّ عن المقتفى عنه عن الصّريفينىّ خبرا.
مات أبو الفرج عبد الوهاب السّيبىّ فى يوم السبت ثالث المحرّم سنة أربع وخمسمائة بالحجاز عند عوده من الحج وقبل وصوله إلى المدينة بيوم واحد، وحمل إلى المدينة، وصلّى عليه بها، ودفن بالبقيع- رحمه الله.
423- على بن إبراهيم بن سعيد أبو الحسن النحوىّ الحوفىّ المصرىّ [1]
فاضل عالم بالنحو والتفسير، قيّم بعلل العربية أتم قيام، من أهل ضيعة من حوف مصر، واسمها شبرا اللّنجة «2» .
دخل إلى مصر فطلب العربية، وقرأ على أبى بكر الأدفوىّ، وأخذ عنه وأكثر، وطالع الكتب، ولقى جماعة من علماء المغرب القادمين على مصر وغيرهم،
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 31، والأنساب للسمعانى 181 ا، وبغية الوعاة 328، وتلخيص ابن مكتوم 124، وحسن المحاضرة 2: 228، وابن خلكان 1: 332، وشذرات الذهب 3: 247، وطبقات المفسرين للداودى 162 ب، وطبقات المفسرين للسيوطى 25، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 132، وكشف الظنون 241، 1905، واللباب فى الأنساب 1: 239، ومعجم الأدباء 12: 221- 222، ومعجم البلدان 3: 367، ومعجم السفر للسلفى 2: 301 والحوفى، بفتح الحاء وسكون الواو: منسوب إلى حوف مصر. قال ياقوت: «والحوف بمصر حوفان؛ الشرقى والغربى، وهما متصلان، أول الشرقى من جهة الشام، وآخر الغربى قرب دمياط، يشتملان على بلدان وقرى كثيرة» .(2/219)
وتصدّر لإفادة هذا الشأن، وصنّف فى النحو مصنفا كبيرا عنى «1» [به] النحويون، استوفى فيه العلل والأصول، وصنّف مصنفات أصغر منه، رأيت المصريين يشتغلون بها، وصنف تصنيفا كبيرا فى إعراب القرآن، أبدع فيه، يتنافس العلماء هناك فى تحصيله. وسمعت أن أحد المشتهرين بهذا النوع ابتاع منه نسخة بمصر فى عشرة مجلدات، وأحضرها إلى مدينته بالشام، وهو غير عالم بقدرها، ولا عارف بمصنفها؛ ولما تنبّه على جلالتها اشتدّ حفظه لها، وضنّه بها تقليدا، وادّخرها لولده إن طلع من أهل هذا الشأن. وعاش الحوفىّ- رحمه الله- إلى بعد الأربعمائة «2» .
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ نزيل الإسكندرية، أخبرنا الشيخ أبو بكر عتيق بن على بن مكى السّمسطاوىّ النيدىّ «3» بالإسكندرية، أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الرازىّ، أخبرنا على بن إبراهيم بن سعيد النحوىّ حدّثنا محمد بن عبد الله النيسابورىّ، حدّثنا أحمد بن شعيب الشيبانى، أخبرنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الرحمن عن مالك عن ابن شهاب عن أبى إدريس الخولانى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من توضأ فلينثر، ومن استجمر فليوتر» .
424- على بن إبراهيم بن الحسن بن علىّ النحوىّ الصّقلىّ المعروف بابن المعلم [1]
أجاد النحو واللغة، وتصدّر للإفادة، وقرأ الطب وتعبير الرؤيا. وكان له حظ حسن، وأبوه صقلّىّ وجدّه أصبهانى، واستوطن علىّ هذا مصر إلى أن مات بها.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 124، ومعجم السفر للسانى 2: 261- 262، 300 والمكتبة الصقلية 645- 646، والصقلىّ: ضبطه السمعانى بفتح الصاد والقاف؛ منسوب إلى جزيرة صقلية فى بحر الروم.(2/220)
وذكر أبو الحسين بن الموفقى الكتبىّ أنه توفى فى أواخر شهور سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، وكان دمث الأخلاق.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ فى إجازته العامة: «قلت لأبى الحسين على بن إبراهيم ابن على النحوىّ المعروف بابن المعلم الصّقلىّ: رأيت فى المنام كأنى أطعم والدتى حلواء، ثم ألعق أصابعى فلا أجد لها الحلاوة الصادقة. فقال: هو خير يصل منك إليها، وهى المخصوصة به، فقلت: صدقت، فإنى بعد صلاة المغرب أصلّى ركعتين أقرأ فى كل ركعة الفاتحة وسورة الإخلاص ست مرات والمعوذتين مرة وأهب ثوابها لوالدتى، فقال: هو ذلك «1» » .
425- على بن إبراهيم بن على التّبريزىّ المعروف بابن الخازن أبو الحسن [1]
طاف البلاد، وتقدّم فى علم العربية، وروى عن علماء زمانه، ورحل إلى الأندلس، وأسمع أهلها. وكان من أعلم الناس بالأدب واللّغات، حسن الخطّ عالما بفنون العربية، ثقة فيما يرويه. وكانت عنده غرائب، وكان شافعىّ المذهب. مولده سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
426- على بن إسماعيل بن سعيد بن أحمد بن لبّ بن حزم الخزرجى الشّارقىّ الأندلسىّ النحوىّ [2]
وشارقة «2» حصن بقرب سرقسطة من مدن الأندلس. قرأ النحو على [ابن] «3» طراوة المالقىّ. وكان أبوه إسماعيل مقرئا نحويا. وكان على هذا حفظة. رحل إلى المشرق
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 124.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 124، ومعجم السفر للسلفى 1: 190.(2/221)
وسمع منه الحافظ أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانى. وقد كان سمع على ابن عطية الغرناطى «1» الحديث، وسمع أيضا من السلفىّ.
427- على بن أحمد المهلّبىّ أبو الحسن [1]
نزيل مصر. كان أديبا نحويا لغويا فاضلا كاملا، أحد علماء هذا النوع، روى عنه المصريون وأكثروا، وتنافسوا فى خطه والرواية عنه إلى زماننا هذا، ووصل لهم رواية كتب كثيرة من كتب الأدب.
قال عبد الرحمن بن إسماعيل العروضىّ أبو عيسى نزيل مصر: حدّثنى أبو الحسين على بن أحمد المهلّبىّ عن أبى الحسن محمد بن عبد الرحمن الروذبارىّ حدّثنى أبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخىّ، قال: حدّثنى يوسف بن يعقوب بن السكيت، حدّثنى أبو عبد الله محمد بن عمرو الحمار التيمىّ بالبصرة سنة إحدى وأربعين ومائتين وله تسع وتسعون سنة قال: الخليل بن أحمد من الفراهيد، من الأزد، ولد سنة مائة، وتوفى سنة خمس وسبعين ومائة.
428- على بن أحمد الدّريدىّ [2]
صاحب أبى بكر بن دريد، وأكثر من صحبته حتى عرف به. أصله من فارس، وكان ابن دريد يحبه ويريده، وأوصى بكتبه له، فصارت إليه.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 328، وتلخيص ابن مكتوم 125، وطبقات ابن قاضى شهبة 2:
138، ومعجم الأدباء 12: 224- 226.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 328، وتلخيص ابن مكتوم 125، وطبقات الزبيدى 130، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 138، ومعجم الأدباء 12: 223.(2/222)
429- على بن أحمد الواحدىّ أبو الحسين [1]
الإمام المصنف، المفسر النحوىّ. أستاذ عصره. قرأ الحديث على المشايخ وأدرك الإسناد العالى، وسار الناس إلى علمه، واستفادوا من فوائده.
وصنف التفسير الكبير، وسماه البسيط، وأكثر فيه من الإعراب والشواهد واللغة، ومن رآه علم مقدار ما عنده من علم العربية. وصنف الوسيط فى التفسير أيضا، وهو مختار من البسيط أيضا، غاية فى بابه. وصنف الوجيز «1» وهو عجيب، «2» وصنف شرح ديوان المتنبى «3» وهو غاية فى بابه «4» .
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 31، وبغية الوعاة 327- 328، وتاريخ ابن الأثير 8: 123، وتاريخ أبى الفدا 2: 192، وتاريخ ابن كثير 12: 114، وتلخيص ابن مكتوم 125، وابن خلكان 1: 333، ودمية القصر للباخرزى 203- 204، وروضات الجنات 484، وشذرات الذهب 3: 330، وطبقات الشافعية 3: 289- 290، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 135- 138، وطبقات القرّاء لابن الجزرى 1: 523، وطبقات المفسرين للداودى الورقة 165 ا- 166 ا، وطبقات المفسرين للسيوطى 23، والفلاكة والمفلوكين 117، وكشف الظنون 76، 245، 355، 809، 2002، ومرآة الجنان 2: 96- 97، ومسالك الأبصار ج 4 م 2: 307- 309، ومعجم الأدباء 12: 257- 270، والنجوم الزاهرة 6: 104. والواحدى، بفتح الواو وبعد الألف حاء مكسورة. قال ابن خلكان: «لم أعرف هذه النسبة إلى أى شىء هى، ولا ذكرها السمعانى. ثم وجدت هذه النسبة إلى الواحد بن الديل بن مهرة.
ذكره أبو أحمد العسكرى» .(2/223)
ومرض مرضة غير طويلة، ومات بنيسابور فى سنة ثمان وستين وأربعمائة.
وقد ذكره الباخرزىّ وسجع له فقال: «الشيخ «1» أبو الحسين «2» على بن أحمد الواحدىّ، مشتغل بما يعنيه، وإن كان استهدافه للمختلفة يعنّيه، ولقد خبط ما عند أئمة الأدب، من أصول كلام العرب، خبط عصا الراعى فروع الغرب، «3» وألقى الدلاء فى بحارهم حتى نزفها، ومدّ البنان إلى ثمارهم إلى أن قطفها. وله فى علم القرآن وشرح غوامض الأشعار تصنيفات، بيده لأعنتها تصريفات، وقل «4» ما يعرض على الرواة ما يصوغه من الأشعار، وبلأى تتفتح أكمامها عن النوّار، فمما أنشدنى لنفسه، وقد دخل على الشيخ الإمام أبى عمر سعيد بن هبة الله الموفق وهو فى كتابه يتعلّم الخط ويكتب:
إن الرّبيع بحسنه وبهائه ... يحكيهما خطّ الرئيس أبى عمر
خطّ غدا ملء العيون ملاحة ... متنزّها للحظّ قيدا للبصر
فكأنه فى الدّرج «5» يرقم كاتبا ... أولى لطاف بنانه فتق الزّهر
أخزت نقوش الصين بدعة صنعه ... فتعطلت ورقوم موشىّ الحبر
وسأله عبد الكريم الجيلىّ أبياتا يصف فيها خطه، فقال:
لعبد الكريم خطوط أنيقه ... يجيز لهن بحذق ونيقه «6»
يطرّز بالخطّ قرطاسه ... كما طرّز السّحب لمع العقيقه «7»
سطورا إذا ما تأملتها ... تخيّلت منها غصونا وريقه
وغارسها مرهف ناحل ... يمجّ عليها بسنّيه ريقه(2/224)
وبنيسابور نوع من الخوخ يقال له مزورة، أهدى منه شيئا إلى بعض أصدقائه، وكتب معه إليه:
الخوخ أرسل رائدا متقدّما ... ما مثله فى طيبه باكوره
هو زائر فى كل عام مرّة ... عند المصيف فلم يقال مزوره
430- على بن أحمد، وقيل ابن إسماعيل أبو الحسن النحوىّ اللغوىّ المعروف بابن سيده الضّرير الأندلسىّ [1]
إمام فى اللّغة والعربية. جمع فى اللغة كتاب المحكم، يقارب عشرين مجلدا «1» ، لم ير مثله فى فنه، ولا يعرف قدره إلا من وقف عليه، وهو فى وقف التاج البندهىّ بدمشق فى رباط الصوفية؛ لو حلف الحالف أنه لم يصنّف مثله لم يحنث. وله غير ذلك من الكتب الأدبية.
وكان نادرة وقته، وله شعر جيد، وكان منقطعا إلى الأمير أبى الجيش مجاهد ابن عبد الله العامرىّ. «2» ولما مات حدثت له نبوة ممّن خلفه، فرحل عن مستقرّه
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 32، وبغية الملتمس للضبى 405- 406، وبغية الوعاة 327، وتاريخ أبى الفدا 2: 186، وتاريخ ابن كثير 12: 95، وتلخيص ابن مكتوم 125، وجذوة المقتبس للحميدى الورقة 133- 134، وابن خلكان 1: 342، والديباج المذهب 204- 205، وشذرات الذهب 3: 305- 306، والصلة لابن بشكوال 2: 410- 411، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 138- 140، وكشف الظنون 691، 1616، 1617، 1639؛ 1997، ومرآة الجنان 3: 83، ولسان الميزان 4: 205- 206، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 259- 260، ومطمح الأنفس 60، ومعجم الأدباء 12:
231- 235، ونفح الطيب 4: 351، ونكت الهميان 204- 205، و «سيده» ضبطه ابن خلكان بكسر السين وسكون الياء وفتح الدال وبعدها هاء ساكنة.(2/225)
إلى بعض الأعمال المجاورة، ثم استعطفه بقصيدة طويلة، «1» صرّف القول فيها.
فعطف له ورجع، ومات قريبا من سنة ستين وأربعمائة.
وذكره ابن بشكوال فقال: «على «2» بن إسماعيل، يعرف بابن سيده. من أهل مرسية؛ يكنى أبا الحسن. روى عن أبيه «3» وأبى عمر الطّلمنكىّ «4» وصاعد اللغوىّ «5» وغيرهم. وله تواليف حسان، منها كتاب المحكم فى اللغة، وكتاب المخصص «6» ، وكتاب الأنيق فى شرح الحماسة، وغير ذلك «7» » .
وذكر الوقّشىّ «8» عن أبى عمر الطّلمنكىّ قال: «دخلت مرسية، فتشبث بى أهلها ليسمعوا علىّ غريب المصنف، فقلت لهم: انظروا من يقرأ لكم،(2/226)
وأمسك أنا كتابى، فأتونى برجل أعمى يعرف بابن سيده، فقرأه علىّ من أوّله إلى آخره، فعجبت من حفظه» .
وكان أعمى ابن أعمى. وتوفى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. وقال القاضى صاعد: توفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وقد بلغ ستين سنة أو نحوها.
431- على بن أحمد بن خلف الأنصارىّ النحوىّ الأندلسىّ الغرناطىّ [1]
كان من أهل المعرفة بالأدب واللغة والتقدم فى علم القراءات والضبط بالروايات. «1» وكان حسن الخط، جيّد التّقييد، أفاد النّاس هذا الشأن، فاستفادوا وسمعوا منه كثيرا.
وتوفّى- رحمه الله- ليلة الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم، ودفن يوم الاثنين صلاة العصر من سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. ومولده فى شوّال سنة أربع وأربعين وأربعمائة.
__________
[1] ترجمته فى بغية الملتمس للضبى 406- 407، وبغية الوعاة 326- 327، وتلخيص ابن مكتوم 125، والديباج المذهب 205- 206، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 133، وطبقات القرّاء لابن الجزرىّ 1: 518- 519، وكشف الظنون 111، 1379، ومعجم السفر للسلفى 1: 2- 3.(2/227)
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ، أنشدنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن كوثر «1» البخارىّ الغرناطىّ بديار مصر، قال: أنشدنا أبو الحسن علىّ بن أحمد بن خلف النحوىّ لنفسه بالأندلس فى كتاب الإيضاح لأبى علىّ الفارسىّ:
أضع الكرى لتحفّظ الإيضاح ... وصل الغدوّ لفهمه برواح
هو بغية المتعلمين ومن بغى ... حمل الكتاب يلجه بالمفتاح
لأبى علىّ فى الكتاب إمامه ... شهد الرواة لها بفوز قداح
يقضى على أسراره بنوافذ ... من علمه بهرت قوى الأمداح
فيخاطب المتعلمين «2» بلفظه ... ويحلّ مشكله بومضة «3» واح
مضت العصور وكلّ نحو ظلمة ... وأتى فكان النحو ضوء صباح
أوصى ذوى الإعراب أن يتذاكروا ... بحروفه فى الصّحف والألواح
وإذا همو سمعوا النصيحة أنجحوا «4» ... إن النّصيحة غبّها لنجاح
432- على بن أحمد بن محمد بن محمد المقرئ المؤدّب أبو الحسن [1]
البغداذىّ الدار، الأحدب. شيخ صالح فاضل، له معرفة بالأدب، يعلّم الصبيان اللغة بالمقتدية.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 126.(2/228)
وسئل عن مولده فقال: ولدت ليلة الجمعة رابع عشر صفر سنة أربع وسبعين وأربعمائة بالجانب الشرقىّ.
وقال- رحمه الله: رأيت فى النوم عجوزا صفراء زرقاء معرقة تقول لى:
أنشدنى أبى المختار قال: كتب جدّى الأشرف بن فخر الملك إلى أخيه الأعز بأصبهان كتابا فيه هذه الأبيات:
إنّ الذى قسم الوراثة بيننا ... جعل الحلاوة والمرارة فينا
لكن أراك وردت ماء صافيا ... ووردت من جون الحوادث طينا
إن كنت أنت أخى فقل لى يا أخى ... لم بتّ جذلانا وبتّ حزينا!
ألّا اقتسمنا بيننا الفرح الذى ... كنّا اقتسمنا فى حياة أبينا!
وكان لهذا الشيخ شعر، فمنه ما قال: أنشدت بيتا وهو:
وإن لم يكن بينى وبينكم هوى ... ولم يك موصولا بحبلكم حبلى
قال: فأجزته:
ولم يجتمع فى الدهر يوما وليلة ... بشملكم يا بثن فى مجمع شملى
قال: وأنشدت أبياتا وهى:
إذا أبقت الدّنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
إذا أنت لم تؤثر رضا الله وحده ... على كل ما تهوى فلست بصابر
إذا أنت لم تحدث على كل نعمة ... لموليكها شكرا فلست بشاكر
إذا كنت بالدّنيا بصيرا فإنّما ... بلاغك منها مثل زاد المسافر
قال: فأجزته ببيت واحد فقلت:
ولا تفرحن منها بعيش وطيبه ... فإنّ قصاراه سكون المقابر(2/229)
433- على بن أحمد بن عبد العزيز بن طنيز أبو الحسن الأنصارىّ الميورقىّ الأندلسىّ الفقيه اللغوىّ [1]
رحل عن بلده إلى المشرق، ودخل الشام. روى بدمشق عن غانم «1» بن وليد المالقىّ النحوىّ المخزومىّ، وأبى عمر بن عبد البر النمرىّ، «2» وأبى الحسن على «3» ابن عبد الغنى القيروانىّ الضرير، وجماعة من أهل بلاده.
روى عنه عبد العزيز الكتانىّ «4» ، وأبو بكر الخطيب، وأبو محمد الأكفانىّ «5» ، وكان ثقة، وله شعر، منه:
وسائلة لتعرف كيف حالى ... فقلت لها بحال لا تسرّ
دفعت إلى زمان ليس فيه ... - إذا فتّشت عن أهليه- حرّ
__________
[1] ترجمته فى تاج العروس 4: 84، وتاريخ ابن عساكر 28: 433، وتلخيص ابن مكتوم 126، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد الورقة 52، ومعجم البلدان 8: 231. و «طنيز» ، كزبير؛ هكذا ضبطه صاحب تاج العروس. ونقل عن ابن النجار أنه «طنز» بالطاء وتشديد النون والراء.
والميورقى، بالفتح ثم الضم وسكون الواو والراء: منسوب إلى ميورقة، وهى جزيرة فى شرقى الأندلس.(2/230)
وصفه ابن الأكفانىّ فقال: كان عالما باللغة. سافر إلى بغداذ من دمشق فى أواخر شهور سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وأقام بها إلى أن توفّى هناك فى سنة سبع وسبعين وأربعمائة، وكان من أهل مدينة ميورقة.
434- على بن أحمد بن على أبو الحسن البغداذىّ [1]
يعرف بابن هبل. الأديب الطبيب. ولد ببغداذ، ونشأ بها، وقرأ الأدب والطبّ، وسمع وروى عن مشايخ وقته، منهم ابن السّمرقندىّ، ثم صار إلى الموصل، وخرج إلى أذربيجان، وأقام بخلاط «1» عند صاحبها شاه «2» أرمن يطبّه، وقرأ الناس عليه هناك الحكمة والأدب، ثم عاد إلى الموصل- وقد تموّل- فأقام بها إلى حين وفاته.
وحدّث بها وأفاد وعمّر حتى كبر وعجز عن الحركة، فلزم منزله بسكّة أبى نجيح قبل وفاته بسنتين.
وكان فاضلا. سئل عن مولده فقال: ولدت ببغداذ بباب الأزج، بدرب ثمل فى ثالث عشرين ذى القعدة سنة خمس عشرة وخمسمائة. وتوفّى بالموصل ليلة الأربعاء ثالث عشر المحرم سنة عشر وستمائة، ودفن بها بمقبرة المعافى بن عمران.
وصنف كتابا حسنا كبيرا فى الطب، سماه المختار «3» .
__________
[1] ترجمته فى أخبار الحكماء للقفطى 159- 160، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 610) ، وتلخيص ابن مكتوم 127، وشذرات الذهب 5: 42، وكشف الظنون 1622، والنجوم الزاهرة، 6: 209، ونكت الهميان 205- 206. و «هبل» ، ضبطه الصفدى بفتح الهاء والباء وبعدها لام.(2/231)
435- على بن أحمد بن منصور بن محمد بن عبد الله بن محمد أبو الحسن بن أبى العباس الغسّانىّ المعروف بابن قبيس [1]
الفقيه المالكى الزاهد. دمشقىّ، سمع أباه وأبا بكر الخطيب وطبقتهما.
وكان ثقة، متحرّزا منقطعا عن الناس، ملازما لبيته فى درب النقاشة، ومتخليا فى بيته فى المنارة الشرقية. وكان يفتى على مذهب مالك، ويقرئ النحو، ويعرف الفرائض والحساب.
ولد- رحمه الله- ليلة الأحد لتسع خلون من شوّال سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، وتوفّى- قدس الله روحه- يوم عرفة تاسع ذى الحجة سنة ثلاثين وخمسمائة، ودفن بعد صلاة العصر من يومه بباب الصغير.
436- على بن الأخضر النحوىّ الحمصىّ (حمص الأندلس) المغربىّ التّنوخىّ أبو الحسن [2]
كان فى المائة الخامسة من الهجرة، وله تقدّم وتصدّر فى إقليمه. روى أبو طاهر السّلفىّ عن واحد، عنه.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 127- 128، وتاريخ ابن عساكر 26: 450، وشذرات الذهب 4: 95، ومرآة الجنان 3: 257- 258، والنجوم الزاهرة 5:
259.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 127، وبغية الوعاة 341، والصلة لابن بشكوال 1: 418.
وهو مكرر 469. قال ابن مكتوم: «هو على بن عبد الرحمن بن محمد بن مهدى بن عمران التنوخى الإشبيلىّ. روى عن أبى الحجاج الأعلم، وعنه أخذ علم العربية، وعن أبى على الغسانى. ذكرهما أحد الناس عنه، وتوفى يوم الخميس سلخ سنة أربع عشرة وخمسمائة. وقد ذكره القفطى بعد ذلك فى هذا الكتاب مكررا، وذكره أبو القاسم بن بشكوال وغيره.(2/232)
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ فى إجازته العامة، سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الرزاق ابن يوسف الحمصىّ «1» (حمص «2» الأندلس) - وكان ثقة من أهل المعرفة بالحديث- قال: أنشدنى أبو الحسن على بن الأخضر التنوخىّ النحوىّ بحمص الأندلس، قال: أنشدنى أبو محمد على بن أحمد بن سعيد «3» [بن حزم] الحافظ لنفسه:
من لم ير العلم أغلى ... من كلّ شىء يصاب
فليس يفلح حتّى ... يحثى عليه التّراب
قال السّلفىّ: «وبعد أن أنشدنى ابن عبد الرزاق هذين البيتين كتب إلىّ شريح بن محمد بن شريح الرّعينىّ «4» من الأندلس قال: أنبأناه أبو محمد على بن أحمد [بن سعيد] ابن حزم الظاهرىّ لنفسه» .
437- على أبو الحسين الطبرونىّ الضرير النحوىّ الأديب [1]
نزيل المراغة «5» ، من أذربيجان؛ كان يشبّه فى وقته بأبى العلاء المعرىّ لتبحّره فى النحو والأدب وعلومه. أدركه أبو طاهر السّلفىّ بالمراغة، وروى عنه ووصفه.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 128، ومعجم السفر للسلفى 2: 281- 282.(2/233)
438- على السّنجارىّ [1]
من آل أبى جحش. سنجارىّ نحوىّ، انحدر إلى بغداذ، وأخذ النحو عن الكمال عبد الرحمن بن الأنبارىّ، وقرأ اللغة على علىّ بن عبد الرحيم بن العصار، وكان كثير الحفظ لكلام المعرىّ؛ النثردون النظم. وكان لطيف الأخلاق، تصدّر بجامع سنجار لإفادة العربية، وقدّر له من الرزق ستون درهما فى كل شهر، وكان كثير الحفظ، حسن المحاضرة والمذاكرة، ولقى من ضيق الرزق بسنجار شدّة من نكد أهلها، وكان فى زماننا هذا.
439- على بن بشرى اللغوىّ الكاتب الصّقلىّ [2]
من أهلها المقيمين بها. كان فى النظم والنثر سابقا لا يجارى، وفى اللغة والإعراب لا يبارى، وله من الشعر قوله:
وتعجبنى الغصون إذا تثنّت ... ولا سيما وفيهنّ الثّمار
إذا ارتجت نهود فى قدود ... فقل للحلم قد ذهب الوقار
وقوله أيضا:
ملكتنى المدامة الخندريس «1» ... وغزال يرنو وطرف يميس
إنما يملك النفوس فتعصى «2» ... ناصحيها ما تشتهيه النفوس
قد ألفت الصّبا وإن لحظتنى ... فيه من عاذلى لواحظ شوس «3»
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 128
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 129، ومختصر الدرة الخطيرة الورقة 7.(2/234)
ربّ يوم لهوت فيه بأبكا ... رحسان كأنهنّ شموس
حضرتنا السّعود فيه وغابت ... عن ذرانا فلم تطرنا «1» النّحوس
للقمارى به غناء وللرو ... ض ابتسام وللغيوم عبوس
440- على بن ثروان بن زيد بن الحسن الكندىّ أبو الحسن [1]
ابن عم أبى اليمن زيد بن الحسن الكندىّ. كانت له معرفة حسنة بالأدب وبقول الشعر، وهو الذى أفاد زيد «2» بن الحسن ابن عمه، وأحضره مجالس مشايخ الأدب والرواية، ورغّبه فى ذلك، وحثّه عليه من صغره.
وأصلهم من بلد الخابور «3» . قدم بغداذ وأقام بها، وقرأ الأدب على أبى منصور ابن الجواليقىّ اللّغوى وعلى غيره، وسمع الحديث، وانتقل بعد ذلك إلى دمشق وسكنها، واستفاد الناس منه، وتقدّم عند أمرائها.
وتوفّى بدمشق قريبا من سنة خمس وستين وخمسمائة. وكان يكتب خطا صحيحا يشبه خط أبى منصور بن الجواليقى فى الجودة والصحة. رأيت بخطه كتاب الحماسة، وهو فى غاية الحسن والإتقان.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 331، وتلخيص ابن مكتوم 129- 130، وروضات الجنات 485- 486، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 142، ومعجم الأدباء 12: 275- 277.(2/235)
441- على بن جعفر بن علىّ السعدىّ الصّقلّىّ المعروف بابن القطاع اللغوىّ النحوىّ الكاتب [1]
مولده بصقلّية، فاضل ابن فاضل. ولد بصقلّية فى سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وقرأ الأدب على فضلائها كابن البرّ «1» اللغوىّ وأمثاله.
وأجاد النّحو غاية الإجادة، وصنّف التصانيف الجميلة، ورحل عن صقلّية لما أشرف على تملّكها الفرنج، ووصل إلى مصر فى حدود سنة خمسمائة. وأكرم فى الدولة المصرية. وتصدّر للإفادة والاستفادة. وقد كان نقدة المصريين يسمونه بالتساهل فى الرواية، فمن ذلك أنه لما دخل إلى مصر سئل عن كتاب الصّحاح فى اللغة للجوهرىّ، فذكر أنه لم يصل إليهم، ثم لما رأى اشتغال الطلبة به، ورغبة الناس فيه ركّب فيه طريقا فى روايته، وأخذ الناس عنه مقلدين له؛ إلا الأقل من محققى النقل فى ذلك الوقت.
وكان ذكيا، قال الشعر صبيا سنة ست وأربعين وأربعمائة، فمن شعره ما قاله فى الغزل، وأضمر اسم حمزة:
يا من «2» رمى النار فى فؤادى ... وأنبط العين بالبكاء
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 31، وبغية الوعاة 331- 332، وتلخيص ابن مكتوم 130، وحسن المحاضرة 1: 228، وخريدة القصر 11: 33- 36، وابن خلكان 1: 339- 340، وروضات الجنات 484- 485، وشذرات الذهب 4: 45- 46، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 143- 144، وكشف الظنون 133، 739، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2:
259، ومرآة الجنان 2: 212- 213، ومعجم الأدباء 12: 279- 283، والمكتبة الصقلية 415، 589، 627، 646، 676، 700.(2/236)
اسمك تصحيفه بقلبى ... وفى ثناياك برء دائى
أردد سلامى فإنّ نفسى ... لم يبق منها سوى ذماء «1»
وارفق بصبّ أتى ذليلا ... قد مزج اليأس بالرّجاء
أنهكه فى الهوى التجنّى ... فصار فى رقّة الهواء
أقام بمصر على الإفادة والتصنيف إلى أن مات بها فى حدود سنة خمس عشرة وخمسمائة.
فمن تصانيفه: كتاب تهذيب أفعال ابن القوطيّة «2» فى اللغة. كتاب شرح الأمثلة. كتاب الدّرة الخطيرة فى شعر أهل الجزيرة. كتاب المجموع الأدبى «3» له.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ نزيل الإسكندرية فى إجازته العامة؛ سمعت أبا الحسين هبة الله بن على بن الحسن الكاتب الفرضى بمصر يقول:
سمعت أبا القاسم على بن جعفر بن علىّ اللغوىّ الصّقلىّ يقول: كتب إلىّ أبو الفضل يوسف بن حسداى «4» الوزير الهارونىّ بسرقسطة من مدن الأندلس حين دخلها:
أعيذك بالله من فاضل ... أديب تداهى على صحبه
فأعرض محتقرا بزّهم ... وكلّ ينافس فى جلبه(2/237)
فلما أذاع لدينا سرائ ... ر ما كان أودع فى قلبه
جلا كل معجزة من نظيم ... لآلئه وحلى عصبه
فهل جاز سمعا ولم يلهه ... ومرّ بقلب ولم يصبه!
فأجبته مرتجلا:
بدأت بفضل أتاه الكريم ... ولا غرو منك ابتداء به
لأنك مغرى بفعل الجميل ... مهين لما عزّ فى كسبه
أتتنى أبياتك الرائقات ... بشأو بعيد على قربه
ونظم جلا النّظم فى أنقه ... وحلّى له الجدى فى قطبه
فأنطقنى حسنه واجترأت ... وقلت من الشعر فى ضربه
وعوّلت فيه على فضله ... وما خصّه الله من إربه
وذكر القاضى الموفق يوسف بن «1» الخلال كاتب الإنشاء فى الدولة القصرية بالديار المصرية أبا القاسم على بن جعفر بن على السعدىّ المعروف بابن القطاع هذا، قال:
مولده بجزيرة صقلّية سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ووفاته بمصر سنة خمس عشرة وخمسمائة.
نقل من خط الشيخ أبى القاسم على بن جعفر بن القطاع حكاية هذا معناها:
رأيت فى المنام كأنى جالس مع الفقيه عبد الرحمن بن أبى بكر السّرقوسىّ إذ دخل علينا شاب ومعه غلام أسود طوال، فسلّم وجلس، فقال له الفقيه: ما هذا العبد الأسود؟ فقال: اشتريته للخدمة، فقال له الفقيه: ما يصلح هذا للخدمة، فقال له الشاب: هذا هو المال، فقال الفقيه ارتجالا:
قد جاء عبّاد بعبد له(2/238)
ثم قال: أجز، فقلت:
فقال لى هذا هو المال
فقال الفقيه:
فقلت إن العذر فى مثله
ثم قال: أجز، فقلت:
يصعب والإنسان يحتال
فقال الفقيه:
والناس قد قالوا ومن ذا الّذى
ثم قال: أجز، فقلت:
يردّ قيل الناس إن قالوا
وانتبهت.
442- علىّ بن جعفر الكاتب أبو الحسن الفارسىّ النحوىّ الشاعر [1]
ذكره الحافظ أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور قال: «وكان من أعيان الأدباء من أهل العلم، علّقت عنه من كلامه، ولم أعرفه بالرواية. سكن نيسابور» .
443- علىّ بن الحسن التّنوخىّ النحوىّ القيروانىّ المعروف بالحروفى [2]
كان معلما يؤدّب بعض أولاد السلاطين هناك. وكان حافظا للأشعار شاعرا مقتدرا.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 131، وبغية الوعاة 332، ومعجم الأدباء 12: 277- 279.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 131، وبغية الوعاة 332، وطبقات الزبيدىّ 165.(2/239)
444- علىّ بن الحسن المعروف بعلّان النحوىّ المصرىّ [1]
كان من ذوى النظر والتدقيق فى المعانى، وكان قليل الحفظ لأصول النحو؛ فإذا حفظ الأصل تكلم عليه، وأحسن وجوّد فى التعليل، ودقّق القول ما شاء.
توفى بمصر فى شوّال سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة.
445- علىّ بن الحسن أبو الحسن الهنائىّ الأزدىّ [2]
ويعرف بكراع النمل؛ فإنه كان دميم الحلقة. كان لغويا نحويا من علماء مصر، خلط المذهبين، وأخذ عن النحويين البصريين والكوفيين، وكان إلى قول البصريين أميل، وصنّف كتبا فى اللغة، روى فيها عن أبى يوسف الأصبهانىّ عن أبى عبيد القاسم بن سلّام «1» . وكتبه فى مصر مرغوب فيها، وكذلك فى المغرب، وكان خطه حسنا صحيحا قليل الخطأ، وكان يورّق تصانيفه، لم أر له خطا فى غيرها، ورأيت جزءا من كتابه المنضد من خطه، وقد كتب فى آخره أنه أكمل وراقة وتصنيفا فى سنة تسع وثلاثمائة.
فمن تصنيفه كتاب المنضّد فى اللغة، كبير، على الحروف، ملكته. كتاب المجرّد بغير استشهاد، ملكته. كتاب المنجد فيما اتفق لفظه واختلف معناه، ملكته. كتاب الأوزان، أتى فيه باللغة على وزن الأفعال، ملكته والحمد لله.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 333، وتلخيص ابن مكتوم 131، وطبقات الزبيدىّ 151، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 147، ومعجم الأدباء 13: 18.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 33، وبغية الوعاة 333- 334، وتلخيص ابن مكتوم 131، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 146- 147، والفهرست 83، وكشف الظنون 1862، ومعجم الأدباء 13: 12- 13. والهنائى، بضم الهاء وفتح النون: منسوب إلى هناءة بن مالك بن فهم ابن غنم بن درس. قال ابن مكتوم: «كنية كراع أبو الحسن. ولقب كراع النمل لقصره» .(2/240)
446- على بن الحسن بن الحسن بن أحمد أبو أهتم بن أبى الفضل الكلابىّ الفقيه الشافعىّ المقرئ النحوىّ الفرضىّ الدمشقىّ المعروف بابن الماسح [1]
ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وقرأ القرآن بحرف ابن عامر «1» على أبى الوحش سبيع بن المسلم، «2» وقرأ على غيره بحروف كثيرة، وسمع من مشايخ زمانه، وتفقه على أبى الحسن على بن «3» المسلم ونصر الله «4» بن محمد الفقيهين، وحلّق فى المسجد الجامع بدمشق قديما.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 332، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 562) ، وتلخيص ابن مكتوم 132، والدارس 203، وطبقات الشافعية 4: 272، وطبقات ابن قاضى شهبة 2:
161- 162، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 530. وفى الدارس أن شهرته «ابن المانح» ، وذكره فى مكان آخر: باسم «ابن الماصح» .(2/241)
وكان يقرئ القرآن، ويذكر دروسا من الفقه والتفسير والنحو، وصار معيدا للفقيه أبى الحسن فى المدرسة الأمينية «1» ، ثم درس بعد فى الجامع «2» مدّة، وتولّى التدريس فى المدرسة المجاهدية «3» مدّة مديدة، وكان حريصا على الإفادة، ذا عصبية ومروءة. وكان يعرف الفرائض والمناسخات، وحدّث.
مات يوم الأحد، مستهلّ ذى الحجة سنة اثنتين وستين وخمسمائة، ودفن فى مقبرة باب الفراديس.
447- على بن الحسن بن إسماعيل بن الحسن العبدىّ المعروف بابن العلماء [1]
على بن الحسن بن إسماعيل بن الحسن بن أحمد بن معروف بن جعفر بن محمد ابن صالح بن حسان بن خضر بن معلّى بن أسد بن عمرو بن مالك بن عامر بن معاوية ابن عبد الله بن مالك بن عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز ابن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمىّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ابن معدّ بن عدنان. أبو الحسن العبدى، من أهل البصرة. يعرف بابن العلماء «4» .
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 132- 133، ومعجم الأدباء 13: 88- 90.(2/242)
شيخ فاضل، له معرفة بالأدب والعروض، وله فى ذلك مصنّفات، ويقول الشعر ويترسّل. قرأ الأدب بالبصرة على أبى على بن الأحمر وأبى العباس بن الحريرىّ، وأبى المعزّ بن أبى الدنيا، وتصدّر ببلده البصرة، وأقرأ الناس الأدب والحديث والعروض؛ ونعم الشيخ كان فضلا وثقة. ومن شعره:
شميتى أن أغضّ طرفى فى الدّا ... ر إذا ما دخلتها لصديق
وأصون الحديث أودعه صو ... نى وسرّى ولا أخون رفيقى
وله أيضا:
لا تسلك الطرق إذا أخطرت ... لو أنّها تفضى إلى المملكة
قد أنزل الله تعالى: «ولا ... تلقوا بأيديكم إلى التّهلكه»
سئل عن مولده فقال: ولدت فى شهر ربيع الأوّل من سنة أربع وعشرين وخمسمائة بالبصرة، وتوفى بها فى اليوم الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وتسعين وخمسمائة.
448- على بن الحسن بن عنتر بن ثابت أبو الحسن الحلّى الأديب [1]
يلقب شميما «1» . قدم بغداذ، وأقام مدّة يقرأ النحو على أبى محمد بن الخشاب وغيره من الأدباء؛ حتى حصل طرفا من النحو واللغة والعربية، وحفظ جملا من أشعار العرب، وقال شعرا جيدا.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 323، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 601) ، وتاريخ ابن كثير 13: 41- 42، وتلخيص ابن مكتوم 133، وابن خلكان 1: 344- 345، والذيل على الروضتين 52، وشذرات الذهب 5: 4- 6، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 162، والفلاكة والمفلوكين 90- 91، وكشف الظنون 197، 1563، 1788، والنجوم الزاهرة 6: 188، ومعجم الأدباء 13: 50- 72.(2/243)
سافر إلى الشام ومدح أمراءها، وديار بكر ومدح أكابرها، وجمع من شعره كتابا سماه الحماسة، وكان مهوّسا «1» ، ناقص الحركات، سيّئ العقيدة، يتحرّك فى مجلسه بحركات يضحك منها وهو لا يضحك، فلا يغضب من ضحك الجماعة، ويصرف ضحكهم إلى أنه يعجب منه ومن جودة ما يأتى به، إلى أمثال ذلك من السّخف فى الفعل والقول.
أخبرنى أبو البركات سعيد بن أبى جعفر الهاشمىّ الحلبىّ قال: جاءنا الشّميم إلى حلب، فدخلنا عليه مستفيدين، قال: فرأيته يوما وقد أنشد لنفسه شعرا كثّرنا الاستحسان له، فقام إلى أحد أركان المنزل، ونام على ظهره، ورفع رجليه إلى الحائط، ولم يزل يرتفع حتى صار واقفا على رأسه، ثم جاءنا وقال: هكذا يشكر الله على النعمة، وهو أن يقف الإنسان على رأسه لا على رجليه.
وقال لى ابن الحيرانىّ النحوىّ الحلبىّ: اختبرت الشّميم الحلىّ عند وروده علينا فى النحو فلم أجده قيّما به. قال: ورأيته يكتب فى خطه «الحلوىّ» ، فسألته عن ذلك، فقال: أليس تقول فى تصريفها: «حلّ حلولا» ؟ قال: فلم أردّ عليه لحمقه وخرقه، أو قال كلاما هذا معناه؛ فإننى كتبته من حفظى.
وكان قد اكتسب مالا من عطاء المرفدين له، وكان لا ينفق منه ولا يفارقه، [يضعه] فى جمدان «2» كبير له لا يزاوله.
وحكى لى ياقوت الحموىّ عتيق عسكر التاجر؛ قال لى الشّميم الحلىّ يوما- وقد خلوت به: قد أنست بفضلك وعقلك، ومعى فى هذا الجمدان بين ثيابى ستة آلاف دينار مصرية- أو قال ثلاثة آلاف دينار مصرية (الشك منى) - وقد عزمت على أنى أعطيك منها جزءا متوفرا تتجّر فيه لتجد به مرفقا، ومتى غنيت أعد إلىّ رأس المال. قال: فامتنعت من ذلك.(2/244)
وذكر لى أبو البركات سعيد الهاشمىّ قال: رأيته يوما ونحن عنده وقد جرى ذكر نصيبين ووخمها، فقال: حضرتها فى بعض أسفارى سنة، وقد وخمت واشتد وخمها، ومات أهلها، فكنت كثيرا ما أرى الجنائز وخلفها النساء ينحن؛ فأصغيت إليهن، فلم يعجبنى قولهن، فصنّفت لهن نواحا ينحن به. ثم قام على قدميه وأمرنا بالقيام، ووقف على صفّة ونحن فى وسط القاعة وقال: قولوا كما أقول، والطموا على خدودكم كما ألطم، فأجبناه إلى ذلك، فقال:
بسّى نقوعك وبسّى حبّ رمّانك ... كم تحملين الدوا قد كلّت اقدامك
بسّى نقوعك وبسّى تمر هنديك ... كم تعملين الدوا قد كلّت ايديك
قال: وأخذ يلطم على خدّيه، ونحن نشير إلى خدودنا بمثل ذلك.
وأخبرنى العماد بن السابق الكتبىّ بحلب قال: أخبرنى أبو الخطاب بن دحية المغربىّ قال: ما رأيت أكفر من شميم؛ فإننى اجتمعت به وذاكرته، فقال: قد قيل فى «الدهده» كذا، وتلا آية من القرآن؛ فقلت: ما معنى قولك الدهده؟
فقال: الدهده فى كلام العرب: الهذيان (تعالى الله عما يقول علوا كبيرا) ومن شعره:
لا تسرحنّ الطرف فى بقر المها ... فمصارع الآجال فى الآجال «1»
كم نظرة أردت وما أخذت يد ال ... مصمى «2» لمن قتلت أداة قتال
سنحت وما سمحت بتسليم، وإق ... لال التحية فعلة المغتال
أضللت قلبى عندهنّ ورحت أن ... شده بذات الضّال «3» ضلّ «4» ضلالى(2/245)
ألوى بألوية العقيق على الطّلو ... ل مسائلا من لا يجيب سؤالى «1»
تربت يدى فى مقصدى من لا يدى ... قودى وأولى لى بها أولى لى «2»
يا قاتل الله الدّمى»
كم من دم ... أجرين حلّا كان غير حلال
أثّلن ذلّ اليتم فى الأشبال ... وفتكن بالآساد فى الأغيال «4»
ونفرن حين ذكرت إقبالى ولو ... أنى نفرت لكان من إقبالى
لكن أبى رعيى ذمام الحبّ أن ... أولى الوفاء قطيعة من قال «5»
وكان إذا حصل له من يقوم به أقام عنده، وسكن إلى ذلك، حافظا لما معه من المال، غير منفق منه بخلا به.
واتفق أنه دخل الموصل، وعلم به رجل ورّاق يعرف بابن الحدوس البقال، وتحقق ما معه من المال، وأنزله فى مسجد له، وقام به إلى أن توفى وفاز بموجوده، وغفلت عنه الظلمة فى المطالبة به. وقيل: إنه ظهر ذلك فى ثروته.
وكانت وفاته بالموصل فى العشر الأخير من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وستمائة «6» .(2/246)
449- على بن الحسن بن الوحشىّ الموصلىّ النحوىّ [1]
أنبأنا أبو طاهر السلفىّ فى إجازته العامة، أنشدنى أبو الفرج هبة الله بن محمد ابن المظفر بن الحدّاد الكاتب بثغر آمد، قال: أنشدنى أبو الفتح على بن الحسن ابن الوحشىّ الموصلىّ النحوىّ لنفسه فى بكائه على الربع «1» :
لا تلحنى فى بكائيه فساكنه ... لم ألفه هاجرى يوما فأهجره
450- على بن الحسين الضرير النحوىّ الأصبهانىّ المعروف بجامع العلوم [2]
سجع له بعض الفضلاء «2» فقال فى وصفه: «هو فى النحو والإعراب كعبة لها أفاضل العصر سدنة، وللفضل فيه بعد خفائه أسوة حسنة» .
«قال لى عمر بن قشام الحلبىّ: أخبرنى الصفىّ الحنفىّ الأصبهانىّ نزيل همذان وصاحب الطريقين أنه والده- يعنى جامع العلوم- ولا عجب أن يكون فضل الصفىّ، من ذلك المنهل الروىّ» .
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 333، وتلخيص ابن مكتوم 132، ومعجم الأدباء 13: 32- 32،
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 33، وتلخيص ابن مكتوم 133، وكشف الظنون 263، ومعجم الأدباء 13: 164- 166، ونكت الهميان 211.(2/247)
وكان جامع العلوم هذا قد سيّر إلى خراسان يسأل عن معنى بيت شعر من شعر الفرزدق «1» وهو:
وليست خراسان التى كان خالد ... بها أسد «2» إذ كان سيفا أميرها
فلم يبق فاضل من فضلاء خراسان إلا وكتب لهذا البيت شرحا.
وكان تسيير هذا البيت إلى خراسان من جهة جامع العلوم فى شهور سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. وهذا البيت قد اختلف النحاة فى معناه وإعرابه، فذكره ابن جنّى فى خصائصه «3» ، وابن فضّال المجاشعىّ فى السيرة، وسأذكر له آخر الترجمة ما قاله جمهور النحاة فيه، وما يقتضيه التحقيق من معناه إن شاء الله.
فأما هذا الإمام جامع العلوم؛ فإنه استدرك على أبى علىّ الفارسىّ، وعلى عبد القاهر الجرجانىّ. وله شرح اللمع، عجيب المأخذ، قد حصر فيه الأصول(2/248)
وما تفرّع عليها، وهو غاية فى الإفادة والإيجاز. وله غير ذلك من التصانيف «1» فى العربية؛ من وقف عليها علم فضله. وله شعر منه:
أحبب النحو من العلم فقد ... يدرك المرء به أعلى الشّرف
إنّما النحوىّ فى مجلسه ... كشهاب ثاقب بين السدف
يخرج القرآن من فيه كما ... تخرج الدّرة من بين الصّدف
451- على بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب أبو القاسم العلوىّ [1]
يلقب المرتضى ذا المجدين. وكانت إليه نقابة الطالبيين، وكان شاعرا مشتهرا كثير الشعر، يعرف النحو واللغة، وله تصانيف فى علم الكلام على مذهب الشيعة.
روى عن جماعة من النحاة العلماء، وروى عنه. وكتابه المسمى بالغرر والدّرر «2» - وهى مجالس أملاها، تشتمل على فنون من معانى الأدب، تكلم فيها على النحو
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 335- 336، وتاريخ ابن الأثير 8: 40- 41، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 436) ، وتاريخ بغداد 12: 402- 403، وتاريخ أبى الفداء 2:
2: 167، وتاريخ ابن كثير 12: 53، وتتمة اليتيمة 1: 53- 56، وتلخيص ابن مكتوم 134- 135، وجمهرة الأنساب لابن حزم 56، 57، وابن خلكان 1: 336- 338، ودمية القصر 75- 76، وروضات الجنات 387، وشذرات الذهب 3: 256- 258، وكشف الظنون 748، 794، 1991- 912، ولسان الميزان 4: 223- 224، ومرآة الجنان 3: 55- 57، ومعجم الأدباء 13: 146- 157، والمنتظم (وفيات سنة 436) ، والنجوم الزاهرة 5: 39.(2/249)
واللغة وغير ذلك- كتاب ممتع، يدلّ على فضل كثير، وتوسع فى الاطلاع على العلوم. وشعره عدّة مجلدات «1» .
مولده سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، ومات فى يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الأوّل سنة ست وثلاثين وأربعمائة، ودفن فى داره عشية ذلك اليوم «2» .(2/250)
452- على بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم أبو الفرج الأصبهانى [1]
على بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله ابن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبى العاص؛ أبو الفرج الأموىّ الكاتب المعروف بالأصبهانىّ الأخبارىّ النحوىّ اللغوىّ الشاعر.
روى عن عالم من العلماء يطول تعدادهم، وكان عالما بأيام الناس والأنساب والسيرة، وكان شاعرا محسنا.
قال التّنوخىّ «1» : ومن الرواة المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج على بن الحسين الأصبهانىّ؛ فإنه كان يحفظ من الشعر والأغانى والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لم أر قط من يحفظ مثله. وكان شديد الاختصاص بهذه الأشياء، ويحفظ دون ما يحفظ منها من علوم أخر؛ منها اللغة والنحو والخرافات والسيرة والمغازى، ومن آلة المنادمة شيئا كثيرا؛ مثل علم الجوارح والبيطرة، ونتفا من الطب والنجوم والأشربة وغير ذلك.
__________
[1] ترجمته فى تاريخ ابن الأثير 7: 25، وتاريخ أصبهان 1: 22، وتاريخ بغداد 11:
398- 400، وتاريخ أبى الفدا 2: 108، وتاريخ ابن كثير 11: 263، وتلخيص ابن مكتوم 135، وجمهرة الأنساب لابن حزم 98- 99، وابن خلكان 1: 334- 335، وروضات الجنات 487، وشذرات الذهب 3: 19- 20، وعيون التواريخ (وفيات سنة 356) ، والفهرست 115، وكشف الظنون 26، 129، 130، 161، 204، 419؛ 756، 1951، ولسان الميزان 4: 221- 222، ومرآة الجنان 2: 359- 360، ومعجم الأدباء 13:
94- 146، والمنتظم (وفيات سنة 356) ، وميزان الاعتدال 2: 200- 201، والنجوم الزاهرة 4: 15- 16، ويتيمة الدهر 3: 96- 100.(2/251)
وصنف كتبا كثيرة؛ منها كتاب الأغانى الكبير «1» ، ومقاتل الطالبيّين «2» ، وأخبار الإماء الشواعر، وكتاب الحانات، وكتاب الديارات، وآداب الغرباء، وكتاب القيان.
وحصل له ببلاد الأندلس كتب قد صنفها لبنى أمية المقيمين بها هناك، وسيّرها إليهم سرا، وجاءه الإنعام والعطاء سرّا أيضا، منها كتاب نسب بنى عبد شمس. كتاب أيام العرب؛ فيه ألف وسبعمائة يوم. كتاب التعديل والانتصاف فى مآثر العرب ومثالبها. كتاب جمهرة النسب. كتاب نسب بنى شيبان. كتاب نسب المهالبة. كتاب نسب بنى تغلب. كتاب نسب بنى كلاب. كتاب الغلمان المغنين. كتاب مجرّد الأغانى «3» .
قال أبو الفرج على بن الحسين بن محمد الأصبهانى: بلغ أبا الحسن «4» جحظة أن مدرك بن محمد الشيبانى الشاعر ذكره بسوء فى مجلس كنت حاضره، فكتب إلىّ:(2/252)
أبا فرج أهجى لديك ويعتدى ... علىّ فلا تحمى لذاك وتغضب!
لعمرك ما أنصفتنى من مودّتى ... فكن معتبا إن الأكارم تعتب «1»
فكتب إليه:
عجبت لما بلّغت عنّى باطلا ... وظنّك بى فيه لعمرك أعجب
ثكلت إذا نفسى وعزّى وأسرتى ... بفقدى ولا أدركت ما كنت أطلب
فكيف بمن لا حظّ لى فى لقائه ... وسيّان عندى وصله والتجنّب
فثق بأخ أصفاك محض مودّة ... تشاكل منها ما بدا والمغيّب
وكان أبو الحسن البستىّ يقول: لم يكن أحد أوثق من أبى الفرج.
قال أبو نعيم الحافظ الأصبهانىّ: «توفّى أبو الفرج على بن الحسين الاصبهانىّ الكاتب ببغداذ فى سنة سبع وخمسين وثلاثمائة» .
وقال محمد بن أبى الفوارس «2» : «توفى أبو الفرج الأصبهانىّ الكاتب يوم الأربعاء لأربع عشرة خلون من ذى الحجة سنة ست وخمسين وثلاثمائة. ومولده سنة أربع وثمانين ومائتين. وكان قبل أن يموت خلط. وكان أمويا، وكان يتشيّع، وهذا القول هو الصحيح فى وفاته، والله أعلم.(2/253)
453- على بن الحسين بن بلبل النحوىّ العسقلانى أبو الحسن [1]
أستاذ كبير الشأن فى علم العربية، أخذ النحو عن علىّ بن عيسى بن الفرج النحوىّ صاحب أبى علىّ الفارسىّ، وتصدّر للإقراء بعسقلان «1» ، فاستفاد منه الطلبة، ونبغ له عدّة أصحاب، أهل فضل وأدب، وله شعر أجود من شعر النحاة، منه قوله فى محبوب أزرق العينين:
قدّك كالذابل حسنا وفى ... طرفك ما فى طرف الذّابل
أزرق كالأزرق يوم الوغى ... كلاهما يوصف بالقاتل
ومن شعره:
شعر الذؤابة والعذار ... قاما بعذرى واعتذارى
بأبى الذى فى خدّه ... ماء الصّبا «2» ولهيب نار
سكرت لواحظه وقل ... بى ما يفيق من الخمار «3»
عابوا امتهانى «4» فى الهوى ... حتى كأنّى باختيارى
ومن الصواب- وها عذا ... رى شائن- خلع العذار
ومن شعره:
أيا راحتى ما إن أرى لك راحة ... فلا «ليتنى» تجدى علىّ ولا «علّى»
وله فى أسنانه، وقد شرعت تتقلع أوّل أوّل:
كلّ يوم لى سنّ ... آذنتنا برحيل
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 335، وتلخيص ابن مكتوم 134- 135.(2/254)
لى فم أصبح بعد ال ... أنس كالرّبع المحيل
طال عمرى والذى أك ... ره فى العمر الطويل
وله فى ابن حباب:
تعرف فى وجهه إذا ما ... رأيته نضرة النعيم
كأنما خدّه حباب «1» ... بتّ له ليلة السليم
ولى غريم لوى ديونى ... ليت غرامى على غريمى
454- على بن حازم اللّحيانى [1]
وقيل على بن المبارك. لغوىّ مذكور، وأخذ عنه العلماء. عاصر الفرّاء وتصدّر فى أيامه، وكان إذا دخل على الفرّاء وهو يملى كتابه النوادر أمسك الفرّاء عن الإملاء حتى يخرج اللّحيانى، فإذا خرج قال: هذا أحفظ الناس للنوادر.
وللحيانىّ كتاب فى النوادر حسن جليل، وأخذ عنه القاسم بن سلّام.
455- على بن حبيب اللغوىّ الصّقلّىّ أبو الحسن [2]
من أهلها المقيمين بها، أحد رجال اللغة المعدودين والعلماء بها المبرزّين، وممن تناول المرمى البعيد بقريب فهمه، وأوضح المهمات بنور علمه، وكان مضطلعا بنقد الشعر ومعانيه، ناهضا بأعباء الغريب ومبانيه؛ فمن شعره:
أهاب الكأس أشربها وإنّى ... لأجرأ من أسامة فى النّزال
أراوغها مراوغة كأنّى ... ألاقى عند ذاك شبا العوالى
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 346، وتلخيص ابن مكتوم 136، وتهذيب اللغة للأزهرى 10، وطبقات الزبيدى 135، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 144، ومراتب النحويين 144، والمزهر 2: 410، ومعجم الأدباء 14: 106- 108، ونزهة الألباء 235- 237، واللحيانى: منسوب إلى بنى لحيان بن هذيل. وقيل سمى اللحيانى لعظم لحيته.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 136.(2/255)
456- على بن حمزة أبو الحسن الأسدىّ المعروف بالكسائىّ النحوىّ [1]
أحد الأئمة القراء من أهل الكوفة. استوطن بغداذ. كان الكسائى من أهل باحمشا «1» ، ودخل الكوفة وهو غلام، وكان يعلّم بها الرشيد ثم الأمين من بعده.
وكان قد قرأ على حمزة الزيات «2» ، فأقرأ زمانا بقراءة حمزة، ثم اختار لنفسه قراءة فأقرأ الناس بها، وقرأ عليه بها خلق كثير ببغداذ وبالرّقة وغيرهما من البلاد وحفظت عنه.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 33- 34، والأنساب 482 ا- 482 ب، وبغية الوعاة 336- 337، وتاريخ بغداد 11: 403- 415، وتاريخ أبى الفدا 2: 17، وتاريخ ابن كثير 11: 201- 202، وتلخيص ابن مكتوم 137- 139، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 7- 8، وابن خلكان 1: 330- 331، وروضات الجنات 471، وشذرات الذهب 1: 321، وطبقات الزبيدى 88- 91، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 147- 154، وطبقات القرّاء 1: 535- 540، وطبقات المفسرين للداودى 169 ب، 171 ا، وعيون التواريخ (وفيات 189) ، والفهرست 29، 30، 65، 66، وكشف الظنون 1730، واللباب فى الأنساب 3: 40، ومراتب النحويين 120- 122، ومرآة الجنان 1: 421- 422، والمزهر 2: 407، 419، 423، 463، والمعارف لابن قتيبة 237، ومعجم الأدباء 13: 167- 203، ومعجم البلدان 2: 28، 4: 293، والنجوم الزاهرة 2: 130، ونزهة الألباء 81- 94.(2/256)
وصنف معانى القرآن، والآثار فى القراءات. وكان قد سمع من سليمان بن أرقم «1» وأبى بكر بن عياش «2» ومحمد بن عبيد الله العرزمىّ «3» وسفيان «4» بن عيينة، وغيرهم.
روى عنه أبو توبة ميمون بن حفص «5» وأبو زكريا الفرّاء وأبو عبيد القاسم ابن سلّام وأبو عمر حفص بن عمر «6» الدّورىّ، وجماعة.
قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولىّ: على بن حمزة الكسائىّ، هو على بن حمزة ابن عبد الله بن بهمن بن فيروز، مولى بنى أسد.
قال الفرّاء: إنما تعلّم الكسائىّ النحو على الكبر؛ وكان سبب تعلّمه أنه جاء يوما وقد مشى حتى أعيا، فجلس إلى الهبّاريّين- وكان يجالسهم كثيرا- فقال:
قد عيّيت، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن! قال: كيف لحنت؟ قالوا له:
إن كنت أردت من التعب، فقل: «أعييت» ، وإن كنت تريد من انقطاع(2/257)
الحيلة فقل: «عييت» (مخفّفة) . فأنت من هذه الكلمة لحنت «1» . ثم قام من فوره ذلك يسأل عمن يعلّم النحو، فأرشدوه إلى معاذ الهراء «2» ، فلزمه حتى أنفد ما عنده.
ثم خرج إلى البصرة، فلقى الخليل وجلس فى حلقته، فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندهما الفصاحة، وجئت إلى البصرة! فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال: من بوادى الحجاز ونجد وتهامة.
فخرج [ورجع] «3» وقد أنفذ خمس عشرة قنّينة حبر فى الكتابة عن العرب سوى ما حفظ. فلم يكن له همّ غير البصرة والخليل، فوجد الخليل قد مات، وقد جلس موضعه يونس النحوىّ، فمرت بينهم مسائل أقرّ له يونس فيها موضعه وصدّره.
وسئل: لم سميت الكسائىّ؟ فقال: لأنى أحرمت فى كساء. وقد قيل:
إنه دخل الكوفة، فجاء إلى مسجد السّبيع- وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرئ فيه- فتقدّم الكسائىّ مع أذان الفجر؛ فجلس وهو ملتفّ بكساء من البرّكان «4» الأسود، فلما صلّى حمزة قال: من تقدّم فى الوقت يقرأ؟ قيل له: الكسائىّ أوّل من تقدّم- يعنون صاحب الكساء- فرمقه القوم بأبصارهم، وقالوا: إن كان حائكا فسيقرأ «سورة يوسف» ، وإن كان ملّاحا فسيقرأ «سورة طه» ، فسمعهم فابتدأ بسورة يوسف، فلما بلغ إلى قصّة الذئب، قرأ: (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)
«5» بغير همز، فقال له حمزة الزيّات: [الذّئب] «6» بالهمز، فقال له الكسائىّ: وكذلك أهمز الحوت (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ)
«7» ؟ قال: لا. قال: فلم همزت «الذّئب» ولم تهمز(2/258)
«الحوت» وهذا (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)
وهذا (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ)
؟ فرفع حمزة بصره إلى خلّاد الأحول «1» - وكان أجمل غلمانه- فتقدّم إليه فى جماعة من أهل المجلس فناظروه، فلم يصنعوا شيئا. فقالوا: أفدنا- رحمك الله! فقال لهم الكسائىّ: تفهّموا عن الحائك؛ تقول إذا نسبت الرجل إلى الذّئب:
قد استذأب الرجل، ولو قلت: قد استذاب- بغير همز- لكنت إنما نسبته إلى الهزال، تقول: قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه (بغير همز) ، فإذا نسبته إلى الحوت [تقول: قد استحات الرجل أى كثر أكله، لأن الحوت «2» ] يأكل كثيرا، ولا يجوز فيه الهمز. فلهذه العلة همز الذئب، ولم يهمز الحوت. وفيه معنى آخر: لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جمعه، وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندى من أذؤب ضاريات
قيل: فسمّى الكسائىّ من ذلك اليوم.
وكان السبب فى اتصاله بالرشيد أنه كان عند المهدىّ مؤدّب يؤدّب الرشيد.
فدعا المهدىّ به يوما وهو يستاك، فقال له: كيف تأمر من السّواك؟ فقال:
«استك» يا أمير المؤمنين. فقال المهدىّ: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)
«3» ! ثم قال:
التمسوا لنا من هو أفهم من ذا. فقالوا: رجل يقال له علىّ بن حمزة الكسائىّ من أهل الكوفة، قدم من البادية قريبا. فكتب بإشخاصه من الكوفة. فساعة دخل عليه قال: يا علىّ بن حمزة، ما تأمر من السواك؟ قال: سك «4» يا أمير المؤمنين.
قال: أحسنت وأصبت. وأمر له بعشرة آلاف درهم.(2/259)
وذكر أن أبا يوسف القاضى «1» كان يقع فى الكسائىّ ويقول: أيش يحسن! إنما يحسن شيئا من كلام العرب. فبلغ الكسائى ذلك. فالتقيا عند الرشيد- وكان الرشيد يعظّم الكسائىّ لتأديبه إياه- فقال لأبى يوسف يا يعقوب: بأيش تقول فى رجل قال لامرأته: أنت طالق طالق طالق؟ قال: واحدة. قال: فإن قال لها: أنت طالق أو طالق أو طالق. قال: واحدة. قال: فإن قال لها: أنت طالق ثم طالق ثم طالق. قال: واحدة. قال: فإن قال لها: أنت طالق وطالق وطالق. قال: واحدة. قال [الكسائى] «2» : يا أمير المؤمنين، أخطأ يعقوب فى اثنتين وأصاب فى اثنتين.
أما قوله: طالق طالق طالق، فواحدة؛ لأن الثانيتين تأكيد؛ كما تقول: أنت قائم قائم قائم، وأنت كريم كريم كريم. وأما قوله: أنت طالق أو طالق أو طالق فهذا شكّ، وقعت فى الأولى التى تتيقّن. وأما قوله: طالق ثم طالق ثم طالق، فثلاث؛ لأنها نسق، وكذلك طالق وطالق وطالق.
وقال الشافعىّ رضى الله عنه: من أراد أن يتبحّر فى النحو فهو عيال على الكسائىّ.
وقال أبو حاتم سهل بن محمد السّجستانىّ: ورد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر فى عمّال السلطان بالبصرة أبرع منه، فدخلت مسلّما عليه، فسألنى: من(2/260)
علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزّيادىّ «1» أعلمنا بعلم الأصمعىّ، والمازنىّ «2» أعلمنا بالنحو، وهلال «3» الرأى أفقهنا، والشاذكونىّ «4» من أعلمنا بالحديث، وأنا- رحمك الله- أنسب إلى علم القرآن، وابن الكلبىّ «5» من أكتبنا للشروط. قال: فقال لكاتبه: إذا كان الغداة فاجمعهم إلىّ. قال: فجمعنا إليه، فقال: أيكم المازنىّ؟
قال أبو عثمان: هأنذا- يرحمك الله- قال: هل يجزئ فى كفّارة الظّهار «6» عتق عبد أعور؟ فقال المازنىّ: فلست صاحب فقه- يرحمك الله- إنما أنا صاحب عربية.
فقال: يا زيادىّ، كيف تكتب بين رجل وامرأة خالعها «7» على الثلث من صداقها؟ قال: ليس هذا من علمى، هذا من علم هلال الرأى.(2/261)
قال: يا هلال، كم أسند «1» ابن عون «2» عن الحسن؟ «3» قال: ليس هذا من علمى، هذا من علم الشاذكونىّ.
قال: يا شاذكونىّ من قرأ: (تثنونى صدورهم) «4» ؟ قال: ليس هذا من علمى، هذا من علم أبى حاتم.
قال: يا أبا حاتم، كيف تكتب كتابا إلى أمير المؤمنين [تصف] «5» فيه خصاصة «6» أهل البصرة وما أصابهم فى الثمرة، وتسأله لهم النّظر والنّظرة؟ فقال:
لست- يرحمك الله- صاحب بلاغة وكتابة، أنا صاحب قرآن.
فقال: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة ولا يعرف إلّا فنّا واحدا، حتى إذا سئل عن غيره لم يحل فيه ولم يمرّ! ولكنّ عالمنا بالكوفة الكسائىّ لو سئل عن كلّ هذا لأجاب.
قال الكسائىّ: صلّيت بهارون الرشيد فأعجبتنى قراءتى، فغلطت فى آية ما أخطأ فيها صبىّ قط؛ أردت أن أقول: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
«7» ، فقلت: لعلهم «يرجعين» . قال: فو الله ما اجترأ هارون أن يقول لى: أخطأت؛ ولكنه لما(2/262)
سلّمت قال لى: يا كسائىّ، أىّ لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد. فقال: أمّا هذا فنعم! قال خلف «1» : كان الكسائىّ إذا كان شعبان وضع له منبر فقرأ هو على الناس فى كلّ يوم نصف سبع «2» ؛ يختم ختمتين فى شعبان، وكنت أجلس أسفل المنبر، فقرأ يوما فى سورة الكهف: (أنا أكثر) «3» [فنصب «أكثر» «4» ] فعلمت أنه قد وقع فيه، فلما فرغ أقبل الناس يسألونه عن العلة فى (أكثر) لم نصبه؟ فثرت «5» فى وجوههم: إنه أراد فى فتحه أقلّ (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا)
«6» . فقال الكسائىّ (أَكْثَرُ)
، فمحوه من كتبهم. ثم قال لى: يا خلف، يكون أحد من بعدى يسلم من اللحن؟ قال: قلت: لا؛ إنما إذا لم تسلم منه أنت، فلم يسلم منه أحد بعدك، قرأت القرآن صغيرا، وأقرأت الناس كبيرا، وطلبت الآثار فيه والنحو.
وقال الفرّاء: سمعت الكسائىّ يقول: ربما سبقنى لسانى باللحن فلا يمكننى أن أردّه. أو كلاما نحو هذا.
واجتمع الكسائىّ واليزيدىّ «7» عند الرشيد فحضرت صلاة يجهر فيها، فقدّموا الكسائىّ يصلّى، فأرتج عليه قوله: (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)
فلما سلّم قال اليزيدىّ:
قارئ أهل الكوفة يرتج عليه (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)
! فحضرت صلاة يجهر فيها فقدّموا اليزيدىّ فأرتج عليه فى سورة «الحمد» فلما سلّم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ... «إن البلاء موكّل بالمنطق» «8»(2/263)
قال الفرّاء: قال لى قوم: ما اختلافك إلى الكسائىّ وأنت مثله فى العلم؟
فأعجبتنى نفسى فناظرته وزدت؛ فكأنى كنت طائرا أشرب من بحره.
قال خلف: أولمت وليمة، فدعوت الكسائىّ واليزيدىّ، فقال اليزيدىّ للكسائىّ: يا أبا الحسن، أمور تبلغنا وحكايات تتصل بنا، ننكر بعضها. فقال الكسائىّ: أمثلى يخاطب بهذا! وهل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقى هذا! ثم بصق. فسكت اليزيدىّ.
قال أبو بكر الأنبارىّ: اجتمعت للكسائىّ أمور لم تجتمع لغيره؛ فكان واحد الناس فى القرآن يكثرون الأخذ عنه؛ حتى لا يضبط الأخذ عليهم. فيجمعهم ويجلس على كرسى، ويتلو القرآن من أوّله إلى آخره وهم يسمعون؛ حتى كان بعضهم ينقط المصاحف على قراءته، وآخرون يتبعون مقاطعه ومبادئه فيرسمونها فى ألواحهم وكتبهم. وكان من أعلم الناس بالنحو وواحدهم فى الغريب.
قال الكسائىّ: بعد ما قرأت القرآن على الناس رأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فى المنام، فقال لى: أنت الكسائىّ؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: علىّ ابن حمزة؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: الذى أقرأت أمتى بالأمس القرآن؟
قلت: نعم يا رسول الله. قال: فاقرأ علىّ، قال: فلم يتأتّ على لسانى إلا:
(وَالصَّافَّاتِ)
، فقرأت عليه: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) .
فقال: أحسنت، ولا تقل (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا)
نهانى عن الإدغام، ثم قال لى:
اقرأ، فقرأت حتى انتهيت إلى قوله تعالى: (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ)
فقال: أحسنت ولا تقل (يَزِفُّونَ)
«1» ثم قال: فلأباهيّن بك- شكّ الكسائىّ- القرّاء أو الملائكة.(2/264)
واجتاز الكسائىّ بحلقة يونس بالبصرة- وكان شخص مع المهدىّ إليها- فاستند إلى أسطوانة تقرب من حلقته، فعرف يونس مكانه، فقال: ما تقول فى قول الفرزدق «1» :
غداة أحلّت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات «2» السّدائف والخمر «3»
على أىّ شئ رفع «الخمر» ؟ فأجاب الكسائىّ. فقال يونس: أشهد أن الذين رأسوا رأّسوك باستحقاق.
وقال القعقاع المقرئ: كنت عند الكسائىّ، فأتاه أعرابىّ فقال: أنت الكسائىّ؟ قال: نعم، قال (كَوْكَبٌ)
«4» ماذا؟ قال: (دُرِّيٌّ)
، و (درّىّ) و (درّئ) . فالدّرىّ يشبّه بالدّرّ، والدّرىّ جار، والدّرّئ «5» يلمع، قال:
ما فى العرب أعلم منك.
قال أبو عمر الدّورىّ «6» : قرأت هذا الكتاب- معانى الكسائىّ- فى مسجد السوّاقين ببغداذ على أبى مسحل وعلى الطّوال وعلى سلمة وجماعة، فقال أبو مسحل: لو قرئ هذا الكتاب عشر مرات لاحتاج من يقرؤه أن يقرأه.(2/265)
قال الفرّاء: لقيت الكسائىّ يوما فرأيته كالباكى، فقلت له: ما يبكيك؟
فقال: هذا الملك يحيى «1» بن خالد، يوجّه إلىّ فيحضرنى، فيسألنى عن الشئ؛ فإن أبطأت فى الجواب لحقنى منه عتب، وإن بادرت لم آمن الزلل. قال:
فقلت له ممتحنا: يا أبا الحسن، من يعترض عليك! قل ما شئت، فأنت الكسائى.
فأخذ لسانه بيده وقال: قطعه الله إذا إن قلت ما لا أعلم! قال أبو عمر الدّورىّ: لم يغيّر الكسائىّ شيئا من حاله مع السلطان إلا لباسه قال: فرآه بعض علماء الكوفيين وعليه جربّانات «2» عظام، فقال له: يا أبا الحسن، ما هذا الزّىّ؟ فقال: أدب من أدب السلطان، لا يثلم دينا، ولا يدخل فى بدعة، ولا يخرج عن سنّة.
وذكر ابن أبى طاهر أنّ الكسائىّ النحوىّ كتب إلى الرشيد بهذه الأبيات،- وهو يؤدّب ولده محمدا- واحتاج إلى التزويج:
قل للخليفة ما تقول لمن ... أمسى إليك بحرمة يدلى
ما زلت مذ صار الأمين معى ... عبدى يدى ومطيّتى رجلى
وعلى فراشى من ينّبهنى ... من نومتى وقيامه قبلى
أسعى برجل منه ثالثة ... موقورة منّى بلا رحل
وإذا ركبت أكون مرتدفا ... قدام سرجى راكبا مثلى
فامنن علىّ بما يسكّنه ... عنى وأهد الغمد للنّصل
فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم وجارية حسناء بآلتها وخادم معه برذون بسرجه ولجامه.(2/266)
قلت: وهذا من الكسائىّ قبيح من وجوه: أحدها: «يدلى» لفظة قبيحة ولا سيّما فى هذه الحالة التى تعرّض لوصفها، ثم كونه ناط هذا الأمر بكون الأمين معه تغفّل، وقبيح معناه المفهوم منه: إذا رأى الأمين تحرّكت جوارحه؛ وهذا فى غاية الشّناعة. ووصف نفسه بالشّبق ردئ جدّا لمن يروم التعليم أو مقابلة الخليفة، ووصف كبر قمدّه وشدّة انتصابه أردأ وأقبح، ثم سؤاله عمّن يسكّنه عنه؛ إنما يسأل مثل هذا العرّ من يقود العاهرات. فسبحان من أذهب رشده فى هذه الصورة «1» ! ومن شعر الكسائىّ فى وصف النحو:
إنما النحو قياس يتّبع ... وبه فى كلّ أمر ينتفع
فإذا ما أبصر النحو الفتى ... مرّ فى المنطق مرّا فاتسع
فاتقاه كلّ من جالسه ... من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر النحو الفتى ... هاب أن ينطق جبنا فانقطع
فتراه ينصب الرفع وما ... كان من نصب ومن خفض رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما ... صرّف الإعراب فيه وصنع
والذى يعرفه يقرؤه ... وإذا ما شكّ فى حرف رجع
ناظرا فيه وفى إعرابه ... فإذا ما عرف اللحن صدع
فهما فيه سواء عندكم ... ليست السّنّة منا كالبدع
كم وضيع رفع النحو وكم ... من شريف قد رأيناه وضع
قال الكسائىّ: وقفت على نجار فقلت: بكم هذان البابان؟ فقال:
بسلحتان، فحلفت ألّا أكلم عامّيا إلا بما يصلح.(2/267)
مات الكسائىّ- رحمه الله- فى صحبة الرشيد ببلد الرّىّ فى سنة ثمانين ومائة.
وقيل فى سنة ثلاث وثمانين ومائة. وفيها مات محمد بن الحسن «1» . وقال ثعلب:
ماتا فى يوم واحد، ودفنهما الرشيد بقرية اسمها رنبويه «2» . وقال: اليوم دفنت الفقه والنحو؛ فرثاهما اليزيدىّ «3» فقال فيهما:
تصرّمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة سيبيد
سيفنيك ما أفنى القرون التى مضت ... فكن مستعدا فالفناء عتيد
أسيت على قاضى القضاة محمد ... فأذريت دمعى والفؤاد عميد
وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا ... بإيضاحه يوما وأنت فقيد!
وأوجعنى موت الكسائىّ بعده ... وكادت بى الأرض الفضاء تميد
وأذهلنى عن كل عيش ولذّة ... وأرّق عينى والعيون هجود
هما عالمان أوديا وتخرّما ... وما لهما فى العالمين نديد
قال الفراء: لما صار الكسائى إلى رنبويه، وهو مع الرشيد فى سفره إلى خراسان اعتلّ فتمثّل «4» :(2/268)
قدر أحلّك ذا النّجيل «1» وقد أرى ... - وأبىّ «2» - مالك ذو النّجيل بدار «3»
إلّا كداركما بذى بقر «4» الحمى ... هيهات ذو بقر من المزدار «5»
وبها مات. ويقال: بل مات بطوس هو ومحمد بن الحسن. ولما رجع الرشيد إلى العراق قال: خلفت الفقه والنحو برنبويه. وقيل: إنهما توفيا فى سنة تسع وثمانين، وبلغ عمره سبعين سنة.
قال أبو مسحل عبد الوهاب بن حريش: رأيت الكسائىّ فى النوم فقلت:
ما فعل الله بك؟ قال: غفر لى بالقرآن. قلت: ما فعل حمزة الزيات وسفيان الثورىّ؟ قال: فوقنا، ما نراهم إلا كالكوكب الدّرّى. قال محمد بن يحيى:
فلم يدع قراءته حيا ولا ميتا.
وحضر الكسائىّ حلقة يونس بالبصرة؛ فقال الكسائىّ ليونس: لم نصبت «حتّى» الفعل المستقبل؟ فقال له يونس: هذا حالها من يوم خلقت. فضحك منه الكسائىّ.
ولقى الرشيد الكسائىّ يوما فى بعض طرقه، فوقف عليه وسأله عن حاله فقال له الكسائىّ: لو لم أجتن من ثمرة الأدب إلا ما وهبه الله لى من وقوف أمير المؤمنين علىّ لكان كافيا.(2/269)
وذكر أن الكسائىّ والفراء لم يقولا شعرا قطّ. وكان الكسائىّ فصيح اللسان، يتكلّم ولا يخيّل إليه أن يعرب عبارته، وهو يعرب.
وذكر محمد بن إسحاق النديم الكسائى فقال:
«هو أبو الحسن على بن حمزة بن عبد الله بن عثمان- وقيل بهمن- بن فيروز. وقيل يكنى بأبى عبد الله. كوفىّ أخذ عن الرّؤاسىّ وعن جماعة. وقدم بغداد، فضمه الرشيد إلى ولديه المأمون والأمين «1» » .
«ولما اشتدّت علة الكسائىّ بالرّى جعل الرشيد يدخل إليه يعوده دائما.
فسمعه يوما ينشد هذين البيتين:
قدر أحلّك ذا النّجيل وقد أرى ... - وأبيك- مالك ذو النّجيل بدار
إلا كداركم بذى بقر الحمى ... هيهات ذو بقر من المزدار
فقال «2» الرشيد بعد خروجه: مات الكسائى والله. قيل: وكيف يا أمير المؤمنين؟
قال: لأنه حدّثنى أن أعرابيا كان ينزل عليه فاعتل، فتمثّل شعرا قد أنشده الآن، ومات عنده. قال: فمات «3» الكسائىّ من يومه» .
«وسمى الكسائىّ لأنه كان يحضر مجلس معاذ الهرّاء، والناس عليهم الحلل، وعليه كساء روذبارىّ» .(2/270)
«وله من التصانيف والكتب: كتاب معانى القرآن «1» . كتاب مختصر النحو. كتاب «القراءات» . كتاب مقطوع القرآن وموصوله. كتاب اختلاف العدد. كتاب الهجاء. كتاب النوادر الأوسط. كتاب النوادر الكبير. كتاب هاءات الكناية «2» فى القرآن. كتاب الحدود فى النحو. كتاب العدد «3» » .
ذكره المرزبانىّ فقال: «أبو الحسن على بن حمزة بن عبد الله بن بهمن ابن فيروز مولى بنى أسد. روى أنه قيل للكسائىّ: لم سميت الكسائىّ؟ قال:
لأنى أحرمت فى كساء» .
قال محمد بن داود بن الجراح: «ورد علىّ بن حمزة الكسائىّ بغداذ، وأدّب محمد بن الرشيد. وهو إمام أهل الكوفة فى النحو وفى القراءة، وأستاذ الفراء وعلى ابن المبارك الأحمر» .
وجمع الرشيد بينه وبين سيبويه البصرىّ فخطأه الكسائىّ وغلاماه «4» ، فأمر الرشيد بصرف سيبويه، ووصله بعشرة آلاف درهم. فلم يدخل البصرة، واستحيا مما وقع عليه، ومضى إلى فارس، فمات بها.
وقال الجاحظ: تعلّم الكسائىّ النحو بعد الكبر، فلم يمنعه ذلك من أن برع فيه. ولقى أعراب الحطمة «5» ، وكثر سماعه منهم، وقرأ القرآن وبرع فيه؛ حتى(2/271)
قوى عليه وعرف إعرابه، واختار حرفا «1» فقرأ به. وكتب فى النحو كتبا مفهومة حسنة الشرح. وكان أثيرا عند الخليفة؛ حتى أخرجه من طبقة المؤدّبين إلى طبقة الجلساء والمؤانسين.
وقال يحيى الفرّاء: مدحنى رجل من النحوييّن وقال لى: ما اختلافك إلى الكسائىّ فأنت أعلم منه، أو مثله فى العلم!. قال: فأعجبتنى نفسى، فناظرته وسألته؛ فكأننى كنت طائرا يغرف من البحر.
وقال ابن قادم: قلت للفراء: قد بقى فى نفسك شىء من النحو؟ قال:
أشياء كثيرة. قال: فمن تحب أن تلقى فيها؟ قال: كنت أحبّ لو بقى الكسائىّ- وكان قد مات- رحمه الله.
وكان أبو زيد سعيد بن أوس الأنصارىّ يقول: كان الكسائىّ إذا أخذ معى فى اللغة والشعر هوى، وإذا أخذ فى النحو علا.
وقال الأصمعىّ: أرسل إلىّ الكسائىّ بأبى نصر، وقال: لست أعرض لك فى الشعر والغريب والمعانى، فدعنى والنحو. فوجّهت إليه: ما كلمتك قطّ فى النحو إلا بحجة أصحابى، وقد تركت ذلك لك.
وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلىّ: ما رأيت فى الصّنعة أحذق من أربعة:
الأصمعىّ بالشعر، والكسائىّ بالنحو، ومنصور زلزل بضرب العود، وبرصوما «2»(2/272)
بالزمر. قيل له: وما بلغ من حذقهم؟ قال: كنت إذا رأيت كتاب إنسان منهم فى صناعته لم تنازعك نفسك إلى أن تكون فى تلك الصناعة على أكثر مما سمعت.
وقال الأخفش سعيد بن مسعدة: قدم الكسائىّ إلينا البصرة مرتين؛ كان فى الأولى كذا وكذا؛ فأما فى الثانية فلم يتعلّق عليه بشىء.
وقال أحمد بن الحارث الخزّاز: كان الكسائىّ ممّن وسم بالتعليم، واكتسب به مالا كثيرا، وكان سخيا جميل الأخلاق.
وقال أبو حاتم: سمعت الكسائىّ يقول: رأيت بالبادية أعرابيين؛ أحدهما أسود والآخر أحمر، فسألت الأسود فلم أجد عنده شيئا، وسألت الأحمر فكأنما يأخذ العلم من شاربه. فقال لى الأحمر: ما رأيت رجلا أعلم بكلمة إلى جنبها كلمة أشبه شىء بها، أبعد شىء منها منك. قال: فكتبت هذا الكلام عنه.
وروى الفرّاء عن الكسائىّ قال: كنت أسأل أعرابيا عن كلمة صواب، وأسأله عن كلمة خطأ يقارب لفظها؛ أمتحنه بذلك، فقال لى: ما رأيت رجلا يأتى بكلمة إلى جنبها كلمة، أشبه شىء بها، أبعد شىء منها منك.
وروى إبراهيم بن إسماعيل الكاتب قال: قال أبو زياد الكلابىّ: ما رأيت أحدا أوقع على كلمة إلى جنبها كلمة أقرب شىء بها أبعد شىء منها منك.
وروى سلمة «1» عن الفراء عن الكسائىّ: قال: كنت بالبادية، فرآنى أعرابىّ وأنا أكتب فقال لى: ما رأيت رجلا يكتب الكلمة ومعها أخرى تشبهها كأنها أختها أو أمها مثلك.
وروى سلمة عن الأخفش قال: كان الكسائىّ جاءنا البصرة، فسألنى أن أقرأ عليه، أو أقرئه كتاب سيبويه ففعلت. فوجه إلىّ خمسين دينارا وجبة وشى.(2/273)
وقال أبو زيد الأنصارىّ: قدم الكسائىّ البصرة، فأخذ عن أبى عمرو ابن العلاء وعن يونس بن حبيب وعيسى بن عمر علما كثيرا صحيحا، ثم خرج إلى بغداذ، وقد قدم أعراب الحطمة، «1» وأخذ عنهم شيئا فاسدا، فخلط هذا بذاك فأفسده.
ولما أتى أبا زيد موت الكسائىّ قال: يرحمه الله! مات بموته علم كثير.
457- على بن الحضرمىّ النحوىّ [1]
كان من سواحل إفريقية. فيه نباهة وفضل، وكان ربّما علّم فى بعض الأوقات. وكان بقربه رجل قد نظر فى النحو أيضا؛ فكانا يتراسلان بالمسائل فى النحو.
ومما كتب به إليه علىّ بن الحضرمىّ:
لما أتانى كتاب واضح حسن ... فى النحو منك أبا إسحاق قد صنعا
كيما تغلّطنى فيه وتفحمنى ... ولست فى النّحو ممّن يبتغى الشّنعا
أمسكت خوف مراء لست تحمله «2» ... حلما ولم أك عنه ممسكا فزعا
458- على بن الحارث البيارىّ الخراسانىّ [2]
ذكره الباخرزىّ وسجع له فقال «3» : «عنده مفصّل الفضل ومجموعه، ومرئىّ الأدب ومسموعه، ومعدن العلم وينبوعه. والذى تشدّ إليه الرحال، وتزمّ «4» نحوه الجمال، ويقصد محلّه القصّاد، وينثال على مناهله الروّاد» .
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 140، وبغية الوعاة 359، وطبقات الزبيدىّ 162.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 140، ودمية القصر 302. والبيارىّ فى الأصل منسوب إلى بيار، وهى مدينة من أعمال قومس.(2/274)
«حدّثنى تلميذه أبو العباس محمد بن على البادغوسىّ «1» قال: كتب إليه الوزير الحسن المصعبىّ مهيبا به إلى جنابه، ليجنى من الأدب ألذّ الجنى به، فترفّع عن إجابته؛ إذ لم يكن قصد ذلك الباب من بابته، وصدّر كتاب المصعبىّ بهذه الأبيات:
قد تدبرت ما أشرت إليه ... وهو الخير لا غبار عليه
غير أن المشيب من برد المو ... ت وخيط الرقاب فى كفّيه
فلماذا تريد ما لم أرده ... فى شبابى ولم أحنّ إليه
قال: وأنشدنى أيضا له، قال: أنشدنيه لنفسه:
ماذا أقول لربّى حين يسألنى ... فيم ابتغيت حراما بعد سبعين
لا همّ إن طمعت نفسى فلا طعمت ... فيما ابتغت غير زقّوم وغسلين
من تصنيفه: كتاب شرح الحماسة. كتاب صناعة الشعر.
459- على بن دبيس النحوىّ الموصلىّ الشيخ أبو الحسن [1]
قرأ على ابن وحشىّ «2» ، وابن وحشىّ قرأ على أبى الفتح بن جنّىّ. تصدّر ببلده لإفادة هذا الشأن.
وله شعر، منه قوله فى قوّاد:
يسهّل كلّ ممتنع شديد ... ويأتى بالمراد على اقتصاد
فلو كلّفته تحصيل طيف ال ... خيال ضحى لزار بلا رقاد
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 140، وبغية الوعاة 337، ومعجم الأدباء 3: 218.(2/275)
ومن شعره:
ما ساعفتك بطيفها هند ... إلّا لكى يتضاعف الوجد
ومنها فى مدح سعد الدولة أخى شرف الدولة مسلم «1» بن قريش:
والوجد ينمى فى الفؤاد كما ... ينمى لسعد الدولة السّعد
460- على بن سليمان بن الفضل أبو الحسن الأخفش الصغير النحوىّ [1]
سمع أبوى العباس ثعلبا، والمبرّد، وفضلا اليزيدىّ، وأبا العيناء الضرير. «2» روى عنه علىّ بن هارون القرميسينىّ، وأبو عبيد الله المرزبانى، والمعافى بن زكريا الجريرىّ. وكان ثقة.
توفى أبو الحسن علىّ بن سليمان الأخفش فى ذى القعدة سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 33، والأنساب 21 ب- 22 ا، وبغية الوعاة 238، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 315) ، وتاريخ بغداد 12: 433، وتاريخ ابن عساكر 29: 188- 189، وتاريخ ابن كثير 11: 157، وتلخيص ابن مكتوم 140، وابن خلكان 1: 332- 334، وشذرات الذهب 2: 270، وطبقات الزبيدىّ 84- 85، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 156- 157، والفلاكة والمفلوكين 65، والفهرست 83، وكشف الظنون 1427، واللباب فى الأنساب 1: 26- 27، ومرآة الجنان 2: 267- 268، ومعجم الأدباء 13: 246- 257، والمنتظم (وفيات سنة 315) ، والنجوم الزاهرة 3: 219، ونزهة الألباء 312- 313. وانظر حواشى ص 36 من هذا الجزء.(2/276)
قال الأخفش: طلب إبراهيم «1» بن المدبّر من المبرّد محمد بن يزيد جليسا يجمع له بين تأديب ولده وإمتاعه بمؤانسته، فندبنى المبرّد لذاك، وكتب إليه معى كتابا:
قد أنفذت إليك- أعزك الله-[فلانا] «2» ، وجملة أمره كما قال الشاعر:
إذا زرت الملوك فإنّ حسبى ... شفيعا عندهم أن يخبرونى
وكان علىّ بن سليمان يتعرّض لابن الرومى الشاعر، ويباكر داره، ويقول عند بابه كلاما يتطيّر به فلا يخرج- وكان كثير التطير- فهجاه ابن الرومىّ بأهاج هى مثبتة فى ديوانه «3» . وكان علىّ بن سليمان الأخفش يتحفّظها ويوردها فى جملة ما يرويه استحسانا لها، وافتخارا بأنه نوّه بذكره إذ هجاه. ولما علم ابن الرومىّ ذلك أقصر عنه.
وقدم الأخفش مصر سنة سبع وثمانين ومائتين، وخرج منها سنة ست وثلاثمائة إلى حلب مع على بن أحمد بن بسطام صاحب الخراج، ولم يعد إلى مصر.
وتوفّى ببغداذ سنة خمس عشرة وثلاثمائة. وقيل سنة ست عشرة وثلاثمائة، وهو ابن [ثمانين سنة] «4» ، ودفن فى مقبرة قنطرة البردان.
وذكر هلال بن المحسّن «5» فى كتابه، قال: «حكى أبو الحسن ثابت بن سنان قال: كان أبو الحسن على بن سليمان الأخفش يواصل المقام عند [أبى] «6» على(2/277)
ابن مقلة «1» ، ويراعيه أبو على ويبرّه، فشكا إليه فى بعض الأيام ما هو فيه من شدّة الفاقة، وزيادة الإضاقة، وسأله أن يكلّم أبا الحسن على بن عيسى- وهو يومئذ وزير- فى أمره، ويسأله إقرار رزق عليه فى جملة من يرتزق من أمثاله، فخاطبه أبو علىّ فى ذلك، وعرّفه اختلال حاله، وتعذّر القوت عليه فى أكثر أيامه، وسأله أن يجرى عليه رزقا برسم الفقهاء. فانتهره علىّ بن عيسى انتهارا شديدا، وأجابه جوابا غليظا- وكان ذلك فى مجلس حافل ومجمع كامل- فشقّ على أبى علىّ ما عامله [به] ، وقام من مجلسه، وقد اسودّت الدنيا فى عينه، وصار إلى منزله لائما نفسه على سؤاله علىّ بن عيسى ما سأله، وحلف أن يتجرّد فى السعى عليه. ووقّف الأخفش على الصّورة، فاغتم بها، وانتهت به الحال إلى أكل السّلجم «2» النّىء. فقيل إنه قبض على فؤاده: قلبه، فمات فجأة- رحمه الله- وكان موته فى شعبان سنة خمس عشرة وثلاثمائة» .
وذكره المرزبانىّ فقال: «لم يكن بالمتّسع فى الرواية للأخبار والعلم بالنحو وما علمته صنّف «3» شيئا البتة، ولا قال شعرا. وكان إذا سئل عن مسئلة فى النحو ضجر وانتهر من يواصل مساءلته. وشاهدته يوما وصار إليه رجل من أهل حلوان كان يكرمه، فحين رآه قال له:
حيّاك ربك أيها الحلوانى ... وكفاك ما يأتى من الأزمان
ثم التفت إلينا، وما يحسن من الشعر إلا هذا وما جرى مجراه.
ودفع كتابا له إلى بعض من فى مجلسه عليه اسمه، فقال له: أبو الحسن خفش خفش.(2/278)
461- على بن سعيد بن عثمان بن جار الخير بن دبابا [1] السّنجارىّ
بسم الله الرحمن الرحيم. كتبت فى هذه الكراسة ما وجدته من شعر الشيخ أبى الحسن علىّ بن سعيد بن عثمان بن جار الخير- رضى الله عنهم أجمعين- وحصل لى ذلك من أوراق من كتاب العين فى اللغة، وجدتها بخطه منذ زمان قديم.
فمن ذلك أبيات دالية، وهى:
لمن طلل أضحت قفارا معاهده ... أكاتمه برح «1» الهوى وأناشده
وقفت به صحبى طويلا أبثّه ... لفرط الأسى والشوق ما أنا واجده
فأعيا جوابا واحتملت وللهوى ... بقلبى ولوع ما يزال يعاوده
ولست بناس يا أميمة عهدكم ... ولا خائنا إن خان عهدا معاهده
ولا هائبا صرف الزّمان إذا سطت ... بأحداثه أحداثه وشدائده
وكيف أخاف الدهر من بعد ما غدا ... كفيلا بنجح السّعى والقصد ماجده
هو السّيّد المرجوّ والمورد الذى ... بوادره محمودة وموارده
جواد إذا حدّثت عنه بمدحة ... تضافرنى فيما أقول حواسده
سحاب على الأعداء فيه صواعق ... وبحر نوال ما تغبّ «2» عوائده
فتى شرفت همّاته وسما به ... إلى ذروة المجد الأصيل محامده
تعالى علوّا إن يساجل فما يرى ... له فى الّذى يأتيه ندّ يعانده
أنار سبيل العرف بعد ظلامه ... وقام به بعد التّثاقل قاعده
وأضحى به شمل الرّعية بعد ما ... تشعّب «3» مجموعا وأرست «4» قواعده
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 141.(2/279)
جرىء على الخصم الجرىء مساعد ... إذا قصرت عن نصرة الكفّ ساعده
بصير بوجه القصد والأمر مظلم ... إذا خفيت يوما عليك مقاصده
له شيمة تعلو على كلّ شيمة ... ومورد جود لا يخيّب وارده
إليك ابن منصور زجرت ركائبى ... وقد شردت بى عن مسيرى شوارده
وما خاب مسعى من غدوت رجاءه ... ولا ضلّ ركب أمّ بابك قاصده
وله رحمة الله عليه:
نمّت دموعى بما أكاتمه ... وعاد جسمى لبينهم سقم
وظلت فى الدّار بعد بعدهم ... ذا لوعة فى الفؤاد تضطرم
وعاذل بات فيك يعذلنى ... وبى عن العذل فى الهوى صمم
أذقته حرّ لومه فغدا ... ذا كبد ما تكاد تلتئم
يا جائرا فى هواه محتكما ... أسرفت فى الحكم أيّها الحكم
أطعت قول الواشى ولم أك فى ... حبّك ممن يطيع قولهم
فلا سقوا حيث حلّ سربهم ... ولا استهلّت «1» عليهم الدّيم»
ولا غدا بالنجاح طائرهم ... ولا سعى بالعلا لهم قدم
وله رضى الله عنه ورحمه:
أمغنى «3» الهوى أصبحت مغنى النّوائب ... وقد كنت مغنى للحسان الكواعب
وأمسيت من بعد الأحبّة موحشا ... وكنت أنيسا فيك مسرى الحبائب
أبعد مشيب الرأس يعتادنى الصّبا ... وأمسى زميلا للخليع المصاحب!
وبعد خليلىّ اللذين تحمّلا ... أبيت قرير العين عذب المشارب!(2/280)
من مدحها:
وكنت قبيل الإلتقاء معظّما ... لما سار عنكم من جزيل المناقب
فلما تلاقينا رأيت مخبّرى ... لتقصيره فى الوصف فى زىّ كاذب
وله رحمة الله عليه:
روحى الفداء لزائر متفضّل ... شفعت مكارمه إليه فأنعما
سمحت به نفس الزّمان وطالما ... بخلت علىّ بأن أراه مسلّما
فطفقت أحمده وأشكر سعيه ... وأعدّ زورته الحميدة مغنما
وعلمت أن الدهر يعقب شهده ... فى الكأس من بعد الحلاوة علقما
أين الّذين علوا على أحداثه ... وتوقّلوا «1» خوف المنيّة سلّما
أخنى بكلكله فأفنى جمعهم ... وغدا مشيد بنائهم متهدّما
فاعمل لنفسك إن قدرت ولا تكن ... فرقا وكن حيث الأمور مسلّما
سمعت من أخوال الشيخ أبى الحسن على بن سعيد بن دبابا- رحمه الله- أنه كان رجلا متدينا كثير العقل. فمن دينه أنه سمع إنسانا يفضله على بعض نحاة سنجار «2» ، وهو عبد الصمد بن عيسون، فلما حضر للقراءة عليه أقسم أنه لا يقرئه وهو على هذه الحالة فى تفضيله والمغالاة فيه.
وأيضا فإنه كان يتّجر ويختلف إلى دمشق، فباع فى بعض سفراته على نوّاب أسد الدين شيركوه «3» متاعا، غلط أصحابه بمائتى دينار صوريّة. فعمل حسابه فوجد الغلط، فحمل الذهب إليهم، فجزوه خيرا وشكروه.(2/281)
وطلبه عماد الدين صاحب سنجار- رحمه الله- وألحّ فى طلبه، فلم يمض إليه، وقال: هو يرانى بعين، وأخشى أن أنقص من عينه إذا اجتمعنا.
وتحيّل مجاهد الدين النائب بسنجار عليه فى الاجتماع به؛ حتى كان يقدم فى الوقت يوم الجمعة لأجل الاجتماع به.
وروى أنه اجتاز بسوق سنجار، فرآه بعض البغداذيين، وقال: من هذا الرجل؟ فقيل: هذا يقال له علىّ بن دبابا، فقال: يحتاج هذا الرجل إلى قلّة عقل.
وذكر أن رجلا من أهل سنجار يقال له ابن جبلة، خرج من مقصورة من مقاصير جامع سنجار يوم جمعة إلى صحن الجامع، فقال: سبحان الله! ما فى هذا الجمع مسلم! ثم نظر فإذا الشيخ أبو الحسن، فقال: ما كان لى أن أقول هذا والشيخ أبو الحسن حىّ.
وكان يناظر مع الفقهاء فيجيد بقوته فى علوم الفقه على وجه التسلّط. وكانت استراحته فى كلامه مثلا. وعلى الجملة، لأهل سنجار فيه من العقيدة ما لم يسمع لها مثال. وكان رجلا طويلا ضخما آدم اللون جهورىّ الصوت حسن التسميع، [ذا] نفس «1» كبيرة- رحمه الله.
وحكى أنّ مماته كان بريح الخمرة، فقال يوما: اليوم أشتمّ شيئا وأموت، فجاء الطبيب فقال: قوّوه، فشويت عنده شريحة لحم، فشمّها. وتوفى- رحمه الله- فى حدود سنة ستين وخمسمائة تقريبا.(2/282)
وكان يحضر مع جماعة من معتبرى سنجار فى وادى سنجار، على بيت بجانب بستان لرجل يقال له ابن الخردل، فاطلع عليه ابن الخردل يوما فقال: قد حضرنى شىء؛ أقوله أم لا؟ فقال له الشيخ: قل، فقال:
يا علىّ بن دبابا ... ليس ذا شيئا صوابا
تأخذ الدّر من البح ... ر وتلقيه الخرابا
هذا الشيخ- رحمه الله- كان نحويا بمدينة سنجار، يفيد النّحو بغير أجر.
وكان نزه النفس، مشتغلا بأمره، يرتزق من صنعة يده، ويصبر على المأكل الخشن والملبس المتوسط. وكان يصنع الجفنات «1» الحمر بيده ويرتزق بها. وكان ذا دين ومروءة.
قرأ النحو ببلده على البر «2» النحوىّ القرقيسىّ نزيل سنجار، وعلى أبى جحش السنجارىّ النحوىّ. ولم يزل ببلده يفيدها إلى أن مات- رحمه الله.
462- علىّ بن طاهر بن جعفر بن عبد الله أبو الحسن القيسىّ السّلمىّ النحوىّ الدّمشقىّ [1]
سمع من مشايخ زمانه، وكان ثقة، وكانت له حلقة بجامع دمشق يفيد فيها العربية. ووقف فى موضع حلقته خزانة كتب له.
وسأله أبو محمد بن صابر عن مولده، فقال: فى سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
وذكر ابن الأكفانى «3» أن أبا الحسن [بن] طاهر النحوىّ توفى يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من ربيع الأوّل سنة خمسمائة.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 339، وتلخيص ابن مكتوم 142، ومعجم الأدباء 13:
257- 259.(2/283)
463- على بن طاهر بن الرّقبانىّ أبو الفضل اللغوىّ الصّقلىّ [1]
من أهلها المقيمين بها. حافظ للّغة وأيّام العرب، جامع لأدوات الأدب.
فمن شعره يمدح الأمير صمصام الدولة، وقد وصلت إليه ألقاب كثيرة، وخلع شريفة من مصر:
من قبل ذى الألقاب كنت شريفا ... إذ لم تزدك بكثرة تعريفا
لكنها عذبت فنحن بذكرها ... نرتاح لو كانت تعدّ ألوفا
يا سيّد الأملاك والعلم الذى ... ترك القوىّ من العصاة ضعيفا
لا زلت مسعودا وجدّك صاعدا ... حتى ترى فوق النجوم منيفا
464- على بن طلحة بن كردان النحوىّ أبو القاسم [2]
صاحب أبى علىّ الفارسىّ وعلىّ بن عيسى الرمّانى. قرأ عليهما كتاب سيبويه.
والواسطيّون يفضّلونه على ابن جنّى والرّبعىّ.
صنّف كتابا كبيرا فى إعراب القرآن؛ قال لى شيخنا أبو الفتح: كان يقارب خمسة عشر مجلدا، ثم بدا له فيه فغسله قبل موته.
مات سنة أربع وعشرين [وأربعمائة «1» ] ، وكان متنزها [متصوّنا] ركب إليه [فخر الملك] أبو غالب محمد بن علىّ بن خلف وزير بهاء الدولة وهو سلطان الوقت، وبذل له فلم يقبل. وكان قد جرت بينه وبين القاضى أبى تغلب أحمد بن عبيد الله العاقولىّ [صديق الوزير المغربىّ وخليفة السلطان والحكام على واسط فى وقته «2» ] خصومة- وكان معظما [مفخما] «3» - فقال له ابن كردان: إن صلت علينا بمالك صلنا عليك بقناعتنا.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 142، والمكتبة الصقلية 646. والرقبانى فى الأصل:
العظيم الرقبة.
[2] هذه الترجمة مذكورة فى هامش الأصل ص 515، ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص، وله ترجمة أخرى فى بغية الوعاة 339، ومعجم الأدباء 13: 259- 264.(2/284)
آخر من حدّث عنه أبو المعالى محمد بن عبد السلام بن شاندة.
ذكر ذلك كله خميس الحوزىّ جوابا للسّلفىّ.
465- على بن عبد الله بن سنان التيمىّ الطّوسىّ اللغوىّ [1]
من أصحاب أبى عبيد القاسم بن سلّام. وكان من أعلم أصحابه وأكثرهم أخذا عنه أبو الحسن. عالم راوية لأخبار القبائل وأشعار الفحول، ولقى مشايخ الكوفيين والبصريّين. وكان أكثر مجالسته وأخذه عن ابن الأعرابىّ. وله ولد سلك طريقته فى العلم والحفظ. وكان الطّوسىّ عدوّا لابن السكّيت، لأنهما أخذا عن نصران «1» الخراسانىّ. واختلفا فى كتبه بعد موته. ولم يكن له مصنّف «2» .
466- على بن عبد الله بن محمد بن عبد الباقى بن أبى جرادة العقيلىّ أبو الحسن [2]
شيخ العلماء فى وقته بحلب. له خطّ حسن ويد فى الحساب والهندسة على ما شاهدته بخطّه. وكان يميل إلى علم الأوائل، ويكتب منه الكثير، ولم يكن من أهل العربية على التحقيق؛ وإنما ذكرته هاهنا لأنه تعرّض إلى غريب الحديث لأبى عبيد القاسم بن سلّام- رضى الله عنه- فقفّاه على حروف.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 340، وتلخيص ابن مكتوم 142، وطبقات الزبيدىّ 144، والفهرست 81، ومعجم الأدباء 13: 268- 271، ونزهة الألباء 241- 242.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 142- 143، ومعجم الأدباء 14: 5- 8.(2/285)
فشارك بهذا التّصنيف أهل اللّغة، فذكرته فى هذا المصنف، وملكت هذا التّصنيف وفيه ما فيه.
وكان جدّه المدعوّ بأبى جرادة من أهل الفضل، وكان ورّاقا بحلب. ورأيت مجموعا على سبيل التذكرة لابن خالويه بخطّه. وقد كتب فيه نسخة «1» كتاب منه [إلى] «2» الخالديّين «3» [يسألهما انتساخ كتابه المبتدأ «4» ] فى النحو يقول فيه: وقد كنت عند إملائى كتاب المبتدأ فى النحو لم أحصّل به نسخة وعند كما نسخة منه فأسألكما انتساخها؛ وليكن الناسخ لها أبو جرادة الورّاق الحلبىّ؛ فإنّ خطّه حسن صحيح، وكذلك ضبطه، وكان حاضر الإملاء.
وكان أبو الحسن هذا- رحمه الله- محبّا للعلوم، جامعا للكتب الحسان.
وسألت عنه ابن الحرّانى نحوىّ بلده، فقال: لم يكن عالما بالنحو. وكان علمه بغير العربية أبلغ من علمه بها. ثم قال لى: رأيت شهادته فى بعض الكتب، وقد قال فيها: أشهدنى الموقف «5» على نفسه. وسمع من مشايخ بلده المقيمين بها، والقادمين عليها. ورحل إلى بغداد حاجا، فسمع بها وبطريقها. وكان مولده فى المحرّم سنة إحدى وستين وأربعمائة بحلب.(2/286)
وله شعر قليل، منه:
يا ظباء البان «1» قولا بيّنا ... من لنا منكم بظبى من لنا
مشبه البدر بعادا وسنا ... من نفى عن مقلتىّ الوسنا
فتكت ألحاظه فى مهجتى ... فتك بيض الهند أو سمر القنا
يصرع الأبطال فى نجدته ... إن رمى عن قوسه أو إن رنا
دان أهل الدّلّ والحسن له ... مثل ما دانت لمولانا الدّنا
ذكر أنه توفّى بحلب سنة ست وأربعين وخمسمائة. وقيل سنة ثمان وأربعين والله أعلم.
467- على بن عبد الله أبو الحسن الآمدىّ النحوىّ الفقيه [1]
نزيل خلاط. نحوىّ مجوّد، وفقيه مسدّد. أدركه بخلاط «2» أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ، وأخذ عنه.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ قال: «سمعت أبا الحسن على بن عبد الله الآمدىّ النحوىّ الفقيه بثغر خلاط فى مجلس القاضى أبى معاذ يقول: «لم يذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازىّ «3» فى المهذّب [فى المذهب «4» ] مسألة إلا بعد أن صلّى ركعتين
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 143، ومعجم السفر 1: 201. والآمدى بمد الألف وكسر الميم: منسوب إلى آمد، وهى مدينة من ديار بكر.(2/287)
واستخار الله تعالى فيها؛ كما فعل البخارىّ فى الصحيح. فلم ينكر ذلك أبو معاذ قاضى خلاط، وكان من أخلّاء أبى إسحاق وأئمّة تلامذته» .
468- علىّ بن عبيد الله بن عبد الغفار أبو الحسن اللّغوى السّمسمانىّ [1]
سمع أبا بكر بن شاذان وأبا الفضل بن المأمون. وكان صدوقا، صاحب خطّ متقن فى الصّحة، مرغوب فيه لتحقيقه. كتب الكثير، وتصدّر ببغداذ للرواية، وأقرأ الأدب. وأكثر كتبه بخطّه. حصلت عند ابن دينار الواسطىّ الأديب وأدركها عرق ففسد أكثرها. وكان صدوقا ثقة فى الرواية- رحمه الله.
توفى يوم الأربعاء لأربع خلون من المحرم سنة خمس عشرة وأربعمائة.
469- على بن عبد الرحمن بن محمد بن مهدىّ بن عمران التنوخىّ الإشبيلىّ النحوىّ اللغوىّ أبو الحسن المعروف بابن الأخضر [2]
كان من أهل اللغة والأدب والعربية، حافظا لذلك مقدّما. روى ذلك عن أبى الحجاج يوسف بن سليمان الأعلم- وعليه عوّل- وعن أبى علىّ القالى «1» وغيرهما.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 343، وتاريخ بغداد 12: 10، وتلخيص ابن مكتوم 143، وابن خلكان 1: 336، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 158، 167، ومعجم الأدباء 14:
58- 61. والسمسمانى، قال ابن خلكان: «ولا أعرف نسبته إلى ماذا هى، وهى بكسر السينين المهملتين، وسكون الميم الأولى وفتح الثانية وبالنون، ثم وجدت فى درّة الغواص للحريرى ما مثاله:
ويقولون فى النسبة إلى الفاكهة والباقلاء والسمسم فاكهانى وباقلانى وسمسمانى، فيخطئون فيه- وبين وجه الخطأ- ثم قال بعد ذلك: ووجه الكلام أن يقال فى المنسوب إلى السمسم سمسمى. وتمم الكلام إلى آخره. فلما وقفت على هذا علمت أن نسبة أبى الحسن المذكور إلى السمسم، وأنه استعمل على اصطلاح الناس» .
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 128، وبغية الوعاة 341، والصلة لابن بشكوال 1:
418، وهو مكرر 436.(2/288)
وأخذ عنه جماعة الطلبة فى زمانه وأثنوا عليه، ووصفوه بالمعرفة واليقظة والدّين والفضل.
توفّى يوم الخميس سلخ سنة أربع عشرة وخمسمائة.
470- على بن عبد الرحمن بن هارون بن عيسى بن هارون ابن الجراح الرئيس أبو الخطّاب المقرئ النحوىّ اللغوىّ [1]
حسن الإقراء. وأخذ الناس عنه، وختم عليه الجمع الكثير ببغداذ. وكان يقول الشعر، ويفيد علم النحو واللغة. وسمع من مشايخ وقته، كأبى القاسم عبد الملك ابن محمد بن بشران الواعظ «1» ، وأبى بكر محمد بن عمر بن بكر النجار «2» ، وغيرهما.
روى عنه عبد الوهاب بن المبارك الأنماطىّ وطبقته. اجتمع هو وأبو إسحاق الشيرازىّ، وأتا [هـ] بثلجيّة فيها ماء بارد، فأنشأ الشيخ أبو إسحاق الشيرازىّ يقول:
ممتّع وهو فى الثلاج ... فكيف لو كان فى الزّجاج
فأجابه الرئيس أبو خطاب:
ماء صفا رقّة وطيبا ... ليس بملح ولا أجاج
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 142، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 159- 160، وطبقات القراء 1: 548- 549.(2/289)
سئل عن مولده فقال: فى سنة عشر وأربعمائة. ومات سحرة يوم الثلاثاء العشرين من ذى الحجّة سنة سبع وتسعين وأربعمائة. ودفن من يومه فى مقبرة باب برز، وصلّى عليه فى جامع القصر.
471- علىّ بن عبد الرحمن الصّقلىّ النحوىّ العروضىّ [1]
نزيل الإسكندرية. عالم بعلمى النحو والعروض، قيّم بهما، بليغ فيهما، مشارك فى جميع الأنواع الأدبية، متصدّر لإفادة هذا النوع، وله شعر.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانى فى إجازته العامة قال: «قال لى أبو الحسن على بن الحسن بن يوسف الدمراوىّ اللخمىّ بالإسكندرية: كنت أقرأ على أبى الحسن على بن عبد الرحمن الصّقلىّ العروضىّ النحوىّ، فعملت أبياتا وعرضتها عليه، فأضاف إليها بيتا واحدا. فالتى لى:
قالت سعاد وقد جدّ الوداع بنا ... ودمعها واكف ينهلّ كالبرد
كم من شجاع بلا سيف ولا ترس ... ومن جبان بآلات من العدد
ومن كريم بلا مال يجود به ... ومن لئيم كثير المال والصّفد «1»
والذى له:
جاد الزمان على هذا وضنّ على ... هذا فأصبح لا يخلو من الكمد
إن الأمور على الأقدار جارية ... وكل ذى أمل يسعى إلى أمد
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 144.(2/290)
472- على بن عبد الرحيم بن الحسن السّلمىّ أبو الحسين ابن أبى الحسين المعروف بابن العصّار [1]
الرّقىّ الأصل، البغداذى المولد والدار، المعروف بابن العصّار اللغوىّ. من ساكنى دار الخلافة المعظمة بالمطبق.
شيخ فاضل، له معرفة تامة باللغة [و] العربية. قرأ على أبى منصور بن الجواليقىّ، وعلى الشريف أبى السعادات بن الشجرىّ، ولازمهما حتى برع فى فنه، وأشير إليه فى ذلك. وسمع الحديث من مشايخ زمانه وروى عنهم. وأقرأ الناس زمانا، وتخرّج عليه فى الأدب جماعة، وسافر إلى مصر، واجتمع بها بأبى محمد بن برىّ النحوىّ والقاضى الموفق يوسف بن الخلال كاتب الإنشاء، وروى عنه.
وقال له ابن برّىّ: ما رأيت فى طريقك؟ قال: رأيت ما بين بغداذ ومصر سوادا. وكان يتّجر ويذكر بالبخل والإمساك، وكتب بخطه الكثير من كتب اللغة وشعر العرب. وقد كان يقع فى خطّه الغلط مع كثرة ضبطه واحترازه.
وقيل: إنه لم يكن ذكيّا، وإن النحو لم يتهيّأ له معرفة ما قرأ منه على الوجه. ورأيت فى خطّه وهما فى الإعراب يدلّ على ذلك. وكانت طريقته فى النسخ حسنة، والناس يتنافسون فى خطّه ويغالون به. وقد كان- رحمه الله- حريصا على الفوائد وطلبها، ويسطّرها على كتبه المنتسخة بخطّه.
وكانت ولادته فى سنة ثمان وخمسمائة. ومات- رحمه الله- فى يوم السبت بعد صلاة الظهر ثالث المحرّم سنة ست وسبعين وخمسمائة. وصلى عليه الخلق
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 341، وتلخيص ابن مكتوم 144- 145، وشذرات الذهب 5: 257، ومرآة الجنان 3: 405، ومعجم الأدباء 14: 10- 11، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 164- 165، والعصار: منسوب إلى عصر الدهن.(2/291)
الكثير يوم الأحد رابع المحرم بجامع القصر، ومرة أخرى بالمدرسة النظاميّة. ودفن فى الجانب الغربىّ بمقبرة الشونيزىّ إلى جنب قبر أبيه «1» .
473- على بن عبد العزيز [1]
صاحب أبى عبيد القاسم بن سلام، والراوى عنه كتبه هو وأخوه «2» . وأصلهم من باغ شور «3» من خراسان.
ومات سنة سبع وثمانين ومائتين.
474- على بن عبد الجبار بن سلامة بن عيذون الهذلىّ اللغوىّ التونسىّ المغربىّ [2]
من أهل تونس. إمام فى اللغة كامل فاضل حافظ لها؛ حتى لو قيل: لم يكن فى زمانه ألغى منه لما استبعد. وكانت له قدرة على نظم الشعر؛ خرج عن بلده
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 145، وطبقات الزّبيدىّ 144، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 166، ومعجم الأدباء 14: 11- 14.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 340- 341، وتلخيص ابن مكتوم 145، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 158، ومعجم السفر 2- 286- 287، ومعجم الأدباء 14- 8- 10.
و «عيذون» ، ضبطه ابن قاضى شهبة: «بفتح العين المهملة والمثناة من تحت، الساكنة، والذال المعجمة المضمومة» ، وقال: «قيده كذلك ابن نقطة وغيره» .(2/292)
إلى صقلّيّة، ولقى بها ابن رشيق الشاعر الفاضل متغرّبا عن القيروان، مقيما فى كنف ابن مدكود «1» بمدينة مازر «2» .
ورأى ابن البر «3» اللغوىّ، ولم يأخذ عنه تعفّفا، لما كان عليه ابن البر من التخلّى والتبدّد فى أمر دينه؛ على ما ورد فى خبره. وأخذ عن أبى القاسم بن القطاع الصّقلّى، وقال: لم أرقط أحفظ للعربية واللغة منه.
وكان مولد على بن عبد الجبار بن سلامة بتونس يوم عيد النحر من سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. وتوفى بالإسكندرية فى أواخر ذى الحجة سنة تسع عشرة وخمسمائة.
روى لنا عنه أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ نزيل الإسكندرية، ووصفه وذكره بالعلم فى اللغة والإتقان لها. وذكر عنه أن له قصيدة فى الرد على المرتدّ البغداذىّ- لعنه الله- فيها أحد عشر ألف بيت على قافية واحدة.
475- على بن عمر بن أحمد بن عبد الباقى بن بكرىّ أبو الحسن [1]
خازن دار الكتب بالمدرسة النظامية. من أهل باب الأزج. كانت له معرفة حسنة بالأدب. قرأ النحو على الشريف أبى السعادات بن الشجرىّ، واللغة [و] العربية على أبى منصور بن الجواليقىّ وغيرهما. وكان يكتب خطا جيدا. تولى الخزن سنين كثيرة. ورأيت بخطه أجزاء متعدّدة من كتاب الأزهرىّ، وفيها وهم وغلط. ولا شكّ فى موته قبل إتمامه ومقابلته.
وتوفّى يوم الثلاثاء عشرين من شهر رمضان سنة خمس وسبعين وخمسمائة.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 145، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 174.(2/293)
476- علىّ بن عيسى بن على بن عبد الله أبو الحسن النحوىّ المعروف بالرمانىّ [1]
حدث عن أبى بكر بن دريد وأبى بكر بن السراج. روى عنه التّنوخىّ «1» والجوهرىّ «2» وهلال «3» بن المحسّن الكاتب.
وكان من أهل المعرفة، مفتنا فى علوم كثيرة من الفقه والقرآن والنحو واللغة والكلام على مذهب المعتزلة. وله التصانيف المشهورة فى التفسير والنحو واللغة.
وكان مولده فى سنة ست وتسعين ومائتين. ومات- رحمه الله- فى ليلة الأحد الحادى عشر من جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وثلاثمائة.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 34، والأنساب 258 ب، وبغية الوعاة 344، وتاريخ ابن الأثير 7: 166، وتاريخ بغداد 12: 16- 17، وتاريخ أبى الفدا 2: 129، وتاريخ ابن كثير 11: 314، وتلخيص ابن مكتوم 145- 146، وابن خلكان 1: 331- 332، وروضات الجنات، 480- 181، وشذرات الذهب 3: 109، وطبقات الزبيدى 86، وطبقات بن قاضى شهبة 2: 174- 175، وطبقات المفسرين للداودى الورقة 176 ب- 177 ا، وطبقات المفسرين للسيوطىّ 24، وعيون التواريخ (وفيات سنة 384) ، والفهرست 63- 64، وكشف الظنون 111، 120، 1397، 1427، واللباب لابن الأثير 1: 475، ومرآة الجنان 2: 420- 421، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 302: 3- 304، ومعجم الأدباء 14:
73- 78، والمنتظم (وفيات سنة 384) ، والنجوم الزاهرة 4: 168، ونزهة الألباء 389- 392. قال ابن خلكان: «والرمانىّ، بضم الراء وتشديد الميم وبعد الألف نون، هذه النسبة يجوز أن تكون إلى الرمان وبيعة، ويمكن أن تكون إلى قصر الرمان، وهو قصر بواسط معروف. وقد نسب إلى هذا وهذا خلق كثيرون، ولم يذكر السمعانى أن نسبة أبى الحسن المذكور إلى أيهما. والله أعلم» .(2/294)
ومن تصانيفه فى كل فن: كتاب شرح سيبويه كبير. كتاب شرح الأصول لأبى بكر بن السراج. كتاب شرح الموجز، له عدّة نسخ. كتاب شرح الجمل لابن السراج. كتاب التصريف. كتاب شرح الألف واللام للمازنىّ. كتاب الاشتقاق الكبير. كتاب الاشتقاق المستخرج.
كتاب شرح الهجاء لابن السراج. كتاب شرح المدخل للمبرّد. كتاب شرح المقتضب للمبرّد. كتاب الحروف. كتاب الألفات. كتاب الإيجاز فى النحو. كتاب شرح مختصر الجرمىّ. كتاب المبتدأ فى النحو. كتاب الخلاف بين النحويين. كتاب شرح مسائل الأخفش الكبير والصغير، مصنفان. كتاب الخلاف بين سيبويه والمبرّد. كتاب نكت سيبويه. كتاب أغراض سيبويه. كتاب المخزومات. كتاب التّصريف. كتاب الجامع فى علم القرآن. كتاب النّكت فى إعجاز القرآن.
كتاب شرح معانى الزجاج. كتاب المختصر فى علم السور القصار. كتاب المتشابه فى علم القرآن. كتاب جواب ابن الإخشيد فى علم القرآن. كتاب شرح الشكل والنقط لابن السراج. كتاب غريب القرآن. كتاب جواب مسائل طلحة فى علم القرآن «1» . كتاب المسائل والجواب من كتاب سيبويه.
كتاب فى تهذيب أبواب كتاب سيبويه.
ومن كتب الكلام: كتاب صنعة الاستدلال، يشتمل على سبعة كتب.
كتاب نكت المعونة بالزيادات لابن الإخشيد «2» . كتاب شرح المعونة، لم يتم.
كتاب الأسماء والصفات لله عز وجل. كتاب ما يجوز على الأنبياء وما لا يجوز. كتاب الرويّة فى النقض على الأشعرىّ. كتاب نقض التثليث على يحيى بن عادى. كتاب تجانس الأفعال. كتاب استحقاق الذم.(2/295)
كتاب الإمامة. كتاب الرؤية. كتاب السؤال والجواب، غير الذى تقدّم. كتاب الأكوان. كتاب نقض استحقاق الذم فى الرد على أبى هاشم. كتاب تحريم المكاسب. كتاب الحظر والإباحة.
كتاب مسائل أحمد بن إبراهيم البصرىّ. كتاب مسائل ابن جابى. كتاب جوامع العلم فى التوحيد. كتاب صفات النفس. كتاب شرح الأسماء والصفات لأبى علىّ. كتاب الإرادة. كتاب نكت الإرادة. كتاب المعلوم والمجهول والنفى والإثبات. كتاب الأسباب. كتاب الحقيقة والمجاز. كتاب نقدات الاجتهاد. كتاب المجالس فى استحقاق الذم. كتاب مجالس ابن الناصر. كتاب مسائل أبى على بن الناصر فى علم القرآن. كتاب نكت الأصول. كتاب الأصلح الكبير. كتاب الأصلح الصغير. كتاب تهذيب الأصلح. كتاب المسائل والجواب فى الأصلح الواردة من مصر. كتاب المسائل فى اللطيف من الكلام. كتاب أدب الجدل. كتاب أصول الجدل. كتاب أصول الفقه. كتاب الرد على الدّهرية. كتاب المنطق.
كتاب الرسائل فى الكلام. كتاب القياس. كتاب مسائل أبى العلاء.
كتاب مبادئ العلوم. كتاب المباحث. كتاب المعرفة. كتاب صغير فى الصفات. كتاب العلوم. كتاب الأوامر. كتاب الأسماء والصفات.
كتاب العلل. كتاب العوض. كتاب أدلة التوحيد. كتاب التوبة.
كتاب مقالة المعتزلة. كتاب الأخبار والتمييز. كتاب تفضيل علىّ.
كتاب الردّ على من قال بالأحوال. كتاب الرد على المسائل البغداذيات لأبى هاشم. كتاب التعليق. كتاب فى الطبائع. كتب أماليه.
كان أصله من سرّ من رأى. ومولده ببغداذ سنة ست وتسعين ومائتين.
وكان أكثر ما يصنفه يؤخذ عنه إملاء.(2/296)
477- على بن عيسى بن الفرج بن صالح أبو الحسن الرّبعىّ النحوىّ [1]
صاحب أبى على الفارسىّ. بغداذىّ المنزل، شيرازىّ الأصل. درس ببغداذ الأدب على أبى سعيد السّيرافىّ، وخرج إلى شيراز، فدرس بها على أبى على الفارسىّ مدة طويلة، ثم عاد إلى بغداذ فلم يزل مقيما بها إلى آخر عمره.
قال على بن محمد بن الحسن المالكىّ: خرج على بن عيسى الرّبعىّ إلى فارس، وأقام على أبى علىّ النحوى عشرين سنة يدرس النحو. فقال أبو علىّ: ما بقى له شىء يحتاج أن يسأل عنه.
قال التّنوخىّ: سمعت من أبى زيد- وكان ابن أخت أبى على الفارسىّ النحوىّ- يقول: كان أبو علىّ يقول: قولوا لعلى البغداذىّ: لو سرت من الشرق إلى الغرب لم تجد أنحى منك.
كان مولد على بن عيسى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. ومات فى ليلة السبت لعشر بقين من المحرم سنة عشرين وأربعمائة.
وتصانيفه: شرح مختصر الجرمىّ «1» .
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 34- 35، وبغية الوعاة 344- 345، وتاريخ بغداد 12: 17- 18، وتاريخ ابن كثير 12: 27، وتلخيص ابن مكتوم 146، وابن خلكان 1:
343- 344، وروضات 483، وشذرات الذهب 3: 216، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 175- 177، وعيون التواريخ (وفيات سنة 420) ، والفلاكة والمفلوكين 113- 114، وكشف الظنون 212، ومعجم الأدباء 14: 78- 85، والنجوم الزاهرة 4: 271.(2/297)
478- على بن عساكر بن المرجّب بن العوّام أبو الحسن المقرئ النحوىّ الضرير [1]
من أهل البطائح. والبطائح «1» ما بين واسط والبصرة. وكان نسبه فى عبد القيس، وولد بقرية تعرف بالمحمّدية، «2» قريبة من الصّليق «3» بالبطائح.
قدم بغداذ، وخفظ القرآن الكريم بالقراءات الكثيرة على أبى العز القلانسىّ الواسطىّ «4» ، وعلى البارع «5» بن الدّبّاس، وعلى المزرقىّ «6» ، وسبط أبى منصور «7» الخياط.
وسمع الحديث من مشايخ زمانه، وحدّث الكثير، وأجاز للإمام الناصر «8» أحمد، وكانت له جماعة بجامع القصر، وأفاد الناس فى علوم القرآن والنحو، وكانت له معرفة حسنة.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 343، تاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 572) ، وتاريخ ابن كثير 12: 296، وتلخيص ابن مكتوم 146، وشذرات الذهب 4: 242، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 169، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 556، ومعجم الأدباء 14: 61- 62، والمنتظم (وفيات سنة 572) ، والنجوم الزاهرة 6: 80، ونكت العميان 214- 215.(2/298)
كان مولده فى سنة تسعين وأربعمائة، أو سنة تسع وثمانين. وتوفى ليلة الثلاثاء ثامن عشرين شعبان سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، ودفن فى باب حرب.
479- على بن فضّال أبو الحسن المجاشعىّ [1]
علىّ بن فضّال بن على بن غالب بن جابر بن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن عيسى بن حسن بن زمعة بن هميم «1» بن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد ابن سفيان بن مجاشع القيروانىّ النحوىّ أبو الحسن المجاشعىّ.
هجر مسقط رأسه، ودوّخ الأرض، ذات الطول والعرض، مصر وشأما، وعراقا وعجما؛ حتى وصل إلى مدينة المشرق غزنة «2» ، فتقدّم بها، وأنعم عليه أماثلها، واختاروا عليه التّصانيف، وشرع فى ذلك، وصنّف لكل رئيس منهم ما اقتضاه، ثم انكفأ راجعا إلى العراق، وانخرط فى جماعة نظام الملك الحسن بن إسحاق الطوسىّ «3» الوزير، ولم تطل أيامه بعد ذلك، حتى ناداه اللطيف الخبير فأجاب.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 34- 35، وبغية الوعاة 345، وتاريخ ابن كثير 12:
132، وتلخيص ابن مكتوم 146- 148، وروضات الجنات 485، وشذرات الذهب 3:
363، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 177- 178، وطبقات المفسرين للداودىّ الورقة 176 ب- 177 ا، وطبقات المفسرين للسيوطى 24- 25، وكشف الظنون 1027، 1179، ومرآة الجنان 3: 132، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد ... ، ومعجم الأدباء 14: 90- 98، والمنتظم (وفيات سنة 479) ، والنجوم الزاهرة (5: 124) . وفضال، ضبطه ابن قاضى شهبة بفتح الفاء وتشديد الضاد المعجمة.(2/299)
كان- رحمه الله- إماما فى النحو واللغة والتصريف والتفسير، موفّقا فى التصنيف. صنّف التواليف المفيدة.
صنف التفسير المسمى البرهان العميدىّ فى عشرين مجلدا، وصنف النّكت فى القرآن، وصنف كتابا فى شرح بسم الله الرحمن الرحيم.
وصنف فى النحو: إكسير الذهب فى صناعة الأدب، كبير فى عدّة مجلدات، وكتاب العوامل والهوامل فى النحو، وصنف الفصول فى معرفة الأصول، وكتاب الإشارة إلى تحسين العبارة، وشرح عنوان الإعراب، والمقدّمة فى النحو، وكتاب العروض، وشرح معانى الحروف، وغير ذلك من الكتب النحوية المحتوية على الفوائد.
وصنف فى التفسير كتابا آخر غير الأوّل سماه الإكسير فى علم التفسير خمسة وثلاثون مجلدا «1» .
أقام- رحمه الله- ببغداذ مدّة، ودرس عليه النحو اللغة.
مات علىّ بن فضّال المجاشعىّ ببغداذ فى يوم الثلاثاء ثانى عشرين شهر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين وأربعمائة، ودفن فى مقبرة باب برز.
قال محمد بن طاهر المقدسىّ «2» : سمعت إبراهيم بن عثمان، الأديب العربىّ بنيسابور يقول: لما دخل أبو الحسن على بن فضّال النحوىّ نيسابور اقترح عليه الأستاذ أبو المعالى الجوينىّ «3» أن يصنف باسمه كتابا فى النحو، فصنفه وسماه(2/300)
الإكسير، ووعده بأن يدفع إليه ألف دينار، فلما صنفه وفرغ منه ابتدأ بقراءته عليه، فلما فرغ من القراءة انتظره أياما أن يدفع إليه ما وعده أو بعضه، فلم يدفع إليه شيئا، فأنفذ إليه يقول: إن لم تف بما وعدت، وإلا هجوتك. فأنفذ الأستاذ إليه رسالة على يد الرسول كتب فيها: «عرضى «1» فداك» . ولم يدفع إليه حبة واحدة «2» .(2/301)
480- على بن قاسم السّنجانىّ الخراسانىّ [1]
وسنجان قصبة خواف «1» . أبو الحسن صاحب مختصر العين، ومحله من الأدباء محل العين من الإنسان [والإنسان «2» ] من العين، وقد سهل طريقة اللغة على طالبيها، وأدنى قطوفها من متناوليها باختصاره، ولا تكاد ترى حجور المتأدّبين منه خالية؛ لا بل تراها أبدا به حالية.
وله شعر الزهاد، وقد جرى فيه «3» على سمت العبّاد، ونسج فيه على منوال أولى الاجتهاد، فمنه قوله:
__________
[1] ترجمته فى الأنساب 210 ب، وبغية الوعاة 346، وتلخيص ابن مكتوم 149- 150، واللباب فى الأنساب 1: 392، ومعجم الأدباء 14: 104- 106، ومعجم البلدان 3: 480.(2/302)
خليلىّ قوما فاحملا لى رسالة ... وقولا لدنيانا التى تتصنع
عرفناك يا خدّاعة الخلق فاغربى ... ألسنا «1» نرى ما تصنعين ونسمع
فلا تتحلّى للعيون بزينة ... فإنّا متى ما تسفرى نتقنع
نغطى بثوب اليأس منك عيوننا ... إذا لاح يوما من مخازيك مطمع
وهل أنت إلا متعة مستعارة ... وهل طاب يوما بالعوارى تمتع
رتعنا وجلنا فى مراعيك كلّها ... فلم يهننا مما رعيناه مرتع
وأنت خلوب كالغمامة كلّما ... رجاها مرجّى الغيث ظلّت تقشّع
طلوع قبوع «2» كالمغازلة التى ... تطلّع أحيانا وحينا تقبّع
وهذا لعمرى كلام لو دعى به الصخر لأجاب، ولو قرع به سمع عفريت لتاب وله أيضا يرثى نفسه:
دبت إلىّ بنات الأرض مسرعة ... حتى تمشّين فى قلبى وفى كبدى
قد وسّد الترب خدّى فهو مضطجعى ... وصار فيه مهادى أوعر المهد «3»
والعين منّى فويق الخدّ سائلة ... وطالما كنت أحميها من الرّمد
وله أيضا:
عن قليل سرائر الخلق تفشو» ... فى مقام يشيب فيه الوليد
أىّ يوم هناك يومى إذا ما ... جمع الخلق موقف مشهود(2/303)
481- على بن قاسم بن يونش الإشبيلىّ المقرئ المعروف بابن الزقاق [1]
قرأ القرآن على أبيه، وأخذ طرفا من العربية على شيوخ بلاده، وانتقل إلى الجزيرة، وخطب برأس عين «1» الخابور مدة. وسكن دمشق هو وأخ له، ثم انتقل إلى حلب، وأقام بها، وتصدّر بها لإقراء القرآن بجامعها برزق قرّر له. وابتاع له دارا بها واستوطنها، وأولد بها عقبا غير صالح. وكان عسر الخلق كثير الدعوى، بعيدا من الخير، شحيحا على جمع الدنيا، قليل الحياء فى ذلك، أغلف اللسان، يخطىء فيما يعانيه، ولا يرجع إذا ردّ عليه.
صنف فى النحو شرحا لكتاب الجمل للزجاجىّ فى أربع مجلدات كبار، ملكته بخطه. وله مفردات فى القراءات.
وكان أبوه قاسم من المقربين المذكورين فى قطره. أخبرنى أبو الخطاب بن دحية الكلبىّ قال: قاسم الزقاق، كان أبوه عبدا روميا لبعض أهل إشبيليّة اسمه يونش، وكان قد قرأ على شريح «2» وصحبه المدة الطويلة، وكان شريح مجاب الدعوة، فدعا عليه يوما يبليه الله بالفقر والغربة، فاستجيبت دعوته. وذلك أنه كان يركب حمارا له، وينتقل من بلد إلى بلد من أرض الأندلس يقرئ الناس، لا يستقر
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 346، وتلخيص ابن مكتوم 150، وطبقات ابن قاضى شهبة 2:
181- 182، وكشف الظنون 604. و «يونش» ، ضبطه السيوطى بالشين المعجمة.(2/304)
ببقعة، ولم يزل فقيرا مدقعا. وقال: إنما سمى الزقاق لأنه كان سمينا كبير البطن، وكان الطلبة يسمونه زق الخراء، ثم أنفوا من التصريح بذلك، فدعوه بالزقاق، وصار علما له، ولم يزل علىّ ولده هذا على ما هو عليه من الإقراء بحلب؛ إلى أن حج فى حدود سنة خمس وستمائة، ومات عائدا بطريق مكة.
482- علىّ بن محمد السّمسمانىّ الأديب البغداذىّ [1]
كان فاضلا عالما متوفرا على إفادة علم الأدب، متصدرا ببغداذ. كتب بخطه الكثير، وكان فى غاية الضبط والإتقان. وله شهرة عند أهل هذا الشأن.
مات ببغداذ فيما ذكره هلال بن المحسّن فى يوم الأربعاء الخامس من المحرم سنة خمس عشرة وأربعمائة.
483- على بن محمد بن الزّبير الأسدىّ المعروف بابن الكوفىّ النحوىّ اللغوىّ [2]
عالم، صحيح الخطّ، راوية، جماعة للكتب، صادق الرواية، منقّر بحاث.
من أصحاب أبى العباس ثعلب المختصّين به.
وكان أبوه من أهل ذوى اليسار من أهل الكوفة، واشتغل ولده هذا بطلب العلم من يومه. ولما مات أبوه خلّف له- فيما يقال- زائدا عن خمسين ألف دينار، فصرفها كلّها فى طلب العلم وتحصيل الكتب اشتراء واستنساخا وكتابة، وصرف
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 343، وتاريخ بغداد 12: 10، وتلخيص ابن مكتوم 151، وابن خلكان 1: 336، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 158، 167، ومعجم الأدباء 14:
58- 61. وانظر ترجمة أخرى له فى هذا الجزء ص 288 وحواشيها.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 350، وتاريخ بغداد 12: 81، وتلخيص ابن مكتوم 151، وشذرات الذهب 2: 379، والفهرست 79، وكشف الظنون 1729، ومعجم الأدباء 14:
153- 156. وذكر الخطيب وياقوت والسيوطى وابن العماد أن وفاته كانت سنة 348.(2/305)
من ذلك جزءا صالحا لفقراء طلبة العلم، وكان منزله مغشيا منهم، ونفقاته عليهم واسعة.
فأما كتبه ففى غاية الجودة والإتقان، والموجود منها فى زماننا هذا إذا تؤمّل دلّ على تيقظ وبحث ورغبة. وقد كانت لكثرتها يعيّن لكلّ نوع منها موضعا مخصوصا من خزائنه، ويكتبه على أوّل الكتاب ليجده إذا طلبه، ويعيده إلى موضعه المعلوم إذا غنى عنه- رحمه الله، فما كان أسنى فعاله! وشغله طلبه الفوائد عن التصنيف، فلم ير له إلا تصنيف واحد فى معانى الشعر واختلاف العلماء فى ذلك «1» .
484- على بن محمد السّعيدىّ الأستاذ الأديب أبو الحسن البيارىّ [1]
رجل فاضل. من أهل بيت الفضل والأدب. وله شرح الحماسة، جميل، أحسن فيه غاية إمكانه.
485- علىّ بن محمد بن علىّ أبو الحسن بن أبى زيد النحوىّ المعروف بالفصيحىّ [2]
من أهل أستراباذ، بلدة من أطراف خراسان. قرأ النحو على عبد القاهر الجرجانىّ، وبرع فيه حتى صار من أعرف أهل زمانه به.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 152، ومعجم الأدباء 15: 58. والبيارىّ، بالكسر:
منسوب إلى بيار، وهى مدينة من أعمال قومس، خرج منها جماعة من العلماء.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 35، وبغية الوعاة 351- 352، وتلخيص ابن مكتوم 152، وابن خلكان 1: 344، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 187- 188، ومعجم الأدباء 15: 66- 75. قال ياقوت: «سمى الفصيحىّ لكثرة دراسته كتاب الفصيح لثعلب» .(2/306)
قدم بغداذ، واستوطنها إلى أن توفى بها. ودرس النحو بالمدرسة النظامية مدّة، وأخذ عنه الناس، وتخرّج به جماعة. سمع منه أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهانىّ ببغداذ، وقال: جالسته وسألته عن أحرف من العربية.
توفى الفصيحىّ يوم الأربعاء ثالث عشر ذى الحجة من سنة ست عشرة وخمسمائة ببغداذ.
وكان- رحمه الله- يكتب خطا صحيحا، رأيت بخطه شرح الحماسة للبيارىّ، وهى فى غاية الجودة والصحة.
486- علىّ بن محمد بن السّيد النحوىّ [1]
من أهل بطليوس. أبو الحسن، ويعرف بالخيطال، وهو أخو الشيخ أبى محمد عبد الله بن السّيد البطليوسىّ «1» .
روى عن أبى بكر بن الفرات. أخذ عنه أبو محمد كثيرا من كتب الأدب وغيرها.
وتوفى بقلعة رباح «2» معتقلا من قبل ابن عكاشة قائدها سنة ثمان وثمانين وأربعمائة أو نحوها.
وكان مقدّما فى علم اللغة وحفظها والضبط لها.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 348، وتلخيص ابن مكتوم 152، والصلة لابن بشكوال 2: 414- 415، ومعجم الأدباء 15: 56. والسيد، بكسر السين وسكون الياء، من أسماء الذئب، سمى به جدّه.(2/307)
487- على بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان أبو الحسن التنوخىّ القاضى المعرىّ المقرئ الفقيه اللغوىّ النحوىّ [1]
ولد علىّ أبو الحسن بن أبى طالب محمد بن أحمد بن إسحاق ببغداذ فى شوّال سنة إحدى وثلاثمائة، وتوفى بها فى شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.
وكان حافظا للقرآن، قرأ على أبى بكر بن مقسم بحرف حمزة «1» ، ولقى أبا بكر بن مجاهد وقرأ عليه بعض القرآن، وسمع منه حديثا، وتفقّه على مذهب أبى حنيفة.
وحمل من النحو واللغة والأخبار والأشعار عن جدّه القاضى جعفر بن البهلول وعن أبى بكر بن الأنبارىّ ونفطويه والصولىّ وغيرهم.
وقال الشعر، وتقلد القضاء بالأنبار وهيت «2» من قبل أبيه فى سنة عشرين وثلاثمائة أو قبلها، ثم تنقلت به الأحوال إلى أن تولى القضاء فى عدة أماكن «3» .
488- على بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر أبو الحسن الأنطاكىّ المقرئ النحوىّ الفقيه [2]
قرأ القرآن بأنطاكيّة «4» على أبى إسحاق إبراهيم بن عبد الرزاق المقرئ «5» ، ورحل إلى الأندلس، فأدخل إليها علما كثيرا من القراءات والرواية لحديث كثير عن الشاميين والبصريين. وكان بصيرا بالعربية والحساب، وله حظ من الفقه على مذهب الشافعىّ، قرأ الناس عليه بالأندلس، وكتبوا عنه، وسمعوا منه.
__________
[1] ترجمته فى تاريخ بغداد 12: 82، وتلخيص ابن مكتوم 152، والجواهر المضية 1: 369- 370. وما ذكره المؤلف يوافق ما فى تاريخ بغداد.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 153، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 564- 565.(2/308)
وكان مولده بأنطاكيّة فى سنة تسع وسبعين ومائتين. وتوفى بقرطبة يوم الجمعة يوم تسعة وعشرين من ربيع الأوّل سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، ودفن فى مقبرة الرّبض «1» .
489- على بن محمد الجزرىّ النحوىّ الأديب [1]
نزيل باخرز «2» من أعمال نيسابور. فاضل وقع من بعض أقطار الجزيرة إلى باخرز، وعلم فضله، فارتبطه أهلها للتأديب. وبقى بين كبرائها موفور النصيب.
وكان غاليا «3» فى التشيّع، ومقت لذلك. فخرج عن باخرز، وقصد الشام ونزل دمشق، ولازم قبر معاوية بن سفيان، وهو فى القبّة الخضراء، وفى ذلك اليوم فيما قيل دكان لفقّاعىّ، فأقام ملازما للقبر مدّة ليزيل عنه اسم التشيع. ثم غلبه الطبع فلم يزل ينتهز الفرصة فى أن يخلو بالقبر. فلمّا خلا به فى بعض الأيام أسال عليه ميزابه، ونفض عليه عيابه، وألقى عليه جنينه، وخلط بذى بطنه طينه. وخرج عنه خائفا يترقب، قال: رب نجنى من القوم الظالمين «4» . وفى هذا المعنى يقول:
رأيت بنى الطوامث «5» والزّوانى ... بمقت ينظرون إلىّ شزرا «6»
لأنى بالشآم أقمت حولا ... على قبر ابن هند كنت أخرا
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 153، ودمية القصر 52- 53.(2/309)
490- على بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله أبو الحسن الضّرير النحوىّ القهندزىّ النيسابورىّ [1]
من أصحاب أبى عبد الله «1» . شيخ فاضل من الأدباء، سمع الحديث الكثير، وسمع منه الناس، وقرأ عليه الأئمة، وتخرّجوا به.
491- على بن محمد بن عبد الله بن الهيثم بن بختيار بن خرزاد ابن سنين بن سينات بن الهيثم المعروف بأبى القاسم بن أبى جعفر الأديب الأصبهانىّ المدينىّ [2]
راوية لكتب اللغة. يروى كتب أبى عبيد القاسم بن سلام، سمعها من الطبرانىّ. ومات بأصبهان فى ذى القعدة سنة سبع وعشرين وأربعمائة.
492- على بن محمد بن عبدوس الكوفىّ [3]
نحوىّ. له ذكر هناك، وصنف كتبا، منها كتاب ميزان الشعر بالعروض «2» .
كتاب البرهان فى علل النحو. كتاب معانى الشعر.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 346، وتلخيص ابن مكتوم 153- 154، ومعجم الأدباء 15: 57- 58، ونكت الهميان 215. والقهندزىّ، بضم القاف والهاء وسكون النون وضم الدال المهملة: منسوب إلى قهندز نيسابور. وقهندز: اسم الحصن أو القلعة فى وسط المدينة.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 154.
[3] ترجمته فى بغية الوعاة 350، وتلخيص ابن مكتوم 154، والفهرست 86، وكشف الظنون 242، 1729، 1918، ومعجم الأدباء 14: 157.(2/310)
493- على بن محمد الهروىّ النحوىّ [1]
من أهل هراة. قدم مصر واستوطنها روى عن الأزهرىّ. وهو أوّل من أدخل نسخة من كتاب الصحاح للجوهرىّ مصر- فيما قيل- ووجد فيها خللا ونقصا، فهذبه وأصلحه. وصنف كتابا كبيرا فى النحو، عدّة مجلدات، وهو موجود بمصر.
وصنف كتابا فى معانى العوامل سماه الأزهية «1» رأيته بخط ولده أبى سهل، وملكته والحمد لله. وله مختصر فى النحو سماه المرشد، رأيته وملكته وعليه خطه «2» .
494- على بن محمد السّخاوىّ المصرىّ المقرئ النحوىّ [2]
نزيل دمشق. من أهل سخا؛ إحدى قرى الناحية الشمالية من مصر «3» . قرأ القرآن العزيز بمصر على أبى القاسم بن فيّره «4» الشاطبىّ المقرئ المشهور، ولازمه مدّة طويلة،
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 355، وتلخيص ابن مكتوم 155، وكشف الظنون 73، 822، ومعجم الأدباء 14: 249. والهروى، بفتح الهاء والراء: منسوب إلى هراة، وهى إحدى مدن خراسان المشهورة.
[2] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 36، وبغية الوعاة 349- 350، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 643) ، وتاريخ أبى الفدا 4: 174، وتاريخ ابن كثير 13: 17، وتلخيص ابن مكتوم 154- 155، وحسن المحاضرة 1: 173، وابن خلكان 1: 345، وروضات الجنات 492- 493، وشذرات الذهب 5: 222- 223، وطبقات الشافعية 5: 126، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 183- 187، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 568- 571، وطبقات المفسرين للداودى الورقة 1179، وطبقات المفسرين للسيوطى 25- 26، وكشف الظنون 593، 647، 1236، 1327، 1775، ومرآة الجنان 4: 110،- 111، ومعجم الأدباء 15: 65- 66، ومعجم البلدان 5: 46- 47، والنجوم الزاهرة 6: 354.(2/311)
واستفاد منه، وقرأ النحو على نحاة زمانه من الشاطبىّ وغيره، وخرج عن مصر، واستوطن دمشق، وتصدّر بجامعها للإقراء والإفادة، فاستفاد الناس منه، وأخذوا عنه. وصنف فى علم القراءات «1» ، وشرح قصيدة «2» شيخه فى القراءات شرحا كافيا، ونقل عنه. وشرح المفصل «3» للزمخشرى شرحا حسنا، وطيئ الألفاظ، أراد به وجه الله تعالى، فالنفوس تقبله؛ إذ لم يعتمد فيه القعقعة الأعجمية، ولا التقاسيم المنطقية «4» . وهو مقيم على حالته فى الإفادة بدمشق فى زماننا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وستمائة «5» .(2/312)
495- على بن المبارك الأحمر النحوىّ [1]
صاحب على بن حمزة الكسائىّ. كان مؤدب الأمين، وهو أحد من اشتهر بالتقدّم فى النحو واتساع الحفظ. وجرت بينه وبين سيبويه مناظرة لما قدم بغداذ.
__________
[1] ترجمته فى الأنساب للسمعانى 20 ا- 21 ب، وبغية الوعاة 334، وتاريخ بغداد 12:
104- 105، وتلخيص ابن مكتوم 155- 157، وطبقات الزبيدى 95، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 180، ومراتب النحويين، والمزهر 2: 410، ومعجم الأدباء 13:
5- 11. واسمه فى معجم الأدباء: «على بن الحسن» . والأحمر فى الأصل: صفة للرجل الذى فيه الحمرة. قال السيوطى فى البغية ص 436: «الأحمر أربعة؛ أشهرهم اثنان: خلف البصرىّ وعلى بن الحسن الكوفى. والثالث أبان بن عثمان الطولونىّ والرابع أبو عمرو الشيبانىّ إسحاق ابن مرار» .(2/313)
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: كان علىّ بن المبارك الأحمر مؤدب «1» الأمين يحفظ أربعين ألف بيت شاهد فى النحو سوى ما كان يحفظ من القصائد وأبيات الغريب. ولما أحضر سيبويه فى دار يحيى بن خالد البرمكىّ لمناظرة الكسائىّ حضر الأحمر قبل حضور الكسائىّ، فألقى الأحمر على سيبويه مسألة. فأجاب فيها. فقال له الأحمر: أخطأت. وألقى عليه أخرى فأجاب، فقال له: أخطأت،- وكان الأحمر حادا حافظا- فغضب سيبويه، فقال له الفراء: [إن «2» ] معه عجلة. وأخذ الفراء فى الكلام مع سيبويه «3» .
وقال على بن المبارك الأحمر هذا: قعدت مع الأمين ساعة من نهار، فوصل إلىّ فيها ثلاثمائة ألف درهم. فانصرفت وقد استغنيت. ولم يصر إلى أحد قط من التأديب ما صار إليه. وقد ذكر أن اسمه على بن الحسن.
قال عبد الصمد بن المعذّل: رأيت الأصمعىّ بمكة، وقد جاءه الأحمر؛ فألقى إليه مسائل من الغريب، فجعل يجيبه. وكان الأحمر كأنه مجنون فى سؤاله وحركته.
ولما انقضت المسائل تمثل بشعر ابن مقبل «4» :
وقد بريت قداحا أنت مرسلها ... ونحن راموك فانظر كيف ترمينا
ثم سأله الأصمعىّ عن بيت فلم يجبه، فسأله عن ثان فلم يجبه، ثم سأله عن ثالث فلم يجبه وتلجلج، فقال الأصمعىّ «5» :(2/314)
تلجلج مضغة فيها أنيض ... أصلّت فهى فوق الكشح داء «1»
غصصت بنيئها فبشمت عنها ... وعندى لو طلبت «2» لها دواء
فقال الأحمر للأصمعىّ: ما يتعرض لك فى اللغة إلّا مجنون.
وكان الأحمر هذا فى أوّل أمره من الجند، من رجالة النوبة على باب الرشيد، وكان يحب علم العربية ولا يقدر على مجالس الكسائى إلا فى أيام غير نوبته، وكان يرصد مصير الكسائىّ إلى دار الرشيد، ويعرض له فى طريقه كل يوم؛ فإذا أقبل تلقّاه وأخذ بردائه حتى ينزل، ثم أخذ بيده وماشاه إلى أن يبلغ إلى الستر، وسأله فى طريقه عن المسألة بعد المسألة، فإذا دخل الكسائىّ رجع إلى موضعه، فإذا خرج الكسائى من الدار تلقاه إلى الستر، وأخذ بيده فماشاه، وسأله حتى يركب ويتجاوز الموضع، ثم ينصرف إلى مكانه. ولم يزل كذلك يتعلم المسألة بعد المسألة حتى قوى وتمكن.
وكان فطنا حريصا، فلما أصاب الكسائىّ الوصح «3» فى وجهه وبدنه كره الرشيد ملازمته أولاده، وأمره أن يرتاد لهم من ينوب عنه ممن يرتضى به. وقال له:
إنك قد كبرت، ونحن نحبّ أن نريحك؛ لسنا نقطع عنك جاريك «4» ، فجعل يدافع بذلك، وينوى أن يأتيهم برجل فيغلب على موضعه. إلى أن ضيق عليه الأمر وشدد وقيل له: إن لم تأتنا أنت من أصحابك برجل ارتدنا لهم من يصلح- وكان قد بلغه أن سيبويه يريد الشخوص إلى بغداذ والأخفش- فقلق لذلك، وأراد أن يدخل إليهم من لا يخشى عاقبته، فقال للأحمر: هل فيك خير؟ قال: نعم،(2/315)
قال: قد عزمت على أن أستخلفك على أولاد الرشيد، فقال الأحمر: لعلى لا أفى بما يحتاجون إليه. فقال له الكسائىّ: إنما يحتاجون فى كل يوم إلى مسألتين فى النحو، وبيتين من معانى الشعر وأحرف من اللغة، وأنا ألقّنك فى كل يوم قبل أن تأتيهم ذلك، فتحفظه وتعلّمهم، فقال: نعم. فلما ألحوا عليه قال: قد وجدت لكم من أرضاه، وإنما أخّرت ذلك حتى وجدته- وأسماه لهم- فقالوا له:
اخترت لنا رجلا من رجال النوبة، ولم تأت بأحد متقدّم فى العلم. فقال:
ما أعرف فى أصحابى فى الفهم والصيانة مثله، ولست أرضى غيره لكم. فأدخل الأحمر إلى دار، وفرش له البيت الذى فيه بفرش وخيش.
وكان الخلفاء إذا أدخلوا مؤدّبا إلى أولادهم فجلس أوّل يوم أمروا عند قيامه بحمل كل ما فى المجلس إلى منزله مع ما يوصل به، ويوهب له. فلما أراد الأحمر الانصراف إلى منزله دعى له بحمّالين، فحمل معه ذلك كله مع بزّ كثير.
فقال الأحمر: والله ما يسع بيتى هذا، وما أنا إلا فى غرفة ضيّقة فى بعض الخانات ليس فيها من يحفظه غيرى، وإنما يصلح هذا كلّه لمن له دار وأهل وكلّ شىء يشاكله. فأمر بشراء دار له وجارية، وحمل على دابة، ووهب له غلام، وأقيم له جار له ولمن عنده. وجعل يختلف إلى الكسائىّ كل عشيّة، فيتلقّن ما يحتاج إليه أولاد الرشيد ويغدو عليهم فيلقّنهم. وكان الكسائىّ يأتيهم فى الشهر مرّة أو مرّتين، فيعرضون عليه بحضرة الرشيد ما علّمهم الأحمر. وكان الكسائىّ لا يسألهم إلّا عمّا لقّنهم الأحمر، فيجيبوه عنه، فيثنى على الأحمر بذلك ويرضاه.
ولم يزل الأحمر كذلك حتى صار نحويّا، وحسنت حاله، وعرف بالأدب حتى قدّم على سائر أصحاب الكسائى. ولم يكن قبل ذلك له ذكر، ولا يعرف. ولما تمكّن(2/316)
فى الرياسة صارت له الهيئة الجميلة، والتجمّل التام، والجماعة المتوقّرة، والطعام السرىّ. وإذا حضر الطلبة إلى منزله رأوا منزلا كمنازل الملوك ينفح منه الطيب، ويوسّع لهم فى المأكل والورق والأقلام والمداد، ويريهم بشرا وسرورا؛ فلا ينفصل أحد عنه إلّا شاكرا.
وكان ينصرف من مكتبه يوم الثّلاثاء فينقطع فى ذلك اليوم عن الخروج، ويجمع إليه إخوانه وأصحابه، ويوسعهم فضلا وإفضالا، فلذلك قال أبو فقعس أو أبو الجراح:
قالوا: ثلاثاؤه خصب [ومكرمة] ... وكلّ أيّامه يوم الثلاثاء
والأحمرىّ إذا لاذوا فملوذه ... من الطّريق ندى فى رأس ميثاء
وجاءته قريبة الدّبيريّة تسأله فلم [يفهم] ما أرادت، فقالت:
الأحمرىّ الأحمق الطّرماذ «1» ... أحمق شخص ضمّه بغداذ
ليس له من خزيه ملاذ
وكان بين الفرّاء والأحمر وحشة؛ وذلك أن الأحمر كان قد اقترض من الفرّاء عشرة آلاف درهم، وردّها عليه مقطّعة، فاستوحشا لذلك.
ولما مات الأحمر بطريق مكّة نعى إلى الفراء، فذكره بخير وأثنى عليه. فقال أهل زمانه: لم يذكره لمحبّته له، وإنما ذكره ليكاثر أهل البصرة بأهل الكوفة.
قال الطّوال: ومات الأحمر قبل الفرّاء بمدّة. قال: أحسبه سنة أربع وتسعين ومائة، ومات الفراء سنة أربع ومائتين.(2/317)
496- على بن المبارك بن عبد الباقى بن بانويه أبو الحسن النحوىّ [1]
يعرف بابن الزاهدة «1» . من ساكنى الظّفرية «2» . قرأ النحو على الشريف أبى السعادات بن الشجرىّ العلوى، [و] «3» أبى جعفر «4» المعروف بالتّكريتى، ثم على أبى محمد بن الخشّاب. وصارت له به معرفة جيدة، وأقرأ الناس مدّة، وتخرج به فيه جماعة؛ منهم أبو البركات محمد بن محمد الشهرستانىّ ثم البغداذىّ وغيره.
وكان قد انقطع قبل وفاته بمنزله، وسمع الناس منه فى حال انقطاعه.
وتوفّى يوم الثلاثاء ثالث ذى الحجة من سنة أربع وتسعين وخمسمائة ودفن عند والدته برباط لهم بدرب البقر بالظّفرية.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 364، وتلخيص ابن مكتوم 157، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 279، ومعجم الأدباء 14: 108- 110. وبانويه، ضبطه ابن قاضى شهبة بالموحدة وبعد الألف نون مفتوحة.(2/318)
497- على بن المغيرة أبو الحسن الأثرم [1]
صاحب النحو والغريب واللغة. سمع أبا عبيدة معمر بن المثنى وأبا سعيد الأصمعىّ. روى عنه الزبير بن بكار «1» ، والحسن «2» بن مكرم، وأحمد بن أبى خيثمة «3» ، وأبو العباس ثعلب وغيرهم. روى الأثرم هذا عن أبى عبيدة البصرىّ قال: مرّ أبو عمرو بن العلاء [بالبصرة] «4» ، فإذا أعدال مطروحة مكتوب عليها: «لأبو فلان» فقال أبو عمرو: يا ربّ، يلحنون ويرزقون! قال أبو بكر بن الأنبارىّ: وكان ببغداذ من رواة اللّغة اللّحيانى والأصمعىّ وعلى بن المغيرة الأثرم.
قال أبو مسحل: كان إسماعيل بن صبيح أقدم أبا عبيدة فى أيام الرشيد من البصرة إلى بغداذ، وأحضر الأثرم- وكان ورّاقا فى ذلك الوقت- وجعله فى دار من دوره، وأغلق عليه الباب، ودفع إليه كتب أبى عبيدة، وأمره بنسخها.
قال: فكنت أنا وجماعة من أصحابنا نصير إلى الأثرم، فيدفع إلينا الكتاب من
__________
[1] ترجمته فى الأنساب للسمعانى 119، وبغية الوعاة 355، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 232) ، وتاريخ بغداد 12: 107- 108، وتلخيص ابن مكتوم 157- 158، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 190، والفهرست 56، واللباب لابن الأثير 1: 21- 22، والمزهر 2، 12، ومعجم الأدباء 15: 77- 79، والنجوم الزاهرة 2: 263، 265، ونزهة الألباء 218- 221. والأثرم: من كانت سنه متفتتة.(2/319)
تحت الباب، ويفرّقه علينا أوراقا، ويدفع إلينا ورقا أبيض من عنده، ويسألنا نسخه وتعجيله، ويوافقنا على الوقت الذى نردّه عليه فيه، فكنا نفعل ذلك.
وكان الأثرم يقرأ على أبى عبيدة، ويسمعها. قال: وكان أبو عبيدة من أضنّ الناس بكتبه، ولو علم بما فعله الأثرم لمنعه منه، ولم يسامحه.
مات الأثرم فى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين فى جمادى الأولى. قال محمد ابن إسحاق النّديم فى كتابه: «أبو الحسن علىّ بن المغيرة الأثرم. روى عن جماعة من العلماء، وعن فصحاء الأعراب، وروى كتب أبى عبيدة والأصمعىّ- وكان لا يفارقها» .
«قال ثعلب: كنا عند الأثرم صاحب الأصمعىّ، وهو يملّ «1» شعر الراعى.
قال: فلما استتم المجلس وضع الكتاب من يده- وكان معى يعقوب بن السّكيت- فقال: لا بد من أن أسأله عن أبيات. قال: فقلت: لا تفعل، فلعله لا يحضره جواب، فتكون قد هجنته على رءوس الملأ. قال: لا بدّ من ذلك.
فقال: ما تقول فى قول الراعى «2» :(2/320)
وأفضن بعد كظومهنّ بجرّة ... من ذى الأبارق إذ رعين حقيلا «1»
قال: فلجلج الشيخ [وتنحنح] «2» ، ولم يجب بشىء. فقال: ما تقول فى بيته:
كدخان مرتجل بأعلى تلعة ... غرثان ضرّم عرفجا مبلولا «3»
قال: فعاد إلى تلك الصورة، ورأيت فى وجهه الكراهة والإنكار» .
وتوفّى الأثرم سنة ثلاثين ومائتين. وله من الكتب: كتاب النوادر.
كتاب غريب الحديث.
498- على بن منصور بن عبيد الله بن علىّ الخطيبىّ أبو الحسن [1]
الأصبهانىّ الأصل، البغداذىّ المولد والدار، اللغوىّ. فاضل له معرفة تامة بالأدب. قرأ على أبى الحسن على بن عبد الرحيم السّلمىّ المعروف بابن العصّار، وعلى أبى البركات عبد الرحمن بن محمد الأنبارىّ. وبرع فى ذلك حتى صار يشار
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 356، وتلخيص ابن مكتوم 158، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 190- 191، ومعجم الأدباء 15: 81- 83. والخطيبىّ بفتح الخاء وكسر الطاء: منسوب إلى الخطيب. قال السمعانىّ عند ذكر هذه النسبة: «ولعل بعض أجداد المنتسب إليه كان خطيبا» .(2/321)
إليه فى معرفة اللّغة العربيّة، ونقلها حفظا «1» وعلما، مع حفظ القرآن المجيد ومعرفة الفقه على مذهب الشافعىّ.
ولد فى سنة سبع وأربعين وخمسمائة فى شوّال «2» .
499- على بن المغربى النحوىّ [1]
المقيم بقلعة جعبر «3» ، من أرض الجزيرة. كان متصدّرا بها لإفادة هذا الشأن.
وكان أديبا فاضلا فى المائة السادسة من الهجرة، وله شعر جيّد منه:
ما كنت لولا كلفى بالعذار ... أصبو إلى الشرب بكأس العقار «4»
سال كذوب المسك فى وجنة ... ورديّة تجمع ماء ونار
هذا وما تمّ غرامى به ... فكيف لو تمّ بها واستدار
وفاتن الألحاظ ما زلت من ... نواظر الناس عليه أغار
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 158.(2/322)
ملّكته رقّى على أنّه ... يجير قلبى فتعدّى وجار
ويلاه من صحة أجفانه ... وما بها من مرض واحورار
500- على بن نصر بن سليمان أبو الحسن البرنيقىّ النحوىّ [1]
نزيل مصر. وبرنيق مدينة على ساحل البحر المالح المغربىّ بين الإسكندرية وبرقة. وهى إحدى المراسى للمراكب الواردة من المغرب على رأس الجون المعروف بجون زنديق.
كان نحويا لغويا فاضلا، مشهورا بالأدب. وكتب بخطه الكثير. وكان الناس يتنافسون فى خطه وتحصيله، وذلك مستمرّ إلى زماننا هذا. ولقد رأيت نسخة بخطه من كتاب الجمهرة لابن دريد. وقد أبيع فى تركة الجمال البجلىّ البغداذى المعروف بابن الفضل الكرخى مدرّس المدرسة الحنفية بالقاهرة المعزّيّة بما مبلغه أربعة وعشرون دينارا مصريا. ولولا الحياء ممن تعرّض له، وهو مبارك ابن منقذ التبريزىّ أحد أمراء الدولة الصلاحيّة- وكان يتولّى الدواوين، وتحت يديه أرزاق المرتزقين بها من جهة السلطان- لكان ثمنها قد زاد على ذلك. وكان خطه خطا قاعدا عاقلا بين الخطوط، كثير الضبط، فى غاية التحقيق والتنقيب والتصحيح.
حدّث البرنيقىّ عن سعيد بن السكن الحافظ.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 357، وتلخيص ابن مكتوم 158، ومعجم الأدباء 15: 97، ومعجم البلدان 2: 155.(2/323)
501- على بن هارون بن نصر أبو الحسن النحوىّ المعروف بالقرميسينىّ [1]
حدّث عن علىّ بن سليمان الأخفش. روى عنه عبد السّلام بن الحسين البصرىّ. وكان عنده عن أبى الحسن الأخفش أشياء كثيرة، وكان ثقة جميل الأمر.
وكان مولده سنة تسعين ومائتين، وكان يسكن الرحبة ببغداذ، وتوفى فى جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة.
502- عمر بن إبراهيم بن محمد العلوىّ الزيدىّ أبو البركات [2]
عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علىّ بن الحسين بن على بن حمزة بن يحيى بن الحسين ذى الدمعة بن زيد الإمام الشهيد بن على زين العابدين بن السّبط أبى عبد الله الحسين بن على بن أبى طالب، عليهم السلام. أبو البركات.
من أهل الكوفة. يسكن محلّة يقال لها السّبيع «1» ، ويصلّى بالناس فى مسجد أبى إسحاق السّبيعىّ «2» . شيخ مسنّ كبير فاضل، له معرفة بالفقه والحديث والتفسير
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 358، وتاريخ بغداد 12: 120- 121، وتلخيص ابن مكتوم 159، ومعجم الأدباء 15: 111. والقرميسينىّ، بكسر القاف وسكون الراء وكسر الميم:
منسوب إلى قرميسين؛ وهى مدينة بجبال العراق.
[2] ترجمته فى الأنساب للسمعانى 283 ب، وبغية الوعاة 359، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 539) وتاريخ ابن عساكر 30: 483- 484، وتاريخ ابن كثير 12: 219، وتلخيص ابن مكتوم 159، وشذرات الذهب 4: 122- 123، وطبقات ابن قاضى شهبة 2:
194، واللباب فى الأنساب 1: 517، ومعجم الأدباء 15: 257- 262، والمنتظم (وفيات سنة 539) ، والنجوم الزاهرة 5: 276.(2/324)
والنحو واللغة والأدب. وله التصانيف الحسنة السائرة فى النحو. وهو خشن العيش، صابر على الفقر والقلّة، قانع باليسير. وكان يقول: أنا زيدىّ المذهب، وأفتى على مذهب أبى حنيفة. واسع الرواية، أدرك المشايخ الجلّة، كأبى بكر الخطيب وطبقته.
وسافر إلى الشام، وأقام بدمشق مدّة، ثم بحلب مدّة، وقرا بها الإيضاح لأبى على الفارسىّ فى سنة خمس وخمسين وأربعمائة، على رجل يقال له أبو القاسم زيد بن علىّ الفارسىّ عن خاله أبى علىّ الفارسىّ. وروى هذا الشريف الكتاب- أعنى الإيضاح- بهذا الطريق بالكوفة المدّة الطويلة، وأخذه عنه بهذا السّبيل الجمّ الغفير من علماء الرواة والنحاة. وكان هذا الشريف عمر متيقّظا حسن الاستماع، يكتب خطّا جميلا. وكان حافظا للسانه، تكرّر إليه المحدّثون ونقلوا عنه الأحاديث والأخبار لسعة روايته، ولم يسمعوا منه شيئا مما يتعلّق باعتقاد الشيعة.
قال المسلم بن نجم بن علىّ الرّسىّ الكوفىّ: كان الشريف عمر بن إبراهيم الكوفىّ يغرس فسيل «1» النخل فى أجمة له، وهو شيخ كبير، ومعه جماعة من شبّان محلّته يعينونه على ذلك كما جرت العادة. فوقف رجلان من طيّئ شيبان من بعيد من أبناء السبيل ينظران إلى العمل، فقال أحدهما لصاحبه: ترى من يغرس هذا الفسيل؟ فقال له: ذلك الشيخ الكبير. فقال البدوىّ: أذلّه الله! أيرجو هذا الشيخ أن يأكل من جناه! فسمع الشريف ما قال، وأحزنه ذلك، وقال له: يا بنىّ، كم من كبش فى المرعى وخروف فى التّنور! ففهم أحدهما دون الآخر كلام الشريف. فقال الذى لم يفهمه لصاحبه الذى فهم: أيش قال الشيخ؟ فقال(2/325)
البدوىّ: قال الشيخ: كم من ناب يسقى فى جلد حوار «1» ! ففهم البدوىّ ما قال وأعجبه ذلك.
قال أبو الغنائم: وعاش الشريف إلى أن أدرك الفسيل وأكل من تمره سنين كثيرة.
وذاكر الشريف عمر هذا يوما بعض أصحاب الحديث الآخذين عنه، وقال:
دخل أبو عبد الله الصّورىّ «2» الكوفة، وكتب عن أربعمائة شيخ. وقدم علينا هبة الله بن المبارك السّقطىّ «3» ، فأفدته عن سبعين شيخا من الكوفيّين، وما فى الكوفة اليوم أحد يروى الحديث غيرى. ثم أنشد:
لما دخلت اليمنا ... لم أر فيه حسنا
قلت: حرام بلدة ... أعلم من فيها أنا
وكان أبو محمد عبد الله بن على بن أحمد المقرئ سبط أبى منصور الخياط قد قرأ على الشّريف عمر النحو؛ لأن الشريف كان علامة فى النحو، وقرأ عليه جماعة من مشايخ العراق النحو أيضا. ومدحه أبو محمد عبد الله بأبيات، منها:
أحيا بكوفان علما كان مدروسا ... وقام بالحق فيها وهو خاطبه
فما له فى الورى شكل يماثله ... وما له فى التّقى عدل يناسبه
سئل عن مولده فقال: ولدت فى سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة بالكوفة.(2/326)
وتوفّى رحمه الله يوم الجمعة السابع من شعبان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
ودفن يوم السبت فى المسبلة المعروفة بالعلويين، وصلّى عليه كل من فى الكوفة.
وقدّر الجمع بثلاثين ألفا.
أنبأنا أبو طالب السّلفىّ فى إجازته العامّة- لمن يقول فى وقت الإجازة:
«لا إله إلا الله محمد رسول الله» ، وذلك فى سنة ست وتسعين وخمسمائة- وكنت فى ذلك الحين ابن ثمان سنين: أخبرنى أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد العلوىّ الزيدىّ بالكوفة وروى عنه حديثا. وقال: الشريف عمر هذا أديب نحوىّ، وفى المذهب زيدىّ، وكان يفتى بالكوفة على مذهبه، وسمع معنا على جماعة من شيوخنا الكوفيين. وكان من عقلاء الرجال، حسن الرأى فى الصحابة، مثنيا عليهم، متبرئا ممن يتبرّأ منهم. والزيديون فى تشيّعهم القديم يقولون بخلافة أبى بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علىّ، ويرون أن عليا أفضل، ويجوز تقديم المفضول على الفاضل» .
503- عمر بن أحمد بن محمد بن الحسن الكشانىّ الأديب أبو حفص [1]
شيخ معروف مشهور بالتأديب، له تلامذة. ولد سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة وتوفى يوم السبت سادس شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 160، والكشانى، بالفتح ثم التخفيف: منسوب إلى كشانية، وهى بلدة بنواحى سمرقند.(2/327)
504- عمر بن حسن النحوىّ الصّقلىّ أبو حفص [1]
شيخ فى اللغة والنحو، طويل الباع فيهما؛ أخذا ورويا عنه. وتصدّر للإفادة ببلرم «1» ، وهى مدينة جزيرة صقلّيّة فى الأيام الفرنجية، وأصيب من الفرنج بما قضى بسجنه.
وقال يمدح رجّار «2» ملك صقلّية، وهو فى حبسه:
طلب السلوّ لو أنّ غير سعاده ... حلّت سويدا قلبه وفؤاده
ورجا زيارة طيفها فى صدّها ... وغرامه يأبى لذيذ رقاده
والله لولا الملك رجّار الذى ... أهدى «3» لحبّيه عظيم وداده
ما عاف كأس المجد يوم فراقها ... ورأى محيّا المجد فى ميلاده
منها فى المديح:
يهتزّ للجدوى اهتزاز مهنّد ... يهتزّ فى كفّيه يوم جلاده
ويضىء فى الدّيجور ضوء جبينه ... فتخال ضوء الشمس من حسّاده
ومطالع الجوزاء أرض خيامه ... والنجم والقمران من أوتاده
وإذا الأمور تشابهت فلعضبه ... خطّ يبيّض سودها بمداده
يأيّها الملك الذى ثنيت به ... قدما الفظاظة فى صفا أصلاده
ودعته أرواح العدى فرمى بها ... لعبا تلقتها ظبى أغماده
والله يغفر لهذا الشاعر فى مدحه الملك الكافر؛ ولكنه معذور؛ إذ هو مأسور.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 160، وخريدة القصر 11: 32، والمكتبة الصقلية 587- 588، 646.(2/328)
505- عمر بن خلف بن مكّىّ الصّقلى [1]
فقيه محدّث لغوىّ عالم بالعربيّة، مصنّف فى اللغة. صنّف فى اللغة كتابا سمّاه تلقيح الجنان وتثقيف اللسان فى نهاية الملاحة والبيان، يدل على وفور حظّه من هذا الشأن.
رحل إلى تونس من برّ العدوة، فاستوطنها، وولى قضاءها. وكان يجيد الخطب، يخطب فى كل جمعة بخطبة من إنشائه؛ تفوق خطب ابن نباته. وله شعر يروق، منه ما قاله فى القناعة:
يا حريصا قطع الأيّام فى ... بؤس عيش وعناء وتعب
ليس يعدوك من الرزق الّذى ... قسم الله فأجمل فى الطلب
وقال:
أتطمع فى ودّ امرئ وهو قاطع ... لأرحامه هيهات قد فاتك الرّشد
إذا لم يكن فى المرء خير لوالد ... ولا ولد لم يرجه أحد بعد
506- عمر بن عثمان بن شعيب الجنزى [2]
من ثغر جنزة. قرأ على الأبيوردىّ «1» . وهو أحد أئمة الأدب، وله باع طويل فى النحو ومعرفة كلام العرب. ورد بغداذ والبصرة وخوزستان؛ وذاكر الفضلاء
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 160، وخريدة القصر 11: 74- 76، والمكتبة الصقلية 597، 646.
[2] ترجمته فى الأنساب 137 ب، وبغية الوعاة 262، وتلخيص ابن مكتوم 161- 162، واللباب فى الأنساب 1: 241- 242، ومعجم البلدان 3: 151. والجنزى، بفتح الجيم وسكون النون وبعدها الزاى: منسوب إلى جنزة؛ وهى من قرى أذربيجان.(2/329)
حتى صار علّامة زمانه وواحد عصره. وشرع فى إملاء تفسير لو تمّ لم يوجد مثله.
وتوفى بمرو سنة خمسين وخمسمائة فى شهر ربيع الأول. ومن شعره:
بدا ونسيم صبحى برق عيد ... خيال زائر من برقعيد «1»
وقرّعنى على طول التنائى ... وجرّعنى عتاب المستزيد
ففضّ الدرّ فوق الورد نثرا ... وغصّ الورد بالدرّ النضيد
وبات وبتّ معتنقين شوقا ... يبدّد منه ضمّى سقط جيد
فلى طوقان لكن من لجين ... وطوقاه من التّبر الجديد
507- عمر بن عثمان بن محمد بن عمير بن حبيب الأندلسىّ النحوىّ المعروف بابن الجرار [1]
كان من أهل البلاغة والشعر، وكان ذا حظ من اللغة والنحو، وله رسالة ناقض فيها عبد الله بن المقفّع فى اليتيمة، وظهر فضله فيها. وكان يرمى بالزندقة. وكان ضئيل الخلقة؛ فلأجل ذلك كتب إلى ربّ الأمر فى زمانه، وقد كان مبعدا غير مقرّب:
يا لباب اللّباب من عبد شمس ... ومحلّ الحياة من كلّ نفس
إن يكن مبعدى قماءة شخصى ... وروائى ففى حديثى أنسى
__________
[1] ترجمته فى بغية الملتمس للضبى 415- 416، وتلخيص ابن مكتوم 161. واسمه فى بغية الملتمس: عمرو بن عثمان بن سعيد بن الجرز، (بالجيم والراء قبل الزاى) .(2/330)
508- عمر بن محمد بن عمر أبو حفص الفرغانى [1]
من فرغانة تركستان ممّا وراء النهر، وإنما [ذكرت] بلده؛ خشية اللبس؛ وذلك [أن] فى قرى أصبهان فرغانة- وربما قيل فرغان- ينسب إليها جماعة من المحدّثين.
وعمر هذا قرأ النحو العربىّ فى بلاد العجم على عدّة مشايخ، وعرف منه طرقا. وقرأ المنطق اليونانى أيضا على الفخر الرازىّ «1» وطبقته، وأجاد النوعين، وشارك فيما سواهما مشاركة بليغ. وهو حسن النّقل فى الألفاظ البليغة، وربما خرج فى المؤاخذة إلى حدّ يرتفع به مجاز الكلام والاتساع فى العبارة والاستعارة.
رماه المقدار إلى مدينة سنجار، ورزق بها على تدريس ما يعلّمه، فتصدّر وأفاد الطلبة بجامعها علم النحو، والفقه على مذهب النعمان بن ثابت، والمنطق. وفيه كبر وعسر فى الإفادة، واطّراح لجانب الجهلة المتكبرين. واتفق أن جرى على رسمه السائر، فى قطع وصل ابن مهاجر. [و] لما استمر الفرغانى هذا على إهمال جانبه، وألقى حبله على غاربه، توسط له فى أمر رزقه بما هو أهله، وحمله على اطّراح علمه جهله، وأشار على صاحب البلد بإبعاده، ورماه عنده بكفره وإلحاده، فتقدم إليه بالرحلة عن سنجار؛ فتركها غير مكترث بها وسار. ولما حصل ببغداذ نال بها المآرب والملاذ، وتصدر للتدريس والإفادة، وبذلت له الحسنى وزيادة.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 161، والجواهر المضية 1: 396.(2/331)
وهو فى وقتنا هذا مرتّب فى المدرسة الجديدة المستنصرية «1» ، يلقى الدروس، وتطأطأ نحوه الرءوس، وذلك فى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. وأصبح الناقص ابن مهاجر يقلّب من الندم على فعله فى حقّه كفّيه، ويتميّز غيظا إذ بلغه ما انتهى أمره إليه.
ولما توفرت لديه السعادات، وساغ [له] أن يعيش مات، فى أوائل سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ولم يخلف ولدا «2» .
509- عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله أبو على الشّلوبينىّ الأندلسىّ [1]
نزيل إشبيلّية والمتصدّر بها. نحوىّ فاضل كامل، من قرية من قرى إشبيلية، اسمها شلوبينية «3» .
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 37- 38، وبغية الوعاة 364، وتاريخ الإسلام للذهبىّ (وفيات سنة 645) ، وتاريخ ابن كثير 13: 173، وتلخيص ابن مكتوم 162- 165، وابن خلكان 1: 382، وروضات الجنات 501، وشذرات الذهب 5: 232- 233، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 200، وكشف الظنون 508، 1428، 1800، ومرآة الجنان 4:
113: 114، ومعجم البلدان 5: 290، والنجوم الزاهرة 6: 358. وفى ابن خلكان: «هذه النسبة إلى الشلوبين، وهو بلغة أهل الأندلس الأبيض الأشقر» . وحكى ابن مكتوم عن شيخه ابى حيان: «لا يقال له الشلوبينىّ؛ إنما هو الشلوبين (بالشين المشوبة) غير منسوب، وذلك لقب عليه» .
ثم قال: «وليس قول من قال إنه منسوب إلى شلوبينية بشىء. والقول ما قالت حزام» .(2/332)
قال لى مخلص بن الظّل الغرناطىّ لما قدم علينا حلب: خرجت من إشبيلية أنا وعمر الشّلوبينىّ النحوىّ، وكنت قاصدا مالقة لأركب منها البحر إلى بر العدوة، وكان الشلوبينىّ راكبا على حمار قصير تكاد رجلاه تلمس الأرض، وعليه برنس يغطّيه ويغطى الحمار، فلما كنا ببعض الطريق عرّج إلى ناحية قريته ومضيت إلى مالقة.
وهذا الشّلوبينىّ له فى بلاده ذكر كثير، وهو متصدّر هناك، وسألت عنه من رآه من أهل النحو فقال لى: لم تكن عبارته بليغة، وإن قلمه فى التصنيف لأجود من عبارته.
وقيل إنه صنف شرحا لكتاب سيبويه لم يظهر بعد، وصنف شرحا «1» للجزولية «2» ، رأيت منه فصولا قد أوردها الجيّانىّ «3» النحوى فى شرحها منسوبة إليه، لم يكن فيها كبير أمر.
والذى وقع لى أنه غير عاشق فى هذه الصناعة، وإنما يريدها للارتزاق؛ وذلك أنه لما قدم علينا أبو العباس أحمد بن مفرج بن الرومية العشّاب «4» الإشبيلىّ «5»(2/333)
وهو أثبت من رأيت وأسكن، وهو أحد القائلين بمذهب ابن حزم الظاهرىّ الأندلسىّ.
أخبرنى أنه لما عزم على الخروج إلى المشرق للحج ابتاع من عمر الشلوبينىّ الأندلسى كتاب العالم فى اللغة لأحمد بن أبان بن سيّد الأشبيلىّ الأندلسىّ فى اللغة فى أربعين مجلدا، وهو كتاب غريب عجيب لا يسوغ لعالم عاشق فى علم العربية أن يخرج عن يده، واستدللت بهذا على ما قلت «1» .(2/334)
وهو حى فى زماننا هذا بإشبيليّة يفيد هذا الشأن، ويقرأ عليه السّوقة والأعيان؛ لم تبلغنا وفاته، وذلك فى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة «1» .
510- عثمان بن جنى أبو الفتح الموصلىّ النحوىّ اللغوىّ [1]
المشهور المذكور، صاحب التصانيف البديعة فى علم الأدب. وأبوه جنّى مملوك رومىّ لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدىّ الموصلىّ. وفى ذلك يقول عثمان ابن جنى:
فإن أصبح بلا نسب ... فعلمى فى الورى نسبى
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين 30 ا، وبغية الوعاة 322، وتاريخ ابن الأثير 7:
219، وتاريخ بغداد 11: 311- 312، وتاريخ أبى الفدا 2: 136، وتاريخ ابن كثير 11: 331، وتلخيص ابن مكتوم 165- 166، وابن خلكان 1: 313- 314، ودمية القصر 297- 298، وروضات الجنات 466، وشذرات الذهب 3: 140- 141، والشعور بالعور 131- 137، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 123- 126، وعيون التواريخ (وفيات سنة 392) ، وكشف الظنون 384، 411، 412، 416، 481، 493، 691، 692، 706، 810، 988، 1272، 1457، 1462، 1562، 1612، 1712، 1793، 1850، 1882، 1914، ومرآة الجنان 2: 445، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 307، ومعجم الأدباء 12: 81- 115، والمنتظم (وفيات سنة 392) ، والنجوم الزاهرة 4: 205، ونزهة الألباء 406- 409، ويتيمة الدهر 1: 89. قال ابن خلكان: «وجنى، بكسر الجيم وتشديد النون، وبعدها ياء» .(2/335)
على أنى أؤول إلى ... قروم سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا ... أرمّ «1» الدهر «2» ذو الخطب «3»
أولاك دعا النبى لهم ... كفى شرفا دعاء نبى
صحب أبا على الفارسىّ وتبعه فى أسفاره، وخلا به فى مقامه، واستملى منه، وأخذ عنه، وصنّف فى زمانه، ووقف أبو علىّ على تصانيفه واستجادها.
واستوطن أبو الفتح دار السلام، ودرس بها العلم إلى أن مات. وكانت وفاته ببغداد على ما ذكره أحمد بن علىّ التّوّزىّ «4» فى يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة.
فمن تصانيفه: كتاب اللمع «5» . كتاب سر الصناعة «6» . كتاب المنصف «7» فى شرح كتاب المازنى فى التصريف. كتاب الخصائص «8» . كتاب التلقين فى النحو. كتاب التعاقب. كتاب الكافى فى شرح قوافى الأخفش.
كتاب المذكّر والمؤنث. كتاب المقصور والممدود. كتاب التمام فى شعر(2/336)
الهذليين. كتاب إعراب الحماسة. كتاب المنهج «1» فى اشتقاق أسماء شعراء الحماسة «2» . كتاب الصبر «3» فى شرح شعر المتنبى. مختصر العروض. مختصر فى القوافى. كتاب هذا القدّ، وهو ما استملاه من أبى علىّ. كتاب المسائل الخاطريات. كتاب التذكرة الأصبهانية. مختار تذكرة أبى على وتهذيبها.
كتاب المقتضب فى المعتل العين «4» . وذكره الباخرزىّ فى كتابه فقال:(2/337)
ابن جنّى» هو أبو الفتح عثمان، ليس لأحد من أئمة الأدب فى فتح المقفلات وشرح المشكلات ما له؛ ولا سيّما فى علم الإعراب، فقد وقع منها على ثمرة الغراب «1» . ومن وقف «2» على مصنّفاته وقف «3» على بعض صفاته. فوربّى إنه كشف الغطاء عن شعر المتنبى. وما كنت أعلم أنه ينظم القريض، أو يسيغ ذلك الجريض «4» ؛ حتى قرأت له مرثية فى المتنبى، أوّلها:
غاض القريض وأودت نضرة الأدب ... وصوّحت «5» بعد رىّ دوحة الكتب
منها:
سلبت ثوب بهاء كنت تلبسه ... لما تخطّفت بالخطّية السلب «6»
ما زلت تصحب فى الجلّى إذا نزلت ... قلبا جميعا وعزما غير منشعب
وقد حلبت لعمرى الدهر أشطره «7» ... تمطو بهمّة لا وان ولا نصب
من للهواجل تحيى ميت أرسمها ... بكل جائلة التصدير والحقب «8»
قبّاء خوصاء محمود علالتها ... تنبو عريكتها بالحلس والقتب «9»(2/338)
أم من لسرحانها تقريه فضلته ... وقد تضوّر بين البأس والسّغب «1»
أم من لبيض الظّبا توكافهنّ دم ... أم من لسمر القنا والزّغف واليلب «2»
أم للجحافل تذكى جمر جاحمها «3» ... حتى يقرّبها من ساطع اللهب
أم للمحافل إذ تبدو فتعمرها ... بالنّظم والنّثر والأمثال والخطب
أم للصواهل محمرّا سرابلها ... من بعد ما غربت معروفة الشّهب
أم للمناهل والظلماء عاكفة ... تواصل الكرّ بين الورد والقرب «4»
أم للقساطل تعتمّ الحزون بها ... أم من لضغم الهزبر الضّيغم الحرب «5»
أم للضّراب إذا الأحساب دافع عن ... تدنيسها شفرات الوكّف القضب
أم للملوك تحلّيها وتلبسها ... حتى تمايس فى أبرادها القشب
نابت وسادى أطراب تؤرّقنى ... لما غدوت لقى «6» فى قبضة النوب
عمرت خدن المساعى غير مضطهد ... ومتّ كالنصل لم يدنس ولم يعب
فاذهب عليك سلام الله ما قلقت ... خوص الركائب بالأكوار والشّعب
- الشّعب: جمع شعبة، وهى المزادة الضخمة. قاله أبو حاتم السّجزىّ-
موفّق لسبيل الرشد متّبع ... يزينه كلّ ما يأتى ويجتنب
تسمو العلوم إليه كلما انفرجت ... للناس عن وجهه الأبواب والحجب
له خلائق بيض لا يغيّرها ... صرف الزمان كمالا يصدأ الذهب(2/339)
وخدم أبو الفتح بن جنّى البيت البويهىّ: عضد الدولة «1» وولده صمصام «2» الدولة، وولده شرف «3» الدولة، وولده بهاء «4» الدولة، وفى زمانه مات. وكان يلازمهم فى دورهم وييايتهم.
وحكى أبو غالب بن بشران النحوىّ الواسطىّ محمد بن أحمد بن سهل قال:
ورد أبو الفتح بن جنى عثمان إلى واسط، ونزل فى دار الشريف أبى على الجوّانىّ نقيب العلويين، وكنا نتردّد إليه ونسائله، ويملى علينا مسائل سماها الواسطية.
وورد بعد ذلك أبو الحسن على بن عيسى الربعىّ إلى واسط، ونزل حجرة فى جوار شيخنا أبى إسحاق إبراهيم بن سعيد الرفاعىّ، وكنت أتردّد إليه، وأسأله، فقال لى يوما أبو إسحاق: قد انعكفت على هذا المجنون! فقلت له: إنه يحكى عن أبى علىّ النحو كما أنزل. فقال: صدقت «5» !.(2/340)
511- عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموىّ المقرئ الدانىّ المعروف بابن الصيرفىّ [1]
من أهل قرطبة؛ أبو عمرو. سكن دانية «1» ؛ المقرئ شيخ زمانه، وعلّامة أوانه وصدر عصره ومكانه.
روى عن علماء بلاده فأكثر، ورحل إلى المشرق، فسمع بمصر ومكة. وكان أحد الأئمة فى علم القرآن ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه. وجمع فى معنى ذلك كله تواليف حسانا مفيدة؛ يكثر تعدادها، ويطول إيرادها «2» . وله معرفة بالحديث وطرقه وأسماء رجاله ونقلته. وكان حسن الخط جيّد الضبط، من أهل الفضل
__________
[1] ترجمته فى بغية الملتمس للضبى 399- 400، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 444) وتذكرة الحفاظ 3: 298- 300، وتلخيص ابن مكتوم 166- 167، والديباج المذهب 188، وشذرات الذهب 3: 272، والصلة لابن بشكوال 1: 398- 400، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 127، وطبقات القراء 1: 503- 505، وطبقات المفسرين للداودى الورقة 159 ا- 160 ب، وطبقات المفسرين للسيوطى 159، وعيون التواريخ (وفيات سنة 444) ، وكشف الظنون 135، 355، 520، 538، 1105، 1471.
1612، 1617، 1809، ومعجم البلدان 4: 28، ومرآة الجنان 3: 62، ومعجم الأدباء 12: 121- 124، والنجوم الزاهرة 5: 53، ونفح الطيب 2: 335- 337.(2/341)
والعلم والذكاء والفهم، متفننا فى العلوم، جامعا لها، معتنيا بها. وكان ديّنا فاضلا ورعا مجاب الدعوة، مالكىّ المذهب. وقال رحمه الله: «ولدت سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وابتدأت بطلب العلم بعد سنة خمس وثمانين وأنا ابن أربع عشرة سنة، وتوجهت إلى المشرق لأداء فريضة الحج يوم الأحد الثانى من المحرم سنة سبع وتسعين، وحججت سنة ثمان. وقرأت القرآن وكتبت الحديث وغير ذلك فى هذين العامين، وهى ابتداء الفتنة الكبرى التى كانت بالأندلس فى ذى القعدة سنة تسع وتسعين، وانصرفت إلى الأندلس سنة تسع وتسعين؛ والحمد لله على كل حال «1» » .
وتوفى- رحمه الله- بدانية يوم الاثنين فى النصف من شوّال سنة أربع وأربعين وأربعمائة. وكان دفنه بعد صلاة العصر فى اليوم الذى توفى فيه، ومشى السلطان أمام نعشه، وكان الجمع فى جنازته عظيما.
512- عثمان بن على بن عمر السّرقوسىّ الصّقلىّ النحوىّ [1]
كان عالما نحويا لغويا مقرئا. قرأ القرآن على ابن الفحام «2» وابن بليّمة «3» وغيرهما.
وله تواليف فى القراءات والنحو والعروض. وكانت له فى جامع مصر حلقة للإقراء وانتفع به الناس، ونقلوا كلامه، وكتبوا تصانيفه، وتنافس فيها أهل العلم. وكان
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 323، وتلخيص ابن مكتوم 167، ومعجم الأدباء 12:
130- 135، ومعجم السفر للسلفىّ 1: 184. والسرقوسى: منسوب إلى سرقوسة، وهى من مدن صقلية المشهورة.(2/342)
قريبا من زماننا هذا فى المائة السادسة للهجرة. لقيه الحافظ السّلفىّ بمصر، وشاركه فى السماع على أبى صادق وابن بركات والفرّاء الموصلّى.
ومن مصنفاته التى شاهدتها: الحاشية على كتاب الإيضاح. وهى فى غاية الجودة، ومختصر عمدة «1» ابن رشيق؛ وشاهدت هذا المختصر بحلب بخطه عند ابن القيسرانىّ، وقد زاد فيه أبوابا أخلّ بها ابن رشيق، وهى واقعة موقعها من التصنيف. وله شعر.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ فى إجازته العامة قال: أنشدنى أبو عمر عثمان بن على ابن عمر السّرقوسىّ النحوىّ لنفسه بالثغر- يعنى الإسكندرية- وكتب لى بخطه:
إنّ المشيب من الخطوب خطيب ... ألّا هوى بعد المشيب يطيب!
خطب الخضاب على قضيبك خطبة ... لا غصن من بعد الخضاب رطيب
فدع الصّبا فمن المصيبة أن ترى ... صبّا وصيّب مقلتيك يصوب
إنّ الخضاب لعين عين ضدّه ... ببنانهنّ وكفّهن خضيب
ضحك المشيب بلمّتى فبكت له ... عينى فمنى ضاحك وقطوب
ضدّان مجتمعان فى وقت معا ... فى ذات مرء إن ذا لعجيب
513- عثمان البتىّ [1]
ذكره أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكرى فى كتاب شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف فيما وهم فيه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فقال:
__________
[1] ترجمته فى الأنساب للسمعانى 65 ب، وتهذيب التهذيب 12: 154- 155، وخلاصة تذهيب الكمال 223، واللباب فى الأنساب 1: 96- 97، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 2: 303.
واسمه عثمان بن مسلم أبو عمرو. والبتى، بفتح الباء وكسر التاء مشددة: منسوب إلى البت. وهو موضع.
قال السمعانى: «أظنه بنواحى بالبصرة. وقد ذكر ابن حجر فى تهذيب التهذيب أن وفاته كانت سنة 143. وهذه الترجمة وردت فى هامش الأصل ص 559.(2/343)
«سمعت من يحكى عن ابن دريد ولم أسمع هذه الحكاية منه [أنه] «1» قال: وجدت للجاحظ فى كتاب البيان والتبيين تصحيفا شنعا فى الموضع الذى يقول فيه: حدثنى محمد بن سلّام قال: سمعت يونس يقول: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن النبىّ صلى الله عليه وسلم. قال أبو بكر «2» : وإنما هو عن البتّى؛ أى عن عثمان البتّى، وكان فصيحا، وأما النبىّ صلى الله عليه وسلم فلا شك عند الملىّ والذمى أنه كان أفصح الناس. أخبرنا ابن دريد حدثنا أبو حاتم عن الأصمعىّ قال: كان عثمان البتّى نحويا؛ وكان يسمى عثمان العربىّ من فصاحته، فسمعه ابن أبى إسحاق ينشد:
[كورهاء] «3» مشنىّ إليها حليلها
فقال: أخطأ عربيّكم؛ إنما هو «مشنوء» «4» .
514- عثمان بن عيسى بن منصور النتاج البلطىّ النحوىّ الموصلىّ [1]
أصله من بلد، إحدى قرى الموصل، ويقال لها بلط بلغة النّبط. مولده فى بنى مائدة بالموصل فى سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وانتقل إلى الشام وأقام بدمشق
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 323، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 599) ، وتلخيص ابن مكتوم 167- 168، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 129- 131، وفوات الوفيات 2: 40- 42، وكشف الظنون 1142، 1337، ومعجم الأدباء 12:
141- 167.(2/344)
برهة من عمره يتردّد إلى الزبدانى للتعليم. ولما ملك العزيز مصر انتقل إليها، ورتب له صلاح الدين على جامعها كل شهر جاريا لإقراء النحو. رأيته بمصر وهو يفيد الطلبة علمى النحو والعروض؛ فإنه كان بهما قيّما، ولم أسمع أحدا يذكر صيانته.
وكان متّهم الخلوة؛ لا يردّه ملام عن رشف المدام، ولا يسمع الكلام فى ذمّ الغلام. ولم يزل عزبا قذر الهيئة، خشن الملبوس، مبدّد الأطراف، فى تصرفه ما يدل على نقص مروءته. وكان شريف النفس فى أمر واحد، وهو قلة الاكتراث بأهل المناصب، وترك السعى إليهم. وبلغنى أنه كان حلو المحاضرة مفيد المخاطبة والمناظرة. وله شعر مذكور مشهور، منه قوله:
حكّمته ظالما فى مهجتى فسطا ... وكان ذلك جهلا شبته بخطا
هلّا تجنبته والظلم شيمته ... ولا أسام به خسفا ولا شططا
ويلاه من تائه أفعاله صلف ... ملوّن كلما أرضيته سخطا
أبثّه ولهى صدقا ويكذبنى ... وعدا وأقسط عدلا كلما قسطا
واختصر كتاب الأغانى اختصارا جميلا أحسن فيه. «1» ومات فى حدود سنة ستمائة بالقاهرة المعزية «2» .(2/345)
515- عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه [1]
عمرو بن عثمان بن قنبر،»
مولى بنى الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد- ويكنى أبا بشر وأبا الحسن. ومعنى سيبويه «2» بالفارسية رائحة التفاح.
أخذ النحو عن الخليل بن أحمد الفرهودىّ الأزدىّ، ولازمه، وتتلمذ له.
وقد كان أخذ شيئا من النحو عن عيسى بن عمر الثقفىّ وعن يونس، وأخذ عن غيرهما. وأخذ اللغة عن أبى الخطاب الأخفش الكبير وغيره، وعمل كتابه المنسوب
__________
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين 48- 50، وإشارة التعيين الورقة 38- 39، وبغية الوغاة 366- 367، وتاج العروس 1: 305، وتاريخ ابن الأثير 5: 142، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 180) ، وتاريخ بغداد 12: 195- 199، وتاريخ أبى الفدا 2: 15، وتاريخ ابن كثير 10- 176- 177، وتلخيص ابن مكتوم 168- 173، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 9، وابن خلكان 1: 385- 386، وروضات الجنات 503- 503، وشذرات الذهب 1: 252- 255، وطبقات الزبيدىّ 38- 45، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 206- 211، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 602، والفلاكة والمفلوكين 83، والفهرست لابن النديم 51- 52، وكشف الظنون 1426- 1428، ومراتب النحويين 105- 17، ومرآة الجنان 1: 348، والمزهر للسيوطى 2: 405، 426، 454، 462، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 277- 280، والمعارف لابن قتيبة 237، ومعجم الأدباء 16: 114- 127، والنجوم الزاهرة 2: 99- 100، ونزهة الألباء 71- 81، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 3: 530- 537.(2/346)
إليه فى النحو، وهو مما لم يسبقه إليه أحد. وقد قيل إنه أخذ كتاب عيسى بن عمر المسمى بالجامع، وبسطه وحشّى عليه من كلام الخليل وغيره، وأنه كان كتابه الذى اشتغل به، فلما استكمل بالبحث والتّحشية نسب إليه.
ويستدلّ القائل بهذه المقالة بما نقل أن سيبويه لمّا فارق عيسى بن عمر ولازم الخليل سأله الخليل عن مصنّفات عيسى بن عمر، فقال له سيبويه: قد صنف نيّفا وسبعين مصنفا فى النحو، وأن بعض أهل اليسار جمعها وأتت عليها عنده آفة فذهبت، ولم يبق منها فى الوجود سوى تصنيفين؛ أحدهما اسمه الكامل وهو بأرض فارس عند فلان، والجامع، وهو هذا الكتاب الذى أشتغل فيه عليك، وأسألك عن غوامضه. فأطرق الخليل ساعة ثم رفع رأسه، وقال: رحم الله عيسى! ثم أنشد ارتجالا:
ذهب النحو جميعا كلّه ... غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع ... فهما للناس شمس وقمر
فأشار إلى الإكمال بالإشارة إلى الغائب فى قوله: «ذاك» ، وأشار [إلى الجامع] بالإشارة إلى الحاضر بقوله: «وهذا» .
وذكر ابن إسحاق النديم فى كتابه قال:
«قرأت بخط أبى العباس ثعلب: اجتمع على صنعة كتاب سيبويه اثنان وأربعون إنسانا؛ منهم سيبويه. والأصول والمسائل للخليل» . «1»(2/347)
وقدم سيبويه أيام الرشيد إلى العراق، وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، وتوفى وله نيّف وأربعون سنة بفارس. وكان وروده العراق لقصده يحيى بن خالد «1» البرمكىّ. ولما قيل ليحيى بن خالد: هذا فاضل نحاة البصرة اشتاقت نفسه إلى سماع كلامه. فقيل له: اجمع بينه وبين نحوىّ الكوفة الكسائى. فجمع بينهما، وحضر نحاة الكوفة، وحضر الأخفش الأوسط سعيد، وحضر الفرّاء والأحمر صاحبا الكسائىّ، وسألاه عن مسائل تلجلج فى جوابها. فقال يحيى بن خالد: من يحكم بين هؤلاء؟ فتراضوا بالأعراب، فأحضر من فصحائهم من قدم على باب السلطان، وهم أبو فقعس وأبو دماذ وأبو الجراح وأبو ثروان، فحكموا بما قاله الكسائىّ، فقال الكسائى ليحيى بن خالد: هذا رجل قدم عليك يريد من دنياك. فأجازه بعشرة آلاف درهم، فأخذها وعاد إلى البصرة، وخرج منها إلى فارس، فمات هناك فى سنة تسع وسبعين ومائة.
وكان المبرّد إذا أراد أحد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له: هل ركبت البحر! تعظيما له، واستعظاما لما فيه.
وكان المدينىّ يقول: من أراد أن يعمل كتابا كبيرا فى النحو بعد كتاب سيبويه فليستحى.(2/348)
أخبرنى الشريف النقيب النّسابة محمد بن أبى البركات الحسين بن أسعد الحسينى الجوانىّ إجازة شافهنى بها بداره؛ بقرافة «1» مصر فى شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، قال أخبرنى عبد السلام بن مختار اللغوى قال أخبرنى ابن بركات السعيدىّ قال أخبرنى أبو سهل محمد بن علىّ بن محمد الهروىّ قال أخبرنى أبو عبد الله محمد ابن الحسين اليمنىّ فى كتابه، قال:
«أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد قال حدّثنا إبراهيم بن السرىّ الزّجاج قال: قال محمد بن يزيد المبرّد: سيبويه يكنى أبا بشر، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر، مولى لبنى الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد، وقيل: كان يكنى أبا الحسين وأبا عثمان. والأوّل أشبه وأثبت» .
وقال أبو حاتم: هو عمرو بن عثمان. وسيبويه بالفارسية «رائحة التفّاح» .
وهو لقب. وكان فى لسانه حبسة، وقلمه أبلغ من لسانه. وهو أثبت من أخذ عن الخليل بن أحمد، وهو أستاذه، وأخذ أيضا عن يونس بن حبيب، وعيسى بن عمر وغيرهم. وأخذ اللغة عن أبى الخطاب الأخفش وغيره. وسمع الحديث، وكان شديد الأخذ، وكان يستملى على حماد بن سلمة.
كتبت من خط محمد بن عبد الملك «2» : حدّثنى محمد بن موسى بن حماد قال:
حدّثنا محمد بن منصور الطوسىّ قال: سمعت عفان بن مسلم يقول: قال سيبويه(2/349)
لشعبة- ورادّه فى حديث- فقال شعبة: لأن أخرّ من السماء أحبّ إلى من أن أدلّس.
قال نصر بن علىّ: كان سيبويه يستملى من حماد بن سلمة يوما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحد من أصحابى إلا وقد أخذت عليه، ليس أبا الدرداء.
فقال سيبويه: «ليس أبو الدرداء» ، فقال: لحنت يا سيبويه، فقال سيبويه:
لا جرم! لأطلبنّ علما لا تلحّننى فيه أبدا، فطلب النحو ولم يزل يلازم الخليل.
كتبت من خط محمد بن عبد الملك: حدّثنا إبراهيم بن مهدىّ قال حدّثنا سهل بن محمد قال سمعت أبا زيد الأنصارىّ يقول: كان سيبويه غلاما يأتى مجلسى وله ذؤابتان. قال: وإذا سمعته يقول: حدّثنى من أثق بعربيّته- فإنّما يعنينى.
وكتبت من خط محمد بن عبد الملك: حدّثنى محمد بن على بن حمزة قال حدّثنا الرياشىّ قال سمعت الأخفش يقول: كان سيبويه إذا وضع شيئا من كتابه عرضه علىّ وهو يرى أنى أعلم منه- وكان أعلم منى- وأنا اليوم أعلم منه.
وكتبت من خطه: حدّثنى أحمد بن محمد النحوىّ قال حدّثنى محمد بن سلام قال حدّثنى الأخفش: أنه قرأ كتاب سيبويه على الكسائىّ فى جمعة، فوهب له سبعين دينارا. قال: وكان الكسائىّ يقول لى: هذا الحرف لم أسمعه فاكتبه لى، فأفعل.
قال أبو العباس: وكان الأخفش يؤدّب ولد الكسائى، وكان الجاحظ قد سمع هذا الخبر فقال فيما يعدّده من فخر أهل البصرة على أهل الكوفة:
هؤلاء يأتونكم بفلان وفلان، وسيبويه الذى اعتمدتم على كتبه وجحدتم فضله-(2/350)
وذكر الجاحظ كتاب سيبويه- لم يكتب الناس فى النحو كتابا مثله، وجميع كتب الناس عليه عيال. وكان سيبويه لشهرته وفضله علما عند النحويّين، وكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب؛ فيعلم أنه كتاب سيبويه، ولا يشك أنه كتاب سيبويه.
كتبت من خط محمد بن عبد الملك: حدّثنى المروزىّ عن الجاحظ قال:
«أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك الزيات، ففكّرت فى شىء أهديه إليه فلم أجد شيئا أشرف من كتاب سيبويه. فقلت له: أردت أن أهدى إليك شيئا، ففكرت فإذا كل شىء عندك دونه، فلم أر أشرف من كتاب سيبويه. وهذا كتاب سيبويه اشتريته من ميراث الفرّاء. فقال: والله ما أهديت إلىّ شيئا أحبّ إلىّ منه «1» » .
وشاهدت بخط السلالى النحوىّ القرشىّ الكوفىّ الورّاق أن الجاحظ لما قدم من البصرة فى بعض قدماته أهدى إلى محمد بن عبد الملك الزيات فى وزارته نسخة من كتاب سيبويه، وأعلم بإحضارها صحبته قبل أن يحضرها مجلسه، فقال له ابن الزيات: أو ظننت أن خزائننا خالية من هذا الكتاب؟ فقال: ما ظننت ذاك؛ ولكنها بخط الفرّاء ومقابلة الكسائىّ وتهذيب عمرو بن بحر الجاحظ. فقال له ابن الزيات: هذه أجلّ نسخة توجد وأغربها. فأحضرها إليه، فسرّ بها، ووقعت منه أجمل موقع.
وكتبت من خط محمد بن عبد الملك التاريخىّ: حدّثنى ابن الأعلم قال حدّثنا محمد بن سلّام قال: كان سيبويه النحوىّ جالسا فى حلقته بالبصرة، فتذاكرنا شيئا من حديث قتادة، فذكر حديثا غريبا فقال: لم يرو هذا إلا سعيد بن(2/351)
أبى العروبة، فقال بعض ولد جعفر بن سليمان: ما هاتان الزائدتان يا أبا بشر؟
فقال: هكذا يقال؛ لأن العروبة هى الجمعة، ومن قال: عروبة فقد أخطأ. قال ابن سلام: فذكرت ذلك ليونس فقال: أصاب، لله درّه!. «1»
وكتبت من خط محمد بن عبد الملك: حدّثنى إبراهيم بن إسحاق الحربىّ قال:
سمعت ابن عائشة يقول: كنا نجلس مع سيبويه النحوىّ فى المسجد- وكان شابّا جميلا نظيفا قد تعلّق من كل علم بسبب، وضرب فى كل أدب بسهم، مع حداثة سنه وبراعته فى النحو- فبينا نحن عنده ذات يوم إذ هبّت ريح أطارت الورق، فقال لبعض أهل الحلقة: انظر أىّ ريح هذه؟ وكان على منارة، تمثال فرس «2» من صفر، فنظر ثم عاد فقال ما يثبت الفرس على شىء. فقال سيبويه: العرب تقول فى مثل هذا: قد [تذاءبت الريح و «3» ] تدأّبت الريح؛ أى فعلت فعل الذئب، وذلك أنه يجىء من هاهنا وهاهنا ليختل، فيتخيل للناظر أنه عدّة ذئاب.
وكتبت من خطّه: حدّثنا بشر بن موسى، حدثنا ابن النّطّاح قال: كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه، فقال: مرحبا مرحبا بزائر لا يملّ. فقال أبو عمر المخزومى- وكان كثير المجالسة للخليل: ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا لسيبويه.
كتبت من خط ابن عبد الملك: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: كان سيبويه يخطئ فى اسمه؛ يقول: سيبويه وسيبويه آخر؛ والكسائى يقول سيبويه وسيبويه آخر؛ لأنه أعجمىّ فلا يجرى، وزيلويه وزيلويه آخر، ويثنى زيلويهان(2/352)
و [يجمع] زيلوهات، لأن الجمع بالواو والنون للحيوان الذى يعقل من الذّكران، والألف والتاء لما يعقل من الإناث ولما لا يعقل، ولا يعرف باللام. وقد قيل زيلويه وذو زيلويه وذوات زيلويه ورأيت زيلويه وذوى زيلويه وذوات زيلويه.
ومن خطه: حدثنى أبو أحمد التّبريزىّ قال: حدثنا الفضل بن الحسن قال حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبرىّ قال: جاء سيبويه إلى حمّاد بن سلمة فقال له:
أحدّثك هشام بن عروة عن أبيه فى رجل رعف فى الصلاة؟ فقال: أخطأت يا سيبويه! إنما هو رعف. «1» قال: فانصرف إلى الخليل فشكا إليه ما لقيه به حمّاد، فقال: صدق، ومثل حماد يقول هذا. ورعف يجوز إلا أنها ضعيفة، والكلام رعف.
قال أبو العباس المبرّد: كان الأخفش أكبر سنا من سيبويه؛ وكانا جميعا يطلبان، فجاءه الأخفش يناظره بعد أن برع، فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا غير، قال: أترانى أشك فى هذا! ومات سيبويه قبل جماعة قد كان أخذ عنهم كيونس وغيره؛ فأما يونس فمات فى سنة ثلاث وثمانين ومائة، ومات أبو زيد بعد موت سيبويه بنيّف وثلاثين سنة.
وكانت وفاة سيبويه- على ما ذكر محمد بن عمرو الجماز- فى سنة ثمانين ومائة «2» بفارس، فى أيام الرشيد، وقبره بشيراز قصبة فارس. وكان قدم بغداذ، وجمع له النحويون فناظروه، فاستزلّ، فعاد إلى فارس ومات هناك.(2/353)
ونجم من أصحاب سيبويه أبو الحسن الأخفش سعيد بن مسعدة، وأبو علىّ محمد بن المستنير قطرب.
أنبأنا زيد بن الحسن بن زيد النحوىّ فيما كتب به إلى: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن القزاز، حدثنا أحمد بن علىّ من كتابه قال: «عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر المعروف بسيبويه النحوىّ من أهل البصرة. كان يطلب الآثار والفقه، ثم صحب الخليل بن أحمد، فبرع فى النحو، وورد بغداذ، وجرت بينه وبين الكسائىّ وأصحابه مناظرة» . «1»
أنبأنى الكندىّ أخبرنا القزاز حدثنا أحمد بن على فى كتابه: «أخبرنا محمد ابن عبد الواحد بن على البزاز، أنبأنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزبانىّ، أخبرنى الصّولىّ وعبد الله بن جعفر قالا: حدثنا محمد بن يزيد النحوىّ قال: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بنى الحارث بن كعب بن عمرو بن جلد بن مالك بن أدد بن علة. قال المرزبانىّ: وحدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يزيد المبرّد قال: سيبويه يكنى أبا بشر وأبا الحسن، وهو من مولى بنى الحارث بن كعب.
قال المرزبانىّ: ويقال: وهو مولى آل الربيع بن زياد الحارثى. وتفسير سيبويه بالفارسية رائحة التفاح» . «2»
أنبأ الكندىّ إجازة قال: أخبرنا عبد الرحمن القزاز سماعا عليه قال حدثنا أحمد بن علىّ من كتابه: «أخبرنا العتيقىّ، حدثنا محمد بن العباس، أخبرنا سليمان ابن إسحاق الجلاب قال: وسمعته- يعنى إبراهيم الحربىّ- يقول: سمى سيبويه لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاح «3» » .(2/354)
وبالإسناد قال أحمد بن على: «أخبرنا القاضى أبو العلاء الواسطىّ قال: قال:
محمد بن جعفر بن هارون التميمىّ: كان سيبويه فى أول أيامه صحب الفقهاء وأهل الحديث، وكان يستملى على حمّاد بن سلمة، فلحن فى حرف، فعاتبه حمّاد، فأنف من ذلك، ولزم الخليل. وكان من أهل فارس، من البيضاء «1» ومنشؤه بالبصرة، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر، وكنيته أبو بشر، ولقبه سيبويه، وتفسيره ريح التفاح لأن «سيب» : التفاحة، و «ويه» : الريح. وكانت والدته ترقّصه وهو صغير بذلك» . «2»
وبالإسناد قال أحمد بن علىّ فى كتابه: «أخبرنى التّنوخىّ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول التّنوخىّ، حدثنا أبو سعد داود ابن الهيثم بن إسحاق بن البهلول، حدثنا حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد عن نصر بن على قال: برز من أصحاب الخليل أربعة: عمرو بن عثمان أبو بشر المعروف بسيبويه، والنّضر بن شميل، وعلى بن نصر، ومؤرّج السدوسىّ «3» » .
وبالإسناد قال أحمد بن على: «أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن على، أخبرنا المرزبانىّ، أخبرنا أبو بكر الجرجانىّ، حدثنا محمد بن يزيد قال: كان سيبويه وحماد بن سلمة فى النحو أكثر من النّضر بن شميل والأخفش، وكان النّضر أعلم الأربعة باللغة والحديث «4» » .
وبالإسناد قال أحمد بن علىّ: «قرأت بخط القاضى أبى بكر بن الجعابىّ، وأخبرناه الصيمرىّ، حدثنا أحمد بن علىّ الصيرفىّ، حدثنا ابن الجعابىّ، حدثنا الفضل (هو ابن الحباب) عن ابن سلّام قال: كان سيبويه النحوىّ مولى بنى الحارث(2/355)
ابن كعب غاية الخلق فى النحو، وكتابه هو الإمام فيه، وكان الأخفش أخذ عنه، وكان أفهم الناس فى النحو» . «1»
وبالإسناد قال أحمد بن علىّ فى كتابه: «أنبأنى القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعىّ المصرىّ؛ أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن خرّوزاد النّجيرمىّ، أخبرنا أبو الحسين على بن أحمد المهلبىّ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن الروذبارىّ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخىّ قال: حدّثنى المروزىّ (يعنى محمد بن يحيى بن سلمة) «2» ، وذكر حكاية الجاحظ التى تقدّمت فى إهداء الكتاب إلى محمد بن عبد الملك الزيات «3» .
وبالإسناد قال أحمد بن على فى كتابه: «أخبرنا القاضى أبو الطيب الطبرى وأحمد ابن عمر بن روح قالا: أخبرنا المعافى بن زكريا، حدّثنا محمد بن عبد الواحد، أخبرنا أبو الحسن بن كيسان قال: سهرت ليلة أدرس، قال: ثم نمت فرأيت جماعة من الجن يتذاكرون بالفقه والحديث والحساب والنحو والشعر، قلت:
أفيكم علماء؟ قالوا: نعم، قال: فقلت- من همّى بالنحو-: إلى من تميلون من النحويين؟ قالوا: إلى سيبويه. قال أبو عمر: فحدّثت بها أبا موسى- وكان يغيظه لحسد كان بينهما- فقال لى أبو موسى: إنما مالوا إليه لأن سيبويه من الجن» «4» » .
وبالإسناد قال أحمد بن على: «أخبرنا القاضى أبو العلاء الواسطى، أخبرنا محمد بن جعفر التميمى حدّثنا أبو العباس محمد بن الحسن، حدّثنا ثعلب عن سلمة قال: لما دخل من البصرة إلى مدينة السّلام أتى «5» حلقة الكسائىّ وفيها غلمانه:(2/356)
الفرّاء وهشام ونحوهما، فقال الفراء للكسائى: لا تكلّمه ودعنا وإياه، فلما جلس سيبويه سأل عن مسائل والفرّاء يجيب، ثم قال له الفراء: ما تقول فى قول الشاعر:
نمتّ بقربى الزينبين كلاهما ... إليك وقربى خالد وسعيد
فلحق سيبويه حيرة «1» السؤال وقال: أريد أمضى لحاجة وأدخل. فلما خرج قال الفراء لأهل الحلقة: قد جاء وقت الانصراف فقوموا بنا، فقاموا. فخرج سيبويه فذكر علة «2» البيت فرجع، فوجدهم قد انصرفوا «3» .
أنبأنا زيد بن الحسن أخبرنا عبد الرحمن، حدّثنا الخطيب من كتابه: «أخبرنا هلال بن المحسّن الكاتب، أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح الخزاز، وأخبرنا محمد ابن محمد بن على الوراق؛ حدّثنا المعافى بن زكريا، حدّثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنبارىّ، أخبرنا أبو بكر مؤدّب ولد الكيّس بن المتوكل، حدّثنا أبو بكر العبدىّ النحوىّ قال: لما قدم سيبويه إلى بغداد فناظر الكسائى وأصحابه فلم يظهر عليهم سأل: من يبذل [من] «4» الملوك ويرغب فى النحو؟ فقيل له طلحة بن طاهر، فشخص إليه إلى خراسان، فلما انتهى إلى ساوة «5» مرض مرضه الذى مات فيه، فتمثل عند الموت:
يؤمل دنيا لتبقى له ... فوافى المنية دون الأمل
حثيثا يروّى أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل
وبالإسناد قال أحمد بن علىّ «أخبرنا «6» عبد الله بن يحيى السكرىّ، أخبرنا جعفر ابن محمد بن أحمد بن الحكم الواسطىّ، حدّثنا أبو محمد الحسن بن على بن المتوكّل،(2/357)
أخبرنا أبو الحسن المدائنىّ قال: قال أبو عمرو بن يزيد: احتضر سيبويه النحوىّ فوضع رأسه فى حجر أخيه فأغمى عليه. قال: فدمعت عين أخيه، فأفاق، فرآه يبكى فقال:
وكنّا جميعا فرّق الدهر بيننا ... إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا!
قال أبو إسحاق إبراهيم بن السرىّ الزجاج: إذا تأملت الأمثلة من كتاب سيبويه تبينت أنه أعلم الناس باللغة.
وقال أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش والمبرّد وثعلب: إن سيبويه لما قدم العراق على أبى على يحيى بن خالد البرمكىّ سأله عن خبره والحال التى ورد لها.
فقال: جئت لتجمع بينى وبين الكسائىّ، فقال له: لا تفعل، فإنه شيخ مدينة السّلام وقارئها ومؤدّب أمير المؤمنين، وكلّ من فى المصر له ومعه. فأبى إلا الجمع بينهما. فعرف الرشيد خبره، فأمره بالجمع بينهما، فوعده بيوم. فلما كان ذلك اليوم غدا سيبويه وحده إلى دار الرشيد، فوجد الفرّاء وهشاما والأحمر ومحمد بن سعدان قد سبقوه، فسأله الأحمر عن مائة مسألة، فأجابه عنها، فما أجابه بجواب إلا قال: أخطأت يا بصرىّ: فوجم [لذلك] «1» سيبويه وقال:
هذا سوء أدب. ووافى الكسائىّ- وقد شق أمره عليه- ومعه خلق كثير من العرب، فلما جلس قال له: يا بصرىّ، كيف تقول: خرجت فإذا زيد قائم؟
فقال: خرجت فإذا زيد قائم، فقال الكسائىّ: أيجوز: فإذا زيد قائما؟ قال:
لا. قال الكسائىّ: كيف تقول: قد كنت أظن أن العقرب أشدّ لسعة من الزنبور، فإذا هو هى، أو فإذا هو إياها؟. فقال سيبويه: فإذا هو هى؛ ولا يجوز النصب. فقال الكسائىّ: لحنت! وخطّأه الجميع. وقال الكسائىّ: العرب(2/358)
نرفع ذلك كلّه وتنصبه. فدفع سيبويه قوله. فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما وهذا موضع مشكل؟ فقال الكسائىّ: هذه العرب ببابك؛ قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء العرب، وقد قنع بهم أهل المصريين، وسمع منهم أهل الكوفة والبصرة، فيحضرون ويسألون. فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا، وفيهم أبو فقعس، وأبو ثروان، وأبو دثار، فسئلوا عن المسائل التى جرت، فتابعوا الكسائى. فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع أيها الرجل. فانصرف المجلس عن سيبويه، وأعطاه يحيى عشرة آلاف درهم وصرفه. فخرج وصرف وجهه إلى فارس، ولم يعد إلى البصرة، وأقام هناك إلى أن مات غما بالذّرب «1» ، ولم يلبث إلا يسيرا.
قال أبو الحسن على بن سليمان الأخفش: وأصحاب سيبويه إلى هذه الغاية لا اختلاف بينهم أن الجواب كما قال سيبويه، وهو: «فإذا هو هى» ؛ أى فإذا هو مثلها، وهذا موضع رفع، وليس هو موضع نصب. فإن قال قائل: فأنت تقول:
خرجت فإذا زيد قائم، وقائما، فتنصب «قائما» ، فلم لم يجز: فإذا هو إياها؛ لأن «إيّا» للمنصوب و «هو» للمرفوع؟ والجواب فى هذا أن «قائما» انتصب على الحال وهو نكرة، و «إيّا» مع ما بعدها مما أضيفت إليه معرفة؛ والحال لا يكون إلا نكرة، فبطل «إيّاها» والحال لا يكون إلا نكرة، فكيف تقع «إياها» وهى معرفة فى موضع ما لا يكون إلا نكرة، وهذا موضع الرفع! وقال أصحاب سيبويه: الأعراب الذين شهدوا من أعراب الحطمة الذين كان الكسائى يقوم بهم ويأخذ عنهم. وقد حكى أبو زيد الأنصارىّ: قد كنت أظنّ أن العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو إيّاها.(2/359)
قال أبو سعيد الطّوال: رايت على قبر سيبويه رحمه الله هذه الأبيات مكتوبة، وهى لسليمان بن يزيد العدوىّ:
ذهب الأحبّة بعد طول تزاور ... ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا
تركوك أوحش ما تكون بقفرة ... لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا
قضى القضاء وصرت صاحب حفرة ... عنك الأحبة أعرضوا وتصدّعوا
قال أبو عبد الله بن طاهر العسكرىّ: سيبويه اسم فارسىّ كأنه فى المعنى ثلاثون رائحة، وكان- فيما يقال- طيّب الرائحة
516- عمرو بن أبى عمرو الشّيبانىّ اللغوىّ [1]
روى عن أبيه وغيره من أهل العلم، وأملى فى حياة أبيه سنين متعدّدة. وكان ثبتا، واسع الرواية مفيدا. وتوفّى سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
سمع منه أحمد بن يحيى ثعلب كتاب النوادر لأبيه، وسمع منه أبو إسحاق الحربى الشيخ الصالح الزاهد رحمه الله ووثّقه كل واحد منهما.
517- عمرو بن كركرة أبو مالك الأعرابىّ [2]
دخل الحاضرة، وأخذ الناس اللغة عنه، وله كتاب فى خلق الإنسان جيد، وكان يعلّم فى البادية ويورّق فى الحضر. وكان مولى لبنى سعد؛ ويقال:
إنه كان يحفظ اللغة كلّها. وكان بصرىّ المذهب.
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 365، تلخيص ابن مكتوم 194، وتهذيب اللغة للأزهرىّ 1: 10 وطبقات الزبيدىّ 143، ومعجم الأدباء 16: 73- 74.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 367، وتلخيص ابن مكتوم 174، وطبقات الزبيدىّ 112- 113، والفهرست 44، وكشف الظنون 722، ومعجم الأدباء 16: 131- 132.(2/360)
وقال الجاحظ: كان عمرو بن كركرة أبو مالك أحد الطّياب، «1» يزعم أن الأغنياء عند الله عز وجل أكرم من الفقراء. ويقول: إن فرعون عند الله أكرم من موسى. وكان يلتقم الحارّ الممتنع فلا يؤلمه. ومن تصنيفه: كتاب خلق الإنسان.
كتاب الخيل. قال أبو سعيد السكرىّ يوما: إن عمرو بن كركرة سمع من أبى عمرو بن العلاء وغيره.
518- عياض بن عوانة بن الحكم بن عوانة الكلبىّ النحوىّ [1]
نزيل القيروان. وكان جدّه الحكم بن عوانة عالما بأيام العرب وأنسابها. وكان له قدر وحال. وولى ولايات كثيرة. وكان أبو عوانة عالما أديبا، وكان من أهل الكوفة، وعنه أخذ المهدى القيروانىّ كثيرا من النحو والشعر. وكانت المهالبة «2» ولاة القيروان يكرّمونه. وروى عنه أنه قال: أقمت زمانا لا عهد لى بصلة روح ابن حاتم «3» ؛ حتى أرملت وأملقت، فركبت يوما بغلة وخرجت حتى رقيت على الكدية «4» السوداء المطلّة على القنطرة- وكانت العرب تضع أثقالها فى دخول إفريقية
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 368، وتلخيص ابن مكتوم 174، وطبقات الزبيدىّ 152- 153(2/361)
بالقيروان «1» ؛ فسمّيت القيروان؛ لأنها الأثقال فى كلام العرب- فإنى لعلى الكدية إذ أتى رسوله يشتد إلىّ؛ فقال: أجب يابن عوانة. فمضيت وما أحسب أن بعثته إلىّ ابتداء من غير أن أكون توسلت للوصول إليه إلا لأمر نمى إليه عنى من القول، فلما أتيت نزلت على بابه؛ فاستؤذن لى، فصعدت، وإنه لمع جاريته طلّة الهندية، فسلمت فأحسن الرد، فكأن روعى سكن. ثم قال: ما حالك؟ فقلت: مقلّ معدم أبو عيال، ولا مال. فقال: قد بلغت الغيث، فتخيّم؛ أى ألق خيمنك، فقلت:
الحمد لله؛ ذاك والله المأمول المرجوّ من الأمير. قال: مالك من العيال؟ قلت:
ثلاثون- قال: وكان أبو هريرة قهرمانه أكرم حضير ومشير- فقال: هم أكثر من ذلك إلى السبعين؛ بين قرابة وأصهار، يأملون كلهم رأى الأمير ويرجونه، وما هو بذى ماشية ولا غاشية ولا بتاجر. قال: قد أمرت لك بخمسمائة دينار، فادفعها إليه يا أبا هريرة، ومن القمح والشعير والتبن والطلاء والزيت والخلّ ما قال إنه يقوم به إلى رأس الحول. قال: فنزلنا، فوزن لى المال، وقال لأصحاب الخراج: احسبوا كم له فى هذه السنة ممّا أمر له، فجعلوا يعدون ويعقدون،- وكان السعر قد نزا «2» - فقال لى أبو هريرة: هل لك إلى ما هو أقرب من هذا؟ تأخذ ثمنا.
قلت: ما أكره ذلك؛ فأعطانى خمسمائة دينار أخرى ومضيت، [وما أنسى طلّة] «3» يومئذ وقولها: عالم البلد أهل لكل ما أسدى إليه، فانصرفت بأحسن حال.
وكان عياض يقرض الشعر ويجيده.
وذكر المرزبانى فى كتابه: «أن عوانة «4» بن الحكم كان يقول لأخ له يقال له عياض:
نحوىّ، لا تعمّق فى النحو؛ فإنه لم يتعمق أحد فيه الإصار معلّما» . قال: «فصار(2/362)
عياض ذلك معلّما بإفريقية لولد المهلّب «1» . فعلى هذا الخبر يكون عياض أخا عوانة ابن الحكم، لا ولده. والله أعلم.
519- عياض بن موسى بن عياض اليحصبىّ المغربىّ [1]
من أهل سبته، «2» يكنى أبا الفضل، إمام عالم فاضل كامل مصنّف. أخذ عن مشايخ المغرب بالأندلس والعدوة «3» ، وجمع من الحديث كثيرا.
__________
[1] ترجمته فى الإحاطة فى تاريخ غرناطة 2: 167، وبغية الملتمس للضبى 425، وتاج العروس (حصب) وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 544) ، وتاريخ أبى الفدا 3: 22، وتاريخ قضاة الأندلس للنباهى 101، وتاريخ ابن كثير 12: 225، وتذكرة الحفاظ للذهبى 4: 96- 99، وتلخيص ابن مكتوم 175- 177، وابن خلكان 1: 392- 393، والديباج المذهب 168- 172، وروضات الجنات 506- 507، وشذرات الذهب 4: 138- 139، والصلة لابن بشكوال 1: 446- 447، وكشف الظنون 127، 158، 248، 395، 593، 577، 1052، 1186، 1211، 1779، 1961، والمعجم لابن أبار 294- 298، والنجوم الزاهرة 5: 285- 286، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 3: 596- 597. ووضع أحمد بن محمد المقرى كتابا كبيرا فى سيرته أسماه: أزهار الرياض فى أخبار القاضى عياض أداره حول هذه الأبواب: روضة الورد فى أوّلية هذا العالم الفرد، وروضة الأقحوان فى ذكر حاله فى المنشأ والعنفوان.
وروضة البهار فى ذكر جملة من شيوخه الذين فضلهم أظهر من شمس النهار، وروضة المنثور فى بعض ما له من منظوم ومنثور، وروضة النسرين فى تصانيفه العديمة النظير والقرين، وروضة الآس فى وفاته وما قابله به الدهر الذى ليس لجرحه من آس، وروضة الشقيق فى جمل من فوائده ولمع من فرائده المنظومة نظم الدرّ والعقيق، وروضة النيلوفر فى ثناء الناس عليه وذكر بعض مناقبه التى هى أعطر من المسك الأذفر؛ (وقد طبع منه ثلاثة أجزاء فى مطبعة لجنة التأليف والترجمة بمصر سنة 1358) . واليحصبىّ، ضبطه ابن خلكان بفتح الياء وضم الصاد وفتحها وكسرها: منسوب إلى يحصب بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس، قبيلة من حمير.(2/363)
وهو من أهل التّفنّن فى العلم والذكاء والفطنة والفهم. واستقضى ببلده مدّة طويلة؛ حمدت سيرته فيها. ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة «1» ؛ فلم يطل مقاسه بها، ورحل عنها إلى قرطبة فى ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة. وأخذ الناس بها عنه بعض ما عنده. وكانت ولادته فى نصف شعبان من سنة ست وعشرين وأربعمائة، وتوفى بمرّاكش مغرّبا عن قرطبة وسط سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
وله من التصانيف شرح خبر أم زرع «2» مجلد. كتاب مشارق الأنوار «3» كبير.
تمام المعلم «4» فى شرح كتاب مسلم كبير «5» .(2/364)
520- عبّاس بن ناصح الأندلسىّ النحوى [1]
ساكن الجزيرة الخضراء «1» . كان من أهل العلم والعربيّة، ومن ذوى الفصاحة فى شعره ولسانه، ويذهب فى شعره مذاهب العرب، وولى قضاء شذونة «2» والجزيرة ووليها ابنه عبد الوهاب بن عباس، ثم ابنه محمد بن عبد الوهاب.
قال عبد الرحمن بن عباس بن ناصح: كان أبى لا يقدم من المشرق قادم إلا كشفه عمّن نجم من الشعراء بعد ابن هرمة «3» ؛ حتى أتاه رجل من التجار، فأعلمه بظهور الحسن بن هانئ وارتحاله من البصرة إلى بغداذ، والمحلّ الذى ناله من الأمين وبنى برمك، وأتاه من شعره بقصيدتين؛ إحداهما قوله «4» :
جريت مع الصّبا طلق الجموح «5»
والثانية «6» :
أما ترى الشّمس حلّت الحملا «7»
فقال: إنّ هذا أشعر الجنّ والإنس؛ لا يحبسنى عنه حابس، وتجهّز نحو المشرق.
قال: فلما دخلت بغداذ سألت عن منزل الحسن بن هانئ، فأرشدت إليه، فإذا
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 276، وتاريخ علماء الأندلس 1: 245، وتلخيص ابن مكتوم 177، وطبقات الزبيدىّ 1: 245، 177- 179 وطبقات ابن قاضى شهبة 20: 16- 17 ...(2/365)
قصر عليه حفدة وخدّام وحوله أكثر متأدّبى بغداذ، فسلّمت وجلست حيث انتهى بى المجلس، وأنا فى هيئة السّفر، فلما كاد المجلس ينقضى قال: من الرجل؟ قلت:
باغى أدب، قال: أتروى من شعر أبى المخشى «1» الذى قاله عندكم؟ قلت: نعم، قال: أنشدنى، فأنشدته: «كنت الذرى إلى الذرى» «2» قال: هذا الذى طلبته الشعراء فأضلّته. ثم قال: أنشدنى لأبى الأجرب، «3» فأنشدته، ثم قال أنشدنى لبكر الكنانىّ فأنشدته، ثم قال: شاعر البلد اليوم عباس بن ناصح؟ قلت: نعم، قال: أنشدنى له، فأنشدته:
فأدت القريض ومن ذا فأد
فقال لى: عبّاس! قلت: نعم، فنهض إلىّ فتلقيته، فعانقنى وضمّنى إلى نفسه، وانحرف لى عن مجلسه، فقال له من حضر المجلس: من أين عرفته أصلحك الله فى قسم بيت؟ قال: إنى رأيته عند إنشاده لغيره، فرأيته لا يبالى ما حدث من استحسان واستقباح، فلما أنشدنى لنفسه استبنت عليه وجمة، فقلت إنه صاحب(2/366)
الشعر. قال عباس: ثم أتممت الشعر، فقال: هذا أشعر العرب، ثم نقلنى إلى نفسه فى ضيافته عاما. ثم قدم عبّاس الأندلسى، فتكرر على الحكم بن هشام بالمدح، ثم تعرض للخدمة فاستقضاه على بلده.
521- العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشىّ [1]
مولى محمد بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. من أهل البصرة. سمع الأصمعىّ وأبا معمر المقعد «1» وعمرو بن مرزوق، «2» وروى عنه أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربىّ وأبو بكر بن أبى الدنيا وأبو بكر محمد بن أبى الأزهر النحوىّ وأبو بكر بن دريد وأبو روق الهزانىّ «3» وغيرهم.
__________
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 89- 93، وإشارة التعيين الورقة 23، والأنساب 264 ب، وبغية الوعاة 275- 276، وتاريخ ابن الأثير 5: 364، وتاريخ بغداد 12: 138- 140، وتاريخ أبى الفدا 2: 48، وتاريخ ابن كثير 11: 29- 30، وتلخيص ابن مكتوم 178، وابن خلكان 1: 246، وشذرات الذهب 2: 136، وطبقات الزبيدىّ 67- 69، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 14- 15، والفلاكة والمفلوكين 116، والفهرست 58، واللباب فى الأنساب 1: 484، ومعجم الأدباء 12: 44- 46، والمنتظم (وفيات سنة 257) ، والنجوم الزاهرة 3: 27- 28، ونزهة الألباء 262- 264. والرياشىّ بكسر الراء وفتح الياء: منسوب إلى رياش: وهو اسم رجل من جذام، كان والد المنتسب إليه عبدا له فنسب اليه.(2/367)
وكان من أهل الأدب وعلم النحو بمحل عال. وكان يحفظ كتب أبى زيد والأصمعىّ كلها، وقرأ على أبى عثمان المازنىّ كتاب سيبويه. وكان المازنىّ يقول: قرأ علىّ الرياشىّ الكتاب وهو أعلم به منى. وقدم بغداذ، وحدّث بها، وكان ثقة.
جاء أبو شراعة»
إلى الرّياشىّ فقال له: إن أبا العباس الأعرج قد هجاك، فقال:
إن الرياشىّ عباسا تعلّم بى ... حوك القصيد وهذا أعجب العجب
يهدى لى الشّعر جبنا من سفاهته ... كالتمر يهدى لذات الليف والكرب «2»
فقال الرياشىّ: هلا ردد ثم عنى، أما سمعتم قول أبى نواس «3» :
لا أعير الدهر سمعى ... أن يعيبوا لى حبيبا
لا ولا أحفظ عندى ... للأخلّاء العيوبا
فإذا ما كان كون ... قمت بالغيب خطيبا
احفظ الإخوان يوما ... يحفظوا منك المغيبا «4»
قال أبو سعيد السيرافىّ: «الرّياشىّ أبو الفضل عبّاس بن الفرج، مولى محمد بن سليمان بن على الهاشمىّ. ورياش رجل من جذام؛ كان أبو العباس عبدا له فبقى عليه نسبه إلى رياش. وكان عالما باللّغة والشعر، كثير الرواية عن الأصمعىّ. وروى أيضا عن غيره، وقد أخذ عنه أبو العباس محمد بن يزيد- يعنى المبرّد- وأبو بكر ابن دريد» «5» . وقال «6» أبو بكر بن أبى الأزهر- وكان عنده أخبار الرياشىّ- كنا(2/368)
نراه يجيء إلى [أبى] العباس المبرّد فى قدمة قدمها من البصرة، وقد لقيه أبو العباس ثعلب، وكان يقدّمه ويفضّله.
قال أبو سعيد: «ومات الرّياشىّ- فيما حدّثنى به أبو بكر بن دريد- سنة سبع وخمسين ومائتين بالبصرة، قتلته الزّنج «1» » . دخلوا عليه المسجد بأسيافهم والرّياشىّ قائم يصلى الضّحا، فضربوه بأسيافهم، وقالوا: هات المال، فجعل يقول: أىّ مال، أىّ مال! حتى مات. فلما خرج الزّنج عن البصرة، ودخلها من فرّ عنها، فمرّ منهم من مرّ ببنى مازن الطحّانين- وهناك كان ينزل الرّياشىّ- فدخلوا مسجده، فإذا به ملقى وهو مستقبل القبلة، كأنما وجّه إليها وإذا شملته تحرّكها الريح قد مزّقت، وإذا جميع خلقه صحيح سوىّ، لم تنشقّ له بطن، ولم يتغير له حال، إلّا أن جلده قد لصق بعظمه ويبس. وذلك بعد مقتله بسنين- يرحمنا الله وإياه.
وذكر محمد بن موسى الحمّادى قال: رأيت الرياشىّ فى مسجده هذا، فرأيت رجلا طوالا آدم اللون، عليه قلنسوة، وحين قدم بغداذ نزل على يعقوب بن شيبة، فأقام على ابن السرىّ صاحب الكلبىّ شهرا، حتى كتب عنه ما أراد، ثم رجع إلى البصرة.
قال المازنىّ: قرأ الرياشىّ علىّ كتاب سيبويه فما بلغ النصف منه حتى كان أعلم به منى.(2/369)
قال مروان بن عبد الملك: سمعت العباس بن الفرج الرياشىّ يقول:
حفظت كتب أبى زيد ودرستها إلا أنى لم أجالسه مجالستى للأصمعىّ، وأما كتب الأصمعىّ فإنى حفظتها لكثرة ما كانت تتردّد على سمعى لطول مجالستى له. قال:
وكنت أقرأ على أبى زيد، ولعلّ حفظى قريب من حفظه. قال: وقال لى يوما:
عمن تأخذ؟ قلت له: عن فلان، فاجتمعنا عنده يوما أنا وذلك، فتناظرنا، فقال لى: تقول لى إنك تأخذ عن هذا وأنت أعلم منه!.
وقال الخشنىّ: كان المازنىّ فى الإعراب، وأبو حاتم فى الشعر والرواية، وكان الرياشىّ فى الجميع. وكان أهل البصرة إذا اختلفوا فى شىء قالوا ما قال فيه أبو الفضل الرياشىّ، انقيادا لفضله وروايته. وكان من أهل الفضل، لا تخرج البصرة مثل الرياشىّ.
وحمل الرياشىّ إلى سرّ من رأى فى أيام المتوكل، لتولّى قضاء البصرة فاستعفى، وقال شعرا مدح به المتوكل، وذكر فيه خلوّ مسجده منه، فأعفاه وأعطاه ووسع له وأعاده. وقرأ عليه الفتح بن خاقان الوزير، وأعطاه مالا جسيما، وعاد إلى البصرة.
وقال يحيى: رأيت أبا حاتم يعظم الرّياشىّ تعظيما كثيرا، وأبو حاتم أسنّ منه.
وسئل الرّياشىّ فى عقيب ذى الحجة سنة أربع وخمسين ومائتين: كم تعد؟ قال:
أظنّ سبعا وسبعين. وكانت قتلته فى شوّال سنة سبع وخمسين ومائتين- رحمه الله.
قال أبو الفتح محمد بن جعفر النحوى: قرأ الرّياشىّ النصف الأوّل من كتاب سيبويه على المازنى. وقال أبو بكر بن دريد: رأيت رجلا من الورّاقين بالبصرة يقرأ كتاب إصلاح المنطق لابن السكّيت، ويقدّم الكوفيين، فقلت للرّياشىّ-(2/370)
وكان قاعدا فى الوراقين- بما قال، فقال: إنما أخذنا اللغة من حرشة «1» الضّباب وأكلة اليرابيع «2» ، وأخذوا اللغة من أهل السواد، وأكلة الكواميخ «3» والشواريز. «4»
وله من الكتب: كتاب الخيل. كتاب الإبل. كتاب ما اختلفت أسماؤه من كلام العرب.
قال أحمد بن يحيى ثعلب: كنت أصير إلى الرّياشىّ لأسمع ما كان يرويه، فقال لى يوما: كيف تروى هذا البيت: «بازل عامين» ، «أو بازل» ، أو [بازل] ؟
يعنى قول الشاعر «5» :
ما تنقم الحرب العوان «6» منّى ... بازل «7» عامين حديث سنّى
لمثل هذا ولدتنى أمّى
قال ثعلب: تقول لى هذا فى العربيّة؛ إنما أصير إليك لهذه المقطّعات والخرافات! وقلت له: يروى «بازل عامين» ، «وبازل عامين» ، [وبازل عامين] ، فأمسك.
الرفع على الاستئناف، والخفض على الإتباع، والنصب على الحال.(2/371)
وقال ثعلب أيضا: قدم الرياشى بغداذ فى سنة ثلاثين ومائتين، فأتيته لأكتب عنه، فقال: أسألك عن مسألة؟ فقلت: قل، قال: «نعم الرجل يقوم» ؛ قلت:
الكسائىّ يضمر «رجلا يقوم» والفرّاء لا يضمر، لأن «نعم» عنده اسم، وعند الكسائىّ فعل، و «يقوم» من صلة الرجل، وسيبويه يقول: إنه ترجمة. قال:
صدقت، قلت: فتقول: «يقوم نعم الرجل» ؟ قال: نعم، قلت: هذا مخالف لقول صاحبك «1» ، والكسائىّ والفراء يجيزانه؛ لأن الترجمة إذا تقدّمت فسد «2» الكلام؛ لأنه إنما أتى بها فى آخره، ليظهر معنى الكلام؛ فاقصد لما أتيت له.
ثم قال: إنى أسألك عن مسألة سألنا عنها الأخفش: لم قالت العرب:
«نعم الرجلان أخواك» ، فثنّوا «الرجل» وهو جنس من الرجال على «أخواك» ؟
والمعبّر «3» عن الجنس لا يثنّى ولا يجمع؟ فقلت له: لمّا صرف الفعل إلى الرجل جرى مجرى الفاعل، فثنّى وجمع لذلك. فقال: هكذا قال الأخفش. قلت له: وجالست الأخفش؟ قال: نعم، وأنا أرى أنّى أعلم منه. فما أعجبتنى هذه الكلمة من الرّياشىّ؛ لأنى وجدته أفرط فيها. فجاريته الأخبار والأشعار وأيام الناس، ففجّرت به ثبج بحر.
وجرت مناظرة فى مجلس فيه الأخفش سعيد والعبّاس بن الفرج الرّياشىّ، فقال الأخفش: إن «منذ» إذا رفعت بها كان اسما مبتدأ وما بعده خبره، وإذا جررت بها كان حرفا جاء لمعنى. فقال له الرياشى: فلم لا تكون فى حال ما يرفع ويجر جميعا اسما؛ كما تقول: «ضارب زيدا، [وضارب زيد] » ، فقد رأينا الاسم ينصب الاسم ويجره. فلم يأت الأخفش بمقنع. فلما سمع المازنىّ هذا الكلام [قال:](2/372)
أقول أنا: إنه لا يشبه الأسماء، وذلك لأنى لم أر الأسماء على هذه الهيئة، فقد رأينا الأسماء المبتدأة تزول عمّا هى عليه، ولا تلزم موضعا واحدا، لا يغيّر عن مكانه الذى هو فيه؛ وإنما هو الحرف الذى جاء لمعنى؛ فهو حرف جاء لمعنى؛ مثل: أين، وكيف ألزم شيئا واحدا.
قال أبو يعلى بن أبى زرعة: فقلت لأبى عثمان: حرف جاء لمعنى، هل رأيته قط يعمل عملين: جرّا ورفعا؟ فقال: قد رأيته يعمل عملين؛ ينصب ويجر؛ مثل قولك: «أتانى القوم خلا زيد، وخلا زيدا» .
قال أبو عثمان: أقول العوامل [و] هى الأفعال؛ إنما ترفع الشىء الواحد؛ ولم أرها رفعت شيئين إلا بحرف عطف؛ مثل: «قام زيد وعمرو» ؛ ولا يجوز أن ترفع بالابتداء المبتدأ وخبره. قلنا له: فإنّ الصّفة هى مرتفعة أيضا إذا قلت:
«قام زيد العاقل» ، فقد رفعت شيئا بغير حرف عطف، فقال: الموصوف قد اشتمل على الصفة. قال أبو عثمان: ألا [ترى] أنك لو حملت كوزا فيه ماء كنت قد حملت الماء؟ وأهل بغداذ يقولون: «إن زيدا منطلق» إنّ ناصب «زيد» «إنّ» و «منطلق» لم تعمل فيه «إن» ، والحجة عليهم فى ذلك أن تقول: «إن زيدا لمنطلق» ، وهذه اللام لا تدخل إلا على ما تعمل فيه «إن» .
قال أبو عثمان المازنىّ: سألنى الرياشىّ: «الله» . ما أنكرت أن تكون «الإله» فخفف فقيل: «أللاه» ، ثم أدغمت اللام فى اللام الساكنة؛ كما أجزت فى «الناس» أن يكون تخفيفا من «الأناس» ، ثم أدغمت؟ فقلت له: من قبل أن «الناس» على معنى «الأناس» ، وكذلك كل شىء خففت من الهمزة فهو على معناه مخففا، وأنت إذا قلت «اللاه» ، فليس يعلم الله عزّ وجلّ، فلو كان «الله» هو «الإله» مخففا لبقى على معناه، فلما جاء «الله» على غير معنى «إلاه» علمنا أن هذا ليس مخففا.(2/373)
522- العباس بن رداد بن عمر البندنيجىّ أبو الفضل النحوىّ [1]
كانت له معرفة حسنة بالنحو. قرأ على أبى الغنائم حبشى بن محمد الواسطىّ الضرير النحوىّ، ثم على أبى محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب، وأقرأ الناس، وتخرّج به جماعة، ومما أنشدنيه العباس لبعضهم:
أقبلت فى غلالة زرقاء ... لازرديّة كلون السماء
فتأملت فى الغلالة منها ... قمر الصيف فى ليالى الشتاء
523- عيسى بن عمر البصرىّ الثقفىّ المقرئ النحوىّ [2]
اختلف فى نسبه، فقيل هو مولى لبنى مخزوم، وهو من ولد الحكم بن عبد الله الأعرج «1» الذى روى الحديث. وقيل كان من ثقيف، لخالد بن الوليد، وقيل هو مولى خالد بن الوليد المخزومىّ ونزل فى ثقيف.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 179. والبندنيجىّ، بفتح الياء وسكون النون وفتح الدال وكسر النون: منسوب إلى بندنيجين، وهى بلدة قريبة من بغداد.
[2] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 31- 33، وإشارة التعيين الورقة 39- 40، وبغية الوعاة 270، وتاريخ ابن الأثير 5: 28، وتاريخ أبى الفدا 2: 5، وتاريخ ابن كثير 10:
105- 106، وتلخيص ابن مكتوم 179- 180، وابن خلكان 1: 393- 394، وروضات الجنات 557- 558، وشذرات الذهب 1: 224- 225، وطبقات الزبيدىّ 17- 21، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 212- 215، وطبقات القراء لابن الجزرىّ 1: 613، وعيون التواريخ (وفيات 149) والفهرست 41- 42، ومراتب النحويين 32، ومرآة الجنان 1: 307- 309، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 270- 271، والمعارف لابن قتيبة 235، ومعجم الأدباء 16: 146- 150، والنجوم الزاهرة 2: 11، ونزهة الألباء 25- 29، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 3: 643- 645.(2/374)
وكان من قرّاء أهل البصرة ونحاتها. وكان عالما، أخذ عن ابن إسحاق.
وكان عيسى بن عمر فى طبقة أبى عمرو بن العلاء، وعنه أخذ الخليل بن أحمد.
وله فى النحو نيّف وسبعون تصنيفا، عدمت؛ ومنها تصنيفان كبيران؛ اسم أحدهما الإكمال والآخر الجامع. ويقال إن الجامع هو كتاب سيبويه، زاد فيه وحشاه. وسأل مشايخه عن مسائل منه أشكلت عليه فذكرت له فأضافها، وإنه لما أحضره إلى الخليل بن أحمد ليقرأه عليه عرفه الخليل، وأنشد:
بطل النحو جميعا كلّه ... غير ما أحدث «1» عيسى بن عمر
ذاك (إكمال) وهذا (جامع) ... فيهما للناس شمس وقمر
فأشار إلى الجامع بما يشار به إلى الحاضر، وهى لفظة هذا.
وقال أحد العلماء لعيسى بن عمر: أخبرنى عن هذا الذى وضعته فى كتابك؛ يدخل فيه كلام العرب كلّه؟ قال: لا، قلت: فمن تكلم خلافك واحتذى ما كانت العرب تتكلم به تراه مخطئا؟ قال: لا، قلت: فما ينفع كتابك! وقال محمد بن سلام الجمحىّ: «كان عيسى بن عمر ينزع إلى النصب إذا اختلفت العرب» . «2» ويقال: إنّ أبا الأسود لم يضع من النحو إلا باب الفاعل والمفعول فقط، وإن عيسى بن عمر وضع كتابه على الأكثر وبوّبه وهذّبه، وسمى ما شدّ عن الأكثر لغات. وكان يطعن على العرب، ويخطّئ المشاهير منهم؛ مثل النابغة فى بعض أشعاره «3» وغيره.(2/375)
وكان صاحب تقعير فى كلامه، واستعمال للغريب فيه. وكان بعض جلساء خالد بن عبد الله القسرىّ «1» قد استودعه وديعة، فنمى ذلك إلى يوسف «2» بن عمر، فكتب إلى واليه بالبصرة يأمره أن يحمله إليه مقيّدا، فدعى به، ودعى بالحداد وأمره بتقييده، فلما قيّد قال له الوالى: لا بأس عليك؛ إنما أرادك الأمير لتأديب ولده. قال: فما بال القيد إذن! فبقيت هذه الكلمة مثلا بالبصرة. فلما أتى به يوسف «3» بن عمر سأله عن الوديعة فأنكر، فأمر به فضرب بالسياط؛ فلما أخذه السوط جزع، فقال: أيها الأمير؛ إنما كانت ثيابا فى أسيفاط؛ «4» فتسلّمها عشّارك «5» ، فرفع السوط عنه، ووكل به حتى أخذت الوديعة منه. وأدركه بعد ذلك ضيق النفس؛ فكان يداويه بإجّاص يابس وسكّر يضعه فى فيه فيسكّن ما به، وكان دقيق الصوت.
قال يحيى بن معين: عيسى بن عمر بصرىّ ثقة. وجمع الحسن بن قحطبة «6» عند مقدمه مدينة السلام الكسائىّ والأصمعىّ وعيسى بن عمر؛ فألقى عيسى بن عمر على(2/376)
الكسائىّ مسألة، فذهب الكسائىّ يوجّه احتمالاتها، فقال له عيسى: عافاك الله! إنما أريد كلام العرب، وليس هذا الذى تأتى به بكلامها «1» .
قال الأصمعىّ: وجاء عيسى بن عمر يوما إلى أبى عمرو بن العلاء فقال له:
مررت بقنطرة قرّة، فلقينى بعيران مقرونان فى قرن، فما شعرت شعرة حتى وقع قرانهما فى عنقى، فلبج «2» بى، فافرنقع عنى والناس قيام ينظرون. قال: فكاد أبو عمرو ينشقّ غيظا من فصاحته.
وذكر عنه أن ضيق النفس الذى كان به أدركه يوما وهو فى السوق فوقع، ودار الناس حوله يقولون: مصروع، مصروع! فبين قارئ ومعوّذ من الجانّ. فلما أفاق من غشيته نظر إلى ازدحامهم فقال لهم: ما لى أراكم تتكأكئون علىّ تكأكؤكم على ذى جنّة! افرنقعوا. فسمع أحد الجمع وهو يقول: إن جنّيّه هذا يتكلم بالهندية.
توفى عيسى بن عمر سنة تسع وأربعين ومائة قبل أبى عمرو بن العلاء بخمس سنين أو ست.
524- عيسى بن أبى جرثومة أبو الأصبغ الخولانىّ الأندلسىّ النحوىّ [1]
كان عالما بالنحو واللغة والحساب والعروض والقراءات، مفيدا لكل ذلك، متصدّرا للإفادة. وكان فاضلا خيّرا ديّنا شاعرا محسنا.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 180.(2/377)
525- عيسى بن يللبخت الجزولىّ المغربىّ [1]
البربرىّ النسب. وجزولة قبيلة من قبائل البربر مشهورة الذكر هناك.
وربما قالوا كزولة (بالكاف) . أبو موسى.
رجل فاضل كامل ديّن خيّر. رحل من المغرب إلى المشرق وحج وعاد إلى مصر، وقرأ مذهب مالك والأصول على الفقيه أبى المنصور ظافر المالكىّ الأصولىّ «1» . وقرأ النحو على الشيخ أبى محمد عبد الله بن برىّ النحوى المصرىّ الدار، إمام وقته، ولما قرأ عليه كتاب الجمل للزجّاجى سأله عن مسائل على أبواب الكتاب، فأجابه عنها، وجرى بحث فيها بين الطلبة أنتج قولة علقها الجزولىّ مفردة، فجاءت كالمقدّمة، فيها كلام غامض، وعقود لطيفة، وإشارات إلى أصول صناعة النحو غريبة. ولما عاد إلى المغرب نقلها الناس عنه، واستفادوها منه. وبلغنى أنه كان إذا سئل عنها: هل هى من تصنيفك؟ قال: لا؛ لأنه كان متورّعا. ولما كانت هذه من نتائج خواطر الجماعة عند البحث فى مجلس الشيخ أبى محمد بن برىّ، ومن كلام ابن برىّ لم يسغ له أن يقول: هى من كلامى وتصنيفى، وإنّما هى منسوبة إليه؛ لأنها من استفادته ومساجلته وكونه أثبتها دون الجماعة.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 39، وبغية الوعاة 369- 370، وتلخيص ابن مكتوم 180- 181، وابن خلكان 1: 394- 395، وشذرات الذهب 5: 26، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 211- 212، والفلاكة والمفلوكين 91- 93، وكشف الظنون 1800- 1801، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 3: 633. ويللبخت، ضبطه ابن خلكان:
«بفتح الياء واللام الأولى وسكون الثانية وفتح الباء وسكون الخاء» . وهو اسم بربرىّ.(2/378)
وأخبرنى صديقنا النحوىّ اللورقىّ الأندلسىّ قال: اجتزت به فى طريقى ببعض مدن العدوة- وأسماها لى وأنسيتها أنا- قال: وقد كان مقيما بها، فأرشدت إلى منزله، فدققت عليه بابه، فخرج إلىّ فرأيته فى هيئة متألّه، فسألته عن مسألة فى مقدّمته، أظنه قال فى باب التعجب أو فى باب الحكاية- السهو منّى- قال: فأجابنى عنها، وتركته وانصرفت.
وقد عنى الناس بشرح هذه المقدّمة؛ فممن شرحها «1» صديقنا هذا المعلّم وأجاد.
وشرحها أبو علىّ عمر الشّلوبينىّ،»
نزيل إشبيليّة ونحويّها، ولم يطل، وشرحها نحوىّ من أهل العدوة من أرض المغرب، ووصل شرحه إلى الشأم وقال: من وقف عليها: لم يأت بطائل. وشرحها شاب نحوىّ من أهل جيّان من الأندلس متصدّر بحلب لإفادة هذا الشأن، فجمع فيه بعض أقوال هؤلاء المقدم ذكرهم وأحسن فى الإيجاز «3» .
ومات الجزولىّ- رحمه الله- بالمغرب، فى حدود سنة خمس وستمائة؛ قبلها أو بعدها بقليل؛ والله أعلم.
واجتمعت بالمعلّم أبى القاسم بن الموفّق النحوىّ اللورقىّ الأندلسىّ المقدّم ذكره، وسألته عنه ثانية فقال: كان اجتماعى به بتونس، وقدم فى صحبة صاحب المغرب لقصد المهدىّ وقال: كان الجزولىّ مزوارا، ومعنى المزوار بالبربرية مقدّم جماعة. وسألته عن المسألة التى سأله عنها، فقال: هى فى التعجب من مقدّمته، وهى المثلية أو المثليّة «بالتحريك» قال: فقال له: هى المثليّة. وسألته عن سنة اجتماعه به(2/379)
فقال: كان ذلك فى أوائل سنة إحدى وستمائة. ثم سألته: هل حقّقت وفاته فقال: لم أحقق السنة؛ ولكن أخبرت أنه لم يعش بعدى إلا سنيّات قلائل، ما بين الثلاث إلى الأربع، فيكون تقدير وفاته ما ذكرناه «1» .
526- عيسى بن المعلّى الحجة بن مسلمة الرافقى اللغوىّ النحوىّ الشاعر [1]
عربىّ الأصل. كان كثير الشعر، يمدح أمراء الدولة الأتابكية والنورية، ومدح مظفّر الدين «2» بن زين الدين، وهو ممن فات العماد ذكره فى الخريدة، وصنّف كتبا فى اللغة لطافا، وصنف فى النحو كتابا لطيفا سماه المعونة، وشرحه بكتاب سماه القرينة فى شرح المعونة «3» .
وكان يحضر إلى حلب، ويمدح المعمّمين والمشربشين؛ فممن مدح الرئيس صفىّ الدين طارق بن أبى غانم بن الطربزة بقصائد شهد بها ديوانه. نقلت من خط ولده الصارم إبراهيم بن الحجة هذا على ظهر كتاب القرينة فى شرح المعونة:
«توفى والدى- رحمه الله- ليلة الجمعة ثالث ربيع الآخر سنة خمس وستمائة» .
527- عطاء بن أبى الأسود الدؤلىّ النحوىّ [2]
عالم بالنحو والعربية، وهو الذى اتفق بعد موت أبيه هو ويحيى بن يعمر على بسط النحو وتعيين أبوابه، وبعج مقاييسه. ولما تولى أبوه البصرة من قبل علىّ
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 270، وتلخيص ابن مكتوم 181، ومعجم الأدباء 16: 151.
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 181.(2/380)
وابن عباس كان على شرط أبيه عطاء، ولم يعقب. ولما استوفى هو ويحيى بن يعمر جزءا متوفرا من أبواب النحو نسب بعض الرواة إليهما أنهما أول من وضع هذا النوع.
528- عنبسة بن معدان الفيل [1]
من بنى أبى بكر بن كلاب. وقيل إنه ينتهى إلى مهرة بن حيدان. قال المبرّد قال عنبسة: اختلف الناس إلى أبى الأسود يتعلّمون منه العربية؛ فكان أبرع أصحابه عنبسة بن معدان المهرىّ. واختلف الناس إلى عنبسة فكان أبرع أصحابه ميمون الأقرن. وكان عنبسة بن معدان يعرف بالفيل؛ وذلك أن زياد بن أبيه كانت له فيلة ينفق عليها فى كل يوم عشرة دراهم، فأقبل رجل من ميسان «1» يقال له معدان، فقال: ادفعوها إلىّ وأكفيكم المئونة وأعطيكم عشرة دراهم فى كل يوم، فدفعوها إليه فأثرى وابتنى قصرا، ونشأ له ولد يقال له عنبسة وفصح، وهو هذا الذى نحن فى ذكره. فروى الأشعار، وروى شعر جرير والفرزدق وانتمى إلى بنى بكر بن كلاب.
وقيل للفرزدق: هاهنا رجل من بنى كلاب يروى شعر جرير ويفضّله عليك، ووصفوه له. فقال: رجل من بنى كلاب على هذه الصفة لا أعرفه، فأرونى داره، فأروه، فقال: هذا ابن معدان الميسانىّ، ثم قصّ عليهم قصته، وقال:
لقد كان فى معدان والفيل زاجر ... لعنبسة الراوى علىّ القصائدا
فروى البيت بالبصرة.
__________
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 39- 40، وأخبار النحويين البصريين للسيرافى 23- 24، وبغية الوعاة 368، وتلخيص ابن مكتوم 181 وطبقات الزبيدىّ 11، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 211، ومراتب النحويين 19، والمزهر 2: 398، 426، ومعجم الأدباء 16: 133- 135.(2/381)
ولقى أبو عيينة بن المهلّب عنبسة، فقال له عنبسة: ما أراد الفرزدق بقوله:
لقد كان فى معدان والفيل زاجر
فقال: إنما قال:
لقد كان فى معدان واللؤم زاجر
فقال أبو عيينة: وأبيك إن شيئا فررت منه إلى اللؤم لعظيم! وقد اختلف الناس فى تقديم ميمون على عنبسة، وفى تقديم عنبسة على ميمون الأقرن فى الفضل والعلم وسعة الرواية. وهو من الطبقة الثالثة، فإنه يروى عن أبى الأسود، وأبو الأسود عن علىّ كرم الله وجهه. وهذه الطبقة حسب ما حصر الرواة، ممن أخذ عن أبى الأسود، عنبسة بن معدان هذا، وميمون المعروف بالأقرن، وعطاء بن أبى الأسود، وأبو نوفل بن أبى عقرب «1» ، ويحيى بن يعمر، وقتادة بن دعامة السّدوسى، وعبد الرحمن بن هرمز، ونصر بن عاصم، كل هؤلاء أخذوا عن أبى الأسود، وتتفاوت مقاديرهم فى العلم بهذا النوع من العربية.
529- عمار بن إبراهيم بن محمد بن حمزة العلوىّ الكوفىّ النحوىّ [1]
أخو عمر بن إبراهيم «2» ؛ وهما زيديّا المذهب، وعمر أكبرهما سنا، وأظهرهما معرفة؛ كان يدرس النحو ببلده. أدركه أبو طاهر السّلفىّ وروى عنه. وقال:
أفادنا أخوا ابن المعمر الحبال وغيره.
__________
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 182، وقال: «كذا فى الأصل، والصواب تقديم عامر على عمار؛ فاعرفه» .(2/382)
530- عسل بن ذكوان النحوىّ اللغوىّ [1]
فى طبقة المبرد وفى زمانه، ولم يشتهر شهرته. وكان مقيما للإفادة بعسكر مكرم، وأخذ عنه الناس ورووا عنه. وهو مذكور هناك. وله تصانيف؛ منها كتاب الجواب المسكت. كتاب أقسام العربية. وكان من أصحاب المازنىّ، وقرأ عليه كتاب سيبويه.
531- عامر بن إبراهيم بن العباس الفزارىّ النحوىّ الشاعر اللغوىّ القيروانىّ الإفريقىّ [2]
كان شاعرا بصيرا باللغة مع خبث وإقدام ورأى ومكر. وكان يلى أمور الأموال لملوك تلك الجهات، وجبى خراجا فى بعض سواحل إفريقية، فلما استكمله أخذه وهرب إلى مصر. وفى ذلك يقول محمد التونسىّ فى ولده أبى القاسم:
دعىّ فزارة من لؤمه ... إلى طلعة اللؤم ما أسبقه
أب هارب بخراج الإمام ... وجدّ قتيل على الزندقه
وكان ينتسب إلى حمل بن بدر؛ حتى أعلمه أبو بكر الحسن بن أحمد بن نافذ أن حمل ابن بدر لم يعقب، وأراه ذلك فى بعض الكتب، فحلّى عن ذلك وقال: نحن من ولد عيينه بن حصن. وكان أبو القاسم ولده بصيرا بالآداب، وله أشعار كثيرة، يغلب عليها الهجاء، وكان يزعم أنه من [ولد] «1» أسماء بن خارجة «2» .
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 324، ومراتب النحويين 137، ومعجم الأدباء 12: 168- 169.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 274، وتلخيص ابن مكتوم 182، وطبقات الزبيدى 170- 171، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 13 وما ذكره المؤلف يوافق ما فى الطبقات.(2/383)
532- عرام [1]
لقب مشهور له. وهو المفضّل بن العباس بن محمد. وكان خفيف العقل مزلزله. وكان يتعاطى بعد تسميته بالنحوىّ المنادمة وأسبابا تجرّ الطنز واللهو.
533- عاصم بن أيوب الأديب البطليوسىّ الأندلسىّ أبو بكر [2]
روى عن أبى بكر محمد بن الغراب، ومكى بن أبى طالب القيروانىّ. وكان من أهل الآداب والمعرفة باللغات، ضابطا لذلك؛ مع خير وفضل وفقه.
توفى فى سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
534- عيينة بن عبد الرحمن أبو المنهال المهلبى النحوىّ اللغوىّ [3]
ذكره الحافظ بن البيّع النيسابورىّ فى تاريخ نيسابور فقال: «صاحب العربية وتلميذ الخليل بن أحمد، مؤدب الأمير أبى العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين «1» ، ورد معه نيسابور، وتوفى بها.
__________
[1] لم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص، ولم أعثر له على ترجمة أخرى.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 274، وتلخيص ابن مكتوم 182، والصلة لابن بشكوال 2: 444- 445.
[3] ترجمته فى بغية الوعاة 270، ومعجم الأدباء 16: 165- 167؛ ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.(2/384)
روى عن داود «1» بن أبى هند، وسفيان بن عيينة، وسعيد بن أبى عروبة «2» ويحيى بن سليم. «3» وكان من قوله: لا تتصدر إلى فائق أو مائق» : «4»
535- عالى بن عثمان بن جنّى أبو سعد بن أبى الفتح النحوىّ [1]
أخذ العربية عن أبيه وعن أبى علىّ الفارسىّ. وأكثر عن أبيه، وتقدم وأفاد هذا العلم، وانتقل إلى مدينة صور، «5» الثغر الشامىّ، فنزله، وأفاد الناس به وروى عن مشايخ وقته العراقيّين والشاميّين، وكتب بخطه كثيرا، وكان محقّقا لما يكتبه.
كان حيّا بصور فى سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة «6» .
ونقلت من على ظهر جزء بخط أحمد بن علىّ بن ثابت: أنشدنى الشيخ أبو محمد جعفر بن عبد الله بن على بن المفيد، قال: أنشدنى أبو سعد عالى بن عثمان بن جنّى ولد أبى الفتح بن جنى بصور لنفسه:
__________
[1] ترجمته فى بغية الوعاة 274، وتلخيص ابن مكتوم 182- 183، ومعجم الأدباء 12: 39.(2/385)
ألا لله
ما أشقى حياتى ... فشيب مفارقى ممّا أقاسى
كأن طوالعى شربت دواء ... فطول الدهر تسلح فوق راسى
قال: وأنشدنى أيضا لنفسه بمنزله بصيداء «1» :
منزل لا أرى بعينى أدنى ... منه قدرا فى سائر الأمصار
فرشى فيه فقحة «2» ووطائى ... حين أمسى غرائب الأفكار
وإذا لم أجد أنيسا من النا ... س تفيهقت «3» فى عتاب الفار
536- العماد المغربىّ [1]
شاب من أهل المغرب، رحل إلى المشرق، وكان يعلّم العربية علما جيدا.
وقرأ على ابن يونس الموصلىّ شيئا من علوم الأوائل؛ ودخل سنجار، وأقام بها مدّة، وقرئ عليه بها. وكان نزيل قاضيها الكردىّ المعروف بالبدر.
واجتمع بيعمر الفرغانىّ النحوىّ المنطيقىّ، وتناظرا فى شىء من ذلك.
وكان ذكيّا حسن المباحثة، وهو فى زماننا هذا.
537- العبدىّ النحوىّ [2]
نسبته أشهر من اسمه، وقد ذكرته فى باب «أحمد بن بكر» «4» ، وكنيته أبو طالب.
فاضل فى هذا الشأن، صحب أبا علىّ الفارسىّ النحوىّ وأخذ عنه، وحضر مجلس أبى سعيد السّيرافىّ، واستفاد منه. وكان اختصاصه بأبى علىّ وانتسابه إليه أكثر، وتعصّبه له أوفر. أخذ عن أبى علىّ جل ما عنده.
__________
[1] لم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص، ولم أعثر له على ترجمة.
[2] ترجمته فى بغية الوعاة 129، وكشف الظنون 212، ومعجم الأدباء 2: 236- 238، ونزهة الألباء 410- 411، ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.(2/386)
وكان وطئ العبارة، حسن الغوص، جميل التصنيف، اعتنى بكتاب شيخه أبى علىّ، وهو الكتاب المسمى بالعضدىّ «1» ، وهو: الإيضاح، والتكملة، وشرحه شرحا كافيا شافيا، أتى فيه بغرائب من أصول هذه الصّناعة، وحقّق أماكن؛ حتى يقال: إنه شرح كتاب أبى علىّ بكلام أبى علىّ؛ لكثرة اطّلاعه على كتبه وفوائده. وإذا أنصف المنصف، وأجمل النظر، واطّرح الهوى رأى أن كلّ من تعرّض لشرح هذا الكتاب إنما اقتدى بالعبدىّ وأخذ منه، وإن غيّر الألفاظ فيما خرج عن القصد الذى قصده.
وكنت قد سألت عالمين بهذا الشأن عن كتاب العبدىّ وكتاب الجرجانىّ «2» فى شرح الإيضاح، فسكتا مليّا وقال أحدهما: قد سمّى الجرجانىّ كتابه المقتصد، وهو كما سمّاه؛ فإنّ فوائده مختصرة. وقال الآخر: أحسن العبدىّ فى الكلام على العوامل، وقصّر فيها الجرجانىّ، وأحسنا فى التصريف، وكلام الجرجانىّ أبلغ وأبسط.
وكان العبدىّ رحمه الله قد أدركه خمول الأدب، ولم يحصل [له] من السمعة ما حصل لابن جنّى والرّبعىّ. وكان كثير الشكوى لكساد سوقه وسوق الأدب فى زمانه.
قال العبدىّ: وعهدى بنفسى حاضرا مجلس هذا الشيخ- يعنى أبا علىّ- وهناك من يقرأ كتاب سيبويه، دون غيره من المتوسّطات ثلاثون رجلا وأكثر؛ ما فيهم إلا من يطلق عليه اسم العامل، ثم ما يحسنونه من اللغة والشعر غير(2/387)
مذكور، ومجلس الشيخ أبى سعيد الحسن بن عبد الله السيرافىّ وعدد أهل المجلس ومن معنا السبّق للقراءة يزيدون على المائة، ومجلس الشيخ أبى الحسن على بن عيسى النحوىّ جميع أهل السنة رحمه الله، رحمنا [الله] وأعاننا على إصلاح ديننا، وجعل ذلك خالصا لوجهه. وهأنذا فى زمان لا أفتح عينى على طالب علم تحقيقا سوى اثنين أو ثلاثة.
ولم يكن للعبدىّ رحمه الله أنسة بشىء من العلوم القديمة؛ ودليل ذلك أنه لما عاب كتاب الأصول لابن السراج «1» قال: أفسده بالتّقسيمات الهندسية، والهندسة لا تقسيمات فيها، وإنما التّقسيم والترتيب وتعريف الأجناس والأنواع والخاصة والفصل والعرض ... إلى أمثال ذلك من ألفاظ أهل المنطق فيما فوق الهندسة والمنطق. وإنما كان متعب الخاطر فى معرفة العبارة العربية؛ غير مشتغل بسواها، فلا جرم أنه أجادها.
ومن العجب أنه كان يحضر مجلس أبى الحسن على بن عيسى الرمانى، وكان عالما بالمنطق مستعملا له فى عبارته النحوية والكلامية وما استفاد منه ما يفرق به بين التقسيم المنطقىّ والهندسىّ.
عاش العبدىّ إلى قريب سنة عشرين وأربعمائة- فيما قيل- والله أعلم.
538- عباد بن كسيب [1]
لغوىّ فيمن دخل البادية. أخذا الناس عنه طرفا من اللغة الفصحى. وهو قديم العهد؛ قد يرد اسمه فى كتب اللغويين، وأسندوا إليه جملة من الغريب.
__________
[1] لم أعثر له على ترجمة، ولم يذكره ابن مكتوم فى التلخيص.(2/388)
(حرف الغين)
539- غانم بن وليد المخزومىّ المالقىّ النحوىّ الأستاذ أبو محمد الأديب [1]
فاضل نحوىّ شاعر متصدّر ببلده مالقة من ساحل الأندلس، له نباهة وذكر هناك، متصدّر للإفادة، عالم بالعربية «1» ، له شعر، فمن شعره:
ثلاثة يجهل مقدارها ... الأمن والصحة والقوت
فلا تثق بالمال من غيرها ... لو أنه درّ وياقوت
540- الغورىّ [2]
منسوب إلى الغور، وهو عمل إلى جانب مدينة غزنة، فيه عدّة مدن وقرى.
لا أعرف من حال هذا المذكور شيئا، وإنما ذكر لى ياقوت الحموىّ مولى عسكر الحموىّ التاجر، نزيل بغداذ؛ قال: رأيت بمرو فى بعض خزائن وقفها- فلا أدرى:
أقال لى فى خزانة المشرف المستوفى أو فى خزانة الفقّاعىّ- كتابا كبيرا فى اللغة
__________
[1] ترجمته فى بغية الملتمس للضبى 447- 428، وبغية الوعاة 371، وتلخيص ابن مكتوم 183، وجذوة المقتبس للحميدى الورقة 140 والصلة لابن بشكوال 2: 450- 451، ومطمع الأنفس للفتح 60- 61، ومعجم الأدباء 16: 166- 167.
وقال ابن مكتوم: «هو غانم بن وليد بن عمر بن عبد الرحمن. روى عن أبى عمر يوسف بن عبد الله ابن خيرون، وعن أبى عبد الله بن السراج. وتوفى رحمه الله سنة سبعين وأربعمائة. وذكره الحميدى وابن بشكوال، وأثنيا عليه» .
[2] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 183.(2/389)
فى عدّة مجلدات من تصنيف الغورىّ. قال: وتأملت الكتاب، فرأيته أجمع كتاب، كثير الألفاظ، قليل الشواهد. وأظنه قال: هو على الأوزان «1» . والله أعلم.
وهذا كتاب لم يظهر له ذكر؛ لا بالعراق ولا بالشام ومصر. وأظن أن مصنفه قريب العهد، والله أعلم «2» .(2/390)
[الفهارس]
فهرس التراجم [بحسب ورودها فى الكتاب]
(حرف الدال)
رقم الترجمة الصفحة
249- دماذ أبو غسان اللغوىّ 5
250- دومىّ الكوفىّ النحوىّ اللغوىّ العروضىّ 6
251- دهمج بن محرز البصرىّ 7
(حرف الذال)
252- الذاكر النحوىّ المصرىّ 8
(حرف الراء)
253- ربيعة البصرىّ 9
(حرف الزاى)
254- زيد بن الحسن بن زيد بن الحسين التاج أبو اليمن الكندىّ 10
255- زيد بن القاسم بن أسعد العامرىّ النيسابورىّ أبو الحسن الأديب 14
256- زيد بن سليمان الحجرىّ النحوىّ الأندلسىّ أبو الربيع المعروف بالبارد 15
257- زيد بن عطية الصعدىّ اليمنىّ اللغوىّ 15
258- زيد بن علىّ النحوىّ الفارسىّ أبو القاسم 17
259- زيادة الله بن علىّ بن حسين التميمىّ الطبنىّ 17
260- زنجىّ بن المثنى النحوىّ القيروانىّ 17
261- زهير بن ميمون الفرقبىّ النحوىّ الكوفىّ 18(2/391)
(حرف السين)
رقم الترجمة الصفحة
262- سليمان بن معبد أبو داود النحوىّ السنجىّ المروزىّ 20
263- سليمان بن محمد بن أحمد أبو موسى النحوى المعروف بالحامض 21
364- سليمان بن محمد بن سليمان أبو الربيع الخلى اليمنىّ 22
265- سليمان بن سليمان بن حجاج بن عمير أبو ايوب 23
266- سليمان بن أحمد بن محمد السرقسطىّ أبو الربيع الأندلسى المقرئ اللغوىّ 24
267- سليمان بن أبى طالب عبد الله بن الفتى الحلوانى النهروانى أبو عبد الله 26
268- سليمان بن حبون النحوىّ الشاعر 29
269- سعيد بن أوس بن ثابت أبو زيد الأنصارىّ 30
270- سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط 36
271- سعيد بن محمد بن عبد الله بن قرة 44
272- سعيد بن معاوية بن عبد الجبار بن عياش الأموىّ النحوىّ 44
273- سعيد بن عثمان بن سعيد بن محمد بن سعيد بن عبد الله ابن يوسف بن سعيد البربرى اللغوىّ 44
274- سعيد بن عيسى الأصغر الأندلسىّ 47
275- سعيد بن المبارك بن على بن الدهان البغداذى أبو محمد 47
276- سعيد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميدانى النيسابورى 51
277- سعيد بن محمد الغسانىّ النحوىّ القيروانىّ أبو عثمان 53
278- سعيد بن عبد الله بن دحيم الأزدىّ القرشى النحوىّ أبو عثمان 55
279- سعدان بن المبارك النحوىّ الكوفىّ أبو عثمان 55
280- سلمة بن عاصم أبو محمد النحوىّ 56
281- سلمة بن سعد النحوىّ الأندلسىّ القرطبىّ 58(2/392)
رقم الترجمة الصفحة
282- سهل بن محمد أبو حاتم السجستانىّ الجشمىّ النحوى المقرئ 58
283- سلموية النحوىّ الكوفىّ 64
284- سماك بن حرب بن أبى سعيد 65
285- السرخسى 65
286- سراج بن عبد الله بن سراج أبو الحسين اللغوىّ الأندلسىّ 66
287- سالم بن أحمد سالم بن أبو الصقر أبو المرجى النحوىّ العروضى العراقى 67
288- سلامة بن غياض بن أحمد أبو الخير النحوىّ الشامىّ 67
289- سالم بن أبى الصقر أحمد بن سالم العروضىّ الملقب بالمنتخب 68
290- ساتكين بن أرسلان أبو منصور التركىّ المالكىّ الأديب 69
291- سليم بن أيوب بن سليم أبو الفتح الرازىّ الفقيه الأديب 69
192- سيبويه السنجارىّ النحوىّ 71
(حرف الشين)
293- شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمى النحوى المؤدب البصرىّ 72
294- شيث بن إبراهيم بن الحاج القفطىّ 73
295- الشمر بن نمير النحوىّ المقرئ 75
296- شبيل بن عزرة الضبعى 76
297- شبيل بن عبد الرحمن الأديب النحوىّ النيسابورىّ 76
298- شمر أبو عمرو بن حمدويه الهروىّ اللغوىّ 77
299- شريح بن أحمد الشجرىّ الأديب 78
(حرف الصاد)
300- صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمىّ النحوىّ 80
301- صالح بن عادى العذرىّ الأنماطىّ المصرىّ النحوىّ 83(2/393)
رقم الترجمة الصفحة
302- صيغون أبو محمد الخبارىّ النحوىّ القيروانى الإفريقىّ المغربى 84
303- صعودا 85
304- صاعد بن الحسن الربعىّ اللغوىّ أبو العلاء 85
305- صالح الوراق النيسابورىّ أبو إسحاق 90
(حرف الضاد)
306- الضحاك أبو عاصم النبيل 91
(حرف الطاء)
307- الطوال النحوىّ الكوفىّ 92
308- طالب بن عثمان بن محمد بن أبى طالب أبو أحمد الأزدى المقرئ المؤدب 92
309- طلحة بن كردان النحوىّ 93
310- طلحة بن محمد النعمانىّ أبو محمد 93
311- طاهر بن محمد الرقبانىّ الصقلىّ 94
312- طاهر بن أحمد بن بابشاذ أبو الحسن النحوىّ المصرىّ 95
(حرف العين)
313- عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخبرىّ المعلم أبو حكيم 98
314- عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب أبو محمد البغداذى 99
315- عبد الله بن أسعد بن علىّ بن عيسى أبو الفرج الموصلىّ الفقيه الشافعىّ المعروف بابن الدهان 103
316- عبد الله بن أبى إسحاق الحضرىّ مولاهم 104
317- عبد الله بن أبى سعيد الأنصارىّ الأندلسىّ النحوى الغريشى 108(2/394)
رقم الترجمة الصفحة
318- عبد الله بن أبى سعيد أبو محمد النحوىّ الأندلسىّ المعروف بالكاسات 110
319- عبد الله بن برّىّ بن عبد الجبار بن برىّ النحوىّ اللغوىّ 110
320- عبد الله بن ثابت بن يعقوب بن قيس بن إبراهيم بن عبد الله أبو محمد العبقسىّ المقرئ النحوىّ التوّزىّ 112
311- عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان أبو محمد الفارسىّ الفسوىّ النحوىّ 113
322- عبد الله بن الحسن أبو شعيب الحرانىّ اللغوىّ 115
323- عبد الله بن الحسن بن عشير اليابسىّ النحوىّ 115
324- عبد الله بن الحسين أبو المظفر النحوىّ 116
325- عبد الله بن الحسين بن عبد الله أبو البقاء النحوىّ الضرير 116
326- عبد الله بن حمود الزّبيدىّ الأندلسىّ 118
327- عبد الله بن رستم اللغوى 120
328- عبد الله بن سعيد الأموىّ اللغوىّ 120
329- عبد الله بن سعيد بن مهدى الخوافى الكاتب أبو منصور 120
330- عبد الله بن عبد الله الأندلسى المعروف بالبرقى 121
331- عبد الله بن عبد الله النحوىّ القياس 121
332- عبد الله بن على بن أحمد بن عبد الله المقرئ أبو محمد، ابن بنت أبى منصور الخياط 123
333- عبد الله بن على بن إسحاق الصيمرىّ النحوىّ أبو محمد 123
334- عبد الله بن عيسى بن عبد الله بن أحمد بن سعيد بن سليمان الأنصارىّ الخزرجى أبو محمد بن أبى بكر الأندلسىّ 124
335- عبد الله بن عمرو بن صبح المعروف بابن أبى صبح المرّىّ 125
336- عبد الله بن فزارة النحوىّ 125
337- عبد الله بن القاسم بن على بن محمد بن عثمان الحريرى أبو القاسم 126(2/395)
رقم الترجمة الصفحة
338- عبد الله بن محمد بن هارون أبو محمد التوّزىّ 126
339- عبد الله بن محمد بن هانئ أبو عبد الرحمن النيسابورىّ اللغوىّ 127
340- عبد الله بن محمد بن عيسى بن وليد النحوىّ الأندلسىّ 127
341- عبد الله بن محمد أبو العباس المعروف بابن شر شير الناشى الكبير 128
342- عبد الله بن محمد بن الطريثيثى أبو بكر القاضى 130
343- عبد الله بن محمد بن رستم أبو محمد اللغوىّ 120
344- عبد الله بن محمد بن سفيان أبو الحسين الخزاز النحوى 130
345- عبد الله بن محمد بن هانئ أبو عبد الرحمن النحوىّ النيسابورى 131
346- عبد الله بن محمد البخارى النحوىّ الفقيه الشاعر المعروف بالبافى 132
347- عبد الله بن محمد بن الحسين بن ناقيا أبو القاسم الأديب الشاعر اللغوىّ 133
348- عبد الله بن محمد اليزيدى العدوىّ أبو عبد الرحمن المعروف بابن اليزيدى 134
349- عبد الله بن محمد بن وداع بن زياد بن هانئ الأزدىّ 134
350- عبد الله بن محمد بن سفيان أبو الحسين الخزاز النحوىّ 135
351- عبد الله بن محمد شقير أبو بكر النحوىّ 135
352- عبد الله بن محمد الأزدىّ أبو القاسم 136
353- عبد الله بن محمد بن على بن محمد أبو القاسم بن أبى عبد الله الأديب الراقطائىّ 136
354- عبد الله بن محمد بن محمد بن هبة الله بن علىّ بن أبى عيسى 137
355- عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علىّ الأشيرىّ أبو محمد المغربى 137
356- عبد الله بن محمد السيد البطليوسىّ النحوىّ 141
357- عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد الكاتب الدينورىّ النحوىّ اللغوىّ 143
358- عبد الله بن مسلم القيروانىّ النحوىّ أبو محمد 147(2/396)
رقم الترجمة الصفحة
359- عبد الله بن محمود أبو محمد المكفوف النحوىّ القيروانىّ 147
360- عبد الله بن محمد بن خالد بن عبد الله التميمىّ النيسابورىّ أبو محمد النحوىّ 149
361- عبد الله الله بن مؤمن بن مؤمل بن عنافر التجيبىّ المزوكىّ النحوىّ الإشبيلىّ الأندلسىّ أبو محمد 150
362- عبد الله بن مهران بن الحسن أبو بكر النحوىّ 150
363- عبد الله بن هارون بن يحيى النيسابورىّ 150
364- عبد الله بن يس أبو محمد التميمىّ النحوىّ الأديب 150
365- عبد الله بن يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو عبد الرحمن بن أبى محمد العدوىّ المعروف بابن اليزيدىّ 151
366- عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد حيويه الجوينى ثم النيسابورىّ أبو محمد 152
367- عبيد الله بن أحمد بن محمد أبو الفتح المعروف بجحجح النحوىّ 152
368- عبيد الله بن فرج الطوطالقى النحوىّ القرطبىّ أبو محمد 153
369- عبيد الله بن محمد بن يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو القاسم العدوىّ المعروف بابن اليزيدى اللغوىّ 153
370- عبيد الله بن محمود بن جرو الأسدىّ الموصلى أبو القاسم النحوى 154
371- عبد الباقى بن محمد بن بانيس النحوىّ 155
372- عبد الباقى بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا البندار الشاعر 156
373- عبد الحميد بن عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الكبير النحوى 157
374- عبد الدايم بن مرزوق بن جبير اللغوىّ 158
375- عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد الله بن سليمان الخولانى النحوى العروضىّ الخشاب المصرىّ أبو عيسى 158
376- عبد الرحمن بن إسحاق ويعرف بالزجاجىّ أبو القاسم 160
377- عبد الرحمن بن أخى الأصمعىّ 161(2/397)
رقم الترجمة الصفحة
378- عبد الرحمن بن بزرج اللغوىّ 161
379- عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبى الحسن الخثعمى ثم السهيلى الأندلسى النحوىّ اللغوىّ الأخبارىّ 162
380- عبد الرحمن بن عتيق بن خلف المقرى الصقلىّ النحوى المعروف بابن الفحام 164
381- عبد الرحمن بن عيسى بن حماد الكاتب اللغوىّ 165
382- عبد الرحمن بن محمد بن معمر اللغوىّ الأندلسىّ أبو محمد وأبو الوليد 166
383- عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عزيز بن محمد يزيد بن محمد أبو سعيد المعروف بابن دوست 167
384- عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن على بن عبد الغفار بن الإخوة البيع أبو الفتح بن أبى الغنائم 167
385- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن أبى سعيد الأنبارى أبو البركات الملقب بالكمال النحوىّ 169
386- عبد الرحمن بن هرمز بن أبى سعد المدنى المقرئ النحوىّ 172
387- عبد الرءوف بن وهب الأندلسىّ السفاط أبو وهب 173
388- عبد الرازق بن علىّ القيروانىّ النحوىّ أبو القاسم 174
389- عبد السلام بن إسماعيل النحوىّ اللغوىّ الخراسانى أبو مطيع الجمعى الرامى 175
390- عبد السلام بن الحسين بن محمد أبو أحمد البصرىّ اللغوىّ 175
391- عبد الصمد بن عبد القاهر بن نصر بن عيسون السخاوىّ النحوىّ 176
372- عبد الصمد بن محمد بن حيويه البخارىّ 177
373- عبد الصمد بن يوسف بن عيسى النحوىّ أبو محمد الضرير 178
394- عبد العزيز بن أبى سهل الخشتىّ النحوى اللغوىّ القيروانىّ المعروف بابن البقال الضرير 178(2/398)
رقم الترجمة الصفحة
395- عبد العزيز بن أحمد بن أبى الحباب النحوىّ الأندلسىّ 180
396- عبد العزيز بن خلوف النحوىّ المغربىّ 180
397- عبد العزيز بن عبد الله بن ثعلبة أبو محمد السعدىّ الأندلسىّ الشاطبى 183
398- عبد العزيز القارى الملقب ببشكست المدنىّ النحوىّ الشاعر 183
399- عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين بن مهذب النحوىّ اللغوىّ أبو العلاء 184
400- عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادى أبو منصور 185
401- عبد القاهر بن عبد الله بن الحسين أبو الفرج الشيبانى الحلبى النحوى الشاعر المعروف بالوأواء 186
402- عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانىّ أبو بكر النحوىّ 188
403- عبد الكريم بن إبراهيم بن محمد بن الحسن النحوىّ الرازىّ أبو سعيد 190
404- عبد الكريم بن الحسن بن المحسن بن الفضل بن المسلم بن المؤمل بن سوّار المقرئ النحوىّ التككىّ المصرىّ 191
404- عبد الكريم بن علىّ بن محمد بن الطفال أبو محمد النحوىّ الإسكندرانىّ المكفوف البارع 191
406- عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بن محمد بن القشيرىّ أبو القاسم 193
407- عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن على بن أبى سعد البغداذى 193
408- عبد الملك بن قريب أبو سعيد الأصمعىّ 197
409- عبد الملك بن حبيب السلمىّ الأندلسىّ 206
410- عبد الملك بن سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج 207
411- عبد الملك بن طريف اللغوىّ الأندلسىّ 208
412- عبد الملك بن قطن المهرىّ القيروانىّ النحوى 209(2/399)
رقم الترجمة الصفحة
414- عبد الواحد بن الحسين بن أحمد بن عثمان بن شيطى أبو الفتح المقرئ النحوىّ 213
415- عبد الواحد بن علىّ بن برهان أبو القاسم العكبرىّ النحوىّ 213
416- عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم أبو طاهر المقرئ النحوىّ 215
417- عبد الواحد بن محمد الكرمانىّ النحوىّ أبو القاسم 216
418- عبد الوارث بن عبد المنعم الأبهرىّ النحوىّ اللغوىّ الأديب أبو المكارم 216
419- عبد الودود بن عبد الملك بن عيسى النحوىّ المغربىّ 217
420- عبد الوهاب بن أصبغ النحوىّ اللغوىّ الأندلسىّ 218
421- عبد الوهاب بن حريش أبو مسحل الهمذانىّ 218
422- عبد الوهاب بن عبد الله بن محمد بن محمد بن على بن الحسن بن يحيى بن السيبى أبو الفرج 218
423- على بن إبراهيم بن سعيد أبو الحسن النحوىّ الحوفىّ المصرىّ 219
424- على بن إبراهيم بن الحسن بن علىّ النحوىّ الصقلىّ المعروف بابن المعلم 220
425- على بن إبراهيم بن على التبريزىّ المعروف بابن الخازن أبو الحسن 221
426- علىّ بن إسماعيل بن سعيد بن أحمد بن لب بن حزم الخزوجى الشارقىّ الأندلسىّ النحوىّ 221
427- على بن أحمد المهلبى أبو الحسن 222
428- على بن أحمد الدريدىّ 222
429- على بن أحمد الواحدى أبو الحسين 223
430- على بن أحمد، وقيل ابن إسماعيل أبو الحسن النحوىّ اللغوىّ المعروف بابن سيده الضرير الأندلسىّ 225
431- على بن أحمد بن خلف الأنصارىّ النحوىّ الأندلسىّ الغرناطىّ 227(2/400)
رقم الترجمة الصفحة
432- على بن أحمد بن محمد بن محمد المقرئ أبو الحسن 228
433- على بن أحمد بن عبد العزيز بن طنيز أبو الحسن الأنصارىّ الميورقىّ الأندلسىّ الفقيه اللغوىّ 230
434- على بن أحمد بن على أبو الحسن البغداذى 231
435- على بن أحمد بن منصور بن محمد بن عبد الله بن محمد أبو العباس ابن أبى العباس الغسانىّ المعروف بابن قبيس 232
436- على بن الأخضر النحوىّ الحمصىّ، حمص الأندلس المغربى التنوخىّ أبو الحسن 232
437- على أبو الحسين الطبرونىّ الضرير النحوىّ الأديب 233
438- علىّ السنجارىّ 234
439- على بن بشرى اللغوىّ الكاتب الصقلىّ 234
440- علىّ بن ثروان بن يزيد بن الحسن الكندىّ أبو الحسن 235
441- على بن جعفر بن على السعدىّ الصقلىّ المعروف بابن القطاع اللغوىّ النحوىّ الكاتب 236
442- على بن جعفر الكاتب أبو الحسن الفارسىّ 239
443- على بن الحسن التنوخىّ النحوىّ القيروانىّ المعروف بالحروفى 239
444- على بن الحسن المعروف بعلان النحوىّ المصرىّ 240
445- على بن الحسن أبو الحسن الهنائىّ الأزدىّ 240
446- على بن الحسن بن الحسن بن أحمد أبو أهتم بن أبى الفضل الكلابى الفقيه الشافعى المقرئ النحوىّ الفرضىّ الدمشقىّ المعروف بابن الماسح 241
447- على بن الحسن بن إسماعيل بن الحسن العبدى المعروف بابن العلماء 242
448- على بن الحسن بن عنتر بن ثابت أبو الحسن الحلى الأديب 243
449- على بن الحسن بن الوحشى الموصلى النحوىّ 247(2/401)
رقم الترجمة الصفحة
450- على بن الحسين الضرير النحوىّ الأصبهانىّ المعروف بجامع العلوم 247
451- على بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ابن محمد بن علىّ بن الحسين بن على بن أبى طالب أبو القاسم العلوى 249
452- على بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم أبو الفرج الأصبهانى 251
453- على بن الحسين بن بلبل النحوى العسقلانى أبو الحسن 254
454- على بن حازم اللحيانى 255
455- على بن حبيب اللغوى الصقلى أبو الحسن 255
456- على بن حمزة أبو الحسن الأسدى المعروف بالكسائى النحوى 256
457- على بن الحضرمى النحوى 274
458- على بن الحارث البيارى الخراسانى 274
459- على بن دبيس النحوى الموصلى الشيخ أبو الحسن 275
460- على بن سليمان بن الفضل أبو الحسن الأخفش الصغير النحوى 276
461- على بن سعيد بن عثمان بن جار الخير بن دبابا السنجارى 279
462- على بن طاهر بن جعفر بن عبد الله أبو الحسن القيسى السلمى النحوىّ الدمشقى 283
463- على بن طاهر الرقبانى أبو الفضل اللغوى الصقلى 284
464- على بن طلحة بن كردان النحوى أبو القاسم 284
465- على بن عبد الله بن سنان التيمى الطوسى اللغوى 285
466- على بن عبد الله بن محمد بن عبد الباقى بن أبى جرادة العقيلى أبو الحسن 285
467- على بن عبد الله أبو الحسن الآمدى النحوى الفقيه 287
468- على بن عبيد الله بن عبد الغفار أبو الحسن اللغوى السمسمانى 288
469- على بن عبد الرحمن بن محمد بن مهدى بن عمران التنوخى الإشبيلى النحوىّ اللغوى أبو الحسن المعروف بابن الأخضر 288(2/402)
رقم الترجمة الصفحة
470- على بن عبد الرحمن بن هارون بن عيسى بن هارون الجراح الرئيس أبو الخطاب المقرئ النحوى اللغوى 289
471- على بن عبد الرحمن الصقلى النحوى العروضى 290
472- على بن عبد الرحيم بن الحسن السلمى أبو الحسين بن أبى الحسين المعروف بابن العصار 291
473- على بن عبد العزيز 292
474- على بن عبد الجبار بن سلامة بن عيذون الهذلى اللغوى التونسى المغربى 292
475- على بن عمر بن أحمد بن عبد الباقى بن بكرى أبو الحسن 293
476- على بن عيسى بن على بن عبد الله أبو الحسن النحوى المعروف بالرمانى 294
477- على بن عيسى بن الفرج بن صالح أبو الحسن الربعى النحوى 297
478- على بن عساكر بن المرجب بن العوّام أبو الحسن المقرئ النحوى الضرير 298
479- على بن فضال أبو الحسن المجاشعى 299
480- على بن قاسم السنجانى الخراسانى 302
481- على بن قاسم بن يونش الإشبيلى المقرئ المعروف بابن الزقاق 304
482- على بن محمد السمسمانى الأديب البغداذى 305
483- على بن محمد بن الزبير الأسدى المعروف بابن الكوفى النحوى اللغوى 305
484- على بن محمد السعيدى الأستاذ الأديب أبو الحسن البيارى 306
485- على بن محمد بن على أبو الحسن بن أبى زيد النحوى المعروف بالفصيحى 306
486- على بن محمد بن السيد النحوى 307
487- على بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن البهلول بن حسان أبو الحسن التنوخى القاضى المعرى المقرئ الفقيه اللغوى النحوى 308(2/403)
488- على بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشر أبو الحسن الأنطاكى المقرئ النحوى الفقيه 308
489- على بن محمد الجزرى النحوى الأديب 309
490- على بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله أبو الحسن الضرير النحوى القهندزى النيسابورى 310
491- على بن محمد بن عبد الله بن الهيثم بن بختيار بن خرزاد بن سنين ابن سينات بن الهيثم المعروف بأبى القاسم بن أبى جعفر الأديب الأصبهانى المدينى 310
492- علىّ بن محمد بن عبدوس الكوفى 310
493- علىّ بن محمد الهروىّ النحوىّ 311
494- على بن محمد السخاوىّ المصرىّ المقرئ النحوىّ 311
495- على بن المبارك الأحمر النحوىّ 313
496- على بن المبارك بن عبد الباقى بن بانويه أبو الحسن النحوىّ 318
497- على بن المغيرة أبو الحسن الأثرم 319
498- على بن منصور بن عبيد الله بن على الخطيبىّ أبو الحسن 321
499- على بن المغربىّ النحوىّ 322
500- على بن نصر بن سليمان أبو الحسن البرنيقىّ النحوىّ 323
501- على بن هارون بن نصر أبو الحسن النحوى المعروف بالقرميسينى 324
502- عمر بن إبراهيم بن محمد العلوىّ الزيدى أبو البركات 324
503- عمر بن أحمد بن محمد بن الحسن الكشانىّ الأديب أبو حفص 327
504- عمر بن حسن النحوىّ الصقلى أبو حفص 328
505- عمر بن خلف بن مكى الصقلى 329
506- عمر بن عثمان بن شعيب الجنزىّ 329
507- عمر بن عثمان بن محمد بن عمير بن حبيب الأندلسىّ النحوىّ المعروف بابن الجرار 330(2/404)
رقم الترجمة الصفحة
508- عمر بن محمد بن عمر أبو حفص الفرغانىّ 331
509- عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله أبو علىّ الشلوبينىّ الأندلسى 332
510- عثمان بن جنى أبو الفتح الموصلىّ النحوى اللغوى 335
511- عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد الأموى المقرئ الدانىّ المعروف بابن الصيرفىّ 341
512- عثمان بن على بن عمر السرقوسى الصقلىّ النحوى 342
513- عثمان البتىّ 343
514- عثمان بن عيسى بن منصور النتاج البلطىّ النحوى الموصلى 344
515- عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه 346
516- عمرو بن أبى عمرو الشيبانىّ اللغوىّ 360
517- عمرو بن كركرة أبو مالك الأعرابىّ 360
518- عياض بن عوانة بن الحكم بن عوانة الكلبىّ النحوىّ 361
519- عياض بن موسى بن عياض اليحصبىّ المغربى 363
520- عباس بن ناصح الأندلسىّ النحوىّ 365
521- العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشى 367
522- العباس بن رداد بن عمر البندنيجى 374
523- عيسى بن عمر البصرىّ الثقفىّ النحوىّ 374
524- عيسى بن أبى جرثومة أبو الإصبغ الجولانى الأندلسىّ النحوى 377
525- عيسى بن يللبخت الجزولى المغربى 378
526- عيسى بن المعلى الحجة بن مسلمة الرافقىّ اللغوىّ النحوى الشاعر 380
527- عطاء بن أبى الأسود الدؤلىّ النحوىّ 380
528- عنبسة بن معدان الفيل 381
529- عمار بن إبراهيم بن محمد العلوىّ الكوفى النحوى 382
530- عسل بن ذكوان النحوىّ اللغوى 383(2/405)
رقم الترجمة الصفحة
531- عامر بن إبراهيم بن العباس الفزارى النحوىّ الشاعر اللغوى القيروانىّ الإفريقىّ 383
532- عرام (المفضل بن العباس بن محمد) 384
533- عاصم بن أيوب الأديب البطليوسى الأندلسى أبو بكر 384
534- عيينه بن عبد الرحمن أبو المنهال المهلبى النحوى اللغوى 384
535- عالى بن عثمان بن جنى أبو سعد بن أبى الفتح النحوى 385
536- العماد المغربى 386
537- العبدى النحوى 386
538- عباد بن كسيب 388
(حرف الغين)
539- غانم بن وليد المخزومى 389
540- الغورى 389(2/406)
فهرس الأعلام المترجمة فى الحواشى
صفحة
(ا)
أبان بن طارق 25
إبراهيم بن عبد الرازق أبو إسحاق المقرئ 318
إبراهيم بن عبد العزيز 292
إبراهيم بن على بن يوسف أبو إسحاق الشيرازى 287
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران أبو إسحاق الأسفرايينى 186
إبراهيم بن المدبر 277
أبو الأجرب جعونة الكلابى أحمد بن إبراهيم بن أبى خالد الطبيب المعروف بابن الجزار 173
أحمد بن جعفر بن محمد أبو الحسن المعروف بابن المنادى 154
أحمد بن جعفر بن موسى المعروف بجحظة البرمكى 253
أحمد بن أبى خيثمة 319
أحمد بن سعد بن أحمد بن نفيس 164
أحمد بن شعيب بن على أبو عبد الرحمن النسائى 158
أحمد بن على بن هاشم المعروف بابن الهاشمى 164
أحمد بن محمد بن أحمد الأسفرايينى 69
صفحة
أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم أبو الحسن الضبى 70
أحمد بن محمد بن بكر أبو روق الهزانى 367
أحمد بن محمد بن حنبل 54
أحمد بن محمد بن شراعة 368
أحمد بن محمد بن عبد الله أبو عمر الطلمنكى 227
أحمد بن محمد بن كوثر أبو جعفر البخارى الغرناطى 228
أحمد بن مفرّج بن الرومية العشاب الإشبيلى 333
أحمد الناصر لدين الله بن المستضىء بأمر الله (الخليفة العباسى) 298
ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار المطلبى أبو إسحاق الأسفرايينى إبراهيم ابن محمد بن إبراهيم بن مهران الأسفرايينى إسحاق بن راهويه 144
أبو إسحاق الشيرازى إبراهيم بن على ابن يوسف الشيرازى أسد الدين شيركوه بن محمد أسد بن عبد الله القسرى 248
أسماء بن خارجة الفزارى 383
إسماعيل بن إسحاق البصرى 131(2/407)
صفحة
إسماعيل القاضى إسماعيل بن إسحاق البصرى
(ب)
باديس بن المنصور بن بلكين الحميرىّ الصنهاجىّ الملقب بنصير الدولة 179
برصوما الزامر 272
أبو بكر بن داود عبد الله بن سليمان أبو بكر بن عياش شعبة بن عياش أبو بكر بن نجم الدين أيوب بن شادى 30
ابن بليمة الحسن بن خلف بهاء الدولة بن عضد الدولة الديلمى 340
(ج)
جابر بن عبد الله الأنصارى 25
جحظة البرمكى أحمد بن جعفر ابن موسى ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج ابن الجزار القيروانى أحمد ابن إبراهيم بن أبى خالد الطبيب جعفر المتوكل على الله بن المعتصم ابن الرشيد (الخليفة العباسى) 115
جعونة الكلابى المشهور بأبى الأجرب 366
جمال الدين جواد الأصبهانىّ محمد ابن على بن أبى منصور المعروف بالجواد الأصبهانىّ الجواد الأصبهانى محمد بن على ابن أبى منصور الجوهرى الحسن بن على بن محمد
صفحة
(ح)
الحارث بن أسد المحاسبى 192
أبو حامد الأسفرايينى أحمد ابن محمد بن أحمد الأسفرايينى ابن حبان محمد بن حبان بن أحمد ابن حبان الحسن بن أبى الحديد 183
الحسن بن أبى الحسن البصرى 262
الحسن بن خلف بن عبد الله المعروف بابن بليمة القيروانى 342
الحسن بن سليمان الفقيه 26
الحسن بن على بن محمد بن على الجوهرى 294
الحسن بن قحطبة بن شبيب الطائى 376
أبو الحسن المحاملى أحمد بن محمد ابن أحمد بن القاسم الحسن بن مكرم بن حسان أبو على البزاز 319
أبو الحسين الرازى نصر ابن عبد العزيز بن أحمد الحسين بن أبى ضميرة 75
حفص بن عمر الدورى أبو عمر 257
الحكم بن عبد الله بن عبد الله بن إسحاق الثقفى الأعرج 374
الحمادان حماد بن سلمة بن دينار وحماد بن زيد بن درهم حماد بن زيد بن درهم الأزدى 198
أبو حمزة الشارى يحيى بن المختار(2/408)
صفحة
(خ)
خالد بن عبد الله القسرى 376
الخالديان محمد وسعيد ابنا هاشم ابن وعلة خلاد الأحوال 259
خلف بن هشام الأسدى 263
(د)
داود بن أبى هند القشيرى 285
درست بن زياد البصرى 25
(ر)
الراعى عبيد بن حصين رجار (ملك صقلية) 328
ابن الرزاز سعيد بن محمد بن عمر ابن منصور بن الرزاز أبو روق الهزانى أحمد بن محمد ابن بكر الهزانى
(ز)
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس زرياب على بن نافع زياد بن عبد الله البكائى 211
زيادة الله بن محمد بن الأغلب 209
زيرى بن مناد 138
(س)
سبيع بن مسلم أبو الوحش 241
سحنون عبد السلام بن سعيد
صفحة
أبو سعد بن أبى عصرون عبد الله ابن محمد بن هبة الله الفقيه الشافعىّ سعيد بن أبى عروبة 285
سعيد بن محمد بن عمر بن منصور ابن الرزاز 169
سعيد بن هاشم بن وعلة أبو عثمان الخالدى 286
سفيان بن عيينة 257
سليمان بن أحمد بن أيوب الطبرانى 154
سليمان بن أرقم 257
سليمان بن داود بن بشر المعروف بالشاذ كونى 261
سيار بن حاتم 20
ابن سيرين محمد بن سيرين
(ش)
الشاذكونى سليمان بن داود بن بشر شاكر بن عبد الله بن محمد التنوخى الدمشقى أبو اليسر 141
شاه أرمن بن سكمان صاحب خلاط 231
ابن الشبلى محمد بن الحسن ابن عبد الله بن الشبلى أبو شراعة أحمد بن محمد بن شراعة شرف الدولة بن عضد الدولة الديلمى 340
شريح بن محمد بن شريح الرعينى المقرئ 304
شعبة بن الحجاج الأزدى العتكى 198
شعبة بن عياش بن سالم أبو بكر 257
أبو شمر 38(2/409)
صفحة
شيركوه أسد الدين بن محمد بن أسد صاحب حمص 281
(ص)
الصريفينى عبد الله بن محمد صمصام الدولة أبو كاليجار ابن عضد الدولة
(ط)
طاهر بن محمد البغداذى أبو عبد الله 185
طاهر بن محمد بن طاهر أبو زرعة المقدسى 194
ابن الطحان المصرى يحيى بن على الحضرمى أبو القاسم
(ظ)
ظافر أبو المنصور المالكى 378
الملك الظاهر غازى بن صلاح الدين
(ع)
الملك العادل أبو بكر بن نجم الدين أيوب بن شادى عاصم بن زيد المعروف بالمخشى 366
ابن عامر عبد الله بن عامر ابن يزيد اليحصبى عبد الباقى بن فارس 164
ابن عبد البر يوسف بن عبد البر عبد الحق بن غالب بن عبد الملك ابن غالب بن تمام بن عطية المعروف بابن عطية الغرناطى 222
عبد الرازق بن همام بن نافع 20
صفحة
عبد الرحمن بن الحكم بن هشام 75
عبد الرحمن بن معاوية أبو المطرف 46
عبد الرحيم بن على البيسانى المعروف بالقاضى الفاضل 74
عبد السلام بن سعيد المعروف بسحنون 54
عبد العزيز بن أحمد الكتانى 230
عبد الغافر بن إسماعيل الفارسى (صاحب السياق) 167
عبد الله بن سليمان أبو بكر بن أبى داود السجستانىّ 20
أبو عبد الله الصورى محمد بن على الصورى عبد الله بن طاهر بن الحسين 384
عبد الله بن عامر بن يزيد اليحصبى 241
عبد الله بن عمرو أبو معمر المقعد البصرى 367
عبد الله بن عون المزنى 262
عبد الله بن محمد بن عبد الله الصريفينى 183
عبد الله بن محمد بن هبة الله أبو سعد المعروف بابن أبى عصرون 103
عبد الله بن وهب بن مسلم القرشى 75
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح 25
عبد الملك بن محمد بن بشران أبو القاسم الواعظ 289
عبد الملك بن يوسف أبو المعالى الجوينى 300
عبد المؤمن بن على 138
عبيد بن حصين بن معاوية الراعى الشاعر 320(2/410)
صفحة
ابن العربى محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن العربى أبو العز القلانسى الواسطى محمد ابن الحسين بن بندار ابن عطية الغرناطى عبد الحق ابن غالب على أبو البصير الفضل بن جعفر ابن الفضل على بن عبد الغنى أبو الحسن القيروانى الضرير 230
على بن عيسى بن داود بن الجراح الوزير 135
على بن المسلم الفقيه 241
على بن نافع المعروف بزرياب المغنى 207
على بن هبة الله بن على بن جعفر أبو نصر المعروف بابن ماكولا 27
أبو عمر الدورى حفص بن عمر عمر بن شبة النميرى 112، 198
أبو عمر الطلمنكى أحمد بن محمد ابن عبد الله عمرو بن مرزوق الأزدى 367
عوانة بن الحكم 362
أبو عوانة الواسطى الوضاح ابن عبد الله ابن عون عبد الله بن عون عيسى بن جعفر بن المنصور 59
عيسى بن على بن عيسى بن الجرّاح الوزير أبو القاسم 130
أبو العيناء الضرير محمد بن القاسم ابن خلاد
صفحة
(غ)
غازى بن صلاح الدين يوسف الأيوبى المعروف بالملك الظاهر 29
غيث بن على بن عبد السلام الأرمنازى 70
(ف)
أبو الفتح البطى محمد بن عبد الباقى الفخر الرازى محمد بن عمر بن الحسين الرازى فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب 11
أبو الفرج غيث بن على الفضل بن جعفر بن الفضل المعروف بأبى على البصير 181
الفضل بن الربيع بن يونس 199
(ق)
قاسم بن أصبغ 45
القاسم بن فيره أبو محمد الشاطبى المقرئ 311
القاضى الفاضل عبد الرحيم ابن على البيسانى
(ك)
أبو كاليجار بن عضد الدولة الملقب بصمصام الدولة الديلمى 340
الملك الكامل محمد بن العادل أبى بكر محمد بن أيوب ابن الكلبى هشام بن محمد بن السائب الكلبى(2/411)
صفحة
(م)
ابن ماكولا على بن هبة الله ابن على بن جعفر ابو نصر المتوكل (الخليفة العباسى) جعفر المتوكل على الله بن المعتصم ابن الرشيد محمد بن إبراهيم بن على بن عاصم المشهور بابن بكر المقرئ 216
محمد بن إسحاق بن يسار المطلبى (صاحب السيرة) 163، 211
أبو محمد الأكفانى هبة الله ابن أحمد بن محمد الأنصارى محمد بن حبان بن أحمد بن حبان 216
محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة 268
محمد بن الحسين بن بندار أبو العز القلانسى 298
محمد بن الحسين بن على أبو بكر الشيبانى المزرقى 298
محمد بن زياد الزيادى 144
محمد بن سعيد بن منيع الهاشمى 31
محمد بن سيرين البصرى 106
أبو محمد الصريفينى عبد الله بن محمد ابن عبد الله الصريفينى محمد بن العادل أبى بكر محمد بن أيوب المعروف بالملك الكامل 22
محمد بن عبد الباقى البطى أبو الفتح 194
محمد بن عبد الرزاق بن يوسف أبو عبد الله الحمصى 233
صفحة
محمد بن عبد الله بن محمد أبو بكر المعروف بابن العربى 139
محمد بن عبد الله بن محمد أبو محمد الصريفينى 219
محمد بن عبد الله العرزمى 257
محمد بن على الصورى أبو عبد الله 236
محمد بن على بن أبى منصور المعروف بالجواد الأصبهانى 48
محمد بن عمر بن بكر النجار 289
محمد بن عمر بن الحسين الرازى الملقب فخر الدين 231
محمد بن أبى الفوارس 253
محمد بن القاسم بن خلاد المعروف بأبى العيناء الضرير 276
محمد بن المستظهر بالله المعروف بالمقتفى لأمر الله (الخليفة العباسى) 218
محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكى 25
محمد بن ناصر السلامى 98
محمد بن هاشم بن وعلة أبو بكر الخالدى 286
أبو المخشى عاصم بن زيد المزرقى محمد بن الحسين بن على أبو بكر مسعر بن كدام الهلالى الراوى 198
مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرىّ 20
المظفر بن أبى عامر 46
أبو المعالى الجوينى عبد الملك ابن يوسف(2/412)
صفحة
أبو معمر المقعد عبد الله بن عمرو البصرى مقاتل بن سليمان 112
المقتفى محمد بن المستظهر بالله ابن المقرئ محمد بن إبراهيم بن على ابن المنادى أحمد بن جعفر بن محمد منصور زلزل ضارب العود 272
مهران اليشكرى سعيد بن أبى عروبة
(ن)
الناصر أحمد بن المستضىء بأمر الله النسائى أحمد بن شعيب نصر بن إبراهيم المقدسى 190
نصر بن عبد العزيز بن أحمد أبو الحسين الفارسى الشيرازى 165
نصر الله بن محمد الفقيه 241
نصير الدولة باديس بن المنصور ابن بلكين النضر بن محمد الجرشى 20
ابن نفيس أحمد بن سعد بن أحمد ابن نفيس
(هـ)
ابن الهاشمى أحمد بن على بن هاشم هبة الله بن أحمد بن محمد أبو محمد الأكفانى 230
صفحة
الهذيل بن حبيب 112
هشام بن أحمد بن هشام الكنانى المعروف بالدقشى 226
هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الأموى الملقب بالمؤيد (الأندلسى) ...
هشام بن عبد الرحمن الداخل 46
هشام بن محمد بن السائب الكلبى 261
هلال بن يحيى بن مسلم المعروف بهلال الرأى 261
الهيثم بن عدىّ الطائىّ 20
(و)
أبو الوحش سبيع بن مسلم الوضاح بن عبد الله اليشكرى أبو عوانة 56
الوقشى هشام بن أحمد بن هشام الكنانى
(ى)
يحيى بن خالد البرمكى 348
يحيى بن سليم 385
يحيى بن عبد الوهاب أبو زكريا المعروف بابن منده 27
يحيى بن على الحضرمى أبو القاسم المعروف بابن الطحان 159(2/413)
صفحة
يحيى بن المختار أبو حمزة الشارى 183
أبو اليسر شاكر بن عبد الله يعقوب بن إبراهيم أبو يوسف القاضى 260
يوسف بن حسداى أبو الفضل الوزير الهارونى 237
صفحة
يوسف بن عبد البر 45
يوسف بن عبد المؤمن بن على 162
يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم الثقفى 386
أبو يوسف القاضى يعقوب ابن إبراهيم الأنصارى(2/414)
موضوعات هذا الجزء
حرف الدال 5
حرف الذال 8
حرف الراء 9
حرف الزاى 10
حرف السين 20
حرف الشين 76
حرف الصاد 80
حرف الضاد 91
حرف الطاء 92
حرف العين 98
حرف الغين 389
فهرس التراجم 391
الأعلام المترجمة فى الحواشى 407(2/415)
الجزء الثالث
[تتمة التراجم]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
(حرف الفاء)
541- الفضل بن الحباب أبو خليفة الجمحىّ «1»
كان [1] أحد أصحاب الحديث، واسع الرواية. ولى قضاء البصرة، وكان من علم الشعر واللغة بمكان عال. وكان أهل الحديث يأتونه يقرءون عليه، فإذا أتاه أهل اللغة تحوّل إليهم، وترك أهل الحديث وقال: هؤلاء غثاء.
قال: ولما تهاجى أبو بكر بن دريد [2] والباهلىّ [3] بالبصرة، تفاقم الأمر بينهما وتنافرا إلى أبى خليفة، فاجتمع لذلك وجوه أهل البصرة، ثم أنشد كل واحد منهما، فكان فيما أنشد الباهلىّ:
__________
[1] من هنا يبدأ الجزء الرابع من تجزئة المؤلف، وأوّله: «بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.
الجزء الرابع من كتاب إنباه الرواة على أنباه النحاة. فيه حرف الفاء والقاف والكاف واللام والميم» .
[2] أورد جامع ديوان ابن دريد ص 87 القصيدة التى يعرّض فيها بالباهلى، ومطلعها:
ديار الحى بالرس ... إلى العمرين فالأبرق
وهى طويلة تقع فى 56 بيتا.
[3] لعله محمد بن أبى زرعة الباهلى أحد أصحاب المازنى، ولد سنة 257؛ وانظر طبقات الزبيدى ص 80، وبغية الوعاة ص 42.(3/5)
أبا بن دريد يقيسوننى ... لقد ضربونى بسيف كهام
فقال أبو خليفة: أراك قد جعلت نفسك ضريبة، وجعلته سيفا! ثم غلّب ابن دريد عليه، وانصرف أهل البصرة عن مجلسه، وهم يرون أنه قد أصاب [1] .
542- الفضل بن الحسن بن الفضل الطّبرسىّ الخراسانى «1»
نحوىّ مفسر [2] ؛ قطن بيهق [3] ، وتصدّر للإفادة بها، وقصده الطلبة، فأفادهم من موفور علمه، واستفادوا من بلاغته فى النثر والنظم.
ذكره البيهقىّ [4] فى الوشاح فقال: «أما الأدب فمنه توقّد جمره، وأما النحو فصدره وكره، وله شعر منه قوله:
أطيّب يومى بذكراكم ... وأسعد نومى برؤياكم
لئن غبتم عن مغانيكم ... فإن فؤادى مغناكم
فلا بأس إن ريب دهرى أتى ... بما لا يستر رعاياكم
__________
[1] ذكر ياقوت فى معجم الأدباء والصفدى فى نكت الهميان والذهبى فى تذكرة الحفاظ والعماد فى شذرات الذهب أن وفاته كانت سنة 305.
[2] له كتاب مجمع البيان فى تفسير القرآن، طبع فى العجم سنة 1314، وطبع مرة أخرى فى صيدا سنة 1354، و 1357، والكافى الشافى، وجوامع الجامع مختصر منهما، تم تأليفه سنة 534، وطبع فى العجم سنة 1321.
[3] بيهق: من نواحى نيسابور، وقد أخرجت كثيرا من الفضلاء والعلماء والفقهاء والأدباء، وكان الغالب على أهلها مذهب الرافضة الغلاة.
[4] هو على بن زيد بن أبى القاسم البيهقى؛ تقدّمت ترجمته والتعريف بكتابه فى حواشى الجزء الأوّل ص 157.(3/6)
فنصر من الله يأتيكم ... وفضل من الله يغشاكم
وعقد ولائى لكم شاهد ... بأنى فتاكم ومولاكم
لكم فى جدودكم أسوة ... إذا ساءكم عيش دنياكم
وكم مثلها أفرجت عنكم ... وحطّ بها من خطاياكم
كما صفّى التبر فى كوره ... كذلكم الله صفّاكم
وله:
قل للذى يبغى إلى قصر العلا ... درجا على لغب به وقصور
أقصر فقد خلق المحامد والعلا ... لمحمد بن أخى العلا منصور
غيث إذا غيض المكارم خضرم [1] ... ليث إذا حمى الحمام هصور
وتقاصرت أيدى الورى عن مبتغى ... كرم عليه سوى الورى مقصور
لو عصر من خدّيه ماء حيائه ... قدح [2] العلا من مائه المعصور
كان هذا الشيخ موجودا فى المائة السادسة [3] من الهجرة.
543- الفضل بن محمد بن أبى محمد يحيى بن المبارك أبو العباس اليزيدىّ «1»
حدّث عن أبيه، وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلى، ومحمد بن سلّام الجمحىّ وأبى عثمان المازنى، ومحمد بن صالح بن النطّاح [4] . روى عنه محمد بن العباس اليزيدىّ
__________
[1] الخضرم: الكثير.
[2] قدح: غرف، وأراد: أخذ العلا.
[3] ذكر صاحب روضات الجنات أن وفاته كانت فى سنة 548، أو 502.
[4] هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن مهران النطاحى مولى بنى هاشم المعروف بابن النطاح.
كان أخباريا نسابة راوية للسير. مات سنة 252. اللباب (3: 230) .(3/7)
ومحمد بن موسى بن حماد البربرىّ [1] ، ومحمد بن عبد الملك التاريخىّ [2] ، وعلى بن سليمان الأخفش، وأبو عبد الله الحكيمىّ [3] ، وأبو على الطومارىّ [4] .
وكان أديبا نحويا عالما فاضلا. مات فى سنة ثمان وسبعين ومائتين. قال الفضل اليزيدىّ: كان محمد بن نصر بن ميمون بن بسام الكاتب أسرى الناس منزلا وآلة وطعاما وعبيدا، وكان ناقص الأدب، وكنت أختلف إلى ولده وولد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم ليقرءوا علىّ الأشعار. وكان عبد الله أيضا سريا جاهلا فدخلت يوما والستارة مضروبة، وهو وعبد الله يشربان، وأولادهم بين أيديهم، وكانوا قد تأدّبوا وفهموا وطوّفوا، فغنّى بشعر جرير:
ألا حىّ الديّار بسعد إنى ... أحبّ لحبّ فاطمة الديارا [5]
فقال عبد الله بن إسحاق لمحمد بن نصر: لولا جهل العرب، ما كان معنى ذكر السّعد هاهنا! فقال محمد بن نصر: لا تفعل يا أخى، فإنه يقوى معدهم ويصلح أسنانهم [6] . قال الفضل اليزيدىّ: فقال لى على بن محمد بن نصر: بالله يا أستاذ، اصفعهما، وابدأ بأبى [7] !.
__________
[1] فى الأصلين: «اليزيدى» ، تصحيف. ذكره السمعانى فى هذه النسبة، وقال عنه:
«حدث عن على بن الجعد، وعبيد الله بن عمر القواريرى، وكان أخبار يا له معرفة بأيام الناس» .
[2] تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الأول ص 176.
[3] هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن قريش بن حازم الحكيمى، بغدادى، روى عن محمد بن إسحاق الصغانى، وروى عن الدار قطنى. توفى سنة 330. اللباب (1: 310) .
[4] هو أبو على عيسى بن محمد بن أحمد الطومارى البغدادى، قال ابن الأثير: «لم يكن ثقة، وكان مخلطا فى روايته» . توفى سنة 360. اللباب (2: 93) .
[5] سعد، ذكر البكرى فى (معجم ما استعجم) أنه موضع بنجد، واستشهد بالبيت.
[6] ظن أن المراد في البيت نبات السعد، وهو نبت له أصل تحت الأرض.
[7] ذكر الخطيب أنه مات سنة 278 فى أيام القائم.(3/8)
544- الفضل بن محمد بن على بن الفضل النحوىّ «1»
إمام فى هذه الأنواع مشهور، متصدّر، وفى إفادتها مذكور [1] .
545- فرسان بن لبيد بن هوّال العايشىّ أبو علىّ»
الأديب الشاعر. من أهل الحلّة السّيفية [2] . كان له معرفة بالنحو واللغة والعربية وبقول الشعر. قدم بغداذ، وسمع بها كتاب إصلاح المنطق ليعقوب ابن إسحاق السكّيت من أبى القاسم بن بوش، وعاد إلى بلده ومات هناك.
546- الفقعسىّ، واسمه محمد بن عبد الملك الأسدىّ «3»
ونسبته أشهر من اسمه. راوية بنى أسد وصاحب مآثرها؛ وكان شاعرا.
أدرك المنصور ومن بعده، وعنه أخذ العلماء مآثر بنى أسد، ومن شعره يمدح الفضل بن الربيع:
الناس مختلفون فى أحوالهم ... وابن الربيع على طريق واحد
وصنّف؛ فمن تصنيفه: كتاب بنى أسد وأشعارها.
__________
[1] الحلة السيفية، ويطلق عليها حلة بنى مزيد: مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد، وكان أول من عمرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن على بن مزيد الأسدى. معجم البلدان (حلة بنى مزيد) .
[2] قال ياقوت: إنه مات سنة 444، وذكر أن له تصانيف؛ منها: كتاب فى النحو، وكتاب حواشى الصحاح، ذكره صاحب كشف الظنون، وكتاب الأمالي، وكتاب أشعار العرب وسماه باسم: الصفوة.(3/9)
(حرف القاف)
547- القاسم بن إسماعيل المعروف بأبى ذكوان «1»
فى عصر المبرّد وطبقته، وكنيته أشهر من اسمه. وقد ذكرته فى موضعين لذلك. وقع إلى سيراف [1] أيام الزّنج [2] . وكان علّامة أخباريا، قد لقى جماعة ونظر فى كتاب سيبويه، ولم يشتهر اشتهار المبرّد.
وكان التّوزى [3] زوج أمه على ما قد ذكرته فى موضعه من هذا المجموع. ومن تصنيفه: كتاب: معانى الشعر [4] .
548- القاسم بن أحمد بن على السابزوارىّ الخراسانى «2»
نزيل نيسابور أبو جعفر. قال الأستاذ يعقوب بن [5] أحمد: كان هذا الأديب جميل العشرة غزير المحفوظ، مستوفيا من أصول الأدب وفروعه أتمّ الحظوظ،
__________
[1] سيراف: مدينة على ساحل بحر فارس؛ كانت فرضة الهند.
[2] انظر حواشى الجزء الثانى ص 369
[3] هو عبد الله بن محمد بن هارون التوزى. تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الثانى ص 126.
[4] رواه عنه ابن درستويه.
[5] هو أبو يوسف يعقوب بن أحمد النيسابورى، ذكره الثعالبى فى التتمة (2: 20) ، والباخرزي في الدمية ص 190.(3/10)
تختلف إليه أبناء المياسير فتقرّ به عيونها، ويجلو بمدوس [1] تأديبه صدأهم حتى كأنهم «صفائح بصرى أخلصتها قيونها [2] » .
قال: وكتب إلىّ:
قولا ليعقوب شمس الفضل والكرم ... ومنبع المجد والآداب والحكم
مالى كتبت إلى مأنوس مجلسه ... فلم يجبنى بما يجلو صدا غممى
أنبوة عن خلالى بعد ما ظهرت ... له خلالى ودلّته على شيمى
ما ضرّه لو سما بى رقم أنملة ... وأنه وسم الحسّاد بالرّقم [3]
ألم تكن نسبة الآداب تجمعنا ... والفضل يوجب رعى العهد والذمم
أصبحت والبين يذوينى ويكلمنى ... فداو كلمى فدتك النفس بالكلم
ولو أجاب على المكتوب محتسبا ... لانجاب عنّى ظلام الرّيب والتّهم
يا حبّذا معشر أضحوا وقد جمعوا ... بنور وجهك بين الرّوض والدّيم
هم بقربك فى روح وفى دعة ... يا ليتنا معهم أو ليتنا بهم
وقد فزعت إليك اليوم معتصما ... بحبل فضلك يا كهفى ومعتصمى
بليت بالحرفة الممقوت صاحبها ... شوهاء طلعتها كالغول فى الظّلم
إذا نسبت إليها ذبت من خجل ... كأنّنى سارق الحجّاج فى الحرم
وهذه نفثة المصدور أرسلها ... إليك صاحبها فاعذر ولا تلم
لا زلت فى عزّة قعساء راسية ... قد زيّنت بطراز الفضل والنّعم
__________
[1] المدوس: خشبة يشد عليها مسن يدوس بها الصيقل السيف حتى يجلوه.
[2] الصفائح: سيوف عريضة، وبصرى: موضع تنسب إليه جياد السيوف، والقين: الحداد.
وهو صدر بيت للحصين بن الحمام المرى فى اللسان (بصر) ، والمفضليات ص 66، وعجزه:
ومطردا من نسج داود محكما
[3] الرقم: الداهية.(3/11)
فأجابه يعقوب عنها بقطعة أوّلها:
الروض روض الرّبا فاحت رواتحه ... وقد سقاها أصيلا واكف الدّيم
549- قاسم بن ثابت السّرقسطىّ اللغوىّ «1»
مرّ ذكره مع ذكر أبيه ثابت فى حرف الثاء [1] .
550- القاسم بن سلّام أبو عبيد اللغوىّ «2»
الفقيه المحدّث. كان أبوه عبدا روميا لرجل من أهل هراة [2] . ويحكى أن سلّاما خرج يوما وأبو عبيد مع ابن مولاه فى الكتّاب، فقال للمعلّم: علّم القاسم فإنها كيّسة [3] .
__________
[1] انظر الجزء الأول ص 297.
[2] هراة: مدينة قديمة بناها الإسكندر المقدونى على نهر آريوس، وفتحها الأحنف بن قيس فى خلافة عمر، وخربها التتار سنة 618.
[3] فى تاريخ بغداد: «علمى القاسم فإنها كيسة» ، بضمير المؤنث، وهى لهجة أعجمية، لأن أباه كان روميا.(3/12)
طلب أبو عبيد العلم وسمع الحديث، ودرّس الحديث والأدب، ونظر فى الفقه وأقام ببغداد مدّة. ثم ولى القضاء بطرسوس [1] ، وخرج بعد ذلك إلى مكّة فسكنها حتى مات بها، رحمه الله.
ولد أبو عبيد بهراة، وكان [أبوه [2]] يتولّى الأزد، وكان ينزل فى بغداذ بدرب الرّيحان، وخرج إلى مكّة فى سنة أربع وعشرين ومائتين.
قال المرزبانىّ: «و [3] ممّن جمع صنوفا من العلم وصنّف الكتب فى كل فنّ من العلوم والأدب فأكثر وشهر أبو عبيد القاسم بن سلّام، وكان مؤدّبا لآل هرثمة [4] ، وصار فى ناحية عبد الله بن طاهر، وكان ذا فضل ودين وستر ومذهب حسن روى عن أبى زيد الأنصارىّ وعن أبى عبيدة والأصمعىّ واليزيدى وغيرهم من البصريّين. وروى عن ابن الأعرابى وأبى زياد الكلابىّ وعن الأموىّ وأبى عمرو الشيبانىّ والكسائىّ والأحمر والفرّاء» .
وروى الناس من كتبه المصنّفة بضعة وعشرين كتابا فى القرآن والفقه، وغريب الحديث والغريب المصنّف، والأمثال، ومعانى الشعر. وله كتب كثيرة لم ترو فى أصناف الفقه كله.
وكان إذا ألّف كتابا أهداه إلى عبد الله بن طاهر [5] ، فيحمل إليه مالا جزيلا استحسانا لذلك. وكتبه مستحسنة مطلوبة فى كل بلد. والرواة عنه مشهورون ثقات ذوو ذكر ونبل.
__________
[1] طرسوس: من بلاد الشام قرب عكا.
[2] تكملة من تاريخ بغداد.
[3] فى الأصل: «ومن» ، وصوابه من ب.
[4] هو هرثمة بن أعين، كان من كبار القواعد على عهد الرشيد والمأمون، قتله المأمون سنة 200. انظر ابن الأثير حوادث سنة 200.
[5] تقدّمت ترجمته فى حواشى الجزء الثانى ص 384.(3/13)
وقد سبق إلى أكثر مصنفاته؛ فمن ذلك: الغريب المصنف [1] ، وهو من أجلّ كتبه فى اللغة، فانه احتذى فيه كتاب النّضر بن شميل المازنىّ الذى يسميه كتاب الصفات، وبدأ فيه بخلق الإنسان، ثم بخلق الفرس، ثم بالإبل.
فذكر صنفا بعد صنف؛ حتى أتى على جميع ذلك. وهو أكبر من كتاب أبى عبيد وأجود.
ومنها كتابه فى الأمثال [2] ، وقد سبقه إلى ذلك جميع البصريّين والكوفيّين، والأصمعىّ وأبو زيد وأبو عبيدة والنضر بن شميل والمفضّل الضبىّ وابن الأعرابىّ؛ إلا أنه جمع رواياتهم فى كتابه، وبوّبه أبوابا، وأحسن تأليفه.
وكتاب غريب الحديث [3] أوّل من عمله أبو عبيدة معمر [بن [4]] المثنى وقطرب والأخفش والنضر بن شميل، ولم يأتوا بالأسانيد. وعمل أبو عدنان النحوىّ البصرىّ كتابا فى غريب الحديث ذكر فيه الأسانيد، وصنفه على أبواب السّنن والفقه، إلا أنه ليس بالكبير، فجمع أبو عبيد غاية ما فى كتبهم وفسّره وذكر الأسانيد، وصنّف المسند على حدته، وأحاديث كلّ رجل من الصحابة والتابعين على حدته، وأجاد تصنيفه، فرغب فيه أهل الحديث والفقه واللغة لاجتماع ما يحتاجون [إليه [4]] فيه.
وكذلك كتابه فى معانى القرآن؛ وذلك أن أوّل من صنّف فى ذلك من أهل اللّغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش. وصنف
__________
[1] منه نسخ مخطوطة بدار الكتب المصرية وغيرها.
[2] طبع منها قسمان: الثامن والسابع عشر، ومعهما ترجمة باللغة اللاتينية بعناية الأستاذ برتوفى غوطا سنة 1836 م، وطبعت كلها فى مجموعة التحفة البهية والطرفة الشهية بمطبعة الجوائب بالآستانة سنة 1302.
[3] منه نسخة مخطوطة فى مكتبة كبرى لى بالآستانة، ونقلت عنه نسخة مصوّرة محفوظة بدار الكتب المصرية.
[4] ليست فى الأصل.(3/14)
من الكوفيين الكسائى ثم الفرّاء. فجمع أبو عبيد من كتبهم، وجاء فيها بالآثار وأسانيدها وتفاسير الصحابة والتابعين والفقهاء. وروى النصف منه، ومات قبل أن يسمع منه باقيه، وأكثره غير مروىّ [1] عنه.
وأما كتبه فى الفقه فإنه عمد إلى مذهب مالك والشافعى، فتقلّد أكثر ذلك وأتى بشواهده، وجمعه من حديثه ورواياته، واحتج فيها باللغة والنحو فحسّنها بذلك.
وله فى القراءات كتاب جيّد، ليس لأحد من الكوفيّين قبله مثله. وكتابه فى الأموال [2] من أحسن ما صنّف فى الفقه وأجوده.
قال أبو الحسن محمد بن جعفر بن هارون التميمىّ النحوى: «كان طاهر [3] .
الحسين حين مضى إلى خراسان نزل بمرو [4] ، فطلب رجلا يحدّثه ليلة، فقيل: ما هاهنا إلا رجل مؤدّب، فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلّام، فوجد أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه. فقال له: من الظلم تركك بهذا البلد، ودفع إليه ألف دينار وقال له: أنا متوجّه إلى خراسان إلى حرب، ولست أحب استصحابك شفقا عليك، فأنفق هذه إلى أن أعود إليك. فألّف أبو عبيد غريب المصنّف إلى أن عاد طاهر بن الحسين من خراسان، فحمله معه إلى سرّ من [5] رأى» .
__________
[1] فى الأصل: «راوى» ، وصوابه عن ب.
[2] طبع فى مصر بمطبعة حجازى سنة 1353
[3] هو أبو الطيب طاهر بن الحسين الخزاعى؛ كان أكبر أعوان المأمون، وكان جوادا شجاعا ممدّحا. توفى سنة 207. ابن خلكان (1: 235) ، وشذرات الذهب (2: 16) .
[4] هى مرو الشاهجان، أشهر مدن خراسان وقصبتها.
[5] سرّ من رأى، وتسمى سامراء: مدينة بين بغداد وتكريت شرقى دجلة، وهى مدينة قديمة جدّد بناءها المعتصم.(3/15)
وكان أبو عبيد ديّنا ورعا جوادا، وأنفذ أبو دلف [1] إلى ابن طاهر يستهديه أبا عبيد مدّة شهرين، فأنفذ أبا عبيد إليه، فأقام شهرين، فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها وقال: أنا فى جنبة [2] رجل ما يحوجنى إلى صلة غيره، ولا آخذ ما فيه علىّ نقص. فلما عاد إلى طاهر بن الحسين وصله بثلاثين ألف دينار بدل ما وصله أبو دلف، فقال له: أيها الأمير، قد قبلتها ولكن قد أغنيتنى بمعروفك وبرّك وكفايتك، وقد رأيت أن أشترى بها خيلا وسلاحا وأوجّهها إلى الثغر ليكون الثواب متوفّرا على الأمير، ففعل.
ولما عمل أبو عبيد كتاب غريب الحديث وعرضه على عبد الله بن طاهر استحسنه وقال: إنّ عقلا بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق ألّا يحوج إلى طلب المعاش. فأجرى له عشرة آلاف درهم فى كل شهر.
قال أبو عبيد: مكثت فى تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة. وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعها فى موضعها من الكتاب، فأبيت ساهرا فرحا منّى بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئنى فيقيم عندى أربعة أشهر، فيقول: قد أقمت الكثير! وأوّل من سمع هذا الكتاب من أبى عبيد يحيى بن معين [3] ، وعرض هذا الكتاب على أحمد بن حنبل فاستحسنه وقال: جزاه الله خيرا. وكتب أحمد كتاب غريب الحديث الذى ألفه أبو عبيد أوّلا.
__________
[1] هو أبو دلف العجلى، واسمه القاسم بن عيسى بن إدريس، كان شجاعا جوادا ممدّحا، وهو الذى قال فيه على بن جبلة.
إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
توفى سنة 225. النجوم الزاهرة (2: 243) .
[2] الجنبة: الناحية.
[3] تقدّمت ترجمته فى حواشى الجزء الأوّل ص 254.(3/16)
وكان طاهر بن عبد الله يودّ أن يأتيه أبو عبيد ليسمع منه كتاب غريب الحديث فى منزله، فلم يفعل إجلالا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هو يأتيه.
وقدم على بن المدينى [1] وعباس العنبرىّ [2] ، فأرادا أن يسمعا غريب الحديث، فكان يحمل كلّ يوم كتابه ويأتيهما فى منزلهما، فيحدّثهما فيه إجلالا لعلمهما؛ وهذه شيمة شريفة، رحم الله أبا عبيد! «قال جعفر بن محمد بن علىّ بن المدينى: سمعت أبى يقول: خرج أبى إلى أحمد بن حنبل يعوده وأنا معه، قال: فدخل عليه وعنده يحيى بن معين- وذكر جماعة من المحدّثين- قال: فدخل أبو عبيد القاسم بن سلّام، [فقال له يحيى بن معين: اقرأ علينا كتابك الذى عملته للمأمون [3] فى غريب الحديث، فقال: هاتوه، فجاءوا به [4]] ، فأخذه أبو عبيد، فجعل يبدأ يقرأ الأسانيد، ويدع تفسير الغريب. قال: فقال له أبى: يا أبا عبيد، دعنا من الأسانيد، نحن أحذق بها منك. فقال يحيى بن معين لعلىّ بن المدينى: دعه يقرأ على الوجه؛ فإن ابنك محمدا معك، ونحن نحتاج إلى أن نسمعه على الوجه. فقال أبو عبيد:
ما قرأته إلا على المأمون؛ فإن أحببتم أن تقرءوه فاقرءوه. قال: فقال له علىّ ابن المدينى: إن قراءته علينا أولى، وإلّا فلا حاجة [لنا [4]] فيه- ولم يعرف أبو عبيد علىّ ابن المدينى- فقال ليحيى بن معين: من هذا؟ فقال: هذا علىّ بن المدينى.
__________
[1] تقدّمت ترجمته فى حواشى الجزء الأوّل ص 253.
[2] هو عباس بن عبد العظيم العنبرى البصرى. مات سنة 246 خلاصة تذهيب الكمال ص 160
[3] فى الأصل: «المأثور» ، وما أثبته عن تاريخ بغداد.
[4] ما بين القوسين ساقط من ب.(3/17)
فالتزمه وقرأه علينا. فمن حضر ذلك المجلس جاز أن يقول: «حدّثنا» ، وغير ذلك فلا يقول [1] » .
«وقال أبو عمرو بن الطّوسىّ: قال لى أبى: غدوت إلى أبى عبيد ذات يوم فاستقبلنى يعقوب بن السّكّيت، فقال لى: إلى أين؟ فقلت: إلى أبى عبيد، فقال: أنت أعلم منه. قال: فمضيت إلى أبى عبيد فحدّثته بالقصّة، فقال لى:
الرجل غضبان، قال: قلت: من أى شىء؟ فقال: جاءنى منذ أيام فقال لى: اقرأ علىّ غريب المصنف، فقلت: لا؛ ولكن تجىء مع العامة، فغضب [2] » .
«وقال أبو بكر بن الأنبارىّ: كان أبو عبيد يقسّم الليل أثلاثا، فيصلى ثلثه، وينام ثلثه، ويصنع الكتب ثلثه [3] » .
«وقال الهلال بن العلاء الرّقى: منّ الله على هذه الأمة بأربعة فى زمانهم؛ بالشافعىّ تفقّه فى [4] حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأحمد بن حنبل ثبت فى المحنة؛ لولا ذلك كفر الناس، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبى عبيد القاسم بن سلّام فسّر الغريب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لولا ذاك لأقحم [5] الناس فى الخطأ [6] » .
وسئل أبو قدامة عن الشافعىّ؛ وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبى عبيد فقال:
أما أفهمهم فالشافعىّ؛ إلا أنه قليل الحديث، وأما أورعهم فأحمد بن حنبل، وأما أحفظهم فإسحاق [7] ، وأما أعلمهم بلغات العرب فأبو عبيد.
__________
[1] الخبر منقول عن تاريخ بغداد (12: 407) .
[2] الخبر فى تاريخ بغداد (12: 408) .
[3] تاريخ بغداد (12: 410) .
[4] فى تاريخ بغداد: «تفقه بحديث رسول الله» .
[5] فى الأصل: «لاقتحموا الناس فى الخطأ» ، وما أثبته عن ب، وفى تاريخ بغداد:
«لاقتحم الناس» .
[6] تاريخ بغداد (12: 410) .
[7] هو إسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه، تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الثانى 144.(3/18)
وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلى: أبو عبيد أوسعنا علما، وأكثرنا أدبا، وأجمعنا جمعا؛ إنا نحتاج إلى أبى عبيد، وأبو عبيد لا يحتاج إلينا [1] .
«وقال إسحاق [2] : [الحقّ [3]] يحبّه الله عز وجل، أبو عبيد القاسم بن سلّام أفقه منّى وأعلم منّى. وإن الله لا يستحيي من الحق، أبو عبيد [أعلم منّى [4]] ومن ابن حنبل والشافعىّ. وقال ثعلب: لو كان أبو عبيد فى بنى إسرائيل لكان عجبا» .
«وقال أحمد بن كامل القاضى: كان أبو عبيد القاسم بن سلّام فاضلا فى دينه وفى علمه، ربّانيّا متفننا [5] فى أصناف علوم الإسلام: من القرآن والفقه والعربية والأخبار؛ حسن الرواية صحيح النقل؛ لا أعلم أحدا من الناس طعن عليه فى شىء من أمره ودينه [6] » .
وكان أبو عبيد يؤدّب غلاما فى شارع بشر وبشير، ثم اتصل بثابت [7] بن نصر ابن مالك الخزاعىّ يؤدّب ولده، ثم ولى ثابت طرسوس ثمانى عشرة سنة، فولى أبو عبيد القضاء بطرسوس ثمانى عشرة سنة، واشتغل عن كتابة الحديث [8] .
وانصرف أبو عبيد يوما من الصلاة، فمرّ بدار إسحاق الموصلىّ، فقالوا له:
يا أبا عبيد، صاحب هذه الدار يقول لك: إن فى كتابك غريب المصنف
__________
[1] انظر تاريخ بغداد (12: 411) .
[2] هو إسحاق بن راهويه، وانظر تاريخ بغداد (12: 411) .
[3] تكملة من تاريخ بغداد (12: 411) .
[4] تكملة من ب.
[5] فى الأصل: «متقنا» ، وما أثبته عن ب، وهو يوافق ما فى تاريخ بغداد.
[6] تاريخ بغداد (12: 411) .
[7] كان يتولى إمارة الثغور، ويذكر عنه فضل وصلاح، وتوفى سنة 208. تاريخ بغداد (7: 142) .
[8] انظر تاريخ بغداد (12: 413) .(3/19)
ألف حرف خطأ، فقال أبو عبيد: كتاب فيه أكثر من مائة ألف يقع فيه ألف ليس بكثير، ولعل إسحاق عنده رواية وعندنا رواية فلم يعلم فحطّأنا، والروايتان صواب؛ ولعلّه أخطأ فى حروف وأخطأنا فى حروف فيبقى الخطأ شىء يسير [1] .
وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش: أبو عبيد القاسم بن سلام من أبناء أهل خراسان، وكان صاحب نحو وعربية، طلب الحديث والفقه، وولى قضاء طرسوس أيام ثابت بن نصر بن مالك، ولم يزل معه ومع ولده. وقدم بغداذ فسمع الناس منه علما كثيرا، وحج وتوفى بمكّة سنة ثلاثين أو ثلاث وعشرين ومائتين فى خلافة المعتصم. وقيل: توفى بمكة سنة أربع وعشرين ومائتين، وبلغ سبعا وستين سنة.
ورثى عبد الله بن طاهر أبا عبيد فقال:
يا طالب العلم قد أودى ابن سلّام ... قد كان فارس علم غير محجام
أودى الّذى كان فينا ربع أربعة ... لم يلف مثلهم إستار [2] أحكام
خير البريّة عبد الله عالمها ... وعامر ولنعم التّلو يا عام [3]
هما أنافا بعلم فى زمانهما [4] ... والقاسمان: ابن معن وابن سلّام
__________
[1] كذا فى الأصول، ومقتضى الإعراب النصب، وانظر تاريخ بغداد (12: 413) .
[2] فى الأصلين وكذا فى تاريخ بغداد: «إسناد» ، وصوابه عن معجم الأدباء، والإستار كلمة فارسية تطلق على الأربعة، وانظر المعرّب للجواليقى ص 43.
[3] عبد الله بن عباس، وعامر الشعبي، وانظر تاريخ بغداد (12: 214) .
[4] فى تاريخ بغداد: هما اللذان أنافا فوق غيرهما(3/20)
وسئل عنه يحيى بن معين، فبسم وقال: أعن أبى عبيد أسأل؟ أبو عبيد يسأل عن الناس. وسئل عنه أحمد بن حنبل فقال: أبو عبيد عندنا يزداد كلّ يوم خيرا.
وذكر أن أبا عبيد قدم مكة حاجّا؛ فلما قضى حجّه وأراد الانصراف اكترى إلى العراق ليخرج صبيحة الغد. قال أبو عبيد: فرأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فى رؤياى وهو جالس، وعلى رأسه قوم يحجبونه والناس يدخلون ويسلمون عليه ويصافحونه.
قال: فكلما دنوت لأدخل مع الناس منعت، فقلت لهم: لم لا تخلّون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا لى: لا والله، لا تدخل عليه، ولا تسلم عليه، وأنت خارج غدا إلى العراق. فقلت لهم: إنى لا أخرج إذا. فأخذوا عهدى ثم خلّوا بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخلت وسلمت عليه وصافحنى، وأصبحت ففسخت الكراء وسكنت مكّة.
ولم يزل بها إلى أن توفّى رحمه الله ودفن فيها فى دور جعفر فى المحرم سنة أربع وعشرين ومائتين، وعاش ثلاثا وسبعين سنة.
قال الزّبيدىّ: «عددت حروف الغريب المصنف لأبى عبيد فى اللغة، فوجدت فيه سبعة عشر ألف حرف وتسعمائة وسبعين حرفا» .
وعادت بركة أبى عبيد رحمه الله على أصحابه، فكلهم نبغ فى العلم واشتهر ذكره، وأخذ عنه وتصدّر للإفادة؛ فمنهم أبو عبد الرحمن أحمد بن سهل [1] ، وأحمد بن عاصم [2] ، وعلىّ بن أبى ثابت، وأبو منصور نصر بن داود الصّاغانى [3] ، ومحمد بن وهب
__________
[1] هو أحمد بن سهل التميمى، حدّث عن أبى عبيد وعبد الصمد بن يزيد، وروى عنه هارون ابن يوسف وغيره. تاريخ بغداد (4: 184) .
[2] هو أحمد بن عاصم البغدادى، ذكره الخطيب فى تاريخ بغداد (4: 335) .
[3] هو نصر بن داود بن منصور أبو منصور الصاغانى، ويعرف بالخلنجى، صاحب أبى عبيد.
توفى سنة 271. تاريخ بغداد (13: 292) .(3/21)
[المنازى [1]] ومحمد بن سعيد الهروىّ، ومحمد بن المغيرة البغداذى، وعبد الخالق بن منصور النيسابوىّ، وأحمد بن يوسف التغلبىّ [2] ، وأحمد بن القاسم [3] ، وإبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الرحمن البغوىّ وأخوه علىّ بن عبد العزيز.
ولأبى عبيد القاسم بن سلّام من التصانيف: كتاب غريب المصنف، كتاب غريب الحديث، كتاب غريب القرآن، كتاب معانى القرآن، كتاب الشعراء، كتاب المقصور والممدود، كتاب القراءات، كتاب المذكر والمؤنث، كتاب النسب، كتاب الأحداث، كتاب أدب القاضى، كتاب عدد آى القرآن، كتاب الأيمان والنذور، كتاب الحيض، كتاب الطهارة، كتاب الحجر والتفليس، كتاب الأموال، وله غير ذلك من الكتب الفقهية.
أما كتابه الغريب المصنف فإن أبا عبيد قال: مكثت فى تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة أتلقّف ما فيه من أفواه الرجال؛ فإذا سمعت حرفا عرفت له موقعا فى الكتاب بتّ تلك الليلة فرحا. وأقبل على الجماعة فقال: أحدكم يستكبر أن يسمع منى فى سبعة أشهر.
__________
[1] زيادة فى ب.
[2] هو أبو عبد الله أحمد بن يوسف التغلبى، صاحب أبى عبيد، توفى سنة 273. تاريخ بغداد (5: 219) .
[3] هو أحمد بن القاسم، ويعرف بصاحب أبى عبيد، روى عن أبى عبيد وابن حنبل، وكان من أهل العلم والفضل. تاريخ بغداد (4: 349) .(3/22)
وقال شمر: ما للعرب كتاب أحسن من مصنّف أبى عبيد. وكان أبو عبيد يخضب بالحناء، أحمر الرأس واللحية. وكان له وقار وهيبة.
وقيل كانت وفاته بمكة سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
551- القاسم بن على بن محمد بن عثمان الحريرىّ أبو محمد «1»
من أهل البصرة. كان يسكن بنى حرام [1] ، إحدى محالّ البصرة مما يلى الشّط [2] .
أحد أئمّة أهل الأدب واللغة، ومن لم يكن له فى فنّه نظير فى عصره. فاق أهل زمانه بالذكاء والفصاحة وتنميق العبارة وتحسينها.
__________
[1] قال ياقوت: «بنو حرام: خطة كبيرة بالبصرة تنسب إلى حرام بن سعد بن عدى بن فرارة بن ذبيان بن بغيض، وقد نسب أبو سعد السمعانى إلى هذه الخطة أبا محمد القاسم بن على بن محمد بن عثمان الحريرىّ الحرامىّ صاحب المقامات. والمعروف أنه من أهل المشان بالبصرة. وبنو حرام فى البصرة كثير، وأنا شاك فى خطة البصرة؛ هل هى منسوبة إلى من ذكرنا أو إلى غيرهم، وإنما يغلب على الظن أنها منسوبة إلى هؤلاء لأنى وجدت فى بعض الكتب أن بنى حرام بن سعد بالبصرة» .
[2] هو شط عثمان، موضع بالبصرة، كان سباخا مواتا فأحياه عثمان بن أبى العاص التقفى، بأمر من عثمان بن عفان فنسب إليه.(3/23)
وأنشأ المقامات [1] المنسوبة إلى الحارث بن همّام [2] ، الّتى سار فى الآفاق ذكرها وانتشرت، وكتبت بها النّسخ الكثيرة المتعدّدة. ومن تأملها علم أن صاحبها ومنشئها كان بحرا فى علم النحو واللغة [3] .
كانت ولادته فى حدود سنة ست وأربعين وأربعمائة.
كتب إلىّ أبو الضياء شهاب بن محمد الشّروطىّ الهروىّ من هراة: أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزىّ بهراة بقراءة أبى النضر الفامىّ عليه من كتابه بالجامع القديم، أنشدنى أبو العباس أحمد بن بختيار المندائىّ قاضى واسط ببغداذ وأبو الفضل عبد الوهاب بن هبة الله البغداذىّ بسمرقند قالا: أنشدنا القاسم بن على الحريرىّ لنفسه- قال المندائى بالبصرة، وقال البغداذىّ ببغداذ:
__________
[1] أورد ابن خلكان سبب إنشاء هذه المقامات، فقال: «وكان سبب وضعه لها ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله قال: كان أبى جالسا فى مسجده ببنى حرام، فدخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفر رث الحال، فصيح الكلام، حسن العبارة، فسألته الجماعة: من أين الشيخ؟ فقال: من سروج، فاستخبروه عن كنيته فقال: أبو زيد، فعمل أبى المقامة المعروفة بالحرامية، وهى الثامنة والأربعون، وعزاها إلى أبى زيد المذكور، واشتهرت، فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أبا نصر أنو شروان بن محمد ابن خالد بن محمد القاشانى، وزير الإمام المسترشد بالله، فلما وقف عليها أعجبته وأشار على والدى أن يضم إليها غيرها، وأتمها خمسين مقامة. وإلى الوزير المذكور أشار الحريرى فى خطبه المقامات بقوله: فأشار من إشارته حكم وطاعته غنم إلى أن أنشىء مقامات أتلو فيها تلو البديع، وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع» .
قال ابن خلكان: «هكذا وجدته فى عدّة تواريخ. ثم رأيت فى بعض شهور سنة ست وخمسين وستمائة بالقاهرة المحروسة نسخة مقامات وجميعها بخط مصنفها الحريرى، وقد كتب بخطه أيضا على ظهرها أنه صنفها للوزير جمال الدين عميد الدولة أبى على الحسن بن أبى العز على بن صدقة وزير المسترشد أيضا، ولا شك أن هذا أصح من الرواية الأولى لكونه بخط المصنف» .
[2] قال صاحب شذرات الذهب: «وأما تسمية الراوى بالحارث بن همام فإنما عنى به نفسه، وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: كلكم حارث وكلكم همام؛ لأن كل واحد كاسب ومهتم بأموره» .
وانظر ترجمة المطهر بن سلام، للمؤلف فيما يأتى.
[3] أورد صاحب كشف الظنون ص 1787- 1791 أسماء جمهور من العلماء الذين شرحوا المقامات المطولة والمختصرة، ومن هؤلاء أحمد بن عبد المؤمن الشريشى المتوفى سنة 619، وطبع هذا الشرح ببولاق سنة 1284، وفى المطبعة الخيرية سنة 1300، 1306، وفى مطبعة مصر سنة 1314.
وقد انتقد ابن الخشاب البغدادى المقامات، وانتصر له ابن برى، وطبع النقد والرد في رسالة ملحقة بالمقامات، طبعة الحسينية بمصر سنة 1326.(3/24)
وقلت للائمى أقصر فإنى ... سأختار المقام على المقام [1]
وأنفق ما جمعت بأرض جمع ... وأسلو بالحطيم عن الحطام [2]
وكان القاسم- رحمه الله- من ذوى اليسار، له ملك حسن بالمشان يقال إنه كان له ثمانية عشر ألف نخلة.
وكان لفكرته فى الأدب يشتغل بجذب لحيته؛ فينتفها وهو غافل لفكرته.
وله من التصانيف: كتاب المقامات [3] . كتاب درّة الغوّاص فى أوهام الخواصّ [4] . كتاب ملحة الإعراب [5] . كتاب شرح الملحة [6] . ترسّله [7] ، وهو ينحطّ [8] عن المقامات وبلاغتها. مجموع شعره.
__________
[1] المقام، بفتح الميم يريد به البيت الحرام، وبضمها يريد به الإقامة.
[2] أرض جمع، هى المزدلفة، سمى جمعا لاجتماع الناس به. والحطيم: هو ما بين الركن والمقام. والحطام: ما فى الدنيا من مال قليل أو كثير.
[3] طبعت المقامات فى أوربا والهند والشام ومصر مرارا. وانظر معجم المطبوعات العربية ليوسف سركيس 749- 750.
[4] طبعت فى ليبسك سنة 1871 م، وفى مصر سنة 1273، وطبعت مع شرح الشهاب الخفاجى بالآستانة سنة 1299. وللشيخ محمود الآلوسى المتوفى سنة 1270 شرح عليها سماه كشف الطرّة عن الغرّة طبع بدمشق سنة 1301.
ولأبى منصور الجواليقى تكملة وذيل عليها؛ منه نسخة محفوظة بدار الكتب المصرية برقم (198 مجاميع م لغة) .
ولمحمد بن إبراهيم الحنبلى ذيل أيضا سماه سهم الألحاظ فى وهم الألفاظ منه نسخة مخطوطة محفوظة بدار الكتب المصرية (برقم 254 لغة) ، وفى دار الكتب المصرية أيضا حواش عليها تنسب إلى ابن برى وابن ظفر برقم (198 مجاميع م لغسة) ، وانظر كشف الظنون ص 741.
[5] هى منظومة فى النحو، أولها:
أقول من بعد افتتاح القول ... بحمد ذى الطول شديد الحول
طبعت مرارا فى باريس ومصر وبيروت. وانظر معجم المطبوعات ص 750.
[6] طبع هذا الشرح فى بلاق سنة 1292، ومطبعة شرف بمصر سنة 1302، والميمنية سنة 1306، وشرحها أيضا بحرق الحضرمى المتوفى سنة 930، وسمى شرحه: تحفة الأحباب وطرق الأصحاب وطبع بمصر مرارا. وذكر صاحب كشف الظنون ص 1817 أسماء كثير ممن تداولوها بالشرح والتعليق والاختصار.
[7] أورد ياقوت قطعة منها فى ترجمته، وطبعت منها الرسالة الشينية والرسالة السينية فى آخر المقامات، طبعة الحسينية بمصر سنة 1326
[8] فى الأصل: «يسخط» ، وصوابه عن ب.(3/25)
وكان يحضر إلى بغداذ فى الأحيان لأجل ما يلزمه من الخراج؛ فسمع عليه كتاب المقامات بها، وحضره الجمّ الغفير.
ولمّا علمت بلاغته تقدّم إليه الخليفة بأن يجعل كاتب إنشاء، فتقدم إليه بالحضور إلى الديوان، ورسم له أن يكتب كتابا إلى صاحب خراسان، وأجلس على دكّة هناك، وأحضر الدّواة والدّرج [1] ، فأخذه وقعد وقتا طويلا، فأرتج عليه، ولم يعلم الاصطلاح والقواعد فلم يسطّر شيئا، وتركه وانصرف. فتعجّب الناس من أمره.
وقال شاعرهم فيه- وأظنه ابن الفضل:
شيخ لنا من ربيعة الفرس [2] ... ينتف عثنونه من الهوس
أنطقه الله بالمشان [3] وقد ... ألجمه فى العراق بالخرس [4]
ووقع الناس فيه بعد ذلك وقالوا: ما المقامات من تصنيفه، وإنما هى لرجل مغربىّ من أهل البلاغة مات بالبصرة، ووقعت أو راقه إليه فادّعاها- وكان الذى ظهر من ذلك الوقت أربعين مقامة؛ صنّفها لأنو شروان [5] بن خالد
__________
[1] الدرج: ما يكتب فيه.
[2] ربيعة الفرس هو ابن نزار بن معد بن عدنان أبو قبيلة.
[3] ورد هذان البيتان فى ابن خلكان ونسبهما إلى أبى القاسم على بن أفلح العبسى المتوفى سنة 535.
وقال أيضا إنهما لابن جكينا الحريمىّ البغدادى. وفى الفلاكة والمفلوكين أن جكينا يعرف بالبرغوث.
[4] المشان، بفتح الميم والشين: بلدة فوق البصرة، كثيرة النخل، وكان أصل الحريرى منها.
[5] هو أنوشروان بن خالد الوزير أبو نصر، وزير المسترشد والسلطان محمود، كان من ذوى اليسار، ومن عقلاء الرجال ودهاتهم، وفيه جود وحلم ودين مع تشيع قليل؛ وكان محبا للعلماء، وله تاريخ لطيف سماه: صدور زمان الفتور وفتور زمان الصدور. توفى سنة 532. ابن خلكان (1: 421) ، وشذرات الذهب (4: 101) .(3/26)
الوزير، وقد رأيت منها نسخة كتبت لسيف الدولة صدقة، بخط الأمير أرسلان ابن شارتكين المعروف بابن المجد- ولما بلغ الحريرىّ ما قاله الناس عمل العشر الأخر؛ تمّم بها خمسين مقامة، واعتذر عن أمر الكتاب الذى لم يكتبه بالديوان وقال: كرهت كتابته لئلا ألتزم بالمقام ببغداذ، وأنشب فى خدمة السلطان، وتضيع علىّ أموالى التى ثمّرتها بالبصرة، وأبعد عن أهلى، ويتشعّث علىّ وما رممته فى المدّة الطويلة.
سئل ولده أبو القاسم عبد الله بن أبى محمد [2] عن وفاة أبيه فقال: توفى فى سنة ست عشرة وخمسمائة ببنى حرام من البصرة، وكان له وقت توفّى سبعون سنة، رحمه الله.
552- القاسم بن محمد بن رمضان العجلانىّ النحوىّ «1»
أحد النحاة البصريين بعد الثلاثمائة [3] . وكان قيّما بنحو البصريّين، منتصرا له مفيدا فيه. تصدّر للإفادة وصنّف.
__________
[1] هو سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن على بن مزيد الأسدى الناشرى، كان يقال له ملك العرب بالعراق. وكان ذا بأس وسطوة وهيبة، نافر السلطان ملكشاه وأفضت الحال إلى الحرب، وفيها فتل سنة 501. ابن خلكان (1: 229) ، وشذرات الذهب (4: 2) .
[2] تقدّمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الثانى ص 126.
[3] قال ياقوت: «كان فى عصر ابن جنى وطبقته» .(3/27)
وله من التصنيف: كتاب المختصر [1] فى النحو للمتعلّمين. كتاب المقصور والممدود. كتاب المذكّر والمؤنث. كتاب الفرق.
553- القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة أبو محمد الأنبارىّ «1»
سكن بغداذ. وهو والد محمد بن القاسم الأنبارىّ أبى بكر. كان صدوقا أمينا عالما بالأدب موثّقا فى الرواية. وروى عن جماعة من العلماء وروى عنه ولده.
ومات فى صفر سنة خمس وثلاثمائة.
قال الزّبيدىّ الأندلسىّ فى كتابه [2] : «كان القاسم بن محمد محدّثا ثقة، صاحب لغة وعربية، وبرع ابنه، وألّف الكتب، وسمع عليه فى حياته؛ لأن أبابكر كان يملى فى سنة إحدى وثلاثمائة [2] » .
توفى القاسم ببغداذ سنة أربع وثلاثمائة، وهو من أهل الأنبار، لقى سلمة [3] وأمثاله من أصحاب الفرّاء. ولقى جماعة من اللغويّين والنحويّين.
وله تصانيف، منها: كتاب خلق الفرس. كتاب خلق الإنسان.
كتاب الأمثال. كتاب المقصور والممدود. كتاب المذكر والمؤنث.
كتاب غريب الحديث [4] .
__________
[1] فى الأصل: «المبصر» ، وما أثبته عن ب، وهو يوافق ما فى فهرست ابن النديم.
[2] طبقات النحويين واللغويين ص 144.
[3] هو سلمة بن عاصم، تقدّمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الثانى 156.
[4] ذكر له ياقوت أيضا كتاب: شرح السبع الطوال، وقال: إنه رواها أبو غالب بن بشران عن على بن كردان عن أبى بكر أحمد بن محمد الجراح الخزاز عن أبى بكر عن أبيه.(3/28)
554- قاسم بن محمد بن حجاج بن حبيب بن عمير أبو عمرو النحوى الأندلسىّ «1»
كان من أهل العلم بالنحو واللغة والحفظ لأيام العرب. وكان متقدّما فى علم العروض وعلم النحو، وكان مستعملا للغريب، شديد التقّعير فى كلامه وكان يكره لذلك.
ودخل يوما على بعض أجلّاء بلده، فقال له الجليل: ما أبطأ بك عنّا؟ فقال:
أوجعنى ظنبوبى، فقال: وما هو؟ فقال: مقدّم الساق- وكان بين يديه سفرجل- فقال للغلمان: اضربوه بالسّفرجل على ظنبوبه عقابا له على هذا التقعير. فاستعفاه وسأله حتى أمرهم بتخليته. وكان من إشبيليّة، وبها مات.
555- القاسم بن محمد بن الصباح الأصبهانىّ النحوىّ «2»
ذكره أبو نعيم الأصبهانىّ فى كتابه وقال: «كان رأسا فى النحو والعربية، روى عن سهل بن عثمان [1] ، وعبد الله بن عمران [2] وغيرهما. توفى سنة ست أو سبع وثمانين» ؛ يعنى ومائتين [3] .
__________
[1] هو سهل بن عثمان بن فارس العسكرى. قدم أصبهان سنة 230، وخرج عنها سنة 232 إلى الرى، ثم رجع إلى العراق وتوفى بعسكر مكرم. تاريخ أصبهان (2: 338) .
[2] هو عبد الله بن عمران بن أبى على الأسدى، أصبهانى سكن الرى، وحدث بأصبهان سنة 225.
تاريخ أصبهان (2: 46) .
[3] من هذه الترجمة إلى ترجمة محمد بن ثابت بن يوسف ساقط من تلخيص ابن مكتوم.(3/29)
556- القاسم بن محمد أبو محمد الديمرتىّ الأصبهانىّ النحوىّ «1»
وديمرت قرية من قرى أصبهان. كان فاضلا عالما نحويا لغو يا عالما بمعانى الشعر، معروف المكانة فى الأدب، مشهور الاسم فى الآفاق. وله كلام على الكتب الأدبية، وردّ على العلماء كاف، وتصانيف جميلة، ومسائل على مفردات فى أماكن من النحو.
فمن تصنيفه: كتاب تقويم الألسنة. كتاب العارض فى الكامل.
كتاب تفسير الحماسة [1] .
557- القاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود النحوىّ القاضى الكوفىّ «2»
كان على قضاء الكوفة، ولّاه المهدىّ. وكان لا ينفق من رزقه شيئا؛ وإذا أخذه قسّمه. وقيل إنه لم يرزق على القضاء. وكان عفيفا صارما فى قضائه.
__________
[1] زاد ياقوت: كتاب الإبانة، وكتاب تهذيب الطبع، (وذكره صاحب كشف الظنون) ، وكتاب الصفات.(3/30)
وكان فقيه البلد؛ ثقة جامعا للعلم، راوية للشعر، عالما بالعربية والنحو عاقلا.
وكتب الحديث ولم ينشر عنه. وكان أبوه خيّرا.
وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: «كان القاسم بن معن على قضاء الكوفة.
وكان عالما بالفقه والحديث والشعر والنّسب وأيام الناس، وكان يقال له شعبىّ [1] زمانه [2] » .
قال وكيع [3] : كان القاسم من أشدّ الناس تنقيبا فى الآداب كلّها، وكانت له فروة خشنة، وكان ينظر فى الحديث؛ إن رأى الرأى فأهله، وفى الشعر فأهله، وفى الأخبار أهلها، وفى الكلام أهله.
وكان يجالس أبا حنيفة، فقيل له: أترضى أن تكون من غلمان أبى حنيفة؟
فقال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبى حنيفة.
أخذ عنه محمد بن زياد الأعرابى اللغوىّ الراوية.
558- القاسم بن القاسم الكيّال الواسطىّ النحوىّ «1»
نزيل حلب، من أهل واسط. وكان كيّالا بها؛ ولقى بعض أدباء أهلها وأخذوا عنه طرفا قريبا من النحو، وقال شعرا هو أجود من شعر النحاة، وقصد
__________
[1] هو أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبى، من أهل الكوفة، وكان من كبار التابعين وفقهائهم، مات سنة 109. اللباب (2: 21) .
[2] المعارف ص 109.
[3] هو محمد بن خلف بن حيان بن صدقة أبو بكر الضبى القاضى المعروف بوكيع، تأتى ترجمته.(3/31)
به الناس، وارتزق منه فى أكثر أوقاته، وانتقل إلى حلب فأقام بمدرسة الحلاويين يرتزق على فقه أبى حنيفة، ثم قرّر له على إقراء العربية رزق فى جامعها، فأقرأ جماعة ما فيهم من جاد ولا ساد، وكان نحوه عجيبا فى براءته، يسقط منه ما يحترز منه الأطفال المبتدئون.
فمن ذلك أنه قعد مرة فى مجلس السلطان الملك الظاهر أبى الفتح غازى بن يوسف بن أيوب [1]- سقى الله عهده- لينشده قصيدة عيديّة- وكان شهر رمضان، وتذاكر حاضرو المجلس لفظة العيد، وما أصلها، فقال هو: أصلها «عود» ، من عاد يعود، تحرك حرف العلة وانكسر ما قبله، فانقلبت ياء.
فقال له أحد نحاة حلب: لو كان أصلها «عود» لصحّت ولم تعلّ قياسا على «عوج» ، وإنما أصلها «عود» سكن حرف العلّة وانكسر ما قبله، فقلبت ياء.
فأخذ فى المكابرة والمغالبة، وانفصل المجلس على أنه لم يقع فيه من يحقّق قول أحدهما من الآخر. ونزل إلى الجامع فى بكرة تلك الليلة، وتعاودوا المسألة، وشرقت القضية بينهما إلى أن تدافعا فى وسط الجامع، وفرق بينهما العوامّ.
وكان كثير الإعجاب بنفسه، يرى أنه لم يعرف حقّه، فلا يزال شاكيا متأوّها متعقّبا على القضاء والقدر. وكان مع هذا مذموم الطريقة فى الاستهتار [2] بشرب الخمر، واتخاذ علوج ليسوا بحسان الخلق، ينحشى فى محاش رديئة من محالّ الفسوق، ويخالط جماعة على ذلك. نعوذ بالله من النظر إليهم.
__________
[1] تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الأوّل ص 267.
[2] المستهتر بالشىء: المولع به؛ لا يبالى بما قيل فيه وشتم له.(3/32)
وفى آخر أمره سافر إلى الجهة الشمالية يروم تصدّرا، وارتزق من بيت قليج [1] أرسلان فلم يقدّر له ذلك، وعاد إلى حلب لعيشه الذى كان قديما فلم يحصل له، فسألنى النظر [2] فى حاله مع عنت كان يبلغنى عنه، فصرفته فى باب الخان السلطانىّ يرتزق، فلم يزل قانعا به إلى أن مات قريبا من سنة خمس وعشرين وستمائة. وقد كان له شىء- كما قيل- وهبه لغلامين له نعوذ بالله من النظر إليهما.
صنّف شرحين للمقامات الحريرية شرحها فيهما، وصنّف شرحا لديوان المتنبىّ غاية أمره فيه أنه اختاره من شرح الواحدىّ، وأضاف إليه من مصنّف ابن وكيع [3] فى سرقات المتنبى.
__________
[1] هو السلطان قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان السلجوقى صاحب بلاد الروم، طالت أيامه واتسعت ممالكه، ولما أسن أصابه الفالج، فتعطلت حركته، وتنافس أولاده فى الملك، وحكم عليه ولده قطب الدين، وقتل كثيرا من خواصه، ثم قاتله وانتهى الأمر بوفاته سنة 588. والنجوم الزاهرة (6: 118) .
[2] ذكر ياقوت أنه أنشده لذلك قصيدة يمدحه فيها ويلتمس منه أن يرتبه فى خدمة؛ ومطلعها:
يا سيدى قد رميت من زمنى ... بحادث ضاق عنه محتكمى
وهى قصيدة طويلة أوردها فى ترجمته.
[3] هو أبو محمد الحسن بن على بن أحمد بن محمد بن خلف الضبى، المعروف بابن وكيع التنيسى الشاعر، أصله من بغداد، ووكيع لقب جدّه محمد بن خلف. له ديوان شعر جيد، وكتاب فى مرقات المتنبى سماه المنصف وتوفى بتنيس سنة 393. ابن خلكان (1: 137) .(3/33)
559- القيلوىّ النحوىّ «1»
لا أعرف اسمه، ونسبته أشهر. من أصحاب ابن الخشّاب، قرأ عليه النحو، وتصدّر لإفادته. وكان رجلا طويلا فقيرا كثير التسنّن إلى أن لعنه الشيعة فى المشاهد.
وقيلوية التى ينتسب إليها من قرى نهر الملك [1] . وكان كثيرا ما يحضر حلقة الشيخ فخر الدين، غلام ابن المنى الحنبلىّ، ويشارك فى الفقه مشاركة قريبة.
وسأله يوما بعض تلاميذ فخر الدين عن بيت لابن حيّوس [2] ؛ وهو:
طال ما قلت للمسائل عنهم ... واعتمادى هداية الضّلّال [3]
هل يجوز «هداية» بالنصب ويكون خبر المبتدأ محذوفا تقديره: «واعتمادى أنا» أو يكون النصب على أنه مفعول للمصدر؟ فقال: لا، بل هو مبتدأ، وخبره «هداية» .
وحضر هذا القيلوىّ يوما عند عز الدين بن مبادر رئيس السنيّة ببغداذ، وجرى ذكر الأئمة، فأظهر من السنيّة ما نسب فيه إلى النّصب [4] ، وكان ابن مبادر هذا يتشيع تشيع عاقل، فقال له: أيها الشيخ- وهو لا يعرفه- إن سمع بك المتشيّعة لعنوك كلعنتهم
__________
[1] نهر الملك: كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى؛ يقال إنه يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة. (ياقوت) .
[2] هو أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد المعروف بابن حيوس، أحد الشعراء الشاميين، لقى جماعة من الملوك ثم انقطع إلى بنى رواس أصحاب حلب. وله ديوان شعر كبير (منه نسخة فى دار الكتب المصرية؛ من أوله إلى حرف النون) . توفى سنة 473. ابن خلكان (2: 10) .
[3] من قصيدة مدح بها أبا الفضائل سابق بن محمود؛ وبعده:
إن ترد علم حالهم عن يقين ... فالقهم فى مكارم أو نزال
تلق بيض الوجوه سود مثار النّقع خضر الأكفاف حمر النصال
[4] أهل النصب: المتدينون ببغضة علىّ رضي الله عنه، لأنهم نصبوا له، أى عادوه. (القاموس) .(3/34)
للقيلوىّ. فحجل القيلوىّ، وقال بعض الحاضرين لابن مبادر: هذا هو القيلوىّ المشار إليه. فاستحيا من قوله، واعتذر إليه.
وذكر لى الفقيه شمس الدين على بن الحسين بن على بن دبابا السنجارىّ وفقه الله قال: رأيت القيلوىّ عند فخر الدين، غلام ابن المنى، وحكى له أن امرأة من ناحيتهم تزوّج زوجها عليها؛ فعملت أبياتا حسنة تقول فيها:
وقد تبدّلت مغترّا فكن حذرا ... إن التغيّر فى أثنائه الغير
مات هذا القيلوىّ فى حدود سنة عشر وستمائة ببغداذ- رحمه الله.
560- قتادة بن دعامة السّدوسىّ «1»
تابع بصرىّ مقدّم فى علم العربية والعرب. عالم بأنسابها وأيامها، لم يأت عن أحد من ذلك أصح مما أتى عنه فى علم العرب. وهو إمام فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يروى عن أنس بن مالك.
وقد كان الرّجلان من بنى أمية يختلفان فى البيت من الشعر، فيبردان بريدا إلى قتادة بن دعامة، فيسألانه عن ذلك.(3/35)
وقال أبو عوانة [1] : شهدت عامر بن عبد الملك [2] يسأل قتادة عن أخبار العرب وأيامها وأحاديثها، فاستحسنته. فعدت إليه فجعلت أسأله عن ذلك، فقال:
مالك ولهذا! دع هذا، دع هذا العلم لعامر، وعد إلى شأنك.
وروى بعض الرواة قال: رأيت راكبا قدم من الشام، فأناخ على باب قتادة فسأله: من قتل عمرا وعامرا التغلبيّين يوم قصّة [3] ؟ فأجاب. ثم أعيد إليه الرسول: كيف قتلهما؟ قال: اعتوراه، فطعن هذا بالسّنان وهذا بالرمح [4] .
وكان أبو بكر الهذلىّ يروى هذا العلم عن قتادة. وروى أبو عمرو بن العلاء عن قتادة قال: أول راية انتقلت من الحرم إلى نجد راية بنى تغلب. وذلك حين سار الناس من الحرم فتوسعوا فى نجد.
__________
[1] هو أبو عوانة الوضاح بن خالد اليشكرى الواسطى، روى عن قتادة وغيره، وتوفى سنة 176.
تذكرة الحفاظ (1: 218) ، والخبر فى طبقات الشعراء لابن سلام ص 51.
[2] عامر بن عبد الملك بن مسمع الجحدرى، وكان جدّه مالك بن مسمع أنبه الناس. قال رجل لعبد الملك بن مروان: لو غضب مالك لغضب معه مائة ألف لا يسألونه فيم غضب، فقال عبد الملك:
هذا وأبيك السؤدد! وكان عامر نسابة، وأخوه مسمع بن عبد الملك- ولقبه كردين- علامة بالنسب والشعر. المعارف 214، الجمهرة 301، الموشح 109، 118.
[3] قضة، بكسر القاف وتشديد الضاد (وقد تخفف) : عقبة بعارض اليمامة، وكانت فيه وقعة بين بكر وتغلب، ويسمى يوم تحلاق اللمم. العقد الفريد (5: 220) .
[4] رواية الخبر فى معجم الأدباء (17: 10) عن ابن دريد عن عبد الرحمن عن عمه الأصمعى عن ابن سلام عن عامر بن عبد الملك المسمعى: «لقد كان الرجلان من بنى مروان يختلفان فى بيت شعر فيرسلان راكبا إلى قتادة يسأله، قال: ولقد قدم عليه رجل من عند بعض الخلفاء من بنى مروان فقال لقتادة: من قتل عمرا وعامرا؟ فقال: قتلهما جحدر بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، قال: فشخص إليه ثم عاد، فقال: أجل، قتلهما جحدر، ولكن كيف قتلهما جميعا؟ فقال: اعتوراه، فطعن هذا بالسنان وهذا بالزج، فعادى بينهما» . وانظر الطبقات ص 51.(3/36)
وقال أبو عمرو: كان قتادة من أنسب الناس؛ كان قد أدرك دغفلا [1] .
وقال أبو عمرو بن العلاء: ما كنا نفقد راكبا يقدم من عند بنى مروان إلى قتادة يسأله عن شعر أو نسب أو حديث أو فقه.
561- قتيبة النحوىّ الكوفىّ «1»
أخذ عن الكسائىّ نحو الكوفة، وله ذكر بينهم [2] .
562- القمّىّ «2»
ونسبته أشهر من اسمه، واسمه إسماعيل بن محمد، من أهل قمّ [3] ، نحوىّ لغوىّ مفيد فى قطره. وصنّف؛ فمن تصنيفه: كتاب الهمز [4] .
__________
[1] هو دغفل بن حنظلة بن يزيد الشيبانى الذهلىّ النسابة؛ يقال إن له صحبة، وقال الترمذى:
لا يعرف له سماع، وقال محمد بن سيرين: كان عالما ولكن اغتلبه النسب، وقال ابن سعد. كان له علم ورواية بالنسّب. وانظر الإصابة (2: 164) .
[2] قال ابن الجزرى: «قال الحافظ أبو عبد الله: مات قتيبة بعد المائتين. قلت: أقول إنه جاوزها بقليل من السنين؛ والله أعلم» .
[3] قمّ، بالضم وتشديد الميم: مدينة افتنحها أبو موسى الأشعرى، وهى بين أصبهان وساوة، وكان بده تمصيرها فى أيام الحجاج بن يوسف سنة 73.
[4] ذكر له ياقوت أيضا: كتاب العلل.(3/37)
(حرف الكاف)
563- كيسان، واسمه معرّف بن دهشم اللغوىّ «1»
كان مولى لامرأة من بنى الهجيم [1] ، وكان أصله خراسانيا، وكان راوية فيه غفلة.
قال أبو عبيدة: كيسان يسمع من الناس [فيعى [2]] غير ما يسمع، ويكتب فى الألواح غير ما وعى، ثم ينقله من الألواح فى الدفتر بغير ما كتب، ثم يقرأ من الدفتر غير ما فيه.
وقرأ بعض أصحاب الأصمعىّ على الأصمعىّ شعر النابغة الجعدىّ [3] ، حتى انتهى إلى قوله:
إنك أنت المحزون فى أثر لل ... حىّ فإن تنونيّهم تقم [4]
فقال الأصمعىّ: معناه: فإن تنونيّهم نقم صدور الإبل وتظعن نحوهم؛ كما قال الآخر:
أقم لها صدورها يا بسبس
فقال كيسان: كذبت! أما إنك سمعت من أبى عمرو بن العلاء؛ ولكن نسيت؛ إنما أراد أنهم قد نووا فراقك فذهبوا وتركوك؛ فإن تنولهم مثل ما نووا
__________
[1] هم بنو الهجيم بن عمرو بن تميم بن مرّ بن أدّ.
[2] تكملة من طبقات الزبيدى، والخبر فيه يرويه محمد بن سلام عن أبى عبيدة.
[3] النابغة الجعدى، اسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة، ويكنى أبا ليلى، صحب النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه ومدحه. اللآلى ص 247، الشعر والشعراء ص 247.
[4] البيت والخبر فى اللسان (نوى) ، وفى الأصلين: «فإن تنو فيهم» تصحيف.(3/38)
فيك من القطيعة تقم فى دارك ومكانك، ولا ترحل نحوهم ولا تطلبهم؛ كما قال الآخر:
إذا اختلجت عنك النوى ذا مودة ... قربن بقطّاع من البين ذا شعب [1]
أذاقتك مرّ العيش أومتّ حسرة ... كما مات مسقىّ الضّياح على ألب [2]
ألب يألب ولاب يلوب واحد. يقول: إذا باعدت بينى وبين من أحب قربن- يعنى إبلى- قربت إلى منزلى ووطنى ومياهى ولم أتبع من فارقنى لأنى صبور على الفراق جلد متعوّد ذلك.
564- الكرنبائىّ «1»
من كرنبا [3] . نحوىّ كوفىّ؛ نسبته أشهر من اسمه. واسمه هشام بن إبراهيم ويكنى أبا علىّ.
أخذ عن الأصمعىّ وغيره من الكوفيين، وتصدّر للإفادة.
صنّف؛ فمن تصنيفه كتاب الحشرات. كتاب الوحوش. كتاب خلق الخيل [4] .
حكى عنه الفضل [5] .
__________
[1] يعنى بالقطاع نفسه لأنه يقطع من قطعه، واختلجت: اقتطعت. والشعب: الصدع.
[2] الضياح: السم يمزج بالماء، وأورد صاحب اللسان البيت فى (ألب) بهذه الرواية:
وحل بقلبى من جوى الحب ميتة ... كما مات مسقىّ الضياح على ألب
وقال: لم يفسره ثعلب إلا بقوله ألب يألب إذا اجتمع، وتألب القوم تحمعوا.
[3] كرنبا: موضع بنواحى الأهواز؛ كانت به واقعة بين الخوارج وبين أهل البصرة؛ بعد واقعة دولاب.
[4] زاد صاحب الفهرست: كتاب الوحوش. كتاب النبات.
[5] هو الفضل بن الحباب؛ تقدمت ترجمته للمؤلف فى هذا الجزء ص 5.(3/39)
565- الكشّىّ «1»
أعجمىّ من نواحى خراسان. قرأ على علماء ذلك القطر. وكان حسن التصنيف.
فمن تصنيفه: تخلط المذهبين. كتاب فعلت وأفعلت، على حروف المعجم، كبير حسن. كتاب التصاريف كبير أيضا حسن.
566- الكيشىّ «2»
منسوب إلى جزيرة كيش؛ إحدى جزائر البحر الهندىّ قد اشتهرت تسميتها بذلك، وهو على غير الأصل. والحقيقة فى تسميتها جزيرة قيس، منسوبة إلى قيس ابن عميرة، من ربيعة الفرس؛ كان قد نزلها واستوطنها هو وأهله بعده. ثم استولت عليها بعد ذلك الأعاجم، وملكها قوم من فارس من أولاد الأساورة [1] ، وسموها كيش؛ عجّموا قيسا [2] .
وهذا الكيشىّ الذى ذكرته لا أعرف شيئا من حاله، ولا تحققت اسمه وإنما حكى لى ياقوت الحموىّ الرومىّ الجنس، مولى عسكر الحموىّ التاجر نزيل
__________
[1] الأساورة: جمع أسوار، وهو قائد الفرس.
[2] قال ياقوت: «هى مدينة مليحة المنظر، ذات بساتين وعمارات جيدة، وهى مرفأ مراكب الهند و؟؟؟ فارس، وجبالها تظهر منها للناظر، ويزعمون أن بينهما أربعة فراسخ، رأيتها مرارا. وشربهم من آبار فيها، ولخواص الناس صهاريج كثيرة لمياه المطر، وفيها أسواق وخيرات، ولملكها هيبة وقدر عند ملوك الهند، لكثرة مراكبه، ولبسه مثل الديلم، وعنده الخيل العراب الكثيرة والنعمة الظاهره، وفيها مغاص على اللؤلؤ» .(3/40)
بغداذ- وكان ياقوت هذا راغبا فى طلب الأدب، ويتّجر لمولاه- قال: لما دخلت إلى كيش فى تجارة رأيت عند بعض أهلها كتابا جامعا- أظنه قال فى مجلدين أو أكثر- وهو يشتمل على ما اتفق لفظه واختلف معناه. قال: ووقفت عليه فرأيته أجمع ما صنّف فى هذا المصنف، وسألت الذى الكتاب عنده عن مصنّفه فقال: رجل كان عندنا يقوم باللغة والعربية، ومات بعد قريب.
هذا معنى لفظ ياقوت؛ فإنى كتبته من حفظى. والله أعلم.
567- كامل بن الفتح بن ثابت بن سابور أبو التمام الضرير النحوىّ ظهير الدين «1»
من أهل بادرايا [1] . قدم بغداذ، وكان أديبا فاضلا نحويا، وقد سمع شيئا من الحديث، وله شعر حسن وترسّل؛ كتب الناس عنه أدبا كثيرا.
فمن شعره:
وفى الأوانس من بغداذ آنسة ... لها من القلب ما تهوى وتختار
ساومتها نفثة من ريقها بدمى ... وليس إلا خفىّ الطرف سمسار
عند العذول اعتراضات ولائمة ... وعند قلبى جوابات وأعذار
__________
[1] بادرايا: قرية من أعمال واسط.(3/41)
(حرف اللام)
568- الليث بن نصر بن سيّار الخراسانىّ اللغوىّ النحوىّ «1»
صاحب الخليل بن أحمد، أخذ عنه النوعين، وأملى عليه- فيما قيل- ترتيب كتاب العين فى اللغة، وسدّد فيه أماكن، وقال للّيث: اسأل الأعراب وسدّ. ففعل، فجاء فيه خلل؛ لأنه سأل عن لغته أعراب خراسان وقد خالطوا الأعاجم، فجاء فيه خلل هذّبه العلماء بعد ذلك.
وقد روى عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلىّ المعروف بابن راهويه [1] أنه قال: إن اللّيث كان رجلا صالحا، وإنه أخذ عن الخليل أصول كتاب العين، ومات الخليل قبل إتمامه، فأراد الليث إتمامه وتنفيقه باسم الخليل، فسمّى لسان نفسه الخليل، فإذا قال: أخبرنى الخليل فهو يعنى الخليل بن أحمد، وإذا قال: [قال] الخليل، فهو يعنى لسانه. فجاء فى الكتاب خلل من جهة خليله [2] .
__________
[1] تقدّمت ترجمته فى حواشى الجزء الثانى ص 144.
[2] وقد روى ياقوت عن ابن المعتز ما يلى:
«كان الخليل منقطعا إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيار، وكان الليث من أكتب الناس فى زمانه، بارع الأدب، بصيرا بالشعر والغريب والنحو، وكان كاتبا للبرامكة، وكانوا معجبين به؛ فارتحل إليه الخليل وعاشره، فوجده بحرا، فأغناه، وأحب الخليل أن يهدى إليه هدية تشبهه، فاجتهد الخليل فى تصنيف كتاب العين فصنفه له، وخصه به دون الناس، وحبره وأهداه إليه، فوقع منه موقعا عظيما، وسرّ به، وعوّضه عنه مائة ألف درهم واعتذر إليه، وأقبل الليث ينظر فيه ليلا ونهارا، لا يمل النظر فيه حتى حفظ نصفه- وكانت ابنة عمه تحته- فاشترى الليث جارية نفيسة بمال جليل، فبلغها ذلك، فغارت عليه غيرة شديدة، فقالت: والله لأغيظنه ولا أبقى غاية، ثم قالت: إن غظته فى المال، فذاك ما لا يبالى به، ولكننى أراه مكبا ليله ونهاره على هذا الدفتر، والله لأفجعنه به. فأخذت الكتاب وأضرمت نارا،-(3/42)
وقد تعرّض للردّ على هذا الكتاب جماعة فأتوا بقليل لا يعبأ به فى كثير مما جاء به. وقد انتدب جماعة لنصرته؛ منهم ابن درستويه ومحمد بن الحسن الزّبيدىّ وأمثالهما مما سأذكره إن شاء الله [1] .
569- لغذة الأصبهانىّ «1»
لقبه أشهر من اسمه، واسمه أبو علىّ الحسن بن عبد الله الأصبهانىّ.
دخل بغداذ، وأخذ عن مشايخ أبى حنيفة الدينورىّ، وتصدّر فى مصره، وأفاد وصنّف فى اللغة والنحو، وخلط المذهبين.
وصنّف كتبا هى موجودة مفيدة منها: كتاب الرد على الشعراء، كتاب النطق، كتاب علل النحو، كتاب المختصر فى النحو، كتاب الصفات، كتاب الهشاشة والبشاشة، كتاب التسمية [2] ، كتاب شرح معانى الباهلىّ، كتاب نقض علل النحو.
__________
وألقته فيها، وأقبل الليث إلى منزله، ودخل إلى البيت الذى كان فيه الكتاب، فصاح بخدمه وسألهم عن الكتاب فقالوا: أخذته الحرّة، فبادر إليها- وقد علم من أين أتى- فلما دخل عليها ضحك فى وجهها وقال لها: ردّى الكتاب، فقد وهبت لك الجارية، وحرمتها على نفسى- وكانت غضبى- فأخذت بيده، فأدخلته رماده، فسقط فى يد الليث، وكتب نصفه من حفظه، وجمع على الباقى أدباء زمانه، وقال لهم: مثلوا عليه واجتهدوا، فعملوا هذا النصف الذى بأيدى الناس» .
[1] راجع المزهر (1: 76- 92) ففيه كلام كثير حول كتاب العين.
[2] فى فهرس ابن النديم: علل التسمية.(3/43)
(حرف الميم)
(حرف الألف فى آباء المحمّدين)
570- محمد بن أحمد بن سهل الحنفىّ العدل النحوىّ الواسطىّ أبو غالب المعروف بابن بشران «1»
ويعرف بابن الخالة أيضا؛ من أهل واسط. كان أحد أئمّة اللغة، وكان فاضلا بارعا مكثرا من كتب الأدب. قرأ على جماعة كثيرة من أئمة الأدب، ثم صار شيخ العراق فى اللغة فى وقته، وكان الناس يرحلون إليه ويسمعون منه ويقرءون عليه.
قال القاضى أبو الفرج محمد بن عبد الله بن الحسن البصرىّ: اجتزت بواسط فى شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، واجتمعت مع الشيخ أبى غالب محمد بن أحمد بن سهل؛ إلا أنه كان اجتيازا خفيفا لم يتسع الزمان فيه لمباحثه وسؤاله.
فلما اجتمعنا فى جمادى سنة ستين سألته أوّلا عن سبب تجنبه الانتساب إلى ابن بشران وهو به مشهور، فقال: هو جدّى لأمى. وهو ابن عم ابن بشران المحدّث الذى كان ببغداذ. وسألته عن مولده فقال: مولدى سنة ثمانين وثلاثمائة، وكان فى صحبتى فى هذا الاجتياز من الكتب التى تصلح أن تقرأ عليه الحماسة وشعر أبى الطيب، وغريب الحديث عن أبى عبيد القاسم بن سلّام، فسألته وقلت: «أيها الشخ، لا بدّ من قراءة أحد هذه الكتب عليك، ثم استجازتك جميع(3/44)
ما ترويه من الكتب لأرويه عنك. فوقع الاقتصار على الحماسة لأنها أصغر حجما من الآخرين.
فبدأت بقراءته عليه يوم الجمعة رابع عشر جمادى الأولى سنة ستين وأربعمائة وسألته عن إسناده فيها فقال: قرأتها على أبى الحسين على بن محمد بن عبد الرحيم ابن دينار عن أبى القاسم الحسن بن بشر الآمدىّ الكاتب عن أبى المطرف الأنطاكىّ عن أبى تمام. قال: وسمعتها أيضا من أبى عبد الله الحسين بن علىّ بن الوليد النحوىّ- وكان صاحبا لأبى على الفارسىّ- عن أبى رياش أحمد بن أبى هاشم عن أبى مطرف الأنطاكىّ عن أبى تمام. فسألته عن روايته لكتب الأدب، فذكر الشىء الكثير.
وروى عنه جماعة؛ منهم أبو عبد الله محمد بن أبى نصر الحميدىّ الأندلسىّ.
وآخر من روى عنه فضل الله بن محمد العراقىّ فأكثر. وتوفى ابن بشران بواسط فى سنة اثنتين وستّين وأربعمائة.
وله شعر قريب منه:
يا شائدا للقصور مهلا ... أقصر فقصر الفتى الممات
لم يجتمع شمل أهل قصر ... إلّا وقصراهم الشتات
[وإنما العيش مثل ظلّ ... منتقل ما له ثبات [1]]
__________
[1] هذا البيت لم يذكر إلا فى ب(3/45)
571- محمد بن أحمد أبو سعيد العميدىّ الأديب النحوىّ اللغوىّ «1»
كان فاضلا مصنّفا؛ سكن مصر، وولى بها ديوان الترتيب، وعزل عنه فيما ذكره الروذبارىّ سنة ثلاث عشرة وأربعمائة فى أيام الظاهر [1] ، ووليه ابن ميسر.
ثم ولى ديوان الإنشاء فى أيام المستنصر [2] عوضا من ابن خيران [3] فى صفر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وولى بعده أبو الفرج الذهلىّ.
وتوفى أبو سعيد يوم الجمعة لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة.
وله فى الأدب مصنفات منها: كتاب تنقيح البلاغة [4] فى عشرة مجلدات.
كتاب الإرشاد إلى حل المنظوم. كتاب الهداية إلى نظم المنثور.
__________
[1] هو أبو هاشم- وقيل أبو الحسن- على بن الحاكم بأمر الله أبى على منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدى الفاطمى، الملقب بالملك الظاهر لإعزاز دين الله، رابع خلفاء مصر من بنى عبيد. ولد سنة 355، وتوفى سنة 355. النجوم الزاهرة (4: 247- 282) .
[2] هو أبو تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله؛ الملقب بالمستنصر بالله، خامس خلفاء مصر من بنى عبيد، توفي سنة 487. راجع ترجمته في النجوم الزاهرة (5: 1- 139) .
[3] هو أبو محمد ولى الدولة، أحمد بن على بن خيران الكاتب المصري صاحب ديوان الإنشاء بمصر بعد أبيه، ولى للظاهر ثم للمستنصر وتوفى سنة 431، معجم الأدباء (4- 5) .
[4] كذا فى الأصل. وهو يوافق ما فى معجم الأدباء وبغية الوعاة وكشف الظنون، وفى الوافى:
تنقيح العبارة.(3/46)
كتاب انتزاعات القرآن. كتاب العروض. كتاب القوافى كبير.
وسرقات المتنبى، وهو كتاب حسن يدل فيه على اطّلاع كثير.
قال على بن مشرف: أنشدنا أبو الحسين محمد بن حمود بن الدليل بن الصواف بمصر قال: أنشدنا أبو سعيد العميدىّ لنفسه:
إذا ما ضاق صدرى لم أجد لى ... مقرّ عبادة إلّا القرافه
لئن لم يرحم المولى اجتهادى ... وقلّة ناصرى لم ألق رافه
572- محمد بن أحمد بن محمد الصفار الأديب النحوىّ اللغوىّ الأصبهانىّ «1»
كان فى أوّل أمره يعظ الناس، ثم اشتغل بإفادة الأدب للمتعلّمين إلى أن مات.
كان أديبا فاضلا بارعا فى الأدب حسن الخلق مائلا إلى الخيرات. مات فى شهر ربيع الأوّل سنة سبعين وأربعمائة.
573- محمد بن أحمد بن الحسين الميبذىّ أبو عبد الله «2»
وميبذ بلدة من كورة إصطخر [1] ، قريبة من يزد [2] . سمع الكثير، ونسخ بخطّه، وكانت له معرفة باللغة والأدب.
__________
[1] إصطخر: مدينة بفارس، كانت عاصمة البلاد قديما، وإليها ينسب أبو إسحاق الإصطخرى صاحب كتاب مسالك انمالك فى الجغرافيا.
[2] يزد: مدينة متوسطة بين نيسابور وشيراز وأصبهان، معدودة فى أعمال فارس.(3/47)
روى عنه محمد بن ناصر السّلامىّ [1] وقال: مات شيخنا أبو عبد الله الميبذىّ فى يوم الاثنين السابع والعشرين من ذى القعدة سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ودفن فى مقبرة المارستان بالقرب من جامع المدينة- رحمه الله.
574- محمد بن أحمد بن سلم الخراسانىّ التميمىّ أبو الفتوح «1»
من أهل خراسان. كان واعظا فصيحا عارفا بالعربية والنحو واللغة. طاف بلاد العراق وكور الأهواز واليمن وديارا فى أذربيجان، ولقى الهول التامّ فى هذه البلاد.
وحج ثمان عشرة حجة، وجاور ستين سنة، ومات قبل سنة خمسمائة.
575- محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الخازن أبو منصور «2»
خازن دار العلم [2] . من أهل الكرخ [3] ؛ كان له معرفة بالأدب واللغة، وكان يتفقّه على مذهب الشّيعة.
سئل عن مولده فقال: فى سنة ثمان عشرة وأربعمائة فى شوّال، وسأله آخر فقال: سنة سبع عشرة.
قال أبو بكر المفيد: توفى أبو منصور بن أحمد الخازن فى شعبان سنة عشر وخمسمائة رحمه الله.
__________
[1] السلامى، بفتح السين، والسلامىّ منسوب إلى مدينة السلام؛ تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الثانى (2: 98) .
[2] دار العلم: وقفها سابور بن أزدشير، ثم آلت إلى المرتضى أبى القاسم على بن الحسن الموسوى نقيب الطالبيين. وانظر معجم الأدباء (18: 267) .
[3] الكرخ: محلة ببغداد بناها أبو جعفر المنصور.(3/48)
576- محمد بن أحمد أبو المظفّر الأبيوردىّ «1»
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن منصور ابن معاوية بن محمد بن عثمان بن عقبة بن عنبسة بن أبى سفيان صخر بن حرب الأموىّ أبو المظفر بن أبى العباس الأبيوردىّ المعاوىّ، أوحد عصره، وقريد دهره فى معرفة اللغة والأنساب وغير ذلك. وأورد فى شعره ما عجز عنه الأوائل؛ من معان لم يسبق إليها. وأليق ما وصف به بيت أبى العلاء المعرىّ:
وإنّى وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل [1]
وله تصانيف كثيرة. منها تاريخ أبيورد ونسا [2] ، والمختلف والمؤتلف
__________
[1] شروح سقط الزند ص 525.
[2] نسا: مدينة بخراسان قريبة من أبيورد؛ خرج منها جماعة من العلماء؛ منهم أبو عبد الرحمن أحمد النسائى المحدث المتوفى سنة 303.(3/49)
وطبقات كل فن، وما اختلف وائتلف فى أنساب العرب، وله فى اللغة مصنّفات ما سبق إليها [1] .
وكان حسن السيرة جميل الأمر منظرانيا من الرجال، ذكره أبو زكريا بن منده [2] فى تاريخ أصبهان فقال:
«فخر الرؤساء، أفضل الدولة، حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، متصرف فى فنون جمة من العلوم، عارف بأنساب العرب، فصيح الكلام، حاذق بتصنيف الكتب وافر العقل، كامل الفضل، فريد دهره، ووحيد عصره. وكان فيه تيه وتكبر وعزة نفس. وكان إذا صلّى يقول: اللهم ملّكنى مشارق الأرض ومغاربها. قال البديع الهمذانىّ [3] : فلمته على ذلك، فكتب إلىّ بهذه الأبيات:
يعيّرنى أخو عجل إبائى ... على عدمى وتيهى واختيالى
ويعلم أننى فرط لحىّ ... حموا خطط المعالى بالعوالى [4]
__________
[1] وذكر منها ياقوت من مصنفاته أيضا: قبسة العجلان فى نسب آل سفيان، ونهزة الحافظ والمجتبى من المجتنى فى رجال كتاب أبى عبد الرحمن النسائى فى السنن المأثورة وشرح حديثه، وتعلة المشتاق إلى ساكنى العراق، وكوكب المتأمل يصف فيه الخيل، وتعلة المقرور فى وصف البرد والنيران وهمذان والدرة الثمينة وصهلة القارح رد فيه على المعرى. وله فى دار الكتب الصرية كتاب فى المحاضرات، يعرف بزاد الرفاق يشتمل على مناظرات مع أرباب النجوم ونقض لجحجهم، مخطوط برقم (582 أدب) .
[2] هو أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب المعروف بابن منده، تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الثانى ص 27.
[3] هو أبو على أحمد بن سعيد بن على العجلى الهمذانى. ذكره السمعانى وأورد بعض أخباره مع الأبيوردىّ. وقال عنه: «إمام فاضل لطيف الطبع مليح الشعر عرف بالبديع، وأدرك الشوخ وأكثر من الحديث، وسمعته منه فى النوبة الأولى بهمذان» . الأنساب ص 385 ا.
[4] عوالى الرماح: أسنتها. والفرط هنا: المتقدم على القوم. وفى الأصلين: «من فرط» وصوابه من معجم الأدباء.(3/50)
فلست لحاصن إن لم أزرها ... على نهل شبا الأسل الطّوال
وإن بلغ الرجال مداى فيما ... أحاوله فلست من الرجال
وقال البديع أيضا: أردت يوما القيام فشدّ الأبيوردىّ عضدى حتى قمت، ثم قال: أموىّ يعضد عجليا، كفى بذلك شرفا! وكتب الأبيوردىّ قصة إلى الخليفة وكتب عليها: «العبد المعاوىّ» نسبة إلى معاوية الأصغر بن محمد بن عثمان بن عقبة، فكره الخليفة هذه النسبة، وأمر فكشطت الميم، فصار: «العاوى» ، وردّها.
وقال الأبيوردىّ: أقمت ببغداذ عشرين سنة حتى أمرّن طبعى بالعربية، وبعد فأنا أرتضخ لكنة.
وقال أحمد بن سعيد العجلىّ: ركبت يوما أمضى إلى العسكر ظاهر همذان والسلطان كان نازلا على بابها، فرأيت الأديب الأبيوردىّ راجعا من العسكر، فقلت له: من أين؟ فأنشد ارتجالا:
ركبت طرفى [1] فأذرى دمعه أسفا ... عند انصرافى منهم مضمر الياس
وقال حتّام تؤذينى فإن سنحت ... حوائج لك فاركبنى إلى الناس
وشعره كثير [2] ، قد فنّنه فنونا على البلاد؛ فمنه العراقيات [3] ، ومنه النجديّات [4] إلى غير ذلك [4] .
__________
[1] الطرف: الكريم من الخيل.
[2] من ديوانه نسخ مخطوطة متعدّدة بذار الكتب المصرية. وطبع بالمطبعة العثمانية فى لبنان سنة 1217، وبالمطبعة الأنسية ببيروت سنة 1327، وطبع جزء منه باسم مقطعات الأبيوردى فى الافتخار وشكوى الزمان وفى الأوصاف والمخاطبات وغير ذلك. كما شرح هذا الجزء الشيخ عمر بن القوام المعروف بالنظام من علماء القرن الثانى عشر، وسماه:
جهد المقل وجهد المستدل، ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم (527 أدب) .
[3] أكثر العراقيات فى مدح المقتدر والمستظهر ووزرائهما، ومنها نسخة فى باريس وأيا صوفيا. وانظر تاريخ آداب اللغة العربية لزيدان 3: 29.
[4] ومنه جزء يعرف بالوجديات، ومنه نسخ فى برلين ومنشن وأكسفورد. (زيدان 3:؟؟؟) .(3/51)
وتوفّى رحمه الله- فى شهر ربيع الأوّل سنة سبع وخمسمائة بأصبهان فى يوم الخميس لعشرين منه بين الظهر والعصر، وصلّى عليه فى الجامع العتيق بأصبهان.
577- محمد بن أحمد بن جوامرد «1»
الشيرازىّ الأصل، البغداذى المولد والدار، أبو بكر القطّان النحوىّ. قرأ على أبى الحسن على بن فضّال المجاشعىّ القيروانىّ [1] النحو، وعلى غيره. وكان متصدّرا لإقراء النحو. وقرأ عليه أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب [2] ، وعنه أخذ، وعليه كان يعتمد؛ حتى نقل أنه لم يقرأ النحو على غيره.
قال أبو المظفر الحسن بن هبة الله بن المطلب الملقب بفخر الدولة: أبو بكر ابن جوامرد القطّان شيخنا، كان يتردّد إلينا، ونقرأ عليه النحو أنا وإخوتى.
وكان فاضلا له معرفة جيدة بالنحو والعربية. وأثنى عليه.
وقال أبو طاهر السّلفىّ: «محمد بن أحمد بن جوامرد الشيرازىّ النحوىّ.
كان مشتهرا بالأدب والنحو، رافقته، وكان يحضر عند شيخنا أبى محمد بن السراج، وكان يكرمه، وسمع معنا عليه فوائد، وأظن أنى علّقت عنه شيئا؛ لكنى لم أجده فى تعليقاتى [3] » .
__________
[1] تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الثانى ص 299.
[2] تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الثانى ص 99.
[3] قال ياقوت- ونقل عنه السيوطى فى البغية-: أنه توفى بعد عشر وخمسمائة.(3/52)
578- محمد بن أحمد بن هبة الله بن ثعلب الفزرانىّ النحوىّ «1»
منسوب إلى قرية تعرف بفزرينيا [1] من قرى نهر ملك [2] ، مقرئ عارف بالنحو.
قرأ على أبى محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب وغيره، وسمع من أبى منصور مسعود بن عبد الواحد بن الحصين [3] . وكان يلقّب بالمهجة.
سئل عن مولده فقال: ولدت فى سنة ثلاثين وخمسمائة. وتوفّى يوم الثلاثاء سابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة، ودفن فى باب حرب بمقابر الشّهداء، رحمه الله.
579- محمد بن أحمد بن على بن يزيد النحوىّ الباوردىّ أبو يعقوب «2»
يروى عن أبى مسلم [4] وغيره. دخل مصر، وتصدّر بها وروى. قال ابن الطّحان [5]- وذلك فى تاريخ الغرباء-: «حدّثونا عنه [6] » .
__________
[1] قال ياقوت: «فزرانيا، بكسر أوله وسكون ثانيه وبعد الألف نون مكسورة وياء آخر الحروف:
قرية من قرى نهر الملك من ضواحى بغداد، وأكثر ما يتلفظ به أهلها بغير الألف، فيقولون «فزرينيا» ، كأنهم يميلون الألف فترجع ياء؛ ينسب إليها محمد بن أحمد بن هبة الله بن ثعلبة الفزرانى» .
[2] نهر الملك: كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى؛ يقال: إنه يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية.
[3] هو أبو منصور مسعود بن عبد الواحد بن الحصين أبو منصور الشيبانى البغداذى، مقرىء كاتب محدث. ولد سنة 466، وتوفى سنة 555. طبقات القراء (2: 296) .
[4] هو أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجى. ذكره ابن الأثير وقال: سمع عفان بن مسلم وعمرو بن حكام وغير هما، وعاش كثيرا حتى أكثر الناس الرواية عنه. اللباب (3: 29) .
[5] هو أبو القاسم يحيى بن على الحضرمى المعروف بابن الطحان. تقدمت ترجمته والتعريف بكتابه فى حواشى الجزء الثانى ص 159.
[6] ذكر الخطيب أن وفاته كانت سنة 349.(3/53)
580- محمد بن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو عمرو النيسابورىّ النحوىّ المعروف بأبى عمرو الصغير «1»
رفيق أبى علىّ [1] النيسابورىّ فى الرحلة. سمع الكثير من مشايخ وقته [2] . روى عنه الحاكم أبو عبد الله.
581- محمد بن أحمد بن منصور الخياط النحوىّ «2»
من أهل سمرقند. قدم إلى بغداذ، واجتمع مع إبراهيم بن السرىّ الزجّاج وجرت بينهما مناظرة، وكان يخلط المذهبين. وقد ذكرته فى هذا المجموع فى موضع آخر.
وله تصانيف؛ منها: كتاب النحو الكبير. كتاب معانى القرآن.
كتاب «المقنع [3] » .
__________
[1] هو أبو على الحسين بن على بن زيد النيسابورىّ الصائغ، رحل فى طلب العلم والحديث، وسمع الكثير وصنف، سمع بنيسابور وهراة ونسا وجرجان والرىّ وبغداد والكوفة وواسط والأهواز، ودخل الشام ومكة. توفى سنة 349. معجم البلدان (8: 359) .
[2] روى الخطيب عن أبى القاسم بن الثلاج أنه قدم بغداد حاجا فى سنة 339.
[3] وذكر له ياقوت أيضا كتاب الموجز فى النحو، وذكر أيضا أن وفاته كانت سنة 320.(3/54)
582- محمد بن أحمد بن علىّ النيسابورىّ الأديب «1»
ذكره الحافظ أبو عبد الله فى تاريخه، وقال: «أبو بكر الكحلىّ» ، وسمّاه:
«الأديب» .
«سمع الحسين بن الفضل البجلىّ [1] وأقرانه. وكان يروى كتب الأدب بالسماع وقد رأيته غير مرّة ولم أسمع منه. روى عنه ابنه أبو يعلى وغيره» .
«سألت أبا يعلىّ عن وفاته فذكر أنه توفّى فى شهر رمضان سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة- رحمه الله» .
583- محمد بن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد «2»
ذكره أبو عبد الله بن البيّع فى تاريخ نيسابور، فقال:
«النحوىّ. أبو عمرو الصغير، كان كبيرا فى العلوم والعدالة. وإنما لقّب بالصغير لأنهما كانا أبوى عمرو [2] ، ولا يزايلان مجلس أبى بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة [3] وهو أصغرهما. وكان أبو بكر يقول: «أبو عمرو الصغير» ، فبقى عليه» .
«رحل إلى العراق، وسمع من البغوىّ، ودخل الشام والجزيرة. وتوفى يوم الثلاثاء الخامس من جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. وهو ابن ثلاث وستين سنة» .
__________
[1] فى الأصل: «البلنحى» ، وصوابه من الأنساب واللباب ولسان الميزان وهو أبو على الحسين ابن الفضل البجلى الكوفى المفسر. ذكره ابن حجر فى الميزان (2: 307) .
[2] فى الأصل: «أبو عمر» وصوابه فى ب.
[3] هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابورى، روى عنه البخارى ومسلم فى غير الصحيح، ومصنفاته تزيد على 140 كتابا. توفى سنة 311. الوافى بالوفيات (2: 196 طبع إستانبول) .(3/55)
قال الحافظ ابو عبد الله: «انشدنى أبو عمرو النحوىّ قال: أنشدنا أحمد ابن عبد الله الدارمىّ بأنطاكية:
يا لائم الدهر على ما بنا ... لا تلم الدهر على غدره
فالدهر مأمور له آمر ... ينصرف الدهر إلى أمره
كم كافر تأتيه أمواله ... يزداد أضعاما على كفره
ومؤمن ليس له دانق ... يزداد إيمانا على فقره
لا خير فيمن لم يكن عاقلا ... يبسط رجليه على قدره
584- محمد بن أحمد بن عبدوس بن أحمد بن حفص ابن مسلم بن يزيد بن علىّ الحرشىّ الزكىّ «1»
ذكره أبو عبد الله [1] فى كتابه [2] فقال:
«أبو بكر بن أبى علىّ بن عبدوس الأديب الفقيه النحوىّ» . وقال: «ما رأيت فى شهودنا أجمع منه. وتوفى يوم السبت العاشر من شعبان، ودفن يوم الأحد الحادى عشر منه، سنة ست وتسعين وثلاثمائة- رحمه الله» .
__________
[1] هو محمد بن عبد الله الضبى النيسابورى المعروف بابن البيع؛ تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الأوّل ص 73.
[2] هو تاريخ نيسابور. قال ابن السبكى فى طبقاته: «وهو التاريخ الذى لم ترعبنى تاريخا أجل منه؛ وهو عندى سيد الكتب الموضوعة للبلاد؛ كثر فيه من يذكره من أشياخه أو أشياخ أشياخه. وذكر فيه أيضا من ورد خراسان من الصحابة والتابعين ومن استوطنها، واستقصى ذكر نسبهم وأخبارهم. ثم اتباع التابعين، ثم القرن الثالث والرابع؛ جعل كل طبقة منهم إلى ست طبقات، فرتب قرن كل عصر على حدة على الحروف إلى انتهت إلى قوم حدثوا بعده من سنة عشرين وثلاثمائة إلى ثمانين، فجعلهم الطبقة السادسة. ثم ذيله عبد الغافرين إسماعيل الفارسى إلى سنة ثمانى عشرة وخمسمائة» . وانظر «كشف الظنون ص 308» .(3/56)
585- محمد بن أحمد بن علىّ بن محمد بن إبراهيم بن يزيد ابن حاتم أبو يعقوب النحوىّ البغداذىّ «1»
أديب معروف بهذا الشأن. خرج عن بغداذ إلى جهة مصر، وحدّث فى طريقه إليها. وسمع منه أبو الفتح بن مسرور [1] بتدمر من تلك المناظر فى أطراف برّيّه الشام؛ حدّثه عن أبى مسلم الكجّىّ. وقال: توفى بمصر يوم الأربعاء لليلة بقيت من شهر ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين وثلاثمائة.
586- محمد بن أحمد بن كيسان أبو الحسن النحوى «2»
أحد المذكورين بالعلم الموصوفين بالفهم. ذكر أبو القاسم عبد الواحد بن علىّ بن برهان [2] أن كيسان ليس باسم جدّه، وإنما هو لقب أبيه. والله أعلم.
وكان يحفظ مذهب البصريين فى النحو والكوفيين؛ لأنه أخذ عن المبرّد وثعلب. وكان أبو بكر بن مجاهد المقرىء يقول: أبو الحسن بن كيسان أنحى من الشيخين- يعنى ثعلبا والمبرّد.
__________
[1] هو الحافظ أبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن مسرور البلخى توطن مصر ومات سنة 378 هـ (حسن المحاضرة 1: 148) .
[2] تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الثانى ص 213.(3/57)
ومزج النحوين، فأخذ من كل واحد منهما ما غلب على ظنه صحّته، واطّرد له قياسه، وترك التعصّب لأحد الفريقين على الآخر. وصنّف كتبا كثيرة فى هذا النوع؛ كلّها جيّد بديع، فيه غرائب القياسات.
وذكر أن القاضى إسماعيل [1] كان مفتتا بما يأتى به من مقاييسه فى العربية.
وكان له معه مجلس عقيب صلاة الجمعة فى جامع المنصور. فقال له يوما:
يا أبا الحسن، ما تقول فى قراءة الجمهور- إلا أبا عمرو [2] : إِنْ هذانِ لَساحِرانِ
[3] ما وجهها على ما جرت به عادتك من الإغراب فى الإعراب؟ فأطرق ابن كيسان مليّا، ثم قال: نجعلها مبنيّة لا معربة، وقد استقام الأمر. قال له إسماعيل القاضى: فما علة بنائها؟ قال ابن كيسان: لأن الفرد منها «هذا» وهو مبنىّ، والجمع «هؤلاء» ، وهو مبنىّ، فيحتمل التثنية على الوجهين.
فعجب القاضى من سرعة جوابه وحدّة خاطره وبعيد غوصه، وقال له:
ما أحسنه يا أبا الحسن لو قال به أحد! قال: ليقل به القاضى. وقد حسن ومشى.
فمن مصنّفاته المشهورة: كتاب المهذّب. كتاب الحقائق. كتاب المختار. كتاب غريب الحديث. كتاب الشادانىّ فى النحو.
كتاب المذكّر والمؤنّث. كتاب المقصور والممدود. كتاب البرهان.
__________
[1] هو إسماعيل بن إسحاق البصرى القاضى الفقيه المالكى، له ترجمة فى الديباج المذهب 93، وتقدمت ترجمته أيضا فى حواشى الجزء الثانى 2: 131
[2] هو أبو عمرو بن العلاء، وقراءته: إن هذين لساحران، وهى قراءة رويت أيضا عن عثمان وعائشة. وانظر توجيه القراءتين فى كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبى (11: 216) .
[3] سورة طه آية 63(3/58)
كتاب الوقف والابتداء. كتاب الهجاء. كتاب القراءات. كتاب التصاريف. كتاب مختصر النحو. كتاب معانى القرآن. كتاب حد الفاعل. كتاب نحو اختلاف البصريين والكوفيين. كتاب الكافى فى النحو [1] .
قال الزّبيدىّ أبو بكر محمد بن الحسن الأندلسىّ: «ليس ابن كيسان هو القديم الذى له فى العروض والمعمّى كتاب» .
قال أبو بكر مبرمان: قصدت ابن كيسان لأفرأ عليه كتاب سيبويه فامتنع وقال: اذهب إلى أهله؛ يشير إلى الزّجّاج.
قال أبو علىّ القالى: كان أبو بكر بن الأنبارىّ شديد التعصّب على ابن كيسان وكان يقول: خط فلم يضبط مذهب الكوفيّين ولا البصريّين. وكان يفضّل الزجّاج عليه.
وقال أبو على: «سمعت أبا بكر بن مجاهد يقول: كان أبو الحسن بن كيسان أنحى من الشيخين: ثعلب والمبرّد» . توفى سنة تسع وتسعين ومائتين فى خلافة المقتدر بالله.
قال الزّبيدىّ: «وهذا التاريخ لوفاته غلط» .
__________
[1] وذكر له ياقوت من الكتب أيضا: كتاب غلط الكاتب. كتاب مصابيح الكتاب.
كتاب: اللامات. ونشر له تاب باسم تلقيب القوافى وتلقيب حركاتها ضمن مجموعة جرزة الحاطب وتحفه الطالب، بعناية وليم ريط فى ليدن سنة 1852. وانظر معجم؟؟؟؟ ص 1966.(3/59)
587- محمد بن احمد بن عبد الله النحوىّ «1»
بغداذى؛ كان مؤدّبا، وفيه فضل ونبل. روى عنه الخطيب أحمد بن ثابت البغداذىّ مذاكرة. قال الخطيب فى كتابه:
«حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله النحوىّ المؤدّب مذاكرة من حفظه، قال: حدّثنى أبى قال: سمعت أبا بكر بن الأنبارى يقول: دخلت المارستان بباب المحول، فسمعت صوت رجل فى بعض البيوت يقرأ: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
[1] » ، وذكر الحكاية بطولها، وهى مستوفاة فى خبر أبى بكر محمد ابن القاسم بن محمد بن بشار الأنبارىّ [2] .
وقد ذكره أحمد بن على فى ترجمته- ولم يسمّه النحوىّ- فقال: «محمد بن أحمد بن عبد الله أبو بكر المؤدّب الأعور- يعرف بابن أبى العبّاس الصابونى.
سمع أبا بكر بن مالك القطيعى [3] وأحمد بن إبراهيم بن شاذان وأبا القاسم بن حبابة.
كتبت عنه شيئا يسيرا. وكان سماعه صحيحا» . وأورد عنه خبرا فى اللّفمة إذا سقطت [4] . ثم قال: «سألت ابن أبى العباس عن مولده فقال:
فى سنة ثلاث أو أربع وخمسين وثلاثمائة- شكّ فى ذلك- ومات فى شوّال من سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة» .
__________
[1] سورة العنكبوت آية 19.
[2] انظر تاريخ بغداد (3: 185) .
[3] القطيعى، بفتح القاف وكسر الطاء: منسوب إلى القطيعة، وتطلق على عدة محال ببغداد.
وهو أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعى، يروى عن إسحاق وإبراهيم الحرميين وعبد الله بن أحمد ابن حنبل وغيرهم مات سنة 368 اللباب (2: 273) .
[4] الحديث بسنده: «أخبرنى محمد بن أبى العباس المؤدّب قال: حدّثنا عبيد الله محمد بن إسحاق البرازى قال: حدّثنا عبد الله بن محمد البغوى قال: حدّثنا هدية بن خالد قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا بدعها للشيطان» .(3/60)
588- محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى أبو الطيّب النحوىّ «1»
يعرف بابن الوشّاء الأعرابىّ. من أهل الأدب، حسن التصانيف، مليح الأخبار. روى عن أبوى العبّاس المبرّد وثعلب وغيرهما من الأئمة الأثبات. وكان يعلّم فى دار الخلافة. روت عنه منية [1] الكاتبة، جارية خلّافة أمّ ولد المعتمد على الله.
كتب إلىّ أبو حفص عمر بن محمد بن طبرزذ الدّارفزّىّ [2] ، أخبرنا الشيخ الإمام أبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون قال: حدّثنا أحمد بن علىّ من كتابه: «أخبرنى أبو الفرج الحسين بن علىّ الطناجيرىّ قال: حدّثنى أبو محمد عبد الله ابن الحسين بن عبد الله بن هارون البزّاز الأنبارىّ بها قال: حدّثتنى منية الكاتبة جارية خلّافة أم المعتمد إملاء من لفظها قالت: حدّثنى أستاذى محمد بن إسحاق ابن يحيى النحوىّ المعروف بابن الوشّاء قال: حدّثنى عبد الله بن عمر الورّاق، قال:
حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثنا أبو غسان محمد بن يحيى قال: أخبرنى عبد العزيز بن عمران عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبى حبيبة عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السخاء شجرة فى الجنّة، فمن
__________
[1] ذكرها الخطيب فى نساء بغداد المشهورات بالفضل ورواية العلم وقال عنها: «حدّثت عن أبى الطيب محمد بن إسحاق الوشاء، وروى عنها عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن البزاز الأنبارىّ، تاريخ بغداد (14: 441) .
[2] الدارقزى: منسوب إلى دار القز، وهى محلّة كبيرة ببغداد فى طرف الصحراء.(3/61)
كان سخيّا أخذ بغصن منها فلم يتركه الغصن حتى يدخله الجنة، والشّحّ شجرة فى النار فمن كان شحيحا أخذ بغصن منها فلم يتركه حتى يدخله النار» .
وللوشّاء من التصانيف الحسنة المشهورة كتاب الموشّى [1] فى البلاغة وما ورد منها فى كلام البلغاء قديمها وحديثها. كتاب الفاضل فى شىء من هذا النوع.
وله كتاب زهرة الرياض وهو كبير فى عدّة مجلّدات، ملكت منها نسخة قيل إنها بخطّه فى عشر مجلّدات، وتشتمل على أنواع وأبواب من المنظوم والمنثور فى حسن اختيار تدل على كثرة الاطلاع والبحث. ومن تصانيفه كتاب. مختصر النحو.
كتاب جامع النحو. كتاب المقصور والممدود. كتاب المذكر والمؤنث. كتاب الفرق. كتاب خلق الإنسان. كتاب خلق الفرس.
كتاب المثلث. كتاب أخبار صاحب الزّبح. كتاب الزاهر والأزهار.
كتاب الحنين إلى الأوطان. كتاب حدود الطب الكبير. كتاب أخبار المتظرّفات. كتاب السّلوان. كتاب المذهب. كتاب الموشّح.
كتاب سلسلة الذهب.
589- محمد بن إبراهيم بن خلف اللّخمىّ الأديب «1»
يعرف بابن زروقة أبو عبد الله. أندلسىّ من أهل النحو والأدب المعنيّين بأحكامه وجمعه وتحقيقه، ومن المشهورين فيه والمتصدّرين لإفادته. وممن يقول الشعر الحسن. وله تأليفات فى الآداب والأخبار. أخذ عن أبى نصر النحوىّ وابن أبى الحباب.
وتوفّى فى حدود سنة خمس وثلاثين وأربعمائة، وهو ابن سبع وستين سنة.
__________
[1] طبع فى بريل بعناية رودلف برونو سنة 1302 (1886 م) ، وطبع فى مصر بالمطبعة الحسينية سنة 1324 باسم الظرف والظرفاء. وانظر معجم المطبوعات ص 1919.(3/62)
590- محمد بن إبراهيم بن حبيب بن سليمان بن سمرة ابن جندب الفزارىّ أبو عبد الله «1»
عالم بالأدب، متصدّر لإفادته، صحيح الخط والضبط [1] .
591- محمد بن إبراهيم بن أبى عامر أبو عامر الصّورىّ النحوىّ «2»
رحل إلى دمشق، وسمع بها جماعة من مشايخ الحديث. روى عنه أبو القاسم الطبرانىّ [2] وموسى بن عبد الرحمن المقرىء البيروتى [3] .
592- محمد بن إبراهيم بن معاوية القرشىّ اللغوىّ الأندلسىّ «3»
مذكور فى هذا الكتاب. صحب أبا علىّ إسماعيل بن القاسم القالى وأخذ عنه، وأكثر الملازمة له. وورّق تصانيفه.
__________
[1] لم يذكر المؤلف تاريخ حياته أو وفاته؛ ولكن يؤخذ مما ذكر فى ترجمته فى أخبار الحكماء أنه كان معاصرا لأبى جعفر المنصور. وذكر السيوطى أنه أخذ عن المازنى، وقرأ على الأصمعى كتاب الأمثال.
[2] هو أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمى، حافظ عصره. مات سنة 360. اللباب (2: 80) .
[3] ذكره ابن الجزرى فى طبقات القرّاء (2: 320) .(3/63)
شوهد على كتاب المقصور والممدود للقالى بخط القالى: «قرأ جميع الممدود والمقصور محمد بن إبراهيم بن معاوية القرشىّ، ومحمد بن أبان بن سيّد، وعبد الوهاب ابن أصبغ، ومحمد بن حسن الزّبيدىّ- أعزهم الله- وأعانوا بانتساخه ونقله من طوامير تخريحى له، وقابلوا به كتبهم. وكثير من تعاليق هذا الكتاب مخرّج بخط القرشىّ منهم. ومتن هذا الديوان بخط عبد الوهاب بن أصبغ منهم. وسمعه سائر أصحابهم بقراءة القرشىّ له علىّ، وسمعوه خاصة بقراءتى لهم. جعله الله علما نافعا مقربا منه.
593- محمد بن إبراهيم بن يحيى أبو بكر الكسائى «1»
ذكره الحافظ أبو عبد الله فقال: «الأديب. وكان من قدماء الأدباء بنيسابور، وتخرّج به جماعة فى الأدب. ثم إنه على كبر السنّ حدّث بكتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج من كتاب جديد بخط يده عن إبراهيم بن محمد بن سفيان فأنكرته فحضرنى وعاتبنى، فقلت: أنت أحد مشايخنا من الأدباء. والمعرفة بيننا منذ أكثر من خمسين سنة، فلو أخرجت أصلك العتيق، أو أخبرتنى بالحديث فيه على وجهه.
فقال لى: قد كان والدى حضر فى مجلس إبراهيم لسماع هذا الكتاب، ثم لم أجد سماعى» . وذكر حديثا عنه طويلا [1] .
قال الحافظ: «فلما سمعت ذلك منه قلت: هذا لا يحلّ لك، فاتق الله فيه.
فقام من مجلسى وشكانى بعد ذلك. توفى سنة خمس وثمانين وثلاثمائة» .
__________
[1] تفصيل الخبر مذكور فى كتاب الأنساب.(3/64)
594- محمد بن إبراهيم بن عبد الله «1»
ذكره الحافظ أبو عبد الله فى تاريخ نيسابور، فقال «أبو سعيد الأديب: درّس الأدب على أبى حامد الخارزنجىّ [1] ، وخرّجت له الفوائد. وحدّث. توفّى فى جمادى الآخرة من سنة سبع وتسعين وثلاثمائة» .
595- محمد بن إبراهيم النحوىّ القاضى المعروف بالعوامىّ «2»
نحوىّ أديب فاضل، حسن المذاكرة والمحاضرة. كان ببغداذ وأفاد. ذكره محمد بن إسحاق النديم، وقال: «كان صديقى» . وقال: «له مصنف كتاب الإصلاح والإيضاح [2] فى النحو» .
596- محمد بن إسماعيل ابو عبد الله الحكيم النحوىّ الحاسب الأندلسىّ «3»
كان دقيق النظر، غاية فى علم العربيّة والحساب وحدّ المنطق، لطيف الاستخراج، صحيح الخاطر. ولم يكن أحد من أهل زمانه يتقدّمه فى علمه ونظره.
ونجب على يده جملة من الطلبة والشعراء والكتاب. وكان بكىّ اللّفظ، عيّا
__________
[1] هو أحمد بن محمد أبو حامد الخارزنجى البشتى. تقدّمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الأوّل ص 142.
[2] كذا فى الأصلين، وهو يوافق ما فى البغية ومعجم الأدباء وكشف الظنون، وفى الفهرست:
الإصلاح والإفصاح.(3/65)
بالمخاطبات، ثقيلا فى إملاء النحو، فإذا أخذ فى إثارة المعانى اللطيفة، والمسائل الدقيقة، لم يقاومه أحد من أهل زمانه، بل كان ألحظهم [في] فهم ما يقوله، والتّلقين لما يورده.
وأخذ من محمد الغازى [2] ما جلبه من الأشعار المشروحة رواية عنه. ولم يلتق له فى قرض الشّعر كبير حظّ. وأورد الرواة له منه شيئا قليلا [3] . وعاش حتى بلغ ثمانين عاما. وأدّب الحكم [4] الأمير، وأعقب ولدا، وتوفّى لعشر خلون من ذى الحجّة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة.
597- محمد بن إسحاق بن على بن داود البحّاثىّ بن حامد أبو جعفر القاضى الزوزنىّ النحوىّ اللغوىّ الشاعر «1»
صاحب التصانيف العجيبة المفيدة؛ جدّا وهزلا، والفائق أهل عصره ظرفا وفضلا. وكان ينسخ كتب الأدب بخط مقروء صحيح أحسن النسخ.
__________
[1] هو محمد بن عبد الله بن الغازى بن قيس؛ من أهل قرطبة؛ رحل إلى المشرق، ودخل البصرة، ولقى أبا حاتم السجستانى وأبا الفضل الرياشى وجماعة من أهل الحديث ورواة الأشعار وأصحاب اللغة والمعانى، ثم عاد إلى الأندلس، فأخذوا عنه ما حمل من الشعر والغريب والخبر. مات سنة 296.
تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضى (1: 323) .
[2] أورد الزبيدىّ طائفة منه فى الطبقات 189.
[3] هو الحكم المستنصر بالله بن الناصر لدين الله عبد الرحمن. تقدّمت ترجمته فى حواشى الجزء الأوّل ص 240.(3/66)
قال عبد الغافر الفارسىّ [1] : «لقد رأيت نسخة من كتاب يتيمة الدهر فى خمس مجلّدات [بخطه [2] المليح] لأبى منصور الثعالبىّ بيعت بثلاثين دينارا نيسابورية.
وكانت تساوى أكثر من ذلك. ولقد كتب نسخة من غريب الحديث لأبى سليمان الخطّ [3] بىّ، وقرأها على جدّى الشيخ أبى الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسىّ قراءة سماع، وعلى الحاكم الإمام أبى سعد [4] قراءة تصحيح وإتقان؛ أقطع أنه لم يبق من ذلك الكتاب نسخة أبين ولا أملح منها، وهى برسم الكتب الموضوعة فى الجامع القديم، موقوفة على المسلمين» .
توفى بغزنة [5] سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
ومن تصانيفه المفيدة: كتاب شرح ديوان البحترىّ، وهو كبير مشتمل من الفوائد على ما لم يشتمل عليه غيره. ومن شعره:
يرتاح للمجد مهتزّا كمطّرد ... مثقّف من رماح الخطّ عسّل [6]
فمرّة باسم عن ثغر برق حيا ... وتارة كاشر عن ناب رئبال [7]
فما أسامة مطرورا براثنه ... ضخم الجزارة يحمى خيس أشبال [8]
__________
[1] تقدّمت ترجمته والتعريف بكتابه فى حواشى الجزء الثانى ص 167.
[2] زيادة من معجم الأدباء فيما نقل عن عبد الغافر الفارسى.
[3] هو أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو سليمان الخطابى؛ تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الأول ص 160، وفى حواشيه تحقيق الخلاف فى اسمه.
[4] هو عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن دوست، تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الثانى ص 167، وكناه هناك بأبى سعيد.
[5] غزنة: مدينة عظيمة وولاية واسعة فى طرف خراسان.
[6] المثقف من الرماح: المقوّم. والخط: مرفأ السفن بالبحرين؛ تنسب إليه السفن.
والعسال: الشديد الاهتزاز والاضطراب.
[7] الحيا: المطر. والرئبال: الأسد.
[8] المطرور: المحدد، يقال: طررت السنان إذا حددته. والجزارة: الأطراف. والخيس:
بيت الأسد.(3/67)
يوما بأشجع منه حشو ملحمة ... والحرب تصدم أبطالا بأبطال
ولا خضارة سخّابا غواربه ... تسمو أواذيّه حالا على حال [1]
أندى وأسمح منه إذ يبشّره ... مبشّروه بزوّار ونزّال
وله أيضا:
وذى شنب لو أن خمرة ظلمه ... أشبّهها بالخمر خفت به ظلما [2]
قبضت عليه خاليا واعتنقته ... فأوسعنى شتما وأوسعته لثما
وله يصف البرد:
متناثر فوق الثّراء حبابه ... كثغور معسول الثنايا أشنب
برد تحدّر من ذرى صخّابة ... كالدرّ إلّا أنه لم يثقب
598- محمد بن إسحاق بن أسباط أبو النضر النحوىّ المصرىّ «1»
أخذ عن الزجّاج، وتصدّر بمصر لإفادة هذا النوع من العلوم. وصنّف فى النحو كتابا سمّاه كتاب العيون والنّكت، ذهب فيه إلى حدّ الاسم والفعل والحرف.
وتلا ذلك بذكر شىء من أبواب الياء والواو، ولم يصنع فيه شيئا [3] .
__________
[1] خضارة بالضم: البحر، وسمى بذلك لخضرة مائه، وهو معرفة لا يجرى. والسخب: الصخب، اختلاط الأصوات. والغوارب: أعالى الموج. والأواذىّ: الأمواج.
[2] الشنب هنا: ماء يجرى على الثغر. والظلم: الريق.
[3] ذكر له ياقوت أيضا: كتاب المغنى فى النحو، والموقظ والتلقين.(3/68)
599- محمد بن أرقم النحوىّ الأندلسىّ «1»
من أهل العلم بالعربية واللغة والكلام فى معانى الشعر. وكان مؤدّبا [1] ، وكان أبوه يؤدّب أولاد ملوك الأندلس، ولما أمر عبد الرحمن الأموىّ أمير الأندلس بإنشاد شعر حبيب [2] أحضره وأحضر جماعة من الأدباء: منهم موسى بن محمد الحاجب [3] ، ومحمد بن يحيى القلفاظ [4] ، وابن فرج المعروف بابن البيسارىّ- وكان ابن فرج معروفا بالعلم والعربية، وكان لا يناظر الحكيم [5] والقلفاظ من أهل زمانه غيره- فشاورهم أىّ القصائد يقدّم فى أوّل الكتاب؟ فقال له ابن أرقم: إنما يفضل الشعر ويقدّم لغرابة معناه. وشعره الذى وصف به القلم [6] له معنى لم يتقدّمه
__________
[1] قال الزبيدى: «إنه كان مؤدّبا لأمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر» .
[2] هو أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائى، الشاعر المشهور، ولد سنة 190 بجاسم من أعمال دمشق، وتوفى بالموصل سنة 231. ابن خلكان: (1: 121) .
[3] هو موسى بن محمد بن حدير أحد وزراء الخليفة الناصر عبد الرحمن وحجابه توفى سنة 219 هـ (الحلة السيراء ص 123) .
[4] تأتى ترجمته.
[5] هو محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الحكيم، تقدمت ترجمته.
[6] أبيات من قصيدة يمدح فيها محمد بن عبد الملك الزيات: قال فيها يصف القلم:
لك القلم الأعلى الذى بشباته ... تصاب من الأمر الكلى والمفاصل
له ريقة طل ولكن وقعها ... بآثاره فى الشرق والغرب وابل
فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو راجل
إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهى حوافل
أطاعته أطراف القنا وتقوّضت ... لنجواه تقويض الخيام الحجافل
إذا استغزر الذهن الذكى وأقبلت ... أعاليه فى القرطاس وهى أسافل
وقد رفدته الخنصران وسدّدت ... ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل
رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنى، وسمينا خطبه وهو ناحل
وانظر الديوان ص 258.(3/69)
إليه متقدّم، ولا لحقه فيه متأخّر. فوقعوا جميعا عليه، وقالوا: الوضيع [1] يتعصّب للوضيع- يعنون ابن الزيات [2]- فأخجلوه.
وبينما هم كذلك إذا استؤذن لأبى عبيد الله الغابى فأذن له، فلما استوى فى الجلوس، سئل عما جرى من القول، فقال: أخبرنى أبو الحسن المغنّى أن أهل بغداذ لا يفضّلون على شعره الّلامىّ [3] الذى ذكر فيه القلم شيئا؛ لغرابة معناه، ولم يكن الغابى يعلم شيئا من اختلافهم فى ذلك؛ وإنما سئل عما يجب تقديمه- فاستطال ابن أرقم، وقال: مثلى مع هؤلاء كما قال حبيب بن أوس:
كلاب أغارت فى فريسة ضيغم ... طروقا وهاما أطعمت صيد أجدلا [4]
وإنما يغّمنى أن أكون ببلد يتحكّم علىّ فيه من لا يعرف ما أقول.
600- محمد بن أبى الأزهر أبو بكر النحوى «1»
مستملى أبى العباس المبرّد.
601- محمد بن أبى جعفر المنذرى الخراسانىّ اللغوىّ العدل أبو الفضل «2»
طلب علم العربية، ورحل فى إدراكها، وحصّل منها خيرا كثيرا. وكان ثقة فيما يرويه، ثبتا فيما يؤخذ عنه. روى عنه أبو منصور الأزهرىّ فى كتاب
__________
[1] يريد أبا تمام؛ إذ كان أبوه سقاء، وابن الزيات إذ كان جده يجلب الزيت من بغداد.
[2] هو محمد بن عبد الملك بن أبان، المعروف بابن الزيات. كان وزير المعتصم، وله شعر سائر جيد، وديوان رسائل، وتوفى سنة 233. ابن خلكان (2: 54) .
[3] فى الأصلين:
«السلامى» تصحيف.
[4] ديوانه 254. الضيغم: الأسد. والأجدل: الصقر.(3/70)
التهذيب كثيرا، وروى عن أبى الحسن الصيداوىّ، وروى الصيداوىّ عن الرياشىّ [1] .
602- محمد بن أبى الحسن الأندلسى «1»
رئيس جليل، عالم باللغة والأدب. كان فى أيام الحكم المستنصر أثيرا بالعلم عنده. وتقدّم إليه الحكم المستنصر بمقابلة كتاب العين للخليل بن أحمد مع أبى علىّ إسماعيل بن القاسم القالى وابنى سيّد [2] فى دار الملك التى بقصر قرطبة، وأحضر من الكتاب نسخا كثيرة فى جملتها نسخة القاضى منذر بن سعيد البلّوطىّ التى رواها بمصر عن ابن ولّاد. وسألهم يوما الحكم عن النسخ فقالوا: [إن] نسخة القاضى أشدّ النسخ تصحيفا وخطأ وتبديلا، فسألنا تبيين ذلك له، فأنشدوه أبيانا مكسورة، وأسمعوه ألفاظا مصحّفة. فسأل أبا علىّ القالى عن حقيقتها، فأخبره على قول الجماعة. واتّصل المجلس بالقاضى منذر، فكتب إلى الحكم المستنصر رقعة، وفيها:
جزى الله الخليل الخير عنّا ... بأفضل ما جزى فهو المجازى
وما خطأ الخليل سوى المغيلىّ ... وعضروطين فى ربض الطّراز [3]
فصار القوم زرية كلّ زار ... وسخريّا وهزأة كل هازى [4]
__________
[1] ذكر ياقوت للمترجم من المصنفات كتاب: الشامل، وكتاب الفاخر، وكتاب الزيادات التى زادها فى معانى الفراء، وكتاب زيادات أمثال أبى عبيد، وكتاب ما زاد فى المصنف وغريب الحديث.
[2] هما أحمد بن أبان بن سيد اللخمى، وقد ترجم له المؤلف فى الجزء الأول ص 65 وأخوه محمد بن أبان بن سيد؛ ترجم له السيوطى فى البغية ص 4، وقال عنه: «كان عالما بالعربية واللغة حافظا للأخبار والآثار، أخذ عن أبى على البغدادى. وتوفى سنة 354» .
[3] المغيلىّ، وهو أبو بكر المغيلىّ، وكان فى أيام الحكم المستنصر، وله ترجمة فى بغية الملتمس ص 503 والعضروطان: مثنى بمضروط، وهو الخادم على بطنه.
[4] أى هازىء بالهمز، وخففها ضرورة.(3/71)
فقال لهم المستنصر: إن القاضى قد هجاكم؛ فقلنا: نجلّ القاضى عن ذكره فى مجلس مولانا، فقال: قد بدأكم، والبادى أظلم. فقلنا: إن رام المحافقة بحضور الشيخ أبى على القالى حافقناه على وهمه، ومدّ محمد بن أبى الحسين يده إلى الدّواة وكتب:
هلمّ فقد دعوت إلى البراز ... وقد فاخرت قرنا ذا نجاز [1]
ولا تمش الضّراء فقد أثرت ال ... أسود الغلب تخطر باحتفاز [2]
وأصحر للّقاء تكن صريعا ... بماضى الحدّ مصقول الجراز [3]
رويت عن الخليل الوهم جهلا ... بجهلك بالكلام وبالمجاز
دعوت له بخير ثم أنحت ... يداك على مفاخر بالعزاز [4]
تهدّمها وتجعل ما علاها ... أسافلها، ستجزيك الجوازى
جزى الله الإمام العدل عنّا ... جزاء الخير فهو له مجازى
به وريت زناد العلم قدما ... وشرّف طالبيه باعتزاز
وجلّى عن كتاب العين دجنا ... وإظلاما بنور ذى امتياز
بأستاذ اللغات أبى علىّ ... وأحداث بناحية الطّراز
بهم صحّ الكتاب وصيّروه ... من التصحيف فى ظلّ احتراز
وعرضت على المستنصر فرآها وضحك وقال: قد انتصرت، وأمر بها فختمت، ثم وجه بها إلى القاضى، فلم يسمع له بعد ذلك كلمة.
__________
[1] القرن، بالكسر: كفؤك فى الشجاعة.
[2] الضراء، بالفتح والمدّ: الشجر الملتف فى الوادى؛ ويقال: فلان يمشى الضراء إذا مشى مستخفيا. والغلب: جمع أغلب، وهو الأسد الغليظ الرقبة.
[3] الجراز: السيف القاطع.
[4] العزاز فى الأصل: الأرض الصلبة.(3/72)
603- محمد بن أبى العافية النحوىّ المقرىء الإشبيلىّ «1»
الإمام بجامع إشبيلّية أبو عبد الله. أخذ عن أبى الحجاج الأعلم الأدب وغيره.
وكان من أهل المعرفة والأدب؛ أخذ الناس عنه ذلك. توفى سنة تسع وخمسمائة.
وقد ذكر فى باب الكنى أيضا، وقيل هناك: ابن العافية.
604- محمد بن أبى الفرج الكنانىّ المالكىّ الصّقلىّ أبو عبد الله المعروف بالزكىّ المغربىّ «2»
من أهل صقلّية. كان فاضلا عارفا باللغة والأدب، وكان آية فى النحو وعلومه ورد العراق، ثم خرج منها إلى خراسان، وجال فى أقطارها، وأقام بها مدة، وخرج إلى غزنة وبلاد الهند، وانصرف عنها. وخرج إلى أصبهان ومات بها. وجرى بينه وبين جماعة من علماء خراسان محاورات ومناظرات. وكان يذكر الغزالىّ [1] بشرّ. وقرىء عليه كتاب الشهاب للقضاعىّ [2] . وسئل عن النّردشير الوارد فى الخبر [3]
__________
[1] هو أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى، الملقب حجة الإسلام، صاحب كتاب إحياء علوم الدين، وغيره من الكتب المصنفة فى الفقه والتصوف والفلسفة. ولد سنة 450 وتوفى سنة 505.
ابن خلكان (1: 463) .
[2] هو كتاب شهاب الأخبار فى الحكم والأمثال والآداب، لمؤلفه القاضى أبى عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن على بن حكمون القضاعى الشافعىّ المتوفى سنة 454. قال فى مقدمته: «جمعت فى كتابى هذا مما سمعته من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف كلمة من الحكمة فى الوصايا والآداب والمواعظ والأمثال، وجعلتها مسرودة يتلو بعضها بعضا، مبوّبة أبوابا على حسب تقارب الألفاظ ثم زدت مائتى كلمة، ثم ختمت الكتاب بأدعية مروية عنه عليه الصلاة والسلام، وأفردت الأسانيد جميعها فى كتاب يرجع فى معرفتها إليه» . طبع ببغداد سنة 1327.
[3] رواه مسلم فى صحيحه (2: 199) من حديث بريدة مرفوعا، ولفظه: «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده فى لحم خنزير ودمه» . ورواه بنحوه أبو داود وابن ماجه.(3/73)
فقال: هو النرد، وأول من لعب به أردشير [1] ، فنسب إليه. وفى هذا القول نظر؛ فإن النّرد أقدم من أردشير المشهور.
وكان ينفرد بأشياء من تفسير الأخبار وغيرها، لا يتابعه أحد فيها. وسببه إعجابه بنفسه. توفّى بأصبهان فى حدود سنة عشر وخمسمائة.
605- محمد بن أبى محمد بن محمد بن ظفر»
المكى الأصل، المغربىّ المنشأ. سكن الشام فى الشطر الآخر من عمره؛ يلقب بالحجّة. أقام بحماة [2] وأمّه الطلبة بها، وصنّف التصانيف الجميلة فى أنواع الآداب، وفسّر القرآن تفسيرا جميلا فى مصنّف سماه الينبوع [3] ، ومات بحماة فى سنة سبع أو ثمان وستين وخمسمائة [4] . وأدركت ولده بحلب فى حاضرها يعلّم الصبيان وهو أكسد من باقل، لا ينقل عنه من أهلها ناقل. واستجزت منه رواية كتب أبيه التى رواها عنه، وكتب لى بذلك خطه، وهو عندى. ثمّ مات رحمه الله فى حدود سنة ستمائة بعدها بقليل.
__________
[1] هو أردشير بن بابك، من الطبقة الرابعة من ملوك الفرس؛ وهم الأكاسرة الساسانية، وجميع الأكاسرة الذين كان آخرهم يزدجرد بن شهريار من ولده. وانظر تاريخ أبى الفداء (1: 47) .
[2] حماة: مدينة بالشام على نهر العاصى، وهى مولد أبى عبد الله ياقوت الحموى صاحب معجم الأدباء.
[3] سماه صاحب كشف الظنون: ينبوع الحياة ومنه ثلاثة جزاء مخطوطة فى دار الكتب المصرية رقم 310 تفسير.
[4] فى ابن خلكان أن وفاته كانت سنة 575.(3/74)
دخل صقليّة فى سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وصنف بها كتاب سلوان المطاع فى عدوان الأتباع [1] . بلغنى عن أبى اليمن زيد بن الحسن الكندىّ أنه قال: أحلت برزق لى على ديوان حماة، فسرت إليها لأجل ذلك، فلما حللتها جمع الجماعة بينى وبين الحجّة، وجرت بيننا مناظرة فى النحو واللغة، فأوردت عليه مسائل فى النحو لم يمش فيها. وكان حاله فى اللغة قريبا، فلما كاد المجلس أن يتقوّض قال الحجّة: الشيخ تاج الدين أخبر منّى بالنحو، وأنا أخبر باللغة منه، فقلت:
الأوّل مسلّم، والثانى ممنوع، وقمنا عن المجلس. وسألت من رآه فقال: كان رجلا دميم الخلقة قصير القامة جدا، لم يكن صبيح الوجه. ورأيت له شرح المقامات [2] قد صنّفها لأهل المغرب، وقد نقل ألفاظها من نسخة سقيمة، فصحّف وشرح التصحيف، وسمعت أنه كان يعتذر من ذلك إذا قيل له ويقول: هو أمر أحدثه العجلة وبعد الدار.
ولمّا خوطب نور الدين محمود بن زنكى [3] فى تقرير رزق له يستعين به على إفادة العلم بحماة، اقتضت مكارمه أن يطلق له فى كل شهر سبعين قرطاسا، يكون عليها سبع الدراهم فضّة فى كل شهر. وهذا غاية ما يكون من الخسّة. وأهل حماة
__________
[1] صنفه لبعض القواد بصقلية سنة 554، ورتبه على خمس سلوانات: فى التفويض ونتائجه، والتأسى وفوائده، والصبر وعوائده، والرضا وميامنه، والزهد. طبع بمصر فى سنة 1278، وطبع فى تونس سنة 1279، وفى بيروت سنة 1300؛ وترجمه إلى اللغة الايطالية أمارى، وطبع بفلورنسا سنة 1851 م، ومنها ترجم إلى اللغة الإنجليزية، وطبع بلندن سنة 1852 م، ونقله إلى التركية قره خليل زاده، وطبع فى الآستانة سنة 1285 هـ. ومنه نسخ خطية متعدّدة بدار الكتب المصرية. وانظر معجم المطبوعات 149، ودائرة المعارف الإسلامية 1: 218. وقد نظمه أبو عبد الله بن على السنجارى المتوفى سنة 799.
[2] ذكره صاحب كشف الظنون ص 1788، وسماه التنقيب على ما فى المقامات من الغريب.
[3] تقدّمت ترجمته فى حواشى الجزء الأوّل ص 344.(3/75)
قوم لا يعرفون كرما، ويعتدّون البذل مغرما، فبقى فى غمرات الفقر شطر عمره.
ولقد بلغنى أنه زوّج بنته من الحاجة لغير كفء، وأن الزوج رحل بها عن حماة، وباعها ببعض البلاد. فسبحان من يصرّف الأحوال على ما يعلمه عز وجل! وله شعر، منه:
فنحن بقربه فيما اشتهينا ... وأحببنا فما اخترنا وشينا
يقينا ما نخاف وإن ظننّا ... به خيرا أراناه يقينا
وله أيضا:
على قدر فضل المرء تأتى خطوبه ... ويعرف عند الصبر فيما يصيبه
ومن قلّ فيما يتّقيه اصطباره ... فقد قلّ فيما يرتجيه نصيبه
وله من التصانيف: كتاب الينبوع فى تفسير القرآن، كبير. كتاب سلوان المطاع فى عدوان الأتباع. كتاب البشر بخير البشر [1] . كتاب أنباء نجباء الأبناء [2] . كتاب الحاشية على درّة الغوّاص. كتاب شرح المقامات صغير. كتاب شرح المقامات، كبير [3] .
__________
[1] فى علامات النبوّة، طبع بمصر سنة 1280.
[2] طبع بمطبعة التقدم بمصر (بدون تاريخ) .
[3] ذكر له ياقوت من المصنفات أيضا: التفسير الكبير، وهو غير كتاب ينبوع الحياة، والاشتراك اللغوى، والاستنباط المعنوى، والقواعد والبيان فى النحو، وأساليب الغاية فى أحكام آية، وإكسير كيمياء التفسير، وأرجوزة فى الفرائض، وملح الفقه وهو فيما اتفق لفظه واختلف معناه، ومعاقبة الجرىء على معاتبة البرىء. وزاد الصفدى فى الوافى:
كتاب الجنة من فرق أهل السنة فى الاعتقاد، والمعادات، والبشخين فى أصول الدين، وكشف الكسف فى نقص الكتاب المسمى بالكسف، والإنباء عن الكتاب المسمى بالإحياء، وممالك الأذكار فى مسالك الأفكار، والخوذ الواقية والعوذ الراقية، ونصائح الذكرى، والإشارة إلى علم العبارة، ومختصر النحو.(3/76)
606- محمد بن أبى الوفا بن أحمد القرشىّ الموصلىّ ابن أبى طاهر العدوىّ أبو عبد الله النحوىّ «1»
يعرف بابن القبيصى. من أهل الموصل. والقبيصة من قرى الموصل.
حافظ للقرآن المجيد، قد قرأ بالقراءات على جماعة من الشيوخ، وقرأ النحو على أبى الحرم مكىّ بن ريّان الماكسينى الضرير [1] نزيل الموصل وأديبها، ورحل إلى بغداذ، فسمع من جماعة ذلك الوقت المشايخ، كل ذلك بعد سنة ثمانين وخمسمائة، واستوطن إربل [2] وأقرأ بها النحو بدار الحديث بها.
__________
[1] تأتى ترجمته للمؤلف.
[2] إربل، بالكسر ثم السكون: مدينة عظيمة، حولها عدّة قلاع، وبينها وبين بغداذ مسيرة سبعة أيام للقوافل.(3/77)
(حرف الباء فى آباء المحمدين)
607- محمد السعيدىّ بن بركات النحوىّ البصرىّ السعيدىّ «1»
نحوىّ مصر. ذكره ابن الزبير [1] فى كتاب جنان الجنان، وقال: «كان عالى المحلّ فى النحو واللغة وسائر فنون الأدب، منحطّا فى الشعر إلى أدنى الرتب» .
وذكره أبو حامد محمد بن محمد بن حامد الأصبهانىّ فى كتابه فقال: «كان- يعنى ابن بركات- فى عصرنا الأقرب، وهو نحوىّ مصر والمغرب. له فى مسافر العطّار:
يا عنق الإبريق من فضة ... ويا قوام الغصن الرطب
هبك تجافيت فأقصيتنى ... تقدر أن تخرج من قلبى!
قال القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على- قدس الله روحه-: ليس له أحسن من هذين البيتين.
وذكر القاضى الموفق يوسف بن الخلال [2] كاتب الإنشاء فى زمانه بالدولة المصرية.
ابن بركات هذا فقال: «الشيخ أبو عبد الله محمد بن بركات السعيدىّ النحوىّ
__________
[1] هو أبو الحسين الرشيد أحمد بن على بن إبراهيم المعروف بابن الزبير الغسانى الأسوانى، كان من أهل الفضل والنباهة والرياسة، ولى النظر بثغر الإسكندرية فى الدواوين السلطانية سنة 559، وقتل مظلوما سنة 563. ابن خلكان (1: 51) . وكتابه جنان الجنان ورياض الأذهان، ذكره صاحب كشف الظنون وقال عنه: إنه ألفه فى شعراء مصر، وجعله ذيلا لليتيمة.
[2] تقدّمت ترجمته فى حواشى الجزء الأوّل ص 344(3/78)
اللغوىّ. ولد بمصر فى سنة عشرين وأربعمائة، وتوفى بها فى سنة عشرين وخمسمائة.
أخذ النحو عن أبى الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ- رحمه الله- وغيره.
وأخذ اللغة عن أصحاب أبى يوسف يعقوب بن خرّزاذ النّجيرمىّ وغيرهم. وأدرك ابن خرّزاذ ورآه وهو صبىّ، فلم يهتد للأخذ عنه لصبوته. قال لى: ورأيته ماشيا فى طريق القرافة شيخا أسمر، كبير اللّحية، مدوّر العمامة، وبيده كتاب وهو يطالع فيه فى مشيته. وكان الغالب على شعر ابن بركات طريقة أصحاب اللغة.
ومذهبه فى الشعر مذهب من يرضى بالجائز، ويندر له القليل» . وأنشد له البيتين المتقدمين قوله: «يا عنق الإبريق ... » .
وأنشد له أيضا فى صفة الحمر من قصيدة مدح بها الأفضل بن أمير الجيوش:
شعاعها المستطير منها ... قد ضمّخ الجوّ بالخلوق(3/79)
(حرف الثاء فى آباء المحمّدين)
608- محمد بن ثابت بن يوسف بن عيسى أبو بكر النحوىّ الواسطىّ «1»
من أهل واسط،. قدم بغداذ وأقام بها مدّة يقرأ على مصدّق بن شبيب النحوىّ [1] . وطلب الأدب، وسمع الحديث من أبى العباس أحمد بن على ابن المامون [2] ، وسمع من مشايخ واسط، وعاد إلى واسط يقرأ عليه بها القرآن والنحو.
وهو فقيه فاضل، له معرفة حسنة بالنحو، تخرّج به جماعة بواسط، وأخذوا عنه.
__________
[1] تاتى ترجمته للمؤلف.
[2] هو أحمد بن على بن هبة الله، المعروف بابن الزوال، تقدّمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الأوّل ص 123.(3/80)
(حرف الجيم فى آباء المحمدين)
609- محمد بن جعفر الصّيدلانىّ النحوىّ «1»
صهر أبى العباس المبرّد على ابنته. وكانوا يلقبونه برمة. كان نحويا أديبا شاعرا متصدرا للإفادة. روى عن أبى هفّان [1] الشاعر أخبارا، حدث عنه أبو الفرج الأصبهانىّ وغيره.
قال القاضى ابن كامل: أنشدنى محمد بن جعفر برمة النحوىّ ختن المبرّد على ابنته لنفسه:
أما ترى الروض قد لاحت زخارفه ... ونشّرت فى رباه الرّيط [2] والحلل
واعتمّ بالأرجوان النبت منه فما ... يبدو لنا منه إلا مونق خضل [3]
فالنرجس الغضّ ترنو من محاجره ... إلى الورى مقل تحيا بها مقل
تبر حواه لجين فوق أعمدة ... من الزمرّد فيها الزهر مكتهل
فعج بنا نصطبح يا صاح صافية ... صهباء فى كأسها من لمعها شعل
فقد تجلّت لنا عن حسن بهجتها ... رياض قطربّل [4] واللهو مشتمل
__________
[1] هو أبو هفان عبد الله بن أحمد بن حرب المهزمىّ العبدىّ، راوية عالم بالشعر والغريب، من أهل البصرة وسكن بغداد، وهو من شعراء الدولة الهاشمية، وشعره جيد إلا أنه مقل. اللآلئ 335، وتاريخ بغداد (9: 370) .
[2] الريط: جمع ريطة، وهى كل ثوب لين رقيق.
[3] الخضل: الندىّ.
[4] قطربل: قرية بين بغداد وعكبرا ينسب إليها الخمر.(3/81)
وعندنا شادن شدّت قراطقه ... على نقا وقضيب فهو معتدل [1]
يدور بالكأس بين الشّرب آونة ... ما دام للشرب منها العلّ والنّهل [2]
وقينة إن تشأ غنّتك من طرب: ... «ودّع هريرة إن الركب مرتحل [3] »
وإن أشرت إلى شىء تكرره: ... «إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل [4] »
ليست بمظهرة تيها ولا صلقا ... وليس يغضبها التجميش والقبل
فنحن فى تحفة منها وفى غزل ... مما يغازلنا طرف لها غزل
هذا نعيم ذوى اللّذات ما نعموا ... فى عيشهم وإليهم ينتهى المثل
610- محمد بن جعفر أبو بكر العطار النحوىّ «1»
يلقب حرتك [5] . من أهل المخرّم [6] ، نحوىّ أديب متصدر لإفادة الطلبة. روى عن جلّة الرّواة، وروى عنه.
__________
[1] الشادن: ما قوى من أولاد الظباء وطلع قرناه. والقرطق: شبيه بالقباء، فارسى معرّب.
والنقا: القطعة المحدودبة من الرمل. والقضيب: الغصن.
[2] الشرب: جماعة الشاربين، والعلل: الشربة الأولى، والنهل: الشربة الثانية.
[3] مطلع قصيدة للأعشى، وعجزه:
وهل تطيق وداعا أيها الرجل ديوانه 41.
[4] مطلع قصيدة للنطامى، وعجزه:
وإن بليت وإن طالت بك الطيل الجمهرة 313.
[5] الحرتك: الصغير الجسم.
[6] المخرّم: محلّة كانت ببغداذ بين الرصافة ونهر المعلى.(3/82)
611- محمد بن جعفر بن محمد أبو الفتح الهمذانىّ «1»
يعرف بابن المراغىّ، النحوىّ اللغوىّ. سكن بغداذ، وروى بها عن أبى جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة. حدّث عنه القاضى أبو الحسين محمد بن أحمد ابن القاسم المحاملىّ، وذكر أنه سمع منه فى سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة. وكان من أهل الأدب، عالما بالنحو واللغة، وله كتاب صنّفه وسماه كتاب البهجة على مثال الكامل للمبرد. وله شرح كتاب الجمل فى النحو، لطيف. وقيل شرح كتاب الجمل لمراغىّ آخر [1] . وروى على ظهر كتاب الجمل للمراغىّ بخطّ يده:
اعذر أخاك على رداءة خطّه ... واغفر رداءته لجودة ضبطه
فالخط ليس يراد من تعظيمه ... ونظامه إلّا إقامة سمطه
وإذا أبان عن المعانى خطّه ... كانت ملاحته زيادة شرطه
612- محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن فروة بن ناجية بن مالك أبو الحسن التميمىّ النحوىّ المعروف بابن النجار «2»
من أهل الكوفة، روى عن أبى بكر بن دريد ونفطويه ومحمد بن يحيى الصّولى وغيرهم.
وسمع منه ببغداذ فى سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة. ذكر أنه ولد فى سنة ثلاث وثلاثمائة
__________
[1] ذكر له ابن النديم أيضا: كتاب الاستدراك لما أغفله الخليل. وروى السيوطى فى بغية الوعاة أنه توفى سنة 371.(3/83)
فى المحرم لست عشرة ليلة خلت منه بالكوفة، وتوفى فى سنة اثنتين وأربعمائة، وهو آخر من حدّث عن الأشنانىّ [1] . وكانت وفاته فى جمادى الأولى من السنة المذكورة.
ورأيت له كتاب تاريخ الكوفة، على الأسماء، وليس بكبير [2] .
613- محمد بن جعفر أبو عبد الله التميمىّ النحوىّ القيروانىّ المعروف بالقزاز «1»
كان الغالب عليه علم النحو واللغة والافتنان فى التأليف الذى فضح المتقدّمين، وقطع ألسنة المتأخّرين. وكان مهيبا عند الملوك والعلماء وخاصة الناس، محبوبا عند العامة، قليل الخوض إلا فى علم دين أو دنيا، يملك لسانه ملكا شديدا، وكان له شعر جيد مطبوع مصنوع ربما جاء به مفاكهة وممالحة من غير تحفّز له ولا تحفّل، يبلغ بالرفق والدعة، على الرّحب والسعة أقصى ما يحاوله أهل القدرة على الشعر من توليد المعانى، وتوكيد المبانى، بمفاصل الكلام، وفواصل النظام؛ من ذلك قوله يتغزّل:
أما ومحلّ حبّك من فؤادى ... وقدر مكانه فيه المكين
لو انبسطت لى الآمال حتى ... تصيّر من عنانك [3] فى يمينى
__________
[1] هو أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الأشنانى، مقرئ مشهور ثقة، ولد سنة 221، وتوفى سنة 315. طبقات القرّاء (2: 130) .
[2] ذكر له ياقوت من المصنفات أيضا كتاب القراءات، ومختصر فى النحو، والملح والنوادر، والتحف والطرف، والملح والمسارّ، وروضة الأخبار ونزهة الأبصار.
[3] رواية ياقوت وابن خلكان: «تصير لى عنانك» .(3/84)
لصنتك فى محلّ سواد عينى ... وخطت عليك من حذر جفونى
فأبلغ منك غايات الأمانى ... وآمن فيك آفات الظنون
على نفس تجرّع كلّ حين ... عليك بهن كاسات المنون
إذا أمنت قلوب الناس خافت ... عليك خفىّ ألحاظ العيون
وكيف وأنت دنيائى ولولا ... عقاب الله فيك لقلت دينى
وله، وهو لطيف فى نوعه:
أضمروا لى ودّا ولا تظهروه ... يهده منكم إلىّ الضمير
ما أبالى إذا بلغت رضاكم ... فى هواكم لأىّ حال أصير
وختن عبد الوهاب بن حسين بن الحاجب ولده وعبد الله ولد حسن أخيه، فاستدعى [1] الناس وأغفل أبا عبد الله؛ إمّا سهوا وإما حملا عليه. واجتاز به بعض أصحابه مضمّخا طيبا، فعرّفه القصّة، فصنع من وقته:
واحسرتا! مات أترابى وأقرانى ... وشتّت الدهر أصحابى وأخدانى
وغيّرت غير الأيام خالصتى ... والمنتضى الحرّ من أهلى وإخوانى
وصار من كنت فى السرّاء أذكره ... بل لست أنساه فى الضّراء ينسانى
هذا أخى وشقيقى المرتضى ويدى ال ... يمنى وموضع إسرارى وإعلانى
دعاهم للورى طرّا وأسقطنى ... إسقاطك النونّ فى ترخيم عثمان
وكنت فى النّقرى أدعى فصرت لقى ... لا أوّل الجفلى أدعى ولا الثانى [2]
وركب إلى عبد الوهاب، فلما رآه عبد الوهاب تلقّاه ورفع مجلسه، ودهش منه، فهنأه أبو عبد الله القزّاز، ثم أنشده الأبيات، وأقسم بأيمان مؤكّدة أنه لا يحضر
__________
[1] كذا فى ب، وفى الأصل: «فاستأذن» .
[2] قال ابن مكتوم: «النقرى:
الدعوة الخاصة، والجفل: الدعوة العامة، ويقال فيهما الأجفل» . والملقى: المطروح.(3/85)
وليمته أبدا. فشقّ ذلك على عبد الوهاب مشقة كبيرة. توفّى بالقيروان سنة اثنتى عشرة وأربعمائة.
وله من التصانيف: كتاب الجامع فى اللغة، وهو أكبر كتاب صنّف فى هذا النوع، ومنه نسخة فى وقف الفاضل عبد الرحيم بن على بالقاهرة المعزّية.
كتاب شرح المقصورة [1] .
وفى سنة إحدى وستّين وثلاثمائة أمر معدّ أبو تميم [2] المدعو بالمعزّ المتولّى على إفريقية عسلوج بن الحسن الدنهاجى العامل أن يأمر القزّاز النحوىّ هذا بأن يؤلّف كتابا يجمع فيه سائر الحروف التى ذكر النحويون أن الكلام كلّه اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، وأن يقصد فى تأليفه إلى شرح الحرف الذى جاء لمعنى، وأن يجرى ما ألفه من ذلك على حروف المعجم، فسارع لما أمر به، وجمع المفرّق فى الكتب النفيسة من هذا المعنى على أقصد سبيله، وأقرب مأخذه، وأوضح طريقه، فبلغ جملة الكتاب ألف ورقة، ورفع صورا منه إلى معدّ، فأعجبه ورضيه وقال له: اذكر ما يجىء من
__________
[1] وذكر له ياقوت من المصنفات أيضا: كتاب أدب السلطان والتأدّب له، عشر مجلدات، كتاب التعريض والتصريح مجلد، كتاب أبيات معان فى شعر المتنبى، كتاب ما أخذ على المتنبى من اللحن والغلط، كتاب الصاد والظاء. وله كتاب ضرائر الشعر منه نسخة مصوّرة بدار الكتب المصرية برقم 8316 ا (ب) وكتاب الحلى ذكر فيه الحلى والألوان وأوصاف الانسان، طبع فى صيدا سنة 1241.
[2] هو أبو تمم معد، الملقب بالمعز لدين الله الفاطمى بن المنصور، صاحب إفريقية ومصر، ولد بالمهدية سنة 341، وهو الذى بعث جوهرا القائد لفتح مصر بعد موت كافور الإخشيدى، ففتحها سنة 358. وفى سنة 362 دخل القاهرة وأصبحت مقر ملكه، وبها توفى سنة 365.
ابن خلكان (2: 101) .(3/86)
الكلمات لمشاكلة الصّور فى الأمر والنهى والصفة والجحد والاستفهام التى يدلّ على المراد بها إعرابها على ما تقدّمها وتلاها من القول.
فقال محمد بن جعفر القزاز: ما علمت أن أحدا سبق إلى تأليف مثل هذا الكتاب، ولا اهتدى أحد من أهل هذه الصنعة إلى تقريب البعيد، وتسهيل المأخذ، وجمع المفرّق على مثل هذا المنهاج. فلما كان يوم الثلاثاء لثمان عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان من السنة المقدّم ذكرها دخل محمد بن جعفر النحوىّ القزاز هذا بالكتاب الذى أمر بتأليفه على يد عسلوج؛ فوقف عليه المعزّ وأعجبه، وقال للمصنف: إنى أرى فى أوّله فألا حسنا؛ فلا أدرى أوقع أم اعتمدته، وهو أنّك لما ذكرت اسما جئت به مرفوعا، فكان أحسن من أن تأتى به مخفوضا بالإضافة، فقلت: الحمد لله الذى وفّق لما يرضى [1] .
614- محمد بن جعفر بن محمد الهمذانىّ أبو الفتح- وقيل أبو الحسن المعروف بابن المراغىّ النحوىّ الأديب «1»
كان معلّم عز الدولة أبى منصور [2] بن بويه، وكان حافظا نحو يا بليغا أخباريا فى نهاية التستر والحرمة. وصنف، فمن تصنيفه كتاب البهجة على مثل كتاب الكامل. وأظنه لأوّل المذكور، والله أعلم.
__________
[1] فى هامش الأصل ص 6 وبخط مخالف: «وله شرح رسالة الشيخ أبى جعفر العدوىّ؛ وهى رسالة حسنة تتضمن ألفاظا لغوية غريبة؛ وقعت على الشرح، وانتخبت منه فوائد كثيرة، وهو كتاب ليس بالضخم» . وذكر الصفدى أن وفاته كانت سنة 412.
[2] هو عز الدولة أبو منصور بختيار بن معز الدولة أحمد بن بويه الديلمىّ، ولى ملك العراق بعد أبيه، وكان شجاعا قويا، وقامت بينه وبين ابن عمه عضد الدولة منافسات وحروب على الملك.
وتوفى ستة 367. النجوم الزاهرة (4: 129) .(3/87)
615- محمد بن الجهم بن هارون أبو عبد الله السمرى الكاتب النحوىّ «1»
روى عن أبى زكريا يحيى بن زياد الفراء تصانيفه. وكان ثقة صدوقا، روى عن جماعة من الأئمة وروى عنه الأئمة، ووثقه أئمة الحديث، وله أدب غزير وشعر جميل؛ منه قصيدة يرثى بها يحيى بن زياد الفراء، وهى:
... [1]
مات محمد بن الجهم أول يوم من رجب يوم الاثنين سنة سبع وسبعين ومائتين.
وقيل: سلخ جمادى الآخرة، وله تسع وثمانون سنة.
__________
[1] بياض بالأصلين؛ وقد رجعت إلى الكتب التى ترجمت لمحمد بن الجهم؛ فلم أعثر على شعر له فى رثاء الفراء؛ حتى القفطى نفسه فى أخبار المحمدين من الشعراء لم يذكر شيئا من ذلك، والذى فيه وفى بعض المراجع الأخرى أبيات له فى مدحه وهى:
نحوه أحسن النحو فما في ... هـ معيب ولا به إزراء
ليس من صنعة الضعائف لكن ... فيه فقه وحكمة وضياء
حجة توضح الصواب وما قا ... ل سواه فباطل وخطاء
ليس من قال بالصواب كمن قا ... ل بجهل والجهل داء عباء
وكأنى أراه يمل علينا ... وله واجبا عليا الدعاء:
«كيف نومى على الفراش ولما ... تشمل الشام غارة شعواء»
«تذهل المرء عن بليه وتبدى ... عن خدام العقلية العذراء»
ولعل هذه الأبيات من القصيدة التى يرثيه فيها، أو أن الناسخ أخطأ مكتب «يرثى» بدل «يمدح» .(3/88)
616- محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبرىّ «1»
العالم الكامل الفقيه المقرىء النحوىّ اللغوىّ الحافظ الأخبارىّ. جامع العلوم، لم ير فى فنونه مثله، سمع ببلده وبلاد الأعاجم والعراق والشام ومصر والحجاز الجمّ الغفير، واستوطن بغداذ، وصنّف التصانيف الكبار؛ منها تفسير القرآن [1] الذى لم ير أكبر منه ولا أكثر فوائد، وكتاب التاريخ [2] ، وهو أجل كتاب فى بابه.
__________
[1] يسمى جامع البيان فى تفسير القرآن. قال السيوطى فى الإتقان: «وكتابه أجل التفاسير وأعظمها؛ فإنه يتعرض لنوجيه الأقوال وترجيح بعضها على بعض والإعراب والاستنباط، فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين» . ونقل صاحب كشف الظنون عن ابن جرير أنه قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ فقال: ثلاثون ألف ورقة. فقالوا: هذا مما يفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره فى نحو ثلاثة آلاف ورقة. طبع بالمطبعة الميمنية بمصر سنة 1321، وعلى هامشه تفسير النيسابورى، وطبع بمطبعة بلاق من سنة 1323 إلى سنة 1330.
[2] هو كتاب تاريخ الأمم والملوك. قال صاحب الفهرست: «آخر ما أمل منه إلى سنة 302» ، طبع فى ليدن من سنة 1879 م إلى سنة 1898 م فى 28 مجلدا بتحقيق الأستاذ دى غويه وجماعة من المستشرقين مع مقدّمة باللغة اللانينيه وفهارس بالعربية وتعليقات بجزأين، وطبع أيضا فى ليدن منه طبعة أخرى من سنة 1879 م إلى سنة 191 م. وطبع بمصر بالمطبعة الحسينية سنة 1339، وطبع بمطبعة الاستقامة بمصر سنة 1358، وقد ذيل عليه عريب بن سعد الكاتب القرطبى (كان موجودا-(3/89)
وكتاب لطيف القول [1] فى الفقه، وله مقالة فى الفقه عملت بها العلماء؛ إلى غير ذلك من المصنّفات الجليلة الجميلة. وكتاب شرح الآثار [2] لم يتمه، وهو كتاب أعيا العلماء إتمامه [3] .
وما منعنى من استيفاء خبره إلّا ما صنفته فى ذلك مفردا، وسميته كتاب التحرير فى أخبار محمد بن جرير، وهو كتاب ممتع.
مات- رحمه الله- ببغداذ يوم السبت بالعشىّ، ودفن يوم الأحد بالغداة فى داره لأربع بقين من شوال سنة عشر وثلاثمائة، وقد ذكرت فى موته روايات استوفيتها فى التحرير.
__________
سنة 331، ابتدأه من سنة 291 فى أخبار بنى العباس، وانتهى فيه إلى آخر سنة 320، وطبع مع التاريخ فى طبعاته المختلفة بليدن ومصر. وذيل عليه محمد بن عبد الملك الهمذانى المتوفى سنة 251، وأتمه إلى سنة 487، وسماه تكملة تاريخ الطبرى، ومنه نسخة خطية بمكتبة باريس.
[1] سماه الصفدى: لطف القول فى أحكام شرائع الإسلام، ثم قال: «هو مذهبه الذى اختاره وجوّده، وهو ثلاثة وثمانون كتابا» .
[2] كذا فى الأصلين، والذى فى الفهرست ومعجم الأدباء والوافى: تهذيب الآثار. قال ياقوت: «لم أرسواء فى معناه» .
[3] ذكر له الصفدى من الكتب أيضا: كتاب القراءات، والعدد والتنزيل، وتاريخ الرجال من الصحابة ولتابعين إلى شيوخه، ولطائف القول وخففه فى شرائع الإسلام، ومسند ابن عباس، واختلاف علماء لأمصار، وكتاب اللباس، وكتاب الشاب، وكتاب أمهات الأولاد، وأمثلة العدول فى شروط، وبسيط القول، وآداب النفوس، والردّ على ذى الأسفار، والردّ فيه على داود، ورساله البصير فى معالم الدين، وصريح السنة، وفضائل أبى بكر، ومختصر الفرائض، والموجز فى الأصول، ومناسك الحج، والتبصير فى أصول الدين.
وذكر له ياقوت كتاب ذيل المذيل وقال عنه: «إنه اشتمل على تاريخ من قتل أو مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته أو بعده على ترتيب الأقرب فالأقرب منه أو من قريش من القبائل، ثم ذكر موت من مات من التابعين والسلف بعدهم ثم الخالفير إلى أن لمغ شيوخه الذين سمع منهم وجملا من أخبارهم ومذاهبهم» . وذكر أيضا أن عبد العزيز بن محمد الطبرى أفرد له كتابا فى سيرته، وكذلك أفرد له أبو بكر بن كامل كتابا فى أخباره، وعن هذين الكتابين نقل ياقوت معظم الأخبار التى أوردها فى ترجمته.(3/90)
(حرف الحاء فى آباء المحمدين)
617- محمد بن الحسن بن الطش النحوىّ اليمنىّ «1»
والطش لقب لجدّه. من أهل حضور [1] ، وكان نحويا أديبا شاعرا، يرى رأى الزيدية [2] . وكان يجيد الهجاء أكثر من المدح، وشعره باليمن كثير، وكان إذا عاتب وتهدّد بالغ؛ فمن ذلك قوله لمحمد بن المدافع بن حزابة اليامىّ [3] ، وكان بيده جبل نمير بن المعافر وأعماله، فأتاه فحرمه ولم يأذن له فى الدخول عليه، ثم عاد إليه بعد مرور الدهر ففعل به مثل ذلك؛ فمرّ به مرّة أخرى، وكتب إليه:
قد زرت بابل مرتين وهذه ... يابن المدافع كرّة لى ثالثه
والمال ما اكتسب الفتى فيه الثنا ... لا ما اقتناه لوارث أو وارثه
فقدّمه وأكرمه وأعطاه.
618- محمد بن الحسن الأحول «2»
من العلماء باللغة والشعر. وكان ناسخا يورّق لحنين بن إسحاق [4] فى منقولاته؛ وله ذكر بين أئمة اللغة والعربية، وله رواية نقلت عنه فى كتب العلماء بهذا الشأن
__________
[1] حضور، بالفتح ثم بالضم: بلدة باليمن من أعمال زبيد؛ سميت بحضور بن عدى بن مالك ابن زيد بن سدود بن حمير بن سبأ.
[2] الزيدية: فرقة من الشيعة؛ وهم المنسوبون إلى زيد ابن على بن زين العابدين؛ وهم ثلاث فرق: الأولى الجارودية، أصحاب أبى الجارود، والثانية السليمانية أصحاب سليمان بن جرير، والثالثة البيترية أصحاس بيتر التومى، وما بعد ذلك مقلدون لهم.
وانظر كشاف اصطلاحات الفنون ص 678.
[3] اليامى: منسوب إلى يام بن أصبى بن رافع، أبو بطن من همدان.
[4] هو أبو زيد حنين بن إسحاق العبادى الطبيب. كان إمام وقته فى صناعة الطب، وكان يعرف اللغة اليونانية معرفة تامة، ونقل وصحح كثيرا من الكتب اليونانية إلى العربية والسريانية. وتوفى سنة 264. ابن أبى أصيبعة (1: 184- 200) .(3/91)
فى طبقة ثعلب. وله تصانيف؛ منها: كتاب علوم الأوائل. كتاب الدواهى.
كتاب السلاح. كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه. كتاب فعل وأفعل. ديوان شعر ذى الرّمة. دواوين جماعة من العرب [1] .
619- محمد بن الحسن بن دريد «1»
أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد [2] بن عتاهية بن حنتم [3] بن الحسن بن حمامىّ [4] بن جرو ابن واسع بن سلمة بن حاضر بن أسد بن عدىّ بن عمرو بن مالك بن فهم بن غنم
__________
[1] وذكر له ابن النديم أيضا كتاب: الأشباه. وذكر الصفدى عن أبى العباس المبرّد أنه قرأ عليه ديوان عمرو بن الأهتم سنة 250.
[2] قال ابن خلكان: «دريد، بضم الدال وفتح الراء: تصغير أدرد، والأدرد: الذى ليس فيه سن، وهو تصغير ترخيم» .
[3] كذا ضبطه ابن خلكان، وقال: «والأصل فى الحنتم الجرة المدهونة الخضراء، وبها سمى الرجل» .
[4] كذا ضبطه ابن خلكان، وقال أبو نصر بن ماكولا: «هو أوّل من أسلم من آبائه» .(3/92)
ابن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وحمامىّ جدّه أوّل من أسلم، وهو من السّبعين راكبا الذين خرجوا مع عمرو ابن العاص من عمان [1] إلى المدينة لمّا بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدّوه [2] ؛ وفى هذا يقول قائلهم:
وفينا لعمرو يوم عمرو كأنّه ... طريد نفته مذحج والسّكاسك [3]
ولد أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بالبصرة فى سكة صالح سنة ثلاث وعشرين ومائتين، ونشأ بعمان، وتنقل فى الجزائر البحرية ما بين البصرة وفارس، وطلب الأدب وعلم النحو واللغة.
وكان أبوه من الرؤساء من ذوى اليسار؛ ورد بغداذ بعد أن أسنّ فأقام بها إلى آخر عمره. حدّث عن عبد الرحمن بن أخى الأصمعىّ وأبى حاتم السجستانىّ وأبى الفضل الرياشىّ. وكان رأس أهل العلم، والمقدّم فى حفظ اللغة والأنساب وأشعار العرب، وله شعر كثير. روى عنه أبو سعيد السّيرافىّ وعمر بن محمد بن سيف [4] وأبو بكر بن شاذان [5] وأبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزبانىّ وغيرهم الجمّ الغفير.
__________
[1] عمان، بضم أوّله وتخفيف ثانيه: كورة عربية على ساحل بحر اليمن والهند.
[2] أوصلوه. والخبر فى الإصابة (2: 64) .
[3] السكاسك: قبيلة من قبائل بنى زيد بن كهلان.
[4] عمر بن محمد بن سيف أبو القاسم الكاتب؛ ذكره الخطيب وقال عنه: إنه انتقل إلى اليصرة فى آخر عمره، وسكها حتى توفى بها سنة 374. تاريخ بغداد (11: 209) .
[5] هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان، جمع من كلام أهل التصوّف وأكثر، واتهم فى روايته؛ توفى سنة 376. وانظر لسان الميزان (5: 230) .(3/93)
فمن شعر ابن دريد ما قاله، وهو أوّل شىء قاله [1] :
ثوب الشباب علىّ اليوم بهجته ... وسوف تنزعه عنّى يد الكبر
أنا ابن عشرين ما زادت ولا نقصت ... إن ابن عشرين من شيب على خطر
وكان أعلم الشعراء، وأشعر العلماء. قال ابن دريد: كان أبو عثمان الأشناندانىّ معلّمى، وكان عمّى الحسين بن دريد يتولّى تربيتى، فإذا أراد الأكل استدعى أبا عثمان يأكل معه، فدخل عمّى يوما- وأبو عثمان المعلّم يروى قصيدة الحارث ابن حلّزة التى أولها [2] :
آذنتنا ببينها أسماء
فقال له عمّى: إذا حفظت هذه القصيدة وهبت لك كذا وكذا، ثم دعا بالمعلم يأكل معه، فدخل إليه، فأكلا وتحدّثا بعد الأكل ساعة. قال: فإلى أن رجع المعلّم حفظت ديوان الحارث بن حلّزة بأسره، فخرج المعلم، فعرّفته بذلك فاستعظمه، وأخذ يعتبره علىّ، فوجدنى قد حفظته، فدخل إلى عمى فأخبره، فأعطانى ما كان وعدنى به.
وكان أبو بكر واسع الرواية؛ ما رأى الرواة أحفظ منه، وكان يقرأ عليه دواوين العرب، فيسابق إلى إتمامها بالحفظ لها.
__________
[1] ديوانه 68.
[2] هو الحارث بن حلزة اليشكرى، من بنى يشكر، من بكر بن وائل، شاعر جاهلى، اشتهر بقصيدته:
آذيتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء
يقال إنه ارتجلها بين يدى عمرو بن هند ارتجالا، فى شىء كان بين بكر وتغلب بعد الصلح؛ وكان ينشده من وراء السجف للبرص الذى كان به، فأمر برفع السجف بينه وبينه استحسانا لها. الشعر والشعراء ص 150.(3/94)
سئل عنه الدار قطنىّ [1] : أثقة هو أم لا؟ فقال: تكلّموا فيه؛ وقيل: إنه كان يتسامح فى الرواية عن المشايخ. فيسند إلى كلّ واحد ما يخطر له.
وقال أبو منصور الأزهرىّ الهروىّ مصنف كتاب التهذيب فى اللغة:
«دخلت على ابن دريد فرأيته سكران فلم أعد إليه» .
وقال ابن شاهين: كنّا ندخل على ابن دريد، ونستحيى مما نرى من العبدان المعلقة والشراب المصفّى- وقد كان جاز التسعين سنة.
وذكر أن سائلا سأل ابن دريد شيئا فلم يكن عنده غير دنّ من نبيذ، فوهبه له؛ فأنكر عليه أحد غلمانه، وقال: تتصدّق بالنبيذ؟ فقال: لم يكن عندى سواه. وأهدى له عقب ذلك عشرة دنان من النبيذ فقال لغلامه: تصدقنا بدنّ فجاءنا ليلة اثنتى عشرة.
مات ابن دريد يوم الأربعاء سنة اثنتى عشرة بقيت من شعبان سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. وحضر دفنه جحظة البرمكىّ [2] ، فأنشد الجماعة لنفسه [3] :
فقدت بابن دريد كل فائدة ... لما غدا ثالث الأحجار والتّرب
وكنت أبكى لفقيد الجود منفردا ... فصرت أبكى لفقد الفضل والأدب
ولما توفّى ابن دريد حملت جنازته إلى مقبرة الخيزران ليدفن فيها.
__________
[1] الدار قطنى؛ منسوب إلى دار القطن؛ محلة كانت ببغداد. وهو أبو الحسن على الدار قطنى الحافظ. كان أديبا يحفظ عدة من الدواوين؛ منها ديوان السيد الحميرىّ، فنسب إلى التشيع، وتفقه على مذهب الشافعىّ. وتوفى سنة 385. معجم البلدان (4: 11) .
[2] هو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى المعروف بجحظة البرمكى؛ تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الثانى ص 252.
[3] تاريخ بغداد 2: 197، والنزهة 326، ومرآة الجنان 2: 284. ورثاه بعض البغداد بين بقصيدة ذكرها القالى فى الأمالى (3: 229) ، ومطلعها:
يلوم على فرط الأسى ويفند ... خلىّ من الوجد الذى يتجدّد(3/95)
وكان قد جاء فى ذلك اليوم طشّ [1] من مطر، وإذا بجنازة اخرى مع نفر قد أقبلوا بها من ناحية باب الطّاق، فنظروا فإذا هى جنازة أبى هاشم [2] الجبّائى، فقال الناس: مات علم اللغة والكلام بموتهما، ودفنا جميعا فى الخيزرانة.
وله من النصانيف: كتاب الجمهرة [3] فى اللغة. كتاب السرج واللجام [4] .
كتاب الاشتقاق [5] . كتاب الخيل الكبير. كتاب الخيل الصغير.
كتاب الأنواء. كتاب المجتنى [6] . كتاب المقتبس. كتاب الملاحن [7] .
كتاب رواة العرب. كتاب ما سئل عنه لفظا فأجاب عنه حفظا. كتاب
__________
[1] الطش: المطر الضعيف فوق الرذاذ.
[2] هو أبو هاشم عبد السلام بن محمد الجبائى، منسوب إلى جباء، إحدى قرى البصرة. كان هو وأبوه من كبار المعتزلة، ولهما مقالات على مذهب الاعتزال، وكتب الكلام مشحونة بمذاهبهما واعتقادهما.
توفى سنة 321. ابن خلكان (1: 292) .
[3] ذكر ابن دريد أنه ألف الجمهرة لأبى العباس إسماعيل بن عبد الله بن محمد بن ميكال، بدأ بالثنائى ثم بالثلاثى ثم بالرباعى ثم ملحق الرباعى، وكذا الخماسى والسداسى وملحقاتها، وجمع النوادر فى باب منفرد. ويقال: إنه أملاها فى فارس ثم البصرة ثم بغداد من حفظه، ولم يستعن عليها بالنظر فى شىء من الكتب إلا فى الهمزة واللفيف؛ فلذلك تختلف النسخ. اختصرها شرف الدين محمد بن نصر بن عنين الشاعر المتوفى سنة 630، واختصرها أيضا الصاحب بن عباد فى كتاب سماه الجوهرة. وقد طبعت الجمهرة فى حيدر أباد سنة 1351. وانظر المزهر (1: 92) ، وكشف الظنون.
[4] طبع ضمن مجموعة جرزة الحاطب وتحفة الطالب فى ليدن سنة 1859 م.
[5] طبع بتحقيق وستنفلد فى غوتا 1853 م.
[6] طبع فى حيدرآباد سنة 1342.
[7] طبع فى ليدن سنة 1859 م بتحقيق الأستاذ ريت وفى غوتا 1882 م بتحقيق تربكى وبمصر بتحقيق الأستاذ إبراهيم اطفيش فى المطبعة السلفية سنة 1347.(3/96)
اللّغات. كتاب السلاح. كتاب غريب القرآن، لم يتممه. كتاب أدب الكاتب، على مثال كتاب ابن قتيبة. ولم يجرده من المستودة فلم يخرج [1] .
وكان أبو على [2] بن مقلة وابن حفص قد قرأا على ابن دريد كتاب البارع للمفضّل بن سلمة فى الردّ [على] الخليل فى العين، وكان يقول فى بعض الأماكن: صدق أبو طالب، وفى بعضها كذب أبو طالب، فجمع ابن حفص هذا الكلام فى نحو مائة ورقة، وترجمه بالتوسط.
وكتابه الجمهرة أشرف كتبه، وهو كثير الاختلاف فى الزيادة والنقص.
وسبب اختلافه أنه نقله بفارس من حفظه، وأملّه كذلك ببغداذ، فلما كثر الإملاء زاد ونقص، والتامّة التى عليها المعوّل هى النسخة الأخيرة. وآخر ما صح من النسخ نسخة أبى الفتح عبيد الله بن أحمد النحوىّ؛ لأنه كتبها من عدّة نسخ، وقرأها عليه.
__________
[1] زاد ابن النديم: كتاب الوشاح ونقل عنه صاحب المزهر. وسماه صاحب كشف الظنون الوشاح فى الآداب، وكتاب المقتنى، وكتاب فعلت. وذكر له صاحب كشف الظنون كتاب صفة السرج واللجام، (وطبع ضمن مجموعة جرزة الحاطب) . وكتاب تقويم اللسان، وكتاب المطر. وكتاب المقصور والممدود (وهى قصيدة طبعت ضمن ديوانه) ، وكتاب غريب القرآن، وكتاب الأمالى؛ ذكره صاحب كشف الظنون وقال: إن السيوطى اختصره فى كتاب أسماه قطف الوريد: وجمع السيد محمد بدر الدين العلوى شعره فى ديوان وطبعه فى مطبعة لجنة التأليف والترجمة بمصر سنة 1365 (1946 م) .
وله المقصورة المشهورة التى عرفت بمقصورة ابن دريد، يمدح فيها عبد الله بن محمد بن ميكال وولده إسماعيل؛ ومطلعها:
يا ظبية أشبه شىء بالمها ... ترعى الخزامى بين أشجار النقا
وعدد أبياتها 229 بيتا، وقد طبعت فى أوربا ومصر مرارا. وانظر حواشى الجزء الأول ص 235، ومعجم المطبوعات ص 102.
[2] هو أبو على محمد بن على بن الحسن بن مقلة. تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الأول ص 229(3/97)
قال أبو عبد الله المرزبانىّ: «محمد بن دريد ولد بالبصرة، وبها تأدّب، وعلم اللغة وأشعار الشعراء، وقرأ على علماء البصريين؛ وصار إلى فارس فسكنها مدّة، ثم قدم بغداذ» .
«وقال أبو الحسين على بن أحمد غلام ابن دريد: مولد أبى بكر بن دريد بالبصرة فى سكّة صالح سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتوفى- رحمه الله- ببغداذ سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. ودفن فى المقبرة المعروفة بالعباسية من الجانب الشرقىّ فى ظهر سوق السلاح بالقرب من الشارع الأعظم» .
قال: «ثم مضى إلى عمان، وأقام بها مدّة، ثم صار إلى جزيرة ابن [1] عمر فسكن مدة، ثم صار إلى فارس، فقطنها ثم قدم بغداذ» .
«قال أبو بكر بن دريد: خرجت أريد زهران بعد دخول البصرة، فمررت بدار كبيرة قد خربت؛ فكتبت على حائطها:
أصبحوا بعد جميع فرقا ... وكذا كلّ جميع مفترق [2]
فمضيت ورجعت؛ فإذا تحته مكتوب:
ضحكوا والدهر عنهم صامت ... ثم أبكاهم دما حين نطق
قال: «وخرجنا نريد عمان فى سفر لنا؛ فنزلنا بقرية تحت نخل؛ وإذا بفاختتين [3] على نخلة تتزاقّان، فسنح لى أن أقول [4] :
أقول لورقاوين فى فرع نخلة ... وقد طفّل الإمساء أو جنح العصر [5]
وقد بسطت هاتا لتلك جناحها ... ومرّ [6] على هاتيك من هذه النحر
__________
[1] جزيرة ابن عمر: بلدة فوق الموصل، وأوّل من عمرها الحسن بن عمر بن خطاب التغلبى، وكانت له إمرة الجزيرة، وذلك قرابة سنة 250. (ياقوت) .
[2] ديوانه 87.
[3] الفاختة: طائر من ذوات الأطواق.
[4] ديوانه 66.
[5] طفل الإمساء: دنا.
[6] فى الديوان: «وحال» .(3/98)
لبهنكما أن لم تراعا بفرقة ... وما دبّ فى تشتيت شملكما لدهر
فلم أر مثلى فطّع الشوق قلبه ... على أنه يحكى قساوته الصّخر
وقال المرزبانىّ: «أخبرنى محمد بن الحسن بن دريد أبو بكر الأزدىّ قال:
سقطت من منزلى بفارس فانكسرت ترقوتى [1] ، فسهرت ليلتى، فلما كان فى آخر الليل حملتنى عينى فرأيت رجلا طويلا أصفر الوجه كوسجا [2] دخل علىّ وأخذ بعضادتى [3] الباب وقال: أنشدنى أحسن ما قلت فى الخمر، فقلت: ما ترك أبو نواس شيئا.
فقال: أنا أشعر منه، فقلت: ومن أنت؟ قال: أنا أبو ناجية من أهل الشام، وأنشدنى [4] :
وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبى نرجس وشقائق
حكت صفرة المعشوق صرفا فسلطوا ... عليها مزاجا فاكتست لون عاشق [5]
فقلت له: أسأت، قال: ولم؟ قلت لأنّك قلت: «وحمراء» ، فقدمت الحمرة. ثم قلت: «بين ثوبى نرجس وشقائق» ، فقدمت الصّفرة على الأخرى؟.
فقال: وما هذا الاستقصاء فى هذا الوقت يا بغيض!» .
«وكتب أبو بكر بن دريد إلى أبى علىّ أحمد بن محمد بن رستم، وكان قد حجبه [6] :
حجابك صعب يجبه المرء دونه ... وقلبى إذا سيم المذلّة أصعب
وما أزعجتنى نحو بابك حاجة ... فأجشم نفسى رجعة حين أحجب
__________
[1] الترقوة: مقدم الحلق فى أعلى الصدر حيثما يترقى فيه النفس.
[2] الكوسج: الذى لا شعر على عارضيه.
[3] عضادتا الباب: الخشبتان المنصوبتان عن يمين الداخل منه وشماله.
[4] ديوانه 86.
[5] رواية الديوان:
حكت وجنة المعشوق قبل مزاجها ... فلما مزجناها حكت لدن عاشق
[6] ديوانه 38.(3/99)
وله يرثى عمّه الحسين بن دريد [1] :
نجم العلا بعدك منقضّ ... وركنه الأوثق منهضّ
يا واحدا لم تبق لى واحدا ... يرجى به الإبرام والنّقض
أديل بطن الأرض من ظهرها ... يوم حوت جثمانه الأرض
ولّى الردى يوم تولّى به ... ووجهه أزهر مبيضّ
وله من قصيدة بيت ذكر فيه نسب رجل واسمه:
عباد بن عمرو بن الحليس بن جابر ب ... ن زيد بن منظور بن زيد بن حارث
وشعره كثير؛ قال لى من رآه: فى خمس مجلدات؛ وقيل أكبر من ذلك.
والله أعلم.
620- محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين ابن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله بن مقسم أبو بكر المقرىء النحوىّ العطّار البغداذىّ «1»
سمع من ثعلب وأبى علىّ بن شاذان [2] ومن جماعة من أئمة الرواة، وكان ثقة. وكان أحفظ الناس لنحو الكوفيين وأعرفهم بالقراءات. وله فى التفسير ومعانى القرآن
__________
[1] ديوانه 71.
[2] هو أبو على الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان. سمع عبد الله بن إسحق البغوى وعبد الله بن جعفر بن درستويه وأبا بكر بن مقسم، وكتب عنه الخطيب البغدادى وأبو بكر اليرقانى وغيرهما. ولد سنة 339 وتوفى سنة 426. انظر تاريخ بغداد (7: 279) .(3/100)
كتاب جليل سمّاه كتاب الأنوار، وله فى النحو والقراءات تصانيف عدّة [1] . وكان قد اختار لنفسه قراءة مفردة، وذكر أنها تجوز فى اللّغة، فأنكر ذلك عليه، ورفع أمره إلى السلطان فأحضر، واستتيب بحضرة القراء والفقهاء، فأذعن بالتوبة، وكتب محضر توبته، وأثبت جماعة ممن حضر المجلس خطوطهم فيه بالشهادة عليه.
وقيل إنه لم ينزع عن تلك الحروف، وإنه أقرأ بها إلى حين وفاته.
وقد ذكر حاله أبو طاهر بن أبى هاشم المقرىء [2] صاحب أبى بكر بن مجاهد [3] فى كتابه الذى سماه كتاب البيان فقال: «وقد نبغ نابغ فى عصرنا هذا، فزعم أن كلّ من صح عنده وجه فى العربية لحرف من القرآن يوافق خطّ المصحف فقراءته جائزة فى الصلاة وغيرها، وابتدع بقيله ذلك بدعة ضلّ بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه فى مزلّة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه؛ إذ جعل لأهل الإلحاد فى دين الله بسيء رأيه طريقا إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث
__________
[1] ذكر منها ابن النديم: كتاب المدخل إلى علم الشعر. كتاب احتجاجات القراءات.
كتاب فى النحو. كتاب المقصور والممدود كتاب المذكر والمؤنث. كتاب الوقف والابتداء. كتاب عدد التمام. كتاب المصاحف. كتاب أخبار نفسه. كتاب مجالسات ثعلب. كتاب مفرداته. كتاب الانتصار لقراء الأمصار. كتاب شفاء الصدور.
كتاب الأوسط. كتاب اللطائف فى جمع هجاء المصاحف. كتاب السبعة الكبير كتاب السبعة الأوسط. وزاد ياقوت: كتاب فى قوله تعالى: ومن يقتل. كتاب الرد على المعتزلة. كتاب عقلاء المجانين، كتاب الموضح.
[2] هو أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبى هاشم تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الثانى ص 215.
[3] هو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد. تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الأول ص 178.(3/101)
والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض. وقد كان أبو بكر شيخنا نضّر الله وجهه نسله من بدعته المضلّة باستتابته منها، وأشهد عليه الحكام والشهود المقبول قولهم عند الحكام بترك ما أوقع فيه نفسه من الضلالة بعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه فلم يأت بطائل، ولم يكن له حجة قوية ولا ضعيفة، فاستوهب أبو بكر تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته المضلّة، ثم عاود فى وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه، واستغوى من أصاغر المسلمين ممّن هو فى الغفلة والغباوة دونه، ظنا منه أن ذلك يكون للناس دينا، وأن يجعلوه فيما ابتدعه إماما؛ ولن يعدو ما جاء به مجلسه؛ لأن الله قد أعلمنا أنه حائظ كتابه من الزائغين وشبهات الملحدين، بقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ
[1] .
ثم ذكر أبو طاهر كلاما كثيرا، وقال بعده: وقد دخلت عليه شبهة لا تخيل بطولها وفسادها على ذى لبّ وفطنة صحيحة؛ وذلك أنه قال: كان لخلف [2] بن هشام وأبى عبيد وابن سعدان [3] أن يختاروا، وكان ذلك لهم مباحا غير منكر، وكان ذلك لى أيضا مباحا غير مستنكر، فلو كان حذا حذوهم فيما اختاروه، وسلك طريقا كطريقهم كان ذلك مباحا له ولغيره غير مستنكر، وذلك أن خلفا ترك حروفا من حروف حمزة [4] ، واختار أن يقرأها على مذهب نافع [5] . وأما أبو عبيد وابن سعدان فلم يتجاوز واحد
__________
[1] سورة الحجرات آية 15.
[2] هو خلف بن هشام بن ثعلب أبو محمد الأسدى، أحد القراء العشرة، ولد سنة 150، ومات سنة 229. طبقات القراء لابن الجزرى (1: 274) .
[3] هو محمد بن سعدان أبو جعفر الضرير تأتى ترجمته.
[4] هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات، تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الأول ص 375.
[5] هو نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم، أحد القراء السبعة، أخذ القراءة عن تابعى المدينة، انتهت إليه رياسة القراءة بها، وصار الناس إليها. توفى سنة 169. طبقات القراء لابن الجزرى (2: 334) .(3/102)
منهما قراءة أئمة القراءة بالأمصار. ولو كان هذا الغافل نحا نحوهم كان مسوغ ذلك غير ممنوع منه ولا معيب عليه؛ إنما كان النّكر عليه شذوذه عمّا عليه الأئمة الذين لهم الحجة فيما جاءوا به مجتمعين ومختلفين.
قال أبو أحمد الفرضىّ [1] : رأيت فى المنام كأنى فى المسجد الجامع أصلّى مع الناس وكان محمد بن مقسم قد ولّى ظهره القبلة، وهو يصلى مستدبرها، فأوّلت ذلك مخالفته الأمة فيما اختاره لنفسه من القراءآت.
توفى أبو بكر بن مقسم يوم الخميس لثمان خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة؛ توفى على ساعات من النهار، ودفن بعد صلاة الظهر من يومه.
621- محمد بن الحسن بن المظفر أبو علىّ النحوىّ اللغوىّ المعروف بالحاتمىّ الكاتب «1»
كان يكتب لجلّة الأمراء ببغداذ، وله تقدّم فى ذلك وتمكّن من علم المعانى الأدبية، وله اجتماع مع المتنبى ببغداذ ومؤاخذات آخذه بها. وصنّف فى ذلك كتابا سماه جبهة الأدب [2] . روى عن أبى عمر الزاهد، وله أخبار أملاها فى مجالس الأدب.
__________
[1] هو أبو أحمد الفرضى عبيد الله بن محمد بن أحمد المقرىء، شيخ بغداد. قال الخطيب كان ثقة ورعا دينا، توفى سنة 406. شذرات الذهب (3: 181) .
[2] فى أخبار المحمدين: «فى أمر المتنبى وما جرى له معه» ، ولعلها الرسالة المعروفة بالحاتمية، وقد ذكر ياقوت وابن خلكان شيئا منها.(3/103)
قال على بن المحسّن القاضى التنوخىّ: «مات الحاتمىّ يوم الأربعاء لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة» .
وذكر الحاتمىّ أنه اعتلّ فى بعض السنين، فتأخر عن مجلس شيخه أبى عمر الزاهد المطرّز غلام ثعلب- رحمه الله- قال: فسأل عنّى لما تراخت الأيام، فقيل له:
إنه كان عليلا، فجاءنى من الغد يعودنى، فاتفق أنّى كنت قد خرجت من دارى إلى الحمام، فكتب بخطه على بابى بإسفيداج [1] :
وأعجب شىء سمعنا به ... عليل يعاد فلا يوجد
وذكره هلال بن المحسن فى كتابه [2] فقال: «توفّى فى يوم الأربعاء لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة توفى أبو على محمد بن الحسن الحاتمىّ اللغوىّ، وكان أديبا فاضلا، وشاعرا مترسلا [3] » .
__________
[1] الإسفيداج؛ ويقال الإسفيديا: طين يجلب من أصفهان يكتب به الصغار. انظر الألفاظ الفارسية لإدّى شير ص 10.
[2] هو ذيل تاريخ ثابت بن قرة الصابى، بدأه من بعد سنة 363، وانتهى إلى سنة 447.
[3] ذكر ياقوت من مصنفاته: كتاب حلية المحاضرة فى صناعة الشعر، وكتاب الهلباجة فى صنعة الشعر. وكتاب سر الصناعة فى الشعر. وكتاب الحالى والعاطل أيضا. وكتاب المجاز فى الشعر. وكتاب الرسالة الناجية. وكتاب مختصر العربية. وكتاب عيون الكاتب. وكتاب الشراب. وكتاب منتزع الأخبار ومطبوع الأشعار. وكتاب المعيار والموازنة. وكتاب المغسل فى خصال أبى الحسن البتى. وكتاب فى اللغة؛ لم يتم. وذكر القفطى فى أخبار المحمدين أن له الرسالة المشهورة فيما أخذه من كلام أرسطاليس ونظمه فى شعره.(3/104)
622- محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد المقرىء اللغوىّ النحوىّ الأديب المغربىّ الأندلسىّ الدّانىّ «1»
سمع ببلده الأندلس عبد العزيز بن عبد الملك [1] ، ورحل إلى المشرق، ودخل الإسكندرية، فروى عنه أبو طاهر السّلفىّ ووصفه فقال: «أبو عبد الله مقرىء كامل مشهور بالأندلس بالمعرفة، ويعرف بابن غلام الفرس [2] . ومن شيوخه فى القراءات أبو الحسين [3] ابن البياز القرطبىّ وأبو الحسن بن الدّش [4] الشاطبىّ وأبو داود [5] المؤيدىّ، وأجاز هؤلاء الثلاثة جميع رواياتهم وتواليفهم. وقرأ اللغة والآداب على مالك العتبىّ [6]
__________
[1] هو عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع أبو الحسن المرى الأندلسى. قال ابن الجزرى: «مقرىء حاذق مجدّد؛ أخذ القراءات عن أبى مجاهد عبد الله بن سهل، وقرأ عليه أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن غلام الفرس ومات فى سنة 514» . طبقات القراء (1: 294) .
[2] قال ابن الجزرى: «الفرس إنسان تاجر من أهل دانية؛ وهو أستاذ سعيد المذكور» .
[3] كناه ابن الجزرىّ بأبى الحسن، وهو يحيى بن إبراهيم بن أبى زيد المرسى المعروف بابن البياز؛ إمام كبير، قرأ على أبى عمرو الدانى وعبد الرحمن بن الخزرجى، وقرأ عليه محمد بن الحسن بن غلام الفرس، وتصدّر للإقراء وعمر دهرا. ومات بمرسية سنة 496. طبقات القراء (2: 364) .
[4] قال ابن الجزرى: «الدوش بضم الدال المهملة بعدها واو ساكنة، بعدها شين معجمة ساكنة، وربما تحذف الواو لالتقاء الساكنين، ويقال: ابن أخى الدوش» ، وهو على بن عبد الرحمن بن أحمد ابن الدوش أبو الحسن الشاطبىّ، أخذ عن أبى عمرو الدانى وابن عبد البر، وسمع منه ابن غلام الفرس وسليمان بن يحيى القرطبى، وأبو عبد الله المكانس. قال ابن بشكوال: «أقرأ الناس وأسمعهم، وكان ثقة فيما رواه، ثبتا فيه، دينا فاضلا. مات بشاطبة سنة 496» . طبقات القراء لابن الجزرى (1: 548) .
[5] هو أبو داود سليمان بن نجاح الأموىّ، مولى المؤيد بالله بن المستنصر الأندلسىّ؛ شيخ القراء.
أخذ عن أبى عمرو الدانى ولازمه كثيرا، وسمع منه غالب مصنفاته. ولد سنة 413، وتوفى ببلنسية سنة 496. طبقات القراء لابن الجزرى (1: 316) .
[6] هو مالك بن عبد الله بن محمد العتبى اللغوىّ: تأتى ترجمته.(3/105)
وابن العوّاد [1] بقرطبة. وبها تفقّه وسمع الحديث الكثير، وكتب، ومن جملة ذلك كتاب المحتسب لابن جنى؛ كتبه وقال: لم أره بالأندلس فى جدى فى طلبه.
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ الأصبهانىّ نزيل الإسكندرية فى إجازته العامة قال:
«سمعت أبا عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن سعيد المقرىء الدانىّ قدم علينا الثّغر قال: سمعت عبد العزيز بن عبد الملك المقرىء بالأندلس يقول: أملى أبو الحسن الحصرىّ القروىّ [2] سائلا قراء الأندلس والمغرب:
سألتكم يا مقرئى الغرب كلّه ... وما لسؤال الحبر عن علمه بدّ
بحرفين ذا مدوا وما المدّ أصله ... وذا لم يمدّوه ومن أصله المدّ
وقد جمعا فى كلمة مستبينة ... على مثلكم [3] تخفى ومن مثلكم تبدو
قال أبو عبد الله [4] : هما قوله عز وجل: سَوْآتِهِما [5] *
وقوله: سَوْآتِكُمْ [6] .
__________
[1] كذا فى الأصلين، وفى معجم ابن الأبار: «ابن عناب» .
[2] الحصرىّ؛ بضم الحاء وسكون الصاد: منسوب إلى الحصر؛ وهو جمع حصير. والقروى؛ بفتح القاف والراء: منسوب إلى القيروان، وهو على بن عبد الغنى أبو الحسن الفهرىّ القيروانى الحصرىّ.
ذكره الحميدىّ وقال: شاعر رخيم الشعر دخل الأندلس ولقى ملوكها، وشعره كثير وأدبه موفور. وهو ابن خالة أبى إسحاق الحصرى صاحب زهر الآداب. والبيتان من قصيدة نظمها فى قراءة نافع، فى 209 بيتا. توفى بطنجة سنة 488. الصلة لابن بشكوال (2: 425) ، وطبقات القراء لابن الجزرى (1: 550) .
[3] فى هامش ب: «لعله مثلنا» .
[4] أبو عبد الله كنية المترجم، قال ابن مكتوم: «مولد ابن غلام الفرس بدانية ليلة الحادى والعشرين من رمضان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة، وتوفى بها عصر يوم الأحد ثالث عشر محرم سنة سبع وأربعين وخمسمائة. والفرس: لقب رجل من تجار أهل دانية اسمه موسى المرادى، كان سعيد جد أبى عبد الله المذكور مولى له» .
[5] من قوله تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما
، سورة الأعراف آية 20.
[6] من قوله تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى.
سورة الأعراف آية 26.(3/106)
623- محمد بن الحسن الطّوبى أبو عبد الله الصّقلىّ «1»
مقيم بصقلّية، يتولّى الإلشاء، نحوىّ أربى فى النّحو على نفطويه [1] . وفى الطّب على [ابن] ماسويه [2] ؛ جامع للفضائل، عالم بالرسائل، وكلامه فى نهاية الفصاحة، وشعره فى غاية الملاحة. وله مقامات تزرى بمقامات البديع [3] وإخوانيّات كأنّها زهر الربيع؛ مع خطّ كالطّرز [4] المعلمة، والبرود المثمنة. وكان الشعر طوع عنانه، وخديم جنانه. ومدحه ابن القطّاع الصّقلىّ بقوله:
أيها الأستاذ فى الط ... يّب وإعراب الكلام
لك فى النحو قياس ... لا يساميه مسام
ثمّ فى الطب علاج ... دافع الداء العقام
أنت فى النثر البديه ... ىّ وفى النظم السّلامى [5]
فاضل لآباء والنّف ... يس عظامىّ عصامى
ومن شعر محمد بن الحسن قوله:
أخشى عليك الحسن يا من به ... أصبح كلّ الناس فى كرب
ألا ترى يوسف لما انتهى ... فى حسنه ألقى فى الجبّ
__________
[1] هو أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة، تقدّمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الأوّل ص 231.
[2] هو أبو زكرياء يوحنا بن ماسويه، كان طبيبا فضلا، مقدما عند الملوك، عالما مصنفا؛ خدم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل؛ وصنف كثيرا من الكتب فى الطب؛ ذكرها ابن النديم فى الفهرست ص 296.
[3] هو أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى الهمذانى، المعروف بديع الزمان، صاحب المقامات والرسائل، روى عن أحمد بن فارس صاحب المجمل وغيره، وسكن هراة من بلاد خراسان، وبها توفى سنة 391. ابن خلكان (1: 39) .
[4] الطرز: جمع طراز، وهو علم الثوب.
[5] البديهىّ: هو أبو الحسن على بن محمد البديهى، ذكره الثعالبى فى اليتيمة: (3: 309) ، وقال عنه: «من شهر زور، كثير الشعر، نابه الذكر، خليفة الخصر» ، وأورد طائفة من شعره.
ولسلامى، هو أبو الحسن محمد بن عبد الله السلامى. قال الثعالبى: «من أشهر أهل العراق قولا على الاطلاق، وشهادة بالاستحقاق» ، وأورد طائفة من شعره. وانظر ليتيمة 2: 364.(3/107)
وقال فى صبى نصرانىّ من نصارى الفرنج واسمه نسطاس:
أقول وقد مرّ نسطاس بى ... وقلبى فيه عذاب أليم
وقد ماس كالبان فوق الكثيب ... وأقبل يرنو بألحاظ ريم [1]
لئن كان فى النار هذا غدا ... فإنى أحبّ دخول الجحيم
وقوله:
انظر إلى حسن وحسن عذاره ... لترى محاسن تسحر الأبصارا
فإذا رأيت عذاره ... لترى محاسن تسحر الأبصار
فإذا رأيت عذاره فى خدّه ... أبصرت ذا ليلا وذاك نهارا [2]
كان هذا الفاضل موجودا فى سنة خمسين وأربعمائة بصقلّية، وأظنه عاش بعد ذلك مدّة [3] .
624- محمد بن الحسن الزّبيدىّ النحوىّ الأندلسىّ أبو بكر «1»
من الأئمة فى اللّغة والعربية. ألّف فى النحو كتابا سماه الواضح [4] واختصر كتاب العين [5] اختصارا حسنا، وجمع كتابا فى الأبنيه، وكتابا فى لحن العامة.
__________
[1] ماس: تبختر: والبان: شجر ينمو ويطول فى استواء، والريم: الظبى الخالص البياض؛ وأصله بالهمز.
[2] العذار: الشعر النازل على الذقن.
[3] قال ابن مكتوم: «محمد بن الحسن الطوبى صاحب ديوان الإنشاء بصقلية لعلى بن الحسين الكليبين كذا ذكره صاحب الديباجة، وذكره ابن القطاع فى كتاب الدرة الخطيرة وأورد له صاحب الديباجه أشعارا كثيرة منها قوله:
إحذر صديقك إنه ... يخفى عليك ولا يبين
إن الصدور مبارز ... لك والصديق هو الكمين.
وقوله: كأنما عذاره ... والخدّ منه أحمر
غلالة وردية ... فيها طراز أخضر
[4] من هذا الكتاب نسخة مصورة بدار الكتب المصرية عن الأصل المحفوظ بمكتبة الجامع المقدس بصنعاء.
[5] نشر في روما سنة 1890 م بتحقيق الأستاذ جويدي. من هذا المختصر نسخ خطية متعددة بدار الكتب المصرية وانظر كشف الظنون ص 1442.(3/108)
وكتابا فى أخبار النحويين [1] . ورسالة الانتصار للخليل [2] ؛ فيما ردّ عليه فى العين. إلى غير ذلك [3] ، وله شعر جميل كثير، فمن ذلك ما كتب به إلى أبى مسلم بن فهد:
أبا مسلم إن الفتى بجنانه ... ومقوله لا بالمراكب واللّبس
وليس ثياب المرء تغنى قلامة ... إذا كان مقصورا على قصر النفس
وليس يفيد العلم والحلم والحجا ... أبا مسلم طول القعود على الكرسى
وكان الحكم المستنصر استدعاه من إشبيليّة إلى قرطبة لفضله والاستفادة منه، واستأذنه فى العود إلى وطنه فلم يأذن له. فكتب إلى جارية له هناك اسمها سلمى:
ويحك يا سلم لا تراعى ... لا بدّ للبين من زماع
لا تحسبينى صبرت إلّا ... كصبر ميت على النّزاع
ما خلق الله من عذاب ... أشدّ من وقفة الوداع
ما بينها والحمام فرق ... لولا المناجاة والنواعى
إن يفترق شملنا وشيكا ... من بعد ما كان ذا اجتماع
فكلّ شمل إلى فراق ... وكل شعب إلى انصداع
وكل قرب إلى بعاد ... وكل وصل إلى انقطاع
توفى أبو بكر الزّبيدىّ قريبا من الثمانين والثلاثمائة. روى عنه ابنه أبو الوليد محمد وأبو القاسم إبراهيم بن محمّد بن زكريا الزهرىّ المعروف بابن الإقليلىّ.
__________
[1] منه نسخة مصوّرة بدار الكتب المصرية رقم 876 تاريخ، عن نسخة مخطوطة بمكتبة نوو عثمانية بإستانبول، وله مختصر نشر فى مجلة الدروس الشرقية يروما بتحقيق الأستاذ كرنكو سنة 1919 م ونشر فى مجلد صغير. وانظر معجم المطبوعات ص 962، وفهرس دار الكتب المصرية (4: 333) .
[2] هو جزء من كتابه مختصر العين وسماه السيوطى فى المزهر، (1: 79) استدراك الغلط الواقع فى كتاب العين، ونقل جزء منه، وعلق عليه.
[3] وذكر السيوطى أنه ألف كتابا فى الرد على ابن مسرة وأهل مقالته؛ سماه هتك ستور الملحدين.(3/109)
625- محمد بن الحسن الجبلىّ النحوىّ الأندلسىّ «1»
أديب شاعر كثير القول. كان يقرأ عليه النحو بالأندلس، وله شعر منه:
وما الأنس بالإنس الذين عهدتهم ... بأنس ولكن فقد أنسم أنس
إذا سلمت نفسى ودينى منهم ... فحسبى أنّ العرض منّى لهم ترس
وروى عنه محمد بن فتّوح الحميدىّ [1] .
626- محمد بن الحسن بن فورك الأديب المتكلم الأصولىّ الواعظ النحوىّ أبو بكر الأصبهانىّ «2»
أقام أوّلا بالعراق إلى أن درس مذهب الأشعرىّ [2] ، ثم لما وردّ الرىّ سعت به المبتدعة، فعقد أبو محمد الثقفىّ مجلسا، وجمع [أهل] السّنّة.
__________
[1] «هو أبو عبد الله محمد ابن أبى نصر فتوح بن عبد الله بن حميد الأندلسى، صاحب جذوة المقتبس. تقدمت ترجمته فى حواشى الجزء الأول ص 46.
[2] هو أبو الحسن على بن إسماعيل الأشعرىّ، صاحب الأصول وإليه تنسب الطائفة الأشعرية.
كان فى أوّل أمره معتزليا، ثم رجع عن القول بالعدل وخلق القرآن ودعا إلى مذهب أهل السنة. توفى سنة 324 ببغداد. ابن خلكان (1: 326) .(3/110)
قال الحافظ أبو عبد الله بن البيّع النيسابورىّ: «وتقدّمنا إلى الأمير ناصر الدولة أبى الحسن محمد بن إبراهيم والتمسنا منه المراسلة فى توجهه إلى نيسابور ففعل، وورد نيسابور، فبنى له الدّار والمدرسة فى خانكاه أبى الحسن البوشنجىّ، وأحيا الله به بلدنا أنواعا من العلوم لما استوطنها، وظهرت بركته على جماعة من المتفقهة، وتخرجوا [1] به» .
627- محمد بن الحسن بن الحسين الوثّابىّ الوركانىّ أبو جعفر الأديب النحوىّ اللّغوىّ الأصبهانىّ «1»
من أهل أصبهان، المقيم بها. كان أحد الفضلاء الأدباء النحاة واللغويين الشعراء، وكان مبارك النّفس فى التعليم. قرأ عليه جماعة من فضلاء أصبهان وبرعوا ببركاته وسادوا، وهو والد أبى المعالى [2] الوركانىّ الفقيه المناظر. ولما حج أبو جعفر محمد بن الحسن هذا- رحمه الله- تعلّق بأستار الكعبة شرّفها الله وعظّمها، وأنشد من قوله:
تقبّل بحقّ البيت يا رب توبتى ... وجد بالرضا إنى من النّار أفزع
وأفرغ علينا سجل عفوك منعما ... فليس سوى أبواب فضلك أقرع
__________
[1] فى الأصل: «وتبحر جوابه» ، صوابه من تبيين كذب المفترى. قال ابن مكتوم: «كان ابن فورك قد اختص بابن عباد بأصبهان قبل الستين والثلاثمائة، وصنف له كتبا، ثم بعضد الدولة بن بويه بشيراز، وصنف له كتبا، ثم دخل نيسابور وحدث هناك بمسند أبى داود الطيالسى عن عبد الله بن جعفر ابن فارس، وروى عنه الحاكم وأبو القاسم القشيرى وغيرهما، ومات بطريق بست عام ست وأربعمائة» .
[2] هو محمد بن محمد بن الحسن؛ ذكره السمعانى فى الأنساب، وقال إنه سمع منه.(3/111)
وعمّر- رحمه الله- إلى أن ارتعشت يده عن الكتابة من الكبر، وتغير خطه فقال:
من الثمانين وأطوارها ... غيّر من خطّى ما استحسنا
كذاك عمر المرء كالكأس فى ... آخرها يرسب ما استخشنا
مات بأصبهان فى الثالث عشر من شوّال سنة إحدى عشرة وخمسمائة.
628- محمد بن أبى الحسن بن محمد بن الكوفى الأديب النحوىّ الفاضل أبو نصر «1»
من أهل مرو. شيخ فاضل متقن ثقة، فاضل مفيد. أنفق عمره فى الاستفادة والإفادة والتعلّم والتعليم، وانتفع [به] جماعة كثيرة، وتخرّجوا عليه.
ولد فى سنة اثنتين وستين وأربعمائة. ومات الأديب محمد بن الحسن الكوفىّ فى معاقبة الغزّ فى أواخر رجب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
629- محمد بن الحسن بن رمضان النحوىّ اللغوى «2»
له ذكر بين علماء وقته، وصنف. فمن تصنيفه: كتاب أسماء الخمر وعصيرها [1] .
630- محمد بن الحسين النحوىّ اليمنىّ «3»
رحل إلى الشام وسمع، ودخل مصر واستوطنها، واستفاد وأفاد، وقرّر هو وجنادة [2] الهروىّ بدار العلم [3] بالقاهرة المعزّية، وصنّف كتابا فى أخبار النحاة وطبقاتهم؛
__________
[1] وذكر له ابن النديم أيضا كتاب الديرة.
[2] له ترجمة فى بغية الوعاة ص 213.
[3] انظر الكلام على دار العلم فى خطط المقريزى (1: 313) .(3/112)