وتوقعه بما قد قل ... ت في بحر من المحن
فقل لي كل طرفك أم ... خلا طرفي من الفتن - وقال أبو الفضل:
وحبيب [قد ضن] بالوصل تيهاً ... هل تضن البدور بالإشراق
أنا أخشى إن دام ذا الهجر أن ين ... شط من حبه عقال وثاقي
فأريح الفؤاد مما اعتراه ... وأرد الهوى على العشاق وقال:
سمحت بنفسي غداة الرحيل ... غراماً على القمر الآفل
وبت أفض ختام الجفون ... وأبكي على الجسد الناحل
ومن عجب العشق أن القتيل ... يحن ويصبو إلى القاتل! وقال:
يا حادياً وجمال الحي سائمة ... ماذا تريد بقلبي أيها الحادي -
كلفته السير من جسمي ففارقه ... وهل يسير أسير ما له فاد -
رفقاً فقد هجت شوقاً ما استعد له ... فكيف يرحل مشتاق بلا زاد - وقال:(7/104)
أيا بصري عزاً علي ويا سمعي ... ويا مسرفاً عند التضرع في منعي
إذا كنت مطبوعاً على الهجر والجفا ... فمن أين لي صبر فأجعله طبعي -!
سل المطر الغمر الذي عم أرضكم ... أجاء بمقدار الذي فاض من دمعي - ما أخرجته من شعره في سائر الأوصاف
كان ليلة مع بعض إخوانه وبين أيديهم شمعة، فأفضى حديثهم إلى وصفها، فجعل من حضر يريض نفسه، ويعمل في ذلك حسه، فقال أبو الفضل:
ذهبنا فأذهبنا الهموم بشمعةٍ ... غنينا بها عن طلعة الشمس والبدر
أقول وجسمي ذائب مثل جسمها ... ودمعتها تجري كما دمعتي تجري
كلانا لعمري ذوبيان من الهوى ... فنارك من جمر وناري من هجر
وأنت على ما قد تقاسين من أذىً ... فصدرك في نار وناري في صدري وله في وصف طرف:
حكى فرسي الليل في لونه ... فقابله البدر عند اضطرار
فكان له غرةً في التمام ... ونعلا لحافره في السرار(7/105)
وقال:
رب ليل أبطا علي فلما ... مد ضافي دجاه ما استبطاني
جئت أسعى إليه سعي زلال ال ... ماء يستن في حشا الظمآن
ظلت أسري بمثله فيه حتى ... خلتني قد أحاط بي ليلان
فهو طرف له خضابي سواد ... أنا فيه كهيئة الإنسان وأرى السلامي قد نبهه على هذا التشبيه، وإن كان أبو الفضل قد زاد فيه، وكان السلامي قد ركب زورقاً بدجلة فقال:
وميدان تجول به خيول ... تقود الدارعين وما تقاد
ركبت به إلى اللذات طرفاً ... له جسم وليس له فؤاد
جرى فظننت أن الأرض وجه ... ودجلة ناظر وهو السواد وقال عبد الجليل للمعتمد بن عباد من شعر قد تقدم إنشاده في صفة جواز البحر:
فسرت فوق دفاع الله تهصره ... براحة الدين والتقوى فينصهر
كأنما كان عيناً أنت ناظرها ... وكل شط بأشخاص الورى شفر وقال أبو الفضل في زامر أسود: [59](7/106)
وحالك اللون كالليل البهيم له ... فضائل مشرقات الحسن كالفلق
تنوب عن نطقه ريح مؤثرة ... في قلب مصطبح أو لب مغتبق
تخال مجلسنا وجهاً به حسنا ... إذ صار فيه كخال معجب لبق
كأنما كفه من زمره سلبت ... أو زمره من يديه جد مسترق
تراه يحفظ ما يوحى إليه به ... وسره أبداً يهوي بمنخرق
يحدو بأنفاسه الأوتار مجتهداً ... فتستقيم به الألحان في الطرق
أهدى الشباب إليه حسن بهجته ... فناسب المسك في لون وفي عبق وقال:
هات اسقني فالعيش شاك جرأة ... والدهر نكب عن لقاء أعزلا
من قهوة تدع الفتى مستحسناً ... من غفلة في شربه أن يجهلا
مع ناعس الألحاظ تخبر أنه ... ما قال فيما ريم منه قط لا
والثلج يحكي في اكتنان سقوطه ... وضئيل جثته دقيقاً غربلا ويا بعد ما بين هذا وبين قول بعض أهل عصرنا وهو:
[] ... والشمس طالعة ولما تغرب
خلت الرذاذ برادةً من فضة ... قد غربلت من فوق نطع مذهب ولأبي الفضل في الشيب:(7/107)
طاقة نغصت علي شبابي ... فتعمدت نتفها غير وان
فأقامت عند المكان ونابت ... عند نتفي من غيرها طاقتان
قلت ماذا هذا لعمر التصابي ... لشبابي وجدتي محنتان
قالتا قد جرى من الرسم للسل ... طان أخذ البراة قبل الجان
وإن ازددت في الجفاء فلا تن ... كر قدومي عليك مع أعوان ألم في البيت الأخير بقول [الآخر] :
[وزائرة للشيب لاحت بعارضي ... فبادرتها بالقطف خوفاً من الحتف]
[فقالت على ضعفي استطلت ووحدتي] ... رويدك حتى يلحق الجيش من خلفي وفي البيت الثاني والثالث بقول كشاجم:
أخي قم فعاوني على شيبة بغت ... فإني منها في عذاب وفي حرب
إذا ما مضى المنقاش يأتي بها أبت ... وقد أخذت من دونها جارة الجنب
كجان على السلطان يجزى بذنبه ... تعلق بالجيران من شدة الرعب وقال أبو الفضل من طردية:
أنعت كلباً لم يصب مثاله ... يطمعه من حرصه خياله
مثل الهزبر سلبت أشباله ... أو كالظليم ضل عنه راله(7/108)
يسأم من مَطالِهِ مطالُه ... وفي وديق فمه جرياله فكلنا من صيده عياله ... وله من قصيد طويل:
كأنما الفحم والنيران تلهبه ... هام من الزنج في ثوب من السرق
أو الزنود براها السيف في رهجٍ ... من الهنود عليها شطبة العلق
مد الرماد عليه بهد رقدته ... عيناً له حسك من حمرة الشفق
أقول للنار والأحزان نائرة ... والقلب في غمرات الحب لم يفق
إياك أن تقربي ناراً مؤججةً ... بلاعج الشوق في قلبي فتحترقي
أظن أنك ما لاقيت ما لقيت ... قلوب أهل الهوى من جاحم القلق
ولا منيت بتوديع وقد جعلوا ... بيض السواعد أطواقاً على العنق
ولا فجعت بغزلان ألفتهم ... ساروا بقلبك إذ ساروا مع الرفق
سطا الفراق عليهم غفلة فغدوا ... من جوره فرقاً من شدة الفرق
فسرت شرقاً وأشواقي مغربة ... يا بعد مانزحت من طرقهم طرفي
لولا تدارك دمعي يوم كاظمة ... لأحرق الركب ما أبديت من حرق
يا سارق القلب جهراً غير مكترث ... أمنت في الحب من بعدي على السرق
ارمق بعين الرضا تنعش بعاطفة ... قبل المنية ما أوهيت من رمق(7/109)
لم يبق مني سوى لفظ يبوح بما ... ألقى فيا عجباً للفظ كيف بقي
صلني إذا شئت أو فاهجر علانيةً ... فكل ذلك محمول على الحدق ومنها في وصف الطل والنور:
كأن قطراته من بعد ما جمدت ... لآلئ فوق أصداف من الورق
فالنور قد رمدت بالثلج أعينه ... فليس يرنو بجفن غير منطبق
والغصن قد ضربت أيدي الضريب على ... أوراقه فتراه مائل العنق قوله: " بيض السواعد أطواقاً على العنق " معنى مشهور، ومنه قول القائل وهي أبيات بتداولها القوالون:
مشتاقة طرقت بالليل مشتاقاً ... أهلاً بمن لم يخن عهداً وميثاقا
يا زائراً زار من قرب على بعد ... آنست مستوحشاً لا ذقت ما ذاقا
يا ليل عرس على خلين قد جعلا ... بيض السواعد للأعناق أطواقا ومن قصائده المطولات في المدح وما يتعلق به من الصفات
ما أخرجته من مقطوعاته الإخوانيات وغيرها
قال من قصيدة في معز الدولة صاحب حلب:
وقفت على رسم الديار مسائلاً ... وهل يشتفي من لوعة الحب سؤال(7/110)
فألوى رسوم الصبر رسم من اللوى ... وطل دموعي بالسبيبة أطلال [60]
يحيي بها صوب الحياء معالماً ... خلعن عليهن المحاسن أنوال
فما روضت أرض المهاد ملاحف ... وزهور باها الحلي والنور خلخال
وورقاء تستملي حنيني بنوحها ... كلانا على عهد الأحبة هدال
وإني إذا ما أزور عني منزل ... رمى الحل في قطربه شد وترحال
أقيم إذا ما العز وطد مفرشي ... وأنبو إذا ما أعقب العز إذلال
أنا ابن السرى إن ملني متن سابق ... تسلمني شخت الجزارة مرقال
كأن الفلا ظئر لها الليل حجلة ... تحن إليها من ركابي أطفال
تفوز في قطع المفاوز جرأتي ... إذا كاع عن قطع المجاهل جهال
إذا البدر جلى وجهة البر نوره ... فمدة ظلي فوق وجنته خال
سقى حلباص والحى من آل عامر ... هزيم توالى من نشاصك مهطال
فكم أثمرت فيه القنا من مناقف ... وكم أتعبت فيه الصوارم أبطال
إذا خطبوا العلياء يوم كريهةٍ ... فأسيافهم فيها مهور وأجعال
بيمن معز الدولة انكشفت لنا ... من الدهر أحوال مرتهن أحوال
تجافى محيا المال حتى كأنما ... يقابله منه وشاة وعذال(7/111)
كأن الوغى طرف له الجبل محجر ... له النقع أكحال له الزان أميال
وأسمر عسال إذا احتدم الوغى ... تصدق منه الزاد أطلس عسال وله من أخرى في ابن ذي النون المأمون:
لا يشرب الماء ما لم يحف حافته ... حتى إذا قطرت أرماحه شربا
ولا يرد المحيا الطلق بغرته ... كالقرن عن بيرق خلب خلبا
ما بال بالي إذا سكنته نفرت ... عشاره وإذا كفكفته انسربا
أللتبرم بالدنيا وزينتها ... أم البعيد من الآمال قد قربا
بهمة الملك المأمون حين غدا ... إفضالها لتناهي همتي سببا
الواهب الألف لا عيناً ولا ورقاً ... ولا عشاراً ولكن أنعماً قشبا
في جحفل كسواد الليل مرتكم ... لكن أسنته صارت له شهبا
كأنما نهج أنبوب الرماح به ... ما قد ورثت من العليا أباص فأبا
قوم إذا ركبوا سدوا الفضاء وإن ... [حلوا] توهمتهم في البيد رجل دبا
قد صيروا الحرب كأساً والدماء بها ... خمراً وما جوفت من بيضها حببا وله فيه من أخرى:(7/112)
ولم يفهموا ما تكتب البيض في الوغى ... ولا السمر حتى أعجما بالحوافر
تسرع حتى خلت كل مقصر ... من الخيل محمولا على ظهر طائر
وحتى توهمنا النجوم أسنةً ... وخلنا الهلال بينها إثر حافر وله من مرثية في الملك شروان شاه:
يا موضعاً عن ملكه وسريره ... ماذا أضرك لو لبثت قليلا -
طلت رزيته دمي إن لم أدع ... دم مقلتي في لحده مطلولا
يا تاركاً رسل الملوك ببابه ... من ذا يرد عليهم التجميلا
أرحلت ثم تركتنا ولقبل ذا ... كنا نحف إذا أردت رحيلا
أترى دليلك في السرايا غره ... خطأ فسار إلى الحمام دليلا -
صرنا نقبل قبره ولطالما ... كنا نبيح بساطه التقبيلا
جدث غدا جفناً لأبصر ناظر ... أمسى وأصبح بالردى مكحولا
يا قبر لم نعرف تشتت شملنا ... حتى غمدت الصارم المصقولا
ظلنا نشق جيوبنا من بعد أن ... كنا نجرر في ذراه ذيولا
ونعب كاسات الدموع كأننا ... في أنس مجلسه نعب شمولا
عذل البكاء فظل ينشد نفسه ... بيتاً يمهد عذره المقبولا(7/113)
رد الجموح الصعب أيسر مطلباً ... من رد دمع قد اصاب سبيلا
ما للرماح قصرن عن درك المدى ... ورأين حمل نصولهن فضولا -
ولقبل كن إذا رأينك عازماً ... عاين طولك فاسنفدن الطولا
لبس الحداد حديدهن فما نرى ... إلا سناناً من صداه كليلا
تبكيك أقلام [زهت] من عظم ما ... كتبت فتوحك بكرة وأصيلا
وبحور شعر غاص مدحك فانتقى ... منهن دراً في النظام جزيلا وله من أخرى في بعض عبيده:
أعبدي قد أسأرتما [في] جوانحي ... من الوجد داء مستكناً وباديا
أسأتم وللحب المبرح حجة ... تحسن في عيني تلك المساويا
لئن بزني دهري ببغداد ثروتي ... فما زلت من كسب المحامد كاسيا
فيا ليتني لم آت بغداد نابها ... وأصبحت في أكناف شروان عاريا
فلو كنت فيها لبم تحص قوادمي ... ولا أحفت الأشواق منها الخوافيا
فمزقت أثواب الفلا بسوابق ... تظل بها الأنضاء تفلي الفيافيا
إذا [ما] أمالتني بها نشوة الكرى ... ترنح في كفي المهند صافيا
وإن أنا طلقت النهار بجوزها ... خطبت خدارياً من الليل داجيا
ومن طلب الغايات جرع نفسه ... سلاف السرى واستنهض النجم ساقيا [61](7/114)
ما أخرجته من مقطوعاته الإخوانيات وغيرها
في أوصاف مختلفات
له من قصيدة في وصف القيروان وقت فتنة العامة بها يقول فيها:
حالت علي القيروان بحالها ... عما عهدت العيش فهو منغص
فخرابها في كل يوم زائد ... وصبابة المعمور فيه تنقص ومنها:
إن كان أرخصني الزمان فإنه ... أسدى إليّ بضائعاً لا ترخص
أو كان غير من طباعي موضعي ... فالخمر إن تركت وعاها تقرص
كيف الرجوع وطرف حالي عاثر ... وجناح آمالي الكسير مقصص وله من أخرى:
ولما أن كساني الشيب ثوباً ... ولم يك وقت تغيير الثياب
أتاني غفلة والنفس فيها ... بقايا من عقابيل التصابي
وغصن شبيبتي غض نضير ... به ظمأ إلى ماء الشباب
ورام الناس مني ما يضاهي ... مشيبي في فعالي أو خطابي
ولم أقدم على وصل التصابي ... مخافة أن أدنسه بعاب
فداومت المدام فما أبالي ... ببالي إن تخطى عن صواب
فإن ظهر التصابي في يوماً ... أحلت به على فعل الشراب(7/115)
وهذا من قول حسان.
نوليها الملامة إن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء وقال أبو الفضل:
ومعنف لي في المقام ضرورة ... بالقيروان وما بها سلطان
ألقى الهوان بها وكم من عزة ... قد ساقها نحو الرجال هوان
جهلوا على الإحسان فيها موضعي ... لو كان ينفع عندهم إحسان
فكأنني القرآن عند معطل ... أو في بلاد هرابذ رمضان
ما الدر ينقص فضله في بحره ... أن ليس تعرف قدره الحيتان
كلا وليس المسك يبطل عرفه ... إن ضيعته بجهلها الغزلان
ما عيب ضوء الشمس عند بزوغها ... أن ليس يدرك نورها العميان
والليث لا ينسى استطالة بأسه ... إن ضمه في خيسه خفان
أو ما ترى الدنيا بفقد مليكها ... طرفاً ولكن ما له إنسان - وله من أخرى:
وأعظم من مصيبات الليالي ... علي وصرفها خل خؤون
يقابلني بود مستميل ... وبين ضلوعه داء دفين
إذا عاتبته أبدى مجوناً ... وعلة ذلك العتب المجون
ومن جعل السموم له دواء ... فيوشك أن يفاجئه المنون(7/116)
أهم بأن أجازيه فيأبى ... علي الأصل والعرض المصون
أرى هذر الكلام المحض غثاً ... فيردعني عن الغث السمين
ولم يزعج زئير الأسد حلمي ... أيزعجه من البق الطنين -
أيطمع أن يشق غبار مهري ... ذليل تحته عير حرون -
سل السمر الذوابل ما غنائي ... إذا اشتجرت بها الحرب الزبون
ألم أجعل مثار النقع بحراً ... على أن الجياد له سفين - وله من أخرى في صاحب الخيل ابن أذين من قصيدة طويلة، منها قوله:
وأعذب من يومنا بالعذيب ... سلامتنا اليوم من ذي سلم
ولست بمن يطيبه الغنى ... ويرصد طيفاً له أن يلم
ومن عبثت نفسه بالغنى ... تساوى الغنى عنده والعدم
وكم طسم الدهر من جبلتي ... فرد نضارة ما قد طسم
وكنت إذا ما رماني الزمان ... أو كاد أو هم بي أو عزم
علقت أبا الحسن المرتجى ... فأمسيت من صرفه في حرم
فتى لو رأى البخل في نومه ... أو الجبن خلقاً له لم ينم
ولو كان طيفاً وكان الكرى ... طروقاص لغير العلا ما ألم
فما لي أرى عقد إحسانه ... تبدد من سلكه ما نظم -
ولم ذكني عنده حاسد ... كأن به جنةً أو لمم(7/117)
بدا وجهه فاشتهيت العمى ... وكلمني فاستزرت الصمم
وقد كنت ترضع در الصفا ... ودادي فما لودادي فطم -
كذا الطفل يرضع حتى إذا ... ترعرع غيب عنه الحلم
يسائلني الناس عما تقول ... وما قلت لي قط إلا نعم [وله] :
قالوا مدحت أناساً لا خلاق لهم ... مدحاً يناسب أنواع الأزاهير
فقلت لا تعذلوني إنني رجل ... أقلد الدر أعناق الخنازير وقال:
ما إن أرى قربكم صائباً ... وأنتم لي غير أجناس
وما جلوسي عندكم أنني ... أعدكم من بعض جلاسي [62]
لكنني أجلس [ما] بينكم ... تعللاً من عدم الناس وقال في رجل يعرف بابن كثير:
وما الخبر مما يرتجى في ابن واحدٍ ... فكيف نرجيه من ابن كثير - وقال:
وكيف ترجو السحاب الجود من رجل ... لا يطمع الطير فيه وهو مصلوب
أصبحت أحلب تيساً لا مدر له ... والتيس من ظن أن التيس محلوب وقال:(7/118)
يا لائماً عمران لا تنشدن ... عمرو بن كلثوم " ألا هبي "
طمعت في كلب فداريته ... والكلب من يطمع في كلب فصل في ذكر طائفة من الشعراء المقلين الطارئين على هذا الأفق من بلاد
المشرق، مع ما يتصل بذكرهم من المعارف المفيدة
منهم
سليمان بن محمد الصقلي: كان - فيما بلغني - من أهل العلم والأدب والشعر؛ ووفد على هذا القطر سنة أربعين وأربعمائة، وقصد بمديحه عدة من الرؤساء، وتقدم بفضل أدبه عند الكبراء، ووما أنشدته له في عذول قبيح قوله:
رأى وجه من أهوى عذولي فقال لي ... أجلك عن وجه أراه كريها
فقلت له بل وجه حبي مراءة ... وأنت ترى [تمثال] وجهك فيها ومن شعره:(7/119)
تقلب دهرنا فالصقر فيه ... يطالب فضل أرزاق الحمام
على الدنيا العفاء فقد تناهى ... تسرعها إلى أيدي اللئام
وما النعماء للمفضول إلا ... كمثل الحلي للسيف الكهام
ذريني أجعل الترحال سلكاً ... أنظم فيه ساحات الموامي
فإني كالزلال العذب يؤذي ... صفاه وطعمه طول المقام وهذا المعنى مشهور، وقد مر منه في تضاعيف هذا التصنيف كثير، كقول بعض أهل عصرنا:
مللت حمص وملتني فلو نطقت ... كما نطقت تلاحينا على قدر
وسولت لي نفسي أن أفارقها ... والماء في المزن أصفى منه في الغدر وكذلك قوله: " بل وجه حبي مراءة " معنى متداول، منه قول يوسف بن هارون الرمادي:
وإذا أراد تنزهاً في روضةٍ ... أخذ المرأة بكفه فأدارها وقال الآخر:
أنا كالمرآة ألقى ... كل وجه بمثاله وقال العباس بن الأحنف:(7/120)
هممت بإتياننا حتى إذا نظرت ... إلى المرآة نهاها وجهها الحسن ولبعض المصريين في غلام كان يهواه، مما يتطرف معناه:
يجري النسين على غلالة وجهه ... وأرق منه ما يمر عليه
ناولته المرآة ينظر وجهه ... فعكست فتنة ناظريه إليه ورأى أبو الحسن السلامي في يد غلام يميل إليه مرآةً فقال:
رأيته والمرآة في يده ... كأنها شمسة على ملك
فقلت للصورة التي احتجبت ... من غيره زهد فيها ولا نسك
يا أشبه الناس بالحبيب ألا ... تخبرنا عنك غير مؤتفك
قال أنا البدر زرت بدركم ... وهذه قطعة من الفلك
قلت فإني أرى بها صدأً ... فقال هذي بقية الحبك(7/121)
وذكرت بذكره المرآة قول القراطيسي الكوفي، وهي أبيات يتداولها القوالون:
ما تنقضي من عجب فكرتي ... في خصلة فرط فيها الولاه
ترك المحبين بلا حاكم ... لم يقعدوا للعاشقين القضاه
وقد أتاني خبر ساءني ... مقالها في السر: واسوأتاه
أمثل هذا يبتغي وصلنا ... أما يرى ذا وجهه في المراه! قال القراطيسي: وقلت يوماً للعباس بن الأحنف: هل ألممت بهذا المعنى - فأنشدني لنفسه:
جارية أعجبها حسنها ... ومثلها في الناس لم يخلق
خبرتها أني محب لها ... فأقبلت تصحك من منطقي
والتفت نحو فتاة لها ... كالرشإ الوسنان في قرطق
قالت لها قولي لهذا الفتى ... انظر إلى وجهك ثم اعشق وحدثني الفقه أبو بكر بن الوزير [أبي محمد ابن] العربي؛ قال: حدثت عن الفقيه أبي عبد الله الحميدي عن سليمان بن محمد(7/122)
الصقلي، قال: كان بسوسة إفريقية رجل أديب ظريف يهوى غلاماً جميلاً من غلمانها، واشتد كلفه به، فتجني الغلام عليه، فبيناه ذات ليلة يشرب منفرداً وقد غلب عليه السكر خطر بباله [63] أن يأخذ قبس نار فيحرق به داره، ففعل وجعله عند باب الغلام فاشتعل ناراً، فاتفق أن رآه بعض الجيران فأطفأه، فلما أصبح حمل إلى القاضي فسأله لم فعل ذلك، فأنشأ يقول:
لما تمادى على بعادي ... وأضرم النار في فؤادي
ولم أجد من هواه بداً ... ولا معيناً على السهاد
حملت نفسي على وقوفي ... ببابه حملة الجواد
وطار من بعض نار قلبي ... أقل في الوصف من زناد
فاحترق الباب دون علمي ... ولم يكن ذاك من مرادي فاستظرفه قاضي البلد، وتحمل عنه ما أفسد.
قال الحميدي: وكنت أظن أن هذا المعنى مما تفرد به هذا القائل حتى أخبرت أن نصر بن أحمد الخبزرزي ابن المقنى في إثر حريق المربد، فقال له: هل قلت في هذا شيئاً - فقال: ما قلت، ولكن أنشدك ارتجالاً، وجعل ينشد هذه الأبيات:(7/123)
أتتكم شهود الورى تشهد ... فما تستطيعون أن تجحدوا
فيا مربديون ناشدتكم ... على أنني منكم مكمد
جرى نفسي صعداً نحوكم ... فمن حره احترق المربد
وهاجت رياح حنيني لكم ... فظلت بها ناركم توقد
ولولا دموعي جرت لم يكن ... حريقكم أبداً يخمد فصل في ذكر الأديب أبي الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني
من جملة من وفد أيضاً على البلد في ذلك الأوان، وكان الغالب على أدواته علم اللسان، وحفظ الغريب والشعر الجاهلي والإسلامي، إلى المشاركة في أنواع التعاليم، والتصرف في حمل السلاح، والحذق بالآلات الجندية، والنفاذ في معاني الفروسية؛ فكان الكامل في خلال جمة. طرأ(7/124)
على الجانب منذ صدر الفتنة للذائع من كرمه، فأكرم نزله، ورفع من شانه، وأصحبه ابنه المرشح - كان - لسلطانه. فلم يزل له بها المكان المكين إلى أن تغير عليه يحيى بتغير الزمان، وتقلب الليالي والأيام بالإنسان، ففارقه ولحق في غرناطة بعسكر البرابرة، فحلت به من أميرهم باديس الفاقرة.
ووجدت بخط الفقيه أبي محمد بن حزم، قال: إن أول من لقي من ملوك الأندلس مجاهد العامري المتقدم الذكر، فأكرم نزله وأنس به، وسأله يوماً عن رفيق له رآه معه، فقال الجرجاني:
رفيق شتى ألف الدهر بيننا ... وقد يلتقي الشتى فيأتلفان قال أبو محمد بن حزم: ثم لقيت بعد ذلك أبا الفتوح فأخبرني عن بعض شيوخه أن ابن الأعرابي رأى في مجلسه رجلين يتحدثان، فقال لأحدهما من أين أنت - قال من اسبيجاب، وسأل الآخر فقال: من الأندلس، فعجب ابن الأعرابي من ذلك وأنشد البيت المتقدم.
ثم أنشدني هذه المقطوعة:(7/125)
نزلنا على قيسية يمنية ... لها نسب في الصالحين هجان
فقالت وأرخت جانب الستر دونها ... [لأية أرض أم من الرجلان
فقلت لها أما رفيقي فقومه ... تميم وأما أسرتي فيمان
رفيقان شتى ألف الدهر بيننا] ... وقد يلتقي الشتى فيأتلفان قال ابن حزم: وأخبرني أبو الفتوح الجرجاني، قال: أخبرني علي بن حمزة [إن القصيدة التي أولها " هذي برزت لنا فهجت رسيسا " قالها المتنبي في محمد بن زريق] وكيل زوامل ابن الزيات صاحب طرسوس وأنه وصله عليها بعشرة دراهم، فقيل له إن شعره حسن، قال: ما أدري أحسن هو أم قبيح، ولكني أزيده عشرة أخرى؛ فكانت صلته عليها عشرين درهما.
فصل في ذكر الأديب عبد العزيز بن محمد السوسي
أحد أضياف بن ذي النون
قال ابن بسام: ولم يقع إليّ من شعر هذا الرجل إلا قصيدة من جملة قصائد لغير واحد، أنشدت للمأمون يحيى بن ذي النون، سنة خمس وخمسين في صنيع احتفل فيه لإعذار حفيده حسب ما أصفه. وقصيدة السوسي في ذلك طويلة، منها قوله:(7/126)
لما بنيت من المكارم والعلا ... ما جاوز الجوزاء في الإجلال
أعملت رأيك في بناء مكرمٍ ... ما دار قط لآمل في بال
لو زاره كسرى أنو شروان لم ... يصرف إلى الإيوان لحظ مبال
يا ساقي الصهباء أين كبارها ... قد لذ ورد القهوة السلسال إعذار يحيى أبهج الدنيا وبين عذرنا في نحوة المختال ...
حشد السرور لنا طهور مطهر ... من عائر الجبناء والبخال
عرض من الآلام يجلب صحةً ... وطفيف نقص فيه كل كمال انتهى ما كتبته منها.
ونذكر بعقبها ما تعلق بسببها فصلاً لابن حيان في وصف ذلك الصنيع الذنوبي، دل به على [64] براعته، وأعرب به عن موضعه من صناعته، وسيمر أثناءه ذكر شعراء من هذه الطائفة الطارئة وسواها، لانتظام كلام ابن حيان إياها. فمنهم من ذكرت في هذا الموضع بارع أشعاره، وجرد فصلاً من كتابي في مستطرف أخباره، ومنهم من فات دركي، ولم يعلق بشركي، فاقتصرت في هذا الفصل على ذكره، وأثبت هاهنا ما وقع إليّ من شعره. وكان غير السوسي منهم أحق بالتقديم كمحمد بن شرف وسائر طبقته، ممن هو أعصف في البيان ريحاً، وأكثر عن الإحسان تصريحاً، ولكن وصلنا هذا الفصل بخبر هذا الرجل إذ لم يكن له سواه آية تتلى، ولا حسنة تجتلى.(7/127)
قال ابن حيان: كتب إليّ الأديب ابن جابر، قال: احتفل المأمون ابن ذي النون في مدعاة إعذار حفيده يحيى فحشد أمراء البلاد، وجملة الوزراء والقواد، فأقبلوا إليها كالقطا القارب أرسالا، وقد رسم لخدمته في توسيع مشارب هذا الإعذار، وإرغاد موائده، وتكميل وظائفه، وإذكاء مطابخه، رسوماً انتهوا فيها إلى حده، وشقق عليها جيوب أكياسه، وأمر بالاستكثار من الطهاة والإتآق للقدور، والإتراع للجفان، والصلة لأيام الطعام، والمشاكلة بين مقادير الأخباز والآدام، والإغراب في صنعة ألوانها مع شياب أباريقها بالطيوب الزكية، والقران فيها بين الأضداد المخالفة ما بين حار وبارد، وحلو وحامض؛ والمماثلة بين رائق أشخاصها وبين ما تودع فيه من نفائس صحافها، والاستكثار لها من أنواع الحلوة المجيرة للمعد من داء الإتخام، وتجاوز عليها إلى السكر. فجاءوا في ذلك كله بأمر كبار أبيدت لمطابخه أمم من الأنعام، جمع فيه بين المشاء والطيار والعوام. وانتسفت لمخابزه أهراء من الطعام، وأنفقت على مجامره ومعاطره جمل من الأموال الجسام، فاغتدى جماعاً لمداعي أهل الإسلام العظام.
وشرف المأمون بالاشتراك مع تطهير حفيده يحيى صبياناً من بني أصحابه، وبدأ بحفيد قبلهم، فكان أسكن من حنف معه جأشاً، وأقلهم(7/128)
زمعاً، وإنه مشى - زعموا - إلى الحديد مشي البطل النجيد، ومكن الخاتن من عضوه فأعانه على إحكام صنعه، وسوى ختانه، وخفف آلامه، وأوشك إفراقه، فخلص من محنته هذه الشرعية، خلوص صادر السهام المصمي للرمية، فسر ابن ذي النون وشام برق الأمنية، فعند ذلك أذكى نيرانه، وأنضج أطعمته ونصب موائده، ودعا الجفلى إليها، ولم يفسح لأحد التخلف عنها. فاكتملت الأطعمة، وفتحت الأبواب، وسهل الحجاب، ورفعت الستور، وجليت المقاصير، وزينت القصور، واقيمت المراتب، ووكل بكل قسم منها كبير من وجوه الخدمة ضم إليه فريق من الأعوان والوزعة، يتصرفون بأمره، ويقفون عند حده، قد أخذوا بخفض الأصوات مع سرعة الحركات وحث الأقدام، فصار من بديع ذلك الصنيع الفخم أن لم يعل فيه صوت، ولا تشكي منه فوت، فطال العجب من استوائه في مثل ذلك المشهد.
قال ابن حيان: ولما بكرت أفواج علية الناس إلى باب القصر مستبقين، وغشيته زمرهم وزرافاتهم مبتدرين، أنزلوا عن دوابهم عند باب المنصب الأول، فأذن لهم بالدخول على مراتبهم، فمشوا وقد حفهم سراة الصقلب الخصيان، وخواص الحشم والغلمان، فأجلسوا في الدار الأولى ذات الحائر الريان. فلما اكتملوا أدخلوا إلى المجلس الكبير. فلما استقر فيه جمعهم خرجت تسمية من الأمير المأمون بإدخال القضاة(7/129)
والفقهاء والعدول ومن يليهم من كبار الناس، دعاهم لذلك ذو الوزارتين أبو [عامر بن] الفرج، فقاموا والسكينة عليهم، يقدمهم قاضي القضاة أبو زيد بن عيسى القرطبي، فأدخلوا بتكريم على تؤدةٍ ورفق، وجيء بهم إلى الدار الكبرى الثانية ذات الساحة الواسعة الزاهرة، ثم وصلوا إلى مجلس قد فرش بالديباج التستري المرقوم بالذهب، وسدلت فوق حناياه ستور من جنسه تكاد تلتمع الأبصار بنصاعة ألوانها وإشراق عقيانها. وقد جلس لهم الأمير المأمون في جانب منه، وحفيده في جانب آخر، فأكب الناس عليه يهنئونه. ويلثمون أطرافه، ويتناغون فيما قد رووا وابتدهوا، وهو يشملهم بإقبال طرفه، ويعمهم بإجمال رده، فيثنون منه إلى حفيده [65] يدعون له، ثم عدل بهم إلى مكان الأطعمة في المجلس الأول - على ذات اليسار من تلك الدار - الواسع القطر الرحب الأبواب، وقد فرش بالوطاء التستري، وعلقت على أبوابه وحناياه ستور الطميم المثقلة ذات الصور المقيدة للألحاظ، وقد مدت فيه صنوف الطعام. فأمعنت هذه الطائفة في الأكل ازدقاماً وسرطاً، واختصاماً وقضماً، وانتهالاً وعلاً.(7/130)
ووصفاء الموائد الحافون من حولهم يطردون الأذية عن مجلسهم بطوال المذاب البديعة الصنعة، المقمعة الأطراف بفاخر الحلية. ولما مضى لهم صدر من أكلهم، نجم لهم الأمير المأمون قائماً فوق رؤوسهم، متهمماً بشأنهم، مبالغاً في تكريمهم، قد حف به أذواء الوزارة وأهل الخدمة وأكابر الفتيان وأعاظم القواد قائمين بقيامه، ولما قضى وطراً من القيام بمكارمتهم صدر راجعاً إلى مرتبته.
ولما فرغت تلك الطائفة جيء بهم إلى المجلس المرسوم لوضوئهم، وقد فرش أيضاً بوطاء الوشي المرقوم بالذهب، وعلقت فيه ستور مثقلة مماثلة، فأخذوا مجالسهم منه، وناولهم الوصفاء الطائفون بهم رفيع النقاويات والذرائر المطيبات في الأقداح والأشناندانات الفضيات المحكمة الصناعات، كادت تغنيهم بطيبها عن الغسل. ثم أدني إليهم إثر ذلك الوضوء في أباريق الفضة المحكمة الصنعة، يصبون على أيديهم في طسوس الفضة المماثلة لأباريقها في الحسن والجلالة، فاستوعبوا الوضوء وأدنيت من أيديهم مناديل يتضاءل لها ما عليهم من سني الكسوة. قم نقلوا إلى مجلس التطييب أفخم تلك المجالس، وهو المجلس المطل على النهر العالي البناء، السامي السناء، فشرع في تطييبهم في مجامر الفضة البديعة بفلق العود الهندي، المشوبة بقطع العنبر الفستقي، بعد أن نديت أعراض(7/131)
ثيابهم بشآبيب ماء الورد الجوري، يصب فوق رؤوسهم من أواني الزجاج المجدود، وفياشات البلور المحفور، ثم أدني إليهم قوارير المها المحكمة الصنعة، الرائقة الهيئة، قد أترعت بالغوالي الذكية، النامة بسرها قبل الخبرة، المتخذة من خالص المسك التبني، ومحض العنبر المغربي، لاءم بينها رشح البان البرمكي، فتناولوا من ذلك حتى لأقطرت سبالهم ذوباناً، وأعادت شيبهم شبانا، فلما استتم هؤلاء الخلة نعيم يومهم، من طعمهم وطيبهم، أقيموا للدخول على المأمون، فسلموا عليه، ودعوا له. فأقبل عليهم أحسن قبول، ورد أجمل رد، وأمر بإدخالهم إلى سيد مجالسه المسمى المكرم، نتيج همته، وبديع حكمته، السائر خبره، الطائر ذكره، المعدوم نظره، ليمتعوا أبصارهم بالنزهة، ولم يكن أكثرهم رآه إلى يومهم ذلك مع علوق وصفه بخواطرهم، فلما رأوه صغر عندهم ما كانوا يستكبرونه من وصفه، ورجعوا أبصارهم فيه، ونبه بعضهم بعضاً على دقائق معانيه.
قال ابن حيان، قال ابن جابر: وكنت ممن أذهلته فتنة ذلك(7/132)
المجلس، وأغرب ما قيد لحظي من بهي زخرفه الذي كاد يحبس عيني عن الترقي عنه إلى ما فوقه إزاره الرائع الدائر باسمه حيث دار، وهو متخذ من رفيع المرمر الأبيض المسنون، الزارية صفحاته بالعاج في صدق الملاسة ونصاعة التلوين، قد خرمت في جثمانه صور لبهائم وأطيار وأشجار ذات ثمار، وقد تعلق كثير من تلك التماثيل المصور بما يليها من أفنان أشجار وأشكال الثمر ما بين جان وعابث، وعلق بعضها بعضاً بين ملاعب ومثاقف، ترنو إلى من تأملها بألحاظ عاطف، كأنها مقبلة عليه، أو مشيرة إليه. وكل صورة منها منفردة عن صاحبتها، متميزة [من] شكلها، تكاد تقيد البصر عن التعلي إلى ما فوقها. قد فصل هذا الإزار عما فوقه كتاب نقش عريض التقدير، مخرم محفور، دائر بالمجلس الجليل من داخله، قد خطه المنقار أبين من خط التزوير، قائم الحروف بديع الشكل، مستبين على البعد، مرقوم كله بأشعار حسان، قد تخيرت في أماديح مخترعه المأمون. وفوق هذا الكتاب الفاصل في هذا المجلس بحور منتظمة من الزجاج الملون الملبس بالذهب الأبريز، وقد أجريت فيه أشكال حيوان وأطيار، وصور أنعام وأشجار، يذهل الألباب [66] ويقيد الأبصار. وأرض هذه البحار مدحوة من أوراق الذهب الإبريز، مصورة بأمثال تلك التصاوير من الحيوان والأشجار بأتقن تصوير وأبدع تقدير.
قال: ولهذه الدار بحيرتان، قد نصت على أركانهما صور أسود(7/133)
مصوغة من الذهب الإبريز أحكم صياغة، تتخيل لمتأملها كالحة الوجوه فاغرة الشدوق، ينساب من أفواهها نحو البحيرتين الماء هوناً كرشيش القطر أو سحالة اللجين. وقد وضع في قعر كل بحيرة منهما حوض رخام يسمى الذبح، محفور من رفيع المرم، كبير الجرم، غريب الشكل، بديع النقش؛ قد أبرزت في جنباته صور حيوان وأطيار وأشجار، وينحصر ماؤهما في شجرتي فضة عاليتي الأصلين، غريبتي الشكل، محكمتي الصنعة، قد غرزت كل شجرة منها وسط كل مذبح بأدق صناعة، يترقى فيهما الماء من المذبحين فينصب من أعالي أفنانهما أنصاب رذاذ المطر أو رشاش التندية، فتحدث لمخرجه نغمات تصبي النفوس، ويرتفع بذروتها عمود ماء ضخم منضغط الاندفاع، ينساب من أفواهها ويبلل أشخاص أطيارها وثمارها، بألسنة كالمبارد الصقيلة، يقيد حسنها الألحاظ الثاقبة، ويدع الأذهان الحادة كليلة.
قال ابن حيان: إلى هذا المكان انتهى تلخيصي ووصفي، وهو جلل عند قرانه بموصوفاته، ووشل عند إضافته إلى مغموضاته. وأبرأ من عهدة التقصير فيه، وأنهجه لمن تعاطى الاقتدار على الإبداع في وصفه.
قال: وتوالى إطعام أفواج الناس في ذلك الإعذار، مجلساً بعد آخر(7/134)
أياماً متوالية، حتى استدعي له من بقايا أصناف الناس وأدونهم حتى الجفلى، وأزعجوا إلى النعيم الذي لا عهد لهم به، دخلوا على التطليق، وحفظوا من ضنك المضيق، وأوسعت مآكلهم من غليظ ورقيق، فالتهموا وازدرموا، ونهلوا وعلوا، ووضئوا وطيبوا.
مجلس الأنس
قال ابن حيان: وذهب المأمون إلى تتميم تكريم زواره من رجال الأمراء الذين استحضرهم يومئذ لشهود فرحته، بمشاهدة مجلس خلوته، وتنعيم أسماعهم بلذات أغانيه، وقد علم أن فيهم من يرخص في النبيذ ولا يسوغ له نعيم دونه، فاحتمل حرج ذلك مبالغة في تأنيسهم، فاحتفل لهم في مجلس قد نضد، وأحضر فيه جميع آلات الأنس. فلما استوى بالقوم مجلسهم، واشرأبوا إلى الأخذ في شأنهم، قرب إليهم أطعمة طيورية جوامد وباردة، وصنوفاً من المصوص والأشربة والطباهج، موائد مترعة اتخذوها بسطاً لنبيذهم. ثم انثنوا إلى الشراب ونفوسهم به صبة، وقد مدت ستارة الغناء لأهل الحجاب، ونظمت نوبة المغنين زمراً، فهاجوا الأطراب، واستخفوا الألباب، ونقلوا الطباع فجاءوا بأمر عجاب، بذهم فيه سابق حلبتهم، المحسد من(7/135)
جماعتهم، الإسرائيلي ذي، الزائد إحسانه على إبراهيم الموصلي، صديق إبليس، الظريف في فتنته، وتخايله بالماخوري المكنون، الذي اغتدى في باطله نسيج وحده، يزدهي العيدان جسه، ويخرس الأطيار شجوه، قاتله الله من آخذ بالقلوب! فطربوا وطرب المأمون ليلتئذ على وفور حلمه. وكان الذي غناه فيها ذي صوتاً شجياً، لحنه من خفيف الرمل، مطلق بالخنصر، في مقطوعة نظمها عبد الله بن الخليفة المقلب بالمصري، وهي:
باكر لبكر الدنان إن ... هداء العروس في السحر
واشرب عقاراً تخال حمرتها ... تحرق أيدي السقاة بالشرر
فإن يحيى أحيا بدولته ... ما قد محاه تصرف القدر
ملك هو الدهر في عزيمته ... يطلع فينا بطلعة القمر فطمح بابن ذي النون الإطراب، حتى حن حنين الناب، وخلع لوقته عليه ثوباً من التستري الأخضر مطرزاً بالذهب، ووصله بمائتي دينار ذهباً، ثم فض الصلات والخلع في سائر الطبقات.
هذا آخر خطاب ابن جابر إليّ بوصف ذلك الإعذار، وجمله التي بسطتها من إدماجه، وسبكتها من نقده. خلا أنه سامني ذكر مقطوعات(7/136)
حشا بها كتابه إليّ، من صنعة صديقه عبد الله بن خليفة المصري. تعاور المغنون في تلك الليلة الغناء بها، وجميعها عندي في نهاية من الضعف [67] والتخلف والتبرؤ من صنعة الشعر، يبغي بها توشيح هذا المشهد الجليل الذي قيلت فيه، ينظمها في عقده، فلم أسعده على ذلك ترفيعاً به عن هجنتها، وتبرئةً لنقدي على استجادة سبكها، ومذمة لزمن غفل أقحم قائلها في زمرة الشعراء، وجسره على إنشاد جلة الأمراء، وطالما عناني هذا الرجل بذكر ابن خليفة هذا وإنمائه إلى النسبة المصرية، وعزوه له إلى المعارف الحكمية، وأنا أحسبه مصري التربة، متطارح الغربة، مستطيراً على بعد النجعة، مرهف الحد، محتنك التجربة، أرتاح لذكره وأود لقياه والأخذ عنه. فأبرزه الفحص لي قطربي التربة، محالي الحومة، سوقي الحرفة؛ ابن جار لي من تجار الخفافين يسمى هليفة، عجمي نبز الأب ب - " المورته " مفجوء الميتة منذ سنوات قليلة. لم أعهد ابنه هذا يرتسم بأدب، ولا يسعى لطلب، إلى أن رمت به النوى قريباً إلى بلاد العدوة لابتغاء المعيشة، فأطال بها الثواء، ولقي الفهماء، وتقيل الجسراء، فكسر إلينا على زعمه مصرياً صليبة، وأديباً باقرة، وشاعراً باقعةً، وحكيماً نطيساً، وظريفاً ممتعاً. كل ذلك من غير طول رياضة، ولا تقدمة معرفة. وما إن يستنكر لقاسم الفضائل بين خلقه أن يجمع منها لواحد ما فرق في جماعة، له القدرة البالغة والحكمة القاهرة.(7/137)
وفي فصل له في ذكر الشعراء
قال ابن حيان: وصار من مناكيد ذلك الصنيع الملحقة به عيب التقصير عدمه لحذاق من الشعراء يجيدون القول فيه، ويحسنون وصفه، فيوفون المبدع له حقه، إذ ألوى ببقاياهم الزمن العصيف المطاول للفتنة، وجاء بأشباه له من شعراء متكلفين مثل الخازباز المضروب مثلة، يهينمون بما لا ودق له من سمائهم، ويفرغون في قوالب تضيق عن إفراغهم، ويجهدون في حشو قوافيهم دون إرهاف للفظ ولا استنباط لمعنىً، فلا يسرون ناقداً، ولا يهزون ممترىً، ولا ينشطون راوياً. وأشق ما على الحائز لهم غلظهم في أنفسهم، واستقصارهم لمن امتدحوه في إخلاله وقعوده بهم، وهي لو عقلوا أقعد وأضيق واقصر وأعكس. فيا ويحهم ماذا عليهم في إلإنصاف من أنفسهم والاعتراف بتقصيرهم، أليس ذلك كان أولى بهم - فما أحسن قول " لا أدري " بمن يدري فضلاً بمن هو بضدها تصاب مقاتله. فلو قلدوا الزمن دؤولهم، ووله نقصهم، واعترفوا لبلواه، لكان أعذر لهم. فجلس لهم المأمون متخذ تلك المدعاة الفخمة في مرتبته ببرطيل المجلس الموصوف في أبهةٍ(7/138)
فخمة ورتبة كاملة مع كبار أهل مملكته من أذواء الوزارات المثنية والمفردة، ومن أصحاب الخطط العليات، وأذن لتلك الحلبة من شعراء [الحضرة] من طارئ وقاطن، وهم نفر عير منوه بهم ولا بأسمائهم، ولا تجانس برواتهم، فدخلوا إليه على هيئتهم يقدمهم شيخهم المقدم من جماعتهم ذلك اليوم، محمد بن شرف القيرواني القريب عهده بالهجرة، بعد خبطعه سمرات ملوك الأندلس بمحجنه، واعتصارهم بقصعته، فأذن لهم بالإنشاد بحسب تطبيقهم، فتقدمهم ابن شرف فأنشد قصيدة أولها: " يريني الهوى أن الهوى لين سهل "، ما إن هي لاحقة بعيون شعره، أطال فيها التشبيب فخلص إلى التهنئة، وقد استفرغ القريحة وطول فما أتى بطائل. ثم تقدم بعد البائس عبد الله بن خليفة الأندلسي المتمصر بزعمه، فيا بؤسى لسابق صلى بعده! فأنشد قصيدة ملفقة، ذات طنين وقعقعة، كثر أبياتها، وقلل أقواتها، أولها: " أرى أثلاث الجوع بالوصل تورق " تركه المأمون أيضاً يتصرف بها، ما إن هزت منه عطاً، ولا أبدت له بسماً. وقام بعده محمد بن زكي الأشبوني، فأنشده شعراً أوله: " اليوم أبهج منبر وسرير " ركب فيها سنن من قبله، ولحق ابن ذي النون سآمة من كلف يومه، فأمر بأخذ بطائق جميع من حضره من الشعراء، وأسلمها إلى(7/139)
وزيره الأثير يومئذ عبد الرحمن بن مثنى كي يتصفحها بفضل أدبه، ويطبق قائلها بحسب معرفته، فيأمر لهم بما يجده. فبدا على [68] الشعر يومئذ انكسار، ولحق أخفافه أنهيار، وأصم به الناعي مسمعاً يندب شجوه بابن اليماني، منادياً ينادي: يا إدريساه، ولا إدريس يومئذ للقوافي، وكل شيء له حتف موافي.
قال ابن حيان: وأكتب إثر هذا الفصل بعض ما اخترته من قصائد هؤلاء الشعراء على ما خيلت لئلا يخلو جيد التأليف من مخشلبها.
فمن قصيدة ابن شرف في ذكر وطنه وحنينه قوله:
تذكرتها واليم بيني وبينها ... وموصولة فيح ومهجورة غفل
ومن دونها حرب عوان وفارض ... ولود لها من نفسها أبداً بعل ومنها في ذكر قصيدته:
يقر امرؤ القيس بن حجر لفضلها ... ويظهر عنها العجز علقمة الفحل
فلو وصلت عمري الليالي لوقته ... لقالت [له] الأشعار ما قالت النمل(7/140)
قال ابن بسام: وأثبت ابن حيان في كتابه لتلك الطائفة المنشدة يومئذ عدة قصائد، ولم يسلك فيها سبيل ناقد. قال: وأما المتكلف المصري فسكل الحلبة، فكان أبطأهم جراءً وأنآهم عن الغاية، لما اجتهد في المتح فجاء بقليل ماء، فوق ظمأه بخمسين بيتاً سدىً، لفقها قصيدة متخاذلة لم يفتق فيها معنى حسناً، ولا قافية حرةً، بل ما زاد على أن صرف النسيب في ست من الخلات مسميات، فضل فيهن إمام المحدثين أبا تمام بزيادة اثنتين، ثم قطع المديح توسعاً مع ما وجده هناك من آجر وجص، فهدف منها فيما لم يعنه عليه طبع، ولا أسعدته صنعة، فكان الذي أبدى كير نفخه من خالص سكبه قوله:
وقد كان لي [في] مصر دار كرامة ... ولكن إلى المأمون كنت أشوق
حللت عليه والمكارم جمة ... وسحب العطايا برقها يتألق انتهى ما لخصته من كلام ابن حيان.(7/141)
جملة من أخبار بني ذي النون وذكر أولية أمرهم
قال ابن بسام: ونتلو هذا الفصل بنبذ لها بهذا الموضع موقع، من أخبار طليطلة البائسة، وشرح الحال التي أبادت مصانعها، وطيرت واقعها، وما آل إليه أمر المملكة القابضة للأنام، المبنية على هدم دعائم الإسلام، المجموعة من افتراق الجماعة، المغلوب عليها أئمة السمع والطاعة. ونذكر طرفاً من حديث مآل أميرها المترف المسرف، الملقب - كان - من الألقاب السلطانية بالقادر بالله، جهلاً من بحقيقته، وتهاوناً بالله وخليقته. خطة ذاده المقدار عن مستقرها، ودعوى دفع الليل والنهار في صدرها، ونأتي أولاً بفصل جوده ابن حيان في ذكر جده إسماعيل المتلقب - كان - بالظافر، رئيس الخلاف، ورأس الإنحارف، وجمهور الجور والإسراف.
قال ابن حيان: وكانت أولية نباهة بني ذي النون من جدهم ذي النون، في أيام الأمير محمد بن عبد الرحمن، وقد اعتل له خصي في طريق قفوله من الثغر فتركه عنده بحصن أقليش يمرضه، فلما أفاق لحق بالحضرة مع الخصي، فأخذ له توقيفاً بتقديمه على حصنه، ثم تداول تلك الخطة ولده إلى أيام الحكم. فلما اضطلع بالدولة ابن أبي عامر، تعلق به المضراس بن ذي النون وإسماعيل ابنه معه، فلما انقرضت الدولة العامرية لحق بالثغر وجمع إليه بني عمه، وخطب من سليمان ولاية أقليش فولاه إياه، ثم تهيأت له قلعة كونكه، وكانت بيد واضح العامري، فلما مات ضبطها إسماعيل منتظراً بزعمه(7/142)
من يجتمع عليه الناس، وتحت ذيله من غلول واضح كثير، حين لم يترك إلا أطفالاً وأمهم حرته، ألقت بنفسها إليه، معتنقة بأمانه، فحصل لإسماعيل البلد. وسطا على مجاوريه من قواد الثغور، فاستقامت له الأمور. وثنى له الوزارة سليمان وسماه ناصر الدولة. فاستقل ذلك كله، وآثر الفرقة، واقتطع جانبه، فكان أول الثوار لمفارقة الجماعة، وفرطهم في نقض الطاعة، ثم اتفقت له أمور اتسع بها عمله، وكثرت جبايته وجمعه. وكان من البخل بالمال، والكلف بالإمساك، والتقتير في الإنفاق، بمنزلة لم يكن عليها أحد من ملوك عصره. لم يرغب في صنيعة، ولا سارع إلى حسنة، ولا جاد بمعروف، فما أعملت إليه مطية، ولا حملت أحداً نحوه ناقة، ولا عرج عليه أديب ولا شاعر، ولا امتدحه ناظم ولا ناثر، ولا استخرج من يده درهم في حق ولا باطل، ولا حظي أحد منه بطائل. وكان مع ذلك سعيد الجد، تنقاد إليه دنياه، وتصحبه سعادته فينال صعاب الأمور بأهون سعيه. وهو كان فرط الملوك في إيثار [69] الفرقة؛ فاقتدى به من بعده، وأموا في الخلاف نعهجه. فصار جرثومة النفاق، وأول من استن سنة العصيان والشقاق، ومنه تفجر ينبوع الفتن والمحن، فتبارك من أملى له، ولم يرض له عقوبة الدنيا مثوبة.
فقد كان أصحابه حفظوا عنه كلمات في سبيل ذكر السلف الصالح زيادة إلى مساوئه. وذلك أنه نوظر في شأن التأمير لبني أمية فقال: والله لو نازعني سلطاني هذا الصديق لقاتلته ولما سلمت له، فكيف أسلم سلطاني لمن يدعى إليه من بني أمية، ممن لا يوجب الله طاعتهم، عترة(7/143)
مروان خيط باطل، الذين لم يسبق لهم صحبة، ولا أدخلهم السلف في شورى الإمامة -
قال ابن حيان: ومن أشهر حكاياته في ذلك، ما أخبر عنه أبو العباس السكري الإسكندري - رجل ممتع الحديث طيب المجالسة - وحضر مجلس ابن حمود بمالقه، فسأله إسماعيل بن ذي النون عن مجلسه معه، فأثنى عليه، فقال أتثني على أدعياء - فعل الله بهم وصنع، فبهت الإسكندراني وقال: معذرة إليك أيدك الله، فإني جهلت رأيك في هذا الرجل مع أني ألزمت نفسي ألا أذم ذا سلطان البتة، وأنت غير منازع في أئمتك المروانية، وهم أهل ذلك منك، أقاديم الملوك، وذو العدل والسياسة. [ومضى] الإسكندراني في إطرائهم ظناً أنه يسره، إذ كان يقول بدعوتهم في ذلك الوقت. فقطع عليه ابن ذي النون بأسوأ من قطعه على الهاشميين، وأنحى على ذم بني أمية فلم يبق، ووصل كلامه بأن قال: توارثوا هذه الإمارة مخرقة وضعها قريش لاستعمال الناس، والناس لأب وأم، والفخار باطل، أحقهم بالملك من استقل به. والله ما أولي غير نفسي، ولا أقوم إلا بسلطاني، ول نازعنيه فلان وفلان - وذكر السلف الصالح الذي كرم(7/144)
الله ذكرهم - لضربتهم دونه بسيفي ما استمسك بيدي. فقام عنه الإسكندراني مبهوتاً وأفشاه في غير أرضه. وأخباره في مشل هذا كثيرة.
انتهى كلام ابن حيان.
فقلت أنا: وليت إسماعيل هذا بقي ووقي، على فظاظة جانبه، واختلاف مذاهبه، وطول إعراضه عن عواقبه، فلقد كانت عليه وقته قليل رقبة، وعند بعض أهبة، لقرب عهده بأيام الجماعة، واستشعاره عودة السمع والطاعة، ولوفور من كان قبله يومئذ من مشيخة ذوي الهيئات، وزعماء سائر الطبقات، ولقد أساء من جاء بعده، ذهاباً في الكبر، وتهاوناً بالأمر، وقعوداً عن النصر، واستظهاراً بأحزاب الكفر، سلمه باطل وبطالة، وحربه غواية وجهالة، في المشركين نجومه وديمه، ولهم مواثيقه وذممه، وفي المسلمين همومه وهممه، وعندهم بوائقه ونقمه.
بلغني أنه لما مات الظافر إسماعيل، كان حملة دولته ورؤوس جملته، الحاج ابن محقور وابن لبنون وابن سعيد بن الفرج. وكان آكد ما عهده إلى ابنه يحيى المتلقب بعده بالمأمون الاقتداء بهديهم، والانتهاء إلى رأيهم. قال بعضهم: فدخلنا عليه لأيام يسيرة من مهلك أبيه، وهو [في] إيوان كبير قد ملأه بنقر الفضة حتى لا فضل فيه عن مجلسه، فأمرنا بالدنو، فبعد لأي ما خلصنا إليه، لكثرة ما كان من ذلك بين يديه، وقد امتلأت صدورنا عجباً، وتقيدت ألحاظنا فما تجد متقلباً، لهذا الاتفاق كيف وقع، ولهذا السحت من أين(7/145)
جمع. فأخذ يفيل رأى أبيه في اختزانه، ويعرض بجمود كان كان في بنانه، ونحن نقول: لعله قد أنف لضياع ثغوره، وتشعث أموره، وانتشار الشرك بإزائه وظهوره. وكأنه فهم ما نحير، وعلم إلى أين نشير، فأظلم ما بيننا وبينه، وازور ازورارة أنكرنا بها أثره وعينه، [وقال:] من حق مثل هذا أن يصرف في مثل ضروب الحلية الرائقة، وأنواع الآنية المؤانقة. وأي معنى في كونها نقر - ما أعجب هذا وما أنكر! هذه بالحجارة أشبه منها بالآت الإمارة. فقال له ابن محقور، وكان أشدهم جرأة، وأثقلهم وطأة، لعزة ركنه، وإدلاله بفضل سنه: إن هذه - أيدك الله - إذا كانت نقراً بقيت ذخيرة زمان، وعدةً لحدث إن كان، ولا تحول آلات إلا بعد نفقة، وتحيف من كل طبقة، ثم لا تزال نصب عين من يرد من رسول، وينتاب من ابن سبيل، وينمي خبرها إلى الطاغية فرذلند فتدعو السياسة إلى أن يخص منها بقسم، ويضرب له في أنفسها بسهم، فزوى عنهم وجهه، ولم يأمنوا نجهه، وثقلوا بعد عليه، ويئسوا من شيء من الفلاح يجري على يديه. وخالفهم إلى ما أراد، فأبدى فيه وأعاد، وآلت حاله إلى ما قال الشيخ: ما لقص ولا زاد [70] .(7/146)
ذكر الخبر عن بعض ما تناهى إليه المأمون
من تشييد البنيان بقصور طليطلة
قال ابن بسام: ثم أخذ المأمون في بناء مجلسه الكبير المكرم بناءً باء بإثمه، وخلا سريعاً من اسمه، لم يخلده في عقب، ولا قضى من لذته به كبير أرب، وكان الذي تولى له رصف بدائعه، وإحكام مصانعه، رجل من مهرة الفعلة، أكثر خلق الله صلفاً، وأشدهم تتايعا وسرفاً. وكان المأمون لعدم نظيره، يحتمل من اعتدائه وتغيريه، وتهاونه بجميع أموره، ما لا مزيد عليه، ولا انتهاء لأحد إليه. واتفق له مع ذلك الصانع أن وعده بتمام مجلسه المشيد قبل إطلال العيد، فرشح ابن ذي النون للجلوس في صدره، والاستظهار على زينة عيده بالفراغ من أمره، وتقدم إلى من كان بحضرته من الشعراء، على قلتهم ببابه، ونفارهم عن جنابه، لقلة نائله، وتفاهة طائله، في وصف مجلسه ذلك وتقريظ مبانيه، والثناء على مخترعه وبانيه، ثم إن ذلك الصانع استمر على ديدنه من الخلاف، وعمل على شاكلته من التهاون والإخلاف. واتفق أثناء ذلك أن ضربت خيل الطاغية فرذلند على بلاد المظفر بن الأفطس؛ وطئتها وطأة محت رسومها، واستباحت حريمها، واجتاحت حديثها وقديمها، وأنست ما كان قبلها من جب الذروة، وانصداع المروة، وأيأست من البقاء، وآذنت(7/147)
بشمول البلاء. فأخبرت عن وزيره أبي المطرف بن مثنى أنه كان يومئذ بمنزلة بين الوجوم والإطراق، وعلى نهاية الحذر والإشفاق، إذ وردت رسل المأمون عنه تترى، وهجمت عليه زمرةً بهد أخرى، فدخل عليه فوجده قد استشاط حنقاً، حتى كاد يتميز شققاً. فظن أن ذلك الضجر، لما كان ورد به الخبر من ضرب الخيل على بلد المظفر، وإخفار الذمم، وزلة القدم، وانهتاك الحرم. فطفق ابن مثنى يبسطه ويقبضه، تارةً يسليه وتارةً يحرضه، وطوراً يقول له: فيك الخلف مما فات، ومرة يقول: قد آن لك أن تنكر على الطاغية هذا الافتيات. فلما فهم منحى ابن مثنى منه، أعرض عنه، وقال له: ألا ترى هذا الضالع الفاعلي الصانع - يعني عريف بنيانه - صبرت له وأغضيت، وفعلت به كيت وكيت، فما زاد إلا تنغيصاً للذتي، واستخفافاً بإمرتي، وتصغيراً لشاني، واجتراء على سلطاني. وهبت ريحه العقيم، تقعد في غير شيء وتقيم، فسقط في يد ابن مثنى وانكسر إنكسارة تبينها ابن ذي النون فيه. ولم يجد بداً من أن قال له: هون عليك، والكل طوع يديك، وناهيك، وأنا أكفيك؛ وخرج ومثل بين يدي ذلك الصانع يعده ويمنيه، ويداوره ويداريه، والصانع مقبل على شأنه، ما أمره بالجلوس، ولا زاده على التجهم والعبوس، فبعد لأي ما ضرب له مثل العامة وهو قولهم: ما أفرس الجالس. ثم قال:(7/148)
وبالحري والله أن يتم إلى عبد آخر، فليجهد جهده، وليأت بكل ما عنده. فرجع ابن مثنى إلى ابن ذي النون وهون عليه الشأن، وخفف لديه ما كان. وخرج لا يدري من أي الثلاثة يعجب: أمن اغترار [ابن] ذي النون وجهله، أم إفضاء الضرورة بنفسه إلى خدمة مثله، أم من جرأة ذلك الصانع القصير اليد، النزر العدد، على ذل [ابن] ذي النون وذله.
قال ابن بسام: فتبارك من أحاط بالأشياء، ولم يخف عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ومن جعل اليوم ذلك القصر العجيب بنيانه، الهادم - كان - للدين والدنيا شانه، مربطاً للأفراس، وملعباً للأعلاج الأرجاس، من رجال الطاغية أذفونش بن فرذلند، بدد الله شيعته.
ذكر الخبر عن مآل حفيده المتلقب بالقادر
مع (ما) يتشبث به من خبر نادر
قد ذكرت في القسم الثاني من هذا المجموع ملك جده المأمون بقرطبة، ويعود بنا القول إلى ما بدأت به من ذكر حفيده المتخذ له(7/149)
ذلك الصنيع المعدود على الأيام ذنبه، الباقي في صفحة الإسلام ندبه، وقد ذكرت أيضاً في القسم الثالث منه مهلك حفيده ببلنسية، وأوضحت صبحه، واستوفيت شرحه، وأجرد هاهنا القول في أخذ طليطلة من يديه، ودوران الدائرة السوء بها على المسلمين وعليه، وما تعلق بأذيال ذلك من غريبة، وانخرط في سلكه من أعجوبة.
كان يحيى حفيد ابن ذي النون ركين المجلس، ثري المغرس، حلو الحوار، لين التصرف بين الإيراد والإصدار، مليح شبا الخط [71] هذه كانت فضائله فقط. لم يكن له ولسلفه قبله باع في الطلب، ولاحظ في الأدب؛ وكان - زعموا - آية في قرب غوره، وسكون فوره، والحور بعد كوره، إمعة إمره، أجبن من قبره: إن حزم لم يعزم، وإن سدى لم يلحم، إلى ما كان يغرضه من غرض، ويلزمه أكثر مدته من مرض، من ذرب لازم - زعموا - كان لمعدته، واستحرار حاسم لمرته، وقد كان جده المأمون قسم الحضرة قسمين(7/150)
وأدار سياستها على رجلين، فجعل تدبير الأجناد، والنظر في طبقات القواد، إلى سائر الشؤون السلطانية، والأعمال الديوانية إلى ابن الفرج، وبقية الإصدار والإيراد، والنظر لجماهير الناس وكواف البلاد، والرأي والمشورة، والصغيرة والكبيرة، إلى الفقيه أبي بكر بن الحديدي، رجل كان له قدم وإقدام، وعنده نقض وإبرام، وكان قد عهد لحفيده هذا المرشح لأمره متى ورث سلطانه، وتبوأ مكانه، أن يشد على ابن الحديدي كلتا يديه، ولا يفتات بأمر من الأمور عليه. وأخذ الموثق الغليظ على ابن الحديدي ليبلغن كل مبلغ في شد أزره، وتثبيت أمره علماً باستقلاله، واستنامة إلى يمن مناقبه وخلاله، وحفظاً لما كان عنده من يده في إقامة أوده، وممالأته على أهل بلده. وقد كان أكثرهم فيما سلف نفروا عنه، وهموا بالاستبدال منه. فنكث أبو بكر هذا قوى مكرهم، وخاطب المأمون يومئذ إلى بلنسية بجلية أمرهم، خوفاً من الفتنة، وتفادياً من المحنة. فانكدر المأمون من حينه إلى طليطلة وقد ضاق ذراعاً، وكادت نفسه تذهب شعاعاً. وأدار الحيلة على مشيخة طليطلة في خبر طويل حتى سجن عامتهم بمطبق حصن [وبذة] ، أخرى قلاعة المنيعة، ولم يزالوا بها حتى شاب الشباب، وبليت الأحقاب، وتلك اليد كان المأمون يراعي لابن الحديدي، فوضع في حياته زمامه بيده، واستخلفه بعد وفاته على بلده وولده.(7/151)
مقتل الفقيه أبي بكر بن الحديدي
فلما هلك المأمون بقطربة ونعي بطليطلة وماج بعضها في بعضها، وانطبقت سماؤها على أرضهلا، احتوشت إلى حفيده، اللابس لبروده، جملة ممن كان يتعلق بسببه، وينسب إلى وطء عقبه، وطفقوا يغرونه بأبي بكره، جماع أمره، ومظنة تأييده ونصره، لما كانوا يدبرون من التقلب عليه، ويتوهمون من ضعفه على ما في يديه، وخوفوه غوائل ختله، وزعموا أن سلطانه لا يتم إلا بعد الفراغ من قتله. وقد كان أثيره أبو سعيد بن الفرج ينهاه عن إخفار الذمام، ويخوفه سوء عواقب الأيام. فركب هواه، وخالف ناصحه وعصاه، وجرد قطعةً من جنده، وأمرها باستقبال تابوت جده في طريقهم من قرطبة، وأنهى إليهم سراً قتل ابن الحديدي المستقل بحمله، الناظم لأشتات فله. وقال لهم: إذا التقيتموه فكونوا حوله، وعظموا قوله، فإذا امكنتكم غرته، وبدت لكم ثغرته، فاقتلوه كيف أمكن، وعلى ما ظهر وبطن، ونما الخبر إلى ابن الحديدي فكفر بطاغوتهم، ونفض يديه من تابوتهم، ونكب إلى بعض ضياعه، في لمة من شيعته وأتباعه. فاضطرمت الصدور، وبطل ذلك التدبير، ثم وافى البلد ليلةً وقد استوحش من أنسه، وأوجس خيفةً في نفسه، وأصبح في المدينة خائفاً يترقب، ونادماً يتتبع ويتعقب، يعض يديه(7/152)
ويحسب كل صيحة عليه. وطفق أصحاب ابن ذي النون بزعمه يقولون: قد حذرك، وتيقن خبرك، ولا يصلح لك أبداً، ولا يرد عن مكروهك يدا. ومشت بينهما الرسل، وأعملت في اجتماعها الحيل، فركب إليه ذات يوم، وقد أخذ حذره، وحشد عرفه ونكره، واستبطن من كان تبعه يومئذ من الدهماء، وتعلق بركابه لمشهد أمره من الغوغاء. فملأوا أفنية القصر أسرع من الماء إلى الصبب، وأهول من النار في الحطب. فحين ارتفعت الأصوات، وغصن بهم العرصات، ارتاع ابن ذي النون، فأمر ابن الحديدي بالخروج، فخرج والدولة متعلقة بأذياله، وطبقات أعيانها عن يمينه وشماله، والعامة بين يديه ومن خلفه، يتمسحون بآثاره، ويرفلون في غباره، وهو يشكر صنيعهم، ويعم بالثناء جميعهم. وكان عندما أذكى عيونه، وحشر شياطينه، قد أوقع تهمته على شيخين من شيوخ الخدمة يدعيان مؤملاً وابن صروم، فأغرى العامة باستئصالهما، وتحبب إليهم [72] بنهبة أموالهما، فكانا عنوان الفتنة، وباكورة المحنة.
وقد حدثت أن ابنه أشار عليه يومئذ بالفراغ من شيعة ابن ذي النون ففيل رأيه، واستقصر سعيه، وبود طليطلة البائسة لو أنه فعل، ولو أمضاها ما اختلف بها اثنان، ولا انتطح فيها عنزان.
وزين هذا الحزب المعلن بشره، من شيعة ابن ذي النون المغلوب على أمره، لصاحبهم اللجاج في غدره، والتمادي على غلواء مكره(7/153)
وأرته أن ذلك من سعيها لا يستوي على سوقه، ولا يخلو بسواء طريقه، إلا [بإطلاق] تلك الطائفة المغربة بمطبق وبذة، المحترقة أفلاذ أكبادهم، بنيران دمهم وأحقادهم: داء دفين، وشر مضمون. وسولوا له أنه إذا فك أغلالهم، ووصل بحبل الحياة حبالهم، غسل جوانحهم، وتألف نصائحهم، وشاركهم في ذوات صدورهم، واعتد عليهم منة نشورهم، والبعثة من قبورهم. فأثار منهم مدى وشفاراً، [أعد] بهم لخراب ملكه أعواناً وأنصاراً. فأدخلهم البلد سراً من بعض مداخله الخفية، وقد سترهم باللثم، وأوهم أنهم بعض الحرم، حتى وصلوا إليه، ومثلوا بين يديه، وذلك اليوم يوم الجمعة لعشر خلت لمحرم سنة ثمان وستين.
وكان الذي مالأ ابن ذي النون على ذلك، وسهل له - زعموا - تلك المناهج الخبيثة والمسالك، الفقيه ابن المشاط متولي القضاء كان يومئذ بقونكة. وكان أبو بكر بن الحديدي [يألفه] ويسكن إليه قديماً، فاستدرجه بالأمان، واستفزه إلى مصرعه يومئذ بمزورات الأيمان، حتى جرعه رداه، وأسلمه إلى عداه. ودخل ابن الحديدي يومئذ القصر، والمقدار يزعجه، والخائن الغدار ابن المشاط يستدرجه، فلما أنضى إلى مجلس ابن ذي النون رأى وجوهاً قد أمنها مما تخوفها(7/154)
وأنكرها من طول ما عرفها، فأيفن بالشر لا خلاص، ولات حين مناص، ثم وطن لمحنته، واتكأ فضل منته، فجاذبهم أطراف الخصام، وطلع عليهم من ثنايا النقض والإبرام، فقام ابن ذي النون من موضعه وابن الحديدي متعلق بأذياله، مستجير به من أقتاله. فشغبوا عليه وشغلوه، وأحاطوا به حتى قتلوه، فقضي الأمر. وانقضى العجز والصدر. ولما أحست العامة بقتله، وهمت بسلاحها من أجله، ثار أولئك المخرجون في وجوههم، أطلال في أسمال. فأخذ كل واحد منهم بطرف من الطريق، وذهب ممن كان هنالك من العامة بفريق، بين صديق لهم يسر، وعدو يفر، وتشاغلوا بنهب دور بني الحديدي حين عجزوا عن نصرته، وعلموا أن لا سبيل إلى كرته. ولم يكن إلا كاملا، حتى أصبحت حبلا رثا، وهباءً منبثا.
وظن ابن ذي النون [أنه] قد راع أحشاء الأيام بفتكة براضية، وهتك أستار الخطوب عن حيلة عمرية. ولعمري لقد راع ولكن آمن سربه، ولقد هتك ولكن حجاب قلبه، أخلى وجهه لشرار أغمار. لم تكن لهم أحلام تحجرهم، ولا حلوم توقرهم، أذبة شهوات، وفراش ضلالات، أغضى الزمان لهم هنية فظنوا أنهم قد أعجزوه وانتهزوه، فوجدهم مغترين ليس لهم سلاح إلا مقاتلهم، ولا بهم حويل إلا تدابرهم وتخاذلهم، ونفث على نفسه من أولئك(7/155)
المخرجين شرار زناد، وأسرار عدوات وأحقاد، أحلاس السجون والأهوال، وبقايا القيود والأغلال. فلم يزد بموت ابن الحديدي وحياتهم على أن كان الشر سبباً فأصبح أسباباً، والناس حزباً فتفرقوا أحزاباً. وانتبذ ابن عبد العزيز لتلك الوهلة ببلنسية من جماعته، وخلع يده من طاعته، إلا هدنة على دخن، يتطارد له بصيدها، وينشده عن كيدها:
أحبك في البتول وفي أبيها ... ولكني أحبك من بعيد وفغر الطاغية أفونش بن فرذلند فمه على ثغوره المثغورة، فجعل لوقته يطويها طي السجل للكتاب، وينهض فيها نهضة الشيب في الشباب. وابن ذي النون يلقمه أفلاذ كبده، ويرجمه بسبده ولبده، وأذونش لعنه الله لا يقنع منه بصيد العنقاء، ولا ببيض الأنوق، بل يكلفه إحضار الأبلق العقوق، ويسومه درك الشمس، ويطلبه برد أمس. فلما أكل الإنفاق ثبج ماله، وأخذ الخناق بكظم احتياله، وأحس العدو المشاق بذلك من حاله، سما إلى معاقله المنيعة، وذرى أملاكه الرفيعة، عدد الأنام، ودروب الإسلام، فما راهنه منها عليه غلق، وما رام أخذه من يديه لم يدركه حتى مزق [73] .(7/156)
فرار حفيد ابن ذي النون من طليطلة ودخول المتوكل
وانجرت الحال بينه وبين أولئك الشيوخ المخرجين من المطبق بمقدار ما رقعوا خروقهم، وجمعوا فريقهم؛ فلما استوثق أمرهم، وثاب إليهم شرهم، دلفوا لحزبه الذنوبي البسيس، تحت إحدى ليالي جديس؛ أرغت عليهم سقب السماء، وتمخضت لهم بالداهية الدهياء، ورؤسهم بأيدي الولدان لعباً، وأتى ابن ذي النون صريخهم تلك الليلة فصادف منه رأياً مغلوباً، وقلباً منخوباً، طار به الذعر ففر ودونه من عبيده أسد الشرى، والأسوار شامخة الذرى، كأنما ناجته القتال أضغاث حلمه، أو رأى وجوه الأقتال في وجوه حرمه، تجفل الظليم، لا يحفل بالعار المقيم، ولا يصيخ إلى الصديق الحميم. حدثت أن زوجه بنت المظفر بن أبي عامر، طريد جده - كان - من بلنسية، وابنته منها تبعتاه يومئذ راجلتين نيفاً على فرسخين، حتى أدركتا بمركوب، وقد أخذ الجهد منهما بأوفر نصيب، واجتمع مشيخة طليطلة بفناء القصر، مرتبكين بين اللجاج والذعر، عامتهم تتطاول بزعمها إليه، وخاصتهم تتحيل المثول بين يديه، وهم يظنونه بحيث يرى ويسمع، ويتوهمون أنه سفعل ويصنع، فوجدوه قد أذعن للدنية، وخرج من بعض تلك(7/157)
المخارج الخفية، ومشى القهقري، قبل عير وما جرى، فاستأسدت كلابهم لأكل لحم ليس له ناصر، وهزج ذبابهم أثناء روض ليس [له] وارد ولا صادر. ولقوا يومئذ في سؤر الطاغية أذفونش من تلك الجواهر المكنونة، والذخائر المصونة.
وتلاحق بابن ذي النون بقية سربه المنفر، وفل عسكره المدبر، بحصن من حصونه. وأقام أهل طليطلة بعده أياماً ولا كالسائمة المهملة نام راعيها، وأكبثت مراعيها، يتهادون لحماً بين قديد ومعجل، ويرتمون بشحم كهداب الدمقس المفتل، في هياط ومياط، ولجب واختلاط، ليس عليهم أمير، ولا فيهم إلى الصواب مشير، وتشاوروا في أي ملوك الطوائف يحكمونه فيهم، ويلقون إليه بأيديهم، فطار طائرهم، واختلفت بوطنهم وظواهرهم، واشرأب من كان يليهم منهم لمملكة لم يحكموا إليها أسباباً، وغنيمة لم يوجفوا عليها خيلا ولا ركاباً.
وكان عندهم يومئذ أبو محمد يوسف بن القلاس البطليوسي أحد(7/158)
عفاريت الظلال، وأكلة الأموال، من رجل أجرأ خلق الله على دم وهو أجبن ممن صافر، وأجسرهم على ركوب ثبج محرم وهو أضعف من لحظ فاتر، نبهت تلك الفتنة على قدره، ورفع عدم الرجال صوته بذكره، فهبت ريحه شمالاً وصبا، واتخذ سبيله في البر والبحر عجبا، فعرض عليهم بصاحبه المتوكل عمر بن المظفر ابن الأفطس، وأعرب لهم عن لين مكسره، وضيق مسافة نظره، واشتغاله باللذات عن أكثره، فقالوا: برد كبرد، ما أشبه سعدا بسعد! فأتاه سفيرهم، وخف إليه عيرهم ونفيرهم، فجاءهم ينظر من خفاء، ويمشي على استحياء، كودنا ساموه خطة سباق، وحبينة أقاموها على ساق، فدخل طليطلة عقب سنة اثنتين وسبعين، وأقام عندهم نحوا من عشرة أشهر، أضل من يد في رحم، وأذل من لحم على وضم.
[و] قد كان ابن ذي النون حين انفلت من يد المقتنص، انفلات الحمامة من القفص، تهيأ له دخول كونكة في خبر طويل، فثاب إليه حسه، ورجعت قليلا نفسه، وراسل الطاغية أذفونش، وهو بحيث ينتهز الفرسة، ويسمع القصة، فذكره ابن ذي النون سالف(7/159)
عهده. وشهد عنده أنعم جده، فبالزناد الذنونية - زعموا - وريت ناره، ومن التلاع المأمونية تدفق تياره، أيام كان اسم هذا الطاغية مخمولا. وصعبه ذلولا، بتغلب، أخويه شانجه وغرسية عليه، وأخذهما طرفي سلكه من يديه، فآواه المأمون ابن ذي النون ونصره، واستقل بسلطان طاغوته حتى أظهره، وعند الله جزاء موفور، وإليه منقلب ومصير، فلبى دعواه، وسمع شكواه، وأظهر الارتماض لما عزه وعراه. وأقبل معه إلى طليطلة يرد ماء بماء، ويسر حسوا في ارتغاء يورد وردا إليه صدره، ويجلب حلبا له أكثره، والمتوكل بها طليح جفان، طريح أكواب ودنان، مكبا على قمش ما نحته المحنة، وتجافت عن انتهابه الفتنة، من فرش فخم، وسرادق ضخمن وآنية وكتب، وصعد من آلة الملك وصبب، حتى اجتمع عنده من خبث زبرتها، وغثاء غمرتها، مع ما أذابوا له صدر مقدمه من شحم سنامها، وأفاضوا من برد وسلامها، جملة علمته الجلوس في الصدر، وأرته الفرق بين الخل [74] والخمر، وأهل طليطلة الممتحنون، في غمرتهم، في غمرتهم ساهون، وعلى أعقابهم ينكصون، يخوضون ويلعبون، ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.(7/160)
خوارج المتوكل من طليطلة، ورجوع ابن ذي النون إليها
فلما تمكن المتوكل من الري والشبع، تذكر عواقب الطمع، ورأى أنه إن زاد على ملء بطنه. كان كالسراج المنغمس في دهنه؛ فكايدهم بفراره، وأجلى مبادراً إلى بطليموس دار قراره، ينشد:
إن الله يرجعني من الغزو ولا أرى ... وإن قل مالي طالباً ما ورائيا ومن غريب تأويل الأحلام، أن رجلاً رأى المتوكل قبل دخوله طليطلة بأعوام، كأنه يأكل فيها طعاماً فيه سلق مع رجلٍ يسمى يوسف، ففسرها الأديب أبو عمر فتح المعروف بابن برلوصة، وقال: إن المتوكل سيدخلها على يد رجل يسمى يوسف، وينالان من مالها وذخائرها، لكنهما يسلقان بالألسنة فيها. ويقبح الحديث عنهما، فخرجت الرؤيا كما فسر.
ولما دخلها وحصل إليه منها ما حصل فر وتركهم كالسفينة خانتها الريح، والجسد بان عنه الروح، بين ناب الطاغية أذفونش وظفره(7/161)
يقدح لهم نار الفتنة عن حجره، ويريهم الموت في أهول صوره، مقسماً لا يبرح العرصة حتى يفي لابن ذي النون بضمانه، ويكافئه على سالف إحسانه. وكان عاقده ابن ذي النون أنه إذا ضرح قذاها، وأماط أذاها، واقتضى دينها، خلى بينه وبينها. هذا [ما] أضمره، فأما الذي أظهر، فإنه وعده أداء جملةٍ من المال، لا تفي به مدة الإقبال، ولا إرخاء الحال، راهنه بها أبناء الأمجاد، وبقيا معاقله الأفراد، وألقى أهل طليطلة بأيدي الصغار، على حين أيقنوا بالبوار، وضاقت عليهم أنشوطة الحصار. فجاء ابن ذي النون يقدمه أذفونش، وهو يظهر من التزام بره، وإعزاز نصره، ما بهر العقول. وكثر القال نوالقيل، حتى زعموا أنه رفع صوته يدعو إليه، وترجل يمشي بين يديه، وصار أعجب من تورط في حبائل كيده، وجعل الضرغام بازاً لصيده. وكم رام أهل طليطلة قتل ابن ذي النون في أثناء تلك الوشلات مرارا، ولكنه بلغ مداه، وكره الله لقاءه فأبقاه، وكانت لله فيه مشيئة أمضاها، وقضية أنظر به إناها، لذلك ما خبأته صروف الأيام، وسلم من الحمام إلى الحمام، فلما كان يوم النحر سنة أربع وسبعين، نهدوا له(7/162)
في عددهم وعديدهم، وزحفوا إليه بحدهم وحديدهم، فتجاوالوا عامة يومهم في شوارعها، يتراموان بدوامغ الحتوف وقوارعها؛ فأجلت الحرب عنهم قد شرقوا بغصتها، وخلوا بينه وبين عرصتها. وتساقطوا على أذفنوش يشكون ابن ذي النون إليه ويستصرخونه عليه. فرماهم بحجر، ولبس لهم جلدة نمر. فتفرقوا بكل سبيل، وطاروا على كل صعب وذلول، حتى مات ابن مغيث كبيرهم الذي علمهم السحر، وطاغوتهم الذي شرع لهم الكفر. بشيمتور من أرض قشتيلة بين الدنان والصلبان، فساروا وإلى الله إيابه، وعليه حسابه. ورجع بنوه أخيرا فانتزوا بمدينة مجريط، وانحشر إليهم ذؤبان الوقائع، وأذبة المطامع فكانت بين ابن ذي النون وبينهم أيام عدتهم له عدا، وساقتهم إليه وردا، حتى باد جمهورهم، وتلاحقت أعجازهم وصدورهم. وبلغ ابن ذي النون من هدم ربوعهم، وصلبهم على جذوعهم، ما يبرد صدر الموتور، ويضحك سن الموت المبير.
بقية الحديث عن شؤون ابن ذي النون بطليطلة
وإسلامها لظهيره الطاغية أذفنوش، وما انطوى في ذلك
من خبر، والتف به قبيح أثر
قال ابن بسام: وأخذ ابن ذي النون أهل طليطلة لحين استقراره فيها بفك تلك المعاقل، وأداء ما كان ضمن لأذفنوش من الأموال(7/163)
الجلائل؛ فضرب مدبرهم بمقبلهم، وولى آخرهم كبر أولهم، حتى طمع فقيرهم في غنيهم، واجترأ ضعيفهم على قويهم، وأصبح الرجل منهم يرتاع من ظله، ويلتفت وإنما هو بين أهله. وانكدر أذفنوش على طليطلة ينتسف مرافقها، ويقعد لجالية أهلها ثناياها ومضايقها، يأسر ويقتل، ويحرق ويمثل. وسما السعر، وتفاقم الأمر، وأنكرت الموارد والمصادر، وبلغت القلوب الحناجر.
وكان من غريب ما اتفق [75] وعجيب ما انتظم من ذلك واتسق، أن البر كان على زعمهم يمكث عندهم من خمسين سنة لا يؤثر فيه طول القدم، ولا يخاف عليه آفة العدم، ولم يرفع مدة الفتنة من البيادر - على تعذر بذره، وضيق الحيلة من محاولة شيء من أمره - إلا وقد بدا البلى عليه، وأسرعت الآفة إليه، أمر من الله لم يكن له مرد. ولا منه بد. ولما شمل البلاء، وفدحت البأساء، وأتى على أكثر أهل طليطلة القتل والجلاء، وقضى الطاغية أذفنوش - قصمه الله - قضاءه من استباحة الحريم، واستئصال الراحل والمقيم، وإتلاف الموجود والمعدوم، أسرى تحت الليل، في قطعة غير وافرة من الخيل، فنزل المنية المصورة التي كان المأمون يحشد إليها كل حسن، ويباهي بها جنة عدن، ويقلب الحوير في جيد بنيانها، والإشادة بشانها، ظهرا لبطن. فاتخذ عروشها مرابط لأفراسه، وإيواناتها ملاعب لأراذلته وأرجاسه. وهجم الشتاء فمنعه من ميرة تأتيه(7/164)
أو مدد يوافيه، فأقام نيفا على شهرين لا يسيغ الشراء، ولا يملك المجيء ولا الذهاب، ليس له شوكة إلا ظل لوائه، ولا مدد إلا ضعف من كان بإزائه. ولولا اهتبال ملوك الطوائف بأقامة موافقه، وإصغاؤهم إلى هدر شاشقه، لطار شعاعا، وذهب ضياعا. وطفق أهل طليطلة يستصرخون من حولهم، ويعملون في ذلك فعلهم وقولهم، فيعكفون على طلل بائد، ويضربون في حديد بارد. فلما نأى الشتاء بجانبه، وخلى بين كل ذاهب ومذاهبه، سال بأهل طليطلة سيل لا يقوم له سهل ولا فجر. واضطر من أخطأته الحوادث، وتخطته تلك الخطوب الكوارث، - من أشدها ضيق الحصار، وكلب البوار، وإبطاء المرافق والأنصار - إلى مداخلة الطاغية أذفنوش، فشرعوا في ذلك غير مظهرين للاستسلام، ولا متبرئين من الصبر على ضنك ذلك المقام. طمعا في أن يغروه ولو باغلاء سوم، ويخدعوه على أذماء نفوسهم ولو ببياض يوم، إشارة الغريق إلى الساحل، واستراحة المحتضر إلى الطبيب الجاهل؛ فأبى أذفنوش إلا عرصة الدار. وأم الأوطار، ولجاجا بين التمادي والاستمرار، لعلمه أين ينتهي طلقهم، وتقديره لما عسى أن يفي به رمقهم. فخرج من أعيانهم جملة إلى مضرب أذفنوش في بعض تلك الأيام، وقد ضاق المجال، وتلمظت الآجال، وأقبلت الحتوف تختال، فقام الحجاب دونه، وقالوا: هو نائم فكيف توقظونه - فعدلوا إلى مضرب ششنند(7/165)
شره العتيد، وشيطانه المريد، وهامانه الذي أوقد له على الطين، وعلمه الدفع بالشك في صدر اليقين، أحد أعلاج ابن عباد - كان - من رجل متوقد جمرة الذكاء، بعيد المذهب بين الجرأة والنكراء، سفر بين المعتضد والطاغية فرذلند، فعقد وحل، ونهض بما حمل من ذلك واستقل. ثم خاف المعتضد على نفسه، فنزع به عرق اللوم، إلى المقر المذموم. واستقرت قدمه بجليقية، فاضطلع بالدروب والثغور، وغلب على سائر السياسة والتدبير. وصار بعد قصارى ملوك الطوائف بالجزيرة نظرة من اهتباله، وأدنى خطرة من باله، فأدخل على أذفنوش يومئذ جماعة فوجدوه يمسح الكرى من عينيه، ثائر الرأس، خبيث النفس، وجعلوا ينظرون إليه وهو يضعف ثغامة رأسه، فما نسوا دفر أطماره، ودرن أظفاره. ثم أقبل عليهم بوجه كريه، ولحظ لا يشكون أن الشر فيه، وقال لهم: إلى متى تتخادعون، وبأي شيء تطمعون - قالوا: بنا بغية، [ولنا] في فلان وفلان أمنية، وسموا له بعض ملوك الطوائف، فصفق بيديه، وتهافت حتى فحص برجليه، ثم قال: أين رسل ابن عباد - فجيء بهم يرفلون في ثياب الخناعة، وينبسون بألسنة السمع والطاعة. فقال لهم: مذ كم تحومون علي، وترومون الوصول إلي - ومتى عهدكم بفلان، وأين ما جئتم به ولا كنتم ولا كان - فجاءوا بجملة ميرة، وأحضروا بين يديه كل خيرة خطيرة. ثم ما زاد على أن ركل ذلك برجله، وأمر بانتهابه كله؛ ولم يبق ملك من ملوك الطوائف إلا أحضر يومئذ رسله، وكانت حاله حال من كان قبله. وجعل أعلاجه يدفعون في ظهورهم، وأهل طليطلة يعجبون من ذل مقامهم ومصيرهم، فخرج مشيختها من عنده وقد سقط في أيديهم. وطمع كل شيء فيهم. وخلوا بينه(7/166)
وبين البلد، لثلاثة أيام من المشهد. ودخل طليطلة على حكمه، وأثبت في عرصتها قدم ظلمه، حكم من الله [76] سبق به القدر، فلم يكن منه وزر.
وخرج ابن ذي النون خائبا مما تمناه، شرقا بعقبى ما جناه، والأرض تضج من مقامه، وتستأذن في انتقامه، والسماء تود لو لم تطلع نجما إلا كدرته عليه حتقا مبيدا، ولم تنشئ عارضا إلا مطرته عذابا فيه شديدا. واستقر بمحلة أذفنوش مخفور الذمة، مذال الحرمة، ليس دونه باب، ولا دون حرمه ستر ولا حجاب. حدثني من رآه يومئذ بتلك الحال وبيده اصطرلاب يرصد يرصد فيه أي وقت يرحل، وعلى أي شيء يعول، وأي سبيل يتمثل، وقد أطاف به النصارى والمسلمون، أولئك يضحكون من فعله، وهؤلاء يتعجبون من جهله.
وعتا الطاغية أذفنوش - قصمه الله - لحين استقراره بطليطلة واستكبر، وأخل بملوك الطوائف في الجزيرة وقصر، وأخذ يتجنى ويتعتب، وطفق يتشوف إلى انتزاع سلطانهم والفراغ من شانهم ويتسبب. ورأى أنهم قد وقفوا دون مداه، ودخلوا بأجمعهم تحت عصاه.
وولى ششنند المذكور تدبير طليطلة. فهون عليهم الرزية، وحبب إليهم إعطاء الدنية، بما أراهم من سهولة مرامه. وبسط فيهم من عدل أحكامه، حتى استمال قلوب أعلامها، وحبب التنصر إلى عامة طغامها. وفجأ المسلمين من اختلاف أهوائهم، وتنصر سفهائهم. ما ضاقت عنه صدور الأيام، واضطربت له قواعد الإسلام. وقد كان من رأي ششنند الإبقاء على أهل طليطلة. وقال لأذفنوش: لست(7/167)
تجد بمن تعمرها، ولا تظفر بعامل أطوع من ابن ذي النون يدبرها، فأبى أذفنوش إلا لجاجا في سفهه، وانحطاطا في حبل شرهه. فلما تهيأ له ملكها. وانتثر في يديه سلكها، قال له ششنند: اخفض جناحك لأهلها، واستجلب جاليتها بما تمد من ظلها، ولا تلح على ملوك الجزيرة فلست تستغني عنهم، ولا تجد عمالا أطوع منهم، فإنك إن أبيت إلا الإلحاح عليهم، والتسرع بالمكروه إليهم، نفرتهم عن ذراك، وأحوجتهم إلى مداخلة سواك. فكان من صنع الله أن اتهم أذفنوش يومئذ منحاه، وخالفه إلى ركوب هواه، وشرع لوقته في تغيير المسجد الجامع بها، خاتمة النوائب، ونكبة الشاهد والغائب. فقال له ششنند: إنك إن فعلت أوغرت الصدور، وأبطلت التدبير، وسكنت من نشط، وقبضت من انبسط، فشمخ أفنوش - لعنه الله - بأنفه، وثنى من عطفه، وأصغى إلى طنانة جنونه وسخفه، وأمر بتغيير المسجد الجامع يوم [.....] لربيع الأول سنة ثمان وأربعمائة. وحدثني من شهد طوغيته تبتدره، في يوم أعمى البصائر والأبصار منظره، وليس فيه إلا الشيخ الأستاذ المغامي آخر من صدر عنه، واعتمده في ذلك اليوم ليتزود منه، وقد أطاف به مردة عفاريته، وسرعان طواغيته، بأن أكمل، ثم قام ما طاش ولا تهيب، فسجد به واقترب، وبكى عليه مليا وانتحب، والنصارى يعظمون شأنه، ويهابون مكانه، لم تمتد إليه يد، ولا عرض له بمكروه أحد.
وقد حدثت أن شيعة أذفنوش - لعنه الله وبددها - أشاروا عليه يومئذ بلبس التاج، وزينوا له زي من سلف بالجزيرة قبل فتح المسلمين(7/168)
إياها من أعلاج، فقال: لا، حتى أطأ ذرون الملك، وآخذ قرطبتهم واسطة السلك. وكان أعد لمسجدها الجامع - حمى الله ساحته من الخطوب الروائع - ناقوسا تأنق في إبداعه، وتجاوز الحد في استنباطه واختراعه، فالحمد لله موهن أيده، ومبطل كيده. وجزى الله أمير المسلمين، وناصر الدين، أبا يعقوب يوسف بن تاشفين، أفضل جزاء المحسنين، بما بل من رماق، ونفس من خناق. ووصل هذه الجزيرة من حبل، وتجشم إلى تلبية دعائها واستنقاذ ما بها من حزن وسهل، حتى [ثل] عروش المشركين، وظهر أمر الله وهم كارهون، والحمد لله رب العالمين.
فصل في ذكر الأديب الكامل أبي عبد الله محمد بن شرف
وسياقة جملة وافرة من نظمه ونثره
قال ابن بسام: كان أبو عبد الله بن شرف بالقيروان. من فرسان(7/169)
هذا الشان، وأحد من نظم قلائد الآداب، وجمع أشتات الصواب، وتلاعب بالمنظوم والموزون، [تلاعب] الرياح بأعطاف الغصون، وبينه وبين أبي علي ابن رشيق ماج بحر البراعة ودام، ورجع نجم هذه الصناعة واستقام، وذهبا من المناقضة مذهباً تنازعاه شراً طويلاً، وخلناه ذكراً محمولاً، واحتملاه - إن لم يسمح الله - وزراً ثقيلاً. وكان أبو علي أوسعهما نفسا، وأقربهما ملتمسا، ولابن شرف أصالة منزعة، وجلالة [77] مقطعه، ومتانة لفظه، وسعة حفظه، فتسمع بشعره ملآن من وعوعة وجعجعة، ولكن ما أبعد ما يرومه وأبدعه! وسال سيل فتنة القيروان، اللاعب بأحرارها، المعفي على آثارها، فتردد على ملوك الطوائف بالأندلس، بعد مقارعة أهوال، ومباشرة خطوب طوال، وقد نبت شفرته، وطفئت جمرته، وفد قلت فيما تقدم إنه انتحى منحى القسطلي في شكوى الزمن، والحديث عن الفتن، كان معه كمن تصدى الرياح بجناح، وقابل الصباح بمصباح، واستقر أخيراً عند المأمون بن ذي النون، فعليه خلع آخر لبوسه، ونثر بقية كيسه.
وكانت لعباد همة في اصطحاب الأحرار، واستجلاب ذوي الأخطار، ينصب لذلك الحبائل، ويعمل فيه الحق والباطل، حتى إذا عشوا إلى سرجه، واغتروا بزبرجه، سامهم رد أبي قبيس على أبيه، وأخذهم(7/170)
بالسعاية بين الفرقد وأخيه، فمن أعياد منهم ركوب الصعاب، وعضه التقلب بين المضايق والرحاب، عزه في الخطاب، وأطاع به سلطان الارتياب. {أيمسكه على هون أم يدسه في التراب} (النحل: 59) وقد ذكرت في أخبار ابن عبد البر الكاتب أنه انسل من يد عباد انسلال الطيف، ونجا منه واسأله كيف. وكان ابن شرف هذا ممن فهم منحاه، وصم عن رقاه، فلم يجتمع مع عباد في صعيد، ولا أهدى له السلام إلا من بعيد. وستأتي أخباره معه ومع سواه، محررة النقد، مقدرة السرد.
ولأبي عبد الله عدة تواليف أفاضها بحارا، وأطلعها شموساً وأقماراً، منها كتابه الموسوم ب - " أعلام الكلام " وكتاب " أبكار الأفكار " وقلب له هذه الترجمة بإشبيلية بعض الوزراء الكتاب، فجاء في ذلك بالعجب العجاب. وقد أثبت في هذا الفصل من كلام ابن شرف ما يشهد بذكائه، ويغني عن إطرائه.
جملة من نثره ما يتشبث به من شعره
بلغني أنه استنهض صاحبه ابن رشيق - مع منافرة كانت بينهما(7/171)
- في أن يجتمع العدوان بالطريق، ويجوزا معاً إلى الأندلس فأنشده ابن رشيق:
مما يبغضني في أرض أندلس ... سماع مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها ... كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد فأنشد ابن شرف:
إن ترمك الغربة في معشر ... قد جبل الطبع على بغضهم
فدارهم ما دمت في دارهم ... وأرضهم ما دمت في أرضهم وتصرف ابن شرف في هذا المعنى فقال:
يا خائفاً من معشرٍ ... لا يصطلى بنارهم
[إن تبل من شرارهم ... على يدي شرارهم]
أو ترم من أحجارهم ... وأنت في أجحارهم
فما بقيت جارهم ... ففي هواهم جارهم
وأرضهم في أرضهم ... ودارهم في دارهم وكان أول ما بعث إلى المعتضد بإشبيلية خمس قصائد من شعره مع رقعة خاطب بها وزيره أبا الوليد بن زيدون، يقول في فصل منها:(7/172)
الآداب - أعزك الله - لأربابها، كالمحارم لذوي أنسابها، تبدي البنت زينتها لأبيها، وترف الأخت لأخيها، ولمن كان له في المحرم شبيها، وكذلك حكم ذوي الآداب فيها، يرفعون بينهم حجب التحفظ بيد الاسترسال، ويدفعون ستر التقبض بأكف البشر والإقبال. وقد رفعت إلى حضرته الرفيعة خمس أبكار عرب، تخدمهن وليدة ذات حسن وأدب، خصصت بالخمس القرائض خير الملوك، وبالوليدة بر الحر المملوك. وهن وإن زدن على أربع الشرع واحدة، فليست في دين الشعر بزائدة؛ ولما جاز أكثر من أربع لخير الأنام، اقتدينا بذلك في خير الكرام.
ولما كنت - أعزك الله - حسانه المقدم، رأينا ما رآه صلى الله عليه في سيرين. وقد كانت النية، لو تمت الأمنية، حضوري بذاتي، لزفاف بنياتي، فمنع من المراد مانع، ودفع بيد الأقدار دافع. ولنا صار الفعل الماضي مستقبلاً، وبقيت للحاق مؤملاً، وكلت بهن ذا محرمهن، وائتمنت عليهن ابن [ ... ] وهو الشيخ أبو فلان. فللوزرير الأجل علو الرأي في قبول ما عرضه وليه المدل على إكرامه ومكارم أخلاقه، بما ينم عليه من طيب أعراقه، ويقوم بعذري إن وهمت، وبشكري إن فهمت. فهو بدري إذا ليلي عسعس، وشمسي إذا صبحي تنفس، وأنا وإن بعثت بالأقمار في الأطمار، وبالشموس في خشن الملبوس، فهو برافقه ودقيق حذقه يلطف الهجن، ويحسن الخشن، ويقدم(7/173)
في الغيبة، ما يعين عند اللقاء على الهيبة، بقوي منته، وعظيم مننه، إن شاء الله.
فأجيب ابن شرف برقعة من إنشاء الوزير الكاتب أبي محمد بن عبد البر قال فيها: [78]
رب أمنية شطط، قد أتاحها قدر، ونجية فرط، قد أراحها ظفر، وقد تقرب الأماني ما يظنه المرء نازحاً بعيداً، كما تفيت ما يعتده حاضراً عتيداً. وكانت أخبارك - أبقاك الله - ترد علينا أرجة النسيم، عطرة الشميم، شهية المسموع، رفيعة المحمول والموضوع؛ وأشعارك تزف إلينا عرائس الألباب، ونفائس الآداب، فنفديك على البعد بالأنفس والأقارب، ونستدنيك بالأماني ونحسبها من الكواذب؛ حتى أسمع الخبر باغترابك، وطلع البشير بارتقابك، ووافت وراد خطابك، وقهقه مجلجل سحابك، وتصدت بحار الطلب لسقياك، ونمت رياض الأدب برباك، وهز الكرم عطفه للقياك، ووصل المجد الأطراف طرفه برعياك، وحليت عليك عرائسه الحالية في معارض الشدو والإنشاد، فسعدت من أكرم الأكفاء بالقبول والوداد؛ وحظيت عنده بالترفيع والإعزاز، ووضع ثوبها الأنفس في يدي بزاز. وقد استعملت معك في اسم المعتضد بالله مفضلك - أيده الله - مذهباً من مذاهب رواة الحديث يسمونه بالتدليس، ويكاد ينسب إلى الإشكال والتلبيس(7/174)
للعلم المحيط أن الكرم من أسمائه وصفاته، والمجد من ألقابه وسماته، وسترد، فتستقصر وصفي بما تجد. فاقصد قصده، تحل بطائل الإفادة، وأمه وحده، تحظ بنائل الرفادة. ولا تبع في سوق الكساد فالنفاق أمامك، ولا تسم ببضاعتك فالسوق قدامك. واذكر ما أنكره ابن الزيات على حبيب، وأنت المكتفي بحالك عن الضمير، وبما خولك الله عن المشير. فذاتك أنفع شفائك، وأدواتك أرجح سفرائك. وقد خاطبك مستقدماً، وجد معتزماً، ووجه نحوك شيئاً يكون من زادك إليه، ويعين على مؤنة طريقك في قدومك عليه، وذلك ثلاثون مثقالاً من ضرب السكة قبله، ولم يرد بها غير ما أعلمك، حتى توافي إن شاء الله فتستوفي. وعسى أن يكون وصولك إسفار الفجر الذي صدعته إلينا، وحلولك نهار الصبح الذي أطلعته علينا، وكان من البر أن أراجع عن الشعر، لكن لا أخطو في ميدانك ولو كنت جريراً، ولا أرجح في ميزاتك ولو احتضنت ثبيراً.
قال ابن بسام: والذي ذكر ابن عبد البر مما أنكر ابن الزيات على أبي تمام لما مدحه بقصيدته التي أولها:
لهان علينا أن نقول وتفعلا ...(7/175)
وهي من أحسن شعره، وقع له على ظهرها:
رأيتك سهل البيع سمحاً وإنما ... يغالي إذا ما ضن بالشيء بائعه
فأما إذا هانت بضائع بيعه ... فيوشك أن تبقى عليه بضائعه
هو الماء إن أجممته طاب ورده ... ويفسد منه أن تباح شرائعه فاعتذر إليه أبو تمام في قصيدته التي يقول فيها:
أما القوافي فقد حصنت غرتها ... فلا يصاب دم منها ولا سلب
ولو عضلت عن الأكفاء أيمها ... ولم يكن لك في أطهارها أرب
كانت بنات نصيب حين ضن بها ... على الموالي ولم تحفل بها العرب وقد قيل إن أبا تمام أجابه بقوله:
أبا جعفر إن كنت أصبحت شاعراً ... أسامح في بيعي له من أبايعه
فقد كنت قبلي شاعراً تاجراً به ... تساهل من عادت عليك منافعه
فصرت وزيراً والوزارة مكرع ... يغص به بعد اللذاذة كارعه
وكم من وزير قد رأينا مسلطاً ... فعاد وقد سدت عليه مطالعه
ولله قوس لا تطيش سهامها ... ولله سيف لا تقل مقاطعه(7/176)
وقيل إن هذه الأبيات منحولة لحبيب، وقيل قالها ولم تظهر إلا بعد موته.
رجع
فتوقف ابن شرف عن القدوم بقدمه، وكلف ذلك سن قلمه وطرر تأليفه " أبكار الأفكار " باسم عباد، وبعث به إليه على العباد. وقد كان وسمه قبل باسم باديس بن حبوس في خطبة طويلة قال فيها: ما ظننت الابتداع إلا بلغ، ولا حسبت الاختراع إلا فرغ، حتى إذا استأثرت بنيات صدري، ولطائف فكري، ببيت واحد الجنسية، ومعنى غريب الأبنية، قلت لنفسي: هيهات! لاشك أنك سبقت إلى هذه الغاية، وعلتك قلة الرواية، وكثر سباق الرواد، وفراط الوراد، فما تركوا للمتأخرين من الرياض زهرة، ولا من الحياض قطرة؛ كما أن جيش الكرم قد انهزم، وزائر الشرف قد انصرف، ومركوب المجد قد ند، فعشت أظن هذا الظن، حتى سافرت إلينا رفاق الأخبار بشهادات زكاها مرور الأيام، ودؤوب الدوام، تشهد بسؤدد بان عن السؤدد العصامي، وحزم فاق الحزم الهشامي، وجود جاوز الجود الكعبي، وبأس أنسى البأس المصعبي. ثم سفر لي الدهر عن سفر إلى مغرب [79] الدنيا ومشرق العليا، والبقعة المباركة الباديسية، والدولة المظفرية، والمملكة الشامخة الحميرية، والحضرة الشريفة المنيفة الغرناطية، فعاينت عالماً في عالم، قد شركوه في النسبة إلى آدم، وانفرد من مناسبتهم، وشذ عن مجانستهم، بجميل طرائق، وحميد خلائق(7/177)
انفردت انفراد سهيل، وجمعت في المرأى والمسمع ما زاد على زيد الخيل. مغرى بالأدب المهجور بل المطرود، سالياً عن المال المعشوق بل المعبود، منفقاً للحمد الدفين المرسوس إلى صنوف من الفضائل، وأنواع من الجلائل، لا يحيط بها الوصف، ولا يجمعها الرصف، يغني النقل الكافي والتواتر الإجماعي عن تأتيتها على ألسنة الأقلام إلى إفهام الأنام. وقد قدحت زند الفكر فأورى شرراً، وامتحت قليب القلب فأجرى نهرا، فرقمت في هذا المجموع من الكلام المنثور المسجع الأوساط والأطراف، والمنظوم المكلل بتيجان القوافي، ما استنبطه من ذوات صدري، واستنتجته من بنات فكري: فقراً ابتدعتها وسجعتها، ومعاني حكايات اخترعتها، تطرزها الأقلام، وترقم بها أردية الكلام، وأنا استغني بقراءة القارئ أصنافها، عن أن أقدم أوصافها، وهي بنات مؤلفها، وأسجاع مصنفها، وليست كالأسجاع المنسوبة لابن أبي الزلازل، وهي بنات شتى قبائل، لم يزد على أن بتر حكاياتها، وطمس معالم آياتها، ليصح له ما شرط في السجع من الأعداد، فأضاع ما يراد لصون ما لا يراد. وقد تجمل بغير ثيابه، وأنفق من غير اكتسابه، وأنا أنشد قول أبي النجم:(7/178)
أبا أبو النجم وشعري شعري ... وعلى أي حال كان مجموعنا هذا، فيشرفه شرف من له يجمع، وإلى يده العلية يرفع، فمسته يمناه، ولحظته عيناه. فلو كان صمصام عمرو لسواه، ما انتهى من الذكر منتهاه؛ ولولا حاجب ابن زرارة ما ذكرت قوسه، ولولا حبيب ما عرف أوسه، وإنما عرف الطور بالكليم، وشرف المقام بإبراهيم.
ومن كلامه في صدر كتاب المترجم ب - " أعلام الكلام " فصل يقول فيه: قد أطلت الوقوف بالعكوف، على غير ما تصنيف، في شتى الأنواع، فلم أرها إلا ولداً عن والد، وطارفاً عن تالد، فلا تكاد تريك غريبة ولا شاردةً إلا منقولة: ب - " حدثني فلان، وسمعت عن فلان "، والمؤلفون قصاص بأقلامهم، وإن لم يقصوا بكلامهم، وقد تكررت تواليفهم على الأبصار والأسماع، والمكرر مملول بالإجماع، وللنفس صبابة بالغرائب، وإن لم تكن من الأطايب، لانفرادها عما سئمته القلوب، وتجافت به الجنوب؛ إلا أن الابتداع والاختراع عليهما [باب، بينه] وبين الاستطاعة حجاب. وقد كنت حاولت منه ما لم سبق إليه، ولم أجعل سوى ناظري معيني عليه، فصنفت الكتاب الملقب ب - " أبكار الأفكار "، يشتمل على مائة نوع من مواعظ وأمثال، وحكايات قصار وطوال، مما عزوتها إلى من لم يحكها، وضفت نسجها إلى من لم يحكها، قد طرزت(7/179)
بلمح الجد والهزل، وحسنت بمقابلة الضد للمثل، ليس في ذلك كله [رواية] رويتها عن قديم ولا جديد، ولا حدثت بها عن قريب ولا بعيد. وقد رفعت إليه البكر، ابنة الفكر، في هودجها الفرج، وجلبابها الأرج، وأنت الكفؤ الكريم، وأشرف من أهدي إليه الحريم، الذي لا يشوبه التحريم، وعلى كرمك القبول، وما أهداه الود فمقبول.
فلما وصل الكتاب والخطاب إلى المعتضد لم يجد بداً من إنفاذ صلته إليه على البعد، وراجع ابن شرف برقعة من إنشاء ابن عبد البر أيضاً، قال فيها: ورد كتابك الأثير، فاقتضبت من النثر البديع، والنظم الرفيع، ما يهز أعطاف الضمائر، ويسري في حواشي الخواطر، وتتلقاه النفوس تلقي ارتياح إلى بدائعه، وفتنة بمباديه ومقاطعه، ولا غرو، فإنك علم العلم الذي لم يزل يحوي قصب السبق في ميادينه، ويهدي اليانع الغض من رياحنه. وقد كان لي نزاع إليك، ورص عليك، وتصور للأنس بك، لولا من جلا لك الغش في بعض النصيحة إذ حسد، ولم يشك فيما ترد عليه من صلاح الحال فلم يأل أن افسد. ولا بد لعقارب الحسدة من دبيب " وما كل مؤت نصحه بلبيب " ولك - مع توقفك، وأني سلكت بك مقاصد تصرفك - لدي المحل الكريم، فذكرك في نفسي الشاهد المقيم.
وتأدى من قبل الوزير الكاتب التأليف الرائق، والتصنيف الفائق، فأجلت نظري منه في سحر إلا أنه حلال، وفتقت به ثبج بحر إلا(7/180)
أنه زلال، ورأيت كيف تزحم في العلم بالمنكب العمم، وتأخذ من البلاغة في المذهب الأمم. فما شئت من مثل سائر، وبيت [80] نادر، وفقر محذوةٍ بأمثالها، ونكتة غريبة مضافة إلى أشكالها، مما اتصلت به يد الإحاطة بصحة البراعة، وتزينت ديباجة الطبع برقم الصناعة، فهو مؤنسي، وشغل مجلسي. وقد وجهت إليك مع الوزير المتقدم الذكر، ما أحب أن تضع عليه يد الستر، مكان لسان الشكر، فإني أعلم أنه عدد يقصر عن قدرك، ويقل في جنب اللازم لك، وذلك مائة مثقال من ضرب السكة قبلي. فتفضل بقبولها، والإعلام بوصولها.
قال ابن بسام: ومع وصول هذه الصلة إلى ابن شرف، لم يزل على ملوك الطوائف يومئذ يتطوف وينتقل في الدول من منزل إلى منزل، ومن بلد إلى بلد، إلا حضرة المعتضد، فإنه كان يخاطبه وينشده:
أحبك في البتول وفي أبيها ... ولكني أحبك من بعيد وتوهم جملةً أن بوادي إشبيلية تمساحاً من تماسيح النيل، وجعل هجيراه بيتي أبي نواس حيث يقول:(7/181)
أضمرت للنيل هجراناً ومقليةً ... إذ قيل لي إنما التمساح بالنيل
فمن رأى النيل رأى العين من كثب ... فلا أرى النيل إلا في البواقيل وقد حدثت أيضاً أنه خاطب المعتضد بهذه الأبيات:
أأن تصديت غيري صيد طائرةٍ ... أوسعتها الحب حتى ضمنها القفص
حسبتني فرصة أخرى ظفرت بها ... هيهات ما كل حين تمكن الفرص
وظاهر حسن أيضاً لقصتها ... لكن لها باطن في طيه قصص
لك الموائد للقصاد مترعة ... تروي وتشبع لكن بعدها غصص
ولست أعجب من قوم بها انتشبوا ... لكنما عجبي من معشر خلصوا
ولم يطب قط لي من يلذ ولا ... سلوى إذا كان في عقباهما مغص قال هذا لتواتر الخبر عن المعتضد بازورار ركنه، وخشونة حزنه، فأضرب عن ضربه، ولم يتعرض للنشبة في حبائل نشبه، خوفاً أن يورطه الهوى في هوان، ويسقط العشاء به على سرحان، ويطيح في جملة من طاح على يديه من الخلطاء والندمان.(7/182)
فصول من نثره في أوصاف شتى
فصل: جرى بكودنه إلى غاية تتباطأ عنها السوابق، وتتطأطأ عن سموها السوامق، فلم يحط بوصفها ابن صفوان، ولا سحب فيها لسانه سحبان. وأين لسان باقل، من سحبان وائل - فالفصحاء في العجز عنها معذورون، فكيف المعذرون -
فصل: كم حاول دفن الشمس في الرمس، ورد الأمس بالخمس، ونيل النجم باللمس.
فصل: أوضح من جبال تهامة، لعيني زرقاء اليمامة. أشهر من النار على المنار، والليل كالقار. أبين من الكعبة للطائفين، ومن المساجد للعاكفين. أشهر من الزبرقان عند جرول، ومن الأبلق الفرد عند السموأل. أظهر في العينين من الهرمين. أشهر في العطاء من الطائي، وفي الأيادي من الإيادي. أشهر من الآس في الأعراس. أوضح من النجوم لبطليموس، والطب لجالينوس، والعاج في الآبنوس.
فصل في ضده: هو أخفى من نقطة الجيم، ومن بياض الميم. أخفى من الأسرار عند الأحرار. أخفى من السهى، ومنديل الرها - الرها مدينة(7/183)
بالشام وكان أهل الإنجيل يخفون هذا المنديل في كنيستها ويزعمون أنه منديل عيسى ثم سرق واشتري فعدمت بركته -. أخفى من نفس الجبان [إذا التقت] حلقتا البطان. أخفى من بيضتي الخائف، وقد أحس بالطائف. أخفى من تفسير شعر لبيد، على فهم البليد. أخفى من عطارد على المطارد. أخفى من السوسة في العدو، ومن السر في الرعود.
فصل: قدحه معلى، وسيفه مجلى، ورياضه أرجة، وحلله مدبجة؛ وطباعه مهذبة، وخلائقه مؤدبة، وعقده مؤربة، وأرضه معشبة، وألفاظه رائقة معجبة. لا يمله جليسه، ولا يجفوه أنيسه. عقله أحنفي، وعلمه سريجي، وذكاؤه إياسي، وأدبه خليلي.
فصل: يقدم الحزم، ويثني بالعزم. يواكب الكواكب، ويتعقب العواقب، يشاور ذوي الألباب، على أن رأيه لباب، يثب وثوب الليث، ويتدفق دفوق الغيث. ويراوح بين العجل والريث. نومه غرار واضطرار، وحاجاته سرار ثم اقتدار. لا تثبطه الظلل ولا الظلال، ولا تطبيه الكلل ولا يثنيه الكلال. عزماته شهابية، وإضباباته عقابية. رأيه قبسه، وعزمه فرسه بصيرته بصره. وصدره ورده وصدره.(7/184)
فصل: هرم الجود، على العلات والوجود. كفه غيث، لا يبالى من حيث. ماله أكثر جوده، على جنوده، أغنى جيشه. لذاته في الإكثار والإيثار، والأخذ بالثار. يزيح الأغلال، ويبلغ الآمال. يحدث بمكارمه الركب، وينسى بفرط سماحه حاتم وكعب.
فصل [81] : أسد وحده، ودع جنده. قلبه يخرجه عن القلب، وضرائبه تقتاده إلى مكان الطعن والضرب. يحمل إذا مالوا، ويثبت إذا جالوا، تارةً هو للميسرة يمين، وتارةً لميمنة كمين، وتارةً للقلب حصن حصين، تستأسد به الذؤبان، ويشجع بقربه الجبان، عيون عسكره، إلى مغفره، ثعلي السهام، عبسي الإقدام، بسطامي المرباع، عامري الطباع، عصامي السيادة، مصعبي الجلادة.
فصل: عادل ولا مجادل، منصف منتصف. سلطانه رحمة، وسيرته نعمة. يأخذ الحق ويعطيه، ويرمي الغرض فلا يخطيه. ينصف المملوك من الملوك، ويأخذ للرئيس من الصعلوك. مرفوع الحجاب، منزوع رداء الإعجاب، يقيم الحق على شقيقه، ويحكم بالعدل لعدوه على صديقه، سواء عنده البعيد والداني، والقحطاني والعدناني، سيان عنده القرشي في الحق والعكلي، والعنسي والسلولي؛ لا فرق عنده بين مضر في الحق، وحمير وسائر الخلق، الغربة عنده قربة قريبة، ما لم تصحبها ريبة. لا يغلو في الهاشمية، ولا يعدو على الأموية، ولا يلتفت(7/185)
إلى الأهاجي الباهلية. (سلول وعنس وعكل وباهلة ألأم قبائل العرب. وقيل إن سبب ذلك أن الشعراء هجتها ولم يكن لهم شعراء يذبون عنها فلبسهم الذم وأكلهم الهجاء.)
فصل: أمير يأمره حلمه فيطيع، ويحمله ما لا يستطاع فيستطيع: كم أعطي الظفر فغفر، وجرع الصبر فصبر. له حلم معاوية، على الأعداء العادية. له ثبات يلملم، وتحنك الجذع الأزلم. قلبه قليب واسع، وغوره بغيد شاسع.
فصل: وزير ينيم أميره، مستوطناً سريره. متحرك وهو قار، ويرى جالساً وهو مار، كالنجم يرى وهو ساكن، وقد تحركت به أماكن.
فصل: كاتب، فضله راتب، وحقه وجاب. أقلامه رماح، ورسائله صفاح، وألفاظه فصاح، وأخلاقه فساح. إن قرطس أصاب، وإن سئل أجاب، وأصاب عين الصواب. لسانه لسان الملك، ومكانه واسطة السلك.
فصل: قائد عليه عبء التعويل، في أول الرعيل، إذا الصبر عيل، لا يباح ما حمى، ولا يشوي إذا رمى. عود إذا زحف، وطود إذا وقف، وسيل إذا حمل، وكتيبة إذا اعتزل. حسامه إمام، يهدي في ظلمة القتام، ويهتدي إلى مسالك الحمام. لا تردعه لامعة السيوف، ولا تفزعه مصارعة الحتوف. رماحه نجوم ظلام القتام، ونجومه(7/186)
رجوم شياطين الأنام. لا ترد حاجات مواضيهن ولا تمطله عند تقاضيه، المغافر المتينة، ولا الدروع الموضونة.
فصل: قاض يشهد له عدله، أن غسله سريع حله، يقسم نظره بالقسطاس، بين جميع الناس. حفظ رسالة عمر، وعمل فيها بما نهى وأمر. لا يبيع القضايا بالهدايا. به عشا، عن الرشا. ينام الخصمان، وهو يقظان. إن عجل فعن استدلال، وإن عجز فلتأمل إشكال. سريجي الإجابة، عمراني الإصابة.
فصل: زهاد تركوا العرض، وأصابوا الغرض، اقترحوا الغنا، واطرحوا الغنى. رفضوا المزايل، وطلبوا الطايل، وأعرضوا عما يبيد، وأقبلوا على ما يفيد. لم يزاحموا على الجيف، ولا استخدموا بطونهم في تعمير الكنف. تركوا ذلك لمن تركوا، وقنعوا بأقل ما ملكوا، وجعلوا الزاد إلى الجنة، الأنة بعد الأنة، وظمأ الهواجر، في شهر ناجر. فكروا فبكروا. علموا فسلموا من العقال، وتركوا الأعناق لحمل الأثقال. رجوا فنجوا، وبنوا فعلوا، ومهدوا فرقدوا، وعملوا فوجدوا.
وذكرت بهذا الفصل حديث أبي هريرة قال، قال لي رسول الله عليه السلام: " يا أبا هريرة ألا أريك الدنيا جمعاء بما فيها - قلت: بلى(7/187)
يا رسول الله. فأخذ بيدي، وأتى وادياً من أودية المدينة، فإذا مزبلة فيها رؤوس وعذرات في خرق وعظام، ثم قال: يا أبا هريرة، هذه الرؤوس كانت تحرص كحرصكم، وتأمل آمالكم، ثم هي اليوم عظام بلا جلد، ثم هي صائرة رماداً. وهذه العذرات ألوان أطعمتهم اكتسبوها من حيث اكتسبوها، ثم قذفوها من بطونهم، فأضحت والناس يتحامونها. وهذه الخرق البالية كانت رياشهم ولباسهم، أصبحت والرياح تصفقها. وهذه العظام عظام دوابهم التي كانوا ينتجعون على أطراف البلاد. فمن كان باكياً على الدنيا فليبك ". قال: فما برحنا حتى اشتد بكاؤنا.
ووقف سقراط على كساح وقد خرج من الحش بكساحة فقال: يا أهل أثينا، هذا الذي كنتم تغلقون عليه الأبواب، وتقيمون لحفظه الخزان، وكانت شهواتكم تستخدم عقولكم في إعداده؛ واليوم نفوسكم آنفة منه [82] وطباعكم نافرة عنه.
فصول له في الذم ونقض ما تقدم
فصل: فلان غوره أقرب قريب، وقلبه مورود القليب؛ فسرائره مكشوفة، ودخيلته معروفة، كتمانه إخبار، وتدبيره إدبار، رأيه وراء، وساحته عراء. حسه هامد، وفهمه جامد. لا يعرف(7/188)
الرشد من الغي، ولا يفرق بين التقبيل والكي. طلل بال، لا يخطر على بال. الشمس عنده سهى، والحمق نهى. لا يعلم رأسه، من أين أنفاسه؛ ولا يدري دماغه، أين أصداغه.
فصل: همه جواز يومه، وحلاوة نومه. أعلى همته، إرجال جمته، واعتدال عمته؛ وأسر سروره، تناهي قدوره، وترويق خموره. أعداؤه سمان، في أمان؛ وأولياؤه في هزال، وانتظار النكال. حسن الظن بالزمان، وضروب الحدثان. رائح القرائح، ساكن الجوارح، مسرور مغرور، ثاني العطف عن الناصح، متعام عن الأمر الواضح، مستغن بعبده، عن جنده. متشاغل بالأنياب الطاحنة في فمه، عن الأنياب الوالغة في دمه. ينام عن مسهرات الأنام، وعن جب الغارب والسنام. فكرته ساهية، وخواطره لاهية، وقواعده واهية، حتى تبغته الداهية.
فصل: يجود الجلمود، ولا يجود، ويعود إلى إثماره يلبس العود، وهو لا يبدي ولا يعيد. كيسه مغلق، وبنانه مطبق، وداره سملق، وجيشه مملق، وميزانه حبيس لا يطلق، كفتاه ككفيه لا تذيبهما النار، ولا يعرفان الدرهم ولا الدينار. وأكياسه كالنقد، قد خنقتها العقد. يده حافر وقاح، وقفله ليس له مفتاح، تمر(7/189)
الأيام، ولا يشم له طعام. لو ملك طوفان نوح، لم يسمح منه بشربة لظمآن مجروح.
فصل: هو يوم المطاعنة، ولد الملاعنة. لا حسب يقاتل عنه، ولا نسب يستحيي منه. يراعة ترعد، وتقوم وتقعد. إذا الحرب دعت أبطالها، وزلزلت الأحشاء زلزالها، نخب ما بين جنبيه، وغاب السواد من عينيه، مهزمة لجنوده، ومهدة لعدته وعديده. يوسع أعذار الفرار، ولا يرى على الجبناء من عار. بيناه في أول الرعيل ضارب، إذا به وراء الساقة هارب. يزحف عند الزحف، إلى خلف، ويروعه الواحد وهو في ألف. لو كان سنور مدينة لسار، ولو ربط إليه الطور لطار. إن هذا في الحرب من بني العنبر، وأدهش من مستطعم الماء على المنبر. إذا ثار القتام. سقط من كفه الحسام.
وخبر بني العنبر، أشهر من أن يذكر، وقريط منهم، ولما استنجدهم فلم ينجدوه قال:
لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانا ومستطعم الماء على المنبر خالد القسري عامل هشام بن عبد(7/190)
الملك على العراق. دهش يوم الجمعة في حرب الخوارج وهو على المنبر، فقال: أطعموني ماءً! فقيل فيه:
هتفت بكل صوتك أطعموني ... شراباً ثم بلت على السرير فصل: أضرها على الأنام، على قديم الأيام، العصبية في الجاهلية والإسلام. فما لهذا السلطان، وخراب الأوطان - والعصبية تفسد بين الأولياء، وتكثر في الأدعياء. وأبو نواس كان أشدهم فيها قولاً، وهو قن مولى، تعصب لليمن على مضر لكون سعد العشيرة من اليمن وهم من مواليه، فهجا قبائل مضر، وغض من قريش، هذا وهو مولى ملصق، وليست سعد العشيرة له بعشيرة، بل لها منه الجريرة.
سلطان يشتري بدينه ودمه، رضى ابن عمه. خاسر التجر، محروم الأجر، لا يساوي بين أهل القبلة وهم سواء، ولا يتكافأ عنده المسلمون وهم عند [الله] أكفاء. وجبلة التفاوت أفاتت جبلة الرشد. وحميته أحمت عليه دار الخلد. تعصب جاشت له صدور الجيش، وتكدر به صفاء العيش. وللمساعدة في العصبية طارت الرؤوس والسواعد، وتهدمت الذرى والقواعد، وحالفت ربيعة الأباعد.
فصل: قد يتسمى بوزير، من شغله البم والزير، يعجبه اللهو(7/191)
ويغلبه السهو. دمار من [أوى] إليه، وبوار من عول عليه، إن دبر أدبر، وإن ترك هلك. خدن لواعب، وزير كواعب. ليله ناعس، ونهاره بالس. لم يعلق به من الوزارة، إلا حسن الشارة، وركوب الهماليج المسيارة، وشدة الإعجاب، والدخول على سلطانه بلا حجاب، والأكل بملء فيه، هذا جميع ما فيه، حتى إذا طرقت السرايا [83] وسيقت السبايا، ونفر النافر، وضج البادي والحاضر، ونزع ثقات الأجناد، فتفرقوا في البلاد، فزع إلى الوزير، في وجه التدبير، فكان جوابه دموعه، وصوابه هلوعه، فحينئذ دارت الدائرة، واضطرمت النائرة، وانصرمت الدول، وتبدلت الحلل.
فصل: كاتب ما عرف قط، كيف البرية والقط، ولا نسخ قط سطراً، إلا مسخ منه شطراً. ألفاظه ملحونة، ومعانيه ملقونة، ومقاصده خفية مكنونة، وحروفه مطمونة. إن تهجني هجا، وإن تكلم شج وشجى. ألفاته سجود، ولاماته رقود، وميماته عقد لا عقود، وقافاته واوات، ونوناته راءات. يرفع بالنواصب، ويكثر [من] النقط الكواذب، ويعمي عين المعنى الجلي، ويخاطب العدو مخاطبة الولي. وتقر كتبه بما فيها من الفساد، بأنه قرة عيون الأعداء والحساد.(7/192)
فصل: ولايته القضاء، من سوء القضاء. جائر حائر: إن جار فعن تعمد، وإن حار فعن قلة تعهد. ليله منتش، ونهاره مرتش. تعجبه العين في النقاب، ولا يفكر في العقاب. إذا رأى الأمرد تمرد على خصمه، ومال عليه بحكمه، يزري باختيار سلطانه، ويستخف بفقهاء زمانه. يجور في نظره المقسوم، ويبصق في وجه الخصوم، ويركلهم برجله، ويلطمهم بنعله.
فصل: إخوان أخون من السراب للعين، ومن أهل الكوفة للحسين، وأشد من طالب دين، على صفر اليدين. ليس فيهم نفع ولا دفع، إن استنصرتهم خذلوك، وإن سئلوا إسلامك بذلوك.
فصل: تبسم للعدو العابس، ولن لتخلق اليابس. عامل ظالمك بالصبر، واجعل صدرك له كالقبر، لا يدري ما فيه رحمة أم نقمة، وبلاء أم نعمة، حتى تمكنك الوثبة عليه، فتله لجبينه ويديه.
ومن ترسيله
فصل له من رقعة خاطب بها المظفر بن الأفطس: كتبت وشوقي إلى شرف لقياه، وشيم سقياه، شوق القارظين إلى سكون(7/193)
وسكنى، والقيسين إلى ليلى ولبنى، واعتلاقي بذكره اعتلاق مالك بعقيل، وقفا نبك بالملك الضليل، وبلال بشامة وطفيل، والله ببلوغ الأمل خير كفيل. وحال وليه بالناحية التي استقذرتها حال من ذهبت منه اللذاذة والفتاء، والشيخ يهدمه الشتاء. وقد رأيت طوفان قرطبة يقيم دهراً، وإنما أقام طوفان نوح شهراً، وأما صيفها فكما قال:
لم أستتم عناقه لقدومه ... حتى ابتدأت عناقه لوداعه وله من أخرى:
لي رغبة إلى مفاخره، وتطارح بين يدي مآثره، وإدلال على سماحة سجاياه، وتحامل على احتمال علياه. وذلك أن شيخاً يفناً قصد فنائي، فبكى حتى بل بفضل دموعه ردائي، ومنعه الشوق بشجاه، من الكلام على ما ارتجاه. ثم ذكر أنه كاسب نسيات، وأبو بنين وبنيات، فنسبته فقال: أنا أبو جعدة نهشل، وذكر(7/194)
مولانا المظفر فوصف خيراً كثيراً هو أكثر منه، ودعا بخير أجابه الله عنه، ووصف أن بغاة بغوه، وحسدةً آذوه، وتنصل من ذنوب قرفوه بها، ومولاي أعلم بصدقها من كذبها. ولم يظهر حرصاً إلا في الميتة الأهليه والتربة الوطنية. فبكى - علم الله - مع باك، وشكا مني إلى شاك، وذو الشكوى يرحم الشكوى، لعلمه بمرارة البلوى. ولا شك أنه سيبلغه تفضل المظفر بالالتفات إلى ذكري، والعناية ببعض أمري؛ فلا يظن أن ذلك باستحقاقي، وإن رقاني من الشرف هذه المراقي، ومن يسمع يخل، وما كل ذي سلاح بطل. وقد تلطفت له بإذن الله في القول، وبرئت إليه تعالى من القوة والحول، ووقفته على رأي المظفر الموفق، وحكمه العدل المحقق. وبودي لو تكلفت بآماله، وجمعت بينه وبين أطفاله، فهو في قعدد لبد، وهامة اليوم أو الغد؛ إلا أني - أيده الله - لا أوثر مرادي على مراده، ولا أشاركه في العلم بأهل بلاده، إلا أن يتفضل بالأحسن الأجمل، علي وعلى أبي جعدة نهشل، فيعود - أيده الله - بفضيلة الإيثار، ويكسبني في الناس أطيب الأخبار والآثار. لقد هجمت في العناية بما لا أعلم ثقة بما أعلم، وهو المتطول إن شفع، والمعذور إن دفع. والجواب على هذه السطور المحتوية على هذه الأمور، بالأقوال والأفعال، من كمال الإحسان والإفضال.(7/195)
فأجابه المظفر برقعة من إنشاء الوزير أبي مروان بن قزمان، قال فيها:
ورد كتابك المبتدأ خطابه من الشعر بما هو السحر الحلال، والمصدر من القريض بما شعد لك بالجلال. ولو قصد الطائيان قصده لأجبلا، أو حذا الحمادان حذوه لدبرا فيه وما أقبلا. لم تدع فيه فناً من الحكمة إلا أهديته [84] ولا معنى لطيفاً إلا أبديته، ولا نوعاً من الأدب إلا جلبته؛ ولا غريباً من المثل إلا ضربته: فلله بلاد غذاك هواؤها، ورؤساء تطابقت عليك أهواؤها. لقد بان فضلهم على أهل الزمان، كما ظهر تبريزك في هذا الميدان. ومن انتحل الأبيات، فبمثل شعرك فليات، وهيهات، ما أبعد الأرض من السموات!
ورأيتك قد شفعت القريض بشفاعة، وقرنته برغبة أعطتك مقاليد البلاغة والبراعة. وأسعفتك في الشيخ اليفن، والأشيب البدن، نهشل. فليسرع بالإقبال إلى بلده، وليلحق بأهله وولده، وليأت إليهم ذألانا، وليشكرنا سراً وإعلاناً. والله المان بك برده إلى وطنه وأهليه. يبلغ ما ترتجيه، ويعيد حالك إلى عهدها، والجمع بينك وبين الطبقة التي كنت واسطة عقدها.
ولابن شرف مقامات عارض بها البديع في بابه، وصب فيها على قالبه، منها مقامة فيهلا بعض طول، لكنه غير مملول، آخذة بطرف(7/196)
مستطرف من أخبار الأدباء، وذكر الشعر والشعراء، قال:
جاريت أبا الريان في ذكر أهل النظام، ومنازلهم في الجاهلية والإسلام، فقال: عدد الشعراء أكثر من الإحصاء، وأشعارهم أبعد من شقة الاستقصاء. قلت: لا أعنتك بأكثر من المشهورين مثل الضليل والقتيل، ولبيد وزعبيد، والنوابغ والعشي، والأسود بن يعفر ومن سواه من العمي، ولابن الصمة دريد، والراعي عبيد، وزيد الخيل، وعامر بن الطفيل، والفرزدق وجرير، وجميل وكثير، وابن جندل وابن مقبل، وجرول والأخطل، وحسان في أهاجيه ومدحه، وغيلان في ميته وصيدحه، والهذلي أبي ذؤيب، وسحيم ونصيب، وابن حلزة الوائلي، وابن الرقاع العاملي، وعنترة العبسي، وزهير المري، وشعراء فزارة، ومفلقي بني زرارة، وشعراء تغلب ويثرب، وأمثال هذا النمط الأوسط، كالرماح والطرماح، والطثري والدميني، والكميت الأسدي، وصريع الأنصاري، ودعبل الخزاعي، وابن الجهم القرشي، وحبيب الطائي(7/197)
والوليد البحتري، وابن المعتز العباسي، وأبي نواس وابن الرومي.
ومن الطبقة المتأخرة في الزمان؛ المتقدمة في الإحسان، كأبي فراس ابن حمدان، والمتنبي بن عيدان، وابن جدار المصري، وابن الأحنف الحنفي، وكشاجم الفارسي، والصنوبري الحلبي، ونصر الخبزرزي، وابن عبد ربه القرطبي، وابن هانئ الأندلسي، وعلي بن العباس الإيادي التونسي، والقسطلي.
قال أبو الريان: لقد سميت المشاهير، وابقيت الكثير؛ قلت: بلى ولكن ما عندك فيمن ذكرت -
قال: الضليل مؤسس الأساس، وبنيانه عليه الناس، كانوا يقولون " أسيلة الخد " حتى قال " أسيلة مجرى الدمع ". وكانوا يقولون: " تامة القامة وطويلة القامة، وجيداء، وتامة العنق "، حتى قال " بعيدة مهوى القرط ". وكانوا يقولون في الفرس السابق " يلحق الغزال والظليم " وشبهه، حتى قال " قيد الأوابد ". ولم يكن قبله من فطن لهذه الإشارات والاستعارات غيره فامتثلوه بعده. وكانت الأشعار قبل سواذج، فبقيت هذه جدداً وتلك نواهج؛ وكل شعر بعد ما خلاها فغير رائق النسج، وإن كان مستقيم النهج.
وأما طرفة فلو طال عمره، لطال شعره، وعلا ذكره. ولقد خص(7/198)
بأوفر نصيب من الشعر، على أيسر نصيب من العمر، فملأ أرجاء ذلك النصيب بصنوف من الحكمة، وأوصاف من علو الهمة، والطبع معلم صادق، وجواد سابق.
وأما الشيخ أبو عقيل فشعره ينطق بلسان الجزالة، عن جنان الأصالة، فلا تسمع له إلا كلاماً فصيحاً، ومعنى مبيناً صريحاً؛ وإن كان الشيخ والوقار، والشرف والفخار، لهاديات في شعره، وهي دلائله، قبل أن يعلم قائله.
وأما العبسي فمجيد في أشعاره، ولا كمعلقته، فقد أنفرد بها انفراد سهيل، وغبر في وجوه الخيل، وجمع فيها بين الحلاوة والجزالة، ورقة الغزل وغلظة البسالة، وأطال واستطال، وأمن السآمة والكلال.
وأما زهير: فأي زهر بين لهوات زهير، حكم فارس، ومقامات الفوارس، ومواعظ الزهاد، ومعتبرات العباد، ومدح تكسب الفخار، وتبقى بقاء الأعصار، ومعاتبات مرة تحسن، ومرة تخشن، وتارةً تكون هجواً، وطوراً تكاد تعود شكوى.
وأما ابن حلزة: فسهل الحزون، قام خطيباً بالموزون، والعادة أن يسهل شرح الشعر بالنثر، وهذا سهل السهل بالوعر، وذلك مثل قوله:
أبرموا أمرهم عشاءً فلما ... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
من مناد ومن مجيب ومن تص ... هال خيل خلال ذاك رغاء فلو اجتمع [85] كل خطيب ناثر، من أول وآخر، يصفون سفراً نهضوا(7/199)
بالأسحار، وعسكراً تنادى بالنهوض إلى طلب الثار، ما زادوا على هذا إن لم ينقصوا منه، ولم يقصروا عنه. وسائر قصيدته في هذا المسلك: شكاية وطلاب نصفة، وعتاب في عزة وأنفة، وهو من شعراء وائل، وأحد أسنة هاتيك القبائل.
وأما ابن كلثوم: فصاحب واحدة، فلا زائدة، أنطقه بها عز الظفر، وهزه فيها جن الأشر، قعقعت رعوده في أرجائها، وجعجعت رحاه في أثنائها، وجعلتها تغلب قبلتها التي تصلي إليها، وملتها التي تعتمد عليها، فلم يتركوا إعادتها، ولا خلعوا عبادتها، إلا بعد قول القائل:
ألهى بني تغلب عن كل مكرمةٍ ... قصيدة قالها عمرو بن كلثوم على أنها من القصائد المحققات، وإحدى المعلقات.
وأما النابغة زياد: فأشعار الجياد لم تخرج عن نار جوانحه حتى تناهى نضجها، ولا قطعت من منوال خواطره حتى تكاثف نسجها، لم تهلهلها ميعة الشباب، ولا وهي الأسباب، ولا لؤم الاكتساب، فشعره وسائط سلوك، وتيجان ملوك.
وأما النابغة الجعدي: فنفي الكلام، شاعر الجاهلية والإسلام، واستحسن شعره أفصح الناطقين، ودعا له أصدق الصادقين؛ وكان شاعراً(7/200)
في الافتخار والثناء، قصير الباع لشرفه عن تناول الهجاء، وكان مغلوباً فيه في الجاهلية، وطريد ليلى الأخيلية.
وأما العشي بأجمعهم: فكلهم شاعر، ولا كميمون بن قيس، شاعر المدح والهجاء. والبأس والرخاء، والتصرف في الفنون، والسعي في السهول والحزون. نفق مدحه بنات المحلق، وكان في فقر ابن المذلق، وأبكى هجوه علقمة، كما تبكي الأمة.
وأما الأسود بن يعفر: فأشعر الناس إذا ندب دولة زالت، أو بكى حالة حالت، أو وصف ربعاً خلا بعد عمران، أو داراً درست بعد سكان، فإذا سلك [غير] هذه السبيل، فهو من حشو هذا القبيل، كعمرو وزيد، وسعد وسعيد.
وأما حسان، فقد اجتث بواكر غسان، ثم جاء الإسلام، وانكشف الإظلام، فجاحش عن الدني، وناضل عن خاتم النبيين، فشعر وزاد، وحسن وأجاد، إلا أن الفضل في ذلك لرب العالمين، وتسديد الروح الأمين.
وأما دريد بن الصمة: فصمة صمم، وشاعر جشم، وغزل(7/201)
هرم، وأول من تغزل في رثاء، وهزل في حزن وبكاء، فقال في معبد أخيه، قصيدته المشهورة يرثيه:
أرث جديد الحبل من أم معبد ... وهي من شاجيات النوائح، وباقيات المدائح.
وأما الراعي عبيد: فجبل على وصف الإبل، فصار بالراعي يعرف، ونسي ما له من الشرف.
وأما زيد الخيل: فخطيب سجاعة، وفارس شجاعة، مشغول بذلك، عما سواه من المسالك.
وأما عامر بن الطفيل: فشاعرهم في الفخار، وفي حماية الجار، وأوصفهم لكريمة، وأنعتهم لحميد شيمة.
وأما ابن مقبل: فقديم شعره، وصليب نجره، ومغلى مدحه، ومعلى قدحه.
وأما جرول: فخبيث هجاؤه، شريف ثناؤه، صحيح بناؤه، رفع شعره من الثرى، وحط من الثريا، وأعاد بلطافة فكره، ومتانة شعره، قبيح الألقاب، فخراً يبقى على الأحقاب، ويتوارث في الأعقاب.(7/202)
وأما أبو ذؤيب: فشديد أسر الشعر حكيمه، شغله فيه التجريب حديثه وقديمه، وله المرثية النقية السبك، المتينة الحبك، بكى فيها بنيه السبعة، ووصف الحمار فطول، وهي التي أولها:
أمن المنون وريبه تتوجع ... وأما الأخطل: فسعد من سعود بني مروان، صفت لهم مرآة فكره، وظفروا بالبديع من شعره، وكان باقعة من هاجاه، وصاعقة من حاجاه.
وأما الدارمي همام: فجوهر كلامه، وأغراض سهامه، إذا افتخر بمالك بن حنظلة، وبدارم في شرف المنزلة، وأطول ما يكون مدى إذا تطاول اختيال جرير عليه بقليله على كثيره، وبصغيره على كبيره، فإنه يصادمه حينئذ ببحر ماد، ويقاومه بسيف حاد.
وأما ابن الخطفى: فزهد في غزل، وحجر في جذل، يسبح أولاً في ماء عذب، ويطيح آخراً في صخر صلب. كلب منابحة، وكبش مناطحة، لا تفل غرب لسانه مطاولة الكفاح، ولا تدمي هامته مداومة النطاح، جارى السوابق بمطية، وفاخر غالباً بعطية(7/203)
وبلغته بلاغته إلى المساواة، وحملته جرأته على المجاراة. والناس فيهما فريقان، وبينهما عند قوم فرقان.
وأما القيسان وطبقتهما: فطبقة عشقة توقة، استحوذت الصبابة على أفكارهم، واستفرغت دواعي الحب معاني أشعارهم، فكلهم [86] مشغول بهواه، لا يتعداه إلى سواه.
وأما كثير: فحسن النسيب فصيحه، لطيف العتاب مليحه، شجي الاغتراب قريحه، جامع إلى ذلك رقائق الظرفاء، وجزالة مدح الخلفاء.
وأما الكميت والرماح، ونصيب والطرماح، فشعراء معاصرة، ومناقضات ومفاخرة، فنصيب أمدح القوم، والطرماح أهجاهم؛ والرماح أنسبهم نسيباً، والكميت أشبهم تشبيباً.
وأما بشار بن برد: فأول المحدثين؛ وآخر المخضرمين؛ وممن لحق الدولتين، عاشق سمع، وشاعر جمع، شعره ينفق عند ربات الحجال، وعند فحول الرجال، فهو يلين حتى يستعطف، ويقوى حتى يستنكف، وقد طال عمره، وكثر شعره، وطما بحره، وثقب في البلاد ذكره.
وأما ابن أبي حفصة، فمن شعراء الدولتين، وممن حظي بالنعمتين(7/204)
ووصل إلى الغنى بالصلتين، وكان درب المعول، ذرب المقول، والد شعراء، ومنجب فصحاء.
وأما أبو نواس، فأول الناس في خرم القياس، وذلك أنه ترك السيرة الأولى، ونكب عن الظطريقة المثلى، وجعل الجد هزلاً، والصعب سهلا، فهلهل المسرد، وبلبل المنضد، وخلخل المنجد، وترك الدعائم، وبنى على الطامي والعائم، وصادف الأفهام قد نكلت، وأسباب العربية قد تخلخلت وانحلت، والفصاحات الصحيحة قد سئمت وملت، فمال الناس إلى ما عرفوه، وعلقت نفوسهم بما ألفوه، فتهادوا شعره. وأغلوا سعره، وشغفوا بأسخفه، وكلفوا بأضعفه. وكان ساعده أقوى، وسراجه أضوى، لكنه عرض الأنفق، وأهدى الأوفق، وخالف فشهر وعرف، وأغرب فذكر واستطرف. والعوام تختار هذه الأعلاق، وأسواقهم أوسع الأسواق، فشعر أبي نواس، نافق عند هذه الأدجناس، كاسد عند أنقد الناس. وقد فطن إلى استضعافه، وخاف من استخفافه، فاستدرك بفصيح طرده، طرفاً [من] حد اللسان وجده، وهو مجدود في كثرة التظاهر، على من غض منه بالحق الظاهر، ليس إلا لخفة روح المجون، وسهولة الكلام الضعيف الملحون، على جمهور العوام، لا على خصائص الأنام.
وأما صريع: فكلامه مرصع، ونظامه مصنع؛ وجملة شعره(7/205)
صحيحة الأصول، مصنعة الفصول، قليلة الفضول.
وأما العباس بن الأحنف فمعتزل بهواه، وبمعزل عما سواه. رفع نفسه عن المدح والهجاء، ووضعها بين يدي هواه من النساء. قد رقق الشغف كلامه، وثقفت قوة الطبع نظامه، فله رقة العشاق، وحوك الحذاق.
وأما دعبل: فمدبر مقبل، اليوم مدح، وغداً قدح، يجيد في الطريقتين، ويسيء في الخليقتين، وله أشعار في العصبية. وكان شاعر علماء، وعالم شعراء.
وأما علي بن الجهم: فرشيق الفهم، راشق السهمن استوصل شعره الشرفاء، ونادم الخلفاء، وله في الغزل الرصافية، وفي العتاب الدالية، ولو لم يكن له سواهما، لكان أشعر الناس بهما.
وأما الطائي حبيب: فمتكلف إلا أنه يصيب، ومتعب لكن له من الراحة نصيب، وشغله المطابقة والتجنيس، جيد ذلك أو ببس، جزل المعاني، مرصوص المباني. مدحه ورثاؤه، لا غزله(7/206)
وهجاؤه، طرفا نقيض، وخطتا سماء وحضيض. وفي شعره علم جم من النسب، وجملة وافرة من أيام العرب. وطارت له أمثال، وحفظت له أقوال، وديوانه مقرو، وشعره متلو.
قال ابن بسام: أما صفته هذه لأبي تمام؛ فصفة لم يثن عطفها حمية، ولا تعلقت بذيلها عصبية، حتى لو سمعها حبيب لاتخذها قبلة، واعتمدها ملة. فما آلم من أدب وإن أوجع، ولا سب من صدق وإن أقذع.
رجع:
وأما البحتري: فلفظه ماء ثجاج، ودر رجراج، ومعناه سراج وهاج، على أهدى منهاج. يسبقه شعره، إلى ما يجيش به صدره. يسر مراد، ولين قياد. إن شربته أرواك، وإن قدحته أوراك. طبع لا تكلف يغثيه، ولا العناد يثنيه، لا يمل كثيره، ولا يستكف غزيره، لم يهف أيام الحلم، ولم يصف زمن الهرم.
وأما ابن المعتز: فملك النظام، كما هو ملك الأنام، له التشبيهات المثلية، والاستعارات الشكلية، والإشارات السحرية، والعبارات الجهرية، والتصاريف الصنوفية، والطرائق الفنونية، والافتخارات(7/207)
الملوكية، والهمات العلوية؛ والغزل الرائق، والعتاب الشائق، ووصف الحسن الفائق:
وخير الشعر أكرمه رجالاً ... وشر الشعر ما قال العبيد وأما ابن الرومي: فشجرة [87] الاختراع، وثمرة الابتداع وله في الهجاء، ما ليس له في الإطراء، فتح فيه أبوابا، ووصل فيه أسبابا، وخلع منه أثوابا، وطوق فيه رقابا، تبقى أعمارا وأحقابا، يطول عليها حسابه، ويمحق بها ثوابه. ولقد كان واسع العطن، لطيف الفطن، إلا أن الغالب عليه ضعف المريرة وقوة المرة.
وأما كشاجم: فحكيم شاعر، وكاتب ماهر، له في التشبيهات غرائب، وفي التأليفات عجائب، يجيد الوصف ويحققه، ويسبك المعنى فيرققه ويروقه.
وأما الصنوبري: فصيح الكلام غريبه، مليح التشبيه عجيبه، مستعمل لشواذ القوافي، يغسل كدرتها بمياه فهمه الصوافي، فيجيل ويدق، ويعذب ويرق. وهو وحيد جنسه في صفة الأزهار، وأنواع الأنوار. وكان في بعض أشعاره يتخالع، وفي بعضها يتشاجع. وقد مدح وهجا، وسر وشجا، وأعجب شعره وأطرب(7/208)
وشرق وغرب. ومدح من أهل إفريقية أمير الزاب جعفر بن علي، منفق سلع الأدب. فوصله بألف دينار.
وأما الخبرزي: فخليع الشعر ماجنه، رائق اللفظ بائنه، كثيرة محاسنه، صحيحة أصوله ومعادنه، رائقة البزة، [مائلة] إلى العزة، تسليه عن الحب الخيانة، ويربقه الوفاء والصيانة. وله على خشونة خلقه، وصعوبة خلقه، اختراعات لطيفة، وابتداعات طريفة، في ألفاظ كثيفة، وفصول قليلة الفضول نظيفة. حتى إن بعض كبراء الشعراء اهتدم أشياء من مبانيه، واهتضم تظرفا من معانيه، وهو من معاصريه، فقل من فطن لمراميه.
وأمات أبو فراس بن حمدان: ففارس هذا الميدان، إن شئت ضربا وطعنا، أو لفظا ومعنى، ملك زمانا، وملك أوانا، أشعر الناس في المملكة، وأشعرهم في ذل الملكة. وله الفخريات التي لا تعارض، والأسريات التي لا تناهض.(7/209)
وأما المتنبي: فقد شغلت به الألسن. وسهرت في أشعاره الأعين. وكثر الناسخ لشعره. وألآخذ لذكره، والغائص في بحره، والمفتش في قعره. عن جمانه ودرن. وقد طال فيه الخلف، وكثر عنه الكشف. وله شيعة تغلو في مدحه، وعليه خوارج تتعايا في جرحه. والذي أقول إن له حسنات وسيئات، وحسناته أكثر عددا، وأقوى مددا، وغرائبه طائرة، وأمثاله سائرة، وعلمه فسيح، وميزه صحيح، يروم فيقدر، ويدري ما يورد ويصدر.
وأما ابن عبد ربه القرطبي: وإن بعدت عنا دياره، فقد صاقبتنا أشعاره، ووقفنا على أشعار صبوته الأنيقة، ومكفرات توبته الصدوقة، ومدائحه المروانية، ومطاعنه في العباسية. وهو في كل ذلك فارس ممارس، وطاعن مداعس. واطلعنا في شعره على علم واسع، ومادة فهم مضيء ناصع. ومن تلك الجواهر نظم عقده، وتركه لمن تجمل بعده.
وأما ابن هانئ محمد الأندلسي ولادة، القيرواني وفادة وإفادة، فرعدي الكلام، سردي النظام، إلا أنه إذا ظهرت معانيه، في جزالة مبانيه، رمى عن منجنيق، يؤثر في النيق، وله غزل قفري لا عذرى(7/210)
لا يقنع فيه بالطيف، ولا يشفع بغير السيف. وقد نوه به ملك الزاب. وعظم شأنه بأجزل الثواب، وكان سيف دولته، في إعلاه منزلته، من رجل يستعين على صلاح دنياه بفساد أخراه، لبرداءة عقله، ورقة دينه، وضعف يقينه، ولو عقل لم تضق عليه معاني الشعر، حتى يستعين عليها بالكفر.
وأما القسطلي: فشاعر ماهر عالم بما يقول، تشهد له العقول، بأنه المؤخر بالعصر، المتقدم في الشعر. حاذق بوضع الكلام في موضعه، لا سيما إذا ذكر ما أصابه في الفتنة، وشكا ما دهاه في أيام المحنة. وبالجملة فهو أشعر أهل مغربه، في أبعد الزمان وأقربه.
وأما علي التونسي: فشعره المورد العذب، ولفظه اللؤلؤ الرطب، وهو بحتري الغرب، يصف الحمام، فيروق الأنام، ويشبب، فيعشق ويحبب، ويمدح فيمنح أكثر مما يمنح.
هذا ما عندي في المتقدمين والمتأخرين، على احتقار المعاصر، واستصغار المجاور، فحاش لله من الاتصاف، بقلة الإنصاف، للبعيد والقريب، والعدو والحبيب.
قلت يا أبا الريان، وقيت مرور الحدثان، فلقد سبكت فهماً، وحشيت علماً.(7/211)
مقامة له أخرى
حدثني الجرجاني قال: كان فتى بجرجان من أبناء الأقيال، قد جمع إلى النهاية في المال الغاية في الجمال. وكان مألفاً للأدباء، ومأوى للغرباء، ورزقاً للفقراء، فلا يخلو منزله من أهل الإعدام. فإني لعنده في بعض الليالي إذ استؤذن عليه لضرير فقير فأمر بإكرامه وإطعامه. فلما فرغ من شانه، استدعاه إلى إيوانه، فدخل علينا رجل شيخ وافر السبال [88] ، قد عمه البياض بالكمال، مطموس العينين، مسترخي الحاجبين، قد صلعت هامته، وركعت قامته، وقصرت مسافة خطاه، وثقل جسمه على عصاه، فسلم بصوت ضئيل، ودعا بلسان ثقيل. وأقبل يذكر شبابه، ويتذكر أحبابه، وينوح على سالف زمانه، ويندب ثقات إخوانه. فرق له الفتى فأدناه، حتى أجلسه على يمناه، وصبره وسلاه. ثم سمرنا إلى وقت النوم، فرقد سائر القوم، ونام الفتى في مكانه، مراعاة لحق ضيفانه.
وكنت أدنى من الفتى مرقدا، كما كنت أدنى منه مقعداً، ولي عين أخف العيون هجعة، وأقربها إلى الانتباه رجعة. فأيقظني نبرة لم أكن عهدت من الفتى مثلها، ولا أجراها مع ضيف قبلها. فعجبت من خرق العادة، وأصغيت ألتمس [استزادة] . فسمعت الأعمى(7/212)
يقول: يا سيدي أنا صرورة، وثم ضرورة، وقد طالت الغربة، واضطرتني العزبة. فقال الفتى له: فما وجدت لضرورتك سواي، ولا لعزبتك حاشاي - قال له: فإن أبيت إلا أن تمنع، فدلني على ما أصنع. قال له الفتى: أرى لك أن تتسرى. قال: ومن للصعلوك بالمملوك - قال: فتتزوج. قال: والمحوج كيف يتزوج - قال له الفتى: فإنك لو خضخضت، لكان أشبه مما إليه تعرضت. قال الأعمى: والله يا مولاي لا يسعه خفي، فكيف كفي - فصاح الفتى: السلاح السلاح: " ألا أيها النوام ويحكم هبوا " قال الجرجاني فقلت: " فللشيخ زب ليس يشبهه زب ". فقال الفتى: أسمعت العجب العجاب - قلت: نعم، وحفظت العتاب. وجعلت أقول: ما سألك الشيخ في عسير، ولا حملك على خطير، فهلا قضيته فأرضيته - قال: فحسب الأعمى كلامي ردا، وظنه جداً، فقال: فديتك أيها الناصر. حين خذلني الأواصر، واحتقدني المعاصر، ثم تنهد وقال: آه واهرماه! بقينا حتى شقينا، آه. طاح أهل البذل والسماح، وبقي أهل البخل والجماح. انظر أي أجناس، بعد أي ناس، لكن الفقير حقير، قل المال، وذهب الرجال. سمعنا فطمعنا، يا فتى، أخبرنا عنك خبراً، ما رأينا له أثراً، ورب منسوب إلى حال، مرجوعها إلى محال؛ أين الكرم الذي ذكر، والخلق الذي شكر - هب ما سألناك يشق، أين الحق الذي يحق - كذب رائدنا، وقلت فوائدنا. فقال له الفتى: ويحك! اتق الله خالقك، فقد آن أن تترك(7/213)
فقال: يا مولاي، لو تركتني الشهوة لتركت، لكن حركتني فتحركت. إني وإن سبقني جمهور الأتراب إلى التراب، فلي قلب لهبي، وجسم ذهبي، لا يغيرهما إدمان الزمان، ولا يؤودهما حديث الحدثان. ولو عادت إليّ ساعة من أيامي، أو حصلت في يدي إبرة من حسامي، لسبقت كلومي فيكم كلامي، وسأجهد بهذه العصا، فأجاهد من عصا. ثم اهتز كأنه نسر مقصوص، أو حمار مرهوص، فقمنا وتركنا جانبه، وجعل يضرب بعصاه ما قاربه. فتركناه وشانه، وأدمنا عيانه، نصعد فيه ونصوب، ونعجب ونُعجب. فلم تزل شقشقته تهدر، وعصاه تتكسر، حتى كلت يداه، وانحلت قواه. ولاح وجه الصباح، وجئنا إليه بالمصباح، فإذا هو كالجدار المهدوم، والخدر المهشوم؛ قد فارق النفس النمرودية، ومات الميتة الجاهلية. فدفنه الفتى في أطماره، وسألنا كتمان أخباره، وأفن لعمري أي أفن، أن يطمع لخبر هذا في دفن، بل هو منشور، إلى يوم النشور.
ما أخرجته من شعر ابن شرف في أوصاف شتى
النسيب وما يناسبه
[قال] :
قد كنت في وعد العذار فأنجزا ... وقضى لحسنك بالكمال فأوجزا(7/214)
وافى لنصر الحسن إلا أنه ... ولى إلى فئة الهوى متحيرا
عطف تعلم منك عطفك عطفه ... وجد الفؤاد به السبيل إلى العزا
لم يكف وجهك حسنه وبهاؤه ... حتى اكتسى ثوب الجمال مطرزا
سبحان من أعطاك حسناً ثانياً ... وبثالث من فعل حسنك عززا وقال:
تصعد نفس لا صعود تنفس ... وترديد روح في حشاشة مكروب
فلا القرب يحيني ولا البعد قاتلي ... ولا الهجر يسليني ولا الصبر يلوي بي
وأصبحت ذا ضر ولقياك مبرئ ... لضري ولكن أين عيسى من أيوب وقال:
بين أجفانك سحر ... وعلى غصنك بدر
جردت عيناك سيفي ... ن لذا أمرك أمر
فعلى خدك من نث ... ر دم العشاق أثر
ومن الكثبان شطر ... لك والأغصان شطر
وسواء قلت در ... ما أرى أو قلت ثغر
وبماذا أصف الخص ... ر وما إن لك خصر [89]
بك شغلي واشتغالي ... ومضى زيد وعمرو(7/215)
وقال:
وشمس تراخت أن تغيب لقبلتي ... كما أمست فيما مضى يوشع
فيا قاطعاً وصلي ويا واصلاً ... بأمسي ويومي في العذاب الممتع
صرفت رجائي عن لعل وعن عسى ... وأبعدتني باليأس من كل مطمع
أعنتي بإطماع الوصال على النوى ... إذا لم تقاتل يا جبان فشجع
لديك فؤاد ما له من مطالب ... أأطلب في بعضي وقد بان أجمعي -
وديعة ميت أنت فيها محكم ... وإن شئت فاحفظها وإن شئت ضيع
أرى مهجات في يديك فما ترى ... بمن شئت أوقع أو بما شئت وقع قوله: " إذا لم تقاتل يا جبان فشجع " مثل من أمثالهم، وإليه شار أبو نواس بقوله:
فكأني وما أزين منها ... قعدي يزين التحكيما وقال:
واذكر لياليك التي ذهبت لنا ... نهباً وعيشاً كان كالتهويم
يسعدك وابل أدمع في أربع ... شربت مياه الدمع شرب الهيم
أيام شمس المشرقين ضجيعتي ... فيها وبدر المغربين نديمي
ونجوم كاساتي طوالع بالمنى ... والسعد يستغني عن التقويم(7/216)
محمود عيش جاد لي دهري به ... ثم استرد فكان فيه خصيمي
ولي وخلي جمرة مشبوبة ... تذكي على الأحشاء نار سموم
فإذا رأيت لهيبها وسلامتي ... فاذكر بذلك نار إبراهيم ينظر معنى البيت الرابع من هذه إلى قول أبي الطيب:
يقر لي بالفضل من لا يوده ... ويقضي له بالسعد من لا ينجم ولأبي [الحسن] أحمد البصري من أناشيد الثعالبي:
كنت إذا ما سرت في حاجة ... أطالع التقويم والزيجا
فصار لي الزيج كتصحيفه ... وعاد لي التقويم تعويجا وقال بعض أهل عصرنا وهو أبو بكر الداني:
وبمهجتي نجم له في مهجتي ... مسرىً ولي في نوره تعديل
حولت عهد مناخه بمناخه ... فقضى بتحويلي له التحويل(7/217)
وقوله: " محمود عيش جاد لي دهري به " من متداولات المعاني، منها قول محمد بن هاني:
وهب الدهر نفيساً فاسترد ... ربما جاد لئيم فحسد وأخذه بعض أهل عصري فقال:
يهب القليل وقد يرى استرجاعه ... هبة اللئيم أقل منه وأنزر ومن قصائده المطولة في المدح وما يتشبث به
من سائر الأوصاف
قال في المنصور حفيد ابن أبي عامر:
مر بي غصن عليه قمر ... متجل نوره لا ينجلي
هز عطفيه فقلنا إنه ... ذو الفقار اهتز في كف علي
ورأيت الناس صرعى حوله ... فكأن اليوم يوم الجمل
تلك أخبار زمان قد مضى ... وأمور في السنين الأول
زمن المنصور قوى منتي ... وسرى همي وأحيا جذلي
وسرور النفس من بعد الصبا ... ناشر عصر الصبا والغزل
فاستطيب العيش في بلدته ... فكأن الناس في قطربل
وكأن الشمس من بهجتها ... أبداً فيها ببرج الحمل(7/218)
وله من أخرى في عباد:
فما جشأت نفسي عشية مشرف ... ولا احتلبت عيني حزوى وفيفاء
ولا لغرابي دمنة الدار ظلت ذا ... سؤال وما عند الغرابين أنباء
مقام زمان مات عروة حسرة ... عليه وظلت تسفح الدمع عفراء
فلو نال حظاً منه غيلان لالتقت ... له صيدح فيه ومي ودهناء ومنها في ذكر طفلتين له:
أجشهم ليل القفار وظلمة ال ... بحار وكم ريعوا وللسيد إرخاء
ولي منهما سهمان هذا ابن أربع ... وهذا ابن ست كلما كان إغفاء
أضمهما والليل داج كأنما ... هما نقطتا ياء وجسمي هو الياء
فطوراً يغشيهم على ذكرك الكرى ... فتصبح أضواء عليهم ولألاء
وطوراً يمجون الدجى ومطاله ... وما كان للغايات مطل وإرجاء
فتضجر منهم أنفس ربما بكت ... بكاً هو للصم الجلاميد إبكاء ومنها:
فإن أفحمتنا هيبة عمرية ... لديك لها في الشعر كسر وإقواء
بذلت انبساطات لنا علوية ... لها بعد مومات المهامه أفياء(7/219)
صيدح التي ذكرها ناقة غيلان، والدهناء وطنه، ومي صاحبته، وكان ذو الرمة بذكر هذه الثلاثة في شعره. وقوله [90] " ولا لغرابي دمنة الدار " ... البيت، أشار إلى قول عروة بن حزام العذري في عفراء بنت مالك العذري، وتنشد الأبيات لحسنها، ولكون المعنى فرعاً من غصنها:
ألا غرابي دمنة الدار خبرا ... أبا لهجر من عفراء تنتحبان -
فإن كان حقاً ما تقولان فانهضا ... بلحمي إلى وكريكما فكلاني
ولا يعلن الناس ما كان ميتتي ... ولا يأكلن الطير ما تذران
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني
فقالا: شفاك الله والله ما لنا ... بما ضمنت منك الضلوع يدان وضرب المثل بهيبة عمر بن الخطاب، وكان مشهوراً بها، وبانبساط علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وله من أخرى في ابن طاهر أمير مرسية وقته:
وعاجوا على عسفان والليل أليل ... ومروا بذات البين والصبح مسفر
وحازتهم حزوى ضحى وتروحوا ... بمنعج واستعلوا أباناً فنوروا
ولما تواقفنا بذي سلم بدا ... سلام لسلمى ظل يخفى ويظهر
شعرت له والركب حيران غافل ... وما شاعر أمراً كمن ليس يشعر(7/220)
رأت ظبية الوعساء عيني فهيجت ... لها ذكرهم والشيء بالشيء يذكر
سأبكي طلولاً كنت فيها مطلة ... عليها وكل الليل تحتك مقمر
تصرم ذاك العيش إلا إدكاره ... وإلا كذوباً في المنام تزور
فتى طاهري طاهر الثوب ذكره ... من المسك أذكى أو من الماء أطهر وله من أخرى في المعتضد:
لولاهم لحججت أول حجةٍ ... حرم الكرام وطال فيه طوافي
ولزرت حمص الغرب أغرب زائر ... بغرائب كالحلة والأفواف
وزحمت واديها بمثل عبابه ... من سلسبيل في القلوب سلاف
وأريته بحراً يفاخر قعره ... بلآلئ فيه بلا أصداف ومنها في مدحه:
يا حاسديه على علا خطت له ... سبق القضا بالنون بعد الكاف
يخلي الديار من الجسوم ويجتني ... تمر الرؤوس وطرفة الأطراف
فكأنما الأجسام بعد رؤوسها ... أبيات شعر ما لهن قواف قال ابن بسام: أظن ابن شرف، فيما وصف، شبه الأجسام دون رؤوسها بأبيات شعره في هذه القصيدة. فليست لها مبادئ ولا قوافي.(7/221)
وما امتري أن الغربة فلت غرب طبعه، وغسلت عن جوانحه، وأطفأت نار قرائحه.
ومن أشبه مدائحه قوله في علي بن أبي الرجال بعض أمراء القيروان من قصيدة:
جاور علياً ولا تحفل بحادثة ... إذا ادرعت فلا تسأل عن الأسل
اسم حكاه المسمى في الفعال فقد ... حاز العيين من قول ومن عمل
فالماجد السيد الحر الكريم له ... كالنعت والعطف والتوكيد والبدل
زان العلا وسواه شانها وكذا ... للشمس حالان في الميزان والحمل
وربما عابه ما يفخرون به ... يشنا من الخصر ما يهوى من الكفل
سل عنه وانطق به وانظر إليه تجد ... ملء المسامع والأفواه والمقل وله من أخرى:
ما لي كذا كل ما طلبته عسر ... وقد أخذت بحب المطلب العسر -
ما لي أجاذب ذي الدنيا موليةً ... فكل ثوب عليها قد من دبر(7/222)
ومنها:
يعطي الجزيل من التنويل معتذرا ... ورب معطي قليل غير معتذر
أتى الزمان على يأس به لبنى الد ... نيا كبشرى بمولود على الكبر
إني ومجدك صيرت الورى نهرا ... وقلت ما قاله طالوت في النهر
فأنت عندهم منهم غرفة بيدي ... حلت وحرم باقي النهر في الزبر ومعنى البيت الرابع من هذه كقول أبي تمام، ونقص فيه عن التمام:
بشرى الغني أبي البنات تتابعت ... بشراؤه بالفارس المولود وذكرت بقوله: " فكل ثوب عليها قد من دبر " قول الشاعر:
قميص يوسف لما قد من دبر ... كانت براءته فيها من الكذب
وفي قميصك لما قد من دبر ... مما يدل على الفحشاء والريب وفي الحسن بن وهب يقول القائل:
إذا لقيت بني وهب بمنزلة ... لم تدر أيهما الأنثى من الذكر
مؤدبون على الفحشاء من صغر ... مدربون على النكراء في الكبر
يحنكون ولم تقطع سرائرهم ... بين الحواضن والدايات بالكمر
قميص أنثاهم ينشق من قبل ... وقمص ذكرانهم تنقد من دبر [91](7/223)
سائر مقطوعات له في أوصاف شتى
قال:
لعل الله يفتك المعنى ال ... أسير فيغتدي وهو الطليق
وإن أرجو التخلص من عظيم ... فقد ينجو من اللجج الغريق
لقد أنفذت من جلدي دروعا ... زرين على الذي نسجت سلوق
وصبرا لو تجسم لي مجنا ... كفاني ما رمته المنجنيق
وأفقد ما طلبت فلم أجده ... رفيق في صحابته رفيق
فأصبح وهو للعنقاء ثان ... وثاو حيث فرخت الأنوق
صحبت بهذه الدنيا أناسا ... إذا غدروا فغدرهم وثيق
ولم أصحبهم ودا ولكن ... كما جمع العدوين الطريق لعله ذهب في هذا القول إلى قول أبي الطيب:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوا له ما من صداقته بد وقال:
بعيشك ناد أيامي وقل هل ... لديك إلى مرد من سبيل(7/224)
أراك كما يرى المحتاج مالا ... وقد ملكت عليه يد البخيل
أراحلة وما أبقيت مني ... سوى لحظ يترجيم عن قتيل
وقد عاقبت بالعبرات عيني ... بلا ذنب وما ذنب الرسول
وجدت الناس كلهم طلولا ... فلم أطيل الوقوف على الطلول
وتسمع منهم ما لا تراه ... كسامع ضربة السيف الصقيل
فمن بسواك باعك فاغن عنه ... كما استغنى علي عن عقيل عقيل أخو علي بن أبي طالب كان ولد معه توأما، ولذلك قال: زوحمت حتى في الرحم. ولما كان يوم صفين هرب إلى معاوية وفارق أخاه عليا.
وقوله: " أراك كما يرى المحتاج مالا " - البيت، أراه توارد فيه مع لدته وابن بلدته أبي علي بن رشيق حيث يقول:
والصبح قد مطل الليل العيون به ... كأنه حاجة في كف ضنين وقال ابن شرف:
وما بلوغ الأماني في موعدها ... إلا كأشعب يرجو وعد عرقوب
وقد يخالف مكتوب القضاء يدي ... فكيف [لي] بقضاء غير مكتوب(7/225)
وقال:
- سل عن رضاي عن الزمان فأنه ... كرضى الفرزدق عن بني يربوع
لله حالٌ قد تنقل عهدها ... بخلاف نقل الدهر حال صريع
دارت دراري الخطوب قواصداً ... حنى نظرن إلي من تربيع - كان صريع الغواني حاملاً فولاه بنو سهلِ جرجان فشرف.
وقال:
أهل الصفاء نأيتم بعد قربكم ... فما انتفعت بعيش بعدكم صافِ
وقد قصدت ندى من لا يوافقني ... فكان سهمي عنه الطائش الهافي
أردت عمراً وشاء الله خارجةً ... أما كفى الدهر من خلفي وإخلافي - وقال:
يقولون ساد الأرذلون بعصرنا ... وصار لهم قدر وخيل سوابق
فقلت لهم ولى الزمان ولم تزل ... تفرونُ في أخرى البيوت البيادق وقال:
قالوا تصاهلت الحمي ... ر فقلت إذ عدم السوابق
خلت البيوت من الرخا ... خِ ففررنت فيها البيادق(7/226)
وقال:
شكوت حزني وبثي ... إلى القريب المجيب
فكان عقباي عقبى ... نبيه يعقوب وقال:
لك منزل كملتْ ستارته لنا ... للهوْ لكن تحت ذاك حديث
غنى الذباب وظل يرمز حوله ... فيه البعوض ويرقص البرغوث وهذا كقول السميسر:
ضاقت بلنسية بي ... وذاد عني غموضي
رقصُ البراغيث فيها ... على غناء البعوض - ما أخرجته من مراثيه لأهل القيروان بلده
قال من قصيدة وصف فيها إذلال أهل سوسة جالية القيروان وهي طويلة قطفت عيونها:
- آه للقيروان أنه شجوٍ ... عن فؤاد بجاحم الحزنِ يصلى
حين عادت به الديار قبورا ... بل أقول الديار منهن أخلى(7/227)
ثم لا شمعةٌ سوى أنجمٍ تخ ... طو على أفقها نواعس كسلى
بعد زهر الشماع توقد وقداً ... ومتان الذبال تفتل فتلا
والوجوه الحسان اشرق منهن ... ويفضلنهن معنىً وشكلا
لو رأيت الذين كان لهم سه ... لك وعراً قد صيروا الوعر سهلاً ومنها:
بعد يوم كأنما حشر الحل ... ق حفاةً به عواري رجلى
ولهم زحمة هنالك تحكي ... زحمة الحشر والصحائف تتلى
وعجيج وضجة كضجيج ال ... خلق يبكون والسرائر تبلى
من أيامي وراءهن يتامى ... ملئوا حسرة وشجوا وثكلا [92]
وثكالى أراملاً حاملات ... طفلة تحمل الرضاع وطفلاً
وحصان كأنها الشمس حسنا ... كفنتها الأطمار نجلاء كحلا
فات كرسيها الجلاء فأضحت ... في ثياب الجلاء للناس تجلى
جار فيهم زمانهم وأولوا الأم ... ر ففروا يرجون في الأرض عدلا
تركوا الربع والأثاث وما يث ... قلٌ لا حامل من الناس ثقلا
لبسوا الباليات من خشنِ الصو ... ف ليغدو النبيه في الناس غفلا(7/228)
نادباتٍ، عفراء تسعد سعدى ... وسعادٌ تجيبُ بالنوحِ جملا
ليس منهن من يودعُ جاراً ... لا ولا حرمةٌ تشيع أهلا
كلهن اعتدى الفراقُ عليه ... فاقتحمن الجلاء حفلاً فحفلا
فإذا القفرُ ضمهم فوق الده ... رُ لهم غيرَ ذلك النبلِ نبلا
من ثعابين حاملينَ نيوبا ... عصلاً: ذابلاً ونبلاً ونصلا
وشياطينَ رامحين يلاقو ... نَ بجونِ الفلا مساكين عزلا
فترى للظهور تعتلُ عتلاً ... وتشق البطون تغسلُ غسلا
فإذا مطمعٌ أصابوه في أح ... شاءِ قومٍ عموا بذلك كلاً
فإذا نجت المقادير منهم ... راحلاً بالخلاصِ يحملُ رحلا
لقيَ الهون في المذلةِ أنى ... كان من سائر البلاد وحلا
ليس يلقى إلا أمراً مستطيلاً ... طالباً عندهُ حقوداً وذحلا
فترى أشرف البرية نفساً ... ناكساً رأسه يلاطفُ نذلاً
فهم كلما نبتَ بهم أر ... ضٌ مطايا الفراقِ خيلاً ورجلا
مزقوا في البلاد شرقاً وغرباً ... يسكبون الدموع هطلاً ووبلا
لا يلاقي النسيب منهم نسيباً ... يتعزى به ولا الخل خلا
ليت شعري هل عودةٌ ليَ في الغي ... بِ إلى ما طال شجوي أم لا(7/229)
قوله " حينَ عادتْ به الديارُ قبوراً " يشبه من وجهٍ قول أبي تمام:
- وما الفقرُ بالبيدِ القواءِ بلِ التي ... نبتَ بي وفيها ساكنوها هي القفرُ وأخذه بعض أهل عصري وزاد فقال:
ثاوٍ بحمصِ كأنما هي قبره ... لو لم يقاس بها صروف زمانه وقوله " ثم لا شمعةٌ سوى أنجم " ينظر إلى قولِ محمد بن هانئ الأندلسي:
وبات لنا ساقٍ يقوم على الدجى ... بشمعة صبحٍ لاتقط ولا تطفا ويروى " بشمعة ليلٍ "، وإنما أخذه من قول أبي الحسنِ سليمان ابن حسان النصيبي:
وإن يكُ ليلنا فيه نهاراً ... فشمعةُ بدرهِ ليست تقطُ وربما توارد معه لأنه كان معاصره، إلا أن ابنَ هانئ أقدم موتاً.
حكى أبو علي في رسالة " قراضة الذهب " أنه مات سنة اثنتين وستين وثلاثمائة.(7/230)
- وقال أبن شرف من قصيدة وصف ما كان من صيانة الحريم في أوطانها، ثم ما صارت إليه من الانكشاف في الحل والترحال، وركوب طهور الخطوبِ والأهوال فيها:
- بعد خطوب خطبت مهجتي ... وكان وشكُ البين إمهارها
ذا كبدٍ أفلاذها حولها ... قسمت الغربةُ أعشارها
أطافل ما سمعت بالفلا ... قطٌ فعانيتُ الفلا دارها
ولا رأت أبصارها شاطئاً ... ثم جلتْ باللجِ أبصارها
وكانت الأستارُ آفاقها ... فعادت الآفاقُ أستارها
ولم تكن تعلو سريراً علا ... إلا إذا وافق مقدارها
ثم علت كل عثور الخطا ... يرمي بها الأرض وأحجارها
ولم تكن تلحظها مقلةٌ ... لو كحلت بالشمسِ أشفارها
فأصبحت لا تتقي لحظةً ... إلا بأن تجمع أطمارها قوله " وكانت الأستار آفاقها " من الكلام الفصيح، والقلب المليح. ويشبه منحاه، وإن لم يكنْ في معناه، قول الأول:(7/231)
فردَ شعورهن السودَ بيضاً ... وردَ وجوههن البيض سودا وكقول الآخر:
نديمي جاريةٌ ساقيه ... ونزهتي ساقيةٌ جاريه وله من أخرى:
كأني وأفراخي إذا الليل جننا ... وبات الكرى يجفو جفوناً ويطرقُ
حمائم أضللنَ الوكور فضمها ... تجانسها حتى تراءى المفرق
إذا أفزعتهم نبوةٌ زاحموا لها ... ضلوعي حتى ودهم لو تفتقُ
ويصغر جسمي عن جميع احتضانهم ... فيثبتُ ذا فيه وذا عنه يزهق
كأنهم لم يسكنوا ظلَ نعمة ... لها بهجة ملُ العيون ورونق
إلى أن غدوا فيء فتارةً ... تباعُ وفي بعضِ الأحايين تعتقُ
وطوروا على موجٍ البحارِ كأننا ... قذى قد وثقنا أننا ليس نغرق [93]
ونحن نفوس تسعةٌ ليس بيننا ... وبين الردى إلا عويد ملفق نظم هذا من قول الفيلسوف وقد ركب سفينةً فقال للملاح:
كمْ غلطُ لوح سفينتك - قال: إصبعان. قال فإنما بيننا وبين الموت إصبعان.(7/232)
وقوله " إذا أفزعتهم نبوةٌ " - البيت، بناهُ على قول امرئ القيس، إلا أن الوجدُ لذعه لذعةٌ أنطقته بالحال، وقولته السحر الحلال، فعلمته كيف يفتت الأكباد، ويفتُ في الأعضاد، وهو قوله:
إذا أخذتها هزة الروعِ أمسكت ... بمنكبِ مقدامٍ على الهولِ أروعا وقال من أخرى:
يا قيروان وددتُ أني طائرٌ ... فأراك رؤيةَ باحثً متأملِ
آها وأية آهةٍ تشفى جوى ... قلبٍ بنيران الصبابةِ مصطلي
أبدت مفاتيح الخطوب عجائباً ... كانت كوامن تحت غيبٍ مقفل
زعموا ابن آوى فيك يعوي والصدى ... بذراك يصرخ كالحزينِ المثكل
يا بيدَ روطةَ والشوارعُ حولها ... معمورةٌ أبداً تغص وتمتلي
يا أربعي في القطب منها كيف لي ... بمعاد يومٍ فيك لي ومن أين لي -
يا لو شهدتِ. إذا رأيتكَ في الكرى ... كيف ارتجاع صباي بعد تكهل
لا كثرةٌ الإحسان تنسي حسرةً ... هيهاتَ تذهبُ علةٌ بتعلل
وإذا تجددَ لي أخ ومنادمٌ ... جددتُ ذكر إخاءِ خلٌ أول
- " لو كنتُ أعلمُ أن آخر عهدهم ... يومُ الرحيلِ فعلتُ ما لم أفعلِ "(7/233)
وهذا البيت لجرير؛ وإنما تضمنه. وبعده قولُ جرير:
- لو كنتُ أحذر وشكَ بينٍ عاجلٍ ... لقنعتُ أو لسألت ما لم يسأل وقوله " وإذا تجددَ لي أخٌ ومنادمٌ " ومن قول أبي تمام:
- نقلْ فؤادكَ حيثَ شئتَ من الهوى ... ما القلب إلا للحبيبِ الأول وقال أبو الحسنِ الرضي:
- ما ساعدتني الليالي بعد بينكمُ ... إلا ذكرتُ ليالينا بذي سلمِ وقال ابن شرفٍ من قصيدة:
كأنَ الديارَ الخالياتِ عرائسٌ ... كواسدُ قد أزرت بهن الضرائرُ
وتنكرُ بقياها الأسرةُ حسراً ... عواطل لا تفشى لهن السرائر
إذا أقبل الليل البهيمُ تمكنت ... بها وحشةٌ منها القلوب نوافر
ولا سرجٌ إلا النجوم وربما ... تغطت فسدت جانبيها الدياجر
يمرُ عليها المور يسحبُ لحفه ... ولا كانسُ إلا الريحُ الغدائر
ويمتدُ عمرُ الصوتِ فيها وربما ... تجود مراراً بالكلامِ المقابرٌ
فلو نطقت ما كان أكثرٌ نطقها ... سوى قولها أين الخليطُ المعاشر -
ألا قمرٌ إلا المقنعُ في الدجى ... فأين اللواتي ليلهنَ المعاجرِ(7/234)
- ألا منزلٌ فيه أنيسٌ مخالطٌ ... ألا منزلٌ فيه أنيسٌ مجاور -
ترى سيئاتِ القيروانِ تعاظمت ... ألم تكُ قدماً في البلادِ الكبائر - ضجرَ أبو عبد الله - عفا الله عنه؛ وفيها يقول:
ترحل عنها قاطنوها فلا ترى ... سوى سائرٍ أو قاطنٍ وهو سائر
تكشفت الأستار عنهم وربما ... أقيمت ستورٌ دونهم وستائر
إذا جاذبت أستارها تبتغي بها ... لأقدامها ستراً تبدتْ غدائر
تبيت على فرش الحصى وغطاؤها ... دوارسُ أسمال زوارٍ حقائر
فيا ليتِ شعر القيروانِ مواطني ... أعائدةٌ فيها الليالي القصائر -
ويا روحتي بالقيروان وبكرتي ... أراجعة روحاتها والبواكر -
كأن لم تكن أيامنا فيك طليقةً ... وأوجه أيامي السرور سوافر
كأن لم يكن كلٌ ولا كان بعضه ... سيمضي به عصرٌ ويمضي المعاصر قولهُ " كأن الديار الخاليات " ينظر من وجهٍ إلى قول أبي تمام:
وكذاك لم تفرط كآبةٌ عاطلٍ ... حتى يجاورها الزمان بحال وقال أبي شرفٍ من أخرى:(7/235)
سقى القصرَ فالميدان أخلافُ مزنةٍَ ... وراحت على الروحاء منها أفاويق
- على أنه مرمى نبت عنهُ أسهمي ... فلا حزَ لي في الأفق منه ولا فوق
أناديهِ والبحرُ المحيطُ مجاوبي ... ودوني خليجٌ منه أفيح مخروق
وقرطبةٌ ضمت إليها جوانحي ... كما ضم من عفراءِ عروة تعنيق
نزلنا [بها] لا نبتغي السوق عندها ... فما كان بدٌ أن أقمت لنا سوق
وأحيا أبن يحيى ميتات خواطري ... وفسحَ آمالي وكان بها ضيق
أبا حسنٍ وأحسنت بدءاً وعودةً ... وللغصنِ إثمارٌ إذا كان توريق
فلم يرَ بؤسٌ إذ وليت أمورها ... ولا كسدتَ سوقٌ إذ ألتفت السوق
وكم لقيت حربَ الأزراق منهمُ ... وكمْ زرقت في جانبيه المزاريق قال أبن بسام: وكثيراً ما يذكر أبنُ شرفٍ في شعره أحياء الأعراب التي أخرجتهم من القيروان كبني هلال [94] وقرة وزغبة وهم الذين تولوا حرب بلدهِ في التاريخ المتقدم الذكر؛ فمن ذلك قصيدةٌ أولها:
جسومٌ على حكمِ العيون صحاحُ ... وفي طي أحناءِ الضلوع جراحُ يقول فيها:
إذا كان للأحباب رسلٌ فرسلنا ... بروقٌ إلى أحبابنا ورياح
ومن دون تلك الرسل أخضرُ زاخرٌ ... أجاجٌ ومهجورُ الفجاجِ فياح(7/236)
وللسهم دون القيروانِ تسهمُ ... وما شوكه إلا ظبا ورماح
وقرةٌ قد قرتْ هناك عيونها ... وزغبةٌ ريشت زغبها ورياح
كأن لم يكن لي أمس في عرصاتها ... من العيشِ جد طيبٌ ومزاح
يخيلها زورُ الكرى لي في الدجى ... فأرغب في ألا يلوح صباحُ
كسيتُ قناع الشيب قبل أوانه ... وجسمي عليه للشبابِ وشاح
ويارب وجهٍ فيه للعينِ منزه ... أمانع عيني منه وهو مباح
وأهجره وهو اقتراحي من الورى ... وقد تهجر الأمواه وهي قراح وهذا مصراعُ بيت المعري:
والعذبُ يهجرُ للإفراطِ في الحصرِ ... وقوله: " يخيلها زورُ الكرى " ألم فيه أبن شرف بقول العباس ابن ألأحنف:
حتى أقول إذا استيقظتُ من أسفٍ ... يا ليتني كنتُ دهري راقداً أبدا وله من أخرى يمدحُ الأمينَ ابن السقاء:
فيا أخويَ من أسد وسعدٍ ... أحي حي زغبةٌ أم دفين
فلا اشتملت مساكنها بشمل ... ولا هدأ القرار به سكون(7/237)
ولا سرت الرياحُ على رياحٍ ... لواقح مزنةٍ أنى تكون
فقد دارت علينا من رحاها ... طحون كلما لاقت زبون
فلا وطنٌ لنا إلا المطايا ... وإلا الماءُ طوراً والسفين
لعلك أيها البرقُ اليماني ... إذا كشفتَ عن خبرٍ تبين
أفي وكناتها عقبانُ قوم ... كعهدي أم خلتْ منها الوكون
وبين قبابِ صبرةٍ والمصلى ... نهى ومها وآسادٌ وعين
وأجبالٌ تمور بها المذاكي ... وأقمار تميس بها الغصون
وقرطبة أعيدت قيروانا ... لنا لما دهت تلك الفتون
وكيف يضيعُ مثلي في مكانٍ ... يكون به أبو الحسنِ الأمين
أيا منُ أن تكون النونُ راءً ... وقد وجبتْ له راءٌ ونون انتهى ما أخرجته من أخبار ابن شرف، ونتلو ذلك بطرف من أخبار ابن السقاء مدبرِ الدولة الجهورية بقرطبة. ونشير إلى مقتله، ونلمعُ بذكرِ أوله، وكيف ارتقي من الحضيضِ، إلى ذروة الجاه العريض، حتى زاحم نجوم الأفلاك. وملأ صدور الأملاك، وسارت عنه في السياسةِ أخبار. محتْ أضواء الأسحار. وعطرت أنفاس الأزهار.
جملة من أخبار ابن السقاء القرطبي، مدبر الملك الجمهوري
قال ابن حيان: كان أبو الحسن إبراهيم بن محمد بن يحيى المعروف بابن السقاء قد كابدَ من شظف المعيشة في فتاءِ سنه ما لا شيء فوقه، إذ(7/238)
كان يعالج السقطَ بسويقة أبن أبي سفيان في قرطبة ببضاعة نزره. وأعلى ما انتقل إليه عند إكداء تلك الحرفة الاستخراج من جهة الأحباسِ، وراثة عن والده محمد السقاء. وبأسبابها خدم القضاة وتمرن مع الفقهاء، وهو يقتات معيشته مياومةً، ويأوي ليله الى بيتٍ في دويرة والده محمد بجوفي المسجد الجامع، يحاضرُ فيه جماعةً إخوةً لا يجد بينهم إلى مد ساقه سبيلاً. وما هو إلا أن حملَ الأمانة على كاهله، فوضفها أسفل رجله، وتذكر عضَ الكلابِ لعصاه، فتحول جرذاً للسرقِ والخيانة، وابتنى القصور المنيعة، واقتنى الضياع المغلة، إلى أملاك لا تحصى كثرة.
قال ابن بسام: وقد رأيت ابن حيان مدحَ ابن السقاء في غير ما موضعٍ من كتابه فيه في فصل:
وصار من المناجح للدولة الجهوريةِ أن استعانَ فيها الوزيرُ الرئيسُ أبو الوليدَ جهورٌ على أمره بالأمين أبي الحسن إبراهيم بنِ محمد، متولي النظر في المسجد الجامعِ على قديم الأيام، خادمه الكافي المنقطع إليه، ونصيحه المتهالك في طاعته. فتفرس فيه فراسة مثله. فقلده القيام بأعباء دولته، فأصاب نقافاً يخذم، ونفذ فيما يريد عنه كالسنان اللهذم، لجودة استقلاله، ورجاجة وزنه.
ثم ذكره بعد مقتله فقال: وهذه عصفة من عصفات الدهر الخؤون، الذي هو لمن أصغى إليه أنصح الواعظين [95] . قصفت من هذا الرجل(7/239)
الظالم - كان - لنفسه، الغاش لمصطنعه، سرحةً نوارة أطال الباطل مرعها من غراس أودع خضراء دمنة. فموه على أهل وقته بليانة كانت فيه سوقية، وخلابة جبلية، عضدها جدَ صاعدُ رقاه من الحضيض إلى السها، وحرسته إلى مدة اجتذبته عند توفيها أعراقه اللئيمة، فتولى ذميماً لسوءِ أفعاله، فلا سماؤه بكتْ عليه ولاأرضهُ، وقد كنتُ كتبت من وصف ظاهر محاسنه أوان اعتلاقه بقهرمة أميرنا محمد بن جهور، وعددت من حسان خصاله ما لم يبعد عن الصدق عنه، لأخذنا بظاهر ما تموه في العيون وقت بنائه لنفسه، وتنفيقه لكساده، من طأة الخلق، وحسن الاحتمال، ولين الحجاب، وخفة المواطأة، وجودة الوساطة، معرضين فيه عن ذكر ما لم يمكن لنا النفث عنه مما في باطنه من نذالة الخيم، ونطف الصحبة، وتهمة الخلوة. وإذا به متخلق ليسمو إلى مراد أناله المقدار إياه، فتنة من الله. فلم يلبث أن أدركه عرق السوء، واجتذبه إلى نصر طباعه، فاستحال وتغير، وعتا واستكبر، وخان وغدر فاستخف المظالم، واستهان الكبائر، واطرح الفروض، واحتقر الحقوق، واغترى بذوي الهيئات، وحملة المروات. فأذال صونهم، وأغرى غاشيته من سفلة الناسِ وأوغادهم بهم، فأضرع خدودهم، وحط أقدارهم، وأشعر الأعزة الذلة، وألصق أنوفها بالرغام، وأصمتها عن الكلام. فارتفع الأمر بالمعروف جملةً، ووسع أهل السلامة الدخول تحت التقية. فصرنا ممن أخذ بذلك في ذكره، فيما كتبنا له من ظاهر أخبار مدة ستر الله عليه، إلى أن ارتفعت بزوال سلطانه، وأمان عدوانه، ففارقنا(7/240)
الحزام في ذكره، ولزمنا العذر عنه بالنقض لما أسلفناه من تقريظه.
قال ابن حيان: ولما رآه ولد ابن جهور آخذاً بخطط الملكِ اجمعها. ومراتب الرئاسة بكليتها. وتركهم أعطالا. وبسط يده إلى مال الخراج وأحتوى عليه. يأخذه كيف شاء، وينفقه فيما يريد، واصطنع الرجال، وأتخذ الأصحاب والغلمان. فخضعت له الرقاب، وسمت إليه الآمال. فتوقل ذروه الإمارة حالاً حالاً، حتى ثنى الجند والرعية لنفسه، وصدهم عن لقاء أميرهم ابن جهور. ولم يستحي من الله ولا من عباده في خون أمانتي. ولا تستر عن الإعلان بغلول وديعته، وقد تولى أمر السلطان وهو فقير فلم يستتر في الاكتساب، بل جاهر في التحامل على الجيرة والإكراه بالمستضعفين ممن يصاقبه من ذوي خطة أو سهمةٍ. له في كل ذلك أمور لا تحصى كثرة. ثم خلط لأول ترقية في الرئاسة بان اتخذ لنفسه جند سوء. مال به طبعه الرذل إلى الاستظهار بهم على أقادم الجند بقرطبة ممن مرن على الاستقامة، فتخير هو من أراذل الطبقات ومصاص شرار الناس، وانتقاهم من أصناف الدعرة والدائرة والأساود والرقاصة، نخل من كل طبقةٍ مرفوضة ما بعث على الناس منهم ذئاباً عادية، وأعدهم ليوم الكريهة فلم يغنوا عنهم شيئاً لما حاق به قضاؤه. وكان قد أقفر دار الخدمة في قرطبة ونقلها إلى داره، فجعلت المواكب تزدحم على بابه، ولم(7/241)
يوقفه الله لاختيار حاجبٍ لبيب يعلو جماعة حجابه، فيحمل له وجوه الناس ويرتب قعودهم بدهليزه فيطعمهم بخروجه أو يعتذر إليهم عنه بما يؤيسهم منه، فيذهبون لسبيلهم معافين من سوء غلمانه؛ وما كانوا يلقونه إلا [في] فصيل فيه أفدام الرجال لسوء أدب حجبته في حملهم على الناس بعنف الرد. ولربما دقوا الأنوف ونتفوا الشوارب غير مميزين لطبقة الناس، فحقدوا عليه، إلى أشتات من المساوئ نظمها، وأنواع من المخازي جمعها. وألقي له على قلوب الناس رهبةٌ مع أضغان شبوا بها أصبغة مساويه، والأقدار تدفع عنه، إلى أن حاقت به فكبا لفيه. ولم يزل يرجع في مراتع الباطل، ويلبس على الناس أمرهم، وصدهم عن أميرهم، وأخذ الله بسمعه وبصرهم. وتمثل لهم الجسد الملقى على كرسي سليمان، فحارت ألبابهم فيه، وتاهت منه، من وزير في قعود أمير، وقاضٍ في مسلاخ جندي، وفقيهٍ على دينٍ يحيى بالقول ويقتل بالفعل. فسبخان من سواه من ألأم طينةٍ فأمهله مدة. من رجلٍ عهر الخلوة لزهده في النساءِ وكلفة بالغلمان. واتخذ داراً آخر مدته للخلوة بهم، فكان لا(7/242)
يخدمه فيها [96] ولا يحف به غير خاصة غلمانه، ولا يأذن لأحد من طبقات الناس بالدخول إليه فيها. فأكثر الناس القول في هذه الدار وسموها " دار اللذة " لأنه كان يجيشها في اكثر النهار عند فراغه من أحكامه فيقضي بها راحته. فإذا جاء الليل عاد إلى دار سكناه التي فيها أهله. ومن تمام العجب في شانه انه لم يكشفه ولا نبش صداه إلا تلك الطائفة من بطانته التي اختارهم لنفسه من أرذال الطبقات، وذلك معهود في أمثالهم. فالصنيعة لا تزكو إلا عند ذي حسب ودين.
قال ابن حيان: فلما قطع أموال الناس جملة عن بني جهور، وأخلى أبوابهم من جميع الطبقات، ولم يدع لابن جهور من سلطانه غير التوقيع وحده، وتقدم إلى جميع أصحابه وحجابه أن يدعى بالسلطان، فكان إذا ركب إلى دار أميره ابن جهور سأل سائل: أين يكون السلطان - قال حجابه: في دار الوزير، فيجيئون بمعكوس من القول يمجه السمع، دان له الناس بذلك عنوة، وخاطبوه بالتمويل دعاء ومكاتبة، إلا قليلا تمسكوا بالمروءة فاكتسبوا لديه مقتا. فظل يزداد مع الأيام استكبارا، ويبطن تدبيرا، ويسيء تفكيرا. أخبرت انه قال [له] يوما بعض بطانته عندما رآه يرتكب من الفواحش: خفض عليك، فقال له: وما علينا - والله ما بها كلب ينبح فيجتمع إليه. وما علم الحائن الشقي أن هناك شبل أسد جهوري قد لبد لبطش(7/243)
به وهو عبد الملك الأصغر من اخوته، لم يستشر في الفتك به غير نفسه. فلما كان في يوم السبت لسبع بقين لرمضان سنة خمس وخمسين أعد له رجالةً في فصيل أبيه، واقام هو ينتظره، وأرسل عنه رسولاً كان أبوه يوجهه عنه. فلما وصل إلى باب ابن جهور ومعه من أصحابه الناشبين معه نزر يسير، وأراد النزول على حجر لاصق بالباب، وإذا بعبد الملك قد قام عليه بخنجر أعده له فضربه ثم خرج عليه الرجالة المعدون له وابتدروه كالصقور بالسيوف وحزوا رأسه. وركب من حينه عبد الملك وجعل رأسه على رمحه وطيف به البلد كله حتى انتهى إلى داره " دار اللذة " ورمى رأسه للعامة، فعاثت فيه، وكسروا أنيابه ونتفوا لحيته، فأصبح شأنه عجباً. واحتوى عبد الملك على تلك الدار وحازها بما فيها، وعلى أصاغر غلمانه. واجتاز على السجن وأطلق من فيه. وسمع أبوه محمد بن جهور خبر الواقعة فخرج دهيشاً، ورآه مجدلاً فارتاع وتلهف، وانتهز ابنه وهو يحاول تطويف الرأس ولم يقف على أبيه. وأمر ابن جهور بستر جسده في دهليز الإصطبل. وتقدم بإصلاح أبواب المدينة، وركب إلى المسجد الجامع وقد دخل الناس في السلاح وجاشوا جيشاً عظيماً، وأبدوا بقتل ابن السقاء سروراً عظيماً، وأعلنوا بالشمات به وإقداح القول فيه.
وقعد ابن جهور بالمسجد الجامع على كرسي المصحف، وبادر المجيء إليه لأول الهيشة الوزير الزمن، بقية وزراء الفتنة، أبو إسحاق(7/244)
ابن حمام عدو ابن السقاء كأنما أنشط من عقال. وقتل ذلك اليوم من حاشيته نحو من عشرين رجلاً. واعتصم أخوه بمنار المسجد الجامع فنجا. وانطلقت أيدي الناس على [أتباعه] فنهبت دورهم. ثم أمر ابن جهور بسوق رأسه وضم إلى جسده، ووري في أخدود خد له بباب مسجد ابن السقاء في أطماره، وهيل عليه التراب هيلاً. وسلبت كسوة المسجد وثرياه، وعطلت فيه الصلاة، فصار ثوياً للثاوي.
فصل في ذكر الأديب الأستاذ أبي الحسن علي بن عبد الغني
الكفيف المعروف بالحصري واجتلاب جملةٍ
من نظمه ونثره
وأبو الحسن هذا ممن لحقته أيضاً بعمري، وأنشدني شعره غير واحد من أهل عصري. وكان بحر براعة، ورأس صناعة، وزعيم(7/245)
جماعة. طرأ على جزيرة الأندلس منتصف المائة الخامسة من الهجرة بعد خراب وطنه بالقيروان، والأدب يومئذ بأفقنا نافق السوق، معمور الطريق. فتهادته ملوك طوائفها تهادي الرياض النسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم، على أنه كان فيما بلغني ضيق [97] العطن، مشهور اللسن. يتلفت إلى الهجاء تلفت الظمآن إلى الماء. ولكنه طوي على غره، واحتمل بين زمانته وبعد قطره. ولما خلع ملوك الطوائف بأفقنا - حسبما شرحت فيما تقدم من هذا المجموع وأوضحت - وأخوت تلك النجوم، وطمست من الشعر الرسوم، اشتملت عليه مدينة طنجة، وقد ضاق ذرعه، وتراجع طبعه. وله على ذلك سجع، يمج أكثره السمع، لم يسمح نقدي أن أكتبه، ولا رأيتني أن أرويه، وما أراه يسلك إلا سبيل المعري فيما انتحاه، وكان هو وإياه كما وصف العباس بن الأحنف:(7/246)
هي الشمس مسكنها في السماء ... فعز الفؤاد عزاء جميلا
فلن تستطيع إليها الصعود ... ولن تستطيع إليك النزولا أو كما قال ابن الرومي:
دعوا الأسد [تربض] في غابها ... ولا تدخلوا بين أنيابها وهيهات في قدرة العمى، أن يجمع بين الأرض والسما، ولا بتقارب الصفات، تقترن منازل الموصوفات:
أكل أبي ذؤيب من هذيل ... وكل أبي دواد من إياد - جملة ما أخرجته من نثر الحصري المكفوف
فصل له من رقعة: السلام عليك أيها القلب الثاني، والبعيد الداني، الراقي في سماء المعالي، الواقي من داء الليالي. أول من عددت، وأفضل من أعددت. ومن لا زال النسيم في البكر والعشيات، يهدي إليه طيب التحيات. ومن جعلت وقاءه، ولا عدمت لقاءه، فإذا كان الكريم سالماً، كان الزمان مسالماً.(7/247)
وله من أخرى: وصل كتابك أبهى من الحلي والحلل، وأشهى من القبول والقبل. وشي مرقوم، ودر منظوم، وأنفاس عراقية، ومياه دجلية لا زعاقية:
فلو أني استطعت من ارتياح ... لطرت ببعض أجنحة الرياح
وكنت أطير لولا قص ريشي ... وكيف يطير مقصوص الجناح كتاب كأخلا لولا سواده، الهدب حروفه والحدق مداده. فاستقبلت منه قبلة الحسن، وقبلته تقبيل الركن، وقلت لصحبي: اقرأوه علي. فلما نظروه عجبوا من خطه، وتعجبت أنا من لفظه وضبطه. فتنزهوا بالنواظر، ونزهوني بالسمع والخواطر، فكنت الأظفر، وكان حظي الأوفر، إذ بصرت بما لم يبصروا به، من فنون العلم وضروبه.
قوله: " فتنزهوا بالنواظر، وتنزهت بالسمع والخواطر " معنى متداول منقول، وكأنه محلول من قول الرضي حيث يقول:
فاتني أن أرى الديار بعيني ... فلعلي أرى الديار بسمعي وله فصل من أخرى: والعلم منهاج، وسراج وهاج، ما صدي من سقاه صوب صفائه، ولا عري من كساه ثوب عرائه. ولا حاف عن الحق لسان من يرويه، ولا خاف من الخلق جنان من يحويه. هو الجوهر(7/248)
استخرجته أفكار الليالي من بحورها، فالتقطته أبكار المعالي لنحورها، وجميع العلوم كمال، والأدب منها جمال، هو لسان النبي العربي، صلى الله عليه: فقيه يلحن، حمار يطحن، وكاتب غير أديب، أشبه الحيوان بذيب، وشاعر غير معرب، أشبه من بان بمخرب، رب وزير يعجب الناس وهو صامت، فإذا نطق فكل حاسد به شامت.
وله من رقعة طويلة خاطب بها أب الحسين بن الطراوة، وجرت بينهما هنات، قال في أولها:
يموت من في البلاد طراً ... من طيب كان أو خبيث
فمستريح ومستراح ... منه كذا جاء في الحديث ما حياتي بين الحيات، وثباتي في الجميع أو الثبات، وقد حانت وفاة الوفاء، وخانت صفات الصفاء، وأرداني الزمان بأدرانه، وأعياني بتقلب(7/249)
أعيانه - الجاهل هو الحاظي، والعالم مبخوس الأحاظي، والغاوي مقبول الدعاوي. وما أبعد الخير من العير، والكيس من التيس، والفضل من الفسل! إذا كان الجاه للجاهل، والباس على الباسل، والمنافق هو النافق، وصوحت المراعي، وقل المساعد والمراعي، فيا دهر ما أسهاك، ويا موت ما أشهاك، المنية هي الأمنية. فالبر بائر، والحر حائر. بين أخون إخوان، وأجور جيران، إن وصلهم صرموه، أو سألهم حرموه. وإن أجاب بالصواب، قالوا أخطأ في الجواب [98] .
ومما أضحكني ملء فيّ، وأطاشني وليس الطيش فيّ، هذا المتنحوي المتنخوي. سقط إلى دانية، وطمع في الأجادل، وإن كان أضعف من العنادل، فعاد ذمرا، وإن كان زمرا، وبعث رسوله لي بقول: كيف تكتف نقري - فقلت: إن كان الجنون داء فالكي يبري. ونظمت قصيدة سميتها سهم الشهم، وضمنتها مسائل لا تخفى على أولي الفهم. فما بلغته حتى دمغته، وألقاها كأنها حية لدغته.
وفي فصل منها: وأما زعمه أني لم أدر اسم سيبويه فمن مضحكات الدهر، أما كفاه خطأه في الآيات والأبيات حتى تعرض لعرضي غروراً: {إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} (الفرقان: 4) ، فقد جاءوا ظلماً وزوراً. أنا الذي سبقت الشعراء، وفضحت في المحافل الوزراء. فلو لاذ بسور حلمي لحميته، ولو عاذ بنور علمي لهديته، أيها المموه بجهله، والمدعي العلم وليس من أهله، سكرت فصحوك لا يجديك.(7/250)
اعترف بذنبك قبل صرعك على جنبك، فيدحض حجابك، وتطمس محاجك، إلام تلجأ فتاوي، إذا نفذت فيك الفتاوي -! وكأني بمن ضمك قد ضامك، وبمن لمك قد لامك، وبمن حلاك، قد خلاك! الحقائق واضحة، والمخارق فاضحة. تشبه بالحصي، أما يدري الفحل من الخصي -! مثل العالم والجاهل، مثل الناهق والصاهل:
وليس يصح في الأفهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وزعم هذا الأهوج الأعوج أنه لم يعرف رسمي، ولا سمع باسمي، كأنما ولد بالأمس، أو بعث من الرمس، أو عمي عن الشمس، لو علم قدر نفسه لم يجهل العلم، ولو أراد السلامة لألقى السلم.
وفي فصل منها: يا مهموس، أنا الطاء وأنت الهواء، فلست من طباقي، كم بين همسك وإطباقي! لو زرت نقران ونجران، لألفيت ذكري قد علا، وشعري قد إلا. ما اغتابني في غيب، إلا ذو عيب وخيم، مع لؤم معلوم. ولولا بدؤك بالجه، لما كببتك على الوجه. وكنت فيما تظن نوراً فكسفك، ومستوراً فكشفتك، وما استوعبت خطأك ولا استقصيته(7/251)
ولو رمت عدده ما أحصيته، وهل شعرك إلا كنحوك -! وما أبرد الهواء من نحوك، ألست المنشد في الحاجب أبي حكم:
أبا حكم فت الملوك جلالة ... فكلهم فاس المخافة عالك لو زدت الياء في فاسك، لكان أشبه بأنفاسك -
وله من أخرى إلى الأديب غانم بمالقة: أبي صرف القضاء، وشبيه لسانك في المضاء، ونظير صدرك ويديك، في سعة المعروف والعلوم لديك، أن أكون من زوارك، فأقبس من أنوارك، وأقطف من أنوارك، يا لباب أولي الألباب، يا سلسبيل أبناء السبيل:
فارقتني وأنا والشوق إلفان ... فاسأل رسولك عني كيف ألفاني
قبلت كتبك من فرط الهوى قبلا ... أقلهن إذا عددت ألفان ولما شقتني بغررك الأثرة، ورقتني بدررك النثيرة، ذممت عبد الحميد، ومحمد بن العميد، وأنشدت:
لقد فات في نثره غانم ... بديع الزمان وقابوسه
وروى الظماء بماء النعيم ... فلا عيش إلا وقى بوسه(7/252)
وكنت - أبقاك الله منهلا عذبا لأودائك، ومنصلا عضبا على أعدائك - صنعت قصيدا يحيي الطرب إذ كان [ميتا] ، فيه تسعة وتسعون بيتا، وكنت كتبته، فلم أجده إذ طلبته، وفكرت الآن فيه، فلم أحفظ غير قوافيه، وهذين البيتين:
تحيتي وسلامي ... على الأديب البليغ
المرتدي بالمعالي ... والحلم قبل البلوغ وأنا رب القريض الجيد، لأني أقول في الأديب السيد:
من طين طوبى خلقت فذاً ... فأنت في ذا الورى غريب
بدلت النون فيك باء ... فالناس طين وأنت طيب وله من أخرى إلى أبي الفضل بن حسداي شاكيا بصهره ابن عياش اليهودي: سيدي الذي حتمت عليه المنح، فختمت به المدح، حفظ الله علاك سمائه، وأعاذك من العين بأسمائه. بحسن أوصافك، احكم بإنصافك [99] أترضى لصهرك المشرف، بأخلاق البخيل المسرف - قصدت بالرهان للسلف، فعدت بالدهان والصلف، وسألت في الزمان، فأعطيت عطاء الزمان، وأنا شاعر الزمان، فأحط، فما رفع أو حط، ولا بد أن أنشده لأرشده:(7/253)
أيها المشرف حاشا ... لأولي الرأي الخطاء
لا تقل ما بيدي ما ... ل ولا عندي عطاء
بيت أموالك بحر ... ما على البحر غطاء
أحمد غير علي ... حين يشتد الوصاء
هل هما في الهمس والإط ... باق إلا ها وطاء
وكذاك الخيل من ... هن سراع وبطاء وصديقك إن لم يأت، فابسط عذره بهذه الأبيات:
عرفان عرفك شاقني ... فلو استطعت لساقني
ما بال صهرك صدني ... وإلى سناك أتاقني
وأنا الرحيق سقيته ... فاسأله كيف أراقني
ولقد حلوت وليتني ... أمررت لما ذاقني
قد كنت رحب الصدر حت ... ى غاظني فأذاقني
هو عقني وبررتني ... هو عن لقائك عاقني
إني أخف على [الوزي ... ر] ولو ثقلت لطاقني
نفسي فداؤك يا أبا ال ... فضل الذي قد راقني
أحببته وأحبني ... فاشتقته واشتاقني
من سأل عنك أجبته ... ما فقته بل فاقني(7/254)
ما أخرجته من شعره في أوصاف شتى
النسيب وما يتشبث به
أغيد ريان بماء النعيم ... ألبسني السقم بلحظ سقيم
قد خط بالمسك على خده ... ما الحسن إلا لأديمي أديم
يا عاذلا يحسبني مثله ... لا تحسب السالم مثل السليم وقال:
وهبت قواي للحدق الضعاف ... وإن كنت بسفك دمي تكافي
فكان الضعف قوتها علينا ... وهل ذا الطبع إلا في السلاف -
شغلنا عن مساعدة اللواحي ... بشاغلة الحجيج عن الطواف
خضبت الشيب أخدعها فقالت ... تشبهت الحمامة بالغداف
فقلت صدقت لم أنكرت مني ... وأنت عفيفة نبت العفاف
فقالت بيننا في الشيب خلف ... ويفتينا بمسألة الخلاف
ولما أينعت رمانتاها ... ونادى الوصل حي على القطاف
تأذت فيهما بفمي فقالت ... شمائل عاشق وفعال جاف(7/255)
قوله: " تشبهت الحمامة بالغداف " كقول القائل:
يا أيها الرجل المسود شعره ... كيما يعد به من الشبان
أقصر فلو سودت كل حمامة ... بيضاء ما عدت من الغربان وما أملح قول أبي بكر الخالدي:
ما كان ينفع لدي شبابه ... فعلام يجهد نفسه بخضابه -! وقال الحصري:
من لي بظبي جناه معسول ... دمي بدمعي عليه مغسول
أقرأ في خده كتاب هوى ... أن دم العاشقين مطلول
حسام عينيك من فتورهما ... كأنه مغمد ومسلول
اغمد وسل ليس لي وزر ... أنا على الحالتين مقتول وقال:
ردي حشاشة عاشق مهجور ... بين الملوك عليك والمعذور
اللؤلؤ المنظوم في فمك انبرت ... عبراته كاللؤلؤ المنثور(7/256)
ذكر الفراق فمات إلا شوقه ... وأولو الهوى موتى بغير قبور
ودعت من أهوى بل استودعتها ... قلبي وسر مدامعي وزفيري
فبكت بنرجستين خفت عليهما ... نفسي فلم ألثم بغير ضميري
قالت: أترحل والأحبة هاهنا ... قلت: القضاء كما علمت ضروري
قالت: متى الرجعى فقلت: إذا انتهى ... مقدور ربيّ، مقدر المقدور
وعسى مفرقنا سيجمع بيننا ... إن العسير عليه غير عسير
ولئن أبى من تعلمين فربما ... حدثت أمور لا نتقاض أمور
لا تجزعي من نكبة الدنيا وإن ... ساءت فرب مساءةٍ لسرور وله في غلام كان يسمى هارون:
يا غزالاً فتن النا ... س بعينيه فتونا
أنت هاروت ولكن ... صحفوا تاءك لونا وقال مما ذهب به مذهب أبي الفتح البستي صاحب الطريقة الأنيقة في تجنيس القوافي:
أصبحت مفتوناً بكم مدنفاً ... وإنما برئي لمى فاتني
يا أملح الناس وحق الهوى ... لو كان لي الحكم لما فاتني(7/257)
وقال: [10]
رابه علتي ضنىً فأتاني ... عائداً في يديه [لي] يا سمين
فتفاءلت أنه قد تهدى ... لهزالي فقال لي يا سمين وقال:
رب ظبيٍ هويته ... ينتمي للهوازنه
فلت ما أثقل الهوى ... قال ما للهوى زنه وقال:
إن كتمت الهوى فقد ... صار سري علانيه
لقامٍ أذابني ... وشحوبٍ علانيه وقال:
فكرت في خلق الورى فاستوى ... عندي عبيد وسلاطين
أصل الفريقين - ومن أجل ذا ... قلبي عن الهم سلا - طين وكان سأل بعض الملوك أن يكسوه ومطله ثم أعطاه قمحاً مسوساً، فقال فيه:
يريد سياسةً من لا يسمى ... وطبع فيه يأبى أن يسوسا
سألت كسىً فمناني بقمحٍ ... وأعطاني مكان القمح سوسا(7/258)
وقال أول جوازه إلى الأندلس:
في كل أرض موطن ... يعرف فيه جاهنا
وإنما ألجأنا ... إلى هنا إلهنا وقال:
يا من تكحل طرفها ... بالسحر لا بالإثمد
نفسي كما عذبتها ... وقتلتها بالإثم دي وأنشد يوماً بيت المعري:
ياقوت ياقوت روحي ... روحي براح براح وفيه ست كلماتٍ متجانساتٍ على قصر عروضه. وكلف تذييله فقال:
أوفاك أوفاك رقي ... رقي بطاح بطاح فقيل له لو ذيلته ببيتٍ فيه ياء النداء، كما في بيت أبي العلاء، فقال:
يا زور يا زور فيها ... فيها نواحي نواحي وقد قلت فيما تقدم من تلخيص التعريف بخبر الحصري إنه ابتع المعري في سلوك هذه المسالك، فضل عنها هنالك. على أنه لا يتفق لأحد لضيق هذا الباب، أكثر من الوزن والإعراب.(7/259)
وله في المدح
قال:
ظمئت ومنهل المدامع منهلي ... ولا حوم لي إلا على ورد حومل
على سلسلٍ من ذي غروب وإن غدت ... مغاني الفوافي كالرداء المسلسل
فيا نعم وافاك النعيم فأنعمي ... ويا جمل والاك الجمال فأجملي
حلفت لربات الخدور بما جنى ... فم الصب من ورد الخدود المقبل
وما صام كمن خصرٍ لهن مخفف ... وأفطر من ردف لهن مثقل
وما وردت من أدمعي بموردٍ ... وما خلخلت من أضلعي بمخلخل
وما شافني من شق جيبٍ ومدمعٍ ... أسيل على خد أسيل بمأسل
لأنتن أشفى للسلبيم من الرقى ... وأطيب للظمآن من كل سلسل
وإن يك دهري ضمني ثم ضامني ... فإن علياً خير مولى وموئل
همام إذا [ما] هم بالأمر فامتطى ... عزيمته ناءت برضوى ويذبل وقال من أخرى:
على العدوة القوصوى وإن عفت الدار ... سلام غريبٍ لا يؤوب فيزداد
وحق بكاء العين والقلب مسعد ... لمن بات مثلي لا حبيب ولا جار(7/260)
أعادي على فضلي وأستصحب العدا ... ولي حسنات عندهم هي أوزار
مديحي هجاء وابتسامي تجهم ... وشكواي كفر واعترافي إنكار
ولم أر مثلي فاضلاً ينقصونه ... بلى قلما يخلو من القرض دينار
عزيز علينا أن نقيم بذلةٍ ... فليت حشايانا الوطيئة أكوار
شفى الله داء القيروانين بعدنا ... فقد مرضت للقيروانين أبصار
وكيف غناء الطير في غير أيكها ... وقد بعدت فراخ وأوكار -
وإني لأولى بالبكاء لأنها ... تطير إذا اشتاقت وما أنا طيار
ألا يا بروقاً لحن من نحو صبرةٍ ... وليس لها إلا دموعي أمطار
عسى فيك من ماء الحنيات شربة ... ولو مثل ما يوعي من الماء منقار ومنها يعتذر مما كان قرف به:
أصيب قصيد فيه كفر فنيط بي ... وكم شاعرٍ قيلت على فيه أشعار
ومن كل كف قد رميت بصخرةٍ ... وفي راحتي لو أمكن الرأي أحجار وله من أخرى في المعتمد:
أعن الإغريض أم البرد ... ضحك المتعجب من جلدي يقول فيها:(7/261)
يا هاروتي الطرف ترى ... نفثت [ألحاظك] في العقد
فطعنت الأسد بلا أسل ... عبثاً وقتلت بلا قود
رشأ يصطاد الأسد وكم ... رامته الأسد فلم تصد
واهاً لجديد منك وهي ... وشباب بان فلم يعد
رضت الأيام جوامحها ... وكففت اللد عن اللدد
وبلوت الناس فلست أرى ... كبني عبادٍ من أحد
القوم بحار مسجورا ... ت محفوفات بالزبد
لم يعدم واردها درر ال - ... آداب ولا درر الصفد [101]
أبني عبادٍ ما حسنت ... إلا بكم الدنيا فقد
نقد الكرماء الدهر معي ... فتخيركم في المنتقد
وقضى لكم بالفضل على ... من في أداني أو في البعد
دانت بغداد لقرطبة ... وخلائفها للمعتمد
سمعوا برشاد فتى لخمٍ ... فنفوا هارون عن الرشد
قرأوا شعر اللخمي فلم ... يرض المعتز عن الولد
يا فرع المنذر والنعما ... ن بلغت النجم فطل وزد
طفئت أنوار أمية في ... قصر الخلفاء فقلت قد
نافست بقصرهم إرماً ... فكأن أمية لم تشد
مر وافتح باقي أندلسٍ ... ما صببٍ أو في صعد(7/262)
عبد الرحمن ولي خمسين ... وأنت تزيد على العدد
لو أن الأرض بلا جبل ... وعليها حلمك لم تمد
بشار أمك ممتدحا ... فأنس بغرائبه الشرد
يكبو عبود في خببي ... فالعير وراء المنجرد
ولعل بلادك لي وطن ... فأحط الرحل عن الأجد
وأقابل منك سنا قمر ... لو قابله الأعمى لهدي وله من أخرى: وهي من أعلى حججه، وأجلى سرجه، أنشدها أحمد بن سليمان بن هود المتقلب - كان - من الألقاب السلطانية بالمقتدر حين غلب علي بن مجاهد على دانية:
كذا تقتض أبكار البلاد ... ولا مهر سوى البيض الحداد
هديت العسكر الجرار ليلا ... فأهديت المظباة إلى الهوادي
ملأت به الفضاء فضاء ليل ... محت فيه الظبا شكل السواد(7/263)
وما أقبلت إلا بعد ما قد ... سقيت الثغر من ثغر الأعادي
وكان مرام دانية عزيزا ... فهان على المسومة الجياد
فأثرت العوالي في المعالي ... وأثرت الصلادم في الصلاد
كأن سيوفك الأقدار تجري ... بما شاء الإله على العباد
ومثلك من جنى ثمر الأماني ... وآتى حقه يوم الحصاد
تشاغلت الملوك بمن دهاها ... وشغلك في جهاتك بالجهاد
بناك الله للإسلام حصنا ... وعلمك التجلد للجلاد
وتنهض والثقيل عليك خف ... وتنظر والخفي إليك باد
وكيف ينافسوك في المعالي ... وأنت سبقتهم سبق الجواد -
فتحت معاقلا لو أبصروها ... لقالوا أنت لقمان [بن] عاد
وفي سرقسطة لك دار ملك ... زريت بها على ذات العماد
ورأيك في الإدارة لو رآه ... معاوية لأغنى عن زياد
لقد أربت سيوفك يوم سلت ... على قس بن ساعدة الإيادي(7/264)
ذكر الخبر عن دانية
وكيف تغلب عليها يومئذ المقتدر
قال ابن بسام: قد قدمت في أول القسم الثالث من هذا المجموع ذكر مجاهد العامري المنتزي - كان وقته - على دانية. وشرح الأسباب التي أنشأت سحابه، ورضت على دانية وهاده وهضابه.
وغلبت الروم في بعض أيام سلطانه على جزيرة سردانية، التي كانت من فتوحه قبل، ففلت شباته، ونهنهت شذاته. وأسرت ابنه عليا هذا، فنشأ علجا متجهما، وأعجما طمطما إلى أن افتكه أحد آل حماد أمراء بني مناد، فأسدى البيضاء فيه، وخلع على عطفيه برديه. فلما خفق علمه، وتمكن في مقام أبيه قدمه، ألقى السلم، وأغمد السيف وشام القلم: همته كانت في خراج يجبيه، لا في معقل يجتبيه، وهمه المتجر ينميه، لا المفخر يحميه. أصب خلق الله بلبوس ومطعم، وأصباه إلى دينار ودرهم. حتى ولاه البر حل عقده(7/265)
ورماه البحر بأفلاذ كبده؛ ورزق عدة بنات أحسن من الشموس، وأفنن من الطواويس، فتبارى ملوك الطوائف بأفقنا في نكاحهن، وتنافسوا في غدوهن إليهم ورواحهن. واغتنم هو ذلك منهم وأذكاهن عليهم عيوناً، وبناهن بينه وبينهم دروباً وحصوناً، معتقداً أن الصهر رحم لا تجفى، وطريق إلى رعي الذمم لا تخفى. فقل ملك منهم إلا وقد علق له به حبل، واتصل بينه وبينه نسل. فسما إليه منهم ابن هود المذكور سنة سبع وستين يريه أن الناس مأكول وآكل، وأن القياس أكثره باطل. من رجل لا يستظل إلا أعلامه، ولا يرضى [102] إلا أحكامه، ولا يستشير إلا حسامه، فجر إليه الهضاب كتائب، وملأ عليه الشعاب مرداً أحاجب، وجرداً نجائب.
أخبرني غير واحد أنه لم يبق ملك من ملوك أفقنا سمع بمخرج ابن هود يومئذ إلا توقعه وتوقاه، وظن أنه لا يريد سوه. وإنما كان يريده، زعموا، على قلاع كانت تتصل ببلده، ليضمها إلى أمير طرطوشة، وقته، من ولده. فلم يرع ابن مجاهد إلا مجرى الجياد بحيث يرى ويسمع، ولا نبهه إلا مجر الصعاد، بحيث لا يعطي ولا يمنع. فاستطير فرقا، وقام وقعد تلدداً ونزقا. وحين علم المراد، وفهم الجلية أو كاد، أعطى فضل القياد، وكتب إلى عماله بإخلاء تلك البلاد.
فلما أخذ ابن هود في إيابه، وخلا ابن مجاهد بطوائفه وأحزابه(7/266)
عنفوه بما فعل، وزينوا له الغدر به وقد رحل. وأتي ابن هود، وقد سار غير بعيد، بكتب طيرها ابن مجاهد إلى عمال تلك المعاقل، يأمرهم بالتحصن والاحتيال، ويحضهم على الجد في القتال. فكر المقتدر، ولم يرع أهل دانية إلا تصهال الخيل، وقد انصبت عليها انصباب السيل بالليل. واضطرب أبنيته بحيث يسمع الحوار، ويحمد الجوار، فاستولى الجزع، وضاق المتسع، وأخرج إليه لحينه ابنه الذي كان قد سماه معز الدولة، ورشحه لجر أذيالها، وعلمه ممايلة ظلالها، فجاء إلى ابن هود مدلا بقديم صهره، عاثراً في إدبار أمره وانقطاع ذكره. من رجل فليل الطبع، ثقيل السمع، ضيق الذرع، قد غذي بالترف واللين، ونشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين، فطفق ابن هود يقرع له عصا الوعيد، ويرمي به مضلات البيد، وهو يقول: أي عم، تبلغ رضاك! ومتى اختلفنا عليك أو خالفناك - فقال له ابن هود فيما قال: والله لا أريم العرصة حتى يسهل مرامها، ويخلى في يدي زمامها - يعني تلك المعاقل - فقال له معز الدولة الجبان الجاهل، وظنه يريد دانية: أي عم! وأين تنقلنا، وإلى من تكلنا - ولم يفطن ابن هود لما قصد، وكان إلى جنبه وزيره ابن أحمد، فغمز يده وقال له: غرة فاهتبلها، وعثرة فلا تقلها، قد ألقى(7/267)
الرجل بيده، وخلى بينك وبين بلده. فعمل ابن هود على ذلك، وأخذ في إحكام ما هنالك، فما متع النهار إلا وأشرقت إياتها، واهتزت في يمنى يديه قناتها. ورجع بابن مجاهد غنيمة باردة، وأمنية على الأيام شاردة. تعالى من لا يروعه الزمان، ولا يغير سلطانه الحدثان.
مقطوعات للحصري في أوصاف شتى
قال:
كم من خليل كان عندي شهدةً ... حتى بلوت المر من أخلاقه
كالملح يحسب سكراً في لونه ... أو حجمه ويحول عند مذاقه وقال:
نصبت الفخ ثم قعدت عنه ... بعيداً كي أرى فيه فلاحا
إذا قردي مقيم عند رأسي ... يقول لمقبلات الطير حاحا واجتاز على قوم فسمعهم يقدحون فيه وفي ابن خلصة فقصده(7/268)
وأنشده:
يا أديباً ملكتني ... في يديه المكرمات ليت قوماً دأبهم في (م) وفيك المكر ماتوا ... وقال:
خضبت يديها لون فاحمها فما ... نقص البياض ملاحةً بل زادا
ما بال شيبي تنكرين خضابه ... وأراك صابغة البياض سوادا
قالت نجعيك في يدي وإنما ... بدلته أسفاً عليك حدادا ومن أحسن ما قيل في التطارف السود قول ابن المعتز:
وكف كأن الشمس مدت بنانها ... إلى الليل تجلوه فقبلها الليل وله أيضاً في التطاريف الحمر:
أشارت بأطراف رطاب كأنها ... أنابيب در قمعت بعقيق(7/269)
ما أخرجته من مراثيه مع ما يتشبث بها
قال يرثي أباه وقد ودع قبره وقت جوازه إلى الأندلس:
أبي نير الأيام بعدك أظلما ... وبنيان مجدي يوم مت تهدما
وجسمي الذي أبلاه فقدك إن أكن ... رحلت به فالقلب عندك خيما
وقى الله عيني من تعمد وقفةً ... بقبرك فاستسقى له وترحما
وقال سلام، والثواب جزاء من ... ألم على قبر الغريب فسلما وأخذ من ترابه فقال: [103]
رحلت وهاهنا مثوى الحبيب ... فمن يبكيك يا قبر الغريب -
سأحمل من ترابك في رحالي ... لكي أغنى به عن كل طيب وقال من مرثية له في المقتدر بن هود:
نعد حصوناً كل درع ومغفر ... وتعدو المنايا في عرين الغضنفر
وإحدى بنات الدهر تنسف أحده ... وتهدم بالتدمير بنيان تدمر
نبا ناب عاد وهو كالليث عاديا ... وماتت منى كسرى الملوك وقيصر(7/270)
وما درأت عن تبعٍ تبعٌ له ... صروف الردى الجاري على كل قسور
أصم وأصمى ثغرة الثغر حادث ... تحدثنا عنه الثقات فنمتري
هو البحر في ذا الخطب أعطاك دره ... فقل للسان انظم وللدمع فانتشر
أجدك بز الدهر شهب بزاته ... وعز معز الدولة ابن المظفر
أعز من اقتاد الخميس إلى الوغى ... وأكرم من يدعى له فوق منبر
تلثم حياءً يا زمان من العلا ... مضيت بمعروف وجئت بمنكر
مضيت فما للأرض بعدك لم تمد ... وما لسماء المجد لم تتفطر -
بعثت بها مشقوقة الجيب ثاكلا ... وإن فتقت ريح العزاء بعنبر وله من أخرى:
فاجأتنا والمنون منتظره ... من جامع الطيبات محتضره
أصم سمعي حديث حادثة ... فل السيوف الذكور من ذكره
متوج من جذام مات له ... ثلاثة فليعش له عشره
ثلاثة لا خلاف أنهم ... خير من الفرقدين والزهره
ما نفع المشتري ولا زحلاً ... ضوء بل الله منفذ قدره(7/271)
ومنها، وهو من طريف الاستطراد للاستجداء، وطلب الحباء، وكان الحصري مشحوذ المدية، في أبواب الكدية:
بيض كل ولا بياض معي ... إلا بياض المشيب والبشره
فغبت عن مجلس العزاء على ... زعمي وإن كان مقولي حضره
يا أهل هود إذا الورى حسبوا ... من صدف البحر كنتم درره
يا كرماء الزمان لست أرى ... حجوله غيركم ولا غرره ومن قبيح استجداء الحصري ما فعله بالمعتمد بن عباد، تصدى له في طريقه بالعدوة على حاله من اعتقاله، ولم يقله باكياً على خلعه من ملكه، ولا تأدب معه في وصف ما انتثر من سلكه، بل بأشعار قديمة له، صدرها في الرباب وفرتني، وعجزها في طلب اللهى. وعلى تلك الحال، وما يناجي بال المعتمد من البلبال، قاسمه فيما كان بيده مما كان به زود، حسبما وصفت له في أخباره من هذا المجموع.
وله من أخرى في المقتدر بن هود:
نفرط في العمر الذاهب ... ونغتر بالأمل الكاذب(7/272)
يقول فيها:
تنزه عن تبعات الملوك ... فخف على الملك الكاتب
فقدنا الربيع أبا جعفر ... فلا در خلف على حالب
لبست البياض ولولا الخلاف ... لسودت ثوبي كالراهب ومنها:
نقدت القريض على ربه ... وفصل الخطاب على الخاطب
بديعك أزرى بعبد الحميد ... وبابن العميد وبالصاحب
ففضلك من لي بإحصائه ... وفي بعضه علة الحاسب وله في موت المعتضد وولاية المعتمد:
مات عباد ولكن ... بقي الفرع الكريم
فكأن الميت حي ... غير أن الضاد ميم ومات للحصري ابن بلغ من جزعه عليه النهاية، وتجاوز في ذلك الغاية، وصنع فيه مراثي على حروف المعجم، منها:(7/273)
عرضت له تفاحةً نفاحة ... بعض الإماء فرد بالإيماء
ولو استطاع القول قال مشافهاً ... تفاح جنات الخلود شفائي
فز مطمئن القلب لا مستوفزاً ... طلقت دار مشقة وشقاء
عبد الغني لك المسرة غائباً ... ولي المساءة مصبحي ومسائي
لما غدوا بك جائزين كأنما ... يمشون في ظلم لدفن ضياء وقال فيه:
لست أنسى مقامه ومقامي ... وكلانا مثل القضيب قضيبا
أنفه ينثر العقيق وعيني ... تنثر الدمع بالعقيق مشوبا وقال فيه:
ذوى ريحاني الأرج ... وضاق بخلي الفرج
ذبيح طل منه دم ... ولم يقطع له ودج
رأيت دماءه ودما ... ء عيني كيف تمتزج
ترفق يا سقام به ... أبعد المستوى عوج -
صدعت بما أمرت وما ... عليك مع القضا حرج
فأين غرار مقوله ... وأين حجاه والحجج -[104](7/274)
شأي ابن الأربعين وما ان ... تهت عشراص به الحجج
عروق الناس كلهم ... إلى عرق الثرى تشج
بنو الدنيا كأنهم ... لقلة همهم همج
وهل هي غير دار أذى ... إذا دخلوا بها خرجوا
تأمل كيف تأكلهم ... وهم ولد لها نتج وقال له:
على تعمير نوح مات نوح ... فنائحة لأمر ما تنوح
وكيف الصبر أم كيف التعزي ... ومن عرنينه ولدي ذبيح وقال فيه:
أنا فرد بلا خلي ... ل ولا ابن ولا أخ
أنا كالأورق اشتكى ... بعد وكر وأفرخ
أنا كالزرع والعدا ... كالجرد المسخخ(7/275)
قرة العين دونه ... برزخ أي برزخ
صاحب الصور آنفاً ... حضر الموت فانفخ
علني منه أشتفي ... بالنسيم المضمخ
كل عمر مؤقت ... في كتابٍ مؤرخ وقال:
تناثرت من مدامعي درر ... أثرى بها، وافتقرت، من لقطا
إن دياراً حللتها لفلاً ... وإن سرباً بكى معي لقطا وقال فيه:
بنفسي نجم أظلم الأفق إذ هوى ... وكاد يعزيني به القمران
أحين شأى من فضله كل سابق ... وغنى شآم باسمه ويمان
وهز قناة القصد للطعن في العدا ... وراش جماح العز للطيران
رمته فأضمته السهام وإنه ... لفي زرد من دعوتي وكنان وفيه يقول:(7/276)
عبد الغنى بنيي ... كلاه بالحفظ ربه
يقول قلبي كله ... واشربه مما أحبه وله من قصيدة يندب وطنه بالقيروان، ويتذكر من كان هنالك من الإخوان:
موت الكرام حياة في مواطنهم ... فإن [هم] اغتربوا ماتوا وما ماتوا
يا أهل ودي لا والله ما انتكثت ... عندي عهود ولا ضاقت مودات
لئن بعدتم وحال البحر دونكم ... لبين أرواحنا في النوم زورات
ما نمت إلا لكي ألقى خيالكم ... وأين من نازح الأوطان نومات -
إذا اعتللنا تعللنا بذكركم ... لو أحسنت برء علات تعلات
ماذا على الريح لو أهدت تحيتها ... إليكم مثل ما تهدى التحيات -
أصبحت في غربتي لولا مكاتمتي ... بكتني الأرض فيها والسموات
كأنني لم أذق بالقيروان جنىً ... ولم أقل ها لأحبابي ولا هاتوا
ولم تشقني الخدود الحمر في يقق ... ولا العيون المراض البابليات
أبعد أيامنا البيض التي سلفت ... تروقني غدوات أو عشيات -
أمر بالبحر مرتاحاً إلى بلد ... تموت نفسي وفيها منه حاجات
وأسأل السفن عن أخباره طمعاً ... وأنثني وبقلبي منه لوعات
هل من رسالة حب أستعين بها ... على سقامى فقد تشفي الرسالات -
ألا سقى الله أرض القيروان حياً ... كأنه عبراتي المستهلات
فإنها لدة الجنات تربتها ... مسكية وحصاها جوهريات
إلا تكن في رباها روضة أنف ... فإنما أوجه الأحباب روضات(7/277)
أو لا يكن نهر عذب يسيل بها ... فإن أنهارها أيد كريمت
أرض أريضة أقطار مباركة ... لله فيها براهين وآيات
لا يشمتن بها الأعداء إن رزئت ... إن الكسوف له في الشمس أوقات
ولم يزل قابض الدنيا وباسطها ... فيما يشاء له محو وإثبات
هل مطمع أن ترد القيروان لنا ... وصبرة والمعلى فالحنيات -
ما إن سجا الليل إلا زادني شجنا ... فأتبعت زفراتي فيه أنات
ولا تنفست أنفاس الرياض ضحى ... إلا بدت حسراتي المستكنات
هذا ولم تشج قلبي للرباب ربى ... ولا تقضته من لبنى لبانات
وكم دعيت لبستان فجدد لي ... وجداً وإن كان في معناه سلوات
ولو تراني إذا غنت بلابله ... أشكو البلابل لو تغني الشكيات
أني لأظمأ والأنهار جارية ... حولي وأضحى ودون الشمس دوحات
وما أرى الموت إلا باسطاً يده ... من قبل أن ينمكن المأسور إفلات ومن في المدح:
بلغ أحبتنا الباكين من جهتي ... أني حمتني أسود حميريات
من الضراغم إلا أن غابهم ... بيض حداد وحمر سمهريات
فمن يكن فيه بين اثنين مختلف ... فذا الذي اتفقت فيه البريات(7/278)
ومن شعره مما خاطب به الفقيه القاضي أبا المطرف الشعبي بمالقة
من جملة قصيدة:
سريت وخليت السري مصاحبي ... فهذا الهوى يصبي وهذا الهوى ينضي
فثوبك مني سل يا أسد الشرى ... وطرفك عني يا مهاة النقا غضي [105]
تفكرت في الدنيا وفي غربتي بها ... فضاقت علي الأرض في الطول والعرض
لقد شعب الشعبي قلباً صدعته ... كما تصدع المظلومة الخيل بالركض
نهوض لإمرٍ آمرته خوارج ... نهوض بأعباء العلا أيما نهض
جلا عدله إظلام كل ظلامةٍ ... وحاط قناة الدين حفظاً من الخفض(7/279)
كففت أكف الظلم عن كل مسلم ... عرضن لمال منه أو دم أو عرض
تنم بريا جنة الخلد رية ... لئن قطف الأزهار من روضك الغض
كأنك منها مالك وهي طيبة ... فما جمع أهل العلم عنك بمنفض
وإن أنشدت في دار حكمك مدحتي ... لقد جليت بكراً على خير مقتض
لثمت حصى مغناك لما وطئته ... وقلت اللآلي كيف تظلم بالرض
غدا عيسنا بالبيد شد وحداتنا ... بذكرك فاستغنت عن الماء والحمض وقدم من الشرق فأنزله في داره وأكرمه، فقال فيه من جملة قصيدة:
أمولى شرفت به أم صديق ... يواصلني حين يجفو الشقيق
تملكني ومنىً ملكه ... فحسب معاليه أنا رقيق
سقاني وأخلاقه جنة ... فمنها الرياض ومنها الرحيق
حلت وأحلت كريق الحبيب ... فطاب الصبوح بها والغبوق
وزاد على الزاد ما قاتني ... زماناً وإن طال ذاك الطريق وخرج تميم عن مالقة معزولاً فقال:(7/280)
أهواكم جد مازحه ... والحمى لم يدن نازحه -
مارست مني العدا رجلا ... أسمع الصماء صائحه
إن زجرت الطير في سفري ... عن يميني مر سانحه
عجبت أسماء من جلدي ... يوم أصمى القلب جارحه ومنها:
لا يضق من صدره حرج ... شيخنا الشعبي شارحه
إنما أخلاقه زهر ... عطر الآفاق فائحه
إنما أقلامه أسل ... هابها في الجو رامحه
قبل الشعبي حين دعا ... فكبا بالليث سابحه بتميم حين حان به الحين وانقادت جوامحه ...
ضعفت منه التقوى فغدت ... من قوارير قوارحه
وانجلت عن حسن مالقة ... بفقيهيها قبائحه
وصفا البحران من كدر ... فارتوى بالماء مائحه
ذكره غنى الزمان به ... وأنا فيه أطارحه(7/281)
وله من أخرى [يمدحه و] يمدح القاضي أبا مروان بن حسون:
سهل الأباطح من علاك يفاع ... والنجم أنت وكفك المرباع
بل أنت شمس لا تزال ولم [يزل] ... في سائر الآفاق [منك] شعاع
من يختلف كل الورى في حبه ... فأبو المطرف حبه إجماع
شهدت عقول العالمين بفضله ... فسواء الأعداء والأشياع
مصباح مالفة أراد خموده ... قوم ليرتفعوا وهم أوضاع
فالعام لم يكمل لعزلته بها ... حتى علت يده طال الباع
انظر إليه [اليوم] كيف أصابه ... صرف الزمان وليس عنه دفاع
لولا إساءته إليك وظلمه ... لغدا وأنت له يد وذراع
بين ابن حسون وشعبي الهدى ... من ثدي خصالة الإخاء رضاع(7/282)
ياما أجلهما وأشبه ذا بذا ... حسنت وجوه منهما وطباع
ما أحسن الدنيا بحسنهما الذي ... تلتذه الأبصار والأسماع
خلقا لنصر الدين والكرم الذي ... تخضر منه بسيطة وتلاع
كمهندين مجردين بريةٍ ... تنبو الظبا وكلاهما قطاع وله فيهما من أخرى أولها:
برية [ريا] روضة ورياض ... بها علما علم وأعدل قاض
معاليهما فوق النجوم منيفة ... ورأيهما في المشرفية ماض
سئمت حياتي والمقام بطنجة ... كأن بلاد الله غير عراض
سيورق عودي إن سكنت بريةٍ ... ويسود من فودي كل بياض
لدى قمريها إن في غرتيهما ... هداية عميان وبرء مراض
أرية مرعاي المريع وأينقي ... وأنت ابنة في عصمة ابن عياض وقال:
يا عجبا للسيوف استوى ... كليلها اليوم وماضيها
وقد رأيت العدل في بلدة ... فقيهها الشعبي قاضيها
أحكامه بالحق مرضية ... والله بعد الخلق راضيها
لو شوورت فيه ينو هاشم ... لقدمته عن تراضيها
كم حجة أوضح، كم حاجة ... قضى لنا قبل تقاضيها(7/283)
ذكر الأديب أبي الحسن عبد الكريم بن فضال القيرواني
واشتهرت معرفته بالحلواني
وسياقة جملة من شعره
وله كلام في النسيب رائق، ومتأخر سابق، ومديحه أيضاً عليه طلاوة، وبالجملة ففي ألفاظ الحلواني حلاوة. ومن خطه نقلت، جملة ما هاهنا له أخرجت.
النسيب وما يناسبه
قال:
ولما تنادوا للرحيل وقربت ... كرام المطايا والركاب تسير(7/284)
جعلت على قلبي يدى مبادراً ... فقالوا محب للعناق يشير
فقلت ومن لي بالعناق وإنما ... تداركت قلبي حين كاد يطير وقال الحلواني:
قالوا التحى فامحت بالشعر بهجته ... فقلت لولا الدجى لم يحسن القمر
من كان منتظراً للصبر عنه به ... فإنني لغرامي كنت أنتظر
خطت يد الحسن منه فوق وجنته ... هذي محاسن يا أهل الهوى أخر ومعنى هذا البيت يتطرف قول ابن شرف:
سبحان من أعطاك حسناً ثانياً ... وبثالث من حسن فعلك عززا وقال الحلواني:
لي حبيب إذا شكوت إليه ... في الهوى سامني عذاباً شديدا
لست أدعو عليه بالشعر [غيظاً] ... خيفة أن يكون حسناً جديدا
غير أني أدعو بقلب قريحٍ ... أن أراه مثلي محباً عميدا كأنه عكس قول البحتري:
أ " يذك أن تمني بشكوى صبابة ... وإن أكسبتنا منك عطفاً على الصب
ويحزنني أن تعرفي الحب بالجوى ... وإن نفعتنا فيك معرفة الحب(7/285)
وقال:
رب خياط فتنت به ... فتنة أفنت قوى جلدي
لاعب بالخيط يفتله ... أتراه ظنه جسدي
ليت أني كنته فأرى ... بين ذاك الورد والبرد
فعلت بالثوب إبرته ... فعل سهم الشوق في خلدي
وجرى المقراض في يده ... جري عينيه على كبدي وذكرت بذكره الخياط قول أبي محمد عبد الله بن القابلة السبتي في غلام وسيم يرفو في السوق ثوباً:
يا رافياً قطع كل ثوبٍ ... ويا رشاً حنبه اعتقادي
عسى بكف الوصال ترفو ... ما قطع [الهجر] من فؤادي وهذا من اللفظ الطيار الخفيف الروح. ومن الكلام الفج الثقيل، قول عبد الجليل:
بسوق الخياطة مستمرد ... تود لمن ناكه ألف خير
وأشهد أن الفتى صانع ... لطوق عجان على عنق أير وما أحلى لفظ الحلواني هذا في غلام وسيم أراد النهوض إلى الحج:(7/286)
يا طالب الحج وهو ذو صغر ... عجلت فاستأنه إلى الكبر
إن كنت تبغي مثوبةٍ فعسى ... تحمل لي قبلةً إلى الحجر
وإن رميت الجمار فارم به ... كل فؤاد عليك لم يطر
فقال دعني وزمزماً فعسى ... أغسل من مقلتي دم البشر وعلى ذكر قوله " تحمل لي قبلة إلى الحجر "، قال الحسن لغلام رآه بالمكتب، فأشار لتقبيل يده، فقبله:
ظفرت بقبلة منه ... على عيني معلمه
أشرت بها إلى يده ... فوصلها إلى فمه وقال الحلواني:
تعرضت من شفني هجره ... ببدء سلام عليه شفاها
وقلت عساه يرد السلام ... فتبلغ نفسي منه مناها
فجاد علي بتقبيلةٍ ... وقد كان أعرض عني وتاها
فكنت كموسى أتى للضياء ... ليقبس ناراً فناجى الإلها وقال:
يا صاح خذها نصيحةٍ لبكه ... بالود إن كنت فاتك الفتكه
اسفك دم المرد إن وجدتهم ... فليس يلقى العذاب من سفكه
واترك هواهم إذا هم تركوا ... قد يترك الحب حب من تركه(7/287)
وقل لمن خان في محبته ... لي همة عن هواك ممتسكه
كان بفرط الغرام يملكني ... فأصبح الدهر عازلاً ملكه
وكان ستر عليه من ملح ... لولا نبات بخده هتكه
والله لا صادني له شرك ... فمذ بدا الشعر قطع الشركه
أفلت من بعد نتفه ذنبي ... ولست طيراً يعود للشركه وذكره نتف ذنبه من اللفظ الرث، والمستهجن الغث.
وكان أبو محمد المهدوي المعروف بابن الطلاء أحد الشعراء [107] الطارئين على الأندلس كثيراً ما يأتي بالاستعارة التي تضحك كقوله:
لحي جراياتي منتوفة ... ومر دهر وهي لم تنتف وقد ألمعت بلمع من هذا الباب، في أخبار ابن شماخ من هذا الكتاب.
وقال الحلواني:
قد حل في سوقك الكساد ... مذ لاح في خدك السواد
كأنما الشعر فيه زرع ... والنتف منه له حصاد وقال:
صد فما يصغي لشاك إليه ... وراح والألباب في راحتيه(7/288)
مفوق السهم إذا ما رمى ... رمى ولا قوس سوى حاجبيه
يود سيف الهند لو أنه ... تعلم الفتكة من ناظريه
ذو وفرة زاد بها هيبةٍ ... وقد يهاب الليث في لبدتيه
عندي له من خدعى رقيه ... لو أنها مرت على مسمعيه
لا يدعي السقم بألحاظه ... فمهجتي أسقم من مقلتيه
انظر لحاليه فقد أقسما ... أن ليس ينجو أحد من يديه
انظر لخاليه فقد أقسما ... بسيف عينيه على وجنتيه
ريحانة تمنع من شمها ... وغيرها تنفض في مدرعيه
تاه بوجه كاد من رقة ... يقطر ماء الحسن من صفحتيه
رقيبه من فرط ظن به ... لشخصه ألزم من حافظيه وقال:
يا حامل السكين في وسطه ... ليس بهذا تعرف العين
هل يحمل السكين من لحظه ... في مهج العشاق سكين -! وقال:
رضاب ثغرك يضنيني ويشفيني ... وسحر عينيك يغويني ويغريني(7/289)
وفي ثنيك معنى لا يقوم به ... ما في الغصون من الإرهاف واللين وهذا كقول أبي الفرج الوأواء:
من أين للبدر حسن صورته ... وقده للقضيب من أين - وما أحسن قول بعض أهل عصرنا:
ما قدر نعمان إذا ما مشى ... وما عسى تبلغه عالج - وفي هذه القصيدة يقول الحلواني:
إذا وصفتك باللحظ الفتور فمن ... قد القلوب بأطراف السكاكين -
وإن نعتك بالغصن الرطيب فما ... في الغصن ما فيك من كل الأفانين
جسم من الماء لكن قلبه حجر ... أستغفر الله لم يخلق من الطين
وما سمعنا بغصن مثمرٍ قمراً ... تجمعت فيه أشتات الرياحين
الورد والآس والنسرين مجتمعاً ... فيه وفيه بنيات الزراجين
لم يرض عني فؤادي من ضنانته ... حتى مسحت به في كف ضنين
في حب من لو رآني مت من عطش ... والنيل في يديه ما كان يسقيني
طمعت فيه وغرتني لواحظه ... إن المطامع أسباب الشياطين
قل لابن عشر وخمسيها من أين جرت ... سهام عينيك في قلب ابن سبعين -
ما حجتي عند من في الحب يعذلني ... وآيتي في نبوات المجانين(7/290)
إن كنت في الحب سلطاناً على كبدي ... فخف عقوبة سلطان السلاطين
أو كان عندك للمسكين مرحمة ... فإن عبدك مسكين المساكين وأراه عارض بهذه قصيدة ابن رشيق، فضل عن الطريق. هذا وقد قلت إن له في النسيب، أوفر نصيب. فأما إذا وصف أو مدح، فقلما رأيته في ذلك نجح ولا أفلح.
ما أخرجته من قصائده المطولة في المديح
وما يتشبث به من الأوصاف
قال يمدح الشيخ صاحب الخمس أبا عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني الشامي بصقلية من قصيدة يقول فيها:
شدوا الحدوج وزورها على قمر ... في الحسن تنجاب عن أنواره الظلم
دران من فمه شفا محدثه ... للنثر والنظم مسموع وملتثم
فليت شعري لمن أنهي ظلامته ... وغير منتصف من خصمه الحكم
قد قلت لو قبل الوعظ المبين له ... خف المهيمن فينا إننا نسم
فقال من ضرجت خدي نظرته ... فإن سيف جفوني منه ينتقم ومنها:(7/291)
لله منزلة بالقيروان محا ... أيامها البين لا الأيام والقدم
شققت جيب شبابي بعد فرقتها ... حزناً عليها ولا شيب ولا هرم
إن فرق الدهر عنها شملنا فلنا ... بصاحب الخمس إبراهيم معتصم وله من أخرى:
ليت شعري وليت حرف تمن ... ربما علل الفؤاد السقيما
كيف يا قيروان حالك لما ... نثر البين سلكك المنظوما
كنت أم البلاد شرقاً وغرباً ... فمحا الدهر وشيك المرقوما
نحن أبناؤها ولكن غنينا ... بعد أن لم نطق بها أن نقيما
دمن كانت البروج وكنا ... أقمراً في قبابها ونجوما ومنها:
وأنا قد أخذت إن عبث الده - ... ر ذماماً من عند إبراهيما وقال من أخرى:
نطقت بسر ضميره عبراته ... وبدت بنار فؤاده زفراته
بأبي وأمي بدر تم تحته ... غصن كثرن لشقوتي ثمراته
يمشي فيعثر في ذيول شبابه ... مشي النزيف وخمرة رشفاته(7/292)
ولرب باكية رأت في لمتي ... بعض المشيب تألقت ضحكاته
[قالت] : أإصنك قد علاه كما أرى ... زهر الرياض وما بدت ورقاته
فأجبتها: قارعت في جنب الهوى ... صرف الزمان وهذه نكباته ومن المديح:
شيخ القبيلة في الجزيرة والذي ... سبقت ظنون الحاسدين أناته
ما تفعل الأيام غير مراده ... فكأنما حركاتها أدواته
هذا الثناء عليك يعبق طيبه ... يا ابن الكرام وحاسدوك رواته قوله في الشيب " صرف الزمان وهذه نكباته " كقول ابن المعتز:
قالت كبرت وشبت قلت لها ... هذا غبار وقائع الدهر وقال أحمد بن أبي طاهر:
قالت غبار قد علا ... ك فقلت بل غير الغبار
هذا الذي نقل الملوك ... إلى القبور من الديار وقال ابن لنكك، في مثل هذا المسلك:(7/293)
وتعجبت للشيب، لا تتعجبي ... هذا غبار وقائع الأيام وقوله " حاسدوك رواته " كقول البحتري:
ليسايرنك ركب شعر سائر ... يرويه فيك لحسنه الأعداء وأخذه من قول حبيب:
فإن أنا لم يحمدك عني صاغراً ... عدوك فاعلم أنني غير حامد وقال الحلواني من أخرى:
وإذا أردت ترى فضيلة صاحبٍ ... فانظر لبعين البحث من ندمانه
فالمرء مطوي على علاته ... طي الكتاب وصحبه عنوانه
وكذا دليل الجود في ابن محمد ... باد بصفح جبينه برهانه
وترى الليل فاعلات أمره ... حتى كأن صروفها أعوانه ومعنى البيت الأول من هذه كقول الآخر:
واعتبر الصاحب بالصاحب ... وقول الآخر:(7/294)
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد ومعنى البيت الأخير لفظ أبي الطيب:
وأراك دهرك ما تحاول في العدا ... [حتى] كأن صروفه أنصار وقال:
هل بعد [سن] الأربعين تصابي ... ذهب الشباب ولات حين شباب
هل ينفعنك بعد شيبك في الهوى ... توفير مكتسب وحسن ثياب -
هيهات ما فخر المهند في الوغى ... بحلي غمد فوقه وقراب وهذا كقول المعري:
وإن كان في لبس الفتى شرف له ... فما السيف إلا غمده والحمائل وقال:
أنت الذي قسم الزمان لنفسه ... قسمين بين رياسة ومناب
أعطى لمرتبة العلاء نهاره ... منها وجنح الليل للمحراب
قامت على أس الفخار عمادها ... وتزينت بتأدب الحجاب
سهلت مداخلها لطالب حاجةٍ ... فكأنما بنيت بلا أبواب(7/295)
ووجدت بخطه، وقد مدح هذا الشيخ الكناني رجل من الأندلس بشعر اتهمه فيه وجرى في مجلسه بصقلية:
يا شاعر العصر قد كلفتني شططا ... فاصرف عنانك عنا، أو تأن خطا
حملتني ذنب غيري ظالماً وأنا ... قد كنت أقسط في إنصاف من قسطا
وما حسدتك في شعر أتيت به ... ومن يحاول لمساً للسهى سقطا
يا فارس الشعر إن كلت فوارسه ... يوماً وسابقها إن أعلمت مرطا
إن ابن دراجكم لو قام من جدث ... وصحت يوماً به من خلفه ضرطا
وليس يحسد طبعي أبجنيسكم ... فكيف أنت، لقد جشمتني شططا
فخذ " قفا نبك " وانسبها لنفسك ما ... في الخلق من كاشف بالبحث عنك غطا
ولا تظنن أن الشعر مكرمة ... فالحر إن رام أن يعلو به هبطا قلت أنا - صاحب الكتاب: - نشدتك بالله يا أبا الحسن إلا ما رفقت بأسيرتك! فإنهما شيخا العشيرة، ولسانا الجزيرة؛ فإن كان ولابد فالرمادي، فإنه كان أقل طيشاً، وأودع عيشاً. وأما ابن دراج فمنخوب القلب، مشترك اللب، يكفيك منه هول الإتهام والإنجاد، وبيع الشعر في سوق الكساد.
وقال من أخرى: [109](7/296)
طرقتهم ببيض الهند ليلاً ... فعاد الليل عندهم نهارا
أطرت فؤادها في الجو ذعراً ... لبرق في يديك قد استطارا
بنيت الأرض فوقهم سماءً ... وقد أجريت من علق بحارا
فليس تراك ألحاظ الدراري ... وأنت حشوت أعينها غبارا ومعنى هذا البيت والذي قبله كقول التهامي:
فدحوا فويق الأرض أرضاً من دم ... ثم ابتنوا [دون] السماء سماءا وقال من أخرى في الوزير أبي بكر بن عبد العزيز ببلنسية:
أغالب فيك الشك أني حالم ... ومن لم يذق طعم الكرى كيف يحلم ومن المدح:
وقمت بها بين السماطين منشداً ... كما يتغنى الشارب المترنم
بمدح امرئ كل امرئ من عفاته ... يخير فيما عنده ويحكم
كأن الذي سواه قال لكفه ... عليك لهذا الخلق رزق مقسم
لقد علم المأمون أنك صارم ... بيمناه لا ينبو ولا يتثلم
يقولون لي إن الملوك كثيرة ... ورأيك أمضى في البلاد وأحزم
فقلت لهم ما كل بيضاء شحمة ... ولا كل مصقول الصفيحة مخذم(7/297)
وله من أخرى يستعطفه لأمر وقع، ولكلام عليه رفع:
أتسمع في مقال الوشاة ... وإن جئت بالعذر لا تسمع -
تقشع غيم بكفتي منك ... وصوح في ساحتي ممرع
فلولا اعتلاقي بحبل الرجاء ... لما حملت قلبي الأضلع
فإن كان قد مات حظي لديك ... وحاشاك بل أنت لي أرفع
فدعني أبيض بشيبي عليك ... فلبس المشيب له أفجع وقد كرر الحلواني هذا المعنى في شعر قد تقدم إنشاده.
وقال من أخرى:
نجم تولد من شمس ومن قمر ... وأين من أبويه الشمس والقمر -
شمس العفاف وبدر المجد بينهما ... تولد النور إلا أنه بشر وهذا كقول ابن عمار يهنئ المعتمد وقد ولد له مولودان:
أهنأ بنجليك من أنثى ومن ذكر ... لا تعدم الضوء بين الشمس والقمر وهو من قول ابن الرومي:
شمس وبدر ولدا كوكبا ... أقسمت بالله لقد أنجبا وقد تقدم إنشاده.(7/298)
ومن قصيدة الحلواني:
لا أقتضيك مواعيداً بدأت بها ... كما تنفس من أكمامها الزهر
ولا ألومك في تأخير عاجلها ... من بعد علمي بما يجري به القدر
أما ترى الله وهو الله موعده ... مؤخر بنعيم الخلد منتظر - وقال:
وما كنت أدري قبل لؤلؤ ثغره ... بأن اللآلي من نبات المباسم ومنها:
منادية أنسابه حميرية ... متوجة بالمجد قبل العمائم
فما انبسطت إلا لجود أكفهم ... ولا انقبضت إلا لضبط القوائم
يجرون أطراف الرماح إلى الوغى ... كما جرت العقبان سود الأراقم ومعنى البيت منها كقول الآخر:
وما خلقت كفاك إلا لأربع ... عقائل لم تخلق لهن يدان
لتقليب هندي وإطاء نائل ... وتقبيل أفواه وقبض عنان وقال الحلواني:
يا نفس ويحك في التغرب ذلة ... فتجرعي كأسي أذى وهوان
وإذا نزلت بدار قوم دارهم ... فلهم عليك تعزز الأوطان(7/299)
فالشمس أشرف ما تكون بكبشها ... وسقوطها في كفه الميزان وصدر هذا البيت الأخير كقول الآخر:
إذا غدا ملك باللهو مشتغلاً ... فاحكم على ملكه بالويل والحرب
أما ترى الشمس في الميزان هابطة ... لما غدا وهو برج اللهو والطرب - وزار بعض إخوانه فحجبه فخاطبه برقعةٍ يقول في فصل منها:
تصديت لقاء سيدي تصدي المحب الكئيب، للقاء رسول الحبيب، وطفت ببابه الكريم، طواف الحجيج بالبيت العظيم، فحال عثور الجد، عن مطالعة القمر السعد، ومنع سوء البخت، عن لقاء الكرم البحت، فحدست أن سيدي - وقته - ظفرت يداه بمن يهواه، فغاب مغيب القمر، تحت غمام الظفر، وتعاطيا بكأس الوصال، مدامي السرور والجريال، وضيق يضيق العناق، مجرى الوشاح والأطواق. هنأه الله ببلوغ أمانيه، وهنأنا فيه بما يرضيه، فحياتنا بسروره مرتبطة، ونفوسنا بما يشتهيه مغتبطة.(7/300)
فصل في ذكر الأديب أبي العرب الصقلي
وكان لسانا بهذا الأفق عن العرب أعرب، وكوكبا من المشرق غرب، ولم يقع إلي عند إكمال هذا الديوان، وإخراجه من الخبر [110] إلى العيان، من شعره، إلا ما لا يكاد يعرب عن قدره. ومن أشهر خبر بلغني عنه أنه حضر يوما مجلس المعتمد وقد أدخل إليه جملة وافرة من دنانير الفضة، فأمر له بخريطتين منها. وبين يديه تصاوير عنبر من جملتها صورة جمل مرصع بنفيس الجوهر، فقال له أبو العرب على البديهة معرضا: ما يحمل هذه الدنانير - أيدك الله - إلا جمل، فتبسم المعتمد وأمر به، فقال أبو العرب على البديهة:(7/301)
أجد يتسني جملا جونا شفعت به ... حملا من الفضة البيضاء لو حملا
سماح جودك في أعطان مركمة ... لا قد يعرف من منع ولا عقلا
فاعجب لشاني فشاني كله عجب ... رفهتني فحملت الحمل والجملا فطارت يومئذ بهذا الخبر الركائب. وتهادته المشارق والمغارب، وذكرته شعراء الوقت، ورأيت في ذلك عدة قصائد لغير واحد، ولم أحفظ منها إلا قول بعضهم ممن وفد أيضاً على المعتمد، من جملة قصيدة استبردت بجملتها، قال فيها:
يا من بجود يديه يضرب المثل ... ومن مواهبه الأمصار والدول
بحد جودك في جنب اللها أبدا ... يا خاتم الجود جرح ليس يندمل
عند ابن حماد في ذال المكان على ... بعد المسافة والأخبار تنتقل
جرى حديث الصقلي المثاب على ... شعر فصار إليه الحمل والجمل ومن شعر أبي العرب في المعتمد قصيدة أولها:
لولا السرى في ذمام الصارم الذكر ... لم أطرق الحي في أمر على خطر
ما البارد العذب مورودا على ظمإ ... أشهى إلى الصب من وصل على حذر
قالت تجشمت في سبل الهوى غررا ... قلت المتيم مقدام على الغرر(7/302)
لا كالهيوب حماه الخوف بغيته ... تهيب الورد حتى عاد بالصدر
توق رقبة أعداء عيونهم ... أذكى من الزرق في الخطية السمر
قلت اليماني حليفي ما يفارقني ... [إني] بغير اليماني غير منتصر
رضيته دون إخوان الصفاء أخا ... ما غيرته صروف جمة الغير
لاح السنا فانبرت من ساعدي فرقا ... تجر ذيلا يعفي شاهد الأثر
صد كوحشية هم الأنيس بها ... إلا التفاتا بجيد الخائف الحذر
تكف بالفرع من لألاء غرتها ... كي لا تمد بياض الصبح بالقمر
حثوا المطي [ ... ] إن لها ... عقبى الإقالة من أين ومن ضمر
حتى تنيخ برب المجد من يمن ... في قبة الملك رب الشعر من مضر ومنها في ذكر جواز المعتمد البحر:
ما كان عندك هول البحر تركبه ... جودا بنفسك إلا جرية النهر وله من أخرى:
أحادينا هذا الربيع فخيم ... وأمنية المرتاد والمتوسم
وحط بنا عن ناجيات كأنها ... قسي رمت بنا البلاد بأسهم وقد قدمت من هذا المعنى جملة في ما مر من الكتاب، ومنه قول الطيني(7/303)
شاعر الحكم، مما أنشده ابن عبد الرؤوف:
قد نصبنا من الوجيف وأنضي ... نا قلاصا سياطهن الكلام
فكأن الركاب والركب للضم ... ر قسي من فوقهن سهام وفي هذه القصيدة يقول:
وقد يبلغ التأويب أقصاه والسرى ... فلا تشتكي عبئا ولا تتظلمي
وما طلبت إلا فناء محمد ... وهل دونه للركب من متلوم
جعلت إليه همتي وعزيمتي ... فناولتاه بعد حول مجرم
فقال لي الفال الصدوق مبشرا ... قدمت على التوفيق أيمن مقدم
وأقبلت باب الإذن فاستأذن الندى ... على ملك وافي الجلال معظم
فرفع عن ذاك البهاء حجابه ... وقيل استلم أندى بنان وسلم
فقبلت يمنى راحتيه كأنني ... أقبل ركن البيت سيرة محرم
نظرت إليه والمهابة دونه ... فقسمت لحظي بين بدر وضيغم
بلى ورأيت الشمس والبدر والعلا ... مجسمة في جوهر متجسم
فأغضيت عنه العين أول نظرة ... ومن ير عين الشمس لا يتوسم
كأن عياني كان غير حقيقة ... فلم ألقه إلا بعين التوهم(7/304)
وفي المعتمد أيضاً يقول من أخرى:
وقد أزار، وللزوار حكمهم ... عندي من البر والإيناس والأدب
وأفضل البر بر يقتضي طربا ... وأعوزتني أم اللهو والطرب
والدجن يبعث همي من مكامنه ... والشمس ما أخلفتها الريح لم تغب
والسحب للأرض بالسقيا مواصلة ... حتى ارتوت فاستكفت أبيض السحب
سح وهطل وجود صوب درهما ... فسح أنت بها واهطل وجد وصب
إني أعاطيك في الشكوى مفاكهة ... كما تعاطت أكف الشرب بالنخب
والنفس، ما انفردت بالجد، متعبة ... حتى تراوح بين الجد واللعب
برمت باثنين ضاق الصدر بينهما ... فقد المدامة واستيحاش مغترب
وكل ربع وإن حل الجميع به ... قفر إذا لم تكن فيه ابنة العنب
وقد حللت كناسا لا أروع به ... حور الظباء وإن أعرضن من كثب
كالليث عاد كسيرا لا افتراس به ... يطوي على زفرات نفس مكتئب وقال في الزهد:
أرى الدنيا الدنية لا تواتي ... فعالج في التصرف والطلاب
ولا يغررك منها حسن برد ... له علمان من ذهب الذهاب
فأوله رجاء من سراب ... وآخره رداء من تراب(7/305)
ولما نفذت الأقدار، بالقبض على ذي الوزارتين أبي بكر بن عمار، بشقورة، على الصورة حسب ما شرحته في أخباره، قال أبو العرب للمعتمد من جملة قصيد:
كأن بلاد الله كفك إن يسر ... بها هارب تجمع عليه الأناملا
فأين يفر المرء عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا وهذا المعنى قد تداولته جماعة من الجاهليين والمخضرمين، والمحدثين والمولدين، وأرى أن أول من أثاره، ورفع مناره، النابغة حيث يقول:
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمد بها أيد إليك نوازع وأخذه أشجع السلمي فقال لإدريس بن عبد الله العلوي، وقد بعث إليه الرشيد من اغتاله بالمغرب:
أتظن يا إدريس أنك مفلت ... كيد الخلافة أو يقيك حذار
إن السيوف إذا انتضاها عزمه ... طالت وتقصر دونها الأعمار(7/306)
هيهات إلا أن تكون ببلدة ... لا يهتدي فيها إليك نهار وقال البحتري:
سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... محمرة فكأنهم لم يسلبوا
ولو انهم ركبوا الكواكب لم يكن ... ليجيرهم من حد بأسك مهرب وقال عبيد الله بن طاهر:
وإني وإن حدثت نفسي بأنني ... أفوتك إن الرأي مني لعازب
لأنك لي مثل المكان المحيط بي ... من الأرض أنى استنهضتني المذاهب وقال سعيد بن حميد:
يا باخلين علينا في حكومتهم ... والجور أقبح ما يؤتى ويرتكب
لسنا إلى غيركم منكم نفر إذا ... جرتم ولكن إليكم منكم الهرب وقال المتنبي:
فإنك كالدنيا إلي حبيبة ... فما منك لي إلا إليك ذهاب والذي هو أشبه وأقرب، بقول أبي العرب، ومنه أراه نقل، وعليه(7/307)
عول، قول الأول:
كأن بلاد الله وهي عريضة ... على الخائف المطلوب كفة حابل
تؤدي إليه أن كل ثنيةٍ ... تيممها ترمي إليه بقاتل واستقصاء المناسبة والملاحظة في كل معنى حبل ممدود، يحل لنا الشرط المعقود، من إيثار الاختصار، وقد مر منه في تضاعيف هذا التأليف جملة وافرة.
في ذكر الأديب الكاتب أبي عبد الله
محمد بن الصباغ الصقلي
أحد أدباء وقته المشاهير، وكلامه يعرب له عن أدبٍ كثير، وحفظ غزير، فصل له من رقعة خاطب بها الأديب أبا حفص القعيني الأندلسي يعزيه في هرة نفقت له، وجلس للعزاء عنها تماجناً، قال فيه:
[الحياة] لبني الدنيا مراحل، والمنايا لجميعهم مناهل، والأعمار كالأسفار، منها القريب الوصول، العاجل الحلول، ومنها البعيد الشقة، الشديد المشقة(7/308)
أنفاس معدودة، وآجال محدودة، وليس بناج من محتومها أحد، ولا لمخلوق منها ملتحد، وانتهى إليّ - سهل الله الصبر الجميل سبيلك، وأطفأ ببرد السلوان غليلك - نبأ جلل، وخطب معضل، وهو مصابك بشقيقه نفسك، وموضع راحتك وأنسك، وربيبة حجرك وحجرتك، وآلة حيطتك على حنطتك، وكالئة ذخائرك وقنيتك، واستحواذ فجيعتها على لبك، وما عالجتها به من ذرورٍ وحنوط، وإشفاقك من تعجيل إسلامها إلى التراب، وإبقائك إياها طويلاً في المحراب، وألبتك عليها لتدعون إلى [112] جنازتها مأتماً يشققن عليها المدارع، ويفضن من الوجد بها غروب المدامع، ويعولن عليها بالضراخ والنياح، ويذرين لمصرعها شعورهن مع الرياح.
وفي فصل: ولست بناسٍ ذكر تلك الملح التي كتبت تصف من أخلاقها وآدابها، والمدح التي تورد في أعراقها وأنسابها، والغرائب التي تذكر عن قوتها وأيدها، وحيلها وكيدها، ومكرها بالفار وصيدها، ولعمري ما أفرطت في نعتها بل فرطت، وما صرحت بجميع محاسنها بل لوحت، فلقد كانت لبؤةً إلا أنها تدعى هرة، ونمرةً إلا أنها أكثر منها شرة، ذات نابٍ مطلول، وساعد مفتول، وخصر مجدول، ريانة الكاهل، ظمآنة الأسافل، تطير من قوائمها بأسرع من الجناح، وتستضيء من عينيها بأنوار من المصباح، وتعتد من مخالبها بأمضى من السلاح، وتسطو من(7/309)
جرأتها بمثل القدر المتاح، لينة الوبر كالسمور، سوداء الشعر كالديجور، مأمونة الجيب، بظهر الغيب، عظيمة النفس، لطيفة الحس، أمينة على اللحم الموضوع، ولو شفها فرط الجوع، وما خانت قط أمانة، ولا رضيت يوماً خيانة، فهي عوذة الدار، من الفار، وعهد الأمان، من الجرذان.
قال ابن بسام: وكانت للأديب القعيني هذا جارية سوداء كلف بها ثم باعها، وندم فحاول استرجاعها، فزعم المبتاع أنها حامل - وللقعيني في ذلك أشعار كثيرة - فكتب أبو عبد الله هذا رقعةً قال فيها: كشف الله عن قلبك أيها الأديب الحسيب زين الشهوة، ومحا من لبك شين الهفوة، فعلى رأيك يعتمد من اختلفت آراؤه، وبهديك يهتدي من أضل القصد، وبه يقتدي من عدم الرشد. ونقل إليّ بعض من يعرف أحوالك، ويشارف فعالك، خبراً يصم السمع، ويضيق الذرع، وذلك أنك نبذت من يدك كرتك المتكشفة، فتلقاها من أحمدت صولجانه، وأخرجت عن ملكك ضفدعتك المريعة، فتناولها من استحسنت غدرانه، وبلغك من إقبالها عليه، وانصرافها، بكليتها إليه، ما أضرم قلبك شوقاً لا تخبو ناره، وسلّ الوجد بها عضباً لا ينبو غراره، فأنشرت للناس من نفسك قيس الأخيلية، وأحييت لهم منك مجنون العامرية، وعضضت على بيعتها أناملك، وأنضمت في طلبها زواملك، وأطلت في وصف شوقك لها وأوجزت، وقصدت في ذكر الأسف عليها ورجزت، وجمعت لها من المحاسن ما(7/310)
افترق، وفتحت من البدائع فيها ما انغلق، وجعلتها نبض حياتك، وموضع شكاتك، وسعنة أوطارك، وجونة عطارك:
ففيها عنبر الهند ... وفيها مسك دارين
وفيها قضب نعمان ... وفيها كثب يبرين
وفيها قامت الحرب ... كما كانت بصفين فأصبحت والظنون بك مرجمة. والألسنة عنك مترجمة، والأقوال فيك كثيرة، والأيدي إليك مشيرة؛ ويا عجبا منك كيف لم تبصر بصيرتك هذا العوار وشهابها ثاقب. ولم تعف نفسك السامية هذه الأقذار وإباؤها واجب، شد ما ملكتك سورة الغرارة وأنت كهل أمين، وهفت بلبك هفوات الهوى وعندك عقيل رصين؛ أفي الحق أن أستفرغ قلبك فلا يخلو، وأنشدك فلا تسلو:
ندمت ندامة الكسعي لما ... تبطنها يباضعها سواكا
رأت ما سد كعثبها وأودى ... بغلمتها فلجت في جفاكا
فلا تذهب بلبك طائشات ... من الصبوات واسترجع نهاكا ما لك وللتمادي في غلوائك، والزيادة في برحائك، نهنه قلبك، وراجع لبك، واذكر خلقها وخلقها، وتأمل وجهها وعنقها، وانظر خدها وقدها، وهل شيء مما يستملح عندها؛ والله ما رأيت(7/311)
شخصها قط إلا تخيلت الشيطان، ولا مقلت مقلتها إلا ذكرت السرطان. وأية ضفدعة ماء تعشقت، وقرنبى بها تعلقت، لقد روي زند من خرجت من يديه، وتعس جد من صارت إليه.
وفي فصل منها: فهنيئا أبا حفص راحة بصرك من شخصها المقيت، وفراغ قلبك من الكبد بخلقها المميت، لو غسلتها بكل ماء في البحر، وطيبتها بكل عنبر في الشحر، وضمختها بملاب كل عطار، وفتت عليها من المسك ألق قنطار، ما ازدادت مع الطيب [113] إلا دفرا، ومع الغسل إلا وضرا؛ وكأني بك قد أنشدت بين ابن الرومي في من لا يشبهها إلا في سواد الجلد، ولا يشركها إلا في النسبة إلى الجد، يقول:
أكسبها الحب أنها صبغت ... صبغة حب القلوب والحدق وقال الآخر:
مشبهات الشباب والمسك تفديهن ... نفسي من الردى والكروب كيف يهوى الفتى الأديب وصال البيض والبيض مشبهات المشيب ... هيهات! هنا يقال: ظن تخب، واقلب تصب، ما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة. فأمسك عنها فقد سلت عنك، وابرأ منها فقد برئت منك، واستصغرت آلتك، واعتاضت منك بزعمها أكبر(7/312)
أيرا وأكثر خيرا، ووصفت عنه من نشاط العدة، وإفراط العدة، وما شرحت به صدرا، وأوسعت عليه شكرا.
وفي فصل منها: وأما قولك: ما الذي أعجبها من دمامته، وقصر قامته، وعظم هامته، ووسخ عمامته، حتى شغفها حباً، وأصبح فؤادها به صبا، فنعم:
أعجبها من خلقه قمد ... عجارم ضخم القذال نهد
ململم الأقطار عبل جلد ... مثل ذراع البكر أو أشد ولو كنت ممن يربع بالنهار، ويشبع بالليل، كما حكت عنه، لما واجهتك بما لا تريد، وباعت صحبتك في من يزيد، فانقض غزل حبك لها أنكاثاً، وطلق علاقة قلبك بها ثلاثاً.
فراجعه القعيني برقعة طويلة انتصر فيها لنفسه هنالك، وأقام حججاً على صواب ذلك.
فأجابه الصقلي برقعة أخرى يقول في فصل منها: زعمت أنك شديد الغرام، بشقيقه الظلام، وأني أخطأت في عتبك على حبها، وظلمت في نهيك عن قربها، وجعلت أشعارك في النسيب بها حجة لتمييزك، وإنكار التأنيب عليها عذراً من تعجيزك، وطفقت تنشد رافعاً عقبرتك، مستصغراً كبيرتك:(7/313)
استودع الله مولى ملكته يدي ... ودعت إلا شجوني إذ أودعه
جسم من المسك أقصته النوى فمضى ... وفي ذؤابته عندي تضوعه
وبدر تم تقاضاه الأفول فيا ... ويلي طويلاً وعندي كان مطلعه
عدمته ذهباً لوناً وفائدة ... واذل من ليست الآداب ترفعه
يا قطعة من فؤادي جذها قدر ... حتام تجفوه عدواناً وتقطعه
أهوى الأصيل إليها من ملابسة ... ثوباً بهياً ولكن ليس تخلعه فجعلتها مسكاً فتيقاً، وذهباً عتيقاً، وقطعةً من فؤادك، ومضنةً لودادك، وسبباً لانقيادك، وألبستها من الأصيل ثوباً لا يخلع، ودرعاً لا ينزع، وزعمت أنك اخترعت في هذا النسيب معنى لم يسمع، فانتصرت لمذهبك، وحليت عاطل مركبك. وما أدري ما أقبل من شعريك، ولا مآخذ من قوليك، أهذا الأول الذي زعمت أنك قلته في عنفوان الصبابة، وإفراط الكآبة، أم حين جلى الله [عن] بصيرتك غيايتها، وكشف عنها عمايتها - حين قلت:
باسوء ما اخترتها في الحب ضفدعةً ... جحوظ عين وقداً مفرط القصر
إذا أردت نكاحاً وهي مجمرة ... عطراً أرت خلق إبراهيم من قذر
الحمد لله جلى في الغرام بها ... بصيرتي فرأى أقذارها بصري فمتى عادت الضفدعة غزالا، وصار هذا النقص كمالا -! وشد ما عميت(7/314)
بصيرتك بعد جلائها، وتسامحت سيادتك بعد إبائها، وظمئت إلى سؤر هذا الجازر، وهو من لبن حازر، أتراها بعد أن اختبرت عرده، وبلت زوجه وفرده، وذاقت صابه وشهده، ورأت كل ما يسرها عنده، تصبر على دقة مسبارك، وترضى ملة خشكارك، وهيهات ما سولت لك الأحلام، والله لو عادت إلى ملكك، ما ملت من فركك، ولا رجعت عن تركك، ولو جعلت السندي لها بسطاً، والثريا في أذنيها قرطا، وصيرت بني حام كلهم لها خولاً، وحشرت عليها كل شيء قبلا، ما كانت لتقبل عليك، ولا لتصرف وجه محبتها إليك.
وفي فصل: وأما ما ذكرت من خليدة التي ادعيت عشقها علي، ونسبت حبها إليّ، فقد أذكرتني الطعن وكنت ناسياً، قد كنت رأيتها في المعرض، وعندي من الارتياح إلى الملاح، ما عند الغصون لهيف الرياح، ومن الشغف في أمثالها إلى اللقيا، ما بالرياض إلى السقيا [114] فرأيت لثامها قد حط عن بدر كمال، وإزارها قد غص بردف ريان، وسرحت طرفي منها في روضة حسن أريضة، وحديقة جمال أنيقة، وأعطيت مولاها فيها السول، وبلغته في ثمنها المأمول، وسألها بعض التجار، عن الدار وعن النجار، فترجمت عن منصبها، وأعربت عن نسبها، بغرائب ألفاظ، عزيز سماع مثلها بسوق عكاظ، مسخت القاف كافا، وردت الأوصاف " أوسافا "، قبحت بذلك الكلام حسنها، ورجمت الأسماع بلغة كأنها:(7/315)
برد تحدر من متون غمام ... فعاد مبرم حبي لها سحيلا، ولم تسو عندي لذلك فتيلا، وما عجبت كعجبي من وصفكها بقصر الخطا، وتشبيهكها بإبهام القطا، فإن كان نقدك في الشعر ومراميه، واقتضابك لغريب معانيه، بهذه القريحة الصافية، والبصيرة النافذة المتناهية، فقد فت الأولين والآخرين سبقاً، وبرزت على القدماء والمحدثين صدقاً. كيف جاز عليك هذا الغلط وأنت صيرفي الكلام، معنوي النظام، وغيرك بذلك التشبيه كان أليق، وهو به أ " لق، تلك بيضاء قصيرة بزعمك، وهذه سوداء دحداحة بزعمك:
قريبة الأقطار ملمومة ... مغموسة في خضرة جون
لا تخطئ البقة أوصافها ... في النتن والقامة واللون وأما ما عبته من زرقتها - وإن لم تكن كذلك، وكانت الشهلاء في نعتك - فأين أنت من قول القائل:
وأزرق العين فاتر الغنج ... زرقة عينيه آفة المهج
قالوا به زرقة فقلت لهم ... تم بها حسن وجهه البهج
ما زرقة العين مثل كحلتها ... كم بين ياقوتة إلى سبج وفي فصل منها: وهاهنا وقفت وأمسكت، لأن بعض الإخوان أحرقني بنار العتاب، وأخرجني بها عن طبقة الكتاب، وركب في ملامتي راسه، ومد بها إليّ أنفاسه، وأطنب في اللوم وأسهب، وصعد في(7/316)
العتب وصوب، يقول في فصل منها: " وقفت على ما أداك إليه ثرة الفضول، من إيرادك تلك الفصول، التي مسخت جواهرها خزفاً، ولآلئها صدفا، ورأيت تلك النصيحة، إليّ صارت فضيحة، والمحاسن التي عادت قبيحة، وألفاظ العذاب، التي آضت سياط عذاب، وتأدب من عاطيت، وجواب من كاتبت، فتأوهت وتفجعت، وحوقلت واسترجعت، وقلت: أما انتبه من سنة غفلته، وذكر بيتي حكمته، إذ يقول:
إذا ما هديت امرءاً مخطئاً ... أضل السبيل إلى قصده
ولم تلقه سامعاً قابلاً ... فحسن له المشي في ضده ولقد سررت بما أصابك، وابتهجت بما نابكن فعساك يوماً تعرف أخلاق الناس، وتزن أحلامهم بالقسطاس، وتنتقد أحوالهم وأفعالهم، وتختبر ضرائبهم وأشكالهم، فتميز الخبيث من الطيب، وتتجانف من بعد عن الدعابة في خطاب، أو إجابة بكتاب ".
هذه شكيمة كبحني بها هذا الصديق بعد أن جمحت ورمحت، وخطام به بعد أن أرقلت وأوجفت، ولولاه لعرضت أكثر من هذا المتاع، وكلت بأكبر من هذا الصاع.(7/317)
وله من رقعة إلى ابن الشامي صاحب الخمس، راغباً في أن يكلم له الأمير صمصام الدولة في أن يحرر له أرضاً كان اشتراها:
إذا الحاجات عي بها رجال ... وكان قضاؤها صعب المرام
وقلت حيلة الشفعاء فيها ... فحاول نجحها ببني الشآمي
دراري العلا حفت ببدرٍ ... منير في سماء المجد سام ويعلم - أدام الله تمكينه - مذهبي في التخفيف، وحمل مؤنة التكليف، إلا في ما تلجئ الضرورة إليه، ويحمل الاضطهاد عليه، وكنت من ترفيه النفس عن الامتهان، والقناعة بما تسمح به نفس الزمان، عن حالة يعلم - حرس الله مجده - تقلبي في أثنائها، ومقيلي في أفيائها، حتى عرض لي من سوء القضاء، ما أجار بالنار من الرمضاء، فسول لي الحرص الذي ما شمت له قط بارقاً، والطمع الذي ما ركبت له قط عاتقاً، النظر في إحداث بستان في خرائب أخربت مالي، وشغلتني عن كثير من أشغالي، وصرت منفقاً ما جمعت في الغربة والوطن، وكسبت في الإقامة والظعن، بين جدار فيها أهدمه، وغار أردمه، وأرض أرفع مرة وهادها، وأخفض تارةً نجادها، حتى استوت ساحاتها [115] وتوطت، وغابت مغاراتها وتغطت، وانكشطت أسنمتها وانحطت، وفي بناء حائط أحدق بأقطار، وآمن به على ثماره، وفي حفر بئر ينقع ماؤها صداه، ويبل إذا حمي الهجير(7/318)
ثراه، ما لو أقررت به بين يدي القاضي أو شهد به علي لتوجه عليه فيما يلزمه من الفرض، ويحق عليه في الإبرام والنقض، أن يثبتني على رأي الفقهاء، في ديوان السفهاء، إذ لا يقدر على سقي دوحاته، ولا يتوصل إلى إحياء مواته، إلا بدولاب وجابية، يأخذان الماء أخذة رابية، وعند الوصول إلى هذه الفصول، والانتهاء إلى هذا المحصول، قرعت سن النادم، وانتبهت انتباه الحالم، وكنت كتاجر البلور، في ابتياع السنور، ومسرح الدجاج، في مخزن الزجاج: أحدث هذا في ماله من البوار، ما لا يحدثه عابث الفار، وجلب ذلك إلى بضاعته من الفساد، ما لا يحدثه وافد الكساد.
وفي فصل منها: ولا بد لغريق البحر أن يدرج فيخرج، وللتائه في القفر أن يضل فيهلك، أو يدل فيسلك، وقد علم قلة حاجات وليه إليه، وإيثاره التخفيف عليه؛ ومتى أعلم الأمير أن هذه الخرائب التي عانى وليه غراسها، لا يرتجى لها عمارة تعود بفائد، ولا ينتفع الديوان منها بدرهم واحد، وساكنوها منذ أعوام ما أدى واحد منهم خراجاً، ولا صنع لبيته باباً ولا رتاجاً، فهم بين قوم يأكلون الشجر قبل الثمر، ويرعون الأب قبل الحب، وما آمن مع ما أحدقت به من الأسوار، وخرجت في [النفقة] عن المقدار، أن يوجفوا إليه بالجوالق، وينقضوا فيها كالشوانق، كما يفعلون في بستان فلان، الذي أنفق فيه عمره وماله، وصرف إليه همه واهتباله، فهو في الشتاء من علوج الزبر والحفر، وأصحاب الغرس والبذر، فإذا بلغت ثمرته، ووجبت غلته، حام(7/319)
عليه بنو حام، ولم يمتنع منهم بحارس ولا حام، {وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها} (الكهف: 42) . وناهيك [بدرة] ظفرت يدي بأختها، ومخشلبة غنيت عن ثقبها ونحتها، ومتى لم يلحظني مولاي بعين رعايته، ويمد إليّ [يد] عنايته، في ما رغبت وسألت، انقلبت بأمل عاطل، وعمل باطل.
في ذكر الأديب أبي محمد
عبد الجبار بن حمديس الصقلي
أحد من وفد أيضاً على المعتد، وهو من جملة من لقيته وشافهته، وأسمعني شعره، وهو شاعر ماهر يقرطس أغراض المعاني البديعةن ويعبر عنها بالألفاظ النفيسة الرفيعة، ويتصرف في التشبيه ويغوص في بحر الكلام على در المعنى الغريب.(7/320)
فمن ذلك قصيدة أولها:
لم نؤت ليلتنا الغراء من قصر ... لولا وصال ذوات الدل والخفر يقول فيها:
إني امرؤ لا أرى خلع العذار على ... من لا يقوم عليه في الهوى عذري
فما فتنت بردفٍ غير مرتدفٍ ... ولا حننت لخصرٍ غير مختصر
ورب صفراء لم تترك بسورتها ... لصولة الهم من عينٍ ولا أثر
تزداد ضعفاً [قواها] كلما خلقت ... بها الليالي حدود الضعف والكبر
لا يعرف الشرب عيباً في مناقبها ... إلا دعاوي بين المسك والزهر
يصافح الراح من كاساتها شعل ... ترمي مخافة لمس الماء بالشرر
إذا النديم حساها خلت جريتها ... نجماً تصوب حتى غاب في قمر ومنها:(7/321)
بالله يا سمرات الحي هل هجعت ... في ظل أغصانك الغزلان عن سحري
وهل يراجع وكراً فيك مغترب ... عزت جناحيه أشراك من القدر
يفديك قلبي ولو أستطيع من ولهٍ ... طارت إليك بجسمي لمحة البصر ومن المدح:
الباسط الكف بالجدوى التي وكفت ... بالرزق ما بين منهل ومنهمر
والموسع الأرض إذ جارت أكابرها ... عدلاً يؤلف بين الشاء والنمر
كم آيةٍ لك في الإفضال معجزةٍ ... لها بوادر لا تبقى على البدر قوله: " نجماً تصوب حتى غاب في قمر " معنىً قد طوى ونشر، ومنه قول الحسين بن الضحاك:
كأنما نصب كأسه قمر ... يكرع في بعض أنجم الفلك وأخذه أبو نواس فقال:
إذا عب فيها شارب القوم خلته ... يقبل في داجٍ من الليل كوكباً [116] وقد أخذ بعض أهل عصرنا هذا المعنى، وهو الأديب أبو محمد بن صارة الشنتريني فقال:(7/322)
وافى بها صهباء من أوصافه ... دق الثنايا دون نيل مرامها
فرأت نديماً منهما شمس الضحى ... في الليل قابضةً على بهرامها وقال فيه أيضاً:
ورشاً خده حديقة وردٍ ... حميت من عذاره بحباب
خلته حين عب في الكاس بدراً ... عب من ذوب كوكب في عباب وقال الصقلي من أخرى:
باكر إلى اللذات واركب لها ... سوابق اللهو ذوات المراح
من قبل أن ترشف الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح وله من قصيدة:
قد طيب الآفاق طيب ثنائه ... حتى كأن الشمس تذكي المندلا وكرر هذا المعنى فقال:
وكأنما شمس الظهيرة ناره ... وكأنما شجر البسطية عوده وله يستنجز المعتمد بن عباد وقد لزم باب قصره عاماً كاملاً:(7/323)
أيا مولي الصنع الجميل إذا انتشى ... ويا مسدي النيل الجزيل إذا صخا
وفي كل أرضٍ من نداه حديقة ... تضوع مسكاً نورها وتفتحا
أأفرد بالحرمان من كل عاطلٍ ... تطوق من نعماك ثم توشحا
أتتني على بعد النوى منك دعوة ... أثارت بنات السير حولاً ولقحا
فجاءك من أهل البديع مصرف ... مهار القوافي في امتداحك قرحا
وكان عليه الخلق ليلاً يجوبه ... إليك فلما لاح وجهك أصبحا
رفعت بأظعاني إلى ما تحده ... علاك فوقع ممسكاً أو مسرحا ثم تصرفت الليالي والأيام، اللاعبة بالأنام، واقتضت بالمعتمد الحال، إلى الاعتقال، بسجن أغمات، وسمع الصقلي هذا شعر المعتمد الذي قد تقدم إنشاده حيث يقول فيه:
قضى الله في حمص الحمام وبعثرت ... هنالك عنا للنشور قبور
تراه عسيراً أم يسيراً نناله ... إلا كل ما شاء الإله يسير فأجابه الصقلي أبو محمد ببيات منها قوله:
أتيأس من يوم يناقض أمسه ... وشهب الدراري في البروج تدور
ولما رحلتم بالندى في أكفكم ... وقلقل رضوى منكم وثبير(7/324)
رفعت لساني بالقيامة قد دنت ... فهذي الجبال الراسيات تسير وله من قصيدة في القاضي ابن القاسم بسلا:
لكل محب نظرة تبعث الهوى ... ولي نظرة نحو القتول هي القتل
أترتد بالتكريه رسل نواظري ... ومن شيم الإنصاف أن تكرم الرسل ومنها:
ركبت نوىً جوابة الأرض لم يعش ... لراكبها عيس تخب ولا رحل
أسائل عن دار السماح وأهله ... ولا دار فيها للسماح ولا أهل
ولولا ذرى ابن القاسم الواهب الغنى ... لما حظ منها عند ذي كرم رحل
تخفض أقدار اللئام بلؤمهم ... وقدر عليّ من مكارمه يعلو
فتىً لم يفارق كفه عقد منةٍ ... ولا عرضه صون ولا ماله بذل
له نعم تخضر منها مواقع ... ولا سيما إن غير الأفق المحل
ورحب جناب حين ينزل للقرى ... وفصل خطابٍ حين يجمتع الحفل
ووجه جميل الوجه تحسب حره ... حساماً له من لحظ سائله صقل
مروعة أمواله بعطائه ... كأن جنوناً مسها منه أو خبل
وأي أمانٍ أو قرارٍ لخائف ... على رأسه من كف قاتله نصل(7/325)
ومنها:
لقد بهرت شهب الدراري منيرة ... مآثر منكم لا يكاثرها الرمل
ورثتم تراث المجد من كل سيدٍ ... على منكبيه من حقوق العلا ثقل
فمن قمرٍ يبقي على الأفق بعده ... هلالاً ومن ليثٍ خليفته شبل
واصبح منكم في سلا الجور أخرساً ... وقام خطيباً بالذي فيكم العدل
ملكت القوافي إذ توخيت مدحكم ... ويا رب أذوادٍ تملكها فحل وله من أخرى في تميم أمير المهدية ويتفجع على دخول الروم صقلية، أولها:
تدرعت صبري جنةً للنوائب ... فإن لم تسالم يا زمان فحارب يقول فيها:
بلاد جرى فوق البلادة ماؤها ... فأصبح منه ناهلاً كل شارب
فطمت بها عن كل كأسٍ ولذةٍ ... وأنفقت جل العمر في غير واجب
يبيت رئاس السيف في ثني ساعدي ... معاوضةً من جيد غيداء كاعب
يبيت رئاس السيف في ثني ساعدي ... معاوضةً من جيد غيداء كاعب
وما ضاجع الهندي غير مثلمٍ ... مضاربه يوم الوغى في الضرائب
إذا كان لي في السيف أنس ألفته ... فلا وحشة عندي لفقد الحبائب
وكنت وقدي في الصبا مثل قده ... عهدت إليه أن منه مكاسبي(7/326)
فإن كان لي في المشرفي مآرب ... فكم في عصا موسى له من مآرب
بعيشك أي الفجعتين استربتها ... خيانة دهري أم خيانة صاحبي [117]
تغدى باخلاقي قديماً ولم تكن ... ضرائبه إلا خلاف ضرائبي
ويا رب نبت تعتريه مرارة ... وقد كان يسقى عذب ماء السحائب
جهلت فجربت الذي أنا عالم ... وقد تجهل الأشياء قبل التجارب ومنها:
وكم عزمات كالسيوف صوادقٍ ... تجردها أيدي الأماني الكواذب
فلي في سماء الشرق مطلع كوكبٍ ... جلا من ضلوعي بين زهر الكواكب
ألفت اغترابي عنه حتى تكاثرت ... له عقد الأيام في كف حاسب
متى تسمع الجوزاء في الجو منطقي ... تصخ من مقالي في ارتجال الغرائب
ليالي بالمهديتين كأنها اللآ ... لئ من دنياك فوق ترائب
إذا شئت أن أرمي الهلال بلحظةٍ ... لنمحت تميماً في سماء المناقب ومنها:
ولو أن أرضي حرة لا تبعتها ... بعزمٍ يقد السير ضربة لازب(7/327)
ولكن أرضي لا عدمت فكاكها ... من الأسر في أيدي العلوج الغواصب
لئن ظفرت تلك الكلاب بأكلها ... فبعد يكونٍ للعروق الضوارب
أحين تفاني أهلها طوع فتنةٍ ... يضرم فيها ناره كل حاطب
وأضحت بها أهواؤهم وكأنما ... مذاهبهم فيها اختلاف المذاهب
تخب بهم قب يطيل صهيلها ... بأرض أعيادهم نياح النوادب
مؤللة الآذان تحت [إلالهم] ... كما حرفت بالبري أقلام كاتب وله من أخرى أولها:
شفاؤك في نوىً تنضي الركابا ... ونجحك عن سرىً تطوي اليبابا
فلا تقنع من الدنيا بحظ ... إذا لم تحوه يدك اغتصابا
فشر ليوث [هذي الأرض] ليث ... يشارك في فريسته الذئابا
سأسري تحت نجمٍ من سناني ... إذا نجم من الأنصار غابا
وينجدني على الحدثان عضب ... يفلل قرعه النوب الصعابا(7/328)
يماني إذا استمطرت صوباً ... به من عارض المهجات صابا
كأن شعاع عين الشمس فيه ... وإن كان الفرند به ضبابا ومنها:
وكنا في مواطننا كراماً ... تعاف الضيم أنفسنا وتأبى
ونطلع في مطالعنا نجوماً ... تعد لكل شيطان شهابا
صبرنا للخطوب على ضروبٍ ... إذا رمي الوليد بهن شابا
ولم تسلم لنا إلا نفوس ... وأحساب تكرمننا اكتسابا
ولم تخل الكواكب من سقوطٍ ... ولكن لا يبلغها الترابا ومن أخرى:
بلى جر أذيال الصبا فتصابى ... وأوجف خيلاً في الهوى وركابا
قصرت زماني بالشمول مسنةً ... وبالروض كهلاً والفتاة كعابا يقول فيها:
وأقصر أيام الفتى يوم لذةٍ ... صفا ما صفا بالعيش منه فطابا(7/329)
ليالي لا ترمي وإن تصب ... بسهمك خوداً فالشباب أصابا
وعصبة لهو غادروا الهم جانباً ... فلم يألفوا إلا السرور جنابا
يديرونها راحاً كأن بكاسها ... إذا لبست درع الحباب حبابا
تنافر لمس الماء وهو يروضها ... تفرك كالبكر الفروق لعابا
فأحبب بذاك العيش عيشاً ذكرته ... وبالعصر عصراً والصحاب صحابا
وليلٍ تخوض النيرات ظلامه ... كأوجه غرقي يغترفن عبابا
سريت بمحبوكٍ من القب كلما ... دعا شأوه وحي العنان أجبا
من الحن فاسم الله إما وضعته ... مكان قطيع طار عنك وغابا
ترى ضحك الإصباح فوق جبينه ... وقيض من ليل المحاق إهابا
تخال الثريا رأسه وهو ملجم ... إذا الجري لم يلبس طلاه سخايا
يحرف بالتأليل أذناً كأنما ... برى قلماً منها يخط كتابا
سما الدر في أرساغه عن زبرجدٍ ... يغادر بالوطء الصخور ترابا
هو الطرف فاركب منه في ظهر طائر ... تنل كل ما أعيا عليك طلابا
إلى قمر تسري إليه كأنما ... عليه سماء الله تغلق بابا
كأني سرّ في حشا الليل داخل ... على حبة القلب المصون حجابا
فبت مروى من مجاجة بارد ... غزا ذكره قلب الغيور فذابا
كأن قطاف اللثم من ثغر روضه ... تكسب من طل الغمام رضابا(7/330)
ومنها:
ولم أر كالدنيا خؤوناً لصاحب ... ولا كمصابي بالشباب مصابا
فقدمت الصبا فابيض مسود لمتي ... كأن الصبا للشيب كان خضابا ومن أخرى:
أمتطتك همتك العزيمة فاركب ... لا تلقين عصاك دون المطلب
ما بال ذي النظر الصحيح تقلبت ... في عينه الدنيا ولم يتقلب
فاطو العجاج بكل يعملةٍ لها ... عوم السفينة في سراب السبسب
شرق لتجلو عن ضيائك ظلمة ... فالشمس يمرض نورها بالمغرب
والماء يأجن في القرارة راكداً ... فإذا علتك قذاته فتسرب
طال التغرب في بلاد خصصت ... بوخامة المرعى وطرق المشرب [118]
فطويت أحشائي على الألم الذي ... لم يشفه إلا وجود المذهب
إن الخطوب طرقنني في جنةٍ ... أخرجنني منها خروج المذنب ومنها:
من سالم الضعفاء راموا حربه ... فالبس لكل الناس شكة محرب
كل لأشراك التحيل ناصب ... فاخلب بني دنياك إن لم تغلب
من كل مركوم الجهالة مبهمٍ ... فكأنما هو قطعة من غيهب
لا يكذب الإنسان رائد عقله ... فامرر تمج وكن عذوباً تشرب(7/331)
ولرب محتقر تركت جوابه ... والليث يأنف عن جواب الثعلب
لا تحسبني في الرجال بغاثةً ... إني لأقعص كل لقوة مرقب
إن يعله صدأ فكم من صفحةٍ ... مصقولةٍ للماء تحت الطحلب ومنها:
كم من قواف كالشوارد صرتها ... عن مثل جرجرة الفنيق المصعب
ودقائق بالفكر قد نظمتها ... ولو أنهن لآلئ لم تثقب
وصلت يدي بالطبع فهو عقيدها ... فقليل إيجازي كثير المسهب
نفث البديع بسحره في مقولي ... فنطقت بالجادي والمتذهب
لو أننا طير لقيل لخيرنا ... غرد وقيل لشرنا لا تنعب
وإذا اعتقدت العدل ثم زونتني ... رجحت حصاتي في القريض بكبكب
إني لأغمد من لساني منصلاً ... لو شئت صمم وهو دامي المضرب ومن أخرى:
تظن مزار البدر عنها يعزني ... إذا غاب لم يبعد على عين مبصر
وبين رحيلي والإياب لحاجها ... من الدهر ما يبلي رتيمة خنصر(7/332)
ولابد من حملي على النفس خطةً ... تعلق وردي في اغترابي بمصدري
وتطرحني بالعزم من غير فترة ... سفائن بيد في سفائن أبحر
وما هي إلا النفس تفنى حياتها ... مصرفةً في كل سعي مقدر
أغرك تلويح بجسمي وأنني ... لكالسيف تعلو متنه غين جوهر
وما هي إلا لفحة من هواجر ... تخلصت منها كالنضار المسجر
وأنكرت إلمام المشيب بلمتي ... وأي صباح في دجى غير مسفر
وما كان ذا حذر غراب شبيبتي ... فلم طار [عن] شخصي لشخص منفر
وأبقت صروف الدهر مني بقيةٍ ... مذكرة مثل الحسام المذكر
وما ضعضعتني للحوادث نكبة ... ولا لان في أيدي الحوادث عنصري ومنها:
وحمراء لم تسمح بها نفس بائع ... لسوم ولم تظفر بها يد مشتري
أقامت مع الأحقاب حتى كأنها ... خبيثة كسرى أو دفينة قيصر
فلم يبق منها غير جزء كأنه ... توهم معنى دق عن ذهن مفكر
إذا قهقه الإبريق للكاس خلته ... يرجع صوتاً من عقاب مصرصر
وطاف بها غمر الوشاح كأنما ... يقلب في أجفانه طرف جؤذر
قصرت بكل كل يوم لهوته ... ومهما يطب يوم من العيش يقصر(7/333)
ومن أخرى في المعتمد:
أتنكر ضعفاً أمرض الحدق النجلا ... وقد أكثرت فينا لواحظها قتلا يقول فيها:
أقائدها قب الأياطل لم تدع ... له عند أعداء إغارته ذحلا
حميت حمى الإسلام إذ ذدت دونه ... هزبراً ورشحت الرشيد له شبلا
لئن قلت فيه صح تأليف سؤدد ... فبارع نقل من شمائلك استملى ومنها في صفة القصر:
ويا حبذا دار يد الله مسحت ... عليها بتجديد البقاء فما تبلى
مقدسة لو أن موسى كليمه ... مشى قدماً في أرضها خلع النعلا
إذا فتحت أبوابها خلت أنها ... تقول بترحيب لداخلها أهلا
وقد نقلت صناعها من صفاته ... [إليها] أفانينا فأحسنت النقلا
فمن صدره رحباً ومن نوره سناً ... ومن صيته فرعاً ومن حلمه أصلا
نسيت به إيوان كسرى لأنه ... أراني مثلاً ما رأيت له مثلاً
كأن سليمان بن داود لم تبح ... أوامره للجن في شيده مهلا
كأن عيون السحر نافذة له ... عليهن فصلاً من بدائعه فصلا(7/334)
فكان مكان القول يبعث وصفه ... رقيقاً وأذن الدهر تسمعه جذلى
ترى الشمس فيه [ليقةً] تستمدها ... أكف أقامت من تصاويرها شكلا
تحوز له الأمواه بركة جدول ... تخال الصبا منه مشطبة نصلا
إذا اتخذتها الشمس مرآة وجهها ... أجالت عليها من مداوسها صقلا
وقد توج البهو البهي بقبة ... فقل في عروس في [جلابيبها] تجلى
تجمعت الأضداد فيها مصانعاً ... ولم أر خلقاص قبلها جمع الشملا
وأغرب ما أبصرت بعد مليكها ... بها مترع يعدي الشجاعة والبذلا
ولما عشينا من توقد نورها ... تخذنا سناه في نواظرنا كحلا
فيا دار أغضى الدهر عنك وأكثرت ... أسودك نسلاً فيك يختتل النسلا(7/335)
ومن شعره في أوصاف شتى
قال: [119]
نفوسنا بالرجاء ممتسكه ... والموت للخلق ناصب شركه
تبرم أجسامنا وتنقضنا ... طبائع في المزاج مشتركه
لولا انتشاق الهواء مت كما ... تموت مع فقد مائها السمكه
ننشأ بالبعث بعد ميتتنا ... أما يعيد الزجاج من سبكه
ما أغفل الفيلسوف عن طرق ... ليست لأهل العقول منسلكه
من سلم الأمر للإله نجا ... ومن عدا القصد واقع الهلكه وقال:
جاء به ملآن من صافية ... معمورة منها أقاليم الفرح
حل وكاء شده عن مذبح ... طل دم العنقود منه وسفح
حتى إذا ما صب منه رينا ... سد على التبر الذي كان فتح(7/336)
ترى نجيع البرق منه راشحاً ... كأنه من ودج الليل رشح
مدامة للروح أخت برة ... آخذة ثاراتها من الترح
قد علمت مزاجها فصرفها ... يجبر ما هاض ويأسو ما جرح
يوم كأن القطر فيه لؤلؤ ... ينظم للروض عقوداً أو وشح
تقدح نار من زناد برقه ... ويطفئ الماء سريعاً ما قدح
لما جرت فيه الصبا عليلة ... رق الهواء فيه للنفس وصح
كأنما الكافور نثر ثلجنا ... أوندف البرس لها
حتى أتى الليل بصحو لم يكن ... يغتبق الغيث به كما اصطبح
كأنما خلف منه قشعم ... يندى علينا ريشه إذا جنح
وقد محا صبغ الدياجي قمر ... ديناره في كفة الغرب رجح(7/337)
حتى إذا رد حداء عدوهم ... من كان في وادي الرقاد قد سرح
نبه ذا هذا وكل طرفه ... يلمح طرف السكر من حيث لمح
يسأل في تقويم جيد مائل ... لو [لم] يسامح في الحميا لسمح
وجاءه الساقي بكوب مفعم ... لو شاء أن يسبح فيه لسبح
يا عاذلي في الراح كم سيئة ... تجاوز الرحمن عنها وصفح
أغش خلق الله عند ذي هوى ... من عرض الرشد عليه ونصح
حتى إذا فكر عن بصيرة ... ذم [من] الأفعال ما كان مدح وقال:
ومشمولة راح كأن حبابها ... إذا ما بدا في الكاس در مجوف
لها من شقيق الروض لون كأنما ... إذا [ما] بدا في الكاس منه مطرف
شربت على برق كأن ظلامه ... إذا احمر فيه أسود بات يرعف وهذا من قول المعري:
إذا ما اهتاج أحمر مستطيلاً ... حسبت الليل زنجياً جريحا وقال أبو محمد أيضاً:(7/338)
ما زلت أشرب كاسه من كفه ... ورضابه نقل على ما أشرب
حتى انجلى الإصباح عن إظلامه ... كالستر [يرفع] عن مليك يحجب
والشهب في غرب السماء سواقط ... كبنات ماء في غدير ترسب وقال في صفة نهر:
ومطرد الأجزاء تحسب متنه ... صباً أعلنت سر القذى في ضميره
جريح بأطراف الحصى كلما جرى ... عليها شكا أوجاعه بخريره
كأن حباباً ريع تحت حبابه ... فسارع يلقي نفسه في غديره
شربنا على حافاته دور سكرة ... وأقتل سكراً منه عينا مديره
كأن الدجى خط المجرة بيننا ... وقد كللت حافاتها ببدوره
كلفت بشربي للصبوح مبكراً ... وكم بركات للفتى في بكوره وله في شمعة:
قناة من الشمع مركوزة ... لها حربة طبعت من لهب
تحرق بالنار أحشاءها ... فتدمع مقلتها بالذهب(7/339)
تمشى لنا نورها في الدجى ... كما يتمشى الرضى في الغضب
فأعجب لآكلة جسمها ... بروحٍ يشاركها في العطب وله فيها:
مصفرة الجسم وهي ناحلة ... تستعذب العيش مع تعذبها
تطعن صدر الدجى بعالية ... صنوبري لسان كوكبها
إن تلفت روح هذه اقتبست ... من هذه فضلة تعيش بها
كحية باللسان لاحسةٍ ... ما أدركت من سواد غيهبها وقال:
صدت وبدر التم مكسوف به ... فحسبت أن كسوفه من صدها
فكأنه مرآة قبن أحميت ... فمشى احمرار النار في مسودها وقال:
سكن القلب هوى ذي صلف ... زاده فيه سكوناً حركه
فهو كالمركز يبقى ثابتاً ... كلما دار عليه فلكه وقال:(7/340)
يوم كأن نسيمه ... نفحات كافور ومسك
وكأن قطر سمائه ... در هوى من نظم سلك
متغير غيماً وصح ... واً مثلما حدثت عنك
كالطفل يمنح ثم يم ... نع ثم يضحك ثم يبكي [120] وقال:
وحمام سوء وخيم الهواء ... قليل المياه كثير الزحام
فما للقيام به من قعود ... ولا للقعود به من قيام
حنياته عطفات القسي ... وقطراته صائبات السهام
ذكرت به النار حتى لقد ... تخيلت إيقادها في عظامي
فيا رب عفوك عن مذنب ... يخاف لقاءك بعد الحمام وقال:
قبس بكف مديرها أم كوكب ... ينشق منه عن الصباح الغيهب
وأريج مسك فاح عن نفحاتها ... فذوائب الظلماء منه تطيب
قالوا الصبوح فقلت قرب كاسه ... إني لمهديها [بها] أتقرب
لا تسقني اللبن الحليب فإن لي ... في كل دالية ضروعاً تحلب
وذخيرة للعيش مر لعمرها ... عدد يشق على يدي من يحسب
دبابة في الرأس يصعد سكرها ... فتجد منا بالعقول وتلعب(7/341)
دارت بعقلي سورة من كاسها ... حتى كأن الأرض تحتي لولب
باكرتها والليل في حشاشة ... يستلها بالرفق منه المغرب
والجو أقبل في تراكب مزنه ... قزح بعطفه قوسه يتنكب
صابت فاضحكت النديم بأكؤس ... عهدي به من نقطهن يقطب
والبشر في شرب المدامة فارتقب ... منها سرور النفس ساعة تعذب فصل في ذكر الوزير الحكيم أبي محمد المصري
شيخ الفتيان، وآبدة الزمان، وخاتمة أصحاب السلطان، وكان رحل إلى مصر واسمه خامل، وسماؤه عاطل، فلم ينشب أن طرأ على الأندلس وقد نشأ خلقاً جديداً، وأجرى إلى النباهة طلقاً بعيداً، فتهادته الدول، وانتهت إليه التفصيلات والجمل، وكلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد، وإياه قصد، فجرى مع كل أحد، وتمول في كل بلد، وتلون في(7/342)
العلوم تلون الزمان، وتلاعب بالملوك بأفقنا تلاعب الرياح بالأغصان، حتى ظفر به المأمون بن ذي النون، فشد عليه يد الضنين، فوجد كنفاً سهلاً، وسلطاناً غفلاً، فسر وساء، وارتسم في أي الدواوين شاء، وكان بالطب أكلف، وعليه أوقف، فتعلق بسببه، حتى اشتهر به، ولم يكن من النفوذ فيه حسبما استذاع عنه الخبر، خلا أنه كان - زعموا - بصيراً بطب النظر، وكان مع ما يحملع من هذا الفن حسن البيان مليح المجلس، حاضر الجواب كثير النادر، راوية للشعر والمثل السائر، نسابة للمفاخر، عارفاً بالمثالب والمناقب. وقفت له على شعر مجموع، عاطل اكثره من حلي البديع، وكان بالجملة روضة أدب ممتعاً للمجلس، وهيهات أن يأتي الدهر بمثله، وقد وصفه ابن حيان، في فصل قد أثبته في أول هذا القسم من الديوان.
فلما انصرفت الدولة الذنوبية، تحيز أبو محمد إلى إشبيلية، فأنس المعتمد بمكانه، وجعل له حظاً من سلطانه، ولم يزل في من يتردد عليه ويغشاه، حتى أشجاه من الخلع - حسبما وصفناه - ما أشجاه، وبقي أبو محمد على حاله، مشتملاً بفضل جده وإقباله، غير مستريب بدهره، ولا منكر لشيء من أمره، ممتعاً بآلاته، مقبلاً على لذاته، إلى أن توفي سنة ست وتسعين منتصف رجب الفرد.
وعلى ذكره، فقد أجريت طرفاً من نظمه ونثره، منبهاً على مكانه، ومشهداً على ما وصفت من شانه.(7/343)
فصل له من رقعة خاطب بها المعتمد بن عباد، وقد خرج عنه إلى مالقة، قبل القبض عليه، واستفتحها بهذين البيتين:
رحلت وفي القلب جمر الغضا ... وهجري لكم دون شك صواب
كما تهجر النفس حر الطعام ... إذا [ما] تساقط فيه الذباب وهذا المعنى مشهور، قد اندرج منه في تضاعيف هذا التصنيف كثير، مثل قول بعضهم:
وتجتنب الليوث ورود حوضٍ ... إذا كان الكلاب يلغن فيه
كما سقط الذباب على طعام ... فتتركه ونفسك تشتهيه كتبت وقلبي متقلب على جمر الغضا، أحر من الرمضا، وصلت فقطعت، وسامحت فقوبحت، وارتفع علي الباطل فما سومحت، حميت بقرطبة أهلك وبنيك، وحفدتك وذويك، أصبتهم في منزل عالي الحيطان، وثيق الأركان، في شهر كانون، دون كن ولا كانون، ولا ما يدفع عنهم ريب المنون، أكف الرزايا تصافحهم، وجنوب المنايا تضاجعهم، لا يمنعهم من القر شعار، ولا يحميهم منه [121] دثار، فأنفذت الفرش وآلاتها. وما يتعلق بجهاتها، وافتقدت بالطرف، وتاحفت بالتحف، وصنتهم صون الدر في الحقاق، والسواد في الأحداق، والأطواق في الأعناق، ومن عندك(7/344)
يعلم هذا ولا ينكره، ويشكره ولا يكفره، وما كانت لك علي نعمة فأعارها، ولا سطوة فأخشاها، وإنما فعلت بالجوهرية التي ركبها الله في نفسي، والطبع الذي جبل عليه حسي:
ولكن أشخاص المعالي خفية ... على كل عين ليس تبصر باللب فهل سبق لأحد مثل هذا الوفاء، أو كان له شكل هذا الولاء، فإن قيل إن السموأل أتى بمثله وشكله، ليس الخبر كما ظن، ولا الأمر كما احستب.
ومن شعره في أوصاف شتى
قال:
ريم إذا رمت أن أحظى بموعده ... أقام لي بلسان الخلف أعذارا
وإن تلطفت لاستنزال سورته ... أصار قلبي لخيل الهجر مضمارا
إذا تذكرت أياماً لنا سلفت ... خطت يد الشوق في الأحشاء أسطارا
قال الوشاة ودمع العين منحدر ... ودمعه فوق روض الورد قد حارا
يا مجري الدمع في عينيه في ذهب ... أما ترى الدر بالمرجان قد جارا
النار يحرقها قلبي بزفرته ... من العجيب فؤاد يحرق النارا وقال:
يا ناظراً قد سل من ناظري ... إلى سواد القلب والخاطر
طيفك لما نام عن زورتي ... زادك [زاد] الكلف الساهر(7/345)
ظلك أضحى لي بلا مريةٍ ... مؤثراً في خدك الناضر
ما أرفق الله بأهل الهوى ... إذ صير الجور على الجائر وقد تقدم مثل هذا المعنى لعبد الجليل حيث يقول:
دعوت دعاء مظلوم عليه ... فعلق من عذاريه الذنوبا وقال:
الحب داء دواؤه القبل ... والرسل بين الأحبة المقل
يا حفظ الله ليلةً سلفت ... حيت ببدر سماؤه الكلل
بتنا وراح العفاف تلحفنا ... برد وفاء والشمل مشتمل
اثنان من شدة التعانق قد ... صارا كفرد بالروح يتصل
لو أن جود السماء أمطرنا ... لم يصب الأرض تحتنا بلل
حتى إذا غرة الصباح بدت ... وجفنه بالعبير مكتحل
فارقني وهو خائف وجل ... نشوان من خمرة الصبا ثمل
عيناي منه قريرة أبداً ... والنار بين الضلوع تشتعل وقال:
قالوا الصديق شقيق النفس قلت لهم ... إن الصديق مع العنقاء قد طارا(7/346)
اسم لعمري بلا جسم ولا نفس ... إلا كلاماً بزور القول قد سارا
فما ترى غير من يسقيك من يده ... أرياً وفي قلبه قد أضمر النارا
فنادم الكتب ما عمرت إن لها ... عندي وعيشك أسراراً وأخبارا ومن قصيد له ابن حماد بلقين أوله:
الرأي يسبق وقع الصارم الذكر ... والعزم يفصل بين الخبر والخبر
والناس قد جمعوا في أصل خلقتهم ... لكنهم فرقوا في اللب والنظر
كالنور أوله نار وبينهما ... من التفاضل ما يخفى على البشر
كما تهدى ابن حماد وقد طلعت ... طلائع السعد تحدوها يد القدر
والناس قد رجموا الأقوال من حذر ... وقال بعضهم هذا من الغرر
حتى إذا أظلم الخطب المهم لهم ... جلوته بصباح البيض والسمر
ليس الجسوم لها صبر ولا جلد ... وإنما الصبر بالأرواح والفكر
لا تلق دهرك إلا راكباً خطراً ... فإنما تبلغ العلياء بالخطر بيته الثاني، من متداولات المعاني، ومنها قول الأول:
الناس أخياف وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم وأخذه التهامي فقال:(7/347)
الناس متفقون في إيرادهم ... وتفاضل الأقوام في الإصدار وقوله: " ليس الجسوم لها صبر " ... البيت، هو شبيه بقول الآخر:
فالعبد صبر جسماً ... والحر أصبر قلبا وقال من أخرى [يمدحه] ويذم بني رياح:
أبا المنصور ما للدهر عين ... سواك فوارها فهو الصلاح
ولا تتعرضن إلى رياحٍ ... فأعدى ما على العين الرياح
إذا حلفت رياح فاتهمها ... ورأس الحنث ما حلفت رياح
قبيلة لها في اللؤم بأس ... وعند المكرمات لها جماح
سبال اللؤم لا كانت سبال ... وجوه الذل والخد الوقاح
أناس في مفارقهم قرون ... ولكن بالفقاح هو النطاح
ولا تتزوجن لهم ببنت ... فللسودان عندهم مراح
بأرجلهن يستغفرن دأباً ... فأرجلهن في الدعوات راح وذكرت بمعنى هذا البيت الأخير منها خبراً أورده بعض الرواة عن شاعر أنشد زبيدة بنت جعفر شعراً قال فيه: [122](7/348)
أزبيدة ابنة جعفر ... طوبى لزائرك المثاب
تعطين من رجليك ما ... تعطي الأكف من الرغاب فجعل عبيدها يقرعون رأسه فقالت: دعوه فإنه أراد خيراً فأخطأ، وهو أحب إلينا ممن أراد شراً فأصاب، سمع قولهم: شمالك أندى من يمين فلان فظن [أن هذا مثل ذلك] .
وله من أخرى يستأذن في الجواز إلى الأندلس:
فيا أثلاث الجزع من مربع الحمى ... فؤادي على تلك الرسوم ينوح
فعل أبي المنصور يدني بسعده ... ركابي منها إنه لنزوج ومنها:
فسر إنما العلياء شخص مصور ... وأنت له دون البرية روح
أتيت بآي أعجزت كل عالم ... كأنك من بعد المسيح مسيح
ولو جيت للإنصاف ما جيت مادحاً ... لأنك من نجر السماح صريح
ومن أصبحت [فيه] المكارم جوهراً ... بلا عرض فالمدح فيه قبيح
ولكن رأيت الشعر يثبت ذكره ... فلا غرو أن يهدى إليك مديح(7/349)
وله من أخرى في باديس بن حبوس:
رسخت أصول علاكم تحت الثرى ... ولكم على خط المجرة دار
تبدو شموس الدجن من أطواقكم ... وتفيض من ثني البنان بحار
إن المكرام صورة معلومة ... أنتم لها الأسماع والأبصار
ذلت لكم قمم الخلائق مثلما ... ذلت لشعري فيكم الأشعار
فمتى مدحت ولا مدحت سواكم ... فمديحكم [في] مدحه إضمار وهذا من قول أبي نواس:
وإن جرت الألفاظ يوماً بمدحة ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني وأخذه المتنبي فقال:
وظنوني مدحتهم قديماً ... وأنت بما مدحتهم مرادي والمصري أيضاً القائل، من قصيدة كأخواتها طويلة دون طائل، أولها:
دعي لومي فما أنا بالمليم ... ولا من هجر سلمى بالسليم يقول فيها:(7/350)
وإن شئت اختبار الناس جهراً ... ولم تك بالتجارب بالعليم
فجرب من تشا منهم عياناً ... وقد أصبحت في بردي عديم
فإن لم [تلف] ذلك مستحيلاً ... وترعى منه في مرعى وخيم
فقل إني دعي في نزار ... وإني ضد لقمان الحكيم
رأينا معشراً لبسوا ثياباً ... مجددة على عرض رميم
لهم دور مشيدة [] ... وأفعال محيلات الرسوم ومن المدح:
وما يحتاج يوم الحرب جيشاً ... فإن عداه كالزرع الحطيم
وإن أبقى لهم فرعون سحراً ... ففي يده عصا موسى الكليم وقد تقدم إلى هذا المعنى أبو نواس بقوله، ونذكر خبراً يتعلق بذيله:
كان أبو نواس قوي البديه، ويرتجل كل ما يقول ولا يرويه، فقال له الخصيب يوماً وهو يمازجه بالمسجد الجامع، أنت في الشعر غير مدافع ولا منازع، ولكنك لا تخطب، فقام من فوره يقول مرتجلاً:
منحتكم يا أهل [مصر] نصيحتي ... ألا فخذوا من ناصح بنصيب
رماكم أمير المؤمنين بحيةٍ ... أكول لحيات القلوب شروب
فإن يك باقي سحر فرعون فيكم ... فإن عصا موسى بكف خصيب(7/351)
ثم التفت إليه قال: والله لا يأتي بمثلها خطيب مصقع، فاعتذر إليه وأقسم أنه ما قال ذلك إلا مازحاً.
وقول المصري: " معشراً لبسوا ثياباً " ... البيت مع الذي بعده، ألم فيه بقول منصور الفقيه:
لبس الثياب وتشييد القصور وفي ... تلك الثياب علتها أنفس خربه
لأضربن رجائي ألف مقرعةٍ ... فيكم وأصلب آمالي على خشبه وقال المصري في ابن مجاهد من قصيدة، يرثي مهراً أخذ له، وحكي أن الذئب أكله:
وقد أقمت لدهري وهو يظلمني ... حتى وصلت علياً سيد العرب
وإن يكن ليس منهم في أرومته ... فإنه منهم في المجد والحسب
يا من إليه شكوناه فقال لنا ... شكوى القتيل [إلى] الخطية السلب ومنها:
يا ويح قلبي من دهر تعمدني ... بالنائبات فلاذت بي يد النوب
حتى بمهر هضيم الكشح ذي هيف ... كأن أجزاءه جأب على نسب
حلو الصهيل له في صوته فتن ... كأنه حين يشدو بالثقيل ربي
لولا تشكله في حين خلقته ... بالخيل أضحى مع العقبان في نصب
يا يوسف الخيل يا مقتول إخوته ... قلبي لفقدك بين الحرب والحرب
إن كان يعقوب لم يقنع بكذبهم ... إني لأقنع منهم بالدم الكذب [123](7/352)
ومنها:
وما التناسب......... ... إن لم تكن أنفس القربى ذوي نسب وهذا من قول القائل:
........... ... إذا لم يرافقها أنتساب قلوب وقال من أخرى:
................... ... ....... نفحة الخد جائل
لئن كنت من در القلائد عاطلاً ... فإن الظباء المشبهيك عواطل
.................. ... وكل رسول قد بعثت مماطل
سقاني وخد الفجر يلطمه الضحى ... شمولاً لها من وجنتيه شمائل
................. ... بهاراً فأجدى ما علينا الرسائل
عليك زكاة من جمال وغرة ... وأنت بمفروض الزكاة تماطل ومنها:
فصاح وشاح هز.......... ... إليك ولكن لم تجبه الخلاخل
رعى الله دهراً قد نعمنا بطيبه ... لياله من شمس الكؤوس أصائل
لدى روضة غناء قنت قيانها ... وجاوبت الألحان منها البلابل
ونرجسها [در] على التبر جامد ... وقهوتها تبر على الدر سائل(7/353)
وإن سأل الأقوام عن عرض منزلي ... فإني ما بين السماكين نازل
وأني قد قلدت سيف مآثر ... له من علي المكرمات حمائل إلى أبيات غير هذه من قصيدة طويلة اهتدم فيها أبو محمد قصيدتي أبي الطيب والمعري اللتين في وزنها ورويها؛ وقوله: " عليك زكاة من جمال " ... البيت، من قول المعري أيضاً:
لغيري زكاة من جمال فإن تكن ... زكاة جمال فاذكري ابن سبيل وعلى [ذكر] هذه الزكاة فما أملح ملح البستي في تلك الفقهيات حيث يقول:
أقول لشادن في الحسن فرد ... يصيد بلحظه لحظ الكمي
ملكت الحسن أجمع من نظام ... فأد زكاة منظرك البهي
وذلك أن تجود لمستهام ... برشف من مقبلك الشهي
فقال أبو حنيفة لي إمام ... ويفتي لا زكاة على الصبي وقال الحصري الكفيف في مثله:
وظبي غرير هز أعطافه اللين ... وسمته ريحان المحب الرياحين(7/354)
أقول له والحب يفتي برخصةً ... عليك زكاة [ما] ونحن مساكين
فقال ولم يعلم زكاة أردتها ... وكيف أؤديها ولم يحن الحين
فقلت زكاة الحسن أعني فقال لا ... أؤديك فالعشاق [ليس] لهم دين جملة من مقطوعات المصري في فنون مختلفة
في صفة قصر طليطلة:
قصر يقصر عن مداه الفرقد ... عذبت مصادهر وطاب المورد
نشر الصباح عليه ثوب مكارم ... فعليه ألوية السعادة تعقد
وكأنما المأمون في أرجائه ... بدر تمام قابلته أسعد
وكأنما الأقداح في راحاته ... در جماد ذاب فيه العسجد وله في صفة البركة والقبة عليها:
شمسية الأنساب بدرية ... يحار في تشبيهها الخاطر
كأنما المأمون بدر الدجى ... وهي عليه الفلك الدائر(7/355)
يا حبذا العود فكم من فتىً ... باح له اليم بأسراريه
غنت عليه الطير رطباً وقد ... غنت به لما قسا جاريه
فهو على أخلاقها قد جرى ... وهي على أخلاقه جاريه وبيته الثالث كقول ابن قاضي ميلة:
جاءت بعود يناغيها ويسعدها ... فانظر بدائع ما خصت به الشجر
غنت على عوده الأطيار مفصحة ... غضاص فلما ذوى غنى به البشر
فلا يزال عليه أو به طرب ... يهيجه الأعجمان: الطير والوتر وقال المصر من جملة أبيات خاطب بها صاحب المدينة يشفع للفقيه البر الطليطلي:
يا ما جداً أصبح من رفعةٍ ... منزله تحت نجوم الفلك
هدا الفقيه البر ما ذنبه ... لقد غدا قبرةً في الشرك
أيؤخذ المسكين مع فتية ... قد عقدوا الأمر لحل التكك
وقارعوا بالبيض بيض الخصى ... وطاعنوا الأشراج [في] المعترك(7/356)
وهذا مثل ما أنشدنيه لنفسه أبو بكر الخولاني المنجم، مما خاطب به بعض الحكام يشفع للقلمندر، وقد أخذ في مثل ذلك سكرانا:
إن درء الحدود بالشبهان ... لحديث رواه [كل] الثقات
ما أراه إلا تناول تفا ... حاً فنمت عليه في الطرقات [124] نفحات التفاح والراح والأترج للمرء جد مشتبهات ... فبتلك الشمائل المخجلات الروض غب الغمائم الهاطلات ...
وبحلم إليه مذ كنت تعزى ... وبصبر تعزى له وأناة اعف عنه وأعفه من ثمانين تدمي أعطافه المائسات ... واقل ذنبه وعثرته فهو بمرآه من ذوي الهيئات ... وقال:
وشادن طالبته قبلةً ... فأظهر الإعراض والصدا
ورسل الدر على عسجد ... من سبج فانتظما عقدا
فقلت إذ أبصرته باكياً ... نرجسة العين سقت وردا وهذا كقول [الآخر] :(7/357)
كأن تلك الدموع قطر ندى ... تسقط من نرجس على ورد وقال في صباه في طريق بلاد المشرق وقافلاً من الحجاز:
ألا يا هند قد قضيت حجي ... فهات شرابك العطر العجيبا
فقد ذهبت ذنوبي في الليالي ... فقومي الآن نقترف الذنوبا
خلطنا ماء زمزم في حشانا ... بماء الكرم فامتزجا قريبا
وطاف بها غزال كسروي ... طبيب النفس يدعوه طبيبا
أطاعته الجسوم فساعدته ... كذاك يكون من ملك القلوبا
بدا غصناً وأطلع بدر تم ... وأضمر في مآزره الكئيبا
نراه في تواصله بعيداً ... ونلقى وعده أبداً قريبا وقال:
أي هلال أطل فينا ... نطلعه الطوق والجيوب
كحيل طرف ثقيل ردف ... مبسمه اللؤلؤ الرطيب
يقودنا كيف شاء طوعاً ... لأن أعوانه القلوب(7/358)
وله في بعض إخوانه وقد عذر غلام كان يهواه:
يا ذا الذي عذر خل له ... أتحت عيش العز معنى الهوان
لم ينبت الشعر على خده ... بل دب في أعضائه عقربان
رفقاً على نفسك لا تفنها ... فجوهر الأنفس شيء يصان
وسقه من مزة عتقت ... لتقتضي الحب بلا ترجمان وله في غلام وسيم رمدت عيناه:
قال خلي وجفوني ... لا تغطي مقلتيها
سقم عيني أراه ... بعث السقم إليها
أم ترى توريد خدي ... نفض الورد عليها
قلت لا أدري ولكن ... أنا من قتلى يديها وقال:
رمدت عيني فجاءوا ... دون رأيي بطبيب
وطبيب العين أغمى ... في مداواة القلوب
رمدي من فقد خلي ... فاكحلوني بالحبيب وما أحسن ما قال بعض أهل عصري، وقد تقدم إنشاده:
إذا رمدت بحمرته عيون ... شفاها منه إثمد عارضيه(7/359)
في ذكر أبي محمد ابن الطلاء المهدوي
أحد أضياف المعتمد، وقد أجريت ذكره في ما مر من هذا المجموع، ووصفت أن شعره عاطل من حلي البديع، وأفرط في باب الاستعارة وأبعد، وخرج فيها إلى حيز الإضحاك بما برد، كقوله متغزلاً:
بقراط حسنك لا يرثي على عللي ... وكقوله في الوزير الأجل أبي بكر بن زيدون:
شبيلية وابن زيدونها ... أتى في قراه على شينها وسمعته ينشد المتوكل شعراً قال فيه:
أفاقت بك القطار من برص البلوى ... ومن أشبه شعره في المعتمد قوله من قصيدة أولها:
فتحت سعودك كل باب مغلق ... فتهن ذلك وابق يصلح ما بقي يقول فيها ومدح ابن عمار حين دخوله بمرسية وخروج بني طاهر منها حسبما وصفتها:(7/360)
إن ابن عمار حكى عمرو القنا ... للمستجير وحاتماً للمملق
لما وصلت المغرب الأقصى به ... هجر الكرى فاقتاد ملك المشرق
بمصرف الجيش اللهام بحكمة ... سمكته بالإسكندر المتلحق
يسري بنية خالص، من خلفها ... صدر كمثل السور خلف الخندق
ويصيد عنقاء الأماني التي ... أعيت صواه خلاف صيد الخرنق
فبجود وببأسه وبجيشه ... هو فيلق في فيلق في فيلق ومنها:
يا أيها الملك السعادة أطبقت ... جفناً عليك فبت بجفن مطبق
هبط المطوق جبرئيل منظماً ... لك در كل كرامة فتطوق
ما غيرك الملك المطوق وحده ... أبداً بروح القدس فأفتق وارتق
ما دولة إلا ونادت بعلها ... وأفاك مقتض البلاد فطلق [125]
فليعترف بالجود كل مشعوذ ... ويقر بالإنصاف كل ممخرق
الأرض كالشطرنج فادع ملوكها ... ما الرخ في حركاته كالبيدق
يا يوسفي الحسن والصدق استمع ... أحلى محاورة وإن لم تنطق
نادتك هيت لك البلاد بأسرها ... فتح، سيرك من ينادي غلق
ولو استطاعت مصر إذ لم تدنها ... جعلت تقول عشقت من لم يعشق(7/361)
وجميل صنعك في البلاد وأهلها ... مغنيطس فيجذب قوته ثق
لكفاك أندلس فنفس كل من ... ترضيك طاعته وإلا خنق
من حمص تفتح حمص غير مدافع ... عنها وتفتح جلقاً من جلق وأخبرني أبو بكر الخولاني المنجم قال: كتب إليّ أبو محمد المهدوي بهذه الأبيات يستهدي مشروباً:
قل للوزير فتى خولان خولني ... علمي بفضلك ميزاً فهو ميزاني
رصدت في فلك الأشواق بدر هوىً ... له رقيب ثقيل مثل كيوان
فابعث إليّ براحٍ مثل ريقته ... فمثلها كان يسقى عند رضوان ويا بعد ما بين هذا وبين [قول] بعض أهل عصرنا، وهو أبو حاتم الحجاري يستهدي أيضاً مشروباً من الحكيم أبي الأصبغ البلنسي بقرطبة:
يا من سقاني الكؤوس سائغةً ... وكأس أخلاقه غدا أسوغ
ساعدني للمبيت ذو هيف ... وذو لسان مستعذب ألثغ
أبلغت في وصفه [على] سني ... لكن رأيت السكوت بي أبلغ
وقلت والسر لا أبوح به ... من حق هذا الحديث أن يمضغ
ما [إن] ترى ساعة الخلو به ... وقد بداني الشيطان أن ينزغ(7/362)
والليل قد أسبغت ذوائبه ... على هلال فروعه أسبغ
قهقهت أثناء ذاك من ضحك ... قهقهة الجام يا أب الأصبغ
فرش جناحي وما قرأت فقل ... قوالب السحر هكذا تفرغ وقال أبو حاتم في مثله:
يا سيدي والنهار تبصره ... منسجم الدمع مطلق الأفق
وعندي البدر قد خلوت به ... وفوق خديه حمرة الشفق
جاذبته الحبل فاستقاد وكم ... جريت جري الجموح في الطلق
وقد هززناك كي توجهها ... في الشعر هز القضيب في الورق وقال الأديب أبو محمد بن صارة الشنتريني:
أعندك أن البدر بات ضجيعي ... فقضيت أوطاري بغير شفيع
جعلت ابنة العنقود بيني وبينه ... فكانت لنا أماً وكان رضيعي(7/363)
فصل في ذكر الأديب الفقيه أبي بكر
ابن الحسن المرادي القروي
وإثبات قطعة من أشعاره، وطريف أخباره
وكان أبو بكر هذا فقيهاً فطناً، وشاعراً لسناً، ممن جمع براعة الفقهاء، وبراعة الشعراء والنبهاء، وتصرف تصرف المطبوعين، وتكلم بألسنة المجيدين؛ أشعار كصفحات البدور، ودواوين كأثباج البحور؛ وتقلب أبو بكر بين السهول والحزون، تقلب الميل بين أطباق الجفون، وقلت دولة من دول ملوك الطوائف بالأندلس إلا وقد ابتغى إليها الوسيلة، وأعمل في الهجوم عليها حالاً وحيلة، فتنزوي عن مكانه انزواء الخائف من الرصد، وتغص بإحسانه غصص العين بالمرد، ثم كر إلى أمراء المرابطين بالمغرب فانخرط في أسلاكهم، وعرض بنفسه على أملاكهم، ووقع آخراً منهم إلى محمد بن يحيى بن عمر، فاقتعد صهوة منبره، وولي قضاء معسكره، وأخذ ينجد ويغور، وطفق يدبر ويدير، وإنما أراد أن يسلك في حمل دول المرابطين، مسلك عبد الله بن ياسين، ولم يدر أنها أقدار محتومة، وحظوظ مقسومة، فلم يحصل إلا على بعد السفر، وانقطاع العين والأثر، وتوفي رحمه الله بدكول من بلاد الصحراء، حيث لا يروق وجه النهار، ولا يحمد صوب القطار.(7/364)
وقد أخرجت مما وجدت من شعره ونثره. ما يستخف رواسي الجبال، ويستوفي ضروب [السحر] الحلال.
فصل له من رقعة كتبها عن بعض الأمراء جواباً عن كتاب ورد من بعض العمال الجهال يهول فيه: وقفنا على كتابك الذي طال فقصر، وكبر جرمه فصغر، صدرته بنون التعظيم، وسطرته بمجدك الحديث والقديم، وخاطبتنا فيه بالألفاظ الحجابية، التي تخاطب بها غوغاء الرعية، ارجع - أصلحك الله - عن هذا الأدب، وتأدب في خطابك لذوي الرتب، فقد أطعنا فيك [126] سلطان الحكم، لانتسابك إلى اسم العلم.
واجتاز على مدينة مرسية في مدة رياسة الكاتب الماهر، أبي عبد الرحمن ابن طاهر، فأنزله هنالك بدار اتفق أن يدخل فيها قبل أن تفرش له، وابن طاهر قصد ذلك، ليرى ما يأتي من بديهته هنالك. فكتب إلى ابن طاهر رقعةً قال فيها: بيد أنني نزلت هذا المنزل الجديد بالرحل القديم، نزول السفر، بالبلد القفر، فهو معمور، إلا أنه بور. وما هو إلا أنه محيل قليل السكون والغموض، كثير البراغيث والبعوض، لفقد الستور، ويرضي البراغيث فقد السرير: الطول والعرض، والسماء والأرض، فقد كثر رهطه، وقلت نمارقه وبسطه؛ قراءتي في أكنافه: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى} (طه: 55) .(7/365)
وبلغه عن بعض الشعراء بمرسية أنه هجاه، فبعث إليه رجلاً كان يتصرف له يعرف بابن المقدم فصفعه، فاستعدى عليه ابن طاهر، فكتب إليه المرادي بأبيات منها قوله:
تعرضني كلب بهجو مخذل ... كقيء السكارى أو هراء المبرسم
فأنفذت من وقتي إليه سحائباً ... من الصفع يحدو وفدها ابن المقدم
فحامت عليه كالجراد تساقطت ... من الجو في أنوار روض معمم
وغنى دوي النعل في صحن رأسه ... " ألا عم صباحاً أيها الربع واسلم " وكان بالمرية مؤدب يسمى وليد بن عبد الوارث وينبز بالبقري كان يقول بقدم الحروف، فألف المرادي في ذلك رسالة راداً علي وقصيدة قال فيها:
لا در در سخافة ... شنعاء جاء بها الوليد
كفر تكاد له الجبا ... ل على ثقالتها تميد
قل للرئيس الأحوص ... ني ورأيه أبداً سديد
حمق المؤدب فادعى ... من بينهم ما لا يجيد
مكنتموه من الكلا ... م وجهله أبداً يزيد
وتركتموه مسرحاً ... أين السلاسل والقيود -
أغلا الحديد بأرضكم ... أم ليس يمكنه الحديد(7/366)
وكانت بينه وبين الشيخ أبي محمد عبد العزيز التونسي مناقضة في مسائل من العلم، فسافر المرادي عن أغمات، وكتب عند رحلته إليه بهذه الأبيات:
قل لعبد العزيز يكثر من بعد ... ي ما شاء منه قيلاً وقالا
وتشجع ما غبت عنك فإنا ... قد ضربنا لك الأمثالا
" وإذا ما حلا الجبان بأرض ... طلب الطعن وحده والنزالا " وساير المرادي يحيى بن بانو بسجلماسة. فاتفق أن سقط كاتب له كان يكنى بأبي الأصبغ عن دابته، وقام بأثر جرحٍ في وجههن ثم اتفق أن سقط إثر ذلك أيضاً المرادي وقام دون أثرٍ عليه، فقال أبو الأصبغ: وهذا الفقيه أيضاً سقط؛ فقال المرادي من جملة أبيات:
فشتان بين وقوعي أنا ... وبين وقوع أبي الأصبغ
فذاك سقوط يشج الوجوه ... وهذا سقوط كما ينبغي(7/367)
الأديب أبو الحسن البغدادي المعروف بالفكيك
من جملة هذه الطائفة المذكورة، على الجزيرة، ومع بديهة كانت له قوية، توفي على الروية، استهدم عدة قصائد، لغير واحد، من أهل الشام والعراق، وغيرها من تلك الآفاق، وكان مع ذلك حلو الحوار، مليح التندير، يلهي ويضحك من حضر، ولا يضحك هو إذا ندر، وقيه يقول النحلي:
لو بيع يوماً فكيك ... وبين فكيه دره
ضربت من يشتريه ... بخريةٍ ألف مره وكان الفكيك قصيراً دميماً، ورأيته يوماً قد لبس طاقاً أحمر على بياض، وفي رأسه طرطوراً أخضر، وقد عمم عليه عمةً لازورديتن وهو ينشد بين يدي المعتمد شعراً قال فيه:
وأنت سليمان في ملكه ... وبين يديك أنا الهدهد فأضحك من حضر.(7/368)
وسمعته أيضاً ينشد في جملة قصيدة في المعتمد:
أبا القاسم الملك المعظم قدره ... سواك من الأملاك ليس يعظم
لقد أصبحت حمص بعدلك جنةً ... وقد أبعدت عن ساكنيها جهنم
ولي بحماك الربع عام وأشهر ... أزخرف أعلام الثناء وأرقم
وأنفقت ما أعطيتني ثقةً بما ... أؤمل فالدينار عندي ردهم
وقلبي إلى بغداد يصبو وإنني ... لنشر صباها دائماً أتنسم وكنت يوماً بدار أبي بكر الخولاني المنجم بإشبيلية مع لمة من الأدباء، فأفضى بنا الحديث إلى ما للشعراء من ملح التضمين [127] في المديح والهجاء، فأنشد بعضهم ما حضره من تضمينات الحمدوي في الطليسان وشاة السعيد. وأنشد آخر قول القائل في الحسن بت وهب، وتضمن بيت مهلهل:
وسائلتي عن الحسن بن وهب ... وعما فيه من كرمٍ وخير
فقلت هو المهذب غير أني ... أراه كثير إرخاء الستور
وأكثر ما يغنيه فتاه ... حسين حين يخلو بالسرور
" فلولا الريح أسمع من بحجرٍ ... صليل البيض تقرع بالذكور "(7/369)
وأنشد بعضهم قول الآخر، وضمن بيت النابغة فقال:
يا سائلي عن خالدٍ عهدي به ... رطب العجان وكفه كالجلمد
" كالأقحوان غداة غب سمائه ... جفت أعياله وأسفله ند " فدخل الفكيك ونحن من هذا الحديث المستطرف على طرفي، فقال: أحسن من جميع ما أنشدتم أبيات زعم أنه قالها في البديع يهجوه وهي:
رأيت البديع على أربعٍ ... وقد عاينته عيون البشر
يقول وقد شرعت خلفه ... كماة الفحول رماح الكمر
فلا وأبيك ابنة العامري ... لا بدعي القوم أني أفر " فكان الجماعة لم تحبه لكثرة حمقه، وفجاجة خلقه، ثم حركت الفكيك أريحية العجب لسكوت أهل المجلس عنه هنالك، فكأنه غاظني ذلك، وقلت: لم تأت أنت بشيء، ومن حضر لم يصمت عنك، وإنما أردت أن تحذو حذو كاتب بكر حيث يقول وضمن بعض أبيات لامرئ القيس، فقصرت عنه وهو قوله:
حديث أبي الفضل شيء نكر ... إذا ما تذكرته أقشعر
مررت به وعليه الغلام ... ومن خلفه ذنب مستطر(7/370)
" فلا وأبيك ابنة العامري " ... ما هاب مني ولم يزدجر
فقال وقد قام عنه الغلام ... وماذا عليك بأن تنتظر
فقال أرى رجلاً واقفاً ... فقال هلبت ألا تنتصر
" فلو أن قيساً وأشياعها ... وكندة حولي جميعاً صبر "
لما رمت أو تنقضي حاجتي ... " ولا يدعي القوم أني أفر
فوليت عنه على خجلةٍ ... فثوباً نسيت وثوباً أجر "
وراكبه فوقه مثلما ... " أكب على ساعديه النمر " فلما انتهت إلى آخر هذا الوصف، سكت ولم ينطق بحرف.
ومن شعر الفكيك - على زعمه - قوله من قصيدة أوله:
معاهدهم حلت رباك عهود ... وحلت عقود المزن فيك رعود
وأبكت عيون السحب فيك روائح ... تضاحك أغوار بها ونجود
وحاكت لك الأنواء كل ملاءةٍ ... عليك بها من رقمهن برود
بها نثرت كف الصبا لؤلؤ الندى ... فمنها بأجياد الغصون عقود
وحيا نسيم الود آرام رملةٍ ... وحياً حواه عالج وزرود
فكم من عميدٍ فيه قلب قلبه ... على جمر نار الشوق وهو عميد ومنها:(7/371)
وقفنا بركب الوجد نبكي معالماً ... وكل بخيل بالدموع يجود
وقيد إنسان العيون جمالها ... وكل جمال للعيون قيود
بكى بعدهم حولاً وأوسع عذره ... بما [سنه] في العالمين لبيد
وذرى على ربع العقيق دموعه ... عقيقاً ففيها توأم وفريد
شهدت وما تغني شهادة عاشق ... بأن قتيل الغانيات شهيد ومنها:
إذا قابلوه قبلوا ترب أرضه ... وهم لعلاه ركع وسجود
وقد حازهم نقص وأصبح قدره ... على رغمهم في المأثرات يزيد
سهرت وأحداق النجوم رقود ... وقمت إليها والملوك قعود
وقد هز منك الله للملك صارماً ... تقام بحدي شفرتيه حدود
وربعك مخضر به ينبت الغنى ... ويورق في دوح المكارم عود وله من أخرى:
لأية حالٍ حال عن سنة العدل ... ولم أصغ يوماص في هواه إلى العذل
ولا خطرت ذكرى سلوٍ بخاطري ... ولا طمعت نفسي لما عنه لي يسلي(7/372)
إذا كان لا يرضيك إلا منيتي ... فيا قاتلي من قتلتي أنت في حل
وليل كأن الأنجم الزهر نرجس ... به في رياض فتحتها يد الطل
على زهرات كحل القطر مرهها ... سقتها ثدي المزن علا على نهل
كأن عليل الطل فوق عيونها ... دموع التصابي حرن في الأعين النجل
وكم عطر الروض النسيم كأنه ... نسيم نشيد الملك في الحزن والسهل
يجرد من غمد الندى صارم الحيا ... فتضرب يمناه به عنق البخل
وكم ميسم من وجود يمناه عاجل ... لراجي نوال منه في جهة المطل
تملكت رقي بالعوارف منعماً ... وأغنيتني بالجود عن كل ذي فضل
وأنسيتني أرض العراق ودجلةٍ ... وربعي حتى ما أحن إلى أهلي [128] وكان يرهق في دينه، فأفضت به الحال، في إشبيلية إلى الاعتقال، فمن شعره في المعتمد وهو مسجون:
أيا ابن عباد الملك الذي يده ... من فيضها الرزق بين الخلق مقسوم
أضحى مديحك في درع العلا عطراً ... به تنفس منثور ومنظوم
وكنت أحسد إما كنت أنشده ... فاليوم ها أنا بين الناس مرحوم
فمن رأى شاعراً في السجن مطرحاً ... في ظلمة وهو بالبهتان مظلوم
ناديت حلمك والأقدار حائمة ... كصاحب الحوت نادى وهو مكظوم(7/373)
فاحلل بيمنك ربق الأسر عن عنقي ... فأنت بالفضل والإفضال موسوم ومن أخرى في ذلك:
يا محيياً بنداه ميت آمالي ... ومصلحاً في فساد الدهر أحوالي
إني لأعجب من سجن به أمنت ... نفسي من الخوف في عريس رئبال
ولم أر فيه مثل السيف أغمده ... من انتضاه لأشعاري وأقوالي
أمسي وحولي رجال في الكبول [وهم] ... مقرنون بأصفاد وأغلال
كم قائل لي واثوابي مدنسة ... وقد غدوت مذالاً مثل أذيال
أصرت ترفل في الأسمال قلت لهم ... أسمالي اليوم بين الناس أسمى لي الأديب أبو زكريا يحيى بن الزيتوني من مدينة فاس
أحد من وفد أيضاً على هذا البلد أيام ملوك الأندلس، وله شعر بديع، وتصرف مطبوع. وكان حاضر الجواب، ذكي الشهاب، قال له ابن زيدون أبو الوليد يوماً، وهو بين يدي المعتضد وكأنه استجهله، أو أراد أن يفحمه ويخجله: أفاسي أنت يا أبا زكريا - يوهم أنه يسأله عن بلده(7/374)
وخبأ له فيها شيئاً فهمه يحيى بصفاء خلده، وأجابه سريعاً بفضل توقده، فقال: منسوب - أعزك الله - فأعجب به عباد؛ ولج ابن زيدون فقال: نعم الفتى أبو زكرياء، وفهم ابن الزيتوني تصحيفه، فصدمه بمثله، ورماه بشكله، فقال له - وقبل يده -: عبدك أعزك الله، فخجل أبو الوليد وتشور، واستخف الطرب جميع من حضر.
ومن شعره في المعتضد يستنجزه:
سفينة الوعد في بحر الوفا وقفت ... فامنن بريح من الإنجاز تجريها وله من قصيدة أولها:
فقت الهلال بذا الجمال فواسه ... وجرحت باللحظ الغزال فآسه يقول فيها:
لم أفن دمعاً في سواه ولا جرى ... قلم بغير ثناه في قرطاسه
فلقيت من كلفي به ما لم يكن ... لاقى سحيم من بني حسحاسه
ما البحتري وإن أرق نسيبه ... وأجاد وصف الروض في بطياسه
وأتى بتشبيهات حسن نسيمه ... ونوادر بصفات عين طماسه(7/375)
بأرق من شعري وأحسن موقعاً ... منه اليناقي في حلى أنفاسه طماس كان ابن أخي إبراهيم بن العباس، وكان البحتري يتولع بوصف عوره.
[فصل في ذكر] الأديب أبي بكر بن العطار، اليابسي الدار
ويابسة من الجزائر الشرقية، وهي من الأندلس في سمت دانية، وهو من جملة من لقيته وأنشدني شعره، ولم أحفظ منه عند تحريري هذه النسخة إلا أبياتاً من قصيدة في المعتمد أولها:
بحد عزمك نصلت القنا السلها ... قدماً وأججت في ماء الظبا لهبا يقول فيها في صفة البحر وجواز المعتمد له في وجهته إلى أمير المسلمين وأنشدها يوم أنشده عبد الجليل قصيدته البرمكية المتقدمة الذكر:
كيف اضطربت به قدست من جبل ... لو دكت الأرض من حوليه ما اضطربا(7/376)
وضاق لو استنهضت طرفك أن ... يجتاب طافحه في وثبة وثبا
وكان كالسيف ألقت فوق صفحته ... مدارج [الريح] من تكسيره شطبا
وكان من بعض ما أهدت مكارمه ... سوابق لو تباري بارقاً لكبا
من كل أشوس سامي الطرف منجرد ... قيد الأوابد سباق لما انتدبا
إلى نجائب خوص في حقائبها ... ما شئت من شرف يستنفد الحقبا
يهوي بمتخذ الماذي من درق ... إذا استخف الكماة البيض واليلبا
إذا استطال رماح الخظ فونسه ... سما فأدرك من أطرافها العذبا
فدس [فديت] بخيل الله أندية ... للشرك تصطام الأوثان والصلبا
واجل الظلام بوقاد الفرند كأن ... في صفحته [جمعت] الماء واللهها [129]
يروق مضطرباً ماء الصقال به ... كأنه جدول هبت عليه صبا
ولا ترد حديد الهند ذا وضح ... حتى يرى بنجيع الكفر مختصبا
تفتر من الليالي الغر عن لعس ... تخال إفرنده من فوقه شنبا
ولا تحل يداً من كعب ذابلة ... إلا لتملأها نهداً وقد كعبا ومنها:
فالأرض تقلق من جيش قفلت به ... والجو يعثر فيه من قناً وظبا
جيش إذا ما [قتام] النقع جلله ... كانت سيوفك ناراً والعدا حطبا(7/377)
من كل ملتم والبيض سافرة ... والشمس قد كسيت من قسطل حجبا
جمت مياه وجوه القوم فاتخذوا ... من الحياء على أبشارها نقبا
وليس ينفك من سحب تظلله ... إن لم تكن رهجاً كانت دخان كبا ومنها في صفة الزورق:
يبدو على الموج أحياناً وتضمره ... كالأيم يعتسف الأهضام والكثبا
أمطاك عزمك منه متن سابحة ... خلت الحباب على لباتها لهبا وله من أخرى:
أقسمت بالزرق والهندية الذلق ... والأعوجية والمهرية اللحق
لأنت بدر سماء الملك تحرسه ... شهب الأسنة عن إصغاء مسترق
وأنت يا فتح عن فتح خصصت به ... وعم كلا عموم العارض الغدق
جاء البشير به تذكو ذلاذله ... كأنما المسك مذرور على الطرق
فراق أعيننا [ما] في صحيفته ... كأنه شعر في عارض يقق
والجيش قد جعلت أبطاله مرحاً ... تختال عن خيلاء السبق العتق
هزت نواصيها لما قفلت بها ... قب البطون لما فيها من اللحق(7/378)
هي البحور ولكن في كواثبها ... عند الكريهة منجاة من الغرق
إذا تسعرت الهيجاء أخمدها ... ما في معاطفها من ندوة العرق وله من أخرى:
يا حبذا شهب الذوابل ما اعتلى ... من نور وجهك فوقها لألاء
والبيض سافرة الوجوه كأنما ... لخدودهن من اللقاء حياء
تشدو بهام المشركين فيعتري ... أذن الهدى لغنائها إصغاء
والجيش مضطرب البنود كأنه ... تحت العواصف لجة خضراء
ثابرت في طلب العدو مغاوراً ... حتى اشتكى التأويب والإسراء
فصدرت والإسلام فوق جبينه ... وضح تضاءل عن سناه ذكاء
والكفر منحطم الفقار بعنقه ... خضع وفي أجفانه إغضاء
فتسنموا قلل الجبال وعنده ... أن البسائط والجبال سواء
هيهات يعجزه العدو لو أنه ... فوق اليفاع فريدة عصماء
وإذا أقام على الرضى في بلدةٍ ... رب البنات بها وماج الماء(7/379)
فصل في ذكر [ابن القابلة السبتي]
وأنشدت لعبد الله بن القابلة السبتي:
الشيب في مفرقي حلا ... وعقد عهد الملاح حلا
وكان كالآبنوس رأسي ... فاحتله عاجه فحلى
وحرمت وصلي الغواني ... وقلن قتل العميد حلا وكان ابن القابلة هذا يوماً مع ابن عبادة بالمرية، فنظر إلى غلام وسيم شدي البياض يسبح بالبحر، وقد تعلق بأحد المراكب، وبقي نصف جسده بالماء، فقال له ابن عبادة:
انظر إلى البدر الذي لا لك ... فقال ابن القابلة:(7/380)
في وسط اللجة يجلو الحلك ...
قد جعل الماء مكان السما ... واتخذ الفلك مكان الفَلَك وأنشدت له:
ووجه محب رق حسناً أديمه ... يرى الصب فيه وجهه حين ينظر
تعرض [لي] عند اللقاء به رشاً ... تكاد الحميا من محياه تعصر
ولم يتعرض كي أراه وإنما ... أراد يريني أن وجهي أصفر وأنشدت له يصف القتلى:
تركتهم نهب الفلاة ووحشها ... شعورهم شعث وأوجههم غبر
تظل سباع الطير عاكفة بهم ... على جثث قد سل أنفسها الذعر
وقد عوضتهم من قبور حواصلاً ... فيا من رأى ميتاً يطير به قبر وهذا كقول التهامي:(7/381)
حمتهم قبور من ذياب وأنسر ... تروح باشلاء الدفين وتغتدي
فمن حامل فوق البسيطة ملحداً ... وآخر يهوي في السماء بملحد قال ابن بسام: إلى هذا المكان انتهى ما انتخبته من أشعار هذه الفرقة الوافدة من المشرق، على بلاد هذا الأفق، ونتلوه إن شاء الله بأخبار من وعدنا أن نأتي بذكره من أعيان أهل الآداب، وأعلام الشعراء والكتاب، ممن كان [130] بالمشرق ومعاصراً لطبقة هذا الكتاب، وقد قدمت السبب في اجتلاب أخبارهم، وانتخاب أشعارهم.....(7/382)
ملحق القسم الثاني (قراءات النسختين ك ل)
11: - 8 هي كانت قاعدة (ك)
11: - 15 - 16 لأولي العقول وذوي العلوم (ك)
13: - 3 ولا مشيراً إليه (ك ل)
18: - 18 إلا وبه شيء راتب (ك)
20: - 6 فهتكت أستارها وخربت ديارها (ك)
20: - 9 - 10 هذه الغزاة ... وتجاوز البلاء برعيته (ك)
21: - 8 واستخرجوا بذلك ما ادخروه (ك)
21: - 13 فلا يقاتل الأعداء (ك)
32: - 8 فمن ذلك قوله وذكر فتح رندة (ك)
39: - 5 بأي شيء صنع (ك)
40: - 1 لم تجره الوفادة (ك)(7/383)
42 - 1 لا يجد إلا رائثا (ك)
48: - زاد في (ك) بعد السطر:
فالنفس جازعة والعين داعية ... والصوت منخفض والطرف منكسر وبعد السطر العاشر:
قوم نصيحتهم غش وحبهم ... بغض ونفعهم أن صرفوا ضرر
يميز البغض في الألفاظ إن نطقوا ... ويعرف الحقد في الألحاظ إن نظروا (وانظر ديوان المعتمد: 38)
56: - 9 وحذراً من حضور الوفاة (ك)
58: - 4 قبل القبر ومرغ جبينه (ك)
59: - 12 رواهما الرواة على روي اللام (ك)
68: - 1 وعند ذلك أيضاً قال (ك)
68: - 8 ما أعجب الحادث (ك)
80: - زاد في (ك) بعد السطر: 12
يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ... في ضمّ رحلك واجمع فضلة الزاد
ويا مؤمل واديهم ليسكنه ... خف القطين وجف الزرع بالواد
وأنت يا فارس الخيل التي جعلت ... تختال في عدد منهم وأعداد(7/384)
لما دنا الوقت لم تخلف له عدة ... وكل شيء لميقات وميعاد 81: 3 والنوح يتبعها (ك)
81: - 15 عبد الله بن أبي سعيد (ك)
86: - 8 وصحت منابته في الكرم (ك)
92: - 8 ومن كلام المحدثين مما أجروه فجرى (ك)
96: - 5 من تأويل الدواواين (ل)
107: - 9 تقول في كل معنى (ك ل)
109: - 3 غربت ألبابنا (ك ل)
111: - 3 وقال أبو عامر (سقطت لفظة الوزير في ك ل)
113: - 3 وذوي الرياسة والفهم (ك)
125: - 8 وقد أخرجت من نظمه ونثره ما يشهد بنبله وفهمه (ل)
127: - 5 - 6 وقد اقتضبت من الرسالتين بعض الفصول (ك)
128: - 2 فإن لكل واحد منها (ل)
130: - 12 وقوام أمرها به (ل)
130: - 15 ولما أن قرأته (ك ل)
138: - 18 فليس يرغب في الحرام (ل)
142: - 3 بالله من شيطانك استعذ (ل)
150: - 10 كما تجاوب أطيار بأشجار (ك ل)
151: - 3 عاطني أكؤس المدام (ل)
151: - 6 وأختار ذيبا (ل)
151: 12 سهل للناس هذا السبيل (ل)(7/385)
152 - 11 وما يتشبث بهذه الأسباب (ك ل)
155: - 9 يخرج بي عن المقصود (ك)
165: - 11 خدّ جرى للنعيم فيه (ك)
171: - 11 إلى البدر صاحبي (ك)
177: - 9 فتعطيني العطاء المضاعفا (ك)
178: - 15 يخر وجلباب الدجى يتمزق (ل)
183: - 17 كل مرأى ومسمع (ك)
193: - 17 بمرأى عينك نفس أريب (ك ل)
194: - 4 أو كانت للمجد روضة (ل)
200: - 9 وإماماً في سائر التعاليم محفوداً (ك ل؛ قلت: والمحفود: المعظم الذي يخدمه إخوانه)
201: - 5 ويصف الشعر (ل؛ قلت: أقرا: الشقر وهو شقائق النعمان أيضاً)
207: - 15 وقد يحرم الرامي المصيب فريصة (ك ل)
209: - 14 أبي الأصبغ بن سيد (ك ل)
214: - 5 صنعة ثوبها (ك)
220: - 13 والكريم إلى سكنه (ل)
227: - 9 وهي أن أكبر بناته (ل)
227: - 10 تسد به بعض خلتها (ك ل)
229: - 15 ما وجدت من شعر (ل)
234: - 12 - 13 وتخلى للمعتضد عن أونبة (ل)
234: 18 جلالاً وخلالاً (ل)(7/386)
242 - 7 وقد علم ما كنا عليه قبل (ل)
243: - 4 قد تحصنوا بالحلق (ل)
253: - 15 ويستبيح الذمار (ك ل)
259: - 3 تحتفل وتحتشد (ك ل)
275: - 5 - 6 الغوي المجيء والمذهب (ك ل)
277: - 3 وتقاصر من غلوه (ك ل)
283: - 9 ورد كتابك منبثاً (ل)
286: - 5 من يرتسم بهذا الشأن (ل)
287: - 14 ولا طفت ولا سعيت (ك)
287: - 16يا رسول الله حرمة عياذي بك (ل)
291: - 4 أسباب الحياة والحبا (ك ل)
292: - 5 عليك ظليل (ل)
298: - 5 ولا نجم (ل)
298: - 8 ووصل من مقطوع أنسابها (ل)
298: - 10 - 11 يوم تقطع الأنساب والأسباب (ل)
305: - 2 ولا انسحبت عليه للزمن (ل)
305: - 12 ومطالع علمك (ل)
310: - 11 ما خصصته به (ل)
310: - 13 الدمث الخليقة (ل)
311: - 13 وكريم الاعتداد (ل)
315: - 17 - 18 الحسيب الأريب أخيك (ل)
316: 1 وللآمال في تراخي مدته (ل)(7/387)
316 - 10 والله يعوضك منه العزاء (ك)
328: - 15 لا شيء أعرف من عقل (ل)
329: - 8 وقد خطبت وخطبت (ل)
330: - 9 ومددت إلى اجتلاء السرور عيني (ل)
337: - 14 - 15 وأرب قصي عن فأبرمه (ل)
339: - 7 وحوم به جناح (ل)
340: - 12 - 13 لا يسمن ولا يغني (ل)
342: - 11 لن تجدوا في غيري مرشفا (ل)
344: - 11 ونجباء الأولاد (ل)
352: - 1 قاس من الأيك أو رطيب (ل)
352: - 12 - 13 ولا أخفض من الجهارة (ك ل)
353: - 6 وتستدر جلموداً (ل)
356: - 9 ولا شره المكتسب (ل)
359: - 1 وفي فصل منها (ك)
361: - 8 أنا من فرط بري (ك ل)
366: - 14 ولو شكت له نبو المنزل (ل)
367: - 4 ويحوز المعنى الأتم (ك)
369: - 13 رغبة بنفسه عن نحلة (ل)
382: - 2 نسخ الغدر اقتضاء وفائه (ك)
388: - 1 ما وجدته من شعره (ك)
404: - 1 عند وقع المصائب (ك)
414: 7 تدعى بشميس مصغرة (ل)(7/388)
414 - زاد في (ك) بعد سطر: 11 أبياتاً في هجاء ابن عمار للمعتمد، ولا ريب في أنها دخيلة على الأصل، لأنها من فاحش الهجاء الذي يتحاشاه ابن بسام، وهو قد قال: " وبعده ما أضربت عنه "
415: - 2 بنظر إشبيلية (ل)
425: - 4 ونأى لأبصار العداة (ك)
426: - 4 قل لبرق الغمام ظهر البريد (ك)
430: - 1 على ابن عمار الخائن (ك)
432: - 6 من كان تقدم فيه إليه (ك ل)
440: - 12 ولا أمتري في أنها (ك) ... ومن أبلغ حججهم (ك ل)
441: - 4 - 5 يتعايرون به اشد منه (ل)
447: - 3 بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه ... البيت (ك ل)
448: - 9 ابن ذريح (ك)
449: - 2 - 3 ذفن بمقبرة الروم (ل)
450: - 13 يداعب ابن جهور (ل)
450: - 15 الشهود لما تدعي (ل)
451: - 1 فجئنا ابن جهور (ل)
454: - 3 أم حمت الخطوب الموردا (ل)
462: - 1 ولم أسمع بهذا البيت (ل)
472: - 10 فجلس المعتمد يوماً على تلك البحيرة (ل)
477: - 5 - 6 وسآخذ فيما بعد بطرف (ل)
481: 12 في حساها الغبي والألمعي (ك ل)(7/389)
487 - 3 أبو الحسين بن الجد (ك)
491: - 12 خافق وجل (ك)
494: - 7 من أهل بلدنا وعصرنا (ل)
494: - 14 يؤتى الأمن من حيث يبتغى (ل)
496: - 3 من نعت الأصاحيب (ك ل)
496: - 7 بوجوه اللوم مخضوب (ل)
499: - 6 أشكو لديك الندى (ل)
501: - 13 في سلطانها النكد (ل)
507: - 1 وقال أبو محمد الأيادي (ل)
510: - 5 بطشة تنسي الأعادي (ل)
511: - زاد في ل بعد البيت الثالث:
وأعتبني الزمان فصرت أردى ... بما أحيا سقاماً واعتلالا 513: 10 ومن عجائبه قول جنوب (ل)
516: - 12 تأوي له وتثوب (ل)
517: - 2 زمان ممهى الصفحتين ضروب (ل)
519: - 7 ترقرق عنها الملك (ل)
520: - 3 - 4 في صفحة شمعة (ل)
520: - 12 بالقصر المبارك (ل)
534: - 7 ولم نظلم (ل)
537: - 13 صديقنا الفاضل أبي الحسن (ل)
539: 1 شغفت بها (ل)(7/390)
539 - 3 وإلا زياد يحوك الخطب (ل؛ قلت: وهذه قراءة جيدة)
542: - 4 فتبقى سمحة القياد (ل)
542: - 13 لكن أخبرك عن حال (ل)
545: - 6 المستعين بن هود أعزه الله (ل)
549: - 7 خدك أزهر (ل)
551: - 7 فصعد وتولى (ل)
552: - 7 ويزيد على الأيام (ل)
552: - 11 عند الملك الطاهر (ل)
553: - 1 - 2 من يمر به النسيم (ل)
553: - 5 أملها فأم لها، وقدم رجاءها (ل)
555: - 14 أو يدور بنا عليك مدارا (ل)
555: - 16 وتأتي فعلا وأشرق حسناً (ل)
559: - 3 حين خططت هذه الحروف (ل)
559: - 7 وختمتها بهذه الأبيات (ل)
564: - 2 له من قصيد أوله (ل)
565: - 9 ونازعتهم حتى فللت (ل)
569: - 14 يتيح الجنى (ل)
576: - 11 كل فعل يقصر (ل)
577: - 1 بفصول الإنعام والإجلال (ك)
577: - 6 بهذه العين أبصرت (ل)
577: - 10 - 11 لما يجعل المعذر في حيز الاعتذار (ل)(7/391)
580 - 1 ومن النثر أبرعه (ك)
581: - 5 - 6 المنبت الذي يليه منتحاه (ك)
583: - 8 فأحاله هذا لجيناً (ل)
585: - 6 قد عظم الله شأنه (ل)
587: - 1 إعطاء سائل (ك)
593: - 7 ابق للعليا تشيد (ل)
597: - 15 مذ حيل منك بأذني (ك؛ قلت: اقرأ: مذ حل)
601: - 2 كم قلت فيه (ل)
604: - 1 ولقد أباح لك الهوى (ل)
605: - 4 فصكت ضلوعي ... صكة (ل)
619: - 17 ما في الليل من دون (ك)
621: - 3 إما من الجبن أو من شدة الفشل (ك)
621: - 14 ويصرع أقراناً (ك)
624: - 14 بعض أهل عصري (ل)
626: - 8 للين لباس (ل)
627: - 13 يشق علينا ترك مدحك (ك)
633: - 13 برح الهوى (ل)
637: - 5 وهينم بأسمائهم السلطان هنية (ك ل)
638: - 7 أنظره وهو في السما ينظر (ل)
639: - 8 - 10 والأعيان الأدباء.... في الدولة المؤرخة ... المحيط الرومي والأندلس (ل)
640: 9 - 10 خمسين مجلداً (ك ل)(7/392)
641 - 7 في جملة ما سرد (ل)
641: - 8 بذلك الأوان (ك ل)
641: - 16 ابن شرف القروي (ل)
643: - 13 كتب بهذا القصيد (ل)
644: - 8 لأنه أنبأ أنه يسهره (ل)
644: - 10 إلا مع وفور النوم (ل)
646: - 11 فشمرت عن ساق (ك)
648: - 7 على قديم الزمان (ل)
649: - 13 لا على المتصل عنك الآن (ك ل)
650: - 7 - 8 لدهي في جبلته (ك)
650: - 10 وثغره مثغوراً (ل)
652: - 6 وفرد العصر (ل)
653: - 4 وأخذ بأعنان السماء (ك ل)
655: - 5 وهي من الجزيرة (ل)
656: - 4 رحمه الله يومئذ مشغول (ل)
656: - 10 حسبما تخلص الخبر عنها (ل)
661: - 12 والأجل يتقحمه (ك)
662: - 2 أسطولا ضخماً (ل)
663: - 11 ليلة الجمعة [ ... ] من صفر المؤرخ (ل)
663: - 12 في نفر من أصحابه (ك)
663: - 16 من رؤوس جماعته (ل)
669: 3 يبري ظبة السيف (ك)(7/393)
669 - 9 وهو اليوم يابرة (ل)
670: - 8 والأفواه ريا (ل)
671: - 7 رحمي النسب والأدب (ل)
672: - 5 - 6 وأبهى لفظها ومعناها (ل)
673: - 1 - 2 إن كان للكلام إمارة (ل)
673: - 14 ما يربي على الديمة (ل)
676: - 8 - 9 اقرأك وأغوص رياها على الأفراح
676: - 10لقد حيا نفوسنا بها (ل)
676: - 14 وأبقى من أرواحها (بعد " أروحاها " لفظة في ل لم استطع قراءتها)
676: - 15 في وجوه مائها (بعدها لفظة غير واضحة في ل)
677: - 5 فأعدي، وأشتكى من الفقر فأشكي، والممحل: أنس من السقيا ببعثة الحيا فقال: يا رباه فرحاً بسقياه (ل)
677: - 9 ما حسانت البقيع المزهر بحرة (ل)
677: - 11 مشكورة أياديه (ل)
678: - 2 المصلي بالسابق، وتطلق الضحى الشارق (ل)
378: - 17 وتجهز كتائبك إلى عديد قليل، وبديد فليل (ل)
679: - 4 وما حسبتها إلا تميمة (ل؛ وكذلك س: 16)
679: - 7 ونظمي في ضنك معانيها (ل)
680: - 4 فصل من ترسيل (ل)
681: 2 إذ الصبابة أزكى عتاد (ل)(7/394)
681 - 7 عن كل طبع (ل)
682: - 12 من اجتبائه بأبر قسم (ل)
682: - 17 تفرد بالخلافة (ل)
682: - 19 تلك الشمائل الواعدة الصادقة (ل)
685: - 8 [ورحمت] في الأدنا (اقرأ: الأدباء) (ل)
686: - 5 برز العوالي (ل؛ قلت: والرز: الصوت)
687: - 3 وأن يسلم فقد تركت به (ل)
688: - 1 حباً عليها جآجيا (ك ل؛ جمع جؤجؤ)
690: - 6 على استنجاز طبعي (ل)
695: - 13 راعوا قديم ولائي ... وما أطرت (ل)
696: - 12 مثل التاء في الترخيم (ك)
705: - 10 فلم تبق فيها (ل)
710: - 12 بما خلف الدروع (ك)
712: - 3 بقرية لب على وادي آنه (ل)
713: - 14 إلا أن قول أبي محمد أولى بالتقدم منه قول بشر (ل)
721: - 3 والبيض والسمر مثل.... (ك)
723: - 3 وانتدبت لجعفر وابنه (ل)
723: - 9 سحقاً ليومكم سحقاً (ل)
723: - 13 ويح السماح وويح الناس (ل)
724: - 5 وردها يدعو إلى صدر (ل)
724: - 6 سلام منتصب للأجر (ل)
724: 7 شتى وذو عبر (ل)(7/395)
724 - 8 التطيلي فيقصيدة يرثي بها السيناقي وقتل غيلة فقال (ل)
725: - 2 فأعقب عنها آخر الدهر (ل)
729: - 13 وانثالت في يدك (ل)
729: - 14 وإن لم يكن فشبع وري (ل)
730: - 8 الذي شرف قدره على الأقدار (ل)
731: - 3 إن عنى سواي وعرها (ل)
731: - 19 ولترى أين أقع وتأمر بما أصنع (ل)
731: - 20 يبسط نفسى (ل)
735: - 8 يا قلب ذب كمداً (المورد)
736: - 8 تأملتني أم المجد (ل والمورد)
736: - 16 سيعديها فيعطفها (المورد)
736: - 21 خير من الهجر في جهد (المورد)
737: - 7إن كنت لست بذي نقص (اقرأ: بغض كما في المورد) (ل)
737: - 8 إلا فت في عضدي (المورد)
737: - 13 من خبل ومن كمد (ل)
737: - 15نفثت بالسحر في عقد (ل)
738: - 14 منه الأسى في السهل والجلد (ل والمورد)(7/396)
738 - 19 ووجه الدهر أسحم مظلم (المورد)
739: - 2 كأنهن العندم (المورد)
739: - 5 تتبينوا ألا أطيق فترحموا (ل والمورد)
739: - 7 وتظلمون بجهدكم (ل والمورد)
743: - 5 اقرأ: فآبت بدمعي ... وأبت بما في مقلتيها
743: - 9 بدت رقة الشكوى على عصفاته (ل)
747: - 7 بالبرس يثبت بين القوس (ل)
749: - 8 ليس شعري بمنقص (ل)
750: - 3 مكذوبي النهى والتجارب (ل)
750: - 19 وعدي له الأيام إلا نواهب (ل)
754: - 6 خاطب بها الوزير الفقيه أبا الحسين (-) (ل)
755: - 14 بعض الريش إلى جناحي (ك)
755: - 17 وأقرئك من أثناء تلك الدولة (ل)
756: - 7 ولا أفر إلا لنعمائك (ل)
756: - 10 والله تعالى يبقيك لي ويمليك (ل)
756: - 12 ومؤديه ناصح مملوكك (ل)
757: - 11 من علامات الكرام أنه شبيه (ل)
759: - 3 قال الله تعالى فيه (ل)
759: - 5 وجدته أمراً من الزيادة (ل)
759: - 11 من النسر الأشغى (ل)
760: - 7 له بين وردك وياسمينك (ل)
760: 7 - 8 وتنسى على منابر أدواحك (ل)(7/397)
762 - 5 أولى الأمة بذلك نوح (ل)
765: - 7 وهو الوسع المحمود (ل)
765: - 10 بأبيات قال فيها (ل)
771: - 9 موشومة، إذا ما تأملتها كالسفن (ل)
773: - 1 ولم سترك من بعضها (ل)
773: - 10 ثم انبسط أبو بكر (ل)
776: - 9 وتعاور أطوارها وتناوبها (ل)
777: - 5 إلى هذا النسب الكريم (ل)
778: - 9 فابدءوه بالتحية (ل)
778: - 10 والغريب مثل المنكوب (ل)
778: - 15 وعلى الطائر أن يغشى أخاه ويراجع (ل)
779: - 1 على أني إنما أتكبر (ل)
779: - 2 - 3 ويشرع في وداد (ك ل) ويكشف ... عن أصل هذا التهاجر (ل)
779: - 6 فذكر بصفاتك (ل)
779: - رواية (ل) في ترتيب الأبيات هي الصحيحة وهي كما يلي:
أبا أيوب والأيام لا تبقى على حال [وإن المرء منها بين إدبار وإقبال] لئن رحت رخي البال ذا جاه وذا مال ومركوب وغاشية وأكمام وأذيال جميع الشمل ملقى الرحل بين الأهل والآل(7/398)
وأصبحت مقلاً رهن إقلال وإذلال فإنك حد ... (الأبيات)
783: - 8 كسبيل ما وردني الآن به كتابك (ل)
783: - 14 خان بعض الثقات (ل)
790: - 12 منع الجواز إليها (ل)
792: - 15 رفعت راياته (ل)
794: - 9 فلم يتزن (ل)
795: - بعد السطر السادس ورد في (ل) : وقال آخر: والثريا في الجو كالعنقود
796: - 7 رهينة بانصداع الشمل (ل)
797: - 2 ممن نظم الدر المفصل وطبق المفصل (ل)
800: - 9 على الله الثناء (ل)
800: - 15 وللبروق مجامر (ل)
805: - 2 لم يبق للظلم في أيامكم (ل)
805: - 4 تأمن وتكف (ل)
807: - 5 وأنهم في قولهم كاذبون (ل)
807: - 8 قل لي أبا مروان (ل)
807: - 12 إليه واستبسل عساه يلين (ل)
809: - 4 دراهم ملوك أفقنا (ك ل)
810: - 8 ما ورد (ك: بماء ورد) كان بين يديه (ل)
815: - 8 من وثاقه وأذن الله بانطلاقه وله في ذلك قصيدة (ل)
816: 12 يقول فيها (ل)(7/399)
824 - بعد البيت الرابع (س: 4) في ل ورد البيت:
أدامت حمامات على فقد إلفها ... وينكر أقوام علي دوامي 827: 8 ليت الزمان من العثار يقال (ل)
830: - 9 على جيد ما جد (ل)
832: - 8 ومما راعني لم أصدق (ل)
834: - 4 مما انتحاه (ل)
835: - 2 أوحش حلولاً من الليل (ل)
836: - 8 وفي مثل ذلك يقول (ل)
837: - 2 أعندك أن البدر بات (ل)
839: - 13 لم أدر (ك) ما جد الهوى (ل)
842: - 12 ووسطى في نظام المكرمات (ك)
843: - 12 حتى حسبنا أديم الماء (ل)
846: - 6 في غير ما موضع (ل)
847: - 10 يسير بالعدل والأحكام (ل)
849: - 2 وله من أخرى (ل)
849: - 3 من سروهم شبه الأحجال
850: - في (ل) بعد السطر السابع:
أنا يا ابن حمدين وتلك مقالة ... برئت شهادتها من التجريح(7/400)
ترجمة صاعد في جذوة المقتبس: 233 (بغية الملتمس رقم: 8532) والصلة: 232 وأنباء الرواة 2:85 ومعجم الأدباء 11: والمعجب 75 والوفيات 2: 488 وشذرات الذهب 3: 206 ونفح الطيب 3: 77 (وصفحات أخرى متفرقة) وروضات الجنات: 33 وبغية الوعاة: 267 وللمسشترق بلاشير بحث عنه في مجلة Hesperis العدد العاشر 1930 ص:28.
نقل المقرئ بعض من هذا في النفح 3: 95.
كتابه الفصوص فيما ذكره أبن حيان يحتوي على أداب وأشعار وأخبار (وباقرومين نسخة جيدة منه) ، وقد قرأه ابن حيان على مؤلفه في داره سنة 399 (بدأ صاعد بتأليفه سنة 385 في ربيع الأول وأكمله في شهر رمضان من العام نفسه) وعن ابن حيان اتصلت رواياته بابن خير (فهرسة ابن خير:316) .
كان مجاهد صاحب دانية والجزائر وخير أن صاحب الرية (بعيد الفتنة حتى سنة 419) وقد كانت تدور بين هذين الفتيين العامرين حروب أعرض عن ذكرها صاحب البيان المغرب (3: 166) وأنظر أعمال الأعلام: 212.
الخنزواني: الصلف المتكبر.
كذا هو بالغين المعجمة في الأصل، والأرجح انه " الحزور " أو " الهزور " - بالعين المهملة - فهاتان الصورتان تردان في الأعلام.
هذه هي لغة من يقول: " يا ليت عيناها لها وفاها ".
نحيرة الرجل (بالراء المهملة) : طبيعته.
المشهور مزبد المدني أبو إسحاق صاحب النوادر الحارة (انظر الفوات 4: 131 وله نوادر كثيرة في كتب الأدب كالبيان والحيوان والبصائر ومحاضرات الراغب)
الهانئ: الذي يطلي الجمال بالقطران.
ص: يروق.
ديوان أبي تمام 1: 142.
التمثيل والمحاضرة: 224.
ديوان المتنبي: 547.
ديوان أبي تمام 4: 532.
النفح 3: 77 وفيه بعض إيجاز.
أبو بكر الزبيدي اللغوي المشهور صاحب طبقات النحويين ولحن العامة والاستدراك على العين وغيرها، والعاصمي هو محمد بن عاصم النحوي القرطبي (الجذوة: 74 والصلة: 453) وأب العريف هو أبو القاسم الحسين بن الوليد (الجذوة: 128) .
التسفير - عند الأندلسيين والمغاربة - تجليد الكتب.
ص: النكت؛ وأثبت ما في النفح.
النفح: وأبيك.
أنظر أيضا أبن خلكان 2: 489 والمسلك السهل: 253.
ابن خلكان: عنصره إنما يخرج من.
الخبر في جذوة المقتبس: 182 - 183 ونفح الطيب 3: 79 وبدائع البدائه: 229.
بدائع: مشرقي.
كذا في ص، ولعلها " ووضع " كما في النفح.
ص: راجف.
ص: تقذف.
النفح: المهاتف.
بدائع: تصرف في الكفين منها.
النفح: الوصائف.
بدائع: طلبت.
قد كر الحديث عن بني الطيني في القسم الأول من الذخيرة: 535 وأما أبن التياني فقد يكون هو تمام بن غالب أبو غالب المرسي اللغوي (الجذوة: 172 وأعاد الحميدي ذكر أبن التياني: 380)
الدأماء: البحر، والقري مجرى الماء في الحوض.
ديوان المتنبي: 334.
الديوان: عاينت.
النفح 3: 95 والبيان المغرب 3: 19 والشريشي 1: 121.
النفح: أغصان.
النفح 3: 97 والشريشي 1: 121.
الشريشي 3: 43.
الشريسي 3: 43.
النفح 3: 97 والشريسي 5: 278.
المصدر السابق.
ص: جذال الشرى.
ص: فكأنه.
ص: نعمت.
صغت: مالت؛ ص: صفت.
أسابي الدماء: طرائقها؛ والعتيرة: أول ما ينتج، كانت تقدم قربانا لأصنامهم.
التتايع: التمادي في الجاجة.
ديوان المتنبي: 338.
ص: أنحط.
ديوان المتنبي: 114، وعجز البيت: " إذ حيث أنت من الظلام ضياء ".
نفح الطيب 3: 96 وبدائع البدائة: 302.
اليتيمة 4: 420.
اليتيمة 1: 270.
القصة في أنباء الرواة2: 86 بإيجاز.
ص: فيه.
أنباء الرواة: 2: 87.
نفح الطيب 3: 260 وبدائع البدائة: 354.
هو الوزير عبد الملك بن أحمد بن عبد الملك أبن شهيد والد الشاعر أبي عامر واحد شيوخ الوزراء في الدولة العامرية (الجذوة: 261) .
ص: به؛ والضمير عائد إلى " الشمول " يريد أدع من سمي بهذا الاسم، وهو مغن أسمه " شمول " كما يتضح من البيت التالي.
الفح: دع.
أرملاط: (Guadimellto) ، يتردد ذكرها في عدة مواطن من البيان المغرب؛ ولم يذكر دير عمى عند ياقوت والبكري والشابشتي والروض المعطار. وذكر ياقوت دير عمان (ومعناه دير الجماعة) بنواحي حلب، والتسمية مشبهة أيضا لدير عمى، فإن كان في الاسم تحريف فلعله " دير قى " وطيزناباذ: منزلة للهو بين الكوفة والقادسية يتردد ذكرها في شعر أبي نواس مع قطربل وكلواذى.
التزافن: الرقص.
النفح 3: 261 وبدائع البدائة: 355 واسم الوزير الذي أنهض أبن شهيد: " أبو عبد الله بن عباس " وأنظر القسم الأول:210.
ص: له.
النفح والبدائع: منفرد.
ص: أمرضه.
النفح والبدائع: قام للسكر.
النفح: بالفكيك.
الحلة1: 276 والنفح 1: 400، 585 والبيان المغرب 2: 300 وتحفة العروس: 84 (عن الذخيرة) .
النفح: ترجي.
النفح: فاجتهد وابتدر.
الحلة: خفي الليل عن بياض النهار.
هكذا في الأصل والمصادر، وقد تكون قراءته " الصوار " وهو وعاء المسك، كما قدر ذلك محققو الطبعة المصرية.
النفح: وصرنا على دفاع وحرب؛ ونعمنا في ظلم أنعم ليل.
ديوان المجنون: 130 ويرد البيتان في قصيدة أبي الصخر الهذلي (الأمالي 1: 148) وورد الثاني وحده لأبي صخر في شعر الهذلين 2: 957.
ص: أوراقها
هو القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي، وأنظر عن شهرته في الشعر والغناء زهر الآداب: 1067 والأغاني 8: 246 والحكاية قيه ص: بالمعنى دون اللفظ.
ص: أبو عامر؛ أبو عمر الزاهد هو محمد بن عبد الواحد اللغوي غلام ثعلب (- 345) وكان جماعة يكذبونه في اكثر رواياته، وكان الطلبة يسألونه أسئلة مصنوعة ملفقة كتلك التي أمتحن بها صاعد (نظر أنباء الرواة 3: 171 - 177 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى)
القصة في الجذوة: 224 والنفح 3: 98.
الجذوة والنفح: مبرمان.
ص: والتربيل.
ص: زراعها.
زاد في الجذوة: هكذا، هكذا.
نفح الطيب 3: 81.
الجذوة: 225 والنفح 3: 82.
الجذوة 3: 225.
نفح الطيب 3: 82.
الجذوة: 266 والنفح 3: 82 والبيات أيضا في أنباء الرواة 2: 88 والمعجب: 82 والريحان والريعان 1: 154ب.
المعجب والجذوة: نشلت بضبعه وغرسته في نعمه.
الجذوة: ربيع الأخر.
نفح الطيب3: 59 والمغرب 1: 322.
النفح: وقعة.
متابع للعمدة 1: 189.
أنظر إلى جانب العمدة: طبقات ابن سلام: 400 والنقائض: 384.
ابن سلام: حتفها.
هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي، ضرب خالد بن جعفر بن كلاب فلم تؤثر فيه الضربة.
النقائض: 383 وأبن سلام: 402.
العمدة 1: 192 وانظر اخبار أبي تمام: 230 - 232.
ص: المأمون.
العمدة 1: 193 وديوان أبن الرومي: 567 وبدائع البدائة: 567 وبدائع البدائة: 9 والشريشي 1: 122
العمدة: 193 وبدائع البدائة: 9.
لايزال متابعا للعمدة 1:
الكامل 1: 199.
هي المفضلية رقم: 30 وأنظر النقائض 1: والبيت الذي أورده ليس مطلعا لها.
مع أن الإشارة إلى الخبر والأبيات قد وردت في العمدة 1: 194 - 195 إلا أ، المؤلف هنا يتابع زهر الآداب: 874.
زهر الآداب: وما جزعي من أن أموت.
زهر الآداب: سالمين.
العمدة 1: 195 وديوان علي بن الجهم: 171 (وفيه تخريج المصادر)
نقله المقري في النفخ 3: 245،ابن ظافر في بدائع البدائة: 304 وأنظر ديوان ابن شهيد: 127. والشريشي 4: 170.
النفح والبدائع: والغرب من دونهما كليل.
في البدائع وأصول النفح: فالشد في أمره فسيح.
البدائع والنفح: زانة.
بدائع البدائة: تعرض من دونه النصول.
بدائع البدائة: 304 ونفح الطيب 3: 246 وديوان أبن شهيد: 140.
ص: الطرائقيين؛ البدائع: الطوافين.
اللفظة غير معجمة في ص؛ وقد وردت كما أثبته في البدائع والنفح.
بدائع: 203 والنفح 3: 244 وديوان ابن شهيد: 127.
ص: وصفه.
ص: دراتها، وأثبت ما في البدائع والنفح.
البدائع والنفح: شبهتها: ص: بتقبها..
ص والبدائع: حاز.
البدائع: حسب.
المشهور بهذا الاسم سعدان بن معاوية الفرطبي (- 327) وقد رحل حاجا فوافق دخوله مكة، فتيان القرامطة (سنة 318) فأصيب بضربة شقت خده وعينه (ابن الفرضي) ولا يمكن أن يكون هو المقصود هنا لأن مؤمن بن سعيد توفي سنة 267 إلا ان يكون الشعر قد نسب لمؤمن خطأ.
مؤمن بن سعيد (- 267) ترجمته في الجذوة: 330 والمغرب 1: 123 واليتيمة 1: 371 وأنظر مزيدا من المصادر في دراسة كتبتها عنه (تاريخ الأدب الأندلسي - عصر سيادة قرطبة: 170 ط / 1973) .
وردت القصة والبيات في الذخيرة (القسم الثاني: 389) وبدائع البدائة: 369 - 370 ونفح الطيب 3: 325 - 326.
البدائع والنفح والذخيرة: اللمى.
البدائع: جرد: النفح: أسد.
التفايا من بسائط الأطعمة عند الأندلسيين، وهي أنواع مها التفايا البيضاء وتحضر من لحم الضأن الفتي في قطع صغار ويضاف إليها ملح وفلفل وكزبرة يابسة وقليل من ماء بصلة مدقوقة ومغرفة من الزيت العذب - ويجعل فيها بندق ولوز مقشر مقسوم، فإذا أردتها خضراء أضفت إليها ماء الكزبرة الرطبة (أنظر كتاب الطبيخ 85 - 88، 118 - 199) .
أنظر نفح الطيب 3: 397، 609 (وفي الموضع الثاني ذكر أن صانع القسيم الأول هو المتوكلبن الأفطس) وبدائع البدائة: 80 والتكملة: 407.
هو محمد بن علي يعيش بن داود سمع من ابوي مروان: الطبني وابن سراج سنة 454، وسمن بطليوس وقعد فيها لتعليم الأداب واللغات (التكملة: 407)
قارن بما أورده ليفي بروفسنال: تاريخ اسبانيا الأسلامية 2: 244.
ذكره الفقيه أبو محمد بن حزم في طوفة الحمامة وقال: إنه كان صاحب الثغر الأعلى على أيام المنصور أبن أبي عامر وكانت ابته عاتكة على غاية من الجمال، وقد تزوجها أبو بكر اخو الفقيه.
لعيد الملك بن غدريس الجزيري ترجمة في الجذوة: 261 (البغية رقم: 1058) والمطمح 13 والصلة: 350، وأعتاب الكتاب: 193 والمغرب 1: 321 والنفح 2: 119 وله أشعار في اليتيمة 2: 102 وقطعة في تشبيهات ابن الكناني رقم: 156 ومقطعات البديع (أنظر الفهرست) وانظر الذخيرة 1:103.
نفح الطيب 1: 530.
نفح الطيب 4: 66 ووردا (في 1: 419) غير منسوبين إليه. وأنظر المغرب 1: 321.
نفح الطيب 1: 531 والبديع: 99 والشريشي 1: 106.
نفح الطيب 1: 531 والبديع 115 - 116.
نفح الطيب 1: 531 والبديع: 78 - 79.
بني الأسلوب في البديع على الخطاب: فإليك ... وأنت ... لاستيلائك ... الخ.
البديع: وأعرف
زاد في البديع: من أدوات خلقه وأنفس ما ركب فيه من مواد حياته.
البديع: وكلاهما لا يمتع إلا ريثما يبدوا للعيون ويسلم من الذبول.
تصرف ابن بسام في العبارة هنا، بحيث ابتعدت كثيرا عما في البديع.
البديع: الصلت
هو أبو العباس بن عبد الله بن ذكوان، أنظر دراسة لي عنه وعن أسرة بني ذكوان في كتاب دراسات في الأدب الأندلسي ص: 35 - 83.
ص: استخدام.
ص: فحمله.
ص: لإنفاق.
ص: معه.
ص: قوما.
أبو الحسن السلمي، علي بن وداعة، وصف إلى جانب البطولة بالأدب البارع والشعر الرائع، انظر الجذوة: 197 وترجم له ابن الأبار في الحلة 1: 282 ونقل بعض ما جاء هنا في الذخيرة.
ص: يمين.
ص: كماتي.
ص: وعولج.
العلوق: هي التي ترام بأنفها وتمنع درتها؛ أو هي لا ترام الولد جملة؛ وفي المثل: عاملنا معاملة العلوق ترأم فتشم، وقال أفنون التغلبي:
ام كيف ينفع ما تأتي العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضن اللبن البيتان لقيس بن زهير العبسي، انظر حماسة الخالدين 1: 91 ووردا دون نسبه في البيان 3: 246 والحيوان 6: 425 وشرح ديوان زهير: 54 ونقد الشعر: 91 والثاني في العمدة 1: 302. وأنظر الذخيرة 3: 381.
حماسة الخالدين: النهاب لأربابه.
مصادر وترجمة متعددة: نشير منها إلى المعجب وأعمال الأعلام وابن عذاري ونفح الطيب والجذوة: 73 والحلة 1: 168 - 177 وكتب التاريخ العامة كأبن الأثير وابن خلدون - الخ
انظر البيان المغرب 2: 256 وما بعدها.
نقل المقري جانبا منه في نفح الطيب 3: 85.
انظر المصدر السابق 3: 86.
قارن بما أورده ابن عذاري 2: 260 وما بعدها، وما جاء في النفح.
لعل الصواب: الجرة، إشارة إلى الغيظ على سبيل المجاز.
ص: وانتهك.
ص: ويستعمل.
قارن بابن عذاري 2: 259، 262 - 264.
انظر نفح الطيب 3: 87.
يتابع المقري النقل في النفح 3: 88.
ص: جلى؛ وأثبت ما في النفح.
قارن بما في النفح 3: 88.
كذا ولعل صوابه " مثنى " كما هو الشائع عند الأندلسيين.
النفح: ولا براح له.
ص: وفاه.
يستمر النص في نفح الطيب 3: 90 وقارن صياغة ابن خاقان لهذا الخبر في المطمح: 6.
ص: والنظر.
ص: المقضي على مجال.
الأبيات في النفح 1: 421 والمطمح: 7 والحلة 1: 267.
ص: اللئيم، وهو سهو.
الأبيات في النفح 1: 407، 601 والبيان المغرب 2: 286 والحلة 1: 265 وقال ابن الأبار: " هذه الأبيات متنازعة ينسبها إلى المصحفي جماعة، وقد وجدتها منسوبة إلى ابن دراج القسطلي، وذكر الرقيق أنها لكاتب إبراهيم بن أحمد بن الأغلب " (وانظر البيان المغرب 1: 131) .
نفح الطيب 1: 408، 601 والحلة 1: 267 والبيان المغرب 2: 286.
الحلة: إذا سخطت ليست براضية.
النفح 1: 603 والحلة 1: 267.
الحلة: لم يقدر؛ النفح: لم يقرب.
منها بيتان في النفح 1: 603.
النفح: فيزداد خبثه.
نقله المقري بإيجاز وتلخيص 3: 91.
ص: أوتي.
المري (Muria) : أنواع من مستحضرات تتخذ في صنع الأطعمة منها المري النقيع والطيب ومري الخبز ومري الحوت وبعض أنواعه يصنع من عصير العنب بالأفاؤيه دون خبز محرق (انظر صفحات متفرقة من كتاب الطبيخ ومفردات ابن البيطار 4: 149 وقاموس دوزي مادة " مري " والحاشة 4 ص 92 من النفح ج - 3) .
ص: ورميه.
قارن بالنفح 3: 93.
ص: الحلبة؛ والخلفة: الهيضة، وهي فساد المعدة من الطعام يقال: أخذته خلفة إذا كثر تردده إلى المتوضأ لذرب معدته من الهيضة.
قارن بالنفح 3: 94.
ص: تنظر بك.
ص: لم يدرك هو وأخوه، والتصويب عن الحلة 1: 270.
ص: لرسومه.
ص: مغرياته.
ص: حزرة.
ص: الناسبين.
المناقفون: الذين لديهم مهارة في المناجزة بالسيوف.
ص: في الفكر عن شأنه.
الجملة ناقصة ولعلها أن تكون في الأصل: ولا قبلوا معروفهم إلا على نية الرجعة، أو شيئاً شبيهاً بذلك.
ص: إلى.
ورد جانب من هذا النص في مخطوطة الرباط (رقم: 1275) ص: 154.
ما بين معقوفين زيادة من مخطوطة الرباط.
زاد في المخطوطة: أحمل قرطاسك لا حاجة لي به، فبلغ ذلك المظفر فحقدها له، وقطع عنه الجراية، فأخرج من ذخائره أعلاقاً نفيسة وذخائر عظيمة القدر فباعها وأنفقها على قومه صنهاجة، وربما اشترى منها المظفر في خفية.
ص: عثلوية؛ ولحية عثولية: ضخمة، والعثول: الكثير شعر الجسد والرأس.
من قول الشاعر: " مردد في بني اللخناء ترديدا ".
ص: من مثل.
ص: أمير.
Menendo Gonzalez.
Leon Alphonse.
ص: وصد.
ص: مصملة؛ وفيها معنى اليبس، وصوبتها اجتهاداً.
ضحى: شهد عيد الأضحى.
طير: لعله يعني أنه افتك أولئك الأسرى عن طريق المراسلة السريعة.
محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز بن الحارث التميمي (388 - 454 أو 455) ؛ له ترجمة في الجذوة: 68 (البغية رقم: 209) ونفح الطيب 3: 111 - 116 وله ذكر عارض في المغرب 2: 12 وانظر البدائه: 308 - 309، 264 وتتمة اليتيمة 1: 64 والوافي 4: 67.
يعني محموداً الغزنوي (- 421) .
هو جلال الدولة محمد بن محمود، وقد ثار عليه أخوه مسعود وسمل عينيه وانتزع السلطة من يده، وفي هذا ما يخالف كلام ابن بسام فيما يلي.
ص: فدبروا.
ليس هناك ملك بهذا الاسم، وإنما هذا لقب لحاكم شروان؛ ولعل المقصود هنا هو منوجهر ابن يزيد أو علي بن يزيد أو قباذ بن يزيد (418 - 441) .
ص: أبا.
تولى القائم أبو جعفر الخلافة سنة 422 وثار عليه البساسيري سنة 450 ثم أعاده السلاجقة وبقي حتى توفي 467.
هو ثمال بن صالح المرداسي ولي قلعة حلب أول مرة سنة 420 ثم أقصي عنها وعاد إليها سنة 429 فلم تطل مدته، وأقصي مرة أخرى ثم عاد إليها سنة 434 واعتزل أخيراً سنة 449.
تولى صدقة الوزارة سنة 436 وبقي فيها إلى أن اعتقل وقتل سنة 439 (الإشارة إلى من نال الوزارة: 37 - 38) .
أي جعل له الحكم في الذين سعوا به إلى السلطان.
يبدو أن ابن بسام ينفرد بهذا الخبر.
هو بلقين بن محمد بن حماد من الحماديين أصحاب القلعة، تولى سنة 447 (أعمال الأعلام 3: 87) .
اللزوميات 1: 63.
اللزوميات 1: 56.
اليتيمة 1: 365.
ص: لساكنكم.
الشاكري: الخادم أو الأجير.
ص: العجل.
اليتيمة: لميلوخك.
اليتيمة: تزيدت.
اليتيمة: لعل ذا غيره.
ص: زدني، والتصويب عن اليتيمة.
البد: موضع عصر الزيت في ديار الشام؛ ص: بيد، اليتيمة: بيدي.
اليتيمة: بصور كانت (أي كانت بمدينة صور) .
كذا وردت هذه اللفظة أيضاً في اليتيمة ولا أستطيع أن أجزم بما تعنيه فقد تعني بني بجيلة (أو بجلة) وقد تعني جماعة الأعيان، وقد تكون لفظة شامية محلية.
اليتيمة: دعيت.
رواية اليتيمة:
إن كنت أكرمتني لترفع من ... قدري فبعض الهوان أرفع لي اليتيمة: إجلاله عن.
اليتيمة: فقلت يا سيدي ويا أملي، أظن ...
اليتيمة: وخاض جمعي أير به هوج يجوز.
بدائع البدائه: 309 والنفح 3: 114 وابن خلكان 1: 110 وتردد في نسبتهما.
النفح 3: 117 وبدائع البدائه: 364.
بدائع: وهونت من نفسي العزيزة سخطها.
النفح 3: 114 والشريشي 2: 87.
ص: من جبينها.
النفح 3: 112.
النفح: يزرع.
منها بيتان في النفح 3: 114.
النفح: الأعداء.
سرور النفس: 28 والنفح 3: 112.
النفح: جفت لحاظي التغميض فيك فما تطبق أجفانها.
ديوانه 3: 7 وزهر الآداب: 747 والمختار: 7 - 8 والزهرة 1: 290.
زهر الآداب: 747 وابن بسام يتابعه في الحكم على البيت، والمختار: 23.
أوردها صاحب النفح 3: 115 ونسبهما لأبي الفضل، وانظر المسلك السهل: 500 وهما في زهر الآداب: 827 للصاحب أبي القاسم.
ليس في الأصل بياض؛ وزدت بيت جرير إذ البيتان التاليان ليسا له قطعاً.
وردا في زهر الآداب: 27 لمنصور الفقيه، وقال المؤلف إن أكثر الناس يرويها لإبراهيم ابن المهدي.
المختار: 270 وأمالي المرتضى 1: 511 واللآلي: 521 والحماسة البصرية 2: 85.
ص: وألقيت.
ديوان ابن هانئ: 198 وزهر الآداب: 903.
هذه القطعة والقطعتان التاليتان في النفح 3: 116 وانظر الشريشي 5: 252.
الشريشي 5: 221.
الشريشي 5: 222.
ينسيان للصنوبري، انظر تهذيب ابن عساكر 1: 458 ورفع الحجب 1: 88 والعمدة 2: 35، ومعاهد التنصيص 3: 9 ديوانه: 474 وابن بسام يتابع زهر الآداب: 676.
اسمه أحمد بن أبي سمرة، وانظر أبياته في زهر الآداب: 676.
ص: خديها.
النفح 3: 116 والشريشي 4: 290 - 291.
ستأتي منسوبة لعبد الوهاب المالكي؛ وقد اضطربت نسبة بعض المقطوعات بينه وبين أبي الفضل.
النفح 3: 115.
النفح 3: 117 والشريشي 5: 238.
الشريشي 4: 290 وينسبان لابن عبد ربه، انظر نفح الطيب 7: 51 والمطمح: 52 وابن خلكان 1: 110.
ديوان ابن رشيق: 169 وابن خلكان 2: 367.
ص: الفتن.
منها بيتان في النفح 3: 117.
بدائع البدائه: 364 والنفح 3: 117 وانظر القسم الأول من الذخيرة: 783 حيث جمع بين عجز البيت الثالث وعجز البيت الرابع.
البدائع: ذوب نار؛ النفح: ذائبان.
اليتيمة 2: 396 - 397 والشريشي 3: 45 - 46.
انظر القسم الثاني من الذخيرة: 505.
الشريشي 2: 310 - 311.
ص: فتسبقهم.
بياض في ص.
الشريشي 4: 297.
ص: نقضت.
ص: قالت.
زيادة من الشريشي 4: 279.
زهر الآداب: 898 والشريشي 4: 279.
ص: يطعمه ... خباله.
منها أبيات في نفح الطيب 3: 115.
ص: بعدي؛ النفح: أن يعدي.
النفح: أبقيت.
الشريشي 4: 30.
ص: يشفي.
ص: بالست، والتصويب تقديري.
ص: أعقت.
ص: طير.
ص: طاع ... جاهل؛ وكاع لغة في كع أي أحجم.
النشاص: السحاب.
الجبل: الساحة، يعني هنا ساحة الوغى.
ص: الران.
كذا هو ولم أستطع توجيهه.
البغرة: قوة الماء أو الدفعة الشديدة من المطر، وقد يكون معناها هنا: الشرب دون ارتواء.
ص: حوفت.
ص: مرصعاً، ولعل الصواب: " مزمعاً ".
ص: طلب.
نحف: لعله يعني نحيط بركابك، وإلا فاقرأ " نخف ".
ص: لا نصر ناصر.
ص: تعرف ... بعملنا.
ص: عن.
ص: عام.
ص: حواريا.
ص: ضياعي.
ديوان حسان 1: 17.
ص: هزم.
ص: مالي إن.
لسليمان بن محمد الصقلي ترجمة في الجذوة: 206 (بغية الملتمس رقم: 764) وفي الخريدة (1: 94) ترجمة لسليمان بن محمد الطرابلسي (اقرأ: الطرابنشي أي من طرابنش بصقلية) وذكر أنه دخل إفريقية وانتقل إلى الأندلس وتوطنها واتخذها لمخالطة ملوكها سكناً، وليس من المقطوع به أن يكون هو نفسه المترجم به عند ابن بسام، وانظر مسالك الأبصار 11: 454 والمكتبة الصقلية: 577، 594، 655.
الجذوة: 208 والشريشي 4: 78.
زيادة من جذوة المقتبس.
الجذوة: 208.
هو الأعمى التطيلي، انظر ديوانه: 45.
الشريشي 4: 87.
لابن الرومي في تشبيهات ابن أبي عون: 278.
ديوان العباس: 280 والشريشي 1: 30.
ص: أهل المصرين، وقد صوبته اعتماداً على ما يرد في الحاشية التالية.
البيتان لأبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى (وجده يونس ابن عبد الأعلى صاحب الفقيه المصري عبد الله بن وهب) وكان عالماً بالنجوم (انظر القفطي: 230 وحسن المحاضر 1: 539) وقد ذكره صاحب زهر الآداب وقال: وكان لأبي الحسن في الشعر مذهب حسن وطبع صحيح وحوك مليح (613) وأورد نماذج من شعره وفيها البيتان (614) وعند التوطئة لذكره قال: وقال بعض أهل العصر، ويبدو أن ابن بسام اضطرب في النقل، فالشاعر بعض أهل العصر بالنسبة للحصري صاحب زهر الآداب، لا بالنسبة لابن بسام، وبعد أن أدرك ذلك رمج على " أهل " وحول لفظة العصر إلى " المصر " يين، ولا وجه يسوغ أن يقال أهل المصرين، وانظر الشريشي 4: 78.
زهر الآداب: غلائل.
اليتيمة 2: 397.
هو إسماعيل بن معمر القراطيسي الكوفي وكان يصاحب أبا نواس وأبا العتاهية (انظر ترجمته في الورقة: 191 - 102 والأغاني 23: 72 والأبيات التي ذكرها ابن بسام وردت في المصدرين المذكورين والشريشي 4: 77.
انظر المصدرين السابقين، وديوان العباس: 203 والشريشي 4: 78.
وردت القصة في الجذوة: 206 مع اختلافات يسيرة في العبار وبدائع البدائه: 348.
انظر الجذوة: 207، والأبيات في بدائع البدائه: 348.
كان الخبزرزي (- 327) شاعراً أمياً يخبز خبز الأرز بمربد البصرة في دكان، وينشد أشعاره فيحتشد الناس حوله لسماعها (ابن خلكان 5: 376 وفي الحاشية مصادر أخرى) .
الجذوة: مجهد.
لثابت الجرجاني ترجمة في الجذوة: 173 (بغية الملتمس رقم: 602) والصلة: 125 والإحاطة 1: 462 (وفيه نقل عن الذخيرة) . وبغية الوعاة: 210 ومعجم الأدباء 7: 145؛ ولد ثابت سنة 350 ودرس ببغداد على عبد السلام البصري والربعي وابن جني، لقي أولهما ببغداد سنة 378، ثم هاجر إلى الأندلس، وأخذ عنه الأندلسيون شرحه لجمل الزجاجي (فهرست ابن خير: 315) ودرس عليه بعضهم حماسة أبي تمام (387) ، وقد كانت صلة ابن حزم به وثيقة إلا أنه يشير إليه في الفصل (1: 17) باسم " أحد الملحدين " ولعل أثر في ابن حزم بمعرفته المنطقية وإتقانه للتعاليم، غير أنه حين التحق بباديس بن حبوس تورط في شؤون السياسة ولحقته تهمة التدبير ضد باديس مع ابن عمه يدير فقتل سنة 431 وفي الإحاطة تفصيل واف بمحنته وخبر مقتله نقلاً عن كتاب المتين لابن حيان.
الإحاطة: الحاجب، والسياق يشير إلى أنه طرأ على علي بن حمود الحسني، ولم يكن علي حاجباً، بل خليفة؛ ثم اتصل بعده بابنه يحيى.
انظر الجذوة ومعجم الأدباء.
لم يرد في ص منها إلا بيتان هما الأول، والشطر الأول من الثاني والشطر الثاني من الرابع، وهذا الاضطراب يستدعي تصحيحها، كما أن قوله " مقطوعة " يعني أنه أورد ما يزيد على بيتين.
الجذوة ومعجم الأدباء.
الجذوة: الناظر في زوامل.
ص: طرطوس.
ص: موال.
ص: أعطف.
ص: شباب.
ص: المجبرة.
ص: الشا.
قد تكون صورة اللفظة أقرب إلى " جماماً ".
حنف: في هذا الموضع بمعنى ختن؛ والزمع: القلق والجزع.
ص: إقرافه؛ والإفراق: البرء؛ وكل عليل أفاق من علته فقد أفرق.
ص: قوت (ولها وجه إذا أغفلنا السجع الدقيق) .
ص: أبي الفرج؛ وقد كان أبو عامر بن الفرج وزيراً للمأمون بن ذي النون ثم لابنه القادر (المغرب 2: 303) وترجم له ابن بسام في الذخيرة 3: 103؛ وذكر في المطمح: 15 - 16 باسم " أبو الفرج "، وانتقل هذا الخطأ إلى نفح الطيب 3: 543 - 543 واستمر الخطأ في الفهرسة كذلك.
هو عبد الرحمن بن محمد بن عيسى أبو زيد بن الحشا القرطبي الأصل، استقضاه المأمون ابن يحيى بن ذي النون بطليطلة بعد أبي الوليد بن صاعد في الخمسين والأربعمائة، وحمده أهل طليطلة في أحكامه وحسن سيرته، ثم صرف عنها في سنة ستين وصار إلى طرطوشة واستقضي بها بدانية وتوفي فيها سنة 473 (الصلة: 325) .
الطميم: الثقيل (massif) في معجم دوزي، ولعل المراد هنا أن يكون نوعاً من القماش الثقيل.
إعجام هذه اللفظة مضطرب في ص؛ والسياق يدل على أنواع من الأدوات التي تتخذ لغسل الأيدي كالصابون وغيره. وعند دوزي أن " نقاي " تعني منشفة ولكن يبدو أنه ليست من استعمال الأندلسيين.
ص: والأشنان، وهو مادة مطيبة لغسل الأيدي بعد الكعام، ولكن المقصود هنا هو الأوعية التي تحتوي الأشنان وهي الأشناندانات.
من معاني " المجدود ": المقطوع (فلعله يعني زجاجلاً مخروطاً على أشكال) أو زجاجاً ملوناً لأن فيه جدداً (طرائق) من الألوان.
الفياشات (في الأندلس والمغرب) : جمع فياشة وهي القنينة bouteille، flacon، قاله دوزي.
المها: البلور.
عنه دوزي: البخور البرمكي، ولكنه لم يعلل هذه التسمية، وعند ابن الحشاء (17) بان: شجر معروف بالمشرق ويجلب ثمره ودهنه. ولعل وصفه بأنه برمكي مبالغة في تقدير جودته.
ص: ذكره؛ والنظر والنظير بمعنى.
ص: علو.
ص: ذلك.
ص: يذل.
ص: أركانها.
يعني ماء حوضي المذبحين، وفي ص: منها.
ص: أشخاصها طيارها.
كذا في ص، ولعل مغموضاته هنا تعني أسراره فيكون كلامه وشلا بالنسبة إلى أسرار ذلك الصرح العظيم.
ازدرموا: ابتلعوا، وفي اللسان الازدرام: الابتلاع (إلا أنه جاء في مادة: زردم) .
ص: طنورية، واستبعد أن تكون لغة في " تنورية " إلا أن يكون ذلك وهماً من الناسخ. ثم إن الأطعمة التنورية لا تكون جوامد أو باردة، ولعلها أن تقرأ " طيفورية " أي موضوعة في أطباق غير مسطحة.
المصوص: طعام قيل إنه لحم ينقع في الخل ويطبخ.
الطباهج: أنواع من الطعام أساسها اللحم المقلو (انظر كتاب الطبيخ: 133) .
ص: من.
ص: ومحاباه بالماحور في المكنون؛ والماخوري لون من النغم، وتعد الأنغام الماخوريات من خفائف الثقيل الثاني.
ص: عمارا.
سيترجم له ابن بسام في ما يلي (الورقة: 120) .
ص: قوبلت به.
ص: مفجوا الممتة: والمعنى أن ميتته أدركته فجأة (منذ سنوات قليلة) .
سيذكر ابن بسام في ترجمته أنه رحل إلى مصر ثم عاد إلى الأندلس " وقد نشأ خلقاً جديداً ".
ص: بقرة.
يشير إلى قول المتنبي:
ومن الناس من يجوز عليه ... شعراء كأنها الخازباز والخازباز: حكاية صوت الذباب.
ص: ورق ... أسمائهم.
ص: ممترياً، وقد تقرأ " ممتدحاً ".
المشهور في الاستعمال " برطل portal ".
لخا وجه مقبول، ويمكن أن تقرأ " وزينة ".
الأصوب أن يقال: المثناة.
بياض في الأصل، وما بين معقفين زيادة تقديرية.
اللفظة غير معجمة في ص.
ص: همت.
وردت ترجمة أبي المطرف بن مثنى في القسم الثالث: 409، يضاف إلى مصادر ترجمته هنالك إعتاب الكتاب: 215 وفيه أن أبا المطرف كتب أولا للمنصور أبي الحسن عبد العزيز ابن عبد الرحمن بن أبي عامر صاحب بلنسية ثم انفصل عنه إلى طليطلة فاستوزره المأمون ابن ذي النون وألقى عليه بأموره كلها.
ص: ولحقت.
قد مرت ترجمة إدريس بن اليماني في القسم الثالث: 336.
وقع البيت قبل سابقه في ص، ويعني أن علقمة لو أدرك زمانه لقالت له الأشعار " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ".
لم يظهر منها في ص إلا " كل ".
يريد أن ابن خليفة تغزل في قصيدته بست نساء ففاق أبا تمام الذي تغزل بأربع في قوله:
لسلمى سلامان وعمرة عامر ... وهند بني هند وسعدى بني سعد ص: قطيع.
ص: كبير نفحة.
البيتان في المغرب 1: 129.
المغرب: كان التشوق.
في المثل: أدق من خيط باطل، قيل هو الهباء وقيل هو الذي يخرج من فم العنكبوت، وسمي مروان خيط باطل لطوله واضطرابه (اللسان: خيط، وجمهرة العسكري 1: 454 تحقيق أبو الفضل والميداني ذ: 183) .
موضعها بياض في ص.
ص: لاستكمال.
ص: كرمهم.
ص: يجحود.
ص: الرائقة.
ص: تتابعها.
ص: وأعرض.
الضالع: الجائر؛ ص: الصانع.
ص: وبداءيه.
ص: التهجم.
ص: يختلف.
ص: ببنيانه.
ص: بينانه.
انظر القسم الثاني: 262.
انظر القسم الثالث: 92 - 96.
ص: فوده.
انظر في هذا المثل: " الحور بعد الكور " فصل المقال: 175 وجمهرة ابن دريد 2: 413 وهو يعني النقصان بعد الزيادة.
رجل إمعة إمرة: ضعيف لا رأي له.
لم يورده حمزة في الدرة الفاخرة، وأقرب الأمثلة إليه " أجبن من صافر " وهو يشمل القبرة.
يريد: يعرض له من ضجر وقلق.
ص: لمعدته.. لمدته.
هو يحيى بن سعيد بن أحمد بن يحيى بن الحديدي من أهل طليطلة، كان متقناً فصيحاً فطناً مقدماً في الشوى (الصلة: 633 وانظر المغرب 2: 13) .
ص: فمكث.
زيادة يدل عليها ما سيلي.
ص: أمكنتم.
ص: أباع.
ص: بسوء.
بياض في ص.
بياض في ص بقدر كلمة.
بياض بقدر كلمة.
ص: السقاط.
ص: خبلا.
ص: أحشاع.
ص: أدبه.
ص: خلاس الشجون.
أورده العميدي في الإبانة: 125 وذكر أنه لصاحب العلوي الداعي بطبرستان.
ص: يكله.
ص: أنس.
ص: تيح.
ص: بمقدام.
من معاني البسيس: المختلط، ولعلها: " البئيس ".
من قول الشاعر: " وتعدو القبصى قبل عير وما جرى " وهو للشماخ (اللسان: عير ومجالس ثعلب 207 وفصل المقال: 300) والعير هنا فيما يقال هو المثال الذي في حدقة العين، يريدون قبل أن يطرف الإنسان عينه يعني بأقصى سرعة.
أكبثت: كثر في الكباث، وهو الناضج من ثمر الأراك.
من قول أمرئ القيس:
فضل العذارى يرتمين بلحمها ... وشحم كهداب الدمقس المفتل ص: ركبانا.
انظر الدرة الفاخرة: 111 وفصل المقال: 499 والميداني: 1: 124 والعسكري 1: 217.
ص: تيح.
ص: بهت.
ناظر إلى الآية: 63 من سورة الكهف.
ناظر إلى الآية: 25 من سورة القصص.
هذان مثلان، انظر الدرة الفاخرة 1: 282، 203.
كذا ولعلها: " الفرصة ".
ص: المأمونة.
ص: محمولا، وربما قرئت " مجهولا ".
ص: أظهر.
من قولهم: " ان ترد الماء بماء أوفق " وهو علامة على الحيطة والحذر.
انظر المثل في فصل المقال: 76 والميداني 2: 251.
ص: بحنه.
ناظر إلى الآية: 2 من سورة الحشر.
البيت لمالك بن الريب التميمي، انظر ذيل أمالي القالي: 136.
ترجم له ابن بسام في القسم الثاني: 805 وانظر مسالك الأبصار 11: 442، وقد ورد اسمه في هذا الوطن من الذخيرة " برلوضة " بالضاد المعجمة؛ وفي الأصل أيضاً أبو عمر ابن فتح.
ص: عمالها.
من قول المتنبي:
ومن جعل الضرغام بازاً لصيده ... تصيده الضرغام في من تصيدا وفي ص: الضرغام بازياً.
ص: الوسلات، والوشلات: حالات الضعف.
ناظر إلى الآية الكريمة " إلى طعام غير ناظرين إناه " (الأحزاب) .
من قول المتنبي أيضاً:
وان سلم فما أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام التاء غير معجمة في ص.
ص: الجور.
ص: وايوانتها.
ص: من اثلها.
ص: تختل.
ص: النظر.
ص: وسلكت.
له ترجمة في الصلة: 545 والمطرب: 66 ومعالم الإيمان 3: 39 والخريدة (قسم المغرب) 2: 224 ومعجم الأدباء 19: 37 والوافي 3: 97 والفوات 3: 359 والزركشي: 278 ومسالك الأبصار 11: 238 وبغية الوعاة: 47 وصفحات متفرقة في ج - 3، 4 من نفح الطيب، وعنوان الأريب 1: 56 وقد جمع الأستاذ الميمني بعض شعره في " النتف من شعر ابن رشيق وابن شرف " (القاهرة: 1343) ونشرت له رسالة بعنوان أعلام الكلام (الرسائل النادرة - القاهرة 1926) وهي نفسها بعنوان مسائل الانتقاد في رسائل البلغاء مع مقدمة ابن شرف: 302 - 343 (القاهرة: 1946) وقد نشرها الأستاذ شارل بلا ومعها ترجمة فرنسية (الجزائر: 1953) وذكر ابن دحية (المطرب: 96) أن شعره في خمس مجلدات، وانظر القسم الأول من الذخيرة: 91 (الحاشية: 3) حيث أشير إلى بعض مصادر ترجمته.
زيادة من المسالك.
يعني ابن دراج، انظر القسم الأول: 59.
المسالك: للرياح.
كذلك هو أيضاً في المسالك، والأصوب أن يكون بحذف " أبي ".
انظر القسم الثالث: 125 وما بعدها.
المسالك: ولا سلم عليه.
يستفاد من كلام ياقوت (19: 43) أن أبكار الأفكار يحتوي مختارات من شعر ابن شرف مع أن بسام سيورد قول ابن شرف (ص: 179) إنه يحتوي على مائة نوع من مواعظ وأمثال وحكايات قصار وطوال، وأن أعلام الكلام فيه فوائد لطائف وملح منخبة، وأن رسالة الانتقاد مقامة نقدية، وذكرت له المصادر مؤلفات أخرى منها: رسالة ماجور الكلب ورسالة نجح الطلب ورسالة قطع الأنفاس وغير ذلك (انظر الوافي والفوات) .
ص: ابن شريق.
معجم الأدباء 19: 38 وبيتا ابن شرف في المطرب والخريدة وانظر النتف: 103 والشريشي 2: 258 ونسبا في الخريدة 1: 289 لعلي بن فضال وفي الوافي (1: 125) لأبي نصر محمد بن محمد الرامشي وانظر الريحان والريعان: 141.
منها ثلاثة في الخريدة وخمسة عند الصفدي، وانظر النتف: 100 - 101.
بياض بالأصل وزدته اعتماداً على المصادر.
يشير إلى أن الرسول (ص) أعطى الجارية سيرين لحسان بن ثابت.
بياض بقدر كلمة.
ص: الأمر.
ص: بارتعابك.
ص: عليه.
ص: لعلم.
ص: فالنفائق.
ديوان أبي تمام 3: 98 وعجز البيت؛ " ونذكر بعض الفضل عنك وتفضلا " وانظر أخبار أبي تمام: 119 وابن بسام يتابع زهر الآداب: 336 - 337.
أخبار أبي تمام: 120 وزهر الآداب (حتى نهاية الخبر) .
انظر الديوان 1: 258.
هذه الرواية ثابتة في الديوان وزهر الآداب؛ ويروى أيضاً " عذرتها ".
كان لنصيب - وهو شاعر أسود - بنات فكان يشح بهن على الموالي وتكره العرب أن تتزوجهن (شرح ديوان أبي تمام 1: 259 والمضاف والمنسوب: 222) .
ص: سوق.
طرر: (بالمهملة) أي جعل اسمه طرة، وقد يمكن أن تقرأ " وطرز ".
ص: الدقيق.
ص: وامتحنت.
هو الحسين بن عبد الرحيم بن الوليد الكلابي أبو عبد الله (- 354) كان كاتباً شاعراً وله مصنفات منها " أنواع الأسجاع " ابتدأ بتأليفه في دمشق سنة 343 وروى فيه عن شيوخه وغيرهم (معجم الأدباء 10: 118 وتهذيب ابن عساكر 4: 306) .
هو أبو النجم العجلي الراجز واسمه الفضل بن قدامة (انظر ترجمته في الأغاني 10: 157 والخزانة 1: 48 والشعر والشعراء: 502 ومعجم المرزباني: 310 والسمط: 327، وانظر هذا الشطر في الأغاني 21: 371) .
ص: أطلب.
عجز بين لأبي الأسود، ديوان: 33 (ط / 1974 تحقيق آل ياسين) والعقد 5: 444 (وانظر تخريجه في الديوان) وصدره: فما كل ذي لب (أو: نصح) بمؤتيك نصحه.
ص: تزدحم ... ويوخذ.
ص: محدودة.
قد مر تخريجه في هذا القسم ص: 156.
ديوان أبي نواس 2: 99 (تحقيق فاجنر) .
البواقيل: الجرار بلغة القبط، واحدتها باقلة (الديوان) ؛ وفي شفاء الغليل " بارقيل " - بالراء - ونقل عن الصولي أن البراقيل سفن صغار؛ قال: وقال علم الهدى في الدرر (أمالي المرتضى 1: 596) إنما هو جمع برقال وهو كوز من الزجاج وما ذكره الصولي وهم منه؛ قلت: وفي أمالي المرتضى: بواقيل - بالواو - ومفردها " بوقال " وتعريفه " آلة على هيئة الكوز معروفة تعمل من الزجاج وغيره ". وعلى هذا فإن وروده بالراء المهملة في شفاء الغليل تصحيف. وعند دوزي " Cruche " وهي جرة ذات عروة، واللفظة مأخوذة من الأغريقية " Baucalis "؛ وانظر الشريشي 2: 384.
ورد منها أربعة أبيات في المسالك 11: 239.
قد مر هذا المثل كثيراً في الأقسام السابقة، انظر مثلاً 1: 490، 3: 125.
ص: والندماء.
ص: بصفوها.
ص: لسان.
بياض في ص.
ص: قد حمل.
ص: ويتوقف وقوف.
ص: ويراوث.
كذا وردت هذه العبارة ولعلها: ملك: أكثر جوده، على جنوده، أغنى جيشه [وملك عيشه] .
ص: الالزم.
ص: أمامه.
ص: إن عجز ... وإن عجل.
ص: يعيد.
ص: أعناق.
الشريشي 5: 16.
ص: بكساد.
ص: قذوره.
ص: معلق.
ص: كفتيه.
ص: تذيبها.
ص: السودان.
ص: يضرب.
هو قريط بن أنيف، وقصيدته هي الأولى في ديوان الحماسة.
الأغاني 22: 20.
ص: وهم عمده.
ص: إلى.
ص: المهاليج.
ص: ثقاب.
كذا ولعل صوابها: " مضمونة " أي مصابة بالضمانة؛ أو مطبونة أي مدفونة.
ص: خان.
القارظان كلاهما من عنزة - في رأي ابن الكلبي - فالأكبر منهما يذكر بن عنزة والأصغر رهم بن عامر بن عنزة، كل منهما خرج يطلب القرظ ولم يعد، وفيهما يضرب المثل " حتى يؤوب القارظان " قال أبو ذؤيب الهذلي:
وحتى يؤوب القارظان كلاهما ... وينشر في الموتى كليب لوائل مالك وعقيل نديماً جذيمة، وفيهما يقول أبو خراش:
ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل عندما هاجر المسلمون إلى المدينة كان بلال يحن إلى معاهد مكة فإذا أخذته الحمى تغنى:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بفج وحولي إذخر وجليل
وهل أردن يوماً مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل وشامة وطفيل: جبلان (معجم البكري مادة: هرشى) .
عجز بيت من الشعر وصدره: إذا جاء الشتاء فزملوني فإن الشيخ....
ص: قبائي.
معناه أن يسمع الشيء ربما ظن صحته، انظر حمهرة العسكري 2: 263 (أبو الفضل واللسان (خيل) وفصل المقال: 412 والميداني 2: 169.
ص: تكلفت.
ص: عقدد؛ والقعدد: القريب النسب من الجد الأكبر، يريد أنه يكاد يكون من لدات لبلد وهو آخر نسور لقمان.
ص: السماء.
الذألان: العدو المقارب أو السرعة.
ص: وأهله.
ص: باله.
قد أشرت إلى أنها نشرت بعنوانين مختلفين، وهي في حقيقتها رسائل الانتقاد (أو جزء منها) وسأعارضها بالنص الموجود في رسائل البلغاء؛ (ورمزها: ل) ويبدو أن ابن بسام يوجز في النقل.
ل: وجاريت أبا الريان في الشعر والشعراء ومنازلهم في جاهليتهم وإسلامهم واستكشفته عن مذهبه فيهم، ومذهب طبقته في قديمهم وحديثهم فقال ... الخ.
ص: يعفور.
ل: والأسود بن يعفر وصخر الغي.
ل: هجائه.
زاد في ل: وحميد الهلالي وبشار العقيلي وابن أبي حفصة الأموي ووالبة الأسدي وابن جبلة الحملي وأبي نواس الحكمي.
زاد في ل: وابن رغبان الحمصي.
ص: عبدان.
ص: حدار.
ل: بلا زيادة.
ص: وهذه.
ص: فقراء.
ابن المذلق من عبد شمس، يضرب به المثل في الفقر والإفلاس (الميداني 2: 20 وجمهرة العسكري 2: 107 / أبو الفضل) .
يعني علقمة بن علائة، وقد أبكاه قول الأعشى:
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا ص: وسعيد وسعد.
ص: وعزل؛ ل: وغزل عرم.
ص: أبو.
ص: بنوه.
ص ل: اختيار.
ل: ويطمح.
ص: هاد.
ص: المجار.
ل: نظيف.
ل: وأحد.
ص: ينكسف.
ص: والقائم.
ل: طرفا حد اللسان وحدوده.
ص ل: محدود.
ل: وجودة.
يعني قصيدته " عيون المهاب بين الرصافة والجمر ".
الدالية:
قالوا حسمت فقلت ليش بضائري ... حبسي وأي مهند لا يغمد ل: وحبذا.
ص: الهاني؛ ل: المغاني.
ص: وخطبا؛ ل: وخطب.
ص: ألام؛ ل: لام.
ص: يعتيه.
البيت للفرزدق في هجاء نصيب، انظر زهر الآداب: 336.
ل: يبقين.
انظر ديوان الصنوبري: 28 وجعفر بن علي هو ممدوح ابن هانئ أيضاً، إذ كان مواليا للعبيديين ثم تحول إلى موالاة أمويي الأندلس (انظر أخباره في المقتبس لابن حيان تحقيق الدكتور عبد الرحمن الحجي، ط. بيروت) .
زاد في ل: بعثها إليه مع ثقات التجار.
زيادة من ل.
ص: ويريقه؛ ل: ويروقه.
يعني المتنبي، وهذه تهمة ساقها نقاد المشارقة مثل ابن وكيع وغيره.
ص: الملك.
زاد هنا في ل ما ينبئ أن أبا الريان انتهى من تقييم شعراء المشرق.
ص: وتكفرات، ل: وتكفيرات.
زاد في ل: متين المباني، غير مكين المثاني، تجفو بعطنها عن الأوهام، حتى تكون كنقطة النظام.
ص: المورد.
ص: فتمنح.
ص: لأدباء.
كذا في ص، ولعلها " واحتقرني ".
ص: قلبي.
هي في الشريشي 2: 265 (5: 240) وانظر النتف: 102.
ص: وعلى الأغصان.
ديوان أبي نواس: 325.
البيت الرابع منها في النتف: 12 ولم يذكر مصدره، وقد ورد في القسم الأول: 477.
ديوان المتنبي: 292، واستشهد به ابن بسام أيضاً في القسم الأول: 476.
هو أحمد بن أيوب البصري، أبو الحسن المعروف بالناهي، انظر اليتيمة 4: 383 - 384 وقد ورد البيتان في ترجمته.
اليتيمة: استعمل.
اليتيمة: فأصبح.
اليتيمة: وأصبح.
شعر ابن اللبانية: 83 والذخيرة 3: 960.
ديوان ابن هانئ: 367.
يشير إلى قول ذي الرمة (غيلان) :
لقد جشأت نفسي عشية مشرف ... ويوم لوى حزوى فقلت لها صبرا فيه إشارة إلى قول قيس لبنى، وسيوضحه ابن بسام فيما يلي.
ص: العشر.
ديوان عروة: 16، 14.
يعني أبا عبد الرحمن بن طاهر، وقد وردت ترجمته في القسم الثالث: 44 - 92.
ص: وهزوا.
منها بيتان في المسالك 11: 239، كما أن الأخير منها ورد في القسم الأول: 383.
ص: القضاء النون.
ص: الرحال؛ وعلي بن أبي الرجال عالم شاعر كان راعي الأدب والأدباء في القيروان أيام المعز بن باديس، وباسمه طرز ابن رشيق كتاب العمدة، وهو مؤلف كتاب البارع في أحكام النجوم في ترجمة ابنه محمود قال ابن الأبار (اعتاب الكتاب: 214) إنه كان هو وأبوه وأهل بيته برامكة إفريقية. وانظر الفصل الخامس من كتابي: ملامح يونانية في الأدب العربي: 75 - 79) .
وردت أبيات منها في ياقوت والصفدي والفوات والمسالك واعتاب الكتاب، وانظر النتف 108 - 110 والشريشي 4: 223 - 224.
منها بيتان في الشريشي 2: 100 (4: 88) والنتف: 101 - 102.
انظر الآية: 249 من سورة البقرة.
ديوان أبي تمام 1: 404.
منها بيتان في المسالك 11: 239 - 240.
ديوان المتنبي: 184.
ديوان ابن رشيق: 221 (عن الذخيرة) .
ص: يد؛ وصوبته بما يعني عن ارتكاب الضرورة.
البيتان في معجم الأدباء 19: 43 والشريشي 3: 316.
ص: يقضا.
الأبيات في الشريشي 2: 100 (4: 88) والنتف: 104.
ورد البيتان في كتاب المقترح في جوامع الملح - باب الأشعار - (محفوظة جامعة برنستون) وكتاب الآداب: 104.
البيتان في ياقوت والصفدي والفوات والنتف: 106والغيث 2: 12.
البيتان في ياقوت والمطرب والنفح 3: 329 وبدائع البداية: 394 (ونسبا فيه لابن رشيق) والنتف: 94.
البدائع والمطرب: لك مجلس.
وردا غير منسوبين في القسم الأول: 888 وهما للحصر في بدائع البداية: 393.
ص: وراءهم، ولعلها " وراءهم ويتامى ".
ص: تباب.
الذخيرة: 1: 91.
ص: والإناث.
ص: لتعدوا البنيه ... عقلا.
ص: فرق.
ص: ليوثا.
ص: الظهور.
ص: أحشا قد.
ص: خبث.
ديوان أبي تمام 4: 570.
ديوان ابن هاني: 238.
سليمان ابن حسان النصيبي: أحد شعراء اليتيمة (1: 425) وهذا البيت لم يرد هنالك.
لم أجد هذا في قراضة الذهب، فلعل ابن بسام وهم أو لعل ما بين أيدينا من قراضة الذهب ناقص: على إن التي ترجمت لابن هاني جعلت وفاته سنة 362.
هي في النتف: 99 نقلاً عن معالم الإيمان.
البيت لعبد الله بت الزبير الأسدي في الحمامة (شرح المرزقي: 914) وزهر الآداب: 405 ونسب في أمالي القالي 3: 115 للكميت بن معروف، وانظر اللسان (سعد) والعيني 2: 417 كما نسب في انساب الأشراف (4 / أ: 134) لأيمن بن خريم (وفي ص: 60 من المصدر الأخير تخريجات كثيرة أخرى يتضح منها انه ينسب في بعض المصادر لفضالة بن شريك) .
الأبيات في المسالك 11: 240.
المسالك: قرعتهم.
ينسب هذا القول إلى أناخرسيس في صوان الحكمة: 247 (ط. طهران) .
ديوان امرئ القيس: 242.
منها خمس أبيات في النتف: 110عن معالم الأيمان.
روطة في بالأندلس، والشاعر يندب معاهدة بالقيروان، فلعل فيه تصحيفا.
ديوان جرير: 940.
ديوان الرضي 2: 275.
منها ثلاثة أبيات في معجم الأدباء 19: 42 وأحد عشر بيتاً في المنتصف: 98 عن معالم الإيمان.
ياقوت: عن اهلها وكم.
النتف: عليها.
النتف: روحاتنا.
النتف: وتمضي العصائر
ديوان أبي تمام 3: 132.
ص: مرعى.
ص: إلا.
منها بيتان في معجم الأدباء 19: 42 وثلاثة في النتف عن معالم الإيمان.
شروح السقط: 120 وصدره: لو اختصرتم من الإحسان زرتكم؛ وقد كرر ابن بسام الاستشهاد به في مواطن.
لم يرد في ديوان العباس.
ص: وراثة.
ص، وتصبحه التهالك.
ص: يحدث.
ص: وخلانة.
كذا في ص.
لم يأتي جواب " لما ".
ص: يغلوا
ص: أقدام.
ص: الا اشتاتاً.
ص: اظطغان.
قد يفهم المعنى مجازاً، بأن مساويه مخضوبة فشبتها اضغائهم أي اظهرتها بقوة التضاد.
يرجع: يتردد، وقد تقرأ: " يرتع ".
ص: ألم.
ص: معنى.
ص: تفطيرا.
ص: الحائن
بياض في ص.
ص: ثاوياً؛ والثوي: البيت.
للحصري ترجمة في الجذوة: 296 (بغية الملتمس رقم 1229) والصلة: 410 والسلفي 63، 110، 111 والخريدة 2: 186 ومعجم الأدباء 14: 39 والوفيات 3: 331 وغاية النهاية 1: 550 ونكت الهميان: 213 وعبر الذهبي 3: 321 والشذرات 3: 385 وقد ترجم له في المسالك ثلاث مرات 11: 375، 455، 468 (والأخيرة منها خطأ باسم علي بن عبد العزيز) ولم يأت في ترجماته بشيء، وله شعر في نفح الطيب والمطرب والحلة 2: 54 وذكر خبره في الحلة 2: 67 مع المعتد وهو ينقل عن الذخيرة - وقد تقدم -. وتكرر هذا الخبر في المعجب: 205، وكانت وفاة الحصري سنة 488 (ووقع خطأ في غاية النهاية إذ كتب 468) ومن الغريب أن ابن عسكر حين ترجم له (أدباء مالقة: 157) عده من أهل سبتة. وقد قام الأستاذان محمد المرزوقي والجيلاني بن الحاج يحيى بدراسة عنه مرفقة بما وجد من رسائله وأشعار وديوانه المعشرات واقتراح القريح (تونس: 1963) .
ذكر الحميدي أن الحصري دخل الأندلس بعد 450هـ -.
ص: عره، والتصويب عن ابن خلكان؛ وطويت فلاناً على غره أي لبسته على ذحل.
ص: واحتفل، والتصويب عن ابن خلكان.
ص: ولا أن أدريه.
ص: أن يسلك.
ديوان العباس: 221 وزهر الآداب: 1033.
ديوان ابن الرومي 1: 352 (عن الذخيرة) .
أدرج الأستاذان المرزوقي والجيلاني هذه الرسائل عن الذخيرة في كتابهما: 93 - 99 ولم يعتمدا أصلاً آخر. ولذلك اكتفي بهذه الإشارة إليها.
ظن الأستاذان المذكوران قبل أن هذه الرسالة (لذكر الأنفاس العراقية) موجهة إلى صديق عراقي، وهو ظن مستبعد، لضعف الدلالة.
ديوان الرضي 1: 658.
ص: استمزجته.
هو سليمان بن محمد بن الطراوة المالقي النحوي درس على أبي الحجاج الأعلم وأبي مروان بن سراج وتجول في بلاد الأندلس معلماً، وله كتاب " المقدمات على سيبويه " وكانت وفاته سنة 528 (التكملة رقم: 1979 والذيل والتكملة 4: 79 - 81 وتحفة القادم: 11 والمغرب 2: 108 وبغية الملتمس رقم: 779 وبغية الوعاة: 263 ونفح الطيب، وله أخبار وشعر في معجم السلفي: 17، 46، 63 وأدباء مالقة: 188 وعيون التواريخ 12: 284.
هنالك صورة من هذه الخصومة بين ابن الطراوة والحصري في كتاب السلفي: 63 وروى السلفي عن أحد المالقيين قوله: " كانت بينهما منافرة ومناقرة ويهجو كل منها الآخر ". وقال ابن عبد الملك: " وكانت بينه وبين الأستاذ أبي الحسن الحصري مخاطبات نال كل واحد منهما فيها من صاحبه ".
البيتان في التكملة: 419 والنفح 2: 154.
ص: أخوين.
لم أهتد لمعنى هذه العبارة.
ص: يحومك.
ص: فتدحض.
ص: بالخاصي؛ والحصي: الحصيف الشديد العقل.
بيت للمتنبي، انظر شسرح العكبري 3: 92.
ص: نقدان؛ ونقران في ديار بني تميم؛ وإذا كانت نعوان فهي في ديار غطفان، وإذا كانت قران فهي في اليمامة (وأرجح الأخيرة لأنها أشهر) .
ما اغتابني ... معلوم: هذه العبارة وردت في إحكام صنعة الكلام: 250 وكتبت هنالك: " ما اعتابني في عيب إلا ذو عيب وخيم مقيم مع لؤم معلوم ".
ورد البيت في القسم الأول: 842.
هو غانم بن وليد المخزومي، ترجم له ابن بسام في القسم الأول: 853 وأورد له رسالة إلى الحصري أيضاً ص: 856.
ص: ويضير.
ورد البيتان في إحكام صنعة الكلام: 246.
وردت ترجمته في القسم الثالث: 457.
ص: عباس.
ص: ختمت.
ص: فارفع.
ص: سبت؛ وقد تقرأ " نسب ".
نسبا لابن الرومي في أمالي القالي 2: 282 والشريشي 2: 34 وقال ابن رشيق في القراضة: 46 - 47 البيت الأول لابن الرومي والثاني لعبد الملك بن صالح، ارتجل ابن الرومي بيته واستجازه.
القراضة: يا من يسود بالخضاب مشيبه.
لم يرد البيت في ديوان الخالديين الذي جمعه سامي الدهان.
ص: وزراً.
ص: مقدور من يقدر للمقدور.
البيتان في المسالك 11: 455 والمطرب: 75 والخريدة 2: 186 ومختارات ابن الصيرفي 131.
البيت مضطرب في ص: رابه على ضنى فأتى ... يده ياسمين.
هذه القطعة والتالية في الشريشي 5: 240.
وردا في الريحان والريعان 1: 141 / أللمعتمد وكذلك في النفح 4: 212 (مع اختلاف في الرواية) وانظر الشريشي 5: 280.
ص: معالي القوافي.
ص: الخدود
ص: وهي.
ص: الحبيات.
ص: مسجورات الجود.
اللخمي هو المعتمد نفسه، والشاعر هنا يشير إلى أنه أشعر من ابن المعتز العباسي.
عبد الرحمن الناصر الخليفة الأموي بالأندلس ولي خمسين سنة (300 - 350) .
عبود: قد يكون اسم فرس (وفي خيل العرب عبيد) والأرجح أنه اسم رجل، والأندلسيون - كما يقول أبو حيان الجياني في النضار - يسمون عبد الله عبودا كما يسمون محمدا " حمودا " (بغية الوعاة 1: 147 تحقيق الأستاذ أبو الفضل إبراهيم) ، والخبب، نوع من السير، كما إنه اسم البحر الذي استعمله الحصري في هذه القصيدة، فهو يقول إن عبودا لا يستطيع أن يجاريه في هذا البحر، بل يقصر عنه كما يقصر العير (الحمار) عن الفرس العتيق (منجرد قيد الأوابد) .
منها أربعة أبيات في أدباء مالقة: 158.
ص: يقتص، والتصويب عن ابن عسكر.
ابن عسكر: شفيت.
ص: رابت.
كذا في ص، ولعل صوابه " ورصت " أو " ربضت " بمعنى ألقت.
انظر الخبر عن وقوع علي أسيرا في يد الألمانيين، وكيف بذل فيه والده عشرة آلاف فلم يقبل أسره الفدية في أعمال الاعلام: 219 (ثم تيسر فكاكه سنة 423) .
عند عودة علي من الأسر عرض عليه والده الإسلام فقبله، ثم أصبح عليه معوله في الأمور (أعمال الاعلام: 221) .
ص: بردائه.
ص: حل.
ص: وأكيل.
ص: تنداً.
اضطرب هنا بمعنى ضرب.
أذيالها يعني أذيال الدولة، أي كان قد جعله ولي عهده.
من الآية: أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين (الزخرف: 18) .
ص: أديم.
يعني أبا المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن مثنى.
قام ابن هود بنقل ابن مجاهد ومن معه إلى سرقسطة وأقطعه إقطاعاً يمونه (أعمال الأعلام: 222) .
مختارات ابن الصيرفي: 131 والخريدة: 187 وكتاب الآداب: 91.
يعني محمد بن خلصة الشذوني النحوي وكنيته أبو عبد الله، وقد وردت ترجمته في الذخيرة 3: 322 وذكرت هنالك مصادر ترجمته، ويضاف إليها أيضاً: المحمدون: 399 وأنباه الرواة 3: 125 والوافي 3: 42.
الشريشي 5: 240.
الأبيات في المطرب: 79.
ص: تنكرون.
ص: قال.
ديوان ابن المعتز 4: 108.
ص: سقى الله عيناً.
ص: ومقفر.
ص: باب.
ص: دارت.
ص: رده.
ص: بر.
فيه اعتماد على قول ابن هانئ: " فتقت لكم ريح الجلاد بعنبر ".
ص: حاتنا.
ص: مختصره.
ص: زحل.
ص: زعمي.
ص: حبسوا.
ص: على.
انظر القسم الثاني: 66.
ص: القمر.
انظر ياقوت 14: 40 والخريدة 2: 187 والنفح 4: 246 ومختارات ابن الصيرفي: 131 والغيث 2: 219 والوافي في نظم القوافي، الورقة: 436.
هذه هي القصائد التي تضمنها ديوانه اقتراح القريح واجتراح الجريح وقد نشره الأستاذان المرزوقي والجيلاني في كتابهما عن الحصري: 243 - 490 وسأشير إليه فيما يلي باسم " اقتراح ".
اقتراح: 275.
ص: غدونا؛ اقتراح: أتوا.
اقتراح: 278.
اقتراح: مثل القتيل خضيبا.
اقتراح: 296.
اقتراح: محلي.
من قول امرئ القيس:
إلى عرق الثرى وشجت عروقي ... وهذا الموت يسلبني شبابي وقيل في تفسير عرق الثرى إنه إبراهيم.
ص: ولدها.
اقتراح: 301.
ص: غريبته.
اقتراح: 306.
اقتراح: فقد إلف.
ص: المسرخ؛ اقتراح: المصوخ؛ والمسخخ: الذي يعرز ذنبه في الأرض.
ص: عين.
اقتراح: الوقت (وهو أصوب) .
ص: علتي.
اقتراح: 344.
اقتراح: 375.
اقتراح: وجر ... النصر.
يبدو أنهما لم يردا في اقتراح القريح.
ص: أبداً.
ص: أن ترى أرض.
ص: أنفا في.
ص: تقصته.
هو أبو المطرف عبد الرحمن بن قاسم الشعبي المالقي (402 - 497) كان فقيه مالقة في عصره، وعليه كانت الفتيا تدور، وكان حافظاً من الحفاظ المشاهير، يحفظ المدونة وغيرها، أخذ عن شيوخ جلة كأبي أيوب (أبي العباس) أحمد بن أبي الربيع الأليبري وعن أبي محمد قاسم بن محمد المأموني السبتي وغيرهما؛ وقال فيه الفقيه أبو العباس أصبغ بن أبي العباس: " عصرة أهل العلم الرفيعة، وهضبته العبقة البديعة، بذ فيه الجموع والأفراد، وأربى نطره على النفاذ والنقاد، وبورك له فيما منح من الاستيلاء والاستحواذ ... " (وقد جرى التعريف به في القسم الأول: 848 الحاشية: 2 اعتماداً على أدباء مالقة والصلة، ولكني زدت التعريف به هنا بياناً) .
ص: لصاحبتي.
كذا ورد هذا البيت في ص؛ ومعناه فيما أرى: أنني سريت واتخذت الجمل السري (المختار) مصاحباً لي، فهواي يصبي، أما هو الجمل فإنه ينضي، أي بسبب له النحول.
المظلومة: الأرض.
كذا؛ ولعله " نقوض لامر " أي أنه ينقض ما اجتمعت عليه الخوارج من رأي وكيد؛ والامر - بكسر الهمزة - الأمر العظيم الشنيع.
رية هو الاسم القديم لمالقة.
ص: ملك.
ص: وحلت.
هو تميم بن بلقين صاحب مالقة، الملقب بالمستنصر وكان احد الذي استنفرهم يوسف بن تاشفين في جوازه الثاني لحصار حصن لييط، ثم إن المرابطين نحوه وأخاه عبد الله بن بلقين وأرسلوهما إلى العدوة وأسكنا بأغمات (انظر الحلل الموشية: 58 ومذكرات الأمير عبد الله) .
ص: إن جر.
ص: في صدره حرجاً.
الفقيهان هما الشعبي وابن حسون.
بنو حسون من الأسر المشهورة بمالقة، وكان منهم أبو علي الحسن بن حسون قاضي مالقة في مدة العالي بن يحيى بن حمود (المغرب 1: 430) وأبو الحكم ابن حسون الذي تولى أمر مالقة فترة من الزمن (النباهي: 104) وذكر ابن الأبار أبا عامر بن حسون (التحفة: 96) وإنه كان والياً على مالقة؛ أما أبو مروان هذا فهو عبيد الله بن عيسى (أو ابن حسين بن عيسى) الكلبي المالقي، ولي قضاء مالقة وكان أبوه (الشهير بحسون) قد وليها لبني حمود (انظر ما تقدم قبل قليل فلعله هو الذي ذكره ابن سعيد باسم الحسن، وذكره ابن الأبار باسم الحسين) ، وتوفي يوم الاثنين لأربع خلون لربيع الآخر من سنة 505 وقد كان ابنه محمد من الفقهاء المشاورين في بلده (أدباء مالقة: 152 - 153 والتكلمة: 921 - 922) .
يبدو أن تميم بن بلقين كان قد عزل أبا المطرف الشعبي، فلما عزل تميم عاد أبو المطرف إلى منصبه، وهذا ما يفسره البيت التالي الذي يصور الشماتة بتميم؛ وانظر القصيدة السابقة ففيها تصريح بسوء العلاقة بين تميم من ناحية والشعبي وابن حسون من ناحية أخرى.
ص: فما.
ص: فؤادي.
ص: انبه في عفة.
هناك اثنان يعرفان بابن فضال وكلاهما يكنى أبا الحسن: علي بن فضال القيرواني المجاشعي النحوي وقد شرق، ومدح نظام الملك وزير الدولة السلجوقية (وله ترجمة في الخريدة 1: 287 والمنتظم 9: 33 ومعجم الأدباء 14: 90 وأنباه الرواة 2: 299 وانظر مزيداً من مصادر ترجمته في الخريدة 3: 694 وكانت وفاته سنة 479) ؛ والثاني هو عبد الكريم ابن فضال القيرواني الحلواني - وله ذكر في المطرب: 59، 75 ورايات المبرزين: 107 (غ) ومسالك الأبصار: 456 والخريدة 2: 188 وهذا هو الذي غرب فدخل صقلية والأندلس، وقد مر ذكره في القسم الأول 1: 506 وأنشد له بيتين في لبس البياض وهو شعار الحداد عند الأندلسيين.
انظرها في المسالك والخريدة والمطرب ومختارات ابن الصيرفي: 131.
في أكثر المصادر: عتاق.
الشريشي 1: 414.
انظر النتف: 103 وما تقدم ص: 215.
الشريشي 1: 414.
ديوان البحتري: 105.
الشريشي 1: 317.
سيترجم له ابن بسام في هذا القسم، وله ذكر في رايات المبرزين: 99 - 100 وبيتاه في الشريشي 1: 317.
وردت في المسالك 11: 456 والمسلك السهل: 496 والشريشي 4: 18.
انظر البيتين وأبيات الحلواني بعدهما في الشريشي 5: 253.
ص: فتكه.
ستجيء ترجمته في هذا القسم: 360.
انظر القسم الأول: 842.
ص: مفرق.
ص: لحاليه؛ وهذا الشطر يبدو تكراراص لما سبقه عن طريق السهو.
ص: وغيره ... مذرعيه.
ص: الذم من خافضيه.
ديوان الوأواوء: 222.
ص: وآيات.
أرجح أن يكون اسمه " إبراهيم بن محمد " وسيسميه إبراهيم في غير موضع في قصائده، ويشير إليه أحياناً بابن محمد.
الشريشي 3: 442.
الشريشي 1: 128.
ص: بعد؛ الشريشي: وخز.
ديوان ابن المعتز 4: 210.
زهر الآداب: 893 والمختار: 336 والذخيرة 1: 910.
هو محمد بن محمد بن جعفر البصري أبو الحسن، أكثره شعره في شكوى الزمان وهجاء شعراء عصره كالمتنبي وغيره (اليتيمة 2: 348 ومعجم الأدباء 19: 6) . وبيته هذا في الشريشي 1: 129 منسوب لابن الجد.
ديوان البحتري: 22.
الديوان: ليواصلنك.
ديوان أبي تمام 2: 77.
من قصيدة تنسب لعدي بن زيد العبادي، انظر ديوانه: 106 (وتخريجه ص: 223) .
ديوان المتنبي: 268.
ص: ينفعك.
شروح السقط: 526.
منها بيتان في الشريشي 3: 356.
ص: على.
يعني اتهم ابن فضال.
ص: ومنابعها.
أب جنيس: أبو جنيس وهي كنية الرمادي بعجمية الأندلس (جنيش الرماد) .
منها بيتان في المسالك.
لم يرد البيت في ديوانه، والقافية في (ص) : غبارا.
مرت ترجمته في القسم الثالث: 40.
ص: المأموم.
ص: فقل.
الشريشي 4: 314.
ديوان ابن الرومي: 232 وزهر الآداب: 294 وهذه القصيدة في مدح أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن بشر المرثدي.
ص: لتقبيل.
الشريشي 2: 258.
هو أبو الفتح البسي، والبيتان في اليتيمة 4: 315 وزهر الآداب: 397.
اليتيمة والزهر: برج نجم اللهو.
مصعب بن محمد بن أبي الفرات بن زرارة القرشي العبدري، أبو العرب: ولد بصقلية سنة 423 وخرج عنها لما تغلب الروم عليها سنة 464 قاصدا المعتمد، فدخل إشبيلية في شهر ربيع الأول من السنة التالية (465) وكان إلى شهرته بالشعر عالما بالأدب، روى عنه بعض الأندلسيين كتاب أدب الكتاب لابن قتيبة، وبعد أن سجن المعتمد لحق بناصر الدولة صاحب ميورقة وبقي فيها إلى أن توفي. ويذكر ابن الأبار أنه توفي سنة 506 إلا أن ابن الصيرفي يقول: وبلغني في سنة سبع وخمسمائة أنه حي بالأندلس؛ وقبره وقبر ابن اللبانة بميورقة كان متجاورين، وكان هو رجلا طوالا بينما كان ابن اللبانة دحداحا (التكملة: 411) (انظر ترجمته في التكملة: 703 والخريدة 2: 219 والسلفي: 68، 138 والمسالك: 456 وابن خلكان 3: 334 وعيون التواريخ 12: 16 (نقلا عن الذخيرة) ورايات المبرزين: 111 والمغرب (قسم صقلية) وله ذكر في النفح وبدائع البدائه والمنازل والديار: 128 / أ، وعنوان الأريب 1: 123 وقد أشرت إلى بعض مصادر ترجمته في القسم الأول: 90.
وردت هذه القصة والأبيات في المسالك والرايات وبدائع البدائه: 373 والنفح 3: 569، 4: 260، 261 وعيون التواريخ.
النفح: أعطيتني، أهديتني؛ عيون: أهديتني.
ص: أحورا.
النفح والعيون: نتاج؛ البدائع: يناخ.
النفح: تصرف.
ص: غرر.
يقول ابن الصيرفي أن هذه القصيدة أول قصيدة أنشدها أبو العرب للمعتمد؛ ومنها الخريدة خمسة أبيات وستة في عيون التواريخ: 19.
الخريدة: والمتيم.
الذخيرة 1: 89 - 90.
ص: الطنيني.
هو محمد بن عبد الرؤوف بن محمد بن عبد الحميد الأزدي - مولاهم - أبو عبد الله، كان عالما باللغة والأخبار والتواريخ وألف كتابا في شعراء الأندلس وتوفي سنة 343.
ص: يشتكي عينا ... يتظلم.
ص: ترفع.
منها سبعة أبيات في عيون التواريخ: 18.
منها بيتان في طراز المجالس: 128 والشريشي 3: 98 وهي في العيون: 19.
ص: بردان، والتصويب عن الشريشي.
انظر القسم الثاني: 415 وما بعدها.
البيتان في الخريدة 2: 221 والريحان والريعان 1: 156ب والشريشي 3: 171 والعيون: 16.
الخريدة: كأن فجاج الأرض يمناك.
الخريدة: خائف.
الخريدة: فأني.
ديوان النابغة: 52 وزهر الآداب: 1031 والمؤلف يتابعه، والشريشي 3: 17 والعيون: 16.
زهر الآداب، نفسه والشريشي 3: 171 والعيون: 16.
زهر الآداب: 1032 والعيون: 17 وديوان البحتري: 76.
الديوان: لمجدهم من أخذ.
زهر الآداب: 1032 والعمدة 2: 179 والعيون: 17.
عيون التواريخ: 17.
العمدة 2: 179 وديوان المتنبي: 482 والعيون: 17.
زهر الآداب: 1032 والعيون: 17 وديوان البحتري: 76.
الديوان: لمجدهم من أخذ.
زهر الآداب: 1032 والعمدة 2: 179 والعيون: 17.
عيون التواريخ: 17.
العمدة 2: 179 وديوان المتنبي: 482 والعيون: 17.
وردا في الأغاني 13: 163 منسوبين لعبد الله بن حجاج وهما في الكامل 3: 131 والحيوان 5: 240 - 241 وحماسة البحتري: 260 ومجموعة المعاني: 138 وينسبان أحياناً للقتال الكلابي (انظر ديوانه: 99) وعيون التواريخ: 17.
لعله هو محمد بن أحمد بن عبد الله الصباغ الصقلي الذي وردت ترجمته في المحمدون: 68 نقلاً عن الدرة الخطيرة لابن القطاع.
لعل الصواب: جعل.
س: حمطتك.
ص: الذي.
ص: ونسبها.
ص: غدراته.
حقه أن يقول: توبة الأخيلية.
ص: وقصرت ... وذخرت.
ص: بيض.
ص: وحصنة؛ والسعنة: القربة ينبذ فيها، وربما وضعت فيها المرأة غزلها وقطنها.
زهر الآداب: 320 وقد استشهد ابن بسام من قبل في القسم الأول: 150.
ص: ظنون.
ص: واستغر إليك.
ص: العدال.
ص: تريد.
ص: وتبقى في.
ص: جبل.
ص: وكشفت.
ص: مجهدة.
ص: وتشامخت.
ص: جليدة.
ص: السفن.
ص: الكاف قافا.
ص: فأين منك من.
ما يلي هو نص ما كتبه إليه صديقه حين لامه.
ص: خرفا.
ص: وتجانب.
هو الصمصام بن يوسف ثقة الدولة، تولى بعد أخيه الأكحل تأييد الدولة سنة 427 ولم تطل أيامه، بل نار عليه أهل بلرم وأخرجوه، واستقل كل قائد في جزيرة صقلية بمنطقته.
كذا، ويمكن أن تقرأ " الاضطرار ".
لعله: فيغرق أو يخرج.
انظر الخريدة 2: 194 ورايات المبرزين: 112 والمطرب: 54 ومسالك الأبصار: 288 والسلفي: 86 وابن خلكان 3: 121 وعيون التواريخ 12: 255 والمكتبة الصقلية ونفح الطيب، وقد كتبت عنه دراسات منها دراسة للأستاذين السقا والمنشاوي (القاهرة 1929) ودراسة بالإيطالية للأستاذ جبراييلي، وقد كتبت عنه فصلاً في كتابي عنه فصلا في كتابي " العرب في صقلية ": 235 - 262 ودراسة جعلتها مقدمة على ديوانه الذي قمت بنشره سنة 1960 ويبدو من المقارنة أن الذخيرة انفردت بقصائد لا نجدها في أصول ديوانه، ومعنى ذلك - في الأرجح - أن هذه القصائد تمثل رواية - أو مجموعة - كانت له بالأندلس، وبخاصة وإن ابن بسام لقيه وسمع شعره، ولكن ابن حمديس عاش حتى سنة 527 وكثر شعره، فالذخيرة تمثل حقاً المرحلة التي سبقت مغادرته لندلس وبعض قصائد مما قاله في بني زيري من بعده. وسأعارض شعره الوارد هنا بديوانه وحده لأني قمت بتخريج شعره من المصادر المتيسرة حين تحقيق الديوان نفسه.
ديوانه: 204.
الديوان: ولا جننت بخصر.
روايته في الديوان:
وشربة من دم العنقود لو عدمت ... لم تلف عيشاً له صفو بلا كدر أو لعله بيت آخر وقع موقعه أو بعده.
الديوان: بلغت.
روايته في الديوان:
لا يسمع الأنف من نجوى تأرجها ... إلا دعاوي بين الطيب والزهر الديوان: غار.
الديوان: سهري، وفي ص: سحر.
الديوان: ففيك.
هذه الأبيات الثلاثة لم ترد في رواية الديوان وأثبتها هنالك في الحاشية: 208.
ديوانه: 88.
ديوان أبي نواس: 244.
ديوان ابن حمديس: 89.
ديوانه: 559 (عن الذخيرة) .
ديوانه: 544 (من الذخيرة) .
ديوانه: 110.
الديوان: قطعت لها بالعزم نجداً وصحصحا.
الديوان: ويحتال من أهل القريض ... يهادي القوافي.
الديوان: وأصحابي ... تجده.
القسم الثاني: 75 وديوان ابن حمديس: 267.
ديوان ابن حمديس: 268 - 269 والذخيرة 2: 76.
الديوان: 557 (عن الذخيرة) ومنها أربعة أبيات في المسالك.
ص: تريد (دون اعجام للياء) .
المسالك: عنس.
لعل صوابه: حينما يبذل القرى أو: حين يستنزل القرى.
كذا هو في ص ولعله: " بالهدى " أو ما أشبه.
ديوان ابن حمديس: 28.
الديوان: أتحسبني أنسى وما زلت ذاكراً.
الديوان: علمت بتجريبي أموراً جهلتها.
ص: حلا من ضلوعي بين زند الكواعب.
له وجه من معنى، وأحسبه " يعد " كما في الديوان.
الديوان: كيف لي بفكاكها.
ص: وكأنها.
ما حذفه ابن بسام قبل هذا البيت يشوء السياق، ففي ما قبله كان ابن حمديس ينعى على قومه مشوبهم في فتنة قسمتهم وأوهنت قوتهم، وفي هذا البيت وما يليه يشيد بما كان لهم من بطولات قبل تلك الفتنة.
ديوانه: 14 ومطلعها مختلف، وهو:
ألا كم تسمع الزمن العتابا ... تخاطبه ولا يدري الخطابا والأبيات الثلاثة الأولى هنا ليست في رواية الديوان.
الديوان: عن الأبصار.
قراءة غير دقيقة لما في ص، واقرب الصور المثبتة " الحدفا ".
الديوان: يمان كلما.
الديوان: صروف.
الديوان: نكرمها اكتسابا.
الديوان: 54، 539 (والثانية نقلاً عن الذخيرة وهي تكاد تكون رواية مستقلة) .
الديوان: قطعت (54) .
من هنا حتى آخر القصيدة مما تستقل به رواية الذخيرة.
هكذا في ص؛ وله وجه، والأحسن ما أثبته في الديوان " وقمص ".
ص: الجو.
ص: بالتأويل.
الديوان: 537 (عن الذخيرة) ومنها في المسالك ثمانية أبيات.
ص: حملة.
فيه إشارة إلى قولهم: " إن الرائد لا يكذب أهله ".
ص: فنقطت بالجاري وبالمتشهلب.
الديوان: 550 (عن الذخيرة) ومنها في المسالك أربعة أبيات.
في ص صورة: من أن (دون إعجام) .
ص: عين.
ص: نفحة.
ص: المشحر.
المسالك: لأبقت.
الديوان: 375.
ورد بدل هذا المطلع في الديوان:
أغمر الهوى كم ذا تقطعني عذلا ... قتلت الهوى علماً أتقتلني جهلا ص: بدعاً.
الديوان: أراني له موله من الفضل لا مثلا.
الديوان: على كل بان غاية منه أو فضلا.
الديوان: فجاء.... تبعث.
الديوان: تجوز.
ص: مدارسها.
ص: منزع تعدي.
ص: نواظرها.
ص: تختتل.
الديوان: 359 (عن الذخيرة) .
الديوان: 85.
جاء في موضعه بيت آخر في الديوان.
الديوان: مدمج.
الديوان: ريقاً، سد على ذوب العقيق ما فتح.
الديوان: الزق.
الديوان: ينأى بها سرورنا عن الترح.
الديوان:
قد علمت مزاجه فشربها ... يجرحه ثمت يأسو ما جرح هذا البيت مع اثنين آخرين وردت في الوافي في نظم القوافين الورقة: 49 (مخطوطة ليدن) .
الديوان: يقدح ناراً ... الماء.
الديوان: لنا.
الديوان:
حتى علا الجو دجى لم يغتبق ... فيه الحيا من الثرى كما اصطبح الديوان:
غراب ليل فوقنا محلق ... يقبض عنا ظله إذا جنح ص: كف.
الديوان: يا لائمي.
الديوان: 554 (عن الذخيرة والمسالك) .
ص: سريت.
شروح السقط: 240.
الديوان: 541 (عن الذخيرة. ومنها بيتان في المسالك) .
الديوان: 186.
الديوان: يصقل.
الديوان: صبا أعلنت للعين ما في.
ص: وأقبل سكراً.
ص: حط.
الديوان: بكاسات الصبوح.
الديوان: 24 وسرور النفس: 433.
الديوان: عجبت.
الديوان: 541 (عن الذخيرة والمسالك) .
الديوان: 143 (والبيت الأول من الذخيرة والمسالك) ومنها بيتان في الشريشي 1: 311 منسوبان لابن الصباغ الصقلي.
الديوان: 556 (عن الذخيرة) .
الديوان: 555 (عن الذخيرة) .
الديوان: 559 (عن الذخيرة) .
الديوان: 542 (عن الذخيرة) .
كذا في ص، وأحسب صوابه: " تقرب ".
هو عبد الله بن خلية القرطبي، المعروف بالمصري، قال ابن سعيد: لطول إقامته بمصر، وأنكر ابن حيان أن يكون ابن خليفة (وكان ابن جار له) قد تعدى في رحلته العدوة، وأنحى عليه بالذم عند الحديث عن الشعراء الذي أنشدوا قصائدهم في الأعذار الذنوبي (ص: 137، 139) وقد دافع عنه الحجاري في المسهب، وذمه ابن اللبانة في كتابه " سقيط الدرر " لأنه لم يكن وفياً للمعتمد بعد خلعه (انظر ترجمته في المغرب 1: 128 وفيها اعتماد كثير على الذخيرة؛ وراجع أيضاً الخريدة 2: 193 والمسالك 11: 466 وأجرى ذكره في القلائد: 6 والمطمح: 15 وله أشعار في النفح) .
المغرب: العالم.
ص: رواية.
انظر ما تقدم: 137، 139.
ص: لداته.
انظر المغرب 1: 131 والشريشي 3: 311.
مقتبس من قول الأول:
إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونغمي تشتهيه انظر القسم الأول: 145 باختلاف في الرواية.
المغرب 1: 129 - 130.
ص: ونار الحجاب؛ وأثبت ما في المغرب.
ص: البلاد.
المعاني الكبير: 1253 واللسان (أدم) وفصل المقال: 197 والصداقة والصديق: 28.
ديوان التهامي: 57.
ص: تعرض.
ابن خلكان 2: 315 والهفوات النادرة: 37 وغرر الخصائص: 134 (ط / 1318) والبيتان وحدهما في عيار الشعر: 92.
بياض في ص، وأثبت ما عند ابن خلكان.
المعروف: " أبا " ولكني أبقيته على حاله، إذ لعل الشاعر هنا يحاكي قول كعب بن سعد الغنوي (وهو شاهد نحوي) " لعل أبي المغوار منك قريب ".
ص: بآية.
المغرب 1: 130.
المغرب: بين.
زهر الآداب: 923 والصناعتين: 208 والوساطة: 318 وديوان أبي نواس: 66.
ديوان المتنبي: 80.
انظر الخبر والشعر في بدائع البدائه: 333 وديوان أبي نواس: 103.
بدائع: لحيات البلاد.
طممت أجزاء من الورقة هنا فلم أتمكن من قراءة ما وضعت نقطاً في موضعه.
منها بيتان في النفح 3: 118.
قصيدة أبي الطيب مطلعها: " دروع لملك الروم هذه الرسائل " (الديوان: 364) وقصيدة المعري: " ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل " (شروح السقط: 519) .
شروح السقط: 1041.
ص: جميل.
ص: عزيز.
ص: أعطيك.
نفح الطيب 1: 529.
نفح الطيب 1: 529.
ابن خلكان 5: 348. والمسالك: 304 والشريشي 3: 205.
ابن خلكان: ما يأتي به.
ابن خلكان: ساجعة.
ابن خلكان: عليه الدهر مصطخب.
ص: الأعجام.
هو أبو الأصبغ عبد العزيز البطليوسي، وكان طبيباً مستهتراً بالخمر وكان يقول: أنا أولى الناس بألا يترك الخمر لأنني طبيب أحبها عن علم بمقدار منفعتها (انظر المغرب 1: 369 والنفح 3: 452 وكتب لقبه فيه " القلندر "، وورد عند العماد في الخريدة 2: 258 من لقبه " القمندر " ولكنه كناه أبا بكر) .
ص: إليه.
المغرب 1: 130 ومنها ثلاثة أبيات في الشريشي 5: 305.
صوابه: فهاتي.
المغرب: في طوافي.
الشريشي: المزن.
المغرب 1: 130.
ص: أراني.
ذكره ابن سعيد في رايات المبرزين: 110 (غ) باسم " عبد الله " وأورد له بيتين في حرشوفة نقلاً عن كتاب " زمان الربيع " للخشني، وانظر المسالك 11: 457.
انظر القسم الأول: 843.
ص: مشعوث.
ص: مراوحة.
منها بيتان في المسالك 11: 457 - 458.
لعله: البطليوسي، أي القلمندر الذي مر التعريف به آنفاً ص: 357.
ص: جوانحي.
النفح 3: 458 والقسم الثاني من الذخيرة: 837.
ص: أعيذك.
ص: مماليكهم.
ص: خاطب.
ص: مخيل.
ص: فراني.
ص: محول.
ص: مقالتها (دون إعجام التاء) تبيد.
يجيء أحياناً " فانو " (انظر البيان المغرب 4: 103) .
انظر نفح الطيب 3: 119 (وفيه نقل عن الذخيرة) ونقل المقري حكاية المضحك البغدادي في مجلس المنصور بن أبي عامر وسماه " الفكيك "، وهو خطأ لأن الفكيك لا يمكن أن يكون قد أدرك عهد المنصور (انظر ما تقدم في هذا القسم ص: 28) .
ص: المذكورين.
استهز في.
ترجمته في القسم الثاني: 809.
النفح 3: 119.
بعدلك: لم يبق في ص إلا " لك ".
ص: الحمدي، والحمدوي (ويرد في المصادر " الحمدوني ") هو إسماعيل بن إبراهيم بن حمدويه وكان كثير النظم في طليسان بن حرب وشاة سعيد (انظر طبقات ابن المعتز: 371 والأغاني 12: 61 والوافي 9: والفوات 1: 173 وابن خلكان 7: 95) .
زهر الآداب: 234 والغيث 2: 123.
الغيث: (نفسه) والإيجاز والإعجاز: 87 وقد نسب فيه لأبي الحسن اللحام الحراني، كما نسب في رفع الحجب 1: 97 لابن الرومي، وانظر الذخيرة 1: 308.
ما جاء مضمناً في الأبيات فهو من قصيدة لامرئ القيس في ديوانه: 153 وما بعدها.
منها أبيات في النفح 3: 119 - 120.
ص: وأوشح.
ص: وروى، واثبت ما في النفح.
ص: قال.
منها أبيات في النفح 3: 120.
ص: عليا؛ النفح: بقاء.
ص: ما.
ص: بيمينك.
ص: لأشعار.
ترجمته في جذوة الاقتباس 2: 536 نقلاً عن الخذيرة، وانظر المسالك 11: 458.
ص: وحاله.
حاول ابن القاضي المكناسي حل هذا الحوار عن طريق التصحيف، حلاً جزئياً، ولعله وفق في بعضه فليراجع (عبدك: عندكن نعم، يعم، الفتى: الفسا ... الخ) .
بطياس: قريبة حلب (انظر ديوان البحتري: 214، 1135) .
اسمه أحمد بن عبد الله بن العباس وهو عم أبي بكر الصولي (انظر ديوان البحتري: 1127 والحاشية) .
انظر المسالك 11: 458 والمغرب 2: 470 أبو بكر العطار (بحذف كلمة ابن) والنفح 4: 10 وفي عنوان المرقصات: 30 من اسمه عبد الله بن محمد العطار ولا أظنه هو لأن المترجم به اسمه في النفح " محمد "، ولعبد الله العطار أيضاً ترجمة في المسالك 11: 432 وهو من شعراء الأنموذج، فهو علي هذا ليس من يابسة.
ص: قد سدت، والتصويب عن المسالك.
ص: ألفت.
ص: تكسره.
المسالك: تنفك ... تظللها.
ص: تستعف.
النفح: أمطيت.
منها بيتان في المغرب والمسالك.
الكواثب: جمع كاثبة من الفرس قدام السرج.
أورد العمري منها ثلاثة أبيات.
ص: وضاح.
سقط عنوان الفصل من ص، وهذا قد يفسر كيف أن العمري في المسالك لم ينتبه إلى أن ابن بسام قد انتقل إلى ترجمة جديدة، ولهذا أدخل العمري بيتي شعر لابن القابلة في ترجمة ابن العطار اليابسي؛ وحين أراد أن يترجم لابن القابلة عقد له ترجمة مستقلة (11: 229) واعتمد في هذه الترجمة على عنوان المرقصات: 30 وهي قاصرة على ثلاثة أبيات له وردت أيضاً في الدرة المضية: 487 واسم القابلة عبد الله، ولابد من أن نفرق بينه وبين ابن قابلة آخر ليس سبتياً وهو محمد بن يحيى الشلطيشي (المغرب 1: 352) .
الشريشي 1: 61.
انظر القصة في بدائع البدائه: 81 والنفح 3: 610، 4: 13.(7/401)
فأول من أبدأ به منهم من رسخت أصوله في تربة التقديس والتسبيح، والتفت فروعه بأجنحة الملائكة والروح، من عبد الرحمن في زمانه، وخلعت الأوثان بين صارمه وسنانه، صلى الله عليه أتم صلاة وأزكاها، وأقربها من رضوان الله وأدناها، وعلى أهل بيته أولى الناس بنصح جيوبنا، وأحقهم بطاعة قلوبنا، وأرجاهم لحط خطايانا وذنوبنا.
فصل في ذكر الشريف أبي القاسم المرتضى ذي المجدين علم الهدى (1)
وإثبات جملة من شعره الذي شرف بقائله وطائله، وعرف بجلالة ناظمه، وأصالة مباديه وخواتمه.
كان هذا الشريف المرتضى إمام أئمة العراق، بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظمائها: صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها، ممن سارت أخباره، وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره؛ إلى تواليفه في الدين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، بما يشهد أنه فرع تلك الأصول، ومن أهل
__________
(1) مولده سنة 355 ووفاته سنة 436، وقد تفرد في علوم كثيرة مثل علم الكلام والفقه وأصوله والأدب والنحو ومعاني الشعر واللغة وله عدد كبير من الكتب. وديوانه يقع في ثلاثة مجلدات: انظر ترجمته في أنباه الرواة 2: 249 ومعجم الأدباء 13: 146 وابن خلكان 3: 313 (وفيه نقل عن الذخيرة) ودمية القصر 1: 279 وتاريخ بغداد 12: 402 وتتمة اليتيمة 1: 53 والمنتظم وابن الأثير والذهبي (وفيات) 436) وتلخيص مجمع الآداب 4 / 1: 600 ومرآة الجنان 3: 55 ولسان الميزان 4: 223 وبغية الوعاة: 335 والشذرات 3: 265 وعبر الذهبي 3: 186 والنجوم الزاهرة 5: 39 وروضات الجنات: 387 والدرجات الرفيعة: 458 والذريعة 2: 401 وابن كثير 12: 53 وللدكتور عبد الرزاق محيي الدين دراسة عنه بعنوان " أدب المرتضى " (بغداد 1957) : ويعتمد ابن بسام هنا في الأكثر على كتاب " طيف الخيال " (القاهرة: 1962) .(8/465)
ذلك البيت الجليل؛ وقد أخرجت من شعره ما لا يمكن لحاقه، ولا ينكر تبريزه وسابقه.
جملة من شعره في أوصاف شتى
في وصف الطيف
[قال] (1) :
ما زال يخدعني بأسباب المنى (2) حتى حسبت بأنه حقاً معي
أحبب إليّ وقد تغشى ناظري وسن الكرى بالطيف يطرق مضجعي (3)
ولقد عجبت على المسافة بيننا كيف اهتدى من غير هادٍ موضعي
أفضى إلى شعث لقوا هاماتهم لما سقوا خمر الكرى بالأذرع
هجعوا قليلاً ثم ذعذع (4) نومهم غب السري داعي الصباح المسمع
وقال: (5)
وزورٍ تخطى جنوب الملا فناديت أهلاً بذا الزائر
أتاني هدواً وعين الرقيب مطروفة بالكرى الغامر
وأحبب به (6) يسعف الهاجعين وتحرمه مقلة الساهر
وعهدي بتمويه عين المحب ينم على قلبه الطائر
فلما التقينا برغم الرقاد موه قلبي على ناظري
__________
(1) طيف الخيال: 120 والديوان 2: 22 (طيف الخيال ل. والديوان ن)
(2) ل ن: الكرى.
(3) هذا البيت مقدم في: ل ن.
(4) في الأصل: زعزع.
(5) ل 121: ن 2: 62 والشريشي 2: 230 - 231.
(6) ل ن: وأعجب به.(8/466)
قال الشريف المرتضى (1) : قلت هذه الأبيات في سنة أربع (2) وثمانين وثلاثمائة، وتداول أهل الأدب إنشادها، واستغربوا هذا المعنى، وشهدوا أنه مخترع لم يسمع، فلما تصفحت ديوان شعر أخي لاستخراج ما يتعلق بوصف الطيف في هذا الوقت وهو سنة اثنتين (3) وعشرين وأربعمائة وجدت هذه البائية بخطه على ظهر الجزء الثاني من شعره (4) :
إن طيف الخيال زار طروقاً والمطايا بين القنان وشعب
زارني واصلاً على غير وعدٍ وانثنى هاجراً على غير ذنب
كان قلبي إليه رائد عيني فعلى العين منة للقلب
كان عندي أن الغرور لطرفي فإذا ذلك الغرور لقلبي
فلست أعرف كيف جرت في خبرها، وهل قصد رحمه الله إلى نظمها حتى لا يخلو شعره من هذا المعنى، أو أنسي سماعه مني، وقذف به خاطره وجرى على هاجسه، وكثيراً ما يلحق الشعراء ذلك فيتواردون في بعض المعاني المسبوق إليها، وقد كانوا سمعوها فأنسوها، فالخواطر مشتركة، والمعاني معترضة لكل خاطر، وكيف جرى الأمر فيها فإن العنصر واحد، وأينا سبق إلى معنى فالآخر بالنجر والسنخ إليه سابق وبه عالق:
وقال المرتضى (5) :
أمنك سرى طيف وقد كان لا يسرى ونحن جميعاً هاجعون على الغمر
تعجبت منه كيف أم ركابنا وأرحلنا بين الرحال وما ندري
__________
(1) ل: 94 - 95.
(2) ل: في سنة نيف.
(3) ل: نيف.
(4) ديوان الرضي 1: 172 والشريشي 2: 231.
(5) ل: 122 - 124؛ ن 2: 67.(8/467)
وكيف اهتدى والقاع بيني وبينه ولماعة القطرين (1) مناعة القطر
وأفضى إلى شعث الحقائب عرسوا على منزل وعرٍ ودويةٍ قفر
وقومٍ لقوا أ " ضاد كل طليحة بهام ملاهن النعاس من السكر
سروا وسماك الرمح فوق رؤوسهم فما هوموا إلا على وقعة النسر
وبات ضجيعاً لي ونحن من الكرى كأنا تروينا العتيق من الخمر
أضم عليه ساعدي إلى الحشا وأفرشه ما بين سحري إلى نحري
قال المرتضى: قلت: " مناعة القطر "، وهي على الحقيقة ممنوعة، لأقابل بين لماعة ومناعة، والمعنى مع ذلك صحيح / [131ٍ وإنما قلت: سماك الرمح (2) لضيق الشعر، ومعنى: " لقوا أعضاد كل طليحة " أي توسدوا أذرع المطي كلالاً وتصعلكاً.
قال ابن بسام (3) : ومثله قول ذي الرمة (4) :
رمى الإدلاج أيسر مرفقها بأشعث مثل أشلاء اللجام
يعني نفسه [و] أنه عرس على إحدى ذراعي ناقته، وخص اليسرى لتكون وجوههم ووجوه الإبل في ناحية واحدة فيكتلئوا بأبصارها (5) [لأنها أبصر وأسهر] ولو توسدوا أيامن المطي كانت وجوههم إلى أعجازها؛ وفي الاكتلاء لعين المطية يقول الآخر (6) :
أنخت قلوصي واكتليت بعينها وآمرت نفسي أي أمري أفعل
وقال ذو الرمة أيضاً (7) :
__________
(1) في الأصل: القرطين؛ ولماعة القطرين: السحابة.
(2) يعني كان حقه أن يقول السماك الرامح.
(3) النص منقول عن شرح الأمالي: 200.
(4) ديوان ذي الرمة 2: 1298.
(5) في الأصل: فيكتلئون بأبصارهم، وما بين معقفين زيادة من السمط.
(6) السمط: 200.
(7) ديوان ذي الرمة: 290 (مكارتني) .(8/468)
جنحن على أردافهن وهرموا سحيراً على أعضادهن المياسر
وقال أيضاً (1) :
رجيعة أسفار كأن زمامها [شجاع] لدى يسرى الذراعين مطرق
كأن الزمام وإنما يكون في الشق الذي يضطجع عليه، وقد بين ذلك أبو حية بقوله:
[-] (2) أيمن الكشحين منه إلى يسرى يدي حرج أمون
وإنما يتوسد القوم أيمانهم السلاح من أياسرهم، وأن معرسهم ليس بمكان طمأنينة ولا وضع السلاح من أياسرهم.
وقوله: " فما هوموا إلا على وقعة النسر "، بين مسامته السماك لقمة الرأس من وقعه زمان طويل. ومثله مما أنشده أبو علي البغدادي (3) ، إلا إنه في ذكر الشعرى والنسر، قول أيمن بن خريم:
أتاني بها يحيى وقد نمت نومةً وقد غابت الشعرى وقد جنح النسر
وقد أنكر أبو عبيد البكري عليه هذه الرواية وقال (4) : الصحيح في المعنى: " وقد طلع النسر "، لأن الشعرى العبور إذا كانت في أفق المغرب كان النسر الواقع طالعاً من أفق المشرق على نحو سبع درجات، وكان النسر الطائر لم يطلع: وإذا كانت الشعرى الغميصاء في أفق المغرب، كان النسر الواقع حينئذ غير مكبدٍ، فكيف أن يكون جانحاً، وكان النسر الطائر حينئذٍ في أفق المشرق طالعاً على نحو سبع درجات أيضاً؛ فرواية أبي علي لا تصح ألبتة، فكأن النسر الواقع نظير الشعرى العبور؛ قال الشاعر:
وإني وعبد الله بعد اجتماعنا لكالنسر والشعرى بشرقٍ ومغربِ
__________
(1) ديوان ذي الرمة: 394 (مكارتني) .
(2) الكلمة قد كشطت ولم يبق منها إلا الحرف الأول وهو التاء؛ ولم يرد البيت في شعر أبي حية المجموع.
(3) أمالي القالي 1: 77.
(4) انظر التنبيه: 38 والسمط (شرح الأمالي) : 262.(8/469)
بلوح إذا غابت من الشرق شخصه وإن تلح الشعرى له يتغيب
وقال أبو نؤاس (1) :
وخمارة نبهتها بعد هجعة وقد لاحت الجوزاء وانغمص (2) النسر
فقالت: من الطراق قلنا عصابة خفاف الأوادي تستقى لهم الخمر
قال ابن بسام: وأبو عبيد البكري هذا كان آخر علماء أفقنا بالأوان، وأولهم بالبراعة والإحسان، حتى كأن العرب استخلفته على لسانها، والأيام ولته زمام حدثانها، وقد ذكرت [له] القسم الثاني من هذا التصنيف (3) ، عدة من التواليف في شتى الفنون، تشهد أنه تلقى راية المعارف باليمين.
وقال المرتضى من قصيدة أخرى (4) :
ألا يا ابنة الحيين مالي ومالك وماذا الذي ينتابني من خيالك
هجرت وأنت الهم إذ نحن جيرة وزرت وشحط دارنا من ديارك
فما نلتقي إلا على نشوة الكرى بكل خدارى من الليل حالك
يفرق في ما بيننا وضح الضحى وتجمعنا زهر النجوم الشوابك
وما كان هذا البذل منك سجية ولا البذل (5) يوماً خلةً من خلالك
فكيف التقينا والمسافة بيننا وكيف خطرنا من بعيد ببالك
ولما امتطيت الليل كنت حقيقة بغير الهدى لولا ضياء جمالك
__________
(1) منابع للسمط، وانظر ديوان أبي نواس: 273.
(2) السمط: وانغمس؛ الديوان: انحدر.
(3) موضع ترجمة أبي عبيد في القسم الثاني من الذخيرة: 233 ولم يرد فيها ذكر لتصانيف أبي عبيد لأن النسخ المعتمدة قد أخلت بإيرادها، وهذه الإحالة هنا تثبت أن ابن بسام كان قد أدرج له ترجمة مستوفاة، ولعله فعل ذلك في مرحلة متأخرة من إعداده للكتاب؛ ويجدر القول أن للبكري عدة مؤلفات هامة ذكرت بعضها في حواشي ترجمته في القسم الثاني.
(4) ل: 124، ن: 2: 370 وحماسة ابن الشجري: 181.
(5) ل: الوصل.(8/470)
وهذه أبيات غريبة الطرح، بدوية السنخ.
وقال في أخرى (1) :
يا طيف زرنا إن نشطت لنا فالركب بالأبواء قد نزلا
عد النهار مطية لغبث وخذ الظلام مع السرى جملا
ودع التعلل فالحبيب إذا مل الوصال تطلب العللا
عجل سراك إلى مضاجعنا وإذا خطرت (2) فلا تغب عجلا
من أين يعلم من نحاذره قطع الخيال الحبل أم وصلا
وقال (3) :
يا طيف ألا زرتنا بسواد لما تضرعنا حيال الوادي
وما كان ضرك والوشاة بمعزلٍ عنا جميعاً لو طرقت وسادي
والري فيك وقد صديت فقل لنا منا علينا كيف ينقع صاد
ومن أجل أنك تسعفين على الكرى أهوى الرقاد ولات حين رقاد
يا زورة من باخل بلقائه (4) عجلت عطيته على الميعاد
ترك البياض لآمن وأتى به فرق الوشاية على ثياب حداد
وقال (5) / [132]
ألا [يا] أيها الحادي قف العيس على الوادي
وأين الطيف من ظميا - ء أمسى وهو معتادي
__________
(1) ل: 126؛ م 3: 46.
(2) ل ن: حضرت.
(3) ل: 127، ن 1: 160 والشهاب: 66.
(4) ل: برقاده.
(5) ل: 131، ن 1: 265.(8/471)
جفا صبحاً ووافاني صريعاً بين أعضاد (1)
تلاقينا بأرواح وفارقنا بأجساد
قال المرتضى: الأرواح لا يصح لها في الحقيقة التلاقي والزاور، لكن الشعراء لما رأوا الأجساد في طيف الخيال لم تلتق ولا تدانت، نسبوا التلاقي إلى الأرواح تعويلاً على من جعل النفس لها قيام بنفسها، وأنها غير الجسد، وأن التصرف لها، فجرينا على هذا الطريق، وإن كان باطلاً بالتحقيق.
وقال (2) :
رازني والرقاد مني ومنهم داخل في العيون من كل باب
زورة زورت علي ولو كا - نت يقيناً لما شفت بعض ما بي
وقال (3) :
قل لطيف الخيال ليلة حوم - نا بنجدٍ هلا طرقت هزيعا
والمطايا من الكلال على رم - ل زرودٍ قد افترشن الضلوعا
ما على من يحل بالغور بو با - ت لنا طيفه بنجدٍ ضجيعا
خادعونا بالزور منكم عن الح - ق فما زال ذو الهوى مخدوعا
واطلبوا إن وجدتم كاتماً للسر منكم فقد وجدنا المذيعا
وقال (4) :
وليلة بتنا بالأبيرق جاءني على نشوة الأحلام وهناً رسولها
خيال يريني أنها فوق مضجعي وقد شط عني بالغوير مقيلها
__________
(1) ل ن:
جفا صبحاً ووافاني ... صريعاً بين رقاد
وأعناق المطايا من ... كلال بين أعضاد (2) ل: 134 والشهاب: 71 ولم يردا في الديوان.
(3) ل: 136؛ ن 2: 204.
(4) ل: 138؛ ن 3: 36 - 37.(8/472)
فيا ليلة ما كان أنعم بثها تنازح غاويها ونام عذولها
وما ضرني منها وقد بت راضياً بباطلها أن بان ضبحاً بطولها
فلما تجلى الليل بالصبح وامحت دياجير مرخاة عليها سدولها
أفقت فلم يحصل علي من الذي خدعت به إلا ظنون أجليها
قال المرتضى (1) : ولهذه الأبيات ما تراه، مما لا تقدر على جحده من الفصاحة والطلاوة والبدوية التي يوجد طعمها في فصيح الكلام؛ وإنما جعلت الطيف رسولها لأنه مذكر بها ومتجم عنها، فجرى مجرى الرسول، وكان عندي أنني سابق إلى وصف الطيف بالرسول حتى وجدت أشجع السلمي يقول:
حي طيفاً أتاك بعد المنام يتخطى إليك هول الظلام
شحط الحي من سعاد ومنا رسل بيننا من الأحلام
وقال البحتري (2) :
إذا أرسلت طيفاً يذكرني الهوى رددت إليها بالنجاح رسولها
وقال المرتضى (3) :
وزورٍ زارني والليل داج [وقد ملأ الكرى منا العيونا]
يريني أنه ثاني وسادي مضاجعة وزور ما يرينا
نعمت بباطل ويود قلبي وداداً لو يكون لنا يقينا
وقال (4) :
حللت بنا والليل مرخٍ سدوله فألاً وضوء الصبح في العين مشرق
__________
(1) ل: 129 - 140.
(2) ديوان البحتري: 1797.
(3) ل: 153؛ ن 3: 305 والشريشي 2: 230.
(4) ل: 162؛ ن 2: 306.(8/473)
فأحبب به من طارقٍ بعد هدأةٍ على نشوةِ الأحلام لو كان يصدق
ولما تفرقنا ولم يك بيننا هنالك لولا النوم إلا التفرق
تطاير وصل غرنا فكأنه رداء سحيق أو ملاء مشبرق
وقال (1) :
ألمّ خيال من أميمة طارق ومن دون مسراه اللوى فالأبارق
ألمّ بنا لم ندر كيف لمامه وقد طال ما عاقته عنا العوائق
فلله ما أولى الكرى من دجنةٍ جفتها الدراري طلعاً والبوارق
نعمنا به حتى كأن لقاءنا وما هو إلا غاية الزور، صادق
فما زارني في الليل إلا وصبحنا تسل علينا منه بيض ذوالق
وكيف ارتضيت الليل والليل ملبس تضل به عنا وعنك الحقائق
تخيل لي قرباً وأنت بنجوةٍ وتوهمني وصلاً وأنت مفارق
وقال (2) :
ضن عني بالنزر إذ أنا يقظا - ن وأعطى كثيرة في منامي
والتقينا كما اشتهينا ولا عي - ب سوى أن ذاك في الأحلام
وإذا كانت الملاقاة ليلاً فالليالي خير من الأيام
وقال (3) :
وسدني كفه وعانقني ونحن في سكرةٍ من الوسن
وبات عندي إلى الصباح وما شاع التقاء لنا ولم يبن
__________
(1) ل: 170؛ ن: 307.
(2) ن 3: 270؛ ل: 174 - 175 وابن خلكان 3: 314.
(3) ن 3: 342؛ ل: 175.(8/474)
خادعني ثم عد خدعته بمقلتي منةً من المنن
فإن تكن زورةً مهومةً فقد أمنا به من الظنن
وإن يكن باطلاً فكم باطلٍ عاش به ميت من الحزن
[وقال] (1) :
يا خليلي من ذؤابة قيسٍ للتصابي رياضة الأخلاق / [133]
غنياني بذكرهم تطرباني واسقياني دمعي بكأس دهاق
وخذا النوم من جفوني فإني قد خلعت الكرى على العشاق
فصل في ذكر الوزير أبي القاسم الحسين بن علي المغربي
واجتلاب سابق أشعاره، ورائق أخباره (2)
كان أبو القاسم نجماً مطالعه الدول، وبحراً عبابه القول والعمل، وروضةً تقوت القلوب نفحاتها، وتقيد الأبصار صفاتها وموصوفاتها، أما العلماء فعيال عليه، وأما العظماء فلعب في يديه، وأما الأقلام فبعض شيعه وأنصاره، وأما الأقاليم فبين إيراده وإصداره، وأما مكانه من العلم الحديث والقديم، وسبقه إلى غايتي المنثور والمنظوم، وإقدامه على المهالك، وتلاعبه بالأملاك والممالك، فأشهر من الصباح، وأسير من الرياح.
__________
(1) ن 2: 342 وابن خلكان 3: 314.
(2) وردت ترجمة الوزير المغربي (370 - 418) في تتمة اليتيمة 1: 24 ودمية القصر 1: 94 والمنتظم 8: 32 وتهذيب ابن عساكر 4: 309 ومعجم الأدباء 10: 79 وتاريخ ابن الأثير 9: 362 وابن خلكان 2: 172 - 177 وبغية الطلب 5: 14 - 309 وأعتاب الكتاب: 206 ورجال النجاشي: 55 والإشارة إلى من نال الوزارة: 47 ولسان الميزان 2: 301، وراجع في أخباره أيضاً ذيل ابن القلانسي: 61 - 64 وصفحات متفرقة من اتعاظ الحنفا (ج -: 2) والدرة المضية 6: 309 312 والنجوم الزاهرة 4: 266؛ وقد ذكره ابن القارح في رسالته وحكى شيئاً من أخباره معه (انظر رسالة الغفران: 51 - 58) وقد علق ابن العديم على ذلك بقوله: وكان بين أبي القاسم ابن المغربي وبين علي بن منصور (ابن القارح) ما يوجب ألا يقبل قوله فيه.. (بغية الطلب 5: 19) .(8/475)
ومن أوابد أخباره، وخالد آثاره، كتابه المترجم ب - " المنخل " في اختصاره " إصلاح المنطق " لابن السكيت (1) ، فإنه غاية لا يتعاطاها إلا من بهر عتقه، واشتهر سبقه، وطريقة لا يتوخاها إلا من رسخت في العلم قدمه، وترامت به إلى معالي الأمور هممه؛ ومما يعجب من أمره، ويرفع الصوت بجلالة قدره (2) : " أنه استظهر القرآن وعدةً من الكتب المجردة في اللغة، ونحو خمسة عشر ألف بيت من مختار الشعر [القديم، ونظم الشعر] وتصرف في النثر، وبلغ من الخط إلى ما يقصر (3) عنه نظراؤه، ومن علم الحساب وجميع الأدوات (4) إلى ما يستقل بدونه الكاتب، وذلك كله قبل استكماله أربع عشرة سنةً، واختصر ذلك الكتاب فتناهى في اختصاره، وأوفى على جميع فوائده، حتى لم يفته شيء من ألفاظه، وغير من أبوابه ما أوجب التدبير تغييره للحاجة إلى الاختصار، وجمع كل نوع [إلى] ما يليق به ".
ولما أوقع الحاكم بأبيه وأهل بيته ونذر دمه، خرج من مصر معتقداً لعلو همته ناشداً لضائع ذمته، فأتى مكة فحمل أبا الفتوح (5) على القيام بها، وقرب له ما كان يستبعد من طلبها، وجسره على أخذ ما كان بها من محاريب الفضة والذهب
__________
(1) بعث أبي المغربي بالمختصر إلى أبي العلاء المعري فكتب الرسالة الاغريضية يثني على اختصاره وينبه ما على فضله، ومما قاله: " ووقفت على مختصر إصلاح المنطق الذي كاد بسمات ألباب، يغني عن سائر الكتاب، فعجبت كل العجب من تقييد الأجمال - شرفاً له تصنيفاً شفى الريب، وكفى من ابن قريب، ودل على جوامع اللغة بالإيماء، كما دل المضمر على ما طال من الأسماء.. " (رسائل أبو العلاء: 18 وصبح الأعشى 14: 182) ولأبي العلاء رسالة أخرى إلى ابن المغربي تعرف بالمنيح (انظر الرسائل ص: 3) .
(2) ما بين أقواس صغيرة يكاد أن يكون نص ما كتبه والد الوزير المغربي في ابنه، على ظهر مختصر إصلاح المنطق، ونقله ابن العدي في بغية الطلب 5: 17 وما بين معقفين زيادة منه، وما جرى إصلاحه فإنما تم اعتماداً عليه، وكذلك هو عند ابن خلكان.
(3) في الأصل: نقص.
(4) ابن العدين: ومن حساب المولد والمقابلة وجميع الأدوات.
(5) هو الحسن بن جعفر العلوي، وقد جوز له الوزير المغربي أخذ مال الكعبة وضربه به دراهم، وتلقب بالراشد بالله، ولى بعض هذا يشير ابن القارح بقوله: " وبغضي له - شهد الله - حياً وميتاً أوجبه أخذه محاريب الكعبة، الذهب والفضة وضربها دنانير ودراهم وسماها الكعبية ... " (رسالة الغفران: 58، وانظر بغية الطلب 5: 24) .(8/476)
فضربها دنانير، وفرقها على من تبعه من ذؤبان العرب، ثم سار يدعو إليه، ويسفر بينه وبين من عسى أن يأبى عليه، حتى دخل الرملة وصعد منبرها، فالا من غير استفتاح لتحميد ولا صلاةٍ على النبي عليه السلام قول الله تعالى: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) وأومأ بيده إلى مصر، يعني الحاكم (يستضعف طائفةً منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) (القصص: 4) ثم عاد إلى أبي الفتوح المذكور، وهزه لذلك، فألفى سيفه كهاما، وسحابه جهاما، فخرج إلى العراق، ودخل الكوفة متقرباً لسلطانها، ثم خافه وزير قرواش (1) فتقرب إليه بالمال، وأشار عليه بالترحال، فصار إلى ميافارقين، وأميرها يومئذ نصر الدولة أحمد بن مروان الكردي، فتقلد وزارته بعد طول مقام، وبعد مرام، وخلع المرقعة والصوف، ولبس المسك والشفوف، فهتك ستر الحياء، وخلع ربقة الرياء، فصار كمال قال في نفسه، وقد ابتاع غلاماً تركياً كن يهواه، قبل أن يبيعه منه مولاه (2) :
تبدل من مرقعةٍ ونسك بأنواع الممسك والشفوف
وعن له غزال ليس يحوي هواه ولا رضاه بلبس صوف
فعاد أشد ما كان انتهاكاً كذاك الدهر مختلف الصروف
ثم روسل بعد بوزارة الموصل (3) ، فسار إليها، وتقلد لحينه وزارة المستولى عليها، فملك زمامها، وصرف أيامها، ودوخ معالمها وأعلامها، وأتى على ما كان بها من رمق، وجرى من العسف بأعاظم أهلها من أبعد طلق؛ ثم راسلته وزارة بغداد وأميرها يومئذ أبو علي بن سلطان الدولة أبي شجاع بن بهاء الدولة بن عضد
__________
(1) هو المعروف بابن الكافي، وكان وزيراً ومديراً لدولة قرواش بن المقلد، ويقول ابن العديم أن هذا الوزير قدم إلى ابن المغربي مالاً كثيراً كي يرحل عن الموصل فسار عنها إلى ديار بكر (بغية الطلب 5: 26) .
(2) الأبيات في بغية الطلب 5: 26 وأعتاب الكتاب: 206 والشريشي 5: 305 وتاريخ المسيحي: 234ب.
(3) كان ذلك بعد وفاة ابن أبي الوزير الكافي.(8/477)
الدولة بن ركن الدولة أبي علي، فتبحبح ذروتها، واقتعد لوقته صهوتها، فانتظمت له الأيام، وحمد على يديه النقض والإبرام، وبلغ الحال التي تصغر عنها النعم، وتقصر دونها الهمم، ثم إن أبا علي أوقع بمن كان يتهمه من الأتراك، وكان قد نهاه الوزير، وأشار عليه بما يقتضي التدبير، فأبى إلا ركوباً لرأسه، وإدلالاً بنفسه، فاضطرب العسكر اضطراباً اضطرهما جميعاً إلى الهرب، وأفضى بهما إلى استجارة أمير العرب.
حدث تحرير غلامه قال: عهدي بالوزير وهو خارج، وقد لبس ثياباً رثةً، وعلى وجهه منديل قد لفه فيه لئلا يمتاز / [134] من جملة العامة، وقد أقبل علي واستقبلني في الدهليز ينشدني لنفسه في الحال (1) :
تمرست مني العلا بامرئٍ (2) قد علق المجد بأمراسه
يستنجد النجدة من رأيه ويستقل الكثر من باسه (3)
أروع لا يرجع (4) عن تيهه والسيف مسلول على راسه
وقد قيل إن إخراجه الملك معه إنما كانت حاجة في نفسه قضاها، وخطةً من مكره ألزمه إياها، إبقاء على جلالة المقدار، وأنفةً من الانفراد بعيب الفرار، ثم إن أبا علي ثاب سلطانه، وراسله شيعه بالحضرة وأعوانه، فعاد إليها، وأقام أبو القاسم بالموصل وقد كثر أتباعه، وملأ البلاد [عيانه] وسماعه، فأقام بها يسيراً، واستشعر من صاحبه تقصيراً، فاستأذنه في الرجوع إلى ميافارقين، فحلها، وتلقاه نصر الدولة بالاصطناع، وأقطعه صامت الأموال وفاشي الضياع، ثم روسل ثانيةً
__________
(1) الأبيات في دمية القصر 1: 96 ومعاهد التنصيص 3: 33 وأعتاب الكتاب: 207.
(2) دمية: فارعت الأيام مني امرءاً.
(3) روايته في دمية القصر:
يستنزل الرزق بأقدامه ... ويستدر العز من باسه (4) دمية: لا ينحط.(8/478)
من بغداد للوزارة، واستأذن نصر الدولة، فخلى بينه وبين مراده، ولم يجد بداً من إسعاده، ووفاءً بإنجاز ميعاده، فلما برزت قبابه، وكادت تستقل ركابه، خوف نصر الدولة عاقبة مكره، وأشير عليه بالرأي في أمره، فسقاه شربةً كانت آخر زاده، ووفاءً بإنجاز ميعاده وتقدم حين أحس [بالموت] بحمله إلى الكوفة ليدفن في حجرة أعدها هنالك بازاء قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فسير بتابوته مسيرة شهر، بين أيدي الحتوف، وتحت أظلال السيوف، أكرومةً ختم بها مجده، وأحدوثةً أبقاها في الناس خالدةً بعده.
وقد أجريت من نثره الرائقة فصوله، ونظمه المتقنة فروعه وأصوله، ما يعطر الزهر شذاه، ويروق النجوم الزهر مرآه.
فصل من رسائله
لما دخل البطيحة وبها أبو القاسم هبة الله بن عيسى (1) [وزير] مهذب الدولة، وكان من أفاضل أهل وقته، فدخل إلى ابن المغربي رجل يعرف بسليمان ابن الربيع، وسلم إليه قصيدة قد بنيت على السؤال عن ألفاظ من اللغة على جهة الامتحان لمعرفته، فلما وقف عليها امتعض في الحال، وأحفظه ما لقي من التعدي والسؤال، ونسب ذلك إلى فعل أبي القاسم وزير مهذب الدولة البطيحي، فكتب عقب الوقوف (2) على ذلك لوقته جواباً أثبت بعض فصوله، لطوله، بعد هذه الأبيات المذكورة:
يا أفضل الأدباء قو - لاً لا تعارضه الشكوك
لا العلم ناءٍ من حجا - ك إذا نطقت ولا فروك
__________
(1) ذكر ابن الأثير (9: 252) أنه توفي سنة 406 وقال فيه: " كان من الكتاب المفلقين، ومكاتباته مشهورة، وكان ممدحاً، وممن مدحه ابن الحجاج ".
(2) ص: عقب الدولة.(8/479)
عرضت مسائل أنت للف - توى بمشكلها دروك
ما الحي والحيوت أم ما جلبح نضو بروك
أم ما ترى في برقعٍ رقشاء مجهدها حبيك
أم ما الصرنقح والزرير وما الملمعة النهوك
ولك الدراية والبصيرة في نداحيها السهوك
وابن لنا ما خمطط أبداً بأمرغة معيك
أو ما اعتنانة فوهدٍ فيه الملامة لا تحيك
أم، ما ترفل [هبرج] يرتب مرسنه هلوك
ولرب ألفاظ أتتك وفي مطاويها حلوك
فارفق بنشرك طيها وانظر بذوقك ما تلوك
هذا وقد لذمت فؤادي خرمل هرط ضحوك
دعكنة نظرنة في خيس غانظها شكوك
تغدو وخرفعها المذي - ل في طوائفه سدوك
وأراك ما لك مشبه في ما علمت ولا شريك
حقاً لقد حزت العلو - م حيازة العلم الضريك
فأجابه ابن المغربي برقعةٍ قال فيها: وقفت على ما ذكرت أن بعض أهل الأدب كلفك المسألة عن شعر وجدته، لا أحب أن أقول في صناعته شيئاً، مشتملاً على ألفاظ من حوشي اللغة لا يتشاغل بمثلها أهل التحصيل، ولا يتوفر على تأملها إلا كل ذي تأمل عليل، لخروجها عما ينفع في الأديان، ويعترض في القرآن، ولمباينتها ما يجري في المذاكرة، وتستخدم فيه المحاورة، وزاد في عجبي منها صدرها عن البطيحة وفيها الأستاذ (1) الفاضل هبة الله بحر الأدب الذي عذبت موارده
__________
(1) ص: من الأستاذ، ولعلها " مثل الأستاذ ".(8/480)
مصادره، وري العقول الظماء، وطب الجهل، المستغمر الداء (1) ، والباب الذي يفتح عن الدهر تجربةً علماً، والمرآة التي تتصفح بها أوجه الأيام / [135] إحاطة وفهماً.
وفي فصل: فإن كان الغرض في هذه الأبيات الخزاب، المقفرة من الصواب، طلب الفائدة، فقد كان أن يناخ عليه بمقفلها، ويقصد إليه بمعضلها، فعنده مفتاح كل مسألة مقفلة، ومصباح كل داجيةٍ مشكلة؛ بل لست أشك أن هذا السائل لو جاوره صامتاً عن استخباره، وعكف على ذلك الجناب كأنما لجأ في طي إضماره، لأعداه رقة نسيم أرضه، وهذب (2) خاطره التقاط لفظه، حتى يغنيه الجوار عن الحوار، والاقتراب عن رجع الجواب؛ وإن كان قصد الامتحان للمسؤول، وتعرض لهذا الموقف الزحول، فذلك اعجب: كيف لم يتأدب بآدابه الصالحة، ويعتني إلى هدايته الواضحة.
وفي فصل: وكيف لم يعلم هذا العريض المكلف - بما أعطي من سعادة مكاثرته وسيق (3) إليه من بركة صحبته - أن هذا التعريض كما قال المخرومي لعبد الملك بن مروان وقد (4) لقيه في طريق الحجاز: بئست تحية الغريب من القاطنين، ولؤمت هدية الوافد من المقيمين، وقد كان حق الغريب بينكم أن يكثر ليله، ويسد ذريعه، ويعار من معالي الصفات ما يؤنس غربته، ويصدق مخيلته وعلى أنه لو كان قد احتبى للجدال، وركب للنزال، لما كان في عزوب (5) كلمات من حوشي اللغة عن ذكره، ما يدل على قصر باعه، وقلة إطلاعه، ويا عجبا للفراغ
__________
(1) ص: المستعمل اللاآء.
(2) ص: وهذبت.
(3) ص: وساق.
(4) ص: ولقد.
(5) ص: غروب.(8/481)
كيف يسوغ لهذا المغتر أن يجارى بخلو ذرعه تقسم أفكاري، وكيف أنساه اجتماع شمله بعد دياري، وكيف أذهله حضور أحبته عن مغيب أفلاذ كبدي، وكيف طرفت نواظره سكرة الحظ عن تصور ما يجن خلدي، وكيف لم يدر ما لي من ألحاظ مقسمة، وظنون مرجمة، وقد تكلفت الإجابة لما تضمنته الأبيات انقياداً لمرادك، ومقتصر الرأي على إسعادك، أجر أقلامي جراً وهن نواكل، وأنبه قرائحي وهن في غمرات الهموم ذواهل.
قال السائل: " إن المسؤول دروك لتلك الفتوى، ومستحق بها للرتبة العليا " ودروك لا يجوز هنا لأن فعولاً لا يكون من أفعل، ولو جاز ذلك لجاز " حسون " من " أحسن " و " جمول " من " أجمل ". وما نحب استيفاء القول في هذا الزلل، ولا نستفتح كلامنا بالمناقشة في السهو والخطل، ولعل القائل أوهم حملاً على قراءة حفص (في الدرك الأسفل من النار) (النساء: 145) فظن أن الدرك بوزن فعل، وأن فعلاً مصدر فعل يفعل، ولم يجعله من الدرك، لأن الفتح عندهم لا يخفف، لا يقولون في جَمَل " جَمْل "، وذهب عنه أم يكون اسماً مبنياً مثله وإن لم يكن مخففاً منه كما قالوا: " دركه ودركةً في حلقة الوتر التي تقع في فرضة (1) القوس، فخففوا وحركوا، وعلى أنهما لو كانا مصدرين لجاز أن يبنيا على الشذوذ ولا يحمل عليهما ما يبنى من الفعل، لأن الشذوذ ليس بأصل يقاس عليه، ولعل اغتر بقولهم: " دراك " - بالشد - وهو شاذ لأنهم قد [بنوا] أفعل من فعل (2) ، وهو قليل، قالوا فطّرته فأفطر، وبشرته فأبشر، فجاز على هذا دركته فأدرك، قال سيبويه: وهذا النحو قليل في كلامهم، ولعله ذهب إلى قولهم: " دراك " مثل " نزال " فظن أنه يقال منه " درك " كما يقال من " مناع " " ونزال ": منع ونزل. وذهب عنه [أنه] قد جاء الرباعي في هذا الباب. قالوا: قرقار وعرعار. في
__________
(1) ص: فرض.
(2) ص: يفعل.(8/482)
معنى قرقر وعرعر، فأما الفرق الرباعي والثلاثي، فسيبويه يرى إجازة " فعال " في موضع فعل الأمر الثلاثي كله، ويمنعه في الرباعي إلا مسموعاً، وقال غيره من النحويين: بل هما ممنوعان إلا مسموعين، واعتمد سيبويه في الفرق على كثرة الثلاثي، وقلة ما جاء في الرباعي، أو لعله أصغى إلى قول الآخر (1) :
إن يكشف الله قناع الشك فهو أحق منزلٍ بدرك
فذهب إلى أن " دركاً " مصدر، ولم يعتقد أنه كما قرأ حفص بالإسكان، أو لعله علق سمعه [قول] العتبي:
إذا قلت أوفى أدركته دروكة فيا موزع الخيرات بالعذر أقصر
وما أعرف له حجة أقوى منه. أو لعله أراد بقوله: دروك من الدرك مثل: لغوب، وهي لغة تكلمت بها العرب.
ثم بدأ السائل فسأل عن " الحي "، ولم أقف على صحة سؤاله لأني وجدت الأبيات مكتوبة بخط عليل، وإن سأله عن " الحِي " - بكسر الحاء - فقد أنشد أهل العلم قول العجاج (2) :
وقد نرى إذ الحياة حِي وإذ زمان الناس دغفلي
فقال الحِي من الحياة، والحي / [136] جمع حي. وأما كونه على معنى الحياة فوزنه على فعل باختلاف.
__________
(1) ورد في اللسان (درك) :
بظفر من حاجتي ودرك ... فذا أحق منزل بترك وفي التاج:
إن يكشف الله قناع الشك ... بظفر من حاجتي ودرك فذا أحق منزل [بترك] . ... (2) ديوان العجاج: 486 واللسان والناج (دغفل) ؛ والدغفلي من العيش: المخصب الواسع.(8/483)
قال ابن بسام: ومد أبو القاسم في هذا الجواب أطناب الأطناب ثم قال: " والحيوت " الحية وزنه فعلوت، والتاء فيه زائدة، وكثيراً ما تزاد خامسةً مثل عفريت، وإنما هو عفرى.
و" الجلبح " العجوز الكبير، وأنشدوا: " إني لأقلي الجلبح العجوزا ".
و" برقع ": السماء الدنيا، قال أمية بن أبي الصلت (1) :
وكأن الملائكة والملائك حولها سدر تواكله قوائم أربع (2)
و" الصرنقح ": الشديد الخالص ولا يكون فعنلل إلا وصفاً لا اسماً، قال جران العود (3) :
ومنهن غل مقمل لا يفكه من القوم إلا الشحشحان الصرنقح
و" الزرير " الذكي والمتحدر (4) ، وكان شيخنا أبو أسامة (5) يخالف جميع اللغويين فيه ويقول: هو الزرير، ومنه اشتق اسم " زرارة "، وقول أبي أسامة أصح.
و" الملمعة " الفلاة التي يلمع فيها الآل، وفي مثل: " أكذب من يلمع (6) " وهو السراب، ومنه الألمعي، كأنه يلمع العواقب بدقة فطنته، وأما
__________
(1) ديوان أمية: 358 واللسان (سدر) وتجيء قافية البيت أحياناً " أجرد " و " أجرب " وقال ابن بري: صوابه " أجرد " والقصيدة دالية، والجرد: الملاسة.
(2) السدر: البحر، ولم يسمع به إلا في شعر أمية، تواكلته: تركته، والقوائم هنا: الرياح.
(3) ديوان جران العود: 8.
(4) في الليان والتاج أن الزرير هو الذكي الخفيف.
(5) هو جنادة بن محمد بن الحسين الأزدي الهروي (- 399) كان مكثراً من حفظ اللغة، أخذ عن الأزدهري وغيره، وقتله الحاكم العبيدي (انظر ابن خلكان 1: 372 ومعجم الأدباء 7: 209 وبغية الوعاة 2: 488) .
(6) انظر المثل في الدرو الفاخرة: 362 (وفيها تخريجه) .(8/484)
اللوذعي فهو يتلذع من شدة ذكائه، ويقال لمعت الوحشية وغيرها إذا بان لضرعها سقال وبريق باللبن، قال الأعشى (1) :
ملمع لاعة الفؤاد إلى جحش فلاه عنها فبش الفالي (2)
ويقال إن " لاعة " فعلة ومذكرها لاع، وفي الحديث: هاع لاع، وقيل بل لاعى بوزن فاعلة، كان الأصل " لاعية " من اللعو، وهو أشد الحرص، وبين الخليل وأهل النحو فيه خلاف يشق إحصاؤه.
و" النهوك " و " النهيك " و " النهاكة " معروفة.
و" البصيرة " الترس، قال الأسعر الجعفي (3) وليبس بالأسعر المازني:
راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي يعدو بها عند وأى (4)
والبصيرة: الدم؛ [والبصيرة: الدية] ومعنى البيت على هذا أنهم أخذوا الديات ولم آخذ، فركبت يعدو بي فرسي لطلب الثأر، ويكون هذا مشبهاً لقولهم:
- (5) ورحت أجر ثوبي أرجوان
__________
(1) بيت الأعشى في اللسان والتاج (لوع) وديوانه: 8.
(2) قال الأصمعي: الملع التي قد استبان حملها في ضرعها فأشرق ضرعها باللبن؛ وقال أبو عبيدة: ملمع: تتوج مقرب، لاعة الفؤاد لائعة الفؤاد أي مستخفة من الحزن، ورجل هاع لاع وهانع لائع مشتاق إلى الشيء، والفالي: الطارد.
(3) في ص: الأعسر؛ والأسعر الجعفي - ضبطه الآمدي بالسين المهملة - هو مرتد بن أبي حمران، وأورد له بيتين من قصيدته التي منها هذا البيت التالي وهي قصيدة أصمعية (الأصمعيات: 156) وانظر اللسان (عند. وأي) والمعاني الكبير: 1013 والوحشيات رقم: 57.
(4) العتد: الفرس الحاضر المعد للركوب: الوأئ: السريع المشدد الخلق؛ وقال ابن قتيبة في شرح البيت، البصيرة، الدفعة من الدم أي دماؤهم قد خرجت على أكتافهم وبصيرتي في جوفي يعدو بها فرسي، يريد أنهم جرحوا، ويقال بل أراد أن الذي طلبوه من الذحول على أكتافهم لم يدركوه بعد، فهو ثقل عليهم، وبصيرتي أي ذحلى قد أدركت به.
(5) لم استطع قراءة هذا الشطر، وصورته في ص: عدا دل داء لهن حجة.(8/485)
كلانا اختار فانظر كيف تبقى أحاديث الرجال على الزمان
والبصيرة في هذا الموضع: الحق.
و" المداحي " مفاعل من الدحو وهو البسط، والدحو أيضاً النكاح.
و" السهوك " من السهك وهو السحق، ويقال: ريح سيهوك وسيهوج، إذا كانت شديدة المرور والهبوب.
و" الخمطط " (1) هو الكحكح، وهو الشيخ الكبير.
و" المرغ " الريق، يقال أحمق ما يجافي مرغه، أي ما يمسك ريقه، والمرغ: التراب، في غير هذا.
و" معيك " فعيل بمعنى مفعول من المعك، وهو كالكنى.
وسأل عن الفوهد، والفوهد والثوهد: الغلام الممتلؤ شباباً، وأنشدوا (2) :
تحب منا مطرهفاً فوهدا عجزة شيخين غلاماً أمردا
ينشد بالثاء والفاء.
و" القلفع " (3) الطين الذي يتقلع عن الكمأة، وفيها خلاف.
و" الهبرج " من صفة بقر الوحش.
و" يرتب " يفتعل، من رب الأمر، أصلحه.
و" المرسن " موضع الرسن.
__________
(1) لم أجد هذه اللفظة وأقرب الصور إليها " لطلط " وهي بمعنى الكحكح.
(2) اللسان (طرهف، فهد) والمطرهف: الحسن التام، والفوهد والثوهد والفلهد: الغلام السمين الذي قد راهق الحلم.
(3) لم ترد في الأبيات، فلعل فيها سقطاً.(8/486)
و " الهلوك " الفاجرة لأنها تتهالك في مشيتها أي تتمايل وتتهادى.
و" لذم " بالمكان والذم، مثل لزم وألزم.
و" الخرمل " المرأة الفاجرة، وقيل الحمقاء، قال مزرد (1) :
إلى خرمل شر النساء الخرامل
و" الهرط " النعجة المسنة و [اللحم المهزول] في غير هذا. والهرد: الشق و " دعكنة " أصله السمن والفتوة، وهو ما لا يسأل عنه، لأن كل ما زيدت فيه النون في هذا الموضع يدل لفظه على اشتقاقه كما تدل سمعنة ونظرنة على السمع والنظر، ودعكنة من الجلادة، كأنه من الدعاك (2) .
و" الخيس " الغابة، وفي غير هذا الموضع اللحية.
و" الغانظ " فاعل من الغنظ وهو الكرب؛ قال عمر بن عبد العزيز: في الموت غنظ ليس كالغنظ وكظ ليس كالكظ، وهما الكرب.
و" الخرفع " (3) القليل من كل شيء.
و" المذيل " المكمل.
و" الطوائف " الأيدي والأرجل.
و" السدوك " لا أومن به لأنه يقال / [137] سدك سَدَكاً وسَدْكاً، فإن جاء فيه سدوكاً فهو شاذ قليل، وهو اللزوم.
قال ابن المغربي: هذا ما حضرنا من القول، ولولا أننا لا نود أن ننهى عن
__________
(1) روايته في ديوان مرزد: 48
إلى صبية مثل المغالي وخرمل ... رواء ومن شر النساء الخرامل (2) ص: الدعاء.
(3) الخرفع: القطن وقيل ثمر العشر.(8/487)
خلق ونأتي مثله (1) لسألنا مستفيدين، نثراً لما فيه من شفاء البيان، لا نظماً لما فيه من التعاطي والطغيان، فسألناه عن اللغة إن كان عني بها: عن العلافق بالعين، فهو يالغين معروف (2) ، وعن المصمة بكسر الميم، فهو بفتحها مشهور، وعند هندٍ لا تضاف إلى الأحامس (3) فإن ذلك معروف، وسكرى بضم السين فهو بفتحها معروف، وعن الدون بالواو فهو بالياء معروف، وعن الفرن بالفاء فهو بالعين مذكور، وكم في الكلام أفعلة أسماء فهو في الصفات معروف، وما النديم في الناس فإنه في الجماد معروف، وما الشاهد على جواز أفلج بالجيم فإنه بالحاء معروف.
هذا إن كانت اللغة عنده مهمة، فإن قال إن النحو هو المهم عنده قلنا: فما جمع على أفعلة أغفله، سيبويه فلم يلحقه بكتابه أحد من النحويين، وهل ذلك الجمع إن كان عارفاً به مطرد أو محمول على مكانه في اللفظ - وعلى أي شيء خفض (وقيله يا رب) في قراءة حفصٍ، لا على ما أورده أبو علي الفارسي، فإنه لم يسلك مذهبه في التدقيق عليه - ولم منع سيبويه من العطف على [عا] ملين، وهو في سورة الجاثية بنصب (آيات) ، ورفعه لا يتجه إلا عطفاً على عاملين، فإن كان أخطأ الأخفش فمن أين زل - وإن كان أصاب فكيف تجوز له مخالفة الكتاب - وهل قول سيبويه في النسبة إلى أمية أموي - بفتح الهمزة - صواب أو سهو استمر عليه وعلى جميع النحويين بعده - ولم قيل معدي كرب، ولم تحمل الياء في لغة من أضاف ولا من جعلها أسماً واحداً إلا على ما أورده النحويين، فلهم فيه أقاويل غير متجهة، وهل مذهبهم في أن سدى وهدى مصدران صحيح أم لا - وهل
__________
(1) فيه إشارة إلى قول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (2) ذكر ابن دريد في الجمهرة (3: 396) الغلافق وقال أنه اسم موضع، ولم يذكر العلافق.
(3) يقال لقي هند الأحامس أو وقع في الداهية، وإضافتها إلى غير الأحامس مثل هند الهنود، وهند بني سعد وما إلى ذلك، ولكني اعتقد أن أبي المغربي يشير إلى ما هو أدق من ذلك.(8/488)
بيض في قولهم: حمزة بن بيض اسم جمع، وما معناه في اللغة ووزنه في النحو مسموعاً لا مقيساً على ما ذكرناه نحن في هذه الرسالة - ولم اختاروا " أن " مع عسى وكرهوه مع كاد -
فإن قال: لست أتشاغل بعلوم المؤدبين، وإنما آخذ بمذهب الحافظ، إذ يقول: علم النسب والخبر علم الملوك، قلنا له: فمن أبو خلدة (1) فإن أبا جلدة (2) معروف، ومن العاض وما اشتقاقه (3) فإن العاص معروف، ومن حبشية - مفتوح الأول مخفف - فإنه بالتشديد وضم أوله معروف (4) - ومن عمرو بن معدي كرب غير صاحب: " أمن ريحانة الداعي السميع " (5) فإن هذا معروف - وما اسم امرئ القيس على الصحة لا على هذا الظاهر وعلى أن في اشتقاقه كلاماً طويلاً فإن هذا معروف - ومن الزبير غير الأسدي واليهودي فكلاهما معروفان - ومن الزبير بفتح الزاي فإنه بضمها معروف (6) - ومن القائل:
وقابلة لجلجتها فرددتها لدى الفرش لو نهنهتها قطرت دما
أرجل أو امرأة - وهل صفية الباهلية قلب أم مولاة - وهل المستشهد بشعره في " غريب المصنف " أبو كعب بالباء أو التاء، وفي أي زمان كان، وأيهما كان اسمه
__________
(1) الخاء غير معجمة في ص؛ وخلدة هي بنت طلق اليمامي، حدثت عن أبيها، وخلدة بنت العرياض بن كلاب، روت عن عمها (الإكمال 3: 182) .
(2) أبو جلدة بكسر الجيم مسهر بن النعمان، وشاعر يشكري وآخر عجلي (الإكمال 3: 182) .
(3) العاض بن ثعلبة بن سليم الدوسي، وقال الوزير المغربي هو بلا تشديد (تبصير المنتبه: 890) وهو من عضا يعضو الجرح أي كان بصيراً بالجراح.
(4) هنالك حبشية بن كعب بن ثور من مزينة (تبصير: 486) وحبشية بن سلول، وهذا الثاني يقرأ أيضاً بفتح الحاء وتخفيف الياء (تبصير: 401) .
(5) صدر بيت لعمرو بن معد يكرب الزبيدي، وعجزه: " يؤرقني وأصحابي هجوع " (ديوانه: 136) ؛ وهناك رحل آخر بهذا الاسم وهو عمرو بن معد يكرب الزبيدي الأكبر جاهلي قديم (المؤتلف: 233) .
(6) الأسدي هو الزبير بن العوام، واليهودي هو الزبير بن باطا من بني قريظة أسلم ابنه عبد الرحمن (الإكمال 4: 166) وهناك الزبير بن عبد الله الكلابي وقد عاش آخر خلافة عمر (الاستيعاب: 510) ؛ وأما الزبير - بفتح الزاي - فهو ابن عبد الله بن الزبير شاعر ابن شاعر (الإكمال 4: 165 - 166) .(8/489)
ومن أي شيء اشتقاقه - ومن النطف الذي يضرب به المثل فيقال: كنز النطف (1) - ومن العكمص، لا أسأل عن تفسيره فإنه في اللغة معروف (2) - وكذلك ذو طلال (3) ، وما خوعي فإن جوعى معروف، وهل أخطأ ابن دريد في هذه اللفظة أم أصاب (4) - وما تقول في عدنان غير الذي ذكره محمد مولى بني هاشم فإنه معروف (5) ؛ وهل يخالف فيه أم لا - وحبيب والد ابن حبيب العالم رجل أو امرأة، وهل هو لغيةٍ أم لرشدة (6) - ومن أجمد بالجيم فهو بالحاء كثير (7) - ومن زبد بالباء فهو بالنون معروف (8) - ومن روى عنه عليه السلام: " لا يمنع الجار جاره أن يجعل خشبه في حائطه " (9) وقال " خشبة واحدة " وقالوا كلهم: " خشبه مضافاً - ومن يكثر ذكر الحضرمي في شعره من العرب (10) - والنبيذ المشروب: هل كان معروف الاسم أم لا
__________
(1) هو النطف بن خبيري أحد بني سليط بن الحارث (انظر قصة احتيازه الكنز في ثمار القلوب: 139 وسرح العيون: 54 - 55) .
(2) العكمص: الحادر من كل شيء أو الكثير أو الشديد الغليظ وبه كني أبو العكمص التميمي (التاج: عكمص) .
(3) ص: ذو أطلال؛ ولم يبين ما يريده هنا، وذو طلال: ماء قريب من الربذة وقيل هو واد لغطفان (معجم البكري: 892) .
(4) جوعي المعروف هو مؤنث جائع وقال ابن دريد في الجمهرة (2: 105) إن جوعى موضع وأثبتها البكري عنه، وذكر أنها خوعى بالخاء المعجمة في شعر امرئ القيس (معجم البكري: 404) .
(5) محمد مولى بني هاشم هو محمد بن حبيب نفسه وهو يذكر أن في الأزد عدنان بن عبد الله بن الأزد وقال غيره أنه عدنان (الإكمال 6: 153 - 155) .
(6) حبيب اسم أمه ويقال إن أباه غير معروف.
(7) أحمد بن عجيان شهد فتح مصر (تبصير 1: 3) .
(8) زيد بن سنان بفتح الزاي، وزند بن الجون أبو دلامة وزند في نسب عدنان (الإكمال 4: 168 - 169) .
(9) ورد الحديث في البخاري (مظالم: 20 وأشربة: 24) ومسلم (مسافاة: 136) وسنن أبي داود (أقضة: 31) وابن ماجه (أحكام: 15) والموطأ (أقضية: 32) ومسند أحمد 1: 313، 3: 480؛ قلت: خشبة (بالأفراد) هي رواية أبي ذر ورواء غيره (خشبة " بالهاء - بصيغة الجمع؛ وقال عبد الغني بن سعيد: كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي (وانظر مزيداً من التفصيلات في إرشاد الساري 4: 266) .
(10) الحضرمي: النعل المصنوعة بحضرموت، وأراها ترد كثيراً في شعر كثير " إلى مرهفات الحضرمي المعقرب " (ديوانه: 265) ، و " بأقدامهم في الحضرمي الملسن " (ديوانه: 252) الخ ...(8/490)
عند العرب (1) - ومن روى عن ظئر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها قالت في شارفها: " وكانت لا تغذي أحداً " وما معناه (2) - ومن تفرد من أهل العلم بنصر ذي الرمة وتغليط الأصمعي في قوله: إيه عن / [138] أم سالم، لا على ما قاله النحويون من التعريف والتنكير، فإن ذلك معروف (3) - ومن قال عن المتنبئة إنها سجاح مثل قطام ومن قال سجاح مثل غمام غير مبني (4) - ولم سمي خليد الشاعر: خليد عينين (5) - ومن عمي التي تنسب إليها الصكة فيقال " صكه صكة عمي "، وهل ذكر في شعر ومن ذكره (6) - ومن هو الذي تنسب إليه العرب الصلال ومن ذكره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - ومن كرب المنسوب إليه معدي كرب (7) -
__________
(1) التسمية معروفة ولكن الدلالة مختلفة، إذ كانت اللفظة تدل على كل ما نبذ في الدباء والمزفت فاشتد، ولكنه كان شيئاً غير الخمر ولهذا نجد الفلمس يقول في الخمر:
أروي بها نفسي فتحيا بشربها ... ولا أشتهي شرب النبيذ من التمر
(2) ذلك هو حديث عبد الله بن جعفر عن حليمة السعدية وكانت قدمت المدينة تطلب ولداً ترضعه ومعها شارف - وهي ناقة مسنة: فلما قدر لها أن تكون مرضعة للرسول در ثدياها ودرت الشارف " وقام صاحبي إلى شارفي تلك فإذا بها حافل فحلب ما شرب وشربت حتى روينا " وذلك بعد أن قالت: " ما يجد في ثديي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه " (أسد الغابة 5: 427) .
(3) قال ذو الرمة " وقفنا فقلنا إيه عن أم سالم " - بكسر الهاء - قال الأصمعي: أخطأ ذو الرمة إنما كلام العرب إيه (بالتنوين وقال يعقوب بن السكيت أراد إيه (بالتنوين) فأجراه في الوصل مجراه في الوقف وكذلك قال ثعلب، ما قال الزجاج أنه ترك التنوين للضرورة ولكن أبا علي الفارسي انتصر لذي الرمة وقال: أما هذا الأصمعي مخطئ فيه - ديوان ذي الرمة: 779 واللسان والتاج (إيه) .
(4) يقول الأزهري وابن دريد والجوهري وغيرهم من اللغويين أنها " سجاح " مثل قطام؛ ولم أعثر على من أجاز أن تكون مثل " غمام ".
(5) قيل سمي بذلك لأنه يسكن أرضاً بالبحرين تعرف بعينين (الشعر والشعراء: 373) .
(6) الصكة: شدة الهاجرة، يقال: لقبته صكة عمي وصكة أعمى وهو أشد الهاجرة حراً، وقال بعضهم: عمي اسم رجل من العماليق أغار على قوم في وقت الظهيرة فاجتاحهم، ويقال تصغير أعمى مرخماً، وأنشد ابن الأعرابي:
صك بها عين الظهيرة غائراً ... عمي ولم ينعلن إلا ظلالها (7) معد يكرب اسم يمني يرد في النقوش، وهو سبأي محض، ولا تنطبق عليه التفسيرات التي يوردها لغويو عرب الشمال.(8/491)
وهل أصاب المبرد في نسبة الأبيات الجيمية:
لما دعا الدعوة الأولى فأسمعني أخذت بردي واستمررت أدراجي
أم أخطأ (1) -
فإن قال إنه صاحب سيرٍ وآثارٍ وأحكام، قلنا: أرشدك الله، وما معنى قوله عليه السلام: " من سعادة المرء خفة عارضيه " وهو عليه السلام لم يكن خفيف العارضين، لا على ما فسره فإنه لم يأت فيه شيء (2) - ومعنى قوله عليه السلام: " تسحروا فإن في السحور بركة " (3) ونحن نرى [أنه] ربما أهاض وأتخم، وأضر وأبشم - ومعنى قوله عليه السلام: " اتقوا النار ولو بشق تمرة " (5) ولو سرق سارق [كليجة] تمر فتصدق بنصفها كان مستحقاص للنار عند أكثر المسلمين - وما معنى قوله عليه السلام: " لا يزال الأنصار يقلون ويكثر الناس " (5) ؛ ولو شئنا لعددنا أشخاصهم أكثر مما كان في البادية والحاضرة - ومعنى قوله " إن امرأ القيس حامل لواء الشعراء إلى النار " (6) وهل يثبت الخبر أم لا - ولم قال: " إن من الشعر
__________
(1) نسب المبرد هذه الأبيات للراعي (الكامل 1: 281) وفي ظنه أنها للراعي النميري، وبين الآمدي الأمر في المؤتلف: 177 إذ قال أنها للراعي الكلبي واسمه خليفة بن بشير بن عمير بن الأحوص.
(2) أورد المبرد هذا الحديث في الكامل (2: 129) وقال: ليس هذا يناقض لما جاء في إعفاء اللحى وإحفاء الشاربين.
(3) ورد الحديث في النسائي (صيام: 18) وابن ماجه (صيام: 22) والدارمي (صيام: 9) ومواضع متعددة من مسند أحمد، منها 2: 377، 477، 3: 32، 99 (انظر معجم ألفاظ الحديث) .
(5) الحديث في البخاري (الجمعة: 29 ومناقب: 25 ومناقب الأنصار: 11) .
(5) الحديث في البخاري (الجمعة: 29 ومناقب: 25 ومناقب الأنصار: 11) .
(6) تردده الكتب الأدبية، انظر مثلاً الشعر والشعراء: 67 وليس في الأحاديث المتعلقة بامرئ القيس ما هو قوي مقبول منها.(8/492)
لحكمة " (1) ، ثم قال عليه السلام: " أوتيت جوامع الكلم " (2) وهل تخرج الحكمة من جوامع الكلم -
فإن قال: إنما أفنيت عمري في القرآن وعلومه، وفي التأويل وفنونه قلنا: إذن يكون التوفيق دليلك، والرشاد سبيلك: صف لنا كيف وقع التحدي بهذا المعجز ليتم بوقوعه الإعجاز، وأخبرنا عن صفة التحدي: هل كانت العرب تعرفه أم لا، أم كان شيئاً لم تجر عادتها به فكان إقصارها عنه، بل لأنه التماس ما لم تجر المعاملة بينهم بمثله، ثم يسأل عن التحدي هل لقي بمعارضة بأن تقصيرها عنه أو لم تكن بمعارضة، ثم يسأل القوم عن قوله تعالى (لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (النساء: 82) وفيه من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ما لا يكون أشد اختلافاً منه (3) ؛ ويسأل عن قوله تعالى (وغرابيب سود) (فاطر: 27) وما معنى الزيادة في الكلام، والغرابيب السود هي الغرابيب، فإن قال تأكيداً فقد زل، لأن رجحان بلاغة القرآن إنما هو إبلاغ المعنى الجلي المستوعب إلى النفس باللفظ الوجيز، وإنما يكون الإسهاب البليغ في كلام البشر الذين لا يتناولون تلك الرتبة العالية من البلاغة؛ على أنه لو قال تأكيداً لخرج عن مذهب العرب، لأن العرب تقول: أسود غربيب، وأسود حالك وحلكوك، فتقدم السواد الأشهر ثم
__________
(1) ورد في البخاري (أدب: 90) والترمذي (أدب: 69) وابن ماجه (أدب: 41) والدارمي (استئذان: 68) ومواضع كثيرة من مسند أحمد منها 1: 269، 273، 303، 309 ... الخ.
(2) حديث أعطيت جوامع الكلم في مسلم (مساجد: 5 - 8 وأشربة: 72) والبخاري (تعبير: 11) والترمذي (سير: 5) ومسند أحمد 2: 172، 212، 250، 264.. الخ وحديث " بعثت بجوامع الكلم " في البخاري (جهاد: 122 وتعبير: 22 واعتصام: 1) والنسائي (جهاد: 1 وتطبيق: 100) .
(3) يرى الزمخشري إن عدم الاختلاف هنا معناه عدم التناقض والتفاوت في مستوى النظم والبلاغة والمعاني، وصدق الخبر.. (الكشاف 1: 546 - 547) .(8/493)
تؤكده، وهذه الآية تخالف ذلك، فإذاً بطل التأكيد في المعنى (1) ؛ وما معنى (فخر عليهم السقف من فوقهم) (النحل: 26) وهل يكون سقف من تحتهم فيقع لبس يحتاج إلى إيضاحه بذكر فوق وتحت (2) - ونحو منه قوله تعالى (يخافون ربهم من فوقهم) (النحل: 50) وهل لهم رب من تحتهم - وما معنى فوق ها هنا، وهل تدل على اختصاص مكان - وما معنى قوله (كلمح البصر أو هو أقرب) (النحل: 77) وما هذا الأقرب - وما معنى قوله (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) (البقرة: 74) وهل شيء أشد قسوة من الحجارة (3) - وما معنى قوله (إلهين اثنين) (النحل: 51) وهل بعد قوله (إلهين) إشكال بأنهم أربعة فيستفيد بقوله اثنين ثبات المعنى - وما معنى قوله (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) (البقرة: 282) هلا كان أوجز وأشبه بالمذهب اشرف في العربية - وما معنى قوله (أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم) (النحل: 47) ومن أين تناسب الرأفة والرحمة هذا الأخذ الشديد على التخوف الذي يقتضي العفو والغفران -
__________
(1) قال الزمخشري: فإن قلت: الغربيب تأكيد للأسود، يقال أسود غربيب وأسود حلكوك.. ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفر فاقع وأبيض يقق وما أشبه ذلك قلت: وجهه أن يضمر المؤكد قبله ويكون الذي بعده تفسيراً لما أضمر كقول النابغة " والمؤمن العائذات الطير " وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإضمار والإظهار جميعاً (الكشاف 3: 307) .
(2) الوجه في " فوق " هنا في قوله " وهو القاهر فوق عباده " أي أنهم يخافون ربهم عالياً قاهراً لهم (انظر الكشاف 2: 413) ؛ وقوله " كلمح البصر أو هو أقرب " أي كما تبالغون أنتم حين تستقربون شيئاً (نفسه: 421) ؛ وقوله " إلهين اثنين " الوجه فيه: إن الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين على الجنسية والعدد المخصوص فإذا أريد التأكيد على أن المقصود هو العدد شفع بما يؤكده فقيل إلهين اثنين أو رجل واحد.. الخ (نفسه: 413) ويأخذهم على تخوف أي وهم متوقعون وقيل هو أن يأخذهم على أن يتنقصهم شيئاً بعد شيء في أنفسهم وأموالهم وبذلك تكون الرأفة والرحمة حيث يحلم عنهم ولا يعاجلهم مع استحقاقهم (نفسه: 411) .
(3) إن قلت لم قيل أشد قسوة وفعل القسوة مما يخرج منه افعل التفضيل وفعل التعجب قلت: لكونه أبين وأدل على فرط القسوة، ووجه آخر وهو أن لا يقصد معنى الأقسى ولكن قصد وصف القوة بالشدة كأ، هـ - قيل اشتدت قسوة الحجارة وقلوبهم أشد قسوة (الكشاف 1: 290) ولم يورد الزمخشري توجيهاً لتكرير كلمة " أحداهما " في الآية 282 من سورة البقرة، وذهب أبو حيان إلى أنه أبهم الفاعل في أن تضل بقوله " إحداهما " ولهذا أيهم الفاعل في " فتذكر " فكرر إحداهما، إذ كل من المرأتين يجوز عليها الضلال والاذكار فلم يرد بإحداهما معينة (البحر المحيط 2: 349) .(8/494)
وعلى أن هذا السائل لو علم لسأل عن الصناعة التي أنا بها مرتسم، وبشروطها ملتزم، لا في الترسل / [139] فإني ما صحبت به ملكاً؛ ولكن في صناعة الخراج، فكان يجب أن يقول: ما الباب المسمى المجموع من الجماعة (1)
وأين موضعه منها، وأي شيء قد يكون فيه ولا يحسن ذكره في غيره - وأن يقول: ما الفائدة في إيراد المستخرج في الجماعة ومن كم وجه يتطرق الامتثال عليها بالغاية منها. وأن يقول: ما الحكم في متعجل الضمان قبل دخول يد الضامن، وأي شيء يجب أن يوضع منه إذا أراد الكاتب الاحتساب به للضامن من النفقات، وخاصة من جاري العامل، وفيه أقوال تحتاج إلى بحث ونظر - وأن يقول: إن عاملاً ضمن أن يرفع عمله بارتفاع مالٍ إلا أنه لم يضمن استخراج جميعه، وضمن استخراج ما يريد على ما استخرج منه خمس سنين إلى سنته بالقسط، كيف يصح اعتبار ذلك، ففيه كمين يحتاج إلى تقصيه وتأمله - وأن يقول: لم يقدم المبيع على المستخرج، والمبيع إنما هو من المستخرج، وكيف يصح ذلك - وأن يقول: أي غلط يلزم الكتاب وأي غلط لا يلزمه - وأن يقول: متى يجب الاستظهار للسلطان في صناعة الخراج ومتى لا يجوز الاستظهار له - وأن يقول: متى يكون النقص في مال السلطان أسد في صناعة الكتابة من الزيادة، ولست أعني نقص الارتفاع مع العدل، وعادل زيادةٍ مع الجور، فذلك ما لا يسأل عنه، وأن يقول: ما باب من الارتفاع إذا كثر دل على قلة الارتفاع، وإذا قل دل على جمام الارتفاع ووفوره - وأن يقول: متى تكون مشاهدة الغلط أحسن في صناعة الكتابة من عديمه - وأن يقول: كم نسبة جاري العمل من مبلغ الارتفاع وأول من قرره ورتبه - وأن يقول: ما رتبتان من رتب الكتابة إذا اجتمعتا لكاتب بطلت أكثر حججه في احتساباته - وأن يقول: هل يطرد في أحكام
__________
(1) الموافقة والجماعة حساب جامع يرفعه العامل فراغه من العمل، ولا يسمى موافقة ما لم يرفع باتفاق ما بين الرافع والمرفوع إليه، فإن انفرد أحدهما سمي محاسبة (مفاتيح العلوم: 38) .(8/495)
الكتابة حملها على مناصبة أحكام الفقه أم لا، وهل يذهب [إلى ذلك] أحد من متقدمي الكتاب، وما الحجة فيه، وبالله التوفيق.
قال ابن بسام: وهذا المجموع إنما هو لسان منظومٍ ومنثور، لا ميدان وتفسير، أورد الأخبار والأشعار لا أفك معماها، في شيء من لفظها ولا معناها، ولو ذهبت فيه إلى إيضاح مبهم، وإعراب مستعجم، لكانت هذه الفصول أولى ما فتحت مقفله، وآكد ما أوضحت مشكله، على أني قد ألمعت فيه ببعض تنبيه، بين ذكر أجريه، ووجه عذر أريه.
فصول من سائر ترسيله
فصل له من رقعة: وقفت على كتابك ولم أزل ألثمه، كأني قد ظفرت باليد التي بعثته، وأضمه كأني أضم الجواتنح التي نفقته، وكأني كلما أدنيته إلى الكبد المعذبة ببعدك، وأمررته على العين المطروفة بفقدك، سحبت على النار ذيل السحاب، وسقيت عطش الحب كأس الرضاب، وأعرت أخا سبعين ظل الشباب، فأخرت يوم قدومه لأجعله موسماً للسرور، وعيداً باقياً على الدهور، أرتقب السعد عنده كل عام، وانتظر الفرج منه من كل غرام؛ واتفق وروده في أشرف فصول الدهر حسباً، وأكرم مفاخر الأيام نسباً، حين ابتدأ (1) الربيع يزخرف بروده، والروض ينظم عقوده، وكنت أعرف هذا الفصل باعتدال منهاجه، وصحة مزاجه، وأنه لو كان الزمن شخصاً لكان له مقبلاً، ولو أن الأيام غوان لكان لها حلياً وحللاً، لأن الشمس تخلص فيه من ظلمات حوت السماء، خلاص يونس من ظلمات حوت الماء، فإذا وردت الحمل وافت أحب أوطانها إليها، وأعز مساكنها عليها.
وفي فصل منها، فيا حسن تلك الصحيفة ومدادها ينتهب بالأفواه، ويزيد بالتقبيل لعساً في الشفاه، ويا عجباً كيف حفظ مع بعد العهد نشر عرفك، وكيف
__________
(1) ابتدأ: مكررة في ص.(8/496)
علق مع تراخي الأيام طيب كفك، وكيف جاء كأنك كتبته من أمم، وأنقذته وبيننا خطوة قدم، وكيف لم يغيره ما قطع من مهاول قفار، وليل ونهار، وعدو كاشح، ورقيب لامح، فأنعم به من ريحانة ألفاظ دامت لدونتها، وباكورة وصال سلمت غضوضتها (1) ومسحة يدٍ بقي أثرها أرجا، وروضة كلم دام على الصيف بهجتها (2) .
وفي فصل منها: فأما سؤالك عني فما يشبه سيرتك الحسنى، ولا يليق بطريقتك المثلى، كيف تسألني والإجابة معك - وكيف تستخبرني ومحل الخبر والاستخبار عندك - / [140] ومتى سمعت بجواب جسدٍ رهينة - وأين رأيت طماح عين لواحظها مقيدة كليلة - ألم أفارقك وقلبي عندك أعشار، وأضلعي منه قفار -
وفي فصل: وردت الموصل التي خالف اسمها معناها، وكانت مقطعاً بيننا لولا خدع الأماني، وفصلاً لولا المرجو من عفو الليالي، فوجدت هواءها يعطل سوق بقراط اعتدالاً وطيبة، وماءها يسلي عن مجاج النحل استمراء وعذوبة، وصقعها قد تبغدد رقةً ولطفاً، وجوها قد تزندق تنعماً وظرفاً، تكاد تثقله عقود الغانيات، ويخجله تتابع اللحظات، كل شمأله نسيم، وكل جنوبه حياً عميم، ورأيت أرضها أطيب الأرض خيما، وأزينها أديما (2) ، تنسج بالسندس الأخضر، وتفتر عن الأقحوان الأحمر، وألفيت بنيانها هو الذي حمده الله في تنزيله (4) ، وأحبه لنا أن نكون مثله جهاداً في سبيله، مرصوصاً بوقاح الجلمد، ملاءماً بينه بالشيد الممرد، قد حصن ظاهره على باطنه عن تداخل الإبر، ومساكن الذر، يزل عنه ظفر الطائر، وتتدحرج عليه أحداق (5) الناظر، وتغنى به العروس عن الماوي المنير (6) ، وتستبين
__________
(1) ص: غضاضتها، وهو عند بعض اللغويين جائز، وأنكره علي بن حمزة، والالتزام به هنا غير ذاهب مع السجع.
(2) كذا وردت العبارة في ص، ولعلها " دام على الصيف زهرها بهجاً " أو ما أشبه.
(2) كذا وردت العبارة في ص، ولعلها " دام على الصيف زهرها بهجاً " أو ما أشبه.
(4) يعني أنه بنيان مرصوص يشد بعضه بعضاً (انظر الآية 4 من سورة الصف) .
(5) ص: أكداه.
(6) الماوي: حجر البلور أو المرآة.(8/497)
به الجفون منابت الشكير من أهدابها والغمير، متلافية أقطارها على رجال كأنهم أنسلاء عادٍ وثاقة أجسام، وصلابة أحلام، وبعد مرام، لطفوا عن بدوية الشام وغلظته، وجمدوا عن ذوب العراق وخلابته، قد عقدت ألسنتهم بالصدق فما ينثر الباطل من عذباتها، وصحت غرائسهم في المودة فما يجتنى الغدر من ثمراتها، إن سلماً فسلماً وإن حرباً فحرباً، لا يعرفون تدليس الأخلاق، ولا تمويه النفاق، وشعراؤهم (1) ملء اليدين، وكتابهم أثر بعد عينٍ، أدبهم [حسن] (2) على قلة الملوكي فيه، وعلمهم متقن لمن تأمل أدق مسربٍ (3) في فتن معانيه، قد محص تهذيب المحن شرارهم وأوهن خيارهم، بلدهم أطلال، وأحوالهم آل، قويهم يئن ضعفاً وضعيفهم يماطل حتفاً، بقيت عليهم أسمال النعم وذهب الدهر بأجسامها، وانجلت عنهم ظلل المحن وهم يتأوهون من غير آلامها، إلا أن فيهم بقية نقية، وفيهم موضع تداركٍ إن رزقوا سيرة مرضة، فلولا ما أرجوه من مداواة أسقامهم، وإعادة صالح أيامهم، لفضاني الانتماء بمعايشتهم قبل معاناتهم، وبملاحظتهم قبل مقاستهم، لكني أعلم أن من يحيي العظام وهي رميم، ويبعث (4) الروض وهو هشيم، وينشئ [-] بعد ما كانت قفاراً، ويجعل من الشجر الأخضر ناراً، قادر على أن يجعل ثواب نيتي فيهم معونتي على ما أنويه لهم، وجزاء تأملي بهم بلوغ الغرض في تدارك رمقهم.
وفي فصل: لو أطقت تفصيل المجمل، وإيضاح المشكل، لجرت لك به يدي طلق الجموح، ولأغنتك أسماره عن الوتر الصدوح، إلا أن القب عليل، والخاطر كليل، والزمان ببلوغ الأمل بخيل.
__________
(1) ص: وسفراؤهم.
(2) ليس في موضعها بياض في ص.
(3) ص: متقن من.... مسرباً.
(4) وص: ويبلى (دون إعجام) .(8/498)
وفي فصل من أخرى إلى ذي السعادتين (2) : للرياسة كلف لا يستقل بها إلا المهذب الكامل، ولا يخطو تحت أثقالها إلا الأوحد الفاضل، ولا يبلغ ذوائب أعاليها، إلا من شرب الأجاج من ماء واديها، ولا يلذ بملكها إلا من أغلى المهر من كريم مساعيه، ولا يفض ختامها إلا من جعل منازلة الخطوب سلكاً لعقود أيامه ولياليه، ولذلك قيل ما أنشدته استبصاراً، وأنا إلى إيراده أبين إصراراً:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرا (2)
وإن سياسة الأقوام فأعلم لها صعداء مطلعها طويل (3)
ويظلموا فنرى الأوان مسفرةً لا خوف ذل ولكن فضل أحلام
ويحتاج الرئيس إلى أعوان يظهر بهم كمين مكارمه، ويمضي فيهم وبهم ماضي عزائمه، فلولا الطالب لعاش الكريم مطوياً على حسرات أوطاره، ولولا الخاطئ لما وجد الحليم لذة حلمه ووقاره، وكلما كان التابع أبعد مذهباً في معناه، كان المتبوع أشد جذلاً بظهور مناقبه وعلاه.
وفي فصل: وقد كانت مني كبائر تكنفتها معاذير لا أشين وجه العفو بإيرادها، ولا أنتقص جملة الصفح والغفران بتعدادها، في أن لم أفتتح مناسكي بالسعي إلى حضرته، ولم أبدأ من مطالب شرعي بالتوفر على / [141] خدمته، وقد علم الله
__________
(2) من أبيات تنسب لرجل من بني أسد (شرح المضنون: 473) .
(2) من أبيات تنسب لرجل من بني أسد (شرح المضنون: 473) .
(3) ورد البيت غير منسوب في اللسان والتاج (صعد) ؛ وأكمة ذات صعداء: يشتد صعودها على الراقي.(8/499)
أن ذلك ليس من اعتلال بصيرة بشرف الانتماء إليه، ولا انخفاض همةٍ عن سعادة المثول بين يديه، ولا إمعان في البدوية - وإن كنت من أهلها - حتى أذهل عن مطلع النير الأعظم من الأفق الذي سكنت ظله، ومفيض الفرات الأعذب من البلد الذي استوطنت محله، ولا أن ذكره لم يكن في تلك الأوطان زينة الأعياد، وحلية البلاد، وأنس الحاضر والبادي، وبلغة المسافر والحادي، ولا أني لم أكن ذكي الخاطر بتلاوة مآثر آلائه، ومستشفياً بنسيم الريح من أرضه وسمائه، ومعجباً بما جمع الله بتلاوة أهل الأدب، بل السراة أهل الرتب، ومعنى قول القائل:
يأتيك عن فهم الثناء عطاؤه عفواً وتلك عطية المستبصر
كرم تكشف عن حلى آدابه كالبحر يكشف غمره عن جوهر
وفي فصل من أخرى: ولما أزعجتني الأقدار إلى هذا المقر الجليل على اضطرار باد، ينبو ذلك المهاد، وردت مطرف الناظر، كليل الخاطر، فقصدت مع ذلك خدمته - في ورود الأول - باللقاء أو استطلاع الإذن بالمكاتبة، فأعجلهما مسيرة الميمون، فأحلت بذلك على اجد الظنون، والزمن الخؤون، ثم كتبت مستبدها في هذه الرقعة بأمور يشف عنها الكتمان بصادق ظنه، وينم بها السر والاختفاء إلى نجي ذهنه، فلم أبشر بقدومه حتى أنذرت بصدره، وقد كان من الحق أن أسير في أثره، وأنفذ في تصيد العز بملاحظة غرته، واستلام حضرته، ولكني أهديت من ضعف عذري وقوة ذنبي زينة إلى حلمه ومسامحته، ورجوت أن يضيف إلى الإغضاء فبضله، وأن أعرض عن كل من تغرب عليه الشمس لجرمي فبعدله، وإن يك ظني صادقي (1) فسينخدع لي انخداع ذوي الإنعام، ويتغابن في صمتي عن (2) غيجابه تغابن الكرام، بأريحيته اللدنة الأعطاف،
__________
(1) ص: صادقني.
(2) ص: قيمتي من.(8/500)
ورياسته الموطأة الأكناف.
ومن جواب ذي السعادتين له: للسؤدد محل يدعو إلى نفسه، ويسفر عن شمسه، ويأبى أن يتقلقل به مهاد، أو يتململ بقراره وساد، أو يكون إلا لمن وطأ له [كنفاً] ، وألان بحمله معطفاً، واستقل بأعباء تكاليفه، وأغمض بدائع أفكاره في تضاعيفه، ونص (1) المذكيات في مضماره، واستبرد المصطلى من أواره، وغدا لفارده عشراً، وشرح للعناء (2) فيه صدراً، وكان كما قيل: إن رأى حسنةً قال، أو رأى سيئة أقال؛ فقد أحسن القائل:
إما يربني مفصل (3) فقطعته فيوشك أن يدوى لذلك سائره
وإنما نصصت على الموقع الأنبه من حضرته، ودللت عليه بناره وسمته، لياذاً بقوة الدواعي منه في تمثل ما أجراه الاتفاق على ضد المراد، وثناه القدر الغالب فيه عن غرض الاعتقاد، وسنن الارتياد.
وفي فصل منه: حتى بدا مطلع الأمل من حيث شمته، وصدق اليقين بتلك الأوصاف اللائقة، والفضائل الشائقة الرائقة، ما تصورته وتحققته، وذر البدر (4) الكامل بالكتاب المعرب عن جميع أدوات الفضل ومعانيه، وبوارع الأدب (5) النبيل ومعاليه، فأكرم به من واصل بالمعنى في موضع العتب، ووافدٍ بالحسنى على الإساءة بالذنب، وأعجب بما حواه من رائع البلاغة وبارع العبارة، ومستكرم المآتة، ومستغنم الإطالة، ولقد أخبر من أنباء السلامة في النفس المحروسة ما ضاعف المسرة، وضاعف الغبطة والحبرة، وأشار فيما عداها إلى ما أسال العبرة، وأشعر الحسرة، ولله تعالى في مثل ذلك ألطاف توضح عن حسن عواقب
__________
(1) ص: وتصل.
(2) ص: للهاء.
(3) ص: ما يريني مفصل.
(4) ص: ودر البر.
(5) ص: وفوارع الأب.(8/501)
التفويض، وتقوم بإكرام الإنابة والتعويض، وقد استرهن عندي بمبتدأ التطول بالمكاتبة يداً، اقتضى اعتدادي بها وشكري لها بما يبرهن عن توافقنا في الصفاء، وتشاكلنا في الإخاء، وسيدي يطيع في ذلك بواعث كرمه، ونوازع شيمه.
فأجابه ابن المغربي برقعةٍ قال فيها: ألقي إليّ كتاب كريم يكتفي شرف الهمة بخيال عنوانه، ولا يبلغ بشق النفس شكر ظاهره فضلاً عما في طي جنانه، ففضضته عن الروض العازب، والتقطت منه فرائد الكواعب، ووجدت فيه نسيم الشباب، وتعللت به في عطف الأيام / [142] السالفة العذاب، ووجدته قد احتوى من عقائل الفصاحة وكرائم البلاغة على ما يعدى المعجم العيي فينطق متخيراً، وينشده الناطق البليغ فيبلس متحيراً، وظننت أن العشاق لو أعيروا من ألفاظه مزاجاً للمراشف، ووهبوا من أنفاسه عطراً للسوالف، لصالوا بحجج تجل عن تسمية المعاذير، وتصبغ الخطأ بلمع الصواب المنير، ولو أنهم جعلوه رمي سهمة الفراق لكفت عواديها، وأخذة لأعين الرقباء لطفرت [من] مآقيها، ولو أن الحمام أصغت إليه لعاد نوحها شدواً، ولو أن الليالي تتدثر (1) به لصار دجاها غدواً، وعجبت مما حمل على منتي الضعيفة من منن كنت قبلها نضو العزيمة فكيف [أنهض] بها، ومن مبار يكاد يمنعني فادح أثقالها أن أستار مرفقها، فلو أن ذلك الكتاب الجليل صدر إليّ من عدوي لاهتززت ببدئاع ما فيه، ولو أنه تاه عن إنعام علي لغالطتني عذوبة لفظه عن مرارة معانيه، فكيف وقد جاءني عن الأيام عتبي، وجعل قلبي لخواطر الجذل نهباً، ولست ألم بشكره عن هذه العاطفة الكريمة فأوهم أنها مما تتناوله أفكاري الكليلة، ولا أتعرض لحمدها فأحبط أجري في الاعتراف بالتقصير عن مواهبها الجزيلة، ولكن أوفيها، ما وجب من إظهار العجز فيها.
__________
(1) ص: تتدهما، وعليها علامة خطأ.(8/502)
وأين الثريا من يد المتناول
لو أعنت بما تلاقى عليه [-] من خواطر ملتهبة المطالع، وألسنة معروفة المقاطع، لما ازداد هذا الدين علي إلا توثقاً، ولا استجد هذا الحق إلا تعلقاً.
دع ذا وعد القول في هرم (1)
أنا الآن من التسوق إلى خدمته لو وجدت إليها سبيلا، وأعلمت نحوها رحيلا، وقد كنت ارتحت للفقرة التي تضمنها كتابه العالي من ذكر التفويض والتعويض، ورأيت أنها لو صدرت عن الحسن البصري لما زادت (2) على ما غشاها في عيني من البهاء وجلالة الصدق، ولقد انتفعت بها ورجوت يمن نقيبتها [وحسن] عاقبتها. وجملة ما أقترحه أن يتصور في ما يتصور في بعض الأقربين من خادم يصطنع فيجرى من الحنو عليه مجرى خواص الأهل وأداني الأصحاب، فله الرأي العالي في إنزالي حيث أنزلت نفسي من الاختصاص بجهته، فأما المكاتبة فقد تقدم القول في اقتناعي منها بمثل طيف الخيال، أو رضائي أن يخطر ذكري بالبال، إن شاء الله.
وطار للشريف أبي طاهر باز كان يتصيد إليه: بلغني خبر الغادر المفارق، والباشق الآبق (3) ، فشاركته في الاستيحاش [من فراقه] لما كان يبدع من مصايده، ويقرب عن مطارده، ورأيته قد شاب فضائله بهذا الغدر الذي يسلي عن تذكاره، والإباق الذي ينسي محاسن آثاره، والنكث الذي ختم به عواقب عهده، وبغض إلينا، بل إلى سيدنا، استخدام أمثاله من بعده، لأن أحق الناس بكراهة الغدر من كان الوفاء رضيع لبانه، والحفاظ منبت أصوله ومنشأ أغصانه،
__________
(1) صدر بيت لزهير بن أبي سلمى، وعجزه: " خبر الكهول وسيد الحضر " (شرح ديوانه: 88) .
(2) ص: رددت.
(3) ص: الاربق.(8/503)
وكأني بفقده وهو عند الدراج من أنعم الأعراس، ومن الوحشة منه وهي بين سراب الطيور من ألذ الإيناس، لأنها أريحت بعده من حتفها العاجل، وسمها القاتل، وأجلها القاصر، ووجلها الحاضر، وعقلة قوادمها وخوافيها، ودهشة نواظرها ومآقيها، والكوكب المنقض (1) على مسارحها، والسهم القاصد إلى مذابحها، والآفة التي كانت حرمت بها حسن الرياض المونقة، وثكلت برد الغدران المغدقة، وتنغصت مشاهدة هذا الجو الرقيق الشمائل، اللازوردي الغلائل، حتى صارت لا تلتذ بوكر تبنيه، ولا بفرخ تغذيه، علما بأن لها منه مفرق العدد، وفاجع الوالد بالولد؛ ولو علمت هذه الأطيار الشامتة بفناده، السالكة سبيل الأشر بافتقاده، بما يعده سيدنا لها من ذي ظفر مظفر، ومنسر للطير ميسر، وخلف صالح، وجارح جارح، أشد لها منه اصطلاما، وأسد إلى مقاتلها سهاما، لعلمت أن كثرتها استجماع (2) له، وأن وفورها توفير عليه.
وفي فصل منها: وما ألوم المارق على ملله وانحياشه، لأنه كان قد تعود أن يصيد بمقدار قوته ومعاشه، فصار سيدنا يستخدمه بهمة تطلب الغاية البعيدة، وتستهل / [134] المشقة الشديدة، التي هزلها جد، وجورها قصد، ولعبها ارتياض، يتصير من لم ينقد إليها سريعا، [ذا] ضراوة على اقتناص من لم ينته إلى أوامرها مطيعا، فلم يطق على ذلك جلدا، ولم يجد بهذا الأمر الفادح يدا، فما أشد بسطي لعذره، ومعرفتي بسبب غدره، وآمل أن يتذكر ما كان له بفنائه من نعيم، خياله بين عينيه، وطيب عيش، تذكره أجدى له من حماقيه، فتدعوه عواطف التربية والإيثار، وتزول عنه عوارض السهو والاغترار، فيعود غلة رسمه، ويعوذ من جرمه، ويرجع وقد أدبته النكبة، وهذبته الغربة.
__________
(1) ص: المنقض.
(2) ص: استنجام.(8/504)
وكان في ذلك الأوان بمدينة [تكريت. رئيس] (1) ممن يشار إليه، ويعول قومه عليه، فرأى في منامه (2) النبي عليه السلام مع علي بن أبي طالب، وحضاه على السلام، ووجد في الإنجيل ما دله على البشارة بمحمد عليه السلام، فاستدعي إلى الحضرة ببغداد، وطيف به في سائر البلاد، فكتب إليه ابن المغربي رقعة قال فيها:
ويعلم الله ما ورد علي وعلى كافة من حضر من المسلمين من السرور بما أبان الله (3) من آية قطعت عذر الجاحدين، و [حجة] (4) استهلكت شبه العائدين الجاهلين، لا أن هذا الدين - بمحمد الله - مفتقر من بعض حواشيه، إلى بينة تزيد فيه، ولا أن الاستدلال الصادق كان ترك شبهة إلا فضحها، ولا معجزة إلا أوضحها، وزائغا إلا قومه، وجاهلا إلا علمه، وركنا لباطل إلا خفضه، وعقدا للشرك إلا نقضه، إلا أن المخالفين قد شغلت الدنيا أكثرهم عن التأمل، وحجبت العادات خواطرهم عن التأول، فبعد بالحجج السالفة ذكرهم، واشتد إلى البراهين المستحدثة فقرهم، فكان أبلغ [برهان] إقبال مثله إلى المحجة عن غير رغبة استفزته، ولا رهبة هزته، ولا محاسدة أغرته، ولا مناظرة عزته، بل أطلق عنان عقله ومد به راشادا حتى وقفه على الصراط المستقيم، واستتلاه قاصدا حتى أورده إلى المنهج السليم، فوردت النعمة بتخيره صافية غير مكدرة، والمنحة في استئمانه وافية غير مقصرة، فهنأ الله الإسلام ما لا يزال يتولاه من إيضاح مناره، وتبلج أنواره، وإدامة صبحه
__________
(1) بياض في ص، وزدته من تاريخ المسجى: 235ب والرئيس المشار إليه هو أبو مسلم مشرف بن عبيد الله، وكان يعرف بالمطران الكبير، رئيس اليعاقبة؛ ويذكر المسبحي أن إسلام الرجل تم يوم الخميس السابع من جمادى الأولى سنة سبع [-] وأربعمائة وإن الوزير المغربي أرسل إليه هذه الرسالة من ميافارقين: وقد أورد المسبحي جانبا من الرسالة لم يورده ابن بسام، وانقطع فيها بضياع الأوراق ما أورده صاحب الذخيرة ما عدا سطرين منها.
(2) ص: مناها.
(3) المسبحي: سرورا بما آتى الله جلت قدرته.
(4) زيادة من المسجي.(8/505)
ضاحكا تتصدع عنه دياجير الشبهات، وتنجلي منه ملابس الضلالات، وهنأ الله الشيخ ما رآه له أهلا من هذا السناء الذي تقف دونه المعالي، وتضيء به ظلم الليالي، وغرس عنده التوفيق الذي يسترهن لواء النعمة، ويضمن بقاء العصمة.
وفي فصل من أخرى: ولولا أني إذا أردت المواصلة بنفسي ثقلت ثقلين بالزيارة، وبالدالة (1) المستعارة، لما استنبت والله على لساني قلمي، ولا استنطقت يدي قبل فمي، ولكن الاضطرار يقود وأتبع، والزمان يقول فأستمع.
وله من رقعة [في] فتح: ولما تقاربت الفئتان إذا بعدونا في عدة قد اشتملت منهم على كل سهم في كنانتهم؛ قد استكثروا من علوج لا يخشون (2) حومة اللقاء، ولا يثبتون على مقارعة الأكفاء، فلما اجتمع أعداء الله وقلوبهم بالذعر متفرقة، وأقدموا وأقدامهم القهقراء راجعة، وكانت لنا عيون تجثم على مدارج أنفاسهم، وطلائع تقبض على مسارح ألحاظهم.
وفي فصل منها: وبادرتهم فتيان بني عامر على الجرد الصلادم (3) ، وقد برزوا الجنن تعجلا للطراد، وتخففوا من الرماح تقصيرا للبعاد، فوكزوهم بالرماح وكزا ترك الدروع منهم غلائل، وأماني الحياة فيهم قلائل، فلم يترك القتل منهم إلا أنفسا عافتها كرام السيوف، أو آخرين عزين (4) تكفكف عنهم الرحم العطوف، يتمسكون بأنفسهم حوزا، ويعتدون ذل الفرار عزا، وافترقوا إلى أوطانهم يرقبون الليل كما يرقب الصباح، ويدلجون بكل ماش من الخيل بجناح، وكان أميرهم في بلهنية الاستهامة بهم، وقلة الفكر فيهم، قد بات يعمل كاسه ويلهي جلاسه، وغدا سكران
__________
(1) غير واضحة تماما في ص.
(2) ص: الصوارم.
(3) ص: عن.
(4) ص: عرينة (دون اعجام) .(8/506)
على فرس جموح يبادر النهاب وهي أنفسهم، ويحاول الغنائم وهي مهجهم، فرقصت به الفرس فصادف ذلك الأجل المكتوب له، بجزى الله هذا الحي من آل عامر أهنأ الجزاء عاجلا، وأدومه آجلا، وثنى ببني عمنا الأقربين، وعشيرتنا المستخلصين، خفاجة وكذلك الجيران، وأهل البلد والأعيان [144] وألفاف (1) كانت أسماؤهم نكرة، فعرفتها المواقف الحميدة، وطوائف عاطلة حلتها الخطا البعيدة، وخاملة نبه عليها شكر السيوف لأيد منهم وصلت قصارها، وأوصلت في زحام الورد حوارها.
وفي فصل له: وكلما هممت بمفاتحته اعتضرتني خجلة المتاركة، واستوقفتني غفلة المجانبة، وخانت يدي قلمب، فلم تشفه بإظهار ضميره، ولم تحسن النيابة عنه في الاعتذار من تقصيره.
وهذه أيضاً جملة من شعره في أوصاف شتى
قال:
عجبت هند من تسرع شيبي قلت هذا عقبي فطام السرور
عوضتني يد الثلاثين من مس - ك عذاري رشا من الكافور
كان لي في انتظار شيبي حسابا غالطتني فيه صروف الدهور
والبيت الثاني منها كقوله الوزير أبي محمد ابن عبدون:
يا دهر ذنبك عندي غير مكفور على م عوضت من مسكي بكافور
وقال (2) :
__________
(1) ص: والفات.
(2) منها أربعة أبيات في دمية القصر 1: 94 وثلاثة في الشريشي 3: 120 والأبيات 10، 2، 4، 5، 3، 6، 7، 9، في ريحانة الألباء 2: 476.(8/507)
علمت منطق حاجبيه والبيت ينشر رايتيه
وعرفت آلات النعي - م بقبلة في عاضيه
ولقد أراه في الخلي - ج (1) يشقه من جانبيه
والماء مثل السيف وه - وفرنده في صفحتيه
لا تشربوا من مائه أبدا ولا تردوا عليه
قد ذاب فيه الحسن [من] حركاته أو مقلتيه
والسلم أسلم فاحذروا من فترة في ناظريه
صبغت بياض النيل حم - رة وردة [في] وجنتيه
وقال:
تمنع أن رأى زغبا بعارضه قد التهبا
وتاه علي أن أبدت عقارب صدغه ذنبا
وقدر أنه سبب يقطع بيننا النسبا
ولا والله لا آلو لحق عنده طلبا
ولا خليت في كفي - هـ - قلبا طال ما انتبها
أما عيناه عيناه الل - تان أباحتا الريبا
وقال وقد كسفت الشمس:
لمثل ذا اليوم يا معذبتي كانت ترجيك أختك الشمس
قومي اخلفيها في ذا الكسفوف ففي وجهك عنها إن أوحشت [أنس] (2)
وغالطي حاسب النجوم فإن لجت وغابت أصابه لبس
__________
(1) الشريشي والدمية: الغدير.
(2) موضع هذه اللفظة في ص: " خلف ".(8/508)
وقال:
يوم الكسوف جلا على بصري قمرا أحار الجن والإنسا
قامت فأرخت من ذوائبها وتجللت من شعرها لبسا
فسألتها لم قد لبست دجى قالت أساعد أختي الشمسا
وقال:
قالوا كسوف الشمس مقترب قلت ادخرت لدفع نائبها
ثقتي بكاسفها وكاشفها وبفضل ماحيها وكاسبها
من لو يشاء أعاد مشرقها متبسما لك من مغاربها
هي شعلة من نوره فإذا ما شاء أظلم أو أضاء بها
وقال (1) :
أدر كأمس المدام فإن قلبي أتيح له عن التقوى ارتحال
حللت ببابل وأردت ألا أهيم بسحرهم، هذا محال
وقال (2) :
دنف بحمص وبالعراق طبيبه يضنيه عنه بعاده ويذيبه
ما ناله إلا الذي هو أهله إذ غاب من بلد وفيه حبيبه
لزم السهاد تحيرا وتلددا وتأسفا إذ أوبقته ذنوبه
زعم الفراق دعا به فأجابه ونعم دعاه فلم أراد يجيبه
__________
(1) تاريخ المسبحي: 233 / أ.
(2) الشريشي 3: 120.(8/509)
وهذا كقول الآخر:
أتظعن عن حبيبك ثم تبكي عليه فمن دعاك إلى الفراق
وقال آخر:
كذبتك نفسك لست من أهل الهوى تشكو الفراق وأنت عين الظالم
وقال المغربي (1) :
ولما احتوى بدر الدجى صحن خده تحير حتى ما درى أين يذهب
تبلبل لما أن توسط خده وما زال من بدر الدجى يتعجب
كأن انعطاف الصدغ لام أمالها أديب يجيد الخط أيان يكتب
وهذا المعنى كقول الآخر، وأنشد القطعة بكمالها، استيفاء لجمالها:
تعلم العطف من صدغيه فانعطفا وكان من شأنه ألا يفي فوفي
دب العذار على ميدان صفحته حتى إذا هم أن يسعى به وقفا
كأنه كاتب عز المداد به أراد يكتب لاما فابتدا ألفا
وقال ابن المغرب:
حبيب سرى يسلقبل الليل وحده ويسبق آرام الصريم وأسده
فلا الأنس من أمثاله الأدم عاقه ولا الذعر من أعدائه الغلب صده
يخوض إلى الليل ما بل عطفه ويفرج غيل الدوح ما حل عقده
المصراع الأول منه كقول المعري (1) :
__________
(1) الأول والثالث في الشريشي 5: 223.
(1) الأول والثالث في الشريشي 5: 223.(8/510)
عجبت وقد جزت الصراة رفلة وما خضلت مما تسربلت أذيال (1)
[145] / وقد طلعت في الرأس مني راية ثكلت بها هزل النعيم وجده
كلوح مشيب لو يكون (2) تبسما كما زعموا ما [إن] بكى القلب عنده
وما زهرات الشيب فيه ظوالم كذا العشب يأتي يانع الزهر بعده
أخذت من الدهر التجاريب جملة وقبل أشدي ما بلغت أشده
قوله " كلوح مشيب " ينظر إلى قول ابن الرومي (3) :
لم يضحك الشيب من فوديه بل كلحا سم القبيح من الأسماء ما قبحا
إن كان ابن المغربي قد نقص معناه، وطمس سناه، فقد زاد فيه ما ذهب ببعض جنايته، ومحا كثيرا ما إساءته، وكان الناس قديما وحديثا يستعيرون لبياض المشيب التبسم، حتى جاء ابن الرمي بحر الإبداع، وعذبة لسان الاختراع، فقال بيته المتقدم فأسكت به القائلين، ودفع في صدر المتقدمين، وبين أنه ربما كان الفضل للآخر، وأبقى السالف للغابر، وأرى أول من نحا هذا المنحى، وسلك بالشيب هذه المحجة المثلى، حيث استعار الضحك للشيب، غير مبال إلى ما في ذلك من العيب، دعبل حيث يقول (4) :
لا تعجبني يا عبد من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى
فاستعار الجناح، وغدا على ألسنة الرواة وراح، وتتابع فيه الشعراء فأبدأوا فيه وأعادوا، ونقصوا وزادوا.
__________
(1) الرفلة: الطويلة الذيل؛ الصراة: مجتمع دجلة والفرات؛ خضلت: ابتلت.
(2) ص: يكن.
(3) ديوان ابن الرومي: 563.
(4) ديوان دعبل: 117 وروايته: لا تعجبي يا سلم (وفي الديوان تخريج مستفيض) .(8/511)
وقال ابن المغربي:
ولما دعوت الكأس تؤنس وحشتي لبعدك زادتني اشتياقا إلى القرب
ومالت بأعطافي لها أريحية فقربك أحلى من جناها إلى القلب
فأنت مزاج العيش إن كان صافيا وأنت المعير الصفو في كدر الشرب
وقال في غلام تركي وسيم، كان به يهيم:
غزال لم ألابس قبله التبريح والكمدا
أظن عداه جانية لعشقي مذ كذا رصدا
وقال:
يا أهل مصر عاد ناسككم بالكرخ بعد التقى إلى الفتك
جمش قلبي [مقر] طق (1) غنج بدا لقلبي فيه من النسك
رمى فؤادي بسهم مقلته وكيف يخطي مولد الترك
وذكرت بمعنى البيت الثاني من هذه قول كشاجم، وإن لم يكن به، فيتعلق بسببه (2) :
يقولون تب والكأس في يد أغيد وصوت المثاني والمثالث عال
[فقلت لهم لو كنت أزمعت توبة وشاهدت هذا في المنام بدا لي]
وقال ابن المغربي (3) :
حبيب مللت الصبر بعد فراقه على أنني علقته وألفته
محاسن يأسي شخصه من تفكري فلو أنني لاقيته ما عرفته
__________
(1) الشريشي 5: 305.
(2) انظر زهر الآداب: 611 والشريشي 5: 305.
(3) تاريخ المسبحي: 234 / أ.(8/512)
وقال:
الله يعلم ما إثم هممت به إلا وبغضه خوفي من النار
وإن نفسي ما هامت بمعصية إلا وقلبي عليها عاتب زار
وله في غلام نصراني:
رغبت في ملة عيسى وما يخيب من يرغب في ملته
رغبني في دينه شادن رأيته يخطر من بيعته
صنع حكيم ما أرى أنه يسلط النار على حكمته
إن كان ذا من ساكني ناره فناره أطيب من جنته
ومن مرثية له في الشريف أبي الحسن، صهره:
يا ناعي الدين والدنيا أشد بهما في حيث سال بآل الله واديه
هذي معالي قريش غاض آخرها ومجد هاشم زار الترب باقيه
قل يا أبا حسن والقول ذو سعة (1) لولا حجاب من الثرياء (2) يثنيه
أآخر الدهر أم تحنى عواطفه وفيصل البين أم يرجى تلافيه
كلا لقد فات منك الوصل آمله مذ شيد الجدث المأهول بانيه
هنيت ربعا برغم المجد تسكنه تلقى أباك عليا في مغانيه
إن أخل بعدك بالدنيا أروضها فقد خلا بضمير النبع باريه
هل كنت تعلم إذ عودتني أبدا حسن التصبر أني فيك أفنيه
وهو القائل (1) :
__________
(1) ص: في سعة.
(2) الثرياء: الأرض، أو الثرى والندى.
(1) ص: في سعة.(8/513)
كنت في سفرة البطالة والغي زمانا (1) فحان منه قدوم
تبت عن كل مأثم فعسى يمحى بهذا الحديث ذاك القديم
بعد سبع (2) وأربعين لقد ما طلت إلا أن الغريم كريم
انتهى ما أثبته لأبي القاسم من فصوص نثره، وملح شعره، وأختم ذكره بخبر يتعلق بكرمه، ومحاسن شيمه (3) : كان يوما بداره ببغداد في نوروز سنة ثماني عشرة وأربعمائة، وهو إذ ذاك وزيرها، وله تدبيرها، فدخل عليه وجوه أمراء الديلم والاسفهسلارية من الأتراك على طبقاتهم، ووضعت الهدايا بين يديه على رسم الفرس، فلما / [146] خبف المجلس وتعلى النهار، استؤذن عليه للديلمي مهيار، فأذن له ودخل، فلما مثل بين يديه قال: أيدك الله، هذه البضاعة التي معنا كانت كاسدة، وقد وجدنا لها نفاقا بحضرتك، فقال: هات ما معك، فأنشده قصيدته التي أولها (4) :
عسى معرض وجهه مقبل
وهي قصيدة نيف فيها على المائة، وقد أثبت ما أخرجت منها في موضعها من هذا القسم، فجعل ينشدها وابن المغربي ينشدها وابن المغربي يستعيد أبياته النادرة فيها. ويكثر إعجابه بها، ويجمع كفيه ويبسطها ويقول: أحسنت والله، أجدت والله، إلى آخرها. فلما فرغ أشار له إلى دراهيم ودنانير كانت بين يديه دون باقي الهدايا، ففتح مهيار كمه الأيسر وجمع بين يديه حتى ملأ كمه الأيسر، ثم فتح كمه الأيمن وجمع بيده اليسرى إلى أن لم يبق في الموضع دينار ولا درهم، ونهض؛ وسئل مهيار بعد عن
__________
(1) ياقوت: كنت في سفرة الغواية والجهل مقيما.
(2) ياقوت: بعد خمس.
(3) بغية الطلب 5: 29، 19.
(4) ديوان مهيار 3: 124 وعجز البيت: فيوهب للآخر الأول.(8/514)
زنة ما حصل له يومئذ فقال: كانت الدنانير ألفا ومائة مثقال وعشرين، والفضة ثمانية آلاف درهم.
فصل في ذكر الفقيه الحافظ
عبد الوهاب بن نصر المالكي البغدادي (1)
ناصر دين المالكية، وإيراد قطعة من شعره
الذي هو حلاوة الأمان، وبشر وجه الزمان
كان أبو محمد في وقته بقية الناس، ولسان أصحاب القياس، وهو أحد من صرف وجوه المذهب المالكي، بين لسان الكناني، ونظر اليوناني، فقدر أصوله، وحرر فصوله، وقرر جمله (2) وتفاصيله، ونهج فيه سبيلا كانت قبله طامسة المنار، دراسة الآثار، وكان أكثر الفقهاء ممن لعله كان أقرب سندا، وأرحب أمدا، قليل مادة البيان، كليل شباة اللسان، قلما فصل في كتبه غير مسائل يلقفها ولا يثقفها، ويبوبها ولا يرتبها، فهي متداخلة النظام، غير مستوفاة الأقسام، وكلهم قلد أجر ما اجتهد، وجزاء ما نوى واعتقد.
وقد وجدت له شعرا معانيه أجلى من الصبح، وألفاظه أحلى من الظفر بالنجح: ونبت به (3) بغداد، كعادة البلاد، بذوي فضلها، وعلى حكم الأيام في محسني أهلها، فخلع أهلها، وودع ماءها وظلها، وقد حدثت أنه شيعه يوم فصل
__________
(1) ترجمة عبد الوهاب المالكي في طبقات الشيرازي: 168 وتاريخ بغداد 11: 31 والمنتظم 8: 61 وترتيب المدارك 4: 691 والديباج المذهب: 159 ومرآة الجنان 3: 41 وابن خلكان 3: 219 والمرقبة العليا: 40 وابن كثير 32 والشذرات 3: 223 والفوات 2: 419 والزركشي 2: 202 وتبيين كذب المفتري: 249 والنجوم الزاهرة 4: 276 وورد في دمية القصر (1: 295 - 297) ترجمة أبي نصر عبد الله بن علي بن نصر الماكلي، ولعل صوابه " عبد الوهاب بن علي " إذ نسب له الباخرزي أبياتا لعبد الوهاب في أكثر المصادر.
(2) ص: حصله.
(3) ص: بعد.(8/515)
عنها، من أكابرها، وأصحاب محابرها، جملة موفورة، وطوائف كثيرة، وأنه قال لهم عندما وقفهم للتوديع، وعزم عليهم في الرجوع: والله يا أهل بغداد لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشية، ما عدلت ببلدكم بلوغ أمنية؛ والخبز عندهم يومئذ ثلاثمائة ركل بمثقال. وزعموا أنه ارتجل يومئذ هذه الأبيات (1) :
سلام على بغداد في كل موطن وحق لها مني السلام المضاعف
لعمرك ما فارقتها قاليا لها وإني بشطي جانبيها لعارف
ولكنها ضاقت علي برحها ولم تكن الأرزاق فيها تساعف
فكانت كخل كنت أهوى وصاله وتنأى به أخلاقه وتخالف (2)
وبلغني أنه اجتاز في وجهته تلك بمعرة النعمان، وبها يومئذ أبو العلاء أحمد بن سليمان، فضيفه، وكتب إليه بما أثبته في موضعه، وفي ذلك يقول أبو العلاء (3) :
والمالكي ابن نصر زار في سفر بلادنا فحمدنا النأي والسفرا
إذا تفقه أحيا مالكا جدلا وينشر الملك الضليل إن شعرا
واستقر الفقيه أبو محمد بمصر. فحمل لواءها، وملأ أرضها وسماءها، واستتبع سادتها وكبراءها، وتناهت إليه الغرائب، وانثالت في يديه الرغائب، فمات لأول ما وصلها، من أكلة اشتهاه فأكلها؛ زعموا أنه قال وهو يقلب، وفسه [قد] تصعد وتصوب " لا إله إلا الله، إذا عشنا متنا ". وكانت وفاته بها رحمه الله سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة.
وقد أخرجت من شعره ما يروق العيون، ويفوق المنثور والموزون، ومن شعره
__________
(1) وردت في أكثر المصادر التي جاءت فيها ترجمته: وقيل إن الأبيات ليست له؛ وانظر الشريشي 4: 317.
(2) ترتيب المدارك: وتجانف.
(3) شروح السقط: 1740 وابن خلكان: 220 والفوات: 420 والشذرات: 224.(8/516)
مما أنشده أبو المطرف المالقي (1) :
لا تتعجل قطيعتي فكفى يوما يد الدهر بيننا تقطع
عما قليل تحين (2) فرقتنا ثمت لا ملتقى ولا مجمع
واستقضي بمدينة اسعرد (3) ، فبلغه عن أحد أدبائها أنه قال عنه / [147] كلاما معناه: القاضي - أعزه الله - مجيد. في كل ما يريد، إلا أنه ربما فتر قوله إذا شعر، فقال عبد الوهاب:
أبغي رضاكم جاهدا إذا أملت حسنى عاد لي منكم أذى
إني لأصبح من تجن خائفا وبسلمكم من حربكم متعوذا
فإلى م صبري للتعتب منكم وإلى م إغضائي الجفون على القذى
لو شئت أمنني القريض من الذي أنا خائف ولكان لي مستنقذا
فيظل بي متململا متنغصا من كان قبل الشر بي متلذذا
لكنني أرعى الوداد وإن غدا غيري به متشدقا (4) متطرمذا (5)
وأظل يملكني الحنو عليكم وأكف عائر أسهمي أن ينفذا
وأجل قدري في المودة أن أرى بعد الحفاظ لعهدهم أن ينبذا
أتظن بغدادي طبع خالص يلفى هزيم من اغتدى متبغددا
هيهات إن من الظنون كواذبا والحزم أولى في الحجى أن يحتذى
إن تعتذر منها تجدني قابلا أو رمت تجديد الوداد فحبذا
__________
(1) الشريشي 2: 113 - 114.
(2) ص: بحر.
(3) أسعرد (وتكتب أيضا: أسعرذ، أسعرت، سعرت) إلى الجنوب من ميافارقين (انظر تقويم البلدان: 288 - 289) .
(4) ص: منسوفا.
(5) المتطرمذ: الصلف المنكر بما لم يفعل.(8/517)
طبعي التجاوز عن صديق إن هفا وبغفر زلات الأخلاء اغتذى
فتجنبن عتبي وعد لمودتي لا تصغين لقول واش إن هذى
واعلم بأني لست غافر زلة إن رابني ظن بكم من بعد ذا
ذو الحلم إن سالمته لك منصف فإذا نضا عنه تجده قد بذا
يا شاعرا ألفاظه في نظمه دررا غدت وزبرجدا وزمردا
خذها فقط نظمتها لك حكة فيها وقل لمثلها أن يؤخذا
حتى تظل تقول من عجب بها من قال شعرا فليلقه هكذا
وقال (1) :
ونائمة قبلتها فتنبهت وقالت تعالوا فاطلبوا اللص بالحد
فقلت لها إني فديتك غاصب وما حكموا في غاصب بسوى الرد
خذيها وحطي (2) عن أثيم ظلامة وإن أنت لم ترضي فألف عند العد
فقالت قصاص يشهد العقل أنه على المذنب الجاني ألذ من الشهد
وقالت ألم أخبرك بأنك زاهد فقلت بلى ما زلت أزهد في الزهد
فباتت يميني رهن (3) هميان خصرها وباتت يساري رهن واسطة العقد
وقال (4) :
ومحجوبة في الخدر عن كل ناظر ولو برزت بالليل ما ضل من يسري
أقول لها والعيس تحدج للنوى أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر
__________
(1) أوردها ابن خلكان والفوات والشذرات ومرآة الجنان وابن كثير.
(2) في رواية: وكفي.
(3) في رواية: وهي ... وهي.
(4) ووردت ثلاثة أبيات منها ياقوت 10: 88 وابن خلكان 2: 173 منسوبة للوزير المغربي: وأربعة في الشريشي 1: 299 للقاضي عبد الوهاب.(8/518)
سأنفق ريعان الشبيبة آنفا على طلب العلياء أو طلب الأجر
أليس من الخسران أن لياليا تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وإنا لفي الدنيا كواكب لجة نظن قعودا والزمان بنا يجري
وقال (1) :
حمدت إلهي إذ بليت بحبها وبي حول يغني عن النظر الشزر
نظرت إليها والرقيب يخالني نظرت إليه فاسترحت من العذر
وقال:
لا تترك الحزم في شيء تحاذره فإن سلمت فما في الحزم من باس
العجز ذل وما بالحزم من ضرر وأحزم الحزم سوء الظن بالناس
وقال:
لست وإن كنت معنى به مشتكيا منه أذى حبه
بل راضيا ما كان منه وإن حملت في الحب على صعبه
مر الهوى أطيب من عذبه وجدبه أنعم من خصبه
ما صدق الحب امرؤ لم تبت نيرانه تضرم في قلبه
يستعذب التعذيب فيه وإن آل به ذاك إلى نحبه
لا باغيا منه نوالا ولا يشكو الذي يلقاه من كربه
وقال:
الله يعلم أني يوم بينهم ندمت إذ ودعتني غاية الندم
__________
(1) انظر حاشية 2: في ابن خلكان: 221 ونسبها ابن خلكان نفسه في 4: 381 لأبي حفص الشطرنجي.(8/519)
تزاحمت في فؤادي للنوى حرق تزاحم الدمع في أجفان منسجم
ثم انثنيت وفي قلبي لفرقتهم وقع الأسنة في أعقاب منهزم
وكتب يخاطب المستنصر بالله صاحب مصر: حصن الله المؤمنين من الشيطان [بجنن] الطاعة، ودثرهم من قر وسواسه بسرابيل القناعة، ووهبهم من نعمه مدداً ومن توفيقه رشداً، وصيرهم إلى منهج الإسلام وسبيله الأقوم، وجعلهم من الآمنين فيما هم عليه موقوفون، وزينهم بالتثبيت فيما هم عنه مسؤولون (وما ربك بظلام للعبيد) (فصلت: 46) .
كتابي إليك من الجب بازاء مصرك، وفناء برك، بعد أن كانت بغداد لي الوطن، والألفة والسكن؛ ولما كنت على مذهب صحيح، ومتجرٍ ربيح، كثرت علي الخوارج، وشق [على] الماء ارتقاء المناهج، (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز) (الحج: 40) فأتيت مكة، حرسها الله لكي أقضي فرض الحج، من عج وثج، أسأل الله تعالى القبول، وكيف وإنما يتقبل الله من المتقين؛ وقد كنت عندي ذا سنةٍ ودين، محباً في الله تعالى وفي النبيين، وفي محمد صلى الله عليه وسلم والمهديين، فورد الناطقون، وأتى المخبرون، بخبر ما أنت عليه، فذكروا أنك مدحض لمذهب مالك، موعد / [148] لصاحبه بأليم المهالك، هيهات هيهات (إنك ميت وإنهم ميتون، ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) (الزمر: 30 - 31) فأبيت القبول على أمر لم يصح بيانه لكثرة الكذب في الدنيا، وإذ لا يحل لمسلم أن يموت طوعاً، فأردت الكشف عن ذلك بكتاب منك، والسلام على من اتبع الهدى.
جواب المستنصر بالله: حرس الله مهجتك، وطول مدتك، وقدم أمير المؤمنين إلى المنية قبلك، وخصه بها دونك، ورد كتابك المكرم، وأتى خطابك المعظم، يفصح البكم، وينزل العصم، هبت عليه رياح البلاغة فنمقته، ووكفت(8/520)
عليه سحائب البراعة فرفقته، فيا له من خط بهي، ولفظ شهي، تذكر فيه حسن ظنونك بنا، وتثبت مآثرنا، فلما أن عرست بازائها ورد من فسخ عليك، فخذ بظاهر ما كان عندك ورد، ودع لربك علم ذات الصدور، والسلام.
ومن شعره أيضاً قوله (1)
أهيم بذكر الشرق والغرب دائماً وما بي شرق للبلاد ولا غرب
ولكن أوطاناً نأت وأحبةً فعدت متى أذكر عهودهم أصب
إذا خطرت ذكراهم في خواطري تناثر من أجفاني اللؤلؤ الرطب
ولم أنس من ودعت بالشط سحرةً وقد غرد الحادون واستعجل الركب
أليفان هذا سائر نحو فربةٍ وهذا مقيم سار عن صدره القلب
وقال (2) :
ومحطوطة المتنين مهضومة الحشا منعمة الأطراف تدمى من اللمس
إذا ما دخان الند من طيبها علا [علىي وجهها أبصرت غيماً على الشمس
وقال:
رحلتم فكم من أنةٍ بعد زفرة مبينةٍ للناس شوقي إليكم
فإن كنت أعتقت الجفون من البكا فقد ردها في الرق حزني عليكم
وقال:
يأبى مقامي في مكان واحدٍ دهر بتفريق الأحبة مولع
كفكف فسيك يا فراق فإنه لم يبق في قلبي لسهمك موضع
__________
(1) الأبيات التالية عدا الثالث في ابن خلكان: 221 والمنازل والديار: 199 / أووردت في القسم الرابع من الذخيرة: 101 منسوبة لأبي الفضل البغدادي.
(2) وردا في هذا القسم الرابع: 96 منسوبين لأبي الفضل البغدادي.(8/521)
وقال (1) :
تذكر نجداً والحمى فبكى نجدا وقال سقى الله الحمى وسقى نجدا
وحيته أنفاس الخزامي عشية فهاجت إلى الوجد القديم له وجدا
فأظهر سلوانا وأضمر لوعةً إذ طفئت نيرانها وقدت وقدا
ولو أنه أعطى الصبابة حقها لأبدى الذي أخفى وأخفى الذي أبدى
ولم أنسه والسكر يفتل قده إذا ما تثنى كدت أعقده عقدا
وقال:
بالكرخ من جانب الغربي عن لنا ظبي ينفره عن وصلنا نفر
ذؤابتاه نجادا سيف مقلته وجفنه والشفرة الشفر
ضفيرتاه على قتلي تضافرتا يا من رأى شاعراً أودى به الشعر
وقال:
من بعد ودي رمتم أن تهجروا ما بعد فرقة [مز] معين تخير
وزعمتم أن الليالي غيرت عهد اللوى لا كان من يتغير
إن شئتم أن تنصفوني في الهوى لا تقطعوا حبل الوصال وتغدروا
ردوا الفؤاد كما عهدت إلى الحشا والمقلتين إلى الكرى ثم اهجروا
وقال:
أتبكي على بغداد وهي قريبة فكيف إذا ما ازددت عنها غداً بعدا
لعمرك ما فارقت بغداد عن قلى لها أن وجدنا للفراق بها بدا
إذا ذكرت بغداد نفسي تقطعت من الشوق أو كادت تموت بها وجدا
كفى حزناً إن رمت لم استطع لها وداعاً ولم أحدث لشاطئها عهدا
__________
(1) وردت ص: 102 من هذا القسم منسوبة لأبي الفضل البغدادي.(8/522)
وقال (1) :
تملكت يا مهجتي مهجتي وأسهرت يا ناظري ناظري
وما كان ذا أملي يا ملول ولا خطر الهجر في خاطري
فجد بالوصال فدتك النفوس فلست على الهجر بالقادر
وفيك تعلمت نظم الكلام ولقبني الناس بالشاعر
أيا غائباً حاضراً في الفؤاد سلام على الغائب الحاضر
وقال:
وكل مودة في الله تبقى على الأيام من سعةٍ وضيق
وكل مودةٍ في ما سواه فكالحلفاء في لهب الحريق
وقال:
أمنزلتي سلمى وحسبي رباهما فمجتمعي واديهما بأثال
سلام على تلك المعاهد إنها مهب جنوبي أو مصاب شمالي
ليالي لا أخشى حزون قطيعة ولا أمش إلا في سهول وصال
فقد صار حظي من جميع لقائكم تعرض برقٍ أو طروق خيال
وقال:
يا أملح الناس بلا مريةٍ من غير مستثنى ولا مستعاد
ما زادني صدك إلا هوى والشزر [من] عينيك (2) إلا وداد
فاحكم بما شيت ففيه الرضى وكن كما شيت فأنت المراد
__________
(1) وردت منسوبة للوأواء الدمشقي في الشريشي 1: 112 وهي ديوانه: 99 ومنها ثلاثة أبيات في اليتيمة 1: 296 له أيضاً.
(2) ص: وسود عينيك.(8/523)
وما عسى تبلغه طاقتي وإنما بين ضلوعي فؤاد
وقال:
فؤادي فر من جسدي إليكم فجئت اليوم أطلبه لديكم
فضموا الجسم أو ردوا فؤادي فما في رده حرج عليكم
وقال:
يا لهف نفسي على شيئين لو جمعا عندي لكنتإذن من أسعد البشر
[149] كفاف عيشٍ يقيني كل مسألة وخدمة العلم حتى ينقضي عمري
وقال (1) :
أشكو الذين أذاقوني مودتهم حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
واستنهضوني فلما قمت منتصباً بحمل (2) ما حملوا من ودهم قعدوا
لأخرجن من الدنيا وحبكم بين الجوانح لم شعر به أحد
ألفت بيني وبين الحب معرفة ما تنقضي أبداً أو ينقضي الأبد
وقال:
ولما رأيت العيش أزمع للنوى عزمت على الأجفان أن تترقرقا
فخذ حجتي من ترك قلبي سالماً وجيبي ومن حقيهما أن يمزقا
يدي ضعفت عن أن تمزق جيبها ولو كان قلبي حاضراً لتمزقا
وقال:
حرق سوى قلبي ودعه فإنني أخشى عليك وأنت في سودائه
جاورته سوء الجوار فسؤته لما حللت فناءه بفنائه
__________
(1) هذه الأبيات للعباس بن الأحنف (ديوانه: 84) والبيت الأول منها - في الأقل - لا يمكن أن يكون للقاضي عبد الوهاب لوروده في مصادر سابقة لعصره مثل الأغاني والشعر والشعراء: وقد ورد في الذخيرة: 514 منسوباً للعباس ابن الأحنف.
(2) ديوان العباس: بثقل؛ ص: معتدلاً يحمل -. فقدوا.(8/524)
وقال:
في النفس ضيق وفي الفؤاد سعه فآله الجود غير متسعه
البخل لا أستطيع أفعله والجود لا أستطيع أن أدعه
وقال:
قضت أيامنا سهماً صحيحاً لمن يأوي إلى فهم سقيم
كأن علي للإعدام ديناً فلازمني ملازمة الغريم
وقال:
يحتاج من كان في مواعدكم إلى ثلاث من غير تكذيب
أموال قارون يستعين بها وعمر نوحٍ وصبر أيوب
وقال:
طولت للنفس في الأماني فحسرتي اليوم حسرتان
لما رأيت الشباب ولى وطالع الشيب قد علاني
أيقنت [أني] على فناءٍ مشعر الذيل غير وان
يا طول شوقي إلى أناسٍ خلفني عنهم التواني
وقال:
أنا في الغربة أبكي ما بكت عين غريب
لم أكن يوم خروجي من بلادي بالمصيب
عجباً لي ولتركي وطناً فيه حبيبي
وقال (1) :
بغداد دار لأهل المال واسعة وللصعاليك دار الضنك والضيق
__________
(1) ورد البيتان في ابن خلكان: 221 وترتيب المدارك: 694 والفوات: 420 والديباج: 160 وابن كثير: 33 والشريشي 4: 317.2(8/525)
أصبحت فيها مهاناً في أزقتها (1) كأنني مصحف في بيت زنديق
وقال:
جرد عزيمة ماضي الهم معتزم ودون نيل الذي تبغيه لا تنم
ولا يصدنك عنها خوف حادثةٍ فإنما المر رهن الموت والسقم
ما قدر الله آت كنت في سفر أو في مقرك بين الأهل والحشم
وقال:
إن يكن ما بك هزل فالذي بني منك جد
جملة تغني عن النف - سير: ما لي عنك بد
وقال:
إن ترد الوصل فهذا أنا وإن ترد هجري لك الأمر
ما أنا محتاج ولا وامق فواحد وصلك والهجر
وقال:
لما نشرن على عمدٍ ذوائبها يكاد منها فتيت المسك ينتشر (2)
تقول يا عمتا كفي ذوائبه ويحي ضنيت وأخفى جيدي الشعر
مثل الأساود قد أعيا مواشطها فيه تضل مداريها وتنكسر
تدعو على شعرها لما أضر بها يا ليته كان [فيه] الجعد والقصر
وقال:
رحلت وخليت الفؤاد لديكم رهيناً وإن لم تخل منه الأضالع
فإن أنتم ضيعتموه أسأتم وما الحق إلا أن تصان الودائع
__________
(1) ترتيب المدارك. مضاعاً بين أظهرهم.
(2) ص: يتنشق.(8/526)
وقال:
أطال بين الديار ترحالي قصور مالي وضعف آمالي
إن برت في بلدة مشيت إلى أخرى فما تستقل أجمالي
كأنني فكرة الموسوس ما تبقى مدى ساعةٍ على حال
وقال يتشوق في بغداد (1) :
خليلي في بغداد هل أنتما ليا على العهد مثلي أم غدا العهد باليا
وهل أنا مذكور بخير لديكما إذا ما جرى ذكر بمن كان نائبا
وهل ذرفت عند النوى مقلتكما علي كما أمسي وأصبح باكيا
وهل فيكما من إن تنزل منزلاً " أنيقاً وبستاناً من النور حاليا "
" أجد لنا طيب المكان وحسنه منىً فتمنين فكنت الأمانيا " (2)
كما بي عن شوقٍ شديدٍ إليكما كأن على الأحشاء منه مكاويا
على أدمعٍ منهلةٍ فتأملا كتابي تبن آثارها في كتابيا
ولا تيأسا أن يجمع الله بينا كأحسن ما كنا عليه تصافيا
" فقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا " (3)
فدى لك يا بغداد [أهلاو] منزلا ولم أر فيها مثل دجلة واديا
ولا مثل أهليها أرق شمائلا وأعذب ألفاظاً وأحلى معانيا
وكم قائلٍ لو كان ودك صادقاً لبغداد لم ترحل، فكان جوابيا
" يقيم الرجل الأغنياء بأرضهم وترمي النوى بالمعسرين المراميا " (4)
__________
(1) وردت الأبيات 12 - 14 من هذه القصيدة في المرقبة العليا: 41 وترتيب المدارك: 694.
(2) يضمن ويجري بعض التحوير في قول الشاعر:
ولما نزلنا منزلاً طله الندى ... أنيقاً وبستاناً من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه ...
- (البيت) (3) مضمن أيضاً من شعر المجنون.
(4) الأبيات الثلاثة الأخيرة مضمنة من شعر إياس ابن القائف (الحماسية رقم: 406 في شرح المرزوقي) وإن لم يرد البيت الأوسط في الحماسية المذكورة.(8/527)
" وما هجروا أوطانهم عن ملالةٍ ولكن حذاراً من شمات الأعاديا "
" إذا زرت أرضاً بعد طول اجتنابها فقدت حبيبي والديار كما هيا "
وقال: / [150]
وماذا عليكم لو مننتم بزورة فأجزلتم فيها علينا التفضلا
فإن لم تكونوا مثلنا في اشتياقنا فكونوا أناساً يعرفون التجملا
وقال (1) :
هبني أسأت كما زعمت فأين عاقبة الأخوه
ولئن أسأت كما أسأت فأين فضلك والمروه
وقال:
ولما حدا الحادي بعيس أحبتي ونادى غراب البين بالبين يهتف
بكيت دماً حتى لقد قال قائلب ترى ذا الفتى من جفن عينيه يرعف
وقال:
قلت لها يوماً وأبصرتها بسباسةً في كنها نرجس
ما أقبح الصد فقالت: بلى، أقبح منه عاشق مفلس
وقال:
متى أخف الغرام يصفه جسمي بألسنة الضنى الخرس الفصاح
فلو أن الثياب فحصن عني خفيت خفاء خصرك في الوشاح
وقال (2) :
قطعت الأرض في شهري ربيعٍ إلى مصر وعدت إلى العراق
__________
(1) ورد البيتان في الصداقة والصديق: 206 (دون نسبة) .
(2) وردت في ابن خلكان: 221 وتنسب للوزير أبي القاسم المغربي في دمية القصر 1: 96.(8/528)
فقال لي الحبيب وقد رآني سبوقاً [للمضمرة] العتق
ركبت على البراق - فقلت كلا ولكني ركبت على اشتياقي
فصل في ذكر الأديب الأريب
أبي عبد الله بن قاضي ميلة (1)
وهو ممن طرأ (2) ذكره، وانتهى إليّ شعره، إذ ضرب في الأدب بأعلى قدح، وافتر عنه على أوضح صبح، وأقام دوحه على سوقه، وبنى المنازل (3) على سواء طريقه، ورأيت أبا علي بن رشيق قد ذكره في ما اندرج من كلامه في شعراء " الأنموذج "، وأعرب عن فضائله، وأوضح ما لم يخف من دلائله (4) ، ولعل بعض من يتصفح كتابي هذا يقول: إن شعراء الأنموذج مائة شاعر وشاعرة، وأكثرهم كان في المائة الخامسة من الهجرة، تقاربت موالدهم، وتشابهت مصادرهم ومواردهم، أفلا ذكرهم عن آخرهم، وما له اقتصر على بعضهم دون سائرهم -! فبعض الجواب أني كثرت بهذا الكتاب عددي، وجردته في محاسن أهل بلدي، ثم عرضت بعد معارضته أبا منصور، بذكر من هنالك من شاعر مشهور، واجتلاب ما يتعلق بذلك من خبرٍ مأثور، فأشرت إلى ذكر من كان في هذا الوقت المؤرخ ممن طال (5) طلقه، وشرق أفقه.
__________
(1) سماه ابن خلكان (6: 19) عبد الله بن محمد التنوخي وكنيته أبو محمد؛ وفي أحد أصول ابن خلكان " أبو عبد الله محمد بن محمد "؛ وقد ترجم له في المسالك 11: 304 (وفيه نقل عن الذخيرة والأنموذج) ومر ذكره في كتاب التعريف بالقاضي عياض 72؛ وميلة التي ينتسب إليها تقع في الجزائر.
(2) المسالك: طار.
(3) المسالك: وابتنى منازله.
(4) قال فيه ابن رشيق (كما نقل العمري) : هو شاعر لسن مقتدر يؤثر الاستعارة، ويكثر الزجر والعيافة ويسلك طريق ابن أبي ربيعة وأصحابه في نظم الأقوال والحكايات (واستشهد على ذلك بفائيته) .
(5) ص: كان.(8/529)
ولأبي عبد الله أشعار شاردة سارت على ألسنة الأنام، وكتبت في جبهات (1) الأيام، غير أنه لم يقع إليّ منها عند تحرير هذه النسخة إلا ما أثبت، فمن ذلك ما حدث به أبو محمد بن خليفة المصري (2) قال: لما ولي ابن البواب وزارة المعز بن باديس سأله أبو عبد الله أمراً كلفه، فمطله فيه حتى صرفه، فكتب إليه (3) :
أقول له إذ طيشته رياسة أتت غفلة مهلاً فقد غلط الدهر
ترفق يراجع فيك دهرك عقله فما سدت إلا والزمان به سكر
فما برحت أيامه أن تصرمت وما عندنا شكر ولا عنده عذر
وأنشد أيضاً له المصري المذكور (4) :
جاءت بعودٍ تناغيه فيتبعها (5) فانظر بدائع ما يأتي به الشجر
غنى على عودها الأطيار مفصحة رطباً فلما عسا (6) غنى به البشر
فما يزال عليه أو به طرب (7) يهيجه الأعجمان الطير والوتر
قال ابن بسام: وهذا في ما وصف، كقول ابن شرف (8) :
سقى الله أرضاً أنبتت عودك الذي زكت منه أغصان وطابت مغارس
تغنى عليه الطير والعود أخضر وغنى عليه الناس والعود يابس
__________
(1) المسالك: جبهة.
(2) وردت ترجمته في الأول من القسم الرابع: 342.
(3) المسالك: 304.
(4) وردت الأبيات أيضاً في الأول من القسم الرابع: 356 وقد خرجتها هنالك.
(5) ابن خلكان: ويسعدها.
(6) ابن خلكان: غنت عليه ضروب الطير ساجعة، حباً فلما ذوى.
(7) ابن خلكان: فلا يزال عليه الدهر مصطخب.
(8) ورد بيتا ابن شرف عند ابن خلكان (5: 348) برواية أخرى، وانظر الشريشي 3: 205.(8/530)
وأنشد أيضاً له المصري (1) :
أشقى لجدك أن تكون أديباً أو أن يرى فيك الورى تهذيبا
إن كنت مستوياً ففعلك كله عوج وإن أخطأت كنت مصيبا
كالنقش ليس يصح معنى ختمه حتى يكون بناؤه مقلوبا
وأنشد له أيضاً (2) :
لدنياك نور ولكنه ظلام يحار به المبصر
فإن عشت فيها على أنها كما قيل قنطرة تعبر
فلا تعمرن بها منزلاً فإن الخراب لما تعمر
ولا تذخرن خلاف التقى فيفنى ويبقى الذي تذخر
وظن أناس بأن قد سموا فقالوا علونا ولم يشعروا
كذا البحر يطفو عليه القذى ويرسب في قعره الجوهر
وكان لابن قاضي ميلة صديقان فتقاطعا وندما، واتفق أن بنى أحدهما منزلاً، فقيل لصاحبه: لست تجد وقتاً لمراجعة صديقك أحسن من تهنئتك له بهذه الدار الجديدة، فركب إليه وهنأه، وكان على صاحب المنزل قباء ديباج فيه صور طواويس، فكرر بصره فيها ذلك القاصد، فقال له صاحبه: أتعجبك هذه / [151] الصور - قال: أجل، فوهب الثوب له صاحب المنزل، فقال له القاصد: وأنا عندي طواويس حية تصلح لهذه الدار، فلبس صاحب المنزل القباء غلاماً وسيماً له اسمه نحرير، كان صديقه يهواه، وأهداه إليه، وأخذ صديقه الطواويس وأهداها مع غلامٍ له اسمه بديع كان صاحب المنزل أيضاً يكلف به،
__________
(1) الثاني والثالث في المسالك: 304 ووردت لابن رشيق في ديوانه: 37 وانظر الذخيرة 1: 448 والغيث 2: 114 والشريشي 5: 127.
(2) الشريشي 3: 101 (أربعة أبيات) .(8/531)
فبلغ ذلك الأكحل تأييد الدولة (1) صاحب صقيلية (2) ، فأمر الشعراء بصفة ذلك، فمن شعر ابن قاضي ميلة فيهما هنالك، من جملة قصيدة:
ولله يومكما إذ أتاك مبتهجاً بتمام البناء
فأنفذ في حضن نحريره طواويس موشية في قباء
فما جنك الليل حتى بعثت بديعاً بكل بديع المكاء
بأحسن متخذٍ في البيزت وأطرف مكتسب في القباء
تقابلتما لاختلاف الصفات ولولاهما لاختلاف الهواء
ويعلي الذنابى مدلاً بها على رأسه كانتصاب اللواء
فتلحظ مرأى يروق العيون ويقضي لواصفه بالغناء
هدايا أقمتم لإيصالها ظباء تجر ذيول البهاء
وما عاين الناس من قبل ذا طواويشس [فوق] أكف الظباء
ومنها:
وعاين رجليه في معزلٍ من الحسن حل عقود البكاء
فيهدم جلوته بعدما أقام لها محكمات البناء
ومن سام بالنفس عين التمام نازعه النقص حظ النماء
فيا قمري سؤددٍ قابلا وجوه السنا بوجوه السناء
إذا الدهر رفع قدريكما فقد سربل الدهر ثوب العلاء
ومن شعره (3) :
قالت الحسناء لما أن رأت أدمعي ترفض في ما ابتدرا
ليس هذا الدمع ما خبرته أنا من يهدي إليك الخبرا
__________
(1) أحد أمراء صقلية من بني الحسين الكلبيين؛ انظر دوره في حكم الجزيرة في " العرب في صقلية " 47 - 48 وصفحات متفرقة من المكتبة الصقلية.
(2) هذا وجه من الوجوه التي يكتب بها هذا الاسم.
(3) وردت ما عدا الثاني في المسالك: 305.(8/532)
رق في خدي من ماء الصبا رونق يعشي سناه البصرا
تأخذ الألحاظ منه ريها فإذا جاز التناهي قصرا
وله من قصيد فريد يقول فيه (1) :
ولما التقينا محرمين وسيرنا بلبيك يطوى والركائب تعسف
نظرت إليها والمطايا كأنها غواربها منها معاطس رعف
وقالت أما منكن من يعرف الفتى فقد رابني من طول ما يتشوف
أراه إذا سرنا يسير أمامنا ونوقف أخفاف المطايا فيوقف
فقلت لتربيها ابلغاها بأنني بها مستهام قالتا: نتلطف
وقولا لها يا أم عمروٍ أليس ذا منىً والمنى في خيفه ليس تخلف
تفاءلت في أن تبذلي طارف الهوى بأن عن لي منها البنان المطرف
وأما دماء الهدي فهو تواصل بدوم ورأي في الهوى يتألف
وفي عرفاتٍ ما يخبر أنني بعارفةٍ من نيل وصلك أسعف
وتقبيل ركن البيت إقبال دولةٍ لنا وزمان بالمودة يعطف
فأبلغتها ما قلته فتبسمت وقالت أحاديث العبافة زخرف
بعيشي ألم أخبركما أنه امرؤ على لفظه برد الكلام المفوف
فلا تأمنا ما استطعتما كيد نطقه وقولا ستدري أينا اليوم أعيف
لئن كنت ترجو في منى الفوز بالمنى فالبخيف من إعراضنا تتخوف
وقد أنذر الإحرام أن وصالنا حرام وأنا عن مزارك نصدف
فهذا وقذفي بالحصى لك منذر بأن النوى بي عن ديارك تقذف
فبادر (2) نفاري ليلة النفر إنه سريع وقل من [في] العيافة أعرف
__________
(1) أورد ابن خلكان 6: 159 هذه القصيدة كاملة ومنها ثلاثة عشر بيتاً في المسالك، وسبعة عشر في رفع الحجب 2: 48 وأحد عشر بيتاً في الشريشي 4: 261 وفي الرواية اختلافات يسيرة لا داعي لإثباتها.
(2) المسالك وابن خلكان: فحاذر.(8/533)
ومن مليح الزجر وغريب الفأل قول أبي حية (1) :
جرى يوم رحنا عامدين لأرضها سنيح فقال القوم مر سنيح
فهاب رجال منهم فتعفوا فقلت لهم: جارٍ إليّ ربيح
عقاب بأعقاب من الدار [بعد] ما نأت نية بالظاعنين طروح
وقالوا حمامات فحم لقاؤها وطلح فزيرت والمطي طليح
وقال صحابي هدهد فوق بانةٍ هدىً وبيان بالنجاح يلوح
وقالوا دم دامت مواثيق بيننا ودام لنا حلو الصفاء صريح
لعيناك يوم البين أسرع واكفاً من الفنن الممطور وهو مروح
وقال ذو الرمة (2) :
رأيت غراباً ساقطاً فوق قضبةٍ من القضب لم ينبت لها ورق خضر
فقلت غراب لاغترابٍ وقضبة لقضب النوى هذي العيافة والزجر
وقال آخر (3) :
دعا صرد يوماً على غصن بانةٍ وصاح بذات البين منها غرابها
فقلت أتصريد وشحط وغربة فهذا لعمري نأيها واغترابها
ومن قصيدة جحدر (4) :
ومما هاجني فازددت شوقاً بكاء حمامتين تجاوبان / [152]
__________
(1) هو أبو حية النميري، انظر شعره في الأمالي 1: 69 (وقارن بشرح الأمالي: 243) وزهر الآداب: 477 ورفع الحجب 2: 48 ومنها أبيات في الشريشي 4: 261 وديوان أبي حية (المورد: 1975، العدد الأول: 137) .
(2) زهر الآداب: 478 ونقل المبرد أن الرواة لم يروهما في ديوانه، وانظر ديوانه: 667 (مكارتني) ورفع الحجب 2: 48 والشريشي 4: 260 (لجران العود) .
(3) زهر الآداب: 478.
(4) وردت الأبيات الثلاثة الأولى من قصيدة جحدر في رفع الحجب 2: 48 والقصيدة في معجم البلدان (حجر) ، والنسخة الاستانبولية من منتهى الطلب وتهذيب ابن عساكر 4: 36 والخزانة 4: 483 ورفع الحجب 1: 50.(8/534)
تجاوبتا بلحنٍ أعجمي على عودين من غربٍ وبان
فكان البان أن بانت سليمى وفي الغرب اغتراب غير دان
وفي هذه القصيدة يقول:
فيا أخوي من كعب بن عمرو أقلا اليوم إن لم تسعداني
يحاذر سطوة الحجاج ظلماً وما الحجاج ظلام لجان
وكان من آخر معه أن الحجاج جوع له أسداً ثم سلطه عليه، فبادر جحدر إليه وقتل الأسد، فعفا عنه الحجاج لما رأى من جرأته، واتخذه من صحابته.
وحكى المدائني قال (1) : خرج كثير من الحجاز يريد مصر، فلما قرب منها رأى غراباً على شجرة ينتف ريشه، فتطير من ذلك ومضى لوجهه، فلقيه رجل من بني لهب فقال: يا أخا الحجاز، مالك كاسف اللون، هل رأيت شيئاً أنكرته - قال: أجل، غراب على بانة ينتف ريشه وينعب، قال: إنك تطلب حاجة لا تدركها، فقدم مصر والناس منصرفون من جنازة عزة، فقال:
رأيت غرباً ساقطاً فوق بانةٍ ينتف أعلى ريشه ويطايره
فقلت ولو أني أشاء زجرته بنفسي للنهدي هل أنت زاجره
فقال غراب لاغتراب من النوى وفي البان بين من حبيب تجاوره
فما أعيف النهدي لا در دره وأزجره [للطير] لا عز ناصره
ومن مليح الزجر (2) قول أبي نواس وقد اجتمع إخوانه واختفوا عنه، ووجهوا
__________
(1) منابع الآداب: 479 - 480 وانظر عيون الأخبار: 147 وديوان كثير: 461 - 462 وفيه تخريج الأبيات، ويضاف إليه ربيع الأبرار: 296 / أوالبيت في اللسان (تشش) وشرح النهج 4: 433 (ط. 1329) والشريشي 4: 260.
(2) بإيجاز عن زهر الآداب: 492 وانظر الشريشي 4: 260.(8/535)
رسولاً إليه بظهر قرطاس لم يكتبوا فيه شيئاً، وخزموه بزير وختموه بقارٍ، ورمى بالكتاب من وراء الباب، فاستعلم موضعهم وأنشدهم:
زجرت كتابكم لما أتاني يمر بسانح الطير الجواري
نظرت إليه مخزوماً بزير (1) على ظهرٍ ومختوماً بقار
فقلت الزير ملهية ولهو وخلت القار من دن العقار
وخلت الظهر أهيف قرطقياً يحر (2) العقل منه باحورار
فهمت إليكم طرباً وشوقاً فما أخطأت داركم بدار (3)
فكيف ترونني وترون زجري ألست من الفلاسفة الكبار
ومن أبدع ما لأبي عبد الله وأغربه، وأحلى الكلام وأوطئه قوله من كلمةٍ، يعني السيف، وقد رويت لغيره (4) :
حيث التقى أسد العرين وشادن (5) تحت اللحاف وصارم وسوار
قالت أرى بيني وبينك ثالثاً ولقد عهدتك بالدخيل تغار
أأمنت نشر حديثنا فأجبتها هذا الذي تطوى به الأسرار
وقوله أيضاً (6) :
وتعجبني الغصون إذا تثنت ولا سيما وفيهن الثمار
إذا اهتزت (7) نهود في قدودٍ فقل للحلم قد ذهب الوقار
__________
(1) الزير: الكتان (وهو أيضاً أحد أوتار العود) .
(2) زهر الآداب: يحيل؛ لشريشي: يحار.
(3) الشريشي:
فطرت إليكم يا أهل ودي ... يقلب من هواكم مستطار (4) المسالك: 305 والشريشي 4: 31.
(5) الشريشي: وظبية.
(6) ورد البيتان ي المسالك: 305.
(7) المسالك: هزت.(8/536)
فصل في ذكر أبي الحسن علي بن محمد التهامي
وإثبات جملة من شعره (1)
كان مشتهر الإحسان، ذرب اللسان، مخلى بينه وبين ضروب البيان، يدل شعره [على] فوز القدح، دلالة برد النسيم على الصبح، ويعرب عن مكانه من العلوم، إعراب الدمع (2) عن سر الهوى المكتوم.
حملة من شعره في أوصاف شتى
المدح وما يتصل به من النسيب
له من قصيدة أولها (3) :
فؤادي الفداء لها من قبب طوافٍ على الآل مثل الحبب
يقول فيها:
كأن [على] الجو فضفاضةً مساميرها فضة أو ذهب
كأن كواكبه أعين تراعي سنا الفجر أو ترقب
فلما بدا طفقت هيبةً تستر أحداقها بالهدب
وشقت غلائل ضوء الصباح فلا هو بادٍ ولا محتجب
ومنها:
أبا قاسم حزت صفو الكلام وغادرت ما بعده للعرب
وليس كلامك إلا النجوم علوت فناثرتها من كثب
__________
(1) كان على صلة بالوزير المغربي، وله في مديح، وقد استخدمه حسان بن مفرج (الذي ثأر على الفاطميين بتحريض الوزير المغربي) رسولاً إلى عرب بني قرة ببرقة لتحريضهم على الثورة، فقبض عليه في مصر وسجن ثم قتل سنة 416؛ ترجمته في تتمة اليتيمة 1: 37 وابن خلكان 3: 378 (وهو ينقل عن الذخير) وعبر الذهبي 3: 122 والشذرات 3: 204 ومرآة الجنان 3: 29 وقد وصف ابن خلكان ديوانه بأنه صغير وأن أكثره نخب.
(2) ص: الربيع.
(3) ديوان التهامي: 15 - 20.(8/537)
رأيت الفصاحة حيث الندى وهل ينظم الروض إلا السحب
وقد شرف الغيث إذ بينه وبين بنانك أدنى نسب
ومنها في صفة القلم:
وأرعن أخرس من كثرة الل - غات بأجرائه واللجب
يلاقي النجوم بأمثالها من البيض من فوقها واليلب
إذا واجه الشمس رد الشعاع واعترض الريح (1) سد المهب
ثنيت بأرقش ذي زينةٍ (2) تجلى الخطوب به والخطب / [153]
إذا ما جعلت له لهذماً من النقس طال الرماح السلب
وطالت به مفخراً أنها وإياه في الأصل بعض القصب
تقلم أقلامك الحادثات فتبرا (3) وتهتم ناب النوب
وله من أخرى (4) :
وكيف لا تدركه نشوة واللحظ راح وجنى الريق راح
لو لم تكن ريقته خمرة لما تثنى عطفه وهو صاح
يبسم عن ذي أشر مثلما يلتقط الظبي بفيه الأقاح
أفلته مني وقد صدته برقدةٍ صوت منادي الفلاح
فنحن في نومٍ وفي يقظةٍ بين دنوٍ منهم وانتزاح
وموقف لولا التقى لالتقى فيه نجادي ونظام الوشاح
ومنها:
ومجهلٍ مشتبه طرقه كأنما هن خطوط قزاح
__________
(1) الديوان: وإن واجه الريح.
(2) الديوان: ريقة.
(3) الديوان: قسراً.
(4) ديوان التهامي: 22.(8/538)
وهذا تشبيه مخترع، ومعنى مبتدع.
كأنما أشباح أنضائنا قسي نبع وكأنما قداح
حتى اجتلينا بعد طول السرى بغرة الكامل وجه الصباح
فقال لي صحبي أبدر الدجى (1) فقلت لا بل هو بدر السماح
ينبيك عن سؤدده بشره مخايل السؤدد خرس فصاح
واصطلح الناس على فضله واختلفوا بعد فليس اصطلاح
ومنها:
إن لمس الطرس بأطرافها فاض نوالاً وبياناً وساح
وشق من لؤلؤه أفخر الل - ؤلؤ هن الكلمات الفصاح (2)
وهذه القصيدة مدح بها أبا القاسم بن المغربي المتقدم الذكر
وله من أخرى (3) :
لو جادهن غداة رمن رواحا غيث كدمعي ما أردن براحا
ماتت لفقد الظاعنين ديارهم فكأنهم كانوا بها أرواحا
وهذا كقول ابن الرومي وقد تقدم (4) :
فقد ألفته النفس حتى كأنه له جسد إن بان غودر هالكا
متوارثي مرض الجفون وإنما مرض الجفون بأن يكن صحاحا
من كان يكلف بالأهلة فليزر ولدي هلال زغبة ورياحا
لا عيب فيهم غير شح نسائهم ومن السماحة أن يكن شحاحا
__________
(1) الديوان: السما.
(2) في الديوان:
وسمت من لؤلؤه أبحرا ... لؤلؤ عن الكلمات الفصاح (3) ديوان التهامي: 10.
(4) لم يرد البيت نفسه فيما تقدم، وإنما ورد بيتان آخران من قصيدة ابن الرومي هذه في 1: 208.(8/539)
طرقته في أترابها فجلت له وهناً من الغرر الصباح صباحا
أبرزن من تلك الهيون أسنة وهززن من تلك القدود رماحا
ومنها في المدح:
يرمي الكتيبة بالكتاب إليهم فيرون أحرفه الخميس كفاحا
ومن نقسه دهماً ومن ميماته زرداً ومن ألفاته أرماحا
ساست أقاليم الورى أقلامه فأجم أطراف القنا وأراحا
وله من أخرى (1) :
بعثت إليك بطيفها تعليلا وخضاب ليلك قد أراد نصولا
فأتاك وهناً والظلام كأنه نظم النجوم لرأسه إكليلا
وإذا تأملت الكواكب خلتها زهراً تفتح أو عيوناً حولا
أهدت لنا من خدها ورضابها [ورداً] تحيينا به وشمولا
ورداً إذا ما شم زاد غضاضة ولو أنه كالورد زاد ذبولا
وجلت لنا برداً يشهي برده نفس الحصور العابد التقبيلا
برداً يذيب ولا يذوب فكلما شرب المتيم منه زاد غليلا
وهذه كقول ابن الرومي، وقد تقدم (1) :
ريق إذا ما ازددت من شربه رياً ثناني الري ضمآنا
ومنها في ذكر القلم:
يلقى العدا من كتبه بكتائب يجررن من زرد الحروب ذيولا
فترى الصحيفة حلبة وجيادها أقلامه وصريرهن صهيلا
في كفه قلم أتم من القنا طولا وهن أتم منه طولا
__________
(1) ديوان التهامي: 29.
(1) ديوان التهامي: 29.(8/540)
قلم يقلم ظفر كل ملمةٍ ويرد حد شباتها مفلولا
ومنها:
يدعو النبي من الجدود وحيدراً ومن العومة جعفراً وعقيلا
نسب ترى عنوانه في وجهه لا شبهة فيه ولا تأويلا
ومن أخرى (1) :
وأراد الخيال لثمي فصي - رت لثامي دون المراشف سترا
اصرفي الكأس من رضابك عني حاش لله أن أرشف خمرا
ولو أن الرضاب غير مدامٍ لم تكوني في حالة الصحو سكرى
[ومنها في ذكر القلم] :
وإذا راش بالأنامل منه قلماً واستمد ساء وسرا
قلما دبر الأقاليم حتى قال فيه أهل التناسخ إمرا
يتبع الرمح أمره إن عشري - ن ذراعاً بالرأي تخدم شبرا
ومن شعره مما يبتعلق بأوصاف طيف الخيال، وله أغراض غريبة، وألفاظ عجيبة، قال (2) :
عبسن من شعر في الرأس مبتسم ما نفر البيض مثل البيض في اللم
فقبلتني توديعاً فقلت لها كفي فليس ارتشاف الخمر من شيمي / [154]
لو لم يكن ريقها خمراً لما انتطقت بلؤلؤ من حباب الثغر منتظم
ولو تيقنت غير الراح في فمها ما كنت ممن يصد اللثم باللثم
وزاد ريقتها برداً تحدرها على حصى بردٍ من ثغرها شبم
__________
(1) ديوان التهامي: 36.
(2) ديوان: 6 وهي في مدح الأمير نصر الدولة بن مروان الكردي.(8/541)
ومعنى البيت الثاني من هذه كقول أبي الحسن الرضي (1) :
وقبلته فوق اللثام لي هي الخمر إلا أنها بفدام
وتشبيه أرياق الملاح بالراح أكثر من أن يحصى، وأشهر من أن يتقصى، ولكن التهامي ولد معنى حسنى، وجر ها هنا للبلاغة رسنا، بقوله: " لو لم يكن ريقها خمرا.. " البيت.
وفيها يقول:
إني لأطرف طرفي عن محاسنها تكرما وأكف الكف عن أمم
ولا أهم ولي نفس تنازعني أستغفر الله إلا ساعة الحلم
ومعنى هذا البيت حسن، ولكن أبا الطيب كان أملك لشهوته، وأعف في حين خلوته، حيث يقول (2) :
يريد يدا عن ثوبها وهو قادر ويعصي الهوى في طيفها وهو راقد
ألا تسمع كيف عف في الكرى، وأتى من حسن اللفظ وبراعة القسمة بما ترى - وقد أثبت في أخبار ابن الأبار (3) ، في هذا المعنى عدة أشعار.
وقال التهامي (4) :
أهدى لنا طيفها نجدا وساكنه حتى اقتنصنا ظباء البدو والحضر
فبات يجلو لنا من وجهها قمرا من البراقع لولا كلفة القمر
وراعها حر أنفاسي فقلت لها هواي نار وأنفاسي من الشرر
وزاد در الثنايا در أدمعها فالتف منتظم منه بمنتثر
فما نكرنا في الطيف الملم بنا ممن هويناه إلا قلة الخفر
__________
(1) لم أجده في ديوان الرضي.
(2) ديوان المتنبي: 310 والذخيرة 2: 140.
(3) انظر القسم الثاني من الذخيرة: 135 - 144.
(4) ديوان التهامي: 41.(8/542)
فسرت أعثر في ذيل الدجى ولها والجو روض وزهر الليل كالزهر
وللمجرة فوق الأرض معترض كأنها حبنب تطفو على نهر
وللثريا رقود فوق أرحلنا كأنها قطعة من فروة النمر
كأن أنجمه والصبح يغمضها قسرا عيون غفت من شدة السهر
فروع السرب لما ابتل أكرعه في جدول من خليج الفجر منفجر
ولو قدرن وثوب الليل منخرق بالصبح رقعنه منهن بالشعر
ومنها:
لو لم يكن أقحوانا ثغر مبسمها ما كان يزداد طيبا ساعة السحر
يا رب معنى بعيد الشأو أسلكه في سلك لفظ قريب الفهم مختصر
لفظا يكون لعقد القول واسطة ما بين منزلة الإسهاب والخضر
إن الكاتبة سارت نحو أنمله والجود فالتقيا فيه على قدر
ترد أقلامه الأرماح صاغرة عكسا كعكس شعاع الشمس للبصر
وفي كتابك فاعذر من يهيم به من المحاسن ما في أحسن الصور
الطرس كالوجه والنونات دائرة مثل الحواجب والسينات كالطرر
وله من أخرى (1) :
قولا له هل دار في حوبائه أن القلوب تحوم حول خبائه
ريم إذا رفع الستائر بيننا أعشاني اللألاء قبل (2) روائه
نم الضياء عليه في غسق الدجى حتى كأن الحسن من رقبائه
أهدى لنا في النوم نجدا كله ببدره وغصونه وظبائه
وسفرن في جنح الدجى فتشابهت في الليل أنجم أرضيه وسمائه
__________
(1) ديوان التهامي: 88 وقد مر منها بيتان إلى القاضي عبد الوهاب المالكي (ص: 524) .
(2) الديوان: دون.(8/543)
وجلا جبينا واضحا كالبدر في تكويره وبعاده وضيائه
حتى إذا حط الصباح لثامه ومضى الظلام يجر فضل ردائه
حيا بكأس رضابه فرددتها نفسي فداء رضابه وإبائه
قلبي فداؤك وهو قلب لم تزل تذكي شهاب الشوق في أثنائه
جاورته شر الجوار وزرته لما حللت فناءه بفنائه
حرق سوى قلبي ودعه فإنني أخشى عليك وأنت في سودائه
ومعنى هذا اليت مشهور، وقد أجرينا منه طلقا فيما تقدم.
ومن مراثيه قصيدته أولها (1) :
حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار
يقول فيها:
إني وترت بصارم ذي رونق أهددته لطلابة الأوتار
يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذاك عمر كواكب الأسحار
وهلال أيام مضى لم يستدر بدرا ولم يمهل لوقت سرار
عجل الخسوف عليه قبل أوانه فمحاه قبل مظنه الإبدار
واستل من أترابه ولداته كالمقلة استلت من الأشفار
فكأن قلبي قبره وكأنه في طيه سر من الأسرار
أشكو بعادك لي وأنت بموضع لولا الردى لسمعت فيه سراري
والشرق نحو الغرب أقرب شقة من بعد تلك الخمسة الأشبار
ومنها
قصرت جفوني أم تباعد بينها أم صورت عينا بلا أشفار
لو كنت تمنع خاض دونك فتية منا بحار عوامل وشفار
__________
(1) ديوانه: 47.(8/544)
فدحوا فريق الأرض أرضا من دم ثم انثنوا فبنوا سماء غبار
قوم إذا لبسوا الدروع حسبتهم سحبا مزررة على أقمار
ومن هنا أخذ ابن عبد البر الشنتريني قوله في صفة الاكواس:
كأنها وشعاع الشمس داخلها قمص من الماء قد زرت على لهب
وترى سيوف الدارعين كأنها خلج تمد بها أكف بحار
لو أشرعوا أيمانهم من طولها طعنوا بها عرض القنا الخطار
وكأنما ملأوا عياب دروعهم وغمدوا أنصلهم سراب قفار
فتدرعوا بمتون ماء جامد وتقنعوا بحباب ماء جار
يتزين النادي بحسن وجوههم كتزين الهالات بالأقمار
من كل من جعل القنا (1) أنصاره وكرمن فاستغنى عن الأنصار
والليث إن ساورته (2) لم يعتمد إلا على الأنياب والأظفار
وإذا هو اعتقل القناة حسبتها صلا تأبطه هزبر ضار
شاب القذال وكل غصن صائر فينانه الأحوى إلى الإزهار
وتلهب الأحشاء شيب مفرقي هذا الشعاع (3) شواظ تلك النار
ومن أخرى (4) :
أبا الفضل طال الليل أم خانني صبري فخيل لي أن الكواكب لا تسري
يقول فيها:
ولا حزن إلا يوم فارقت شخصه ورحت ببعض النفس والبعض في القبر
وأعلم أن الحادث بمرصد لتأخذ كلي مثل ما أخذت شطري
أحين نضا ثوب الطفولة ناسلا كما نسل الريش اللؤام عن النسر
__________
(1) الديوان: الظبا.
(2) الديوان: بارزته.
(3) الديوان: الضياء.
(4) ديوان التهامي: 77.(8/545)
وخلى رضاع الثدي مستبدلا به أفاويق من در البلاغة والشعر
وألقى تميمات الصبا وتباشرت حمائل أغماد المهندة البتر
وقامت عليه للعلاء شواهد كما استشهد العضب السريجي بالأثر
طواه الردى دي الرداء فأصبحت مغانيه ما فيهن منه سوى الذكر
وقالوا سيسليه التأسي بغيره فقلت لهم هل يطفأ الجمر بالجمر
ومنها:
بضرب يطير البيض من حر وقعه شعاعا كما طار الشرار عن الجمر
ولما تضف في نصرة الله طعنة إلى ضربة كالتبر فوق شفا نهر
فلا تسألوني عنه صبرا فإنني دفنت به قلبي وفي طيه صبري
وإلا تكن قلبي فإنك بعضه قددتكما قد الهلال من البدر
قوله: " أحين نضا ثوب الطفولة.. " كقول المعري (1) :
ترى أعطافها ترمي حميما كأجنحة البزاة رمت نسالا
وقوله: " كما استشهد العضب السريجي بالأثر " كقوله أيضاً (2) :
كالسيف دل على التأثر بالأثر
وقوله: " كالتبر فوق شفا نهر " معناه مشهور، إلا أن التهامي لم يتهم فيه ولا أنجد، ولا اضطلع بأعباء ما تقلد، ولا قام ولا قعد، وأعلق منه بنسبه الذي يقول:
عليهن من وقع السيوف حواجب
وقال آخر:
فنضربهم شكلا ونطعنهم نقطا
__________
(1) شروح السقط: 47.
(2) شروح السقط: 139 وصدر البيت: يبين بالبشر عن إحسان مصطنع.(8/546)
وقال آخر، وإن كان في اللفظ [] وكان بين أجزاء البيت تباعد:
طعن كما فهق الغدير يؤمه ضرب كحاشية الرداء طويل
وهذا كثير وهو من متداولات المعاني، ومنه قول أبي العشائر الحمداني (1) :
أأخا الفوارس لو شهدت مواقفي والخيل من تحت الفوارس تنحط
لقرأت منها ما تخط يد الوغى والبيض تشكل والأسنة تنقط
وكان أبو الطيب يستحسنه له قلة رضاه، يقول سواه
ومن سائر شعره في أوصاف مختلفة
قال من قصيدة (2) :
تحول الدهر أحوالي وبدلني دارا بدار وجيراناً بجيران
ورب أمر رمتني الحادثات به أرنو إليه وحالي فيه حالان
إذا نظرت بعين الهزل أضحكني وإن نظرت بعين الجد أبكاني
يظما الكريم فلا يسقى وقد ظفرت كف اللئيم بسيحنٍ وجيحان
تأمل القدر المحتوم وارض به فإنما وزن الدنيا بميزان
فظل يزداد فيها كل منتقص إلا ويهبط منها كل رجحان
كم من رجالٍ إلى الأديان قد نصبوا وربما صيدت الدنيا بأديان
كم عمرت بالخنا خالي منازلهم عمارة الكتب من فقه وقرآن
وباقل الخط سحبان المقال فهل كباقلٍ في ثناه أو كسحبان
تراه مجفو نادٍ مستضام يدٍ مستخبلاً وهو في أثواب لقمان / [156]
ما ذنبه فير نفسٍ لا تساعده على لباس رياء غير صوان
__________
(1) اليتيمة 1: 104.
(2) لم ترد في ديوان التهامي.(8/547)
قوله: " ويهبط منها كل رجحان "، كقول ابن الرومي (1) :
قالت علا الناس إلا أنت قلت لها كذاك يسفل في الميزان ما رجحا
وذكرت بذكره باقلاً وسحبان، قول أحمد بن سليمان (2) :
إذا وصف الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهامة باقل
وقال السها للشمس أنت خفية وقال الدجى للصبح لونك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل
وقوله: " يظما الكريم فما يسقى.. " البي، معنى قد طوي ونشر، وعرف حتى أنكر، ومنه قول بعض أهل عصرنا وهو الوزير أبو محمد بن عبد الغفور، من شهر اندرج له في رسالة خاطب بها بعض أهل وقته (3) :
وأصرف عن ورد وقد غمر الندى (4) خفيف عذار والهبنقة الألحى
ومن عجب أن يقطعا كل نخةٍ (5) وأمنع للقرص الذي قاتني ملحا
وقال التهامي (6) :
ألا قاتل الله الحمام فإنها بكت فشجت قلباً طروباً إلى هند
وما ذكره هنداً وقد حال دونها قنا الخط أو بيض رقاق من الهند
وأسد على جردٍ من الخيل ضمر وهيهات من تحميه أسد على جرد
وبيداء (7) تكبو دون إيرادها القطا ويوهي السرى فيها قوى الحازم (8) الجلد
__________
(1) ديوان ابن الرومي: 563 وقد مر في القسم الأول من الذخيرة: 350.
(2) يعني أبا العلاء المعري، انظر شروح سقط الزند: 533 - 538.
(3) انظر القسم الثاني من الذخيرة: 366.
(4) في الأصل: عمر الربا.
(5) في الأصل: لجة.
(6) ديوان التهامي: 202.
(7) الديوان: ويهماء.
(8) الديوان: الضيغم.(8/548)
مطوحة لولا الدراري ما درى دليل بها كيف السبيل إلى الرشد (1)
سباريت ما فيهن زاد لراكب سوى ما حوت فيها الأداحي من ربد
كيهماء كلفت المطي اعتسافها إلى الحسب الزاكي إلى الكرم العد
إلى الأسد الضرغام في حومة الوغى إذا أحمر في غاب القنا حدق الأسد
من [الأجأيين] الذين جيادهم بأحشاء (2) من عاداهم أبداً تردي
نجوم بني قحطان في طخية الدجى إلى عددٍ عد وألسنة لد
وقال (3) :
بين كريمين مجلس واسع والود حال تقرب الشاسع
والبيت إن ضاق عن ثمانيةٍ متسع بالوادد للتاسع
فصل في ذكر مهيار الديلمي (4)
وذكر جملة من شعره مع ما يتعلق بذكره
كان شاعر العراق وقته لا يدافع، ولسان تلك الآفاق لا ينازع، سيل أصبحت منه المذانب تلاعا ميثاً، وبدر تجلت به الغياهب قديماً وحديثاً، أحد من خلي بينه وبين الميدان هنالك فجرى وحده، وسبق من قبله إلى غاية الإحسان فما ظنك بمن بعده، وقد أخرجت من شعره ما يعلل الرفاق ذكراه، ويملأ الآفاق سناؤه وسناه.
__________
(1) الديوان: القصد.
(2) الديوان: بأحياء.
(3) لم يرد البيتان في ديوانه.
(4) هو أبو الحسين (أو أبو الحسن) مهيار بن برزوبه، كان مجوسياً وأسلم - فيما يقال - على يد الشريف الرضي، سنة 394هـ -، أقرأ ديوان شعره بجامع المنصور ببغداد، وكانت وفاته سنة 428: انظر ترجمته في تاريخ بغداد 13: 276 والمنتظم 8: 94 ودمية القصر 1: 284 وابن الأثير 9: 456 وابن خلكان 5: 359 وعبر الذهبي 3: 167 وابن كثير 12: 76 والشذرات 3: 242 والنجوم الزاهرة 5: 26، ويقع ديوانه في أربعة أجزاء (ط. دار الكتب المصرية: 1925 - 1931) .(8/549)
جملة من شعره في أوصاف مختلفة
قال في قصيدة (1) :
من عذيري يوم شرقي الحمى من هوى جد بقلب (2) مزحا
نظرة عارت فعادت حسرة قتل الرامي بها من جرحا
لا تعد إن عدت حياً بعدها طارحاً عينيك فيها (3) مطرحا
قد تذوقت الهوى من قبلها وأرى معذبه قد أملحا
سل طريق العيس من وادي الغضا كيف أعسفت (4) لنا رأد الضحى
لا لشيء (5) غير ما جيراننا خلفوا نجداً (6) وحلوا الأبطحا
يا نسيم الريح من أرض الحمى (7) شد ما هجت الجوى والبرحا
يا ندماي بسلع هل أرى ذلك المغبق والمصطبحا
اذكرونا ذكرنا عهدكم رب ذكرى قربت من نزحا
وارحموا (8) صباً إذا غنى بكم شرب الدمع وعاف القدحا
رجع العاذل عني آيسا من فؤادي فيكم أن يفلحا
لو درى، لا حملت ناجية رحله، في من لحاني مالحا
[قد شربت الصبر عنكم مكرهاً وتبعت السقم فيكم مسمحا] (9)
وعرفت الهم من بعدكم فكأني ما عرفت الفرحا
__________
(1) ديوان مهيار 1: 202 وقد نظمها سنة 414.
(2) في الأصل: بقلبي.
(3) الديوان: فينا.
(4) كذلك هي في اصل الديوان، وجعلها المحقق: " أغسقت ".
(5) الديوان: الشيء.
(6) الديوان: تفضوا نجداً.
(7) الديوان: من كاظمة.
(8) الديوان: وذكروا.
(9) زيادة من الديوان لاتصال السياق.(8/550)
ما سمعتم (1) في السرى من قبلهم بابن ليلٍ ساءه أن يصبحا
أراه قلب الثل: " عند الصباح يحمد القوم السرى ".
صوحت ريحانة العيش به فمن الراعي نباتاً صوحا
أنكرت تبديل أحوالي ومن صحب الدنيا على ما اقترحا
شد ما منى غروراً نفسه تاجر الآداب (2) في أن يربحا
والمنى والظن باب أبداً تغلق الأيدي إذا ما فتحا
قد خبرت الناس خبري شيمي بخلاء وتسموا سمحا
وتولجت على أخلاقهم (3) داخلاً بين عصاها واللحا
يشتهون المال أن يبقى لهم فلما يشتهون المدحا
وهذا كقول الآخر (4) :
أبو حسنٍ يشتهي المديح ويعجز عن صلة المادح
كبكر تشهى لذيذ النكاح وتفرق من صولة الناكح / [157]
رجع:
ما تبالي ما قضت حاجاتها ما دمي من خفا أو قرحا
عود البدر وقد قابله غرةً مات بها مستصبحا
ورآه البحر أوفى جمةً منه بالنائل لم طفحا
أنتم استنزلتم عنها يدي بعد ما ظن بها لن تسمحا (5)
وقال (6) :
__________
(1) الديوان: سمعنا.
(2) في الأصل: الأحباب.
(3) في الأصل: أعلاقهم.
(4) الشعر في أمالي القالي 3: 127 وتشبيهات ابن أبي عون: 290 ونسب فيه لابن هرمة وكذلك في المختار: 290 وحماسة ابن الشجري: 269 وانظر ديوان ابن هرمة (جمع المعيبد) : 263 - 264 وفيخ تخريجات كثيرة.
(5) الديوان: بعد ما عز بها أن أسمحا.
(6) ديوان مهيار 3: 327.(8/551)
بكر الوابل (1) تحدوه النعامى فسقاك الري يا دار أماما
وتمشت فيك أرواح الصبا يتأرجحن بأنفاس الخزامى
وإذا مغنى خلا من زائر بعد ما فارق أو زير لماما
فقضى عهد (2) الهوى أن تصبحي للمحبين مناخاً ومقاما
أجتدي المزن وماذا أربي أن يجود المزن أطلالا رماما
وقليل قيل أن أدعو لها لا يراني الله أستجدي الغماما
أين يكانك لا أين هم أحجازاً يمموها أن شآما
صدعو (3) بعد التئام فغدت بهم أيدي المرامي تترامى
وتلقوا كل حيران بليدٍ يسأل الجندل عنهم والرغاما
يا لواة الدين عن ميسرةٍ والضنينات وما كن لئاما
والمصراع الأول من هذا البيت كقول أبي الفرج الوأواء (4) :
يمطل كل العباد دينهم وهو ملي بذلك الدين
ومنها:
قد وقفنا بعدكم في ربعكم وقضيناه استلاماً والثاما
سعد الراكب تحتث [به] جسرة تخبط وهداً وإكاما
تطأ العسف فتدمي خفها جبهات الأرض شجاً ولطاما
تتنزى (5) أنفاً في خلقها أن تطيع السوط أو ترضى الزماما
__________
(1) الديوان: العارض.
(2) الديوان: حفظ.
(3) في الأصل: صدعت.
(4) ديوان الوأواء: 221.
(5) في الأصل: تتبرا.(8/552)
وبجعاء الحمى قلبي فعج بالحمى واقرأ على قلبي السلاما
وترجل فتحدث عجباً أن قلباً سار عن جسم أقاما
قل لجيران الغضا آهٍ على طيب عيش بالغضا لو كان داما
نصل العام وما ننساكم وقصارى الوجد أن نسلخ (1) عاما
حملوا ريح الصبا نشركم قبل أن تحمل شيحاً أو ثماما
وابعثوا أشباحكم لي في الكرى إن أردتم (2) لجفوني أن تناما
وقف الظامي على أبوابكم أفيقضي (3) وهو لم يقض أواما
ما يبالي من سقيتن لمى منعكن الماء عذباً والمداما
واعجبوا من أن يرى الظلم (4) حلالا شارب وهو يرى الخمر حراما
أشتكيكم وإلى من أشتكي شمل الداء فمن يبري (5) السقاما
أنتم والدهر سيف وفم لا يملآن ضراباً وكلاما
كلما عاتبت في حظي دهري زادني العتب لجاجاً وعراما
وإذا استصحبت خلاً فكأني منه جردت على حتفي حساما
لمت أيامي على الغدر فقد زادت الإجرام حتى لا ملاما
ولزمت الصمت لا أشكوهم بعد أن أفنيت في العذل في الكلاما
دفع الله وحامى عن أنا [س] (6) مذ رعوني لم يضيعوا لي سواما
كان دهري هرماً قبلهم فأعادوه بما أبدوا غلاما (7)
__________
(1) في الأصل: يصلح.
(2) الديوان: أذنتم.
(3) في الأصل: فتقضى.
(4) في الأصل: القتل؛ والظلم: ماء الأسنان.
(5) الديوان: أنتم الداء فمن يشفي.
(6) الديوان: رجال.
(7) سقط هذا البيت من الديوان.(8/553)
كفني جودهم أن أجتدي وأبى عزهم لي أن أضاما
وقال من أخرى (1) :
لا عداك الغيث يا دار الوصال كل منحل العرى واهي العزالي
ومنها:
الغواني آزفات لفمي ويدي مرتبكات (2) في حبال
كل هيفاء يميني طوقها فحمة الليل وقرطاها شمالي
وقال (3) :
أتراها يوم صدت أن أراها علمت أني من قتلى هواها
أم رمت جاهلة ألحاظها لم تميز عمدها [لي] من خطاها
سنحت بين المصلى ومنىً مسنح الظبية تستقري طلاها
وقال (4) :
ضربوا بمدرجة الطريق قبابهم يتقارعون بها على الضيفان
ويكاد موقدهم يجود بنفسه حب القرى حطباً على النيران
وقال من قصيدة أولها (5) :
دعوها ترد بعد خمس شروعا وراخوا علائقها والنسوعا
ولا تحبسوا خطمها أن تطول ال - حياض وأيديها أن تبوعا
وقولوا دعاء لها لاعقرت ولا امتد دهرك إلا ربيعا
__________
(1) ديوان مهيار 3: 133.
(2) الديوان: آذنات لفمي ... مرتسنات.
(3) ديوانه 4: 189.
(4) ديوانه 5: 51.
(5) ديوانه 2: 222.(8/554)
فقد حملت ونجت أنفساً كرائم جبن الأماني سريعا
حملن نشاوى بكأس الغرام كل غدا لأخيه رضيعا
أحبوا فرادى ولكنهم على صيحة البين ماتوا جميعا
حموا راحة النوم أجفانهم وشدوا على الزفرات الضلوعا
وبانوا بأيديهم يسندون فوق الرحال جنوباً وقوعا
وفي الركب إن وصلوا لاحقين عقائل بشفين تلك الصدوعا
من الراقصات بحب القلوب حتى يصير الحليم الخليعا
قصائد لم يصطفين (1) المياه ولم يحترشن اليرابيع جوعا
إذا الحسب اعتز من خندفٍ مسحن ذوائبةً والفروعا / [158]
خرقن نقوباً لنا في السجوف جعلن العيون عليها رقوعا
فقمت أناشدهن العهود لو يستطعن الكلام الرجيعا
قوله: " خرقن نقوباً - " البيت، اهتدمه من قول العتبي (2) :
وكن إذا أبصرنني أو سمعن بي بدرن فرقعن الكوى بالمحاجر
وأخذ هذا المعنى أبو الشبل (3) من شعراء الدولة العباسية فقال (4) :
رأين الشيب قد ألب - سني أبهمة الكهل
فأعرضن وقد كن إذا قيل أبو الشبل
__________
(1) في الديوان: يصطبغن، وهو خطأ؛ واصطفان المياه: اقتسامها لشح في الماء.
(2) هو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو، شاعر بصري راوية ينسب إلى جده عتبة بن أبي سفيان، وتوفي سنة 228 (انظر ابن خلكان 4: 398 وفي الحاشية مصادر ترجمته) والبيت ورد عند ابن خلكان 4: 399 ومعجم المرزباني: 357 والأغاني 14: 192.
(3) أبو الشبل عاصم (أو عصيم) بن وهب له ترجمة في طبقات ابن المعتز: 380 والأغاني 14: 184 وكان حباً في أيام المتوكل، وكان كثير الغزل ماجناً.
(4) الأبيات في الأغاني 14: 191.(8/555)
تساعين فرفعن ال - كوى بالأعين النجل
ومن أناشيد المبرد (1) :
سددن خصاص البيت حين دخلته بكل [لبانٍ] واضحٍ وجبين
وقال كهيار (2) :
لعلهم لو وقفوا أبل هذا المدنف
يا قلب هل أنت معي (3) أم معهم منصرف
يا حادي الآظغان أر - ود (4) ، بعض م تعتسف
فإن [فيما] بينها (5) أفئدة تختطف
على النقا المطلول من - ها غصن مهفهف
إيهٍ على ريحانه لو كان مما يقطف
فلا برا وجدي بهم ولا أفاق الشغف (6)
وقال من أخرى (7) :
مشتبه أعرفه وإنما مغالطاً قلت لصحبي: دار من
يا صاحبي عوناً وإن أيأسني من جلدي (8) قولي لخوار: أعن
قف باكياً فيها فإن كنت أخي مؤانساً (9) فبكها عنك وعن
يا زمناً مر كما اقترحته بالنعف إن عاد الصبا فعد إذن
__________
(1) الكامل 2: 284 وروايته: سددن خصاص الخيم لما دخلته.
(2) ديوان مهيار 2: 281.
(3) الديوان: هل أنت يا قلب معي.
(4) أرود: تمهل، وفي الأصل أزور.
(5) الديوان: فإن بين سوقها.
(6) لم يرد هذا البيت في الديوان.
(7) ديوان مهيار 4: 47.
(8) الديوان: وإن اشفني مع جلدي.
(9) الديوان: أخا مؤاسياً.(8/556)
وحاملي على السرور حامل في كفه وطرفه سيف الفتن
قد كتب الهجر على عارضه ما أقبح الهجران بالوجه الحسن
يدير مما اختار عسجدية ما قلقلت (1) عن مثلها هامة دن
وقال يمدح الوزير ابن المغربي من قصيدة (2) :
وقفنا وأتعب لي الرقاب بسقط الغضا (3) طلل يمثل
وفي الركب من ثعل من يدق إلا على سهمه المقتل
أوانس ماتت لهن الذحول وحلم فيهن من يجهل (4)
محسدة العين شهل اللحاظ بصبغها ميلها الأكحل
مهاوي قلائدها إن هوين بطاء على غرر تنزل
أحقاً تقنصني بالحجاز في شكتي رشاً أعزل
عددت سني لها والبياض لدعواي في عدها مبطل
وأقبلت أستشهد الأربعين لو أن شهادتها تقبل
وقالوا رداء جميل عليك ألا ربما كره الأجمل
وما الشيب أول مكروهةٍ بمحبوبة أنا مستبدل
تمرن جنبي بحمل الزمان فكل ثقيلاته أحمل
يرد يدي عن منال امنى وكفي من باعه أطول
وتعقل ناشط عزمي الهموم والماء يحبسه الجدول
وما الحظ في أدبٍ مفصح ومن دونه نشب مجبل
يروم الفتى رتبة وهو [حيث] يجعله مأله يجعل
__________
(1) الديوان: قطعت.
(2) ديوان مهيار 3: 125.
(3) الديوان: اللوى.
(4) سقط هذا البيت من الديوان.(8/557)
تشرف بحظ فإن الحظوظ حلى كل [ذي] نسبٍ يعطل (1)
وواف المواسم ضخم العياب تكن لك قولتك الفيصل
حمى الله للمجد نفساً بغير سلامتها المجد لا يحفل
وحيا على ظلمات الخطوب وجهاً هو البدر أو أكمل
وتقبل بالرزق قبل السؤال أسرته حين تستقبل
ومنها:
تخطى بلا قدمٍ تستزل وخط بلا قلم يخجل
من القوم تنجد أيمانهم إذا استصرخ البلد الممحل
لهم غرر أزدشيرية تضيء وستر الدجى مسبل
ويومٍ تواكل فيه العيون عمائهم فرسانه القسطل
تعارض فيه الكماة الكماة فمتن يحطم أو كلكل
يطعنٍ كما] شق] (2) جيب القميص وضربٍ كما احتسي الحنظل
ومنها:
وتحتك طرف يطيش المراح به أن يقر له المفصل
كأن الأباريق طافت عليه أو مس أعطافه أفكل
شجاه عغناء الظبا في الطلى فمن طربٍ كلما يصهل
إذا فات سعيك [شأ] والرياح فمن أين تلحقه الأرجل
يضج الندي خصاماً فإن نطقت أرم لك المحفل
ويختلف الناس حتى إذا قضيت قضى القدر المنزل
بسطت يدين يداً تأخذ النفوس بها ويداً تبذل
فيمناك صاعقة تتقى ويسراك بارقة تهطل
__________
(1) هذا البيت والذي يليه لم يردا في الديوان.
(2) زيادة بحسب المعنى، إذ البيت لم يرد في الديوان.(8/558)
ولم تر أنواء من قبلها مواطر أسماؤها أنمل
فداك وتفعل ما لا تقول ممن يقول ولا يفعل / [159]
أعيذك بالكلمات التي بهن تعوذ من يكمل
فما يسع الجو ما قد وسعت ولا تحمل الأرض ما تحمل
ليهن الوزارة أن زوجتك على طول ما لبثت تعضل
غدت بك محصنة لا تحل لبعل سواك ولا تبذل
وتعلك إن نازعت للرجال محصنة أنها تقتل
لئن جئتها عانساً قد أبر على سنها العدد الأطول
فمن معجزاتك أن الشباب لها عاد ماضيه يستقبل
وإن كنت آخر خطابها فإنك محبوبها الأول
فضاحك بغداد بعد الخطوب من عدلك العارض المسبل
طلعت عليها طلوع الصباح وليل ضلالاته أليل
ومنها:
فهل أنت منتشلي من نيوب دهرٍ يدمي ولا يدمل
ومن عيشة كل أعوامها وإن أخصب الناس بي ممحل
فصن بك وجهي عمن سواك فما مثل وجهي يستبذل
فكم راش مثلك مثلي فطار وإن كان مثلك لا يغفل
وقدماً وفى لزهير وزاد من هرم واهب مجزل
فسار به الشعر فيما سمعت من مثلٍ باسمه يرسل
وحسان أمست رقاه الصعاب من آل جفنة تستنزل
تعرف ريح عطاياهم وقد جاء يحملها المرسل
وأبصر نعماءهم نازحين وباب لواحظه مقفل (1)
__________
(1) يشير إلى أن حسان كان قد أضر في شيخوخته، ولكنه عرف ببصيرته أن جبلة بن الأبهم كان قد أرسل إليه عطاء وهدايا.(8/559)
ملوك مضوا بالذي استعجلوا وطاب لهم ذكر (1) ما أجلوا
وما فيهم جامع ما جمعت إذا أنت حصلت أو حصلوا
رمى الشعراء عناني إليك ففت وأرساغهم تشكل
وسرهم أنهم يعملون يزعمهم وأنا أعمل
ولو أقنع الخبر بالسيف كان أحق بضرب الطلى الصيقل
ببسطك لي سال وادي فمي ولا ينني الكلم الأفضل
[فسومتها مهرة لا يعض بغير يدي شدقها مسحل] (2)
محرمة السرج إلا عليك تشرف منك بمن تبعل
كأن عبيداً تمطى بها ومسح أعطافها جرول
فصل في ذكر أبي منصور عبد الملك بن إسماعيل
الثعالبي الخراساني (3)
والإتيان بطرق من خبره وحميد أثره
كان أبو منصور - زقته - راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، أسوة (4) المؤلفين في زمانه، وإمام المصنفين بحكم قرانه، سار ذكره سير المثل، وضربت إليه آباط الإبل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب، طلوع النجم في
__________
(1) الديوان: ذخر.
(2) زيادة من الديوان ليتصل سياق الأبيات.
(3) ترجمته في ابن خلكن 3: 178 (وفيه نقل عن الذخيرة) وعير الذهبي 3: 172 ونزهة الألباء: 249 ودمية القصر (ط. حلب) : 183 والشذرات 3: 246 ومعاهد التنصيص 3: 266 وانظر مقدمتي محققي كتابي التمثيل والمحاضرة ولطائف المعارف، ففيهما محاولة لعد كتبه، ودراسة عن الثعالبي بعنوان " الثعالبي ناقداً وأديباً " للأستاذ محمود عبد الله الجادر، بغداد، 1976.
(4) ابن خلكان: رأس.(8/560)
الغياهب، وتواليفه أشهر مواضع، وابهر مطالع، وأكثر راوٍ لها وجامع، من أن يستوفيها عد أو صف، أو يوفيها حقوقها نظم أو رصف، وقد أخرجت من نثره فصولاً أدرجها في أثناء كتبه، ومن نظمه جملاً وتفاصيل أعرب بها عن ترقرق طبعه وتدفق أدبه، تشارك الأرواح في الأجساد، وتقعد للاقتراح بالمرصاد.
من ذلك فصول من كلامه في صدر كتابه " فقه اللغة " (1) :
من شرح الله صدره للإيمان اعتقد أن محمداً عليه السلام خير الرسل. والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات، والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين؛ ثم هي لإحراز الفضائل، والاحتواء على المروءة وسائر المذاهب (2) كالينبوع للماء، والزند للنار، ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها، والوقوف على تصاريفها، إلا قوة البيان (3) في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة، اللذين هما عمدة الدين (4) ، لكفى بهما فضلاً يحسن أثره، ويطيب في الدارين ثمره، فكيف وأيسر ما خصها الله تعالى به من ضروب الممادح يكل أقلام الكتبة، ويتعب أنامل الحسبة.
وفي فصل (5) :
قيض الله لها خزنة وحفظة من خواص الناس وأعيان الفضل وأنجم الأرض، فنسوا (6) في خدمتها الشهوات، وجابوا الفلوات، ونادموا لاقتنائها الدفاتر، وسامروا القماطر، وكدوا في حصر لغاتها طباعهم، واسهروا في تقييد شورادها
__________
(1) فقه اللغة: 1.
(2) فقه اللغة: وسائر أنواع المناقب.
(3) فقه اللغة: اليقين.
(4) فقه اللغة: الإيمان.
(5) فقه اللغة: 3.
(6) فقه اللغة: تركوا.(8/561)
أجفانهم، فعظمت الفائدة، وعمت المصلحة، وكلما بدأت معالمها (1) تتنكر، وعرض لها ما يشبه الفترة، رد الله تعالى لها الكرة، فأهب ريحها، ونفق سوقها، بصدر (2) من أفراد الدهر أديب، ذي صدر رحيب، وقريحة ثاقبة، ودراية صائبة / [160] يحب الأدب، ويتعصب للعرب (3) ، فيجمع شملها، ويكرم أهلها، ويستدعي التأليفات البارعة في تجديد ما عفا من رسوم طرائفها ولطائفها، مثل الأمير السيد الأوحد أبي الفضل [الميكالي] :
هيهات لا يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لبخيل
وما عسيت أن أقول في من جمع طرائف (4) المحاسن، واستوى على غايات المناقب، فإن ذكر كرم المنصب، وشرف المنتسب، كانت شجرته الميكالية في قرارة المجد والعلاء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإن وصف حسن الصورة التي هي أول السعادة، وعنوان الخير وسمة السيادة، كان وجهه المقبول الصبيح، ما يستنطق الأفواه بالتسبيح، لا سيما إذا ترقرق ماء البشر في غرته، وتفتق نور الشرف بين أسرته، وإن مدح حسن الخلق فله أخلاق خلقن من الكرم المحض، وشيم تشام منها بارقة المجد، فلو مزج بها البحر لعذب طعمه، ولو استعارها الزمان لما جار على حر حكمه، وإن حدث عن التواضع كان أولى بقول البحتري (5) ممن قيل فيه:
دنوت تواضعاً وعلوت مجداً (6) فشأناك انحدار وارتفاع
__________
(1) فقه اللغة: معارفها.
(2) فقه اللغة: بفرد.
(3) فقه اللغة: للعربية.
(4) فقه اللغة: أطراف.
(5) ديوان البحتري: 1247.
(6) الديوان: وبعدت قدراً.(8/562)
كذاك الشمس تبعد أن تسامى ويدنو الضوء منها والشعاع
فأما سائر أدوات الفضل وآلات الخير وخصال المجد فقد قسم الله تعالى له منها ما يباري الشمس ظهوراً، ويجاري القطر وفوراً، وأما فنون الأدب فهو ابن بجدتها، وأخو جملتها، وأبو عذرتها، ومالك أزمتها، ولله هو إذا غرس الدر في ارض القراطيس (1) ، ودرز (2) بالظلام رداء النهار، وألقت بحار خواطره جواهر البلاغة على أنامهله، فهناك الحسن برمته، والإحسان بكليته، فلو كنت بالنجوم مصدقاً لقلت: إن عطارداً تأنق في تدبيره، وقصر عليه معظم همته، ووقف في طاعته، عند أقصى طاقته، ومن أراد أن يسمع سر النظم، وسحر الشعر (3) ، ورقية الدهر، ويرى صوب العقل، وذوب الظرف، ونتيجة الفضل، فليستنشد ما أسفر عنه طبع مجده، وثمرة (4) عالي فكره، من ملح تمتزج بأجزاء النفوس لنفاستها، وتشرب بالقلوب لسلاستها:
قوافٍ إذا ما رآها المشوق هز لها الغانيات القدودا
كسون عبيداً ثياب العبيد وأضحى لبيد لديها بليدا
وفي فصل (5) :
وأيم الله ما من يومٍ أسعفني فيه الزمان بمواجهة وجهه، وأسعدني بالاقتباس من نوره، والاغتراف من بحره، فشاهدت ثمار المجد والسؤدد تنتثر من شمائله، ورأيت فضائل أفراد الدهر عيالاً على فضائله، وقرأت نسخة الفضل والكرم (6) من
__________
(1) فقه اللغة: القرطاس.
(2) فقه اللغة: وطرز.
(3) فقه اللغة: النثر.
(4) فقه اللغة: وأثمره.
(5) فقه اللغة: 4 وليس بين هذه الفقرة وما تقدم حذف.
(6) فقه اللغة: الكرم والفضل.(8/563)
ألحاظه، وانتهبت فرائد من ألفاظه، إلا تذكرت ما أشندنيه لابن الرومي (1) :
لولا عجائب صنع الله ما نبتت تلك الفضائل في لحم ولا عصب
وأنشدت فيما بيني وبين نفسي قول الطائي (2) :
فلو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك من كرم الطباع
وثلثت بقول كشاجم (3) :
ما كان أحوج ذا الكمال إلى نقصٍ يوقيه من العين
وربعت بقول المتنبي (4) :
فإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
وفي فصل (5) :
فاستغرقت أربعة أشهر هناك بحضرته، وتوفرت على خدمته، وما رمت في أكثر الأوقات في الليل والنهار عالي مجلسه، وتعطرت عند ركوبه بغبار موكبه، فبالله يميناً قد كنت غنياً عنها لو خفت [حنثاً] فيها أني ما أنكرت طرفاً من أخلافه، ولم أشاهد إلا شرفاً ومجداً من أحواله، وما رأيته اغتاب غائباً، أو سب حاضراً، أو حرم سائلاً، أو خيب آملاً، أو أطاع سلطان الغضب والحرد، أو تصلى بنار الضجر وبطش بطش المتجبر؛ وما وجدت المآثر إلا ما يتعاطاته، والمآثم إلا ما يتخطاه، فعوذته بالله تعالى من كل طرفٍ عائن، ومن كل صدرٍ خائن، هذا ولو أعارتني
__________
(1) ديوان ابن الرومي: 196.
(2) ديوان أبي تمام: 340 وسرح العيون: 324، 330.
(3) مر غير منسوب في الذخيرة 2: 680.
(4) ديوان المتنبي: 258 والذخيرة 2: 618.
(5) فقه اللغة: 5.(8/564)
خطباء إياد ألسنتها، وكتاب العراق أيديها، في وصف أياديه التي اتصلت عندي اتصال السعود، وانتظمت لدي انتظام العقود، فقلت في ذكرها طالباً / [161] أمد الإسهاب، وكتبت في شكرها ماداً أطناب الإطناب، لما كنت بعد الاجتهاد إلا ماثلاً في جانب القصور، متأخراً عن الغرض المقصود، فكيف وأنا قاصر البلاغة (1) ، قصير باع الكتابة، وعلى ذلك فقد صدئ فهمي لبعدي - كان - عن حضرته، وتكدر ماء خاطري لتطاول العهد بخدمته.
وفي فصل (2) :
وما عدلت بمؤلفاتي عن اسمه ورسمه، إخلالاً بما يلزمني من حق سؤدده، بل إجلالاً [له] عما لا أرضاه للمرور بسمعه ولحظه، وتحامياً لعرض بضاعتي المزجاة على قوة نقده، وذهاباً بنفسي عن أن أهدي للشمس ضوءاً، أو أزيد في القمر نوراً، أو أكون كجالب المسك إلى أرض الترك، والعود إلى بلاد الهند، والعنبر إلى البحر الأخضر.
وفي فصل له (3) :
أن خير الكلام بعد حمد الله والصلاة على رسوله ما شغل بخدمة من جمع الله له عدة (4) الملك إلى بسطة العلم، ونور الحكمة إلى نفاذ الحكم، وجعله مبرزاً على ملوك العصر، ومدبري الأرض وولاة الأمر، بخصائص من العدل، وجلائل من الفضل، ودقائق من الكرم المحض، لا يدخل أيسرها تحت العادات، ولا يدرك أقلها بالعبارات، ومحاسن سير تحرسها أسنة الأقلام، وتدرسها ألسنة الليالي
__________
(1) فقه اللغة: قاصر سعي البلاغة.
(2) فقه اللغة: 7.
(3) التمثيل والمحاضرة: 4.
(4) التمثيل: عزة.(8/565)
والأيام، وهذه صفة تغني عن تسمية الموصوف لاختصاصه بمعناها، واستحقاقه إياها، واستئثاره على جميع الملوك بها، ويعلم سامعها ببديهة السماع أنها للأمير شمس المعالي خالصة، وعليه مقصورة، وبه لائقة، وعن غيره نافرة، إذ هو بمعاينة الآثار، وشهادة (1) الأخبار، واجتماع الأولياء، وإصفاق الأعداء، كافل المجد، وكافي الخلق، وواحد الدهر، وغرة الدنيا، ومفزع الورى، وجنة (2) العالم، ونكتة الفلك الدائر، فبلغه الله تعالى أقصى نهاية العمر، كما بلغه أبعد غاية الفخر، ومكله أزمة الأرض، كما ملكه أعنة الفضل، وأدام حسن النظر للعباد والبلاد بإدامة أيامه التي هي أعياد الدهر، ومواسم اليمن والأمن، ومطالع الخير والسعد، وزاد دولته شباباً ونمواً، كما زاده في السن علواً، حتى تكون السعادات وفد بابه، والبشائر قرى سمعه، والمسار غذاء نفسه، ويترامى به الإقبال إلى حيث لا يبلغه أمل ولا يقطعه أجل.
وفي فصل (3) :
هذا الكتاب أخرجت بعضه من غرر نجوم الأرض، ونكت أعيان الفضل من بلغاء العصر في النثر، وحللت بعضه من نظم أمراء الشعر الذين أوردت ملح أشعارهم في كتابي المترجم ب - " يتيمة الدهر "، فلفقت جميع ذلك ونسقته، وجردته وسقته، وأنفقت عليه ما رزقته، وعملته بكد الناظر، وجهد الخاطر، وتعب اليمين، وعرق الجبين، وتعمدت فيه لذة الجدة، ورونق الحداثة، وحلاوة الطراوة، ولم شبه بشيء سوى (4) كلام أهل العصر إلا في قلائل وقلائد من ألفاظ [الجاحظ] وابن المعتز، تخللت أثناءه، وتوسطت تضاعيفه، ولن أخل كلماته التي هي وسائط الآداب (5) ،
__________
(1) ص: ومشاهدة.
(2) التمثيل: وحسنة.
(3) سحر البلاغة: 5.
(4) في الأصل: من.
(5) في الأصل: الألباب.(8/566)
وصياقل الألباب، وما تشتهي أنفس الأدباء وتلذ أعين الكتاب، من لفظٍ فصيح، أو معنى صريح (1) ، أو تجنيس أنيس، أو تشبيه بلا شبيه، أو تمثيل بلا مثيل ولا عديل، أو استعارة أو طباق، على ذي رونق باق، فمن مرافق هذا الكتاب قرب متناوله من الكتاب، إذا وشوا ديباج كلامهم بما يقتبسونه من نوره، وسماحة قياده لأفراد الشعراء إذا رصعوا عقود نظامهم مما يلتقطونه من شذوره، فأما المخاطبات والمحاورات فإنها تتبرج بغرةٍ من غرره، وتتوج بدرةٍ من درره.
وفي فصل (2) :
وقد كانت تجري في مجلسه العالي نكت من أقاويل أئمة الأدب في أسرار اللغة وجوامعها، ولطائفها وخصائصها، مما لم ينتهوا إلى جمع شملها، ولا توصلوا إلى نظمها، وإنما اتجهت لهم في أثناء التأليفات، وتصاعيف التصنيفات، لمع يسيرة كالتوقيعات، وفقر خفية كالإشارات، فيلوح لي - أدام الله عزه - بالبحث على أمثالها، وتحصيل أخواتها، وما ينخرط في سلكها، وأنا ألوذ بأكناف المحاجزة، وأحوم حول المدافعة، وأرعى روض المماطلة، لا تهاوناً بأمره الذي أراه كالمكتوبات، ولا أميزه عن المفروضات، ولكن تفادياً من قصور سهمي عن هدف إرادته، وانحرافاً عن الثقة بنفسي في عمل / [162] ما يصلح لخدمته، إلى أن اتفقت لي في بعض الأيام التي هي أعياد دهري، وأعيان عمري، مواكبة القمرين بمسايرة ركابه، ومواصلة السعدين بصلة جنابه (3) في متوجهه إلى فيروزباد، ومنها إلى حداد (4) ، بعض قراه من الشامات، عمرها الله بدوام عمره، فلما:
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا وسالت بأعناق المطي الأباطح (5)
__________
(1) سحر البلاغة: أو معنى بديع.
(2) فقه اللغة: 7.
(3) في الأصل: جناحه.
(4) فقه اللغة: خداي زاد.
(5) الشعر والشعراء: 13 وفي تخريج البيت انظر السمط: 77 (الملحق) وديوان كثير: 525.(8/567)
وعدنا إلى العادة عند الالتقاء في تجاذب أهداب الآداب، وفتق نوافج الأخبار والأشعار، أفضت بنا شجون الحديث إلى هذا الكتاب، فقال لي - صدق الله قوله، ولا أعدم الدنيا طوله -: إنك إن أخذت فيه أجدت وأحسنت، وليس إلا أنت، فقلت: سمعاً سمعاً، ولم أستجز لأمره دفعاً؛ فأقام لي في التأليف معالم أقف عندها، وأقفو حدها، وأهاب [بي] إلى ما اتخذته قبلة أصلي إليها، وقاعدةً أبني عليها: من التمثيل والتنزيل والتفصيل والتقريب والتقسيم والترتيب، وانتجعت من الأئمة الخليل والأصمعي وأبا عمرو والكسائي وأبا عبيد وأبا زيد، ومن سواهم من شيوخ العلماء، وظرفاء الأدباء، الذين جمعوا فصاحة البلغاء إلى إتقان العلماء، ووعورة اللغة إلى سهولة البلاغة، وأقتبس (1) من أنوارهم:
وأجتني من ثمار قومٍ قد أقفرت منهم البقاع
ومن كلامه في صدر كتاب اليتيمة
لما كان الشعر عمدة الأدب، وعلم العرب الذي اختصت به على سائر الأمم، وبلسانهم جاء كتاب الله المنزل، على النبي منهم المرسل، عليه السلام الأجزل، كانت أشعار الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين، وأشعار المحدثين [ألطف من أشعار المتقدمين] ثم كانت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن، وأنظم للطائف البديع من أشعار سائر المذكورين، لانتهائها إلى أبعد غايات الحسن، وبلوغها أقصى نهاية الجودة والظرف، تكاد تخرج من باب الإيجاز (2) إلى الاعجاز، ومن حد الشعر إلى السحر، وكأن الزمان ادخر لنا من نتائج خواطرهم، وثمرات قرائحهم، وأبكار أفهامهم، أتم الألفاظ والمعاني استيفاءً لأقسام البراعة وأوفرها [نصيباً] من كمال الصنعة ورونق الطراوة.
__________
(1) فقه اللغة: واجتني.
(2) اليتيمة: الإعجاب.(8/568)
ولذاك ما ساد النبي محمد كل الأنام وكان آخر مرسل
وقد سبق مؤلفو الكتب إلى ترتيب المتقدمين والمتأخرين، فكم من كتابٍ فاخرٍ عملوه، وعقدٍ باهرٍ نظموه، لا يشينه إلا نبو العين عن إخلاق جدته، وبلى بردته، [ومج] السمع لمردداته، وملالة القلب لمكرراته، وبقيت محاسن أهل العصر التي معها رواء الحداثة، ولذة الجدة، وحلاوة قرب العهد، وازدياد الجودة على كثرة النقد، غير محصورة في كتاب يضم نشرها، ويشد أزرها.
وقد كنت تصديت لعمل ذلك في سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، والعمر بإقباله، والشباب بمائه، فافتتحته باسم بعض الوزراء، مجرياً إياه مجرى ما يتقرب به أهل الأدب، إلى ذوي الأخطار والرتب، ومقيماً ثمار الورق مقام نثار الورق، وكتبته في مدة تقصر عن إعطاء الكتاب حقه، ولا تتسع لتوفيته شرطه، وارتفع كعجالة الراكب، وقضيت به حاجة في نفسي وأنا لا أحسب المستعرين يتعاورونه، والمستحسنين (1) يتداولونه، وحين أعرته بعض بصري، وأعدت فيه نظري، تبينت مصداق ما قرأته في بعض الكتب: " إن أول ما يبدو من ضعف ابن آدم أنه لا يكتب كتاباً فيبيت عنده ليلةً إلا أحب في غدها أن يزيد فيه أو ينقص منه " هذا في ليلة واحدة فكيف في سنين عدة -! ورأيتني أحاضر بأخوات كثيرة ومادات غزيرة حصلت إليّ بعد، فقلت: إذا كان هذا الكتاب له موقع من نفوس الأدباء، ومحل من قلوب الفضلاء، فلم لا أبلغ فيه المبلغ الذي يراد، ويستوجب من الاعتداد (2) - ولم لا أبسط فيه عنان الكلام، وأرمي في الإشباع والإتمام [هدف] المرام - فجعلت أثبته وأمحوه، وأفتتحه فلا أختمه، وأنتصفه فلا أتمه، والأيام تعجز، وتعد ولا تنجز، إلى أن أدركت عصر الصن والحنكة، فاختلست لمعة من ظلم الدهر،
__________
(1) اليتيمة: والمنتسخين.
(2) اليتيمة: المبلغ الذي يستحق حسن الأحماد، ويستوجب من الاعتداد أوفر الأعداد.(8/569)
وانتهزت رقدةً من عين الزمان، واغتنمت نبوةً من أنياب لنوائب، واستمررت في تقرير هذه النسخة الأخيرة، وتحريرها من بين النسخ الكثيرة، فهذه تجمع من بدائع أعيان الفضل، ونجوم الأرض، من أهل العصر / [163] ما لم تأخذ الكتب العتيقة غرره، ولم تقتض عذره، ولم ينقض قدم العهد زبره.
والشرط في هذه النسخة إيراد لب اللباب، وحبة القلب، وناظر العين، ونكتة الكلمة، وواسطة العقد، ونقش الفص، فإن أخرت متقدماً وقدمت متأخراً فعذري فيه أن العرب قد تبدأ بذكر الشيء والمقدم غيره، قال تعالى (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) (التغابن: 2) وقال حسان بن ثابت، وذكر بني هاشم (1) :
بها ليل منهم جعفر وابن أمه علي ومنهم أحمد المتخير
وقال الصلتان العبدي:
فملتنا أننا مسلمون على دين صدّيقنا والنبي
وفي فصل منه (2) :
كان الخوارزمي في ريعان عمره، وعنفوان شبابه (3) قد دوخ بلاد الشام، وحصل في حضرة سيف الدولة بحلب، مجمع الرواة وأهل الأدب، ومطرح الغرباء والفضلاء، فأقام بها مع أئمة الأدباء بين علم يدرسه، وأدبٍ يقتبسه، ومحاسن ألفاظ يستفيدها، وشوارد أشعار يصيدها، وانقلب عنها أحد أفراد الدهر، وأمراء النظم والنثر، وكان يقول: ما فتق طبعي، وشحذ فهمي، وصقل ذهني، وأرهف حد لساني، وبلغ هذا المبلغ بي، إلا تلك الطرائف الشامية، واللطائف الحلبية،
__________
(1) ديوان حسان 1: 99 (وفيه التخريج) .
(2) اليتيمة 1: 26.
(3) اليتيمة: وعنفوان أمره.(8/570)
التي علقت بحفظي، وامتزجت بأجزاء نفسي، وغصن الشباب رطيب، وبرد (1) الحداثة قشيب.
وفي فصل (2) :
كان بنو حمدان ملوكاً أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وايديهم للسماحة، وعقولهم للرجاحة، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسطة قلادتهم، غرة الزمان والعصور، ومن به سداد الثغور، وسداد الأمور، وكانت وقائعه في عصاة العرب تكف بأسها وتفل أنيابها، وتذل صعابها، وتكفي الرعية سوء آدابها، وغزواته تدرك من طاغية الروم النار، وتحسم شرهم المنار، وتحسن في الإسلام الآثار، وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحط الرحال، وموسم الأدباء، وقبلة الشعراء، ويقال إنه لم يجتمع بباب أحدٍ من الملوك - بعد الخلفاء - ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر، ونجوم الدهر، والسلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها؛ وكان أديباً شاعراً محباً لجيد الشعر، شديد الاهتزاز لما يمدح به، فلو أدرك ابن الرومي زمانه ما احتاج أن يقول:
ذهب الذين يهزهم مداحهم هز الكماة عوالي المران
كانوا إذا امتدحوا رأوا ما فيهم فالاريحية منهم بمكان
وفي فصل (3) :
كان أبو فراس فرد دهره، وشمس عصره، أدباً وفضلاً، وكرماً ومجداً، وبلاغةً وبراعة، وفروسيةً وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة، ومعه رواء الطبع وسمةً الظرف وعزة الملك، لم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر ابن المعتز؛ وأبو فراس بعد أشعر
__________
(1) اليتيمة: ورداء.
(2) اليتيمة 1: 27.
(3) اليتيمة 1: 48.(8/571)
منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام، وكان الصاحب يقول: بدئ الشعر بملك - يعني امرأ القيس - وختم بملك - يعني أبا فراس -.
وأطلت (1) عنان الاختيار في محاسن كل شيء حسن (2) لا سيما رومياته التي رمى بها هدف الإحسان، وأصاب شاكلة الصواب. ولما خرج نير (3) الفضل من سراره، وأطلق أسد الحرب من إساره، لم تطل أيام فرحته، ولم تسمح النوائب بالتجافي عن مهجته، ودلت قصيدة قرأتها للصابي في تأبينه على أنه قتل في وقعة كانت بينه وبين بعض موالي أسرته؛ وما أحسن وأصدق قول أبي الطيب (4) :
فلا تنلك الليالي إن أيديها إذا ضربن كسرن النبع بالغرب
ولا يعن عدواً أنت قاهره فإنهن يصدن الصقر بالخرب
وفي فصل (5) :
كان المتنبي نادرة الفلك، وواسطة عقد الدهر، في صناعة الشعر؛ شاعر سيف الدولة الذي جذب بضبعه، ورفع من قدره، ونفق من سعر شعره، وألقى عليه شعاع سعادته حتى سار ذكره مسير الشمس والقمر، وسافر كلامه في البدو والحضر، وكادت الليالي تنشده، والأيام تحفظه، كما قال (6) :
وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعراً أصبح الدهر منشدا
فسار به من لا يسير مسامراً وغنى به من لا يغني مغردا / [164]
__________
(1) اليتيمة 1: 102 - 103.
(2) اليتيمة: من محاسن شعر أبي فراس، وما محاسن شيء كله حسن.
(3) اليتيمة: قمر.
(4) ديوان المتنبي: 426.
(5) اليتيمة 1: 126.
(6) ديوان المتنبي: 361.(8/572)
وقد (1) ألفت الكتب في تفسيره وجلاء (2) مشكله وعويصه، وكسرت الدفاتر على ذكر جيده ورديئه، وتكلم الأفاضل في الوساطة بينه وبين خصومه، والإفصاح عن أبكار كلامه وعونه، وتفرقوا في مدحه وذمه، والقدح فيه والتعصب له وعليه، وذلك أدل دليلٍ على وفور فضله، وتقدم قدمه، وتفرده على أهل زمانه، بملك رقاب القوافي ورق المعاني، والكامل من عدت سقطاته، والسعيد من حسبت هفواته.
واتخذ (3) الليل جملاً وفارق بغداد متوجهاً إلى ابن العميد، ومراغماً للمهلبي، فورد أرجان فطمع الصاحب في زيارته بأصبهان، وإجرائه مجرى مقصوديه من رؤساء الزمان، وهو إذ ذاك شاب وحاله حويلة، ولم يكن استوزر بعد، فكتب يلاطفه في استدعائه، فلم يقم له المتنبي وزناً، ولا أجابه عن كتابه، وقصد عضد الدولة، فأسفرت سفرته عن بلوغ الأمنية، وورد مشرع المنية، واتخذه الصاحب غرضاً يرشقه بسهام الوقيعة، ويتتبع سقطاته في شعره وهفواته، وينعى عليه سيئاته، وهو أعرف الناس بمحاسنه، وأكثرهم استعمالاً إياها في مخاطباته.
وخطأ (4) المتنبي في اللفظ والمعنى كثير، ويتبع الفقرة الغراء بالكلمة العوراء، ويفتتح (5) بذلك شعره، وما أكثر ما يحوم حول هذه الطريقة، ويعود لهذه العادة السيئة ويجمع بين البديع النادر والضعيف الساقط، فبينا هو يصوغ أفخر حلي، وينظم أحسن عقد، وينسج أنفس وشي، ويختال في حديقة ورد، إذا به قد رمى بالبيت والبيتين في إبعاد الاستعار وتعويض اللفظ وتعقيد المعنى، فمحا تلك المحاسن وكدر صفاءها وأعقب حلاوتها مرارة لا مساغ لها، واستهدف لسهام العائبين، فمن متمثل بقول الشاعر:
__________
(1) اليتيمة 1: 127.
(2) اليتيمة: وحل.
(3) اليتيمة 1: 138.
(4) اليتيمة 1: 163.
(5) كذا في الأصل، وليست العبارة في اليتيمة، ولعل الصواب " ويقبح ".(8/573)
أنت العروس لها جمال رائع لكنها في كل يومٍ تصرع
ومن مشبه إياه بمن تقدم مائدة تشتمل على غرائب المأكولات وبدائع الطيبات، ثم يتبعها بطعام وضرٍ وشرابٍ عكر، أو من يتبخر بالند المعشب المثلث المركب من العود الهندي والمسك الأصهب والعنبر الأشهب ثم يرنقه (1) بإرسال الريح الخبيثة، أو بالواحد في عقلاء المجانين ممن ينطق نوادر الكلام وطرائف الحكم ثم يعتريه سكر الجنون.
وفي فصل (2) :
أبو الفرج الببغا: نجم الآفاق، وشمامة الشام والعراق، وظرف الظرف، وينبوع اللطف، أحد أفراد الدهر، في النظم والنثر، ولقب بذلك للثغة [فيه] .
وكان نظيف اللبسة، بهي الركبة، مليح اللثغة، ظريف الجملة، وأخذت الأيام من جسمه وقوته، ولم تأخذ من ظرفه وملحه وأدبه؛ ووردني كتابه سنة إحدى وتسعين مشتملاً من النظم والنثر على ما أبدت (3) به حال من بلغ ساحل الحياة، ووقف على ثنية الوداع، ولست [أدري] بعد ما فعل الدهر به، وأغلب ظني أنه [الحق] باللطيف الخبير.
وفي فصل (4) :
أبو الفرج الوأواء: من حسنات الشام، وصاغة الكلام، ومن عجيب شأنه أنه كان بدار بطيخ دمشق ينادي على الفواكه، وما زال يشعر حتى جاد شعره وسار كلامه ووقع ما يروق، ويشوق ويفوق، حتى تعلق بالعيوق.
__________
(1) في الأصل: يوبقه.
(2) اليتيمة 1: 252.
(3) اليتيمة: أثرت.
(4) اليتيمة 1: 288.(8/574)
وفي فصل (1) :
أبو محمد الواساني: أعجوبة الزمان ونادرته، وفرد عصره وباقعته، وهو أحد المجيدين في الهجاء، وكان في زامنه، كابن الرومي في أوانه.
وفي فصل (2) :
أبو محمد بن وكيع: شاعر بديع (3) ، وعالم جامع، قد برع على أهل زمانه، فلم يتقدمه أحد في أوانه، وله كل بديعةٍ تسحر الأوهام، وتستعبد الأفهام.
وفي فصل (4) :
السري الرفاء: وما أدراك ما السري - صاحب سر الشعر، الجامع بين [نظم] عقود الدر، والنفث في عقد السحر، ولله دره، ما أعذب بحره، وأعجب أمره!! وقد أخرجت من شعره ما يكتب على جبهة الدهر، ويعلق في كعبة الظرف (5) ، وكتبت منه محاسن وملحاً، وبدائع وطرفاً، كأنها أطواق الحمام، وصدور البزاة البيض، وأجنحة الطواويس، وسوالف الغزلان، ونهود العذارى الحسان، وغمزات الحدق الملاح.
وفي فصل (6) :
عضد الدولة: [كان] على ما مكن له في الأرض، وجعل إليه من أزمة البسط والقبض، وخص به من رفعة الشان، وأوتي من سعة السلطان، يتفرغ للأدب،
__________
(1) اليتيمة 1: 351.
(2) اليتيمة 1: 372.
(3) اليتيمة: بارع.
(4) اليتيمة 2: 117.
(5) اليتيمة: الفكر.
(6) اليتيمة 2: 216.(8/575)
ويتشاغل بالكتب / [165] ويؤثر مجالسة الأدباء، على منادمة الأمراء، ويقول شعراً كثيراً يخرج منه ما هو من شطر الكتاب من الملح والنكت، وما أدري كم فصل رائعٍ قرأته للصاحب في وصف شعره، وطلب أمد الإبداع في مدحه.
وفي فصل (1) :
الصابي: أوحد العراق في البلاغة، ومن تثنى الخناصر به في الكتابة، وتتفق له الشهادات ببلوغ الغاية من البراعة في الصناعة، وكان خنق التسعين في خدمة الخلفاء، وخلافة الوزراء، وتقلد الأعمال الجلائل، مع ديوان الرسائل، وحلب الدهر أشطره، وذاق حلوه ومره، ولابس خيره ولامس شره، ورئس ورأس، وخُدم وخدم، ومدحه شعراء العراق في جملة الرؤساء، وسار ذكره في الآفاق، ودون له الكلام البهي النقي العلوي ما تتناثر درره، وتتكاثر غرره، وأرادوه الملوك على الإسلام، وأداروه بكل حيلة وتمنيةٍ جليلة، فلم يهده الله للإسلام، كما هداه لمحاسن الكلام، وكان يعاشر المسلمين أحسن عشرة، ويخدم الأكابر أرفع خدمة، ويساعدهم على صيام شهر رمضان، ويحفظ القرآن حفظاً يدور على طرف لسانه وسن قلمه.
وفي فصل (2) :
عبد العزيز بن يوسف: أحد صدور المشرق، وفرسان المنطق، وأفراد الكلم، وأعيان الممدحين المقدمين في الأدب والكتابة والبراعة والكفاية وجميع أدوات الرياسة. ونثره يعرب عن أدب فضفاض، وخاطر بالإجادة والإحسان فياض.
وفي فصل (3) :
القاضي التنوخي: من أعيان الأدب والعلم، وأفراد الكرم وحسن الشيم، وإن أردت فسبحة ناسك، وإن أحببت فتفاحة فاتك، أو اقترحت فمدرعة راهب،
__________
(1) اليتيمة2: 242.
(2) اليتيمة 2: 313.
(3) اليتيمة 2: 336.(8/576)
أو أشرت (1) فنخبة شارب، ريحانة الندماء، ونارنج الظرفاء، ويعاشرون منه من تطيب عشرته، وتلين قشرته، وتكرم أخلاقه، وتحسن أخباره، وتسير أشعاره، حتى نظمت حاشيتي البر والبحر، وناحيتي الشرق والغرب، وكان له غلام يسمى نسيماً في نهاية الملاحة واللباقة، وكان يؤثره على سائر غلمانه، ويختصه بتقريبه واستخدامه فكتب إليه بعض من يأنس به (2) :
هل علي لامه مدغم لاضطرار الشعر في ميم نسيم
فوقع تحته: نعم، ولم لا -
وفي فصل (3) :
أبو علي ابنه: هلال ذلك القمر، وغصن ذلك الشجر، والشاهد العدل لمجد أبيه وفضله، والفرع المشير لأصله، والنائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعد وفاته، وله كتاب " الفرج بعد الشدة " وناهيك بحسنه، وامتناع فنه، وما جرى فيه من الفأله بيمنه، لا جرم أنه أسير من الأمثال، وأسرى من الخيال.
وفي فصل (4) :
ابن لنكك: فرد البصرة وصدر أدبائها، وفرد ظرفائها في زمانه، المرجوع إليه في لطائف الأدب وطرائفه، وكانت حرفة الأدب تمسه وتجمشه، ومحنة الفضل تدركه فتخدشه، ونفسه ترفعه، ودهره يضعه؛ وأكثر شعره ملح وطرف، خفيفة الأرواح، تأخذ من القلوب بمجامعها، وتقع من النفوس أحسن مواقعها، وجلها في شكوى الزمان وأهله، وهجاء شعراء عصره، ويشبه شعره في الملاحة وقلة مجاوزة البيتين والثلاثة شعر ابن فارس، واقدر أنه بالجبال كهو بالعراق، وكان يقال: إذا رمى منصور الفقه برجومه قتل، وكذلك ابن لنكك إذا قال البيت والبيتين أغرب بما جلب وأبدع بما يصنع، فأما إذا قصد فقلما ينجح ويفلح.
__________
(1) اليتيمة: آثرت.
(2) ورد في الذخيرة القسم الثاني: 133.
(3) اليتيمة 2: 346.
(4) اليتيمة 2: 348.(8/577)
وفي فصل (1) :
ابن نباتة: من فحول الشعراء في عصره وآحادهم، وصدور مجيديهم وأفرادهم، الذين أخذوا برقاب القوافي وخوارق (2) المعاني، وشعره مع قرب لطفه بعيد المرام مستمر النظام، يشتمل من حر الكلام على غرر كقطع الروض غب القطر، وفقر كالغنى بعد الفقر، وبدائع أحسن من مطالع الأنوار، وعهد الشباب، في أرق من نسيم الأسحار وشكوى الأحباب.
وفي فصل (3) :
السلامي: من أشعر أهل العراق قولاً بالإطلاق، وشهادةً باستحقاق، وعلى ما أجريت من ذكره، شاهد عدل من شعره، الذي كتبت من محاسنه نزهة العيون ورقى القلوب وسر النفوس، ولم يزل بحضرة الصاحب بين خير مستفيض، وجاهٍ عريض، ونعم بيض، إلى أن آثر قصد حضرة عضد الدولة بشيراز، فجهزه الصاحب إليه وزوده كتاباً بخطه إلى أبي القاسم عبد العزيز بن يوسف قال فيه: " باعة الشعر أكثر من عدد الشعر، ومن يوثق أن حليته التي يؤديها من نسج فكره أقل من ذلك؛ وممن خبرته بالامتحان فأحمدته، وفررته بالإحسان واخترته (4) ، أبو الحسن السلامي، وله بديهة قوية، توفي على الروية، ومذهب / [166] في الإجادة يهش السمع لوعيه، كما يرتاح الطرف لرعيه، وقد امتطى أمله - وخير له - إلى الحضرة الجليلة رجاء أن يحصل في سواد أمثاله، ويظهر معه بياض حاله، فجهزت منه أمير الشعر في موكبه (5) ، وحليت فرس (6) البلاغة
__________
(1) اليتيمة 2: 380.
(2) اليتيمة: وملكوا رق.
(3) اليتيمة 2: 396، 401.
(4) في الأصل: واختبرته.
(5) في الأصل: مركبه.
(6) في الأصل: فارس.(8/578)
بمركبه، وكتابي هذا رائده هذا القطر، بل مشرعه إلى البحر ".
فاشتمل عليه جناح القبول، ودفع إليه مفتاح المأمول، واختص بخدمة عضد الدولة في مقامه وظعنه إلى العراق، وتوفر حظه من صلاته وخلعه، واللها تفتح اللهى، وكان عضد الدولة يقول: " إذا رأيت السلامي في مجلس ظننت أن عطارد قد نزل من الفلك إليّ، ووقف بين يدي ".
وفي فصل (1) :
ابن سكرة الهاشمي: شاعر متسع الباع، في أنواع الإبداع، فائق في قول الطرف والملح، وأحد (2) الفحول والأفراد، جارٍ في ميدان المجون والسخف ما أراد.
وفي فصل (3) :
ابن الحجاج: وإن كان في أكثر شعره لم يستتر من العقل بسجف، ولا بنى جل قوله إلا على سخف، فإنه من سحرة الشعر، وعجائب العصر، وفرد زمانه في فنه الذي شهر به، لم يسبق إلى طريقته، ولا لجق شأوه في نمطه، ولم ير كاقتداره على ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه، مع سلاسة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها في سلك الملاحة، وإن كانت مفصحة عن السخافة، مشوبةً بلغات المكدين وأهل الشطارة، ولولا أن جد الأدب وهزله جد لصنت كتابي عن الكثير من كلام من يمد يد المجون فيعرك بها أذن الحزم، ويفتح جراب السخف فيصفع به قفا العقل.
وفي فصل (4) :
القاضي ابن معروف: شجرة فضلٍ عودها أدب وأغصانها علم وثمرتها عقل وعروقها شرف، تسقيها سماء الحرية، وتغذيها أرض المروة.
__________
(1) اليتيمة 3: 3.
(2) في الأصل: وصدور.
(3) اليتيمة 3: 31.
(4) اليتيمة 3: 112.(8/579)
وفي فصل (1) :
أبو الفرج الأصبهاني الأصل، البغدادي المنشأ: كان من أعيان أدبائها وأفراد مصنفيها، وله شعر يجمع إتقان العلماء وإحسان الظرفاء الشعراء.
وفي فصل (2) :
الشريف أبو الحسن الموسوي: [يتحلى مع محتده الشريف] ومفخره المنيف بأدبٍ ظاهر، وفضل باهر، وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر، ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق، وقد شهد بما أجريت من ذكره، شاهد عدل من شعره العالي القدح، الممتنع عن القدح، يجمع إلى السلاسة تانة، وإلى السهولة رصانة، ويشتمل على معانٍ يقرب جناها، ويبعد مداها.
وفي فصل (3) :
الصاحب بن عباد: ليس تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم، وتفرده بغايات المحاسن والشيم، وجمعه أشتات المفاخر، لأن قولي ينخفض عن أدنى فضائله ومعاليه، وجهد وصفي، يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه، ولكني أقول: كانت همته في مجدٍ يشيده، وإنعام يجدده، وفاضل يصطنعه، وكلامٍ حسنٍ يسمعه أو يصنعه، ولما كان نادرة عطارد في البلاغة، وواسطة عقد الدهر في السماحة، جلب إليه من الآفاق وأقاصي البلاد كل خطاب جزل، وقولٍ فصل، وصارت حضرته مشرعاً لروائع الكلام، وبدائع الأفهام، ومجلسه مجمعاً لصوب العقول وذوب العلوم (4) ونثار الخواطر ودرر القرائح، فبلغ من البلاغة ما يعد في السحر ويكاد يدخل في حد الإعجاز، وسار
__________
(1) اليتيمة 3: 114.
(2) اليتيمة 3: 136.
(3) اليتيمة 3: 192.
(4) في الأصل: العقول.(8/580)
كلامه مسير الشمس، [واحتف] به من نجوم الأرض وأفراد العصر وأبناء الفضل وفرسان الشعر ما يربي عددهم على شعراء الرشيد ولا يقصرون عنهم في الأخذ برقاب المعاني وملك رق القوافي، فإنه لم يجتمع بباب أحد من الخلفاء ما اجتمع بباب الرشيد من فحولة الشعراء.
وفي فصل (1) :
أبو دلف الخزرجي: شاعر كثير الملح والطرف، مشحوذ المدية في الكدية، حنق التسعين في الاضطراب والاغتراب، وركوب الأسفار الصعاب، وضرب صفحة المحراب (2) بالجراب، وخدمة العلوم والآداب.
وفي فصل (3) :
القاضي الجرجاني: فرد الزمان ونادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم، وقبة تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، يجمع خط ابن مقلة إلى نثر الجاحظ ونظم البحتري، وينظم عقد الإتقان والإحسان في كل ما يتعاطاه.
وهذه أيضاً جملة من شعره
زاره الأمير أبو الفضل الميكالي فكتب إليه (4) :
لا زال مجدك للسماك رسيلا وعلو جدك بالخلود كفيلا
يا غرة الزمن البهيم إذا غدا هذا الورى (5) لزمانه تحجيلا / [167]
يا زائراً مدت سحائب طوله ظلاً علي من الجمال ظليلا
وأتت بصوب جواهر من لفظه حتى انتظمن لمفرقي إكليلا
__________
(1) اليتيمة 3: 356.
(2) في الأصل: الحراب.
(3) اليتيمة 4: 3.
(4) اليتيمة: ودرة. 5 زهر الآداب: 312.
(5) زهر: أهل العلا.(8/581)
بابني وغير أبي هلال نوره يستعمل التسبيح والتهليلا
نقشت حوافر طرفه في عرصتي نقشاً محوت رسومه تقبيلا
ولو استطعت فرشت مسقط خطوه بجفون عينٍ (1) لا ترى التكحيلا
ونثرت روحي بعدما ملكت يدي وخررت بين يدي هواه قتيلا
وقال فيه (2) :
لك في المفاخر معجزات جمة أبداً لغيرك في الورى لم تجمع
بحران: بحر في البلاغة شابه شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي
كالنور أو كالسحر أو كالبدر أو كالوشي في بردٍ عليه موشع
شكراً فكم من فقرةٍ لك كالغنى وافى الكريم بعيد فقر مدقع
وإذا تفتق نور شعرك ناضراً فالحسن بين مرصع ومصرع
أرجلت فرسان الكلام ورضت أف - راس البديع وأنت أمجد مبدع
ونقشت في فص الزمان بدائعاً تزري بآثار الربيع الممرع
وله إليه جواباً عن كتاب ورد عليه (3) :
أنسيم الرياض حول الغدير مازجته ريا الحبيب الأثير
أم ورود البشير بالنجح من ف - ك أسيرٍ أم يسر أمر عسير
في ملاء من الشباب جديدٍ تحت أيكٍ من التصابي نضير
أم كتاب الأمير سيدنا الفر - د فيا حبذا كتاب الأمير
وثمار السرور ما اجتنيه في سطور فيها شفاء الصدور
نمقتها أنامل تفتق الأن - وار والزهر في رياض السطور
__________
(1) زهر: بعيون عين.
(2) زهر الآداب: 137 واليتمية 4: 355.
(3) زهر الآداب: 138.(8/582)
كالمنى قد جمعن في النعم الغ - ر مع الأمن من صروف الدهور
يا أبا الفضل يا ابنه يا أخاه جل باريك من لطيف خبير
شيم يرتضعن در المعالي ويعبرن عن نميم العبير
وسجايا كأنهن لدى البش - ر رضاب الحيا بأري مشور
ومحيا لدى الملوك محيا صادق البشر مخجل للبدور
فأجابه الأكير أبو الفضل بأبيات منها (1) :
وهدي زفت إلى السمع بكرٍ تتهادى في حليةٍ وشذور
عجب الناس إذ بدت من سوادٍ في بياضٍ كالمسك في الكافور
نظمت من بلاغة ومعان مثل نظم العقود فوق النحور
كم تذكرت عهدها (2) من عهود للتلاقي في ظل عيش نضير
فذممت الزمان إذ ضن عنا باجتماع يضم شمل السرور
ولئن راعنا الزمان [ببينٍ ألبس] الأنس ذلة المهجور
فعسى الله أن يعيد اجتماعاً في أمان من حادثات الدهور
إنه قادر على رد ما فا - ت وتيسير كل أمرٍ عسير
__________
(1) زهر الآداب: 138.
(2) زهر: عندها.(8/583)
فصل في ذكر الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم
المعروف بالحصري (1)
واجتلاب جملة من كلامه
كان أبو إسحاق هذا صدر الندي، ونكتة الخبير الجلي، وديوان اللسان العربي، راض صعابه، وسلك أوديته وشعابه، وجمع أشتاته، وأحيا مواته، حتى صار لأهله إماما، وعلى جده وهزله زماماً، وطنت به الأقطار، وشدت إليه الأقتاب والأكوار، وأنفقت فيما لديه الأموال والأعمار، وهو يقذف البلاد بدرر صدفها الأفكار، وسلوك ناظمها الليل والنهار، عارض أبا بحرٍ الجاحظ بكتابه الذي وسمه ب - " زهر الآداب، وثمرة الألباب "، فلعمري ما قصر مداه، ولا قصرت خطاه، ولولا أنه شغل أكثر أجزائه وأنحائه، ومرج يحبو حمى أرضه وسمائه، بكلام أهل العصر دون كلام العرب، لكان كتاب الأدب، لا ينازعه ذلك إلا من ضاق عنه الأمد، وأعمى بصيرته الحسد، ثم أخذ (2) بعد ذلك في إنشاء التواليف الرائقة، والتصانيف الفائقة ككتاب " النور والنور " (3) وكتاب " المصون من الدواوين " (4) ، إلى عدة رسائل وأشعار، أندى من نسيم الأسحار، وأذكى من
__________
(1) ترجمة الحصري أبي إسحاق في معجم الأدباء 2: 94 - 97 وابن خلكان 1: 54 والوافي للصفدي 6: 61 ومسالك الأبصار 11: 309 وعنوان الأريب 1: 43؛ وقد اختلف في وفاته فقال ابن رشيق كما نقل عنه ياقوت توفي سنة 413 وقال ابن بسام سنة 453 ورجح ابن خلكان القول الأول دون أن يذكر سبباً لذلك، ولعله اعتمد على أن ابن رشيق أدرى بذلك من غيره؛ ونقل الصفدي عن كتاب الجنان لابن الزبير أن الحصري ألف زهر الآداب سنة 450.
(2) في المسالك: ثم غبر؛ ص: ثم أجد.
(3) يسميه الصفدي: نور الظرف ونور الطرف، ويقول إنه اختصر فيه كتابه زهر الآداب، وينقل التجاني في تحفة العروس: 115 عما يسميه كتاب النورين للحصري وكذلك يسميه ياقوت، ومرة أخرى ينقل التجاني عن نور الطرف: 138؛ وانظر عيون التواريخ (الفاتح رقم: 4441) 7: 57.
(4) يسميه الصفدي: المصون في سر الهوى المكنون، وعند ياقوت، المصون والدر المكنون؛ ومن هذا الكتاب نسخة بخزانة شيخ الإسلام بالمدينة المنورة، ذكرها الدكتور محمد بن سعد الرويشد في مقارنة أجراها بين طوق الحمامة والمصون (مجلة الفيصل، السنة الأولى، عدد 10 ص 16 - 21) وانظر بروكلمان 1: 267.(8/584)
شميم الأزهار؛ وقد أخرجت من كلامه ما لا ينكر فضله، ولا ينشي مثله إلا مثله، وكانت وفاته - فيما بلغني - سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة.
فصول من كلامه اندرجت في تواليفه، من نثره ونظامه
فصل (1) :
ولبني علي أهل البيت كلام يعرض في حلى البيان، وينقش في فص الزمان، ويحفظ على وجه الدهر، ويفضح عقائل الدر، ويكتحل بنور الشمس، ولم لا يطؤون ذيول البلاغة، ويجرون فضول البراعة، وأبوهم الرسول، وأمهم البتول، وكلهم / [168] قد غذي بدر الحلم، وربي في حجر العلم.
ما منهم إلا مردىً بالحجى أو مبشر بالأحوذية مؤدم
وفي فصل (2) :
البديع: اسم وافق مسماه، ولفظ طابق معناه، وكلامه غض المكاسر، أنيق الجواهر، يكاد الهواء يسرقه لطفاً، والهوى يعشقه ظرفاً، ولما رأى ابن دريد قد أغرب بأربعين حديثاً وذكر إنه استنبطها من ينابع صدره، وانتخبها من معادن فكره، وأيداها للأبصار والبصائر، وأهداها للأفكار والضمائر، في معارض حوشيةٍ، وألفاظ عنجهية، فجاء أكثر ما أظهر تنبو عن قبوله الطباع، ولا ترتفع له حجب الأسماع، وتوسع فيها، إذ صرف ألفاظها ومعانيها، في وجوه مختلفة، وضروبٍ متصرفة، عارضة بأربعمائة مقامةٍ في الكدية تذوب ظرفاً وتقطر حسناً، لا مناسبة بين واحدةٍ منها لفظاً ولا معنى، عطف مساجلتها، ووصف مناقلتها، بين رجلين يسمى أحدهما عيسى بن هشام والآخر أبو الفتح الإسكندري، وجعلهما يتهاديان الدر،
__________
(1) زهر الآداب: 56 والمسالك: 130.
(2) زهر الآداب: 261.(8/585)
ويتنافثان السحر، في معانٍ تضحك الحزين، وتحرك الرصين يطالع منها كل طريفة، ويوقف منها على كل لطيفة، وربما أفرد أحدهما بالحكاية، وخص بعضهما الرواية.
وفي فصل (1) :
هذا كتاب اخترت [فيه] قطعة كافيةً من البلاغة في الشعر والخبز، والفصول [والفقر] ، مما حسن لفظه ومعناه، واستدل بفحواه على مغزاه، ولم يكن شارداً حوشياً، ولا ساقطاً سوقياً، بل كان جميع ما فيه من ألفاظه ومعانيه:
في نظام من البلاغة ما ش - ك امرؤ أنه نظام فريد (2)
حزن مستعمل الكلام اختياراً وتجنين ظلمة التعقيد
وركبن اللفظ القريب فأدرك - ن به غاية المراد البعيد
كتاب يتصرف فيه الناظر من نثره إلى شعره، ومطبوعه إلى مصنوعه، ومحاورته إلى مفاخرته، ومناقلته إلى مساجلته، وخطابه المبهت، إلى جوابه المسكت، وتشبيهاته المصيبة، إلى اختراعاته الغريبة، وأوصافه الباهرة، إلى أمثاله السائرة، وجده المعجب، إلى هزله المطرب، وجزله الرائع، إلى رقيقه البارع، وقد نزعت فيما جمعت عن ترتيب التبويب، وعن إبعاد الشكل عن شكله، وإفراد الشيء من مثله، فجعلت بعضه مسلسلاً، وتركت بعضه مرسلاً، ليحصل محرر النقد، مقدر السرد، قد أخذ بطرفي التأليف، واشتمل على حاشيتي التصنيف، [وقد يعز] المعني فألحق الشكل بناظره، وأعلق الأول بآخره، وتبقى منه بقية أفرقها في سائره، ليسلم من التطويل الممل، والتقصير المخل، وتظهر في الجميع فائدة الاجتماع، وفي التفريق لذاذة الإمتاع، فيكمل منه ما يونق القلوب والأسماع، إذ
__________
(1) زهر الآداب: 1.
(2) الأبيات للبحتري في ديوانه: 636 - 637.(8/586)
كان الخروج من جد إلى هزل، ومن حزنٍ إلى سهل، أنفى للكلل، وأبعد من الملل؛ وقد قال أبو العتاهية (1) :
لا يصلح النفس إذ كانت مصرفةً إلا التنقل من حالٍ إلى حال
وفي فصل (2) :
ومعلوم أنه ما انجذبت نفس، ولا اجتمع حس، ولا مال سر، ولا جال فكر، في أفضل من معنى لطيف، ظهر في لفظ شريف، فكساه من حسن الموقع قبولاً لا يدفع، وأبرزه يختال من صفاء السبك ونقا السلك وصحة الديباجة وكثرة المائية في أجمل حلة، وأجل حلية.
والمعنى إذا استدعى القلوب إلى حفظه، بما ظهر في مستحسن لفظه، من بارع عبارة، وناصع استعارة، وعذوبة مورد، وسهولة مقصد، وحسن تفصيل، وإصابة تمثيل، وتطابق أنحاء وتجانس أجزاء، وتمكن ترتيب، ولطافة تهذيب، مع صحة طبع وجودة إيضاح، يثقفه تثقيف القداح، ويصوره أفضل تصوير، ويقدره أكمل تقدير، [فهو مشرق في جوانب السمع] .
وإن كنت (3) قد استدركن على كثير ممن سبقني إلى مثل ما أجريت إليه، واقتصرت في هذا الكتاب عليه، لمح أوردتها كنوافث السحر، وفقر نظمتها كالغنى بعد الفقر، من ألفاظ أهل العصر، في محلول النثر، ومعقود الشعر؛ ولهم من لطائف الابتداع، وتوليدات الاختراع، أبكار لم تفترعها الأسماع، يصبو إليها القلب والطرف، ويقطر منها ماء الملاحة والظرف، وتمتزج بأجزاء النفس، وتسترجع نافر الأنس، تخللت تضاعيفه، ووشحت تآليف، وطرزت ديباجه (4) ، ورصعت تاجه،
__________
(1) ديوان أبي العتاهية: 321.
(2) زهر الآداب: 3.
(3) زهر الآداب: 4.
(4) في الأصل: ديباجاته.(8/587)
ونظمت عقوده، ورقمت بروده، فنورها يرف، ونورها يشف، في روضٍ من الكلم مونق، ورونق من الحكم مشرق.
وفي فصل (1) :
إلى هذا المكان أمسكت العنان، والإطناب في هذا الكتاب يعظم ويتسع، بل يتصل ولا ينقطع، إذ كان غرضي فيه، أن ألمع من معانيه، ثم أنجز معه حيث أنجر، وأمر فيه كيف / [169] مر، وآخذ في معنى آخر غير موصول بشكله، ولا مقرونٍ بمثله، وقد أحل نظاماً وأفرد تؤاماً، نشراً لبساط الانبساط، ورغبة في استدعاء النشاط.
وهذا التصنيف لا تدرك غايته، ولا تبلغ نهايته، إذ المعاني غير محصورة بعدد، ولا مقصورة إلى أمد، وقد أبرزت في الصدر، صحيفة العذر، يجول فرندها، ويثقب زندها، ومن ركب مطية الاعتذار، واجتنب خطية الإصرار، فقد خرج من تبعة التقصير، وبرز من عهدة المعاذير، وإن أحق ما احتكم إليه، واقتصر عليه، الاعتراف بفضل الإنصاف، فليعلم من ينصف أن الاختبار ليس يعلم ضرورةً، ولا يوقف له على صورة، فليكثر الإغماض، وليقل الاعتراض، ولو وقع الإجماع على ما يرضي ويسخط، ويثبت ويسقط، لارتفع حجاج المختلفين في أمر الدنيا والدين.
وفي فصل:
هو كليل الخاطر، سقيم النفس، صدئ القريحة، عديم الحس، ذو طبعٍ جاسٍ، وفهم قاسٍ، ولله در ابن الرومي في قوله (2) :
خفافيش أعشاها نهار بضوئه ولائمها قطع من الليل غيهب
__________
(1) زهر الآداب: 1091.
(2) ديوان ابن الرومي: 157.(8/588)
بهائم لا تصغي إلى شدو معبدٍ فأما على جافي الحداء فتطرب
قد تعود لي الألسن بالسباب، وغمز على الأصحاب، واستعمل الملق والكذاب، فهو بين جاهل متغافل، قد حشي قلبه ريناً، وملئ لسانه ميناً، وبين من سمائم نمائمه تلذع، وعقارب مكايده تلسع، وبين معجب متصلف، باردٍ متكلف، لا يرى سيبويه كان على شيء، كما لا يرى الكسائي قبله (1) :
وإذا ما تذاكر الناس معنى من شهير الأشعار والمجهول
قال هذا لنا ونحن كشفنا عنه للمستدل والمسؤول (2)
فهو كما قال الخوارزمي: قد أسكرته خمرة الكبر، واستهوته غرة التيه، فخيل إليه أن كسرى حامل غاشيته، وقارون وكيل نفقته، وبلقيس إحدى داياته، وأن الشمس تطلع من جبينه، والغمام يندى من عينه، فهو يرى ببصر جهله لا ببصيرة عقله، وأن امرأ القيس ما بكى بالديار وعرصاتها، ولا اغتدى والطير في وكناتها، ولا أحسن تقصيد القصائد، وتقييد الأوابد، وأن زياداً (3) لم توقد باليفاع ناره، ولا أعتب النعمان اعتذاره، وأن شعره لم يرق حتى يقال: الماء أو أسلس، ويجزل حتى يقال: الصخر أو أملس، وأن زهيراً كان متعاظل الكلام، متداخل الأقسام، غير مطبقٍ للمفاصل، ولا مصيبٍ للشواكل، وأما طبقات المخضرمين من الإسلاميين فلا يضربون إليه بقدح، ولا يفوزون عنده بنجحٍ.
فلو أتيناه بمستطرفٍ من مبدعات الهزل والجد
أرق من دمعة مهجورة مرهاء تمريها يد البعد
لو قرعت سمع يزيدٍ سلا بحسن ما يسمع عن هند (4)
__________
(1) ص: سير.
(2) ص: عيبه المسؤول والسمؤول.
(3) يعني النابغة الذبياني.
(4) ص: من ند.(8/589)
أعرض عنها ثانياً عطفه ولم يعرها عطفة الود
هذا وقد لاح بوجه الحجى منها ضياء القمر الفرد
وأقبلت تختال في حلةٍ مرت عليها طرز الحمد
وما يضر الشمس أن أصبحت تعرض عنها أعين الرمد
ومن يك ذا فمٍ مر مريضٍ يجد مراً به الماء الزلالا
وفي فصل (1) :
قد تقاربت الصفات، وتوازنت الذوات، وتكاشفنا لما تعارفنا، ورفعت الخلوة حجاب الاحتجاب، وحطت الخلطة لثام الاكتتام، وكنا مع طول الامتحان والاختبار، ومدة الالتباس والاحتيار، نقنع من ارتفاع القناع بلمحة، ومن اتقاد الزناد بقدحة، ونبرز العبارات، من معارض الإشارات، وغوامض الاستعارات، في طراز من الأرماز يدق عن مسرى السحر، ويرق عن مجرى الخمر:
في تعابيرنا " اللطاف اللواتي هي أخفى من مستسر الهباء " (2)
" بل من السر في ضمير محب أدبته عقوبة الإفشاء "
ونختلس حركات البيان، في سكنات الزمان، كما اختلس اللفظ المحب الكتوم، فهلهم الآن إلى التصريح دون التعريض، والتصحيح دون التمريض، وتعال نتلاطف ونتكاشف، إذ قد لبسنا ثوب الأمان من الزمان.
وفي فصل (3) :
__________
(1) ص: الضياع.
(2) استعار البيتين من ابن الرومي، ديوانه: 67.
(3) الأبيات في الشريشي 5: 227.(8/590)
إذا بدا القلم الأعلى براحته مطرزاً لرداء الفخر بالظلم
رأيت ما أسود في الأبصار أبيض في بصائرٍ لحظها للفهم غير عم
كروضة خطرت في وشي زهرتها وافتر نوارها عن ثغر مبتسم
وتبرجت في حللها وحليها، وابتهجت بوسيمها / [170] ووليها، وكاد الهواء يسرقه لطفاً، والهوى يعتنقه ظرفاً، فاجتنبت ما اشتهيت من خزاماها وعرارها، واجتليت ما رأيت من خيريها وبهارها، ولثمت خدود وردها وسوسانها، ورشفت ثغور أقاحها وحواذنها، والتقطت ما لا تخلق الأيام بهجته، ولا تغير الأعوام جدته، من نور يقطف بالأسماع والأبصار، وزهرٍ يتناول بالخواطر والأفكار، وسرحت الطرف في ما يفوت الوصف، من غرائب إبداع، وعجائب اختراع، لم تفترعها الأسماع.
وفي فصل (1) :
أسهمني من واضح الفجر غرة الصباح، وقسم لي من طائر الذكر قادمة الجناح، وألبسني من التنويه، ما لا يعزى إلى تمويه، فأصبحت أجيل الجوزاء على يد قصور، والثناء على لسان قصير، ولئن كبت جيادي، عن مضمار مرادي، وعجز لساني، عما حواه جناني، فتمثلت بقول الزعفراني (2) :
لي لسان كأنه لي معادي ليس ينبي عن كنه ما في فؤادي
حكم الله لي عليه فل أن - صف قلبي عرفت قدر ودادي
وقد علمت أن شمس الخواطر، إذا جرت في فلك الضمائر، اتصل النور المبين، وانفصل الشك من اليقين.
وفي فصل:
__________
(1) ورد بعضها في المسالك: 310.
(2) هو أبو القاسم الزعفراني، وبيتاه في زهر الآداب: 324 والأول في المسالك: 310.(8/591)
فتقنا نوافج الآراب، عن مسك الآداب، ونشرنا طرائف المطارف، عن لطائف الزخارف، وتسالبنا من أثواب المذاكرة، وتجاذبنا أهداب المحاضرة، من سائح فكر، وغرائب فقر، ألذ من سمرٍ بلا سهر، إلى أن أفضينا إلى ذكر البيت المظلوم واجب حقوقه، المسلوك به غير طريقه، على أنه ورد من صفاء السلك، وصحة الديباجة وكثرة المائية في أجمل حلة، وأجل حلية، فكان كما قلت (1) :
ومذهب الوشي على وجهه ديباجة ليست على الشعر
كزهرة الدنيا وقد أقبلت ترود في رونقها النضر
أو كالنسيم الغض غب الحيا يختال في أردية الفجر
هذا وهو بمحاورة الطبع للسمع، ومباراة الخاطر للناظر، من غير إعمال الفكر ولا تدقيق النظر، لكن بديهتك إذا أهداها قلبك إلى قلمك، وأداها لسانك عن فهمك، وأبديت بادرة ما أهديت إلى من عهدم به، وهو محرر للنقد، مقدر على السرد، أعرض عنه صفحاً، وطوى دونه مكشحا، حتى طال بلا طائلٍ لديه، ولا طلاوة عليه:
فقلت والقلب موقوف على حرقٍ يبعثن أنفاس صدر كاظم وحم
أي القرائح يعفو لمع بارقها في عارضٍ من ظلام الليل مرتكم
بحيث لا نحن من إقبال ذي أدبٍ نحظى بنجح ولا إفضال ذي كرم
إذا كان من إليه تتحاكم الخصوم في كل العلوم، فتقف منه الألباب على فصل الخطاب، وفص الصواب، ووجه الجواب، يلحظ ما يجري لأبناء عصره، وأنشاء دهره، من سر البديع، الزاهي على زهر الربيع، والزاري بالوشي الصنيع، بطرفٍ أسقم من أجفان الغضبان، ويعيره وجهاً هو لفرط التقطيب، كوامقٍ فاجأه شخص الرقيب، أو غزل طالعه وفد المشيب، فأي لب يصفو مزاجه، وأي قلبٍ يضيء سراجُهُ!
__________
(1) البيت الأول والثالث في المسالك: 310.(8/592)
وهذه ايضاً جملة من شعره
حكى أبو علي بن رشيق في كتابه المترجم ب - " الأنموذج " قال: كان أبو إسحاق الحصري قد نشأ على الوراقة والنسخ لجودة خطه، وكان منزله لزيف جامع مدينة القيروان، فكان الجامع بينه وخزانته، وفيه اجتماع الناس إليه ومعه؛ ونظر في النحو والعروض، ولزمه شبان القيروان، وأخذ في تأليف الأخبار، وصنعة الأشعار، مما يقرب في قلوبهم، فرأس عندهم، وشرف لديهم، ووصلت تليفاته صقلية وغيرها، وانثالت الصلات عليه، وله شعر كثير، ومن شعره مما أنشده ابن رشيق (1) :
إني أحبك حباً ليس يبلغه فهمي ولا ينتهي وصفي إلى صفته
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي بالعجز مني عن إدراك معرفته
وأنشد له:
ولقد تنسمت الرياح لعلني أرتاح أن يبعثن منك نسيما
فأثرن من حرق الصبابة كامناً وذعن من سر الهوى مكتوما
وكذا الرياح إذا مررن على لظى نارٍ خبت ضرمنها تضريما
وله (2) :
عليل طرفٍ سقيت خمرا من مقلتيه فمت سكرا
ترقرقت وجنتاه ماءً مازج فيه العتيق درا / [171]
يحرك الدل منه غصناً ويطلع الحسن فيه بدرا
[قدر خط مسك بعارضيه خلقت للعاشقين عذرا]
__________
(1) البيتان في ياقوت 2: 96 وابن خلكان 1: 54 - 55 والوافي 6: 61.
(2) البيت الأول في المسالك: 311 وما بين معقفين زيادة عنه أيضاً؛ والأبيات جميعاص في الشريشي 5: 227.(8/593)
وقال مما لم ينشده ابن رشيق (1) :
تلاحظني صروف الدهر شزراً كأن علي للأيام وترا
وفي عيني دموع ليس ترقا وفي قلبي صدوع ليس تبرا
أقلب في الدجى طرفاً كليلاً إذا جيب الظلام علي زرا
ولو نشر الذي أطوى عليه على من تحتويه الأرض طرا
أصم مسامع الدنيا عويلاً وهز جوانح الأيام ذعرا
فيا من غاب عن عيني مشوقٍ يرى لنواه طعم العشق (2) مرا
قرأت كتابك الأعلى محلاً لدي وموقعاً ويداً (3) وقدرا
فأحياني وقد غودرت ميتاً وأنشرني وقد ضمنت قبرا
نقشت بحالك (4) الأنقاس نوراً [جلا] لعيوننا نوراً وزهرا
فدبج من بسيط الفكر روضاً أنيقاً مشرق الجنبات نضرا
لو استسقى الغليل به لروى أو استشفى العليل به لأبرا
هفا عطر الجنوب له نسيم أقول إذا أناسم منه نشرا
نثرت لنا على الكافور مسكاً ولم تنشر على القرطاس حبرا
فيا من تمسك الأوصاف عنه أعنة وصفنا نظماً ونثرا
ومن يدعو القلوب إلى مناها بعينيه فلا تأتيه قسرا
ومن يجري اللآلئ في أقاح يمازج ظلمه برداً وخمرا
ويغرس في رياض الدل غصناً ويطلع في سماء الحسن بدرا
كأن بخده ذهباً صقيلاً أذاب عليه ياقوتاً ودرا
أفرط فيك إن أفرطت وصفا وأعجز عنك إن أعجزت شعرا
__________
(1) منها أبيات في الشريشي 5: 238.
(2) كذا في ص ولعل الصواب " العيش ".
(3) الشريشي: شرقاً.
(4) ص: بنورك.(8/594)
ولي قلب عليك لما يلاقي يكافح من سعير الوجد (1) جمرا
ولولا ما يؤمل من لفاءٍ (2) تقطع حسرةً وأذيب قهرا
سأسحب فيك أذيال الأماني وألبس تحت ثوب السقم صبرا
لعل الدهر يمتع منك طرفي ويعقب بعد عسر الحال يسرا
وقال:
إلفان ضمهما الهوى في خلوةٍ من بعد طول تغضب وتعتب
فإذا الرقيب مطالع عن غفلة ومكدر للمشرب المستعذب
فتفرقا عن ساكبٍ متحدر بعثته حرقة جاحمٍ متلهب
وكأنما الوقت الذي سعدا به حلم سرى أو قطع برقٍ خلب
ليت الذي خلق الرقيب أصابه بعمى يسد عليه نهج المذهب
قوله في ما تقدم: " وكذا الرياح إذا مررن على لظى ".. البيت، كقول ابن الرومي:
لا تغرين جوى بلومٍ إنه كالريح تغري النار بالإحراق
وقال يحيى بن هذيل القرطبي (3) :
روحني عاذلي فقلت له مه. لا تزدني على الذي أجد
أما ترى النار وهي خامدة عند هبوب الرياح تتقد
وحكى أبو صفوان العتكي بصقيلية قال (4) : كان أبو إسحاق الحصري يختلف إلى بعض مشيخة القيروان، وكان ذلك الشيخ كلفاً بالمعذرين [من] الغلماء، وهو القائل فيهم:
__________
(1) ص: إليك، ولعلها " البين ".
(2) ص: بقاء.
(3) وردا في القسم الأول من الذخيرة: 621 منسوبين لابن اللمائي.
(4) وردت القصة والأبيات في الشريشي 3: 117 وابن خلكان 1: 394 (نقلاً عن الذخيرة) .(8/595)
ومعذرين كأن نبت خدودهم أقلام مسكٍ تستمد خلوقا
قرنوا البنفسج بالشقيق ونظموا تحت الزبرجد لؤلؤاً وعقيقا
فهم الذين إذا الخلي رآهم وجد الهوى بهم إليه طريقا
وكان يختلف إليه غلام من أعيان أشراف القيروان، وكان به كلفاً، فبينا هو يوماً والحصري قد أخذ في الحديث إذ أقبل الغلام:
في صورة كملت فخلت بأنها بدر السماء لستةٍ وثمان
يعشي العيون ضياؤها فكأنها شمس الضحى تعشى بها العينان
فقال له الشيخ: يا حصري، ماذا تقول في من هام بهذا القد، وصبا بهذا الخد - قال له الحصري: الهيمان به والله غاية الظرف، والصبوة إليه من تمام اللطف، لا سيما إذا شاب كافور (1) خده ذلك المسك الفتيت، وهجم على صبحه ذلك الليل البهيم، والله ما خلت سواده في بياضه إلا بياض الإيمان في سواد الكفر (2) وغيهب الظلماء في منير الفجر. فقال: صفه يا حصري، قال: من ملك رق القول حتى انقادت له صعابه، وذلل له جموحه حتى سطع له شهابه، أقعد مني بذلك، فقال: صفه، فإني معمل (3) فكري في ذلك، فأطرقا ساعة فقال الحصري (4) :
أورد قلبي الردى لام عذارٍ بدا
أسود كالكفر في أبيض مثل الهدى
فقال له الشيخ: أتراك / [172] اطلعت على [ضميري أو خضت بين جوانحي وزفيري - قال: لا؛ ولم ذلك -] قال: لأني قلت:
__________
(1) الشريشي: شام كافوره، ص: شيب.
(2) صك الكفران.
(3) ص: فإني نعمل؛ وهي بعامية الأندلس والمغرب.
(4) ابن خلكان 1: 55، 394.(8/596)
حرك قلبي فطار صولج لام العذار
أسود كالليل في أبيض مثل النهار
فصل في ذكر الأديب الكامل أبي علي بن رشيق المسيلي (1)
وسياقة طرف من غرائب أشعاره، وعجائب أخباره
بلغني أنه ولد بالمسيلة وتأدب بها قليلاً ثم ارتحل إلى القيروان سنة ست وأربعمائة، وكان أبو علي ربوةً لا يبلغها الماء، وغاية لا ينالها الشد والإرخاء (2) ، محله من العلم، محل الصواب من الحكم، واقتداره على النثر والنظم، اقتدار الوتر على السهم، إن نظم طاف الأدب واستلم، أو نثر هلل العلم وكبر، أو نقد سعى الطبع الصقيل وحفد، أو كتب سجد القلم الضئيل واقترب، ولم يكن لأهل أفريقية قديماً في الأدب نبع ولا غرب، ولا من لسان العرب ورد ولا قرب، يدل على ذلك ما وصف به أبو علي البغدادي أهل القيروان، وقد أثبته في موضعه من صدر هذا الديوان (3) . ورأيت ديواناً مجموعاً في أشعار قدماء أهل أفريقية هو بالبكم أشبه، وفي لسان العجم أنوه وأنبه، هذا وأجنادها على قدم الدهر العرب العاربة، وقوادها الأغالبة والمهالية، فلما زال ملكها عن أيدي العرب، تدفقت بها بحور الأدب، وطلعت منها نجوم الكتب، ورمت أقاصي البلاد، بمثل ذرى الأطواد، وسمعنا بزهر الآداب، وأنموذج الشعر اللباب، وبفلان وفلان، من كل فارس ميدان، وبحر
__________
(1) ترجمة ابن رشيق في الخريدة 2: 230 وأنباه الرواة 1: 298 ومعجم الأدباء 8: 110 وابن خلكان 2: 85 (وفيه نقل عن الذخيرة) ومسالك الأبصار 11: 227 وشذرات الذهب 3: 297 وبغية الوعاة: 220 وعنوان الأريب 1: 52 وللأستاذ حسن حسني عبد الوهاب كتاب بساط العقيق في تاريخ القيروان وشاعرها ابن رشيق، وللدكتور عبد الرحمن ياغي كتاب عنه؛ وقد جمع شعره الميمني في النتف ثم ياغي، ولا يزال كثير من شعره غير مضمن في هذين المجموعين وخاصة جانب غير قليل مما أورده ابن بسام.
(2) المسالك: وغاية لا تنالها الوجناء.
(3) راجع القسم الأول: 14 - 15.(8/597)
بلاغة وبيان، وقال أبو علي بن رشيق، وما أبو علي - شعاع القمر، وحديث السمر، ومعجزة الخُبر والخبر، فات الأواخر والأوائل، واسكت المناظر والمماثل.
ولما طلع نجم (1) النحوس، بملك (2) المعز بن باديس، وخرج إلى المهدية بسماءٍ كاسفة الأقمار، وذماءٍ أقصر من ظمأ الحمار، كان أبو علي ممن انحشر في زمرته المحروبة، وتحيز إلى فئته المفلولة المنكوبة، فأقام معه بها أنفة الجلاء، وإشفاقاً من فرقة الأحبة والخلصاء، وغشي المهدية أسطول الروم فأصبح البحر ثنايا، تطلع المنايا، وآكاماً تحمل موتاً زؤاماً، فدخل يومئذ على تميم (3) حين وضح الفجر، وقد تم الذعر، وضاق ذات الصدر، فوجده في مصلاه والرقاع عليه ترد، والشمع بين يديه يتقد، فقام على رأسه ينشد قصيدته التي أولها:
تثبت لا يخامرك اضطراب فقد خضعت لعزتك الرقاب
فقال له: مه، أحال عهدك أم تغير، أم قد أدبر بك الزمان في ما أدبر - ويلك! متى عهدتني لا أتثبت - إذا لم تجئنا إلا بمثل هذا فمالك لا تسكت عنا - وأمر بالرقعة التي كانت فيها القصيدة فمزقت، ولم يقنعه ذلك حتى أدنوها إلى السراج (4) فأحرقت، فخرج ابن رشيق يومئذ من عنده على غير طريق، لا يعقل ما يطأ، ولا يدري إلى أين ينكفئ، وكان وجهه إلى صقيلية، وكان ابن شرفٍ قد سبقه إليها، ووفد قبله عليها، وكان وقع بينهما بالقيروان، [ما وقع] بين الخوارزمي وبديع الزمان، من مناقضاتٍ ومعارضات، شحذت الطباع، وملأت العيون والأسماع، وتجاوزت الإحسان والإبداع، فلما اجتمعا يومئذٍ بصقيلية تنمر بعضهما لبعض، وتشوف أعلام البلد لما كان بينهما من إبرامٍ ونقض، وقصد ابن رشيق
__________
(1) المسالك: نجوم.
(2) المسالك: بسماء.
(3) المسالك: المعز؛ وهو أصوب.
(4) المسالك: الشمع.(8/598)
بعض إخوانه وقال له: أنتما علما الإحسان، وشيخا أهل القيروان، وقد أصبحتما بحال جلاء، وبين أعداء (1) ، والأشبه بكما ألا تفريا أديمكما، ولا تطعما الأعداء لحومكما، فقد كان يحميكما السلطان، ويمحو كثيراً من مساويكما الإخوان، فقال له: إيت ابن شرف فخذ عهده بذلك، فلست أنا أراجعك فيما هنالك، فأتاه وكان أمراً صدقٍ، فوجده أجنح للسلم، وأدنى إلى الحلم، برئ إليه من صببه وصعده، وأعطاه على الوفاء بذلك صفقتي لسانه ويده، فكان ابن رشيق بعد ذلك ربما أعرض وعرض (2) ، وتحلب إلى شيء من تلك الهنات أو تهلمظ، وأما ابن شرف فلم يحل ما عقد، ولا حال عما عهد.
ولابن رشيق عدة تواليف في النظم والنثر، نفث بها في عقد السحر، ككتابه المترجم ب - " العمدة " و " كتاب الأنموذج " (3) ، إلى عدة رسائل رائقة (4) ، وبدائع فائقة، وأما الشعر فإنه أنسى / [173] أهله وملك منه شخته وجزله، وقد أثبت من خبره، وحميد أثره، ما يملأ الآذان بياناً، ويبهر العقول [حسناً] وإحساناً.
جملة من أخباره مع ما يتخللها من أشعاره
حدث أبو عبد الله بن الصفار الصقلي قال: كنت ساكناً بصقيلية وأشعار ابن رشيق ترد علي، فكنت أتمنى لقاءه، حتى استغلبت الروم علينا، فخرجت فاراً بمهجتي، تاركاً لكل ما ملكت، وقلت: اجتمع مع أبي علي، فرقة شمائله وطيب مشاهده سيذهب عني بعض ما أجد من الحزن على مفارقة الأهل والوطن، فجئت القيروان ولم أقدم شيئاً على الوصول إلى منزله، فاستأذنت ودخلت، فقام
__________
(1) المسالك: الأعداء.
(2) المسالك: اعترض وتعرض.
(3) نشر العمدة عدة مرات دون تحقيق، أما الأنموذج فمنه قطعة صالحة في مسالك الأبصار، ونقول كثيرة في الوافي والفوات وبعض نقول في معجم البلدان ومعجم الأدباء.
(4) من رسائله: فراضة الذهب، وقد نشرت بتحقيق جيد قام به الأستاذ الشاذلي بو يحيى، (تونس 1972) .(8/599)
إليّ وهو ثاني اثنين، فأخذ بيدي، وجعل يسألني، فأخبرته عن أمري [- و] بعد أن تمكن أنسي بمجالسته قال لي يوماً: يا أبا عبد الله، إن ها هنا بالقيروان غلاماً قد برح بي حبه، واستولى علي كربه، منذ عشرة أعوام، وأنا إذ عض هواه على كبدي، وسطا شوقه على جلدي، ناهض إليه، وحسبك أنني ما اضطربت عنك منذ حين، إلا أني أحدث نفسي بحديثه العذب الموارد والمصادر، وأعللها بأخباره المحمودة الأوائل والأواخر، فإن أنت ساعدتني على الشخوص إليه قدمت عندي يداً لا يعدلها إلا رضاه، فقلت: سمعاً وطاعة؛ وصرت معه حتى جئنا صناعة الجوهريين، فإذا بغلاكٍ كأنه بدر تمام صافي الأديم، عطر النسيم، كأنما يضحك عن در، ويسفر عن بدر، قد ركب كافور عارضيه غبار عنبر، فحكى كتابة مسكٍ على بياض، يجرحه الوهم بخاطره، ويدميه الطرف بناظره؛ فلما رآنا الغلام علته خجلة سلبت وجه أبي علي ماءه، فأنشدته قول الصنوبري (1) :
آية من علامة العشاق اصفرار الوجوه عند التلاقي
وانقطاع يكون من غير عي وولوع بالصمت والإطراق
فقال لي: يا أبا عبد الله، والله ما واجهته قط بوجهي إلا وغشي علي ولكني تثبت (2) بك، وأنست إلى عذوبة لفظك، مع أني لم أزود من وجهه المقمر، إلا متعة بقده المثمر، لتنكيسه رأسه عند طلوعي عليه، فقلت: ولم ينكس رأسه - والله ما رأيت أشبه بالبدر منه خداً، ولا بالغصن قداً، ولا بالدر ثغراً، ولا بالمسك من رياه نشراً، فقال لي: يا أبا عبد الله، ما أبصرك بمحاسن الغلمان، لا سيما من فضضت كف الجمال صفحته، وذهبت وجنته، وخافت على تفاح خده العيون، فوكلت بها الفتون، يا أبا عبد الله: ينكس رأسه لأني علقته وخده هلالي، وفرعه ظلامي،
__________
(1) ديوان الصنوبري: 438.
(2) ص: أتثبت.(8/600)
ولحظه بابلي، وقده قضيبي، وردفه كثيبي، وخصره سابري، وصدره عاجي، فكان فمي يشرب كافوره بالشفق، فيخرج ذلك صدر الغسق، فوكل من بهيمه، رقيباً على فضي أديمه، فتوهم ذلك الطاهر الأخلاق، والطيب الاعتناق، أن ذلك يضعف أسباب محبته، ويخلق رسوم مودته، فقلت له: بحقي عليك يا أبا علي إلا ما قلت في هذا المعنى شيئاً، فأطرق قليلاً ثم قال (1) :
وأسمر اللون عسجدي يكاد يستمطر الجهاما
ضاق بحمل العذار ذرعاً كالمهر لا يعرف اللجاما
ونكس الرأس إذ رآني كآبة واكتسى احتشاما
وظن أن العذار مما يزيح عن قلبي الغراما
وما درى أنه نبات أنبت في جسمي (2) السقاما
وهل ترى عارضيه إلا حمائلاً قلدت حساما (3)
ومعنى هذا البيت الأخير كقول الآخر:
ومستحسن وصلي جعلت وصاله شعاري فما أنفك دأباً أواصله
كأن بعينيه إذا ما أدارها حساماً صقيلاً والعذار حمائله
قال أبو عبد الله الصقلي: فلم أزل أتكرر على أبي علي وألاطفه حتى أطلعني على سرائره مع ذلك الغلام، فوالله ما اطلعت له معه على ما يحاسب به من قبيح فعل ولا مذمومه، وكنت في خلال ذلك اختلف إلى ذلك الغلام الجوهري، فجلست يوماً إليه فجعلت أذكر له بعض ما ذكر لي أبو علي، فرأيته قد تغير لونه، وأطرق ساعةً، ثم أخذ سحاءة فكتب فيها: " بسم الله الرحمن الرحيم، كتمان السر حلية القلب، فإن أزاله بقي عاطلاً " ثم طواها ودفعها إليّ وقال: قد أودعت
__________
(1) ديوان ابن رشيق: 168 والشريشي 2: 335.
(2) الشريشي: قلبي.
(3) مر هذا البيت من قبل 3: 822 وروايته " وهل على عارضيه.. حمائل ".(8/601)
السحاءة لفظاً موجزاً / [174] ومعنى محرزاً، فإذا وردت على أبي علي فأعلمه أن المحب إذا كتم رحم، وإذا نشر [فضح] فلا يعد بعد هذا إلى إفشاء سري، فإن نم بحبي انتهيت عن زيارته والإلمام به، وعوضته من لذته بفيض الدموع، وطول الخضوع، حتى لا يجزع كأساً إلا مشوباً، ولا يزر (1) ثوباً إلا خضلاً بعبرة مقلته، وأنا أقسم بحاجته إليّ، وإدمانه علي، ألا أخلي صدره من زفرة، ولا ضلوعه من جمرة، ولا جفونه من عبرة، فجئت أبا علي، فدفعت إليه السحاءة وقرأها، وأخبرته كلامه، فشهق شهقة توهمت أن ضلوعه تقضقضت، وقال لي: أبهذا القسم أقسم - قلت: نعم، قال لي: أتريد أن أنظم لك منثور ما جئتني به حتى تتوهم أنه كلامه - قلت: بحياتك إلا ما فعلت، فقال (2) :
لم باح باسمي بعد ما كتم الهوى زمناً وكان صيانتي أولى به
فلأ [منعن] جفونه طيب الكرب ولأمزجن دموعه بشرابه
وحياتة حاجته إليّ وفقره لأواصلن عذابه بعذابه
قال أبو عبد الله: ثم استنشدته من شعره فيه فأنشدني عدة مقطوعات، منها قوله (3) :
وفاتر الألحاظ في دجنةٍ كأنها في الحسن ورد الرياض
قلت له يا ظبي خذ مهجتي داو بها تلك الجفون المراض
فجاوبت من خده خجلة كيف ترى الحمرة فوق البياض
وقوله (4) :
إن كنت تنكر ما منك ابتليت به وأن برء سقامي عز مطلبه
__________
(1) ص: يرز.
(2) الديوان: 40.
(3) الديوان: 96 والشريشي 5: 230.
(4) الديوان: 33 والشريشي 5: 67.(8/602)
أشر بعودٍ من الكبريت نحو فمي وانظر إلى زفراتي كيف تلهبه
وقوله:
تمنيت تقبيلاً عليه فجاد لي فقبلته ثنتين في الخد والخد
فقلت له جد لي بثغرك إنني [أقول] بتفضيل الأقاح على الورد
ومن جيد قوله (1) :
سقى الله ارض القيروان وصبرةٍ ففيها ثوى شخص علي عزيز
ترى أنني في القرب ممن أحبه على بعد ما بين الديار أفوز
وإن كان إدراك المحبين بغيةً على مذهب الأيام ليس تجوز
وقال فيه:
مدمج الخصر والحشا يتثنى إذا مشى
هو بدر بوجهه وبأجفانه رشا
ما عليه إذا الضنا شاع في الصب أو فشا
جار قاضي صبابتي وهو لا يقبل الرشا
وقال فيه (2) :
ومهفهف يحميه عن نظر الورى غيران سكنى الملك تحت قبابه
أومى إليّ أن ائتني فأتيته والفجر يرمق من خلال نقابه
فلثمت خداً منه ضرم لوعتي وجعلت أطفي حرها برضابه
وضمته للصدر حتى استوهبت مني ثيابي بعض طيب ثيابه
فكأن (3) قلبي من وراء ضلوعه طرباً يخبر قلبه عما به
__________
(1) الديوان: 90.
(2) الديوان: 27 والشريشي 4: 30.
(3) ص: فطار.(8/603)
وينظر في هذا المعني قول ابن المعتز (1) :
يا رب إخوانٍ صحبتهم لا يدفعون لسلوةٍ قلبا
لو تستطيع قلوبهم نفذت أجسامهم فتعانقت حبا
وقال ابن الرومي (2) :
أعانقه والنفس بعد مشوقة إليه وهل بعد العناق تداني
وألثم فاه كي تموت حرارتي فيشتد ما ألقى من الهيمان
كأن الذي بي ليس يشفي غليله سوى أن يرى الروحان يمتزجان
قال أبو عبد الله: وناولته يوماً تفاحةً فقال (3) :
وتفاحة من كف ظبيٍ أخذتها جناها من الغصن الذي مثل قده
لها لمس ردفيه وطيب نسيمه وطعم ثناياه وحمرة خده
قال أبو عبد الله، وأخبرني أبو علي قال: وعدني يوم عيدٍ بالكون عندي، فصليت وارتقبت مجيئه، فإذا بالسماء قد أرعدت وأبرقت فكتبت إليه والغيث منهمل (4) :
تجهم العيد وانهلت مدامعه وكنت أعهد منه البشر والضحكا
كأنما جاء يطوي الأرض من بعدٍ شوقاً إليك فلما لم يجدك بكى
قال أبو عبد الله، قال أبو علي (5) : كنت [أوصي] غلاماً وضيئاً كان يختلف إليّ وأحذره من كثرة التخليط، فخرج يوماً في جماعة من أصحابه فأوقع به، فأخبرت بذلك فقلت:
__________
(1) الشريشي 4: 29 وديوانه 1: 396 (بغداد) .
(2) الشريشي 4: 29.
(3) الديوان: 64 والشريشي 5: 254.
(4) الديوان: 140 وابن خلكان 2: 86.
(5) نقلها الشريشي 1: 416، وانظر الديوان: 146.(8/604)
يا سوء ما جاءت به الحال إن كان ما قالوا كما قالوا
ما أحذق الناس بصوغ الخنا صيغ من الخاتم خلخال / [175]
وهذا المعنى: القول فيه طويل، وقول ابن المعتز يناسبه في المعنى لا في اللفظ، وهو قوله (1) :
مضى مالك والمال تسعون درهماً فآب ورأس المال ثلث الدراهم
وقال أبو محمد بن صارة الشنتريني:
من كل نيك حتى صار من سعةٍ كما تحل يد من عقدٍ تسعينا
قال أبو علي: وكنت أميل إلى قينة من قيان القيروان اسمها ليلى، فعلقها بعض خدام (2) الحصون، وكان يحسب خدمتها وكنسها منزلةً لا تثلم جاه متوليها، فنهيته عنها فلم ينته، فقلت فيه (3) :
ظن أن الحصون ملك سليما - ن وليلى بجهله بلقيسا
وله في العصا مآرب أخرى حاش لله أن تكون لموسى
وهذا كقول إدريس من جملة أبيات:
فقال ومن هذا الذي جاء طارقاً فقلت أنا موسى وهذي هي العصا
ما أخرجته من سائر مقطوعاته في أوصاف شتى
قال (4) :
__________
(1) الشريشي 1: 416.
(2) الشريشي: خالد.
(3) الديوان: 91.
(4) الديوان 71 والشريشي 3: 320 وابن خلكان 2: 88.(8/605)
يا رب لا أقوى على دفع الأذى وبك استغثت (1) على الضعيف الموذي
ما لي بعثت علي ألف بعوضةٍ وبعثت واحدةً على النمرود
وله في بعض قضاة القيروان:
أقولها لو بلغت، ما عسى والطبل لا يضرب تحت الكسا
قاضيك إن لك تخصه عاجلاً فامنعه أن يحكم بين النسا
وقال:
يا سالكاً بين الأسنة والظبا إني أشم عليك رائحة الدم
يا ليت شعري من رقاك بعوذة حتى وطئت بها فراش الأرقم
أزحمت آساد الشرى في غيلها وأمنت جهلاً من وثوب الضيغم
وأنشدت له:
قبلت فاها على خوف مخالسةً كقابس النار لم يشعر من الخجل
ماذا على رصدي بالنار لو غفلوا عني فقبلتها عشراً على مهل
غضي جفونك عني وانظري أمماً فإنما افتضح العشاق في المقل
وقال (2) :
يا من يتيه بعارض - يه يريد بالعشاق شراً
ما كنت تصلح في الجدي - د فكيف تصلح بالمطرى
وهذا كقول أبي بكر الخالدي (3) :
ما كان ينفعه لدي شبابه فعلام يجهد نفسه بخضابه
__________
(1) ابن خلكان: استعنت.
(2) المسالك: 232.
(3) لم يرد في ديوانه، وقد مر منسوباً له 4: 256.(8/606)
وقال ابن رشيق:
حجت إلى وجهك أبصارنا طائعة يا كعبة الحسن
تمسح خالاً منك في وجنةٍ كالحجر الأسود في الركن
ولكشاجم في مثله (1) :
فلم يزل خده ركناً أطوف به والخال في خده يغني عن الحجر
وأنشدت له (2) :
إن زرته يوماً على خلوةٍ أو زارني في موضع خال
كنت له رفعاً على الابتدا وكان لي نصباً على الحال
وهذا كقول ابن الميكالي (3) :
أفدي الغزال الذي في النحو كلمني مجادلاً (4) فاجتنيت الشهد من شفته
وأورد الحجج المقبول شاهدها مناظرا (5) ليريني فضل معرفته
ثم اتفقنا على رأي رضيت به والرفع من صفتي والخفض (6) من صفته
وقال ابن رشيق، وهو من أملح ما له (7) :
أومى بتسليمة اختلاس والناس في حومة الوداع
أحلى وإن لم تكن سماعاً من نغم الزمر والسماع
وافتر عن مبسمٍ شنيبٍ تختمه دارة الرباع
__________
(1) زهر الآداب: 379 والحديث فيه عن المؤنث لقوله قبله:
فديت زائرة في العيد واصلة ... والهجر في غفلة من ذلك الخبر (2) نسبت الأبيات في زهر الآداب: 720 لأبي الفتح البستي.
(3)
__________
.
(4) زهر الآداب: مناظراً.
(5) زهر الآداب: محققاً.
(6) زهر الآداب: والنصب.
(7) ديوان ابن رشيق: 109 والمسالك: 232.(8/607)
وقد نوت مقلتاه نوماً وددت لو كان في ذراعي
فكان لي موقف افتراقٍ وللهوى موقف اجتماع
وقال (1) :
همت عذاراه بتقبيله فاستل من عينيه سيفين
وذلك المحمر من خده دماء ما بين الفريقين
وقال (2) :
غنني يا أعز ذا الخلق عندي " حي تجداً ومن بأكناف نجد "
واسقني ما يصير ذو البخل منها حاتماً والجبان عمرو بن معدي
في أوان الشباب عاجلني الشي - ب فهذا من أول الدن دردي
وقال (3) :
اشترى خنجراً لقت - لي وما ذاك يجمل
فسلوه فإن عن مثل ذا الشان يسأل
كيف يمشي بنجرٍ من بعينيه يقتل
وقال (4) :
شكوت بالحب إلى ظالمي فقال [لي] مستهزئاً ما هو
قلت غرام ثابت قال لي اقرأ عليه " قل هو الله "
وقال (5) : / [176]
معتدل القامة والقد مورد الوجنة والخد
__________
(1) ديوانه: 214 والمسالك: 232 والشريشي 4: 290.
(2) ديوانه: 62 والشريشي 3: 202.
(3) المسالك (الأول والثالث) : 232.
(4) ديوانه: 222 والشريشي 1: 153.
(5) ديوانه: 61 والشريشي 1: 153 والأول والثاني في المسالك.(8/608)
لو وضع الورد على خده ما عرف الورد من الورد
قل للذي يعجب من حسنه اقرأ عليه سورة الحمد
وقال:
ولقد قطعت الليل في دعةٍ من غير تأثيم ولا ذنب
بأعز من بصري على بصري وأحب من قلبي إلى قلبي
وقال:
تلفت فما أفرق ب - ين قيراط ودينار
ذهاب الزيت في القندي - ل بين الماء والنار
وقال (1) :
ومن حسنات الدهر عندي ليلة من العمر لم تترك لأيامنا ذنبا
خلونا بها ننفي القذى من عيوننا بلؤلؤةٍ مملوءةٍ ذهباً سكبا
وملنا لتقبيل الخدود ولثمها كمثل جياع الطير تلتقط الحبا
وقال (2) :
يا من يمر ولا تمر به القلوب من الحرق
بغمامة من خده أو خده منها سرق
وكأنه وكأنها قمر أحاط به شفق
فإذا بدا وإذا مشى وإذا رنا وإذا نطق
شغل الجوانح والجوا - رح والخواطر والحدق
وقال من قصيدة (3) :
حسبي وحسبك من لومٍ وتثريب بان الذي كان يغريني ويغري بي
__________
(1) ديوانه: 32 والشريشي 2: 151 وابن خلكان 2: 87د.
(2) ديوانه: 128 والشريشي 3: 237.
(3) منها خمسة أبيات في ديوانه: 34.(8/609)
أما الشباب فقد ودعت لذته إلا أباطيل أحلام وتشبيب
عرفت حال الليالي في تصرفها وشافهتني أفواه التجاريب
وذلل الدهر صعبي فاستكنت له وطال ما كنت من تلك المصاعيب
قرعت سني على ما فاتني ندماً من الشباب ومن باللهو للشيب
فقد رددت كؤوس اللهو مترعة على السقاة وكانت جل مشروبي
وربما أذكرتني صبوة سلفت ورق الحمام إذا غنت بتطريب
أنزه السمع والعينين في نغم ومنظرٍ غاية بالحسن والطيب
من كل لافظةٍ بالدر باسمةٍ عنه محلاةٍ نوعس منه مثقوب
أيام تصحبني الغزلان آنسة هذا على أنني أعدى من الذيب
وقال (1) :
اختر لنفسك من تعا - دي كاختيارك من تصادق
إن العدو أخو الصدي - ق وإن تخالفت الطرائق
وأخبرني بعض وزراء إشبيلية قال: جهز عباد بعض التجار إلى صقيلية وكان ابن رشيق كثيراً ما يسمع بذكر عباد فيرتاح إلى جنابه، ارتياح الكبير إلى شبابه، فلما سمع بمقدم ذلك التاجر لزم داره، وجعل يتردد إليه ويغشاه، ويقترح عليه لقاء عباد ويتمناه، والتاجر يعده ويمنيه، ويقرب له ذلك ويدنيه، حتى إذا أسمحت الرياح، وأمكن في ميدان البحر المراح، ذهب التاجر لطيته، وخلى بين ابن رشيق وأمنيته، وأخبر التاجر عباداً بذلك، كأنه يتبجح له بما هنالك، فبالغ عباد في نكاله، وأمر باستصفاء أكثر ماله؛ ثم رام ابن رشيق بعد ذلك ركوب البحر فخشن له مسه، ولم تساعده على ركوبه نفسه، فقال (2) :
__________
(1) ديوانه: 130 والشريشي 2: 216.
(2) ديوانه: 226 والمسالك: 233.(8/610)
البحر صعب المذاق مر لا جعلت حاجتي إليه
أليس ماءً ونحن طين فما عسى صبرنا عليه
ولأبي [علي] قصيدته المشهورة التي أولها:
من قضب نعمان أم من كتب يبرين الله في دم عشاق مساكين
يقول فيها:
عيناك أمكنت الشيطان من خلدي إن العيون لأعوان الشياطين
كم ليلة بت مطوياً على حرقٍ أشكو إلى النجم حتى كاد يشكوني
وكلما انصدعت من لوعةٍ كبدي ناديت يا رب باديس بن ميمون
يا ما اميلحه ظبياً فتنت به -. (1)
ووجنتين هما تفاحتا قبلي فاترك سواي وتفاح البساتين
كأن لمس بناني حين يلمسه يستخرج الورد من طاقات نسرين
فتور عينيك ينهاني ويأمرني وورد خديك يغري بي ويغريني
أما لئن بعت ديني واشتريت به دنيا لقد بعت فيك الدين بالدون
سبحان من خلق الأشياء قاطبة تراه صور ذاك الجسم من طين
ومنها:
يا أهل صبرة والأحباب عندكم إن كان عندكم صبر فواسوني
إني أدين بدين الحب ويحكم والله قد قال لا إكراه في الدين
مولاي [لا] تشمت الأعداء بي وإذا نسيت قولي فاذكر قول هارون
حاسب هواك بما أنفقت من عمري والله لو كان عمري كنز قارون
لو كنت أملك نفسي يا معذبها قربتها لك في بعض القرابين
وكتب إلى المعز بن باديس وقد ولدت له ابنة / [177]
معز الهدى لا زال عزك دائباً وزينت الدنيا لنا بحياتكا
__________
(1) اضطراب الشطر، وصورته: فم يسقي بمثل نبات الزراجين.(8/611)
أتتني أنثى يعلم الله أنني سررت بها إذ أمها من هباتكا
وقد كنت أرجو أنها ذو بلاغةٍ يقوم مقامي في بدعي صفاتكا
وما نحن إلا نبت جودك كلنا وكل نبات الأرض من بركاتكا
وقال (1) :
سلمني حب سليمانكم إلى هوى أيسره القتل
لما بدا جند ملاحاته قال الورى ما قالت النمل
قوموا ادخلوا مسكنكم قبل أن تحطمكم أجفانه النجل
وهو القائل في غلام عذر يعرف بابن الكناف:
لام العذار بخده تحنكي أصابع جده
قد خطها في حائط خوف الخطا من عده
ذكر الخبر عن خراب القيروان
والإلمام بشيء من أخبار آل زيري الغالبيت عليها - كانوا - وقتهم
مع ما يذكر بها، ويتعلق بسببها
قال ابن بسام: قد قدمت [أني] أمليت هذا الكتاب بخاطرٍ قد خمدت جمرته، وتبلدت قريحته، وعلى حال] من تصرف الزمان، وإلحاح الحدثان، يتسبب تسبب الهجران، ويتلون تلون الذعر في عين الجبان.
وللموت خير من حياةٍ كأنها معرس يعسوب برأس سنان (2)
مع أني لم آخذ هذا الخبر عن سند، ولا استعنت فيه بكتاب لأحد، إنما اختلسته من ذكرة أجريها، أو أحدوثةٍ إنما لذتي بين أن اكتبها وأمليها، والحديث
__________
(1) ديوانه: 142 وابن خلكان 2: 88 (اعتماداً على الذخيرة) .
(2) البيت الصخر أخي الخنساء، انظر الأغاني 15: 63 وابن خلكان 2: 84.(8/612)
طويل، والمحصل قليل، وإنما ألمع هاهنا بشيء من أخبار مملكة آل زيري الصنهاجيين: كيف هبت رياحها، وأشرق صباحها، ثم نشرح بعض الأسباب التي خصت آثارها، وأحصت ليلها ونهارها:
لما تغلب آل عبيد الله الناجمين بأفريقية على مصر، فخلص له صميمها، وأهاب له ملكها ونعيمها، وأراد معد بن إسماعيل بن عبيد الله، المتلقب من الألقاب السلطانية بالمعز لدين الله، اقتعاد صهوتها، وإثبات قدمه على ذروتها، دعا زيري بن مناد، وهو يومئذ من صنهاجة بمكان السنام من الغارب، وبمنزلة الوجدان من نفس الطالب، وكان له عشرةً من الولد: آساد شرى، وأقمار سرى، فقال له: ادع لي بنيك، فقد علمت رأيي فيهم وفيك، وكان أصغرهم سناً، وأهونهم عليه شأناً، بلقين بن زيري، فدعا ولده ما عداه، والقدر لا يريد سواه، وكانت من المعز - زعموا - إثارة من علم الحدثان قد عرف بها مصاير أحواله، وأهل الغناء من أعيان رجاله، وكانت عنده لخليفته على أفريقية إذا صار إليه ملك مصر علامة يأنس بها أنس الكبير بذكر شبابه، ويعرفها عرفان العاشق لديار أحبابه، فنظر في وجوه بني زيري فأنكرها، حين تفقد تلك العلامة فلم يرها، فقال لزيري: هل غادرت من بنيك أحداً، فلست أرى لمن هاهنا منهم أيداً ولا يدا، فقال له: إلا غلام، فقال المعز: لا أراك حتى أراه، فلست أريد سواه، فلما رآه عرفه، وفوض إليه من حينه واستخلفه، فاستولى من وقته على الأمور، وزاحمت مهابته الأهواء في الصدور، وبعدت أسفاره واشتهرت أيامه، واشتمل على صرف الأيام والليالي نقضه وإبرامه، بلغ بغزواته سبتةً - في خبر طويل ليس من شطر ما ألفت، ولا في معنى ما صنفت - ثم أجاب صوت مناديه، وخلعها على أعطاف بنيه، حتى انتهت منهم إلى المعز بن باديس، منزف العشيرة، وآخر ملوكها المشهورة، فأول ما افتتح به شانه، وثبت به - زعم - سلطانه، قتل الرافضة ومراسلة أمير المؤمنين ببغداد(8/613)
فبعث إليه بعهده، وجاءت الخلعة واللقب من عنده، رأياً اغتر بباديه، وذهل عن عواقبه وبواديه، واتصلت بالعبيدي وأمره يومئذٍ يدور على الجرجرائي، فاضطغنها عليه، وفوق سهام مكروهه إليه؛ وكانت بطون من عامر بن صعصعة: زغبة وعدي والأثبج ورياح وغيرهم من ألفاف عامر، تنزل الصعيد، لا يسمح لها بالرحيل، ولا يخلى بينها وبين إجازة النيل، فأراهم الجرجرائي لحينه ضجة السوق، وأفرج عن لقم الطريق، وأذن لهم في المعز، أمنية طالما تحلبت / [178] إليها أطماعهم، وعكفت عليها أبصارهم وأسماعهم، فغشاه منهم سيل العرم، ورماه بذؤلول ابنة الرقم، وتهاون المعز بهم أولاً فشغلهم بخدمته، وحملهم أعباء نعمته، وهم في خلال ذلك يتمرسون بجهاته، ويدبون إلى أنصاره وحماته، ويطلون على مقاتله وعوراته، حتىت بان لهم شانه، وهان عليهم سلطانه، فجاهروه بالعداوة، وأرادوه على الإتاوة، وجرت بينهم أثناء ذلك حروب، لم يحمدها غالب ولا مغلوب، ولا أمنها بريء ولا مريب، أضربت عن خبرها لطوله، ولأنه لم يبلغني عن من أثق بتحصيله، كان من أفراها لأديمه، وألصقها بصميمه، وقعة حيدران سنة أربع وأربعين، فإنها أوهنت بطشه، وثلت عرشه، وأرته البوار، وضربت عليه الحصار، وأحاط الأعراب بالقيروان يطؤون حريمها، ويستعرضون راحلها ومقيمها، حتى ماج بعضها في بعض، وتبرأت منها كل سماءٍ وأرض، فلما كان سنة خمسين أعطي الدني، وناشدهم التقية، واشترك المهدية، وقد كان نظر في ماله، وفكر في ما بازائه من أقتاله، فزف إلى زعمائهم بناته وكن اللآلي وأماني الغالي، فأصبحوا له أصهاراً، وقاموا دونه أنصاراً، فلما استحكم بأسه، وأهمته نفسه، استجاش من قبله، واحتمل حرمه وثقله، وخلى الملك لمن حماه وحمله، وجاء أصهاره فكانوا بحيث يسمعون نئيمة، ويمنعونه ممن عسى أن يكيده ويضيمه، حتى بلغ المهدية فأقام بها أسقط من الشمس في الميزان، وأهون من الغفر على القبان، ولم يكن أحد في زمانه بأساً في الملاحم، ولا أطول يداص بالمكارم، ولا أعنى بلسان العرب، ولا(8/614)
أحنى على أهل الأدب، منه. ومن مشهور كرمه أنه أعطى المنتصر بن خزرون في دفعةٍ مائة ألف دينار إلى ما وصله به من مركبٍ ثقيل، وزي نبيل، ثم لم يمكث بالمهدية إلا نحو عامين، وانقضت أيامه، وغافصه حمامه، تعالى من لا ينتقل حاله، ولا يتوقع زواله.
فصل في ذكر الشيخ أبي الفتيان العسقلاني (1)
وإثبات قطعة من شعره ونثره
أخبرني بخبر هذا الرجل الفقيه الحافظ أبو بكر محمد بن الوزير الفقيه أبي محمد إن العربي، وأنه فارقه حياً يرزق وهو السنة [-.] وأنا أقول: إن أبا الفتيان هذا من فرسان هذا الشان، وممن أعطي بسطةً في علمه وبيانه، وخلي بين السحر ولسانه، والذي أثبت من كلامه يضرح قذى العيون، ويجلو وضح الصبح المبين.
فصل له من رقعة:
مخايل السؤدد - أطال الله بقاء الشيخ - تعثر على عقبه أخامص الكرام، وترقم بمناقبه برود الأيام، فأدام الله تمكينه حتى يصبح سلك المجرة واهي النظام، وتغبر في البسيطة جبهة (2) بهرام، [ولا زال] يعقل بساحته الأمل الجامح، وتستوقف المراشد والمصالح، إذ كان مفترق المجد قد أصبح في علائه مجموعاً، وشامس الفضل سامعاً مطيعاً، وقد قرن وليه هذه الأسطر برقعة سأل عرضها على الحضرة السامية - رفع الله منارها، وعمر بوفود السعادة ديارها - وأن يتبعها من سديد مقاصده ما يهدي من أمها سبيل النجاح، ويقضي لها بالمغنم وفوز القداح، لا زال أفقه بنجوم
__________
(1) لعله مفضل بن حسن بن خضر العسقلاني الذي ذكره في الخريدة (الورقة: 201 من مخطوطة باريس رقم: 3328) وقال إنه قدم مصر في أيام الأفضل وأورد له مقطوعة من أربعة أبيات.
(2) ص: جهات.(8/615)
السعادة منيراً وسرب الحوادث عن ساحته مطروداً مدحوراً.
ومن أخرى:
أطال الله بقاء الحضرة السامية تجبر من كسر الزمان مهيضاً، وتلزم (1) مسنوناً للمكارم [و] مفروضاً، حتى يصبح عقد الكواكب رفيضاً، وكف المقادر مكفوفاً مقبوضاً.
وتطلع (2) للعافين في فحمة الدجى بوارق [جودٍ] تستطير وميضا
وتودع جأش الدهر عزمي مشمرٍ يفل صحيحاً أو [يبل] مريضا
بسطاً تسعر الآفاق ناراً ورأفة ترد (3) هشيم المكرمات أريضا
ومقدورة لو زاحم الأفق جيشها لغودر مسدود اللهاة حريضا
شملت الورى يا ابن المحسن مسدياً صنائع يبعثن الكسير نهوضا
وأعلمت (4) إغفال الزمان بأنعمٍ أعدن دجنات الحوادث بيضا
فأوريت زنداً للمفاخر مصلداً ورفعت طرفاً للسماح غضيضا
قمت لنا سوق القريض وقد عفت معانيه صوناً أن يعود قريضا
فلولاك لم يلف الهداية ناظم ولم يتوخ المادحون عروضا / [179]
قضيت العلا لما أضيعت حقوقها نوافل يلوى دينها وفروضا
منيع المراقي يستجار بعزه إذا أزم الناب الضروس عضيضا
وتذعر أسراب الخطوب أو أنساً كما ذعر الليث الهزير ربيضا
تقاضى سؤال المستميحين مثل تقضي ديوناً ملحقاً وقروضا
وتدأب في حفظ الرعية ساهراً إذا قيد النوم الجفون غموضا
__________
(1) ص: وبلزوم.
(2) ص: يتلج.
(3) ص: يريد.
(4) ص: وعملت.(8/616)
فمثلك في حكم الرياسة معوز وكم من نقيض لو طلبت نقيضا
إذا ما سعى الأملاك خلفك للعلا غدوت سماء والأنام حضيضا
وله من أخرى:
شهر الصيام زائر يستقبل وفد المغفرة باستقباله، وتنحل ذنوب الأمة بنحول هلاله، وآيب تقدم غرائب الحظ بقدومه، ويعنق جزيل الأجر بين عنقه ورسيمه، جعله الله مطهراً من دنس الآثام، وغرة سائلةً في جبهات الأيام، [جالياً] لغسق المعاصي بوضاءة أيامه، ومكفراً لما اقترف من الجرائم في عامه، فطوبى لمن أقض في هذه المدة مضجعه، واستعمل منطقه بما يرضي الخالق ومستمعه (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (فاطر: 10) والله جلت أسماؤه يجعل الحضرة السامية سابقة في هذا المضمار، آمنة من عوارض الكبوة والعثار:
بقيت لعقد المعالي نظاما وللأكرمين جميعاً إماما
ويخجل جودك وجه السماء برقاً خفوفاً وغيثاً سجاما
مقيماً بحيث يضيع التلاد وتحفظ للمكرمات الذماما
وتودع آلاؤك السابغات جيد الرياسة طوقاً تؤاما
أيا ابن المكارم لا يعرفون عن درة المجد يوماً فطاما
ومنها:
وهيجاء مثل أوار الحريق تصطلم الدراعين اصطلاما
تلثم خد الضحى عثيراً وتسفر فيها المنايا اللثاما
فجردت عزمك في النائبات حصناً منيعاً وجيشاً لهاما
مساعٍ تشق جبين الضياء إذا اعتكر الدهر طراً ظلاما
ويهدي إليك أريج الثناء كما خطرت في الرياض النعامى(8/617)
فعش ممسكاً بعرى للبقاء لا يحدث الدهر: فيها انفصاما
ولا برح من جعل الأرض قرارا، وأخرج من الشجر الأخضر نارا، يطلع في سمائها السعود [غير] الآفلة، ويقر ببابها النعماء [غير] الناقلة، ويجعل لكل [ليلٍ] يمد جناحه، ونهارٍ تفلق إصباحه، متكفلاً لها بجد يلقي إليه زمام القدر تفويضاً، ويمنح الصخرة الصماء ترويضاً.
في ذكر القاضي أبي محمد بن نعمة بن خليل (1)
وإثبات جملةٍ من نثره ونظمه
وبالسند المتقدم وصل إليّ خبره؛ وهو أحد من يتصرف فيجيد، ويبدئ بيد الإحسان ويعيد، جزل المقاطع، سهل المنازع، وقد أثبت من كلامه ما تراه، وتستدل على غرضه ومنحاه.
فصول من نثره مع ما ينخرط في سلطها من شعره
أطال الله بقاء الحضرة العالية لغرائب مجدٍ تبتدعها، وفرائض جودٍ تشرعها، وحوادث أيامٍ صعابها، ومستأنف سعودٍ يطرف جنابها، وأدام أيامها التي هي للدهر تمائم، وفي المجد غمائم:
غرر من الأيام يوضح فجرها والدهر من ظلم النوائب قاتم
كم صرمت عني حوادث لم تكن منجابةً لولا الأجل الصارم
__________
(1) أغلب الظن أنه القاضي أمير الدولة أبو محمد عبد الله بن أحمد بن خليل العسقلاني (وحدث تصحيف في لفظة " أحمد " فتحولت إلى نعمة " أو العكس) ؛ ذكره العماد في الخريدة (الورقة: 19) من نسخة باريس رقم: 3328 وقال إنه " من الكتاب الشعراء والبلغاء الرؤساء، إلا أنه مقل مع الإجادة والإحسان، إنما يصنع ما يصنعه تأدباً لا تكسباً، وكان في عهد المستنصر "؛ وأورد له شعراً في صارم الدولة ابن معروف صاحب عسقلان.(8/618)
ملك تملكه الندى وتجمعت في راحتيه غمائم وسمائم
فالروض يجدب وهو روض ممرع والغيث يقلع وهو غيث دائم
وشتان ما بينهما: تلك سحائب قد يخلف بارقها، وتحذر صواعقها، وروض يجف نباته، وتتصوح زهراته، ومكارم الحضرة العالية تزيد جدة على التكرار، وتماثل الفلك الدوار، وهي تباري الشمس [نهاراً] ، وتزور مزار الطيف سرارا:
منن بعثن أهلة مستورة فطلعن في فلك العلا أقمارا
ومواهب ومناقب ومناهب رفعت له فوق السماء منارا
ولما كانت الأوقات الشريفة موسومة بثناءٍ يسمع، ومرسومة بدعاء يرفع، وأهلت هذه الأشهر المكرمة، وجب على من حضر، بل كافة من يضمه الثغر، إخلاص الدعاء للحضرة العالية، بأن يمد الله عليها ظلاله المسدلة، ويديم لهم ما شملهم من تمام / [180] المعدلة، وأن يسعد أنحاءها في طاعة إمامها، ويصرف أعداءها في حكم حسامها، ويثبت لها من رأي سلطانه ما تستوفي به أقسام الفخر جميعا، ويزيد لها أحداث الدهر خضوعا:
فلقد خدمت بهمةٍ لا ترتضي إلا سميك صاحباً وضجيعا
والجيش [أيقن] حين عاد بأنه ألفى بربعك معقلا وربيعا
وردوا نميراً من يمينك ريقاً وثرى محل في ذراك منبعا
وسهرت دون هجوعهم بعزائم تقضي وطرفٍ لا يذوق هجوعا
هذا وكم من مارقٍ مزفته بيدٍ تفيض مكارماً ونجيعا
والحمد لله الذي جمع للحضرة العالية شرائط السؤدد، وخصها بالمجد(8/619)
الموطد، والنسب إلى أعلى خندف عماداً، وأوراها في موقف الفخر زنادا، أرومة الرسالة وجرثومة الخلافة، إليها انتزع هاشم، وعنها أخذت المكارم، فبعبد مناف بن النضر بن كنانة ذؤابة الفخر:
هنالك أبناء الوغى وحماتها وثم العطاء الغمر والعدد الدثر
لهم أوجه زهر وأندية خضر وألوية حمر وخطية سمر
فأما الفضائل المكتسبة فإن مولاي الأجل ناظم أشتاتها، ومؤلف متنافراتها، فهو تارةً تحت عذب الأعلام، وأخرى بين طروس وأقلام، يستصغر عظيمات التدبير ثقة بحزمه، ولا يغفل صغيرات الأمور تمضي إلا عن علمه، فأما الحلم والأناة واستلذاذ العفو مع القدرة والمحافظة على سر الخدمة فإن الله تعالى وهب له من ذلك ما سلمه إليه معانده، وعرف فضيلته فيه حاسده:
مناقب نظمت منها محامده وشيمة عرفت فيها عوائده
وللندى غير منزور مؤمله وللردى [غير] معصومٍ معانده
يفديه وافد ليلٍ آب زائره بنجحه وبخيل خاب قاصده
فأما المواقف المشهودة، والآثار المؤرخة المعدودة، فإنه فيها ملقى النصر، دائم الظفر، ميمون التدبير، مسعود الرأي، مبق عند الانتقام، معتذر مع سعة الأنعام، رحب الحمايل، بسام المخايل:
يقصر الناظم عن آلائه فيستعين بحلى الوسائل
لم يستعر فيها له فضيلةً حاشا العلا ولا مقال الباطل
وإنما يكتبها عن مجده فيستهل نسخة الفضائل
لم نرض أن أنالنا فصاحة موهبة إلا ببذل النائل
ولا زالت الحضرة السامية تجدد من رسم الأدب داثره، وتلبس من الثناء نفائسه وجواهره.(8/620)
وله من رقعة تهنئة:
لقد عجبت أيامنا [حين أبصرت] بها أروعاً زينت بحسن علائه
إذا سهكت أعطافهن تضمخت بمسكين من أفعاله وثنائه
هذا الشهر - أدام الله تمكين الحضرة العالية - مضاهٍ لها في شرف النسب، والطهارة من الريب، والله يكرر عليها مجازه ما ارتقبت فيه ليلة القدر، وانتشر في السماء شعاع البدر، في عز تسكن به الخطوب العرمة، وتنتفض معه الأحداث المبرمة.
وفي فصل منها: أرواه الله من تسنيم، وجعله من ورثة جنة النعيم، يرتع في رياض الفردوس النضر في مقعد صدق عند مليك مقتدر) (القمر: 55) بعد أن يفني مدة الزمان عمرا، ويوسع بنيه نوالاً غمرا، ويحوز من المحامد ما تتطرز به أردان الأيام، وتتقوض فيه هضبات شمام.
ومن أخرى في مثله:
أجزل الله بالحضرة الأثيرية بركات هذا الشهر الشريف الذي تقضى فيه المناسك بالبيت العتيق، وترد بعده أيام التشريق، ولا زال يلقي رحاله، ويواصل إلفها بكره وآصاله، في عز رفيعٍ سماكه، حاكمة بالبقاء أفلاكه، ومجدٍ راسيةٍ جباله، وسعادةٍ مقرطسةٍ [بها] نباله.
إذا انقضت يوماً حبال سعادة غدت محصداتٍ كيف شاءت حباله
يضيء وصرف الدهر داجٍ هلاله ويعرف في قحط السنين انهماله
وجاه نضير لا يخاف ذبوله ولا ينطفي بالعاصفات ذباله
والأرض [في] قبضته يقبض عنها أيدي العوارض، ويسبغ عليها ملابس إنعامه الفائض.(8/621)
ومن أخرى: / [181]
ولو علم الطرس الذي قد حبوته قلائد من در الكلام المنضد
لقاد إليك الشكر حتى تمله وحتى يقول السامعون له قد
طلعت علي من الحضرة - لا زالت نجوم السعد بآفاقها طالعة، وركائب لحوادث عن ساحتها ظالعة - رقعة كريمة أجلت ناظري في سطورها فقلت: سوسن نثر على أقحوان، أو قلائد عنبرٍ نظمت في أجياد غزلان، وراودت خاطري على بروز ذلك المرموز فقال: أما تستحس أن تسومني ذلك، وقد أثمدت الخطوب ينبوعي، ومحت الحادثات ربوعي، فقلت: خير لا بد من تأمله، وأمر مطاع لا مندوحة عن تقبله.
وله من أخرى:
شهادة الخادم - حرس الله أيام الحضرة - شهادة بسعادة مستخدمه، ودلالة على تواصل فضل الله وكرمه، كالأصل إذا زكا أورقت فروعه، والماء إذا استجم فاضت ينابيعه، وعرفت في هذه الساعة وفود قادم على عبدها الأمير شبل الدولة يثري من إنعام الحضرة العالية يده، ويؤرخ بأيامها الزاهرة مولده، فشاركت المذكورة في المسرة بهذه النعمة، اشتراكنا معاً في الخدمة، وإني وإياه فيها فرسا رهان، أو كالأنامل ضمها اليدان، والذ له الأسماء الحسنى يضاعف إحسانه لديها، ويجعل عواقب أمورها من مباديها، حتى يلوذ الكرم بجنابها السعيد، ويعيش الأحرار في فضلها كما يعيش العبيد.
وله من أخرى:
يا ليت أن سواد طرفي نائل ما نال من شرفٍ سواد مدادي
فعساه يطفي لوعة مشبوبةً ألقت عصاها في صميم فؤادي(8/622)
وأقول حينئذ: أسعد الله الحضرة السامية بهذا الشهر الميمون، وشحن صحيفتها بأجرٍ غير منون، ولا زالت الأيام تمر بها جديدة وترجع عنها بالية، وهي في أثناء ذلك ضامنة لها عزاً ينشر في الأفق ذوائبه، ومجداً يحلي بالقمرين ترائبه، وسعداً لا تخطئ سهامه، ولا يفض أبداً ختامه، ورزقاً تعذب نطافه، وتدر طول الزمان إخلافه، ورضى من الله تعالى يورث جنات النعيم، ويهدي إلى صراط مستقيم.
ولما وصلت إلى هذا المكان من هذه السطور سلمت إليّ تحفة من الحضرة السامية كأنها لون المحب قصد بالهجران، أو نهود الكواعب ضمخت بالزعفران، وحين شممتها وجدت ذات طيبين: طيب الأرومة، وطيب استفادته من اليد الكريمة، وأستغفر الله، أين البرس من الحرير، والملاب من العبير.
وفي فصل من أخرى:
المكارم - أطال الله بقاء مولاي الشيخ معمور الفناء، ممتعاً بدوام العز والنعماء - فروض مهتبلات، ومساعٍ على الدهر منجحات، وبضائع في اكتساب الشكر مربحات، ولم يزل الحمد أكبر تجائره، وتقليد المنن للأعناق، أنفس ذخائره، ومن تدرع أسباب رياسته، وبهر الألباب بباهر فضيلة نباهته، وبذ الأضراب بكمال ورعه ونزاهته، [و] دنا من قديم فخر آبائه، وطبق الأرض بفيض بحر عطائهن وطاول بطول باع مروته، وتصدر بواسع صدر همته، وأصبح حلية الزمان القديم، وغرةً لامعة في وجه الدهر البهيم، عم الأنام نفعاً، وأتى الجميل خلقاً وطبعاً، وتدارك بقية الأزمان المشفية، وجدد ما أخلق من الآمال المتعفية، فلا زالت قدمه محذوة رفات الأعداء، ويده مضمومة أزمة العلاء:
ولا زال محروساً من الخطب بالغاً إلى غاية تجري فيقتصر المجري
ولا فقدت عين الرياسة شخصه ومتع بالتأييد والنهي والأمر
وأدرك من دنياه غاية سؤله ونال المنى في الآل والمال والعمر(8/623)
وقد تعرضت لواسع رأفته، فاستعطفت كريم عاطفته، واسترجعت فائت حظي بمراجعته، وأعوذ بالله أن استنصر به على الزمان فيخذلني، وإلى جوره بعد الاستسلام بعدله فيسلمني، ويطرحني معتمداً من يده، ويسقطني بالجملة عن عدده، ويصرفني عن باب تصرفه بالحرمان، ويذودني عن بحر جوده العذب مشتمل الجوانح على غلة الظمآن، ومتقدم المعرفة رحم، والوفاء بالذمم كرم، وقد ناديت من نداه - دام علاه - سميعاً، وسألت منه جواداً لأمر الجود مطيعاً، واستمطرت من / [182] جوده غماماً غير جهام، وهززت منه حساماً غير كهام، ومن أقعدته نكاية الأيام، أقامته إغاثة الكرام.
ومن شعره
قد صار يختلق المحال ويبطل من قال ليس على الثرى من يكمل
حكمت عليه معجزاتك أنه متمحل فيما حكى متقول
لا زلت في كنف السعود وظلها أبداً تحل بحيث شئت وترحل
مثل الهلال يسير في درجاته والشمس في أبراجها تتنقل
أصبحت يا دار المظفر كعبةً للمجد يلثم ركنها ويقبل
فالشهب ليس يغم (1) مطلعها ولا جيد السماء من الغزالة يعطل
يا صارم الملك الذي أيامه ابداً تزان بمجده وتجمل
صقلته أيدي المكرمات ولم تخل أن الصورام بالمكارم تصقل
ملك طفيلي السماح يضيف من لم يستضيف وينيل من لا يسأل
مذ ورخوا عهد المعالي باسمه ذهب التنازع واستبان المشكل
لو أن مطبوعاً يفارق طبعه لحلا إذا شرب الزلال الحنظل
ولما رأينا النحل تقضم علقماً لهواتها فيعود وهو معسل
__________
(1) ص: ثم.(8/624)
وهذا كقول المعري (1) :
والنحل يجني المر من نور الربى (2) فيصير شهداً في طريق رضابه
يثني الرجال على القتيل بسيفه فكأنما يحيي به من يقتل
وإذا لظلا الهيجاء لثم وجهه أبصرته تحت القنا يتظلل
حيث المغاوير الكماة تميد من نشوات ما اعتصر الوشيج الذبل
خمر ترى مهج الرجال دنانها لكنها بالسمهرية تبذل
و [زعاق] ملحٍ لا يسوغ لشارب كدر وأنت السلسبيل السلسل
يا عادلاً في كل ما هو فاعل ما بال كفك في اللها لا تعدل
أفنى تلاد يديك علمك أنه لا يفضل الأقوام من لا يفضل
القاضي جلال الدولة بن عمار (3)
فصول من رسائله
مرحباً بطليعة السرور، ومساعدة الدهور، وبشير النجح والبركة في جميع الأمور، هذه صفة تخص كتاباً وردني من مولاي الأمير - أطال الله بقاءه، وأدام تأييده ونعماءه - على بعد عهدٍ بكتبه وأنبائه، بمعاندة الزمان لي فيه، إلى أن أحكم أسباب البعد بيني وبينه، مع تقارب قلوبنا وامتزاجها في حالي القرب والبعد، كما قال الباهلي:
وعاندني فيه ريب الزمان كأن الزمان له عاشق
__________
(1) من قصيدة له في جواب شاعر مدحه اسمه محمد بن علي بن محمد أبو الخطاب الجبلي: انظر شروح السقط: 720.
(2) ص: يجني السور.. الورى.
(3) هو القاضي جلال الدولة (أو جلال الملك) أبو الحسن علي بن عمار تولى أمر طرابلس بعد وفاة عمه القاضي أبي طالب ابن عمار سنة 464 فضبط البلد أحسن ضبط، ولما توفي المستنصر الفاطمي (487) وانقسم الولاء بين نزار والمستعلي، كان جلال الدولة في صف نزار، فلما استتب الأمر للمستعلي قتل القاضي جلال الدولة بن عمار ومن أعانه (ابن الأثير 10: 71، 238) .(8/625)
وإني لأتذكرك وأتذكر أوقات المسرة بقربك، والأنس بالاجتماع بك، كما يتذكر الشيخ الهم شبابه، والعاشق امفارق أحبابه، وأرغب إلى الله في تسهيل أمر تجمعنا كما نحب، وأدعوه ربي (عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا) (مريم: 48) وما ذلك على الله بعزيز.
نعم سررت والله يا مولاي بكتابك وأنست بقراءته، وأوجبت حقاً لحامله وهششت والله اليه، كما قال قيس (1) :
إذا ذكرت ليلى هششت لذكرها كما هش للثدي الدرور وليد
وفي فصل:
وأما ذكرته من التحرك إلى جهتنا، فهلم، قرب الله دارك، وأدنى مزارك، ورعى الله جواداً يحملك، وطيب ريحاً توصلك، وبارك الله في ليلٍ أو نهار يفتر عن لقائك، ويبسم عن شهي مشاهدتك.
وله من أخرى:
وافى كتابك مطوياً على نزه (2) تقسم الحسن بين السمع والبصر
جزل المعاني رقيق اللفظ مونقه كالماء يخرج ينبوعاً من الحجر
وصل كتابك يوم عيد النحر فكان عيداً ثانياً، وصادف أنسب واهياً، ف كان له مسنداً بانياً، فارتحت له ارتياح الروض للمطر، ولم أمل بتكرير قراءته وهل تمل عين من النظر، فكم من معنىٍ بديع، ولفظٍ محكمٍ صنيع، وبراعةٍ أتى بها (قلمه] شرعاً، وبلاغة جاش بها بحره طبعاً لا تطبعاً، " وليس بمنكر سبق الجواد " ولا بمتدعٍ جود العهاد، وأما النظم فنظم صفات الإحسان، واستدعى نوافج
__________
(1) لم يرد في ديوان قيس (مجنون ليلى) .
(2) ص: وافاني ... برة.(8/626)
الإستحسان، وأما النثر، فأبهى من منثور الزهر، وأغلى قدراً من الدر والجوهر؛ ولقد هزتني إلى لقاء مولاي لواعج شوقٍ تالد، وبواعث وجدٍ خالد، ودواعي أسف متضرم، لم يخلق البعد جديده، ولا أذوى طول العهد عوده، ولا أنسى تقلب الأحوال جهوده، ولا نقض مرور الأيام مرائره، ولا كدر تكدر العيش / [183] سرائره.
-.. (1)
[المجيد بن أبي الشخباء العسقلاني] (2)
-
-. الجاذب أشطانه، وإنما هو الآن يرخي حتى يجذب، ويجتمع لكي يثب.
وله من أخرى:
المودات إذا كانت متينة العقود، صادقة المشهود، موضوعةً على أصل عريق، وأساس وثيق، لم تجزعها (3) الشبهة المرمضة، ولم تزلزلها الأباطيل (4)
__________
(1) سقطت هنا - فيما أعتقد - صفحة - ضاعت بها وبقية ترجمة جلال الدولة ابن عمار وأول ترجمة المجيد بن أبي الشخباء.
(2) هو الحسن بن محمد بن عبد الصمد بن أبي الشخباء أبو علي العسقلاني (ياقوت 9: 152) والحسن بن عبد الصمد (ابن خلكان 2: 89) وقد اشار كلاهما إلى ترجمته في الذخيرة وأتيت ياقوت نقلاً عن ابن بسام أنه توفي سنة 482 (وقع خطأ في الطبعة المصرية من معجم الأدباء: 432) وكان يلقب بالمجيد ذي الفضيلتين ويقال إن القاضي الفاضل استمد من رسائله؛ وذكره العماد في الخريدة في العسقلانيين في القسم التابع لشعراء مصر الورقة: 14 (نسخة باريس رقم 3328) فقال: " مجيد كنعته، قادر على ابتداع الكلام ونحته، له الخطب البديعة، والملح الصنيعة، وكان قبل عصرنا في أيام الأقسيس سنة سبعين وأربعمائة " وذكر العماد أنه رأى ديوانه عند صديق له بدمشق؛ وللمجيد مختارات من شعره في الخريدة ومجموعة من رسائله وخطبه في الريحان والريعان وفي جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام؛ وقال ياقوت إن أكثر رسائله إخوانيات وأورد جملة منها؛ وجعل المقريزي وفاته سنة 486 (اتعاظ 2: 328) .
(3) تجزعها: تدخل عليها الجزع.
(4) ص: الأباطل؛ وجمع باطل عند سيبويه " أباطيل ". وعند غيره أن أباطيل جمع أبطولة؛ وقد ترد " أباطيل " إلى " أباطل " لحاجة الشاعر، ولا ضرورة لذلك هنا.(8/627)
المعترضة، وإن تناقلتها ألسن مختلفة، وعلتها برود من اللفظ مفرفة، ولما رأيت زيارة مولاي قد صارت مرقعة، وجنوب (1) مودته قد عادت مروعة، وصرت أرى قوله متناقضاً، وماء البشر من وجهه غائضاً، من بعد ما عهدته (2) :
تنبي طلاقة وجهه عن وجهه (3) فتكاد تلقى النجح قبل لقائه
وضياء وجهٍ لو تأمله امرؤ صادي الجوانح لارتوى من مائه
لم أتجاسر على سؤاله عن العلة خوفاً أن يعيب علي الارتياب بوده، وتطرق سوء الظن على عهده، فسألت من يعلم دفائنه، ويخبر ظاهره وباطنه، فأخبرني أن بعض الناس - ولم يسمه - نقل إليه عني، فشن الغارة على وفائه، وزلزل أواخي وده وإخائه، فقلت، عتب والله ولا ذنب، وشكاية ولا نكاية، وأنا أحاكم مولاي إلى إنصافه لا إسعافه (4) ، وعدله لا فضله، وما كان أجدره برفض قول الماحل (5) ، وتغليب الحق على الباطل، ولا يرى نفسه بصورة من تستخف حصانه الريح الخافقة، وتشعث من مودته الأقوال الماذقة، ولو انتقضت عندي المعاقد، وقامت علي - أعوذ بالله - الشواهد، لكان مولاي حرياً أن يجري في كرم اللقاء على العادة، ويتأدب بقول أبي عبادة (6) :
أبيت على الخلان إلا تحنياً يلين لهم قلبي (7) ويصفو لهم شربي
وإني لأستبقي الصديق إذا نبا علي وأهنا من خلائقه الجرب (8)
__________
(1) ص: وشيوب؛ وتقول العرب للاثنين إذا كان متصافيين ريحهما جنوب، قال الشاعر:
لعمري لئن ريح المودة أصبحت ... شمالاً لقد بدلت وهي جنوب (2) ورد البيتان التاليان في الخريدة: 15.
(3) الخريدة: وده.
(4) ص: لاسعافه.
(5) ص: القول الماجل؛ والماحل: الساعي، ومحل به: كاده بسعاية إلى السلطان.
(6) هو البحتري: والبيتان في ديوانه: 105.
(7) الديوان: عطفي.
(8) أهنا: مخفف من أهنأ أي أطلي بالقطران.(8/628)
والآن فقد أوضعت وأوجفت، وتألفت مولاي واستعطفت، فإن عادت ظلال وده مديدة، وحبال كرمه محصوفة (1) جديدة، فحسن بتلك الشمائل، أن تجمع شمل الفضائل؛ وإن تمادى على هذه الهجرة، ولم يصح من نشوات تلك السكرة.
فما ذاك من ذنبٍ علي اجترمته إليه فيجزيني به حيث أعلم
ولكن إنساناً إذا مل صاحباً وحاول صرماً لم يزل يتجرم
والله جلت قدرته يجعل حفظ المودة عنده أوجب الحقين، وأنفع العلقين، ويرفعه عن السمة بنقض المرائر، وحلية الجائر الغادر.
وسافر بعض إخوانه فشغل عن وداعه فكتب إليه: ما أخرني عن خدمة مولاي بالوداع أني متأخر في حلبة ولائه، ولا عارٍ من ملابس إخائه وآلائه، ولوددت لو صحبت ركابه السعيد إلى الصعيد، وقطعت معه عرض المهمة البعيد، وزودت من مجاورته قلباً معموراً بوده، ومن مشاهدته طرفاً لا صبر له من بعده، وإنما حجزني أمران كل منهما يمهد العذر ويبسطه، [ويمحو] (2) الذنب ويحبطه، وهو شغلي في إنشاء التقليد [العلي] (3) وتحريره، وفعل ما أمرت به الحضرة السامية وتقريره، ثم خوفي أن أرى مولاي وقد حل انطلاقه، وأسمع [أن قد حان فراقه] ، ونعق غراب بينه فقض أضلعاً، وأفاض نفوساً وأدمعاً، فضعفت عن مشاهدة ذلك المقام، وقصرت [عن تحمل ذلك] الداء العقام، وظللت أنشد، والدموع همع، والفؤاد مصدع:
وأخرني (4) يوم انطلاقك أن أرى على جمرات البين [قلبي يلذع]
فؤاد إذا قيل الفراق تساقطت خفوقاً أواخي صبره (5) تتقطع
__________
(1) ص: مقصوفة؛ والحبل المحصوف أو المحصف هو المحكم الفتل.
(2) بياض في ص.
(3) ما يرد بين معقفين حتى آخر القطعة سببه عدم ظهور الكلمات في أواخر الأسطر، في هذه الصفحة.
(4) ص: وأخبرني، ولعلها أن تقرأ أيضاً " وأحزنني ".
(5) صبره: قراءة تقديرية، وصورة الكلمة في الأصل تشبه " هزة ".(8/629)
وإني صليب العود في كل حادثٍ ولكن أعوادي [لنأيك خروع]
وإذا استنقذ البين هذه النوبة، وخفقت بمشيئة الله رياح الأوبة، وهبت وجهي للشحوب، وجسمي للنصب واللغوب، وهتمت ثنايا الأرض إيضاعاً وإرقالاً، وجعلت مسافة اللقاء لمسافة الوداع أميالا، وأطلت شكر الزمان على ما يجدده لي من مسرةٍ قد خلعت بردها، واستطلت عهدها، وأنشدت:
طربت وقد جاء البشير بقربكم وذو الشوق عند اسم الحبيب طروب
وقمت إليه راشفاً من ترابه ترى لك يحلو رشفه ويطيب
وما يبعد ذلك في قدرة الله الذي يخرج من الشجر الأخضر جذوة نار، ويهب القمر كمالاً بعد نقص وسرار.
وله من أخرى / [184] يعاتب بعض القواد (1) :
رأيت فلاناً (2) عند نظرته لي بالأمس قد قطب حاجبه، وزعزع مناكبه، وأوسع الغلام من [.. .. ..] ذيل كمه؛ فقلت: ماله - أأنزل إليه وحي، أم عصب به أمر ونهي، أم حصل من الخلافة على وعد، أم أنسئ له الأجل مدة العهد، أم قل عقله فعق نفسه وظلمها، وجهل مقادير الأشياء وقيمها، واعتقد أن الدنيا طوع حكمه، والقطر صائب فهمه، أم رأى الملائكة المقربين تتشفع به، والحور العين تشكو لاعج حبه، وثمار الجنة تدلت إلى يده، ونار جهنم تقتبس من زنده، والكوثر يمد من معينه، والسموات مطويات بيمنه، والبراق قد امتطي لحضرته، والفراق [ ... ] قوته، فأجبت بأن شيطان ظني مارد، وتصوري فيه - أعزه الله - فاسد، ولا حقيقة لشيءٍ مما توهمته، وسددته من القول وأقمته، فقلت: إذا لم يكن ذاك فما
__________
(1) الشق الأيمن من هذه الصفحة أكثره مطموس، ولذلك تعذرت قراءة بعض العبارات، كما أن بعض القراءات المثبتة مما لا أقطع بصحته.
(2) ص: فلان.(8/630)
ذلك - قيل: سفه في الرأي وأفن، وتغير في الطينة وعفن، ظن أن الأحرار ملك عهدته، والعالم مجموع في بردته، فحين سمعت ذلك أخذتني لمولاي الحمية، وهزت رأسي الأريحية وقلت: معاذ الله، إن دونه في الحصاة (1) والكيس بطليموس، وفي الحكمة ارسطاليس (2) ، وإن الحكمة تستنتج من ظنه، والغيث يرشح من شنه (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) [البقرة: 255] وإنه بحمد الله كما قيل:
خرق إذا أفضى السماط به كثر العثار وطبق الزلل
وإذا السرير سما بقعدته غريت بظاهر كفه القبل
فهناك سكنت الألسن الهادرة، ووقفت المرادة (3) الغادرة، وعاد من حضر يثني على مولاي ويقرظه، ويحمل من شكره ما يؤوده ويبهظه (4) ، فإن كانت هذه الوكالة واقعة منه بالوفاق، فيجعل ثوابي عليها انحلال العقدة من جبينه، وزوال التمارض من جفونه، وخفض الإصبع من سلامه، وترك النزوة على غلامه (5) .
وله من أخرى في مثله:
أرى (6) سلام سيدي قد تقاصر طويله، وروض جوه قد زاد ذبوله، وماء بشره قد غاضت بحوره، ونشاط لقائه قد استمر فتوره، وما عهدته - اعزه الله - تزدهيه الشبهة وتستخفه، وتصده عن كرم العهد وتكفه، وينزل المين من سمعه بالمكان المهيب، ومن قلبه بالقابل المستجيب، بل هو يرحب إذا حرج المضيق، ويرطب وقد عصب الريق، وتمر به المحفظات وهو راضٍ، وتوقظه المغايظ وهو متغاضٍ.
__________
(1) الحصاة: العقل والرزانة.
(2) ص: ارطاليس.
(3) ص: الموادة؛ والمرادة: العتو والتمرد.
(4) ص: وينهضه.
(5) ص: أعلامه.
(6) ص: أي.(8/631)
إذا أمرته مرة من حفاظه بسوءٍ نهاه خلقه البارد العذب
فما الذي أعاد فلقه غاسقاً، وصريحه ماذقاً، فإن يك عن ملل (1) فؤاده، وتشعب وداده:
فكم أخٍ غيره يومي ال - مقبل عن أمسي به الذاهب
مل فلم يعطف لحب الصبا ال - حاني ولا حق العلا الواجب
واستقرت الوزارة لبعض أصحابه ثم توقف الأمر بعد فيها فكتب إليه: الخيرة - أطال الله بقاء سيدنا - تجيء من غير الأمر المختار، و [هي] مخبوءة تحت أستار الأقدار، فكم سبب اجتمعت فيه شوارد الآمال، ولبس ظاهره مسحة من الجمال، كان المكروه منظوماً في تاجه، منطوياً في أثنائه وأدراجه، وآخر ظهر للناس بلونٍ شاحب، ووجهٍ قاطب، كان ضامناً لابتسام الزمن، وكافلاً بالأجمل الأحسن، وبهذا أدب تعالى عباده، وقال في الكتاب المكنون (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (البقرة: 216) فلمح أبو عبادة هذا الأسلوب فقال في معناه (2) :
والشيء تمنعه يكون بفوته (3) أحظى (4) من الشيء الذي تعطاه
وإذا تصفحت الأمور بعين البصيرة، ونظرت بالخواطر المستنيرة، ونفذت بالألباب الصيرفية لا الزائفية، علم أن هذه الرتبة زليقة الصراط، سريعة الانحطاط، يعلو الإنسان صهوتها ثم هو بعد راجل، ويتحلى بها وقتاً ثم هو مسلوب
__________
(1) ص: ملكه.
(2) ديوان البحتري: 2403 وقبل البيت:
والعيش ما فارقته فذكرته ... لهفاً وليس العيش ما تنساه
ولو أنني أعطي التجارب حقها ... فيما أرت لرجوت ما أخشاه (3) ص: يمنعه يكون بقربه، والتصويب عن الديوان.
(4) الديوان: أجدى.(8/632)
عاطل، وما لم يوسم بها فالخطط تعتقبه، والمنازل ترتقبه؛ أجل، وهذه الدرجة كلما خبرت الأقوام، وتمادت الأيام (1) ، غاض معينها، وزاد حنينها، فمنها الكمد، ومن سيدنا الصيد، ومنها الكلف، ومنه / [185] التيه والصلف، حتى إذا نغل الأديم، ورعي الهشيم (2) ، وتشاقت (3) الخطط، وجار الحكم وقسط، دعي سيدنا لشعب المنصدع، ووصل المنقطع، وغيجاد الممتنع، فهناك يقوم بالأمر، ويسهل الحزن والوعر:
مبارك (4) تطرد اللأواء رؤيته طرد الظلام فرند البلجة الواري (5)
وزير ملك خلت (6) في عدل سيرته صحيفة الملك من إثم وأوزار
يذب عنه وقد ريعت جوانبه برأيه المكتسي أو سيفه العاري
وكان يوماً المجيد بمجلس الأنس، ودعوا بعض أصحاب القلانس فلم يحضر لأجل الغناء فكتب إليه: عجبت لمولاي كيف أسند في التخلف إلى عذرٍ هلهال، وسلك طريقاً صعبة المجال، وجعل المانع له من الحضور أمراً يقوي على الهموم، ويقوت النفوس فكيف الجسوم، ويمتزج بالقلب امتزاج تاموره، ويطلق شكائم بهجته وسروره، فإن يك ذلك لدين وثيق، وخلق بالتقوى خليق، فما بلغ مولاي من حفظ الشريعة إلى هذه الرتبة، ولا وضع قدره بعد على هذه الهضبة (7) ، وإنما هو
__________
(1) ص: الأنام.
(2) نعل الأديم: فسد الجلد؛ ورعي الهشيم: مثل على اللجوء إلى غير ذي الكفاية لعدم وجود من هو كفؤ، كما قال الشاعر:
ولكن البلاد إذا اقشعرت ... وصوح نبتها رعي الهشيم (3) ص: وساقت.
(4) ص: منازل.
(5) فيه قلب، إذ حقه أن يكون طرد فرند البلجة الواري للظلام.
(6) ص: جلت.
(7) كناية عن أنه لم يصبح بعد مشهوراً.(8/633)
الآن يحكم أمراً، ويصيد بها إذا تعقل عمراً (1) . وإن كان لخوفٍ (2) من ثقيل، وحذرٍ من غلول، فما كان هناك إلا من يفرق السورة (3) ، ويستر العورة، فإن حضر طوي هذا البساط، وتوفرت للمسرة أقساط، وإن تفادم وتغاتم دلك (4) عليه شرح أمور قديمة، وظهور أنباء مكتومة، وجاءنا من حديث البستان الحيري ما يغض من الطيالس والقلانس، وينسي يوم الغبراء وداحس.
وله من أخرى في مثله:
لما هجر مولاي مجالسنا في الجامع وأوحشها (5) ، وأطال إليه ظمأ النفوس وعطشها، وأخلى مكانه من طلعته التي تطلع علينا من السرور ما غرب، وتؤنسنا بغرائب الأنس والطرب، وتصرف فكري في ما اقتضى ذلك فلم أعثر على أمرٍ عاذر، ولا ظفرت بسبب ناصر، ذهب وهمي إلى أنه استحدث ودوداً، واستطرف [خلاً] جديداً، فترك هذا الأنام (6) حتى ينقع أوامه، ويبرد غرامه، وحين ثوت هذه الظنة في نفسي أنفذت فلاناً لاستيضاح الخبر، فحكى أنه ألفى مولاي في الطبقة الدهشية (-) فدهش لما رآه من مجلسٍ حسنٍ، ومقام صبوةٍ وفتن، وأمور بديعة، وأحوال وسيعة، وفاكهةٍ لا مقطوعةٍ ولا ممنوعة، وظبيٍ قد كحل بالسحر لحظاته، وأطلق العقارب على وجناته، ونظم السلوك في ثغره، وأنبت ثمر الصبا في صدره، يدير على مولاي كأساً:
إذا أخذت أطرافه من بحورها رأيت اللجين بالمدام يذهب
__________
(1) ص: إذا لفعل؛ ولعل معناه: إنه يدير خطة لنيل منزلةٍ يصبح بها عمرو رغم دهائه دونه، ولفظة " يصيد " قد تقرأ " يصير "، رغم وضوح الدال في الأصل.
(2) ص: للخوف.
(3) يعني يتجنب سورة السكر، أي لا يعربد؛ وفي ص: لعدف السررة.
(4) ص: إن تعاد وتفاتم وذلك؛ والتفادم: التظاهر بالفدامة، والتغاتم: التظاهر بالغنمة أي العجمة.
(5) ص: وأوحشنا.
(6) ص: هذه الأيام.(8/634)
كأن بخديه الذي جاء حاملاً بكفيه من ناجودها [بات] يقطب
فطفقت متعجباً لما وصفه المخبر، وحمد [ت] الله على صدق الحس والتقدير، وعذرت مولاي في التخلف عن الجامع، واستيفاء النهلة من هذه المشارع، وأوسعته ملاماً على التفرد بهذه الحسنة، والفاحشة المتبينة، دون الشيخ أبي الحسن، الذي ينحاز في فعله الحسن، ويضل في أدنى ذلك السنن، اللهم إلا أن يكون خاف أن يجري هذا الصديق على طاعة شيطانه، والبذاء على إخوانه، والتدحرج عن موضعه ومكانه، ليتأبط في الليل شراً، ويسير إلى حيث تسكن الغزلان سراً، وقد قرت أعضاؤهم نوماً وسكراً؛ ومع هذا فأوثر من مولاي أن يقبل على شانه، ويخفض قليلاً من عنانه، فإن الجاه صدعه لا يجبر، والملقي بيده إلى التهلكة لا يعذر، وقد شببنا عن هذه الحال، فيحسن المتاب، ويسمح برد الجواب (1) .
وله من أخرى:
لو رآني مولاي وقد أرشفت الخمرة فوجدتها مرارة تذم ولا تحمد، وتثير كامن الحزن والكمد، وتصفحت الندام فعدمت منهم أنساً عن الناظر دون الخاطر، وعدم تلك المحامد والمآثر، فأما الماء فالله يعلم أني أتجرعه ولا أكاد أسبغه شوقاً إلى تلك الخلال التي هي أنقى منه أديماً، وأرق نسيما، وأمسك للنفوس رمقاً، وأكثر لذوي (2) الحاجات تدفقاً:
خلائق: إما ماء كرم (3) ترقرقاً أغادي به أو ماء مزن (4) تصفقا
كأن الصبا جرت عليه ذيولها أصيلاً وفأر المسك عنها تفتقا
__________
(1) ص: وقل شيئاً من هذه الحال.. ويسمح برب الحراب.
(2) ص: ذوي.
(3) ص: إما ماؤكم.
(4) ص: موت.(8/635)
وأما ارتياحي إلى الموالي السادة - حرس الله مددهم، وكثر بساحة المكارم عددهم - فارتياح من رحل وترك قلبه عندهم، وإني وإياهم لكما قال [الأول] (1) :
لم ألق بعدهم قوماً فأخبرهم إلا يزيدهم حباً إليّ هم
وعلى القاضي السيد منهم السلام [186] خصوصاً، لأني أعلم عن صورة حاله في هذا الشهر، واحتباس يده عن كأسٍ يحلبها، وفمه عن قبلة يسلبها، وقدمه من الحانة الخمرية، وزيارة الغيد الحورية، فإذا حلت بمشيئة الله أنشوطة هذا العقال، وأطلع الله سبحانه عليه هلال شوال، فأنس وسط القوم، وأخذ بثأره من أيام الصوم، فليذكر هناك صديقاً لم ينسه وقد ضرب البين رواقه، وأطال الفراق اعتياقه، واؤمل من الله تعالى أن يسهل من قرب الدار ما يعيد سلك المسرة منظوماً، والشمل بحضرته السامية ملموماً، فهي الحضرة: تهب منها رياح العلاء، وتحط بها حقائب المدح والثناء، وتبدع في إسداء المنح والآلاء.
والبيت الذي أنشده لزياد بن منقذ الحنظلي أخي المرار العدوي.
قال ابن بسام (2) : وأراه أول من استشار معناه، ومنه قول الآخر مما أنشده
__________
(1) سيذكر ابن بسام في ما يلي أن قائل هذا البيت هو زياد بن منقذ الحنظلي أخو المرار العدوي؛ ونسبه البغدادي في الخزانة (2: 394) إلى المرار نفسه، وروايته:
وما أصاحب من قوم فاذكرهم ... إلا يزيدهم حباً إليّ هم وزعم الحصري أن المرار هو نفسه زياد بن منقذ، ونقل ذلك البغدادي عنه (2: 395) وجاء في بعض أصول زهر الآداب أنه أخو المرار، حسبما ذكر ابن بسام، وروى البيت كما جاء في الذخيرة (انظر زهر الآداب: 1064) قال البغدادي (2: 396) وزعم أبو تمام في الحماسة أن القصيدة التي منها البيت لزياد بن حمل بن سعيد بن عميرة (الحماسة رقم 577) وزعم الأصفهاني في الأغاني (10: 330) والخالديان في شرح ديوان مسلم ابن الوليد أن هذه القصيدة للمرار بن سعيد الفقعسي، والصواب أنها لزياد بن منقذ العدوي، قاله ياقوت في معجم البلدان (مادة: صنعاء) قلت: ما ذكره عن الحماسة ثابت عند التبريزي، وفي شرح المرزوقي: قال زياد بن حمل، وقيل زياد بن منقذ، وكذلك هو عند البكري، في شرح الأمالي: 70، وانظر العيني 1: 257 وشرح شواهد المغني: 49 وحاشية البكر: 70 وكان من مناسبة القصيدة أن زياد بن منقذ رحل إلى صنعاء فلم يحمدها، فقال ذلك الشعر يذمها ويتشوق إلى وطنه.
(2) يعتمد ابن بسام في أكثر هذا التعليق على زهر الآداب: 1064 - 1065.(8/636)
حبيب في حماسته، ويزعم دعبل أن هذا الشعر له (1) :
ولما أبى إلا جماحاً فؤاده ولم يسل عن ليلى بمالٍ ولا أهل
تسلى بأخرى غيرها فإذا التي تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي
وكان (2) ابن عرارة (3) السعدي مع سلم بن زياد بخراسان، وكان له مكرماً، فتركه وصحب غيره فلم يحمد أمره، فرجع إليه وقال (4) :
عتبت على سلمٍ فلما فقدته وجربت أقواماً بكيت على سلم
رجعت إليه بعد تجريب غيره فكان كبرءٍ بعد طول من السقم
وأنشد المبرد (5) :
أخ لي عاداه الزمان فأصبحت مذممةً فيما لديه المطالب
متى ما تذوقه التجارب صاحباً من الناس تردده إليك التجارب
وأنشد أيضاً (6) :
حياة أبي العباس (6) زين لقومه لكل امرئٍ قاسى الأمور وجربا
ونعتب أحياناً عليه ولو مضى لكنا على الباقي من الناس أعتبا
__________
(1) الحماسة رقم: 497 (1292) في شرح المرزوقي؛ وشرح المضنون: 249 والزهرة: 34 وأمالي القالي 1: 210 والحماسة البصرية: 2: 173 وديوان ابن الدمينة: 94 واللآلي في شرح الأمالي: 502 (للحسين بن مطير) وديوان دعبل (تحقيق الأشتر) : 319 وديوان الحسين بن مطير (جمع محسن غياض) : 70 وفي المصدرين الأخيرين تخريجات أخرى.
(2) النقل عن زهر الآداب: 1064.
(3) زهر الآداب: ابن أبي عرادة.
(4) هما في زهر الآداب، والأول منهما في عيون الأخبار 4: 4 لنهار بن توسعة، واعتاب الكتاب، 171 (دون نسبة) والمستطرف 1: 233 لابن عرارة؛ وبهجة المجالس 1: 657 (دون نسبة) .
(5) زهر الآداب: 1065 ونسبه للبحتري، ولم أجده في ديوانه.
(6) زهر الآداب: 1065 والكامل 4: 126 والثاني في عيون الأخبار 4: 4 والعقد 3: 455 وبهجة المجالس: 657.
(6) زهر الآداب: 1065 والكامل 4: 126 والثاني في عيون الأخبار 4: 4 والعقد 3: 455 وبهجة المجالس: 657.(8/637)
وقال مسلم بن الوليد (1) :
حياتك يا ابن سعدان بن يحيى حياة للمكارم والمعالي
جلبت لك الثناء فكان عفواً ونفس الشكر مطلقه العقال
ويرجعني إليك وإن تناءت (2) دياري عنك تجربة الرجال
ويتطرف هذا المعنى أيضاً قول ابن الرقاع (3) :
وإذا نظرت إلى أميري زادني كلفاً به نظري إلى الأمراء
ومنه قول الرضي (4) :
ما ساعدتني الليالي بعد بينكم إلا ذكرت (5) ليالينا بذي سلم
ولا استجد فؤادي في الزمان هوى إلا ذكرت هوى أيامنا القدم
ومن أخرى له عن الوزير الناصري (6) إلى بعض القبائل: معلوم أن الله تعالى قد يأذن للنعم إذا خصت بالشكر أن تستدني البعيد القصي، وتستأنس النافر الوحشي، وإذا قرنت بالكفران يرحل منها القاطن، وتستوحش المعاطن؛ ووصل إليّ ما كان منكم من الانحراف عن الحضرة السامية والتظاهر بالخلاف عليها، فتحققت أن الشيطان قد أعمل فيكم كيده، واستنفذ في إضلالكم قوته ويده، وأوضع بكم في مراعي وبية، ودب إليكم من طريق خفية، فزين لكم غير الحسن، وأوطأكم الجانب الأخشن، ووسمكم في أحياء العرب بإخفار الذمم،
__________
(1) زهر الآداب: 1064 - 1065 والكامل 4: 126 وديوان مسلم: 336 والثالث في المستطرف 1: 233.
(2) الكامل وزهر الآداب: وإن نأت بي.
(3) البيت في الشعر والشعراء: 517 وتمام المتون، 339 - 340 وقد أورده ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة: 116.
(4) ديوان الرضي 2: 275 وقد ذكر ابن بسام أبياتاً من هذه القصيدة 1: 2365، 2: 140، 379.
(5) الديوان: ما ساعفتني ... بينهم إلا بكيت.
(6) لم يتوجه لي على الدقة من هو الوزير الناصري، ومما يزيد الأمر تعقيداً أنه يذكر " اللواء الحمداني " في هذه الرسالة، ولعله ناصر الدولة الحمداني الذي استولى على أكثر أمور مصر أيام المستنصر، وقتل سنة 465.(8/638)
وكفران النعم، وأقول ما يجب أن يفهم: ألم تصلوا إلى هذه البلاد فتعرفوا (1) بها العيش الوحشي، وتحلوا فيها محل الغريب اجنبي، وتعيشوا عيش الغرثان الخميص، وتخطفكم العرب تخطف الأجدل للقنيص، فجمعت الحضرة شتيتكم، ووصلت مبتوتكم، فليت شعري ما الذي سولته لكم أوهامكم، وحدثتكم به أحلامكم -! وإيم الله لئن انقلبتم على الجناب الناصري، وانحرفتم عن اللواء الحمداني، لتصبحن أكلة للعرب، يحطون أعلامكم، ويزلزلون أقدامكم، ويحمونكم ورود الماء المباح، ويمنعونكم حلاوة النعم المراح، فراجعوا حلومكم العازبة، وتجافوا عن ذنوبكم اللازبة، وارجعوا (2) إلى من أمتد عليكم ظله والزمن هجير، وصفا لكم ورده والعيش كدير، فلو قد فارقتم جنابه الفسيح لتفرقتم في الأرض شيعاً، ونبت لكم مقراً ومضجعاً، وعثرتم عثرة لا يقال لها [لعا] ، وقد قلت ونصحت، وبينت وأوضحت، وسلكت مسلك الحدب الشفيق، وبقي أن يمنح الله حسن التوفيق.
ومن أخرى:
ما اعتمده سيدنا بالأمس مع عبده من الإكرام خارق للقضية العادلة (3) ومحسوب في الأوضاع الحائلة، وذلك أن كان مما [لا] يرفع الصيت ويبعده، ويعلي الجد ويسعده، ويشجي الحاسد ويغصه، ويهيض جناح العدو / [187] ويقصه، فإن الرضى به [يعد] إفصاحاً بالفهم القليل (4) ، ونكوباً عن محجة التحصيل، وما إخال سيدنا يرضى لعبده بالدخول في هذا الحيز، والخروج عن سمة المحقق المميز، وليس يحب - وإن اشتهر بالعلم شغفه، وزاد [على] ذوي الآداب حنوه وتعطفه - أن يشيم لهم حده، ويهضم علاه وجهده (5) ، فإن استهام بحب المآثر
__________
(1) ص: فتعدموا.
(2) ص: وتصاموا عن ذنوبكم الكاذبة وراجعوا.
(3) ص: العادية.
(4) ص: إفصاحاً بالعيم العليل.
(5) ص: وجحده.(8/639)
والمساعي، وقويت منه في إكرام أوليائه الدواعي، وأنشد عند قراءة هذا الفصل:
لقد حكت الملام لغير داع (1)
ثم تجاوزت همته النهج البعيد، وقرع ذؤابة الطود المشيد، واستحسن قول الوليد (2) :
ينزل أهل الآداب منزلة ال - أكفاء إن ناهزوه (3) في أدبه
لم يزهه عنهم وهم سوق في العين وطء الملوك في عقبه
فعبده يسل أن يختصر عليه في الإكرام، ويقف به دون ذلك المقام، فاللمحة في البدر تضيء السبيل، والقطرة من الماء تبرد الغليل.
ومن أخرى:
معلوم أن الزمان قد عادانا بعجابه (4) ، ونهشنا بأنيابه، وأدار علينا من صروف أحداثه كؤوساًن وجعل كل غريب لنا أنيساً، ولما خرج عن حكم العادة، وسلك في مولاي غير الجادة، وأودعه عوارف يضيق عنها باع الكتاب، وقذف إليه أقاصي خطوب الخطاب، علمنا أنه قد أصاب رشده، وأوجب حمده، وأطلع شمس النهار من مشرقها، ووضع تاج الرياسة على مفرقها.
ومن أخرى:
خلد الله أيام الحضرة الأفضلية (5) ، ما فضلت الأسماء حروفاً، وتقدمت واو
__________
(1) ص: واع.
(2) ديوان البحتري: 243.
(3) الديوان: شاركوه.
(4) ص: بعجائبه.
(5) يعني بالحضرة الأفضلية: الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي، تولى الوزارة حين مرض والده سنة 487 زمن الإمام المستنصر، وظل على الوزارة في أيام المستعلي ثم الآمر إلى أن اغتيل سنة 515 (الإشارة إلى من نال الوزارة: 57 - 64 وابن خلدون 4: 70) فإن كان ابن أبي الشخباء قد توفي سنة 486 فهذه الرسالة مما أنشأه في الأفضل قبيل توليه الوزارة، يهنيه بإبلاله من مرض.(8/640)
العطف معطوفاً، ولزمت الأفعال اشتقاقاً وتصريفاً:
يلفى عليها الحمد موقوفاً وفي عرصاتها شم الملوك وقوفا
وتعيد سطوتها سماء عداتها كسفاً وبدر سعودهم مكسوفا
ولج سمع العبد في هذه الساعة نبأ جمح عن أقماعه، وتصامم عن استماعه، تعاشياً عن صبحه المبين، وتغليباً للشك على اليقين، وخوفاً على المعز الشامخ أن يصحب شموسه، والمجد (الباذخ] أن تكور شموسه، والمحامد أن تنثر كواكبها، والمناقب أن تتزلزل مناكبها، ولما تلاه الخبر بما أصمت ناعقه، وكذب بارقه، ونطق بأن الجسم الشريف قد التفع شملة الإبلال، وعاد مزاجه إلى الاعتدال، أطال العبد في الترب تعفير خده، وبالغ في شكر الله وحمده، فيا لها نعمةً عدلت بها أحكام الزمان الجائرة، واهتدت ركائب الآمال الحائرة، وأصبح الملك المستنصري سائل الغرة، ضاحك الأسرة، [والحضرة] قد تمكنت في خطابها، وما نزعت برد شبابها، وامتدت بعد القلوص أفياؤها، وأضاءت في ظلمات الخطوب آناؤها:
والله أكرم أن [يعذب مهجةً] غذيت بأخلاط العلا أعضاؤها
فإذا طمت جسم الخطوب [عرامةً] [أربى على] فيض الحياء حباؤها
لو كان ينكر ملكها [رتب] العلا أحد لكان شهودها أعداؤها
ثابت بك الأيام عن جهلاتها وتوقرت من أهلها سفهاؤها
وبعدل حكمك زال عنا ظلمها وبنور مجدك أشرقت ظلماؤها
نار اعتزامك ما يبوخ ذكاؤها وسماء عزك ما تغيب ذكاؤها (1)
وعراض فضلك لم تضق أرجاؤها وعفاة جودك ما يخيب رجاؤها
فالحمد لله الذي منح الأمة من نعمةٍ أصبحت النوائب بها قد درجت أيامها،
__________
(1) هذا البيت والتالي له وردا في الخريدة: 15 / أ.(8/641)
وهدت من المخاوف أعلامها (1) ، والبخل قد هدم بنيانه المرصوص، والكرم قد ريش جناحه المقصوص، ولم يبق له سحاب إلا وهو يغدق ويهمع، ولا منادى إلا وهو يلبي ويسمع (2) :
يا ماجداً نصر الشريعة حيث لا بيض تشام ولا ذوابل تشرع
والنصب منصوب اللواء وشائع في أهله بغض الذي يتشيع
عمت عوارفه (3) فما من موضعٍ إلا ونائله إليه موضع
سائل به ودم الفوارس سائل يسقاه ظمآن التراب فينقع
واليوم قد كتبت (4) سنابك خيله نقعاً جبين الأفق منه مقنع
فهناك تلقى الصدر لا متضايق والروع لا نخب الضلوع مروع
والشمس تهوى أن تقبل كفه فتذاد بالسمر اللذان وتمنع
فاقنع بما ملكت يداك من العلا إن كنت بالشهب الثواقب تقنع
فأما حال العبد فعلى الحالة التي يؤمل من الحضرة العلية كشف ضبابها، وانتكاث أسبابها، وكأنه من العبودية يقتضي ألا يغبه مزن مكارمها، ولا تتجاوز عنه جفون مراحمها، فيصبح وقد حفت به الشدائد / [188] وضاقت عنه المصادر والموارد.
أتتركني يا دهر في البؤس مفرداً ومالك رقي مفرد فيك واحد
إذا همم الأقوام شابت وأظلمت فهماته بيض الوجوه خرائد
فيا قاضي الدين الذي قام حافظاً حماه واهن العزم (5) قاعد
__________
(1) ص: وصدت في ... عيانها.
(2) الأبيات 3 - 7 من هذه المقطوعة وردت في الخريدة: 15 / أ - 15 ب.
(3) الخريدة: مواهبه.
(4) الخريدة: نسجت.
(5) ص: الحزم.(8/642)
ومن ساد أهل العصر طراً وألقيت له في عراص الفرقدين وسائد
أناديك في نادٍ يحف بي الردى وتنزل فيه النازلات الشدائد
تخاطبني فيه الخطوب فصيحة ويسهر عيني ضيق العين بارد
يطارحني صوتاً، سروري ناقص إذا هو غناني وهمي زائد
وللحضرة العالية الأفضلية، الري العالي في انتباش العبد من هذه الغماء، وكأن ما تهب له من العنايى زكاة عما ملأها الله من رزق الزمان، ومكنه لها من قواعد العز والسلطان، وتقرباً إليه جل اسمه إذا انشقت [السماء] فكانت وردةً كالدهان.
قوله: فهناك تلقى الصدر.. البيت، كقول المعتمد بن عباد (1) :
وردتم تضييق صدرٍ لم يضيق والسمر في ثغر الصدور (2) تحطم
وقال المعتمد أيضاً في صفة [مجلس] ، من شعر قد تقدم إنشاده (3) :
هذي المدام وهذا النقل من جسدي غن لنفسك أشعاري بألحاني
وله من أخرى:
أطال الله بقاء الحضرة السامية الصارمية (4) ، ما عظم رجب في الإسلام، وولج الضياء في الظلام، ووشيت الطروس بأسنة الأقلام:
ترد العفاة شرائعاً من جودها نسخت بهن شرائع الإعدام
__________
(1) ديوان المعتمد: 67 وقلائد العقيان: 16 والذخيرة 2: 51.
(2) القلائد: النحور.
(3) لا أراه تقدم في الذخيرة، كما أنه ليس في ديوان المعتمد.
(4) يريد بالحضرة الصارمية: صارم الدولة بن معروف، وقد أورد ياقوت (9: 175) رسالة أخرى من ابن أبي الشخباء إليه افتتحها بقول: أطال الله بقاء الحضرة الصارمية، يجري القدر على حسب أهويتها، ويعقد الظفر بعزائم ألويتها.. الخ.(8/643)
وترى قلائد حمدها وثنائها منظومة بترائب الأيام
وإذا عصت نوب الزمان وخالفت وقفت لديك مواقف الخدام
إذ كانت أيام الحضرة العالية شاهدةً لها بجود يريش أجنحة الكرام المقصوصة (1) ، ويقوم بفرائض المجد المنصوصة، وحلمٍ تطلق القدرة عنانه، ويستعير الجنان رجحانه، ووفاءٍ يعلم الدهر حفظ العهود، وينقل طبعه إلى الخقل المحمود، ورأي يقطع والسيوف مغمدة، ويسري والعوذ العتاق مقيدة، وبشر يخجل ضوء الشارق، ويضيء في جبينها إضاءة البارق، وجودٍ (2) تأمر مكارمه الزمان لينتصر بالصارم ذي الفضائل، لا الصارم ذي الحمائل، وينتجع الأنواء المظفرية، فيهتتنها لها بالشهر والسنة حفظاً للسنة المرتبة، لا اعتماداً على القضية المستوجبة، والله تعالى يديم أيامها الزاهرة، دوام نعمها المتظاهرة، فإن ذلك يرويه القريب والشاطن (3) ، ويتمثل به المقيم والظاعن:
ومرت بك الأيام وهي كوافل بنيل الذي ترجوه منها ضوامن
فيا صارماً أثنت عليه عداته وأصدق من يثني العدو المباين
وفت بشروط الجود في المحل كفه ومزن السحاب الجود للأرض خائن
يضيف إلى إنعامه بشر وجهه كما جمع الحكمين في الحج قارن
ولولا الذي قدمت من حسناته لما وجدت للدهر فينا محاسن
فلا سره ما بين عينيه ظاهر ولا حقده ما بين جنبيه كامن
صفت لك من صفو السعود موارد وجادت عليك المعصرات الهواتن
تقسم طول الدهر أنمناً وخيفةً فمالك مرعوب [وعرضك آمن]
__________
(1) ص: المخصوصة.
(2) ص: ووجد.
(3) الشاطن: البعيد النائي.(8/644)
وله من أخرى:
أطال الله بقاء الحضرة السامية معمورة بوفود السعادة ديارها، مش -[دودة إلى] قصدها أنساع العير وأكوارها، مفلولة عنها أنياب النوب وأظفارها، ولا زال من مد الظل ولو شاء جعله ساكناً (1) ، يمد عليها الظل ما سرى في الليل سفر، وطلع في السماء غفر (2) ، وخرج عن أيدي الكرام وفر، وأنس بالركبان مهمه قفر:
يطوع لها العاصي من الخطب عزةً ويدخل قسراً تحت أحكامها الدهر
ولا زال يعلي في الخليقة أمرها على كل أمرٍ من له النهي والأمر
وفي فصل منها:
يا صارماً حاز الثناء بأنعم لا تنقضي أوقاتهن فتنقضي
لما انتضته يد الإمام حققت هذي البرية حسن رأي المنتضي
متواهن عن كل جرمٍ طرفه فإذا رأى أكرومة لم يغمض
علقت يداه بكل لدنٍ أسمر يوم اللقاء وكل عضبٍ أبيض
وتراه حين تضيق أثواب العلا متمايساً في السؤدد المتفضفض / [189]
يا عاشق العليا ومبغض ماله نفسي فداؤك من محب مبغض
لا تسألني عن زماني هل بدت لي منه صفحة مقبلٍ أو معرض
أنت الزمان فإن وجدتك ساخطاً يسخط علي وإن رضيت فقد رضي
كم قوضت يمناك عنا شدةً لولاك بعد الله لم تتقوض
ونهضت من ثقل المعالي بالذي لو سيم يذبل بعضه لم ينهض
[وبقيت تسهر] (3) كل طرفٍ للعدا وتحل هضب سعادةٍ [لم تخفض]
__________
(1) من قوله تعالى " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء جعله ساكناً " (الفرقان: 45) .
(2) الغفر: منزل من منازل القمر، ثلاثة أنجم صغار وهي من الميزان.
(3) بياض في ص.(8/645)
[وتقطف] (1) من إنعام الحضرتين ثماراً، وتعيد جدب (2) الزمان ربيعاً، وتفيض على بني الآمال ربيعاً، فقد وفت لها حين خانت اليد بنانها، وسئمت الضلوع جنانها، وصدحت بالكلمة العلوية على المنبر، وسهام العدا تقع خلفاً وأماماً (3) ، ورهج خيولهم يسحب على الموت غماماً، وكم لها من مقامٍ نتق قلوب العداة نتقاً، وجمع قطري الرسالة فتقاً ورتقاً، فلا قلص الله ظلها عن هذا الثغر الذي يكاد ترابه بكرمها يورق، ونبته (4) بحسنها يشرق.
ومن أخرى له:
شهر الصيام [ذو] فضلٍ مشهور، ورتبته علت (5) جميع الأيام والشهور، فما تنتهك للشرع فيه حرمات، ولا تسمع للأوتار نغمات، ولا تنطق باللغو أفواه، ولا ترشف رضاب الكؤوس شفاه، وإذا اعتبرت أوقات الحضرة المنصورة، وجد أكثرها على هذه الصفة المذكورة، إلا أن الشهر اختصه الله بشرف القضية، وفرض صيامه على جميع البرية، فلا زال على الحضرة العالية عائداً، ولها للأعمال الصالحة شاهداً، تطلع في لياليه الحسنات شموساً، وتجمع بين الشفق والفلق تسبيحاً وتقديساً، خاطرة (6) في جلابيب عز يعتلق الدهر بأسبابه، وكرمٍ يغرق البحر في عبابه، ومجدٍ تعشو النيرات إلى أنواره، وتعتصم الملوك الخائفة بجواره، وتترب بمكارمها الأيدي التربة، وتثبت بسعدها بروجهم المتقلبة، ويجدون ترابها في أفواههم عسلاً، وفي أجفانهم كحلاً، ويرون وظائف النوب عنهم ترفع، وآنف الحوادث تجدع:
__________
(1) يبدو أنه وقع في هذه الصفحة تقطيع تداخلت فيه نهايتا سطرين، مما أحدث خللاً واضطراباً في النص.
(2) ص: تعيد أحدب.
(3) ص: وأمما.
(4) ص: ونبتها.
(5) ص: على.
(6) ص: ناظرة.(8/646)
قد ود هذا النهر أن هلاله أضحى على غرر الشهور [يرفع]
ألبسته تقوى وألبس حلةً من سرمدٍ وكلاهما لا ينزع
وبرزت في جيشٍ تغص به الفلا وترى ذكاء بنفعه تتقنع
لجبٍ شكت كف البسيطة ثقله حتى لكادت تحته تتصدع
لابد تعرف بالعراق (1) جياده ونسيم ذكرك فوقها يتضوع
وعلى مطاها دارعون سيوفهم تدع السراب كأنما هو أيدع (2)
وتقيم شرع بني النبي بأرضه والبيض ترعف والذوابل تشرع
لم ترض معروف العوارف نفسه فتراه يغرب في السماح ويبدع
وإذا تمنى المال يودع كفه خابت أمانيه وبات يوزع (3)
تركت سيوفك كل خالع طاعةٍ وفؤاده من خوف بأسك يخلع
ومن أخرى:
لقد أسعد الرحمن من بات ثانياً إليك عناني رغبةٍ وثناء
إذا ما الحيا جاراك في حلبة الندى رمى فوق فوديه قناع حياء
وما يتساوى قط بحر وجدول ولا كل أعضاء الفتى بسواء
إذا لم تحط نظماً ونثراً بمدحه فما حيلة الكتاب والشعراء
فككت إساري منعماً وتركتني لآلائك الحسنى من الإسراء
والذي جعل الأرض بساطاً يبسط قدرها في الآفاق، ويجعل أيامها ينابيع الأرزاق، حتى لا ينطق بسوى شكرها لسان، ولا يرى لغيرها على أحدٍ إحسان.
__________
(1) ص: بالفراق.
(2) الأيدع: صبغ أحمر.
(3) ص: يودع.(8/647)
وفي فصل من أخرى:
وحضر فلان، وعليه من نعمته آثار قد حلت عطله، وسدت خلله، وظهر في زي يكبت كل عذولٍ وشامت، وينطق بالمنة عنه وهو صامت، وقد سير من ذلك ما سير غوراً ونجداً، ونظم في ترائب الأيام منها عقداً، ولا زالت مننه لذوي الآداب قاطرة، وعراصه بلطائم الثناء عاطرة، يتغاير النثر والنظم على مدائحه، وتفيض على العافين غروب مواهبه ومنائحه. ولما اعتزم العودة إلى ذلك الظل المديد، والعيش الرغيد، زودته هذه الرقعة مستدعياً له الزيادة من كرم العادة، والحظوظ السنية المستفادة.
ومن أخرى:
أنبئت - أطال الله بقاء مولاي - بشيءٍ أنا فيه مكذب ومصدق، ومدافع ومحقق، واحتجت بحكم ذلك إلى مطالعته، وعلم كنه حالته (1) ،
فالخل كالماء يبدي لي ضمائره مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
عرفت أن هذا الراقص البغدادي قد رفض مودته خلفا، وسلك به من الخلافة (2) عسفا، فوصله وهجر ديوانه، وأرضاه وأسخط خلانه، واستبذل فيه مصوناً من قدره، واستذل عزيزاً من تأتيه وبره، وصار يهب النفس بلمسةٍ [من] إهابه، وجميع سقي النيل برشفةٍ من رضابه، وينشد إذا تراكضت خيول اللهو واللعب، وغلظ عليه قول الملاحي المؤنب:
غزال تمتعت في قربه ونازعني الكاس حتى غلب
إذا ما تنفس في نومه تنفس عن مثل ما قدر شرب
__________
(1) كنه حالته: قراءة تقديرية، إذ هذا الجانب من الصفحة قد طمس.
(2) الخلافة هنا بمعنى الخلاف.(8/648)
فيا ليل ليتك لا تنقضي وما صبح ليتك لا تقترب
فوجدت والله من إشناعة هذه الحال ما يجده الخائف غابة واقيه، والسليم عدم طبيبه وراقيه، خوفاً على جاه مولاي أن يميل، ويشنع فيه القال والفيل، فيصل إليّ من المصاب بذلك ما يعشي الناظر، ويخذل الناصر، لا سيما والنسب حظه من الشرف الخطير، وقسطه من الإعظام والتوقير، والصغير يعد به كثيراً، والحصاة تحسب معه ثبيراً، ولو كان مولاي مد على هذه السقطة سجفاً، وشرب ذلك العقار مزجاً لا صرفاً، لجاز أن تخفى القصة، وتنساغ قليلاً (1) هذه الغصة، فالعقل نعم الرقيب، والليل نهار الأديب، ويجب أن يتحقق مولاي أني ما أطلقت هذه اللفظة إلا وقد حصر الكتمان، والتقت حلقتا البطان، وسمعت ما يصم الآذان.
وله من أخرى (2) :
ما زال يختار الزمان ملوكه حتى أصاب المصطفى المتخيرا
قل للألى ساسوا الورى وتقدموا قدماً هلموا شاهدوا (3) المتأخرا
تجدوه أوسع في السياسة منكم صدراً وأحمد في العواقب مصدرا
إن كان رأياً شاوروه أحنفاً أو كان بأساً (4) نازلوه عنترا
قد صام والحسنات ملء كتابه وعلى مثال صيامه قد أفطرا
ولقد تخوفك العدو بجهده لو كان يقدر أن يرد مقدرا
__________
(1) قوله " الليل نهار الأديب " فيه إشارة إلى قصة ليحيى البرمكي حين بلغه أن ابنه الفضل قد تشاغل باللذات عن النظر في أمور الرعية - وكان والياً بخراسان - فكتب إليه يلومه، وضمن رسالته أبياتاً يقول فيها:
فكابد الليل بم تشتهي ... فإنما الليل نهار الأديب انظر ابن خلكان 4: 28.
(2) منها ثلاثة عشر بيتاً في الخريدة: 16 ب وأحد عشر في ابن خلكان 2: 90 وقال ابن خلكان: وقد اقتصرت منها على هذا القدر خوفاً من التطويل.
(3) الخريدة: هلم فشاهدوا.
(4) الخريدة والوفيات: رأي ... بأس.(8/649)
إن أنت لم تعث إليه ضمراً جرداً بعثت إليه كيداً مضمرا
تسري وما حملت رجال أبيضا فيه ولا ادرعت (1) كماة أسمرا
خطروا إليك فخاطروا بنفوسهم وأمرت سيفك فيهم أن يخطرا
عجبوا لحلمك أن (2) تحول سطوةً وزلال خلقك كيف عاد مكدرا
لا تعجبوا من رقةٍ وقساوةٍ فانار تقدح من قضيب أخضرا
فلذاك عدك حين يعرض عارض وسطى البنان وعد غيرك ختصرا
لو رام قسطنطينة لا جلقاً (3) بك لم يدع في أرضها متنصرا
ولقد قضت أي الكتاب لكل من نصر الشريعة أن يعان وينصرا
فلا برحت الحضرة - حرس الله أيامها - تفتر (4) عن مباسمها الحسان، وتفتخر بمناقبها قبائل غسان، فلو شاهد أهل جفنة (5) جفانها، وأهل جبلة بن الأيهم ضرابها وطعانها، لعلموا (6) أن الله أتاح السماحة والبسالة ملكاً منهم يحفظ ما ضيعه الناس من عهود، ويسرح ما ذخروه من نقودها، فما يزيد المدح مناقبه ضياء، ولا مراتبه اعتلاء، وإنما هو في ذلك كالمسك يطيب بنفسه (7) طبعاً، ويزيد المحارض (8) تضوعاً ونشراً، وإن أطال العبد في نشر فضائلها مقوده، واستخدم في ذلك لسانه ويده، فإنما هو كمن يوقد في الشمس ذبالاً، ويهدي إلى الفرات نطافاً أوشالاً، والذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً، يجعل أمداد (9) النعيم على
__________
(1) ص: ادعرت؛ والتصويب عن ابن خلكان، وفي الخريدة: اعتقلت؛ وهو أدق.
(2) الخريدة: عجباً لحلمك إذ.
(3) ص: لا حلعاً، ولم يرد هذا البيت في الخريدة.
(4) ص: تعبر.
(5) جفنة: الغسانيون.
(6) ص: لعلم.
(7) ص: لنفسه.
(8) كذا في ص، ولعله: ويزيد في المجامر.
(9) ص: امتداد.(8/650)
الحضرة مغدقةً، ووفود المواهب بساحاتها محدقة، ويمتع الدنيا بمحاسنها التي يتطامن لها ذو الأبصار، وتتأرجح تأرج القطر في جميع الأقطار.
وله من أخرى:
فولجت منزلاً قد استعار من قلب العاشق حراً ورهجاً، ومن أخلاق مالكه ضيقاً وحرجاً (1) ، كأنما زفرت فيه النار، ونقط على جدارنه (2) بالقار، فجلست طويلاً إلى أن حضر الإخوان، وقدم الخوان، فرأيت أرغفة قد أحكمت في الصغر والألطاف، ولم تتعوذ قط من الأضياف، وقد مرت عليها أيام، وعنيت بقول ابن بسام (3) :
أتانا بخبزٍ له يابسٍ كمثل الدراهم في خلقته
إذا ما تنفست عند الخوان تطاير في البيت من خفته
وثلاثة صحافٍ، واسعة الأكناف، بعيدة الأوساط من الأطراف، قد جعل في قرارة كل منها ما [لا يدفع السغب، ولا تجده / [191] اليد إلا بالتعب، فجلنا جولةً وعينيه تطرف علينا شمالاً ويميناً، وتتفقد منا حركةً وسكوناً، وقمنا ولم نقارب الكفاف، وقد ظن بنا الإسراف، فحضرنا مجلس المعاقرة فأديرت علينا قهوة قد خصت باللون الكدر، وكثرت بالماء الخضر (4) ،
كالمهل تغلي في البطون أو أنها يوماً تعد لكافرٍ لم تحرم
فحسونا أولاً وثانياً، وكرعنا منها حميماً آنياً، وقلنا لعل ما يحضر من الملهيات يصلح فاسدها، وينفق كاسدها، ولم يكن بأسرع من أن افتتحت قينة يحرم لها السماع، وتستلذ الصمم الأسماع:
__________
(1) ص: وحربا.
(2) ص: ولقط على جدرانه.
(3) هو علي بن بسام البغدادي (302 أو 303) وقد مر ذكره في عدة مواطن من الذخيرة، انظر مصادر ترجمته في القسم الأول: 142 (الحاشية: 3) .
(4) الخضر: يريد ماء فيه طحلب، للمبالغة، وإلا فقد تقرأ " الخصر ".(8/651)
تكدر صفو الراح في شدوها وتنفر الأنقار (1) من ضربها
لم تكن العلجة مطبوعة بل كان مطبوعاً على قلبها
فسمعنا ولأمر الله سلمنا: فحين جر الظلام علينا الذيل (2) ، وغشى النهار الليل، زفت إلينا خريدة رأسها مقطوع، ووسطها مشعوب مرقوع (3) ، قد حفظت عن عادٍ عهده، واستعارت من يأجوج قده، تبص كعيون الجنادب، وتضيء في الظلماء كنار الحباحب، فقوضنا خياماً، وسكرنا هماً لا مداماً؛ فالحمد لله الذي صد مولاي عن هذا المقام ومنعه، وحمى عما حضرناه مستمعه.
وله من أخرى إلى نفيس الدولة يستدعيه:
أنا - أدام الله تمكن مولاي - كالماء تتفرق أجزاؤه فيلتئم، وكعرق الفصاد تمزقه المباضع (4) فيلتحم، وذلك أنه - أدام الله عزه - ارتد عن شريعة الوداد، ودان دين المحافظة بالإلحاد، واستعمل [من] الجفوة ما ينفر الطرف عن هجوعه، ويوحش الصدر من صحبة ضلوعه، فقسوت عليه أياماً، وأوسعته (5) في النفس ملاماً، ووجدت طعم السلوة طيباً، والصبر من الصبر عنه ضرباً، وتشخصت لي أخلاقه مرة المقاطف، خربة المكاسر والمعاطف:
وإذا أفاق الجحد واندمل الهوى رأت القلوب ولم تر الأحداق
فما هو [إلا] أن اجتمعت به اليوم في المجلس المعمور حتى هبت علي رياح صفاته فطبت تلك الكلوم، وجددت تلك الرسوم، وأرتني المخفر من عهوده مخفوراً،
__________
(1) ص: الأنفار.
(2) ص: جرى ... الليل.
(3) ص: مشغوف مرفوع.
(4) ص: المضابع.
(5) ص: وأزمعته.(8/652)
والمحصى من ذنوبه منسياً مغفوراً، فاستحال السلو شوقاً مبرحاً، والناضر (1) من المعتبة هشيماً مصوحاً:
وما زال داعي الشوق حتى أجبته بمطروفةٍ تدمى لواهي الأنامل
وصدرت هذه الرقعة وأنا أود كلفاً، لو كنت فيها ألفاً، تفاؤلاً بعودة رياح الألفة، وتسكيناً للقلب من نزوات الرجفة:
من الوفاء وفاء لا يغيره مر الزمان بإعراض وإقبال
وعندي الآن ذاك الصديق الذي يخطف العقول ويذهبها، ويغير على الألباب وينتهبها، ويحطم الرماح كرانه، ويؤمن في مضمار المسرة خوانه، وليس والله تتصور لي الأقداح، وتلثم مراشف الراح، إلا ومولاي يحاسبني كؤوسها ويجهز إليّ خميسها؛ وأسأله أن تكون قراءة هذه الرقعة وقد ركب سمت الطريق، وقابل الأمر بالتحقيق.
وله من أخرى، وقد قبض على الوزير وقت الظهر، وافرج عنه في العشاء الآخرة:
من كرم الله وجزيل إسعافه، وجميل صنعه وألطافه، أن جعل سيدنا كالنجوم تغيب ثم يرتفع في غدٍ سمتها، أو كملكة الشطرنج يقال: قد فاضت ثم تعيش لوقتها؛ وقضي لحضرته بأن تزل الخطوب عنها زليل التراب عن متن الصفا، وتتحاملها النوائب [في هبطوها] وطلوعها، منذ خطرت الشمس في الحلل الجلنارية، إلى أن صارت في [الثياب] السوسية، ونزل سيدنا إلى داره بالسعد المصحب، وفي
__________
(1) ص: والناظر.(8/653)
الموكب المتلاغظ اللجب، وترك الوزارة تدعو (1) من زانها وجملها، لمن رقع هلهلها وسملها (2) ، وإن أكتابت لبعده، وعبقت أعطافها بلطائف مجده:
يضوع ثراها بالندى فتخالها رياضاً وكانت قبل وهي صوائح
صفا جوها بعد الكدور بعدله وطابت حشاياها الظماء القوامح (3)
فالحمد لله على ما منّ من سرعة الإقالة، وانقضاب تلك الحبالة، وتفضل به من حسن الرعاية والكفالة، ولا زالت مواهبه - جلت آلاؤه - تقع عند سيدنا من وراء الاقتراح، وتسخر له أعطاف الغدو والرواح.
وفي فصل من أخرى (4) :
وصلت رقعة مولاي والصبح قد سل على الآافق مقضبه، وأزال بأنوار الغزالة غيهبه، فكانت بشهادة [الله] (5) / [152] صبح الآداب ونهارها، وثمار البلاغة وأزهارها، قد توشحت بضروبٍ من الفضل تعطيه (6) قاصية المدى، وتجريه (7) في مضمار الأدب مفرداً:
فكأن روض الحزن تنشره الصبا ما ظلت من قرطاسها أتصفح
فأما ما تضمنته من وصفي فقد صارت حضرته [السامية] (8) تتسمح في الشهادة بذلك مع مناقشتها في هذه الطريقة، وأنها لا توقع ألفاظها إلا في مواضع الحقيقة،
__________
(1) كذا في ص، ولعله " تدع ".
(2) ص: وشملها.
(3) الظماء القوامح: قراءة تقديرية، فالخط باهت كثيراً تصعب قراءته.
(4) أورد ياقوت (9: 157) هذه الرسالة وقال أن ابن أبي الشخباء كتب بها إلى أبي الفرج الموقفي جواباً عن رقعة.
(5) الكلمة مطموسة في الأصل، واعتمدت في إثباتها على معجم ياقوت.
(6) ياقوت: تقصر.
(7) ياقوت: ويجري به.
(8) زيادة من ياقوت.(8/654)
فإن كنت قد بهرجت عليها فلتراجع (1) في نقدها (2) ، تجدني لا أستحق من ذلك الإسهاب فصلاً، ولا أعد لكلمة واحدةٍ منكم أهلاً؛ والله ينهضني لشكر هذا الإنعام الذي يقف عليه (3) الثناء ويضلع، ويحصر دونه البليغ (4) المصقع:
هيهات: تعيي الشمس كل مرامقٍ ويعوق دون مناله العيوق
وفي فصل (5) :
وأما الفصل الذي ذكر أنه ألفاه في رسائل الكتاب وهو (6) : " وأما فلان فيحل في قومه محل العميد، ويفرح بالضيوف فرح حنيفة بابن الوليد، قدوره عمارية، وعطسات جواريه أسدية، تراهن أبداً يمسين في حلل الشباب، ويهوين لو خلق الرجال خلق الضباب، يتضوعن عن النشر العبقسي، ويرتضعن مراضع ثعالة المجاشعي ". [وما أمرت حضرته السامية من ذكر ما فيه عندي، فقد تأملته طويلاً، وعثر الخادم فيه بما أنا ذاكره، راغباً في الرضى بما بلغت إليه المقدورة وتجليل ذلك بسجوف الصفح] (7) .
قوله: " فرح حنيفة بابن الوليد " اشار إلى ما قتل خالد بن الوليد المخزومي من بني حنيفة؛ وقوله: " قدوره عمارية " اشار إلى قول الفرزدق (8) :
__________
(1) ص وأصل ياقوت: فتراجع.
(2) ص: بعدها.
(3) ياقوت: عنده.
(4) ياقوت، الخطيب.
(5) انظر ياقوت 9: 158 - 163.
(6) ياقوت: الذي أودعه الرقعة الكريمة.
(7) هذه الزيادة من ياقوت ضرورية للربط، وتوثيق نسبة الشرح إلى ابن أبي الشخباء إلى ابن بسام، وفي إيراد هذه الشروح يعتمد ابن بسام الإيجاز.
(8) ديوان الفرزدق 1: 326.(8/655)
أو أن قدراً بكت من [طول ما] حبست على الحفوف (1) بكت قدر ابن عمار (2)
ما مسها دسم مذ فض معدنها ولا رأت بعد نار القين من نار
وقوله: " عطسات جواريه أسدية " فأراد قول الأول في هجاء بني أسد:
إذا أسدية عطست فنكها فإن عطاسها طرف الوداق (3)
وقوله: " يهوين لو خلق الرجال خلق الضباب " فذكر الجاحظ أن للضب أيرين وللضبة جرين (4) ، وأنشد قول النميري (5) :
تفرقتم لا زلتم قرن واحدٍ تفرق أير الضب والأصل واحد
وأنشد قول القائلة (6) :
وددت بأنه لا زلتم ضب وأني ضبيبة كديةٍ وجدت خلا
وأما قوله: " يتضوعن عن النشر العبقسي " فإن من أمثال العرب: هو أخسر صفقةً من شيخ مهوٍ (7) بطن من عبد القيس، وكان من خبره أن إياداً كانت أفسى العرب، فوفد وافدهم إلى الموسم بسوق عكاظ، ومعه حلةً نفيسة
__________
(1) على الحفوف: قلة من الدسم؛ وفي ياقوت: عن الحقوق (مع أن أصله: على) .
(2) الديوان: ابن جيار، وبهذه الرواية يضطرب الاستدلال إذ يجب أن يقول " قدوره جيارية ".
(3) البيت في الأغاني 12: 181 منسوب لكثير عزة (ديوانه: 389) وروايته: إذا ضمرية عطست.
(4) انظر الحيوان 6: 72 وانظر أيضاً 4: 163 - 164.
(5) ص: قول البحتري؛ وأورده الجاحظ (الحيوان 6: 72) دون نسبة؛ وإنما رواية الخبر كله عن أبي خالد النميري لا البيت وحده؛ وقال الجاحظ أن البيت مما أنشده الكسائي، وفي ياقوت (9: 161) وأنشد الأصمعي لابن درماء فيما رواه أبو خالد النميري.
(6) هي عند الجاحظ وياقوت حبى المدينة.
(7) المثل في الدرة الفاخرة: 140 (أحمق من..) والعسكري 1: 388 والزمخشري 1: 82 وثمار القلوب: 106 واللسان (فسا) ؛ واسم الشيخ عبد الله بن بيدرة، وفي نقل ابن بسام إيجاز مخل؛ فإن الأيادي نادى ألا إني رجل من إياد فمن ذا الذي يشتري عار الفسو مني ببردي هذين فقام الشيخ العبدي فقال: هاتهما، فأنزر بأحدهما وارتدى بالآخر، وحينئذ أشهد عليه الأيادي من شهد الموسم بعكاظ.(8/656)
فقال: يا معشر العرب إني قد بعت فساء إيادٍ لوافد عبد القيس بحلتي هذه؛ وافترقا راضيين، وقد شهد عليهما أهل الموسم، فصارت عبد القيس أفسى العرب، وقيل لابن مناذر (1) : كيف الطريق إلى عبد القيس - قال: شم ومر.
فإن عبد القيس من لؤمها تفسو فساءً ريحه يعبق
من كان لا يدري لها منزلاً فقل له يمشي ويستنشق
وأما مراضع ثعالة فيقال: هو أعطش من ثعالة (2) ، رجلٍ من بني مجاشع، كان ضل الطريق هو وابن عم له، فعطشا، فالتقم كل واحدٍ منهما أير صاحبه يشرب بوله، فلم يغنيا عنهما شيئاً وماتا عطشاً، فوجدا على تلك الحال؛ ولذلك قال جرير يعير بني دارم (3) :
رضعتم ثم بال على لحاكم ثعالة حين لم تجدوا شرابا
وقيل: ثعالة: الثعلب، في تفسير هذا الخبر عن ابن حبيب، وخالفه ابن الأعرابي وحكى ما ذكرناه، وأنشد أيضاً قول جرير (4) :
ما كان ينكر في غزي (5) مجاشعٍ أكل الخزير ولا ارتضاع الفيشل
وله من أخرى يعزى بموت ولد فخر الدولة غريقاً (6) :
__________
(1) هو محمد بن مناذر شاعر بصري مات في أيام المأمون (الأغاني 18: 103 والشعر والشعراء: 747 وطبقات ابن المعتز: 119 ومعجم الأدباء 19: 55) .
(2) ورد المثل في الدرة الفاخرة: 309 والعسكري 2: 70 والميداني 2: 49 والزمخشري 1: 248.
ديوان جرير: 818 وروايته " ثم سال ".
(3) ديوان جرير: 818 وروايته " ثم سال ".
(4) ديوان جرير: 941 والدرة: 309 والنقائض: 223 والمعاني الكبير: 585 واللسان والتاج (فشل) .
(5) الديوان: ندي؛ ص: عدي.
(6) وردت هذه الرسالة في جمهرة الإسلام، الورقة: 68 وأنها في رثاء ولد كافي الكفاة وبين النصين اختلاف، كما أن الرسالة في الجمهرة أوفى مما هي في الذخيرة.(8/657)
غير بدعٍ من الزمان - أطال الله [حضرة] (1) سيدنا - أن تنكث حباله، وتصرد نباله، وتراش في قصد الكرام سهامه [وترهف نصاله] وتفهق بالغدر فجاجه، ويمزج (2) بالسم أجاجه، ويثار في النفوس عجاجه (3) ، ولذلك عرفت النفوس مواقع نكره، وأنست بغرائب (4) غدره ومكره، واطمأنت الضلوع وقد أصمت ضرائبه (5) ، وهجعت العيون وقد استيقظت نوائبه، فقل ما يراع روع بما جناه، وتجذل نفس / [193] بما منحه وأقناه، فإذا اصطلم [يوماً] أنف المجد [و] جدع، [وفطر قلوب المكارم وصدع] ، وخرج عن العادة المألوفة فابتدع، فهناك يحسن أن تطلق بذمه الألسن، ويجب أن يلقى بجيش اللوم اللجب.
ولما طرق الفادح بمن لا أسميه تفادياً (6) من تحقيق الخبر بمصرعه، وصوناً له من مورد الحمام ومشرعه، رأيت (7) المحامد ذات نور خامد، والمآثر ذات عقدٍ متناثر، والقمر قد سئم هالته، والصبح قد خلع (8) الليل عليه غلالته، وشاهدت الكتابة مقصورة المدود، والبلاغة مخموشة، الخدود (9) والأدب قد اسودت سحنته، واشتدت على الزمن (10) وامتدت إحنته، إذ طرق بما يتجاوز القدر، ويوحش الأضالع من صحبة الصدر.
__________
(1) زيادة من جمهرة الإسلام.
(2) الجمهرة: وتجدع (اقرأ: وتجدح) .
(3) قدمت هذه العبارة وقد تأخرت عن هذا الموضع في ص، اعتماداً على جمهرة الإسلام وحفاظاً على تسلسل الأسجاع وكانت في الأصل؛ ويثار في قصص الكووس عجابه.
(4) الجمهرة: وأنس بعرف.
(5) الجمهرة: صوائبه.
(6) الجمهرة: تباعداً.
(7) الجمهرة: رأى.
(8) الجمهرة: ألفى.
(9) الجمهرة: شواهد البلاغة متصرمة المدود والكتابة مرسومة الحدود.
(10) الجمهرة: على الدهر.(8/658)
شمس العلا غربت بحيث ترى أبداً غروب الشمس والبدر
من بره بك أن يخط له جنن بقرب عطائك الغمر (1)
وكأنما هو درة دفنت في جنب ما ولدت من البحر (2)
وتنزهت عن أن يصافحها سمك (3) الصفيح وظلمة القبر
فتعالى الله كيف استرد ذلك البدر قبل تمامه، وذبل ذلك الزهر في كمامه (4) ، قبل أن تشرف بموكبه الأعلام، وتروى من بنائه الأقلام، ويعبق دست الوزارة يفضح (5) العقود الدرية، وتعسعس معه الليالي البدرية.
وقبل يرى من جوده ما رأيته ويسمع فيه ما سمعت من العذل
هذا والله هو المصاب الذي تستعذب فيه الحلوم هفواتها (6) ، وتفارق له القلوب سويداواتها، وتستخف النفوس حمل الأوزار، وتأنف العيون (7) من لقائه بالدموع الغزار، حتى تجعل ذلك دأبها، وتخضب بالنجيع [أهدابها، إلا] أنه نزل بالحضرة (8) ممن شدت بالتقوى (9) مريرته، وتساوت في طاعة الله علانيته وسريرته، فالجزع لا يصبح مالكه، والخطوب لا تخطب تهالكه، والنازل يطيف منه بالعود البازل، الذي يتحقق أن الدنيا نسيمها شرار، وطعمها مرار، والمقيم فيها موجف، والرائد منبت معجف.
__________
(1) لم يرد هذا البيت في الجمهرة.
(2) الجمهرة: ما وليت من النحر.
(3) الجمهرة: صم.
(4) الجمهرة: قبل إكمامه.
(5) الجمهرة: وتتيه الطروس من ألفاظه الدرية بما يفضح.. الخ.
(6) الجمهرة: النفوس فواتها.
(7) الجمهرة: الجفون.
(8) الجمهرة: نزل من الحضرة العالية.
(9) الجمهرة: شزرت (أو سورت) من التقوى.(8/659)
وذكرت بهذا الفصل ما أنشدته لبعض أهل عصري يصف غلاماً وسيماً [عام فانحسر منه العزم ونجا] (1) بعد أن أشرف على الموت من جملة أبيات:
شجاني المقام الصعب لما شهدته وقد ضاقت الأنفاس والنفس تذهب
وقد بهتت فيه اللواحظ إذ رنت إلى درةٍ تطفو [أواناً] وترسب
كأن خليج الماء كان مجرةً وأنت بها شمس تلوح وتغرب
كسيت إصفرار الروض عند ذبوله ولكن على الحالين مرآك أعجب (2)
عدا الماء من ماء الصبا فيك غيرة وما خلت أن الماء للماء يغضب
ستبقى بهذا النهر للناس عبرة مؤرخة في الكتب تتلى وتكتب
وتبنى على شاطي نجاتك كعبة يحج لها بالحب من يتقرب
وله من أخرى:
لدي (3) - أطال الله بقاء مولاي الشيخ - نفس ترى النعم مع المهانة نقماً، وتجد طعم العيش مع عدم الإنصاف علقماً، ولو سمتها خروجاً عن هذا الأسلوب، ونزولاً عن ذلك الظهر المركوب، لرأت الخروج من الصدر أخف عليها محملاً، وأعذب لديها منهلاً:
لكل امرئٍ من دهره ما تعودا (4)
وهذا بث اقتضاه كثرة تعجب مولاي من انقاطعي عن الحضرة التي بأنوار مجدها توضحت، وفي بحبوحة عزها درت وسرحت، وما أطلق من الألفاظ التي لو حاسب لسانه عليها لأنف من ذكرها، واستغفر من إثمها ووزرها، وقبيح بمثله ممن
__________
(1) هذه القراءة بحسب المعنى لعدم وضوح الألفاظ في ص.
(2) هذا الشطر غير واضح في ص.
(3) ص: لسيدي.
(4) صدر بيت للمتنبي، عجزه: وعادة سيف الدولة الضرب في العدا.(8/660)
أعطاه السؤدد مقادته، وركب متن الشرف وجادته، أن يأكل لحم أخيه حياً، ويرى غيبة خلطانه طعاماً مرياً، ولو عرف أصل ذلك وفرعه، وناجت به الحقيقة لسانه وسمعه، فكيف أن يزري وهو لا يدري، ويتكلم وهو لا يعلم، ويستحسن قواريض من القريض تترك شمل المحامد مفرقاً، وأديم الأعراض ممزقاً، ولقد كنت مزمعاً على فراق العادة، واتباع قول ابن ميادة (1) : / [194]
وحكت لهم مما أقول قصائداً تخب بها صهب المعارى وجونها
ورأيت أن أنبه مولاي على ما أنكرته: أن يكون بين أمرين: إما أن يسأل عن السبب الموجب لبعدي عن تلك الحضرة، أو يمسك عن الخوض في ما لا تحيط به الخبرة، فلعله إذا علم الحقيقة مهد المعذرة، وبرد لفحات اللوم المستعرة، وتبين (2) أني ما ثنيت عناني عن هذا المورد إلا وقد ترنقت مشارعه، ولا زويت وجهي عن ذلك المنتجع إلا وقد ذوت مراتعه؛ وبعد ذلك فبين أضلعي ولاء تشتبك أواصره والأنساب منقصمة، ويشرق صباحه وأسرة الشمس مظلمة، إذا حفت به الحفائظ رق نسيمه، وتساوى في الإخلاص حديثه وقديمه:
فغن أنصف فإن يداً تولت كسوري تهتدي لمكان جبري
وإن أحرم قضاء العدل أرجع إلى كنفين من هجرٍ وصبر
__________
(1) من قصيدة له أورد أبو الفرج أبياتاً عديدة منها (الأغاني 2: 263 - 264) ومطلعها:
ألا حييا الأطلال طالت سنينها ... بحيث التقت ريد الجناب وعينها إلا أن البيت لم يرد في الأغاني وانظر شعر ابن ميادة (جمع الدليمي) : 101 (رقم: 153) .
(2) ص: ويتبين.(8/661)
انتهى
القسم الرابع من كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وبكماله كمل جميع الديوان، والحمد لله على ذلك كثيراً وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وسلم تسليما، وذلك ضحوة يوم الأحد السابع من شهر ربيع الثاني سنة ست وعشرين ومائة وألف عرفنا الله خيرها، ووقانا بمنه سوء كل ضير.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
والحمد لله رب العالمين(8/662)