صرامته، آية من آيات ربه، إلى أن رماه [الله] سريعا بحتفه، وأماته ببلنسية حتف أنفه؛ وكان - لعنه الله - منصور العلم، مظفرا على طوائف العجم، لقي زعماءهم مرارا كغرسية المنبوز بالفم المعوج، ورأس الافرنج، وابن رذمير، ففل حد جنودهم، وقتل بعدده اليسير كثير عديدهم، وكان - زعموا - تدرس بين يديه الكتب، وتقرأ عليه سير العرب، فإذا انتهى إلى أخبار المهلب استخفه الطرب، وطفق يعجب منها ويتعجب.
وفي بلنسية [يومئذ] يقول أبو اسحاق ابن خفاجة:
عاثت بساحتك العدا يا دار ومحا محاسنك البلى والنار
فإذا تردد في جنابك ناظر طال اعتبار فيك واستعبار
أرض تقاذفت الخطوب بأهلها وتمخضت بخرابها الأقدار
كتبت يد الحدثان في عرصاتها " لا أنت أنت ولا الديار ديار "
وتجرد أمير المسلمين - رحمه الله - لما بلغه هذا النبأ الفظيع، واتصل به هذا الرزء الشنيع، فكانت قذى أجفانه، وجماع شانه، وشغل يده ولسانه، يسرب إليها الرجال والأموال، وينصب عليها الحبائل والحبال، والحرب هنالك سجال، والحال بين العدو وبين عساكر أمير(5/100)
المسلمين في ذلك إدبار وإقبال، حتى رخص عارها، وغسل شنارها، وكان آخر أمراء أجناده، المجهزين إليها في جماهير أعداده، الأمير أبو محمد مزدلي، ظبة حسامه، وسلك نظامه، ففتحها الله عليه، وأذن في تخلصها على يديه، في شهر رمضان سنة خمس وتسعين، كتب الله في عليين، وجزاه عن جده [25أ] وجهاده أفضل جزاء المحسنين.
وفي ذلك كتب أبو عبد الرحمن بن طاهر إلى الوزير أبي عبد الملك ابن عبد العزيز [رقعة] يقول فيها: كتبت منتصف الشهر المبارك، وقد وافى بدخول بلنسية - جبرها الله - الفتح، بعد ما خامرها القبح، فأضرم أكثرها نارا، وتركها آية للسائلين واعتبارا، وتغشاها سوادا، كما لبست عليه حدادا، فهي تنظر من طرف خفي، وتتنفس عن قلب يقلب على جمر ذكي، غير أنه بقي لها جسمها الأنعم، وتربها الأكرم، الذي هو المسك الأذفر، والذهب الأحمر، وحدائقها الغلب، ونهرها العذب، وبسعد أمير المسلمين [وناصر الدين] وإقباله عليها ينجلي(5/101)
عنها ظلامها، ويعود عليها حليها ونظامها، وتروح في الحلل، وتبرز كالشمس في بيت الحمل. فالحمد لله مالك الملك، مطهرها من الشرك، وفي عودتها إلى الإسلام عز وعزاء، عما نفذ به قدر وقضاء.
وكتب أيضا إثر ذلك إلى الوزير الفقيه ابن جحاف يعزيه بابن عمه أبي أحمد المحرق المتقدم الذكر: مثلك - وقاك الله المحاذير - في وفور الدين، وصحة اليقين، وسلامة الضمير، وعدم النظير، وقوة الرجحان، ومعرفة الزمان، أعطى الحوادث صبرا، وردها على أعقابها صغرا، فلم يخضع لصولتها، ولم يحفل بسورتها، ودرى أنها الأيام والغير، والحمام والقدر.
ودارت الخطوب - عصمك الله من إلمامها، وحماك من اخترامها - بمصرع الفقيه القاضي أبي أحمد، [ابن] عمك، عفا الله عنه، ومهلكه، وانحطاطه من فلكه، فانقضت لعمري نجوم المجد بانقضاضه، وبكت سماء الفضل على تداعيه وانفضاضه، فانه كان من جمال المذاهب، والغوث عند النوائب، بحيث يكون الغيث في قنط المحل، والحلب عند انقطاع الرسل، بعيدا عن القسوة، صفوحا عن الهفوة، عطوفا على الجيران، عزيزا على الإخوان، يستهوي القلوب ببشره، ويتملك الأحرار ببره، وإن الدنيا بعده لفي حداد، لما قصدته به من داهية نآد، قائما بأعبائها، مبيرا لأعدائها، فهي تبكيه بأربعة سجام، وتندبه في(5/102)
كل مقام، فما أسرع ما سلبته المنون، وقد قرت به منكم العيون، وطوقكم طوق الفخار، وأناف بقدركم على الأقدار؛ فانا لله وإنا إليه راجعون، على أليم المصاب، وعند [25ب] الله نحتسب كريم الأصل والنصاب، وطودا منيعا، وقرما رفيعا، وقد تساوينا في الرزية، فلنعدل إلى التسلية، فذلك أوفر ذخرا، وأعظم أجرا.
قال أبو الحسن: وأبو عبد الرحمن اكثر إحسانا، وأوضح خبرا وعيانا، من أن يحاط بأخباره، أو يعير عن جلاله مقداره، وقد استوفيت معظم كلامه في كتاب مفرد ترجمته ب " سلك الجواهر في ترسيل ابن طاهر " وهو اليوم ببلنسية سالم ينطق، وحي يرزق، وقد نيف على الثمانين، وما أحوجت سمعه إلى ترجمان، بل هو حتى الآن يهب الطروس من ألفاظه ما يفضح العقود الدرية، وتعسعس معه الليالي البدرية، وفيما أوردناه كفاية، ومن الذي يمكنه النهاية -.
ذو الوزارتين أبو عامر ابن الفرج
من بيته رياسة، وعترة نفاسة، ما منهم إلا من تحدى بالإمارة، وتردى بالوزارة، فأومض في آفاق الدول، ونهض بين الخيل والخول؛ وأبو(5/103)
عامر هذا أحد أنجادهم، ومتقلد مجادهم، فاقهم أدبا ونبلا، وباراهم كرما [تخاله] وبلا، إلا أنه بقي وذهبوا، ولقي من الأيام ما رهبوا، فعاين تنكرها، وشرب عكرها، وجال في الآفاق، واستدر أخلاف الأرزاق، وأجال للرجاء قداحا متواليا الاخفاق، فانخمل قدره، وتوالى عليه جور الزمان وغدره، فاندفنت أخباره، وعفت آثاره، وقد أثبت له بعض ما قاله وحاله قد أدبرت، والخطوب إليه قد انبرت، فمن ذلك:
الشمس أنت وقد أظل طلوعها ... فاطلع وبين يديك فجر صادق وكان له ابن مكبود قد أعيا علاجه، وتهيأ للفساد بذلك مزاجه، فدل على خمر قديمة فلم يعلم بها إلا عند فتى وسيم، فكتب إليه:
أرسل بها مثل ودك ... أرق من ماء خدك
شقيقة النفس فانضح ... بها جوى ابني وعبدك وكتب معتذرا عن تخلفه عمن جاءه منذرا:
ما تخلفت عنك إلا لعذر ... ودليلي في ذاك حرصي عليكا
هبك أن الفراق عن غير عذر ... أتراه يكون إلا إليكا [26أ] فصل في ذكر ذي الوزارتين القائد أبي عيسى ابن لبون
أحد وزراء ابن ذي النون المعتزين في دولته، المعدين لباسه وصولته، ولكنه ثار، وخاض الهول المثار، وخلص من الهلك، واقتنص نافر الملك، وكان(5/104)
شهم الفؤاد، معدودا في الأجواد، مفضلا في الوزراء والقواد، حصل بمربيطر واقتطعتها، وحل بها سلك الرياسة ومطلعها، وما خلع اسم الوزارة، ولا تسوغ سواها من أمه وزاره، فغدت به منزع الوافد، وكانت عنده مشاهد، تزف للمنى أبكارها نواهد، يراق بها نجيع الراح، ويساق إليها ترجيع الأقداح، والدنيا تسعده، وتنجز له ما تعده، إلى أن لعب عليه ابن رزين وخدعه، ولم يف له بما أعطاه منها عوضا وأقطعه، فبقي ضاحيا، وغدا جوه من تلك العدة صاحيا.
وله نظم نظم فيه من المحاسن جملا، وأعاد سامعها ثملا، وقد أثبت له ما يدل على نفاسة سبكه، وجودة حبكه، فمن ذلك ما قاله متوجعا لخليط ظعن، وأوغل في شعاب البعد وأمعن:
سقى أرضا ثووها كل مزن وسايرهم سرور وارتياح
فما ألوى بهم ملل ولكن صروف الدهر والقدر المتاح
سأبكي بعدهم حزنا عليهم بدمع في أعنته جماح
وكان بقصر مربيطر في المجلس المشرف منها، والبطحاء قد لبست زخرفها، ودبج الغمام مطرفها، وفيها حدائق ترنو على مقل من جنسها، وتبث طيب نفسها، والجلنار قد لبس أردية الدماء، وراع أفئدة الندماء، فقال:
قم يا نديم أدر علي القرقفا أو ما ترى [زهر] الرياض مفوفا
والجلنار دماء قتلى معرك والياسمين حباب ماء قد طفا
وله:
لحا الله قلبي كم يحن إليكم وقد بعتم حظي وضاع لديكم(5/105)
إذا نحن أنصفناكم من نفوسنا ولم تنصفونا فالسلام عليكم
وله وقد كتب إليه راشد بن سليمان بالتمويل، وكان عهد اليه ألا يخاطبه إلا بالتسويد:
ثقلت روحي أيما تثقيل فيما قصدت له من التمويل [26ب]
هذا على أني عهدتك خفة كرسول برء حل عند عليل
فراجعه:
لا والذي ولاك ألوية الندى وحباك من خطط العلا بجزيل
ما حدث عن سنن الكتابة عامدا ولو اعتمدت فعلت فعل نبيل
لكن بناني أنكرت ما عودت فتبرعت بكتابة التمويل
ولرب سر كامن عند امرئ أبداه بعض مقاله المفعول
لله رقعتك التي ضمنتها معنى النهى من لفظك المعسول
نظم وعيشك او غدا نثرا لما قدرته إلا من التنزيل
وافى به لو أمنت صدوده عني غمرت يديه بالتقبيل
وله يرثي ذا الوزارتين أبا محمد أخاه:
قل لصرف الزمان كم ذا التناهي في تلقيك لي بهذي الدواهي
كان في عامر وأرقم ما يكفي فهلا أبقيت عبد الإله
فيه قد كنت بعد استدفع الخطب وأسطو على العدا وأباهي
أي شمس وافى عليها أفول فل غربي عزائمي ونواهي
وكتب إلى ابن اليسع:
لو كنت تشهد يا هذا عشيتنا والمزن يسكب أحيانا وينحدر
والأرض مصفرة بالمزن أبصرت تبرا عليه الدر ينتثر(5/106)
وله:
يارب ليل شربنا فيه صافية حمراء في لونها تنفي التباريحا
ترى الفراش على الأكواس طائفة كأنها أبصرت منها مصابيحا
وله بعد زواله عن ملكه، وأخذ سلطانه من سلكه، يحن إلى لياليه السالفة، وظلال أنسه الوارفة:
يا ليت شعري وهل في ليت من أرب هيهات لا تقتضى من ليت آراب
أين الشموس التي كانت تطالعنا والجو من فوقه لليل جلباب
وأين تلك الليالي إذ تلم بنا فيها وقد نام حراس وحجاب
تبدي إلينا لجينا حشوة ذهب أنامل العاج والأطراف عناب [27أ]
وله وقد بات له الأسى ملء الجوانح، وعوض بالبارح من السانح:
خليلي عوجا بي على مسقط الحمى لعل رسوم الدار لم تتغيرا
فاسأل عن ليل تولى بأنسنا وأندب أياما خلت ثم أعصرا
ليال إذ كان الزمان مسالما وإذا كان غصن العيش مياس أخضرا
وإذا كنت أسقى الراح من كف أغيد يناولنيها رائحا أو مبكرا
أعانق منه الغصن يهتز ناعما وألثم منه البدر يطلع مقمرا
وقد ضربت أيدي الأمان قبابها علينا وكف الدهر عنا وأقصرا
فما شئت من لهو وما شئت من دد ومن مبسم يجنيك عذبا مؤشرا
وما شئت من عود يغنيك مفصحا " سما لك شوق بعدما كان أقصرا "(5/107)
ولكنها الدنيا تخادع أهلها تغر بصفو وهي تطوي تكدرا
لقد أوردتني بعد ذلك كله موارد ما ألفيت عنهن مصدرا
وكم كابدت نفسي لها من ملمة وكم بات طرفي من أساها مسهرا
خليلي ما بالي على صدق نيتي أرى من زماني ونية [وتعذرا]
والله ما أدري لأي جريمة تجنى ولا عن أي ذنب تغيرا
ولم أكفي كسب المكارم عاجزا ولا كنت في نيل أنيل مقصرا
لئن ساء تمزيق الزمان لدولتي لقد رد عن جهل كثير وبصرا
وأيقظ من نوم الغرارة نائما وكسب علما بالزمان وبالورى
وله يأنف من المقام على ما رتب له من الإجراء، ويكلف بالإدلاج والإسرار:
ذروني أجب شرق البلاد وغربها لأشفي نفسي أو أموت بدائي
فلست ككلب السوء يرضيه مربض وعظم ولكني عقاب سماء
وكنت إذا [ما] بلدة لي تنكرت شددت إلى أخرى مطي إبائي
وسرت ولا ألوي على متعذر وسممت لا أصغي إلى النصحاء
كشمس تبدت للعيون بمشرق صباحا وفي غرب أصيل مساء [27ب]
وله في ذم الدنيا:
نفضت كفي عن الدنيا وقلت لها إليك عني فما في الحق أغتبن
من كسر بيتي لي روض ومن كتبي جليس صدق على الأسرار مؤتمن
أدري به ما جرى في الدهر من خبر فعنده الحق مسطور ومختزن
وما مصابي سوى موتي ويدفعني قوم وما لهم علم بمن دفنوا(5/108)
فصل في ذكر ذي الرياستين أبي مروان عبد الملك بن رزين المتقلب من الألقاب السلطانية بحسام الدولة؛ والإعلان بأولية أمره، وإثبات قطعة من متخير شعره.
قال أبو الحسن: كان [جد] ابن رزين الأول من كبار الجند، وأعلام الوفد، ومشهور أهل الحل والعقد؛ انطوى عني كيف كان نجومهم، وخفي علي من أين نشأت غيومهم، ولم أظفر من ذلك إلا بما حكاه أبو مروان ابن حيان من خبر جده هذيل بن رزين، وقد أثبته بنصه، وأتيت من حديثهم بفصه:
قال ابن حيان: وأما أبو محمد هذيل بن خلف بن لب بن رزين المعروف بابن الأصلع صاحب السهلة - موسطة ما بين الثغر الأعلى والأدنى بقرطبة - فإنه كان من أكابر برابر الثغر، ورث ذلك عن سلفه، ثم سما لأول الفتنة إلى اقتطاع عمله، والامارة لجماعته، والتقيل لجاره إسماعيل ابن ذي النون في الشرود عن سلطان قرطبة، فاستوى له من ذلك ما أراد هو وغيره من جميع من انتزى في الأطراف، غربا وشرقا وقبلة(5/109)
وجوفا، إلا أن هذيلا هذا مع تعززه على المخلوع هشام لم يخرج عن طاعته، ولا وافق الحاجب منذرا ولا جماعة المتمالئين على هشام في شيء من شأن سليمان عدوه، إلى أن ظفر بهشام، فسلك هذيل مسلكهم، فرضي منه سليمان بذلك [وعقد له ما في يده هنالك، لعجزه عنه، فزاده ذلك بعادا منه] وتمرس به الحاجب منذر بن يحيى مدرجا له في طي من استتبعه واشتمل عليه من أصاغر أمراء الثغر النازلين في ضبنه، فأبت له نفسه البخوع له والانضمام إليه، فرد مره وحاده، وصار ضده، وأجاره منعه معقلة وشجاعة رجاله، وظاهر أعداء منذر حتى حالف الموالي العامريين، واستمر معهم على دعوة هشام المخلوع وقطع دعوة سليمان، وكانت واقعية [28أ] الله عليه كونه بسطة الثغر، فصار ذلك أرد الأشياء للبرابر [عنه] ، فسلم من معرة الفتنة أكثر وقته، وتخطته الحوادث لقوة سعده، فتبنك النعمة وصفا عيشه، واقتصر مع ذلك على ضبط بلده الموسوم بولاية والده، وترك التجاوز لحده والامتداد إلى شيء من أعمال غيره، فاستقام أمره، وعمر بلده، وأنظر بعد جمهور الثوار بالأندلس شأوا بحياة. وليس في بلد(5/110)
الثغر أخصب بقعة من سهلته هذه المنسوبة إلى بني رزين، سلفه، في اتصال عمارتها، فكثر ماله إذ ناغى جاره وشبهه في جميع المال إسماعيل ابن ذي النون، ونافسه من خلال البخل وفرط القسوة فبذه، وكان مع ذلك شابا جميل الوجه حمي الأنف غليظ العقاب جبارا مستكبرا [صار] إليه أمر والده منبعث الفتنة، وهو فتى كما اجمع وجهه، تبع العشرين من سنه، فأنجده الصبا على الجهالة، وقواه الشباب على المعصية، فبعد في الشرود شأوه، فلم يحالف أحدا من الأمراء على أداة إتاوة، ولا حظي أمراء الفتنة منه بسوى إقامة الدعوة فقط، دون بذل درهم معونة، أو إمداد بفارس نصرة، أو مشاركة للجماعة في حلوة أو مرة، على كثرة ما طرق الحضرة من خطوب دهم استخفت البطاء، وقربت البعداء فضلا عن الأولياء، إلا ما كان من هذه الحية الصماء، فانه لم يزل على تصاممه عن كل نداء، إلى أن مضى بسبيله والذم حبيس عليه، والأخبار شائعة عن جهله وفظاظته، حتى زعموا أنه سطا بوالدته لتهمه لحقتها عنده، فتولى قتلها [زعموا] بيده، وكان أشنع ما كان من كبائره.
قال أبو مروان: وكان هذيل هذا بارع الجمال، حسن الخلق، جميل العشرة، ظاهر المروءة، لم ير في الأمراء أبهى منه منظرا مع طلاقة(5/111)
لسانه، وحسن توصله إلى حاجته دون معرفة. وكان مع ذلك أرفع الملوك همة في اكتساب الآلات والكسوة، وهو أول من بالغ الثمن بالأندلس في شراء القيتات، اشترى جارية أبي عبد الله المتطبب ابن الكتاني، بعد أن احجمت الملوك عنها لغلاء سومها، فأعطاه غيها ثلاثة آلاف دينار فملكها، وكانت واحدة القيان في وقتها، لا نظير لها في معناها، لم ير أخف منها روحا، ولا أملح [28ب] حركة، ولا ألين إشارة، ولا أطيب غناء، ولا أجود كتابة، ولا أملح خطأ، ولا أبرع أدبا، ولا أحضر شاهدا على سائر ما تحسنه وتدعيه، مع السلامة من اللحن فيما تكتبه وتغنيه، إلى الشروع في علم صالح من الطب ينبسط بها القول في المدخل إلى علم الطبيعة وهيئة تشريح الأعضاء الباطنة وغير ذلك مما يقصر عنه كثير من منحلي الصناعة، إلى حركة بديعة في معالجة صناعة الثقاف والمجاولة بالحجفة واللعب بالسيوف والأسنة والخناجر المرهفة، وغير ذلك من أنواع اللعب المطربة، لم يسمع لها بنظير ولا مثيل ولا عديل. وابتاع إليها كثيرا من المحسنات المشهورات بالتجويد، طلبهن بكل جهة، فكانت ستارته في ذاك أرفع ستائر الملوك بالأندلس. وحدثت عنه أنه اجتمع عنده مائة وخمسون حظية، ومن الصقلب المجابيب ستون وصيفا لم تجمع عند أحد من نظرائه؛ انتهى كلام ابن حيان.
قال ابن بسام: وأما ذو الرياستين فكان له طبع يدعوه فيجيبه، ويرمي ثغره الصواب عن قوسه فيصيبه، على ازدراء كان منه بالأمة، وقلة استخذاء لمن عسى ان يأخذ عنه من الأئمة، وربما خالسهم الكلمة بين(5/112)
مغالطة وأنفة، وعول في أكثر ما يقرأ على تعاليقه وصحفه، وكثيرا ما رأيت في شعره وشعر غيره ممن سلك هذا المسلك، بيداء مضلة لا تسلك، وأغاليط لا تستدرك. وبالجملة فلو جرى ذو الرياستين على عفوه، وعرف منتهى شأوه، لكان شاعرا مجيدا، وناثرا معدودا؛ وقد أخرجت من نظمه ونثره ما هو الشاهد على أديت من ذكره.
نسخة رقعة له خاطب بها ابن طاهر المذكور قال فيها: من عرف - أعزك الله - الأيام وصروفها، وخلقها وصنوفها،، وخبرها على مناقلها، في وجوه تداولها، وحل محلك من التمييز، والسبق والتبريز، لم تزده شدتها إلا معتبرا، وشكرا لله وتدبرا، وما زلت - أعزك الله - القاك بالود على البعد، فأراك بتقدمك في الأعيان، وإن لم أرك بالعيان، واستخبر الأخبار فأسمع ما يقرع صفاة الكبد منك بانحاء الزمان عليك، وتنكره لك، إلى أن ورد علي فلان صادرا عن ذلك الأفق، فما قدمت على الاستفهام عن ذلك، والاستعلام بحالك، فذكر ما أزعج وكدر ارتماضا لمثلك أن يعوزه مرام، أو ينبو [29أ] به مقام، فجردت عن ساعد الشفاعة عند فلان في صرف ما يمكن من أملاكك، فوقع(5/113)
الاعتذار بأنه أمر محظور، تقدم فيه من أمير المسلمين أمر محذور، وأشار إلى إجراء ما يلم بالاكتفاء.
وفي فصل منها: وأنا أعرض عليك - أعزك الله - ما هو الأوفق لي، والأحق بي، عن عزيمة مكينة، ورغبة وكيدة، من التنقل إلى جهتي، والاختلاط بي وبلحمتي، فأستوفي الحظ من مؤانستك، واستنفد الوسع في تكرمتك، وأقاسمك خاص ضياعي، ومعلوم أملاكي [ورباعي] ، وإن شق عليك الكون بجهتي - جهتك - لبرد هوائها، وبعد أحائها، فهذه شنتمرية أقف طاعتها عليك، وأصرف أمرها إليك الفضل في مراجعتي بما يستقر عليه رأيك، ويأتي به إيجابك، مكرما مواصلا، إن شاء الله.
فراجعه ابن طاهر برقعة قد كتبناها في رسالته [وبالله التوفيق] .
ومن شعر ذي الرياستين مما نقله من خط ابنه، قال:
أدرها مداما كالغزالة مزة تلين لرائيها وتأبى على اللمس
وتبدو إلى الأبصار دون تجسم على أنها تخفى على الذهن والحس
إذا شعشعت في الكاس خلت حبابها لآلى قد رفعن في لبة الشمس
موكلة بالهم تهزم جيشه بجيش الأماني والمسرة والأنس
فإن شئت قل فيها أرق من الهوا وإن شئت قل فيها أرق من النفس
قال أبو الحسن: البيتان الأولان من هذه القطعة صبح بلا صبوح(5/114)
وجسد بلا روح، استأذن بهما على قول الحسن فما وصل، ودندن حول ذلك المقطع المستحسن فما تحصل له ولا حصل، ومنحى الحسن الذي انتحاه، وميدانه الذي رامه بزعمه وتعاطاه، قوله:
أكل الدهر ما تجسم منها وتبقى لبابها المكنونا
فإذا ما لمستها فهباء تمنع الكف ما تبيح العيونا
ولبعضهم في قريب منه:
وخمارة من بنات الملوك ترى الزق في بيتها شائلا [29ب]
مددنا لها ذهبا جامدا فكانت لنا ذهبا سائلا
وبلغني أنه غني المعتمد بن عباد بهما فزاد فيهما هذا البيت:
وقلنا خذي جوهرا ثابتا فقالت: خذوا عرضا زائلا
وقال ابن المعتز:
لك يبق منها البلى [شيئا] سوى شبح بقية الشك بين الصدق والكذب
ولبعض أهل العصر في قريب من هذا الوصف، وإن كان في ذكر السيف:
تدب المنايا الحمر من جنباته على جامد في الكف، في العين ذائب
وقال ابن رزين:(5/115)
يا رب ليل أطال الهجر لذته فأيأس العمر عن إدراك منتصفه
ليل تطاول حتى قد تبين لي عند التأمل أن الدهر من سدفه
وله:
أنا ملك تجمعت في خمس كلها للأنام محي مميت
هي ذهن وحكمة ومضاء وكلام في وقته وسكوت
وهذا البيت قلب معناه، فيما أراه، من قول الأول، وأحسن ما شاء:
وإن كلام المرء في غير كنهه لكالنبل يهوي ليس فيه نصاله
ومن غريب شعر ابن رزين قوله:
أخسس بمجلس معشر ما فيه إلا الطنز بر
جلساؤه قوم ثقال كلهم خبث وشر
ما فيهم إلا دنيء أو غبي أو مضر
أسد على ثلب الكرام وإن وزنتهم فذر
هذا يغوث بل أضل وذا يعوق وذاك نسر
ذاك المحل كواد عوف ليس يلقى فيه حر
وهذا من طرق تلك الزيزاء التي تعسفها وحده، وبعض الشؤون التي عول فيها على ما عنده؛ إذ هذا المثل يضرب للسيد المنيع الذي غلب(5/116)
الناس على السيادة، أو قسرهم على ما تعين منهم وأراده ولو ألمعت في هذا الكتاب بشيء [30أ] من التفسير لاجتليت كل ما قيل فيه، ولنثرت ما خفي على ذي الرياستين من مطاويه، وقد ذكرت من ذلك جملة موفورة، في كتاب: " سر الذخيرة ".
ما أخرجته من شعر ذي الرياستين في النسيب وما يناسبه
[قال] :
أنحى على جسمي النحول فلم يدع متوهما من رسمه المعلوم
عبثت به أيدي الضنا فكأنه سر خفي في ضمير كتوم
وقال:
أقسمت بالورد الجني ورنتي ناي وعود
لأواصلنك بالرضى أو تأنفن من الصدود
ولأشربنك بالمنى ولألثمنك من بعيد
ولأرضينك ان سخطت بذلة الدنف العميد
ولأعطفنك بالخضوع وبالقنوع وبالسجود
فبحق ما فيك من لعس ومن ثغر برود
أدمي يضيع وشاهدا خديك في عقد الشهود
وقال:(5/117)
أترى الزمان يسرنا بتلاق ويضم مشتاقا إلى مشتاق
وتعض تفاح النهود شفاهنا فلطالما شردن بالأحداق
ويعيد أنفسنا إلى أجسادها فلطالما شردت على الآفاق
وقال:
تزهدني في الزهد عين مريضة يمرضني من لحظها ما أعلني
ولم تبق نفسي غير شادن عساي أفديه بها ولعلني
شكوت إلى فيه الذي من الظما فأنهلني عذب الرضاب وعلني
وقال:
إذا زهدتني خيفة الردى جلت لي عن وجد يزهد [في الزهد]
فلا دمع ما لم يجر في إثره دم ولا وجد ما لم يغن عن صفة الوجد
وقال:
برح السقم بي فليس صحيحا من رأت عينه عيونا مراضا
ان للأعين المراض سهاما صيرت أنفس الورى أغراضا
جوهر الحسن منذ أعرض للقلب ثنى الجسم كله أعراضا
وقال:
يا مقلة الظبي الغرير ووجنة القمر المنير
ومصيب حبات القلوب بزاعبيات الفتور(5/118)
تالله إن لم تترك عن ذا الجفاء وذا النفور
لأسرحن لواحظي في ذلك الورد النضير
ولآكلنك بالمنى ولأشربنك بالضمير
وقال يفخر:
من كثر الجند رأى سعده يصعد حتى ينتهى حده
ومن أذل المال عزت به أيامه وانصرفت جنده
فاهدم بناء البخل وارفض به من هدم البخل بنى مجده
لا عاش إلا جائعا نائعا من عاش في أمواله وحده
وقال:
شأوت آل رزين غير محتفل وهم على ما علمتم أفضل الأمم
قوم إذا سئلوا أغنوا، وان حربوا أفنوا، وان سوبقوا جازوا مدى الكرم
جادوا فما يتعاطى جود أنملهم مد البحار ولا هطالة الديم
وما ارتقيت إلى العليا بلا سبب هيهات هل أحد يسعى بلا قدم
فمن يرم جاهدا إدراك منزلتي فليحكني في الندى والسيف والقلم
وقال:
وروض كساه الطل وشيا مجددا فأضحى مقيما للنفوس ومقعدا
إذا صافحته الريح خلت غصونه رواقص في خضر من العصب ميدا
إذا ما انسكاب الماء عانيت خلته وقد كسرته راحة الريح مبردا
وان سكنت عنه حسبت صفاءه حساما صقيلا صافي المتن جردا(5/119)
وغنت به ورق الحمائم حولنا غناء ينسيك الغريض ومعبدا
فلا تحقرن الدهر ما دام مسعدا ومد إلى ما قد حباك به يدا
وخذها مداما من غزال كأنه إذا ما سعى بدر تحمل فرقدا
وهذا البيت الأخير معناه مشهور وهو كثير في أشعارهم، ومنه قول عنان جارية الناطفي، وقد روي لأبي نواس:
وكأنها والكاس فوق بنانها شمس يمد بها إليك هلال
وقال ابن الرومي:
قمر يقبل عارض الشمس
وقال ذو الرياستين [31أ] [من جملة أبيات] :
قد خرجنا من ازدحام القتام كشموس خرجن تحت الغمام
وحصلنا في نزهتين وفي حسنين بين المياه والآكام
بين [روض] مدبج وغصون تتثنى كشاربات المدام
غردت فوقنا البلابل والورق فأرقنني وهجن غرامي
ذلك طير أطار قلبي شوقا وحمام مغرد بحمام
وكتب إليه أبو جعفر سعدون بهذه الأبيات:
[فديناك لا يسطيعك النظم والنثر فأنت مليك الأرض وانفصل الأمر](5/120)
وقد جلبت ساعاتنا لهو يومنا وساعد سعد منه لو ساعد السكر
وفضلك للجود المتمم ضامن فمن عنده خمر ومن عندنا شكر
فأجابه ذو الرياستين:
رغبتم وأرغبناكم وهي الخمر فما لم يكن سكران فليكن السكر
إليكم فاني في الوغى والندى فتى هو البحر إن أعطى وإن صال فالدهر
أخبر الوزير أبو عامر بن سنون أنه اصطبح يوما والجو سماكي العوارف، لازوردي المطاف، والروض [أنيقة لباته] رفيقة هباته، والنور مبتل، والنسيم معتل، ومعه قومه، وقد راقهم يومه، وصلاته تصافح معتفيهم، ومبراته تشافه موافيهم، والراح تشعشع، و [ماء] الأماني ينشع، فكتب إلى ابن عمار وهو ضيفه:
ضمان على الأيام أن ابلغ المنى إذا كنت في ودي مسرا ومعلنا
فلو تسأل الأيام من هو مفرد بود ابن عمار لقلت لها: أنا
فإن حالت الأيام بيني وبينه فكيف يطيب العيش أو يحسن الغنى
فأجابه:
هصرت لي الأيام طيبة الجنى وسوغتني الأحوال مقبلة المنى
وألبستني النعما أغض من الندى وأجمل من وشي الربيع وأحسنا
وكم ليلة أحظيتني بحضورها فبت سميرا للسناء وللسنا
أعلل نفسي بالمكارم والعلا وأذني وكفي بالغناء وبالغنى(5/121)
سأقرن بالتمويل ذكرك كلما تعاورت الأسماء غيرك والكنى [31 ب]
لأوسعتني قولا وطولا كلاهما يطوق أعناقا ويخرس ألسنا
وشرفتني من قطعة الروضة التي تناثر فيها الطبع وردا وسوسنا
تروق بجيد الملك عقدا مرصعا وتزهى على عطفيه وشيا معينا
فدم هكذا يا فارس الدست والوغى لتطغن طورا بالكلام وبالقنا
وكتب إليه الوزير أبو جعفر بن سعدون وقد اصطبح يوما بحضرته وللرذاذ رش، وللربيع على [وجه] الأرض فرش، وقد صقل الغمام الأزهار حتى أذهب نمشها، وسقاها فأروى عطشها:
فديناك لا يسطيعك النظم والنثر فأنت مليك الأرض وانفصل الأمر
مرينا نداك الغمر فانهل صيبا كما سكبت وطفاء أو فتق البحر
وجاء الربيع الطلق يندى غضارة فحيتك منه الشمس والروض والنهر
وما منهم إلا إليك انتماؤه جبينك والجود المتمم والبشر
خلا منك دهر قد مضى بعبوسه فلما أتت أيامك ابتسم الزهر
فبشرت آمالي بملك هو الورى ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر "
فراجعه:
إليك فلولا أنت لم ينظم الدر ولا التام في مدح نظام ولا نثر
إذا قلت لم ينطق فصيح مذرب ولا ساغ في سمع غناء ولا زمر
لك السبق كم روضت من عاطل الربى وحللت من سحر وقد عدم السحر
ولما ملكت القول قهرا وعنوة أطاعك جيش النظم وائتمر النثر(5/122)
فلا نقل إلا ما تقول بديهة ولا خمر ما لم تأت من فمك الخمر
ثم وجه فيه إلى روضة قد أرجت نفحاتها، وتدبجت ساحتها، وتجردت جداولها كالبواتر، ورمقت أزهارها بعيون فواتر، فقال ذو الرياستين:
روض كساه الطل -. .. - البيت [32أ]
وللكاتب أبي الحسن ابن سابق عندما وصل مربيطر عند تخلي أبي عيسى بن لبون عنها، وكان في جملة من انحرف عن ابن لبون، وتشوف إلى المستعين، وورد على غير عذب ولا معين، فقال أبو الحسن:
من كل يطلب من اصحابنا صلة على فراق أبي عيسى بن لبون
فليس يقنعني من بعده عوض ولو جعلت على أموال قارون
قد كان كنزي فكف الدهر عنده يدي والدهر يمتع بالنعمى إلى حين
كأن قلبي إذا ذوكرت فرقته مقلب فوق أطراف السكاكين
فلما سمع قوله هذا ابن رزين قال:
هبوا لنا حظكم من آل لبون كم تبخلون علينا بالرياحين
لا تعذلونا فحق أن ننافسكم في أكرم الناس في الدنيا وفي الدين
ذاك الوفي الذي نيطت تمائمه عند الفطام على حلم ابن سيرين
اختارنا فتخيرناه صاحبنا وكلنا في أخيه غير مغبون
إن كان أنشر ذكري في بلادكم لأنشرن له يحيى بن ذي النون
وكل من حوله حاظ بحظوته يغشى الحسود بترفيع وتمكين(5/123)
حتى تقول الليالي وهي صادقة هذا السموأل في هذي السلاطين
وله:
رب صفراء تردت بشحوب العاشقينا
مثل فعل النار فيها تفعل الآجال فينا
وله يتشوق إلى ودعه، وأجرى بعده أدمعه:
دع الدمع يفني العين ليلة ودعوا إذا انقلبوا بالقلب لا كان مدمع
سروا كاغتداء الطير، لا الصبر بعدهم جميل، ولا طول الملامة ينفع
أضيق بحمل الفادحات من النوى وصدري من الأرض البسيطة أوسع
وإن كنت خلاع العذار فإنني لبست من العلياء ما ليس يخلع [32ب]
إذا سلت الألحاظ سيفا خشيته وفي الحرب لا أخشى ولا أتوقع
وأخبر أبو عامر بن سنون، أنه كان معه بمنية العيون، في يوم مطرز الأديم، [ومجلس] معزز النديم، والأنس يغازلهم من كل ثنية، ويواصلهم بكل أمنية، فسكر أحد الحاضرين سكرا مثل له ميدان الحرب، وسهل عليه مستوعر الطعن والضرب، فقال:
نفس الذليل تعز بالجريال فيقاتل الأقران دون قتال
كم من جبان ذي افتخار باطل بالخمر تحسبه من الأبطال
كبش الندي تخمطا وعرامة وإذا تشب الحرب شاه نزال
وله:
برح السقم -[البيت [(5/124)
فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي محمد عبد الله ابن الفقيه أبي عمر بن عبد البر النمري وسياقه فصول من ترسيله، تشهد لمن قال بتفضيله.
كان أبو محمد قد حل من كتاب الإقليم، محل القمر من النجوم، وتصرف في التأخير والتقديم، تصرف الشفرة في الأديم، وله ولأبيه قلبه لواء سبق، ولسان صدق، وكفى بأبيه علما لا يخفى، ورحما من العلم لا تجفى، وتواليفه اليوم تيجان رؤوس العظماء، وأسوة العلم والعلماء. ولما شأى أبو محمد بالأندلس الحلبة، وتبحبح صدر الرتبة، تهادته الآفاق، وامتدت اليه الاعناق، ففاز به قدح عباد بعد طول خصام، والتفات زحام، فأصاخ أبو محمد لمقاله، وتورط بين حبائله وحباله، وحل البلد النكد، وركب يومئذ الأسد الورد، وعلى ذلك فكان غص أبو الوليد ابن زيدون بمقدمه، وجهد - زعموا - كل جهد في إراقة دمه، ولهما في ذلك خبر سارت به الركبان، وسمر تهادته السفار في جميع البلدان.
ولما رأى أبو محمد أنه قد باء بصفقة خسران، وأن العشاء قد سقط به على سرحان، أدار الحيلة، وابتغى إلى الخلاص الوسيلة: زعموا(5/125)
أنه مذ دخل يومئذ لم يزل نافر النفس، منقبض الأنس، فلما استشعر الحذر، وأحس بالتغير، ألقى عصا التسيار، وأخذ في اقتناء [33أ] الضياع والديار، حتى ظن عباد أنه قد رضي جواره، واستوطن داره، فاستنام اليه برسالة إلى بعض خلفائه من رؤساء الجزيرة وقته، فجعل أبو محمد يتفادى منها، ويتثاقل عنها وهو يقول: لا أبا لك، تمنعي أشهى لك. ولما انسل من يد عباد انسلال الطيف، ونجا واسأله كيف، رجع إلى مستقره من الشرق؛ وأدار الحيلة على أبي عمر بن الحذاء الحائن، فعوضه بضياعه وعقاره، وزين له اللحاق بدار بواره، وسوء قراره. وقد كان عباد قبل ذلك يعده ويمنيه، ويستدرجه ويدليه، فلما طلع عليه لم يزد على أن أسره وقصره، وأظهر من الزهد فيه، أضعاف ما كان يعده ويمنيه، وجعل أبو محمد ابن عبد البر بعد ذلك ينتقل في الدول، كالبدر يترك منزلا عن منزل، وقد جمع التالد إلى الطارف، وكتب عندنا عن ملوك الطوائف، وقد أخرجت من شواهده على الإحسان، ما يليق بغرض هذا الديوان. وكانت وفاة أبي محمد سنة أربع وسبعين وأربعمائة.(5/126)
جملة ما أخرجته من رسائله السلطانيات
فصل له من رقعة عن ابن مجاهد وقد زف ابنته إلى صمادح: قد انتظمنا [أيدك الله] انتظام السلك، وضرحنا عن مشارب الحال الجامعة لنا قذاة كل شك إفك، وظهر الحق المبين من المين، وتبين الصبح لذي عينين، وأنفذت الهدية المقتضاة، محفوفة بالحرم والمحارم، مكنوفة بالكرائم ثم بالاعلام الأكرام، وانا أسأل في متوجهها ومنقلبها الرعاية الموصولة بك، والكفاية المعهودة منك، حتى يفيء عليها ظلك، ويبوئها مثوى الحفاية محلك، ويحميها حوزك ومكانك، ويؤويها عزك وسلطانك، ثم حسبي عليها كرمك وكنفك، وخليفتي عليها برك ولطفك، فهي الآن ملكك وانت الكريم المسجح، وبضاعة متجري منك وأنت المربح المنجح، فانك - والله يبقيك ويعليك، ويشد قبضتك على [رقاب] أمانيك وأراجيك - ذخر الأبد، وعتاد الأهل والإخوان والولد، وعندك ثمرة النفس وفلذة الكبد، فارقتها عن شدة ضنانة، وأسلمتها بعد طول صيانة، وما زفت إلا إلى كريم يحملها محل الأمانة، ويقضي فيها حق الديانة، ويرعى لها انقطاعها(5/127)
عن أهلها، واغترابها عن ملأها ومنشأها، وهو حكم الله [33ب] الواجب، وقدره الغالب، وسنته المشروعة، ومشيئته المتبوعة. ولنا في رسول الله عليه السلام أسوة حسنة، وفيما قاله في مثل هذه قدوة يقتدى بها، وسنة يحتذى عليها، إذ تلا قوله تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) (الفرقان: 54) وقال عليه السلام: " انما فاطمة بضعة مني، فمن أكرمها فقد أكرمني، ومن أهانها فقد أهانني ". اللهم بارك لها وبارك عليها.
ولأبي محمد بن عبد البر:
لا تكثرن تأملا واحبس عليك عنان طرفك
فلربما أرسلته فرماك في ميدان حتفك
وكتب إلى بعض إخوانه: من صحب الدهر - أعزك الله - وقع في أحكامه، وتصرف بين أقسامه: من صحة وسقم، ووجود وعدم، وفتاء وهرم، وبعاد واقتراب، وانتزاح واغتراب، واتفق لي ما قد علمت من الانزعاج والاضطراب، والتغرب والإياب، لا والله ما جرى من حركاتي شيء على مرادي واعتقادي، وإنما هيأتها الأقدار والآثار، وعند ورودي أعلمت بنا أصابتك [به] صروف الأيام، من(5/128)
الامتهان والائتلام، فيعلم الله لقد ألمت لذلك نفسي، وساء به أثر الزمان عندي، فقد جمعتنا حوادث الأيام وصروفها، وقد اختلفت أنواعها وصنوفها، على أن الذي أصابك أثقل عبئا، وأعظم رزءا، والله يعظم أجرك، ويجزل ذخرك، ويجعل هذه الحوادث آخر حوادثك، وأعظم كوارثك، حتى يستديم ما بعدها من سراء سابغة تنعم بالك وخاطرك، وتقر عينك وناظرك، ولا زلت من خطوب الدهر في جهة من الكفاية مكينة، ودرع من الحماية حصينة.
وكتب مهنئا للمعتضد بأخذ شلب: كتابي - أعزك الله - عن حال قد أطل جناحها، وآمال قد أسفر صباحها، ويد قد أورى زندها، ونفس قد انتخر وعدها؛ أعزز به من صنع الله لك بحصول قاعدة شلب وذواتها في قبضتك، واستظلال ذلك الأفق بظل طاعتك، وخروج صاحبها عنها من غير عقد عاصم، ولا عهد لازم، قد خاب ظنه في التماسك، وأخلفه أمله في الهالك، فأي نعمة ما أجلها وأجزلها! وأي منة ما أتمها وأجملها! على حين تضاعف حسن موقعها، وبان لطف محلها وموضعها، ولاحت عنوانا في [34أ] صحيفة مساعينا، وبرهانا على تأتي أراجينا، فالحمد لله على ما به وأحسن، حمدا يوافي الحق ويقضيه، ويحتوي على المزيد ويقتضيه، وهو المسئول أن يتبعه بأشكاله، ويشفعه بأمثاله، فظهوري منوط بظهورك، وسروري موصول بسرورك، واتصال حالي بأحوالك، وحبلي بجبالك، هنأك الله(5/129)
وإياي ما خولك، وقرن بالزيادة آلاءه قبلك.
وله يرثي بعض حظاياه:
بعظك بل كلك في الرمس لتفدينك النفس بالنفس
يا فجعة ما مثلها فجعة من ناظر صار إلى رمس
غرس نما حتى إذا ما استوى عدت يد الدهر على الغرس
وله:
قل في الحمام وما عساك تقول النفس تجمع والحمام يصول
يا أيها الملهوف كربا لا تفق إن جل صبرك فالمصاب جليل
وله من أخرى: وقد توغلت معك في أسباب الألفة، وهتكت بيني وبينك ستار المراقبة والكلفة، فأنا أستريح اليك بخفيات سري، وأجلو عليك بنيات صدري، خروجا اليك عما عندي، وجريا معك على ما يقتضيه إخلاص ودي، وجلاء لشواغل بالي، واستظهارا بك على حالي، وشفاء لغصص نفسي، واستدعاء لما شرد ونفر من أنسي، كما ينفث المصدور، ويتلقى برد النسيم المحرور، وكما تفيض النفس عند امتلائها، وتجود العين طلبا للراحة بمائها أو دمائها؛ وكنت أشرت في كتابي بتوجه من توجه من قبلي، ممن كان روح أنسي، وريحان خلدي ونفسي، إلى أن قرع ما قرع من لوعة الفراق، ولدغ ما لدغ من روعة الاشتياق، وأنا أظن أن ذلك عاقبة الصبر تغلبه، والجلد(5/130)
يعقبه، وان انصرام الأيام ينسيه ويذهبه، فإذا هو قد أفرط وزاد، وغلب أو كاد، حتى نفى السلو، ومنع الهدو، وتعدى اللذع إلى الإحتراق، وتجاوز الروع إلى الاطباق، والأفق داج مظلم، والنهار عندي ليل مستبهم، وإني لأستخف لما أوجده حلمي، واستضعف مما أكابده عزمي، واستنهض للثبات تأييدي وحزمي، فينتزع [34ب] بي الإشفاق المستولي، ويترجم الزفير المستعلي، ويتصور لي أن قطعة مني، بانت منفصلة عني، وأن جزءا من أجزائي، ذهب بصبري وعزائي، حتى إذا تفكرت في خروجها إليك، وأنت من أنت، تراجعت وتماسكت، وإذا تذكرت تعريسها بك، وحالك حالك، تصبرت وتمالكت؛ والله يطلعني من سلامة الوصول، وكرامة الحلول، ما يقر العين ويسر النفس، بمنه ويمنه.
قال أبو الحسن: كناية أبي محمد عنها ب " الهدية "، كناية سرية، وإنما احتذى في ذلك حذو بلغاء المشرق - ذكر أبو منصور الثعالبي قال: لما زف بختيار بنته إلى أبي تغلب بالموصل كتب عنه الصابي فصلا بمعناها استحسنته البلغاء وتحفظوه، وأقر له كل بليغ بالبلاغة فيه وهو: قد توجه أبو النجم بدر الحرمي، وهو الأمين على ما يلحظه، الوفي بما يحفظه، يحمل الهدية، وإنما نقلت من وطنت إلى وطن، ومن معرس إلى معرس، ومن مأوى بر وانعطاف، إلى مأوى كرم وألطاف، ومن منبت درت له نعماؤه، إلى منشأ تجود عليه سماؤه؛ وهي بضعة(5/131)
مني أنفصلت إليك، وثمرة من جنى قلبي حصلت لديك، وما بان عني من وصلت حبله بحبلك، وتخيرت له بارع فضلك.
وإنما ألم الصابي في هذا أيضا بفصل لابن ثوابة كتبه عن المعتضد إلى ابن طولون في ذكر ابنته قطر الندى المنقولة أيضا إليه، يقول فيه: وأما الوديعة فهي بمنزلة من انتقل من يمينك إلى شمالك، عناية بها وحياطة لها، ورعاية لمواتك فيها.
فحكي أن الوزير عبيد الله بن خاقان انتقد الفصل على ابن ثوابة وقال له: ما أقبح ما تفاءلت لامرأة زفت إلى الملك بتسمية الوديعة، والوديعة مستردة، وقولك: من يمينك إلى شمالك أقبح، لأنك جعلت أباها ابن طولون اليمين، والشمال أمير المؤمنين، ولو قلت على حال: وأما الهدية فقد حسن موقعها منا، وجل خطرها عندنا، وهي وإن بعدت عنك، بمنزلة من قرب منك، لتفقدنا لها وسرورها بما وردت عليه، واغتباطها بما صارت إليه؛ فكتب الكتاب يومئذ على ذلك.
وكان في جملة من تحمل قطر الندى يومئذ إلى المعتضد أبو عبد الله ابن [35أ] الجصاص، وكان آية من آيات خالقه في الجهل والغباوة، مع وفور الجاه وغلظ النعمة، ونوادره في النوكى مأثورة مذكورة، حدث أبو اسحاق الماذراني قال: خرجنا إلى الشماسية مع الوزير عبيد الله بن سليمان نستقبل ابن الجصاص، وقد وافى بغداد بقطر الندى(5/132)
وبالمعتضد يومئذ علة كبرت معها خصيتاه، فلما سألناه عن أبي الجيش خماريه وعن الحرة قطر الندى قال: أما الأمير ففي عافية، وأما العروسة فجئتكم بزبد من ورق، والله لا يضع الأمير فرد خصيتيه عليها إلا قتلها؛ فأضحك من حضر.
ومن نوكه أنه دخل عليه بعض إخوانه فوجده يصلي وقد أطال السجود، فقال له: ما هذه السجدة - فقال: سألت ربي حاجة، أن يمسخني يوم القيامة حوراء ويزوجني عمر بن الخطاب، قال له: فكنت إذن تسأله أن يزوجك بالنبي عليه السلام، قال: غششتني يا سيدي، أردت أن تجعلني ضرة لعائشة!
ومن نوكه أنه كان عند الوزير ابن الفرات يوما فذكروا هزارا جارية ابن المعتز وأنها تزوجت بغلامه سريعا بعده، فقال ابن الجصاص لابن الفرات: أعز الله الوزير، لا تثقن بقحبة ولو كانت أمك؛ فتبسم الوزير وانقلب المجلس ضحكا.
وأجيب بختيار يومئذ على كتابه برقعة من إنشاء أبي الفرج الببغاء يقول في فصل منها: وأما أبو النجم بدر فقد أدى الأمانة إلى محتملها، وسلم الذخيرة الجليلة إلى متقبلها، فحلت محل العز في وطنها، وأوت من حمى الأسود إلى مستقرها وسكنها، منتقلة عن عطن الفضل والكمال، إلى كنف السعادة والإقبال، وصادرة عن أنبل ولادة ونسب، إلى أشرف اتصال وأنبه سبب، وفي اليسير من لوازم فروضها وواجبات(5/133)
حقوقها ما عاق رغبتي عن الوصاة بها، وكيف يوصى الناظر بنوره، أم [كيف] يحض القلب على حفظ سروره.
[رجع] :
ولابن عبد البر عن المعتضد إلى أبي عمر أبيه [من] رقعة يقول فيها: إن كنا لم نتعارف ترائيا، ولم نتلاق تدانيا، ففضلك في كل قطر كالمشاهد، وشخصك في كل نفس غير متباعد، فأنت واحد عصرك، وقريع دهرك، علما بيدك لواؤه، وفضلا إليك اعتزاؤه، وكنت كذلك والناس موفورون، والشيوخ [35ب] أحياء يرزقون، فكيف وقد درس الأعلام والكدى، وانتزع العلم بقبض العلماء فانقضى، والله يبارك في عمرك، ويعين كلا على برك؛ وإلى ذلك من مشهور حالك، فبيننا من وكيد السالف، وشديد اتصال التالد والطارف، وأنت له جد ذاكر وبه حق عارف، ورعاية مثل هذا منك تقتبس، ولديك تلتمس؛ ولم تزل نفسي إليك جانحة، وعيني نحوك طامحة، انجذابا إلى العلم ورغبة فيه، ومنافسة في قضاء حقوق حامليه، والناس عندنا إلى ما عندك ظماء، ولدينا الداء وأنت الشفاء، فاجعل بفضلك للغرب منك نصيب الشرق، فهو أولى بك وأحق، وعندي لك من الإعظام والأكرام ما يضاهي حالك، ويسامي آمالك، وقد صار عندي جزء منك متحكما فيه على المنصور - أيده الله - وعليك، وإرادتي(5/134)
أن أجمع شملكما، وأصل حبلكما.
وله عنه من أخرى إلى ابن هود: من اعتقدك -[أعزك الله]- عمادا له وظهيرا، ورآك عتادا وذخيرا، طالعك بحاله وأمره، وأطلعك على حلوه ومره، وخرج إليك عن سره وجهره، وناجاك بمختلجات صدره، ومعتلجات فكره، مستريحا إلى النجوى، بالغا عذر نفسه في الشكوى، واثقا بقضائك الفصل فيما يورده، عالما بحكمك العدل في ما يعدده، راضيا بانصافك في ما يقدره لديك ويمهده، والله لا يعدمني الاستظهار برأيك أعشو إليه سراجا، وسعيك أحتذي عليه منهاجا، وقد علمت صورة حالي مع المدبرين لقرطبة وصبري لهم في الخطير والجليل، وانجراري معهم الزمن الطويل، مغضيا لهم على ما يوحش ويريب، مغمضا لهم على بوادر لا تزال تنوب وتثوب، على أنها جنايات قعدة، لا نكايات مردة، وأن وسعهم لا يتعدى هذا الحد، وطوقهم لا يتجاوز هذا الجد.
وفي فصل منها: فلم تزل عقارب سعيهم إلي تدب، وريح جنايات بغيهم علي تهب، وأنا في كل ذلك أقابل تخشينهم بالتلين، وأتلقى غلي مراجلهم بالتسكين، أتغاضى عما يردني منهم مرة، وأغالط(5/135)
نفسي في التأويل تارة، ولا أقارضهم عن شيء مما يطالبونني فيهم مساترة ومجاهرة، مع إمكان المقارضة سرا وعلانية، طاعة مني لعواطف النفس، في الإبقاء على الجنس، ما وجدت إلى الإبقاء سبيلا، وعليه معينا، [36أ] وكنت أرجو مع ذلك أن يثوب ثائب استبصار، ويخطر خاطر إقلاع وإقصار، فلا والله ما يزدادون إلا تماديا في الإضرار؛ والعجب كل العجب أنهم يمالئون علي أعداءهم المنابذين، وواتريهم المطالبين، الذين صيروا ملأهم بددا، وعصاهم قددا، واستباحوا دماءهم وأموالهم، وغيروا آثارهم وأحوالهم، وجاهدوهم جهاد الكفار، وسامهم سوم أهل الذلة والصغار، فكفكفت عنهم غربهم، وشغلت عنهم بنفسي حربهم، ولو أغمضت فيهم، ولنت لواتريهم ومطالبيهم، لما كانت صدور مجالسهم ومجامع أنديتهم، لأفراسهم إلا مرابط، ولا عاد آهل دارهم وعامر أفنيتهم لخليلهم إلا مسارح وبسائط، فما ظنك ببصائر تقلب - في طلب الثار، ومنابذة العدا الفجار - الطبائع، وتغلب - في مهاجرة الخوارح المراق، الروافض الفساق - الشرائع، فاعجب لهذا الاعتزاء بالمخالفة، والانتهاء في المكاشفة.
وله عنه رقعة أقتبضتها تخفيفا للتطويل، شرح فيها قتله لابنه إسماعيل. قال ابن بسام: وكان عباد قد ألحق يومئذ بابنه حاشية وأبلغ في المثلة(5/136)
وتجاوز بها إلى من نشأ الحلية، وما حماها عنده من الظباء ثدي ناهد، ولا شفقة الوالد.أخبرني من لا أرد خبره من وزراء اشبيلية قال: شهدنا مجلسه بعد ثالثة، من هذه الحادثة، ووجهه قد اربد، وود كل واحد [منهم] أنه لم يشهد، ولم يزيدوه على السلام، وأرتج عليهم الكلام، فصوب فيهم وصعد، وزأر كالأسد وقال: يا شامتين مالي أراكم ساكتين، اخرجوا عني. فقام كل يجر ساقيه، ولا يقدم أحد أن يطرف بشفره إليه، فلما صرنا بباب القصر، دعا بنا فانصرفنا، وأذن لنا في الجلوس فجلسنا، ثم خرج أمره بأن يحضر الكاتب ابن عبد البر، فدخل، ومجلسه قد احتفل، وقال له: اكتب إلى ابن أبي عامر، وحلل دم الخائن الغادر، وكلاما هذا معناه. وجاءه الغلام بجلد الرق الدواة، والوزراء والخاصة جلوس بذلك المقام، وقالوا في أنفسهم: ما عسى أن يتجه لابن عبد البر من كلام، على هذه الحال، لاسيما على الارتحال؛ قال المحدث: فسوى الجلد، وجعل يستمد ويكتب، وعين المعتضد فيه تصعد وتصوب، فلما فرغ منه أسمعه ذلك إلى آخره، وخرجوا عنه وهم يرون أن ابن عبد البر من آيات فاطره، وكان [قد] قال في ذلك الرقعة [بعد الصدر] :(5/137)
إذا تقوضي - أيدك الله - حق المشاركة، وتعوطي حق المساهمة بين إخوان الصفاء، في [36 ب] صغار الأبناء، فأخلق بتقاضيه في العجائب العقم، وتعاطيه عند النوائب الدهم، وطرأت علي [يا سيدي وأغلى عددي] من خطوب الأيام طارئة دهياء دهماء، وفجأتني من ضروب الأقدار فاجئة عمياء صماء، ثارت إلي من مكمني، وطلعت علي من مأمني، وشرعت نحوي من قبل الجنة التي كنت أعدها لأشباهها، وأديرها متفيئا بها من تلقائها وتجاهها، إلا أن الله بصنعه الجميل الذي لا أنفك أشكره وأحمده كفاني أولا ثم شفاني آخرا، له الحمد دائبا، والشكر واصبا، وشرح ذلك [أيدك الله] أن الغبي العاق، اللعين المشاق، إسماعيل ابني بالولاد لا بالوداد، ونجلي بالمناسب لا بالمذاهب، كنت قد ملت بهواي إليه، وقدمته على من هو أسن منه، وحبك الشيء يعمي ويصم، والهوى يطمس عين الرأي أو يلم، فآثرته بأرفع الأسماء والأحوال، ووسعت عليه في خطيرات الذخائر والأموال، وأخضعت له رقاب أكابر الجند ووجوه الرجال، ودربته في مباشرة الحروب، وأجأته على مقارعة الخطوب، ولم يكن فيما أحسبه أني(5/138)
إنما أشحذ على نفسي منه شفرة، وأوقد [منه] بالتدريب والتخريج تحت حضني جمرة، وما كنت خصصته بالإيثار، واستعملته في المكافحة والغوار، إلا لجزالة كنت أتوسمها فيه كانت عيني بها قريرة، وشهامة كنت أتوهمها منه كانت نفسي بها مسرورة، فإذا الجزالة جهالة، والشهامة شرة وكهامة، وقد يفتن الآباء بالأبناء، وينطوي عنهم ما ينطوون عليه من الأسواء، مع أن الآراء قد تنشأ وتحدث، والنفوس قد تطيب ثم تخبث، لقرين يصلح أو يفسد، وخليط يغوي أو يرشد، وكما أن داء العر يعدي، كذلك قرين السوء قد يردي، ومن اتخذ الغاوي خدينا، عاد غاويا ظنينا، (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) (النساء: 38) . وقد انطوى عن بعض الأنبياء عليهم السلام ما آل إليه [أمر] بعض بينهم، هذا والوحي يشافههم ويناجيهم، فكيف بنا وإنما نقضي على نحو ما نسمع، ونقطع على حسب ما نرى ونطلع، وليس علينا ضمان العواقب، ولا إلينا علم حقائق المذاهب، وهي الخواطر، لا يعلمها إلا الفاطر، والبواطن، لا يحيط بها إلا الظاهر الباطن، وقد يخبث طعم الماء مع الصفاء، ويروق منظر الدمنة الخضراء، ويذوي ثمر الدوحة الغناء، في التربة الغضراء.
وفي فصل منها: ولما وثب اللعين [37أ] الغبين، من المهد، إلى سرير المجد، ودرج من الأذرع، إلى المحل الأرفع، ورآه استغنى، وأثرى من زينة الدنيا، أشره ذلك وأبطره، وأطغاه وأكفره، وطلب(5/139)
الازدياء، وأحب الانفراد والاستبداد، وقيض له قرناء سوء أعدوه وأردوه، وأتيح له جلساء مكر أغروه وأغرووه، وأشعروه الاستيحاش والنفار، وزينوا له العقوق والفرار، لينفرد وينفردوا معه بالبلد، ولا تكون على أيديهم [فيه] يد أحد، فخرج ليلا بأهله وولده خروجا [شنيعا] فتق فيه قصري، وخرق به حجاب ستري، يؤم الجزيرة الخضراء وما يليها، ليتملكها ويعيث فيها، وكنت غائبا على مقربة، فورت وطيرت في الحين إلى الجهة من يصده عنها، ويمنعه منها [فسبقه الخبر، وفاته الوطر، وأوى إلى قلعة ذي الوزارتين القائد أبي أيوب ابن أخي حصاد سيدي، وأفضل عددي - سلمه الله - فوجهت إلى اللعين أعرض عليه قبول عذره، وسربت الخيل مع ذلك للاحاطة به وحصره، حتى ألجاه ذلك إلى التنصل والاعتذار، وأجاءه إلى الإقالة والاستغفار، فأقبلته وقبلته] وعفوت عنه، وأغضيت على ما كان منه، وصرفته إلى جميع حالة وماله، ولم أؤدبه إلا بالإعراض والهجران، وإن كنت قد أنسته مع ذلك بمزيد الإنغام والإحسان، فإذا به كالحية لا تغني مداراتها، والعقرب لا تسالم شباتها، وكأنه قد استصغر ما أتى، واحتقر ما جنى، فردى، وسدى، ما صارت به الصغرى التي كانت العظمى، فلم أشعر به إلا وقد ألف أوباشا من خساس صبيان العبيد الممتهنين في أدون وجوه التصريف، إذ لم يطمح اللعين أن يساعده على هذه الفتكة(5/140)
من فيه أدنى رمق وأقل مسكة، ثم سقاهم الخمر وسقى نفسه ليجتري ويجريهم، ويحول بينهم وبين أدنى ميز لو كان فيهم، وسلحهم بضروب من الأسلحة المتصرفة في أماكن الضيق والسعة، وطرق القصر في بضع عشرة منهم، وتعلق معهم الأسوار والحيطان، وتسنم بهم السقوف والجدران، يروم في القضية العظمى، والطامة الكبرى، التي قام دونها دفاع الله تعالى، فشعرت [بالحركة] وخرجت، فلما وقعت [عينه و] أعينهم علي تساقطوا هاربين، وتطارحوا خائفين خائبين، وإنما كان رجاؤهم أن يجدوني في غمرة الكرى، أو على غفلة من أن أسمع وأرى، ففالت بحمد الله أراجيكم، وضلت أعمالهم ومساعيهم، وأعجلتهم عواقب كفرهم وتعديهم، وخرق اللعين سور المدينة فارا بنفسه [وأخرجت الخيل في أثره] فلحق غير بعيد، وسيق إلي في حال الأسير المصفود، وكذلك سائر الجناة، وباقي العصاة، أظفر الله بهم [ومكن منهم، وأعثر على جميعهم، فلم يفلت منهم أحد، ولا فات منهم بشر. ولقد اتفق من صنع الله الجميل من في غدر وختر، أن فر اثنان منهم فتجاوزا وادي شوش من شرقي قرمونة، وكنت قد أخرجت خيلا للضرب على بلد باديس، فخرجا هنالك إلى أيدي تلك الخيل وهي منصوفة بما غنمت ولا علم لهما بما وقع فثقفوهما واستاقوهما؛ وحصل في قبضتي جميع الصبيان من العبيد المذكورين] وأقمت حدود الله تعالى على الجميع منهم، وأنفذت حكمه العدل فيهم [والحمد الله كثيرا] . فاعجب يا سيدي لأبناء الزمن، وأنباء الفتن، وانقلاب عين الابن [37ب] المقرب(5/141)
المودود، إلى حال الواتر الحسود، والثائر الحقود، واعتبر في ورود المساءة من موطن المسرة، وطلوع المحنة من أفق المنحة [وانعكاس بعض الهبات خبالا، والأعطيات وبالا] . وقد أربت هذه الحال على كل من جرى له أو عليه من الآباء والبنين، عقوق من السلف المتقدمين، فلم يكن أكثر ما وجدناه من ذلك في الأخبار والآثار إلا استيحاشا وشرودا، ونبوا وندودا، إلا ما شذ لأحد ملوك الفرس وآخر من [ملوك] بني العباس، وجمع هذا اللعين في إرادته ومحاولته بين الشاذ النادر، والمنكر الدائر، وزاد إلى استباحة الدم، التعرض لإباحة الحرم، وإلى ما رام من إتلاف المهجات، التسامح فيما كان يجري على العورات المصونات، [ولولا دفاع الله تعالى لامتدت أيدي السفال فضلا عن أعينهم، واتسع خرق لا قوة على رتقه معهم، وقد قيل:
هو الشيء: مولى المرء قرن مباين ... له وابنه فيه عدو مقاتل] وهو زمان فتنة، وشمول إحنة ودمنة، والناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم، وأصدق من هذا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) (التغابن: 14) .
[وقد استجلبت من الغرب ابني محمدا، ملتزم شكرك، ومعظم قدرك، - وفقه الله - لأقعده مقعده، وأسد به مسده، وأرجو أن يكون أوطأ أكنافا وجوانب، وأجمل آراء ومذاهب، وأحمد أخلاقا وضرائب، والله أسأل الخير في ما آتي وأذر، وأقدم وأؤخر] . نفثت - يا سيدي - نفثة مصدور، وأطلت في الشرح والتفسير، خروجا(5/142)
إليك عن هذا الخطب الخطير، والملم الكبير، وهو خبر فيه معتبر، [وقالت: ما له ظهور وظفر، واله يتم النعمى، ويجمل العقبى، ويوزع الشكر على ما أولاه بمنه، وإياه أسأل أن يجعلك في حيز الكفاية، وجانب الوقاية، حتى لا تساء بقريب مأمون، ولا بعيد مظنون، بمنه وطوله، إن شاء الله] .
إيجاز الخبر عن هذه الأحدوثة بلفظ ابن حيان 1
قال أبو مروان: وفي سنة أربعمائة وخمسين تواتر الإرجاف بقرطبة أن عبادا دبر النزول بزهرائها المعطلة بأسفلها، التي منها أبدا كان يصاب(5/143)
مقتلها، وسبق الخبر بأنه قد أنهض نحوها ولده إسماعيل المتسمي بالمنصور خليفته وولي عهده، وهو النار في احجارها مستكنة، ولا يشك أنه أرسل منه على قرطبة شواظ نار لا يذر منها باقية، فنفس الله مخنق أهلها بما نقض تدبيره وثنى عزمه، فأقصر صاغرا. فجرى من قدر الله الذي لا يغالب أن كره هذا الفتى ما حمله عليه والده من ذلك، وهاج منه حقودا كانت له بنفسه كامنة، جسرته على معصية أبيه، وانصرف من طريقه لأمر اختلف فيه، فقيل إنه استوحش منه لمكروه كان أحل به أبوه بين يدي إخراجه إلى عدوة قرطبة لما قدر الله من حتفه، وقيل بل عظم عليه أمر الهجوم على مثل قرطبة لقلة من معه(5/144)
من جيشه، وحذره لنزوله ما بينهم وبين حليفهم باديس بن حبوس الذي لم يشك في إسراعه إليه فيقع بين لحيين يمتضغانه، وأنه عرض ذلك على أبيه فاستجبنه وأغلظ وعيده، وكاد يسطو به، وألزمه المسير لسبيله، وأوعده القتل على التواني عنه، فأوحشه [38أ] ذلك، ودبر الفرار عنه مع خويصة له أغوته، فمشى من اشبيلية نحو مرحلتين، ثم أظهر لأصحابه أن كتابا سقط عليه من عند والده يستصرفه فيه لأمر أراد مشافهته فيه، فرجع إلى اشبيلية، وأصاب فرصته بما قدر بمغيب والده عن حضرته إلى مكان متنزهه بحصن الزاهر، فاقتحم قصره، وعلق ببعض ذخائره واحتملها، وأخذ أمه وحرمه، واستكثر مما غله من المال والمتاع، يخال أن ينجو، واحتمل كل ذلك على الدواب، وطلبها في الليل ممن يعهدها عنده، ومضى لوقته مدابرا طريق الجزيرة الخضراء، ثغر أعمال والده بالساحل، مقدرا دخولها وارنتزاء بها عليه، فصار ارتباكه في تباطؤه الداعي إلى لحاقه وعوقه عن طريقه، واختلف الحكايات في قصته هذه وسبيل مهربه، وظفر والده به وانصرافه إلى يده، مما يطول القول فيه، بعد أن وقف في طريقه بعض حصون أبيه، فغلقها قواده في وجهه، وخاف اجتماعهم للقبض عليه، فاضطر إلى ابن أبي حصاد بقلعته طرف كورة شذونة، مستجيرا به، فأجاره - زعموا - بأسفل قلعته لم يصعده إليها استظهارا على مكيدة قدرها من أبيه، بعد أن نزل إليه واستقبله برجاله، مشيرا إليه بمراجعة أبيه، ورفع الخرق عليه بالإنابة إلى طاعته، ضامنا له اسجلاب عفوه، فلم يمكنه العدول عنه لقلة من معه، وأجابه، فأنزلهم عنده منزل تكريم، وبادر الكتاب إلى عباد حصوله بيده، ووصف له ندمه، وتشفع له، فسر عباد بذلك، وكان شديد الخوف أن يلحق بأعدائه هنالك، وأجاب هذا الحصادي(5/145)
وشفعه، فأجاب إسماعيل إلى أبيه، ودخل إشبيلية ليلا، ونكب [به] عن قصره إلى بعض دوره بالقرب منه، ومنعه أن يدخل عليه أحد، وصرف الله على عباد جميع ما كان احتمله إسماعيل ابنه من ماله وذخائره لم يحرم منه شيء، حتى إن زامله من زوامله قصرت عنه عند جده في السير وغادرها في الصحراء رازحة، فوقعت إلى بعض فرسان والده الذين سرحهم لاقتفاء أثره، فقبض عليها وصرفت إلى اشبيلية بحملها لم يقطع لها حبل، فزعموا أن وقرها كان مالا صامتا وذخائر تفوق قيمة، وأظفر الله عبادا بولده فيما آتاه من ذلك، فاثر الشفاء على المغفرة، إلا أنهم - زعموا - لحقته [38 ب] لهذا الحادث وفظاعته وطرقه من مأمنه وفساد لأكرم أعضائه عليه، وعمدة ثقاته لديه، خشية فلت عزمه، وحيرت قلبه، فعيت به عما صمد له من أذى قرطبة والجعجاع بأهلها، فتنفس مخنقهم قليلا، وكفت الغارات عنهم وقتا، وسارع سعرهم إلى الانحطاط.
قال أبو مروان: وبلغني أن الذي دبر عليه هربه عن أبيه وتولى كبره، وزيره وصاحبه، أبو عبد الله محمد بن أحمد البزلياني المهاجر إليه عن وطنه مالقة، مختارا له على ملكه باديس، فاعترف له عباد في جهله على نفسه وسوء مورده حجة للعذر في تحكمه عن ذي اللب المقرر لحوطة نفسه، فإن هذا الفتى إسماعيل كان رمى إلى هذا الكهل بمقاليده وفوض إلى رأيه، فلم يبارك له فيه، وشكا إليه بعض ما يناله من فظاظة والده وقسوته ورميه المتالف به، فحسن عنده - زعموا - العقوق له، والذهاب عنه إلى أطراف أعماله العريضة، كيما يقرر عليه، وبنفسه؛ فلما قذف به والده [ما] تعاظمه من حرب قرطبة(5/146)
اعتزم إلى إنقاذ أمره في الفرار عنه من طريقه ذلك، فعمل في النكوص عنه بما قد مناه، وهجم على قصر أبيه وأخذ ذخائره. وخرج مبادرا. ووزيره هذا البزلياني معه قد تولى كبر ما أحدثه، ونفذ في مقدار ثلاثين فارسا من خاصة غلمانه، بعد أن غرق سفن المعابر الراتبة قدام القصر بالنهر، كيما يعتاص وصول الخبر إلى أبيه، بالمتنزه الذي كان فيه بعدوته، إلى أن يبعد في مهربه، فاتفق أن بادر إليه بعض غلمانه النازلين معه بالقصر، وقد أنكر مدخل إسماعيل وخطفه، فقطع النهر سباحة، وسبق إلى مولاه عباد فأيقظه من نومه، وعرفه بالحادثة، فسقط في يده، وبادر بإحراج عدة من فرسانه، وأنذر عليه قواد الحصون، فلجأ إلى قلعة الحصادي - حسبما قدمناه - واستقر بعد في اعتقال والده مدة يقلب الرأي في أمره ظهره لبطنه، ولا يبين من قوة غضبه عليه ما يؤنس من استبقائه له، وقد عجل على أبي عبد الله البزلياني لأول ما اعتقله عنده، لفرط حنقه عليه، فضرب عنقه، وقتل معه نفرا من خواص إسماعيل، فاستوحش من أبيه، ولم يشك أنه لاحق بهم، فدبر من مكانه، موضع اعتقاله، الهجوم على أبيه، والتسور على قصره من قبل عورة عرفها كيف [39أ] يفتك به ويصير مكانه، وساعده الموكلون به على الأمر وقد مناهم ببلوغ الأمل بتمامه، فقاموا معه في ما أراد من ذلك، والقدر يجد بهم به، إلى أن وقع في يد والده كرة أخرى فبطش به ولم يقله، وتفرد بقتله جوف قصره، فلم يقف أحد على مصرعه لطمس آثاره وآثار جميع أصحابه وغلمانه وخواصه، بعد أن جلد بعضهم، وقطع أطرافهم، وتجاوز إلى الضعفاء من حرمه ونسائه فأتى على خلق منهم سرا وجهرا، ومثل بهم أنواع المثلة، حتى طهر أثر ولده هذا وقطع دابره، فكأن لم يكن قط أميرا، ولا أنفذ(5/147)
حكما، ولا قاد جيشا، والله يملي لمن شاء، ويستدرج من يريد، له القوة البالغة.
وما ابن عباد ببدع فيما أتاه في هذا، فقد يضطر الملوك مع ذي أرحامهم السامين إلى نيل مرامهم من مستجرئ عليهم، إلى ما يحملهم على انتهاك أكثر من ذلك حبا للحياة الدنيا الغريرة، ومنجاة بالرغبة من الفرقة المبيرة، على أن العفو أقرب للتقوى لا محالة، مع أن أسباب الملوك الاضطرارية لا تحمل الاستقصاء، ولا تعرض للتمحيص، قرن الله بأعمالهم الصلاح، وجنبهم بمنة الجناح.
قال ابن بسام: وكان خاطب المعتضد يومئذ جماعة [من] حلفائه وقص عليهم نبأة [مع ابنه] ، فمن جواب بعضهم له في فصل قال فيه: تقديم الوصف - أيدك الله - للوداد والاعتقاد، من المتعارف المعتاد، فيستفتح به أول المكتوب، كما يستفتح الشعر بالنسيب، لكني - أيدك الله - أربا بحبلها عن شاهد غير الضمير، وواصف غير ما في الصدور، وبرهان غير الناظر المشهور، وأرمي شاكله الغرض، وأصف ما أباتني ليالي على قضض ومضض، ثم ما رد باقي الأنس، وشفى لاعج النفس، فإن الأنباء وردتني عن المنصور أبي الوليد ابنك ابني - أعزه الله - بانزعاجه أولا، وأبطأت الجلية كملا، فأشفقت على يقيني أن الداخلة تصده، والحقيقة ترده، وأن شهامته جمحت به، وصرامته صرمت منه، وأنه حسام دلق من غمده، وسهم نفذ وراء غرضه وحده، وأن ريح الصبا عصفت عليه وهو لدن المعطف، وغرة الشباب اهتبلته وهو سلس المقود(5/148)
لين المصرف، والمرء للخطل والزلل، وكل مخلوق ففيه النقص والخلل.
ومن جواب ابن أبي عامر له: الدنيا رنقة المشارب، جمة النوائب، تسلك بأهلها كل سبيل، وتريهم من خطويها [39ب] كل معلوم ومجهول، تقطع ما اتصل، وتمنع ما تبذل [وتسوء من حيث تسر، وتخون من حيث تفي، لا تمتع بحال، ولا تدوم] على وصال، وهذا أصح دليل على هوانها وصغارها، وأوضح تمثيل في تفاهة شأنها ومقدارها، وان كثر فيها التنافر، وعظم فيها التقاطع والتدابر، فنسأل الله ألا يصرفنا عن التوفيق، ولا يعدل بنا عن سواء الطريق.
وإن كتابك ورد بما لم يقع في تقدير، ولا عن مثله في ضمير، من الداهية الدهياء، والمعضلة الشنعاء، والحال الحادثة مع من رين على قلبه وعقله، وغبن في حظه ورشده، فزاغ عن نهاه، واتخذ إلهه هواه، ولقد وقفت بك، عمادي، على عبرة المعتبرين، وعظة المتدبرين المبصرين، فإن الذي رمتك به الأيام لغريبة الغرائب، تؤذن بانقطاع الخير، وارتفاع البر، أفلا راعى أولا ما أوجب الله تعالى [تقدست أسماؤه] للآباء على الأبناء - فإنه قرن ذكرهم بذكره، وشكرهم بشكره، فقال: (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) (لقمان: 14) وقال: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) (الاسراء: 23) إلى ما جاء في العقوق، فقد قيل: إن العقوق هلك، والمروق شرك؛ وقيل: عقوق(5/149)
الوالدين يعقب النكد، ويمحق العدد، ويخرب البلد. ثم هلا راعى آخرا ما سوغته من النعم التي غبط بها، وحسد فيها، وما خصصته [به] من العزة التي بذ فيها الأنداد، وشأى فيها الأتراب والحساد -! ولكن الشيطان الغرارة أغواه، وسلطان الجهالة أرداه، مع قرناء سوء [قيضوا له] زينوا له ضلالة، وأفسدوا عليه حاله، وبحق قيل: الوحدة خير من الجليس السوء (ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) (الكهف: 17) وقد صنع الله لك صنعا جميلا، ودفع عنك جليلا، وأجراك على ما عودك من فضله (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (فاطر: 43) فالحمد لله على نعمة خولها، وولاية أجملها، ومكيدة نقضها، وسعاية دحضها. وفي علمه احتراق نفسي لهذا الحادث الكارث، ومشاركتي في هذه الملمة المدلهمة، التي لم أخلها من حالتي الإشفاق والجزع، وخطتي الارتماض والتفجع، وان الأمر عندك وزنه عندي، ومأخذه منك مأخذه مني.
ومن جواب ابن مجاهد [له] من إنشاء ابن أرقم: وافتني - أيدك الله - مساهمتك الكريمة، ومشاركتك السليمة، الصادرة عن الصدر السليم، المقتضية للحمد والشكر العميم، وقد كان سبق كتاب قبل بما لزمني في الحادثة الأولى، فقلت: حسام [40أ] دلق، وسنان زلق، وشباب عصف، وجواد جمح فأسرف، وعثرة تستقال، وغرارة يرفع بها ذلك الاختلال، ثم بعد نفوذه وردني النبأ على عقبها، بما(5/150)
صغر تلك على عظمها، فترددت شرقا، واضطربت قلقا، حتى استوضحت من قبلك الأمر على آخره، وتلقيت عنك الخطب بموارده ومصادره، منسوقة مراتبه ومناقله، مشروحة أعجازه وأوائله، فما ساهمت إلا من تلقى ما أنهيته بنفسك، وشرب ما عاطيته بكأسك، وشاطرك الحال بنصفين، وكان هو أنت في القضية سيين، فتجرع ما تجرعت [واستفظع ما استفظعت، واستغرب ما استغربت] واعتبر بما اعتبرت، وفي الأيام والليالي معتبر، وإنها - لكما ذكرت ووصفت - عقيمة معجبة، وعنقاء مغربة، وما شهدت لها أخت إلا من أحد الفرس وأخرى من بني العباس، كما ذكرت، وقديما استغوى الشيطان، وكان للمرء سلطان، والزمان بمثلها جواد، ولإطلاع الغرائب معتاد، وقد أوتي صاحب الخضر على علمك من أقرب الولد رحما، وأضعفهم نفسا وجسما، ومن سوق بني أمية وغيرهم الجماء الغفير، والعدد الكثير، وكثيرا ما شهدنا وسمعنا بقاتل نفسه، وهي أكرم النفوس عليه، وآكل جسمه وهو أحب الجسوم إليه، وقد يفيض الداء من الدواء، ويشرق المرء بالماء، ويؤتى الحذر من مأمنه، ويجتنى القبيح من حسنه، والأدواء تثور في الولد، كما تثور في الجسد، وتتولد في القلب والكبد؛ وقرناه السوء يكدرون الأصفياء، كما يكدر المشرب العذب الدلاء، وما ندري يا سيدي [إلا] أنك أردت إقالته والله قد عثره، واعتقدت استعاذته والله قد غيره(5/151)
وأيأسك منه بقبيح فعله، وأسلاك عنه بعظيم جرمه، وكنت معه والله مع غيره، وأردته وأراد الله سواء، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع:
وليس لأمر حاول الله جمعه مشت ولاما شتت الله جامع
وقال الله تعالى لنوح عليه السلام بعد قوله (إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح) (فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) (هود: 46) وقوله للخضر عليه السلام (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما) (الكهف: 81) :
وكل مصيبات الزمان إذا أتت فهن سوا ما لم يصبن صميمي
وما زادت هذه على أن وقى الله صميمك، وصان حريمك.
قال ابن بسام: ولما [40 ب] أنشأ أبو محمد رسالته المتقدمة الذكر، تناغت لمة من كتاب العصر في معارضتها، وقد ذكرت بعض من أجاب عنها، وأذكر أيضا فصولا لمن انتصف على زعمه بالمعارضة منها، منهم من أفردت فصلا في ذكره، ومنهم من لم يقع إلي شيء من أمره، فلم أجد إلى ذكره سبيلا، ولا على موضعه من الصناعة دليلا، وكنت جديرا بتأخير رسالة من أفردت في ذكره فصلا، حتى أقبسها له لألاء، وأضعها في يده لواء، ولكن أذكر الشيء بما تعلق به، أو كان من سببه، لأقيد ما شرد، وأنسق ما تفرق وتفرد.
وله: أتم الله أيها الأمير، الجليل مجده، الجميل معتقده(5/152)
المشهور فضله وسؤدده، عليك نعمه ظاهرة وباطنة، وأجزل لك به قسمه متوافية زاكية، وآتاك من كل حظ أجزاله، ومن كل صنع أجمله، ومن كل خير أتمه وأكمله، فإن الأيام قد وصلت بيننا إلى التراسل سببا، وجعلت لنا في التواصل أربا، فإذا أمكن سبب قدمته، وإذا تهيأ رسول اغتنمته، توكيدا للحال معك، وتجديدا للعهد بيني وبينك، فمثل الحظ منك لا يهمل، سبب الحق الذي لك لا يغفل، ومكاتبة الصديق عوض من لقائه إذا امتنع اللقاء، واستدعاء لأنبائه إذا انقطعت الأنباء، وفيها أنس تلذ به النفس، وارتياح تلتذ منه الأرواح، وارتباط يتصل به الاغتباط، واعتقاد يتبين به الوداد، ومثل خلتك الكريمة عمرت معاهدها، ومثل عشرتك الجميلة شدت معاقدها، ومثل مكارمتك المبرة حمدت مصادرها ومواردها، فإني متطلع إلى أخبارك أراعيها، وحريص على أوطارك أقضيها، ومستمطر لكتبك الكريمة أجتليها، فمنذ صدر عني فلان لم أتلق عنك خبرا، ولم ألحظ من تلقائك أثرا، وذلك لا محالة لامتناع البحر وارتجاجه، وتعذر المسلك وإرتاجه، وإذ قد ذل صعبه، وهان خطبه، فأنا أعتقد أن كتابك بازاء كتابي هذا مجدد عهدا، ومهد عنه حمدا، فإنه ما دخل إلينا ولا تكرر علينا إلا وذكرك الجميل في فمه يبدئه ويعيده، وثناؤه يلهج به ويشيده، في شكر الأمير الأجل والإشادة بتعظيم أمره، وتفخيم قدره، فإنه لا يعرف عندنا إلا بوسمه، ولا يناضل [إلا] بسهمه، ولا يجاهد إلا عنه، ولا يحتسب إلا فيه. ومن جرى على البعد هذا المجرى، وشكر شكره النعمى، فحقيق بالإنعام [41أ] خليق بالإكرام.(5/153)
فصول من جملة رقاع لغير احد في ذلك
فصل من رقعة لبعضهم يقول فيها: ما أبصرك - أيدك الله - بل أذكرك! وكيف يوقظ اليقظان، وينبه النبهان، وحاشا أن تعلم الخمرة العوان، إن الدنيا على الغير موضوعه، وعلى المكاره مطبوعة:
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة إذا اخضر منها جانب جف جانب
ونقل الطباع لا يستطاع، ولا تبديل لحكم الجليل، والدنيا منكرة لمتعارفيها، مسلطة بنوائبها على بنيها، المتهالكين فيها، لاسيما الأحرار، فإنها تطالبهم بثار:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
ومنها: وماظنك بدنيا قلما تسمح بحبرة، إلا أتبعتها بعبرة، ولا تجود بمنحة، إلا كدرتها بمنحة، ولا تسقي شرابا، إلا شابته صابا، ولا تهب نسيما، إلا قلبته سموما، تكاد تسوء بالساعات، وقلما تسر إلا في الفلتات، ثم تغري بنا الآفات:
ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض على الماء خانته فروج الأصابع
وفي فصل: والأنام أغراض، لسهام الأعراض، قلما تتخطاها إن فوقت، ولا تخطئها إن رشقت، وقد يمقها من لا يثقها، ويتيامنها(5/154)
من لا يامنها، وأي أمان، من زمان، يدب دبيب العقربان، ويثب وثوب الأفعوان، ما أمكنها إمكان وعن لها مكان، ويسعى بالنميمة، بين الفروع والأرومة، وهيهات أن تصطفى حية رقشاء لين مسها قاتل سمها، يهوي إليها الجاهل، ويحذرها العاقل، وأي ناج من بأسها، ولو كان في سويدائها، هي والله ما علمت وتعلم، قريبة العرس من المأتم، هكذا عرفت، وبهذا وصفت:
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار وفي فصل منها: وإني منيت - أيدك الله - من زمني الخؤون، بشقيقة المنون، وكادت تكون، فيا لها [من] حادثة عظمى، وصدمة صما، كدرت شربي، وروعت سربي، واعجب لسهم رمي به راميه، ونصل دهي به منتضيه، أشد ما كان له استبصارا، وبه انتصارا، [وعليه اقتصارا] ، وليس يمكر من الأزمان، عكس الأحوال وقلب الأعيان؛ وتفصيل هذا المجمل، وإيضاح هذا المشكل، الذي رمزت بذكره، وعرضت بأمره، أن العاق المشاق، الجلف السفيه، المتمذهب بغير مذهب أبيه [41ب] ومن سلف من منسليه، ابني إسماعيل، الفاعل بي أسوأ الأفاعيل، أحدث حدثا أشنع، مثله يستفظع، بما كان منه، واستذاع عنه، من استهانة عقوقي، واطراحه حقوقي، وشذوذه عن أشكاله، وعدوله عن سنن آله، وإن جمعه بي منسبه، فقد نفاه عني مذهبه، كالذي استواه الشيطان، كأنما اقتاده في أشطان، وإذا قضى القدر، عشي البصر، وما جرأه على قبح فعاله، ومجانبته المعهود من حاله، إلا قرناء سوء قيضوا له، [إذ] جعلوا يضربون له أسداسا(5/155)
لأخماس، ويكيدونه بكيد الوسواس الخناس، حتى أوردوه أنشوطة، لم يكن مثلها أغلوطة، هوى به الهوى هوي الدلو أسلمه الرشاء، ولا غرو فقد تعدي الصحاح مبارك الجرب، وذلك أني لما أرضعته لبان مقتي، وملكته عنان ثقتي، وأدنيت زلفته، وأبديت رفعته، وأقبلته عين القبول، وأحللته مني محل الصلة من الموصول، وقلدته أعنة السياسة، ووسمته بسمة الرياسة، وأوطأت عقبه الرجال، وتجاوزت به حدود الآمال، نقلا من حال إلى حال، حتى مدت نحوه الأعناق، وسارت بذكره الأفذاذ والرفاق، ونيطت به الآمال، ولاذ به الأمال، وجعلت السيف والقلم من خدمه، ووضعت الوجوه تحت قدمه، يقول فيسمع لمقاله، ويصول فيرتاع لمصاله، حتى لقد كادت الأقدام أن تستوي لولا فضل الأبوة، ونقص البنوة، فلما رأى الدولة قد ألقت إليه بأزمتها، وأقادته بأعنتها، استأسد وتنمر، واستشعر الأشر والبطر، وحاول الشفوف، وربما كان فيه الحتوف، ونزع إلى الاستبداد، منزع الغبي إلى العناد، ورفض الحقوق، وآثر العقوق، وكفر بالنعمة ونام عن شكرها، فطويت عنه بأسرها، والشكر للنعمة نتاج، والكفر بها رتاج.
[وفي فصل منها] : فعلت مرمى قوسه ومنزع سهمه، كأنما كنت نجي سره، وولي أمره، وقد تبصر الظنون بغير عيون، فتتبعت(5/156)
خبره، وقفوت أثره، بخيل كالسيل بالليل، تعجز طالبها، وتدرك هاربها، فلم ينتبه إلا وقد أحيط به، ففزع إلى الاعتراف، وهو يذهب بالاقتراف.
[وفي فصل] : ومداراة الحية كيف تنفع، وهي إذا أمكنها اللسع تلسع؛ ولما أبى إلا الإباء، وأسر الشحناء، وحاول العظيمة، وتناول الجريمة، وكاد - وايم الله - يهدم بنيان الله، لولا دفاع الله، ألف أغمارا من العبدان كانوا عكوفا عليه، ورتبا حواليه [42أ] وأطمعهم في ما صرعهم، وأكثر المطامع، تئول إلى المصارع، ولو أنهم أيقنوا أن أنفسهم نعوا، وإلى دمائهم بأقدامهم سعوا، لتثبطوا، وما تورطوا، لكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، وإذا حان الحين، عميت العين، ورب ساع بقدمه، على دمه، فلما جن عليه الليل، والليل أخفى للويل، تساقوا بينهم المدام، ليقدموا بها أشد ٌقدام [ورب إحجام أنجى من إقدام] ، فأخذوا الثبات، وعقدوا النيات، وتسوروا الأسوار، وتخطوا غير ما دار، وداعي الهوى يدعوهم، وحادي الردى يحدوهم، وقد اعتقلوا الردينيات، وتأبطوا الهندوانيات، وشمروا ذيلا، وادرعوا ليلا، واقتحمواالمهالك، في أضيق المسالك، وترقوا الجدران، بأشد تمرد وعصيان، فسقط العشاء بهم على سرحان، فما تمالكت أن سمعت حسيسهم، ولحظت شخوصهم، فملئوا فرقا، وتصيروا فرقا، أيدي سبا، يجدون هربا، ويرومون الخلاص، ولات حين مناص(5/157)
ونفوسهم تودع أجسادها، وتستحث آمادها:
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا
ولم يمتروا الأرض قدرة القدير، تنقض التدبير، ولله عاقبة الأمور. وما كان رجاء القوم، إلا استغراقي في النوم، وأيقظني القدر، وما بي من حذر.
وفي فصل: فلما رأى اللعين أن سهمه قد طاش، وقد راش منه ما راش، وأيقن أنه حريق ناره التي سعر، وغريق تياره الذي فجر، شرد شراد الظليم، على حين لا حليف ولا حميم، وترامى من شرفات القصر، ترامي المذعور بالقسر، وهو ينشد:
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأكثر ما يجتني عليه اجتهاده
فأعجلت إليه هنالك من عثر وشيكا عليه، واستاقه استياق العاني، فيا وقفة المذنب الجاني، يشكو إلى من يصم عنه، ويتبرأ منه، وسيقت بطانته أسارى، من غير خمر سكارى، فأقروا بما دبروا، فالحمد لله جاعل تدميرهم في تدبيرهم، وإبادتهم في إرادتهم، ومن حفر لأخيه [بئرا] سقط فيها، واستحضرت مشيخة العلماء وجعلت الأمر بينهم شورى، إشارة للعدل في القضا، واتباعا لأمر الله تعالى في الغضب والرضى، فكلهم(5/158)
حد إنفاذ الحد، وتلوا قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في [42ب] الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا) الآية (المائدة: 33) .
فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
فاعتبر ياسيدي من هذه الفتن المضلة لأبناء الزمن، وانظر كيف يستدرجهم الشيطان، في مدارج العصيان، حتى إذا قحمهم الغرر، أسلمهم القدر، وكل ذلك مسطور ومأثور، وفي عقوق هذا من البنين، آية للعالمين، وما كان هذا اللعين، في ما جناه، فاجتناه، وسبه، فألهبه، وكاده، فأباده، إلا كالبقرة تبحث على مديتها بقرنيها، وكالنملة تطلب حتفا بجناحيها، فتبا للأولاد، يتقربون بالولاد، ويتابعون بالوداد، في مصارع الحساد، إن هم إلا فهود، بأهب أسود، يتقلبون بما صغروا، ويستأسدون إذا كبروا.
وفي فصل: ولعل قائلا قد سلب المعقول، يصول يوما فيقول، ويطعن ويغمز، حيث لا مطعن ولا مغمز، وينحلني الفظاظة والقسوة، ويعتدها وصمة علي وهفوة، ورب سامع بخبري لم يسمع عذري، ولست ببدع ممن ظلم فانتصر، وخولف فما اصطبر، ولا بنكير(5/159)
ممن أرضى باريه، باسخاط أهليه، إن لي في من سلف أسوة، وبالنبي عليه السلام قدوة، ولو نظر بعين الحقيقة، ولم يعدل عن سنن الطريقة، لكان من أنصاري، في إقامة أعذاري: هذا خليل الرحمن، وكان في الأنبياء من كان، لما تبين أن أباه عدو لله تبرأ منه، وقد تل أيضا عليه السلام ابنه الذبيح للجبين، ووضع في حلقه السكين، وهو من أبر النبيين، اتباعا لأمر الله حتى فداه الرب الكريم، بالذبح العظيم، وصبر على ما لو حل بالصخر لفلقه، أو بالحجر لفرقه؛ وهذا عمر بن الخطاب، وكان من كان في الأصحاب، قد قسا قلبه علة أبي شحمة، لم تأخذه فيه [رأفة ولا] رحمة، حين جلده، حتى فقده، وصبر غير مكتئب، صبر المحتسب، إرضاء لباريه، وتقربا إليه بما يرضيه. وكان لبعض بني العباس، وهم أئمة الناس، في ابنه العاق ما قد درس خبره، وطمس أثره، ولولا أن الإطالة، تفضي إلى الملالة، لأوردت من خبره الأشنع، ما فيه مقنع، وأحدثهم عهدا في هذه العصور، عبد الله الأمير وأبو عامر المنصور، فأما عبد الله فقد قتل ابنه محمدا، لما أحس منه تمردا، وكان قرة عينيه، فما عيب ذلك عليه؛ وأما [43أ] المنصور، وحسبك به جزالة وحزامة في الأمور، فقد فعل بابنه عبد الله ما فعل لما عصى، وشق العصا، هذا وما بلغا هذا المبلغ، ولا ولغا في الدم كما كاد هذا اللعين أن يلغ، ولو اقتصصت، فوق ما نصصت، لأطلت وأمللت(5/160)
لكن اجتزيت، بمن سميت، وأي عذر [يقوم] لمن مكنه الله في بلاده، وحكمه في عباده، ألا ينفذ حده الذي حده، ويؤثر فرضه الذي فرضه، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (المائدة: 47) ولولا عقاب المسيء، لقل من لا يسيء:
والظلم في خلق النفوس فان تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
ولا غرو ان أسهبت وأطنبت في خبر المغرور، فانها نفثة مصدور، وما أطقت تجرع الغصص [في كتم هذه القصص] التي فيها عبرة لأولي الألباب، وما كان هذا الذي طرا، حديثا يفترى، ولا هذا الذي طرق، نبأ يختلق.
ومن رقعة أخرى أيضا في ذلك مجهولة [القائل] : المحن على ضروب، والنوائب تجري بمعضلات الخطوب، فتفجأ بالرقم الرقماء، وتطرق بالداهية الدهياء، وتأتي بالغريبة الشنعاء، فلا واقي سواه، ولا مجير من بغتاتها حاشاه، وهب الحازم ارتقب الخطوب معدا لها من سننها، ولقي المكاره بسلاحها وجننها، كيف له بعلم خفيات الضمائر، وخبيئات البواطن والسرائر - إلا أن لطفه الخفي، وصنعه الكافي الحفي، يكلآن من توكل عليه، ويعضدان من اعتضد به [واستند إليه؛ وكنت] قد اختصصت ولدي الخائن الجاني إسماعيل بضروب(5/161)
من الإنعام، والإحسان والمبرة والإكرام، وملكته زمام أعنة الجنود، وأظللته بظل خافقة البنود، وأرضعته ثدي الحرب، وجرأته على مقارعة الطعن والضرب، وأنفذت أمره ونهيه، وأجزت فعله ورأيه، فقصرت عليه أقاصي المطامع، وأشير نحوه بالأصابع، ودعي بالرئيس الأمير، ولقب بالمؤيد المنصور، إلا أن ظن المرء يخطئ ويصيب، ولله أستار دون علم الغيوب، وليس على المرء ضمان العواقب، ولا كلف سوى الاجتهاد في المطالب، فإنما هو بشر، يقضي بما ظهر، ولله ما بطن واستتر:
فان كان ذنبي أن أحسن مطلبي أساء، ففي سوء القضاء لي العذر
وكان ينبئ ظاهره من الاجتهاد منتهى الاستطاعة، ويجزي أمره إلى غاية اللازم من حدود الطاعة، إلى أن علق به أغواه من شياطين الإنس فزين له زخرف الغرور [43ب] والفسوق، وقذف به في هوة الخذلان والعقوق، فأحال طينته إلى أخبث الترب، وقد تعدي الصحاح مبارك الجرب، ونقله من الطبع الكريم، إلى الخلق الذميم، وعوضه من طاعة الرب والأب، آفة الكبر والعجب، وحين لبس ثوب الغرة والخيلاء، وقاد الجيوش ملء الفضاء، واستضاف إليه من استضاف من شرار القرناء، طمع في بلد، لا تكون عليه فيه يد أحد، ليستعمل السفه والجهل، ويهلك الحرث والنسل، ويأبى دفاع الله من ذلك(5/162)
فهو أراف بخلقه من إسلامهم للمهالك، وطار النبأ إلي، وسقط الخبر علي، فبلغ عز وجل، من الكفاية غاية الأمل، وخاب سعيه، وفال رأيه، وندم ولات حين مندم، فتحركت مني الرحمة التي قطعها، وحنت الرأفة التي نبذها وخلعها، فعفوت [عنه] واعتلق بحبل الإنابة، وأسرع الدخول في باب الإجابة، وهو منطو على شر ضمائره، ومسر لأخبث سرائره:
وأظلم أهل الأرض من بات حاسدا لمن بات في نعمائه يتقلب
وقلبت توبته الظاهرة، وأقلت زلة قدمه العاثرة، ولم أخله فاضل اهتبالي واعتنائي، ولم أمنعه غير قربي ولقائي، فأطغاه ذلك وأبطره، وأطمعه في نيل ما كان أضمره، فرام التي لا شوى لها ولا بقاء معها:
أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
* *
سبكناه ونحسبه لجينا فأبدى السبك عن خبث الحديد
ولعمري لئن أجلته آباء سرو وصدق، لقد سرى فيه للخؤولة لئيم(5/163)
طبع وعرق، ولا غرو في هذه الحال، فقد يستحيل الزعاق من الزلال، وينام عرق الأب ويسري عرق الخال:
وأول خبث الماء خبث ترابه ... وأول خبث المرء خبث المناكح فعاقد سقاطا من خساس صبيان العبيد المتصرفين في أحط المراتب عندي، المنحطين عن الكون في جملة جندي، إذ لم يجد مساعدا على هذه القضية، من فيه أقل مسكة وبقية، فاستهوى ضعف عقولهم، واستنفر قليل تحصيلهم، وسلحهم بسلاحي، وراشهم بفضل جناحي، ودعاهم إلى عصيان ربهم وأمري [44أ] والتعرض لهتك سلطانه وستري، وتسنموا منيف الأسوار تنسم الوعول، بعد أن سقاهم صرف الشمول، التي تذهب بوافر العقول؛ يظنوني نائما ويحسبوني غافلا، والله ليس بغافل عما يعمل الظالمون؛ وكان عدد الفتيان الفجار، كعدد خزنة أهل النار، فأطلعني الله تعالى على حسهم، وأسمعني خفي ركزهم، فثرت من الفراش، رابط الجاش، فولوا على الأعقاب حين رأوا شخصي، متساقطين على الأذقان إذ سمعوا صوتي، وعاد الخائن الحائن إلى سور المدينة بعد أن خرق اليه، ورائد الموت يجول بين عينيه، فغير بعيد ما أسرته الخيل أسرا، وقيد إلي عنوة وقهرا، وكذلك شيعته المارقة، وصحابته الجانية الفاسقة، فلم يفلت منهم بحمد الله أحد(5/164)
ولا أجاره مكان ولا بلد، حتى أخذ الله تعالى بثاره منهم، وأقام حدوده فيهم؛ وأنا متأس في هذه الرزية، بكبار ملوك الإسلام والجاهلية، فقد تعدى عقوق الأبناء، إلى كبار البشر والأنبياء، حتى قال الله تعالى لنوح عليه الصلاة والسلام: (إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح) (هود: 46) والرب تعالى يخرج الخبيث من الطيب، ويقضي ما شاء في علم الغيب، لكني على العلات، ورعاية الحرمات، أرضي طاعة الله تعالى في من عصاه، وألتزم أمره في من خالف رضاه:
وإن السيف في الباغي جزاء أحق به من النسب القريب
بقية ما استخرجته من رسائله السلطانيات
فصل له من رقعة [عن ابن مجاهد] إلى المنصور بن أبي عامر: من اختار - أيدك الله - لحلته أزكى المعادن، واعتمد لمقته أسنى المواطن، كان جديرا أن يغتبط بجناها، ويرتبط بفوز عقباها، ويعلم أنها على الأيام صقيلة الأرجاء لا يصدئها الإهمال، صدقة المضارب لا يفلها الإعمال، وأنت الذي لا يدانى شرفه، ولا يسامى سلفه، ولا تجارى أعراقه، ولا يبارى إعراقه، فمن ظفر بصفاتك عتادا، فقد أصمى سهمه وقرطس، ونزل ساحة الفضل وعرس، ووثق بأنه(5/165)
ورد وردا لا تكدره الدلاء، واعتقد عقدا لا يغيره الإصباح والإمساء؛ وتلك حالي في ما منحته من صفاتك، ووليته من ولائك، والله يحرس حظي من وفائك، ويرفع المضار عن حوبائك، [بمنه] .
ومن أخرى عنه إلى المظفر بن الأفطس: إذا تشاكلت - أيدك الله - الأحوال والضروب، تقاربت الأهواء والقلوب، وقد قيل [44ب] : الشكول أقارب، والمذاهب مناسب:
ولن تنظم العقد الكعاب لزينة كما تنظم الشمل الشتيت الشمائل
وما تشتت لنا، بحمد الله، شمل، ولا انقطع بنا حبل، ولا غب بيننا وصل، بل نحن على ثلج تواصل يقتضيه التشاكل والتآلف، ونهج تداخل يستدعيه التعاقد والتحالف؛ وإني - علم الله - بمكانك لمباه، وبزمانك لمظاهر مضاه، أعتقد لك العقد الذي لا تجاذب أهدابه، ولا ينازع جلبابه، وقد نظمتنا من الأحوال المشاكلة والأسباب الواشجة ما كلانا له مراع، وإلى قضاء الحق فيه وحفظ الحظ منه ساع، ورب حال جددت تآلفا وودا، وأكدت وشدت على مر الأيام عهدا وعقدا، وبنت ما لا يهدمه الدهر ولو انتحاه من خطوبه بمعول، وأنحى عليه بجران وكلكل، والله يصل ما بيننا بالدوام والثبات، ويحرسه من الانصرام والانبتات.(5/166)
وله من أخرى: لئن ضنت الأيام بالمرغوب، ولوتنا في نيل المطلوب، فلا ضير نعلم أي القسمين أرجح فنتأسف على تركه، وأي الحظين أربح فننتظم في سلكه، وحق لمن نظر بعين الفكر أن لا يبالي بحالة تعترض، أو عزيمة تنتقض، أو حبل يرث، أو شعب ينتكث، فربما كان الاعراض احكاما، وأصبح الانتقاض إبراما، والهجران وصالا، وظل النقصان كمالا، والله ولي السلامة، في الظعن والإقامة.
ووافاني كتابك العزيز، فأول ما سرحت طرفي في مسطوره، وأعلمت فكري في منثوره، استطار الركاب فرحا، وعادت الغمرات مرحا، ثم أنشدت ورددت:
أهم بشيء والليالي كأنها تطاردني عن كونه وأطارد
بذا قضت الأيام ما بين أهلها مصائب قوم فند قوم فوائد
وعسى الله أن يعيد عهدا تجري فيه السوانح، وتسقط به البوارح، فيصفو جمام، وينقطع هيام، ويسل حسام، ويحمد مقام.
وله من أخرى إلى المنصور بن أبي عامر: إني - أيد الله الملك الكريم - لما أضاءت لي أهله مفاخرة في سماء الفخار، وأشرقت شموس مكارمه على مفارق الأحرار، وأبصرت شمائله الزهر تثير من الهمم كامنها، ومحاسنه الغر توقظ من الآمال نائمها، تيقنت أن بحق انقادت له القلوب في أعنتها، وتهادت اليه النفوس بأزمتها، فآليت أن لا ألم إلا بحماه، ولا أحط رحلا [45أ] إلا في ذراه، علما بأنه نثره الفخر، وغرة(5/167)
الدهر، فيممت ساريا في طالع نوره، متيمنا بيمن طائره، بأمل متحقق الربح، موقن [بالفلج و] النجح، حتى حللت بدرجة المجد، وأنخت بذروة السعد، فجعلت أنثر من جواهر الكلام، ما يربي على جواهر النظام، وأنشر من عطر الثناء، ما يزري بالروضة الغناء، وحاش للفضل أن يعطل ليلي من أقمارك، ويخلي أفقي من أنوارك، فأرى منخرطا في غير سلكك، منحطا إلى غير ملكك، لا جرم أنه من استضاء بالهلال، غني عن الذبال، ومن استنار بالصباح، ألغى سنا المصباح؛ تالله ما هزت آمالي ذوائبها إلى سواك، ولا حدث أطماعي ركائبها إلى حاشاك، ليكون لذلك في أثر الوسمي للماحل، وعلي جمال الحلي للعاطل، بسيادتك الأولية، ورياستك الأزلية التي يقصر عن وصفها إفصاحي، ويعيا عن بعضها بياني وإيضاحي، فالقراطيس عند بث مناقبك تفنى، والأقلام في رسم آثارك تحفى.
وفي فصل منها: والسعيد من نشأ في دولتك، وظهر في جملتك، واستضاء بغرتك، لقد فاز بالسبق من لحظته عيون رعايتك، وكنفه(5/168)
حرز حمايتك، فأنت الذي أمنت بعدله نوائب الأيام، وقويت بفضله دعائم الإسلام، تختال بك المعالي اختيال العروس، وتخضع لجلالتك أعزة النفوس، بسابقة أشهر من الفجر، وفطنة أنور من البدر، وهمة أبعد من الدهر:
لقد فاز من أضحى بكم متمسكا يمد إلى تأميل عزكم يدا
سلكت سبيل الفضل خلقا مركبا وغيرك لا يأتيه إلا تجلدا
ليهنيكم مجد تليد بنيتم أغار لعمري في البلاد وأنجدا
[وفي فصل] : وإنما أهدي إلى مولاي خدمتي، وأضع في ميزان اختياره همتي، لأمتاز في جملة عبيده، وأشهر في خدمته وعديده:
وما رغبتي في عسجد أستفيده ولكنها في مفخر أستجده
وكل نوال كان أو هو كائن فلحظة طرف منك عندي نده
فكن في اصطناعي محسنا كمجرب يبن لك تقريب الجواد وشده
إذا كنت في شك من السيف فابله فاما تنفيه وإما تعده [45ب]
وما الصارم الهندي إلا كغيره إذا لم يفارقه النجاد وغمده
وله من أخرى عن ابن مجاهد إلى ابن أبي عامر يعلمه بغدر أخيه حسن له، قال فيها بعد الصدر: وان الموفق مولاي - رضي الله عنه - كان رمى إلي بعهده، وقلدني الامر من بعده، وبايعني بذلك من كان في قبضة سلطانه، واشمال ديوانه، ولما اتفقت الآراء، ويئس الأعداء(5/169)
مد أخي حسن بيعتي يدا، وأظهر في طاعتي معتقدا، فما آن لمداد عهده أن يجف، ولا حان ليد عاقده أن تنحرف، حتى داخل صاحب اشبيلية في الغدر والخلاف، فأنفذ إليه رجلا يدعى سلمة من جنده ليتصرف على إرادته، فأجمعوا أيديهم والقضاء أملك، وأزمعوا كيدهم والقدر يضحك، وتوخوا صدري من صلاة الجمعة، فوافوني قد انسربت في كلة الأمن، ونمت في حجر حسن الظن، فما استيقظت إلا لصفح صفائحهم تصلت علي، ولا انتهبت إلا لضوء رماحهم تشرع إلي، إلا أن الله كان بازائي ظهيرا، وتلقاني نصيرا، وبين يدي رفدا، ومن ورائي مددا وردءا. فما كان إلا أن تساقط فراشهم في مصابيح الفرج، وأتسعت شبههم في موارد الثلج، وفزت وقد انجلت الكرة عليهم. فأما سلمة المذكور فانه رمى عن قوسه إلى نفسه، وسطا بسهمه على جسمه، فانثنى في بطاحه، مقتولا بسلاحه؛ وأما حسن فمر مستمرئا لما استمراه، مستمرا لما استحلاه، قد عارض النعمة بجحدها فسلبت عنه، وقارض الحسنة بضدها فانتزعت منه، على أنه كان بين الجفن والناظر نازلا، وبين الضمير والخاطر جائلا، قد قاسمته العيش نصفين، والحياة شطرين، له النوم ولي السهر، وله الأمن ولي الحذر، وله الصفو ولي الكدر، أشقى لينعم، [وأمتهن ليكرم] ، إلى أن واصلته(5/170)
الرفاهية فمل، ونادمته النعمة فاعتل، ومسه الخير فمنع، وغرته الأماني فانخدع، حتى ذاق وبال أمره (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (فاطر: 43) .
وله من أخرى [عنه] إلى المظفر بن الأفطس: وما أشك في ما ذكرت من أخذك معي بالنصيب الأوفر، والقسط الأكبر، من المصاب بفقد الموفق مولاي ومعظك، كان، - لقاء الله رضوانه، وألحفه عفوه وغفرانه - فقد كان إذا عد الأفاضل لا يثني خنصره إلا عليك، وإذا ذكر الرؤساء لم يشر بتصحيح الوفاء إلا اليك، فنحن لا نستوحش بفقد فاضل وذاته موجودة، ولا نرتاع لموت جليل [46أ] وحياته ممدودة، فانك إذا قال قائل منا: كسدت لوفاة الموفق سوق الأدب، وبارت بضاعة الطلب، وهوى نجم العلم، وكبا زند الفهم، وعفا رسم الحلم، وطفئ سراج الرأي، استثنى بك المجيب، وعزي بمكانك المصيب، وأطبق الإجماع أنك جماع الفضائل ونظامها، وفي يديك لواؤها وزمامها.
وله [فصل] من أخرى: أأظمأ إلى ماء نهر قد تغلغلت في حياضة، وأذاد عن لألاء زهر قد توغلت في رياضه، وأتعطل من حليك وقد فاض فض البحور، وأتعرى من حلك وقد ضفت ملابسها على(5/171)
الجمهور -! كلا والله، إني لعاجز مع تمكينها وإعراضها، وقلة عللها وأعراضها، ولقد رفع الله من هذا الأدب الذي جددت رسومه بعد دثورها، وأطلعت نجومه بعد غؤورها، ونهجت سبلة بعد انشعابها وطموسها، وبصرت أعلامه بعد ذهابها ودروسها، حتى مالت إليه الأعناق، وانثالت عليه الرفاق، وطمحت نحوه الأحداق، وحق لشيء نفقته أن يعز وينفق، ولنجم أطلعته أن ينير ويشرق، ولغصن سقيته أن يسبق ويورق، وجددته عن قدم، وأوجدته من عدم، ونشرته من كفن، وبعثته من جنن، فهو يثني بآلائك ثناء الأزهار للأمطار، ويعبق بشيمك عبق الأنوار بالأسحار، ويشير إليك إشارة المصنوع إلى الصانع، ويدل عليك دلالة الليل على النجوم الطوالع.
وفي فصل من أخرى: ان سبقت إلى الفضل فالمعهود منك السبق، وان أوجبت [لك] علي حقا فقديما كان لك الحق، وقد أبى الله أن يرتدي برداء الحمد، ويتقعد ذروة المجد، إلا من قرع أنف الأنفة، بيد النصفة، وعصى سلطان الحمية الجاهلية، بالانقياد لأحكام الملة الحننيفية، وما أربحه متجرا، وأرجحه مفخرا، لمن أهداه إليه توفيق، وهداه عليه تحقيق، وأنت - أيدك الله - ذلك الناظر بعين اليقين، الساهر(5/172)
في مصالح الدنيا والدين، وبحق علا قدرك، وسما ذكرك، وأصبحت في رؤساء الأندلس المشار إليه، والكبير المعتمد عليه.
ومن رسائله في ذكر الجهاد واستنفار كواف البلاد
فصل له من رقعة: ورد كتابك يحض على ما أمر الله به من الألفة، واتفاق الكلمة، وإطفاء نار الفتنة، وجمع شمل الأمة، في هذه الجزيرة المنقطعة عن الجماعة، فلله [46ب] رأيك الأصيل، وسعيك الجميل، ومذهبك الكريم، وغيبك السليم!! ما أصدق قيلك، وأهدى دليلك، وأوضح في سبيل البر سبيلك!! وقد كنت - علم الله - جانحا إلى ما جنحت إليه، ويلوح لي ما يلوح إليك: من أنا على طرف إلا ما كفى الله، وعلى قلة إلا ما وقى الله.
وله فصول [اقتضبتها] من رسالة فيها طول، كتبها على ألسنة أهل بربشتر، عنوانها: من الثغور القاصية، والأطراف النائية، المعتقدين للتوحيد، المعترفين بالوعد والوعيد، المستمسكين بعروة الدن، المستهلكين في حماية المسلمين، المعتصمين بعصمة الإسلام، المتآلفين على الصلاة والصيام، المؤمنين بالتنزيل، المقيمين على سنة الرسول، محمد نبي الرحمة(5/173)
وشفيع الأمة، إلى من بالأمصار الجامعة، والأقطار الشاسعة، بجزيرة الأندلس من ولاة المؤمنين، وحماة المسلمين، ورعاة الدين، من الرؤساء والمرءوسين، سلام عليكم، فانا نحمد الله اليكم، حمد من أيقن به ربا، وجعله حسبا، ولي المؤمنين، وغياث المستغيثين، مجري الفلك في البحر بأمره (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) (الحج: 65) ونصلي على المصطفى من أصفيائه، محمد خاتم أنبيائه، المبتعث بأنواره الساطعة، وحجاجه القاطعة، على حين عفت رسوم الدين، وخوت نجوم اليقين، فجلا الشك، وأدحض الإفك، فعليه من السلام أفضل سلام، ما وحد الرحمن، وثني الفرقدان.
أما بعد: حرسكم الله بعينه التي لا تنام، فانا خاطبناكم مستنفرين، وكاتبناكم مستغيثين، وأجفاننا قرحى، وأكبادنا حرى، ونفوسنا منطبقة، وقلوبنا محترقة، على حين نشر الكفر جناحيه، وأبدى الشرك ناجذيه، واستطار شرر الشر، ومسنا وأهلنا الضر، أحسن ما كنا بالأيام ظنا، وملتنا ظاهرة، وفئتنا متناصرة، لا تشل لنا يد، ولا يفل لنا حد، حتى انقلبت العين، وبان الصبح لذي عينين.
[وفي فصل منها] : وأي أمان من زمان قلما يخضر منه جانب إلا جف جانب، ولا تبرق منه بارقة إلا اتبعتها صاعقة، إلا ما وقى الله. وننبئكم(5/174)
- معشر المسلمين - بعض ما نابنا في ثغورنا، عسى أن تكونوا سببا لنصرتنا، فالمؤمنون إخوة، والمسلمون لحمة، والمرء كثير بأخيه، وإلى أمه يلجأ اللهفان، وإلى الصوارم تفزع الأقران، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من عميت عيناه، وصمت عن الموعظة أذناه. ونقص عليكم من نبأنا، وما انتهت إليه حال ملأنا، ما والله يوجع [47أ] القلوب سماعه، كما قصم الضهور وأسخن العيون اطلاعه.
وفي فصل منها: فأحاطت بنا كإحاطة القلادة بالعنق. يسوموننا سوء العذاب، بضروب من الحرب والحرب، أناء ليلها ونهارها، تصب علينا صواعقها، وترمي إلينا بوائقها، فانا لله وإنا إليه راجعون، على ما رأت منا العيون، من انتهاك تلك النعم المدخرات، وهتك ستر الحرم المحجبات، والبنات والمخدرات، وما تكشف من تلك العورات المسترات، فلو رأيتم - معشر المسلمين - إخوانكم في الدين، وقد غلبوا على الأموال والأهلين، واستحكمت فيهم السيوف، واستولت عليهم الحتوف، وأتخنتهم الجراح، وعبثت بهم زرق الرماح، وقد كثر الضجيد والعويل والنياح، ودماؤهم على أقدامهم تسيل، سيل المطر بكل سبيل، ورءوسهم قد أمهم تطير، وقلوبهم في أجسادهم تسيطر، ولا مغيث ولا مجير، وقد صمت الآذان، بصرخ الصبيان، ونياح النسوان(5/175)
وبكاء الولدان، وعلت الأصوات وفشت المنكرات، وتمرد الشيطان، واشتهر الطغيان، وظهرت الصلبان، وأفصحت النواقيس، وجلحت الأباليس، وسعرت طغاة الخنازير، وصارت الدور كالتنانير، دماء تسفك، وستور تهتك، وحرم تنتهك، ونعم تستهلك، وأقفاء تصفع، وأعضاء تقطع، وأعياث ترتكب، وأثاث ينتهب، ومصاحف تمزق، ومساجد تحترق، فلا الأخ يغي أخاه، ولا الابن يدعو أباه، ولا الأب يدني بنيه. (لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) (عبس: 37) ولا المرضعة تلوي على رضيعها، ولا الضحجيعة ترثي لضجيعها، كأنهم في مثل اليوم الذي ذكره الجليل، في محكم التنزيل، (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وتر الناس سكارى وما هم بسكارى) (الحج: 2) ؛فما ظنكم - معشر المسلمين - وقد سيقت النساء والولدان، وما بين عارية وعريان، قودا بالنواصي إلى كل مكان، طورا على المتون، وطورا على البطون، ومشيخة الرجال، مقرنين في الحبال، مصفدين في السلاسل والأغلال، مقتادين بشعور السبال، ان استرحموا لم يرحموا، وان استطعموا لم يطعموا، وان استسقوا لم يسقوا، وقد طاشت أحلامهم، وذهلت أوهامهم، وسخنت أعيانهم، وتغيرت ألوانهم.(5/176)
وفي فصل منها: وما ظنكم - معشر المسلمين - وقد رأيتم، [47ب] الجوامع والصوامع بعد تلاوة القرآن، وحلاوة الأذان، مطبقة بالشرك والبهتان، مشحونة بالنواقيس والصلبان، عوضا من شيعة الرحمن، [والأئمة والمتدينون] ، والقومة والمؤذنون، يجرهم الأعلاج كما تجر الذبائح إلى الذابح، يكبون على وجوههم في المساجد صاغرين، ثم أضرمت عليهم نارا حتى صاروا رمادا، والكفر يضحك وينكي، والدين ينوح ويبكي، فيا ويلاه، ويا ذلاه، ويا كرباه، ويا قرآناه، ويا محمداه، ألا ترى ما حل بحملة القرآن، وحفظة الايمان، وصوام شهر رمضان، وحجاج بيت الله الحرام، والعاكفين على الصلاة والصيام، والعاملين بالحلال والحرام، فلو شهدتم - معشر المسلمين - ذلك لطارت أكبادكم جزعا، وتقطعت قلوبهم قطعا، واستعذبتهم طعم المنايا، لموضع تلك الرزايا، ولهجرت أسيافكم أغمادها، وجفت أجفانهم رقادها، امتعاضا لعبدة الرحمن، وحفظة القرآن، وضعفة النساء والولدان، وانتقاما من عبدة الطغيان، وحملة الصلبان.
وفي فصل منها: وقد ندب الله مسلمي عباده إلى الجهاد في غير ما آية من الكتاب، يضيق عن نصها الخطاب، ترغيبا وترهيبا، فوعد المطيعين جزيل ثوابه، والعاصين أليم عقابه، والرواية عنه عليه السلام في فصل الجهاد، وما يجازي فيه رب العباد، أشهر من أن تذكر، وأكثر(5/177)
من أن تحصر، فالله الله في إجابة داعينا، وتلبية منادينا، قبل أن تصدع صفاتنا كصدع الزجاج، فهناك لا ينفع العلاج.
وفي فصل منها: ولا بد للحق من دولة، وللباطل من جولة، والحرب سجال، والدهر دول، و (لكل أمة أجل) (يونس: 49) ؛ ولولا فرط الذنوب، لما كان لريحهم علينا [من] هبوب، ولو كان شملنا منتظما، وشعبنا ملتئما، وكنا كالجوارح في الجسد اشتباكا، وكالأنامل في اليد اشتراكا، لما طاش لنا سهم، ولا سقط لنا نجم، ولا ذل لنا حزب، ولا فل لنا غرب، ولا روع لنا سرب، ولا كدر لنا شرب، ولكنا عليهم ظاهرين، إلى يوم الدين، فالحذر الحذر! فإنه رأس النظر، من بركان تطاير منه شرر ملهب، وطوفان تساقط منه قطر مرهب، قلما يؤمن من هذا إحراق، ومن ذلك إغراق، فتنبهوا قبل أن تنبهوا، وقاتلوهم في أطرافهم قبل أن يقاتلوكم في أكنافكم، وجاهدوهم في ثغورهم، قبل أن يجاهدوكم في دوركم، ففينا [48أ] متعظ لمن اتعظ، وعبرة لمن اعتبر، فانظروا إلى ثغورنا كيف تهتضم، وإلى أطرافنا كيف تخترم، وفيئنا كيف يقتسم، وأموالنا كيف تصطلم، ودماؤنا مطلولة، وحدودنا مفلولة، وأنتم عنا لاهون، في غمرة ساهون(5/178)
وكأنا لسنا منكم، ولا نحن سداد دونكم مضروبة، وجنن نحوكم منصوبة.
وفي فصل منها: وأنه إن استلبت الأطراف، لم تتعذر الأصناف، والبعض للبعض سبب، والرأس من الذنب، غير أنا دنونا وبعدتم، وشقينا وسعدتم، ورأينا وسمعتم، وليس الخبر كالعيان، ولا الظن كالعرفان، ولقد آن أن يبصر الأعمى وينشط الكسلان، ويستيقظ النومان، ويشجع الجبان.
إيجاز الخبر بحادثة بربشتر التي ذكر
ورجع المسلمين إليها
قال أبو مروان [ابن حيان] : وفي سنة ست وخمسين وأربعمائة تغلب العدو على مدينة بربشر قصبة بلد برطانية. الواسط لما بين بلدتي لاردة وسرقسطة، ركني الثغور العلا، وهي الأم البرزة، التليد حلول الإسلام فيها لأول فتوح موسى بن نصير، التي لم تزل من أقادم معمورات من تناسخ عمارة الأندلس من القرون الحالية، اتخذت بأكرم البقاع وأوثق البناء، راكبة لنهر ماردة سورا مضروبا لأهل الثغور القصى، [والدفع] في وجوه(5/179)
العدى، تناسخها قرون المسلمن منذ ثلاثمائة وثلاث وستين سنة، منذ أول عهد الفتوح الإسلامية بجزيرة الأندلس، فرسخ فيها الإيمان، وتدورس بها القرآن، إلى أن طرق الناعي بها قرطبتنا فجأة، صدر شهر رمضان من العام، فصك الأسماع وأطار الأفئدة وزلزل الأرض الأندلسية قاطبة، وصير للكل شغلا تسكع الناس في التحدث به والتسآل عنه والتصور لحلول مثله أياما لم يفارقوا فيها عادتهم من استبعاد الوجل، والاغترار بالأمل، والإسناد إلى أمراء الفرقة الهمل، الذين هم منهم ما بين فشل ووكل، يصدونهم عن سواء السبيل، ويلبسون عليهم وضوح الدليل.
ولم تزل آفة الناس منذ خلقوا في صنفين منهم، هم كالملح فيهم: الأمراء والفقهاء، قلما تتنافر أشكالهم، بصلاحهم يصلون، وبفسادهم يردون، فقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا هذين، بما لا كفاية له مخلص منه، فالأمراء القاسطون قد نكبوا بهم عن نهج الطريق، ذيادا [48ب] عن الجماعة، وحوشا إلى الفرقة، والفقهاء أئمتهم صموت عنهم، صدوف عما أكد الله عليهم في التبين لهم، قد أصبحوا بين آكل من حلوائهم، خائض في(5/180)
أهوائهم، وبين مستشعر مخافتهم، آخذ بالتقية في صدقهم، وأولئك هم الأقلون فيهم، فما القول في أرض فسد ملحها الذي هو المصلح لجميع أغذيتها، وان أصبحت بصدد من خبالها: هل هي إلا مشفية على بوارها واستئصالها -! ولقد طما العجب من أفعال هؤلاء الأمراء، أن لم يكن عندهم لهذه الحادثة الغراء في بربشتر إلا الفزع إلى حفر الخنادق وتعلية الأسوار، وشد الأركان، وتوثيق البنيان، كاشفين لعدوهم عن السوءة السوءاء من إلقائهم [يومئذ] بأيديهم اليهم: أمور قبيحات الصور، مؤذنات الصدور بأعجاز تحل الغير:
أمور لو تدبرها حكيم إذن لنهى وهيب ما استطاعا
ولكن ما الحيلة في أديم تفرى تعبنا، فغلب الصناع، يخالها العاجز سحيلات محلولة، وهي في حكمة القدير مبرمة مفتولة، ضل فيها الحكماء قبلنا، فلنا في الإقصار عن كشفها مندوحة؛ فلنأخذ فيما افتتحنا القول فيه من حديث المصيبة الفادحة في بربشتر:
وهو أن جيش الأردمانيين طنبوا عليها، ووالوا حصرها، وجدوا في قتالها طامعين فيها، وقد أسلمهم أميرهم يوسف بن سليمان بن هود لخطبهم، ووكلهم إلى أنفسهم، وقعد عن النفير نحوهم، فأقام عليها(5/181)
العدو منازلا أربعين يوما؛ ووقع بين أهلها تنازع على القوت لقلته، ولما علم العدو بذلك جد في القتال، فدخل الكفرة المدينة البرانية في نحو خمسة آلاف دارع، فبهت الناس وتحصنوا بمدينتهم الداخلة، ودارت بينهم حرب شديدة قتل فيها من النصارى خمسمائة؛ ثم اتفق من قدر الله تعالى أفضت إلى شط النهر، فانهارت في نفس ذلك السرب بأسره، فعدموا الماء وأيسوا من الحياة، ودعوا إلى تأمينهم على النزول بأنفسهم خاصة دون مال وعيال؛ فأعطاهم أعداء الله ذلك، فلما خرجوا نكثوا بهم وقتلوا معا، ولم يطلقوا منهم غير قائدهم ابن الطويل وقاضيهم ابن عيسى [49أ] في نفر من الوجوه قليل عددهم، فحصلوا من غنائم بربشتر على ما لا يقدر [حصره] كثرة؛ زعموا أنه صار لأكبر رؤسائهم، قائد خيل رومة، في حصته نحو ألف وخمسمائة جارية أبكارا كلهن، ومن أوقار الأمتعة من الحلي والكسوة والوطاء خمسمائة حمل. وتحدث أيضا أنه أصيب في هذا القتل والسبي مائة ألف نسمة، وشد الكفار أيديهم بمدينة بربشتر واستوطنوها، وهلك من نساء بربشتر جملة يكثر عدها عند إفلاتهن من عطش القصبة لتطارحهن على الماء(5/182)
يكرعن فيه بغير مهل، فكبهن للأذقان موتى. وكان الخطب في هذه النازلة أعظم من أن يوصف أو يتقصى.
قال أبو مروان: وبلغني أنه كانت المرأة تطلع من فوق سور المدينة، فتنادي من يدنو اليها من الكفرة عن جرعة ماء لنفسها أو لطفلها، فيقول لها: هاتي ما معك، ألقي إلي ما يرضيني أسقك، فتلقي اليه ما عندها من كسوة أو حلية أو مال، وتدلي نحوه ما حضرها من قربة أو آنية في رشاء، فتغيث به نفسها أو طفلها. وعرف الطاغية ذلك، فنهى رجاله [عنه] وقال: اصبروا وقتا ويؤخذون جملة. وآل بجماعتهم آخرا أن ألقوا إلى المشركين بأيديهم فارين من الظمأ مع أمان، فلما رأى الطاغية كثرتهم وانتشارهم، هاله ذلك وخاف أن تدركهم حمية في استنقاذ أنفسهم، فأمر أصحابه ببذل السيف فيهم ليخفف من أعدادهم، فقتل منهم يومئذ خلق عظيم تحدث أنهم نيفوا على ستة آلاف قتيل. ثم نادى ملكهم برفع السيف عنهم، وأمر جميعهم بالخروج عن المدينة بالأهل والذرية فابتدروا الخروج عنها مزدحمين على أبوابها، فمات منهم في ازدحامهم [ذلك، من الشيوخ والعجائز والأطفال] جماعة، وجعل كثير منهم يتدلون بالحبال من ذرى السور فرارا من ضغط الازدحام على الأبواب، وبدارا إلى شرب الماء، واستمسك في القصبة من وجوه الناس وجلداء فتيانهم نحو سبعمائة رجل، تحصنوا فيها ولاذوا من موت السيف بموت الغلة. ولما برز جميع من بقي من أهل المدينة عنها إلى فناء(5/183)
بابها بعد من خفف منهم بالقتل، وهلك في الزحمة، ظلوا قياما ذاهلين منتظرين لنزول القضاء بهم، نودي فيهم بأن يرجع كل ذي دار منهم إلى داره ووطنه بأهله وولده، وأزعجوا لذلك، فنالهم من الازدحام قريبا مما نالهم في خروجهم عنها فلما استقروا فيها [مع عيالهم وذرياتهم] اقتسمهم المشركون بأمر سلطانهم قسمة قرروها بينهم، فكل من صارت في حصته دار حازها، وحاز ما فيها من أهل وولد ومال، يحكم كل علج منهم في من [49ب] سلط عليه من أرباب الدور بحسب ما يبتليه الله به [منهم] ، يأخذ كل ما أظهره عليه من نشب، ويقرره على ما أخفاه عنه، يعذبه أنواعا من العذاب حتى يبلغ نفسه عذرها منه، فربما زهقت نفس المسلم دون ذلك فاستراح، وربما أنظره أجله إلى أسوأ من ذلك، فإن عداة الله كانوا يومئذ يتولعون بهتك حرم أسراهم وبناتهم بحضرتهم وعلى أعينهم، إبلاغا في تعذيب قلوبهم، يغشون الثيب ويفتضون البكر، وزوج تلك وأبو هذه موثق بقيد إساره، ناظر إلى سخنة عينه، فعينه تدمع، ونفسه تقطع، ومن لم يرض ذلك منهم(5/184)
أن يفعله في خادم أو ماهنة أو وخش أعطاهن خوله وغلمانه يعبثون بهن عبثه، فبلغ فيهم [يومئذ] ما لا تلحقه الصفة على الحقيقة.
ولما كان ثلاثة أيام من استيلاء الكفرة عليهم، نهدوا لمن كان بقي من المتحصنين بذروة القصبة، وأحاطوا بهم، فنزلوا على أمان وقد سهمت وجوههم، وتغيرت خلقهم، من عبث العطش، فتجافى الكفرة عنهم، وخرجوا يريدون مدينة منتشون - أقرب مدن الإسلام إليهم - فقضي أن لقوا سرية من خيل النصارى، لم يشهدوا فتح بربشتر ولا علموا خبر هؤلاء المسرحين المكروبين، فقتلوهم جملة، إلا من نجا به أجله منهم، وقليل ما هم، فمضوا على هذه السبيل على ما حكم الله فيهم.
ولما عزم ملك الروم على القفول [يومئذ] من بربشتر إلى بلده، تخير من بنات لمسلمين الجواري الأبكار، والثيبات ذوات الجمال، ومن صبيانهم الأيفاع والحزاور الحسان ألوفا عدة، حملهم معه ليهديهم(5/185)
إلى من فوقه، وترك بربشتر من رابطة خيله ألفا وخمسمائة، ومن الرجالة ألفين.
قال أبو مروان [ابن حيان] : وأختم هذه الأخبار البربشترية، الموقظة لقلوب أولي الألباب، بنادرة منها يكتفى باعتبارها عما سواها، وتمثل لذوي النهى صورة البلوى التي تتوقع شرواها، وهي ما حكاه لي بعض من أكاتبه بالثغور عن رجل من تجار اليهود، أتى بربشتر البائسة بعد الحادثة [عليها] ، ملتمسا فدية بنات لبعض وجوه من نجا من أهلها حصلن في سهم قومس من وجوه الرابطة فيما كان يعرفه، قال: فهديت إلى منزله الذي كان نزله فيها، واستأذنت عليه، فأجده جالسا مكان رب الدار مستوليا على فراشه، رافلا في نفيس ثيابه، والمجلس والسرير كما تخلفهما ربهما يوم محنته، لم يتغير شيء من رياشهما وزينتهما، ووصائف على [50أ] رأسه روقة مضمونات الشعور قائمات على رأسه سماعيات لخدمته؛ فرحب بي وسألني عن قصدي، فعرفته وجهه، وأشرت له إلى وفور ما أبذله في بعض اللواتي على رأسه، وفيهن كانت حاجتي، فابتسم وقال بلسانه: لسريع ما طمعت من قرب فيما أبرزناه لك، فأعرض عمن هاهنا، وتعرض لمن شئت ممن صيرته بحصني من سبيي وأسراي أقاربك في من شئت منهن؛ فقلت له: أما الدخول إلى الحصن فلا رأي(5/186)
لي فيه، وبقربك أنست، وفي كنفك اطمأننت، فسمي ببعض من هاهنا فإني أصير إلى رغبتك؛ فقال: وما الذي عندك مما تشوقني إليه - قلت له: العين الكثير الطيب، والبز الرفيع الغريب، قال: كأنك تشهيني ما ليس عندي: يا بجة - ينادي بعض أولئك الوصائف: يريد يا " بهجة " [فيغيره] بعجمته - قومي فاعرضي على هذا اليهودي الخداع مما في ذلك الصندوق؛ فقامت اليه، وأقبلت ببدر الدنانير وأجناس الدراهم وأسفاط الحلي، فكشف وجعل بين يدي العلج حتى كادت تواري شخصه؛ ثم قال لها: ادني إليها من تلك التخوت، فأدنت منها عدة من قطع الوشي والخز والديباج الفاخر بما حار له ناظري وبهت، واسترذلت ما عندي. ثم قال [لي] : لقد كثر هذا عندي حتى ما ألذ به، ثم حلف بإلهه وآبائه: لو لم يكن عندي شيء من هذا ثن بذل لي بأجمعه في ثمن مدنيته إليك ما سخت نفسي بها فيه، فهي ابنة صاحب المنزل، وله حسب في قومه، اصطفيتها له مع جمالها لولادتي، حسبما كان قومها يصنعونه بنسائنا نحن أيام دولتهم، وقد رد لنا الكرة عليهم، فصرنا الآن فيما ترته؛ وأزيدك بأن تلك الخود الناعمة - وأشار إلى جارية أخرى قائمة إلى ناحية - لمغنية السخين العين والدها التي كانت تشدو(5/187)
له على نشواته، إلى أن أيقظناه من نوماته؛ يا فلانة - يناديها بلكنته - خذي عودك فغني زائرنا بشجوك؛ قال: فأخذت العود وقعدت تسويه، وإني لأتأمل دمعها يقطر على خدها، فتسارق العلج مسحه، واندفعت تغني بشعر ما فهمته أنا، فضلا عن العلج، فصار من الغريب أن حث شربه هو عليه، وأظهر الطرب منه. فلما قطعت ويئست مما عنده، قمت منطلقا عته، واردت لتجارتي سواه، فاطلعت من كثرة ما لدى القوم من السبي والمغنم [على] ما طال عجبي منه. فهذا فيه مقنع لمن تدبره، وتذكره لمن تذكره.
قال أبو مروان [ابن حيان] : وقد أفشينا في شرح هذه الفادحة مصائب جليلة مؤذنة بوشك القلعة، طالما حذر عليها أسلافنا لحاقها بما احتملوه عمن [50ب] قبلهم من أثارة، ولأشد مما أفشينا عند أولي الألباب ما أخفيناه مما دهانا من داء التقاطع وقد أخذنا بالتواصل والألفة، وأصبحنا من استشعار ذلك والتمادي عليه على شفا جرف يؤدي إلى الهلكة لا محالة، إذ قدر الله زمانها، هذا بالإضافة إلى ما عهدناه في القرن الذي سلخناه من آخر أمد الجماعة على إدراك من لحق الذي قبله، فمثل دهرنا هذا فرس بهيم الشية ما إن يباهي بقرحة فضلا عن شدوخ غرة، قد غربل أهليه أشد غربلة فسفسف أخلاقهم، واجتث أعراقهم، وسفه أحلامهم(5/188)
وخبث ضمائرهم، فاحتوى عليهم الجهل، واقتطعهم الزيف، وأركستهم الذنوب، ووصمتهم العيوب، فليسوا في سبيل الرشد بأتقياء، ولا على معاني الغي بأقوياء، شاء من الناس هامل، يعللون نفوسهم بالباطل، من أدل الدلائل على فرط جهلهم بشانهم، اغترارهم بزمانهم، وبعادهم عن طاعة خالقهم، ورفضهم وصية رسوله نبيهم عليه السلام، وذهولهم عن النظر في عاقبة أمرهم، وغفلتهم عن سد ثغرهم، حتى لظل عدوهم الساعي لإطفاء نورهم يتبحبح عراص ديارهم، ويستقرئ بسائط بقاعهم، يقطع كل يوم طرفا منهم ويبيد أمة، ومن لدينا وحوالينا من أهل كلمتنا صموت عن ذكرهم، لهاة عن بثهم، ما إن يسمع عندنا في مسجد من مساجدنا ومحفل من محافلنا مذكر بهم أو داع لهم، فضلا عن نافر إليهم أو مواس لهم، حتى كأن ليسوا منا، أو كأن فتقهم ليس بمفض إلينا، قد بخلنا عليهم بالدعاء، بخلنا بالغناء، عجائب مغربة فاتت التقدير، وعرضت للتغيير، فلله عاقبة الأمور، وإليه المصير.
قال أبو مروان [ابن حيان] : فلما كان عقب جمادي الأولى من سنة سبع وخمسين [بعدها] شاع الخبر بقرطبة بارتجاع المسلمين لبربشتر، وذلك أن أحمد ابن هود الملقب بالمقتدر، المفرط فيها، والمتهم على أهليها لانحرافهم إلى أخيه، صمد لها مع مدد عباد حليفه، وسعى لإصمات سوء القالة عنه، وقد كتب(5/189)
الله عليه منها ما لا يمحوه إلا عفوه، فتأهب لقصد بربشتر، فسار نحوها، ورجال ابن عباد نحو من خمسمائة فارس، مقدمته من شداد البرابرة وغيرهم من أبطال الأندلس، فنزل عليها بجمعه، فجالدوا المسلمين بباب المدينة جلادا ارتاب منه كل جبان، وأغوى الله أهل [51أ] الحفيظة والشجعان، وحمي الوطيس بينهم إلى أن نصر أوليائه، وزلزل أعداءه، وولوا الأدبار مقتحمين أبواب المدينة، فاقتحم المسلمون عليهم وملوكهم أجمعين، إلا من فر من مكان الوقعة ولم يأت المدينة، فأجيل [السيف] في الكافرين، واستوصلوا أجمعين، إلا من استرق من أصغارهم، وابتغوا الفداء من أعاظمهم، وسبوا جميع من كان فيها من عيالهم وأبنائهم، وتملكوا المدينة بقدرة الخالق الباري، وأصيب على منحة النصر المتاح طائفة من حماة المسلمين، الجادين في نصر الدين، نحو الخمسين، كتب الله شهادتهم؛ وقتل فيها من أعداء الله الكافرين نحو ألف فارس وخمسمائة راجل، فاستولى المسلمون بحمد الله عليها، وغسلوها من رجس الشرك، وجلوها من صدا الإفك، ثبت الله فيها قدم الإسلام، وجبر صدع من تولى من إخوانهم، بمنه.(5/190)
ومن رسائله الإخوانيات
فصل له من رقعة في استفتاح خلطة: قد يتراسل الناس وإن لم تتقدم مباسطة، ولا سلف مخالطة، لأسباب تصل أهواءهم، وأحوال تجمع آراءهم، فتأتلف قلوبهم، وتعود ذات بينهم كأن لم تزل ملتئمة، وتلوح قواعد مؤاخاتهم كأن لم تبرح مستقرة مستحكمة، وقد دعاني إلى الأخذ بحظ من إخائك، والاكتئاب في ديوان أودائك وأصفيائك، سببان: أحدهما ما أرج إلي من طيب أخبارك، وجلي علي من محاسن آثارك، وقدر لدي من فضائلك التي تقاد اليك النفوس بأزمة ودادها، وتقف عليك خالص اعتقادها، فالفضائل حيث كانت مرغوبة محبوبة، والهمم نحوها جانحة طامحة، والأهواء بها كلفة، ولها مكتنفة؛ والسبب الآخر: مكانك من سيدنا الملك [الأعظم]- أدام الله رفعته، وثبت وطأته، ومكن سلطانه ودولته - وحظك الرفيع من أثرته، وحالك المشكورة في خدمته، فإن كل من اتصل به واعتصم بسببه، وفاء عليه ظله الظليل، وأحاط به فضله الجزيل، فقد جمعني وإياه ذمام كبير وسبب موصول، إذ أنا متمسك من حبله بأوثق عروة، ومستضيء من نوره بأنور جذوة.
وله [فصل] من أخرى [في مثله] : قديما تواصل الناس على البعد، وتهادوا ثمر الإخلاص والود، وإن لم يتقدم سبب موجب للتواصل، ولم(5/191)
يرد رائد مقتض للتراسل، وما أقول إن مخالطة تمكنت [51ب] لا سبب لها، ولا مواسطة تمهدت لا باعث عليها، فإن توق النفس إلى استصفاء الفضلاء، واقتناء مودات الأوفياء، أقوى أسباب الارتباط، وأدعى أبواب الاختلاط، ومحال أن تنجذب نفس، إلى من ليس لها به أنس، أو يكلف ضمير، بمن ليس له منه حظ موفور، وقد تخلت مخاطبتي لك من الأسباب إلا من سبب المحبة فيك، والمعرفة بجميل مذاهبك ومساعيك، والرغبة في اقتناء خلتك، وادخار صداقتك، لما شهر من أحوالك الجميلة، وظهر من خلالك النبيلة، ومن كان على ما أنت عليه، فمر غوب فيه منجذب إليه، مطلوب إخاؤه، مخطوب صفاؤه، محبوب على البعاد، مفدى حتى من الأضداد.
وفي فصل من أخرى [في مثله] : إن كانت المعرفة لم تحق، فكم أثر أهدى من عين، وكم خبر أغنى عن خبر، لئن كانت الألفة لم تسبق، فرب طارف حديث أكرم من تالد موروث، ورب مستفاد مكتسب، أغبط من عتاد معتقب؛ ووردني لك كتاب [كريم] نطق بلسان تفضلك فأصغى هوى النفس إليه، واستطفى مودات القلوب لديه، وقضى أنك عين الأعيان، وفاضل الزمان، والخاص بنوع الإنسان.(5/192)
وفي فصل من أخرى: منابت الفضل باسقة الفروع، حميدة الجميع، طيبة الجنى، جميلة المخبر والمرأى، لا تطلع إلا ما يبهج، ولا تلقح إلا ما ينتج، ولا تروق إلا بما يرف، ولا تثمر إلا ما يشف، وأنت في أطيبها معدنا، وأكرمها موطنا، ومن أزكاها منبتا، وأسراها مغرسا، ولا يرد منك إلا ما يعبق نسيمه، ويلذ شميمه، ويروق منظره، ويفوق مخبره، وما زلت أعرف لك الحق الوكيد، والسبق البعيد، والسعي السديد، فأقول إنك غرة في وجه الدهر البهيم، ومعذرة من إساءة هذا الزمن المليم، فما أخطأت عنك الفراسة، ولا اختلفت فيك الرياسة، بل أوفيت على المقدار المظنون، وأتيت من وراء المتيقن المضمون.
وله من أخرى: ورد كتابك الكريم يعرب عن ود لا تكذب فيك صفاته، وعهد لا تقرع صفاته، وقد كنت أتأمل فيك شواهد التحقيق، وأعلم أنك الواقع عليه معنى الصديق، على أنه في هذا الزمن كالعدم، إلا في الكتب والكلم.
وفي فصل من أخرى: ان عوائد المتكاتبين على أي حال كانوا من اتفاق المعاقد، واختلاف المقاصد، قد جرت على سنن من ذكر [52أ](5/193)
الود وانتحاله، وحسن العهد وجماله، تمتريه كل فرقة، وتتعاطاه كل طائفة، حتى قد كاد يقع الالتباس بين المحق والمبطل، وتختلج الظنون والظنن في عيان المتأمل، بكثرة الدعاوى في الناس والنفاق، وعدم التصافي في الأغلب والوفاق، فالكلام منهل مورود، وحبل ممدود، وباب غير مسدود، فما عسى الموالي المحق أن يكتب به، معربا عن صحة ضميره ومذهبه، ولعل الظنين المستراب به قد سبق من القول في هذا الباب إلى كل ثنية، وأتى من الإسهاب والإغراب بكل قضية سنية، قبل إعمال الروية، فهي ألفاظ مشتركة غير متميزة، وكلمات مختلطة غير متحيزة.
وفي فصل من أخرى [له] : وكنت أضرب صفحا عن ذكر حالي معك والاتباطها، وانجذاب نفسي إليك وانبساطها، وامتزاج ذاتي بك واختلاطها، إلا أني قلت: لا بد للنفوس من أن تظهر ألإعالها، وللحقائق ان تعطي أحوالها، فإن وراء كل دعوى، ستارا من النجوى، يعلم به هل تغلغلت في الضمير ذاهبة، أو أخذت في بعض الجوانب وازبة؛ وعلمت أنه لا بد من شواهد اللسان، مع معاقد الجنان، والله المطلع على الضمائر لم يقبل عقد الإيمان، حتى يصحبه عقد اللسان، ولهذا السبب لا بد(5/194)
للمرء أن يقول، وللسان أن يجول، إلا أنه يكتفى بالقليل من الكثير، ويحال على خواطر الضمير.
وله من أخرى: إن أخذت في ذكر فضائلك، أو عطرت كلامي بطيب شمائلك، فلسان الأيام بها أفصح، ولها أشرح، وان عدلت إلى وصف ما أعتقده فيك وأضمره، وأطويه من ودادي لك وأنشره، فشاهد ضميرك به أنطق، وعنه أصدق، فليس إلا الاتفاق والاصطلاح، على ما تتناخى به النفوس والأرواح.
وفي فصل من أخرى: وردني لك كتاب أراني كيف يكون الكلام درا، والبيان سحرا، وبطون المهارق حدائق، وما بين مدب الأقلام بوارق، فلله يد نمنمت وشيه، ونظمت حلية، وقريحة أطلعت أزاهره، ما أطول باعها! وأكثر في فنون الأدب اتساعها! ولله زمان أصحب بعد الامتناع، ووصل بعد الانقطاع، ورفع أعلام السعادة، وبلغ أقصى الآمال والارادة، بورود الكتاب الأثير من شاطبة، وقد تبوأ منها بسطة ذراه، وذكرت أنه وصل اليها على تناه من البهجة، فاتت الظنون، وراقت العيون، وتجاوزت حد [52ب] الجمال، واستوفت غاية الكمال، بالمنظر المعجب، والمرأى المستغرب، الذي لم تفتق الأسماع بمثله، ولا نهضت الأفكار بشكله، والحال مغنية بذاتها، عن صفاتها، فقد رفعها الله عن أن تحيط بها الأوصاف، ومحلها أجل عن أن تصفها الوصاف؛ فإنها نادرة الأيام، وفائدة الزمان، يسير بها الركب، وتحلى بها الكتب، وتدون في صحائف الفخر، وتعمر على مر الدهر، ويبلى العصر، وهي جديدة الذكر.(5/195)
وله من أخرى: وحين انتظم أمل، وتناهى جذل، لما أشرفت عليه من صدر الكتاب الكريم، أوقفتني منه على حفزة عتب، وخزت وخز الأشافي، ولدغت الأفاعي، فأمرت الحلو، وكدرت الصفو، وحزنت النفس، وشردت الأنس، فناهيك بكسلي بعد نشاطي، وانقباضي غب انبساطي، وهذه عادة الأيام يجيء كدرها جملا، وصفوها لمعا، والله المستعان على ما يجيئني منك وأنا ذاهل، ويطرقني وأنا غافل.
وفي فصل له: وربما تهيأت الصداقة، وتمكنت العلاقة، على تنائي الديار، وبعد الأقطار، وبالأخبار السائرة، والأنباء المتواترة، ببارع مناقبهم، وباهر مذاهبهم، وجليل فضائلهم، وسامي منازلهم، فتتعارف القلوب، ويجمعهم عقد الوداد، وإن تناءوا في البلاد، وينظمهم سلك الصفاء، وإن لم يكن سبيل إلى اللقاء، فإذا خطب بعضهم وصل بعض ألفاه موطأ الكنف، مهيأ اللطف، سهلا مرامه، سلسا زمامه.
وقد خص الله الوزير الأجل بضروب من المفاخر، وصنوف من المآثر، تتأملها أعين النظار، وتتحملها ألسن الأخبار، ويخطها سواد الليل على بياض النهار، ويحدو بها حادي الرفاق، على أقاصي البلاد والآفاق، ويسري بها سراه الركبان، إلى نائي البلدان، حتى لقد(5/196)
أسمعوها كل أذن صماء، وأروها كل عين عمياء، وعمروا بها طل قطر وإن شط وبعد، وأنطقوا بها كل لسان وإن عيي وجمد، فألوية الحمد عليه خافقة، وألسنة المجد بفضله ناطقة، وكل أفق بكواكبه منير، وكل قلب بصفاء مودته معمور، والله يبقيه للمكارم نظاما، والأفاضل إماما، ولمحاسن الدنيا تماما.
وفي فصل من رقعة وجدتها له منسوبة، وفي ديوان رسائله [53أ] مكتوبة، وهي فيما أراه لسواه: أما البلاغة فأنت مقيم بردتها، ولا غرو، فمن زاحم في العلم بالمنكب الأشد، وخطا في عرضه الأدب بالباع الأمد، واستولى في مضمار الركاب على الأمد، أتى من الإبداع بالعجب العجيب [واجتنى قطف الاختراع من المكان القريب] ، وتقنص شارده بالسهم المصيب. وما زلت أفض كتبك عن بدائع دونها السحر، ولآلئ يزهى بها النحر، وغرائب يعذب بها لو مازجته البحر، فأعترف بالتقصير؛ ومن ركب في الكتابة عصا قصير، أنى له بمطاولة من ركب عصا فقير - وما كفاك - أبقاك الله - حين قابلتني بما لو قوبل به النجوم لانحطت إليه من سمائها، أو الغيوم لترقرقت عليه من أرجائها، أو السموم لسمحت بنسيمها وأندائها، وذلك ما أبديته، مما أديته، بل(5/197)
أهديته، من تلك الرسالة المستبينة الإعجاز، المنتظمة الهوادي بالإعجاز، الآخذة بحاشيتي المجاز، التي رب قلائدها، وأبو فرائدها، وولي خرائدها، واحد أقرانه جلالة، وقريع دهره جزالة، ونسيج وحده أصالة، الكاتب الماهر، وبدر الصناعة الباهر، أبو فلان [ابقاه الله] ، فإنك جلوت [علي] من أبكاره كرائم، [وسقت إلي من نتائج أفكاره تمائم، وفتقت عن زاهر افتراره كمائم] ، وعرضت علي من توليد تفكيره، وبديع منثوره، وأنيق تحبيره، ما هو أحلى من لذة الكرى، وأشهى من درك الغنى، وأعبق من نفحات الأنوار، غب القطار، عند تبلج الأسحار.
وفي فصل من أخرى: ولما تعين علي وظيف المراجعة، بعد طول الممانعة، وشدة المدافعة، نثرت [له] كنائن اعتزازي، وشحذت أسنة أقلامي، وامتريت درة كلامي، فبعد لأي ما انقادت صعابه، وذللت ركابه، وتفتحت شعابه، وكتابي [أعزك الله] طورا يبسط يدي وطورا يقبضها، وتارة يرسلها وأخرى يعترضها، ومرة يقعدها وأخرى ينهضها، حياء من مقابلة بحرك بنطفي، ومحاسن ضيائك بسدفي، ومناطحة طبعك بكلفي، فأما الود، فمنتظم العقد، وأما العهد(5/198)
فمستحكم الشد، وأما الجد، فكرياض الورد.
وله من أخرى: وإذا كانت الأعلاق [النفيسة] الثمينة، والجواهر الرفيعة المصونة، يرغب في اقتنائها، ويتنافس في ادخارها واصطفائها، وهي أحجار جوامد، ومتملكات صوامت، فأخلق بأعلاق الشرف المجيد، وجواهر السؤدد التليد، أن تمتد اليها الأيدي والأعناق، وتستهديها الأقطار والآفاق، وتخالس اليها الأيام والليالي [53ب] ولا يعتمد منها إلا الرفيع العالي؛ وعلق صفائك - أعزك الله - أرفع الأعلاق، كما أن عرق سنائك أكرم الأعراق، فقد انجذبت اليك انجذاب الراغب فيك، والحريص عليك، واستشعرت لك ودا قدمته، وعهدا أحكمته، وصفاء أخلصته، وإخاء أمحضته، علما أني أغرسه من تربك في ثرى ثري، وأطلعه من جوهرك في أفق صاح مضى، وإن كانت المواصلة قبل لم يمتد لها سبب، ولا انعقد لها مذهب، والمداخلة لم يفتح لها باب، ولا نازع إليها انجذاب، فقد تعاقبت عليك الأيام من نوائبها ومواهبها، ومساءاتها ومسراتها، وما وجبت مشاركتك فيه، وقد قدمت الرزية، فارتفعت التعزية، وأعقبت العطية، فلزمت التهنية، وأنا أسأل الله أن يهنيك كل سرور، ويجزي بمحابك المقدور.
وله من أخرى: لتتمثل - أعزك الله - منصفا مقامي، وتتخيل مسعفا خجلي واحتشامي، من لدن افتتحت كتابك [إلى] أن اختتمته، وابتدأته إلى أن أتممته، وقد رأيت في مباديه وانتهاءاته، واقتضيت(5/199)
من فصوله وغاياته، ما غمر وبهر، ورق وراق، وشق وشاق، من تواضع شريف، وتدان رفيع منيف، ووسمني بسماته، ووصفني بصفاته، وحلاني بحلاه، وأقحمني في علاه، وأثبت في ديوان الكتابة اسمي، وإن كانت الحقيقة لم تثبت فيه رسمي، ومن لي بالعصا في ميدانها، ولست من فرسانها، وكيف لي بتلك الصناعة، وأنا مزجى البضاعة -! كلا، فقد سبق ارتجاجي رهوك، وشأى اجتهادي عفوك، أيام كنت رخي البال، ناظرا إلى الدهر بعين استصغار، وان كنت أنت تخترع فأتبع، وتهيب فأجيب، فالآن إذ أخمدت الخطوب نار رويتي، وارتشفت النوائب ماء بداهتي، فما غادرت فيه شفاعة ولا علالة، ولا أسأرت فيه صبابة ولا بلالة، أرتخي أن أطيل فلا أمل، وأختصر فلا أقل -! هيهات! يأبى ذلك جفن أرق، وقلب محترق، وفكر ناب، وذكر كاب، ولو كنت ممن يبدئ ويعيد، ويحسن ويجيد، لما اغترفت إلا من بحرك، ولا نفثت إلا من سحرك، ولا أغرت إلا على نظمك ونثرك، فأنت قدرتي، وبك أسوتي، وإليك منهى روايتي، ومنك معظم درايتي.
ومن أخرى: إن استدللت - أعزك الله - أو أدللت أو انبسطت، فإخلاذ إلى جنب المقة، واعتمتد على ركن الوفاء والثقة، وانقياد لما تقدم من الذمام السالف، وتأكد من تالد الإخاء [54أ] والطارف، والله يبقيك عينا للزمان، وعنوانا في صحيفة الإخوان.(5/200)
ومن أخرى خاطب بها أبا القاسم بن خيرون: وقفت على ما حددته من مقابلة السفرين المشتملين على فنون الآداب، وصناعة الكتاب، وطرق الخطاب، الجامعة لفصاحة الأعراب، ولباب اللباب، وبادرت إلى ذلك بدار من علم أنها نعمة سابغة منجتها، ووصلة وصلتها، لما في تأملها من الإشراف على طرق البلاغة والكتابة، وصناعة الترسيل والخطابة، مع ما يلزمني من حقك أقضية، وواجبك أتصرف فيه وأوفيه، إذ أنت صنو أبي مولاي - مد الله علي ظلكما، وكبت الباغي عليكما، والحاسد لكما - فكم يقرع سمعي من قول الحاسدين من خص أبي مولاي بمعاداة أهل الجهل، وحباه بمولاه أهل الفضل، ولا غرو فغير غريب ذلك من فعلهم بالعلماء، ولا ببديع من صنيع الدهماء، وقد قال الأول:
بيني وبين لئام الناس معتبة ... لا تنقضي وكرام الناس خلاني
إذا لقيت الأصل أبغضني ... وإن لقيت كريم الأصل حياني وقال آخر:
لقد زادني لنفسي أنني ... بغيض إلى كل امرئ غير طائل
وأني شقي بالئام ولن ترى ... شقيا بهم إلا كريم الشمائل(5/201)
وهو في فصل منها: ومن العجائب العجيبة، والنوادر الغريبة، تحكك من ليس من شانه، ولا يجري في ميدانه، إلى مطالبته، ونصبه لمحاربته، بالإبراق وللإرعاد، والتهديد والايعاد، لا جرم أن يده أقصر، وخطبه أيسر، وهو أصغر وأحقر، فما ريع بذلك الوعيد، ولا رأسه لذلك التهديد، ولا أصبح سربه خائفا، ولا أمسى طائره واقعا، ولا طرفه خاشعا، ولا اضطرب به مستقر، ولا قال أين المفر، بل عد ذلك من دلائل سموه الواضحة، ومخايل علوة اللائحة، وتضاحك منه لاهيا، وأنشد:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر بطول سلامة يا مربع
ومن أطرف ما جاءت به الأيام، وتحدثت به الأنام، مناواة جاهل خسيس، لإمام عادل رئيس، لقد استنت الفصال حتى القرعى، ولا تعجبن لجاهل علا، إن البغاث بأرضنا يستنسر، وما لتيس جبان، والجري مع العلماء في ميدان -! أوهمه نفسه إذ لقب [54ب] بالفقيه، وذلك أقصى أمانيه، وهو من العلم، أبعد من النجم، ومن الجهل الشديد، أقرب من حبل الوريد، وكيف يجاري العلماء، ويسامي الكبراء، ويزاحم أهل العلم بالفروع والأصول، والعلة والمعلول -! وماذا(5/202)
عليه من العلم [المدار] ، بوثائق ابن العطار، وبعقد وثيقة وهو لا يعرف معانيها وفصولها، [ويطول وهو لا يميز حشوها وفصولها] ، إلى الله الشكوى في دثور العلم وتألب الجهلاء والغوغاء، وتألفهم على من بان فضله عليهم، حتى صاروا على الشر أعوانا، وإن لم يكونوا قبل إخوانا، خوفا على جهلهم أن يظهر، وينتشر من غباوتهم ما استتر:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصوم
وذو الجهل في الدنيا بذي الفضل مولع*
إن المقدم في حذق بصنعته أنى توجه منها فهو محسود
وليت لو كانوا من الأكفاء والأنداد، وموضعا لوداد، ومكانا للأقتصاد:
ولو إني بليت بهاشمي خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على عداوته ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
اخرج يا دجال، فقد غلب المحال:
قوم إذا ما جنى جانيهم أمنوا للؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا
وفي فصل منها: وإني ليبلغني ما يأتي به من هذيانه في النثور والموزون، وتخطيه إلى العرض المصون، والنيل من ذوي الفصل والدين، فأهم(5/203)
بمعارضته، ثم أمسك عنه لتفاهته ودناءته، وأذكر قول القائل:
نجا بك لؤمك منجى الذباب حمته مقاذيره أن ينالا
[وقوله] :
* ومن يعض الكلب إن عضا *
لو كنت من أحد يهجي هجوتهم يا ابن الرقاع ولكن لست من أحد
وله من أخرى خاطب بها [الوزير] أبا المطرف بن الدباغ: مطالعتك - أعزك الله - منتظره، وصلتك مستمطرة، فلا تعتذر إلا من الإغباب، ولا تستكثر قليل ما تصل به من الكتاب، فأنا إلى أخبارك متطلع، ولآثار الصديق المخلص من النفس موقع، وقد علم علام الغيوب شغل بالي بك، واقتضائي الأيام لك، ما تقتضيه لنفسك وذاتك، من آمالك وإرادتك، وإنه ليعتريني حصر عند مجاوبتك، وخجل حين [55!] مكاتبتك، من خلو كتابي إليك، من معنى تشد عليه يديك، وفائدة تعود بمسرة عليك، ولكن الأحوال لا تغرب ولا تغيب، وليس على الأيام عتب ولا تأنيب.
وفي فصل منها: وردني كتابك مشاركا لي بفضلك، في ما أظلم من(5/204)
بالك، واغتم من حالك، وتعذر من أمرك، وتأخر من إسعاد دهرك، كأنه نفثة المصدور، وسلوة الموتور، وتعلة الشاكس إلى أخيه، وراحة الباكي مع من يباكيه، وقد علم تعالى أن مساهمي لك في ذلك مساهمة من يخصه ما يخصك، ويمسه ما يمسك، ولكن ما يصنع مع الأيام إذا صمت عن الشكوى، وأبت من العتبى، والأقدار إذا لم ينته لها أمد ولا مدى -! وإن عذرك لواضح أن يضيق صدرك، ويعاصيك [في] بعض الأحيان صبرك، فقد ترى حظوظا أنت بها أحق، وغيرك اليها أسبق، وأحوالا أنت الجاري إلى غاياتها، وغيرك الجاني لثمراتها، إلا أنها الجدود لا تعجل عن آنائها، ولا تحفز في أناتها، وعندك من معرفة الأيام ما يسليك وينفعك، ومن الأدوات ما لا يهملك ولا يضيعك، وأنت في اقتبال سنك، وعنفوان أمرك، وحالك واعدة لك بأكثر مما نفسك، فلا تضجر [بفضلك] فالزمن بين يديك، وعدم الأمائل محوج إليك.
ومن أخرى إليه: إذا اتفق للمرء وفي يصادقه، وسرى يوافقه، وأديب يجاذبه أهداب الآداب، وأريب يناهيه لباب الألباب، فقد ظفر بالأخ الأسنى، وأفاض بالقدح المعلى، وراد من الأنس مرادا خصيبا، وفوق في أهداب المنى سهما مصيبا، فهي الضالة التي تنشد ولا توجد، والغريبة التي توصف ولا تعرف، وهو الاسم الواقع على غير مسمى، كعنقاء مغرب، وأرى أن قد ظفرت منك بذلك المطلوب الذي هو في(5/205)
حيز العدم، وتنسمت منك السجايا والشميم، واعتقدتك من الذخائر والعدد، واعتددتك لليوم والغد؛ ووصل كتابك الكريم وبحر القول فيه يزبد، وإنسان البيان منه يسجد، وطرف الاهتبال به يسهر، وطويل باع الشكر عنه يقصر.
وفي فصل من أخرى: قد يجزئ التميم عند عدم الماء، ويكفي التعلل من كمال الشفاء، وتلك حال كتابك الكريم الوارد، وجوابك الأثير الوافد، فإنه سد من الأنس مسدا وإن لم يكف، ونال من جلد الوجد منالا وان لم يشف، أما إنه ماء وان لم يبلغ أن يكون صداء، ومرعى وإن لم ينته أن يكون سعدانا، ورأيتك رحلت على أن المقام ثلاثا فطابت لك حتى [55ب] أتممت عشرا، بل ما لأقمت إلا دهرا، فقد زدت على المثل، وتمليت مسافة الجذل، فهنيئا لك غير منغص، ومزيدا غير منتقص.
ومن أخرى: ورد كتابك فلحظت منه فجر البيان، وشجر الإحسان(5/206)
وثمار البديع المزرية، واستخفني باعجابه، واستفزني بإطرابه، فأشهد لو كان خلقا لكان إنسا، أو نورا لكان شمسا، أو روضا لكان حزنا، أو ماء لكان مزنا، وكلما سرحت فيه ناظري، وأجلت في أرجائه خاطري، رأيت الطبع البعيد كيف مواقع إبداعه، ومنتهى اختراعه.
ومن أخرى: قد سقط القول بيننا في الاعتقاد، وتعريفا من سنن التزيين فيه والاحشاد، فلا يحط من ورائه، ولا يريق بالإعادة من مائة، وجعلنا الضمائر - وكفى بها بيانا وتبيينا - لا تنفك محوطة، وبالكفاية منوطة، فلو استطعت لوضعت الذنب والجناح، وسقطت سقوط الندى قبيل الصباح، لا سيما وقد اتصل بي اعتلال طاف بك، أرق عيني، وقرب حيي، فما عرفته إلا بطارئ من أفقك، استوضحته عن خبرك، إلا أنه أنس بتصرفك واستقلالك، ثم تتابعت البشرى بطلوع الكريم خطابك، معلما بابلالك، فمضى الغمة، وقوى الهمة، وسكن القلب، وأزاح الكرب، وأشفقت أن لم تشاركني لوقت العارض، حتى من الله بالشفاء الفائض.(5/207)
فصول من كلامه في رسائل الشفاعات والوسائل
فصل من رقعة كتبها شافعا بابن حماد، أحد أفراد القواد: وقد سمت بي همتي التي هو بفضله اسماها، وأطال مداها، أن أقرع باب كرمه شافعا، وأستمطر سحاب نعمة راغبا، في إقالة عثرة عبد من عبيد الدولة، باخع بحق الطاعة، خاضع لعز القدرة، مات بسبب القرابة واللحمة، قد اتخذني سببا إلى علائه، وسلما إلى سمائه، إذ علم أني لدولته - خلدها الله - ولي، وبدر نعمته غذي، وفي كنفها ربي، ووثق أن مثلي من دعاته في القطر الشاسع، وأشياعه في البلد النازح، لا يرد إذا رغب، ولا يصد إذا طلب، ولا يحرم إذا شفع، ولا يحجب إذا قرع، لا سيما وهو طالب عفو مذنب، ورضى عن معتب، والعفو أقرب للتقوى، والصفح أدنى إلى الزلفى، ولمقيل العثرات عند الله جزاء الحسنى.
وفي فصل منها: وقد كنت قدمت في شانه من الرغبة ما يقتضيه، [56أ] فأعلمت أن شدة الموجدة عليه سدت عنه باب رغبتي فيه(5/208)
فسلمت بسياسة الدولة التي منها يستملي الدهر إذا أملى حكما، وعنها يقتبس الزمان إذا ارتأى عزما، وعلمت أن لكل أجل كتابا، ولكل أمد حسابا، ثم لم أيأس من عطفات الملك الأجل إذ كان كرمه اكرم شافع إليه، وانجح وسيلة لديه، يناجيه بلسان الشفاعة، ويلم بين يديه بساط الضراعة.
وقد علم أن فلانا المذكور سهم من سهام تلك الدولة على أعدائها، وسيف مسلول دون من يليها من نواحيها وأرجائها، ويقارع من ضادها، ويعاند من حادها، وفي الإبقاء على جمهور من المسلمين كثير، وإحياء من الأرضين كبير، وتأمين سبل مخوفة مقطوعة، ورعية ضعيفة مروعة، وتحقن الدماء في أهبها، وتمنع الدهماء، من كلبها، ويرد على العيون كراها، ويزجى إلى النفوس مناها، [وفلان المذكور عند سيدنا يد قد دميت بسوارها، وصليت من شمس علائها بأوارها، فهو فرع من دولته المنيفة، وواحد من جملته الشريفة وعسى أن يكون العذاب قد انتهى، والملك الأجل قد استبقى] ؛ ولو أمكنني أن أخوض البحر إليه، وأمثل راغبا بين يديه، لفعلت، وكان ضمانا على كرمه ألا أرجع [عنه] صفر اليدين، ولا أنقلب بخفي حنين، فليمثلني - خلد الله ملكه - واطمئا للبساط، سائلا في السماط، قد أطلقت(5/209)
لسان الرغبة، وأدللت بذمام الولاية والمحبة، وإن كنت لم أسع في ذلك، إلى هناك، بقدمي، فقد سعت آمالي وهممي، وعرف الجميع، أني الراغب الشفيع، فالعيون ناظرة، والآذان مصيخة، والأعناق متطلعة، والنفوس متشوقة، إلى ما يكون من الملك الجليل، من الفعل الجميل، من مقابلة شفاعتي - إن شاء الله - بالقبول.
وفي فصل من أخرى: من حكم شيمك - أيدك الله - الحالية، وديدن هممك العالية، أن توجب للراغب، وتنعم قبل عزيمة الطالب، واسعف من غير شفاعة ولا مسألة، وتلتزم الحق من غير ذمام ولا صلة، فكيف بك إذا توسل بذمة محبة متوسل، وتوصل بحرمة قرابة متوصل، وضرع من عبيد اصطناعك ضارع، وشفع من صدور أودائك شافع، هنالك لا محالة يوري زاده من غير قدح، ويفضي جده إلى نجح، وينتهي سراه المحمود إلى أبين صبح، ويحوز الشافع جمال القبول، ويفوز المستشفع بثمرة المأمول؛ وفلان من أصحابي [الأخصين] الأخلصين، ومن أشياعك الأودين الأجدين، وكما نحن في أحوالنا كلها مشتركان، كذلك نشترك فيه شرك عنان، فلي شخصه وقربه، ولك(5/210)
ضميره وقلبه، وإن لزوتني رعايته من وجه [56ب] فهي لك من وجوه ألزم، إذ حالك معه أقدم، وأنت أرعى وأكرم.
وذكر أنه يخاصم بعض بني عمه -[كثره الله]- وكان الضلع في خصومته عليه، وإن كان الحق في يديه، لأسباب دنياوية، لا لتوجه حكم [ولا] قضية، ورغبته الموصلة برغبتي، المؤيدة بشفاعتي، أن يكون له منك جانب يرقى منه إلى مستعصب مطالبه، ويدرأ منه في نحر مطالبه، ويعيد الشهود عليه شهودا له، والمتألبين عليه إلبا معه، وإذا شد زنده حسن رأيك في يده، ضرب بنصل يقطع الهام في غمده، وسرى بسراج يضيء له مبهم قصده، فإن الله يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن.
وفي فصل من أخرى: عبد سيدنا - أدام الله عزه - قد تحيفت الأيام قواه، وتخونت الحادثات عراه، وقربت الثمانون خطاه، فاختلج بنانه حتى كأنه لم يتعلق من الكتابة بأطناب الإطناب، ولا تصرف من البلاغة في سهوب الإسهاب، ولا عد في الدواوين من صدور الكتاب؛ والحضرة الجليلة تنعم باستماع بثه، واغتفار رثه، جريا على الكرم(5/211)
المعروف، وسعيا إلى الفضل المألوف؛ وعبده يخدم البساط بالتقبيل، ويسأل أن ينزله منزلة القبول، مهتبلا، مجملا، إن شاء الله.
[وله من أخرى: كيف لا أتحكم - أيدك الله، وأوصلك إلى ما ترضاه - على سيادتك تحكم المدل، وأتقدم في ذلك تقدم المنبسط المسترسل، وقد مهدت لي جانب الإفضال، وأمنت سربي قديما وحديثا من الإملال والاخجال، فإن انسطت فبحق، وإن شفعت فبضمان صدق] .
[ومن أخرى: إذا استحكمت المقة، وتمكنت الثقة، وخلص الصفاء من كل شوب، وسلم الإخاء من كل عيب، ارتفعت أسباب التحفظ والترقب، وعصيت دواعي الانقباض والتهيب، واسترسل المرء راغبا في كل ما عن له، وانبسط شافعا لكل من اتصل به، وذلك عندي - أبقاك الله - رسمي في تواتر من كتبي، في من له به لديك عناية وإكرام، وله إلي وصلة وذمام] .
[ومن أخرى: تلزمني - أيد الله مولاي - علائق لو وقف منها على السر، لتجلى له وجه العذر، من هز فضله في شأن فلان مملوكه وحبيسه بره، ليعطف عليه عطفه الماجد، ويحنو عليه حنو الوالد، على فراخ كزغب القطا، وعيال ليس منهن إلا المفجعة الحرى، دموعها تنهل كالسحاب، وضلوعها تلتهب بنار الاكتئاب، قد شملهم الفرار، ونبا بهم القرار، وعوضوا بالبؤس من النعيم، وأديلوا بالحزن من السرور المقيم، كأتما يتكحلون بالسهاد، وينامون على شوك القتاد] .(5/212)
[وأنا أمد إلى مولاي يد الضراعة، وأسأله إن لم يستوجب المذكور الرعاية لنفسه، فليرعه لأصله ومغرسه، وان لم يرق لذاته، فليرق لبنيه وبناته، وأهله وعوراته، وأذكره كلمة المأمون: لو علم الناس حرصنا على العفو لتوصلوا إلينا بالذنوب؛ وقوله: إني لأتلذ بالعفو حتى أخشى أن لا أؤجر عليه. وكان الحجاج قد استأصل بالقتل أسرى ابن الأشعث حتى انتهى إلى فتى منهم فقال: أيها الأمير: لئن أسأنا في الذنوب ما أحسنت في العفو، فقال الحجاج: أف لهذه الجيف، أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا -! وأمسك عن القتل مع قساوته، وحقنت عنده هذه الكلمة الدم، وتغمدت الاساءة والجرم. ومولاي بصحة فطرته، وتوقد فكرته، وذكاء فهمه، واتساع حلمه، أحد من اتبع كريم الآثار، وشيد مباني الفخار، ولم أذكره على طريق الحجة، لكن على وجه الذكرى التي هي في الأكرمين ناجعة، وفي المؤمنين نافعة، كما قال الجليل، في التنزيل، (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) (الذاريات 55) ] .
ومن كلامه في ذكر التهنئة وإقامة رسم الهدية.
فصل له من جواب: ورد كتابك ففضضت ختمه عن رياض تفتحت عن أزاهر كلمك، ونشرت طيه عن جواهر حكمك، ولحظته(5/213)
بعين التدبر لمعانيه، وجميع ما ضمنته فيه، فوجدته قد أخذ بطرفي الآداب، واكتست عليه حلة الإيجاز والاسهاب، فاطردت مياه البراعة من فروع منثوره، وعبق نسيم البلاغة من مسكه وكافوره، وقابلتني منه أوجه من البر جميلة، فأردت ترك مفارضتك، نكولا عن مبارزتك، وذهبت إلى العدول عنها كلالا عن مناجزتك، وأنى بمناضلتك وقدحك الفائز، وكيف بمجاراتك وشأوي العاجز، تالله لولا مخافة العقوق، وترك واجبات الحقوق، لأضربت عن مجاوبتك تقصيرا، ولو شمرت عن ساعد ذهني تشميرا.
ووصل معه الغزال الأهيف، وكأن عينيه عينا وسنان مالت به نشوة الراح، وثنى عطفه هزة الارتياح، كأنما كحلا سحرا، وأشربا خمرا، ينظر بهما نظر المريب، ويعرض إعراض الحبيب، بجيد أتلع، [57أ] ومنظر أروع، وكأن قرنيه قلمان، وكأن أذنيه جلمان، ينصبهما إذا أوجس، ويثنيهما إذا أنس، وكأنما كسي أيطلاه حلة الشفق، وطرزت بسواد الغسق، يتوحش في الإنس، ويأنس في الكنس، عدوانه رياح، ومثواه قراح، تخاله سهما إذا انصاع، ومعشوقا أشعر برقيب فارتاع، يزداد جماله إذا نفر، وتروق محاسنه إذا ذعر:
كاد يحكي غزالة الإنس لولا رقة في الشوى وقرن علاه(5/214)
أنا أهواه لا لشيء ولكن كلفا بالفتى الذي أهداه
وقرنت إلى هذه الهدية الرائقة، والمنحة الفائقة، شطرنجا صغيرا كأن اقليدس قسم أجزاءه، ورقق أشكاله وأنحاءه، يحار في لطيف صنعه الوهم، ويضل في كيفيته الفهم، قد قسم قسمين: قسم أحمر، وقسم كأنه من ناصع الجوهر، تتقابل خيله بلا فرسان، وتنقاد بلا عنان، في أرض مربعة الأقطار، تثير سنابكها العثار، وكأن الرخ إذا برز للمصاع، وأشهر العرصة للقراع، بطل تتقى حملته، ولا تؤمن جولته، يهوي هوي الصقر في الجو، ويصول صولة الأسد في الو، إذا حمل على صف قسمه، وإذا ضرب قرنا قصمه، يكمن فيله كمون الكمي، ويبرز بروز القسور الجري، يرتصد الفرصة، وينتهز الغرة، وكأنما الفرزن إذا جال متبخترا، أو مشى متكبرا، ثمل يترنح، أو سكران يتزحزح، فإذا شد عقده بالبيذق، فإنه مركز دائرة الفيلق، وكأنما الشاه كسرى حفت به مرازبه، أو بدر أحاطت بفلكه كواكبه، هي به قطب كواكب الجوزاء وعليها تدور الدوائر، وقلب الكتيبة وعليها تقتتل العساكر، وكأن الرجل رجل جراد تريش(5/215)
سهام الحرب، وتقدح نار الطعن والضرب، تبرز إلى المقاتلة بلا سلاح، ويصرع بعضها بعضا بلا جراح، قد اكتفت عن الصوارم بصرامتها، وعن السابغات بصلابتها:
جيشان يقتتلان لا لعداوة ... أبدا ويصطلحان لا لوداد
أهداه سعد الدولة الندب الذي ... جمعت محبته عرى الأكباد وله من أخرى جمع فيها بين التهنية والتعزية: أحوال الدنيا - أعزك الله - مبنية على التداول والتعاقب، ومساءاتها ومسراتها جارية مجرى التبادل والتقارب، فمن عبرة تفضي إلى عبرة، ومن مساءة تعقب بمسرة، ومن محنة تفتر عن منحة، ومن ترحة تقلع عن فرحة، ولله تعالى في جميع الأحوال المختلفة، والأقدار المتصرفة، حقوق من الصبر على السراء [57 ب] والضراء، وعلى الأولياء المختصين فروض من المشاركة والمظاهرة في كل ما ناب من حزن، وثاب من حسن، قد جرت بها العوائد، واستوى فيها الغائب والشاهد، فتلك ترعى بالدعاء والتهنية، وهذه تتلقى باطراء والتعزية. والله يجعل أيام مسراتك الأكثر إسعادا، وأوقات تهنئاتك الأوفر أعدادا.
وأنهي إلي من تقليدك العهد، وامضائك العقد، للناصر [سيدي] وأسنى عددي أبقاه الله]- على بلنسية - عمرها الله بدوام عزك، وحماها باتصال نصرك - مكان المعتصم - رحمه الله - فقلت: ملك تردد في عنصر، وخاتم تنقل من خنصر إلى خنصر، وقد سددت - أيدك(5/216)
الله - ثلما، وشفيت كلما، وسمعت الخطوب رغما، وأوسعتها هما.
ومن أخرى: أطال الله بقاء الوزير الأوحد، الخطير الأمجد، مسرورا بسمو الأحوال والرتب، معصوما من طوارق الأحداث والنوب. إذا تقادمت الذرائع والوسائل، وتناصرت الطبائع والشمائل، كان للود مع ذلك وفور ونماء، ولكرم العهد ظهور وبهاء.
وفي فصل منها: وكيف لا أدخل إلى رضاه من كل باب، ولا أفترس من عداة بكل ظفر وناب، وأطير من السرو، لما تهيأ له من الظهور، بكل جناح، وأتقدم إلى الفخار، بما يبلغه من الأوطار، بغير جناح، وهو ركني الذي يقيم ظهري، ويرد عني صرف دهري، ومعه هواي، الذي يعضد ديني ودنياي، ويدني إلي أملي ومناي؛ أسأل الله تعالى أن يبقيه للوزارة زينا وفخرا، وللرياسة ركنا وذخرا، وللدين عزا وجلالا، وللملك زينا وجمالا.
ولما طلع البشير علي بتصيير الوزارة اليه، ودور رحى الخلافة عليه، جددت لله تعالى حمدا وشكرا، ولنعمه الجزيلة ذكرا ونشرا، وأخذتني هزة الجذل والارتياح، وأسفر لي وجه الأمل والاقتراح، فانتشيت من فرح وطرب، ونيل مراد وأرب، ودعوت الله أن يجعلها ولاية، تبلغ من السعد نهاية، وتضاعفت للدين حماية؛ وقد تعين علي أن أهنئ بالوزارة بل هي المهناة بمصيرها اليه، وظهور رسمها عليه، فهو المعدل لحدودها وسيرها، المحسن لوجودها وصورها، المبين لحجرها وغررها(5/217)
لا زال سيدنا زينا للدول والممالك، ونورا في المواطن والمسالك، وفخرا لأهل المشارق والمغرب، وقبلة لذوي الحاجات [58أ] والمآرب.
ومن رسائله في التعازي
فصل له من رقعة: يا سيدي، ومن لا زال جأشه ساكنا، وحرمه آمنا، وباله ناعما، وأنف من عاداه راغما، بودي [أعزك الله] لو خاطبتك بالتهنية لا بالتعزية، وشاركتك بالعطية لا بالرزية، ولكنها الأيام تحلي وتمر، والأقدار تسوء وتسر، والرزايا تتطرف وتتحيف، والمنايا تستدرج وتتخطف؛ واتصل بي وفاة الوالدة [المرجو لك دعوتها، المبلوة بركتها] فساءني يعلم الله أن يطرق خطب حماك، ويطأ رزء ذراك، مشاركة لك في المهم، ووقوعا معك تحت الحادث الملم، إلا أني أرجو أن تشد له عزائم عزائك، وتحمله على كبد احتمالك، وتقلب إليه مجن اصطبارك، وتذكي علبه قبس اعتبارك، فتعلم كثرته وجموحه، وتذكر شموله وعمومه، وتستشعر أنه عرف لا نكر، وعوان لا بكر، فتتأسى بكثرة الباكين، على الهالكين، وتتعزى بسرعة اللاحقين، على السابقين. والنساء كيف كانت مراتبهن، والحرم وإن جلت منزلتهن(5/218)
لم يغلق عليهن كأبواب التراب، ولم يسدل دونهن كستور القبور، ورب أم مبرورة، وأخت كبيرة، قد نزعت منزعا من الصيانة، وذهبت مذهبا من مباح الديانة، ود ابنتها وأخوها قبل ذلك لو طواها كفن، وواراها جنن، فتقدمهن أصون لهن، وأولى بهن.
وفي فصل من أخرى: كتبت عن قلب يقشعر، ونفس بين ضلوعها لا تستقر، لخبر الرزء الهاجم، والنبأ الشنيع الكالم، بوفاة [الحاجب عز الدولة سيدي] ، كان، لقاه الله الرضوان، وألحفه العفو والغفران، محتضرا في أول الكمال، مخترطا عند الاقبال، مبادرا قبل الإبدار، معاجلا بالسرار، في عنفوان الإقمار، فيا لها حسرة ما أنكاها للنفوس، وجمرة ما أذكاها في القلوب، وروعة ما أفتها في الأعضاء، ولوعة ما أحرها على الأكباد، لكنه أمر يعم ولا يخص، كل نفس لها جارع، وفيها كارع، فمن مبتدر يعاجل، ومنظر يناول:
وما نحن إلا مثلهم غير أننا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدموا وأنت أعلم بالأيام وصروفها، والأرزاء وصنوفها، والأنفس ومآلها، والأجسام واضمحلالها، والعواري وارتجاعها، والمنائح ومقادير إمتناعها، من أن يغلبك الجزع والتهالك، وينزع بك الجلد والتماسك، فأنت بالأزمان خبير، وبالأحوال بصير، وباستعمال ما في ذكرك من أمثال التأسي [58 ب] ومواعظ التعزي جدير، ومثلك أعد للأمور أقرانها(5/219)
وحمل على النفوس أحزانها، ولم يغرب الدهر عليه ببدع من نوائبه، ولم يفجعه بما لم يحسبه من مصائبه، ولم يتجاوز دمع العين حزن القلب، إلى إحباط الأجر وإسخاط الرب؛ وإن كان الله قد سلب بعدله، فقد وهب بفضله، وإن كان أخذ فقد أعطى، وإن كان اخترم فقد أبقى، وبهذا صدع عروة بن الزبير رضي الله عنه عندما مني به في أحد أبنائه، وبعض أعضائه، والله يمتعك بالباقي الراهن، وينفعك بالثاوي الظاعن، ويجعل هذه الرزية منهى بلواك، وآخر رزاياك، وييسرك للتسليم والاحتساب، ويحفظ عليك ما عرضك به من مذخور الثواب، وإن كان قد جرى هذا الأمر، على خلاف حكم الدهر، في تقدم الأسلاف على الأخلاف، فصنع الله لك أجمل، وصنعه في بقائك أعدل، لغنائك عن المسلمين، ومكانك للدنيا والدين، فالملم ببقائك مغتفر، والمهم وإن جل محتقر.
وذكرت أنه خرج من بيته مجاهدا، وعن حمى الدين ذائدا، فقد وقع أجره على الله، وفاز بكرامة الله، وإذا فاز بالسعادة والشهادة وهو فرطك وشافعك، فهو لا محالة مغتبطك ونافعك؛ وقد أخذت بحظى من هذه الحادثة الشنعاء، والداهية الدهياء، في من تستقبل له أحوال، وتناط به آمال ويعد في أكابر العدد، وفي دخله الصديق والولد، والآخر (-) إشفاقا عليك من مضطر فقده، وتصور شديد اكتئابك من بعده، فمثل هذا في مثله لم يكد للمصاب به صدر، ولا يثبت للصدمة الاجاجية صبر، فإن جزع الجازع فالعذر واضح، وإن صبر المصاب فالأجر راجح(5/220)
ومشاركتك لي فيما طرقتك به الأيام، وفجعك فيه الحمام، مما أشكره من فعلك، وأنشره من فضلك، أوزعني الله شكرك، ومد في عمرك، وأعقبك زيادة العدد، وجمع لك بين سعادة اليوم والغد،
وفي فصل منها: وأنت الطود الموفي على كل هضبة، المعلى على كل فرحة وكربة، وما بقيت وعوفيت فكل خطب وإن جل جلل، وكل صعب وإن أعضل فمحتمل، فالله يا سيدي في نفسك العزيزة أن يكون فيها كامن رزء يقدح، أو أن يوهن منها باطن أسى يكدح [59 أ] أو يفدح، فأنت سداد كل ملم، وسنا كل مظلم، وأنا أضرب لك الأمثال، وأعلم مع ذلك علم الحقيقة أن مصابك كبير، ورزءك أليم خطير، لا يكاد يتعلق بالجازع منه ملام، ولا يستمر على الصبر فيه اعتزام، فمن كرم الكريم، الجزع على الحميم، ومن خواص القلوب، الأسف على المحبوب، وإذا كان الحيوان غير ناطق يحن ويرأم، فنحن بذلك أحق، إذ نحن أرق قلوبا وأرحم، إلا أن مثلك ممن عظم قدره، وتقدم بالأيام خبره، أرجح علما من أن يسلمه العزاء إلى التهالك، أو تغلبه الأرزاء على التماسك.
وفي فصل من أخرى عن ابن مهاجر إلى ابن أبي عامر: لو استغنى - وأيدك بالنصر - أحد عن التعزية، واكتفى مصاب(5/221)
عن التسلية لأصالة رأي وسعة علم، وجلالة قدر وجزالة نفس وشدة كظم، ولكنت أنت الغني عن ذلك، لإحاطة علمك بتقلب الأيام وتصرف الأحوال، وارتفاع قدرك عن أن يملأ الزمان صدرك، وتبلغ المحن صبرك، فأنت أصلب عودا من أن تروعك المصائب، وأشد ركنا من أن تضعضعك النوائب، لكن الذكرى باب مندوب إليه، وسنن معمول عليه، ولئن جل الخطب، وعظم الكرب، فالثواب بقدر المصاب، والعطية بحسب الرزية، وإنما الأجر بالصبر، والجزاء مع العزاء، وإن كان الله قد أخذ ابنا فقد ترك أبناء، وإن كان [قد] سلب نعمة فقد وهب نعماء، وإن كان الأعم والأكثر أن تمضي الآباء، وتخلف الأبناء، فالملك يدعو الله أن يخرجك من هذا العموم، ويورثك أعمار الجميع ويجعلك الباقي بعد قريب وحميم، فكل خطب ما عداك يسير، وكل رزء إذا تخطاك حقير.
وفي فصل من أخرى: لقد طرقت نائبة من الموت وفاجعة من الكرب في قطب الآمال ومدارها، وسناء الهمم ومنارها، وتاج الرياسة وسوارها، [الحاجب حسام الدولة، كان، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مأواه] فوالهفا عليه مرددا، ويا أسفا له مؤبدا، ماذا خطفت [يد الحمام] وأصمت به سهام الأيام -! أي سماء للعلا فطرت، وأي(5/222)
نجم للمنى كدرت، وأي بحر من الأسى سجرت، وأي عين للبكاء فجرت، ما يقاس به مثيل، ولا يضاف إليه عديل؛ وقد كان لي أن أصرف المقال، وأضرب الأمثال، وأجتلب من التعزي ما جاءت به الآثار، ووردت به الأخبار، غير أنه - أيده الله - أعلى في الفضل [يدا] وأثبت في العلم قدما، وأرجح حلما إذا طاشت العقول، وأشد كظما إذا اضطرمت في الصدور النيران، من أن أورد عليه ما لم [59 ب] يحط علما، ولم يتوصل إليه فهما.
وله من رقعة إلى المظفر بن الأفطس يعزيه بالمنصور أبيه: وصل كتابه - أيده الله - بما شرد غمضي، ونعى بمعضي إلى بعضي، وأطبق سمائي على أرضي، وأقض مضجعي، وأسأل مدمعي، وعظم ثكلي وجزعي، من فظيع الخطب الوارد، وشنيع الرزء الوافد، بوفاة [المنصور سيدي وموئلي، كان، أوسعه الله جنته ورضوانه، ولقاه رحمته وغفرانه] فيا لها مصيبة قصمت ظهري، وذهلت فكري، وفللت حدي، وأرغمت خدي، ودفعتني إلى الجزع وحدي:
فلو كنت في الباكين حولك كنت قد تأسيت فاستشفيت والعين تدمع
ولكني أبكي فريدا وأشتكي وحيدا فما ينفك عنى التروع
هو الرزء أفضى بي إلى كل غاية من البث لا أسلو ولا أتورع(5/223)
لئن حسن السلوان والصبر بامرئ فأحس حالاتي سلو ممنع
وفي فصل منها: ومثل مولاي الرئيس [الأجل] تلقى هذا الخطب الذي يهد الجبال، ويقطع الآمال، ويخلع الفؤاد، ويصدع الأكباد، بما حض الله تعالى عليه من الصبر، وندب إليه من استجزال الذخر، فهو القائل تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر: 10) وأنت في منافذ فهمك وثاقب علمك لا تبصر بل تذكر، وكان من الحق الأوجب والفرض الألزم أن أقيم قدمي مقام قلمي] وأكتفي بالركاب عن الكتاب، وقل ذلك مني في هذه النائبة [الهادمة] ، والنازلة القاصمة، إلا أني على علمك عن الارادة مردود، وفي عقالات الآلام والأعراض مصفود، جعل الله هذا المصاب الخطير آخر ما يقرع لك بابا، ويخرق اليك عن كره حجابا.
وله من أخرى: كتابي والدمع ينشئ لعيني سحائبه، والحزن يجهز إلى نفسي كتائبه، والصبر قد فلت شباته، وصوح نباته، والقلب قد أظلمت آفاقه، واشتد بنار الرزية احتراقه، بما فجأ من وفاة الوزير الفقيه أبي فلان، عمدة الإسلام، ومبين الحلال والحرام(5/224)
وهاتك حجب الضلالة والجهالة، فالديانة عليه لابسة الحداد، مفجوعة الفؤاد، وهي لفقده باكية الأجفان، عاطلة البنان، مخلقة الجلباب، منقطعة الأسباب، منكوسة اللواء، مهجورة الفناء، قد ذهب ناظرها، وزمت للركاب أباعرها، [وسدت على الطالعين أبوابها] فمن لتحقيق معانيها، وتعمير مغانيها، أم من لاختيار أقوالها، وتوشيه سربالها، وإظهار ما خفي من مسائلها، وجلاء ما صدى من مناصلها، أم من ينصر ملة الإسلام، بلسان [60 أ] كالصمصام، أم من يرد على أهل التناسخ، بالحجيج الرواسخ، الثابتة كالجبال الشوامخ؛ فالدنيا تحلو لتمر، وتصفو لتكدر، وتنظم لتنثر، وتجمع فتفرق، تسقي لتشرق، فهي كالشمس تضيء فتعشي، وكالطعام يغذي فيؤذي، فالأولى الزهد عن زخرفها وزبرجها، والترك لما يحلو من رضابها، ويخدع من سرابها، والإعراض عن وصالها، ونضرتها وجمالها، فليست تبقي على السيد ولا المسود، ولا على القريب والبعيد، ولا على الملوك والعبيد، ولا على العالم والجاهل، ولا [على] النبيه والخامل.
ومن أخرى: إذا رمت - أعزك الله - تعزيتك عن المصاب الحادث، والخطب الكارث، ذكرت تماسكك فأمسكت، واستقبلني فاجع الرزية فسكت:
فلو شئت أن أبكي دما لبكيته عليه ولكن ساحة الصبر أوسع
والليالي جارية في أخذ ما تلد، وإعدام ما توجد:
لا بد من فقد ومن فاقد هيهات ما الدهر من خالد(5/225)
كن المعزى لا المعزى به إن كان لا بد من السواحد
برد الله مضجعه ومثواه، وأكرم منقلبه ومأواه، ولقاء من برد النعيم، كالذي كان عليه من الخلق الكريم، وسقاه من السلسبيل، مثل ما كان يأوي إليه من الذهب الجميل.
وكلام أبي محمد كله رائق بديع، لا يتسع لاستيفاء محاسنه هذا المجموع.
فصل في ذكر الوزير الكاتب الماهر أبي عامر بن التاكرني واجتلاب جملة من نثره ونظمه، تشهد بنبله وفهمه.
وأبو عامر كاتب مجيد، ومحسن معدود، نشأ أبوه في الدولة العامرية يفرع مراتبها، ويتدرع جلاببها، إلى أن ولي في أيام المظفر بن المنصور زمام التعقب على أهل الأندلس، فلما انقرضت الدولة العامرية وانشقت عصاها، وأدرات الفتنة المبيرة رحاها، كان أحد من مرق من ظلمائها، وآوى إلى جبل عصمه من مائها، فاستقر ببلنسية وأميراها مطفر ومبارك - المذكوران في أول هذا القسم - فانتظم أبو عامر في سلكهما، وشاركهما في مراتب ملكهما، إلى أن أجابا صوت المنادي، وخلا منهما(5/226)
النادي، فخرا حسبما شرحته لفم واليدين، وفرق بينهما [60 ب] من أعفى الفرقدين، وأفضى ملكهما وملك من كان بهذا الأفق الشرقي من هؤلاء العبدى المجابيب إلى عبد العزيز بن عبد الرحمن المتقلب بالمنصور، فنهل أبو عامر في دولته وعل، ونهض بأعباء مملكته واستقل، وكان بينه وبين أحمد بن عباس، كاتب زهير الفتى - المتقدمي الذكر - مكاتبات تنازعا فيها فضل البلاغة والبراعة، وتسابقا منها إلى غايات هذه الصناعة، وقد أثبت منها ومن سائر كلام أبي عامر في هذا الديوان، ما يقضى له بالإحسان، ويشهد بتبريزه على أهل الزمان.
فصول من رسائله السلطانيات
فصل له من رقعة عن المنصور إلى مجاهد الموفق، وقد أظلم بينهما الأفق: إن أولى الناس بالاصطلاح نفوس جبلت على صفو ودادها، وأحق الذنوب بالاطراح ذنوب جنيت على غير اعتقادها، وإن رسولك الكريم وردني فلم يتردد عندي إلا ريثما يقدح زند الوداد في نفسك النفيسة، فيوري سراجا من الصلة أسري به في ظلماء القطيعة.
قال أبو الحسن [بسام] : وكان مجاهد الملقب بالموفق قد انتزى على دانية والجزائر الشرقية بغدره لعبد الرحمن بن أبي عامر مولاه - حسبما ذكرناه - وحظوته بذلك عند محمد بن هشام بن عبد الجبار الناصري عدوه(5/227)
ناقص الدولة العامرية، فشرد على أصحابه الموالي العامريين؛ وكان مجاهد لا يستظهر بشيء من الحزم، بل عمله في الأغلب من تدبيره بالغلبة والمناواة، وتعويله على المساماة، واستراحته إلى الغدر، فلا يزال أمره ينتقض مع لازم الحرمان الموكل به، حتى يرده على عقبه، فكم فض من جيش، وأذل من عزيز، وأباح من حمى، ووجه من فتح، يقال له ما بعده، حتى إذا هم أو كرب لم يلبث أن ينحسر عنه، ويعود في أكثر الأمر غمة عليه، ثم يلبد فيثب كاليث؛ له في هذا الباب كله أخبار مأثورة مشهورة، وقد قدمنا القول فيه أنه كان أديب ملوك ذلك الزمان؛ كتب يوما إلى المنصور حفيد ابن أبي عامر رقعة لم يضمنها غير بيت الحطيئة حيث يقول:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فانك أنت الطاعم الكاسي [61 أ]
فلما وردت الرقعة على المنصور أقامته وأقعدته، وكاد يمرق من إهابه، فضلا عن ثيابه، واستحضر أبا عامر [بن] التكرني فقال له: تطأطأ لها تخطئتك، واسمع المراجعة عنه، وعنون وبسمل، وكتب هذا البيت خاصة:
شتمت مواليها عبيد نزار شيم العبيد شتيمة الأحرار
فسلا المنصور عما كان فيه.
ولما نهض العبيد من شاطبة إلى طرطوشة واقتضت الحرب هنالك قتل(5/228)
مقاتل الصقلبي، وسيق رأسه إلى بلنسية، كتب منذر إلى المنصور يرعد ويبرق، فراجعه أبو عامر المذكور عن المنصور ببيتي أبي الطيب:
فان كان أعجبكم عامكم فعودوا إلى حمص في القابل
فان الحسام الخصيب الذي قتلتهم به في يد القاتل
وله من رقعة خاطب بها أبا جعفر بن عباس يقول في فصل منها: كتبت عن نفس تفيض بمائها، وتجيش بدمائها، وتشكو إلى الله عظيم أدوائها، غيظا على تقلب الزمان، وعجبا من تنكر الإخوان، لا يلفظني عجب إلا إلى مثله، ولا أنتقل من مستغرب إلا إلى شكله، إن إبرمت حبلا من الإخاء، نقض المفسدون مريرته، أو ملأت يدي بمن أعتد به للشدة والرخاء، أفسد الواشون سريرته، [وبحق قيل] :
إذا قلت هذا صاحب قد رضيته وقرت به العينان بدلت آخرا
كذلك جدي ما أصاحب صاحبا من الناس إلا خانني وتغيرا
ولا عتب على الدهر فان العتب على بنيه، والذم لازم لأهليه، والناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم.
وفي فصل منها: ولو لمست العيوق، وأدركت بيض الأنوق(5/229)
وجئت بالأبلق العقوق، وسمح الدهر لي بعجائبه، وخصني بغرائبه، ما غير مني فتيلا، ولا رأيت بمن عاشرته بديلا. وأعلمني فلان بما فل من الحد، ولففت له رأسي حياء من المجد، والله ما يصلح السباب، بين الأراذل والكلاب [فضلا عن الأفاضل] ، وانك لتعلم علم يقين، وانك في على سنن مستبين، أني ما عودت قط لساني، سب من نافرني وعاداني، ولا صرفت عنان كلمي، ولا صرفت شباه قلمي، إلا في ما يطيب على الأفواه [عرفه] ، ويحسن مع الأيام وصفه [61 ب] وإني لمقبوض القول، ساكن الطائر، سالم الجانب، مستعين بالله على العدو والمطالب، وما انطويت عمري قط على حقد، ولا رضيت بنقص عهد، ولا خست في حل ولا عقد:
ومراد النفوس أصغر من أن ... نتعادى فيه وأن نتفانى(5/230)
والدنيا عندي أحقر، وجميع ما فيها في عيني أصغر وأنزر، من أن أزاحم في حطامها، وأنافس على تكسب آثامها.
وفي فصل منها: وقد كان يلزمك أن تعرض على نفسك، ان كنت ثلبت عدوا قط بحضرتك، أو تنقصت مخلوقا بمشهدك، على طول المجاورة، وكثرة المعاشرة، فتجعل ذلك عيارا لك، وقياسا مطردا قبلك؛ اللهم إلا إن كنت عددت ما كنا نتفاكه [به] جماما للنفوس، ونتعاطاه عند معاطاة الكؤوس، [من] توقيع نادر، وهزل حاضر، فما أشد ما غيرك الأيام والليال، وقلبتك الأقوال، أين يذهب بك الكاشحون، وكيف يوخرفك المزخرفون -! والله لو كنا من الأغمار، وممن لم يحنكه الليل والنهار، ما وجب علينا مع الذمام المؤكد، والعقد المشدد، أن تحملنا الأيام وخطوبها، ولا أن تعصف بنا الرياح وهبوبها، فكيف وقد حلبنا شطور الدهر، وعرفنا أحوال العسر واليسر، واعروينا ظهور العرف والنكر، وركبنا متون البر والبحر، وجمعتنا الشدة والليان، وحالت علينا حالات الأزمان، وأرضعتنا بلبانها الكؤوس، وتصرفنا مع الرئيس والمرءوس، فلم يكن في خلال ذلك كله إلا نظام متسق، وأمر متفق، وشعب ملتئم، وسلك منتظم.
وفي فصل منها: ولقد شهدت فلانا ينحني عليك، وينسب كل مكروه إليك، بغاية السب، ونهاية الثلب، فقلت له: بفيك الحجر(5/231)
والأثلب، فخرج وهو يجمجم، كالمتهم لي بزعمه، ولم يختلج قط في صدري تلك الحماقات، ولا شغلت سري تلك الهنات، يعلم ذلك من عنده مغيبات الأمور، ولديه خفيات الصدور. ولقد كنت أشفق عليه وأحرص على خيره، وكانت ظنونه على حسب سريرته، وتوهمه بمقدار معتقده، وبحق يقول أبو الطيب:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم [62 أ]
وعادى محبيه بقول عداته وأصبح في ليل من الشك مظلم
فسلط لسانه، وصدق ظنونه، وبلغتني قوارضه فلم أقارضه رغبة في فيئته، وحرصا على رجعته، وأما أنت فعذرك يضيق، وأنت الحميم الصديق؛ وقد كان انتهى الي ما عمرت به مجالس فيها الرئيس والمرءوس، وأنت بها المنادم والجليس، فقلت لمبلغ ذاك: هيهات! أبت الأعراق الزكية، والأخلاق السنية، أن أتنقص بحضرتها، أو ينسب إلي الكذب بمشهدها، فلما انتهى إلي تصديقك ما نقله الواشون، وأفكه الحاسدون، والله المستعان على ما يصفون، وستكتب شهادتهم ويسألون، قلت: صفرت وطاب المروة، ودرست آثار الأخوة، وطمست أعلام الرعاية، ونفقت سوق السعاية.(5/232)
وفي فصل منها: ومن أعجب العجائب ما يتصل بنا عنكم على ألسنة العامة وكثير من الخاصة، لا أصل له، ولا شبهة تصح منه، فالأنفس سلم، والألسن حرب، ولو اتصلت المداخلة لارتفعت الشبهة، ولم تبق لنتخلق حيلة، ولا صار الكذب قربة ووسيلة؛ وقد كنت بفضلك حضضت على فتح باب الصلة، والتعهد بالرسل لاستحكام المقة، فامتثلنا ذلك حسبما حضضت، وصرنا إلى ما إليه ندبت، رغبة في تأكيد الخلة، وحرصا على حسم كل علة، ووافقنا من المنصور - أيده الله - نفسا جانحة إليكم، وسريرة حريصة عليكم، فعميد الدولة - أعزه الله - عمه الحاني، وأهله الداني، فلم تتقبل الرسل عندكم بواجب القبول، ولا تؤول أمرهم على أجمل تأويل، فمالك أنت أبا جعفر لا تجدد ذلك الوصل، ولم لا تصل ذلك الحبل، وتقطع ألسنة أهل الزور، وتحقق ما تنسقه الأباطيل - حتى يلوح الحق، في معرض الصدق، ويشمل السداد، ولا ينفق سوق الكساد؛ وأنت قطب عليه يدار، ورأيك سراج به يستنار، وما خاطبتك إلا مشفقا من حبل وصله الله أن ينقطع بالباطل، وود أخلصه الله أن يتغير بقول ناقل، فان هذا إن تمادى بحسبه، وبقي التنافر والاستيحاش على شخصه، تعظم الدائرة، وتتفاقم النائرة، وتزل القدم، ولا ينفع الندم، وما أخص بقولي هذا فريقا، ولا أورد إلا تحقيقا، والله يكشف الغطاء عن قلوب قد رين عليها، وزين الشيطان أسباب الفساد إليها:(5/233)
فأجابه أبو جعفر [ابن عباس] برقعة يقول فيها: وقفت على ما أومأت اليه وصرحت في طي التعريض، وبه ما ترجف العامة بإخطار [62 ب] ذكره، وتهتف بعض الخاصة بالتحرز من كونه، وفي مثله يقول القائل:
إني أرى شجرا تورد غصنه أخلق به متوردا أن يثمرا
وإذا السماء تمخضت ببروقها ورعودها فجديرة أن تمطرا
كلا أبا عامر، فرب صلف تحت الراعدة، وما كل بيضاء شحمة وإن كانت ناصعة، ولا وعمرك أبا عامر، أطاله الله على حكمك، ما ينثي علينا في هذه الجملة خنصر، ولا يؤثر عنا فيها حديث مسند، ولا نحن إلا في حيز السماع المستفيض، وأغلب ظنوننا فيه التكذيب، وإن كان الظن أكذب الحديث، وعنوان أحوالنا عندكم، وسيرنا مقدود من أيمكم، فلا تسأل عما لدينا غيركم، ولا تقس علينا إلا بما قبلكم، والمرجفون كثير، والناس إلى الشر سراع، ورياح أهوائهم تنشئ سحاب التكذيب، وتستدر أخلاف التضريب، وحق هؤلاء أن تنتف سبالهم، وتخلع على أقفائهم نعالهم، وهذا رأيي فيهم، فاحكم بفتواي عليهم، وضعهم على يدي عدل فيهم، وأصغ إلى من(5/234)
يعرض عليك ذات نفسه، ويطلعك على بنات صدره، ودعني من التعريج على قوم ينفقون سوقهم (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) (النساء: 107) وجملة الحال وتفصيلها: ذلك العقير البرشلوني مستراب، والتداوي به داء عياء، ولو صرفت عنايتك إلى سد ذلك الثغر والبراءة منه، لأخرست ألسنة المرجفين، وابطلت زخارف المخرقين، فهذه عين الخبر، ومكان النظر فما بالنا نجعل العتاب بدا نطيف به، وننسج بيننا وبين الصدق حجابا نتناجى من خلفه!!
والستر دون الفاحشات وما يلقاك دون الخير من ستر
وأني لك بتكذيب ما شاع، وتزوير ما استذاع -! وقد سددت علي ثنايا الجبل، وصككت سمعي بهذا المثل:
قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا فما اعتذارك من قول إذا قيلا
وليس يخفى عليك نصحي بصدق مقالي وأخوك من صدقك، فإن كنت في ما ندبتي إليه محقا، وأردت به رحمه الله تعالى، فما أخلقك(5/235)
بهاتين الصفتين، فاقدح لي أضىء لك، وكن مثلك؛ ولا تحتج معي أن تقول: تزل القدم، ولا ينفع الندم، فإني أذكرك [63 أ] قوله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) (الانفال: 25) ولا تكلفني دفع العيان، وتلزمني إقامة البرهان على كل محال، فكل شيء يجوز تكليفه الإنسان إلا ما لا يستطاع، وعند الله أحتسب موعظتي، وهو المجازي على نيتي.
فراجعه أبو عامر ثانية برقعة [أخرى] يقول فيما: ورد كتاب كريم لك قد ضمن من الآداب عيونا، واستودع من الإغراب فنونا، فوقفت منه على ترجيم الظنون، وفي حيرة بين الشك واليقين، وقلت: هذه بدع المتطرفين، ونكت المتفلسفين، طورا إيماء وتلويح، وطورا لإفصاح وتصريح، وكلما نظرت فيه، وفكرت في معانيه، استنكر مع العرفان، واستجم على نهاية البيان، فقلت: لا غرو قد ينكر الليث في قراره، ويعرف الهلال في سراره، ولا بد مع البحث أن أصيب غرضا، أو أن دونه حرضا، فلما غصت في بحارك، وأمضيت فكرتي في مضمارك، وقع السهم في غرضه، ولاح الحق في معرضه، وبدا لي أن ما خاطبتك به لم يوافق قبولا، ولا كان على الصدق محمولا، وليس الكذب من شيمي، ولا المذق - بحمد الله - من كلمي، وبالله ما خاطبتك إلا شحا، ولا أسمعك إلا نصحا، فمنيت من قبولك(5/236)
بسوق كاسدة، ومن قبلك ب " رب صلف تحت الراعدة "، وكلا والله ما رعدت لنا سماء، ولا تكدر لنا ماء، ولا قصدت بخطابي مقصد التهديد، فالصدق ينبي عنك لا الوعيد، بل خاطبتك بقلب سليم، وثبت لك على عهد كريم.
وفي فصل منها: ومن العجب قولك: اقدح لي أضئ لك، ولقد قدحنا لكم فأظلمتم، وحفظنا ذمامكم فضيعتم، ووصلنا فهجرتم، وقربنا منكم فبعدتم، ورب رسالة أنشأناها رغبة فرغبتم عنها، ورسول ملطف قصد جهتكم طار بجناح الخزي منها، بعد الترقيب عليه، وإظهار التثاقل إليه، ونحن على ذلك نفتل في الغارب والروة، ونزداد وصلا على الجفوة، ونلين على القسوة، ونصبر للأذى، ونغمض على القذى، إن عاتبناكم لم تقلعوا، وإن استعتبناكم لم ترجعوا، بل تركبون الهياج، وتلزمون اللجاج.
ومن أغرب ما به احتججتم، وأعجب ما به لهجتم، تكرر فلان علينا، وتردده لدينا، كأنكم جهلتم القوم وأطماعهم، ولم تعلموا تطرقهم وانتجاعهم، وأنهم يتعللون بأدنى سبب في المراسلة، امتراء لأخلاف العطاء، وذريعة لاستجزال الحباء، وقد شهر هذا من فعلهم، في كل جهة تكون من سلمهم؛ فما [63 ب] بالنا نخص بهذه اللائمة وجنايتها عليكم - والإنصاف يقلب مذمتها عليكم، ألم تسلموا من(5/237)
كان بكم مشتدا بعد العهود المؤكدة، والمواثيق المشددة - فاحتل العدو - قصمة الله - جهة لم تخطر بباله، واستصرختم فلم تصرخوا، واستنجدتم فلم تنجدوا، والنعم تنتسف، والستور تنكشف، والدماء تسفك، والحرم تنتهك، والإسلام يعلز علز المحتضر، وأهله للشرك كالهشيم المحتظر، فلا حرمة الإسلام رعيتم، ولا ذمام المشاركة قضيتم؛ فلم تعدون ذلك من ذنوبنا، وتبثون بذلك رسلكم في البلاد، وتنادون هلم إلى الجهاد، تقولون بأفواهكم ما ليس في قلوبكم والله بعلم ما تكتمون، بل تدبون الضراء، وتسرون حسوا في ارتغاء كل ذلك بمرأى ومسمع منا، وغير غائب عنا، ولا نزداد مع حركتكم إلا سكونا، ومع تخشنكم إلا لينا، فأبقوا على الود ما دام بوفائه، وصونوا جمال الحال ما بقي بمائه:
ولا توبسوا بيني وبينكم الثرى فان الذي بيني وبينكم مثري
والعدو الذي حذرتهم نحن أشد حذرا منه، وأعظم نفارا عنه، فقد صح عندنا من أمره، ما يضيق الصدر بحمله، فيا للمسلمين! تعالوا إلى التعاون، واتفقوا ولا تفرقوا، واتقوا عاقبة الخذلان. وقد ناديت إن اسمعت، ونصحت بقدر ما استطعت، فان وافقت قبولا، ولقيت تأويلا جميلا، فان الخير عتيد، والتناول غير بعيد، وإن كان للهوى سلطان، وللتعسف(5/238)
عدوان، فأخلق بلأمة العزم لأن يتدرعها مدرك لا يضام، ومحرب لا ينام، يقتحم النار، ولا يخشى العار، في يوم لا تطلع شمسه، ولا يذكر أمسه:
تبدو كواكبه والشمس طالعة لا النور نور ولا الإظلام إظلام
وحينئذ تستغرب ما إليه أشرت، وتستهل ما منه حذرت، من استعمال العقير البرشلوني على ما نهجت الحكماء عند إعضال الداء، من استعمال السموم في أثناء الدواء، ليتفق مزاجها، وينفذ علاجها، فان كان ما يحاولونه من التدبير، سببا لذلك العقير، فهو قريب عتيد، وإن كنتم على ما عهدنا فهو من جهتنا نازح بعيد، وهذه جملة مفصلة، وحقيقة محصلة، فإما ألفة وانتظام، واتفاق يحيي رمق الإسلام، وإما داعية تلف، وراعدة صلف، وهنالك تزل القدم، ولا ينفع الندم.
فراجعه ابن عباس أيضا [64 أ] برقعة يقول فيها: التصدير - أعزك الله - ب " كتابي " و " كتبت "، وتوشحهما ب " كان " و " كنت " بشر يرف على صفحة التملق زبرجة، وسراب يحسبه الظمآن ماء فيستدرجه:(5/239)
ولا يغررك ذو ملق وبشر ... يقول وليس يعدو أن يقالا فتحت رغوة التصنع لبن صريح، وعلى أديم التحقيق شعار سليم، وبين أثناء المناقلة جد كالقدر ينزل بكرة وأصيلا، وفي تضاعيف المساجلة هزل كالنسيم الخصر يهدي الشفاء قليلا قليلا، وفي استرسال الصديق سلوة بالغة، وجنات عتابه حلوة سائغة، وان أنحيت فيه على خشن مبرد، وأرجحت شمائلك التي هي جامد البرد، ودب بشرك منه بنفس متدارك، وأثرت عنه بغير الكلم وهو بارك، وساورتني ضئيلة بيانك، وألقيت السلم إلى سلاطة لسانك، وبرئت إليك من عهدة قصري عن ساحة طولك وعرضك، وشهدت لك تطامن سمائي عن قرارة أرضك:
فما حسن أن يمدح المرء نفسه ... ولكن أخلاقا تذم وتمدح وكل ذلك لأشق كمامة صبري لك عن زهرة كلفي بك، وأتدرع مفاضة الاحتمال منك جنة بيني وبين الشماتة فيك، هذا - أعزك الله - حكم الصداقة التي وضعت يدك على رمتها، وخلعت نجاد هواك على قمتها - فان أسمح قيادك، وأنس شرادك، وأجريت في روح الإخاء نفسا، وجررت على أديم الوفاء يدا ملسا، فبجميل ذكرك أبدأ وأختم، وفي حيز رضاك أطير وأجثم. وأما قعقعتك أبا عامر(5/240)
بشنان الشرك، واعتصامك بغير حبل الله، وإزعاجك بكتائب الروم، وإبراقك بالإجلاب على ملة التوحيد، وإيعادك بمدرك لا يضام يدرع لأمة العزم، ومحرب لا ينام يقتحم النار، ولا يجتنب العار، فاتق الله يحميك، أليس الله بالمرصاد، أم اتخذت على الغيب حميلا، وأتيت على الحجج ظهيرا - وكفاك بهذا البيان سحرا في باب الجدل، وحسبك به فخرا على من تقدم وتأخر، وأما التخويف من اقتراب الساعة بزلزلة الافرنج دفعة، ونتق الجبل فوق رءوسنا كأنه ظلة، فنازلة تحرك لها حوار الإيمان [فيحن] ، وطامة كبرى يعج لها الإسلام ويضج، فبعضهم أولى ببعض (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة: 51) بحكم النص؛ فدع ضرب مثل السوء [64 ب] لنا، وعد إلى ما هو أليق بكم وبنا، فعلى الانصاف من نفسه أدلة واضحة، وعلى الحق بين المنصفين سبيل لائحة، واذكر شئون أحوالنا الأول، ورفرف بخوافي الرجاء وقوادمه على أيامنا القدم:
وقل لخيال الحنظلية ينصرف إليها واصل حبل من وصل
فلا أعرفني إن نشدتك ذمتي كداعي هديل لا يجاب ولا يمل(5/241)
فأما أبا عامر وقد نحت أثلة الشك لتستيقن، وقرعت مروة الحديث لتستثبت، فلأصدقنك سن بكري، استنامة إلى صدقك، ولأطلعنك على مثل ما أطلعت من غيبك، وأقول لك قول من زف اليك وده براحة ثقته، وأنبأك ما عنده بلسان صداقته، وقد تعدي الصحاح مبارك الجرب، ويغفر الله ظنوننا فبعضها إثم؛ وفي هذين المثلين كيفية بدء الحال وعودها، وجماع ما يعبر به عن حورها وكورها، وتحت جملتها تفصيل طويل، وتفسير كثير، بعيد مرامه عليك قريب:
فنجي الفؤاد يعلمه العاقل ... قبل السماع بالإيماء ولهذا اكتفى البليغ من الإسهاب فيما يريد بالايحاء ... غير أن الكتائف ترفض عند المحفظات، والعجلة تترك تبركا بالأناة، وإذا استكففت حاجب أفقنا بيد رفقك، وأومأت إلى جونا برجع طرفك، أدرت دراري الوداد في مناطق أفلاكها، وتركت أعلام الوفاء ثابتة على آساسها، وجلوت أعراس الإخاء في أحسن معارضها، فما لنا لا نقر الطير على وكناتها، وننكب عن الأفاعي العزم فلا نطؤها في مراصدها، ونجانب عن بنت الطريق إلى أمها، ونسري سرى النجوم على سمتها، ونعود إلى التي هي أعدل سننا، قبل أن يسبق السيف العذل سفها:(5/242)
فان النار بالعودين تذكى وان الحرب مبدأها الكلام
فلنحم ثغر اليقين بجهاد الشك فيه، ونسد ثنايا النفاق على منفقيه، حتى ييأس أهل هذه البضاعة عن مساعي نمائمهم، ولا يجدوا محزا لشفارهم، وكل ذنب دون الذم لمم، والسهم لنا ما لم ينبض الوتر، وان حلبنا لم نرد في الضرع اللبن، ولولا هنات سل العتاب بيننا سخائمها، وألان تعاطينا النصفة شكائمها، لاختالت المنافرة ببهجتها وازينت، ودارت رحى الفتنة في قطبها على ما خيلت، وإني وإن تقلدت بك الخطاب عن نفسي، فتحتها كناية إليها أشير برمزي، ومركز [65 أ] حواليه أدير معاني لفظي، ولم أتيمم صعيد هذه الغيظان فنمسحت بتربه، ولا انخرطت في سلك الانطباع ففضلت بين دره بشذره، إلا وقد وليت فصل الخطاب والحكومة باجماع، ورضينا بما لنا و [ما] علينا في القضية دون ثان، ووضعت واسطة القلادة لتعدل، ويكفي منها ما أحاط بالعنق، فاذكر المثل فهو لفظ يجمع بين معنيين، وجنس يشتمل على نوعين، أشير لك إليهما بقول الأول:(5/243)
خليلي إنسانان ديني علهما مليان لو شاء لقد قضياني
خليلي أما عمرو علمتها وأما عن الأخرى فلا تسلاني
وحق هذه النكت الكامنة في ضمير القوة أن تخرج إلى حد الفعل بمرة، ولا تلوى فتتراخى كأول وهلة، فيحتاج في المستأنف إلى عمل، ويعيد القضية جذعة من ذي قبل، والله تعالى يمسك رمق الإسلام في هذه البقعة، ويقيل عثرته بإلهام أهله إلى ما هم عنه في غمرة.
قال أبو الحسن [ابن بسام] : وذكر بعض الرواة من نقلة الأخبار أن الواثق لما رأى أحمد بن الخصيب الكاتب يوما يمشي بين يديه تمثل بالبيتين المتقدمين، فبلغ ذلك سليمان بن وهب فقال: أنا والله تلك الأخرى، إنا لله وإنا إليه راجعون، قالوا: فنكبهما بعد ذلك بأيام.
وله فصل من رقعة عنه إلى [ابن] مجاهد: [واتصل بي الحادث] على القاضي أبي العباس - رحمه الله - فقصم ظهري، وجل مصابه عندي، وعلمت موضع فقده من نفسك العزيزة - حرسها الله - وأشفقت من ذلك أشد الإشفاق، واحترقت نفسي [له] أبلغ الاحتراق، وعلمت أنه لا بد في مفارقة الإخوان وثقات الخدمة والأتباع، مع طول الصحبة وموافقة الطباع، من لوعة تلذع الكبد، وتفت العضد؛ لكن من كان(5/244)
في قوى نفسه على خليقتك، وجرى في اعتبار الدنيا على طريقتك، فهو يلقى خطوب الدهر، بمجن من الصبر، إذ قد ذاق حلوها ومرها، وخبر صفوها وكدرها، فليس حدث الزمان عنده بنكر، ولا خطبه لديه بمنكر، وهو كما قيل:
وفارقت حتى ما أراع من النوى وإن بان جيران علي كرام
ومما زاد علي في الإشفاق، ما كان لديه من الأعلاق - أوشك الله خلفها عليك، ولا غير نعمه لديك - وما قد فات من المال، فهو ليوم الحاجة ذخيرة إلى صالح الأعمال، وكل جليل [65 ب] يصغر عند الدفاع عن حوبائك، وكل خطير محتقر مع سلامتك وطول بقائك.
وله من رقعة عن إقبال الدولة إلى المعز بن باديس: أطال الله بقاء سيدنا الأجل رافع أعلام الهدى، ومحيي كلمة التقوى، وقوام أمر الدين، ونظام شمل المسلمين، وشعار حزب المؤمنين، وناظر عين الزمان، وروح جسم الأوان، وحسام عاتق الإسلام، وحلي جيد الأنام، مخلدة دولته، مؤيدة حيث يمم بطشته.
وفي فصل منها: وإني وإن قعدت عن مناسك فرضها، وتأخرت في مضمار قرضها، فإني معيرها ضميرا كما انبلج النهار، وشكرا كما أرج النوار، وهل أنا إلا أحد أبنائها، وشهب سمائها، وشيعة علائها(5/245)
وان جذم نأي الدار، كف الخيار، ففي البعد اعتذار، وفي الجهد إعذار، وإن مع التجاوز ليعلم العيان، ومع التحاور ليطمئن البرهان، ومع التزاور لتزول الأحوال، ومع التقارب ليقع الإخلال، والقوى [المخلوقات] قريبة الانحلال، سريعة الانفعال، والنيرات على وفور ضيائها، وظهور سنائها، فيما لا تقابل كليلة، وعندما لا تسامت عليلة، وفيما لا تناول ضئيلة، وما قنية ورثتها، ونعمة طوقتها، ورفعة ألبستها، بمكفورة آثارها، ولا مسودة أنوارها، ولا مواتي إلى الدولة العلية بطارفة، ولا شوافعي لديها بمستانفة.
وله من أخرى عن المنصور إلى أهل قرطبة: إن كنت منكم بنبوة، وعنكم بنجوة، فإني شهيدكم بنفسي، وقسيمكم بحالي، أراكم بعين المشاهدة، واكلأكم بعين الإحاطة، أعد كبيركم كالعم، وصغيركم كابن الأم، فأنتم الأهل والجيران، والذخائر للزمان، في الدار التي منها خرجت، والبيضة التي فيها نشأت، أفضل دار تكنفني عيابها، وأول أرض مس جلدي ترابها، فلو أمكن أن تصير إليكم أمدادي مع الرياح، وتطير نحوكم أجنادي بألف جناح، ملبيا لدعوتكم(5/246)
ومسارعا إلى نصرتكم، لما تأخر ذلك عنكم طرفة، ولا تلبث خطفة، لكن عوادي الفتن، وعوائق الزمن، منعت من العجلة قبل إحكامي لما حاولته من تأليف الكلمة، فرب عجلة تهب ريثا، ومن أعد للأمور عدتها، وأخذ لها شكتها، كان قيمنا أن يكون نظره نافعا، ودواؤه ناجعا. ولم أزل أحسم العلل، وأقطع [66 أ] بالفتنة دون الأمل، حتى لانت الأيام بالسماح، وسكنت بعد الجماح، وصار المسلمون إخوة، وفي جميل المعاشرة أسوة، وقبل الرمي تراش السهام، ويحسن التناول بقرب المرام، ورأيت ان استئلاف القلوب المتنافرة، وتواصل الأهواء المتدابرة، أقوى أسباب النجاح، وأشد الأعوان على الفلاح، فتأخرت عنكم متقدما إليكم، وتبقيت دونكم وافدا عليكم، ولم أقنع من الأمور بغير التحقيق، ولم أرض من المركب بالتعليق، وقد نفذت ثقاتي إلى الجهات لتخير الأجناد [وانتحال الأنجاد] ، ليكون جميعهم صفوة، ولا يشوبهم أحد من الحشوة، وشرطت أن يتوجه(5/247)
من قبلي إليكم، ويفد منهم عليكم، من له المزية والظهور، والغناء المشهور، أولو البأس والنجدة، والثبات والشدة، والقلوب الأبية، والأنوف الحمية، يسمحون عنكم ببذل النفوس، ويقوم الواحد منهم مقام الخميس، تملئ العيون منهم قرة، والنفوس مسرة، وفي الثالث من [يوم] كتابي هذا ينفذ إليكم من الوزراء من تكون حركة الخيل معهم في زمان معروف، [واجتماعها] في مكان موصوف، إن شاء الله، ليصح عند العدو - قصمة الله - أن الأيدي قد ارتبطت عليهم، وأن الأعنة قد صرفت اليهم، وأن الوقت قد أزف، والغطاء قد كشف، فيا ليت شعري أين المفر، أم يقولون نحن جميع صبر، (سيهزم الجمع ويولون الدبر) (القمر: 45) .
انتهى ما لخصته من كلام أبي عامر، موجز الموارد والمصادر، ويتلوه مما يفي بشرط الكتاب من أخبار هذا الأمير عبد العزيز بن أبي عامر المذكور، وعبد الملك ابنه، صيابة دولتهم، اللذين جاءا في آخر الرعيل، وردا هذا الاسم على الخمول.(5/248)
ايجاز القول عن امارة عبد العزيز بن أبي عامر
وابنه ببلنسية وأعمالها
قال أبو مروان [ابن حيان] : هو عبد العزيز بن عبد الرحمن بن المنصور محمد بن أبي عامر. كان الموالي العامريون عند ذهاب مجاهد عنهم قد أسندوا أمرهم إلى نفر من مشيختهم، فتشاوروا في ارتياد أمير من أنفسهم يعترفون له، فاتفقوا على ابن مولاهم عبد العزيز هذا إيثارا له على ابن عمه، محمد بن عبد الملك، وكان مقيما بقرطبة، وعبد العزيز بسرقسطة في كنف منذر بن يحيى [منذ التجأ إليه غب الحادثة بقرطبة، فدسوا إليه سرا من منذر بن يحيى] فأحكم له التدبير، وخرج سرا من سرقسطة، فلحق ببلنسية، فاستقبله الموالي العامريين أفواجا، وقلدوه رياستهم. وكان عبد [66 ب] العزيز هذا من أوصل الناس لرحمه، وأحفظهم بقرابته، ابتعثه الله رحمة للممتحنين من أهل بيته فآواهم، وجبر الكسير، واكتنف الطريد، ونعش الفقير، طول مدته، إلى أن بلغ من ذلك مبلغا أعيا ملوك زمانه. وخاطب لأول حينه الخليفة القاسم بقرطبة مع هدية حسنة وذكره بأيام سلفه، فقبل القاسم هديته، واعترف بوسيلته(5/249)
وعقد من أعماله، وسماه المؤتمن ذا السابقتين، فتوطد سلطانه، واشتمل على خدمته أربعة من الكتاب حتى سماهم الناس الطبائع الأربع، وهم: ابن طالوت وابن عباس [وابن عبد العزيز] وابن التاكرني المذكور، كاتب رسائله ومكانه من الأدب والعلم والذكاء مكين، فانتشر كلامه، واعتلى ذكره، ولم تزل حاله تسمو حتى اتصل بوزارته فنال جسيما من دنياه.
فلما كان سنة اثنتين وخمسين اعتل علة أعيا علاجها، واختلفت نوبها، تطمعه تارة وتؤيسه أخرى، والإرتجاف لا يفتر عنه، إلى أن قضت عليه في ذي الحجة من العام، فاجتمع أصحابه على تأمير ولده عبد الملك، وقام له بأمره كاتب والده المدبر لدولته ابن عبد العزيز، [المشهور مع معرفته بابن روبش القرطبي، وكان موصوفا بالرجاحة، فأحسن هذا الكاتب معونته على شانه، وتولى تمهيد سلطانه، واستقر أمره على ضعف ركنه، لعدم المال، وقلة الرجال، وفساد أكثر الأعمال. وراعى هذا الكاتب] الشهم مدبر هذه الدولة في هذا المؤمر عبد الملك مكان صهره وظهيره المأمون يحيى بن ذي النون، إذ كان صهر عبد الملك أبا امرأته، المساهم له في مصاب أبيه، المعين له على سد ثلمه، الذائد عنه كل من طمع فيه، عند نزول الحادثة، من حضرته طليطلة إلى قلعة قونكه من طرف أعماله، للدنو من صهره عبد الملك، وبادر بإنفاذ قائد من خاصته وبالكاتب ابن مثنى إلى بلنسية في جيش كثيف، أمرهم بالمقام مع عبد الملك وشد ركنه، فسكنت الدهماء عليه. ومضى(5/250)
عبد العزيز أبوه لسبيله غير فقيد المكان، ولا عزيز الشان، ولا مبك لسمائه ولا أرضه، ما فجع به إلا [ذوو] رحمه [من] آل [أبي] عامر لتناهيه في صلتهم، حتى صار إسرافه في ذلك من أضر الأشياء لجنده، وأجلبها لذمه؛ له في ذلك أخبار مأثورة، فتوفي وهو أطول أمراء الأندلس مدة إمارة، تملاها أربعين حجة، إذ كانت إمارته ببلنسية صدر سنة اثني عشرة وأربعمائة، فسبحان المنفرد بالبقاء، الأول قبل الأشياء.
فصل في ذكر الوزير [67أ] الكاتب أبي المطرف عبد الرحمن بن فاخر المعروف بابن الدباغ وإثبات جملة من نثره ونظمه.
وكان أبو المطرف هذا من خلي بينه وبين بيانه، وجرى السحر الحلال بين قلمه ولسانه، وكان استوحش من أمير بلده، ومقيم أوده، ابن هود المقتدر، فخرج عنه وفر، وفارق عز ذلك المقام، " ونجا برأس طمرة ولجام " فأجزل المعتمد بن عباد قراه، ووسع له ذراه(5/251)
وأفرده بحظ من دنياه، وخصه بمكان سره ونجواه، وسفر بينه وبين المتوكل بن الأفطس أيام كونه بيابرة، حين أخذ أخوه [يحيى] بكظمه، وهم بالنزول على حكم المعتمد أو حكمه، وقد كان ابن عباد فغر فاه على المتوكل، وقدر أن ينيخ عليه [بكلكل - حسبما قدمته] في أخباره - فوعده بالغرور وزخرف له شهادات زور، على لسان [هذا] الوزير أبي المطرف المذكور، [فلما حاوره وناظره، خصه] بنصيحة أثره، ومثل له ذلة المعزولين، وذكره بفعل معاوية يوم صفين، فأوجده سبيلا، ودرجه قليلا، ومات أخوه المنصور يحيى بعقب ذلك، فورثه الله ملكه، ونظم سلكه، فرحل اليه أبو المطرف ملبيا بحج وعمرة، متوسلا بسابقي أنصارية وهجرة، فصادف وجها خصيبا، ومكانا من العز رحيبا.
وكان سبب خروجه من اشبيلية - فيما حدثي بعض وزرائها - أنه تشاد مع ابن عمار، فأشار المعتمد إلى حسم ذلك بين يديه، فأبى أبو المطرف عليه، ثم اجتمعا بعد في مجلس أنس دون رأيه، فأمر المعتمد بنفيه؛ وقد كان أيضا بلغ أبا المطرف أنه قدح فيه بمجلس المعتمد وقرف بشيء أقلقه، وذلك أنه كان يعاني الخضاب ويثابر عليه، فقال بعضهم فيه:
خضاب لعمرك لا للنساء ... ولكنه لفحول الرجال(5/252)
فخاطبه بشعر قال فيه:
يهان بحمص عزيز الرجال ويعزى إليهم قبيح الفعال
ويغرى ذوو النقص من أهلها بتلطيخ أعراض أهل الكمال
فوقع المعتمد على ظهر رقعته بهذين البيتين:
شعرت فجئت بعين المحال وما زلت ذا خطل في المقال
متى عز في حمص غير العزيز أو ذل غير الذميم الفعال
فلما قرع سمعه البيتان أخذه الأفكل، وخرج من حينه وكان يحدث نفسه بالتحول، [67 ب] إلى أن نفاه، فلحق بالمتوكل فآواه، وأجزل قراه، وخاطب المعتمد في معناه، ورحب به في بطليموس مثواه، إلى أن اشتعلت بينه وبين الوزير أبي عبد الله ابن أيمن نار ملأ الأفق شعاعها، وأخذ بأعنان السماء ارتفاعها، فكر راجعا إلى سرقسطة، فقتل ببستان من بساتينها، بعد مديدة من لحاقه بها، ورثاه الوزير أبو محمد بن عبدون بأبيات أعربت عن وده، ودلت على كرم عهده، وقد أثبتها من هذا التصنيف بحيث أجريت من ذكره، فيما انتخبته من نظمه ونثره؛ وأثبت من كلام أبي المطرف هاهنا، ما يشهد بفضله، ويدل على نبله.(5/253)
جملة من رسائله في أوصاف شى
من ذلك فصول له في ذم الزمان [وبينه] ، وتعذر آماله فيه *
فصل له من رقعة: أوحش بأيام أقطعها وأفنيها، وأثواب عيش أخلقها وأبليها، بحيث لا أراك عيانا، ولا أملك من أنديتك مكانا، حتى أعتز بك من هون أغضي فيه على القذى، وأصبر منه على حز المدى، وأتميز من طبقة الاتضاع والاستخذا، وأعظم تلهفي بماض من الدهر بغير مستفاد، وذاهب من العمر ليس بمستعاد، وليت شعري أتنجز الأيام موعودا، أو تدني من الأمل بعيدا، فترضي بما أستخطت، وتعتذر بما أذنبت، وتنسي مضض شدتها بليان، وتمحوأثر إساءتها بإحسان -! ما تحدثني بذلك نفسي، ولا إخال أن زماني يذعن بإسماح، ولا يزال مستمر الجماح، وما الحيلة إن أبى سوى التعلل بالمنى، والاستراحة بلعل وعسى - وبودي لو ملكت عن هذه الشكوى لساني، وأمسكت في البوح بها من عناني، وأخذت نفسي بأناتها، وأنظرت الأقدار إلى أوقاتها، حتى لا أسوء ولا أنكد، بما أورد منها وأردد، ولكني والله مغلوب بالاضطرار، معدول عن وجه الاختيار، ومن العجب أني(5/254)
أنوي في كتبي أن تكون من الشكوى خالية، وبزينة التجمل حالية، ولسان الحال تأبى إلا أن تبوح بمضمر السر، وتكشف عن حقيقة الأمر؛ وقد كان لي عنه معزل إلى وصف ما للبين بقلبي من جرح وآثار، وللشوق بين جوانحي من وقود وأوار، فإنه مذهب يجول فيه القول كل مجال، وينثال عليه الكلام أي انثيال، وتتأتى به الألفاظ لازدواجها، وتتراءى المعاني في معرض انتاجها، ولئن لم أبدأ به فإليه قصدت، وإياه أردت، وقد اكتفيت منه بما أتيت، ووقفت حيث انتهيت [68 أ] .
وله في مثله من أخرى: قد كنت أؤمل هذا التلاقي، لأشكو فيه إليك دواهي بلغت بالنفوس التراقي، وصيرت المنايا أماني،فمن لي ألان به وبوصولي اليك حيث أنت، ودونك ما لا يخفى عليك، وقد عرض الماء لعيني فكيف أرد، ومن أين أقصد الله حسبي في سوء جدي، وأنت ولي عذري، في الحضور بالمكاتبة إذ لم أجد سبيلا إلى المشافهة، ولا أكذبك، ضاقت بي الأرض كلها، وانسدت علي سبلها، وضللت عن كل عزاء وتماسك، وأسلمت إلى كل يأس وتهالك، فتداركني ممزقا، ونجني غرقا، وأخطربي ببالك، واعرض حالي على اهتبالك، عسى أن يتجه للفرج وجه، أو يلوح منه فجر.
وله من أخرى: كل يوم تظهر من فضلك عجائب، وتطلع من ألطاف برك غرائب، وتنسى لها محاسن من تقدم، وتستبعد معها مآثر من تهمم، حتى كأن الجميل لم تعرف قبل طرائقه، واللطف(5/255)
لم تفهم بعد دقائقه، إلى أن أتيت فاخترعت من ذلك سننا وبدائع، لا يزال مثلها لأولي الفصل شرائع، وأنوارها في فلك الفصل سواطع، فما أسعد من تمسك بعصمتك، واعتزى إلى جملتك!!
وفي فصل منها: وكتابي [هذا] وانا كما تدريه، غرض للأيام ترميه، ولكني غير شاك من آلامها، لأن قلبي في أغشية من سهامها، فالنصل على مثله يقع، والتألم مع هذه الحال يرتفع، وكذلك التقريع إذا تتابع هان، والخطب إذا أفرط في الشدة لان، والحوادث تنعكس إلى أضداد، إذا تناهت في الاشتداد، وتزايدت على الآماد.
وبعض ألفاظ هذا الفصل محلول من قول المتنبي حيث يقول:
رمانى الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال
فكنت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال
وله من أخرى: لا تستغرب - أعزك الله - ما صادفت [لي] هنالك من تعذر وحرمان، كما لا استغرب ما ألاقيه عندنا من تسليط وعدوان(5/256)
فالنحوس كلها مجتمعة لي في قران، ولا تعجب إلا لثبوتي لما لا يثبت عليه الحلق السرد، وبقائي على ما لا يبقى عليه الحجر الصلد، وبالجملة لا تسأل عن الحال فقد صار في عيني معمور الكرة، أضيق من خرت الإبرة، واستبهمت لي المطالب، وانسدت علي المذاهب، فما أدري أي وجه أيمم، ولا [68 ب] على أي أمر أعزم، ويا ليت شعري أين الفرج فهذا التناهي، وقد بلغت القلوب الحناجر ومتى التلاقي - نستغفر الله من هذا الضجر، ونعوذ به من السخط على القدر، ونساله صبرا يشتد لشدائد النوب حتى تجوز وتعبر، وتوفيقا يهدي في غياهب الكرب حتى تنجلي وتسفر.
وله في فصل من أخرى: كتابي وعندي من الدهر ما يهد أيسره الرواسي، ويفتت الحجر القاسي، فرسا رهان:
*يجد نوائبا وأجيد صبرا*
ومن أجلها قلب محاسني مساوي، وأوليائي أعادي، وقصدي بالبغضة من جهة المقة، واعتمادي بالخيانة من حيث الثقة، فقس بهذا على ما سواه، وعارض به ما عداه، ولا أطول عليك فقد غير علي حتى شرابي، وأوحشني حتى ثيابي، فها أنا أتهم عياني، واستريب من بناني، وأجني الإساءة من غرس إحساني، وقاتل الله الحطيئة في(5/257)
قبره، فلشد ما غر بقوله:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
من يزرع الخير يحصد ما يسر به ... وزارع الشر منكوس على الراس أنا والله اغتررت به وفعلت خيرا فعدمت جوازيه، وأذممت عوائده ومباديه، وزرعته فلم أحصد إلا شرا، ولا اجتنيت معه إلا ضرا، وهكذا جدي، فما أصنع وقد أبى القضاء إلا أن أقضي عمري في بوس، ولا أنفك من نحوس، ويا ليت باقية قد انصرم، وغائب الحمام قد قدم، فعسى أن تكون بعد الممات راحة من هذا النصب، وسلوة عن هذه الخطوب والكرب؛ ودع بنا هذا التشكي فالدهر ليس بمعتب من يجزع، ولا بمشفق على من توجع، واطرح بنا هذا القول في الرياح، واعدل بنا عن الجد إلى المزاح.
وله من أخرى: كتابي والحال على ما أسأل الله لها تبديلا وإدالة، ولعثرة الجد فيها استقلالا وإقالة، ولست أشكو إلا زماني وقعوده(5/258)
بجدي، وقبيح آثاره عندي، وإن كان على الكل عاديا، وللجميع بكأس مكروهه ساقيا، فيخصني بمزية حرمان، ويتوخاني بفضله عدوان، ويجعلني نصب سعيه، وغرض رميه، ومكان أذابته وبغيه، حتى كأني أبديت له معاير، وأدرت عليه دواير، ودللت العالم [69 أ] على جوره في الحكم، وتطبعه في الظلم، وحسبي الله تعالى فيما أسخط وأرضى. ومع ما ذكرته فلي من الصبر جانب، وإن حميت منه جوانب، ومعي من التجمل بقية وإن سلبته السوالب.
وفي فصل من أخرى: ربما كتبت تارة واستوقفت أخرى، وليس ذاك لتلون وانقلاب، وأفن في الرأي واضطراب، ولكني بحسب الحال أكتب، وعلى قدر تقلب الخطوب علي أتقلب، وما زلت أثبت لتوالي الرمي، وأستمسك على قوة الرزء، إشفاقا من أن أكون كلا، وأزيد في مؤنتك ثقلا، حتى قدم الغائب وقد تملأ من المرة الصفراء، واستفرغ من خلطي البلغم والسوداء، وتلقى الساعي هراشة بالاغراء، وناريته بالحلفاء، فاندفع يهيج ويتهوج، ويستشيط ويتأجج، ولا حلم يردع، ولا استبصار ينفع، فيا لك من مكاشفة تركت الألباب حيارى، والناس سكارى، فما أجد إلا من يثلب، ولا أمر إلا بمن يتهجم ويقطب، حتى كأني وترت الجميع، وجنيت عليهم الخطب الشنيع، ولله سمعني ماذا يسمع، وقلبي كيف لا يتصدع!! ولو نال مني ذو حرمة(5/259)
تعزيت، أو أخذ مني من فيه إنسانية ما باليت، ولكن المحنة بأوغاد تدق عن المجازاة مقاديرها، والبلية بذباب يحميها من أن تنال مقاذيرها.
حل هذا من قول القائل، وهو إبراهيم بن العباس في محمد بن عبد الملك الزيات:
نجا بك لؤمك منجى الذباب حمته مقاذيره أن ينالا
وله من أخرى: قد آلى الدهر ألا يصيبني بنوائب، حتى تكون غرائب، فهو يخترع كل يوم فنا، ويطرقني بما لم يطرق قط أذنا،
وفي فصل من أخرى: تحيل في استلطاف فلان فعساه يلين بعد قساوته، ويسكن غضبه بعد اشتداده، وكيف أوصيك وأنت ساحر البلد، وأحد النفاثات في العقد - ومن العجب أن أدرك إلى ذلك وأنت الذي جنيت علي فيه، وأذقتني مرارة تجنبه، فكيف تصلح وأنت المفسد، وكيف تستدنيه وأنت المبعد، وكيف تنصف وأنت الظالم، أو تبني وأنت الهادم -! هذا مرام بعيد، واسترضاء حاسد مثلك صعب شديد، ولكني واثق بأن يحيق بك سيء مكرك، فتذوق وبال أمرك، وتحصد زوائع شرك، وتصلى بنار بغيك، وتجني ثمار سعيك، والله مقرب ذلك فيك ومدنيه منك.(5/260)
وله من أخرى: كتابي عما عهدته من قعود الأيام بجانبي [69 ب] ، واعتراضها علي في وجوه قصدي، ومقابلتها بالخيبة والحرمان سعيي وجهدي، بل ما تنفك تتلاعب بي تلاعب العابث، وتستطيل علي استطالة العائث، وتريني من أحداثها عجائب تسجم الدموع، وتطلع علي من خطوبها غرائب تحطم الضلوع، فيا لنفس تستطيع حمل هذه الكلف، وتبقى على ما في أيسره وشيك التلف، وقد كان شديدها عندي هينا، وضعبها علي لينا، حتى جد الجد برحلتك، وجرت لي الأشائم بفرقتك، فسدت علي من الراحة الأبواب، وقطعت بيني وبين الفرج الأسباب، ولم يبق لي معلل من دائها، ولا فارج علي اشتباك غمائمها، ولعل الذي لم يزل يمتحنني ليعلم كيف أصبر، وينظر أأشكر أم أكفر، أن يجعل لحالي إدالة، ولعثرة جدي إقالة، وأن يقيض لجمع الشمل، ووصل الحبل، سببا، ويقضي من عودة المجالسة، وتجديد المؤانسة، أربا، بمنه.
ومن أخرى في مثله: كتابي والحال في الخمول كما علمت، والجد(5/261)
في الشقاوة كما عهدت، وكلما أرجو لباب الفرج انفراجا، يستبهم ويزداد إرتاجا، وكلما أطمع بمطالبة الأيام أن تلين تشتد اعتزاء، ولسهام النوائب أن تنثني تتتابع ولاء، والحمد لله الذي يبتلي ليرى كيف الصبر، ثم ينعم ليرى كيف الشكر، حمد متوكل عليه، مفوض أمره في كل حالة إليه.
وله من أخرى في مثله: لكل زمان طاغية يشقى به ويعبأ له، وربما خص بتسلطه، وانقبض في تبسطه، ولم يصل بضرامه، إلا من ضايق في خطامه، فهذا المعهود، ولا كمن جمعنا به عصر، وضمنا معه مصر، فانه جاهر الكل بالقلى، ودعا إلى مكروهه الجفلى، وامتحنت أنا منه وممن معه بأشد محنة، وأسلمت لأسنتهم وسهامهم بلا جنة، فمن أيد تستبيح الحمى، وألسنة تنطق بالخنا، ومن سطوات تملأ عراص القلب رعبا، وترسل أدمع العين سكبا، ولو استطعت أن أطوي عنك أحوالي، ولا أشغل بالك بأوجالي، لرفهتك عن سماع ما يجلب إليك ارتماضا، ولا تملك لي فيه امتعاضا، ولكن أعوز الصبر، وأعجز احتمال الضر، فاسترحت استراحة واجد كاظم، وتعللت بالشكوى إلى متوجع واجم، على ما قيل:(5/262)
ولا بد من شكوى إلى ذي حفيظة يواسيك أو يسليك أو يتوجع
واشتمل كتابك الكريم على ما استحييت منه، وغضضت طرفي عنه، وأوهمني أن [70 أ] شكواي أثارته، وربما انحفزت فيما الحال بذاتها معربة عن التعذر، فأنظر الأمر إناة، وأجره على مجراه، وليس إلا التفويض إليك، والتوكل عليك، وما عندي أكثر من أن نفسي في يديك، فلا تكلني إلى رأيي فأحار، ولا تخيرني فلست أحسن أن أختار.
ومن أخرى: أنا في هذا الوقت بحكم الزمان، نعم مستودع الهوان، أضحك لمن شتم، وأعتذر إلى من ظلم، وأغضي لمن همز ولمز، وأتعامى على من أشار وغمز، وأتلقى المكروه والأذى، بطلاقة التقبل والرضى، فمثلي إن أوذي شكر، أو أسخطته الأقدار تجمل، أو حمل ما لا يستطاع تحمل، فعل من يلبس للأحوال لبوسها، ولا يحفل بنعيم الأيام وبوسها.
ووقفت على كتابك فلم أستغرب تجنبك، ولا أنكرت تعديك، وما عسى أن تكون في جملة من يعبر ويكلم، ويسخط ويذم، وأنت إذا خلصت من هذا الباب لم تتخلص للحجى، وكنت كجزء لا يتجزا.(5/263)
هات يا سيدي عتبك وعتابك، واشحذ للملام شفارك وحرابك، تجدني لاحتمالك عودا بجنبه جلب، وعليه من قراع الدهر ندب؛ على أني خلت أن الخطوب تبلغ بي رتبة من تعتد أنت عليه ذنبا، ويسمع من مثلك عتبا، ولكنها الأيام تأتي بغرائب، وتلد ما لا يحتسب من العجائب؛ وقد - وحياتك - جاشت هنا خواطري بالذم، وهمت نفسي بأن تفارق عادتها عن الكظم، لولا بقية بقيت من الخجل ذكرتني بالتمالك، وعرفتني مذهبي في التماسك، فأمسكت عليك احتسابا، ورجوت على حمل جفاء مثلك ثوابا، وأضربت عن أن أتكلف لك في شيء مما ذكرته [جوابا] ، إكراما لنفسي عن مجاوبتك، وتنزيها لها عن مساواتك ومماثلتك.
وله فصل من أخرى: كيف أكتب أو أعبر، وبأي ذهن أخبر وأستخبر، ومالي والله يد تجري بقلم، ولا خاطر يهتدي إلى كلم، وإن نفسي من التبلد والكهامة والأين، بحيث لا تخلص معنى ولا تجمع بين حرفين، وما حال من كلما هم بشيء باعده الدهر منه، وطردته الليالي عنه، وكلما قرع باب مطلب عارضه من الحرمان رد، أو ذهب(5/264)
به مذهب سعي قطع به من النحوس سد، حتى لو عرض له عند الظما شرب، لغيض وحمته من الخطوب خطب، فاليأس قاطع أسباب الطلاب، ومغلق من النجح جميع الأبواب، ولكنها النفس ما بقيت لها حشاشة فهي تشف إلى طمع، وتنهض على ظلع، وتجهد ألا تقصر [70 ب] إلى أن تموت فتعذر.
وفي فصل من أخرى: ليت شعري متى أفتتح بالرضى، وهل أكتب وقتا من الدهر ولا أتشكى، فإني أحمد الله على حياة أقطعها في شدائد لا تنثني، وسكرات غم لا تنجلي، ونكد أخلاق لا يشوبه ابتهاج، وضيق أحوال لا يتخللها انفراج، ولئن كان باقي العمر كماضيه، وعوائد العيش كبواديه، فالحمام أعذب موردا، والوفاة أحسن مشهدا، فليس [بعد] هذا العذاب ما هو أشد، فلكل شيء مدى ينتهي إليه وحد؛ فسبحان من جعل الدنيا دار كرب ومحنة، لكل ذي لب وفطنة، ومقام تنعم وترف، لكل ذي خسة ونطف، وسبحان من ابتلى فيها ذوي الفضل والنهى بكل قعط بنفسه ويستشرف من سماء المجد، ويلتف في جعسه ويستقذر عنبر الهند.
وفي فصل من أخرى: كتابي وقد لقيت من التعذر في الدنيا ما صحح منها اليأس، وأراح من وسواس الترجي للنفس، وأغراني برفض المطالب، بما أفادني من التجارب، وقد خلعت عني ذل الطمع، ولبست عز التوكل(5/265)
وسلمت إلى له الأمر، وبيده النفع والضر، وإليه العطاء والمنع، وأنا في هذا الوقت منشرح الصدر، خلو من الفكر، وسبب ذلك كل خير من قبل فلان، فإنه لما علم كربتي، لم يزل يتلطف في صلتي، فلله هو إذا بهرج نقد، وقلل تحصيلهم في الفضل عد، ما أميزه بالدنيا، وأسراه في طرق العليا!! وما أعرفه من أين يؤتي [المجد] ، وكيف يقتنى الثناء والحمد! ومما أنفذت اليك من مخاطباتي تقف على انفراده بالفضل، وارتفاعه عن المثل.
ووردني كتابك فضاعف سروري أضعافا، ورد شوارد أنسي ألافا، وأمد ابتهاجي بأمداد، وأرادني من الجذل في أخصب مراد، ووقفت على جملة ما تجشمته، ولست أعارض بشكر إجمالك، ولا أطاول بثناء أفعالك، لأن العجز لاحق لي، والتقصير معصوب بي، غير أن مبدأ ما أنت بسبيله يقتضي أن تقف على منتهاه، وأول الأمر [فيه] يحفزك أن تنتهي إلى أخراه.
وله فصل في مثل: ما أظن أن لدجى حالي انبلاجا، ولا لكربة نفسي انفراجا، ولا إخال غمرات الهم تنجلي، ولا مدد النحوس تنقضي. ومن كانت له من الدنيا حظوة يصطفيها، ومكانه يستقر فيها، فليس(5/266)
لي منها إلا أن أرى كيف تنقسم رتبها وتتناوب، وتتنازع نعمها وتتجاذب، وتغنم فوائدها وتتناهب، حتى كأني جئت على العدد [71أ] زائدا، ولم أكن عند القسمة شاهدا، فنبذت بالعراء، ولم يثبت اسمي في جملة الأسماء، وما أقول هذا قول ساخط، ولا أيأس من رحمة الله يأس قانط، ولكن ربما استراح العليل في أنة، واستغاث المتوجع إلى رنة، وخفف عن المصدور نفث، ونفس من وجد المكروب بث.
ووصل كتابك مؤنسا إيحاش النوب، ومسليا عن حوادث الكرب، على عادة ما يرد من تلقائك، ويتجدد لدي من أنبائك، ووقفت على ما أزمعت عليه من لقاء الوزير الأجل فهيجت لي بذكراه، صبابة لقياه، واستطرت من أشواقي إليه وقعا، وأيقظت من آمالي فيه هجعا، وجعلت المنى تذهب بي كل مذهب، وتجري من بروقها بين صادق وخلب، وتخيل لي أن المثول بحضرته قد دنا، والفوز برؤيته قد أنى، وتناولتني الهواجس بذلك حتى كأن ناظري مستنير بمرآه، وسمعي مصغ إلى نجواه، فما لبث أن أنشدت:
منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا(5/267)
وفي فصل منها: ما عسى أن أكتب وقد أطلعت في القول حتى أمللت، وأكثرت من التشكي حتى أضجرت، ولو شئت أن أقول لما أسعدت نفس قد هدمتها الهموم فما تقدر، وأحسب [أن] لو أقبل علي من الدنيا موليها، وأمكنتني الآمال من نواصيها، لما اهتززت لها اهتزاز نشاط، ولا وليتها ولاية اغتباط، فبؤسا للدهر ما أعنفه من مالك وأصوله، فانظر على أي نفس قدر، وفي أي همم أثر، وأي خطر أخمل، وأي إباء استنزل، وأي حد كل وفلل.
ومن أخرى: في حالي - أعزك الله - عجب للمتعجب، كلما رمت وجهة فأتيتها من أقصد مذهب، وتناولتها بألطف مرعب، حتى تخيل لي أن أبيها قد أسمح، وحميد السعي فيها قد أنجح، رجعت عنها صفر الوطاب، وحصلت على رقراق السراب، وكان المستعجل منها أبطأ وأعصى، والمستقرب أبعد وأنأى، ويا ليت شعري إلى متى، وكم أتعذب وأشقى، وهل لهذا التحير أمد، زماني كله نكد -!
وفي فصل من أخرى: وأما حالي التي تطلعت اليها فحال من لا يزال يستنجز الأيام عدات كواذب، ويستسقيها فتمطر صواعق ومصايب. وله من أخرى يخبر ما جرى عليه بدولة المقتدر: كتابي وأنا أساير(5/268)
من هذه النكبة غمرة يتطاول مداها ويمتد، وأصبر منها محنة تزيد مع الأيام وتشتد، وزادني قلقا ما حكاه لي فلان من [71 ب] خبر المقتدر في السبب الذي له جفيت، من أجله أقصيت، وذكر ذنوبا كانت مني، وأقوالا بلغه عني، منها تحصيل حركاته وأخباره، وتحريف ما كنت أشاهده في مجلسه الكريم من آثاره، وأراه، يذهب في تعديد ذلك ذهابا دل على حرد، وأنبأ عن سوء معتقد، فأزعجني الأمر إزعاجا يقتضيه تغير رأي مثله من الأملاك، الذين هم كالليل في الإدراك، وكالقضاء إذا شاءوا في الهلاك، ولم أجد لنفسي قرارا على تغيره، ولا هدوءا مع تنكره، وقد يجوز أن يكون للمبلغين في السعاية بلاغات محرفة، واختلاقات مزخرفة، تثير بسعيها حرجا، وتهيج أنفا، فمالي حرمت منه ما هو معلوم دون ملوك العصر، من سعة الحلم وكثرة الصبر - ولم عدمت عنده ما هو موصوف به من كظم الغيظ إذا أحفظ، وذكر الرضى إذا أغضب - بل كيف حتى خصصت وحدي من بين العالم، بأن يصغي في جهتي إلى النائم -! ولو رزقت من تأمله - أيده الله - ما أصغى إلى ذلك الناقل وما أنهاه، إذ الإفك ما حكاه، فلم يك من ذوي الأديان فيوثق في نقله، ولا من ذوي النصائح فيقبل من مثله، ثم من أعظم الخطوب ما أدرجه في أثنائه، من تعديد أياديه وآلائه؛ ونعم، أولى - أيده الله - وشرف ووجه، ونبه من خمول ونوه، ولست لكل ذلك بكاند، ولا لجميع ما أولاه بحاحد، ولو جحدت(5/269)
لأقرت علي المذاهب، ولو سكت لأثنت لآلائه الحقائب، واحمد الله تعالى على ما اتفق لي عنده من هذا الاعتقاد في، والنظر بمثل هذه العين إلي، [هذا] مع فرط تحرزي وانقباضي، وتناهي تذللي وانخفاضي، وما جبلت عليه من سكون الطائر، وغص الناظر، وخزن اللسان، ومهابة السلطان، في السر والإعلان. وإذا فكرت في ذلك لم أستغربه، لما علمت من شقائي في جدي، وسوء أثر الزمان عندي، ففي مولدي أن تقسو على قلوب أستلينها وأستلطفها، وتعرض عني جوانب أستميلها وأستعطفها، وما زلت مذ كنت أعتذر مظلوما واسترضي متسخطا، وأداري متشططا، واضطر إلى الاقرار بأجرام لا أجنيها، والاستعفاء عن ذنوب لا أدريها، وكيفما دار الأمر، وتصرف بي الدهر، فإني لا أفارق عصمة ولائه، ولا أنحرف عن تأميله ورجائه، حتى يهب الله لي منه تأملا يستوضح به براءة ساحتي مما نمي اليه، وسلامة جهتي [72 أ] مما زور لديه، فيعود بي إلى المعهود من رأيه الجميل، ويوسعني ما أوسع الكل من طوله الجزيل، فلم يكن قدر ما نمي إليه لو قام عليه دليل يقنع، وظهر بصحته أمر لا يدفع، مما قدح في رياسته، وغص من نفاسته، فيؤيس من كريم عطفه، أو يضيق عن تغمده وعظيم صفحه. وأنا أرغب أن تلخص معاني كتابي هذا بفضلك وتعرضها عليه، وتأخذ جملته(5/270)
وتفصلها لديه، وتحلي ما خشن منها بلطف إشارتك، وتتم ما نقص منه بحسن عبارتك، وتتوخى لذلك وقت نشاطه، وساعة انبساطه، فعسى أن تصادف به إصغاء يثني عن النبوة، ويلين جانبا من القسوة، ويذهب بعض ما يجده، ويصرفه عن هذا الاعتقاد الذي يعتقده.
وله من أخرى يشرح أيضا ويذكر خبره مع المقتدر: تطلع عليكم مع هذا الكتاب طوام معضلة، وعجائب مذهلة، ينسيك بعضها بعضا، وتفني وأنت لا تدري أناملك عضا، وكأني بك كلما نشرت منه سطرا، وطالعت فيه أمرا، تتصبب عرقا، وتذوب فرقا، وتغشاك سكرة على سكرة، ولا تخرج من غمرة إلا غمرة، أولها: أنه يخاطبك فيه من كان ميتا ولم يكد يبعث حيا، ومن هلك علك عاد، وليس على ثقة من معاد، فيجب أن تقنع بما يتفق من وصف، وتعذر الخاطر إن لم يسمح لك بحرف، وخذ الآن إليك، فافتح مسمعيك: فارقتنا عند نهوض المقتدر بالله بجيوشه واتفق أن كنت أحد القاعدين، ولم ألف في عداد الغازين، ولا في من لقي من لفيف الكتاب، وأعيان الوزراء والأصحاب، فاشتد حنقه على الخوالف، وعم سخطه جميع الطوائف، ونذر إذا قفل، أن يصنع بهم ويفعل، وقدر الله أن غنم، وفتح على يديه وسلم، ولعلك تطلب شرح هذه النكتة، وتسأل كيف كانت القصة، ولئن عجزت عن التفصيل فاسمع الجملة:(5/271)
جلس بعد أيام من صدره في مجلس الذهب، وعليه سيما الغضب والرهب، والناس يستعيذون بالله من بوسه، لما رأوا من فرط عبوسه، ثم قال: أين فلان - فكنت للشقوة غائبا عن المكان، فقيل ليس بحاضر، فاندفع من فوره وأقسم بالغموس أن أعزل عن خدمته، ولا أبقى في بلدته، فاستحوذ على الكل البهت، وملك جميعهم السكت، وحضرت أحد الوزراء بديهة تراجع بها شيء من ذهنه، فتجاسر بعض التجاسر عليه وذكره بالكظم، واسترجعه إلى سجيته من الحلم، فضجر أشنع من الأولى، وشد اليمين [72 ب] بأخرى، فانقطعت أسباب الرجاء، ولم تكن حيلة في القضاء، وسبق إلي النبأ الفظيع، ثم تلاه الأمر الشنيع، - جعلني الله [فداك]- صورتي إن صح لك توهم، وتخيل حالتي إن بقي لك تخيل؛ وأذكر لك ما بقي في ذكري وثبت في ذهني، وسقطت مغشيا علي، وعانيت الموت جادا إلي، وشاهدت نفسي وهي تخرج، ورأيت روحي وهي تعرج، وبقيت لا أقلقل ولا أزعج، كالمستضعف أحاطت به غلبة، ولم تسمع له طلبة، ويا لك من مقتدر شمخت العزة بأنفه، ولم يثن الجبروت من عطفه، وقد فارقت الرأفة، وتمكنت منه القسوة، واللجاج يغريه بازعاجي، ولا يشفيه شيء غير إخراجي، لعلمه أن ليس له عندي إنعام، يمكنني معه خروج أو مقام، ثم خرجت مع هذا كله على رغمي إلى شنتمرية، وهي القبر إلا أنها من قبور الرحمة، وأنا الآن فيه(5/272)
أتعذب بغمته، وأتقلب في ظلمته، وتعرض علي أعمالي، ولا أدري إلى حيث يكون مالي.
هذا يا سيدي بعض ما تحصل في هذه الأحوال، بما جرى علي من الشدائد والأهوال، فرق الآن لأخيك رقة راحم، وابك عليه بدمع هام وساجم، وتقطع إشفاقا، واستشعر انطباقا، والبس عليه أغبر إن لم تلبس حدادا، وألق للعزاء عنه وسادا، واعجب لطول يلاعب الأيام بي، وتلونها [وتلويها] في تركي مطرحا بمنزلة ضياع، ووضعي غرضا لتحكم جهال ورعاع، أجرع، من الهون ما أجرعه، وأقابل من الضيم ما لا أدفعه، دهري كله وأكرب، وأجر كل حين بأيدي الاهتضام وأحسب، ولا أعدم في كل مكان من يتجنى، ويعدد ذنوبا لا تدرى، ولا ذنب لي إلا كف الأذى من لساني، ومسالمة الورى في سري وإعلاني، وإذا كانت هذه المحاسن التي تعجز عنها ذنوبي التي أجفى لها، فكيف أستغفر منها، وقل لي كيف أعتذر عنها - وما زلت أجهد - على علمك - أن يكون هذا الانفصال عنه اختيارا، فأبى الله إلا أن يكون اضطرارا، وطمعت أن أستفيد في تلك الصحبة ما يعينني على نيتي، ويريش جناحي للنهوض إلى طيتي، فما حصلت منها إلا على قبيح عزائمي.
قال ابن بسام: وهذا الفصل محلول من قول البحتري حيث يقول: [73 أ] .(5/273)
إذا محاسني اللائي أدل بها كانت ذنوبا فقل لي كيف أعتذر
ومجلس الذهب الذي وصف أبو المطرف مجلس في دار السرور، أحد قصور المقتدر بن هود بسرقسطة، وفيه يقول ذو الوزارتين ابن غندشلب يهجو الوزير ابن أحمد، وكان ينبز بتحتون:
ضج من تحتون بيت الذهب ودعا مما به واحربي
رب طهرني فقد دنسني عار تحتون المئوف الذنب
وله من أخرى يصف ضيق المكان الذي أخرج إليه: فرق ما بين المكان الذي وردت عليه، وبين القبر الذي مآل الإنسان إليه، [أن] المقيم به والساكن فيه يدفن حيا، ولا يعلم من نور الدنيا شيئا، وأنا منذ احتلاله أفرغ من حجام ساباط، أركل وأضرب الآباط، وتارة ألعب بشطرنج ونرد، وتارة أطالع أخبار بشر وهند، وأخرى أيضا: أظل ردائي فوق رأسي قاعدا، أعد الحصى جاهدا، وأرمي بها صادرا وواردا؛ وكانت راحتي في مخاطبة صديق أجاذبه الكلام، وأقطع بمناجاته الأيام، ولكن من محن الدنيا ألا أجد من يتحمل لي كتابا؛ ولقد ظفرت بمن توجه إلى تلك الناحية فكتبت مخففا عن صدري(5/274)
وطالعتك أنت والإخوان ببعض أمري، وانتظرت صدر ذلك الإنسان، بأجوبة تفيد بعض السلوان، فلم يكن منهم إلا كل جاف جلف، لم ير في دينه المراجعة بحرف، فساء بذلك ظني، وقرعت على ما فعلته بالندم سني، وتصرف فكري في أن ذلك الرجل كان من معارف الرجس، فاتهمت أن الداخلة دخلت علي منه، ولولا ذلك لفجأك من التعب ما يرهق شمسك، ويصلح من روح الله يأسك، فعجل مراجعتي بجلية ما عنك من وصول الكتب أو غير ذلك، ولا تزد على ما في جوابك، فإني زاهد في قراءة كتابك، غير نشط لما يرد منك ومن سواك، ولو راجعتم عما أكتب بالضعف، عن كل سطر بألف.
وله من جواب على كتاب ورد عليه من بعض إخوانه بالعفو عنه: ورد جوابك الكريم فنفس من كربتي، وأنس من وحشتي، وروح عن قلبي الأسى، ووصل [بين] طرفي والكرى، بما أطلعته علي من الفرحة المستمطرة، والبشرى المنتظرة، في سكون ضجر المقتدر [بالله] وغضبته، ونزوله عن أكثر عتبه وموجدته [73 ب] وامتناعه بالقبول لإنابتي، والإصغاء إلى استلطافي واستلانتي، وما كان ليقطع عصمة من انقطع إلى علاه، ولا يؤوب بحسرة الخائب من أمله ورجاه، ورأيت ما لوحت به من الأشياء الموجبة للجفاء، على ذلك الإقصاء، وانها تواكدت على مر الأيام بأقوال مستبشعة، وبلاغات مستشنعة(5/275)
وقد آلم وساء، وبلغ الباغي في النكاية ما شاء، ولكن أترى أن الحاكي لها ممن يتحلى بفضل، أو يرجح إلى دين وعقل - وهل يجوز أن يتسوق بمثلها إلا أوضاع الدنيا، وسقاط أتباع أولاد الزنا - وقصاراهم أن يتعرضوا للطخ الأعراض الطاهرة، ويتمرسوا بطعن على الفضائل الباهرة، بكذوب تلفق، ومحاولات تختلق وتنمق، فما أبعد جوازها على العقول، وأقل نفاقها عند ذوي التحصيل، وأخلق بها من شبهة أن تنجلي، ومن ضرم إحنة أن تنطفي.
ومن أخرى يصف خبر نكبته: ورأيت ما تعلق ببالك من معرفة حالي ومجراها، في حدها ومنهاها، وفي شرح ذلك خطب ثقيل، وشغب طويل، جملته: أن الذي كتب على لساني أوسعه ثلبا في قول تقوله علي، واستخفاف نسبة إلي، وعلم الله تعالى براءة ساحتي من ذلك، ونزاهة نفسي عنه، لكن الطبائع الخبيثة تقبل سريعا من أجناسها، ولم تزل تتزيد وتكثر حتى الاناء بما فيه، وأبرز ما كان ينطوي عليه ويحفيه، وليس عندي في ذلك أكثر من أن الأقدار تعمل أعمالها، وتظهر في البشر عللها وأفعالها، والذي يغمني من ذلك ويهمني جد لا ينفك من عثار، وحال لا تزال في خمول وإخمال، وقطع عمري في كد وذلة، وجهد وقلة، وتصرف لا ترضى به آلاتي، واتضاع ترفعني(5/276)
عنه أدواتي، بحيث يتقدم الجهل على النبل، ويستطيل ما شاء على الفضل، وتنال الرتب بالمخارق، وتعطى الكوادن حظوظ السوابق، ولم أزل أصبر من ذلك كله على يشيب رأس الوليد، ويذيب الحديد، ويهد الرواسي هدا، ويحدث للجماد غيظا ووجدا، لئلا يقال مضطرب يقلق، وعجول لا يتأتى ولا يرفق، حتى آلت الحال إلى هذا المآل، وبلغ الكتاب أجله في الانفصال، فاعجب يا سيدي مما يدفع الإنسان إليه من شقاء يقاسيه، وعناء يعانيه، ومحن يغشاها [74 أ] ألوانا، ونوب تفترق عليه أقرانا، ومغايظ تطرف الناظر بقذاها، ويعرض في مجاري الأنفاس شجاها، وتقطع النفس أنفسا، وتحيل العيش أبؤسا، ويأبى الروح مع ذلك لشقاوته إلا أن يكون حافظا لحياته، حتى يتعذب بكل ما عددته، ويتألم من جميع ما سردته؛ فليت شعري: لم هذا - وعلام الرغبة في الازدياد، وهذا الحرص على التماد - ولو أن الأيام كلها في نعيم محتفل، وسرور متصل، لما كان ذلك إلا بمنزلة ظل زائل، ولم يحل منه بطائل، إن هذا لطموس أضل الألباب فلا تدري الرشاد، وأفسد الأفكار فلا تعلم ما المراد.
وله من أخرى إلى الوزير أبي الفتوح: ما زلت - فسح الله لك أيها الوزير الأجل غاية الأمل - منذ سمعت فضائلك تذكر، ومناقبك تنشر، وسور سروك تتلى، ومحاسن فعالك تجلى، أحن إليك حنين كلف، وأتشوق نحوك تشوق شغف، وأستمنح الأيام خلتك(5/277)
وأود لو أفادتني صلتك، حتى فتحت لذلك غلقا، ونهجت له طرقا، ومكنت من المعارض بالود، وسبب التناجي على البعد، فكان ما أتيته من ذلك بحسب البغية، وواقعا موقع الأمنية، وهكذا فعل من حوبي بالسعادة، وأنشى على السيادة، حتى فرع من المجد ذراه، واستولى من كل فضل على مداه؛ هنأني الله ما منحني من صفائك، وبارك فيما وهبني من إخائك.
وإن كتابك الكريم ورد، وعلمت ما وراء افتتاحك المكاتبة من ود صريح، وميل صحيح، وانجذاب جذبه لا محالة تجانس في الخلائق، وتشابه بين الطبائع، ولله ما أفادتني الأيام بك، وأكسبتنيه منك، ورأيت ما أشرت إليه من إجرائك إلى الصلة بيني وبين الملك الأجل المنصور - أطال الله بقاءه، ووصل اعتلاءه - ولا بد أن تسبب للمواصلة أسباب، وتنفتح للمداخلة أبواب، فيتسنى بذلك من تآلف النفوس كامن، ويكون الامتزاج ظاهرا كما هو باطن، وأنا أرغب أن تتناول ما بدأت من ذلك فتتممه، ولا تحل من عقد الوصلة يدك أو تحكمه.
وقد لقيت فلانا فرأيت لعمري فضلا رائعا، ونبلا بارعا، وحلاوة تستهوي، ولطافة من ذلك السرو تستملي.
ومن رسائله الإخوانيات
فصل له من رقعة: إذا صح الود ارتفع التصنع فيه، ولم تستخدم الأقلام في شيء من معانيه، ولهذا أضربت [74 ب] عن وصف الاعتقاد(5/278)
ولم أجر فيه على المألوف المعتاد.
ووصل فلان، فلا والله ما رأيت أبنى منه لمجد، ولا أنطق منه بحمد، كلما اطمأن به مجلس لا يزال يثني، والأسماع إليه تصغي، حتى يجعل المحبة فريضة دين، ويمكن للقول من الأنفس أي تمكين، ثم تفرد في خلال ذلك من رشد الطرائق، وشرف الخلائق، وعلو الهمم، والتطبع بالكرم، بما يقضي أن للسيادة فيه أسرارا ستظهرها الأقدار، وينطق بها الليل والنهار، والرب تعالى يتم عليه يتم عليه مواد نعمه، ويوفي به على مطالع هممه.
وله من أخرى: وردني كتابك على حين كانت الأشواق تتوكفه، والأماني تتشوفه، فأيبهجني مطلعه، ولطف مني موقعه، وأجلت فيه ناظري فاجتليت لسان الود يبوح بسريرة الصفاء، ويعرب بحقيقة الوفاء، وعانيت نجي المقة كيف يساقي كأس المحبة صرفا، ويهز بألطاف الصلة عطفا، لله هو من كتاب أحضر وفد الأنس عندي، وجدد الجذل كعهدي، ورفع للأطراب ألويتي، وعطر بطيب الشمائل أنديتي، وبنفسي مهديه، وخاطر تلطف في معانيه، وراع برائعة أغراضه ومباديه، وإذ لا تسعف الليالي بتلاق يشفي، فالتناجي بمثله يتعلل ويكفي؛ لا زالت أسباب مواصلتك لي مؤكدة، ورسوم ملاطفتك عندي مجددة.
ورأيت من ذلك الفاضل سيرا تنتظر درج العلا أن يرتقيها(5/279)
وتتشوف اليه رتب المجد أن يعتليها، وكأني به قد أجنته الأماني ثمارها، وزفت إليه السيادة أبكارها، وقاه الله العيون، وحقق فيه الظنون، فما أنبل قدره، وأكمل سروه!!
وله من أخرى: إذا نجم الفضل -[أعزك الله]- من المعادن الشريفة، في المناصب المنيفة، ثم تحلى بحلية الآداب، ولم يتكل في العلا على بنية الأحساب، فلا غرو أن يكثر خطابه، لأن تعلق أسبابه، ويتنافس في عرفانه، ليحصل من معارفه وخلانه؛ وأنت - يبقيك الله - ذلك الضارب في الشرف بأرسخ عرق، الفائت في الفضل كل ذي سبق، تعرب عن ذلك الأخبار السائرة، وتنم عليك به الأنباء العاطرة، لا سيما بأوصاف فلان، لعلمه بحرصي على ذلك الأفق لا يزال يهدي إلي أخباره فيخصك بينهم من الخلال والمناقب، وحسن السير والمذاهب، ما قد شوق نفسي إليك، وملأ جوانحي حرصا عليك، وتمنيت لو حزت أسباب [75 أ] القدرة، بتنقلي إلى تلك الحضرة، ولم أتمالك أن خاطبتك خاطبا صلتك، ولست من الأكتفاء، وراغبا في خلتك، وإن لم أكن من النضراء؛ لا زالت تستخلص الأنفس شمائلك، وتقف عليك المودات فضائلك.
وفي فصل من أخرى: قد كنت - أعزك الله - متمنيا لهذه الأيام، كما يتمنى في المحل صوب الغمام، ومنتظرا لظهورك فيها، كانتظار النفس أعذب أمانيها، ولما أطلعت طلائعها السعود، واستمر بك الارتقاء(5/280)
والصعود، قلت لنفسي: بشراك، أسعفك الدهر بمناك، وسرك في بعض أعزتك وأرضاك، الآن آن للنحوس أن تدبر عنك إدبار المنهزم، وللنوائب أن تحذر منك سطوة المنتقم؛ وأذني في الاصغاء، إلى ما يطرأ من الأنباء، فلا تنفك مبهجة الأخبار تترى، ومثلجة المسار تتناصر وتتوالى، وكلما قيل قرع من الجاه ذروة، واستجد من العز كسوة، سرت العزة في خلدي، وطالت على النوب يدي، وحين صح تمكنك عندي، انبسطت إلى مخاطبتك نفسي، مذكرة لك في تنويهي وغرسي، إن صادفت من الزمان إسعادا، وملكت من إحدى الممالك قيادا؛ على أنك ممن لا تنسيه المعارف حال، ولا يلهيه عن الجميل إقبال، ولو استقل بك السرير، ودان لك الخورنق والسدير؛ ليأمن مسألتي الدهر المحيل فقد حسبتني أحاوله، أم أي حظ أجزل من إقبالك علي أتناوله - كلا والله، ما أسأل وقد نلت الرضى، ولا أجري بعد أن بلغت المدى، حسب يدي وما علقت، ولتقتنع نفسي بما رزقت، فلكل طلاب غاية، وللظفر بالمنى راية.
ومن أخرى: أي حمد يفي بمنن لك تسلفها ابتداء، وتتابعها ولاء، بلا وجوب يقتضيها، ودون سبب يستدعيها - بعيد علي أن تقوم لذلك قدرتي، أو تبلغه استطاعتي، وليس عندي إلا بذل المهجة فيما وصل بك، وضم إليك، وإرخاص النفس فيما أدنى إليك، وأحظى لديك. ووجدتك قد أشرت إلى عذر أعجلك في الكتاب، عن التعمل والإسهاب(5/281)
ووصلت ذلك بأن حسنت مذهب الاسترسال، واعتفيت من مؤنة الاحتفال، حسبما يوجبه تمكن الاتصال.
وله فصل: ووصلت الأبيات الرائقة تعبق في أنف المتنسم، وتشير لعين الناظر المتوسم، وتأملتها فرأيت نور الحكمة منها يتألق، وماء الطبع عليها يتدفق، وما أنا إلا غفل وسمته وسما باقيا، وعاطل طوقته [75 ب] طوقا باهيا، وبودي لو أغربت في الشكر، إغرابك في الشعر، واقتدرت على الجزاء، اقتدارك على الإطراء، حتى أصل إلى سبقك، وأقضي بعض حقك، وإذا كنت أقصر، ولا أقدر، فأنت بفضلك تتجاوز وتعذر.
وله من رقعة خاطب بها جماعة من إخوانه: كتابي هذا من وادي الزيتون، ونحن فيه محتلون، ببقعة اكتست من السندس الأخضر، وتحلت بأنواع الزهر، وتخايلت بأنهار تتخللها، وأشجار تظللها، تحجب أدواحها الشمس لالتفافها، وتأذن للنسيم فيميل من أعطافها، وما شئتم من محاسن تروق وتعجب، وأطيار تتجاوب بألحان تلهي وتطرب، في مثله يعود الزمان كله صبا، وتجري الحياة على الأمل والمنى، وأنا - أبقاكم الله - فيها بحال من طاب غذاؤه، وحسن استمراؤه، وصحا من جنون العقار، واستراح من مضض الخمار، وزايلته وساوسه، وخاصت من الخباط هواجسه، لا أبيت بليلة(5/282)
الشئس، ولا أقوم كالذي يتخبطه الشيطان من المس، بل أنام ملء جفوني نوم مسرور، وأنتبه إذا انتبهت غير مذعور، فلتبعد بعدها الخمر، ما بقى الدهر، فقد طلقتها ثلاثا، وتركت الأسباب بيني وبينها رثاثا، ولله الحمد على أن خلص من حبائلها، ونجى من غوائلها، وسلى من حيث كان يتوقع الكرب، ولقى المحبوب من حيث كان يخشى المكروه والخطب. وأنتم سادتي أخلاء النبيذ، برئت منكم كما برئ المسيح من اليهود، فهنيئا لكم تنفس أنفاسها، وتعاطي أكواسها، فلست أزاحمكم عليها بمنكب، ولا أوافقكم فيها على مذهب، فاطلبوا لحثها الألحان، واخلعوا فيها العذر والأرسان، وتعروا من ثياب الوقار، واركبوا رءوسكم في هتك الأستار، وموتوا سكرا، ولا تعصوا لشاربها أمرا، واتخذوا الحسن في دينها نبيا، واعتقدوه إماما مرضيا، وقولوا عيش الخلاعة عيش رقيق، ولذة النفوس صبوح وغبوق، فليس لقولكم رد، ولا في غير رأيكم رشد، ولا أقصى الله إلا من تعسف، ولا أبعد إلا من لام وعنف.
وكأني بكم -[أبقاكم الله]- إذا قرأتم أحرفي هذه تستذكرون عليها عهدي، وتشربون منها كاسا في ودي، وتقولون: سنفث في العقد، ونصرفه عن ذلك المعتقد، فلا تعتقدوا ذلك ولا تتوهموا أن تكيدوني بكيد، ولو تأيدتم عليه بأشد أيد، فقد استدفعت برب الناس(5/283)
غامض شركم، وتعوذت برب الفلق من [76 أ] نافث عقدكم، والله ولي الكفاية بفضله.
شاركتكم يا سادتي -[أعزكم الله]- نعمة الله المتجددة قبلي، وأعلمكم بمبلغ سروري وجذلي، فإن كنتم قد خصكم منه - جل وعز - بمثلها عرفتموني [بها] لنتساوى في الشكر، وإن كنتم على الحال التي تركتكم عليها من البطالة، والتمادي في الضلالة، فأعفوني من جواب بصفتها، فلست أتطلع إلى معرفتها، [وأنتم أولياؤنا إن شاء الله] .
فراجعه أبو الفضل بن حسداي برقعة قال في صدرها: يا سيدنا الذي ألزمنا بامتنانه الشكر، وكبيرنا الذي علمنا ببيانه السحر، وعميدنا الذي عقدنا بجرمه وانحل، ورمانا بدائه وانسل، أبقاك الله لتوبة نصوح تمرها، ويمين غموس تبرها؛ وردنا - أبقاك الله - كتابك الذي أنفذته من معرسك بوادي الزيتون، ووقفنا على ما لقيت في أوصافه من حجة المفتون، وإعجابك بالتفات شجره ودوحاته، واهتزازك لطيب بواكره ورحاته، ومرورك به وهو حو تلاعه، موردة صفاته(5/284)
وأجزاعه، وكل المشارب ما خلاه ذميم، وماؤه الدهر خصر والمياه حميم، وتلك عادة تلونك، وسجية تخصرمك، وشاكلة ملالك وسأمك، وأشعر الناس عندك من أنت في شعره، وأحب البلاد اليك ما أنت في عقره، فأين منك بساتين جلق وجنانه، ورياضه المونقة وخلجانه، وقبابه البيض في حدائقه الخضر، وجوه العطر في جنابه النضر، وما تضمه حيطانه، وتمجه نجاده وغيطانه، من أمهات الراح التي هجرتها بزعمك، ومواد الشمول التي طلقتها برغمك. وهيهات! فوالله ما فارقتك تلك الأجازع والمحاني، ولا شاقتك تلك المنازل والمغاني، إلا تذكرا لما لدينا من طيب المعاهد، وحنينا إلى ما عندنا من جميل المشاهد، وأين من المشتاق عنقاء مغرب.
وأما ما وصفته من صحة استمرارك، ونفوذ غذائك، وإفاقتك من جنون العقار، واستراحتك من سقم الخمار، وخلوص تلك الهواجس [من اختلاط الراس، فاعلم أن الغي ما أنت فيه منذ اليوم، والوسواس ما سمعت به أسماع القوم، وقد أدانا صادق القياس، إلى علم سبب ذلك الوسواس] فإنك تعرضت للسموم غير ملثم، وبرزت(5/285)
إلى الهجير غير معمم، فأنت عملس أسفار، وجريت مهامه وقفار، فتخلل الخام اللجج، وتقطع البلغم اللزج، وتصاعدت أبخرة البدن إلى أعلاه، فقذف بذلك المحال الذي أملاه.
وقد بلغنا نفضت مكامن الثغر الأعلى، وسربت إلى بلاد العدو في من سرى، وشهدت الخيل يوم طرادها، وباشرت الحرب غداة جلادها، مختالا بين الصفين على شقراء تردي منك بنسيج وحده، وتجيء [76 ب] بك معتجزا في برده، فقد كتب عليك حكم القتل والقتال، وعلينا توسيع الجيوب وجر الأذيال، فهذا هو الرأي الذي سول لك أن تدعي التوبة ولا تستدعي الكاس، وتستدعي النوبة وتستعدي الناس، وتري أنك تنسك وتتقرأ، وتنخلع من المجون وتتبرأ، فالسلام عليك يا أيها الناسك المتصوف، والمتبل المتقشف، الذي أقصر لما أبصر، وفضل نور الحقيقة، على نور الحديقة، فقطع العلائق، وهجر الخلائق؛ فأنت ممن تقول، ما لا تدركه الألباب والعقول: أخذ مني أنا، فبقيت(5/286)
بلا أنا، فبوجهك يستقى الغمام، وببركة دعائك تستشفى الآلام، فإنك الرجل الزاهد، والمرابط المجاهد، وما تخفى عليك لطائف الزهد ورقائقه، ووجوه النسك وطرائقه.
ولكن هات حدثنا حين لم ترض بالراح إلفا، وطلقتها ألفا، ما سببك في سبك لها، وهي صافية طاهرة، وغضك منها وهي طيبة عاطرة، وكلوحك في وجهها وهي طلقة ناضرة -! وما لك جواب غير قول أبي نواس:
لا تسم المدام إن لمت فيها فتشين اسمها المليح بفكيا
وأما إشارتك في أن نشربها على ودك، ونتذكر عليها طيب عهدك، فلا ولا كرامة ولا نعمى عين، فهي أجل وأكرم من أن نبذلها في ود من جفاها وقلاها، ونديرها على حمد من ذمها وهجاها، وأما قولك: " لا يسري فيك غامض شرنا، ولا يحل عقدك لطيف سحرنا " فإنك ترقق عن صبوح، وتشيع السرى وأنت مصبح، وتسر الحسو وأنت(5/287)
مرتغ، وترى الزهد وأنت طالب مبتغ، فاعلم أنا سنجمع شرنا المبين، ونتظاهر عليك أجمعين، ونجلب من الجن كتائب وجرائد، ونصرف من المكر غدعا ومكايد، في بقائك على نسكك مستمرا، ودوامك على توبتك مصرا، فعسى أتنعم وتقر عينا بنضوح كبدك، والتياع حشاك، وتشاهد مشارع الراح ولا ترد، وتباشر مناهل المدام وتنشد:
أرى بعد ورد الماء للقلب لوعة اليك على أني من الماء ناقع
وإنا لنوقن أن هذا الأمل بعيد لا نبلغه، ونعيم لذيذ لو نسوغه، فما تزال يحل أيمانك من نفسك حنث، لا يقاومه سحر ولا نفث، ونعم، سنأدبك إلى مآدب أنسنا، [ونندبك] إلى محاضر لهونا، فما نتم إلا بك، ولا نلذ إلا باقترابك، وأي شيء ألذ وأمتع من أن نتعاطى [77 أ] الكرات والنخب، ونبعث من مكانه الارتياح والطرب، ونصد الكاس عنك وأنت في مجراها، ونحلق بها عليك وأنت لا تراها، ولا تعلل منها بنسيم، ولا تنفح لك من رياها بشميم، حتى إذا دبت فينا حميا الخمر، وقهوتنا سورة السكر، تمايلنا عليك معربدين، وتمسحنا بأثوابك راكعين ساجدين،
كما شبرق الولدان ثوب المقدس *(5/288)
وأما [صفة] حالتنا التي سألت عليها، فسنزيدك جنونا بالحديث عنها: اعلم أننا قيد التهاء وارتياح، ورهن اغتباق واصطباح، تصرعنا القهوة، فنتداوى منها بها، ونتدرع النشوة، فلا نعرى من إهابها، فنخرج من سكرة إلى سكرة، ونعبر من غمرة في غمرة:
[سدى عده لا يعرف اليوم باسمه ونعمل فيه اللهو مرأى ومسمعا]
وكتبنا إليك -[أصلحك الله]- بأنامل يمتطيها القلم فترعش، وتحتويها الكاس فتستقل وتنتعش؛ أطلعنا عليك من حالنا غائظا فتلقه بالكظم، وأوصلنا إليك من خفض عيشنا منكرا فادفعه بالصبر والحلم، وسترد فتعلم، وتلقى خلاف ما تظن وتتوهم، والله يمتعنا بمقدمك، ويؤنسنا بلقائك، وينفعنا بصلاحك وبركة دعائك.
وذكرت ببعض فصول هذه الرسالة أبياتا كتب بها ذو الوزارتين أبو محمد بن هود إلى الوزير أبي محمد بن عبدون في ترك الشراب، أولها:
الخمر يا سادتي حرام *
فراجعه الوزير أبو محمد بهذه الأبيات:
يا سيدا في حباه رضوى أستغفر الله بل شمام(5/289)
في زمن الورد يا أخاه تجفى ولم تذنب المدام
إذا ألمت ذوبا وجمدا تنفر عنها ولا النعام
ودار دنيا الورى عروس معشوقة ريقها المدام
إني لأدرى الورى بقوم أنت لهم سيدي إمام
شامت يد النسك منك سيفا لكنه مثلها كهام
فعد إلى الضرب يا حساما عن مثله يعجز الحسام
وله من أخرى: وصلت رقعتك - أعزك الله - تستدعي المؤانسة من توالي هذا المطر الموحش للأنفس اللبيبة، المضيق للصدور الرحيبة، فاستغرقت فضلك في تذكر من ينسى، وصلة من يجفى، واستدناء من يقصى، ويحق أن يستغرب وفاء الصديق، في زمان الغدر والمذوق، غير أن رغبتك صادفتني ولي من الكتب جلساء تؤنس في الوحدة، وتسلي من الكربة، وتجلو صدأ الخواطر، وتفتح عيون البصائر، وتحلو للمجتني ثمارها، ويتمتع ناظر المتأمل نوارها، ثم إن من أغرب فوائدها أنها تستدنيك إن نأيت، وتستعطفك إن وليت، وأغرب من ذلك [77 ب] أنك تحمد عقباها، ولا تتوقع أذاها، وقد رضيت(5/290)
اليوم بها قسما، وإن أفاتتني من السرور برؤيتك غنما، ولك أنت أحفل الشكر، فيما تلطفت به من البر، فختر إخوانا يجاوروني في الذم والمديح، ويساعدوني على الحسن والقبيح، وحسبي أنا منها ما تتذاكرون من عهدي، وتتعاطون من ألاكواس والنخب في ودي.
وله من أخرى: من الأعاجيب - أعزك الله - مكاتبة مجهول لا يعرف له أسم، ومراسلة غفل لم يصح له وسم، ولكنك أصبحت غريب العليا، وزعيم بني الدنيا، فحسن لنا أن نذهب مذهب الإغراب، في ما نبغيه لديك من الطلاب، ونبدأ بعرض الآمال، من غير أن نتدرج في مدارج الاتصال، ذهابا في ذلك عن العادة، مع من خرقها في السيادة، حتى جل في المجد والعلاء، عن الأشباه والقرناء، فينشد فيه وفي:
غربت خلائقه وأغرب آمل فيه فأبدع مغرب في مغرب
وله من أخرى: لولا أن التعمل في بعض الأحوال، ضرب من الإزراء والإخلال، لاحتفلت، إلا أنه قد يكون في بعض السر إعلان، وينبي عن في الصحيفة عنوان، وبذلك أكتفي وأحيلك(5/291)
على نفسك النفيسة فهي تتصوره وتتخيله، ثم تصوره ببالك وتمثله. ووصل كتابك مشتملا من لطيف صلتك، وصافي برك وتكرمتك، على ما أشعر النفس اعتزازا، وكسا الأعطاف اهتزازا، وتلا ذلك من ودادك واعتدادك، وجميل مذهبك واعتقادك، ما استغرق المنى، وزاد على الأمل فأوفى.
ومن أخرى: لم أزل مذ سمعت سور فضلك تتلى، ومحاسن شمائلك تجلى، وجميل فضلك يعاد ويبدا، وغريب مجدك يكرر وينشا، أهم بمكاتبتك، وأتشوق إلى مخاطبتك، وأتمنى أن لو فتح الله للصلة بابا، ومكن من الخلة أسبابا، وعوارض الاستحياء، تحول بيني وبين الابتداء، حتى جدد لي فلان من أوصافك ما لسان الزمان به أنطلق، وشواهد الفصل عليه أصدق، فلم أتمالك أن حللت عرى الانقباض عني، وتراميت إلى مفاتحتك بنفسي، وها أنا ذا قد أتيت إلى مودتك خاطبا، وفي صلتك راغبا، على ثقة بأنك - بما يجمعنا من التشاكل والتناسب، في جميع الأمور والمذاهب - تراني كفؤا لمل خطبت، وأهلا لما لرغبت. ولا غرو أن أقول بهذا استنهاضك إلى مشاركتي في الخطب [78أ] الأخطر، والمهم الأكبر، دون أن أصل للاخاء حبالا، وأتدرج في تهذيب الصفاء حالا، حتى يتمكن الارتباط، ويتمهد الاغتباط، ويحسن السؤال والانبساط، ففضلك يقتضي أن ابتدئ(5/292)
بالإدلال، وأتخطى تلك الرتب إلى الاسترسال، ليتم ما بيننا في الابتداء، ما لم يتم لغيرنا في الانتهاء.
وقد علمت ما دخل الشرق من الاختلال، واضطرب الأحول، وأن الحزم داع إلى التحول عنه والانتقال، وقد تأملت أي الجهات أنجى وأعضد، وعلى أي الملوك أعول وأعتمد، فلم تطب إلا على تلك الحضرة الرفيعة نفسي، إذ كان يجمع الدولتين نظام، ويضم الحالتين التئام، وكان المنتقل بينها إنما يتقلب في ظلال، ويتحول من يمين إلى شمال.
وله من أخرى بعد انتقاله: كتابي من قرطبة، وقد وردتها بحمد الله على رحب وسعة، وأخلدت منها سكون ودعة، وذهبت بحمد الله تلك الحيرة، وانجلت تلك الغمرة، واستقال الجد من عثاره، ولاح قمر السعد بعد سراره، وأعاذ الله من تلك الأحوال العائدة بمساءة الأولياء، الجالبة لشماتة الأعداء، لجمعها بين القلة والذلة، وخطة الخسف والعطلة، وأغنى حل جلاله عن تلك الدولة التي حملتنا على حال خمول، وصرفتنا على غير جميل، حصلت بالحضرة التي لا ينفق فيها بالمخارق، ولا تعطى الكوادن فيها حظوظ السوابق، وهذا هو المعهود منه تعالى في أن يديل من الضراء بالسراء، وينقل من الشدة إلى الرخاء، ومن اعتقد الخير غير دائم، ولم يحسب الشر ضربة لازم، فقد أراح نفسه من تعب الساخط على القضاء، والقانط من الفرج عند الانتهاء.(5/293)
وأنت يا سيدي ممن يسر بما ذكرته، لأنك الولي الذي ل مرض بوده، ولا استحالة لعهده، ولا يوحشك ما سلف من عتب عليك، ومنفرة لك، وانقباض عنك، فمن ضن بالخلة نافس في الصلة، وقد عفا الله عما مضى، إن حققت الآن ما ادعيت، ووفيت بما منيت، فإنك عاهدت أن تستدرك من صلة المكاتبة على تنائي الأقطار، ما ضيعت منها مع تجاور الديار، وقد آن لك أن تزور كعبة الكرم، وتهاجر إلى مطمح الآمال [والهمم] ، وأن تلقى ملكا ليس كالملوك التي لقيت، ولا أحسبك ترى مثله ما بقيت، فبادر تغم، ولا تتأخر تندم.
[وله] من أخرى [في مثله] : كتبت وقد أدال الله من تلك الديار الموحشة بضدها، وأراح من [78 ب] مواطن الهون بفقدها، ونقل بفضله إلى حيث البر الباهر، والانعام غامر، والفضل في النقص آمر، والنبل على الجهل ظاهر، نعم: وحيث المجد شامخ البناء، والشرف عادي الانتماء، والسلطان رائع الرواء، والملك متناه في البهاء، وحيث [بحور] الكرم زاخرة، وسماء المجد ماطرة، إلى غير ذلك يطول عدة، ويعجز البيان حده.
وله من أخرى: أتراك ممن تغير، وفي جملة من تنكر، فنحتاج إلى استئلافك، ونأخذ في استلطافك -! أنا أكفيك مؤنة الجواب، في هذا الباب، وأخصم نفسي عنك، وأقيم الحجة عليها لك، فأجعل عذرك في الأشغال، ولا أنسبك إلى التغافل والإهمال، وأقول: بعيد(5/294)
على الدهر أن يؤثر في ودك، أو يحل رباطا من عقدك، ولكني أقول مع هذا: واصل فقد أغببت، واعتذر بما أذنبت، وهات يا سيدي أخبارك التي هي أشهى إلى نفسي من عصر الصبا، وأندى على كبدي من نسيم الصبا، وجدد بك وبها عهدي فقد عفا منه رسم، ولاح عليه للقدم وسم.
وفي فصل: وعرفني بم تقطع دهرك، وعلى أي شيء تنفق عمرك، ونص على ما تجده عندك من العجائب، واستفدته بعدي من الغرائب، ولا تكتمني شيئا وابسطه المسهب، واشرح جميعه شرح المستوعب، تمح بذلك إساءة الإغباب، وتزل عني دواعي الاكتئاب.
وله من أخرى: وقفت على كتاب من لدنك قد اشتمل على كل بر وحفاية، وإشفاق [ورثاية] ، وتسلية تذهل عن سوء الحال، وتعد على الأيام بضمان إقبال، فذهب مستودعه بغمة النفس، وأدال من الوحشة بالأنس، وغلب الرجال على اليأس، وظلت حشاشة الهمة تتراجع، وخفضة الأمل تترافع، حتى كاد هذا يستقيل من عثار، وتلك تنثر بعد إقبار، وليس هذا بأول انطباق أعتم فطلعت له من تأنيسك مصابيح، ولا بأول غلق استبهم فتداركته من ألطافك مفاتيح، بل هي لبيض أياديك شوافع، ولسوالف مشاركتك توال وتوابع.
وله من أخرى: ولو رأيت فلانا وادعاءه، وزعمه أن الله اتخذه(5/295)
صفيا، وآتاه الحكم صبيا، فأفرده بجوامع الكلم، وجمع له ما افترق في الأمم، أن حصل في مجلس ملك أعلاه، وعقد بالجهل حباه، ثم قال قول علي رضي الله عنه [79 أ] وأرضاه: سلوني قبل أن تفقدوني، ولن تعدم مع هذا مطريا بالصواب، وقائلا: هذه الحكمة وفصل الخطاب، فاعجب يا سيدي لأمم، ضحكت من جهلها الأمم، وغلطت في ما لا تغلط فيه النعم، إلى أن نفقت عندها المحالات والأهذار، وبطلت بسببها القيم والأقدار، ولكن إن وقع الأمل سقط التعجب لأنه للقوم مثل، وللحال وفق وشكل:
فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها
وفي فصل من أخرى: ورد كتابك فنور ما كان بالإغباب داجيا، [وحسن عنك مشافعا ومناجيا] ، واسترد إلى الخلة بهاءها، وأجرى في صفحة الصلة ماءها، وعند شدة الظماء، يعذب الماء، وبعد مشقة السهر يطيب الاعفاء؛ ولا تعد [بعد] إلى هذا فيكفي ما يجنيه علينا حادث البين، حتى يزيده بقطع الأثر بعد العين. ورأيت ما وعدت به من الزيارة فسرني سرورا بعث من أطرابي، وحسن لي دين التصابي، فلم أتمالك أن استرسلت إلى المزاج، وتجليت في يد الارتياح، حتى كأنما أدار علي المدام مديرها، وجاوب المثاني والمثالث زيرها، ولعل الأيام تفعل(5/296)
ذلك فقد تحسن في بعض الأوقات الصنيع، وتشعب الشمل الصديع، ولا تسأل عن حال استطلعتها فهي شر ما عهدت: من صبح لاح من خلال ذؤابتي، وتنفس في ليل لمتي، فأراني مصارع [آمالي] ، وكشف لي عن اسوداد المطالب، وأيأسني من قضاء المآرب، وعرفتني من مبادي العيش ما زهد في العواقب.
وله من أخرى: آيات مجدك ظاهرة، وأقمار سؤددك باهرة، والعيون إليها ناظرة، والهمم منها غائرة، وخطا الأيام عن نيلها قاصرة، وأقدام المساعي في مداها عاثرة، ولله عصر سبب فتح باب مخاطبتك، وزمن خلع علي حلة مواصلتك، ووهبي جميل العارفة بك.
وفي فصل [له] من أخرى: ورد كتابك فرفع مغضوض نواظري، وحرك سكون خواطري، وأقام عاثر همتي، وأعاد علي ذاهب منتي، ولما فضضته وجدته قد تضمن من تفضلك وتكرمك، وعرض من اهتبالك وتهممك، ما ينقطع جري القلم في مدى شكره، ويضيق ذرع البيان عن توفية نشره. وما ذكرته من صفاء الود، والوفاء بالعهد، فكل ذلك مصور في نفسي قبل أن تشير إليه، ومحيط به علمي(5/297)
من غير أن تنبه عليه، لأنا كل في جزءين، وجوهر تظاهر في شخصين، فشملنا جميع وإن تصدع، وشعبنا واحد وإن تنوع.
وفي فصل من أخرى: رأيت ما ذكرته من استقرارك في ذلك المحل الرفيع، واغتباطك بذلك الجناب [79 ب] المريع، عند صاحب المظالم، ونظام أشتات المكارم، الذي أعاد آثار الفضل معالم مشهورة، وأخبار الكرم مشاهد محضورة، أعاذ الله مجده من أعين العلوية، لا من أعين البشرية، وجعل له خاتمة إنعامه، التراخي في مدة أيامه، فحسبك إلى ما أجريت، ولا مزيد حيث انتهيت، فاشدد على التعلق به يدا، فلست تلقى بعده أحدا.
حل تلك الفقرة المتقدمة من قول المعري حيث يقول:
أعاذ مجدك عبد الله خالقه من أعين الشهب لا من أعين البشر
وله من أخرى: إذا أسيت لفراقك فإن في الباكين حولي تسليا، أو جزعت من رحلتك فإن في المصابين معي تعزيا، فما ارتحلت إلا عن من ودع بوادعك دينه ودنياه، وفارق بفراقك سروه ومحياه، لإحاطة العلم أن قد استوت بعدك الأقدام، وطمست من العلوم الأعلام، ثم تقضي لي مزية الاصطفاء والتقريب، بوفور الحظ منك والنصيب، فقد كان لي من أخلاقك الكريمة في الاختصاص، ومذاهبك الحميدة في(5/298)
الاستخلاص، ما يحول الآن بيني وبين التماسك، ويحمل نفسي على التهالك.
ومن أخرى: وظننت أني أول مخصوص بالمكاتبة، ومعتمد بالمخاطبة، فإذا أنا المنسي، وسواي المرعي، وغيري يعطاها ولا يسأل، وأنا أطلبها فأصرف بالخيبة وأخجل، وكلما رأيتها تفرق يمنة ويسرة، تقطعت نفسي عليها حسرة، فلولا العنوانات لادعيت فيها، واختطفتها من أكف آخذيها، لخجلي بين من كان يتوهم أني مختص بك وأثير عنك.
وأراني فلان كتابك إليه، فوقفت عليه، وفي صدره وصف خبرك، ولعله ما استهداه، ولا سألك إياه، وفي عجزه حثك له ولأشباهه على الرحيل، فيا ليتني كنت في جملة ذلك الرعيل، وقد تواتر النبأ من بر من أيده الله لك بأشياء تنكر إلا من مثله، وتستغرب إلا من فعله، والله يبقيك جمالا للدنيا، ونورا في فلك العليا، ولولاه ما رجت الهمم بشرا، ولا عرف الكرم إلا خبرا.
وفي فصل من أخرى: يا ليت شعري كيف أتغير على بعضي وأمنحه قطيعتي وبغضي، وما أظن إلا أنك داخل في جملة ومن يحب فيتجنى(5/299)
ويعشق فيتجافى، بدليل أني كلما بسطتك تنقبض، أو أبرمت منك حبلا ينتقض.
وله من أخرى:
ترحلت عنكم لي أمامي نظرة وعشر وعشر نحوكم من ورائيا [80 أ]
ولكنها نظرة من خلال عبرة، والتفاته إثر زفرة، والصبابة تفعل بالنفس أفعالها، وتشرب من المدامع أوشالها، والقلب من جزع يضطرب ويخفق، ويطفو في أشواقه ويغرق، وكلما خطت المطي باعا، خفت على كبدي انصداعا، وما كنت ممن يكلف ويشفق، ولكن من أبصر ما أبصرت فبالضرورة يعشق فبالضرورة يعشق؛ ويا شوقاه! ويا حر قلباه! من لي بالشعب أن يلتئم، وبذلك الشمل أن ينتظم، كانتظامه في مشاهد جمعت أشتات الأنس، واحتفلت من منى النفس، وتناولت الراح من يد القمر والشمس، بين بساتين نشرت عليها تستر ألويتها، وأهدت إليها صنعاء أوشيتها، وذوب اللجين يطرد من خلالها، وأدواح الزبرجد تغشاه بظلالها، وقيان الطير راقية في أغصانها، متجاوبة بضروب ألحانها، ونحن نوفي كل مكان منها طيبا، ونشاهد منظرا عجيبا، ولا ندع أن نعرس في كل مغنى، وندير الكاس على كل معنى، ولا مثل يوم(5/300)
الدير وصبوح وصلناه، والنواقيس حولنا تضرب، ونحن نطوف بالصليب ونلعب، وذلك المزنر يسقي ونشرب، ومغنينا يغني ونطرب،
وقد عقدوه بزناره فديت الغزال ومن زنره
وعسى الأيام أن تجدد بتلك المعاهد عهدي، فأشفي بنسيمها وجدي، وأضع في برد ثراها خدي، فقد تلين في الأحيان منها معاطف، ويكون لها في الندرة عوارف. وكان غرضي أن أسكن بالمكاتبة من لوعتي، وأتعلل باستهداء الأخبار في وحشتي، لولا ما كنت بسبيله من سقم، لم تتمكن يدي معه من إمساك قلم، وهاهنا سر تصيخ إليه، وتطلع عليه، وعيشك ما كان جل ما بي إلا من أجل العين والباء، فبرح إن شئت بالخفاء، واستر إن شئت على مثلي من الأولياء؛ لكني لما آنست راحة من شكاتي، تطلعت إلى تناول الحميا على علاتي، وحضرت بين يدي سلاف ذكرتني برشف ذلك اللعس، ونرجس عارضني بطيب ذلك النفس، فنشطت للكتاب قليلا، وسامح الدهر وإن كان كليلا، فهات - جعلت فداك - جدد مننك عندي، بوصف صور الأحوال بعدي، وأخبرني عن القمرين إذا اعتما بذلك السبج، ولحظا من ذلك الدعج، وعارضا في العوارض(5/301)
تلك الصوالج [المنمنة] ، وأبدينا من المباسم تلك اللآلي المنظمة، ومال بغصنيهما الدلال، وألبسهما حلاهما الجمال، كيف يروعان النفوس إذا طلعا، وكيف يفعلان بالقلوب [80 ب] إذا افترقا واجتمعا، واذهب في الوصف مع الاسترسال، ولا تجر إلى التعمل والاحتفال، وزدني من حديثك يا سعد، وإن زدتني جنونا بعد، ولا تقل أنا مقسم البال مشغول، وفيما استفهمت عنه كلام طويل.
وله من أخرى خاطب بها الوزير أبا محمد بن عبدون من سرقسطة، ونقلتها من خط يده: نعم قد حم ما توقعنا من بين، وصار أمرنا أثرا بعد عين، وصرنا عنكم في الطرف الأقصى، وشطت بنا غربة النوى، وتساوينا على عارض الفرقة والأسى، " فمتى تقول الدار تجمعنا " - وقد نثرتنا الأيام فكيف تنظمنا - هذا بعيد والذي بيده كل شيء يدنيه، ومتعذر وهو جل جلاله ييسره ويسنيه، وعلى ذلك فأنا الآن بحال من بلغ أملا، واستساغ جذلا، ورضي بعض الرضى عن دهر صار للشمل جامعا، وقد كان اليأس منه واقعا، والحمد لله على نعمة جددها، ومنة أكدها، وهذه جملة موصولة منك يفصلها(5/302)
ويشرحها، ويجلوها ويوضحها، فاني كتبت على عجل، وعلى غير مهل، وفي وقت لم أتمكن من بسط المقال، والجري فيه على عادة الاسترسال، فلا تجر بهذا ولا تقارض عنه، وتفرغ للجواب، وأطل في الخطاب، واشرح كل ما جرى بعدي من خبر، وتجدد من أثر، وحدث من عجب، ووقع من نادر ومستغرب.
وفي فصل من أخرى: وصلت التحفة المرغوبة، والملاطفة المحبوبة، فكانت أحلى موقعا، وأسنى موضعا، من التحف ذات القيم، و [الملاطفات] المعدودة أحلى القسم، وارتاحت إليها النفس، وحضر بها قبل وقته الأنس، وكادت تتمشى نحوها الكأس، وسأجدد لك بها ذكرى، وأشرب بها على ودك ملأى، وأديرها على الصحب، وأتساوى في قسمتها مع الشرب، فهذا من حق فضلها، وبعض ما لك في إهداء مثلها، لا زلت الملاطف المكرم، والمواصل المتهمم.
وله من أخرى: أوصافك لعطرة، ومكارمك المنتشرة، تنشط سامعها من غير توطئة، في اقتضاء ما عرض من أمنية، وللراح - جعلت فداك - من قلبي محل لا تصل إليه سلوة، ولا تعترض عليه(5/303)
جفوة، إلا أن معينها قد جف [وقطينها قد خف] ، فلا توجد للسباء، ولو بحشاشة الحوباء، فصلني منها بما يوازي قدري، ويقوم له شكري، فإن قدرك أرفع من أن تقضي حقه زاخرات البحار، ولو [81 أ] سالت بذوب النضار، لا بصافية العقار.
وله من أخرى في الاستدعاء: يا سيدي ومن أبقاه الله قشيبة أثواب عزه، محمية ساحات حرزه، يومنا يوم تجهم محياه، ودمعت عيناه، وبرقعت شمسه الغيوم، ونثرت صباه لؤلؤها المنظزم، وملأ الخافقين دخان دجنة، وطبق بساط الأرض هملان جفنه، فأعرضنا عنه إلى مجلس وجهه كالصباح المسفر، وجلبابه كالرداء المحبر، وحليه يشرق في ترائبه، ونده يتضوع من جوانبه، وطلائع أنواره تتمرمر، وكواكب أكواسه تزهر، وأبارقه تركع وتسجد، وأوتاره تنشد وتغرد، وبدوره تستحث أنجمها محيية، وتقبل أنملها مفدية، وسائر نغماتها، خذ وهاتها، وأقصى أملنا، ومنتهى جذلنا، أن تحث خطاك، حتى يلوح سناك، ونشتفي بمرآك.(5/304)
وله من أخرى في مثله: طلع علينا هذا اليوم فكاد يمطر من الغضارة صحوه، ويعشى من الإنارة جوه، ويحيي الرميم اعتداله، ويصبي الحليم حسنه وجماله، فلفتنا زهرته، ونظمتنا بهجته، في روضة خلعت عليها السماء سبائبها، ونثرت علينا كواكبها، ووفد عليه النعمان بشقيقه، واحتل فيه الهند بخلوقه، وبكر إليه بابل برحيقه، فالجمال يشخص لحسنه طرفه، والنسيم يهز لأنفاسه عطفه، وتمنينا - أعزك الله - أن يتبلج صبحك من خلال فروجه، وتحل شمسك في منازل بروجه، فإن رأيت أن تطلع علينا الأنس بطلوعك، وتهدي الفرح بوقوعك، فلن تعدم نورا يحكي شمالك طيبا وبهجة، وراحا تخال خلالك صفاء ورقة، وألحانا تثير أشجان الصب، وتبعث أطراب القلب، وندامى ترتاح لهم الشمول، وتتعطر بأرجهم القبول، ويحسد الضحى عليهم الأصيل، ويقصر بمجالستهم الليل الطويل.
وله من رقعة: ورد كتابك مشتملا على أنفس كلام راق في نظامه، وأحسن زهر تطلع من كمامه، فأبتهج النفس برائع البيان، وملك الطرف بباهر الحسن والإحسان، لا عدمتك تهدي نوادر وفوائد، ومعجزا في مصادر وموارد، ويعلم الله استيحائي من بعدك، وإشفاقي من فقدك، ولكن هذه الأيام لا تسمح بمرغوب، ولا تجري إلى إثبات(5/305)
ناقص(5/306)
ناقص(5/307)
مخاطبة، ومن أين تجد سبيلا إلى ذلك وزمانك كله مقسم في أشغال، ومرتب على أحوال، تنام بالضحى مثقلا من السكر، وتتململ على فراشك إلى الظهر، حتى يتكرر رسول فلان [82أ] فيوقظك من المنام، ويحركك إلى القيام، ثم تركب وتجد المائدة موضوعة، والأيدي لإبطائك مرفوعة، فتدنو من الطعام بكسل، وأنت شاك من بقايا خمار أو ثمل، وتخدش من الخبز بظفرك، وتأكل شيئا لطيفا على قدرك، ثم تستلقي وتتمدد، وتتثاءب وتتوسد، وتستحضر جنانك فتسأله عن الجنة منى سقاها، والروضة إن كان رواها، والأزهار هل تحفظ بها وجناها، وبينا أنت في ذلك يستأذن عليك وكيلك في ضياع الانزال، فتأذن له في الخول، ثم تستفهمه متى أقبل، وأي شيء عمل، وكم جمع، وما زرع، وتعلل بهذه العلل والأخبار، حتى تنقضي بقية النهار، ثم تتنشط لتستدفع شرب الماء، في ود أحد الرؤساء، وتقيم من بعد دست الأنس، حتى تعود في مثل ذلك الأمس، فمتى تتفرغ مع هذا للصديق، وكيف تتمكن من قضاء حقوق -! وأيضا فإن السياسة تقتضي أن تعرض عن ذكر مثلي، وتلعن وقتا وصلت به حبلي، لاسيما وقد دهيت من جهتي، وكاد السلطان يجفوك من أجل خلطتي، أنت لعمري في أوسع العذر، فاجر مع الدهر.
وله من أخرى: ولئن كانت الأيام تنسيك، فالأماني تدنيك، ولئن(5/308)
كنت محجوبا عن الناظر، فإنك مصور في الخواطر، أناجيك بلسان الضمير، وأعاطيك سلاف السرور، وأداعبك مداعبة الحضور، وأجاذبك فضول اللعب، وأبلغ معك إلى حد الطرب، حتى أسكن شوقي إليك، وأقضي وطري منك، وأنت في كل حال لا تشعر، وذاهل لا تذكر، ولا تقطع زمانك إلا بحظيرة حولك تصنعها، وخيمة ترفعها، فإذا تم لك هذا اللهو، تداخلك الزهو، وشمخ بأنفك البأو، وخلت أنك متوج على سرير، أو رب خورنق وسدير، فمتى نلتقي على حال، ويتفق مذهبنا في وصال -! هذا لعمري بعيد، اللهم ان كان من الدهر حلم، واكتهال السن نوم، ونجوم الشيب قد طلعت من الغدائر، وعمايات الصبا قد انجلت عن البصائر، فتذكر من الود ما أذكر، وتفكر في النأي كما أفكر، وتحن إلى تلاق، وتبرد غليل اشتياق.
وله فصول من رسائل، في العنايات والوسائل
فصل من رقعة: معرفتك بتقلب الأيام بذوي الفضل، وحكمها [فيهم] بغير السوية والعدل، تغني عن عرض ذلك عليك، وتقريره لديك. وفلان ممن عرفت حاله في الثروة والمنعة، ورتبته في الجاه والرفعة، لكن أساءت إليه بعد الإحسان، وامتحنته [82 ب] بأنواع من الامتحان، حتى ذهبت بجميع وفره، واضطرته إلى بني دهره؛ وقصدك مستجيرا من عثرته، ومثلك إلى مشاركته، وحض على إسلاف البر إليه، ورغب في وضع الصنائع لديه.(5/309)
وفي فصل من أخرى: للصنائع - أعزك الله - عوائد من الحمد، تطيل بناء المجد، ومثلك انتهى في إسلافها منتهى الجاهد، ونافس فيها بالطارف والتالد؛ والأديب أبو فلان ممن تزكو لديه، ويتظاهر جمالها عليه، بما له من المحاسن التي تؤلف منثور المفاخر، وتنظم أشتات المآثر، ثم بالأدب الذي يمتع بالاجتناء زهره، والفهم الذي يتطاير عند الاقتداح شرره، إلى ما يرجع إليه من عفة طعمته، وعلو همته، وتحل بأجمل المذاهب، وتتنزه عن دني المكاسب، وأنت بسروك ترى صلة مثله ذماما، ووضع العارفة عنده اغتناما.
وفي فصل من أخرى في مثله: مكاتبتك - أعزك الله - في البر بمن يرد، والمكارمة لمن يطرأ عليك ويفد، كمن يستمطر السحاب وقد أخضلته، ويستعجل الرياح وقد استقبلته، ولكنها سنن وعوائد، تفعل وإن لم تستجلب بها زوائد وفوائد؛ وفلان ممن علمت فضله وأصالته، ويقظته وجزالته، ولطفه وحلاوته، وما الظفر بقربه إلا فرصة تغتنم، ولا المشاركة لأمثاله إلا فضيلة تلتزم، لأنه بالشكر رحب الذراع، وفي بسط الثناء طويل الباع، وحسبي أن أشير وأنت تكتفي بالإيماء، فتوفي في مكارمته على الأمل والرجاء.
وفي فصل من أخرى: حيث الكلأ يرتع، وأمكنة الخصب تنتجع(5/310)
والنفس إلى من أحسن اليها أنزع، والأمل في من وصل أطمع؛ وقد كان فلان قصد تلك الحضرة - دام جمالها بك - فأوسعت مطالبه قضاء، وكنت له قليبا ورشاء، حتى انصرف بفوائد وفرها اهتبالك، وأثمرها جاهك ومالك. وكما انتجع بعدها مراعي أذكرته السعدان، أو ورد موارد أصدرته غير ريان، ولما أضل الكرم رجع إلى حيث ينشد، وعاود من يعتقد، والعود أحمد، وأنا أرغب أن يكون له في فضلك معاد، ومن طولك ازدياد.
وفي فصل من أخرى: أعاذ الله عمادي من المحن والنوائب، ولا أعدمه إسداء المنن والمواهب، فقد عقد الله على الخير سريرتك، وصحح في ابتغاء الأجر بصيرتك، فما تدعى إلى حسنة إلا وأنت سابق اليها، وموف [83 أ] بسعدك عليها. وموصل كتابي رجل من الثغر ووجوه الأطراف، امتحنته الأيام في النعم، أوان الشيخ والهرم، وابتلته بذل الأسر، وطول الشقاء في دار الكفر، وبحسب حاله في الثروة، ومكانه من النجدة، اشتط عليه، وأخذ منه في الفداء جميع ما في يديه، وارتهن أولاده في بقايا بقيت عليه، وأنت بفضلك تحملها في مالك، ولا يضيق عنها حالك، حتى تفوز وحدك بأجرها، ولا يسهم لغيرك في ذخرها، وتنفرد بجمال الذكر في خبره، وتتلافى ما اختل من أمره(5/311)
فهو ممن يقوم الأعداد، في مواطن الجهاد، ومواقف الجلاد، والله على ذلك مؤيدك، وهو بمنه مسددك.
وله فصل من أخرى: توهم الشيخ - أبي، شاكرك - أن الأدب شيء يشرف حامله، ويكسب الجاه ناقله، فأراد أن يستعين على ما رغب، وليس عنده أنه مع الخطوب خطب، ومع الزمان على منتحليه ألب، ولا في عمله أن الأيام لا تمكنني من دفع مضرة عن ذراي، فكيف عن جلب منفعة لسواي، ولا في حسابه أن من كانت سعوده موليه، ونحوسه مستعلية، فبعض خاذليه في النصرة اليد، وأول مسلميه عند الحاجة العضد، وقد سمع - أعزك الله - أن لي نصيبا من ودك، فألح علي في قصدك، لأرغب له وأسأل، وقد عزمت أن أفعل، لكن رأيت الرقعة بالسؤال أسمح، والقلم في الرغبة أفصح وأنجح، فلذلك جعلت الخطاب عوضا، وتركت من القصد مفترضا.
وله من أخرى: غير ذاهب عنك - أيدك الله - ما في جبلة الإنسان، من الحنين إلى الأوطان، وأنه لا يفارقها في أكثر الأحيان، إلا باضطرار، ولا يخرج عنها إلا غير مختار، ومهما طال اغترابه، وكثر في البلاد اضطرابه، ولها عنه باسعاد من الزمان، وتسلى بضروب من السلوان، فلا بد للنفوس من اشتياق إليها وتولع، ونزوع نحوها وتطلع، وقد أشار إلى العلة في ذلك المتقدمون والمحدثون، وأوضحها بعد المولدون، وعبروا عنها بغير ما عبارة حتى اتضح وضوح النهار معناها، وانتهت منها الأقوال(5/312)
منتهاها، واستوي في معرفة سرها وخبرها، واستغني باستهارها عن ذكرها؛ وإحاطة علمك بحال الوزير الكاتب أبي فلان من بدئها إلى انتهائها، يغني لك عن ذكرها وإجرائها، ولما دخل إلى بيضته التي منها خرج، ووكنه [83 ب] الذي منه درج، تذكر حال أولاده فجذبته إليه جواذبها، وغلبته على رأيه غوالبها، ولم يتماسك أن حن إلى العودة لمغناه، فحسنت له ما اعتزمه ورآه، ولم أر بأسا في تحوله من ناحيتك إلى ناحيتي، فليس بمفارق حضرتك من ينتقل إلى جهتي، ولا ينفصل من جملتك من يحصل في جملتي، لأنه لا فرق بين الحالتين، ولا تباين بين الجهتين.
وفي فصل من أخرى: لئن كان مولاي أعلى الملوك مكانا، وأعظمهم شانا، وأكثرهم إنعاما وامتناعا، وأعلمهم ببواطن السرائر، وأفطنهم لهواجس الخواطر، وأسبقهم إلى العطاء دون أن يسأل، وأسمعهم بالمأمول قبل أن يؤمل، فإن عادة العبيد من الموالي أن يستزيدوا وإن غمر إحسان، وأن يذكروا وإن لم يكن نسيان، ليقف موقفه المؤمل، ويزداد رغبة في تطوله المتطول؛ فإن كنت قد وصلت من عزته الرفيعة إلى داري؛ وحصلت منها في موضع استقراري، ونلت من تقريبه فوق قدري ومقداري، فأنا الآن بمنزلة ضيف وبودي ألا أكونه، بل كنت أشتهي أن أرى نفسي بمنزلة من ألقى العصا، وأمن روعة النوى، وخيم مستوطنا، واتخذ سكنى وسكنا، وصار من دنياه في أمل، وقلب الطرف بين خيل وخول، ولا والله ما يختلج ببالي غير ذلك كله، ولا(5/313)
استبطأت من طول مولاي وفضله، ولكن ليس للمرء من عمل، في قوله عز وجل {خلق الإنسان من عجل} (الأنبياء: 37) ولئن تسرعت وعجلت، فعلى فضل أتاه مولاي عجلت، وعليه عولت واتكلت، ولولا ثقتي بالرأي الجميل، والمعتقد الكريم النبيل، لوقفت عند قدري، وما تعديت طوري، حتى يكون هو - أيده الله - السابق إلى ما يغني عن إنشاده:
وفي النفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتي بيان عندها وخطاب * *
ومثلك من كان الوسيط فؤاده ... فكلمه عني ولم أتكلم ومن رسائله في التعازي
فصل له من رقعة: من أي الثنايا - أيدك الله - طلعت علي النوائب، وأي حمى رتعت فيه المصائب، فواها لحشاشة الفضل أرصدها الردى غوائله، وبقية الكرم جر عليها الدهر كلاكله، وواحسرتا للجة المواهب كيف سجرت، ولشمس المعالي كيف كورت، ويا لهفا على هضبة الحلم كيف زلزلت، وحدة الذكاء والفهم كيف [84 أ] فللت، فإنا لله [وإنا إليه راجعون] أخذا بوصاياه، وتسليما لأقداره وقضاياه.(5/314)
ومدحه ابن خيرون بشعر قال فيه:
لا تكثري لوم المحب وما به يكفيه من مضض الهوى وعذابه
يقول فيه:
بأبي المطرف روضة الأدب الذي أضحى به فردا بغير مشابه
إن قلت قس فهو أفصح منطقا أو قلت سحبان فقد أزرى به
أو قلت صابئ دهره أو دغفل أخطأت، ما جاءا بمثل خطابه
يا غرة الزمن البهيم وماجدا ما إن يوازى في علو نصابه
لو أنصف الزمن الخؤون ذوي العلا كنت الوحيد الفرد من كتابه
لكنه يحبو اللئيم بأريه ويجود للحر الكريم بصابه
يرد الوضيع من البرية ماءه صفوا، ويخدع ذا النهى بسرابه
خذه إليك أبا المطرف واغتفر زللي فديت فلست من أترابه
فأجابه أبو المطرف بشعر قال فيه:
يا معربا في كل معنى سؤدد نظم العلا فأجاد في إعرابه
نفسي فداؤك من خليل واصل أهدى إلينا الدر من آدابه
لله ذاك الطبع هم بمنطق فغدا الشرود مذللا لخطابه
صواغ أنواع البديع فما الرضي ومن الوليد ومن أبو خطابه
علقت يميني منك علق مضنة شدت أناملها على أسبابه
وسللت منك على الزمان مهندا يفري فرى الخطمي حد ذبابه(5/315)
وكسوتني من حر شعرك ملبسا قد كان غير عواتقي أولى به
فأجبت عنه على الروي وربما كنت المقصر في اعتراض جوابه
أسدل علي بستر فضلك واصلا فالشعر مما لا أطوف ببابه
وأبو المطرف القائل في غلام وسيم رأى بيده عصفورا:
يا حامل الطائر الغريد يعشقه تهنا العصافير ان فازت بقرباكا
تمسي وتصبح مشغوفا بعجمتها في غفلة عن دم أجرته عيناكا
إذا رأتك تغنت كلها طربا حتى كأن طيور الجو تهواكا
يا ليتني الطير في كفيك مطمعه وشربه حين يظما من ثناياكا
وله من رقعة خاطب بها الوزير الكاتب أبا محمد بن عبد البر: لما أصبحت - أعزك الله - في صناعة البلاغة إماما، ولأشتات الفضائل نظاما، لم تتهمم في وداد تدعيه، واعتلاق تبتغيه، من سمت به إليك همم، أو تقدمت له فيها قدم، لأنك المنتهى الذي إليه يجرى، وتبتغى لديه الزلفى، ويتوصل به إلى العليا، وأنا ممن يتشيع فيك تشرعا، ويحبك طبعا لا تطبعا، واستنزل في الجمع بك الأقدار، وأستخدم في التعلق بأسنانك الليل والنهار، لتلحقه بالعتاق السوابق، وتلقي عليه شعاعك فيشرق في المغارب والمشارق. ولما سنى الأمل لالقاء، واتصلت النفس بذلك الفضل والعلاء، جاشت بالحمد الخواطر، وهاجت بأسرارها الضمائر، لتستكشف من الثناء، تحقق النفس بالولاء، وتكون على ثقة(5/316)
بالمسامحة والاغضاء، فلست بالشعر آنسا، ولا بمعاناة النظم والنثر متلابسا، وإنما أنطقتني بما قلته الود، وأملى علي ما كتبته المجد.
ثم ختم رقعته هذه بأبيات يقول فيها:
قد كنت ذا حنق على الدهر الذي ما زال يسخطني صباح مسائي
حتى لقيت أبا محمد الرضى فأدال ذاك السخط بالارضاء
طلق الجبين وفيه فضل مهابة يغضي لها ذو المقلة الشوساء
حلم لو أن الدهر حمل بعضه لشكت عواتقه من الإعياء
وإذا تناولت الرقاع بنانه أنستك طرز الوشي في صنعاء
وزرت على ورد الخدود وفوقها لام العذار على انعطاف الراء
تقضي بأن سنا البلاغة لم يلح من قبلهن لأعين البلغاء
وله إذا شاء النظام غرائب لا تدعيها فطنة الشعراء
برئت من التعقيد في تأليفها فأتتك أملس من زلال الماء
أفراد حمد حازما متفرد وهي في الورى مقسومة الأجزاء
ما كنت بالمداح غيرك واصلا لو كانت الشعرى عليه جزائي [85 أ]
ولأنت أوصل من رعى أسبابها فبنى لمهديها سماء علاء
فصل في ذكر الأديب أبي الربيع سليمان بن مهران السرقسطي
من شعراء الثغر، كان، في ذلك العصر، وله شعر كثير، وإحسان(5/317)
مشهور، وعلى لفظه ديباجة رائقة، غير أنه لم يمر بي من شعره عند نقلي هذا المجموع إلا أبيات سمعت القوالين يتداولونها لعذوبتها وسلاستها، وتتعلق بذيلها حكاية وجدتها في بعض تعاليق الفقيه أبي محمد علي بن حزم الشافعي بخطه عن محمد بن الحسن المذحجي المعروف بتبن الكتاني المتطبب؛ قال ابن الكتاني: شهدت يوما مجلس العلجة بنت شانجه ملك البشكنس، زوج الطاغية شانجه بن غرسيه بن فرذلند - بدد الله شيعتهم - لبعض ترددنا عن ثغرها إليه في الفتنة، وفي المجلس عدة قينات مسلمات من اللواتي وهبهن له سليمان بن الحكم - المتقدم ذكره صدر هذا الديوان - أيام إمارته بقرطبة، فأومأت العلجة إلى جارية منهن فأخذت العود وغنت بهذه الأبيات:
خليلي ما للريح تأتي كأنما يخالطها عند الهبوب خلوق
أم الريح جاءت من بلاد أحبتي فأحسبها ريح الحبيب تسوق
سقى الله أرضا حلها الاغيد الذي لتذكاره بين الضلوع حريق
أصار فؤادي فرقتين فعنده فريق وعندي للسياق فريق
فأحسنت وجودت، وعلى رأس العلجة جاريات من القوامات أسيرات كأنهن فلقات قمر، فما هو إلا أن سمعت إحداهن الشعر فأرسلت عينيها [كأنهما] مزادتان، فرققت لها وقلت: ما أبكلك - قالت: هذا الشعر لأبي، وسمعته فهيج شجوي، فقلت لها: يا أمة الله، ومن أبوك - قالت:(5/318)
سليمان بن مهران السرقسطي، ولي في هذا الإسار مدة، ولم أسمع لأهلي بعد خبرا.
قال ابن الكتاني: فما جزعت على شيء جزعي عليها يومئذ.
قال أبو الحسن [ابن بسام] : هكذا وجدت خبر هذه الأبيات بخط الفقيه أبي محمد المذكور، ولم يخبر [ابن الكتاني] انه امتعض لفك أسر تلك الجارية هنالك، ولا وفقه الله لشيء من ذلك، وكان [85 ب] تركه لها في الأسر، مع ما أطلعته عليه من الأمر، مما يوقد الضلوع، ويسكب الدموع.
وأخبرني أيضا بهذه الأبيات الفقيه أبو بكر بن العربي قال: أخبرني الحميدي عن الفقيه أبي محمد بن حزم، قال: أنشدني محمد بن الحسن المذحجي قال: أنشدني الأديب سليمان بن مهران في مجلس الوزير أبي الأصبغ عيسى ابن سعيد وزير المظفر بن أبي عامر، وأنشد الاربع الأبيات المتقدمة.
وكان محمد بن الكتاني المتطبب فرد أوانه، وباقعة زمانه، منفقا لسوق قيانه، يعلمهن الكتاب والإعراب، وغير ذلك من فنون الآداب(5/319)
وكان متحيلا كثير الترقيح والاستعمال، لضروب من الكذوب [وزور المقال] ، فربما أنشأ عدة رسائل فينحلها القيان، ويبيعهن بأغلى الأثمان، وقد ذكرنا في أخبار ابن رزين أنه باع منه قينة بثلاثة آلاف دينار، حسبما حكاه أبو مروان [ابن حيان] .
ولابن الكتاني فصل من رقعة يصف فيها تعليمه القيان، يقول فيه: فأنا منبه الحجارة، فضلا عن أهل الفدامة والجهالة، واعتبر ذلك بأن في ملكي الآن أربع روميات كن بالأمس جاهلات، وهن الآن عالمات حكيمات منطقيات فلسفيات هندسيات موسيقاويات أسطرلابيات معدلات نجوميات نحويات عروضيات أديبات خطاطيات، تدل على ذلك لمن جهلهن الدواوين الكبار التي ظهرت بخطوطهن في معاني القرآن وغريبه وغير ذلك من فنونه، وعلوم العرب من الأنواء والأعاريض والأنحاء، وكتب المنطق والهندسة وسائر أنواع الفلسفة، وهن يتعاطين إعراب كل ما ينسخنه ويضبطنه فهما لمعانيه ولكثرة تكرارهن فيه، وفي هذا أعظم الشهود أني واحد عصري ونسيج وحدي، وأني أفنيت الزمان تجربة، والدهر تبصره، فاعرف - أعزك الله - قدري، ووفني قسطي، ولا تطمع أن تظفر بعالم مثلي، أو متفرغ فضولي شبهي، ولو طفت الآفاق، وساءت الرفاق، ومشيتا العراق، من زقاق إلى زقاق.
وأنشدت لابن مهران من شعر كتب به إلى بعض كتاب الثغر من جملة أبيات:(5/320)
لا تنسني من سحتك المكسوب واجعل نصيبك منه مثل نصيبي
واذا اغترى بك في القيامة أهله فبمثل ما أوليتني تغيري بي [86أ]
وهي الذنوب، وبالغ في لؤمه أقصى النهاية باخل بذنوب
قال أبو الحسن [ابن بسام] : وحدثني من أثقه عن الفقيه أبي الحسين عبيد الله بن منينه الشنتمري قال: دخل بعض شعراء العصر على ابن ست الجيش، وكان جد ابن منبه لأمه - وقد تقدم ذكره والخبر عن مقتله في أخبار القاضي ابن عباد - فأنشده هذه الأبيات.
وإخبار ابن منبه بهذه الحكاية عن جده [مادحا له] ، على ما فيها من قبح الاحدوثة وشناعة الذكر، ليثبت أن ذلك الخائن البائر، المتعسف الجائر، كان جده، ويعرب عن شرفه، ويدل على نباهة سلفه. وشبيه بهذا [الخبر] ما حكي عن أبي العباس المبرد أنه صنع هذه الأبيات ليثبت نسبه في ثمالة، [وهي] :
سألنا عن ثمالة كل حي فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم فقالوا زدتنا بهم جهاله
وقال لي المبرد خل عني فقومي معشر فيهم نذاله(5/321)
فصل في ذكر الأديب الأستاذ النحوي أبي عبد الله بن خلصة الضرير
وكان أحد العلماء بالكلام، وله حظ من النثر والنظام، ولكنه بالأئمة العلماء، أشبه منه بالكتاب والشعراء، وقد مرت بي له أشعار يشير بها إلى البديع، ويذهب إلى التصنيع، وقد أوردت منها جملة تليق بالديوان، وتنبه على موضع قائلها من الاحسان.
فصول من كلامه في أوصاف شتى
فصل له من رقعة عن إقبال الدولة إلى المعتصم: كتبت - أدام الله إعزازك، وصان ارتياحك للمحامد واهتزازك - بعد قفول من قفل عنك، وحلول من صدر بما شرح الصدور من لدنك، والحال شاملة الصلاح، فائزة القداح، جارية على الاختيار والاقتراح، ومما ضرح القذاة من شربي، واستنزح الأذاة عن سربي، وزورى روعة روعي، وروى بماء الثقة عودي، حتى رسخت في أرضها أصولي ورفت فروعي، ما حلاك به من عميم الفضائل، وكريم الشمائل، فأقر صحة ما بلاه منك في فؤادي، وأشربه ذاتي. فوحياتك التي بها حياة الكرم، لقد أسمعوا(5/322)
من لطائف البر، وأودعوا من غرائب الثناء [86 ب] الحر، ونشروا من كرم الخلال، مع ركانة الوقار ومهابة الحال، وإعظام الجليس، والتزام التواضع والتأنيس، بعد توفية الرياسة حقها، وتقضية السيادة أجل واجباتها وأدقها، جعل الله الآمال طاعتها والأيام رقها، ثم استوصفتهم التذاذا بطيب أنبائك، صورة مجلسك مع وزرائك وأحبائك، فأوردوا من ذلك ما هو أشهى من السعادة، وأحلى من الحياة المعادة، وأسبى للنفوس من مراض الحدق، وأجلى للشكوك من غرة الفلق، فطارت بي هزة الشوق كل مطير، وأصارتني غرة الفرح بين روضة غناء ووداد مطير، وقلت: الحمد لله، قد وفقت أمري، وقام عند العواذل عذري، وسطع شهاب حجتي بأن خلعت عليه نفسي، وأودعت يديه مهجتي.
وفي فصل منها:
ومثلك من كان الوسيط فؤاده فكلمه عني ولم أتكلم
* *
والحق أبلج قد هديت إلى الصراط المستقيم
ووثقت أني لم أبوئ حرمتي إلا حريمي(5/323)
ما ضاع حق كريمة هديت إلى كفؤ كريم
يا كاسب الحمد الحديث ووارث المجد القديم
قاسمتك النفس [النفيسة] واختصصتك بالصميم
أي بر - أعزك الله - يعارض به برك، وقد عرض في المكارم برك وبحرك، أم أي فعال توازي فعالك، وقد ودت النيرات أن تكون نعالك، أم أي شكر يكون كفاء أياديك، وقد تمنت الأيام أن لها ألسنا تطريك، و [أن لها] أنفسا تفاديك، أم أي عرف يكون جزاء عرفك، وقد فغم الخافقين ريا عرفك. لهنك الخير الذي لا يضاهى ولا يباهى، والحر الذي لا يبارى، والجواد الذي لا يجارى، والمصيب الذي لا يناضل، والحسيب الذي لا يكارم ولا يفاضل، والملك الذي لا تجانس صفاته، ولا تجاذب أواخي أسبابه، ولا تحاذى أواذي عبابه:
مليك إذا الهى الملوك على اللهى خمار وخمر هاجر الدل والدنا
ولم تنسه الأوتار أوتار قينة إذا ما دعاه السيف لم يثنه المثنى
وهوب ولكن لا تعد هباته بموحد إن عد الهبات ولا مثنى
أشم إذا وازنت يوما بحلمه شماما ورضوى لم تجد لهما وزنا
ولا للمنى إلا بساحة جنى ولا للغنى إلا براحته معنى
ولو جاد بالدنيا وعاد بمثلها لظن من استصغارها أنه ضنا [87 أ](5/324)
ولا عيب في إنعامه غير أنه إذا من لم يتبع مواهبه منا
وأنى تساميه الملوك وإنما وجدنا الورى لفظا ومعناهم معنا
تقيل من آبائه الغر سادة قيولا فبذ البحر واحتقر المزنا
وفي فصل من أخرى: كتابي عن ود لا يكدر صفو موارده، وعهد لا يفنى بحكم معاقده، ونفس ترتاح لذكراك، وتتمثل مع الساعات مرآك، وحق لمن أرعيته الخصب من روض إخائك، وسقيته العذب من مشرع وفائك، أن يفصح في بث محاسنك لسانه، وينفسح في نشر فضائلك ميدانه، ويفوز في وصف فضائلك بيانه، وينظم لفخرك على أجياد شكرك عقودا، ويحوك لمجدك وسنائك [من تقريظك وثنائك] برودا، يوشيها بذكرك الخطير، ويطرزها بالترفيع لك والتوقير، والله تعالى يحرس بحراستك فواصل الخلال، ويبقي ببقائك محاسن الآثار والأفعال، بعزته.
وله من أخرى: كتابي كتاب مبتدي الحمد، مستهدي الود، ضابط على ذؤابة الإخاء، رابط بافتتاح مكاتبتك أسباب التكرم منك والوفاء، لا طالبا فضل الابتداء عليك، ولا مستزيدا على التوسل بمباراتك إليك، إلا هوادة طبيعة، وودادة شريعة، يبعثها في ذات الله مراد، لها من الفؤاد مراد، وسرائر، أحكمت عقد الإخلاص منها مرائر، صان الله بإدامة حياتك، وحسن الدفاع عن ذاتك، الفضل الذي إليك منزعه ومفزعه، ولديك مستقره ومستودعه.(5/325)
وإلى ذلك - أطال الله بقائك - فموصله فلان، وافاني هذا العام راغبا في مذكراتي بما أشاركه فيه، ومحاضرتي في المجلس الذي ألتزمه وأنتديه، وعلمت ان قد ثقلت في حركته مؤونته، فلزمتني معونته، وأن قد هاجر إلي وطنه، فأجررته فيما شاء مني رسنه، وأرحبت عطنه، وهو مع ذلك لا ينساك ولا يتناساك، ماء وده عذب، ولسانه بالثناء عليك رطب، وعلم الله أني ما أخبرت إلا بما اخترت، ولا شهدت إلا بما عهدت، ولو إلى سوى ذلك أشار، لما أعطيته مني القول والايثار، فان أحب واش أن يغير الحال، فأقام مقام المستقيم المحال، فالموثوق به منك الاخذ بالفضل الذي ضفا عليك رداؤه، ونجم عليك سناه وسناؤه، وأنا الكفيل برده إلى المجلس الذي [87 ب] أنشأه وأنماه، وكشف غيابه غماه، وأخلق بسبب رجائي ألا يهن، ويجفن أملي منك ألا يسن.
وهذه أيضا جملة من شعره في أوصاف شتى
له من قصيدة أولها:
فض لي بجودك فالغمام ضنين وف بالأمانة فالزمان خؤون
بردت ظلالك والظلال سمائم وصفت مياهك والمياه أجون(5/326)
شيم إذا دعت المديح أجابها سلس العنان وانه لحرون
ونقيبة تسرو النقاب عن الهوى وترد ركن الكفر وهو ركون
نشر النجاح بها الجناح ونفر الطير الأشائم طائر ميمون
وقف الرجاء بذي الرجاء عليكم وبدا لكم سر العلا المكنون
فعلام أهزل والكثيب مروض وعلام أظما والقليب معين
تلوى لباناتي وتحرم حرمتي وهوى بدر هواكم ملبون
ويعز أمر عصابة منسية عرفت بفضلة جاهنا ونهون
يا مالكا حسدت عليه زمانه أمم خلت من قبله وقرون
ماريت صرف الدهر وهو ألندد ومريت خلف الحرب وهي زبون
مالي أرى الآمال بيضا وضحا ووجوده آمال حوالك جون
والعدل خيم منك إلا أنه جدي العثور وحظي المغبون
أنا آمن فرق وراج يائس ورو صد ومسرح مسجون
ومراقب وعدا وجدت جداه أن أغذى بما يغذى به الكمون
لا تعدني أنواء يمنك لا عداك النصر والتأييد والتمكين
وله [من أخرى أيضا] :
أبى، فأقصر عنان اللوم أو أطل ياما ألحك من ذي منطق خطل
ألقى عذاب الهوى عذبا فآلفه فما أصيخ إلى عذل ولا عذل
كلمني لشوقي أصلى حر لوعته وإن بليت بما ألقى فلا تبل(5/327)
ول الملاحة من أحببت أول أدل لا ناقتي في الهوى جمل ولا جملي
واقن الحياء فقلبي آنفا أنف من أن يجاور حب فيه حب علي [88 أ]
لم تدر من قبله عين ولا بصرت بالبدر والبحر والرئبال في رجل
[ومنها] :
خدمتكم ليكون الدهر من خدمي فما أحالته عن حالاته حيلي
إن لم تكن بكم حالي مبدلة فما انتفاعي بعلم الحال والبدل
وله من قصيدة في الوزير الكاتب أبي محمد بن عبد البر، أولها:
أطع أمر من تهواه من عز قد بزا كفى بالهوى ذلا وبالحسن معتزا
تعبدني حبا وتيمني هوى فياما أذل العاشقين وما أخزى
إلى كم أمني النفس وهي نفيسة أماني لا وجها تريني ولا عجزا
بأرض بها الالف الموازي بزعمه إذا غبت عن عينيه يلمزني لمزا
يرى عين تبجيلي ووجه تحيتي ملاحظتي غمزا وتكلمتي رمزا
كما اجتلبت في البدء للوصل همزة فإن وجدوا عنها غنى أسقطوا الهمزا
وفي النفس هم ما يزال يؤزني إلى الكاتب الميمون طائره أزا
فمن مبلغ الأحباب أن ركائبي قطعن الفلا وخدا وجبن الملا جمزا
وهاجرت الروض الانيق نباته لروض علاء ينبت المجد والعزا
فصيح متى ينطق تدع كل لفظة فؤادك متبولا ولبك مبتزا
ولما لحاني الدهر لحو العصا ولم أجد من بينه غير من زادني وخزا
جعلت لي حصنا ونبهت مقولا جرازا حدادا لا كهاما ولا كزا(5/328)
ولم تقتصد منك القصيدة نائلا كثير لها أن تستجاز ولا تجزى
ليمتع بك الله الأماني والمنى ولا تفجع الآداب فيك ولا ترزا
وله من قصيدة في أبيه يرثيه:
يا ضريحا حوى عظاما عظاما لخيل أمسيت منه خليلا
أعياء دواليت داء عياء ومحالا سألت رسما محيلا
إن عهدي وإن بليت جديد كلما طال زاد شوقي طولا
كدت أقضي عليك نحبي نحيبا وأرى ذاك في رضاك قليلا [88 ب]
وأحل الثرى حلولك فيه بدلا منك لو أكون بديلا
ومن أخرى في [أم] معز الدولة:
بم، والرزء بالخليل جليل يتأسى ويوسى العليل
جلل دق فيه كل جليل وتساوى التكثير والتقليل
أي عرش للمجد ثل، وغرب فل، والدهر من شباه فليل
أيها اللحد هل علمت بما استو دعت، كلا إن الجماد جهول
ووريت فيك رحمة وغياث وحجى نابل وقدر نبيل
أنس الشيمة الكريمة إن الدار وحش والمكث طويل
إن تلقاك روح ربك والرضوان والله بالجميل كفيل
فبما طبت والزمان خبيث وبما جدت والغمام بخيل
وتسلست والمياه أجون وتروضت والبلاد محول
يا أبا عامر عزاء جميلا فاليكم يعزى العزاء الجميل(5/329)
كلنا صائر إلى الله حتما واستراح العذول والمعذول
وقصارى بين القصور قبور ويهب الصبا بها والقبول
سنة الله في العباد وما في سنة الله للورى تبديل
حكمه الفصل ليس عنه انفصال وهو العدل ليس عنه عدول
عدم ذا الورى وانتم وجود وهراء وأنتم المعقول
وإذا كشف الحقائق فكر شهدت لي بما أقول العقول
وخاطبه الحصري بأبيات منها:
وفينا لهم وخانوا كذا الناس والزمان
لحوني على غرامي وقالوا الهوى هوان
وما ضر ان يقولوا صبا في الهوى فلان
لحا الله كل خل لحا في هوى يصان
وأبقى الأديب فردا لملك به يزان
فديناك من أديب عليهم له امتنان [89 أ]
أسيف بفيك يقضي على الدهر أم لسان
كذا تنتج المعالي كذا يسحر البيان
وفي كل حاجة لي على جاهك الضمان
فأجابه ابن خلصة:
أفق فالهوى هوان لعهد الصبا أوان
إذا ما انطوى شباب طوت ودك الحسان
لعمري وإن عمري لما ليس يستهان
أيا صادقا هواه إذا المدعون مانوا(5/330)
فلم يحو ما حواه زمان ولا مكان
ولم يفر ما فراه حسام ولا سنان
إذا سل مرهفات من المنطق البيان
تبينت أن أمضى من الصارم اللسان
فعش للورى مليا ففي عيشك ازديان
ولا زال لليالي بابقائك امتنان
فصل في ذكر الأديب أبي مروان بن غصن الحجاري وإيراد طرف من خبره، وحميد أثره.
وكان اقتبس من أنواع العلوم [والآداب] ما صار به في عالم عصره علما، وفي الكمال عالما، وكان كما قرأته في فصل وصفه به أبو محمد ابن عبد البر في رقعة خاطب بها المعتضد، قال فيها: أياديك - أيدك الله - قد طبقت، ومساعيك قد أنارت وأشرقت، فكل أفق بها بهج، وكل قطر منها متضرع أرج، وكل همة بها موكلة، وكل نفس اليها منجذبة مسترسلة، فان أحس امرؤ من نفسه قوة جنان، وفضل بيان، وتصرف لسان، فأقصى غرضه أن يحلي بيانه بمآثرك، ويفتق لسانه بمفاخرك، ويطرز ملاءة نظمه ونثره باسمك الأعذب، ويشرف مطرف قريضه(5/331)
بذكرك العطر الاطيب، ويتشرف بالدخول إليك، ويتمجد بالمثول بين يديك، ليحظى منك بالتتجويز، ويصح له دعوى السبق والتبريز، وإن ممن استولى على الامد الذي وصفته، وحوى فصب السبق فيما ذكرته، الأديب الكامل أبو مروان بن غصن الحجازي، وهو كما علمت ممن لا يجارى في ميدان، ولا يطاول بعنان، إن نظم فبيان مرصوص، وإن نثر فلآلئ وفصوص؛ انتهى كلام ابن عبد البر.
قال أبو الحسن [ابن بسام] : ونكبه المأمون بن ذي النون وله فيه " رسالة السجن والمسجون، والحزن والمحزون " أودعها قصائد مطولات، ومقطوعات أبيات، ورسالة أخرى سماها ب " العشر كلمات ". وهو القائل في سجنه، وكتب بها إلى أخيه: [89 ب]
أأروى وبين ضلوعي حريق وأشجى وإنسان عيني غريق
وفي كل يوم وفي كل حين يحملني الدهر ما لا أطيق
تهيم الخطوب بوصلي فما لهن إلى غير قلبي طريق
أيا واحدي وشقيقي ويا فريقا يبكيه مني فريق
أخوك أخو نكبات لها يرق العدو فكيف الصديق(5/332)
كسدت ونظمي در نفيس وضعت ونثري مسك فتيق
ورأيي شهاب أجلى العمى به وحديثي روض أنيق
وما أظلم الجهل في معشر وفي أفقهم من علومي شريق
ولو جاثليق تخولته بموعظة آمن الجاثليق
ومنها:
وطيف صديق كريم له بنفسي وإن بان عني لصوق
سرى واهتدى لي ومن دونه جدار معلى وباب وثيق
فشيعه من دموعي انسكاب وودعه من فؤادي خفوق
وفارق ذا سقم لا يبين لولا الزفير ولولا الشهيق
ومن شعره فيه:
يحيى المليك الذي به حييت نفسي وفازت بكل ما اشتهت
لو حسبت في الورى مواهبه لم يخل حسابها من الغلت
[ومنها] :
قد استرد الشباب خلعته ونبهتني الخطوب من سنة
لولا أنيني على فراشي لم يبد خيالي لعين ملتفت
ولو أتتني المنون تطلبني ما علمت موضعي ولا رأت
وأودع رسالته تلك ألف بيت، فقال فيها:
وألف بيت من القريض إذا مات جميع الأنام لم تمت
لو أن شعر الورى ينظم في عقد لكانت بموضع السطة(5/333)
سائرة حيث لم يسر قمر ولا سرت أنجم ولا جرت
وللمتنبي في هذا المعنى:
ولي فيك ما لم يقل قائل وما لم يسر قمر حيث سارا [90 أ]
وعندي لك الشرد السائرات لا يختصصن من الأرض دارا
فإني إذا سرن من مقولي وثبن الجبال وخضن البحارا
وهذا أحسن ما قيل في سيرورة الشعر، وأبلغ منه قول علي بن الجهم:
فسار مسير الشمس في كل بلدة وهب هبوب الريح في البر والبحر
ولابن شماخ الغافقي في جملة قصيدة في المعتمد بن عباد:
ان لم تسر هذه الغراء سائرة منيرة بين أنجاد وأغوار
فليست الريح في الدنيا بسائرة وليست الشمس فيها ذات أنوار
وقال ابن غصن الحجازي:
قد ألحف الغيم بانسكابه والتحف الجو في سحابه
وقام داعي السرور يدعو حي على الدن وانتهابه
وتاه فيه النديم مما يزدحم الناس عند بابه
وقال أيضا:
يا فتية حرة فدتهم من حادثات الزمان نفسي
شربهم الخمر في سكون ونطقهم عندها بهمس
أما ترون الشتاء يلقي في الأرض بسطا من الدمقس(5/334)
مقطب عابس ينادي: يوم سرور ويوم أنس
وقال:
يوم تبدى لنا بصحو والجو صافي الهوا جلي
طاب رحيلي به إلى ان كدر من صفوه العشي
كأنما حالتاه ود جاراك فيه طليطلي
وقال:
يا صوب غادية الربيع الممطر بارد بسببك رسم دار مقفر
ميدان أفراس الصبا والملاعب ال آرام والروض الأنيق الأزهار
واقذف بسلك الغيث في ساحاته واكسب أليه عليه وانثر
حتى ترى الغيطان زاهرة الربى تنبيك عن عهد الزمان الأزهر
وترى الأقاح كأنه فم شادن غنج تبسم عن لقيط الجوهر
وشقائق النعمان مثل الغيد وال طل الندي كدمعة في محجر
لولا خفارتها وحالك شعرها قلنا سبايا من بنات الأصفر
وقال:
والفي فيك النجوم لرعيها فدريها خلي وبدر الدجى إلفي
كأن سماء الله نطع زبرجد وقد نثرت فيه الدنانير للصرف [90 ب]
وهو القائل [أيضا] :
فديتك لا تخف مني سلوا إذا ما غير الشعر الصغارا(5/335)
أهيم بدن خمر صار خلا ... واهوى لحية كانت عذارا صل في ذكر الأديب أبي علي ادريس بن اليماني العبدري اليابسي
ويابسة من الجزائر الشرقية على سمت مدينة دانية من الأندلس. وأخبرت أن أصله من قسطلة الغرب، من عمل شنت مرية ابن هارون، وبدانية قرأ، وبها نشأ، ومنها انبعث انبعاث السيل، وأدرك إدراك الليل، حتى تضاءلت له الهضاب عن قدره وصار [شعره] سمر النادي، وتعلة الحادي، وتمثل الحاضر والبادي؛ وطفق يتردد على ملوك الطوائف بالأندلس تردد الكاس على الشراب، ويجرب في أهوائهم جري الماء في الغصن الرطب، وكان كلما قال قصيدة لم يضرب عليها حجابا، ولا ضمانها كتابا، حتى يأخذ بها مائة دينار، وقد سأله عباد في بعض رحله إليه، على كثرة بوائقه، وشكاسة خلائقه، [أن] يمدحه بقصيدة يعارض بها قصيدته السينية التي مدح بها ال حمود فقال له: إشارتي مفهومة، وبنات صدري كريمة(5/336)
فمن أراد أن ينكح بكرها، فقد عرف مهرها.
وقد أخرجت من أشعاره، ما يشهد بسمو مقداره، ويعرب عن غرائب أخباره.
جملة من شعره في أوصاف شتى مختلفة
في النسيب وما يناسبه
[قال] :
قبلة كانت على دهش أذهبت ما بي من العطش
ولها في القلب منزلة لو عدتها النفس لم تعش
طرقتي والدجى لبست خلعا من جلدة الحنش
وكأن النجم حين بدا درهم في كف مرتعش
وحدث ميمون بن يوسف بن دري قال: اعتمدني أبو علي ادريس ابن اليماني، فجاذبته في ذكر البديع من القول، فأنشدني هذه القطعة في صفة الثريا، فعمدت بعد إلى سبعة مثاقيل صحاحا فطبعت عليها، وكتبت معها:
وجه الثريا أن شيت تعرفه فاسلك من القول نحو موعبه [91أ]
نجمك في البعد ظل مشبهها وشبهها شبه ما بعثت به(5/337)
ونظر إدريس إلى غلام [وسيم] بالحمام عليه أسمال فقال:
توشح بالظلماء وهو صباح فأمرضت الألباب وهي صحاح
وظل فؤادي طائرا عن جوانحي وليس له إلا الغرام جناح
قضيب صباح في وشاح دجنة ألا ليتني تحت الوشاح وشاح
ولا عجب أن أفسدتني جفونه فكل فساد في هواه صلاح
وقال:
علقته شادنا صغيرا وكنت لا أعشق الصغار
أعارني سقم ناظريه فاستشعرت نفسه حذارا
يسفر عن وجه مستنير يرد جنح الدجى نهارا
لم أر من ذاك ماء أضرم فيه الحياء نادرا
وذكرت بقوله " لا أعشق الصغار " شعرا لبعض أهل العصر استطرد فيه لهجوم السميسر استطرادا ظريفا فقال:
ان كنت تهوى مليحا فلا تقل بمعذر
واهو الصغار ففيهم على الحقيقة تعذر
دع الكبار لقوم دانوا بدين السميسر
ونصيب الاكبر القائل:
ولولا أن يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشأ الصغار(5/338)
وما أعذب ما ذهب ابن غصن الحجازي بقوله:
فديتك لا تخف مني سلوا إذا ما غير الشعر الصغارا
أدين بدن خل كان خمرا وأهوى لحية كانت عذارا
وقال ادريس:
أقبلت تهتز كالغصن وتمشي كالحمامه
ظبية تحسد عينيها وخديها المدامه
وقال:
علق الهوى قبل الهواء علاقة ما زال في نزع بها ونزع
فكأنما سكن الهوى في قلبه من قبل سكنى القلب في الأضلاع
ومنها في صفة الخيل:
خيل يميد الدهر عند هبوبها ميد القضيب بعاصف زعزاع
فكأن خطفا من نتائج أعوج تنقض من فرسانها بسباع
وقال:
صفراء تهديها بنان صورت كهواك من غم ومن عناب
وغزال ستر بل غزالة كلة تثني عنان التعب بالاعتاب [91 ب]
أحبني مراشفها العذاب وفي الحشا حرق فأمزج رحمة بعذاب(5/339)
ودخل إدريس بن اليماني على الموقف أبي الجيش فانشده:
ولرب ليل قد طرقت وهمتي أسري بها إذ ليس يسري كوكب
في معشر شحم الأنوف كأنهم سيدان رمل أو أسود درب
لبسوا دياجير الدجى إذ أسأدوا وتقنعوا بسنا الضحى إذ أوبوا
وسروا فمغرب كل أرض مشرق لهم ومشرق كل أرض مغرب
والفجر ملوي النقاب مبرقع والليل مسدول الرواق مطنب
وكأن باهرة الكواكب معشر قام الهلال بهم خطيبا يخطب
وكأن نور الصبح راية فارس حمراء يتبعها خميس أشهب
وكأن قرن الشمس وجه مجاهد لما أنار سناه كادت تغرب
وهو في كل ذلك يعبث في قليل شعر عارضته، استثقالا للعارفة، ونجلا بالجائزة، فلما أملقه الأمر، وأعوزه الصبر غمز حاجبه، فاختطف القرطاس من يده، وقال وقد سد خياشيمه: إن رائحة الشبين على شعرك، تعرضا له بيابسة، جزيرة في البحر كان منها، أكثر ثمرها الشبين، فخجل لمقامه، وتعثر في ذيل كلامه، فلما وثبت إليه نفسه، وراجعه حسه قال: أيها الأمير إن كنت أسأت في مدحك، فأحسن في منحك، أو قصرت في وصفك، فأطل في عرفك.(5/340)
قال ابن بسام: وما أقبح هذا المنحى، وأبعد هذا المرمى، ولكن السجايا تجري على ما تيسرت له من المعتاد، وأين هو - قبح - من قول ابن عباد، وقد كتب إلي:
لكفي أهدى في نداها من القطا إلى مورد عذب على [ظمأ] برح
إذا أبطت الملاك غيري للثنا فاني وضاح الجبين إلى المدح
وكل امرئ يجني علي جريمة فاني أجازيه على الذنب بالصفح
ومن شعره في المديح وما يتشبث به من الأوصاف
له في المأمون بن ذي النون من قصيدة أولها:
تبين من سره ما اكتتم فلاح كنار بأعلى علم
يقول فيها: [92 أ]
أما والهوى وهو أحلى قسم وإن بنت عنه بنفسي قسم
وما يجتلى من أقاح ضحوك يشب بماء الشباب الشبم
لقد شربت شرب نومي فلو شربت سلاف الهوى لم أنم
خدود غلائلها من شقيق وأيد أناملها من عنم
ظلمن قلوب الهوى مذ عدون يطرفن فوق شموس الظلم
ولما أقمن رماح القدود فدانت لهن رماح البهم
رفعن الهوى علما خافقا فكان فؤادي جناح العلم
يحم أبو كل شبلين بي ويلعب بي كل طرف أحم
لقيت الليالي في شوكها فبرح نحوي بصم الصمم(5/341)
ونبهت سوق الردى في العدا فقامت ولولا يدي لم تقم
فما راعني رائع غير لحظ سقيم يصح اذا ما سقم
ظننت الشباب يفي حين وافى فلم يك إلا خيالا ألم
تولى وشيكا ولم أجن منه سوى حلم أو شبيه الحلم
وما العيش إلا فواق اغتنام فمهما تفوقته فاغتنم
وفي شيم الناس ما في العيون ومن ذلك الناس شتى الشيم
وما زال يقفو زمان زمانا فإما بحمد وإما بذم
فقد سكنت عين دهمائه كما سكن الفعل جزما بلم
رعايا الملوك قطا البيد لكن رعية يحيى حمام الحرم
ملوك ولكنهم في الملوك كأمة أحمد بين الأمم
وطيب حتى رضاب الثغور فلا فم إلا وفيه شبم
وهذا البيت كقول محمد بن هانئ: [92 ب]
قد طيب الأفواه طيب ثنائه فمن أجل ذا نجد الثغور عذابا
والبيت الذي قبله كقول ابن الرومي:
تلوح في دول الأيام دولتكم كأنها ملة الإسلام في الملل
وفيها يقول ادريس:(5/342)
أرى العالم اعتدلت حاله فلا ما يعاب ولا ما يذم
وكان بحال انتقاص فتم ولكنه بابن ذي النون تم
همام له شيمة كالشمول تميت الهموم وتحيي الهمم
أبا الحسن الحسن المكتني بما هو نعت له لا جرم
تنست نعمته بالثناء ونشر الثناء نسيم النعم
يد تقع الهام تحت الحسام بها والأقاليم تحت القلم
كأن العيون ازدحاما عليه عطاش إلى مورد تزحم
وخذها تجر إلى حسنها " أتجر غانية أم تلم "
لو اعترضت بحبيب بن أوس طوى كل ما حاك في المعتصم
فيا كعبة الحسن وافاك عبد لطاعة سيده ملتزم
حججت وطفت أسابيع لكن تمام طوافي أن أستلم
وله من أخرى في إقبال الدولة بن مجاهد بدانية:
قد كنت لا أضحى إذا جئت الضحى حتى دفعت إلى القتير الضاحي
فانجاب عن أوضاحه ذاك الدجى ووردت بعد الغمر في الضحضاح
وصدرت عن حب الشباب وطالما غمست جناحي في غدير جناح
صاح الصباح بجانبي ليلي فلم آسف لليلي إذا محاه صباحي
لكن أسفت على طلى وترائب صفرت يدي من حليها الصياح
من كل ناعمة يجول وشاحها هيمان بين مهفهف ورداح [93 أ](5/343)
ومنها:
ثقلت زجاجات أتتنا فرغا حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفت فكادت [أن] تطير بما حوت وكذا الجسوم تطير بالأرواح
ومنها:
بعلي بن مجاهد أوردته روض المديح وموسم المداح
ثهلان في عقد الحبا ولدى الوغى غصن يراح إلى نسيم رياح
فالبر بحر من مدائحه التي تربي على الطيار والسباح
بسياسة يقف الزمان إزاءها خضل الحياء ملازم الإسجاح
محفوفة بمكارم وصوارم تثني وتصرف غرب كل جماح
يا من يلحن كل خلق مدحه حتى الحمام على ذرى الأدواح
هشت لتسمعها بفضلك فاستمع سياحة بثنائك السياح
غررا كطالعة الكواكب موهنا طمحت إلى لقياك كل طماح
فأتتك جانحة إليك وإنما جنحت إلى مغنيطس الاجناح
فلكفك القدح المعلى في العلا وعلاك تحكم لي بفوز قداحي
ولئن بك استغنيت عن كل ففي ضوء الصباح غنى عن المصباح
وله من أخرى في ابن واجب:
وادي الأراك أطلت شكوى الشاكي بشيم كل بشامة وأراك(5/344)
ويقول فيها في وصف الحمامة، وأجاد ما أراد وزاد:
ورقا مطوقة السواليف سندسا لم يحك صنعتها حكاية حاك
تشدو على خضر الغصون بألسن صبغت ملاثمها بلا مسواك
وكأن أرجلها القواني ألبست نعلا من المرجان دون شراك
وكأنها كحلت بنار جوانحي فترى لأعينها لهيب حشاك
وهذا كقول ابن هانئ:
وما راغني إلا ابن ورقاء هاتف بعينيه جمر من ضلوعي مشبوب
قال ابن بسام: وسلك أبو البيع القضاعي سبيل إدريس في صفة الحمامة، فضل عنها، في قصيدة [93 ب] مدح بها ابن واجب أيضا، أولها:
زعم العبير بأنه حاكاك كذب العبير وما حكى رياك
هذا شميمك فليهب نسيمه حتى تبين مقالة الأفاك
وإن ادعى ريم الفلاة بأن في عينيه لمحة عينك السفك
فليلتمحك بمقلتيه مغازلا حتى تفند قوله عيناك
ثم خرج إلى ذكر الحمامة بوصف غير رائق استبرد فيه، ورأيت ألا أكون ممن يرويه. وقد افتضح في صفة الحمامة في هذه العروض والقافية بأفقنا(5/345)
يوسف بن هارون الرمادي مع يحيى بن هذيل، وأنا أسوق الحكاية بنص ما حكاه الرمادي عن نفسه، قال: بكرت إلى أبي المطرف ابن مثنى فألفيت قد بكر قبلي يحيى بن هذيل، فقال لي: ما عندك - فقلت: ليس عندي كبير معنى، ولكن ما عندك أنت - فأخرج من كمه قصيدته التي يقول فيها في صفة الحمامة:
ومرنة والدجن ينسج فوقها بردين من طل ونوء
مالت علي طي الجناح وإنما جعلت أريكتها قضيب أراك
وترنمت لحنين قد حلتهما بغناء مسمعة وأنه شاك
ففقدت من نفسي لفرط تلهفي نفس الحياة وقلت من أبكاك
فأنشدنيها، وأنا أعد محاسنه فيها، فلما أكملها قال لي: انصرف إلى المكتب وتأدب حتى تحكم مثل هذا فكأنه [حركني؛ واتفق أنه] لم يخرج إلينا(5/346)
أبو المطرف ذلك اليوم، فبكرت من الغد إليه وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها في وصف الحمامة:
أحمامة فوق الأراكة تنثني بحياة من أبكاك ما أبكاك
أما أنا فبكيت من حرق الهوى وفراق من أهوى، أأنت كذاك -
قال: فلما سمعها ابن هذيل قال: عارضتني!! قلت: لا والله إلا ناقصتك، فقال: اذهب فقد أخرجتك من المكتب.
وأنا أقول: وإن كان كلام الرمادي من الحلو المطبوع، فلا نسبة بينه وبين كلام ابن هذيل، وقد انفرد في صفتها انفراد سهيل.
وحكي أن أبا الطيب المتنبي على قلة رضاه عن شعر أحد فإنه على ما ذكر عنه أنشد لجملة من شعراء الأندلس حتى أنشد قول ابن هذيل [94 أ] :
إذا حبست على قلبي يدي بيدي وصحت في الليلة الظلماء واكبدي
ضجت كواكب ليلي في مطالعها وذابت الصخرة الصماء من كبد
فقال أبو الطيب: هذا أشعر أهل المغرب.
وعارض أيضا هذه العروض والقافية في ذلك الأوان الأديب أبو مروان المعروف بالبلينه، فقال من قصيدة أولها:(5/347)
يوم العقيق غدوت من قتلاك لما رمت بسهامها عيناك
ثم خرج إلى صفة الحمامة فقال:
أحمامة بكت الهديل وإنما طربت فغنت فوق غصن أراك
معشوقة التفويف ذات قلائد غنيت جواهرها عن الأسلاك
ناحت على غصن وكل شج بكى يوما بلا دمع فليس بباك
لو كنت صادقة وكنت شجية جادت دموعك حين جد بكاك
والرمادي وابن هذيل وأبو مروان ليسوا من طبقة هذا الديوان، إذ تقدم بهم الزمان، ولا من شرطنا، إذ لم يلحقهم أحد من أهل عصرنا.
ومن حر الكلام، وسري النظام، مما يتعلق بوصف الحمام، قول أبي العلاء المعري، وأنا أثبته هنا زيادة بعد إجادة جلة نثر ونظام، في صفة الحمام، أخذ فيه بثوب الحسن من طرفيه، واشتمل على رداء البديع من حاشيتيه، ولولا تأخر زمانه، وتقدم يحيى بن هذيل وطبقته لقلت: إن كلام المعري نقلوا، وعليه عولوا، وهو قوله: ما حاملة طوق من الليل، وبرد من الربيع مكفوف الذيل، أوفت الأشاء، فقال للكئيب ما شاء، تسمعه غير مفهوم، لا بالرمل ولا بالمزموم، كأن(5/348)
سجعها قريض، ومراسلها الغريض، فقد ماد بشجوها العود، وفقيدها لا يعود، تندب شوقا هديلا فات، وأتيح له بعض الآفات، وليس الأشواق، لذوات الأطواق، ولا عند الساجعة، عبرة متراجعة، إنما رأت الشرطين قبل البطين، والرشاء، قبل العشاء، فحكت صوت الماء في الخرير، ورنت براء دائمة التكرير، فقال جاهل: فقدت حميما، وثكلت ولدا قديما، وهيهات يا باكية، أصبحت فصدحت، وأمسيت فتناسيت، لا همام لا همام، ما رأيت أعجب من هاتف الحمام، سلم فناح، وصمت وهو مكسور الجناح.
ومن أخرى له: ما حمامة ذات طوق، يضرب بها المثل في الشوق، كانت في وكر مصون، بين الشجر والغصون [94 ب] ، تألف من أبناء جنسها ريدا، يتراسلان تغريدا، مسكنها نعمان الأراك، تأمن به غوائل الأشراك، وتمر في بكرتها بالبيت الحرام، لا تفرق لمكان صائد ولا رام، صادها وليد في حل، ما حفظ لها من إل، فأودعها سجنا للطير، ومنعها من كل مير، فاذا رأت بواكر الحمام، تمارس جرع الحمام، تسأل بطرفها أخاها، ما فعل بعدها فرخاها(5/349)
فيقول: أصبحنا ضائعين، يسترهما الورق عن العين، بأشوق مني إلى حضرة سيدي.
ومن شعره في صفتها قوله من قصيدة:
وغنت لنا في دار سابور قينة من الورق مطراب الأصائل ميهال
رأت زهرا غضا فهاجت بمزهر مثانيه أحشاء لطفن وأوصال
فقلت تغني كيف شئت فانما غناؤك عندي يا حمامة إعوال
وتحسدك البيض الغواني قلادة بجيدك فيها من شذا المسك تمثال
فأقسمت ما تدري الحمائم بالضحى أأطواق حسن هن أم هن أغلال
وقال:
غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت على فرع غصنها المياد
أبنات الهديل أسعدن أو عدن قليل العزاء بالاسعاد
إيه لله دركن فأنتن اللواتي يحسن حفظ الوداد
ما نسيتن هالكا في الأوان الخال أودى من قبل هلك إياد
بيد أني لا أرتضى ما فعلتن وأطواقكن في الأجياد
وله من أخرى في أبيه يرثيه
سأبكي اذا غنى ابن ورقاء هاتفا وإن كان ما يعنيه ضد الذي أعني(5/350)
وما ندبت في مسمعي كل قينة تغرد باللحن البري من اللحن
وله من أخرى في أمه:
وأمتني إلى الأجداث أم يعز علي أن صارت أمامي
وأكبر أن يرثيها لساني بلفظ سالك طريق الطعام [95أ]
ومن لي أن أصوغ الشهب شعرا فألبس قبرها سمطي نظام
مضت وقد اكتهلت فخلت أني رضيع ما بلغت مدى الفطام
فيا ركب المنون أما رسول يبلغ روحها أرج السلام
ذكيا يحسب الكافور منه بمثل المسك مفضوض الختام
ألا نبهتني قينات بث بشمن غضا فلن إلى بشام
وحماء العلاط يضيق فوها بما في الصدر من صفة الغرام
تداعى مصعدا في الجيد وجدا فقال الطريق منها بانفصام
أشاعت قيلها وبكت أخاها فأضحت وهي خنساء الحمام
شجتك بظاهر كقريض ليلى وباطنه عويص أبي حزام
سألت متى اللقاء فقيل حتى يقوم الهامدون من الرجام
وقال بعض أهل عصري من قصيد خرج فيه إلى وصف الحمام:
وان هتف الحمام فلست أدري وإن بارته أيهما انتكالا
تعلقت الحمام بساق حر فسل هاتيك من أنكى الجمالا(5/351)
وقال محمد بن هانئ الأندلسي:
وما راعني إلا ابن ورقاء هاتف بعينيه جمر من ضلوعي مشبوب
وقد أنكر الدوح الذي يستظله وصحت له الأغصان وهي أهاضيب
وحث جناحيه ليخطف قلبه عشاء شذانيق الدجى وهو غربيب
ألا أيها الباكي على غير أيكه كلانا فريد بالسماوة مغلوب
فؤادك خفاق ووكنك نازح وروضك مطلول وبانك مهضوب
هلم على أني أقيك يأضلعي وأملك دمعي عنك وهو شآبيب
تكنك لي موشية عبقرية كريشك إلا أنهن جلابيب
فلا شدو إلا من رنينك شائق ولا دمع إلا [من] جفوني مسكوب
ولا مدح إلا للمعز حقيقة يفصل درا والمديح أساليب [95 ب]
نجار على البيت الامامي معتل وعدل إلى الحكم الربوبي منسوب
رجح بنا الكلام إلى إدريس
وقال من قصيدة في ابن مقنة وزير يحيى بن حمود أولها:
دعاه الهوى من ذي الأراك فلباه وغناه أيكي الحمام فأبكاه
وصدق دعوى الشوق برهان جسمه وما كل ذي دعوى تصدق دعواه
وظل جناح القلب منه كأنما قدامى جناح البرق منه قداماه
بذي لعس للاقحوان ثناياه وللورد خداه وللآس صدغاه(5/352)
وللسوسن الريان صفحة خده وللبدر مجلاه وللمسك رياه
يريني إذا رد السلام مخالسا بنانا دماء العاشقين يرناه
كأن فؤادي كلما قام قرطه فيا علو مرقاه ويا بعد مهواه
فريد جمال تم لي توأم الهوى به ولكل العاشقين فراداه
تكامل فيه السول حتى كأنه ندى ابن أبي موسى إذا الشعر ناجاه
لقد كان معنى الجود عمي فانبرى له ابن أبي موسى ففك معماه
هصرت به الدنيا فمالت رطيبة علي ميودا تحت أوراق نعماه
فمن ضحك النوار من شق جيبه ولكن أياديه التي أضحكت فاه
وما فتحت أيدي الحيا زهرة الربى كما فتحت روض القريض عطاياه
تأمله وانظر الباري الأسنة سناه مضافا إلى السيف الطويل نجاداه
وقال ادريس من قصيدة أخرى أولها:
لبيك لبيك داعي اللهو من كثب إلى معاطفة الأغصان في الكثب
إلى السوالف كالسوسان في صعد إلى الغدائر كالخلجان في صبب
إلى خدود بنات الروم قد برزت من حجبها وأدارت أعين العرب(5/353)
من كل سافرة عن مشرب خجلا فيه طرزان من ماء ومن لهب [96 أ]
واستضحكت عن لآل أو حصى برد يكاد يقطر من مائيه الشنب
ومنها:
يحدو بها فتية صيغت وجوههم من الرضى وعواليهم من الغضب
قد قارعوا دونها كل ابن قارعة يهب منغمسا في الحرب والحرب
من كل أشنب قد أفنت شبيبته شبيبة البان في ظل القنا السلب
ومنها:
ماذا أقول لدينا لو ظفرت بها أدبتها غضبا للظرف والأدب
تجلو الرياسة في تاج البهاء على من لا يفرق بين الرأس والذنب
شجى من اقذية الأيام برح بي بل بالعوالي وبالهندية القضب
لكنني علوائي الهوى مرس حلبت أشطر دهري أيما حلب
ألقى الأحبة مخفوض الجناح وقد أختال تحت الرداء العضب ذي الشطب
لا يستثير وشاح الخود لي شغفا ما لم يجب كفؤاد العاشق الوجب
ولا أهيم بجيد غير ذي جيد ولا أهش لقرط غير مضطرب
ولا أروح لروض غير ذي زهر ولا أهش إلى كاس بلا طرب
وحسب وشي ثنائي أن أزرره على أبي الحسن المغموس في الحسب
شمائل طيبات كلما انتشقت إن الرياض متى [ما] تنتشق تطب
ذو همة في العلا دأبا مسافرة لو سافرت لمداها الشمس لم تؤب
أعراق طيب أتت من أصبغ بفتى حاز السناء تراثا عن أب فأب
إن قام أو التف العفاة به كأنه منهم في عسكر لجب(5/354)
لم يمش قط إلى قرب ولا يبعد إلا على قدم موطوءة العقب
وله من أخرى في باديس:
سقيا لواديك الأغن مريعة إن الشباب به مريع ممرع
إن كان خدك فيه ورد يانع فهواك في عيني وقلبي أينع
ومنها
القائد الجرد العتاق كأنها لجج زواخر أو عوارض لمع
متوقد في الحادثات إذا دجت فكأنه فيها شهاب يسطع [96 ب]
علم هو القمر المباهي طالعا صنهاجة وهم النجوم الطلع
متسربلين لكل حرب مرة بأسا يقرع كل من لا يقرع
فلو أنهم رفضوا الأسنة والقنا قامت قلوبهم بها والأذرع
وهذا المعنى كثير، ومنه قول الأول:
قوم إذا اشتجر القنا جعلوا الدروع لها مسالك
اللابسين قلوبهم فوق الدروع لدفع ذلك
وقال أبو محمد بن عبدون من جملة أبيات تقدم إنشادها:
وقد زروا الدروع على قلوب لو انتضيت لقط بها الرقاب
وكرر في موضع آخر فقال:(5/355)
أخلائي وفي قرب الصدور ظبا تقتضي على قمم الدهور
وللتهامي:
لو أشرعوا أيمانهم من طولها طعنوا بها عوض القنا الخطار
وقال قيس بن الخطيم:
اذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب
وقال الآخر:
اذا الكماة تنحت أن يصيبهم حد الظباة وصلناها بأيدينا
وقال ادريس:
أكحيلة الأجفان بالسحر الذي لولاه ما زوت البلابل بابل
قد كان قلبي غافلا عما به أودى وقلب [أخي] السلامة غافل
حتى دهاني منك صدر رامح ذرب سناناه وطرف نابل
ما عقدك الممهى بجيدك درة لكن فرند في حسام جائل
كملت سيوف الهند فوق جفونها وطوال أهداب الجفون حمائل
ومنها:
سار وغاد بالجياد كأنها لجج وأكباد العداة سواحل
وكأنما الآجال فوق رماحه ورق على شجر الآراك هوادل
الخاطفات أسافلا وأعاليا فكأنهن ضراغم وأجادل(5/356)
يلوي القنا في نحر كل مدجج ليا كما فتل السوار الفاتل
بأسا كما نزل القضاء، يديره رأي كما صقل الحسام الصاقل
وأذا شراب القوم كان منية لم يدن من تلك المدامة واغل [97 أ]
نغم السيوف ألذ ما هو سامع ومنى النفوس أقل ما هو باذل
هذا ابن خاصب ذي الفقار بجانبي وادي حنين والصفوف حوافل
وبخيبر والحرب بارق عارض وبنات أعوج ما شحته زائل
دفع الرسول إليه رايته وقد طمحت عيون نحوه وأنامل
أربت على الغابات غاية مجدهم فالوهم عن إدراكها متضائل
تزدان أقلام بهم ومحابر وتطول أرماح بهم ومناصل
فكأنما المريخ من أنصاره وكأنما البرجيس فيه مجادل
تصبو إليك مشارق ومغارب وتهيم فيك منابر ومحافل
وتود سابحة الكواكب أنها لك سابحات والدجون قساطل
تجري بما منها تشاء كأنما حركاتها فعل وأنت الفاعل
لولا اضطرام البأس فيك لدى الوغى لاخضر في يدك الوشيج الذابل
وهذا البيت من قول المعري:
يتهللون طلاقة وكاومهم ينهل منهن النجيع الأحمر
لا يعرفون سوى التقدم آسيا فجراحهم بالسمهرية تسبر
من كل من لولا تسعر بأسه لاخضر في يمنى يديه الأسمر
وله من أخرى:(5/357)
يلقى الوغى بأديم وجه ضاحك صافي الأسرة في العجاج الأكدر
بطل ترى الأبطال منه كالقطا أشفقن من زجل الجناح مصرصر
في سرجه زحل وبهرام معا وببردتيه عطارد والمشتري
بأسا يخلي الخيل حين يخوضها كالأيكة انقصفت بريح صرصر
وذكاء فهم كلما استخبرته ألفيت أذكى مندل في مجمر
في كل كف منه خمس أصابع لكنها في الجود خمسة أبحر
ولادريس من قصيد فريد: [97 []
سرت في قميص الصبح وهو جسيد فأبلت قميص الليل وهو جديد
ولما استمد الأفق من نور وجهها تقاصر باع الليل وهو مديد
بشمس يكاد الوهم يدمي أديمها لها الليل تاج والنجوم عقود
فلو يتأتى وردها أو مرادها تسلسل مورود وطاب مرود
وأين من المرتاد أعفر مقمر نفور كنوم العاشقين شرود
غزال كناس بل غزالة كله تزين الحلى منها سوالف غيد
كأن جفوني فوق عيني من اجلها ثياب دوام تحتهن شهيد
أوحشية الإعراض عنا ومالها من الوحش إلا مقلتان وجيد
من الهيف تستجفي النسيم إذا جرى غليلا على أعطافها فتميد
وتحتمل الياقوت يرسو ثقيله فيجفو على صدر زهاه نهود
أيعطى مناه من ترائبك الحصى ويحرم مشغوف الفؤاد عميد
من الصيد حران أطلت عويله وثغرك سلسال الرضاب برود
فإن لم أرد ذاك اللمى العذب إنني على مهج الأسد الوراد ورود(5/358)
وان صديت شوقا إليك جوانحي فصد به من عارضيك صدود
فحسبي من شهديه ماء صارم فلول ظباه لي بذاك شهود
إذا سل في الهيجاء وهي دجنة تألق فيها للصباح عمود
وكأس كرقراق السراب كأنما لها رعدة عند المزاج عقود
هي العين عين الشمس تأبى عن القذى فتنفي القذى عن نفسها وتذود
فبت نديما لابن عشر وأربع يدير رحيقا عتقته ثمود
وما اصفر وجه الشمس إلا لأنه لوجه الأمير الأريحي حسود
أياديهم فوق العفاة عقود وأحلامهم الجناة برود
مضوا ونحور النبل من صبغ طعنهم كما أشربت ماء الحياة خدود
بساحة فاس منه مطرد الندى وليس بناج من يديه طريد [98 أ]
ومنها:
بحيث البحار الخضر وهي كتائب عليها السحاب الحمر وهي بنود
خيول كعقبان الدجون وكلها لكل صيود في العجاج صيود
لها من ذؤابات الحسان مقاود ومن لبد الأسد الوراد لبود
تجرر عن [] المفر فما تني يروقك منها قائد ومقود
حباب ولكن ليس يثنيه ذائد عباب ولكن ليس منه سدود
فتى يخرق الأغيال وهي أسنة ويقتنص الأبطال وهي أسود
فليس لمختال لديه مخيلة وليس لمريد عليه مرود
بعيد المدى ماض يريك جلادة إذا لم يطق حر الجلاد جليد
يحيد عن القول الكريه سماعه وليس عن القرن الكريه يحيد
فأنت إذا اشتدت يد القهر لين وأنت إذا لان الكماة شديد
وفي ابنه:(5/359)
إذا اعتد ذو مال به لزمانه فمالك كنز للعفاة عتيد
لعمري لقد أنجبته لك مشبها فداناك منه متلطف ومفيد
فغرته تعدي سناك على الدجى وراحته تبدي الندى وتعيد
قريب تراه [منك] لا متباعد وكم من قريب منك وهو بعيد
فنوه به حتى يساميك في العلا فقد يتساوى والد ووليد
فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي الأصبغ ابن أرقم
أحد كتاب الجزيرة المهرة، والنقدة الشعرة، ممن نهض في الصناعة بالباع الأسد، وأخذ فيها بالساعد الأشد، وجد في معاناتها، واقصر على كسب آلاتها، وجمع أدواتها، وارتاض في طرقها معيدا ومبديا، ورمى إلى أغراضها مصيبا ومخطيا، حتى تدرج في مدارجها، وخرج على جميع مناهجها، واطلع من ثناياها، وأشرف على خباياها، وجرت بينه وبين طائفة من أهل هذا الشان، في ذلك الزمان هنات، في ما انتقدوا عليه من ألفاظ وكلمات، وتقعير واستعارات بعيدة، وكانت تلك الطائفة قد أسندت في ذلك إلى ابن سيده، وقد أوردت من ذلك ما يليق بالديوان، ويستوفي جملة الإحسان.(5/360)
فصول من رسائله السلطانيات [98 ب]
فصل له من رقعة عن علي بن مجاهد إلى المعز بن باديس صاحب افريقية: اطال الله بقاء الملك الأجل ناظر عين الزمان، وروح جسم الأمان، وحسام عاتق الإسلام، وحلي جيد الأنام، ومهدي طوال الآمال، ومأوى شارد الإنعام والإفضال، مخلدة في الأنام دولته، مؤيدة مع الأيام مدته.
أنا - أيده الله - أمت إلى دولته - خلدها الله وأيدها، كما وطدها ومهدها - بما أبأى به على الأقران، وأكافح كل زمان، وأفاوح كل بستان، وأحرز كل ميدان، [إلى] أن ارتقيت إلى سمائها، وصعدت في سوائها، مستهلا وعر المرتقى، لسهل الملتقى، ومستعذبا مر المجتلى، لحلو المجتنى، فشافهت بدرها، وتبوأ حجرها، وارتضعت درها، على حين أجفان الفضل كليلة، وأقدام المجد معقولة، وأيدي النصر مغلولة، وان قعدت عن مناسكك فرضها، فإني معيرها ضميرا كما انبلج النهار، وشكرا كما أرج النوار، وهل أنا إلا أحد أبنائها، وشهب سمائها، وشيعة علائها، وحماة أرجائها، وان جذم نأي الدار كف الخيار، ففي البعد(5/361)
اعتذار، وفي الجهد إعذار، وان مع التجاوز ليعم العيان، ومع التحاور ليطمئن البرهان، ومع التزاور لترود الأحوال، ومع التقارب ليقع الإخلال، والقوى المخلوقات قريبة الانحلال، سريعة الانفعال، والنيرات على وفور ضيائها، وظهور سناها وسنائها، فيما لا يقابل كليلة وعندما لا يسامت عليلة، وفيما لا ينال ظليلة.
وفي فصل منها: وقد علم مبتلي السرائر، وحافظ البواطن والظواهر، أنها بصيرتي التي أستشعر، وسريرتي التي أضمر، وحقيقي التي أخفي وأظهر، وشريعتي [التي] بها وأجهر، وأن كفيل فعالي في موالاة سيدنا - خلد الله ملكه - على طول المدى، وشط المنتأى، وبعد المرمى؛ ولما وقف الأمر على الحد الذي قدمته، والقصد ذكرته، والرسم الذي أثبته، لم أستبد من إعلامه واستئماره، ولم أقعد عن استئذانه وإشعاره، ولم أنفذ إلا بعد استخباره.
وفي فصل من أخرى: إذا كانت نعم الله عند الحضرة الإسلامية مشرقة المطالع، رحيبة الأرجاء والمراتع، وكان أنصارها وعبيدها(5/362)
وكتائبها المنصورة، وجنودها المرهوبة، في اجتماع من كلمتهم على طاعتها، واتفاق من أهوائهم في مناصحتها، وتظافر من جميعهم على خدمتها، فقد علت يد الإسلام، واحتمى غره أن يضام، وجانبه أن يرام، وشملت نعماها الأقطار، وأمدت أقاصي [99أ] الديار، وأبرت على نأي المزار، فهي جماع الدين، وردء المؤمنين، ومحفل المسلمين. وفي فصل منها: ومما وجب التعريف به ما عم أقطار ثغرنا، وغشي مجامع أفقنا، من تمالؤ النصارى وتضافرهم من كل أوب إلينا، بجمع لا عهد بمثله، ملأ الفضاء، وطبق الأرجاء، وشغلنا بالفتنة بيننا عن تخفيف وطأتهم، وتضعيف سورتهم، فطمسوا الآثار، وجاسوا خلال الديار، موفورين لا مانع منهم، ولا دافع لهم إلا التفاتة الله تعالى لأهل دينه بأن أقل فائدتهم، وخيب مرامهم، وأطاش سهامهم، والحمد لله على منحته ومحنته.
وله عنه من أخرى إلى مقاتل العامري: ولما اعترفت السعادة بارتباط ودك، والاغتباط بوثيق عقدك، رأيت أن أسلك بابني السبيل المثلى، والمنهج الأهدى، ويعلم أني نظرت له بأحسن ما نظر والد لولده، وحبا به أحد لفلذة كبده، حتى يكون إن أدركتني قبلك وفاة، وكانت له بعدي إناة، قد ظفر بأمل ينعه، وأوى إلى جبل يعصمه، أو تمادت لي معك حياة، وتطاولت لي ليلات، لم يضرره أن يعلق بيدين(5/363)
[ويعتمد على ركنين] ، ويسند إلى أبوين، فأنت الوالد وهو الولد، والساعد وهو اليد، بل قد اتصل الحلب بالكبد، وحل منك محل البنان من الكف والعضد، ومن حل في ذراك، ولاح في يمناك، فهو الشهاب الثاقب، والحسام القاضب، كما أن من عد في ذويك، واعتد في بنيك، فلن يقصر إن شاء الله عن معادلة الكهول وإن صغرت سنه، ولا يتأخر عن مقارعة النصول وان لان غصنه، فإنما يزاحم منك بعود، ويطاول بطود، ويقاتل بجمع، وينازل بنبع، ويقضي على الأيام بظهير، ويصول على الدهر بأمر كبير.
ولما أذم اليك بهذه الحال، ودبت به نشوة الإدلال، تمنى أن توطئه الريح جناحا، وتعيره من البرق التياحا، وترفع له نحو السماء طماحا، بما يرجوه من حملك إياه على المهر المذهب، والورد الأغر المحبب، الذي استعيرت سرعته من إسراعك الى المكارم، وأخذ سبقه من سبقك إلى ندى حاتم، وعلم لين قيادك للصاحب، واسترقت جودته من سماع جودك على الطالب، وان يكن لا تؤثر به غير جنابك، ولا تختاره إلا لركابك، فمن لم يوق شح نفسه [فيه معذور] ، ومن ارتبطه بالضنانة به جدير(5/364)
وقاد المهر المستهدى لوالده، فأجابه بوصوله برقعة يقول في فصل منها: وصل - أيدك الله - البر المولي على الأرب، وأتى الورد المحلى [99 ب] بالذهب، يسبح في حلية، ويمرح في محاسن زيه، فقمت أمسح بردائي على وجهه وأطرافه، وآخذ ناظرا في نعومة وأوصافه، فإذا بالقمر قد أعطاه غرته، والصباح قد حباه بلجته، والغلس قد كساه دلجته، فجمع بين دهمة الليل وشقرة الشفق، ووضع فبقة القمر على صهوة الغسق، ومد جلال الزلفة إلى حجلة الفلق، وأردت إنعاله فإذا الرياح قد أنعلته أجنحة، وتفقدت جلاله فإذا الفراهة قد ألحفه أوشحة، فلو عزي الى الأعوج لأنف، أو نمي إلى العصا لوجف، ولو كان سليمان لما عدل بالصافات العتاق، ولا طفق لها مسحا بالسوق والأعناق؛ ولما راق منظره، وفاق مخبره، جعلت ودي معرضه، ونفسي مربطه، وخاطري مرتعه، وناظري مشرعه، وقلت: لله دره، فما أحكم الصنعة فيه، وما أصح جود مهديه!!
وله عنه [من أخرى] إلى رزين: قد يكون - أعزك الله - الأجل(5/365)
في الأمل، وربما صحت الأجسام بالعلل فكم من امرئ نشر من كفنه، أخر أوتي من مأمنه، من نعم الله على البد أن يقاتل عنه من ناواه بحسامه، ويناضل دونه من عاداه بسهامه، [حتى يكون قتيل سهم رماه بيده، ومصاب أمر أجراه على معتقده] ، والسعيد من نام والأقدار تحرسه، وأقام والأيام تخدمه، واتكل والله يكفله، فحق له ألايجزع إذا دهى خطب، فإن الرج معه، وإلا يهلع إن عدا كرب، فإن الله قد رآه وسمعه، ولا سيما إن قصد بظلم واعتمد ببغي، ففي التنزيل: (ثم بغي عليه لينصرنه الله) (الحج: 60) .
[وفي فصل منها] : ولما دعاه إلى السلم، وناداه باسم الصلح الاثم، غره بأيمانه، واستدناه من مكانه، فقبض عليه، وخاس بما ألقاه من العهد إليه، ثم أراد أن يتبع الإساءة ضعفا، والإبالة ضغثا، باعتزامه الغدر بأخيه الأقرب، ومحل أبيه الحدب، فصرف الله كيده في نحره، وأذاقه وبال أمره، ووضح ما كان من سره وضوح النهار، وتطلعت بنات صدره تعلو على الأستار، وهو لا يشعر أنه شعر به، ولا بأنه قد أبه له، بل خال عمايته نهار الأديب فانكشف سره، وظن غباوته غفلة الرقيب فانهتك ستره، وكان قد فكر وقدر، {فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر} (المدثر: 19 - 20) وليته قبل تدبيره لو نقح ما دبر، وحين حفره لو وسع إذ حفر، وسمع قول القائل:(5/366)
يا حافر الحفرة وسع فقد يسقط في الحفرة حفارها
وقول الآخر:
من ير يوما به والدهر لا يغتر به
وما كان إلا أن قبض الله ظله، وفضح غله، وفاز بحظ الحرمان، وحلي بطائل الخسران، وفزع اللهفان، لا يجد أما، وخبط الحيران، لا يهتدي أما، على [حين] ما كان مستحكم الأمل، داني الرجاء، متمكن الطمع [100 أ] في ختر أخيه والأخذ بكظمه، والاقتدار على ظلمه، فإذا به نشر من قبره، وشقي بضره، حين راماه بسهمه، وأخذه بحكمه، وأتاه بعلمه، {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} (هود: 102) وجزاؤه إذا جازى القلوب وهي آثمة {ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف: 49) {فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا} (الجن: 27) .
فالحمد لله الذي صيره نهبا، وكفاك منه حربا، فقد كان فيما بلغ ناهدا إليك، وعلى ما أتصل وافدا عليك، ولعل الصنع له كان من حيث لم يعلم، والعناية خصت به من أين لم يفهم، فربما كانت وفادته برجمية السائر، وسعايته مشئمية الطائر، وبدايته مندمية الآخر.
وله فصول من رقعة طويلة خاطب بها الفقيه أبا بكر بن صاحب الأحباس(5/367)
وشرح فيها الكلمات التي انتقد عليه ابن سيدة في رسالته [إلى مصر] ، واحتاج فيها لنفسه، قال في صدرها: لما كنت - أعزك الله - في أكف الآداب علما، وعلى لسان العرب وغيره حفيظا وقيما، لاقتباسك العلم من كتب ووراثتك إياه عن كلالة أب، ولم تزل تتلقاه كابرا عن كابر، وتترقاه باهرا عن باهر، لست ابن سمعك، ولا عبد طبعك، تقلد كاتبا ساذجا، وتعتقد قارئا هازجا، وتقبل البصر بلا بصيرة، وتقفو الأثر على غير وتيرة، تراعي الحروف، ولا تبالي عن التحريف، وتتلو الصحف، ولم تقتصر على حفظ سطور من كتاب سيبويه، و " شرح الفصيح " لابن درستويه، واستظهار أوراق من الغريب، والتحفظ مع الشروق ما تنساه مع الغروب، ولم تشد إلى المخرقة بفرفوريوس، ولا الغطرسة بأرسطاليس، والفرقعة بقافات أرثماطيقا وأنولوطيقا، والصفير بسينات قاطاغورياس وباري أرمينياس وضيعت علوم القران والتفنين في حديثه عليه السلام وصحابته، وتفهم أعراضه ولغاته، واجتناء زهره وثمراته وأغفلت " الكامل " و " البيان "، وتواريخ الأزمان، ونوادر البلغاء أهل اللسن والبيان، وأهملت أشعار العرب والمحدثين، إلا طلبك أثرا بعد عين، وقد أربيت على الستين، ولم تتمعدد(5/368)
أعجميا، ولم تتبغدد بدويا، ولم تكن مرة شبيبيا، ومرة قطريا، وتارة طبيعيا، وتارة فلكيا، ولم تتزبب حصرما، ولم تتشحم ورما، ولم تدعدع في الأمن، ولم تجعجع بلا طحن، ولم تقعقع بلجمك، ولم تجلب بخيلك، ولم تحمل بأسنتك، ولم ترهب بصوارمك، ولم تكر بجيادك، ولم تستظهر بأجنادك، ولم تحارب جالسك، ولم تقاتل ناعما، ولم تجر بالخلاء، ولم تشجع على الأولياء، وأنت الذي أدر لي غمائم الأدب، وأطلع لي من كمائمه كل معجب، وما كاد الشباب يحل تمائمي، ولا الزمان يطلعني من كمائمي.
وفي فصل منها: فاندب العلم وأهليه، وارثه وحامليه، وابك رسومه وحي طلوله، [100 ب] وسلم عليه تسليم وداع، واشفق لعلقه المضاع، واعلم أن صدعه كصدع الزجاجة أعيا الصناع، فيا له مغنما هجر على برد موقعه، ونفلا زهد فيه على شرف موضعه وموردا ترك على درور أخلافه، ووطأة أكنافه، وقد تولى الفهماء ولم يبق إلا من قدمت نعوته وحلاه، ووصفت حذوه وحذياه، وأغناني ما صدرت به عن إعادة ذكراه، (واقترب الوعد الحق) ، (الأنبياء: 97) وبر الله تعالى وصدق في قولهL أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) (الرعد: 41) وقال عليه السلام:(5/369)
" إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا " - الحديث، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا؛ ومن الأمر المعجب، والخطب المغرب أنهم يدعون - على جهلهم، وما بينت من وصفهم - الترؤس في الأدب من غير رياسة، والمنافسة لأهليه من غير نفاسة، ومناهضة ذوي العلم باللسان بالهذيان، حين انسوا عدم المنتقد، وفقدان المفتقد:
وإني وإياهم كمن نبه القطا ولو لم ينبه باتت الطير لا تسري
وليس كل سواد أسود البصر، وما كل فائح ريحان، ولا كل ملتو خيزران، ولو عقلوا لاعتقلوا، ولو تبصروا لأبصروا.
وفي فصل منها: وتفسير ما أجملته، وتفصيل ما أبهمته، أورده عليك محلول العقدة، منضو البردة، وذلك أن إقبال الدولة - أيده الله - أمرني بانشاء رسالتين إلى مصر، فلما علت شرفاتهما، وروضت عرصاتهما، ورد عليهم منهما المقيم المقعد، وكاد يهلكهم الحس، وبهت العدو وكمد، وقال الولي: لا قبل لأحد بمثلها ولا يد، فطول ما حضرت انطلق لسان الموالي، وخفق جنان المناوي؛ وعرضت(5/370)
وجهتي إلى المعتصم [بالله] فأنشد منشدهم:
يا لك من قبرة بمعمر خلالك الجو فبيضي واصفري
ونقري ماشيت أن تنقرى
وقالوا: هذا حين يرى الرئيس، أن هذا العلق الذي نفس به ليس بنفيس، وطاروا طيران الفراش حول النار، وجالوا جوالان الذباب بين الأزهار، مرة يستفتون الفقهاء، ومرة يستشهدون السفهاء، ومرة يقولون: هذا يسأل عنه إن كان يقال، وربما كان له في مضمار اللغة مجال، ويتسورون، حديث النساء بعد البعول، وهريف الإماء دون الكفل:
وقلت لها عيثي جعار وجرري بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره
فاتفق رأيهم، واستمر هديهم، إلى سؤال أبي الحسن بن سيده، فلم يفكر أبو الحسن في العواقب، ولم ينظر نظر أهل التجارب، فسلم لهم واغتر بمثل وشي الحيات، وانقاد في زمام الزخارف والترهات:
وكان بما يأتي به ويجيزه مجرب سوء يشرب السم للخبر
والأدب ينشدهم:
تنق بلا شيء شيوخ محارب وما خلتها كانت تريش ولا تبري(5/371)
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت فدل عليها صورتها حية البحر
فرد مواضع أنا واصفها وجوابها على سرد، وذاكرها وما يجل ارتيابها على حرد.
قال ابن بسام: وطول أبو الأصبغ في جوابه المفسر، وسماه ب " عقاب المتسور "، ولم يمكن اثبات الجميع في هذا المجموع، فالطول مملول، وجئت منه بفصول، تخفيفا للتثقيل، وهربا من التطويل.
قال أبو الأصبغ: كان أول التحميد: " الحمد لله تيمنا بحمده، وتحديا لحده، الهادي من ارتضاه سبل رضاه، الحدي من انتقاه، إلى علم تقاه "، فأنكر " تحديا " ووضع مكانه " تصديا "، ويكفي في هذا [قول] بشار في سيبويه:
أسيبويه يا ابن الفارسية ما الذي تحديت من شتمي وما كنت تنبذ
أطلت تغني سادرا بمساءتي وأمك بالمصرين تعطي وتأخذ
وقال صاحب " العين ": حدا بمعنى تبع، فإذا بنيت منه تفعلت قلت: تتبعت. وذكر أبو علي الفسوي في كتاب " الحجة " أن الفعل تحمل أمثلته على أمثلة نظيره وما كان في معناه، وباب التفعل سائغ شائع، لم يمنعه مانع، ولا قطع به قاطع، إما أن يأتي مركبا على ثلاثي ماض، وإما أن(5/372)
يأتي بذاته ليكون في معنى الثلاثي البسيط، أو يكون للخروج من أمر إلى غيره، فالمركب مثل: تقفيته وتأبيته، ومن السلم تتبعته؛ والذي يأتي بذاته غير مركب مثل تحفيته وتوفيته، وما يراد به الخروج من أمر إلى غيره فمباح غبر محظور، ومستباح غير محجوب مثل: تكوف وتمصر؛ وقال أبو تمام:
نبطت قلائد عزمه بمقيد متكوف متدمشق متبغدد
على أنه لم يسمع: تدمشق، ولكنه مقول؛ وقال عمر رضي الله عنه:
تمعددوا واخشوشنوا.
وقال: " الحادي ليس من صفات الله، ولا يجوز أن يوصف إلا بما وصف به نفس تعالى، أو بما وصفه رسوله " " وبدل " الحادي " ب " المرشد ".
الجواب انظر ما أعظم هذا السهو، وما أضيق هذا الشأو، وما أقبح هذا البهت، وما أخشن هذا النحت، وماذا على من قال: الحمد لله منقذنا من الغمرات، ومبرئنا من العلل الفادحات، ومرشدنا إلى سبل الهدى، وسائقنا لما يحب ويرضى، والله مسددنا وعصمتنا(5/373)
وملاذنا وملجأنا [وشبهه] ، وليس شيء من هذا في القرآن، ولا حديثه عليه السلام؛ واسم الفاعل في ما بعده كالفعل يجري مجراه، وينحو منحاه، وأفعالها كلها لله تعالى، هو الفاعل، هذا مذهب [أهل] السنة وغيره مذهب البدع والمعتزلة. قال أبو بكر الباقلاني: يوصف الله تعالى بما لا يقع إجماع المسلمين على منعه؛ وخطب عبد الله بن الزبير فقال: الحمد الله [101 ب] الهادي الفاتن؛ ولو شهد أبو الحسن الجمعة لسمع على النبر من صفات الله تعالى ما ليس في القران وفي حديثه عليه السلام، وقد أجازوا " السيد " من أسمائه [تعالى] وليس في القران ولا في الحديث، واختلف فيه عن مالك، وقال أبو عبد الله محمد بن عمر المرزبان أول كتابه في " الرياض ": الحمد لله الهادي إلى حمده برحمته، والموجب من برأفته؛ و " الموجب " ليس في القران، ولكنه أجراه مجرى الفعل كما فعلنا نحن. وللباقلاني وابن فورك من الاستفتاحات بمثلها ما لا يحاط بكنهه، ويطول الكتاب بجمعه، وأين هذا من قول الراجز المروي المستشهد به:
لا هم لا أدري وأنت الداري
وقول العجاج
فارتاح ربي وأراد رحمتي
نعم، وأسماء الله تعالى يشركه فيها المخلوق إلا الله والرحمن؛ قال أصحاب أهل اللغة: الحادي بمعنى السائق، وحدا بمعنى ساق، قال القطامي:
وإذا يريبك والحوادث جمة حدث حداك إلى أخيك الأوثق(5/374)
وقال الآخر:
إن لها لسائقا خدلجا لا يدلج الليلة في من أدلجا
ويروى: لحاديا خدلجا؛ وحدا بمعنى ساق أغزر من النمل، واكثر من الرمل؛ فأما إبداله إياه بالمرشد أو الداعي فلهو المقيم ولهو المدلج الساري، وهم يتسببون إلى إنكار " الحادي " لأنه ليس من كتاب الله ويهذون بذلك، والمرشد والداعي ليس في القرآن، فأتوا بما أنكروه، وأثبتوا ما ردوه، ولو اقتصرت على بدلهم لكانت فيه فضيحتهم وخزيهم، وبداية وهنهم ووهيهم، وأين هذا الذي معناه في القرآن وفحواه، وفي حديث الرسول الكريم عليه السلام وما يعضده البرهان، وأجمع على قبوله الثقلان، من قول أبي الحسن في خطبته التي توصل بها إلى شرح صدر من كتاب سيبويه، وهو يصف الله تعالى: " مزمع إحداثنا، لانبعاثنا من أجداثنا، يوم لا حكومة إلا بيد الصفاح العليم " والإزماع: العزم بعد التدبير، والاجماع بعد التفكير، والنشاط بعد الكسل، هذه صفة بعيدة من القديم سبحانه، والصفاح أيضا ليس في كتاب الله ولا في حديث رسوله. وأبو الحسن تخيل القذاة في عين أخيه ولم ير الجذع في عينه {ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} الآية (الأنعام: 125) .
ورد قولنا " فألفت عقيلة نفسه في ذرى الحضرة كفئا من الرضى كفيلا، وظلا من [102 أ] المنى ظليلا " فأمكر " عقيلة نفسه " وبدله(5/375)
" فألفى وارد نفسه " ولم يدر ما قدمت، ولا على ما أعدت، ورأى من علمه بالبلاغة وتحققه بالفصاحة أن " كفئا " و " كفيلا " بوارد نفسه أليق منه بعقيلة نفسه، وأنكر استعارة " العقيلة " للنفس، ولا شك أنه ينفي المجاز، وينكر ما فيه من الابداع والاعجاز، قال عمارة بن عقيل:
[تبحثتم سخطي] فغير بحثكم نخيلة نفس كان نصحا ضميرها
ولن يلبث التخشين نفسا كريمة عريكتها أن يستمر مريرها
وما النفس إلا نطفة في قرارة إذا لم تكدر كان صفوا غديرها
فاستعار للنفس: النخيلة والعريكة والغدير والنطفة، وبديع كلام العرب الاستعارة حتى خرق بهم الاتساع، إلى غير ما شهر وذاع، وسوى ما غلب وشاع؛ قال الراجز:
ولم تذق من البقول الفستقا
وقال الآخر:
إلى ملك أظلافه لم تشقق
ولولا الإطالة لجلبنا على ذلك دواوين، واستظهرنا بعدد الحصى براهين،
ورد قولنا: " فان مولى الحضرة اعتمد قضاء حقها، وإتيان(5/376)
وفقها، وأداء فرضها " فأنكر " أداء فرضها " وبدله " تأدية "
الجواب: عذره في ذلك لائح، وأمره واضح، لأنه لن يقرأ قوله تعالى {وأداء إليه بإحسان} (البقرة: 178) ولا قرأ شعر زهير:
بأي الجيرتين أجرتموه فلم ينجيكم إلا الأداء
ولا قرأ في كل كتاب " وأداء الخراج " مهزوز، اللهم إلا إن كان أراد وزن الكلام، وتعديل الأقسام، فوازن " قضاء " الذي هو أول الفقرتين ب " تأديه " التي جعلها أول الفقرتين الأخريين ولم بر موازنة " قضاء " ب " أداء "، فله عذر يليق به، ووجه هو خليق له؛ وقد قال هو في خطبته المذكورة " وإذا لا أستطيع قضاء حقه وأداءه، فأخذني الله من كل مكروه بدله وفداءه "، وأنا أقول: " قبل الله دعاءه، وأجاب نداءه ".
ورد قولنا: " فتنسم مولى الحضرة رياها عطرا " وأنكر الجواز في تذكير " رياها " وبدله " أرجها ".
الجواب: لم يعلم أن الريا يذكر إذا أريد به النسيم ومثله، وانه تأنيث غير حقيقي، وأني عدلت إليها لعذوبتها ولدونتها، وهم قد فالوا [102ب] في التأنيث الحقيقي: " حضر القاضي اليوم امرأة، وامرأة اليوم، والحمل على المعنى فصاحة، وقد قال تعالى (قد جاءكم بصائر من ربكم) (الأنعام: 104) (ومن بعدما جاءهم البينات) (آل عمران: 105) وكثير من هذا، قال الشاعر:(5/377)
وإن كليبا هذه عشر أبطن وأنت بري من قبائلها العشر
وقال عمر بن أبي ربيعة:
فكان مجني دون من كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
والعالم بالصناعة لا يظاهر بما ظاهر به أبو الحسن، ولا يجاهر بما جاهر؛ ومن مضحكاته وضعه " أرجها " مكان " رياها " والأرج طيب الرائحة وعطرها، قال كثير:
تأرج الحي إذ مرت بظعنهم ليلى ونم عليه العنبر العبق
[وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم] .
ورد قولنا: " وقضى حق ما أولاه، وتوشح به [وارتداه] " وقال: التوشح حلية النساء، وبدله ب " تأزر "
الجواب: يا لهذه المنازع الطريفة والمقاطع الفظيعة، لو تركناه بغره، وطويناه على عره، لكفانا البيان عنه والفضيحة له، فجمع ضروبا من الجهل باللفظ والمعنى، وصنوفا من العثار في سهل [ذلك] المدى؛ [عنده] أن الإزار ليس من لبس النساء، والازار لهن أخلق، وبهن أليق، قال عليه السلام لعائشة [رضي الله عنها] : " اشددي عليك إزارك "، وقال(5/378)
للمستفي: " اشدد عليه إزارها، وشأنك بأعلاها ".
وقال الشاعر:
فدى لك من أخي ثقة إزاري
يريد أهله، فكنى به المرأة، حكاه أبو علي الفسوي في كتاب " الحجة " والازار اكثر ما يكنى بع عن الفرج، كما قال الفرزدق:
مازال مذ عقدت يداه إزارة
وقال آخر:
والطيبون معاقد الأزر
فتجنب " الازار " إلى " الوشاح " آدب وأوجه، والوشاح من استعمال الرجال بعيد عن موضع الفرج وعن الكناية عنه، وقد لبسه الجلة في سلمهم وجعلوه نظير السلاح في حربهم، قال جرير:
لبست سلاحي والفرزدق لعبة عليه وشاحا كرج وجلاجله
فعابه في الحرب بالوشاح لا في السلم، لأن الوشاح ليس من لبس الحرب، كما أن السلاح ليس من لبس السلم؛ والعرب تمدح وتتمدح في السلم بالنعمة والخفض واللباس الجميل، والرياش النبيل، قالت الخنساء:(5/379)
وفي السلم يلهو ويرخي الإزارا [103 أ]
وقال عبد الملك بن مروان للأحنف: ما أحسن ما مدحت به، قال: قول القائل من جملة أبيات:
جلا المسك والحمام والبيض كالدمى وفرق المدارى رأسه فهو أنزع
وقال الآخر:
إذا غدا المسك يجري في مفارقهم راحوا كأنهم مرضى من الكرم
وقالت ليلى الأخيلية:
ومخرق عنه القميص تخاله وسط الندي من الحياء سقيما
حتى إذا رفع اللواء رأيته تحت اللواء على الخميس زعيما
وقال بدر أخو المرار:
مخدمون ثقال في مجالسهم وفي الرحال إذا صاحبتهم خدم
ومثل هذا كثير لا يحصى، ومثل لا يقصى.
وليس مرادنا أنه لبس وشاحا بعينه، ولا مراد غيرنا لبس إزارا بعينه، وانما المعنى الجلي عند صبيان المكاتب أنه لبس الخطية كالوشاح، في التزين بها والتجمل بموضعها، كما أراد بقوله الذي ألقى أبا الحسن في هذا الجهل، فحمله على غير وجه الحمل:(5/380)
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
إنما هو تخذ شعارا ولباسا كالإزار، ولو أن القافية تسوغه لقال:
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتوشحا
كما قال أبو ذؤيب:
وكلاهما متوشح ذا رونق عضبا إذا مس الكريهة يقطع
وقال أقدم من أبي ذؤيب:
تركت النهاب وأهل النهاب وأكرهت نفسي على ابن الصعق
جعلت يدي وشاحا له وبعض الفوارس لا تعتنق
وقال أبو الحسن في خطبته المتقدمة الذكر: " لم يزل الأدب يوشح ذاتي بحليه، ويرشح نباتي لجنيه " فأتى بما صرفه، واختار ما زيفه. على أن توشيح الذات بالحلي من الكلام النقي والمعنى القصي، فتأمل هذه الغرائب، وتبين هذه العجائب:
على أنها الأيام قد صرن كلها عجائب حتى ليس فيها عجائب
وقد ذكر أيضا أبو الحسن الإزار في خطبته فقال يصف جارية له [103 ب] :(5/381)
" أما ما تشد اليه إزارها فسقط، وأما ما تعقد عليه زنارها فمسمط " ومن أضل الله فلا هادي له.
ورد قولنا: " وسلفت السير، واستمررت المرر، بإطراف الموالي سادتهم، وإلطاف الخدام قادتهم، وإتحاف الأولياء ذادتهم " وقال: الذادة مشترك يقال في الرفيع والوضيع.
الجواب: لقد كنت أبؤو به أن أقول: ما أقبح هذا المنزع، وأوقع هذا المقطع!! وهب أن ذلك مشترك - وليس بمشترك - فقد حف بالفضل من جنبيه، وكنفه من حواليه ما يرفع الإشكال، ويجلو وجه المقال، وكثير من الكلام مشترك المعنى، مشتبه المنحى، إلا أن فرشه ومقدمته تبين مشكله وتوضح مبهمه، وتبيح ممتنعه، وتحسن موضعه؛ وللبلغاء [من] تقفية " السادة " ب " الذادة " و " القادة " ما لا يحصى، والجاحظ أفصح أهل وقته في كتاب " البيان والتبين " قال: " الذادة " و " القادة " الذين هم ملح الأرض ونور الدنيا، وحكي عن العرب مثله في هذا الكثير، وقال زيد الخيل يصف رؤساء طيء: أما بنو حية فملوكنا وملوك غيرنا، هم القداميس القادة، والحماة الذادة(5/382)
والأنحاء السادة، أعظمنا خميسا، وأكرمنا رئيسا، وأحملنا مجالس، وأنجدنا فوارس. وهذا المتسور على نقد الكلام معذور لأنه لم يقرأ قط هذا المعنى، ولا سمع بهذا المغزى.
ورد قولنا: " وما النفوس وحاملوها، ولا الدنيا وأهلوها، [ولا الأرض وعامروها، بكفاء لبعض واجبات الحضرة] " [فضرب على الفقرة التي هي " ولا الدنيا وأهلوها "] وقال: هو بمعنى قوله: " ولا الأرض وعامروها " فلا يجوز تكراره.
الجواب: حوى في هذا التسور ضروبا من الغباوة، واجتنى صنوفا من الخزاية، منها جعل الدنيا هي الأرض، والأرض هي الدنيا، على تحليه بعلم المنطق الذي لو علمه لم ننفس عليه علمه، ولم نغبطه حمله، ولم [يعلم] أنه يقال: الدنيا محيطة بالأرض، وليست الارض محيطة بالدنيا، والدنيا جنس، والأرض تحتها نوع؛ وفي الحديث الصحيح: " سماء الدنيا " وفي الدنيا الخلق الروحاني ممن ليس في الأرض؛ ومنها: أنه لم يعلم أن من رسم العرب وفصاحتها تكرير المعنى إذا اختلفت الألفاظ، قال تعالى {وغرابيب سود} (فاطر: 27) وقال {فسجد الملائكة كلهم أجمعين} (الحجر: 30، ص: 73) [ومشبهه في كلام العرب كثير] ولا فرق بين من لم يعلم هذا والعدم {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} (الحج: 46) .
ورد قولنا. " ولا أظلم أفق كان شمسه "، أنكر " أظلم " ورده " دجا ".(5/383)
الجواب: هذه الداهية الشنعاء، والقضية الشوهاء، يدعي علم الكلام، من لا يعرف الإصباح والإظلام، لقد كان ملففا فانكشف، ومنكورا [104 أ] فاعترف:
وكان كعنز السوء قامت بظلفها إلى مدية تحت التراب تثيرها
ثم ختم رقعته يقول:
أتيت بمنطق العرب الأصيل وكان بقدر ما عانيت قيلي
فعارضه كلام كان فيه بمنزلة النساء من البعول
وليس يصح في الأوهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
قال أبو الأصبغ: وما أنكر علي إلا كل لفظة جاءت مع أختها كما اقترن الكوكب والسعد، والتقى الجيد الأغيد والعقد، وشانوا ببعرهم الدرر، وبحممهم الغرر، وكان كلامهم كالبرص في أديمه، والكسوف في نجومه، وعلم الله أنهم لو ردوا مردا، وتحدوا متحدى، وذهبوا صددا، لما أنفت ولا قلقت، ولا حرجت ولا ضجرت، ولأنصت وأنصفت وانقدت، فقد قال السلف الصالح: رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا؛ وقالوا: الفاضل من عدت سقطاته؛ وقال عليه السلام: ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه. والمرء في سعة من عقله ما لم يقل شعرا وينشئ كلاما، وما أبرئ نفسي، ولا أعجب بأمري ولا أفخر، ولا أذب ذب المزدهي بما حبر، فما أحد أنشأ نثرا، ولا قال شعرا(5/384)
إلا استدرك عليه، وفوقت سهام القول إليه، وما أكثر أحد إلا أهجر، ولا أطال جواد المدى إلا عثر، ولا سبر معين إلا تغير، وقد لحن النحويون عبد الله بن عامر في قراءته {ولا يحق المكر الشيء إلا بأهله} (فاطر: 43) وقال أبو عمرو بن العلاء: ما قالت العرب قط: برق البصر، بفتح الراء؛ ولحنوا يعقوب في فراءته {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} (هود: 78) وقال بلال بن أبي بردة {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} (الزمر: 53) - بكسر النون - فقال أبو عمرو: لحن الأمير، فسأل عيسى بن عمر فقال: اللغتان مقولتان؛ وروي عن الحسن أنه قال: على من تنزل الشياطون، وقال عثمان رضي الله عنه: إني أرى في المصحف لحنا ستصلحه العرب بألسنتها. وقال عمران بن حطان: لقد خطبت فحسبت أني بدرت، فسمعت فتية من تميم تقول: أي خطيب لولا أنه عطل خطبته من القرآن؛ وسموا خطبة زياد " البتراء "، وفسر العتبي قوله تعالى {شديد المحال} بفلان إذا كاده؛ وقال الرماني في كتابه " في المذكر والمؤنث ": العصر(5/385)
يجمع أعصر في القليل وعصر في الكثير، ويجمع الجمع فيقال أعاصير كما قال الشاعر:
وبينما المرء في الأحياء مغتبط إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير [104 ب]
فالأعاصير جمع أعصر، والياء في الأعاصير زائدة؛ ووهم الرماني، إنما الأعاصير جمع إعصار وهي الريح الشديدة، قال تعالى {فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت} (البقرة: 266) وقال الشاعر:
الناس بعدك قد خفت حلومهم كأنما نفخت فيها الأعاصير
وذكر أبو حاتم في " التذكير والتأنيث " عن عمارة بن عقيل، وأنشد الصولي في كتابه " في الشبان " لبعض قريش يوم فتح مكة:
خزرجي لو يستطيع من البغض رمانا بالنسر والعواء
وأخذ على جميع المؤلفين بحق وباطل، ولولا الاشتهار في الأمر ومذهب الاختصار لأوردت منه الجزيل الطويل، والموصوف المعروف، والكثير الغزير، والموجود المعدود؛ ولكن هذا الرجل أبدى عواره، ورفع شناره، وكان مستورا موفورا، يقلد فيه، وينصب لدعاويه، ويحتمل على المعرفة سرائره ومفاديه، فأساء أدبه، وهتك حجبه، وفضح مذهبه:
لم تكن عن جناية لزمتني لا يميني ولا شمالي رمتني
بل جناها أخ علي كريم وعلى أهلها براقش تجني
ويشهد الله لقد كنت أيام محاولته لاطفاء نوري، ومبادرته تقبيح الحسن(5/386)
من أموري، أذكي أنواره، وأطلع أقماره، وأرفع للساري مناره، وهو يدب الضراء، ويسر حسوا في ارتغاء، ويمالئ الحسدة والأعداء، ويحارب معهم الأولياء، فجاهر بكتم ذكاء، وخسف نجوم السماء، ولم ينظر حتى يكون التقديم مع المشاهدة والضور، فيعذر في تقصير لو كان أو تعذير، على أن الخلة، وشرط الأخوة والمروة، أن يناضل بظهور الغيب ويحامل، ويناصب دون الباطل ويجادل، بحكم الأدب، الذي هو أمس رحم وأوكد نسب، فكيف بتزييف المنتقد، وتضعيف القوي، وطمس الشمس، ورد العيان، والمجاهرة بالإفك والبهتان، وصد ما تقدم به الحجة بما لا تقوم له حجة ولا برهان، وما زلنا نشاهد الشيوخ يحسنون التأويل، ويسرون الخلل الجليل، فلم يجر أبو الحسن على سننهم، ولا تأدب بأدبهم، وكم أعرضت عن تصانيفه، وربأت بتواليفه، كرده على يعقوب في " إصلاح المنطق " بما هو المردود المحدود، والمكروه المنجوه، وكخرافاته المضحكات في " شرح الحماسة: وك " المحكم " الذي ليس له معلم، و " المخصص " [105 أ] الذي لو كتب بالسين لكان أشبه بصفته، وأليق بحليته، وأكثر هذا الكتاب " المخصص " مصحف محرف، وكنت شرعت في استخراج ما ضمه من الكلم المصحفات والحروف المحالات، ولما أحس بالمكوى:
والعير يضرط والمكواة في النار(5/387)
لاذ بأنه كان إذ ألفه محجورا، فيا له عذرا يسمى تعذيرا، وقد أتت عليه الدهور، وأخذ عنه الفرض المشهور، والجزاء المذكور، كما أعطي القصب غير السابق، وخلق غير الخليق اللاحق، وما أعظم منتشبه، وأشام عليه نسبه!!
ولم آت أكثر مما لمحت له هذه الخطبة، كما خطفت البرق، ورجع الطرف، وكجلوة العروس، وقعدة الخطيب، فوقعت عيني منها على منكر مستشنع، ومكروه مستشنع، ومقطع مستضعف، ومنزع مستخلف، كلها زيوف فلا تنقد، وهراء فلا تحدد، رداءة أقسام، ودناءة كلام، وقعقعة زخاريف، وجعجعة أراجيف، وإجلاب بعساكر، وركوب في مواكب وجماهير، ومديح لنفسه، وثناء على ذاته، وتعظيم لشانه، وتكبير لسلطانه، وذكر لشرح جاليوس، ووصف فرفوريوس، وخطأ وضع، وتحريف شعر، ومردود لفظة، وادعاء باطل وهجر، واسجاع كأنها قعقعة القراع، ووعوعة المصاع، مؤدبية المنزع، قلقة الموضع، خشنة الموقع، ملأها خمسين ورقة بهذيانات وترهات، وتزويرات وسخافات، [من عراب ارتبطها، وسيوف اخترطها، وجارية وصفها، وريقة رشفها] وفرية قرطها وشنفها، وعظيمة من(5/388)
المنكر تسمنها واعتسفها، وموبقات زيف بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وصنفها، وآثر عليها آراء الفلاسفة وشرفها، ولم يأت فيها بكلمة من كتاب الله تعالى، ولا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، ونعوذ بالله من الخذلان، ونزعات الشيطان.
فصول من خطبة ابن سيده مما نقد ابن أرقم عليه
ذكر الخضاب فعابه، وذكر من خضب فسفهه وجانبه، وقال: هذا خطيب اليونانية غليانش، وهو الذي يوثق بكلامه ويستانس، قد قال: إن التسويد من الزينة الآنيثة، فلا يستعمله من الأنام إلا أهل الطينة الخبيثة.
الرد: تأملوا واعتبروا يا أولي الأبصار، قد علم الكبير والصغير، والخطير والحقير، أن الشيب معيب، وأن السواد مرغوب، وأن آدم عليه السلام لما رأى شيبة بلحيته فزع منها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم روي عنه الخضاب، وأما صحابته الأكرمون، وعترته الطيبون، فكلهم خضب شيبه وغيره وستره، ولما جيء [105 ب] يأبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه كالثغامة قال عليه السلام: " هلا غيرتموه "؛ وكان معاوية حيث كان من الجلالة والأصالة، له خاضبة تخضبه بالسواد، ولما فرغت مرة من خضابه أنشدته:
هل عندك اليوم شكر للتي جعلت ما ابيض من قادمات الرأس كالحميم(5/389)
وفي السواد إغلاظ على العدو، وتجمل للأهل، وتسكين للروعة من الشيب، وتأنيس للنفس، وتعليل للقلب، وهل هذه النكتة من أبي الحسن تخفى، او هذه الزرعة يكتم منها فحوى، أو يستر لها مغزى -!
وقال في فصل منها: " والحساد في كل ذلك تكسر علي أرعاظها ولا تفتر من النظر إلي ألحاظها، وأنا أنشدهم ما أنشدته عن أبي العلاء صاعد بن الحسن الربعي عن أبي رجاء الضبعي:
حسود كئيب القلب يخفي أنينه ويضحي كئيب البال عندي حزينه
يلوم على أن ظلت للعلم طالبا أجمع من عند الرواة فنونه
وأكتب أبكار الكلام وعونه وأحفظ مما أستفيد عيونه
فيا حاسدي دعني أغال بقيمتي فقيمة كل الناس ما يحسنونه
الرد: في هذا البرسام غريبتان، إحداهما مقالة الحاسد الذي يكسر عليه أرعاظه، قوله " دعني أغال بقيمتي "، هذا جواب الأولياء، لا جواب الحسدة والأعداء، والأخرى تحريفه الشعر عن وجهه، وصرفه عن كنهه، ولو تبين وقرأ طرائق الشعراء، ومذهب الفصحاء والخطاب، لما استجازه، ولأجاد نقده وإحرازه، فهذا الشعر لأحمد بن المعذل مشهور مأثور:
غزال سقيم اللحظ يخفي أنينه ويضحي كئيب القلب عندي حزينه
ونسي نفسه أبو الحسن في تأمل البيت الأول: وكيف يجمع فيه " كئيب(5/390)
القلب " " كئيب البال " وكيف يكون حزين البال، والشاعر منزه عن هذا السقط، مبرا من مثل هذا الغلط، ولم ينظر بالعين الجلية، فيرى فساد القضية، وأن الحسود ليس من رسمه، ولا من رسم العرب في وصفه أن يلوم على طلب العلم، ولا يرجع بمثل هذا الرفق، وإنما أراد أحمد ابن المعذل أن من إلفه وأنسه، فتغرب عنه إلى طلب العلم نفسه، يلومه على تشاغله عنه وتباعده منه، وأومأ إلى صبره وجده في طلب العلم وبحثه قول أحمد ينظر إلى قول كثير: [106 أ]
إذ ما أرد الغزو لم تثن همه حصان عليها نظم در يزينها
وقال الحسن:
تقول التي من بيتها خف مركبي عزيز علينا أن نراك تسير
أما دون مصر للغنى متطلب بلى إن أسباب الغنى لكثير
فقلت وعزتها سوابق أدمع جرت فجرى في جريهن عبير
دعيني أكثر حاسديك برحلة إلى بلدة فيها الخصيب أمير
وقال:
لحافي لحاف الضيف والبيت بيته ولم يلهني عنه غزال مقنع
وقال أبو الحسن في فصل آخر منها: " يرهب ألا ترجح أعماله يوم القيامة قسطاسه، وألا تنجح آماله فيؤتى غير ذات اليمين قرساسه "(5/391)
الرد: ضم قاف قرطاس كما ضم قاف قسطاس للمشاركة، على دناءة اللغة، ووحاشة التقفية، وفساد المقابلة، وجور القسمة، ولم يرد أن القسطاس - بكسر القاف - لغة شائعة قرأتها بها القراء، ونطقت بها الفصحاء، ولو علمنا لما احتاج إلى هذا المرمى البعيد، والمنحى الزهيد، والوجه الشتيم، والغرض الذميم.
وفي فصل منها: " وكذلك أنضيت عراب الخيل، فرميت بها حمامة النهار وغراب الليل ".
قال ابن أرقم: وليس من شأن العراب أن يرمى بها الحمامة، النهار وغراب الليل ".
قال ابن أرقم: وليس من شأن العراب أن يرمى بها الحمامة، والعراب هذه استعارة غير متصلة، وقلادة غير منتظمة، وفقرة غير مرتبطة، ومن يقول رميت الحمامة بالعراب، يلزمه أن يقول: جاريت الصبا بالسهام.
وقال في فصل آخر: " حين استقدمت سنابكها سبائك العقيان ".
قال ابن أرقم: يقال له مع تكرر سيناتك أرنا استقدحت، وأرنا السبائك من نتاج الاستقداح، فإن تلك استعارة لا تحسن ولا تتصل، وقضية لا تتمعنى ولا تتحصل؛ ومثل تكرر هذه السنات ما يحمل عن بعض المؤدبين بشرق الأندلس، وكان يصفر في الصاد والسين صفيرا منكرا، أنه قال: يا سادة، يا جيران المسجد، سقط الطاووس من سقف موسى ابن أبي الغصن، فكسر ساق صبيتنا؛ انتهى ما اقصصته من رده على ابن سيدة.(5/392)
جعل له من الانشاءات السلطانيات
فصل له من رقعة عن ابن مجاهد إلى صاحب مصر: وبعدها لزم الاستفتاح به وهي الإصباح شهبه، فإن مولى الحضرة الطاهرة - صلوات الله عليها - اعتمد قضاء حقها [106 ب] وإتيان وفقها، وعليه من حلل النعمة أضفاها، ومن حلل السعادة أبهاها، ومن جنن السلامة أوقاها، ومن قبله من أولياء الحضرة وحذاها، وعبيد دولتها، وسهام كناتها، وشهب سمائها، ورقيق ملكها، وشيع ملكها، المستنجحين بطائرها السانح، المتبركين بفضلها اللائح، في كنف الله وعصمته، وخفارة سعد أمير المؤمنين وذمته، وما ولاه الله من البلاد، وخوله من العتاد، وأولاه من تالد ومستفاد، على ما يرضي أمير المؤمنين وفور عدد، وظهور يد، وانه سلف لمولى حضرته الطاهرة الاستئمار في تفيؤه لبرود ظلالها، والاستئذان في ادراعه لبرود أفضالها، وارتضاعه لحلمات قبولها وإقبالها، وقدم عقيلة نفسه ورائد قلبه، ووصف مبادي نزاعه وطلائع انجذابه، ودواعي مهاجرته، وجواري مفاتحته، وأعلم أنه ذخرها ليومه وغده، واعتدها لنفسه وولده، فإنها الشمس بعد جرمها وكثر ضوءها، ونأى محلها ودنا ظلها، فصدرت المراجعة الباهرة بما أضاء جوانحه، وزجر سوانحه(5/393)
وأمرع مواطنه ومسارحه، وتبين السعد معانقه ومصافحه، وصادف رائد قلبه مرادا خصيبا، وريحا جنوبا، وتقبل المولى منها مراحا مروحا ومقيلا، وتتوج رسم الخلافة المستنصرية إكليلا؛ وإن بعدت أقطاره، فعلى مقدار بعد الهجرة إيثاره، وما تتأتى السبل، ومتون الرياح الحوامل والرسل، فإن لم تكن سليمانية النصبة، فإنها علوية النسبة، فالآن استمر المرير، واستقر الضمير، واطرد الأمر على بصير، فتنسم مولى الحضرة وياها عطرا، وراد روضها زهرا، وشام برقها ممطرا، واستوضح هلالها مبدرا، وارتشف ماءها خصرا، فما الشكر وإن جزل، يرقى ثنايا ذلك الإنفصال والإنعام، ولا اللسان وإن جعل يتعاطى ذلك الثناء ولا الأقلام، ولا الجهد يقدر قدر ذلك الإكبار والإعظام، ولا الوجد يفي بتلك العوارف الجسام، ولا الطوق يقوم بأعبائها حق القيام، وأي وسع يباري البحر وهو طام، وأي طوق يطيق ركني شمام -! ولو كانت للمولى بالقدر يدان، وساعده إمكان، وساعفه زمان، لأم شخصه كعبة الآمال، واستقبل بقصده قبلة السعد والإقبال، واستلم بيده ركن الإنعام والإسبال، فإذا لم ينسك محرما، ولم يقرب مستلما، ولم ينقل إليها قدما، فحسبه النية التي هي أس البنية والطوية، على نائي الطية، وما تيسر من هدي يهديه، وعمرة عنه تجزيه، وإن شط المحل.
وسلفت السير، واستمرت المرر، بإطراف الموالي [107 أ] سادهم وإتحاف الأولياء ذادتهم، وإلطاف الخدام قادتهم، على سمح الأوان(5/394)
لا على الخطر والشان، وعلى حكم التخدم والاهتبال، لا على حكم الهمم والأحوال، فما النفوس: فكيف النفائس وحاملوها، ولا الدنيا وأهلوها، ولا الأرض وعامروها، بكفاء لبعض واجبات الحضرة، ولا بجزء من أجزاء فرضها، ولا لنبذة من جمل قرضها، ما عدا أن الله سبحانه قبل منا اليسير، وصفح عن التقصير، وتجاوز عن الحقير، فألف المولى أشتاتا، ونظم أفرادا، وجمع أصنافا، وهيأ ألطافا، من تحف أفقه، وخواص أرضه، وغرائب مغربه، وطوائف ثغره، شرح أنواعها، وأفراد جماعها، ونثر نظامها، وفصل تؤامها، في ملطف طي مكاتبته هذه، وأودع ما نوعه، وضمن ما جمعه، حربيا من أشد نمطه حصانة، وأوفره أمانة، وأكثره عدة وعدة، وأفضله جدة وجدة، وأبهجه حلية وبردة، وتفاءل المولى في اسمه ووسمه، فخرق أديم البحر على اليمن والطائر السعد، والفأل الصدق، كأنه هلال سائر، أو عقاب كاسر، أو باز مهابذ، أو شهاب قاقب، أو سهم نافذ، ولحضرته الطاهرة - صلوات الله عليها - تأكيد العارفة، وتأييد الصنيعة، وتشفيع الكرامة في حسن القبول، والتجاوز عن خلل المعقول والمقول، وتأول أمر مولاها أحسن التأويل.
وله من أخرى مثل ذلك إلى الوزير هنالك: أطال الله البقاء، وأدام العزة والعلاء، والسعادة والنماء، ورحب الفناء، ونضارة الأرجاء(5/395)
لحضرة سيدنا الوزير الأجل صفي أمير المؤمنين، ولا برحت القلوب حوائم على شرعته، كما زين نحرها بقلائد الخلافة، وحلي جيدها بنظام الأمامة، والشمس محل السعد:
* وفي عنق الحسناء يستحسن العقد*
فما أظلم ليل كان سيدنا صبحه، ولا أبهم معنى كان شرحه، ولا أساء زمان كان حسنته، ولا بخل وقت كان موهبته، ولا أذنب عصر كان عذره، ولا ذوى روض كان زهره، ولا أوحش أمر كان أنسه، ولا أظلم أفق كان شمسه، ولا عطل نحر كان حلية، ولا ضل ملك كان هديه.
وإني أطال بقاء حضرة سيدنا، وإن لم أحل بمكاتبته تقليدا، ولم أحظ بمداخلته مستفيدا، فبه أثمر غرسي، وله انتظم غدي وأمسي، وعليه تهدل جنى نفسي، فمحاسنه التي ملأت الملوين، ثنتني فانثنيت، وأنواره التي طبقت الخافقين، هددتني فاهتديت، فسرت إليه مسير السيل إلى قراره، وانجذبت نحوه انجذاب النجم إلى مداره، وجريت على نهج أبي رحمه الله -[107 ب] الحضرة والمكاتبة لها والمهاجرة إليها، وما ندي لي من ثراها، وتمهد لي من رضاها، وأحظاني من سني جوابها، وبهي تحيلها، والإقبال علي بقبولها، فذلك الفخر تاج على مفرقي، وذلك الفضل طوق في عنقي، فحق أن تتأكد بصيرتي، وتستمر مريرتي، وأطرد على وتيرتي، فلا أزال مطالعا وخادما لها.(5/396)
وسبقت السير، واستمرت المرر بأن يطرف المولى سيده، ويلطف الولي معتمده، وقلت الدنيا وصمتها، والأرض ووفرها، لمستمسك بحبل الحضرة؛ ولا جرم أنها خدمة تخبر عن همة، وسيرة تنبئ عن سريرة، وقربة يتقبل [فيها] الوتج الحقير، ويتجاوز عن القصور والتقصير، علما بأنها على الاختفاء لا على الاحتفال، وعن الإخبار عن الضمير لا على الأخطار، فهيا شيعة سيدنا وصفوته، سمح الأوان، وعجالة الإمكان، على النوى القذوف والنتأى الغروف، أندادا من ألطاف حوزته، وأفرادا من خواص عمله، وأعدادا من تحف جهته، يشرف بعضها بحضرة الخلافة، وبعضها بحضرة الوزارة؛ وضمنها من بياض خاصته: [حربيا] حصين البنية، أمين الطوية، رائق البردة، وافر العدة، تقلده الأستاذ أبو الحسن كوثر نعمته، وعهده الحضرة، فنفذ في حفظ الله وصحبته، وفي كفالة سعد أمير المؤمنين؛ وسلك البحر كأنه في أديمه شامة، بل في سمائه غمامة، وحضرة الوزير - أعزه الله - تسد في الجهتين الخلل، فتحمل وتجمل، وتقبل وتتقبل، وتغتفر خطل ما نقول ونفعل، وتتأوله إن شاء الله أحسن التأول، وتكسوه المعرض الأجمل، فهي الهادية لضوال الآمال، المحلية لعواطل الأعمال.(5/397)
وله من أخرى: وقد علمت الحضرة - صلوات الله عليها - أني مستمد التعلق بحبها من كثب، ووارث التحقق بفضلها عن كلالة أدب، على هذا المهاد نشأت، وبهذا القرار ثويت، ومن هذا الثمر اغتذيت، وبهذه البصيرة تتوجت وارتديت، وقد كان للموفق أبي، مولى الحضرة، منزع علق بسببه، وأرب وسم أجمل وسم به، أن يثبت في ديوان مكاتبتها اسمه، ويلحق في رسوم خدمتها رسمه، ويحرز الخصل في ميدانه، ويبرز في افقه وزمانه، ويحلي مغربنا بما لم يكن حاليا به، ويفض عذرة أمر لم يهتد لجانبه، فوافاه حمامه - أكرم الله نزله - وهو في ذمائه يمهد أكناف نيته، ويقيم شرفات بنيته، فقضى ولم يسعده القضا، ومضى ولم يكن الأمضى؛ ثم دفع مولى الحضرة - أنا - إلى فتن جذبته عن تلك الفرائض؛ وقبضته من تلك المعارض. ثم إن الله تعالى أيد مولى الحضرة فمهدت له هنيئا من الظفر، ونتجت [108 أ] له سنيا من الوطر، فلما فرغ لنيته التي كانت أمام ذكره، وملء صدره، أزمع الإيراد لآماله الحائمات، والسفور عن هممه المتقنعات، والإنزال لعزائمه المرفقات، فها نحن واردوا تلك الحياض، وخارقو ذلك الوفاض، ومنبضون إلى تلك الأغراض، فلسنا في تلك القوافي إقواء(5/398)
ولا في ذلك المضمار بطاء، ولا سهمنا غلاء. ومولى الحضرة مملأ من كرمه مؤيده بجنوده: من كتائب تملأ الفضاء، وتغشي الدأماء، فتصدعها بجبال كالرياح، ورياح كالجبال، ثانية الأقدار، وثالثة الليل والنهار، تحمل من قد قامت من آساد هي خدورها، وصوارم هي غمودها، وسهام هي كنائنها، وأفئدة هي جوانحها، فلو لقوا المنايا لصرعوها، أو ضربوا الجبال لصدعوها، أو رموا الأوهام لقرعوها، أو راموا النجوم لفزعوها.
وفي فصل منها: ولم يكن ليقدم إليها غير الإستئمار، ولا ليقصد نحوها غير الإشعار، لتكون بضائعه خوالص الإضمار والإظهار، وطلائعه سوابق الإسناد والاستظهار، فهي أعز جنابا، وأعظم مهابا، من أن يقرع إليها بابا إلا بإباحتها، ويصل منها حجابا إلا بسماحتها؛ ولما جرد مولى الحضرة هذا المذهب من البأو بمكاتبتها، ولخص هذا الأرب من التشرف بمراسلتها، رأى من توقيرها وتكبيرها، تقليدها من يكون كفيلا بها أو طيقا لتحملها، فندب لها من أبناء الوزراء، وصفوة الظهراء، من له السابقة المذكورة، والعين المشهورة، والأحوال الخطيرة، والخلال المشكورة، ودماثة الجانب وسكون الطائر، مضمنا مركبا(5/399)
من مراكبه، يدل به مدل الليل بالصباح، وينم عليه كما نمت على الزهر الرياح، خلا أن من سكن المغرب الأقصى، وجاور الثغر الأعلى، وجاذب اللسان الأجفى، وارتضع الجعجعة الخشناء، والعجرفة الصماء، ثم حاول حرمة الخلافة العظمى، والحضرة العليا، وغشي مصر الإسلام ونخبة الأنام، ومحفل الجماهير العظام، فمعذور أن تعشيه أنوارها، ويغشيه إكبارها، وتحضره مهابتها، وتخرسه جلالتها؛ ومن فواضل الحضرة وسرعان إنعامها، وبواكر إكرامها، إرقاؤه إلى البساط المعظم ليلثمه، وإدناؤه [من] الحرم المكرم ليستلمه. ولو أن مولى الحضرة يستعير الروض نشره، والمسك عطره، والبحر دره، والسحات قطره، والزمان عمره، وعطارد نظمه ونثره، فيسد بها الأفقين، ويملأ ما بين الخافقين، ليوصل معقده، ويؤدي تعظيمه وحمده، وينهي كنه ما عنده، لما استوفت عده، ولا سبرت عده. [108 ب] .
وله من أخرى إلى الوزير هنالك: فالحضرة العلية معنى هو شرحها، وشمس وهو صبحها، وأذن وهو قرطها، وجيد وهو عقدها، ومعصم(5/400)
وهو سوارها، وعين وهو نورها، ورأس وهو عينها، ومبسم وهو ثغرها، وكف وهو بنانها، ورمح وهو سنانها، وحسام وهو غرارها، وسماء وهو بدرها، وروض وهو زهرها، وساق وهو قدمها، ذلل لها المستصعبات، وفتح لها المبهمات، وأوضح لها المشكلات، وأضاء لها الظلمات، وأن انتظامها به، وكمال بهجتها بخدمته، وتمام سعادتها بولايته، وأرج نشرها بمظاهرته، وبروز سبقها بمؤازرته.
وكان للموفق أبي نهج لمداخلتها، ومفتتح لمراسلتها، لم يفارقه - روض الله مثواه - إلى أن فارق دنياه، فكنت أبا عذرتها، وفاتق أكمتها، وفاتح مرتتجها، وسالك منهجها، فبرزت بين أبناء مغربي في مداخلتها وعرض صاغيتي وخدمتي عليها، وتوفيد مكاتبتي ومراسلتي إليها، في مركبي الذي أعلمته خالا في صفحة البحر، وسويداء في مقلة العصر، ووصلت بمكاتبتي من هو لها كفؤ، ولي ظهير ونشأ، من أبناء أهل الخطر، وذوي الشرف والقدر، ومن له الشيم الهادية، والريح الساكنة، والمناصحة البالغة، فلان، [أحد أبناء الحضرة، وذوي السرو والقدرة] ؛ إلا أن أهل مغربنا مرتضعون العجمة، مدرعون الحشمة، بمصاقبة الثغور الخشنة، ومجاذبة الألسن الثقيلة، وممازجة الأمزجة الكليلة، فمن(5/401)
دفع منهم بعد إلى خدمة الخلافة العلية، وجاور الألسنة العضبة، وشافه النفوس الرطبة، وداخل الأمزجة العذبة، وارتقى إلى سماء تلك العزة، فعذره مقبول، وأمره على الاجتهاد الأصيل والاعتقاد النبيل محمول، وما الأقلام وإن مدحت، ولا الأقوال وإن جمحت، ولا الأوصاف وإن سمحت، بمعبرات عما عنده من حسن الصاغية، وخلوص الناحية، والممالأة الصافية، والمناصحة الزاكية، والخدمة الوافية؛ وإن بعد مثواه فلم يبعد من كانت الضمائر وسائله، والرياح رسائله، ولا تكتم النيرات عن حدقه، ولا تنحرف أفلاكها عن أفقه، ولا تتجافى [في] مسالكها عن طريقه.
وله من أخرى في مثله: وإن مولى الحضرة العلية لما حمل من تأميلها ما أضاء جوانحه، وارتسم من خدمتها ما أراه سوانحه، فتعرف اليمين باكره ورائحه، وتبين السعد معانقه ومصافحه، تفيأ برود ظلالها، ليدرع برود تشريفها وإيفضالها، ولرتضع حلمات جنابها، ليستدر أخلاف طلابها، واستأمر بخطابها، ليحظى بسني جوابها [109 أ] ، ووجه من صفوة نظرائه أبا مروان بن نجية، معلما باستئماره، مستظهرا باشعاره، بعد أن صفت نطف سرائره، وتبلجت أزاهر ضمائره، وثريت أرض صلغيته، ونديت(5/402)
روض طاعته، وكادت تورق صفاة طرقه، وتعشب حصى أفقه، وتطلع من عزيمته الشمس، وتثمر آماله قبل الغرس، وكاد الجسم يسبق النفس، والناظر يقدم الحس، بصريمة تخلج خلاج المنتوى، وتحتز وداج النوى، عودها نضار لا عرار، وسرها محض لا سمار.
وفي فصل من أخرى: حضرة سيدنا - أيده الله - قلائد يروق على نحر الخلافة نظامها، وتخفق على عاتق الثريا أعلامها، تبرئ الأسماع من صممها، وتشفي الصدور من وحرها، وتصح الجسوم من وصبها، وتريح النفوس من نصبها، كما تصك أسماع العدا، وتخلع قلوب من ناوا، وتقض جسم من عصى، وتقطع وريد من اعتدى، فهي حياة وردى، وشهب وقضب، ونجوم ورجوم، لا برحت تمطر الولي ربيعا، والعدو نجيعا، ولا زال سيدنا حسام عاتق الملك، وواسطة ذلك السلك، وخالصة ذلك السبك، فإنه سرى إلي من مآثر حضرته ما أخجل المسك رياه، وكسف الشمس محياه.
ولم يحضرني من شعر أبي الأصبغ حين تحرير هذه النسخة إلا هذان البيتان من مرثية في ابنته:
انكسفي ويحك يا شمس واره بما ضمنت يا رمس
في سر أجفانك لي مقلة وبين أضلاعك لي نفس
وابنة أبو عامر: بوادي آش من عمل المرية، ناظم ناثر، ولم يقع(5/403)
إلي من شعره ما أجعله سببا إلى ذكره، إلا نتف يسيرة تدل على انطباعه، كدلالة الفجر على انصداعه؛ له:
سريت والليل من مسراك في وهل مبرأ العزم من أين ومن كسل
وسرت في جحفل يهدي فوارسه سناك تحت الدجى والعارض الهطل
هوت أعاديك من سار يؤرقه ركض الجواد وحمل الأمة الفضل
إذا الملوك نيام في مضاجعهم مستحسنون بهاء الحلي والحلل
لله صومك من أيام فطرهم وما توخيت من وجه ومن عمل
نحرت فيه الكماة الصيد محتسبا وحسب غيرك نحر الشاء والابل
إذا صرير المدارى هزهم طربا ألهاك عنه صرير البيض والأسل
وإن ثنتهم عن الإقدام عاذلة مضيت قدما ولم تأذن إلى العذل
كم ضم ذا العيد من ولاه به غزل وأنت تنشد أهل اللهو والغزل:
" في الخيل والخافقات البض لي شغل ليس الصبابة والصهباء من شغلي "
ظللت يومك لم تنفع به ظمأ وظل رمحك في عل وفي نهل
وكلما رامت الروم الفرار أتت من كل أوب وضمتها يد الأجل
فصار مقبلهم نهبا ومدبرهم وعاد غانمهم من جملة النفل
فكم فككت من الأغلال عن عنق وكم سددت بهذا الفتح من خلل
أنت الأمير الذي للمجد همته وللممالك يحميها وللدول
وللمواهب أو للخط أنمله ما لم تحن إلى الخطية الذبل(5/404)
لمزدلي لواء كان يرفعه مناسب كالضحى والشمس في الحمل
الجابرين صدوع المعتفي كرما والكاسرين الظبا في هامة البطل
والعادلين عن الدنيا ونضرتها والسالكين على الأهدى من السبل
خير التبابغ والأذواء من يمن الغالبين على الآفاق والملل
يسود في آخر الأعصار آخرهم وساد أولهم في الأعصر الأول
يا أيها المالك المرهوب صولته والمرتجى غوثه في الحادث الجلل
من كابد العدم لم يكمل له أمل والعدم من أقطع الأشياء بالأمل
فاصفح لعبدك يا مولاه مغتفرا ما كان من خطأ أو منطق خطل
وكتبت شافعا: سيدي الأعلى، وعلقي الأغلى، وسراجي الأجلى، ومن أبقاه الله والأمكنة بمساعيه فسيحة، والألسنة بمعاليه فصيحة، موصلة - وصل الله جذلك - حيوان، يصفر كل أوان، ويسفر بين الإخوان، رقيق الحاشية، يعتمد على كرواء، ويستمع بخذواء، وينظر من عين كأنها عين، ويلفظ بمنقار كأنه من قار، يسلي المحزون، بالمقطع والموزون، وينفس عن المكظوم، بالمنثور والمنظوم، مسكي الطيلسان، تولد بين الطائر والإنسان، كما سمعت بسمع الفلاة، وعمرو بن السعلاة، قطع من منابت الربيع، إلى منازل الصقيع، ومن مطالع الزيتون، إلى(5/405)
مواقع [110 أ] السحاب الهتون، فصادف من الجليد، ما يذهب قوى الجليد، ومن البرد، ما لا يدفعه الريش والبرد، والحدائق قد غمضت أحداقها، وانحسرت أوراقها، والبطاح قد قيدت الفور، بحبال الكافور، وأوقعت الصرد، في حبائل الصرد، فمني البائس بما لم يعهده، كما وسم بالزور من لم يشهده. ولما فال رأيه، [وأخفق] أو كاد سعيه، التفت إلى عطفه أشمط، وإلى أديمة أرقط، فناح، ثم سوى الجناح، وقد أنكر مزاجه، ونسي ألحانه وأهزاجه، ولا شك أنه واقع بفنائك، راشف من إنائك، آمل حسن غنائك واعتنائك، وأنت بارق ذلك العارض، ورائد ذلك الأنف البارص، تهيئ له حبا، يجزيك عليه ثناء وحبا، وقد تحفظ يا سيدي رسائل، جعلت له وسائل، فسام بها أهل الآداب، سوء العذاب، ودعا البطيء منهم إلى الإهذاب:
*وابن اللبون إذا ما لز في قرن *
لا زلت منافسا في العلوم، آسيا للأحوال والكلوم، إن شاء الله عز وجل.
وله في أبي محمد الزبير بن عمر، مكن الله سعده، وقد قدم(5/406)
مرض وأراد الغزو:
صحت بصحة جسمك الأحوال واسترجعت أرواحنا الآمال
ووقى الإمارة من وقاك بمنه فسرى إليها السعد والإقبال
والتاج بدر للعلا متألق واهتز غصن للندى ميال
واعتاد [من] لعد الذبول نضارة واعتاد بعد النقص ذاك كمال
لم يثن عزمتك الضنى عن وجهة فيها نكال للعدا وقتال
فأخذت بالأثر الصحيح وإنما بيد الإله البرء والاعلال
لله أخلاق الزبير فانها للمعتفين الروضة المحلال
ومحاسن منه تروق، ببعضها سادت على مر الزمان رجال
فمناسب ومفاخر ومعارف وديانة وبسالة ونوال
أرجو مساعيه وأما ماله فعليه إن مال الزمان يمال
لكتبتها مستعجلا إذ ما تني لا يقتضى بنسيئها استعجال
سيكون منه وإن بعدت تخدم يدني المراد، وإن سكت مقال
لا زلتما في عزة وسعادة تغشاكما من أجلها الآمال [110 ب]
وله في الأمير تاشفين:(5/407)
أيا أيها الملك الأعظم أضاء بك الزمن المظلم
وزينة منك تلك العلا كما ازدان بالغرة الأدهم
أدال الشقاء لنا بالنعيم فينعم من كان لا ينعم
وأقبل مستعتبا مثلما تنصل من جرمه المجرم
فنشكر نعمى أتانا بها ولا بد أن يشكر المنعم
نهضت وحولك لمتونة كما حف بالقمر الأنجم
بكل أغر طويل النجاد له المجد والشرف الأقدم
يلوذ به البائس المعتفي ويرهبه الفارس المعلم
إذا سفروا فهم كالبدر وهم كالأهلة إن لثموا
فيا حسنهم إن تجلوا ضحى وقد ركبوا الخيل واستلأموا
ومدهم الله من عنده بجند من النصر لا يهزم
فحكمهم في الذي أملوا وأظفرهم في الذي يمموا
وحلوا بارض العدا فانبرت على كل ناحية صيلم
فكل رجالهم قتلوا وكل معاقلهم هدموا
كأن الجماجم بذر لهم وسقي الذي بذروه الدم
فقل لرئيسهم أين ما حكمت لقد ساء ما تحكم
تعاطى الثبوت على زعمه فلم يغن عنه الذي يزعم
ورام الفرار فلا مجهل يفر إليه ولا معلم
وأضحى ومركوبه أبلق فأمسى ومركوبه أدهم
أتى والبنود على رأسه مهانا وتحسبه يكرم(5/408)
يصرصر عقبانها فوقه ويصفر من بينها الأرقم
لتهنأ هذي الفتوح التي تناسق كالدر إذ ينظم [111 أ]
على الشرق والغرب من عزها حفيظ ومن حسنها ميسم
ولولاه كان السرور الذي أقر العيون بها مأتم
رجوت الأمير لعلمي به وما جاهل مثل من يعلم
وقلت عسى المحل أن ينجلي ويعقبنا الوابل المثجم
فقد يقرب النازح المنتأي وينفتح المغلق المبهم
بني تاشفين سلمتم لنا فمهما بنا نسلم
وأنت لدين الهدى عصمة بها يحتمي وبها يعصم
خلافتكم غير مجهولة وسر إمامتكم تعلم
فلو ينطق الله فينا الجماد لناجتك - أعظم بها - زمزم
فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي المطرف بن مثنى
وهو عبد الرحمن بن أحمد بن صبغون، استوزره المأمون يحيى ابن ذي النون عدة سنين، ورمى إليه بيده، في تدبير بلده، فاستقل بأعباء ما تقلد، وعار ذكره وأنجد.(5/409)
قال أبو مروان بن حيان: وكان أبوه أحمد من أبناء أكابر الفقهاء بحضرة قرطبة بعهد الجماعة؛ وكان أبو المطرف عفيفا دمثا طاهرا الأثواب، حلو الشمائل مطلق البشر، متحققا بصناعة الكتابة، بذ أهل وقته في البيان والبلاغة، وكان مع ذلك يحمل قطعة وافرة من علم الحديث وأنواع الفنون، وتوفي رحمه الله سنة ثمان وخمسين وأربعمائة.
فصل من رقعة فيها طول لأبي الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي إليه منها: أكال الله بقاء سيدي، وجعل درج المعالي مستقرة تحت قدمه، وسرج مسفرة عن بوارق هممه، وظامئات الأماني روية من لعاب سن قلمه، وعذبات الإقبال منوطة بألوية عزائمه وآرائه، وسطوات الأقدار مربوطة بأروية مآربه وأنحائه، وصب نوب الزمان على حسدته وأعدائه.
وفي فصل منها: وقد كانت -[أيدك الله]- رياض أخباره تزهر عندي بنوار الزكية التي هي أشهر من فلق الصباح، وتعبق بمحاسنه الرضية هي أسير في الآفاق من هبوب الرياح [111 ب] فتلطف بنوافر الأرواح، حتى كأنها المصافاة بين الماء والراح، فترتع الأسماع(5/410)
من نضارتها في مرتع خصيب، وترفل من غضارتها في ثوب من الأنس قشيب، فلله هذه المناقب التي جعلت العين حاسدة للأذن، والفضائل التي حاجزت بين القلب والبدن، فكلما ازدادت بالأخبار بضائعها أرباحا، ازدادت النفوس إلى تبضعها طربا وارتياحا، وكلما ركضت دهمها في ميادين الفضائل مراحا، استفادت بالإحماد غرارا وأوضاحا.
ومنها: وكنت مررت ببلاد شموس الفضائل في آفاقها مكسوفة، وعيون العلم والآداب في عرصاتها مطروقة، وستائر الأحرار بين أهلها مهتوكة مكشوفة، وجنباتها بأنواع البلاء محفوفة، وقد نضبت في رباعها مياه الأمانة والأمان، ونبعت بين أهلها عيون الخيانة والبهتان، وضعف حبل الديانة فيهم والإيمان، فجنحوا إلى جحود النعم والكفران، وتوسعوا في مطاوعة الظلم والعدوان، فأبدلهم الله من النور في أحوالهم ظلاما، وبالحلال في مكاسبهم حراما، وخص أسعارهم بالغلاء، وجمعهم بالفناء، ولفيهم بالتشتت والجلاء، وللخراب ما يعمرون، وللقتل ما يلدون، وللنهب ما يجمعون، ولغيرهم ما يكسبون، {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} (الزمر: 48) {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} (هود: 102) .(5/411)
ركبت جوادا من العزم قلما امتطاه راكب إلا فاز بمبتغاه، وشكر دأب سيره وسراه، ونثلت درعا سابغة من الحزم لم يندم على ادراعها لابس، ولا استثقل حملها من الرجال أخو نجدة ممارس، فكت عني حلق الخدع من الأعداء والمكايد، وحلت دوني عقد الحبائل منهم والمراصد، فخلصت من دواعي احتفالهم خلوص الخمر من نسج الفدام، والشمس من تحت الغمام، ولم أزل أقطع المفاوز مسجورة، وأجزع الطرق مشحونة باللصوص والدعار، أخفي نفسي إخفاء القنفذ رأسه، واكتم حسي كتمان الغراب سفاده.
وفي فصل: وأكبرت أن أفارق بلد الأندلس وقد أظهر الله فيه إحدى آياته، الدالة على عظم معجزاته، الناطقة بصحة براهينه وبيناته، بسيدنا المأمون بن ذي النون - أطال الله بقاء سلطانه، وقوى دعائم ملكه وأركانه - الذي أيده الله بعناية بسطت قدرته، وأعلت كلمته، فأضرمت شهاب هيبته فملأت القلوب رعبا، وأذكت بوارق سطوته فاختطفت النفوس شرقا وغربا، ومدت بحار سحائبه [112 أ] فاستملك الرقاب(5/412)
عجما وعربا، لأجلوا قذى ناظري ببهي طلعته، وأزين أصغري بتحبير بدائع مدحته؛ وقد كاتبت الحضرة العالية تلويحا بما ذكرته، راغبا في ما اقترحته، من تحسين عرضه بالموقف الأشرف زاده الله شرافة، وتجديد المأثرة في النيابة عني به، وستر عورة إن مرت، وإقالة عثرة إن خطرت.
فأجابه ابن مثنى برقعة أيضا فيها طول يقول فيها: وافى كتابك، فحين لحظته تلقيته بيد المقدم، والتزمته التزام المحب المكرم، وقلت عندما استوعبت أنواعه وفنونه، واستوضحت محاسنه وعيونه، وقيد نور لحظي عيانه، وجلا صدأ فؤادي بيانه: هذا السحر الحلال، والعذب الزلال، والدر راق في نظامه، والنور تفتح عن أكمامه، والقطر انهل من غمامه، وهكذا تكون جزالة الأفاضل، وصفاء الموارد والمناهل، وصحة الالتئام والاتفاق، والاطراد والاتساق:
فكائن فيه من معنى خطير وكائن فيه من لفظ بهي
فنضوت عن منكبي رداء الوقار، واهتززت اهتزاز [المهند بيد] البطل المغوار، ولما استقريت ما حواه، واستوعبت ما طواه، قلت: هذه مكارم الأخلاق، وبدائع أنفاس العراق، وأنحاء ذوي الأفهام والألباب(5/413)
ومآخذ أهل الفضل والاحتساء، وقد كان أدهشني ما اخترعت، وعمر فكري ما شرعت، فناديت نفسي وقد استشرفت أؤنبها، ونازعتها وقد شرقت أؤدبها: حذار من زلة القدم، ومأثور الكلم، يا نفس قفي عند مقدارك، وكفي من غلوائك، واعلمي منتهى خطوك، ومدى شأوك، فقد رمت بغداد بأفلاذ كبدها إلينا، وأطلعت نسيج وحده علينا، فأنى لك بمعارضته وقد باهى به على أبنائه الزمن، وخرست في أوصافه وخلاله الألسن، فلا تتمرسي لهذا الألمعي، النقاب، داهية الغبر، وعلم البشر، فما أبعد ما بين العلو والخفض، والسماء والأرض، وأين النور من الظلمة، والإفصاح من العجمة، ورقة الطبع من جفائه، وكدر الجو من صفائه، وكيف مجاراة الكودن للعتيق، ومقارنة التشبيه بالتحقيق -! وكيف نجاريهم، وإنما نحكيهم، وهل نحن - أهل هذه الجزيرة النائية عن خيار الأمم، المجاورة لجماهير العجم - إلا أجدر البرية باللكن، وأولاها بعدم الفطن، وأخلقها بالخرس، وأحقها بغلط الحس -! فلم يقرع سمع ابن من أبناء خاصتنا عند ميلاده، ولا خامر طبع الرضيع منهم في مهده، إلا كلام أمة وكعاء، أعجمية خرقاء، ولا(5/414)
ارتضع إلا ثديها، ولا اكتسب إلا عيها، ولا سكن [112 ب] إلا في حجرها، ولا مرن إلا بتدبيرها، حتى إذا صار في عديد الرجال، وانتهى إلى حدود الكمال، باشر طوائف النصرانية فخاطبهم بألسنتهم، وجد في حفظ لغتهم، وعانى طباقهم، وحابد أخلاقهم، أفليس الذكاء مع هذا أبعد من ذكاء عنه - وأما العامة منا فقد انقطع فيها المقال، وصحت المخيلة والخال، فلما قرعتها هذا التقريع، وروعتها، هذا الترويع، عادت إلى الخمود، بعد الوقود، وآلت إلى الفتور والخمول، وعاذت بالنكوس والنزول، قد انفل حدها، وآل سكونا تحريكها وجدها؛ ثم لم أستبد أن أجري في ميدان الرأي جواد نظري، وأرسل في أرض الاختبار رائد فكري، وأرفع عن النفس غطاء الترك، وأخلص الصواب عن الإبريز من السبك، ورأيت ما في التوقف عن مطالعك، من الإخلال بمكارمتك، فرشح جبيني عرقا، وانزعج قلبي تحرقا، فراجعت مخاطبة النفس، ممسكا من وحشتها بطرف من الأنس: إن أبا الفضل سيدي - دامت حياته -، قد ناداني بلسان وداده، وأومأ إلي ببنان اعتقاده، وأطار نحوي طائر الارتياد، فلم يقع مني إلا على ثمرة الفؤاد، وحن إلي حنين الألوف الأليف، وواصلني مواصلة الحليم الحليف، وأهدى إلي نزاعه، وألقى علي بعاعه(5/415)
فكيف لي أن أعدل عمن إلي أقبل، وأصدف عمن بي كلف - فعارضتني أشد المعارضة، وناقضتني أبلغ المناقضة، هيهات! لا يبلغ الخصم بالقضم، ولا ينتهي منال الكف إلى مباراة النجم، فاسلك النهج القويم، فمنك من أعتبك، وأخوك من صدقك، فوجدتني بين حالي اضطرار، ليس فيهما لمختار، فإما أن أعتمد المخاطبة، وألتزم المكاتبة، على علاتي، ونبو شباتي، بطبع كليل، وذهن غير صقيل، وإما أن أرفض المراجعة رفض المليم، فأكون عين الجافي الذميم؛ فأنفذت كتابي مبتغيا وجه موافقتك وإرضائك، ومتوخيا مضمون تغمدك وإغضائك، وأنك إن ألفيت حسنا تناهيت في نشره، أو عاينت قبيحا طويته على عره، وبودي أن معتمدي لا يسلط عليه حقيقة نقده، ولا يصرف إليه مرهف حده، وأن يلمحه بأقل لمح، ويسمح فيه أفضل سمح.
وأما ما ارجع إليه وينطق لساني به من الإشادة بالشكر، الذي أبغيه سمة في وجه الدهر، والكناية عن العهد الذي هو أثبت من ثبير، وأطيب من الماء النمير، فلو أمكنني أن أوصله إليك على متون الرياح لأوصلت، ولو أتيح لي أن أمثله لك حتى تراه لمثلث، وقد استوفيت ما جال به بيانك الذي عذب منهله ومشربه، وشف جوهره ورف ذهبه، [113 أ] واصفا وصف المستكمل، وموضحا إيضاح المحتفل، وفهمت ما نصصته(5/416)
فيما سنت لك عوائد الأيام، من الانتباذ عن الطوائف اللئام، الذين ألبسهم ملابس الملام، وحليتهم بحلى المذام، حتى لشغلت بوصفهم الأفكار، فأوجبت الاستعاذة والاعتبار، وأتيت بأغرب الشنع، في ما أوردت من تلك اللمع، وسردت القول الرفيع سردا، فكأنما نظمت به في جيد الدهر عقدا.
وإنك - أعزك الله - لما نمي إليك ما تحملته الركائب، وأثنت به الحقائب، وغمر المسامع، وعمر المشاهد والمجامع، وامتلأت منه الآفاق، ووقع عليه الإصفاق، من محاسن المأمون ذي المجدين التي هي كالنجوم اعتلاء، الصباح انجلاء، والروض بهاء، وأنك شمت من كرم شيمته برق النجاح، وأملت أن تضرب في خدمته بمعلى القداح، أحببت أن ترمي إليه بعزمتك، وتقذف نحوه بهمتك، فتجلو ناظرك، وترهف خاطرك، بمجاورة بحر المنن، وفخر الزمن، وزعيم الأنام، وكريم الأخوال والأعمام، وبديع الأوصاف، وموطأ الأكناف، وأحلم من فرخ الطائر، وأمضى من الحسام الباتر، ومن سجيته الفضل، وسيرته العدل، وقوله الفصل، وحباؤه الجزل، تلوح على وجهه تباشيره، وتتملى الإمامة أساريره، ملاه الله أطول الأعمار، كما حاز له أعظم الفخار، فأرجو أن قد أصبت ثمرة الغراب، وارتدت أزهر الجناب، واجتنيت(5/417)
خيار الجنى، ومهدت في موطن العلا، فما أغبطني باختيارك، وأبهجني بدنو مزارك، فما كان سهمك ليمضي إلا بعيدا، وليقع إلا سديدا، وما كان ميزك ليختل، ولا سعيك ليضل، فالمرء مستدل عليه بفعله، واختياره قطعة من عقله، وقد ناديته فأجاب، واستمطرت سحاب بره فاصاب، وتلقاك باليمين، ولأقرك بالمكان المكين، واستطال نحوك الزمان، بل استكثر الساعات والأحيان، وانتظرك غدوا ورواحا، وترقبك مساء وصباحا، وأما الفؤاد فإليك منجذب، وبودك مشرب، ولو استطعت خفضت طرفي فلم أبصر به حتى أراك، شرها إلى لحاقك، وتهالكا على نفيس أخلاقك.
قال ابن بسام: ولأبي المطرف، غير ما فصل مستطرف، وقلما يتعطل من حلي البديع، وانحفزت في تحرير هذه النسخة من هذا المجموع، وفاتت [دركي] ، ولم يعلق منه إلا ما كتبت [بشركي] .
[فصل] في ذكر الوزير الكاتب أبي عمر القلاس
من عليه كتاب الثغر الأعلى - كان -، في ذلك الأوان، [وهو على(5/418)
الجملة] ناثر مجيد، ومحسن معدود، في كتاب بني [113 ب] هود، وله ترسيل كثير، معرب عن أدب غزير، وإنشاء ذهب فيه إلى التطويل اقتضبت منه بعض الفصول، تخفيفا للتثقيل، تليق بالكتاب، وتشره إلى مطالعتها أنفس الكتاب.
جملة من رسائله في أوصاف شتى
فصل له من رقعة عن ابن هود إلى مجاهد أبي الجيش الموفق: نحن وإن قصرنا بالمخاطبة، وأغببنا بالمكاتبة، محافظون على العهد القديم، معترفون بالحق الكريم، معتقدون للفضل العميم، شاكرون لله تعالى على الهبة السنية فيك، والنعمة بك، إلا أنه كدر نعمتنا وصفو المعيشة عندنا، وأقلق دعة النفوس، وشرد وسن العيون، ما ترد به الأنباء من الوحشة الواقعة بينك وبين المنصور - أيدكما الله - مما لو يستطيع الفداء له بكل علق غال، ومعالجة التياثه بكل نفيس عال، لما تأخر عن ذلك أحد، ولا قر على غيره خلد، رغبة في الألفة بينكما، وحرصا على تمام النعمة للمسلمين فيكما، فأنتما فئة الإسلام، وعمدة الأنام، ومتى اضطرب لكما حبل، وانصرم منكما وصل، فشمل الكل شتيت، ووصل الجميع مبتوت، فالله الله في الدين أن يألم بكما، والحرمة أن تذهب بينكما، فالعيون في الصلاح إنما كان سموها إليكما، فما ظنكما(5/419)
بالمسلمين وقد أصيبوا في مستقر آمالهم، وجدت الاستحالة حيث كان الرجاء في صلاح أحوالهم -!
[وله] من أخرى [عنه إليه] : من استضاء بسراح رأيك المسدد، واستنجح بيمن سعدك المؤيد، واستظهر بنافذ عزمك، وتكثر ببالغ حزمك، واعتضد بخالص إخائك، وأسند إلى صدق وفائك، كان قمينا أن تنجاب عنه ظلم المشكلات، وتنفرج له قحم المعضلات، وتستقل به مراكب النجاح، وتتطلع إليه عواقب الصلاح، ويذل له الصعب الجامح، ويسهل عليه الخطب الفادح، فإنك - والله يبقيك - الميمون النقيبة، الكريم الضريبة، السعيد الجد، المحمود العهد، الذي إن اقتدح زندا أورى، وان اعتمد حدا فرى، وان ود صدق وحقق.
وقد فصل: واني منذ استنجحت فيما كنت أحاوله من ذلك الأمر، ببركة سفارتك، واستظهرت عليه بسعادة وساطتك، وضربت مستعصبه بحد مؤازرتك، واقتدت ممتنعه بقوة مظاهرتك، لم أزل أشيم تباشير النجح لائحة، وأتبين مخايل الفلج واضحة، وأجد شدة قيادة تلين، وعز إباية يهون، إلى أن تأتى - بحول الله - الأمل، وأنجح العمل، وأصحب ما كان أبيا، وقرب ما كان قصيا؛ وكان للوزير الكاتب أبي [114 أ] فلان في ذلك المناب الحميد، والسعي الوكيد، الذي سهل به الحزن وقرب البعيد، وكذا يكون [من] ثقفه تأديبك، وأقام(5/420)
أود تهذيبك، إذا سفر أصلح، وإذا سعى أنجح، وهذه الحال [لك] أولها وآخرها، وباطنها وظاهرها، فبك اتضح منهاجها، وأضاء سراجها، وبسعيك انفسحت سبلها، وتأتى مؤملها، وارتفعت أعلامها، وتهيأ تمامها، وأنت المسدي لها والملحم، والعاقد لأسبابها المبرم.
وله من أخرى: إن أحق الأخبار، بالتحدث عنها والإخبار، وأولاها بأن تثيرها ألسنة التهادي والتناقل، وتنشرها أيدي التكاتب والتراسل، خبر أعرب عن نعمة تعم المسلمين، ومنة ينظم نفعها الدنيا والدين، وأبان عن مسرة وقعت والآمال دون نيلها واقعة، وبشرى طلعت والأحوال عن مثلها دافعة، وكان له من ذاته شاهد يصدقه، وبرهان يحققه، ووضوح يحميه عن أن تعترض عليه شبهة الظنون، وجمال يغنيه عن تكلف التحلية والتزيين، وتلك صفة ما أقصد محادثتك بنعم الله علينا فيه، وأعتمد إهداءه اليك مشروحة جملته موفاة معانيه.
وفي فصل: ان أولى النعم بأن يتحدث عنها حديث اعتماد لشكرها، وينبه عليها تنبيه إشادة بقدرها، نعمة خصت الدين، وعمت المسلمين، وأعلت للإسلام يدا، وفتت من الشرك عضدا، وشدت من الإيمان سننا، وأوهت من الكفار ركنا، فإنها موقع العموم(5/421)
واقعة، والقريب والبعيد في نفعها جامعة.
وله: انه لما كان من شرط من ابتدأ أن يتمم، وسنة من سدى أن يلحم، وحكم من نهج عملا أن يفضي به إلى غايته، وسبيل من أخذ في سعي أن لا يرجع دون نهايته، وجب على فلان - أبقاه الله - أن يتلوم على الحال التي انفرد بفخر تأسيسها وتشييدها، وفرز بحسن منابه في تقريرها وتمهيدها، حتى يستوفي فيها حقائق العمل، ويبرئ منها [جمع] العلل، ويسد من جوانبها دقائق الخلل، إذ كان هو الذي شرع مباديها، وبه انتظم متناثرها، وبلطفه سكن متنافرها، وما زال يسعى أفضل سعي، ويصدع بأجمل رأي، حتى قرر الأمور على أثبت قواعدها، وشد رباط معاقدها، فلما صححها أمن التياثه، وأبرمها إبراما لم يحذر انتكائه، وجب عند أن يقع صدره، ويحين منصرفه، فصدر محتقبا اليك من حقيقة ودي، وطيب ثنائي وحمدي، ما إذا جلاه في معرضه راقك مجتلاه، وإذا أجناه على حسبه عذب عندك جناه، وبه اكتفيت عن مد أطناب [114 ب] القول في الإخبار عن هذا وسواه، فهو بتفضيل جملته لديك جدير، وبها خبير.(5/422)
الخبر ببادرة أحمد بن سليمان بن هود
فيما كان رامه من الفتك باخيه
أبو مروان: وفي رمضان من سنة خمسين وأربعمائة سقط الخبر إلينا بذلك، وكانا اتفقا على الالتقاء طلبا للسلم والكف عن الفتنة، فلما خرجا للمكان المتفق عليه، تكارما في اللقاء وتدانيا دون أحد من أصحابهما، وكلاهما حاسر أعزل، على ما تشارطاه، تمكينا لطمأنينتهما، فتنازعا الكلام فيما جاءوا إليه، فلم يرع يوسف إلا إطلال فارس عليه من ناحية موقف معسكر أخيه أحمد، شاكي السلاح، يبرق سنان رمحه، وإذا بطريق من مستأمنة النصارى الحربيين معه قد واطأه أحمد على الفتك بأخيه، فانقض على يوسف وهو يكلم أخاه، وأحمد يصيح، حتى خالط يوسف وطعنه ثلاث طعنات، وتحت ثوب يوسف درع حصينة كان قد استظهر بلباسها خلال أثوابه أبدا بالحزم، فردت سنان المح عنه، وصاح يوسف نحو أصحابه: " غدرت "!! فابتدروه ونجوا به وقيذا بجراحه، وقد ابتدر أحمد رجاله، واختلط الفريقان اختلاطا قبيحا، كادت تقع بينهم ملحمة، أطفأها أحمد بالبرؤ من العلج لوقته والبدار إلى قتله، ورفع رأسه والنداء عليه، فسكن شغب الفريقين، وانكفأ(5/423)
كل إلى وطنه، فعادت حال ابني هود كالذي كانت من التفرق.
ورد كتاب يوسف على ابن جهور بقرطبة من إنشاء أبي عمر، يقول فيه بعد الصدر: وبعد، باعدتك الأسواء، فإن حوادث الدهر وصروفه آيات للنبصرين، وفي أحوال ذوي الشرة والفسوق عبرة للمعتبرين، واذا تصفحت منها القريب والبعيد، والمنقضي والجديد، لم أجد في جميعها حالا توازي حال الحب الخبيث، والغدور النكوث، علم دهره فجورا وخترا، ونسيج وحده نفاقا وعذرا، القاطع مني بلؤم أفعاله وشيمه، أسباب قرباه ورحمه، والمتقدم بذميم بغيه وتعديه، إلى صميم أسرته وأدانيه، وهذه صفة لا يخفى مكان الموصوف بها وأنه صاحب سرقسطة - قارضه الله هو أهله، وأبعد مثله وأين لا أين مثله -! -. وقد كانت الأيام أبدت منه أفاعيل مستنشقة شرق ذكرها وغرب، كما [115 أ] أبدع وأغرب، وكادت تكون سمرا للسامرين، وقصصا تتلى في الغابرين، وحاول أمورا مستفظعة مقته فيها الرشيد والغوي، وتبرأ منه الداني والقصي، لم تفده إلا الخزي الذي لا يزال ناظرا من بقائه، ولم تكسه إلا العار الذي لا يراه مباينا باحتفائه، وأبى على ذلك إلا تماديا فيها وإلحافا، وأبت الأقدار غليه إلا إعراضا وإخلافا، فكلما مد بالبغي يدا، أوهن الله بطشها وأيدها، وكلما نصب للمكر جباله هون ختلها وكيدها، فضلا من الله ونعمة، وكفاية لمن توكل عليه وعصمة، وجزاء للباغي بمكره، وقرضا للمتصدي(5/424)
بغدره، والله لا يهدي كيد الخائنين، ولا يصلح عمل المفسدين.
وكنت قد أبرمت معه بعد ذلك الهنات التي جرت، والشدائد التي انقضت عقدة السلم، فاعتزم صاحب برشلونة على حربه، واستنهضني للدخول في حزبه، ففلت بعد جهد مني حد غربه، واستمرت الحال على أعدل مناهجها، ولم يتعذر مني قط عليه بغية، ولا أبطأت معونة، ولم يزل يقسم لي بإيمانه التي تضج إلى الله من فجوره فيها مشافهة ومكاتبة، بعدها أقسم من قبل به وأشهد أعلام المسلمين عليها، بأنه لا يضمر لي بقية الأيام غائلة، ولا يدخل علي داخلة، وطالت مصانعته لي بزبرج من نفاقه وخداعه، يرف على بهرج من أخلاقه وطباعه، وأنا على ذلك عالم بدخائله وسرائره، مستعيذ بالله من الانطواء على ضمائره، فلما أراد الله أن يفضحه الفضيحة العظمى، ويقنعه بالخزية الكبرى، تقدمت بيننا مقدمات اقتضت لنا الاجتماع، فحركني إلى طرف عمله، وقد كنت آنست منه شرا بنى عليه مع بعض علوج البشاكنة في الفتك بي، فأوصيت إليه ألا يحضرنا أحد منهم، فقلق قلقا صرح به، وأقام مترددا بالثغر يزمع تلك البغية، إلى أن التقينا، وكنت قد استشعرت من سوء الظن بمن هو كصرف الدهر لا أمان منه ولا أغترار به، فأوصيت إلى أصحابي باحتضار سيوفهم، واطراح ما عداها من سلاحهم، ولبست أنا [أيضا] تحت ثيابي درعا حصينة، والتقينا، ثم تجارينا في فنون القول، فإذا(5/425)
بفارسين من عبيده قد جمعا رمحيهما في، وثالث قد سبق إلي، يمسك عنان فرسي، إلا [أني] ركضته، فخرج بعتقه، واستل أصحابي عند ذلك سيوفهم، وأدركتهم حفائظهم، فحملوا إلي وفر أولئك عني، واكتفني أصحابي، فانصرفت وبي طعنات قد واقعتني على الذراع لم يعظم بحمد الله كلمها، وانصرف الغادر قد أدحض الله سعيه، وأبطل بغيه، يعض بنانه [115 ب] أسفا، ويقرع سنه ندما، ولا صفقة كصفقته الخاسرة، ولا سوءى كفعلته الفاجرة، فلما وصل إلى بلده أراد ستر الحال بزعمه، وتوهيمها على ما جرى في وهمه، فأشاع أن النصارى الذين كانوا معه أرادوا غدري وغدره، وخرق في ثيابه خرقا زعم أنه أثر رمح أشرع إليه، فكان اعتذاره بهذا العذر زائدا في ذنبه، وإتيانه بهذا البهت الظاهرة مادة لجرمه، وهيهات أن يخفى ما شهر، أو يجوز ما زور، وما حليمة بسر، ولا على وجه النهار من ستر.
فرأيت مساهمة الأولياء والحلفاء بصفة الحال، وعرضها من المبدأ لتعرض ما وصفته على حسن نظرك، وتعبيره بصدق تدبرك، فتزن مؤثر هذه الحال بوزنه، وتقدر محتقب شرها بقدره، والله قبل وبعد أعدل من قضى وحكم، وأحق من أثاب وانتقم، وهو تبارك اسمه المستعدى على من اعتدى وظلم.(5/426)
فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي عبد الله محمد بن مسلم
آية الزمن، ونهاية الفطنة واللسن، نفث بالسحر، واغترف من البحر، ونظم الدرر بلألاء من الدر. ولم أظفر عند وضعي هذا الديوان، بشيء مما له من الاحسان، إلا بفصول من رسائل، سماها " طي المراحل " سبق في ميدانها عفوا، وتصرف بين حسنها وإحسانها تصرفا حاوا، وقد اقتبضت من فصولها ما يشهد بتفصيلها، وحذفت سائرها لطولها، دللت بها على فضل منشيها، دلالة الشمس على ما يليها.
فصول له من تلك الرسائل خاطب بها أغلب
صاحب ميورقة
فصل منها: إن أغببت على بعد الديار مكاتبتك، وأقللت مع شحط المزار مخاطبتك، فإني أخاطبك بلسان وداد، وأناجيك فؤادا(5/427)
لفؤاد، وإنما يتخاطب أهل بعد المكان، ويتكاتب ذوو النأي عن العيان، وأنت في الضمير جائل، فما تزيد الرسائل - وبين الجفون ماثل، فما تفيد الوسائل - لكن العين لا تبرأ من الأرق، حتى تطبق مستقرها على الحدق، والنفس لا تهدأ من القلق، حتى تجمع شطريها إلى أفق، فلهذا يجب على الصديق تأكيد العهد، ولو باهداء السلام، إذا لم يستطع على الإلمام، وتجديد الود بالكتاب، إذا لم يطق المفاوضة على الخطاب، لكن قد يأتي من عوائق الزمان، وعوارض الحدثان، ما يحول [116 أ] بين المرء وقلبه، حتى يسهو في مثوله للصلاة بين يدي ربه، فلا يدري أثنتين صلى الضحى أم ثماني، وأياما شهد التشريق أم ليالي.
وفي فصل: وليت زمانا فرغ للقائك، وأوانا بلغ إلى تلقائك، حتى أبرد نفسي بمحاضرتك، وأجدد أنسي بمذاكرتك، ولكني بين حل وترحال، ورجوع وإقبال، لا يجعلان إلى أمنية سبيلا، ولا يوجدان إلى مأربه وصولا؛ ولعلك - أيها الفاضل - ممن يظن هذه الأسفار فرجة، ويخال لها بهجة، وكيف والسفر قطعة من العذاب، والمسافر ومتاعه على فلت الذهاب، وان اتفقت مع ذلك فترة تستدمن، وبدرة تستحسن، فإنما هي كراحة المحتضر، ودرة المستبحر، ولا بد مع الخواطي من سهم صائب، وعند جفوف جانب من خضرة جانب، ولي منذ أجول(5/428)
البلاد، وأجوب الصخر بالود، ما يزيد على عشر حجج نصفها، وعلى سبعة أعوام ضعفها، لم ألق إلا يوما يجعل الولدان شيبا، والجبال كثيبا مهيلا، وإن شئت أن أقصص عليك من نبأي قصصا، وأضرب لك من بعض أسفاري مثلا، ففزغ لي ذهنك، وأصغ إلي أذنك، حتى تسمع من أحوال صديقك ما يفلح ويثلج، ويغم ثم يبهج، فقد أودعت كتابي هذا نبذا مما لقيته في سفري، كان من خبري:
لما صفا الحصن الفلاني إلى من أيده الله أجلب عليه المقتدر بخيله ورجله، وأحدق حوله بضبطه ومنعه، حتى صار كالسماء ملئت حرسا شديدا وشهبا {فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا} (الجن: 9) فدعا إقبال الدولة إخوانه لإنجاده، ونادى حلفاءه لإمداده، فاستغشوا بأردانهم، وجعلوا أصابعهم في آذانهم، وعوضوا من عونه في إصلاح ذات البين، والحصن في أثناء ذلك قد اشتد وثاقه، وضاق خناقه، حتى أيقن أهله بالهلكة، وكادوا يلقون بأيديهم إلى التهلكة، فلما رأى انه ربما أودى العليل قبل أن يؤتى الشفاء، ويهلك المريض قبل أن يركب الدواء، وعلم أن الليث لا يقتبس إلا زنده، ولا يفترس إلا وحده، وفي كفه أنصاره، وفي شدقه شفرته وناره، أقام للزحف أعلامه، وجعل أمامه، فنصر بالرعب، وفر عدوه قبل الحرب.(5/429)
وفي فصل منها: وحسبنا أن يكون من أصحاب المشئمة، فتواصينا بالصبر والمرحمة، وتذكرنا قوله تعالى {وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسرم لك من أصحاب اليمين} (الواقعة: 90، 91) فأخذنا يمنة الطريق، وتيممنا أويولة على الفج العميق، فإذا بصماء منه قد انكدرت فأمطرت علينا حجارة من سجيل، كادت تجعلنا [116 ب] كعصف مأكول، فقوم شدخت رؤوسهم، وقوم ضمت عليهم رموسهم، كأنهم كانوا بقية من اًصحاب الفيل، أو نفاية من قوم لوط.
فجئنا فلانة، وقد سد بابها، ونام بوابها، والسيل قد طمى، يحمل غثاء أحوى، فلم تشك القلوب أن نفوسنا ذائقة الموت، حتى إذا بلغت النفوس التراق، والتفت الساق بالساق، وقيل من راق وأشعر صاحب الحصن بمكاني، وقص عليه شاني، فأمر بفتح باب المدينة، وآواني إلى دار حصينة، وتقدم بالضرام فأجج، وبالطعام فروج، وبالمدام فشب وأسرج، وقلنا {الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن { (فاطر: 34) وكفانا المحن.
وفي فصل منها: ثم نفذت لطيتي، وقرنت بالعمل نيتي، في هواء سجسج، وأفق متبلج، حتى جئت المرية، وكان عهدي بها(5/430)
عهد طيف الكرى، بما بين العقيق إلى الحمى، إن سرى أصبح دونه بمراحل، أو هفا قطع المدى المتطاول، فكأني كنت ماء، وافق نفوسا ظماء، فكل فرج لي عن فلبه، وعانقني بكبده وخلبه، ولما لقيت المعتصم بالله - فتح الله له في البلاد، كما شرح بوده قلوب العباد - قال: مرحبا بالولي الحميم، والصديق الحديث القديم، أعنت لك عندنا أسباب أوجبت إقبالا، أو نحت بك نحونا ركاب طلبت فصالا - حل عن ذاتك، وأرح يعملاتك، فقلت: أيد الله مولاي، ما أجاءني حب الراحة، ولا طلب الإراحة، وإنما أنا في حكم شرع، وأداء فرض، فهو كالحج لا يحل فيه الصيد لا بالنص ولا بالقياس، والصلاة لا يصلح فيها شيء من أعمال الناس، وأنا أتمثل في ذلك قول الله: {وإذا حللتم فاصطادوا} (المائدة: 2) {فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} (الجمعة: 10) ولا بد أن آخذ فيما فيه شخصت، وله قصدت، وإنما هي كلمات مكدودة، وألفاظ معدومة، لا تورث الناطق كلالا، ولا السامع ملالا.
وفي فصل منها: حتى وصلنا إلى دار منفرجة الأقطار، مستوفزة الأنوار، [متدفقة الانهار] ، عواؤها جلاء للغم، وزيادة في العمر، ضياؤها شفاء للكظم، وانشراح للصدر؛ وكأن مياهها تنبعث من بنان(5/431)
سيدها، فصارت عينا سلسبيلا، وكان مزاجها زنجبيلا، أو كأنما مست عينا حيوانا، فأنبتت من الزبرجد ريحانا، ومن الزمرد شجرا فينانا، وجعلت من النارنج عقيانا، ومن زهر الآس لؤلؤا ومرجانا. وميل بنا إلى " التاج " وهو مصنع على مفرق القصر، من جانب البحر، مرد من قوارير، وألبس الصبح المستنير، وقلد قلادة الطاووس، ونقط نقط العروس، فممن يقول هو قبة الفلك، وممن يقول هو السماء ذات الحبك، وانهم {لفي قول مختلف، يؤفك عنه من أفك} (الذاريات: 8، 9) [117 أ] ونظرنا في صدره من الملك الهمام، كالشمس تجلت من الغمام، فقضينا فرض السلام، وأخذنا مراتب القعود إلى الطعام، يطاف علينا بصحاف من فضة وذهب، وجفان كالجواب أترعت من كل أرب، فلما أتينا على الري قمنا إلى الوضوء، فجيء، بطساس من التبر، وأباريق رصعت بالدر، ووضئنا بماء قوامه بلور، ومزاجه كافور، ثم قمنا إلى المصنع " الزاهر "، وهو نظير " تاج " من الجانب الآخر، لما أعد فيه للشراب، ما بهر الألباب، فألفينا موردا عذبا، ومحلا رحبا، كأن أطباقه مقل الجفون، ملئت من قرة العيون، وأكواسه مراشف الحور، تعل بنطف الثغور، طلعت منها شجرة مباركة النوى {أصلها ثابت وفرعها في السماء} (ابراهيم: 24) صيغ عودها من الحلي المنيل، وقام عمودها كأنبوب السقي المذلل، والتفت بأغصانها(5/432)
التفات الذوائب الجعدة، والتقت أفنانها التقاء الصعدة بالصعدة، فبينا نحن نعجب من شانها، ونستغرب مناظر زهرها وأفنانها، إذ سطع من جرثومتها دخان المجمر، وارتفع من خلال لبسها غبار العرف المعطر، من دون أن يبدو إلى العيان نارها، ويعلم أين يوقد هنديها وغارها، فقلنا: تبارك الله كيف تحرق نار تخالها هامدة، وتورق أشجار تحسبها جامدة، إن الذي أنطق الجذع والحصى، وخلق الحية من العصا، والنار بعد أن كانت ضراما، وقال: كوني على إبراهيم بردا وسلاما، لقادر على أن يورق الصلاد، كما أنطق الجماد، وعلى أن يعمل النار في الخمود، كما أبطلها عند الوقود، وقام بالجريال ساق جعل المنديل، مكان حمائل السيف الطويل، وأدار نجوما بروجها أيدينا، وشموسا تطلع منه وتغرب فينا، ولما [كنت] لا أشرب إلا مشتبه الشراب، كالمزر والد وشاب، قدم إلي قعب من نبيذ الأزاذ، ومصري الداذ، فرفع نديمي شهابا، وأبرزت أنا غرابا:
[لو تراني وفي يدي قدح الدشاب أبصرت بازيار غراب](5/433)
وفي فصل: وأوحي إلى المزمار أن ينطق، وإلى الأوتار أن تخفق، وإلى الغناء أن يذوب القلوب، ويشق الجيوب، ويحث الشمول، ويكفي الساقي أن يقول، وقد أسبلت على بهو السماع وقبة الغناء قطعة من الخسروان اللازوردية، قد ألهب بالذهب نحورها وحواشيها، وقرنت بالعسجد أسافلها وأعاليها، وكحلت بأسلاك الجوهر خطوطها ورسومها، ووصلت بالياقوت الأحمر دوائرها ورقومها، فجاءت كطرة نقطت [بالنجوم] ، ولبة الفجر رصعت بغير كواكب الرجوم، فاندفعت منها بلابل المداري تغرد، وحمائم الأوتار تصوب وتصعد، وأطيار المعازف تتجاوب، وأصناف [117 ب] الملاهي تتناوب، وأقبلت نجوم الطاس تنكدر في الصدور، وقلوب الناس تنتثر في الحجور، وما بقي عقل لم يقع في شرك، ولا جيب كان في سقه من درك.
وفي فصل: ثم خرجت بعد إلى المظفر [الرئيس] أبي مناد، فكأن أيام طريقي إليه، كانت كفارة لما أصررت في المرية عليه، وتمحيصا لذنب شرب المزر، وتضييع حق الخمر، ولم أر في التناقص علي عارا(5/434)
ولا قنعت بابهام السر حتى يكون جهازا، فعوضني من وقود الراح ببرد الرياح، ومن دبيب العقار بسكوب الأمطار، ومن هدير الكيزان بنعيب الغربان، ومن أنس الخيمات بوحش الفلاة، حتى أتيت حضرة الرئيس الأجل فألفيته غائبا، فكتبت إلى الوزير أبي عثمان رقعة أقول فيها: إذا كانت بأساء إثر نعماء، ومست ضراء بعد سراء، وافقت كاهلا لدنا فأثقلته، وخاطرا رطبا فأوحلته، وإني فصلت عن تلك الحضرة بعد أيام الشباب، وليال كذوائب الكعاب، سكنا منها في السواد من القلوب، وسلكنا بين المخانق والجيوب، أنقل من يد إلى يد، وأحمل بين جفن وخلد، إن ظمئت سقيت برد السرور على الأكباد، أو طربت أطمعت حلاوة الوداد في الاخلاد؛ ولله يوم " التاج " و " الزاهر "، عند الملك الماجد الباهر، فيا له من أنس وطيب، بين الخورنق والكثيب، في مجلس كأنما ألفت قواريره من خدود وثغور، وثماره من نهود ونحور، صعدنا فيه إلى العلياء، وصرنا كأننا من أهل السماء، نشرب النجوم بالأقداح، ونحيي الجسوم بالأرواح، فبتنا فاكهين فرحين، نزمر بالكؤوس، ونرقص بالرءوس، ونثاقف الاخوان، ونواقف الندمان، مواقفه الكرام، بشرب المدام، لا بحد الحسام، نسقي ود الصديق للصديق، ونطلب الصبوح بثار الغبوق، حتى أخجلنا الشمس بضياء الراح، وقمنا نقد(5/435)
السراج من ضوء الصباح، وقلنا: دين المسيح، يعبده كل مليح، فطفنا حول الدنان، بمصابيح الرهبان، وما زلنا نسمع باقتراح، ونشرب على ارتياح، ونصل اغتباقا باصطباح، حتى شبت مصابيحنا لقفال، وحان أوان ظعن وارتحال، فخرجت كالمقلة استلت من الأشفار، والنفس انتزعت من فلوذ أعشار، ثم ارتحلت من الغد عن مقام كريم، إلى عذاب أليم، لا أملك فيه أدمعي، ولا أجد نفسي معي، وسرنا بين جبال وحشة، ومياه دهشة، فصاردتنا من ريح عاد، ذات صر وأبراد، أضرمت نار البرحاء، وكظمت أنفاس الصعداء، ومن أخذ بكظمه كيف يرجو الحياة، ومن أطبق بغمه أين يجد النجاة -! وما شك غمام الثلج المنثور، أني من أصحاب [118 أ] القبور، فجعل يهدي إلي حنوطا وذرورا، ويندف علي قطنا ينثر كافورا، فلما تمت الأكفان، وصح الاندفان، طلعت إلي غرة الحاجب سيف الدولة أبي الفتوح، فقمت وقد انجلت عني المحن، وانتفضت فطار القبر والكفن، ومد إلي يد الرضوان، وغمسني في نهر الحيوان، فجعلت أطرف كما يطرف الفجر في سدفه الليل، وأنبت الحبة في حميل السيل(5/436)
ورأيت ملكا تقرأ النفاسة بين عينيه، وتبصر الرياسة طلوع يديه، حلي السيف باسمه فرقت مضاربه، وتوج الملك مفرقه فعزت جوانبه، جواد يندى في كفه الجماد، وتقدح بنبله الزناد، ويقتبس من وجهه الكوكب الوقاد، وعلى أعراقها تجري الجياد؛ كيف يعجب للسيف أن يقطع، ومن حديد الهند طبع، وللبدر أن يشرق، ومن نور الشمس استرق، وللبحر أن يزخر، وعن الريح المرسلة أخبر.
وفي فصل: فلما كمل المراد، ووقفت حيث وقف الاجتهاد، كتبت إلى ذي الوزارتين الكاتب أبي محمد بن عبد البر أستريح إليه بأنبائي، وأصف ارتجاج الجو من برحائي، رقعة أقول فيها: سيدي وسندي، وسهمة يدي، ونعمة أبدي، ومن أبقاه الله معافى من النوب، موقى من وعثاء السفر وسوء المنقلب، كم لله من منن جزيلة، وأياد جميلة، وعوارف وكيدة، وعواطف حميدة، وإن أولى نعمة بالشكر، وأحجى قسمة بالذكر، نعمة صرفت بأساء، ومسرة دفعت غماء، وإني كتبت بعد حال متى حوسبت بها فهي النوتة الأولى، أو جوزيت عليها فلي النجاة الطولى، لأن الله أكرم من أن يميت أكثر من ميتتين، أو يعذب أحدا عذابي مرتين، مع ما منيت به من تطاول الأسفار، ومقاساة الضرار، ولو أن هذا يكون مع صدق وأمل، ونجح وعمل، لبرد غليلا، وكان تعليلا، فكيف وما هو إلا رجاء سراب، ووجدان حساب.
وإني فصلت من ألش والشمس مجلوة الناظر، والجو كمقلة الساهر، فما(5/437)
كان إلا ك " ما " حتى التقت أجفان الغمام، ثم هلت إليه هل الدموع السجام، وصرنا بين صعيد زلق، وسماء طبق، ينثر قطره نبالا ويمطر وبله وبالا، وما زال الرعد يقصف، والمزن يكف، حتى خلت البحر صار سقفا، والسماء قد اسقطت علي كسفا، واستنجز القضاء، والتقى الماء والماء، فكلما أوينا إلى جدار كاد ينقض، أو لجأنا إلى قرار خسفت به الأرض، وقلنا: سنأوي إلى جبل يعصمنا من الماء. ويقينا معرة هذه البأساء، فما كان إلا أن لذنا بجانب الطور الغربي، وأستدنا إلى هضبة [118 ب] الفسطاط الشرقي، وهناك [من] يشرح لك سره، ويوضح عندك أمره، فكأن الله قد تجلى للجبل فجعله دكا، أو كاد موسى ينتقه علينا نتقا، فانحدر هضابا، وتقطع آرابا، وأهوى إلى الوهدة التي كنا في طباقها، والعقدة التي حصلنا بين أطباقها، فلم نشك في أننا من أهل القبور، قد صبت علينا أرازب منكر ونكير، ولولا أن الله لقننا الحجة، ولأوضح لنا المحجة، وأعاننا على الخصمين، وعلمنا التخلص من النكيرين، لضغطنا ضغطة القبر، ونالتنا معرة الفقر؛ ثم إننا أخذنا في الهرب، وأخذت السيول والأمطار في الطلب، فتارة نقع من(5/438)
الوعر في شرك، وأخرى نهفو من الوحل في درك، حتى وصلنا أوريولة، ولا نراها من تراكم الظلم، واختلاط العشايا بالعتم، إلى أن ضربت في أسوارها جباهنا، فامتلأت من غبارها أفواهنا، والدجى يكفننا بظلمائه، والثرى يدفننا في طينه ومائه.
وفي فصل: ومرت لنا الأيام لا نستطيع براحا، ولا نلذ غدوا ولا رواحا، فلما انقطعت ليال خمس، التفتنا الشمس التفات البكر، من خلال الستر، وصمت الماء من خريره، والهواء من صريره، فقلنا: قد يكون الرضى صماتا، والإذن التفاتا، وأخذنا في التفويض، وأسرعنا بالنهوض، وما زلنا في مسلكنا نموت ونحيا، ونتقلب بين الآخرة والأولى، حتى اصطلينا بنار الحباحب سيف الدولة أبي الفتوح، فقابل بوجه طلق وخلق سمح، فلما صرنا في ذراه، وكنفتنا نعماه، أنشدنا:
فقل للسماء ارعدي وابرقي ... فانا رجعنا إلى المنزل وفي فصل: ثم اما حان إيابي، وزمت ركابي، إذا بكتاب المعتصم بالله إلى المظفر يذكر وفاة خاله المنصور بن أبي عامر، فلزمني الكتاب إليه، فكتبت ورجلي في غرز الواثب، وهنا قبل سقط الراكب، فإن كانت سقطة في كلامي، أو عثرة من أقلامي، فإنما أوجبتها حقحقة السير ومسابقة السيل؛ وكان كتابي:
يا مولاي وسيدي المنعم، ومن لا زالت وجوه الكوارث عنه مصدودة، وأيدي الحوادث دونه مسدودة، بقاء المرء - أيدك الله - لفناء أسلافه(5/439)
ونماء أخلافه، كرامة للأدب، وسعادة للعقب، فما للإنسان يكون هلوعا، إذا مسه الخير منوعا، واذا مسه الشر جزوعا وإن كان المنصور مات فقيدا، فقد عاش حميدا، أو أمسى ملحودا، فطالما أصبح معمودا، لبث في أهله سنينا، وأقام في سلطانه مكينا، بين شفاء نفس، واستيفاء أنس، [119أ] وتوطيد دولة، وإقامة سنة، وحماية أمة، حتى كمل جده، وأتاه بالموت وعده، فذوى دوحه وقد أثمر غرسك، وأفل بدره وقد بزغت شمسك، فقال المجد: هذا ربي هذا أكبر، وصاح الملك: هذا ردئي، هذا أكثر، فهل هذه - أيدك الله - نعمة صغرى، أم هي قسمة ضيزى، وهل طفئ سراج ناب عنه صباح، أو خفي منهاج دل عليه مصباح، أو هلك هالك، عقبه مالك.
وفي فصل: ثم توجهت تلقاء مدين الأصعد، وموطن السؤدد، حضرة المعتضد بالله، وكان طريقي إليها على قرطبة، وكثيرا ما كنت اقترح بإتيانها، وإن كانت على هرم، وأتمنى وقفة فيها ولو على قدم، وأرغب زيارتها ولو اماما، وأود رؤيتها ولو مناما، لألمح دار الخلافة، وأرى بيت الرياسة، فخرج إلي أبو الحسن بن يحيى الوزير الجوهري، فأراني بحسن سمته وكلامه، ورجاحة عقله وتمامه(5/440)
مراتب الوزراء المتقدمين، ومناصب الفضلاء السابقين، فلما أديت الرسالة جعلت أسلك في منازة المدينة، وأنظر من تلك المشابه المبينة، فاذا برسومها قائمة الأعلام، ورموزها مفهومة الكلام، ونصبها ماثلة الشكل والقيام، إلا أنها كرداح مستها زمانه، وربحلة أدركتها من السن مهانة، لم يبق فيها إلا رسوم من الحسن كانتشاء الطرف، وإن مالت أجفان، وخطوط من الجمال كاعتدال الأنف، وإن سقطت أسنان، لكنها لم تفارق عطرها، وإن كانت بعد عروس، ولا تركت بزها وإن لم تطمع بمسيس، ولا دنست ثيابها، وإن كانت أسمالا، ولا عقت شبابها، وإن تجاوزت اكتهالا، فوقع بين قلبي ورونقها سفاح، لم يصدقه نكاح، وأمتع شمسي بمعتقها لصوق، لم يلحقه رفث ولا فسوق، ووقفت بالقصر المرواني، وطفت على المصنع القحطاني، وانتبذت إلى المنزه العبدي الرحماني، فاذا الثلاث الأثافي والديار البلاقع، فأخذت بالسنة في ديار ثمود، أسكب الدموع وأمجد المعبود، فقال قريبنا: هنا كانت قصورهم، وهنالك هي قبورهم، قد صارت مفاصلهم ترابا، ومساكنهم يبابا، وقد عادوا يسكنون القبور، وكانوا يستهجنون القصور، وظلوا يعتنقون الجلمود، وكانوا يسترهفون النهود، وصاروا يلزمون(5/441)
الطين، وكانوا يملون حشايا اللين، فقلت: أين من كان هنا من القيول الأبية، والملوك الأموية، ذوي التيجان المنظومة بالمرجان، والملابس المرقومة بالعقيان، والفرش المرفوعة إلى السكاك، والعرش الموضوعة على السماك، وقد نضدت بالنمارق، ومهدت على الأرائك، وحفت بالجنود [119 ب] عند القعود للسلام والأحكام، وأين أسراب تلك الجواري الكنس، في هروط السندس، كأنما ما استعارت من الكثبان أكفالا، ولا من الأغصان اعتدالا، ولا من الروض أردانا، ولا من الظباء أجفانا، ولا رنت إحداهن عن جفن هم بالتهويم، فنبه النديم، ونظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم، والآن: قد كحلت تلك العيون بالتراب، وكان كحلها كحلا، ولصقت تلك الخدود بالكثبان وكان تقبيلها أملا، وانهالت تلك الأدعاص في الصعيد، وكان التفاتها جذلا؛ فوقعت معتبرا، وما أبقيت عبرة إلا أرسلتها، ولا دمعة إلا أسبلتها، بكاء على المآل، لا على الأطلال، وعلى المصار، لا على تلك الديار، وعلى فقد الأحباب، لا على ذلك الخراب.
وفي فصل منها: ثم جئنا إلى المسجد الجامع، ونظرت من تلك المصانع، فرأيت بنيانا بديعا، وإيوانا رفيعا، شاده ذو عزم وتأييد، وبناه أولو قوة وأولو بأس شديد، فكأنما أرسته عاد، أو بنته ملائكة غلاظ شداد. مشينا من رتبة إلى رتبة، ومن قبة إلى قبة، حتى انتهينا إلى المقصورة فألفينا(5/442)
سقفا من فضة ومعارج إلى الجنة قد قرط سمكها بالذهب الأحمر، والفلز الأخضر، وبلط سطحها بماء الجوهر، وكافور المرمر، فكأن قبابها [قد] عقدت بالجفون الدعج، والحواجب البلج، وكأن درجات منبرها تكاسير الشعور، مالت على متون الحور، أو مناطق الأعكان، ضمت على الخصور اللدان، ألف من عاج كالمباسم، نقش نقش الدراهم، وأبنوس كالغدائر، طبع الدنانير، وصندل كأطراف البنان، كتبت بهدب الأجفان؛ ثم اعتمدنا إلى المحراب، فكل خر راكعا وأناب، وجيء بمصحف عثمان ذي النورين، يحمل على المفرق واليدين، فلما خلعت مطارفه، وفتحت صحائفه، اذا بمدرج من فردوس الجنات أنبت نباتا أخضر، وطرز كخدود الولدان كما أطلعت الشعر، وكأنما خطت بمجارس النحل، ونضدت من روادف النمل، فاستمد مدادها من قلوب الكافرين، وخلق خلوقها من عيون الشهداء والصديقين، فلذلك لم يحتج بيانه إلى ضبط ونقط، ولا افتقر قرآنه إلى أكثر من ورق وخط، جرى فيه كاتبه على سجية لسانه فأمن اللحن، وأخذ بسنة أهل زمانه فترك العجم والشكل، وأمر بقول رب العالمين {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجر: 9) فألصقته بكدي ليبرد ذلك الأوار، وأمرغت فيه خدي عسى ألا تمسه النار، ولمحت(5/443)
أثر دم الشهيد، فجئت [120 أ] من دمعي بأربعة شهود، وقلت: ألا فض فم الحسام كيف قصف لحمة، وأرغم أنف السنان كيف استرعت دمه، وتبا لعبيد الدار كيف أغمدوا شفارهم، وعجبا من بقية الأنصار كيف ضيعوا انتصارهم، و {لا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} (الواقعة: 75) لو شاهدت [يوم] ذلك البرح، لصار القلم في يدي كصدر الرمح، وأضحى المقط في يدي أبيض مثل السيف، ولكانت سكيني هنالك حساما، ويميني عمرا وصمصاما، وقلبي على لينه جمادا، وسعيي على ضعف حويله جهادا، حتى أرمي من رمى في المقتل، وأقتل دونه قتلة المكب المقبل.
ثم خرجنا وقد صدئت نفوسنا، ووجلت قلوبنا، وخلت من الدمع عيوننا، ولم يتسع يوم الإقامة، لأكثر من هذه المقامة. باكرت الرحيل، ويممت في الغد الملك الجليل، الذي ضارع به المشرق المغرب، وسادت لحم سائر العرب. فلما فصلت عنها ورأيت من حسنها وجمالها، واتصال مساكنها وظلالها، ما حبس عليه ناظري، وجذب إليه خاطري، فقلت:
سقى جديدا من الأيام قرطبة ماء الشباب وريق البارد الخصر
وقفا يمد الندى في روضه شرقا من الغمام مع الآصال والبكر
كأنه فيه والإمساء يبسطه رداء إلفين قد صاروا إلى وطر
حتى إذا شيب كافور الصباح به أضحت تصعده نار من الزهر
وبين هذين من لين ومن لطف روح يقيم سجود النجم والشجر(5/444)
لليل فيه سواد يستهام به كأنه في سواد العين والشعر
وللنهار سنا يحكي تبلجه نور البصيرة مقرونا مع البصر
كأنما شمسها تحت الغمام سنا وجه تنفس في مرآته نضر
والطل فيها غداة القطر تحسبه حليا سقى زهر اللبات بالدرر
وصفحة النهر الفضي مبسمه في روضها مثل خيط الفجر في السحر
ثم نفذت لطيتي، وأخذت في وجهتي، وكان لا عهد لي بلقاء المعتضد بالله - تخول الله الدين والدنيا ببقاه، وأدام به على الزمان بهاه - وله من بعد الصيت ورفعه الشان، وفخاخة الذكر وعزة السلطان، ما تهاب النفوس سماعه، كما تألف الجفون اطلاعه، وتجل القلوب [120 ب] مكانه، كما تستلذ العيون عيانه، فأدركني من توهم لقياه، وتخيل سناه، ما يدرك راكب البحر قبل نشر الرياح، وشارب الخمر قبل امتزاج الراح بالراح.
وفي فصل: ثم لقيته من الغد فقابلت من وجهه بدرا تأخذ منه البدور، وقبلت من كفه بحرا تغرف منه البحور، ولا غرو أن تغترف من بحر بحار، وتستمد من نور أنوار، فإن مادة البحور، من البحر المسجور، وعلة الأنوار، شمس النهار، وشاهدت منه منظرا استمال عيني حتى عقد به أطرافها، ومخبرا استهوى نفسي حتى كره إلي انصرافها، وظل ينفث من نبله سحرا أضبطه بذهني، وينثر من لفظه درا ألقطه بأذني، حتى صارت لي الثريا قرطا، والمجرة مرطا(5/445)
وأخذت في الرسالة، فلما سامح الأدب، وساعد المذهب، قلت: أيدك الله، إن من أرسل رسولا في مهم تطلع، ومن رجا صديقا لدفع ملم توقع، لا سيما إن رجاه شفاء من الخطب، واستهداء هناء لموضع النقب، فقد تعلم كيف نظر السقيم إلى العائد، وناهيك إن كان طبيبا، والتفات المقيم إلى الوارد، ويكفيك إن أورد محبوبا، وإن رئيسي - معظمك - أرسلني إليك وانتظر، وأوفدني عليك ثم استمطر، وقد رأى أن إسعادك مراده، وإنجادك مراده، فلوى عنك ما بطأ السباق، وعاق دونك ما أخر اللحاق، حتى تطاول الزمان، وحالت الأحيان، وفي ذلك من تعذيب نفسه، وإرجاء أنسه، ما يدعو إلى إشفاقك من شغل باله، وارتماضك من نكد حاله، إذ لا يلذ بحال يدري ما له عندك، في حلوه ومره، ولا ينعم ببال حتى يجتلي ما تنهيه إليه من جدك، في يسره وعسره، فلك الفضل في إيشاك إيابي، وإراحة مآبي، حتى أسرع بسرائه، وأقطع بما يزيد في مضائه. فخاطبت بما اقتضيته من إيجابي، وألفيته من سريع اطلابي، وكتبت إلى الوزير أبي الوليد بن زيدون برقعة أقول فيها: لم أزل منذ فارقت الشرق، وتخلفت ذلك الأفق، أتقلب بين ثلج يكفن، ووحل يدفن، وريح تبعث من في القبور، ورعد ينفح في صور النشور، وبرق يرمق أصحاب الجحيم، ويريهم صورة العذاب الأليم، إلى أن وصلت محل العليا، ومنتهى سدرة الدنيا، حضرة(5/446)
المعتضد بالله وقلت: {فنعم عقبى الدار} (الرعد: 24) ما ينكر لأهل الجنة السلوك على متن النار، وكنت أسمع أنباءه فأستغرب، وأنزع تلقاءه [121 أ] فأستدني واستقرب، حتى رأيت عيانا، واستوضحت بيانا، فاذا الخبر أزرى بالخبر، [والعيان أربى على الأثر] ، وقلت: بحق سأل الكليم رؤية الرب، وقال ابراهيم {بلى ولكن ليطمئن قلبي} (البقرة: 260] وإني رأيت ملكا لا يصعد الطرف إليه إجلالا، ولا تطيق النفوس عنه انفصالا، قد جمع مهابة العدل، إلى ودادة الفضل، وجلالة المنصب، إلى لطافة الأدب، وركانة القعدد، إلى بشاشة التودد، وبرق الحسام، إلى ودق الأيادي الجسام، إن رمق الأعداء فأجفان نصاله طارفة الشفار، أو وصل الأوداء فأنداد بناته آلفة الأوطار، ضالته الحكمة، وشريعته الحجة، وإن رأى حقيقة أنصف، وإن رمى بحجة أهدف، يصيب بذهنه حدق الغيوب، ويعلم بظنه خائنة الأعين والقلوب:
الأ لمعي الذي يظن لك الظن كأن قد رأى وقد سمعا
وفي فصل [منها] : والمعتضد بالله لا يدع في ذلك تأنيسي بكل تحفة يهديها مع الأحيان، وطرفة يوليها مع كل دقيقة من الزمان، ولقد(5/447)
تاحفني يوما عندما طرأت الأشابيل في النهر، وانسربت من البحر، بعدة أسماك منثنية الذوائب متمكنة الحياة، لدنة النقل والحركات، فظلت في مائها تطير سابحة، وتسبح طائرة، وأقبلت تأخذ مرة جائية وأخرى سائرة، وقد تخمنت بالعقيان في جفونها، وتتوجت بالجمان في عرانينها، وتطوثت بالمرجان في عثانينها، وعذرت بالريحان فوق متونها، وشابت قبل الإسنان بطونها، وأربت على النشوان في اضطرابها ولينها، فأعلمت فكري في شذوذ هذه الصفات، وغرابة هذه الآيات، حتى عرفت تعليلها، وفككت تأويلها، فإذا بها قد شربت ماء نداه فلم يعدم حيوانها، ورأت محياه فخصت بالحلية أجفانها، وقبلت بساط مثواه فطوقت بالدر مراشفها.
[فصل] في ذكر الوزير الكاتب أبي جعفر بن جرج والإتيان بقطعة من محاسن نظمه ونثره
قال ابن بسام: وكان أبو جعفر وقته أحد الأعلام، وفرسان الكلام، وحل آخر أيام ملوك الطوائف بأفقنا من الدول، محل الشمس من(5/448)
الحمل، فحملها على كاهله، وصرف أعنتها بين أنامله، حسن شارة، وكرم إشارة، وعلو همة، وظهور نعمة، وله رسائل مطبوعة، ومنازع إلى الأدب بعيدة، وقد كتبت في هذا الفصل من نظمه ونثره، ما يعرب عن كنه قدره.
جملة من نثره [121 ب]
لما حل ابن طاهر أبو عبد الرحمن من وثاقه، وخرج خروج الزبرقان من محاقه، خاطبه برقعة قال فيها: ما أعجب الأيام - أعقبت منها السلامة والسلام - فيما تقضي، وكيف تمضي، تتعاقب بتلوين، وتتراءى بين تقبيح وتحسين، وهي تعتب وتعتب، وتعتذر كما تذنب، وتصدع وتشعب، كما تجد وتلعب، وإن صنيعها عندنا فيك وإن كان ألام فقد أحمد، إذ أخمد ما أوقد، فعاد غيث على ما أفسد، وإن يكن - حمى(5/449)
الله دارك، وأدنى أوطارك - كشفت إليك صفحة اعتزاء، وتخطت حماك بقدم اعتداء، فقد تراجعت تمشي على استحياء، متنصلة مما اجترمت، متأسفة على ما اخترمت، وعند مثلك للقدر التسليم، فأنت الخبير العليم، أنه ما اختلف الليل والنهار، إلا بنقض وإمرار، ولا دار الفلك المدار، إلا بطوالع ومغار، وكنت في الأرض من أسنى مطالعها الباهرة الأنوار، فلا غرو أن أدركك ما يدركها من الأفول حينا والسرار. فقد تكسف البدور، ثم تعاودها الاضاءة والنور، والحمد لله أخرجك من ظلمات تلك الغماء، خروج السيف من الجلاء، والبدر بعد الانجلاء، تقي الثياب من تلك الطيخاء، وستر الله تعالى دونك ضاف منسدل، وقدحك في كل حال من بلاء وإعفاء فائز معتدل، ولا تأس على أعراض الدنيا فهي رهينة بزوال وذهاب، " وكل الذي فوق التراب "، هنأك الله وهنأ أهل الفضل فيك طرا هذا الصنع الأجمل، وجزى الله الوزير الأجل [الأكمل] عماد الكل جزاء السادة الذادة الأحرار، ذوي الأنفة والانتصار، فيا لها منقبة [تنقب] في البلاد، ومكرمة غراء ترد بهيما كل أغر جواد، سرى لها(5/450)
وقد نامت عيون، وتغاضت جفون، فأحمدت به السرى، حين نضا الصبح ثوب الدجى، وانحسمت تلك الخطوب عن حياته دون حسامه، كما انصدع عن الصديع ممزق ظلامه، ولقد رمى [فأصابت صوائب سهامه، " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى "] (الانفال: 17) وهكذا يكون الرأي الأصيل، والسعي الجليل، والرعي الجميل، والوفاء الذي قصر عنه قصير، أبقاه الله بقاء هذا الأثر، الذي يبقى بعد فناء البشر.
ومن جواب أبي عبد الرحمن له على هذا الخطاب: وافى كتابك الكريم رائدا في جناب التسلية، ومنيرا من أفق المشاركة والتهنية، وأي أنس لم أجتن منه وكل فصل فيه أنا الشاكر عنه، والأيام - كما قلت - تلون بين الإسادة والاحسان معلوم، وتقلب [122 أ] بالإنسان قديم، تنقص غب ما تبرم، وتعترض على إثر ما تسلم، فالتفويض إلى الله في خطبها أهدى، والرغبة في ثوابه جل وتعالى أحرى، وكان لها بحكمه [إيغال] في جانبي، وإطلال على نوائبي، عبس لها الزمان إلي وكان مبتسما، وتشعب وما زال منتظما، إلا أنه تعالى بلطفه الحفي، وصنعه الحفي، ألهم إلى الصبر، ودل على ما يعود بالأجر، فسايرت الغمرة كما سايرتني، وتجلدت لها كما نالت مني، وأتاح الله خلالها ذخرا كريما انتضى لي حساما من رأيه صقيلا، وبذل دوني مذهبا في سعيه جميلا(5/451)
فابتزني من يد الدهر، وخلطني بنفسه في الحلو والمر، واحدي الوزير الأجل أبا بكر بن عبد العزيز - أحسن الله ذكره، وأدى عني شكره -.
وبعد، فحق مساهمتك جليل، وثنائي على مبرئك موصول، ولا ارتياب عندي بانزعاجك أولا وابتهاجك آخرا، وصحة مودتك باطنا وظاهرا.
ولأبي جعفر بن جرج من أخرى: ورد كتابك [الكريم] حلو المناسمة جزل الضريم، كما عصفت الريح وهب النسيم، ومعلوم - أعزك الله، والعذر في ذلك قد قدمناه - أن الجذاع لها نشاط، وأن القرح من الإعياء على سقاط، فكيف نذارعك هذا البساط، وأنت تفتن من الكلام بين المطبوع والمصنوع، وتأخذ بطرفي الموصول والمقطوع، فطورا في سهول الوهاد، وطورا على حزون النجاد، فمن لي وكيف لي، بمن سيله يحط الجندل من عل:
هو السيل إن واجهته انقدت طوعه
وتقاده من جانبيه فيتبع
ومن شعره، قال في النسيب:
وخذ تأنق صباغه قد اختلفت فيه أصباغه
فللدر والورد أبشاره وللمسك والآس أصداغه
بديع المحاسن قد صاغه فأبدع ما شاء صواغه(5/452)
نتيج من الشمس في قالب من الصبح أحكم إفراغه
جبيب له مقلة، طرفها عدو فؤادي لداغه
وقال:
يا أملح الناس بل [يا] فتنة الناس يا غصن آس لأدواء الهوى آسي
يا من أشبهها حسنا إذا طلعت بدرا على غصن يهتز مياس
ما لي وما لك تجزيني قلى بهوى كفى بهذا فدتك النفس من باس [122 ب]
وقال:
كم بالمواكب من زور على رقب خطرا على الهول في غاب القنا الأشب
أسمو إلى نير الأفلاك مرتقيا حتى خلوت بشمس الخدر في الحجب
وأنجم الجو تبدو في حدائقها كالنور أزهر في أحوى من العشب
ثم انثنيت وقد رويت من غلل هميم ولم أنس بقيا الدين والحسب
وقال:
هم صيروني خيالا غير منتعش لا أستبين من الأسقام في فرش
ان الهوى كتب الآجال في مقل ال آجال من أنس عن وصلنا وحش
بيض مناظرها سود غدائرها كما تلاقى جيوش الروم والحبش
كيف النجاة لقلب بات منتهشا ما بين عقرب ذاك الصدغ والحنش(5/453)
أهله في ليال السعد مطلعها أفلن من كلل هلهلن في غبش
جناب روح أرى ورد النعيم به ولا ورود وقد أشفيت من عطش
يا عيشة النفس يا روح الحياة لها رحماك لولا رجاك النفس لم تعش
وقال:
ومذهب الخد لم يذهب بابريز مطرز الصدغ لم يرقم بتطريز
قد راق بالنور حتى ما نحدده بأنه بشر إلا بتمييز
بدائع بكمال الله شاهدة معجزات سواه أي تعجيز
وقال:
ساروا فودعهم طرفي وأودعهم قلبي فقد بعدوا عني ولا قرب
هم الشموس ففي عيني إذا طلعوا في القادمين وفي قلبي إذا غربوا
وله يندب أطلال الزهراء:
سقى الله زهراء القصور وإن بدت لعينيك غبراء الدثور حيا المزن
فلا جو كالجو الصقيل بأفقنا وذاك الهواء الغض كالملمس اللدن
على قدر ما أعطى العيون من الحسن سناها غدت تعطي النفوس من الحزن
وكم قد جنت تلك المنى أهلها المنى فأضحت وما غير الأسى رائد اللحن(5/454)
عفا حسنها إلا أزاهر دمنة وعرفا كأن المسك فيها من الدمن [123 أ]
تذكرنا تلك المباني بعرفها وبالزهر تلك الأوجه الزهر [في] الحسن
إذ الملك فيها والملوك أعزة وفيها الغنى لو كان ذاك الغنى يغني
ووقف أبو جعفر بن جرح على قبر أبي عامر بن شهيد فرأى شعره المنقوش الذي يخاطب فيه صاحبه الزجالي:
يا صاحبي قم فقد أطلنا أنحن طول المدى هجود
- الأبيات؛ فقال أبو جعفر:
ماذا طوت ويبها اللحود من كرم فرعه حصيد
هذا الشهيدي رهن قبر وشعره ناطق شهيد
بادرني في الصفيح منه محاور صحبه مثيد
وأفصح القبر باعتبار وامتع القول والنشيد
كيف يحير الجواب قوم كالتراب في تربهم هجود
قد عفيت منهم جنوب وعفرت منهم خدود
ونخرت بالبلى عظام وانتثرت في الثرى الجلود
كم شيدوا في الدنا قصورا وقصرهم ملحد مشيد
كم نعموا لذة وكم قد غادتهم بالكؤوس غيد
ما منهم ان دعا سئول مبدئ قول ولا معيد
[ومنها] :(5/455)
أعزز أبا عامر علينا أنك من دوننا الفقيد
لو كنت تفدى فدتك نفسي وطارف المال والتليد
كم لك من منطق صؤول فصل كما تزأر الأسود
أين غماماتك الغوادي يروى بها الوهد والنجود
أين وزاراتك الهوادي أين إماراتك الصعود
ولت كما أقشعت سحاب فلا بروق ولا رعود
أودى عميد الورى فكل ال ورى لفرط الأسى عميد
ان تحتصدك المنون حصدا فكل زرع غدا حصيد
ولو تنيل العلا خلودا كان لتلك العلا خلود
إيه أبا عامر وأنت ال جواد بالقول لا تجود
إنا أزرنا الركاب قصدا قبرك حق له القصود
كالبيت تهوي إليه شعث ومشعرات الهدي قود
جاد بذاك الثرى ربيع كمثل ما جاد منك جود
ليزهر النور في ذراه كأنه لفظك البرود
يقول من جاءه أوشي أم ذلك المنطق السديد
وقال أيضا يرثي أبا بكر بن عمار من قصيد أوله:
قد طال ما عمر المرء ابن عمار مستدرجا بأماني وأخطار
يملي له وتملى كل ما وطر وللمقادير فيه أي اوطار [123 ب]
استدرجته لما قد أدرجته به حتى أتى لمناياه بمقدار(5/456)
موارد خفيت عنه كصادرها والحين ما بين إبراد وإصدار
وهل معمر قوم خالد أبدا ولو غدا العمر موصولا بأعمار
وهل ممتع حال دائم أبدا والدهر رهن باقبال وإدبار
مستوزر لم يئل منها إلى وزر كم قد تحمل من أعباء أوزار
والمرء محتقب شرا وتحسبه خيرا [لاشكال] إبطان وإظهار
تأتي الأمور إذا أقبلن مشكلة لكن تفاسيرها تغري بادبار
وليس مقتبل أمرا كمدبر ما خابط الليل كالساري بأنوار
ومن يقده الهوى أشفى به عمها على شفا جرف يهوي به هار
وان مضى فلقد جد الردى فمضى للمبطلين ببطال ونظار
ومحاسن أبي جعفر أشهر مما أثبت، ولا يفي شرط الكتاب بأكثر مما كتبت.
فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي الفضل بن حسداي الإسلامي وإيراد جلة من نثره ونظمه
كان أبوه يوسف بن حسداي بالأندلس من بيت شرف اليهود، فنجم(5/457)
بأفق سرقسطة في ذرا دولة ابن هود، وكان له في الأدب باع، وبما حمل من أعباء تلك الدولة استقلال واضطلاع، وقد رأيت له شعرا لم أروه فأجتلبه، ولا استجدته فأبحث عنه وأطلبه. ونشأ أبو الفضل ابنه هذا صفة احتملها، وكناية اختزلها، هضبة علاء، وجذوة ذكاء. وذهبوا أن جارية ذهبت بلبه، وغلبته على قلبه، فجن بها جنونه، وخلع اليها دينه، وعلم بذلك صاحبها فزفها إليه، ووضع زمامها بين يديه، فتجافى عن موضعه من وصلها، أضيع ما كان بين دلالها ودلها، أنفة من أن يظن الناس أن إسلامه كان من أجلها، فحسن ذكره، وخفي على كثير من الناس أمره.
وهو أحد من عني في هذا الاقليم، بالنظر في أنواع التعاليم، على مراتبها، وتناول الفنون من طرقها، وأحكم علم لسان العرب، وبلغ الرتبة العليا من البلاغة في الشعر والأدب، فطارت الكتابة باسمه، وخلت بينه وبين حكمه، ولم يكن له بالشعر [124 أ] فضل عناية، فلم يجر منه إلى بعيد غاية، وقد أثبت من كلامه ما تعلق بحفظي، ووقع في شرط صدري؛ وكان بالجملة كما وصفه أبو عبد الرحمن بن طاهر في فصل من خطاب خاطب به المقتدر بن هود يقول فيه: " والوزير(5/458)
الكاتب أبو الفضل، وحيد الفضل وينبوع النبل، وما عدا قول القائل:
إن أبا الفضل له فضله وأين في الناس فتى مثله
جمع الخلال الزكية فاحتواها، ورأى تلك الجلالة فاحتذاها، وحق لمن ربي في حجرها، وارتضع بدرها، أن يتبين فيه رجحانها، ويتنسم عليه ريحانها، وأن يكون له الشفوف والتبريز، ويتحلى به الجانب العزيز ".
جملة ما انتخبته له من ترسيله
فصل له من رقعة إلى ابن رزين: كنت أرتاح إذا ومض من أفقه البسام بارق، أوذر من سمته الوضاح شارق، فأقتصر من تلقائه على استنشاق نسيم، وأنى لي من عرار نجد بشميم، حتى ورد ما أمتع بوابل بعد طل، وسقى نهلا ووالى بعل، واستوهب بمعجزي سحر حرام وحل، قد قصر الله عليه الإبداع: [طورا] في الندى ببراعة خطيب وبلاغة كاتب، وطورا في الوغى ببديهة طاعن وروية ضارب، والرب يديم إمتاع أشياعه ببارع جلاله، ويصون عيون الحوادث عن كماله، بمنه.
واستوضحت ما أومأ إليه من نشد العبد الآبق، على النهد السابق(5/459)
وقد أعلمت في بقائه المكايد، وبثثت في اقتناصه الحبائل والمراصد، فكأن الرياح تخطفته، والبحار فمرته، والبلاد أخفته وأضمرته، وكيف يظفر بعبد حوش الفؤاد، شكيس القياد، رغب عن خضوع المماليك، ولحق بذ ؤبان الصعاليك، يعتسف شتى المسالك، ويعروري ظهور المهالك، فاتح كاسمه سائح، على أجرد سابح:
كأن على أعطافه ثوب ماتح
وعسى أن يعود هذا الذاهب وشيكا إلى ملكه، وينتظم المتبدد من سلكه، وإن ند هذا الشارد، فما يأسى له الفاقد، فلا حظ في ارتباط غادر، ولو أربى في البأس على أسد خادر. وما أولاه - أيده الله - أن يرتاد لصنيعه طريق المصنع، ويودعها خير المستودع، وأن يرتاب بالثقات، ويسيء ظنا بالخدم تفرسا في السمات، وقد عري عن الخير من جمع تلك [124 ب] الصفات: من زرقة مقلة، وصفرة بشرة، وحمرة شعرة، لا جرم أنه نزع بدناءة الأروم، إلى أشباهه الروم، فليبعد مثله، فسيناله ما هو أهله، ويوبقه غيه وجهله.(5/460)
وله من أخرى إلى المستعين يتعذر من خروجه عنه: الدهر - أيده الله مولاي - منتقل متقلب، والدنيا دول وعقب، ومقام القطان في الأوطان، كمقام الأرواح في الأبدان، تصحبها إلى آجال موفاة، عند آماد مستوفاة، فمدد الأحوال مناسبة للأعمار:
وإنما الناس نفوس الديار
وقد عمرت ذلك الأفق ما امتد المهل، فلما نبا أجد الظعن والتحول، وليس للمملوك على مولاه حق يدعيه، ولا مطلب يقتضيه، وإنما هو إحسان يوثق ويقيد، أو تسريح يطلق فيشرد، قال تعالى {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} (آل عمران: 159) وقال الحكيم: " من لان تألف، ومن شد نفر "؛ ولكل مقام مقال، ولكل زمان رجال، وفي كل مضيق مجال، وقلما اطردت الحظوة في الدول، لمن اختص بالأسلاف الأول، ومن خدم الآباء لم يخدم الأولاد، فضلا عن من خدم الأجداد، وأنا أية تصرفت، وحيث تقلبت، العبد القن، فليحسن بي الظن، فإني لا ألم بنقص ولا ثلم، ولا أهم ببغض ولا وصم. ومن أملي أن ألقى مولاي يوما من الدهر، بوجه يسفر عن أساريره الزهر، صافي الفرند من صدأ [يعيب] ، نقي الأديم من خجل يريب، وله علي من كرم العهد كالئ ورقيب(5/461)
وإن أضمرتني من جوانح البلاد حجب وغيوب:
فلو كنت بالنقاء أربا سومها لخلتك إلا أن تصد تراني
وقد خاطبت من ثقت بوده، وأنست إلى جده، فإن جاد مولاي بالصفح، وعاد بالخلق السمح، فهو الذي يضطره إليه عالي منصبه، وسامي رتبه، وإن صرم الحبل، وجذم الأصل، فهو حكم الزمان الفاسد، ولا نعمى للشامت الحاسد، فليس بالباقي ولا الخالد، فكل عرض ذاهب مع جسمه الفاني، و " ذكر الفتى عمره الثاني " وان استحل حرام، من دار أورثها كرام، فالعفاء على الجفن إذا سلم الحسام، وقد صانه وأغمده، من زانه إذا تقلده، وإن تعدى إلى تغيير الرسوم، فربما لبس على الإقواء ثوب النعيم، وقد قال سقراط: اذا انكسر الحب لم ينكسر المكان، ولا يتسع في تغييره الامكان، ولك في ما تراه المثل الأعلى، وفي ما تتوخاه الشرف الأزكى.
قوله: " وانما الناس نفوس الديار " لفظ بيت علي بن محمد الإيادي، حيث [125 أ] يقول:
ماتوا فماتت أسفا دارهم وإنما الناس نفوس الديار(5/462)
وقوله: " فالعفاة على الجفن إذا سلم الحسام " من قول المعري في مرثية في أبيه، ومن جملة شعر يقول فيه:
وإجلال مغناك اجتهاد مقصر إذا النصل أودى فالعفاة على الجفن
وقوله: " فربما لبس مع الإقواء ثوب النعيم " من قول أبي نواس:
لمن دمن تزداد طيب نسيم على طول ما أقوت وحسن رسوم
تجافى البلى عنهن حتى كأنما لبسن على الإقواء ثوب نعيم
وإنما أخذه أبو نواس من قول أحد الأعراب:
شطت بهم عنك نية قذف غادرت الشعب غير ملتئم
واستودعت سرها الرياض فما تزداد طيبا إلا مع القدم
أو من قول الآخر:
ما غير الدار بعد ساكنها ريح ولا ديمة ولا مطر
كأنها ترعة يمانية قد نشرت في عراصها الحبر
وقال الأخطل:
لأسماء محتل بناظرة البشر قديم ولما يعفه سالف الدهر
يكاد من العرفان يضحك رسمه وكم من ليال للديار ومن شهر(5/463)
وقال أبو صخر الهذلي:
لليلى بذات الجيش دار عرفتها وأخرى بذات البين آياتها سطر
كأنما م الآن لم يتغيرا وقد مر للدارين من بعدنا عصر
وقال مزاحم العقيلي:
تراها على طول القواء جديدة وعهد المغاني بالحلول قديم
وله من أخرى: الناس - أيد الله مولاي - أطوار، وللبصائر ظلم وأنوار، وأكثرهم ساع لأمر لا يدركه، مراع لرأي لا يملكه، والحق مستبهم على من يتعسف المجهل فيما يسلكه، ومن أبصر رشده، واستوضح قصده، أمضى عزمه مجدا في سعيه، ولم يستشر غير نفسه [125 ب] في رأيه، وقد سدد الله تعالى وأنجح المسعى، وقذفتنا غربة النوى، حين هوت بي حيث الإلف والهوى، وله الطول في الإذن والقبول، والتوطئة للحلول، بتمهيد منزل يتبوأ، وبمديد ظل يتفيأ، لا زال فناؤه للقصاد مألفا آهلا، وحرما آمنا.
وله من أخرى عن المؤتمن إلى ابن طاهر: محلك - أعزك الله - في طي الجوانح دان وإن شط المزار، وعيانك في أحناء الضلوع باد وإن نزحت الديار، فالنفس فائزة منك بتمثيل الخاطر بأوفر الحظ، والعين(5/464)
نازعة إلى تمتع من لقائك بظفر اللحظ، فلا عائدة أسبغ بردا، ولا موهبة أسوغ وردا، من تفضلك بالخفوف واصلا مسعدا، إلى مأنس يتم بمشاهدتك التئامه، وشمل يتصل بمحاضرتك انتظامه، ولك فضل الإجمال، في الامتناع [من ذلك] بأعظم الآمال، والإعداء على الأيام بقضاء دين ممطول، وإنجاز موعود لم أحل منه بغير تسويف وتعليل، وأنا على شرف سؤددك حاكم، وعلى مشرع سنائك حائم، وأنت - وصل الله سعدك - بسماح شيمك، وسجاحة خلائقك وهممك، تنشي للمؤانسة وعدا، وتوري بالمكارمة زندا، وتقتضي بالمشاركة شكرا حافلا وحمدا.
وله من أخرى عنه أيضا: وردني كتابك، أحسن ما أملاه خاطر، واجتلاه ناظر، من ألفاظ ومعان، اطردت في سلك إبداع وبيان، فحيت بالروضة الأنف، وعادت بعذاب النطف، وهو المقال الصادر عن كرم الطبع، الدال على شرف الأصل والفرع، الذي تفتر عن واضح الود مباسمه، وتنشق عن ناضر العهد كمائمه، وتنهل بواكف البر غمائمه، وقد وعيت منه ما توفر به الحظ، وتسوغه السمع واللحظ(5/465)
وإن كانت لك مزية السبق بفضل البيان [الذي] يبذ الجاهدين عفوة، ويفوت المجتهدين شأوه، فالتكافؤ واقع بالتساوي، والتوازي نازل بمحض التجازي، اكتفاء بما تضمره القلوب، وتستشفه الغيوب، وهو اليقين الذي تجد النفوس برده، وتقف المعارف عنده.
وله عنه من أخرى: أنا على رسمي في الحظ الموفور منك منافس، وإلى عهدك الكريم النضير آنس، ولما انتظم بيننا من مواثيق الوفاء كالئ حارس، وان سدت دون اللقاء المطالع، فما صدت عن الصفاء المشارع، وإني لأدخرك للجلى، وأجيل في الاعتداد بسنائك القدح المعلى، [126 أ] والله يديم للعصر التحلي بمحاسنك، ويوضح سروه بسمات فضائلك:
وله من أخرى: إذا انتظمت القلوب - أعزك الله - بالوداد المكين، ووردت بصفائه في المشرع المعين، تساوى البعاد والاقراب، ولم يوحش التوقف والإغباب، ولا مزيد على ما تحققه من جنوحي إلى فضلك، وتصريحي بأحسن الثناء على جلال محلك، واعلم أن عهدك الناضر لا يذوى، وبرك المستجد لا يبلى.
وله من أخرى: المقدمات توطئ في الكلام لإيضاح النتائج، وإمرار الكلام على اطراد المناهج، وأما إذا كان المطلوب جليا متبينا، والوداد المرتاد في النفوس زكيا متمكنا، فتكلف ما يستغنى عنه عي(5/466)
لا سيما إذا خوطب ذكي ألمعي، ومثلك الحميم الكريم الذي يتيقن صفاؤه، ويدخر وفاؤه؛ وكنت قد خاطبتك مشعرا نيتي في التحول، سوعزمي في التجول، حتى تلقى العصا، وتستقر النوى، حيث الصغو والهوى، وأومئ في ذلك إلى البيت الذي يعرف ويروى:
تقول سليمى لو أقمت بأرضنا ولم تدر أني للمقام أطوف
وقد تفسح المسلك بما يسره الله من تملك تلك القاعدة، وأنا بحول الله مزمع للرحيل، إذا انفرجت السبيل، فطولك في إعلامي بحال المسالك من مرسية إلى المغارب المتياسرة والمتباينة، وكيف مكان التشييع حتى يوصل إلى مأمن بذمام لا يخفى وعرف لا ينكر، فأمجدني من ذلك بيانا، كأني قد شاهدته عيانا، فالحازم الذي يسدد إلى الغرض قبل إرسال سهمه.
وله [من أخرى] إلى ذي الوزارتين أبي بكر بن عمار عناية بابن الحداد: المحاسن التي تؤثر عنك بالسرو والسناء، والمحامد التي تتلاقى عليك بها ألسنة الثناء، تميل إليك أحناء القلوب، وتقف عليك نخائل(5/467)
الصدور، وقد أصبت بفضل الله حلية الزمان، ومفخر الأوان، ومسمى عيون الأفاضل والأعيان، بما نزعت به من كرم الخلائق، وسمو الهمم السوابق؛ وما زلت - أدام الله عزك - تجلو على المتوسلين إليك صفحات البشر، وتنزلهم في ذراك عرصات الإجمال والبر، فتجني ثمرات المجد، وتتنشق نفحات الشكر [والحمد] .
ومن أولئك الأعيان الأكابر، [بل] المبر عليهم بخصائص المآثر، فلان، فاني ما أفاوضك في وصف مناقبه، وأعلمك بكريم ضرائبه، واعتلائه [126 ب] في مراقي العلم وتسنمه، وشفوفه بالبراعة في الإبداع وتقدمه، مفاوضة من يسم لديك غفلا، وينبه خاملا، ويذكر ناسيا، فإنك أعلى ملحظا، وأزكى تيقظا، من أن يغيب عليك مكان مثله، ولا يقرر لديك سمو محله، في إحسانه وفضله، وحسبك به جملة تغني عن التفصيل، مع عالي نظرك الجليل، أني ما عاشرت أكبر منه في البر والصلة، ولا أقوم بحقيقة الود والخلة، ولا ناسمت أطيب منه نفسا، ولا أمتع أنسا، نفاسة خيم، صادرة عن شرف أروم، وأنت خليق بالاستكثار من جانبه، والاجمال في معونة مطالبه.
وكتب عن المقتدر إلى أخيه صاحب لاردة: وصلت الهدية التي(5/468)
أصدرتها ساحة الفضل، وتضمنتها راحة النبل، وزقها المجد زفاف الهدي ترفل في الحلي والحلل، وتقدم سفير الآس، فأذاع ما حمل من طيب الأنفاس، وتلقيته بما يتقلى مثله من كرام الزوار، إذ كان بحكم الإجماع سيد الزهر والنوار، بدوام عهدته، وبقاء جدته، وتمادي نضرته، وتناولت الظرف الظريف الواصل معه ففضضت ختامه، وترشف مستودعه، وتسوغت منه شمولا معتقة، لذة عبقة، قد تناهت رقة وصفاء، ولم تبق الأيام منها إلا هباء ولألاء، فهي تمنع الكف، ما تبيح الطرف، وأدرتها بالقدح الذي أجلت به معلى القداح، قائما على قدم الإعظام أهز عطف الارتياح، وتخيلت أني في ذلك المألف العزيز حاصل، وفي ذلك المأنس الجليل ماثل، فنحن متلاقيان بعيان الإمحاض، وان تناءينا بالذوات والأشخاص؛ ووصل مبكر البهار الجني، ممتعا بمنظره البهي، وعرفه الذكي، قد شخصت أحداقه، وراقت أوراقه، يمد بنان لهب، ويرنو بحدق حمر [تلتهب] ، كأنه إكليل تبر، مرصع بيواقيت صفر، وهو شبيه الراح لونا ومشما، قد تكافأ بينهما الانتساب، يحكيه منها الجامد، ويحكيها منه المذاب(5/469)
وأسفر غض الاسفرج، عما خص به ذلك الأفق من التراب الدمث والهواء السجسج، فسقاه الله صوب السحاب، ولا زال مخضر الربى خضل الجناب، واقتضى حكم الأدب المتعارف في السلام والمباداة، رد التحية على سبيل المناولة والمعاطاة، لا على سبيل المعارضة والمباراة، وقد أنفذت ريحانا مشموما، ورحيقا مختوما، ولك الفضل في تسوغ ما سقيت، وتنشق ما أهديت [127 أ] .
وله من أخرى إلى المقتدر على لسان النرجس: أنا - وصل الله بهجة سلطانك، ونضرة أوطانك - إذا لحظتي بعين الاعتبار، قائد النور، ووافد الأزهار، وأنا لها جالب وهي طاردة ومبشر بورودها وهي مؤيسة متباعدة، فاني غلبت بما طبعي من التيقظ والذكاء، خلد التراب وصرد الهواء، فقمت عن إساءة الفصل عذرا، ونحلت الشتاء على الربيع فخرا، وفضلت الورد سيد الأزهار طرا، وتورده شاهد خجله، وتسترده من الحياء في أكمته وكلله، فلي عليه فضل العيون(5/470)
على الخدود، وشرف على المسود، فبينا أنا سقيم الجفون من غير سقم، مائل الجيد من دون ألم، حتى أتيح لي ظريف من خواصك يقصدني، ونبيل من عبيدك يعتمدني، فأوجست حذرا وتشوقا، حتى أنسني بالكلام تألقا، وقطفني بغير إيلام تلطفا، وحاورني بلفظ يلقنه النوار عيانا، وإن لم يحسن عنه بيانا: يا أيها الزهر الفارد، والنور الشارد، الساحر بحدقه وأجفانه، الناظر بورقه وأغصانه، الباهر بورقه وعقيانه، ما لي أرى قضبك غبرا ذابلة، ومنابتك شعثا ناحلة، وعهدي بك تمج الأنوار ريقتها في ثغورك فتصبح حافلة، وترضع الأنداد أفنانك فتغدو حاملة، فتنوء بجيدك منثنيا، كأنك أصبحت منتشيا، وقد ساءني ما عاينت من ضناك ونحولك، فبادرت جناك لإشفاقا من ذبولك، لأنقلك من جناب النبات الهشيم، إلى جناب السرور المقيم، وتسعد بالفوز العظيم، باستلام راحة الملك الكريم،
وفي فصل منها: فليت الرياض تعلم بمكاني فتذبل كمدا، وتدوى(5/471)
حسدا، وتراني وقد أنرت في أفقك البهيج، وزهرت في روضك الأرج، فكم تمنى الأزهار أن تضام لديك مطالبي، وتكدر في ذراك مشاربي، فأزل عني حسدهم بكبتهم، فقد شجاهم تقدمي قبل وقتهم، وأكمل مسرتي وتمم أنسي، بلقاء شقيقة نفسي، فإني قسيمها وحميمها، ومني لونها وشميمها، وأنا أسبه بها إذا شجت وأدارت عيون حبب، من حصباء در في أرض ذهب، وطبعي طبعها، وما تقر عيني إلا بدمعها، فلا تحتقر أيها العزيز مناب مثلي واعظا مفصحا، وهنا شفيعا منجحا، فان الأزهار على العموم، تجلو قذى العيون وتفض ختام الهموم، فهي كالثغور أوضحها ابتسام، وكالآلي زانها [127 ب] في الأجياد انتظام. وما مثلت بين يديك إلا لأسم غفل العلم، فالعصا قرعت لذي الحلم، فلا تضه أيها الملك سبق تقدمي، وحق مقدمي، فقد أشخصت طرفي إليك آملا، وبسطت نحوك كفي سائلا، وحسبي أن تلاقيني ببشرك، وتناجيني بفكرك، فتنبه العزم من سنة، وتنشر الحزم من جننه، فلك من براعة العلا، وأصالة النهى، ذكاء يري لأول اقتداح زنده، ومضاء يفري بأيسر هز حده، ولديك من مناهل الكرم، وفواضل النعم، ما يزري بالمزن ويوفي على الديم:(5/472)
فانفح لنا من طيب خلقك شيمة إن كانت الأخلاق مما توهب
ورو برح ظماي، وانقع صداي، ولا تكل إلى الأنواء سقياي.
وله عنه من أخرى إلى المظفر أخيه، وقرن بالرقعة ظرف بلور [أحمر] مملوءا خمرا مع باقة آس، يسليه عن ابن توفي له، واشتد حزنه عليه: لما كانت نفائس المواهب، وخطيرات الرغائب، مرتادة لأجل النفس، التي بها مادة الحياة والحس، وهي نور البدن المبصر وسائسه المدبر، وجب بحكم العقل الذي أفاض عليها سناه، وأفضى إليها بهداه، أن تكون العناية بدوام صحتها، موازية لتقدمها بالفضيلة على البدن ومزيتها، إذ كان لها البقاء وله الفناء، ولها الفوز في المعاد، وله الانتفاض إلى الأضداد؛ وخاصة النفس التي تنفرد بها ولا تشارك فيها معنى السرور والجذل، وغاية الرجاء والأمل، وبه المتاع في الدنيا، والنعيم في الأخرى، ونقيضه الحزن، وهو ألم من آلامها يطمس نورها ويكدر صفاءها، وينغص نعمتها وهناءها، فإذا انجذبت مجيبة لدواعي الهم منقادة في زمانه، ولم تدافعه عند اعتراضه وإلمامه، اشتملت على المضض والنكد، وحصلت في غمرة الركود والتلبد. وبحكم ذلك يحق على الحازم اللبيب، أن لا يني عن الأخذ من أقسام المسرة بأوفى النصيب، فيستمتع بالمواهب أيام مصاحبتها، ولا يجزع عند ارتحالها(5/473)
ومفارقتها، ويستشعر أنها معارة لتؤدى، مودعة لتقضى، فلا يأسف عند اقتضائها وارتجاعها، ولا يأسى عند بينها ووداعها، ويجاهد الهم إذا اعتلج في صدره، بمضاء عزمه وقوة صبره. وقد أسمى الله من مراقي شغفوك وتقدمك، وأوضح من معالي سجاياك وشيمك، بحيث يقتدى بأثرك، ويهتدى بعملك، وحسبي [128 أ] أن أومئ بما عرضته مذكرا، فتلحظه بنظرك الجلي معتبرا، وتعرض عن نوازع الخطوب كقصرا، وتستأنف مقتبل الزمان الأغر الجديد، والدهر الميمون السعيد، فتشرع لمطالعة الأنس بابا، وتمهد لمواصلته جنابا، وقد تعرض لي إلف كنت أصله وأدنيه، فأنا الآن أهجره وأقصيه، فلقي مني انزواء عنه وانقباضا، وشكا مني جفاء وإعراضا، فتصدى ضارعا ملحفا، في أن أرسله نحوك مستعطفا، فأسعفته وأودعته، ما تحمله وأزعجته، وهو - أنس الله مشاهدتك، وأنضر معاهدتك - زائر ملطف يتقد طبعه ذكاء، ومؤنس يستشف ظرفه صفاء، عطر المذاكرة عبق المفاكهة، يفض ختام الهموم بنفح المناسمة وطيب المفاوضة، وقد زار متوصلا برسالتي، متوسلا بشفاعتي، وصار عن يدي وانتقل عن راحتي، وهو المجفو المهجور حتى تأذن بتقريبه وإيثاره، والعامل المصروف حتى تمن بتوليته وإقراره.
وكتب على لسان المنجم بلاردة، الملقب بالعافية، وقد أصيبت إحدى(5/474)
عينيه، إلى الطبيب بها الملقب بالبرذقون، وقد أصيب إحدى خصييه: أنا أدعو [لك]- يا سيدي ومولاي ومن أنا عبده على العموم - بمعهود الدعاء بدوام النعمة، وأقابله بعد بما يخصه، حسب ما علي ينصه:
فوقيت بقراط الطيور تطببا إذا عالج البرسام أو أبرأ البرص
من المنسر الأشغى ومن حزة المدى ومن بندق الرامي ومن قصة المقص
فهذي دواهي الطير وقيت شرها إذا الدهر من أحداثه جرع الغصص
وقد جرعتني أحداث الدهر غصصا، وعدت مثلوما منتقصا، مشوها بعد اقتبال الجمال، مؤنس اليمين موحش الشمال، كأني شق في قفر، أو حوت موسى في بحر، وقد صنتها برقعة خمار أسود، وأدعي أني أشكو الرمد، وربما سقط فأتبعه باليد، وأنشد قبل أن أنشد:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد(5/475)
ومالي سلو عندما دهتني الأيام بالنقص في أكرم أعضائي وأشرف جوارحي إلا بما أنسني به إخواننا قائلا: هاك حديثا يسليك ويعزيك، بمزيد حظ وصل إلى الحكيم أخيك، فقلت: هات حدثني بالحق عن البرذقون، فلست ممن يؤمن بالأغرقون، فقال: إني اختلست منه في الحمام نظرة فرأيت إحدى خصيتيه في قدر الدلاعة العظيمة، [128 ب] والأخرى على الهيئة القديمة، فقلت له: أراك أبرزت قثاءة في عباءة، قد ركبت باذنجانة وأردفت دباءة. فأطربني طيب نادرته، وأمتعتني خبر لإفادته، وعدت إلى اللازم من مخاطبتك بالتهنئة والإيناس، وما علينا من كلام الناس، وما تخطتني نعمة وفدت عليك، ولا آلمني نقص مع مزيد وصل إليك، والعاقل لا يتنكد بما تراه العوام قبيحا مستحيلا، إذا كان في حكم الخواص حسنا جميلا؛ وفي عظيم إحدى خصيتيك - أنماهما الله - فضائل يعرفها العلماء، ولا يجهلها الحكماء، فقد الفيلسوف: إن البيضتين كالمعلاقتين، تعدلان الجسم، وتسوسان(5/476)
البدن، وهما كالمادة للقوة الطبيعية، والمعونة للحرارة الغريزية، ويشبهان بالأثقال تعلق من السقاء فترم رخيه، وتضم قصيه، وإذا عظمت الواحدة، بانت الخصلة الزائدة، فان البناء إنما يزن برصاصة، والمهندس يرصد بشاقول، وربما هجس في نفسك، أنك تصير إلى الفرك من عرسك، فتشدك، وإنما تقصدك:
قد حلفت بالله لا أحبه أن طال خصياه وقصر زبه
وهذا النشيد، في مثلك بعيد، فان متاعك يطول للصغرى، وتطوله الكبرى، فيتبين اعتداله، ويبدو كماله، وقد سلمتا من التشبيه بفروجين أو أترجتين، ولا يسوغ فيهما ولا يجوز، أن يكونا كثنتي حنظل في ظرف عجوز؛ أستغفر الله، وكيف تفركك غانية، أو تعتصم منك مخدرة، وما على ظهرها خود إلا وهي إذا عثرت في مرطها أعيذت باسمك(5/477)
ولا فتاة عروب إلا وهي تستغشي من غير نعسة رجاء في لقاء خيالك، ولا محبوبة مصونة إلا وهي ترقع الكوى بالمحاجر لممرك، وهل في تمامك ريب فيعالج بحجة، أو في فضلك رد فيثبت ببينة، وقد استويت الآن بأثقالك، واعتدلت بأرطالك، ولوددت أن الأيام أعطتني ما منحتك زيادة على ما نقصتني فكانت تكمل صناعتي، وتنفق بضاعتي، ولا ستغنيت عن اسطرلاب كري، وكرة ذات كرسي، إذ كنت أعوذ من الأدرة، إلى أصح كرة، قد ماسها جرم أسطواني، ومخروط عصباني، يكون تارة عضادة اسطرلاب، وتارة مقياس باب. وما أنا وتمني ما لا أدرك، وحسد ما لا أبلغ!! الآن عدت فائقا في الجماع، وليس العيان كالسماع، فالخصية إذا عظم جرمها، وكبر حجمها، تضاعفت في التوليد قوتها، وتزايدت مادتها، ولك المزية، فإنك إنسان حجلي، أو حجلي إنسي، [129 أ] فقد ذكر صاحب كتاب الحيوان أن إناث القبج(5/478)
تستقبل الذكورة، فتتنسم الريح تهب من تلقائها فتحبل، وتصيخ للصوت يصل من تلقائها فتحمل، فاسحب أذيالك فاخرا، فقد تقدمت أولا وآخرا، فلك من جهة الإنسانية سبقك في الفضائل، وحلاوة الشمائل، وحرارة النادرة، وطيب الفكاهة، مع شفوفك في الصناعة، فعلاجك في الاصابة واللطف كأنه وحي أو أخذ بالكف، إذ كنت تهزل بجالينوس، وتلهو بلحية اسقليبيوس، فإنك من فرقة أصحاب الحيل، وهذا رأي أتاك من جهة مزاج الحجل، فنصرت تاسلاس، على جميع الناس، وغنيت بجنس الاسترسال والاحتباس، عن هذيان أصحاب القياس؛ وأما فضلك من جهة القبج فهناك الملاحة والحلاوة، والرشاقة والطلاوة، فلك من جمال الشفة، ما يعرفه أهل النصفة، فقد قبح كل لمى بالسمرة، وحسن لماك بفضل الحمرة، فالحسن أحمر، وهذا حق لا ينكر، ولك من جهة المشي ما جهدت الطير في امتثاله، كلفا بجماله، وربما(5/479)
تشبهت بمشي الحجل، فينلن الحسن بالحيل:
وكم من غراب رام مشية قبجة فأني ممشاه ولم يمش كالحجل
وما تفعل برقة ساقك مع عموم محاسنك وبراعة حلاك، فلا تحفل بقول الراجز الجلف، فكلامه يخرج إلى الخلف:
وهل علمت يا قفي التتفله ومرسن العجل وساق الحجله
وهذا الغزال، وهو النهاية في الجمال، له دقة الشوى ونشوز القرن وصدع الظلف؛ والطاووس - وهو الغاية في الحسن - له قبح الرجلين وعرى الساقين، وإنما يوصف الشيء بالأغلب عليه، فيذكر به وينسب إليه، فقد برعت وبهرت وقهرت، فأنت كالشمس لا يتعلق بها دنس ولا ثلب، وما يضر القمر أن ينبحه كلب.(5/480)
جوابها من إنشائه أيضا على لسان الحكيم البرذقون المذكور: يا سيدي الذي أعترف بخصائصه التي انفرد بجمالها، وأقر له بمحاسنه التي استبدت بكمالها، وإن كانت قد دبت عقارب حسادته، وما يستطيع أن ينسلخ عن ذميم عادته، ووجدته قد نعى بصره، وشكا عوره، وأثنى على شرجي، ولم يحفل بعرجي:
إن في الجسم دماميل وقرحات ملحه
ليتها في عين من يز عمها مالا وصحة
وقبح الله النهم فعنه تكون العلل المتولدة، وكل داء أصله البردة، ومع ما ركب في من الشره [129 ب] إلى المأكل، فإني متطفل على استجازة أكل الخجل، فأذهب الله نفسي، يوم أروم أكل أبناء جنسي، إذن أكون كالرنج الأجناس، الذين يستجيزون أكل لحوم الناس، بل أني أطلبها من مظانها وأرتادها، وأنصب لها الحبائل واصطادها، ثم أرسلها أسرابا وأفواجا، وأسرحها فرادى وأزواجا، وأنشد متمثلا:
أيا شبه ليلى لا تراعي فأنني لك اليوم من وحشية لصديق
وإن تكن - جعلت فداك - قد أصابك عور، ونالك منه ضعف وخور(5/481)
وهو نقص في الظاهر ومزيد في الباطن، فقد حبيت باجماع نور البصر وكان متفرقا، واتحاده وكان مبددا، فقد كان النور مرسلا إلى الحدقتين في العصبتين الجوفاوين، فلما انسد ثقب الواحدة عاد إلى الأخرى موفورا، وشفع بنورها نورا، كالحال في القمر يطلع في لياليه البيض، ساطع السناء باهر الوميض، يجلو الدياجي، فيهدي الساري، فإذا غرقت أعقابه، وتكامل غيابه، فقدته النجوم، فاعتراها الوجوم، ولفها الليل في ملاءة دياجيه، وأردف أعجازه ونأى بهواديه، فلو جمعت الكواكب منتظمة في القدر، لكانت أضعاف البدر، وهي على ما هي عليه من الانتثار، لا تهدي الساري قصد الآثار، فبصرك الآن بحمد الله أجمع نورا، وأضوأ شعاعا، وأنفذ نظرا وأبعد اطلاعا، ولذلك قال القائل:
شمس الضحى يعشي العيون ضياؤها إلا إذا نظرت بعين واحدة
فذاك تاه العور واحتقروا الورى فاعرف فضيلتهم وخذها فائده
نقصان جارحة أعانت أختها فكأنما قويت بعين زائدة
والعقاب الكاسر، والنسر الطائر، وابن الماء المحلق، بالإضافة إليك خفافيش، وبالمقايسة بك أخلاد، وقد أزويت بزرقاء اليمامة(5/482)
وما يبعد أن تحسب في لحظة ألف حمامة، وترى حضنا من أقصى تهامة، فحدثنا عن هقعة لجوزاء أو نثرة السرطان: هل هي كواكب صغار منتظمة، أو [لطخة] سحابية مظلمة - فان بصرك يدرك حقيقة ذلك ولا يكل عن نيل مداه، وبلوغ أقصاه؛ وأما رؤيتك الثريا سبعة أنجم فهو ما لا يفخر به مثلك، وإنما يقاس به الحديد البصر، وأنت في ذلك أقوى البشر. وحدثنا عن كلف القمر ما هو - واشرح لنا الحال في قطر السحاب كيف هو - فإنك تبصره مجتمعا قبل ان يصير بددا، وتلحظه ذائبا [130 أ] قبل ان يجمد بردا، وهذا كله مما تراه عيانا، فأمجدنا فيه بيانا، ولولا أنك عند الفقهاء غير مقبول لما تدعيه من [علم] التأثير، إذ يرمون أهله بالتعثير، لبشرت بهلال العيد بعد الاجتماع بساعتين، وبعده عن الشمس بدرجتين، وقد كنت بالأمس، عند رفع الأسطرلاب إلى الشمس، تغمض إحدى عينيك لتعدل لك رؤية الشعاع، وموضع العضادة في أخذ الارتفاع، وقد كفيت ذلك بالعور، مع زيادة النظر؛ ولأمر ما تلطف أهل الثغر في عورك، فليس عندك شيء من خبرك، إذ صرت رابئة تنذرهم بالخيل على بعد مراحل ومسافة أيام، فأنت عندهم من أكرم البرية، وأجدى من منار الاسكندرية، لكنهم لم يشعروا أنك الدجال المنظر، وقد خرجت عليهم بخروج عينيك، وبرزت إليهم ببروزها عنك. فان اعترض معترض وقال: إن الدجال(5/483)
يقدمه خروج الدابة، فان يكن هذا هو الدجال فأين الدابة - فالجواب: أنك كنت الدابة ثم صرت بالعور دجالا. وقد جال الصدق في ذلك مجالا؛ وأنت قيطوس دابة البحر تعوم في حبك الماء، وتسبح [مثل] لها في فلك السماء، فان صورة قيطوس التي أثبتها جالينوس كواكب تعرف بدابة البحر، وبطنها غائص في كواكب النهر، فذنبها مما يلي الدلو حيث ينصب ماؤه في فم الحوت الجنوبية، وبأعلى عرفها المعروج، كواكب الحوت من فلك البروج، فهي مغمورة من كل ناحية بالمياه، مأنوسة بالأقارب والأشباه، وقد فازت بالطبع المعتدل، بما حازت من مجاورة برج الحمل، فهذا المجد الباذخ، والأصل الراسخ، والفرع الشامخ؛ فأنت حقا الدجال الأعور، والقائم المنتظر، الذي نبأنا به الأثر، نسأل الله أن يعزنا بأعلامك، وينصرنا في أيامك، ونبتهل إليه في أن يكفينا أشراطك، ويزري عنا تعديك ولإفراطك، حتى إذا ظلمت وجرت، وغيرت وبدلت، قذف بك في قرار اليم العظيم، والتقمك الحوت وأنت مليم، إن الله بعباده لرءوف رحيم.(5/484)
وله من رقعة عن المقتدر عناية بالحصري: ما أثل من مجدك وعلائك، وأكمل من سروك وسنائك، وأصدر عنك من محاسن الشيم، وقصر عليك من معالي الهمم، يقود إليك الأهواء تنتحيك بصفو ودادها، وتعتفيك بصدق ارتيادها، وما زال ذراك الرفيع سابغا على ذوي الأخطار ظله، غامرا لذوي الآداب إفضاله باهرا فضله، وأحقهم بأجزل البر الأوفى، من هاجر إليه على بعد المدى، [130 ب] مهلا بمحامده ومدائحه، مستشعرا لميامن قصده ومناجحه، وهو الشيخ الفاضل الكامل أبو الحسن بن عبد الغني، ألم بجهتي - جهتك - فوفد علي منه الوافد الأثير والزائر الكريم، وأنس بذكاء مناسمته، وأمتع بجمال محاضرته، وهو البارع المتقدم في إحسانه، وتصرفه في الإبداع وافتتانه، وربما تقول كاشح، ونمق كادح، وزور حاسد، وأوهم خب معاند، لأجل استقراره في ذلك الجانب، واشتماله بظل المجانب، أنه انحرف بصفو وداد، أو حرف بقول واعتقاد، والله تعالى قد شرف رتبتك ونزه منصبك عن الاصغاء إلى تنميق الوشاة، والإجازة لكيد العداة، والارتياب بعهده المخلصين الثقات، وعصم النبيل النبيه مثله، ممن زكى الله [دينه] وعقله، من العدول عما دان به، واعتلق بسببه، من الاعتزاء إلى ولائك، [والتشيع في عليائك] ، والتشرع بمدحك وثنائك.(5/485)
ومن شعر أبي الفضل
من ذلك أبيات اندرجت له في تلك الرسالة المتقدمة على لسان النرجس:
تقضى زمان، طائر الأنس عنده مذود وسرب اللهو فيه مروع
وطال انتظاري دولة الوصل بعدها تصرم بالهجران مشتى ومربع
عرضت له حبي فأعرض جانبا ولكن رعى عهدي الذي لا يضيع
وأرسلني كيما أدل بحرمة لديك بها حق كريم مشفع
فأقبلت أستجدي رضاك وان تعد يسارع إلى وصلي المحبون أجمع
وها فاعتبر من منبتي وتقلبي فكل لأصل واحد يتفرع
لأوى بجثماني البلى وأباده وأثبت روحا نيرا يتطلع
يرى الوهم منه جوهرا متضرما يروق ونشرا ساطعا يتضوع
كذلك أجسام تبيد وأنفس إلى الشرف الأعلى تعود وترجع
وما العيش إلا فرصة يستديمها اللبيب بأثمار السرور فيمتع
فبادر زمان الأنس واعمر جنابه فزاهره ريان بالحسن ينزع
ولا تمصل اللذات عمرك مثلما يسوف بالدين الغريم ويدفع
وكتب إليه ذو الوزارتين أبو عامر بن الفرج: [131 أ] .
إن كان عندك شيء من الدياخيلون(5/486)
فابعث به تتعوض منه بشكر ثمين
فان عندي خراجا من بابسة التليين
ولا يكن مثل شعري من الطراز الدون
قد قلت بالمزج أجري بطبع دهر خئون
فإن تزيدت زدنا من نوع هذا الجنون
عساه يجنح بعد حرب زبون
فالشبه يألف شبها والمثل مثل القرين
فأجابه أبو الفضل:
يا آخذا باليمين في المجد شتى الفنون
سلم لعلمي في الطب والقراباذين
لا ينبغي أن يداوى الخراج بالتسليين
[حتى يقوم ردع ال أخلاط بالتسكين]
وقد بعثت شرابا يعزى إلى الزرجون
يغني إذا ذقته عن شراب الافسنتين
ولأبي الفضل:
أيها الماء الذي لولاه ما برح الإسلام يشكو الغصصا(5/487)
جملة مني ولا حاجة لي في حديثي أن أطيل القصصا
أبدا تقنص أطيار العلا مستفيدا فاتخذني قنصا
وانثر الحب فإني طائر غرد لا أتعدى القفصا
وله:
يا صاحبي سلا هل سال نعمان بعدي وأورق فيه الطلح والبان
قالا نعم سال جريا في مدائنه وأمرعت منه وبطنان
أنى ولم يسر طيف للسحاب به ولا تندت بدمع منه أجفان
بلى كفاه أبو عيسى وأحسبه نداه فهو روي الشرب سيحان
رأى الغمائم في عسر فأقرضها إن الجزاء على الإحسان إحسان
سجية هو منها موسر كرما حاز الكمال فما يعروه نقصان
حي الخيام فلي في الحي آنسة واقرا السلام فلي بالجزع إخوان
تسير نفسي اليهم والحداة بها هوى وشوق وتأميل وإذعان
أطوي المراحل ى ألوي على وطر يشجي ولو ذكرت بالعهد أوطان
قد أنكر [-.ٍ من نفسي معالمها وفي المجاهل لي أنس وعرفان
أرض يجلق والنهرين مونقة أريضة كلها قصر وبستان [131 ب]
أمست دياري خلاء في معاهدها وحلها ديسم بعدي وسرحان
إذا نبا بلد يوما بساكنه ففي سواه له أهل وجيران
وفي جناب أبي عيسى لنا بدل إذ قطعت من حبال الوصل أقران(5/488)
حتى يمهدني قطر قرارته تيماء والهضبة العلياء عمران
هو المجير من الأيام إن غدرت وهي وبعض من الإخوان خوان
وأخبرني أبو عامر ابن الفرج قال: كنت بحصن روطة ضيفا عند ابن المرشاني، واتصلت مجالس أنسنا بها وغبوقا، وأظلنا العيد، وورد الوزير أبو الفضل من سرقسطة، فكتب إلى ابن المرشاني بشعر يقول فيه:
العيد أيام أكل ومشرب وبعال
وقد أكلنا فهات اسقنا من الجريال
إذ لا نكاح لنا في محرم أو حلال
إلا ما نرتجي من نكاح طيف الحيال
قال أبو عامر: فكلفني فجاوبته فقلت، وبعث إليه بما رغب إليه:
زفت إليك عروس بكر من الجريال
قميصها ذهبي كالشمس في الآصال
وحليها فضي منظم كاللآلي
فدونك اشرب هنيئا لا زلت ناعم بال
واجمع من الطيف بين الشنوف والخلخال(5/489)
ومعنى هذا البيت كقول الكاتب أبي الحسن صالح الشنتمري، وقد تقدم إنشاءه:
أسنى ليالي الدهر عندي ليلة لم أخل فيها الكاس من إعمال
فرقت فيها بين جفني والكرى وجمعت بين القرط والخلخال
وأنشدت لأبي الفضل:
وأطربنا غيم يمازح شمسه فيستر طورا بالسحاب ويكشف
ترى قزحا في الجو يفتح قوسه مكبا على قطن من الثلج يندف
وذكرت بما وصفه من قوس قزح خبرا هن أبي الطيب المتنبي، وان ذهب في الغلو أبعد مذهب: ندف له قطن في ثوب أمر بعمله، فوجه لصانعه فيه درهما فاستقله وصرفه عليه، فمثل الصانع بين يديه، وطلب منه فيه دينارا، فقال له المتنبي: والله لو ندفته بقوس [132 أ] قزح على أجنحة الملائكة ما أعطيتك عليه دينارا.
ومن أملح ما جاء في صفة قوس قزح قول القائل:(5/490)
كأن السحاب الجون قمص تراكبت على الأفق والحواشي على الأرض
يطرزه قوس السماء بأحمر على أصفر في أخضر فوق مبيض
كأذيال خود أقبلت في غلائل مصبغة والبعض أقصر من بعض
وأنشدت لعز الدولة بن المعتصم بن صمادح في جارية:
صاغت الجوزاء قرطين على مسمعها والثريا دملجا
واستجادت من سماها حلالا فكساها قزح ما نسجا
وقال الأسعد بن بليطة:
محيرة العينين من غير سكرة متى شربت ألحاظ عينيك اسفنطا
أرى صفرة المسواك في حوة اللمى وشاربك المخضر بالمسك قد خطا
عسى قزح قبلته فإخاله على الشفة اللمياء قد جاء مختطا
وأكثر الشعراء تشبيههم قوس السماء السحابي بقزح، وهو منهي أن يسمى قزحا.
وروى الاخباريون أن نوحا عليه السلام استقرت السفينة على الجودي سأل الله تعالى أن يؤمن ولده من الغرق، فأوحى الله إليه: قد أمنت ولدك آخر الدهر، وجعلت لهم علامة يرونها في السماء: قوسا.(5/491)
وقالوا: قزح من أسماء الشيطان فلا ينبغي أن ينسب إليه هذا القوس.
وقال أبو بكر بن الملح:
غرته الشمس والحيا يده بينهما للنجيع قوس قزح
وقد تقدمت هذه الأبيات، ولكني استجزت تكرارها لأنسق الأعجاز بالصدور، وأضم الأول إلى الأخير.
وسمع القطعة التي تعزى للحكيم المصري، وأولها: " توريد خدك للأحداق لذات "، فقال أبو الفضل:
عهد للبنى تقاضته الأمانات بانت وما قضيت منه لبانات
يدني التوهم للمشتاق ممتزجا من الوصال وفي الأوهام راحات
تقضى عدات إذا هب الكرى وإذا هب النسيم فقد تهدى تحيات
لعل عتب الليالي أن يعود إلى عتبي فتبلغ أوطار ولذات [132 ب]
بشرى تحقق ما زار الخيال به فربما صدقت تلك المنامات
وله مراجعا إلى الوزير أبي محمد بن سقبال:
قابلت بالعتبى عتابك جاهدا للعهد حفظ العين للأجفان
وبسطت أوضح من زياد عذره لو لم تكن أقسى من النعمان(5/492)
أسقيك عذبا باردا وسقيتني إذ جاش حميك من حميم آن
أغضبت جهلا أم نسبت إلى الصبا فامرح فإنك منه في ريعان
وركب المستعين بالله يوما بسرقسطة يريد طراد لذته، وارتياد نزهته، وافتقاد أحد حصونه المنتظمة واجتمع له من أصحابه، من اختصه لاستصحابه، وفيهم أبو الفضل، مشاهدا لانفراجهم، سالكا لمنهاجهم، والزوارق قد حفت به، والتفت بجوانبه، ونغمات الأوتار تحبس السائر عن عدوه، وتخرس الطائر المفصح بشدوده، والسمك تثيرها المكايد، وتغوص إليها المصايد، فتبرز منها قضبان در أو سبائك لجين، فقال:
لله يوم أنيق الغرر مفضض مذهب الآصال والبكر
كأنما الدهر لما ساء أعتبنا فيه بعتبي وأبدى صفح معتذر
نسير في زورق حف السفين به من جانبيه لمنظوم ومنتثر
مد الشراع به نشرا على ملك بذ الأوائل في أيامه الأخر
هو الهمام الامام المستعين حوى علياء مؤتمن عن هدي مقتدر
تحوي السفينة منه آية عجبا بحر تجمع حتى صار في نهر
تثار من قعره النينان مصعدة صيدا كما ظفر الغواص بالدرر(5/493)
وللندامى به عب ومرتشف كالريق يعذب في ورد وفي صدر
والشرب في ود من لي خلقه زهر يذكو وغرته أبهى من القمر
جواب ابن هود إلى أبي الفضل عند فراره عنه: سيدي وأجل عددي، وأسنى الذخائر عندي، وأزكى الفوائد بيدي، ومن أبقاه الله في أتم نعمة، وأعم حرمة؛ وردني كتابك بما أودعته من صورة وجهتك وممرك، وصفة مستوطنك ومستقرك، وعرفت [133 أ] حقيقة منزعك، في تعجبك وتسرعك، وما علمتك - على معلوم ذكائك - يذهب السداد في آرائك، ولكن لا تملك عنانك في اعتساف طرقك، وخالق خلقك، وكان الأشبه بالجميل، أن تشعر بإزماع الرحيل، فتوصل وتشيع، ولا تصد عن غرضك ولا تمنع، مهدت بك الحال هنالك تبرح موضعك، ولا فارقت مألفك ومجمعك، بما يقتضيه انتظام الجانبين، والتفات الأفقين، وكيفما تصرفت فأنت الولي الحميم، لا ينكر ودك، ولا يخفر عهدك، والله يلقيك كل خير، ويجنبك ثمر الغبطة في كل مقام وسير.
قال أبو الحسن بن بسام: ورأيت هنا أن ألمع بيسير من أخبار أبي الطيب، سوقا لفائدة أدى إليها الخبر، وإشارة إلى بعض محاسنه عنه تؤثر، وإن كان خارجا عن هذا الغرض الذي شرطته من حذف التطويل، والاجتزاء عن الكثير بالقليل. ولكنه سنح لي هنا فصل من أخباره وبديهته، وتصرفه البديع بين إشارته وفكرته، ورويته وبديهته:(5/494)
استنشده سيف الدولة قصيدته التي أولها:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *
وكان معجبا بها، كثير الاستعادة لها، فاندفع أبو الطيب ينشدها، فلما وصل إلى قوله:
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الابطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم
قال له: قد انتقدنا عليك هذا البيت كما انتقد على امرئ القيس بيتاه:
كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل لخيلي كري كرة بعد إجفال
وبيتاك لا يلتئم شطراهما، كما لا يلتئم شطرا بيتي امرئ القيس؛ كان ينبغي لامرئ القيس أن يقول:
كأني لم أركب جوادا ولم أقل لخيلي كرة بعد إجفال
ولم أسبأ الزق الروي للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولك أن تقول:
وقفت وما في الموت شك لواقف ووجهك وضاح وثغرك باسم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة كأنك في جفن الردى وهو نائم
فقال: أيد الله مولانا، إن صح أن الذي استدرك على امرئ القيس هنا(5/495)
أعلم منه بالشعر فقد أخطأ امرؤ القيس وأخطأت أنا، ومولاي يعلم أن البزاز لا يعرف الثوب معرفة الحائك، لأن [133 ب] البزاز لا يعرف إلا جملته، والحائك يعرف جملته وتفاريقه، لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية إلى الثوبية؛ وإنما قرن لمرؤ القيس لذة النساء بلذة الركوب للصيد، وقرن السماحة في شراء الخمر للأضياف بالشجاعة في منازلته الأعداء؛ وأنا لما ذكرت الموت في أول البيت أتبعته بذكر الردى وهو الموت ليجانسه، ولما كان وجه الجريح المهزوم لا يخلو أن يكون عبوسا وعينه من أن تكون باكية قلت: " ووجهك وضاح وثغرك باسم " لأجمع بين الأضداد في المعنى، وإن لم يتسع اللفظ لجمعها، فأعجب سيف الدولة بقوله وبالغ في صلته.
ولما أنشد أبو الطيب سيف الدولة قصيدته التي يقول فيها:
يا أيها المحسن المشكور من جهتي والشكر من قبل الإحسان لا قبلي
أقل أنل أقطع احمل عل سل أعد زد هش تفضل أدن سر صل
وقع سيف الدولة تحت " أقل " أقلناك، وتحت " أنل ": يحمل إليه من الدراهم كذا، وتحت " أقطع ": قد أقطعناك الضيعة الفلانية، ضيعة بباب حلب، وتحت " احمل ": يقاد اليه الفرس الفلانية، وتحت " عل ": قد فعلنا، وتحت " ادن ": ادنيناك، وتحت " سر ": قد سررناك.
قال أبو الفتح: فبلغني أن أبا الطيب قال: انما أردت " سر " من السرية، فأمر له بجارية، وتحت " صل ": قد فعلنا..(5/496)
وكان المعقلي وهو شيخ بحضرته ظريف قال له، وقد حسد أبا الطيب على ما أمر له به: قد فعلت له من كل ما سألك، فهلا قلت لما قال هش بش: هئ هئ، يحكي الضحك، فضحك سيف الدولة وقال له: ولك أيضا ما تحب، وأمر له بصلة.
وسيف الدولة، مع ما شهر به من الكرم والسخاء، وعرف به من انفجار ينابيع جوده على الشعراء، قد قصر في توقيعه تحت " احمل " عن غيره من الأمراء، يحكى أن أبا القاسم الزعفراني لما أنشد الصاحب قصيدته التي يقول فيها:
وحاشية الدار يمشون في صنوف من الخز إلا أنا
وقع فيها الصاحب: قرأت في أخبار معن بن زائدة أن رجلا قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية، وقد أمرنا لك من الخز بجبة وقميص ودراعة وسراويل وعمامة ومنديل ومطرف ورداء وكساء وجورب وكيس، ولو علمنا لباسا آخر يتخذ نت الخز لأعطيناكه.
ومما يؤثر عنه من نفاذ خاطره وحضور جوابه أنه دخل على سيف الدولة وأنشده بعض قلائده فيه، وطار به السرور كل مطار، فلما أراد الانصراف إلى الدار [134 ا] ، قال له السيف ملغزا على من حضر:(5/497)
تتبختر يا أبا الطيب، فقال: نتيه أيها الأمير، فضحك سيف الدولة وتعجب من فهم أبي الطيب وقال للحاضرين: أردت ب:تتبختر " تصحيفه: " بت بخير " فقال::نتيه " وتصحيفه: " بت به ".
ومن أظرف الجواب، وأغرب مزاح الكتاب، ما اتفق لي مع الوزير أبي محمد بن عبدون أول ما لقيته، وسمع بعض الإخوان يدعوني باسمي، فقال لي: أنت علي بن بسام حقا -! قلت: نعم، [قالٍ] : وتهجو حتى الساعة أباك أبا جعفر وأخاك جعفرا، فقلت له: كلأك الله، وأنت عبد المجيد -! قال: نعم، قلت: ويتغزل فيك حتى الآن ابن مناذر -! فضحك من حضر لهذا الجواب الحاضر؛ وعلي بن بسام باقعة زمانه، لم يسلم من هجائه أمير ولا وزير، ولا من أهل بيته صغير ولا كبير، وعبد المجيد كان أجمل أهل زمانه، وكان ابن مناذر يعشقه ويغزل فيه. هذا وما أشبهه من المزاح المباح، البعيد عن الجناح.(5/498)
فصل في ذكر الأديب أبي الربيع سليمان بن أحمد القضاعي
من قدماء الأدياء - كان - بذلك الثغر، ومن كتاب العصر، المتصرفين في النظم والنثر، وكلامه يجمع بين الحلاوة والجزالة، ويصرف في لطائف الصنعة، [كان] يعمد إلى خسيس المعاني فيقيم لها أودا، بسلاطة لسانه، وقوة مادته وحسن بيانه، فان كان في كلامه بعض الطزل، فهو غير مملول، لظريف ألفاظه واستعارته التي يفخم بها التافه الحقير، ويقلل المنزور الكثير، وفي ما أثبت هاهنا من فصول اقتضبتها من رسائله وإنشاءاته، ما هو الشاهد العدل على ما أجريته من صفاته.
فصل له من رقعة خاطب بها يوسف الاسلامي وقد طلب منه آلة نجار، خدم عنده فوجه بها حاشا المئشار، يقول فيها: من دخل في ملة التزمها، وليس من شريعة هذا الدين منع الماعون، ومن تمام الإسلام، حفظ الجوار و [رعاية] الذمام، ومن أحسن الإحسان، قضاء لبانات الإخوان، وما تعلم العوان الخمرة، ولا نجد بك من نية(5/499)
فأنت المستولي أمد النهايات، والمبرز في غلاب المذكيات، والحاوي قصب السبق إلى الغايات، وان كان قد قال الجهابذة أولا:
وأي الجياد لا يقال [له] هلا *
وما تعزى إلى بخل وأنت أسمح [من] لافظة، ولا تبصر من جهل وأنت قطب العلوم الثاقبة، وقد أنكرت أشد الإنكار، بخلك بالمئشار، وأعلمت الفكرة [134 ب] في النظر إلى بعد مراميك، والبحث عن غموض معانيك، فلاحت لي دريئة مرماك، وأشرفت مطلا على مغزاك، وحسدت بعد تسديد سهام التوهم، ورميت عن قسي التفهم، أن علة ضنائك به من أجل ما مر ببالك ذكر الشجرة التي أشرت وفيها يحيى بن زكريا عليه السلام، فتحرجت أن تخرج من حريمك آلة كانت فيما مضى سببا إلى حدث مشئوم، بسفك دم [نبي] كريم، ولو لمحت وجه مطلبي تأملك لعلمت، وما أظنك جهلت، أن الخشبة(5/500)
التي أحببت أن تؤثر عندي لم يكن فيها حيوان غير الأرضة التي أكلت منسأة سليمان عليه السلام؛ وهلا إذ أسأت بي الظن تيقنت على ما توجبه السنة أن العارية مؤداة، وقد كانت لك في ارتهان خط يدي لنجارك مقنع، فقد قبل كسرى، وهو جاهلي، قوس حاجب بن زرارة على نزارتها، رهنا عن جرائم العرب أن تعيث في السواد، وانما كانت فلقة عود ووتر [مصير] . وقد علمت أن الرباني أجدر بالوفاء والائتمار من الجاهلي، وفي الاعتذار المتقدم عنك ما يقضى ببراءتك، هذا إلى ارتئاء المشيخة وإيثارهم الروية على البديهة، وحكمهم أن الرأي الفطير، وإن أصيب به التقدير، من سوء التدبير، والأناة عندهم محمودة إلا في ثلاث: العمل الصالح، ونكاح الكفؤ، ودفن الميت. وما قدحت في شرفك هذه الوصمة وان ظاهرها بخلا وطفاسة، إذ باطنها عقل وسياسة، فإن احتج عليك بقولهم [ان] : أمقت اللؤم [وأقبحه، وأجلبه للشين وأفضحه] بخل بالتافه اليسير، والنزر الحقير، وهو مع ذلك ليس في ملك يديه، ولا طماعية له في المئشار أن يصير إليه، فإن الأمل لا يبعد، أن يصير إليه بعد، فقد تنقل دولات التأمير، فكيف(5/501)
بآلات المياشير، والأيام دول، والدنيا جمة التنقل، تجمع وتبث، وتسمن وتغث، وربما تألفت الأضداد، وتشتت الأنداد، وأفادت غير المطلوب، وحالت دون المرغوب، ألم تر إلى موسى عليه السلام كيف اقتبس نارا، ووافد البراجم كيف شم القتار، وأم قرما إلى النار، ألم تعاين الكتابة التي أنت قطبها، وهي أجل صناعة، ربما عدل بها عن نبلاء المحسنين، إلى الدخلاء الأميين، الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، ولا يدركون بأفواههم إلا المرئي، فحديثهم الطعن على أهل العلم، والتنقص لذوي الفهم، ولأمر ما ذم الصبح المريب، وعاب المتحمل غير المعيب، وقد بصرت بما عليه هذا الصنف الواغلي من العجز والتشغيب، واللحيدة عن القياس المصيب، وأنهم إذا سمعوا بلاغة الصدر الأول، من الجيل الأفضل، قالوا: أمر ليس عليه العمل، وإذا أصغوا إلى تحبير صالح الخلف [135 أ] ، المقتدي بمحمود السلف، قالوا: هذا التعقيب، والتقعير المعيب، فقل لهم:(5/502)
فافتقوا بحوركم الزاخرة بزعمكم، وأدروا سحبكم الثرة بدعواكم، واحشدوا مدود أذهانكم، واسردوا غرائب بيانكم، - وخلاكم ذم -؛ إذا والله أيتها العصابة تهب ريح احتفالهم رخاء لا تثير سحابا، ولا تسفي هباء، إلا [ما] ينوءه بعد الريث وإدمان الإبساس من قطارة المعاني المبتدلة السوقية، وعصارة الألفاظ الرذلة العامية، التي يعافها الخاصي لسفالتها، ويجتنبها العامي لخلاقتها، ثم إذا رجعتكم البكاءة إلى الاستعارة من كلام البلغاء المتقدمين، والاجلاء المحدثين، وذهبتم إلى أن تهتدوا بأنوارهم، وتقتدوا بآثارهم، اعسفتم الكلام وصفتموه، وأحلتم النظام فأكرهتموه، ورقعتم خيش المروط الصوفية، برقيق البرود الموشية، وقرنتم در غيركم بآجركم، فامتازت مع تعديكم الآثار بتمويهكم محاسنهم من قبائحهم، وإذا حصحصت حقيقة فضائحكم، لم تعتصموا بعلق، سوى الاضطغان والحنق:
غضب التيوس على شفار الجازر والمغرقين على الأتي الزاخر
فقد اجتهد لنصرك، من قام بعذرك، وحملتني لك العصبية، واستدعتني(5/503)
فيك الحمية، [إلى ما] ترى [من توبيخ] الكتبة الذين ليس لهم بسطتك في العلوم الديانية، ولا براعتك في الفنون الأدبية والرياضية، جلالا بك أن ينتسب إلى حزبك، من لا يعدل بك، وكما لا يضر بالجواد السابق أن يكون في آري مع بطاء الأعيار، كذلك ليس عليك في اختلاطك بهم من كآبة ولا عار.
ثم نعود إلى تفنيد المعترض عليك باسئشار المئشار: وكيف يوسم بالحقارة، أو يرسم بالنزارة، وهو من الحديد، الذي فيه بأس شديد، ومنافع للناس، وهو من إرهافه ورقة غراره واضطراب متنه مناسب لحسام الكمي البطل، وحامله غير أعزل، وان شئت استمجدت منه زنادا، وشفارا حدادا، ومن بدائع أعاجيبه أن المدى ما لم تكن مفلولة فهي أبرى، والمئشار لا يحسن قضبه، حتى يفلل غربه، ومن آلات المئشار عصاه التي تثقفه أن ينآد، وتسدده إذا حاد، وان شئت صنعت منها مخاصر لأرباب الملك، أو صلبانا [ومتكآت] لطواغيت الشرك، مع ما فيها من المآرب الجسيمة، وقد اقتصرت على تصنيفها بما(5/504)
ذكره الجاحظ في العصا، فكثيرا ما كنت أسمعك تلهج بكتاب " البيان " وتدعي حفظه.
ومن عجائب المئشار إذا سمع جعجعته رئي طحنه، ومن غرائبه شكاله، واكثر ما يكون من الشعر والصوف والوبر، وقد وصفها [135 ب] الله تعالى [في التنزيل] فقال {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} (النحل: 80) فكيف لنا أن تستنزر، سما نبهنا لنحمده ونشكر، فان اعترض عليك أن شكاله قد يصنع من ليف ودوم وشبهه، فأقل ما يوجبه أن يعقل به بعير، وقد قال الصديق: لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه، ذكر في التفسير أن معناه " ثمن عقال " إذ ذلك حزم في الملة، وابتداع محدث في زكاة الأمة. ولولا خوف الطول باقامة معاذيرك لأمعنا في التوجيه، ولكن الاشارة كافية لمن عقل، كما أن الإطالة غير مقنعة لمن ساء فهمه وجهل.
وله من رقعة خاطب بها الوزير ابن محامس عناية بالكاتب ابن أرقم: مكاسب الشعراء - أعزك الله - من مواهب الأمراء وعنايات الوزراء؛ ومن شنأ الأدباء فانما يناقض أرباب الرياسة، ويعارض أقطاب الوزارة؛(5/505)
وكانت عند الأديب ابن أرقم المحتفل في شكرك احتفالي، والمطنب في حمدك إطنابي، بضاعة مزجاة أنفق في جمعها مصاصة أيام العمر، وخلاصة قوافي الشعر، وقطع في اكتسابها ظهري البر والبحر، وصلي بجمرتي القر والحر، حتى إذا وفت بثمن خادم من الوخش، لم ينتظر نماء المال، إلى أن يفي برأس غال، لتوقعه أن ينقضي الزمان، ولم يقض أربا من القيان، ويصير من كبرة السن، إلى حيث لا يقدر على ذلك الفن، فاقتنى بوشقة صبية فيها بلغة لمن كان ذا عزبة، وفضلت له خمسة وعشرون دينارا، عدد نصف سنيه الماضية، وفشا في قوم هجاء ظنوه من شعره رجما بالغيب، وحاشا لأدبه من السفه، واختلقوا أنه ابتاع بما بقي له هجينا، وثورا مرببا، وتبنى بنتا، ثم تلا قوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء} ويشير إلى قينته، {والبنين} ويشير إلى دعيه {والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة} وينظر إلى كفه منهما إلى أقل من مربع أوقية {والخيل المسومة} (آل عمران: 14) ويلحظ إلى مهرة الذي لو بيع بحجر من حجارة القذف لربح البائع وخسر المشتري، وكل هذا منهم(5/506)
افتراء عليه، واغتراء به، وأخافوه فلاذ بك، واستجار بظلك:
ومن يستجر بالكاتب ابن محامس فقد لاذ من ريب الزمان بحارس
وزير التجيبي ابن منذر الذي تبوأ مجدا فات شأو المقايس [136 أ]
مليك متى يجلس يطل كل قائم وكم من مليك قائم مثل جالس
وله من أخرى: بعثت ابني وغلامي عشية العيد للسوق، فأحظا أوجه النجاح، وعاد مثخنا [لي] بالجراح، فبت أتقلب بين ألم العلة، ومضض الذلة، وبات من عندي طاويا إلا من الكرب، وصاديا إلا من الدمع، نتجاذب أطناب الكمد، وسرور العيد يقوم بالناس ويقعد؛ وسيدنا الرئيس - أدام الله تأمين سربه، وإعزاز حزبه - أجل من أن يضام جاره، أو يكدر جواره، وحسبي بهذه الشرعة سببا إلى وده، فهي شرعته، وحاشا لشيمه الكريمة من المضارعة الكلية، والمشاكهة الجملية، ولكنها - ولسؤدده المثل الأعلى - كما يقترن عطارد على خفائه، بالشمس على ضيائها.(5/507)
وهذه أيضا قطعة من شعره
[له من قصيدة] :
بعيشك إلا ما قصرت لنا الدجى فقد زيد جنح الليل في طزله ضعفا
كأن النجوم الزهر حضرة الدجى أزاهير نوار على روضة خيفا
كأن جناحي نسرها وهو واقع مهيضان لما يستقلا به ضعفا
كأن أخاه قد أتى من ثنية لديه فولى حين لم يرضه حلفا
كأن السها مصباح مشكاه راهب تشب له طورا وآونة تطفا
كأن عراقي الدلو في كف مائح مياه جفار تجذب الفرغ والغرفا
كأن بني نعش [طلائع نعجة] يرودون في ديمومة عشبا جرفا
كأن سهيلا خلفه من أناته سكيت على آثار حابته قفى
كأن ظلام الليل أسود مطرق من الزنج في لبس الحديد قد التفا
كأن ثبات القطب فوق مصامه ثبات لبيب كما شهد الزحفا
وإنما احتذى أبو الربيع في هذه التشبيهات طريقة محمد بن هانئ الأندلسي وسلك سبيله فضل عنها، وهي قصيدته التي أولها:
أليلتنا إذ أرسلت واردا وحفا وبتنا نرى الجوزاء في قرطها شنفا
وبات لنا ساق يقوم على الدجى بشمعة صبح ى تقط ولا تطفا
أغن غضيض خفف اللين قده وأثقلت الصهباء أجفانه الوطفا [136 ب](5/508)
نزيف مضاه السكر إلا ارتجاجة إذا كل عنها الخصر حمله الردفا
يقولون حقف فوقه خيزرانة أما يعرفون الخيزرانة والحقفا
وقد فكت الظلماء بعض قيودها وقد قام جيش الصبح [لليل] واصطفا
وولت نجوم للثريا كأنها خواتم تبدو في بنان يد تخفى
ومر على آثارها دبرانها كصاحب ردء كمنت خيله خلفا
وأقبلت الشعرى العبور ملبة بمرزمها اليعبوب تجنبه طرفا
تخاف زئير الليث قدم نثرة وبربر في الظلماء يتسفها نسفا
كأن سهيلا في مطاله أفقه مفارق إلف لم يجد بعده إلفا
كأن السماكين اللذين تظاهرا على لبدتيه ضامنان له الحتفا
فذا رامح يهوي إليه سنانه وذا أعزل قد عض أنله لهفا
كأن معلى قطبها فارس له لواءان مركوزان قد كره الزحفا
كأن قدامى النسر والنسر واقع قصصن فلم تسم الخوافي به ضعفا
كأن أخاه حين دوم طائرا أتى دون نصف البدر فاخطفت النصفا
كأن بني نعش ونعشا مطافل بوجرة قد أضللن في مهمه خشفا
كأن ساها عاشق بين عود فآونة يبدو وآونة يخفى
كأن ظلام الليل إذ مال ميلة صريع مدام بات يشربها صرفا
كأن عمود الصبح خاقان معشر من الترك نادى بالنجاشي فاستخفى
كأن لواء الشمس غرة جعفر رأى القرن فازدادت طرقته ضعفا(5/509)
وقد تقدم قبل لهذه الصفة الجامعة في النجوم علي بن محمد الكوفي، في قصيدة يقول فيها:
متى أرتجي يوما شفاء من الضنى إذا كان جانبه علي طبيبي
ولي عائدات ضعفتهن فجئن في لباس سواد في الظلام قشيب
نجوم أراعي طول ليلي بروجها وهن لبعد السير ذات لغوب
خوافق في جنح الظلام كأنها قلوب معناه بطول وجيب [137 أ]
ترى حوتها في الشرق ذات سباحة وعقربها في الغرب ذات دبيب
إذا ما هوى الاكليل منها حسبته تهدل غصن في الرياض رطيب
كأن التي حول المجرة أوردت لتكرع في ماء هناك صبيب
كأن رسول الصبح يخلط في الدجى شفاعة مقدام بجري هيوب
كأن اخضرار الصبح صرح ممرد وفيه لآل لم تشن بثقوب
كأن سواد الليل في ضوء صبحه سواد شباب في بياض مشيب
كأن نذير الشمس يحكي ببشره علي بن داود أخي ونسيبي
ولولا اتقائي عتبه قلت سيدي ولكن يراها من أجل ذنوب
نسيب إخاه وهو غير مناسب قريب صفاء وهو غير قريب
ونسبه أجسام الأقارب وحشة إذا لم يؤنسها انتساب قلوب(5/510)
ولأبي الفضل البغدادي الدامي من قصيدة في ذلك:
وليل تجلى الصبح في جنباته سنا بارق في لج بحر تعببا
أحاطت بآفاق السماء خيامه وطبق شرقا في البلاد ومغربا
نفى طوله عني الرقاد كأنما يغار على الجفنين أن يتركبا
تعانق كيوان وبهرام وسطه على الحقد في صدريهما وترحبا
عريبان خافا الضغن في دار غربة وربت ناس ضغنه إذ تغربا
فبت أجيل الطرف أرتاد فجره كما ارتاد ذو الشوق الحبيب المحجبا
كأن النجوم الوهر فيه خرائد تطالع من زهر الكواكب ربربا
تودع من تهوى بكسر جفونها وتكثر من خوف الوشاة الترقبا
وإلا كغزلان النصارى تدرعوا بسر مسوح للصلاة ترهبا
كأن ثرياه أنامل فضة تقلب ترسا من سنا الليل مذهبا
ومن أخرى:
كأن كواكب الجوزاء شرب تعاطيهم ولائدهم شرابا [137 ب]
كأن الفرقدين ذوا عتاب أجالا طول ليلهما العتابا
كأن المشتري لما تعلى طليعة معشر خنسوا ارتقابا
كأن الأحمر المريخ معد على حنق يشب بها شهابا
كأن سنا المجرة فيض نهر جرى في الزهر وانساب انسيابا
كأن بقية القمر المولي كئيب مدنف يشكو اجتنابا(5/511)
كأن الفجر مبتهج ببشرى تلألأ لعدها اربد اكتئابا
كأن الليل مذعورا بفخر مريب راعه سيف فهابا
وله في مدح المنتصر بالله حسين بن يحيى المعتلي:
كأن السماء اللازوردي وهنة ملاء على جسم الزمان منمنم
كأن الثريا فيه كف خريدة أنيط له إذ أظلم الليل معصم
كأني أراها إذ بدا دبرانها قيب لتعذيب المتيم يلزم
كأن السها صب أضر به الهوى فلم يبق منه فيه لحم ولا دم
كأن به الجوزاء حين تطلعت أمير يحييه الدجى ويعظم
كأن شبيه الفرقدين متيم يقبل معشوقا جفاه ويلثم
كأن سنا المريخ في غسق الدجى شهاب تذكيه الرياح مضرم
كأن ظلام الليل قلب وقد هوى بايمانه نسر من الشرك قشعم
كأن ابتسام الصبح في جنباته نواجذ زنجي غدا يتبسم
وهذا يشبه قول ابن المعتز:
حتى تبدى تحت ليل مظلم كأنه غرة طرف أدهم
أو ثغر زنجي لدى التبسم
ومن أخرى في مدح ابن جهور:(5/512)
في ليلة ليلاء ألقت كلكلا فوق النهار وجلببته حندسا
طالت علي وطال بثي تحتها حتى حسبت الدهر ليلا عسعسا
والنجم في كبد السناء كأنه [-.] تدرع بالمهابة واكتسى [138 أ]
وغدا سهيل طاعنا بسماكة أعداءه وتخاله متترسا
وبنات نعش تستدير كأنها أطلاء غزلان ضللن المكنسا
والجدي قد أسرت يداه قطبه فثوى أسيرا لا ينهنهه الأسى
والنسر قد ضم الجناح كأنه متقدم رام اللحاق فأحبسا
وكأن مطلعها رياض جاده صوب الحيا قدما فأنبت نرجسا
والبدر يحيي نوره وقد انطوى طرفاه حتى خلته قد قوسا
والصبح منهزم وقد رفع اللوا في إثره جنح الظلام ليخسا
حتى تلقى الفجر في حلل الضحى فجلا لنا وجه الظلام الأعبسا
فكأنه لما استطال على الدجى بسنا أبي الحزم الأعز تلبسا
ولأبي عامر بن شهيد:
وارتكضنا وقد مضى الليل يسعى وأتى الصبح قاطع الأسباب
وكأن النجوم عسكر خيل دخلت للكمون في جوف غاب
وكأن الصباح قانص طير قبضت كفه برجل غراب
[-.](5/513)
كأنما الليل إذ تولى لغرة الفجر إذ رآها
زنجية أسكرت فأمست تجر من خلفها رداها
رجع:
ولما دخل هشام بم محمد الناصري المتلقب بالمعتد قرطبة، واستوثق له الأمر بها، سفر عنه رسولا إلى مقاتل صاحب طرطوشة، فائز بن المغيرة، فاجتمع بها أبي الربيع القضاعي هذا فقال له ل [فائز] : لو لحقت بقرطبة إلى أمير المؤمنين المعتد بالله كنت تحصل بها على الوزارة معنا، فأنشده أبو الربيع:
هبك كما تدعي وزيرا وزير من أنت يا وزير
والله ما للأمير معنى فكيف من وزر الأمير
وانما نظر أبو الربيع في معنى هذين البيتين إلى قول عمر بن إبراهيم في خبر أورده الصولي قال: لما رد المعتمد إلى سر من رأى من طريقه إلى ابن طولون على يدي اسحاق بن كنداج وأحسن التدبير في ذلك، وسمي ذا الوزارتين قال [138 ب [له عمر المذكور:
قل للمسمى الوزير ظلما وزير من أنت يا وزير
أنت أسرت الإمام قهرا وكيف يستوزر الأسير(5/514)
جملة من أخبار هشام بن محمد الناصري أمير قرطبة
الملقب من الألقاب السلطانية بالمعتد، نقلت من أبي مروان ابن حيان
قال أبو مروان [ابن حيان] : وهشام بن محمد هو أخو المرتضى، أخذت له البيعة بقرطبة سنة عشرين وأربعمائة، وهو يومئذ مقيم بحصن البونت قبل أميره محمد بن قاسم الفهري، ألجأته إليه المخافة عند مهلك أخيه المرتضى، فقلد هذا الأمر في سن الشيخوخة، ولا نعلم أميرا من أهل بيته ولي في مثل سنه، وقد كان معروفا بالشطارة في شبابه، فأقلع مع شيبه، فرجي فلاحه، لصدق توبته، وخلوص طاعته، وتهديه لما فرط من بطالته، فجاء سكيتا لحلبته، متخلفا عن جميع ما قدر فيه وظن عنده، وكانت بيعته في سهولة أسرع الناس اليها، افتتحت باجماع وختمت بفرقة، وعقدت برضى وحلت بكراهية، وكان الوزراء قد نظروا في هيئة أموره، وكيفية وروده، فلم يفجأهم إلا وقد أشرف على البلد، فانقلبت قرطبة أعلاها وأسفلها طربا إليه وسرورا به، فركب جيشها لاستقباله، فدخل في زي تقتحمه العين وهنا وقلة، عديم رواء وبهجة، وعدد وعدة، فوق فرس دون مراكب الملوك، بحلية مختصرة، سادلا سمل غفارة(5/515)
ما على تحتها كسوة رثة، قدامه سبع جنائب من خيل الموالي [العامريين] سيروها معه للزينة دون علم ولا مطرد، يسير هونا والناس يهشون له، ويضجون بالدعاء في وجهه، لا يعلمون ما سيق لهم من المكروه به، فدخل القصر، وجاء معه في جملة الموالي العامريين حائك من أبناء الزعانيف بقرطبة يسمى حكم بن سعيد، الحائك المشهور، حمل ابنه هذا السلاح، وأطال السبال، وخرجته الفتنة فصحب أمراءها، وعرف هذا الخليفة عند ظهوره بالثغر بصحبة في حال الصبا، فسما إلى الغلبة، واشتمل عما قليل على تدبير سلطانه فنقضه سريعا.
قال أبو مروان: ثم بات الناس ليلتهم، وغدا الملأ عليه، ووصلوا على مراتبهم إليه، وهو بمجلس الخلافة، فظهر منه ليومه عي في القول، احتاج إلى عبارة الأكابر عنه، وأنشده من حضر من أدباء الوقت، فلم يهزه شيء من ذلك لنبو طبعه. وحضره في ذلك اليوم [139 أ] محمد بن المظفر بن أبي عامر أمير بلنسية [فرفع مرتبته وسماه الحاجب وأثنى على سلفه، يخادعه وفوه يتحلب لأكله، ثم قرئت كتب وردت معه من شرق الأندلس منها كتاب عبد العزيز بن أبي عامر أمير بلنسية] وكتاب(5/516)
سليمان بن هود صاحب لاردة، كلها في إطراء الخليفة [المعتد] هشام المهدي للأمة رحمة، ثم توالت بعد كتب الرؤساء مسوقة هذا المساق من غرور أهل قرطبة [فأصغوا من إفكهم إلى ما زادهم خبالا، وأولبقهم ورطة] ونكالا، وكانت تلك الكتب المزورة حظهم من هؤلاء الساخرين بهم، أدوا إليهم هذا المغرور بامارتهم عديما لآلاتها، ثم تركوه في أيديهم وصرموا حبله، ولم يتعدوه فيما بعد بفارس ولا درهم.
وحكى لي بعض أصحاب هذا الخليفة هشام أنه اجتاز على جزيرة شقر من عمل الموالي العامريين بشاطبة وطمع أن يدخلوه فلم يتفق له عندهم شيء، وجعل يجوب الدلو إلى قرطبة، وأول ما أظهر من النوادر أن جلس بنفسه للمظالم، وزاد في قراء الجامع حين بلغه أن ما به غير مكي وصاحبه، وزاد في رزق مشيخة الشورى من مال العين، ففرض لكل واحد خمسة عشر دينارا مشاهرة، فقبلوا ذلك على خبث أصله، وتساهلوا في مأكل لم يستطبه فقيه قبلهم، على اختلاف السلف في قبول جوائز الأمراء الذين سبكوا خبائث الضرائب والمكوس القبيحة، فاستدر القوم مرية هذه الطعمة الخبيثة، وكنت أحسب فقهاء الشورى بعده أنهم يكتمون شأن ذلك الراتب، حتى سمعت أبرهم يلح في طلبه(5/517)
وينتظر بلوغ وقته، فانكشف لي شانه والقوم أعلم بما يأتونه، وهو القدوة، لا جعلهم الله لنا فئة. وقد حدثت أن هشاما أطعمهم من قمح ولد القاضي ابن ذكوان أيام فر عنه، وأخذ ماله، فقبلوه قبول مال الفيء؛ وهذه الأخبار تكتب للغرائب، والفتنة تنتج العجب، والخلة تدعو إلى السلة.
قال: وقلد هشام وزيره حكم بن القزاز جملة [تلك] الأعمال، وأطلق يده في المال، وناط به الرجال، فجرى مجرى أعاظم الوزراء المستمرين على فتنة الملوك في سالف الأزمنة، فحجر حجرهم على هذا الخليفة هشام في سن الشيخوخة بطبق ومائدة، كانا طباق همته الكاسدة، عكف عليهما راضيا بأدنى المعيشة، وقعد في حجره ينظر بعينه ويسمع بأذنه، يدني من أدناه، ويبعد من أقصاه، وخلاه ومعظم الأمور يدبرها بجهله وخرقه واعتسافه وتهوره، فلم يلبث أن انتقضت به، فأردته وصاحبه سريعا. واحتاج حكم إلى رجال يستعين بهم في تدبيره، فلم يهتد منهم(5/518)
إلا [إلى] نغل دغل، وماجن سفيه أو سوقي رذل، سقطت به عليهم المشاكلة، واتخذهم عيبه وبطانة، [139 ب] فمدوا له في الغواية، وجروا في هواه طلق الجموح، ما منهم حازم ولا نصيح، فهوى صريعا، وأصبح مثلا وموعظة، ووقع هشام على [خبر] ودائع ولد المظفر بن أبي عامر، وبعثر له عنها وزيره حكم، فوصل إليه منها بعض أسباب من ذخائر وثياب، وجرت بأسبابها على الناس خطوب، وجعلها على أهل اليسار وأعيان التجار بقيمة سعرت مع حمل من رصاص وحديد كان جمع من خرابات القصور السلطانية، عجل عليهم في أثمانها، فاستجحف الناس فيها واستعان عليهم بمن كان من الفقهاء رتب له فيها، ولم يلبث أن ألهبها كلها شواظ النفقة، وحال هشام في كل ذلك يزداد ضعفا حتى انكشف، واضطر إلى طلب الأمناء والأوصياء عن الأوقاف ومال الغيبة، وشبه ذلك، فبعثر عليها، وانفتح بذلك على الأمة مكاره شديدة، وكان القيم له بها مارد من المتفقهين يعرف بابن الجيار، ممن خدم الدولة المحمودية في(5/519)
مثل هذه الأخابث، فنكب في ذلك، فنعشه هشام من نكبته، وبعثه على خدمته، فعم أذاة، وكثر صرعاه، وخص بوزير الملك أبي العاصي الحائك، لمشاكلته إياه، ففرى الفري ابتغاء رضاه، فاعترت الأمة شدة مرت لهم أيام علي بن حمود جذعة، فساءت أحوالهم لهذه السياسة المذمومة، والوزارة المسخوطة، وبلغت هشاما فانزعج منها، وأوعد من أفشاها، وأمر بإنشاء كتاب شديد عنه إلى الكافة بما استكره من ذلك، وأغلظ [فيه] وعيدهم بما دل على قصر المدة في ما أتاه، كتبه عنه أبو عامر بن شهيد وزيره، وصاحب خالصته أبي العاصي الحائك، مطولا مستكره اللفظ، عليا المعنى، شديد القسوة، خارجا عن غرض الكتاب، لم يصحبه فيه توفيق، فقام في جمادي الأخيرة سنة إحدى وعشرين أبو عامر على كرسي، وقرأه على الكافة والأعيان، ثم قرئ أيضا بالمسجد الجامع على العامة فصك الأسماع بأصلب من الجندل، وغشي وجوههم بأحر من المرجل، وانصرفوا يتدارسون نوادره.
قال أبو مروان: وكان أبو عامر بن شهيد قد اعتلق يومئذ بدولة هشام المعتد، واختص بوزيره حكم النذل، المرتقي ذروة الوزارة من الحياكة(5/520)
وانخرط في سلك من [كان] يؤيد المعتد على تلك الهنات الموبقات، ومن مأثور نظمه الشاهد بذلك، قصيدته فيه، وكانت من كتوماته، سأنشدها هذا الخليفة يوم مهرجان العام المؤرخ، إثر قتل عبد الرحمن بن محمد بن الحناط الوزير، يحسن له سطوته، ويغريه بمن بقي من أصحابه، وهي قصيدة ذميمة المعاني استهدف بها إلى سفك دماء المسلمين، [140 أ] جسر هشاما على الفتك بالعالمين، يقول فيها:
أحللتي بمحلة الجوزاء ورويت عنك من دم الأعداء
وطعمت لحم المارقين فأخصبت حالي وبلغني الزمان شفائي
ورأيتني كالصقر فوق معاشر تحتي كأنهم بنات الماء
ولمحت إخواني لديك كأنهم مما رفعتهم نجوم سماء
ومنها:
لا يرحم الرحمن مصرع مارق عبث بطاعته يد الأهواء
ألحق به إخوانه فحياتهم نكد وقد أودى أخو السفهاء
ساعد بذاك ودع مقال معاشر بخلوا فنالوا خطة البخلاء
من لم يفدك سوى الرماح فخله للشمس يرقبها مع الحرباء
ودع القلانس في السحاب يشقها ومفاخر الآباء للأبناء(5/521)
إن الرجال إذا تأخر نفعهم في كل معنى شبهوا بنساء
أنا صلهم عند الخصام فخلهم للسان هذي الحية الرقشاء
في أبيات غير هذه، ما أحسن فيها ولا أغرب، بل لأعرب عن سقم يقينه ورقة دينه.
قلت أنا صاحب الكتاب: أما الأبيات في أنفسها فدر مكنون، وسحر مبين، وأبو عامر كان أعجب وأنجب من أن يقال له ما أحسن وما أغرب، ولو قال: حض على أهل بلده، وأبان عن فساد معتقده، بعد أن يبرأ إليه من البيان، ويسلم له غاية الإحسان، لكان لأولى بابن حيان.
ذكر الخبر عن مقتل الوزير الحائك المذكور وخلع هشام المعتد هنالك، وما انتظم من خبر مستطرف في سلك ذلك
قال أبو مروان [ابن حيان] : وضعف أمر هشام، لسوء تدبير وزيره حكم القزاز، وبلغ من الظلم والجور أن كسدت أسواق قرطبة ولم تسلك سبلها، وأسر الناس الوثوب على وزيره هذا، فسقط إليه ذرو من ذلك فانزعج وخاف على نفسه، ورحل إلى قصر السلطان بأهله ورعيله، وسكنه مدة مختلطا به، وأخذ في مداراة الناس، وكف عن الكلف، وكتب إلى الجماعة كتابا طويلا وضح فيه العذر في شأن تلك الكلف، وحمل هشاما(5/522)
على [140 ب] الازورار عن بعض مشيخة الوزراء الأقادم، وقصد منهم كبيرهم أبا الحزم ين جهور، وطلب تعثيره فلم يستطعه، وأمله يطمح لازالته، ليتمكن بالناس بعده، والله يستدرجه، إلى أن أن أمكن الله من هذا الجائر حكم، وذلك أنه لما خرق في تدبير سلطانه، واعتسف الأمور، وأساء السيرة والتدبير، واستفسد إلى الكافة، وكان من مغرس دني، ومهنة مرذولة، فآثره الخلفية، وسما به المحل الذي لا يستحقه، وتبوأ حجره، ورضي منه في حال الشيخوخة والحنكة، بأهون ما رضيه أحداث الأمراء، ففوض إليه، وعول عليه، ثم قعد ينظر بعينيه، وينطق بلسانه، وألزم جلة الأمراء طاعة الفسكل، وهو رجل من دخلاء الجند ما فيه شيء من خصال الرجال إلا ثقافة الركوب الساذج، دون غناء ولا شجاعة، منتقلا من الحياكة إلى الذروة العليا من تقلد الوزارة، فبدر لأول وقته بعداوة الأحرار، وتنقص الفضلاء، والميل على أولي البيوتات بالأذى والمطالبات، وصير صنائعه في أضدادهم من التوابع والحاكة، فكانوا وزراءه وأنصاره، فنالوا معه المنازل النبيلة، وأكلوا الطعوم الرقيقة، أكثرهم صبية أغمار عيارون من نمطه، ممن دينه(5/523)
حث الكاس، واتضيد الآس، وطبخ الترفاس، والتفكه بأعراض الناس. إن ضج مظلوم سخروا به وحاكوه، فالناس منهم ومن صاحبهم في بلاء عظيم، وتجهد مقعد مقيم. وعندما سولت لهذا الحائك - حكم - نفسه الخبيثة الاستيلاء على البلد، واجتثاث مشيخة الوزراء، بما زين له جاري القدر، وسوء النظر، مقت جنده البلدين لعلمه انهم صنائع الوزراء قبله، ورأى أنهم لا يصلحون له، فأخر أعطياتهم فاضطربوا، فلما لاح له حركة الهمس والقول فيه، بنى القصبة المطلة على ساحة المدينة، استظهارا على ما خافه من تحرك العامة، فهتك بها عندهم ستره، ودبوا القيام عليه، وهو على ذلك مصر في غيه، عم في لجاجته، آمن مكر خالقه، عهر الخلوات، صريع الشهوات، لهج بالفكاهات، كلف بالبطالات، كثير الكذب والإيمان، شنيع الفجور والعدوان، وصاحبه أمير المؤمنين القائم بأمر الأمة عالم بذلك راض من وزيره هذا الحائك بإقامة وظائفه ليومه وشهره، من نشيلة وحنيذه، وشوائه وشرابه ونبيذه، وملأ قلبه وعينيه بالمطعم(5/524)
الذي آثر الأشياء عنده، فأكثر له من الأطعمة والشهوات، وأعد له القينات والملهيات والمغنيات، فوكسه في الصبا بعد المشيب، وعرف شغفه بالبطالة فقصدها وأصاب الغرة [141 أ] فنال عنده نهاية الحظوة، إلى أن خلط أهله بأهله، وأباحه سكنى داره، قد وثق حكم منه بذلك، ففرق عنه الأصحاب، وسد دونه الحجاب، وخلاه وراء الستر بين بم وزير، يطير بأجنحة السرور، وقد شغل بكأس يمناه، وبحر يسراه، وأعرض عما أحاط به، حتى أتاه من أمر الله ما أتاه، وقصده في وزيره هذا ما أشجاه؛ وأرسل [الله] على وزيره ودلته طائفه من فتاك الجند عرفت مراد الوزراء ووجوه الجند في إزالة هذا الخائن الحائك، فدبروا قتله تدبيرا محكما، خفي عن حكم مع كثرة عيونه، وكان الناظم لهذه الجماعة ابن عم الخليفة هشام، [واسمه] أمية بن عبد العزيز العراقي، من أبناء الناصر، فتى شديد التهور والجهالة، فانتظم في سلك هذه الجماعة، وسولت له نفسه نيل الخلافة، وأطمعه في ذلك، سخرية به، بعض من نظم التدبير من نظم التدبير من المشيخة، علما بأنه لا ينفذ في الوثوب على هشام إلا من ينازعه لبوسه، ويساهمه قرباه، فتهيأ أمر القوم في ستر وخفية، فرصدوا حكم الوزير في طريقه من القصر، وقاموا عليه فقتلوه وصرعوه ركن الجامع الشرقي في شديد الوحل والقذر، فكان من تمام محنته، وطافوا بالرأس وقد محا الطين رسمه، فغسلوه(5/525)
في قصرية سماك بسوق الحوت، ونصبوه تحت العلية التي [كان] أعدها لدفاعه، فصار عبرة للمتأملين، وأخذ القوم سلبه، وغادروه عريانا مكبوبا لوجهه، مضرجا بدمائه، وجروا جيفته إلى هوقاة القناة، فألقوها وسط الحمأة والأقذار، وولفى قوم من أعدائه ففلوة بأسيافهم. ووقعت الهيعة في الناس، وانقلب البلد أعلاه أسفله، واجتمع العوام وطلاب الفتنة إلى جند البلد للوقت، ووافى إليهم بن عبد العزيز العراقي، قطب القضية، فالتف الجناة به، وتقدم بهم إلى القصر لحينه، وقد وقع الخبر على المخلوع هشام وهو آخذ في بطالته [مع نسائه] ، فبادروا الصعود إلى العلية الجديدة فوق سور القصر، المعدة لمثل هذه الحادثة، فصار الاعتصام بها سبب حياته، إذ لم يطق القوم التعلق بها، وقد قصدوا نفسه، وأشرف للحين على من اجتمع تحتها داخل المدينة من الجند والعامة، وكلمهم بجميل، وولى وزيره الملامة، فاستقبله قوم من الجناة من أسفل القصر برأس وزيره حكم، قد هشم شجاعا، ينادونه: هذا رأس وزيرك الذي أبليت به الأمة، ويغلظون له القول وهو يستلطفهم، وهم يسبونه، فتوصل الناس إلى حريمه فأباحوه، ووضعوا أيديهم في نهب ما أصابوه من نشبه، وقد كان اجتمع عنده [141 ب] من الأسلاب والغصوب التي استلبها حكم الحائك متاع فاخر ورياش حسن، من سائر من ظهر عليه من مال المنكوبين، وانطلقت الأيدي على آلات القصر من السلاح وغيره، ووجد(5/526)
فيه أنواع قيود حديثة كان حكم أحكمها لمن يقيد بها من الأعيان، والجاهل أمية العراقي في كل ذلك يحرض العامة على النهب، والارتقاء إلى البائس هشام وطلب مهجته، فلا يجدون مطلعا إليه لمنعه مكانه، وهشام مطلع رأسه إلى من تحته بداخل المدينة ينشدهم ببيعته فلا يجيبه أحد إلا بما يسوءه، إلى أن تبين له خذلانهم إياه، فانجحر في وكره إلى أن نزل بأمان، ولم يبق نعه إلا أربعة غلمان له، أحدهم فحل والثلاثة صقلب، يرقون من دنا منهم، ويستعينون الناس لاستقاذهم. وكان منظرا عجيبا في سرعة استحالة حال الدنيا في نصف نهار من العز إلى الذلة. واجتمع الوزراء إلى زعيمهم أبي الحزم بن جهور عظيم القرية، فهتف على الناس بكف الأيدي، وسمع هشام الهتف باسم الوزراء، وقد ألغي اسنه، فأيس عند ذلك من نفسه، وكع فلم يطلع بعد وجهه، ولا تكلم بلفظة، ودفع الوزراء بباب القصر النهابة والعامة، فانتهوا، وأمية العراقي في كل ذلك مقيم بداخل القصر في جمهور النهابة، قد تبوأ مجلس البائس هشام، واستوى على فراشه، ورتب وجوه النهابة مراتبهم في الحفوف به، والنفاذ في أمور الإمارة، لا يشك في حصولها له، محرضا على هشام، مجتهدا في إتلافه. ثم اجتمع الوزراء واتفقوا على خلع هشام، وهتفوا بإبطال الخلافة جملة لعدم الشاكلة، ونفوا عن المروانية والناصرية السداد، ورجعت قرطبة إلى تدبير الوزراء، وترك الدعاء(5/527)
لأحد، ونزل هشام إلى ساباط الجامع المفضي إلى المقصورة في من تألف إليه من ولده ونسائه، فحصل في السابط طارحا نفسه على الجماعة، مستغيثا بهم، وينشدهم الله في مهجته، فأعلم بكره الناس له، فقال: ليت إني قرب البحر فترمون بي في لجته، فتكون أخفى لشماتتي، وأروح لنفسي، فافعلوا بي ما شئتم، واحتفظوني في ولدي وأهلي، وبدالهم من ضعف نفسه وغثاثة قوله وإلقائه بيده ما كان مكتوما عن الناس. وبقي بقية يومه وليلته من الساباط أسيرا ذليلا خائفا، ونسوته حوله مولولات شعثات حاسرات لا يملك لنفسه ولا لهن صرفا ولا نصرا، شاخص البصر إلى حيث تهجم عليه المنية. ولقد حدث يعذ سدنة الجامع أن من أول ما سأل الشيوخ الداخلين إليه أحضار كسرة من خبز يسد بها [142 أ] جوع بنية له، لا ولد سواها، لطيفة المكان من نفسه، قد احتضنها ساترا لها بكمه من قر ليلته، يقول إنها لصباها تشكو من الجوع ذاهلة عما أحاط بها فتزيد في همه. فأبكى من كلمه اعتبارا بعادية الدهر، وأحضر مل طلبه. وبات الوزراء والناس بالجامع ليلتهم غب الحادثة على هشام للفراغ من شأنه، فأجمعوا على تعجيل إخراجه إلى صخرة محمود بن شرف، والثقة بحفظه، فاقتصروا على ذلك، دون(5/528)
أن يأخذوا خطه بالخلع ويشهدوا عليه بعجزه عن تدبير الخلافة وتخلية الأمة مما له في أعناقهم من البيعة على سبيل المعهودة، وأنساهم الله ذلك إما تهاونا أو نسيانا، فنفذ إلى حصن ابن الشرف وحبس فيه، وأمية بن العراقي في كل ذلك لم يبرح من القصر، قد سولت له نفسه الخلافة، واستدعى وجوه الجند للبيعة، وفرغ له الوزراء بعد نفوذ هشام، فوبخوا الجند على الدخول إلى أمية وحذروهم فتنته، وألزموا وجوههم إزعاجه عن القصر والقبض عليه، فأطلق لسانه على الوزراء بالسب، فأخرج عن البلد.
[فصل في ذكر] الأديب أبي عامر البماري
نسب إلى بادية بمار، شيخ ذلك الثغر أدبا وظرفا - كان - في ذلك الزمان، وكانت له رحلة إلى المشرق، وسكن مصر، وقرأ على أبي جعفر الديباجي كتابه في العروض والقوافي وسائر كتبه، ولقي شيخ القيروان في العربية، ابن القزاز، وأبا إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم الحصري. وأخبر عن نفسه أنه كان يؤدب بمصر بالقرآن، وبين يديه تلميذ وسيم، فمر به أبو جعفر البجاني الأندلسي، فألفاه يتناوم، والتلميذ قد قام عنه، فأخذ البجاني سحاءة وكتب له فيها هذه الأبيات، وخلاها بين يديه:(5/529)
يا نائما متعمدا ... إبصار طيف حبيبه
هو جوهر فاثقبه إ ... ن الطيب في مثقوبه
أو ركبني ظهره ... إن لم تقل بركوبه فلما قرأها علم أنها للبجاني، فكتب تحتها:
يا طالبا أضحى حجاب ... دون ما مطلوبه
لو لم يكن في ذاك إث ... م لم أكن أسخو به [142]
إني أغار عليه من ... أثوابه ورقيبه قال: وأنشد يوما في حلقته قول ابن الرومي:
ما أنس لا أنس خبازا مررت به ... يدحو الرقاق كوشك اللمح بالبصر
ما بين رؤيتها في كفه كره ... وبين رؤيتها قوراء كالقمر
إلا بمقدار ما تنداح دائرة ... في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر فقال بعض تلامذته: ما أظن أنه يقدر على الزيادة، فقال البمباري:
فكدت أضرط إعجابا لرؤيتها ... ومن رأى مثل ما أبصرت منه خري فضحك من حضر وقال: البيت لائق بالقطعة لولا ما فيه من ذكر الرجيع، فقال:
إن كان بيتي هذا ليس يعجبكم ... فعجلوا محوه أو فالعقوه طري وأنا مقل من أخبار هذا الرجل، وما وجدت له أكثر مما أثبت وقت الفراغ من تحرير هذه النسخة.(5/530)
م: وتشعبت.
يعني سعيد بن جبير، وهو من أتقياء التابعين، خرج على الحجاج مع ابن الأشعث، ولم يكن يقول بالتقية.
س: وأوراقها.
أي امرؤ القيس، انظر ديوانه: 43.
س: جازع.
م: ذكر.
م: ويذكر.
م: يقول فيه، وانظر ديوان ابن دراج: 88 - 89.
م: والجلا.
من قول زهير بن أبي سلمى في معلقته:
فتعرككم عرك الرحى بثفالها فتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم
من المثل " إن الشقي وافد البراجم " (الميداني 1: 7) وله قصة.
الزبرقان: القمر.
ورد هذا البيت في شعر كثير (ديوانه: 222) ونسب لعبد الرحمن بن الحكم (الأغاني 15: 117 ط. دار الكتب) .
هنا تبدأ المخطوطة (ط) .
م: البحتري، والبيت في ديوانه: 955.
ديوان ابن دراج: 103 - 104.
م: ودي.
م: رب.
م: سماء.
ديوان ابن دراج: 95.
ط: كؤوس.
م: نتائجا.
هذا البيت وبعده أربعة أبيات لم ترد جميعا في ط ر، وفي موضعها: ومنها، وقد سقطت الأبيات 4 - 8 من س.
الديوان: رضم.
الديوان: اليكما - أصعقتني.
م: الهدى.
م س: يحمي للأسود، وأثبت ما في الديوان.
س: للجب.
الديوان: أنت.
م س: للصنم؛ والهنم: التمر كله أو نوع منه.
م: رأس.
م: محكم.
م: غلمان.
انظر البيان المغرب 3: 162.
أمروا: كثروا.
د ط س: مستمسكين.
ورد بعدها في م وحدها لفظة " الحبل ".
م: فاذكر.
انظر البيان المغرب 3: 158 وما بعدها، وفيه بعض اختلاف وإيجاز؛ والمغرب 2: 299.
د ط س: ببلنسية.
د ط س: فاتفق.
م: وكلماه.
م: اثر ذلك محنة قرطبة.
د ط س: بقصر.
م: جماعات.
م: وجلوا.
البيان: تضمهم إلى.
د ط س: لحق.
د ط س: بباب الأندلس.
م: الأصناف.
د ط س والبيان: وكانا بنيا بلنسية وسدا عورتها بسور أحاط بمرفئها.
س: فتبوءوا.
د ط س: واتسعوا؛ البيان: وتكسفوا.
م والبيان: عظيم.
م: واجتلب رفيع.
وجلب - والحلل: سقط من ط د س.
د س ط: بعقرهم.
وفوق - الأمنية: سقط من ط د س.
ط د س: بمولى القشتيلي.
م: نعورة؛ س: عوذة.
م: بأغرب (وقبلها بياض) .
الأسمعة: مجالس الغناء.
د ط س والبيان: جنة.
د ط س والبيان: بعنصر.
س: الزنمتين؛ وكلاهما صواب، أي باللام والنون.
المتبنك: المتمكن من النعمة.
يتقلس: يتخذ قلنسوة؛ م: ويتقلنس (وكلتاهما صواب) .
م والبيان: مهنة.
م: أنفس.
م: المضطرة.
م: أثر.
هنا تبدأ النسخة (ب) .
ط د س والبيان: بالسهم.
ط د س: سلف.
ط د س والبيان: يستغيثون في أن يرفقهم (يرفق لهم) .
هذا العلج مبارك: سقط من ط د س.
ب: حطب.
ط س: ثانية؛ البيان: ناتئة.
م ب: ورتق.
م: على هذا الظالم، وفي الحاشية: عليه.
ب م: بينهم.
ب: ثغور شقوره؛ د ط س: ثغوره.
ط د س: انتهى كلام ابن حيان.
ط د س: قال ابن بسام؛ وكذلك هي الحال حيثما ورد.
اللصاب: الشقوق؛ والأساود: الحيات.
ط د س: وتراموا.
س: مستمسكين.
البيت لأبي تمام، ديوانه 1: 229.
د ط س: الخليفة.
ط د س: لشذوذهم.
س: من كتابه.
ط د س: كثرة.
ب م: وطرحوا.
د ط س: وصفت.
م: بني.
م: البغية.
أبي مروان: سقطت من ط د س؛ وانظر هذا النص في البيان المغرب 3: 156.
ب م: وأسرى.
ط د س: الفهم والعلم.
س: راع فيه من لفظه وشرفه.
ط س: يحلو؛ والصواب: يحلى (بطائل) .
ب: بالتفانة.
د ط: ومنع.
ط س: انتهى كلامه.
س: أنا.
هو محمد بت أحمد بن إسحاق بن طاهر، راجع بغية الملتمس رقم: 23 وقلائد العقيان: 58 والمغرب 2: 247 والذيل والتكملة5: 590 والحلة 2: 116 والخريدة 2: 313 والمعجب: 180 وأعمال الأعلام: 202؛ وكانت وفاته سنة 507 أو 508 ببلنسية، وقد نيف على التسعين، وكان أبوه أبو بكر من أعلام تدمير، بلغت وفاته قرطبة سنة 455؛ وآل طاهر كانوا ذوي بيت عامر وعدد وافر يفخرون بالعروبية وينتمون في قيس عيلان.
ذلك: سقطت من د ط.
ب: يده.
ب م: موقع همته.
ب م: بالثغور.
مجون: سقطت من د ط س.
ط د س: زعيم بلنسية بعد ذلك وقد استوى في ذلك الأوان.
ب: فتخلص.
انظر الحلة 2: 119.
من أمثال المولدين، انظر الميداني 2: 211.
ط س: ضئيلة.
ط د س: كتابه.
م ب: مخففين لأثيابهما.
ب: البقبلة؛ ط د س: النفيلة.
ب م: فرق لها.
ط د س: ما هو إلا.
ط د س: يتوقع.
ط د س: له.
ب م: نسبا.
س: قد.
المذكور: سقطت من ط د س.
ط د س: النجاح.
ط د س: اعتقاله.
ط د س: أسرع لي.
ب م: ملاقاتك.
ب م: فلزم.
ب م: بغير.
ط د س: يطوى بما عليه.
ظاهر: سقطت من ط د س.
د ط س: طوابعها.
صل اللحم وأصل: أنتن.
ب م: عن.
د ط س: الاستشفاع.
د ط س: هي.
د ط س: لاراقة دمي.
د ط: لا تبالي؛ س: لا تبال.
د ط: وله من رقعة عتاب.
ط د س: على.
س: الحق المبين.
د ط: فاجأ؛ س: فجأ.
الضمد: الحقد.
م: التورد.
م: أجري.
د ط س: لدي.
س: هذا والله ما اعتمدته.
د ط س: تقديمك.
ب: من نارها.
هذه العبارة سقطت من د ط س، ويبدو أنها مقحمة.
وردت في قلائد العقيان: 60، وذلك بعد أن تخلص من معتقله بمنت قوط بتأثير أبي بكر ابن عبد العزيز ودفاعه عن ابن طاهر، وقد صدرت هذه الرسالة عنه وهو بجزيرة شقر؛ وانظر الذيل والتكملة 5: 591 والخريدة 2: 319.
د: وسار؛ القلائد: ومال.
ب: فنغتفر؛ ط د س والقلائد والخريدة: فنغفر.
ط د س: النفوس.
ب: درك.
ط د: وما توليه.
س: بالمحل.
ب: عين.
ط د س: ومن اخرى.
د ط س: وعلى قرب من مرامها.
ب م: لقضائه.
ب م: أثوابه.
ومددت -. مفزعا: سقط من ط د س.
ب م: ومؤتي.
ط د: الوفي؛ س: السني الوافي.
د ط س: وكشفه حقي.
زاد في د ط س: ابن المقتدر بن هود؛ وهو عبد الملك بن أحمد المستعين، وليس ابن المقتدر، تولى بعد ابيه سنة 501 بسرقسطة، ثم انتزعها منه الملثون سنة 503 (انظر اعمال الأعلام: 175 والمغرب 2: 438) .
ط د س: من بلنسية.
مأخوذ من قول الشاعر؛ وهو إبراهيم الصولي:
سأشكر عمرا إن تراخت منيتي أيادي لم تمنن وإن هي جلت
رأى خلتي من حيث يخفى مكانها فكانت قذى عينيه حتى تجلت
زاد في ط د س بعد كلمة المظفر " أخاه "؛ والمظفر يوسف بن سليمان (حسام الدولة صاحب لاردة) هو أخو أحمد المقتدر وليس بأخي عماد الدولة ولهذا اقتضى حذف الزيادة تخلصا من الاضطراب.
ط د س: النعمة.
ب: ذكرك؛ م: وأبان الله قدرك.
س: نبت.
د ط س: ومن أخرى خاطب بها.
هو يحيى بن إسماعيل بن المأمون بن ذي النون، تولى سنة 467 بعد جده المأمون.
ط د: تعثير.
ط: دفع.
ب م: يقال.
م: باعتكاره.
م: مستترا.
م: مستسقيا.
كان ابن ذي النون قد واجه ثورة بطليطلة ففر منها حوالي سنة 472 فاستعان بأذفونش ملك قشتالة فأعاده إلى ملكه على شروط قاسية، ثم انتزع منه طليطة.
م ب: وبدر.
تنفرد ب م بهذه القطعة.
م ب: سيدي.
د ط س: عليك.
ط د س: فجزاك.
ط د س: أكمل.
ط د س: متوددا.
ب م: اعتذاري.
م: العارفة.
وخاطبتك - الفائدة: سقط من ط د س.
ط د س: باللحمة.
ط د س: نالني.
د ط: نبهاء.
والله - أرجائك: سقط من ط د س.
كان أحد رجال الكمال بالأندلس، وعين بلنسية التي بها تبصر، توفي ببلنسية سنة 456؛ انظر أعمال الاعلام: 202 وقلائد العقيان: 167.
د د س: التاكروني.
انظر فصل المقال: 10 والميداني 2: 54.
ط د س: ملوكنا.
ب م: الرئاسة.
ط د س: لم تشتمل عليه جناجن قلب؛ ب /: جناحان على قلب؛ والجناجن: عظام الصدر.
آل: سقطت من د ط س.
ط د س: حسبما نذكره إن شاء الله.
ط د س: ولاذ.
د ط س: وقدح.
د ط س: وبهر.
د ط س: الآجام.
س د: جماعة.
ب م: الجبال.
م: والانداد.
د: طارت؛ س: صارت.
ب م: وأقعد.
د: فند؛ ب: قفل.
د: وأجرى؛ س ط: وأجدى.
وتمام -. دارها: سقط من ط د س.
كلمات -. مزدوجة/ سقط من د؛ م س: كلمة أعجمية.
لا: سقطت من ط د س.
ط د س: جو.
ط د س: أطواده.
ب م: جمعه.
ب: بأن.
ط س: شتنانده، وكانششنند أو ششنانده (سنندو دافيدس) من النصارى المستعربين، وزر للمعتضد بن عباد أولا ثم ملك قشتالة، وكانت له أدوار متعددة في أحداث ذلك العصر، وقد ولاه أذفونش على مدينة طليللة عندما انتزعها من ابن ذي النون.
ب م: مذهب.
س: مبين -. متين.
ط د س: الطرق.
م ب: يقترنان.
م س: الا لتفاف.
بنيت الأفعال في هذه العبارة (في د ط س) على التثنية، ولم يقنعا - أتما - رقما - الخ، ولكن الضمير يعود إلى " الزمان اللدن ".
م ب: أقل.
ط د س: عارضا في.
ب: أو القبول.
موضع هذه العبارة في ب م: بعزته.
ط د س: على.
ط د س: كتابك.
ط د: في.
س: التمسته.
ب م: وألبست.
ط د س: الظلال.
م ب: منه.
ط د س: الشيمة.
م ب: الزكي.
م ب: بالبناء.
وتمدون الرفاء: سقطت من ط د س.
م: وأنسي.
س: ولا اقتضيت به.
هذه الرسالة وردت في القلائد: 66 مع اختلاف يسير في الرواية، وانظر الخريدة 2: 126.
ط د س: خطب - واستمال - وقال.
ط د س: أيد.
س: كرب الخطوب.
البيت للمتنبي، ديوانه: 264.
ط د س: عند فلان؛ والقائد الأعلى المشار إليه هو أبو عبد الله محمد بن عائشة، وكان ابن رزين قد سأله أن يرد على ابن طاهر ما أخذه المرابطون من أملاكه، فأعلمه ابن عائشة " أن أمير المسلمين حد له ألا يخوله شيئا، ولا ينوله منها نسفا ولا ريا " (القلائد: 66) .
د ط س: بالاحسان.
س: قيدني اليوم، ط: قيدني الهرم؛ وهو الصواب.
بالضمير: لم ترد في م ب س.
ط د س: ذو الوزارتين.؛ وسيأتي هذا اللقب نفسه بعد قليل في ب م، فهو على هذا ذو الرياستين وذو الوزارتين.
هذا التهكم موجه إلى ابن رزين.
وليس له -. والشطرنج: سقط من د ط س.
على ما كان -. قدر: سقط من د ط س.
على ذلك -. بخله: سقط من د ط س.
ابتداء من هذا الموضع حتى آخر الفصل لم يرد في ط د س.
م: أو في سائره.
وما يجانسها: سقطت من د ط س.
د ط س: قال.
د ط س: القرب.
ب م: ثانية.
ب م: تأسيا.
د ط س: أبقت.
س: رهن.
ب م: وتقديمك.
ب م: سبقك.
ب م: حال.
د س: ناظرك، وسقطت من ط.
م: من ذكراك.
ط د س: وتشوقي.
س ط د: ومودتك.
س ط د: بمعلوم.
ب م: العراض.
يعني المتنبي، والبيتان في ديوانه: 324، 249.
س: شربا وريا.
د: للجاجة؛ ط س: اللجاجة.
ولا - نفقة: سقط من ط د س.
د ط س: رتبة.
س ط د: الأشغال.
س ط د: تجتنى بازهار.
ب: نجتني؛ م: تجتنى، ولعلها محرفة عن " تحنى ".
يريد أنه والى الكتابة إليه.
ب م: أمده.
س ط د: يوم يلقاه.
فيه اشارة إلى قول حاتم:
أماوي أن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر
هو من شعر بشار، ديوانه: 217 (جميع العلوي) .
ب م: حماك؛ س ط: حباك.
س ط د: عنك.
ب م: خلتها.
ط د س: خبر.
د س ط: جبارها.
ب م: سمة.
ب: تخيلته؛ م: تخيله.
ط د س: الحرف.
ط د س: ومما له.
ط د س: نسخة رقعة له كتبها مع الأستاذ.
ب: النابل، م: النائل.
أرجح أنه عبد الدائم بن مروان بن جبر اللغوي، أبو القاسم، وهو من الطارئين على الأندلس نزل المرية، وكان قد روى كثيرا من كتب الآداب واللغات (الصلة: 372) .
حرسه الله: سقط من ط د س.
ب م: واجتلبت.
وزماما: سقطت من ط د س.
ط د س: الأشعار.
ط د س: الأخبار.
ط د س: الكلام.
عمرو بن بحر الجاحظ.
ط د س: وحملته.
ط د س: أيقظني؛ وأتغطى منه أي أستحيي، يعني من عطاء إياه، وهو قليل.
ط د س: أن تكون بفضلك.
ط د س: في خبره.
أعزك الله: سقطت من ط د س.
ب: حمابها؛ جنائها؛ م: حمائلها.
ط د س: الحال.
س ط د: له.
ب: البقية.
م: مرائك.
ب م: وفي فصل.
م: حقيقة.
ط د س: له فيك.
م: باحشاده.
ط د س: عنه مناضل.
ب م: ورأسه.
هذه القطعة والقطعتان التاليتان لها لم ترد كلها في د ط س.
مقتبس من قول القطامي:
فهن ينبذن من قول يصبن به مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
المستعين بالله هو أحمد بن هود، ولعل هذه الرسالة شفاعة في أحد أولاده بعد التياث حال بني هود في سرقسطة وإخراج أهلها لأحمد عماد الدولة وهو ابن المستعين (سنة 503) من سرقسطة.
المعصر: الملجأ.
م: من.
د ط س: ومن أخرى.
د ط س: شملا له.
م ط: يرب؛ س: يدب.
سواد: سقطت من ط د س.
ط د س: شاقها.
م: وزانه.
ط د س: نيريها.
ط د س: تقلدها.
ط د: وتوأما؛ س: وتؤما.
ط د س: وعلما.
ط د س: ومثابة.
ط د س: وآدابا.
م: حاضرها وباديها.
م ب: ومن رسالة.
المعروف بهذا الاسم من معاصري ابن طاهر هو أحمد بن عبدوس، منافس ابن زيدون في حب ولادة، وقد توفي سنة 472.
كريم: سقطت من ط د س.
س: سحابة؛ ط: سحاب.
الراكب يعلق قدحه في آخر رحلة، وفي الحديث " لا تجعلوني كقدح الراكب " أي لا تؤخروني في الذكر.
اضطرب النص هنا سهوا في ط د س: إذ ورد " فأين عزبت عنك بوادر - " وهذا سيرد بعد قليل.
ط د س: الندى.
منك: سقطت من ط د س.
ب م: تانيك.
م ب: أوثقه؛ ط س: أورقه.
من قول أبي تمام:
قدك اتئب أربيت في الغلواء كم تعذلون وأنتم سجرائي
والسجراء: النظراء؛ م: بسخريائك.
ط د س: ازالة؛ م: إذالة.
ط د س: لرجل.
م ب: متزهد.
وهو بالضد: سقطت من د؛ وفي س ط: وهو بضد.
م ب: قاسية.
ط د س: تعاين.
د ط س: وادامة.
ط: مذقة؛ د: مذمة.
البيت في فصل المقال: 77 وهو من أبيات في حماسة البحتري: 233 تنسب لأبي الأسود الكناني.
هو من قول الشاعر:
جانيك من يجني عليك وقد تعدي - البيت -.
م: قيل وقال.
س ط: يثبت؛ م ب: بحجتك.
الملاطيس: المناقير من حديد.
م: ويسعف.
م ب: أدركه.
البيت من شعر الطرماح، ديوانه: 63؛ ورواية الشطر الثاني في م ب: رأته تميم يوم زحف لولت؛ اختار نسبته إلى أبي دلامة، تهكما، وتشبيها لمن يتحدث عنه في المجبن بأبي دلامة.
البيت لعمرو بن ذي الأصبع العدواني، انظر كتاب من اسمه عمرو: 58 وروايته: إذا هتف.
ط د س: مواهمه.
المدلوك: المصقول.
ط د س: الزمان.
د ط س: يقطف -. ويعرف.
شطر بيت لامرئ القيس، وصدره " فدع عنك نهبا صيح في حجراته ".
السقط: الشرر عند القدح، يقال للأمر الصغير يجر أمرا خطيرا.
غريدة؛ د: غريرة؛ س: عريرة.
د ط: وسروة.
د ط س: منشورة.
ب م: الأجل.
د ط س: لك من؛ ب م: له في.
م: يوم.
الحلبي: سقاء دبغ بالحلب، وهو نوع من النبات؛ ط د س: الحلي.
د ط: دارك.
ب: للذنب؛ ط: من ذنب.
ب: عدائك.
ب: بدي؛ ط د م س: بري.
ط: كتابك.
م ب: زواره.
ب م: الحصى.
فيه إشارة إلى قول النابغة:
تجلو بقادمتي حمامة أيكة بردا أسف لتاته بالاثمد
أي انه يبتسم شفتين لمياوين.
س: كم يقترح ويديع؛ ط: كم يقنع ويريع.
د: بالاوبة؛ م: بلا رسه؛ س ط: وليه (دون إعجام) .
ط: يجنب؛ د: يجيب؛ س: يجيب (دون إعجام) .
ط د س: البيت.
س ط: وآواه.
السكن: الزوجة؛ ط: مسكنا.
س ط: جيد.
د ط س: وتخلطه بأعمالك وتجعله من عمالك.
م: بردا - عقدا.
م ب: السبطة.
بل: سقطت من ط د س.
د ط س: أزرارها.
هو نهشل - أو سهل - بن مالك مر بحي من طيء فأكرمت مثواه أخت حارثة بن لام، فلما بهره جمالها أنشد هذه الأبيات (انظر فصل المقال: 76 والميداني 1: 32) .
ط د س: غير.
ب م: واليك.
ب م: بالهمزة؛ ط س: بالمهزة.
م ب: الحنتيش.
د ط س: تتيح.
د ط س: يصحبها.
ط د س: السبب.
البيتان للمتنبي، ديوانه: 512.
رواية الديوان: حتى رجعت.
الديوان: بعد.
ط د س: وإيقاع.
ب: رسالة.
وما يجانسها: سقطت من د ط س.
توفي ذو الرياستين سنة 496، وهذا قد يعني تاريخ هذه الرسالة.
أوسعه الله -. أفديه: سقط من د ط س، وورد في موضعه " وفي فصل منها ".
د ط س: بوفاة فلان.
نضر -. روحها: سقط من د ط س.
م: رماني الزمان؛ ثم الأنفعال على التذكير: فأصاب، ولبني، وأبقى وتركني.
وإنا إليه راجعون: سقطت من ط د س، وكذلك حيثما وقعت.
د ط س: وفي فصل من أخرى.
ط د س: ببقائها.
ب م: وتحتم.
م: منا.
م: قول توبة.
أثبت صاحب الأغاني (11: 229) رواية أخرى وفيها أن ليلى هي التي أصرت على التسليم.
ب م: حتى أرى.
وقصت بها: كسرت عنقها؛ وفي ط د س: فرقصت بها فوقعت.
ط د س: يصيح.
قد تقرأ في ب: بولد الولي.
المبارك -.. منزلته: سقط من د ط س.
نار: سقطت من د ط س.
ولكن -. السعيد: سقط من د ط س.
د ط س: ومعتبرا.
ط د س: أكون.
م: الحادثات.
د ط س: والأجلة.
د ط س: بها.
ط د س: أنتحب.
س: ذا.
ط د س: لانهجت الى بهجتها.
ط د س: بعده.
ط د س: السرور.
م: والسور.
ط د س: تهد.
ط د س: أعزك الله.
م ب: غرة الشرف.
مولاي -. مثواه: سقط من ط د س.
د ط س: جل.
ب م: اناته.
مولاي - ضريحه: سقط من ط د س.
ط د س: الرزء.
ط د س: الخطب.
ب م: لذي.
ط د س: السني.
الحاجب -.. العصر: سقط من ط د س.
م: ايدك الله، وسقطت العبارة من ط د س.
س: وقد نعي.
س: ذعر الهبوب؛ ولعلها " الهيوب ".
د ط س: ضمنه.
د ط س: لطال.
محور بعض تحوير عن قول الحيطة في رثاء علقمة بن علاثة (ديوانه: 24) :
وما كان بيني لو لقيتك سالما وبين الغنى إلا ليال قلائل
مثله ينسب للتابغة الذبياني (ديوانه: 19) .
فما كان بين الخير لو جاء سالما ابو حجر إلا ليال قلائل
مقتبس من قول ابي نواس:
اذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق
م ب: نضر الله.
س: لنا.
ط د: فدحت. س: قدحت.
ب م: والاستعداد.
القلائد: 58، والرسالة إلى المعتصم بالله صاحب المرية ايام رياسته.
كتابي بعد أن: سقطت من ط د س.
القلائد: كتاب المنصور ملاذي المعتمد بك ايدك الله.
ط د س: ما أودع من حياة.
م: للمسلاة.
م ب: وللظهر.
القلائد: نوادبه -. شاهده وغائبه.
يذكر في الرسالة - كما اوردها صاحب القلائد - أنفرديناند نزل على قلعة ايوب محاصرا، وغرسية بسرقسطة، ورذمير بوشقة وما والاها.
ط د س: غمته.
ط د س: مهمات الدور.
في النسخ: فأطارت -. وطأطأت.
ط د س: صدر.
س ط د: يلجأ - ويفزع.
ب م: والانتصار.
س ط د: ثبوت.
م: حصونها.
ط د س: لما تحققه من ان.
وتفرد -. البدار: سقطت من ط د س.
ط س د: أزرارا.
سقطت هذه الرسالة من ط د س.
ب م: المعاذر؛ ولعل الصواب " المغادر ".
ط د س: شك.
انظر قلائد العقيان: 70 وrecherches لدوزي 2: IV (من الملحقات) .
ط د س والقلائد: شكرك.
ط د س والقلائد: المليم.
س ط: الأفلاك.
زيادة من القلائد.
ب م: فلم تكن تصلح له ولم يكن يصلح لها؛ س: ولا كان يصلح. والبيت لأبي العتاهية، ديوانه: 612.
ط د س والقلائد: بشيء من عمله.
زيادة من القلائد.
القلائد: وأدبر.
د: ولحملت؛ القلائد: وحملت، س ط: وتحملت.
ط س والقلائد: البانية لمعاليكم.
قارن بالحلة السيراء 2: 125 ودوزي 2: V.
ط س: طاغية كان يدعى الكنبيطر؛ قلت: وسيأتي التعريف به.
ط س د: وحصل لديه أسيرا -
علق ابن الأبار على هذا بقوله: كذا قال ابن بسام وانما دخل الكتبيطور بلنسية سنة سبع وثمانين.
ط د س: قال.
برسومه وبأهله.
د ط س: وعدا.
مساهمة -. الحفي: سقط من د ط س.
ط د س، الاخلاص.
م: على أنها عسى.
باذن - فيه: سقط من د ط س.
نشر دوزي هذا الفصل في Resherches ج 2: XVIII - VI وانظر في حادثة بلنسية البيان المغرب 4: 34 واعمال الاعلام: 203 والجزء الثاني من كتاب ميراندا Hist. Mus.
De Valensia
ونذكر -.. وان: سقط من ط د س؛ وبدئ الفصل بقوله: وكان يحيى بن ذي النون هو الذي سجر أولا نارها -
ب م: ثارها.
د ط س: الإسلام، س: دين.
ط د س: أسير يديه.
م ودوزي: يهره؛ د ط س: بهذه.
قونكة (او كونكة Cuenca) مدينة تقع على بعد 50 كيلو مترا شرقي وبذة (Hueta) .
ب م: وطاغية؛ د دوزي: واعية؛ ط س: واغية.
س ط د ودوزي: ينمقها.
س: ابنيه بذلك.
ملوك: سقطت من س.
د ط س: ودخل من المحالفة فيما.
م ودوزي: تزدان؛ ط د س: تزهى.
ط د س: يقول بعض اهل العصر؛ وابو تمام غالب بن رباح المعروف بالحجام سترد ترجمته في هذا القسم من الذخيرة.
ط س: ابو الحسن، وكذلك في المغرب 1: 340؛ وقد ترجم هـ ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة.
ط د س: فرش منه.
ط د س: يفعل.
ط د س: تنسل.
ط د س: بلذريق، حيثما وقع.
Rodrigo Diaz de Vivar وقد اشتهر باسم EI Cid Campeador أي " السيد "؛ وقد كتبت عنه دراسات متعددة منها بحث لدوزي في Recherches ج 2: 1 - 283 وكتاب لرامون منندث بدال La Espana del Cid (مدريد 1974 الطبعة الثانية) ولبروفنسال بحث عنه في Renue Historiqus (1937) وللدكتور حين مؤنس بحث مستفيض عنه في مجلة الجمعية التاريخية المصرية (1951) ؛ وانظر Valencia Hist. Mus. De (ج 2) .
وسعيهم -. المخذول: سقطت من ط د س.
ط د س: قاصيها ودانيها.
ط د س: له.
ط د س: وذهب.
ط د س: لمة يسيرة من الخيل.
د: ناحية.
ط د س: من غفلته.
ط د س: القنا.
ط د س: في القسم الرابع؛ دوزي: موضعه.
ط س د: المجموع.
ط د س: والخريدة: الاحنف؛ والحاء غير منقوطة في ب؛ والأخيف من كانت احدى عينيه زرقاء والاخرى سوداء، وانظر الحلة 2: 125.
س: تخزى.
ط د س: لابن جحاف.
ب م: واستمر.
وشغل - الرجال: سقط من ط د س.
م ودوزي: ويسوق - منية.
وتحسده - والبدر: سقط من ط د س.
د س ط ودوزي: وشرك ما.
د ط س: دياره.
ط د س: للكنبيطور.
انظر ص 91، الحاشية 5.
ط د س: المذكور لسطوة.
ودخوله - امره: سقط من ط د س.
لاول دخوله: سقط من د ط س.
دوزي: قد حم؛ س ط د: حم.
دوزي: بأنواع العذاب.
ط د س: اخبرني.
ب م: حواليه.
وكفانا -. مرضاته: سقط من ط د س.
ط د س: قدح.
ط د س: بلغني انه كان.
ط د س: فتحت الأندلس.
ط د س: وقوع المحذور.
ط د س: الله.
مرارا - رذمير: سقط من ط د س.
ط د س: وكانت تدرس.
ديوان ابن خفاجة: 354 وقد وردت الابيات في الروض المعطار (بلنسية) ونفح الطيب 4: 455.
ب م: البلى.
ط د س: عندما.
هو مزدلي بن بو بلنكان (او سولنكان او ملنكان) ابن عم امير المسلمين يوسف بن تاشفين وقد استولى على بلنسية سنة 494 (انظر خبر استيلائه عليها في البيان المغرب 4: 41) ثم ولي تلمسان سنة 497 وفي سنة 505 تولى على قرطبة وغرناطة والمرية، وفي السنة التالية استدعي إلى مراكش فبرأ نفسه مما لحقه من تهم، وكانت وفاته سنة 508 (انظر صفحات متفرقة من ج4 من البيان المغرب) .
والحال -. نظامه: سقط من د ط س.
د ط س: حتى فتحها.
ط د س: كتبها الله له منزلة.
ط د س: وفي ذلك التاريخ.
ط د س: يتقلب.
ط د س: الأعظم.
ط د س: وتنور.
ط د س: وكتب يومئذ إلى الفقيه.
ط د س: والعبر.
ط د س: لما اصيبت به يد زناد.
ناظر الى قول المتنبي:
كأن الصبح يطردها فتجري مدامعها بأربعة سجام
ب م: فلنعد.
من قول عوف بن محلم الخزاعي:
ان الثمانين وبلغتها قد احوجت سمعي الى ترجمان
ط د: للطروس.
ترجمته في المغرب 2: 303 والحلة السيراء 2: 171 والمطمح: 15 - 16 ونفح الطيب 3: 408، 542 - 543؛ وهذه الترجمة مطابقة لما في المطمح، وقد نبه ابن سعيد إلى هذا االتطابق بين الذخيرة والقلائد (وليست له ترجمة في القلائد ولعل ابن سعيد سها فذكر القلائد بدلا من المطمح) ؛ ولم ترد هذه الترجمة في ط د س كما أن ابن بسام لم يذكر هذه الترجمة في الفهرست العام الذي وضعه في مقدمة كتابه، مما قد يدل على أنها ترجمة دخيلة.
ترجمته في المغرب 2: 376 والحلة 2: 167 واعمال الاعلام: 209 ونفح الطيب 1: 672 وازهار الرياض 3: 120 والقلائد: 99 والخريدة 2: 331 والمسالك 11: 445 وفي هذه الترجمة مشابه كثيرة مما جاء في القلائد، وبعض العبارات مشتركة نصا بين الكتابين؛ ولم ترد هذه الترجمة في ط د س؛ ولم يذكرها ابن بسام في الفهرست العام الذي وضعه في مقدمة كتاب الذخيرة.
م: وشدته.
مربيطر - حسب الامالة الغالبة على لسان اهل الاندلس - ومرباطر (Murviedro) تقع الى الشمال من بلنسية.
كذا في الاصول، ولعل الصواب: نووها.
ب م: حسنها؛ القلائد: نرجسها.
التمويل: قوله يا مولاي، والتسويد: يا سيدي.
القلائد: فعاله المجبول.
ب: الوافرة.
القلائد والخريدة: تنقضي.
م: نهم بها.
القلائد والخريدة: اللوى.
القلائد والخريدة: اياما تقضت واعصرا.
القلائد والخريدة: فينان.
صدر بيت لامرئ القيس، وعجزه: وحلت سليمى بطن قو فعرعرا.
ابو مروان عبد الملك بن رزين (436 - 496) راجع ترجمته في القلائد: 51 (والخريدة 2: 308) والمغرب 2: 428 والمطرب: 39 والبيان المغرب 3: 309 واعمال الاعلام: 206 والحلة السيراء 2: 108 والمسالك 11: وكتاب Jacinto Bosch Vila: Histoin de albarracin y Su Siea،TomoII، (Teruel،1959) .
م ب: كان ابن رزين من الاول.
د ط: ومشهود.
د ط س: حديثه.
نقل ابن الابار في الحلة بعض هذا النص.
د ط س: جماعته.
ب م: إلا.
البخوع: المناصحة في الطاعة.
البخوع: المناصحة في الطاعة.
م: حلف.
ط د س: موسطة؛ والسطة: الوسط.
س: أردى - إلى البرابرة.
ط د س: فثبتت نعمته؛ وتبنك النعمة؛ تمكن منها.
ط د س: شأوه.
جبارا مستكبرا: سقط من ط د س.
ط د س: الشذوذ.
د ط س: دون معونة بدرهم ولا امداد بفارس ولا شارك -
والذم - عليه: سقط من ط د س.
د ط س: متتابعة.
وكان - كبائره: سقط من ط د س.
انظر هذا النص في ملحقات البيان المغرب 3: 308.
د ط س: ابن الكتاني المتطبب.
د ط س: لغلاء سومها، بثلاثة -. الخ.
وحدثت -. نظرائه: سقط من ط د س.
م ب: يقرأ عليه.
د ط س: وقد اجريت من شعره.
د ط س: اجريت.
وردت هذه الرسالة في موضعها هنا في ب م، ثم مكررة في آخر الترجمة مع اختلاف في النص على النحو التالي: " وله يخاطب ابن طاهر مستدعيا الى الكون معه [برسالة] تدل على اناقته في الفخر دلالة النسيم على الزهر والشاطئ على النهر: انت ادام الله عزك عالم بالزمان وانقلابه، عارف باغارته واستلابه، ومن عرفه حق معرفته لم تزد شدته الا معتبرا -. الخ "؛ وهذا مطابق لما ورد في القلائد: 54.
د ط س: وخلوفها.
من امير المسلمين: سقط من ط د س.
انظر ص: 48 في ما تقدم.
يعني ابا نواس الحسن بن هانئ.
ديوان ابي نواس: 339.
الديوان: درس.
الديوان: اجتليتها.
نسبها في بدائع البدائة: 158 لابن المعتز، وذكر انه ينقل ذلك عن الذخيرة.
س: وقال يفخر.
د ط س: تهوي ليس فيها نصالها.
ط س: فدم.
سقط البيت من د ط س.
فيه اشارة الى المثل: " لا حر بوادي عوف "، انظر فصل المقال: 129، 336 والميداني 2: 124 والعسكري 2: 275.
د ط س: أو يقصرهم على ما يعين لهم من إرادة.
س: أخنى.
ب م: الشهيد.
هذه القطعة، والقطعة الضادية التي سترد رابعة، وردتا مكررتين في ب في آخر الترجمة.
د ط س والخريدة: تفاح الخدود؛ د ط س والقلائد: وترى بنا الاحداق؛ الخريدة: ونرى سنا - الخ.
د ط س: أجسامها.
سقط البيتان من ط د س.
الزاعبيات: رماح منسوبة الى زاعب، رجل أو بلد. وقال المبرد: تنسب الى رجل من الخزرج، كان يعمل الاسنة.
ط د س: يرى.
ط د: حازوا.
ط د س: على.
انظر القلائد: 52 والمغرب 2: 428.
هذا البيت - الشمس: ورد في ط د س في موضع هذه العبارة: " ومعاني هذه الابيات واكثر هذه التشبيهات قد نبهت عليها فيما مضى من هذا التصنيف، واندرج لها نظائر في تضاعيف هذا التأليف ".
ب: كشاربات مدام؛ د: كشارب من مدام؛ س ط: كشارب مدام.
د: بحمامي. م ب: لحمام.
بهذه الابيات: عبارة لم ترد في د ط س.
ط د س: اللهو بيننا.
إلى هنا تنتهي الترجمة في د ط س؛ وما جاء بعدها في م ب يتفق مع ما ورد في قلائد العقيان: 52 وما بعدها؛ وقد انفردت ب أيضا بزيادات اشرت اليها فيما تقدم، وهي تكرار لما سبق ذكره.
زيادة من القلائد؛ وفي ب م بياض.
القلائد: الدنى.
القلائد: بالاقلام طورا.
القلائد: العصر.
القلائد: العصر.
القلائد: قسرا.
أورد هنا سبعة ابيات سبق ايرادها، وهذا تكرار يدل على ان هذه القطعة المزيدة دخيلة على " الذخيرة " وفيها اتباع واضح لما جاء في قلائد العقيان.
انظر القلائد: 54.
القلائد: للدنيا وللدين.
القلائد: الكريم.
القلائد: يشجي.
القلائد: يشجي.
انظر القلائد: 56 والمغرب 2: 429.
القلائد: 55 والمغرب 2: 429.
القلائد: الجفن.
القلائد: الندامة.
القلائد: الحادثات.
تكرر هذا البيت من قبل؛ وقد ورد وحده في م وورد في ب مع بيتين آخرين.
ترجمة ابي محمد بن عبد البر في القلائد: 181 والخريدة 2: 13، 478، (166، 459) وبغية الملتمس رقم: 965 والمغرب 2: 402 والصلة: 270 (وفيها انه توفي سنة 458 وهو مخالف لما ذكره ابن بسام) واعتاب الكتاب: 220 والمسالك 8: 246.
ب م: رؤساء.
من هنا نقله ابن الابار في اعتاب الكتاب: 221 مع إيجاز وحذف.
ط د س: الركائب، وسمر تهادته المشارق والمغارب، وكذلك خ بهامش م.
سقط العشاء به على سرحان: مثل، وأصله ان رجلا خرج يطلب العشاء فوقع على ذئب، فأكله الذئب؛ وقال ابن السكيت: هو سرحان بن متعب، كان يحمي مكانا، فمر رجل من بني اسد فرعى فيه فقتله سرحان (فصل المقال: 362 والميداني 2: 221) .
د ط س واعتاب الكتاب: وسله.
ذكر ابن الابار ان والده الفقيه ابا عمر ابن عبد البر سافر من شرق الاندلس الى اشبيلية لتخليص ابنه من يدي عباد، فأطلقه له، وانصرفا عنه محفوفين بالاكرام.
ب م: ابي عمرو بن الجد؛ ولفظة " الحائن " لم ترد في ط د س؛ وابو عمر ابن الحذاء هو احمد بن محمد بن يحيى التميمي، جلا عن قرطبة في الفتنة ثم عاد اليها فكان متصرفا بينها وبين اشبيلية الى ان توفي سنة 477 (الصلة: 65) .
ط س د: والطارف.
ط د س: يفي.
انظر المغرب 2: 402 - 403.
ب م: افك وشك.
من المثل: " قد بين الصبح لذي عينين "، فصل المقال: 61.
الهدية والهدي: العروس، وفي اللفظة تورية.
د ط س: بالكرائم والاعلام.
الحفاية والحفاوة بمعنى.
ط د س: كفيل.
ورد في الصحيحين، باب مناقب الصحابة، ومسند أحمد 4: 326 بلفظ مختلف.
ب ط د س: لنا - علينا.
من هذا الموضع حتى قوله: " فالمصاب جليل " لم يرد في د ط س، واكثره متابع لقلائد العقيان: 181 وما بعدها، وقد فصل بين رسالتين في موضوع واحد هو زفاف ابنة مجاهد الى ابن صمادح، وأغلب الظن أنه دخيل على أصل الذخيرة.
البيتان في القلائد وبغية الملتمس والخريدة 2: 13، 478 والمغرب.
انظر القلائد: 181.
ب: وفتى؛ م: وفتو.
القلائد: 182 والخريدة 2: 479.
القلائد والخريدة: اشتد.
بم: وجعله، والتصويب عن القلائد.
زاد في ط د س: في ذكرها، يعني في ذكر ابنة مجاهد وزفافها إلى صمادح، انظر ص: 127.
ط د س: لمضض.
د ط س: المخمور.
ط د س: نفس - جذلي وأنسي.
ط د س: تبصرت.
انظر ما تقدم ص: 127.
ب م: برية.
د ط س: احتذى حذو بلغاء المشرق، كقول الصابي في فصل عن بختيار وقد زف ابنته الى ابي تغلب بالموصل: وقد توجه ابو النجم - الخ.
د ط س: وألم الصابي أيضا في هذا الفصل لابن ثوابة عن المعتضد إلى ابن طولون -. قال.
د ط س: فانتقد الوزير عبيد الله تلك اللفظة عليه - الخ.
نوادره كثيرة في كتب الادب: كالبصائر لابي حيان ونثر الدر للآبي وزهر الآداب وجمع الجواهر للحصري والهفوات للصابي ونشوار المحاضرة للتنوخي وفوات الوفيات للكتبي.
د ط س: وغليظ.
د ط س: ورقة.
د ط س: الخليفة.
د ط س: فتذاكروا.
د ط س: فتبسم ابن الفرات.
د ط س: قال فيها: وقد ادى ابو النجم بدر الامانة.
ط س: فجاءت.
ط د س: الأسد.
د ط س: قال.
الكدى: جمع كدية، الارض المرتفعة، والاعلام: الجبال؛ يعني درس العلماء الاعلام ومن يليهم في الشهرة والارتفاع.
والله تبارك - تلتمس: سقط من ط د س.
ب م: ونفسي.
د ط س: جزء من اجزائك محكما.
د: وارادني؛ م: وام اذنتني.
م: ومختلجات.
ب م: عند.
م ب: تعدده؛ ط س: يقدره؛ د: يقرره.
م ب ط: المديرين.
ط د س: بقرطبة.
س: تثوب وتثوب.
ب م: العقدة -. المردة.
ط د س: سعيهم.
د ط س: فيه.
م: وعليه اكون.
ب م: واحربهم.
ب م: الذمة.
ط د س: فكففت.
م: يشاء في الحيلة؛ ب: يشاء في الحلية.
ط د س: من الظباء، برد ماء، ولا شفقة لمياء؛ ب وخ بهامش م: ثدي ناهد ولا شفة لميا.
نقله ابن عذاري في البيان المغرب 3: 245 بصيغة الغائب؛ وفي ط د س: انهم دخلوا عليه بعد ثالثة من تلك الحادثة - الخ.
ط د س: تلك.
ط د س: بشفر عين.
د ط س: فلما صاروا -.. نفذ بانصرافهم الامر، فرجعوا وجلسوا ثم امر ان يحضر.
ب: الحائن.
م: تعوطي - تقوضي.
د ط س: العجم.
د ط س: دهياء عمياء، وفاجأتني.
د ط س: صروف.
م: دائما - لازما.
من هنا يبدأ النقل عند ابن عذاري في البيان المغرب 3: 245.
م ب: اذ؛ والمعنى: او يكاد؛ وفي الحديث الشريف: " وان مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا او يلم ".
زاد في البيان: وخصصته بما بيدي من القواعد والاعمال.
م ب: أكن.
ط د س: من ابني.
ط د س: بالتخريج والتدريب.
س: الأهواء.
م ب: ويخبث.
ب م: بعد.
م ب: وتردي ثمرة.
د ط س: رفعة.
د ط س: وقرن.
د ط س: فيها.
د ط س: ليتملكها؛ البيان: ليتمكن منها.
بهامش س: أبي.
ط د س: حماد.
م: واستحقر.
ب م: الشنعة.
ب م: فشرعت.
د ط س: مكرهم.
د ط س: العصاة - الجناة.
د ط س: لواحد من ملوك.
د ط س: لواحد من ملوك.
يختلف النص في د ط س في خبر هذه الحادثة ولذلك اثبته هنا: " وفي سنة خمس [كذا] تواتر الارجاف بقرطبة ان عبادا دبر النزول بزهرائها المعطلة التي منها ابدا كان باب مقتلها، وسبق الخبر بانه قد انهض نحوها ابنه اسماعيل وهو كالنار [فى] أحجارها مستكنة، ولا يشك انه ارسل منه على قرطبة شواظ نار لا يذر منها باقية، فنفس الله مخنقها بما نقض تدبيره وفت عزمه فأقصر صاغرا، وكان من قدر الله تعالى ان كره هذا الفتى ما حمله عليه والده من ذلك وهاج منه حقودا كانت له بنفسه كامنة، جسرته على معصية ابيه، وانصرف من طريقه إذ عظم عليه امر الهجوم على مثل قرطبة مع قرب حليفهم باديس بن حبوس الذي لم يشك في اسراعه اليه فيقع بين لحيين يمضغانه، وانه عرض ذلك على ابيه فاستجبنه واغلظ وعيده وكاد يسطو به، فأوحشه ذلك، ودبر الفرار عنه مع خويصة له أغوته، فأصاب فرصة بمغيب والده عن حضرته إلى مكان متنزهه بحصن الزاهر، فاقتحم قصره، وعلق ببعض ذخائره، واحتملها مع امه وحرمه، واستكثر مما غله من المال والمتاع، ومضى لوقته مبادرا طريق الجزيرة الخضراء فظفر به، وصرف بعد أن اضطره الى ابن ابي حماد بقلعته مستجيرا به فأجاره باسفل قلعته ولم يصعده اليهااستظهارا على مكيدة قدرها من ابيه، وبادر بالكتاب اليه انه حصل لديه، فسر المعتضد بذلك، وخاف ان يلحق ببعض اعدائه هنالك، فآب اسماعيل ودخل اشبيلية ليلا ونكب به عن القصر، وصرف على ابيه جميع ما كان تحمله من ماله، حتى ان زامله من زوامله فصرت عنه عند جده في السير، وغادرها في الصحراء رازحة، فوقعت الى بعض فرسان والده فقبض عليها وصرفت بجملتها لم يقطع لها حبل، فزعموا ان وقرها كان مالا صامتا وذخائر؛ فأظفر الله عبادا بولده ليبلوه فيما آتاه من ذلك فآثر الشفاء على المغفرة، الا انه لحقته لهذه الحادثة، لطروقها من مأمنه، وفساده لا كرم أعضائه عليه، خشعة فتت عزمه في اذاة قرطبة والجعجاع بأهلها، فتنفس مخنقهم قليلا، وكفت الغارات عنهم وقتا، وسارع سعرهم الى الانحطاط. وكان الذي دبر له عربه عن اابيه وزيره وصاحبه ابو عبد الله البزلياني المهاجر اليه من وطنه مالقة. وكان اسماعيل قد رمى الى هذا الكهل مقاليده وفوض الى رأيه، فلم يبارك له فيه، وشكا اليه بعض ما يناله من فظاظة ابيه ورميه المتالف به، فحسن عنده العقوق له والذهاب عنه الى بعض اطراف اعماله ليتغير عليه وينفرد بنفسه، وكان خرج معه وزيره هذا البزلياني، فلما صرفوا من قلعة الحصادي - حسبما تقدم - عجل عباد ضرب عنق البزلياني مع نفر من خول ابنه، واعتقله، فدبر من كان اعتقاله الهجوم على ابيه، وساعده الموكلون به، فظفر بهم واتى عليهم، وطمس اثر ولده وقطع دابره، فكأن لم يكن قط اميرا، ولا انفذ حكما، ولا قاد جيشا. وما ابن عباد ببدع فيما اتاه في هذا، فقد يضطر الملوك مع ذوي ارحامهم السامين الى نيل منازلهم من مستجرى عليهم الى ما يحملهم على انتهاك ذلك حبا للحياة الدنيا، على ان العفو كان اقرب للتقوى، مع ان اسباب الملك الاضطرارية لا تحمل الاستقصاء ولا تعرض للتمحيص، قرن الله باعمالهم الصلاح، وجنبهم بمنه الجناح (ط د س: النجاح) .
ط د س: يستفتح.
ط د س: يقين.
د ط س: اهتبلت غرته.
د ط س: المنصف.
ط س: رفقة؛ د: رقيقة.
د ط س: تهافت.
د ط س: وفي فصل منها: وافاني كتابك بما لم يقع -.
د ط س: المعتبر -. المتدبر والمستبصر.
د ط س: عقوق الولد - البعد.
د ط س: واحاق المكر السيء بأهله.
د ط س: لهذه الحادثة الكارثة -. المهمة.
د ط س: والوجع.
م ب د س: شيئين؛ ط سببين.
ب د ط س: الجم.
د ط س: يتكدر بهم.
د ط س: الشراب.
ط س: والله عثرته.
د ط س: استعادته فدعثره.
لم ترد هذه الرسالة في د ط س؛ ووقوعها هنا فصل بين مقدمة ابن بسام عن المعارضات لرسالة ابن عبد البر، الاسترسال بايراد هذه المعارضات؛ ومن اللافت للنظر ان هذه الرسالة ثابتة في قلائد العقيان: 182.
القلائد: محتده.
القلائد: وشبه.
القلائد: تنتعش به.
القلائد: وافتقاد -.. الاعتقاد والوداد.
القلائد: البرة.
القلائد: ذل صعبه لراكب -. على هائب.
القلائد: وأثرك الحسن عليه.
ب م: ولا يتامل باسمه.
ب م: يحسب - منه.
د ط س: فصل لبعضهم قال فيه.
البيت لابن عبد ربه؛ انظر جذوة المقتبس: 96 والعقد 3: 175.
البيت لابي نواس، ديوانه: 192.
أصله للمجنون (ديوانه: 197) ورواية الصدر: فأصبحت من ليلى الغداة كقابض -
البيت لأبي الحسن التهامي، ديوانه: 47.
ط د س: الأيام.
ط د س: وتفسير.
من قول زهير:
فشج بها الاماعز فهي تهوي هوي الدلو اسلمه الرشاء
انظر الحاشية 5 ص 68.
د: ولاذت بحقوه الرجال؛ ط س: ولاذت بحقوه الامال.
د ط س: فآثر العقوق ورفض الحقوق.
ب م: وقفيت.
ط د س: مصارع.
انظر سورة الانفال، الآية: 42، 44.
هذا المثل، انظر فصل المقال: 85 والميداني 2: 94 والعسكري: 12 - 16.
د ط س: عمي العين - فأخروا الثبات وعقدوا النيات، بعد ان تساقوا المدام ليقدموا؛ وعند هذا الموضع أتوقف عن الاشارة إلى ما كان من زيادات ب م على ط د س، إلا نادرا.
البيت للمتنبي، ديوانه: 12.
د ط س: ردء.
د ط س: شرود.
خ بهامش م: اتته الرزايا من طريق الفوائد؛ وهذا عجز بيت لابي فراس (ديوانه: 83) وصدر البيت: اذا كان غير الله للمرء عدة؛ اما البيت الذي في المتن فورد غير منسوب في التمثيل والمحاضرة: 10.
س ط د: فكل.
البيت لابن المعتز، ديوانه 3: 49 وانظر قطب السرور: 567.
اصل المثل: كباحث عن الشفرة (او عن المدية) انظر فصل المقال: 392 والميداني 2: 69؛ وقد اشار الجاحظ في مواضع من كتاب الحيوان الى ان النمل اذا نبت له جناحان فقد دنا هلاكه.
انظر فصل المقال: 72 والميداني 1: 201 والعسكري 1: 308.
قبلها في ب م صورة " وعز ".
ب م: تنكر.
د ط س: وبالنبي عليه السلام قدوة، ومن التابعين رضي الله عنهم اجمعين، هذا خليل -
كان مطرف ابن الامير عبد الله يغري أباه باخيه محمد، فأخذ الامير ابنه محمدا وحبسه، ولما تحرى جلية الامر اطلقه اذ لم يجد مذنبا، ففتلة مطرف سنة 277، هذا ما ذكره ابن عذاري 2: 150.
قتل عبد الله بن المنصور سنة 380، انظر قصة خروجه على ابيه ثم مقتله في ابن عذاري 2: 284.
د ط س: احتذيت.
البيت للمتنبي، ديوانه: 219.
الرقم: الداهية؛ يقال جاء بالرقم الرقماء أي الداهية الدهياء.
د ط س: وينصران.
ب م: بالحائن.
د ط س: الغالب.
د ط س: وما هو الا.
قد مر هذا، انظر ص: 35، 156.
د ط: العزة.
ب م: الآمال.
البيت للمتنبي، ديوانه: 466 وروايته: اهل الظلم، وهي رواية س ط د.
د ط س: من فضائل.
الشوى: كل ما كان غير مقتل، والتي لا شوى لها: فتكة تصيب مقتلا.
البيت لعمرو بن معد يكرب، وكان علي رضي الله عنه يتمثل به (الكامل 3: 198 والسمط: 63) وروايته: اريد حباءه؛ وفي د ط س: عذيري من خليلي، وعكس الشطرين.
البيت في التمثيل والمحاضرة: 288 دون نسبة، وروايته: فأبدى الكير.
لئيم: سقطت من ط د س.
ط د س: المرء.
د: خساسا من سقاط.
س: قلوبهم.
د ط س: ستري وسلطاني؛ ب: سلطاني وستري.
ناظر الى الآية: 42 من سورة ابراهيم.
د ط س: كعدة.
ط: صولتي.
د ط س: اذ سمعوا صوتي، وفروا فأسرتهم الخيل اسرا، وقيدوا الي عنوة وقهرا، فلم يفلت -. الخ.
ط د س: ارضيت - والتزمت.
د ط س: الناصر؛ والناصر هو عبيد الله بن المنصور عبد العزيز بن أبي عامر.
ب م: صدفة.
قرطس: اصاب الرمية.
م ب: عهدا.
م ب: منحت.
م ب: والمطلوب.
د ط س: الشتيت.
د ط س: ووكدت وشددت.
لم ترد هذه الرسالة في د ط س.
البيتان للمتنبي، وهما متباعدان في موضعيهما من القصيدة، انظر ديوانه: 310، 313.
وردت هذه الرسالة في نفح الطيب 1: 597، وهي مبنية على الخطاب لا على الغيبة.
النفح: في دوحة.
النفح: بدولة.
النفح: للفهم.
النفح: الى من عداك.
النفح: السنية.
النفح: الأولية.
ب م: ثنائي.
النفح: امتك.
ط د س: بقربك؛ النفح: بعزتك.
س: لاحظته.
النفح: اغار سناه.
الابيات للمتنبي، ديوانه: 454 مع اختلاف في تربيتها.
في النسخ: وبعده، والتصويب عن الديوان.
د ط س: تنصرف.
م: سلمة بن خنده.
س: صدوري.
د ط: فوافقوني.
د ط س: لصيح.
ط د: وانقسمت؛ س: وانغمست.
ط د س: بنفسه.
ط د س: خليل.
ط د: بموت؛ س: بوفاة.
ط د: بموت؛ س: بوفاة.
ط: وعد؛ د: وأعد.
ط د: بعد.
بصر: وضح؛ ب م: وقصرت.
ب م: اليها - عليها - نحوها؛ ط د س: الارزاق.
ب: بنسيمك؛ د ط: بنسيمها.
في النسخ: الا.
ب ط: الحنفية.
ط د: وعداه.
ب: مصاليح؛ د ط: مصابيح.
ب م: يعلم.
بربشتر (Barbastro) تقع في ناحية وشقة على أحد فروع نهر إبره الى الشمال الشرقي من سرقسطة؛ وانظر الخبر عن كائنتها في ابن عذاري 3: 225 ودراسة عنها في Recherches 2: 332 وما بعدها، وسينقل ابن بسام نص ابن حيان عنها فيما يلي.
ط د س: المعترفين بالوعد والوعيد المؤتلفين - الخ.
د ط: وحججه.
ط د س: جرحى.
من المثل: قد تبين الصبح لذي عينين، انظر فصل المقال: 61 والميداني 2: 31 والعسكري 2: 125، وقد تقدم ص: 127.
من قول ابن عبد ربه:
الا انما الدنيا غضارة ايكة اذا اخضر منها جانب جف جانب
هذا مثل، انظر فصل المقال: 327 والميداني 1: 232.
د ط س: أنبائنا.
3 - تبدأ هذه الفقرة في د ط س: وذلك انه أحاط بنا عدونا كاحاطة القلادة بالعنق فحاربنا حتى ظفر، فانا لله -.الخ.
ط د س: تراءت.
ط د س: وماذا كشف.
م: وغشيت.
د ط س: واستهوت.
جلحت: حملت؛ م: وجلبت؛ د: وضجت؛ ط س: وخلجت.
د ط س: وعادت؛ ب: وسارت.
قبل " فما " في د ط س: وفي فصل منها.
وفي فصل منها: سقطت من د ط س.
س ط د: الإيمان.
د ط س: ثم اضرمت النار عليهم حتى احترق الجميع وهلكوا، والكفر يضحك، والدين يبكي، والعذاب ينكي.
وفي فصل منها: سقطت من د ط س.
س ط د: تحصى.
د ط س، ملتهب.
ط: مرتهب.
ط: ولا.
ط د س: أطرافكم.
ط د س: وفي.
انظر الآية 11 من سورة الذاريات.
د ط س: وإذا ابتليت.
يريد اذا اصيبت اطراف البلاد بغارات العدو سهل عليه بعدئذ مهاجمة اوساطها.
قارن بابن عذاري 3: 225 ونفح الطيب 4: 449.
ط د: مارة سدا.
ب م: العدو.
ط د س والنفح: ارض الاندلس.
ط د س والنفح: ارض الاندلس.
ط د س والنفح: يشغل.
م: والتساؤل.
ط د س: يفسدون.
ط د س والنفح: وجريا.
ط د س: وخابط.
ب م: صرفهم.
ط د س: بصدر من خيالها.
ط د س: من.
تحل: سقطت من د ط س والنفح.
البيت للقطامي، ديوانه: 34.
ط د س: الضياع بخالها.
ط س: محيلا؛ والصواب " سحيلا " كما في ذ.
ط س: لحطبهم.
ط د س: في.
ط د س: واعلم -. فجد.
ط د س: والحلي.
ط د س: والحلي.
ط د س: اصيب فيها بالقتل والسبي خمسون الفا.
وهلك من نسائها عند انلاتهن من عطش القصبة عدد كثير لتطارحهم - يكرعون - نهل، فكبهم.. موتا.
ط د س: المدينة.
ب م: يدني.
ط د س: ولما برز جميع من خرج عن المدينة بابها.
د ط س: نزول.
د ط س: الخروج.
د ط س: بالدور.
ط د ش: ليحكم.
د ط س: ويقرره عليه فيما اخفى.
د ط س: يعذب اشد العذاب.
ط د س: إلى أسواء مقامه ذلك.
ط د س: ابلاغا في نكايتهم.
ط د س: او ذات مهنة.
الوخش: اراذل الناس وسقاطهم، يوصف به الرجل والمرأة.
ط د س: فيهم.
ط د س: منهم.
د ط س: مرت.
ط د س: عيث.
Monzon إلى الجنوب من بربشتر، وقال ياقوت: حصن من حصون لاردة.
ط د س: منهم.
ط د س: حرب.
ب م: تماما بحكم.
م: والمرد؛ د: والجآذر؛ والحزاور: جمع حزور، وهو الغلام.
ب م: ذوي.
ط د س: فوجدته.
ط د س: لم يغير شيئا.
د ط س: ووصائف رومة.
ط د س: (ما) أسرع ما طمعت فيمن أعرضناه لك.
ط د س: لحصني.
ط د س: منهم.
ب م: تشوق.
ب م: بعجومته.
ط د س: عليه الخداع ما.
د والنفح: واكياس.
ط د س: منه.
ط د س: والنفح: في ثمن تلك ما سخت بها يدي.
ط س: لمغنية الغبي؛ د: لمغنية اللعين.
ب م: نومته.
د ط س والنفح: اشفينا.
ط د س: عنها.
النفح: امرنا.
ط د س: زماننا.
ط د س: ما.
ط د س: أنفسهم.
ط س: أظل.
ب م: عراض.
ط د والنفح: أو ماش.
ط د س: برجوع المسلمين بحمد الله إليها.
ط د س والنفح: امداد لحليفه عباد (ط: لخليفة) .
ط د س والنفح: فتأهب لقصد بربشتر في جموع من المسلمين فجالدوا الكفار بها جلادا -
د ط س والنفح: وخذل.
ط د س: فاقتحمها.
د ط س والنفح: يدخل.
ط د س: الفدية.
د ط س: وخمسة آلاف.
د ط س: قدمهم.
د ط س: برحمته.
ط س: أراح.
د ط س: محبوبة.
ط د س: مخاطبة.
د ط س: الاولياء.
ب م: تتحدث.
د ط س: وما مخاطبتي لك الا.
د ط س: بجميع.
ط د س: فهو مرغوب.
ب م: تستبق.
ط س: المجنى؛ د: المحيا.
ط د س: تنتج.
ط س: الخير، وسقط النص من د ابتداء من قوله " واسراها مغرسا " حتى آخر الرسالة.
ط د س: الزمن.
ط د س: الدهر.
سقطت هذه الرسالة من د ايضا وثبتت في سائر النسخ.
ط د س: منك.
هذه الرسالة والتي تليها سقطتا من د.
ط س: تخبر به كل طبقة.
ط س: لكثرة.
ط س: والاعراب.
ب: نسية؛ ط: يشبه؛ س: بشبيه.
ط س: متحدة.
ط س: سرارا؛ ب: سيارا.
وازبة: ذاهبة؛ وفي النسخ: وارية.
سقطت هذه الرسالة واثنتان بعدها من د ط س.
ب م: حفرة عتت؛ والحفزة: الطعنة.
م: بعد، وفوقها " غب " خ.
سقطت من د وحدها؛ ط س: ومن أخرى.
ط س: وجميل.
ب م: الناظر.
ط س: ويحطها -. عن؛ م: ويخطبها.
ب م: تنائي.
ب م: غبي.
ط س: وللفضائل.
هذه الرسالة والتي تليها سقطتا من د وحدها.
ب ط س: متمم.
ب م: بالهوادي الاعجاز.
ب م: فكره.
ط س: المنى.
ب: اعزامي.
ط س: وفتحت.
ط س: وتارة.
ط س: وضياء محاسنك.
ط س: بتكلفي.
ط س: صباح.
ب: لتمتثل.
ب: وانتهائه.
د ط س: وامتضيت.
ب م: خيل فرسانها.
ط س: بديهتي.
ط س: ذلك الإخاء الطارف.
ب م: جبرون؛ وقد ترجم ابن سعيد لأبي القاسم بن خيرون (المغرب 2: 419) ونسبه الى حصن بيران من اعمال دانية، وذكر انه سكن دانية وكان من شعراء اقبال الدولة.
ط د س: الخطابة.
ط د س: وبكت.
د: مذ.
البيتان في الصداقة والصديق: 30 دون نسبة.
هو الطرماح بن حكيم، انظر ديوانه: 346، 347.
ط د س: إلى محاربته.
ط د س: والتعزير.
د ط س: النشيد.
البيت لجرير، ديوانه: 916.
ط د س: موالاة.
انظر امثال العسكري 1: 71 وفصل المقال: 402 وجمهرة ابن دريد 2: 384/3: 82.
انظر امثال الميداني 1: 7 وفصل المقال: 129 والعسكري 1: 141، 163.
البيت لأبي الأسود الدؤلي، ديوانه: 54 وانظر شرح شواهد المغني: 194 ونظام الغريب: 71 وفصل المقال: 45.
ط د س: كان.
ورد البيتان في ديوان المعاني 1: 178 دون نسبة.
ورد البيت في التمثيل والمحاضرة: 456 دون نسبة، وروايته كما في د ط س: من لؤم.
ط د س: ما اهم.
البيت لابراهيم الصولي، ديوانه: 163 (القطعة رقم: 129) وانظر الحماسة البصرية 2: 281 وامالي المرتضى 1: 488 وديوان المعاني 1: 179.
في التمثيل والمحاضرة: 355: وهل يعض الكلب ان عضا.
البيت للراعي النميري، ديوانه: 64، وانظر طبقات ابن سلام: 435 والتمثيل والمحاضرة: 68.
ط د س: واقتضاء.
د ط س: عند.
ط د س: الجاري الى غمراتها.
ب ط س: إناها.
د ط س: وله من أخرى.
ب م د س: وأرى وقد.
ط د س: وشممت.
ط د س: يزخر - يسحر.
ب م: فقد.
د ط س: جلي.
ط د س: إلا.
اشارة الى المثل: " ماء ولا كصداء ومرعى ولا كالسعدان "؛ انظر فصل المقال: 199 والميداني 2: 135 والعسكري 2: 200.
ط س: دخلت على المقام.
اشارة الى قول ابي نواس:
خرجنا على ان المقام ثلاثة فطابت لنا حتى اقمنا بها شهرا
سقطت هذه الرسالة والتي بعدها من د ط س.
م: باحسانه.
ب: باطرايه.
روضة الحزن اطيب شذا من سواها؛ ب م: حرثا.
ب: شنن.
ب وخ بهامش م: لطرت بجناح.
وسكن القلب: وقعت هنا مكررة في ب.
ب م: عند ابن عبيد الدولة.
د ط س: ناخع نحو؛ وبخع ونخع بمعنى أذعن.
ط د س: ادامها الله بدوام الايام.
في التنزيل: وان تعفوا اقرب للتقوى (البقرة: 237) .
ط د س: جزاؤه عند الله.
وفي فصل منها: سقطت من ط د س.
د ط س: من الرغبة في شانه ما يقتضيه؛ ب م: في شانه قبل الرغبة.
ط د س: شذت عنه وعني فيه.
ط د س: يشتمل؛ والصواب " يستمل ".
ط د س: امر.
قبلها في ط د س: وفي فصل منها.
ب م: وقد علم أنه سهم.
ط د س: يليه.
ط د س: جماعة.
ب م: وإحماء.
ط د س: سعيت بآمالي.
د ط س: وعلم.
د ط س: ومقابلة.
ب: ويلزم؛ م: ويلزمني.
ب م: وتضرع.
د ط س: مسراه - ايمن.
د ط س: وان ابا فلان.
شرك عنان وشركة عنان: ان يشترك اثنان في شيء خاص دون سائر اموالهما، اوان يخرج كل شريك مبلغا من المال ويخلصا المبلغين ويأذن كل واحد لصاحبه بان يتجر بالمجموع.
زاد في ط د س: واحفى بالذم واكرم.
الضلع: الميل والهوى.
ط د س: به.
ب م: له.
د ط س: سبيل.
سقطت الرسالة من د ط س.
ب م: الا باطناب.
يكحلون.
قارن بتاريخ الخلفاء للسيوطي: 348.
انظر ابن خلكان 2: 39.
ط س: وإقام.
ط د س: فصل من رقعة له.
ب م: ولحظت - التدبير.
ب م: ضمنت.
ط د س: أوحش.
ب م: رماح.
ب م: ومثواه فداح؛ ط د س: وسواه قداح.
ب م: وترق.
ب م: الرائعه.
ط د س: لطف.
ب م: تتقابل.
ب م: عثار، وسقطت العبارة من ط د س.
ب م: الزناد ابرز.
كذا بالصاد المهملة، وربما قرئت في م ب: الفرسة.
ب م: متكسرا.
د ط س: يتدحرج.
ب م: كأنه.
ط د س: دارة.
ب م: تقتل.
ب م: يريش - ويقدح - يبرز -؛ س ط د: وتسرع.
د ط س: بغير.
د ط س: بنصر.
ب م: وشعبت.
لم ترد هذه الرسالة في د ط س.
م: إلى.
ب م: فاشبت.
د ط س: وانف عدوه.
ب م: مشاركا.
ط د س: عزيم عزائمك.
د ط س: وتتحمله على كد.
د ط س: ظهر.
ط د س: وتتعدى.
مباح: سقطت من د ط س.
د ط س: ابوها.
ب م: بوفاة فلان.
د ط س: محتضرا في اقباله.
راجع ابن خلكان 3: 255 - 257 في صبر عروة عندما فقد ابنه وقطعت رجله.
ورد بعدها في ب م: بين سعادة اليوم والغد؛ وهو سهو فيما يبدو، لأن العبارة سترد بعد قليل.
د ط س: هضب - فرحة وكرب.
ط س: شعب - محتمل.
د ط س: جوى.
ط س " يقرح.
ب م: تسلية.
د ط س: ويغلب بالمحن.
ط س: تردعك.
د ط س: ندب.
د ط س: على قدر.
د ط س: للمعالي.
ب م: نجم للعلى.
ب م: فاجلب.
د ط س: كتاب مولاي.
ب م: بوفاة فلان.
ط د س: وفلت.
اتورع: اكف وامتنع؛ د ط س: اتروع.
ب: الصبر والسلوان؛ بامرئ: سقطت من م د.
ط س: يلقى.
د ط: وقليل.
ب م: الغامضة.
د ط س: بعلمك.
ب م: الالم؛ ط س: غفلات الآلام.
ط د س: ويخترق.
د ط س: وفاة فلان.
ورد البيتان منسوبين لأبي نواس في محاضرات الراغب 4: 513 ولم أجدهما في ديوانه.
ابو عامر محمد بن سعيد التاكرني نسبة الى تاكرنا، وكانت قصبة كورة رنده، وقال ابن سعيد (المغرب 1: 330) انها خربت؛ راجع ترجمته في جذوة المقتبس: 56 (وبغية الملتمس رقم: 137) والمغرب 1: 332 واعتاب الكتاب: 201 واعمال الاعلام: 224 - 225.
د ط س: المظفر ابن ابي عامر.
نقل ابن الابار بعض هذا النص في اعتاب الكتاب: 201 - 202.
انظر ص: 13 وما بعدها.
د ط س: عبد العزيز بن أبي عامر.
في القسم الأول من الذخيرة.
اقتبس ابن سعيد هذه الرسالة في المغرب 1: 332.
م: بالاصلاح.
ط د س: عن.
ط د س: ملوك وقته.
وردت هذه القصة في المغرب واعتاب الكتاب والنفح 4: 132.
ديوان الحطيئة: 284.
هذا مثل، انظر فصل المقال: 229 والميداني 1: 91.
د ط س: قاتل.
ولي مقاتل طرطوشة بعد لبيب الفتى، وتلقب " سيف الملة (أو الملك) .
ديوان المتنبي: 263.
في الاصول: مصر.
د ط س: وله من رقعة الى ابن عباس.
البيتان لامرئ القيس، ديوانه: 69.
انظر هذا القول في التمثيل والمحاضرة: 305.
ناظر الى المثل: طلب الابلق العقوق، وقال الشاعر:
طلب الابلق العقوق فلما لم يجده اراد بيض الانوق
والعقوق: الفرس حين تحمل؛ والأبلق لا يحمل، والانوق: الرخمة وهي تحرز بيضها فلا يصل اليه احد، والمعنى لو انني فعلت المستحيل.
ب م: قبيلا.
من قول ابي تمام (ديوانه 2: 115) .
اتاني مع الركبان ظن ظننته لففت له رأسي حياء من المجد
د ط س: سبيل.
د ط س: نابذني.
ط د س: العدو الطالب.
د ط س: خنت.
البيت للمتنبي، ديوانه: 470.
ط د س: وإن الدنيا.
د ط س: يجب.
د ط س: ونتعاطاه معاطاة.
ط: شهدت أن.
الاثلب: التراب والحجارة او فتاتها.
ديوان المتنبي: 456.
ط د س: فصدق.
ط د س: والمنادم.
ط د س: الزاكية -. السامية.
ط د س: الخاسرون.
انظر الآية: 18 من سورة يوسف.
وفي فصل منها: سقطت من د ط س.
ط د س: أشرت.
د ط س: وتحقق - تنمقه.
ط د س: ويشتمل.
د ط س: قال.
د ط س: بالتحذير.
انظر امثال الميداني 1: 198 وفصل المقال: 430 والعسكري 1: 316 والجمهرة 2: 250، والصلف: قلة الخير.
انظر امثال الميداني 2: 156.
د: اعقابهم.
العقير كالعقار: الدواء.
د ط س: صدقت - سر.
د ط س: فهو.
البيت لزهير بن ابي سلمى، ديوانه: 95.
ط س د: لي.
د ط س: الحيل.
انظر فصل المقال: 92، وهو مما قاله النعمان - فيما يحكى - ردا على الربيع بن زياد؛ ط د س: إن حقا.
د ط س: سر نصحي بصدق مقالي.
في المثل (الميداني 1: 16) : اخوك من صديقك النصيحة.
عكس للمثل: اضىء لي اقدح لك، انظر فصل المقال: 205 والميداني 1: 285 والعسكري 1: 36.
د ط س: قال.
ناظر الى الآية: 85 من سورة يوسف.
د ط س: وأنضيت فكري.
انظر في هذا المثل، فصل المقال: 448 والميداني 1: 269 والعسكري 2: 31.
ب م: الجري.
د ط س: وترسلون.
التطرق: اتخاذ الطريق.
د ط س: في سلفهم.
د ط س: وخبائثها.
د ط س: مستبدا.
ب م: تختطر.
يعلز: تأخذه كربة الموت؛ ب م س ط د: يعلق على.
ناظر الى الآية: 168 من سورة آل عمران.
البيت لجرير، ديوانه: 421 وامالي القالي 1: 94 والسمط: 292 واللسان (ثرى) .
ناظر الى قول المتنبي:
لا افتخار الا لمن لا يضام مدرك او محارب لا ينام
د ط س: يستغرب -. ويستهل.
د ط س: ونظام.
ب م: دون صلف.
ط د س: قال.
ناظر الى الآية: 39 من سورة النور.
من المثل: تحت الرغوة اللبن الصريح (انظر امثال العسكري 1: 270 تحقيق ابو الفضل ابراهيم) يضرب مثلا للامر تظهر حقيقته بعد خفائها.
من قول النابغة:
فبت كأني ساورتني ضئيلة من الرقش في انيابها السم ناقع
ب م: وحذو اتك.
ب م: حزب.
ط س د: هو.
فيه اشارة الى الآية: (واذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) الاعتراف: 171.
من المثل: حرك لها حوارها تحن (انظر امثال الميداني 1: 129) ، والحوار: ولد الناقة، معناه: ذكره بعض اشجانه يهج له.
د ط س: سبل.
ط س م: كراعي هذيل؛ د: كرعي هذيل؛ ط د س: يخاف.
د ط س: اثلتنا.
من المثل: صدقني سن بكره، انظر فصل المقال: 45 والميداني 1: 265.
انظر ص 162 الحاشية: 3.
د ط س: ذنوبنا.
البيتان لابن الرومي، ديوانه 1: 114.
من قول القطامي: وترفض عند المحفظات الكتائف؛ ومعناه تحلل الاحقاد والسخائم عند حلول الامور التي تستدعي الغضب؛ انظر ديوانه: 55 وفصل المقال: 214 والسمط: 903 واللسان (كتف) .
د ط س: مصادرها.
من ابيات تنسب لنصر بن سيار، انظر مروج الذهب 6: 62 وفصل المقال: 233. ووردت في مجموعة المعاني: 12 منسوبة لابي مريم البجلي.
ط س د: مهزا.
د ط س: لاجتلت.
د: المنابذة.
د ط س: حواليها.
ط د س: بال.
من قولهم في المثل: " حسبك من القلادة ما احاط بالعنق " انظر الميداني 1: 132.
البيتان في الاغاني 23: 616 ورواية الاول: من الناس إنسانان؛ ويروى الشعر لابن الدمينة، انظر ديوانه: 31، 170.
الاغاني: فمنهما.
ط س د: عن.
في النسخ: من.
ط د س: اعتياد.
ط س: يحتقر.
ط د س: أخرى.
ب م: يممت.
ط د س: وشيمة.
ب م: لتزور.
ط د س: يقابل - يسامت.
ب م: فتية، وسقطت العبارة من ط د س.
من قول الشاعر:
احب بلاد الله ما بين منعج الي وسلمى ان يصوب سحابها
بلاد بها شق الشباب تمائمي وأول أرض مس جلدي ترابها
د ط س: لبث.
د ط س: عوائد.
د ط س: تألف.
انظر هذا المثل في فصل المقال: 335 والميداني 1: 198 والعسكري 1: 313.
ط د س: قمنا.
من المثل: قبل الرماء تملأ الكنائن (الميداني 2: 31) .
ط د س: ائتلاف.
ط س: وتتقيت؛ د: وتسقيت؛ ب م: وتمنيت.
م ب: واجدا.
د ط س: إلى الجهاد لتجهيز.
ب م: والشدة - والنجدة.
د ط س: اخبار.
ب م: من موجز.
د ط س: الرئيس.
انظر المغرب 2: 300 واعمال الاعلام: 224 وابن خلدون 4: 161، وقد نقل ابن عذاري (البيان المغرب 3: 164) هذا النص. وراجع Hist. Mus. De Valencia 2: 163 وما بعدها.
ب م: ثم.
ط د س: من اوصلهم لرحمه.
هو القاسم بن حمود الحسني، بويع سنة 412 ثم انتزع قرطبة منه يحيى بن أخيه ثم عاد القاسم إليها وبقي فيها حتى خلع سنة 414.
د ط س: تأمير عبد الملك ابنه.
ط د س: رويش، والتصحيح عن البيان المغرب.
ط د س: حضرة.
ط س: سبك؛ د: سمك.
ترجمة أبي المطرف ابن الدباغ في القلائد: 106 والمغرب 2: 440 والخريدة (قسم المغرب والأندلس) 2: 349 (387) والمسالك 8: 221.
نقل ابن سعيد بعض هذا النص في المغرب.
ط س د: قلبه.
د ط س: المقتدر بن هود.
من قول حسان بن ثابت يعير الحارث بن هشام بفراره (ديوانه 1: 29) :
ترك الاحبة ان يقاتل دونهم ونجا برأس طمرة والجام
ط د س: وأوسع.
ب م: من سره.
ط د س: وحكمه؛ ب م: على حكمه أو حكم المعتمد.
ط د س: الغرور.
ب م: فدخل.
د ط س: بحجة.
د ط س: نصرة؛ ب م: أنصاره.
ط د س: تشاجر.
لم يردا في ديوان المعتمد.
د ط س: ذم.
ط د س: حتى نفاه.
ط د س: المنصور.
ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة، واشار الى تضايقه من قدوم ابن الدباغ الى حضرة بطليموس.
ط د س: الآفاق.
ط د س: من شعره.
د ط س: انسك.
ط د س: حد.
س: موفدا؛ ط: وعودا؛ د: موعدا عودا.
ط د س: ما.
ط د س: مما.
ب م: بأناتي.
د ط س: الاوقات.
فيه إثارة من قول المتنبي: وحسب المنايا ان يكن امانيا.
ط د س: له.
ط د س: فعلك.
ط د س: شيئا لم يكن.
د ط س: لا تزال امثلتها.
د ط س: المجد.
انظر هذا الجزء من الرسالة في القلائد: 107 والخريدة 2: 350، وقد قال الفتح انه وجه بهذه الرسالة إلى ابن حسداي.
القلائد والخريدة: بهذه الحالة قد ارتفع.
ط د س: الأضداد.
القلائد: اضدادها -. اشتدادها - آمادها.
ديوان المتنبي: 254.
الديوان: فصرت.
ط د س: نشاط.
ط د س: اين ايمم.
ط د س: لنوائب.
انظر القلائد: 107 والخريدة 2: 350 والمغرب 2: 440، وقد خلط صاحب القلائد والخريدة بين هذه الرسالة والتي تقدمتها.
ب م: يجيد، وسقط من د ط س.
ط د س: مساويا - أعاديا.
د ط س: بياني.
د: بقوله في شعره، وكذلك هو في القلائد.
البيت الاول وحده للحطيئة في ديوانه: 284، وانظر ما تقدم ص: 228.
د ط س: وذممت؛ القلائد والخريدة: وما حمدت.
د ط س والقلائد: منه.
القلائد والخريدة: لفني.
د ط س: ان يكون الممات.
د ط س والقلائد والخريدة: والنوب.
من قول ابي ذؤيب:
امن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
الخريدة والقلائد، وما في الايام رجاء ولا مطمع؛ ط د س: ولا بمستقر على من يرتجع.
كذا في الأصول، ولعل صوابه " ضميت ".
د ط س: النوائب.
ب م: وانتقاض.
ب م: ويتموج.
م ب: يقع.
د ط س: ويقرطني - يقرط.
ط د س: وفي فصل منها.
د ط س: خيلت.
د ط س: مقاصدي؛ خ بهامش س: مطالبي.
ط د س: للنفس.
ب م: ما فيه في.
ب م: الرأفة.
ط: استياك؛ س: اشيال.
ط د س: لم يزل في امتحاني.
د ط س: احالة.
د ط س: والخمول.
د ط س: اعتداء.
ط س د: وفي فصل من أخرى.
ب م: ويعنى به.
ط س: بالغل.
د ط س: اشد.
الواجم: الذي اسكته الهم وعلته الكآبة.
ورد دون نسبة في فصل المقال: 399 وفيه " او يتفجع ".
ط د س: واشتمل كتابي على -
ط د س: معربة بذاتها على البعد.
ط د س: واغض.
ط د س: وحمل - فحمل.
ط س: تعير وتكلم؛ د: تغير؛ ب م: تعد وتكلم، ولعل الصواب: تعدى وتكلم.
ب م: يتحصل.
من قول الراجز: اصبر من عود بدفيه (او بجنبيه) جلب، وله قصة في الامثال، الميداني 1: 276 - 277 وفصل المقال: 498 والعود: الجمل المسن؛ والجلب: آثار الدبر.
ب م: تعدد؛ د: يعتد.
ط د س: وتسمع - مثله.
د ط س: العجل؛ ب م: الفعل (اقرأ: الفضل) .
ط د س: مناواتك.
م: التهالك.
ناظر الى قول المتنبي:
اهم بشيء والليالي كأنها تطاردني عن كونه واطارد
ط د س: طلب.
به: سقطت من ط د س.
ط د س: إلا أن.
النطف: العيب او الفساد؛ ط س د: لطف.
د ط س: محط؛ ب م: قحط؛ والقعط: الذليل.
د ط س: عبير.
ط س د: وكل.
ط س د: بدنيا.
ب م: إليه.
م: مخاطبتي.
ب م: الأنس.
ط د س: ثناء؛ ب م: بثنائي.
ب م: بدء.
ط د س: لداجي.
د ط س: وتتوزع.
د ط س: وتغتنم.
م ب: المستريب.
عن: سقطت من ط د س.
ط د س: من لقاء فلان.
ط د س: بتذكاره.
ط د س: وأطرت.
البيت لرجل من بني الحارث، المرزوقي: 1413 وذيل الامالي: 102.
ط د س: من أخرى.
ب م: نفسي قد هرمتنا؛ د ط س: هرمتها.
د ط س: الأيام.
ط س د: أعقبه.
ط س: اناء استذل؛ د: اناس.
ط د س: وأي حد فل.
ب م: البحر.
م ب: النكدة.
د ط س: بلغت.
من قول النابغة: فانك كالليل الذي هو مدركي.
ط د س: جرحا وتهيج قرحا.
من قول نصيب بن رباح (ديوانه: 509) .
س: شقي جدي.
ب م: بالاجرام.
س: أتحرف.
ب م: اليه.
ط د س: يخلص - ويعرضها - ويأخذ جمله وتفصيله - ويحلي - ويتمم.
ط د س: يطلع عليكم من.
ط د س: وتعض.
د ط س: بقي.
د ط س: رأوه.
د ط س: وهو يعرج.
د ط س: يشفى بشيء.
ط د س: بدمعة ساجم؛ ب م: بدمعة غام وساجم.
س ط د: ويعد - تدرا (تدرأ) .
ط س د: نظم.
ديوان البحتري: 954.
في الاصول: عبدشلب، وانظر النفح 1: 534.
النفح: بتحقون؛ ط د س: ببحتون.
كان يحجم الجند بنسيئة اذا مروا به ثم يقعد فارغا بعد ذلك (الميداني 2: 22) .
ط د س: بالشطرنج والنرد.
راجع هذه القصة في مقامات البديع، المقامة البشرية: 25؛ والمعنى انه اقبل على كتب الاسمار والاساطير يقطع بها وقته.
ط د س: أجاريه.
ط د س: الزمان.
ط س: ولو.
ب م: جلف جاف.
ب م: سؤالك.
ط د س: واستنابه -
د ط س: وإنما تأكدت.
ط س: مما يحل.
د ط س: بامثالها.
ط د س: كذوب.
ب م: شبة (صوابها: شبه) .
د ط س: وله من اخرى.
ط د س: ويظهر بالبشر.
د ط س: يعذب.
ط د س: وافسد الاكوان - السداد.
سقطت هذه الرسالة من ط د س.
ط س د: الصنع.
س: أنبا.
ط د: ان السيادة اسرار.
ط د س: بتلك.
ط د س: سرا.
ط د س: لتعلق.
ب م: مدركة.
ط د س: أو تملكت.
ط د س: بحال.
ط د س: التعمق.
ط د: اعربت -. اعرابك.
انظر نفح الطيب 1: 534.
ط د س: كتبت من.
ط د س: فضول.
الشئس: القلق؛ ب م: التبس، وموضعها بياض في ط د س.
ب م: أبيت.
ط د س: ما خلص.
الحسن بن هانئ، ابو نواس.
ط د س: النفس.
ط د س: تتذكرون.
ب م: سينفث -. وينصرف.
ط د س: علي.
ط د س: سحركم.
ط د س: في نعمة.
ط د س: قال فيها، وانظر هذه الرسالة في نفح الطيب 1: 535.
ط د س: بالتزامه.
من المثل: رمتني بدائها وانسلت، انظر فصل المقال: 93 والميداني 1: 193 والعسكري 1: 309.
ب م: وردني.
النفح: بلطيف.
ط د س: مرورة؛ النفح: مورودة هضابه واجراعه.
من قول الشاعر:
اقرأ على الوشل السلام وقل له كل المشارب مذ هجرت نعيم
من قولة أوردها ابن قتيبة في الشعر والشعراء: 26.
ب م: عفره.
ب م د ط س: وجنانه.
ط د س: وتحتوي عليه نجاده.
ط د س: فارقت.
من قول المتنبي:
احن الى اهلي واهوى لقاءهم واين من المشتاق عنقاء مغرب
الراس: سقطت من س.
العملس: القوي الشديد على السفر؛ ط س: عماس.
الخريت: الدليل الحاذق بالدلالة.
ب م: الحام؛ والخام: نوع من البلغم (مفيد العوم: 41) .
من قول دكين الراجز:
جاءت به معتجزا ببرده سفواء تردي بنسيج وحده
والسفواء: الخفيفة الناجية السريعة؛ وفي الاصول " الشقراء " وهي للفرس؛ والسفواء صفة للبغلة.
من قول عمر بن ابي ربيعة:
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
ب: التوبة.
وتستعدي الناس: وردت في م: وحدها.
تقرأ: تنسك.
ديوان أبي نواس: 309.
ب م: وقولك.
من المثل: أعن صبوح ترقق (فصل المقال: 75، 76 والميداني 1: 315 والعسكري 1: 16) أي يعرض بشيء وهو يريد غيره.
من المثل: اذا سمعت بسرى القين فانه مصبح (فصل المقال: 35، 107 والميداني 1: 27 والعسكري 1: 12 والجمهرة 3: 168) واليقين: الحداد، ينزل في البادية فيمكث اياما فيكسد عليه عمله فيأخذ يوهم الناس انه سار راحل عنهم وان لم يرد ذلك، فاصبح لتكرار الامر لا يصدق؛ ومصبح: مقيم حتى الصباح.
ط د س: سحرنا.
ط د س: لدينا.
ب م: تبلغه - تسوغه.
ط د س: بقربك.
ط د س: ولا تمكن من أن تراها.
لامرئ القيس، وصدره: فادركنه يأخذن بالساق والنسا (الديوان: 104) شبرق: مزق، المقدس: الراهب الذي يأتي بيت المقدس.
ط د س: حالنا.
ط د س: عنها.
ط د س: فاعلم.
ط د س: نخرج.
د ط: النوم، ط: الناس.
ط د س: الرقعة.
ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة.
ط د س: منها.
ط: ودار دار الدنيا.
ط د س: فعله.
ط د س: ولابي المطرف من رقعة قال فيها.
المذوق: الكذب والنفاق.
ط س: التأمل.
ط د س: أنا نحمد -. ولا نتوقع.
من قول المتنبي:
طلبت لها حظا ففاتت وفاتني وقد رضيتني لو رضيت بها قسما
ط د س: يتذاكرون -. يتعاطون.
ط د س: يلح عليه.
ط د س: على.
البيت لابي تمام، ديوانه: 112، وفيه: فاحسن مغرب.
ط د س: التعمق.
ط د س: ذكرك.
ط د س: من الصلة.
م: ومنتدى؛ والكلمة غير واضحة في ب.
ط س: خاطبت.
ط د س: كتبت.
ط د س: حال حمول.
ب م: حال حمول.
م ب: يبدل؛ ط د س: بأن يديل.
ط د س: والسرو.
ط د س: فيمن.
ط د س: الاشغال.
وفي فصل: سقطت من ط د س.
ط د س: وحماية.
ب م: وحفظة.
البيت لأبي العتاهية، ديوانه: 612.
انظر القلائد: 109 والخريدة 4: 355.
ب م: السفر.
ب م: والعين.
د ط س: وتخليت من.
القلائد والخريدة: فهي كاسفة بالي، كاشفة عن خبالي، لصبح.
ط د س: ذوائبي.
القلائد والخريدة: مطالع اعمالي، واراني -. الخ.
ط د س: عامرة.
ط د س: وله سبب فتح.
ط د س: حد.
د ط س: بشره.
ط د: وناظم.
شروح السقط: 150.
ط د س: ان تاسيت.
د ط س: قضية.
ب م: بالكتابة.
ط د س: يتهم أنه.
ط د س: الا على.
ط د س: كمالا.
انظر القلائد: 109 والخريدة 4: 357.
د ط س: يكلف ويعشق.
ناظر الى قول المتنبي:
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ولكن من يبصر جفونك يعشق
س: واختلفت.
د ط س: ارديتها.
ب م: وشيها.
ط د س: بكل.
ب م: والصبوح.
ط س: ويشرب؛ د: ويطرب.
د ط: ويطرب.
س: لم يتسن لي.
ب م: الباء والعين.
ب م: الباء والعين.
ط د س: فطيب.
ب م: المنتظمة.
د ط س: بغضنهما.
ط د س: التعمق.
من قول الشاعر:
وحدثني يا سعد عنهم فزدتني جنونا فزدني من حديثك يا سعد
د ط س: خاطب بها من سرقسطة بعض اخوانه بالغرب، ونقلت هذه الرقعة من خط يده.
عجز بيت لعمر بن ابي ربيعة (ديوانه: 434) وصدره: اما الرحيل فدون بعد غد.
م ب: منة.
ط د س: إليك.
ب م: معجل.
ط د س: في.
د ط س: وقتها.
هنا وقع خرم في س ضاعت بسببه أوراق.
ب م: عليها بودك.
انظر القلائد: 108 والخريدة 2: 354.
د ط ب م: ينشط سماعها.
سباء الخمر: شراؤها.
د: زاخرة؛ ط: زاجرة.
القلائد: 108 والخريدة 2: 354.
يا سيدي - حرزه: سقط من د ط وكذلك من القلائد والخريدة.
القلائد والخريدة: يعبق في.
القلائد والخريدة: تظهر.
القلائد والخريدة: ايناسه.
ب م: املها -. جذلها.
القلائد: 109 والخريدة 2: 356.
من قول ابي تمام:
مطر يذوب الصحو منه وبعده صحو يكاد من الغضارة يمطر
ط د س: وندمانا.
ط د: ومن أخرى.
د ط: مهدي.
د ط: مقسوم.
د ط: الضحى.
د ط: للقيام.
ط د: وتخدش الخبز.
د ط: تنشط.
ط د: الخاطر.
ب م: موضع.
د ط: نطيل فيها الحمد.
ب م: في الاجتناء.
ب م: يرد اليك.
د ط: فريضة.
د ط: تنزع.
اشارة الى المثل: " مرعى ولا كالسعدان ".
د ط: الحسن.
د: الشيب.
د: تتحملها، ط: لتحملها.
كذا في الأصول ولعل الصواب: " جبره ".
د ط: بعض المولدين.
د ط: الاقوال منها.
ط د: بحالة فلان.
ط د: وخلصت منه.
ط د: فعلى فضله عولت عليه توكلت واتكلت.
ط د: والمشهد.
البيتان للمتنبي، ديوانه: 481، 460؛ ب م: كلام عنده.
القلائد: 107 والخريدة 2: 352.
م: الردى.
د ط: العلم.
ب م: جبرون.
ط د: لا تكثروا.
م ب: ويجرع ذا البها.
ب: عر، م: عن، وسقط البيت من ط د.
انظر المغرب 2: 440.
المغرب: بصحبته.
المغرب: تجريه؛ ب م: جرته.
د ط: تشيعا.
د ط: مجد.
ترجمته في المغرب 2: 442 والجذوة: 209 (وبغية الملتمس رقم: 773) ، ومسالك الابصار 11: 447.
ط د: الاوان.
ط د: الفقيه أبي محمد بن الحسن المعروف بابن الكتاني قال:
ط د: ترددي.
المغرب: عرف.
المغرب: له بين احناء الضلوع حريق.
ط د: من القيمات اسيرة كأنها فلقة -. سمعت الشعر -. م ب: هذه الأبيات.
ط د: من القيمات اسيرة كأنها فلقة -. سمعت الشعر -. م ب: هذه الأبيات.
هذه هي الرواية التي ذكرها الحميدي نقلا عن ابن حزم، وهي مختلفة اختلافا كبيرا عن الاولى؛ وسقطت هذه الرواية من د ط.
قد وردت ترجمة محمد بن الحسن المذحجي الكتاني الطبيب في طبقات صاعد: 82 وابن أبي أصيبعة 2: 45 والصفدي 2: 45 وجذوة المقتبس: 45 وهو يرد باسم محمد بن الحسن ومحمد بن الحسين؛ راجع مقدمة كتاب التشبيهات؛ واستبعد ان يكون هو نفسه صاحب القيان، الذي يتحدث عنه ابن بسام بقوله " كثير الترقيح والاستعمال لضروب من الكذوب وزور المقال ".
ب م: العلم.
م ب: على.
ط د: خطاطات.
ط د: علوم.
ب م: المسكوب.
د ط: واخبرني الفقيه ابو الحسين.
د ط: بعض الشعراء.
د ط: وتحدث.
د ط: ليعرب.
د ط: يحكى.
انظر ابن خلكان 4: 316، 320 وديوان المعاني 1: 178.
ابو عبد الله محمد بن خلصة الشذوني الداني؛ راجع ترجمته في الجذوة: 51 (وبغية الملتمس رقم: 111) ونكت الهميان: 248 والتكملة: 395 والمسالك 11: 45 ونفح الطيب: 4: 100، 156 واشار اليه ابن الابار في تحفة القادم: 2، وانظر الوافي 3: 42، وقال ابن الابار في التكملة: وقرأت ان في ديوان شعره قصيدة له على روي الراء يهنئ فيها المقتدر احمد بن سليمان بدخول دانية وتملكها سنة 468.
ب م: فصل؛ وسقط العنوان من د ط.
ب: بما القه؛ م: بما لقة.
ط د: هي؛ ب: الذي بها.
ط د: البشر.
ب م: استوفتهم.
ط: الشرح؛ ب م: الترج.
ب م: واصابتني.
د ط: روضة وغدير.
ط د: جعلت.
منها: سقطت من ط د.
قد مر هذا البيت ص: 314، وهو للمتنبي.
د ط: المجد.
ب: الصميم.
د ط: بحرك وبرك.
د ط: كفؤ.
ب م: الذل.
النفح: وثنى.
هذا البيت والذي يليه وردا في النفح 4: 156.
ط: لذكرك.
ط د: بفخرك.
ب م: ووداد.
ط د: وفلان وافاني.
ط د: علمت.
ط د: قال.
انظر بعض ابياتها في النفح 4: 156.
ب م: ظنين.
د ط: لديك الجون.
د ط: جراه لي؛ ب م: اعدى بما يعدى.
ب: ألذ.
ط د: لي.
ط د: فلاحظني - وكلمني.
ط د: ومن مرثية له في ام معز الدولة.
م: حفيل.
ط د: والزمان.
د ط: ينضى.
انظر الجذوة: 378 (بغية الملتمس رقم: 1546) والمغرب 2: 33 والخريدة 2: 12 والمسالك 11: 447 والنفح 3: 363، 423 والتكملة رقم 1690؛ واسمه عبد الملك بن غصن الخشني من اهل وادي الحجارة، لقي ابا الوليد يونس بن عبد الله القاضي وحدث عنه بمقالة حنش الصنعاني في قرطبة، وكان فقيها اديبا شاعرا صاحب منظزم ومنثور؛ وكانت وفاته بغرناطة سنة 454.
د ط: وقته.
ترجم ابن سعيد في المغرب 2: 30 لمن اسمه عبد الملك بن حصن وقال انه كان من اعيان الوزراء واعلام الكتاب والشعراء، وذكر انه هو الذي سجنه المأمون حتى تخلصه ابن هود من يديه؛ ويعتقد الدكتور شوقي ضيف محقق المغرب ان هناك خلطا بين عبد الملك بن غصن الحجاري، وعبد الملك بن حصن، وان هذا الخلط وقع فيه ابن بسام وابن الابار (التكملة رقم: 1690) وصاحب النفح؛ وانا استبعد ذلك، فان ابن الابار لم يقل انه كان وزيرا للمأمون وانما قال " وامتحن ب(5/531)
ليلى الاخليلية؛ وابو حزام العكلي شعره عويص.
ديوان ابن هانئ: 22.
الديوان: وسحت؛ د ط: ومجت.
الديوان: ووكرك.
الديوان: العدل.
ط د س: رجع وقال ادريس؛ وورد منها بيتان في مسالك الابصار.
ط د س: محاسنا؛ ب م: يرقاه؛ د: ترقاه؛ واليرنأ واليرناء: الحناء.
ط د س: فاء.
ب م: الحول.
ط د: يد.
ب م: على سودا - اورق؛ المسالك: على متردى؛ وسقط البيت من ط د.
ط د: وله من اخرى؛ س: وقال من أخرى.
ط د س: من كثب.
ب م: ازوره؛ د ط: اردده.
ب م: الزمان.
ب م: موضوءة؛ وسقط البيت من ط د س.
ورد منها بيتان في المسالك.
ط د: قلبي وعيني.
ط د، تلمع.
د ط س: وهي.
ديوان التهامي: 49.
ديوان قيس بن الخطيم: 41، وانظر التعليق على هذا البيت: 203 في الديوان.
البيت من الحماسية رقم: 14 ص: 108 في شرح المرزوقي، وهي تنسب الى بشامة بن حزن، ونهشل بن حري، وبعض بني قيس بن ثعلبة.
ب م ط د: درت.
الواغل: المتطفل على الشراب.
شروح السقط: 1113.
ورد منها في المسالك 11 بيتا، وسقطت من ط د س وهي وما بعدها حتى نهاة الترجمة.
ب م: الليل، والتصويب عن المسالك.
ب م: المراح.
ب م: لمرتد.
عبد العزيز بن محمد بن ارقم النميري الوادياشي، سكن المرية، وأقام بدانية مدة عند اقبال الدولة علي بن مجاهد ثم صار الى المعتصم محمد بن صمادح، وكان من وجوه رجاله ونبهاء اصحابه، وقد توجه عنه رسولا الى المعتمد بعد 460، بصحبة ابي عبيد البكري والقاضي ابي بكر بن صاحب الاحباس؛ وله " الانوار في ضروب الاشعار " ثم اختصره وسماه " الاحداق "، توفي في امارة المعتمد بن عباد، (انظر التكملة رقم: 1735 ونفح الطيب 3: 498 والقلائد: 8) .
د ط س: ارباب.
د ط س: بديعة.
د ط س: وينسق في.
ورد بعض هذه الرسالة ص: 245 منسوبا الى ابي عامر التاكرني، وذلك فيما يبدو وهم من ابن بسام؛ وقد وقع اختلاف في القراءة في المرجعين أشرت إلى بعضه، وأبقيت يعضا منه كما هو.
ط د س: الأيام.
س: الانفصال والإنعام.
ط د س: إني.
ب م: افتتح؛ ط: ابتلج.
ب م: نائي.
وردت قبل: ليعلم؛ ب م: ليعمر.
ب م ط: ليطمس.
س: لتروح.
ط د: الانفلال.
ب م ط د س: جليلة.
ب م: تقابل -.تسامت - تنال.
مرت قبلا: " ضئيلة ".
ط د س: وشريعتي.
ب م: استند.
ب م: نائي.
ط د س: العدو.
ط د س: افل قائدهم؛ ط وخ بهامش س: بل أفل.
ط د س: يضره.
ب م: عصبه.
من المثل: " زاحم بعود او دع " (الميداني 1: 216) أي لا تستعن إلا بأهل السن والتجربة.
ط د س: ولما رغب ان توطئه - الخ؛ وفي ب م: تطويه.
ط د س: التماحا.
ط د س: المجنب.
ب م: الندى.
س: للمصاحب.
ب م: جوده.
ط: فالضياع؛ س: فالضمانة.
د ط س: لابنه.
ط د س: برقعة قال فيها.
ب م: ويسبح في محاسن ربه.
ب م: وأخذ ناظري.
ب م: حكاه.
ط د س: وسدد.
س: خلال؛ ط د: خجلة.
ب م: فكأن.
عجز بيت للمتنبي، وصدره: لعل عتبك محمود عواقبه.
ط: تعلق.
ط د س: ولا بأنه قد ولج له؛ ب م: ولا بأنه أبه قد وبه له.
ط د س: وطار غباوة غفلته.
د ط س: حفيره.
د ط س: وحل بطائر؛ ب م: الاحسان.
د ط س: وسما بصره حتى رماه.
د ط س: كربا.
اشارة الى المثل: " ان الشقي وافد البراجم " (فصل المقال: 454) .
ب م: وندايته؛ ط د س: وتدانيه منه الآخر.
ط د: وتنقله.
ب م: بارسطاليس.
ط د س: والقعقعة.
ب م: والسعر.
ب م: قاطو اغورياس.
ط س: وبار أرمينياس.
د ط: ثمره وزهراته.
ط د: ارميت.
ب م: ووارثه.
ب م: برسومه.
ط د: مغنى؛ س: مغنا.
د: وبقلا؛ س: وثهلان.
ب م: موضع شرفه.
د ط: الفقهاء.
نص الحديث (البخاري، باب العلم:34) ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا؛ وانظر صحيح البخاري، باب الاعتصام: 7.
د ط س: تبينت - المراس.
ط د س: اسود.
ط د س: منضود.
ب م: شرفاتها - عرصاتها - منها؛ ط د س: علي منهم.
ب م: يد لسان.
ط س د: حتى عرضت.
لطرفة بن العبد (او كليب) ؛ انظر فصل المقال: 364 - 365.
ط د س: غير نفيس.
س: لنا
انظر اللسان (جعر) ؛ وجعار: الضبع، وفي رواية البيت: لم يشهد القوم، وانظر الميدان 1: 310 تحت المثل " عيثي جعار؛ ط د وخ في هامش س: حاضره.
ط د س: سؤال ابن سيده أبي الحسن فلم يفكر في العواقب.
البيتان للأخطل التغلبي، ديوانه: 132.
ب م: العقاب المنشور؛ وفي التكملة: عتاب المتسور.
د ط س: سبيل.
ديوان بشار (جمع العلوي) : 98، وورد البيتان في الموشح: 385 والأغاني 3: 204 وفي كليهما " تحدثت عن " مع أن مواضع الشاهد في ما يورده أبو الأصبغ.
ط د وخ بهامش س: سألتك.
ب م س: تحفيته.
ديوانه 2: 55.
الديوان: بمحبر.
يبدو ان في هذا الرأي بعض استناد الى رأي ابن حزم الظاهري حيث يقول، ومما احدثه اهل الإسلام في اسماء الله عز وجل " القديم " وهذا لا يجوز البتة، لانه لم يصح به نص البتة، ولا يجوز ان يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفس (الفصل 2: 151 - 152) وابن حزم يرى ان اسماء الله مثل قدير وسميع وبصير، غير مشتقة، ولكنه لم يقل شيئا من هذا في الصفات على وزن فاعل كما قال ابن سيده.
ديوان العجاج 1: 421، قال الشارح: ولا يقال: الله ارتاح، ولكنه اعرابي مجنون جلف جاف.
ديوان القطامي: 111.
اللسان والتاج (خدلج) وديوان المعاني 1: 225.
الخدلج: العظيم الساقين.
ط د: لابتعاثنا.
انظر معجم المرزباني: 78.
سقط من ب م وزدناه من معجم المرزباني، والابيات لم ترد في د ط س.
هو ابو نخيلة السعدي وقبله: دستية لم تأكل المرقتا (انظر اللسان والتاج مادة " فستق ") .
د ط س: آخر؛ والشاعر هو عقفان بن قيس بن عاصم اليربوعي، شاعر جاهلي، وصدر البيت: سأمنعها او سوف اجعل امرها؛ انظر السمط: 746 والجمهرة 3: 490 وامال القالي: 2: 121 والصناعتين: 301 واسرار البلاغة: 37 واستوفى هنالك تخريجه فراجعه.
شرح ديوان زهير: 76.
الديوان: فلم يصلح لكم.
في ب م ط د س: قد جاءكم موعظة من ربكم. وقد جاءكم البينات، وليست الآيتان كذلك فالاولى قد جاءتكم موعظة، وليس فيها الشاهد المراد؛ والثانية ليست آية، ولذلك ابحت لنفسي تغيير هذا كله، فابقاء ذلك في المتن لا يجوز، وهذا نوع من الخطأ غريب.
ورد غير منسوب عند سيبويه 2: 174 وانظر الخصائص 2: 417 والخزانة 3: 312
ديوانه: 126 وانظر سيبويه 2، 181 والعيني 4: 483 والخزانة 3: 312.
ديوانه: 467 (اعتمادا على الذخيرة دون أي مصدر آخر) .
ب م: هي حلية الرجال والنساء.
ب م: يا لهذه الطريقة والمنازع الفظيعة.
شدي على نفسك ازارك، في مسند احمد 6: 65، 91، 185.
صدر البيت: الا أبلغ أبا حفص رسولا؛ والشعر لرجل من الانصار لرجل من الانصار، العقد 2: 463.
صدره: النازلون بكل معترك؛ والشعر للخرنق بنت هفان ترثي زوجها عمرو بن مرئد وابنها علقمة واخويه حسان وشرحبيل. انظر امالي القالي 2: 154 والسمط: 548، 780 والخزانة 2: 306 والعيني 3: 602 واللسان (نضر) .
ديوانه: 969.
ب م: كرك؛ د ط وخ بهامش س: حرة؛ د ط س: وخلاخله.
ديوان الخنساء: 31، وصدر البيت " فذلك في الجد مكروهه ".
بهامش س أنه مما أنشده ابن دريد، ولكن لم يعين قائله.
انظر امالي القالي 1: 245 والعيني 2: 47 والشعر والشعراء: 362 والحماسة رقم: 699 (المرزوقي) والتبريزي: 4: 77.
الاغاني 10: 330.
عجز بيت الفرزدق، يرد صدره فيما يلي؛ انظر سيبويه 1: 305 والعيني 2: 355 والخزانة 2: 102 وشرح شواهد الكشاف: 113.
ط د: تسوغ له " توشحا " لقالها.
شرح اشعار الهذليين 1: 38.
البيتان في الحيوان 6: 425 والبيتان 3: 246.
الحيوان: تركت الركاب لأربابها واجهدت نفسي.
د ط س: بياني؛ م ب: لحييه.
البيت لابي تمام، ديوانه 4: 42.
اشار في ب م الى ان هذه العبارة آية قرآنية، وليست كذلك.
ب م: ابوء به؛ ط د: ابوا به، فأما أبؤو فانها لغة في أبأى، أي ارفعه عن ذلك.
فرشه: سقطت من ط د.
جاء في مقدمة الجزء الثاني من البيان " الذين كانوا مصابيح الظلام وقادة هذه الايام وملح الأرض وحلي الدنيا "؛ ولم يقرن هنا بين لفظتي " القادة " و " الذادة " فلعل ابن أرقم يشير الى ورودهما في موضع آخر.
القداميس: جمع قدموس وهوالسيد؛ ب م: القراميس؛ ط د س: السراة.
ط د س: وحوى هذا التسور يا ابا الحسن - الخ.
البيت للفرزدق، ديوانه 71 وانظر فصل المقال: 362 والمعاني الكبير: 876، 1209 وروايته: تحت الثرى تستثيرها.
الأبيات للمتنبي، ديوانه: 334.
هذه العبارة مبنية على الافراد في د ط س: وشان ببعره، - وبحجمه - وكان كلامه - الخ.
ليس في قراءة هذه الآية خلاف بين القراء، ولم اجد فيها لابن عامر انفرادا وإنما جاء قبلها " ومكر الشيء " وقرأها حمزة ساكنة الهمزة، (انظر كتاب السبعة: 535) وقد دافع عنه ابو الفارسي كثيرا في ذلك.
قراءة ابي عمرو " برق " بكسر الراء، وقرأ ابان ونافع عن عاصم بفتحها (انظر كتاب السبعة: 661) .
يعني قراءته " اطهر " بفتح الراء، انظر المحتسب 1: 325.
ذكر في اللسان أن المضارع من قنط تكون عينه مكسورة ومضمونة ومفتوحة.
سورة الشعراء: 221.
شبيه لما في البيان 2: 6.
البيتان لحمزة بن بيض، انظر الميداني 1: 311 والمثل " على أهلها تجني براقش ".
د ط س: على راي.
د ط س: بتزيد.
ط د س: والمحدود -. والمنجوه.
د ط س: في استخراج ذلك فأحس بالمكواة.
فصل المقال: 432 " قد يضرط العير -. " والميداني 2: 28 والعسكري 2: 117.
ط د س: فلاذ.
ب م: مخمورا.
ب م: القرض.
ط د س: تلك.
ط د س: وتكثير.
يعني أنها تنم عن أنها عمل مؤدب الصبيان.
ب م: بهذيات؛ وسقطت من ط د س.
لم يرد هذا القسم كله في د ط س.
ب م: خضيب خطيب.
الارعاظ: السهام؛ وكسر عليه ارعاظ النبل: اشتد غضبه عليه، وهذا مثل، انظر الميداني 1: 24.
كان حق هذه اللفظة أن تصبح " فيا عاذلي " أو " فيا لائمي " ليطرد ما يبنيه ابن ارقم في ما يلي.
ديوانه: 242.
ديوانه: 99.
البيت في البيتان 1: 10 وهو لعروة بن الورد، ديوانه: 101 وورد في الحماسة: 1719 لعتبة بن بجير، وقيل انه لمسكين الدارمي وفي الأغاني 13: 67 انه للعجيز السلولي.
د ط س: السلطانية.
هي الرسالة التي تعقبه فيها ابن سيده؛ ويقول ابن الابار في التكملة إنها وجهت الى صاحب مصر سنة 452.
د ط س: لبرد.
د ط س: ادخرها.
د ط س: الشأو.
د ط س: والانفصال.
د ط س: أم.
ط س: لبيدة؛ د: لبيد.
ط د س: حمل.
ب م: نظمه.
هبذ وهابذ: أسرع في الطيران.
م: جنبا؛ وهي غير واضحة في ب.
م ب: لدن.
د ط س: وتطرد علي.
ط د س: الأدهر.
ط د س: وقلدت - وضمنها.
ب م: والمنتهى.
د ط س: يتصرف.
د ط: وضمن الحملة (د: الحبلة) حديثا؛ س: وضمن الجملة حربيا؛ وهو الصواب.
د ط س: النية.
م: وسط؛ ب: وسك.
ط د س: وقد كان لأبي.
ط د س: شرافات.
ط د: وفتحت - سببا.
ط د س: لايراد إهماله الحاجات.
ط د س: لغرائبه.
ط د س: ومنتهضون.
ط د س: كتائبه.
ط د س: مات.
د ط س: رقموا النجوم اصرعوها.
بداية هذه الفقرة في د ط: ولم يكن ليقرع بابا - الخ.
ب: باناختها؛ ط د س: باجابتها.
د ط: وخص.
د ط س: فندب - وصفوة الظهراء فلانا مضمنا - الخ.
د: ينزل به منزله؛ ط: مزل به مزل؛ س: مذل.
ط د س: الادنى.
د ط س: العجمة.
د ط س: وتحفة.
د ط س: وتغشيه أقمارها.
د ط س: والزمن.
د ط س: كمية.
ب: ولا سيرت غده؛ د ط س: شربت.
ط د س: الوزير بها.
ط د س: المظلمات.
ط: فمررت.
د ط س: بمداخلتها.
ط د س: وتوفير.
ب م: من.
ط د س: الخشنة.
ط د س: بمحادثة.
ط د س: وأمره محمول على - الخ.
ط د س: الطاعة.
ط د س: والمعاملة.
ط د س: الأفلاك.
ط د س: بما.
س: ورويت، د ط: ووريت.
ط د س: وكادت تثمر - الشمس.
السمار: اللبن المشوب.
القلائد: 132 والنفح 3: 499 والخريدة 2: 398، وسقط هذا الفصل كله من د ط س، ولم يشر ابن بسام في فهرست كتابه الى انه سيترجم له، وقد زاد ما هنا عما في القلائد، فاذا حكمنا أن هذه الترجمة دخيلة فمعنى ذلك ان الذي أدرجها هنا اعتمد على القلائد ومصدر آخر؛ وفي ط د س: وابنه أبو عامر بجهة المرية ناظم ناثر، ولم يقع إلي ما أجعله سببا لذكره؛ 1 هـ.
هذه القصيدة في مدح الامير المرابطي عبد الله بن مزدلي.
القلائد والخريدة: برا يوم.
ب م: مردلى ولى له كان تدفعه.
ب م: لكما؛ القلائد: لهم، والتصويب عن الخريدة.
القلائد والخريدة: وكتب شافعا لرجل يعرف بالزريزير.
القلائد: وشهابي.
ب م: موصلة.
الكرواء: الساق الدقيقة؛ الخذواء: الأذن المسترخية؛ ب م: كوراء - لحدواد؛ القلائد: كدواء - بجذواء.
الفور: الظباء، والكافور هنا كناية عن الثلج؛ والصرد: طائر فوق العصفور، والصرد: البرد.
زيادة من القلائد.
ب م: الأدب.
الاهذاب: الاسراع.
عجز البيت: لم يستطع صولة البزل القناعيس؛ وهو لجرير كما في اللسان (قنعس) وانظر ديوانه: 259 (ط. صادر) .
الزبير بن عمر احد ولاة المرابطين بالاندلس، ولي قرطبة، وفي سنة 526 امر علي بن يوسف باضافة ولاية قرطبة الى تاشفين وتحويل الزبير الى غرناطة (المغرب 4: 87) ومن ثم عدة ابن سعيد (المغرب 2: 127) صاحب قرطبة كما عده صاحب مفاخر البربر (82) من ولاة غرناطة، لأنه ولي البلدين، وهو صاحب منية الزبير (نفح الطيب 1: 471) وللشاعر ابي بكر ابن الابيض اهاج فيه (النفح 3: 489 - 490) وقال فيه ابو بكر الصيرفي مؤرخ دولة المرابطين " ندوة الزمان كرما وبسالة وحزما واصالة " (الاحاطة 1: 458) .
ب: فبدى.
ب م: واعتاد العز الذبول -. واعتاد بعد ذاك النقص.
ب م: ولفاتني.
تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين: احد رجالات المرابطين شجاعة وبلاء في الأندلس وزهدا وصلاحا، ولاه ابوه على امارة غرناطة والمرية سنة 523 ثم اضاف اليهما قرطبة، فكانت له معارك في الجهاد مشهورة، ولما توفي ابوه سنة 537 خلفه في امره المسلمين، وقد خاض الحروب ضد الموحدين، ولقي مصرعه سنة 539 (انظر الاحاطة 1: 456 والمغرب 4: 79 وما بعدها) .
من اهل قرطبة وسكن بلنسية، انضم الى المأمون صاحب طليطلة بعد انفصاله عن المنصور عبد العزيز بن ابي عامر، وقد انتفع به الناس في وزارته لدينه وسكون طائره وسلامة باطنه وظاهره، وكانت وفاته ببلنسية ليلة الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة 458 ودفن يوم الثلاثاء بعده، ذكره ابن حيان وأطال في الثناء عليه (انظر التكملة رقم: 1555 وذكره صاحب النفح 3: 559 ولكنه خلط بينه وبين ابي مروان عبد الملك بن مثنى، وهذا الثاني ترجم له في المطمح: 30) .
د ط س: محمد بن صبغون.
د ط س: قلد.
قال - حيان: سقطت من ط د س.
ط د س: محمد.
ب م: بقرطبة.
د ط س: ثلاث.
ترجم له ابن بسام في القسم الرابع من الذخيرة (المطبوعة 4/1: 67) .
د ط س: درجة.
الاروية: الحبال، المفرد: رواء.
د ط س: وصرف نوائب.
لم ترد هذه الزيادة في س.
د ط س: محاسنه.
ب م: فاخرت.
ب م: فراحا.
د ط س: الفضل.
د ط س: والأدب.
ط د: الأمانة.
د ط س: مطالعة.
د ط س: بالتشتيت.
ط س: بمبغاه.
د ط س: سهره.
ب م: العزم.
د ط: استقل.
من قول المتنبي:
وضاقت خطة فخلصت منها خلوص الخمر من نسيج الفدام
ب م: فيها.
د ط س: عظيم.
ب م: رغبا.
ط س: وأدجت.
د ط س: واقيم صعري.
ب: المايابة.
د ط س: برقعة منها.
د ط س: الاقسام.
البيت لابي تمام، ديوانه: 355.
ط د: فتصوب.
د ط س: وعاه.
د ط س: ومآخذ الفضائل.
ط: وغمر.
د ط س: نزقت.
ط د س: خطرك.
د ط: وحلاه.
من قول الحرمازي: داهية وصماء الغبر؛ راجع المعاني الكبير: 671 واللسان (غبر) وفصل المقال: 141؛ والغبر: الماء الذي قد غبر زمانا غير مورود ولا يقربه احد من اجل تلك الصماء وهي الحية.
د ط س: سمع طفل منا.
د ط س: ولا خامر رضيعنا في مهده.
د ط س: وعامل طبقاتهم.
ط د س: فالذكاء مه هذا منه - الخ.
د ط س: وأما عامتنا بعد.
ب م د ط س: وصحت الحيلة والحال.
ب م: اقرعتها؛ د ط: فزعتنا هذا التفريع وردعتنا؛ س: أفزعتها - التفريع.
ب م: بالنكوص.
ب م: قد نادى.
ط د س: أشد.
ط د س: مقال إلى.
من قول الأعشى:
فقال ثكل وغدر أنت بينهما فاختر وما فيهما حظ لمختار
ب م: الخافي؛ ط د س: الجاني.
تلخصت هذه الفقرة من أولها في د ط س: فجاءت: وقد وقفت على ما وصفته من الاسنتباذ - الخ؛ وصدرت ب " وفي فصل ".
ب م: الايام.
د: الزمان.
اذا أصاب الرجل عند صاحبه افضل ما يريد من الخير والخصب قالوا: وجد ثمرة الغراب وذلك ان الغراب إنما يبتغي من الثمر اجوده وأنضجه لقرب تناوله عليه في رءوس النخل (ثمار القلوب: 463) .
د ط س: بما اغبطتني - وأبهجتني.
ب م: وانتظرت.
من قول المتنبي:
فلو أني استطعت خفضت طرفي فلم أبصر به حتى أراكا
ذكر ابن القلاس (بالفاء) عرضا في المغرب 1: 363 والنفح 1: 186 وقال المقري: وبنو الفلاس من اعيان حضرة بطليموس؛ ولا لبس في قراءة القاف بحسب الكتابة المغربية والاندلسية، والقلاس هو صانع القلانس، ولعل هذا هو الصواب في الاسم.
ب م: وكان من عليه -. ايضا.
د ط س: فصول.
لم يرد هذا العنوان في د ط س.
د ط س: المنة.
د ط س: مشتوت.
د ط س: قمنا.
ب م: زنده - حده.
د ط س: استنجحت في الامر بركة - الخ.
د ط س: رأيه.
د ط س: بنعمة.
د ط: وله من أخرى.
ب م: يحدث؛ ط د س: بها.
د ط س: ميثاقا.
د ط س: وهدت من الكفر.
ب م: والغريب البعيد.
ب م: وفي فصل منها.
د ط س: وكان يحسن.
ب م: تستوي.
ط س: وبلفظه.
ب م: أجلاه.
د ط س: مد الأطناب.
م: حذر وبها خبر، ب: جدر.. خبر.
هذا الفصل لم يرد في د ط س؛ قلت: وكان لسليمان بن هود خمسة ابناء قسم عليهم بلاده في حياته فولى احمد مدينة سرقسطة ويوسف لاردة ومحمدا قلعة ايوب ولبا مدينة وشقة والمنذر مدينة تطيلو؛ فلم يزل احمد يحتال على اخوته حتى اخرج بعضهم من مواضعهم وسجنهم وكحل بعضهم بالنار؛ وامتنع منه يوسف حسام الدولة صاحب لاردة، فكره اهل الثغر احمد وصيروا امرهم الى ااخيه يوسف ولم يبق لأحمد إلا سرقسطة، ثم دارت الايام وعاد احمد فبسط سلطانه على عدة مدن وتضاءل شأن يوسف (البيان المغرب 3: 222 وما بعدها) .
من هنا تعود د ط س للأشتراك مع ب م، وصدر الفقرة: " وله من أخرى عنه إلى ابن جهور في خبر أخيه، قال فيها: وبعد - االخ ".
ب م: خلتها.
ط د س: البشاكسة؛ وهم جماعة البشكنس.
ب م: يريغ - البنية.
ط د س: باحتضان.
ط د س: في رمحيهما - سبق إلى مسك.
ط د س: ثوبه.
ط د س: فكان عذره ذلك.
ط د: لهمه.
انظر فصل المقال: 127، 486 والميداني 2:150 والعسكري 2: 194.
في د ط س هنا زيادة تتصل ببعض ما قاله ابن حيان حول الخلاف بين الاخوين، وقد جاء فيها: " ووصف ابن حيان أيضا ذلك، وزاد في الحديث هنالك انه اختلط الفريقان - كالتي كانت من قبل ". وقد تقدم هذا فلم أثبته هنا.
داني ترجم له ابن سعيد، انظر المغرب 2: 405 والمسالك 8: 342، والفصول التي اختارها ابن بسام من رسائله تدل على انه كان رسولا الى بعض ملوك الطوائف عن إقبال الدولة بم مجاهد حين نازعه المقتدر احد الحصون.
د ط س: ابن اغلب صاحب (ط: حاجب) ميورقة؛ ويذكر ابن خلدون ان مجاهدا وابنه عليا جعلا اغلب على ميورقة، وكان اغلب مولى مجاهد، وكان صاحب غزو وجهاد في البحر، ثم تخلى عن ولايته ايام علي إقبال الدولة فولي الجزيرة سليمان بن مشكيان ثم بشر ابن سليمان الملقب ناصر الدولة (ابن خلدون 4: 164 - 165) ؛ وقد نقل ابن سعيد بعض هذه الرسالة في المغرب.
ط د س: أكاتبك.
من قول المجنون:
اصلي فما ادري اذا ما ذكرتها اثنتين صليت الضحى ام ثمانيا
وفي فصل: لم ترد في ط د س.
ب م: زماني.
ط د س: قلة.
من المثل: مع الخواطري سهم صائب، فصل المقال: 43 والميداني 2: 155 والعسكري 2: 221.
نصفها: سقطت من ط د س.
ط د: او ضعفها.
انظر الآية: 17 من سورة المزمل.
ط د س: واصخ.
ب م: يلهج.
انظر الآية: 19 من سورة البقرة.
انظر الآية: 17 من سورة البلد.
ب م: بصمار.
انظر الآية 4، 5 من سورة الفيل.
ط د س: فلم نشك في.
انظر الآيات 26، 27، 29 من سورة القيامة.
د ط س: العمل بنيتي.
ب م: المدينة.
د ط س: الكدا.
ب م: قطعه.
من قول المعري (شروح السقط: 734) من رواية البطليموسي:
وسألت كم بين العقيق الى الحمى فجزعت من بعد المدى المتطاول
وعذرت طيفك في الجفاء لأنه يسري فيصبح دوننا بمراحل
ط د س: ولجت بك.
ط د س: خل.
د ط س: منفردة.
ب م: لو كان أمرها.
د ط س: هيئة.
بم: الحيل المنيل؛ والمنيل من اللاتينية nigellum أي المرصع أي المزخرف (انظر ملحق دوزي) ؛ أما " الحيل " حسب قراءة ب م فيمكن ربطها بلفظة " محيل " التي اوردها القلعي (الكهالا) في معجمه بمعنى مصنوع او صناعي (انظر ملحق دوزي 1: 342) .
من قول امرئ القيس (ديوانه: 17) -.
وكشح لطيف كالجديل مخصر وساق كأنبوب السقي المذلل
والأنبوب هنا ساق البردي، والسقي: البردي الناعم، والمذلل: الذي جمعت اطرافه ليجنى.
د ط: ملبسها.
ب م: وتروق.
د ط س: انطق الحصى.
الأنبياء: 69 قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم.
المشتبه: الذي لم يصح تحريمه بوجه قاطع، ولكن يمكن فيه التأول.
المزر: نبيذ الذرة؛ الدوشاب: نبيذ التمر او الدبس، وقال السمعاني انه الدبس بالعربية؛ (انظر شفاء الغليل: 87) .
الأزاذ: نوع من التمر، والداذ لعله الداذي أو الذاذي وهو نبت يعمل منه شراب مسكر.
البيت لابن الرومي، ديوانه 1: 576 (1: 340 تحقيق نصار) ، وفي ط د س: بازيا وغرابا.
الخسروان: كذا هنا، والمعروف الخسرواني وهو الحرير الرقيق الحسن الصنعة (المعرب 135) .
د ط س: قطعة من الخسروان لازوردية الحرير، أما لفظة الحرير فيبدو انها مقحمة لشرح لفظة " خسرواني "، والأصوب حذفها.
ط د: وقرن؛ ب م: وقبب.
ب م: وحمام.
ط د: شربي.
س: وتضييعي؛ ب م: الخمس.
ط د س: كان.
ط د: مديد الكيذان؛ ب م: غرير الكران.
ب: فانقلبت.
ط د: فانقلبت.
ب م: كما.
ب: اعلى.
ب م: نشرب - لا تجرب بالحسام.
ط د س: نعد.
ط د: وقلت.
يشير الى قول امرئ القيس: (ديوانه: 31) :
نظرت اليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشب لقفال
ط د س: رحلت.
ط د س: فصادرتنا.
ط د س: الثلوج.
يستعير بعض قول المتنبي:
كم قد دفنت وكم قدمت عندكم ثم انتفضت فزال القبر والكفن
ط د س: عذابا.
ط د س: ولولا.
ب م: الشيء؛ ط د س: عن فلانة؛ وألش: (بتسكين اللام) بينها بين أوريولة خمسة عشر ميلا، ومنها إلى لقنت مثل ذلك (الروض االمعطار: 31) .
ط د س: علينا.
ناظر الى الآية " قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء " (هود: 43) .
س: هدبة؛ ط د س: السري.
انظر الآية: 143 من سورة الأعراف.
ب م: فانخر.
ب م: والعوذة.
ب م: لصعقنا صعقة؛ ط د س: لضغطنا القبر.
ط د س: ونالنا الغفر.
ط د س: الذعر.
د ط س: وما سقط.
ط د س: الخيل.
انظر الآية: 20 - 21من سورة المعارج.
ب م: هنيئا.
انظر الآية: 78 من سورة الأنعام.
ط د س: مدن.
د: أفرح.
ب م: بنت الرسالة.
ب ن: فخرج إلي الأمير - والوزير؛ ط س: فخرج إلي الوزير الجوهري.
اشارة الى المثل " لا عطر بعد عروس "، فصل المقال: 427 والميداني 2: 108.
ب م: بريها، ولعلها " برهها " أي بضاضتها وترارتها.
المسيس: كناية عن النكاح.
ط س: عفت.
ط د س: المتنزه العبدرحماني.
ط د س: بالشبه.
ط د س: فقيل.
ط د س: يسكنون.
انظر الآية: 88 من سورة الصافات.
ط س: خذلا.
ب م: ارسلتها.
س: ومرقبة إلى مرقبة.
ب م: والعقر؛ د س: والفلق.
ط د س: مكاسير.
ط د: مناطيق؛ ب م للأعكان.
ب م: اطلقت.
ط د: بمحارم.
ط د س: والصالحين.
د: قصم، ولعل الصواب: " قضب "؛ ب م: لحنه.
ب م: القيامة.
باكرت الرحيل - فقلت: سقط كله من د ط س، وجاء في موضعه: ومن شعره.
ط د س: باسمة.
ط د س: خط.
س: ارتحلت.
ب م: بامتزاج.
ب م: عقدته.
ط د: يتوقع.
ط د س: حبيبا.
د: وانجادك؛ ط س: وايجازك.
ب م: ريان.
ط س: يومن.
ط د س: محلة.
ط د س: النفس.
ط د س: جزالة.
ط د س: طارقة.
ط س: حذق؛ ب م د: الغيوب.
البيت لأوس بن حجر، ديوانه: 53.
ط د س: خلال ذلك.
ط د س: يواليها.
الأشابيل: يبدو أن اللفظة بهذه الصورة تفيد أنواعا من الشابل وهو السمك الذي يدعى بالفرنسية: alose وبالاسبانية: Sabalo ويقول ابن هشام إن صواب الكلمة " اشبول " (مجلة معهد المخطوطات 3: 293) وعلى هذا تكون " أشابيل " صيغة منتهى الجموع للمفرد " أشبول ".
ط د س: مثنية.
ط د: وغرائب.
ط س: تعدم.
ط د س: فجلت.
يذكر ابن الأبار (التحفة: 61) أن بيت بني جرج من بيوتات قرطبة النبيهة، وأن من البيرة؛ وقد ترجم لأبي جعفر عبد الله بن محمد منهم (- 575) ؛ وهناك ابو جعفر ثان اسمه أحمد بن عتيق بن جرح الذهبي؛ وهو نتأخر الوفاة (- 601) ؛ وابو جعفر المترجم به هنا، كان وزيرا لابن عمار لما ثار بمرسية، انظر المغرب 2: 305 والمسالك 11: 449 (وكلاهما ينقل عن الذخيرة) .
ط د س: بديعة.
ط د س: نثره ونظمه -. عن علمه.
المغرب: اعقب الله منها السلامة والسلام.
ب: تغيث؛ م: تعبث؛ د: تعنت.
ط د: آلم.
ط د س: وما.
ط د س: عيث.
ط د س: لم يكن.
ط د س: ذمارك، وكذلك في المغرب؛ ب م: ذراك وحرس علاك.
ب م: اغترار.
المغرب: متنصلا مما اقترف، متأسفا على ما سلف؛ ط د س: مبقية؛ د: منفية على ما أجرمت.
ط د: الدوار.
المغرب: إلا لأمر واختيار.
المغرب: مشرق الانوار.
د ط س: الأثواب.
د ط س: ولا بؤس ولا عرض من أعراض الدنيا.
عجز بيت للمتنبي، وصدره: إذا نلت منك الود فالمال هين.
د ط س: عن خطوبه عن.
قصير بن سعد اللخمي الذي وفى لجذيمة وجدع أنفه واحتال على الزبا، حتى أخذ بثأر جذيمة مع عمرو بن عدي؛ (انظر صفحات متفرقة من فصل المقال) .
ب م: تحكما.
ط د س: من الأجر.
ط د س: كيف.
ب م: فجاوبه ابو جعفر بن جرج؛ قلت: وذلك قول غير دقيق.
الضريم: الحريق أو شيء أضرمت به النار؛ د ط س: الغريم؛ ب م: العريم؛ والجزل: الغليظ الشديد.
ب م: يدار على.
منها بيتان في المسالك.
وردت هذه الأبيات في المسالك.
ط د س: بالمراقب.
المسالك: خطوا.
س والمسالك: منزل.
ط د س: مرتفعا.
ط د س: الشعر.
ب م: حيات.
منها بيتان في المسالك.
ط د س: يرقع.
وردا في المسالك والمغرب.
المسالك: فما بعدوا عني ولا قربوا مني وقد قربوا؛ المغرب: فما بعدوا - ولا قربوا؛ ط د س: ولا قربوا.
انظر ديوان ابن شهيد: 98.
ب م س: مجاور.
ط د: في اعتبار.
ط د: لحود.
ب م: تروي.
ب م: المفيد.
ورد بعضها في المغرب.
المغرب: مكاره.
ب م: انظار واظفار.
ب م: رأيا.
ب م: للساري.
ب م: حد - فصصى؛ ط: جر.
البطال: البين البطولة؛ النظار: الشهم الطامح الطرف، يوصف به الفرس؛ ط د س: وبطار.
حسداي بن يوسف بن حسداي: له ترجمة في المغرب 2: 441 والمغرب: 196 والقلائد: 183 والخريدة 2: 480 (3: 460) وطبقات صاعد: 77 وابن ابي اصيبعة 2: 50 ونفح الطيب 1: 535، 640 (نقلا عن القلائد) 3: 267، 293، 401 وبدائع البدائة: 367.
ب م: ابن رزين.
ب م: وكتابة.
س: صفة جملتها وكناية حملها.
انظر نفح الطيب 3: 401.
ب م: صاحبه.
ب م: العيون.
ط د س: علم اللسان العربي.
ط د س: علق.
ط د س: في رقعة خاطب بها - قال فيها.
اورد بعضها صاحب المغرب.
ب م: ابتسام.
ط س: فأختص.
ط د: استوهب؛ المغرب: وبهر.
ب م: وقصور.
ط د س: المهر.
ب م: الممالك - الصعالك.
من قول تأبط شرا:
يظل بموماة ويمسي بغيرها جحيشا ويعروري ظهور المهالك
ط س: سابح.
ط س د: مايح.
م ب: بالحزم.
ط س: الأرومة.
ب م: ويوفقه؛ ط: ويوفقه.
ط د س: أيدك الله.
ط د س: فممدود.
ط دس: أنى.
ب م: في أني.
ط د س: بعض ولا ثلم؛ ب م: ببغض - بنقض.
ط د س: البعد.
العنقاء: أكمة فوق جبل مشرف؛ وفي النسخ أو باسومها.
ط س: معنى.
ط د س: أبقراط.
ب م: الأقصى.
شروح السقط: 930.
ديوان ابي نواس: 88، وروايته: حسن رسوم - وطيب نسيم.
س د ط: الحسن.
ط د س: الشمل.
ب م: جرعة.
لم يردا في ديوانه؛ والأول له في معجم البكري: 1289؛ ط د: وقال الآخر.
ديوان الهذليين: 956.
ب م: لأمر.
ب م: غير رأيه في نفسه؛ وهذا مأخوذ من قول سعد بن ناشب (شرح المرزوقي: 74) :
ولم يستشر في أمره غير نفسه ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
ط: أحشاء.
ب م: بلقائك.
ب م: جدا.
ب م: موردا.
د ط: مطال.
م: وتقضي.
ط د س: فجئت (قرأ: فجاءت) .
ب م: ويوسعه.
ط د س: وهذا.
د ط: صدرت؛ س: الموانع.
د ط: عذره؛ س: غوره.
د ط س: توطأ لاتضاح؛ ب: توطا؛ ط: التناهج.
د ط: ويلوى؛ س: يروى ويعرف.
البيت في عيون الأخبار 1: 234.
ب م: يفصح.
ط د س: الرحيل.
د ط س: افرجت.
د ط س: إمكان السعي.
أمجده بيانا: أوسعه وأتى بما كفى فضل؛ ط د: فأنجدني (حيث وقعت) .
ط د س: فقد بفضل الله أصبحت.
ب م: برعت - كريم.
ب م: الحمد.
ط د س: وتنثني بنفحات؛ ب: وتستنشق.
د: يديل السير؛ ط: يريل السر (دون إعجام) ؛ س: تديل البر.
د ط س: العلى.
ط د س: وله من أخرى.
م: ونظمتها.
ط د س: عهده.
د ط س: لدنة.
ط د س: الأشخاص.
م: الهني؛ ب: النهي.
د ط س: ذهب.
د ط: كأنها.
ب: ومنتما.
الأسفرج (Esparrago) وهو الهليون، ويقال له أيضا بعجمية الأندلس: الاسفاراج، سفارج.
ب م: التراب.
د ط: والمبادرة إلى.
س: المقارضة.
إلى المقتدر: سقطت من د ط س.
ب م: طارية.
د ط: فإنما.
ط د س: جلد الترب (اقرأ: جلذ بمعنى جرذ) .
ط د س: ومحلت السنا.
ب م: العنوان على الجدود.
ط د س: من غير.
ط د س: بلغته.
ط د س: تحسن - عنوانا.
ط د س: والنوار.
ط د: الأنوار.
م: وترصع.
ط د س: فتنثني.
ط د س: جنات - جنات.
د: في استلام؛ ط س: في استلامة.
ط د س: وتذوي.
من قول المتنبي:
أزل حسد الحساد عني بكبتهم فأنت الذي صيرتهم لي حسدا
من قول أبي نواس:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب
من قول الحارث بن وعلة (الحماسية: 45 شرح المرزوقي) :
وزعمتم أن لا حلوم لنا إن العصا قرعت لذي الحلم
ط د س: ويربي.
ط د س: وروح.
ط د: والبصر.
ط د س: موازنة.
ب م: وينقص.
افتتحت هذه الفقرة في د ط س بلفظتي: وفي فصل.
ط د س: وتعترض.
ط: بالقانية؛ س: بالعانية.
ط د س: إلى طبيب يلقب (ط: يلعب) .
البرذقون: لفظة تعني الفتى أو الشاب.
ط د س: أصيب باحدى.
ط د س: وأقابل له.
ب م: بعد ما - بحسب.
ب م: منتقصا.
ط د س: نسناس.
ط د س: بخرقة.
ب م: أشكو إلى.
ط د س: أستنشد.
البيت للنابغة الذبياني، ديوانه: 34.
ب م: أكثر.
ط د: حدثنا.
لعل المقصود العقار الذي يسمى: غاريقون أو أغاريقون (من اليونانية؛ وباللاتينية (Agaricum وهو شيء أشهب يوجد في قلب شجرة الأرز (انظر تحفة الأحباب: 45 ومفردات ابن البيطار: غاريقون) .
الدلاعة: البطيخة.
ط د: أخفيت لنا؛ س: أبرزت لنا، وبالهامش خ: أخفيت.
الدباءة: القرعة.
ب م: بادرته.
ط د س: يراه.
ط د: خصييك.
ب م: أنماها.
ب م: ويسوفان.
ب م: كالمبدأ.
ط د س: والأثقال تعلق.
ب م: السدا.
ط د س: يوزن.
س د: بسافوره؛ ط: بساموره.
ط د وخ بهامش س: زوجك.
ط د س: فيسبق.
فيه إشارة إلى قول الراجزة (الحماسية رقم: 836) :
كأن خصيتيه من تدلدل سحق جراب فيه ثنتا حنظل
ب م: مخدرة.
ب م: أغرت.
ناظر إلى قول المجنون (ديوانه: 299) .
وإني لأستغشي وما بي نعسة لعل خيالا منك يلقى خياليا
من قول عمر (ديوانه: 211) :
وكن إذا أبصرنني أو سمعنني سعين فرقعن الكوى بالمحاجر
ب م: فتعالج الحجة - فتثبت بينة.
ب م د ط س: عصياني.
ب م: ظل.
ط د: جسمها.
ب م: إنسان.
م: حياة الحيوان.
قال الجاحظ (الحيوان 7: 248) : والحمر والقبج ربما ألقحا الاناث إذا كانا على علاوة الريح.
ط د س: قبلها.
ط د س: بالفضائل.
م ب: اسقلينوس؛ وانظر ابن النديم: 286.
كذا في ب م؛ وفي ط د وخ بهامش س: فصرت به مملكا؛ ولا ريب أن:تاسلاس " اسم لأحد أصحاب الحيل (علم الميكانيك) وأقرب الصور إليه:تاسلوس " وهو والد بقراط الرابع (الفهرست: 293) ب م: فبصرت؛ س: فنصر.
ط د س: وغنيت بحمى.
هذا مثل؛ انظر فصل المقال: 344 والميداني: 134.
ط د س: حسن.
س: فنلن.
ب م د ط س: في مشي.
البيت في ثمار القلوب: 489 دون نسبة، وروايته: وكم عقعق قد رام.
د ط س: جلالك.
من أرجوزة أوردها القالي في أماليه 2: 285 ونسبها لأعرابي وقال النجيرمي: الرجز للأصمعي (انظر السمط: 930) ، وهي في الأصمعيات: لصخير بى عمير التميمي، وسماه في الجمهرة 3: 130 صخر بن عمير، وفي اللسان (مرطل، ثمل، ضلل) صخر ابن عميرة أو ابن عمير أو صخر الغي؛ وزعم أبو حاتم أن الرجز ليس بقديم، كأنه يقول هو من كلام المولدين (التاج: قفا) .
قفي: تصغير قفا، وقد حذفت منه التاء؛ التتفلة: الأنثى من ولد الثعالب؛ والمرسن من الأنف: موضع الرسن.
ب م: وصدع الصلف.
ط د وخ بهامش س: بهرت وبرعت.
من الأقوال المشبهة لهذا: قد ينبح الكلب القمر فيلقم الحجر؛ ومنه أيضا: لا يضر السحاب نباح الكلاب (انظر التمثيل والمحاضرة: 353، 354) .
ط د س: استبد.
ب م: شرحي - بفرحي.
البردة: التخمة؛ وهذا حديث، انظر الفائق 1: 84.
ط د س: يستحلون.
ط د س: افرادا.
البيت للمجنون، ديوانه: 206 وروايته: من بين الوحوش.
م ب: ونالك مستضعف.
ط د: وبجبذه وكان ممدا؛ س: وانحيازه، خ بهامش س: وبجره.
ب م: عريت أعقاره؛ ط د س: عرفت.
ط د س: عبابه.
د ط س: وأردف أعجازها بهواديه؛ وفيه نظر إلى قول امرئ القيس: " وأردف أعجازا وناء بكلل ".
يقال في المثل: " أنجد من رأى حضنا "، وهذا يعني أن من في تهامة لا يستطيع رؤيته.
س: قطعة..؛ د ط: سحاب.
د ط س: يرمزون.
د ط س: موضع.
د ط: الفكر الصدوق.
قيطوس وتكتب أحيانا قيطس (Cetus) ، لفظة يونانية تعني الحوت أو البلينه؛ وصورة قيطوس تشمل 22 كوكبا منها كف الثريا االجذماء والضفدع الثاني (انظر: العلوم البحرية عند العرب ج 3/1: 209) .
ب م س: الشهر.
ب م: عربها.
بما حازت: سقطت من ط د؛ وفي ب م: بما جاورت.
د ط س: والجبل.
د ط س: نبأ.
د ط س: وتجبرت.
د ط س: وأحقهم بالبر؛ ب م: بأجر البر.
س: مقاصده.
د ط س: الأديب.
د ط: المعظم - المكرم.
د ط س: المقدم.
د ط س: بصعر.
م: والتسوغ؛ ط: والتسرع؛ ط د " في تمدحك؛ س: في مدحك.
د ط س: من جملة - في رسالة -
د ط س: وأنبت دوحا.
د ط س: وكتب إليه بعض إخوانه بهذه الأبيات.
الدياخيلون: مرهم ينفع من الجراحات ويحلل السلع والصلابات، ويتكون من نسب معلومة من لعاب بزر الكتان ولزر مر وبزر الخطمى وحلبة ومرداسنج (منهاج الدكان: 89) .
ب م: ولا يكون.
الافسنتين (Absinthe) ويسمى أيضا شيبة العجوز والشيخ الرومي، وقد أطنب ابن البيطار في الحديث عن الشراب الذي يصنع منه (انظر المفردات 1: 41 - 44 وتحفة الأحباب: 4 وشرح أسماء العقار: 4) .
لم ترد هذه اللفظة والتي تليها في د ط س.
ب م: لي.
ب م: مستنفذا.
ب م: كفى وأبو.
روطة: يطلق على غير موضع واحد بالأندلس، والمقصود هنا روطة الواقعة في الثغر الأعلى (Ruseda) وكانت من أعمال سرقسطة وهي تابعة اليوم لوشقة.
د ط س: فلما وصل أبو الفضل إلى منزله بعث إليه بما طلب وكتب معها.
د ط س: وهذا كقول بعض أهل عصرنا وهو أبو الحسن - الخ.
ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة؛ وانظر المغرب 1: 397 ومسالك الأبصار 8: 334.
ورد البيتان في المغرب 2: 441.
زاد في س: وهو سيف الدولة؛ قلت: نسبها في اليتيمة 1: 8 لسيف الدولة بن حمدان، وانظر ابن خلكان 3؛ 402 حيث ذكر أنها تنسب لأبي الصقر القبيسي؛ ووردت في غرائب التشبيهات: 47 منسوبة لابن الرومي، قال: وهو الصحيح؛ وهي في ديوان ابن الرومي 3: 473 (ط. كامل كيلاني) .
إلى هنا ينتهي ما ورد في د ط س من ترجمة ابن حسداي ومن التذييل عليها ببعض أخبار المتنبي.
ترجم له ابن بسام في القسم الأول من الذخيرة (. مصر 1 - 2: 290) والأبيات هنالك ص: 297؛ وانظر لمطمح: 83 - 84 والنفح 4: 511.
الاسفنط: ضرب من الأشربة، وورد في شعر الأعشى:
وكأن الخمر العتيق من الاسفنط ممزوجة بماء زلال
في القلائد: 184 وفي المصادر التي نقلت عنه (انظر الخريدة 2: 480 والنفح 1: 640، 3: 294) أن هذا المطلع لابن حسداي نفسه، ويبدو أن صاحب القلائد قد خلط بين القصيدتين.
القلائد: بن سفيان.
زياد: النابغة الذبياني.
ب م: وكتب؛ والنص كما هو هنا ورد في القلائد، مع بعض إيجاز في الذخيرة.
زيادة من القلائد.
ب م: تحسر.
وردت الأبيات في القلائد والنفح 3: 267 والخريدة وبدائع البدائه: 367 - 368.
علق ابن ظافر على هذا البيت بقوله: قولة " نينان " غير معروف فإن نونا لم يجئ جمعها على نينان، وقد كان سيبويه خطأ بشار بن برد في قوله في وصف سفينة " تلاعب نينان البحور - " فغيره بشار " تيار البحور "؛ وفي بيت للمتنبي:
فهن مع السيدان في البر عسل وهن مع الحيتان في البحر عوم
جاءت لفظة " نينان " بدل " حيتان " في عدد من النسخ.
انظر الواحدي: 552 والعكبري 3: 386.
الواحدي: 493 والعكبري 3: 76.
اليتيمة 3: س194 - 195 وترجمة الزعفراني أبي القاسم عمر بن ابراهيم في اليتيمة 3: 311 - 318، وانظر رأي هذا الزعفراني في الصاحب، في كتاب أخلاق الوزيرين: 105، 141، 295.
هو علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام ويعرف بالبسامي (- 302 أو 303) ، انظر ترجمته في ابن خلكان 3: 363 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى.
محمد بن مناذر شاعر فصيح عالم باللغة، كان في أول أمره يتأله ثم عدل عن ذلك فهجا الناس وتهتك، فنفي من البصرة إلى الحجاز وهنالك توفي؛ انظر في أخباره وأخبار عبد الحميد الثقفي: الأغاني 18: 103 وطبقات ابن المعتز: 119 والشعر والشعراء: 747 ومعجم الأدباء 19: 55.
انظر المغرب 2: 423.
ط د س: له.
ط د س: كتبه.
ط د: ما يصدق ما أجريته؛ س: ما يصدق ما -
ط د س: فصول له.
ط د س: قال.
من المثل: لا تعلم العوان الخمرة (اللسان: عون) .
ب م: تجدي بك؛ س: وما يجدي لك؛ د: يجري لك.
يشير إلى المثل: جري المذكيات غلاب، انظر فصل المقال: 127 والميداني 1: 106 والعسكري 1: 203.
من قول ليلى الأخيلية في الرد على النابغة الجعدي: وصدره (الشعر والشعراء: 360 والخزانة 3: 33 والسمط: 282) اعيريني داء بأمك مثله؛ ط: وأي جواد؛ س: وأي الجواد.
هذا مثل، انظر فصل المقال: 494 والميداني 1: 238 والعسكري 2: 5 واللافظة هي الرحى ويقال أيضا هي العنز أو الحمامة أو الديك.
ط د: الثابتة.
ط د س: بعض.
ط د س: عليهما.
م: الأرض.
انظر الخبر عن قوس حاجب في ثمار القلوب: 625.
ط د: كرائم.
ط د س: الراي.
ط د: والائتمان.
س: ارتقاء.
ب م: يده.
ب م: ولا في طماعية المئشار أن يصير -؛ د ط: أن يصل؛ س: ولا طماعته.
ط د: ينتقل دولاب.
ب م: المناشير.
د: قدما؛ ط: قوما.
في قصة وافد البراجم انظر فصل المقال: 454 والعسكري 1: 81 وقد مرت الإشارة إلى المثل " ان الشقي وافد الراجم " ص: 367 من هذا الكتاب.
ب م: النبلاء.
الآية: 78 من سورة البقرة " ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ".
ط د س: بجهد أفهامهم.
ب م: المربي؛ ط: المرمى.
ب م: الهمم.
ب س: المتجمل.
ب م: فاتبعوا؛ ولعلها " فاثعبوا ".
ب م: وأمدوا؛ لعل الصواب " وامروا " من المري.
ط د س: واحضروا؛ ب م: واحسروا.
ط د: رجعتم البكارة؛ ب م: البكارة.
س: خشن.
م ب: وقويتم دار.
ط د: مع نعرتكم؛ ب م: فأشارت مع تغويركم.
ط د: صححت.
ط د: تعتصموا بسوى.
ب م: لدى الكتبة.
ط د س: الدينية.
ط د س: الجواد.
ب م: كانه.
ط د س: وفي فصل، ونعود -
ط د س: في استئثار.
س: استجدت، وكتب خ في الهامش: استمجدت؛ ط: استمجت.
ط د س: بديع.
ط د س: تلهج بكتابه.
ب م: عجعجة ربى.
هو من قولهم: اسمع جعجعة ولا أرى طحنا، انظر فصل المقال: 448 والعسكري 1: 107.
ط د: فكيف يستنزر؛ س: يستغزر.
انظر تاريخ الطبري 1: 1873.
ط د س: وابتداع لحدث.
ط د س: الاطالة.
ط د: مراتب؛ م: واهب.
ط د س: كأنما.
ب م: ظهر.
م: العيال؛ بك العيان.
سك بوسعة؛ ط: برشقة.
ط د س: ووصلت.
ب م: مربيا؛ ط د س: هزيلا.
ط د س: وتبنى (ط: وتبنا) بنينا؛ وفي م ب بعدها: وزرع.
ب م: غولة.
ط د س: عفة.
ط د س: بحجارة.
ط د: محاسن.
وغلامي: سقطت من ط د، وجاء النص على التثنية في ب م، ولا ضرورة لذلك لأن الغلام والابن يشيران إلى واحد.
ط د س: والمشافهة؛ ب م: الجلية.
س: نثير جمار؛ ط د س: والعرفا.
ب م: التشهيدات.
ديوان ابن هانئ: 238 وانظر النفح 4: 41 والمطمح: 75 ونثار الأزهار: 129، وفي ترتيب أبيات القصيدة في الديوان بعض اختلاف عما هنا.
الديوان: وقد ولت الظلماء تقفو نجومها - الفجر؛ هامش س: جيش اللبل للفجر.
الديوان: مكبة؛ ب م: ملية.
الديوان: يقدم.
ب م: كرها.
الديوان: الفجر.
ط د س: في قصيدته التي.
وردت أبيات منها في نثار الأزهار: 128.
نثار: الجو.
نثار: علي بن هرون.
ترجم له ابن بسام في القسم الرابع من الذخيرة (انظر ط. مصر 4/1: 67) .
ب م: صنعه.
م: تعالا.
ب م: مذعور.
في الجمهرة: 51 ان ابن المعتلي اسمه الحسن.
ب م: بن المعتلي.
جاء في ديوان ابن المعتز 3: 111
أعلمتها في شفق لم يعتم تخاله طرة برد معلم
والنجم في أديم ليل مظلم كأنه غرة طرف أدهم
ب م: كليه.
ب: وتحله.
ب م: ظللن الكنسا.
ب م: ليحبسا؛ وخبس: أخذ الشيء غنيمة.
ديوان ابن شهيد: 85.
الديوان: دخلوا.
بياض في ب م.
د ط: بالمعتد.
انظر المغرب 2ك 424 والبيان المغرب 3ك 147.
د ط س: وإنما بدل أبو الربيع في هذين البيتين قول - الخ.
د ط س: ورد.
تتفق المصادر التاريخية على أن صاعد بن مخلد الكاتب هو الذي لقب ذا الوزارتين في تلك الحادثة وان ابن كنداج لقب ذا السندين (انظر السيوطي: 394) .
سقط هذا العنوان من ط د، وراجع في أخبار هشام المعتد كتاب المعجب: 109 والبيان المغرب 3: 145 (وفيه نقل عن ابن حيان) وأعمال الاعلام: 138 (وفيه تلخيص لما أورده ابن حيان) .
ط د س: بويع بقرطبة.
ط د س: لجأ إليه عند.
ط د: برضى - بكره؛ البيان: بكره.
ط د: نظروا في أمره.
ط د س: وكيفية وروده فبادر هو ووفد على البلد، فسر الناس بع وركب جيش قرطبة لاستقباله - وقلة رواء وبهجة - سادلا لأسمال غفارة إلى ما تحتها من كسوة - سيرها (س: سيرت) - مطرد.
البيان: ينونه.
ب م: سبق.
ط د: اللباس.
ب م: احتاج بعض الأكابر إلى عبارة عنه.
ط د س: وكان اجتاز.
بشاطبة: سقطت من ط د س.
ب م: وطمعوا.
س ط د: معهم.
هو مكي بن أبي طالب (غاية النهاية 2: 309) وصاحبه هو أحمد بن مهدي.
ط د: أخابث.
ط د س: بعهده.
ط د س: المرتب.
ط د س: حتى سمعت بعضهم يلح فيه بالطلب.
ط د س: وهم.
س ط د: فتنة.
ط د س: لتستغرب.
ط د: السلب؛ س: الغلة؛ ب: الصلة؛ والمعنى أن الخصاصة تؤدي بصاحبها إلى السرقة، وانظر اللسان (سلل) .
البيان: المستمرين على فتية؛ ولعل صواب العبارة: المستبدين على فتية -
ط د والبيان: فحجرهم؛ ب م: فجحد جحدهم.
ب م: حجرة؛ البيان: قصر.
س: ويقصي.
ط د س والبيان: ومعاظم.
ط د س: ولدان أبي عامر ابن المظفر؛ س: ولد ابن أبي عامر بن المظفر.
ط د س: وجرت على الناس يها.
ط د س: جزانات.
ط د س: السلطانيات.
ط د س: فأجحف.
ط د س: التهبها.
ط د س: إلى أن.
ب م: أو يصيب (اقرأ: نصيب) غائب.
ط د س: مكاره جمة هنالك.
ب م: خرب.
ط د س: في مثل ذلك.
ب م: فنشله.
ط د س: فاعتورت.
ط د س: فمرت.
ب م: أقوالهم.
ب م: فانزع.
ط د س: لم يصحب أبا عامر.
ط د: قد اعتلق به.
ط د س: قصيدة له من المكتومات قالها اثر قتله لعبد الرحمن.
ط د س: دماء جماعة قال - الخ.
س د: الرياح؛ وفي متن الديوان: الزمان.
س: الجوزاء.
س: المصاب تشقها.
ط د: حرض.
ورد هذا الفصل في ط د س: كثير الحذف والايجاز، فكأنه تلخيص لما هو هنا، انظر البيان المغرب 3: 148، فالنقل فيه أكثر مطابقة للنسخ ط د س.
ط د س: ذرو خبر.
ب م: ورحيله، وسقطت من ط د س.
ط د س: إلى ازالته.
ط د س: إلى أن مكن منه.
ط د س: جلة الوزراء طاعته.
ب م: لباقة.
ط د س: ركوب ساذج.
ط د س والبيان: والمطالب.
س: الرفيعة.
الترفاس (وعند ابن البطار: الترفاش) : الكمأة، بالبرية، وفي م ب: الرفاس.
ط د س والبيان: منه.
ط د: وتجهل؛ البيان: وجهد؛ س: ويجهد.
ب م: واجتناب.
ط د سك بما زجر له (س: زجرته) زاجر الغدر.
ط د: قصبة منيفة؛ س: والبيان: قصبة منيعة.
ط د سك سقيم.
ط د سك النشوات.
ط د سك وعينه.
س والبيان: فركسه.
ط د: وضرب.
ط د س والبيان: الناس.
ط د س: ابن عم لهشام.
ط د س: برأسه.
ب م: التي أعدت لرفعها.
ط د س والبيان. عظة.
ب م: فألحقوها.
ط د سك ووافى مع.
زاد في النسخ هنا: مع نسائه.
ب م: الخابط.
ط د سك بكف الأذى.
ب م والبيان: ألقي.
ط د سك الملأ.
ط د سك على خلعه.
ط د س: فيكون أشفى لشاني؛ البيان: فيكون أخف لشاني.
ط د سك وبقي بمكانه من الساباط بقية - أسيرا.
ط د س والبيان: وحدث.
ط د س: صبية؛ البيان: طفيلة؛ اعمال الاعلام: طفلة صغيرة.
ط د: حصن محمود بن الشرب؛ س: حصن ابن الشرب.
ط د س: ولا شهد.
ط د: فوبخوا على الاجتماع إليه.
ط د سك فانطلق.
ط د س: أبي عمر.
انظر نفح الطيب 2ك 110 وفيه: التياري؛ والمباري كتبت بفتحة على الباء في ب، وبضمة في س.
ب م: منسوب إلى باديته.
وردت في النفح.
انظر ديوان المعاني 1: 292 ونفح الطيب.
ب م: دوراء.(5/532)
في ذكر الأديب أبي إسحاق إبراهيم بن خفاجة (1)
الناظم المطبوع، الذي شهد (2) بتقديمه الجميع، المتصرف بين حكمه وتحكمه البديع. " تصرف في فنون الإبداع كيف شاء، وأتبع دلوه الرشاء، فشعشع القول وروقه، ومد في ميدان الإعجاز طلقه، فجاء نظامه أرق من النفس العليل، وآنق من الروض البليل، يكاد يمتزج بالروح، وترتاح إليه النفس كالغصن المروح، إن شئت فغمزات الجفون الوطف، أو إشارة الأنامل التي تعقد من اللطف، وإن وصف سراه والليل بهيم ما له وضوح، وخذ الثرى بالندى منضوح، فناهيك من غرض انفرد بمضماره، وتجرد لحمي ذماره، وان مدح فلا الأعشى للمحلق، ولا حسان لأهل جلق، وإن تصرف في فنون الأوصاف، فهو فيها كفارس خصاف (3) ، وكان في شبيبته مخلوع الرسن في ميدان مجونه، كثير الوسن ما بين صفا الإنهاك وحجونه، لا يبالي بمن
__________
(1) توفي سنة 533؛ راجع في ترجمته العقيان: 231 والمطمح: 86 وبغية الملتمس: 202 والمطرب: 109 والتكملة ومعجم أصحاب الصدفي: 59 والمغرب 2: 368 وابن خلكان 1: 56 والخريدة 2: 147، 3: 548 (ط. تونس) والمسالك 11: 255 وصفحات متفرقة من نفح الطيب؛ وقد أثبت محقق ديوانه مصادر ترجمته (الديوان: 437) ؛ وقد راجعت جميع ما أورده ابن بسام من قصائد ومقطعات على هذا الديوان، ولكني لم أتثبت الصفحات ما اختاره المؤلف من شعره.
(2) ط د س: يشهد.
(3) م ب: كعارض اخصاف؛ وخصاف فرس مالك بن عمرو الغساني، فارس يوم حليمة؛ وقيل غيره.(6/541)
التبس، ولا بأي نار اقتبس، إلا أنه قد نسك اليوم نسك ابن أذينة (1) ، وأغضى عن إرسال نظره في أعقاب الهوى عينه؛ وقد أثبت له ما يقف عليه اللواء، وتصرف إليه الأهواء " (2) .
نشأ ببلاد الجانب الشرقي من الأندلس، فلم يذكر معه هناك محسن، ولا لغيره [143أ] فيه وقت حسن، ولا أعرفه (3) تعرض لملوك الطواف بوقتنا، على أنه نشأ في أيامهم، ونظر إلى تهافتهم في الأدب وازدحامهم، وهو اليوم بمطلعه من ذلك الأفق، يبلغني من شعره ما يبطل السحر، ويعطل الزهر، وقد أثبت بعض ما وقع إلي من كلامه، فتصفخه تعلم أنه بحر النظام، وبقية الأعلام.
فصول من نثره في أوصاف شتى (4)
1 - فصل في استدعاء مغن:
إن للطرب (5) - أعزك الله - جسما ونفسا، يسميان سماعا وكأسا. وقد حضرتنا خمرة، كأنها جمرة، قد تناسيت سورتهما، كما تضارعت في الخط صورتهما (6) :
__________
(1) يريد عروة بن أذينة أحد نساك المدينة في القرن الأول.
(2) ما بين أقواس متفق مع القلائد، ولم يرد في ط د س.
(3) ط د س: أعلمه.
(4) يختلف ترتيب هذه الرسائل في د ط س عما هي عليه في ب م، فقد جاء في النسخ الثلاث على النحو الآتي: 2، 1 (3) 9، 6، 13، 14، 10، 12، 24، 11، 5، 4، 7، 8، 15، 16، 17، 18، 19، 20، 21، وقد رقمتها لضبط هذا الاختلاف.
(5) د: للظرف.
(6) د ط ب: سورتها -. صورتها.(6/542)
لو ترى الشرب حولها من بعيد قلت قوم من قرة يصطلونها
فإن رأيت أن تؤنس، وتطرز المجلس، فتجري في ذلك الجسم الكريم روحه، وتحضره منك مسيحه، وصلت وأجملت.
2 - فصل في ذكر متنزه:
ولما أكب الغمام إكبابا، لم أجد معه إغبابا، واتصل المطر اتصالا، لم ألف معه انفصالا، أذن الله تعالى للصحو أن يطلع صفحته، وينشر صحيفته، فقشعت الريح السحاب، كما طوى السجل الكتاب، وطفقت السماء تخلع جلبابها، والشمس تحط نقابها، وتطلعت الدنيا تبتهج كأنها عروس تجلت، وقد تحلت، ذهبت في لمة من الاخوان نستبق إلى الراحة ركضا، ونطوي للتفرج أرضا وننشر أرضا، فلا ندفع إلا إلى غدير نمير، قد استدار منه في كل قرارة سماء، سحابيه عماء، وانساب في كل تلعة حباب، جلدته حباب، فترددنا بتلك الأباطح، نتهادى تهادي أغصانها، ونتضاحك تضاحك أقحوانها، وللنسيم أثناء ذلك المنظر الوسيم، تراسل مشي، على بساط وشي، فإذا مر بغدير نسجه درعا، وأحكمه صنعا، وإن عثر بجدول(6/543)
شطب منه نصلا، وأخلصه صقلا، فلا ترى إلا بطاحا، مملوءة سلاحا، كأنما انهزمت هنالك كتائب، فألقت بما لبسته من درع مصقول، وسيف مسلول.
3 - وفي فصل منها:
فاحتللنا قبة خضراء، ممدودة أشطان الأشطان الأغصان، سند سية رواق الأوراق. وما زلنا نلتحف [منها] ببرد ظل ظليل، ونشتمل عليه برداء نسيم عليل، ونجيل النظر في نهر [فسيح] ، صافي لجين الماء، كأنه مجرة السماء، مؤتلق جوهر الحباب، كأنه من ثغور الأحباب، وقد حضرنا مسمع يجري مع النفوس لطافة، فهو يتعلم غرضها وهواها، ويغني لها مقترخها ومناها، فصيح لسان النقر، يشفي من الوقر، كأنه كاتب حاسب [143ب] تمشق يمناه، وتعقد يسراه:
يحرك حين يشدو ساكنات ... ويبعث الطبائع للسكون 4 - فصل في إهداء تفاحة:
مثلك - أعزك الله - ممن كرمت سجيته فرقت، وحسنت جملته فراقت، فكانت كلية الظرف منه شعبة، وجملة(6/544)
الذكاء شعلة، علم أن خير الهدايا، ما جرى مجرى التحايا، وأن أفضل سفير بين صديقين، وتردد بين عشيقين، سفير أشبه المحب خفة روح، والمحبوب عبق ريح. ولما طال، يا سيدي، العهد، فأحببت أن أجدده، وذهبت أن أوكده، وتوقيت من رقيب يرعى فيسعى، ويشي فيفشي، لم أر أن أجعل رسولي، وأجثم في اقتضاء سولي، مثل حمراء عاطرة، كأنها دمعة صب قاطرة، أو جمرة تصطلى واقرة، أو خمرة تجلى جامدة، مشتق من الأرج اسمها، حميد في السفارة بين محبين رسمها، لم أر مثلها ذهبا ينفح، ولهبا لا يلفح، قد أودع حشاها الصبح فلقه، وخلع عليها الليل شفقه، فهي تقد كأنها نشأت في تربة من نار ضلوعي، أو سقيت بجدول من حمر دموعي. ولما وجدتها في الحسن حيث العيون ترقمها فتمقها، والنفوس تنشقها فتعشقها، بعثت بها بين تحية لك، ورسول إليك، معتقدا أنها ستقبل عندما تقبل، وتفدى حين تتصدى، فوددت أن أكونها، وأظى بتلك الحال دونها.
5 - وكتب يستهدي ماء ورد:
إن للمكارم - أعزك الله - شريعة قضت أن يكون البر عليك فرضا، والشكر علي قرضا، وإني وجهت رقعتي هذه خاطبة إلى صفو ودك، كريمة من [بنات] ماء وردك. وقد سقت(6/545)
إليها الشكر مهرا، وأنفذت الإناء للزفاف خدرا. والطول لك في قبول نقد الثناء، وتعجيل الجلاء والهداء، موفقا، إن شاء الله.
6 - فصل من أخرى:
إن النبيذ بساط، موضوعه الراحة والانبساط، وقلما يطيب رضاع الكأس إلا الصديق الشفيق، المشتبه بالأخ الشقيق، فهو رضاع ثان ترعى حرمته، وتحفظ ذمته. وهذا يوم ضربت فيه أروقة الأنواء، وأعرست الأرض فيه بالسماء؛ فالغصن يتلوى ويتثنى، والحمامة ترجع وتتغنى، والماء يرقص من طرب ويصفق، والزهر يشق جيب كمامة ويمزق. فإن رأيت أن تكون في من شهد هذا الأملاك، وتحضر في من حضر هناك، أجبت منعما.
7 - وكانت بينه وبين [بعض] إخوانه مقاطعة، فاتفق أن ولي ذلك الصديق حصنا، فخاطبه أبو إسحاق برقعة منها:
أطال الله بقاء سيدي [144أ] ، النبيهة أوصافه النزيهة عن الاستثناء، المرفوعة قيادته الكريمة بالابتداء، ما انحذفت يا " يرمي " ٍللجزم، واعتلت واو " يغزو " لموضع الضم؛ كتبت(6/546)
عن ود قدم هو الحال لم يلحقها انتقال، وعهد كرم هو الفعل لم يدخله اعتلال. والله يجعل هاتيك من الأحوال الثابتة اللازمة، ويعصم هذا بعد من الحروف الجازمة؛ وأنا أستنهض طولك، إلى تجديد عهدك بمطالعة ألف الوصل، وتعدية فعل الفصل، وإلى عدولك عن باب ألف القطع، إلى باب [ألف] الوصل والجمع، حتى تسقط لدرج الكلام بيننا هاء السكت، ويدخل الانتقال خال الصمت. فلا تتخيل - أعزك الله - أن رسم إخائك عندي ذو حسى قد درس عفاء، ولا أن صدري دار مية أمسى من ودك خلاء، وإنما أنا فعل إذا ثني ظهر من ضمير وده ما بطن، وبدا منه ما [كان] كمن. وهنيئا - أعزك الله - أن فعل وزارتك حاضر لا يلحق رفعه تغير، ةأن فعل سيفك ماض ما به للعوامل تأثير؛ وأنت بمجدك جماع أبواب الظرف، تأخذ نفسك العلية بمطالعة باب الصرف، ودرس حروف العطف، وتدخل لام التبرئة على ما حدث من عتبك، وتوجب بعد النفي ما سلف من عتباك، وتدع ألف الألفة أن تكون بعد من حروف اللين، وترفع للإضافة بيننا وجود التنوين، وتسوم ساكن الود أن يتحرك، ومعتل الإخاء أن يصبح.
وكتابي [هذا] حرف صلة فلا تحذفه [ولا تدل في اسم الجواب(6/547)
على سروك فاصرفه، فبه الأنس والأنس ثلاثي فلا ترخمه، وفعل ماض فلا تجزمه] حتى تعود الحال الأولى صفة، وتصير هذه النكرة معرفة، فأنت - أعزك الله - مصدر فعل السرو والنبل، ومنك اشتقاق [اسم] السؤدد والفصل. وإنك، وإن تأخر العصر بك، كالفاعل وقع مؤخرا، وعدوك، وإن تكبر، كالكميت لم يقع إلا مصغرا. وللأيام علل تبسط وتقبض، وعوامل ترفع وتخفض، فلا دخل عروضك قبض، ولا عاقب رفعك خفض؛ ولا زلت مرتبطا بالفعل شرطك وجزاؤك، جاريا على الرفع سروك الكريم وسناؤك، حتى يخفض الفعل، وتبنى على الكسر قبل، إن شاء الله.
8 - وفي فصل من أخرى:
ولو أني شئت استدرارا اخلاف العيش، وقرعت أبواب الرزق، لكددت وجددت، وحثثت الركض وجهدت، وجبت السباسب أردية، وخضت النوائب أودية، ورعت الكواكب أندية، حتى أخيم حيث السماء دار، والسماك جار [وأرفلحيث العزة حلة، والثروة حلية. ولكن بين جنبي قلبا همته ما همته] فهو يرى الصبر أيمن رفيق يصخبه، والقناعة أكرم ذيل يسخبه. وعلام يبذل الوجه مصون مائه، ويلقي عنه قناع حيائه، وإنما [144ب] الدنيا - وبئس الطمع -:
سحابه صيف عن قريب تقشع ...(6/548)
9 - وكتب يستدعي عود غناء:
انتظم من اخوانك - أعزك الله - عقد شرب يتساقون في ودك، ويتعاطون ريحانة شكرك وحمدك. وما منهم الا شره المسامع إلى رنة حمامة ناد، لا حمامة بطن واد. والطول لك في صلتنا بجماد ناطق، قد استعار من بنان لسانا، وصار لضمير صاحبه ترجمانا، وهو على الإساءة والإحسان لا ينفك من إيقاع به، في غير ايجاع له، فان هفا عركت أذنه وأدب وأن تأتي واستوى بعج بطنه وضرب؛ لا زلت منتظم الجذل، ملتئم الأمل.
10 - وفي فصل:
كل أياديك - أعزك الله - غمام، و [كل] الناس سجعا بشكرك وطيب ذكرك حمام، قد لبسوا نعمك أطواقا، وتحلوا بها أعناقا، فما يقرأون فيك إلا سورة الحمد، ولا يتطلعون منك إلا إلى سورة المجد؛ وما منهم إلا لسان شكر غير أنه فصيح، وعبد رق إلا أنه نصيح. وكفى بحسن السيرة، استصفاء للسريرة. فلا زلت لنهج الفضل سالكا، ولسماء المجد سالكا.
11 - وفي فصل:
هو أشهر غرة مجد وعلاء، وتقدم فضل وسناء، من أن(6/549)
أومي إليه، وأنبه عليه، وقد استظل من حر النوائب ببرد ظلك، واستنار في ظلم المطالب بسراج عدلك؛ لا زلت كعبة فضل، وقبلة عدل.
هو نثرة أمجاد أفراد، وأعلام كرام، ما منهم إلا مشرف العلم، في الهم، متقدم القدم، في الكرم.
12 - وفي فصل [يشفع لرجل كحال] :
ومؤديه أبو فلان الكحال، وهو وإن كرمت أكحاله، وأحمدت في الصنعة حاله، لم تبلغ قوة كحله الى أن تجلو البصر، حتى ترى الغيب وتشاهد القدر. وقد وردك يخبط من نهاره في ليلة ظلماء، ويقلب مقلة صحيحة عمياء. ولا غرو، فالعين هي العين، ولعله وعساه، أن يكون عيساه.
13 -[فصل في شفاعة: وما عرفته مذ كونه عندنا إلا على أقوم طريقة، وأحسن سجية وخليقة، فاستدللت بما علن على ما بطن، وبما بدا على ما انطوى، ولله غيب السموات والأرض، فمن أمكنه أن يضع عارفة عنده يجني ثمرتها، فعل، مأجورا مشكورا] .(6/550)
14 - وفي فصل:
للمتوسمين -[أعزك الله]- منازل، وفي الأيادي فروض ونوافل، وخير المعروف، ما وضع عند الشريف لا المشروف. وإن أبا فلان الهاشمي، لفرع من أشرف تبعه، نمت في أكرم بقعة. ومن حل من الشرف محلته، ولبس من الفضل حليته، فقد غني عن الإطراء والثناء، غنى الغزالة عن الذبالة. وهو مجتاز على افقك، ونازل بك ضيفا، كما تتغشاك السحابة صيفا، وهو راحل بعد، تخد به الركائب، وتثني عليك الحقائب. وأنت أجدر من تلقاه بالبشر، واقبله وجه البر، فعند أهل الفضل يوضع الفضل، وفي مغارسها تغرس النخل، لا زلت غمام نعمى ورحمى، ولا نزلت إلا بمنزل رعيا وسقيا.
15 - فصل في العتاب:
أطال الله بقاء الشيخ القاضي، علم عصره، وإنسان عين مصره، في رتبة شمخت فكأنها كبكب؛ الفضل ما قد علمه الشيخ القاضي، جبل وعر المرتقى، وجمل صعب الممتطى، لا يبتسم كل فارع ذروته، ولا يمتطي(6/551)
كل راكب صهوته، وشجرة باسقة الأفنان ممتدة الأفياء، أصلها ثابت وفرعها في السماء، لا يطمئن كل جنب في ظلها، ولا تجتني كل يد من أكلها. وإنني مسحت الارض غربا وشرقا، ولقيت الدهر جهما وطلقا، وشربت العمر صفوا ورنقا، وحللت أندية القضاة، وحططت بأودية الفضل والفضلاء، فما وطئت لأحدهم ساحة إلا راق نثره، ورق قشره، فما الفضل كله في الصمت والجمود، حتى يلتبس الإنسان بالجمود.
ومنها:
ولولا أني نزهت سمعه عن الشعر، لأريته كيف حوك الطبع المهذب، للوشي المذهب، وكيف لفظ بحر الفكر، للجوهر البكر، ولأطلعت منه في سماء معاليه نجوما تنير، ورجوما تبير، وآخر ما أقوله، بعد دعاء إلى الله تعالى أرفعه في إطالة بقائه، [وتمكين بهجتي بوفائه] :
أنت الحبيب ولكني أعوذ به ... من أن أكون محبا غير محبوب(6/552)
16 - فصل:
فما انبرت النوائب إلا أرسل زمانها، ولا برت الحوادث إلا أنصل سهامها، ولا احتشدت الدواهي إلا كان من أعيانها، ولا استنجدت الليالي إلا كان من أعوانها. وهيهات أن يظفر بالحر الشريف جوهره، الكريم عنصره، فالناس اخبر تقله وبالاختبار يتبين الأوغاد من الأحرار، وعلى النار يتميز الخبيث من النضار. وإن الدهر لماش بأهله القهقرى في سماء الفضل والكرم، ومنازل النبل ومراقي الهمم.
17 - فصل:
كتاب قد أظلم بياضه في عيني وسواده، حتى تساوى طرسه ومداده. فيا له كتابا، ملى اكتئابا [وقرطاسا، لبس بدل الحداد أنقاسا، فلو أن الجماد أمكنه البكاء لبكى، وأعلن بالعويل وشكا] .
18 - فصل:
[فها أنا بين عيش قد ذهب حلوه، ونضب صفوه، وأمل(6/553)
أخلقت جدته] وذبلت نضرته، متلدد بين عبرة أبددها، وزفرة أرددها، وحسرة أجددها، وطرف أقبله في الكواكب، كأني ألتمسه فيها وأطلبه، وآمل طلوعه معها فأرقبه.
19 - وفي فصل:
ولقد اختصر على حين تطلع إلى الدنيا وارتقاب، ونضرة في عودة لماء الشباب، فكأنه -[رحمه الله]- وقد افترش بطن الثرى، وخيم بمنزله البلى، ما اشتمل بظل من العيش [مديد، ولا رفل في برد من الأمل جديد؛ وما أوشك لحاق البطاء بالعجال] وأسرع طي الليالي لصحف الآجال [145ب] فأف لدهر لا يزال يسترجع معاره، ويشن مغارة، ويقوض ما بنى، وينقض ما سنى [وما خير دنيا أرى كل يوم ثوبا يطوى، ووجهها يزى، وسهام الأمل فيها تشوي، ونجوم الإخوان بها تنكدر فتهوي] وعسى الله أن يمسح عن العين سنة الكرى، ويسري بنا فنحمد عند الصباح السرى، ويرغب بنا عمن تثاقل فألقى رحله وحط، ونام ليله فغط.
20 - وفي فصل:
وما تذكرت عطل نحر الزمان، من قلائد الإخوان، وكيف كر الدهر فمحا محاسن تلك الصحيفة، وطوى طوامير تلك(6/554)
الشبيبة، إلا انقدحت بصدري لوعة، لو أنها بالحجر لانفطر فانفجر، أو بالنجم لانكدر فانتثر:
وما وجد أعرابية قذفت بها صروف النوى من حيث لم تك ظنت
تمنت أحاليب الرعاء وخيمة بنجد فلم يقدر لها ما تمنت
بأعظم وجدا مني لذلك العصر
، وقد انتثر عقد أحبابه [وأقفر عامر جنابه] ، وانسلخ ليل شبابه، وطار واقع غرابه، واتطوت له صحائف أيام لا تنشر، على سطور آثام لا تبشر، فكأنها تقشع منه سحاب، واضمحل بقيعيه سراب، فصرنا لا نتلاقى إلا بالذكر، ولا نتراءى إلا بالفكر.
21 - فصل في التهنئة بالقضاء وتثنية الوزارة:
بدء كون الثمر -[أعزك الله]- زهر، وأول متوع الضحى فجر، وإنما تنمي الأشياء على تدريج وترتيب، كما نشأ الإنسان من نطفة والدوحة من قضيب. ومثلك من شهدت له مخايل(6/555)
الولاية باكتهال السيادة، واكتمال السعادة. وإن القضاء، وإن شرف مرتبة، وكرم مأثورة [ومنقبة] ، ليضيق عن نصل فضلك غمده، ويغرق في بحر فخرك مده، ويزدان بنحر مجدك عقده، ويبتهج بعطف سروك برده. فليهنه أن تسربلت طوقه، وتحملت أوقه، وليتهنىء الوزارة أن شدت بجيدك عراها، ونيطت بنحرك حلاها، وشفع لها فضلك فأصار وترها شفغا، وجمع إلى بصر بها سمعا. وإنهما في تظافرهما لك وحسنهما بك لعقد ثني بعقد، وعلمان رقما في برد. وإن الدين لمشتد بك أزره، فعنانه على الرائض صعب، وعوده على الغامز صلب. ولقد كنت على تقارب من سنك، ولدونة في غصنك، تقلب طرف الجارح، وتجرى في عنان القارح، فضلا عنك، وقد سامت الليالي ذاتك تجريبا وتهذيبا، وقومت قناتك انبوبا فأنبوبا، حتى خلصت خلوص الذهب على اللهب، والدينار على النار. وان افقا انت بدر بدر تمامه لينطح السماء منكبه، ويزحف [146ا] تحت راية الفتح والفلج موكبه، فلا عري الفضل من ظلك، ولا حط ركاب الشكر إلا في محلك، ولا زلت تتقلد الحمد عقدا، وتلبس السعد بردا، إن شاء الله.(6/556)
22 - فصل: ان من شهده - أدام الله رفعته - يشهد القمر منيرا، والسحاب مطيرا، والماء نميرا، والروض نظيرا؛ ولاذ به فوجد الكهف منيعا، والشرف رفيعا، والمراد مريعا، والزمان ربيعا، تعلق حبله قاطنا دانيا، وتشوق فضله ظاعنا نائيا. ولما انتزحت الدار، وبعد المزار، اعتصت بالكتاب من الركاب، وإن لم ينب الطل عن الوبل، وإني بحيث أقمت أو خيمت لخادمك خاتمك، طوعا لديك، وجريا على رسمك وحدك، لا زلت نظام الحمد، وقوام الفضل والمجد.
23 - فصل: وها هو رهين قيد القبر، سليب ثوب اليسر، قد زحزحه الدهر عن بلده وولده، وأبانه مرتفعا على يده، مطويا على كمده، يطول عليه الليل وهو قصير، ويظلم عليه الصبح وهو بصير، والأجر نعم ما لزه قرن، وخير الاطواق في الأعناق بيض الأيادي والمنن.
24 - وفي فصل من تعزية:
وعند الله يحتسب ذلك الفقيد الشهيد. قمر فضل سار إلى سرارع، ووسطى عقد إخوان أخذ في انتثاره، ومصباح أمل عجل بانطفائه، وصباح جذل أسرع في انطوائه. فقبحا لدينا قصفته أنضر ما كان غصنا، وكسفته أقمر ما كان حسنا؛ وما كاد أن تستنبر لساريه مطالعة، وتمتد لراجيه مطامعه، حتى مدت إليه يد البدار، وكسفته عند الابدار. فاذا(6/557)
تصورت ما أتاه الدهر من اجترامه في اخترامه، وأذهبه باعتباطه من اغتباطه، وتأملت كيف التقمه الحمام، واختطفته الأيام، وصار مفقودا، كأن لم يكن مشهودا، ومنشودا كأن لم يكن موجودا، وجدت لذلك وجدا لا يسعه الصدار، ولا يقاومه الصبر، وأوارا لا تطويه أحتاء الضلوع، ولا تطفيه أحساء الدموع. فكأنا وقد صار حبل حياته إلى بتات، وسلك مؤاخاته إلى شتات [لم نستبق يوما في ميدتن الصبا، ولم تهب بنا جنوب وصبا، وكأن كل ذلك لما انقضى فمضى، خيال ألم ثم تولى، وغمام أظل ثم تجلى] .
25 - وفي فصل من فصل من أخرى:
محار الفتى شيخوخة او منية ومرجوع وهاج المصابيح رمدد ألا إنما الدنيا دار كون وفساد، وسوق نفاق وكساد، والعمر بالإنسان مضطرب، والمرء موج مع الأيام منقلب، وإن للشبيبة صبوة، وللحداثة هفوة، وقصارى الطيش ركانة ووقار، وأول قرح الخيل المعار، ولم أر [146ب] كالشباب مطية للجهل، ولا كالمشيب فطنة للعقل:
وان نهار المرء أهدى لرشده ... ولكن ظل الليل أندى وأبرد فإذا يكن الصبا حلية تروع، فإن الكبرة عطلة أو إمرة تروق:
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلما علاه قال للباطل ابعد(6/558)
26 - فصل: ها أنتم - أيدكم الله - قد أظلتكم الدولة الميمونة، ووافتكم الإمرة المأمونة، ولطالما وردتنا تسير بها الرفاق، فتطلعت إليها النفوس وامتدت الأعناق، وهذه كتائب النصر قد طلعت عليكم بشائر صباحها، واظلتكم قادمة جناحها، وإن من ناصبها فحاول ان يدفع في صدرها، ويقصر من تطاول عنانها عن شانها:
كناطح صخرة يوما ليفلقها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل هيهات! توخى من الفلك ألا يستدير، وابتغى من الشمس ألا تستنبر، واعترض في مطلع الليل يأمل ألا يظل، ونصب راحته تلقاء الفجر يحاول ألا يطل.
27 - وله من كتاب جاوب به العدو: فتخيل حالك وقد أحاطت بك تلك الأجناد المتكاثفة، والأعداد المترادفة، بحر متلاطم موجه، بعيد ساحله، يرتمي من رعاله، وكراديس أبطاله، بموج لجي، قد نثلت عليه مضاعفة الأزباد، فيغشاك منه ما يعيد بحرك وشلا، وعزمك فشلا، ويعيد بأسك خورا، فلا تزال غريق تلك البحار، وحريق تلك النار، ولو صدقت في حال طيرك لأنبأتك أن جدك ناب، وحدك كاب، وأنك عما قريب قد جدلت ففللت، وأسلمت فاصطلمت، وكأني بك في القيد، ووثاق القد، قد خيرت بين اثنين: إما أن تسلم فتسلم، أو تشرك فتهلك، ولم يكن الله عز وجل ليهديك سبيل من تاب وأناب، فيجمع لك بين العيث في أمته، والمنقلب إلى رحمته.
28 - وفي فصل من أخرى: انه تأكد بالحاح العدو على فلانة ما لم(6/559)
تنفك معه من مغاره، واصطلاء ناره، واصطلاء ناره، مع تداني داره، واقتراب جواره، فما من غدو، إلا ومعه طلوع عدو، وما من رواح، إلا ومعه وقوع اجتياح، ولما علم اللعين من أخلاقها ما علم، دنا فتدلى، وكان قاب قوسين او ادنى.
29 - وله من أخرى: إن كان التنازح - أعزك الله - لم يمتد بيننا فيه يد للتصافح [147أ] إلا من الجوانح، ولا قام خطيب للقرب، إلا في نأي القلب، ولا نطق لسان الود، إلا دون ستر البعد، ولا لمع برق للاستطلاع، إلا في حجب السماع، فلا غرو أن يعرب ذلك النطق، ويستطير ذلك البرق، فقد تقوم البصيرة مقام البصر، وتكون الأمنية أحلى من الظفر، وما أتنسم دائبا من ثنائك العاطر، وأرتع فيه سمعي من صفة خلقك الظاهر الطاهر، قمين أن يكون للمداخلة سببا، وخليق أن يكشف عن وجه المراسلة حجبا.
30 - ومن أخرى: مثل الأمير - ممن المجد من أعداءه، والبأس من أجناده، والفهم من طلائعه، والحلم من طبائعه، والكرم من حلاه، والسؤدد من علاه، والعزم من خدمه، والحزم من شيمه، والإقدام والإكرام والإنعام من صفاته، والرياسة والنفاسة والسياسة من سماته، والفضل من أخلاقه، والشرف من أعراقه، والمحامد من أرديته، والنصر معقود بألويته - جدير أن تهز نحوه الآمال ذوائبها، وحقيق أن تعمل إليه الآمال ركائبها.
ولما أقبلت - أيدك الله - كما ابتسم الصارم الذكر، وحللت كما وافى المحل المطر، نشأت لي همة بالكون في جنابك، وتحت ممطر سحابك، وأنا أرغب من فضله أن يزيد أوضاحي امتدادا، ويقدح من تنبيهي زنادا، بأن يخصني بصك كريم أحيي به معالم شرفي، وأباهي بمحاسنه فارط سلفي(6/560)
والتحف منه رداء العروس، وأشمل من تنويه حلى الطاووس.
31 - ومن أخرى: ومن أبقاه الله كارعا من القسم في حوض لا يخلل الزمان نميره، ولا يغدر الصفا غديره، راتعا من النعم في روض تساجل النجوم ازهاره، ويمج ندى السرور جثمانه وعراره؛ كتبه وودي صدق الصفا، نبعي القناة، لا يهزه مع تراخي العهد ريح انحراف، ولا يؤضه من الغض عض ثقاف؛ بعد أن وردني كتابك الأثير يذهل بنتائج طبعك الباهر، وينث بعرف نفسك العاهر، ويعجز ببديع نظامه فيؤنس، ويطمع بمطبوع كلامه فينفس، فما حديقة تفقأ فوقها القلع، وشكلت عليها الرياح الأربع، ديمة يصلصل الرعد في أرجائها، ويضحك البرق خلال بكائها، ألظت تندفها بأدمع مشوق، حتى كستها لبسة معشوق -
32 - فصل:
يقاس المرء بالمرء ... إذا ما المرء ماشاه
وفي الشيء من الشيء ... علامات وأشباه [147ب] ما انت والعترة الفلانية - إنما هم أجناس، كلهم أنجاس، إلا الشاذ فيهم، والنادر منهم، وقليل ما هم؛ وأما فلان منهم:
فهو الخبيث عينه فراره ...
أطلس يخفي شخصه غباره ... في شدقه شفرته وناره ما شب حتى سب، ولا نفث حتى رفث، ولا زر له جيب إلا على عيب، ولا نيطت به تميمة إلا على نميمة، فهو إذا حضر أذن وعي، وعين رعي، وبظهر الغيب إنسان ظنه، ولسان غيبة، لا يشتمل ثوبه إلا على شخص(6/561)
نقص، وجسد حسد، لا يهدأ شره، ولا يطفأ شراره، ولا يغرنك لين أعطافه، ولدونه كلمته، فإن الحية لينة الملمس، لدنة المجس، فإن لحظته - عافاك الله - فلحظا شزرا، او جاذبته الحديث فقليلا نزرا،
كما يمس بظهر الحية الفرق ... وانه ليحضر الندي فيحفظ ما يلفظ، ويلتقط ما يسقط، فهو كاتب الشمال، غير انه ان مرت به في صحيفة ذكرك حسنة سامها بشرا، أو عثر بسيئة كتبها عشرا، لا يعني إلا بعرض غرض، فاستعذ بالله من شيطانه، وتوق من موبقات أشطانه.
وهذه أيضا جملة من شعرهفي اوصاف شتى
له من قصيدة يمدح بعض أهل الدولة لنهوضه بما يعن من أوطاره:
وأسري فأستصفي من السيف صاحبا ... وأركب من ظهر الدجنة أدهما
وأصدع أحشاء الظلام بفتية ... تواكب منهم انجم الليل انجما
اذعت بهم سر الصباح وإنما ... سررت بهم ليل السرى فتبسما
وقد كتمتم أضلع البيد ضنة ... ولم يك سر المجد إلا ليكتما
فبتنا وبحر الليل ملتطم بنا ... نرى العيس غرقى والكواكب عوما
وقد وترت منها قسيا يد السرى ... وفوق منا فوقها المجد أسهما وهذا المعنى قد نبهنا عليه. [ومنها] :
وما هاجني إلا تألق بارق ... لبست به برد الدجنة معلما(6/562)
تلوى هدوا يستطير كأنما ... أروع به في سدفة الليل أرقما
فيا رب وضاح المحاسن أشقر ... رميت به الهيجا وقد فغرت فما [148أ]
وبحر خديد قد تلاطم أخضر ... إذا عصفت ريح الجياد به طمى
أبى عز نفس أن يجول فيجتلى ... وإشراف هاد أن ينال فيلجما
جرى الحسن ماء فوقه غير أنه ... إذا ما جرى نار الغضا متضرما
وأقصى مني الكف الخضيب لو أني ... وصلت بها ذاك المهند معصما ومن المدح أيضا:
فبينا ترى رضوى وقار جزالة ... وهيبة إشراف وعزة محتمى
[تبيت ترى الشعرى جلالة همة ... وبهجة أوضاع ورفعة منتمى]
خلال كما مر الغمام بتلعة ... فطرز أثواب الربيع وسهما
وقلد نحر الروض عقدا مفصلا ... وطوق جيد الغصن وشيا منمنما [ومنها] :
وقد أفصحت أعطافه عن سيادة ... فشاهدت منه صامتا متكلما
وطال رجال الحي طولا ونجدة ... فأسدى يد النعمى وذاد عن الحمى
فلو وصلوا يوما كعوبا لأسمر ... لكان على حكم السيادة لهذما وله من أخرى:
أوميض برق ما سرى لماع ... أم قلب صب قد هفا مرتاع
جلد الدجى وهنا بأبيض صارم ... فاتت به كف له وذراع(6/563)
سايرته في حيث يحمل لأمتي ... أسد ويلوي معطفيه شجاع
في ليلة للرعد فيها صرخة ... لا تستطاب وللحيا إيقاع
خلعت على بها رداء غمامة ... ريح تهلهله هناك صناع
والصبح قد صدع الظلام كأنه ... وجه وضىء شف عنه قناع
فرفلت في سمل الدجى وكأنما ... قزع السحاب بجانبيه رقاع
ودفعت في صدر الردى عن مطلب ... بيني وبين الدهر فيه قراع
وقبضت ذيلي عن رعاية معشر ... عوج الطباع كأنهم أضلاع
يرمون اعطافي بنظرة إحنة ... وقدت كما تذكي العيون سباع
افرغت من كلمي على اكبادهم ... قطرا له أسماعهم أقماع [148] وله من أخرى:
ومفازة لا ينجم في ظلمائها ... يسري ولا فلك بها دوار
تتلهب الشعرى بها فكأنها ... في كف زنجي الدجى دينار
ترمي بي الغيطان فيها والربى ... دولا كما يتموج التيار
والقطب ملتزم لمركزه بها ... فكأنه في ساحة مسمار
قد لفني فيها الظلام وطاف بي ... ذئب يلم مع الدجى زوار
طراق ساحات الديار مغاور ... ختال ابناء السرى غدار(6/564)
يسري وقد نضح الندى وجه الصبا في فروة قد مسها اقشعرار
فعشوت في ظلماء لم يقدح بها إلا لمقلته وبأسي نار
ورفلت في خلع علي من الدجى عقدت لها من انجم ازرار
والليل يقصر خطوه ولربما طالت ليالي الركب وهي قصار
قد شاب من طوق المجرة مفرق فيها ومن خط الهلال عذار
وكان له صديق قد نشأ معه، فكانا بحيث لا يريان ينفصلان، كأنهما الدهر فرقدان، فاخترمه الأجل إثر وفاة جملة من الإخوان، فقال يتفجع ويتوجع:
شراب الأماني لو علمت سراب وعتى الليالي لو فهمت عتاب
وهل مهجة الإنسان إلا طريدة تحوم عليها للحمام عقاب
تخب بها من كل يوم وليلة مطايا إلى دار البلى وركاب
وكيف يغيض الدمع أو يبرد الحشا وقد باد اقران وفات شباب
اقلب طرفي لا أرى غير ليلة وقد حط عن وجه الصباح نقاب
كأني وقد طار الصباح حمامة يمد جناحيه علي غراب
[ومنها] :
دعا منهم داعي الردى فكأنما تبارت بهم خيل هناك عراب
فها هم وسلم الدهر حرب كأنما جثا بهم طعن له وضراب(6/565)
هجود ولا غير التراب حشية لجنب ولا غير القبور قباب [149أ]
فلست بناسي صاحب من ربيعة اذا نسيت رسم الوفاء صحاب
ومما شجاني أن قضى حتف أنفه وما اندق رمح دونه وذباب
وأنا تجارينا ثلاثين حقبة ففات سباقا والحمام قصاب
كأن لم نبت في منزل القصف ليلة نجيب به داعي الصبا ونجاب
إذا قام منا قائم هز عطفه شباب أرقناه بها وشراب
ولما تراءت للمشيب بريقة وأقشع من ظل الشباب سحاب
نهضنا بأعباء الليالي جزالة وأرست بنا في النائبات هضاب
فيا ظاعنا قد حط من ساحة البلى بمنزل بين ليس عنه مآب
كفى حزنا أن لم يرني على النوى رسول ولم ينفذ إليك كتاب
وأني إذا يممت قبرك زائرا وقفت ودوني للتراب حجاب
ولو أن حيا كان حاور ميتا لطال كلام بيننا وخطاب
واعرب عما عنده من جلية فأقلع عن شمس هناك ضباب
وله من أخرى في قاضي القضاة أبي أمية بن عصام:(6/566)
وأخضر عجاج تدرجه الصبا فتتهم فيه العين طورا وتنجد
كأن فؤادا بين جنبيه راجفا يقوم به نأي الديار ويقعد
سأركب منه ظهر أدهم ريض مروع بسوط الريح يجري فيزيد
وأمضي فإما بيت نفس كريمة يهد وإما بيت عز يشيد
نبهه على هذا المعنى امرؤ القيس بقوله: [" نحاول ملكا أو نموت فنعذرا "؛ ومن مدح هذه القصيدة] :
فلا يغرر بالحلم قوم فربما تصدع عن سقط من النار جلمد
ولا يكفروا نعمى الغمام فربما تدلت عليهم صعقة تتوقد
فقصر أناة الحلم عضة سطوة تقيم صغا تلك القنا وتسدد
فمن دهش يدني خطاه كأنه وقد هاله وطء البساط مقيد
ومن لاثم أرض الخضوع كأنه سجودا عليها للمهابة هدهد [149ب]
ومنها:
أما صراط بين عينيه للهدى لقد شاد أركان العلا منه سيد
[وألف أشتات الفضائل أروع وقام بأعباء المكارم أيد]
ودار به في مقلة المجد ناظر وأشرف في حلي المساعي مقلد
وسار مسير النجم هديا ورفعة فغار به رأي وأنجد سؤدد
تدير المعالي كلما خط رقعة عيونا لها من حالك النقس إثمد
تبرع لم يلجأ إلى الوعد ضنة وعاقب لم يقعده ضعف فيوعد
له شيمة تندى فتشفي من الصدى وتنقع أحشاء الهجير فيبرد(6/567)
فمن حرنيل قد أفاضته همة فساح به في رأس ثهلان مورد
وقول له مقعد الحكم حكمة يحل بها في الله طورا ويعقد
وحلم له دون الديانة سورة تقيم على جمر العقاب وتقعد
[وما السيف لولا الخوف إلا حديدة وما الرمح إلا خوطة تتأود]
وقال:
وكمامة حدر الصباح قناعها عن صفحة تندى من الأزهار
في أبطح رضعت ثغور أقاحه أخلاف كل غمامة مدرار
نثرت بحجر الروض فيه يد الصبا درر الندى ودراهم النوار
وقد ارتدى غصن النقا وتقلدت حلي الحباب سوالف الأنهار
فحللت حيث الماء صفحة ضاحك جذل وحيث الشط بدء عذار
والريح تنفض بكرة لمم الربى والطل ينضح اوجه الأشجار
متقسم الألحاظ بين محاسن من ردف رابية وخضر قرار
وأراكة سجع الهديل بفرعها والصبح يسفر عن جبين نهار
هزت له أعطافها ولربما خلعت عليه ملاءة النوار
وقال في فتى نبيل حسن الصورة والصوت [يستعين به في أمر طواه لعله] :
فقبلت رسم الدار حبا لأهلها ومن لم يجد ماء سعى فتيمما
وحنت قلوصي والهوى يبعث الهوى فلم أر في تيماء إلا متيما
فها انا والظلماء والعيس صحبة ترامى بنا أيدي النوى كل مرتمى(6/568)
أراعي نجوم الليل حبا لبدره ولست كما ظن الخلي منجما [150أ]
منها:
ترى يوسفا في ثوبه حسن صورة وتسمع داودا به مترنما
تقلد منه عاتق الملك مرهفا إذا ما نبا العضب المهند صمما
ومنها في التعريض بأمر طواه:
ورب معمى قد تعاطيت فكه فأرقني حتى الصباح وهوما
أقلب منه ناظري في غيابة لو اعترضت دون الصباح لأظلما
ولو مثلت تحت العجاجة ثغرة لأطرت فيها السمهري المقوما
هززت لها عطف الوزير وإنما هززت على هاد حساما مصمما
وغير بعيد أن أنال بك السها سموا إذا كان اعتناؤك سلما
وها أنا إن تمرض بأرضك حاجة فقد جئت ألقى منك عيسى بن مريما
وله من أخرى:
سقيا ليوم قد أنخت بسرحة ريا تلاعبها الرياح فتلعب
سكرى يغنيها الحمام فتنثني طربا ويسقيها الغمام فتشرب
نلهو فترفع للشبيبة راية فيه ويطلع للبهارة كوكب(6/569)
والروض وجه أزهر والظل فر ع أسود والماء ثغر أشنب
في حيث أطربنا الحمام عشية فشدا يغنينا الحمام المطرب
واهتز عطف الغصن من طرب بنا وافتر عن ثغر الهلال المغرب
فكأنه والحسن مقترن به طوق على برد الغمامة مذهب
في فتية تسري فينصدع الدجى عنها وتنزل بالجديب فيخصف
كرموا فلا غيث السماحة مخلف يوما ولا برق اللطافة خلب
من كل أزهر للنعيم بوجهه ماء يرقوقه الشباب فيسكب
وله من أخرى يندب الشباب، ويتوجع لوفاة الإخوان والأتراب:
ألا عرس الأخوان في ساحة البلى وما رفعوا غير القبور قبابا
فدمع كما سح الغمام ولوعة كما ضربت ريح الشمال شهابا [150ب]
إذا استوقفني في الديار عشية تلددت فيها جيئة وذهابا
أكر بطرفي في معاهد فتية ثكلتهم بيض الوجوه شبابا
فطال وقوفي بين وجد وزفرة أنادي رسوما لا تحير جوابا
وأمحو جميل الصبر طورا بعبرة أخط بها في صفحتي كتابا
[وقد درست أجسامهم وديارهم فلم أر إلا أقبرا ويبابا
وحسبي شجوا أن أرى الدار بلقعا خلاء وأشلاء الصديق ترابا]
[ومن شعره في الغزل وما يتعلق به]
وأغيد أهدى نرجسا من محاجر وثنى فأتلى سوسنا من سوالف(6/570)
تطلع مثل الرمح بسطة قامة وفتكة ألحاظ ولين معاطف
وقد ماج من عطفيه ماء شبيبة تعب ولا أمواج غير الروادف
فقبل طرفي في محياه مبتسما شنيبا ومن صدغيه لعس مراشف
وقال:
ما للعذار وكان وجهك قبلة قد خط فيه من الدجى محرابا
فإذا الشباب وكان ليس بخاشع قد خر فيه راكعا وأنابا
فكأن وجهك وهو يخبو نوره لم تلتمح منه العيون شهابا
ولقد علمت بكون ثغرك بارقا أن سوف يزجي للعذار سحابا
وأقاحة غازلتها نفاحة في فرع إسحلة تميد شبابا
وضحت سوالف جيدها سوسانة وتوردت أطرافها عنابا
بيضاء فاض الحسن ماء فوقها وطفا بها الدر النفيس حبابا
غازلتها ليلا وقد طلعت به شمسا وقد رق الشراب شرابا
وترنمت حتى سمعت حمامة حتى إذا حسرت زجرت غرابا
بين النجوم قلادة تحت الظلا م غمامة خلف الصباح نقابا]
وله من أخرى يصف متنزها:
يا رب وضاح الجبين كأنما رسم العذار بصفحتيه كتاب
تغرى بطلعته العيون ملاحة وتبيت تعشق عقلة الألباب
خلعت عليه من الصباح غلالة تندى ومن شفق المساء نقاب
فكرعت من ماء الصبا في منهل قد شف عنه من القميص سراب
في حيث للريح الرخاء تنفس أرج وللماء الفرات عباب(6/571)
[ومنها] :
ولرب غض الجسم مر يخوضه سبحا كما شق السماء شهاب
ولقد أنخت بشاطئيه يهزني طربا شباب راقي وشراب
وعبرت دجلته يضاحكني بها فرحا حبيب شاقني وحباب
تجلى من الدنيا عروس بيننا حسناء ترشف والمدام رضاب
ثم ارتحلت وللنهار ذؤابة شيباء تخضب والظلام خضاب
تلوي معاطفي الصبابة والصبا والليل دون الكاشحين حجاب
وقال:
مر بنا وهو بدر تم يسحب من ذيله سحابا
[قد سال في صفيحته ماء يعود من خجلة شرابا]
بقامة تثني قضيبا وغرة تلتظي شهابا
[كأنه موجة تهادى تلبس من وشية حبابا]
تقرأ والليل مدلهم لنور أخلاقه كتابا
ورب ليل سهرت فيه أزجر من جنحه غرابا
حتى اذا الليل مال سكرا وشق سرباله وجابا
وحام من سدفة غراب طالت به سنة فشابا
ازددت من لوعتي خبالا فجئت من غلتي سرابا [151أ](6/572)
قد شب في وجهه شعاع وشب عن قلبي التهابا
[فنلت من نعمة شقاء وذقت من رحمة عذابا]
وما خطا قادما فوافى حتى انثى ناكضا فآبا
وبين جفني بحر شوق يعب في وجني عبابا
وروضة طلقة جنيبا غناء مخضرة جنابا
ينجاب عن نورها كمام تنحط عن وجهه نقابا
بات بها مبسم الأقاحي يرشف من طلها رضابا
ومن خفوق البروق فيها ألوية حمرت خضابا
كأنها أنمل وراد تحصر قطر الحيا حسابا
هذا أحسن من قول التميمي:
كأن تألقه في السما يدا حاسب او يدا كاتب
وقوله: " يرشف من طلها رضابا " كقول أبي محمد الصقلي:
من قبل أن ترشف شمس الضحى ريق الغوادي من ثغور الأقاح
وله من أخرى:
يا رب بدر زارني منه الهلال وقد تلثم(6/573)
فرشت فاه اللثا م أظنه كأسا تفدم
وكأنه در تحلل في شعاع قد تجسم
وشت الملاحة وجهه وجرى العذار به فأعلم
فقرأت سطر زمرد فيه بمسك الخال معجم
وكأن جوهر لفظه نظم بفيه إذا تبسم
وكأن لؤلؤ ثغره نثر بفيه إذا تكلم
بيتاه الأولان منها أخذهما من قول الرضي لفضا بلفظ ومعنى بمعنى:
ولما وقفنا بالسراة غدية وقوفا لتوديع ورد سلام
تلثم مرتابا بفضل ردائه فقلت هلال بعد بدر تمام
وقبلته فوق اللثام فقال لي هي الخمر إلا أنها بفدام
وقال:
يا بانة تهتز فينانة وروضة تنفح معطارا
كم دمع عين بك أجريت وقلب صب فيك قد طارا
لله أعطافك من خوطة وحبذا نورك نوارا
علقت طرفا فاتنا فاترا فيك وغرا منك غرارا
ونابلا مستوطنا بابلا نفاث لحظ العين سخارا
كنى فسمى قوسه حاجبا رمزا وسمى النبل أشفارا
إذا رنا يجرحني طرفه لحظته أجرحه ثارا(6/574)
فيصبغ الدر عقيقا به وأصبغ النوار أزهارا
[في خدة من بدع الحسن ما يقيم للعشاق أعذارا]
ينشر من صفحته رقعة ويدمج الاصداغ أسطارا
من يلق من لاعج وجد به ريحا فقد لاقيت إعصارا
يدير للاعين من وجهه كعبة حسن حيثما دارا
فلي به عين مجوسية تعبد من وجنته نارا
[قد طبع الحسن به درهما تسبك منه العين دينارا]
[كأنما قد خط بالمسك في خديه للعذال أعذارا]
وهذا كقول محمد بن هاني:
صفة تزيد بعضها في بعضها حتى غدا التوريد فيها مذهبا
وقال عبد الجليل المرسي: [151ب]
بقلب كحرباء الظهيرة [ترتمي] إلى الشمس من ذاك الشعاع تدور
وقال ابن خفاجة:
رحلت عنكم ولي فؤاد تنقض أضلاعه حنينا(6/575)
اجود فيكم بعلق دمع كنت به قبلكم ضنينا
يثور في وجني جيشا وكان في جفنه كمينا
كأنني بعدكم شمال قد فارقت منكم يمينا
وهذا البيت من قول ابن المعتز، ولكنه محا بشره، وأبطل سحره، وأنشد البيتين ليحسن حالهما، ويروق اتصالهما:
أقيم وترحل ذا لا يكون لئن صخ هذا ستدمى عيون
وإني وإياك مثل اليدين ولكن لك الفضل أنت اليمين
وقال:
وليلة طلقة قضتني من موعد باللقاء دينا
بتنا نجر الذيول فيها والخمر تمشي بنا الهوينا
[يدير أجفان مستميت ويوسع كل الأنام حينا]
كالسيف تلقى الغرار عضبا يمضي وتلقى المجس لينا
ارسل في روض وجنتيه لحظة عين تفيض عينا
كأنما اللحظ كيمياء تذهب من وجهه لجينا
وما توهمت ان طرفا يقلب عين اللجين عينا
وقال يستقصر بعض إخوانه وقد كلفه حاجة فمطله بقضائها:
أأدعو فلا تلوي وأنت قريب وأشكو فلا تشكي وأنت طبيب(6/576)
وما كنت أخشى أن أراني ضاحيا وأثلك مطلول الفروع رطيب
وهل يستجيز المجد أن أشتكي الصدى وأنت رشاء محصد وقليب
وكيف بمطلوبي إذا شطت النوى وقد صم من قرب فليس يجيب
فهل شيب من تلك المصافاة مشرع وهيل على ذاك الإخاء كثيب
سلام على عهد الوفاء مودعا سلام فراق ما أقام عسيب
سلام له فوق المحاجر بلة وطورا باحناء الضلوع لهيب
وقد كان يسري والتنائف بيننا فتندى به ريح وينفح طيب
وتفتر من بشر هنالك زهرة ويهفو له من معطفي قضيب [152أ]
وقال يتغزل في أمة صفراء تسمى عفراء:
ارقت لذكرى منزل شط نازح كلفت بأنفاس الشمال له شما
فقلت لبرق يصدع الليل لائح ألا حي عني ذلك الربع والرسما
وبلغ قطين الدار أني أحبهم على الناي حبا لو جزوني به جما
وأقرىء عفيراء السلام وقل لهما ألا هل أرى ذاك السها قمرا تما
وهل يتثنى ذلك الغصن نضرة بجرعا وهل ألوي معاطفه ضما
ومن لي بذاك الخشف من متقنص فآكله عضا وأشربه لثما
ودون الصبا إحدى وخمسون حجة كأني وقد ولت أريت بها حلما
فيا ليت طير السعد يسنح بالمنى فاحظى بها سهما وأبأى بها قسما
ويا ليتي كنت ابن عشر وأربع فلم أدعها بنتا ولم تدعني عما(6/577)
وقال في لزوم ما لا يلزم:
ونشوان غنته حمامة أيكة على حين طرف النجم قد هم أن يكرى
فهب وريح الفجر عاطرة الجنى لطيفة مس البرد طيبة المسرى
وطاف بها والليل قد رث برده وللصبح في أخرى الدجى منكب يعرى
ويصغى إلى لجن فصيح يهزه كما هز نشر الريح ريحانة سكرى
تهش إليه النفس حتى كأنه على كبد نعمى وفي أذن بشرى
ومن شعره في أوصاف شتى
يا مادح البحر وهو يجهله مهلا فإني خبرته علما
فائدة مثل قعره بعدا ورزقه مثل ما به طعما
وقال:
لئن كنا ركبناها ضلالا فيا لله إنا تائبونا
فأخرجنا على المرغوب منها فإن عدنا فإنا ظالمونا
وقال:
كم تملأ العين من قذاها وتشتكي النفس من أذاها
بحر ونوء وطول هم ثلاثة أطبقت دجاها [152ب]
فلو يد المرء وهي منه أخراجها لم يكد يراها
وقال في وصف عارض برد:(6/578)
ألا مسخ الله القطار حجارة تطوب علينا والغمام غموما
وكانت سماء الله لا تمطر الحصى ليالي كنا لا نطيش حلوما
فلما تحولنا عفاريت شرة تحول شؤوب الغمام رجوما
وقال من قصيدة:
هل انت ذاكر عيشة سلفت نلذ بها وننعم
ايام عقد الشمل منتظم وحبل الوصل مبرم
ما بين غصن نضارة أنق وبدر ملاحة تم
يغدو وكافور الجبين ند ومسك الشعر أسحم
[إن لم يكن آس العذار بدا بروضته فقد هم]
طفنا بكعبة فتنة منه لنا من فيه زمزم
وإليكها أحجية رمز القريض بها فجمجم
ما سافح العبرات لم يحزن ونضو لم يقمم
يفري ولا يدري ويعلم بالأمور وليس يعلم
تلقى سنان ربيعة من صدره ولسان أكثم
إن طار بارقه دجا وجه الصباح به وغنيم
ويمشي ولا قدم تقل وما مشى إلا تكلم(6/579)
وتراه سادس خمسة ... يفصحن قولا وهو أبكم
في حيث لا أذن تعي ... قولا ولا هو فاغر فم ومن أجود ما قيل في صفة القلم قول أبي تمام:
فصيح إذا استنطقته وهو راكب ... وأعجم إن خاطبته وهو نازل
إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ... عليه شعاب الفكر وهي حوافل
أطاعته أطراف القنا وتقوضت ... لنجواه تقويض الخيام الجحافل
إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت ... أعاليه في القرطاس وهي أسافل
وقد رفدته الحنصران وسددت ... ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل
رأيت جليلا شأنه وهو مرهف ... ضنى وسمينا خطبه وهو ناحل وقال ابن المعتز [فيه] :
ولطيف المعنى جليل نحيف ... وكبير الأفعال وهو صغير
كم منايا وكم حتف ... وعيش تضم تلك السطور(6/580)
وقال ابن الرومي [153أ] :
لعمرك ما السيف سيف الكم ... ي بأخوف من قلم الكاتب
له شاهد ان تأملته ... ظهرت على سره الغائب
أداة المنية في جانبيه ... فمن مثله رهبة الراهب
سنان المنية في جانب ... وحد المنية في جانب وقال محمد بن احمد الاصبهاني:
أخرس ينبيك بإطراقه ... عن كل ما شئت من الأمر
يذري على قرطاسه دمعة ... يبدي بها السر وما يدري
كعاشق أخفى هواه وقد ... نمت عليه دمعة تجري
تبصره في كل أحواله ... عريان يكسو الناس أو يعري
يرى أسيرا في دواة وقد ... أطلق أقواما من الأسر وقال احمد بن جدار:
أهيف ممشوق بتحريكه ... يحل عقد السر إعلان
له لسان مرهف حده ... من ريقه الكرسف عريان
ترى بعين الفكر في نظمه ... شخصا له حد وجثمان
كأنما يسحب في إثره ... ذيلا من الحكمة سحبان
لولا ما قام منار الهدى ... ولا سما بالملك ديوان حدث أبو عمر محمد بن عبد الواحد [الزاهد] قال: كنت جالسا(6/581)
في مجلس ثعلب إذا وقف عليه غلام بدوي فقال: أسألك أيها الشيخ - قال: قل، فقال:
وعريان من حلة مكتس يميس من الوشي في يلمق
فأطرق ثعلب، فقال الغلام:
يغوص في البحر مستأنسا فلم ير بؤسا ولم يغرق
فقال ثعلب: [هذا سرطان، فقال الغلام:
يلوح للشمس وسط الهجير فما لوحته ولم يعرق
فقال ثعلب] : هذا شيطان، فقال الغلام:
إذا أنت مشيته في الركوب أتاك عجولا ولم يعنق
فقال ثعلب: هذا فرس، فقال الغلام:
أقام بغربي غور العراق ينهى ويأمر بالمشرق
فأمسك ثعلب، فقال الغلام:
يسوق إلى المطبق الناكثين ومثواه في خندق المطبق
فقال ثعلب: هذا قلم، وما سمعنا في صفته بأحسن من هذا [153ب]
[وقال ابن خفاجة ملغزا:
وخطيب قوم قام يخطب فيهم أبدا مع الإصباح والإمساء
حملت عليه تنال منه لئيمة فأجابها عنه أخو الخنساء]
وقال أيضا ملغزا:(6/582)
يا راكضا في شوط كل فضيلة أعيا ترسله الرياح لحاقا
متيقضا تندى حواشي لفظه سلسا ويلفح فهمه إخراقا
ما حامل خطط المهانة خامل ما قام في علياء ينقل ساقا
متعذب ما زال يضرب يومه كدا ويحنق ليله إخناقا
ولربما نحل الأعزة نخوة وكساهم حلل العلا أطواقا
ما إن يسير مع الصباح لشأنه حتى يشد إلى النفوذ نطاقا
وقال:
وأقب وردي القميص بمثله خيض الظلام وريعت الظلمان
يمشي العرضنة في الطريق كأنه أومى لجذب عنانه نشوان
فبدا وقد ملا النفوس مسرة وجرى فما ملئت به الأجفان
متخطف ما شاءه متعطف فكأنما هو في العيان عنان
ولرب يوم كريهة قد خاضه سبحا وبيض سيوفه غدران
ومن الحميم بذفرتيه فضة ومن النجيع بصدره عقيان
والشهب شهب والعجاجة سدفة [والشقر] جمر والقتام دخان
والحرب روض فيه من خرصانها زهر ومن سمر القنا أغصان(6/583)
ركبوا الجياد إلى الجلاد وأوجفوا حتى كأن وجيفهم طيران
فكأنهم من فوقها أسد الشرى وكأنها من تحتهم عقبان
وقال
كفى حزنا أن الديار قصية فلا زور إلا أن يكون خيالا
ولا رسل إلا الرياح عشية تكر جنوبا بيننا وشمالا
فأستودع الريح الشمال تحية وأستنشق الريح الجنوب سؤالا
وحسبي شجونا ان لي فيك أضلعا حرارا وأردانا عليك خضالا
وطرفا قريحا صام فيك عن الكرى ولا فطر إلا أن تلوح هلالا
وما الدهر إلا صفحة بك طلقة لثمت بها من ليل وصلك خالا [154أ]
[فما أنسه لاأنس ليلا على الحمى وقد راق أوضاحا ورق جمالا]
وزار به نجم السرى قمر الدجى فباتا بحال الفرقدين وصالا
إذا ما هداني فيه بارق مبسم أجن دجى فرع فحرت ضلالا
ولي نظرة يرتد فيك صبابة وقد فاض ماء الشوق فيه وجالا
فجاد الحمى غاد من المزن رائح تهاداه أعناق الرياح كلالا
وسارية دهماء جاد بها السرى فشب لها البرق المنير ذبالا(6/584)
[فلله ما أشجى الحمامة غدوة هناك وما أندى الأراك ظلالا]
وقد جاذبت ريح الصبا غصن النقا فماد على ردف الكثيب ومالا
وأيقظ برد الصبح جفن عرارة ترقرق دمع الطل فيه فسادلا
وقال أيضا:
فيا لشجا صدر من الصبر فارغ ويا لقذى طرف من الدمع ملآن
ونفس إلى جو الكنيسة صبة وقلب إلى أفق الجزيرة حنان
تعرضت من وراها بآه ومن هوى بهون ومن إخوان صدق نجوان
وما كل بيضاء تروق بشحمة ولا كل مرعى ترتعيه بسعدان
فيا ليت شعري هل لدهري عطفة فتجمع أوطاري علي اوطاني
ميادين أوطاري ومعهد لذتي ومنشأ تهيامي وملعب غزلاني
كأن لم يصلني فيه ظني يقوم لي لماه وصدغاه براح وريحان
فسقيا لواديهم وإن كنت إنما أبيت لذكراه بغلة ظمآن
وكم يوم لهو قد أردنا بأفقه نجوم كؤؤس بين أقمار ندمان
وللقضب والأطيار ملهى بجزعه فما شئت من رقص على رجع ألحان
ومنها:
بالخضرة الغراء غر علقته فأحببت حبا فيه قضبان نعمان(6/585)
رقيق الحواشي في محاسن وجهه ومنطقه مسلى قلوب وآذان
أغار لخديه على الورد كلما بدا ولعطفيه على غصن البان
وهبني أجني ورد خد بناظري فمن أين لي منه بتفاح لبنان
يعللني منه بموعد رشفة خيال له يغري بمطل وليان
حبيب عليه لجة من صواريم علاها حباب من أسنة مران [154ب]
تراءت لنا في مثل صورة يوسف تراءت لنا في مثل ملك سليمان
طوى برده منه صحيفة فتنة قرأنا لها من وجهه لها سطر عنوان
محبته ديني ومثواه كعبتي ورؤيته حجي وذكراه قرآني
وله من أخرى في الاعتبار:
وعيشك ما ادري أهوج الجنائب نخب برحلي أم ظهور النجائب
فما لحت في أولى المشارق كوكبا فأشرقت حتى جبت أخرى المغارب
وحيدا تهاداني الفيافي فأجتلي وجوه المنايا في قناع الغياهب
ولا جار إلا من حسام مصمم ولا دار إلا في قتود الركائب
ولا أنس إلا أن أضاحك ساعة ثغور الأماني في وجوه المطالب
بليل إذا ما قلت قد باد فانقضى تكشف عن وعد من الظن كاذب
سحبت الدياجي فيه سود ذوائب لأعتنق الآمال بيض ترائب
فمزقت جيب الليل عن شخص اطلس تطلع وضاح المضاحك قاطب
رأيت به قطعا من الفجر أغبشا تأمل عن نجم توقد ثاقب(6/586)
وأرعن طماح الذؤابة باذخ يطال أعنان السماء بغارب
يسد مهب الريه عن كل وجهة ويزحم ليلا شهبه بالمناكب
وقور على ظهر الفلاة كأنه طوال الليالي مطرق في العواقب
يلوث عليه الغيم سود عمائم لها من وميض البرق حمر ذوائب
أصخت إليه وهو أخرس صامت فحدثني ليل السرى بالعجائب
وقال ألا كم كنت ملجأ فاتك وموطن أواه تبتل تائب
وكم مر بي من مدلج ومؤؤب وقال بظلي من مطي وراكب
ولا طم من نكب الرياح معاطفي وزاحم من خضر البحار جوانبي
وكم سفرت لي من شموس وأقمر وباتت تراءى من عيون كواكب
فما كان إلا أن طوتهم يد الردى وطارت بهم ريح النوى والنوائب [155أ]
فما خفق أيكي غير رجفة أضلع ولا نوح ورقي غير صرخة نادب
وما غيض السلوان دمعي وإنما نزفت دموعي في فراق الأصحاب
فحتى متى أبقى ويظعن صاحب أودع منه راحلا غير آيب
وحتى متى ارعى الكواكب ساهرا فمن طالع أخرى الليالي وغارب
فرحماك يا مولاي دعوة ضارع يمد إلى نعماك راحة راغب
فأسمعني من وعظه كل عبرة يترجمها عنه لسان التجارب
فسلى بما أبكى وسرى بما شجا وكان على ليل السرى خير صاحب
وقلت وقد نكبت عنه لطية سلام فإنا من مقيم وذاهب(6/587)
وقال في إهداء نهر بهيم أدهم:
تقبل المهر من أخي ثقة أرسل ريحا به إلى مطر
مشتملا بالظلام من شية لم يشتمل ليلها على سحر
منتسبا لونه وغرته الى سواد الفؤاد والبصر
تحسبه من علاك مسترقا بهجة مرأى وحسن مختبر
حن إلى راحة تفيض ندى فمال ظل به على نهر
ترى به والنشاط يلهبه ما شئت من فحمة ومن شرر
أحمى من النجم يوم معركة ظهرا وأجرى به من القدر
اسود وابيض فغله كرما فالتفت الحسن منه عن حور
كأنه والنفوس تعشقه مركب من محاسن الصور
فازدد سنا بهجة بدهمته فالليل أذكى لغرة القمر
ومثل شكري على تقبله يجمع بين النسيم والزهر
وقال أيضا من أخرى:
وليل تعاطينا المدام وبيننا حديث كما هب النسيم عن الورد
نعاوده والكأس تعبق نفحة وأطيب منها ما نعيد وما نبدي
ونلقي أقاح الثغر أو سوسن الطلى ونرجسة الأجفان أو وردة الخد
إلى أن سرت في جسمه الكأس والكرى ومالا بعطفيه فمال على عضدي
فأقبلت أستهدي لما أضلعي من الحر ما بين الثنايا من البرد(6/588)
وعانقته قد سل من وشي برده فعانقت منه السيف سل من الغمد
ليان مجس واستقامة قامة وهزة أعطاف ورونق إفرند [155ب]
أغازل منه الغصن في مغرس النقا وألثم وجه الشمس في مطلع السعد
فإن لم يكنها أو تكنه فإنه أخوها كما قد الشراك من الجلد
تسافر كلتا راحتي بجسمه فطورا إلى خصر وطورا إلى نهد
فتهبط من كشحيه كف تهامة وتصعد من نهديه أخرى إلى نجد
وإني وقد فارقته لمقبل مواقع هاتيك السوالف من زندي
وقال:
ورداء ليل بات في معانقي طيف ألم لظبية الوعساء
فجمعت بين رضابه وشرابه وشربت من ريق ومن صهباء
ولثمت في ظلماء ليلة وفرة شفقا هناك لوجنة حمراء
[ثم استمر كلمحة من بارق او نظرة من مقلة حوراء]
والليل مشمط الذؤابة كبرة خرف يدب على عصا الجوزاء
ثم انثى والصبح يسحب فرعه ويجر من طرب فضول رداء
تندى بفيه أقحوانة أجرع قد غازلتها الشمس غب سماء
وتميس في أثوابه ريحانة كرعت على ظمأ بجدول ماء(6/589)
نفاحة الأنفاس إلا أنها حذر النوى خفاقة الأفياء
فلويت معطفها اعتناقا حسبها فيه بقطر الدمع من أنداء
وله جواب عن شعر تضمن صفة عنب؛ قال:
اما وابتسام النقع عن صفحة النصل ورجع صليل السيف من منطق فصل
لقد طلت أعناق الهضاب جلالة وحزنت بميدان العلا قصب الخصل
وأرهفت من حر القريض مهندا يسيل على إفرنده رونق الصقل
[وأبدعت في تقريض أي قلادة يشد بها الحر الكريم يد البخل]
رضعنا لها أم المدام عشية ويا عجبا ما للرضاعة والكهل
وأسود معسول المجاج لو انه لمى شفة لم أرو يوما من القبل
حكى ليلة الهجر اسودادا وإنه لأشهى وأندى من جنى ليلة الوصل
فلله طود للجزالة راسخ على الجد يهتز ارتياحا إلى هزل
ينيل على العلات بيض مكارم تريك الجبال الشم في عدد الرمل
ويطل منهل الندى متهللا [طلوع وميض البرق فيالبلد المحل]
[ويمضي إذا كع الشجاع مهابة] مضي لسان النار في الحطب الجزل [156أ]
وله من أخرى يشفع لأحد إخوانه عند قاضي الجماعة ابن حمدين:
جرر ملاءة كل يوم شامس واسحب ذؤابة كل ليل دامس(6/590)
واطلع بكل فلاة أرض غرة غراء في وجه الظلام العابس
وانزل بها ضيفا لليث خادر يقريك أو جارا لظبي كانس
وإذا طعمت فمن قنيص فلذة وإذا شربت فمن غمام راجس
والريح تلوي عطف كل أراكة لي السرى وهنا لعطف الناعس
وسل الغنى من ظهر طرف أشقر يطأ القتيل وصدر رمح داعس
وازحم بذاتك شدق ليث ضاغم طلب الثراء وناب صل ناهس
وارغب بنفسك عن مقامة فاضل قد قام يمثل في خصاصة بائس
فالحر مفتقر إلى عز الغنى فقر الحسام إلى يمين الفارس
وإذا عثرت ولا عثرت بحادث فركبت منه ظهر صعب شامس
فافرع إلى قاضي الجماعة رهبة تضع العنان بخير راحة سائس
واستسق منه إن ظمئت غمامة يخضر عنها كل عود يابس
وإذا رويت بماء ذاك المجتلى فحذار من ألهوب ذاك الهاجس
من آل حمدين الأولى حليت بهم قدما صدور كتائب ومدارس
من أسرة نشأوا غمائم أزمة ولربما طلعوا بدور حنادس
متطلعين إلى الحروب كأنما يتطلعون بها وجوه عرائس
أجروا بميدان المكارم والعلا فكأنما ركبوا ظهور روامس
وجنوا ثمار النصر من غرس القنا بأ كفهم ولنعم غرس الغارس
فهم لباب المجد تجدة انفس وذكاء ألباب وطيب مغارس
وهم رياض الحزن نضرة اوجه وجمال آداب وحسن مجالس
[ومنها] :
سلس الكلام على السماع كأنه سنة ترقرق بين جفني ناعس(6/591)
ما إن يماز من الشهاب طلاقة حتى تمد إليه كف القابس [156ب]
ترك الأعادي بين طرف خاشع ولا يستقل وبين رأس ناكس
وذكاء فهم لو تمثل صارما لم يأتمن ظبتيه عاتق فارس
وبراعة سكنت لسان يراعة حكم البيان لها بحكمة فارس
ومقام حكم عادل لا يزدري فيه المعلى حظوة بالنافس
ومجال حرب جر فيه لأمة قد قام منها في غدير جامس
يطأ العدى ما بين نصل ضاحك تحت العجاج ووجه طرف عابس
في حيث يلعب بالقناة شهامة لعب النعامى بالقضيب المائس
فانهض أبا عبد الإله بآمل قد جاب دونك كل خرق طامس
عاج الرجاء على علاك به فلم يعج المطي برسم ربع دارس
فاشفع لمغترب رجاك على النوى يمدد إلى الخضراء راحة لامس
وامدد إليه بكف جد قائم تجذب به من ضبع جد [جالس]
فلرب يوم قد زففت به المنى ومحوت فيه سواد ظن البائس
وقال في اخرى يمدح الأمير أبا يحيى بن ابراهيم:
سمح الخيال على النوى بمزار والصبح يمسح عن جبين نهار(6/592)
فرفعت من ناري لضيف طارق يعشو إليها من خيال طار
ركب الدجى أخشن بها من مركب وطوى السرى أحسن به من سار
وأناخ حيث دموع عيني منهل يروي وحيث حشاي موقد نار
وسقى فأروى غلة من ناهل أورى بجانحتيه زند اوار
يلوي الضلوع من الولوع لخطرة من شيم برق أو شميم عرار
والليل قد نضح الندى سرباله فانهل دمع الطل فوق صدار
مترقب رسل الرياح عشية بمساقط الأنواء والأنوار
ومجر ذيل غمامة لبست به وشي الحباب معاطف الأنهار
خفقت ظلال الأيك فيه ذوائبا وارتج ردفا مائج التيار [157أ]
ولوى القضيب هناك جيدا أتلعا قد قبلته مباسم النوار
باكرته والغيم قطعة عنبر مشبوبة والبرق لفحة نار
والريح تلطم فيه أرداف الربى لعبا وتلثم أوجه الأزهار
ومنابر الأشجار قد قامت بها خطباء مفصحة من الأطيار
في فتية جنبوا العجاجة ليلة ولربما سفروا عن الأقمار
ثار القتام بهم دخانا وارتمى زند الحفيظة منهم بشرار
شاهدت من هماتهم وهباتهم إشراف أطواد وفيض بحار(6/593)
من كل منتقب بوردة خجلة كرما ومشتمل بثوب وقار
في عمة خلعت عليه للمة وذؤابة قرنت بها لعذار
ضافي رداء المجد طماح العلا طامي عباب الجود رحب الدار
جرار أذيال المعالي والقنا حامي الحقيقة والحمى والجار
طرد القنيص بكل قيد طريدة زجل الجناح مورد الأظفار
ملتفة أعطافه بحبيرة مكحولة أجفانه بنضار
يرمى به الأمل القصي فينثني مخضوب راء الظفر والمنقار
وبكل نائي الشأو أشدق أخزر طاوي الحشا حالي المقلد ضار
يفتر عن مثل النضال وإنما يمشي على مثل القنا الخطار
مستقريا أثر القنيص على الصفا والليل مشتمل بشملة قار
من كل مسود تلهب طرفه فرمتك فحمته بشعلة نار
ومورس السربال يخلع قده عن نجم رجم في سماء غبار
يستن في سطر الطريق وقد عفا قدما فيقرأ أحرف الآثار
عطف الضمور سراته فكأنه والنقع يحجبه هلال سرار
فلرب رواغ هنالك أنبط ذلق المسامح أطلس الأطمار
يجري على حذر فيجمع بسطة تهوي فينعطف انعطاف سوار [157ب](6/594)
ممتد حبل الشأو يعسل رائغا فيكاد يفلت أيدي الأقدار
مترددا يرمي به خوف الردى كرة تهاداها أكف قفار
ولرب طيار خفيف قد جرى فشلا بجار خلفه طيار
من كل قاصرة الخطى مختالة مشي الفتاة تجر فضل إزار
مخضوبة المنقار تحسب أنها كرعت على ظمأ بكأس عقار
ولو استجارت منهما بحمى أبي يحيى لآمنها أعز جوار
خدم القضاء مراده فكأنما ملكت يداه أعنة الأقدار
وعنا الزمان لأمره فكأنما أصغى الزمان به إلى أمار
وجلا الإمارة في رفيف نضارة جلت الدجى في حلة الأنوار
في حيث وشح لبة بقلادة منها وحلى معصما بسوار
جذلان يملأ بهجة وبشاشة أيدي العفاة وأعين الزوار
أرج الندي بذكره فكأنه متنفس عن روضة معطار
بطل جرى الفلك المحيط بسرجه واستدل صارمه يد المقدار
بيمينه يوم الوغى وشماله ما شاء من نار ومن إعصار
والسمر حمر والجياد عوابس والجو كاس والسيوف عوار
والخيل تعثر في شبا شوك القنا قصدا وتسبح في الدم الموار
والبيض تحنى في الطلى فكأنما تلوى عرى منها على أزرار
والنقع يكسر من سنا شمس الضحى فكأنه صدأ على دينار
صحب الحسام النصر صحبة غبطة في كف صوال به سوار
لو أنه أوحى إليه بنظرة يوما لثار فلم ينم عن ثار(6/595)
ومضى وقد ملكته هزة عزة تحت العجاج وضحكة استبشار
وقال:
وأراكة ضربت سماء فوقنا تندى وأفلاك الكؤوس تدار
حفت بدوحتها مجرة جدول نثرت عليه نجومها الأزهار [158أ]
فكأنها وكأن جدول مائها حسناء شد بخصرها زنار
زف الزجاج بها عروس مدامة تجلى ونوار الغصون نثار
في روضة جنح الدجى ظلا بها وتجسمت نورا بها الأنوار
غناء ينشر وشية البزاز لي فيها ويفتق مسكه العطار
نام الغبار بها نضح الندى وجه الثرى واستيقظ النوار
والماء في حلي الحباب مقلد زرت عليه جيوبها الأشجار
وقال:
يا راكضا يمشي الهوينا عزة ويهز أعطاف القضيب المورق
جمعت ذؤابته ونور جبينه بين الدجينة والصباح المشرق
هل كان عندك أن عندي لوعة ينبو لها حد السنان الأزرق
طالت مراقبة الخيال ودونه رعي الدجى فمتى أنام فنلتقي
ما بين نحر بالدموع مقلد فرحا وجيد بالعناق مطوق(6/596)
وقال:
هجرت لبيض الشيب بيض العمائم وآليت لا أعتم إلا بفاحم
فلو كنت استسقي الغمام لعلة لما قمت فاستقيت غر الغمام
فما أرتدي إلا بأحمر قانىء سقته الطلى من نصل أبيض صارم
بحيث يهز الموت من أكعب القنا غصونا ويجني من ثمار الجماجم
وينظر عن طرف من الرمح أزرق ويضحك عن ثغر من السيف باسم
وقد فاض بحر للردى من دم العدا فسال حياء في وجوه الصوارم
وقال:
يا نشر عرف الروضة الغناء ونسيم ظل السرحة الغيناء
هذا يهب مع الأصيل عن الربى أرجا وذلك عن غدير الماء
عوجا على قاضي القضاة غدية في وشي زهر او حلى انداء
وتحملا عني إليه أمانة من علق صدق أو رداء ثناء
وإذا رمى بكما الصباح دياره فترددا في ساحة العلياء
في حيث جر المجد فضل إزاره ومشى الهوينا مشية الخيلاء [158ب]
[ومنها] :
ولثمت ظهر يد تندى حرة فكأني قبلت وجه سماء
وملأت بين جبينه ويمينه جفني بالأنوار والأنواء(6/597)
قد راق بين فصاحة وصباحة سمع المصيخ له وعين الرائي
عبق الثناء ندي الجناب كأنه ريحانة مطلولة الأفياء
أبدا له في الله وجه بشاشة ووراء ستر الغيب عين ذكاء
وكأنه من عزمة في رحمة متركب من جذوة في ماء
لو شاء نسخ الليل صبحا لانتحى فمحا سواد الليلة الليلاء
بين الطلاقة والمضاء كأنه وقاد نصل الصعدة السمراء
تثني به ريح المكارم خوطة في حيث تسجع ألسن الشعراء
وكأنه وكأن رجع نشيده فصل الربيع ورنة المكاء
وله من قصيدة في الوزير [المشرف] أبي محمد بن عامر ببلنسية:
حدر القناع عن الصباح المسفر ولوى القضيب على الكثيب الأعفر
وتملكته هزة في عزة فارتج في ورق الشباب الأخضر
متنفسا عن مثل نفحة مسكة متبسما عن مثل سمطي جوهر
سلت علي سيوفها أجفانه فلقيتهن من المشيب بمغفر
متجلدا أبأى بنفسي أن أرى هذا الهزبر قتيل ذاك الجؤذر
فحشا بطعنته حشا متنفس تحت الدجى عن مارج مستعر
يغشى رماح اللحظ أول مقبل ويكر يوم الحرب آخر مدبر
فتراه بين جراحتين للحظة مكسورة ولعامل متكسر
نزر الكرى يرمي الظلام بمقلة سهرت لأخرى تحته لم تسهر(6/598)
من ليلة أرخى علي جناحه فيها غراب دجنة لم يزجر
لا يستقل بها السرى فكأنما باتت تسرى عن صباح المحشر
ولقد أقول لبرق ليل هاجني فسمحت عن طرف به مستعبر [159أ]
اقرأ على الجزع السلام وقل له سقيت من سبل الغمام الممطر
بيني وبينك ذمة مرعية فإذا تنوسيت المودة فاذكر
وإذا غشيت ديار ليلى باللوى فاسأل رياح الطيب عنها تخبر
والمح صحيفة صفحتي فاقرأ بها سطرين من دمع بها متحدر
كتبتها تحت الظلام يد الضنى خوف الوشاة بأحمر في أصفر
ولئن جريت مع الصبا جري الصبا وشربتها من كف أحوى أحور
ناجيت منه عطاردا ولربما قبلته فلثمت وجه المشتري
تندى بفيه أقاحة نفاحة شربت على ظمأ بماء الكوثر
شهدت له فتكاته في مهجتي يوم الغميم بنسبة في قيصر
[لقد اعتنقت القرن دون عناقه وحمات فيه الريح حمل الخنصر]
ولقد خلوت به أقسم ناظري ما بين جؤذر رملة وغضنفر
يثني معاطفه وأذرف عبرتي فإخالة غصنا بشاطىء جعفر
وأهاب بي شرخ الشباب لريبة فرميت جانبه بمعطف أزور
[ومنها] :(6/599)
[وأخ زأرت له ولولا أنني آنست ما أنكرته لم أزأر]
أنسأت ما أنشأت من عتبي له فأقام تحت غمامة لم تمطر
ولو التقينا حيث يصغي ساعة لسقته بين ملامة وتشكر
تهمي بماء الورد في اردانه وبلا وتحصب سمعه بالجوهر
وعلاه لولا برق وعد شمته في عارض من بره مستمطر
لنسخت اسطار الكتاب كتائبا مصطفة وطرقته في عسكر
ومقام بأس في الكريهة قمته فسبحت في بحر الحديد الاخضر
أضحكت ثغر النصر فيه من العدا ولربما أبكيت عين السمرى
ورميت هبوته بهبة أشهب فسفرت ليلا عن صباح مسفر
ومنها في الاستطراد:
ولقد خبطت الغاب أسأل ليلة عن صبح سر في حشاه مضمر
وحططت عن بنت الزناد قناعها ليلا لسار تحته [متنور] [159ب]
ومسحت منها عن معاطف مهرة شقراء تذعر من شمال صرصر
وجرى الحديث بطيب ذكرى طاهر فجعلت جزل وقودها من عنبر
وطفقت أذكيها وأذكر ذهنه فإخال ذاك وهذه من عنصر
وكأنها والريح عابثة بها تزهى فترقص في قميص أحمر(6/600)
وقال من قصيدة:
ألا ليت أنفاس الرياح النواسم يحيين عني الواضحات المباسم
ويرمين أكناف العقيق بنظرة تردد في تلك الربى والمعالم
ويلمثن ما بين الكثيب إلى الحمى مواطىء أخفاف المطي الرواسم
فهل ساءها أنا كبرنا عن الصبا ولثنا على الأحلام بيض العمائم
صحونا وقد أصحت هناك سماؤها وكنا نشارى تحت ظل الغمائم
فما راعني إلا وميض لشيبة توقد في قطع من الليل فاحم
ولا هالني إلا نذير برحلة مسحت له من روعة جفن نائم
تولى الصبا إلا ادكار معاهد له لذعة بين الحشا والحيازم
أطلت له رجع الحنين وربما بكيت على عهد مضى متقادم
فإن غاضت الأيام ماء شبيبتي ومالت بغصن من قوامي ناعم
أسير فتغشى بي دجى الليل همة تهم فأعروري ظهور العزائم
فرب ظليم قد ذعرت على السرى بحزوى وظبي قد طردت بجاسم
فلم أدر أم الرأل من بنت أعوج ولا ظبية الوعساء من أم سالم
وإن كنت خوار العنان على الهوى فإني على الأعداء صعب الشكائم
فيا عجا أن أعطي الظبي مقودي وأدرأ عنه في نحور الضراغم
وأدهم من ليل السرار ركبته فأودعت أسرار السرى صدر كاتم
على حين أرخى الدجن فضل لثامه على كل أقنى من أنوف المخارم
وقد كمنت بيض السيوف وأشرفت طلائع آذان الجياد الصلادم [160أ](6/601)
وكاثرت اوضاح النجوم على السرى بغر كرام فوق غر كرائم
إذا ما تداعوا للكريهة حطموا صدور العوالي في صدور الملاحم
وكروا وح السيف يدمى فثلموا رقلق الظبا بين الطلى والجماجم
فمن مبلغ الحسناء عني أنني خلعت نجاد السيف خلع التمائم
وكنت إذا أعضل الخطب لاجئا إلى وزر من مضرب السيف عاصم
فها لا يسرى تجاني على السرى عنانا ولا يمنى تلوذ بقائم
منيخ بمثوى المجد من ظل أروع جفا للمعالي دراسات المعالم
جدير بإحراز العلا غير راكض مغذ وإدراك السها غير قائم
تهز به ريح المكارم خوطة تفض بها الآمال نور الدراهم
كأني وقد أسحسبته الحمد ريطة سننت على عطفيه حلة راقم
فيا فيا راكبا يزجى المطي على الوجى ويخبط أنفاس الرياح النواسم
كفاك بذاك الطول من وبل مزنة وحسبك ذاك البشر من برق شائم
فإن قذفت يوما إليك به النوى وأدتك أيدي الناجيات الرواسم
فعرس من العلياء في رأس هضبة تزاحم أشباح النجوم العواتم
من القوم سادوا في المهود نجابة وطبوا صغارا من كلوم العظائم
وقاموا لإقعاد الخطوب ودمثوا جناب الليالي للملوك الخضارم(6/602)
فإن دقت الهيجاء أرماح حلبة فثم من الآراء أمضى لهاذم
وإن هدت الأيام أركان دولة فثم من الأقلام أقوى دعائم
ترى بهم من هزة في طلاقة لدان العوالي في بريق الصوارم
وما شئت من آراء نجح كوالىء تسدد من أطراف سمر كوالم
تقلم أظفار المكاره تارة وتمسح طورا عن وجوه المكارم
أبا حسن كم منة لك حرة كما سح صوب العارض المتراكم
[يرف عليها الشكر في كل محفل رفيف االلآلي في نحور الكرائم]
هززت لها عطف القضيب وربما سجعت أبت الشكر سجع الحمائم [ب160]
فما روضة غناء في رأس ربوة تعل بمنهل من المزن ساجم
بأحسن مرأى من حلاك لناظر وأعطر نشرا من نثاك لناسم
[ودونكما تصبي الحليم فصاحة فيرسل في أطاغها طرف هائم
تغنى بها حبا لها فكأنها تفض عن النوار خضر الكمائم
ولولا وقار الشيب خف به الهوى فمد إلى تقبيلها فم لاثم]
ومن مقطوعات قالها في زمن الصبا
قال يداعب:
[وفتاة حسن كلها أعجاز غنت غناء كله إعجاز
لذت أغانيها وخفت موقعا فكأنما تطويلها إيجاز]
[وقال] :
لله نورية المحيا تحمل نارية الحميا(6/603)
درنا بها تحت ظل دوح قد راق زهرا وطاب ريا
تجسم النور فيه نورا فكل غصن به ثريا
وكتب إليه بعض الفتيان شعرا يعرض فيه بسبه، فوقع الخفاجي على ظهر رقعته وقال:
ومعرض لي بالهجاء وهجره جاوبته عن شعره في ظهره
فلئن نكن بالأمس قد لطنا به فاليوم أشعاري تلوط بشعرة
وهذا كقول البديع للخوارزمي:
ومتى التقينا ناك شعري شعره ونزا على شيطانه شيطاني
وقال الخفاجي:
تعلقه ريان من خمر ريقه له رشفها دوني ولي دونه السكر
ترقرق ماء مقلتاي ووجهه ويذكى على قلبي ووجنته الجمر
فلي وله من حسنة ومدامعي على وجهه روض وفي وجني نهر
ولا عجب أن طاب نشرا فإنما محاسنه في غصن قامته زهر
أرق نسيبي فيه رقة حسنة فلم أدر أي قبلها منهما السحر
وطبنا معا ثغرا وشعرا كأنما له منطقي ثغر ولي ثغره شعر
وقال في ذم خط واستبراد لفظ:(6/604)
لحى الله أبياتا بعثت ذميمة فلو كن أعضاء لكن مخارجا
معوجة أسطارها وحروفها كأن بها من برد لفظك فالحا
ولا عجب من سخفهن فإنه إذا ساء فعل المرء ساء نتائجا
وقال:
ومهفهف طاوي الحشا خنت المعاطف والنظر
ملأ العيون بصورة تليت محاسنها سور
فإذا رنا وإذا شدا وإذا سعى وإذا سفر
فضح المدامة والحما مة والغمامة والقمر [161أ]
وقال:
خذها وقد سفرت إليك يد الصبا عن وجه أفق بالغمام ملثم
واقداح بها زند السرور وقد طمى بحر الدجى وطفا حباب الأنجم
وانجاب نقع الغيم من قمر الدجى عن غرة وضحت بجبهة أدهم
وتعثرت قدم الئريا سحرة في برد ليل بالمجرة معلم
وافتر مبتسم الصباح كأنه وضح بقادمة الغراب الأعصم
وقال:
وحوراء بيضاء المحاسن طلقة لبست بها الليل البهيم نهارا
يزر عليها الصبح جيب قميصه وقد لبس الجو الظلام صدارا(6/605)
هززت لأغصان القدود معاطفا بها ولرمان النهود ثمارا
فسقيا لأيام هناك سحبتها ذيولا على حكم السرور قصارا
إذا شئت غناي وشاح وحلية لحسناء غصت دملجا وسوارا
هي الظبي طرفا أحورا وملاحظا مراضا وجيدا أتلعا ونفارا
وله في مرثية في ابن أخت له وقد ورد النعي من أغمات بموته:
أرقت أكف الدمع طورا وأسفح وأنضح خدي تارة ثم أمسح
ودونك طماح من الماء مائج [يعب] ومغبر من البيد أفيح
وإني إذا ما الليل بفحمة لأوري زناد الهم فيها فأقدح
واتبع طيب الذكر أنه موجع فينفح هذا حيث هاتيك تلفح
وألقى بياض الصبح يسود وحشة فأحسبني أمسي على حين أصبح
ويوحشني ناع من الليل ناعب فأزجر منه بارحا ليس يبرح
غريقا ببحر الدمع والهم والدجى ولو كان بحرا واحدا كنت أسبح
وفي ناظري لليل مربط أدهم في وجنتي للدمع أشهب يجمح
ومنها:
أقول وقد وافى كتاب نعيه يجمجم في ألفاظه ويصرح(6/606)
غلام كما استخشنت جانب هضبة ولان على طش [من] المزن أبطح
أرام بأغمات يسدد سهمه فيرمي وقلب بالجزيرة يجرح
فيا لغريب فاجأته منية أتته على عهد الشباب تجلح
ترى بي إذا أعولت حزنا حمامة ترن وطورا أيكة ترنح
وأياست قلبا كان يخشع تارة وتنزو به الآمال طورا فيطمح
فما أتلقى الركب أرجو تحية توافي له أو رقعة تتصفح
وخادعت عنه النفس والنفس صبة وراوغت حسن الصبر والصبر أرجح
ينم بأسرار الصبابة مدمعي وكل إناء بالذي فيه يرشح
فلي نظرة نحو الشمال ولوعة تلدد [بي] نحو الجنوب فأجنح
فيا عارضا يستقبل الليل والفلا ويسري فيطري الأطولين ويمسح
تحمل إلى قلب الغريب مدامعا تكب فتروي او تعب فتصفح
وأحفى سلام يعبر البحر دونه فيندى وأزهار البطاح فتنفتح
وعرج على مثوى الحبيب بنظرة تراه بها عني هناك وتلمح
وله من مرثية في صديق توفي باشبيلية، فقال:
ألا ليت لمح البارق المتألق يلف ذيول العارض المتدفق
ويركب من ريح الصبا متن سابح كريم ومن ليل السرى ظهر أبلق
فيهدي إلى قبر بحمص تحية متى تحتملها راحة الريح تعبق
فعندي لحمص أي نظرة لوعة وللنجم وهنا أي نظرة مطرق(6/607)
حنانا إلى قبر هنالك نازح وشلو عثا فيه البلى متمزق
وكيف بشكوى ساعة أشفي بها ودون التلاقي كل بيداء سملق
فهل عند عبد الله ما بات ينطوى عليه الحشا من لوعة وتحرق
وقد أذكرتني العهد بالأنس أيكة فأذكرتها نوح الحمام المطوق
وأكببت أبكي بين وجد أناخ بي حديث وعهد للشبيبة مخلق
وأنشق أنفاس الرياح تعللا فأعدم فيها طيب ذاك التشنق
ولما علت وجه النهار كآبة ودارت به للشمس نظرة مشفق [162أ]
عطفت على الأجداث أجهش تارة وألثم طورا تربها من تشوق
وقلت لمغف لا يهب من الكرى وقد بت من وجد بليل المؤرق
لقد صدعت أيدي الحوادث شملنا فهل من تلاق بعد هذا التفرق
وإن تك للخلين ثم التقاءة فيا ليت شعري أين أو كيف نلتفي
فأعزز علينا أن تباعد بيننا فلم يدر ما ألقى ولم أدر ما لقى
فسقيا لترب بين أضلع تربة متى أتذكره بها أتشوق
وألوي ضلوعي أندب المجد والندى بأفصح دمع تحت أخرس منطق
ومثلي يبكي للمصاب بمثله فإن أخلق الصبر الجميل فأخلق
فقد كان الروع أبيض صارما بكفي ويوم الفخر تاجا بمفرقي
فكم للحيا من أدمع فيه ثرة وللرعد من جيب عليه مشقق
وللبرق نت قلب به متململ وللنجم من طرف عليه مؤرق(6/608)
[وفيها يقول] :
فما ابن شمال بات يهفو كأنما به خلف أستار الدجى [مس أولق]
سرى بين دفاع من الودق مغدق يسح ولماع من البرق محرق
بأندى ذيولا من جفوني موهنا وأهفى جناحا من ضلوعي وأخفق
وكتب إلى بعض إخوانه:
أورى بفقك بارق يتألق وسقى ديارك وابل يتدفق
وتحملا عني إليك تحية تندى على نفس القبول وتعبق
وكأن ماء الورد عنها ينهى عطرا ومسك الهند فيها يفتق
ويهيجني نفس النسيم إذا سرى ويشوقني فيك الحمام الأورق
فإذا تطلع من سمائك بارق أو طاف زور من خيالك يطرق
خفقت لذكرك أضلعي فكأن لي في كل جارحة جناحا يخفق
وتملكتني لوعة مشبوبة شوقا إليك وعبرة تترقرق
فابعث بطيفك باغتا أو واعدا إني إليه كيف كان لشيق
وصل التحية إن عهدك زهرة تندى وذكرك نفحة تتنشق [172ب]
وقال وهو مضطجع:
الليل إلا حيث كنت طويل والصبر إلا منذ بنت جميل(6/609)
والنفس ما لم ترتقبك كئيبة والطرف ما لم يلتمحك كليل
فلقد خلعت على الزمان محاسنا تثنى بها أعطافه فيذيل
فالصبح ثغر في جنابك ضاحك والليل طرف في ذراك كحيل
ومنها:
ووشى رداء الحمد باسمك خاطر قد عاث فيه السقم فهو عليل
فسجعت في قيد الشكاة مغردا طربا وللطرب الربيط صهيل
ولوى العنان عن الإطالة أنني نضو [يسر] بي الفراش ضئيل
ماد النحول به فلاعب شخصه ظل تحيفه السقام نحيل
فبعثته جم المحاسن ناقها قد كاثر الأمداح وهو قليل
ولكم قصير من يراعك شاحب قد فات صدر الرمح وهو طريل
وله من قصيد فريد:
حث المدامة فالنسيم عليل والظل خفاقالرواق ظليل
والنور طرف قد تنبه دامع والماء مبتسم يروق صقيل
وقد انشى عطف الأراكة فانثنى سكرا ورجع في الغصون هديل
وتطلعت من برقة وغمامة في كل أفق راية ورعيل
حنى تهادى كل خوطة أيكة ريا وغصت تلعة ومسيل
فالروض مهتز المعاطف نعمة نشوان تعطفه الصبا فيميل
ريان فضضه الندى ثم انجلى عنه فذهب صفحتيه أصيل(6/610)
وارتد ينظر من نقاب غمامة طرف يمرضه العشي كليل
ساج كما يرنو إلى عواده شاك ويلتمح العزيز ذليل
فالشمس شاحبة الجبين مريضة والريح خافقة الجناح بليل
والزق منجدل يكب لوجهه ويمج روح الراح منه قتيل [163أ]
والكأس طرف أشقر قد جال في عرق علاه من الحباب يسيل
يسعى بها قمر له ولكأسه وجه أغر ومبسم معسول
شاكي السلاح بقده وبطرفه رمح أصم وصارم مسلول
وأخ تهز له العلا أعطافها فكأنه ريحانة وشمول
راضعته كأس المدام وبيننا لجنى الحديث حديقة وقبول
مياس أعطاف السماح كأنه غصن تنفس نوره مطلول
تندى لهى وردى أسرة كفه أبدا فبطن يمينه مبلول
منها:
في حيث من حر الطعان هجيرة تحمى ومن ظل اللواء مقيل
والنقع أدهم للرماح بوجهه غرر تلوح وللسيوف حجول
والخيل سطر بالأسنة معجم يحمر ألسنة الظبا مشكول
ومن أخرى:
في موقف أفصحت بيض السيوف به فلا هوادة بين السيف والعنق
فكم أنانيب خطي به كسر تدمى وكم سلخ درع بينها مزق
وكم كئوس من البأساء دائرة على نديم من الأبطال مغتبق(6/611)
منها:
من أشهب شق عنه الركض هبوته كما تفرى أديم الليل عن فلق
وأدهم فضض التحجيل أكرعه كما تعلق بدء الصبح بالغسق
وأشقر سائل في وجهه وضح كما تصوب نجم الرجم في شفق
وقال يتفجع لفقد الشباب، وعدم العلبة الأصحاب، ويصف فرسا أشهب:
ألا سرت القبول ولو نسيما وجاذبني الشباب ولوقسيما
تقضى غير ليل ما تقضى كأن بمضجعي فيه سليما
كأني ما ألفت به شفيعا هناك ولا طربت له نديما [163ب]
وأسأل هل سقى طللا بحزوى عفا قدما وهل جاد الغميما
وأنشق لوعة بعرار نجد صبا نجد أسائلها شميما
وكنت رجوت أن أعتاض منه زعيما أو عليما أو حليما
ومطرورا أجرده صقيلا ويعبوبا أكر به كريما
يشيم به وراء النقع برقا تألق شهبة وصفا أديما
إذا أوطأ [ته] أعقاب ليل طردت من الظلام به ظليما
وقال يصف خيلانا:
غا [زلته] من حبيب وجهه فلق فما عدا أن بدا في وجهه شفق(6/612)
وارتج يعثر في أذيال خجلته غصن بعطفيه من استبرق ورق
تخال خيلانه في نور صفحته كواكبا في شعاع الشمس تحترق
عجب والعين ماء والحشا لهب كيف التقت بهما في حبه الطرق
وقال يصف شجر النارنج:
أل أفصح الطير حتى خطب وخف له الغصن حتى اضطرب
فمل طربا بين ظل هفا رطيب وماء هناك انثعب
وجل في حديقة أخت المنى ودن بالمدامة أم الطرب
وحاملة من بنات القنا أماليد تحمل خضر العذب
تنوب مورقة عن عذار وتضحك زاهرة عن شنب
وتندى بها في مهب الصبا زبرجدة أثمرت بالذهب
تفاوح أنفاسها تارة وطورا تغازلها من كثب
فتبسم في حالة عن رضى وتنظر آونة عن غضب
وقال يصفها:
ومياسة تزهى وقد خلع الحيا عليها حلى حمرا وأردية خضرا
يذوب لها ريق الغمامة فضة ويجمد في أغصانها ذهبا نضرا [164أ](6/613)
وقال يصفها، ويصف الشراب ملتزما:
أنعم فقد هبت النعامى ونبهت ريحا الخزامى
ومل إلى أيكة بليل تهفو اهتزازا بها قدامى
تهز أعطافها القوافي لها وأكواسها الندامى
كأن أما بها رؤوما تحضن من شربها يتامى
وقال يصفها الثمر في أغصانها:
عاط أخلاءك المداما واستسق للايكة الغماما
وأرقص الغصن وهو رطب يقطر أو طارح الحماما
وقد تهادى بها نسيم حيت سليمى به سلاما
فتلك أفنانها نشاوى تشرب أكواسها قياما
وقال يصف ثمر النارنج ملتزما:
ومحمولة فوق المناكب عزة لها نسب في روضة الحزن معرق
رأيت بمرآها المنى وهي تلتقي وشمل رياح الطيب وهي تفرق
يضاحكها ثغر من الشمس ضاحك ويلحضها طرف من الماء أزرق
وتجلى بها للماء والنار صورة تروق فطرفي حيث يغرق يحرق
وقال في ذلك ملتزما:(6/614)
خذها إليك وإنها لنضيرة طرأت عليك قليلة النظراء
حملت وحسبك نفحة في بهجة عبق العروس وخجلة العذراء
من كل وارسة القميص كأنها نشأت تعل بريقة الصفراء
نجمت تروق بها نجوم حسبها بالايكة الخضراء من خضراء
وأتتك تسفر عن وجوه طلقة وتنوب من لطف عن السفراء
يندى بها وجه الندي وربما بسطت هناك أسرة السراء
فاستضحكت وجه الدجى مقطوعة حملت جمال الغرة الغراء [164ب]
وقال يصف أحدب أسود يسقي:
رب ابن ليل سقانا والشمس تطلع غره
فظل يسود لونا والكأس تسطع حمره
وللمدام مدير يشب جمرة خمره
تضاحكت عن حباب يقبل الماء ثغره
فظلت آخذ ياقو تة وأصرف دره
حتى تثنيت غصنا واصفرت الشمس زهره
وارتد للشمس طرف به من السقم فتره
يجول للغيم كحل فيه وللقطر عبره
وقال فيما يتعلق بصفة نار:
ومعين ماء البشر أبرق هشة فكرعت من صفحاته في مشرب(6/615)
متهلل يندى حياء وجهه فتراه بين مفضض ومذهب
أضنى الحسام حسادة ففرندة دمع ترقرق فوقه لم يسكب
خيمت منه بين طود باذح نال السماء وبين واد معشب
حمراء نازعت الرياح رداءها وهنا وزاحمت السماء بمنكب
وتنفست عن كل لفحة جمرة باتت لها ريح الشمال بمرقب
قد ألهبت فتذهبت فكأنها لسكون شر شرارها لم تلهب
تذكو وراء رمادها فكأنها شقراء تمرح في عجاج أكهب
والليل قد ولى يقلص برده كدا ويسحب ذيله في المغرب
وكأنما نجم الثريا سحرة كف تمسح عن معاطف أشهب
ومن أخرى في صفتها:
لو جاءه منتقد لما درى ألهب متقد أم ذهب
تلثم منه الريح خدا خجلا حيث الشرار أعين ترتقب
في موقد قد رقرق الصبح به ماء عليه من نجوم [حبب]
منقسم بين رماد أزرق وبين جمر خلفه يلتهب
كأنما خرت سماء فوقه وانكدرت ليلا عليه شهب
وقال يصف البرد [165أ]
يا رب قطر عاطل حلى به نحر الثرى برد تحدر صائب(6/616)
حصب الأباطح منه ماء جامد غشى البلاد به عذاب ذائب
فالأرض تضحك عن قلائد أنجم نثرت بها والجو جهم قاطب
وكأنما زنت البسيطة تحته فأكب يرجمها الغمام الحاصب
وقال يصف أسود ظلوما حسودا:
يا جامعا بمساويه وطلعته بين السوادين من ظلم ومن ظلم
أمثله حسدا في مثله جسدا لقد تألف بين النار والفحم
وقال:
ومعشوقة الحسن ممشوقة يهيم [بها] الطرف والمعطس
لها نضرة سمعتها نظرة وتكلف بالأنفس الأنفس
فمن ماء جفني لها مكرع يسيح ومن راحتي مغرس
وقال يراجع عن شعر ورده:
أطرسك أم ثغر تبسم واضح ولفظك أم روض تنفس نافح
كلام يرف النور في جناته وتندى به تحت الهجير الجوانح
تنصل يوم الروع سمر القنا به وتطبع منه للجلاد الصفائح
وإني لظمآن إليه علاقة وها أنا في بحر البلاغة سابح
بعثت به يندى كما طش عارض ويطربني طورا كما حن صادح
تلوح به في دهمة الحبر غرة ويركض في شوط الفصاحة سابح(6/617)
وقال يصف مجلسا وإخوانا، ونارنجا ووردا خليطين:
وندي أنس هزني هز الشراب من الشباب
والليل وضاح الجبي ن قصير أذيال الثياب
فقنصت منه حمامة بيضاء تنسخ من غراب
والنور مبتسم وخد الورد محطوط النقاب
وكلاهما نثر كما نثروا القوافي في الخطاب
وكأن كأس سلافة ضحكت إليكم عن حباب
وقال في ذلك المعنى:
وصدر تاد نظمنا له القوافي عقدا
في منزل قد سحبنا بظله العز بردا [165ب]
تذكرو به الشهب جمرا ويعبق الليل ندا
وقد تأرج نور غض يخاطب وردا
كما تنفس ثغر عذب يقبل خدا
وقال يصف خيرية:
وخيرية بين النسيم وبينها حديث إذا جن الظلام يطيب
لها نفس يسري مع الليل عاطر كأن له سرا هناك يريب
يدب مع الإمساء حتى كأنما له خلف أستار الظلام حبيب(6/618)
ويخفى مع الإصباح حتى كأنما يظل عليه للصباح رقيب
وله من أخرى يصف يوم أنس ويتغزل:
وأغيد في صدر الندي لحسنة حلي وفي صدر القصيد نسيب
يرف بروض الحسن من نور وجهه وقامته نوارة وقضيب
جلاها وقد غنى الحمام عشية عجوزا عليها للحباب مشيب
وجاء بها حمراء أما زجاجها فما وأما ملؤه فلهيب
على لجة ترتج أما حبابها فنور وأما موجها فكثيب
تجافت بها عنا الحوادث برهة وقد ساعدتنا قهوة وحبيب
وغازلنا جفن هناك لنرجس ومبتسم للأقحوان شنيب
فلله ذيل التصابي سحبته وعيش بأكناف الشباب رطيب
وقال فيما يتعلق بصفة نار:
ومقنع بخلا بنضرة حسنة أمسى هلالا وهو بدر تمام
قبلت منه أقحوانة مبسم رفت وراء كمامة للثام
ولثمت جمرة وجنة تندى به فكرعت في برد بها وسلام
وبكل مرقبة مناخ غمامة مثل الضريب بها مجاج لغام
أوحت هناك إلى الربى أن بشري بالري فرع أراكة وبشام
وكفى بلمح البرق غمرة حاجب وبصوت ذاك الرعد رجع كلام [166أ]
وأحم مسود الأديم كأنما خلعت على عطفيه جلدة حام
ذاكي لسان تحسب أنه برق تمزق عنه جيب غمام(6/619)
وكأن بدء النار في أطرافه شفق لوى [يده] بذيل ظلام
وقال من أخرى:
وما شاقني إل وميض غمامة تطلع في نجد فحيا اللوى ربعا
فقل في أتي قد تهادى كأنه إذا ما ثنى أعطافه حية تسعى
وماء مسيل سائل لقرارة فبينا ترى منه حساما ترى درعا
وكتب إلى الأستاذ أبي محمد البطليوسي جوابا له عن شعر:
أبرك أم يسيح وبستان وذكرك أم راح تدار وريحان
وإلا فما بالي وفودي أشمط تلويت في بردي كأني نشوان
وهل هي إلا جملة من محاسن تغاير أبصار عليها وآذن
بأمثالها من حكمة في بلاغة تحلل أضغان وترحل أظغان
وتنظم في نحر المعالي قلادة وتسحب في نادي المفاخر أردان
تدفق ماء الطبع فيه تدفقا فجاء كما يصفو على النار عقيان
أتاني يرف النور فيه نضارة ويكرع منه في الغمامة ظمآن
وتأخذ عنه صنعة السحر بابل وتلوي إليه عطفة الصب بغدان
وجدت به ريح الشباب لدونة ودون صبا ريح الشبيبة أزمان
وشاق إلى تفاح لبنان نفحة وهيهات من ارض الجزيرة لبنان(6/620)
فهل ترد الأستاذ عني تحية تسير كما عاطى الزجاجة ندمان
تهش إليها روضة الحزن سحرة ويثني إليها من معاطفه البان
وقال:
نبه وليدك من صباه بزجرة فلربما أغفى هناك ذكاؤه
وانهره حتى تسيل دموعه في وجنتيه وتلتظي أحشاؤه
فالسيف لا تذكو بكفك ناره حتى يسيل بصفحتيه ماؤه [166ب]
وقال ابن الصائغ يرثي الأمير الأجل أبا بكر بن ابراهيم:
يا صدى بالثغر جاوره رمم بوركت من رمم
صبحتك الخيل غادية وأثارتك فلم ترم
قد طوى ذا الدهر غرته عنك فالبس حلة الكرم
فقال فيها معارضا:
يا صدى بالثغر مرتهنا بممر الريح والديم
لا أرى أخا كمد باكيا منك أخا كرم
كم بصدري فيك من حرق وبكفي لك من نعم
وقال:
لا لعمر المجد والكرم ومزار لبيت والحرم(6/621)
لا سلوت الدهر عن ملك طلق وجه العرف والكرم
هذه نعماه ملء يدي ونثا حسناه ملء فمي
زمن قوله يصف خالا:
ألم يسقيني سلافة ريقه وطورا يحييني بأس عذاره
فنلت مراد النفس من أقحوانة شممت عليها نفحة لعراره
وجه تخال الخال في صحن خده فتاته مسك فوق جذوة ناره
ومما يتعلق بصفة حية:
نهر كما ساغ اللمى سلسال وصبا بليل ذيلها مكسال
ومهب نفحة روضة مطلولة في جلهتيها للنسيم مجال
غازلته والأقحوانة مبسم والآس صدغ والبنفسج خال
ووراء خفاق النجاد ضبارم يسري به خلف الظلام خيال
ألقى العصا في حيث يعثر بالحصى نهر وتلعب بالغصون شمال
وكأنما بين الغصون تنازع وكأنما بين المياه جدال
فكأنما ألقى هنالك درعه بطل وجرد وشية مختال
بيد الهجيرة منه سوط خافق وبساق ليلة قرة خلخال
فتوعدتني نظرة وقادة يذكى بها تحت الظلام ذبال [167أ](6/622)
وهوى كما أهوى أتي مزبد رجمت به بعض التلال تلال
جمد الغدير بمتنه ولربما أعشاك إفرند له سيال
وجمعت بين المشرفي وبينه فتلاقت الأشباه والأشكال
وتساورا يتكافحان كما التقى يوما أبو إسحاق والرئبال
وقال يتشوق إلى الوطن:
أجبت وقد نادى الغرام فأسمعا عشية غناني الحمام عرجعا
فقلت ولي دمع ترقرق فانهمى يسيل وصبر قد وهى فتضعضعا
ألا هل إلى أرض الجزيرة أوبة فأسكن أنفاسا وأهدا مضجعا
وأغدو بواديها وقد نضح الندى معاطف هاتيك الربى ثم أقشعا
أغازل فيها للغزالة سنة تحط الصبا عنها من الغيم برقعا
وقد فض عقد القطر في كل تلعة نسيم تمشى بينها فتضوعا
وبات سقيط الطل يضرب سرحة ترف بواديها وينضح أجرعا
فقد تركتني بين جفن جفا الكرى وجنب تقلى لا يلائم مضجعا
أقلب طرفي في السماء لعلني أشم سنا برق هناك تطلعا
وله:
إن للجنة بالأندلس مجتلى حسن وريا نفس
فسنا صبحتها من شنب ودجى ليلتها من لعس
فإذا ما هبت الريح صبا صحت واشوقا إلى الأندلس
ومما يشتمل على أوصاف:(6/623)
أبى البرق إلا أن يحن فؤاد ويكحل أجفان المحب سهاد
فبت ولي من قانىء الدمع قهوة تدار ومن إحدى يدي وساد
تنوح لي الورقاء وهي خلية وينهل دمع المزن وهو جماد
وليل كما مد الغراب جناحه وسال على وجه السجل مداد
به من وميض البرق والليل فحمة شرار ترامى والغمام زناد [167ب]
سريت به أحييه لا حية السرى تموت ولا ميت الصباح يعاد
يقلب مني العزم إنسان مقلة لها الأفق جفن والظلام سواد
بخرق لقلب البرق خفقة روعة به ولجفن النجم فيه سهاد
سحيق فلا غير الرياح ركائب هناك ولا غير الغمام مزاد
كأني وأحشاء البلاد تجنني سريرة حب والظلام فءاد
أجوب جيوب البيد والصبح صارم له الليل غمد والمجر نجاد
ولما تفرى من دجى الليل طحلب وأعرض من ماء الصباح ثماد
حننت وقد ناح الحمام صبابة وشق من الليل البهيم حداد
ومنها:
عشية لا مثل الجواد ذخيرة ولا مثل رقراق الحديد عتاد
إذا راب خطب خفرتني ثلاثة سنان وعضب صارم وجواد
فبت ونصل المشرفي مضاجع ولا غير ظهر الأعوجي مهاد(6/624)
معانق خل لا يخل وإنما مكان ذراعيه علي نجاد
وله في وصف النار:
وموقد نار طاب حتى كأنما يشب الندى فيه لساري الدجى ندا
فأطلع من داجي دخان بنفسجا جنيا ومن قاني شواظ له وردا
وضاحك غرا من وجوه وضية فلم أدر أي كان أذكاهما وقدا
إذا بسطت كف الهياج إلى العدا أنامل سمر الخط كانوا لها زندا
أرى خير نار حولها خير فتية أنافت لهم جيدا وحفوا بها عقدا
إذا الريح ماست من سواد دخانها عذارا ومن محمر جاحمها خدا
وثارت قتاما يملأ العين أكهبا وجالت جوادا في عنان الصبا وردا
رأيت جفون الريح والليل إثمد وتقلب من جمر الجذى أعينا رمدا
وبالجمر في أكنافها مس رعدة كأن بحامي الجمر من شدة بردا [167أ]
وقال يستهدي خمرا في يوم برد:
كتبت وقد خصرت راحتي فهل من حريق لكأس الرحيق
وقد أعوزت نارها جملة فلولاك شبهتها بالصديق
وله في صفة رمح:
وأسمر يلحظ عن أزرق كأنه كوكب رجم وقد
يضحك من بيض حباب طفا فيه ومن درع غدير جمد
حيث الوغى بحر وبيض الظبا موج وخرصان العوالي زند
وفي صفة سفينة:(6/625)
وجارية ركبت بها ظلاما يطير من الصباح بها جناح
إذا الماء اطمأن فرق خصرا علا من موجه ردف رداح
وقد فغر الحمام هناك فاه وأتلع جيده الأجل المتاح
فما أدري أموج أم قلوب وأنفاس تصعد أم رياح
وله:
ندي النسيم وما أرق وأعطرا وهفا القضيب وما أغض وأنضرا
فزففتها بكرا إذا أقبلتها ألقت على وجهي قناعا أحمرا
ورفلت بين قميص غيم هلهل ورداء شمس قد تمزق أصفرا
والريح تنخل من رذاذ لؤلؤا رطبا وتفتق من غمام عنبرا
وله في الغض من معذر:
وافى بنا وله صحيفة صفحة جعل العذار بها يسيل مدادا
متجهما ثكل الشباب وإنما لبس العذار على الشباب حدادا
وله في الشقيق:
ياحبذا والبرد يزحف بكرة جسما رحيق دونه وحريق
حتى إذا استولى وأسلم عنوة ما شئت من سهل وذروة نيق
أخذ الربيع عليه كل ثنية فبكل مرقبة لواء شيق [167ب]
وله في صفة كلب مطوق العنق بالبياض محجل الأربع، وصفة أرنب:
وأطلس ملء جانحتيه خوف لأشوس ملء شدقيه سلاح(6/626)
نجا هربا يطير حذار طاو له ركض يغص به البراح
فطورا يرتقي حدب الروابي وآونة تسيل به البطاح
جرى شدا وللصبح التماع بحيث جرى وللبرق التماح
فحجله وسوره وميض جرى معه وطوقه صباح
وقال في صفة خاتم سماوي الفص:
ومرقرق الإفرند أبدى بهجة وذكا فأطلع بالظلام ضياء
وتختمت من فصه بغمامة كف تكون على السماح سماء
قد صيغ صيغة فتنة أصبى لها نفس الحليم وضاجع العذراء
ما إن ترف لها بنفسجة به حتى ترق لها فتجري ماء
فكأنما نظرت به يوم النوى عن مقلة بهتت به كحلاء
ومما تعلق بصفة جبل:
وصهوة عزم قد تمطيت والدجى مكب كأن الصبح في صدره سر
وقد ألحفني شملة الطل شمأل يقلقل أحشاء الأراك بها ذعر
وشق الدجى نجم من النفط مرسل ترامى من الليل البهيم به فجر
وأشرف طماح الذؤابة شامخ تنطق بالجوزاء ليلا له خصر
وقور على مر الليالي كأنما يصيخ إلى نجوى وفي أذنه وقر
تمهد منه كل ركن ركانة فقطب إطراقا وقد ضحك البدر(6/627)
ولاذ به نسر السماء كأنما يحن إلى وكر به ذلك النسر
فلم أدر من صمت له وسكينة أكبرة سن وقرت منه أم كبر
وقال يداعب ويتغزل بنعجة سوداء:
وسوداء تدمى به منحرا كما اعترض الليل تحت الشفق [169أ]
وأقسم لو مثلت ليلة لعفت الكرى واستطبت الأرق
فيا حسن خصر لها أحمر ومئزز شحم عليه يقق
وما رفلت في قميص الدجى ولا اشتملت برداء الغسق
ولكن تسيل عليها القلوب هوى وتذوب عليها الحدق
وقال فيها وفي كبش أملح:
ألا حبذا عيد تلاقت به المنى فجدد من عهد الشباب مشيب
وأعرض في حسن المليحة أملح يلاعب ربات الحجال ربيب
تهادت تثنى وهو يذعر فالتوى قضيب بها وارتج منه كثيب
وسوداء أما نسبة فهي نعجة تروق وأما نصبة فنجيب
أقا [م بها] ما بين ظل ومورد مراد ببطن الواديين خصيب
أتتك وأفياء الشباب تظلها وهل زار إلا في الظلام حبيب
فطفت بها تمشي الهوينا وإنما تمشى إليها وهي تجهل ذين
وله، قال:
وأغر ضاحك وجهه مصباحه فأنار ذا قمرا وذلك فرقدا
ما إن خبا تلقاء نور جبينه حتى ذكا بذكائه فتوقدا(6/628)
وقال يصف شجرة، طرحت ظلها على نهر، لم تكرع فيه ولا بعدت عنه:
وسرحة خاض ألمى ظلها نهر أوفت عليه فلم تنقص ولم تزد
كما تدانيت من ثغر لمرتشف ثم اتقيت فلم تصدر ولم ترد
كأن أفياءها طيبا حمى ملك أغضى وأعطى فلم يوعد ولم يعد
وله في معذر:
أطل وقد خط في خده من الشعر سطر دقيق الحروف
فقلت أرى الشمس مكسوفة فقوموا فصلوا صلاة الكسوف
وله:
يا أيها الصب المعنى به ها هو لا خل ولا خمر
سود ما ورد من خده فآل فحما ذلك الجمر [169ب]
وله:
هل ساءه أن عاد آسا ورده وتعطلت من فيه كأس تشرب
وكأن صفحته وبدء عذاره ماء يثور بصفحتيه طحلب
وله في النحول:
بهرت جمالا فرعت البصر وذبت سقاما ففت النظر
فصرت إذا امكنت لقية أريك السها وتريني القمر(6/629)
وفي جنى التين:
أما واهتصار غصون البلس وقد قلص الصبح ذيل الغلس
ومال يسيل جنى شهده كما سال ريق حبيب نعس
لقد شاق من رائق المجتلى شهي الجنى مستطاب النفس
فهمت له ببياض الثغور وأجببت فيه سواد اللعس
في صفة أسود يسبح:
وأسود عن لنا سابح في لجة تطفح بيضاء
وإنما جال بها ناظر في مقلة تنظر زرقاء
وفي صفة سحابة:
وغمامة لم يستقل بها السرى فمشت على الظلماء مشي مقيد
حملت بها ريح القبول سحابة سحابة الأذيال تلمس باليد
في ليلة ليلاء يلحس حبرها وهنا لسان البارق المتوقد
نسخ الضريب بها الظلام حمامة فالبيض كل غراب ليل أسود
شابت وراء قناعها لمم الربى وامشط مفرق كل غصن أملد
وقال يمدح، ويسأل حاجة:
أآليت إلا أن تسير مع الفضل وأزمعت إلا أن تصم عن العذل
فنبت مناب البدر في ليلة السرى وقمت مقام الوبل في البلد المحل(6/630)
وأضرمت نار الطعن في ثغر العدا وأجريت ماء النصر في صفحة النصل [170أ]
فحيت أبا يحيى ذراك غمامة صقيلة ثغر البرق وارفة الظل
تجرر أذيال الرباب على الربى ويمشي بها واني النسيم على الرسل
فطل عمر الدنيا وطأ قمم العدا وخيم مع العليا وحز قصب الخصل
ومن بها اندى نسيما من الصبا [لدي] وأحلى موقعا من جنى النحل
ولا تحتقرها من نوالك برة فللطل معنى ليس للمطر الوبل
وقال في صفة فرس أشقر:
ومطهم شرق الأديم كأنما ألفت معاطفه النجيع خضابا
طرب إذا غنى الحسام ممزق ثوب العجاجة جيئة وذهابا
قدحت يد الهيجاء منه بارقا متلهبا يزجي القتام سحابا
ورمى الحفاظ به شياطين العدا فانقض في ليل الغبار شهابا
بسام ثغر الحلي تحسب أنه كأس أثار بها المزاج حبابا
وله:
وحسام بكف أشوس أجرى في الطلى ماءه وأضرم ناره
عطف الضرب منه عارض شيب فانحى يخضب النجيع عذاره
فوق ورد محجل مزج الحسن بمرآه ماءه وعقاره
خلصته نار الطبيعة سبكا وأسالت لجينة ونضاره
قدح الركض زنده فاستطارت في دخان العجاج منه شراره
يضحك الحلي فوقه عن أقاح نثرتها الصبا على جلناره(6/631)
وقال يصف شابا حسن الصوت:
ومغرد هزج الغناء مطرب تلقى به ليل التمام فيقصر
سفر الشباب لنا به عن غرة ترمي بها ليل السرار فيقمر
غازلته حيث المدامة والحبا بة وجنة تدمى وعين تنظر
والمزن طرف جال يصهل أشهب والبرق برد قد تمزق أحمر
وكأنه والسكر يلوي عطفه غصن تعانقه الرياح منور [170ب]
ملأ المسامع والعيون محاسنا فلم ادر هل أصغي إليه أم انظر
وله من قصيدة يقول فيها:
هذا غراب دجاك ينعب فازجر وعباب ليلك قد تلاطم فاعبر
واشتف من نطف النجوم على السرى والتف في ورق الظلام الأخضر
والبس رداء السيف وهو مطرز تحت العجاجة بالنجيع الأحمر
وارم الكريهة بالكريمة وارتشف صفو الحياة من العجاج الأكدر
وقال يتغزل في لابسه ثوب معصفر:
وبيضاء في صفراء تحمل نفحة تنفس عنها المندل الرطب والجمر
خلعت رداء الصبر فيها علاقة ويحسن إلا في هوى مثلها الصبر
ولا غرو أن تروى بها عين ناظر وباطنها ماء وظاهرها خمر
وقال يصف:
وساق لخيل اللحظ في شأو حسنة جماح وبالصبر الجميل حران(6/632)
سقانا وقد لاح الهلال عشية كما اعوج في نحر الكمى سنان
عقارا نماها الكرم فهي كريمة ولم تزن بابن قط فهي حصان
وقد جال من جون الغمامة أدهم له البرق سوط والشمال عنان
وضمخ ردع الشمس نحر حديقة عليه من الطل السقيط جمان
ونمت بأسرار الرياض خميلة لها النور ثغر والنسيم لسان
وقال:
حسب الفتى حلية أن يستقل به ملك عزيز فلا يقعد بك العطل
فما احتمى جانب لم يحمه ملك ولا مضى صارم لم يمضه بظل
وقال يصف سحابة:
وخميلة قد أخملت سربالها كفا صناع تستهل هتون
نشوى تهادى في وشاح مذهب قلق وتسحب من ذيول جون
طبعت من النوار بيض دراهم مدت إليك بها بنان غصون [171أ]
فرفلت حيث تعثرت بي نشوة في ثوب وشي للربيع مصون
والأرض تسفر عن وجوه محاسن بيض وتنظر عن عيون عيون
وله:
وظلام ليل لا شهاب بأفقه إلا لنصل مهند أو لهذم(6/633)
لاطمت لجته بموجة أشهب يرمي بها بحر الظلام فترتمي
قد سال في وجه الدجنة غرة فالليل في شية الأغر الأدهم
أطلعت منه ومن سنان أزرق ومهند عضب ثلاثة أنجم
جاذبته فضل العنان وقد طغى فانساح ينسل انسياب الأرقم
في خصر غور بالآراك موشح أو وجه خرق بالضريب ملثم
حتى تهادى الغصن يأطر متنه طربا لشدو الطائر المترنم
وكأن ضوء الصبح راية ظافر نفضت بها الهيجاء نضحا من دم
وكانت بينه وبين القاضي أبي اسحاق بن ميمون مداعبة، فاستطعمه يوما فراخ وعنبا، فكتب إليه يستدعيه:
بما حزته من شريف النظام وأرهفته من حواشي الكلام
تعال إلى الأنس في مجلس يهز به الشيخ عطفي غلام
رطيب النسيم كأن الصبا تجرر فيه ذيول الغمام
وعندي لمثلك من خاطب بنات الحمام وأم المدام
بنات تنافس فيها الملوك وتلهو العذارى بها في المنام
فقد كدن يلقطن حب القلوب ويشربن ماء عيون الكرام
وعش تتثنى انثناء القضيب سرورا وتسجع سجع الحمام
وتحمل ثوبك خطية وينطق عنك لسان الحسام(6/634)
وقال:
ومجر ذيل غمامة قد نمنمت وشي الربيع به يد الأنوار
ألقيت أرحلنا هناك بقبة مضروبة من سرحة غيناء [171ب]
وقسمت طرف العين بين رباوة مخضرة وقرارة زرقاء
وشربتها عذراء تحسب أنها معصورة من وجني عذراء
وقال يصف صفرة الشراب وبياض الحباب:
خذها كما اطلعت إليك عرارة مفترة عن لؤلؤ الأنداء
صفراء في بيضاء تحسب أنها شمس العشية في قرار الماء
وفي صفة سيف:
ومرهف كلسان النار منصلت يشفي من الثار أو ينفي من العار
تخال شعلة برق منه طائرة في عارض من عجاج الخيل موار
يمضي فيهوي وراء النقع ملتهبا كما تصوب يجري كوكب سار
وذكر أن جارية للمعتمد - رحمه الله - تسمى جوهرة خاطبته وأثبتت اسمها تحت الختم، فقال في ذلك:
قالت وقد حطت العنوان جوهرة عن مرتقى رتبة قد سنها الأول
لا غرو أن صرت تحت الختم واقعة ان الجواهر تحت الختم تحتمل
وقال:
ألا مبلغ عني تحية وامق لأحور أحوى المقلتين ربيب(6/635)
أبيت به ما بين نهر لمدمع يفيض وريا روضة لنسيب
ومهما تنسمت الرياح عشية تسنمت شوقا ظهر كل كثيب
وخضت حشا الظلماء فيه صبابة أريغ مع الظلماء خلسة ذيب
وما ضرة لو كنت أنقع غلتي بري وأشكو علتي لطبيب
سأحمل وخز الشوك في الحب للجنى وأصفح عن عاص لفضل منيب
ومما يشتمل على أوصاف:
ويوم ترى برقة أشقرا يطارد من مزنة أشهبا
ترى الأرض منه وقد فضضت ووجه السماء وقد ذهبا
وقد أطلع الروض من أيكة سماء ومن زهرة كوكبا [172أ]
وطرز أثواب خضر الغصون ورصع تيجان هام الربى
وقد قبل الماء كأس المدام فأضحك ثغرا لها أشنبا
وشب المزاج بها جمرة تكاد بها الكأس أن تلهبا
عروسا ترى خذها أحمرا يشوق ومفرقها أشيبا
وله:
ألا أطربتني والكريم طروب حمائم تبكي والبكاء ضروب
لها دون أستار الظلام مآتم تمزق فيها للقلوب جيوب
سجعن وعهدي بالهوى متقادم فعاودت شجوي والخطوب تنوب
فيا رشأ للمسك في صفحاته سواد وللبدر المنير شحوب
ألا إن ثغر الدمع فيك لباسم وقد طال من وجه الظلام قطوب(6/636)
ومن لي بطيف منك يطرق مضجعي وبين الكرى والعين فيك حروب
وإني لمهتز لذكراك لوعة كما اهتز في مسرى النسيم قضيب
وله:
ويوم صقيل للشباب ظللته تجد بي الصهباء فيه وألعب
توضح في وجه الصبا منه مبسم وأشرق في ليل الشبيبة كوكب
تقلبت فيه بين أعطاف عيشة كما اخضر يندى أبطح طل معشب
وقد هز من عطفي نديم وخوطة رنين حمام أو غلام يطرب
وجزع بأنداء الغمام مفضض وذيل عليه للعشي مذهب
وقد جال من كأس المدامة أشقر يسابقه من جدول الماء أشهب
بروض كأن الغصن يزهى فينثني به وكأن الطير يسقى فيطرب
قد ارتجز الرعد المرن بأفقه فاملى وجالت راحة البرق تكتب
كأن لسان البرق فيه عشية لواء خضيب أو رداء مذهب
وقال يصف أثر سيل:
أما ومسيل سائل الغيث كالسطر يؤم قرارا دائر الماء كالعشر
وقد غمر القيعان ماء مصندل كما أترع الساقي الزجاجة بالجمر [172ب]
وها أنا مبلول الجناح من الحيا بصوب ومذعور الفراخ من الوكر
بدار سقتها ديمة إثر ديمة فمالت بها الجدران سطرا على سطر
فمن عارض يسقي، ومن سقف مجلس يغني، ومن بيت يميل من السكر(6/637)
إذا ما وهى ركن فأهوى فانني لأشجى من الخنساء تبكي على صخر
فصلني بدار من ديارك مجملا فللنجم أن يحتل منزله البدر
ومن أخرى يتغزل:
وبدا هلال في نقابك طالع ولربما انحدر النقاب فأقمرا
فجنيت روضا في قناعك زاهرا وقضيب بان في وشاحك مثمرا
ثم انثنيت وقد لبست معصفرا وطويت من خلع الظلام معنبرا
والصبح محطوط القناع قد احتبى في شملة ورسية وتأزرا
وقال يراجع ابن أبي الخصال:
أمقام وصل أم مقام فراق فالقضب بين تصافح وعناق
خفاقة ما بين نوح وحمامة هتفت ودمع غمامة مهراق
عبثت بهن يد النعامى سحرة فوضعن أعناقا على أعناق
أنسينني خلق الوقار وربما أذكرنني بمواقف العشاق
ضما ولثما واستطابة نفحة وخفوق أحشاء وفيض مآق
فلو أن سرحة بطن واد باللوى حييتها تصغي إلى مشتاق
لنثرت بالجرعاء عقد مدامعي ففضضت ختم الصبر عن أغلاقي
فاليك يا نفس الصبا فلطالما أذكى نداك حرارة الأشواق
ها إن بي لمما يؤرق ناظري أسفا فهل من نافث أو راق(6/638)
سر وادعا لا تستطر قلبا هفا بجناح شوق رشته خفاق
وإذا طرقت جناب قرطبة فقف وكفاك من ناس ومن آفاق
والثم يد ابن أبي الخصال عن العلا متشكرا واضممه ضم عناق [173أ]
وافتق بناديه التحية زهرة نفاحة تغني عن استنشاق
كالشمس يوم الدجن تندى مجتنى ظل وتحسن مجتلى إشراق
واهزز بها من معطفيه فإنما شعشعتها كأسا بيميني ساق
والنور يرقم من بساط بسيطة والغيم ينشر من جناح رواق
يزهى بأعلاق المعالي حلية إن المعالي أنفس الأعلاق
طالت به رمح السماك يراعة تستضعف الجوزاء شد نطاق
ما خط في غرر الحسان وضاءة حتى استمد لها من الأحداق
مغرى بأغراض تهول براعة ورفيف ألفاظ تشوق رقاق
أقسمت لو أخذ الهلال كماله عنه لتم تمام غير محاق
ومن نثره:
ها هو - أدام الله عز عمادي - قد تجافى له عن صدر ميدانه، وتشرف بلثم أردانه. فاستقبل فسطاطة استقبال إهلال، وقبل بساطة تقبيل إجلال، وأقسم لو تحمل حجما، وتمثل نجما، لم أرضه، حتى يهبط أرضه، ويقضي فرضه، جوابا عن نثر ترددت فيه بين روضة وغدير، وتلددت منه بين أراكة وهدير، لا أعدم هناك نسما رطبا، وموردا عذبا، وحدائق غلبا، وفاكهة(6/639)
وأبا، ونظم قد أخذ بمجاميع الأهواء، وامتزج لطافة بالهواء، وحسبك من شعر يضاهي الشعريين إشراقا، والشمس إبراقا، ويباهي القمر اتساقا، والجوزاء انتساقا، يتغنى به الشرب، ويترنم الركب، فطورا ينتشق مع العرار بتلك الخمائل، وتارة يعتنق مع الطيب اعتناق الخمائل.
وأقرأ عليه سلاما تندى به الرمضاء، وتتنافس فيه الأعضاء، فتود المعاطس لو فتق مسكا فيتشنق، وتتمنى السوالف لو نسق سلكا فيتطوق.
ومن أخرى:
أوجهك بسام وطرفي باك وعدلك موجود ومثلي شاك
وتأبى اهتضامي في جنابك همة تهزك هز الريح فرع أراك
وله في طريقة مهيار:
ويا بانة الوادي بمنعرج اللوى أتصغي على شحط النوى فأقول
ويا نفحات الريح من بطن لعلع ألا جاد من ذاك النسيم بخيل
ويا خيم نجد دون نجد تهامة ونجد ووخد للسرى وذميل
ويا ريم نجد والعوادي كثيرة بحكم الليالي والوفاء قليل
ألا رجعت تلك الشمال تحية تمشت بها عني إليك قبول
وجاذبني ريا العرارة ناسم يجاذبني فيك النحول عليل(6/640)
وهل بين هاتيك التلاع معرس وفي ملتقى تلك الظلال مقيل
وهل يلتقي عندي خيالك ليلة وريح ببطن الواديين بليل
وله:
وإني لأغشى موقف البين والوغى فتندى جفوني عبرة ويدي دما
وإلا فهذا جيب صبري ممزقا بكفي وهذا صدر رمحي محطما
وقال من قصيد مطول:
أما والتفات الروض عن زرق النهر وإشراف جيد الغصن في حلية الزهر
وقد نسمت ريح النعامى فنبهت عيون الندامى تحت ريحانة الفجر
وخدر فتاة قد طرقت وإنما أبحت به وكر الحمامة للصقر
لقد جبت دون الحي كل ثنية يحوم بها نسر السماء على وكر
وخضت الليل يسود فحمة ودست عرين الليث ينظر عن جمر
وجئت ديار الحي والليل مطرق منمنم ثوب الأفق بالأنجم الزهر
أشيم بها برق الحديد وربما عثرت بأطراف الردينية السمر
فلم ألق إلا صعدة فوق لأمة فقلت قضيب قد أطل على نهر
ولا شمت إلا غرة فوق شقرة فقلت حباب يستدير على خمر
ودون طروق الحي خوضة فتكة مورسة السربال دامية الظفر
تطلع في فرع من النقع أسود وتسفر عن خد من السيف محمر
فسرت وقلب البرق يخفق غيرة هناك وعين النجم تنظر عن شزر
وطار إليها بي جناح صبابة فطار بها عني جناح من الذعر [174أ]
فقلت رويدا لا تراعي فإننا لتطوى ضلوع الليل منا على سر
وسكنت من نفس تجيش مروعة ومسحت عن عطف تمايل مزور(6/641)
ومزقت جيب الليل عنها وإنما رفعت جناح الستر عن بيضة الخدر
وقبلت ما بين المحيا إلى الطلى وعانقت ما تحت التراقي إلى الخصر
وأطراب سجع الحلي من خيزرانة تميل بها ريح الشبيبة والسكر
غزالية الألحاظ ريمية الطلى مدامية الألمى حبابية الثغر
ترنح في موشية ذهبية كما اشتبكت زهر النجوم عل البدر
تلاقى نسيبي في هواها وأدمعي فمن لؤلؤء نظم ومن لؤلؤ نثر
وقد خلعت ليلا علينا يد الهوى رداء عناق مزقته يد الفجر
ولما انجلى ضوء الصباح كأنه مشيب بفود الليل طالع من خطر
وحط رداء الغيم عن منكب الصبا ونم على ذيل الدجى نفس الزهر
صددت ودون النجم ستر غمامة يشف كما شف الرماد عن الجمر
ومنها:
عليه يمين أن تفيض يمينه وألا يغض الجفن جفنا على وتر
ووجه وضيء شف عنه لثامه كما شف رقراق الغمام عن البدر
سرى بين نوار لزرق أسنة حداد وأوراق لراياته خضر
فهزت إليه عطفها كل راية تهز عليه الغصن في الورق النضر
وحن إليه كل ورد محجل كأن لجينا سال منه على تبر
يجول فتجري في عنان به الصبا ويزجر في لبد به البحر في البر
وأشهب وضاح تحمل رقعة من الحسن لم تعثر بها العين في بشر
تخط سطور الضرب يوما بها الظبا ويعجمها وخز المثقفة السمر(6/642)
وتدرج منه السلم ما ينشر الوغى فطورا إلى طي وطورا إلى نشر
وأدهم لولا أنه راق صورة لما عرفته العين من ليلة الهجر
طويل سبيب العرف والعنق والشوى قصير عسيب الذيل والأذن والظهر [174ب]
له غرة تستصحب النصر طلقة كفاك بها في سورة الحسن من بشر
أما وانتشار النقع عنه صحيفة لقد راع في تلك الصحيفة من حبر
ونال تميم سؤدد الكهل في الصبا فتم تمام البدر في غرة الشهر
وحلت به الأملاك وهي شريفة محل ليالي الصوم من ليلة القدر
3 - تقسمه جود يفيض وهمه فمن منهل غمر ومن جبل وعر
فلو مسحت يمناه عن وجه ليلة لحطت قناع الليل عن قمر يسري
رميت بآمالي إليه وإنما حملت به المرعى الجديب إلى القطر
ولا أمل إلا كتاب شفاعة إذا الخطب أعيا وزره شد من أزري
وبي [مس شكوى] لا أطيق لها السرى فإن لم أطأ باب الأمير فعن عذر
أبا الطاهر اقبلها إليك تحية أرقت عليها سحرة رونق السحر
خلعت قوافيها عليك وإنما نظمت بها عقدا نفيسا على نحر
فسد وطأ التيجان عزا وذد وجد رحيب فناء الملك عالي يد الأمر
فصيح لسان السيف والضيف والندى رفيع منار القدر والذكر والفخر
ومما تصرف به القول فيه من غزل إلى رثاء من قصيد:
أفي ما تؤدي الريح عرف سلام ومما يشب البرق نار غرام
وإلا فماذا أرج الريح سحرة وأذكى على الأحشاء نار ضرام(6/643)
أما وجمان من حديث علاقة يهز إليه الشيخ عطف غلام
لقد هزني في ريطة الشيب هزة أرتني ورائي في الشباب أمامي
ورب ليال بالغميم أرقتها لمرضى جفون بالفرات نيام
يطول علي الليل يا أم مالك وكل ليالي الصب ليل تمام
ولم أدر ما أشجى وأدعى إلى الهوى أخفقة برق أم غناء حمام
فقضيتها ما بين رشفة لوعة وأنه شكوى واعتناق غرام
وأحسن ما التفت عليه دجنة عناق حبيب عن عناق حسام [175أي
فليت نسيم الريح رقرق أدمعي خلال ديار باللوى وخيام
وعاج على أجزاع واد بذي الغضا فصافح عني فرع كل بشام
مسحت له عن ناظري صبابة وأقلل بدمعي من قضاء ذمام
فيا عرف ريح عاج عن بطن لعلع يجر على الأنداء فضل زمام
بما بيننا بالحقف من رمل عالج وفي ملتقى الأرطى بسفح شمام
تلدد بدار القصف عني ساعة وأبلغ نداماها أعز سلام
وقل لغمام ألحف الأرض ذيله فلف فجاجا تحته بإكام
أما لك من ظل يبرد مضجعي أما فيك من طل يبل أوامي
وأي ندى أ، برد ظل لمزنة على عقب أتراب رزئت كرام
وقفت وقوف الثكل بين قبورهم أعظمها من أعظم ورجام
وأندب أشجى رنة من حمامة وأبكي فأقضي من ذمام رمام
مضوا بين واد للسماح ومشرع وغارب عز في العلا وسنام
ومنتصب كالرمح هزة عزة وفتكة بأس واستواء قوام(6/644)
ومنصلت كالسيف نصرة صاحب وضحكة بشر واعتزاز مقام
ومقتبل مستقبل كعبة العلا يصلي بأهليها صلاة إمام
تهل له من عفة في طلاقة كأن ببرديه هلال صيام
وما ضارة أن يستسر لعالم إذا ما بدا في عالم لتمام
وله يصف كلبا مطوق العنق بالبياض، وصفة طائر:
وأخطل لو تعاطى سبق برق لطار من النجاح به جناح
يسوف الأرض يسأل عن بنيها فتخبر أنفه عنها الرياح
أقب إذا طردت به قنيصا تنكب قوسه الأجل المتاح
أضل برأسه ليل بهيم فشد على مخنقه صباح
ولما علمت رغبته - في التماس الطيور اللبلية واقتنائها، وتحققت همته في انتخابها [175ب] وانتقائها، تهممت بالفحص عن أفرهها، وأشرفها صفة وأشرهها، فسنح منها طائر يستدل بظاهر صفاته، على كرم ذاته، طورا ينظر نظرا الخيلاء في عطفه، كأنما يزهى به منه جبار، وطورا يرمي نحو السماء بطرفة، كأنما له هنالك أعتبار. وأخلق به أن ينقض على قنصه شهابا، ويلوي به ذهابا، ويحرقه توقدا والتهابا. وقد بعثت به سابغ الذنابى والجناح، كفيلا في مطالبه بالنجاح، حميد العين والأثر، حديد السمع والبصر، يكاد يحس بما يجري ببال، ويسري من خيال، قد جمع بين عزة مليك، وطاعة مملوك، لو سبك له النجم قنصا، أو جرى بذكره البرق قصصا، لاختطفه أسرع من لحظة، وأطوع(6/645)
من لفظه، وانتسفه أمضى من سهم، وأجرى من وهم، قد أقسم بشرف جوهره، وكرم عنصره، لا توجه مسفرا، إلا غادر قنيصه معفرا، وآب إلى مرسله مظفرا، مورد المخلب والمنقار، كأنما اختضب بحناء وكرع في عقار.
وله في صفة محك:
ومخطوط السواد كأن دمعا جرى ودما هناك على حداد
إذا التبست وجوه الحكم يوما قضى فمضى على وجه السداد
فأي بياض نعمى ليس يعزى لمشتمل بسربال السواد
تلون فالتمحت به ضميرا دخيل السر ممذوق الوداد
يجيب وما سألت به سميعا فيا عجبا لأفصاح الجماد
وله في معذر:
أقوى محل من شبابك آهل فوقفت أندب منه رسما عافيا
مثل العذار هناك نؤيا داثرا واسودت الحيلان فيه اثافيا
وقال نظما ونثرا، يداعب غلاما قد بقل عذاره:
أيها التائه مهلا ساءني أن تهت جهلا
هل ترى فيما ترى الأم شبابا قد تولى(6/646)
وغراما قد تسرى وفؤادا قد تسلى
أين دمع فيك يجري اين جنب يتقلى
أين نفس بك تهذي وضلوع فيك تصلى
أي ملك كان لولا عارض وافى فولى
وانطوى الحسن فهلا أجمل الحسن وهلا [176أ]
أما بعد، أيها النبيل النبيه، فإنه لا يجتمع العذار والتيه؛ كان ذلك وغصن الشبيبة رطب، ومنهل ذلك المقبل عذب، وأما والعذار قد بقل، والزمان قد انتقل، والصب قد صحا فعقل، فقد ركدت رياح الأشواق، ورقدت عيون العشاق، فدع عنك من نظرة التجني، ومشية التثني، وغض من عنانك، وخذ في ترضي إخوانك، وهش عند اللقاء هشة أريحية، واقنع بالإيماء رجع تحية، فكأني بفنائك مهجورا، وبزائرك مأجورا.
وقال وقد طلع عليه القمر في ليالي أسفاره، فجعل يطرق في معنى كسوفه وإقماره، وعلة إهلاله تارة وسراره:
لقد أصخت إلى نجواك من قمر وبت أدلج بين الرعي والنظر
لا أجتلي لمحا حتى أعي ملحا عدلا من الحكم بين السمع والبصر
وقد ملأت سواد العين من وضح فقرط السمع قرط الأنس من سمر
فلو جمعت إلى حسن محاورة حزت الجمالين من خبر ومن خبر
وإن صمت ففي مرآك لي عظة قد أفصحت لي عنها ألسن العبر(6/647)
تمر من ناقص حورا ومكتمل كورا ومن مرتق طورا ومنحدر
فإن بكيت فقد يبكي الجليد فعن شجو يفجر عين الماء في الحجر
ومحاسن الخفاجي كثيرة، وفي ما مر منها كفاية، إذ لا يتسع هذا المجموع لاستقصاء الغاية.
أخبرني أنه لما أقلع من صبوته، وطلع ثنية سلوته، والكهولة قد حنكته، وأسلكته من الارعواء حيث أسلكته، رأى أنه مستيقظ، وجعل يفكر في ما مر من شبابه، وفي من ذهب من أحبابه، ويبكي على أيام لهوه، وأوان غفلته وسهوه، ويتوجع لسالف ذلك الزمان، ويتبع الذكر دمعا كواهي الجمان، ثم جعل يقول:
ألا ساجل دموعي يا غمام وطارحتني بشجونك يا حمام
وأخبرني أنه لقي عبد الجليل الشاعر بين لورقة والمرية، والعدو بليط لا يريم، يفرع تلك الربى، ويروع حتى مهب الصبا، فباتا ليلتهما بلورقة يتعاطيان أحاديث حلوة المساق، ويواليان أناشيد بديعة الاتساق، إلى أن طلع لهما الصباح أو كاد، وخوفهم تلك الأنكاد، فقام الناس إلى رحالهم فشدوها، وافتقدوا أسلحتهم وأعدوها، وساروا يطيرون(6/648)
وجلا فعال إليه عبد الجليل وفؤاده يطير، وهو كالطائر في اليوم العاصف المطير، فجعل يؤمنه فلا يسكن فرقه، ويؤنسه فيتنفس
صعداء تثيرها حرقة، إلى أن مرا بمشهدين عليهما رأسان باديان، وكأنهما بالتحذير لهما مناديان، فقال أبو اسحاق:
الا رب رأس لا تزاور بينه وبين أخيه والمزار قريب
أناف به صلد الصفا فهو منبر وقام على أعلاه فهو خطيب
فقال عبد الجليل:
يقول حذارا لا اغترار فطالما أناخ قتيل بي ومر سليب
فما أتم قوله حتى لاح لهما قتام فانقشع عن سرية خيل، كقطع الليل، فما انجلت إلا وعبد الجليل قتيل وابن خفاجة سليب، وهذا من أغرب تقول، وأصدق تفول.
وله:
خذها يرن بها الجواد صهيلا وتسيل ماء في الحسام صقيلا
بسامة تصبي الحليم وسامة لولا المشيب لمستها تقبيلا
من كل بيت لو تدفق طبعه ماء لغض به الفضاء مسيلا
إية وما بين الجوانح غلة لو كنت أنقع بالعتاب غليلا
ما للصديق وقيت تأكل لحمة حيا وتجعل عرضة منديلا
أقبلته صدر الحسام وطالما أضفيته درعا عليه طويلا(6/649)
ماذا ثناك عن الثناء ونشره بردا على الرسم الجميل جميلا
ومنها:
واصحب وذهنك من هجير لافح ذكرا كما سرت القبول بليلا
فلقد حللت مع الشباب بمنزل يرتد طرف النجم عنه كليلا
وبدهت لا نزر المحاسن مجبلا ومضيت لا قصم الغرار فليلا
متدفقا أعيا العقول طريقة فكأنما ركب المجر سبيلا
يستوقف العليا جلالا كلما سجد اليراع بكفه تقبيلا
وسواي ينشد في سواك ندامة " يا ليتني لم أتخذك خليلا "
وله:
خليلي عوجا خبراني فديتما على الحل والترحال ما صنعت ريا
أجدكما هل بالعقيقين منزل لمهضومة الكشحين عاطرة ريا
بعيشكما قولا لنجد وأهله غدرتهم وفيا رد حبكم فيا
قيا صدهم هل من معين على الجوى ويا بعدهم هل من سبيل إلى اللقيا
وله في وصف ورد نثر عليه نوار نارنج:
وندي أنس هزني -. (الأبيات)
وله فصل من كتاب:
وإن كتابك الكريم وافى، فأهدى تحية، هزني أريحية، هز المدامة(6/650)
تتمشى، والحمامة تتغنى، فلولا أن يقال صبا، لالتزمت سطورة، ولثمت مسطورة، وما انطقتني صبوة استفزتني، فهزتني، ولكن فضلة راح قضل في كأس العلا تناولتها، فكلما شربت طربت. فلولا توقع غمرات الشيب، لابتدرت شق الجيب، ثم صحت واطرباه، وناديت واحر قلبا.
وبعد، فإني من جملته على ما وقع موقع القطر، وحسبك ثلجا، وطلع طلوع هلال الفطر، وكفاك مبتهجا. وما أغرب [فيما أعرب] عنه من تفسير حالك، وتفصيل حلك وترحالك. ولا غرو أن تجد بك الرواحل، وتتهاداك المراحل، فما للنجم أخيك من دار، ولا في غير الشرف من مدار، فقع أنى شئت وارتع، وطرحت أقطار البلاد، إلا طيب الميلاد، وما ضار أن نعق ببينك غراب، وخفق برحلك سراب، إذ لم يغض من فضلك اغتراب، ولم يخل بنصلك ضراب، لا زلت مخيما بمنوله عز، تجمع من امتناع في ارتفاع، وامتناع في امتناع.
وله:
يا نزهة النفس يا مناها يا قرة العين يا كراها(6/651)
أما ترى لي رضاك أهلا ... وهذه حالتي تراها
فاستدرك الفصل يا أباه ... في رمق النفس يا أخاها
قسوت قلبا ولنت عطفا ... وعفت من تمرة نواها وله:
وأهيف قام يسقي ... والسكر يعطف قده
وقد ترنح غصنا ... واحمرت الكأس ورده
وألهب السكر خدا ... أورى به الوجد زنده
فكاد يشرب نفسي ... وكدت أشرب خده وله:
يا ليل وجد بنجد ... أما لطيفك مسرى
وما لدمعي طليقا ... وأنجم الجو أسرى [177ب]
وقد طمى بحر ليل ... لم يعقب المد حسرا
لا يعبر الطرف فيه ... [غير] المجرة جسرا فصل في ذكر الأديب أبي حاتم الحجاري
من وادي الحجارة، فرد من أفراد العصر، شاعر متصرف في النظم والنثر، ولما انقرضت أيام ملوك الطوائف بالجزيرة، وتسلط الكساد على أعلاق الشعر الخطيرة، خلع أبو حاتم بردته، وسلخ جلدته، وأصبح(6/652)
بحاضرة قرطبة صاحب [طولق] وحنبل، وجلس بين هاون ومنخل، يأخذ للصحة من المرض، ويتكلم على الجوهر والعرض، فقل في حنين، تكلم بلسان أحمد بن الحسين، وانظر إلى البديع، في مسلاخ جبريل بن بختيشوع، كل ذلك حرصا على الحياة، واحتيالا لهذه الملابس والأقوات،
وخوف الردى آوى إلى الكهف أهله ... وكلف نوحا وابنه عمل السفن وفي ذلك يقول:
أقمت بأرض قرطبة كأني ... أمير جبابة أو قهرماني
فمالي ضيعة إلا ضياعي ... وتصريفي لهاوون الهوان
ودقي شحم حنظلة وعصري ... حشيشة غافث أو انجدان(6/653)
وشمي وهي تملأ كل أنف ... قوارير المياه من الصنان
تجارة ذلة قرنت بنحس ... ونجم الشؤم متصل القران
لقد أضللت يا بقراط قوما ... على بعد الأوان من الأوان وقوله: " قهرماني " [أراه] مما وهم فيه حين خاله منسوبا إنما هو قهرمان، يقال للوكيل؛ وهو يجري بوجوه الإعراب.
ولما ابتدأت بتحرير هذا الكتاب، وأنا يومئذ بقرطبة [سنة ثلاث وتسعين] نظرت في مبيضات كانت عندي لأهل هذا الاقليم، فلم أجد لأبي حاتم فيها شيئا من منثور ولا منظوم، فاستهديت قطعة من أشعاره وما عسى أن يتعلق بها من ملح أخباره، وتكرر عليه رسولي هنالك، فمطلني في ذلك، فكتبت إليه رقعة أقول في فصل منها:
وقد تواتر عليك النبأ أني جمعت من الرسائل الأندلسية، والأشعار العصرية، جملة موفورة، لطوائف كثيرة، ممن تحقق عندي أن حليته التي تحلى بها من صوغ طبعه، وحلله [التي] نشرها اكثر من عدد الشعر؛ ولما كنت أبا حاتم خاتمة أئمة هذا [178أ] الشان، أحببت أن أجعل(6/654)
كلامك واسطة هذا الديوان، إلا أني رأيت لك من الامتناع، بتلك الرقاع، ما حدست عليك انك قلت: هذا ابن بسام كما أخرجته الروم من بلاده، وصفرت يده من طارفة وتلاده، وقدم قرطبة بقدم الضرورة، على تلك الصورة، يريد أن يشحذ المدية، في ابواب الكدية، فاتخذ تأليف هذه الشذور القلائد، سببا أن يسي عذارى القصائد، في حجر أربابها، ويسلبها عن أصحابها، حتى إذا قيد لفظها ومعناها، وجليت عنده اتاها؛ وقد أبعدت مرماك، أن كنت ظننت بي ذاك، وكلا أبا حاتم، فإنك لي لعين الظالم، إن نسيتني لهذا العجز، وأني أحق أن أطيل لسيف غيري الهز، وقد شهدت الأشهاد، بتلك البلاد، أن لي بديهة قوية، توفي على الروية، إلا أني أبا حاتم لا أجري في ميدانك، ولا أعد من أقرابك، فسقى الله بلادا أنجبتك وإن كانت حجارية، فإن معانيك عراقية، وألفاظك حجازية؛ ولله مدينة الفرج، فلقد تتحدث منك عن أنموذج بيان، مخلى الطريق للجريان.
فلما وردته الرقعة، زم عن الجواب قلمه، وكلف الإيجاب قدمه، وورد من حينه علي، ونثر مبيضاته بين يدي، [يقيمه الخجل ويقعد، وقد صبغه كما صبغ اللجين العسجد] ، فمما تخيرت منها قوله يستهدي نبيذا:(6/655)
يا سيدي والنهار تبصره منسجم الدمع مطبق الأفق
وعندي البدر قد خلوت به وفوق خديه حمرة الشفق
جاذبته الحبل فاستقاد وكم جريت جري الجموح في الطلق
والخمر نعم القياد، طائعة لشاربيها مسكية العبق
وقد هز زناك كي توجهها
في الشعر هز القضيب في الورق
وكان أبو الأصبغ البلنسي المتطبب ربما قام في مجالس الأنس ويخطب بكلام غث يضحك به من حضر، فخاطبه أبو حاتم بهذه الأبيات:
قل للحكيم وقد هززت مهندا وجذبت عطفا للندى هزازا
يا نفحة الزهر الأنيقة سحرة أحرزت كل فضيلة إحرازا
هل تثنينك رقة شاكهتها فتفارق الهماز واللمازا
أملي رضاك فهل سمعت بشاعر قطع الصراط إلى رضاك وجازا [178ب]
[يا ليت شعري والجوانح كاسمها هل ترجعن بياذقي أفرازا]
حتى أراك وأنت حامل قالس وأرى يمينك حاملا عكازا
وتقوم في نادي النديم مناديا فعل الخطيب تعمد الايجازا
عمري لقد أنسيت يوم نثرتها ونظمتها الخطباء والرجازا
وأنشدي لنفسه:(6/656)
وزائر زارني وقد هجعت عيناي حتى تبلج الفجر
بكيت للقرب ثم قلت له من ثمر الوصل يجتنى الهجر
وهذا يناسب قول القائل، وتنشد الأبيات لحسنها، ولكون هذا المعنى فرعا عن غصنها، وهي:
وما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حال مخافة فرقة أو لاشتياق
فتسخن عينه عند التنائي وتسخن عينه عند التلاقي
فيبكي ان نأوا حذرا عليهم ويبكي إن دنوا خوف الفراق
وقال سعيد بن حميد لفضل الشاعرة:
ما كنت أيام كنت راضية عندي بذاك الرضى بمغبط
علما بأن الرضى سيعقبه منك التجني وكثرة السخط
فكل ما ساءني فعن خلق منك وما سرني فعن غلط
وقال العباس بن الأحنف:
قدكنت أبكي وأنت راضية حذار هذا الصدود والغضب
ان تم ذا الهجر يا ظلوم - ولا تم - فمالي في العيش من أرب(6/657)
وأنشدني له من قصيدة أولها:
أرقت للامع البرق اليماني فيا أخوي من عبد المدان
هلما نكتنف أكناف ليل وساع الجيب فضفاض اللبان
ونركض في جوانبه فإني أراه باركا ملقى الجران
خذا بي مأخذا يسلي وإن لم تكن إلا أباطيل الأماني [179أ]
وقولا في حديثكما لقلبي أما تنفك من حرب عوان
رويدك إنها أنفاس نفس تصعد بين أحناء حواني
وقيتكما وهذا السهم يدمي برام من بني ثعل رماني
سلاه لم أهل بجمع خيف بنبل جفونه حول الجمان
لقد بلغ الزبى هذا التصابي بقلبي والتقت حلق البطان
بعيني منه بدر تحت ليل أتت ست وثغر أقحواني
عداني أن أجيل إليه خطوي مجال للضراب وللطعان
وسمر أسنة في نقع ليل بدت كالنار في طرر الدخان
عليك به وفي يسرى يديه كليث ثنية ثنيا عنان
يقلب خيزرانته بكفي غلام قده من خيزران
ومنها في المدح:
بناني والضياع يهد مني ويهدم مذ بسطت له بناني(6/658)
إلى ذي صفحة كالماء رقت وراقت فهي كالسيف اليماني
إذا لم استبد به فإني كمن حمل القناة بلا سنان
وله من اخرى في القاضي أبي عبد الله بن حمدين وقد قفل من غزاة:
تراك غداة عاقدت الزمانا اخذت عليه بالبشرى ضمانا
بلى قد كان ذلك فاستقادت ليلليه وعادت مهرجانا
حشدت محاسن الدنيا ليوم وجدناه كوجهك أضحيانا
اردت إشادة العليا فكانت ورمت تجدد النعمى فكانا
وما حسنت سجايا الدهر حتى قرنت بها سجاياك الحسانا
لبان الحلم أرضعت الليالي فكيف تضيق ذرعا أو لبانا
اخذت على الكماة الكر حتى لكدت تعلم الكر الجبانا [179ب]
وأشرعت الأسنة وهي تحدو رعال سوابق حكت الرعانا
تقحمها شذاتك وهي بكر فكيف لقيتها حربا عوانا
أتوا والجيش يقدمه فلان فلا والله ما حمدوا فلانا
فديتك من أخي دنيا ودين أبت أحناؤه إلا حنانا
تحمل وهو يلعب حد قلب كما حملت مثقفة سنانا
أخاطبه فيمتعني بلحظ يرى سر القلوب به عيانا(6/659)
وأجذبه إلي ولست أدري أعطفا عطفه أو خيزرانا
وله فيه من أخرى [أولها] :
أتت تختال عاطرة الذيول وشمس الأفق تجنح للأفول
يقول فيها
أموقفنا بتوضيح غب يوم على أكناف حومل والدخول
وليلتنا وقد نشرت علينا ذوائب حالك مرخى السدول
لبسنا سمل شملته وبتنا نجوب اللهو من عرض وطول
وعهدي بالرقيب وقد غنينا بغمر الحاجبين عن الرسول
مضت بشبابها الدنيا فمالي أقيم على رسوم من طلول
أقول لمهجتي وعلي منها سرابيل المذلة والخمول
ردي دار الخلافة تستدري مواهب مثل حملات السيول
وسيري ما استطعت إلى سميع مطيع للاله وللرسول
إلى من بين فكيه لسان وشقشقة كشقشقة الفحول
هجرت جناب قرطبة ولكن جعلت إلى ابن حمدين قفولي
فقيه ديانة وسراج دنيا عليم بالفروع وبالاصول
ألان المشكلات وراض منها فرد حزونها مثل السهول
أبا عبد الإله إليك مني جوانح جانحات للوصول
بعثت إليك عن سحر حلال وبعض السحر من ثمر العقول [180أ](6/660)
أنجعة رائد الآمال هب لي رضاك ولقني وجه القبول
تطالعني الحوادث عن خدود مصعرة وعن أجفان غول
وها أنا والمحل جديب أرض وعندك ثرة الديم الهموم
وقد سفرت لسان الحال عنها كما سفر الخضاب عن النصول
ومن شعره في الرثاء: له [من قصيدة] في القاضي ابن أدهم، أولها:
أما الأسى فعلي منه مخايل نفس أصعده ودمع سائل
من ناظري علي أعظم شاهد ومن العيون على القلوب دلائل
في كل آونة إلى أفق الثرى شمس مغورة وبدر آفل
خفض عليك فللحياة تقلص هي نومة والعمر طيف راحل
مزجت لنا الدنيا بشهد ظاهر وبظهر ذاك دم الأفاعي القاتل
أقسمت بالجدث الذي أنا واقف أرنو إليه ودمع جفني هامل
لو يعلم البشر المطيف بأنه جبل على كبد المكارم نازل
لثموا جوانبه وقد أرج الهدى وتضوع العليا وفاح النائل
قلب جفونك في حدائق زهره فمن الغمام على الرياض شمائل
كالبحر كان فنهنهته منية فغطت به ولكل بحر ساحل
عضد الهدى وسعى ألى تأييده والزغف نهر والسيوف جداول
وهدى الامير إلى مناهج قصده ومع الدلاء على المياه حبائل(6/661)
لم تلهه الدنيا فأعرض دونها وبترك عاجلها ينال الآجل
ومن أخرى في الفقيه عبد الصمد:
الآن أدرجت الآمال في كفن واليوم فرق بين الجفن والوسن
إنا إلى الله جل الخطب في رجل ملء الزمان وملء العين والأذن
أما وقد طويت تلك المحاسن لا والله لا وقعت عيني على حسن
مالي كرعت من البلوى وبي ظمأ إلى محياك بين الأجر والأسن [180ب]
اصبحت بعدك والأيام معرضة معرضا لزمانات من الزمن
يا مخرسي وقديما كان ينطقني قلد حسام [لساني] حلية اللسن
أما السماء على أرضي فمطبقة تشابه الضيق في سرب وفي عطن
وقد تبلدت لا أدري وكان معي رأي يخلص بين الماء واللبن
هانت فيك هموم النفس أصحبها لعلها هدنة تبنى على دخن
هيهات لا أنت إلا واضعا ليدي ال يمنى على القلب واليسرى على الدفن
أنهيت مالك في تقوى ذخرت بها اخرى بأجر ومخزونا بمخزن
ينادي الثناء فستدنيه مرتخصا لجوهر الحمد بالغالي من الثمن
تعطي وتمنع في حال فيا عجبا عرض مصون ومال غير محتجن
ومن مديحه من قصيدة في ذي الوزارتين أبي جعفر بن أبي:
كم بالظغائن من ذوات حجال هيف الخور رواجح الأكفال
عهدي بهن وهن يطوين الملا طيين بين النص والإرقال
والليل كالزنجي تحسب أنه كرة تثار بصولجان هلال
أسفي لأيامي بمنزلة اللوى وزماننا الخالي بذات الخال(6/662)
أيام نمرح تحت ظل شبيبة مرح الغصون ترف تحت ظلال
والدهر يمزج باتصال حديثنا ورق الصباح بعسجد الآصال
مالي سوى كنف الصبابة بعدهم آوي إليه وغير دمعي مالي
لا هم إلا أنني عفت النوى حالي بقرب بي أبي حال
ظفرت يداي وقد يئست بماجد منهم كريم العم سمح الخال
يا من نحاذره ونرجو عفرة كرما عليك بقائل فعال
هو كالغمامة أو كبحر ساكن طورا وطورا خائض الأهوال
والأرض تحمل أهلها ولربما بعثت عليهم خسفة الزلزال
قسم الزمان بصوله وبقوله قسمين بين مجالد وجدال [181أ]
حملت حمائله فضاضة بأسه حمل الأباطح رجف الأجبال
ومنها:
يا منجدي والدهر يغمر جانبي ومنبهي من نومه الأغفال
كيف الإقامة بين حالي ذلة عرتا من الإخلال والإذلال
ماذا تراه وأنت مالك عزمتي أأسير أم أبكي على الأطلال
أسلمت نحوك وجه آمالي فهل دفع الهناء إلى يمين الطالي
إني لأعلم أن شغلك بالعلا ينسيك، فاجعلني من الأشغال
وله من أخرى:
وأبأبي من شادن جم الدلال خرق
رمى بقوسي حاجب قلبي وسهم مذق(6/663)
من لي به كعهدنا يوم الحمى بالأبرق
وركضنا في ليلة تفتق مسك الأفق
ونارنا قد نشرت طي لواء الأفق
وابتسمت ضاحكة عن شفق في غسق
يا ابن أبي الفتح وهل مفتاح باب الغلق
الا يدا تخبطها عن ورق من ورق
منها:
ردت جناحي ضافيا وطوقت من عنقي
مثلك لا يلقى امرؤ مؤمل ولا لقي
غريبة في مغرب وآية في مشرق
بيت قريش بيته وأي شيء يتقي
ومن أخرى:
وابأبي من لحظ ذي غنة شخت الحشا أهيف أملود
طرز فوق الورد من خده بالمسك من خيلانه السود
مستملح علوا ومستحسن سفلا بتصويب وتصعيد
ردف كقحف الرمل يرتج في قد كغصن البان مقدود
بي ضمأ برح إلى صرفة تمطرها ماء العناقيد
ومنها:
رضيع در المجد في أسرة من معشر غر صناديد
ما أحسن الدنيا وقد حليت منهم بحلي القادة الرود(6/664)
وما ألذ العيش في ظلهم ما بين مخضود ومنضود
وهاكها والسحر حلي لها وليدة في برد توليد [181ب]
ذات قواف شرد ما بدت إلا وصادت مهج الصيد
حالي وان لاح [لها] رونق حال شريد الدار مطرود
وربما يبيض وجه امرىء والنار في أحشائه السود
ويكتسي من ورم حمرة ما كل توريد بتوريد
نظر فيه إلى قول القائل:
وقد يكتسي المرء حر الثياب ومن تحتها حالة مضنيه
كمن يكتسي خده حمرة وعلته ورم في الريه
وله من أخرى في القاضي ابن حمدين:
هجعوا وقد سرت القلاص الوخد والليل كالزنجي أسحم أسود
والخاطفات من البروق كأنها بيض مؤللة تسل وتغمد
ومنها:
يا صاحبي وشد ما عللتما ووعدتما لو صح ذاك الموعد
ما يصنع الصنو الشقيق بصنوة ما يصنع القاضي الأجل محمد
هذا الذي لولاه أجدب مخصب وتجلل البطحاء ليل أربد
يبني العلا ويهد ركن عدوه فهو الزمان مهدم ومشيد
إن العيون وقد قررن بعدله لتنام وهو القائم المتهجد
ينأى ويدنيه التواضع منزلا فمقرب في حاله ومبعد(6/665)
فرجت يا قاضي القضاة بهمة أدنى مراتبها السها والفرقد
لولاك وهي من الذوابل هزة كانت قناة قصائدي تتقصد
هيهات، يعجز عن صفاتك شاعر ولو أنه المكتوف المتبغدد
خذها إليك وقد قعدت بمرصد وألذ شيء موقعا ما يرصد
رشت القريض وقد أخل بأهله عدم السماح وخطب دهر أنكد
دامت لك النعمى التي ألبستها تبلي وتخلق بردها وتجدد
وجميل ذكرك يا ابن حمدين على صحف المحامد بالثناء مخلد [182أ]
في ذكر الأديب أبي بكر محمد بن عيسى الداني
وسياقة جملة من متخير شعره
كان أبو بكر شاعرا يتصرف، وقادرا لا يتكلف، مرصوص المباني، ممتزج الألفاظ والمعاني، وكان من امتداد الباع، والانفراد بالانطباع، كسيف الصقيل الفرد، توحد بالابداع وانفرد، لو كانت له مادة تفي(6/666)
بيانه، لكان أشعر أهل زمانه، وكانت أمه امرأة برزة فارسة دكان، وصاحبة مكيال وميزان، وعلى ذلك فقد كانت امرأة صدق، وفي حرفتها - على ما بلغني - صاحبة حق، مشتغلة ببيع لبنها، مقبلة على ما يعنيها من حال زمنها، حتى غلب اسم اللبن عليها، ونسب أولادها به إليها، وكانت لأبي بكر وأخيه [عبد العزيز] همة تعرضهما للصدور، وتترامى بهما إلى معالي الأمور، إلا أن أبا بكر كان أوسعهما في الأدب مجالا، وأكثرهما على صنعة الشعر إقبالا، ومال عبد العزيز إلى التجارة فحسنت طريقه، وحمدت خليقته، وكان له مع ذلك أدب دل على نبله، وشعر يستحسن من مثله؛ إلا أنه لم يرضه مكسبا، ولا اتخذه إلى أحد من الملوك سببا، فذهب عن أكثر الناس ذكره، ومات قبل موته شعره.
وأما أبو بكر فتردد على ملوك الطوائف بجزيرة الأندلس تردد القمر في المنازل، وحل من ملوكها محل الحلي من صدور العقائل، يسحب على دولهم، ويقلب الطرف بين خليهم وخولهم، وخيم أخيرا في ذرى المعتمد بن عباد إذ كان أصدقهم نوءا، وأبهرهم في مطالع السؤدد ضوءا " فلما نبت صعاده، وأعوزه من دهره اسعاده، وصار إلى المغرب، وحل فيه محل المغترب، وغدرته الأيام غدر أهل خراسان لقتيبة، وفى له بالرحلة إليه وفاء الظعينة لعتيبة "؛ فلما(6/667)
زال ملكه، وانتثر سلكه، وتقلصت حواشي ظله، وأنكره أكثر أهله، وفد عليه أبو بكر وفادة دلت [182ب] على أن كرم العهد كما كان، وأن الوفاء لم يدرس رسمه حتى الآن، فنازعه بوسها، وعاطاه كؤوسها، ومدحه للوفاء، بأحسن مما مدحه للغناء، حتى كأن عبد الجليل إنما نطق بلسانه، وأعرب عن شأنه، حيث يقول:
قضى الله أني في الثناء عليكم زياد وأني في الوفاء قصيرا
وقد أشار إلى ذلك هو من مذهبه، حيث يقول في شعر مدحه به، وقد تقدم إنشاده في أخبار ابن عباد:
جذيمة أنت والزباء خانت وما أنا من يقصر عن قصير
وقد جمعت من أشعاره، ومستظرف أخباره، وأضفت إليها من سائر ملحه، وأوصافه ومدحه، ما يدل على وفائه، ويشهد ببراعة ذكائه.(6/668)
جملة من شعره في أوصاف شتى
قال يتغزل:
بدا على خده عذار في مثله يعذر الكئيب
وليس ذاك العذار شعرا لكنما سه غريب
لما أراق الدماء ظلما بدت على خده الذنوب
وهذا كقول عبد الجليل المرسي من شعر تقدم إنشاده:
فطوقه الزمان بما جناه وعلق من عذاريه الذنوبا
وقال:
يا شادنا حل بالسواد من لحظ عيني ومن فؤادي
وكعبة للجمال طافت من حولها أنفس العباد
ما زدتني في الوصال حظا إلا غدا الشوق في أزدياد
أعشى سنا ناظريك طرفي فليس يلتذ بالرقاد
وقال:
بدا على خده خال يزينه فزادني شغفا فيه إلى شغف
كأن حبة قلبي حين رؤيته طارت فقال لها في الخد منه قفي(6/669)
وقال:
يروقك في أهل الجمال ابن سيد كترجمة راقت وليس لها معنى
حكى شجر الدفلاء حسنا ومنظرا فما أحسن المجلى وما أقبح المجنى
وقال من قصيدة في المتوكل عند قدومه من بلاد الجوف، وقد أوقع بقوم بها من الجناة، أولها:
مضيت حساما لا يفل له غرب وأبت غماما لا يحد له سكب
وأصبحت من كاليك تقسم في الورى هبات وهبات هي الأمن والرعب [183أ]
وقد كان جوف القطر كالجوف يشتكي سقاما فلما زرته زاره الطب
رغا فوقهم سقب العقاب فأصبحوا نشاوى من البلوى كأنهم شرب
ويا لجياد تحتهم مستقرة من الدهم لاجرد حكتها ولا قب
إذا أمسكوا منها الأعنة خلتهم يبكوم خوفا أنها بهم تكبو
وصيابة لما عصوك ببينهم دماؤهم حل وأموالهم نهب
ملأت جذوع النخل منهم فأصبحت بهم كرحال شد من فوقها قتب
فلا مقلة إلا وأنت لها سنا ولا كبد إلا وأنت لها خلب
ولله يوم الأوب منك كأنه وحيد من الأيام ليس له صحب
ولما رأوك استقبلوك بأوجه عليها سمات من ودادك لا تخبو(6/670)
ومالوا إلى التسليم فوق جيادهم كما مالت الأغصان من تحتها كشب
فقضوك ما قضوا وهم للعلا ردا وداروا كما دارت وأنت لهم قطب
كتائب نصر لو رميت ببعضها بلاد الأعادي لم يكن دونها درب
وما هي إلا دولة مسلمية بها انتظم المأمول والتأم الشعب
كرمت ولا بحر حكاك ولا حيا وفت فلا عجم شأتك ولا عرب
وأوليتني منك الجميل فواله عسى السح من نعماك يتبعه السكب
وله من أخرى فيه يعاتبه:
نبا بيدي حسام من رضاكا فوافتني النوائب عند ذاكا
فيا صرف الزمان ويا دجاه وقد صرفت جفوني عن سناكا
يقين رضاك لم ألبسه حتى أفضت علي من شك شكاكا
وكيف يقيم عندك من رمته خطوب الدهر في أعلى ذراكا
فلا ناديك يحضره لأنس ولا في وقت تأميل يراكا
وما قلقت ركابي عنك إلا وقد حلأت رائدها حماكا
وما ذنب الفراق على محب حويت وداده وطوى قلاكا [183ب]
تجاوز فيك ودي كل حد ولكن التجاوز ما أطباكا
ولو يؤتى مناه نور طرفي لما أوما إلى أحد سواكا(6/671)
ثناك عن القبول علي واش ولكن عن هباتك ما ثناكا
وأعجب كيف حالت منك حالي ولم تدر السآمة من حلاكا
فكيف أثمت في تعذيب قلبي وما عقدت على حوب حباكا
أطعت علي من لا مت حتى أرى مثواه مثوى من عصاكا
محا حسنات قصدي وانقطاعي ببينة أقام لها دراكا
فجنب ماء بشرك عن جنابي ونفر طير حظي من رباكا
ووفر راتبي قبل ارتحالي كأن به استدل على غناكا
عرض في هذه القصيدة بأبي الحسن بن الأستاذ، وكان ولاه عمر بن محمد ببطليموس خطة الأشراف، فقطع جراية جملة نت الأضياف، وكان يلقب بالمتنبي، ويغضب إذا سمع هذا اللقب، فقال أبو بكر الداني:
معشر الأضياف ضجوا قد أتى الدهر بآية
قد أتاكم بني شرعه قطع الجرايه
فطار هذان البيتان فيه، وكانا السبب في أن نكب.
وقال فيه أبو محمد بن عبدون:
يا أيها المتنبي من أرض وادي الحجاره
وعرضه من زجاج ووجهه من حجاره
وفيه يقول أيضا من أبيات:
أيا نبي الكفر خف سطوة تأتيك من فرعونك المسلم(6/672)
ومن قصيدة أبي بكر المتقدمة الذكر:
وهبة أطاق عن مثواك صرفي أيقدر صرف قلبي عن هواكا
وان تك مرة عثرت جيادي فما قدمت من سبق كفاكا
ولو كل السهام أصاب قصدي لما كلنا إلى الأقدار ذاكا
وقالوا ليس لي أدب سني لقد زعموا مع الغيب اشتراكا
وهل قذف الجواهر غير بحري فحى كم يطيقون ابتشاكا [184أ]
ستعلم بعد سيري أي علق لأجياد العلا نبذت يداكا
وأي شذا أبيت له انتشاقا وكان نسيمه بالحمد صاكا
وكان أبو بكر هذا قد رحب ببطليموس مثواه، وأجزل صاحبها قراه، إلى أن مل وارتحل؛ واجتمعت به بعد بقرطبة. فأنشدني لنفسه وقد ندم على فراق بطليموس:
رضى المتوكل فارقته فلم يرضني بعده العالم
وكانت بطليموس لي جنة فجئت بما جاءه آدم
ثم وجدت أبا عامر بن الأصيلي قد أثبت هذين البيتين في شعره بخطه، وقد بدل بعض اللفظ فقال في صاحب المرية:
جناب ابن معن تجنبته فلم يرضني بعده العالم
وكانت مريته جني فجئت بما جاءه آدم
وهذا المعنى قد تقدم للقائل قبلهما من شعراء الدولة العامرية:(6/673)
عوضت من قرطبة يابره تلك لعمري كرة خاسرة
كآدم حين عصى ربه عوض بالدنيا من الآخرة
وقال الفكيك في مثله:
لهفي على بغداد من بلدة كانت من الاسقام لي جنه
كأنني عند فراقي لها آدم لما فارق الجنه
[رجع]
وقال أبو بكر من قصيدة في آل عباد:
وقف الفراق أمام عيني غيهبا فقعدت لا أدري لنفسي مذهبا
يا موقدا بجوانحي نار الأسى رفقا فماء الدمع قد بلغ الزبى
نبت الصبى في صحن خدك روضة لو لم يدب الصدغ فيها عقربا
وكفاك حبس الحسن نوعيه فمن برد أذيب ومن عقيق ألهبا
[ومنها] :
أعددت من جنح الدجنة جنة وتخذت من خطف البوارق مركبا
وذهبت أطلب حيث ينبعث الندى فوجدت في كف الرشيد المطلبا [184ب]
ملك إذا معنى غريبا في العلا وغدت به الأيام لفظا معربا
أجلى من السيف الصقيل المنتضى صفحا، وأمضى من ظباه مضربا
حاورته فلقطت منه جوهرا ونظرته فرأيت منه كوكبا
رطب اللسان كأن في ألفاظه راحا معتقة وشدوا مطربا(6/674)
يلقى الكماة فتنثني مذعورة فكأنه أسد يمر على هبا
راقت على علياته آدابه فكأنها زهر تفتح في ربى
تلقى بكل مكانة يسعى بها عينا مفجرة ومرعى مخصبا
يهب الديار المستقرة، والهضا ب المستقلة، والبسيط المعشبا
والسابري مضاعفا، والسمهري مثقفا، والمشرفي مشطبا
والجيش في ظل اللواء مؤيدا والخيل في وهج الكريهة شزبا
وهذا كقول أبي بكر بن عمار من شعر تقدم إنشاده:
يختار إذ يهب الخريدة كاعبا والطرف أجرد والحسام مجوهرا
[وله أخرى في المعتمد:
يا رب خدر زرت مضجعها من مكمني والدجى الغريب معتكر
ضممتها ضم مشتاق إلى كبدي حتى توهمت أن الحلي منكسر
تعجبت من ضنى جسمي لها: على هواك، فقالت: عندي الخبر
ومنها:
لا غرو أن يتسمى غيره بعلا وما له في العلا رأي ولا نظر
وقد يسمى سماء كل مرتفع وإنما الفضل حيث الشمس والقمر
ومنها:
كم جاعل قصري عيبا أعاب به وهل يضير طويل الساعد القصر
لما تناهيت علما ظل ينقصني عند الكمال يصيب النير السرر(6/675)
وفي الغراب إذ فكرت مغربة من فرط إبصاره يعزى له العور
ان ضعت والشعر مما قد علمت به ونال جودك أقوام وما شعروا
فالجواد كالمزن قد يسقى بصيبة شوك القتاد ولا يسقى به الزهر
أبثك البث عن قلب به حرق وليس عن غير نار يرتمي الشرر
ان لم أكن أهل نعمى أرتجيك لها فالسلك خيط وفيه تنظم الدرر
كلني إلى أحد الابناء ينعشني ما لم يكن لي بحر فليكن نهر
قد طال بي أقطع البيداء متصلا وليس يسفر عن وجه المنى سفر
كأنما الأرض مني غير راضية فليس لي وطن فيها ولا وطر
إن الهموم مع الأعمار ماشية لا ينقضي الهم حتى ينقضي العمر
جد بالقليل وما نزر تجود به يا ماجدا يهب الدنيا ويعتذر
قوله: " وفي الغراب إذا فكرت مغربة " أذكر به بيتين لبشار أدق معناهما، وألغز سيماهنا، وهما:
تخبرني طير الفراق بسيرة أبارك يا طير الفراق مبير
تسميت عوراء وأنت بصيرة ألا ليتني أعمى وأنت بصير
قوله: " ولا يسقى به الزهر " - البيت، كقول الخليل بن أحمد:(6/676)
والمال يغشى أناسا لا خلاق لهم كالسيل يغشى أصول الدندن البالي
وأخذ أبو تمام فقال:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى فالسيل حرب للمكان العالي
وكرر في موضع آخر فقال:
نزلوا منزل الندى وذراه وعدتنا عن مثل ذاك العوادي
غير أن الربى إلى سبل الأن واء أدنى والحظ حظ الوهاد
وقلب بعض أهل عصرنا هذا المعنى فقال:
حسبي من المال أغراهم وغيرهم علم تتيه به الأقلام والصحف
والحزن إلا يكن والأمر مشتبه فيه الغدير فثم الروضة الأنف
وقوله: " فالسلك خيط وفيه تنظم الدرر " يشبه قول بعضهم:
وإن لم أكن أهلا لما قد سألته فقد عطلوا اليمنى وقد حلوا اليسرى
ويتعلق بذيل هذا المعنى قول الجزيري:
ان البنان الخمس أكفاء معا والحلي دون جميعها للخنصر(6/677)
وقال أبو العلا:
ومن فضل ذي كسيت خاتما يروق وعريت البصر
وقوله " كم جاعل قصري " - البيت، كقول الآخر:
لا قتضي بي صغارا عندكم صغري فالسهم يصنع ما لا تصنع الخذم
وقال الداني من أخرى:
ألقاهم والظبا ما دونهم فأرى أني على صور في الماء أطلع
جاروا على الريح فاستعلت رماحهم دون المهب فما للريح متسع
وضاعفوا حلق الماذي فوقهم ألا ترى من سناهم بيننا لمع
بدائع الحسن لم تؤتى حقيقتها لغيرهم فلذا أفعالهم بدع
ويح المحبين مما بالهوى فتنوا ظنوا النصائح فيها أنها خدع
لا تؤت نصحك مفتونا بمذهبه فما لأعمى بضوء الصبح منتفع]
لم آت من جهة النعمى إلى أحد إلا تمكن لي في قلبه ولع
ولا لمحت ابن عباد بناحية إلا حسبت عمود الصبح ينصدع
ملك يضيء ويبدي منظرا وندى والجو محلولك والغيث منقشع
عذب المناجاة ما في نطقه خطل وطاهر الذات ما في طبعه طبع
يعد للأمر قبل الأمر واجبه كأنه كاهن فيه لما يقع(6/678)
ولن يضيق له ذرع بمعضلة فالبر والبحر في حوبائه يسع
من سر لخم ولخم حيث ما شهدت تقدمت وبنو العليا لها تبع
قوم يوالف سيماهم طهارتهم كأنهم بطباع المزن قد طبعوا
يا وارث المجد عن شم غطارفه بهم أنوف الخطوب الشم تجتدع
ان كان مجدك شعرا في نفاسته فإنما أنت بيت فيه مخترع
وهذا كقول أبي الطيب:
ذكر الأنام لنا فكان قصيدة كنت البديع الفرد من أبياتها
وكذلك بيته المتقدم حيث قال " فما لأعمى بضوء الصبح منتفع "، من قوله:
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره إذا استوت عنده الأنوار والظلم
وكرر أبو بكر هذا المعنى وتصرف فيه، وكثيرا ما يولع بترديد ألفاضه ومعانيه، كقوله:
ومن يسد عليه الضوء باصره فليس ينفعه أن الضحى باد
وكان أبو بكر قد حضر في غزاة يوم الجمعة المتقدمة الذكر فلما(6/679)
ورد حضرة اشبيلية وتعذر عليه رؤية المعتمد كتب إليه شعرا قال فيه:
يا من عليه من المكارم والعلا برد بتطريز المحامد معلم
هل نظرة توحي إلي، وعطفة تندى علي، ورأفة تترحم
وعسى أراك بحيث ينبعث الندى ولقد رأيتك حيث ينبعث الدم
قد كنت في أرض الوغى أجني الردى وأنا بروض الجود لا أتنسم
ما كان بين يديك غيري والظبا متلفعات والقنا متحطم
قد رشتني سهما فرشني طائرا وكما نفذت فإنني أترنم
وكتب أيضا إليه [في ذلك] بشعر قال فيه:
أحدث عن الوغى ملء منطقي وأسأل عن يوم النوال فأسكت
وأراه ألم في هذا المعنى، وان لم يكن به، بقول أبي العتاهية في عمر بن العلا:
يا ابن العلاء ويا ابن القرم مرداس إني امتدحك في صحبي وجلاسي
أثني عليك ولي حال تكذبني في ما أقول فأستحيي من الناس
حتى إذا قيل ما أعطاك من صفد طأطأت من سوء حال عندها راسي
وقال الآخر:(6/680)
فاختر لنفسك ما أقول فإنني لا بد أخبرهم وإن لم أسأل
وقال ابن زيدون من شعر قد تقدم إنشاده:
وأي جواب منك ترضى به العلا إذ سألتني عنك ألسنة الحفل [185ب]
وقوله: " قد رشتني سهما - " البيت، معنى مشهور موضعه، باهر مطلعه، فأخذه أبو بكر فنقله نقلا مليحا، وزاد فيه إحسانا صريحا، والذي نبهه عليه قول المعري:
وحالا كريش النسر بيننا رأيته جناحا لشهم آرض ريشا على سهم
ومن شعر أبي بكر في صاحب ميورقة قصيدة أولها:
خلعت عذاري في عذار على خد حكى خضرة الريحان في حمرة الورد
صقيل كمثل السيف أخضر مثله يبيت ولكن من فؤادي في غمد
ومما شجاني شكل شاربه الذي تمثل قوسا مثل مبسمه البرد
كفاني أني بالزبرجد أشتكي فقد صار لي قفلا على الدر والشهد
يقر بعيني أن أزور كناسة ولو كان محفوفا بضارية الأسد
ويقنعني سعدي لدى ناظر العلا وإن كان لي في كل واد بنو سعد
ومنها في المدح:(6/681)
هو الدهر في تصريفه لصروفه فمن جهة يحيي ومن جهة يردي
خصيب نواحي الفضل يضحك كله عن المكرمات السبط والحسب الجعد
فقل في أياديه رياضية الذرى وقل في معاليه هضابية المجد
إليه، وإلا قيدوا قدم السرى وفيه، وإلا أخرسوا منطق الحمد
يطالع عن صبح، وينهل عن حيا ويخطف عن برق، ويقصف عن رعد
وعنه أفيضوا إنه مشعر العلا وحوليه طوفوا إنه كعبة القصد
وألغوا حديث البحر عند حديثه فكم بين ذي جزر وكم بين ذي مد
يؤثر في الأفلاك من بعد غوره كتأثير نور الشمس في الأعين الرمد
تحصصت أحيانا بلخم ويعرب وظاهرت أحيانا بغسان والأزد
ولما حللت الناصرية أقبلت إليك وفود الشعر وفدا على وفد
وثقت به ضيفا على رغم حاسدي كأني وقف ضاق منه على زند [186أ]
سكنت له حتى أرقت وإنما كمنت كمون النار في حجر الزند
تقيسني الأعداء في مهجاتها كمن قاس في أوداجه ظبة الهند
وتحسب في عودي ليانا وإنه لفي السر من نبع وفي الجهر من رند
عهدت مع الفتخ الكواسر طائرا وها أنا مشاء مع النعم الربد
ويا عجبا من جهل كل فراشة تعارض مصباحي ليحرقها وقدي
وأيقظ من صل خلقت وها أنا يسامرني من ظل أنوم من فهد(6/682)
شكرتك عن ود وليس مركبا من الشكر إلا من بسيط من الحمد
وفيك جرعت الذل، والعز عادتي فلي شيمة المولى ولي شيمة العبد
وله فيه وقد طاف به ألم:
شكا لشكواك حتى الشمس والقمر وبات در الدراري الزهر ينتثر
وراحت الريح لا يذكو لها عبق وأصبح الروض لا يندى له زهر
وقلص الظل في فصل الربيع لنا فكادت الأرض بالرمضاء تستعر
والماء غاض لنا غيضا فما نبعت عين ولا سال في بطحائها نهر
والسحب صاحبها ذعر فما نشأت ولا استهل لها فوق الربى مطر
ومعدن الدر والياقوت غيض به فلم يصب فيه من احجاره حجر
وحل بالطيب في دارين دائرة فظل يمسك عنها مسكها الذفر
يومان غبت فغاب الأنس أجمعه وأي أنس إذا ما غبت ينتظر
يا ناصر الملك إن الملك وجه علا وليس غيرك فيه السمع والبصر
إبلال جسمك أهدانا بليل صبا فعاد عهد الصبا واستبشر البشر
وسعي به إلى ناصر الدولة وبغي، ونبذ حق نباهته وألغي، فلم يرع انقطاعه، ولا جازى إحسانه وإبداعه، وكانت عادته في غير ما طارىء ولا ضيق، النفي أو السيف، فلم يفتح مع أبي بكر في إحداهما باب، ولا أغبه جزع وارتياب، فكتب إليه يستصرخه فقال:
عسى رأفة في سراح كريم أبل ببرد نداه الغليلا [186ب](6/683)
وعلي أراح من الطالبين فأسكن للأمن ظلا ظليلا
ومن بله الغيث في بطن واد وبات فلا يأمنن السيولا
أفر بنفسي وإن أصبحت ميورقة مصرا وجدواك نيلا
وله يمدحه4:
عرج بمنعرجات واديهم عسى تلقاهم نزلوا الكثيب الأوعسا
اطلبهم حيث الرياض تفتحت والريح فاحت والصباح تنفسا
مثل وجوههم نجوما طلعا وتخيل الخيلان شهبا كنسا
وإذا أردت تنعما بقدودهم فاهصر بنعمان الغصون الميسا
بأبي غزال منهم لم يتخذ إلا القنا من بعد قلبي مكنسا
لبس الحديد على لجين أديمه فعجت من صبح توشح حندسا
وأتى يجر ذوائبا وذوابلا فرأيت روضا بالصلال تحرسا
لا ترهب السيف الصقيل بكفه وأرتهب لعاذله العذار الأملسا
رام العدا عذلي عليه ففتهم والنجم ليس بممكن أن يلمسا
وفككت بغيهم ففزت وهكذا فك الصحيفة خلص الملتمسا
وإذا وصلت إلى الأمير مبشرا فاجعل بساطك في ثراه السندسا
وكان بينه وبين الوزير أبي القاسم زمام ائتلاف، ومعاطاة سلاف، فلما دخل ميورقة تجدد دارسه، وعادت آجاما مكانسه، وكان أبو بكر يظن أن هذه الموات تنفقه وإن كسد، وتخلصه ولو حصل في لهوات الأسد، ولم يعلم أن لا جديد لمن لم تخلقه الأيام ولم تبله، ولم يسمع: " وجدت الناس اخبر تقله "؛ فلما تغير له ناصر الدولة وتنكر، ورأى من قعود أبي القاسم عنه ما أنكر، هب من غفلته، واحتال في تفلته، فلاذ بالفرار(6/684)
وعاذبني حماد بحكم الاضطرار، وجعل يستنزله من هناك ويستعطفه، ويداريه ويستلطفه، ليمن باعادته، وصرفة إلى عادته، فمن ذلك:
نسيمك حتام لا ينبري وطيفك حتام لا يعتري [187أ]
أعيذك من عرض أن تكون وأنت الذي كنت من جوهر
أتذكر أيامنا بالحمى وأيامنا بذوي الأعصر
ألا رأفة من وفي كريم ألا عطفه من سني سري
رمى زحل في أظفاره وحل فداعبني المشتري
عطارد هل لك من عودة فأرجع منك إلى عنصر
سيشتاقني الملك مهما أراد لباس نسيج من المفخر
ولو أن كل حصاة تزين ما جعل الفضل للجوهر
ولما نوى الانفصال، خاف الانتهاب والاستئصال، فأراد أن يكتم ذلك الفرار، ويطوي إعلانه في الاسرار، وخشي أن يفطن لخروجه، ويطلع عليه من خلال فروجه، فعزم على موادعة بعض الإخوان، ومطالعة في ذلك الخوان، فكتب إليهم:
أقول تحية وهي الوداع خداعا لي وما يغني الخداع
أعلل بالمنى قلبا شعاعا وهل يتعلل القلب الشعاع
وأترك جيرة جاروا وأشدو " أضاعوني وأي فتى أضاعوا "
إذا لم يرع لي أدب وبأس فلا طال الحسام ولا اليراع
لقد باعتني الأيام بخسا وعهدي بالذخائر لا تباع(6/685)
أجفتني فلم ينبت ربيع وحطني فلم يثبت يفاع
ومكنت العدا مني فعاثت بلحمي ضعف ما عاث السباع
وقال يخاطب ناصر الدولة مودعا وعاتبا:
سلام على المجد يندى بليلا كنشر الربى بكرة وأصيلا
سلام وكنت أقول الوداع ولكن أدرج قلبي قليلا
وله عند خلع المعتمد:
أستودع الله أرضا عندما وضحت بشائر الصبح فيها بدلت حلكا
كان المؤيد بستانا بساحتها يجني النعيم وفي حافاتها فلكا [187ب]
في أمره لملوك الأرض معتبر فليس يغتر ذو ملك بما ملكا
نبكيه من جبل خرت قواعده فكل من كان في بطحائه هلكا
ما سد موضعه، ألرزق سد به طوبى لمن كان يدري أية سلكا
وله فيه من أخرى:
أخذت عليك مسالك السلوان حدق المها وسوالف الغزلان
يقول فيها:
زمن المشيب زمانه ولربما زادتك فيه خيانة الإخوان(6/686)
زادوا جفاء فانتقصت مودة ومن الزيارة موجب النقصان
أنا مثل مرآة صقيل صفحها ألقى الوجوه بمثل ما تلقاني
كالماء ليس يريك من لون سوى ما تحته من صبغة الألوان
وهذا مثل قول الآخر:
أنا كالمرآة ألقى كل وجه بمثاله
ومن المدح:
ملك إذا عقد الغفائر للوغى حل الملوك معاقد التيجان
وإذا غدت راياته منشورة فالخافقان لهن في خفقان
ضبط الأمور ثقافة فأعادها في شد أسنان على أسنان
عضت على الأملاك دولته به عض الثقاف على قنا المران
ولقلما يفري الحسام ضريبة إلا وحامله حسام ثان
والدرع ليست جنة ما لم يكن طي الحديد [به] حديد جنان
عن ناصر الأملاك حدث واطرح ما قيل عن كسرى وعن ساسان
من قومه العرب الأولى خيماتهم لم تبق آونة على الإيوان
حنت إلى أرماحهم مهج العدا وكذا الطيور تحن للأوكان
يمنية حجزاتهم فلذلكم لم تخل من ماضي الغرار يماني
يخفي المكارم وهو يوقد نارها فكأنها نار بغير دخان
ويجيء نوء بنانه بغربية تروي الربى والشمس في السرطان [188أ](6/687)
فعلت بآمالي عوارف كفه ما تفعل الأرواح بالأبدان
أسدى إلي من الصنائع مثلما أسدت أوائله إلى حسان
يا منشىء العلياء بعد مماتها تفنى النجوم وما ثناؤك فان
الأرض حاجتها إليك بطبعها كالعين حاجتها إلى الإنسان
عالج بسيفك ما وراء بحورها فعليلها في أضعف البحران
لا تشغلنك خدعة فلربما في الكتب سر ليس في العنوان
والخبر يجلو كل شيء مثلما تجلو الشكوك إقامة البرهان
ثر ثورة السفاح تصفر بالعدا ولو استقل بهم بنو مروان
عجبا لأعياد أتتك ثلاثة متناسقات في اتساق زمان
الفتح عيد والعروبة مثله والنحر عيد رائع الريعان
فكأن نجم المشتري في سعده والنيرين تجمعت لقران
ملأ البسيطة فيه جندك كثرة فكأن جندك جاء من غسان
هللت صبحته بنية مخلص فتهللت بك صفحة الإيمان
خذها إليك نسيج شكر حاكه ذهني وطرز جانبيه لساني
كلهم هو السحر الحلال وما أرى سحرا حلالا غير سحر بياني
يا حاقرا قدري وقدري فوقه ليس الرجال تكال بالقفزان
عبتم رطوبة منطقي فكأنكم عبتم فتور اللحظ من وسنان
وجهلتم أن القلادة لؤلؤ فنحتم الأحجار من ثهلان
أنا شمسكم، إن لحت غبتم، أوأغب أبقيت فيكم فضلة اللمعان
ووردت على الأمير مبشر بن سليمان بميورقة قصيدة من نظم أبي المظفر(6/688)
البغدادي، أولها:
هو طيفها وطروقه تعليل فمتى يفي لك والوفاء قليل
وكأن زورته تخيل بارق فتقت به النكباء وهي بليل
فالقد من مرح الصبا متأود واللحظ من ترف النعيم عليل [188ب]
والخصر مما خف جال وشاحه قلقا وما وارى الإزرار ثقيل
اقصر من الإدلال فهو على النوى ما دام يجلبه الدلال دليل
ودع الوشاة فكل ما يحكونه عند اللقاء يزيله التأويل
ووراء وصلكم القصير زمانه هجر كما شاء الغيور طويل
لو دام قبلكم اجتماع لم يذق ألم مالك وعقيل
ومنها:
فرحلت والنفس الأبية حرة والعزم ماض والحسام صقيل
بقصائد قست الليالي واكتست منها فرقت بكرة وأصيل
خضلت بدجلة والعراق ذيولها فاهتز من طرب إليها النيل
فأقمت حيث العز أبلغ والندى جم وظل المكرمات ظليل
سمح وان كثر العفاة بماله وبماء أوجه سائليه بخيل
ومسدد العزمات لا يغتالها خطب كما اعتكر الظلام جليل
ويصيب أعقاب الأمور إذا أرتأى عفوا، وآراء الرجال تفيل
وإذا الوغى حدر الكماة لثامه ومشى بسر المشرفي صليل(6/689)
ورماحه توجن من هام العدا ولخيله بدمائهم تنعيل
من معشر لهم السماحة شيمة والمجد ترب والنجوم قبيل
نفضت إلى أكنافهم لمم الربى أيدي الركائب سيرهن ذميل
شرقت بنغمة شاعر أو زائر ودعا هديل فاستجاب صهيل
لكم المعلى والرقيب من العلا وبكم أفاض قداحخن مجيل
وسعيت للعلياء حتى أيقنت أن الأوائل سعيهم تضليل
واها لعصرك وهو يقطر نضرة ويميس تحت ظلاله التأميل
فكأنه ورد الخدود إذا اكتست خجلا وكاد يزينها التقبيل
أين المدى ولقد بلغت من العلا رتبا ترد الطرف وهو كليل
فكلف أبا بكر الداني معارضتها فقال: [189أ]
في الطيف لو سمح الكرى تعليل يكفي المحب من الوفاء قليل
وينوب عن شخص الحبيب خياله إن لم يكنه فإنه تمثيل
برق السماء على الغمام علامة وسنا الصباح على النهار دليل
والروض إن بعدت عليك قطوفه وفدتك عنه الريح وهي بليل
حسب النسيم من اللطافة أنه صحت به الأجسام وهو عليل
وبمهجتي نجم له في مهجتي مسرى ولي في قربه تعديل
حولت عهد مناخه بمناخه فقضى بتحويلي لي التحويل(6/690)
في مثل لمته سريت وفي يدي سيف كطرة عارضيه صقيل
شفق وشارقة لديه ورقة فكأنما هو بكرة وأصيل
وتنوفه واصلتها بتنوفه لا يستبين بها إليك سبيل
تقف الرياح بها مقيدة الخطى ويظل طرف النجم وهو كليل
لا يلتقي طرف إلى طرف بها فالباع فيها واحد والميل
وركبت ما ترك الوجيه ولاحق لا ما تخلف شدقهم وجديل
ورميت عن قوس تنير لي الدجى مما يخولني القنا وينيل
وكأنه قزح على أفق الضحى وعلى جبين مبشر إكليل
ملك كما اتقد الصباح وراءه ظل كما برد المساء ظليل
جاورت منه البحر إلا أنه عذب كما رشف اللمى تقبيل
وصبوت حيث تغازلت همم العلا فلها إلي من السماك رسيل
كنف يرود الغيث خصب جنابه ويبيت فيه الدهر وهو نزيل
قرم له فلك البروج محلة والبدر جار والشموس قبيل
وإذا رنا الرمح طرف شاخص واحمر خذ للحسام أسيل
وشدا صهيل مطرب فأجابه من نحو ألسنة الغمود صهيل
وقف الوغى منه على ذي هيبة يقف العزيز لديه وهو ذليل [189ب]
ومنها:
وأتتك من بغداد بكر ما لها غيري وان كثر الرجال كفيل(6/691)
غذيت بماء الرافدين وربما قد بل عطفيها بمصر النيل
جمعت وشعري في بساطك مثلما جمعت بثينة في الهوى وجميل
ان لم يفتها أو تفته به فلا تفصيل بينهما ولا تفصيل
انا ذاك لو أني أكون لكندة ما فاتني فيها الفتى الضليل
لا عيب لي إلا النحول رضيته ان المهند قاطع ونحيل
وكان أبو بكر الداني مع جودة شعره يخلط أمره كله من أوله إلى آخره عجب يخل به وبأدبه، فلا تزال عقده تنحل عند من يحتل به، حتى يرجع على عقبه، إذ كان أعجب الناس تهافتا ما بين قوله وفعله، وأحطهم في هوى نفسه، وأهتكهم لعرضه، وأجرأهم على ربه، له في هذا الباب أخبار مشهورة، وأغراض مذكورة، وكان خروجه عن صاحب ميورقة على السبيل، بعد أن ساء فيه القال والقيل، فاعتذر إليه بهذه القصيدة، وهي آخر شعر قاله فيه، أولها:
[سلام على المجد يندى قليلا كنشر الربى بكرة وأصيلا]
سلام وكنت أقول الوداع ولكن ادرج قلبي قليلا
ومنها:
جرحت لديك وكنت البريء كما يجرح اللحظ خدا أسيلا
[أخاف عليه انصداع الصفاة ألا يكون زجاجا عليلا](6/692)
ولو لم أكن ماضي الشفرتين لما فلني الدهر سيفا صقيلا
[تسر ضآلتي الشامتين وهل خلق الصل إلا ضئيلا]
أتت ذلة منك محبوبة فلم أرض بالعز منها بديلا
تكلفت فيها سواد الخطوب فأشبه عندي طرفا كحيلا
ولولا مقامي بين العداة لما كنت أوثر عنك الرحيلا
ومن بله الغيث في بطن واد وبات فلا يأمنن السيولا
عسى رأفة في سراح كريم أبل ببرد نداه الغليلا
لعلي أراح من الطالبين فأسكن للأمن ظلا ظليلا
لقد أوقدوا لي نيرانهم فصيرنب الله فيها خليلا [190أ]
يمينا بكم وهو أزكى يمين لألتمس العذر منكم جميلا
سعوا لي عندك في عثرة ولا علم لي فكرهت المقيلا
أفر بنفسي وإن أصبحت ميورقة مصرا وجدواك نيلا
وله أيضا من قصيد طويل:
هلا ثناك علي قلب يخفق فترى فراشا في فراش يحرق
وغرقت في دمعي عليك وعقني طرفي فهل سبب به أتعلق
هل خدعة بتحية مخفية في جنب موعدك الذي لا يصدق
أنت المنية والمنى، فيك استوى ظل الغمامة والهجير المحرق
لك قد ذابله الوشيج ولونها لكن سنانك أكحل لا أزرق
يا من رشقت إلى السلو فردني سبقت جفونك كل سهم يرشق(6/693)
ويقال إنك أيكة حتى إذا غنيت قيل هو الحمام الأورق
لو في يدي سحر وعندي أخذة لجعلت قلبك بعض حين يرفق
جسدي من الأعداء فيك لأنه لا يستفيق لطرف طيف يرمق
لم يدر طيفك موضعي من مضجعي فعذرته في أنه لا يطرق
ومنها في المدح:
وكأن أعلام الأمير مبشر نشرت على قلبي فأصبح يخفق
ملك - بفتح اللام - جوهر هديه من جوهر الشمس المنيرة أشرق
الخيزرانة تلتظي في كفه والتاج فوق جبينه يتألق
فكأن صوب حيا وصعقه بارق ما ضم منه نديه والمأزق
بأس كما جمد الحديد، وراءه كرم يسيل كما يسيل الزئبق
ضدان فيه لمعتد ولمعتف السيف يجمع والعطاء يفرق
عبقت بنار الحرب نفحة عوده ما كل عود في وقود يعبق
وانهل من كفيه نوء مغرب سيان فيه مغرب ومشرق [190ب]
تلقى العفاة يمينه وكأنها قلب إلى لقيا الأحبة شيق
يا أول الأعداد في أهل الندى ولأنت في جم الكريهة فيلق
شهرت علاك فما يشار لغيرها والخيل أشهرها الجواد الأبلق
بشرى بيوم المهرجان فأنه يوم عليه من احتفالك روبق
وعلى الخليج كتيبة جرارة مثل الخليج كلاهما متدفق
وبنو الحروب على الحرابي التي تجري كما تجري الجياد السبق
خاضت غدير الماء سابحة به فكأنها هي في سراب أينق(6/694)
هزت مجاذيفا اليك كأنها اشفار عين للرقيب تحدق
وكأنها اقلام كانت دولة في عرض قرطاس تخط فتمشق
يا ناصر العلياء دونك من فمي درا على اجياد جودك ينسق
ويقل فيك الشهب لو هي أحرف والليل حبر والمجرة مهرق
شكرا لأنعمك التي البستني منها الشبيبة حين شاب المفرق
فيأتني ظل الندى واشدت لي ذكرا هو الريحان بل هو اعبق
تبا لمحطوط يروح مكاثبي والنجم من اذيالها متعلق
من كان ينفق من سواد كتابه فأن الذي من نور قلبي أنفق
وله:
يا ذا الذي حج عهد الصبا فمضى عنا هلالا ووافى نحونا قمرا
اما الجمار فمن قلبي رميت بها كما بآخر عمري كنت معتمرا
صف المنازل لي كيف انتقلت بها فما نقلت لبدر بعدك البصرا
عن بئر زمزم حدثني في ظمأ وان في فيك منه الري والخصرا
وشفع الحجة الاولى بثانية بأن أقبل ثغرا قبل الحجرا
وله:
وابأبي ذلك من حاسب خط استواء الحسن في خده
لما رآني في الهوى واحدا أسقطني للآس من عده
يقرأ باب الضرب في مهجتي ولا يسعي لي سوى بعده [191أ]
ويلزم الطرح لو صلي فلا أنفك طول الدهر من صده(6/695)
معاملات ليتها لم تكن أو ليت ما أبداه لم يبده
وله:
والدهر في صبغة الحرباء منغمس ألوان حالاته فيه استحالات
ونحن من لعب الشطرنج في يده وربما قمرت بالبيدق الشاة
وله:
نعمت به والليل مدة ناظر فصار من السراء غمرة حاجب
كأني شربت الليل في كاس ذكره فلم أبق فيه فضلة للكواكب
وهذه كقول الآخر:
عهدي بها ورداء الوصل يجمعنا والليل أطوله كاللمح بالبصر
فالآن ليلي مذ غابوا فديتهم ليل الضرير، فصبحي غير منتظر
وهذا الباب فيه طول، وقد شرطت أن اجتزىء عن الكثير بالقليل.
ومن كلمة له:
نتيجة عقل الفتى فعله بما عنده يقذف المعدن
وله من أخرى:
قدمت ربيعا والربيع كأنما تأخر وترا إذ تقدمته شفعا(6/696)
هل نسق وافيتما ووفيتما فكنت حيا سكبا وكان حيا نبعا
صباح الأماني أنت أطلعته ضحى واصل المعالي أنت أنبته فرعا
أيا ضيف لم تنزل فناءك وحده بلى قد نزلت العين والقلب والسمعا
إليك ودادي ان تشهيته قرى ودونك صدري ان رضيت به ربعا
ودونك خدي فانتعله ومهجتي فشد على نعليك ناظرها شسعا
وهبني شفاء النفس منك فطالما بكيت نجيع القلب بعدك لا الدمعا
ذكرتك والآمال نحوك عطش وقد منعوها الخمس بعدك والربعا
وكم ذر لي من أفق بشرك شارق ولليل قطع ما أؤبه قطعا
صغرت مكانا إذ كبرت دراية كأني مبني على خلقة الأفعى
كتبت أهز المجد في حال حيرة كمائم إذهزت وقد جازت الجذعا [191ب]
ودونكها رقت وراقت محاسنا فما الروضة الحسناء تشبهها طبعا
وله:
وعلقته في الحب علق مضنة أرخصت فيه العمر وهو ثمين
بعت الحياة بنظرة من حسنة وبدا إلي بأنه المغبون
ولقد يلوح كما تكشف معصم فترى الوشاة كما استدار برين
وكتب إلى أبي الفضل بن شرف مشيرا عليه بمدح ابن مهلهل من وادي آش:
يا روضة أضحى النسيم لسانها يصف الذي تخفيه من أراجها
ومن اغتدى وقد اهتدى لطريقة ما ضل من يسعى على منهاجها
طافت بكعبتك المعالي إذ رأت أن النجوم الزهر من حجاجها(6/697)
شغلت قضيتك النفوس فأصبحت مرضى وفي كفيك سر علاجها
هلا كتبت إلى الوزير بقطعة تصبو معاطفه إلى ديباجها
يجد السبيل بها ولادتك عنده وتنير سعيهم بنور سراجها
أنت السماء فبانتهائك رفعة أطلع علينا الشهب من أبراجها
وضحت مفارق كل فضل عنده فاجعل كلامك درة في تاجها
فأجابه فقال:
يا منجدي والدهر يبعث حربه شعثاء قد لبست رداء عجاجها
لله درك إذ بسطت إلى الرضى نفسا تمادى الدهر في إحراجها
وأرقت ماء الود في نار الأسى كالراح يكسر حدها بمزاجها
فيأتي تلك الغمام فبردت من غلة كالنار في إنضاجها
فأويت تحت ظلالها ووجدت بر د نسيمها وكرعت في ثجاجها
هيهات أن تثنى النفوس لوجهة من بعد ما رجعت على أدراجها
من ذا يرد العصم عن غلةائها أو من يصد البزل عند هياجها
أأزيد في أمري وضوحا بعدها قامت براهنه على منهاجها
فأكون أن زدت الصباح أدلة خرقاء تمشي في الضحى بسراجها [192أ]
دعني أبرد بالقناعة غلة يأس النفوس أتم في إثلاجها
بكر بخلت على الزمان بوجهها ومنعتها من ليس من أزواجها
وضربتها محجوبة بصوانها مثل السلوك تصان في أدراجها
فالنفس إن ثبتت على أخلاقها أعيا على النصاح طول لجاجها
وله:(6/698)
تذكرت عهدا للصبا لو سقيته حيا المزن ما أروته تلك المواطر
زمان لياليه تكنفها الصبا بستر وهن الواضحات الزواهر
ولي التصابي والركون إلى الهوى عواذل إلا أنهن عواذر
رأين هوى ملء العنان يهزه من العيش غصن قاهر الماء ناضر
فأقبلن ينهين الفؤاد عن الهوى وهن بما مرضن مني أوامر
وله:
في القيظ ما يدعو البياض للأبس يكون به برد له وسلام
لبست سوادا والجميع مبيض كأني غراب والأنام حمام
ألا يا ابن معن ما لمجدك غاية ولا لمكان أنت فيه مرام
قد اتفقت فيك المذاهب كلها فلم يبق في شرع الكرام خصام
وله:
غناء يلذ ولا أكؤس تسكن من أنفس طائشه
وأعجب كيف شدا طائر بروض منابته عاطشه
وله من قصيد مطول:
عاوده الشوق وكان استراح وانبرت الطير تغني فصاح
ذكرني عهد اللوى ساجع مد جناحا والتوى في جناح(6/699)
بلله قطر الندى فاغتدى ينفض ريشا سندسي الوشاح
اورق قد اورق من تحته غصن رطيب فوق حقف رداح
وان سقته الريح راحا لها مال وقام نشوان صاح
أعطافه تشبه أعطاف من راح فؤادي معه حيث راح
سقاني الخمرة من ريقه وقام لي من برد بالأقداح [192ب]
يا طاعن الخيل غداة الوغى طاعنك النهد فألق الرماح
والحدق السود إليك ارتمت فما عسى تغنيك بيض الصفاح
ما بقيت في سوى نظرة فاسقة باطنها من صلاح
الحمد لله فإني امرؤ قد تبت إلا من وجوه الملاح
ومنها في المدح:
تبصره إن هاجه صارخ كالحية انساب وكالماء ساح
يجلى الوغى منه ومن طرفه عن قمر لاح وبرق ألاح
موطأ الأكناف رحب الذرى مقدم السبق معلى القداح
ولم يضق دهر على أمة إلا أصابوا بذراه انفساح
تحكي لياليه بأيامه خيلان مسك في خدود صباح
ينشر يوم الفخر من نفسه عرضا مصونا طي مال مباح
لو أن لي قوة عهد الصبا لم أترك النيروز دون اصطباح
يوم رقيق ناثر ناظم كافوره فوق الربى والبطاح
تلعب فيه كل مياسة ميس غصون تحت روح الرواح(6/700)
إن قعدت قلت ربى في ثرى وإن مشت قلت مها في مراح
غيداء جيداء لها معطف يرفل من ديباجه في اتشاح
إنسية وحشية ركبت من صورة الجد وشكل المزاح
ساكنة في جوفها ناطق ينطق عنها بمعان فصاح
يخدمها كل كمي له وجه حيي وفؤاد وقاح
يجرح روح الروع صمصامه ووجهه يجرحه الإلتماح
مرهفة نار وفضفاضة ماء وبين الحالتين اصطلاح
وله:
تذكر الدار فحن اشتياق واعتاده الحب وكان استفاق
أرقه جنح الدجى أورق قام على ساق وقد ضم ساق [193أ]
مفستق الطوق أحم القرا أحوى الخوافي ذهبي المآق
بات بأعلى غصنه نائحا يبكي على ألافه باحتراق
والقضب تثنيها الصبا مثلما تعانق الأحباب يوم الفراق
واحسرتا ماذا ابتلينا به من كامل الذرع قصير النطاق
مهفهف الكشح قريب الخطا بعيد مهوى القرط طوع العناق
تروق لي في خده حمرة تشهد لي أن دما قد أراق
ومن بديع قوله يتغزل:
تولى السؤب خيفة ما يليه وأفلت من حبائل قانصيه
على شرف الخميلة كان حتى توجس نبأة من خاتليه(6/701)
فمر على مهب الريح يعدو بأسرع من مدامع عاشقيه
وصاف عنده مرعى مريعا فأصبح يستريث ويرتعيه
توجه حيث لم تعقل خطاه بمنسوب إلى آل الوجيه
بمياع الأديم يكاد يعشي بنقبته لواحظ مبصريه
ودخل ميورقة في زمن ناصرها، وسلامة مقاصرها، وهي باهية الجمال، عاطرة الصبا والشمال، تقيد النواظر ببهجتها، وتتيه بندى ملكها على لجتها، فتلقاه ناصر الدولة بمعهود إجلااه، وصدق له طير آماله، فقال يمدح:
حنيت جوانحه على جمر الغضا لما رأى برقا أضاء بذي الأضا
واشتم في روح الصبا روح الصبا فقضى حقوق الشوق فيه بأن قضى
والتف في حبراته فحسبتها من فوق عطفيه رداء فضفضا
ألف السرى فكأن نجما ثاقبا صدع الدجى منه وبرقا أومضا
مهما بدت شمس يكون مذهبا وإذا بدا بدر يكون مفضضا
ملك سمت علياه حتى دوحت وسقى ثرى نعماه حتى روضا
ماء الغمامة جرعة مما سقى وسنا الأهلة خلعة مما نضا [193ب]
خفقت عليه راية وذؤابة فكأن صلا نحو صل نضنضا
وقال يرثي أخت المرتضى:
أبنت الهدى جددت منعى على منعى مضى المرتضى أصلا وأتبعته فرعا
جرى الموت جري الريح في منبتيكما فأذواك ريحانا وقصفه نبعا(6/702)
فصل في ذكر الأديب
أبي جعفر أحمد بن الدودين البلنسي
هو أحد من لقيته وشافعته، وأملى علي نظمه ونثره بالأشبونة، سنة سبع وسبعين، ومما أنشدني [من شعره] في الغزل قوله:
علمني في الهوى علي ... كيف التصابي على وقاري
أطلع لي من دجاه بدرا ... لم يدر ما ليلة السرار
فحاد بي عن طريق نسكي ... وظلت مستاهلا لنار وأنشدني أيضا لنفسه:
يا علم الحسن يا علي ... دلهني حسنك العلي
لو قلد اللحظ منك عمرا ... قصر عن شأوه علي وأنشدني أيضا له:
يا أيها القمر الذي ... يهدي الورى بضيائه
صيرت قلبي مطلعا ... وأفلت في سودائه(6/703)
وأنشدني أيضا له:
خط العذار بصفحتيه كتابا مشقت به أيدي المشيب جزابا
فغدت غواني الحي عنك غوانيا وألسن ألحاظ الرباب ربابا
من بعد ما بوأنني وطن الجوى يرشفن من رشف الثغور رضابا
فلأبكين على الشباب ملاوة ولأجعلن دم الفؤاد خضابا
وأخبرني برسالته التي رد فيها على أبي عامر بن غرسية [وكان] هذا - لحاه الله وأبعده - قد استقر بمدينة دانية، في كنف مجاهد، فخاطب الأديب أبا جعفر [ابن] الخراز معاتبا له لتركه مدح مجاهد، واقتصاره على مدائح ابن صمادح التجيبي، وهي رسالة ذميمة غرب في سيطرتها، فلم يسبق لكثرة غلطه [فيها] وزلله إلى نظيرها، وذم فيها العرب، وفخر(6/704)
بقومه العجم، وأراد أن يعرب فأعجم، وإذ قد أفضى بنا القول القول لى ذكرها، فأنا أثبتها هاهنا بأسرها، واجتلب [194أ] فصولا من رسائل جلائل لبعض أهل العصر ردوا عليه وبكتوه، حتى أسكتوه، وإن كانت طويلة، فهي غير مملولة، لما تشتمل عليه من المآثر العربية، والمفاخر الإسلامية.
[وهذه] نسخة رسالة ابن غرسية
يخاطب الشاعر ابن الخراز المذكور
سلام عليك ذا الروي المروي، الموقوف قريضه على [حللة] بجانة أرش اليمن، بزهيد [من] الثمن، كأن ما في الأرض إنسان إلا من غسان، أو من آل ذي حسان، وإن كان القوم أقنوك، وعن العالم أغنوك، على حسب المذكور، فما هذا الإعمال للكور، وترك الوكور - وقلما تأخذ الشعرة في الرحيل، إلا عن الربع المحيل، ولو أن القوم خلطوك بالآل، لما ألجأوك إلى الخبط في الآل. مه مه!(6/705)
من أحوجك إلى ركوب المهمة، وثقف، وودك ألا تقف، على من اضطرك إلى الإيغال، وباعك بيع المسامح بك لا المغال، وبعثك على مخالفة الحصان، ومحالفة الحصان، وعوضك من [قطع] الأندية، بجوب الأودية، ومن المآلف بخصوص المتالف، ووكلك بمسح الأرض، ذات الطول والعرض، فإذا يممت بطن تبالة [تتباله] ، وصرت ضغثا على إباله، تتعلل باليمين، ضنا بالعلق الثمين، أحسبك أن أزريت، وبهذا الجيل النجيب ازدريت، وما دريت أنهم الصهب الشهب، ليسوا بعرب، ذوي أينق جرب، [بل هم] القياصرة الأكاسرة:
مجد نجد: بهم لا رعاة شويهات ولا بهم، شغلوا بالماذي والمران، عن رعي البعران، وبجلب العز، عن حلب المعز؛ جبابرة قياصرة، ذوو المغافر والدروع، للتنفيس عن روع المروع، حماة السروج، نماة الصروح، صقورة، غلبت عليهم شقورة، وصقورة الخرسان، لكنهم خطبة بالخرصان:(6/706)
ما ضرهم أن شهدوا مجادا ألا يكون لونهم سوادا
أرومة رومية، وجرثومة أصفرية:
نمتم ذوو الأحساب والمجد والعلا من الصهب لا راعوا غضا وأفان
من القدم، الملس الأدم، لم يعرق فيهم الأقباط، ولا الأنباط، حسب حري، ونسب سري(6/707)
وأشرعت الأنابيب، وقلصت الشفاه، وفغر الهدان فاه، وولى قفاه، ألفيتهم ذمرة الناس، عند احمرار الباس؛ الطعن بالأسل، أحلى عندهم من العسل:
مستسلمين إلى الحتوف كأنما بين الحتوف وبينهم أرحام
من أمنياتهم، حلول ميتاتهم> لهم على القدمة اليدان، على النأي والتدان:
من الألى غير زجر الخيل ما عرفوا إذ تعرف العرب زجر الشاء والعكر
بصر صبر: تزدان بهم المحافل والجحافل، كواكب المواكب، قيول على خيول، كأنهم فيول، نجوم الرجوم بنو غاب، منتفون من كل عاب، لم تلدهم صواحب الرايات، بل تبجحت عنهم سارة الجمال والكمال ربة الإياة؛ شمخ بذح: بررة أقيال، جررة أذيال؛ بخ بخ: أحلتهم [194ب] سيوفهم سطة الأرضين، فما قنعوا بذلك ولا رضين، حتى دوخوا المشارق(6/708)
والمغارب، فاستوطنوا من المجد الذروة والغارب، وألجأوكم إلى سكنى الحجاز، ذات المجاز:
بضرب يزيل الهام عن سكناته وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق شهدوا برنات السيوف، عن ربات الشنوف، وبركوب السروج، عن الكوب والفروج، وبالنفير عن النقير، وبالجنائب عن الحبائب، وبالحب عن الحب، وبالشليل عن السليل، وبالأمر والذمر عن معاقرة الخمر والزمر، طباتهم خطياتهم، وعلاتهم آلاتهم،:
أولئك قومي إن بنوا أحسنوا البنا وإن حاربوا جدوا وإن عقدوا شدوا
وضح رجع: لا حفزة عكر، ولا حفرة أكر(6/709)
لا محرقو جلة، ندس، غنوا بالاستبرق والسندس، عن البت المقيط المشت، المجموع من النعيجات الست؛ بسل: لا حراس مسل، ولا غراس فسل> ملك لقاح، ليس منه في ورد ولا صدر شراب در اللقاح. [جمح طمح] طعامهم الحنيذ، وشرابهم النبيذ، لا زهيد الهبيد، في البيد، ولا مكون الوكون، ولا أوطنوا بيوت الشعر، ولا غنوا عن الحطب بالجلة والبعر [ولا منهم من احتشى، مذنشا، بمذموم الكشى] ولا منهم وليد ولا ناش، ممن اغتدى بالأحناش، فلا [يقعقع لهم بالشنان، ولا يوعوع لهم باللسان، فكف أيها الشان، فلهم عظيم الشان، واليد الطولى إذ تخلصوكم من أكف الحبشان، صنيع منيع، ومنة، لايشوبها منة](6/710)
لها منحة، لكنها أعقبت محنة، إذ صادفت كفرة لا شكرة. إيها، إذ تأبطتم تيها، معشر البداة العداة، اعتقدتم غلا، فاستثرتم صلا> أما علمتم أن المملكة النوشروانية والدولة الأزدشيرية بقروا أجوافكم، وخلعوا أكتافكم - ثم عطفوا ورأفوا، وملكوكم الحيرة، بعد عظيم الحيرة والكرام بنو الأصفر، الأطهر الأظهر، عطفتهن [عليكم] الرحم الابراهيمية، والعمومة الاسماعيلية، وسمحوا لكم من الشام بأقصى مكان، بعد أن كان من سيل العرم ما كان.
[سرج وهج] قروم الأعاجم، يؤدي إليهم نعمانكم وغسانكم الاتاوة على الجماجم:
هذي المفاخر لا قعبان من لبن
حلم علم: ذوو الآراء الفلسفية الأرضية، والعلوم المنطقية الرياضية، حملة الاسترلوميقى [والجومطريقى، والعلمة بالارتماطيقى وأنولوطيقا](6/711)
والقومة بالموسيقى [والفوطيقا، والنهضة بعلوم الشرائع والطبائع، والمهرة في علوم الأديان والأبدان] ما شئت من تدقيق وتحقيق، حبسوا أنفسهم على العلوم الدينية والبدنية، لا على وصف الناقة الفدنية:
هم ملكوا شرق البلاد وغربها ... وهم منحوكم بعد ذلك سؤددا فعلهم ليس بالسفساف، كفعل نائلة وإساف؛ أصغر بشانكم، إذ بزق خمر باع الكعبة أبو غبشانكم، وإذ أبو رغالكم، قاد فيل الحبشة إلى حرم الله [لاستئصالكم] ؛ غضوا الأبصار، فهذا الذكر إلى الفحش أصار. فلا فخر معشر العربان الغربان، بالقديم المفرى الأديم، لكن الفخر بابن عمنا، الذي بالبركة عمنا، الأسماعيلي الحسب، الابراهيمي النسب، الذي به إنما انتشلنا الله تعالى وإياكم من الغواية والعماية، ولا غرو أن كان منكم حبره وسبره، ففي الرغام يلفى تبره، والمسك بعض دم الغزال، والنطاف العذاب مستودعات مسك العزال:
لله مما قد برا صفوة ... وصفوة الخلق بنو هاشم(6/712)
وصفوة الصفوة من بينهم محمد النور أبو القاسم [195أ]
بهذا الأمي أفاخر من يفخر، وأكاثر [جميع] من تقدم وتأخر، المنيف الطرفين، الشريف السلفين، الملتقى بالرسالة، والمنتفى للأداؤ والدلالة، أصلي عليه عدد الرمل، ومدد النمل، وكذلك أصلي على واصلي جناحه، سيوفه ورماحه، صحابته الكرام، عليهم من الله أفضل السلام:
ثم أحج بشاعر غسان لا ساسان، في هذا العيد، بالوعيد، وأحر في هذا الفصل بعدم الوصل، إذا أضربت عن مديح هذا العلق الربيح، سهمنا النفيس، وشهمنا الرئيس، معز الدولة، [المولى الأعظم، والمئل الأعصم] فيل الأمم، وسيل العرم، مغنى المغاني، ومعنى المعاني، ذي النفاسة النفسانية، والرياسة الساسانية؛ فاذهب يا غث المذهب، وابتغ في الأرض نفقا أو في السماء مرتقى، أو حك من المديد والبسيط، في الملك ذي الخلق البسيط، ما(6/713)
تستجير به من بطشنا، إذ نحن معشر الموالي لانوالي، إلا من هو لعظيمنا موالي، فاستأخر أو تقدم، وحذار أن تقرع سن الندم، قبل أن تجمع ذنوبك في ذنوبك، فمن أبصر أقصر:
فلا تتبشع ممض العتاب يلقاك يوما بلقياه لاق
فإن الدواء حميد الفعال وإن كان مرا كريه المذاق
[يا معتقل علم الشعر، والمستقل بقلم النظم والنثر] :
قد استييت منك فلا تكلني إلى شيء سوى عذر جميل
وقد أنفذت ما حقي عليه قبيح الهو أو شتم الرسول
وذاك على انفرادك قوت يوم إذا أنفقت إنفاق البخيل
وكيف وأنت علوي السجايا وليس إلى اقتصادك من سبيل
وقد يقوي الفصيح فلا تقابل ضعيف البر إلا بالقبول
وإن الوزن وهو أصح وزن يقام صغاه بالحرف العليل
فإن يك ما بعثت به قليلا فلي حال أقل من القليل
فختم رقعته كما تراه بأبيات المعري.(6/714)
فمن رسالة أبي جعفر [بن] الدودين يرد عليه
فصل يقول فيه:
اخسأ أيها الجهول المارق، والرذول المنافق، أين أمك [195ب] ثكلتك أمك. أو ما علمت أنك [إنما] سحبت من عقلك لعقالك، وقدمت أول قدمك لسلفك دمك، وبسطت مكفوف كفك لسلطان حتفك، فقلمت شبا أقلامك لاصطلامك، وحبرت بحبرك لذهاب خبرك، ومشقت في قرطاسك لمشق راسك، فما حقيقة جوابك على خطل خطابك، إلا سلبك عن إهابك، وصلبك على بابك، لو كان بالحضرة أقيال، وحضرك رجال، لكنك بين همج هامج ورعاع مائج، (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) (النساء:143) . فأقسم ببارىء النسيم، وناشر الأمم من رفات الرمم، لأصيرن عليك أيها السخيف المضعوف، - على نذالتك وفسالتك - عرض البساط، أضيق من سم الخياط، ولأخلطن قصبك بعصبك، ولأجمعن بين سحرك ونحوك، ولأخلدنك سمرا غابرا، ومثلا سائرا [أو نشوه محياك، ونحلق سبالك من قفاك، وتحتزم بزنارك، وتلحق بأديارك] مآلك ومقر آلك، أسرتك الأرذلين، وعترتك الأنذلين، الصهب السبال، من ولغ الدم وشرب الأبوال، أكلة الجيف، وحللة الكنف، الوضح الرجح: رجح الأكفال، وضح كذوات الأحجال، فلله أبوك لقد أجدت في قومك الوصف، وبسطت لنا منهم النصف، وأنا(6/715)
الآن أنصف، وفقارك أقصف.
علم حلم: علم بالتداوي من القرم ومنافع العلم، حلم عن كل مجاوز الحلم ذي طعن سديد بعرد شديد.
جمح طمح: الآن صدقت، وغلطك يا فطن استدركت: جمح في الإحجام عن الإقدام، طلب الفرار يوم الانتصار وإدراك الثار، طمح إلى كل رموح طموح، يطول الشبر ويطيل الشبر، معلب مغلب، ذي خلق مرصوص وهامة كالفصوص، إياك ولعابك أن يمحو كتابك.
حماة السروج بناة الصروح: النصفة يا كشاجم لا الأنفة، غض قليلا من طرفك، وأمسك بعض عنان طرفك، وانحاكم في ذلك إلى ظرفك، هل يجوز في التحصيل، أو يصح في العقول، أن يحمي قومك سروح شائهم، وقد أباحوا فروج نسائهم - أليس هذا عين المحال ومغالطة الجهال - فهلا توهمت يا فتى الجواب قبل الخطاب، وأبصرت الورطة قبل السقطة -!
وأما ما قعقعت به ووعوعت من صواحب الرايات، فهن وأبيك(6/716)
بعض بنات ربة الإياة، إمائنا المسبيات الممتهنات، ملكتناهن ظبا البيض الهندية، وشبا السمر الردينية، فما عجنا بهن عما عودتموهن من البغاء للاسترضاء، فكثر معشر العربان من ولد سارتكم اإموان والعبدان، وفيك وأبيك من ذلك أصح دليل وأوضح برهان. فهلا يا فتى ثقفت، ودون هذا الفصل وقفت -!
رجع
بصر صبر: بتركيب عصب [196أ] أنابيب السرر، ومنافعها [بزعمهم] للجسم والبصر، صبر على إيغال الغراميل الطوال.
سرج وهج: سرج المضاجع، وهج تحت المضاجع، لا يطفأ وهجان ذلك السعر، إلا بدافق ماء الكمر.
ملس الأدم ما حاكوا قط برودا ولا لاكوا عرودا: هذا وأبيك من التعريض الرقيق في مقالك وآلك، وذلك أنك وصفتهم باملاس الجلود، وقفيت بنفي لوك العرود، فهذا لعمرك من بديع التحقيق، فافخر فهاتان صفتان سلمتا لأحلك لقومك. وأما لوكهم العرود فأوضح من السراج الوهاج في الليل الداج، لكن ألمع بذلك لمعة تشهد بذاتها على ذواتها وذلك أن قد تحدث أن ولدانكم عطلوا في بعض أعوامكم سوق نسائكم(6/717)
فنمي ذلك لى المليك العظيم، فحكم أكرم به من حكم أن يبيح النسوان من أنفسهن ما أباح الولدان، فامتثلن ذلك، فاتسقت الحالان ونفقت السوقان، وما سمع في الأزمان بأغرب من هذا الشان، فاشمخ بأنفك، وافخر بنصفك.
وأما حوككم البرود، فناهيك من الغفارة الإفرنجية إلى الديباجة الرومية، والنسبتان بذلك تشهدان.
وأما فخرك بربة الإياة فيا ليتها حين ولدتكم ثكلتكم، فلقد سربلتموها عارا مجددا، وعصبتم بها شنارا مخلدا، حين خمتم عن الكفاح، حذر الصوارم والرماح، وعصبتم بها شنارا مخلدا، حين خمتم عن الكفاح، حذر الصوارم والرماح، فأسلمتم لعداتها من بناتها، كل طفلة رداح، جائلة الوشاح، ذات ثغر كالأقداح، وغرة كالصباح، أعجلن عن لوث أزرهن واعتجار خمرهن، فعوضن من الإدلال [بالإذلال] ومن الحجال بالرجال:
خلف العضاريط لا يوقين فاحشة [مستمسكات بأقتاب وأكوار]
وأما ما عيرت به العرب من الاغتذاء بالحيات، فلتغذيكم بالدماء(6/718)
والميتات، فيمتاز الضد ويقع الحد، بين من تناهت جرأته وماتت همته. على أن لا أفتخار في مشرب ولا مطعم، لعرب ولا عجم. وكذلك ما عيرتهم به من حرق الجلة والبعر، غروا بإضرام النيران، وانضاح سدف الثنيان من البعران، لإكرام الضيفان، ولإطعام المقرور الجوعان، فلجأوا إلى الجلة والبعر، فهل تقدم لأحد من الأمم مثل هذا القدم في الكرم، يا قذار العجم -!
وكذلك وصفك قومك بأن ليسوا حفرة أكر، ولا حفزة عكر: الله أجل الأكر أن يحفروها، والعكر أن يحفزوها، لكنهم حفزة جحشان، وحفرة كهوف وغيران، اتخذوها مخبأ عن حبائل العربان، وملجأ من وقع الصوارم والمران، فعل الخزان واليرابيع والجرذان، وشبه ذلك من انواع الحيوان. [196ب]
وأما فخرك بعلمهم الشرائع، فمن أبدع البدائع، استنت الفصال حتى القرعى، وجهلهم بذلك أوضح من أن يشرح، وأبين من أن يبين، لكن أنكت من ذلك أوضح من أن يشرح، وأبين من ان يبين، لكن أنكت من ذلك نكتة، وأنبذ منه نبذة تصفعهم صفعا، وترد صهب أدمهم سفعا؛ وأنى يكون ذلك كذلك، هبلت لآلك، ولم يأخذوه عن نبي، ولا نقلوه عن حواري، ولم يزالوا يتعللورون أصلهم الإنجيل بالزيادة والنقصان، إلى أن أصاروه في حيز الهذيان. وحسبك بهم جهلا(6/719)
أنهم يعتقدون إلها نبيهم، فوسموه بالرب المعبود، وصيروه بعد مصاوب اليهود، فاعجب لجهل يجمع بين هذين الطرفين. وأعجب من ذلك أنهم مجمعون أن عيسى ينزل إلى الأرض لحساب الخلائق يوم العرض، فما ظنك يفعل اليهودية على ما قدموه على زعمهم من صلبه إذا ناقشهم الحساب - فهل يصح بهذه الآراء الضعيفة والعقول السخيفة دين أو يثبت [لهم معه] يقين - ولولا أني أجل قلمي وأنزه كلمي عن سخافاتهم في دياناتهم، وبر سامهم في أحكامهم، لأوردت من ذلك ما لا يستجيزه إلا مثال قومك العجم، عقول البوم والرخم.
وأما علم الطبائع فسلم بعضها لهم، لما تقدم في أثناء الرسالة، من علمهم بخواص تلك الآلة، والصدق أزين ما به نطق وإليه سبق.
وما ذكرته من أبي رغال، فذلك جد محتال، قاد أعداءه علما منه باستئصالهم على اختيارهم إاى بوارهم، فعجل الله بأرواحهم إلى نارهم.
والآن تذكرت مساق أبي غبشان، وما أنسانيه إلا الشيطان، ذلك الذي به ظننت ومن قضيته عظمت، وليس الأمر كما توهمت، لأن الكعبة بيت الله وملكه لا شريك له وضعه الله تعالى للعباد، وسوى بين العاكف فيه والباد، وأبو غبشان إنما باع خدمته في البيت [وهبها وصمة سفيهنا العربي، أين تقع من قضية إمامكم يهوذا الحواري] إذ باع نبيه روح(6/720)
القدس من اليهود أعدائه بالأفلس، فكذب الله ظنه وأنجى نبيه، فدونك ضع قضية سفيهنا في كفه وفي أخرى قضية إمامك، ورجع بينهما بفص خيتامك.
وأما وصفك قومك أنهم مجد نجد، شمخ بذخ، [عرق غرق: فيهات هيهات ذلك منهم!! تلك صفات قومنا العرب ذوي الأنساب والأحساب، والعلوم والحلوم، أولي اللسن والبيان واللحن، والإسهاب في الصواب، والحكمة وفضل الخطاب، فرسان العراب وأرباب القباب، ومعلمي الصوارم والحراب، انديتهم عراض المنية، وارديتهم بيض المشرفية، ولبوسهم مضاعفة الماذية:
سهكين من صدإ الحديد كأنهم تحت السنور جنة البقار
مجالسهم السروج، وريحانهم الوشيج [197أ] وموسيقاهم رنات الردينيات، وطوبيقاهم نغمات السريجيات، لم تكن قادتهم النساء، ولا إرادتهم في آجالهم النساء، مناهم تعجيل مناياهم:
يستعذبون مناهم كأنهم لا ييأسون من الدنيا إذا قتلوا(6/721)
عنوا بمد أطناب الأفنية، عزة وأنفة عن تشييد الأبنية، محالفي الصحاصح والبيد، فعل الأساود والأسود، قصورهم المناهل، ومعاقلهم الذوابل. صبر وقر: إذا ثار الغبار، واسود النهار، وحسن الفرار وذهلت الأذهان، وأبهم العيان، وتلجلج اللسان، وتلاطمت السيوف، وحميت الحتوف، وقلصت الشفاه وخنست الأنوف، وعصب الريق وتعانقت الشجعان، وتشاجر المران، وبرح الحمام، وفل الحسام، وحمي الوطيس، والتفت الأقدام والرءوس، فلا ترى إلا حز الغلاصم، وشيم الصماصم في الجماجم، فهنالك تلقاهم، لا دهمك لقاهم، أقيال الأقيال، شمرة الأذيال، أسود الأغيال، حماة الأشبال، لا ملس أدم ولا جررة الأذيال، وهكذا فليكن أقيال الرجال، يا مسلوب الحجال.
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
وما كان أغناك يا كشاجم، عن كشف عورات آلك الأعاجم، لكن ضعف نظرك، حداك إلى هذرك، وسوء أدبك، وافى بك على عطبك، نسأل الله سترا يمتد، ووجها لا يسود.
قال أبو الحسن: وممن رد أيضا على ابن غرسية وأجاد ما أراد أبو الطيب عبد المنعم القروي، برسالة أثبت اكثر فصولها، على طولها(6/722)
لاشتمالها على المآثر العربية، والمفاخر الإسلامية، قال في أولها مفتتحا:
وذي خطل في القول يحسب أنه مصيب فما يلمم به فهو قائله
نهدت له حتى ثنيت عنانه عن الجهل واستولت عليه معاقله
تعال فخبرني علام تشددت قوى العير حتى أحرزتك مجاهله
وفي فصل منها: أيها الفاخر بزعمه، بل الفاجر برغمه، ما هذه البسالة في الفسالة، ما هذه الجسارة على الخسارة، لقد تجرأت ومن الملة تبرأت، وكيف جهلت حتى وهلت، وكيف زللت حتى ضللت -! بالعرب تمرست وفي مجدها تفرست، وعلى شرفها] 197ب] تمطيت، وإلى سؤددها تخطيت، أما تهديت لما تعديت، أما وجمت مما هجمت، أما اتقيت مما ارتقيت -!
إنا إذا ما فئة نلقاها نرد أولاها على أخراها
نردها دامية كلاها قد أنصف القارة من راماها
وفي فصل: فأخبرني عنك أما كانت للعرب يد تشكوها، ومنة تذكرها - أما جبرت نقيصتك، أما رفعت خسيستك - أما استنهضتك من وهدتك، أما أيقظتك، من [غفلتك و] رقدتك - ألم تربك فينا وليدا، ألم تتخذك لها تليدا - ألم تعن بتخريجك وتدريجك - أما أنطقتك بعد العجمة، أما أسلقتك عقب اللكنة - حتى إذا اشتد كاهلك وعلم جاهلك، وقوي(6/723)
ساعدك ورقي صاعدك، كفرت نعمتها لديك، ونثرت عصمتها من بين يديك، وأخذت تطاولها بأرسانها، وتقاولها بلسانها، وتناضلها بسهامها، وتهاطلها برهامها، أحين فكت أسرك من أقذورة القلف، وأخذت بضبعيك من أهوية التلف، وشدت ظهرك للمتان، واعتمدت طهرك بالختان، ناهضتها بحسامها، وجاهضتها بكلامها، ورميتها [بسهامها] ، عن قوس هي نبعتها، ومن هضبة هي قلعتها -!
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وفي فصل: وهات أرنا مفاخرك، نرك مساخرك. أنت صاحب الشهب الصهب، والسنة شهباء، والجهام صهباء. كذلك أنتم لا خير ولا مير، ولا عمرو ولا عمير، ليس للسخاء بالرومية اسم، ولا للوفاء في العجمية رسم. أين عن السمر القمر، البيض غررا وصفاحا، السود طررا وأوضاحا، الدعج عيونا ورماحا، البلج وجوها وسماحا، قمم في العمائم، وهمم في الغمائم، سعروا عليكم نار الحرب، بتلك الأينق الجرب، فكسروا أكاسرتكم، وقصروا قياصرتكم، فسفكوا دماءهم، وأباحوا أحماءهم، وأخمدوا نار صولتهم، ومحوا آثار دولتهم، وطهروا(6/724)
الأرض المقدسة من أنجاسهم، والمسجد الأقصى من أرجاسهم، الذين ينجون ولا يستنجون، ويجنبون ولا يتطهرون، رعاة الخنازير، وأكلة السنانير، وطهاة التنانير؛ أما رجالكم فقلف غلف، وأما نساؤكم فقذر بظر، لا يعرفون الخفاض ولا الختان، ولا يألفون السنان ولا العنان. ويحك ما آثرت وبمن كاثرت، أما استحييت مما انتحيت -! هل كانت العرب إلا كنز عز وذخر فخر، وخبيئة ذخرها الله إلى الوقت المحتوم، وأسكنها أرضا يرغب عنها أولو البطنة، ويرغب [198أ] فيها ذوو الفطنة، حفظ فيها أحسابها، وطهر بها أنسابها، واختارها ليختار منها صفيه، وميزها ليميز منها حفيه، ثم اختصها بالأحلام الزكية، والأفهام الذكية، [إن جاورتهم نصروك، وإن حاورتهم قصروك] وإن فاضلتهم فضلوك، وإن ناضلتهم نضلوك، وإن طاولتهم طالوك، وإن استنلتهم أنالوك، بالكرم يلهجون، وبحسن الشيم يبهجون، يمشي أحدهم إلى الموت ثابتة وطأته، فسيحة خطوته، شديدة سطوته، جريا على الكماة جنانه، لبقا بتصريف القناة بنانه، بصيرا بمهج الدارعين سنانه، وأنتم كما وصفت ملس لمس، لا تغيرون ولا تغارون، ولا تمنون ولا تمتنعون، قلوبكم قواء، وأفئدتكم هواء، وعقولكم سواء، قد لانت جلودكم، وندت نهودكم، واحمرت خدودكم، تحلقون اللحى والشوارب، وتتهادون القبل في المشارب، وتعفون الجمم، وتوفرون اللمم:(6/725)
والحرب لا يبقى لصا ... حبها التخيل والمراح
الا الفتى الصبار في الن ... جدات والفرس الوقاح
يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا والعرب تذم بالدعة، وتهجو بالسعة، وتفخر بالجلادة، وتتبجح بالصلادة، فإن فاخرتها فبغير الطعام والشراب، ولكن بالطعان والضراب، وما عليك من لوك العرود، أخفت إعجازها، وخشيت إعوازها - أبك حاجة إليها - ألك حرص عليها - لشد ما أدركتك الحمية فيها، وحركتك العصبية لها! هذه نادرة لم تحرد لها وبادرة لم تقصد قصدها، وأنت إن شاء الله بعيد منها. ومن الآيات ذكر صواحب الرايات، والمباضعة عندكم كالمراضعة، مافي الشكر عندكم نكر، [تبيحون] ولوج العلوج، على بدور الحدوج؛ الزنا عندكم سنا، والفجار بينكم فخار، تقتادونهن وتستأدونهن، فكيف أنكرت ما ذكرت، وسرفت ما عرفت، وأنت على سنن تلك السنن، الحال قائمة والقصة دائمة:
وأول راض سنة من يسيرها ... ومتى كنتم تصبرون ولا تصبرون، وفي أي المواطن تظفرون ولا(6/726)
تظفرون - أليس شعاركم: الهرب الهرب، هذه العرب!! ألبس قد دفعوكم بكفاحكم وصفعوكم بصفاحكم - أليس الذين قوموا ألسنتهم، وأرسلوا أعنتهم، من أعالي نجد وأسافل تهامة، وضواحي طيبة ونواحي اليمامة، ومما بين مدين إلى عدن، لا يردهم رادة، ولا تصدهم صادة، حتى أهلكوا ساسان وكاسان، وملكوا خراسان وماسان [198ب] ، وسلكوا بالقهر ما وراء النهر، فأدخلوكم الدروب وألزموكم الكروب، بجريدة خيل وطريدة ويل، وأمضوا فيكم العزائم، وأرضوا منكم الهزائم، حتى أجحروكم رومية الدفراء، والقسطنطينية البخراء، لا تلوون على تريك، ولا تعرجون على ضريك، ونازلوكم منها على دراعين، وصرعوكم بين المصراعين -! ألم تبلغك ضربة يزيد بعموده
، وخبر خالد بن يزيد في أخدوده؛ والراية المعلمة والآية المحكمة، مسجد مسلمة -[ثم كم قائظة غائظة، وصائفة عليكم طائفة] ؛ ثم عطفوا مغربين، وللآرض مخربين، فما تركوا من الأعاجم عاجما ولا ناجما، ولا أبقوا من البرابر عابرا ولا غابرا [وساروا قدما يذبحون البر ذبحا، ويسبحون سبحا] حتى طرقكم طارقهم في هذا الطرف، ورشقكم راشقكم في هذا الهدف واقتحموا عليكم هذه البلاد فأوطئوها، وكأنما رموها بالحجارة فما أخطأوها(6/727)
فملكوا أرضكم بساحتيها، وأحاطوا بها من ناحيتيها، سلبوها بأقطارها، وحلبوها من أشطارها:
وضموا جناحيكم إلى القلب ضمة تموت الخوافي تحتها والقوادم
[فما تعرضك لقوم سلكوا بلادكم، وملكوا تلادكم، واستعبدوا أولادكم. ثم إنهم حين قدروا غفروا، ووضعوا الإتاوة على جماجم الأعاجم، والوشوم في براجم العلاجم، فلا يحضرون العشار إلا بالغيار، ولا يشهدون الأسواق إلا بالأطواق، فإن دخلتم في الدين قطعت أستاهكم، وإن خرجتم منه أخذت التي فيها شفاهكم، وكنت أنت من رذايا تلك السبايا، ومن عبايا تلك الخبايا، ومن خطايا تلك العطايا، فلا تحرد حرد المقهور، ولا تضجر ضجر المبهور، ولا تحنق الأسير على القد، ولا تغضب المستقي على العد] ولا بأس عليك فقبلك ما قصروا الأمم، وهصروا القمم، وهم أبكار الزمان وأفكار الأوان، لهم العرب العاربة، ومنهم عاد الغالبة، ذات الأحلام السداد، والأجسام الشداد، وإرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، ومنهم لقمان صاحب النسور وباني القصور، ومنهم(6/728)
ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، ونحتوا البيوت في الأطواد، يتخذون السهول قصورا آمنين، ويعمرون الأرض ساكنين، لهم القضب والخضيم، والنخل التي طلعها هضيم، ومنهم العمالقة والجبارون، والفراعنة القهارون، أنتم لهم أكارون، [وحربة عكارون] ، اتخذوكم أكسابا، واتخذتموهم أربابا، ومنهم التبابعة الأكملون، والمرابعة الأفضلون، ومنهم ذو القرنين صاحب السد، وشمر مخرب سمرقند، قال تعالى (أهم خير أم قوم تبع) (الدخان:37) ، فضربهم مثلا في الجلالة، وغاية في شرف الحالة. ولهم الملوك من حمير والمقاول من كهلان:
كانوا سماء الورى قبل النبي وهم لما أتى الحق فيهم أنجم زهر
سموا بملكهم قبل الهدى وسموا مع الهدى فهم آووا وهم نصروا
ولاة علاة، وسماة حماة، لهم العلو والعلاء، وفيهم العباهلة والأذواء:
وما حمير في الناس إلا كباذخ يعيش الورى في ظله المتمدد
هم الأنف في وجه الزمان ومجدهم على صفحات الدهر ليس بجلمد
هم ملكوا شرق البلاد وغربها وعلوا جياد الخيل في كل مورد [199أ]
وسدوا على يأجوج لما تتابعت على العين في قطر من العين مبعد
ترى كل معطوف الوشاحين أخمص على كل مخطوف الجناحين أجرد
فمن أمرد في السلم في حلم أشيب ومن أشيب في الحرب في جهل أمرد
بأيديهم البيض الرقاق كأنها جداول ماء الموت قيل لها اجمدي(6/729)
[فأين حصاتك من جبالهم، أم أين سفاتك من نبالهم] .
وفي فصل منها: وعلام جثث أصلك من الأنباط، وأزحت فصلك عن الأقباط، ما كان ذنبهم إليك وجنايتهم عليك، حتى أخرجتهم عن جملة الأعاجم [ونفيتهم] عن جنبة أصحاب التراجم، بسبب كريمتهم، ومن أجل شريفتهم، لتسب العرب بولادة من تعلق بك، وتشبث بنسبك. أما علمت أن أحمق أفعالك، وأخرق أقوالك، سبك عدوك بولادة امرأة من أهلك - أما هذا من جهلك -!
ولما قال ابن فضالة في ابن الزبير:
ومالي حين أقطع ذات عرق إلى ابن الكاهلية من معاد
قال عبد الله بن الزبير: لو علم لي أما هي شر من عمته لسبني بها ونسسبني إليها؛ أفلا ترى كيف غلب عليه حتى سقط شعره فيه -! وحاشا لمن(6/730)
كنا في ذكره، بل لها الشرف الأرفع، والسناء الأمتع. هذا على اتصال نسبك برومان، [فإن كنت] من ولد كنعان فما أبعد دارك، وأشحط مزارك، وأطمس آثارك!! وأما الخيل فسامح العرب بركوبها ووثوبها، وخل بينهم وبين عيوبها، فلا حظ لك ولا لأصحابك فيها. عليكم بالبراذين المحذفة، والكوادين الموكفة؛ الخيل حرث العرب وحصادها، وعدتها وأرصادها، ليست أمة من سائر الأمم الأعجمية تنازعها ذلك ولا تدافعها عنه، تسميها بأسمائها، وتنسبها إلى آبائها، وتعرفها بأصواتها، وتؤثرها بأقواتهان وإنك لتعلم أن خيلهم أشهر من ملوككم أسماء وألقابا، وأطهر من نسوانكم أنسابا وأعقابا. قالوا: بنات أعوج وآل الوجيه ولاحق، وبنات العسجدي وآل ذي العقال، وداحس والغبراء، والجرادة والخنفاء، والنعامة والشماء، وحافل والشقراء، والزعفران والحرون، ومكتوم والبطين، وقرزل والصريح، [والعصا] والربد والوحيف، وأسماؤها كثيرة، وألقابها شهيرة، ولعلك أن تذكر لنا من خيل آبائك الأولين، وأفراس أسلافك الأقدمين، فرسا مشهورا، وفارسا مذكورا، فان أتيت بذلك شهدنا وآمنا. ولو كنت فاخرت العرب بنصب الدواليب [199ب] وعطف الكلاليب، وغرس الأشجار، في الأحجار(6/731)
وقطع ما عظم من العيدان، وعمل العلاة والسندان، رضينا وسلمنا. فأما نر الليل بآذان الخيل، وطي الفلاة بأيدي اليعملات، وشن الغارات وطلب الثارات، فلا عليك أن تخلي بينهم وبين شصائصهم، وألا تنازعهم في خصائصهم، فإنما إليهم أقرب، وهم بها أدرب، وهي بهم أليق وأعلق، [وهم اليها أسبق] وهم بها أصب وأملق، يركبون إلى الحرب في ثياب الشرب، ويعتنقون الفوارس كما تعتنقون الأوانس:
لو كان في الألف منهم واحدا ودعوا من فارس خالهم إياه يعنونا
وفي فصل: وما عبت من قوم ينزلون البراح ويشربون القراح، ويرفعون العماد ويعظمون الرماد:
الموقدون بنجد نار بادية لا يحضرون وفقد العز في الحضر
إذا همى القطر شبتها عبيدهم تحت الغمائم للسارين بالقطر
وقائلهم الذي يقول لغيره:
أوقد فإن الليل قر والريح فيها برد وصر
عسى يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفا فأنت حر(6/732)
وفي فصل: وما أدري من اين كان فقد الأحطاب لو فقدوها مثلبة وليست راجحة إلى خلق ولا خلق، ولا معدودة في نسب ولا حسب، ولقد اهتديت إلى طريفة، وانتهيت إلى لطيفة، فسبحان الله ما أصدق حسك وأسبق حدسك!! تدققت وترققت، حتى توثقت وتحققت، لا، ولكنك تعمقت حتى تحمقت؛ فإن كان الأمر كما ذكرت، فأين غضا نجد وقلامه، وأين رنده وبشامه، وأين غربه ونبعه، وأين سلمه وسلعه، وأين العنم والعلجان، وأين الساسم والبان، وأين الشيزى والاثأب، وأين الرنف والشوحط، وكيف عرفوا دوح الكنهبل، ومساميك الإسحل - وكتاب النبات يشد عليك، بما فيه من الأيك. وقد عنفت على العرب وعسفت، ارفق بهم رفق الله بك، اخفض لها من جناحك، عد عليها بعطف من جماحك:
لا تملأ الدلو وعرق فيها أما ترى حبار من يسقيها
وفي فصل: وكيف استجزت على فضلك الباهر، وشرفك -[بزعمك]- الظاعر، أن تستعين على فخرك بخلاف الحق، وتلجأ في تهورك إلى غير الصدق - هل كان النعمان إلا ملك أملاك، وشمس(6/733)
افلاك، أصله عريق، وفرعه وريق، اتخذتموه جبارا ودون العرب حجازا، نزل الحيرة، وأنتم له جيرة، ملك شهم من لدن مالك [200أ] بن فهم، له سقي الفرات بقضه وقضيته، يجبي خراجه، ويستعبد أعلاجه، قد كفاكم العرب جمعاء، من جلق إلى صنعاء، يذب عنكم بماله واحتماله، بوضائعه وصنائعه، بعد عقد مؤكد، وعهد منكم مؤبد، وأجارت العرب من أجار، وأغارت على ما أغار، وحسنت حال الفرس بمكانه، وعزت بسلطانه، فلما شمخ على أعلاجكم، وامتنع من زواجكم، ولم تكن العرب تزوج احفادها، أو يكون من اكفاها؛ فقال لباغي لبسواد، عليك ببقر السواد، استزرتموه فغدرتموه وغررتموه، فكيف رأيتم غضب العرب لثارها وطلبها لأوتارها - ألم تصدمكم بذي قار صدمة ذي احتقار، فأدركت فيكم رضى الرحمن وأخذت بثأر النعمان، وطحطحت بني ساسان وآل كاسان -! ولم تقم للفرس بعدها قائمة، ولا رعت لها سائمة، ولم تزل في قواصف تتقاذف، وعواصف تترادف، حتى تمم الله آفتها، واستأصل الإسلام شأفتها.
وأما آل غسان فالشرف الأقدم، والبناء الذي لا يهدم، سالت من بلادها حين سال العرم جائلة، وساحت من أرضها حافلة، هاجرة لأعطانها، نافرة عن أوطانها، وجاوزت الحجاز وهبطت الشام، فوجدت بلادا ريفا خريفا، ورجالا جوفا، لا يحمون ولا يحتمون(6/734)
فقالت: غنيمة باردة، وبهيمة فاردة، فنزلت الزوراء والغوطة الزهراء:
وجالت على الجولان ثم تصيدت مناها بصيداء الذي عند حارب
فألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب مسافر
على رغم أنوفكم، وقطع شنوفكم، وولجوا خدوركم، على غيظ صدوركم:
وما بقيا علي تركتماني ولكن خفتما صرد النبال
[فقلتم قضية كريمة، ونعمة عميمة، وسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، لا يستكف العرب، إلا بالعرب، ولا يقطع الحديد إلا بالحديد، ودفع الشر بالشر أحزم] فمتى أدوا إليكم الإتاوة، وأملوا لكم الإداوة - وهم يحمونكم حمي القروم أشوالها، ويمنعونكم منع الأسود أشبالها، أم تراكم تركتم لهم الشام رعيا لذمامهم، وصلة لأرحامهم -!
وفي فصل: وفخرت بالرياضية والأرضية، صدقت ونبت عني في الجواب، هي كالرياض سريعة الذبول كثيرة الخبول، زهر مشرق ونور مطرق، لا ثمر ولا كثر:(6/735)
وهل في الرياض لمستمتع سوى أن يرى حسن أزهارها
وكأرض الأرضة، ذات العرصة العريضة، لا بناء فيحل، ولا فناء فيظل، [يدفن فيها الأموات، وتخمد فيها الأصوات] .
وأما الاسترلوميقا وهو علم الهندسة فعلم عملي مبني على التقاسيم والتراسيم، والنواظر والمناظر [200ب] وكله آلات للحالات، وأدوات للذوات، ومساحات للساحات، وأمداد للأعداد، وفي أفانين القوانين، ليس فيها معنى من تحصيل دقائق الفصول، ولا تفصيل حقائق المحصول، فأهلها عمال ممتهنون، وبأشكالها مرتهنون، والعرب بعيدة من المهنة، نافرة من الخدمة. ومن قولكم: إن قسم العلم أفضل من قسم العمل، فهي إذن أرذل القسمين، وأسقط العلمين.
والجومطريقا وهو علم الهيئات ودورها، والطوالع وكورها، [وجنسها ذو] نوعين، وبابه على مصراعين: القضايا، وليست برضايا. أما الأول فيبنونها على أن الطوالع مدبرة مقبلة، وهي أصول فاسدة وسوق كاسدة. وقال آخرون: هي كالعيافة والزجر والقيافة. وهذا باب مسلم للعرب لا ينازعون فيه ولا يدافعون عنه، لهم فيه اليد الطولى، والمنزلة الأولى، لهم السوانح والبوارح، والقواعد والنواطح، وعندهم الأيامن والأشائم، والأواقي والحواتم، وغير ذلك من التمائم والرتائم، وفيهم من لا يعتمده ولا يرتصده كالقائل:(6/736)
لا يمنعنك من بغاء الخي ... ر تعقاد الرتائم
ولا التشاؤم بالعطا ... س ولا التيمن بالمقاسم
فلقد غدوت وكنت لا ... أغدو على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيا ... من والأيامن كالأشائم
فكذاك لا خير ولا ... شر على أحد بدائم وفي فصل: وأما الكهانة فكانت فيهم فاشية ولهم غاشية، وقد سمعت بشق وسطيح، وزرقاء اليمامة وطليحة الأسدي، ومسيلمة الحنفي، والأسود العنسي، وزهير بن جناب الكلي، وأفعى نجران، وحازي غطفان، فلما جاءت الديانة بطلت الكهانة، ولما نزل القرآن زجر الشيطان.
وكذلك الدرجة الأخرى، فالعرب بها أحق وأحرى، وهي معرفة الشهور والأيام، وحساب الدهور والأعوام، والأفلاك وأدراكها، والأبراج وأدراجها، والنيرات وتعاورها، والدراري [وتغاورها] ، والعرب أدرى بها، عرفوا السماء ومعايشها، والأرض وحشائشها، ووصفوا الطوالع والغوارب، [ورتبوا الثوابت وأنواءها، والنوائب وأدواءها] والأزمنة وأهواءها، والأودية وأنداءها، فلا ينجم نجم إلا سمته، ولا ينبت إلا وسمته، [ولا عيش في سائر الأقطار، إلا بعابر(6/737)
الأمطار، كما لا ثبات للحيوان إلا بالنبات، فقد عرفوا إذن طريقي الحياة، ووصفوا فريقي النجاة] ، وما سوى ذلك فضل ليس فيه فضل، وتكلف لا يفيد فائدة، ولا يعيد عائدة.
وأما أقسام الطب للأجسام فقد جمعته العرب في كلمتين معلومتين، ولفظتين محفوظتين، على رأيها في الاقتصار، وذهبها في الاختصار، فقالت: " المعدة بيت الداء [201أ] والحمية رأس الدواء "، وقال عليه السلام: " أصل كل داء البردة "، وقالوا: " كل وأنت تشتهي، ودع وأنت تشتهي ". وكانوا يطعمون ليعيشوا، وينعمون ليريشوا، فقد جمعوا الطب بأظافيره، والصلاح بحذافيره، [وإذا فتشت أصول سقراط، ونبشت فصول بقراط، لم تجد مستزادامستجادا، ولا مسترادا مستفادا [. وليست هذه الأمور مما يخص به آحادهم، أو ينفرد به أفرادهم، بل ينطق به صغارهم وكبارهم، ويعرفه نساؤهم، ويهتف به إماؤهم، ورعايهم وعبدانهم؛ أشعارهم بذلك ناطقة، وأخبارهم عنه صادقة، وأخبارهم عنه صادقة، ما تلوا فيه متلوا، ولا قروا به مقروا، ولكنها الطباع الصافية، والقرائح الكافية، والغرائز السليمة، والنحائز الكريمة، تلقط الحكم من مخاطباتهم، وتسير الأمثال من مجاوباتهم، على منهاج واحد من الفصاحة في المشاورة، وفي المحاورة، وعلى طريقة واحدة من البلاغة في المسالمة والمراغمة، [والمواجزة] مع المناجزة، [ولا يتعلمون ولا يتأملون، بل] يرسلون الحكم إرسالا، ويبعثون الفطن أرسالا.(6/738)
والموسيقى وهو علم فنون اللحون، بالعجم إليه حاجة مجحفة، وضرورة معجفة، لهجز طباعهم عن الأوزان، وقلة اتساعهم في الميدان، لأن لغاتهم قليلة، وقواهم كليلة، لا تستجيب إلا بوسائط، ولا تستقل إلا ببسائط، ليس عندهم شعر موزون، ولا كلام مرصون، ولغة العرب واسعة العبارات، ناصعة الإشارات، لها الشعر الموزون، والنظم المكنون، والكلام المنثور، والسجع المأثور، والرجز المشطور، والمزدوج المبتور، والموشح والأطواق، والقلائد في الأعناق، والمخمسات والمربعات، والكوامل والمقطوعات، ولعبيدها في كل ذلك اللحون الشجيات المطربات والمشوقات، والتغايل والتقايل [والأهزاج والأرمال، وغير ذلك من الأعمال، كالركباني والأعرابي، والنصي والمدني، والثقيل الثاني، وعمود المدني، والماخوري والسريجي، وخفيف المدني، وهي كثيرة أثيرة، نسي معها الأرغن والسلياق والصنج والكنكلة] والقندورة والقيثارة، فلا يعرفن ولا يولفن.
وما أظن معبدا والغريض وأشعب وطويسا وابن سريج وابن محرز(6/739)
والميلاء وبصبصا قرأوا قط موسيقى، ولا سمعوا بيطيقا، فاعرض إن شئت ألحانهم المطبوعة على أورانكم المصنوعة، فأظهر غلطهم في التنغم، وخطأهم في الترنم. على أنه من العلم المذموم] روي في الحديث: أن أول من غنى وناح إبليس حين أكل آدم من الشجرة؛ قيل وهوأول من عمل الطنبور؛ فلا مرحبا بعلم الأستاذ فيه إبليس اللعين، [وقد كان منهم من إذا غنى ثنت الوحش أجيادها وفارقت اعتيادها، وعطفت خدودها وتركت شرودها، مصغية إليه مقبلة عليه، فإذا قطع عاودت نفارها وطلبت أوكارها، هذا فعل الأوابد والوحوش الشوارد، فما ظنك بالقلوب الرقيقة، والفطن الرشيقة -! ولقد ألف الإسلاميون في الأغاني، وما يتصل بها من المعاني، ما إن نظرت بميز وحكمت بعدل، وقفت على الفضل في هذا الفصل، ولم تحو جك العصبية والنفس الغضبية، إلى شهادة الزور والجور المأزور.
وأما الأنالوطيقا والطوبيقا فهنالك جاءت الاحموقى والأخروقى، [201ب] وظهر عجز القوم وتبدلت أفهامهم وركدت ريحهم، وكثر تريحهم، وبان أنهم أغمار، ليس فيهم إلا حمار، وضل سعيهم في الحياة الدنيا لما إلى حيث تنفرد العقول بنظرها، والبصائر بفكرها، والأفهام باستنباطها، هنالك تاه المحزون، وخسر المبطلون، وتفرقوا شذر نذر وعباديد أباديد، فمنهم الدهرية القائلون ليس للعالم ابتداء ولا انتهاء، لا نثبت إلا بما شهدناه، ولا نعلم إلا ما عهدناه، فأنكروا حجج العقول والعلم(6/740)
المنقول، والدليل والمدلول، وهم يبصرون تعاقب الأضداد وتعاور الكون والفساد. ومنهم الطبيعيون وهو أيادي سبا وفرق شتى، قوم يقولون العالم من أصلين: هوائي وأرضي، فجمعوا بين الراسب والطافي، والكدر والصافي، وعلى هذا الرأي قال المتنبي:
تبخل أيدينا بأرواحنا على زمان هي من كسبه
فهذه الأرواح من جوه وهذه الأجساد من تربه
ومنهم القائلون: العناصر أربعة هي بسائط للمركبات، فقضوا بائتلاف المتضادات، وتركيب المتحادات، فجمعوا بين النار والماء، والأرض والهواء.
فإن قيل: كيف صارت متظافرة وهي متنافرة، وغدت متجاورة وهي متعاورة، وإذا كانت تتهارج، كيف تتمازج، أم كيف يمتزج الصاعد بالراكد ويلتبس الحار بالبارد - قالوا: جمعنا جامع، وقمعنا قامع، بطبعه لا باختياره، وبفعله لا باقتداره، وهذا غاية المحال، ونهاية الاختلال، لأنه لا بد أن يكون الخامس مثلها أو مثل بعضها، أو مخالفا لكلها. فإن كان مثلها أو مثل بعضها فلا حاجة بها إليه مع وجود مثله، وإن كان مخالفا لسائرها فلا بد من سادس لتغايرها [ثم كذلك إلى غير غاية] ولم قالوا أربعا - فإن قيل أيها أقدم ولمركزه ألزم -
[قال صاحب الكتاب: وبين أبو الطيب بطلان قولهم في احتجاج طويل، أضربنا عنه تركا وتخفيفا للتثقيل] .(6/741)
[ثم قال] : وأما أصحاب الطوالع، وعباد المطالع، فقد اختلفوا في الهيئة [أيضا] على جهات، ووصفوها بصفات، فقالوا كالدائرة تتساوى أبعادها، ويتعدل اطرادها، وقالوا: كالبيضة والقلادة. والمنجمون. وهم فنون في الجنون، يقولون فلك الأفلال، ودرك الأدراك، والفلك الأثير، وهذيان كثير، يعبدون الشمس، ويسجدون للنار، ويعبدون زحل والمريخ والزهرة والشعرى العبور وغير ذلك، وهم يرون آثار النقص فيها، ودلائل الحدث تعتريها، من طلوع وأفول، وقدوم وقفول، ويزعمون أنها تتغاير [202أ] وتتمانع، وتتكاسف وتتخاسف، وكل بصاع هذا التخليط من هذه الأغاليط، لا يعرفون رشدا، ولا يهتدون قصدا. هذا مقدار عقول حكمائك، ونهاية آراء علمائك، [وهذا قليل من كثير هذيانهم، وأوار من عوار غليانهم] .
وفي فصل منها: وأما أنتم معشر النصارى الخسارى، فقد اتخذتم المسيح وأمه إلهين من دون الله، وقلتم بالمحال، في قضايا العقول والأستدلال، قلتم: إله واحد وأب وابن وروح قدس، فهو إذن ابن نفسه وأبو نفسه وروح روحه، وقلتم: امتزج اللاهوت بالناسوت في بطن أمه امتزاج الخمر بالماء، وقلتم: تحولت الكلمة في الرحم لحما ودما، وقلتم: لا كما يظهر الوجه في الجسم الصقيل، والطابع في الشيء البليل، وقال آخرون: بل كما يمتزج العقل بالنفس من غير مماسة، فكيف يتمازج ما لا يتماس - وكلكم مطبقون على أن المسيح ابن الله، تعالى عما تقولون، وضللتم وخسرتم، ثم أقررتم طائعين وإذعنتم خاضعين أن اليهود قتلته قتلا وصلبته(6/742)
صلبا، فأين ما ادعيتم مما نعيتم، وأين ما استربتم مما اقترفتم، لا ترعوون ولا تستحيون، ولا تبالون ما خرجت بكم الحال إليه، ولا ما وقفكم الشقاء عليه، أرب معبود يقتل ويصلب ويقهر -!
لقد ذل من بالت عليه الثعالب
فكيف لم يدفع عن نفسه - وكيف لم يخسف بهم الأرض جميعا أو يرسل السماء عليهم كسفا -! بالأمس إله ترقبون جنته وناره، واليوم قتيل صليب لا تدركون ثاره!!
وزعمت طائفة منكم أن اللاهوت فارق الناسوت عند ذلك، وخلى بينه وبين اليهود، فهلا حماه منهم أو نصره عليكم -! هذه إشارة إلى تناقضكم، ولمحة دالة على تعارضكم، ولو أحصيناه وتقصيناه لاتسع مجاله، وامتنع مقاله.
فإن قلت: إن العرب [أيضا] كانت تعبد الأصنام وتستقسم بالأزلام، فنحن ما أحمدنا لك دينها، ولا رضينا يقنها، بل نعلم أن من قال منها بالإشراك، فقد قصر في الإدراك. وهي على كل حال تذكر الله تعالى، كما قال الله تعالى: (ولئن سألتهم من خلقكم ليقولن الله) (لقمان:25) ؛ (ما نعبهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (الزمر:
) . وكثير منهم يقر بالبعث والجزاء، ويعترف بالحشر واللقاء، وكان منهم من رغب عن عبادة الأوثان، وتفرقوا في الأديان، فكانت حمير على(6/743)
دين موسى، وكان بنو الديان وأهل نجران وتغلب وغسان على دين عيسى، وكانت فيهم الملة الحنيفية الإسلامية والشريعة الإبراهيمية، ومن أهلها كان قس بن ساعدة الإيادي، وورقة بن نوفل [202ب] الأسدي، وزيد بن عمرو من بني عدي، وقتلته الروم لذلك، وقد قيل في خالد بن سنان ما قيل. وكان أسعد أبو كرب الحميري أحد التبابعة قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل مبعثه بسبعمائة عام وقال:
شهدت على أحمد أنه رسول من الله باري النسم
فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرا له وابن عم
وذكر الله تعالى كثير في أخبارهم وأشعارهم. وقد ذكر بعض أصحاب المقالات أن عبد المطلب بن هاشم كان من المهتدين في الدين، واستدل بأنه أجيب لما سأل، وسقي حين ابتهل، وذكر النبي عليه السلام لعبد المطلب سيف بن ذي يزن، وحزن على فوقه أشد الحزن، وأكد له العهود، وحذره عليه اليهود. ولما دعوا دخلوا في الدين أفواجا، وأتوه أزواجا، إلا من أدركته النفاسة وحب الرياسة، وسبقت عليه الشقوة، وورم أنفه من النخوة، كأبي جهل بن هشام وعامر بن الطفيل وأمية بن أبي الصلت ومن كان من ضربائهم وقرنائهم.
وقال معاوية في كلام له مشهور: " فما كان إلا كغرار العين حتى جاءني لم يسمع الأولون بمثله، ولم يسمع الأخرون به، ولقد كنا نفخر بذكره على من نطرأ عليه أو يطرأ علينا وإنا لنكذبه، ونتبجح بذكره [وإنا لنحاربه] ".(6/744)
هذا لمع من أمور الجاهلية، وطرف من مفاخر الأولية، إن أنصفت نفسك، أو صدقت حسك، عرفت أين يقع منها مفاخروها، وهل يشق غبارها مجاروها.
وفي فصل منها: [وما تصنع إذا نشرت الكمائن، ونثرت الكنائن، وقرعتك القوارع، وفرعتك الفوارع، وماست رايات السيادة، وخفقت ألوية السعادة، وطلعت عليك طوالع النبوة في أبهة الجلال والجمال، وسماحة العز والكمال، وقيل لك: هذا سيد ولد آدم أولهم وآخرهم، خاتم الأنبياء، وقاتل الأغبياء] . وأشهد أن الله لم يجعل محمدا صلى الله عليه وسلم هاشميا إلا وهاشم خير قريش، ولا قرشيا إلا وهم خير مضر، ولا مضريا إلا وهم خير العرب، ولا عربيا إلا وهم خير الأمم. لهم كعبة الله وولادة إسماعيل ودعوة إبراهيم، وإليهم مهاجر هود وصالح وشعيب وأتباعهم من المؤمنين، وأشياعهم من الموقنين [فيهم كان حمامهم، وعندهم دفنت رمامهم] لا كثنائك الذي أسررت فيه حسوا في ارتغاء، ودفعا في ابتغاء، وكشفت فيه ضبابك عن ضبابك، وهتكت أستارك من أهتارك، وظننت أن مخالطتك تخفي مغالطتك، وأن مدحك يستر قدحك [حين مدحت مدحا بجليا، وأثنيت ثناء دخليا، ولم يمدح من ذمت قباله، ولم يثبت من جذت حباله](6/745)
أجعلت ويحك تبره في الرغام - بل الرغام لأنفك، والرعام لوجهك. لقد أخللت بنفسك وزلت قدمك، وأحللت بعقدك وقد حل دمك. ولو صح اعتقادك لصح انتقادك، ولو خلص باطنك لأقصر باطلك، ولو اصطلمت ما ظلمت، ولو اخترمت ما وفى بما اجترمت.
سمع عمر بن عبد العزيز رضي الله بعض كاتبيه، وقد عير بنصرانية أبيه، فضرب لذلك مثلا يجل عنه ويرتفع عن قدره [203أ] فقال له عمر: أوقد قلتها - والله لا تشرب البارد بعدها؛ وأمر به فضربت عنقه.
فأما إذ أغفل ولاة الأمر تأديبك، وتأديب الكافة بك، فأهملوا تأنيبك وتأنيب السفهاء مثلك، فتب إلى الله توبة تهديك وتنجيك. وعلى أنك خلف من ذلك السلف، رأيك فيه رأي أهلك، وفرعك جار على أصلك، إلا أن السيف قهرك والدين قسرك، وأخذك حكم الدار وخوف البدار، فأنت تشرق بريقك، وتغص برحيقك، ولا بد للمصدور أن يبفث، وللمبهور أن يغرث:
ولا بد للماء في مرجل على النار مسعرة أن يفورا
ومن كتاب لابن عباس يردفيه على ابن غرسية: عليك السلام لا السلام، تحية آلك، لا هدية آلك، يا ذا الوسن لا اللسن، واللكن لا الركن، وابن المراغة لا البلاغة، المزري بولاء مواليه، المغري بهاجر(6/746)
ونسي أرقاء مواليه، الجاني لهم شر ما يجني:
وعلى أهلها براقش تجني *
المفاخر بالعبيد، على أملاكها الصيد، مالك لا أبالك، تتهانف وتتهالك، أما هالك ما أضناك، وأمالك عن اللهج بآل ذي حسان، وحللة الماء من غسان، أو ما أجر منك اللسان، ما في عنقك من المن والإحسان - على أنك استغنيت بنعماك حين أبقيت، فاقطعتهم ملكة البلاد، والحسب التلاد، وموارد الشرف الأعداء، السامين على الأنداد، النامين بالآباء والأجداد، من عدان عاد، وعاد شداد، الضاربين الأرض بالأسداد، النازلين القصر ذا الشرفات من سنداد، تداعوا من أعالي الحجاز، وحيث اضطررتهم - بزعمك - من أسفل ذي الحجاز، سامية الهوادي والأعجازن عرابا لا تني ادرابا، وغضابا لا ترتدي الاعضابا، فأراداوا الأمر مدارهن وأقروه بعد الزلزال قراره، وأوطنوا من حلال الملوك دارة، وعفوا لك بأخرة عن أبداره فهي عليك دارة، فولجت كما ولج الثعلب وجاره، وإياك أعني واسمعي يا جاره، سما لك من قومهم قبل جذام، فقضى لدولتك المقرفة بالجذام، وذللت ذل الحليلة للبعل، وزللت كما زلت(6/747)
زليلة النعل، وأصبحت للسباء بعد الإباء، كعادة أعلاجك الأبناء والآباء، وعوليت وما عاليت صهوة الأقتاب والعمد، هذا وأبيك الحديث، وعن القديم فاليك يساق الحديث: لقد نبت في الجواب عني، ورب كلمة تقول دعني، أجل هي مثلها في الهون والدون، لا الخصب ولا الهدون، حتى ثنى عنها الثقفي إياله، وأشرف فلم يبال بها باله، ولا رضي أن يكون له عليها إباله، فمن الضغث الآن ومن الإبالة -[203ب] .
وفي فصل: ولا غرو، فارود لكتفها، والأسود لأسلها، والجحال لرباته، والمجال لمن تثور على الخيل في سرواته؛ خامر أبا عامر، كخليلتك أم عامر:
خل الجراح لمن يبني المنار به واحلل بوهدك حيث احتلك القدر
مه! ألا تقصر عن عنه، انتبه لما أنت به؛ إلى من ويلك أسلت(6/748)
سيلك، وشمرت عن السير ذيلك - وأجلبت رجل سفهك وخيلك، ما انتفخ سحرك، حتى نفح بما نفح وشلك لا بحرك؛ لقد دانيت ما ليس بالمتدان، وعاليت ما ليس لك به يدان: المعاطس السمر القمر، لا الزعر المعر، الصبر الخبر، العقر الوقر، إذا ركبوا:
تحرقت الأرض واليوم قر
طالوا أمماً، وأدركوا الطوائل أمماً، وفضلوا أحساباً وإمما، وشرفوا أنفساً وهمماً:
لهم شيمةٌ لم يعطها الله غيرهم
ليسوا بناتجي عفاء، ولا ناسجي مسح عفاء، ولا من استثفر بقردة، ولا استحل خنازير وقردة، ولا من اغتذي الجريث، ولا من اشتوى جرذ اللغيث، ولا من قارن بين ثيرة، ولا من امتطى ظهر عيرة.(6/749)
ولا من أثار عن النقع المثار، ولا من شد الحلبة، ليشرب الجفنة والعلبة، بل يشدون العمائم، وينجعون الغمائم، ويرتدون الردينيات، ويستجيدون اليزنيات، ويفتلون الربذيات، ويتقلدون الهنديات، ويظاهرون التبعيات، ويغزون الربهيات، ويتوشحون المعلمات، والموشية المنمنمات، يجرون أهدابها، ويلحفون الأرض هدابها، ويلبسون للحال لبوسها، إما نعيمها وإما بوسطها:
رقاق النعال طيب [حجزاتهم] *
ذوو الفطن والهمم، والآراء والمجد العمم، والعلم لالأفلاك، والرصد في الأحلاك، وأخذ الأهواء في الأنواء، والاهتداء في الجداء، بالساقط والطالع، والمساقط والمطالع، هم زهروا منها الزهر، وشافوا صفح الجوزهر، حتى بهر وزهر، وأخذوا على البدر ثنايا سفره، ونفضوا عن مكامن سرره، وقدوا قلامته من ظفره، وأدلوا الدلو بالرشاء، وخلوا للحوت سربه حيث شاء، وقلدوا العقرب إبرته، والاسد زبرته، وراشوا من الطائر ثوادمه، وقصوا من الواقع مقادمه، واقتحموا على العذراء رواقها، وفصموا عن الجوزاء نطاقها، وطوقوا الزهرة في خدها، بيد من الفكر لم تدرها، وأجروا لبنات نعش ذيلا، ونحلوا الغزل سهيلا، وتركوا الثريا وكفها لنابه فريا، بعد أن صغت [204أ] إليه بزعمهم مليا، ومدت كفها الخصيب وقالت إليا(6/750)
وأعلوا لأتي المجرة، طريقه ومجره، وأذنوا للعبورفي الإجازة والعبور، وتخلفت أختها الغميصاء، فلذلك لا تطرف إلا عن الغميصاء، واخفروا الرواكد فلم تسر مع السيارة في خفارة، وأضرموا للمريخ مرخة وعفاره، ولم يفتهم زحل، وإن نأى ورحل، بل حصروه في ساحته، وقصروه عن مساحته، وقبضوا بيد الفهم لا العملن على روقي الثور وذنب الحمل، وشروا المشتري بالأوزون من غير موج ولا أوج، ولا أخذ ارتفاع، ولا تقويم ساع، ولا دقائق ولا درح، ولا حساب تلقوه عمن درج، بل بإ فهام أفهام، وإلهام أوهام؛ مع معرفتهم باحشائش، ولسانهم بكلها جائش، وطبيبهم الحارث بن كلدة، والزير والبم، والمثلث والمثاني، والثقيل الأول والثاني، وما أحسبك سمعت جرادتي عاد، وكيف ألهمتا وفدها بصوتهما المعاد؛ وفيهم العيافة والقيافة، والكهانة والعرافة، وحديث خرافة، وابنا عيان، لما استخبر تموه من البيان، والرقى والتمائم، والزجر بالأيامن والأشائم.
وفي فصل: حلوا من الأرض سطتها، ومن قلادة الدنيا واسطتها(6/751)
وبين سمع الأرض وبصرها، وفي جفن كسراها وقيصرها، ينزلون الدهناء، ويرتحلون الوجناء، ويستبطنون الحسناء:
يتقلون ظلال كل مطهم أجل الظليم وربقة السرحان
لقاح لا يدينون، وبالقاح الحروب يدينون، يستأدونكم الإتاوة، في كل وهد ورباوة، أفبهذا اخدمتم نعناننا وغساننا، أم بعطية جذع ازدرى ثم ابن عمك أماننا -! أم بيوم ذي قار، وهو أشهر في باد وقار، إذ أسروا أساورتك، وكسروا أكاسرتك، وقصروا عن العامة قياصرتك -! أم العجب العاجب، وقد رهنكم حاجب من النبع فلقه، ليكف عنكم من غوائرها فلقة، فوفينا برهنه وما غلقا، وغدرتهم على العهد بنعيم وساء خلقا، ثم تحيرت منا بهيرة، وقد تبغاها شيروانك مهيرة، فقدع أنفه ببقر السواد، وهو منك خير مال وأكرم سواد. وإذا سببت فاصدق ولا فرية، فهذه زفراء وسمية، وعلى ذكر البغاء فأنتم له بغاء، نساؤكم عليه حبائس، وكوانس في الكنائس، يترافعن في الشبر والشكر، ولا ترون ذلك من المنكر، ونساؤنا للطرف قواصر، وعلى بني العم قواصر، لم يحتضن بغية، ولا حصن قط لغية، ولا إقراف، بل عن(6/752)
[204ب] اشراف فاشراف، وعن كل أنوف، ترغم بمجده الأنوف، وعن سابق فسابق يعبوب:
كالرمح أنبوبا على أنبوب *
ما تستطيع بأن تحاول عزنا حتى تحاول ذا الهضاب يسوما
فخل عن العدنية واليزنية لا الرسبية، فنفاستهم نفسانية، وسياستهم إنسانية. أقلل بكم وأفلل بغربكم، إذ فتكت يهود بكم، وكشفتم أستاهكم - بزعمكم -، إذ قد صلبتم إلاهكم، وإذ ليست لكم آصرة، تجمعكم غير ناصرة، وإذ قد أضررتم بقدسكم، فطهر من رجسكم ونجسكم، ولئن أهجرتم بهاجر، ما جدنا بها هاجر، وأحللتم من الخليل، حرمة الخليل، فمن قبل ما قلتم في سارة، ما أبقى لكم عاره واساره، وقرفتم ابن الخالة، فإنما أزريتم بالصديق يوسف ابن نبي الله الذبيح، بل اختصها بالولادة، وخصها باسماعيل وولاده، وبوأها حرمة، وأحظاها بسقي بئر زمزم والمقام.
وفي فصل منها: فخف لا أم لك على قبة المال، فما علونا عن سفال، ولا وسمنا عن أغفال، بل من عال إلى عال، كماء المزن يحدر من عال، أو كما توسطت الأقمار هالاتها، وسطت الشموس عن إياتها، فقد أعذرنا وما عذرنا، ولا نذرنا وما أنظرنا، فالعصا للعبد إن عصا، ومثلك من بني سهوان لا يوصى؛ ولا يقبل ولا كرامة، ما رأيت به في سيد المرسلين من الكرامة:(6/753)
من قبلها طاب في الظلال وفي مستحصف حيث تخصفت الورق
ثم تخطى البلاد لا بشر كان ولا مضغة ولا علق
[و] يركب الموج والسفين وقد ألجم نسرا وآله الغرق
ينقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيته المهيمن من خندف علياء تحتها النطق
فنحن في ذلك الضياء وفي الن ور وسبل الرشاد نخترق
يا المحتمي بلواء الغي، والمشتمل برداء العي، لا دواليك، فقد نبذنا عن سؤاليك، ونجوت منجى الذباب لا لك ولا عليك:
عذرتك يا أخا الذهن العليل فأنت أقل عندي من قليل
وفت على التهاجي والتلاحي بعرض الواهن النكس الذليل [205أ]
وكيف أسل عضبا ذا غرار على من سل من غاو سليل
وأنت كما علمت تدق غيا [كما] عي الدقيق عن الجليل
وقد أهديت من لؤم هديا تحدى للئيم بلا دليل
وكل شريدة حذاء تقضي وان راقت بويلك والأليل(6/754)
وأضرب رأس شكك غير شك بمرهف ما وعيت من الصليل
وأنفق ما أنلت بلا اقتصاد بما يشفي ويروي من غليل
ومن يفلل بروقيه صفاة أليس شباه ذا غرب فليل
فكيف يحيك في حصداء زغف مضارب بطلك النائي الكليل
وفعلك في تجاوزه ثواب فقد يقضي الخليل من الخليل
هذه سلم الله غيرك، ولا جزاك إلا خيرك، مرداة ضنك، بل مرداة صك، والسلام على من سلم من الهجر لسانه، وسلم من الكفر قلبه وجنانه.
ومن فصل في ذكر الوزير أبي جعفر بن أحمد
: حللت حامة بجانة ليلا وجفونها بالظلام مكتحلة، فتشوقت مستوحشا، ووقفت منكمشا، لا أجد أين أريح، ولا ارى مع من أستريح، إلى أن لقيني من أنزلني في منية نائية عن الديار، خالية من العمارن فما حططت حتى وافاني رسوله، يتحمل رغبته في الأنتقال إليه، والنزول عليه، فاعتذرت له، وشكرت تفضله،: استكمل االه تعالى سعادة، وأستوصله من سموها عادة، كيف لا أراقب مراقي النجوم، وأطالب مآقي العيون(6/755)
بالسجوم، وقد أنذر بالفراق منذر، وحذر من لحاق البين نحذر، وياليت ليلتنا غير محجوب، وشمسنا لا تطلع فلا نروع بانصداع، ولا نفجع بوداع.
وكتب إلي: ومن لا عدمت من أمره إنصافا، ومن بره إسعافا، ودنا كالسؤاب بعده أنس، وقربه يأس، وعهدنا كالشباب حظه مبخوس، وفقده تتوجع منه النفوس، فنحن نقنع بالسؤال، ونتمتع بالخيال، ونلتقي على النأي تمثلا، ولا نبتغي في الجد تأملا، وما كذا ألفت الحميم، ولا على هذا خلفت الرأي الكريم، ولا أدري [205ب] لعل للأقطار خواص تغيره، وللأحرار أخلاق تسيره، وحبذا فعل الصديق كيف تقلب، ومذهبه حيث ذهب، وأكرم بقدره ما أنجب؛ وبذكره ما أطيب وأعذب، لا زلت أمتع ببقائه، ولا أمنع من لقائه.
وكتب إلى الرئيس أبي عبد الرحمن(6/756)
فصل في ذكر ثلاثة من رجال الأندلس جمعهم وقت
وزمان، واشتمل عليهم شان وأوان، ونسقهم شبه،
وكلهم وان كان جاهر بالنفار غزاله، وجذبت البطالة
والأستهتار أذياله، واستفرص بلسانه، أعيان أهل زمانه،
حتى تحاماه الناس، وانحرف عنه التقليد والقياس، فله
من الإحسان مكان لا جهل، ومن التقدم في هذا الميدان
حكم لا يمذل، ولأمر ما أطلعتهم في أفق، ووضعتهم
على نسقن والمرء لمشبهيه، دون قرابته وذويه، وسأنثر ما
نظمت، وأوضح ما أبهمت، وأذكرهم رجلا رجلا،
وأسرد من قصصهم تفاصيل وجملا، وأكتب من أشعارهم
ونوادر أخبارهم، بما يقفك على إحسانهم، ويعجبك
من اشتباههم واقترانهم، فمنهم:
الكاتب أبو جعفر بن أحمد
من [مدينة] دانية [206أ] ؛ قدمته إذ كان أنبههم موضعا، وأوسعهم عند ملوك الطوائف بأفقنا مطارا وموقعا، وله إحسان كثيرن منظوم ومنثور، بين قلب ذكي، ولسان غير بكي، شهدا له بفضل براعة، وتقدم في هذه الصناعة، وتفاوت هو وأخوه تفاوتا عظم فيه الشأن(6/757)
وأعرب به عن ذات نفسه الزمان: كانا ابني رجل من شرط ابن مجاهد بدانية، مشهور بلؤم المكسب، وضعة المركب، صاحب عصا شوهاء، ودعوة غير ذات سناء، و [نشأ] ابناه هذان ولهما همة في الأدب، وحرص على الطلب فقسمت بينهما العلياء، قسمة مثلما يشق الرداء، فتقدم أبو جعفر هذا بالإحسان في النظم والنثر، وذهب عليه أخوه بالمكان من النهي والأمر، فحمل تلك الدولة على كاهله، وصرف الملوك بين حقه وباطله، ووقع معه أخوه أبو جعفر تحت المثل: " أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل "، فله فيه من ذلك غرائب تجاوز فيها ملح العتاب، إلى قذع السباب، فمما له فيه، يشير إلى ضعة أبيه، قوله:
وعصا أبينا إنها لألية شوهاء إنك شوهة الوزراء
وقوله:
جار ذا الدهر علينا كذا الدهر يجوز
كان شرطيا أبونا وأخي اليوم وزير
أنا مأبون صغير وهو مأبون كبير
إلى غير ذلك من مقطوعات، فيها هنات، صنت الكتاب عنها. وفي ما أجريت من ذكره، وأثبت في هذا الفصل من نظمه ونثره، ما يدلك على عجيب أمره.(6/758)
فصول له رقعة أنشأها على لسان القصر المبارك، إذ انتقل عنه المعتمد [بن عباد] إلى القصر المكرم من قصور اشبيلية، قال في فصل منها: نحن أيها المحل السعيد، والقصر القديم الجديد، وإن نبضت فينا للنفاسة عروق، نعلم أنه لبعضنا على بعض حقوق، فما أحقنا بحق المشايعة والمتابعة، لما نظمنا من سناء الدولة اللخمية، وتشرفنا به من ولاء المملكة المعتمدية - عقد الله لنا أسبابها، ومد علينا أطنابها - وحقا أقول أيها القصر المكرم، لا جرم أنه لك السبق والتقدم، فإنك أس الخلافة، وقرارة الرياسة، ومركز الدول المتداولة، شهدت الأشهاد، أنه بك مهدت البلاد، وعنك انبثت الجياد، كأنها الجراد، على حين اشتدت شوكة المارقين، وحميت جمرة المعاندين، فألظوا بهم مجلحين، وشنوا [206ب] عليهم الغارة ممسين ومصبحين، وأذلوا كل جبار عنيد، وقطعوا دابر كل ختار مريد، حتى خضدوا تلك الشوكة، وأطفأوا تلك النائرة، فانجلت الغماء، وسكنت الدهماء، بتدبير قاضي العدل، وحكم عباد البأس والفضل، فمرت لك كذلك برهة، وتراخت بك على تلك الحال مدة، آمنا سربك، صافيا شربك، لا يطار(6/759)
غرابك، ولا يضار بسوء جناحك، فهنيئا لك النعمى أولى وهذه أخرى.
ولما ثاب من سعدي ثائب، وأسعد جدي قدر غالب، درج عنك إلي، وطلع من تلقائك بطالع الإقبال علي، المولى المعتمد الذي أحياك رفاتا قدم، وأشب منك كبيرا قد هرم، كما أحيا ذكري، ونوه من قدري، إذ حط اسمي عن عرض الدور، وأثبته في ديوان ساميات القصور، فمن رأى من قبلي الوهاد، تطاول الأطراد -! فأصبحت - والله ولي الإحماد - هضبة القصاد، ونجعة الرواد، وكعبة بني الأمل، وعصمة كل خائف وجل:
في كل شارق الزوار تكنفني وبعد حول يزار الركن والحجر
لو أن إيوان كسرى كان عاصرني لكان لي دونه عز ومفتخر
بساحتي تعقد الرايات يتبعها جيش يسايره أو يقدم الظفر
بسعد محتسب في الله معتمد عليه أفعاله في دهره غرر
وكم له في الورى من فتكة قرئت فينا كما تقرأ الآيات والسور
وفي فصل منها: ومعلوم أيها القصر، الذي يزدان به العصر، أن لكل أجل كتلب، وللنفوس علائق وأسباب، وأغراض وآرابن فاللبيب من قدر الأشياء بمقدارها، واعتبر الأمور حق اعتبارها، فعلم أن لها [عوارض من سأم يلحقها، وكسل يطرقها، فتستريح بالانتقال من حال إلى حال، ليعود ذلك الانقباض] انبساطا، ويؤول ذلك الكسل نشاطا؛ ولا عجب من غضارة بساتيني، ونضارة رياحيني، فإنما كان ذلك في(6/760)
مدد متراخية، وأيام ولبال [علي] متعاقبة، وإنما العب الأعجب ما نمي إلي عنك، مما تكامل فيك واجتمع لك، من حدائق بواسق، في أيسر من رجعة الطرف، وأسرع من قبضة الكف، إلى أوار أينعت، وأزهار تنوعت: فمن ورد كتوريد الخدود، ونرجس كمقل الغيد، وسوسن كأنه راحة ثنت البنان، على قراضة من العقيان، وآذريون كمداهن عسجدية، على قضب زبرجدية، وخيري كأنما استعار شكله العيون، او اختار بذلة المحزون، وبنفسج حكى زرق اليواقيت، وبقية النار في أطراف كبريت، وياسمين يذكر بالخدود البيض [207أ] ويعطل كل نسرين وإغريض.
وفي فصل: وإن الخجل منك ليكسوني أثوابا، والمعرفة بحق تقتضيني اعترافا لك واستعتابا، على ما ضيعته قبل من مداخلتك، وفرطت قديما فيه من مواصلتك، فإني كنت آنفا في نحو ما انت فيه اليوم زاهيا، هناك الله المنحة منه، وسوغك النعمة الجسيمة به، من الشغل المطرد، بخدمة المولى المعتمد؛ ولما انتقل إليك وجب أن أخاطبك معتذرا مستغفرا، وأكاتبك مهنئا لك مستكثرا منك، وما اتفق لي من ينوب في ذلك منابي(6/761)
وما زلت أطلب من يجيد ما يكتب، حتى قيض منشىء هذه الرقعة، وحلي لدي بالبلاغة، فخاطبك عني بما تراه، وتستوضح مغزاه، وقد استوجب باتصاله بي واعتلاقه بسببي حقوقا عندي، وحظا وافرا من اعتنائي وودي، وأسألك فصل العناية به دوني، وصدق الشفاعة له عني عند المولى المنعم، ولا أقل من أن يبلوه ويخبره، فإن استحق بالإحسان إحسانا، أوسعه وأوسعني عنه إنعاما وامتنانا، وان كانت الدولة السعيدة غنية عنه فما أخلق مكارمه بأن يلحفه ظلها، ويبوئه فضلها، فيكون في خباياها، ويقيم في ذراها، ليعلم من علم بقصده لها، أنه قد حلي بطائل منها، وعسى أن يظهر بعد حين رأي في تشريفه بتصريفه.
الجواب عن ذلك من إنشائه [أيضا] : أحسنت أيها القصر المبارك أحسنت، شد ما بينت، وسرعة ما لقيت، وأصبحت - والله يتم سناءك، وينمي بهاءك - بهذه الطبائع، محبب المقاطع والمنازع:
ومن يك عبدا للمؤيد لا يزل [حميدا] مساعيه سديدا سهامه
مليك إذا ما هم أمرا فإنما ذريعته خطية وحسامه
لقد هيأت لك الهيئة العلوية، مراتب سنية، وأطلعت لك النصبة الفلكية مطالع من السعود، سمعت بك صعدا من الصعيد، ومنحتك من عزة السلطان، ما أناف بك على الأقران إلى العنان، فأين منك الجوزاء، وقليل لك أن أقول الأبلق الفرد وتيماء - أنت فلك نجوم الملك، وسماء رجوم الشرك.(6/762)
وفي فصل منها: ولله يا سيد القصور، وبهجة الدهور، [ما تقرر لك لدي] ، وقص عنك إلي، من محاسن أحرزتها صفتك، وفسرتها [جماتك، من تحليك] بوجهين على منصبين، مفضيين إلى مجلس بين حيرين، كلاهما محاسنه فائقة، وبساتينه رائقة، ذوات أفنان متعانقة، تعانق الخلان، تلهيك عن قدود العذارى، وتنسيك معاطف [207ب] النواعم السكارى، قد أقامت من الأوراق، شكل الرواق، فيمر النسيم بها عليلا، وتلاحظ طرف الشمس أثناءها كليلا، فأنت منها في ظل ممدود، وطلح مخضود، وطلع منضود لتساقط ذلك الثمر، وإن كان لا يهتصر، إلى آس عبق الأنفاس، حكى سلاسل الذوائب من أصداغ الكواكب، وأنوار أشتات، وأزهار نلونات، فمن أبيض ناصع، وأصفر فاقع، [وقانىء حمرته، وباقل خضرته] ومن أقحوان كثغور الحسان، وشقائق كالشقيق، أو مذاب العقيق، كل ذلك بهج متبرج، بين يدي ذلك المجلس الرفيع البديع، صدفة الدرة اللخمية، ومقر الدولة المعتمدية، [تروق النظار، وتستوقف الأبصار، بمصانع شاكهت الوشائع، ومحاسن عطلت البساتين، لم تعرف تلك أرض صنعاء، ولا حاكت هذه أيدي السماء، قد مازجها النضار سائلا، وترقرق بها ماء(6/763)
الحسن مقيما وجائلا، فلتماثيله صور يسحر منها النظر، من ناطق لبق الحركات، وصامت مألوف النزعات] :
قد فات حسنك كل قصر مثلما فات المؤيد كل ملك في الورى
ملك إذا وقف الملوك ببابه عاد المعظم منهم متصغرا
طلب المعالي بالعوالي والها فاحتازها والطالبوها بالعرا
إيقاده نار الحروب فخاره وفخار قوم يوقدون العنبرا
في حين تلتمح السيوف بوارقا والزغف ليلا والجياد كنهورا
وبودي أيها القصر المألوف جنابه، المنيف نصابه، لو أمكننا اللقاء، حتى يقع الشفاء، ويتمكن الإخاء:
ولو كان يمكن سعي الجماد سعى بي نحوك فرط الوداد
وشخصك إل أطالعه لحظا فأني أطالعه بالفؤاد
ولله ملك ظللنا به مليكي قصور جميع البلاد
لقد جمع الله فيه خلالا جلائل ما اجتمعت في العباد
[إذا ما لنتمى فابن ماء السماء وإما اعتزى فابن حر الجلاد]
حمى عندها النوم أجفانه فيكحلهن بميل السهاد
جمل لا يفصلها إلا العيان، ومحاسن يصدق فيها اللسان والبرهان، ومكارم لا تحتويها الغمائم، وأدب كما تفتحت الكمائم، تسمع الصم، وتستنزل العصم، وترهف طباع الغبي، وتحث قريحة البكي(6/764)
بأدنى لحظة، وأيسر نكتة، في أقرب مدة، فناهيك بمن أسعدته قريحة، وعضدته لوذعية صريحة، إياك أعني أيها النشأة المباركية، والجملة المستجادة المرضية.
وفي فصل [منها] : ولقد أثقل ظهري، وأعيا [208أ] ناهض حمدي وشكري، [إذ أخذت بطرفي الفضل، وسمتني خطتي العجز في القول والفعل] ، تبرعت به - ولك أتم الطول فيه - من مبادهة المخاطبة، ومفاتحة باب المكاتبة، بعاطر ثناء، كأرج الكباء، [وبارع إحماد، كأزهار الربى غب العهاد] ؛ فلولا ما اتصل بي عنك، وتقرر لدي من لدنك، من صحة طويتك، وسلامة دخلتك، لقلت: هذا الجفاء مجلو في صورة الثناء، والازدراء مخبو تحت لسان الإطراء، وإنك أمعنت في كتابك في التصريح، وجريت فيه طلق الجموح، وما اجتليت له فصلا، إلا استربت فيه فضلا، ولا مررت منه بفقرة، إلا صرحت لي عن ندرة، وكلما أعدت طرفي فيه، راعني حسن ما تعيده وتبديه، فطفقت تارة [به] أعجب، وأخذت طورا منه أعجب، وقلت: لله كاتبه، لقد أوجز فأعجز، واقتضب فكأنما أسهب، ثم عدت أقول: لا عجب، استملى من محاسن [القصر المبارك] فكتبن وهل هو إلا البحر يقذف بالدر، والروض يبسم عن يانع الزهر.
وفي فصل منها: وقد تعقبت على الكاتب نكتة، إلا تكن هناة، لم تبعد أن تكون غفلة، من أن يرى العجب الأعجب، والغريب الأغرب(6/765)
ما اتفق لي مما تكامل في، ونمي إليك عني، في قصر من الزمان، كابهام الحبارى في العيان، فما رثت أن تحليت حاليا زاهيا، مفرقا مزخرفا، مقرطا مشنفا، لا ترى إلا روضة غناء، وحديقة خضراء، وبهجة زهراء، محاسن تأخذ بمجاميع القلوب، وتحير صفاتها البعيد عن القريب، أشجار نجمت لحينها، وتفتقت أثناء رياحينها، نقلت عن ري إلى ري، فتعجلت في أحسن زي، قيد القدود، وأشباه الهيف الغيد، [ريا ناضرات، أتراب لدات، ليست بالثمام الضعاف، ولا الأدواح القفاف] ، فللرياحين أريج، ولخريز الماء ضجيج، كلما تجلت عن خرطوم أقود أعلب، صحرائي النسبة، آدمي الصنعة، إنسي الحضرة، شبح ممثل، وجماد لا يهرول.
[قال ابن بسام] : وفي صفة [هذا] الفيل يقول عبد الجليل، من قصيد طويل، هو ثابت في موضع أخباره من هذا المجموع:
ويفزغ فيه مثل النصل بدع من الأفيال لا يشكو ملالا
رعى رطب اللجين فجاء صلدا وقاحا قلما يخشى هزالا
كأن به على الحيوان عتبا فلم يرفع لرؤيتها قذالا(6/766)
ومنها في وصف ثمار هذا الغصن:
وأوصى بالرياحين اغتراسا همام طالما اغترس الرجالا [208ب]
وكان الغرس والإثمار وقفا لمن جعل الندى والرعد حالا
وقامت يوم قمنا منشدات فغضت من رويتنا ارتجالا
ولابن أحمد فصل من رقعة: إذا تدبرت - أعزك الله - معاليك حقيقة التدبر، ومنحت فضل النظر، تجلت من الكمال في أحسن الصور، وراقت العيون، وفاتت الظنون، فانك اتخذت إلى العلا طريقا مختصرا، خفي عن غيرك فلا يرى له أثرا، فكل يرى أساس المجد سعيه لنفسه، واستنفاد وسعه لذاته، فيكون كما جرى به المثل: " سمنكم هريق في أديمكم " أو كما قيل: " لنفسه بغى ثعاله "؛ وأنت - أعزك الله - إنما تشيد مجدك، بأن تبذل لغيرك [جهدك] ، وتنفق في ذلك ما عندك، وهذا طريق لا يهدي إليه عيون آرائك، وغرض بعيد لا تصميه إلا سهام إنحائك، والله يبقيك للأفاضل أماما، وللفضائل نظأما، بعزته.
وله من أخرى مما كتب به عن بعض أمراء الثغور إلى قوم من النصارى: أيتها الشرذمة الطاغية، إنكم لنا لطائغون، وإنكم لتفسدون في الأرض ولا تصلحون، ناشدتمونا الله في عقد السلم أن تكفوا عن المسلمين عادية الأذى والأستطالة، فحملتموهم ضغثا على إبالة، وانتسفتم النعم، وهتكتم الحرم، وبيتم سكون الدهماء، واستبيتم الحرائر في ربق الأماء، وتوغلتم(6/767)
البسيطات، وتسنمتم القلاع الممتنعات، ولم ترقبوا فينا إلا ولا ذمة، ولا رعيتم لنا سلفا ولا حرمة، وليس إلا حكم الله بيننا وبينكم، وهو بعزته يحيق دائرة السوء بكم، ويستأصل شأفتكم، [ويصرف مرتكم] . وانا لنرجو أنها علة قد نضجت، وكأن بالكربة عنا قد تفرجت؛ فلتستشعروا حلول النقمة بكم، وإناختها، وتخطف المنايا لكم، وقطعها لدابركم، وان الذي بينكم وبين الهلكة لأقصر من إبهام الحبارى، في يوم ترون فيه سكارى، وما أنتم بسكارى، ولكن عذاب الله الواقع، وسخطه الذي ما لكم عنه دافع، ولسنا نحاكمكم إلى غير المهند، ولا نماطلكم ذلك وكأن قد، فإن الله لكم بالمرصاد، ولن يتولى كبركم إلا أقل الأعداد، من أنجاد الأجناد، فتصبحوا كأن لم تكونوا شيئا مذكورا، وتصيروا إلى جهنم وساءت مصيرا. [والسلام على من اتبع الهدى، وخشي عواقب الردى] .
[وهذه أيضا] جملة من شعره
من ذلك ما أنشدني لنفسه مما خاطب به الوزير الأجل أبا بكر بن زيدون:
لا تمنعنكم الدنيا وزخرفها بري فقد كنت منها في زخاريف(6/768)
أسماء أعلام أنتم ظلت بينكم [209أ] حرفا وما أبتغيكم غير تصريف
وهذا المعنى ينظر فيكم اللجام، مما أنشده الثعالبي:
أنا من وجوه النحو فيكم أفعل ومن اللغات إذا تعد المهمل
وقال اللجام أيضا:
ونعتنا بشاعر نعته ليس ينصرف
وحدثني أبو حاتم الحجاري قال: كتب إلي ابن أحمد بهذه الأبيات:
قالوا الحجاري وظني أنه حجر والدر ليس بمنحوت من الحجر
عني إليك من اشعار لها غرر غيري يباحث بالتحجيل والغرر
بيت ببيت ومصراع بمشبهه حتى يصدق خبري ذائع الخبر
قال أبو حاتم: فأجبته:
قف يا ابن احمد لاتجمح على غرر كوقفة العبر بين الورد والصدر
ولا تعرض فعندي كل شاردة كالنار تلقي إلى الأشرار بالشر
إن شئت سلما فسلما أو محاربة عندي أناة وعندي بطشة القدر(6/769)
أنا سواد وآياتي مبينة فما يخك من خبري ومن خبري
قال أبو حاتم: فكتب إلي ثانية بقوله:
أمرت مني جفاء غير مؤتمر كالذئب نهنه عدو الضيغم الهصر
والعير مستوقف الأفراس سابقة كوقفة العير بين الورد والصدر
إن كنت مستأجرا يوما فلا عجب فؤاد الكتب قد أثبتن في الطرر
وبين فكري ونفسي كل صائبة كالسهم ينفذ بين القوس والوتر
قال أبو حاتم: فراجعته بهذه الأبيات:
أنا الحجاري والياقوت من حجر والماء ينبع سلسالا من الحجر
وركن مكة فيه ما سمعت به تراك تجحد أو تعمى عن النظر
لا تحسب الشعر إلا دوح باسقة أصبحت أقطف منها يانع الثمر
لي المحاسن وانظر قلما خفيت إلا على جاهل بالشمس والقمر
أخفى عليك ولكن سوف تعرف بي ليثا تكنف ملتفا من الشجر [209ب]
وقد أتتني وبعد البطء ما وردت صحيفة لم أنم منها على غرر
ثقف كعوب قناة أنت تحملها وأضرب بمتن الصارم الذكر
ماذا تريد بنسج هلهلته يد أخشى عليك هجوم القر في صفر
وقد نصحتك والأيام واعظة وأنت تجنح أحيانا إلى السفر
قال أبو حاتم: فلم يراجعني بعد، فكتبت إليه آخرا بقولي:(6/770)
ما لابن أحمد لم تبصر بصيرته هيهات تضعف أحيانا عن النظر
يظن بي قصرا والطول يعجبني إني لأعجب من طول ومن قصر
إذا استراب بمثلي في بديهته وقال ما يملأ الأسماع من هذر
فخله يخبط العشواء في رجل يسري فيمرح بين الشمس والقمر
ولابن أحمد مما خاطب به أبا بكر الداني المعروف بابن اللبانة:
هب السحر يملي والمعالي تدفق هل الكل إلا من صفاتك يشرق
وهبنا شدونا كالبلابل إنه جميع الملاهي من قريضك ينطق
جمعت معاني الحسن في طي مهرق ولم أحتسب أن يجمع الحسن مهرق
ولا فضل لي إلا النظام وإنما أماؤك تجلوها كواكب تعشق
وماذا عسى نهدي إليك وإننا جداول في أدنى بحارك تغرق
وما زلت تهدي كل حين جواهرا فتخزن منها ما تشاء وتنفق
أرى شعراء الوقت دونك قصرت إلى عفوك الأدنى تخب وتعنق
وجدتك شمس الفهم أشرق نورها فلست أراعي كوكبا يتألق
فأجابه أبو بكر الداني [بقوله] :
سبقت إلى العليا وما زلت تسبق فأرسلت ما يندى علي ويعبق
كتاب كما يتلى الكتاب وراءه حديث كما يروى الحديث المصدق
أضاء الهوى في صفح ما قد خططته كما ضاء في وجه الحقيقة رونق
أعدت لي الدنيا فتاة وربما غلاما، كلا الوجهين في الحسن ريق [210أ](6/771)
وأنستني من وحشة فكأنما مددت علي الظل والشمس تحرق
أخذت بأطراف الكلام فحزته فحظ الورى منه الذي تتصدق
ومن شعر أبي جعفر بن أحمد يستنجز بعض الوزراء:
عدات مثل ما ابتسم الحسان وتسويف كما عبس الزمان
وقد خبرت نفسي عنك خيرا وأحر بأن يصدقني العيان
وها مدحي سوابق ملجمات لأرسلها وفي يدك العنان
ومما قال في الغزل وسمى هذه القطعة بالصفقة:
سمت الحبيب وصالا قال لي نعم ولا أبيعكه إلا يدا بيد
فقلت هاك فؤادي قال تبخسني حقي فزدني عليه فلذة الكبد
فقلت هاكهما فافتر من عجب وقال لي إن هذا غلية الجلد
فقلت لا تعجبن فالوجد يقتلني فقال ما لقتيل الحب من قود
وهو القائل من أبيات اندرجت له في أثناء رسالة:
ولم ير مثل الجود للمرء حلة وهل يستوي قدرا جواد وباخل
يذمم بالبخل الشريف انتسابه وتحمد بالجود الخساس الأراذل
وما لك في الدنيا سوى ملبس يرى عليك وما تعطي وما أنت آكل
يطيل حياة المرء طيب ثنائه والا فأيام الحياة قلائل
وفي فصل منها: فاعجب لهذه المنقبة النبيلة، والحلة الوسيمة الجميلة(6/772)
تكسب المرء خلدا مع الزمن، وان كان الخلد غير ممكن، وبالكرم استدل على كثير ممن كان في سالف الأمم، لاسيما إن ألف شعرا، أو صنف نثرا، وبه عرف هرم بن سنان المري وحاتم الطائي، ومن سواهما من الأجواد والأصفاد.
وله:
قم فاسقني والرياض لابسة وشيا من النور حاكه القطر
والشمس قد عصفرت غلائلها والأرض تندى ثيابها الخضر
في مجلس كالسماء لاح به من وجه من قد هويته بدر [210ب]
والنهر مثل المجر حف به من الندانى كواكب زهر
فصل في ذكر الوزير الكاتب أبي الخطاب
عمر بن احمد بن عبد الله بن عطيون التجيني الطليطلي
أحد بحور البراعة، ورؤوس الصناعة، نفث هاروت على لسانه بسحر، إلا أنه حلو حلال، وتفجرت البلاغة من جنانه ببحر، إلا أنه(6/773)
عذب زلال، فأتى ثانيا من عنانه، وسبق على تأخر زمانه، على أنه لم يشرح قط بحب الشعر صدرا، ولا أبلى في طلبه عذرا، وإنما قاله متحببا لا متكسبا، وألم به متمرنا لا متزينا، وقد أثبت من كلامه ما يزري بالدر في السلك، ويخل بالكافور والمسك.
جملة من شعره في أوصاف شتى
له من قصيدة في المتوكل بن المظفر صاحب بطليموس المعروف بابن الأفطس:
عاكف جفني على سهره سيف جفن سل من حوره
نفحت بالسحر هبته فانثنى والصبر من جزره
قدر ما قد أتيح له لا يفر المرء من قدره
إن ليل الصب أوله في تمادي الشوق من سحره
روعت أسماء أن طلعت رائعات الشيب من شعره
لا تراعي يا أسيم لها إن حسن الروض في زهره
واخضرار الليل أحسنه ما تلوح الشهب في خدره
ليس شيبا ما لمحت به جمر قلبي طار من شرره
إن تري رأسي به قزع لست بالباكي لمنحسره
قد حلبت الدهر أشطره ومريت السحب من درره
رب واد قد هبطت به فبهرت الوحش في نفره(6/774)
بممر عقده أشر ضاعف التضمير من أشره
سبقت منه مسامعه رجعة بالطرف من حذره
بارق جالت حوافره مع جول اللمح من بصره [211أ]
لو تعاطى البرق غايته لأتى يكبو على أثره
مثله أدنى إلى ملك نام طرف الملك عن سهره
جاعل سمر القنا شجرا يجتني التأييد من ثمره
ما قضى من لذة وطرا منذ لاح الملك من وطره
[وفيها يقول] :
قد بنى ملكا مظفره باسمه المشتق من ظفره
ثم سماه له عمرا كي يكون الدهر من عمره
يا مليكا كل شاردة سقتها في الشعر من فقره
ليس لي فضل بمدحته سلكه أدرجت في درره
إنني في ما أجيء به جالب تمرا إلى هجره
وله من أخرى أولها:
غدو لنا في حبكم ورواح وليس على حكم الغرام براح
تنكرت لما خالط الشيب لمتي وأسفر في ليل الشباب صباح
ومنها:(6/775)
إلى كم نوى تتلو نوى وتغرب كأني بأيدي الياسرين قداح
تعاورنا أيدي الفيافي كأننا هشيم ذرته بالفضاء رياح
وفيها يقول في مدح المتوكل على الله:
إذ كنت قد أمسكت من عمر الرضى بحبل فعلاتي به ستراح
هو الصارم الهندي أمضاه عزمه ولألاه على أعراضهم فشاح
وله فيه من قصيدة أنشدها إياه في محرم سنة أربع وسبعين، صدره من التطوف ببلاد الثغر، يدعو أهلها إلى الدخول في طاعته، فأجابته حاشا أهل وادي الحجارة فإنهم رجموه بها، وحاربوه على بابها، وكان زعيمها يومئذ والقائم بأمرها من أهلها، حامد بن مسرة الفقيه، أولها:
بمثلك من مولى ومثلي من عبد يرى الناس كيف المجد أو صفة المجد [211ب]
رميت قصي الثغر بالخيل شربا هبطن على غور فأصعدن في نجد
فما شئته من لاحق بطنه طوى وأقرابه نيطت إلى كفل نهد
وأقبلتها مجريط شعثا كأنها كواسر عقبان تقضين من فند
تدوس الإكام الجرد منها فترتمي سجودا إلى أيدي سوابقك الجرد(6/776)
فلما رأت مجريط وجهك أقبلت لعزتك القعساء في ذلة العبد
ومدوا يد السلم الذي أنت ربه إليك ولاذوا بالمواثيق والعهد
فأوسعتهم منا بأمنهم وقد تطلع سيف الإنتقام من الغمد
وما حامد من ذا الورى فعل حامد وقد أبرز البهم الضعاف إلى الأسد
كأني أرى وادي الحجارة قد جرى دما بهم حتى يعاف عن الورد
واعتل المتوكل وأرتجف به ثم اضمحل سقامه، واستهل بالبرء غمامة، فجلس بمجلسه للسلام، ورفعت إليه من بطائق النظام، نيف على عشرين قصيدة، فمن شعر أبي الخطاب فيه يومئذ من قصيدة أولها:
نهنيكم بل نحن فيكم نهنأ فباسمك يرعانا الإله ويكلا
وأنت الذي أحللتنا جنة المنى فنحن كما شئنا بها نتبوأ
وفي خلال مرضه خرجت صلات لأولئك الأدباء الشعراء فقال فيها:
وما اعتل عنا جوده باعتلاله ولكن وجدنا غبة ليس يهنأ
ينغص شكواه لجداوه عندنا كأنا عطاش البحر في الماء نظما
وله من أخرى:
أمن كيوان أطلب أن أقادا لقد أغظمت شأوي ذا بعادا
وفي الأرضين أعجز عن مداه فكيف أرومها سبعا شدادا(6/777)
ومقصور على الآفاق أمسى يراوح بابرى إن لم يغارى
ألوف للفيافي لا يبالي بأنصلها التهائم والنجادا [212أ]
وريش في جناح البين يهفو مع الأيام لا يألو اجتهادا
كأن عليه للأيام عهدا موفى أن تعم به البلادا
لعل نذورها حلت بحمص فنبلغ من أمانينا المرادا
ونكرع في نمير طالما قد رشفنا دون جمته ثمادا
وكم مستعرض أعرضت عنه ولم ألم به إلا انتقادا
أرانا خيره وعدا جهأما وبشرا خلبا وندى جمادا
كلأما أحرقت منه القوافي تركناه لسافية رمادا
ولو عمرو يجاذبه دهاء لأصعب ملك مصر أن يقادا
يراع الدهر من عزمات شهم يعفي ما أفات بما أفادا
وتمضي حكمه الأيام قسرا فتترك ما تريد لما أرادا
عزوف النفس يكلف بالمعالي إذا كلفوا بسعادا
ومنها:
علي ألية ما دمت حيا أخص بمدحتي إلا جوادا
فلم نلق الكرام إلا كما ألفيت من عوز سدادا(6/778)
ألوذ بعطف مجدك من خطوب تخونت الطوارف والتلادا
وأنفذت التجمل وهو زغف يفل قتيرها الأسل الحدادا
فأبقال الذي أعطاك مجدا أبى لك حكمه إلا انفرادا
فصير ذكراك السمار أنسا وأحقب مدحك الركبان زادا
وله من أخرى في أبي عبد الله بن أبي حمامة:
أعن برق تلألأ في غمامة بكت عيناك أن شمت ابتسامة
أضاء لعينك الأثلات وهنا برامة لا تعدى السقي رامه
ذكرت به زمانا قد تقضى وولى أنسه رتك النعامة
وأخضر جبت فحمته مطلا لى الأخطار لم أرهب ظلامه
بأهدى في سراه من قطاة وأقدم في دجاه من أسامه [212ب]
كأن نجومه في الأفق ظلت حيارى لا تهدى لاستقامه
كأن الليث لما هم يعدو على الجبار شدله حزامه
وسدد قوس هنعته إليه فأثبت في لهياه سهامه
وقد أكل المحاق البدر حتى تحيف نوره إلا قلامه
وهذا التشبيه كثير، ومنه قول ابن المعتز:
مثل القلامة قد قدت من الظفر(6/779)
وفيها قال:
يجاذبني العنان به سبوح طموح همه أبدا أمامه
قليل الصحب لا ألقى أنيسا على طول السرى إلا لجامه
كأن صليل حلقته فريخ صد قد أعرضت عنه الحمامة
وهذا أيضا كقول ذي الرمة:
كأن أصوات من إيغالهن بنا أواخر الميس أصوات الفراريج
ومنها:
وقد ولت نجوم الليل ذعرا لدن سل الصباح لها حسامه
فلم تطلع وقد غربت بنجد لنا إلا وقد جزنا تهامه
ولا نشأ الهلال علي إلا وقد شارفت أودية اليمامه
وأعلمت الركائب خاضعات تمد لسيرها عنقا وهامه
إلى طود المفاخر والمعالي وبحبوح السيادة والزعامه
إلى ضخم الدسيعة لا يبالي من الطائي أو كعب بن مامه
أناف به أبو بكر أبوه فسد وساد أعيا حمامه
وله من أخرى:(6/780)
لمع من البرق سرى يلتاح والنسر قد مال به جناح
لم ينم الليل له لماح كالشعلة استطارها اقتداح
أنحى على الزند به شحاح فشاقني نحو الحمى التماح [213أ]
وذكرتني عهدها الأدواح سقى ثراها الوابل السحاح
ولاعبت أغصانها الأرواح بسجسج هبوبها لفاح
فكم لنا في ظلها رواح وهو علينا وارف نفاح
وأعجم الطير له إفصاح للغصن من تغريده ارتياح
مثل النزيف عطفته الراح
ومنها:
والصعب يأبى وله إسماح ودارت الكؤوس والأقداح
نجوم راح أطلعتها الراح عاطينناها الخرد الملاح
والغادة البهكنة الرداح غصت براها وجرى الوشاح
واستهدفت في صدرها التفاح قد شرعت كأنها رماح
للدم في أطرافها انتضاح تقتل باللمس ولا جراح
ورب جد أصله مزاح وفتية كأنهم رماح
بضمر كأنها القداح خضر من الليل لها أشباح
وانشق من جباهها الإصباح يعدو بهن معقب وقاح(6/781)
صلد على صلد الصفا رضاح يحار فيه الناظر الملتاح
أحافر في الحضر أم جناح إذا اعتلى اعطافها انتشاح
وابتلت الحجول والأوضاح لج بها النشاط والمراح
وشره لم يؤده جناح أنى تنال شأوه الرياح
وسبق البرق به اطلاح يا ليت شعري هل غدوا أو راحوا
فالدهر قفر بعدهم براح
وله من مرثية في الوزير أبي حفص الهوزني، وكان استشهد - رحمه الله - في قتال الروم على وادي طلبيرة، قصيدة أولها:
نبأ به وافى البريد فظيع صدع القلوب حديثه المسموع
وافى فكل تجلد متعذر أسفا وكل تصبر ممنوع
طلعت بمطلعه علي غياهب لم يبد فيها للسرور طلوع [213ب]
فبكيت من جزع عليه بمقلة إنسانها بجفونها ملسوع
ولو أن لي عدد النجوم مدامعا تجري ومن فيض البحور دموع
لم أقض حقك يا محمد إنه حزن تعاظم قدره وولوع
ماذا نعى الناعون صم صداهم من طود عز خر وهو منيع
ماذا نعوا من جود كف أخصبت فزمانها للمعتفين ربيع
يا سالكا بين الأسنة والظبا في موضع فيه السلوك فظيع
يغشى الحمام به النفوس مراقبا للهندوانيات وهو مروع(6/782)
لو حل ساحته السماك برمحه عند الطعان لظل وهو صريع
ما زال قدرك ساميا حتى غدا في زمرة الشهداء وهو رفيع
ما ذقت موتا إذ صرعت وإنما نلت الحياة وصبري المصروع
يا طالعا في الجيش من طلبيرة هل آن لابن الهوزني طلوع
أم قد أطال بها الثواء ولم يحن منه إلى يوم النشور رجوع
فغدا نظام مؤمليه مبددا والشمل شتى وهو أمس جميع
سخى بنفسي عنك أني لاحق [بكم] وأنك سابق متبوع
فالموت يخترم الأنام قد استوى منهم جبان عنده وشجيع
سيان مدرع لديه وحاسر طعن المنية لا تقيه دروع
نغتر بالدنيا ويخدع بعضنا بعضا بها وجميعا مخدوع
فسرورها هم، وصفو نعيمها كدر، وحبل وصالها مقطوع
ماذا أجن الترب في طلبيرة من سؤدد لك ذكره مرفوع
هابتك حاشدة المنايا فانبرت زحفا الى لقياك وهي جموع
حتى سابت النفس وهي عزيزة لم يبد منها للعدو خضوع
جفت ينابيع بتاجو إنها سم لأرواح الكرام نقيع
أنى غمرت البحر وهو غطامط وطمست نور البدر وهو سطوع [214أ](6/783)
ذو الوزارتين الكاتب أبو عبد الله
ابن أبي الخصال أعزه الله
حامل لواء النباهة، بالروية والبداهة، مع منظر ووقار، وشيم كصفو العقار، ومقول أمضى من ذي الفقار، وله أدب بحره يزجر، ومذهب يباهي به ويفخر، وهو وان كان خامل المنشأ نازله، لم ينزله منازله، ولا فرع للعلاء هضابا، ولا ارتشف للسناء رضابا، فقد تميز بنفسه، وتحيز من جنسه، والذي ألحقه بالمجدن وأوقفه بالمكان النجد، ذكاء طبع عليه طبعه، ونجم في تربة النباهة غربه ونبعه، وتعلق بأبي يحيى بن محمد بن الحاج، وهو خامل الذكر، عاطل الفكر، فملك قياد مأموله، وهب من مرقد خموله، وقدح استعماله زناد ذكائه، وأبدى شعاع ذكائه، ولم يزل عاثرا معه ومستقلا، ومثريا حينا وحينا مقلا، إلى أن تورطوا [في] تلك الفتنة التي ألقحوا حائلها، وما لمحوا مخايلها، وطمعوا أن يغتالوا ملكا معصوما، وأبرموا من كيدهم ما غدا بيد القدر مفصوما، وفي أثناء بغيهم، وخلال جريهم الوبيل وسعيهم، كانت ترد عليهم من قبله كتب تحل ما ربطوه، وتروعهم مما تأبطوه: ورد عليهم كتاب في أحد الأحيان راعهم، وأنساهم جلادهم وقراعهم، وهو بمجلس أنس، فاستدعي للمراجعة عن فصوله، والمعارضة لفروعه وأصوله، فأبان عن الغرض، وخلص جوهره من كل عرض، وأبدع في إحكامه، وبرع في قضاياه وأحكامه، فحمل أبا يحيى بن محمد استحسان(6/784)
ما كتبه، أن خططه للحين ولقبه، والمدام لرأيه الفائل مالكه، ولعقله في طرق الخبال سالكه، فلم يعمل فيها فكرا، ولم يتأمل أعرافا أتى أو نكرا، فجرت عليه لقبا، واعتله من الاشتهار مرقبا، وصار نرتسما في العلية، متسما بتلك الحلية، وما تزال الدول تستدنيه نائيا، وتنئيه دانيا، فلا أجعله مجنيا عليه ولا جانيا، فما بيده رفع شومه، ولا محو رسومه. وقد أثبت له ما تجتليه فتستحليه، وتلمحه فتستملحه، فمن ذلك قوله في مغن زار، بعدها شحط المزار [214ب] :
وافى وقد عظمت علي ذنوبه في غيبة قبحت بها آثاره
فمحا إساءته بها إحسانه وأستغفرت لذنوبه أوتاره
وله:
يا حبذا ليلة لنا سلفت اغرت بنفسي الهوى وقد عرفت
زارت بظلمائها المدام فكم نرجسة من بنفسج قطفت
وله يعتذر من استبطاء المكاتبة:
ألم تعلموا والقلب رهن لديكم يخبركم عني بمضمره بعدي
ولو قبلتني الحادثات مكانكم لأنهبتها فكري وأوطأتها خدي
ألم تعلموا أني وأهلي وواحدي فداء ولا أرضى بتفدية وحدي(6/785)
كتب الكاتب أبو نصر إلى أبي يحيى بن محمد بن الحاج، سقى الله مصرعه، وأورده منهل العفو ومشرعه:
أكعبة علياء وهضبة سؤدد وروضة مجد بالمفاخر تقطر
هنيئا لملك زان نورك أفقه وفي صفحتيه من مضائك أسطر
وإني لخفاق الجناحين كلما سرى لك ذكر أو نسيم معطر
وقد كان واش هاجنا لتهاجر فبت وأحشائي جوى تتفطر
فهل لك في ود ذوى لك ظاهرا وباطنه يندى صفاء ويقطر
ولست بعلق بيع بخسا وانني لأرفع أعلاق الزمان وأخطر
فراجعه:
ثنيت أبا نصر عناني وربما ثنت عزمه الشهم المصمم أسطر
ونالت هوى ما لم تكن لتناله سيوف مواض أو قنا متأطر
وما أنا إلا ذو عرفت وإنما بطرت ودادي والمودة تبطر
نظرت بعين لو نظرت بغيرها أصبت وجفن الرأي وسنان
وقدما بذلت الود والحب فطرة وما الحب إلا ما يخص ويفطر
في ذكر الكاتب
أبي عبد الله محمد بن أبي الخصال [215/أ]
أحد أعيان كتاب الزمان، وحامل جملة الإحسان، بحر معرفة لا تعبره السفن، ولو جرت بشهوتها الرياح، وطود علم لا ترقى(6/786)
إليه الفطن، ولو سما بها الإمساء والإصباح، وأدب لا تعبر عنه الألسن، ولو أمدتها الأوتار الفصاح، إلى طول باع، ورقة طباع.
نجم بأفقه من بلد شقورى فأسكت القائلين، واستوفى غاية المحسنين، وهواليوم بحيث لا تشير الأصابع إلا إليه، ولا تنطوي الأضالع إلا عليه، وله بيان لا يتعاطاه ناظم ولا ناثر، وإحسان لا يبلغ مداه أول ولا آخر؛ وقد أثبت من كلامه مما نقلت من خطه الذي خاطبني به، ما يدل على نبله وأدبه.
فصول من نثره
كنت قد انفردت لتحرير هذه النسخة من هذ المجموع في شهور سنة ثلاث وخمسمائة، فلما انتهيت إلى نقل ما كان وقع إلي من ترسيل(6/787)
كتاب هذا الجانب الشرقي من الأندلس، لم أقع لهذا الرجل على كلام في نثار ولا نظام، فكاتبه الإخوان في ذلك، ونشطني أيضا على مخاطبته هنالك، فوردت عليه الرقعتان وهو مجتاز على حضرة اشبيلية في جملة أهل العسكر، فراجعه في كتاب طويل، قال فيه في بعض الفصول:
الحذر - أعزك الله - يؤتى من الثقة، والحبيب يؤذى من المقة، وقد كنت أرضى من ودك، وهو الصبح، بلمحة، وأقنع من ثنائك، وهو المسك، بنفحة، فما زلت تعرضني للإمتحان، وتطالبني بالبيان، وتأخذني بالبرهان، وأنا بنفسي أعلم، ولمقداري أحوط وأحزم، والمعيدي يسمع به ولا يرى، وإن وردت أخباره تترى، فشخصه مقتحم مزدرى، لا سيما ممن لا يجلي عن نفسه ناطقا، ولا يبرز سابقا، فتركه والظنون ترجمه، والقال والقيل يقسمه، والأوهام تلحه وتحرمه، وتحييه وتخترمه، أولى به من كشف القناع، والتخلف عن منزلة الاقناع؛ وفي الوقت من فرسان هذا الشان، وأذمار هذا المضمار(6/788)
وقطا هذه المناهل، وهداة تلك المجاهل، [من] تحسد فقرة الكواكب، ويترجل إليه منها الراكب، فأما الأزاهير فملقاة في رباها، ولو حلت عن المسك حباها، أو صيغت من الشمس حلاها، فهي تنظر من الوجد يكل عين شكوى لا تكرى، وإذا كانت أنفاس هؤلاء الأفراد مبثوثة، وبدائعهم [215ب] منثوثة، وخواطرهم على محاسن الكلام مبعوثة، فما غادرت نتردما، واستبقت لمتأخر متقدما، فعندها يقف الاختيار، وبها يقنع المختار. وأنا أنزه ديوانه النزيه، وتوجيهه الوجيهن عن سقط من المتاع، قليل الإمتناع، ثقيل روح السرد، مهلك صر البرد. وهبه قد استسهل استلحاقه، وطامن له أخلاقه، أتراني أعطي الكاشحين في إثباته يدا، وأترك عقلي لهم سدى -! ما إخالك ترضاها لي من الود خطة خسف، ومهواة حتف، لا يستقل عاثرها، ولا يستجد داثرها، ولا يستقيل غبينها، ولا يبل طعينها؛ وقد كنت حرصت حين عرض علي صدر هذا التأليف - حيث عرض - على التماحه، واجتلاء غرره وأوضاحه، وما غربي إلا وعدك، ولا استجرني(6/789)
إلا عهدك، وغرضي في تصفحه أن أجد قدوة، وأصادف أسوة، فأنزل عن حذري، وأرجح بين مغيبي ومحضري، وأقع على ألافين وأجاور في التخلف أحلافي، فلم يتمم لي وعدك إنجازا، ولا وجدت لفرصتك انتهازا، بل انقلبت الحقيقة مجازا، والهوادي أعجازا، ولم نحل بطائل، وصرنا تحت قول القائل:
ترك الزيارة وهي ممكنة وأتلك من مصر على جمل
وفي فصل: وأنت المفتتح للصلة، المولي للمنة المشتملة، وان رسولك لوافى بكتابك الخطير، والشمس واجبة سقوط منازع، وحياة الذي يقضي حشاشة نازع، والبيت قد غص بما فيه، وضاق لفظه عن معانيه، والشغل مساهم بل مشاطر، [والخاطر لا طالع ولا خاطر] ، يصور فكري إليه، ويخلع فقري عليه، إلا صبابة لا ترد صبابة، ورسيسا لا يشفي نسيسا، فدونكه واهن الدعائمن واهي العزائم، يتبرأ تابعه من متبعه، ويفر سامعه من مسمعه، ولولا أن الجواب فرض لاعتذرت واقتصرت، لكن أوثر حقك وإن أبقى علي دركا، وبوأني دركان وقد راجعتته [أيضا]- أعزه الله - بشريطة كتمانه وستره، انقيادا لأمره، وتصديا إلى عقوقه ببره.
وأجابني أيضا برقعة قال فيها: وصل من السيد المسترق، والمالك(6/790)
المستحق - وصل الله أنعمه لديه، كما قصر الفضل عليه - كتابه البليغ، واستدراجه المريغ، فلولا أن يصلد زند اقتداحه، ويرتد طرف افتتاحه، وتنقبض [216أ] يد انبساطه، وتغبن صفقة اغتباطه، للزمت معه مركز قدري، وضن بسره صدري، لكنه بنفثة سحره يسمع الصم، ويستنزل العصم، ويقتاد الصعب فيصحب، ويستدر الضجور فتحلب، ولما فجأني ابتداؤه، وقرع سمعي نداؤه، فزعت إلى الفكر، وخفق القلب الأمن والحذر، فطارت من الفقر أوابد قفر، وشوارد عفر، تغبر في [وجوه] سوابقها، ولا يتوجه اللحاق لوجيهها ولاحقها، فعلمت أنها الإهابة والمهابة، والإصابة والاسترابة، حتى أيأستني الخواطر، وأخلفتني المواطر، إلا زبرجا يعقب جوادا، وبهرجا لا يحتمل انتقادا، وأنى لمثلي والقريحة مرجاة، والبضاعة مزجاة، ببراعة الخطاب، وبزاعة الكتاب، ولولا دروس معالم البيان، واستيلاء العفاء على هذا الشان، لما فاز لمثلي فيه قدح، ولا تحصل [لي] في سوقه ربح، ولكنه جو خال، ومضمار جهال.
وفي فصل منها: وأنا أربا - أعزك الله - بقدر " الذخيرة "، عن هذه النتف الأخيرة، و [أرى] أنها قد بلغت مداها، واستوفت حلاها، وإنما أخشى القدح في اختيارك، والاخلال بمختارك، وعلى ذلك فوالله ما من عادتي أن أثبت ما أكتب في رسم ينقل، ولا في وضع المراتب عندنا مخاطب نتحفز له ونحتفل، وإنما هو عفو فكر، ونشر ذكر؛(6/791)
وقد وجهت من المنظوم طيها ما حضر، وعذري إليك - أعزك الله - في أني خططت والنوم مغازل، والقر منازل، والريح تلعب بالسراج، ويصول عليه صولة الحجاج، فطورا تسدده سنانا، وتارة تحركه لسانا، وىونة تطويه حبابة، وأخرى تنشره ذؤابة، وتقيمه إبرة لهب، وتعطفه برة ذهب، أو حمة عقرب، وتقوسه حاجب فتاة ذات غمرات، وتتسلط على سليطه، وتزيله عن خليطه، وتخلفه نجما، وترده رجما، وتستل روحه من ذباله، وتعيده إلى حاله، وربما نصبته أذن جواد، ومسخته حدق جراد، ومشقته حروف برق، بكف ودق، ولثمت بسناه قنديله، وألقت على أعطافه منديله، فلاحظ منه للعين، ولا هداية في الطرس لليدين، والليل زنجي الأديم، تبري النجوم، قد جلنا ساجة، وأغرقتنا أمواجه، فلا مجال للحظة، ولا تعارف إلا بلفظة، ولو نظرت فيه الزرقاء لاكتحلت، أو خضبت به الشبيبة لما نصلت، والكلب قد صافح خيشومه ذنبه [216ب] وأنكر البيت وطنبه، والتوى التواء الحباب، واستدار استدارة الحباب، وجلده الجليد، وضربه الضريب، وصعد أنفاسه الصعيد، فحماه مباح، ولا هرير ولا نباح، والنار كالصديق أو كالرحيق، كلاهما عنقاء مغرب، أو نجم مغرب.
استوفي يا معتمدي هذا الفصل، ولك في الاغضاء الفصل.(6/792)
وهذه أيضا المقطوعات التي وجه بها إلي من شعره
قال يصف ليلة أنس مع احد ظباء بني مروان:
وليلة عنبرية الأفق رويت فيها السرور من طرق
وكنت حران فاقتدحت بها نارا من الراح بردت حرقي
حلت بنا عاطلا وقد لبست غلالا فصلت من الحدق
فجاءها الدهر من بنيه هوى بفتية كالصباح في نسق
قامت لنا في المقام أوجههم وراحهم بالنجوم والشفق
وأطلع البدر من ذرى غصن تهفو عليه القلوب كالورق
من عبد شمس بداسناه وهل ذا البدر إلا لذلك الأفق
مد بحمراء من مدامته بيضاء كفا مسكية العبق
فخلتها وردة منعمة تحمل من سوسن على طبق
يشرب بالراح حين أشربها ما غادرت مقتلتاه من رمق
وقال أيضا فيها:
يا حبذا ليلة لنا سلفت أغرت بنفسي الهوى وقد عرفت(6/793)
دارت بظلمائها المدام فكم نرجسة من بنفسج قطفت
ثم انطوى [ثوبها] ومن أسف أن صرفت لوعتي وما انصرفت
وقال في ضدها:
بعدت ليلة تولت ذميمة لم تنفق فيض ديمة بعد ديمه
ليلة لة تقدمت لاستحقت شهرة الذكر قبل يوم حليمة
غسلت لمتي بصبح مشيب ومحت ليلة علي كريمه [217أ]
وورائي من الخضاب قصير وهي زباء والشباب جذيمة
وأرى أبا بكر بن بقي ألم بهذا الغرض في قطعة له كتب بها إلى أحد إخوانه:
نحن كنا في التصافي مثل ندماني جذيمه
فأتى بالصرم يوم دونه يوم حليمة
وتعاطينا التقاضي أينا أقوى شكيمة
تقدح الأيام حتى في المودات القديمة
وقال يعتذر من انفصال صديق دون وداع:
يا روضة بعدت بها أيدي النوى ضن الزمان بنظرة أزدادها
فتركتها والحسن ملء نواظري ثم انثنيت بخاطري أرتادها
أردد إذا هب النسيم فإنه بتحيتي ومودتي يعتادها
وقال يصف4 نار فحم:(6/794)
أما ترى النار وهي راقصة تنفض أردانها من الطرب
تضحك من أبنوسها عجبا إذ حولت عينة إلى الذهب
وقال يصف كأسا صنوبرية الشكل من عنبر، منجمة بذهب، وفيها المدام:
وكأس من الليل مخلوقة تبدت من التبر فيها نجوم
تضن باطنها قهوة إذا مرد الهم فضت رجوم
وقال في كأس غدر:
وكأس من الغدر مخلوقة ولكنها للأمير الوفي
إذا [ما] تظمنها كاشح تبين من سره ما خفي
قفا في المدام على وده ولا تنشداني قفا أو قفي
وقال في رواقص قباح [الوجوه] :
جاء علي بملهيات للهم والقبح جامعات
لم يلتفت ناظري إليها إلا تذكرت سيئاتي [217]
وقال فيهن وبينهن واحدة أشبه [منهن] :
وليلة طولها علي سنة بات بها الجفن نادبا وسنة
بأربع بينهن واحدة كسيئات وبينها حسنة(6/795)
وقال في مسمع محسن أغب ثم زار:
وافى وقد عظمت علي ذنوبه في غيبة قبحت بها آثاره
فمحا إساءته بنا إحسانه واستغفرت لذنوبه أةتاره
وقال في مطيب ورد مفصل بترجمان:
وورد جني طالعتنا خدوده بنشر وبشر يبعثان على الشكر
وحف ترنجان بها فكأنها خدود العذارى في مقانعها الخضر
وقال في [مداعبة] شيخ ثقيل اتفق حضوره معهم في مجلس أنس:
أما لهذا الشيخ من عهد عاد من أجل يقضى ولا من معاد
ليت لنا في سنة قهوة تديل من ظلمته باتقاد
وليتنا نخرج في صفقة جائزة عنه ولو بالجماد
وهل لنا في البيع من حيلة إذا رمينا بثبوت السداد
وقال من قصيدة:
وذي نخوة يختال ثاني عطفه فلولا تناهي لؤمه قلت أصيد
له نظرة الزرقاء في كل بدعة ولكنه عن مسلك الحق أرمد(6/796)
وقال فيه:
ومنافق يبدي انفعال منافق متبسما وضميره متهجم
حاجاك مكتتما بما في نفسه ولطيف ذهنك مخرج ما يكتم
وتريد عدلا من سجية جائر ومتى أفاد الشهد يوما أرقم
وقال من قصيدة مراجعة عن شعر:
وما كنهه نظم بطرس وإنما نسقت النجوم الزهر في صفحة البدر [218أ]
وله من أخرى:
ومن كان في حكم الزمان مصرفا فلا بد أن يلقى مهينا ومكرما
وله من أخرى يتعذر من استبطاء المكاتبة:
ولو وفت الأيام جاشت صدورها بما ضمنته أو تبلغ ما عندي
ولو جرت [الخمس] الرياح تضوعت بما استنشقته من ثنائي ومن ودي
ولو كان عهد للغزالة جددت لكم كل ما أبقى الجديدان من عهد
ألم تسالوا والقلب رهن لديكم فيخبركم عني بمضمره بعدي
فلو قبلتني الحادثات مكانكم لأنهبتها وفري وأوطأتها خدي
ألم تعلموا أني وأهلي وواحدي فداء ولا أرضى بتفدية وحدي(6/797)
قال ابن بسام: ثم ختم رقعته إلي بأن قال: هنا - أعزك الله - وقف ذكري، ولا أذكر شيئا من نثري، وهو عندي بالإضافة إلى النظم أصلح، وكلاهما بعيد من الغرض، لولا مكان حقك المفترض.
وهذه أيضا فصول وقعت إلي بعد ذلك من كلامه
فصل له من رقعته تعزية: أطال الله بقاء الأمير مؤيدا اعتزامه، مسددة إلى أغراضه سهامه، نائمة عنه النوب، سامية به الرتب، ولا زالت الرزايا تتخطاه، والحوادث تهابه وتتحاماه.
الأمير [الجليل]- أيده الله - ممن آتاه الله أجره مرتين، وجمعله بين الدارين: جهاد في سبيله مبرور، وأجر بجميل صبره موفور، ومثله تقلد نجاد السعد مثنى، [ووردت عليه الصالحات مثنى] ، فكل له في كلتيهما غابط، ولكلتا يديه باسط، في انفساح عمره، وانشراح صدره، وتأييد صبره، وما ألام دهر تحاماه، ولا ألم رزء تخطاه.
وله من أخرى:
إني أعزيك لا أني على ثقة من البقاء ولكن سنة الدين
فما المعزى بباق بعد صاحبه ولا المعزي وإن عاشا إلى حين
كتبه وقد دهم من المصاب بالأخت البرة - كرم الله [مثواها و] منقلبها(6/798)
ورفع في جناته درجتها ورتبتها، ما لفح الأكباد حرة، وصدع الفؤاد ذكره، ولما غار الحزن وأنجد، وصوب [218ب] الوجد وصعد، أهاب داعي النهى فلبيت، وصدع زاجر الحلم فانثنيت، وما الجزع مما لا يطفا، [ولا يعاف] ما بد من شربه، ويشفق من قرب إلى تربه. هذا وللسلوان مذاهب لا تذهب على ذي نظر، ولا تغيب على ذي تأمل وتدبر، أولها التسليم للقدر المحتوم، والثقة بالعوض الكريم، إلى ما لا يخفى موضعه، ولا يجهل من النفوس موقعه، من فضل الله تعالى في بقاء فلان الذي هو رأس المال، وجماع الآمال، وما زالت لله مع كل محنة منحة تقتومها، ومنة تلازمها، حكمة منه بالغة تسكن إليها القلوب، ويرجع معها الصبر ويثوب، وأنت - أيدك الله - فوق أن تنبه بوعظ، إلى مكان حظ، وأرحب بالنوازل ذراعا، وأكثر عن الأجر ذبا ودفاعا، لكن ناجيت مستريحا، وذكرت تلويحا، والله يجعلها آخر الرزايا، ويحرس الأولياء والولايا [بمنه] .
وله من أخرى: يا سيدي الأعلى، وظهيري لخطب إن تجلى، نداء من قام شاهده في المودة وبرهانه، واستوى في موالاتك إسراره وإعلانه، دمت مقتبل الجد، واري الزند، مستقلا بأعباء السيادة والمجد، في المحل النجد، والطالع السعد.(6/799)
كتبت هذه الحروف ذاهبا مذهب الإيجاز، وراغبا مع الحقيقة عن المجاز، فعبء الإطراء ثقيل، ومركب الاسترسال نبيل، وشاهدي منك حاضر، وإليك في كل الأحوال ناظر، وموصله فلان، الواثق بفضلك في ما ينهيه إليك، ويورده عليك، ويستظهر فيه بسعيك الحميد، ويستنجح برأيك الأصيل السديد، وأنت لا تألوه بسروك نصحا، ولمبهم أبوابه فتحا، وهو في تفضيلك أمة لا يثنى ولا يصد، وما قال الا بالذي علمت سعد.
وله من أخرى: أطال الله بقاءك ومقاليد المجد تلقى إليك، ووفود الحمد وقف عليك، وأزمة الفضل في يديك، ولا زلت للمبهمات فارجا، ولسبل المكرمات ناهجا، ناهضا بالبزلاء، صبورا [على العزاء] .
كتبت والأحوال التي استطلعها اهتبالك، واستهدى علمها إجمالك، في ريعان ظهورها، وشرخ شباب نورها، والله بفضله يعيذنا فيها من عين الكمال، ويديم لنا حال الاستواء والاعتدال. وإن الخطاب الكريم نجره، المنير فجره، الذكي نشره، وافى قريبا بالسيادة عهده(6/800)
مطرزا بالبلاغة برده، فوردت منه معينا، واجتليت [219أ] به من البيان سحرا مبينا، ومثلك أهدى مثله، ووالى فضله، وتابع بذله، وأتبع دلوه في السماح رشاءها، وسما إلى همم أملاك جعل إزاءها، والله لا يعدمني الأنس طالعا من أفقك، والدنيا تجري في وفقك، ولا زالت قداحك فائزة، وأحكامك جائرة، وحظوظك لكل أمنية حائزة.
[وله من رقعة خاطب بها بعض الأعيان يعتذر من ذكر المقامة، واستفتحها بهذا البيت:
ما كنت أشتم قوما بعد مدحهم ولا أكدر نعمى بعدها تجب
من يسر فيه - أيده الله - للحسنى، وفاز من لقائه بالحظ الأسى، فله ما تمنى (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (فصلت: 35) ومن أتى(6/801)
الله بقلب سليم. واني مع عدم الاستطاعة، ومزجى البضاعة، أتوهم سقوط الفرض، وأخلد إلى الأرض، وأحمل الأمر محمل العرض، ودونه - أيده الله - مهابة إجلال تنئيه، وكرم خلال يدنيه، فأنا بينهما عصي طيع، هذا يجىء وهذا يرجع، لا جرم أني أفقر إليه من جفن إلى كرى، ومن أذن إلى بشرى، بل من جذيمة إلى نديم، وصعب إلى إبراهيم، بل من الشمال إلى اليمين، والأنف إلى العرنين، بل من دريد إلى الشباب، والقارظ إلى الإياب، وسأستأنف وأستدرك، وأخب نحو علاه وأبرك، وأتوسل بتشيع في مجده غال، وأمت بمنافسة مغال:
فلا تلزمني ذنوب الزمان إلي أساء وإياي ضارا
وهل هو إلا نقصان يقعد عن كمال، وحرمان يبعد عن نوال، أروح وأغدو، أتجنب روضة وأجيل أعدو، أستغفر الله من غربة ركبت مطاها، ووصلت خطاها، وأثرت قطاها، أنضت شبابي بل نضته، وسلت مشيبي وانتضته، فها أنا طليح أو جريح، وأبقت علي دركا، وبوأتني دركا، فضاعت أثناءها الحقوق، وبئس الاسم العقوق. نعم - أدام الله(6/802)
سعدك، تحولا إلى الكاف، وإسنادا من الاعتراف بحقك إلى كاف -:
وعيد أبي قابوس في غير كنهه أتاني ودوني راكس فالضواجع
فانطويت على حريق، وتعللت برحيق:
وفضيلة الراح الخروج بأهلها عن عالم هو بالأذى مجبول
فما سلمت مع ذلك من ظنونهم، ولا غبت عن عيونهم، وأنى لي بالسلامة من كاشح يغري، ويد ترميني من حيث لا أدري، تمنحني الفصاحة ضرا، وتمنعنيها نفعا وخيرا، ان مر به ذكري فيها عمز وغمص، أو ادعي لي حظ نفيس بخس ونقص، أو قرىء لي " قبض " قرأ " قبص "، ما هذه المقامة إلا قيامة حشرت الكرام وحاشت، وما استثنت ولا حاشت، أصابت وأشوت، وصابت وأخوت، وعمت لتخص، وباحت لتقص، والمناجى لبيب، " وقد يؤذى من المقة الحبيب ".
اللهم اعصمنا من الدعوة، واجعلني فيها مجاب الدعوة، حتى ندعوها لأبيها، ونؤثر الأقسط عندك فيها، بعزتك.
أولى لهذا المتهم، ساء ما حكم، ويا بعد ما توهم:
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان(6/803)
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يماني
منع الجار صقبا، وادعى لابن طريف عقبا، وما ينام أبو سفيان عن زياد، ولا يترك في ثقيف ثمر الفؤاد، هيهات هيهات!! يدل على الفجر سناه، ويعرب عن الشجر جناه، ويفصح الشناشن أخزم، وينسب الحكم إلى اكثم، وما هو بمطاع ثم أمين، ولا أنا على غيب السيادة بضنين، لاسيما وقد افتتح بمن افتتح، وبمن وزن فرجح، وسعى فأنجح، وملك فأسجح، وأشفى فعف، وكفى فكف، وثناه بمن أتى ما أتاه، وتقيل في الفضل أباه، وتخطاه إلى صنو كماء المزن، وروض الحزن، تجافى جنبه عن المضاجع، وطلق الدنيا غير مراجع، وتجاوزه إلى ابن عم، وكبير في المكارم جم، خلع على المروة عمره، وقلدها أمره، هجر مراتب وخططا، وأبى إلا أن يكن أمة وسطا، ثم جاء بالجلة لفيفا، فنكر معروفا، ومنع الصرف في غير ضرورة مصروفا، وماذا له، في مصون أذاله - ومن أجاءه، إلى قبيح جاءه - ومن جرة إلى هجر أجره - ومن قاده إلى القادة - ومن سامه هلك سامة - ومن(6/804)
أداره على فعل ابن دارة - هلا أسر ما أشر، وعشى ولم يغتر - ولما توجه الي بين يدي الوزير الأجل - دام سعده - منها ظن أخطأ، ووهم أسرع وأبطأ، لا تقبله حالي، ولا يفزغ له بالي، أدرجته أثناء تنصلي، ووصلته بتوسلي، إلى علائه وتوصلي:
ليعلم أني لا أظن بمثلها وأن ليس إهداء الخنا من شماليا
ولن يخفى على ذي بصر نمطها، ولا يغيب مستنبطها، وكيف وهناك فطنة تخلص بين الماء واللبن، وتفرق بين القبيح والحسن، فليصرف هذا اللجام إلى من علكه، ولينط هذا الدم بمن سفكه، فليس المري من جرير، ولا ابن الزبير من ابن الزبير، والوزير الأجل - دام سعده - يحجب عن إدراكه عيبي، ويحرس بكرم نثاه غيبي، ويضعني حيث وضعت نفسي من تأميله، ويعود علي بحسن تأويله، متطولا، إن شاء الله تعالى] .(6/805)
[219ب] ولما نكب الوزير أبو محمد بن القاسم النكبة التي أنبأت بتعذر أوطار، ذوي الأخطار، وأعلنت بكساد الفضل، واستئساد النذل، لأنه كان طود جمال، وبحر إجمال، وناظم خلال، وحين ثل الدهر عرشه، وأحل سواه فرشه، خاطبه كل زعيم جليل مسليا عن نكبته، وانتقاله عن رتبته، فكتب إليه برقعة مستبدعة وهي: مثلك - أنس الله فؤادك، وخفف عن كاهل المعالي ما هاضك وآدك - يلقى دهره غير مكترث، وينازله بصبر غير منتكث، ويبسم عن قطوبه، ويفل شباة خطوبه، فما هي إلا غمرة ثم تنجلي، وخطرة ويليها من الصنع الجميل ما يلي، لا جرم أن الحر حيث كان حر، وأن الدر برغم من جهله در، وهل كنت إلا حساما انتضاه، قدر أمضاه، فإن أغمده فقد قضى ما عليه، وإن جرده فذلك إليه. أما إنه ما تثلم حده، ولبس جوه الفرند خده، لا يعدم طبنا يشترطه، ويمينا تخترطه، هذه الصمصامة، تقوم على ذكرها القيامة، طبقت البلاد أخباره، وقامت مقامه في كل أفق آثاره، فأما حامله فنسي منسي، وعدم منفي، كلا لقد بقيت الحقائق، وانبتت تلك العلائق، فلم يصحبه غير غرار، ومتن عار، كلاهما بالغ ما بلغ، والغ معه في الدماء إذا ولغ، وما الحسن إلا المجرد العريان، وما الصبح إلا الطلق الأضحيان، وما النور إلا ما صادم الظلام، وما النور إلا ما فارق الكمام، وما ذهب ذاهب، أجزل منه العوض واهب، ولئن قضى حق المساهنة في هذه(6/806)
الحال التي التوى عرضها، وتأخر للأعذار القاطعة فرفضها، أسف تردد، وارتماض تجدد وذنوب على الأيام لا تحصى وتعدد، وحبا اللئام منها وتعقد، فيعلم الله عز وجهه لقد استوفيت فيه هذه الأقسام، ونهيت فيك حتى المزن عن الابتسام.
وله أيضا: ليست الأذناب كالأعراف، ولا الأنذال كالأشراف، ولا كل أشراف بأشراف، فثم من يزيل ما ولي، ويعمى عن الصبح وقد جلي، إن ذكر نسي، وان عذل فكأنما أغري، وكثيرا ما يمتد شططه، فتحذف نقطة، ويهجر نمطه، وان سامحناه في الضبط، وأمتعناه بالنقط، نبذ الوفاء فحذفنا الفاء، وجفا الكريم، فألغينا الميم، وله بعد ما ألغى ما بقي، ان أشرف فعلى الخطير العظيم، وان اطلع ففي سواء الجحيم، ورب طويل النجاد، عريق في الآباء [220أ] والأجداد، ولايته أمان، وعمله إيمان، وخلقه رضوان، تود النجوم أن يخطها في كتاب، وينسقها نسق الحساب، قد ارتقى بخطته باذخ السناء، وأخذ بضبعها رفعا إلى السماء، فهناك - وأنت ذاك - طاب الجنى، ودنت المنى، وأيقن الشرف أنه في حرم وحمى؛ وأقسم بالمبسم البارد، والحبيب الوافد، قسما تبقى على الشباب مدته، وتعز على المشيب حدته، ذكرى من ذلك العهد مدت بسبب، ومتت إلى القلب بنسب، ليحنون على الكرام، وليجترؤن الأيام، وليأخذون فوق أيديها، وليكفن من تعديها، مالها تنحت أثلاثهم سماتهم، تصفهم(6/807)
بصفاتهم، وتعلهم بعلاتهم، فأين أنت من الذب، وسنام قد استؤصل بالجب، وكيف ارتياحك لعبد شمس اذ زارت، ومكرمة كالشمس أشرقت وأنارت، لا جرم أنك منها على ذكر، وبمدرجة حمد وشكر، وما هو إلا الشريف الأوحد، ومن لا ينكر فضله ولا يجحد، أبو بكر - أعزه الله - وناهيك انتماء، وحسبك علاء وسناء، فتى دهي في ضيعته هناك بدواه، ورمي بخطوب غير ريوث ولا سواه، ورأيك - أصاب الله برأيك، وجبر الأولياء بسعيك - في تحصين مراعاته، وترفيهه ومحاشاته، ولولا عذر منع، لكان على أفقك النير قد طلع، ولكنه أناب فلانا وحسبه أن يدفع كتابا، ويقضي جوابا، ويتصرف على حكمك جيئة وذهابا.
وكتب إلى أبي بكر بن رحيم يهنئه بولايته خطة الاشراف:
إذا ما شرف الاشراف قوما فإن بني رحيم شرفوه
كفاة للملوك على سبيل ودين نصيحة ما حرفوه
أبو بكر له ولهم كفيل بكل كفاية اذ صرفوه
وما الاشراف إلا عبد قن لهم فمتى تولى استصرفوه
هذه - اعزك الله - بديهة البشرى، وعجالة كعجالة القرى، فأنا لها بالأقبال ضمين، وعلي ألية ويمين، لتحوطنها أقلامك، وليحمدن فيها مقامك، ولتعرفن بالحجول والغرر أيامك، فحالفك السعد، ولا عدمك الملك الجعد، وأبل وأخلق مثلها جديدا بعد، وما حق من بشر باعتلائك، وسرى بأنبائك إلى أوليائك، أن يؤخر مراده [220ب] او يضيع عمله واعتقاده، وأن الحاج ابن شقران أملك - أبقاه الله وجبره - أشعرني بهذه المسرة(6/808)
والديمة الثرة، ولقد هممت على هذا البرد وحل العقد، وفض النقد، فدافعني انقباضا، وأعلمني أن له في عملك - أبقاه الله - أغراضا، تكون على ذلك أثمانا واعواضا، وأراني عقدا يشهد بعدمه، وصحة ما استحثه في مقدمة، وأنه ليس له سوى غرس قد صار
عليه، بل استدار في ساقيه كبلا، والتوى في عنقه غلالا مغلا، ولك الطول في نظرك بالتخفيف عن مثله من الضعفاء، ومن لا قدرة له على الأداء، وحمل الأعباء، فإن ذلك ذكر في العاجل، وذخر في الآجل، إن شاء الله.
في ذكر الأديب أبي بحر يوسف بن عبد الصمد
واثبات جملة من أشعاره، مع ما يتشبث بها
من مستطرف أخباره
وهو يوسف بن أبي القاسم خلف بن أحمد بن عبد الصمد، جدهم الأول كان السمح بن مالك بن خولان، أحد أمراء الأندلس في ذلك الأوان، قبل دخول بني مروان، من تقديم عمر بن عبد العزيز. وهؤلاء الصمديون قوم من ذوي الهيئات، متقدمون في الكتابة وأدوات أهل النباهات، وأصلهم فيما أخبرت من اقليم الشبتان من كورة جيان، وخدم أبو القاسم والد أبي بحر الخزانة في المرية زمان زهير وخيران(6/809)
وفي دولة المنصور بهدهما، ومات في دولة ابن صمادح سنة ثمان وأربعين، وبنوه وقرابته أكثر خدمة المرية، وفيخم يقول بعض أهل الأوان، لما رأى من كثرة عددهم والتباسهم بالسلطان:
ملأوا قلبي هموما مثلما ملأ الأرض بنو عبد الصمد
كاثر الشيخ أبوهم آدما فغدوا أكثر أهل الأرض عد
كلهم ذئب أزل متنه والرعايا بينهم مثل النقد
ونشأ أبو منهم: بحر [نبل] كاسمه، في نثره ونظمه، حسن الحديث حاضر النادر، ذو روية وبديهة. ومن ظريف شعره مما أنشدت له قوله:
فوصلت أقطارا لغير محبة ومدحت أقواما بغير صلات
أموال أشعاري نمت فتكاثرت فجعلت مدحي للبخيل زكاتي [221أ]
وهذا من غريب المعاني، وإنما ألم بقول ابن رشيق القيرواني:
فإن وجبت علي زكاة شعر جعلت من مساكين الكرام(6/810)
جملة من شعره في أوصاف شتى
له من قصيدة أولها:
أدجلوا بالشموس في الأغصان ومشوا بالحدوج في الكثبان
حيث جال الوشاح واصطحب العق د مع المرهف الحسام اليماني
كلما سار ذو سوار راع ليث غضنفر ذو سنان
يا لها من ضراغم وسروج خالطتها هوادج وغوان
كم قطعت الزمان والعيش غض [في ارتياح] ما بين تلك المغاني
واذا غرد الحمام على الأي ك وأصبت مرجعات القيان
صلصلت حولها الجياد وهزت ذابلات أعطافها للطعان
رب ليل قطعته في رياض وندامى وقهوة ومثاني
ووجوه مثل البدور تلالا وقدود كأنها قضب بان
فوق أطواقها سنا صفحات معجمات السطور بالخيلان
وعيون من نرجس وخدود من شقيق على طلا سوسان
فاجتنينا زهر الخدود غضيضا وقبضنا أرواح [تلك] الدنان
لم تزل تسجد الأباريق للشر ب سجود الرهبان للصبيان
نتعاطى الكؤوس والليل خفا ق الحوافي ممزق الطيلسان
ومنها في المدح:
فثناء يسير في كل أفق ومديح يتلى بكل مكان(6/811)
يحمل السرج حين يركب بدرا كاملا آمنا من النقصان
[ومنها] :
لست بالألكن الذي يبهم القو ل ولا بالمعجز المتواني
ولعمري لقد [كشفت] دجى الش ك وأوضحت غامضات المعاني
ذل في ذا الزمان نثري ونظمي ذلة السيف في يمين الجبان [221ب]
وهذا المعنى قد نبهنا عليه فيما سلف، ومنه قول ابن شرف:
تقلدتني الليالي وهي مدبرة كأنني صارم في كف منهزم
ولأبي بحر من أخرى في الوزير [أبي بكر] ابن زيدون:
زمان يمنع الخيل الطرادا وسير يحسب النخل القتادا
وأيام تغلب كل ضد وتخلع في رضى النعل النجادا
وقد جبن الشجاع فليس يدري أيرتبط الحمار أم الجوادا
عليك الجد في طلب المعالي وليس عليك أن تعطي القيادا
فأسنى المجد ما أدركت سعيا وخير السعي ما كان اجتهادا
ولا يقنعك عيش في خمول فغير الباز من صاد الجرادا
سأبقي حد حسادي كهاما وأجعل نار أعدائي رمادا(6/812)
بذكر يخجل المسك انتشاقا وذهن يحرق النار اتقادا
ومنها في المدح:
لك البشر الذي سلتى وسرى وأدرك منتهى أملي وزادا
وما أخشى عليك نفاد لون ومن يخشى على الشمس النفادا
تنزهك العزائم أن تضاهى وتمنعك المكارم أن تسادا
فإن خصتك بالحمد القوافي فقد عمت أياديك العبادا
أجاد نظامها قلمي وحلى ولولا وصف مجدك ما أجادا
[ومنها] :
أبا بكر تقول لي القوافي وجدت البحر فاطرح الثمادا
لك القلم ان خط سطرا يود المسك لو كان المدادا
سللت على المهارق منه حدا فللت به الصوارم والصعادا
فإن زهدت طيا في حبيب فقد زهدت في كعب إيادا
فلا جلب الزمان إليك هما ولا منعتك حادثة رقادا
فإن الناس والأيام عين وجدتكبين جفنيها سوادا [222أ]
وله [من] أخرى في المعتمد يقول فيها في وصف طرف:
وأقب تحمله رياح أربع لولا اللجام لطار في الميدان
من جملة العقبان إلا أنه من حسنه في طلعة الغزلان
يمشي إلى ميدانه متبخترا من تيهه كتبختر النشوان(6/813)
وعلوت أذنيه بأذن ثالث كالنجم منقضا على شيطان
رمح ولكن هز من أعطافه فالخيل تنقر منه كالثعبان
ومكلل [مما انتضت يد قيصر وبلت ظباه يدا أنو شروان
عشق الطلا وبودها لو عوضت منه مكان الوصل بالهجران]
جردته من غمده وهززته فكأنما جردت غرب لسان
ومنها، وقد حضر المجلس أبو بكر بن اللبانة وأبو تمام الحجام فقال معرضا بهما:
والشعر بهجته إذا نطقت به بين المحافل ألسن الأعيان
ما كان قول الشعر إلا خطة كانت مراتبها على كيوان
حتى تدنس ثوبها بزعانف نشأت على الأوضار والأدران
من صنعة القزاز والجزار أو من صنعة الحجام واللبان
فعجبا من ذلك، وأخجلهما هنالك.
وله من أخرى في المعتمد ويصف يوم الجمعة [الذي بدد الله فيه شيعة الطاغية أذفونش] :
خضعت لعزتك الملوك الصيد وعنت لك الأبطال وهي أسود
رأي يفل الجيش وهو عرمرم ويعفر الجبار وهو عنيد
وهذا مما أراه نظر إلى قول مختار بن النجار من جملة الطارئين على(6/814)
الجزيرة، وكان من غرائب الدهر أميا، لا يفهم ولا يقيم حرفا سويا، أنشد المعتمد بن عباد من جملة قصيد فريد قال فيه:
ذلت لعزتك الملوك الصيد يا من إذا نقص الزمان يزيد
وفتحت باب الغرب يا ابن محمد وبلغت أقصاه فأين تريد
ارتاح ابن عباد لقوله وقال له: يا ابن الفاعلة، إلى بغداد. [222ب]
لم ترض والسيوف تمائم والحرب ظئر والسروج مهود
ولقد شققت إلى الطعان سعيرها وحملت وطأتها وأنت وليد
ولكل نصر من ظباك مخيلة ولكل فخر من قناك عمود
ومها:
هيهات لا يمضي لحقك شاهد يوم العروبة شاهد مشهود
يوم تواصلت الترائب والقنا فيه وعانقت الأسود أسود
والشمس مرهاء الجفون كليلة والجو مغبر الذرى مسدود
والمرهفات من النجيع كأنها صفحات بيض بينها توريد
والخيل قد نكصت على أعقابها والروم زرع والرؤوس حصيد
وكأنما كانت هناك كنائس قد حان فيها للصليب سجود
لو زلت زال الدين وانتهب الهدى ونبا اليقين ونافق
التوحيد(6/815)
لكن وقفت وملء درعك للعدا درع يهد الراسيات شديد
والوجه لا متغير والرأي لا متلبد والعزم لا مردود
نالتك في ذات الإله شدائد تركت لك الأملاك وهي عبيد
ومها:
والملك لا يحميه إلا أروع ثبت الجنان على الجلاد جليد
فاطعن ولو أن الثريا ثغرة واضرب ولو أن السماك وريد
وافتح ولو أن السماء معاقل واهزم ولو أن النجوم جنود
واطلب بملك الأرض حقا إنه فرض على البيض السيوف وكيد
وطل ابن عباد على أملاكها فقد ارتضاك الواحد المعبود
إن الرياسة والنفاسة والعلا حرم تدافع دونها وتذود
وله من أخرى في يحيى بن فافو بسجلماسة:
عزم تضيق بجيشه البيداء ومنى أقل مرامها الجوزاء
وعرامة لو أنها لي لأمة لم تمض فيها الصعدة السمراء
في عفة لو أصبحت مسومة في الناس لم تتقنع الحسناء [223أ]
فلتلحظ الغزلان ولتتمايل ال أغصان ولتترجرج الأنقاء(6/816)
ومنها:
وأحم مسود القميص كأنما خلعت عليه ثيابها الظلماء
وكأنما خاض الصباح فأرضه مبيضة وسماؤه دهماء
سامي التليل يروق تحت لجامه فرع أحم وغرة بلجاء
أطغيته فمشى العرضنة تأئها يبدو عليه الكبر والخيلاء
وخلغت عنه عنانه في روضة شطأ النبات بها وفاض الماء
مخضرة زهرت كواكب نورها فكأنها تحت السماء سماء
ومنها:
وتطلعت زهر النجوم كأنما نثرت هناك عقودها الحسناء
بتنا نراعي النجم إلا أنه باتت تراعينا مها وظباء
دارت كؤوس الطل وانتشت الربى ومشى القضيب وغنت الورقاء
والقضب تخضع للغدير كأنه يحيى وقد خضعت له الأمراء
ومنها:
كثر القتيل عليه في عريسه فبساطة الأوصال والأشلاء
يمشي كما تمشي المها مترفقا ويصده عن طرفه استحياء
[حتى إذا ما توجته لبدة أو كللته الغفرة الزباء
هدم الجبال بصدره فكأنما في منكبيه الهضبة الشماء](6/817)
وله من أخرى في مجلس أنس بروضة:
وحديقة مخضرة أثوابها في قضبها للطير كل مغرد
نادمت فيها فتية صفحاتهم مثل البدور تنير بين الأسعد
والجدول الفضي يضحك ماؤه كالعقد بين مجمع ومبدد
وترجرجت للناظرين كأنها در نثير في بساط زبرجد
وكان بسرقسطة شيخ يكنى بأبي عبد الصمد، من شعراء ذلك العصر، وأراه من سلف أبي بحر؛ أخبرني ذو الوزارتين أبو عامر بن عبدوس أنه اجتمع [به] قي ذلك الثغر، ورآه قد لبس بياضا في جنازة الكاتب أبي عمر بن القلاس، وقد حضرها المقتدر بن هود، فرثاه بقصيدة نعى فيها تلك الدولة، ووصف أنها بعد ابن القلاس على طرف، وفي [223ب] سبيل تمام وتلف، فتعجب منه المقتدر، وجميع من حضر. وكان ذلك الشيخ يستعمل وحشي الالفاظ، ويخاطب العوام بكلام لو خوطب به رؤبة بن العجاج ما فهم عنه؛ وأخبرت أن بعض أصحابه قال له يوما: مالك وللتقعير في كل وصف! فقال له الشيخ: يا قرارة النوك وعنصر السخف، أتنكر أن أستعمل الغريب وفصيح الكلام -! لو كان في طبعك، ما مجه سمعك، أين أنت من قول أوس:
ألم تر أن الله أنزل مزنة وعفر الظباء في الكناس تقمع(6/818)
على دبر الشهر الحرام بأرضنا وما حوله بعد السنين يلفع
ومن قول امرئ القيس:
وما ذرفت عيناك إلآ لتقدحي بسهميك في أعشار قلب مقتل
قال له: وأيهما ألوط بالقلب وأقرب إلى مجاري النفس - قال الشيخ: قول أوس لأنه جزل المقطع، بعيد المرمى غريب المنزع، وأما قول امرىء القيس فهو من باب الغزل وظريف الألفاظ، لا يحرك عالما، ولا يثير من غامض المعرفة كامنا، ولا يتعب مفسرا، وإنما يدر الدمع، ويهيج الوجد، ويثير الصبابة، ويؤكد الكآبة؛ فقال له ذلك الرجل: وهذه صفة المحبوب من الشعر، ألا ترى أن امرأ القيس لم يحز قصب السبق، ولا أعطي غاية الخصل [إلا لإتيانه بهذه الألفاظ السهلة، وأن أبا نواس لم يسبق الناس] إلا بعذوبة ألفاظه، [فمن] احتذى هذه الطريقة نجح، ومن حاد عنها افتضح -
وكان ذلك الشيخ أبو عبد الصمد [قي عصر] أبي حفص بن برد الأصغر، واجتمع في خزائنه زهاء خمسمائة رسالة، أقلها فيما بلغني من عشر ورق، مع قصائد له مطولات، لا يقدر أحد أن يفسر له منها عشرة أبيات، لوحشية ألفاظه، واشتباك معانيه؛ ورسائل ابن برد سائرة لعذوبة كلامه، في نثره ونظامه.
وفي هذا الشيخ يقول [ابن] الصفار السرقسطي:
لأبناء هود قلوب الأسود لها عند لقيا الرزايا جلد(6/819)
وأعجب أفعالهم صبرهم على برد شعر ابن عبد الصمد
واخبرت أن بعض أدباء ذلك الثغر استدعى هذا الشيخ لمجلس أنس بهذا النثر: أنا أطال الله بقاء الكاتب الفاضل، سراج العلم، وشهاب الفهم، في عبثت تفاحة، وصفت [224أ] أقداحه، وخفقت فوقنا للطرب ألوية، وسالت بيننا للهوى أودية، لكنا لنأيك عنا مقلة سال إنسانها، وصحيفة بشر عنوانها، فإن رأيت أن تتجشم إلينا غاية القصد، لنحصل بك في جنة الخلد، صقلت نفوسا أصدأها بعدك، وأنرت سرجا أدجاها فقدك.
فأجابه [أبو] عبد الصمد: فضضت أيها الكاتب [الهميم] ، والحبر المصقع [العميم] ، طابع كتابك، فمنحني منه جوهرا منتخبا، لا يشوبه مشخلب، هو السحر إلا أنه حلال، [والدر إلا أنه جلال] ، دل على ود حنيت لي عليه ضلوعك، ووثيق عقد انتدب كريم سجيتك إليه، فسألت فالق الحب، وعامر القلب بالحب، أن يصون لي حظي منك، ويدرأ لي النوائب عنك، ولم يمنعني أن أصرف وجه الإجابة إلى مرغوبك، وأمتطي جواد الانحدار إلى محبوبك، إلا عارض ألم ألم، فقيد بقيده نشاطي، وزوى براحته بساطي، وتركني أتململ على فراشي(6/820)
كالسليم، وأستمطر الإصباح من الليل البهيم، وأنا منتظر لادباره.
فكان يستنزل في هذه الألفاظ وغرابة هذا المنزع، ويستبرد في هذا المقطع.
في ذكر الأديب
أبي تمام غالب الملقب بالحجام
وكان معدودا في شعراء عصره، إلا أنه كان متخلفا في شعره، لأن طبعه كان ينبو عن الرقيق السهل، ولا يلحق بالفصيح الجزل، وربما ندرت له أبيات في النظام، كرمية من غير رام، ووجدته قد سلك في الأوصاف طريقة الرمادي، فغرق في بحبوحة ذلك الوادي، وقد أخذت هنا من شعره بطرف، يعرب عما به ذكر ووصف.
جملة من شعره في النسب مع ما يتشبث به من المديح
له من قصيد في الرشيد يقول فيه:
أراعي الفرقدين ولست أعيا كأني ثالث لفرقدين(6/821)
غدوا في مشرق الدنيا ونفسي تناجيهم بأقصى المغربين
أأنسى عهدهم وهو بقلبي وأشكو فقدهم وهو بعيني
سقى زمنا سقاهم كل صفو وقد قذيت جفون الحاسدين
وقد حيا بطاسات الحميا قضيب في الغلائل من لجين [224ب]
إذا سيم المزاج سقى لماه ونزهنا بروضة وجنتين
تقلد طرفه سيفا ولكن حمائله نبات العارضين
وهذاالبيت من متداولات المعاني، ومنه قول ابن رشيق القيرواني:
وهل على عارضيه إلا حمائل قلدت حساما
ومن مديح هذه القصيدة:
شكوت إليه عدوان الليالي وما ألقاه من تشتيت بين
فأمن من صروف الدهر سري وأصلح بين أيامي وبيني
رآني والظلام علي ثوب فأطلعني طلوع النيرين
وله من قصيد:
مالي حرمت على اتصال مدائحي أعقرت في الشعراء ناقة صالح
ويناسب هذا قول الآخر:
أناقة الله حاجتي عقرت أم نبت الحرف في نواحيها(6/822)
وأنشدني له من قصيدة:
دعوت الندى من كل باب قرعته دعاء ولكن كان غير مجيب
فما هو إلا كالحبيب تمنعا عليه من الغيران كل رقيب
فكن طالبا للمجد إن كنت طالبا بهز سنان وانتضاء قضيب
ولا تبغ من زيد وعمرو مكانة لحفظ سوار في بياض عصيب
ومنها:
ليالي كان العيش غضا يظلني نظيرا وماء الورد غير مشوب
وعيني قد نامت بليل شبيبتي فما انتهبت إلا لصبح مشيب
وله من أخرى [أولها] :
أحين وصلت أحدثت الفراقا لقد حملت قلبا لو أطاقا
أحين كرعت في ماء الأماني سقيتني الأسى كأسا دهاقا
ومنها:
عرفت الدهر ثم طلبت منه ليسقي صفوة فسقى زعاقا [225أ]
[فكنت كطالب في البحر ماء تشكك في مرارته فذاقا
ولم أر مثل أيام التصابي وقد ضرب الهوى فوقي رواقا](6/823)
وقد زفت عروس الكاس نحوي وقد كتبوا لها [شعري] صداقا
ومن كلفني بها وبمن سقاني وصلت بها اصطباحا واغتباقا
غزال لم يزل قلبي عليلا بعلة مقلتيه فلا أفاقا
رقيق الخصر لو شاء احتزاما بخاتمه لكان له نطاقا
ومنها:
سلاما لم يكن إلا وداعا وجمعا لم يكن إلا افتراقا
وهذا كقول المتنبي:
افترقنا حولا فلما اجتمعنا كان تسليمه علي وداعا
وكقول علي بن جبلة:
ركب الأهوال في زورته ثم ما سلم حتى ودعا
وذكرت بهذا المعنى خبرا حكاه الزبير بن بكار قال: سمع أبو السائب المخزومي قول مالك بن أسماء الفزاري:
بكت الديار لفقد ساكنها أفعند قلبي تبتغي الصبرا
بينا هم سكن لجرتهم ذكروا الفراق فأصبحوا سفرا
فظلت ذا وله يعاتبني في حبهم من لا يرى الأمرا
فقال أبو السالب عند سماع البيت الأوسط: ما أسرع هذا! ما قدموا(6/824)
ركابا حتى ودعوا صديقا؛ قال الزبير: يرحم الله أبا السائب، فكيف لو سمع قول العباس بن الأحنف:
ساءلونا عن حالنا كيف أنتم فقرنا وداعهم بالسؤال
ما أنخنا حتى افترقنا فما فر قت بين النزول والإرتحال
وأبو السائب هذا كان له جد يكنى أبا السائب أيضا، خليط رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا ذكر قال: " نعم الخليط كان أبو السائب لا يشاري ولا يماري ". وكان أشراف المدينة يستظرفون أبا السائب هذا وحفيده، واسمه عبد الله، ويقدمونه لشرف منصبه، وحلاوة ظرفه، وكان غزير الأدب، كثير الطرب، وله فكاهات مذكورة، [225ب] وأخبار مشهورة.
وقول ابن رباح: " بعلة مقلتيه فلا أفاقا " كقول أبي عامر بن شهيد، من شعر قد تقدم:
فأنا المجروح من غضتها لا شفاني الله منها ابدا(6/825)
جملة من شعره في أوصاف شتى
له في الصورة التي بحمام الشطارة البديعة الشكل باشبيلية:
ودمية مرمر تزهى بخد تناهى في التورد والبياض
لها ولد ولم تعرف حليلا ولا ألمت بأوجاع المخاض
ونعلم أنها حجر ولكن تتيمنا بألحاظ مراض
وأنشدني في صفة خاتم:
وخاتم تبر قلد الدر حوله ومن احمر الياقوت ما يتقلد
كأن الثريا بالهلال تعلقت وفي طرفيه المشتري يتوقد
وللطيب فيه مخبأ فكأنه سريره حب قد فشت وهي تجحد
وقال:
زرت الحبيب ولا واش أحاذره والصبح عين لوت بالغمض أشفارا
في ليلة خلت من حسن كواكبها دراهما وحسبت البدر دينارا(6/826)
وقال:
أنظر إلى زهر النجوم وقد بدت في البحر تعجب ذاتها من ذاتها
قكأنها سرب الحسان تطلعت لترى من المرآة حسن صفاتها
وذكرت بوصفه صور الكواكب في الماء، قول أبي العلاء:
فدمت إلى مثل السماء رقابها وعبت قليلا بين نسر وفرقد
وصف إبلا وردت الماء ليلا، وهو أزرق صاف وفيه صور النجوم، فكأنها شربت بين هذين الكوكبين، وإنما أخذه من قول الأخطل يذكر سمت إبل قصدته:
إذ طلع العيوق والنجم أولجت سوالفها بين السماكين والقلب
أراد إذا طلع العيوق والثريا يممت هذه الإبل سمت ما بين السماكين والقلب، فكأنها وضعت سوالفها بينهما معرفة، وموضع العيوق وراء الثريا في جانب المجرة الأيمن، والعيوق أقرب إلى القطب من الثريا، وهما يطلعان صبحا، عند اشتداد الحر معا، ويكون [226أ] قلب العقرب والسماكان طالعين حينئذ ليلا، فوصف الأخطل أنه سرى الليل، ولا يكون العيوق في وقت أقرب إلى الثريا منه في وقت، ولكن الكواكب إذا كبدت تقارب ما بينهما في رأي العين، ولذلك قال الآخر:(6/827)
وعاندت الثريا بعد وهن معاندة لها العيوق جار
أي عدلت عن الطريقين معاندة من أجلها جاور العيوق الثريا، ولم يرد أنهما اجتمعا أو تقاربا قربا والا به عن مجاريهما.
وقال أبو ذؤيب:
فوردن والعيوق مقعد رابىء الضرباء فوق النجم لا يتتلع
أراد أنها وردت الماء سحرا، والعيوق من النجم قريب كقرب الرقيب من الضارب بالقداح، ولم يرد أنها وردت سحرا وهما طالعان، كما فسر بعضهم، بل وهما مكبدان، وذلك عند كون الشمس في الأسد، وهو أشد ما يكون من الحر.
وذكرت بقوله: " لترى من المرآة حسن صفاتها " قول البحتري:
إذا النجوم تراءت في جوانبها ليلا حسبت سماء ركبت فيها
وأخذه الصنوبري فقال:
ولما تعالى البدر وامتد ضوءه بدجلة في تشرين في الطول والعرض
وقد قابل البدر المفضض لونه وبعض نجوم الليل يقفو سنا بعض
توهم ذو العين البصيرة أنه يرى باطن الأفلاك من ظاهر الأرض
وذكرت أيضا بهذا التشبيه، ما قد أكثر الناس فيه، من ضوء القمر(6/828)
[على الماء؛ من ذلك] قول بعضهم حيث يقول:
قام الغلام يديرها في كفه فحسبت بدر التم يحمل كوكبا
والبدر يجنح للأفول كأنه قد سل فوق الماء سيفا مذهبا
وقال التمار الواسطي:
أما ترى الليل قد ولت عساكره مهزومة وجيوش الصبح في الطلب
والبدر في الأفق الغربي تحسبه قد مد جسرا على الشطين من ذهب
وقال القاضي التنوخي: [226ب] .
أحسن بدجلة والدجى متصوب والبدر في أفق السماء مغرب
فكأنها فيه بساط أزرق وكأنه فيها طراز مذهب
وقال كشاجم:
والبدر فوق دجلة والصبح لما يشرق
مكحلة من ذهب فوق رداء أزرق(6/829)
رجع:
وقال ابن رباح في ثريا المسجد الجامع:
تحكي الثريا في تألقها وقد لواها نسيم وهي تتقد
كأنها لذوي الإيمان أفئدة من التخشع جوف الليل ترتعد
وله فيها:
انظر إلى سرج في الليل مشرقة من الزجاج تراها وهي تلتهب
كأنها ألسن الحيات بارزة عند الهجير فما تنفك تضطرب
وقال:
سرينا إلى الخمار عنها وقد بدا لنا في الدجى نور من الحان ساطع
[فقام إلى صف الدنان كأنها عجائز من قطن عليها مقانع]
وبت بجنب الزق أرشف ريقه كما شد كفيه على الثدي راضع
وقال في مثله:
لم أنس ليلا قطعته وأنا متكىء لاصطحاب زقين(6/830)
ونمت سكران بين ذاك وذا تناوم الطفل بين ثديين
وقال في الطائر المعروف بالمقلتين:
صبغوا برقراق العبير جناحه ويرى على فيه احمرار العندم
وأظنه قد غره في ورده ماء اليفاع فظل يكرع في الدم
وقال في البلارجة:
وبعيدة الأوطان في إقبالها بشر بإقبال الزمان المقبل
نشرت جناح الابنوس وصادرت بالعاج فيه وقهقهت بالصندل
وفي النغر:
بدا نغر فاسود أفق بدت به وقد نظمت في الجو منها سلوكها
[وصاحت فما أبقت بقلب مسرة صياح بنات الزنج مات مليكها]
وفي العقاب:
ان العقاب له بطش يهاب به للطير عنه بذاك البطش تكميش [227أ [
كأنه في اختراق الجو مندفعا إلى الفريسة ريح ضمها ريش
وفي النسر:(6/831)
ترى النسر والقتلى على عدد الحصى وقد مزقت أحشاءها والترائبا
مضرجة مما أكلن كأنها عجائز بالحا خضبن ذوائبا
وفي الأجدل:
وأجدل أقلقه فرط القرم أطلقته بين الكراكي والرخم
فانتهز الفرصة لما أن هجم فعاد للكف وما شكا ألم
يمسح منقارا علاه نضح دم ككاتب يمسح حبرا عن قلم
وفي النحل:
شفؤك من دنياك في خرء نحلة وفيها كما فيها لك الصاب والشهد
وزينة ما أبدت نسيجة دودة لتعلم أن الله في حكمه فرد
وذكرت بقوله: إنه شفاء وهو خرء نحلة ونسيجة دودة، حديثا يروى عن جابر بن عبد الله قال: خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجابر بن عبد الله إلى الجبانة، فتذاكرا الدنيا، فتنفس جابر، فقال له علي بن أبي طالب رضي اللع عنه: علام تتنفس يا جابر - أعلى الدنيا - فو الله ما لذاتها إلا سبع: مأكول ومشروب وملبوس ومسموع ومشموم ومركوب ومنكوح، فألذ ما أكل فيها ابن آدم العسل، وهو خرء ذبابة، وألذ ما شرب الماء، وهو كثير موجود، وألذ ما لبس الحرير، وهو قيء دود، وألذ ما اشتم المسك، وهو دم دابة، وأما مسموعها(6/832)
فإثم حاضر، ومركبها الخيل، وهو قبر محفور، ومنكوحها مبال في مبال، يريق من الجارية أحسن ما فيها، لتؤتي أقبح ما فيها.
رجع:
وقال ابن رباح في وصف دولاب:
يا حسن ما نظروا من الدولاب والغيم يحسده لدى التكساب
تشدو فيطربنا تردد شجوها فكأنما أخذته عن زرياب
وإذا الظلام أتى تشوق صوتها فكأنما داود في المحراب
وله فيه وقد طار منه لوح فوقف، وهو من أغرب ما وصف:
وذات شدو ومالها كلهم كل [فتى] بالضمير حياها [227ب]
وطار لوح منها فأوقفها كلمحة العين ثم أجراها
كأنها قينة وقد قطعت تسع من قال دومها واها
وقال ابن رباح في القلم:
يزداد حسنا في الكتاب إذا بدا نقص به فيريك كل بيان
ان السراج إذا قطعت ذبالة صح الكمال له من نقصان
وله [فيه] :(6/833)
لا يفخر السيف والأقلام في يده قد صار قطع سيوف الهند والقضب
فإن يكن أصلها لم يقو قوتها " فإن في الخمر معنى ليس في العنب "
وله فيه:
جواد إذا ما شق في البري رأسه وإن لم يبن شق به فبخيل
وتمنعه أن يوضح الحرف شعره كذي لثغ بعض الحروف يحيل
وقال فيه:
حاز البلاغة غائصا في بحرها فيريك من صدف الكمال الجوهرا
وكأنما علموا بطول نزاعه فلذاك سموا كل سيف أبترا
وقال فيها:
تقلت على الأعداء إلا أنها خفت على السباب والإبهام
أخذت من الليل البهيم سواده وبدت تنمق أوجه الأيام
[وقال] في الجيش:
يا من إذا سار وألعداء يوم وغى ترى ذؤابته محمرة العذب
والجيش كالبحر لكن ماؤه زرد والبيض تطفو عليه موضع الحبب
ومن شعره في وصف العيون والثغور [والخيلان] وما يناسب ذلك من النسيب:(6/834)
ترنو بعين خشوع وهي باكية ومن طباع السيوف القطع واللبن
تريك حكم سليمان إذا حكمت وفي اللواحظ ما تتلو الشياطين
وقال:
للأقحوان أرى عليك ظلامة لما عنفت عليه بالمسواك
لا يحمل النور الأنيق تمسه كف بعود بشامة وأراك [228أ]
وجلاؤه المخلوق فيه قد كفى من أن يراع عراره بسواك
وله:
تعلم الغصن لينا من معاطفه وأقبل الظبي يستجديه في الغيد
من كل أحور يبدي في تبسمه تألق البرق بين الجمر والبرد
وقال:
خيلان خدك ردت صحيح صبري مريضا
في العين سود ولكن ما زلن في القلب بيضا
وقال في مثله:
خدك مرآة كل حسن تحسن من حسنها الصفات
مالي أرى فوقه نجوما قد كسفت وهي نيرات(6/835)
وقال:
يا حبيبا له الفؤاد محل كيف تجفو وأنت في سوادائه
كتب الحسن فوق خدك خالا فامحى الشكل غير نقطة خائه
وقال:
يا طالع البدر المنير جماله ألبسي للحسن ثوب سمائه
أوقدت قلبي فارتمت بشرارة نزلت بخدك فانطفت من مائه
ومن المليح في مثله قول ابن المعتز:
غلالة صبغت بورد ونون الصدغ معجمة بخال
ولكشاجم:
فلم يزل خده ركنا أطوف به والخال في خده يغني عن الحجر
وله في النهود:
وكأنها النهد الذي هو بارز من صدرها سر به قد باحا
في صورة التفاح إلا أنه في شكله لا يألف التفاحا
وقال:(6/836)
يا صاحبي بمهجتي خمصانة مالت مميل الغصن في أعطافها
في الصدر منها للطعان أسنة ما أشرعت إلا لحمي قطافها
ان أنكرت قتلي هناك ففتشا تريا دمي قد جف في أطرافها
وقال:
أبقى الشباب عليه من غلائله ما أثرت فيه من لبن غلالته [228ب]
وفي ترائبه والحلي يحجبه نهد تصور في قلبي حكايته
وقال:
قد نالني منك في فرط الصدود أذى وكل شيء إذا ما زاد ينقص
إن البياض إذا ما جاز غايته فلا محالة فيه أنه برص
ويناسب هذا [من وجه] قول ابن الرومي:
وما يعيب السواد حلكته وقد يعاب البياض بالبهق
[وقال] :
نظر الحسود فاذ رأى لي [صالحا] والفضل مني لا يزال مبينا
قبحت صفاتي من تغير وده صدا المراة يقبح التحسينا
وقال:
تحملت أعباء الزمان ولم أكن لأحملها فيما لدي من الوهن(6/837)
كما حملت ثقلا من الأرض نملة وما هي منه في قياس ولا وزن
وقال:
تصبر وإن أبدى العدو مذمة فمهما رمى ترجع إليه سهامه
كما يفعل النحل الملم بلسعة يريد به ضرا وفيه حمامه
وقال:
صغار الناس أكثرهم فسادا وليس لهم لصالحه نهوض
ألم تر في سباع الطير سرا تسالمنا ويؤذينا البعوض
وقال:
ابخل بسرك لا تبح يوما به فصغيره يأتي بكل عظيم
أو ما ترى سر الزناد إذا فشا يأتي وشيكا سقطه بجحيم
وقال:
وبارد الشعر لم يألم بما حملا أضر منه جميع الناس واعتزلا
كأنه الصل لا تؤذيه ريقته حتى إذا مجها في غيره قتلا
وقال:(6/838)
يا ملكا تخضع الملوك له الله أعلى على الملوك يدك
تعجب الناس من جوادك بالأم س وما في شماسة اعتمدك
أراك عند النزول سنبكه وقال: في عين [كل] من حسدك
وقال:
لي صاحب لا كان من صاحب فإنه في كبدي جرحه
يحكي إذا أ [صر لي زلة ذبابة تضرب في قرحة
وقال من قصيدة:
وإني من زماني في خمول دفنت به ومن لي بالنشور
وقد عكست يد النعمى فلاحت مكان الغل من عنق الأسير
[وان سراي في ليل بهيم ولا صبح يشير إلى سفور]
فما للملك ليس يرى مكاني وقد كحلت لواحظه بنوري
كذا المسواك مطروحا هوانا وقد أبقى جلاء في الثغور(6/839)
فصل في ذكر الأديب
أبي إسحاق [إبراهيم] بن معلى
قدح البلاغة المعلى، وسيفها المحلى، أحد من بنى منارها، ورفع بالغور اليفاع نارها، ولم أظفر من كلامه لانزعاجي في تحرير هذه النسخة إلا بلمعة كهلال ليلة، أو ظل أثيلة، وقد أوردتها بأسرها، لأنبه على قدره وقدرها.
قال يرثي أعيان وقته بقصيدة أولها:
هل بين أضلعنا قلوب جنادل أم خلف أدمعنا مدود جداول
في كل يوم حزن نجم ساقط ما بيننا وكسوف بدر آفل
سدكت بنا الأرزاء غير مغبة وألحت النكبات غير غوافل
وعلت بنا الأيام في سطواتها فجلت لنا عن كامنات غوائل
وهي الليالي ليس يخفى نقصها فلذاك تطلب كل حر كامل
آها وواها للمعالي إنها رزئت بركني عرشها المتمايل
بدعامتي حسب ونجمي سؤدد وحديقتي أدب وبحري نائل
أخوي صفاء في المودة أجريا في المكرمات إلى المدى المتطاول(6/840)
[فبذا تحمل كل عبء مثقل وبذا إقامة كل أمر مائل]
فكأن هذا حاجب في خندف وكأن هذا مالك في وائل
إن طال حزني يوم ذاك فإنني لم أحل بعد من الحياة بطائل
أو سال صبري في الدموع فبعدما دفنت هناك ذرائعي ووسائلي
[ومنها] :
أين الذي يرتاح بشرا بالقرى والحق يصدع مظلمات الباطل
زفر الزمان بذاك زفرة مغضب وسطا بذاك الدهر سطوة صائل [229ب]
صلى المهيمن ذو الجلال عليكما والكل من ملأ السماء الحافل
وتظافرت أيدي الغمام فأخملت حلل الربيع عليكما بخمائل
لأرى الرياض على الرياض وأقتدي ببكا السحاب على السحاب الهائل
وله من أخرى يرثي:
فلا تغررك بهجة مستحيل إذا ما الجمر عاد إلى الرماد
أبا الحجاج لو لم يؤت بدع لحج الناس قبرك في احتشاد
وزارك من بني الآمال حفل يضم الأرض من هيد وهاد
[معد للطريق ولا كعهد مضى أغنيت عن إبل وزاد]
فقد بارت بضائعهم عليهم وخلوا السوق مفرطة الكساد(6/841)
فسيان الركوب على قتود لعاف والمبيت على قتاد
أمعتنق الصعيد وكان يغدو عليه وهو معتقل الصعاد
أرى لبس الحداد عليك مما يشق على المهندة الحداد
فكم أوردتهن على وريد وكم أهديتهن إلى الهوادي
فإن تبعد فما بعدت صفات قربن لمادحيك على البعاد
وأين قرى مسائك في الموالي وأين قرى صباحك في الأعادي
وأين نداك يهتف كل حين ببغية مجتد ورضاء شاد
وأين بياض بشرك وهو يجلو دجى النكبات حالكة السواد
وأينك في عرائكك اللواتي ألن عرائك النوب الشداد
إذا ما زرت قبرك رضت نفسي لأستسقي به سبل الغوادي
فأمكث لا يطاوعني لساني بذاك ولا يساعدني فؤادي
أحاذر أن يفوه به فأقضي بأن ربى حللت بهن صاد
وكيف يكون عهدي منك هذا وأحمل منه بك للعهاد
وأعجب كيف يقنع فيك قوم بجد في بكائك واجتهاد
وكان يقل لو نحروا المطايا عليك وبادروا عقر الجياد [230أ]
وحل الكل يوم حللت عهدا فقاسمك التراب إلى التناد
فيا لهفي عليك ولهف غيري ولهف المجد والحسب التلاد
ولما لم أنل أملي وعاقت عوائق دون سؤلي واعتقادي
سعيت بأن أقيم مقام نفسي أزاهر روضة الأدب المعاد(6/842)
فجاءتكم تنم ببعض ودي وتعبق عن صفائي واعتدادي
[وإن لم ترض منتقدا بحالي تبين وجه عذري في انتقاد]
ضلوع ما يفارقها التهاب وجفن وقع انتقاصي في ازدياد
قوله: " وأحمل منه بك للعهاد " كقول ابن المعتز:
وحاشاه من قولي سقى الغيث قبره يداه يروى قبره من نداهما
وأخذه من قول أبي تمام:
سقى الغيث غيثا وارت الأرض شخصه وإن لم يكن فيه سحاب ولا قطر
وكيف احتمالي للسحاب صنيعة باسقائها قبرا وفي لحده البحر
وقال ابن المعتز:
لم تمت أنت إنما مات من لم يبق للمجد والمكارم ذكرا
لست مستقيا لقبرك غيثا كيف يظما وقد تضمن بحرا
وبيته الأول من هذين، من قول حبيب أيضا:
ألم تمت يا سليل المجد من زمن فقال لي لم يمت من لم يمت كرمه(6/843)
وقال عبد السلام بن رغبان:
سقى الغيث أرضا ضمنتك وساحة لقبرك فيها الغيث والليث والبدر
وما هي أهل إذ أصابتك بالبلى لسقيا ولكن من حوىء ذلك القبر
أخذ [هذا] البيت الأول الراضي فقال يرثي أباه المقتدر:
بنفسي ثرى ضاجعت في ساحة البلى لقد ضم منك الغيث والليث والبدرا
فلو أن عمري كان طوع مشيئتي وأسعدني المقدور قاسمتك العمرا [230ب]
ولو أن حيا كان قبرا لميت لصيرت أحشائي لأعظمه قبرا
وينظر في هذا المعنى إلى قول المتنبي:
حتى أتوا جدثا كأن ضريحه في القلب كل موحد محفور
وقال ابن معلى يرثي من قصيدة أخرى:
رزء بكت منه العلا ومصاب شقت عليه جيوبها الأحساب
أعيا مرام الصبر يوم حلوله نفسي وسدت دونه الأبواب
وطفقت التمس العزاء فخانني نفس تذوب وأدمع تنساب
وتلجلج الناعي [به] فسألته عود الحديث لعله يرتاب
أنفى ويوجب أن يقول حقيقة فعل الشفيق، فغلب الإيجاب(6/844)
تربت يداه مدى الحياة بمن نعى وغدت بفيه جنادل وتراب
[فلكم حماه على المكارم ان نبا وطن بذي أمل وضاق جناب]
يا عامر لم يبق بعدك عامر لمنازل العلياء فهي خراب
أنعى إلى الإعراب منك معيده غضا كما نطقت به الأعراب
وإلى لباب الفهم فهمك إنه كانت تقر بفهمك الألباب
وإلى السيادة والصبا فلكم أتت تدعو نهاك عن الصبا فتجاب
ولكم نزعت بسهم فكر صائب يرمى الزمان بمثله فيصاب
كم اعذل الأيام فيك بما جنت لو كان للأيام عنك متاب
وأعاتب الزمن الخؤون فيقضي كل العتاب ولم يكن إعتاب
ذبلت بروض المجد بعدك دوحة وخبا بأفق العلم منك شهاب
ناحت بك الأقلام غاية وسعها وبكت بأبلغ جهدها الآداب
وتقطعت نفس الكتابة حسرة وأسى عليك وأسعد الكتاب
لا يبل مهجتك التراب وآنست فيه ثراك كواكب أتراب
وسقى ضريحك بعد أخذ عهوده ألا يغب مجلجل سكاب
وغدا عليك الروض وهو كأنما نشرت به من سندس أثواب [231أ]
وإذا تنفست الرياح بليلة فعليك منها جيئة وذهاب
يا أيها الشبل المعفر بعدما حمي العرين به وعز الغاب
أرثي لليثك إنه بك مضمر حرقا لها بضلوعه إلهاب
ولو استطعت جعلت موضع قلبه قلبي فيبقى سالما وأذاب(6/845)
ولنبت عنه إذا بكاك بأدمع فلكم له في ما اريد مناب
وهذا كقول علي بن بسام البغدادي يرثي علي بن يحيى بن منصور المنجم، مما أنشده أبو اسحاق الحصري:
قد زرت قبرك يا علي مسلما ولك الزيارة من أقل الواجب
ولو استطعت حملت عنك ترابه فلطالما عني حملت نوائبي
قال الحصري: وقد أنشدني هذين البيتين أبو بكر بن محمد بن القاسم الأنباري، قال: أنشدني علي بن سليمان لنفسه، فأنشدهما وزاد:
ودمي فلو أني علمت بأنه يروي ثراك سقاه صوب الصائب
لسفكته أسفا عليك وحسرة وجعلت ذاك مكان دمع ساكب
ولئن ذهبت بملء سؤددا فجميع ما أوليت ليس بذاهب
وقوله: " وسقى ضريحك بعد أخذ عهوده " - البيت، من قول طرفة:
وسقى طلولك - غير مفسدها - صوب الربيع وديمة تهمي
وقد تتبع هذا المعنى على ذي الرمة في قوله:
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر(6/846)
لأن في مداومة الانهلال تعفية الرسوم ومحو الآيات؛ على أنه قد احترس من الاعتراض احتراسا قدمه في صدر البيت وهو قوله: " اسلمي "، فدعا لها بالسلامة على تعاقب الأحوال الموجبة بلى الديار، واندراس الآثار؛ وبيت طرفة أسلم. والذي فتق للشعراء هذا الفن فافتنوا فيه وجاءوا بالاحتراس وغيره امرؤ القيس بقوله:
إذا ركبوا الخيل واستلأموا تحرقت الأرض واليوم قر [231ب]
فقوله: " واليوم قر " تتميم للمعنى ومبالغة في اللفظ، وقال [الآخر] :
إذا الله أسقى دمنتين ببقعة من الأرض سقيا رحمة فسقاهما
وقال أبو الطيب:
صلى الإله عليك غير مودع وسقى ثرى أبويك صوب غمام
ومن هذه المبالغة في التتميم أيضا قول امرىء القيس:
كان عيون الوحش حول خبائنا وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
فتناوله زهير فقال:
كأن فتلت العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم(6/847)
ويسمى أصحاب البديع ما كان مخصوصا من هذا النوع بالقافية: " الإيغال " [والتتبيع] وما كان في أضعاف البيت: " المبالغة " و " التتميم "؛ ومن المبالغة قوله:
من القاصرات الطرف أو دب محول من الذر فوق الإتب منها لأثرا
وأخذ حسان فقال:
لو يدب الحولي من ولد الذر عليها لأندبته الكلوم
فقصر حسان عنه لأن امرأ القيس قال: " فوق الإتب " وهو ثوب، وأيضا فإن في بيته معنى متقدما وهو قوله: " من القاصرات الطرف " يريد أنها غير متطلعة إلى غير زوجها، وقيل: تقصر الطرف ألايجاوزها إلى غيرها، كما قال أبو الطيب المتنبي:
وخصر تثبت الأبصار فيه كأن عليه من حدق نطاقا
وأصل هذا المعنى من قول امرىء القيس:
* بمنجرد قيد الأوابد هيكل *
ففرعه الناس فقالوا: قيد العيون وقيد النواظر، فأخفاه أبو الطيب وملحه، والذي نبهه على الزيادة فيه بشار بقوله:(6/848)
ومكللات بالعيون طرقني ورجعن ملسا
وأخذ السري فقال:
أحاطت عيون العاشقين بخصره فهن له دون النطاق نطاق
وتناول ابن المعتز ما تناول حسان فقال [232أ] [وتجاوز الحد] :
أن فلو مرت به ذرة في رجلها نعل من الورد
لمزقت ديباجتي خده من غير أن جالت على الخد
وقول ابن المعلى: " وتلجلج الناعي به " - البيت، من قول المتنبي، وقد تقدم إنشاده:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقة أملا شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وأخذه أبو الحسين ابن الجد فقال من شعر قد تقدم أيضا إنشاده في القسم الثاني من هذا المجموع:
تصاممت عنها مستريحا إلى المنى وقلت عساها في الأحاديث بهتان
رجع:
وأنشدت له يصف خروج أهل بلنسية لحرب العدو في غير ثياب الحرب(6/849)
وهزيمتهم [بموضع يعرف ببطرنة] :
لبسوا الحديد إلى الوغى ولبستم حلل الحرير عليكم ألوانا
ما كان أقبحهم وأحسنهم بها لو لم يكن ببطرنة ما كانا
قال أبو الحسن: وذكرت بما وصفه عن أهل بلنسية من خروجهم لقتال عدوهم في ثياب الحرير، زينتهم، ما حكاه أبو مروان بن حيان في فصل من تاريخه الكبير، في صفة أهل طليطلة، وقد خرجوا لعدوهم على تلك الهيئة، فانهزموا وقتلوا:
قال ابن حيان: فلم يرع الأسماع إلا ورود الخبر بما صكها من توريط المسلمين في جحيم ذلك المأزق، ومما وقع [من] التعجب منهم أنه أخذ من البياض المقتولين من أهل طليطلة في تلك الوقعة ألف غفارة من لبوس أهل الرفاهية أيام المباهاة، ركبوا بها إلى الطاغية - قصمة الله - كأنهم وفد سلم يشهدون المعاقدة، فيا للرجال لحلوم قوم سكان بثغر مخوف، أبناء قتلى وسلالة أسرى، قلما خلوا من هيعة، عدموا الراعي العنوف منذ حقب، فنبذوا السلاح وكلفوا بالترقيح ونافسوا في النشب، وعطلوا الجهاد، وقعدوا فوق الأرائك مقعد الجبابرة المتفاتنين من أهل موسطة الأندلس، ينتظرون من ينبعث من أهلها للقتال عنهم حسبة، ولا يرفدون المختل ممن(6/850)
رابط إليهم بعليقه، فتبا لهم تبا!! فتضعضع ثغرهم بتوالي هذه النكبات، ولحقت المسلمين بهم مضايق سماعها، حتى عم تلك [232ب] الثغور الجلاء، وتوزع المسلمين البلاء، وخربت ديارهم، وبادت آثارهم.
وذكرت [أيضا] بهذه الحكاية ما حكاه الفرزدق عن نفسه قال: كنت أخرج أنا وجرير كل يوم إلى المناقضة بالمربد، ويحضرنا وجوه أهل البصرة، وكنت أرسل كل غداة إلى جرير عينا، فإذا لبس زيا لبست أحسن منه أو مثله، أباهيه بذلك، فجاءني عيني عليه يوما فأخبرني أنه في حلة فاخرة وزي من الرفاهية، وأنه على قلوص في مركب نبيل ورحل ظاهر، فسرت في مثل ذلك الزي، وانتهيت إلى المربد فلم أجده، فلم يرعني إلا انقضاض فارس قد اعتقل قناة خطية وظاهر بين درعين، وتقنع بالحديد، فلم يظهر إلا عينة، وجاء حتى ركز قناته إلى جنبي، وأنا أشبه شيء بالهدي تزف إلى بعلها، فإذا جرير رافع عقيرته ينشد:
أعدوا مع الحلي الملاب فإنما جرير لكم بعل وأنتم حلائله
فانصرف الناس بذلك البيت، وانصرفت أخزى منصرف.
وقول ابن المعلي: " لو لم يكن ببطرنة ما كانا " - البيت، يسمي بعض أهل النقد هذا النوع من البديع " الإيماء "، وهو عند بعضهم من أقسام الاشارة، وهي من غرائب الشعر وملحه، ويدل على بعد المرمىٍ(6/851)
وليس يأتي بها الشاعر المبرز الماهر، وهي في كل نوع من الكلام لمحة دالة واختصار وتلويح؛ قال أبو علي بن رشيق في كتاب " العمدة " له: فمن الإيماء المليح للمتقدمين قول قيس بن ذريح:
أقول إذا نفسي من الوجد أصعدت لها زفرة تعتادني هي ما هيا
ومثله قول كثير:
تجافيت هني حين لا لي حيلة وخلفت ما خلفت بين الجوانح
فقوله: " وخلفت ما خلفت " إيماء مليح.
ومن أنواع الإشارة: " التلويح " كقول المجنون:
لقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل بي النقص والإبرام حتى علانيا
فلوح بالصحة والكتمان، ثم بالسقم والاشتهار تلويحا عجيبا؛ وإياه عنى المتنبي بعد أن قلبه ظهرا لبطن فقال:
كتمت حبك حتى منك تكرمة ثم استوى فيك إسراري وإعلاني
لأنه زاد حتى فاض عن جسدي فصار سقمي به في جسم كتماني [233أ]
فأخفاه وعقده كما تراه، حتى صار أحجية يتحاجاها الناس؛ ومن أجود(6/852)
ما وقع في هذا المعنى قول النابغة في طول الليل:
تقاعس حتى قلت ليس بمنقص وليس الذي يرعى النجوم بآيب
والذي يرعى النجوم هنا هو الصبح، أقامه مقام الراعي الذي يغدو فيذهب بالإبل والماشية، فيكون حينئذ تلويحه هذا عجبا في الجودة. وزعم بعض أهل النظر أن الذي يرعى النجوم هنا إنما هو الشاعر الذي شكا السهر وطول الليل، وليس هذا الزعم لذي فهم؛ وقد ذكر أن الآيب لا يكون إل باليل خاصة، ذكر ذلك عبد الكريم بن إبراهيم.
ومن أنواع الإشارة " التفخيم " كقول كعب الغنوي:
أخي ما أخي لا فاحش عند بيته ولا ورع عند اللقاء هيوب
ومن أنواعها " التعريض والرمز واللغز " واشتقاقه من لغز اليربوع، إذا حفر مستقيما ثم أخذ يمنة ويسرة، ليوري [ويعمي] على طالبه، و [منه] قول امرىء القيس، وبعضهم يسميه: " التتبيع ":
ويضحي فتيت المسك فوق فراشها نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل يعني أنها مخدومة مكفية المؤونة، فأتى في هذا البيت بثلاث إشارات كلها تتبيع، ترك الصفة فأتى بما يتبعها؛ وبعضهم يسمي هذا النوع " الارداف ".
ومما جاء من الإشارة على معنى التشبيه قول الراجز يصف لبنا ممذوقا:(6/853)
جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
فأشار إلى تشبيه لونه، لأن الماء إذا غلب عليه صار كلون الذئب؛ انتهى كلام ابن رشيق.
قال أبو الحسن: واستقصاء هذه الألقاب في كل باب، مما يضخم حجم الكتاب، وقد تفرق من انواع البديع، في أثناء هذا المجموع، ما فيه كفاية، ويربي على النهاية.
إيجاز الخبر عن وقعة بطرنة التي ذكر
قال أبو الحسن: قد جهدت ان اجد هذا الخبر في ما وقع إلي من كتاب ابي مروان، فأوليه حكمه، واعتمد فيه وصفه الرائق التقطته، من فم من شهد ذلك، وحدث عما [جرى] هنالك [233ب] ممن لا يحسن الوصف، ولا يجيد الرصف، بيد أني أنحرى الصواب، وأتتبع الصريح اللباب:
حدثني غير واحد من أهل بلنسية قال: دلفت [إلى] بلنسية(6/854)
[سنة خمس وخمسين] قطعة من الافرنجة، كدين آفاق هذه الجزيرة المروع - كان سربها، الذلول بتناصر غوغائها، وتخاذل أمرائها، [يومئذ] صعبها، من طواغيت الروم المحيطين بجهاتها، أبناء المخرجين من جناتها، الموتورين بأيدي المسلمين حماتها، أيام رسوخ أقدامهم في عرصاتها، واجتماع كلمتهم على الذب عن حوزاتها، فسموا إليها لأول إطباق الفتنة، واشتمال [تلك] المحنة، ممضين لأحكامهم المفسوخة، مقارعين عن ملتهم الممحوة المنسوخة، مغتنمين للفترة، متنسمين لروح الكرة، فسال منها يومئذ ببلنسية سيل عرم عفى على ما [كان] بها من بهجة ورونق، ومزق أهلها بأطراف الرماح وظبا الصفاح كل ممزق. قال المحدث: فأناخت تلك القطعة يومئذ ببلنسية سنة ست وخمسين وأربعمائة، وأهلها: جاهل غر أو مترف مغتر، أو غفل لا خير ولا شر. قد خلوا بشهواتهم، وانخدعوا بإغضاء الدهر عن غراتهم، لا عهد لهم [يومئذ] بصريع إلا من كاس شمول، أو لحظات أعين كحيل، ولا بعان كنيع إلا لعتاب خليل، أو إعراض حبيب وصول، مغفلين للتدبير، غافلين عما يتعاور أطرافهم من الحذف والتغيير، فطار بهم الذعر كل مطار، وسارت عن زعمائهم في استقبال محنتهم تلك أعجب أخبار، ثم كايدهم العدو بإظهار الاضطراب، والاستتار(6/855)
عن عيونهم ببعض تلك الهضاب، استدراجا لهم واستطرادا، وجدا في طلب مكروههم واجتهادا، فهاج رعاعهم، ونادى بالنفير مهنتهم وصناعهم، حتى بلغني أن مخنثين من مخنثيها تناديا إلى الخروج، وقد حلما بسبي العلوج، فهما يتنازعون المنى، ويقولان نحن أعلم بفعلات القنا، وهيهات! تلك أقصف للظهور، وهذه أشفى لبعض الصدور، وخرجا ولا سلاح إلا رشاء تجاذباه، ثم اصطلحا بعد فقسماه، لا يستريبان بضيق المنهاج، ولا يشكان في اقتياد الأعلاج، وساعد أولئك الرعاع الحائنين أميرهم [يومئذ] المترف عبد العزيز بن أبي عامر - المتقدم الذكر - فخرج بالعير والنفير، والجم الغفير، يحسب الطعن كالقبل، ولم يكن من محبيهن، ويظن السيوف كالمقل، ولم يتعقب على مشتهيهن، ويتخيل صليل الحسام، بين القصر والهام، ما كان اتسع له درعه، ومرن عليه سمعه، من [234أ] نغم الأوتار، وترنم الأطيار، فلم يرع العدو يومئذ إلا خروج أهل بلنسية الأغمار الأغفال، إلى تلك المصارع والآجال:
يمشون مشي قطا البطاح تأودا هيف الخصور رواجح الأكفال
فظفر [العدو] منهم يومئذ بغنيمة أحلى من السرور، وأبرد من النسيم على كبد المخمور، أتاهم من ظهورهم، فحكم السيف في جمهورهم(6/856)
فلم يبق إلا من أحرزه أجله، وخفي على [سهم] المنية مقتله.
حدثني من رأى ابن أبي عامر يومئذ متحصنا بربوة بين لمة من فرسانه، ينشد وقد عقد الرعب عذبة لسانه:
خليلي ليس الرأي في صدر واحد أشيرا علي اليوم ما تريان
فنجا منها منجى أبي نصر، بعد أن أعطى على القسر، ولم يحفل بما أحاط به من أصحابه المغترين به من قتل وأسر.
في ذكر الأديب أبي عامر بن الأصيلي
واجتلاب جملة من شعره
وكان أبو عامر جوابة آفاق، وناظما وناثرا باتفاق، وله شرف، وسابقة سلف، وقد أثبت بعض ما وقع إلي من شعره، على معرفتي بقدره، لنباهة سلفه واشتهار ذكره.
فصل له من رقعة: أنت - أعزك الله - أشد استثباتا، وأكرم التفاتا، من أن تتأمل ما ينقله الواشون، وتتبع بهواجسك سوء الظنون، فتبين بهرج قول لم يعره الحق نوره، ولا الصدق ظهوره. والوزير(6/857)
أبو القاسم بن صارم، ظالم لي وإن كان غير ظالم، [234ب] فإنه نقص فاضلا، وقطع واصلا، وتتبع يسيرا، وعظم حقيرا، تقمنا لمسرة ولد له مدلل يحسب أن كسرى من أعوانه، وأن هاروت ينفث عن لسانه، [يتعاطى ما لا يحسن، ويحقر ويمتهن، فيورط أباه في بحور السباب، ويبيح عرضه لألسنة الشعراء والكتاب] وجرى علي بجهتك، التي ألمت بها من أجلك، وتسرت [فيها بظلك، تطاول لم تقبله طباعي، ولا استقرت عليه أضلاعي، إذ لم أعهد مثله] في سائر البلاد، ولا منيت بشكله في حاضر ولا باد، وذلك أن الوزير الأعلى أبا عامر، القائد الشجاع الشاعر - انهض الله همته، وضمخ بمسك الثناء لمته - أراد أن يدخلني تحت قدمه، ويعدني من خوله وحشمه، وتوهم أنه يستطيل بعزته علي، ويستميل بكثرة دراهمه من لدي، فأدركني لذلك إباء أوقع الوحشة بيني وبين أبيه، ونقلني عن حسن ظني فيه، فلم يمهلني غايته غير ثلاث، حتى تسبب إلي بأسباب رثاث، كانت سببا لانزعاجي دون تسليم ولا توديع، وفراري فرار الخائف المروع.(6/858)
جملة من شعره في أوصاف شتى
قال يتذكر وطنه بسرقسطة ويضمن بيتين من إنشاد الثعالبي لبعض أهل عصره:
على سرقسطة أبكي دما وأمواهها العذبة المحييه
وقوم كرام فواحسرة على الجمع منهم أو التثنيه
وأصبحت في بلدة أهلها سباع لأهل النهى مؤذيه
كأن بلنسية زينت لشاطبة فاحتفت مرسيه
تعوضت منها بأرض أرى أفاعيل أربابها ملهيه
فكم كاس ذل تجرعتها ولم أبدها وهي لي مخزيه
وكم ليلة بتها طاويا ونفسي عن الكشف مستحييه
" وقد يلبس المرء حر الثياب ومن تحتها حالة مضنية "
" كما يكتسي خده حمرة وعلتها ورم في الريه "
عسى الله يعقبنا صحة فمن عنده الداء والأدويه(6/859)
وقال وهو بقلمرية من عمل الطاغية اذفونش - قصمه الله -:
قلقت وحق بأن يقلقا مصون غدا غرضا للشقا
حللت بلادا كستني بها يد الليث من سقم يلقما [235أ]
وردت قلمرية طامعا فلم ألف برا ولا مرفقا
حرمت كأني دون الورى طلبت العقوق بها الأبلقا
[ورمت الرجوع ومن لي به وقد غلق الباب من غلقا
إذا الشوق مر على خاطري شرقت وحق بأن أشرقا]
أأحبابنا هل لنا رجعة وهل لي بكم أبدأ ملتقى
3 - توركت بحر الأسى بعدكم وإني لأحذر أن أغرقا
وصرت وإن كنت ذا همة وحزم بأيدي النصارى لقى
يقول أناس ولو أنصفوا لكذب في الذي صدقا
فلان حريص به نهمة إلى الرزق من قبل أن يرزقا
وليس، ولكن نحوسي أبت بسوق النباهة أن تنفقا
ولو وفق المرء في سعيه تخير في رزقه وانتقى
تلون دهري بأحداثه علي فشبهته عقعقا
وكان أبو عامر مشحوذ المدية في الكدية، وهي التي بلغته كما ترى إلى بلاد النصارى.(6/860)
وهو أيضا القائل، وقد تطوف على بلاد الساحل، فما حظي أيضا منها بكبير طائل:
إلى أين الفرار ولا فرار ومن لي بالقرار ولا قرار
أرى الأوغاد يعتمرون دورا ومالي في بلاد الله دار
إذا ركبوا المذاكي والمطايا فمركوبي على شرفي حمار
أجول فلا أرى إلا رعاعا كبارهم إذا اختبروا صغار
أباجة لا وقاك الله شرا فأهلك أهل مفسدة شرار
أشلب لا جزاك الله خيرا فلا خير لديك ولا خيار
أشنتمرية قبحت دارا كؤوس المخزيات بها تدار
أشلطيش ألا غرق وشيك تموج على ثراك به البحار
أأونبة تعدتك الغوادي ولا هطلت بساحتك القطار
ألبة كنت صالحة ولكن أتى ابن حليفة وأتى الشنار
بلاد عريت من كل خير فملبس أهلها مقت وعار [235ب]
غلطت فزرتها فرأيت قوما منازلهم وإن عمرت قفار
ترد علي أشعاري ويجفى رسولي، والنباهة لي شعار
شتوت بها على كره فغطى على جدي ومعرفتي الغبار
وله مما كتب به الحصري:
حلفت بمحكم السور ومنزل محكم السور(6/861)
ومن بعدت جلالته عن الإدراك والنظر
وما سن النبي لنا وما أبقى من السير
وإلا لست منه ومن أبي بكر ومن عمر
لقد أولى الزمان يدا سأشكرها مدى عمري
أطال يدي وفضلني بلقيا الفاضل الحصري
أقول لمن ينافسه رويدك لست ذا بصر
تخل عن البديع له وسلم فيه للقدر
شهدت له على علمي بسبق البدو والحضر
وجئت إليه معترفا بما في الباع من قصر
وما أدللت من أشر ولا استرسلت من بطر
ولكن خاطري أبدى له ودي على خطر
جعلت بضاعتي تمرا وجئت بها إلى هجر
ذكرناه بواجبه وهل يخفى سنا القمر
طمعنا أن نفاكهه فجئنا النجم بالشرر
فكيف نطوله طولا ومن للعور بالحور
وليس الغرف من بحر كمثل النحت في الحجر
وهبط [أيضا] إلى الأشبونة [أيام كوني بها] وقد أصحبه المنصور إلى قائدها كتبا في معناه، فحسن بها مثواه، وأجزل بها قراه، وزرته ونزلت عليه في منزله أول التقائي به في لمة من أهل الأدب، فلما انصرفنا عنه خاطب كل واحد منا بأبيات شعر يشكر على ما تهيأ له هنالك من البر، واعتمد بمخاطبته أيضا غلاما وضيء الوجه [وسيما] ، وكان زاره معنا(6/862)
يسمى عيسى، وخرج في وصفه إلى النسيب؛ فمن شعره مما خاطبني به أبيات أولها:
يا دوحة العلم والآداب والخطب ومن غدا فارسا في حلبة الطلب
ماذا تحيط به من علم مسألة سألتها منك بين الجد واللعب
ورد الخدود وورد الروض أيهما أجل عندك يا ذا العلم والأدب
وقهوة الريق والصهباء واحدة أم قهوة الريق تخزي قهوة العنب
وما سألتك عن جهل بأمرهما لكن نزعت إلى شيء من الطرب [236أ]
فراجعته بأبيات منها:
طوقت كل أديب طوق لؤلؤة غرفتها من بحور العلم والأدب
لكن أجدت روي السين من شغف إذ همة الليث في المسلوب لا السلب
فراجعني [ثانية] بأبيات قال فيها:
إيه أبا حسن يا راقم الصحف ما إن أجدنا روي السين من شغف
لكن طربت لما ألقاه من حرق وما أكابده من شدة الكلف
وما انتفاعي بمحبوب أفارقه عما قريب ولم أربح سوى الدنف
[هذا الذي في الهوى قسرا يزهدني ولو سكت لكان العذر غير خفي]
وله في الوزير الفقيه أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الفهري بالأشبونة، قصيدة مخمسة وتضمن أبيات المتنبي، يقول فيها:(6/863)
دبار على دار الفناء ومينها نفضت يدي من سامها ولجينها
فقلت ونفسي قد تصدت لحينها ذو النفس تأخذ وسعها قبل بينها
فمفترق جاران دارهما عمر
فلا تحسبن المجد سكرا ولا كرى فما المجد إلا همة تذر الورى
ونفس ترى أشهى من الدعة السرى وتضرب أعناق الملوك وأن ترى
لك الهبوات السود والعسكر المجر
وأخذك من دنياك ما كان أحزما وكفك فيها عن عسى ولعلما
وصدك عن وصل الأوانس كالدمى وتركك في الدنيا دويا كأنما
تداول سمع المرء أنمله العشر
ورب أمير مفرط في احتياله قبضت يميني نخوة عن شماله
ونزهت نفسي رفعة عن نواله ومن ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعل الفقر
أهيل زماني ودكم غير خالص فلست إليكم ما بقيت بشاخص
شكرت وشكري رعدة في الفرائض إذا الفضل لم يرفعك عن شكر ناقص
[236ب]
على هبة فالفضل في من له الشكر
تجنت في أشبونة آل أخطل وأملت ركني في الخطوب ومعقلي
قطعت إليه كل البيداء مجهل وأقدمت إقدام الأتي كأن لي
سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر(6/864)
سعيت ومن أمثالهم " من سعى رعى " إلى أن لقيت الناس أجمع أكتعا
فتى لوذعيا باسم الثغر أروعا مفدى بآباء الرجال سميدعا
هو الكرم المد الذي ماله جزر
سريت إليه أهتدي بضيائه ويرشدني في القفر طيب ثنائه
وما زلت أستسلي بطول بقائه وأستكبر الأخبار قبل لقائه
فلما التقينا صغر الخبر الخبر
إليك ابن إبراهيم أدى بنا الهوى ومن عرف الأطواد حاد عن الصوى
أممناك والإخلاص مستحكم القوى وجئناك دون الشمس والبدر في النوى
ودونك في أحوالك الشمس والبدر
سمي رسول الله خير مرتجى ويا كوكبا يذكو إذا حادث دجا
ويا مقلد المحيا إذا الباب أرتجا دعاني إليك العلم والحلم والحجى
وهذا الكلام النظم والنائل النثر
لمجدك عندي حلي فخر نعوته وود كماء المزن صح ثبوته
فدع كل شعرور فطبعي يفوته وما قلت من شعر تكاد بيوته
إذا كتبت يبيض من نورها الحبر
[قال ابن بسام] : وكان الوزير الفقيه أبو عبد الله [محمد] بن إبراهيم، سويداء قلب ذلك الأقليم، ومجلسه بالأشبونة مرمى جمار المنثور والمنظوم، هو المقتول هنالك المظلوم، - رفع الله درجته، وقتل قتلته -؛ ولما(6/865)
كسف ذلك النير المشرق، وأظلم عليهم بغتة الأفق، انطلقت [بالغرب يومئذ] أيدي الدهماء، إذ عدموا من كان يفيض عليهم أنوار الآراء، فيقبلونها [237أ] قبول الكواكب لشعاع ذكاء، ويدني من لباناتهم ما شسع، ويستنزل بها ما امتنع، بآراء سديدة الأنحاء، كالسيوف في المضاء، وسياسات لطيفة: من شدة ولين، وحركة وسكون، وكنت قد علقت منه في ذلك الغرب بالحبل المتين، وأستندت منه إلى ثبير الحصين، وتبوأت منه أرحب مربع، وأخصب مرتع، وفي وصف سؤدده وفضله، وكيفية قتله، طول خارج عن غرض هذا المجموع. ولأبي عامر الأصيلي في تأبينه قصيدة أولها:
على مصرع الفهري ركني وموئلي بكيت وأبكي طول دهري وحق لي
أؤبن من مات الندى يوم موته وقلص ظل الجود عن كل مرمل
وما كان صمتي منذ حين لسلوة ولكن عظم الرزء أخرس مقولي
إلى أي طود يسند الشعر بعده وقد حط منه الدهر أركان يذبل
تولى ابن إبراهيم فالغرب بعده لكل غريب الدار حلقة جلجل
فأصبحت الآمال بعد محمد تنادي ألا بعدا لكل مؤمل
خليلي مالي لا أذوب وإنني لأطوي الحشا منه على غلي مرجل
وفي من يحاك المدح جزلا كأنما أتى عن لبيد قوة ومهلهل(6/866)
ألا أيها النوام هبوا لتسمعوا جدال قتيل بالرزايا مجدل
أما إنه والحق أبلج واضح لقد جئتم بالعار يا آل أخطل
غدرتم فكان الغدر منكم سجية فتى العلم والمجد التليد المؤثل
لئام رعاع جاهلون تحاسدوا على قتل صنديد أغر محجل
سقى الله قبرا ضم جسم محمد سحاب تترى بالحيا المتنزل
وجازاه عن إحسانه وأثابه جزاء المنيب القانت المتبتل
سأندبه عمري وإن قال قائل " رويدك لا تهلك أسى وتجمل
وأتبعه ذكرا بشعر كأنه " نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل "
فصل في ذكر الأديب أبي الفضل
جعفر بن محمد بن شرف [327ب]
ذو مرة لا تناقض، وعارضة لا تعارض، وطرأ أبوه على جزيرة الأندلس من بلدة القيروان، حسبما نشرحه إن شاء الله في ما يأتي من هذا الديوان؛ وأبو الفضل هذا [يومئذ] لم يصب قطرة، ولا خرج من الكمامة زهرة، ومن المرية درج وطار، وباسم صاحبها أنجد ذكره وغار، وهو اليوم بها قد طلق الشعر ثلاثا، ونقص غزله [بعد قوة] انكاثا، وارتسم في حذاق الأطباء، واشتمل بما بقي له هناك من الجاه والثراء(6/867)
ولم أظفر من شعره، إلا بما يكاد يفي بقدره، وقد أثبته على نزره، لئلا يخل بكتابي إهمال ذكره.
فصل له من رقعة في فتح بلنسية: من ذكر - أعزك الله - عهدك الكريم والتزامه، وأبصر مجدك العميم وانتظامه، ووضع نفسه حيث وضعها ماضي الذمام، وأنزلها منك حيث أنزلتها تلك الأيام الكرام، وعلم أن ربطك مبرم الشد، وضبطك محكم العقد، وإن وافاك أكبر من رضوى جسدا، وأكثر من حزوى عددا، تخطى بقدم العهد، وتحظى بقدم الود، حتى زار الصفائح بالصحائف، وباشر الكتاب بالكتب اللطائف، وحياك بلسان الأقلام، تحت لسان الأعلام، حين أشرق وجه الدين فأسفر، وزهق حزب الملحدين فنفر، وأقبل الفتح في لمة التأييد، يرفل في ثوب النصر الجديد؛ وجاء الوعد الناجز ببلنسية تجذبها أعنة الأقدار، وتسوقها أحكام الجبار، فالآن قد نشر الميت من لحده، وعاد الحسام إلى غمده، فسبحان من سبب ما سبب، وأدب بالموعظة من أدب، محص الذلة فأزالها، وقدر العثرة فأقالها، وأعاد نعمة كان قد أذهب خضراءها، وأباد غضراءها، وفتح بابا سد رتاجه، وصد منهاجه، حتى خر شامخه، وذل باذخه، [ثم نشر ميته، ونجد بيته] ، قهبت ريح النصر، ومد بحر الظفر بعد الحسر:(6/868)
فقل - أعزك الله - في فتح عم الله ببهجته قلوب المؤمنين، وخص بالفضل فيه أمير المسلمين [وناصر الدين] ، ووفى به ضمانه، وأرجح بفخره وأجره ميزانه، حتى اقتدح بحسامه، ووسم بأعلامه، وورخ بسعيد أيامه، دعا مانعه فأجاب، وجلى عاتمه فانجاب، فتح سالت تلاعه بماء النعمة، وجالت سوامه في ضمان العصمة.
وفي فصل [منها] : ومن زكاة الجاه التي هي من الفروض [238أ] وأداء المفروض، مشاركة موصله جارنا القديم، وصديقنا الحميم، له هناك أطلال رسمها داثر، وجدها عاثر، يرجو تجديد خرابها، وتعمير يبابها، وإليك إسناده، وعليك اعتماده، ومن كان منك نعين فقد أوى إلى ركن، واعتصم بحصن، فلك الفضل في تصديق أراجيه، وإظهار جميل الرأي فيه.
وله مت قصيد [فريد] أوله:
مطل الليل بوعد الفلق وتشكى النجم طول الأرق
ومرت ريح الصبا مسك الدجى فاستفاد الروض طيب الغبق
وألاح الفجر خدا خجلا جال من رشح الندى في عرق
جاوز الليل إلى أنجمه فتساقطن سقاط الورق
واستفاض الليل فيها فيضة أيقن النجم لها بالغرق
وهذا كقول أبي الحسن مولى البكري:(6/869)
ونجم الدجى في لجة الصبح يغرق *
وطمى الشرق عليه فانتحى من هلال غائب في زورق
فانجلى ذاك السنا عن حلك وامحت تلك الدجى عن بهق
بأبي بعد الكرى طيف سرى طارقا عن سكن لم يطرق
زارني والليل ينعى شرقه وهو مطلوب بباقي لبرمق
ودموع الطل تمريها الصبا وجفون الروض غرقى الحدق
فتأنى في إزار ثابت وتثنى في وشاح قلق
وتجلى وجهه عن شعره فتجلى فلق عن غسق
نهب الصبح دجى ليلته فحبا الخد ببعض الشفق
سلبت عيناه حدي سيفه وتحلى خده بالرونق
وامتطى من طرفه ذا حسب يلثم الغبراء إن لم يعنق
أشوس الطرف عرته نخوة فتهادى كالغزال الخرق
لو تمطى بين أسراب المها نازعته في الحشا والعنق [238ب]
وهذا كقول سعيد العروضي يصف فرسا:
من الظلمان آباؤه فورثته الساق والجؤجؤا(6/870)
حسرت دهمته عن غرة كشفت ظلمتؤها عن يقق
لبست أعطافه ثوب الدجى وتحلى خده بالفلق
وانبرى تحسبه أجفل عن لسعه أو جنة أو أولق
مدركا بالمهل ما لا ينتهي لاحقا بالرفق ما لم يلحق
ذو رضى مستتر في غضب ووقار منطو في خرق
وعلى خد كعضب أبيض وأذن مثل سنان أزرق
كلما نصبها مستمعا ندب الشهب إلى مسترق
حاردت حرد شبا خطية لا تجيد الخط ما لم تمشق
كلما شامت غراري حده خفقت خفق فؤاد الفرق
في ذرا ظمآن فيه هيف لم يدعه للقضيب المورق
يتلقاك بكعب مصقع يقتفي شأو غرار مفلق
إن يدر دورة [طرف] يلتمع أو يجل جول لسان ينطق
وترى من هزه مختلفا جال في متنيه من متفق
عصفت ريح على أنبوبه وجرت أكعبه في زنبق
كلما كلمته باعد عن متن ملساء كمثل السرق
ومنها:
جمع السرد قوى أزرارها فتآخذن بعهد موثق
أوجست في الحرب من وخز القنا فتوارت حلقا في حلق
كلما دارت بها أبصارها صورت فيها مثال الحدق(6/871)
وهذا كقول [أبي محمد] ابن عبدون:
ودموع طل الليل تجلو أعينا ترنو إلينا من عيون الماء [239أ]
زل عنها متن مصقول القرا يرتمي في مائها بالحرق
لو نضا وهو عليها ثوبه لتفرى عن شواظ عرق
أكهب من هبوات أخضر من فرند أحمر من علق
وأرتوت صفحاه حتى خلته بحيا من سحب كفيك سقي
يا بني معن لقد طابت بكم شجر لولاكم لم تورق
لو سقي حسان إحسانكم ما بكى ندمانه في جلق
أو دنا الطائي من حيكم ما حدا البرق [لربع] الأبرق
طنبت منكم تجيب في حمى طالب شأو المعالي لحق
إن من أنجبت من نجل زكوا فانتهوا غاية ذاك الطلق
قل لمن خاف زمانا جائرا أو شكا من صرف دهر موبق
بمعز الدولة الأوحد أو عزها أو سيفا فاعتلق
تجل عيناك إذا زرتهم بنظام للعلا متسق
أبدعوا في الفضل حتى كلفوا كاهل الأيام ما لم يطق
قوله: " وتشكى النجم طول الأرق " كقول ابن رشيق:
أشكو " لى النجم حتى كاد يشكوني *(6/872)
وقال أبو جعفر التطيلي:
وطال على النجوم سراه حتى أتت وكأنما تطأ القتادا
وقال:
قد أذن الشرق للصباح وحيعل الفجر بالفلاح
وانجاب جيش الدجى ببيض قد جئن في سمرة الرماح
[سألت] لها مسكة الدياجي أمام كافورة الصباح
واندمج الليل في مضيق وانبلح الصبح عن براح
نبهته والنسيم يهدي الش ميم في آنف الرياح
فقام كسلان دون أين واهتز نشوان دون راح [239ب]
يظهر للسخط وهو راض ويدعي السكر وهو صاح
كأنه كلما تثنى يصغي إلى نغمة الوشاح
وقال:
أمسك بصدغك أم شامة غفلنا عن الأمر حتى التبس
إخال العذار أراد انتشارا فصلت بلحظك حتى احتبس
قد اختلس الشيب من بعضها شبابا وما الدهر إلا خلس
فخالط فيها ضياء البياض ظلام السواد فصارا غلس
كأن المحب شكا من هواك سرا إليك بما [قد] أحس
فأودع أذنك سر الهوى فسود صدغك حر النفس(6/873)
ومعنى هذا البيت الأخير معنى غريب، وإنما نبهه عليه أبو حفص ابن برد بقوله يصف كلف البدر، [وقد تقدم] :
والبدر مالمرآة غير صقلها عبث العذارى فيه بالأنفاس
ومن أخرى:
في ضمان الطيف بقيا رمقي صدقت عيني أم لم تصدق
زارني بل عادني من مرضي إذ شفاني زارني في قلق
نعمت عيناك بالطيف وقد نفثت الفجلا به عن حنق
وفي صفة الليل:
فهو يبدي بلقا عن دهمة ثم يبدي شهبة عن بلق
وكأن الفخر في ذيل الدجى وافد يقرع باب الأفق
أببه الروضة عن قلب شج لتنائيه وجفن غرق
لاح فاهتزت إليه قضبها ورماه نورها بالحرق
وكأن الصبح في آثاره صارم يضرب وجه الغسق
كلما عن لرايات الدجى سقطت منه سقوط الصعق
ونجوم الليل صرعى كلما نهضت عن نكبة لم تطق [240أ]
سبحت جوزااؤها في بحره والثريا راحة المعتلق
كايدته شعرياها برهة والسها عنه ضعيف الرمق(6/874)
وكأن النسر في مغريه قد تولى طائرا عن قلق
ولتالي النجم قلب راكض كلما يوجس بخوف يخفق
وذراع الليث قد مددها فهي إن تظفر بحبل تعلق
قد بكى جفق الحيا عن أدمعي واشتكى نجم الدجى من قلقي
غضبت وشحك من ليلتنا فعلمنا غيظها بالقلق
صمت الخلخال عن تنقيلها حين أفشى السر نطق النطق
بسمت إذ كشفت عن نحرها كابتسام الفجر قبل الفلق
ثم أدنت طرة من وجنة كتداني ليلة من شفق
قد تداوينا من الشوق بها غير أنا بعدهم لم نفق
ومنها:
سبقت جدواكم فاطردت كأنابيب القنا المتسق
قد رمى الدهر بسهم نافذ وشبا ماض وحد ذلق
طلب الغاية في كل مدى فهو يجري في عنان مطلق
بشر وجه تحته ماء ندى وفرند السيف تحت الرونق
لبسوا ثوب المعالي حلة عطروها بالثناء العبق
كنجوم صعدت في ذروة أو شموس طلعت عن مشرق
لو أطقنا وهو الحظ لنا لفديناهم بنور الحدق
وله:
بتنا وأجفان الكمائم نوم والليل أعمى والكواكب تنظر(6/875)
والروض يأرج والظلام يبله بنداه إلا أنه لا يقطر
حتى استثارته الصبا وكأنه دمع تحدر أو عقود تنثر
فهناك صاح بنا الصباح وبيننا ضم يموت الشوق فيه وينشر
وله:
أتت والروض يعطف جاذبيها كما يتأود الغصن الرطيب [240ب]
وما بالرمل ان خافت سليمى عيون عداتها إلا الكثيب
وليس على شعاب الحزن بأس إذا زار الحبيب بها الحبيب
إذا صدق الغرام فكل قلص وإن بعدت مسافته قريب
وله:
ولما تلاقينا وقد ضمنا الهوى كما اجتمع الحيان ضمهما الحلف
تمازج ما بين النجاد وعقدها وأجدب باقي الدمع إذ أخصب الرشف
مزاجا تخال الكأس مانعها الحيا به وتماري أنها قهوة صرف
فتهمي بطي الثوب في الثوب كلما تلوى بذا عطف تلوى بذا عطف
ضجيعين مات الحس بيني وبينها وننشر أحيانا كما تنشر الصحف
وله:
بتنا نشد على القلائد بيننا حذر الرقيب لعلها لا تنطق
والريح ما نبست لنا بسريرة يوما ولا نفث الحلي المحنق
خفنا فأخفتنا خمائل روضة أنف وأخملنا العناق الضيق
وله:
أتت تنفض الأعطاف من بلل الندى وقد رشفت ماء الندى الورق الخضر(6/876)
تحف بها الظلماء وهي مروعة تضل فتهديها الصبابة والذكر
فبتنا وقد بات العناق يضمنا على دعة حتى استراب لنا الفجر
فبانت وفي عيني من قسماتها خيال وفي ثوبي من طيبها عطر
[وله] :
ألمي لفقد الدمع عند فراقه ألم الجراحة بالدم المحصور
[-]
[وله] :
وما ذقت طعم النوم إلا وللصبا تنفس مشتاق وللروض مدمع
وللصبح في الآفاق جيب مشقق وللورق في الأغصان نوح مرجع
فخفت ما بي أن فيهن أسوة وأنا جميعا كلنا متوجع
وله:
إذا نالك الدهر بالحادثات فكن رابط الجأش صعب الشكيمه
ولا تهن النفس عند الخوب إن كان للنفس عندك قيمه
فوالله ما لقي الشامتون بأحسن من صبر نفس كريمه [241أ]
وله:
أتى الليل يطلب غزو النهار في أنجم ما درى عدها
فجاء النهار بشمس الضحى وقال: كفتني ذي وحدها
وله:(6/877)
تسل وخل عنك الهم جانب ولا تحفل بطارقة النوائب
ودع عنك الأوائل واطرحها سدى إن المدار على العواقب
ولا تيأس وإن بعدت ظنون فإن الدهر يأتي بالعجائب
فكم ظن يكذب وهو حق وكو أمل يصدق وهوكاذب
وله في الثريا:
اسقنيها وللظلام ركود ونجوم الدجى هبوط صعود
والثريا كأنها قدم أو راحة في الظلام أو عنقود
وله:
رأى الحسن ما في خده من بدائع فأعجبه ما ضم منه وصرفا
وقال لقد ألفت فيه نوادرا فقلت له لا بل غريبا مصنفا
وقال يصف كتفا بيضاء مدهونة:
وواضحة كمثل النصل تجري مع الأبصار كالماء القراح
حوت حلك المداد بجسم نور كمخضر الفرند على الصفاح
جرت منها السطور على بياض كجري المسك في ثغر الملاح
كأن سواده في صفحتيها بقايا الليل في وجه الصباح
وله:
ولما استقلت بالشباب ركابه وأيقنت من شمل الصبا بتفرق(6/878)
وله في الصباح:
وأبيض فياض على القوم كلما أدار سلافا شجها بقراح
نفى كل منسوب إلى المجد والعلا فساروا وقد طاروا بكل جناح
إذا ارتاحت الدنيا إليه أصابها بنار أطلت من وراء رياح
وله يصف خاتما:
وأبيض من شطر الغنى رد ظهره إلى كوكب عالي المكانة غال [241ب]
أدير كدور البدر ثم لبسته فلم تر منه العين غير هلال
وله:
وواثق باليالي الخادعات له يغتر بالبيض لا يخشى من السود
وقال سعدي يحميني فقلت له هل يطلب النحس إلا كل مسعود
وله:
لا تقبلن قوام ذي عوج فرجوعه أدنى من الرجع
كالصخر يعلو حين ترفعه بالفسر ثم يعود للطبع
وله:
ألا كل خطب نالني أو ينالني إذا أنت لم تغضب علي فهين
فلا تغل في عتب فعتبك موجع ولا تعم عن عذري فعذري بين
رأيتك مثل السيف أما غراره فماض وأما صفحه فهو لين
وأنت إلى الخيرات أسبق سابق وان أوغلوا في الصالحات وأمعنوا
لئن حسنوا في موطن دون موطن فإنك في كل المواطن تحسن(6/879)
وله:
عجبت لها كيف استطاعت لحاظها بأن طعنت قلبي بغير سنان
فقالت وكيف استطعت أنت على هوى تفوه به عيناك دون لسان
فقلت لها سري وسرك في الهوى يلوح وإن لم تنطق الشفتان
وله:
قد وقف الشكر بي لديكم فلست أقوى على الزياده
ونلت أقصى المراد منكم فصرت أخشى من الإعاده
وله يصف الثريا:
ألا فاسقنيها والصباح كأنه على الأفق الشرقي ثوب ممزق
ولاحت لرائيها الثريا كأنها على جنبات الأفق كيس مفتق
وله:
أتى زائرا والصبح يكشر نابه لريان من ماء الندى متضوع
ولاحت على الأفق الثريا كأنها مواقع دمع الساجد المتضرع
وله:
بادر صباحا والثريا قد بدت تختالفي ثوب الصباح المذهب
تبدو وينهجها الصديع كأنه أثر السجود على الصعيد الطيب
وله في وصف درقة: [242أ](6/880)
جاءتك فادية الكماة بنفسها بيضاء يغمرها العجاج فتسطع
فتظل تقصدها الحتوف كأنما فيها لكل شبا وحد موضع
فإذا تعاورت الطبا صفحاتها ورمت جوانبها الرماح الشرع
وردت ورود الإبل وهي روية تدني السقاة من الحياض وترجع
ومن حكمه:
الفاعل في الزمان السوء كالمصباح في البراح، قد كان يضيء لو تركته الرياح.
ومنها:
لتكن بالحال المتزايدة أغبط منك بالحال المتناهية.
لتكن بقليلك أغبط منك بكثير غيرك، فإن الحي برجليه، وهما ثنتان، أقوى من الميت على أقدام الحملة، وهي ثمان.
المتلبس بمال السلطان كالسفينة في البحر، إن أدخلت بعضه في جوفها أدخل جميعها في جوفه.
الحازم من شك فروى وأيقن فبادر.
رب سامح بالعطاء على باخل بالقبول.
ابن آدم، تذم أهل زمانك وأنت منهم، كأنك وحدك البريء، وجميعهم الجري، كلا بل جنيت وجني عليك، فذكرت ما لديهم، ونسيت ما لديك.
أعلم أن الفاضل الزكي لا يرتفع أمره حتى يطهر قلبه، كالسراج لا تظهر أنواره أو يرتفع مناره، والناقص الدنيء الذي لا يبلغ لنفعه إلا بوضعه كهوجل السفينة، لا ينتفع بضبطه، إلا بعد الغاية من حطه.
وله فصل من رسالة: توصل الهمم - أدام الله عزك - كتوسل الذمم، ورب راق بوسيلة، ذي اشتياق(6/881)
الرشد8 ولما طلع بك المجد من معالمه، وأينع المجد في كمائمه، فلاح محياك قمرا زاهرا، زهرا عاطرا، وأنار بأفقك منار الأنوار، ودار على قطبك مدار الفخار، ووقف لديك بالقلوب ارتياحها، وطار إليك بالنفوس جناحها، فجوارح الجوانح ظهور، ونواظر الخواطر إليك صور، وقد تخليتك نظرات الغيوب، ويممتك خطرات القلوب، فخفت إليك بأرواحها، وتلقتك القلوب بالتماحها، فقد يرقب الصباح، ويلمح القمر اللياح، وليس على عاشق الفضل جناح.
وكتب: أطال الله بقاء الوزير الجليل الأمجد الأوحد وأعلى مرتقاه في رفيع العز، ومنيع الحرز؛ الوزير كالمطر الجود يملأ الحياض، وينبت الرياض، بل كالقمر، يقذف بالنور، ويذهب بالديجور، وقد ألحفني من سناه، وسقاني سقياه، ما أنار فأضوى، وجاد فأروى، فلله أيادي الوزير [242ب] ما أنزلها بكل فناء، وأسمعها لكل نداء، حتى رعى قصدي وهو قصي، ووعى صوتي وهو خفي، فالآن أضرب بحسام اعتناؤه جرده، وآوي إلى زمام وفاؤه وكده، والله يديم بقاءه، ويعلي ارتقاءه، حتى أظهر في سمائه، وأشهر بأرفع أسمائه.
وله فصل من رقعة: مثلي - أعزك الله - في عناء بلا غناء، كما خص الماء، زبده الزبد، ووعده الأبد، وأستغفر الله، ما استهديت بغير منار، ولا اقتدحت بغير عفار:(6/882)
ولكن حرمت الدر والضرع حافل *
وما يوجع الحرمان من كف حارم كما يوجع الحرمان من كف رازق
وما فعلت تلك الأبيات، والرجاء الذي في بطون الحاملات، أزعجته الأرحام، أم ولدت ثم وثدت، أم وضعت ليلا، وأرضعت غيلا، فهي لا تدب ولا تشب، والنجم آفل، والكفيل غافل - ومهما يكن من أمر فما ضاعت إلا في ضمانك، ولا جاعت إلا على خوانك، هلا حلبت ما در وطب، وطبعت والطين رطب -! فلا أمان من الزمان:
ومن ذا الذي يبقى على الحدثان *
وله:
ذو فطنة تبصر الأشياء غائبة كأن كل سماع عندها نظر
كأنما الدهر مرآة تقابله إذا تأملنا لاحت له الصور
وله:
أذا أعرضت نحو الصباح لوى بها من الليل مسود الجوانح أسحم
كأن على أخفافها كلما سرت برقا تعق الليل والليل مظلم
إذا قطعت غفل الظلام بعزمة مضت ورداء الصبح بالفجر معلم
نظرنا إليها ضاحكين إلى المنى بها وهي من أين عوابس سهم
وله:(6/883)
كم طالب للعز لم يختر له وقتا يليق ولا أعد مكانا
طلب التعزز فاستفاد مذلة ومن التعزز ما يجر هوانا
ومن قصيد:
والأجر إلا في نواك ذخيرة والصبر إلا في هواك جميل
جودي علي فما عليك ملامة ذنب الحبيب وإن جفا محمول
أنكرت ما أتلفته من مهجتي ودمي بخدك شاهد مقبول [243أ]
وله:
وما ضر لو كان الترحل واحدا فكان مشوق حيثما كان شائق
وقال:
زارت على خطر وقد عقد الكرى راحا براح
والنجم مرفوع الذرى والليل منشور الجناح
حتى دنت فتساقطت ما بين ريحان وراح
لله ما منح الهوى وأتاح من وصل الملاح
خلط الغلائل بالحما ئل والقلائد بالسلاح
بتنا على رغم الروا صد والحواسد واللواح
من فوق آكام الريا ض وتحت أذيال الرياح
في ليلة قادت إلي الوصل من بعد الجماح
فقضى الرضى بالقرب وار تاح الوصال إلى السماح
وأتى العناق على ضعي ف بين أثناء الوشاح
تهفو عليه الوشح بي ن الغصن والكفل الرداح(6/884)
بتنا يضيق بنا التعا نق بين أردان فساح
والروض يمرح في الربى والريح تصفق في براح
حتى إذا ارتاب الظلا م بفتح أجفان الأقداح
وجلا احمرار الفجر عنه بياض صبح في اتضاح
وكأنما غسلت دماء الفجر أمواه الصباح
عاد الفراق إلى القطي عة بيننا بعد اصطلاح
ولأبي الفضل:
سروا ما امتطوا إلا الظلام ركائبا ولا اتخذوا إلا النجوم إلا النجوم صواحبا
وقد وخطت أرماحهم مفرق الدجى فبات بأطراف الأسنة شائبا
وليل كطي المسح جبنا سواده كأنا امتطينا من دجاه النوائبا
خبكنا به الظلماء حتى كأننا ضربنا بأيدي العيس إبلا غرائبا
لأمر سرينا نمتطي العيس في الدجى ركابا ونقتاد الجياد جنائبا
وركب كأن البيض أمست ضرائبا لهم وهم أمسوا لهن مضاربا
إذا ما سروا داسوا الهضاب نزاهة عن الخفض وارتادوا الذرى والغواربا
فما يحملون السمر إلا عواليا ولا يركبون الخيل إلا سلاهبا
إذا أوبوا ساروا شموسا منيرة وإن أدلجوا أسروا نجوما ثواقبا
يردن جمام الماء بالقاع أزرقا ويرتدون نور الروض بالحزن عازبا
إذا اعتقلوا للطعن سمرا عواليا أو اتشحوا للضرب بيضا قواضبا
رأيت أسودا ينبرون لا تجارى يستسلن مذانبا [242ب](6/885)
فانك من قوم إذا أعجزتهم مطالبهم مدوا السيوف طوالبا
فما اتخذوا إلا ظباها وسائلا ولا سلكوا شباها مذاهبا
إذا علقت بالمورد السوء خيلهم رجعن على برح وعفن المشاربا
وله:
أرح خطاك فحلي النجم قد نهبا وقد قضى الشوق من وصل الدجى أربا
سل النجوم هل ارتابت بصفحتها لما أثرن اليهن القنا السلبا
إذا استمرت بمجرى النجم سالكة خلت المجرة من آثارها ندبا
تهفوا الركاب فتهديها أسنتها كأنما عارضت أطرافها الشهبا
وباتت الخيل يقدحن الحصى حنفا حتى تضرم حبل الليل والتهبا
والليل مثل عذار الكهل شيبه جور الزمان على الأحرار فاختضبا
تلك الفوارس لا تثني أعنتها عن وجهه أو ينال السيف ما طلبا
باتوا على نشوة ما نالها طرب وقد أداروا بكاسات السرى نخبا
إذا أناروا القنا في ليل مظلمة شالوا النجوم على أطرافها لهبا(6/886)
فصل يشتمل على طوائف مقلين من سكان هذا الجانب الشرقي
من الأندلس، تتمة لمعانيه، واستيفاء لغايات الإتقان فيه
وقد أذكر الشاعر ليس له شعر كثير، ولا إحسان مشهور، إما لاشتهار ذكره، أو لخبر يتعلق بشعره. منهم:
أبو عبد الله بن عائشة: من بلنسية، أي فتى [هو] طهارة أثواب، ورقة آداب، وأكثر ما عول على [علم] الحساب، فهو اليوم فيه آية لا يقاس عليها، وغاية لا يضاف إليها، وله من الأدب حظ وافر، وفي أهله اسم طائر، يقول من الشعر ما يشهد له بكرم الطبع، وسعة الذرع.
كان يوما مع أبي اسحاق بن خفاجة وجماعة من أهل الأدب تحت دوحة خوخ منورة، فهبت ريح صرصر، أسقطت عليهم جميع الزهر، فقال ابن عائشة:
ودوحة قد علت سماء تطلع أزهارها نجوما
هب نسيم الصبا عليها فخلتها أرسلت رجوما
كأنما الجو غار لما بدت فأغرى بها النسيما [244ب]
وينظر هذا إلى قول إدريس من بعض الوجوه:(6/887)
وإخوان صدق قد أناخوا بروضة وليس لهم إلا النبات فراش
فخلتهم والنور يسقط فوقهم مصابيح تهوي نحوهن فراش
وأنشدني الأديب أبو عبد الله محمد بن فرج الجياني لنفسه في ما يجانس [هذا المعنى] :
أضحى ابن عبدوس معشق معشر قد خلطوا في حبه تخليطا
فهو السراج وهم فراش حوله يتهافتون على سناه سقوطا
وكان ابن فرج في هذه الملح من أهل البدية، فأما طويل القصيد فقلما رأيته نجح فيه. وكان يوما بقرطبة فمر به غلام وسيم به بعض صفرة، فقال بعض من حضر: إنه لمليح لولا صفرة فيه، فقال ابن فرج:
قالوا به صفرة عابت محاسنه فقلت ما ذاك من عيب به نزولا
عيناه تطلب في آثار من قتلت فلست تلقاه إلا خائفا وجلا
وكان يوما مع لمة من أهل الأدب في مجلس أنس فاحتاج صاحب المنزل إلى دينار، فوجه عنه إلى السوق، فدخل به عليهم غلام من أهل الصرف، في نهاية من الجمال [والظرف] ، ورمى بالدينار إليهم من فيه تماجنا، فقال ابن فرج [في ذلك] :
أبصرت دينارا بكف مهفهف يزهو به من كثرة الإعجاب(6/888)
أومى به من فيه ثم رمى به فكأنه قمر رمى بشهاب.
ولما أنهضه أمير المسلمين إلى بساطه، وأوضعه في بساط العين وفسطاطه، هب من مرقد خموله، وشب جذوة مأموله، فبدا منه انزواء عن الحظوة، والتواء في تسنم تلك الربوة، وكان له أدب واسع المدى، يانع كالزهر بلله الندى، ومظم مشرق الصفحة، عبق النفحة، إلا أنه قليلا ما كان يحل ربعه، ويذل له طبعه، يدع الألباب حائرة، والقلوب إليه طائرة، فمن ذلك قوله في ليلة سمحت له بفتى يهواه، ونفحت له هبة بددت شمل جواه] :
لله ليل بات في جنحه طوع يدي من مهجتي في يديه
فبته أسهر أنسا به ولم أزل أسهر شوقا إليه [245أ]
عاطيته حمراء مشمولة كأنها تعصر من وجنتيه
وله فيه وقد طرزت غلالة خده، وركب من عارضه سنان على صعدة قده:
إذا كنت تهوى خده وهو روضة به الورد غض والأقاح مفلج
فزد كلفا فيه وفرط صبابة فقد زيد فيه من عذار بنفسج
وكان في زمن عطلته، ووقت اضطراره وقلته، ومقاساته من العيش أنكده، ومن التحرف أجهده، كثيرا ما ينشرح بجزيرة شقر ويستريح، ويستطيب هبوب تلك الريح، ويجول في أجارع واديها، وينتقل من نواديها إلى بواديها، فإنها صحيحة(6/889)
الهواء، قليلة الأدواء، خضلة العشب، قد أحاط بها نهرها كما تحيط بالمعاصم الأساور، والتوى عليها كالأرقم المساور، والأيك قد نشرت ذوائبها على صفحه، والروض قد عطر جوانبه بنفحه، وأبو اسحاق بن خفاجة منزع نفسه، ومضرع أنسه، وبه نفح له بالمنى عبق وشذا، وضرح عن عيون مسراته القذى، وغدا على ما أحب وراح، وجرى متهافتا في ميدان ذلك المراح، وسنه قريب عهد بالفطام، ودهره ينقاد للإسعاد في خطام، فلما اشتعل رأسه شيبا، وزرت عليه الكهولة جيبا، أقصر عن تلك الهنات، واستيقظ من تلك السنات، وشب عن ذلك الطوق، وأقصر عن الحنين والشوق، وقنع باهداء تحية، وما يستشعره في وصف تلك المعاهد من أريحية، فقال [244أ] :
ألا خلياني والأسى والقوافيا أرددها شجوا فأجهش باكيا
أؤبن شخصا للمسرة بائنا وأندب رسما للشبيبة باليا
تولى الصبا إلا توالي فكرة قدحت بها زندا من الوجد واريا
وقد بان حلو العيش إلا تعلة تحدثني عنها الأماني خاليا
ويا برد ذاك الماء هل منك قطرة فها أنا أستسقي لمائك صاديا
وهيهات حالت دون حزوى وعهدها ليال وأيام تخال لياليا
فقل في كبير عاده عائد الصبا فأصبح مهتاجا وقد كان ساليا
فيا راكبا يستعمل الخطو قاصدا ألا عذ بشقر رائحا أو مغاديا
وقف حيث سال النهر ينساب أرقما وهب نسيم الأيك ينفث راقيا
وقل لأثيلات هناك وأجرع سقيت أثيلات وحييت واديا
وليس ببدع ان تعديت في الهوى فحييت من أجل الحبيب المغانيا
فصل في ذكر الشيخ الماهر أبي محمد بن السيد البطليوسي: إمام(6/890)
الأوان، وحامل لواء الإحسان، وهو بالأندلس كالجاحظ بل أرفع درجة، وأنفع لمن شام برقه أوشم أرجه، وشلب بيضته، ومنها كانت حركته، ونسب إلى بطليوس لتردده بها، ومولده في تربها، ومن حيث كان فقد طبق الأرض رقعتة ذكر، وسبق أهلها بكل نزعة فكر، وقد أثبت من محاسنه ما يبهر الألباب ويسحر، ويحسده الوسمي المبتكر، فمن ذلك قوله يصف طول ليلة:
ترى ليلنا شابت نواصيه [كبرة] كما شبت أو في الجو روض بهار
كأن الليالي السبع في الأفق جمعت ولا فضل فيما بينها لنهار
وأنشدني لنفسه من جملة أبيات:
خليلي ما للريح أضحى نسيمها يذكرني ما قد مضى ونسيت
أبعد نذير الشيب إذ حل عارضي صبرت بأحدق المها وسبيت
تلاحظني العيان منها بنظرة فأحيا ويقسو قلبها فأموت
فيا قمرا أغرى بي النقص واكتسى كمالا ووافى سعده وشقيت
وأنشدني من أخرى له:
أيا قمرا في وجنتيه نعيم لعيني وفي الأحشاء منه جحيم
إلى كم أقاسي منك روعا وقسوة وصرما وسقما إن ذا لعظيم
وإني لأنهى النفس عنك تجلدا وأزعم أني بالسلو زعيم(6/891)
وانشدني أيضا لنفسه يستدعي بعض إخوانه، يسمى راشدا: [245ب]
عندي [مسكوب] من الراح عبق فيه منى مصطبح ومغتبق
يحكي شذا المسك إذا المسك فتق كأنه من خلقك [الحلو] خلق
كأنما كؤوسه تحت الغسق في راحة الساقي نجوم تأتلق
[تخالها وهي تلظى كالحرق أحشاء صب ملهب من الحرق
ترى لدى المزج إذا الماء اندفق فيها حبابا لاح كالدر انتسق]
وأنت أنسي والمفدى بالحدق فاطلع طلوع القمر التم اتسق
في يومنا هذا إذا الظهر نطق يا راشدا إذا دجى الغي سبق
[وماجدا كم حاز في السبق السبق] لله معنى طابق اسما لك حق
توافقا فيك إذا الاسم اتفق
وأنشد لأخيه أبي الحسن الكاتب من جملة قصيدة:
يا رب ليل قد هتكت حجابه بزجاجة وقادة كالكوكب
يسعى بها ساق أغر كأنها من خده ورضاب فيه الأشنب
بدران: بدر قد أمنت غروبه يسعى ببدر جانح للمغرب
فإذا نعمت برشف بدر غارب فانعم برشفة آخر لم يغرب
حتى ترى زهر النجوم كأنها حول المجرة ربرب في مشرب
والليل منحفز يطير غرابه والصبح يطرده بباز أشهب
وما أحسن قول المعري في هذا التشبيه، وعلى لفظه عول فيه:(6/892)
يا ليل [بالله أذق غرابها موتا من الصبح بباز كرز]
وقال تميم بن المعز:
وكأن الصباح في الأفق باز والدجى بين مخلبيه غراب
و [قد] أخذ هذا المعنى أبو محمد أخوه [المذكور] فقال، ونقله إلى ذكر الشباب:
أرى الدهر يأبى أن يرى وهو مسعف بما الهمة العليا تكلفنيه
طوى جدتي طي السجل وعاضني بثوب بلى [أمسى] يبادلنيه
وطار غراب للشبيبة راعه موافاة باز للمشيب تليه
ولم أنس من ليل الشباب وظله أثيث جناح بات يلحفنيه
وعهدا تولى باللبانة خلته لمى الحب في أفواه مرتشفيه
وله يصف فرسا، وهو مما اندفع في التمثيل له والتشبيه، وخلع عليه شيات لاحق والوجيه: 246أ] .
وأقب من نسل الوجيه ولاحق قيد العيون وغاية المتأمل
ملك النواظر والقلوب بحبه فمتى ترق العين فيه تسهل
ذي منخر رحب وزور ضيق وسماوة خصب وأرض ممحل(6/893)
قصرت له تسع وطالت أربع وزكت ثلاث منه للمتأمل
وكأنما سال الظلام بمتنه وبدا الصباح بوجهه المتهلل
وكأن راكبه على ظهر الصبا من سرعة أو فوق ظهر الشمال
وحضر مع ابن ذي النون بطليطلة بمجلس الناعورة، في المنية المتناهية البهاء والإشراق، المباهية لزوراء العراق، التي تنفجر أبدا وتقطر، وتكاد من الغضارة تمطر، والقادر قد التحف الوقار وارتداه، وحكم العقار في جوده ونداه، والدولاب يحن كناقة إثر الحوار، أو كثكلى من حر الأوار، والمجلس يروق كالشمس في الحمل، وأهله يبتهجون بمثل الأمل، والجو قد عنبرته أنواؤه، والروض قد بلللته أنداؤه، والأسد قد فغرت أفواهها، ومجت أمواهها، فقال:
يا منظرا إن رمقت بهجتة أذكرني حسن جنة الخلد
تربة مسك وجو عنبرة وغيم ند وطش ماورد
والماء كاللازورد قد نظمت فيه اللآلي فواغر الأسد
كأنما جائل الحباب به يلعب في جانبيه بالنرد
تراه يزهى إذا يحل به ال قادر زهو الفتاة بالعقد
تخاله إن بدا لناظره تما بدا في مطالع السعد
كأنما ألبست حدائقه ما حاز من شيمة ومن مجد
كأنما جادها فروضها بنائل من يمينه رغد
ودعي ليلة إلى مجلس قد احتشد به الأنس والطرب، وقرع فيه نبع السرور بالغرب، ولاحت نجوم أكواسه، وفاح نسيم رنده وآسه، وأبدت صدور أباريقه أسرارها، وضمت عليه أزرارها، والراح يديرها أوطف، وزهرة الأماني تجنى وتقطف، فقال:(6/894)
يا رب ليل قد هتكت حجابه بمدامة وقادة كالكواكب [246ب]
- (الأبيات)
وله في وصف فرس:
وأدهم من آل الوجيه - (الأبيات)
ودخل سرقسطة أيام المستعين، وهي زهرة الدنيا، وفتنة المحيا، ومنتهى الوصف، وموقف السرور والقصف، فنزل منها بمثل الخورنق والسدير، وتصرف فيها بين روضة وغدير، وكان فر ابن رزين، فرار السرور من نفس الحزين، وخلص من اعتقاله، خلوص السيف من صقاله، فقال:
هم سلبوني حسن صبري إذ بانوا بأقمار أطواق مطالعها بان
لئن غادروني باللوى إن مهجتي مسايرة أظعانهم حيثما كانوا
أأحبابنا هل ذلك العهد راجع وهل عنكم لي آخر الدهرسلوان
ولي مقلة عبرى وبين جوانحي فؤاد إلى لقياكم الدهر حنان
تنكرت الدنيا لنا بعد بعدكم فعاودنا من معضل الخطب ألوان
أناخت بنا في أرض شنتمرية هواجس ظن خان والظن خوان
رحلنا سوام الحمد عنها لغيرها فلا ماؤها صدا ولا النبت سعدان
إلى ملك حاباه بالمجد يوسف وشاد له البيت الرفيع سليمان
إلى مستعين بالإله مؤيد له النصر حزب والمقادير أعوان [247أ]
وكتب مراجعا:
ليس بالمستنكر أن طرت سبقا غير مدفوع عن السبق العراب(6/895)
وافاني - أعزك الله - كتاب شغل حاستي سمعي وبصري، وملأ حافتي فكري وخاطري، وأراني الدر إلا أنه لم ينظم،،اسمعني السحر إلا أنه لم يحرم، لو صيغ عقدا لأخجل الدر والعقيان، ولو حيك بردا لعطل الديباج والخسروان، فلله قريحة أذكت ناره، وأطلعت أنواره، إن مزنها لغير جهام، وإن سيفها لغير كهام، وان ثمرها ونضار، وإن زندها لمرخ وعفار؛ حبذا سيدي - أدام الله عزه - وقد طلع علينا طلوع البدر في الغسق، وضمخ أفقها بخلوق ذلك الخلق، واقتدحنا زند ذكائه فأورى، ولمحنا كوكب سمائه فأعشى، وشاهدنا به البلاغة شخصا محسوسا، والرئيس المتعاطي البراعة مرءوسا، أقدمه الله خير مقدم، وأغنمه أفضل مغنم.
وكتب مستدعيا: نحن - أعزك الله - في مجلس مدام تديرنا أفلاكه، وعقد نظام نظمتنا أسلاكه، بين غيم يبكي بمثال عين المهجور، وروض يضحك عن مثل در الثغور:
ومدام كأنما كل شيء يتمنى مخير أن يكونا
أكل الدهر ما تجسم منها وتبقى لبابها المكونا
فلك الفضل في الخفوف إلينا لتكون شمس تلك الأفلاك، ووسطى تلك الأسلاك، إن شاء الله.
وكتب في مثل ذلك: ما ظنك - أعزك الله - بعروس لهو، تختال في ثياب عجب وزهو، وتصبي القلوب بحسن قصف وشدو، قد سفرت من وردها عن خد خجل، ورنت من نرجسها بطرف غير مكتحل، ونحن بين فرش مرفوعة، وأكواب موضوعة، فبادر إلينا
وأنشدت لأبن هند الداني وقد طلقت عليه امرأته:(6/896)
أبديت سري مذ كتمت سراك وعصيت صبري مذ أطعت هواك
ونثرت أسلاك الدموع معرضا أني بحيث سلكت لا أسلاك
أرخيمة الألفاظ غير رحيمة الدل دلك أم نهاك نهاك
لا در در صباك لاستحلاله ما لا يحل ودر در صباك
هبت ضحى وأهاب طيب نسيمها حتى عرفت بعرفها مثواك
لما أسروا البين أسروا والدجى متلفع الأرجاء بالأفلاك [247ب]
فطفقت أنشدهم وأنشد بعدهم " يا دار جادك وابل وسقاك "
ومنها:
هلا بعثت ولو بفرع بشامة عند الترحل أو بعود أراك
وقرأت حين قريت ربعك أدمعي معنى الجوى والشوق في مغناك
يا بنت معتنق الفوارس بالقنا والبيض ما أنا من يهاب أباك
لا قرن أرهبه سواك وإن غدا شاكي السلاح فان قلبي شاك
ومنها:
أهواك حالية وعاطلة وإن تذري الحلي كفاك بعض حلاك
ويسرها ما ساءني من حبها كالروض يضحكه السحاب الباكي
مهما رحلت وصار حبك قاطنا فالموت في أولاك أو أخراك
رفقا بقلب أنت في سودائه فهناك أسكنك الهوى فهناك
وعزيمة أمضيتها لم أخلها من عزم أخاذ لها تراك(6/897)
فعل الكرام وإنني لزعيمهم فاخترت تسريحا على إمساك
ولو انني أحببت ذاك لردها للقول مرهفة وجرد مذاكي
فالحق أبلج لا شهادة كاذب من جهله يزكو وليس بزاك
يحيي ويقتل بالشهادة وهو لا يدري، فأف لزوره السفاك
واعترض الحاجب منذر بن هود يوما بعض الجنود، وزعيمهم بعض أعلاج العبيد، يسمى خيارا، في نهاية من الجمال، فجعل ينفخ في القرن لجمع أصحابه كعادة أعلاج العبيد، فقال ابن هند ارتجالا:
أعن بابل أجفان عينيك تنفث وعن قوم موسى [قد جعلت تحدث]
أفي الحق أن تحكي سرافيل نافخا وأمكث في رمس الصدود وألبث
عساك خيار الحسن تأتي بآية فتنفخ في ميت الغرام فيبعث
ووجدت له في بعض [التعاليق] هذه القصيدة منسوبة إليه بخط عبد الجليل ابن وهبون المرسي، أولها:
فرقت لتوديع الخليط الموافق وقد حميت بالبيض سود المفارق
ولا ثغر إلا دونه ثغر بارق ولا خد إلا دونه حد بارق
أماني تحميها المنايا وللهوى بها مورد يغري مشوقا بشائق [248أ]
ومما شجاني شدو أورق ساجع يراجعه تنعاب أسفع ناعق(6/898)
وفك معمى النائحين كليهما ترنم حاد بالمطايا وسائق
فمن ذات قلب فوق وجناء خيفق تسير ومن قلب هنالك خافق
ومن عاتق فعل الحلي بجيدها يذكرها فعل النجاد بعاتق
من اللائي لا الأقراط يرضين زينة لهن ويستحسن لبس القراطق
شققن قلوبا لا جيوبا كرامة لنا ونثرن الدر فوق الشقائق
وضاعف وجدي عطف صدغ معقرب كنون أجادت خطها كف ماشق
ولين قدود كالغصون يعوقها إذا مسن أن تنقد شد المناطق
فأبديت ما أخفيت والموت حاضر ومثلي لا يزهى بحب منافق
فأقبلن يسدلن البراقع عفة ويرميننا من كل لحظ براشق
وسرن يؤملن الحمى فنزلنه لإسآد عشر بعد وخد الأيانق
وإني لمن حاز الغبيط لغابط على صابح لالوجد قلبي وغابق
سيلحقني بالحي من كل وجهة أخو الريح من آل الوجيه ولاحق
عليهم بسري جسمه جسم [مقرب] كريم ولكن نفسه نفس عاشق
وأسمر مهما سرت سار مسامري وأبيض مهما نمت نام معانقي
ومن شيمي حب الحسام كأنه إذا شيم في الهيجا تألق بارق
وليل يظل النجم فيه كأنما مغاربه موصولة بالمشارق
سريت ودوني كل خرق كأنما تردد فيه الجن لحن مخارق
فما راعهم إلا الكرى قد أطاره صليل العوالي أو صهيل السوابق
ومن لم يعرض للمهالك نفسه وفاء لمن يهوى فليس بوامق
وأجدر من نال الأماني ساكن ظهور المذاكي في بطون السمالق
وأخلق خلق بالمدائح ماجد صليب قناة الدين لدن الخلائق
ثنيت عناني بالمودة نحوه مجدا ولم [أحفل برأي] المحانق [248ب]
فأوردني من بره وثنائه رواء لظمآن ومسكا لناشق(6/899)
ومن كأبي عبد الإله مؤملا لقمع أباطيا ونصر حقائق
جري بميدان العلوم مؤيدا على قرنه في المأزق المتضايق
فما شئته من طاعن فيه خارق وما شئته من ضارب فيه فالق
فأعجب له من ناظم فيه ناثر وأعجب له من فاتق فيه راتق
جميل الأيادي في المبادي معيدها حميد المساعي في العلا والطرائق
إذا استمطر الذهن الذكي تفتحت أزاهير علم في رياض المهارق
فيا لك من مستغذب العرف عاطر ويا لك من مستغرب الحسن رائق
لعمرك إجلالا لما أنا حالف به قول ذي ود وحلفة صادق
لقد أحدقت بي من أياديك منه تذكرني في الحسن زهر الحدائق
وعاق لساني أن يطيل عنانه أمور عرت والمرء رهن العوائق
واني ان قصرت فالشكر مسهب يطيل وإن أبصرته غير ناطق
فقل للأناس أملوا نيل شأوه مكانهم فالشاه رب البيارق
فدونكما من مخلص لك ممحض وهو العلق إلا أنه غير نافق
ومن لم يساعده الرشاد فغيه مفيد الأعادي من جهات الأصادق
إذا الجد لم يجدي عليك فلا تكن من الجد ما حاولت شيئا بواثق
وأنشدت لأبي عامر بن زهرة الصائغ من دانية في ابن هند هذا، إذ طلقت عليه امرأته:
لا تلوما نجل هند يا خليلي وكفا(6/900)
فهو في الناس رشيد أبصر الغي فكفا
طلق الفرج ثلاثا وابتنى بالزب ألفا
وسرق رجل من دانية دنانير لرجل اسمه غالب ولم يعاقب، فقال ابن زهرة:
أفي الحق أن يدرا ويدرا حده وقد غل شطرا من دنانير غالب
وتقطع مخزومية في نجارها تمت بقربى من لؤي بن غالب
وأنشدت لأبي بكر الفرضي الداني وخاطب بها أبا الحسن بن سابق، صاحب سوق بلنسية [249] :
يا ماجدا أصبح ممنوحا بكل فضل بأن تصريحا
طالت مواعيدك لا معدما فاستقرت في عمره نوحا
واستقبلت رسلي أعيانها من فرط ما حملتها ريحا
لعل اسرافيل إذ زاركم ينفخ في بيت الدجى روحا
فأجابه ابن سابق:
يا مخطىء التقدير إني [امرؤ] مكابد منك تباريحا
قست بما تبصره باطني إن شئت خذ سري مشروحا
كم ضاحك السن [إذا] جردوا أثوابه ألفي مجروحا
إيه أبا بكر لقد غادرت دمعي أبياتك مسفوحا(6/901)
أبكيك من حر أخي فطنة أصبح بالحرمان مفضوحا
سبحان من صير مثلي على قلة قدري منك ممدوحا
محملا رسلك مهما أتوا برقعة من لفظك الريحا
من بعد أن كنت بكاس الغنى والعز مغبوقا ومصبوحا
ولأبي بكر الفرضي من جملة أبيات:
قالت وقد نشر الصباح رداءه وجب الصبوح فعاطني الجريالا
فسقيتها حتى انتشت وتمايلت كالغصن حركه النسيم فمالا
وشربت فضلات الكؤوس وقد أبت الا لتعجل قبلها الأنقالا
وأنشدني الشيخ أبو [جعفر] أحمد بن عنق الفضة من مدينة سالم لنفسه:
رضى [جاء] عن لحظات غضاب وعتبي تحاول محو العتاب
يقول فيها:
فلولا حياء المحيا وما عراني [لفقد] الصبا من تصابي
لمرغت خدي وألفت بين هشيم المشيب وروض الشباب
وأول من أفرغ على هذا المعنى وصب على هذا القالب ابن الرقاع بقوله: [249ب]
لولا الحياء وأن رأسي قد عسا فيه المشيب لزرت أم القاسم(6/902)
وقال تميم بن المعز:
والله لولا أن يقال تغيرا وصبا وإن كان التصابي أجدرا
لأعاد تفاح الخدود بنفسجا لثمي وكافور الترائب عنبرا
ولو قال تميم في هذا البيت:
لأعاد ورد الوجنتين بنفسجا لثمي -
لتم له الوصف، وحسن الرصف، لكون الورد من قبيل البنفسج، كما جمع بين الكافور والعنبر، وسلم بذلك من كل ناقد، لأنهما من قبيل واحد. وقال محمد بن هانىء:
والله لولا أن يسفهني الهوى ويقول بعض القائلين تصابى
لكسرت دملجها بضيق عناقها ولثمت من فيها البرود رضابا
وأنشدت لأبي محمد بن سفيان وزير الأمير ابن قاسم صاحب حصن البونت من جملة أبيات خاطب بها أبا عيسى بن ليونك
ألاموا وقالوا مذنب ومليم وعرضي من تلك الهنات سليم
وما في ما ينعى ولكن سؤددا هوت لذوي الرجحان فيه نجوم
فقلت وجفني قد تداعت شئونه وحر ضلوعي مقعد ومقيم(6/903)
لئن دهمت دهم الخطوب وآلمت فإن أبا عيسى أغر كريم
يجلي دجى عميائها فجر رأيه وينقض منها والزمان بهيم
ومن جواب أبي عيسى:
ليهنك مجد محدث وقديم بناه كريم قد تلاه كريم
بنى لك سفيان وقد زدت يا ابنه وهل طاب فرع أو يطيب أروم
كأنك تمثيلا سماء جلالة لها من ضروب المعلوات نجوم
ومنها:
وأسمر عريان من الغشم جاهل وأما إذا صرفته فعليم
إذا جنة الأقلام يوما تمردت فأدنى مراميه لهن رجوم
وان خط قرطاسا بدا فوق صحنه نثير لآل تارة ونظيم
يعطل سحر السحر سحر بيانه ويقعد حد السيف حين يقوم [250أ]
رأتك المعالي هاديا عالما بها فلاذت بمن يهذي بها ويهيم
يهب على الآفاق ذكرك عاطرا كما هب من نحو الرياض نسيم
ودونكما والعذر ما قد علمته هموم تنسي، خطبهن عظيم
نتيجة فكر قد تقلب ميزه سواء صحيح عنده وسقيم
وحق فإن الماء قد بلغ الزبى ولازم من صرق الخطوب عزيم
[على أنني صعب القياد إذا دهت دواه فإني بالدفاع زعيم
وما المجد إلا ما ابتنته ثلاثا حسام ونفس حرة وعزيم(6/904)
فإن مر منك النقد منها بسقطة فحلمك يغضي والكريم حليم
وأنشدت ليحيى السرقسطي المعروف بالجزار في رجل ساوم طبيبا:
عجبت لذي سقم معضل يسوم الطبيب ويكدي عليه
يضن عليه بديناره ويجعل مهجته في يديه
وأمر الحاجب ابن هود الوزير أبا الفضل بن حسداي أن يوبخ يحيى هذا على رجوعه إلى الجزارة من بعد أدبه، فخاطبه بأبيات أولها:
تركت الشعر من ضعف الاصابه وعدت إلى الدناءة والقصابه
فأجابه يحيى الجزار:
تعيب علي مألوف القصابة ومن لم يدر قدر الشيء عابه
ولو أحكمت منها بعض فن لما استبدلت منها بالحجابه
أما ولو اطلعت علي يوما وحولي من بني كلب عصابه
لهالك ما رأيت وقلت هذا هزبر صير الأوضام غابه
فتكنا في بني العنزي فتكا أقر الذعر فيهم والمهابه
ولم نقلع عن الثوري حتى مزجنا بالدم القاني لعابه
ومن يغتر منهم بامتناع فإن إلى صوارمنا إيابه
ويبرز واحد منا لألف فيغلبهم وتلك من الغرابه(6/905)
ومنها:
وحقك ما تركت الشعر حتى رأيت البخل قد أمضى شهابه
وحتى زرت نشتاقا حميما فأبدى لي التجهم والكآبه [250ب]
وظن زيارتي لطلاب شيء فنافرني وغلظ لي حجابه
ومن تك سهمه الماضي ويأمل بك الغرض الذي يهوى أصابه
من الأوشال لج البحر طام وفيض البحر من نقط السحابه
كتبت به الجسم نضوا وذو الأسقام قد يعدو صوابه
وموقف حسن نقد الشعر صعب فيسر عند موقفه حسابه
وأنشدت له من أبيات خاطب بها صاحب الأحكام بسرقسطة:
خليلي ما أولى المكاوي وبأسها بيافوخ من يبتاع دارا مطبله
وصبحني خصم ألد وإنني وحقك في أمر الخصام لذو بله
أقل بنيات الخصوم تهدني وإن عن نظم الشعر طبقت مفصله
ومالي من شيء أدافعه به سوى عسرة بكل حالي موكله
ولي مقعد خمسون يوما مضت بما حوته يدي في قابضات مسهله
فكن باسط الشورى بفضلك قاضيا علي ولي إن القضاء لمعدله
ولم ألتزم مجهول وقت لوزنه وحسبك ذا رسمي بخط ابن حنظله
وكان والده تقبل أرضا للأحباس فضاع، واجتمع عليه خراج الأرض، فكتب إلى العامل في ذلك:(6/906)
يا ابا جعفر لعا من عثار وغياثا فما يقر قراري
سيدي اسمع لعبدك القن [يحيى] خبرا مضحكا من الأخبار
كان لي والد وكان لعمري من بني العصر بالفلاحة دار
ناقص الرأي تاجر البر والبح ر وناهيك فارس في التجار
مثل ما سمي اللديغ سليما وأنا بعده على ذاك جار
وكذا يسلك النجيب ويقفو نهج آبائه على آثار
لو وردت البحار أطلب ماء جف قبل الورود ماء البحار
أو لمست العود النضير بكفي لذوى بعد نضرة واخضرار [251أ]
أو رمى بأسي النجوم الدراري لانزوى ضوءها عن الأبصار
ولو أني بعت القناديل يوما أدغم الليل في ضياء النهار
ومنها في كراء الأرض المذكورة:
اكتراها ولم يكن مستخيرا وقت شؤم بطالع الإدبار
جدبة بعضها من الشؤم أضحى في علو وبعضها في انحدار
لم يزل زارعا بها حمل بغل رافعا منه نصف حمل حمار
ساءني ما أصبت فيها ولكن سرني منه خيبة العشار
ما أبالي وقد غدا لي ركنا صاحب الشرطة الكريم النجار
وله من أبيات استهدى فيها مشروبا:
هاتها كوثرية عسجدية بنت كرم رحيقة عطريه
كلما شفها النحول تقوت فاعجبوا من ضعيفة وقويه(6/907)
رب خمارة سريت إليها والدجى في ثيابه الزنجيه
وجيوش الصبا تحث ركابي وشياطينه تجدد نيه
ثم ناديت ربة الدير قومي فتثنت كأنها حوريه
تمسح النوم عن جفون أماق ببنان مخضب فضيه
قلت هاتي التي بها يستمال ال شادن الصعب والنفوس الأبيه
قأتتني بها تلألأ نورا في كؤوس كأنها عدنيه
كم عقار بذلته بعقار وثياب صبغتها خمريه
ودنان ثنائي السكر عنها مترع البطن فارغ السبنيه
[ومنها] :
هاك روضا من التأدب غضا بفصول غربية معنويه
من شكور أهدى إليك ثناء حين لم يستطع سواه هديه
فلتقارض عليه بماء لا تقل غدوة ولا في العشيه
إن خير البيوع ما كان نقدا ليس ما كان آجلا بنسيه [251ب]
ورفع بعض المستمنحين رقعة رديئة الخط واللفظ للوزير أبي عبد الله بن زرارة بسرقطة، فوقع على ظهرها:
إن من يقصد الملوك ليعطى بمداد مسطر في كتاب
دون نظم ولا براعة لفظ رائع حسنه دوي الألباب
لحقيق بالمنع في كل وجه وجدير بالطرد في كل باب(6/908)
ورفعت طائفة من الرعية على خازن المتنانية إلى المستعين بالله بن هود، فوقع لهم:
نسبتم الظلم لعمالكم ونمتم عن قبح أعمالكم
تالله لو حكمتم ساعة ما خطر العدل على بالكم
وأنشدت للأديب أبي الطاهر محمد بن يوسف الاشكوري، منسوبا إلى قرية له بعمل سرقسطة:
يا غصنا هزه نداه يمنعه الحلم أن يميدا
لم يثن منك الشباب عطفا ولا استمال الفخار جيدا
غرك من وصلنا غرام فنازع الوصل والصدودا
كل معنى سواك أمسى صبا بغير العلا عميدا
كم شرف في العلا [يفاع] أحرزته يافعا وليدا
ومنطق في الندى جراز أرسلته ضامنا سديدا
راع جلالا وجل قدرا وفات سبقا وبذ جودا
[ومنها] :
إن تلقه فالأنام طردا وإن غدا واحدا فريدا
[يهز منك القريض عطفا والمدح يثني إليك جيدا]
سوف أوفيه منك حظا يحفظه الدهر أن يبيدا(6/909)
وله من أخرى يخاطب رفيع الدولة بن صمادح:
ألا مبلغ عني الرفيع تحية كما نبه الروض النسيم المخلق
عدمت رسولا بالتحية نحوه فسار بها عني الهوى والتشوق
ونازعني ذكراه شوق مبرح كما علل الشرب الرحيق المعتق [252أ]
فيا ليت شعري هل يعرج خاطر علي وهل يجري بذكري منطق
وإني لأخشى أن يسوغ كاشح وأحذر من كيد العداة وأشفق
سواك لأسباب المودة قاطع وغيرك من تبلى لديه وتخلق
وله يشكره على مبرة كانت منه لأحد بني الراضي يزيد بن المعتمد ابن عباد:
إليك رفيع الملك تهدى المحامد وباسمك تبهى في الزمان المشاهد
سلكت سبيلا في المكارم أولا ولك الفضل هاد تقتفيه وراشد
وجردت دون المجد للجود صارما ولله حام عن حمى المجد ذائد
وإنك للغيث الذي عم سيبه تساوى قصي في نداك وشاهد
تغاير فيك المكرمات فكلما تبرعت عادت بالجزيل عوائد
بدائع مجد أنطقت كل أوحد فإنك فذ في البرية واحد
ولما رأيت الفتح روضة سؤدد ذوى يانع منها وجفت موارد
وكم عذبت تلك الرياض مشارعا فعرج منتاب وخيم رائد
سقاه ذنوب من نوالك سلسل وسح عليه من سحابك جائد(6/910)
فأضحى وعود العيش ريان مورق وغصن الصبا لدن المعاطف مائد
وعاد عليه الدهر سلما وكم إذا يحاربه منه عدو معاند
سلالة مجد صرم الدهر حبله فواصل منه الحبل أروع ماجد
وبينكما للمجد قربى قريبة وحسبك قربى أن تطيب المحاتد
أبوك ابن معن والمؤيد جده سما بكما جد همام ووالد
لأجزلت برا واحتفلت كرامة فحياك مني شاكر لك حامد
وإني زعيم والقوافي ضوامن بشكر تعاطيه الزمان القصائد
فدمت على الأيام تزهو بك العلا وحظك موفور وجدك صاعد
وله من قصيد طويل، خاطبه به من غرناطة وهو عابر سبيل، أوله:
ألاهل أتى عني الرفيع سلام كمافض للمسك الذكي ختام [252ب]
وهل زاره عني ثناء كأنما يخامر عطف الدهر منه مدام
عليك سلام الله أما تشوقي فبرح وأما أدمعي فسجام
عهدتك من ذكرى خليلك والندى كما هز يوم الروع منك حسام
وإني لتثيبي إليك نوازع كما اعتاد صبا لوعة وغرام
تصاحبني علياك في كل بلدة كأن اضطراري في البلاد مقام
وترفع لي إما ضللت على السرى قباب لكم فوق السها وخيام
محارب أقيال وأعلام سؤدد بهن على صدر الزمان أقاموا
لذكرك ما حنت ركابي فشاقني حنين به تطوى الفلا وبغام
فهن حوان كالقسي وإننا مسيرا وعزما في البلاد سهام
أعللها أن الرفيع أمامها فتترك مرو الحزن وهو قتام
فهل جاءنا أن الديار قصية وأن وراء خلفته أمام
فقلت لها لما أضر بها الوجى وقد جذ منها غارب وسنام(6/911)
إذا ما حططت الرحل بابن صمادح فإن السرى بسل عليك حرام
ومن لركابي أن تنيخ بظله فيخلع منها مقود وزمام
ومن لي بأني من ذراه بروضة يسح من نداه غمام
فأرتع منها في معاطف سرحة تغني بها للمكرمات حمام
وأسفر عن وجه من الود واضح كما حط عن وجه الصباح لثام
مشارع ارخى الفضل فيها إزاره وضم العلا والمجد منه نظام
سلام على تلك المحاسن كلما تردد ذكر في الورى وسلام
وله يعارض أبا الفضل بن حسداي في قصيدته التي أولها:
عهد للبنى تقاضته الأمانات بانت وما قضيت منها لبانات
فقال أبو طاهر:
وعد لعلوة أن تقضي لبانات ألوت بها يوم وشك البين علات] 253أ]
لم ترضها منك أنفاس مقطعة حتى تقطع أطواق ولبات
قالت وقد أبصرت من بينها جزعي لا تيأسن فإن الدهر حالات
وفي سبيل الهوى والشوق ما صنعت روائع البين لا تحزنك روعات
عوض رجاءك من يأس [ومن ترح] فلليالي وإن باعدن كرات
بيني وبينك عهد سوف أحفظه وربما ضيعت يوما أمانات
هاهنا انتهى ما أثبته ابن بسام رحمه الله
في القسم الثالث من كتاب الذخيرة(6/912)
ط د والمسالك: حولنا.
1. - د: وتطرب.
2. - د ط س: لم نجد - لم نلف.
3. - د ط: لمة أخواني؛ س: لبة إخواني.
4. - العماء: السحاب المرتفع.
5. - ط س: حبا.
6. - م: انهمرت؛ س: اهتزمت.
7. - بهذا العنوان تكون هذه الرسالة جزءاً من السابقة، ولكن عنوانها في ط د س: فصل في مثله.
8. - ط د س: فيه.
9. - ب م: وتنبعث.
10. - ط د س: كليلة.
11. - ط د س: ولا لهباً.
12. - ط د س: فصل في استهداء.
13. - ب م: المشبه.
14. - ط د س: يومنا قد ضربت.
15. - ب م: واعترضت.
16. - الديوان: إمارته.
17. - د ط س: ألف الجمع.
18. - ب م: ولا يدخل.
19. - بمجدك: سقطت من ط د.
20. - م: عتابك، وموضعها بياض في ط.
21. - الديوان: بالإضافة.
22. - ط د س: لبيت.
23. - ط د س: فصل في استدعاء.
24. - الديوان: حامله.
25. - ب م: وعميد.
26. - الديوان: المصائب.
27. - يبدو أن هذه بداية قطعة جديدة، وقد انفردت بها م ب، ولم ترد في الديوان.
28. - د ط س: والكمال أبو فلان وإن كرمت خلالخ -. الخ.
29. - د ط: ورد.
30. - د ط س: للمتوسلين.
31. - ب م: وإن فلاناً من أشرف -. الخ.
32. - ب م: تحدو به.
33. - من قول زهير:
34. - وهل ينبت الخطي إلا وشيجه ... وتغرس إلا في منابتها النخل 35. د ط س: دهره.
36. - ب م: صرفاً.
37. - الديوان: بشره.
38. - م: تثير؛ ب: تنير.
39. - بيت شعر للمتنبي، ديوانه: 449.
40. - م ب: ابدت.
41. - م ب: بدت.
42. - م ب: بالخلق.
43. - من حديث للرسول (ص) : وجدت الناس اخبر تقله (انظر التاج: قلا) والهاء في " تقله " للسكت، ولفظه لفظ الأمر ومنه الخبر أي من خبرهم أبغضهم وتركهم.
44. - ب م: يتبين.
45. - اختصر بالخاء المعجمة: مات فتياً غضاً؛ وفي النسخ والديوان: احتضر.
46. - م ب: الأعمال.
47. - د: الأحوال.
48. - البيتان في الحماسة البصرية 2: 143 لطارق بن نابي، وقد ورد الأول مع أبيات أخرى في الأغاني 5: 327 - 328 وفي مصادر أخرى، وتنسب لأعرابي، والشعر في ديوان ابن الدمينة: 202 - 203.
49. - د: القصر.
50. - م ب: وأطار.
51. - م ب: سكون أنام.
52. - ب م: قمر.
53. - د: ينشأ.
54. - م: الأنس.
55. - د: باكتمال السيادة والسعادة؛ م ب: بإكمال السيادة واكتمال السعادة.
56. - م ب: تقاصرهما.
57. - م ب: الجامع.
58. - د: خلوص الذهب النضار والدينار - الخ.
59. - م ب: مركب.
60. - جاء في د ط س موضع إن شاء الله: بمنه.
61. - هذا الفصل والذي يليه لم يردا في د ط س والديوان.
62. - م ب: إحسان.
63. - م ب: يد الأقدار.
64. - م ب: التهمه.
65. - م د ب: الدهر.
66. - هذا الفضل وما بعده (25 - 32) لم ترد في ط د س والديوان.
67. - لابن الرومي، ديوانه: 587، 586.
68. - البيت لدريد بن الصمة، الأصمعيات: 114.
69. - البيت للأعشى، ديوان: 46.
70. - كذا ورد غير تام.
71. - انفردت د فأوردت القصيدة كاملة كما هي في الديوان، غير أن اتفاق ط س مع النسختين ب م يدل على أن هذا من عمل الناسخ، ولذلك لم أثبت القصيدة حسبما جاءت في د.
72. - س: سردت.
73. - س: غدا.
74. - الديوان: السلامة.
75. - ط د س والديوان: من.
76. - س: وقع.
77. - م ب: نزاع.
78. - س: كبدي.
79. - م ب ط د س: بها.
80. - س: وضافني.
81. - س: يتوجع ويتفجع.
82. - ب: عرفت.
83. - ب م: يحث؛ س: يخب.
84. - س: السحاب، وخ بهامشها: الصباح.
85. - ب م ط د س: جنا بهم.
86. - الديوان: حجة.
87. - م ب ط د س: فمات.
88. - ط: نصاب؛ م ب: تصاب.
89. - ب م ط د س: بها.
90. - س: يزرني، وخ في الهامس: يردني.
91. - ط د: إليه.
92. - ب م ط د س: جاور.
93. - هو أبو أمية بن عصام (516) ، انظر ترجمته في القلائد: 203 ومعجم أصحاب الصدفي: 56 والمغرب 1: 258 والخريدة 3: 486 (ط. تونس) .
94. - ب م: ساقة.
95. - د ط س والديوان: كلما هاب.
96. - ب م: سمع؛ د: سجد.
97. - د ط والديوان: إلا صعيداً تيمما.
98. - ب م: لبدرها.
99. - ب م: بأمر هواه.
100. - س: غيابة.
101. - الديوان: لأطردت.
102. - ب م: تلهو.
103. - الديوان: ويسرج للتصابي مركب.
104. - الديوان: حيث التقى نفس الخزامى والصبا.
105. - الديوان: فكأنه والغيم ثوب أدكن.
106. - ط د س: السحاب.
107. - د ط س: رق.
108. - ب م: مد لحوضه.
109. - ب م: والنهار.
110. - ب م: إجلائه.
111. - م ب: شهدت.
112. - م: شراباً.
113. - لم يرد في س.
114. - د: جنبي.
115. - ب م: حياء.
116. - ب م: جفون.
117. - ب م: مخضر.
118. - انظر ديوان ابن حمديس: 89.
119. - م ب ط د س: أحدهما.
120. - م ط س: فتانة.
121. - ب م: فاطراً.
122. - ط د: فإن رمى.
123. - ط د س: الأنوار.
124. - الديوان: وجه به.
125. - ط: تسبيك.
126. - ط د س: تزندق.
127. - ب م: فيه.
128. - د: دائماً.
129. - ب م: ترى.
130. - م ب: حسناً.
131. - ط د: تيهاً.
132. - م ب: تذيب.
133. - م ب: المحب.
134. - ب م: نشر.
135. - الديوان: صغيرة.
136. - ب م: ألفت.
137. - الديوان: لامح.
138. - ب م: نسر.
139. - م ب: عن.
140. - ب م: وبعد.
141. - م: سيح.
142. - م ب: غيوماً.
143. - ب م: نغدو.
144. - ب م: فتية.
145. - ب م: سائح.
146. - م ب: يغري؛ وبهامش م: يجري.
147. - م ب: لسان.
148. - ديوان ابي تمام 3: 1234.
149. - الديوان: راجل.
150. - د ط: أطراف الرماح وقوضت.
151. - ديوان ابن المعتز 4: 90 وزهر الآداب: 430.
152. - الديوان: وجليل امعنى لطيف.
153. - الديوان: الفعال.
154. - الديوان: وكم عيش وحتف.
155. - ديوان ابن الرومي 1: 166 (1: 193 تحقيق د. نصار) وزهر الآداب: 432.
156. - الديوان: وسيف.
157. - وردت الأبيات في زهر الآداب: 433 والثلاثة الأولى في محاضرات الراغب 1: 133.
158. - زهر الآداب: 433.
159. - ب م: يرى بسيط.
160. - الديوان: سيادة.
161. - ب م: مستيقظاً.
162. - ب م: ويختق - إخناقاً؛ ط د س: ويخنق - إشفاقاً.
163. - ط د س: يقوم.
164. - ب م: بشأنه.
165. - س: رجع وقال ابن خفاجة.
166. - ط د: بجذب.
167. - ب م: العنان.
168. - ب م: وكأنهم.
169. - م ب: بالرياح؛ الديوان: ولا رسل إلا للرياح.
170. - م ب ط د س: من.
171. - الديوان: السهى.
172. - ط د: وباتا؛ س: وفاتا.
173. - م ب: نفس.
174. - ط د س والديوان: الدجى.
175. - م ب: جفن.
176. - م ب: ولذة لذتي.
177. - م ب: براحي.
178. - ط د س: فكم.
179. - م ب: وللنصب.
180. - س والديوان: يجني ورد خديه ناظري.
181. - ط د س والديوان: فمن لفمي.
182. - س والديوان: بعيشك هل تدري.
183. - ب م: فأشرق.
184. - ب م: الليل.
185. - ط: تراني.
186. - م ب: مما هو.
187. - ب م: فما كان طيري.
188. - م: أضلعي.
189. - الديوان: مسكة.
190. - ط د س: ما تعيد وما تبدي.
191. - الديوان: الراح.
192. - م ب: وشي ملبس؛ ط د: ثني برده.
193. - ط د: وألثم منه.
194. - م ب: كفي.
195. - م ب: زند؛ ط د س والديوان: رند.
196. - ط د س: طيف تأوبني مع الإسراء.
197. - ط د س: فلثمت في ظلماء ليل ضفيرة ... شغفاً بها من وجنة حمراء وفي د: زهراء.
198. - م ب: حسبنا.
199. - م ب: حد.
200. - ط: المزاج.
201. - م ب: على الهزل.
202. - د ط: السحاب.
203. - ط د س: لبعض.
204. - ط د س: الزمان.
205. - م ب: ومقال.
206. - ط د س: واشفع؛ ب م: لمنصرف.
207. - م ب: رفعت.
208. - هو أبو بكر بن إبراهيم المعروف بابن تيفلويت ممدوح ابن باجة، ولي غرناطة سنة 499 فوصلها في ربيع الأول من العام التالي، وفي رجب غادرها، ثم ولي سرقسطة سنة 509 وتوفي في السنة التالية (انظر ترجمته في الإحاطة 1: 312 - 417 وصفحات متفرقة من البيان المغرب ج -: 4)
209. - م ب: لطيف.
210. - م ب: أحسن.
211. - م ب: دلال.
212. - م ب: سائل.
213. - ط د: لمحة.
214. - ط: غلبوا.
215. - ط د: أسداً وأطواداً.
216. - ب م: يعذار.
217. - ط وهامش د: بوشيعة.
218. - م ب: الشوط.
219. - د ط س والديوان: ترميك.
220. - ط د س: شواته.
221. - ب م: هلال سار.
222. - الديوان: بسطه يهوي؛ س: بهوى.
223. - د: رائقاً، والحاشية: رابعاً؛ م: رايعاً.
224. - الديوان: نفحة.
225. - م ب: وكأنها.
226. - ب م ط د: طلا.
227. - د ط: قام.
228. - الديوان: مترفاً.
229. - الديوان: طرف؛ ب م: وخز.
230. - الديوان: لغلة.
231. - ط د: للعدا.
232. - م ب ط د س: والأنداء.
233. - ط د س: سماحة وفصاحة.
234. - كان أبو محمد بن عامر صديقاً لابن خفاجة وكان مراعياً له فيما يختص بضيعته ببلنسية (الديوان: 48) .
235. - ب م س: الخط.
236. - م: وكأنها.
237. - الديوان: الأذمة.
238. - ب م: كتهتهما.
239. - زيادة من س وحدها.
240. - ب م ط: فلقد.
241. - ب م: منظري؛ وبهامش د والديوان: نظرتي.
242. - ط: أنسيت.
243. - ب م: أنشأت.
244. - ط س والديوان: أنشأته من عتبه؛ د: آنسته من عتبه.
245. - ب م: عجاجة.
246. - ط: فلو.
247. - الديوان: هبته بلية؛ د ط س: هبوته بلبة.
248. - الديوان، ط وهامش د: ببعض.
249. - الديوان: فهل ساء دعداً أن.
250. - بعد هذا البيت كتب في ب م " ومنها ".
251. - د ط س: حميت.
252. - م: وكابرت.
253. - الديوان: ونصل.
254. - في ط د بعد هذا البيت: " ومنها "، ولا حذف هنالك، قارن بالديوان.
255. - الديوان: كالئ.
256. - ط د س والديوان: تؤاخي.
257. - د ط س: السماحة.
258. - د ط س: المجد.
259. - ب م: النوى.
260. - ط د س: أطراف.
261. - ب م: الكثيب.
262. - الديوان: والدوح رطب المهز لدن؛ قد رف ريا.
263. - الديوان: فهذه.
264. - ب م: نفسه.
265. - د ط س: شعراً وثغراً.
266. - ب م: نابت.
267. - الديوان: ونوراء.
268. - ب م: الليل.
269. - ب م: لأعطاف.
270. - الديوان: تقلصت.
271. - الديوان: الشباب.
272. - م: هو الطرف.
273. - م ب: الهم والدمع.
274. - د ط س والديوان: ففي.
275. - د ط س: وقلت.
276. - الديوان: فيصرح.
277. - م ب: للغريب.
278. - م ب: فها أنا ألقى.
279. - ب م: فتنضح؛ ط د س: مزادة من الدمع تندى حيث مرت وتنضح.
280. - ب م: حملتها.
281. - ب م: بالأمس.
282. - الديوان: أظلني.
283. - الديوان: وأعزز.
284. - ط د: والعلا.
285. - ط د س: وأحفى.
286. - من هنا آخر الترجمة سقط من ط د س، سوى عبارة: " ومحاسن الخفاجي كثيرة - الغاية ".
287. - الديوان: فكأن.
288. - الديوان: جانحة.
289. - ب م: راضياً.
290. - م: أعطافها.
291. - ب م: المجد.
292. - الديوان: كليل.
293. - م ب: يندى لها ورداً أسرة وجهه.
294. - الديوان: لعرار.
295. - ب م: أفرده.
296. - ب م: بكفيه.
297. - ب م: مهجته.
298. - ب م: حين.
299. - م: حين.
300. - ب م: أماله.
301. - الديوان: أعطافها.
302. - الديوان: وراقص.
303. - م ب: حيى - بها.
304. - الديوان: كيف -. كيف.
305. - الديوان: واضح.
306. - الديوان: لفحة.
307. - ب م: نجوماً حسنها.
308. - الديوان: جملت.
309. - ب م: تمشيت.
310. - م ب: نفحة.
311. - م ب: يذكو أوار.
312. - م ب: جاءها.
313. - م ب: خر.
314. - م ب: خضب.
315. - م ب: جسداً -. حسداً.
316. - م ب: العين.
317. - م ب: فقبضت.
318. - ب م: تمسح.
319. - م: تبر.
320. - الديوان: فكأن.
321. - ب م: حمرة.
322. - م ب: به.
323. - الديوان: يسح.
324. - ب م: يراح.
325. - ب م: برد.
326. - ب م: وبلاغة.
327. - الديوان: أخدع.
328. - هو ابن باجة الفيلسوف.
329. - الأبيات ف القلائد: 304 والمغرب 2: 119.
330. - ب م: منه.
331. - ب م: ومدار.
332. - الديوان: والشيم.
333. - القافية في الديوان: عذار، لعرار، نار.
334. - ب م: حليتهاز
335. - الديوان: وتعبث.
336. - الديوان: فكأنما.
337. - م ب: فبات بها ضيفاً وناهيك مربعا.
338. - الديوان: واشوقي.
339. - الديوان: والجو.
340. - ب م مراد.
341. - الديوان: الظلماء.
342. - الديوان: ولا غير الحسام.
343. - الديوان: باست.
344. - ب م: فرفعتها.
345. - الديوان: فخلخله.
346. - الديوان: أبرق.
347. - ب م: فضة.
348. - الديوان: نقط من النجم.
349. - م ب: صدر.
350. - ب م: رقيق.
351. - الديوان: نصل.
352. - الديوان: آل.
353. - م ب: جيش.
354. - م ب: به.
355. - ب م: نسج - غمامة.
356. - ب م: الحمام.
357. - ب م: نشرتهاز
358. - الديوان: به لنا.
359. - ب م: قصيد.
360. - ب م: بخيل.
361. - ب م: سقاها.
362. - الديوان: درع.
363. - الديوان: المزن.
364. - ب م: شباب.
365. - الديوان: فيرتمي.
366. - ب م: أطلقت.
367. - الديوان: فانصاع.
368. - ب م: وأدم.
369. - ب م: النار.
370. - الديوان: جرى.
371. - الديوان: فيه.
372. - ب م: طلبته.
373. - ب م: الصبح.
374. - الديوان: السلافة.
375. - الديوان: مصندلاً.
376. - سيترجم له ابن بسام في ما يلي من هذا القسم.
377. - ب م: بمواقع.
378. - الديوان: ألماً.
379. - الديوان: فكفاك.
380. - ب م: بساطه.
381. - ب م: وغدير.
382. - الديوان: الشعرى.
383. - ب م: الطبيب.
384. - الديوان: عنك.
385. - الديوان: بين.
386. - ب م: رفعة.
387. - ب م: يسر.
388. - الديوان: عشر.
389. - ب م: في.
390. - الديوان: طليق.
391. - الديوان: نفح.
392. - ب م: بالخيف.
393. - الديوان: قضوا.
394. - ب م: به ابنه.
395. - اللبلية: المنسوبة إلى مدينة لبلة (Niebla) وفي الديوان والمسالك: الليلية.
396. - ب م: لفظة - لحظة.
397. - الديوان: نهج.
398. - الديوان: مجيباً.
399. - م ب: السائل.
400. - ب م: وولى.
401. - م ب: ابتهل.
402. - الديوان: الوعي.
403. - هذه جملة ختامية، ولا أدري كيف استمرت الترجمة بعد ذلك، ومما يبعث على الظن بأن ما سيجيء إنما هو من زيادات بعض المعلقين أو النساخ ذلك الاتفاق مع قلائد العقيان نصاً.
404. - القلائد: نام فرأى.
405. - القلائد: ثم استيقظ وهو يقول.
406. - يعني عبد الجليل بن وهبون وقد ترجم له ابن بسام في القسم الثاني من الذخيرة.
407. - م ب: بلبيط؛ القلائد: يلبط؛ ولييط او ألييط (Aledo) حصن يقع بين لورقة ومرسية، وهو الذي أطال حصاره يوسف بن تاشفين في جوازه الثاني فأعجزه، وكان ذلك من أسباب حنقه على ملوك الطوائف، انظر الحلل الموشية: 49 وما بعدها.
408. - زيادة من القلائد.
409. - ب م: اغتراراً.
410. - كتب بها الشاعر إلى الفتح بن خاقان يعاتبه لأنه بلغه أن الفتح ذكره في كتابه بقبيح ووصف أيام فتوته بشيء من التنديد.
411. - الديوان: الأريب.
412. - الديوان: عليك.
413. - ب م: واصفح وذكرك؛ القلائد: وذكرك.
414. - هذه الأبيات لم ترد في الديوان أو القلائد.
415. - قد مضت الأبيات ص: 618 وهذا التكرار متابع للقلائد.
416. - القلائد: 235 وهي موجهة إلى الفتح.
417. - القلائد: وفاني تحية.
418. - القلائد: تتمنى.
419. - القلائد: للزمت.
420. - ب م: راح فضل؛ الديوان: سؤر.
421. - الديوان: الشباب تناولته.
422. - الديوان: تغامز.
423. - ب م والقلائد: تجذبك، الديوان: تتجاذبك.
424. - ب م. وتنتهي تلك.
425. - ب م: ويخفق.
426. - القلائد: مجد.
427. - القلائد والديوان: اتساع.
428. - ب م: منية.
429. - ب م كسرا.
430. - ترجمته في المغرب 2: 36 وهو ينقل عن المسهب حيث ذكر أن أبا حاتم كان متلقبا بين شاعر وخطيب وطبيب وجندي؛ وانظر المسالك 11: 277 ونفح الطيب 3: 417.
431. - الطولوق: وضع في Vocabulisto: مقابل " طولقة " اللفظتين اللاتينيتين Invercundia) Vituperare) وقال في تفسير الثانية منهما (ص 439) : وقيح، وقاح، مطولق؛ والمعنى الأصلي للفظتين يوحي بعدم الاكتراث فيما يتصل بالسلوك العام، وربما كان في ذلك إشارة إلى الشعوذة والمناداة على العقاقير، أو تشهير النفس بالجلوس على دكة.
والحنبل: نوع من البسط أو الحصر تطرح على مقعد أو على دكة (انظر ملحق دوزي) وقال ابن هشام في لحن العامة: ويقولون (أي عامة المغرب) لبعض البسط حنبل - ووردت اللفظة في الزجل رقم: 137 من ديوان ابن قزمان (انظر مجلة معهد المخطوطات 3: 155) وانظر Vocabulisto: 90 حيث وضع مقابلها لفظة Tapet.
432. - ط د س: يتكلم.
433. - البيت للمعري، شروح السقط: 922.
434. - غافث: نبات يخرج قضيبا واحدا أسود صلبا وعليه ورق متفرق مشرف، وقال ابن البيطار: قد كثر الاختلاف في هذا النبات بين الأطباء شرقا وغربا - وأهل أطباء شرق الأندلس يسمونه الزيمنده بعجمية الأندلس؛ أما الانجدان فهو ورق شجرة الحلتيت، والحلتيت صمغه ومنه نوعان أبيض ويسمى السرخسي، وأسود منتن يخلط مع بعض الأدوية.
435. - ط د س: بطن كفي.
436. - ط د س: إذ أجراه على الانتساب.
437. - ط د س: في تصنيف هذا التأليف.
438. - ط د س: ونظرت - لم.
439. - ط د س: يتشبث.
440. - ب م: يتحلى - ينشرها.
441. - ط د س: إبداعه للعشر.
442. - ب م: وقدم من.
443. - ط د س: على قدم - بتلك.
444. - ط س: ربما شحذ.
445. - ط د س: تقييد.
446. - ب م: علي من حينه.
447. - الأبيات في المغرب 2: 36.
448. - ب م: مطلق.
449. - ط د س: العتاد سائغة؛ المغرب: جامعة.
450. - المغرب: تجود بها.
451. - ط د س: القلنسوة، ويلبسها الفقيه في الأندلس إذا بلغ مرحلة الفتوى، ويبدو أن أبا الأصبغ المتطيب كان يحاكي بعض الفقهاء متندرا فيضحك من حوله.
452. - ط د س: الآخر.
453. - ط د س: من.
454. - أخبار سعيد وفضل الشاعرة في الأغاني 18: 89، 19: 257 وطبقات المعتز: 426.
455. - د ط: سيتبعه.
456. - ديوان العباس: 33.
457. - الديوان: إن دام - ولا دام.
458. - ط د س: لبارق.
459. - ب م: ماجدا.
460. - د ط س: يرمى.
461. - ب م: والصباح.
462. - أبو عبد الله محمد بن علي بن حمدين (439 - 508) ولي قضاء الجماعة بقرطبة سنة 490 وكان من أهل الجزالة والصرامة، ولم يزل على القضاء إلى أن توفي (انظر الصلة: 539 وبغية الملتمس رقم: 230 وقلائد العقيان: 192 وأزهار الرياض 3: 95) .
463. - منها بيتان في المسالك.
464. - ط د س: كيومك.
465. - د ط س: حر.
466. - أورد منها في المسالك أربعة أبيات.
467. - ب م: شمل سملنه؛ د ط: شمل شملتنا؛ س: شمل شملته.
468. - ب م والمسالك: جمات.
469. - ومن شعره في الرثاء، وقع هذا عنوانا كبيرا في ط د س، وأدرجت تحته مرثية في ابن أدهم ومرثية في ابن عبد الصمد، وبذلك تنتهي الترجمة؛ ولهذا تقع قصيدته في مدح ابن أبي سابقة لباب الرثاء في تلك النسخ.
470. - ط د س: مقورة.
471. - ط د س: زائل.
472. - ط د س: قطعت.
473. - ط د س: حشابه الضير.
474. - ط د س: لأيام.
475. - ب م: دمع سال.
476. - ط د س: مالي.
477. - أورد العمري منها 4 أبيات في المسالك.
478. - ترجمته في بغية الملتمس رقم 213 والقلائد 2: 252 والمغرب 2: 409 - 416 والمعجب: 208 - 224 والتكملة: 410 والخريدة 2: 107 - 147 (ط. تونس) والمطرب: 178 والوافي بالوفيات 4: 297 والفوات 4: 27 (ط. بيروت) والزركشي: 306 والمسالك 11: 270 وصفحات متفرقة من نفح الطيب و Hist. Abbadid. جمع دوزي، وله موشحات في دار الطراز وجيش التوشيح: 59 - 72؛ وقد ذكر ابن الأبار في التكملة أنه توفي بميورقة سنة 507 ودفن أبي العرب الصقلي، وعد مؤلفاته: مناقل الفتنة وكتاب نظم السلوك في وعظ الملوك وكتاب سقيط الدرر ولقيط الزهر.
479. - المغرب: منمق.
480. - ط د س: مدة.
481. - ط د س: الطوائف بأفقنا.
482. - ط د س: آخرا.
483. - ب م: المضطرب.
484. - قتيبة بن مسلم الذي فتح ما وراء النهر ثم قتلته تميم عندما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة سنة 97؛ أما عتيبة فلعله بن الحارث بن شهاب فارس بني يربوع؛ وما بين أقواس هو نص القلائد.
485. - وردت الأبيات في المغرب المسالك.
486. - انظر المغرب 2: 409 - 410.
487. - ورد البيتان في المغرب والمعجب.
488. - انظر المغرب.
489. - ط د س: وله.
490. - من هذه القصيدة ستة أبيات في المغرب وبيتان في النفح 4: 156.
491. - ب م: جدب.
492. - ط د س: فيهم.
493. - ط د س: أنهم بهم ركب.
494. - ط د س: فمالوا.
495. - مسليمة: نسبة إلى جد الأفطس عبد الله بن مسلمة.
496. - ط د س: وفهت.
497. - بعد هذا البيت في ط د س: يقول فيها، مع حذف البيت الثاني.
498. - ط د س: حباكا.
499. - ط د س: وحوى.
500. - ب م: من.
501. - ط د س: ولاء المتوكل ببطليوس.
502. - البيتان في الخريدة والبغية.
503. - انظر نفح الطيب 4: 9 حيث ورد البيتان منسوبين للنحلي البطليوسي.
504. - ب م: بمرسية.
505. - ط د س: من قصيدة أولها.
506. - ورد بعض أبياتها في المغرب والمسلك والخريدة.
507. - المغرب: إن لم يكن منك بحر.
508. - ط: مسماها.
509. - ظنه من أبيات للخليل كتبها إلى سلمان بن علي (أو سليمان بن حبيب) حين أرسل إليه يستدعيه لتأديب أولاده، وهي تتردد في مصادر كثيرة، انظر مثلا أخبار النحويين البصريين: 31 وابن خلكان 2: 246 وإنباه الرواة 1: 344؛ وفي اللسان (طبخ، دندن) أن البيت لحسان بن ثابت، وهو من قصيدة في ديوانه 1: 314 وروايته " لا طباخ لهم ".
510. - الدندن: ما بلي واسود من النبات والشجر.
511. - ديوان أبي تمام 3: 77.
512. - ديوان أبي تمام 1: 364.
513. - الديوان: مركز.
514. - يعني عبد الملك بن إدريس الجزيري، وبيته هذا من قصيدة له في الآداب والسنة كتب بها إلى بنيه وهو مسجون (انظر الجذوة: 262) .
515. - شروح السقط: 1092.
516. - السقط: يزين.
517. - وردت منها أبيات ستة في المسالك.
518. - ب م: أوت.
519. - قبل هذا البيت في د ط: ومنها.
520. - ب م: ولم.
521. - ط د س: نعماهم.
522. - ديوان المتنبي: 174 من قصيدته في مدح أبي أيوب أحمد بن عمران.
523. - ب م: الشمس.
524. - ديوان المتنبي: 323.
525. - ط د س: ناظره.
526. - يعني غزوة الزلاقة.
527. - ط د: المتقدم.
528. - ط: المذكور.
529. - ورد هذا البيت في المغرب.
530. - د: يبتعث.
531. - ط: بأرض.
532. - انظر البيت في المغرب 2: 411.
533. - ديوان أبي العتاهية: 568.
534. - د: حالي.
535. - ديوان ابن زيدون: 273 وفيه " وأين جواب ".
536. - حالا: منصوبة بفعل " شكوت " في بيت سابق؛ والشهم: الطائر الشهم الفؤاد.
537. - ط د: من.
538. - ب: شعدي؛ م: شعري.
539. - ط د س: نوال.
540. - د ط س: الندى.
541. - سقط هذا البيت في د ط س وجاء في موضعه: ومنها.
542. - ط د: ربعت.
543. - ط د س: أريت.
544. - ط س: يسايرني.
545. - ط د: يدرى.
546. - من هنا يتفق النص مع القلائد: 249، ولم يرد في د ط س.
547. - القلائد: يستسرحه.
548. - انظر القلائد والمغرب 2: 413.
549. - القلائد والمغرب والخريدة: 134.
550. - المغرب: بدوراً.
551. - ب م: الحديد، والتصويب عن القلائد والمغرب.
552. - القلائد: 249 - 250.
553. - كذا هي أيضا في القلائد ولعل الصواب: بلوى.
554. - ب م: سري.
555. - ب: يداعبني.
556. - القلائد: 251.
557. - ب: بخروجه.
558. - صدر البيت للعرجي، وعجزه " ليوم كريهة وسداد ثغر ".
559. - ب م: العلماء.
560. - ب م: أخافتني.
561. - انظر القلائد: 24 والنفح 4: 274.
562. - القلائد والنفح: الدهر.
563. - هذه القصيدة في مدح مبشر صاحب ميورقة، وهذا يدل على أن الاقتباس من القلائد قد فصل بين نصين متصلين في الذخيرة، راجع قصيدته السابقة " خلعت عذاري في عذار على خد أما هذه القصيدة النونية فقد وردت منها أبيات في المغرب والمسالك.
564. - ط: زيادة.
565. - البيت لابن الرومي كما في التمثيل والمحاضرة: 301.
566. - ب م: العقائد؛ ط د س: المغافر.
567. - ط: تبن.
568. - ط د س: أصعب.
569. - ب م: الصفاح.
570. - ط د: حاكها.
571. - د ط س: قصيدة من مصر لبعض أهل العصر أولها؛ ولم ترد هذه القصيدة في د ط س.
مالك وعقيل نديما جذيمة الأبرش، وكان يضرب بهما المثل في التلازم، وقد ذكرتهما الشعراء كثيرا، فمن ذلك قول أبي خراش الهذلي:
ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا ... خليلا صفاء مالك وعقيل 582. لم يجيء جواب " إذا " في ما يلي من أبيات.
583. - وردت بعض أبيات منها في المغرب والمسالك.
584. - د: وافتك.
585. - ط د س: الطلاقة.
586. - ط د س: نوره.
587. - ب م: تعويل.
588. - ب م: بتحويل.
589. - ب م: قدح.
590. - ب م: مع.
591. - ب م: والشمس.
592. - ب م: عذبت.
593. - ط د س: يعبها أو تعبه.
594. - زاد في ط س: المذكور.
595. - وردت أبيات منها في القطعة التي قدرت أنها دخيلة من القلائد، ص: 683، 686 وهذا مثال على مقدار الخلط الذي اعتمد في المزج بين الكتابين: القلائد والذخيرة.
596. - س: حلة منك محبوكة - بالغير؛ ط: محجوبة.
597. - هنا تنتهي ترجمة ابن اللبانة في د ط س.
598. - راجع القلائد: 247 والمغرب والخريدة والفوات والوافي والمعجب: 214 وواضح أنها ليست نقلا عن القلائد.
599. - المعجب والقلائد والخريدة: يعض.
600. - المعجب والقلائد: لا يستبين.
601. - القلائد: تردي كما تردي.
602. - المعجب: أهداب.
603. - انظرها في مسالك الأبصار.
604. - البيتان في المسالك، وهما من قصيدة طويلة في القلائد: 29 يتفجع فيها على زوال مجد ابن عباد.
605. - البيتان في المسالك.
606. - ب م: سمعت.
607. - كتاب المعاني: 348.
608. - ب م: وإليك القطع ما (م: من) أونه.
609. - انظر القلائد: 258.
610. - القلائد: برقعة.
611. - القلائد: قريضك.
612. - القلائد: الأنام.
613. - انظرهما في الخريدة والبغية.
614. - ورد بعض أبياتها في الخريدة والمسالك.
615. - الخريدة: فتاح.
616. - الخريدة: ذكره عهد الصبا.
617. - ب م: البرح، وأثبت ما في الخريدة.
618. - ب م: خمره؛ والتصويب عن الخريدة.
619. - المسالك: الرياح.
620. - ب م: العرى.
621. - انظر الأبيات في مسالك الأبصار.
622. - ب: بنفثته؛ ب م: يغشى لنفثته.
623. - هذه القطعة من القلائد، وأعدها دخيلة على نص الذخيرة؛ وانظر المغرب والمسالك والخريدة.
624. - انظر ترجمته في المغرب 2: 322 والمسالك 11: 449.
625. - وردت هذه القطعة في المغرب.
626. - ط د: فحادني.
627. - ب م: وصلت مستهلا بناري.
628. - ط د س: له أيضا، وانظر المغرب والمسالك.
629. - في النسخ: ملاءة؛ المغرب: وطيبه.
630. - أبو عامر أحمد بن غرسية، قال فيه صاحب المسهب: " من عجائب دهره، وغرائب عصره، وهو من أبناء نصارى البشكنس، سبي صغيرا وأدبه مجاهد مولاه ملك الجزر ودانية (المغرب 2: 406) .
631. - ب م: الجزار، وكذلك في المغرب (2: 407) وترجم ابن الابار لابنه في التكملة: 423 وسماه محمد بن احمد بن محمد الأنصاري الأوسي من أهل سرقسطة وسكن بلنسية يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن الخراز، وكان أديبا شاعرا راوية مكثر الخط. ثم قال: وكان أبوه أبو جعفر (احمد بن محمد) أيضا شاعرا وهو الذي خاطبه أبو عامر بن غرسية بالرسالة المشهورة. وفي نص الاسكوريال الذي اعتمده الأستاذ عبد السلام هارون في نشر رسالة ابن غرسية والردود عليها ورد اسمه " ابن الحداد " (انظر نوادر المخطوطات 1: 234 - 235) هذا وقد جاءت الرسالة في ط د س مختلفة كثيرا عما هي في ب م بين حذف وتقديم وتأخير. وقد ترجم الأستاذ جيمس منرو هذه الرسالة والردود عليها في كتاب بعنوان The Shuubiyya in Andalus، (كاليفورنيا 1970) .
632. - ط د: خطله.
633. - لقد تبين لي أن ابن بسام لم يورد الرسالة كاملة، وبعض الردود عليها تشير إلى أمور قد حذفت منها، ولهذا أبحت لنفسي تكملة ما ينقصها.
634. - أرش اليمن: إقليم في شرق الأندلس أنزل الأمويون في بني سراج القضاعيين وجعلوا إليهم حراسة ما يليهم من البحر وحفظ الساحل، فكان ما ضمنوا حفظه يسمى أرش اليمن (أي عطيتهم ونحلتهم) وكانت بجانة أبرز قرى الإقليم (الروض المعطار: 37) .
635. - ب م: الذكور.
636. - الشعرة: الشعراء.
637. - ط: أجاءوك.
638. - ط د س: لا.
639. - ط د س: الخصان.
640. - زيادة من ط د لم ترد في س.
641. - ط د س: بجوف.
642. - ط د س: بقطع.
643. - تبالة: في تهامة بينها وبين بيشة يوم واحد، وفيها ضرب المثل " أهون من تبالة على الحجاج " لأنه حين ولي عليها، ووجد الأكمة تحجبها، احتقر ذلك وكر راجعا.
644. - هارون: البجيل.
645. - ط د: أحسبك أن دريت وما دريت - الخ؛ س: أبأرباب الملوك ازدريت وعلى وعندي الجيل أزريت وما دريت بهذا أحسبك أرديت وما دريت.
646. - هارون: وشقورة الخرصان.
647. - أي أن فيهم صقورة الخرسان، وهم الصقالبة ومن حرس القصر وكانوا يلقبون الخرس، وإنما يظهرون فصاحتهم بالخرصان أي الرماح.
648. - المجاد: المضاهاة بالمجد.
649. - الأفاني: نبتة غبراء لها زهرة حمراء مجتمع ورقها كالكبة.
650. - الهيل: صب الطعام دون كيل، وإذا كان القوم يهيلون فمعنى ذلك أنهم لا يلجأون إلى الكيل؛ والتكايل: التوازي والتنافس في الكيل، وإذا تم لم تعد حاجة إلى التهايل، يقول: إذا نحونا نحو الدقة فلا مجال لتجاوزها.
651. - العرود: جمع عرد، وهو الذكر الصلب.
652. - البيت لأبي العلاء المعري، شروح السقط: 141.
653. - الهدان: الثقيل في الحرب.
654. - ذمرة: جمع ذامر، وهو من يحضض الناس على القتال.
655. - البيت لأبي تمام، ديوانه 3: 136 وروايته: مسترسلين.
656. - القدمة: الإقدام.
657. - البيت لأبي العلاء المعري، شروح السقط: 140 وروايته يا ابن الألى؛ والعكر: القطعة من الإبل.
658. - صواحب الرايات: البغايا في الجاهلية، لأنهن كن يرفعن فوق بيوتهن رايات يميزنها بها.
659. - في النسخ: الآيات؛ والاياة هنا بمعنى الحسن.
660. - ط د س: من الأقيال جررة الأذيال.
661. - ط د س: اضطروكم.
662. - السكنات: جمع سكنة وهي مقر الرأس من العنق؛ العفا: الجحش؛ والبيت لأبي الطمحان القيني حنظلة بن الشرقي (اللسان: سكن، عفا) .
663. - هارون: الكلب؛ والكوب: الكوز، ولعل صوابه " الكحوب " أي الأدبار.
664. - النفير: الخفوف إلى الحرب؛ النقير: الوعاء الذي يتخذ فيه النبيذ، يريد به هنا النبيذ نفسه، أو هي صيغة مناسبة للفظة " نفير " يعني بها النقر الموسيقي؛ والمعنى أنهم يفضلون إجابة الداعي إلى الحرب على اللذات.
665. - الخب: ضرب من السير؛ وفي ب م: عن الخب، وكذلك عند هارون، ولا أراه صوابا.
666. - الشليل: الدرع؛ السليل: لحم المتن أو السنام.
667. - طباتهم: جمع طبة وهي الشقة الطويلة من الثوب؛ وعند هارون: طياتهم.
668. - هارون: وغلاتهم.
669. - أقتال: أشباه، والمفرد: قتل، وهو القرن في الحرب.
670. - البيت للحطيئة، ديوانه: 140، وروايته: أولئك قوم، وإن عاهدوا أوفوا.
671. - الأكر: الحفر.
672. - الجلة: البعر.
673. - ندس: جمع ندس وهو الفطن.
674. - البت: الطيلسان من خز ونحوه، وهذا من قول الراجز:
من يك ذا بت فهذا بي ... مقيظ مصيف مشتي تخذته من نعجات ست ... 675. المسل: جمع مسيل، وهو الجريد الرطب.
676. - لقاح: لا يدينون للملوك.
677. - هارون: منهم.
678. - زيادة من س وحدها.
679. - الهبيد: حب الحنظل.
680. - المكون: بيض الضب.
681. - الكشى: جمع كشية، وهي شحمة بطن الضب؛ وهذه زيادة من س وحدها.
682. - الشنان: القرب الصغيرة الخلق؛ ولا يقعقع له بالشنان: مثل، أي هو لا يخدع ولا يروع، وأصله من تحريك الجلد اليابس للبعير ليفزع.
683. - ط د س: يزعزع، وعله يدعدع، أي يقال دع دع وهو صوت النعيق بالغنم أو زجرها؛ وعند هارون: ولا يوعوع لهم النشآن.
684. - الشان: الشانئ أي المبغض.
685. - زيادة من س وحدها.
686. - صدر بيت لأمية أبي الصلت (ديوانه: 459) وعجزه: شيبا بماء فعادا بعد أبوالا.
687. - البيت للمتنبي، ديوانه: 403.
688. - الاسترلوميقى: (Astronomy) علم الفلك؛ الجومطريقى: (Geometry) الهندسة؛ الارتماطيقى (Arithmetic) : الحساب؛ أنولوطيقا: (Analytics) تحليل القياس؛ الفوطيقا أو البوطيقا (Poetics) : الشعر. وفي ط د س: الاسترلوقيقا، الجومطيقا، الموطيقا.
689. - الفدنة: الضخمة، شبهها القصر وهو افدن.
690. - نائلة وإساف فجرا في العة فمسخا حجرين، انظر كتاب الاصنام والسيرة ومعجم البلدان.
691. - أبو غيشان: باع مفاتح الكعة من قصي بزق خمر.
692. - عمل أبو رغال دليلا لابرهة عند أراد غزو مكة.
693. - ط د س: فعلي فري.
694. - ناظر إلى قول المتنبي:
فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال 695. المسك: الجلد، والعزال أي العزالي وهي القرب.
696. - وردا غير منسوبين في مروج الذهب 4: 119.
697. - المروج: من هاشم.
698. - البيت للحطيئة، ديوانه: 98 وفيه: لكم حسباً.
699. - ط د س: المديح لهذا.
700. - ط د س: ذي الرياسة - والنفاسة -..
701. - ب: خذ.
702. - هارون: من البسيط والديد ما تستجير - الشديد.
703. - زاد عدها عند هارون: ولات حين مندم.
704. - الذنوب: الدلو.
705. - اكرب: الحبل الذي يشد على عراقي الدلو.
706. - ط د س: تتتبع.
707. - الأبيات للمعري، شروح السقط: 1144 وما بعدها، من قصيدة مطلعها:
تعلم يا صريع البين بشرى ... أتت من مستقل مستقيل وقد ذكر ابن خلكان (3: 384) أنه خاطب بها صريع الدلاء علي بن عبد الواحد البغدادي، وكان طلب من المعري شراباً فسير له قليل نفقة، واعتذر بهذه الأبيات.
708. - شروح السقط: أتم.
709. - الصغا: الميل.
710. - ط د س: فرد عليه أبو جعفر برقعة قال فيها.
711. - ط د س: سمحت.
712. - العقال: الحبل يعقل به البعير؛ وفي س: لاعتقالك.
713. - ب م: الرصف.
714. - الشبر: الجماع.
715. - المعلب: الصلب الغليظ؛ المغلب: الغليظ أيضاً؛ وعند هارون: المعلف امغلف: بمعنى المسمن ذو الغلفة؛ ولو قرئت اللفظة الثانية " المقلف " لكان أصوب، وهو الذي نزعت قلفته.
716. - ط د س: خلوص.
717. - ط د س: نماة.
718. - ب م: القصعة.
719. - ط د س: ربات؛ ب م ط د س: الآيات.
720. - الاموان: جمع أمة.
721. - ب م: رجع الحديث إلى ابن إسحاق.
722. - في النسخ: صبر بصر، ورددته ليتفق مع ما ورد في رسالة ابن غرسية.
723. - ط د: السعير.
724. - ط د س: لوك.
725. - ط د س: مليككم.
726. - ط د س: محكم.
727. - ط د: ببضعك.
728. - ب م: حوكهم.
729. - في النسخ: الآيات.
730. - البيت للنابغة الذبياني، ديوانه: 82 وروايته:
خلف العضاريط من عوذى ومن عمم ... مردفات على أحناء أكوار والعضاريط: الأجراء التباع، وعوذى وعمم من لخم؛ والأكوار: الرحال.
731. - ط د س: وعيرت العرب بالاغتذاء - لتغذيكم.
732. - ط د: مطعم ولا مشرب لعجم ولا لعرب؛ س: مطعم ولا مشرب لعرب وعجم.
733. - هارون: قبائل.
734. - الخزان: جمع خزز وهو ولد الأرنب.
735. - هذا مثل يضرب للرجل يدخل نفسه في قوم ليس منهم، انظر فصل المال: 402 والجمهرة 2: 384، 4: 82 والعسكري 1: 71.
736. - ط د س: فسموه.
737. - البرسام: علة تسبب الهذيان.
738. - ب م: مختار.
739. - ط د: باد وأعداه.
740. - ط د س: وقضية أبي غبشان التي عظمت.
741. - هارون: قضية - الغوي.
742. - س: ببعض ختامك؛ ب م: بفض.
743. - العراب: الخيل العراب؛ هاورن: الأعراب.
744. - الماذة: الدروع اللينة؛ المضاعفة: التي نسجت حلقتين حلقتين.
745. - البيت للنابغة، ديوانه: 100، والسهكة: خبث الرائحة؛ السنور: الدروع أو السلاح كله؛ البقار: موضع برمل عالج؛ يقول كأنهم في سلاحهم جن من جن ذلك المكان.
746. - ب م: وموسيقاتهم.
747. - ب م: وطريقاتهم؛ وطوبيقا تعني العبارة.
748. - ب م: أراد بهم؛ هارون: رادتهم؛ النساء: التأجيل، والمعنى أن التأخير ف الأجل لم يكن من همهم، وفسر ذلك بقوله: " مناهم تعجيل مناياهم ".
749. - البيت لأبي تمام، ديوانه 3: 17.
750. - ط د: وأم؛ س: وترنم.
751. - البيت لعمر بن أبي ربيعة: 338.
752. - ط د س: أيضاً عليه.
753. - ط د س: عبد المنعم بن من اله القروي؛ قلت: كنيته أبو الطيب دخل الأندلس وحدث في شرقيها عن ابن البر الصقلي، وكان أديباً شاعراً، توفي سنة 493 (الصلة: 371) وقد ذكر البلوي رسالته، وكذلك صاحب كشف الظنون بعنوان " حديقة البلاغة ودوحة البراعة - الخ ".
754. - البيت لزهير بن أبي سلمى، ديوانه: 139.
755. - انظر الميداني 2: 31 في المثل " قد أنصف القارة من راماها "
756. - أسلقتك: جعلتك ذا سليقة؛ وفي ب م: أما بلغتك عيب اللكنة.
757. - ط د: تسايرها.
758. - الرهام: جمع رهمة وهي المطرة تكون أشد من الديمة.
759. - ط د: بالبيان؛ س: بالإيمان، خ بهامش س: بالمتان؛ والمتان أو المماتنة: المباراة في الجري إلى الغاية.
760. - البيت لمعن بن أوس، انظر اللسان (سدد) وفيه: فلما استد.
761. - ط د س: كياسرتكم.
762. - ط د س: صولتكم -. دولتكم.
763. - ط د س: بما.
764. - ط د: لقناً.
765. - من قول عبد يغوث بن وقاص الحارثي:
وكنت إذا ما الخيل شمصها القنا ... لبيقاً بتصريف القناة بنانيا 766. ب م: وصفتهم.
767. - الأبيات لسعد بن مالك من قصيدة حماسية رقم: 167 (المرزوقي: 502) مع اختلاف في ترتيبها.
768. - الحماسة: لجاحمها.
769. - النجدات: الشدائد؛ الوقاح: الجريء الصلب.
770. - ط د س: الخدور.
771. - من قول خالد بن زهير ابن أخت أبي ذؤيب الهذلي؛ وصدر البيت: فلا تجزعن من سنة أنت سرتها (ديوان الهذليين 1: 213) .
772. - ب م: وصفوفكم.
773. - ط د س: فصاروا معرقين وعلوا مشرقين لا تردهم رادة.
774. - التريك: البيضة أو العنقود إذا أكل ما عليه؛ الضريك: الفقير السيء الحال.
775. - ط د س: أما بلغك - بعوده.
776. - ط د س: وقبر.
777. - س: ثم مسجد مسلمة.
778. - ط د: ماقطة غابطة وطايعة عليكم طالعة.
779. - البيت للمتنبي، ديوانه: 378، وغير في الرواية تعمداً.
780. - ط د: والوجوم؛ وأثبت رواية س، وعند هارون: والمرسوم.
781. - هارون: السلاجم؛ والعلاجم: جماعات الناس، والمعنى أنهم وشموهم على أيديهم، لكي يعرفوا إلى أي قرية ينتمون، كما يروى من فعل الحجاج.
782. - العشار: قابض العشر؛ الغيار: علامة أهل الذمة؛ ط د س: العيار.
783. - التي فيها شفاهكم: كناية عن الرؤوس؛ س: أخذ فيه شفاهكم.
784. - ب م: وصهروا بالقسم؛ ط: القسم.
785. - ط د س: الأمان.
786. - ط د: ذوات.
787. - القضب: الرطبة؛ الخضيمة: الحنطة؛ هضيم: لين مريء.
788. - الحربة: المحاربون؛ العكار: الذي يولي في الحرب ثم يكر راجعاً؛ ط د: خزنة.
789. - المرابعة: لعله يعني من يكونون على رباعة قومهم أي الرؤساء.
790. - وفي فصل منها: سقطت من ط د س.
791. - ط د س: فضلك؛ ب م: نصلك.
792. - ط: الأقماط.
793. - ب م: البراجم.
794. - ب: ينسب؛ د: يسب.
795. - ابن فضالة: عبد الله بن فضالة بن شريك الأسدي، وكان أبوه فضالة شاعراً فاتكاً صعلوكاً مخضرماً أدرك الجاهلية والإسلام، وكان له ابنان شاعران أحدهما عبد الله الوافد على ابن الزبير والقائل له: إن ناقتي قد نقبت ودبرت، فقال له: أرقعها بجلد واخصفها بهلب - الخ. فهجاه بأبيات منها هذا البيت (انظر الأغاني 12: 65) وينسب البيت أيضاً لغيره، (انظر الخزانة 2: 100) .
796. - الكاهلية: أم خويلد بن أسد بن عبد العزى.
797. - ب م: ترون.
798. - في النسخ: الأمنع، والتصويب عن هارون.
799. - ط د: والكوادن؛ المحذفة: التي قصرت أنابها؛ والموكفة: التي وضع عليها الأكاف أو الوكاف.
800. - ط س د: من أسماء ملوككم.
801. - ط د: نسولكم؛ س: أنسالكم.
802. - هارون: ومكنون.
803. - ط د: والصريح وقرزل.
804. - ط د: ونصب.
805. - الشصائص: الشداد.
806. - ب م: وهم بها.
807. - البيت من الحماسة: 14 (شرح المرزوقي: 107) لبعض بني قيس بن ثعلبة أو لبشامة بن جزء (او حزن) النهشلي أو لنهشل بن حري؛ وروايته: منا واحد فدعوا.
808. - البيتان للمعري، شروح السقط: 142.
809. - الرجز لحاتم الطائي، وقيل إنه لأبي القيار الراجز، بحر بن خلف (الوافي: 10 الورقة 31 - أ)
810. - ب م: تدفقت.
811. - الرنف: من شجر الجبال ينضم ورقه إلى قضبانه ليلاً وينفتح نهاراً؛ الشوحط: ضرب من النبع.
812. - الكنهبل: ما عظم من شجر العضاه.
813. - الرجز في اللسان (عرق) ؛ وعرق في الدلو: جعل فيها ماء قليلاً، وحبار: اسم ناقته، وقيل هو الأثر أو الهيئة.
814. - ب م: قهرك؛ س: بهرك.
815. - ط د س: فكفاكم.
816. - ب: كلسان.
817. - ب م: وصارت.
818. - ط د س: وجاروت.
819. - ب: عوفا.
820. - ط د: واستقر.
821. - البيت لمعقر بن حمار البارقي (اللسان: عصا) ونسب أيضاً لغيره، ونسبه الجاحظ في البيان (3: 40) إلى مضرس الأسدي؛ ب: المسافر.
822. - البيت للعين المنقري يهجو جريراً والفرزدق (اللسان: صرد) ؛ والصرد: نفاذ النبل.
823. - ط: واملؤوا؛ هارون: وحملوا.
824. - ط: الحبول؛ د: الجمول؛ س: الحمول.
825. - الكثر: طلع النخيل.
826. - ط د: آثارها.
827. - عكس هنا، فالجو مطريقا هو علم الهندسة، والاسترولوميقا هو علم الهيئة.
828. - ط د: وصايا.
829. - ط د س: الأولون.
830. - الأبيات للمرقش السدوسي في الحيوان 3: 436، 449 وعيون الأخبار 1: 145، وهي منسوبة للمرقم الذهلي (خزز بن لوذان) في حماسة البحتري: 163 والمؤتلف للآمدي: 143، وجاءت دون نسبة في أمالي القالي 3: 106؛ والرتائم: أن يعقد الرجل خيطاً في شجرة إذا أراد سفراً فإذا وجد الخيط في مكانه عند عودته عرف أن صاحبته لم تخنه.
831. - الواقي: الصرد؛ الحاتم: الغراب.
832. - الحازي: الكاهن.
833. - ط د: الأعراب.
834. - ط د س: وأما الطب فجمعته.
835. - البردة: التخمة.
836. - ط د س: قرموا.
837. - ط د س: والموسيقا علم اللحون فما للعجم.
838. - ط د: لنبو؛ س لغمر.
839. - ب م: ناطقة.
840. - ط: والتهاليل والتعاليل؛ س: والتهايل والتعليل.
841. - س: المنصبي؛ ط: والنصيبي.
842. - ط د: المدى.
843. - د ط: والماجوري.
844. - سقطت من ط؛ د: والسلمان؛ ب م: والسليمان؛ وأثبت رواية س.
845. - د ط: والضنج؛ س: والصليج.
846. - د ط: والكبكلة.
847. - د ط: والفيدورة؛ س: والقندورة (وبالفاء أيضاً) .
848. - د ط: والفشاوة؛ وتقرأ بالقاف والفاء في س.
849. - ط د س: وما أظن معبداً والغريض وأصحابهما قرأوا.
850. - ط د: منطقياً؛ ب: سطيعا.
851. - ط د س: ابليس اللعين فيه الأستاذ.
852. - ط د: والطوميقا؛ ب: والطرنيقا.
853. - ط د س: ذهب بقوله أبو الطيب؛ وانظر ديوانه: 573.
854. - ط د س: ومنهم من قال إن.
855. - س: حذفته تخفيفاً.
856. - ط د س: لا سيما المنجمين.
857. - ط د: وعبدوا -. وسجدوا.
858. - ب: وتتبايع.
859. - عجز بيت، وصدره: أرب يبول الثعلبان برأسه؛ وهو لغلوي بن ظالم السلمي وكان سادناً لصنم فرأى ثعلباناً يبول عليه؛ انظر الإصابة 2: 185 وسرح العيون: 337 والميداني 2: 86.
860. - التيجان: 455.
861. - س: بشكله.
862. - ط د: ونبتهج؛ س: وننجح.
863. - ط د س: لمعة.
864. - الضباب: كناية عن الحقد والضغينة.
865. - س: اختبارك.
866. - ط د: جلياً، وأثبت قراءة س، وفيها إشارة إلى مدح الرجل وهجاء قبيلته، كما قال عويف القوافي في مدح جرير بن عبد الله البجلي " لولا جرير هلكت بجيله ".
867. - ط د س: وجليا؛ والدخلي: المدخول الفاسد.
868. - الرعام: المخاط.
869. - ط د: بنفسه؛ س: لنفسه.
870. - هارون: موقدة.
871. - من هنا حتى آخر الترجمة لم يرد في ط دس، والنص قلق في مواضع.
872. - ب م: ولاكن.
873. - من المثل: على أهلها دلت (أو جنت، أو تجني) براقش، انظر فصل المقال: 459 والميداني 1: 310 والعسكري 2: 75 والجمهرة 3: 306 وأمثال الضبي: 69؛ وهذا الذي أورده عنا عجز بيت لحمزة بن بياض، وصدره: بل جناها أخ علي كريم، وقد مر البيت مع آخر في ما تقدم ص: 386.
874. - من قول الأسود بن يعفر:
أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد 875. ولعلها جمع بدرة؛ وربما رجحت أن تقرأ " أنادره " أي " بيادره ".
876. - انظر المثل في فصل المقال: 76، 77 والميداني 1: 32 والعسكري 1: 16.
877. - إليك يساق الحديث: مثل، انظر فصل المقال: 50 والميداني 1: 31 والعسكري 1: 14. والضبي: 80.
878. - في المثل: رب كلمة تقول لصاحبها دعني، الميداني 1: 206.
879. - غير واضح إلى أي شيء يشير بالضمير " هي "، وإن كان الحديث متصلاً بما قاله ابن غرسية عن تبالة التي هانت على الحجاج " الثقفي " فثنى عنها إياله؛ راجع ما تقدم ص: 706.
880. - الهدون: الدعة والسكون.
881. - الايال: الولاية والسياسة.
882. - الابالة - مثل الايالة -: الولاية.
883. - ب م: يكشفها؛ والكتف: المشي الروي.
884. - أم عامر: الضبع، وفي المثل: " خامري أم عامر "، انظر فصل المقال: 187 والميداني 1: 160 والعسكري 1: 276.
885. - الجراج: لعله من الجرجة: معظم الطريق أو الجرج: الأرض ذات الحجارة. وفي ب م: الجراح؛ وبهامش م لفظة " طريق "، كأنه شرح للكلمة.
886. - ب: وحملك؛ م: وجعلك، وفوفها " وخيلك " بخط دقيق.
887. - ب م: المفاطس.
888. - المعر: جمع أمعر، وهو الذي ذهب شعره كله.
889. - عجز بيت لامرئ القيس (ديوانه: 154) وصدره: إذا ركبوا الخيل واسلأموا.
890. - صدر بيت للنابغة الذبياني (ديوانه: 56) عجزه: من الناس والأحلام غير عوازب.
891. - العفاء: جمع عفو، وهو الجحش؛ العفاء: الوبر.
892. - استنفرت المرأة: شدت فرجها بخرقة إذا غلبها سيلان الدم؛ القردة: نفاية الصوف أو الكتان وما شابهما. ب م: استنفر.
893. - ب م: اغتدى الخريت. الجريث: ضرب من السمك يقال له أيضاً الجري، وقيل إن علياً نهى عنه.
894. - ب م: استوى حرد اللهيب، واللغيث: الطعام المخلوط بالشعير.
895. - الثيرة: جمع ثور.
896. - العيرة: جمع عير، وهو هنا الحمار الأهلي.
897. - ب م: الرانديات؛ والربذيات: نوع من السياط.
898. - صدر بيت للنابغة الذبياني (ديوانه: 63) وعجزه: يحيون بالريحان يوم السباب.
899. - الجداء: المفازة اليابسة.
900. - يريد الشعرى العبور وهي اليمانية.
901. - الغميصاء: هي الشعرى التي تخلفت بعد أختها العبور التي عبرت البحر لاحقة بسهيل أخيها. وبقيت الغميصاء تبكي حتى غمصت عينها، والغمص في العين كالرمص.
902. - المرخ والعفار: نوعان من الشجر، سريعا الايراء، وفيهما يضرب المثل: " في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ".
903. - الروق: القرن.
904. - ب م: حائش.
905. - ابنا عيان: طائران يزجر بهما العرب، وقيل هما خطان يخطان في الأرض يزجر بهما الطير؛ ويقول الذي يخطهما: ابني عيان أسرعا البيان.
906. - البيت للمتنبي، ديوان: 414.
907. - هو جذع بن عمرو الغساني، وكانت غسان تؤدي كل سنة إلى ملك سليح دينارين من كل رجل، وكان الذي يلي ذلك سبطة بن المنذر السليحي، فجاء إلى جذع يسأله الدينارين، فقتله جذع وقال: خذ من جذع ما أعطاك، وامتنعت غسان عن أداء الأتاوة (الميداني 1: 156) .
908. - ب م: المنع؛ والفلق: القوس؛ وحاجب بن زرارة هو الذي رهن قوسه.
909. - تحيري: سكنت الحيرة؛ ب م: تجبرت.
910. - الشبر: النكاح؛ الشكر: الفرج.
911. - البيت لليلى الأخيلية (معجم البلدان: يسوم) وروايته: لن تستطيع بأن تحول عزهم حتى تحول -؛ ويسوم: جبل في بلاد هذيل وقيل قرب مكة.
912. - الأبيات في أمالي الزجاجي: 65 وتأويل مختلف الحديث: 106 وشروح السقط: 353 وابن كثير 2: 258، 259 وديوان حسان 1: 498 والبيت الأول في اللسان (خصف) والرابع في اللسان (حلب) وتنسب للعباس بن عبد المطلب كما تنسب إلى حسان بن ثابت؛ ورواية البيت الأول: طبت؛ مستودع.
913. - ب م: لا نطفة، والتصويب عن المصادر، وفيها: ثم سكنت، ثم هبطت.
914. - في المصادر: مطهر يركب السفين، بل نطفة تركب السفينز
915. - المصادر: تنقل.
916. - هذا النص من القلائد: 165 ويبدو في موضعه دخيلا على الذخيرة؛ وقد أورد ابن سعيد في المغرب 2: 307 ترجمة الكاتب أبي جعفر أحمد بن أحمد، وذكر نقلاً عن المسهب أنه من أعيان كتاب لنسية، ثم ترجم (المغرب 2: 404) للكاتب أبي جعفر أحمد بن أحمد الداني الذي ستأتي ترجمته هنا، وهو يعتمد في ما أورده على الذخيرة؛ فهل هناك كاتبان بهذا الكنية، والاسم واسم الأب، وأحدهما من بلنسية والآخر من دانية - أو أنهما شخص واحد.
917. - هذه المقدمة لم ترد في د ط س؛ وقد ميز ابن بسام أحد هؤلاء الثلاثة وهو أبو جعفر بن أحمد الداني، ولم يميز الاثنين الآخرين فهل تعد الاثنين التاليين وهما عمر بن عطيون التجيبي وابن أبي الخصال من ضمن الثلاثة الذين عناهم المؤلف - وهل كان هذان ممن " جذبت البطالة والاستهتار أذياله، واستفرص بلسانه أعيان أهل زمانه " - ليس أخبارهما التي أثبتها ابن بسام ما يشير إلى ذلك.
918. - ترجمته في المغرب 2: 404، وانظر ما تقدم ص 755.
919. - ط د س: انشق.
920. - انظر المثل في الميداني 2: 214.
921. - ورد هذا البيت والأبيات الثلاثة التالية في المغرب.
922. - س: حين.
923. - زيادة من سوحدها.
924. - ط د: الكريم.
925. - ط د: للبعض.
926. - ط د: وشرفناز
927. - ط د س: أثر؛ ب م: أسنى.
928. - د: ابلت؛ ب م: انثنت.
929. - ط د: بتدبير حكم قاضي.
930. - س: عتاد الناس.
931. - ب م: انهرم.
932. - ط د س: المزدان.
933. - لم ترد في س أيضاً.
934. - ب م: وأيسر - بالكفز
935. - ب م: انبعثت.
936. - ط د س: لبسة.
937. - من بيت ينسب لابن المعتز أو لغيره (انظر تخريجه بهامش أسرار البلاغة: 117) :
كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت 938. ب م: تقتضي.
939. - ط د: المحبة.
940. - ط د: ينوب عني في ذلك؛ س: ينوب في ذلك عني.
941. - ط د ب م: على ما تراه.
942. - ط د س: وفي فصل من الجواب على ذلك من إنشائه أيضاً.
943. - ب م: بثثت.
944. - الحير أو الحائر: المكان المطمئن من الأرض يجتمع فيه الماء، ويطلق على البستان.
945. - س: وتلاحظك (صوابه: ويلاحظك) .
946. - انظر الآية: 30 سورة الواقعة.
947. - ب م: تساقط؛ س: يتساقط.
948. - هذه الزيادة من س وحدها؛ وفي د ط في موضعها: وأحمر قان.
949. - ب م: ثمرات.
950. - س: وهمم.
951. - س: تقابله.
952. - د ط: يفصلهن.
953. - س ط: تحتذيها.
954. - ط د س: أثقلت - أعييت (س: وأعيى فأنهض) .
955. - ط د س: بما.
956. - ط د: وكأنه.
957. - س: لم تعد.
958. - ط د: وفي فصل مر الزمان.
959. - انظر الحاشية: 1، ص 768.
960. - ب: ريت؛ م: رأيت.
961. - ب م: تحليه.
962. - ب م: غضراء.
963. - ب م: وبسقت.
964. - د ط س: عن أحسن.
965. - القفاف: اليابسة؛ وهي زيادة من س وحدها.
966. - أقود: سلس؛ أعلب: ضخم؛ ط س د: أغلب.
967. - ط د س: في صفة هذه الرياحين.
968. - انظر فصل المقال: 436 والميداني 1: 227 والعسكري 1: 333؛ وجاء المثل في ط د: سمنهم هريق في أديمهم.
969. - ط س د: الثغر.
970. - انظر الميداني 2: 50 ويقال أيضاً: أقصر من إبهام قطاة ومن ابهام الضب.
971. - س: إلى الغد.
972. - ب م ط: الأنجاد.
973. - ب م: قال يخاطب - الخ.
974. - اليتيمة 4: 102 وفيها " اللحام " وهو علي بن الحسن الحراني.
975. - اليتيمة 4: 103.
976. - ب م: تعدى.
977. - اليتيمة 4: 103.
978. - اليتيمة: وصرفنا.
979. - ب م: وكتب إلى أبي حاتم الحجاري.
980. - ب م: فأجابه أبو حاتم.
981. - ط د س: سواك.
982. - ب م: فأجابه أبو حاتم.
983. - ب م: فكتب إليه أبو حاتم.
984. - ط د س: تعرفني.
985. - ط د س: تذهب.
986. - ب م: فكتب إليه أخرى.
987. - د ط س: وكتب ابن أحمد إلى أبي بكر - هذه الأبيات.
988. - ب م: وإنها.
989. - ط د س: فراجعه.
990. - ب م: يستحث.
991. - ب م: فقال لي يدك لي قال تقتلني؛ س: فقال لي نوبة إلى قلت تقتلني.
992. - ب م: في إثبات جوده.
993. - هذه القطعة لم ترد في د ط س؛ وهي في المغرب 2: 38 في ترجمة الوزير الكاتب أبي جعفر ابن أحمد؛ وقد مر القول بأن ابن سعيد ترجم لاثنين بهذا الاسم، فهل يمكن أن تستنتج من هذه القطعة أنهما شخص واحد - كان ذلك ممكناً لو أن النسخ جميعاً اشتركت في إيرادها. والأبيات في وصف منية المنصور بن أبي عامر ببلنسية، حسب قول الحجاري.
994. - المغرب: سقني.
995. - ب م: من قد هو المنى، وآثرت ما في المغرب.
996. - المغرب: النواحي.
997. - ترجم له ابن سعيد في المغرب 2: 16 وفيه " عيطون " بتقديم الياء على الطاء، وانظر المسالك 11: 450.
998. - ب م: عاط.
999. - د مقلته.
1000. - ط د س: بهره.
1001. - ب م: نظره:
1002. - ب م: المبيض.
1003. - ط د س: الزمان.
1004. - ورد البيتان في المسالك.
1005. - ط د: تعاورني - القلاة كأنما.
1006. - ط د س: أنشده إياها.
1007. - ب م: وتسعين؛ وهو خطأ لأن المتوكل قتل سنة 487.
1008. - ب م: فأجابه.
1009. - بعد هذا البيت في س: ومنها.
1010. - ط د س: واصعدن.
1011. - د: الشعراء.
1012. - ط د: بطاقة.
1013. - ورد البيتان في المغرب والمسالك.
1014. - ب م ط: يبغض؛ د: تنغص.
1015. - س: شأني.
1016. - ط د: بالندى؛ س: بالنوى.
1017. - ب م ط د: يقادا.
1018. - ب م: لعل تزورها حلباً وحمصاً.
1019. - د: فبلغ؛ ب م: فتبلغ.
1020. - س: فلما.
1021. - ب م: يلق.
1022. - ط د: وما.
1023. - الرتك: الاهتزاز في المشي ومقاربة الخطو.
1024. - ب م: الأقطار.
1025. - الهنعة: قوس الجوزاء يرمي بها ذراع الأسد.
1026. - ديوان ابن المعتز 3: 50، وصدره: ولاح ضوء هلال كاد يفضحه.
1027. - منها بيتان في المسالك.
1028. - ط د: أمامه.
1029. - ديوانه: 105 وروايته: إنقاض الفراريج.
1030. - الميس: شجر تعمل منه الرحال؛ وقد فصل في البيت بين المضاف والمضاف إليه، لضرورة الشعر، ويريد كأن أصوات أواخر الميس - من إيغالهن بنا - أصوات الفراريج.
1031. - قبل هذا البيت في س ط د: ومنها.
1032. - ط د: وله أرجوزة؛ س: وله من أرجوزة.
1033. - ط: البهكانة؛ ب: البهباهة؛ س: النهبلة.
1034. - ط د: واشتهرت في نهدها؛ س: واستنهدت.
1035. - بعد هذا الشطر، في ط د س: وفيها يقول.
1036. - ب م: دجى.
1037. - ط د س: يغدو.
1038. - ب م س: وضاح.
1039. - ب م: المتاح.
1040. - ذكره في المغرب 1: 254 وأورد رثاء فيه لأبي القاسم بن المعطار؛ وانظر القلائد: 287.
1041. - وادي طلبيرة هو نهر تاجه نفسه، وعليه تقع المدينة إلى المغرب من طليطلة.
1042. - ب م: الدموع.
1043. - ط د ب م: هاتيك.
1044. - س: جفت ينابع نهر تاجو.
1045. - هذه الترجمة من القلائد: 175 ومن الغريب أن لا يتنبه من أدخلها في هذا الموضع إلى أن ترجمة أبي الخصال ستجيء تحت عنوان آخر بعد قليل، ولم ترد هذه الترجمة في د ط س.
1046. - ب م: وتخير.
1047. - ب م: نار.
1048. - م: اسجوا.
1049. - القلائد: حربهم.
1050. - القلائد: وهم.
1051. - ب م: العالي؛ القلائد: البائل.
1052. - ب م: ولفعله - الخيال.
1053. - ب م: فمرت.
1054. - القلائد: ولا تجعله.
1055. - القلائد: بعدما أغب وشط منه المزار.
1056. - سيرد البيتان في نص الذخيرة الأصلي: 796.
1057. - لم يرد هذان البيتان في القلائد ولعلهما سقطا من النسخة المطبوعة، وسيردان في نص ابن بسام: 793.
1058. - سترد ص: 797.
1059. - القلائد: قلبتني.
1060. - أبو نصر: الفتح بن خاقان، وهذا يدل على أن الذي دس هذا الفصل هنا يلخص عن القلائد.
1061. - محمد بن مسعود بن طيب بن خلصة (465 - 540) من فرغليط من عمل شقورة، درس على شيوخ عصره، حتى أصبح متقناً في العلوم مستبحراً في الآداب واللغات عالماً بالأخبار شاعراً مترسلاً، قعد به قيام صاحبه ابن الحاج أمير قرطبة بالثورة على ابن تاشفين، ولما استقل ابن الحاج وولي بعض أعمال المغرب اتصل به ابن أبي الخصال ثم انتقل معه إلى سرقسطة، ثم استشهد ابن الحاج فلزم ابن أبي الخصال داره خائفاً، وامتد خموله أيام ابن تاشفين، على باب داره ينهى جند المصامدة عن العيث والنهب، لما له من دالة عليهم، فتصدى له أحدهم واسمه تيفوت وقتله. وقد كان له إلى جانب رسائله وأشعاره مؤلفات منها " ظل الغمامة وطوق الحمامة " و " سراج الأدب " وقصيدة في نسب الرسول تسمى " معراج المناقب " ويقع نظمه ونثره في خمس مجلدات (انظر ترجمته في المعجب: 237 والقلائد: 175 والصلة: 557 وبغية الملتمس رقم: 282 والمغرب 2: 66 والمطرب: 187 ومعجم الصدفي: 144 وفهرست ابن خير: 386، 420 - 422، ورايات المبرزين: 74 والنفح 3: 268، 466، 519، 602، والخريدة 2: 449 (ط. تونس) وبغية الوعاة: 104 ومسالك الأبصار 11: 243) .
1062. - ب م: طويل.
1063. - ب م: فكاتبني.
1064. - هذا ابن بسام يقرر أن صديقاً له كتب إلى ابن أبي الخصالن ليقنعه بإرسال نماذج من إنشائه لتدرج في الذخيرة فرد ابن أبي الخصال بالرسالة التالية، ثم نجد الفتح بن خاقان (القلائد: 176) يذكر أنه هو الذي استدعى من ابن أبي الخصال بعض كلامه فأجابه بهذه الرسالة؛ ونحن إزاء فرضين: أن يكون الوسيط الذي حفزه ابن بسام هو ابن خاقان نفسه، أو يكون ابن أبي الخصال كرر هذه الرسالة مرة لأحد إخوان ابن بسام ومرة لابن خاقان لأنها تليق بالمناسبتين المتشابهتين.
1065. - القلائد: الصحيح.
1066. - د ط س والقلائد: وعلى مقداري.
1067. - القلائد: وتخفيه وتخترمه؛ س: وتحليه وتخترمه.
1068. - القلائد: الإمتاع.
1069. - ب م: وترحل إليه منها المراكب؛ ط د: ويترجل إليها.
1070. - ط د: السلك.
1071. - ط د والقلائد: فهي من الوجد تنظر.
1072. - ط د: سكرى.
1073. - ط د س: ولا استبقت.
1074. - ط د س والقلائد: يقع.
1075. - ب م س: له.
1076. - ط د س والقلائد: مع.
1077. - ط د: اعتراضه؛ س: حين عرض علي التماحه.
1078. - ط س د: استجدني.
1079. - ب مك المبيح (اقرأ: المتيح) ؛ ط د س: المفتح.
1080. - ب م: كتابك؛ س: كتابك وافى بكتابه.
1081. - ط د والقلائد: على شريطة.
1082. - القلائد: لأمرك - عقوقك ببرك.
1083. - ب م: ابتداره - بداره.
1084. - ب م: فطارت.
1085. - س: ونزاعة؛ ط د: وبراعة.
1086. - ط د: مخاطبة له يحفز ويحتفل؛ س: مخاطب ينحفز له ويحتفل.
1087. - ب م ط د: ويسر.
1088. - ط د: أعطافها.
1089. - ط د: اختصبت.
1090. - من قول مرة بن محكان (الحماسية رقم: 675) :
في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
لا ينبح الكلب فيها غير واحدة ... حتى يلف على خرطومه الذنبا 1091. ط د: استوف؛ ب م س: استولى (اقرأ: استوى) .
1092. - انظر المغرب 2: 67.
1093. - ط د: أفق.
1094. - ط د س والمغرب: وافت.
1095. - المغرب: فاجا - دجاً.
1096. - س: غازلت.
1097. - منها بيتان في بغية الوعاة، وراجع ص 785 فيما تقدم.
1098. - البغية: وما.
1099. - د: تبق؛ س: يفق.
1100. - ط د: قذفت؛ س: قد بعدت؛ ب م: نفدت.
1101. - ط د س: في وصف.
1102. - ط د س: في وصف كاس.
1103. - ط د: غير.
1104. - ط د: وقال في كاس من العدر (د: العزر) .
1105. - د: آنسة؛ س: أشبة؛ ولم ترد كلمة " منهن " في س.
1106. - البيتان في القلائد والمغرب والبغية، وقد مرا في النص المنقول عن القلائد ص 785.
1107. - ط د: بها؛ س: بذا.
1108. - ط د: بريحان؛ والبيتان في النفح 3: 602.
1109. - ط د س: ببشر ونشر.
1110. - ط د: بثبات.
1111. - ط د س: وله.
1112. - ط د: حاكاك.
1113. - س: وله من قصيدة - ط د: وقال في مراجعة.
1114. - بعض أبياتها في القلائد والمطرب، وورد منها ثلاثة في القسم المنقول عن القلائد: 785.
1115. - ط د: كنت عهداً - جردت؛ س: جردت.
1116. - المطرب: تعلموا.
1117. - ط د: يبعد.
1118. - ط: تتخاطاه.
1119. - ط د: منى.
1120. - ب م: فالكل.
1121. - من قول المتنبي:
نحن بنو الدنيا فما بالنا ... تعاف ما لابد من شربه 1122. ب م: تربه؛ ط د: ترب.
1123. - ط د س: الود.
1124. - ط د: فاستوى؛ ط د س: موالاته.
1125. - ط د: والبر في كل الإخوان؛ س: والبر في كل الأحوال.
1126. - ط س: بالتي.
1127. - من قول الحطيئة:
وتعذلني أفناء سعد عليهم ... وما قلت إلا بالذي علمت سعد 1128. ط د: ووفور -. موقوف.
1129. - من أمثالهم: " إنه نهاض ببزلاء " والبزلاء: الرأي الجيد او الداهية العظيمة، قال الشاعر:
إني إذا شغلت قوماً فروجهم ... رحب المسالك نهاض ببزلاء (انظر فصل المقال: 147) .
1130. - ط د: عليها.
1131. - ط د س: حديثاً.
1132. - ط د س: منه.
1133. - ط د: جذله.
1134. - من قول قيس بن الخطيم (ديوانه: 4 - 5) :
إذا ما اصطحبت أربعاً خط منزري ... وأتبعت دلوي في السماح رشاءها
ثأرت عدياً والخطيم فلم أضع ... ولاية أشياء جعلت إزاءها 1135. ابتداء من هنا وقع بياض في ب م، حتى آخر رسالته في التنصل من " المقامة ".
1136. - هذه المقامة تسمى القرطبية، وقد قيل إن الفتح بن خاقان هو الذي صنعها على ابن السيد البطليوسي وعليها رد يسمى الانتصار؛ وقد نسبت لابن أبي الخصال، وهو في هذه الرسالة يحاول أن يتبرأ منها، ويخاطب برسالته هذه الوزير أبا الحسين ابن سراج؛ والمقامة القرطبية في كتاب " رسائل إخوانية " الورقة: 12 - 14؛ أما زد ابن أبي الخصال فقد ورد في كتاب " ترسل ابن أبي الخصال " الورقة: 73 وما بعدها؛ قلت: وانظر كتابي " تاريخ الأدب الأندلسي 0 عصر الطوائف والمرابطين " ص: 314 - 315.
1137. - د: فيها.
1138. - من قول المتنبي:
الحزن يقلق والتجمل يردع ... والدمع بينهما عصي طيع
يتنازعان دموع عين مسهد ... هذا يجيء بها وهذا يرجع 1139. مصعب بن الزبير، وإبراهيم بن مالك بن الأشتر قائد جيوش مصعب، وقد ظل وفياً له بعد أن تغير عليه سائر القادة.
1140. - الترسل: إلى علائه وأبترك؛ س: نحو علائه وأبرك؛ ط: وأترك.
1141. - س والترسل: عال.
1142. - ط د: أجنب.
1143. - البيت للنابغة الذبياني، ديوانه: 45.
1144. - الترسل: ضراماً - برداً وسلاماً.
1145. - ط د: حظ نفس ونقص.
1146. - ط د: وجاشت.
1147. - الترسل: طهرنا من دنس.
1148. - لعمر بن أبي ربيعة، ديوانه: 438.
1149. - س والترسل: سقبا.
1150. - الترسل: لأبي.
1151. - الترسل: وتنسب الحكم أكثم.
1152. - فيه إشارة إلى الآية: " مطاع ثم أمين " والآية " وما هو على الغيب بضنين " (التكوير: 21، 24) .
1153. - الترسل: السيادة.
1154. - ط د س: تعريفا.
1155. - سامة بن لؤي بن غالب فقأ عين أخيه وهرب إلى عمان، فكانت منيته من نهشة أفعى (أنساب الأشراف 1: 46) .
1156. - ابن دارة واسمه عبد الرحمن بن مسافع (ابو ابن ربعي بن مسافع) هجا بني أسد كثيراً فقبضوا عليه وتشاوروا هل يطلقونه كي يمدحهم: ثم إن رجلاً منهم اغتفله فضربه بسيفه فقتله (الأغاني 21: 271) .
1157. - الترسل: ولو وقف لأسر.
1158. - من المثل: عش ولا تغتر (الميداني 1: 311) .
1159. - ط د: وبين.
1160. - ط د: فيها.
1161. - لعل صوابها: أزن.
1162. - لعلها أن تقرأ في الترسل: المرئي؛ وهو مهجو ذي الرمة.
1163. - ابن الزبير الأسدي شاعر أموي (انظر الأغاني 14: 208) .
1164. - س: عيني.
1165. - هذا نص دخيل على الذخيرة، وهو منقول عن قلائد العقيان: 187، ولم يرد إلا في ب م.
1166. - القلائد: الفضائل والمعاني.
1167. - القلائد: الوضيع على الماجد العالي.
1168. - ب م: رعية.
1169. - القلائد: ثبت.
1170. - من قول المتنبي:
لا تلق دهرك إلا غير مكترث ... ما دام يصحب فيه روحك البدن 1171. القلائد: عند.
1172. - القلائد: فنيت - وأنهيت.
1173. - ب م: صارفه.
1174. - ب م: وبقيت.
1175. - ناظر إلى قول المعري:
نقمت الرضى حتى على ضاحك المزن ... فلا جادني إلا عبوس من الدجن 1176. القلائد: يصم.
1177. - القلائد: ينظمها.
1178. - القلائد: الوارد.
1179. - القلائد: جدته.
1180. - ب م: حده.
1181. - ب م: وليحرمهم.
1182. - القلائد: الأنام.
1183. - القلائد: أيديهم -. تعديهم.
1184. - القلائد: ما لهم.
1185. - ب م: وتضيعهم وتقلهم بقلاتهم.
1186. - القلائد: بغير خمر.
1187. - ب م: وناهيه.
1188. - ب م: إنه.
1189. - القلائد: يؤدي.
1190. - القلائد: جدداً.
1191. - القلائد: أنماه.
1192. - ب م: وأرى.
1193. - انظر ترجمته في المغرب 2: 203 والمسالك 11: 450 والنفح 4: 259. وذكره صاحب القلائد: 30 وأورد له مرثية في المعتمد بن عباد.
1194. - ب م: النباهة.
1195. - ب م: المسميان؛ ط د: الشمسان.
1196. - ط د س: بالمرية.
1197. - انظر النفح 3: 535.
1198. - ط د: اكثر نحل وعدد؛ النفح: اكثر نسلاً وولد.
1199. - النفح: إذا آمنته.
1200. - ب م: المبادر.
1201. - البيتان في المسالك والنفح 3: 534.
1202. - د ط س: ووصلت.
1203. - لم يرد البيت في ديوانه المجموع.
1204. - ورد منها بيتان في المسالك.
1205. - ط س د: شان؛ ب م: شار.
1206. - ط د س: وأسود.
1207. - ط د: غصن.
1208. - ط د: نظمي ونثري.
1209. - ط د: تقدم.
1210. - زيادة من س وحدها؛ وأبو بكر هو ابن الشاعر أبي الوليد ابن زيدون، وكان وزيراً لبني عباد.
1211. - ب م: الحل القيادا؛ ط د: النقادا.
1212. - ب م: النغل.
1213. - م: بعاد.
1214. - س: العوالم؛ ط: العوازم.
1215. - س: وجلى.
1216. - هذه رواية البيت بهامش س؛ وفي ط د: مما تطاير قيصر، وثلاث يمناه؛ س: تصايد - وثلاث طبات؛ وسقط من م ب.
1217. - ب م: به، وسقطت من ط د.
1218. - ط د: لهيبتك.
1219. - المغرب: خضعت.
1220. - س: لم ترب.
1221. - ط د م ب: سبقت؛ د ط: سفيرها.
1222. - ط د: فالروم.
1223. - د ط: وأذعن؛ س: وأظعن.
1224. - ب م: سوابك؛ ط د: شوابك.
1225. - منها بيتان في المغرب.
1226. - س: حقك.
1227. - ط د س: بالعلا.
1228. - في النسخ: بانو؛ والتصويب عن البيذق: 62 وابن القطان: 230 - 231، وفانو أمه هي أخت علي بن يوسف بن تاشفين.
1229. - د ط س والمغرب: وصرامة.
1230. - ط د: قد ساطه؛ ب م: فتكاثر.
1231. - س: توجت في لبده أومت إليه؛ وبهامش س كما أثبته.
1232. - ط د: الجمال.
1233. - ط د: وتدحرجت؛ وسقط البيت من س.
1234. - انفردت س بعنوان قبل هذا وهو: أبو عبد الصمد السرقسطي.
1235. - ط د س: والتقعير.
1236. - ديوان أوس بن حجر: 57، ولم يرد إلا الأول.
1237. - ديوان امرئ القيس: 13.
1238. - ب س م: لا يجد أحداً يفض -.
1239. - ط د: فأعجب.
1240. - هو علي بن خير التطيلي، انظر النفح 3: 402.
1241. - س: غلفت؛ ط د: علقت.
1242. - ط د: فنحن.
1243. - انظر النفح 3: 403.
1244. - ط د: أسدت.
1245. - ط د: الإيجاب.
1246. - ط د س: فكانت تستهول له هذه -. ط د: وعارية.
1247. - غالب بن رباح المعروف بالحجام شاعر قلعة بني رباح الذي نوه بقدرها، ورفع من رأس فخرها؛ وقلعة رباح غربي طليطلة، سميت كذلك باسم علي بن رباح اللخمي الذي اشترك في فتح الأندلس، وقد سقطت في يد أذفونش (الفونسو السادس) سنة 476 (انظر الترجمة الفرنسية من الروض المعطار: 196) وراجع ترجمة أبي تمام هذا في المغرب 2: 40 والمسالك 11: 451 وله ذكر في رايات المبرزين وشعر في النفح.
1248. - س: قرت.
1249. - ديوانه: 169 باختلاف في الرواية.
1250. - ط د س: وهذا كقول الآخر.
1251. - ط دس: وله من قصيدة.
1252. - س: الهدى.
1253. - ط د: ممنعاً.
1254. - ب م: فحفظ.
1255. - س: العيش.
1256. - ديوان المتنبي: 526 وروايته: افترقنا عاماً.
1257. - ديوان العكوك: 76.
1258. - ديوان العباس: 231، وقد تقدم البيت الثاني على الأول.
1259. - الديوان: إذ قدمنا.
1260. - الديوان: حتى ارتحلنا فما نفرق بين المناخ.
1261. - هذه العبارة قد خضعت في جزئيها للتقديم والتأخير في ط د س.
1262. - ط د س: معنى قد تطرفه لابن شهيد حيث يقول.
1263. - ديوان ابن شهيد: 104.
1264. - انظر نفح الطيب 1: 533.
1265. - النفح: يجيد.
1266. - س: تنكح؛ ط د: تصحب خليلا.
1267. - ط د: التبر.
1268. - ب م: وما.
1269. - انظر نفح الطيب 3: 416.
1270. - النفح: شيء.
1271. - النفح: في ليلة قد لوت.
1272. - شروح السقط: 372.
1273. - ديوان الأخطل: 19 والأنواء: 36.
1274. - ط د: وصف ايلا يممت ما بين السماكين. الخ.
1275. - ب م: كبرت؛ وكبد النجم السماء: توسطها.
1276. - البيت لبشر بن أبي خازم، ديوان: 66 والأنواء: 36.
1277. - الديوان والأنواء: هذه.
1278. - ديوان الهذليين 1: 19.
1279. - د: مكبران؛ ب م: مكدان.
1280. - ديوان البحتري: 2418.
1281. - ديوان الصنوبري: 482.
1282. - البيتان لمنصور بن كيغلغ، انظر اليتيمة 1: 108 وغرائب التشبيهات: 28.
1283. - اليتيمة 2: 371.
1284. - اليتيمة 2: 340.
1285. - اليتيمة: لم أنس دجلة.
1286. - ديوان كشاجم: 111 (نسخة التيمورية) .
1287. - ب م س: كحلية.
1288. - ط د: ابن أبي رباحز
1289. - انظر نفح الطيب 3: 415.
1290. - النفح: عراها.
1291. - ط د: وقال؛ وانظر الطيب 3: 416.
1292. - ط د س: لجنب.
1293. - البيتان في مسالك الأبصار.
1294. - المقلين أو المقنين: Chardonneret.
1295. - ط: البقاع؛ د: البقاء.
1296. - البلارج: Cigogne.
1297. - ط د س: وقال في؛ والبيتان في المسالك.
1298. - ط د س: النسور؛ وانظر نفح الطيب 3: 416.
1299. - ط د س: لذتها إلا شبع (س: سبع) .
1300. - ط د: نسج.
1301. - ط د: شم.
1302. - ط د: مسموعاتها.
1303. - ط د: ابن أبي رباح.
1304. - انظر نفح الطيب 3: 415.
1305. - البيتان في مسالك الأبصار.
1306. - د: فيزيد.
1307. - انظر نفح الطيب 3: 418.
1308. - عجز بيت للمتنبي، وصدره: فان تكن تغلب الغلباء عنصرها.
1309. - ط د: وله.
1310. - سقط البيتان في د ط س، وقوله " فيها " يعني الأقلام، وانظر النفح 3: 418.
1311. - البيتان في مسالك الأبصار.
1312. - انظر نفح الطيب 3: 416.
1313. - النفح: الأقحوان رمى.
1314. - ط د س: عبقت.
1315. - ط د: غراره.
1316. - ط د: وجهك.
1317. - البيتان في مسالك الأبصار.
1318. - انظر مسالك الأبصار أيضاً.
1319. - ط د س: وقال في النهد؛ والبيتان في المسالك.
1320. - منها بيتان في المسالك.
1321. - انظر زهر الآداب: 230.
1322. - نفح الطيب 3: 418.
1323. - النفح: هيبة.
1324. - ب م: لديك؛ س: لذلك من وهن.
1325. - نفح الطيب 3: 418.
1326. - البيتان في المغرب والمسالك.
1327. - ب م: نسراً يسالمنا.
1328. - نفح الطيب 3: 418.
1329. - ب م س: به خجلا.
1330. - ط د: وبال.
1331. - منها بيتان في المغرب والنفح 3: 417.
1332. - ب م: تنظره.
1333. - هو طرسوني، نسبة إلى طرسونة إحدى مدن الثغر، وقال فيه صاحب المسهب: شاعر ممتد النفس شديد المرس قدير على التطويل، اشتهر ذكره بمدح ملك الثغر المقتدر بن هود، وجال على بلاد الأندلس (انظر المغرب 2: 457 والمسالك 11: 453) .
1334. - ب م: أيكة.
1335. - منها بيتان في المغرب 2: 457.
1336. - ب م: ملك.
1337. - ط: وتضافرت.
1338. - ب م: ملك.
1339. - ط د س: وقال.
1340. - ط د: هاد؛ ب م: هند.
1341. - ط د س: أمعتقل.
1342. - ط د س: فيقضي.
1343. - ط د: فكان.
1344. - ب م: وحال.
1345. - ط د: بعثت.
1346. - د: والوداد، وفي موضعها بياض في ط؛ س: واعتقادي.
1347. - ديوان ابن المعتز 4: 174 وروايته " تسقي قبره "؛ وزهر الآداب: 666.
1348. - ديوان أبي تمام 4: 84.
1349. - ديوان ابن المعتز 4: 148 في رثاء عبيد الله بن سليمان؛ وزهر الآداب: 666.
1350. - ديوان أبي تمام 4: 137.
1351. - الديوان: يا شقيق النفس.
1352. - ديوانه: 171 نقلا عن زهر الآداب: 667.
1353. - ب: نوى؛ م: سوى.
1354. - دوان المتنبي: 65.
1355. ب م: ومن قصيدة له أخرى يرثي.
1356. ط د: أبقى.
1357. ب م: لقد.
1358. س: بديعه.
1359. ط د س: عنه.
1360. ط د س: فيه (منه) شذاك.
1361. ط د: تنافست.
1362. ط د س: وهذا كقول ابن بسام في ابن المنجم من أناشيد الحصري؛ انظر زهر الآداب: 671.
1363. ط د س: أنشد.
1364. ط د: فجميل.
1365. ديوان طرفة: 93 من قصيدة يمدح فيها قتادة بن سلمة.
1366. ديوان ذي الرمة: 290.
1367. ط د: الفتق.
1368. ط د: الملك الضليل.
1369. ديوان امرئ القيس: 154.
1370. ديوان المتنبي: 411.
1371. ديوان امرئ القيس: 53.
1372. شرح ديوان زهير: 12.
1373. انظر نقد الشعر لقدامة، 75، 97 في التتميم والايغال.
1374. هو امرؤ القيس، ديوانه: 103 (ط. هندية) والصناعتين: 360.
1375. ديوان حسان: 40.
1376. ديوان المتنبي: 279.
1377. صدره: وقد أغتدي والطير في وكناتها.
1378. ديوان بشار: 142 (جمع العلوي) .
1379. ديوان السري: 167.
1380. ط د س: إنشاد هذا المعنى؛ وانظر ديوان المتنبي: 423.
1381. انظر نفح الطيب 1: 181، وبطرنة قرية من عمل بلنسية.
1382. ط د س: وصفه عنهم.
1383. ط د س: لحرب.
1384. د: المتفانين؛ ط: المتفايتين.
1385. ط د س: قد تضعضع.
1386. ط د: عبداً.
1387. د: فجاءني من أرسلته، وفي ط بياض.
1388. ط د س: بهذا.
1389. انظر العمدة 1: 207.
1390. ديوان كثير: 526، وينسب أيضاً لغيرهز
1391. ديوان المجنون: 300.
1392. ط د س: وإليه ذهب بقوله أبو الطيب.
1393. ديوان المتنبي: 52.
1394. ب م: يتلافاها.
1395. ديوان النابغة: 55.
1396. ط د س: وليس هذا الوجه بشيء.
1397. الأصمعيات: 97.
1398. ديوان امرئ القيس: 17.
1399. ط د: بضيح؛ س: بنضج.
1400. ط د س: واستقصاء ما يعرض.
1401. ط د س: وقد تفرق في تضاعيف هذا التصنيف من ذلك.
1402. ط د س: الغاية.
1403. ط د س: قال ابن بسام لم يقع إلي هذا الخبر في كتاب ابن حيان.
1404. ط د س: فإذا أعياني - فأنا أصفه.
1405. أورد ابن عذاري وصف المعركة (3: 252 - 253) اعتماداً على ما ذكره ابن بسام.
1406. ط د: بتنازع.
1407. ط د: منتظرين.
1408. البيان: بإغفاء.
1409. ط د: أغر.
1410. العاني الكنيع: الأسير المتقبض في قده؛ ومنه قول متمم " وعان ثوى في القد حتى تكنعا ".
1411. د: العدو؛ وفي ط: بياض.
1412. ط د: بإضمار.
1413. ط ب د س م: الخائنين.
1414. ط: المنزف.
1415. ط د: مشبههن؛ ب م: مشبهيهن.
1416. ط د س: يمشين (وهي الرواية الأصلية) .
1417. ط د: البطون.
1418. البيت للكميت في الأغاني 8: 227 والحيوان 5: 217 وديوانه 2: 53.
1419. ط د س: أخبرني.
1420. ط د س والبيان: الذعر.
1421. ط د س: قسر.
1422. ط د س: يحفظ ما.
1423. انظر ترجمته في المغرب 2: 444 والمسالك 11: 453 والخريدة 2: 308 (ط. تونس) والنقل فيها عن ابن بشرون.
1424. ورد في ب م بعد هذا: " وكان الوزير الفقيه أبو عبد الله بن إبراهيم سويداء قلب ذلك الإقليم - من شدة " وستأتي بعد ص: 865 - 866 ولهذا أسقطتها من هذا الموضع.
1425. ط س د: عند.
1426. وذلك أن الوزير - لمته: لم ترد في د ط س، وورد في موضعها " وذلك أنه أراد أن يدخلني "، والسياق في ب م مخالف لطبيعة الرسالة إلا إذا حمل محمل التهكم.
1427. ط د: ما.
1428. د ط: بينه.
1429. ط د: وضمن.
1430. من إنشاء -. عصره: سقط من ط د.
1431. ط د س: فاختفت.
1432. ط د: سكانها.
1433. ط د: على.
1434. هذا البيت والذي يليه لأبي الفتح البستي (اليتيمة 4: 314 والتمثيل والمحاضرة: 183) وأوردها صاحب المسالك للأصيلي خطأ.
1435. ط د س: بعمل؛ ط د: الطاغوت.
1436. ب م: أفنش.
1437. ب م: طائعاً.
1438. ط د: تورطت؛ ب م: تدرطت.
1439. ط د س؛ إلى بلاد - كما ترى.
1440. ط د: حلي.
1441. سقط البيت من ط د، وفي موضعه: " ومنها ".
1442. ط د س: ملابس.
1443. ب م: به، وسقط من ط د س.
1444. وردت هذه الفقرة موجزة في د ط س.
1445. جاء في د ط س بعد هذا: " وكان اعتمد مخاطبته غلاماً وسيماً يسمى عيسى فراجعته - الخ "
1446. ط د: قلت فيها.
1447. ط د س: وله من قصيدة مخمسة - اندرج له فيها قصيدة المتنبي؛ والأبيات المضمنة من قصيدة للمتنبي في ديوانه: 174 - 178.
1448. بعد هذا في ط د س: وفيها يقول.
1449. ط د: بي.
1450. في النسخ: يفوته.
1451. ط د س: وقتل بها ظلماً.
1452. ط د: بعده.
1453. ط د س: يشق سرده أضربت عنه لبعض الأمر.
1454. منها ثلاثة أبيات في المغرب.
1455. المغرب: أرمل.
1456. ط د س: ولكن عظيم.
1457. خرج عن القيروان سنة 447 واستوطن برجة من ناحية المرية، وكان شاعر وقته غير مدافع، وله تواليف في الأمثال والأخبار والآداب والأشعار، توفي عصر الثلاثاء منتصف ذي القعدة سنة 534 (انظر الصلة: 129 والقلائد: 252 والمطرب: 71 والمغرب 2: 230 وبغية الملتمس رقم: 610 والخريدة 2: 171 (ط: تونس) والنفح 3: 395) .
1458. ط د س: في القسم الرابع.
1459. ط د س: وذكر فيها.
1460. ط د س: وقاس(6/913)
582 - في المغرب 2: 447 أبو الطاهر يوسف بن محمد الاشكركي؛ وفي ب م: الاسكوري؛ س: الأشكديري، وورد مرة أخرى في المغرب: 433 الاشكورتي، وقال فيه إنه إمام في اللغة وكان له جاء عند ملوك الثغر بني هود وأكثر أمداحه في المعتصم بن صمادح ملك المرية.
583. - منها أربعة أبيات في المغرب 2: 448.
584. - منها أربعة أبيات في المغرب.
585. - هنا تنتهي النسخة ب، وقد سقطت منها ورقتان على الأكثر.
586. - منها بيتان في المغرب.
587. - المغرب: ورائد.
588. - انظر ما تقدم ص: 492.
589. - ط د: تقضته.
590. - ط د: بينهم.(6/914)
مقدمة المحقق
جعل ابن بسام هذا القسم الرابع من الذخيرة - وهو أخر الأقسام - في جزئين واضحين دون أن يصرح بذلك، ويتناول الجزء الأول منهما الشعراء الطارئين على الأندلس من المشرق والقيروان وصقلية، ويشمل الثاني ثلاثة عشر شاعرا من شعراء المشرق والقيروان، تخيرهم تحكما، وقد أحس هو بذلك عندما ترجم لابن قاضي ميلة من الشعراء " الأنموذج " دون رفاقه ممن ضمهم ذلك الكتاب فقال: " ولعلَ بعض من يتصفح كتابي هذا يقول إن شعراء الأنموذج مائة شاعر وشاعرة وأكثرهم كان في المائة الخامسة من الهجرة - أفلا ذكرهم عن أخرهم - وماله اقتصر على بعضهم دون سائرهم - " وعاد يعتذر عن ذلك بما قاله في المقدمة وهو انه احتذى فعل أبي منصور الثعابي، في اليتيمة، وإنما وجد بين يديه قطعة من شعر الأندلسيين فأدرجها في كتابه، وهو لا يدرك تفاوت الزمن بين أصحابها.
ولقد راعيت في نشر هذا القسم تلك التجزئة الطبيعية، ففي هذا الجزء تراجم الطارئين وفي الجزء التالي ترد تراجم المشارقة المقيمين، رغم أن الجزءين قد يجمعان لصغر حجمهما في مجلد واحد، ولمل كانا متباعدين في المادة وجدت من المفيد صنع فهارس مستقلة لكل منهما على خلاف ما صنعته في الأقسام الثلاثة السابقة.
وقد اعترضني في تحقيق القسم الرابع هذا صعوبة لم أجد لها حلا، أوقفتني بين المضي في العمل أو التوقف عنه، وذلك أنى لم أجد منه سوى مخطوطة(7/1)
واحدة وهي نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم 1350، ومادة هذا القسم تقع بين الصفحة 30 والصفحة 194؛ وفضلا عما يمثله انفرادها من صعوبة في العمل فإنها ليست حسنة الضبط أبدا، كما أن الترقيم فيها رغم تسلسله وعدم انقطاعه غير صحيح لأنه فد سقط منها ورقة ضاع بسقوطها أخر ترجمة جلال الدولة وأول ترجمة ابن أبي الشخباء، أقول " ورقة "، وهذا من حسن الظن، فربما كان ما سقط يزيد على هذا المقدار. وقد اخترت المضي في التحقيق، رغبة في أن أجد الذخيرة قد اكتملت وان ابلغ بما عزمت عليه آخر الشوط، بعد اليأس من العثور على مخطوطات أخرى من هذا القسم.
وفي سنة 1945 قامت لجنة مؤلفة من الأساتذة عبد العزيز احمد الأهواني وعبد القادر القط ومحمد عبده عزام تحت إشراف الدكتور عبد الوهاب عزام بنشر جانب من هذا القسم شمل حتى نهاية ترجمة عبد الكريم ابن فضال القيراوني المعروف بالحلواني (أي حتى ص 300 من هذه الطبعة) اعتمادا على هذه النسخة الوحيدة التي لم أجد لدي أيضا سواها؛ وفي مقدمة تلك الطبعة إشارة إلى كثرة التحريف والتصحيف في هذه النسخة، ولكن الجهد الذي بذله المحققون الفضلاء قد أعانني كثيرا في عملي هذا، وإن كنت قد خالفتهم في بعض القراءات؛ واهتديت إلى حل بعض المشكلات على ضوء مصادر لم تكن متيسرة لديهم حينئذ.
ولست أشك في ان هذا العمل لا يحظى لدي بالرضا الكامل، وعسى أن تسعفنا الأيام بالعثور على نسخ أخرى تعين على مزيد من الضبط والتدقيق، والله الموفق.
بيروت في أول يونيه (حزيران) 1978 إحسان عباس(7/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ذكر الكتاب الوزراء، والأعيان الأدباء والشعراء، الوافدين على جزيرة الأندلس، والطارئين عليها، من أول المائة الخامسة من الهجرة إلى وقتنا هذا الذي هو سنة اثنتين وخمسمائة، واجتلاب ما بلغني من نوادر أخبارهم، وشوارد أشعارهم، مع ما يتعلق بها، ويذكر بسببها
قال علي بن بسام: قد استوفيت في ثلاثة أقسام، جملة مما انتهى إليّ من محاسن النثر والنظام، لمن نشا بالجزيرة من الأعيان والأعلام، من أول تاريخ هذا المجموع إلى وقتنا. ولنعقب ذلك بحول الله وتأييده بذكر من هاجر إليها من تلك الآفاق وطرأ عليها من شعراء الشام والعراق، ممن تبحبح ذراها، وتسربل نعامها، ونجم في أفلاكها. وخيم في ظلال أملاكها. ولم آتي إلى هذا الفرقة من أرباب هذا الفن الذي أنا في إقامة أوده. متعززا من ذلة، ولا مستكثرا من قلة، ولا لأني لم أجد من أعيان وزرائنا وكتابنا من هو أبعد غاية، ولا أبهر آية، ولكنهم أسندوا إلى أعلامها، وترددوا بين جميمها وجمامها، فصاروا من أهلها بالوفادة عليها. وخلع أوطانهم(7/7)
إليها؛ مع أن هذه الطائفة لم يسم إلا بالأندلس ذكرهم، ولا طار إلى بمدح ملوكنا شعرهم؛ وكم من شعرائنا ممن عاصرني ولم اسمع بذكره، إلى وقع علي شيء من شعره، ولعله يبلغ المرء جهده، والإحاطة لله وحده.
وقد أثبت هذا القسم طرفا من كلام أهل المشرق، وإن كانوا لم يطرأوا على هذا الأفق، حذو أبي منصور الثعالبي؛ فانه ذكر في يتيمته نفرا من أهل الأندلس فعارضته او ناقضته، والأدب ميدان يليق به المتاح، ويستحسن فيه الجماح.
فصل في ذكر الأديب اللغوي أبي العلاء صاعد بن حسن البغدادي،
وإثبات جملة من نظمه ونثره، مع ما يتعلق من الأخبار السلطانية بذكره
هو صاعد بن الحسن بن عيسى، البغدادي تربة، والطبري أصلا، والربعي نسبا، ينتمي في ربيعة الفرس، وكان طلع على أفاق الجزيرة أيام المنصور محمد بن أبي عامر نجما من المشرق غرب، ولسانا عن(7/8)
العرب أغرب. أبده من رأى وسمع. وأذكى من طار ووقع. فأراد المنصور أن يعفي به أثار أبي علي البغدادي الوافد على بني أمية قبله. وهزه لذلك فألفى سيفه كهاما. وسحابه حماها، ومن رجل يتكلم بملء فيه، ولا يوثق على ما يذره وما يأتيه.
وقد أجرى ابن حيان ذكره فقال: ولمل دخل قرطبة دفعوه بالجملة عن العلم بالغة، وأبعدوه عن الثقة في عمله وعقله ودينه، ولذلك ما رضيه أحد من أهلها أيام دخوله إليها، ولا رأوه أهلا للأخذ عنه ولا للإقتداء به. وغرقوا كتابة المترجم - ب - " الفصوص " - فها هو إلى اليوم في نهرهم يغوص.
وقد أتيت أنا بلمع من إعجابه، وأوردت غرائب من أكاذيبه، وتخللت أثناء ذلك جملة من نظمه ونثره، مما شهد على ثبوت قدمه وشهرة تقدمه.(7/9)
فصول من نثره في أوصاف شتى
اتصل أول دخوله الأندلس بالوزير عبد الله بن مسلمة. فلما نكب استعطف له الوزير أبا جعفر بن الدب ليشفع له عند الخليفة سليمان وخاطبه في ذلك بعدة رسائل. فكانت رقى لم تنفع، ووسائل لم تنجح [31] .
منها فصل يقول فيه: لما جمع الله طوائف الفضل عليك. وأذلق بك الألسن، وأرهف فيك الخواطر، ورفرف عليك طير الآمال، ونفضت إليك علائق الرحال، لم أجد لأبن مسلمة حين عضة الثقاف، وضاق به الحناق، وانقطع به الجاء، وكبا به الدهر. ملجأ غيرك. فعطفك على واله نبه النحس من سنة السعد، وأيقظته الآفات من رقدة الغفلة، ورشقته سهام الزمان بصنوف الامتهان، حتى لقب المنية أمنية، وسمى الموت فوتا. ومن لم يكتب له الدهر سجلا. ولا عقد له آمنا، ولا أشهد على نفسه ثقة، فليكن منه على حذر، ومن نبوته على يقين الخبر، وليعلم أن اصطناع المعروف يكافئ المرء في سمعه وبصره. ويلقاه في طريقه، ويحول بينه وبين محاربه، ويجازيه في أهله وولده. ويصحبه في اغترابه عن بلده.
وفي فصل منها: فحنانك عليه وعلي فيه، وأذكر تعلق الآمال به وتعلق أمله بك، وحاجة الرؤساء إليه وحاجته إليك، وحشدت لك القول، والله تعالى خلق الدنيا بحرفين، وأن الكلمة لترقأ الدم، والرقية لتخرج الحية من مكمنها، فإن خبت من طلابك نثرا قلت نظاما:(7/10)
يا أحمد بن سعيد العلم الذي ... أوفى فللحدثان عنه زيل
أخذ العقاب من أبن مسلمة الذي ... حكم القضاء به وغالت غول
لم تبق غير حشاشة إن أدركت ... خلصت وأن أسلمت فهو قتيل
بيدك بعد الله فك إساره ... وعليك في استنقاذه التعويل
فارحم أنين أبي بنات لم يصب ... لدموعهن على الحدود مثيل
أسف الفراخ على كفيل كاسب ... أودى فليس لهن بعد كفيل
فأجعله في يمنى يديك فإنها ... سور تحوط المستجير وغيل
ما ذنبه إلا الزمان فإنه ... رخو اليدين بما يحب ملول
كالمرأة الورهاء تنقض غزلها ... والشاة تملأ قعبها وتميل وله من أخرى إلى مجاهد يصف ظهوره إلى خيران واسرة لجماعة من الصقلب:
كتابي وأنا مستطار فرحا. ومستوفز مرحا، بالغادي والرئح علي من البشائر التي تسمع الصم. وتنطق البكم، بعدو نجا بعد ما ظن ان ليس ناجيا، وخنزواني أقبل في صفاده عانيا. صنعا من الله أساله ضارعا أن يجعله عندك راسيا، وعليك مخيما، فإن الذي أوي إليه من تطولك يبدي ولوعا ويغري بالنزاع إليك. والنزوع نحوك. [وما هما(7/11)
أنشدنيه باليمين أبو الغزور الأعرابي لنفسه وقد حج أبنه فقال يذكر شوقه أليه:
ألا ليت لي عينان تطلعان ... على النأي أحيانا وتنصرفان
فإن كان سرا وعرفته ... وإن كان شرا ظلتا تكفان:ولما أتتني إحدى خرائطك الجزيلة، وتبادرت التباشير باحتلال المركب، كاد الفرح يقضي علي، وينزع التماسك من يدي، ولولا أني ثبت النحيرة، ومحصد المريرة، لكنت كأن أم أبي مزبد إذ بعث إليه يحيى بن خالد غلاما، فقال لها: يا أمه! وهب لي يحيى " غ " قالت: وما " غ " - قال: لا قالت: وما " لا " - قال: [" م "] وطبق الميم على شفتيه، فضرطت، فقال الحمد الله، لولا تقطيع الحروف لخريت. فحضرني إذا عند ورود المال ما كتبت به:
أتتك الحريطة والمركب ... كما اقترن السعد والكوكب
فقالوا من الواهب المستقل ... عقائل يعيا بها الحسب
فقلت في أصفري النجار ... يروع به المشرق المغرب(7/12)
يحكك أسيافه بالردى ... كما حك بالهانئ الأجرب
فلولا شجاعته ما نجى ... ولكنه حول قلب
بصير بتوسيع سبيل الفرار ... إذا ضاق بالمرهق المهرب ومنها:
هناك أبى الجيش من جيشه ... أسارى كأنهم الربرب
يرق عليها السنان الحقود ... ويرحمها الصارم المغضب
وهم يخضبون صدور القنا ... وأنملهم بضة تخضب
ولم أر من قبلهم فارسا ... يليق به الحلي والمذهب
فإن شات أن يَركبوا يركبوا ... وأن شئت أن يُركبوا يُركبوا ينظر هذا بناظر مريب. إلى قول حبيب:
قد جاءنا الرشأ الذي أهديته ... خرقا ولو شأنا لفلنا المركب ومن أناشيد الثعالبي في معناه: [32]
ونساء لمطمئن مقيم ... ورجال إن كانت الأسفار وقوله " يرق عليها السنان " - البيت، كقول بعض أهل العصر:
لعلك يوما ذاكري في ملمة ... يلين بها قلي الأسير على القد(7/13)
واراه قلب قول أبي الطيب:
وغيظ على الأيام كالنار في الحشا ... ولكنه غيظ الأسير على القد وأرى أبو الطيب ألم بعض الإلمام. بقول أبي تمام:
يلحضه في جده وهزله ... لحظ الأسير حلقات كبله جملة أخبار نوادر، جرت له مع المنصور بن أبي عامر
أجتمع عند المنصور ابن أبي عامر أعيان الأوان كالزبيدي والعاصمي وابن العريف ومن سواهم، فقال لهم المنصور: هذا الرجل الوافد علينا صاعد يزعم انه متقدم في هذه الآداب التي انتم سرجها الضاحية، وأهلتها السارية، واحب أن يمتحن ما عنده. فوجه إليه، ودخل والمجلس قد أحتفل فخجل، فرفع المنصور مجلسه وآنسه، وسأله عن أبي سعيد السيرافي، فزعم أنه لقيه وقرأ عليه كتاب سيبويه. فبادره العاصمي بالسؤال عن مسألة من الكتاب، فلم يحضره فيها من جواب.(7/14)
وأعتذر أن النحو ليس جل بضاعته، ولا رأس صناعته، فقال له الزبيدي: فما تحسن أيها الشيخ - قال حفظ الغريب. قال: فما وزن أولق - فضحك صاعد وقال: أمثلي يسأل عن هذا - إنما يسأل عنه صبيان المكتب. قال الزبيدي: صاحبكم ممخرق! قال له صاعد: وبضاعتي أنا حفظ الأشعار، ورواية الأخبار، وفك المعمى. وعلم الموسيقى. قال فناظره أبن العريف فظهر عليه صاعد، وجعل لا يجري في المجلس كلمة إلا وأنشد عليها شعرا شاهدا، أو أتى بحاكية تجانسها، فأزداد المنصور عجبا. ثم أراه كتاب النوادر لأبي علي فقال: إذا أراد المنصور أمليت على مقيدي خدمته وكتاب دولته كتابا ارفع منه قدرا، واجل خطرا، [لا] لا أدخل فيه خبرا مما أدخله أبو علي. فأذن له المنصور في ذلك، وجلس بجامع مدينة الزاهرة يملي كتابه المترجم ب - " الفصوص ". فلما أكمله وتتبعه أدباء الوقت، لم تمر فيه كلمة زعموا صحتها عندهم، صحتها عندهم، ولا خبر ثبت لديهم، فقالوا للمنصور: رجل [مقتدر] على تأليف الكذب، [ ... ] من عيون الأدب، يسندها إلى شيوخ لم يرهم ولا أخذ عنهم، حتى إنهم كلفوا المنصور أن يأمر بتسفير كاغد أبيض وتغيير وجهته ليدل على القدم، ففعل وترجم على ظهر ذلك السفر بكتاب " النكت " تأليف أبو الغوث الصنعاني. فترامى إليه صاعد حين رآه، وجعل يقلبه، وقال: إني والله قرأته بالبلد الفلاني(7/15)
على الشيخ أبي فلان، وهذا خطه، فأخذه المنصور من يده خوفا أن يفتحه، وقال له: إن كنت رأينه كما تزعم فعلام يحتوي - قال: ورأسك لقد بعد عهدي به ولا أنص به شيئا، ولكنه يحتوي على لغة منثورة لا يشوبها شعرا ولا خبر. فقال له المنصور: أبعد الله مثلك! فما رأيت الذي هو أكذب منك. وأمر بإخراجه وأن يقذف بكتاب " الفصوص " في النهر، وفي ذلك يقول بعض شعراء العصر:
قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا قل ثقيل يغوص فجاوبه صاعد بقوله:
عاد إلى معدنه إنما ... توجد في قعر البحار الفصوص قال ابن بسام: وما أحسب أن أحد يجترئ على إخراج تصنيف، وإبداء تأليف، يضيق عنه التعديل، ويدفع في صدره النقد والتحصيل، لا سيما وأن صاعد علم أن قرطبة - حسب ما ذكرنا - ميدان جياد، وبلد جدال وجلاد، ولكنه أشترط غير المشهور، فلم يظفروا منه بكثير، وأعانهم هو على نفسه بما كان ينفق به من تنحله وكذبه. ولم يكن عند ابن أبي عامر تحرير ولا بصر بالنقد مشهور؛ وإلا فليس يحلو كتاب " الفصوص " المذكور من غريبة مسموعة، ولا من فائدة رائقة بديعة، ولكنه خبر وجدناه فنقلناه.(7/16)
وأدخل على المنصور يوما وردة في غير ايامها؛ لم تستتم فتح كمامها. فقال فيها صاعد على الارتجال:
أتتك أبى عامر وردة ... يذكرك المسك أنفاسها
كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأكمامها رأسها فسر بذلك المنصور، وكان أبي العريف حاضرا، فحسده وجرى إلى مناقضته، وقال لأبن أبي عامر: أن هذه البيتين لغيره، [33] وقد أنشدنيهما بعض البغداديين بمصر نفسه، وهما عندي على ظهر كتاب بخطه. فقال له المنصور: أرنيه. فخرج أبن العريف وركب وجعل يحث حتى أتى مجلس أبن بدر، وكان أحسن أهل وقته بديهة، فوصف له ما جرى فقال:
عشوت إلى قصر عباسة ... وقد جدل النوم حراسها
فأليفتها وهي في خدرها ... وقد صرع السكر أناسها
فقالت: أسار على هجعة - ... فقلت: بلى، فرمت كاسها
ومدت يديها إلى وردة ... يحاكي لك الطيب أنفاسها
كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأكمامها رأسها
وقالت: خف الله لا تفضحن ... في ابنه عمك أنفاسها
فوليت عنها على عفة ... وما خنت ناسي ولا ناسها فطار أبن العريف بها وعلقها على ظهر كتاب بخط مصري(7/17)
وروى وتحيل بوداد أشقر. ودخل بها على المنصور، فلما رآها أشتد غيظا على صاعد وقال: غدا أمتحنه. فأن فضحه الامتحان. لم يبق في موضع فيه سلطان. فلما أصبح وجه عنه بمجلس حفل. وقد أعد طبقا من سقائف من ضروب النواوير، وصنع على السقائف جواري ياسمين، وتحت السقائف بركة ماء حصاها اللؤلؤ. وكان في البركة حية تسبح. فلما دخل صاعد مثل الطبق بين يديه، فقال له المنصور: إن هذا يوم أما أن تسعد فيه معنا، وإما بالضد عندنا، لأنه قد زعم ق - م أن كل ما تأتي به دعوى، وقد وقعت من ذلك على حقيقة. وهذا طبق ما توهمت أنه مثل بين يدي ملك قبلي في شكله. فصفه بجميع ما فيه. فقال صاعد بديهة:
أبى عامر هل غير جدواك واكف ... وهل غير من عاداك في الأرض خائف
يسوف إليك الدهر كل عجيبة ... وأعجب ما يلقاه عندك واصف
وشائع نور صاغها هامر الحيا ... عليها فمنها عبقر ورفارف
ولما تناهى الحسن فيها تقابلت ... عليها بأنواع الملاهي الوصائف
كمثل الضباء المستكنة كنسا ... تضللها بالياسمين السقائف
وأعجب منها أنهن نواظر ... إلى بركة ضمت إليها الظرائف
حصاها الآلي، سابح في عبابها ... من الرقش مسموم اللعابين زاحف
ترى ما تشاء العين في جنباتها ... من الوحش حتى بينهن السلاحف فاستغربت له يومئذ تلك البديهة، وكتبها المنصور بخطه. وكان إلى(7/18)
ناحية سقيفة فيها جارية تجذف بمجاذف ذهب لم يرها صاعد، فقال له المنصور: أجدت إلا أنك لم تصف هذه الجارية، فقال:
وأعجب منها غابة في سفينة ... مكللة تصبوا إليها المهايف
إذا راعها موج من الماء تتقي ... بسكانها ما أنذرته العواصف
متى كانت الحسناء ربان مركب ... تصرف في يمنى يديها المجاذف
فلم تر عيني في البلاد حديقة ... تنقلها في الراحتين المناصف
ولا غرو أن شاقت معاليك روضة ... زهتها أزاهير الربى والزخارف
فأنت أمرؤ لو رمت نقل متالع ... ورضوى من ذرتها من سلطانك العواصف
إذ قلت قولا أو بدهت بديهة ... فكلني لها أني لمجدك واصف فأمر له المنصور بألف دينار ومائة ثوب، ما بين غلائل وطيقان وعمائم، وأجرى عليه المراتب من ذلك اليوم ثلاثين دينار، وألحق في ديوان الندماء مع زيادة الله بن مضر الطبني وأبن العريف وأبن التياني وغيرهم. والحسد موروث، وقديم لا حديث، وليس في الحيوان، أخبث في ذاته من الإنسان.(7/19)
وأذكر بفعلة أبن العريف في صاعد بعض ما منيت أنا به في خبر هذا التصنيف مع غير واحد من أهل وقتي، إذ سردت في بعض قصصه كلام ابن حيانهم، وكان على ما نقدم في وصفه متكلم أوانهم، فلما أعوزني لفظه في بعض ما سقت، ولم أجده في كل حديث نسقت. رجعت إلى نحيزتي، واستمطرت غريزتي. وماؤها جامد، ورمادها هامد، كما قال سابق:
أخلقت جدتي وبان شبابي ... واستراحت عواذلي من عتابي وأنا يومئذ بإشبيلية، أتصرف مضطرا في بعض الأعمال السلطانية. والكلام إذا لم يحكه قلب فارغ، ولم يسبكه لب من ظلماء الشغل بازغ. لو يرق تطريزه، ولم ينفق أبريزه. وعلى ذلك لما أندرجت لي فيه كلمات رائقات، في أوصاف مختلفات، وبلغت فيه أمد المراد، بألفاظ أعيان ومعان فراد، انثال علي فيه الكلام، انثيال الغمام، قالوا: نعم ما صنف أبن بسام وأتقن لو يستعن، وما أحسن ما قصص، لو لم يتلصص. ولله درهم [34] فالد أماء لا يزيد من القري، وذكاء لا تضيء من الدري. بل دردر أبي الطيب من شاعر نطق بالبدي، وجرى على عتق جده الكندي، فسبق، واستولى على الأمد بقوله إذ صدق:
أتيت بمنطق العرب الأصيل ... وكان بقدر ما أحسست قيلي(7/20)
فعارضه كلام كان منه ... بمنزلة النساء من البعول
وليس يصح في الأوهام شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل رجع:
وخرج المنصور مع صاعد يوما إلى رياض الزاهرة، فمد يده إلى شيء من الترنجان فعبث به ورماه إليه معرضا أن يصفه فقال:
لم أدر قبل ترنجان عبث به ... أن الزمرد قضبان وأوراق
من طيبة سرق الأترج نكهته ... يا قوم حتى من الأشجار سراق
كأنما الحاجب المنصور علمه ... فعل الجميل فطابت منه أخلاق
من ليس يقعده من سؤدد قدم ... ولا تقوم له في سوأة ساق وله في الخيري:
بعثت إليك من خير داري ... محزمة كأوراق العقيق
توكل بالعزوف على التصابي ... وتصطاد الخليع من الطريق وصاعد القائل:
لي من سر بني العب ... اس خل وجليس
شهد المجد عليه ... أنه العلق النفيس
فإذا جالسته لم ... تدر من منا الجليس(7/21)
وهذا كقول أبن زرارة:
لي صديق. غلطت، بل لي مولى ... من لمثلي بأن يكون صديقي!
يتلقى التقاء روح بروح ... بضروب التقبيل والتعنيق
ليس في الارض من يميز منا ... عاشقا في اللقاء من معشوق وقال:
قلت له والرقيب يعجله ... مودعا للفراق أين أنا -
فمد كفا إلى ترائبه ... وقال سر وادعا فأنت هنا وأنشد المنصور يوما قصيدة أبي نواس " إجارة بيتينا أبوك غيور " فعرض عليه أن يعارضه. فأبي صاعد من ذلك إجلالا لأبي نواس، فعزم عليه المنصور فأنشده متمثلا:
أني لمستحي علا ... ك من ارتجال القول فيه
من ليس يدرك بالروي ... ة كيف يدرك بالبديه فلم ينفعه ذلك عنده، ومكث فيه يوما بقية يومه وليلته. وجاء من الغد فأنشده قصيدته التي أولها:
خدال البرى أني بكن بصير ... طوتكن عني خلسة وقتير [ومنها] :(7/22)
وباتت كما باتت مهاة خميلة ... لها جؤذر عند الصراة عقير
وقد أكلت أشلاؤه فكأنها ... مقسمة عند القداح جزور
كما بغمت من شجوها أم واحد ... أتيح لها مثل الزجاج طرير
لدن غدوة حتى صغت شمس يومها ... وفي أبريها رنة وزفير
تسوف ثراه عن مشق إهابه ... كأن أسابي الدماء عتير قال أبن بسام: وصاعد على تتايعه في الكذب، ولجاجته بين الامتهان وسوء الأدب، قد أخذ بطرف من الترفيق، وخلا بجانب من لقم الطريق، ألا تراه كيف صرح باليأس، عن شق غبار أبي نواس ولكن ابن أبي عامر حمله على الغرر، وعرضه لسوء الخبر، ولعله ذهب إلى قول أبي الطيب:
بلغت بسيف الدولة النور رتبة ... أنرت بها ما بين غرب ومشرق
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق ... أراه غباري ثم قال له: الحق وذكرت بهذا الخبر ما وصف عن أبي عبد الله بن شرف، وذلك لنه قال يوما للمأمون أيام خدمته إياه، واستشفافه صبابة عمره(7/23)
في ذراه، وقد أجروا ذكر أبي الطيب، فذهبوا في تأبينه كل مذهب: إن راى المأمون - لا فارق العزة والعلاء - أن يشير إلى أي قصيدة شاء. من شعر أبي الطيب حتى أعارضه بقصيدة تنسي أسمه، وتعفي رسمه، فتثاقل أبن ذي النون عن جوابه، علما بضيق جنابه، وإشفاقا من فضيحته وانتشابه. وألح أبو عبد الله حتى أحرج أبن ذي النون وأغراه؛ فقال له: دونك قوله: " لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ". فخلا بها ابن شرف أياما فوجد مركبها وعرا، ومريرتها شزرا، ولكنه أبلى عذرا، وأرهق نفسه من أمره عسرا، فما قام ولا قعد، ولا حل ولا عقد. وسئل أبن ذي النون بعد: أي شيء أقصده إلى تلك القصيدة [35]- فقال: لأن أبي الطيب يقول فيها: " بلغت بسيف الدولة النور " وأنشد البيتين وهذه غريبة ولو صدرت عن أبي العباس المأمون، فضلا عن منتزع لقبه يحيى بن ذي النون. وقدما كبا الجموح، وذهبت بالباطل الريح؛ ولم يندم من بني على أسه، ولا هلك من عرف قدر نفسه.
وقد حدثت أيضا أن أبي علي بن رشيق ناجى نفسه بمعارضة أبي الطيب في بعض أشعاره، وراطن شيطانه بالدخول في مضماره، فأطال الفكرة، واعمل النظرة بعد النظرة، فأختار من شغره ما لم يطر ذكره ولا لحظ قدره، فأداه جهده، وذهب به نقده، إلى معارضة قوله: " أمن أزديارك في الدجى الرقباء ". فبث عيونه، وأستمد ملائكته وشياطينه، ولم يدع ثنية حتى طلعها، ولا خبيثة إلا أطلعها(7/24)
ولا روية إلا واتسع لها فوسعها؛ ثم صنع قصيدة - فيما بلغني - رأى إنها مادة طبعه، ومنتهى طاقة وسعه؛ ثم حكم نقده، ورضي بما عنده، فرأى أن قصرت يداه، وقصر مداه، وعلم أن الإحسان كنز لا يوجد بالطلب، وميدان لا يستولي عليه التعصب، وصان نفسه ان يحدث عنه بأن تكون الهرة أحسن منه.
وقد ذكر عن صاعد، أنه أفتضح في سرقة شعر غير واحد من أهلك تلك ألافاق، من شعراء الشام والعراق، إذ كان ورد بها وهي بغبار السفر، فأشتهر بها في غير ما شعر وخبر. منها قوله يصف إبريقا قد ملئ منه كأس وبقيت في فمه نقطة لو تسقط:
وقهوة في فم الإبريق صافية ... كدمع مفجوعة بالإلف معبار
كان إبريقا والراح في فمه ... طير تناول ياقوتا بمنقار فكانوا يولعون بهذا التشبيه، كما قاله - زعم - على البداية، وإنما نقل لفظ أبي البركات العلوي مما أنشده الثعالبي:
كأنما إبريقا طائر ... يحمل ياقوتا بمنقار او قول أبي الفرج الببغاء من أرجوزة خاطب بها الصابي:
كأنما الحبة في منقارها ... حبابة تطفوا على عقارها(7/25)
وكان صاعد مع ما قدمته من صفته بديع الجواب حاضره، طيب المعاشرة، فكه المجالسة، ممتعا محسنا للسؤال. حاذقا في استخراج الأموال. دخل على المنصور يوم أنس وقد تقدم وأتخذ قميصا من رقاع الخرائط التي وصلت إليه فيها صلاته ولبسه تحت ثيابه، فلما خلا المجلس ورأى فرة لما أراد، تجرد وبقي في القميص المخيط من الخرائط، فقال له: ما هذا - قال: هذا رقاع صلاة مولانا اتخذتها شعارا، وبكى، وأتبع ذلك من الشكر بما استوفاه. فأعجب به المنصور وقال له: عندي مزيد.
وحكي عنه أنه لم يحضر بعد موت المنصور مجلس أنس لأحد ممن ولي بعده، وادعى وجعا لحق ساقه.
وكان صاعد كثيرا ما يمدح بلاد المشرق بمجلس المنصور، ويباهي بأخبارها، ووصف أشربتها وأديارها، فكتب الوزير أبو مروان عبد الملك أبن شهيد إلى المنصور في يوم قر بهذه الأبيات:
أما تر برد يومنا هذا ... صيرنا للكمول أفذاذا
قد فطرت صحة الكبود به ... حتى لكادت تعود أفلاذا(7/26)
فأدع بنا للشمول مصطليا ... نغذ سيرا إليك إغذاذا
وأدع المسمى بها وصاحبه ... تدع نبيلا وتدع أستاذا
لو معبدا أو عريضة لحقا ... لكان عن ذا وذاك أخاذا
ولا تبال أبي العلاء زها ... بخمر قطربل وكلواذا
ما دام من أرملاط مشربنا ... من دير عما وطيزناباذا! - وكان المنصور قد عزم ذلك اليوم على الانفراد بالعيال، فأمر بإحضار الأصحاب، واحضر الوزير أبا مروان، وأخذوا في شأنهم، فمر لهم يوم من الطيب لم يشهد، وألونة من اللهو لم تعهد، وطما الأمر وسما حتى تصايح القوم وتزافنوا، ودار الدور، ثم انتهى إلى الوزير ابن شهيد، وكان لا يطيق القيام لنقرس كان يلازمه، فأقامه الوزير أبو عبد الله بن عياش، فأرتجل الشيخ أبياتا جعل يقود بها وينشد:(7/27)
هاك شيخا قاده عذر لكا ... قام في رقصته مستهلكا
لم يطق يرقصها مستثبتا ... فأنثى يرقصها مستمسكا
عاقة من هزها معتدلا ... نقرس أنحني عليه فاتكا
طرب اللهو وقد حق له ... طربا أرمضه حتى أشتكى [36]
من وزير فيهم رقاصة ... قام من طيب يناغى ملكا
أنا لو كنت كما تعرفني ... قمت إجلالا على رأسي لكا
قهقه الإبريق مني ضحكا ... ورأى رعشة رجلي فبكى وكان أيضا في أصحاب ابن شهيد رجل بغدادي يعرف بالكك، له نوادر تضحك، فحضر معه في بعض مجالس النس، وقد ألح عليه وجع النقرس فجعل يصلي الصلوات كلما حانت واحدة بعد أخرى جالسا، وكان عنده ذلك اليوم أحد أصحاب المنصور ممن يعز عليه ويكرم لديه، فلما حمي الوطيس، وانس الجليس، وطاب المجلس، ودارت الأكؤس، ونسيت أوجاع النقرس، وقام ذلك الصاحب الجليس يرقصن ودار الدور حتى انتهى إلى ابن شهيد، فقام يرقص معتمدا على عادته، فقال له البغدادي: لله درك يا وزير! تصلي بالقاعدة وترقص يا لقائمة! فطاب المجلس بهذا الكلام، وتم حسنه أكمل تمام(7/28)
وخلع ابن شهيد على الكك، وانتهى الخبر إلى المنصور، فذهب به كل مذهب الضحك.
وكان ابن أبي عامر كثيرا ما يرتاح اليه، ويوالي الإحسان اليه؛ أنصرف مرة من غزوة تخلف عنها أبن شهيد لعذره، فكتب إليه من جملة أبيات:
أنا شيخ والشيخ يهوى الصبايا ... فبنفسي أقيك كل الرزايا
ورسول الإله أسهم في الفي ... ء لمن لم يحث فيه المطايا فأجابه أبن لبي عامر:
قد بعثنا فيها كشمس النهار ... في ثلاث من المها أبكار
وامتحنا بعذرة الغيد أن كن ... ت توخى بوادر الأعذار
فاتئد وأجتهد فإنك شيخ ... قد جلا الليل عن بياض النهار
صانك الله من كلالك فيها ... فمن العار كلة المسمار فافتضهن الشيخ من ليلته، وكتب إليه بكرة:(7/29)
قد فضضنا ختام ذاك السوار ... وأصبغنا من النجيع الجاري
وصبونا في ظل أطيب عيش ... ولعبنا بالدر أو بالدراري
وقضى الشيخ ما قضى بحسام ... ذي مضاء غضب الظبا بتار
فأصطنعه فليس ما قضى كفرا ... وأخذه فحلا على الكفار وأهدى له ابن أبي عامر محفنة خيزران إذ نقرس، فقال:
لله نفسك فهي أزكى الأنفس ... عقدت علاها بالجواري الكنس
عنيت بحالي كلها حتى لقد ... عليت مكارمها بعلة نقرس
فتخيرت لي إذ شكت قدمي الونى ... عليا مطية رحلة لم تحبس
لا في العتاق ولا الشواحج تنتهي ... نسبا ولا هي بلأمون العرمس
إن أهملت لم تنبعث أو أجهدت ... لم تعتذر أو أحرجت لم تشمس
محبوكة من خيزران مائس ... لدن مهزته كريم المغرس
ويحفني فيها إذا استمطيتها ... بيض الوجوه هبات أروع أشوس ودخل صاعد على المنصور يوما فلما وصل اليه، وجد عودا بين يديه فقال له المنصور: قد تواتر الخبر. وتحدث عنه البشر، أنك فردا في علم الموسيقى، وقد أردت غير مرة الانبساط معا سرا في ذلك، فشق الأمر على صاعد هنالك. ولم يجد من محيد عن أخذ العود(7/30)
فتناوله وحبس أوتاره وسوى تسوية أطربت أبن أبي عامر، ثم اندفع ينشده بيتي مجنون بني عامر:
أبى القلب إلا حبها عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو
تكاد يدي تندى إذا لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الحضر فغضب ابن أبي عامر وتسور، لتوهمه انه عرض بخير، وقال له: يا أبا العلاء، أب الأخوة عرضت أم الأبناء - وهذه إشارة رئيس أنف من أن يجاوبه، على مغزى ما خاطبه. فاخرج الجواب على التذكير، همة إمام غيور.
وذكرت بهذا الحديث ما ذكره بعض الرواة عن المعتصم أنه قال يوما للقاضي أبن أبي داود: أتعلم أن أبي دلف من المغنيين الأفراد وإن كان من الشجعان الأنجاد - قال القاضي: فكيف بسماعه - فأحضره المعتصم، وخبا ابن أبي داود. وعوم عليه في الغناء. فلما أندفع يغني هتكت الستارة. فخجل أبو دلف وقال: أجبروني أعز الله القاضي. قال له ابن أبي داود، يا ماجن، هبهم أجبروك غلى أن تغني فمن أجبرك على الإحسان، فقال أبو دلف: ويريبني منك أيها القاضي معرفتك بمحاسن الألحان وتألف الأوزان!!(7/31)
وان صاعد [كثيرا] ما تستغرب له الألفاظ ويسأل عنها فيجيب عن ذلك أسرع جواب، على نحو ما يحكى عن أبي عمر الزاهد. ولولا انه كان كثير المزاح لما [37] حمل إلا على الصدق. دخل يوما غلى المنصور وبيده كتاب ورد عليه من عامل له أسمه ميدمان بن يزيد من أهل يابرة، يذكر فيه القلب والتزبيل وما عندهم من معانة الأرض قبل زرعها، فقال له: يا أبا العلاء، وقع إلي من الكتب كتاب القوالب والزوالب لميدمان بن يزيد قال: نعم رأيته في نسخة أبي بكر بن دريد بخط كأكرع النمل، في جوانبها علامات الوضاع. فقال له: أما تستحي من هذا الكذب! ! هذا كتاب عاملنا ببلد يابرة، يعلم بالذي تقدم ذكره من صفة الأرض، وإنما صنعت هذه تجربة لك. فجعل يحلف أنه ما كذب وأنه أمر وافق.
وقال له المنصور يوما: ما الخنبشار في اللغة - قال: حشيشة يعقد بها اللبن ببادية الأعراب، وفي ذلك يقول شاعرهم:(7/32)
لقد عقدت محبتها بقلبي ... كما عقد الحليب بخنبشار وقال له مرة وقد قدم طبق فيه تمر: ما التمر كل في كلام العرب -[فقال] : يقال تمر كل الرجل تمركلا إذا اتلف في كسائه.
وكلن مع ذلك عالما؛ حدث العاصمي النحوي قال: لما سألناه مرارا عن مسائل من النحو بحضرة المنصور فقصر فيها، قال ابن أبي عامر: فإنه من طبقتي في النحو أنا أناظره. ثم سألنا صادا يوما فقال: ما معنى قول امرئ القيس:
كأن دماء الهاديات بنحره ... عصارة حناء بشيب مرجل فقلنا هذا واضح، وإنما وصف فرسا أشهب عقرت عليه الوحش فتطاير دمها إلى صدره فجاء هكذا، فقال صاعد: سبحان الله! أنسيتم قوله قبل هذا في صفته:
كميت يزل اللبد عن حال متنه ... كما زلت الصفواء بالمتنزل قال فبهتنا وكانا لم نقرأ البيت قط. وقد اضطررنا إلى سؤاله، فقال: إنما عنى أحد وجهين: إما انه نضح صدره بالعرق وعرق الخيل ابيض، فجاء مع الدم كالشيب، وإما أشياء كانت العرب تصنعها وذلك(7/33)
إنها كانت تسم باللبن الحار في صدر الخيل فيتمعط ذلك الشعر. وينبت كأنه شعر أبيض. فأياما عنى من أحد الوجهين فالوصف مستقيم.
وكان لأبن أبي عامر فتى يسمى فاتنا أوحد لا نظير له في علم كلام العرب، وكل ما يتعلق بالأدب، فناظر صاعد بين يديه، فظهر عليه، وبكته حتى أسكته، فازداد المنصور به عجبا: وكان فاتن حسن الخط، واسع المعرفة، فصيح اللسان، حاضر الجواب، إلى عفاف طعمة، ونزاهة نفس، وجمال صورة، وكان ممن تباهى الملوك يخدمته، وتستريح إلى حلمه، وتوفي هذا الفتى فاتن سنة أثنين وأربعمائة. وبيعت في تركته قطعة دفاتر أدبية حسنة الضبط دلت على جودة عنايته. وكان منقادا لما أنزل به من المثلة، فلم يتخذ النساء ولا كشفن له عورة.
وكان في ذلك الزمان في بقرطبة جملة من الفتيان المجابيب. ممن أخذ من الأدب بأوفر نصيب. ورأيت تأليفا لرجل منهم يدعى بحبيب مترجما ب - " كتاب الاستظهار والمغالبة على من أنكر فضائل الصقالبة " وذكر فيه جملة من أشعارهم ونوادر أخبارهم. منهم عمارة الصقلي الفتى الكبير، والصقلبي ميسور، ونجم الوصيف وغيرهم ممن يشتمل عليه ذلك التصنيف، وجعلهم خارج من شرطنا، وليس من جمعنا.
ومن عجائب الدنيا الغريبة الوقوع، العجيبة المسموع، أن صاعدا أهدى إلى المنصور إيلا وكتب معه بأبيات يقول فيها:(7/34)
يا حرز كل مخوف وأمان كل مشرد ومعز كل مذلل ...
عبد جذبت بضبعه ورفعت من ... مقداره أهدى إليك بإبيل
سميته غرسية وبعثته ... في حبله ليتاح فيه تفاؤلي فقضي في سابق علم الله تعالى وقدره أن غرسية بن شانجة من ملوك الروم، وهو أمنع من النجوم. أسر بذلك اليوم بعينه الذي بعث فيه صاعد بالإيل وسماه غرسية على التفاؤل بأسره. وكان أسره في ربيع الأول سنة خمسة وثمانين وثلاثمائة. وهكذا يكون جد للصاحب والمصحوب.
ودخل يوما صاعد على المنصور في يوم مطير. وعليه ثياب جدد وخف طري، فمشى على حاشية الصهريج لازدحام من حضر فزلق وسقط في الماء، فضحك المنصور وأمر بإخراجه، وكاد البرد يأتي عليه. فلما نظر إليه [38] أمر بخلع ثياب له، وأدنى مجلسه، ثم قال له: يا أبا العلاء هل قلت في سقطتك شيئا - فأطرق ثم قال:
شيئان كانا في الزمان غريبة ... ضرط أبن وهب ثم زلقة صاعد فاستبرد ما أتى به؛ وكان الكاتب أبو مروان الجزيري حاضرا، فقال له: يا أبا العلاء هلا قلت:(7/35)
سروري بغرتك المشرقه ... وديمة راحتك المغدقة
ثناني نشوان حتى هويت ... في لجة البركة المطبقه
لئن ظل عبدك فيها الغريق ... فجودك من قبل ذا أغرقه فقال له المنصور: لله درك يا أبا مروان، قسناك بأهل العراق ففضلتهم فبمن تقاس بعد! فأنهض الجزيري للشرطة.
وقد فرق حذاق النظر بين البديهة والارتجال، فجعلوا الارتجال ما كان على طريق الانهمار والتدفق لا يتوقف فيه قائله، كالذي وقع للفرزدق إذ أمره سليمان بن عبد الملك بضرب عنق أسير روما، ودس إليه بعض بني عبس سيفا كهاما فنبا حين ضرب به، وضحك سليمان، فقال الفرزدق:
فأن يك سيف خان أو قدر أبي ... لتأخير نفس حينها غير شاهد
فسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
كذلك سيوف الهند تنبو ظباتها ... ويقطن أحيانا مناط القلائد
ولو شئت قط السيف ما بين أنفه ... إلى علق دون الشراسيف جاسد ثم جلس وهو يقول:(7/36)
ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذ أثقل الأعناق حمل المغارم ومن غريب البديهية خبر حبيب، مع الكندي يعقوب، وقد أنشد احمد ابن المعتصم قوله:
إقدام عمرو في سماحة خالد ... في حلم أحنف في ذكاء إياس فقال له الكندي: ما صنعت شيئا فإن الأمير أفضل مما ذكرت، وما هؤلاء وقدرهم - فأطرق ثم قال:
لا تنكروا ضربى له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس فتعجب من بديهته يومئذ لأنه كان رجلا مصنعا لا يجب أن يكون هذا في طبعه. وقد قيل أن الكندي لما خرج حبيب قال: أرى هذا الفتى يموت شابا لآن ذكاءه ينحت عمره كما يأكل السيف الصقيل غمده. فكان ذلك كذلك، مات وقد نيف على الثلاثين. وكان أبو الطيب كثير البديهية إلا أن شعره نازل فيه. وأهل الشعر في ذلك في سعة من العذر، إذ هو كما قال أبن الرومي:
نار الروية نار جد منضجة ... وللبديهة نار ذات تلويح
وقد يفضلها قوم لسرعتها ... لكنها سرعة تمضي مع الريح(7/37)
وقال أبن المعتز:
والقول بعد الفكر يؤمن زيغه ... شتام بين روية وبدية ومن الشعراء من شعره فيهما وعند الأمن والخوف سواء، بمقدار قدره كل واحد، وسكون جأشه. وقوة غريزته. كهدبة بن الحشرم، وطرفة بن العبد، ومرة بن محكان السعدي، إذ يقول وقد أمر مصعب بن الزبير بقتله:
بني أسد تقتلوني تحاربوا ... تميما إذا الحرب العوان اشمعلت
ولست وإن كانت إلي حبيبة ... بباك على الدنيا إذا ما تولت وكعبد يغوث إذ أعطى في نفسه لبني تميم ألف ناقة فأبو إلا قتله، وكانوا قد شدوا لسانه خوفا من الهجاء، فعاهدهم فأطلقوه لينوح على نفسه، فقال القصيدة التي أولها:
أقول وقد شدوا لساني بنسعة ... أمعشر تيم أطلقوا عن لسانيا
فيا راكب إما عرضت فبلغن ... نداماي من نجران ألا تلاقيا وتيم بن جميل السدوسي وكان قام بشاطئ الفرات، واجتمع(7/38)
إليه الأعراب وغلط أمره، فظفر به وحمل إلى باب المعتصم، فلما مثل بين يديه، وكان وسيما جميلا، فأحب المعتصم أن يعلم أين المنظر من المخبر، قال له: تكلم، فقال بعد أن حمد الله ودعا للمعتصم: إن الذنوب تخرس الألسنة، وتعمي الأفئدة، وقد عظمت الجريرة وانقطعت الحجة وساء الظن، ولم يبقى الا العفو أو الانتقام، وارجوا أن أقربهما مني وأسرعها ألي أشبهها بك، وأولهما بكرمك. ثم قال وقد كان قدم [39] السيف والنطع لقتله:
أرى الموت بين السيف والنطع كامنا ... يلاحظني من حيثما أتلفت
وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ... وأي أمرئ مما قضى الله يفلت
وأي أمرئ يدلي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مصلت
يعز على الأوس بن تغلب موقف ... يهز علي السيف فيه وأسكت
فما حزني أني أموت وإني ... لا علم أن الموت شيء موقت
ولكن خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتت
كأني أراهم حين انعى إليهم ... وقد خمشوا تلك الوجوه وصوتوا
فإن عشت عاشوا خافضين بنعمه ... أذود الردى عنهم وأن مت موتوا
فكم قائل لا أبعد الله داره ... وأخر جذلان يسر ويشمت! فعفا عنه المعتصم، وأحسن إليه وقلده عملا. وعلي بن الجهم الذي قال ارتجالا وقد صب عريانا:(7/39)
لم ينصبوا بالشاذ ياخ عشية ال ... إثنين مفلولا ولا مجهولا
نصبوا بحمد الله ملء عيونهم ... حسنا وملء قلوبهم تبجيلا
ما ضره أن بز عنه غطاؤه ... فالسيف أهول ما يرى مسلولا إلى غير ذلك من غرائب أهل المشرق.
فأما ما جاء في هذا الباب لأهل عصرنا بهذا الأفق، فكالذي وقع لأبي عامر بن شهيد القرطبي مع لمة من أصحابه، فكان حكى أنه قال له: ياابا عامر أنك ات بالعجائب، وجاذب بذوائب الغرائب، ولكنك شديد الإعجاب بما يأتي منك لعطف الزهو عند النادرة تتاح لك، ولكن نريد أن تصف لنا مجلسنا هذا، وكان الذي طلبوه منه يومئذ زبدة التعنيت، ومحة بيضة التبكيت، لأن المعنى الجلف إذ لم يطلب على النفس، وتناوله المحسن أساء فيه، وكانت هيئة ذلك المجلس وصفته مما يقتل لبرده، وهيئته لا يتمكن فيها كلام ولا يتركب عليها معنى: باب غريب معرض في المجلس، ولبد أحمر مبسوط على أرضه، وصدور أخفافهم على حاشيته. وذكر أبوابه وانضمامها على أرجله فقال:
وفتية كالنجوم حسنا ... كلهم شاعر نبيل
متقد الجانبين ماض ... كأنه الصارم الصقيل
راموا انصرافي عن المعالي ... والغرب من دونها فليل(7/40)
فأشتد في أثرها مسح ... كل كثير بها قليل
في مجلس شابه التصابي ... وطاردت وصفه العقول
كأنما بابه أسير ... قد عرضت وسطه نصول
يراد منه المقال قسرا ...
ينظر من لبده الدنيا ... بحر دم تحته يسيل
كان أخفافنا عليه ... مراكب مالها دليل
ضلت فلم تدر أين تجري ... فهي على شطة تقيل واتفق أن خرج من عندهم فأجتاز بحانوت بعض معارفه من الطرائفيين وبين يديه رامشنة جميلة في زنبيل ملآن حرشفا، فجعل يديه في لجام دابة ابن شهيد وقال له: صف هذا أبا عامر، فأن صاعدا رام وصف ذلك لأبن أبي عامر فلم يأت بشيء غير ذكر الحرشف. فقال ابن شهيد وهو على ظهر دابته:
هل أبصرت عيناك يا خليلي ... قنافذا تباع في زنبيل
من حرشف معتمد جليل ... ذي إبر تنفذ جلد الفيل
كأنها أنياب بنت الغول ... لو نخست في أست أمرئ ثقيل
لقفزته نحو أرض النيل ... ليست ترى طي حشا منديل(7/41)
نقل الخيف المائق المجهول ... وأكل قوم نازحي العقول
اقسم لا أطعمتها أكيلي ... ولا طعمتها على شمول وكان يوما مع جماعة من أهل الأدب، بمجلس أبن ذكوان، فجيء بباكور باقلى، فقالوا: لا ينفرد بها إلا من وصفها، فقال أبن شهيد:
أن لآليك أحدثت صلفا ... فاتخذت من زمرد صدفا
تسكن ضراتها البحور وذي ... تسكن للحسن روضة أنفا
هامت بلحف الجنان فاتخذت ... من سندس في جناتها لحفا
نثقبها بالثغور من لطف ... حسبك منا في بر من لطفا
جاز أبن ذكوان في مكارمه ... حدود كعب وما به وصفا
قدم در الرياض منتخبا ... منه لأفراس مدحه علفا
أكل ظريف وطعم ذي أدب ... والفول يهواه كل من ظرفا
رخص فيه شيخ له قدر ... فكان حسبي من المنى وكفى [40](7/42)
وخرج سعدان المؤدب من قرطبة إلى الحجاز وشيعة جماعة، وكان قد باع داره وشد جهاز طريقه تحته في خرجه، فقال فيه يومئذ مؤمن بن سعيد:
قد بعت دارك فأرحل غير محتقب ... زاد التقى عن بني الدنيا إلى سقر
لما رأيت أذى الأمطار متصلا ... حصنت دارك في خرج عن المطر
فلست تخشى على حيطانها زللا ... من واكف يهدم البنيان منهمر
زودتك اللعن به مخصوصا به أبدا ... لما غدوت بلا زاد على سفر
فأغرب إلى حيث لا ماء وشجر ... كما غنيت بلا ماء ولا شجر وساير أبن عمار في بعض الأسفار غلامين وسيمين من بني جهور، أحدهما أشقر والأخر بعذار أخضر، فكان يميل بحديثه من ظهر دابته إلى الذي وصفه منهما حيث قال ارتجالا:
تعلقته جهوري النجار ... حلو اللثى جوهري الثنايا(7/43)
من النفر البيض جروا الزمان ... رقاق الحواشي كرام السجايا
ولا غرو أن تغرب الشارقات ... وتبقى محاسنها بالعشايا
ولا وصل إلا جمان الحديث ... نساقطه من ظهور المطايا
شنئت المثلث للزعفران ... وملت إلى خضرة في التفايا قال ابن بسام: وكان الأستاذ أبو الوليد بن ضابط قد بدأ عليه بالقراءة الوزير أبو محمد بن عبدون وهو غلام أبن ثلاث عشر سنة، وكان ابن ضابط المذكور متكسبا بالشعر. فضجر يوما وقال: " الشعر خطة خسف " فقال له أبن عبدون:
................ ... لكل طالب عرف
للشيخ عيبة عيب ... وللفتى ظرف ظرف والبديه والارتجال في هذه الأشعار الأندلسية وإن لم تلحق بالأشعار المشرقية، ولا فيها كبير طائل، ولا تقرب مما ألصقته أليها من أشعار الأوائل، فهي نحوي في هذا المجموع الذي أنتحيت، وطلقي(7/44)
الذي إليه جريت، ولذلك لا أثبت مذالها ومصونها، وكتبت غثها وسميتها، والأدب طريق يسلكها الصحيح والجرب، وسوق ينفق فيها الدر والمخشلب، ولأخرج من جد إلى هزل، وأنتقل من حزن إلى سهل.
رجعت إلى ما قطعت من أخبار صاعد، وما يتعلق بها ويذكر بسببها من الفوائد.
إيجاز الخبر ن أسر غرسية الذي ذكر
قال أبن حيان: لما قفل ابن أبي عامر سنة أربع وثمانين عن بلد غرسية صاحب قشتيلة، حشر عدو الله جموعه لغزو بلاد الأسلام، فأغتنم المنصور لذلك. فبينما هو يحاول بعض الأمر هنالك إذ وردت عليه كتاب قند الوزير صاحب مدينة سالم يذكر أنه أسرى في نخبة أهل ثغره إلى بلد غرسية فقتل وغنم. ثم أنكمش فتبعه غرسية في قطعه حسنة من نخبة حماته. فثبت الله أقدام الإسلام، وأقام بيد قند يعالجه من جرحه فهلك في يديه، وحز رأسه وجعله في تابوت، وأنفذه إلى حضرة قرطبة، وأختزن جسده إلى ان دفع مع رأسه إلى ولده شانجة عند عقد السلم بعد مدة.(7/45)
مقتل أبي مروان الجزيري
وكان أبو مروان عبد الملك الجزيري أحد شعراء الأندلس المجيدين وقته وممن أجتمع له بهذا الإقليم نوعا البلاغة في المنثور والمنظوم. وتقدم عصره منعني من ذكره؛ وفي خبر مقتله طول، لكن نلمع منه بلمعة، بعد أن تقدم من نوعي كلامه قطعه.
فمن ذلك أن المنصور بن أبي عامر صنع صنيعا في ذلك الأوان، لتطهير أبنه عبد الرحمن، وكان عام قحط فأرتفع السعر بقرطبة، وبلغ ربع الدقيق إلى دينارين، فجلا الناس. فلما كان يوم ذلك الصنيع، نشأت في السماء سحابة عمت الأفق، ثم أتى المطر الوابل فاستبشر الناس وسر أبن أبي عامر فقال الجزيري بديهة:
أما الغمام فشاهد لك انه ... لا شك صنوك بل أخوك الأوثق
وافي الصنيع فحين تم تمامه ... في النحو أنشأ ودقة يتدفق [41]
وأظنه يحكيك جودا إذا راى ... في اليوم بحرك زاخرا يتفهق ومنها:(7/46)
وتوسطتها لجة في قعرها ... بنت السلاحف ما تزال تنقنق
تنساب من فكي هزبر أن يكن ... ثبت الجنان فإن فاه اخرق
صاغوه من ند وخلق صفحتي ... هاديه محض الدر فهو مطوق
للياسمين تطلع في عرشه ... مثل المليك عراة زهو مطرق
ونضائد من نرجس وبنفسج ... وجني خيري وورد يعبق
ترنو بسجو عيونها وتكاد من ... طري إليك بلا لسان تنطق
وعلى يمينك سوسنات أطلعت ... زهر الربيع فهن حسنا تشرق
فكأنهما هي في اختلاف رقومها ... رايات نصرك يوم بأسك تخفق
في مجلس جمع السرور لأهله ... ملك إذا جمعت قناة يفرق
حازت بدولته المغارب عزة ... فغدا ليحسدها عليه المشرق وعتب عليه المنصور وسجنه في مطبق الزاهرة، وأستعطفه برسائل وأشعار عدة، فلم يسمع منه، ثم صفح بعد عنه، فكتب إليه الجزيري:
عجبت من عفو أبي عامر ... لا بد ان تتبعه منه
كذلك الله إذا ما عفا ... عن عبده أدخله الجنة فسر المنصور بذلك وصرفه إلى حاله، ورد عليه ما كان أعتقل من ماله.
ومن شعره أيضا، مما اندرج له في أثناء نثره الذي ملح فيه، مخاطبته على السنة أسماء كرائمه بزهور رياضه. من ذلك عن بهار العامرية قصيدة أولها:(7/47)
حدق الحسان تقر لي وتغار ... وتضل ي صفتي النهى وتحار
طلعت على قضبي عيون كمائمي ... مثل العيون تحفها الأشفار
وأخلص شيئا بي أذا شبهتني ... در تنطق سلكها دينار
أهدى له قضب الزمرد ساقه ... وحباه أنفس عطره العطار
أنا نرجس حقا بهرت عقولهم ... ببديع تركيبي فقيل بهار ومن أخرى على لسان نرجس العامرية:
حيتك يا قمر العلا والمجلس ... أزكى تحيتها عيون النرجس
زهرا تريك بحسنها وبلونها ... زهر النجوم الجاريات الكنس
يملكن أفئدة الندامى كلما ... دارت بمجلسهم مدار الأكؤس
ملك الهمام العامري محمد ... للمكرمات وللنهى والأنفس ومن أخرى عن بنفسج العامرية:
إذا تدافعت الخصوم - ايد الله مولانا المنصور - في مذاهبها، وتنافرت في مفاخرها، فإليه مفزعها، وهو المقنع في فصل القضية بينها، لاستيلائه على المفاخر بأسرها. وعلمه بسرها وجهرها. وقد ذهب البهار والنرجس في وصف محاسنها، والفخر بمشابههما كل مذهب. وما منهما إلا ذو فضيلة، غير ان فضلي عليهما أوضح من الشمس التي(7/48)
تعلونا، وأعذب من الغمام الذي يسقينا. فإن كانا قد تشبها في شعرهما ببعض ما في العالم من جواهر الأرض ومصابيح السماء، وهي من الموات الصامت، فإني أتشبه بأحسن ما زين الله به الإنسان وهو الحيوان الناطق. مع أني أعطر منهما عطرا، واحمد خبرا، واكرم إمتاعا شاهدا وغائبا، ويانعا وذابلا. وكلاهما لا يمتع إلا ريثما يمنع.ثم إذا أذبل تستكره الأنوف شمه، وتستدفع الأكف ضمه، وأنا أمتع رطبا ويابسا، وتدخرني الملوك في خزائنها وسائر الأطباء، وأصرف في منافع الأعضاء. فإن فخرا باستقلالهما على ساق هي أقوى من ساقي، فلا غرو أن الوشي ضعيف، والهواء لطيف، والمسك خفيف
وليس المجد يدرك بالصراع ... وقد أودعت - أيد الله مولانا - قوافي الشعر من وصف مشابهي ما أودعاه، وحضرت بنفسي لئلا أغيب عن حضرتهما، فقديما فضل الحاضر وأن كان مفضولا، ولهذا قالوا ألذ الطعام ما حضر لوقته، وأشعر الناس من أنت في شعره؛ فلمولانا أتم الفضل في ان يفضل بحكمه العدل. وأقول:
شهدت لنوار البنفسج السن ... من لونه الأحوى ومن إيناعه(7/49)
لمشابه الشعر الأثيث أعاره ال ... قمر المنير الطلق نور شعاعه
ولربما جمد النجيع من الطلى ... في صارم المنصور يوم قراعه
فحكاه غير مخالف في لونه ... لا في روائحه وطيب طباعه
ملك جهلنا قبله سبل الهدى ... حتى وضحن بنهجه وشراعه
في سيفه قصر لطول نجاده ... وتمام ساعده وفسحة باعه
ذو همة كالبرق في إسراعه ... وصريمة كالحين في إيقاعه
تلقى الزمان له مطيعا سامعا ... وترى الملوك الشم من أتباعه [42] قال ابن حيان: وكان عبد الملك بعد أبيه قد فوض إلى عيسى بن سعيد القطاع وزيره أمره، فصار عيسى قيم الدولة؛ فحده رجال العامرية، وحملوا طرفة فتى عبد الملك على مناوأته؛ فسمت نفس طرفة لذلك الفضل همة كانت له، وحظ أدب ميزه عن طبقته. فأستخلص من أعداء عيسى لمة، منهم عبد الملك الجزيري وأبو العباس بن ذكوان، فزين له التقدم عليه. وعرفه الجزيري مل تهيأ لكافور الأسود مولى محمد بن طغج صاحب مصر من الملك باسم مولاه تلك المدة الطويلة، وان محله فوق محل ذلك بابيضاض النفس والجلد، واكتمال الفضل والمعرفة. فأصغى له طرفة وتدبر برايه، وحمل مولاه على ان قدم عبد الملك الجزيري إلى خطة الوزارة. فعارض عيسى في كل أمر حتى كاد يسقطه لولا استخذاء عيسى له. ثم أعتل عبد الملك(7/50)
المظفر فأنفرد طرفة بخدمته، وكثر الإرجاف به، فجمل له ابن الجزيري بغية وسوء رأيه، وجسره على ان يضبط الأمر لنفسه باسم الطفل مولاه، على رسم كافور الذي ذكرناه.
ثم رأى المظفر أن يخرج عسكرا إلى شرقي الأندلس لإنقاذ ما فيه من الأطعمة، فهش فتاة طرفة لذلك، وسأل مولاه ان يخرج معه عيسى الوزير وقد اسر الإيقاع به، فأجابه مولاه لذلك، فأخذ في التجهيز وأسرف فيما أتاه، ولم يبق من وجوه القواد وصنوف العدد والحلي وكرئم النجائب عند مولاه إلى ما قدر له حتى صار في أبهة الملوك،. وأخذ الوزير عيسى في الخروج معه، فتثاقل له، وأحس بالشر في صحبته ورام الانفراد بالمظفر في ذلك، فلم يمكنه لضبط طرفة باب مولاه، فألقى عيسى بنفسه إلى مفرج صاحب مدينة الزاهرة ثقة المظفر واستغاثه لمحنته. فوصل له رقعة إلى المظفر شرح فبها مراد طرفة. عند ذلك أتي [طرفه] من مأمنه واستعفى الخروج جملة فلم يساعفه مولاه؛ فنفذ لطيته، والعجب يقوده والحين يسوقه. وخلا وجه المظفر لعيسى بعده، وذكر له أشياء حنق بها على طرفة. فخرج معه وزيره عيسى، والجزيري يغالطه القدح في طرفة، وفي قلبه عيسى النار المتضرمة، وعيسى أعلم الناس بنفاقه، وأحبهم في سفك دمه. فلما صار عبد الملك إلى بعض الطريق دبر عيسى على ابن الجزيري أن ينصرف إلى حضرة ليحصل(7/51)
قبض بقايا الخراج والنفقات، ولم يحس بما دبر عليه وعلى صاحبه. فلما وصل المظفر سرقسطة، وطرفة مرتقب قدوم مولاه على مقربة منها، دخل في أبهته وتعبئته وصار إلى قصر مولاه مدلا بمنزلته، فعدل به عن مجلسه ولم تقع عين المظفر عليه، وقيد لوقته، وأخرج إلى الجزائر الشرقية، فلم يكن بين دخول سرقسطة أمير وخروجه عنها أسيرا إلا ساعة. وأتخذ الناس حديثه عجبا، ثم انفذ المظفر إلى الحضرة بضم عبد الملك الجزيري إلى المطبق بالزاهرة، وكتب عيسى الوزير إلى مفرج العامري والى عبد الملك بن مسلمة، وكانا من أعداء ابن الجزيري، وحرضهما على ابادته، فأدخل عليه في مطبقه قوم من السودان وخنقوه، وأشيع موته، وأخرج ميتا بعد أيام، وأسلم إلى أهله ولا اثر به، ودفن في شوال سنة أربع وتسعين. فصرع منه - رحمه الله - يومئذ فارس نثر ونظام، ومزق بقتله وشي الكلام، وكان يشبه في ذكاه وأدبه مع عقربية الطبع، وكثرة الضر وقلة النفع، محمد بن زيات في ذلك الصقع. اخبرني ابن خلف بن حسين قال: سألت الذي تولى قتل ابن الجزيري في محبسه فجعل يصف لي سهولة ما عاناه منه لقضافته وضعف أسره ويقول: ما كان الشقي إلا كالفروج في يدي. دققت رقبته بركبتي فما زاد ان نفخ في وجهي. فعجبن من جهل هذا الأسود.(7/52)
رجع ما أنقطع
وكان صاعد قد طولب في أخريات تلك الدولة، وانتهت به الحال، إلى ان اغرم في خبر طويل مائة مثقال.، فاستغاث على بن وداعة أحد الفرسان الأبطال ونبهاء الدولة - كان - في ذلك الأوان، وكتب إليه قال فيها:
أني على وهني، وما أخذه الدهر مني، ونحته من قدحى، لأربأ بالفضل أن ينحط إلا في مصابه، ويحل رحله في غير معانه. فلم أحوم على أحد طير رجائي، ولا رمقت بأملي إلا من نوة الله باسمه، وناسب بين أحواله، وشاب بين خلاله؛ فسبحان من جعل سنانك عدل لسانك، وبيانك كفء طعانك، فالألسن تتنادم على وصفك، والقلوب تعاقر خمرة حبك، خبيئة أذاعها الله منك، وذخيرة أبرزها الدهر بك، وما زلت في الايام التي تعرفها منقبا على محاسنك، بحاثا لأثارك بالعدوة وذواتها، ومقارعتك الأهوال، ومماصعتك الأبطال، عاركا بجنبيك شوكة [43] الأسنة، ومماجيا أطراف الاعنة، فأذكر بك صعاليك العرب وذؤبانها، وشعراء الفرسان وغربانها، كعنتزة وزيد الخيا، وانت بهمة السرية وقرن الكتيبة؛ وغارة قومك من سليم على فرازة ونذيرها يهتف: أتيتم يافزازة! هذه سليم والموت! وأنا ابن عمك من ربيعة، إذ هي وسيم أحلاف، فالعدنانية تلفنا(7/53)
والنسب يضم شعبنا. وفي البلد من وترني فاستفاد منه لساني، وظلمني فأنتصر لي حماة كلماتي، فأرسلتها فيه شعثا قباحا، موروثة في الأعقاب، خالدة على الأحقاب، أشرد من نعامة، وألزم له من طوق الحمامة، فهو يبغيني الغوائل، ويبث لي الحبائل.
ومن شعره فيه:
أبا حسن ربيعة من سليم ... سنان زان عالية الرماح
وإني عائد بك من هنات ... نحتن دعائمي نحت القداح
فكر على ابن عمك وانشله ... فليس حمى ابن عمك بالمباح
فإن الجار عندك بين جنبي ... عقاب الدجن كاسرة الجناح ومنها في المدح:
تصد الخيل باسمك في غدير ... على ضما عن الماء القراح
تظنك طالعا بيني سليم ... عليها عند مفتضح الصباح
إذ ساورت قرنك في مكر ... جعلت له ذراعك كالوشاح فما نفع بعلي بن وداعة، ولا كانت له فيه شفاعة.
وكان خاطب أي اهشام بن الحكم الخليفة في تلافي حاله، فما أصغى له لزهده فيه وفي أمثاله. وعوجل علي بن وداعة وقتل في خبر(7/54)
طويل، فأنسد باب الفهم بقرطبة يومئذ وطمست العبدى العاقبون له رسمه، وأيس ذوو الأحساب منهم، فتفرقوا شذر مذر، ولم يبقى بها منهم من له خطر. وتناصرت خلال المكروه فيما بعد على صاعد بارتجاج الفتنة، غلاء سعر ورخص شعر، حتى أختل وعجز عن ستر ولده وأهله، وبخل هشام على ذلك كله بتسريحه والأذن له بالانطلاق عن الأندلس فرقا من خبث لسانه. فخرج مستخفيا وجاز بشلطيش على يد أبي زيد البكري رئيسها سنة ثلاث وأربعمائة، فأتصل بصاحب صفلية، وفارق البؤس، وراجع النعمة. ثم رجع إلى الأندلس أثر غلبة سليمان والبرابر على قرطبة مستخرجا لمن تخلف بهامن أهله وولده. وتعرض أيضا لمديح سليمان فما أنجح معه ولا أفلح. وقد كان استطرف أول دولته، فرئمه رئمان العلوق ولم يقره قرضا لاستحالته عن فعل الجميل جملة. ثم عجل الانكفاء إلى صقلية، ومات بها رحمه الله سنة عشر وأربعمائة.
قوله: " جعلت له ذراعك كالوشاح " أخذه من قول أسر يزيد بن الصعق:(7/55)
تركت الركاب لأربابها ... وأكرهت نفسي على أبن الصعق
جعلت يدي وشاحا له ... وبعض الفوارس لا يعتنق ونعقب أخبار صاعد بمصادره وموارد من أخبار أبن أبي عامر، منسوقة الأوائل والأواخر، مقيدة العيون والنوادر، ونلمع بشيء من الأسباب التي ذلت له الصعاب، وأخضعت له الرقاب. وغنما نعتمد من الأخبار أشهرها بسوقا، وأخصرها طريقا، وأمسها بالأدب رحما، وأشبهها بغرض هذا الكتاب أرضا وسما. وبحسبنا من دولة ابن أبي عامر ان ننقل نص ابن حيان: كيف طلعت نجومها، ومن أين نشأت غيومها، ونتلي ذلك كيف مال ظلها وأضطرب حبلها، إذ أكثر ما يقال للحاضر من أين طلع، وللغابر الدابر ما صنع، ونهاية المراد، علم الكون والفساد.
تلخيص التعريف بدولة ابن أبي عامر من الأول إلى الأخر
هو أبو عامر محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر محمد بن الوليد ابن يزيد بن عبد الملك المعافري. وعبد الملك جده وهو الداخل بالأندلس مع طارق مولى موسى بن نصير في أول الداخلين من المغرب. وهو في قومه وسيط.(7/56)
ونقلت من خط ابن حيان قال: انتهت خلافة بني مروان إلى الحكم تاسع الأئمة فيها، فتناهت في السرو والجلالة والكمال والأبهة، ونظم رواة الأخبار وحملة الآثار من مناقبه ما طار كل مطار في جميع الأقطار، إلا أنه - تغمد الله خطاياه - مع ما وصف من رجاحته، كان ممن استهواه حب الولد وأفرط فيه، وخالف الحزم في توريثه الملك بعده في سن الصبا، دون مشيخة الأخوة وفتيان العشيرة [44] ومن يكمل للإمامة بلا محاباة، فرط هوى ووهلة انتقدها الناس على الحكم وعدوها الجانية على دولته. وقد كان يعيبها على ولد العباس قبله، فأتاها هو مختارا ولا مرد لأمر الله. وقد كان يعيبها على ولد العباس قبله، فأتاها هو مختار ولا مرد لأمر الله. وذلك انه نفس بسلطانه على ثلاثة رجال من أخوته ولد الناصر: عبد العزيز شقيقه والأصبغ والمغيرة، مع جماعة من ولد الخلفاء كهول وشبان، ما فيهم إلا مضطلع للأمر قوي عليه. فتخطى جماعته إلى أبنه هشام وهو في الوقت طفل ما بلغ الحلم.
قال ابن بسام: وحدثت عن احمد بن زياد عن محمد بن وضاح عن رجل يتكلم في الحدثان انه قال: لا يزال ملك بني أمية بالأندلس في إقبال ودوام ما توارثه الأبناء عن الآباء، فإذا انتقل إلى الاخوة وتوارثوه بينهم فقد أدبر وأنصرف. فلعل الحكم بهذا الخبر توهم، فجاذبه عن اخوته؛ وإن كان ذوو اللب والنظر، لا يلتفون إلى مثل هذا الخبر.(7/57)
رجع الخبر إلى ابن حيان: وكان جوذر وفائق فتيا الحكم قد أخفيا موته، ودبرا على صرف البيعة إلى أخيه المغيرة. وكان قال له فائق: إن هذا لا يتم لنا إلا بقتل جعفرٍ المصحفي. فقال له جوذر: ونستفتح أمرنا بسفك دم شيخ دولة مولانا -! قال له: هو والله ما أقول لك. ثم بعثنا إلى المصحفي ونعيا إليه الحكم، وعرفاه برأيهما في المغيرة، فقال لهما المصحفي: وهل أنا إلا تبع لكما وأنتما صاحبا القصر ومدبرا الأمر، ولكما الرأي فيما قلتماه؛ فأخذا في تدبير ما رأياه. وخرج المصحفي وجمع حاشيته وجنده، ونعى إليهم الحكم وعرفهم مذهب جوذرٍ وفائق في المغيرة، وقال: إن بقينا على ابن مولانا كانت الدولة لنا. وإن بدلنا استبدل بنا. فقالوا: الرأي رأيك. فبادر المصحفي ببعثه محمد بن [أبي] عامر مع طائفة من الجند وقته إلى دار المغيرة لقتله. قال ابن أبي عامر: فألفيت المغيرة مطمئناً لا خبر عنده. فنعيت إليه أخاه الحكم فجزع. وعرفته جلوس ابنه هشام في الخلافة. فقال: أنا سامع مطيع. فكتبت إلى جعفر بحاله وبالصورة التي ألفيته عليها من السلامة. فراجعني جعفر المصحفي وهو يقول: غررتنا. اقض عليه وإلا وجهت غيرك من يقتله! فقتل رحمه الله خنقاً. وكانت علة الحكم الفالج. وكان تقدمه عبد العزيز أخوه بمديدة. وتعطل أخوه الأصبغ ببطالة أزالت عنه الرهبة. فذهبت عن جعفر بن عثمان فيهما الحزة. وتوفر اهتمامه بعدهما بالمغيرة. وكان فتى القوم كرماً ورجلة. وممن أشير نحوه بالأمر بأسباب باطنة، فأخذ له أهبته؛ فلما قضى الحكم نحبه ليلة(7/58)
الأحد الثالثة من صفر سنة ست وستين، بادر بالمغيرة على الصفة المذكورة.
وافتتح المصحفي أمره بعد بإيثار النصفة، وإطراح الكبر. وكان أول ما أتاه من ذلك صدر تقلده حجابة هشام - وقد رفع فراشه فوق الوزراء أصحابه، وأبدل بالكتان الديباج على سالف العادة - أن قال: إني أستحيي من أصحابي أن أتمهد أفضل من فرشهم. مع عجزي عن درك شأوهم، غير أنا نسلم لأمير المؤمنين اختياره، فإما يساوي بيننا في فرش كرامته، وإما أقرنا على الأمر الأول ولا كفران لنعمته، فأفرش للجميع، مذ زال فرش الديباج، فرش الكتان، فجرى عليهم الرسم إلى آخر الزمان. واستحسن فعل جعفر يومئذ وعد من [بعد] غوره. وعول جعفر في سائر أوقات دولته على هذا النوع من السياسة، فلزم التواضع للناس، وأطلق لهم البشر وألان كنفه ووطأ خلقه. ورأى أنهم بذلك يصلحون له، دون البذل لذات اليد والمواساة في النعمة؛ فاستأثر بالأعمال، واحتجن الأموال ولم ينلهم، وبنى المنازل وهدمهم، وشح بالنشب وسخا بهم. وعارضه من محمد بن أبي عامرٍ فتىً ماجد أخذ معه بطرفي نقيض: بالبخل جوداً، وبالاستبداد أثرة، [و] باقتناء الضياع واصطناع الرجال، حتى غلبه عما قليل. وتحركت حال ابن أبي عامر لأول الدولة، وشارك في التدبير بحق الوزارة، وتقوى على أمره بنظره في الوكالة وخدمته للسيدة صبح أم هشام. وكانت حاله عند جميع الحرم أرفع الأحوال، بقديم الاتصال، وحسن الخدمة، والتصدي لمواقع الإرادة، وطلاقة اليد في باب الإلطاف والهدية فأخرجن له أمر الخليفة هشامٍ إلى حاجبه جعفر في الاستعانة به(7/59)
في التدبير والمشورة له في الأمور، والاختصاص به على الجمهور. وكان جعفر لمحمدٍ على بعض ما أريد منه ثقةً به وسكوناً إلى جهته، فامتثل ما أمر به في ابن أبي عامر لغفلته، وتزيد في بره، وأشركه في سره وجهره. وانهمك [45] ابن أبي عامر في مغالطة جعفر، وأراه أنه صاحبه الحائط لخاله؛ وعول جعفر على رأي محمد، ووصل يده بيده، واستراح إلى كفايته، وابن أبي عامر يمكر به ويضرب بين حسدته، ويناقضه في أكثر ما يعامل به الناس، ويجعل إليهم بالبذل وقضاء الحوائج، ويتقدم من المعالي إلى ما يحجم جعفر عنه؛ يستضم الرجال وجعفر يدفعهم، ويزيدهم وجعفر ينقضهم، يظن أنه كل يحمله عنه، فيا لك من جامع لمحمدٍ ومفرقٍ عن جعفر! إلى أن هوى نجمه وزال أمره.
وكان أول اتصال ابن أبي عامر بالحكم أنه وصف له فاستخلف على قضاء كورة ريه، ثم تصرف في وكالة صبحٍ أم هشام، فاضطلع بكل ما قلد، استهوى هذه المرأة بحسن الخدمة - وهي الغالية على الحكم - فأزلفته، وولي الشرطة والسكة والمواريث؛ والسكة يومئذٍ أعلى الخطط في الإفادة. وقرن له بهذا كله القضاء بإشبيلية، فعلت حاله وعرض جاهه، وعمر بابه في حياة الحكم، وهمته ترتمي به وراء ما يناله من الدنيا أبعد مرمىً، وهو كل ذلك يغدو إلى باب جعفر ويروح، ويختص به ويتحقق نصيحته، إلى أن أحظاه الجد وساعده القضاء، فأسقط جعفراً. فلما انفرد بشأنه وتمكن من سلطانه(7/60)
توثق لنفسه وحصن ماله، ورمى إلى الغرض الأقصى من ض بط الملك والحجر عليه والاستبداد دونه. وامتثل رسم المستغلين على سلطان ولد العباسي بالمشرق من أمراء الديلم في عصره، فنال بغيته، وتهنأ ميشته، وأورثه عقبه بعده، من غير اقتدار عليه بجندٍ خاص ولا صيال بعشيرة، ولا مكاثرةٍ بمال ولا عدة، بل رمى الدولة من كنانتها، وعدا عليها بأعضادها، وانتضلها بمشاقصها، وأنفق على ضبطها أموالها وعددها، حتى حولها إليه، وسبكها في قالبه، وسلخ رجالها برجاله، وعفى رسومها بما أوضح من رسومه، وأسقط رجال الحكم من سائر الطبقات: الكتاب والعمال والقضاة والحكام وأصحاب السيوف والأقلام، ومزقهم، وأقام بإزائهم من تخرجه واصطناعه رجالاً سدوا مكانهم، ومحوا ذكرهم، أعانوه على أمره.
وأول عروة فض ابن أبي عامرٍ من عرى الملك جماعة الصقلب، استخرج منهم بأسباب المصادرة أموالاً جمةً استأثر بأكثرها، وتتبع لذلك كتابهم وأسبابهم وقتاً بعد آخر، وتقسمتهم أيدي القدر نفياً وقتلاً، صبراً وغلبة، سراً وعلانية، حتى هلكوا عن آخرهم في أسرع مدة. واختلفت مقاتلهم بحسب استيفائهم مدد أعمارهم، فلم يصح لي تاريخ ذلك على حقيقته. فكانت تلك الطائفة أول من ظهر انتقام الله تعالى بابن أبي عامر منها؛ فكانوا جبارين قاسطين في بلاده، متمردين على عباده. فأرسله بقدرته على هذا النمط من خلقه فأبادهم، ونجا أهل السلامة من سورته، وتلك عادته تعالى في من نكب عن سبيله.(7/61)
ذكر دفاع ابن أبي عامر العدو صدر الدولة وقيامه بالجهاد
دون الجماعة وتوصله بذلك إلى تدبير الملك
قال ابن حيان:وجاشت النصرانية بموت الحكم، وخرجوا على أهل الثغور، فجاء صراخهم إلى باب قرطبة فلم يجدوا عند جعفر غناء ولا نصرة. وكان مما غرب به لجبنه وعظيم أفنه أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سد نهرهم آنة لغمقه وسوء دجلته، يلتمس بذلك دفاع العدو عن حوزته؛ لم تتسع حيلته لأكثر من ذلك مع وفور جيش السلطان يومئذ وجموم أمواله، فكانت من سقطات جعفر المأثورة؛ فأنف ابن أبي عامر من تلك الدنية، وأشار على جعفر بتجريد الجيش للجهاد، وخوفه سوء العاقبة في تركه، وأجمع الوزراء على ذلك إلا جماعة خاموا عنه، فبادر ابن أبي عامر إليه ووعد من نفسه الاستقلال به على أن يختار الرجال، ويجهز لغزوته مائة ألف مثقال، فنفر بالجيش ودخل على الثغر الجوفي إلى جليقية، فنازل حصن الحامة من أعمال ردمير، فدخل ربضه وأفشى النكاية وغنم، وقفل ووصل الحضرة بالسبي إلى أثنين وخمسين يوماً، فعظم السرور وخلص الجند له، واستهلكوا في طاعته لما رأوه من كرمه.
حدثني أبي خلف بن حسين قال: تذاكرنا جود ابن أبي عامر [46] يوماً(7/62)
وبالحضرة محمد بن أفلح غلام الحكم، فقال: عندي من جوده غريبة، أنكحت بنتي على عهد مولانا الحكم والحال بنا ضيقة، فاضطررت لما أصلح به حال الجارية إلى بيع لجام محلى ثقيل الوزن رديء العيار، وكان عندي لزينتي أيام المراكب، وتقاعد فيه التجار فانقطع بي أملي؛ فوقع في نفسي قصد ابن أبي عامر صاحب السكة للذائع من كرمه، وأعظم رغبتي أن يضرب لي في السكة دراهم، فقصدته وعرفته رغبتي، فسارع بأطلق وجه وقال: سر إليّ بدار الضرب؛ فجئته وأوصلني إلى نفسه والدراهم المطبوعة بين يديه، وأومأ إليّ فأخرجت اللجام وأنا خائف من صرفه لسقوط عياره، فوالله ما نظر إليه ولا عايره، وراطلني والله باللجام بحدائده وسيوره. فأخذت ما لم يدر في وهمي أني أظفر بمثله. وعظم ابن أبي عامر في عيني، وقمت عنه وحجري ملآن ولا أصدق بما حصلت عليه؛ فجهزت بني وفضل لي شيء يكفيني؛ وقل مولاي الحكم في عيني وأحببت ابن أبي عامر، حتى لو دعاني إلى معصية الحكم - وهو مالك رقي وإمامي - لما قعدت عنه.
مظاهرة غالب مولى الناصر لمحمد بن أبي عامر
ومظاهرته على المصحفي إلى أن أسقطه ومات في سجنه
قال ابن حيان: وكان بين المصحفي وغالب صاحب مدينة سالم(7/63)
شيخ الموالي وفارس الأندلس غير مدافع أشد ما كان بين اثنين من العداوة والتقاطع. فأهم المصحفي شأنه، وناظر الوزراء في ما بدا من تثاقله في الذب عن الثغر، فأشاروا باستصلاحه، وبادر بذلك ابن أبي عامر لما أراده من مظاهرته، فلم يزل يقوم بشأنه ويخدمه داخل الدار من قبل الحرم كعادته حتى تم على إرادته، وخرج الإذن أن ينهض غالب إلى ثنى الوزارة ويدبر جيش الثغر. وابن أبي عامر جيش الحضرة. ثم خرج ابن أبي عامر إلى غزاته الثانية، واجتمع به وتعاقدا على الإيقاع بجعفر. وقفل ابن أبي عامر غانماً، وبعد صيته، فخرج أمر الخليفة هشام بصرف المصحفي عن المدينة، وكانت في يده يومئذ، فخلف عليها ابنه. فخرج ابن أبي عامر نحو كرسيها في ذلك اليوم والخلع عليه، ولا خبر عند جعفر، وإن ابنه لجالس مجلسها في أبهته، حتى صعد ابن أبي عامر نحوه، فولى ولد المصحفي الدبر ناكصاً على عقبه، وأتبع بدابته، وعاد إلى داره. وملك محمد بن أبي عامر الباب بولايته الشرطة، وأخذ على جعفر وجوه الحيلة، وخلاه وليس بيده من الأمر إلا أقله. وكان ذلك - زعموا - بتدبير غالب معه عند اجتماعهما بالثغر، وقال له: سيطير لك ذكر بهذا الفتح ويشغل السرور أهله عن الخوض فيما تحدثه من قصة، فإياك أن تخرج عن الدار حتى يعزل جعفر عن المدينة وتتقلدها، ويزول أمره على الباب والدار ويتم عليه التدبير حتى يزال عن الحجابة. ففعل ذلك وضبط المدينة ضبطاً أنسى به أهل الحضرة من سلف قبل من الكفاة أولي السياسة.(7/64)
وانهمك ابن أبي عامر في صحبة غالبه؛ ففطن جعفر لتدبير ابن أبي عامر عليه بعد من وهلته، فكاتب غالباً يستصلحه وخطب أسماء بنته لابنه عثمان، فأجابه غالب لذلك. وكادت تتم مصاهرته له. وبلغ ابن أبي عامر فقامت قيامته، وكاتب غالباً يخوفه الخيلة ويهيج منه الحقد. وألقى عليه أهل الدار وكاتبوه فصرفوا غالباً، ورجع إلى محمد بن أبي عامر وأنكح تلك الابنة إلى قصره وجهزها إلى محمد بن أبي عامر من قبله؛ فظهر كل الظهور، واستوثق له التدبير، وصار عنده جعفر لا شيء، إلا أنه غالطه زمنه إلى أن أحكم أسباب صرفه. واستقدم السلطان غالباً وقلده خطة الحجابة مشتركاً كع جعفر. ودخل ابن أبي عامر بأسماء بنته ليلة نيروز العام المؤرخ، وكانت أعظم ليلة عرس بالأندلس. ولجعفر في ذلك رسالة إلى السلطان حسنة في بابها تملق فيها وتصنع، وهو قد أيقن بالنكبة؛ وكف عن اعتراض ابن أبي عامر في شيء من التدبير، وابن أبي عامر يداهنه ولا يكاشفه، وجعفر يشك في أمره، قد استولى عليه الإدبار والحيرة، فلم يصح له رأي ولا روية؛ وانقبض الناس عنه، وانثالوا على ابن أبي عامر، إلى أن صار يغدو [47] إلى قصر قرطبة ويروح وحده وليس في يده من الحجابة سوى اسمها، وابن أبي عامر قائم بشروطها، ينصب الحبائل لسقوط جعفر، والأقدار السماوية تنجده. وكانت لله عند جعفر في إيثاره هشاماً بخلافته، واتباعه شهوة نفسه وحظ دنياه، وتسرعه إلى قتل المغيرة لأول وهلة دون قصاص جريرة استدركته دون إملاء، فسلط عليه من كان قدر أنه يتسلط على الناس باسمه.(7/65)
ولما اتفقت على جعفر هذه الأسباب، جد المقدار به وسخط السلطان عليه وعلى ولده وأنسابه وعلى أخيه هشام وسائر طبقته، وطولبوا بالأموال وأخذوا برفع حساب تصرفوا فيه لأول الزمان. وأخذهم ابن أبي عامر بالخروج عنها، وتوصل بذلك إلى استئصال أموالهم وانتهاك حرمتهم وأبشارهم، واجتثاث أصولهم. وكان هشام ابن أخي جعفر قد بلغ من حسادته لابن أبي عامر أن سرق له في غزاته الثالثة في طريقه رؤوساً للنصارى كانت تساق للحضرة، فنفسه فيها وأمر غلمانه فصبوها في النهر، فقامت قيامة ابن أبي عامر لذلك، وكاشف آل عثمان من ذلك اليوم؛ وتجرد لإبادتهم فاستبلغ في مكروه هشام عاجله بالقتل في المطبق قبل عمه جعفر، فلما [قتل] استقصى ابن عامر مال جعفر حتى باع داره بالرصافة، وكانت من أعظم قصور قرطبة. واستمرت النكبة عليه سنين، مرة يحبس ومرة يخلى ويقر بالحضرة وتارة يسير عنها، ولا يراح في الحالتين من المطالبة والأذى. إذا سئم ابن أبي عامر إعناته وكله إلى غالب صهره فيتولى كبره، ويضعف عذابه. والأخبار عنهما في ذلك كثيرة. فلما بان عجز جعفر وضعفه أقر في المطبق بالزهراء إلى أن وافاه هنالك حمامه وأسلم ميتاً إلى أهله؛ وما ترك الناس بعد أن عدوه في قتلى ابن أبي عامر، وزعموا أنه دس له شربة سم قضت عليه. والله أعلم.
أخبرني محمد بن إسماعيل كاتب ابن أبي عامر قال: سرت مع محمد ابن مسلمة ثقة ابن أبي عامر إلى الزهراء لنسلم جسد جعفر بن عثمان(7/66)
إلى أهله وننظر إلى عينه. وسرنا إلى منزله وما غطى جسده إلا كساء خلق لبعض البوابين ألقاه على سريره. ودعا له محمد بن مسلمة بغاسل بغسله على فرد باب اختلع من ناحية الدار. وخرجنا بنعشه وواريناه، وما جسر أحد شهوده معنا سوى إمام مسجده المستدعى للصلاة عليه ومن حضره من ولده. فعجبت من عدوان الزمان بعد تصريفه له، وإن لي بالاعتبار بشأنه في الحالتين مع قرب المدة لموعظة: وقفت له في طريقه من داره وقت علة الحكم. وقد تناهى أمره في الجلالة أروم أن أناوله قصة، فوالله ما تمكنت من الدنو إليه لكثافة موكبه، وأخذ الناس الطرق عليه مسلمين وسائلين، فانثنيت حسيراً مبهوتاً. فلم تطل المدة حتى سبله ابن أبي عامر حاله وقبض عليه، وجعل يحمله في الغزوات معه. وسرت في صحبة ابن أبي عامر فاتفق لي أن نزلت في بعض المنازل بجليقية إلى جنب خبائه. وفي ليلة نهى ابن أبي عامر عن وقود النار ليخفى على العدو مكانه، فرأيت والله عثمان بن جعفر يسقي أباه جعفراً دقيقاً قد خلطه بالماء يقيم أوده، والشيخ يحسوه ويحرص عليه، وضعف حال وعدم زاد، فلا أنسى تلك المواعظة. وما يغتر بالأيام إلا ضعيف العقل.
وكان مهلك جعفر فيما أخبرني به أبي خلف بن حسين سنة اثنتين وسبعين.
ومما طولب به جعفر مال الصقلبي جعفر، كان الحكم وقفه قبل خالد بن هشام وتورع عنه وأوصى أن يوزع في الكور التي كانت(7/67)
إليه وقته، تحللاً من مظالم أهلها. فأرجأه عند خالد مدة إلى أن احتاج إليه فقبضه سراً، واندفع إلى جعفر وأخذ خالد بن هشام براءته منه، فسئل جعفر عنه، فقال: كنت خادم الرجل وصاحب سره فعلمت برسمه، وإن رجع في الاستدلال إلى زمامه الماضي الذي كنت أقيد فيه الأموال الباطنة وجد فيه ثبته. فجيء في ذلك اليوم بذلك الزمام وقد قطع منه الدرج الذي فيه ذكر المال الباطن ووصل ما انقطع بذلك من الكلام بما بعده. وأرشد جعفر إلى هذه الوهلة، وحسب أن مع وجودها لا تلزمه الحجة. فعدلوا به إلى بيداء مضلة.
قال ابن حيان: ولما أمر بضمه إلى المطبق بالزهراء ودع أهله وولده وداع الفرقة، وقال: لستم تروني بعدها حياً، فقد أتى وقت إجابة الدعوة وأنا أرتقبه منذ أربعين سنة. وذلك أني أسرفت على فلان - رجل [48] سجن بعهد الناصر - وما أطلقته إلا برؤيا، قيل لي: أطلق فلاناً فقد أجيبت فيك دعوته، فأطلقته وأحضرته وسألته، فقال: نعم، دعوت على من شارك في أمري أن يميته الله في أضيق السجون. فعلمت أنها قد أحببت، وندمت بحيث لا غني الندامة، فأطلقت الرجل، قالوا: فما لبث في محبسه إلا قليلاً وأخرج ميتاً، فسلم إلى أهله في أقبح صوره، وما زلت أسمع أنه قتل خنقاً، والله أعلم بالحقيقة، المغضي على محال هذه الخليقة. انتهى ما لخصته من كلام ابن حيان في شأن جعفر بن عثمان.
وكان أحد من اجتمع له في ذلك الوقت نوعا البلاغة في النظم والنثر، وهو القائل في نكبته:(7/68)
لا تأمنن من الزمان تقلباً ... إن الزمان بأهله يتقلب
ولقد أراني والليوث تخافني ... وأخافني من بعد ذاك الثعلب
حسب الكريم مذلة ونقيصة ... ألا يزال إلى لئيم يطلب
وإذا أتت أعجوبة فاصبر لها ... فالدهر يأتي بالذي هو أعجب وحدث غير واحد أنه استعطف المنصور بهذه الأبيات:
هبني أسأت فأين الفضل والكرم ... إذ قادني نحوك الإذعان والندم
يا خير من مدت الأيدي إليه أما ... ترثي لشيخ نعاه عندك القلم
بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر ... إن الملوك إذا ما استرحموا رحموا فأجابه بهذه الأبيات وهي لعبد الملك الجزيري:
ألآن يا جاهلا زلت بك القدم ... تبغي التكرم لما فاتك الكرم
ندمت إذ لم تفز منا بطائلة ... وقلما ينفع الإذعان والندم ومنها:
نفسي إذا جمحت ليست براجعة ... ولو تشفع فيك العرب والعجم(7/69)
وأخبرت أن المصحفي لما بلغ إليه هذا الجواب قال:
لي مدة لا بد أبلغها ... فإذا انقضت أيامها مت
لو قابلتني الأسد ضارية ... والموت لم يدن لما خفت
فانظر إليّ وكن على حذر ... فبمثل حالك أمس قد كنت قال ابن بسام: ومما يروى لجعفر المصحفي عند ظهور ابن أبي عامر عليه، وانتزاعه ما كان من الحجابة في يديه، وإفضائه به إلى هذه الحال، من الهضم والاعتقال، قوله:
تندمت والمغرور من قد تندما ... وهل ينفع الإنسان أن تندما
غرست قضيباً خلته عود كرمة ... وكنت عليه في الحوادث قيما
أكرمه دهري فيزداد خسة ... ولو كان من عود كريم تكرما جمل وجوامع من كبار الأحداث بالدولة العامرية
قال ابن حيان: أول ذلك الوحشة الحادثة بين ابن أبي عامر والخليفة هشام ووالدته صبح. والذي أثارها أسباب الحسد ودواعي المنافسة بين(7/70)
أهل القصر الهشامي والعامري؛ وأشاعوا عنه أنه يريد أن يستبد بالأمر، فقام ابن أبي عامر في ركائبه لحسم حدته، وعلم أنه أتي من حاشية القصر. وكان به عدة من الخدم ففرقهم ومزقهم، ولم يدع في خدمة القصر إلا من استشعر له رهبة وهيبة، وأذكى العيون مع ذلك عليهم حتى ملك نفوسهم، ثم نظر في شد الأموال المختزنة فيه مذ عهد الخلفاء، ووصف أن أيدي الحرم تنبسط عليها.
قال ابن حيان: أخبرني ولد الخال من بعض ما كانت تفعله السيدة صبح مع أخيها رائق أنها أخرجت عند تمكن الوحشة بينهما وبين ابن أبي عامر مائة كوز على أعناق الخدم الصقالبة مختومة، قد صيرت أشطارها مالاً عيناً ذهباً وفضة، وموهت على ذلك كله بالمري والشهد وغير ذلك من الأصباغ الرفيعة المتخذة بقصر الخلافة، وكتبت على رؤوس الكيزان أسماء ذلك. ومرت بصاحب المدينة فحسبها كما كتبت عليها. وكان في تلك الكيزان ثمانون ألف دينار. فأحضر ابن أبي عامر جماعة وأعلمهم أن الخليفة مشغول عن حفظها بانهماكه بالعبادة، وأن في تضييعها على المسلمين وعلى الدولة أعظم الآفة. فرأت الدجماعة أن كون الأموال بيد المنصور أسلم، وهو على حفظها أقدر وأقوم. ثم نالته على ذلك بقية علة طاولته فأرجفوا به، فانتقل ابنه عبد(7/71)
الملك إليه بالزاهرة لينفذ الأمور عنه. فكشف أعداؤه وجوههم عند استحكام الإرجاف به، وراسلوا حاشية الخليفة هشام سراً، وجهزوا للقيام عليه؛ فلم يكن فيهم فضل لذهاب أعيانهم [49] . واشتد [ذلك] على ابن أبي عامر، فتقدم إلى ابنه عبد الملك أن يعترض ألفي فارس من المصطنعين للدولة والغلمان العامريين، وأن يبيتوا معه بالزاهرة لإنفاذ العزيمة فيما رآه من حمل الأموال إليه. وأحكم الأمر مع الفقهاء والوزراء، فركب ذلك الجيش من بين يديه يوم الثلاثاء الثالث من جمادى الأولى سنة ست وثمانين، فأتى قصر الخلافة بقرطبة، وأذن لمن وافى من الفقهاء والوزراء بالوصول إلى مجلسه، وشافههم في ذلك، فاعترف الملأ بفضل أبيه المنصور، فقال لهم عبد الملك: إن قوماً ممن يتصل بأسباب الخليفة هشام يؤثر الفتنة ويكره الدعة. فأنكرت الجماعة ذلك. وأحب عبد الملك والوصول بهم إلى مجلس هشام لشافهوه بهذه الكروب العظام. فكره هشام ذلك وامتنع منه وتبرأ منه أعداء ابن أبي عامر؛ وانصدع جمعهم على انتقال المال، فنقل في ثلاثة أيام حتى استنفذ جميع ما ظهر عليه من بيات المال، وتعذر ما كان بجوف القصر من بيت مال الخاصة؛ ودافع عنه أهل الدار لقيام السيدة أم هشام دونه. أخبرني أبي بعظيم ما شاهده من صرامة تلك المرأة لابن أبي عامر وولده ورميها لهما بكل عظيمة، وعبد الملك يومئذ ساكت يتجرع غصصه، لا يرد كلمة. فبلغ عبد الملك رغبته، وانكفأ إلى أبيه بالزاهرة بعد أن ثقف القصر، فسكن جأش ابن أبي عامر بإحراز تلك الأموال(7/72)
وكان جملة ما حمل - زعموا - من الورق خمسة آلاف ألف دينار دراهم قاسية، ومن الذهب سبعمائة ألف جعفرية.
ثم استبل المنصور، ووصل إلى مجلس الخليفة هشام مع ابنه عبد الملك وسائر عظماء الدولة، فخلا هشام مع ابن أبي عامر واعترف له بالفضل والاضطلاع بالدولة، فخرست ألسنة الحسدة. وعلم المنصور ما في نفوس الناس لظهور هشام ورؤيتهم له، إذ كان منهم من لم يره قط، فأبرزه للناس وركب ركبته المشهورة، وقد برزوا له في خلق عظيم لا يحصيهم إلا من أحصى آجالهم، في بهجة ولبوس وهيئة، معمماً على الطويلة، سادلاً للذؤابة، والقضيب في يده، زي الخلافة، وإلى جانبه المنصور راكباً يسايره، وقدامه الحاجب عبد الملك راجلاً يمشي، ويسير الجيش أمامه، ومن المواكب وطوائف الجند والغلمان والفتيان القصريين والعامريين ما عجب من كثرتهم.
وفاة المنصور بن أبي عامر
قال ابن حيان: وخرج المنصور إلى الغزاة، وقد وقع في مرضه الذي مات منه في صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، واقتحم أرض جليقية من تلقاء مدينة طليطلة، ومرضه يخف وقتاً ويثقل وقتاً. ونفذ على عمل بني غومس إلى أرض قشتيلة، بلد شانجه(7/73)
بن غرسيه. وهو كان مطلوبه الذي ألب عليه الجماعة، فأحل الغارات بأقطاره فقويت عليه العلة هنالك، فاتخذ له سرير خشب ودع عليه أغضاءه، وسوي مهاده متطاول الشكل يمكنه الاضطجاع عليه متى خارت قواه. وكان يحمل سريره على أعناق الرجال، وسجفه منسدل عليه، وعساكره تحف به وتطيع أمره. وكان يحمل بين يديه شراع خفيف منصوب ينقل على الأيدي، فإذا حركته الخلفة أنزل سريره إلى جنب الشراع ليقضي ما به من حاجة؛ وتناول وضوءه جاريتان من قوامه كان حملهما في غزاته، فكانتا تسيران وسط الفتيان، وما كان بين نزوله واستقلاله إلا الفترة لقوة الخلفة؛ بذلك قطع أربعة عشر يوماً حتى وصل إلى مدينة سالم. وكان هجر الأطباء في علته تلك لاختلافهم فيها، واقتصر على أوصاف كاتبه الجزيري عبد الملك. وأيقن هنالك بالموت، وكان يقول: إن زمامي يشتمل على عشرين ألف مرتزق ما فيهم أسوأ حالاً مني؛ وددت أن أقال زلتي وأنا كبعض هؤلاء السودان الحاملين لسريري. وكان تحمل ما كان حوله من الطيب، فاشتغل ذهنه يومئذ بقرطبة وهو بمدينة سالم وقد أيقن بالوفاة. فأمر ابنه عبد الملك بالنفوذ لشدها في طائفة من ثقات غلمانه بعد أن أوصى كلهم أشتاتاً وجماعة. ثم خلا بولده عبد الملك يوصيه ويودعه ويقبض على يده، وكلما ذهب عنه استرده مستدركاً بوصيته. وعبد الملك يبكي فينكر ذلك عليه ويقول: هذا(7/74)
أول العجز والفشل؛ إلى أن قضى وطره ما بينه وبين عبد الملك، وأمره أن يستخلف أخاه عبد الرحمن على العسكر إلى أن ينفذ حكمه فيه. وخرج عبد الملك إلى قرطبة ومعه القاضي ابن [50] ذكوان فدخلها في صدر شوال من العام، فسكن الإرجاف بموت والده، وعرف الخليفة كيف تركه.
قال ابن حيان: قال لي أبي خلف بن حسين: ووجد المنصور بعض الراحة. وأمر أن تدخل عليه جماعة فدخلت في جملتهم ودنوت منه وهو كالخيال لا يبين كلاماً، وأكثر عمله بالإشارة كالمسلم المودع. وخرجنا فكان آخر العهد به. ومات ليلة الاثنين لثلاث بقين لرمضان من العام المورخ، وعلينا في العسكر عبد الرحمن ابنه فعزيناه؛ وكان أوصى أن يدفن حيث يقبض ولا ينقل تابوته، فدفن في قصره بمدينة سالم. ورأوا أنه اختار الله له، إذ كانت من أطيب ما بناه رحمه الله.
وتلوكم ابنه عبد الرحمن بالعسكر مدة الأسبوع وهو ينتظر رأي أخيه عبد الملك في القفول، والغلمان يضطرون عليه وطمعوا في رد الدولة، فقال لهم عبد الرحمن: اصبروا، فكشفوا ما في أنفسهم له، وقالوا: وإنما نحن في حجر آل أبي عامر الدهر الداهر -! نلحق ببابمولانا الخليفة هشام ولا نتدبر إلا بأمره. فتقدمه إلى قرطبة منهم نحو سبعمائة منهم عبيد الله بن بدر، ثم جاءه بعد إذن أخيه، فقدم هو بسائر العسكر، وتجدد يوم ورد قرطبة من الحزن بابن أبي عامر(7/75)
وحركه خدمه، وقيانه قد ألبست المسوح والكسية بعد الوشي والحبر، ما لا شيء فوقه.
أخبرني أبي قال: سمعت محمد بن أبي عامر يوصي ابنه عبد الملك في مرضته تلك ويقول في جملة كلامه: يا بني، لست تجد أنصح لك مني فلا تعدين مشورتي: قد جردت لك رأيي ورويتي على حين اجتماع من ذهني، فاجعلها مثالاً بين يديك. قد وطأت لك مهاد الدولة، وعدلت لك طبقات أوليائها، وغايرت لك بين دخل المملكة وخرجها، واستكثرت لك من أطعمتها وعددها، وخلفت جباية تزيد على ما ينويك لجيشك ونفقتك؛ فلا تطلق يدك في الإنفاق، ولا تقبض لظلمة العمال، فيختل أمرك سريعاً، فكل سرف راجع إلى اختلال لا محالة. فاقصد في أمرك جهدك، واستثبت فيما يرفع أهل السعاية إليك. والرعية قد استقصيت لك تقويمها، وأعظم مناها أن تأمن البادرة وتسكن إلى لين الجنبة. وصاحب القصر قد علمت مذهبه، وأنه لا يأتيك من قبله شيء تكرهه، والآفة ممن يتولاه ويلتمس الوثوب باسمه، فلا تنم عن هذه الطائفة جملة. ولا ترع عنها سوء ظن وتهمة، وعاجل بها من فته على أقل بادرة، مع قيامك بأسباب صاحب القصر على أتم وجه؛ فليس لك ولا لأصحابك شيء يقيكم الحنث في يمين البيعة إلا ما تقيمه لوليها من هذه النفقة. فأما الانفراد بالتدبير دونه مع ما بلوته من جهله وعجزه عنه، فإني أرجو أني وإياك منه في سعة ما تمسكنا بالكتاب والسنة. والمال المخزون عند والدتك هو ذخيرة مملكتك، وعدة لحاجة تنزل بك، فأقمه مقام الجارحة من جوارحك التي لا تبذلها إلا عند الشدة تخاف منها على سائر جسدك. ومادة الخراج غير منقطعة(7/76)
عنك بالحالة المعتدلة. وأخوك عبد الرحمن قد صيرت إليه في حياتي ما رجوت أني قد خرجت له فيه عن حقه من ميراثي، وأخرجته عن ولاية الثغر لئلا يجد العدو مساغاً بينكما في خلاف وصيتي فيسرع ذلك في نقض أمري، ويجلب الفاقرة على دولتي. وقد كفيتك الحيرة فيه فاكفه الحيف منك. وكذلك سائر أهلك فيما صنعت فيهم بحسب ما قدرت به خلاصي من مال الله الذي في يدي، وخلافتك بعدي أجدى عليهم مما صرفته؛ فلا تضيع أمر جميعهم، وألحظهم بعيني، فإنك أبوهم بعدي، فخرج ذكورهم باستخدامك، وألحف إناثهم جناحك، جبر الله جماعتهم، وأحسن الخلافة عليكم. فإن انقادت لك الأمور بالحضرة فهذا وجه العمل، وسبيل السيرة، وإن اعتاصت عليك فلا تلقين بيدك إلقاء الأمة، ولا تطبيك وأصحابك السلامة فتنسوا ما لكم في نفوس بني أمية وشيعتهم بقطربة. فإن قاومت من توثب عليك منهم فلا تذهل عن الحزم فيهم، وإن خفت الضعف فانتبذ بخاصتك وغلمانك إلى بعض الأطراف التي حصنتها لك. واختبر غدك إن أنكرت يومك. وإياك أن تضع يدك في يد مرواني ما طاوعتك بنانك، فإني أعرف ذنبي إليهم.
قال: وسمعته يقول لغلمانه عند هذه الوصية: تنبهوا لأمركم، واحفظوا نعمة الله عليكم، في طاعة عبد الملك أخيكم ومولاكم، ولا تغرنكم بوارق بني أمية، ومواعيد من يطلب منهم شتاتكم. وقدروا ما في قلوبهم وقلوب شيعتهم بقرطبة من الحقد عليكم، فليس يرأسكم(7/77)
بعدي أشفق عليكم من ولدي. وملاك أمركم [51] أن تنسوا الأحقاد وأن تكون جماعتكم كرجل واحد. فإنه لا يفل فيكم. وما زال يكرر هذا وشبهه لطائفة بعد أخرى حتى ضعف وشغل بنفسه.
قيام عبد الملك ابنه بالدولة
ولما ورد النبأ بموته ركب عبد الملك إلى هشام ونعى إليه المنصور أباه. فأظهره الإشفاق، وعرفه بما اضطرب من أمر الفتيان وعصايانهم؛ فخرج هشام وأمره بتدبير أمرهم بحسب ما يستقيم به أمر الدولة، وحذره مواقعة الدماء وتلقيح الفتنة، وخلع عليه، وأخرج معه كتابه بولاية الحجابة مكان أبيه، وقرئ على الكافة، وأنشئ به الكتب إلى الأقطار. وعاقب بعض الفتيان العاصين، وأخرج بعضهم إلى سبتة، فما قفلوا عنها إلا عند العسكر الكبير مع أخيه عبد الرحمن، واجتمع الشمل، وتمكنت الطاعة، وأيس الأعداء من دولة بني عامر، وعلموا أنها وراثة.
وأسقط عبد الملك سدس الجباية لأول ولايته في جميع أقطار الأندلس عن الرعية، فراقت أيامه، وأحبه الناس سراً وعلانية، وأنصب الإقبال والتأييد عليه انصباباً لم يسمع بمثله، وسكن الناس منه إلى عفاف ونزاهة نفس، فباحوا بالنعمة، وأخذوا في المكاسب والزينة من المراكب والملابس والقيان، حتى سمعت أثمان هذه الأشياء في مدته. وبلغت الأندلس في أيامه إلى نهاية الجمال والكمال وسعة(7/78)
الحال، في كنف ملك مقتبل السعد، ميمون الطائر، غافل عن الأيام، مسرور بما تنافس فيه رعيته من زخرف دنياها، فاجتمع الناس على حبه، ونجا من الفتن. وأخباره في ذلك مأثورة. وكان على أهل الأندلس أسعد مولود ولد. بلغني عن أحمد بن فارس البصري المنجم زعيم الصناعة بها على عهد الحكم أنه نظر في مولد عبد الملك هذا وهو طفل فأشار من بعد سعادته إلى أمر كبير لم يدرك هو آخره، فعجب من شاهده من جودة إصابته، وذلك أنه قال: لم يولد قط بالأندلس مولود أسعد منه على أبيه وعلى نفسه وحاشيته، نعم، وعلى أهل الأندلس طراً، وعلى أرضها فضلاً عن ناسها، وأنها لا تزال بخير حياته، وإذا هلك ما أراها إلا بالضد. قال ابن حيان: سمعت هذا الحديث عن ابن فارس من غير ما طريق، فكان كما قال، لقد حدث بالأندلس إثر مهلكه ما هو مشهور.
وكان عبد الملك من أحيا الناس، فإذا كانت الحرب عوين منه الأسد المحرب في براثنه حطماً وشدة. من رجل عديم الفهم والمعرفة جملة، صفر من الأدب والتعاليم، حتى ما كان يسايره وينادمه إلا العجم من الجلالقة والبرابرة ممن لا يهش لسماع، ولا يطرب لإيقاع. فارتفعت بذلك عن مجالس لهوه طبقة المعرفة، وقوض عنها كل فاضل وعالم، واعتاض منهم بجفاة البرابر والأعاجم. إلا أنه مع زهده في الأدب تمسك بمن كان استخلصه أبوه من طبقات أهل المعرفة من خطيب وشاعر، ونديم وشطرنجي، ومعدل وتاريخي وغيرهم(7/79)
حفظاً لصنائع والده وقياماً برسومه، فقررهم على مراتبهم، ولم ينقصهم سوى الفوز بخصوصيته. وكانت ترفع إليه بطائق أهل الشعر ويصلهم على تساهلهم في مديحه لأمانهم من نظره فيها. وأحرز لهم مع الفائدة عفو القريحة، وذلك بين لمن تأمله في أشعار مادحيه لفتورها.
ثم أغرق عبد الملك النزع في دولته، وانهمك في طلب الآلات الملوكية حتى جلب إليه من ذلك كل علق خطير، وتأنق في مراكبه هو وأصحابه بالحلية التامة بخالص اللجين. عهدي به يوم فصوله لغزوته سنة ثمان وتسعين التي احتفل فيها لشانجه بن غرسية، واستكثر فيها من العدة والعدد، فبرز على جواد من مقرباته المنسوبة، بأفخم تلك المراكب المسلسلة، ولبوس درع فضية مطرزة بالذهب، وعلى رأسه خوذة مثمنة الشكل، محددة الرأس، مرصعة الطرق بدر فاخر، واسطته حجر ياقوت أحمر مرتفع القيمة؛ قد لزم وسط الجيش، وطرح الشعاع على سنة وجهه، فما رأى الناس بعده ملكاً يعدله في البهاء والبهجة.
وكانت مما راقت به دولته في الجمال ما تلاحق فيها [52] [من] غلمان أبيه العامريين الناشئين في دولة المنصور، وكان قد وفر عنايته بهم، وجد في تدريبهم، ووقف حذاق المنافقين على تخريجهم، فأثمر(7/80)
غرسهم، وأمكن جناهم، وراقت جملتهم في الفروسية والرماية، وبلغوا ألفي غلام.
وانهمك أيضاً في اصطناع البرابرة العدويين، ودعا القبائل منهم إلى الدخول إليه والخدمة له. وكان من أعظم من هاجر إليه منهم زاوي بن زيري ابن مناد الصنهاجي عم أبي المعز بن باديس بن منصور صاحب إفريقية وصاحب الفرقة الخارجة عليه من أهل بيته. وكان المنصور أيامه قد التوى في الإذن له بالدخول إلى الأندلس حذراً من دهيه ومكره وبعد صيته في المغرب. فأضرب عبد الملك عن الفكر في شأنه وطلب السمعة باستخدام مثله، فأدخله بمن معه من إخوته، وهم من سعة النعمة وبعد الهمم واستصغار الرغائب فيما يكون عليه أشباههم من أبناء الملوك، فاستقلوا ما وصلهم به عبد الملك على كثرته، وما استقر [وا] الدار إلا على قلعة، ولا [....] معروفهم، ولا لبسوا أعالي المراتب السلطانية إلا على ابتذال ومحقرة، ولا قطعوا أمد المقام بالأندلس إلا بذكر الرحلة والتماس التسريح بكرة وعشية، جهلاً وفرط أنفة، والأقدار موكلة بثني عزم عبد الملك عن إسعافهم بسراحهم لما كان قدره - عز وجهه - من الفتنة وتفريق شمل الأندلس بأشباههم، فلم يخرجوا عنها إلى أن قاموا على الجماعة، وشغبوا عليها بعد عبد الملك. وكان شيخهم زاوي أول دخوله الأندلس يظهر [من] أنواع البر والبشر للناس ما لا شيء فوقه. وكان شأنه في الدهي(7/81)
والمكر والخلابة عجبا. وكان يرجع في إقامة ما اعتاده من سعة إنفاقه إلى ما جاؤ به من بلده من عقود وذخائر، فيبيع من ذلك النفيس والخطير، وربما اشترى من ذلك عبد الملك فيزيد في حسرته. وكان عبد الملك [راغباً] في رفعة منزلته، وولاه الوزارة أرفع خطط أصحاب السلطان بالأندلس، ووصل إليه الرسول بالصك في ذلك وطلب أن يصله، فقال: لو جئتنا بمال لأسهمناك، وإنما [خطتنا الإمارة] لا الوزارة، وأقلامنا الرماح، وصحائفنا الأجساد. ولم يمتنع عبد الملك مع غطرسة زاوي هذا من إقامة الحد على من وجب عليه من أهله: عدا ابن أخيه على مولى لهم فقتله فأقاده عبد الملك لحينه، وأسلمه أهله السيف فضربت عنقه على قتيله ذلك، بمقبرة كلاع بمشهد عظيم من الناس، وأسلمت جثته إلى أهله. ونبت الأندلس بعد بأخي زيري أبيه فقوض عنها أول المقوضين من صنهاجة بسراح من عبد الملك.
قال ابن حيان: وانبسطت حاشية الخليفة هشام بن عبد الملك طول مدته في جميع أحوالها، فحملهم على مرادهم. وانهمك هشام طول أيامه فلم يظهر وقتاً فيها، ولا شهد صلاة، واحتجب في نزهة الباطنة على رسمه في أيامه أبيه المنصور. وبلغه منها عبد الملك بغيته، وجعل يخرجه(7/82)
منها مع حرمه مستخفياً بعد طرد الناس عن طريقه، فيضرب به إلى كل ناحية. ثم يعود إلى قصره. ونال في مدة هذا الإنهماك والدعة أهل الاحتيال من الناس عندهم الرغائب النفيسة، بما ازدلفوا به من أثر كريم، أو زخرفوه من كذب صريح، حتى لقد اجتمع عند نساء القصر ثمانية حوافر عزي جميعها إلى حمار عزيز المستحيى بالآية الباهرة، واجتمع عندهن من خشب سفينة نوح عليه السلام وألواحها قطعة، وظفرن من نسل غنم شعيب عليه السلام بثلاث. وكلفن من هذا ومثله لعفتهن وزهد صاحبهن بأشياء توجهت على أموالهن من قبلها أعظم حيلة، ولهجن مع ذلك بطلب ذوي الأسماء الغريبة من الناس، الموافقة أسماؤهم لمن اجتباه الله من خلقه. مثل عبد النور وعبد السميع وعبد اللطيف وعبد المؤمن وحزب الله ونصر الله وفضل الله، ومثل ياسين واليسع ومن جانسه، يصير الرجل من هؤلاء في الحاشية، ويستعمل على وكالة جهة، ولا يبعد أن يتمول في أقرب مدة، وإن اتفق مع ذلك أن يكون ذا لحية عثولية، وصاحب سبال وهامة، فقد تمت له السعادة، ولا سيما إن كانت لحيته حمراء قانية، فإنها أجدى عليه من دار البطيخ غلة، ثم لا يسأل عما وراء روائه من أصل ولا فضيلة، ولو كان مردداً في بني اللخناء، وعارياً من جميع الخصال، والأخبار في مثل هذا عنهن كثيرة [53] مأثورة. فباهت حرم هشام بمثل هذه المعاني الشاذة، وبذلن [من] الأموال في التماسها بما لم يسمع مثلها، ولم تزل الدولة(7/83)
تزداد انهماكاً إلى أن مات عبد الملك، وكبت كبوة لم تستقلها آخر الدهر.
قال ابن حيان: وكانت ولاية عبد الملك وفرق النصرانية بأسرها منتقصة، وعهدها قريب بالاجتماع على المسلمين، وأطماعها بموت حتفها المنصور ثابتة. وكانت الأفرنجة في آخر وقت المنصور قد تمسكت بالمسالمة، فلما سمعت بموته طمعت، واحتاج عبد الملك إلى التثاقل عنهم توطيداً للحضرة، إلى أن اعتدلت فيها الدولة، وأخبار الثغور توافيه كل وقت بما لا يوافقه. وكان أهم جموع طوائف الطواغيت عليه يومئذ أميراً شيطانهم الرجيم، ومغويهم الزعيم، شانجه بن غرسيه بن فرذلند صاحب قشتيلة. وكان يليه في النكاية منتدس [بن] عندشلب قومس غليسية، وكافل ملكهم أذفونش بن برمند، وسائر القواميس عندهما سقط وحاشية. فقدم عبد الملك الحذر منهما، فألقى مولاه واضحاً الفتى صاحب مدينة سالم على شانجه، فصالحه واضح سنة ثلاث وتسعين ولاطفه إلى أن تمهدت قواعد الدولة. وجرد عبد الملك يومئذ إلى ثغر قلمرية قاصية الثغر المواجه لأرض غليسية جيشاً كثيفاً، وبقي في وجه منتدس بن عندشلب، وصمد عبد الملك بلد الإفرنجة إذ لم تزل عند ولاة الأندلس مبدأ كل علة. فاستعد لقصدهم، واقتحم أرضهم في جموعه وأوغل في بسيط برشلونة، وحطم غير ما مدينة(7/84)
وعاد قافلاً سالماً غانماً. فهابته الإفرنجة وأذعنت إلى السلكن وجاء رسولها إلى قرطبة، وقد أعد عبد الملك لوروده أكمل العدة من ترتيب الجنود، فكان يوم دخل ذلك الرسول بقرطبة آخر أيام الزينة، إذ انتقض الملك على أثره سريعاً ووقعت الفتنة.
قال ابن حيان: سمعت بعض المشايخ يومئذ يقول: إنه ما كان بالأندلس مثل ذلك في أمد الدولة، بما اجتمع له من كثرة الجمع والزينة والعزة السلطانية. وأما التجار الغرباء فدخلوا يومئذ إلى موضع هيئة التجافيف والأعلام المصورة وسائر القطع العجمية والقنا الهندية، وموقف خيل الركاب بالسروج الثقال، والتراس المذهبة والمفضضة، معها بغال الركاب الرائقة في زيها المشهور، وما اتصل بذلك من عدة غريبة. وتوصل أولئك التجار إلى ذلك المكان قبل إباحته للنظارة بإذن التمسوه من عبد الملك، فلم يختلفوا في استيساع ما عاينوه، واتفقوا - وكانوا جملة عراقيين ومصريين وغيرهم - على أنه ما شاهدوا لأحد من ملوكهم مثله.
ولما أحكم عبد الملك الشد الفتن الفرنجة دبر قصد شانجه، فخرج نحوه صائفة سنة أربع وتسعين، وأوغل في أرضه وخام عنه شانجه ولم يظهر له، وقفل عبد الملك إلى قرطبة. فاضطر شانجه إلى السلم ووفد بنفسه إلى قرطبة، فأعظم عبد الملك مورده، وضمن أن يغزو معه قومه. فخرج مع عبد الملك سنة خمس وتسعين، فاقتحم جليقية وغادر أعمال بني غومس مصطلمة، وهدى المسلمين شانجه إلى عورات قومه، وانتهى بهم إلى مدينة ليونه وهي من أمنع المعاقل، ولم يكن المنصور بلغها لصعوبتها(7/85)
وطمع عبد الملك فيها ونازلها فأعيت عليه، وقفل إلى قرطبة. وبقي شانجه في مسالمته ثلاثة أعوام يستعد لحربه. فأحس عبد الملك بغدره، فسابقه بالغزو سنة ست بعدها، وضحى عبد الملك يومئذ بمدينة سالم، ووافاه هنالك رسول الروم من القسطنطينية بكتابه إليه، يسأله المواصلة على سبيل سلفه مع ملوك المروانية. وساق له هدية وعدة من أسارى الأندلس طير عليهم بأطراف جزائره البحرية، فسر عبد الملك بذلك، وإذا كتابه مكتوب بالذهب على رسم ملوك الروم الذي فات الصنعة. وذكر صاعد ورود ذلك الرسول في شعر قال فيه:
زلزلت بالمرهفات صاحب قس ... طنطين حتى اتقاك بالكتب
يطلب فيها رضاك مجتهداً ... من قبل أن يتقيك بالهرب
فليس بالفائت البعيد مع الل ... هـ إذا [ما] هممت بالطلب وتمادى استعداد شانجه سراً لغزو عبد الملك فسابقه [54] سنة سبع وتسعين، وظهر المسلمون عليهم. ثم قفل إلى قرطبة آخر ذي الحجة منها. ثم غزا سنة ثمان غزوته الأخير في شوال، فاعتل في مدينة سالم، ورجع إلى قرطبة محرم سنة تسع وتسعين. فكانت آخر غزاة نفذت إلى بلاد الحرب لوشكان موته في صفر منها. وضبط أخوه عبد الرحمن الأمر بعده لنفسه.(7/86)
فصل في ذكر الوزير أبي الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادي الدارمي،
وإثبات جملة من أشعاره مع ما يتشبث بها من طريف أخباره
بلغني أنه خرج من بغداد إذ مات أبوه، وأساء عشرته أخوه، وسنه دون العشرين، فلحق بالأمير محمود، وشهد حروبه بأرض الهنود، وله فيه غير ما قصيد، إلى أن توفي فولي أكبر ولده بعده، فبقي أبو الفضل على حاله عنده، إلى أن خرج بعض إخوته عليه، فنهض لحربه، فدبر وزراؤه في طريقه الفتك به، وشاوروا أبا الفضل في القضية، فأبى من تلك الدنية، وأودع أذن الأمير، ذلك التدبير، فخاف وزراؤه أن يفتضحوا، وعاجلوه قبل أن يصبحوا، وقيدوه قبل أن يقدم أخوه، فسبقهم أبو الفضل إليه، ونص ما فعلوه بأخيه عليه. فشكر له وفاءه لصاحبه، وقال: الوفاء حلية الأحرار، والغدر ثوب الأشرار، ووصل القوم بعد بأخيه، ففك عن أغلاله، وحبسه عند بعض عماله، وضرب أعناق الغدرة، وقرب أبا الفضل واستوزره، إلى أن خرج عنه في خبر طويل(7/87)
ولحق بشروان شاه، وصحبه إلى أن توفي أيضاً وولوا أخاه، فكاتب أبو الفضل الخليفة أبا جعفر القائم ببغداد في الوصول إليه، فاتفق ورود كتابه إثر وفود رسول المعز بن باديس عليه، فطلب الخليفة رجلاً يسفر بينهما، فأرشد إلى أبي الفضل، فوجه عنه وورد، فجهزه وخرج مستتراً من بلد إلى بلد حتى وصل حلب، فاشتهر خبره وطلب، فمدح معز الدولة بقصيدته التي ا، لها: " عهود الصبا من بعد عهدك آمل " فأمر له بثياب سرية، وحمله على فرس عربية. ثم انفصل عنه واجتاز بمعرة النعمان، وبها المعري أحمد بن سليمان، فوصل إليه، وأنشده قصيدته اللامية، فقبل المعري بين عينيه، وقال له: بأبي أنت من ناظم! ما أراك إلا الرسول إلى المغرب. فوصل مصر ووزيرها يومئذ صدقة ابن يوسف بن علي الملقب بالفلاحي، فقصد مجلس قاضي القضاة بها، وأثبت عقداً على رجل مشهور، كان يومئذ ببلاد المغرب بشهادات زور، ولما ثبت ذلك من الطومار، خرج من مصر في زي التجار، يؤم بلاد إفريقية، فوقع على خبره صاحب الإسكندرية، وطلبه فأعجزه. وبلغ(7/88)
طرابلس المغرب أول عمل المعز، فأفشي أمره، وفضح سره، فأمر المعز بإشخاصه. فلما وصل سعي به عنده وأراد قتله، فقال له: تأن في، واستقص علي، فإن صدقت وإلا قتلت. فمشى أبو الفضل بالقيروان مرقباً عليه، إلى أن ورد كتاب القائم بصدقه، فاعتذر إليه، ورفع منزلته وأكرمه، وبسط يده في مطاليبه وحكمه. فحملهم أبو الفضل إلى منزله، وأحسن إليهم، وخلع عليهم. فعجب المعز من كرمه، وقلده تدبير حشمه. وكان ورود أبي الفضل بلد القيروان سنة تسع وثلاثين. حكى ذلك أبو علي بن رشيق وقال: إنه أول من أدخل كتاب اليتيمة للثعالبي عندهم، وشهد حصار القيروان معهم. فلما كان عام ستة وأربعين صرف المعز خطبته إلى صاحب مصر، ونبذ العباسية. فخرج أبو الفضل إلى سوسة، فتطاول عليه أهلها، فخرج عنهم بعد أن أوقع الفتنة بينهم، وتركهم فرقتين: قيسية ويمنية، وأوقع في نفوسهم أن الحرب قائمة بين هاتين القبيلتين إلى يوم القيامة. فاقتتل الفريقان إلى أن تغلب عليهم تميم بن المعز. وتردد أبو الفضل هنالك عدة سنين، وشهد الحروب مع بلقين. ثم انتبذ من تلك الناحية، وركب البحر فنزل بدانية، فبعث إليه أميرها ابن مجاهد بلحم وأرباع دقيق أول نزوله، فصرفها في وجه رسوله، وتعجل الارتحال عنه إلى بلنسية فلقي براً، واستجلبه المأمون ابن ذي النون فحسن بطليطلة مثواه [55] وأجزل قراه، وتوسع له ولعبيده في البر، وأجرى له ستين مثقالاً في الشهر. وكان دخوله طليطلة(7/89)
يوم الجمعة لثلاث بقين لجمادى الأولى سنة أربع وخمسين، وتوفي بها رحمه الله منتصف شوال سنة خمس وخمسين.
ومن غريب وفاء المأمون له - زعموا - إنه استمرت جرايته على حاشيته، وتجافى عن ميراثه وجعله وصية له إذا لم يوص لفجأة وفاته. ورثاه الحكم أبو محمد بن خليفة بشعر يقول فيه:
سقى الله قبراً حل فيه أبو الفضل ... سحاباً يسح المزن وبلاً على وبل
وكيف يسقي المزن قبراً يحله ... وفي طيه بحر المكارم والفضل
وبدر تمام من تميم نجاره ... ملوك لهم قام الملوك على رجل ومنها:
وما الدهر إلا آكل من نفوسنا ... ونحن لديه في الحقيقة كالأكل وهذا كقول المعري:
وما الأرض إلا مثلنا الرزق تبتغي ... وتأكل من هذا الأنام وتشرب وقد كرر المعري هذا المعنى في مواضع:
فشم صارماً واركز قناةً فللردى ... يد هي أدرى بالطعان وأدرب
أفض لهامات وأرمى بأسهم ... وأطعن في قلب الخميس وأضرب(7/90)
ووزير مصر الملقب بالفلاحي المتقدم الذكر، والده كان يوسف ابن علي الذي هجاه الواساني بالقصيدة التي أولها:
يا أهل جيرون هل لسامركم ... إذ استقلت كواكب الحمل وهو يومئذ مشرف على دمشق في أيام الحاكم، وهي قصيدة في معناها فريدة. وقال الحاكم يوماً: أريد سماع هذه القصيدة من رجل حسن النشيد. فقيل له صوت الذي قيلت فيه، لا أحد يجاريه، فأحضر واستعفى من نشيدها فلم يعذر، وأنشد إلى أن انتهى إلى قول الواساني فيها:
كنت على باب منزلي سحراً ... أنتظر الشاكري يسرج لي
وطال ليلي بحاجة عرضت ... باكرتها والنجوم لم تمل
فمر بي [في الظلام] أسود كال ... فيل عريض الأكتاف ذو عضل
مشقق الكعب أفدع اليد وال ... رجل طويل الساقين في سمل
فأهدت الريح منه لي أرجاً ... مثل جني الروض في الندى الخضل
فصحت من خلفه رويدك يا ... أسود مالي بالعدو من قبل
فكر نحوي عجلان يعثر في ... مرط كساء مبرغث قمل
وقد مذى فالمذي يقطر من ... غرموله في الذيول كالوشل
وظن أني صيد فأبرز لي ... فيشلة مثل ركبة الجمل(7/91)
وقال: لج داركم لأولجها ... فيك وإن كنت لم تبل فبل
فطالما أسهلت طبيعة من ... ليس بأمثالها بمحتمل
فانظر إليها فإن رأيت لها ... شبهاً فلا تدعني أبا الجعل
وخذ عموداً فلاغه شرج ... لم يمتعهن ساعة ولم يذل
قلت له: والذي يمد لك ال ... عمر ويعطيك غاية الأمل
ما شق دبري مذ قط فيشلة ... ولا انتخاب الأيور من عملي
ولا لهذا [دعيت] فاطلب لغر ... مولك من يستلذه بدلي
وهات قل لي بالله من أين أقبل ... ت ودعني من هذه العلل
فقال لي بت عند عاملكم ... هذا أبي الفضل يوسف بن علي
فصاك بي طيبه وصاك به ... مني صنان في حدة البصل
تركته في النهار أخفش لا ... ينظر في خدمة ولا عمل
ملت ترديت واعتديت على ... شيخ نبيل ينمى إلى نبل
لعله غيره فصفه فما ... تخدع مثلي بهذه الحيل
فقال: يا سيدي عجلت بمك ... روهي وكان الإنسان من عجل
هذا الذي بت عنده نصف ... دون من وفوق مكتهل
آدر رخو العجان منحرف ال ... مبعر ألحى مهيج السفل(7/92)
أنتن من كل ما يقال إذا ... بالغ في النتن ضارب المثل
نعم، وفي باب سرمه وضح ... أبيت ليل منه على وجل
أخاف يعدي أيري ببرصته ... فأغتدي مثلةً من المثل
فقلت: هذي صفاته ولقد ... شغلت قلبي بذلك الرجل ومنها في التعريض بمنشا بن إبراهيم:
فقلت قل لي من أين تعرفه ... فقال ذرني من هذه العقل
كنت أجيراً ببد معصرةٍ ... كانت قديماً لكاتب البجل
فنمت يوماً وكنت من سهر ال ... ليل وقيذا كالشارب الثمل
فاجتاز للحين والقضاء الذي ح ... م منشا في موكب زجل
وكان منه التفاتة فرأى ... ذيل قميصي قد قدّ من قبل
فاشتد تحديقه إليّ كما ... حدق ذئب طاوٍ إلى حمل [56]
ولم أبت ليلتي وعيشك يا ... مولاي حتى رفعت بالرسل
فجئته خائفاً كما يلج ال ... عصفور مستكرهاً على الورل
فارتعت لما رأيت لحيته ... وكدت أخرى من شدة الوجل(7/93)
وظن أني استحييته فغدا ... يبسطني بالمزاح والغزل
وقال إن كنت مكرمي ثل قد ... ري فبعض الهوان أرفع لي
إنتف سبالي وأصفع قفاي ولا ... تنظر إلى قدرتي ولا خولي
ولم يزل دائباً يشمرخ شا ... قولي ويحتال لي على مهل
فحين أدليت كالحمار بدا ... يرفع أثوابه على الكفل
وخر للوجه والجبين وقد ... رطب حولي خصييه بالبلل
طعنته طعنة بصدق الأنا ... بيب أصم الكعوب معتدل
ثم رمى صفحتي بلحيته ... فقلت ذا السرم من بني ثعل
فقال أخطأت إذ أسلت دمي ... فقلت كلا والله لم يسل
أين النجيع القاني فديتك من ... لطخ رجيع كالورس منسجل
فقال أير أرى به هوجاً ... قد جاز حد الجنون والخبل
يا سيدي ما اسمه فقلت أبو ال ... أسود يكنى وليس بالدؤلي وهي طويلة، فلما فرغ قال له الحاكم: لمَ لمْ تقطع لسانه - والله لا عملت لي عملاص بعد، فصرفه.(7/94)
جملة من أشعار أبي الفضل في أوصاف شتى
النسيب وما يناسبه
كان يوماً مع المعز بن باديس في مجلس أنس، وغلام وسيم يدور بالكأس فقال فيه:
ومعذر نقش الجمال بمسكه ... خداً له بدم القلوب مضرجا
لما تيقن أن سيف جفونه ... من نرجس جعل النجاد بنفسجا وكان له هوى بغلام في مدينة السلام فإذا رآه أنكر حبه، والغلام يعرف شدة وجده وكلفه، فدمعت عينا أبي الفضل، فقال الغلام: دمعك شاهد عليك، فقال:
وهبني قد أنكرت حبك جملةً ... وآليت أني لا أروم محطها
فمن أين لي في الحب جرح شهادةً ... سقامي أملاها ودمعي خطها ودخل يوماً على قينة وهي تتبخر بالند، ودخانه قد علا وجهها فقال:(7/95)
ومحطوطة المتنين مهضومة الحشا ... منعمة الأرداف تدمى من اللمس
إذا ما دخان الند من جيبها [علا] ... على وجهها أبصرت غيماً على الشمس وهو القائل:
يغرس ورداً ناضراً ناظري ... في وجنة كالقمر الطالع
فلم منعتم شفتي قطفه ... والحكم أن الزرع للزارع -! وقال:
ومبلبل من صدغه العطر الذي ... أهدى لي البلبال دون حجاب
وحياة ما غرس الحياء بخده ... من ورده بعتابه وعتابي
لأغررن بمهجتي في حبه ... غرراً يطيل مع الخطوب خطابي
ولئن تعزز إن عندي ذلةً ... تستعطف الأحباب للأحباب وقال:
يا ليل هلا انجليت عن فلق ... طلت ولا صبر لي على القلق
جفت جفوني الآماق فيك فما ... تسبل أشفارها على الحدق(7/96)
كأنني صورة ممثلة ... ناظرها الدهر غير منطبق وإنما أشار في هذا إلى قول بشار:
جفت عيني عن التغميض حتى ... كأن جفونها عنها قصار فنقل لفظه ومعناه، وقصر عنه كما تراه. وقد أخذ أيضاً العتابي هذا المعنى، واجتناه أرياً، فرده شرياً، بقوله:
في ماقيي انقباض عن جفونهما ... وفي الجفون عن الآماق تقصير وقال أبو الفضل:
بدر تم علي ليس يلين ... خاب فيما رجوت فيه الظنون
طالباً للخلاف إن لم أكن كا ... ن وإن كنت حاضراً لا يكون
فعلى ذا ما نلتقي قط حتى ... يتلاقى المضاف والتنوين وقال:
وظبي أراني غرة من جبينه ... تزيد ضياء بين أصداغه الدهم
تجرعت بالإسعاف جرعة ظلمه ... لأني رأيت الظلم يدرأ بالظلم
وكم أمكنتني فرسة فتركتها ... حياء من الشيب الموقر بالحلم
ولو كنت في ثوب الشبيبة رافلاً ... لصح على إتيان زلتها عزمي(7/97)
وهذا كقول الآخر:
دعتني عيناك نحو الصبا ... دعاء تكرر في كل ساعه
فلولا وحقك عذار المشيب ... لقلت لعينيك سمعاً وطاعه وهذا مثل قول جرير: [57]
[يقول العاذلات علاك شيب ... أهذا الشيب يمنعني مراحي] ومنه أنشد: [57]
لولا الحياء وأنني مشهور ... والعيب يلحق بالكبير كبير
لحللت منزلك الذي تحتله ... ولكان منزلنا هو المهجور وابن الرقاع هو القائل:
لولا الحياء وأن رأسي قد عسا ... فيه المشيب لزرت أم القاسم وقال بعض أهل عصرنا:
فلولا حياء المحيا وما ... عراني لفقد الصبا من مصاب(7/98)
لمرغت خدي وألفت بين ... هشيم المشيب وروض الشباب وقال محمد بن هانئ:
والله لولا أن يسفهني الهوى ... ويقول بعض القائلين تصابى
لكسرت دملجها بضيق عناقها ... ولثمت من فيها البرود رضابا
بنتم فلولا أن أغير لمتي ... عبثاً وألقاكم علي غضابا
لخططت شيباً في عذاري كاذبا ... ومحوت محو النقس عنه شبابا
وخلعته خلع النجاد مذمما ... واعتضت من جلبابه جلبابا
وخضبت مسود الحداد عليكم ... لو أنني أجد البياض خضابا وسأله أبو منصور الثعالبي أن يصف غلاماً صغيراً كان بديع الحسن ليثبت ذلك في كتابه المترجم بألف غلام، فقال:
إني عشقت صغيراً ... قد دب فيه الجمال
وكاد يفشي حديث ال ... فضول منه الدلال
لو مر في طرق الهج ... ر لاعتراه ضلال
وتاه فيه اغتراراً ... لو لم يغثه الوصال
يريك بدراً تماماً ... في الحسن وهو هلال وسأله أيضاً أن يصف غلاماً كاتباً كان حسن الخطين خط اليد وخط الوجه، فقال:(7/99)
وكاتب أهديت نفسي له ... فهي من السوء فدا نفسه
سلط خديه على مهجتي ... فاستأصلاها وهي من غرسه
كأنما خط على خده ... مثل الذي قد خط في طرسه
فلست أدري بعد ما حل بي ... بمسكه أتلف أم نقسه وقال فيه:
وشادن أسرف في صده ... وزاد في التيه على عبده
الحسن قد بث على خده ... بنفسجاً يرنو إلى ورده
رأيته يكتب في طرسه ... خطاً يضاهى الدر في عقده
فخلت ما [قد] خطه ... للحسن قد خط على خده وألم أبو الفضل في هذا بقول بعض الكتاب:
ما أخطأت نوناته من صدغه ... شيئاً ولا ألفاته من قده
وكأنما أنفاسه من شعره ... وكأنما قرطاسه من جلده وينظر إلى هذا من طرف خفي، قول [ابن] أبي سمرة الدارمي قال:
سراب الفيافي صادق عند وعدها ... وسم الأفاعي مبرئ عند صدها
رمتني ولم أسعد بأيام وصلها ... بعيني مهاة أنحستني ببعدها(7/100)
تعلقها قلبي كما قد تعلقت ... صوالج صدغيها بتفاح خدها
فقلبي لما أضعفته كخصرها ... ودمعي لما نظمته كعقدها وقال أبو الفضل:
قلت للملقى على الخدين من ورد خمارا ... والذي سل على العشاق باللحظ شفارا ...
أسبل الصدغ على خد ... ك من مسك عذارا
أم أعان الليل حتى ... قهر الليل النهارا -
قال ميدان جرى الحس ... ن عليه فاستدارا
ركضت فيه عيون ... فأثارته غبارا وقال يتشوق إلى بلده:
أهيم بذكر الشرق والغرب دائباً ... وما بي شرق للبلاد ولا غرب
ولكن أوطاناً نأت وأحبةً ... فقدت متى أذكر عهودهم أصب
إذا خطرت ذكراهم في خواطري ... تناثر من أجفاني اللؤلؤ الرطب
ولم أنس من ودعت بالشط سحرةً ... وقد غرد الحادون واستعجل الركب
أليفان هذا سائر نحو غربةٍ ... وهذا مقيم سار عن صدره القلب وقال في مثله:(7/101)
تذكر نجداً والحمى فبكى وجدا ... وقال سقى الله الحمى وسقى نجدا
وحيته أنفاس الخزامى عشيةً ... فهاجت إلى الوجد القديم وجدا
فأظهر سلواناً وأضمر لوعةً ... إذا طفت نيرانها وقدت وقدا
ولو أنه أعطى الصبابة حكمها ... لأبدى الذي أخفى وأخفى الذي أبدى
ولم أنسه والسكر يفتل قده ... إذا ما تثنى كدت أعقده عقدا وقال:
ومخمور الجفون بلا خمار ... حكى بدر الدجى حسناً وبعدا
فما زالت به حيلي إلى أن ... دنا ورأى لدي الغي رشدا
وجاد بقبلةٍ فشممت مسكاً ... وذقت مدامة وقطفت وردا
فكان السكر لي سبباً سقاني ... على ظمأ الهوى العذري بردا [58]
فيا شرباً وردت فكان عذباً ... ويا نجماً لحظت فكان سعدا وقال:
قالوا تبدى شعره فأجبتهم ... لابد من علم على الديباج
والبدر أبهر ما يكون ضياؤه ... إذ كان ملتحفاً بليل داج وقال:
ظبي إذا حرك أصداغه ... لم يلتفت خلق إلى العطر
غنى بشعري منشداً ليتني ال ... لفظ الذي أودعته شعري(7/102)
فكلما كرر إنشاده ... قبلته فيه ولم يدر وقال:
يا ذا خط الجمال بوجهه ... سطرين هاجا لوعةً وبلابلا وهذا كقول ابن رشيق:
وهل [على] عارضيه إلا ... حمائل قلدت حساما وقال أبو الفضل في بعض غلمانه وكان له به هوىً:
علي لا تصل وبن ... فقلبي غير مرتهن
غضبت فزد ودم غضباً ... فإني عن رضاك غني
أتخفي بغصتي سراً ... وتبدي الحب في العلن -
لقد غرتك في ميلي ... إليك كواذب الظنن
أتطمع أن أزيد هوى ... وودك لي على دخن -
إذا فسدت يد قطعت ... ليسلم سائر البدن فأجابه الغلام:
غلامك غير ممتهن ... تخونه ولم يخن
وتطلب عتبه ظلماً ... على غضب ولم يكن(7/103)