سرية عبد الله بن جحش
في رجب من السنة الثانية، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رهطا من المهاجرين ثمانية «1» ، وقيل سبعة، وأمّر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، وأعطاه كتابا وقال له: «لا تفتحه إلا بعد يومين، فإذا فتحته فامض لما أمرتك به، ولا تستكره أحدا من أصحابك» فلما سار بهم يومين فتحه فإذا فيه:
«إذا نظرت كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصّد بها قريشا وتعلّم لنا من أخبارهم» فلما قرأ الكتاب قال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه بما في هذا الكتاب، وقال: قد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلّف منهم أحد.
وإنما وقع اختيار النبي على هذا المكان البعيد لأن أهل مكة كانوا قد بدؤوا يحتاطون لتجارتهم، ويأخذون لها الحذر، ويجتهدون في إخفاء أخبارها عن أهل المدينة، فغلبهم النبي على حذرهم، وأراد أن يتعرف أخبار تجارتهم من وادي نخلة الواقع بين مكة والطائف؛ وكانت حكمة بالغة أن لم يخبر النبي السرية بمقصده من إرسالهم ووجهتهم قبل مغادرتهم المدينة، حذرا من أن يشاع الخبر، فينقله أحد المنافقين أو اليهود إلى قريش، فتترصدهم في هذا المكان النائي عن المدينة، وهم قلة فتقتلهم.
__________
(1) هم: أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التميمي، وخالد بن البكير، وسهيل بن بيضاء الفهري.(2/119)
وسار الركب حتى وصلوا مكانا يسمى «بحران» ، فأضلّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه؛ فتخلّفا في طلبه، ومضى بقية الركب، حتى نزلوا «نخلة» ، فمرت بهم عير لقريش فيها عمرو بن الحضرمي ومعه ثلاثة اخرون، فلما راهم القرشيون هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم، فأطلّ عليهم عكاشة بن محصن «1» ، وكان قد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا وقالوا:
عمّار لا بأس عليكم منهم.
وتشاورت السرية في أمرهم وكان في اخر يوم من رجب «2» ، فقالوا: والله لئن تركتموهم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم، فليمتنعنّ به منكم، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجّعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتالهم، وأخذ ما معهم، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، وأسروا اثنين وأفلت واحد، واستاقوا العير، ورجعوا بها وبالأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما علم أنهم قاتلوا في رجب قال: «ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» ، ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فسقط في يد رجال السرية، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنّفهم إخوانهم المسلمون، واتخذ المشركون مما حدث وسيلة للطعن في المسلمين، وقالوا: قد استحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا الأموال، وأسروا الرجال، وأرجف اليهود والمنافقون في المدينة قصد إشعال الفتنة.
وفي هذه الغمرة من الأسى والأسف، والتثريب والعتاب والإرجاف من الأعداء، نزل الوحي من السماء بقول الله سبحانه:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ
__________
(1) عكاشة: بضم العين وتشديد الكاف، وقد تخفف، ومحصن: بكسر الميم وفتح الصاد.
(2) وقيل إن ذلك كان في اخر يوم من جمادى الثانية، فقاتلوهم ظنا منهم أنه من جمادى، ثم ظهر أنه من رجب فندموا.(2/120)
مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» .
فكان في هذا إعذار من الله لأصحاب السرية، فسري عنهم وعن المسلمين ما كانوا فيه من الكرب والغمة، فقبض الرسول العير والأسيرين، وبعثت قريش في فدائهما، فقال رسول الله: «لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يريد سعدا وعتبة- فإنا نخشاكم عليهما، فإن قتلتموهما نقتل صاحبيكم» ، فقدم سعد وعتبة سالمين، فأفداهما رسول الله، فأما أحد الأسيرين وهو الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه وأقام بالمدينة حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا؛ وأما الثاني وهو عثمان بن عبد الله بن المغيرة فلحق بمكة، ومات بها كافرا.
وقفة عند ما نزل من القران
وما كان لنا أن نمر بهذه الاية دون أن نعرض لها بالبحث والاستنتاج، فقد كان ذلك مفترق طرق في سياسة الإسلام من تقدير للقيم الدينية والخلقية، وسمو بالمعاني الروحية والإنسانية، وعدم إغفال للبواعث الشريفة التي دعت رجال السرية للقتال في الشهر الحرام، دون الوقوف عند الظواهر والرسوم وما التزمه الناس من تقاليد كريمة مشروعة أو موروثة، فالله سبحانه أجاب المتسائلين بأن القتال في الشهر الحرام أمر كبير، ولكن هناك من الكبائر التي قام بها المشركون تجاه المسلمين ما هو أكبر وأعظم، فالصد عن سبيل الله- وهو الإسلام- والكفر به، والصد عن المسجد الحرام أن تؤدّى فيه الشعائر والمناسك، وإخراج المسلمين من بلدهم وأهليهم وأموالهم كلها أكبر عند الله مما فعل المسلمون!!.
__________
(1) سورة البقرة: الايتان 217- 218.(2/121)
ثم هم مع كل جرائمهم هذه فعلوا ما هو أشنع وأظلم، فقد ابتغوا الفتنة، فتنة المسلمين عن دينهم وعقيدتهم، وسلكوا كل وسيلة ممكنة للفتنة من وعد ووعيد وإغراء وتعذيب، وتجردوا في هذا من معاني الإنسانية والرحمة، ولا يزالون- وقد فعلوا كل هذه الجرائم- يحاولون جاهدين فتنة المسلمين وقتالهم والتضييق عليهم، فإذا كان المشركون يرتكبون هذه الكبائر كلها فلا جناح على من وقعت عليهم هذه الكبائر والاثام إن قاتلوهم في الشهر الحرام، وأسروا منهم، واستاقوا عيرهم، وإنما الحرج والإثم أن يقاتل في الشهر الحرام من يجترح هذه الأوزار والاثام.
وفي الاية الثانية عدة بالجميل لمن هاجر وجاهد في سبيل الله على سبيل الرجاء، وهو أسلوب من أساليب القران قصد به إزالة الأطماع، وعدم الاتكال والاعتماد على ما قدّموا من أعمال مجيدة فيما مضى، وحثّ لهم على إدامة الجهاد والكفاح فيما يأتي وما يستقبلون من حياتهم، وفي ضمن هذا عدة لأصحاب هذه السرية بالأجر والمغفرة.(2/122)
غزوة بدر الكبرى
ترقب وانتظار
بقي الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بالمدينة يترقبون قدوم العير العظيمة التي أفلت بها أبو سفيان، وكانت تبلغ ألف بعير، فيها معظم أموال قريش، وهي التي خرج للقائها في غزوة العشيرة التي مرّ الحديث عنها انفا.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلين من أصحابه هما: طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى «الحوراء» على البحر الأحمر، وهي محطة من محطات القوافل التي تسير بين الحجاز والشام ولابدّ للعير أن تمر بها يترصدانها، وقد تمكن الرجلان من أن يستميلا قبيلة جهينة، وأقاما يتسقّطان الأخبار، حتى تأكدا من موعد مبارحتها الشام، فعادا إلى الرسول يبلغانه الخبر، ويقال إن الرسول لم ينتظر قدوم الرسولين من مهمتهما وقرر الخروج إلى طريق الشام، خشية أن تفوته العير في إيابها كما فاتته في ذهابها ولا سيما أنه قوّم ما فيها بخمسين ألف دينار.
الخروج إلى العير
ندب الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الخروج قائلا: «هذه عير قريش، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها» «1» فخفّ لدعوته أقوام، وتثاقل عنها اخرون، لظنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد حربا، وقوي عندهم هذا الظن أن الرسول قال:
«من كان ظهره حاضرا فليركب معنا» ولم ينتظر من كان ظهره غائبا، فخرج
__________
(1) في القاموس: نفله ونفّله وأنفله: أعطاه إياه، والنفل: الغنيمة.(2/123)
رسول الله صلى الله عليه وسلم لثلاث وقيل لثمان ليال خلون من رمضان، وكان معه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، منهم نيّف وأربعون ومائتان من الأنصار، والباقي من المهاجرين، ولم يتخلّف منهم إلا عثمان بن عفان لتمريض زوجته السيدة رقية بنت الرسول فقد اشتد عليها المرض.
واستخلف النبي عبد الله بن أم مكتوم ليصلي بالناس في المدينة، وردّ أبا لبابة الأنصاري من الرّوحاء واستعمله على المدينة، وردّ عاصم بن عدي أيضا واستخلفه على قباء والعالية، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، وكان أبيض، وبين يدي رسول الله رايتان سوداوان: إحداهما مع علي بن أبي طالب، والثانية مع سعد بن معاذ، وكان معهم فرسان: أحدهما للزبير بن العوام، والثاني للمقداد بن الأسود، وسبعون بعيرا يعتقبونها، كل ثلاثة أو أربعة يتناوبون بعيرا.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وأبو لبابة على بعير ولما ردّ أبا لبابة كان ثالثهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي «1» ، وضرب رسول الله مع صاحبيه غاية العدل والرحمة، ذلك أنه لما جاءت نوبته في المشي قالا له: نحن نمشي عنك فقال: «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما» . وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا. وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة «2» يتعاقبون بعيرا.
وسار الجيش القليل في عدده الكثير بروحه وإيمانه حتى وصل إلى «بيوت السقيا» خارج المدينة، وعسكر فيها واستعرض النبي من خرج معه، فردّ من ليس له قدرة على الحرب المحتملة الوقوع، وكان ممن ردّ: البراء بن عازب، وعبد الله بن عمر، ففي صحيح البخاري عن البراء قال: «استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يوم بدر نيّفا على ستين، والأنصار نيّفا وأربعين ومائتين» » .
__________
(1) أبو مرثد اسمه كناز بن حصين ينتهي نسبه إلى قيس بن عيلان.
(2) الثلاثة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب «عدة أصحاب بدر» .(2/124)
وروي عن البراء أيضا: «أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، بضعة عشر وثلاثمائة» .
وقد اختلف في هذا البضع، فقيل: ثلاثة عشر، وقيل: أربعة عشر، وقيل: خمسة عشر، ولا ينافي هذا ما ذكره ابن سعد من أنهم كانوا ثلاثمائة وخمسة رجال، وما ذكره ابن جرير من أنهم كانوا ثلاثمائة وستة؛ لأن هناك صحابة عدوا من أهل بدر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ بعضهم، استخلافا له كسيدنا أبي لبابة، أو تخلّفوا عنها لأعذار وضروريات كسيدنا عثمان، فقد تخلّف لتمريض زوجته السيدة رقية بنت الرسول، وكسيدنا الحارث بن الصمة، فقد كسرت رجله بالرّوحاء فردّه النبي صلى الله عليه وسلم «1» ، والاختلاف في مثل هذا سهل غير بعيد.
أبو سفيان واستنفار قريش
كان أبو سفيان على حذر أن تقع العير في قبضة المسلمين، فلما دنا من الحجاز صار يتجسس الأخبار، حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك وخاف العاقبة، إذ لم يكن معه من قريش في حراسة العير إلا ثلاثون أو أربعون رجلا، وما يغني هذا العدد عند اللقاء؟.
فاستأجر ضمضم «2» بن عمرو الغفاري، فبعثه مسرعا إلى مكة ليستنفر قريشا إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه، فوصل ضمضم إلى مكة، وقد جدع أذني بعيره وأنفه، وحوّل رحله، وشقّ قميصه، وقال:
يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة «3» . أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها. الغوث الغوث.
__________
(1) فتح الباري، ج 7 ص 233.
(2) بفتح الضادين، وسكون الميم بينهما.
(3) اللطيمة: العير التي تحمل التجارة والأموال.(2/125)
وما لبث أبو جهل حين سمعه أن صاح بالناس من عند الكعبة يستنفرهم، وكان أبو جهل رجلا خفيفا حديد الوجه، حديد اللسان، حديد النظر، ولم تكن قريش في حاجة إلى من يستنفرها فقد كان لكل منهم في هذه العير نصيب.
فتجهز الناس سراعا وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي؟ والله ليعلمنّ غير ذلك، فكانوا بين رجلين: إما خارج، وإما باعث مكانه رجلا. وأوعبت قريش «1» ، فلم يتخلف من أشرافها إلا أبو لهب بن عبد المطلب، فقد بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة استأجره بأربعة الاف درهم كانت عليه قد أفلس بها، وكاد أمية بن خلف يتخلّف، وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا، ذلك أنه سمع من صديقه سعد بن معاذ- وقد ذهب إلى مكة معتمرا بعد الهجرة- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنهم قاتلوك» قال: بمكة؟
قال سعد: لا أدري. فلما حصل الاستنفار تذكر هذا وداخله رعب شديد.
ولكن الله إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب، فلم يلبث أبو جهل- وقد علم بخبر تخلفه- أن جاءه ومعه عقبة بن أبي معيط، ومع عقبة مجمرة فيها بخور، ومع أبي جهل مكحلة ومرود، فوضع عقبة المجمرة بين يديه وقال له:
يا أبا علي استجمر فإنما أنت مثل النساء، وقال أبو جهل: اكتحل أبا علي فإنما أنت امرأة، فلم يجد بدا وقد استثارا حميته بهذا الكلام الجارح لرجولته إلا أن قال لهم: ابتاعوا لي أجود بعير بمكة، وخرج معهم وفي نيته أن يرجع بعد قليل متسللا، ولكن منيته ساقته إلى حتفه رغم أنفه، وهكذا لم يتخلّف بمكة قادر على القتال، غير بني عدي فلم يخرج منهم أحد.
تخوف قريش من بني بكر
وكانت قريش تتخوف إذا خرجت إلى لقاء النبي وصحبه أن يأتيهم بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة من خلفهم، لما كان بينهم من ثارات وقتل في الجاهلية، حتى كاد ذلك يثنيهم عن الخروج لولا أن جاء سراقة بن مالك بن
__________
(1) يقال: أوعب القوم إذا خرجوا جميعا إلى الغزو.(2/126)
جعشم «1» المدلجي- وكان من أشراف بني كنانة- فقال: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه، فزالت مخاوفهم وأجمعوا على المسير.
فخرجوا بجمعهم بطرين أشرين، وقد أشار الحق تبارك وتعالى إلى هذا بقوله:
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ. وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ «2» .
وكان مثله ومثلهم:
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ «3» .
وكان تعداد جيش المشركين تسعمائة وخمسين رجلا، معهم مائة فرس وسبعمائة بعير يعتقبونها، وأمامهم القينات يغنين بهجاء المسلمين، وساروا يحدوهم البطر، ويملؤهم الزهو والغرور حتى كانت عاقبة أمرهم هلاكا وخسرا.
__________
(1) وقيل إن إبليس جاء في صورة سراقة وقال: إني جار لكم وسار معهم، حتى لما كانت الموقعة ونزلت الملائكة نكص على عقبيه.
(2) سورة الأنفال: الايتان 47، 48.
(3) سورة الحشر: الايتان 16، 17.(2/127)
فرار أبي سفيان بالعير واختلاف المشركين في الخروج
أما أبو سفيان فقد ساحل بالعير خارجا عن الطريق المعتاد، فنجا، وأرسل إلى قريش وقد خرجت عن بكرة أبيها يعلمهم بذلك، ويشير عليهم بالرجوع قائلا: (إنكم قد خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجّاها الله فارجعوا) ، ورأى رأي أبي سفيان من قريش عدد غير قليل، لكن أبا جهل ما لبث حين سمع هذا الكلام أن صاح قائلا: (والله لا نرجع حتى نرد بدرا، فنقيم عليها ثلاثا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فامضوا) .
وقال الأخنس بن شريق «1» - وكان حليفا لبني زهرة وكان فيهم مطاعا-: (يا بني زهرة قد نجّى الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم- مخرمة بن نوفل- فارجعوا، فاتّبعوا مشورته ورجعوا، فلم يشهد بدرا زهريّ، وكذلك لم يشهدها أحد من بني عدي، وكان بين طالب بن أبي طالب- وكان في صفوف المشركين- وبين بعض قريش محاورة فقال له: والله لقد عرفنا يا بني هاشم- وإن خرجتم معنا- أن هواكم مع محمد، فرجع طالب إلى مكة مع من رجع، ومضت جموع قريش في خيلها وخيلائها حتى وصلت وادي بدر، فنزلوا عدوته القصوى عن المدينة في أرض سهلة لينة.
مسير المسلمين إلى بدر «2»
أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد سار وأصحابه في الطريق إلى بدر، وكان لا يزال شائعا بين صفوف المسلمين أن عير أبي سفيان ستمر بها في طريقها إلى مكة، ولم يكن عليه السلام عارفا بما فعله أبو سفيان من إفلاته بالعير، ولا بما قامت به قريش
__________
(1) شريق: بفتح الشين المعجمة وكسر الراء.
(2) بدر: مكان بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب، سمي باسم بئر هناك. وكان به سوق تقام كل سنة ثمانية أيام وبه قرية الان.(2/128)
من جمع جموعها والتوجه إلى بدر حتى بلغ واديا يقال له «ذفران» «1» أو «الروحاء» ، وهناك أتاه الخبر عن قريش ومسيرهم في جيش كبير لمنع العير وحمايتها.
وحينئذ تغيّر وجه الأمر، ولم يصبح الأمر مقصورا على اللحاق بالعير والاستيلاء عليها، فها هي قريش خرجت بجموعها الكثيرة، وبذلك ترجحت كفة القتال والمناجزة، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كبراء الجيش وقال لهم: «أيها الناس إن الله وعدني إحدى الطائفتين أنها لكم: إما العير، وإما النفير» ، فتبيّن له عليه الصلاة والسلام أن البعض يريد العير، ولا يرغب في لقاء النفير، وقال بعضهم: هلّا ذكرت لنا القتال فنستعد؟ ولكن الأكثرية كانت تريد لقاء النفير، وقد ذكر الله سبحانه هذا في قوله:
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ «2» .
وإذا أراد الله شيئا هيّأ له الأسباب، وإن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا.
استشارة النبي أصحابه في القتال
وقد كانت هذه الاستشارة بمثابة اختبار لإيمان المسلمين، وصلابة عقيدتهم، ومقدار استعدادهم للقتال والتضحية في سبيل الإسلام، وقد أسفر الامتحان عن نجاح باهر، ودلّلوا بحق على أنهم أهل لحمل الرسالة المحمدية والجهاد في سبيل تبليغها للناس كافة.
__________
(1) ذفران: بفتح الذال المعجمة وكسر الفاء: واد قرب وادي الصفراء.
(2) سورة الأنفال: الايتان 7، 8. والمراد بالطائفتين: العير أو النفير يعني الجيش. ومعنى الشوكة: السلاح. فغير ذات الشوكة هي العير. وقد صار مثلا أن يقال: فلان لا في العير ولا في النفير لمن لا خطر له ولا يؤبه به.(2/129)
استشار النبي أصحابه في القتال، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن الكلام، وقام الفاروق عمر فقال وأحسن الكلام، ثم قام المقداد بن الأسود «1» فقال: (يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون- وفي رواية البخاري في صحيحه: «ولكن نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك وخلفك» - فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد «2» لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه) ، فقال له رسول الله خيرا ودعا له.
ثم قال رسول الله: «أشيروا عليّ أيها الناس» ، وإنما يريد الأنصار لأنهم لما بايعوه ليلة العقبة بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم ما دام بين أظهرهم، ولم تكن المبايعة على قتال خارج المدينة، وإنها لمشورة حقة ممن كان أصدق الناس بالوعود، وأوفاهم بالعهود، وأبعدهم عن التوريط والخداع، وقد فطن لهذا السيد الجليل سعد بن معاذ فقال: (والله لكأنك تريدنا يا رسول الله) ؟ قال «أجل» فقال: (لقد امنا بك وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض لما أردت فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب. صدق «3» عند اللقاء. لعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر على بركة الله) فسرّ الرسول وأشرق وجهه، ثم بشّر القوم بالنصر قائلا: «سيروا
__________
(1) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي، كان أبوه ترك بلاد قومه إلى حضرموت، وهنالك تزوج وولد لهم المقداد، فلما كبر المقداد تلاحى هو ورجل اخر، فضربه بالسيف وهرب إلى مكة، فحالف الأسود بن عبد يغوث الزهري، فتبنّى المقداد، فكان يعرف به، فلما أبطل الإسلام ذلك كان يقال له: المقداد بين عمرو، ولكن بقيت شهرته ابن الأسود.
(2) برك: بفتح الباء، الغماد بكسر الغين موضع على خمس ليال من مكة في طريق اليمن.
(3) صبر: بضم الصاد والباء جمع صبور، صدق: بضم الصاد والدال جمع صدوق.(2/130)
وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الان أنظر إلى مصارع القوم» .
وكيف لا يسر الرسول بهذه المواقف المشرفة التي مبعثها الإيمان الصادق الذي لا يعرف الضعف ولا الاستخذاء، والذي ظهرت ثمراته في كلمات طيبة مؤمنة، والتي كشفت عن معدن العرب المسلمين الأصيل، وأبانت الفرق الشاسع ما بين موقف اليهود من نبيهم موسى عليه السلام وموقف المسلمين من نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. وإنها لمقارنة صادقة حقة في هذا الموقف الدقيق، تشف عن نفاسة معدن العرب، وبطولتهم، وعن خبث معدن بني إسرائيل ونذلتهم.
تسنّط أخبار قريش
وارتحل المسلمون من «ذفران» ، حتى إذا كانوا على مقربة من بدر ركب رسول الله وصاحبه الصّديق حتى وقفا على شيخ من العرب يقال له: سفيان الضمري، فسأله الرسول عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له رسول الله:
«إذا أخبرتنا أخبرناك» فقال: أو ذاك بذاك؟ قال: «نعم» ، قال الشيخ: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به قريش، فلما فرغ قال: ممن أنتما؟ فقال رسول الله:
«نحن من ماء» «1» !! ثم انصرفا عنه فقال الشيخ: ما من ماء؟ أمن ماء العراق «2» ؟
ثم رجع رسول الله وصاحبه إلى أصحابه. فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء
__________
(1) هذا من التوريات البديعة، وهو يحتمل معنيين: أحدهما قريب وهو المكان المعروف بهذا الاسم، والثاني بعيد وهو الماء الذي خلق منه كل كائن حي، وهو مراد النبي.
(2) يعني أمن المكان الذي بالعراق أم من غيره؟(2/131)
ببدر يتسقطون له الأخبار، ويتجسسون على قريش، فأصابوا راوية «1» لقريش فيهما غلامان لهما: غلام لبني الحجاج، وغلام لبني العاص بن سعيد، فأتوا بهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقالا: نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم الماء فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما، فلما أوجعوهما قالا: نحن لأبي سفيان، فتركوهما، فلما فرغ رسول الله من صلاته قال: «إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا- والله- إنهما لقريش» ، ثم قال لهما: «أخبراني عن قريش» فقالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما: «كم القوم» ؟ قالا: كثير، قال: «ما عدّتهم» ؟ قالا:
لا ندري، قال الرسول: «كم ينحرون كل يوم» ؟ قالا: يوما تسعا، ويوما عشرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القوم ما بين التسعمائة والألف» «2» . فقال لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش» ؟ فذكرا: عتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبا جهل، وأمية بن خلف، وسهيل بن عمرو في اخرين من صناديد قريش، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قائلا: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» !!.
تعرف أخبار العير
وكما عاد سيدنا علي ومن معه بالغلامين وبخبر قريش معهما، عاد رجلان اخران ذهبا يتعرفان أخبار العير، حتى عرفا من جاريتين تتنازعان على حقّ لإحداهما على الاخرى على ماء لهم أن العير ستقدم غدا أو بعد غد، وأخبرا الرسول بما سمعا.
وكان أبو سفيان قد سبق العير يتسقّط الأخبار حذرا أن يكون المسلمون قد سبقوه إلى الطريق، فلما ورد الماء وجد عليه مجدي بن عمرو، فسأله هل رأى أحدا؟ فأجابه بأنه لم ير إلا راكبين أناخا إلى هذا التل، وأشار إلى حيث أناخا،
__________
(1) الراوية: الإبل يستقى عليها الماء.
(2) هذا من حصافة الرسول، وألمعيته النادرة، وحدسه الصائب الذي لا يخطىء.(2/132)
فأتى أبو سفيان مناخهما فوجد في روث بعيريهما نوى، عرفه من علائف يثرب، فأسرع إلى أصحابه، وعدل بالسير عن الطريق المعهود متبعا ساحل البحر، مسرعا في سيره حتى نجا بالعير كما قدمنا، وأصبح الغد والمسلمون في انتظار مرور العير بهم، فإذا الأخبار تصلهم أنها فاتت، وأن قريشا بجموعها تعسكر بالقرب منهم، وهكذا أفلتت العير، ولم يبق إلا النفير وتعيّن القتال.
جيش المسلمين في بدر
وسار المسلمون حتى نزلوا بعدوة الوادي الدنيا «1» بعيدا عن الماء في أرض سبخة، لا تثبت عليها الأقدام، فأصبحوا عطاشا، وبعضهم جنب، وبعضهم محدث، ووجد إبليس وأعوانه مجالا للوسوسة، وإلقاء الريب والشكوك في النفوس، فهجس قائلا: ما ينتظر المشركون منكم إلا أن يقطع العطش رقابكم، ويذهب قواكم، فيتحكموا فيكم كيف شاؤوا.
اية من السماء
ولكن الله عز شأنه أبطل كيده، ومنّ عليهم بأن أرسل عليهم السماء مدرارا فشربوا، وتوضأوا واغتسلوا، وملأوا الأسقية، ولبّد المطر الأرض من تحت أقدامهم، فسّهل لهم السير، على حين كان نقمة على المشركين، فقد وحل الأرض تحت أقدامهم، حتى لم يعودوا يقدرون على الارتحال، وصدق الله حيث يقول:
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ «2» .
وسار جيش المسلمين حتى نزل أدنى ماء من بدر.
__________
(1) العدوة: جانب الوادي. الدنيا: القريبة من المدينة، أما العدوة القصوى فهي البعيدة عنها.
(2) سورة الأنفال: الاية 11.(2/133)
مشورات حكيمة
لما نزل النبي بالمسلمين هذا المنزل قال الحباب «1» بن المنذر الخزرجي وكان معروفا بجودة الرأي والدربة في الحروب- لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم أو نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال الرسول: «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» ، فقال: يا رسول الله فإن هذا ليس بمنزل، فامض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغوّر ما وراءه من الابار، ثم نبني عليه حوضا فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله: «لقد أشرت بالرأي» ، ونفّذ ما أشار به الحباب.
وقد دلّل النبي بهذا على تأصل روح الشورى في نفسه الشريفة فيما لم ينزل فيه وحي، وأنه على جلالة قدره، ووفور عقله، وبعد نظره لا يستبد برأيه، ولا يأنف من الرجوع إلى الحق، كما هو شأن الكثيرين من القادة والزعماء والسياسيين، فإن الواحد منهم قد يودي بأمة في سبيل التشبث برأي قد يكون خطأ، وما ذلك إلا لأنه نبي يتبع ما يؤمر به، وصدق الله:
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «2» .
ومن المشورات الصائبة، مشورة سعد بن معاذ الأوسي، فقد قال:
(يا نبي الله، ألا نبني لك عريشا تكون فيه، ونعدّ عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا، فقد تخلّف عنك أقوام ما نحن بأشد حبّا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلّفوا عنك، يمنعك الله بهم، ويناصحونك ويجاهدون معك) . فأثنى عليه النبي خيرا، ودعا له بخير، ثم بني
__________
(1) الحباب: بضم الحاء المهملة وفتح الباء المواحدة المخففة.
(2) سورة ال عمران: الاية 159.(2/134)
للرسول عريش على تل مشرف على ميدان القتال، فكان فيه ومعه صاحبه الصدّيق يحرسه.
وهذه الفكرة التي أشار بها سعد هي من أدق فنون الحرب، فالقائد ينبغي أن يكون بمنأى عن ميدان القتال، حتى يكون قادرا على التوجيه والإشارة بما يراه من أساليب القتال. وحتى لا يصاب فينفرط بإصابته عقد الجيش، فيكون ماله الفشل والهزيمة، وقضى الرسول في ذلك العريش ليلته ومعه الصّديق، وأقام سعد بن معاذ على مدخل العريش بسيفه، ونام المسلمون نوما عميقا استراحوا فيه من وعثاء السفر.
تصافّ المسلمين
وفي الصباح صف النبي جنوده للقتال صفوفا متراصة، لا خلل فيها ولا اعوجاج، حسبما أشار إليه القران في قوله سبحانه:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ «1» .
وارتحلت قريش حين أصبحت، فلما راها رسول الله تنحدر من وراء الكثيب إلى الوادي قال: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم «2» الغداة» ، ووقف الجيشان وجها إلى وجه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر قال: «إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا» .
رؤيا الرسول
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه- ليلة اليوم الذي التقى فيه الجيشان- المشركين قليلا عددهم، كي يجرؤوا عليهم ولا يهابوهم. قال سبحانه:
__________
(1) سورة الصف: الاية 4.
(2) الحين: بفتح الحاء الهلاك، أي أهلكهم وأمتهم.(2/135)
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ «1» .
وكذلك شاء الله أن يقلّل المشركين في أعين المسلمين، ويقلّل المسلمين في أعين المشركين كي يتجرأ الجيشان، وتقع الواقعة، فيكون النصر والعزة للمسلمين، والهزيمة والذلة للمشركين، والله سبحانه إذا أراد شيئا مما يجري بين الخلق يسّر له الأسباب، ووفّر له الدواعي. قال عز شأنه:
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ «2» .
وروي عن ابن مسعود قال: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى إني لأقول للرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة!!
وكان ذلك عندما تراءى الفريقان، فلما التحم الجيشان، وأمدّ الله المسلمين بالملائكة تعينهم وتثبت قلوبهم، وتلقي الرعب في قلوب أعدائهم، وتكثّر عددهم، راهم المشركون مثليهم، وعلى هذا ينزّل قول الحق تبارك وتعالى:
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ «3» .
فإن المعنى على أصح القولين أن الفئة الكافرة رأت الفئة المؤمنة مثلي عدد الكافرة على الصحيح أيضا «4» .
__________
(1) سورة الأنفال: الايتان 43، 44.
(2) سورة الأنفال: الايتان 43، 44.
(3) سورة ال عمران: الاية 13.
(4) انظر تفسير ابن كثير، والبغوي، ج 4 ص 73، وتفسير الالوسي، ج 3 ص 96.(2/136)
تخاذل في صفوف المشركين
لما نزلت قريش منازل القتال بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا له:
احزر- قدّر- لنا أصحاب محمد، فاستجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في الوادي حتى أبعد فلم ير شيئا، فرجع إليهم، فقال: (ما رأيت شيئا، ولكن قد رأيت- يا معشر قريش- البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك، فروا رأيكم) «1» .
فشل المساعي لعدم الحرب
ثم سعى بعض العقلاء في الحيلولة بين قريش والحرب، فقد مشى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى ألاتزال تذكر فيها بخير إلى اخر الدهر؟ قال:
وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي، قال: قد فعلت. هو حليفي علي عقله- دينه- وما أصيب من ماله، فأت ابن الحنظلية- أبا جهل- فإني لا أخشى أن يجسر أمر الناس غيره.
ثم قام عتبة خطيبا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر إلى وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه، أو ابن خاله، أو رجلا من عشيرته، فارجعوا وخلّوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوه فذلك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك لم نتعرض منه لما تكرهون.
فانطلق حكيم إلى أبي جهل، فأرغى وأزبد، واتهم عتبة بالجبن، والتخوف على ابنه أبي حذيفة الذي كان في صفوف المسلمين وأوعز إلى عامر
__________
(1) فروا: أمر من رأى وصل بواو الجماعة.(2/137)
ابن الحضرمي أن ينشد مقتل أخيه؛ فقام عامر مكتشفا وصرخ: واعمراه، واعمراه، فانتصر الشر على محاولات الخير، ولم يعد من الحرب مفر.
مخاطرة من بعض المشركين
وقبل أن تقوم الحرب خرج من صفوف المشركين الأسود بن عبد الأسد المخزومي وقال: (أعاهد الله لأشربنّ من حوضهم، أو لأهدمنّه، أو لأموتنّ دونه) ، وتقدم نحو الحوض فعاجله أسد الله حمزة بضربة قطع بها نصف ساقه، فوقع على الأرض وصار يزحف نحو الحوض إبرارا لقسمه حتى اقتحمه، فثنّى عليه سيدنا حمزة بضربة أخرى قضت عليه، وحينئذ ثار الدم في العروق، وأهاج منظر الدم النفوس، وأوشكت رحى الحرب أن تدور، ووقف رسول الله بين أصحابه ينفخ فيهم من روحه، ويشحذ عزائمهم بصدق إيمانه وسحر بيانه، فكان مما قال: «وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرّج الله به الهم، وينجّي به من الغم» .
ابتداء الحرب بالمبارزة
وابتدأت الحرب بالمبارزة، فخرج عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة وابنه الوليد، وطلبوا المبارزة، فخرج إليهم فتية ثلاثة من الأنصار، فقالوا من أنتم؟
قالوا: رهط من الأنصار «1» ، فقالوا: أكفاء كرام، ولكن أخرجوا إلينا أكفاءنا من بني عمنا. وذكر بعض محقّقي كتّاب السيرة «2» أن النفر من الأنصار لما خرجوا كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه أول موقف واجه فيه الرسول أعداءه، فأحب أن يكون أولئك من أهله وذوي قرباه، فأمر الأنصار بالرجوع وقال: «قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي» »
، فبارز عبيدة- وكان أسنّ
__________
(1) هم: عوف ومعوذ ابنا الحارث، وعبد الله بن رواحة الأنصاريون.
(2) البداية والنهاية، ج 3 ص 273.
(3) عبيدة هو ابن الحارث، بن المطّلب، بن عبد مناف، وقد أخطأ قلم بعض كتّاب السيرة فظن أنه عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب مثل المرحوم الشيخ الخضري في «نور اليقين» ، وعلى هذا فيكون المتبارزون اثنين من بني هاشم وواحدا من أبناء عمومتهم، وبنو هاشم والمطلب سواء في الجاهلية والإسلام كما قال الرسول الكريم.(2/138)
الثلاثة- عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة. فأما حمزة وعلي فقتل كل منهما صاحبه، وأما عبيدة وعتبة فاختلفا بضربتين كلاهما أصاب الاخر، فكرّ حمزة وعلي فأجهزا على عتبة، واحتملا صاحبهما وجاا به إلى رسول الله، فأفرشه قدمه، فوضع خده عليها وقد طاب نفسا بذلك، ثم قال:
يا رسول الله، وددت والله أن أبا طالب كان حيا ليعلم أنّا أحقّ منه بقوله:
ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل «1»
ثم لم يلبث عبيدة أن توفي بعد من جراحته، فقال رسول الله: «أشهد أنك شهيد» . وفي شأن هذين الفريقين المتبارزين نزل قوله تعالى:
هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ «2» .
تعديل الرسول صفوف الجيش
وبعد المبارزة رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جيش المسلمين يعدل من صفوفه بقضيب في يده، فمر بسواد بن غزية «3» حليف بني النجار وهو خارج عن الصف، فطعنه في بطنه بالقضيب وقال: «استقم يا سواد» ، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني- يعني مكني من نفسك حتى أقتص- فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه راضيا وقال: «استقد يا سواد» ، فاعتنقه سواد وقبّل بطنه!! فقال النبي: «وما حملك على هذا يا سواد» ، قال:
يا رسول الله حضر ما ترى- يعني موطن الشهادة- فأردت أن يكون اخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له الرسول بخير!!
__________
(1) من قصيدة أبي طالب اللامية المشهورة التي يقسم فيها ألايسلم لهم رسول الله أبدا حتى يموتوا دونه. والحلائل: الزوجات. وقبل هذا البيت:
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا ... ولمّا نطاعن دونه ونناضل
نبزى: نسلمه ونغلب عليه، والكلام على حذف «لا» أي لا نبزى ولا نسلمه، وفي رواية «لا نبزى محمد» بالرفع.
(2) رواه البخاري ومسلم. والاية من سورة الحج رقم 19.
(3) سواد بتخفيف الواو، غزية كفنية.(2/139)
وإن لنا هنا لوقفة ترينا كيف يبلغ السمو النفسي والخلقي بصاحبه، وترينا كيف قبل النبي على جلالته عن طيب خاطر أن يقتصّ أحد المسلمين من نفسه، وهو غاية ما يطمع فيه من عدل في هذه الحياة، وترينا أيضا كيف بلغ حب هؤلاء الصحابة للرسول وتكريمه وتقديسه في نفوسهم، قداسة لا تخل بدين ولا عقيدة، فهذا سواد وقد حضر موطن الشهادة يريد أن يحظى بلمسة من جسد الرسول، لأنه يرى فيها ثلج الصدر، وطمأنينة القلب وغذاء الروح!!
وصاة النبي للمسلمين
وتزاحف الناس من الفئتين، ودنا بعضهم من بعض، وأخذت جموع المشركين الغفيرة تنحدر نحو معسكر المسلمين، والمسلمون ثابتون في مكانهم، وذلك عملا بنصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قال لهم: «لا تحملوا حتى امركم، وإن اكتنفكم القوم فانضحوهم بالنبل، ولا تسلّوا السيوف حتى يغشوكم» ، وقد بلغ النبي الغاية في السياسة الحربية بهذه الخطة الحكيمة، إذ أن معسكر المسلمين يكاد يكون خلوا من الخيل التي لابدّ من وجودها في الهجوم، هذا إلى قلة عددهم وكثرة عدد عدوهم، فكان لابدّ من اتباع خطة الدفاع بدل الهجوم.
إشفاق ودعاء
وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العريش ومعه صاحبه الصدّيق، وسعد بن معاذ على باب العريش شاهرا سيفه، وكان رسول الله أشد ما يكون إشفاقا على المسلمين وهم قليل، وأخوف ما يكون من مصير هذا اليوم الذي له ما بعده، واتجه النبي بقلبه وصدق إخلاصه إلى ربه، مناشدا إياه ما وعده، ومستنزلا النصر والمدد لأصحابه، قائلا: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد بعد في الأرض أبدا» ، وما زال يدعو ويستغيث حتى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكر فرده على منكبيه ثم قال:
(يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك) .
وأخذت النبي سنة وهو في العريش ثم انتبه فقال: «أبشر يا أبا بكر، فقد(2/140)
أتاك نصر الله، هذا جبريل اخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع» ، وصدق الله حيث يقول:
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ «1» .
التحريض على القتال
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوف المسلمين يحرضهم على القتال، ويعدهم بالخلود في جنات النعيم بمثل قوله: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة. ومن قتل قتيلا فله سلبه» «2» ، وقوله: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» ، فسمع ذلك عمير بن الحمام الأنصاري «3» فقال: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض!؟ قال: «نعم» قال: بخ بخ «4» !! فقال له رسول الله:
«ما يحملك على قول: بخ بخ؟» قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: «فإنك من أهلها» .
وكان معه تمرات في يده يأكل منهن، فقال: لئن أنا حييت حتى اكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة!! فرمى بما بقي معه ثم قاتل وهو يقول:
ركضا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد ... وكلّ زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد
وما زال يقاتل حتى قتل شهيدا رضي الله عنه وأرضاه «5» .
__________
(1) سورة الأنفال: الاية 9.
(2) السلب: بفتح السين واللام ما على المقاتل من سلاح وثياب وقيل من سلاح.
(3) عمير: بالتصغير. الحمام: بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم.
(4) كلمة رضا واستحسان.
(5) الإصابة في تاريخ الصحابة ج 3 ص 31.(2/141)
وقال عوف بن الحارث وهو ابن عفراء: يا رسول الله ما يضحك الربّ من عبده؟ قال: «غمسه يده- أي سيفه- في العدو حاسرا» ، فنزع درعا كانت عليه فقذفها، وصار يقاتل حتى استشهد رضي الله عنه وأرضاه.
القوى الروحية تفوق القوى المادية
وأخذ رسول الله كفا من الحصا بيده، ثم خرج واستقبل القوم فقال:
«شاهت الوجوه» ثم رماهم بها وقال لأصحابه: «شدّوا» فشدّوا.
والتحم الجيشان، واشتد القتال، وحمي الوطيس، وتعانقت السيوف، وتخاطبت الأسنة بدل الألسنة، وتوالت الإمدادات الإلهية بجند الله من الملائكة تثبت قلوب المؤمنين، وتزفّ لهم البشرى، وتلقي الرعب في قلوب المشركين، وتشارك في القتال أحيانا، وصدق الله:
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ «1» .
وأظهر المسلمون بطولات فائقة، وعرفت الدنيا أن القوى الروحية لا تقهرها القوى المادية، وأن النفس البشرية إذا امتلأت بالإيمان وحب الشهادة تضاءلت أمامها شم الجبال الراسيات، فما بالك بالنفوس الخاويات، والقلوب الفارغات؟ وأن الله القوي القاهر يمد عباده المؤمنين بنصر من عنده إذا صدقوا الإيمان، وأخلصوا له في الجهاد، وانتصروا على شهواتهم وأنفسهم، واتقوا الله حق تقواه.
وكان شعار المسلمين يوم بدر «أحد. أحد» ، وما هي إلا ساعة حتى انجلت المعركة عن نصر حاسم للمسلمين، وهزيمة منكرة للمشركين، فقتل سبعون من صناديدهم، وأسر سبعون، ومن أفلت من القتل أو الأسر سارع إلى الهرب وقال: النجاء النجاء!!.
__________
(1) سورة الأنفال: الاية 12.(2/142)
ولم تزد خسارة المسلمين يومئذ عن أربعة عشر شهيدا: منهم ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار. ولا عجب فقد كانت يد الله فوق أيديهم، وقوته معهم، وكأنما كانت الحصى التي رمى بها الرسول سهاما صائبة ونارا محرقة؛ وصدق الله:
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «1» .
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» .
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «3» .
وكان هذا النصر المبين في يوم الجمعة السابع عشر من رمضان يوم الفرقان الذي فرّق الله فيه بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وهو يوافق اليوم الذي ابتدأ الله فيه نزول القران على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يتعبّد في غار حراء، وبين التاريخين أربع عشرة سنة قمرية، بدئت بالقران، وتوّجت بيوم الفرقان.
مشاركة الرسول في القتال
ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء والتحريض على الجهاد، فقد شارك في القتال. روى الإمام أحمد بسنده عن علي قال: (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله وهو أقربنا من العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا) . وروى البخاري بسنده عن ابن عباس أن رسول الله خرج من العريش يوم بدر وهو يثب في الدرع ويقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ، وهذه الاية مكية قطعا، ولكن وقع مصداقها يوم بدر، وهذا ممّا سبق نزوله معناه، ولما نزلت الاية بمكة قال عمر: أي جمع هذا؟! فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ... فعرفت تأويلها يومئذ «4» .
__________
(1) سورة الأنفال: الاية 17.
(2) سورة الأنفال: الاية 10.
(3) سورة ال عمران: الاية 123.
(4) الإتقان ج 1 ص 36.(2/143)
الصدّيق والقتال
وكان الصدّيق في بدر ملازما للرسول في العريش وخارجه، وبيده السيف يذب به عنه. روي عن علي رضي الله عنه أنه خطب ذات يوم فقال: (يا أيها الناس من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: إني ما بارزت أحدا إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر. إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا، فقلنا: من يكون مع رسول الله لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله، لا يهوي إليه أحد من المشركين إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس) . ثم قال: (ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش، فهذا يحادّه، وهذا يتلتله، ويقولون: أأنت جعلت الالهة إلها واحدا؟ فو الله ما دنا منه أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجاهد هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أو مؤمن ال فرعون خير أم هو؟ فسكت القوم فقال علي: والله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن ال فرعون: ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه) «1» .
إمداد الله المسلمين بالملائكة يوم بدر
اتفق العلماء قاطبة على إمداد الله سبحانه للمسلمين يوم بدر بالملائكة، وذلك لقوله سبحانه: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ، فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ إلى قوله: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» ، وقوله: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ... إلى قوله: أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ «3» . وقد حصل هذا الإمداد على مرات بألف أولا، ثم بثلاثة الاف، ثم بخمسة الاف، وبذلك تكمّل الايات بعضها بعضا.
__________
(1) البداية والنهاية ج 3 ص 271.
(2) سورة الأنفال: الايتان 9، 10.
(3) سورة ال عمران: الايات 124- 127.(2/144)
ولكنهم اختلفوا، أحصل قتال من الملائكة أم لا؟ فذهب الكثيرون إلى حصول القتال فضلا عن البشرى والتثبيت بإبقاء الخواطر الحسنة في قلوب المسلمين، وذلك لقوله سبحانه:
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ «1» .
واستدلوا أيضا بالأحاديث والاثار الواردة في هذا، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم- اسم فرس هذا الملك-، فنظر إلى المشرك أمامه فخرّ مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه، وشق وجهه، كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري، فحدّث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة» .
وروى ابن إسحاق عن ابن عباس قال: (لم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عددا ومددا لا يضربون) «2» ، وابن عباس وإن لم يكن حضر الموقعة يومئذ لصغره وعدم هجرته، فلابد أن يكون سمع ذلك من رسول الله فيما بعد، أو من مشيخة المهاجرين والأنصار.
وذهب بعض العلماء إلى أن الملائكة لم تقاتل يوم بدر، وإنما كانت عونا ومددا، تثبّت القلوب، وتبشّر بالنصر، وتكثّر العدد، واستدلوا بقوله سبحانه:
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى، وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ «3» ، وقوله: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ، وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ «4» . فقد ذكر الله هاتين الايتين بعد ايات
__________
(1) سورة الأنفال: الاية 12.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي ج 12 ص 85.
(3) سورة الأنفال: الاية 10.
(4) سورة ال عمران: الاية 126.(2/145)
الإمداد، وقالوا: إن الخطاب في قوله سبحانه: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ.. إنما هو حكاية لما أمر الله الملائكة أن يلقوه إلى المسلمين يوم بدر «1» .
والذي نراه- والله أعلم- أن الإمداد بالملائكة حصل قطعا لتكثير العدد، وتثبيت القلوب، وإلقاء البشرى، وأن بعضهم قاتل لا كلّهم، وأن الجهد الأكبر في القتال إنما هو للمسلمين، وبذلك لا نكون تعسّفنا في التأويل، وخرجنا عن ظواهر بعض الايات بغير داع، ولا نرد الأحاديث الصحيحة الدالّة على حصول قتال من بعض الملائكة، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وقد يقول قائل: إن صيحة من جبريل أو انتفاضة منه كانت تكفي للقضاء على قريش وإبادتها في لمحة عين، فلم كل هؤلاء الملائكة؟.
وجوابنا عن ذلك أن الله جرت سنته مع الأمة المحمدية ألايأخذها بما أخذ به الأمم السابقة من عموم العذاب والاستئصال، وترك إهلاكهم للسنن العادية التي أجراها الله في عباده، بدفع الكافرين بالمؤمنين، والمبطلين بأهل الحق، والظالمين بالعادلين، فأراد الله سبحانه أن يكون هلاك الكفار بأيدي المؤمنين، ليكون ذلك أنكى لقريش، وأذلّ لها، وأشفى لنفوس المؤمنين، وفي الوقت ذاته أمدّهم بالملائكة تثبت وتؤيد، وتبشّر وتخوف، وتكثر العدد، ولا حرج أن يشارك البعض في القتال كما ذكرنا، وقد أشار الحق إلى هذه الحكمة في قوله:
قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ.
إلى قوله:
وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «2» .
__________
(1) البداية والنهاية ج 3 ص 279- 281.
(2) سورة التوبة: الايات 14- 16. انظر تفسير ابن كثير والبغوي.(2/146)
وصاة النبي ببعض القرشيين
لمّا حرّض النبي المؤمنين على القتال، واستحث عزائمهم، لم ينس وصيته بأناس خرجوا مكرهين إلى القتال بحكم العصبية الجاهلية، وكانت لهم مواقف مشكورة في منع النبي وحمايته، أو مساع حميدة في ردّ الظلم والطغيان، فقال لأصحابه يومئذ: «إني قد عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا مكرهين، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله، فإنه إنما خرج مستكرها» .
ولا تحسبنّ أن الرسول بهذه الوصاة أراد أن يحابي أهله وذوي قرباه، فقد كانت نفسه الشريفة أسمى من ذلك وأرفع، وإنما ذكر لبني هاشم منعهم له ثلاثة عشر عاما، وانحيازهم لأجله في الشّعب ثلاثة أعوام حتى جاهدوا وأكلوا ورق الشجر، وذكر لعمه العباس موقفه المشرّف في بيعة العقبة الثانية وقوله للأنصار: (إن محمدا لا يزال في عزة ومنعة من قومه) ، وذكر لأبي البختري أنه كان له ضلع كبير في نقض الصحيفة الظالمة، وهي حسنات لا ينساها الإسلام قط، وقد كان من خلق رسول الله أن يردّ الجميل بخير منه، وليس أدل على ذلك من أن أبا البختري ليس من بني هاشم، ولا تربطه بالنبي قرابة قريبة، وإنما هو السمو الخلقي والإنساني.
وفي ثورة من الحمية والغضب بدرت بادرة من رجل من خيار المسلمين وهو أبو حذيفة بن عتبة، فقال: (أنقتل اباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس؟
والله لئن لقيته لألحمنّه «1» بالسيف) ، فبلغت مقالته رسول الله فقال لعمر:
«يا أبا حفص أيضرب وجه عمّ رسول الله بالسيف» ، فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فو الله لقد نافق، ولكن الرسول أبى وغفر له ما بدر بحسن نية وصدق وإيمان.
__________
(1) لألحمنّه: أي لأضربنه بالسيف.(2/147)
ولقد بقيت الكلمة التي قالها أبو حذيفة شبحا مخيفا يتراءى له أمام عينيه، يقلق عليه راحته النفسية وطمأنينته القلبية كلما ذكرها، حتى لقد كان يرى أن لا مكفّر لها إلا الشهادة في سبيل الله، فكان يقول: ما أنا بامن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة. وقد قتل يوم اليمامة شهيدا فرضي الله عنه وأرضاه.
مثل عليا للإيمان
من المثل العليا الإيمانية الرائعة في غزوة بدر ما حدث من بعض المسلمين، فقد التقى المسلم الصادق أبو عبيدة بالأب المشرك عبد الله بن الجراح، وقد كان الأب يتصدّى لابنه يريد قتله، وابنه يحيد عنه رعاية لحق الأبوة، ولكن الأب ما زال يتصدّى للابن يريد قتله، فلم يكن بدّ لأبي عبيدة من قتله. وفيها دعا الصديق أبو بكر ابنه عبد الرحمن إلى المبارزة وقال: دعني يا رسول الله أكن في الرعلة «1» الأولى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «متّعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة السمع والبصر» . وفيها قتل الفاروق عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، وقتل حمزة وعلي أبناء عمومتهم من قريش «2» ، وقتل مصعب بن عمير أخاه عبيد بن عمير «3» .
وهكذا ضرب المسلمون في بدر مثلا عليا لصدق الإيمان، وأنهم اثروا رضاء الله ورسوله على حب الوالد والولد والأهل والعشيرة، فلا تعجب إذا كان الله سبحانه أشاد بهذه المواقف الصادقة وأمثالها في قوله سبحانه:
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
__________
(1) في القاموس: والرعلة- بفتح الراء-: القطعة من الخيل كالرعيل أو مقدمتها أي في مقدمة المجاهدين والمستشاهدين.
(2) تفسير الألوسي ج 28 ص 37.
(3) تفسير القرطبي ج 17 ص 307.(2/148)
وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ «1» .
قتلى المشركين
لقد قتل في بدر من صناديد قريش وأشرافهم ما يربو على السبعين، منهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد، وأبو جهل بن هشام، قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوّذ «2» ابن عفراء فتيان من الأنصار «3» ، ثم أدركه عبد الله بن مسعود وبه رمق، فوضع رجله على عنقه، فقال أبو جهل له: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم، فاجتزّ ابن مسعود رأسه وجاء به إلى رسول الله.
وأمية بن خلف وكان هو الذي يعذب بلالا على الإسلام، فلما راه بلال قال: رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا، وكان أمية وابنه قد وقعا أسيرين في يد عبد الرحمن بن عوف، فدرأ بلالا عنهما، فقال بلال: لا نجوت إن نجا، ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا فأحاطوا به وبابنه حتى قتلوهما.
والعاص بن هشام بن المغيرة، وعبد الله بن الجراح والد أبي عبيدة، وحنظلة بن أبي سفيان، ونوفل بن خويلد الأسدي، وأبو البختري بن هشام، وكان رسول الله قد أوصى المسلمين به خيرا كما أسلفنا ولكنه أبى إلا أن يترك هو وزميل له، فقالوا له: ما أمرنا رسول الله إلا بك واحدك، قال: لا والله إذا لأموتنّ أنا وهو جميعا. وغيرهم كثير.
__________
(1) سورة المجادلة: الاية 22.
(2) بضم الميم وفتح العين وكسر الواو المشددة، وقيل: تفتح. وعفراء أمه.
(3) وقيل اشترك في قتله معاذ، ومعوذ ابنا عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح، انظر صحيح البخاري- كتاب فرض الخمس- باب من قتل قتيلا فله سلبه، وكتاب المغازي- باب قتل أبي جهل، وفتح الباري في الموضعين.(2/149)
موقف إنساني للرسول
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى فنقلوا من مصارعهم التي كانوا بها إلى قليب «1» ببدر، وقد كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مرّ بجيفة إنسان أمر بها فدفنت، لا يسأل عن صاحبها مؤمنا أم كافرا «2» ، وهو موقف إنساني كريم لا يفعله إلا أولو العزم من الرسل، فطالما أهانوه، وسبّوه وأذاقوه وأصحابه العذاب ألوانا، وهم الذين أخرجوهم من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولكنها إنسانية الإسلام تعلو عن الأحقاد والانتقام. ولما طرحوهم ولم يبق إلا أمية بن خلف، وقد كان رجلا بدينا فانتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليخرجوه فتزايل لحمه، فأقروه وحفروا له، وألقوا عليه التراب حتى واراه.
ولما مروا بعتبة بن ربيعة ليلقوه في القليب- وكان ابنه أبو حذيفة حاضرا- نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه ابنه فإذا هو كئيب قد تغيّر لونه، فقال:
«يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟» ، فقال: (لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك للإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك) ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا.
البشرى بالنصر
ولما تمّ النصر أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشّرين قبل مقدمه المدينة: عبد الله بن رواحة لأهل العالية»
، وزيد بن حارثة لأهل المدينة راكبا على ناقة رسول الله، فدخلا وهما يرفعان عقيرتهما إعلاما بالنصر للمسلمين، والقتل والهزيمة للمشركين، فتلقاهم الرجال والصبيان والولائد، وطافوا بالمدينة وضواحيها يهلّلون ويكبّرون الله على هذا النصر العظيم.
__________
(1) القليب: البئر التي لم تطو، أي لم تبن جوانبها بالطوب فانهارت.
(2) رواه الدارقطني في سننه.
(3) العالية: قرى ظاهر المدينة ومنها قباء.(2/150)
وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا بالمدينة، وزعموا أن النبي قد قتل وأن المسلمين هزموا، فلما جاء المبشّران شرقوا بريقهم، ورأوا أنهم قد ذلّوا وهانوا حتى قال أحد زعماء اليهود: بطن الأرض اليوم خير من ظهرها بعد أن أصيب أشراف الناس وساداتهم، وملوك العرب وأهل الحرم الامن.
وقد جاءت البشرى والمسلمون منصرفون من دفن السيدة رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تركها مريضة لمّا خرج لبدر، وخلف معها زوجها عثمان، فخفّف من هول المصاب ما منّ الله به على المسلمين من نصر مؤزر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا مثلا لإيثار مصلحة الإسلام والمسلمين على الأهل والولد.
الاختلاف على غنائم بدر وقسمتها
لما أراد المسلمون أن يقتسموا الغنائم التي غنموها في بدر اختلفوا، فقال الشباب الذين خرجوا يتعقبون الكفار: نحن الذين نفينا عنها العدو، ولولانا لما أصبتموها، وقال الرجال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ونافحوا دونه: نحن خفنا على رسول الله أن يصيب منه العدو غرة، فاشتغلنا به عن جمع الغنائم، وقال الذين جمعوا الغنائم: نحن الذين استحوذنا عليها وليس لأحد فيها نصيب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجمع الغنائم حتى يحكم الله حكمه فيها، فأنزل الله سبحانه قوله:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «1» .
وقد ذهب بعض كتّاب السيرة كابن إسحاق وبعض العلماء كأبي عبيد القاسم بن سلّام إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قسمها بين المجاهدين بالبواء يعني بالسواء، ولم يخمّسها، وهؤلاء يرون أن هذا الحكم كان في مبدأ الأمر، ثم نسخ فيما بعد بقوله سبحانه:
__________
(1) سورة الأنفال: الاية 1.(2/151)
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ الاية «1» .
وذهب كثير من العلماء من المحدّثين وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمّسها، فأخذ الخمس لنفسه ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وقسم أربعة الأخماس الباقية بين المجاهدين. ويرى هؤلاء أن سياق الايات قبل اية الخمس وبعدها في غزوة بدر وقصتها، وهو يقتضي أنها نزلت كلها جملة واحدة في وقت واحد غير متأخر بعضها عن بعض حتى يقال بالنسخ، قال ابن كثير في بدايته: (وهو قول البخاري وابن جرير وغيرهما وهو الصحيح الراجح) .
وقال هؤلاء: إن ما ورد في رواية ابن إسحاق من أن الغنائم قسمت بالبواء، أي ساوى فيها النبي بين الذين جمعوها وبين الذين ثبتوا تحت الرايات مع الرسول لم يخصّ بها فريقا دون الاخر، ولا ينفي هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه، ويشهد لهم أيضا ما رواه البخاري في صحيحه من قصة الشارفين «2» اللذين كانا لعلي رضي الله تعالى عنه، فجبّ حمزة رضي الله عنه أسنمتهما، وبقر بطنهما، وهو ثمل وذلك قبل أن تحرم الخمر، ففيها أن أحدهما كان من نصيبه في غنائم بدر، والاخر كان من الخمس الذي أفاء الله به على رسوله من بدر «3» ، ومهما يكن من شيء فقد حسم الله الخلاف، وبذلك زال الانقسام، وحل الوئام وعاد الصفاء.
وقد أسهم النبي لبعض من لم يحضر الموقعة لعذر، وهم: أبو لبابة الأنصاري لأنه كان مخلّفا على أهل المدينة، وعاصم بن عدي لأنه خلّفه الرسول على أهل قباء والعالية، والحارث بن حاطب لأن الرسول خلّفه على بني عمرو ابن عوف، والحارث بن الصمة وخوّات بن جبير لأنهما كسرا بالروحاء فلم يتمكنا من السير، وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد لأنهما
__________
(1) سورة الأنفال: الاية 41.
(2) الشارف: الناقة المسنة.
(3) البداية والنهاية، ج 3 ص 302؛ وتفسير ابن كثير والبغوي، ج 3 ص 94.(2/152)
أرسلا يتجسسان الأخبار فلم يرجعا إلا بعد انتهاء الحرب، وعثمان بن عفان لأن رسول الله كان خلفه على السيدة رقية ليمرضها.
وكذلك أسهم الرسول لمن استشهد ببدر، فأعطى ذلك لورثتهم وهم أربعة عشر مسلما: ستة من المهاجرين، منهم: عبيدة بن الحارث الذي جرح في المبارزة الأولى، ثم مات عند رجوع المسلمين من بدر ودفن «بالصفراء» ، وثمانية من الأنصار، وما فعله النبي هو غاية العدل والإنصاف، وقد سبق به إلى رعاية أسر الشهداء وذويهم وضمان عيشة كريمة لهم بعد وفاة عائليهم قبل أن يعرف العالم الحديث ذلك.
الأوبة إلى المدينة
ثم قفل المسلمون إلى المدينة شاكرين الله وحامدين، لا يزهيهم النصر، ولا يبطرهم الغلب، وقد سبقتهم البشرى بالنصر إلى المدينة وما جاورها، وكان مع رسول الله الأسرى، وكانوا نحوا من السبعين، وفي الطريق تحت سرحة عظيمة بالقرب من «الصفراء» قسم رسول الله الغنائم بين المسلمين على حسب ما أراه الله، ثم ارتحل حتى إذا كان بالرّوحاء لقيه المسلمون يهنئونه ومن معه من المسلمين بالفتح العظيم والنصر المبين، ودخل الجيش المنصور المدينة بين تهليل المهللين وتكبير المكبرين، وضرب الولائد بالدفوف، وترديد أهازيج النصر.
وصاة النبي بالأسرى
وصل الرسول المدينة قبل قدوم الأسارى بيوم، وكان قد فرقهم بين أصحابه وقال: «استوصوا بهم خيرا» . وهذا غاية الرحمة والإنسانية حيث أوصى بأناس طالما عذّبوه وأصحابه، وحاولوا فتنتهم عن دينهم، وقد نفّذ الصحابة وصية رسول الله بأمانة، وكانوا سمحاء كرماء معهم، فهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يقول: (كنت في رهط الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدّموا غداءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز وأكلوا التمر، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحيي فأردها، فيردها عليّ ما يمسها) .(2/153)
وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث، وكان قد مرّ به أخوه مصعب ورجال من المسلمين فأسروه فقال له: (شدّ يديك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك) ، فقال له أبو عزيز: (يا أخي، هذه وصاتك بي؟!) فقال له مصعب: (إنه أخي دونك) . فسألت أمه عن أغلى ما فدي به قرشي، فقيل لها أربعة الاف درهم، فبعثت بها فداء له، وكان أخا شقيقا لمصعب، وقد أسلم أبو عزيز بعد وحسن إسلامه، وروى الحديث «1» .
ولما قدم المسلمون بالأسارى كانت السيدة سودة بنت زمعة زوج النبي عند ال عفراء في مناحتهم على عوف ومعوّذ ابني عفراء- وهما من شهداء بدر- وذلك قبل أن يضرب الحجاب، فلما أخبرت بقدوم الأسارى رجعت إلى بيتها ورسول الله فيه، فإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو «2» مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، فلما ملكت نفسها حين رأته كذلك أن قالت: (أي أبا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا متم كراما؟!) قالت: فو الله ما أنبهني إلا قول رسول الله من البيت: «يا سودة أعلى الله وعلى رسوله تحرّضين» ؟! فقالت: والذي بعثك بالحق، ما ملكت نفسي أن رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما قلت، فقبل النبي اعتذارها.
قتل أسيرين
وبينما كان النبي والمسلمون في طريقهم إلى المدينة أمر بقتل أسيرين:
أحدهما النّضر بن الحارث، والثاني عقبة بن أبي معيط، وكانا من شرّ عباد الله، وأكثرهم كفرا وعنادا وبغيا وحسدا وإيذاء للنبي والمسلمين، وهجاء للإسلام وأهله، ولم يأمر النبي بقتل أحد من الأسرى غيرهما.
ذلك أنه لما بلغ النبي في مرجعه «الصفراء» عرض عليه الأسرى، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى النضر نظرة رأى فيها الموت، فلما رأى ذلك قال لمصعب بن عمير
__________
(1) الروض الأنف، ج 2 ص 78؛ الإصابة، ج 4 ص 133.
(2) هو سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ- ابن عم والد السيدة سودة، وهو زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودّ.(2/154)
- وكان أقرب من هناك به رحما-: كلّم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابه، فهو والله قاتلي إن لم تفعل، فقال مصعب: إنك كنت تقول في كتاب الله وفي نبيه كذا وكذا، وكنت تعذّب أصحابه، فقال النضر: لو أسرتك قريش ما قتلتك أبدا وأنا حي، قال مصعب: والله إني لأراك صادقا، ثم إني لست مثلك، فقد قطع الإسلام العهود!.
وكان النضر أسير المقداد بن الأسود، وكان يطمع أن ينال في فدائه مالا كثيرا، فلما همّوا بقتله صاح: النضر أسيري، فقال النبي لعلي بن أبي طالب:
«اضرب عنقه، واللهمّ أغن المقداد من فضلك» .
أما عقبة بن أبي معيط فقد قتل «بعرق الظبية» ، ولما أمر النبي بقتله قال: فمن للصبية يا محمد؟ قال: «النار» ثم قال: أتقتلني من بين قريش؟
فقال النبي: «نعم» ثم التفت إلى أصحابه وقال: «أتدرون ما صنع هذا بي؟
جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي، وغمزها، فما رفعها حتى ظننت أن عيني ستندران «1» ، وجاء مرة بسلا «2» شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد، فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي» .
وهذه القصة الثانية رواها البخاري ومسلم، فقد كان النبي يصلي عند الكعبة ورؤساء الشرك جالسون، فقالوا: من يذهب إلى سلا جزور بني فلان فيأتي به، فإذا سجد محمد وضعه على ظهره؟ فقال عقبة هذا: أنا، فذهب وجاء به ومعه فرث «3» ودم، فوضعه على ظهر النبي ورأسه، فصاروا يتضاحكون، ومكث النبي على هذا خشية أن يقوم فيقع في المسجد الحرام فيقذره، حتى انطلق أحد الناس فأخبر ابنته فاطمة- وكانت صغيرة السن- فجاءت، ونحّت القذر عن أبيها، وقلبها يكاد يتفطر مما رأت، وعيناها مغرورقتان بالدموع، ثم
__________
(1) ستندران: ستخرجان من مكانهما.
(2) السلا: الكيس الذي يكون فيه الجنين في بطن أمه «المشيمة» .
(3) الفرث: ما يكون في الكرش من قذر.(2/155)
التفتت إلى القوم، فسبّتهم، ووبختهم على هذا العمل، وقد قتله علي بن أبي طالب، وقيل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح.
ولما قتل النضر بن الحارث رثته أخته قتيلة بنت الحارث، وكان مما قالت:
أمحمد يا خير ضنء «1» كريمة ... من قومها والفحل «2» فحل معرق
ما كان ضرّك لو مننت وربما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق
والنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
قال ابن هشام: يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه هذا الشعر قال: «لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه» «3» وليس هذا بعجيب من الرؤوف الرحيم الذي وسع خلقه الناس جميعا محسنهم ومسيئهم. أما باقي الأسارى فلم يكن الرسول وأصحابه قد اتفقوا على رأي بالنسبة إليهم، أيقتلون أم يفادون؟
أسارى بدر
ولما استقر المقام للمسلمين بالمدينة بعد بدر استشار النبي أصحابه فيما يصنعون بالأسارى، فقال الصدّيق أبو بكر- وكان رحيما رقيقا-:
يا رسول الله قومك وأهلك، وإني أرى أن تأخذ منهم الفداء، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهداهم الله فيكونوا لنا عضدا، فقال رسول الله:
«ما ترى يا ابن الخطاب» ؟ فقال عمر- وكان صلبا في الحق شديدا-: والله ما أرى رأي أبي بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان- قريب لعمر- فأضرب عنقه، وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم، وأئمتهم، وقادتهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا.
__________
(1) الضنء: بفتح الضاد وكسرها: الولد.
(2) تريد الأب، أي إنه كريم الأبوين.
(3) البداية والنهاية، ج 3 ص 305.(2/156)
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يردّ عليهم شيئا، ومكث ساعة ثم خرج والصحابة ما بين قائل برأي أبي بكر، وقائل برأي عمر، وقائل برأي ابن رواحة، فقال: «إنّ الله ليليّن قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
وكمثل عيسى قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً وكمثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ، وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ أنتم اليوم عالة «1» ، فلا يفلتنّ أحد إلا بفداء أو ضربة عنق» .
فقال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام، فسكت النبي، قال عبد الله: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ حجارة من السماء من ذلك اليوم، حتى قال النبي: «إلا سهيل بن بيضاء» فسرّي عنه، وهكذا رجّح النبي صلى الله عليه وسلم رأي الصدّيق لما جبل عليه قلبه من الرأفة والرحمة، ولما فيه من التخلّق بصفة من صفات الرب جل وعلا، حيث قال:
«سبقت رحمتي غضبي» .
وصول النذير بالهزيمة إلى قريش
على حين كان المسلمون فرحين بنصر الله وما أفاء الله عليهم من الغنائم، كان الحيسمان بن عبد الله الخزاعي يحثّ الطريق إلى مكة، حتى كان أول من دخلها، وأخبر أهلها بالهزيمة، وقتل الكثيرين من صناديدهم وأشرافهم وأسر الكثيرين منهم، وقد تشكّكوا أول الأمر، ثم لم يلبثوا أن استيقظوا لما توالت عليهم النذر، فكأنما نزلت عليهم صاعقة من السماء.
وكان أشدهم غيظا وكمدا أبو لهب بن عبد المطلب، ولم يمكث إلا بضع
__________
(1) عالة: فقراء في حاجة إلى المال.(2/157)
ليال حتى رماه الله بمرض العدسة فقضى عليه، وكانت قريش تتّقي هذا المرض، فتركه ابناه بعد موته ثلاثا حتى أنتن، فقال لهما رجل من قريش:
ألا تستحيان، إن أباكما قد أنتن في بيته، ألا تدفنانه؟ فقالا: إنا نخشى عدوى هذه القرحة، فقال: انطلقا وأنا أعينكما عليه، فغسلوه قذفا بالماء من بعيد ما يدنون منه، ثم احتملوه إلى أعلا مكة فأسندوه إلى جدار ثم ردموا عليه الحجارة. وهكذا شاء الله سبحانه وتعالى أن يموت هذه الميتة الشنيعة لعداوته للرسول ومناهضته للإسلام، وعدم رعايته للرحم حرمة.
ومكثت قريش تنوح على قتلاها مدة، ثم تواصوا فيما بينهم وقالوا:
لا تفعلوا، يبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم. وكذلك تواصوا ألايسرعوا في بذل الفداء، وقالوا: لا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم، لا يأرب «1» عليكم محمد وأصحابه في الفداء، وكان هذا من تمام ما عذّب الله به أحياءهم في ذلك الوقت، فإن البكاء مما يبل فؤاد الحزين، ويخفف من لوعة الحزن وهول المصاب، وكان الأسود بن المطلب قد أصيب في ثلاثة من ولده: زمعة، وعقيل، والحارث، فقال لغلام له: هل بكت قريش على قتلاها لعلّي أبكي على ولدي، فإن جوفي قد احترق.
افتداء الأسرى
ولم تطق قريش الصبر على ما اتفقوا عليه من عدم التسارع إلى الفداء، وانسلوا واحدا وراء الاخر، وقد كان في الأسارى أبو وداعة بن ضبيرة السهمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال، وكأنكم به قد جاءكم في طلب فداء أبيه» ، فلما قالت قريش: لا تعجلوا بفداء أسراكم، قال المطلب بن أبي وداعة: صدقتم لا تعجلوا، وكان هو أول من نقض هذا، فانسل من الليل وقدم المدينة، وفدى أباه بأربعة الاف درهم، وكان هذا أول أسير فدي، ثم بعثت قريش في فداء أسراهم.
__________
(1) قال في النهاية في تفسير هذا الخبر: أي يتشدّدون عليكم في طلب الفداء.(2/158)
فقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل بن عمرو، وكان سهيل رجلا أعلم «1» من شفته السفلى، فقال عمر بن الخطاب لرسول الله: (دعني أنزع ثنية سهيل بن عمرو فيدلع «2» لسانه، فلا يقوم عليك خطيبا في موطن أبدا) ، فكان جواب النبي هذا الجواب البالغ السمو في الرحمة والإنسانية: «لا أمثّل، فيمثّل الله بي، وإن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه» . وقد صدقت نبوءة الرسول، فإنه لما جاور الرفيق الأعلى أراد بعض أهل مكة الارتداد كما فعل غيرهم من الأعراب والمنافقين، فقام سهيل هذا خطيبا وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلّى على رسوله:
(أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ألم تعلموا أن الله قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ، وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، ثم قال: والله إني لأعلم أن هذا الدين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها، فلا يغرنّكم هذا يريد أبا سفيان «3» - من أنفسكم، فإنه يعلم من هذا الأمر ما أعلم، لكنه قد ختم على صدره حسد بني هاشم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وكلمته تامة، وإن الله ناصر من نصره، ومقر دينه، وقد جمعكم الله على خيركم يعني أبا بكر- وإن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة، فمن رأيناه ارتد ضربنا عنقه) فتراجع الناس عما كانوا عزموا عليه، فكان معجزة من معجزات النبوة.
ومن الأسرى: عمرو بن أبي سفيان بن حرب، فقالوا له: افد عمرا ابنك فقال: لن يجتمع علي دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي عمرا؟ دعوه في أيديهم فيمسكوه ما بدا لهم. فبينما هو كذلك خرج سعد بن النعمان، - وكان شيخا مسلما- إلى مكة معتمرا، فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو،
__________
(1) أعلم: مشقوق الشفة.
(2) يخرج عند الكلام.
(3) لم يثبت أن أبا سفيان كان له موقف سيّىء بعد وفاة رسول الله، ولقد أسلم الرجل وحسن إسلامه، وأبلى في فتوح الشام بلاء حسنا (الناشر) .(2/159)
فمشى قوم سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكوا صاحبهم به، فأعطاهم إياه فأرسلوه إلى أبي سفيان، فخلّى سبيل سعد.
ومن الأسرى: العباس بن عبد المطلب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق:
لما أمسى رسول الله يوم بدر والأسارى محبوسون بالوثاق بات النبي ساهرا أول الليل، فقال له أصحابه: مالك لا تنام يا رسول الله؟ فقال: «سمعت أنين عمي العباس في وثاقه» ، فأطلقوه فسكت، فنام رسول الله «1» .
وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عمر قال: لما أسر العباس فيمن أسر يوم بدر أوعدته الأنصار أن يقتلوه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه» ، فقال عمر:
أفاتيهم؟ فقال: «نعم» فأتى عمر الأنصار فقال لهم: أرسلوا العباس، فقالوا:
لا والله لا نرسله، فقال عمر: فإن كان لرسول الله رضا؟ قالوا: فإن كان له رضا فخذه، فأخذه عمر، فقال له: يا عباس أسلم فو الله لئن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك.
ومع أن النبي تألّم لألمه وهو في الأسر فقد أبى إلا أن يأخذ منه الفداء، وقد فدى نفسه وابني أخويه: عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وحليفه عتبة بن عمرو أحد بني الحارث بن فهر بمائة أوقية من الذهب، ولما قال للنبي: إنه لا مال له قال له: «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، وقلت لها: إن أصبت في سفري فهذا لبنيّ: الفضل، وعبد الله، وقثم» ، فقال: والله إني لأعلم أنك رسول الله، إن هذا شيء ما أعلمه إلا أنا وأم الفضل!!!
ولما قال: إنه خرج مستكرها وإنه كان قد أسلم قال له النبي: «أما ظاهرك فكان علينا، والله أعلم بإسلامك وسيجزيك» ، وكذلك أبى أن يتنازل له الأنصار عن الفداء. روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: إن
__________
(1) السيرة مع فتح الباري، ج 7 ص 248 ط بولاق.(2/160)
رجالا من الأنصار «1» استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا «2» العباس فداءه، فقال: «لا والله، لا تذرون له درهما» «3» .
وهذا غاية العدل والإنصاف في المعاملة، فرسول الله مع رحمته بعمه وشفقته عليه وتخوفه أن يقتل وهو يرجى من ورائه للإسلام خير كثير، تأبى عليه نفسه السامية أن يفرّق بينه وبين الأسارى في الفداء، أو أن يقبل أن يمن عليه الأنصار خشية أن يكون عملهم هذا لمكانه من رسول الله وقرابته، مع أنه صلى الله عليه وسلم منّ على بعض الأسارى دون فداء، وهذا ليس بعجيب ممن كان خلقه القران.
ومن الأسرى: أبو عزّة الشاعر، كان فقيرا ذا عيال، فقال: يا رسول الله، لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامنن عليّ، فمنّ عليه رسول الله، وأخذ عليه ألايظاهر عليه أحدا، فتعهّد بذلك ومدح الرسول بشيء من شعره.
ثم لم يلبث أن أغراه المشركون بهجاء النبي والمسلمين، ففعل بعد أن تمنّع، وصار يؤلب على المسلمين لأجل أحد، وقد حضر الموقعة فأسر، فسأل النبي أن يمنّ عليه فقال له: «لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول: خدعت محمدا مرتين» ، ثم أمر به فضربت عنقه، وقيل: إن الرسول قال له: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» ، قيل: إن هذا من الأمثال التي لم تسمع إلا منه عليه الصلاة والسلام «4» .
ومن الأسرى: الوليد بن الوليد، افتداه أخواه خالد وهشام، فلما افتدي ورجع إلى مكة أسلم، فقيل له: هلّا أسلمت قبل الفداء، فقال: خفت أن
__________
(1) هم بنو النجار، وقد كان وقع في أسرهم، ولعل الذين أرادوا أن يقتلوه غير بني النجار، أو بعض اخر منهم، فلا تنافي بين هذه الرواية والسابقة.
(2) هم أخوال أبيه عبد المطلب لأن أمه سلمى بنت عمرو من بني النجار ففي الكلام تجوز.
(3) البداية والنهاية، ج 3 ص 299.
(4) المرجع السابق، 313.(2/161)
يعدوا إسلامي خوفا، ولما أراد الهجرة إلى المدينة منعه أخواه، فبقي بمكة حتى فرّ إلى النبي في عمرة القضاء.
ومن الأسرى: أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته زينب رضي الله عنها، وهو ابن أخت «1» السيدة خديجة رضي الله عنها، وكان من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة، وكان تزوجها قبل النبوة، فلما دعا النبي إلى دين الله مشى رجال من قريش إلى أبي العاص فقالوا له: فارق صاحبتك ونحن نزوجك بأي امرأة من قريش شئت، فقال: لا والله إذا لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش!!
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني عليه في صهره كما ثبت في صحيح البخاري ويقول: «حدّثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» ، وكان أسر ببدر، فلما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت السيدة زينب بنت الرسول في فداء زوجها بمال، وفي المال قلادة كانت للسيدة خديجة رضي الله عنها، فأهدتها إليها وأدخلتها بها على أبي العاص، فلما راها رسول الله صلى الله عليه وسلم رقّ لها رقة شديدة، وأهاجت في نفسه ذكرى السيدة الجليلة التي واسته بنفسها ومالها خديجة، فقال لأصحابه: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا» ، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه وردّوا عليها قلادتها.
وكان النبي قد أخذ عليه أن يخلّي سبيل ابنته زينب فوفى بالعهد وأرسلها، فبقيت عند أبيها إلى ما بعد الحديبية، فأسر أبو العاص مرة أخرى، ففر إلى المدينة واستجار بزوجته زينب- وكان الإسلام قد فرّق بينه وبينها- فأجارته، فأقر المسلمون إجارتها له، ورجع إلى مكة ومعه ماله، فأدّى الأمانات إلى أصحابها، ثم عاد إلى المدينة مسلما، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعقد ومهر جديدين على الصحيح.
__________
(1) الروض الأنف، ص 81، 83؛ الإصابة، ج 4 ص 122؛ والاستيعاب (على هامش الإصابة) 4 ص 125- 129.(2/162)
ومن الأسرى: وهب بن عمير بن وهب الجمحي، وكان أبوه شيطانا من شياطين قريش، شديد الإيذاء للرسول وأصحابه بمكة، جلس يوما بعد الحرب مع صفوان بن أمية يتذاكران مصاب بدر، فقال عمير: والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد فأقتله، فإن ابني أسير عنده. فاغتنمها صفوان بن أمية فقال له: علي دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير: فاكتم علي، قال: سأفعل.
ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له، وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، وما أكرمهم الله به، إذ نظر إلى عمير بن وهب وقد أناخ بعيره على باب المسجد متوشحا سيفه، فقال: هذا عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل على رسول الله فأخبره فقال له: «أدخله علي» .
فأقبل إليه عمر فأخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبه بها، وقال لمن كان معه من الأنصار: أدخلوه على رسول الله، فلما راه وعمر اخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: «أرسله يا عمر، أدن يا عمير» فدنا فقال له: «فما جاء بك يا عمير» ؟ قال:
جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه. قال: «فما بال السيف في عنقك» ؟ قال: قبّحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئا؟ قال: «اصدقني ما الذي جئت له» ؟ قال: ما جئت إلا لذلك، قال: «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك» .
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله!! قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القران، وأطلقوا أسيره» ، ففعلوا.(2/163)
ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ورسوله وإلى الإسلام، لعل الله يهداهم، وإلا اذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم.
فأذن له رسول الله فلحق بمكة، وكان صفوان حين حرج عمير يمنّي نفسه الأماني، ويقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الان في أيام تنسيكم وقعة بدر، وكان يخرج فيتلقّى الركبان يسألهم عن عمير ليتأكد من نجاح المؤامرة، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فسقط في يده، وحلف ألايكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا، أما عمير فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديدا، فأسلم على يديه ناس كثير، وهكذا خرج كافرا جاهدا على قتل النبي، فإذا به يعود مؤمنا صادق الإيمان!!.
قيمة الفداء
وكانت قيمة الفداء يومئذ ما بين الأربعمائة والأربعة الاف درهم، كما رواه أبو داود في سننه، ومنهم من أخذ منه أربعون أوقية من ذهب عن نفسه كالعباس رضي الله عنه، ومن لم يكن له مال ويعرف القراءة والكتابة أعطوه عشرة من غلمان المدينة يعلمهم القراءة والكتابة. روى الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، فجاء غلام يبكي إلى أمه، فقالت: ما شأنك؟ فقال: ضربني معلمي، فقالت: الخبيث يطلب بدخل بدر، والله لا تأتيه أبدا «1» . ومن لم يكن يعرف القراءة والكتابة منّوا عليه كأبي عزة الشاعر، والمطّلب بن حنطب المخزومي، أسره بعض بني الحارث بن الخزرج، فترك في أيديهم حتى خلّوا سبيله فلحق بقومه «2» .
وقبول النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في هذا الوقت الذي
__________
(1) البداية والنهاية، ج 3 ص 338.
(2) المرجع السابق ص 312.(2/164)
كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سموّ الإسلام في نظرته إلى العلم والمعرفة وإزالة الأمية، وليس هذا بعجيب من دين كان أول ما نزل من كتابه الكريم:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ «1» .
واستفاضت فيه نصوص القران والسنة في الترغيب في العلم وبيان منزلة العلماء، وبهذا العمل الجليل يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أول من وضع حجر الأساس في إزالة الأمية وإشاعة القراءة والكتابة، وأن السبق في هذا للإسلام.
وعد الله الأسارى بالخير إن أسلموا
وقد وعد الله سبحانه الأسارى من امن منهم وأسلم وحسن إسلامه بالعوض عما أخذ منهم في الدينا والاخرة، قال عز شأنه:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «2» .
وهو ترغيب لهم في الإيمان، وعدة لهم بالعوض في الدنيا والغفران في الاخرة، وكان العباس رضي الله عنه ممن ناله هذا الوعد الكريم، فكان يقول:
أبدلني الله من ذلك عشرين عبدا- وفي رواية أربعين- كلهم تاجر بمالي، وأعطاني زمزم- يريد السقاية- وما أحب أنّ لي بها جميع أموال أهل مكة.
وكان يقول بعد ما ناله من الخير حتى رضي: وأنا بعد أرجو المغفرة التي وعدنا الله جلّ ثناؤه.
__________
(1) (الذي علم بالقلم) إشارة إلى العلم الكسبي، (علّم الإنسان ما لم يعلم) إشارة إلى العلم الوهبي الذي يهديه الله لأنبيائه وأوليائه، والايات هي: 1- 5 من سورة العلق.
(2) سورة الأنفال: الاية 70.(2/165)
العتاب في الفداء
وقد عاتب الله سبحانه النبي والمسلمين على اختيارهم الفداء على القتل الذي أشار به الفاروق رضي الله عنه، وأنزل في ذلك قوله سبحانه:
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «1» .
ولما نزلت الايتان جاء عمر من الغد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان، فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما!! فقال رسول الله: «للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، وقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة» ، لشجرة قريبة منه، وأخبره بما نزل من الايات، وهذا يدل على أن جمهرة الصحابة كانوا على رأي أخذ الفداء.
ولما نزلت الايتان كفّ الصحابة أنفسهم عن الانتفاع بما أخذوا من الفداء، وأسفوا لهذا العتاب، فأنزل الله سبحانه: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
__________
(1) سورة الأنفال: الايتان 67، 68. تفسير الايتين: أسرى: جمع أسير، الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار منه، والمراد المبالغة في تقتيل الكفار. عرض الدنيا: الفداء. لولا كتاب من الله سبق: يعني لولا ما قدّره الله في الأزل وجرى به تقديره الحكيم من أنه لا يؤاخذ من اجتهد وبذل الوسع، وإن لم يصادف الصواب، وقيل: من أنه لا يؤاخذ أهل بدر بما صنعوا، وقيل: من أنه لا يعذب قوما حتى يبين لهم الحلال من الحرام، وما ينبغي مما لا ينبغي، يعني لولا هذا لنالكم عذاب شديد بسبب إيثاركم عرض الدنيا على ثواب الاخرة، وهذا درس تربوي عظيم، وبهذا الدرس وغيره أنشأ الله خير جيل عرفته الدنيا قديما وحديثا، وهم الصحابة الكرام، والاية الثانية بمثابة الترضية والإعذار لهم بعد العتاب.(2/166)
طنين المستشرقين
يقف غير واحد من المستشرقين والمبشّرين عند أسارى بدر، وقتل أسيرين من سبعين أسيرا، ويزعمون زورا وكذبا تعطش الدين الجديد للدماء، ويرون أنه كان الأحسن أن يمنّ المسلمون على الأسرى وبحسبهم ما نالوا من غنيمة، قالوا هذا وتغافلوا عما قام به هذان القتيلان، وما قام به معظم هؤلاء الأسرى من تعذيب وإيذاء للنبي والمسلمين، وصدّهم للناس عن الإسلام ثلاثة عشر عاما، ولم يكفهم ما فعلوا بالمسلمين بمكة، فهاهم لا يزالون يحاربون الإسلام والمسلمين، ويحاولون القضاء عليهم في موطنهم الجديد، وها نحن قد سمعنا عتاب الله للمسلمين أن قبلوا الفداء، ولم يثخنوا فيهم قتلا، ولو أنهم فعلوا لما عوتبوا، ولحظوا بالثناء من رب العالمين.
يقولون هذا ويتجاهلون ما قام به المسيحيون باسم الصليب تجاه المسلمين من حروب دامية دامت حقبا من الزمان، وحاولوا أن يغتصبوا جزا عزيزا من أرض المسلمين في فلسطين، بل وأن يقضوا على الإسلام والمسلمين، ويتناسوا ذلك لولا ما قيّض الله للإسلام والمسلمين من أمثال صلاح الدين الأيوبي البطل المسلم، فهزمهم وألقى بهم في البحر، وطردهم شر طردة.
ويتناسون ما قام به المسيحيون ضد المسلمين في الأندلس، وأيضا المجازر الكبرى التي قامت باسم المسيحية تجاه إخوانهم المسيحيين مثل مجزرة (سان بارتلمي) ، هذه المجزرة التي تعتبر سبة في تاريخ المسيحية لا شيء مثلها قط في تاريخ الإسلام، هذه المجزرة التي دبرت بليل وقام فيها الكاثوليك يذبحون البروتستانتييين في باريس وفي فرنسا غدرا وغيلة، بل في أحط صور الغدر وأبشع صور الغيلة «1» .
وتجاهلوا أيضا ما حدث في أثناء الثورة الفرنسية والثورات المختلفة التي وقعت وتقع في أمم أوروبا المختلفة، من تقتيل وتذبيح للالاف، وما قامت
__________
(1) حياة محمد لهيكل، ص 268.(2/167)
وتقوم به الدول المسيحية في العصر الحديث باسم قمع الثورات في بلاد يحكمونها على كره من أهلها، قصد استغلال خيراتها، وامتصاص دماء بنيها.
وما رأيهم فيما تقوم به الدول المتحضرة اليوم في الشرق والغرب، وما جرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية من قتل الأسارى قتلا جماعيا والتنكيل بهم تنكيلا جاوز حدود الإنسانية؟ فلماذا أغمضوا عن هذا عيونهم، وأصموا اذانهم؟ وفتحوها لقتل أسيرين حفلت حياتهما بالمساوىء والجرائم تجاه النبي والمسلمين؟ فأين هذا مما صنعه المسلمون مع الأسارى في بدر من إحسان إليهم حسب وصاة نبيهم لهم، حتى كانوا يؤثرونهم على أنفسهم بالطعام والشراب؟!
إن ما جرى في بدر وفي غير بدر من المسلمين في مغازيهم وفتوحاتهم إنما هي رحمة وعدل من اثار هذا الدين، دين الرحمة والعدل، ولقد لهج بذلك رجل لا يمت إلى الإسلام بصلة، وهو المؤرخ الكبير (غوستاف لوبون) حيث قال:
(ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب) «1» .
وإليكم أيها المستشرقون والمبشرون هذه الحكمة: (من كان بيته من زجاج فلا يرشق بيوت الناس بالحجارة) .
فضائل أهل بدر
لا تعجب وقد سمعت ما سمعت عن أهل بدر، وما قدّموه من التضحيات راضية بذلك نفوسهم، وما كان لهذه الغزوة من أثر بعيد في نشر الإسلام وظهوره على الأديان كلها- أن جعل الله سبحانه لأهل بدر من المنزلة والمكانة في الدنيا والاخرة ما ليس لغيرهم، حتى صار من الماثر والمفاخر أن يقال: فلان بدري.
روى البخاري في صحيحه عن حميد قال: سمعت أنس بن مالك رضي
__________
(1) الوحي المحمدي، ص 129.(2/168)
الله عنه يقول: أصيب حارثة «1» يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الاخرى ترى ما أصنع، فقال: «ويحك، أو هبلت- أي ثكلت- أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس» وفي رواية: «إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» .
قال الحافظ ابن كثير: وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر، فإن هذا لم يكن في حومة الوغى، بل كان من النظّارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب»
وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس الذي هو أعلا الجنان، ومنه تفجّر أنهار الجنة، والتي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها، فإن كان هذا حاله فما ظنك بمن كان واقفا في نحر العدو، وعدوهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعددا!
وروى الشيخان في صحيحيهما قصة حاطب بن أبي بلتعة، وبعثه الكتاب إلى أهل مكة عام الفتح يخبرهم فيه بعزم رسول الله على قصد مكة، وأن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه، لأنه قد خان الله ورسوله، فقال له الرسول: «أليس من أهل بدر؟ لعلّ الله اطّلع إلى أهل بدر فقال:
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم.
والمراد عدم مؤاخذتهم عما عسى أن يبدر منهم بعد ذلك من الزلات والتجاوز عن سياتهم، كفاء ما قدموا للإسلام من مخاطرة بالنفس في هذه الغزوة، وما أظهروه من إيمان وبطولة، وليس المراد أن الله سبحانه أباح لهم أن يفعلوا أي شيء أرادوه من المعاصي والاثام كما يتوهم ذلك، وقد كان صحابة رسول الله ولا سيما أهل بدر أشد الناس تقوى لله وخوفا من الله، على كثرة ما وعدهم من المغفرة والرضوان والنعيم المقيم في الاخرة.
__________
(1) هو حارثة بن سراقة من بني عدي بن النجار الأنصاري وأبوه سراقة له صحبة واستشهد يوم حنين، وأمه هي الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك.
(2) أي أتاه من حيث لا يدري، فإن الذي رماه قصد غرته فرماه وحارثة لا يشعر به.(2/169)
وكانوا يغلّبون الخوف على الرجاء، وقد كان الصدّيق على منزلته يشمّ من فيه رائحة الكبد المشوي من شدة الخوف من الله، وكان الفاروق عمر على زهده وعدله يقول: ليت أمي لم تلدني، وكان أبو الحسن علي يقوم في محرابه بالليل فيبكي بكاء الثكلى، ويتململ تململ السليم- اللديغ- من خوفه وخشيته لله، إلى غير ذلك من المثل الكثيرة التي زخرت بها سير الصحابة الكرام.
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن جابر: أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا ويقول: ليدخلنّ حاطب النار، فقال رسول الله:
«كذبت لا يدخلها، إنه شهد بدرا والحديبية» . وروى البخاري في صحيحه أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: «من أفضل المسلمين» أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة «1» .
وقد عرف الخلفاء الراشدون لأهل بدر منزلتهم وقدمهم في الإسلام دينا ودنيا، فقد جعل سيدنا عمر عطاء أهل بدر لكل واحد خمسة الاف «2» ، وقال:
لأفضلنّهم على من بعدهم، وكذلك عرف لهم العلماء منزلتهم لما تكلموا في فضل الصحابة وجعلهم طبقات، حتى إن بعضهم جعل الطبقة الأولى أهل بدر، وهذا عرفان منهم بالفضل لذويه «3» .
نتائج غزوة بدر
1- كانت من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين، وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها، وأضحى من يريد أن يغزو المدينة، أو ينال من المسلمين يفكر ويفكر قبل أن يقدم على فعلته، وإلا نزل به ما نزل بقريش على عددها وعدتها.
__________
(1) البداية والنهاية، ج 3 ص 328.
(2) الباعث الحثيث إلى علوم الحديث، ص 333.
(3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب فضل من شهد بدرا.(2/170)
2- أنها تركت بنفوس أهل مكة المشركين كمدا وأحزانا والاما بسبب هزيمتهم ومن فقدوا أو أسروا، فهذا أبو لهب لم يلبث أن أصيب بالعلة ومات، وهذا أبو سفيان فقد ابنا له وأسر له ابن اخر، وما من بيت من بيوت مكة إلا وفيه مناحة على قتل عزيز أو قريب، أو أسر أسير، فلا عجب أن كانوا صمموا في أنفسهم على الأخذ بالثأر، حتى إن بعضهم حرم على نفسه الاغتسال «1» حتى يأخذ بالثأر ممن أذلوهم، وقتلوا أشرافهم وصناديدهم، وانتظروا يترقبون الفرصة للقاء المسلمين والانتصاف منهم، فكان ذلك في أحد.
3- أن النصر المبين في بدر حرك ما كمن في نفوس اليهود والمنافقين والمشركين من أهل المدينة. فهذا الذي وفد عليهم فارا مهاجرا يزداد سلطانه ونفوذه يوما بعد يوم، ويكاد يكون صاحب الكلمة في المدينة كلها لا في أصحابه واحدهم، وكان اليهود قد بدأ تذمرهم من قبل بدر، وبدأوا يحيكون الدسائس والمؤامرات لتفريق واحدة المسلمين، ولولا عهد الموادعة الذي كان بينهم وبين المسلمين لوقع الصدام السافر بين الفريقين، لذلك ما كاد المسلمون يعودون من بدر منصورين حتى جعلت طوائف اليهود والمنافقين تتغامز، وتستخف بالنصر الذي أحرزوه زاعمين أنهم لقوا أغمارا «2» في الحرب، ولئن وقعت بينهم وبين المسلمين الحرب فسيرى المسلمون أنهم هم الناس «3» !! وبدأوا يتحرشون بالنبي والمسلمين، وما كان النبي ليخفى عليه شيء من ذلك، وإنما كان يراقبهم عن حذر ويقظة، حتى استخفوا بالمقررات الخلقية، والحرمات التي يعتز بها المسلمون، واستعلنوا بالعداوة، فلم يكن بدّ من حربهم وإجلائهم عن المدينة، كما سنفصل ذلك فيما بعد إن شاء الله.
__________
(1) هو أبو سفيان بن حرب، كان نذر بعد بدر ألايمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أغار على المدينة في رجال من قومه، ولكن لم ينل مأربا، فخرج إليه النبي في جماعة من أصحابه، ولكنه فر هاربا، وكان ذلك في «غزوة السويق» .
(2) لا خبرة لهم بالحروب وفنونها.
(3) يعنون أنهم أهل الخبرة والدربة في الحروب.(2/171)
مواطن العبرة في بدر
إن في بدر لعبرا وايات يستجليها ذوو البصائر النيرة، والقلوب المؤمنة، والعقول الفاحصة المتحررة، وصدق الله حيث يقول:
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ «1» .
من هذه العبر والايات:
1- أثر القوى الروحية والمعنوية: وأساس هذه القوى هو الإيمان:
الإيمان بالله وأنه ذو قوة لا تغالب، وأن بيده النصر والموت والحياة، وأن الموت في سبيل الله خلود. والإيمان بالرسول، وأنه لا ينطق عن الهوى، وأن حبه إيمان، وتفديته بالنفس فريضة، وأن كل مصاب دونه هين ويسير. والإيمان باليوم الاخر، وأن هناك حياة أخرى خيرا من هذه الحياة يوفّى فيها كل عامل جزاءه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وأن الجنة للمتقين المجاهدين والنار للكفار والمتقاعسين عن نصرة الأنبياء والمرسلين.
والإيمان بالرسالة المحمدية، وأنها الشريعة العامة الخالدة التي يجب أن تسود الدنيا وأن يستظل بها البشر، فقد ناط الله بها كل سعادة، وربط بها كل هدى وحق وخير. والإيمان بأنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم الأمة الوسط الشاهدة على الأمم كلها بعقيدتها وشريعتها، وعلمها وعملها، وأخلاقها وسلوكها، وعلى الأمة الإسلامية أن تنشىء أبناءها على هذا الإيمان اليوم، وحينئذ ستسترجع عزتها وسلطانها.
هذا الإيمان العميق الجذور، المتشعب الفروع، هو سر الانتصار في هذه الموقعة وغيرها من مواقع الإسلام وأيامه المشهورة، وهو سر الأسرار وعبرة
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 13.(2/172)
العبر، وإنا لنلمسه جليا في مقالة السادة: أبي بكر، وعمر، والمقداد، وسعد بن معاذ لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أشيروا عليّ أيها الناس» ونلمسه أيضا في مقالة عمير بن الحمام لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» فرمى بتمرات في يده كان يأكلها قال: إني إن حييت حتى اكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة!!
ونحس هذا الإيمان المثالي في طلب الصدّيق أن يبارز ابنه عبد الرحمن، وفي قتل الفاروق لخاله العاص بن هشام، وقتل أبي عبيدة لأبيه، ومصعب بن عمير لأخيه، وفي مقالة أبي حذيفة لما رأى أباه عتبة وقد مات على الكفر ... إلى غير ذلك من المواقف المشرّفة، والمثل الإيمانية العليا.
2- من العبر أن النصر من عند الله، وأن لله جنودا كثيرة منها الملائكة، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ والله سبحانه وتعالى قد أمرنا في صريح الكتاب الكريم بإعداد العدة، وأخذ الأهبة للأعداء، وقد بلغ النبي والصحابة المدى في هذا، فلم يدعوا وسيلة من وسائل القوة والنصر مما يقع تحت أيديهم وفي استطاعتهم إلا اتبعوها، فضربوا بالسيوف والحرب، ورموا بالسهام والنبال، وحفروا الخنادق، وصنعوا الدبابات بما يلائم عصرهم، وتدربوا على فنون القتال، وتعلّموا الكر والفر، ومع هذا كانوا على صلة وثيقة بالله، وتوكل عليه، وهم على صلاح واستقامة، لم يغتروا بعدد ولا عدّة، وإنما يستنزلون النصر من عند الله.
ولذلك كان النبي كثيرا ما يلجأ إلى الدعاء عند حضور المواطن، بل ويبالغ فيه كما حدث في بدر ليثبت في نفوسهم هذا المعنى الكريم، ولذلك لما عرض الله سبحانه في الكتاب الكريم لإمداد المسلمين بالملائكة ختم ذلك بقوله:
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ «1» .
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 126.(2/173)
وقوله:
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «1» .
وإنه لدرس عظيم يجب أن يعيه المسلمون في كل قطر، فما أجدرهم أن يأخذوا أنفسهم بتقوى الله والاستقامة على شريعته، وأن يصلوا حبالهم بحبال السماء، وإلا كانوا هم والأعداء في المعاصي سواء، وإن لا يكن لنا عليهم فضل بالدين والاستقامة والطاعة فضلونا بالعدد والعدّة، وإذا تخلّى الله سبحانه وتعالى عنا، ووكلنا إلى أنفسنا واغترارنا عزّ علينا استنزال النصر من الله، وصارت الغلبة لمن هم أكثر عددا وعدّة.
3- احترام النبي صلى الله عليه وسلم لمبدأ الشورى في الحرب ولو كانت من فرد واحد، وهو تقرير لهذا المبدأ التي يعتبر من مبادىء الإسلام، وذلك مثل ما حدث من أخذه برأي الحباب بن المنذر في تخيّر مكان نزول الجيش، ورأي سعد بن معاذ في بناء العريش؛ واستشارة أصحابه في القتال، لما علم بخروج قريش في جموعها، وفي الأسارى أيقتلون أم يفادون؟.
وليس هذا بعجب ممّن نزل عليه قول الله سبحانه:
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ «2» .
4- إنسانية الرسول الفائقة: إنسانية مبعثها الرحمة التي امتلأ بها قلبه الكبير، والعظمة النفسية التي تسمو عن أن تؤاخذ كل مذنب بذنبه، وإنما تعفو وتسمح، وتتسامى وتصفح، وإنا لنلمس هذا في الأمر بدفن القتلى، وفي أمر أصحابه بالإحسان إلى الأسرى، وفي إبائه على سيدنا عمر أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو
__________
(1) سورة الأنفال: الاية 10.
(2) سورة ال عمران: الاية 159.(2/174)
حتى لا يقوم ضد النبي خطيبا، وقوله هذه المقالة: «لا أمثّل فيمثّل الله بي وإن كنت نبيا» !! وفي موقفه لما سمع رثاء قتيلة لأخيها النضر بن الحارث وقوله:
«لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه» .
5- مواهب النبي صلى الله عليه وسلم السياسية: هذه المواهب التي تفجّر بها القلب المستنير الذي أشرق بالإيمان، وامتلأ بالفيوضات الإلهية والتجليات الربانية التي أفاض الله بها عليه، والعقل الكبير الذي تربّى على التأمل والنظر في الكون، وترعرع في حياطة الله ورعايته، وتمرّس بايات الوحي والحكمة، فوسع العقول جميعا، ولو وزنت به العقول كلها لرجحها.
وإنا لنلمس هذه المواهب في استشارة أصحابه لمّا ترجّح جانب القتال بخروج جيش قريش، فقد كان هذا بمثابة اختبار لإيمان القوم، وتعرّف مبلغ استعدادهم لنصرة الإسلام خارج المدينة. وقد نجحوا في هذا الاختبار أيما نجاح، وأبانوا بما قالوا عن معدنهم الأصيل تجاه نبيهم محمد، الذي يختلف عن معدن بني إسرائيل معدن الجبن والخور والنذلة تجاه نبيهم موسى.
كما نلمس هذا أيضا حين بدأت المبارزة، فقد أخرج النبي- كما رجّحنا- للثلاثة القرشيين ثلاثة من ألصق الناس به وذوي قرباه: اثنين من بني هاشم وواحدا من بني المطّلب، وبنو هاشم والمطّلب سواء في الجاهلية والإسلام، وذلك ليكون إيذانا على رؤوس الأشهاد بأن أقرباء النبي الأقربين سيكونون في مقدمة المسلمين- مهاجرين وأنصارا- تضحية بالنفس، وتفدية للرسول والإسلام، وإنه لموقف معبّر دونه الخطب والكلام.
ونلمس هذه الموهبة الفائقة في موقف يعتبر من أحرج المواقف بين رأيين متعارضين، وكل من صاحبي الرأيين يعتبر وزير صدق للنبي صلى الله عليه وسلم، وانحاز إلى رأيه كثيرون، وذلك حينما استشار أصحابه في الأسرى، فقد رأى الصدّيق الفداء، ورأى الفاروق القتل، ودخل النبي بيته وفكر في الأمر، فرأى بما جبل عليه من الرحمة والتسامح رأي الصدّيق، ولكن الرأي المعارض رأي عمر،(2/175)
وهو من هو في الإسلام، وصاحب الموافقات، وربما يكون في هذا غضاضة على عمر.
وفكّر الرسول ثم فكر، فتفتّق العقل الكبير عن هذا التصرف الحازم البصير، فخرج وأثنى على كلا الرجلين ثناء نابعا من طبيعة الرجلين، لا تحيّف فيه على أحدهما، ولا هضم لحقه، ولا محاباة ولا مداهنة، فشبّه الصديق بنبيين رحيمين: إبراهيم وعيسى عليهما الصلاة والسلام، وشبه الفاروق بنبيين اشتد غضبهما على قومهما، بعد أن لم يدعا في قوس الصبر منزعا، وهما: نوح وموسى عليهما الصلاة والسلام، ثم رأى رأي الصدّيق، وبهذه التقدمة البارعة قضى الرسول على ما عسى أن يداخل نفس الفاروق، فإذا كان الرسول لم يأخذ برأيه فبحسبه شرفا وتقديرا أن يكون شبيها بنبيين من أولي العزم من الرسل، وإنها لأمنية تنقطع دونها الأماني، وحلم ترنو إليه أي نفس مهما بلغت من أصالة الرأي، وحسن التدبير، والاقتناع بما رأت.
ومن هذه السياسة الحكيمة إسهام النبي لكل من لم يحضر الموقعة لتخلّفه في مصلحة عامة أو خاصة، وكذلك إسهامه لمن استشهدوا في بدر وإعطاء حقوقهم لورثتهم وذويهم، وبذلك كان للإسلام السبق في تكريم الشهداء ورعاية أسرهم وأبنائهم من قرابة أربعة عشر قرنا.
6- عدالة النبي التامة في أخذ الفداء من القادرين عليه، وعدم محاباته لذوي قرباه، بل كان الأمر على خلاف ذلك، فقد أغلا الفداء على عمه العباس، ولم يقبل أن يتنازل له أخواله من الأنصار عن شيء منه، وترك أمر صهره إلى خيار المسلمين، فمنّوا عليه لمّا رأوا زوجته السيدة زينب أرسلت في فدائه بقلادتها الغالية التي تحمل في نفسها أعظم ذكرى لأمها السيدة خديجة، وفضل خديجة على الإسلام مذكور مشكور، وقد دلّل المسلمون بصنيعهم هذا على حسّ مرهف، وشعور كريم، وإنسانية فائقة، وعلى حين فعل النبي هذا مع ذوي قرباه منّ على أناس لا يمتون إليه بصلة القربى لاعتبارات تدعو إلى ذلك.(2/176)
7- أن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد فيما لم ينزل فيه وحي، وأنه إذا اجتهد في أمر من الأمور وسكت الوحي عن هذا الاجتهاد كان ذلك دليلا على موافقته الصواب والحق، واكتسب صفة إقرار الوحي لما أدّى إليه الاجتهاد، لأنه سبحانه حاشاه أن يقر نبيه على أمر يخالف الحق والصواب، أما إذا اجتهد النبي ولم يصادف الصواب نزل الوحي معاتبا ومبينا، وذاك كما حدث في هذه الغزوة.
فقد نزل قوله تعالى معاتبا: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... والنبي في كلتا الحالتين مأجور، لأن الإسلام يقرر أن من اجتهد فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، وهذا يدل على مبلغ تقدير الإسلام للاجتهاد والدعوة إليه، وتكريم المجتهدين، وهذا الذي ذهبنا إليه من أنه صلى الله عليه وسلم له أن يجتهد هو ما عليه جمهور العلماء والمحققون منهم، وهو الرأي الراجح المنصور.
8- حدوث بعض المعجزات النبوية الحسية في هذه الموقعة: فقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس قاتل يوم بدر بسيفه حتى انكسر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا «1» من حطب، فقال: «قاتل بهذا يا عكاشة» فأخذه فهزّه فصار سيفا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين، وكان يسمى «العون» ، ولم يزل هذا السيف عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله حتى استشهد على يد طليحة الأسدي أيام حروب الردة.
وكان النبي يشيد بشجاعة عكاشة هذا فيقول: «منا خير فارس في العرب» قالوا: ومن هو يا رسول الله؟ قال: «عكاشة بن محصن» فقال ضرار بن الأزور الأسدي: ذاك رجل منا يا رسول الله، فقال: «ليس منكم ولكنه منا للحلف» «2» وبحسبه شرفا هذا التقدير الكريم.
__________
(1) الجذل: ما عظم من أصول الشجر المقطّع، وقيل: هو من العيدان ما كان على مثال شماريخ النخل وهو المراد.
(2) الروض الأنف، ص 73، الجمالية.(2/177)
وروى الواقدي بسنده في مغازيه عن رجال من بني عبد الأشهل قالوا:
انكسر سيف سلمة بن حريش يوم بدر، فبقي أعزل لا سلاح معه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده من عراجين ابن طاب- نخل بالمدينة رطبها جيد-، فقال: «اضرب به» ، فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد «1» .
ومن ذلك ما أعلم به النبي عمه العباس لما اشتكى الفقر، وإخباره بما ترك من مال عند زوجته أم الفضل، وقوله لها: إن هلكت فهذا المال لبنيّ.
وما حدث به عمير بن وهب لما جاء متظاهرا بفداء ابنه، وهو يريد قتل النبي باتفاق مع صفوان بن أمية، فقد أنبأه نبأ المؤامرة، فكانت سببا في إسلامه وصدق إيمانه.
وما ينبغي لأحد أن يزعم أن المعجزات الحسية لا ضرورة إليها بعد القران، فها هي قد بدت اثارها واضحة جلية في إسلام البعض، وتقوية يقين البعض الاخر، وإثبات أنه نبي يوحى إليه، فقد أخبر بمغيبات انتفى في العلم بها كل احتمال إلا أنه خبر السماء، وغير خفي ما يحدثه انقلاب عود أو عرجون في يد صاحبه سيفا بتارا في إيمانه وتقوية يقينه، وجهاده به جهادا لا يعرف التردد أو الخور، وحرصه البالغ على أن يخوض المعارك بسيف خرقت به العادة، وصار مثلا وذكرى في الأولين والاخرين.
__________
(1) البداية والنهاية، ج 3 ص 290. وفي البداية أبي عبيدة وهو خطأ والصحيح أبي عبيد، وهو أبو عبيد بن مسعود الثقفي وكان عبر الفرات إلى الضفة الاخرى لقتال الفرس على جسر، فلما قتل أبو عبيد جال المسلمون جولة ثم انهزموا، فقطع رجل الجسر حتى لا يفكر أحد من الجيش في الفرار، وكانت خطيئة ترتب عليها أن قتل كثير من المسلمين وتهافتوا في الفرات، ولولا موقف المثنى بن حارثة ومعه بعض أبطال المسلمين لكانت الهزيمة ساحقة ماحقة. (الإصابة، ج 4 ص 130؛ والاستيعاب، ج 4 ص 124) .(2/178)
أحداث في السنة الثانية
زواج علي بفاطمة
في هذه السنة تزوج أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنى بها، وقد ذكر البخاري أن ذلك كان بعد غزوة بدر بقليل، وقال الواقدي إنه بنى بها في ذي الحجة من هذه السنة، وإليك قصة خطبتها كما رواها البيهقي عن علي قال: خطبت فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة خطبت من رسول الله؟ قلت:
لا. قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوجك بها؟ فقلت:
أو عندي شيء أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجك.
فو الله ما زالت ترجّيني حتى دخلت على رسول الله، فلما أن قعدت بين يديه أفحمت، فو الله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما جاء بك، ألك حاجة» ؟ فسكتّ، فقال: «لعلك جئت تخطب فاطمة» فقلت: نعم. فقال: «وهل عندك من شيء تستحلها به» ؟ فقلت: لا والله يا رسول الله، فقال: «ما فعلت درع سلحتكها» ؟ فو الذي نفس علي بيده إنها لحطميّة ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت عندي، فقال: «قد زوجتكها، فابعث إليها بها، فاستحلّها بها» فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان زواجا ميمونا مباركا، أنجبت منه السيدة الزهراء السادة: حسنا، وحسينا، ومحسنا، وأم كلثوم، وزينب عليهم السلام. أما محسن فمات صغيرا، وعاش الحسن والحسين حتى بلغا مبلغ الرجال، فمات الحسن واستشهد الحسين بكربلاء، ولعلك تعجب إذا علمت أن السيدة الزهراء كان جهازها خميلا-(2/179)
قطيفة- وقربة ووسادة أدم حشوها إذخر «1» ، وهكذا كان الأمر في صدر الإسلام لا مغالاة في المهور، ولا إرهاق في سبيل إعداد الجهاز كما هو الحال اليوم. وإنما الحال سماحة وبساطة، وتعاون في سبيل الحياة الزوجية الكريمة، ولو كانت المغالاة في المهور مكرمة لكان أولى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته، وأهله، وأصحابه الكرام الميامين.
__________
(1) أدم: جلد. إذخر: نبات طيب الرائحة.(2/180)
وفيات
في هذا العام توفيت السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك عند قدوم المبشرين بالنصر ببدر إلى المدينة كما أسلفنا.
وفيها استشهد أربعة عشر من المهاجرين والأنصار في بدر، منهم:
عبيدة بن الحارث بن المطلب، وعمير بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص من المهاجرين، ومعوّذ وعوف ابنا عفراء، وعمير بن الحمام، وسعد بن خيثمة من الأنصار. وفيها توفي بعد بدر السيد الجليل عثمان بن مظعون أحد السابقين الأولين وممن هاجر الهجرتين، وكان أخا للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع، ولما توفي دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وبكى حتى سالت الدموع على وجهه «1» ، ثم شيّع جنازته هو وأصحابه، ولما دفن أمر النبي رجلا أن يأتي له بحجر، فلم يقدر الرجل على حمله لكبره، فقام النبي وأحضره ووضعه عند رأسه وقال: «أعلم به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي» «2» ، ومن هنا أخذ جواز تمييز القبر بحجر ونحوه، ولما توفي إبراهيم ابن النبي قال: «الحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون» «3» ، وقد وهم بعض المؤلفين في السيرة «4» فذكر أنه توفي في العام الأول، وهو غلط، والصحيح كما ذكرنا.
__________
(1) رواه أحمد والترمذي.
(2) رواه أبو داود. انظر نيل الأوطار ج 4 ص 55، 132.
(3) رواه الترمذي.
(4) هو الشيخ الخضري رحمه الله في كتابه «نور اليقين» .(2/181)
السّنة الثّالثة من الهجرة
تمهيد:
في هذه السنة واجه النبي خصوما لم يكن له بهم سابق عهد، ذلك أنه كان حالف معظم القبائل التي تسكن غربي المدينة بينها وبين ساحل البحر، فكاد يصبح طريق تجارة مكة إلى الشام مغلقا، ولكن ماذا يصنع القرشيون والتجارة هي روحهم وعماد معيشتهم، لذلك فكروا في طريق صحراوي اخر من مكة إلى نجد، ومنها إلى العراق والشام، وكان بنو سليم وغطفان أهم من يسكن هذا الطريق من القبائل، وكانوا حلفاء قريش يستخدمونهم في تأمين متاجرهم إلى العراق.
وقد وثّق القرشيون ما بينهم وبين سليم وغطفان وأغروهم بمحاربة الرسول.
وقد كان من سياسة النبي الحكيمة في محاربة هذه القبائل هي مبدأ المبادأة، فما إن يعلم بعزمهم على حربه حتى يسرع إليهم بالخروج ليريهم أنهم أقوياء، وقد أثمرات هذه السياسة ثمرتها، فكان النبي إذا خرج إلى قوم منهم ألقى في قلوبهم الرعب وفروا، فيعود غانما منتصرا، وقد كفاه الله والمؤمنين القتال.
[الغزوات في هذه السنة]
غزوة الكدر
تجمعت جموع من بني سليم وغطفان يريدون مهاجمة المدينة، فلما علم النبي بعزمهم خرج إليهم على رأس مائتين من أصحابه، فلما وصلوا ماء لهم يسمى «قرقرة الكدر» وجدهم قد فروا، فرجع ولم يلق كيدا، وغنم المسلمون خمسمائة بعير خمّست، فأخذ النبي الخمس، ووزع الباقي على المجاهدين.(2/183)
غزوة غطفان أو ذي أمر
وفي شهر ربيع الأول تجمع بنو ثعلبة ومحارب- هما حيان من غطفان- وعلى رأسهم رئيس لهم يسمى «دعثور» يريدون الغارة على المدينة، فخرج إليهم النبي في أربعمائة وخمسين من أصحابه بعد أن خلّف على المدينة عثمان بن عفان، فلما سمعت الأعراب بمسيره رعبوا وفروا.
وسار المسلمون حتى وصلوا ماء لهم يسمى (ذا أمر) فعسكروا به، وأمطرت السماء مطرا غزيرا، فابتلت ثياب رسول الله، فذهب إلى شجرة هناك بمنأى عن المعسكر ونشر عليها ثيابه، وشغل المسلمون بشؤونهم. ورأى المشركون أن ينالوا من النبي على غرة، فأرسلوا رجلا منهم شجاعا يقال له دعثور هذا ويقال غورث بن الحارث- لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فما شعر به النبي إلا وهو قائم على رأسه بالسيف مشهورا، فقال: من يمنعك مني يا محمد؟ فقال النبي:
«الله» !! فرعب الرجل، وسقط السيف من يده، فتناوله الرسول، ورفعه، وقال له: «من يمنعك مني» ؟، فقال الرجل: لا أحد، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان من الرجل إلا أن أسلم وتعهد ألايكثر على النبي جمعا، وعاد إلى قومه، فأخبرهم الخبر، ودعاهم إلى الإسلام.
وهكذا شاء الله سبحانه أن يخرج قاصدا قتل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به يعود مؤمنا به ومحبا له!! وصار يجمع قومه للرسول، بعد أن كان يجمعهم عليه، وقد قيل:
إنه نزل «1» في هذا قوله سبحانه:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «2» .
__________
(1) تفسير الألوسي ج 6 ص 76.
(2) سورة المائدة: الاية 11.(2/184)
سرية زيد بن حارثة أو القردة
علمت قريش من مبادأة الرسول لغطفان وسليم وخروجه إليهم؛ أن قوة المسلمين المادية والمعنوية لا يستهان بها، وأن الطرق المطروقة إلى الشام أصبحت غير مأمونة، وأن القبائل المتحالفة معهم أصبحت غير قادرة على حماية تجارتهم، ففكروا في طريق وعر قليل الماء، عرّفهم به مرشد يأتمنونه، فخرجت عيرهم في تجارة عظيمة، وكان رئيس العير صفوان بن أمية، ومعه أبو سفيان بن حرب، واخرون، واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل يسمى: فرات بن حيان «1» ليدلهم على الطريق، وتكتموا أمر هذه العير.
ولكن الأقدار ساقت يثربيا، وهو نعيم بن مسعود الأشجعي، فقد كان بمكة وعلم بخبر العير، فلما قدم المدينة وجلس في رفقة له يشربون ومعهم رجل مسلم- وذلك قبل أن تحرم الخمر- فجرى على لسانه ذكر عير قريش والطريق الذي سلكته، فأسرع الرجل المسلم فأخبر النبي، فأرسل من فوره زيد بن حارثة في مائة راكب مجاهد، وكان ذلك في مستهل جمادى الأولى من السنة الثالثة فسارت السرية حتى لقوا العير عند ماء يسمى «القردة» ، ففرّ الرجال، وأصاب المسلمون العير، وكانت أول غنيمة ذات قيمة غنمها المسلمون، وعادت السرية بها، فخمّسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ خمسها خمسة وعشرين ألفا، وقسم الباقي على رجال السرية، وكان فرات بن حيان فيمن أسر، فعرضوا عليه الإسلام فأسلم.
__________
(1) حيان: بالياء المثناة. وقيل: بالباء المواحدة.(2/185)
غزوة أحد «1»
تجهز قريش لأحد
لما أصيبت قريش في بدر أرصدوا التجارة التي كانت تحملها العير لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، والثأر منه ومن أصحابه، وأوقفوها بدار الندوة، وكانت تبلغ خمسين ألف دينار، فسعى رجال من رؤسائهم قبيل أحد إلى أبي سفيان بن حرب، فقالوا له: إن محمدا وترنا «2» ، وقتل خيارنا، وإنا رضينا أن نترك ربح أموالنا فيها استعدادا لحرب محمد وأصحابه، وقد رضي بذلك كل من له فيها نصيب.
وصاروا يجمعون الجموع لقتال النبي، واستنفروا حلفاءهم من الأحابيش، والقبائل المنتشرة حول مكة من كنانة وأهل تهامة، وعبّأوا القوى لهذا الاستنفار، فقد سعى صفوان بن أمية إلى أبي عزّة الشاعر الذي كان في الأسارى يوم بدر، ومنّ عليه الرسول، وقال له: يا أبا عزّة إنك امرؤ شاعر، فأعنّا بلسانك، واخرج معنا، فقال: إن محمدا قد منّ علي فلا أريد أن أظاهر عليه، ولم يزل به يغريه، ويقول: لله علي إن رجعت أن أغنيك، وإن قتلت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر، حتى قبل، فخرج أبو عزة يسير في تهامة، ويدعو بني كنانة لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك اشترك في تأليب القبائل أبو عامر الذي كان يقال له: الراهب، فسماه رسول الله:
الفاسق.
وما زالت قريش تجمع الجموع حتى تكوّن جيش تعداده ثلاثة الاف منها، ومن حلفائها، وأعراب كنانة، وتهامة.
وقد اختلفوا: يخرجون بالنساء أم لا؟ وكان اخر الأمر أن ترجّح رأي القائلين بخروجهن لما صرخت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان وأصرّت على
__________
(1) أحد: جبل بينه وبين المدينة نحو ستة أميال. وكانت الموقعة عنده.
(2) وترنا: أصابنا في أحبتنا وأهلنا.(2/186)
خروجهن، فخرجت مع زوجها تؤلب وتحث على القتال، وكذلك خرجت زوجات عكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن العاص، وصفوان بن أمية وغيرهن، وسار هذا الجيش قاصدا المدينة ومعهم ثلاثة الاف بعير، ومائتا فرس ومن بينهم ستمائة دارع.
وكان في الجيش عبد حبشي يقال له: «وحشي» وهو غلام لجبير بن مطعم، فقال له جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي- وكان قتل يوم بدر مشركا- فأنت حر، وكانت هند تحرضه هي الاخرى على قتل سيدنا حمزة بن عبد المطلب الذي فجعها بقتل الأحبة من أهلها في بدر، فكانت كلما مرت أو مرّ بها تقول له: ويها أبا دسمة، اشف، واستشف «1»
وسار الجيش حتى وصل إلى الأبواء حيث قبر السيدة امنة بنت وهب أم النبي، ففكر بعض سوقتهم في نبش قبرها، ولكن زعماءهم أبوا ذلك حتى لا تكون سنة سيئة في العرب، وقالوا: لا تذكروا من هذا شيئا فلو فعلنا نبشت بنو بكر وبنو خزاعة موتانا. وتابعت قريش سيرها حتى نزلت عند بعض السفوح من جبل أحد على خمسة أميال من المدينة.
وصول الخبر إلى الرسول
وكان العباس بن عبد المطلب يعلم ما صنعت قريش من تأليب القبائل، وجمع الجموع، وعزمها على مهاجمة المدينة، فكتب كتابا إلى ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم يخبره فيه بما جرى، وأعطاه لرجل من بني غفار، فأوصله الرجل إلى النبي، فقرأه عليه أبي بن كعب، فاستكتمه الرسول ما فيه، وأخبر بعض أصحابه واستكتمهم الخبر أيضا.
ثم أرسل النبي أنسا ومؤنسا ابني فضالة يتسنّطان أخبار قريش، فألفياها قد قاربت المدينة، وأرسلت خيلها وإبلها ترعى زروع يثرب المحيطة بها، وأرسل بعدهما الحباب بن المنذر مستطلعا، فجاءت الرسل تؤكد ما أخبر به العباس، وأن جيش قريش بمشارف المدينة، ولم يعد الأمر سرا، فقد توالت الأخبار بوصول قريش وعسكرتها بالقرب من أحد، وأخذ المسلمون الحيطة للرسول
__________
(1) ويها: كلمة إغراء وتحريض. أبو دسمة: كنية وحشي.(2/187)
ولأنفسهم، حتى لقد بات وجوه المسلمين من أهل المدينة وعليهم السلاح بالمسجد النبوي خوفا على الرسول، وأقاموا حراسا على مداخل المدينة بالليل.
مشاورة النبي أصحابه
ولم يكن بدّ من أن يتشاور النبي والمسلمون فيما دهمهم، فجمع النبي وجوه المهاجرين والأنصار وحضر معهم عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وكان ذلك في يوم جمعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ليلة الجمعة رؤيا، فلما أصبح قصّها على أصحابه فقال: «إني قد رأيت والله خيرا، رأيت بقرا تذبح، ورأيت في ذباب سيفي ثلما، ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة، فأوّلتها المدينة» ، وقد ورد في تأويل بقية الرؤيا أن النبي قال: «فأما البقر فأناس من أصحابي يقتلون، وأما الثلم ... فهو رجل من أهل بيتي يقتل» «1» .
فمن ثمّ كان رأي رسول الله المقام بالمدينة والتحصن بها، فإن هم دخلوا عليهم قاتلوهم، ورأى هذا الرأي شيوخ المهاجرين والأنصار، ورأى هذا الرأي أيضا عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال: (يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج إليهم، فو الله ما خرجنا إلى عدو قط إلا أصاب منا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منه، فكيف وأنت فينا؟ فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين) .
ولكن الكثيرين ولا سيما الشباب ممن لم يشهد بدرا، أو شهدها وأمتعهم الله بالنصر قالوا: يا رسول الله: اخرج بنا إلى أعدائنا، ولا يرون أنا جبنّا عنهم وضعفنا، ومن هؤلاء حمزة بن عبد المطلب فقال: والذي أنزل عليك الكتاب لنجالدنّهم.
وصلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم الجمعة، ووعظ الناس وذكّرهم وحثّهم على الثبات والصبر، ثم دخل بيته فلبس لأمته «2» ثم خرج عليهم، فلما راه الذين أشاروا بالخروج ندموا وقالوا: استكرهناك ولم يكن لنا ذلك، يا رسول الله إن
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 3 ص 62 ط الحلبي.
(2) عدة الحرب من درع ومغفر ونحوهما.(2/188)
شئت فاقعد، فقال: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين أعدائه» .
وأذّن مؤذّن رسول الله بالخروج، فخرج في ألف من أصحابه واستعمل على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم، ثم عقد الألوية فأعطى لواء المهاجرين لمصعب بن عمير، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن حضير، وسار الجيش، وفي الطريق بصر النبي بكتيبة كبيرة فسأل عنها، فقيل له هؤلاء حلفاء ابن أبي من اليهود، فقال: «لا حاجة لنا فيهم، إنا لا نستعين بكافر على مشرك» ونعمّا فعل، فهم قوم مرنوا على الخيانة والنفاق فلا يؤمن جانبهم.
فلما وصلوا إلى الشوط «1» انخزل عبد الله بن أبي بثلاثمائة من أصحابه وقال: أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس؟ فرجع من اتّبعه من قومه من أهل النفاق والشك، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فقال: يا قوم، أذكّركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، فلما استعصوا عليه قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه. وفي هؤلاء المنخزلين نزل قول الله تعالى:
وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ «2» .
ولما رجع ابن أبي وأصحابه همّت بنو سلمة وبنو حارثة أن ترجعا، ولكن الله ثبتهما وعصمهما، وفي ذلك نزل قوله سبحانه:
__________
(1) الشوط: مكان بين المدينة وأحد.
(2) سورة ال عمران: الايتان 166- 167.(2/189)
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «1» .
استعراض الجيش ورد بعض الصبيان
وفي الطريق استعرض رسول الله الجيش، وكان خرج مع الرجال بعض الغلمان ممن لا طاقة لهم على الجهاد رغبة في الجهاد وحبا للاستشهاد في سبيل الله، فردّهم النبي لصغرهم، منهم: عبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وأسامة بن زيد، وزيد بن ثابت، وعرابة بن أوس «2» ، وأجازهم يوم الخندق، وكان الرسول ردّ سمرة بن جندب ورافع بن خديج، وهما أبناء خمس عشرة سنة، فقيل له: يا رسول الله إن رافعا رجل رام فأجازه، فقيل له: فإن سمرة يصرع رافعا فأجازه.
وما كان لنا أن نمر بهذا دون أن نشيد بأثر التربية الإسلامية انذاك في نفوس الشبان، وأنهم لم يكونوا أقل من الرجال حبا للجهاد وتضحية في سبيل العقيدة والمثل الإنسانية العالية، وبهؤلاء الشباب وأمثالهم انتصر الإسلام وعلا على كل الأديان، وكان المسلمون خير أمة أخرجت للناس، وعسى أن يكون لشبابنا في هؤلاء أسوة حسنة.
نزول المسلمين بالشعب في أحد والتعبئة للقتال
ومضى رسول الله في سبعمائة من أصحابه حتى وصل الشّعب من أحد، وجعل ظهره وعسكره إلى الجبل، وقال: «لا يقاتلنّ أحد حتى امره بالقتال» . وفي صبيحة يوم السبت الخامس عشر من شوال عبّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصفّ الصفوف، وبوّأ كل فريق مكانه، وأمّر رسول الله على الرماة عبد الله بن جبير، وهو معلم بثياب بيض، وكانوا خمسين رجلا، وأوصاهم قائلا: «انضحوا بالنبل عنا لا نؤتينّ من قبلكم، والزموا مكانكم، إن كانت النوبة لنا أو علينا،
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 122.
(2) قال فيه الشاعر:
رأيت عرابة الأوسي يسمو ... إلى الخيرات منقطع النظير
إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين(2/190)
وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم» . وفي هذا نزل قول الله تعالى:
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1» .
الرسول يحمس أصحابه
وصار النبي يحمس المسلمين، وينفخ فيهم من روحه وقوة إيمانه، ويحثهم على الصبر والثبات في هذه المواطن، وابتدع طريقة تثير الحمية، وتدعو إلى الاستبسال في القتال، فقد أخذ بسيف في يده وقال: «من يأخذ هذا السيف بحقه» ؟ فأحجم القوم، ثم كرر الكلمة فقام رجال فأمسكه عنهم، فقام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: «أن تضرب به العدو حتى ينحني» ، قال: أنا اخذه بحقه، فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم أنه سيقاتل، فأخرج عصابته تلك فاعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصفّين فقال رسول الله: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» .
جيش قريش
وعبّأت قريش جيشها وتصافّوا، وكان معهم مائتا فرس قد جنّبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، وكان حامل لوائهم طلحة بن عثمان من بني عبد الدار، وقال أبو سفيان لأصحاب اللواء يحمّسهم ويستثير حميتهم: (يا بني عبد الدار، قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم، وإنّما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا وإما أن تخلّوا بيننا وبينه فنكفيكموه) ، فهمّوا به وتواعدوه، وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا؟! غدا إذا التقينا ترى كيف نصنع؟ وهذا ما أراد أبو سفيان.
وقامت هند امرأة أبي سفيان في نساء من قريش وهن يتجوّلن بين الصفوف، ويضربن بالدفوف، ويحرّضن على القتال ويقلن:
ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأدبار
ضربا بكل بتّار»
__________
(1) الاية 121 من سورة ال عمران.
(2) ويها: كلمة تحريض وحث على القتال. حماة الأدبار: الذين يحمون أعقاب الناس. البتّار: السيف القاطع.(2/191)
ويقلن:
نحن بنات طارق «1» ... نمشي على النمارق
مشي القطا النوازق ... والمسك في المفارق
والدرّ في المخانق
إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق «2»
محاولة فاشلة
وحاول أبو عامر الفاسق- وقد تصاف الجيشان- أن يستزل بعض الأنصار، فقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق، فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتلهم قتالا شديدا، ورماهم بالحجارة.
بدء القتال بالمبارزة
وابتدأ القتال بالمبارزة، فقد دعا طلحة بن أبي طلحة العبدري أحد حملة لواء المشركين يومئذ إلى البراز، فأحجم عنه الناس، فبرز إليه الزبير بن العوام، فوثب حتى صار معه على جمله، ثم ألقاه على الأرض وذبحه بسيفه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبي حواريا «3» ، وحواريّ الزبير» ، وقال: «لو لم يبرز
__________
(1) قال السهيلي: فيقال: إنها- أي هندا- تمثلت بهذا الرجز، وإنه لهند بنت طارق بن بياضة، قالته في حرب الفرس لأياد، فعلى هذا يكون إنشاده. نحن بنات طارق- بالنصب على الاختصاص. وإن كانت أرادت النجم فبنات مرفوع خبر مبتدأ، أي نحن شريفات رفيعات كالنجوم، وبعد أن استبعده ذكر عن بعضهم أنه استحسنه (الروض الأنف ج 2 ص 129- 130) .
(2) النمارق: جمع نمرقة، وهي الوسادة. النيازق: الخفاف. المخانق جمع مخنقة وهي القلادة. والوامق: المحب.
(3) الحواري: المخلص الصفي الناصر.(2/192)
إليه أحد لبرزت أنا إليه، لما رأيت من إحجام الناس عنه» ، وهذا يدل على شجاعة رسول الله الفائقة التي لا تدانيها شجاعة.
وخرج سباع بن عبد العزّى من صفوف المشركين، وهو يقول: هل من مبارز؟ فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال له: يا سباع، يا ابن أم أنمار أتحادّ الله ورسوله؟! ثم شدّ عليه فكان كأمس الذاهب. ونادى أبو سعد بن أبي طلحة- وكان أحد حملة لواء المشركين وقد سمع علي بن أبي طالب يقول:
أنا أبو القصم «1» - فقال: هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة؟ قال: نعم، فبرزا بين الصفين، فاختلفا ضربتين، فضربه علي فصرعه ولم يجهز عليه، فقال له بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ فقال: إنه استقبلني بعورته، فعطفتني عليه الرحم، وعرفت أن الله قد قتله.
التحام الجيشين
ثم التحم الجيشان، وحمي الوطيس، وتعانقت السيوف، وحملت خيّالة المشركين على المسلمين ثلاث مرات، فينضحهم الرماة بالنبال فينكصون على أعقابهم، وأبلى كثير من المسلمين في هذا اليوم بلاء حسنا، وأظهروا من البطولات ما أعجز المشركين.
فاندفع أبو دجانة «2» وقد اعتصب بعصابة الموت وهو يقول:
أنا الذي عاهدني خليلي ... ونحن بالسفح لدى النخيل
ألاأقوم الدهر في الكيول «3» ... أضرب بسيف الله والرسول
فجعل لا يلقى أحدا من المشركين إلا قتله، ورأى رضي الله عنه إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا، قال: فصمدت له، فلما حملت عليه بالسيف ولول،
__________
(1) بضم القاف وفتح الصاد، وروي بالفاء، والقصم- بالقاف- القطع مع الإبانة، والفصم- بالفاء- قطع من غير إبانة.
(2) أبو دجانة: بضم الدال وتخفيف الجيم، واسمه: سماك بكسر السين ابن خرشة بفتح الخاء والراء والشين.
(3) الكيول: اخر الصفوف في الحرب، ويروى أيضا الكبول: جمع كبل وهو القيد.(2/193)
فإذا هي امرأة، وهي هند بنت عتبة، قال: فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به امرأة.
وقاتل علي، والزبير، وطلحة بن عبيد الله، وأبو طلحة الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وأبطال غيرهم كثيرون، وقاتل أسد الله حمزة بن عبد المطلب قتال الأبطال، لا يمر به أحد من المشركين إلا أطاح برأسه؛ ولا يقدر أحد أن يهوي إليه، فقتل نفرا من حملة اللواء من بني عبد الدار؛ وبينما هو على هذه الحال؛ كمن له وحشيّ حتى تمكن منه، ثم رماه بحربته فأصابت منه مقتلا، وسأدع وحشيا يحدثنا عن هذا المشهد المؤلم المثير قال:
(كنت غلاما لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت حر، قال: فخرجت مع الناس وكنت رجلا أقذف بالحربة قذف الحبشة؛ قلّ ما أخطىء بها، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته في عرض الناس كأنه الجمل الأورق «1» ، يهد الناس بسيفه هدّا ما يقوم له شيء، فو الله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني، فلما دنا هززت حربتي، حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته- تحت سرته- حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أخذت حربتي ورجعت، ولم يكن لي بغيره حاجة، إنما قتلته لأعتق) «2» .
وسرت قوة الإيمان في نفوس المسلمين، وضاعفت من قواهم المعنوية، فإذا السبعمائة يهزمون الثلاثة الاف، حتى لقد قتل من حملة لواء المشركين من بني عبد الدار سبعة أو تسعة، ولم يزل اللواء صريعا لا يجد من يحمله، حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لقريش فاجتمعوا عليه، وأنزل الله نصره على المسلمين، وصدقهم وعده، فحسّوهم بالسيوف، حتى كشفوهم عن المعسكر، وولولت نساء المشركين، وأصعدن في الجبل هربا.
__________
(1) الجمل الأورق: الذي لونه بين الأبيض والأسود «الرمادي» .
(2) البداية والنهاية، ج 4 ص 18.(2/194)
قال الزبير بن العوام: والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم «1» هند بنت عتبة وصواحبها مشمّرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير. وأضحت الهزيمة لا شك فيها، وأقبل المسلمون على جمع الغنائم، وما أكثرها، وشغلوا بها عن مطاردة المشركين، والإثخان، فيهم، وتطلع إلى الغنائم كثير من الرماة، فتركوا أماكنهم فكانت بوادر الهزيمة.
مخالفة الرماة أمر الرسول
ونسي معظم الرماة وصية الرسول إليهم ألايبرحوا مكانهم، وقالوا:
ما لنا في الوقوف من حاجة، وذكّرهم رئيسهم عبد الله بن جبير قائلا: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقال لهم: أما أنا فلا أبرح مكاني، فخالفه أكثرهم، وانطلقوا إلى الغنائم وثبت معه عشرة رماة، حينذاك اهتبل هذه الفرصة خالد بن الوليد، فشدّ على بقية الرماة فقتلهم، واندفع بخيله في ظهور المسلمين وأخذوهم على غرة وهم لاهون بجمع الغنائم، وصاح في قريش: أن ارجعوا، فعاد كل منهزم منهم، واندفعت قريش كالسيل الاتي إلى معسكر المسلمين؛ وصار المسلمون بين نارين، وهنالك دارت الدائرة على المسلمين وتحولت الصّبا دبورا «2» ، ووقع الاضطراب في صفوفهم، وصار كل واحد يلقي بما في يده من مغنم، وعاد إلى سيفه يسلّه ليقاتل به، ولكن هيهات هيهات، لقد تفرقت الصفوف، وتمزقت الواحدة، وابتلع البحر اللجي من جيش قريش هذه الفئة القليلة من المسلمين.
لقد كانوا من منذ ساعة يقاتلون بوحي من إيمانهم، ودفاعا عن عقيدتهم، وها هم الساعة يقاتلون لينجوا من براثن الموت، ويفلتوا من ذل الأسر، وكانوا يقاتلون متراصين متضامنين، وهم الان يقاتلون مبعثرين مفرقين، لا نظام يجمعهم ولا واحدة تشملهم، وكانوا يقاتلون تحت قيادة حكيمة حازمة، وهم الان يقاتلون ولا قيادة لهم، فلا تعجب إذا صار المسلمون يضرب بعضهم
__________
(1) الخدم: بفتح الخاء والدال جمع خدمة: الخلاخيل، وقيل موضع الخلاخيل من الساق.
(2) الصبا: ريح تهب من المشرق. والدبور: تهب من المغرب.(2/195)
بعضا، وهم لا يشعرون، كما حدث في قتل «اليمان» «1» والد حذيفة، فقد قتله المسلمون خطأ وهم لا يعرفونه، واعتذروا لحذيفة، فقال: يغفر الله لكم، وأراد رسول الله أن يعطيه دية أبيه فأبى، وتصدّق بها على المسلمين، فما زال في حذيفة بقية خير حتى لقي الله عز وجل.
شائعة قتل الرسول
واندفع المشركون نحو رسول الله يريدون قتله، منهم ابن قمئة، فتلقاه مصعب بن عمير، فقتله ابن قمئة ظنا أنه رسول الله، وصاح صائح: ألا إن محمدا قد قتل، وهنالك عظمت البلية، وطاشت أحلام المسلمين، وذهلوا عن أنفسهم، فمنهم من ولّى هاربا، ولم ترده إلا حيطان المدينة فرجع استحياء، وفي هؤلاء نزل قوله سبحانه:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ «2» .
ومنهم من انطلق صاعدا فوق الجبل وألقى بسلاحه من هول الفاجعة، ثم لم يلبثوا أن فاؤوا إلى الرسول وإلى القتال بعد أن أفاقوا من أثر الصدمة، ومنهم من قاتلوا دفاعا عن دينهم وحماية لأنفسهم، وهم كثير منهم: حنظلة بن أبي عامر، وكعب بن مالك، وقتادة بن النعمان، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر.
وقدم أنس بن النضر عم أنس بن مالك على قوم ممن أذهلتهم الشائعة وألقوا بسلاحهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله، فقال: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن ربّ محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله، فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما قال
__________
(1) هو حسيل بن جابر، وسمي اليماني لأنه من ولد جروة بن مازن، وكان جروة قد بعد عن أهله في اليمن زمنا طويلا، ثم رجع إليهم فسموه اليماني.
(2) سورة ال عمران: الاية 155.(2/196)
هؤلاء- يعني المسلمين- وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء- يعني المشركين- ثم لقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد إني لأجد ريح الجنة دون أحد، ثم ألقى بنفسه في أتون المعركة، وما زال يقاتل حتى استشهد. فوجد به بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه، وفي هذا وأمثاله نزل قول الله سبحانه:
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا «1» .
الذين ثبتوا مع الرسول
وثبت حول النبي ثلّة من المهاجرين والأنصار، وفدوه بأنفسهم، قال ابن سعد: إنهم أربعة عشر رجلا، منهم أبو بكر، وسبعة من الأنصار. وذكر الواقدي في مغازيه أنه ثبت مع الرسول يوم أحد من المهاجرين سبعة: أبو بكر، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، وطلحة، والزبير، وأبو عبيدة. ومن الأنصار: أبو دجانة، والحباب بن المنذر، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصمة، وسهل بن حنيف، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير «2» .
وذكر البغوي في تفسيره أنه كان ممن ثبت أبو بكر وعمر؛ وفي هذا ما يرد ما ذكره الدكتور هيكل في كتابه: «حياة محمد» «3» صلى الله عليه وسلم، من أن أبا بكر وعمر ممن انتحوا ناحية الجبل وألقوا بأيديهم، والظنّ بالصدّيق في قوة إيمانه وتفديته للرسول بنفسه في الهجرة وغيرها أن يكون ممن ثبتوا، وكذلك الظن بعمر، ولعل هيكل أخذ بما رواه ابن إسحاق في قصة أنس بن النضر من أنه وجد عمر وطلحة بن عبيد الله فيمن ألقوا بأيديهم، وهي رواية مردودة، فقد اتفقت الروايات كلها في الصحيحين وغيرهما على أن طلحة كان ممن ثبت «4» ،
__________
(1) سورة الأحزاب: الاية 23. قضى نحبه: مات.
(2) فتح الباري، ج 7 ص 288.
(3) ص 291.
(4) البداية والنهاية، ج 4 ص 26، 27.(2/197)
وهو مما يوهن هذه الرواية ويضعفها، ويقلل الثقة بها، وليس لنا أن نأخذ ببعض ما تفيده وندع البعض.
وفي بعض الروايات أن المقداد، وسعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة ممن ثبتوا مع الرسول. والذي يظهر لي- والله أعلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يدعو أصحابه إليه، فصار كل من يسمع النداء يفيء إليه، حتى تجمع حوله عدد كثير، فمن ثمّ اختلفت الروايات في ذكر العدد والأشخاص بحسب الأحوال والأزمان.
ثبات الرسول
وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كالجبل الأشم، يدافع ويجالد جموع المشركين المحيطين به من كل ناحية، وهو يقول: «إليّ عباد الله، إليّ عباد الله» ، ففاء إليه الكثيرون ممن أذهلتهم شائعة أنه قتل، فقعدوا عن القتال، وممن تفرقوا يقاتلون بين الصفوف، حتى تكونت حوله ثلّة من أصحابه، فسار بهم حتى وصل إلى الصخرة التي فوق الجبل، وكان أول من عرف رسول الله بعد شائعة قتله كعب بن مالك، فإنه رأى عينيه تزهران من تحت المغفر، فنادى: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله، فأشار إليه الرسول أن أنصت. وكانت تلك حكمة بالغة من الرسول، فإن شائعة قتله كان من شأنها أن يخفف المشركون الوطأة على المسلمين، فإذا ما علموا أنه لا يزال حيا عاودوا الكرة، وكرروا محاولة قتله.
ولكن لم يلبث الخبر أن ذاع وانتشر بين المسلمين، فقويت العزائم بعد خور، وتجمعت الصفوف بعد تفرق، ثم أراد رسول الله أن يعلو الصخرة التي في الشعب من الجبل فلم يستطع لكثرة ما نزف من دمه الزكي، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله حينئذ:
«أوجب طلحة» ، وبصر رسول الله بجماعة من المشركين فيهم خالد بن الوليد على ظهر الجبل، فقال: «لا ينبغي لهم أن يعلونا» ، ثم أرسل إليهم عمر بن الخطاب في رهط من المهاجرين، فقاتلوهم حتى أهبطوهم من الجبل، وهذا يدل(2/198)
على أن المسلمين على الرغم مما أصابهم من جروح وهزيمة كانوا ولم يزالوا بهم قوة ومنعة.
ما نزل بالرسول من جراح
فقد رماه عتبة بن أبي وقاص فكسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى، وكان سعد بن أبي وقاص يقول: ما حرصت على قتل أحد قط ما حرصت على قتل عتبة- يعني أخاه- ولقد كفاني فيه قول الرسول: «اشتد غضب الله على من دمّى وجه رسول الله» ، وقد دعا عليه الرسول فما حال عليه الحول حتى مات كافرا، وشجّ رسول الله في جبهته عبد الله بن شهاب؛ ورماه ابن قمئة- أقمأه الله- فجرح وجنته ودخلت حلقتان من المغفر فيها، فكان أن سلّط الله عليه تيسا فقتله، ذلك أنه لما انصرف إلى مكة خرج إلى غنمه فوافاها على ذروة جبل، فشدّ عليه تيسها فنطحه نطحة أردته من شاهق الجبل، فتقطع قطعا.
وكان أبو عامر الفاسق قد حفر حفرة وغطّاها ليقع فيها المسلمون، فوقع رسول الله في حفرة منها، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما. وأقبل أبي بن خلف، وهو مقنّع في الحديد قائلا:
أين محمد لا نجوت إن نجا؟ فقال أصحاب النبي: يا رسول الله يعطف عليه رجل منا، فقال رسول الله: «دعوه» ، فلما دنا منه تناول الحربة من الحارث بن الصمة، قال الراوي: فلما أخذها رسول الله انتفض انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشّعراء عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله رسول الله فطعنه في عنقه طعنة تدحرج منها عن فرسه، وهو يخور خوار الثور، ومات- لعنه الله- بسرف «1» ، والمشركون راجعون إلى مكة وبحسبه قول الرسول: «اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله في سبيل الله» «2» .
وعالج أبو عبيدة بن الجراح إخراج حلقتي المغفر من وجه رسول الله،
__________
(1) سرف: ككتف موضع قريب من التنعيم.
(2) رواه الشيخان.(2/199)
وكره تناولهما بيده فيؤذي الرسول، فأزم على إحدى الحلقتين بفمه فاستخرجها، وقد سقطت ثنيته معها، ثم أزم على الاخرى فاستخرجها فوقعت الثنية الاخرى، فكان أبو عبيدة لذلك من أحسن الناس هتما، ومصّ مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ازدرده- ابتلعه- فقال الرسول: «من مس دمي دمه لم تصبه النار» .
علي وفاطمة يضمّدان جراح النبي
أصلح علي وزوجه السيدة فاطمة من شأن الجروح، فكان علي يسكب الماء بالمجن، وفاطمة بنت الرسول تغسل، فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها بالجراح، فاستمسك الدم «1» . وكان النبي يقول وقد أصابته الجراح والدم يسيل على وجهه يوم أحد: «كيف يفلح قوم شجّوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعو إلى الله» ، فأنزل الله سبحانه:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ «2» .
فصبر النبي ورضي.
وقد كان ثبات النبي صلى الله عليه وسلم موقفا بطوليا فذا، لا يكون إلا من نبي يوحى إليه، ولولا هذا الموقف لما تجمع الأبطال حول البطل، ولكانت الهزيمة ساحقة ماحقة.
مثل من البطولات في الدفاع عن الرسول
وقد أبدى بعض المسلمين في ثباتهم حول الرسول ودفاعهم عنه يوم أحد بطولات فدائية، لم يعرفها التاريخ لأحد إلا لأصحاب نبينا محمد، وسواء في ذلك المهاجرون والأنصار ومن هؤلاء:
طلحة بن عبيد الله من السابقين الأولين، وكان الصدّيق أبو بكر إذا ذكر
__________
(1) صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة أحد.
(2) سورة ال عمران: الاية 128.(2/200)
يوم أحد قال: ذاك يوم كله لطلحة، وتكاد تجمع الروايات على أنه ممن ثبت، وقد روى البيهقي بسنده عن جابر أن المشركين رهقوا رسول الله وهو صاعد في الجبل ومعه جماعة من الأنصار ومعهم طلحة، فقال رسول الله: «ألا رجل لهؤلاء؟» فقال طلحة: أنا، فقال: «كما أنت يا طلحة» ، فقال رجل من الأنصار: أنا.
فقاتلهم حتى قتل، فلحقه المشركون، وما زال يقول: «ألا رجل لهؤلاء» ؟ وطلحة يقول: أنا، فيدخره، ويتقدم أحد الأنصار فيقاتلهم حتى يقتل، حتى قتلوا جميعا، ثم قاتلهم طلحة، فقاتل مثل قتال جميع من كانوا قبله، وأصيبت أنامله فقال: «حس» ، فقال رسول الله: «لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة، والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء» . وروى البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة شلّاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ولقد بقيت يده رضي الله عنه وساما دونه كل وسام إلى يوم القيامة.
ومنهم سعد بن أبي وقاص الزهري، نثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته «1» يوم أحد وقال له: «ارم، فداك أبي وأمي» ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله لم يجمع أبويه لأحد في التفدية إلا له.
ومنهم أبو طلحة الأنصاري، روى البخاري في صحيحه عن أنس قال:
لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي مجوّب عليه بجحفة له «2» . وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع «3» ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر معه جعبته «4» فيقول النبي: «انثرها لأبي طلحة» ، ويشرف النبي ينظر إلى القوم فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك «5» . وكان أبو طلحة
__________
(1) الكنانة: كيس يوضع فيه السهام.
(2) مجوّب: بضم الميم وفتح الجيم وكسر الواو المشددة. الجحفة بفتح الجيم والحاء: الترس الذي يتقي به المقاتل.
(3) شديد النزع: أي الرمي بالقوس.
(4) بضم الجيم: وعاء السهام.
(5) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة أحد.(2/201)
يسوّر نفسه بين يدي الرسول ويقول: إني جلد يا رسول الله، فوجهني في حوائجك، ومرني بما شئت.
ومنهم أبو دجانة، فقد ترّس بنفسه على رسول الله، فحنى ظهره عليه، والنبل يقع فيه حتى كثرت به الجراح.
ومنهم زياد بن السكن، ويقال: عمارة بن يزيد بن السكن، كان أحد النفر من الأنصار الذين قتلوا بين يدي رسول الله دفاعا عنه حينما غشيه القوم وتكاثروا عليه لقتله «1» .
ومنهم فتى الفتيان علي بن أبي طالب، فقد كان ممن ثبت مع الرسول، ونافح عنه، وممن قاتل في هذا اليوم قتال الأبطال.
بطولة امرأة
وإنها لبطولة تستحق التسجيل، وبطلتها هي السيدة نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية. روى ابن إسحاق وغيره أنها دخلت عليها أم سعد بن الربيع فقالت لها: يا خالة أخبريني خبرك؟ قالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح «2» للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إليّ.
قالت الراوية: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف، له غور، فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة- أقمأه الله- لمّا ولّى الناس عن الرسول أقبل يقول: دلّوني على محمد، لا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبتوا مع الرسول، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه درعان. وقد غشي عليها من جراحها، فلما أفاقت قالت: أين رسول الله وما صنع المشركون معه؟ فقالوا لها: بخير.
__________
(1) سيرة ابن هشام، ج 3 ص 81.
(2) الريح: الغلبة والنصر.(2/202)
وروى الواقدي بسنده عن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«ما التفتّ يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها تقاتل دوني» .
وإن الإنسان ليدهش من هذه الشجاعة التي لا نكاد نجد لها مثالا في تاريخ الدنيا، إن لهذه السيدة البطلة لتاريخا حافلا في باب الجهاد في الإسلام، فقد ذكر ابن عبد البر في ترجمتها: أنها شهدت أحدا مع زوجها زيد بن عاصم وابنيها: حبيب وعبد الله، وشهدت كذلك بيعة الرضوان، وقد أبلت بلاء حسنا في حروب الردة.
وكان مسيلمة الكذاب قد ظفر بابنها حبيب وهو مقبل من عمان إلى المدينة وأخذه أسيرا «1» ، فقال له: أتشهد أني رسول الله: فيقول: لا أسمع، فيقول:
أتشهد أن محمدا رسول الله فيقول نعم، فيقطع منه عضوا، وما زال يسأله ويجيب بما أجاب به حتى قطّعه إربا إربا، ومات شهيد عقيدته مرضيا عليه من ربه، وأبت عليه بطولته أن يداهن في موطن تجيز له التقيّة أن يوافق ما دام قلبه مطمئنا بالإيمان، ولكن المؤمنين الأبطال يأبى عليهم إيمانهم الفذ إلا العزائم!!.
ولما بلغها ما صنع الكذاب بحبيب عاهدت الله أن تموت دون مسيلمة، فلما كان يوم اليمامة ذهبت إلى الصدّيق تستأذنه في الخروج، فقال لها: ما مثلك يحال بينه وبين الخروج، فقد عرفناك، وعرفنا جرأتك في الحرب، فاخرجي على اسم الله.
فخرجت هي وابنها عبد الله، وأصيبت يومها باثني عشر جرحا، وفقدت يدا في هذا اليوم وكانت حريصة على قتل مسيلمة، ولم يهدأ بالها حتى قابلها ابنها البطل عبد الله بن زيد الذي شارك وحشيا في قتل مسيلمة، وسيفه يقطر دما من دمه، فقالت له: أقتلته؟ قال: نعم، فسجدت شكرا لله، وعادت وقد فقدت في
__________
(1) وذكر ابن عبد البر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إلى مسيلمة الكذاب باليمامة، ففعل به ما ذكرنا.(2/203)
حروب الردة يدا وابنا، وعادت بيد وابن، ولكنها كانت قريرة العين أن أبرّ الله قسمها، وأن فقدت ما فقدت في سبيل الله!! «1» .
مثل اخر من إيمان النساء
فقد مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الموقعة بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد، فلما نعوا إليها قالت: ما فعل رسول الله؟
قالوا خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل!! «2» .
ومن جهاد النساء في أحد
وقد كان للنساء المسلمات جهاد مشكور في أحد: يسقين العطشى، ويداوين الجرحى. روى الشيخان في صحيحيهما عن أنس قال: «ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر- زوج الرسول- وأم سليم- يعني أمه- وإنهما لمشمّرتان أرى خدم «3» سوقهما تنقزان»
القرب على متونهما، تفرغان في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملانها، ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم» .
ومنهن أم سليط؛ روى البخاري في صحيحه بسنده: «أن عمر بن الخطاب قسم مروطا «5» بين نساء من نساء المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين أعط هذا بنت رسول الله التي عندك يريدون أم كلثوم بنت علي- فقال عمر: أم سليط أحق به منها، قال عمر:
فإنها كانت تزفر «6» لنا القرب يوم أحد» «7» .
__________
(1) الإصابة، ج 4 ص 479، وج 1 ص 306؛ والاستيعاب على هامش الإصابة، ج 4 ص 475 وج 1 ص 328.
(2) جلل: أي صغيرة. وهذا اللفظ من الأضداد.
(3) خدم: جمع خدمة، هي الخلخال، والسوق: جمع ساق.
(4) تنقزان: تسرعان المشي، وقيل تهرولان.
(5) المروط: جمع المرط وهو كساء من صوف أو حرير تتلفع به المرأة وتتستر.
(6) تزفر: مثل تحمل وزنا ومعنى.
(7) صحيح البخاري- كتاب المغازي- غزوة أحد، باب ذكر أم سليم.(2/204)
وكان النساء يقمن بهذه الخدمات وهنّ على حالة من الوقار والاحتشام، وعدم التبرج والمخالطة المريبة، فالإسلام لا يمنع المرأة من المشاركة في الحرب بما يليق بحالها، بل ومن الأخذ بالسلاح إذا لزم الأمر، كما فعلت السيدة نسيبة وغيرها. روى مسلم في صحيحه بسنده عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت: «اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه» وهكذا فلتكن النساء.
وروى مسلم أيضا عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى» ، وروى أيضا عن أم عطية الأنصارية قالت: «غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى» «1» . فالإسلام يبيح للمرأة المشاركة في الجهاد، ولكن بشرط التدين والتصون والتعفف وعدم الابتذال والوقوع في الماثم، وإلا كان ضررها أكثر من نفعها، وإفسادها أكثر من إصلاحها.
المقاتلون حمية
على حين كانت الكثرة من المسلمين تقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، كان في صفوفهم من يقاتل حمية عن قومهم ممن يظهرون الإسلام، ولا يرجون الله واليوم الاخر، ومن هؤلاء رجل يسمى: «قزمان» . قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتي- غريب- لا يدرى ممّن هو يقال له «قزمان» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له قال: «إنه من أهل النار» ، وقال: فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا، فقتل واحده ثمانية أو سبعة من المشركين، وكان ذا بأس، فأثبتته الجراح، فاحتمل إلى دار بني ظفر، فجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر، قال: بماذا أبشر؟ فو الله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا هذا
__________
(1) صحيح مسلم- كتاب الجهاد- باب غزو النساء مع الرجال.(2/205)
ما قاتلت! فلما اشتدت به جراحه أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه. وهكذا صدق الله مقالة رسوله، وكانت خاتمة أمره خسرا، ومالا إلى النار حيث قتل نفسه.(2/206)
المشركات يمثلن بشهداء أحد
لما وقعت الهزيمة بسبب مخالفة الرماة أمر الرسول، وأصيب من أصيب من المسلمين انطلقت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي كن معها إلى قتلى المسلمين، يمثلن بهم بحقد وغيظ وشراسة، فصرن يجدعن الاذان والأنوف، ويبقرن البطون، حتى إن هندا بقرت عن كبد سيد الشهداء حمزة فلاكتها- مضغتها- فلم تستطع أن تسيغها- تبتلعها- فلفظتها. وبالغن في التمثيل بالشهداء، ونسين صنع الرسول والمسلمين في قتلاهم ببدر، حيث أمر بدفنهم، ولم يتركهم للسباع والطير، فضلا أن يمثّلوا بأحد منهم. فشتان ما بين الصنيعين!!
وصنعت هند من الاذان والأنوف خلاخيل وأقراطا وقلائد، وأعطت وحشيا قلائدها وخلاخيلها وأقراطها مكافأة له على جريمته النكراء، بل بلغ الأمر بأبي سفيان بن حرب أن صار يضرب في شدق سيد الشهداء حمزة بزج الرمح ويقول: ذق عقق- يعني يا عاق- فمرّ عليه الحليس بن زبّان سيد الأحابيش يومئذ وهو يفعل ذلك فقال: يا بني كنانة، هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما «1» ؟! فقال: ويحك اكتمها علي فإنها كانت زلة.
حزن الرسول على عمه
وحرج رسول الله يتفقد القتلى، ويتلمّس عمه حمزة، فوجده قد مثّل به، فبقر بطنه، وأخرج كبده، وقطعت أنفه وأذناه، فقال: «لن أصاب بمثلك أبدا، وما وقفت قط موقفا أغيظ علي من هذا» ثم قال: «ولئن أظهرني الله على قريش
__________
(1) لحما يعني ميتا لا يقدر على الانتصار لنفسه.(2/207)
في موطن من المواطن لأمثلنّ بثلاثين رجلا منهم مكانك» . وقال المسلمون لما رأوا المثلة في قتلاهم، وحزن النبي البالغ على عمه حمزة: لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.
أمر الله بالعدل في القصاص
ولم يلبث الوحي أن نزل بالأمر بمراعاة العدل في القصاص، ومحببا في الصبر والعفو، فقال عز شأنه:
وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ «1» .
فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصبر وكفّر عن يمينه، ونهى عن المثلة. روى ابن إسحاق بسنده عن سمرة بن جندب قال: «ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه، حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة» .
ولا يشكلن عليك كون هذه الايات من سورة النحل وهي مكية، لأن بعض العلماء قال: إنها مكية إلا هذه الايات من خواتم السورة فإنها مدنية. نعم ذهب كثير من العلماء إلى أنها كلها مكية وعلى هذا فتكون هذه الايات مما تكرر نزولها على حسب المناسبات والدواعي، تذكيرا بما فيها من هذا الأدب الإسلامي العالي، وهو رعاية العدل عند النصر والظفر، وعدم الاستجابة لهوى النفس، أو الإسراف في الانتقام والتشفّي، وهو أدب إسلامي لم تصل إليه المدنيّة في القرن العشرين «2» .
__________
(1) سورة النحل: الايات 126- 128.
(2) المدخل لدراسة القران الكريم للمؤلف، ص 15.(2/208)
بعد الموقعة
وبعد الموقعة أشرف أبو سفيان بن حرب على المسلمين فقال: أفي القوم محمد؟ فقال لهم النبي لا تجيبوه، أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ والنبي يقول: لا تجيبوه، فقال أبو سفيان: إن هؤلاء قتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله، إن الذي عددت لأحياء، وقد بقي لك ما يسوؤك، فقال: يوم بيوم بدر والحرب سجال يعني يوم لك ويوم عليك- فقال له عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. فقال أبو سفيان: وإنكم ستجدون في القوم مثلة لم امر بها ولم تسؤني.
ثم أخذ يرتجز: اعل هبل، اعل هبل «1» ، فقال النبي: «أجيبوه» ، قالوا:
ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل» فقال أبو سفيان لنا العزّى، ولا عزّى لكم، فقال النبي: «أجيبوه» ، قالوا: ما نقول قال: «قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» ثم قال أبو سفيان: إن موعدكم بدر العام المقبل، فقال رسول الله لرجل من أصحابه: «قل: نعم هو بيننا وبينك موعد» «2» .
تعرّف وجهة المشركين
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على تعرف رغبة القوم حتى لا يميلوا إلى المدينة، فأرسل ابن عمه عليا وقال له: «اخرج في اثار القوم، وانظر ماذا يصنعون، وما يريدون، فإن كانوا قد جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون
__________
(1) يعني أظهر دينك. أو اعل هبل أي ازدد علوا.
(2) رواه ابن إسحاق وأحمد والبخاري ومسلم.(2/209)
مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرنّ إليهم فيها، ثم لأناجزنّهم» فخرج علي، فوجدهم جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل، وتوجهوا إلى مكة، وهذا يدل على أن المسلمين كانوا لا يزالون أقوياء وعلى استعداد للقتال، وأن الهزيمة لم توهن من قواهم المعنوية.
صلاة النبي بالمسلمين قاعدا
وصلّى رسول الله بأصحابه الظهر قاعدا لكثرة ما نزف من دمه، وصلى وراءه المسلمون قعودا.
دعاء وابتهال
وتوجه النبي إلى الله الذي بيده كل شيء بالدعاء والثناء على ما نالهم من الجهد والبلاء، فقال لأصحابه: «استووا حتى أثني على ربي عز وجل» فصاروا خلفه صفوفا ثم دعا بهذه الكلمات المؤمنة العذاب:
«اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرّب لما باعدت، ولا مبعّد لما قربت.
اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك. اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا. اللهم حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك. اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق» «1» .
__________
(1) رواه الإمام أحمد.(2/210)
من استشهد في أحد
وقد استشهد في أحد من خيار المسلمين حوالي سبعين، منهم أربعة من المهاجرين وقيل ستة، والباقي من الأنصار. فمن المهاجرين:
1- حمزة بن عبد المطلب: سيد الشهداء وأسد الله وأسد رسوله، قتله وحشي كما أسلفنا، وقد بقي وحشي بمكة حتى فتحت، ففر إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف أعيته المذاهب، فعزم على الفرار إلى الشام أو اليمن، فقيل له: إن النبي لا يقتل أحدا من الناس دخل في دينه، فخرج حتى قدم على رسول الله بالمدينة، فإذا هو واقف على رأسه يشهد شهادة الحق، فقال له:
«أوحشي أنت» ؟ قال: نعم، فحدثه بمقتل حمزة، فقال له: «ويحك غيّب وجهك عني فلا أرينك» ، ففعل، فكان يتعمد ألايلقى رسول الله كي لا يثير الكامن من الحزن، ولا الذكريات المؤلمة.
فلما حصلت حروب الردة وخرج المسلمون إلى مسيلمة، خرج معهم ومعه حربته التي قتل بها سيد الشهداء كي يكفّر عن فعلته بقتل مسيلمة، فأمكنه الله منه، وشاركه عبد الله بن زيد بن عاصم في قتله «1» ، فلذا كان يقول:
قتلت خير الناس بعد رسول الله وقتلت شر الناس. وكانت وفاته بحمص.
ولما قتل حمزة ومثّل به جاءت أخته صفية بنت عبد المطلب لتراه، وكان أخا شقيقا لها؛ فقال رسول الله- رحمة بها وشفقة عليها- لابنها الزبير بن العوام:
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب المغازي، غزوة أحد- باب قتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، والإصابة والاستيعاب، ترجمة حمزة.(2/211)
«القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها» ، فقال لها ابنها: إن رسول الله يأمرك أن ترجعي؛ فقالت: ولم؟ وقد بلغني أنه مثّل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا ما كان من ذلك!! لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله، فلما أخبر الزبير رسول الله بمقالتها قال: «خلّ سبيلها» فأتته، فنظرت إليه، وصلّت عليه «1» واسترجعت واستغفرت.
2- مصعب بن عمير: وكان حامل اللواء يومئذ، قتله ابن قمئة لما اعترضه مفديا رسول الله بنفسه. ولما قفل رسول الله إلى المدينة لقيته حمنة بنت جحش زوجة مصعب رضي الله عنه، فنعي إليها أخوها عبد الله بن جحش، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي إليها خالها حمزة فاسترجعت واستغفرت، ثم نعي إليها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت، فقال رسول الله: «إن زوج المرأة منها لبمكان» .
3- عبد الله بن جحش ابن السيدة أميمة بنت عبد المطلب، وكان قد مثّل به حتى سمي: المجدّع في الله، وذكر الزبير بن بكار أن سيفه انكسر يوم أحد، فأعطاه رسول الله عرجونا فصار في يده سيفا فقاتل به، ثم بيع في تركة بعض ولده بمائتي دينار.
واستشهد من الأنصار رضوان الله عليهم كثيرون منهم:
4- أنس بن النضر عم أنس بن مالك، وقد قدّمنا طرفا من خبره.
5- سعد بن الربيع: ولما افتقده رسول الله قال: «من رجل ينظر لي سعد بن الربيع، في الأحياء هو أم في الأموات؟» فذهب إليه رجل فوجده جريحا في القتلى وبه رمق، فأخبره بمقالة رسول الله فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله سلامي، وقل له: إن سعد بن الربيع يقول: جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته، وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعد بن الربيع
__________
(1) صلّت عليه: أي دعت له.(2/212)
يقول لكم: لا عذر لكم إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف. ثم لم يلبث أن مات، فجاء الرجل وأخبر النبي بخبره.
6- عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر: وفي الصحيحين عن جابر أنه لما قتل أبوه صار يكشف عن وجهه الثوب ويبكي، وصارت عمته تبكي أيضا، فقال رسول الله: «تبكيه أو لا تبكيه، لم تزل الملائكة تظله حتى رفعتموه» وروى البيهقي عن جابر قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما لي أراك مهتما؟» فقال: قتل أبي وترك دينا وعيالا فقال له: «ألا أخبرك؟ ما كلّم الله أحدا إلا من وراء حجاب، وإنه كلّم أباك كفاحا- يعني مواجهة- وقال له:
يا عبدي سلني أعطك. قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، فقال الحق تبارك وتعالى: إنه سبق مني القول أنهم إليها- أي الدنيا- لا يرجعون، قال: ربي فأبلغ من ورائي، فأنزل الله سبحانه:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
وكان والد جابر قد خلّفه على أخواته البنات السبع، وقال له: ما كنت لأوثرك على نفسي في الخروج مع رسول الله، حتى كتب الله له الشهادة.
7- عمرو بن الجموح: وكان رجلا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون المشاهد مع رسول الله، فلما كان يوم أحد أرادوا منعه من الخروج وقالوا: إن الله قد عذرك، فأتى النبي وقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك، فو الله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال رسول الله: «أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك» وقال لبنيه: «ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة» فخرج فرزقها.
8- حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة، كان أبوه من أشد الناس عداوة للرسول، وكان هو من خيار المسلمين، وقد التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فلما علاه حنظلة راه شداد بن الأسود- وكان يسمى: ابن شعوب- فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا أهله(2/213)
ما شأنه؟» فسألوا صاحبته- زوجته- وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول وكانت عروسا عليه تلك الليلة، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة الصيحة للجهاد- فقال رسول الله: «لذلك غسلته الملائكة» .
وقد التقى به بعد استشهاده الوالد الفاسق القاسي فضربه برجله وقال:
لقد نهيتك عن مصرعك هذا، ولقد كنت- والله- وصولا للرحم، برا بالوالد. ولا أدري لو لم يكن برا به فماذا كان سيلقى منه؟!! وبحسب حنظلة فضلا ألايزال ذكره مسكا يتضوع على مدى الأجيال.
9- عبد الله بن جبير أمير الرماة، وقد ذكّر من كان معه بوصية رسول الله وأبى أن يبرح هو ومن وافقه حتى قتلوا شهداء.
قتلى المشركين:
أما عدد من قتل من المشركين فكانوا عشرين.(2/214)
دفن شهداء أحد
وأمر رسول الله أن يدفن شهداء أحد حيث ماتوا، وقد كان بعض أهالي الشهداء نقلوهم إلى المدينة المنورة ليدفنوا فيها، ولكن نادى منادي رسول الله:
أن ردّوا القتلى إلى مضاجعهم، فأعادوهم «1» .
وكان رسول الله يجمع بين الرجلين والثلاثة في القبر الواحد، بل وفي الكفن الواحد، وكان يسأل: «أيهم أكثر أخذا للقران؟» فإذا أشير إليه قدّمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصلّ عليهم، ولم يغسلوا «2» وإنما أرخص لهم في الدفن في القبر الواحد لما كان بهم من الجراح والجهد الذي يشق عليهم معه أن يحفروا لكل واحد قبرا، وقد دفن حمزة مع ابن أخته عبد الله بن جحش في قبر، ودفن عمرو بن الجموح مع صاحبه وصهره عبد الله بن حرام في قبر، ومصعب بن عمير وسعد بن الربيع في قبر، وهكذا.
وهذا الذي ذكرناه من أن شهداء أحد دفنوا بثيابهم ودمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم هو الذي ثبتت به الروايات الصحيحة في الصحيحين وغيرهما، وذلك لتكون دماؤهم وجراحاتهم شاهدة لهم يوم القيامة بفضلهم ومنزلتهم.
وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لا يكلم- يجرح- أحد في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، اللون لون الدم، والريح ريح المسك» .
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 45.
(2) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب من قتل من المسلمين يوم أحد.(2/215)
ولذلك ذهب الجمهور من الفقهاء إلى عدم الصلاة على الشهداء الذين قتلوا في جهاد الكفار، وعدم تغسيلهم.
وأما ما رواه ابن إسحاق وغيره من أن النبي صلّى عليهم، وأنه صلّى على حمزة سبعين صلاة بتعدادهم، فقد قال الحافظ ابن كثير: إنه ضعيف «1» . نعم ثبت في صحيح البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلّى عليهم بعد ذلك ببضع سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: «إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوها» .
قال الراوي: وكانت اخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى مشروعية الصلاة على الشهيد: شهيد المعركة. وأما الجمهور فحملوا هذا على الدعاء أو أن ذلك خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم «2» .
منزلة شهداء أحد:
ولما لشهداء أحد من منزلة وتضحية في سبيل الله كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورهم ويسلّم عليهم، ويقول: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ. وكان أبو بكر يفعله، وكان عمر يفعل ذلك، وكان عثمان يفعله، وحكى الواقدي زيارتهم عن السيدة فاطمة، وسعد، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وأم سلمة رضي الله عنهم أجمعين.
وبحسبهم فضلا أن الله أنزل فيهم وفي أمثالهم قوله سبحانه:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
وقد قدمنا في فضل الاستشهاد في الإسلام من روى ذلك من الأئمة، وبيّنا المراد بهذه الحياة، فكن على ذكر من ذلك «3» .
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 40- 41.
(2) فتح الباري، ج 3 ص 163، 164.
(3) ص 84- 87 من هذا الكتاب.(2/216)
وقد بقي الشهداء بمكانهم حتى كان عهد معاوية وإجرائه العين من أحد، فانفجرت العين عليهم فنقلوا من أماكنهم. وفي رواية ابن إسحاق عن جابر قال: فأخرجناهم كأنما دفنوا بالأمس، وهذا إكرام من الله للشهداء.
كما حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، روى الإمام مالك في الموطأ: «أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام الأنصاريين كان قد حفر السيل قبرهما، وكان قبرهما مما يلي السيل، وكانا في قبر واحد «1» ، وهما ممن استشهد يوم أحد، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يغيرا كأنما ماتا بالأمس. وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه، فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت. وكان بين أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة» «2» .
من أصيب بالجراح يوم أحد
وأصيب كثيرون بجراح ولا سيما الذين كانوا يحيطون برسول الله، منهم أبو دجانة، وأبو طلحة، وطلحة بن عبيد الله، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعبد الرحمن بن عوف، فقد جرح عشرون جراحة أو أكثر، وكسرت ثنيته فهتم.
وأصيبت يومئذ السيدة نسيبة بنت كعب بجرح غائر في عاتقها.
معجزة نبوية
وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى سقطت على وجنته، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فكانت أحسن عينيه وأحدّهما. وقد روى هذه القصة ابن إسحاق، والدارقطني، والبيهقي في الدلائل وذكروا أنها كانت في أحد. وروى البعض أن ذلك كان في بدر، والصحيح الأول، ولما وفد حفيده عاصم بن عمر بن قتادة على عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو والي المدينة قال له: من أنت؟ فقال له مرتجلا:
__________
(1) لأنهما كانا متصاحبين ومتصاهرين في الدنيا.
(2) الموطأ كتاب الجهاد- باب الدفن في قبر واحد للضرورة، «البداية والنهاية» ، ج 4 ص 43.(2/217)
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... فردّت بكف المصطفى أحسن الردّ
فعادت كما كانت لأول أمرها ... فيا حسنها عينا، ويا حسن ما خد
فأجابه عمر متمثلا:
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وصدق خامس الراشدين، فتلك هي المفاخر الباقية حقا، فلا عجب إذا كان وصله وأحسن جائزته «1» .
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 34.(2/218)
سبب الهزيمة في أحد
1- مخالفة معظم الرماة أمر رسول الله ووصيته لهم ألايبرحوا أماكنهم سواء انتصروا أم انهزموا. وقد كان النصر للمسلمين في الجولة الأولى فلما تخلفوا عن أماكنهم كانت الهزيمة.
2- إيثار بعضهم الغنيمة على الجهاد، وعرض الدنيا على ثواب الاخرة، فلولا أن الرماة سارعوا إلى الغنائم يحوزونها، ولولا أن البعض شغلوا بالغنيمة عن الإثخان في المشركين لما حدث ما حدث، وقد سجل الله ذلك في كتابه فقال:
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «1» .
وهذه معاني كلمات هذه الاية:
(وعده) يعني بالنصر. (تحسونهم) تقتلونهم. (ما تحبون) أي النصر.
(ليبتليكم) : أي يعاملكم معاملة المختبر، ليظهر صادق الإيمان من غيره.
عبرة وعظة
وقد كانت أحد درسا قاسيا تعلّم منه المسلمون أن مخالفة الرسول لا تجر إلا إلى الخيبة والهزيمة، فمن ثمّ لم يقعوا في هذا الخطأ بعد، ولم تقع مثل هذه
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 152.(2/219)
الهزيمة، كما تعلموا منه أن ما عند الله خير وأبقى، وأن الغنائم ما هي إلا عرض زائل لا ينبغي أن تكون غرضا لمجاهد في سبيل الله، كما كان اختبارا تميّز به المؤمنون الصادقون من ضعفاء الإيمان والمنافقين.
وقد دلّ ما حدث في أحد على أن الرسل وأتباعهم قد تنالهم الهزيمة في بعض المواقف لخطأ أو لغير ذلك، ولكن العاقبة بالنصر لابد أن تكون لهم، وهذه هي سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا. وصدق الله:
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ «1» .
وقد سجل الله سبحانه ذلك في كتابه فقال:
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ «2» .
وهذا توضيح لمعاني كلمات هذه الاية:
قَرْحٌ: جراح في أحد، فقد نزل بهم مثله في بدر نُداوِلُها: يوم لك ويوم عليك، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ ... : أي يظهر لعباده المؤمنين المخلصين من المنافقين، وليكرم من أكرم من أهل الإيمان بالشهادة، وَلِيُمَحِّصَ ... : أي يطهرهم بالبلاء الذي نزل بهم مما عسى أن يكونوا اقترفوه حتى يصيروا كالذهب نقاء وصفاء، ويهلك الكافرين والمنافقين ويكشف عن دخيلة نفوسهم.
ما نزل من القران في أحد
وقد أنزل الله سبحانه في أحد وما يتصل بها حوالي أربعين اية من سورة ال عمران، وقد ذكرنا بعضها أثناء الدراسة التحليلية للغزوة، وها هي بعض الايات الاخرى منزّلا لها على مواقعها، وموجزا مقاصدها ومواضع العبرة فيها.
__________
(1) سورة المجادلة: الاية 21.
(2) سورة ال عمران: الايتان 140، 141.(2/220)
قال تعالى في بيان سنة الله في الأمم، وأن النصر للرسل وأتباعهم، والهلاك للمكاذبين أعدائهم:
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ. إلى قوله: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «1» .
وَلا تَهِنُوا: أي لا تضعفوا عن الجهاد بسبب ما جرى لكم.
وَلا تَحْزَنُوا: على ما أصابكم من قتل وجراح. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ: جمع الأعلى أي الأعلون شأنا، لأن قتالكم لله، وفي سبيل إعلاء كلمته، وقتالهم للشيطان، وإعلاء كلمة الكفر. وأيضا فقتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار، ثم إنكم أصبتم منهم في بدر أكثر مما أصابوا منكم. إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أن العاقبة والنصر للمؤمنين، أو إن كنتم من أهل الإيمان الصادق، ففيه تهييج وإلهاب لحماسهم، لأن الإيمان الصادق لا يهن صاحبه ولا يحزن لما أصابه، ويستهين بكل شدائد الحياة في سبيل العقيدة الحقة والغاية الشريفة، أما قوله تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ... الاية، فقد سبق شرحها انفا..
ثم بين سبحانه أن الجنة حفت بالمكاره فلا محيص لمن يطلبها من الجهاد والصبر والكفاح، والقتل والجراح.. فقال سبحانه:
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ إلى قوله: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ «2» .
ومعنى يعلم: يظهر، أو المراد تعلق علم الله بالشيء واقعا وحادثا.
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ: تحضروا مواطنه.
فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ: عاينتم أسبابه، وأبصرتم موارده.
__________
(1) سورة ال عمران: الايات 137- 139.
(2) سورة ال عمران: الايتان 142، 143.(2/221)
ثم عاتب الذين انهزموا وفروا أو قعدوا عن القتال لما أشيع أن النبي قتل مع أنه كسلفه من الأنبياء الذين مضوا، وسيموت كما ماتوا، ولكل أجل كتاب، فقال عز شأنه:
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ إلى قوله وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ «1» .
انْقَلَبْتُمْ: انهزمتم وتخاذلتم، وفعلتم فعل المرتدين وإن كان لا ردة، ومن فرّ أو تخاذل فلا يضر إلا نفسه، ومن ثبت وقاتل وصابر فسيجزيه خير الجزاء. وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ: بقضائه وقدره. كِتاباً مُؤَجَّلًا: أي كتب ذلك كتابا مؤقتا لا تقدّم عنده ولا تأخر. ثَوابَ الدُّنْيا:
من يرد بعمله الدنيا أعطي من الدنيا. ثَوابَ الْآخِرَةِ: ومن قصد وجه الله ورضاءه أجزل له الثواب.
ثم عرض لأتباع الأنبياء في الأمم السابقة، وأنهم ما ضعفوا لما نالهم من قتل أو هزيمة، إلهابا لحماسهم، وإثارة لنفوسهم فقال عز شأنه:
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. إلى قوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ «2» .
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ ... : أي وكثير، وقرىء «قتل» و «قاتل» .
رِبِّيُّونَ الجماعات الكثيرة. فَما وَهَنُوا: تخاذلوا لما نزل بهم من هزيمة أو قتل أو جراح. وَما ضَعُفُوا: عن طلب عدوهم. وَمَا اسْتَكانُوا:
لما أصابهم في الجهاد دفاعا عن دينهم، وهذا ظاهر على قراءة قاتل، وعلى الاخرى يكون المراد بقوله: فَما وَهَنُوا ... : الباقون بعدهم. ثَوابَ
__________
(1) سورة آل عمران: الايتان 144، 145.
(2) سورة آل عمران: الايات 146- 148..(2/222)
الدُّنْيا: النصر والظفر. وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ: الجنة ونعيمها. وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: الإحسان الإتقان ومراقبة الله في الاعتقاد والقول والعمل، أي يثيبهم.
ثم عاتبهم على فرارهم عن نبيهم وهو يدعوهم إليه فقال:
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ «1» .
تُصْعِدُونَ: من أصعد وهو الذهاب والإسراع في الأرض هربا، وأما صعد فمعناه ارتقى في جبل أو نحوه. وَلا تَلْوُونَ: ولا تعطفون وترجعون. فِي أُخْراكُمْ: في اخركم ومن ورائكم حينما قال: «إليّ عباد الله» .
فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ: أي غما بسبب غم، وهو ما نزل بهم من الهزيمة والقتل بسبب ما أدخلتموه على نفس الرسول بمخالفتكم أمره أيها الرماة، أو غما بعد غم، وهو ما نزل بهم من الهزيمة وما حصل لهم لما أشيع أن النبي قتل. عَلى ما فاتَكُمْ: من النصر والغنيمة. وَلا ما أَصابَكُمْ: من القتل والجراح.
ثم وبخ الله المنافقين وضعفاء الإيمان الذين لم تهمهم إلا أنفسهم، وظنوا بالله ورسوله الظنون السيئة، والذين زعموا أنهم لو لم يخرجوا لما قتل من قتل، فقال:
وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ «2» .
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 153.
(2) سورة ال عمران: الاية 154.(2/223)
وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ ... : أي أصابكم الله بما أصابكم ليميز الخبيث من الطيب، ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس، أما هو سبحانه فعليم بما في القلوب.
يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ: أي إن الله خاذل دينه ونبيه. قُلْ لَوْ كُنْتُمْ ... : فالخروج في الجهاد لا يقصّر أجلا، والجبن والتخلّف في البيوت لا يطيل عمرا، وما قدّره الله لابد أن يكون، والله لا تخفى عليه خافية، ويعلم ما تكنه صدوركم.
ثم حذر سبحانه المؤمنين أن يكونوا كالمنافقين الذين يفتحون عمل الشيطان في نفوسهم بقولهم: لو ولو.. ولن تجر عليهم هذه التمنيات الباطلة إلا الحسرة، والله سبحانه وتعالى هو الذي بيده الحياة والموت، فقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ «1» .
لِإِخْوانِهِمْ: أي لأجل إخوانهم في النفاق أو في النسب. ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ: سافروا فيها لتجارة أو غيرها فماتوا. غُزًّى: جمع غاز أي غزاة فقتلوا. حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ: أي ندامة في الدنيا أن فاتهم ما أحبوا، وفي الاخرة حينما يحرمون من النعيم وتتكشف لهم الحقائق، والله قادر أن يرجع من خرج مجاهدا غانما سالما، وأن يميت من أقام في أهله، ونكص عن القتال.
ثم بين سبحانه أن الموت أو القتل في سبيل الله هو أسمى الغايات وأشرفها، وأن ما أعدّه للمجاهدين ولا سيما الشهداء من النعيم الدائم المقيم خير من الدنيا وما فيها فقال:
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 156.(2/224)
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ «1» :
فيجازيكم على أعمالكم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
ثم قال سبحانه معزّيا للمسلمين ومسلّيا، ومبينا أن ما أصابهم في أحد قد أصابوا مثليه في بدر، وأن ما أصابهم إنما هو بسبب مخالفتهم:
أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
أَنَّى هذا؟: أي من أين حصل لنا هذا. قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ:
أي بسبب مخالفتكم أمر الرسول ورغبتكم في الغنائم.
ثم ختم الحق سبحانه قصة أحد يبين منزلة الشهداء عند ربهم فقال سبحانه:
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ «3» .
والخوف: ألم يحصل في النفس من توقع حصول مكروه فيما يستقبل.
والحزن: ألم يحصل في النفس من خوف فوات محبوب فيما مضى، وأهل الجنة لا يخافون فيها شيئا لأنها دار أمن وسلام، فلا مكروه فيها، ولا يحزنون لأنهم سيجدون كل ما عملوه من خير محضرا، أو أن ما أعدّه الله لهم من النعيم يفوق
__________
(1) سورة ال عمران: الايتان 157، 158.
(2) سورة ال عمران: الاية 165.
(3) سورة ال عمران: الايات 169- 171.(2/225)
أضعافا مضاعفة ما كانوا يحبون ويرجون، وصدق الرسول الكريم حيث يروي عن رب العالمين: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بله ما اطلعتم عليه، ثم قرأ: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. وقد قدّمت ما يتعلق بحياة الشهداء، نسأل الله الكريم أن يرزقنا هذا النعيم المقيم تفضّلا وكرما.(2/226)
اثار غزوة أحد
رجع النبي إلى المدينة وقد دفن بأحد سبعين شهيدا، وبأصحابه العائدين جراح؛ فأظهر المنافقون واليهود بالمدينة فرحهم، وفارت المدينة بالنفاق والتشفي، ولم يقف أمرهم عند حد السرور والانشراح النفسي، بل ظهرت سخائم نفوسهم في كلمات على ألسنتهم، فقالت اليهود: لو كان نبيا ما ظهروا عليه ولا أصيب منه؛ ولكنه طالب ملك تكون له الدولة وعليه! ونسوا ما حل بأنبياء بني إسرائيل من تقتيل وتشريد، بل نسوا فرار موسى وأتباعه من فرعون وقومه، ولولا أن أنجاهم الله لكانوا من المهلكين. وقال المنافقون لو كنتم أطعتمونا ولم تخرجوا لما أصابكم ما أصابكم.
وتجاوز أثر أحد المدينة إلى من حولها من الأعراب والقبائل الموالية لأهل الشرك، فكان لابدّ من استرجاع هيبة المسلمين؛ وإيذان الناس جميعا أن المسلمين على الرغم مما نالهم لا يزالون أقوياء وقادرين على منازلة الأعداء، فكان الخروج إلى غزوة حمراء الأسد.(2/227)
غزوة حمراء الأسد
كانت غزوة أحد في يوم السبت الخامس عشر من شوال، وفي يوم الأحد أذّن مؤذن رسول الله في الناس بطلب قريش وقال: «لا يخرجن معنا إلا من حضر معنا القتال» فخرج الذين حضروا غزوة أحد من المسلمين، واستأذن جابر بن عبد الله رسول الله في الخروج، لأن تخلّفه عن أحد كان لعذر كما أسلفنا، فأذن له، وقال ابن أبيّ رأس المنافقين: أنا راكب معك، فأبى عليه الرسول ذلك.
واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وحمل اللواء علي بن أبي طالب، وساروا حتى وصلوا (حمراء الأسد) «1» يوم الاثنين. ومر برسول الله معبد بن أبي معبد الخزاعي- وهو يومئذ مشرك، وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة «2» نصح رسول الله- فقال: يا محمد، أما والله لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك؛ ولوددنا أن الله عافاك فيهم.
وكان المشركون لما غادروا المدينة وبلغوا الروحاء قد أخذوا يتلاومون أن لم يستأصلوا المسلمين، فمر معبد بأبي سفيان وأصحابه وقد هموا أن يرجعوا إلى الرسول وأصحابه، فقال له: ما وراءك يا معبد؟ قال: قد خرج محمد في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله، يتحرقون عليكم تحرقا، واجتمع إليهم من كان تخلّف عنهم، ونصحه بعدم العودة.
فخاف أبو سفيان إذا ما عادوا أن تكون الكرّة عليهم فأسرع إلى مكة،
__________
(1) موضع على ثمانية أميال من المدينة.
(2) عيبة نصحه: يعني موضع سره وأهل مودته.(2/228)
ولكنه لجأ إلى حيلة، فقد مرّ به ركب بني عبد القيس يقصدون المدينة، فعرض عليهم أن يبلّغوا النبي وأصحابه أن قريشا قد أجمعت السير إليهم، ووعدهم أن يوقر لهم إبلهم زبيبا إذا وافوا عكاظ في الموسم، فمرّ الركب برسول الله وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بما قال أبو سفيان، فقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل» .
وأقام المسلمون بحمراء الأسد ثلاثة أيام، وفي يوم الأربعاء عادوا إلى المدينة وقد استردوا الكثير من هيبتهم؛ بعد أن كادت تتزعزع بسبب أحد. وقد ذكر الله هذا الموقف المشرف في قوله سبحانه:
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. إلى قوله: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ «1» .
مخزاة لابن أبيّ
كان عبد الله بن أبيّ ابن سلول له مقام بقومه كل جمعة لا ينكر لشرفه في قومه، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ليخطب الناس قام فقال:
«أيها الناس: هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه وعزّروه، واسمعوا له وأطيعوا» ثم يجلس، حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع، ورجع الناس قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس أي عدو الله لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت!!.
__________
(1) سورة ال عمران: الايات 172- 174. والمراد بالناس أولا: وفد عبد القيس، والمراد بالثاني: أبو سفيان وأصحابه. حَسْبُنَا: كافينا. الْوَكِيلُ: متولي أمورنا وناصرنا. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ: عافية وقوة. وَفَضْلٍ: أجر عظيم. وقيل هي تجارة أصابوها فربحوا فيها. لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ: أذى من أعدائه. وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ: بطاعتهم لرسول الله على ما بهم من جراح والام.(2/229)
فخرج وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا- أمرا عظيما- أن قمت أشدد أمره. فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: مالك وتلك، فأخبره فقال له: ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي.(2/230)
حوادث هذا العام
تزوج عثمان بأم كلثوم
في هذه السنة تزوج سيدنا عثمان بن عفان السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أختها رقية عام بدر، وقد عقد عليها في ربيع الأول ودخل بها في جمادى الاخرة، ولما خطبها من النبي قال له: «لو كان لي يا عثمان عشرة لزوجتك واحدة بعد الاخرى» ويقال لم يتزوج أحد بابنتي نبي واحدة بعد الاخرى غيره، ولهذا كان يقال له: ذو النورين.
تزوج النبي بحفصة
وفيها تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت قبل النبي زوجا لخنيس- مصغّرا- بن حذافة السهمي، وكان بدريا توفي بعد بدر، وقيل بعد أحد، والأول هو الصحيح. وقد روى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه عرضها على عثمان بعد وفاة زوجته رقية، فقال: لا حاجة لي في الزواج. ثم عرضها على أبي بكر فسكت، ولم يرجع له بقول، حتى وجد عمر في نفسه. ثم خطبها النبي فأنكحها إياه. وقد بيّن له الصدّيق بعد خطبة النبي لحفصة أنه ما منعه من الجواب إلا أنه كان يعلم أن رسول الله ذكرها، وأنه كره أن يفشي سرّ رسول الله «1» .
وقد وثّق النبي بهذا الزواج علاقته بصاحبه ووزيره الثاني، عمر، كما وثّق من قبل علاقته بصاحبه ووزيره الأول أبي بكر بزواج عائشة، وأيضا فقد كرّم
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب النكاح- باب عرض الرجل ابنته أو أخته على أهل الخير.(2/231)
النبي بزواجه منها أباها، كما كرّم بذلك زوجها بعد مماته- وكان من أهل بدر- برعاية أرملته وضمها إليه، وأزال عنها تأيّمها.
مولد الحسن
وفيها ولد للسيدة فاطمة بنت رسول الله ابنها الحسن بن علي، وفيها حملت بالحسين رضي الله عنهما، وكان مولد الحسن في رمضان عند الأكثر، وقيل بعد ذلك.(2/232)
السّنة الرّابعة من الهجرة
عاد النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة حمراء الأسد وقد استرد بعض هيبة المسلمين في المدينة وما حولها، إلا أن بعض القبائل الضاربة حولها سوّلت لها أنفسها النيل من المسلمين لما أصابهم في أحد، ولتحريض قريش إياهم على محاربتهم، وكان للرسول عيون وجواسيس يأتون إليه بأخبار تلك الحركات العدائية قبل وقوعها، فيسارع إلى وأدها في مهدها قبل استفحالها، فمن ذلك:
[السرايا والغزوات في السنة الرابعة]
سرية أبي سلمة بن عبد الأسد
ففي المحرم من هذه السنة بلغه عليه الصلاة والسلام أن طليحة وسلمة ابني خويلد الأسديين قد جمعا الجموع لحرب النبي، فأرسل أبا سلمة على رأس سرية تعدادها خمسون ومائة، فساروا حتى وصلوا إلى أرضهم، فلما سمعوا بهم هربوا وتفرقوا، وتركوا نعما كثيرة لهم من الإبل والغنم، فأخذوها غنيمة، فخمّست، فأبقوا الخمس للنبي يصرفه كما أراه الله، وقسموا بينهم الباقي، وعادوا إلى المدينة ظافرين غانمين، وقد أعادوا إلى النفوس من هيبة المسلمين شيئا مما ضيعت أحد.
ثم لم يلبث السيد الجليل أبو سلمة أن توفي، فقد كان أصيب في أحد بجرح ثم التأم، فلما خرج في هذه السرية نغر «1» عليه الجرح ومات بسبب ذلك.
__________
(1) نغر الجرح: سال منه الدم.(2/233)
سرية عبد الله بن أنيس
وفي نفس الشهر بلغه عليه الصلاة والسلام أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي المقيم بعرنة «1» يجمع الجموع لحربه، فأرسل عبد الله بن أنيس لقتله، فاستأذن عبد الله رسول الله أن يتقول حتى يتمكن منه، فأذن له.
فخرج فلما وصل إلى ديار القوم قال له سفيان ممن الرجل؟ قال من خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد فجئت لأكون معك. قال: أجل إني لفي الجمع له، فمشى عبد الله معه وصار يحدثه، وسفيان يستحلي حديثه، حتى إذا أمكنته الفرصة منه قتله، ثم عاد إلى المدينة وقد كفى الله المؤمنين القتال، وهدأت بنو لحيان من هذيل بعد موت زعيمهم لتجد فرصة فتثأر فيها من المسلمين.
__________
(1) عرنة: بضم العين وفتح الراء والنون: موضع قريب من عرفات كما في القاموس.(2/234)
سرية الرجيع «1»
في صفر من هذه السنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من عضل والقارة «2» ، فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين، ويقرئوننا القران، ويعلموننا شرائع الإسلام، فبعث رسول الله معهم نفرا ستة في رواية ابن إسحاق، وقيل عشرة في رواية البخاري، وهو الأصح، ليؤدوا هذه المهمة السامية، وليكونوا عيونا على قريش والمشركين، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح «3» .
فساروا حتى إذا كانوا بالرجيع غدروا بهم، واستصرخوا عليهم بني لحيان من هذيل- هم قوم سفيان بن خالد الهذلي الذي قتله عبد الله بن أنيس- فنفروا إليهم في مائتي رجل، فلم يرع المسلمين وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم، فلجأ رجال السرية الى ربوة عالية، واستعصموا بها، وأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم، فلجأ المشركون إلى الخديعة وقالوا لهم: إنا والله ما نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألانقتلكم.
فأما عاصم واخرون فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا، وأبوا التسليم، وقاتلوا حتى استشهدوا، واغتر بعهداهم خبيب بن عدي،
__________
(1) الرجيع: اسم موضع من بلاد هذيل بين مكة وعسفان على ثمانية أميال من عسفان.
(2) عضل: بفتح المهملة والمعجمة بطن من بني الهون- بفتح الهاء وقيل بضمتين- ابن خزيمة ابن مدركة بن إلياس. والقارة: بالقاف وتخفيف الراء بطن من بني الهون أيضا.
(3) وفي رواية ابن إسحاق أن أميرهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي.(2/235)
وزيد بن الدّثنّة، وعبد الله بن طارق، فنزلوا إليهم فلما استمسكوا بهم حلّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها، فقال عبد الله: هذا أول الغدر حتى إذا كانوا بالظهران في طريقهم إلى مكة انتزع عبد الله يده منهم، ثم استأخر عنهم وأخذ بسيفه ليقاتلهم، فرجموه بالحجارة حتى مات شهيدا، وأما خبيب «1» وزيد فباعوهما لأناس من أهل مكة بأسيرين من هذيل، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر ليقتلوه بأبيهم الذي قتله يوم بدر، واشترى زيدا صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فحبسوهما حتى انتهت الأشهر الحرم فأخرجوهما إلى التنعيم فقتلوهما.
وكان من أمر خبيب أنه وهو محبوس في دار لبني الحارث قد استعار من جارية لهم «موسى» «2» ليستحدّ بها لما دنا قتله، فأعارته إياه، وغفلت عن غلام لسادتها درج حتى أتى خبيبا فوضعه على فخده، فلما رأت هذا المنظر فزعت فزعة شديدة وقالت في نفسها: أصاب- والله- الرجل ثأره بقتل هذا الغلام، فأدرك خبيب ما حدّثت به نفسها فقال لها: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله!!
وكانت الجارية تحدّث بعد أن أسلمت فتقول: ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، ولقد رأيته يأكل من قطف من عنب وما بمكة يومئذ ثمرة، وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله!!
ولما خرجوا به إلى الحلّ ليقتلوه قال: دعوني أصلّ ركعتين. فكان أول من سن الركعتين عند القتل، ثم انصرف إليهم وقال: لولا أن تروا أنّ ما بي «3» جزع من الموت لزدت، ولما رفعوه على الخشبة وأوثقوه ليقتلوه صبرا قال: اللهمّ إنّا قد بلّغنا رسالة رسولك، فبلّغه الغداة ما يفعل بنا، اللهمّ أحصهم عددا واقتلهم بددا «4» ، ولا تبق منهم أحدا.
__________
(1) بضم الخاء وفتح الباء وسكون الياء مصغّرا.
(2) الموسى: هو الالة الحادة المعروفة، استعارها ليحلق بها شعر عانته.
(3) ما: موصولة.
(4) بددا: متفرقين.(2/236)
ثم أنشد يقول:
ولست أبالي حين أقتل مسلما ... على أيّ جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزّع «1»
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله، ومات رضي الله عنه شهيد إيمانه وإخلاصه.
وأما زيد بن الدثنة «2» فلما جاؤوا به ليقتلوه وعاين الموت، قال له أبو سفيان بن حرب: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا الان عندنا مكانك تضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمدا الان في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي!! فقال أبو سفيان: ما رأيت أحدا من الناس يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا!! ثم قام إليه نسطاس عبد لصفوان- فقتله رضي الله عنه.
ولما قتل عاصم بن ثابت أمير السرية أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وكان قتل ابنيها يوم أحد، فنذرت لئن قدرت على رأس عاصم لتشربنّ في قحفه الخمر «3» . ولكن الله عز شأنه منعه، فبعث على جسده مثل الظلّة من الدبر «4» . وكذلك أرادت قريش أن تنال من جسده فلم يستطيعوا، فقالوا: دعوه حتى يمسي فيذهب عنه الدبر فنأخذه، فغيبه الله في الوادي، فما عرفوا له أثرا.
__________
(1) الشلو: العضو. ممزع: ممزق.
(2) الدثنة بفتح الدال، وكسر الثاء، وفتح النون المشددة.
(3) القحف بكسر القاف: أعلى الدماغ.
(4) الدبر: الزنابير، أو ذكور النحل.(2/237)
وكان عاصم رضي الله عنه قد أعطى الله عهدا ألايمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا تنجسا، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول حين بلغه أن الدبر منعته: يحفظ الله العبد المؤمن، كان عاصم نذر ألايمسه مشرك، ولا يمس مشركا أبدا في حياته، فمنعه الله بعد وفاته، كما امتنع منه في حياته «1» .
__________
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 64.(2/238)
أصحاب بئر معونة «1» أو سرية القرّاء
وفي شهر صفر أيضا وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة، وهو من رؤوس بني عامر، فدعاه رسول الله إلى الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد، وقال: يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال صلى الله عليه وسلم: «إني أخشى عليهم أهل نجد» ، فقال أبو براء: أنا لهم جار، فبعث رسول الله المنذر بن عمرو في سبعين رجلا من خيار المسلمين، وكانوا يعرفون بالقرّاء «2» ، وقيل في أربعين رجلا والصحيح الأول. منهم: الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان- خال أنس بن مالك- وعامر بن فهيرة مولى الصدّيق.
فساروا حتى نزلوا بئر معونة، فبعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في الكتاب، وأوعز إلى رجل فأنفذه بالرمح من خلفه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة!!
ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا وقالوا: لن نخفر «3» أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم: رعلا وذكوان وعصية «4» ، فأجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فقال
__________
(1) اسم موضع من بلاد هذيل بين مكة وعسفان.
(2) هم جماعة من حفظة القران، كانوا يحتطبون بالنهار، ويتدارسون القران ويصلون بالليل، ويطعمون أهل الصفة، وإذا دعوا إلى الجهاد لبوا سراعا.
(3) نخفر بضم أوله: ننقض عهده، وأما خفر الثلاثي فبمعنى وفى بالعهد.
(4) رعل: بكسر الراء وسكون العين، وذكوان بفتح الذال، وعصية: بضم العين وفتح الصاد وتشديد الياء، أحياء من بني سليم.(2/239)
لهم المسلمون: والله ما إياكم أردنا وإنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأبوا عليهم، فقاتلوهم حتى قتلوا عن اخرهم، إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق، فارتثّ «1» من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا، وإلا عمرو بن أمية الضمري، والمنذر بن محمد بن عقبة، فقد كانا في سرح القوم «2» فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم حول العسكر. فقالا: والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال المنذر لعمرو: ما ترى؟ فقال: أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر، فقال المنذر بن محمد: لكني لا أرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لأخبر عنه الرجال!!
وقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه شهيد البطولة والوفاء، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل بعد أن جزّ ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت عن أمة فيما زعم، فخرج عمرو قاصدا المدينة، فلقي رجلين من بني عامر، وكان معهما عهد من الرسول وهو لا يعلم، فأمهلهما حتى ناما فقتلهما، وهو يرى أنه أصاب بهذا ثأرا من بني عامر، فلما قدم عمرو وأخبر الرسول بقصتهما قال: «لقد قتلت قتيلين لأدينّهما» .
ثم قال: «هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا» ، فبلغ ذلك أبا براء، فشق عليه إخفار ابن أخيه عامر إياه، فذهب ابنه ربيعة إلى عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح انتقاما منه على فعلته النكراء، فجرح ولكنه لم يمت، ثم وفد على النبي بعد قاصدا الغدر به فمنعه الله منه، وقد دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم اكفني عامرا» ، فأصابه الله بغدّة «3» في بيت امرأة من بني سلول، فكان يقول: غدّة كغدة البعير في بيت امرأة سلولية، ثم ركب فرسه، فمات على ظهره بالعراء، تطعم منه الطيور والسباع.
__________
(1) أي رفع من بين القتلى وبه بقية حياة.
(2) حيث ترعى إبلهم ودوابهم.
(3) نوع من الطاعون يصيب الإبل.(2/240)
وكان وصول خبر سرية الرجيع وبئر معونة في يوم واحد، فحزن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون حزنا شديدا عليهم لم يخفف منه إلا أنهم شهداء عند ربهم يرزقون، ولقد بلغ حزن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مكث شهرا يدعو في صلاة الصبح على رعل وذكوان وعصية الذين غدروا بالقراء. وروى البخاري أن النبي لما نعى القراء قال: «إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا: ربّنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك، ورضيت عنا، فأخبرهم عنهم، فأنزل الله فيهم قرانا كان يتلى: بلّغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا» ، ثم نسخ بعد «1» .
وقفة عند سرية الرجيع وبئر معونة:
وإنّ لنا لوقفة ترينا كيف يستهين الإيمان بالكثرة حينما قاتل بضعة نفر غرباء عن ديارهم مائتي رجل في عقر دارهم، وكيف يسمو الإيمان عن الضعف والاستخذاء والترخص ويأبى إلا العزيمة. فقد كان يمكن لزيد وخبيب أن يظهرا كلمة الكفر، أو أن ينالا من النبي وقلبهما مطمئن بالإيمان، ليكون سببا في نجاتهما من القتل والصلب، ولكن أولي العزائم الثابتة، والعقائد الصادقة، يأبون إلا أن يموتوا أبطالا كما عاشوا أبطالا.
ولو أن خبيبا المأسور ليقتل بعد أن غدروا به قتل الغلام ثأرا من أهله لما كان أمرا مستنكرا، فهو مظلوم انتصر لنفسه، ولكنه الخلق الإسلامي الأصيل، والقلب المؤمن، والضمير الحي تترفع بصاحبها عن الغدر والغيلة حتى ولو كان على سبيل المجازاة، وأن يؤخذ الغلام بجريرة أهله. وإن هذه المعاني الشريفة لتستشفها في قولة خبيب للجارية: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك!!
وكنا نحب من المستشرقين الذين أسرفوا في القول من أجل أسيري بدر اللذين قتلا أن نسمع لهم كلمة في قتل الأسيرين المؤمنين على فرق ما بين الموقفين، وفي قتل من قتل غدرا وغيلة في سريتي الرجيع وبئر معونة، ولكن الأمر كما قيل:
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب سرية الرجيع وبئر معونة.(2/241)
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
وقد يقول قائل: كيف يوافق النبي صلى الله عليه وسلم على إيفاد هاتين السريتين مع أناس ليسوا بمسلمين، وفي جوار رجل لم يدخل الإسلام، مع احتمال أن يكون هذا استدراجا للمسلمين ومكيدة للإيقاع بهم، وقد كان النبي من رجاحة العقل، وبعد النظر، والمواهب السياسية بالمنزلة التي لا تدفع؟ وللجواب عن ذلك نقول:
1- إن حفظ الجوار كان من خيرة فضائل العرب والخلق المتأصل فيهم، فاحتمال الغدر بهم مستبعد، ولا سيما أن القراء كانوا في جوار رجل له منزلته في بني عامر، وهو أبو براء. ولذلك لم يقبل بنو عامر أن يخفروه في جواره، فاستصرخ عليهم عامر بن الطفيل قبائل من بني سليم.
2- إن إيفاد هاتين السريتين لم يكن إلا حلقة من حلقات الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى هذا الدين، والسهر على نشره بشتى الوسائل، أليس غاية ما يحتمل أن يموتوا شهداء؟ وهذا ما كان يرجوه كل مسلم انئذ. وصدق الله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، إما النصر والغنيمة، أو الموت والشهادة.(2/242)
غزوة بدر الاخرة
في شعبان من نفس العام خرج الرسول وأصحابه إلى بدر لميعاد أبي سفيان، واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبيّ، وسار في ألف وخمسمائة من أصحابه. وكانت بدر محل سوق تعقد كل عام للتجارة في شعبان، يقيم فيها التجار ثمانية أيام يتبادلون فيها التجارة، فلما وصلوا إليها أقاموا بها ثمانيا في انتظار أبي سفيان.
وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان، وقيل مجنّة، ثم ألقي الرعب في قلبه، فبدا له أن يرجع فقال: يا معشر قريش إن هذا العام عام جدب، ولا يصلحكم إلا عام خصب، ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإني راجع فارجعوا، فرجعوا فسمّاهم أهل مكة جيش السويق «1» ، يريدون أنهم خرجوا لشرب السويق لا للحرب.
وكان أبو سفيان قد لجأ إلى حيلة يقصد بها إرهاب المسلمين حتى لا يخرجون إلى بدر، فيكون خلف الوعد من جانب المسلمين لا من جانبه، فاتفق مع نعيم بن مسعود الأشجعي وجعل له جعلا على أن يذهب إلى المدينة فيرجف فيها بعظم جيش أبي سفيان وعدّته، فذهب نعيم وقال للنبي وأصحابه: إن قريشا قد جمعت لكم الجموع. ولكنهم لم يلتفتوا إلى مقالته، وخرجوا وهم يقولون: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
__________
(1) السويق: شراب يصنع من القمح أو الشعير.(2/243)
وفي أثناء مقام المسلمين ببدر اشتغلوا بالتجارة فعادت عليهم بربح عظيم، وقد ذكر الله هذا في قوله:
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) «1» .
والمتتبع لمجريات الحوادث في هذه الغزوة يرى أن المشركين قد باتوا يخشون المسلمين، ولا يجرؤون على لقياهم، وكأنما كان نصرهم في أحد فلتة لا يطمعون في مثلها، فمن ثمّ لجأوا إلى الحيلة يدرؤون بها عن أنفسهم عار خلف الوعد باللقاء، ولكنهم لم يفلحوا، وخيب المسلمون ظنونهم، وقد شعر المشركون بأثر تخلفهم في إذهاب هيبتهم المزعومة في النفوس، ولذلك قال صفوان بن أمية لأبي سفيان: قد- والله- نهيتك أن تعد القوم، قد اجترؤوا علينا، رأوا أنّا أخلفناهم.
__________
(1) جمهور المفسرين على أن قوله تعالى: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، إلى: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، في غزوة حمراء الأسد، وقد عرضت لذلك انفا. ومنهم من يرى أنها نزلت في غزوة بدر الاخرة، وذكر الواقدي في المغازي أن الاية الأولى في غزوة حمراء الأسد، وهاتين الايتين في غزوة بدر الاخرة والايات من سورة ال عمران.(2/244)
حوادث في هذا العام
وفاة أبي سلمة
في هذه السنة توفي أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال القرشي المخزومي، وأمه برّة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أخا رسول الله من الرضاع، ارتضعا من ثويبة مولاة أبي لهب، وكان من السابقين الأولين، هاجر إلى الحبشة هو وزوجته أم سلمة، وقد ولد لهما بها أولاد، ثم عادا إلى مكة، وكان أول من هاجر إلى المدينة ومعه زوجته فمنعها أهلها، ثم لحقت به بعد عام، وشهد بدرا وأحدا فأصيب فيها بجرح فمكث شهرا يداويه حتى برأ، ثم بعثه رسول الله في سرية في أول هذا العام، فلما عاد انتقض جرحه، فمات لثلاث بقين من جمادى الأولى فرضي الله عنه وأرضاه.
وفاة عبد الله بن عثمان
وفي جمادى الأولى من هذه السنة مات عبد الله بن عثمان رضي الله عنه، وهو من السيدة رقية بنت الرسول، وكان ابن ست سنين، فصلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل والده عثمان رضي الله عنه في حفرته.
مولد الحسين
وفي ليال خلون من شعبان من هذا العام ولد الحسين بن علي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد شباب أهل الجنة، وقد قال فيه الرسول وفي أخيه الحسن: «هما ريحانتاي من الدنيا» ، وقد روي أن رسول الله كان يشمهما ويقبلهما.(2/245)
تزوج رسول الله بزينب بنت خزيمة
وفي شهر رمضان من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله، ينتهي نسبها إلى هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية، وهي التي يقال لها أم المساكين، لكثرة صدقاتها عليهم، وبرها إياهم، وإحسانها إليهم، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث بن المطلب، ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أحد شهداء بدر، وقيل كانت تحت عبد الله بن جحش فقتل عنها يوم أحد، وهذا يرجح أن زواج النبي بها في السنة الرابعة لا في السنة الثالثة كما زعم بعض كتاب السيرة «1» ، إذ أن عدتها على الرأي الأخير لا تنتهي إلا في اخر صفر من السنة الرابعة. قال ابن عبد البر:
ولا خلاف أنها ماتت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة، ثم توفيت رضي الله عنها، وقد أصدقها رسول الله أربعمائة درهم.
وقد ظهر مما ذكرنا الحكمة في زواج رسول الله بها، وأن ذلك كان تكريما للتضحية والاستشهاد في شخص زوجها الذي مات عنها، سواء أكان ذلك عبد الله بن جحش أو عبيدة بن الحارث، فكلاهما ممن أسلم وهاجر وسبق إلى الشهادة، هذا إلى ما كانت تمتاز به من حب المساكين والبر بهم.
فما أجدرها أن تكون في كفالة النبي وأن تحظى بزواجه منها بهذا الشرف الرفيع في الدنيا والاخرة، ولم نر أحدا ذكر أنها كانت ذات جمال أو شباب، بل الظاهر أنها كانت مسنة وكغيرها من النساء في الجمال، مما يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها لما ذكرنا من المعاني الشريفة، وهذا يرد أي تقوّل على النبي في هذا الزواج.
تزوج النبي بأم سلمة
وفي شوال من هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيدة أم سلمة، واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية القرشية، وكانت قبل النبي عند الصحابي
__________
(1) هو الشيخ الخضري- رحمه الله- في «نور اليقين» ص 143.(2/246)
الجليل ابن عمها وأبي أولادها أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي «1» الذي توفي في جمادى الأولى من نفس العام، وقد أنجبت منه سلمة وعمر وزينب ورقية، فلما انقضت عدّتها وحلّت خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال من هذا العام، فأرسل إليها عمر بن الخطاب فاعتذرت بأنها امرأة غيرى وأنها ذات عيال، فلم يجد رسول الله بدا من أن يذهب إليها بنفسه.
روى الإمام أحمد في مسنده عنها قالت: أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سررت به، قال:
«لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول: اللهم اجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا اجره الله، وأخلف له خيرا منها» ، قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت، وقلت:
اللهمّ اجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، ثم رجعت إلى نفسي فقلت:
من أين لي خير من أبي سلمة؟!.
فلما انقضت عدّتي استأذن عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي، فغسلت يدي من القرظ وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد عليها، فخطبني إلى نفسه، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله ما بي ألاتكون بك الرغبة، ولكني امرأة بي غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلت في السن، وأنا ذات عيال، فقال:
«أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله عنك- يعني بسبب دعائه لها كما في رواية أخرى- وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي» ، فقالت: قد سلّمت لرسول الله، فقالت أم سلمة: فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) أبو سلمة: هو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فهما يلتقيان في الجد الثاني، واسم أبيها حذيفة، وقيل سهيل، وكان يسمّى: «بزاد الراكب» لجوده، كان إذا سافر لا يترك أحدا يرافقه ومعه زاد، بل يكفي رفقاءه من زاد مهما بلغوا.(2/247)
وقد زوجها إياه ابنها سلمة، وأصدقها رسول الله فراشا حشوه ليف، وقدحا، وصحفة، ومجشة- أي رحى-. وقد تربى أولادها الصغار في بيت النبي، مما جعلهم لا يشعرون بمرارة اليتم وذل الحاجة.
الحكمة في زواجها
ومن ثمّ نرى أن زواج رسول الله بها لم يكن إلا جبرا لخاطرها وكسرها، وحفظا لها ولأولادها من الضّيعة، وقد سمعت انفا أنها ما كانت تعدل بأبي سلمة أحدا، ولولا أن رسول الله تقدم إليها لما رضيت بالزواج من أي رجل أيا كان في قومها، لأنها لا ترى خيرا من أبي سلمة إلا رسول الله الذي لم يكن يخطر لها على بال أثناء مقالتها، وأيضا فقد كان هذا الزواج وفاء بحق زوج من خيار المسلمين، وخاطر بنفسه في سبيل الله، وبهذا الزواج ضرب رسول الله أروع الأمثال في باب المواساة بالنفس والمال، ووضع الأساس الصالح لأولي الأمر في رعاية حقوق المواطن المؤمن الصالح، والجندي الباسل المضحي بنفسه في سبيل الله ورسوله.
فهذه الاعتبارات السامية هي التي حدت برسول الله أن يتزوج بها، لا كما يزعم بعض المتخرصين من أن ذلك كان لجمالها، وهي بشهادتها كانت مسنة، ومهما قيل في بقاء مسحة من جمال الشباب عليها فهناك- ولا ريب- من الشابات الأبكار الشريفات من يفقنها في هذا، وللشباب ماله من سحر وفتنة، وإنكار ذلك مكابرة، ولا أدري كيف يرغب رجل شهواني- كما زعموا- في امرأة مسنة مترهلة، وذات شغل شاغل بعيالها؟ ألا كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
وقد كانت عاقلة عالمة راوية، روت عن رسول الله بالذات وبالواسطة، وعن غيره من الصحابة، وعنها روى الكثيرون، وقد ساهمت في نشر العلم والحكمة عن رسول الله، وبسبب سؤالها للنبي نزلت بعض ايات القران وتشريعاته، وهي اخر أمهات المؤمنين وفاة كما قال الحافظان الذهبي وابن حجر، وكان وفاتها سنة اثنتين وستين بعد مقتل الحسين إبان حكم يزيد بن معاوية، وقيل غير(2/248)
ذلك. وبموتها انطفأ اخر مصباح من مصابيح أمهات المؤمنين طالما شع النور والهدى والعلم، فرضي الله عنها وأرضاها.
تعلم زيد بن ثابت كتابة اليهود ولغتهم
وفي هذه السنة تعلّم زيد بن ثابت كتابة اليهود، ففي صحيح البخاري تعليقا عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلّم كتاب يهود ليقرأه النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتبوا إليه، فتعلّمه في خمسة عشر يوما» »
. وفي مسند الإمام أحمد أن رسول الله لما قدم المدينة ذهب بزيد إلى رسول الله وقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال: «يا زيد تعلّم لي كتاب يهود، فإني والله ما امن يهود على كتاب» ، قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرّت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب.
وهذا ذكاء مفرط، وقوة حافظة، ومن لوازم تعلّم الكتابة تعلم اللسان، وقد ثبت أنه كان يعرف السريانية والعبرانية «2» ، وقد كان- رضي الله عنه- ممن حفظ القران كله على عهد رسول الله، ومن أشهر كتّاب الوحي بين يديه، وهو الذي تولى كتابة القران واحده في الصحف في عهد الصدّيق، وكان أحد كاتبي المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه، وأمر رسول الله زيدا بتعلم لغة اليهود وكتابتهم يدل على أن الإسلام يحبب إلى المسلم أن يتعلم لغة غيره وكتابتهم، ويتعرف على علومهم ومعارفهم ولا سيما إذا دعت لذلك ضرورة.
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب الأحكام- باب ترجمة الحكام أي الترجمة لهم.
(2) البداية والنهاية ج 5 ص 346، فتح الباري ج 13 ص 158، 159.(2/249)
السّنة الخامسة من الهجرة
غزوة دومة الجندل «1»
في ربيع الأول من سنة خمس بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بدومة الجندل جمعا كبيرا من الناس، وأنهم يظلمون من مرّ بهم، ويريدون أن يدنوا من المدينة، فندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا في ألف، واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وكانوا يسيرون الليل، ويكمنون النهار، ومعهم هاد خرّيت يقال له «مذكور» ، فلما دنوا من دومة الجندل، هجموا على الماشية والرعاء، فأصابوا من أصابوا، وهرب من هرب.
فلما علم أهل دومة الجندل رعبوا وتفرقوا، فنزل رسول الله بساحتهم فلم يجد أحدا، فأقام بها أياما، وبثّ السرايا والعيون فأصاب محمد بن مسلمة رجلا منهم، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أصحابه، فقال: هربوا أمس، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع رسول الله إلى المدينة بعد أن غاب عنها شهرا «2» ، وقد امتازت هذه الغزوة بأمرين:
1- أنها أول غزوة بعيدة عن المدينة من جهة الشام، إذ بينها وبين دمشق ما لا يزيد عن خمس ليال، وقد كانت بمثابة إعلان عن دعوة الإسلام بين سكان البوادي الشمالية وأطراف الشام الجنوبية، وأحسوا بقوة الإسلام وسطوته، كما كانت إرهابا لقيصر وجنده.
__________
(1) دومة الجندل: بضم الدال وتفتح واحة على الحدود بين الحجاز والشام.
(2) البداية والنهاية ج 4 ص 92.(2/251)
2- أن سير الجيش الإسلامي هذه المسافات الطويلة قد كان فيه تدريب له على السير إلى الجهات النائية، وفي أرض لم يعهدوها من قبل، ولذلك تعتبر هذه الغزوة فاتحة سير الجيوش الإسلامية للفتوحات العظيمة في بلاد اسيا وإفريقيا فيما بعد.
مصالحة عيينة بن حصن
وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عائد عيينة بن حصن الفزاري، وهو الذي كان يسميه عليه الصلاة والسلام «الأحمق المطاع» لأنه كان يتبعه ألف قناة لا يسأله أصحابها فيم غضب؟ وقد أقطعه الرسول أرضا يرعى فيها دوابه على بعد ست وثلاثين ميلا من المدينة، لأن أرضه كانت قد أجدبت.
غزوة بني المصطلق «1» أو المريسيع «2»
وفي شعبان من سنة خمس بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق الذين ساعدوا قريشا على حرب المسلمين في أحد بقيادة رئيسهم الحارث بن أبي ضرار يجمعون الجموع لحربه، فخرج إليهم في سبعمائة من أصحابه بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري، وقيل غيره، وأعطى راية المهاجرين إلى أبي بكر الصدّيق، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، وساروا حتى دهموهم وهم عند ماء لهم يسمى «المريسيع» وهم غارّون «3» ، وأنعامهم تسقى على الماء.
فأمر عمر بن الخطاب فنادى فيهم: أن قولوا ألاإله إلا الله تمنعوا بها
__________
(1) المصطلق بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء وكسر اللام: لقب لخزيمة بن كعب، وهم بطن من خزاعة. والمريسيع بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء وكسر السين: ماء بني خزاعة.
(2) قد اختلف في زمن هذه الغزوة، فذهب ابن إسحاق أنها في شعبان سنة ست ووافقه الطبري، وقال موسى بن عقبة: إنها في شعبان سنة خمس، ووافقه الحاكم، والبيهقي، وأبو معشر، وهو الراجح الذي تشهد له الأحاديث الصحيحة.
(3) غافلون.(2/252)
أنفسكم وأموالكم. فأبوا، فتراموا بالنبل، ثم أمر رسول الله المسلمين فحملوا حملة رجل واحد، فقتل منهم عشرة، وأسر سائرهم، ولم يقتل من المسلمين إلا هشام بن صبابة، قتله أحد الأنصار خطأ ظنا أنه من الأعداء، وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة: ألفي بعير، وخمسة الاف شاة، هذا عدا السبايا من النساء والأسارى من الرجال، وكان شعار المسلمين يوم المريسيع (يا منصور:
أمت أمت) .
تصرف نبوي حكيم
وكان بنو المصطلق من أعز العرب دارأ وأشرفهم نسبا، وأسر نسائهم على هذه الحال مما يترك في نفوسهم ونفوس حلفائهم جراحا لا تندمل، وحزازات لا تنسى، والعربي يهون عليه المال مهما غلا، ولكن لا يهون عليه أن ينال في عرضه، أو تخدش كرامته وشرفه، لذلك لم يرتح قلب النبي الكبير لما تمّ من سبي واسترقاق، وفكر ثم فكر، حتى تفتّق العقل الكبير عن هذا التصرف الحكيم.
فقد كانت من السبايا يومئذ جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق، وقد وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شمّاس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له فكاتبته «1» على نفسي، فجئت أستعينك على كتابتي.
__________
(1) أي على أن يعتقها نظير مال، وروي أن النبي لم يجعلها في سهم أحد تكرمة لها حتى قدم أبوها بعد في فدائها بإبل، فلما بلغ العقيق غيّب بعيرين من الفداء ضنّا بهما، فلما قدم على الرسول قال له: «أين البعيران اللذان غيبتهما في شعب كذا» ؟ فلم يملك الرجل نفسه أن شهد شهادة الحق وقال: والله ما اطلع على ذلك إلا الله، وأسلم معه ابنان له وناس من قومه، وأرسل في طلب البعيرين فدفع الإبل، وسلمت إليه ابنته، فأسلمت فخطبها رسول الله من أبيها فزوجه إياها، وأيا كان الأمر فقد منّ الصحابة على من بأيديهم من قومها لمصاهرة رسول الله فيهم. سيرة ابن هشام ج 2 ص 295.(2/253)
فوجد الرسول الفرصة سانحة لتخليص بني المصطلق مما وقعوا فيه، فقال لها: «فهل لك في خير من ذلك؟» ، قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: «أقضي عنك كتابتك وأتزوجك» ، قالت: نعم، وخرج الخبر إلى الناس، وفشا بينهم أن رسول الله قد تزوج جويرية بنت الحارث، وكان المسلمون عند حسن ظنه وبعد نظره، فقالوا: أصهار رسول الله يسترقون؟!! فأطلقوا كل من بأيديهم، قالت عائشة- راوية القصة-: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها.
وبفضل هذا التصرف النبوي الحكيم أسلم بنو المصطلق عن طواعية جميعا، وصاروا أعوانا للمسلمين بعد أن كانوا عليهم.
حدثان عظيمان في هذه الغزوة
وفي هذه الغزوة نجمت حادثتان عظيمتان: إحداهما كادت تحدث فتنة بين المسلمين لولا أن النبي تدارك ذلك بموهبته السياسية الفائقة، والثانية حادثة الإفك التي حسم الكلام بشأنها وحي السماء، ونزل بسببها تشريع عام خالد.
الحدث الأول
بينما المسلمون على الماء يستقون، وكان مع عمر غلام أجير له من بني غفار يسمى جهجاه بن مسعود الغفاري يقود له فرسه، فتزاحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء وتضاربا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار، وصاح الغفاري: يا معشر المهاجرين، فاجتمع الفريقان، وكادوا يقتتلون، فذهب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة» ، وأزال ما بينهما من شحناء ونيّم الفتنة.
ولكن عبد الله بن أبيّ رأس النفاق أراد أن يوقظها، ويذكي لهبها، فقال وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم-: أو قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: (سمّن كلبك يأكلك) .
أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على الحاضرين(2/254)
من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.
فسمع ذلك زيد بن أرقم فسعى إلى رسول الله فأخبره، وعنده عمر بن الخطاب سيف الحق، فاستأذن رسول الله في قتله، أو أن يأمر به من يقتله، فقال ذو الخلق العظيم، والسياسي الحكيم: «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، ولكن اذن بالرحيل» .
اعتذار ابن أبيّ
ولما بلغ ابن أبيّ أن زيدا أخبر الرسول بما سمع منه ذهب إلى رسول الله، وحلف بالله ما قلت ما قال لك، ولا تكلمات به، فقال بعض الحاضرين من الأنصار من أصحابه لرسول الله: عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، ترضية للرسول، ودفعا عن ابن أبيّ.
سير النبي بالجيش ليشغلهم عن الفتنة
وارتحل النبي بالمسلمين في وقت لم يكن يرتحل فيه، فلقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية الإسلام وسلّم عليه، وقال: يا رسول الله لقد رحت في ساعة ما كنت تروح في مثلها؟ فقال له: «أو ما بلغك ما قال صاحبكم» ؟ قال: أي صاحب يا رسول الله؟ قال: «عبد الله بن أبيّ» ، قال: وما قال؟ قال: «زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذل» !
فقال أسيد: فأنت يا رسول الله تخرجه منها إن شئت، هو- والله- الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فو الله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا.
وسار رسول الله بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم الثاني حتى اذتهم الشمس، ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياما.
وبهذا التصرف البالغ الغاية في السياسة الرشيدة قضى على الفتنة قضاء مبرما، ولم يدع مجالا للحديث فيما قال ابن أبيّ.(2/255)
نزول سورة المنافقون
وفي هذه الحادثة أنزل الله سورة بتمامها وهي «المنافقون» وفيها قوله سبحانه:
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ. يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ «1» .
ولما نزلت السورة أخذ رسول الله بأذن الغلام الصادق اللّقن، وقال:
«هذا الذي أوفى الله بأذنه» ، وقد شاء الله أن تتحقق مقالة ابن أبي لا على ما أراد، فكان الرسول وأصحابه هم الأعزاء، وكان ابن أبيّ وجماعته هم الأذلاء!!.
مثل أعلى للإيمان
وقد تجلّى في هذه الحادثة موقف بطولي إيماني، سما عن الرحم والعاطفة، وعزّ في تاريخ الدنيا بله سير الصحابة، ذلك أن المؤمن الصادق عبد الله بن عبد الله بن أبيّ أتى رسول الله فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبيّ فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به وأنا أحمل إليك رأسه، فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبيّ يمشي بين الناس فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر، فأدخل النار!!.
ماذا ترى يكون جواب الرسول الكريم؟ إنه لموقف محرج حقا، أيوافق الرسول؟ إنه إن فعل فسيستريح من شر مستطير طالما نال من النبي والمسلمين، وأضرّ بالدعوة الإسلامية، ولكن كيف؟ ونبيّنا محمد إنسان بشر قبل أن يكون نبيا، وإنسانيته فاقت كل ما يتصور في عقله وخبرته بالنفوس البشرية
__________
(1) سورة المنافقون: 7 و 8.(2/256)
وغرائزها في المحل الذي لا يطاول، وهو يعلم يقينا أن الابن في مأساة نفسية وعاطفية تغلّب عليها بقوة إيمانه، وسمو نفسه، وحبّه لله ولرسوله!!.
لقد ضرب الابن أروع مثل الإيمان والتضحية بعاطفة الأبوة، فليضرب النبي الإنسان ذو القلب الكبير والخلق العظيم أروع المثل في العفو والرحمة وحسن الصحبة، فيقول: «بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا» !!.
يا لروعة العفو، ويا لجلال العظمة الإنسانية!!.
ويسمو الإيمان ثم يسمو، فلا يرضى الابن المؤمن الصادق من الأب بالاعتذار أو إنكار ما قال، بل يقف لأبيه وهم ايبون عند مدخل المدينة، وبيده سيفه قائلا له: قف، فو الله لا تدخلها حتى يأذن لك رسول الله في ذلك، فلما أذن له تركه يدخل وقد أشاح عنه بوجهه.
اثار هذه السياسة النبوية الحكيمة
وقد كان لتسامح الرسول مع رأس المنافقين أبعد الاثار فيما بعد، فقد كان ابن أبيّ كلما أحدث حدثا، كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنّفونه، ويعرضون قتله على النبي، والرسول يأبى ويصفح، فأراد رسول الله أن يكشف لسيف الحق عن اثار سياسته الحكيمة، فقال: «كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي لأرعدت له انف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته!!» فقال عمر:
قد- والله- علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري!!.
احتيال وغدر
وقدم من مكة مقيس بن صبابة، فقال: يا رسول الله جئتك مسلما، وجئتك أطلب دية أخي الذي قتل خطأ، فأمر له الرسول بدية أخيه هشام، فأقام بالمدينة غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدا، ولهذا كان مقيس من الذين أهدر النبي دماءهم يوم الفتح، وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة.(2/257)
حادثة الإفك
وهي حادثة أخرى تمخضت عنها هذه الغزوة، وهي أشد شناعة وفظاعة من الأولى؛ لأنها تناولت بيت النبوة في أحب نسائه إليه وهي الصدّيقة بنت الصدّيق. وإليك هذه القصة كما رواها الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما بالسند عن عائشة رضي الله عنها- واللفظ للبخاري- قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج- يعني إلى سفر- أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين اذن ليلة بالرحيل، فقمت حين اذنوا بالرحيل فمشيت، حتى جاوزت الجيش- يعني لقضاء حاجتها- فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار «1» قد انقطع فالتمست عقدي، وحبسني ابتغاؤه.
وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم، إنما يأكلن العلقة «2» من الطعام، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا.
__________
(1) جزع بفتح الجيم وسكون الزاي، خرز معروف في سواده بياض كالعروق. وظفار بفتح الظاء وكسر الراء الأخيرة للبناء: مدينة باليمن.
(2) العلقة: القليل من الطعام.(2/258)
فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطّل السلمي من وراء الجيش، فادلج «1» فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين راني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه «2» حين عرفني، فخمّرت- غطيت- وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة «3» ، فهلك من هلك، وكان الذي تولّى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول.
فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريا بني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلّم ثم يقول: «كيف تيكم؟» «4» ثم ينصرف، فذاك يريا بني ولا أشعر بالشر.
حتى خرجت بعد ما نقهت «5» ، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع «6» وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ... فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة «7» ، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح،
__________
(1) ادلج بتشديد الدال: سار من اخر الليل.
(2) قوله: «إنا لله وإنا إليه راجعون» إعظاما وتألما لما حدث من تأخرها بغير قصد.
(3) موغرين: نازلين للاستراحة. نحر الظهيرة: في وقت شدة الحر.
(4) تيكم: اسم إشارة للمؤنثة.
(5) نقه: بفتح القاف الذي برأ من مرضه ولم تكتمل صحته.
(6) المناصع: مكان خارج المدينة.
(7) مسطح: بكسر الميم وسكون السين. أثاثة: بضم الهمزة.(2/259)
فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه «1» أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك.
فازددت مرضا على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي ودخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ثم قال: «كيف تيكم» ؟ فقلت: أتأذن لي أن اتي أبويّ؟ وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويّ فقلت لأمي: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوّني عليك، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله، أو قد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيرا، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيّق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: «أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟» قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت عليها أمرا أغمصه «2» عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن «3» فتأكله.
فقال رسول الله وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني «4»
من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا، لقد ذكروا
__________
(1) يعني يا هذه.
(2) أغمصه: بالغين والصاد أي أعيبه.
(3) الداجن: ما يألف البيوت من شاة أو طير.
(4) يعذرني: من ينصرني عليه وينتقم منه.(2/260)
رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي» . فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج- وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته «1»
الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير «2»
وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنّه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين «3»
، فتثاور الحيان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله يخفّضهم حتى سكتوا وسكت.
فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي، وقد بقيت ليلتين ويوما ... فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم ثم جلس، ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأننا، فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال:
«أما بعد: يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه» فلما قضى مقالته قلص دمعي «4»
حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله، قلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القران: إني
__________
(1) احتملته: أي غلبته العصبية.
(2) أسيد: هو بالتصغير في اسمه واسم أبيه.
(3) أي صنيعك في المجادلة عن ابن أبيّ صنيع المنافقين.
(4) قلص: جف من شدة الحزن والأسى.(2/261)
والله لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة- والله يعلم إني بريئة- لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم أني منه بريئة- لتصدقني، والله ما أجد لكم ولي مثلا إلا قول أبي يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.
ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فو الله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «1»
، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان «2»
من العرق وهو في يوم شات من ثقل الوحي الذي ينزل عليه.
فلما سرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرّي عنه وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها: «يا عائشة أما الله عز وجل فقد برّأك» فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل، وأنزل الله- عز وجل-:
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... العشر الايات كلها- يعني إلى قوله تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «3» .
فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق- وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره-: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة- يعني عنها- ما قال، فأنزل الله:
وَلا يَأْتَلِ «4»
أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ
__________
(1) بضم المواحدة وفتح الراء وبالمد: الحالة التي كانت تعتريه عند الوحي.
(2) الجمان: بضم الجيم حبات اللؤلؤ أو الفضة.
(3) سورة النور: الايات 11- 20.
(4) ولا يحلف.(2/262)
وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» .
قال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي!! فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.
قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري، فقال: «يا زينب ماذا علمت أو رأيت» ؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيرا قالت: وهي التي كانت تساميني «2»
من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك» » .
وقد بينت الروايات الاخرى في الصحيحين وغيرهما أن الذين خاضوا في هذا الحديث الاثم رأس النفاق ابن أبيّ، وحمنة بنت جحش، ومسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وأن الذي تولّى معظم الحديث والإرجاف به ابن أبيّ، وتليه حمنة في هذا، وقد تاب هؤلاء- ما عدا ابن أبيّ- ولا سيما حسان بن ثابت، فقد اعتذر عما كان منه وقال يمدح عائشة بما هي له أهل:
حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
عقيلة حي من لؤي بن غالب ... كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيّب الله خيمها ... وطهرها من كل سوء وباطل «4»
__________
(1) سورة النور: الاية 22.
(2) تناظرني وتحرص على أن تكون لها حظوتي عند رسول الله.
(3) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة النور، صحيح مسلم- كتاب التوبة- باب حديث الإفك.
(4) حصان: عفيفة. رزان: عاقلة. تزن بضم التاء: ترمى وتتهم. الغوافل: جمع غافلة أي عن الشر والإثم. عقيلة: كريمة. خيمها بكسر الخاء: أصلها.(2/263)
وزاد الحاكم في رواية له من غير رواية ابن إسحاق:
حليلة خير الخلق دينا ومنصبا ... نبي الهدى والمكرمات الفواضل
رأيتك- وليغفر لي الله- حرة ... من المحصنات غير ذات الغوائل
وقد تخلّقت السيدة عائشة بأخلاق زوجها وأبيها فعفت، وكان يستأذن عليها لما كبر وعمي فتأذن له، بل كانت تكره- رضي الله عنها- أن يسب عندها لمنافحته عن رسول الله وال بيته وتقول: إنه الذي قال:
فإنّ أبي ووالدتي وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
إقامة الحد على من قذف عائشة
ولما نزلت الايات ببراءة عائشة أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على مسطح وحسان وحمنة، رواه أصحاب السنن، وهذا يرد ما رجّحه الماوردي من أنهم لم يجلدوا اعتمادا على أن الحد لا يثبت إلا بإقرار أو بيّنة!! ولا أدري أي بينة بعد النص القراني الدال على كذبهم، وهو يستلزم ثبوت الحد، وأما ابن أبي رأس النفاق فقيل إنه لم يحدّ سياسة وتأليفا لقومه وأتباعه، وإلى هذا ذهب ابن القيم في الهدي، والذي رجّحه الحافظ ابن حجر في الفتح أنه أقيم عليه الحدّ استنادا إلى ما رواه الحاكم في الإكليل «1» .
صفوان بن المعطل السلمي
ويقال له الذكواني نسبة إلى ذكوان بن ثعلبة بطن من بني سليم، صحابي فاضل، لا يغمص في دين ولا في خلق، أول مشاهده المريسيع، وقيل الخندق، وبحسبه تزكية قول الرسول فيه: «ما علمت عليه إلا خيرا» . وقد ثبت في الصحيحين أنه لما بلغه حديث الإفك قال: سبحان الله: (والذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط) . وما زعمه ابن إسحاق أنه كان حصورا لم يثبت، ففي بعض الروايات الصحيحة أنه تزوج، وفي الصحيح أنه قتل شهيدا في سبيل الله، فقيل: استشهد في غزوة أرمينية في خلافة عمر سنة تسع عشرة،
__________
(1) فتح الباري، ج 8 ص 388.(2/264)
وقيل بل عاش إلى سنة أربع وخمسين فاستشهد بأرض الروم في خلافة معاوية «1» .
وقفات عند قصة الإفك
وما كان لنا أن نمر بهذا الحادث دون أن نقف وقفات، نستخلص منها عبرا وعظات، وأخلاقا ساميات، منها:
1- صيانة الله سبحانه أنبياءه أن تقع من زوجاتهم خيانة زوجية، وذلك لأن زنا الزوجة مما يمتد أثره السيّىء إلى الزوج، فصان الله زوجاتهم عن ذلك حتى لا يكون منفرا منهم، ومعوّقا عن الاهتداء بهم، أما الكفر فيجوز عليهن، وذلك كامرأتي نوح ولوط عليهما السلام، لأن الكفر لا تتعدى معرّته إلى الزوج، وأما ما ذكره الله عنهما في قوله:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً «2» .
فقد أجمع المفسرون سلفا وخلفا على أنه ليس المراد الزنا وإنما الخيانة في الدين، روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (ما زنت امرأة نبي قط، وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تخبر أنه مجنون، وإذا ما امن به أحد أخبرت به قومه الكافرين، وكانت امرأة لوط تدل قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف) .
2- إن في هذه القصة عزاء وسلوى للعفيفات اللاتي يرمين زورا وكذبا بالفاحشة، فهذه الصدّيقة بنت الصدّيق، وزوج الرسول، والمبرأة من فوق سبع سماوات قد رميت بما هي براء منه، من المنافقين ومن شايعهم من ضعفاء الإيمان، ومن قبل رمى اليهود صدّيقة بني إسرائيل السيدة مريم البتول بالزنا،
__________
(1) فتح الباري، ج 8 ص 371.
(2) سورة التحريم: الاية 10.(2/265)
فما دنس ذلك من شرفها، ولا أنزل من كرامتها عند ربها، بل زادها رفعة وشرفا، ولا تزال هذه القصة تتكرر على مسرح الحياة، فليكن للمحصنات المؤمنات الغافلات اللاتي لا يسلمن من قالة السوء فيها عزاء وسلوى.
3- أدب الصحابة رضوان الله عليهم في معاملة النساء المسلمات ولا سيما نساء النبي، والمبالغة في توقي مواطن الريبة والتهمة، فقد ثبت أن صفوان رضي الله عنه اكتفى بالاسترجاع حتى استيقظت السيدة عائشة، وفي استرجاعه ما يدل على استفظاعه وأسفه أن تترك زوجة النبي في العراء، ولم يكلمها قط غير أنه سألها عن شأنها وعرض عليها الركوب، وحين الركوب أولاها ظهره ولما ركبت قاد بها ولم يسر خلفها.
وقديما فعل نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ذلك مع ابنة شعيب عليه الصلاة والسلام، فقد قال لها: سيري خلفي ودليني على الطريق، خشية أن تضرب الريح بثوبها فتكشف أو تصف بعض جسمها. وهذا غاية الأدب والعفة، ولذلك قالت ابنة شعيب- وقد سمعت ورأت- كما قال الله سبحانه:
قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ «1» .
4- حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، ورحمته بهم، وضبط النفس حتى في المواقف التي يستبد بالنفس البشرية فيها الغضب، فتخرج عن حد الاعتدال فعلى الرغم مما قيل في عائشة مما يجرح القلب، ويؤذي النفس كان يدخل عليها وهي مريضة فيسأل عنها وإن لم تجد منه صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تجده منه حينما كانت تشتكي، وغاية ما يطمع فيه من بشر كريم في مثل هذا الموقف المؤلم المحيّر أن يكظم غيظه، ويكف غضبه، أما الملاطفة فأمر خارج عن طوق البشر، ولن تكون إلا ممن فقد غيرته، وذهبت من نفسه معالم الرجولة والنخوة.
__________
(1) سورة القصص: الاية 26. أما أمانته فقد حدثناك عنها. وأما قوته فقد قيل: لأنها شاهدته وهو ينحى عن البئر، وما كان يطيق ذلك إلا الجماعة من الرجال، وقيل: لأنها رأته وقد دفع الرعاء عن البئر على كثرتهم، ولم يخشهم، وسقى لهما.(2/266)
ويبلغ السمو الإنساني بالرسول في معاملة عائشة حينما دخل عليها وهي في بيت أبيها وقال لها: «يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه» !!.
يا لعظمة النفس، إن العظيم حقا هو الذي يعلم أن كل بني ادم خطاء، وييسر للمذنبين طريق التوبة، والقوي حقا هو الذي يرحم ضعف الناس!!.
كان يمكن للنبي صلوات الله وسلامه عليه أن يطلق عائشة، وبذلك يستريح من ألم النفس الواصب، ويقطع قالة السوء، ولكن كيف يكون هذا؟
وهو الذي وسع بصدره وخلقه الناس جميعا على اختلاف مشاربهم وفطرهم وطبائعهم، حتى استحق ثناء الحق جل وعلا حيث يقول: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
5- كرامة بيت أبي بكر رضي الله عنه على ربه، فقد شاء الله أن يبرىء عائشة من فوق سبع سماوات، وأن ينزل في شأنها قرانا يتلى إلى يوم الدين، وهذا بعض ما جوزي به رجل دخل في الإسلام من أول يوم، وبذل نفسه وأهله وماله لله ولرسوله، ولم يزد- وقد تلظّى بنار هذه الفتنة- على أن قال: (والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية فكيف بعد أن أعزنا الله بالإسلام) !! وما جوزيت به سيدة قدمت للرسول كل خير، ووفرت له كل وسائل الراحة النفسية والبيتية حتى تفرغ لأداء رسالة ربه، ولم تملك حينما نزل بها البلاء؛ وحل المصاب، إلا أن قالت كما قال نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ «1» .
__________
(1) سورة يوسف: الاية 18.(2/267)
تفسير ايات الإفك
قال الله تبارك وتعالى:
إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ «1» .
بِالْإِفْكِ: أشنع الكذب وأفحشه. عُصْبَةٌ مِنْكُمْ: الجماعة من العشرة إلى الأربعين، منهم عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش. لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ: خطاب للمسلمين ولا سيما من بلغ منهم الأذى مبلغه. بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:
يعني في الدنيا والاخرة: أما في الدنيا فلأنه نزل بسببه تشريع عام خالد يحفظ الحرم ويصون المجتمع، ولما تمخّض عنه من تبرئة عائشة حبيبة رسول الله والشهادة لال بيت الرسول بالطهر والعفاف، وتبرئة الرجل الصالح صفوان، وأما في الاخرة فلما لهم من رفعة الدرجات بالصبر على المحنة والبلاء. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ: جزاء ما اجترح من الذنب على قدر ما خاض فيه. وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ: كبر الشيء معظمه، وهو ابن أبي فهو الذي كان يجمعه ويذيعه ويشيعه.
ثم أدّب الله المؤمنين والمؤمنات مما كان ينبغي أن يسلكوه في هذه القصة من أدب فقال:
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ «2» .
لَوْلا: هلّا. مُبِينٌ: بين ظاهر. يعني هلّا قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، وظنوا بإخوانهم خيرا، ولو أنهم فعلوا لتبين لهم أن أم المؤمنين أولى البراءة وأحرى، ولتعففوا عن النطق بهذا الهجر من القول، وممن تأدب بهذا
__________
(1) سورة النور: الاية 11.
(2) سورة النور: الاية 12.(2/268)
الأدب الإلهي السامي سيدنا أبو أيوب الأنصاري، فقد قالت امرأته أم أيوب:
أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منك!!.
ثم قال تعالى:
لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ «1» .
«عند الله» : يعني في حكمه وشريعته، لأنهم لم يستطيعوا أن يأتوا بشهداء، وحكم القاذف في الإسلام إن لم يأت بهم أن يحدّ حد القذف، وقد حدّ النبي صلى الله عليه وسلم الأربعة الذين صرحوا بالقذف لما تبين كذبهم بشهادة الوحي.
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ «2» .
«لولا» : حرف امتناع لوجود: يعني لولا أني فضّلت أن أتفضل عليكم بضروب النعم في الدنيا التي من جملتها الإمهال، وقبول توبة التائبين، والترحم عليكم في الاخرة بالعفو والمغفرة، لعاجلتكم بالعقوبة في الدنيا والعذاب الدائم في الاخرة. وهذا فيمن عنده إيمان يقبل الله بسببه التوبة كحسان ومسطح وحمنة، فأما من خاض فيه من المنافقين كابن أبي وأضرابه فليسوا مرادين لأنهم ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يؤهلهم لاستحقاق هذا.
ثم بين سبحانه الأحوال والملابسات التي كانت توجب أن ينزل بهم العذاب فقال: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ: أي يتلقفه بعضكم من بعض من غير تحر وتثبت ثم يذيعه، وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ: يعني أن قالة
__________
(1) سورة النور: الاية 13.
(2) سورة النور: الاية 14.(2/269)
السوء التي نطقتم بها ليس لها ما يسندها من علم أو دليل، وليست نابعة عن اعتقاد وإنما هي شكوك وأراجيف لا تعدو طرف اللسان، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ «1»
: هذه جريمة من جرائمهم وهي استصغارهم لذلك وهو عظيمة من العظائم عند الله، ولو لم تكن عائشة زوجة نبي لما كان هينا، فكيف وهي زوجة خاتم الأنبياء، وسيد ولد ادم على الإطلاق، وهي بالمنزلة التي لا تخفى عليكم نسبا وشرفا ودينا؟
ثم قال سبحانه:
وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ «2»
«سبحانك» : كلمة تعجب من الأمر المستفظع «بهتان» : كذب فاحش وهذا تأديب اخر للمؤمنين أنه كان الأليق بهم أن يستعظموا هذه المقالة، ويطهروا ألسنتهم من النطق بها، ثم حذرهم سبحانه أن يعودوا لمثل هذه المقالة الفاحشة التي تجافي الإيمان فقال: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «3» .
ثم قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «4»
. هذا تأديب إلهي ثالث لمن سمع قالة السوء أو علم بفاحشة ألايذيعها ويشيعها، لما في إشاعة الفاحشة من إثارة بواعث الشر في النفوس، وإيقاظ الفتنة بين الناس، وفي ذلك ما فيه من الإضرار بالأسر والجماعات.
ومن أدب النبوة في هذا قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة» رواه مسلم، وقال: «يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الإيمان
__________
(1) سورة النور: الاية 15.
(2) سورة النور: الاية 16.
(3) سورة النور: الايتان 17، 18.
(4) سورة النور: الاية 19.(2/270)
قلبه لا تتّبعوا عورات المسلمين، فإن من تتّبع عورات المسلمين فضحه الله تعالى في قعر بيته» رواه أبو داود.
ثم قال سبحانه: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «1»
. جواب لولا محذوف أي لعاجلكم بالعقوبة، وفي هذا تكرير للمنّة بترك المعاجلة، وفي حذف الجواب إيجاز معجز لتذهب النفس فيه كل مذهب، فلله در التنزيل، ما أبلغه وما أكثر بركاته!!.
ومما يتصل بايات الإفك قوله سبحانه:
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (23) «2» .
«المحصنات» : العفائف، «الغافلات» : يعني عن الفاحشة، وهذا أسمى وصف يدل على العفة، فإن من العفائف من تخطر الفاحشة ببالها ثم لا تلبث أن تزول، ولكن أعف العفة أن تكون المرأة غافلة عن التفكير فيها والخطور بنفسها، ويدخل في هذه الأوصاف أمهات المؤمنين دخولا أوليا ولا سيما عائشة التي كانت سبب نزولها، فالذين يرمون بالزنا المحصنات الغافلات المؤمنات ملعونون في الدارين على ألسنة الخلق والملائكة، ومطرودون في الاخرة من رحمة الله، ولهم عذاب هائل لا يقادر قدره لعظم ما ارتكبوه.
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ «3» .
ومعنى شهادة الجوارح المذكورة أنه عز وجل ينطقها بقدرته، فتخبر كل جارحة منها بما صدر عنها من الذنوب والاثام. دِينَهُمُ الْحَقَّ: أي يعطيهم
__________
(1) سورة النور: الاية 20.
(2) سورة النور: الاية 23.
(3) سورة النور: الايتان 24، 25.(2/271)
جزاءهم المطابق لمقتضى العدل والحكمة وافيا تاما. الْحَقُّ الْمُبِينُ: الحق الظاهر ألوهيته والظاهر حقيته.
ثم ساق سبحانه دليلا على براءة السيدة عائشة على ما هو السنة الجارية الغالبة فيما بين الناس، فقال: الْخَبِيثاتُ: أي من النساء لِلْخَبِيثِينَ من الرجال، وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ: ذكره وإن كان مفهوما مما سبق مبالغة في التأكيد. وَالطَّيِّباتُ من النساء لِلطَّيِّبِينَ من الرجال، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أي والطيبون من الرجال للطيبات من النساء لا يتجاوزوهن إلى من عداهن، وحيث كان رسول الله أطيب الطيبين، وخير الأولين والاخرين، فقد ثبت كون الصدّيقة من أطيب الطيبات، واتضح بطلان ما قيل فيها من الترهات.
أُولئِكَ: إشارة إلى ال البيت النبوي رجالا ونساء، ويدخل فيه السيدة عائشة دخولا أوليا. مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ: منزهون عما يقوله أهل الإفك في حقهم من الأكاذيب. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ: مغفرة لما عسى أن يقع منهم من خلاف الأولى، أو ما لا يسلم منه إنسان من الذنب، ورزق دائم لا يزول ولا يحول وهو الجنة.
ورحم الله الإمام الزمخشري حيث قال في تفسيره: (ولو قلّبت القران، وفتشت ما أوعد به العصاة، لم تر الله قد غلّظ في شيء تغليظه في إفك عائشة رضوان الله عليها، ولا أنزل من الايات القوارع المشحونة بالوعيد الشديد، والعتاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك، واستفظاع ما أقدم عليه- ما أنزل فيه على طرق مختلفة وأساليب مفتنة، ولو لم ينزل إلا هذه الثلاث «1»
لكفى بها، حيث جعل القذفة ملعونين في الدارين جميعا، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الاخرة، وبأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا وبهتوا، وأنه يوفيّهم جزاءهم الحق الواجب الذي هم أهله، حتى يعلموا عند ذلك أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فأوجز في ذلك وأشبع، وفصّل وأجمل، وأكّد
__________
(1) يريد قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... ، إلى قوله تعالى: الْحَقُّ الْمُبِينُ.(2/272)
وكرر، وجاء بما لم يقع في وعيد المشركين عبدة الأوثان إلا بما هو دونه في الفظاعة وما ذلك إلا لأمر.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان بالبصرة يوم عرفة، وكان يسأل عن تفسير القران، حتى سئل عن هذه الايات فقال: «من أذنب ذنبا ثم تاب عنه قبلت توبته، إلا من خاض في أمر عائشة» ، وهذه منه مبالغة وتعظيم لأمر الإفك، وقد برّأ الله أربعة بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها، وبرأ موسى من قول اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثوبه «1»
، وبرّأ مريم بإنطاق ولدها حين نادى من حجرها إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وبرّأ عائشة بهذه الايات العظام، في كتابه المعجز، المتلو على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات، فانظر كم بينها وبين تبرئة أولئك، وما ذلك إلا لإظهار علو منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتنبيه على أنافة محل سيد ولد ادم، وخيرة الأولين والاخرين، وحجة الله على العالمين، ومن أراد أن يتحقق من عظمة شأنه صلى الله عليه وسلم، وتقدم قدمه، وإحرازه لقصب السابق دون كل سابق- فليتلق ذلك من ايات الإفك، وليتأمل كيف غضب الله له في حرمته، وكيف بالغ في نفي التهمة عن حجابه) «2» .
__________
(1) هذه القصة رويت في صحيح البخاري، وقد أشار إليها الله في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا، وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً، وكانوا رموه بأنه «ادر» أي منتفخ الخصية، وبينا هو ذات يوم يغتسل في البحر وقد ترك ثيابه على حجر، إذ فرّ الحجر بثوبه، فصار يجري وراءه وهو يقول: ثوبي يا حجر، فرأى الناس أن ليست به أدرة.
(2) تفسير الكشاف، ج 2 ص 78.(2/273)
غزوة الخندق أو الأحزاب
كانت قريش تود لو أتيحت لها الفرصة للقضاء على النبي والإسلام، ولا سيما بعد ما أصابها من نكسة بسبب نكوصها عن الخروج في بدر الاخرة.
وكان الأعراب الذين نال منهم النبي وصحابته موتورين ويتحينون الفرصة للانتقام. وكان اليهود من بني قينقاع وبني النضير الذين أجلاهم النبي عن المدينة مغيظين محنقين، ويسعون ما وسعتهم الحيلة في القضاء على هؤلاء الذين أجلوهم عن ديارهم، ونسوا عفو النبي عنهم، وكان يمكنه أن يبيدهم بدل إجلائهم، فلا تعجب إذا كانت قوى الشر الثلاث هذه قد تعاونت قصد القضاء على الإسلام والمسلمين، فكانت غزوة الأحزاب.
تأليب اليهود على النبي
وحمل اليهود وزر التأليب، فخرج وفد منهم على رأسهم حييّ بن أخطب النضري، وسلّام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، ونفر من وائل حتى قدموا على قريش، فدعوهم إلى حرب النبي وقالوا: إنا سنكون معكم حتى نستأصله، فرحبت قريش بمقدمهم، واستجابوا لدعوتهم، وحرضوهم على مواصلة مسعاهم.
تفضيل اليهود الوثنية على الإسلام
وانتهزت قريش وجود هذا الوفد الحانق المضلل فقالوا لهم: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق(2/275)
منه!! وإنها لسقطة من اليهود وهم أهل كتاب أن يفضلوا الوثنية على التوحيد، وقد سجل الله عليهم هذا الموقف المخزي فقال سبحانه:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا. أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً «1» .
وكفى اليهود خزيا أن يهوديا مثلهم قد اخذهم على هذا الموقف المشين، قال الدكتور إسرائيل ولفنسون في كتابه «تاريخ اليهود في بلاد العرب» : كان من واجب هؤلاء اليهود ألا يتورطوا في مثل هذا الخطأ الفاحش، وألا يصرحوا أمام زعماء قريش بأن عبادة الأصنام أفضل من التوحيد الإسلامي، ولو أدى بهم الأمر إلى عدم إجابة مطالبهم «2» .
استمرار اليهود في تأليب القبائل
وخرج هؤلاء النفر، فطافوا على بني مرة، وبني فزارة، وبني أشجع وسليم، وبني سعد وأسد، وكل من له عند المسلمين ثأر، يحرضونهم ويعلمونهم أن قريشا معهم.
خروج الأحزاب
وتجمعت الأحزاب لحرب رسول الله والمسلمين، فخرجت قريش وعلى رأسها أبو سفيان بن حرب في أربعة الاف، معهم ثلاثمائة فرس وألف وخمسمائة بعير، ويحمل لواءهم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة الذي قتل أبوه وهو يحمل اللواء يوم أحد. وخرجت غطفان يرأسها عيينة بن حصن الأحمق المطاع، الذي صالحه رسول الله وأقطعه أرضا يرعى فيها سوائمه، وكان معه ألف فارس.
وخرج بنو مرة في أربعمائة برئاسة الحارث بن عوف المري. وتجهزت بنو سليم في سبعمائة مقاتل، وبنو أسد يرأسهم طليحة بن خويلد الأسدي، وبنو أشجع.
__________
(1) سورة النساء: الايتان 51- 52.
(2) حياة محمد ص 320.(2/276)
وهكذا تحزبت الأحزاب حتى صاروا عشرة الاف قائدهم العام أبو سفيان بن حرب، وساروا قاصدين المدينة.
وكانت الخندق في شوال سنة خمس عند جمهور العلماء من أهل المغازي وغيرهم، وهو الصحيح «1» .
استشارة الرسول أصحابه
واتصل نبأ هذا الجمع الحاشد بالرسول، فاستشار أصحابه، أيقيمون في المدينة أم يخرجون للقاء العدو؟ ولما كان عدد المهاجمين عظيما لا قبل للمسلمين على الوقوف أمامهم في سهل منبسط كسهل بدر دون أن تكون العاقبة عليهم، قرّ رأي المسلمين على أن يتحصنوا بالمدينة، ولكن أيجدي التحصن أمام هذا الجيش الكبير؟ وهنالك تقدم سيدنا سلمان الفارسي إلى رسول الله يعرض عليه أن يحفر المسلمون خندقا في الجهة الشمالية، وهي عورة المدينة لا يستطيع المهاجمون نفاذا إلى المدينة إلا منها، إذ إن بقية مداخل المدينة ضيقة المسالك مشتبكة البيوت والنخيل، لا يفكر العدو في النفاذ منها، لما يخشى أن يصيبه من أسطح المنازل ونحوها، ثم هي لا تتسع إلا لعدد من المهاجمين، مما يسهل على المسلمين تصيدهم وإبادتهم، فاستحسن الرسول الفكرة، ودعا له بخير.
حفر الخندق
وشرع المسلمون في حفر الخندق في جو بارد، ورسول الله معهم يحفر ويحمل التراب بنفسه، وقد جعل لكل عشرة منهم أربعين ذراعا، واحتق المهاجرون والأنصار في سلمان كل يريد أن يكون من قبيله، فحسم الرسول الأمر بقوله: «سلمان منا أهل البيت» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما بهم من النصب والتعب نشّطهم بمثل قوله:
اللهمّ إن العيش عيش الاخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
__________
(1) البداية والنهاية، وفتح الباري، ج 7 ص 364 و 375.(2/277)
فيجيبون قائلين:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
وهكذا تجاوبت المشاعر بالإيمان، والعزائم بالكفاح والجلاد.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته يحمل من تراب الخندق حتى وارى عنه التراب جلدة بطنه وكان كثير الشّعر، فسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة وهو ينقل التراب يقول:
اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا
ثم يمد صوته باخرها، يعني بقول: أبينا. أبينا «1» .
ولا تسل عما كانت تصنعه هذه الكلمات المؤمنة العذاب في نفوسهم من مضاعفة الجهد، والاستهانة بالنصب والتعب، وبهذا العمل الدائب أتموا حفر الخندق في ستة أيام، وقد استعانوا بالأحجار الصلبة فاتخذوا منها متاريس يتحصنون بها.
تخاذل المنافقين
على حين كان المؤمنون المخلصون يجدّون في حفر الخندق كان المنافقون يتخاذلون، ويتسلّلون إلى أهليهم دون إذن الرسول. أما المؤمنون فقد كان الواحد منهم إذا عرضت له الحاجة الملحة استأذن الرسول، فإذا قضى حاجته
__________
(1) في مدّ الصوت بهذا المقطع من البيت ما فيه من التطابق بين اللفظ والمعنى واللحن المعبر، فهو إباء أبيّ، متصل ممدود، لا يعرف الضعف والاستخذاء، ولا الاستكانة والاستسلام.(2/278)
رجع إلى عمله رغبة في الخير، وطلبا للأجر، وقد أنزل الله في هؤلاء وأولئك قوله:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «1» .
نبوات صادقة
وفي أثناء الحفر عرضت للمسلمين صخرة بيضاء صلدة شقّ عليهم كسرها، فذهب سلمان إلى رسول الله فأخبره عنها، فجاء فأخذ المعول من سلمان، فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها- يعني المدينة- حتى كأنها مصباح في ليل مظلم، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبّر المسلمون، ثم ضربها الثانية فكذلك، ثم الثالثة فكذلك. فسألوا رسول الله عن ذلك، فقال: «لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة، ومدائن كسرى، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثانية القصور الحمر من أرض الروم، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ومن الثالثة قصور صنعاء، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا» . فاستبشر المسلمون وقالوا:
موعود صادق «2» .
وقد صدّق الله نبوءة نبيه، فكانت معجزة ظاهرة من معجزات النبي، إذ لم يمض على هذه الحادثة إلا نحو ربع قرن حتى فتحت هذه البلاد كلها
__________
(1) سورة النور: الايتان 62- 63.
(2) روى هذه القصة ابن إسحاق، وابن جرير الطبري، والطبراني. وروى أصلها الإمام البخاري في صحيحه.(2/279)
ودخلت تحت لواء الإسلام، ولذلك كان أبو هريرة- رضي الله عنه- يقول حين فتحت هذه الأمصار: افتتحوا ما بدا لكم، فو الذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيحها قبل ذلك!!
وكنت أحب من المنكرين لنبوة سيدنا محمد أن يتأملوا في هذه النبوات التي صدّقها الزمن، مع أنها قيلت في ظروف وملابسات ما كانت تشجع عليها، فإن أشد الناس تفاؤلا ما كان يجول بخاطره أن يقول هذا، أو يفكر فيه؛ اللهم إلا أن يكون نبيا يوحى إليه.
ولا جائز لقائل أن يقول: لعلها رمية من غير رام فأصابت، لأنا نقول:
إن تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم، وما عرف عنه من الاتئاد والتروي في الأمور، وعدم المجازفة في القول، والبصر بالعواقب ونحو ذلك ما أقر به الأعداء والأصدقاء يرد هذا الجواز، ويبعده، فلم يبق إلا أنها نبوات صادقة من نبوات الوحي، فاعتبروا يا أولي الأبصار!!
جيش المسلمين
وبعد أن أتم المسلمون الحفر خرج النبي وأصحابه في ثلاثة الاف من المسلمين بعد أن استخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وكان يحمل لواء المهاجرين زيد بن حارثة، ولواء الأنصار سعد بن عبادة، وأمر الذراري والنساء فجعلوا فوق الاطام (الحصون) ، وأسند ظهر الجيش إلى جبل (سلع) ، وجعل الخندق بينه وبين المشركين.
دهشة المشركين من الخندق
وأقبلت قريش بجموعها وهي ترجو أن يكون المسلمون بأحد، فجاوزته إلى المدينة، فإذا بها أمام الخندق، فدهشت وعجبت لأن العرب لم يكن لهم عهد بهذا النوع من الدفاع، واتخذت قريش ومن تابعها مكانا لها حول الخندق، وعسكرت غطفان ومن تبعها من أهل نجد بمكان اخر، ورأوا ألاسبيل إلى اجتياز الخندق، فاكتفوا بالترامي بالنبال عدة أيام، وأيقنوا أنهم سيقيمون أياما(2/280)
طوالا في هذا الشتاء القارص البرد، العاصف الرياح، المنذر بالمطر بين حين واخر.
نقض بني قريظة العهد
وخرج حييّ بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عهداهم، فلما سمع به كعب أغلق بابه دونه، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له وقال:
يا حيي إنك امرؤ مشئوم، وإني عاهدت محمدا عهدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا. وما زال حييّ به حتى فتح له فقال: ويحك يا كعب لقد جئتك بعز الدهر، قال: وما ذاك؟ قال: لقد جئتك بقريش على قادتها وسادتها، وبغطفان على قادتها وسادتها، وقد عاهدوني على ألايبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه، فقال كعب: دعني يا حيي، فإني لم أر من محمد إلا وفاء وصدقا!!
وتكلم عمرو بن سعدى القرظي فذكر وفاء الرسول ومعاهدتهم إياه وقال:
إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوه، ولكن حييا ما زال بكعب يفتله في الذروة والغارب «1» حتى غلبت عليه يهوديته فاستجاب له، ونقض ما بينه وبين الرسول من عهد، ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العهد إلا بني سعنة: أسد وأسيد وثعلبة، فإنهم خرجوا إلى رسول الله ووفوا بالعهد.
استجلاء الرسول الخبر
فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن معاذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة، وخوّات بن جبير وقال: «انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا أحق ما بلغنا عنهم؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه «2» ، ولا تفتّوا في أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس» .
__________
(1) هذا مثل يضرب في المراوضة والمخاتلة، وأصله في البعير يستصعب عليك فتأخذ القرادة من ذروته وغارب سنامه وتفتل هناك، فيجد البعير لذة فيأنس عند ذلك.
(2) يعني أسلوب التعريض والتلويح لا التصريح.(2/281)
فخرجوا حتى أتوهم فوجدوا أن الخبر صحيح، ووقعوا في رسول الله ونالوا منه، فجعل سعد بن معاذ يشاتمهم فأغضبوه، فقال له سعد بن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أعظم من المشاتمة، ثم أقبل السعدان ومن معهما فقالوا: عضل والقارة، أي غدر كغدرهم بأصحاب سرية الرجيع، فقال رسول الله: «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين» ، ثم تقنّع بثوبه واضطجع، ومكث طويلا، فعرفوا أنه لم يأته خير عن بني قريظة، ثم رفع رأسه وقال:
«أبشروا بفتح الله ونصره» .
اشتداد البلاء والخوف
وعظم البلاء على المسلمين، واشتد الخوف، فقد أتاهم العدو من فوقهم، ومن أسفل منهم، وتنوعت الظنون، وكثرت الهواجس، فأما المؤمنون المخلصون فازدادوا إيمانا، وأيقنوا أن نصر الله لابدّ أن يكون، وأما المنافقون وضعفاء الإيمان فقد كشفوا عن خبيئة نفوسهم حتى قال بعضهم: كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!!
وعزم البعض على الرجوع إلى المدينة، وتعلّل بعضهم بأن بيوتهم مكشوفة غير محصّنة، واستأذنوا النبي ورجعوا، وهكذا استحكم البلاء، ولاح الشر من كل مكان. ولن تجد أدق في تصوير هذه الحالة من قوله سبحانه:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ... الايات «1» .
وقد اضطر الرسول وقد نقضت قريظة العهد أن يرسل مسلمة بن أسلم في مائتين، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة لحراسة المدينة خوفا على النساء والذراري
__________
(1) سورة الأحزاب: الاية 9 وما بعدها.(2/282)
من غدر اليهود، وهكذا تضاءل عدد الجيش الواقف للدفاع قبالة الخندق بانسحاب بعض المنافقين أولا، ثم بهذا العدد الذي وجهه النبي لحراسة المدينة.
اقتحام بعض المشركين الخندق
وقد شجّع نقض قريظة العهد وطول المقام أمام الخندق بلا قتال بعض المشركين على اقتحام الخندق، فتيمّموا مكانا من الخندق ضيقا وأكرهوا خيلهم فاقتحموه منه، فجالت بهم في أرض سبخة بين الخندق وسلع، منهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب بن مرداس، فأسرع إلى الخروج إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم.
قتل عمرو بن عبد ود
وكان عمرو بن عبد ودّ أشجع فارس في العرب، وقد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما «1» ليرى مكانه، فلما اقتحم الخندق قال: من يبارز؟ فبرز إليه علي بن أبي طالب وقال له: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه؟ قال: أجل، قال: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام، فقال:
لا حاجة لي بذلك، فقال له: فإني أدعوك إلى النزال، قال له: لم يا ابن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك؟ فقال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي، فتنازلا وتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه، فخرجت خيل الباقين منهزمة حتى اقتحمت الخندق هاربة.
وأقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة على فرس له بعد ما غربت الشمس يريد أن يجتاز الخندق، فهوى هو والفرس فصرعا، وقيل بل نزل إليه علي بن أبي طالب فقتله، وقيل قتله الزبير بن العوام.
__________
(1) جعل لنفسه علامة ليعرف بها.(2/283)
فأرسل أبو سفيان بن حرب يعرض دية جثته مائة من الإبل، فرفض عليه الصلاة والسلام ذلك وقال: «خذوه فإنه خبيث، خبيث الدية، نحن لا نأكل ثمن الموتى» !!
ورمي سعد بن معاذ يومئذ بسهم فقطع أكحله «1» ، وكان جرحه سببا في وفاته كما ستعلم، واستمرت المناوشة والمراماة بالنبال يوما كاملا، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق حراسا حتى لا يقتحمه المشركون بالليل، وكان يحرس بنفسه ثلمة فيه مع شدة البرد.
محاولة لتفريق الأحزاب
ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخذّل بين الأحزاب ويفرق جمعهم، فبعث إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف المرّي- وهما قائدا غطفان- وساومهما على أن يأخذا ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما، فقبلا، ولكن الرسول ما كان ليبرم أمرا لم ينزل فيه وحي حتى يستشير أصحابه.
فأرسل إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر لهما ذلك، فقالا:
يا رسول الله أمرا نحبه فنصنعه؟ أم شيئا أمرك الله به لابدّ لنا من العمل به؟ أم شيئا تصنعه لنا؟ فقال: «بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحد، وكالبوكم- اجتمعوا عليكم- من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما» ، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟!!.
والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأنت وذاك» .
__________
(1) عرق في الذراع.(2/284)
ويرى بعض المؤرخين أن عرض الرسول عهد الصلح هذا لم يقصد به العرض حقيقة، وإنما سبرا لغور الأنصار، وتعرفا لمبلغ استعدادهم للذود عن المدينة، والتضحية بالنفس في سبيل العقيدة، وقد ظهر له صلى الله عليه وسلم أن الأخطار والمخاوف وتكالب عوامل الشر لم تزدهم إلا إيمانا وصلابة في الدفاع عن دينهم.
الحرب خدعة
إن الله سبحانه إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب ويسّر له الوسائل، وقد ساقت الأقدار نعيم بن مسعود الأشجعي- وهو من غطفان- إلى رسول الله، وكان صديقا لقريش واليهود، فقال: يا رسول الله إني قد أسلمت وقومي لا يعلمون بإسلامي، فمرني بأمرك حتى أساعدك.
وتفتّق العقل الكبير عن هذا التوجيه الرائع والإيمان إلى العمل السياسي البارع، فقال له: «أنت رجل واحد وماذا عسى أن تفعل؟ ولكن خذّل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة»
» .
وكان نعيم عند حسن ظن النبي وأهلا لتوجيهه، فخرج من عند النبي وتوجّه إلى بني قريظة فقال: يا بني قريظة تعرفون ودّي لكم، وخوفي عليكم، وإني محدثكم حديثا فاكتموه عني، قالوا: نعم لست عندنا بمتهم، فقال: لقد رأيتم ما وقع ببني قينقاع والنضير، وإن قريشا وغطفان ليسوا مثلكم، فهم إذا رأوا فرصة انتهزوها وإلا انصرفوا لبلادهم، وأما أنتم فتساكنون الرجل- يريد الرسول- ولا طاقة لكم بحربه واحدكم، فأرى ألاتدخلوا في هذه الحرب حتى تستيقنوا من قريش وغطفان أنهم لن يتركوكم ويذهبوا إلى بلادهم، بأن تأخذوا منهم رهائن سبعين شريفا منهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه. فاستحسنوا رأيه وقالوا: قد أشرت بالرأي.
__________
(1) خدعة بفتح المعجمة وضمها مع سكون المهملة، وبضم أوله وفتح ثانيه وهي أشهر لغاتها، وأفصحها الأولى حتى قال ثعلب: إنها لغة النبي. ومعنى الأولى أن الحرب تنتهي بخدعة واحدة، والثانية أن الشأن في الحرب الخداع، والثالثة صيغة مبالغة أي كثيرة الخداع.(2/285)
ثم قام من عندهم وتوجه إلى قريش فاجتمع برؤسائهم وقال: أنتم تعرفون ودّي لكم ومحبتي إياكم، إني محدّثكم حديثا فاكتموه عني، فقالوا نفعل، فقال لهم: إن بني قريظة قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه أنا قد ندمنا على فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من قريش وغطفان جمعا من أشرافهم، ونعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم.
ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، ولا أظنكم تتهمونني، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال لهم: فاكتموا عني قالوا: نفعل، ثم أخبرهم بما أخبر به قريشا، وحذّرهم مثل ما حذّرهم.
نجاح التدبير
فلما كانت ليلة السبت من شوال أرسل أبو سفيان بن حرب رؤوس غطفان وفدا برئاسة عكرمة بن أبي جهل إلى بني قريظة فقالوا لهم: إنا لسنا بدار مقام، قد هلك الخفّ والحافر- الإبل والخيل- فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا، ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت، ولم يصبنا ما أصابنا إلا من التعدّي فيه، ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم، فإنا نخشى إن ضرّستكم الحرب «1» واشتد عليكم القتال أن تذهبوا إلى بلادكم وتتركونا، والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا به.
فلما رجعت إليهم الرسل بذلك قالوا: والله إن الذي حدّثكم نعيم بن مسعود لحق!! فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فلما انتهت إليهم الرسل بذلك قالت قريظة: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق!! فأرسلوا إلى قريش وغطفان: أنا لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهائن. وهكذا بلغ هذا التدبير المحكم غايته بالتفرقة بين قريظة والأحزاب.
__________
(1) ضرستكم: ضعضعتكم ونالت منكم.(2/286)
دعاء وابتهال
وفي هذه الغمرة من الشدائد والمخاوف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا ينفكون عن الدعاء والتوجه إلى رب السماء. ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الأحزاب فقال: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب. اللهم اهزمهم وزلزلهم» ، وفي رواية: «اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم» . وعن أبي سعيد الخدري قال: قلت يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟! قال: «نعم، اللهم استر عوراتنا، وامن روعاتنا» «1» .
هزيمة الأحزاب
واستجاب الله لرسوله والمؤمنين، ونزل المدد من السماء، وأرسل الله عليهم ريحا شديدة في ليلة شاتية باردة، فهدمت خيامهم، وكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وفعلت فيهم جنود الله غير المرئية الأفاعيل، فامتلأت قلوبهم رعبا وخوفا، وساد الهرج والمرج والجلبة والصياح.
تعرف أخبار القوم
وكان رسول الله مستيقظا لا ينام، وقائما لا ينفك عن الصلاة، فلما سمع الجلبة قال: «من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة؟» ، فما قام رجل من القوم من شدة الخوف والبرد والجوع، فلما لم يقم أحد دعا حذيفة بن اليمان، قال: فلم يكن لي من بدّ من القيام حين دعاني، فقال: «يا حذيفة اذهب فادخل القوم فانظر ماذا يصنعون، ولا تحدثنّ شيئا حتى تأتينا» .
قال: فذهبت فدخلت في القوم وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، فقام أبو سفيان فقال: لينظر كل امرىء من جليسه؟ فأخذ حذيفة بيد الرجل الذي كان جنبه، فقلت: من أنت؟ قال: فلان بن فلان، وتنادى الأعراب بالرحيل، وقام طليحة بن خويلد الأسدي فقال: إن محمدا قد بدأكم بشر فالنجاء
__________
(1) رواه أحمد في المسند.(2/287)
النجاء!! ثم نادى أبو سفيان بالرحيل فقال: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخفّ «1» ، وأخلفتنا قريظة، ولقينا من شدة الريح ما ترون، فارتحلوا فإني مرتحل!! ثم قام إلى بعيره وركبه، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فأسرعت إلى ديار قومها.
ثم رجع حذيفة ورسول الله يصلي وعليه كساء يمني، فلما فرغ من صلاته أخبره الخبر، فغطاه رسول الله بطرف كسائه، حتى ذهب عنه القر، فما زال نائما حتى أصبح.
الأوبة إلى المدينة
واب النبي وأصحابه إلى المدينة، وقد أزال الله الكرب، وكشف الغمة، ووعد أصحابه ألايغزوهم المشركون بعد هذا بل هم الذين سيغزونهم، فما قامت للمشركين بعدها قائمة، وما زال أمر المسلمين في ازدياد حتى توج ذلك بفتح مكة، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
وعاد الرسول والمسلمون وهم يكبّرون ويقولون: لا إله إلا الله واحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير: ايبون تائبون، عابدون ساجدون، لربنا حامدون، لا إله إلا الله واحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب واحده، فلا شيء بعده.
__________
(1) الكراع: الخيل. الخف: الإبل.(2/288)
ما نزل من الايات في غزوة الأحزاب
وقد أنزل الله سبحانه في هذه الغزوة بضع عشرة اية من سورة الأحزاب، وإليك تفسيرها موجزا:
قال عزّ شأنه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: خطاب للمؤمنين الذين هم أهل العبرة والذكرى. اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ: وهي رجوع الأحزاب مدحورين مخذولين، ورجوعكم منصورين امنين. إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ قريش وغطفان وأتباعهما فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً عاصفة في ليلة مطيرة، فضرّست أجسامهم، واقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وكفأت قدورهم وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها هم الملائكة ألقوا في قلوبهم الرعب والخوف، فذهبت معنوياتهم ورجعوا وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً بتاء الخطاب أي من نصرة نبيكم، فيجازيكم أحسن الجزاء. وقرىء في السبع بالياء، أي من تأليبهم على نبيّه، وتحزبهم عليه، فهو وعيد لهم.
ثم صور سبحانه ما نزل بهم من بلاء وشدة لتعظم النعمة بأبلغ عبارة، فقال: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ هم قريش وغطفان وأحلافهما وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ هم بنو قريظة لما نقضوا العهد وأرادوا أن يطعنوهم من ظهورهم «1»
__________
(1) وقيل: «من فوقكم» بنو قريظة «ومن أسفل منكم» قريش وغطفان. وقيل من فوقكم عيينة بن حصن ومن معه، ومن أسفل منكم أبو سفيان ومن معه. والأول أولى، ويشهد له ما رواه الحاكم عن حذيفة قال: (لقد رأيتنا ليلة الأحزاب وأبو سفيان ومن معه من مكة من فوقنا، وقريظة أسفل منا نخافهم على ذرارينا، وما أتت علينا ليلة أشد ظلمة ولا ريحا منها، فجعل المنافقون يستأذنون ويقولون: إن بيوتنا عورة. فمرّ بي النبي-(2/289)
وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ فلا تثبت ولا تستقر على حال من شدة الخوف وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ لما كان من شأن الخائف المذعور أن تنتفخ رئتاه فتضغطان على القلب فيرتفع قليلا، كنّى بذلك عن شدة الخوف وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا الحسنة من جانب المؤمنين، وهي أن الله ناصر رسوله مهما اشتد البلاء والجهد، والسيئة من جانب المنافقين وضعفاء الإيمان الذين زعموا أن الله خاذل رسوله ودينه.
هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً تصوير بالغ في الإعجاز لما اعتراهم من الضيق والانحصار بين عدوين لدودين: الأحزاب واليهود.
ثم قصّ الله سبحانه ما قاله المنافقون وضعفاء الإيمان فقال: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً باطلا وزخرفا من القول، ويمثل هؤلاء من قال: إن محمدا يعدنا ملك كسرى وقيصر، ولا يقدر الواحد منا أن يذهب إلى الغائط، وهناك طائفة أخرى وهم عبد الله بن أبي وأصحابه حرّضت على الرجوع إلى المدينة متعلّلين بالتعلّات الباطلة، وهم المعنيون بقوله سبحانه: وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا يثرب هي المدينة وكانت تعرف بهذا في الجاهلية، سماها النبي (طابة) و (طيبة) ، وهناك طائفة ثالثة اعتذرت بالأعذار الواهية وهم المرادون بقوله سبحانه: وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ، يَقُولُونَ: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ يعني مكشوفة للعدو والسرّاق غير محصنة، وهم قوم من بني حارثة ويمثلهم أوس بن قيظي، وقيل هم قوم من بني حارثة وبني سلمة، وقد أكذبهم الله في هذا فقال:
وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ، إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً.
ثم بيّن سبحانه أن القائلين ذلك قوم جبناء لا ينتصرون لدين ولا حق ولا فضيلة، ولا تهمهم إلا أنفسهم، فقال سبحانه: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ
__________
- ولم يبق معه إلا ثلاثمائة فقال: «اذهب وأتني بخبر القوم» ودعا لي، فأذهب الله عني القر والفزع، فدخلت عسكرهم، فإذا الريح فيه لا تجاوزه شبرا، فلما رجعت رأيت فوارس في طريقي فقالوا: أخبر صاحبك أن الله عز وجل كفاه اليوم) . فتح الباري ج 7 ص 401.(2/290)
أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها بالمد، أي لأعطوها، وبغيره أي لجاؤوا بها، والمراد بالفتنة الشرك والردة، أقطارها: جوانبها وهي المدينة وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً يعني أنهم لو سئلوا الفتنة لما تريّثوا في الإجابة إلا قليلا ثم أعطوها، وهذا يدل على نفاقهم وضعف اعتقادهم وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ، وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا هم بنو حارثة همّوا أن ينكصوا يوم أحد مع بني سلمة فثبتهما الله، ثم عاهدوا الله ألايعودوا لمثلها أبدا، فلما كانت غزوة الأحزاب نكصوا وعادوا لما هموا به.
ثم بيّن سبحانه أن الجبن لا ينجي من القدر، وأن الموت بسيف، أو بدونه لابد أن يكون، وهبوا أنكم فررتم من أسباب الموت فما تتمتعون في الحياة إلا قليلا، فإن الحياة مهما طالت فهي قصيرة وعمر تأكله ذرات الدقائق والثواني وإن كثر فهو قليل، فقال: قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ثم بيّن سبحانه أن الموت والحياة، والخير والشر بيد الله، ولو أراد الله بكم سوا نزل بكم، ما عصمكم منه أحد منكم ولو أراد بكم خيرا ما منعه أحد عنكم، فقال: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً وليا ينفعكم، ونصيرا يدفع الضر عنكم.
ثم قال سبحانه: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ المنكّصين من القتال ونصرة الإسلام وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا، وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا هلمّ: تعالوا، البأس: الحرب، وهم عبد الله بن أبيّ ومن رجع معه إلى المدينة، فلم يكتفوا بزلتهم بل حاولوا استزلال غيرهم إلى القعود عن نصرة رسول الله أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ بخلاء بالمعونة والإنفاق في سبيل الله.
ثم صوّر الله جبنهم أبلغ تصوير بقوله: فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ جاء الخوف أي أسبابه لم تستقر أعينهم على حال، كالذي غشيته سكرات الموت فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ نالوكم بألسنة بذيئة سليطة أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ يعني أن(2/291)
شحّهم عليكم إنما هو لأن أنفسهم شحيحة بالخير أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً فإن من شأن النفاق أن يحبط الله به الأعمال فلا ثواب لها.
ثم بينّ الله شدّة خوفهم وجبنهم فقال: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا، وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ- يعني مرة ثانية- يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ أي مقيمون في البادية حتى لا يصيبهم أذى يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ، وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا يعني أنهم حتى وهم مقيمون بالبادية لا يجرؤون أن يتعرفوا أخباركم بأنفسهم، بل يتعرّفونها ممن يأتي من ناحيتكم، ومثل هؤلاء لا ترجون قتالهم معكم ونصرتهم لكم، لأنهم إن قاتلوا فمرااة وسترا لنفاقهم وتضليلا لغيرهم.
ثم أقبل على المؤمنين فقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً الأسوة بضم الهمزة وكسرها:
القدوة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محل القدوة في الصبر والشدائد، والثبات في الحروب، والصدق عند اللقاء، وفي كل شيء محل الائتساء، وإنما يأتسي برسول الله الذين يرجون رحمة الله وثواب الاخرة، ولا ينفكون عن ذكر الله، ومثل هؤلاء قلوبهم حاضرة، وضمائرهم حية، وأعمالهم كلها خير وصلاح.
ثم ذكر الله سبحانه المؤمنين وصدقهم في عقيدتهم، وتصديقهم بما وعدهم الله ورسوله مهما عظم البلاء، وأن ذلك لا يزيدهم إلا ثباتا على الإيمان، وصبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، فقال سبحانه: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا:
هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً فانظر الفرق بين الصورتين: صورة المؤمنين المشرقة، وصورة المنافقين المخزية.
ثم بيّن سبحانه أن من المؤمنين من سبق إلى الشهادة، ووفى بعهده، وأن منهم من ينتظرها ويترقبها، وأن هؤلاء وأولئك صدقوا الله بالإيمان، وثبتوا على الوفاء، فقال عزّ شأنه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا النحب: النذر اللازم،(2/292)
وقد أريد به هنا الموت، وكأن المجاهد الذي خرج مخاطرا بنفسه فاستشهد قد نذر نفسه لله ثم وفى بنذره، ومن هؤلاء الذين قضوا نحبهم من استشهدوا في بدر وأحد وغيرها.
ثم بيّن سبحانه أن الغاية من البلاء والاختبار بالمحن والشدائد أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق، فيجازي الأول خيرا والثاني شرا، فقال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ- يعني إن تابوا- إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. ثم ختم الله القصة بتذكيرهم بنعمة الله عليهم بهزيمة الأحزاب، وارتدادهم صاغرين، فقال: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً- نصرا- وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ، وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً ومن كان ملاذه القويّ العزيز الذي لا يغالب فقد اوى إلى ركن شديد وحليف عظيم.(2/293)
زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
هي السيدة زينب بنت جحش الأسدية، أخت شهيد أحد المجدّع في الله عبد الله بن جحش، وأمها السيدة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أوسط العرب دارا ونسبا، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، وقد تحقق بذلك غرضان شريفان: إبطال حرمة زوجة الابن المتبنّى، والقضاء على عنجهية الجاهلية بالاعتزاز بالأحساب والأنساب.
ذلك أن العرب كان من عادتهم التبنّي، وكانوا يلحقون الابن المتبنّى بالابن العصبي، وتجري عليه حقوقه في الميراث وحرمة زوجه على من تبنّاه، وكانت تلك العادة متأصلة فيهم. كما كان كبيرا عندهم أن تتزوج بنات الأشراف من موال وإن أعتقوا وصاروا أحرارا.
فلما جاء الإسلام كان من مقاصده أن يزيل الفوارق بين الناس التي تقوم على العصبية وحمية الجاهلية، فالناس كلهم لادم، وادم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وأن يقضي على بدع الجاهلية، وقد شاء الله أن يكون أول عتيق يتزوج بعربية في الصميم من العرب هو زيد بن حارثة، وأن يكون أول سيد يبطل هذه العادة الجاهلية هو رسول الله، فما على بنات الأشراف أن يتزوجن بعد من الموالي وهذه زينب بنت جحش قد اقترنت بزيد، وما على سادات العرب أن يتزوجوا بأزواج أدعيائهم بعد فراقهم لهن، وإمام المسلمين ومن يصدع بأمر الله قد فتح هذا الباب الموصد، وتزوج حليلة متبنّاه بعد فراقها، وقد كان ما أراده الله في تشريعه الحكيم.(2/294)
فرسول الله يخطب زينب لزيد فتأنف وتأبى ويأبى بعض أهلها، وينزل الوحي من السماء بقوله تعالى:
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً «1» .
فلم يكن بدّ من الإذعان والخضوع لما أراد الله ورسوله، فيتزوجها زيد، ولكنه وجد منها تعاظما وترفعا، وكان يؤذيه ذلك، فرغب في فراقها وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليه طلاقها، فكان ينصحه بإمساكها، وكان جبريل قد أخبر رسول الله بأن زينب ستكون من أزواجه، وسيبطل الله بزواجه منها هذه العادة الجاهلية، ولكن النبي وجد غضاضة على نفسه أن يأمر زيدا بطلاقها ثم يتزوجها، فتشيع القالة بين الناس أن محمدا تزوج حليلة ابنه كما كان يدعى في الجاهلية، ويصير عرضة للقيل والقال، وإرجاف المرجفين، وهو في دعوته إلى الله أحوج إلى تأييد المؤيدين، وقطع طريق التقوّل عليه من المبغضين.
فهذا القدر من خشية الناس حتى أخفى في نفسه ما أظهره الله بعد من تزوّجه بها هو ما عاتبه الله عليه، وقد صدع الوحي بالسبب الباعث على زواج النبي منها فقال عز شأنه:
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ «2» وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ «3» أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا «4» .
__________
(1) سورة الأحزاب: الاية 36.
(2) يعني بالإسلام وهو زيد.
(3) يعني بالعتق.
(4) سورة الأحزاب: الاية 37.(2/295)
ثم ردّ الله سبحانه على من عسى أن يتقوّل على النبي بسبب زواج النبي من زينب أو من غيرها من أمهات المؤمنين، ويفتري عليه فقال: ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً. الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً «1» .
نعم هذه سنة الله في الأنبياء السابقين، فقد كان لداود مائة من الزوجات فضلا عن السراري، وكان لسليمان ما يزيد عن المائة، فلئن كان لخاتم الأنبياء أكثر من أربع فليس ببدع من الرسل.
ثم بين الله بطلان التبني وبطلان ما يترتب عليه من الحقوق والاثار فقال عز شأنه:
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً «2» .
كما بيّن الله سبحانه إبطال التبني في الإسلام، وبين أنه لا يستقيم في منطق العقل أن يكون دعيا وابنا، فقال عز شأنه:
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ «3» أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «4» .
__________
(1) سورة الأحزاب: الايتان 38- 39.
(2) سورة الأحزاب: الاية 40.
(3) جمع دعيّ وهو المتبنّى.
(4) سورة الأحزاب: الايتان 4- 5.(2/296)
ومن بعدها صار يدعى مولى النبي «زيد بن حارثة» ولا يقال: «زيد بن محمد» ، وكذلك صنع المسلمون في مواليهم.
الروايات الصحيحة تؤيد ما ذكرناه
وهذا الذي ذكرناه في تفسير الخشية هو ما جاءت به الروايات الصحيحة والحسنة، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن هذه الاية:
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ نزلت في شأن زينب بنت جحش وزيد بن حارثة، وفي رواية أخرى عنه قال: جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» . قال أنس: (لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الاية) ، يعني لما فيها من عتاب، وهذا من أكبر الأدلة على أنه نبي يوحى إليه. قال الحافظ الكبير ابن حجر في فتح الباري «1» تعليقا على رواية البخاري: وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة من طريق السدّي، فساقها سياقا واضحا حسنا ولفظه: بلغنا أن هذه الاية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه، فكرهت ذلك، ثم رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه، ثم أعلم الله عز وجل نبيه بعد أنها من أزواجه، فكان يستحي أن يأمر بطلاقها، وكان لا يزال بين زيد وزينب ما يكون بين الناس، فأمره رسول الله أن يمسك عليه زوجه، وأن يتقي الله وكان يخشى أن يعيب عليه الناس ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيدا) .
وروى ابن أبي حاتم أيضا والطبري عن علي بن الحسين بن علي قال: (أعلم الله نبيه أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها، فلما أتاه زيد يشكوها وقال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» قال الله: قد أخبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه) .
وهذا ما ذهب إليه المحققون من المفسرين وغيرهم في تفسير الخشية، كالزهري، والقاضي بكر بن العلاء القشيري، والقاضي أبي بكر بن العربي،
__________
(1) ج 8 ص 425.(2/297)
والقاضي عياض في الشفاء «1» ، والحافظ المؤرخ ابن كثير في التفسير والبداية والنهاية.
روايات واهية مدسوسة
ورويت روايات واهية ساقطة في بعض كتب التفسير والقصص التي لا تعنى بالنقد والتمييز بين الروايات، مثل ما روي عن قتادة وابن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بيت زيد في غيبته، فرأى زينب في زينتها، وفي رواية:
أن الريح كشفت عن ستر بيتها فراها في حسنها، فوقع حبها في قلبه، فرجع وهو يقول: «سبحان الله العظيم، سبحان مقلب القلوب» ، فلما حضر زيد أخبرته بكلام رسول الله، فذهب إليه وقال: بلغني أنك أتيت منزلي فهلّا دخلت يا رسول الله، لعل زينب أعجبتك فأفارقها، فقال له رسول الله: «أمسك عليك زوجك واتق الله» ، فنزلت الاية وَإِذْ تَقُولُ....
وقد ذكر هذا الهراء في تفسير الجلالين، والزمخشري، والنسفي، وابن جرير، والثعلبي إلا أن ابن جرير ذكر بجانب هذا الباطل المكذوب رواية علي بن الحسين الانفة وهي الصحيحة.
وذكر مثل هذه الروايات الباطلة عقلا ونقلا غفلة شديدة، وقد تذرّع بها أعداء الإسلام في التهجم على النبي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم متهم بالكذب والتحديث بالغرائب ورواية الموضوعات، وقد تنبه لزيفها وبطلانها الكثيرون من المحدّثين والعلماء الراسخين، قال الحافظ ابن حجر في الفتح «2» بعدما ذكر الصحيح في تفسير الخشية: (ووردت اثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري، ونقلها كثير من المفسرين، لا ينبغي التشاغل بها، وما أوردته هو المعتمد) . وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره «3» عند تفسير هذه الاية: (ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير هنا اثارا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها فلا نوردها) .
__________
(1) تفسير القرطبي، والالوسي عند تفسير هذه الاية.
(2) ج 8 ص 425.
(3) ج 5 ص 560.(2/298)
أباطيل المبشّرين والمستشرقين
وقد نسج المستشرقون والمبشّرون المحترفون الذين يتأكلون بالاختلاق على الإسلام ونبيه من تلك الروايات الواهية المردودة أثوابا من الكذب والخيال، وصوروا النبي صلوات الله وسلامه عليه بصورة الرجل الذي لا هم له إلا إشباع رغباته الجنسية والجري وراء النساء، يقول الدكتور محمد حسين هيكل، رحمه الله: (ويطلق المبشرون والمستشرقون لخيالهم العنان حين يتحدثون عن تاريخ محمد في هذا الموضوع، حتى ليصور بعضهم زينب ساعة راها النبي وهي نصف عارية أو تكاد، وقد انسدل ليل شعرها على ناعم جسمها الناطق بما يكنّه من كل معاني الهوى. ويذكر اخرون أنه حين فتح باب بيت زيد لعب الهواء بأستار غرفة زينب، وكانت ممدّدة على فراشها في ثياب نومها، فعصف منظرها بقلب هذا الرجل الشديد الولع بالمرأة ومفاتنها، فكتم ما في نفسه وإن لم يطق الصبر على ذلك طويلا!! وأمثال هذه الصور التي أبدعها الخيال كثيرا تراه في موير، وفي در منجم، وفي واشنطن إرفنج، وفي لامنس وغيرهم من المستشرقين والمبشرين) «1» .
وكذلك صوروا النبي بصورة الرجل الشهواني الغارق في لذات الجسد، الذي لم يكتف في الزواج بواحدة ولا بأربع، بل أطلق لنفسه العنان في التزوج بالنساء، ومن هؤلاء القسيس «فندر» في كتاب له حشاه بالجهل والسفه، والزور والبهتان، والتجني الاثم على النبي صلى الله عليه وسلم.
تهافت كلامهم
ما اتفق خصوم الإسلام على شيء كما اتفقوا على تشويه سمعة النبي في موضوع تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم، وقد اعتمد هؤلاء في طعونهم على بعض ما أطلعناك عليه من روايات مختلقة مدسوسة عند أئمة النقد وعلماء الرواية، أغلب الظن أنها من صنع أسلافهم من اليهود والزنادقة من الفرس وغيرهم، الذين عجزوا
__________
(1) حياة محمد، ص 308.(2/299)
أن يقاوموا سلطان الإسلام وقوته، فلجأوا إلى الكذب والدس؛ وجاز هذا الزور على بعض الأغرار من المسلمين، فرووه وذكروه في كتبهم، ولكنه ما كان يخفى على العلماء الراسخين، فنبهوا على كذبه، وحذّروا من التصديق به، وهكذا نرى أنهم أقاموا من مزاعمهم قصرا على أساس من خيوط العنكبوت وما أوهنها من أساس.
وثمة حجة دامغة تذهب بالقصة من أساسها، فالسيدة زينب هي بنت عمة رسول الله، وقد ربيت على عينه، وشهدها وهي تحبو، ثم وهي شابة، وله بحكم صلة القرابة معرفة بها وبمفاتنها، ولا سيما أن النساء كن يبدين من محاسنهن ما حرمه الإسلام فيما بعد، وهو الذي خطبها لموالاه زيد فتمنعت حتى نزل الوحي ألاخيرة لأحد بعد قضاء الله ورسوله، فغير معقول والحال كما ذكرت ألايكون شاهدها، فلو كان يهواها، أو وقعت من قلبه فأي شيء كان يمنعه من زواجها من أول الأمر، وإشارة منه كانت كافية لأن يقدمها له أهلها وما ملكت، فمثله وهو في الذروة من قريش نسبا ودينا وخلقا وخلقة وصحة ممن تتطاول إليه الأعناق وتهفو القلوب، فلو كان كما يزعم المتخرصون تمتد عينه إلى كل من يهوى ويستحسن لتزوجها وهي بكر عذراء، لا أن يسكت حتى يجني جناها ويقطف زهرتها رجل مولى له، ثم بعد ذلك يرعى حيث رعى، فلولا أنه يتزوج لتشريع أو لحكمة سامية لما رضي بذلك.
وأيضا فحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن حياة حب واستهتار، ولا عرف عنه أنه كان صريع الغواني، وإنما كانت حياة الشرف والكرامة والعفة والترفع عن الدنايا قبل نبوته وبعدها، ما عرفت الدنيا أطهر ذيلا منه، ولا أعف منه، ولا لمست يده قط يد امرأة لا تحل له، ولما بايع النساء على الإيمان والطاعة، ونبذ المعاصي والفجور، بايعهن بدون مصافحة، مع أن المصافحة كانت من ملازمات البيعة والمعاهدة في الجاهلية والإسلام، وكيف يكون على ذلك الخلق الذي لا نرضاه لرجل من سوقة الناس فضلا عن أنبياء الله ورسله- من خاطبه مولاه بقوله:
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ؟(2/300)
ولو كان رسول الله متيّما بالنساء ومغرما بمفاتنهن- كما زعموا- لأشبع رغبته بالأزواج الكثيرات وهو في ميعة الصبا وشرخ الشباب، أيام أن كان الغيد الكواعب، والخيرات الحسان من بنات الأشراف تشرئب أعناقهن إلى أن يكن حليلات له، ولا سيما وأن التعدد عند العرب في الجاهلية لم يكن له حد محدود، ولكنه قضى زهرة شبابه ومعظم حياته الزوجية مع سيدة كانت عند اقترانه بها تعدو الأربعين، ورضيها قانعا بها حتى توفاها الله قبيل الهجرة، ومهما قيل في السيدة خديجة وما كانت تتمتاع به من جمال في شبابها، فهناك- ولا شك- غيرها من الأبكار الشابات من يفقنها في الجمال، وللأبكار ما لهن من جاذبية وروعة وسحر، ومن قضى بغير ذلك فقد خالف سنة الله في الفطرة.
تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء
وأحب أن أقول للمبشرين والمستشرقين وأبواقهم المتابعين لهم: إن تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، وإن التسرّي في الحروب ليس بدعا في الإسلام، فقد نصت التوراة التي يعترف بها هؤلاء على إباحة تعدد الزوجات والسراري بدون تحديد، ففي التوراة: إذا خرجت لمحاربة أعدائك، ودفعهم الرب إلهك إلى يدك، وسبيت منهم سبيا ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة، والتصقت بها، واتخذتها لك زوجة، فحين تدخلها إلى بيتك، تحلق رأسها، وتقلم أظفارها، وتنزع ثياب سبيها عنها، وتقعد في بيتك، وتبكي أباها وأمها شهرا من الزمان، ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها، فتكون لك زوجة، وإن لم تسريها فأطلقها لنفسها «1» .
وقد نصت التوراة على أن إبراهيم أبا الأنبياء عدّد الزوجات، وجدعون وهو من الأنبياء عند اليهود تزوج نساء كثيرات جمع بينهن، أما داود فقد نصت على أنه تزوج سبعا: ذكرتهن بأسمائهن «2» ، ثم قالت: إنه تزوج غير ذلك نساء
__________
(1) سفر التثنية- الإصحاح 21، فقرة 10 وما بعدها.
(2) سفر صموئيل الثاني- الإصحاح 3، فقرة 3- 5، وسفر صموئيل الأول- الإصحاح 18.(2/301)
كثيرات، واتخذ سراري بدون قيد «1» . وكذلك نصت التوراة على كثرة نساء نبي الله سليمان- عليه السلام- وكثرة سراريه كثرة تفوق الحد.
ففي التوراة: «وكانت له- سليمان- سبع مئين من النساء السيدات، وثلاث مئين من السراري» «2» .
فإذا كان تعدد الزوجات والسراري مباحا بنص التوراة التي يقدسونها لأنبيائهم، فكيف اعتبروه نقيصة ومطعنا لسيد البشر، وخاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه؟!!.
ومن قبل طعن أسلافهم اليهود في النبي بسبب هذا، فرد عليهم القران أبلغ ردّ، وذكّرهم بأن التعدد سنة من سنن الأنبياء والمرسلين الذين كانوا قبله.
روي أن اليهود عيّرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء «3» ، فأنزل الله سبحانه في الرد عليهم قوله:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ «4» .
فقد ألقمهم هذا الرد حجرا، وباؤوا بالخزي والبهتان.
وأرى من المناسب هنا أن أبيّن أن التوراة والقران وإن أباحا تسرّي المسبيات في الحروب والتزوج بهن، ولكن شتان ما بين أدب التوراة في الاسترقاق والتسرّي وأدب القران، والفرق بينهما فرق ما بين شريعة مؤقتة لزمن خاص، وبين شريعة عامة خالدة، وهي شريعة القران، والإسلام لا يبيح حلق الرأس!! ولا تقليم الأظافر!! ولا الاستذلال!! وما الاسترقاق والتسرّي في
__________
(1) سفر صموئيل- الإصحاح 15، فقرة 13.
(2) سفر الملوك الأول- الإصحاح 11، فقرة 3.
(3) تفسير الالوسي، ج 13، ص 168، ط. منير.
(4) سورة الرعد: الاية 38.(2/302)
الإسلام إلا لون من ألوان التربية، والبر، والإحسان، وقد رأيت كيف أكرم النبي جويرية بنت الحارث المصطلقية، وسترى كيف عامل صفية بنت حييّ النضرية، وريحانة اليهودية القرظية، ومارية القبطية المصرية.
الحكمة في تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام
ولو أن هؤلاء الطاعنين بحثوا بحثا مجردا عن الهوى والتعصب في أسرار تعداده صلوات الله وسلامه عليه لأزواجه لكبّروا إعجابا لنبل المشاعر الإنسانية عند الرسول، ولكنه الهوى يعمي ويصمّ، فلم يكن زواج رسول الله بزوجاته إلا لحكم عالية ومقاصد سامية، وهناك حكم عامة وحكم خاصة.
الحكم العامة
1- إن نبينا محمدا صلوات الله وسلامه عليه هو خاتم الأنبياء والرسل، ودينه خاتم الأديان، وشريعته عامة لكل البشر في كل زمان ومكان، وكان حريصا غاية الحرص على أن تبلغ عقائد هذا الدين وشرائعه، وادابه، وأخلاقه إلى جميع البشر، رجالا ونساء، وكبارا وصغارا، وقد كانت زوجاته خير معوان له على تحقيق هذا الواجب الذي هو من أهم واجبات الرسالة، وهو التبليغ، ولا سيما فيما يتعلق بحياة النبي صلى الله عليه وسلم الزوجية والبيتية، مما هو مناط التشريع، ولا يعتبر من أسرار الحياة الزوجية، وطبيعي أنه لا يمكن أن يبلغ ما يتعلق بهذا إلا زوجاته صلى الله عليه وسلم، لأن أصحابه مع حرصهم على تبليغ كل ما يصدر عنه إلا أنهم ما كانوا ليطلعوا على حياته في بيته ومعاشرته أزواجه.
وقد كنّ رضي الله عنهن مصابيح هداية وإرشاد، ووسائل تبليغ في حياة النبي وبعد وفاته، ومن يطّلع على كتب الأحاديث والسنن يعلم إلى أي حدّ تحدثن وروين، وأفتين في مسائل مما يتعلق بالمباشرة الزوجية، والمضاجعة وادابها، والإكسال بعد الجماع، والاغتسال بعده أو عدم الاغتسال، والقبلة أثناء الصوم، وكيف يتمتاع الرجل بامرأته أثناء الحيض والنفاس من غير المباشرة المحرمة، إلى غير ذلك مما يجب على كل مسلم ومسلمة معرفته وإلا وقع في الإثم والحرج من حيث لا يدري.(2/303)
والمرأة بحكم فطرتها وحيائها تركن إلى المرأة، وسؤالها في مثل هذا من غير تحرج أو استحياء، ولم يقتصر استفتاؤهن وسؤالهن عما يشكل وبخاصة فيما يتعلق بحياة النبي الزوجية على النساء، بل كان كبار الصحابة يرجعون إليهن في ذلك ولا سيما السيدة عائشة رضي الله عنها. روي عن مسروق أنه قال: (رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض) .
وروى أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: (ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أمر قط، فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما) . وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: (ما رأيت أحدا أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة) . وكذلك كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والفقه وإن تفاوتن في ذلك، ولم يبلغن مبلغ السيدة العاقلة العالمة المبرأة من فوق سبع سموات الصدّيقة بنت الصدّيق رضي الله عنها، ومنهن من عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما يقرب من نصف قرن تنشر الهداية والعلم كالسيدة عائشة رضي الله عنها.
فقد توفيت سنة ثمان وخمسين للهجرة، والسيدة أم سلمة رضي الله عنها فقد توفيت سنة اثنتين وستين للهجرة، وهكذا نرى أن تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم كان ضرورة دينية لا محيص عنها.
2- إقامة الحجة على أنه صلى الله عليه وسلم نبي حقا، فقد توفي عن تسع نسوة، ومع ذلك فلم يشغله هذا التعدد عن القيام بتبليغ شريعة ربه ونشر دينه في حياته، حتى عم الجزيرة العربية كلها وما جاورها من أطراف الممالك الاخرى. وإن الإنسان المنصف ليعجب حقا من هذا؛ إن الواحد منا مهما بلغ من العقل وحسن الكياسة تكون عنده الزوجة فضلا عن الثنتين والثلاث والأربع ومع ذلك يكون في هم من شأنها وإرضائها، ويكون في حيرة من التوفيق بين القيام بحقوقها وحقوق بنيها والقيام بأمور معاشه ومعاده وما وكل إليه من المهام، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين تسع في حياته وهن مختلفات السن والطبائع والأمزجة، ومع هذا فقد قام بأعباء الرسالة خير قيام، وإنها لبطولة حقا تستحق الإعجاب لا الغمز واللمز والاعتراض!!(2/304)
أيضا فإن الواحد منا تكون عنده الزوجتان فيحار كيف يوفق بينهما، ويتعذر عليه الاستحواذ على رضائهما والعدل بينهما، وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عنده تسع نسوة، فوفق بينهن واكتسبن رضاه، حتى كن يتسابقن في ذلك، وذلك بسبب سعة عقله صلى الله عليه وسلم، ورحابة صدره، وحسن خلقه، وبعد نظره، وعجيب سياسته، وكمال كياسته، ولست أغفل هنا أمرا مهما أعانه صلى الله عليه وسلم على كل هذا وهو أنهن رضي الله عنهن كن خيار نساء هذه الأمة دينا وخلقا وعلما وعملا، طلبا لمرضاة الله ورسوله حسبما أشار إليه الحق تبارك وتعالى في قوله:
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً «1» .
ولعلك تعجب معي إذا علمت أن هذه الحياة الزوجية الطويلة مع هذا العدد الكثير لم يحص الرواة على كثرة تتبعهم لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام واستقصائهم لأخباره وأخبار أهل بيته إلا حادثتين أو ثلاثا عكّرت من صفو هذه الحياة الزوجية المثالية، وسأعرض لها في اخر الكتاب تحت عنوان «النبي الزوج» .
3- من الحكم العامة الوقوف على استواء سره وعلنه صلى الله عليه وسلم، وأنه في معاملته لأهله كمعاملته لصحبه، وأنه لا يحكم تصرفه في هذا إلا التدين الصادق، والخلق الكريم، ومراقبة الله في السر والعلن، إذ الشأن في النساء أن لا يحفظن سرا كيفما كان، فلو كان منه صلى الله عليه وسلم في السر ما يخالف العلن لعلمنه،
__________
(1) سورة الأحزاب: الايات 32- 34.(2/305)
ولو علمنه لأذعنه بمقتضى طبائعهن البشرية، وهذا أمر معهود في النساء، ولا سيما الضرائر، ولكن لم يكن شيء من هذا، فكان ذلك من الأدلة على أنه نبي حقا!!
إن كثيرا من الزعماء، والساسة، ورجال الإصلاح يخالف ظواهرهم بواطنهم، وعلانيتهم سرهم، مما يسجل عليهم النفاق والخداع، ويعود عليهم بالنقص والمؤاخذة، ويبين الفرق الشاسع بين النبي وغير النبي. وبحسبنا هذا في الحكم العامة.
الحكم الخاصة
أما السيدة خديجة رضي الله عنها لأنها أول زوجة فهو زواج الفطرة، وكذلك السيدة سودة بنت زمعة لا يسأل عنها أيضا، ومع ذلك فقد كان في زواجه صلى الله عليه وسلم منها تكريم لها وللإسلام والعقيدة في شخصها، وشخص زوجها الذي مات عنها بعد رجوعهما من هجرة الحبشة الثانية، ولم يكن له عند تزوجها غيرها، لأن ذلك كان بعد موت السيدة خديجة، ولم تكن ذات جمال بل كانت ذات عيال، وقد أبدت للنبي إشفاقها عليه من زواجها بما يسببه له صبيتها من إقلاق راحة، فأبدى لها ترحيبا بأولادها.
أما زواجه بعائشة وحفصة فجاء توكيدا للعلاقة والإخاء بينه وبين وزيريه: أبي بكر وعمر، وليس أدل على هذا بالنسبة لحفصة أن أباها عمر دخل عليها وهي تبكي فقال لها: لعل رسول الله طلّقك، لقد طلقك مرة ثم راجعك من أجلي، والله لو طلقك مرة ثانية لا أكلمك أبدا.
وزواجه بالسيدة زينب بنت خزيمة التي كانت تلقب بأم المساكين لكثرة تصدقها عليهم وبرها بهم تكريم لهذا الخلق الكريم فيها، وتكريم للشهادة في شخص زوجها الذي توفي عنها.
وزواجه بالسيدة أم سلمة جبر لكسرها، وتعويض لها عن فقد عائلها الذي مات عنها بعد أحد بشهور، وعرفان لتضحياتها وتضحيات زوجها أبي سلمة في سبيل الله والإسلام، فقد هاجرا إلى الحبشة، وكانا أول مهاجرين(2/306)
إلى المدينة، ومهما قيل في أم سلمة وأنها كانت ذات جمال في شبابها، فقد كان في كبر سنها، وما مرت به من أحداث جسام، وما أنجبت من أولاد، وما رزئت به من فقد الرجل الذي كانت تقول فيه: ومن خير من أبي سلمة؟ ما يذوي هذا الجمال، إن لم يذهب به.
وزواجه بالسيدة جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق كان لحكمة سامية جدا، فقد كان هذا سببا في أن منّ الصحابة على من في أيديهم من سبايا بني المصطلق، مما تسبب عنه إسلام أبيها وإسلام قومها، فكانت أيمن امرأة على قومها.
وزواجه بالسيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان حفظ لها من الضّيعة وهي في بلاد نائية عن بلاد قومها، فقد تنصّر زوجها عبيد الله بن جحش بالحبشة ومات بها، وثبتت هي على عقيدتها، فلم يكن أجمل مما فعله رسول الله معها، وقد عقد عليها النبي وهي بالحبشة، ولم يدخل بها إلا بعد خيبر عام سبع، فكيف يكون هذا من رجل صار همه في النساء وإشباع رغباته الجنسية منهن؟!!
وزواجه بالسيدة زينب بنت جحش كان لما ذكرته انفا من إبطال بعض عادات الجاهلية.
وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب فقد كانت في سبي خيبر، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بها اصطفاها لنفسه ضنا بكرامتها ومنزلتها في قومها، فأعتقها وتزوجها بعد ما انقضت عدتها، وأحسن إليها غاية الإحسان في عشرتها، وكثيرا ما كان ينتصر لها عند ما تبدر من بعض أزواجه بادرة في النيل منها، وهذه غاية الإنسانية والإحسان لامرأة طالما نال النبي والمسلمين من قومها شر كثير، ولم يألو جهدا في محاربة دعوة الإسلام.
وأما زواجه من السيّدة ميمونة بنت الحارث الهلالية فقد وثّق به ما بينه وبين قبيلة من أعلم قبائل العرب وأشرفها، وقد زوجها إياه عمه العباس وأصدقها عنه في عمرة القضاء، ودخل بها بعد أن حلّ، كما كان فيه تكريم لعمه العباس وزوجه أم الفضل، فقد كانت أختها. وقد عرضت فيما سبق لزواج النبي بأغلبهن بإفاضة وتوسع، وسأعرض فيما يأتي لمن بقيت منهن.(2/307)
والعجب من هؤلاء المستشرقين المتعصبين، والمبشرين المحترفين أنهم إذا وقعوا على ما يرضي أحقادهم، ويشفي غليلهم من باطل الروايات ومتهافتها هلّلوا له وطبّلوا، وتجاهلوا البيئة وأحكامها، والعادات وسلطانها، إلى غير ذلك مما يتفيهقون به باسم العلم وقواعد البحث، ولم يعيروا نقد السند أو المتن أية أهمية، بينما يطيشون كثيرا في الحكم على روايات في غاية الصحة بأنها موضوعة، ولا حامل لهم في الحالين إلا الهوى والتعصب، والحقد الموروث، والتجني الاثم.
وبعد: فلعلك- أيها القارىء الفطن- قد تيقنت أن ساحة الرسول الكريم بريئة من كل ما زعموا، وأنه ليس بعد الحق إلا الضلال فأنى يؤفكون؟!!
خطبة النبي لزينب وفضلها
روى الإمام أحمد ومسلم بسندهما عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد: «اذهب فاذكرها علي «1» » ، فانطلق حتى أتاها وهي تخمّر عجينها، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي عز وجل، ثم قامت إلى مسجدها، ونزل القران وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بدون إذن. وقد علم الله سبحانه ما سيكون من أمر هؤلاء الطاعنين فألهم نبيه أن يرسل زيدا لخطبتها ليكون فيه قطع لألسنتهم ورد لفريتهم، فهذا الإعظام لزينب لأن رسول الله رغب فيها، وإبائه على نفسه أن يمتد إليها طرفه لن يكون من رجل ترك زوجته وهو كاره فراقها.
وقد كانت زينب رضي الله عنها تدلّ على زوجات النبي وتقول:
(زوجكن أهلكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات) ، وكانت زينب من المهاجرات الأول وكانت كثيرة الخير والصدقة وتصل الرحم، وبحسبها وصف
__________
(1) اخطبها لي من نفسها.(2/308)
إحدى ضراتها لها وهي السيدة عائشة رضي الله عنها بالورع والتقوى كما مر في حديث الإفك.
وكانت أولى زوجات النبي لحوقا به. روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة أم المؤمنين قالت: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا» ، قالت فكنّ يتطاولن أينا أطول يدا، قالت:
فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدّق) «1» ، وقد توفيت سنة عشرين من الهجرة، وصلّى عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودفنت بالبقيع، وهي أول امرأة صنع لها القبة فوق النعش ليستر شخصها «2» .
نزول اية الحجاب صبيحة عرسها
ولما دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم أولم عليها ما لم يولم على غيرها، وكان ذلك سببا في نزول اية الحجاب. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما واللفظ للبخاري- عن أنس رضي الله عنه قال: (بني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب ابنة جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعو، فقلت يا نبي الله ما أجد أحدا أدعوه، قال: «ارفعوا طعامكم» ، وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله» ، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك بارك الله لك، فتقرّى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدثون، وكان النبي شديد الحياء، فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة، فما أدري اخبرته أو أخبر أن القوم خرجوا، فرجع، حتى إذا وضع رجله
__________
(1) فهمن- رضي الله عنهن- أن المراد بالطول الطول الحسي، ثم ظهر لهن أن المراد الطول المجازي طول اليد في الخير والبر.
(2) البداية والنهاية، ج 4 ص 109.(2/309)
في أسكفة «1» الباب داخلة وأخرى خارجة أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت اية الحجاب.
والمراد بها قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ «2» وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ.
ولما نزلت قال بعضهم: أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب؟
لئن مات محمد لأتزوجنّ عائشة، فنزل تتمة الاية السابقة:
وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً «3» .
وقد كان نزول اية الحجاب من موافقات عمر رضي الله عنه. روى البخاري في صحيحه عن أنس قال: قال عمر رضي الله عنه: قلت:
يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب.
فأنزل الله اية الحجاب «4» .
__________
(1) الأسكفة: بضم الهمزة وسكون السين وضم الكاف وفتح الفاء المشددة عتبة الباب السفلى.
(2) أي نضجه.
(3) سورة الأحزاب: الاية 53.
(4) صحيح البخاري- كتاب التفسير سورة الأحزاب- باب يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي.(2/310)
تشريع الحجاب في الإسلام
وبنزول هذه الاية كان تشريع الحجاب في الإسلام بالنسبة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد عدم إبداء شيء من أجسامهن للأجانب عنهن، وعدم محادثتهن أو طلب شيء منهن إلا من وراء حجاب، أي ستريكون بينهن وبين غيرهن، ولما نزلت قال الاباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب؟ فأنزل الله قوله:
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً «1» .
ونزل أيضا في شأن نساء النبي في أدب الخطاب والإقامة في البيوت قوله تعالى:
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «2» .
فَلا تَخْضَعْنَ: أي لا تلنّ أو تتكلمن بكلام مريب موهم. وَقُلْنَ:
أقمن والزمن بيوتكن. الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى: هي ما قبل الإسلام فهي كقولهم:
جاهلية جهلاء، فقد كان النساء لا يتحاشين كلام الرجال الأجانب، والتكسر في حديثهن، وإظهار بعض محاسنهن، كالعنق، والصدر، والساقين، والساعدين، فجاء الإسلام فأبطل ذلك، ومن العجب المؤلم أن تتجاوز جاهلية القرن العشرين الجاهلية الأولى في باب التبرج والسفور حتى أضحى عريا!!!
__________
(1) سورة الأحزاب: الاية 55.
(2) سورة الأحزاب: الايتان 32، 33.(2/311)
وجمهور المفسرين على أن هذه الاية وإن كانت خطابا لأزواج النبي فحكمها لجميع نساء الأمة، وإنما خصّ نساء النبي لمنزلتهن وعظم فضلهن، ومكانهن من النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام الالوسي في تفسيره: (والمراد أمرهن رضي الله عنهن- بملازمة البيوت؛ وهو أمر مطلوب من سائر النساء. أخرج الترمذي والبزار عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها» ، وأخرج البزار عن أنس قال: جئن «1» النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله، ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى» ، وقد يحرم عليهن الخروج بل قد يكون كبيرة كخروجهن لزيارة القبور إذا عظمت مفسدته، وخروجهن إلى المسجد وقد استعطرن وتزين إذا تحققت الفتنة، أما إذا ظنت فهي حرام غير كبيرة، وما يجوز من الخروج كالخروج للحج وزيارة الوالدين وعيادة المرضى وتعزية الأموات من الأقارب ونحو ذلك فإنما يجوز بشروط مذكورة في محلها) «2» .
يعني مع الاستتار وعدم إبداء الزينة وعدم مخالطة الأجانب، وعند أمن الفتنة، وقال الإمام القرطبي في تفسيره: (معنى هذه الاية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن؟
والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة على ما تقدم في غير موضع) «3» .
وقد فصّل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ما يتعلق بالنساء المسلمات: من غض البصر، وحفظ الفروج، وعدم إبداء مواضع الزينة من
__________
(1) إما على لغة «أكلوني البراغيث» أو النون علامة جمع الإناث والنساء فاعل.
(2) تفسير الالوسي، عند تفسيره هذه الاية.
(3) تفسير القرطبي، ج 14 ص 179.(2/312)
عنق وصدر وساق وعضد وساعد وشعر ونحوها من العورة الظاهرة إلا للمحارم، قال سبحانه وتعالى:
وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «1» .
الْخَمْرِ بضم الخاء والميم: جمع خمار، وهو ما تستر به المرأة رأسها وعنقها، والجيوب: فتحات الثياب من عند العنق، كنّ في الجاهلية يسدلن الخمر على ظهورهن فتبدو نحورهن وصدورهن وما حواليها، فأمرن بلفها على الأعناق والصدور كي لا يظهر شيء منها، وكنّ يضربن بأرجلهن ليتنبه الناس إلى أنهن ذوات خلخال فيلتفتوا إليهن، فنهين عن ذلك؛ وفي النهي عن الزينة نهي عن إبداء مواضعها بطريق أولى وأبلغ.
أما احتجاب المرأة بالنسبة إلى الأجانب منها فكل بدن المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، ويستأنس لهذا بالحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها وقال: «يا أسماء، إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا» ، وأشار إلى وجهه وكفيه. وجمهور الفقهاء على تقييد إظهار الوجه والكفين بأمن الافتتان بها وإلا فلا يجوز.
__________
(1) سورة النور: الاية 31.(2/313)
وكان النساء في أول الإسلام كما كنّ في الجاهلية متبذلات، تبرز المرأة في درع وخمار لا فرق بين الحرة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة «1» يتعرضون للإماء إذا خرجن بالليل إلى قضاء حوائجهن في الخلاء، وربما تعرضوا للحرائر ظنا أنهن إماء، فأمرن أن يخالفن بزيهن زي الإماء، بأن يدنين عليهن من جلابيبهن فيغطّين الوجه والأعطاف فيعرفن ويهبن، ولا يطمع فيهن فاسق. قال تعالى شأنه:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «2» .
يُدْنِينَ: أي يرخين، ولذلك عدّي بعلى لأنه ضمّن معناه.
جَلَابِيبِهِنَّ: جمع جلباب وهو ما تلتف به المرأة فوق درعها وثيابها كالملاءة والملحفة، يحيث يستر جميع البدن، ولا يصفه ولا يشفّ ما تحته.
وقد بينت السنة النبوية كل ما يتعلق بالنساء من احتجاب وتصوّن وتعفّف، وعدم السفور والخلاعة والابتذال بما لا مزيد عليه، وبحسبنا هذا القدر في هذا المقام وندع التفصيل لمقام اخر.
__________
(1) أهل الشطارة: أهل الهوى واللؤم والتعدي على الحرم.
(2) سورة الأحزاب: الاية 59.(2/314)
تزوج النبي بأم حبيبة بنت أبي سفيان
وفي هذه السنة على ما رجّحه ابن كثير في بدايته «1» تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة أم حبيبة- رملة، وقيل هند، والأول أصح- بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، ولدت قبل البعثة بسبعة عشر عاما، وكانت قبل النبي تحت زوجها عبيد الله بن جحش، وكانا أسلما وهاجرا إلى الحبشة، فولدت بها حبيبة وبها كانت تكنى، وقيل ولدتها بمكة ثم هاجرت بها، ثم تنصّر زوجها وبقيت على إسلامها، ثم مات، فلما انقضت عدتها كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أن يتولّى له العقد عليها، وقيل أرسل له عمرو بن أمية الضمري بذلك، فولي النجاشي العقد، وأمهرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار وتولّى نكاح أم حبيبة ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص.
وقد بقيت السيدة أم حبيبة بالحبشة معزّزة مكرمة حتى قدمت إلى المدينة مع مهاجري الحبشة سنة سبع، ولما بلغ أباها أبا سفيان تزوج النبي بها قال:
(هو الفحل لا يقدع أنفه) «2» ، وكان من سرورها بهذا الزواج أن أهدت الجارية التي أرسلها النجاشي لتعرض عليها زواج رسول الله بها سوارين من فضة،
__________
(1) وقيل سنة ست وقيل سبع ويرجح الأول أن عمرو بن العاص لما ذهب إلى الحبشة بعد الخندق وجد عند النجاشي عمرو بن أمية الضمري لأجل خطبتها للنبي.
(2) مثل يضرب للكفء الكريم. والفحل: ذكر الإبل، وكان من عادة العرب إذا كان الفحل غير كريم ضربوا أنفه ليبعد عن الناقة، وإذا كان كريما تركوه.(2/315)
وبعض الدنانير، ولكن الجارية ردته بأمر سيدها النجاشي، وجاءت لها بعود وورس وعنبر، قالت: فقدمت به معي على رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» .
الحكمة في تزوج النبي بها
ومما ذكرنا يتبين للمنصف أن النبي لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباع رغبة جنسية، فالنبي لم يدخل بها إلا بعد خيبر، وإنما أراد المواساة بالنفس، فقد تنصّر زوجها وثبتت على إيمانها، ومات فأصبحت أيّما، فكان عملا إنسانيا كريما أن عقد عليها وصارت بذلك في عداد أمهات المؤمنين، وحظيت بهذا الشرف الرفيع كفاء هجرتها وثباتها وتحملها، وناهيك بالاحترام البالغ الذي وجدته فيما بعد في نفوس المسلمين، والحفاوة البالغة التي أحاطها بها ملك الحبشة العادل الكريم، ألا إنه موقف كريم تغص به حلوق المتقوّلين على الرسول العظيم.
وفاتها
وكانت وفاتها بالمدينة سنة أربع وأربعين، فرضي الله عنها وأرضاها.
__________
(1) الإصابة، ج 3 ص 305، 306.(2/316)
فرض الحج
وفي هذا العام على ما ذهب إليه الكثيرون «1» شرع الله فريضة الحج بقوله سبحانه: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وقيل بقوله:
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، والصحيح الأول لأن الإتمام إنما يكون بعد المشروعية. وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع حتى صار ركنا من أركان الإسلام معلوما من الدين بالضرورة.
والحج شريعة قديمة من لدن أبي الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام، فإنه لما فرغ من بناء البيت بمعاونة ابنه إسماعيل أمره الله أن يقف على جبل «أبي قبيس» بمكة وينادي في الناس بالحج، فقال: يا ربّي وما يبلغ صوتي؟
فقال الله: «أذّن يا إبراهيم وعليّ البلاغ» ، فأذّن إبراهيم قائلا: «يا أيها الناس، إنّ الله كتب عليكم الحج فحجوا» ، فأسمع الله سبحانه نداءه من كان في أصلاب الرجال، أو أرحام الأمهات، أو عالم الذر قبل أن يوجدوا!! ومن يومها ومن أراد الله لهم الحج يجيبون قائلين: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» .
وهو العبادة التي بقي العرب محافظين عليها إلى وقت البعثة المحمدية، إلا أنهم كانوا شابوها بالوثنية بما نصبوه على الكعبة وعلى الصفا والمروة من أصنام يتمسحون بها ويتبركون، وكذلك غيّروا في بعض المناسك وبدلوا وابتدعوا، فلما جاء الإسلام قضى على ما شابه من وثنية وعادات جاهلية، ورجع به إلى ما كان
__________
(1) وقيل في السنة السادسة وإليه ذهب الشافعي، وقيل في السنة التاسعة.(2/317)
في عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام من صفاء ورمز إلى التوحيد والواحدة والألفة والمحبة.
وللحج حكمته وفلسفته التي لا يتسع لها المقام هنا، ولو لم يكن فيه إلا أنه مؤتمر المسلمين الأكبر لكفى، فما بالك وفيه ما فيه من تزكية النفوس والسمو بالأرواح وغفران الذنوب، والتقوى والمساواة بين الناس جميعا، وألوان العبر والعظات!!.
نعم إنه المؤتمر السنوي الأكبر الذي يتلاقى فيه المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فيتقاسمون السراء والضرّاء، ويتجاوبون في الالام والامال، ويتشاورون في كل ما يهمهم من أمور دينهم ودنياهم، ويتعاونون على البر والتقوى، والتكافل والتناصر، ألا ما أعظمه من مؤتمر لو اهتبل فرصته المسلمون!!
وليس في الحج وثنية كما يزعم بعض أعداء الإسلام، وليس أدل على ذلك من أن كل شعيرة ونسك من مناسكه لا ينفك عن التهليل والتكبير، والثناء على الله العلي العظيم، وإنما الأمر كما قيل:
أمرّ على الديار: ديار سلمى ... أقبّل ذا الجدار، وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي ... ولكن حبّ من سكن الديارا
فالطواف بالكعبة ليس تعظيما للحجارة، وإنما هو تعظيم لرب البيت، وتقبيل الحجر الأسود ليس حبا للحجر، وإنما هو حب لرب الحجر، وهو الله سبحانه، وعلى المسلم إذا خفي عليه شيء من حكم تشريعات الله تبارك وتعالى أن يقول: سمعنا وأطعنا، لا يتهم الشريعة، بل يتهم عقله القاصر، ويقول كما قال الفاروق الملهم العبقري: (اللهم إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك) «1» .
__________
(1) رواه البخاري.(2/318)
وفاة سعد بن معاذ
قدمنا في الخندق أن سعدا رضي الله عنه أصيب في أكحله أثناء المراماة بالنبل، فلما أصيب قال: (اللهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني بها، فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهداهم من قوم اذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من قريظة) ، وقد استجاب الله دعوة وليّه سعد، وأقر عينه فيهم، فحكم فيهم بقدرته وتيسيره، وجعلهم هم الذين يطلبون ذلك كما سيأتي، فأمر النبي بإحضاره من خيمة (رافدة) التي كانت بالمسجد لتمريض الجرحى، فجعل بنو قريظة يتحلقون حوله ويقولون له: أحسن في مواليك، فقال: لقد ان لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم!! ثم حكم فيهم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، فقال له النبي: «لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله من فوق سبع سماوات» ثم أرجع إلى خيمته بالمسجد، فلم يرعهم إلا الدم يسيل في المسجد، فدخلوا فإذا جرحه قد انفجر ومات شهيدا رضي الله عنه، وقد شيّعه رسول الله والصحابة حتى واروه في قبره.
وقد كان- رضي الله عنه- سيد الأوس، ومن خيار المسلمين، من ذوي السوابق في الإسلام، وقد ورد في فضله أحاديث كثيرة منها ما روي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» وإنما اهتز فرحا بروحه وترحيبا بمقدمه ولقائه ربه، ولما أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة صار الصحابة يعجبون من لينها وحسنها، فقال: «أتعجبون من هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها أو ألين» . حشره الله سبحانه مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.(2/319)
السّنة السّادسة من الهجرة
أهلّت السنة السادسة للهجرة والمسلمون على أحسن حال من القوة والمنعة بالمدينة وما جاورها، منتصرين على قريش ومن تحزّب إليهم من عرب ويهود، فقد ارتد الأعراب منهزمين، كما لقي يهود بني قريظة القصاص العادل بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم.
وقد أرسل النبي عدة سرايا في هذا العام لتأديب بعض القبائل المجاورة جزاء على غدرها، أو مباغتة لها في عقر دارها قبل أن تنفّذ ما بيتته من مهاجمة المدينة، كما قام ببعض الغزوات التي أجلّها خطرا غزوة الحديبية.
[السرايا والغزوات في السنة السادسة للهجرة]
سرية محمد بن مسلمة قبل نجد
في المحرم من هذه السنة أرسل النبي عليه الصلاة والسلام محمد بن مسلمة في ثلاثين راكبا لشنّ الغارة على بني بكر بن كلاب، فسار إليهم يكمن النهار ويسير الليل حتى دهموهم على غرّة، فقتلوا منهم عشرة وفر الباقون، واستاقوا الإبل والشاء، وقفلوا راجعين إلى المدينة، فلقيهم ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة فأسروه وهم لا يعرفونه، فلما قدموا على النبي عرفه وأحسن معاملته، وأطلق سراحه بعد ثلاث بعد أن عرض عليه الإسلام فلم يسلم، فما كان من ثمامة إلا أن عاد وأسلم وصار من خيار المسلمين، وقد قدمنا قصته، ويرى ابن كثير أن هذه السرية كانت بعد خيبر «1» ، فقد روى قصته البخاري
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 49.(2/321)
وابن إسحاق عن أبي هريرة وأنه شاهد ذلك، وأبو هريرة إنما أسلم عقب خيبر سنة سبع.
غزوة بني لحيان
بنو لحيان هم الذين غدروا بعاصم بن ثابت وإخوانه أصحاب سرية الرجيع، ولم يزل رسول الله عازما على الاقتصاص منهم حتى جمادى الأولى من هذه السنة، فخرج في مائتي راكب من أصحابه بعد أن استخلف على المدينة ابن أم مكتوم، واتبع طريقة التعمية، فسلك طريق الشام ليرى أنه لا يريد بني لحيان، فلما وصل إلى منازلهم هربوا، وتمنّعوا في رؤوس الجبال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنا هبطنا عسفان «1» لرأت قريش أنا قد جئنا مكة» فذهبوا إليها ليداخل أهل مكة الرعب، ثم أرسل فارسين حتى جاا «كراع الغميم» «2» ليري قريشا من نفسه القوة.
وفي عسفان استقبلهم جمع من المشركين على رأسهم خالد بن الوليد، فصلّى النبي بأصحابه صلاة الظهر، فقال المشركون: قد كانوا على حال لو أصبنا منهم غرّتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم صلاة «3» هي أحبّ إليهم من أبنائهم وأنفسهم، فنزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الايات:
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً «4» .
__________
(1) عسفان: موضع قرب مكة.
(2) كراع الغميم: موضع جنوب عسفان بثمانية أميال.
(3) هي صلاة العصر.
(4) سورة النساء: الاية 102.(2/322)
وكانت هذه أول صلاة خوف صلاها رسول الله «1» ، وبذلك شرعت هذه الصلاة التي تدل على يسر الإسلام وسماحته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقيل إن مشروعية صلاة الخوف كانت في غزوة «ذات الرقاع» ، وكانت على ما ذهب إليه ابن إسحاق سنة أربع، وذهب الإمام البخاري إلى أنها كانت سنة سبع عام خيبر واستدل بأدلة فليرجع إليها من يشاء «2» .
سرية كرز بن جابر الفهري
وفي شوال من هذا العام قدم على المدينة جماعة من عكل وعرينة «3» ، فأظهروا الإسلام، وبايعوا رسول الله، وكانوا هزالا مصفرة ألوانهم، فلم يوافقهم هواء المدينة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بإبل له خارج المدينة فيشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا، فلما صحّوا قابلوا الإحسان بالكفران، وقتلوا الراعي ومثّلوا به وسمروا عينيه، واستاقوا الإبل، فلما بلغ الخبر النبي أرسل وراءهم كرز بن جابر الفهري في عشرين فارسا، فلحقوا بهم وجاؤوا بهم إلى المدينة، فأمر رسول الله أن يقتص منهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وسمرت أعينهم «4» ، وألقوا في الحرّة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا «5» .
وما فعل بهم ليس مثلة وإنما هو قصاص واحد: ذاك أنهم سرقوا، وقتلوا، ومثّلوا، وكفروا، وحاربوا الله ورسوله. فأقيم عليهم حدّ السرقة والبغي، واقتص منهم بالقتل والتمثيل كما فعلوا.
سرية عمرو بن أمية الضّمري
جلس أبو سفيان بن حرب ذات يوم في نادي قومه فقال: ألا رجل يذهب إلى محمد فيقتله غدرا فنستريح منه، فتقدم له رجل من الأعراب وقال له: إني
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 81، 149.
(2) المرجع السابق، ص 83.
(3) عكل بضم العين: قبيلة من تيم الرباب، وعرينة مصغرا: حي من بجيلة.
(4) أي فقئت بالمسامير، لأنهم فقأوا عيني الراعي بوضع الشوك فيهما.
(5) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب قصة عكل وعرينة، وكتاب الطهارة- باب أبوال الإبل.(2/323)
هاد بالطرق خرّيت، ومعي خنجر مثل خافية النسر، فأعطاه راحلة ونفقة وأوصاه أن يخفي أمره، فخرج الرجل حتى وصل المدينة، فسأل عن النبي حتى انتهى إليه وهو في جماعة من أصحابه، فلما راه قال: «إنّ هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل بينه وبين ما يريد» فوقف فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال النبي: «أنا» فذهب ينحني على رسول الله كأنه يسر إليه شيئا، فجبذه أسيد بن حضير وقال:
تنحّ عن النبي، وجذب بداخل إزاره فإذا الخنجر، فقال: يا رسول الله هذا غادر، فأسقط في يد الأعرابي وقال: دمي، دمي، وأخذ أسيد بن حضير بتلابيبه، فقال له النبي: «اصدقني ما أنت وما أقدمك؟ فإن صدقتني نفعك الصدق، وإن كذبتني فقد أطلعت على ما هممت به» فقال الأعرابي فأنا امن؟
قال: «وأنت امن» فأخبر النبي بخبر أبي سفيان وما جعل له.
فحبس عند أسيد بن حضير، ثم دعا به من الغد فقال: «قد أمنتك فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك؟» قال: وما هو؟ فقال النبي: «أن تشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله» فأسلم الرجل وقال: يا محمد ما كنت لأفرق من الرجال، فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت، ثم أطلعت على ما هممت به، وما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق، وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان!! فجعل النبي يبتسم.
وأقام الرجل أياما، ثم استأذن وخرج، ثم أراد النبي أن يجازي أبا سفيان بما صنع، فقال لعمرو بن أمية الضمري- وكان شجاعا فاتكا في الجاهلية- ولسلمة بن أسلم بن حريش: «اخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب، فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه» فخرجا حتى أتيا مكة، وطافا بالبيت وصلّيا ركعتين، ففطن أهل مكة لعمرو وقالوا: ما جاء عمرو إلا بشر وهمّوا بقتلهما، ففرا حتى قدما المدينة ولم يقضيا مما أرادا وطرا، وهكذا أراد رسول الله أمرا، وأراد الله أمرا، وكان ما أراد الله، فقد نجّى أبا سفيان حتى أسلم ليلة الفتح، وتشرّب بهذا الدين الحنيف، وصار من أنصاره بعد أن كان من أعدى أعدائه.(2/324)
غزوة الحديبية «1»
ها هي السنة السادسة كادت تنتهي، وقد أصبح المسلمون مرهوبي الجانب في الجزيرة، ولئن لم تكن فيها موقعة فاصلة فقد حفلت بسرايا كثيرة تمخضت عن قوة المسلمين، ورعب المشركين وهزيمتهم، وها هم المسلمون قد اشتاقوا إلى زيارة الكعبة البيت الحرام: بيت ابائهم وأجدادهم ومتعبدهم وقبلتهم، فقد مضى نحو ست سنين ولمّا يتشرفوا بزيارة هذا البيت، ويقضوا شيئا من حاجات النفس المشوقة إليه.
وأذكى هذا الشوق، وقوّى الأمل في نفوسهم رؤيا راها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأى أنهم يدخلون المسجد الحرام محلّقين رؤوسهم ومقصرين، ولكن كيف للمسلمين هذا، والمشركون حريصون على صدهم عن البيت، وأهون عليهم أن يموتوا جميعا من أن يدخلها عليهم المسلمون عنوة؟ لذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم بثاقب فكره أن يستنفر العرب ومن حوله من الأعراب، ليخرجوا معه معتمرين، كي تعلم قريش أنه لا يريد حربا، فاستجاب له بعض الأعراب، وأبطأ عنه الكثيرون.
خروج النبي معتمرا
وفي ذي القعدة من هذا العام خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في زهاء ألف
__________
(1) الحديبية- بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء مواحدة مكسورة وياء منهم من خففها ومنهم من شددها- قرية بالقرب من مكة على مرحلة منها سميت ببئر هناك.(2/325)
وخمسمائة «1» من المهاجرين والأنصار، ومن لحق بهم من الأعراب، واستخلف على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي، وأحرم بالعمرة «2» هو والكثيرون من أصحابه، وساق معه الهدي سبعين بعيرا حتى يكون إيذانا للناس أنه لم يرد حربا، وإنما خرج زائرا للبيت ومعظما له.
وصول النبأ إلى قريش
وخرج رسول الله حتى إذا كان بعسفان «3» لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله، هذه قريش قد سمعت بمسيرك، فخرجوا معهم العوذ المطافيل «4» ، قد لبسوا جلود النمور، وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قدموا إلى كراع الغميم «5» .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟! فو الله لا أزال أجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» «6» .
__________
(1) ذكر ابن إسحاق في سيرته أنهم كانوا سبعمائة، وهو خلاف ما ذكره المحدّثون في الصحاح وغيرها وكتب السير من أنهم كانوا بضع عشرة مائة، وقد استنتج ذلك مما روي أن النبي ساق سبعين بدنة، كل بدنة عن عشرة، وهذا ليس بلازم، فإن بعضهم قد يهدي بغير الإبل، كما أن بعضهم لم يكن محرما كأبي قتادة كما ثبت في الصحيح (صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة الحديبية) .
(2) هذا هو الصحيح، وهو ما ذكره المحدثون وكتاب السير، لا ما ذكره الدكتور هيكل في كتابه «حياة محمد» من أن النبي أذّن في الناس بالحج.
(3) قرية على مرحلتين من مكة أي مسيرة يومين.
(4) العوذ: جمع عائذ، وهو من الإبل الحديثة النتاج. والمطافيل جمع مطفل: التي معها أولادها، والمراد أنهم خرجوا ومعهم النساء والأولاد، والكلام على الاستعارة.
(5) واد أمام عسفان بثمانية أميال.
(6) السالفة صفحة العنق وهو كناية عن الموت.(2/326)
ثم تفادى رسول الله الاصطدام بخيل المشركين فقال: «من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها؟» ، فقال رجل من أسلم: أنا، فسلك بهم طريقا وعرا صعبا خرجوا منه بعد مشقة وجهد، فأفضوا إلى أرض سهلة منبسطة، فقال رسول الله: «قولوا، نستغفر الله ونتوب إليه» فقالوها، فقال:
«والله إنها للحطّة «1» التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها» ثم سلكوا طريقا انتهى بهم إلى ثنيّة المرّار قرب الحديبية.
وفي هذا المكان بركت ناقة رسول الله فزجروها فلم تقم، فقالوا: خلأت حرنت- القصواء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما خلأت القصواء، وما هو بخلق لها، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها» ثم قال للناس: «انزلوا» فقالوا:
ما بالوادي من ماء ينزل عليه، فأخرج سهما من كنانته، فأعطاه رجلا من أصحابه، فنزل به في بئر فغرزه في جوفه، فجاش بالماء حتى ضرب الناس بعطن، فشربوا وسقوا دوابهم.
رسل قريش
رأت قريش ألاقبل لها بحرب المسلمين، وإلّا دارت عليهم الدائرة، ونمى إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يريد حربا، فأرسلت إليه من يفاوضه تعرفا على قوة المسلمين وعزمهم على القتال من جهة، وطمعا في صد المسلمين عن البيت بالطرق السلمية من جهة أخرى.
__________
(1) إشارة إلى قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، وَقُولُوا حِطَّةٌ ... سورة البقرة: الايتان 58- 59، فبدّلوا، وغيروا، وسخروا، وتهكموا، ومعنى «وقولوا حطة» أي حط يا رب عنا ذنوبنا، واغفرها لنا. وفي المقارنة دلالة على طيب عنصر الصحابة وطاعتهم للرسول، وخبث اليهود، ولؤم طباعهم، وعصيانهم لنبي الله موسى.(2/327)
بديل بن ورقاء
فأتاه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة وكانت خزاعة عيبة «1» نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها وكافرها، لا يخفون عنه شيئا كان بمكة- فسألوه عما جاء به، فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا، وإنما جاء زائرا للبيت ومعظّما له، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تعجلون على محمد، وإنه لم يأت لقتال، وإنما جاء زائرا للبيت، فاتهموهم وقالوا: وإن جاء لا يريد قتالا فو الله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة!!.
مكرز بن حفص
ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص، فلما راه رسول الله قال: «هذا رجل غادر» ، فلما انتهى إلى رسول الله قال له نحو ما قال لبديل، فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال.
حليس بن علقمة
ثم بعثوا بحليس سيد الأحابيش، فلما راه رسول الله قال: «إنّ هذا من قوم يتألّهون «2» ، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه» فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده، قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله، رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله إعظاما لما رأى، فأخبرهم بما رأى، فقالوا له:
اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك، فغضب الحليس وقال: يا معشر قريش، والله ما على هذا حالفناكم، أيصدّ عن بيت الله من جاءه معظّما له!! والذي
__________
(1) عيبة- بفتح المهملة وسكون التحتانية- ما توضع فيها الثياب لإخفائها، أي موضع النصح له والأمانة على أمره، كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب.
(2) يتألهون: يتعبدون ويعظمون شعائر الله.(2/328)
نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرنّ بالأحابيش «1» نفرة رجل واحد، قالوا: مه، كفّ عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.
عروة بن مسعود الثقفي
ثم بعثوا إلى رسول الله حكما يطمئنون إليه، وهو عروة بن مسعود الثقفي، فخشي أن يناله من التعنيف وسوء المقالة ما نال من سبقه وهو من يعرفون، فقالوا له: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، فخرج حتى أتى رسول الله، فجلس بين يديه ثم قال: يا محمد أجمعت أو شاب «2» الناس، ثم جئت بهم إلى بيضتك- بلدك- لتفضها بهم؟ إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل، قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا، وايم الله، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا.
فلم يتمالك الصدّيق نفسه- وقد أحفظته هذه المقالة الكاذبة- أن ردّ على عروة ردا جارحا مؤلما، فقال: من هذا يا محمد؟ قال: «هذا ابن أبي قحافة» ، فقال له: أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها، ولكن هذه بهذه.
مثل أعلى للحب وللإيمان
وكان عروة يتناول لحية رسول الله وهو يكلمه، والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله وهو مدجّج في السلاح، فجعل يقرع يد عروة بنعل سيفه ويقول له: اكفف يدك عن وجه رسول الله قبل ألاتصل إليك، فاغتاظ عروة
__________
(1) الأحابيش جمع أحبوش- بفتح الهمزة والباء- وهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو الحارث بن عبد مناف بن كنانة، وبنو المصطلق من خزاعة. كانوا قد تحالفوا تحت جبل يقال له الحبشي أسفل مكة، وقيل سموا بذلك لتجمعهم. والتحبش والحباشة الجماعة «فتح الباري، ج 5 ص 342» .
(2) أوشاب: أخلاط.(2/329)
وقال: من هذا يا محمد!: قال: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» ، فقال: أي غدر، وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس «1» !!.
فكلمه رسول الله بنحو ما كلم به من سبقه وأنه ما جاء يريد حربا، وكان عروة يرمق أصحاب رسول الله ويتعرف أحوالهم، فرأى أمرا عجيبا: رأى رسول الله لا يتنخّم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده!! وإذا أمرهم ابتدروا أمره: أيهم ينفذه أولا!! وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه!! وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظيما له!!.
فرجع عروة إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه، لقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فإني لكم ناصح، فقالت قريش: لا تتكلم بهذا، ولكن نرده عامنا هذا ويرجع من قابل.
رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد رأى رسول الله حرصا على حرمة البيت، وإيثارا للسلام على الحرب أن يرسل رسلا إلى قريش بمكة، لاحتمال ألايكون عند رسل قريش من الشجاعة ما يحملهم على المصارحة بالحقيقة. فأرسل خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش، حمله على بعير له ليبلّغ أشرافهم ما جاء الرسول إليه، لكنهم استبد بهم الحمق والغضب، فعقروا به البعير، وأرادوا قتله، لولا أن منعتهم الأحابيش أحلافهم، فخلّوا سبيله.
سفارة عثمان بن عفان رضي الله عنه
ثم دعا رسول الله عمر بن الخطاب ليكون رسولا إلى أهل مكة، فقال:
يا رسول الله، إني أخاف قريشا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي من
__________
(1) كان المغيرة قد قتل الجماعة في الجاهلية، فتحمل ديتهم عمه عروة هذا، فلهذا استنكر معاملته له، ولكنه الإيمان يسمو بصاحبه عن الأهل والولد والمال!! وغدر- بضم الغين وفتح الدال- كثير الغدر.(2/330)
يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إياها، وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعزّ بها مني: عثمان بن عفان، فقبل الرسول منه الاعتذار، واستحسن ما عرضه عليه، فدعا عثمان فأرسله إلى أبي سفيان وأشراف قريش ليخبرهم بقصد رسول الله، فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي «1» ، فحمله بين يديه ثم أجاره حتى بلّغ رسالة رسول الله، فقالوا لعثمان: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
بيعة الرضوان
واحتبست قريش عثمان عندها، وبلغ رسول الله والمسلمين أن عثمان قد قتل، فقال رسول الله: «لا نبرح حتى نناجز القوم» ودعا إلى البيعة تحت شجرة سمرة هناك، فبايعه بعضهم على الموت، وبعضهم على ألايفروا، ولم يتخلّف عن المبايعة إلا الجدّ بن قيس، فقد لصق بإبط ناقته يستتر من الناس، وكان أول من بايع أبو سفيان وهب بن محصن أخو عكاشة بن محصن، ولما تمت البيعة للحاضرين ضرب رسول الله بإحدى يديه على الاخرى وقال: «وهذه لعثمان» ، فكانت يد رسول الله لعثمان خيرا من يده لنفسه، وهذه البيعة هي بيعة الرضوان لقول الله سبحانه وتعالى:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً «2» .
وهو صلح الحديبية.
وبهذه البيعة أصبح المسلمون على استعداد لمناجزة قريش، وجعل كل واحد منهم يترقب يوم الظفر ويوم الاستشهاد بنفس راضية وقلب مطمئن.
وإنهم لفي استعداد للمناجزة إذ ترامى إليهم أن عثمان لم يقتل، ثم لم يلبث أن جاء إليهم سالما، وبذلك كفى الله المؤمنين القتال، وحقق رغبتهم في السلام.
__________
(1) هو ابن عم عثمان، قيل أسلم قديما، وهاجر مع زوجته فاطمة بنت صفوان كما ذكره ابن إسحاق، والأكثرون على أنه أسلم أيام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) سورة الفتح: الاية 18.(2/331)
مناوشات قريش
وأرسلت قريش نحوا من خمسين رجلا منهم، عليهم مكرز بن حفص ليطيفوا بعسكر المسلمين عسى أن ينالوا منهم غرّة، فأسرهم حارس الجيش محمد بن مسلمة؛ وهرب رئيسهم، وأتى بهم إلى رسول الله فعفا عنهم تشبثا منه صلى الله عليه وسلم بخطة السلم، واحتراما للشهر الحرام أن يسفك فيه دم، وقد بهتت قريش حين عرفوا ذلك، وسقطت كل حجة لهم في أن النبي يريد حربا، وأيقنوا أن أي اعتداء من جانبهم على المسلمين لن تنظر إليه العرب إلا على أنه غدر لئيم، للمسلمين الحق كل الحق في أن يدفعوه- وما أقدرهم- بكل ما أوتوا من قوة، وفي هذا نزل قول الله:
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً «1» .
بشائر الصلح
لم يكن بدّ لقريش وقد جرى ما جرى من أن تفكر في الصلح جديا، وأن تنتهي هذه الحالة التي قد تدور بسببها الدائرة عليهم، فأرسلوا سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: ائت محمدا وصالحه، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا، فو الله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدا. فلما انتهى سهيل إلى رسول الله وراه تفاءل به وقال: «لقد سهل لكم من أمركم» وتكلم سهيل فأطال الكلام، وتراجع هو والنبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهيا إلى صيغة الصلح، وتم الاتفاق ولم يبق إلا الكتاب.
__________
(1) سورة الفتح: الاية 24.(2/332)
شروط صلح الحديبية
وكانت شروط الصلح على ما يأتي:
1- وضع الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنين «1» ، يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، وأن بينهم عيبة مكفوفة، فلا إسلال- سرقة- ولا إغلال- خيانة-.
2- من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه.
3- من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهداهم دخل. فدخلت خزاعة في عهد الرسول، ودخلت بنو بكر في عقد قريش.
4- أن يرجع النبي وأصحابه من غير عمرة هذا العام، فإذا كان العام القابل خرج عنها المشركون، فيدخلها المسلمون ويقيمون بها ثلاثا ليس معهم من السلاح إلا السيوف في قربها- أغمادها-.
وقبل النبي هذه الشروط على ما في بعضها بادىء الرأي من إجحاف بالمسلمين؛ لأنه يصدع بأمر الله وإلهامه ولن يضيعه الله أبدا، ولحرصه على أن يسود السلام ويحفظ للبيت حرمته.
__________
(1) ذكر الشيخ محمد الخضري رحمه الله في كتابه «نور اليقين» ص 190 أن مدة الصلح كانت أربع سنين، وقد تابعه بعض الكتاب المعاصرين، والذي في السير وكتب الحديث أن المدة عشر سنين، وأما رواية الأربع فضعيفة منكرة.(2/333)
رأي المسلمين في الشروط
أما المسلمون فرأى بعضهم كالصدّيق ما رأى الرسول في الشروط وسلّموا بها، ورأى بعضهم ولا سيما في الشرط الثاني إجحافا بحق المسلمين، وقالوا:
سبحان الله!! كيف نرد إليهم من جاء مسلما، ولا يردّون إلينا من جاء مرتدا؟
فأجابهم الرسول بهذا الجواب الحكيم: «إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا» .
ومن هذا الفريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكما هو معروف عنه من الصلابة في الحق وحب المراجعة فيما لم يستبن له فيه وجه الحق والصواب؛ أبى إلا أن يعلن عما في نفسه، فذهب إلى الصدّيق رضي الله عنه، فقال:
يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟!! فقال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه «1» - طريقته-، فإني أشهد أنه رسول الله، فقال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله.
وكأن الفاروق لما يزل في نفسه بعض الحرج في قبول هذا الشرط، فرأى أن يستبين من الرسول وجه الحق وأن يسمع منه، فأتى رسول الله وقال له:
ألست برسول الله؟ قال: «بلى» ، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: «بلى» ، قال:
أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال الرسول: «أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره، ولن يضيعني «2» » ، فلم يكن بدّ من أن يذعن الفاروق وينتظر ما تجيء به الأيام، ولم تلبث الأحداث أن أظهرت بعد نظر الرسول كما ستعلم عن كثب.
__________
(1) الغرز للبعير: كالسرج للفرس، والمراد الزم أمره وطريقته وإياك والمخالفة.
(2) هذا ما ورد في السيرة لابن إسحاق، وفي الصحيح أنه أتى النبي أولا فسأله، ثم أتى أبا بكر بعد ذلك فسأله، وقد رجّحت ما في السيرة على ما في الصحيح لأن بقاء شيء من الشك بعد سؤال الفاروق للصدّيق حتى سأل النبي فأزال ما بقي عنده أقرب من بقاء شيء من الشك بعد سؤال عمر للنبي حتى سأل الصدّيق فأجابه وأزال ما بقي عنده، والله أعلم.(2/334)
وقد استشعر الفاروق وقد هدأت ثورته النفسية أنه ربما يكون قد جانبه الصواب في التردد في السؤال، أو احتمال أن يظن به الشك، فكان يقول:
ما زلت أصوم وأتصدّق، وأصلّي وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمات يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا، وفي صحيح البخاري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا، أي الأعمال الصالحة المذكورة.
رؤيا رسول الله
وكذلك كانت هناك مسألة أخرى تتردد في نفس بعض المسلمين وهي الرؤيا التي راها رسول الله في دخولهم المسجد الحرام، فقد ظنّوا أنها هذا العام، فلما لم تتحقق وانتهى الصلح بالتأجيل وجدوا لذلك أسى وحزنا في نفوسهم، حتى بين لهم الرسول أن الرؤيا ليس بلازم أن تتحقق هذا العام، فقد سأل الفاروق عمر رسول الله عن هذا، فقال: «أفأخبرتك أنك تأتيه هذا العام؟» ، قال: لا، قال: «فإنك اتيه ومطوّف به» ، وكذلك سأل الفاروق الصديق عن الرؤيا، فأجابه بما أجاب به الرسول «1» .
كتابة كتاب الصلح
ودعا رسول الله علي بن أبي طالب ليكتب الكتاب، فقال له: «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» ، فقال سهيل: أما الرحمن فلا أدري ما هو؟ ولكن اكتب باسمك اللهم، فأبى المسلمون، فقال النبي: «اكتب باسمك اللهم» ثم قال: «هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو» ، فقال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله: «والله إني لرسول الله حقا وإن كذبتموني» ، ثم أمر عليا بمحو ما كتب وكتابة محمد بن عبد الله، فامتنع علي
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب الشروط- باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وصحيح مسلم- كتاب الجهاد والسير- باب أسباب صلح الحديبية.(2/335)
تأدبا، فأخذ رسول الله الصحيفة فمحاها وكتب محمد بن عبد الله وهو لا يحسن أن يكتب «1» .
وبعد أن فرغ علي من كتابة الشروط أشهد الرسول على الكتاب رجالا من المسلمين، وهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن سهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، ومحمود بن مسلمة. وشهد من المشركين حويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص. وكتب من شروط الصلح نسختان: نسخة للنبي ونسخة لقريش.
وقفة عند هذا الصلح
وإن لنا هنا لوقفة ترينا مبلغ صبر الرسول واحتماله، وتنازله عن بعض حقوقه في سبيل إتمام الصلح، ولو أن النبي استجاب لرغبات بعض المسلمين أو لهوى في نفسه لما تمّ الصلح، وهذا يدل على أنه نبي يوحى إليه، كما يدل على سمو نفسه سموا يعلو على الجاه وعن هوى النفس وعن الألقاب، وكل ذلك كان حرصا على الوفاء بما وعد به حيثما قال: «والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها» .
وإن ما حدث في صلح الحديبية ليعتبر مثلا يحتذى في المساهلة في الشروط طلبا للأمن والسلام، فهل يكون فيما صنعه رسول الله قدوة للقواد والزعماء والرؤساء في عالمنا المضطرب الخائف، الذي يشاهد كل يوم مؤتمرات واجتماعات في سبيل السلام والحد من التسابق المجنون في سبيل التسلح ثم تنتهي إلى لا شيء؟!!.
أبو جندل بن سهيل بن عمرو
وبينا علي يكتب الكتاب جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في قيود الحديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام إليه أبوه فضرب وجهه وأخذ بتلابيبه وقال: يا محمد هذا أول من أقاضيك عليه أن ترده، فقال النبي: «إنا لم نقض الكتاب بعد» ،
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب عمرة القضاء، وباب الحديبية، وكتاب الشروط- باب الصلح في الجهاد.(2/336)
فقال سهيل: فو الله إذا لم أصالحك على شيء أبدا، فقال النبي: «فأجزه لي» فأبى فقال أبو جندل: يا معشر المسلمين أردّ إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت؟ فازداد الناس غما فقال له الرسول: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم» .
نحر النبي هديه
ولما فرغ النبي من كتابة العهد قال لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا» ثلاث مرات- فما قام منهم أحد، فقد أذهلهم ما هم فيه من الغم، والحزن عن أمر الرسول، فدخل رسول الله على زوجه أم سلمة وكانت خرجت القرعة عليها في سفر رسول الله هذا، فذكر لها ما وجد من الناس، فقالت- وكانت عاقلة حازمة-: يا نبي الله، اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك.
فخرج فلم يكلّم أحدا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ما فعل الرسول قاموا فنحروا، وحلق بعضهم وقصّر اخرون، فقال الرسول: «يرحم الله المحلّقين» قالوا: والمقصّرين يا رسول الله، قال: «يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصّرين، قال: «يرحم الله المحلقين» قالوا: والمقصّرين، قال: «والمقصرين» قالوا:
يا رسول الله لم ظاهرت- كررت- الترحيم للمحلقين دون المقصرين؟ قال:
«لأنهم لم يشكّوا» .
الأوبة إلى المدينة ونزول سورة الفتح
ثم اب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغتبط بما أتمّ من صلح، وفي الطريق أنزلت عليه سورة الفتح. روى البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثلاثا- قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل فيّ القران، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن(2/337)
يكون نزل فيّ قران، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّمت عليه، فقال: «لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس» ثم قرأ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً.
ورواه أيضا الإمام أحمد الترمذي والنسائي والطبراني، وقد بيّنات رواية الطبراني ورواية أخرى لأحمد أن نزولها كان مرجعه من الحديبية، وهو المراد بالسفر المذكور، وقد اختلف في مكان نزولها، فقيل: بالجحفة، وقيل: بكراع الغميم، وقيل بضجنان، والأماكن الثلاثة متقاربة «1» . وهذا يدل على أن هذه السورة نزلت بعد صلح الحديبية لا بعد فتح مكة، كما يزعم بعض الناس.
صلح الحديبية فتح مبين
وقد بيّنات هذه الرواية الصحيحة وغيرها أن المراد بالفتح في مفتتح السورة هو صلح الحديبية وما جرى فيها من البيعة، وقد ورد ذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمّع بن حارثة قال:
وشهدنا الحديبية، فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم، وقد جمع الناس يقرأ عليهم: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، فقال رجل:
يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: «أي والذي نفسي بيده إنه لفتح» . كما ورد ذلك صريحا عن بعض الصحابة، روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قال: الحديبية. وروى بسنده عن البراء بن عازب قال:
تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحا، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية، يعني الفتح في قوله: إِنَّا فَتَحْنا ... «2» .
وما أحسن ما ورد عن الصدّيق رضي الله عنه في هذا قال: (ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية، ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، والله لا يعجل لعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد) .
__________
(1) تفسير ابن كثير والبغوي ج 7 ص 158 وفتح الباري ج 8 ص 473.
(2) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة الفتح.(2/338)
وقال الإمام الزهري: (ما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس كلّم بعضهم بعضا، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلّم أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تيناك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر) . وليس أدل على هذا من أن المسلمين كانوا في الحديبية حوالي ألف وخمسمائة، وكانوا في فتح مكة عشرة الاف «1» .
ولكي تزداد يقينا بأن صلح الحديبية فتح مبين نسوق لك ما أفاده المسلمون من هذا الصلح.
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 322.(2/339)
مكاسب المسلمين من صلح الحديبية
1- اعترفت قريش بالمسلمين اعتراف الندّ بالندّ، وفي ذلك دعاية للإسلام لا يستهان بها إن لم تكن ذات بال عند قريش فسوف يسمع بها العرب، وفي ذلك تمهيد لا تساع نفوذ الإسلام وسطوته.
2- إنّ هذه الهدنة ضمنت للمسلمين الانصراف إلى تبليغ دعوة الإسلام في كافة أنحاء الجزيرة وما يتاخمها من الدول والإمارات، وهذا ما كان، فقد كاتب النبي الملوك والأمراء وبذلك انتشر الإسلام أضعاف انتشاره من قبل.
3- اعتراف المشركين بمجيء المسلمين معتمرين من العام القابل أكسب المسلمين الحق في زيارة البيت من غير مناجزة ولا حرب، وهذا ما كان يريده المسلمون.
4- كان أشد ما أحفظ بعض المسلمين من الصلح: أن من أتى المسلمين من قريش ردّ، ومن جاء قريشا من المسلمين لا يرد، وقد أثبت الواقع أنه لم يرتد مسلم، وبذلك أصبح هذا البند من الشرط غير ذي خطر، كما كان النبي يعلم بثاقب فكره، واستضاءة قلبه بنور الوحي وفيوضاته أن الفقرة الأولى من هذا الشرط ستجر على قريش متاعب كثيرة، قد تضطرها إلى التنازل عنه، بل والإلحاح في ذلك، وهذا ما صدّقته الحوادث بأسرع مما كان يظن.
سعي قريش في التنازل عن هذه الفقرة من الشرط
فقد جاء أبو بصير عروة بن أسيد الثقفي من قريش إلى المسلمين بالمدينة، فأرسلت قريش في طلبه رجلين فسلّمه لهما النبي وقال له: «يا أبا بصير، إنا قد(2/340)
أعطينا هؤلاء القوم عهدا ولا يصح في ديننا الغدر، وإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، فانطلق إلى قومك» ، فقال أبو بصير:
يا رسول الله أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟! فكرّر عليه النبي قوله.
فخرج مع الرجلين، حتى إذا كان بذي الحليفة تحايل على أحد الرجلين فأخذ منه سيفه فضربه به حتى برد «1» ، وفرّ الاخر يعدو حتى دخل مسجد المدينة فلما راه رسول الله قال: «قد رأى هذا ذعرا» وأخبر رسول الله بما جرى فأمنه، ولم يلبث أبو بصير أن جاء وقال: يا رسول الله قد- والله- أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم، فقال النبي: «ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد» «2» .
ففطن الرجل لمقالة الرسول، وخرج حتى نزل (العيص) على ساحل البحر في طريق قريش إلى الشام، ولم يلبث أن انفلت أبو جندل ولحق به، وهكذا صنع كل من ضيّق عليه واحتجز بمكة حتى تكوّن منهم نحو السبعين رجلا، فقطعوا على قريش تجارتها، فماذا كان من أمر قريش؟ لقد أرسلت إلى رسول الله تناشده الله والرحم أن يرسل إليهم ويؤويهم، وأن من أتاه مهاجرا من المسلمين فهو امن ولا يرد.
وهكذا صدّق الله فراسة نبيّه، وعلم المسلمون الذين امتعضوا من هذا الشرط أن أمر رسول الله أعظم بركة من أمرهم، وأن رأيه لهم أولى من رأيهم لأنفسهم، وازدادوا إيمانا بأن الله ناصر نبيه، وناشر دينه، ورضي الله عن الصحابي الجليل سهل بن حنيف، فقد كان يقول: (اتهموا الرأي، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أردّ على رسول الله أمره لرددت، والله ورسوله
__________
(1) برد: مات.
(2) ويل أمه: كلمة ذم. والمراد بها هنا المدح. مسعر حرب: مثيرها ومحركها، ومسعر بالنصب على التمييز وهو وصف له بالإقدام.(2/341)
أعلم) «1» . وأخرج البزار عن عمر قال: (اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي، وما ألوت عن الحق) ، وفيه قال:
(فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيت، حتى قال لي: «يا عمر تراني رضيت وتأبى» ) ؟!!.
__________
(1) رواه البخاري.(2/342)
تفسير سورة الفتح
قال الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً:
هو صلح الحديبية كما سبق أن دللنا عليه لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ: قد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة والبر والاستقامة قبل البعثة وبعدها، فالمراد بالذنوب الأمور التي خالف فيها الأولى، وذلك مثل ما حدث في أسارى بدر، وترجيحه رأي القائلين بأخذ الفداء، ومثل إذنه للمعتذرين عن تبوك، وهذه ليست ذنوبا لكنها اعتبرت كذلك بالنسبة لجلالة قدره وعظم منزلته عند ربه، فهو من قبيل ما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين. وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ: بهذا النصر على المشركين. وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً: بما يشرعه لك ولأمتك من الشرائع العادلة والدين القيم.
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً: فيما تستقبل من أمرك حتى يظهر دينك على الأديان كلها. هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ السكينة: الطمأنينة والوقار والاية تدل على زيادة الإيمان. وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً: لله جنود كثيرة لا يعلمها إلا هو، ولو أراد أن يسلّط عليهم ملكا واحدا لأبادهم، ولكنه تعالى شرع لكم الجهاد لما في ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة.
ولما بيّن الله ما يتعلق بنبيّه ذكر ما أعدّه لعباده المؤمنين المجاهدين فقال:
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... الاية. ثم ذكر ما يتعلق بالمنافقين والمشركين في قوله: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ(2/343)
وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ وهو أن الله لن ينصر نبيّه والمؤمنين وسيهلكون عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ ... : أي ما يظنونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم فهم مخذولون وهالكون في الدنيا ولهم العذاب الأليم في الاخرة، ثم أكد سبحانه قدرته على الانتقام من أعدائه فقال: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً قويا لا يغالب، منتقما بحكمة.
ثم قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على أمتك وعلى الأنبياء أنهم بلّغوا وَمُبَشِّراً للمؤمنين وَنَذِيراً للكافرين لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ أي تنصروه وَتُوَقِّرُوهُ وتعظموه وتكرموه وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الضمير لله عزّ شأنه أي تنزهوه وتقدسوه في أول النهار واخره، والمراد في جميع الأوقات. ثم قال سبحانه وتعالى تشريفا لنبيّه وتكريما: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يعني في الحديبية وغيرها إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ لأنك إنما تبايع بأمر الله وشرعه وطاعته يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ: أي هو حاضر معهم يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فالله هو المبايع في الحقيقة بواسطة رسوله. ثم بيّن عاقبة النكث والوفاء فَمَنْ نَكَثَ نقض العهد فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ لأن وبال ذلك وضرره عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً: النصر في الدنيا والنعيم المقيم في الاخرة.
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ كان النبي استنفر الأعراب قبل الخروج إلى مكة معتمرا عام الحديبية فتثاقل الكثيرون منهم وتعلّلوا بتعلات باطلة كقولهم شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا: نساؤنا وأبناؤنا فَاسْتَغْفِرْ لَنا: قالوه تقية ومصانعة لا اعتقادا بدليل قوله: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وكان قعودهم ظنا منهم أنه يدفع عنهم الضر ويحصّل لهم النفع، فردّ عليهم بقوله سبحانه: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً: استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا أحد. بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيجازيكم بسرائركم.(2/344)
ثم بيّن سبحانه أن تخلفهم ليس لعذر وإنما هو تخلف نفاق فقال: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً: طمعا أن يستأصلهم العدو وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ زيّنه لكم الشيطان والهوى وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ: وهو أنهم لن يرجعوا وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً هلكى.
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً: نارا مسعّرة وهو تسجيل عليهم بالكفر، ثم بيّن سبحانه أنه المتصرف في الكون كله على حسب مشيئته فقال: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً: فمن تاب منكم وندم فباب المغفرة مفتوح له.
ثم بيّن سبحانه أن هؤلاء المتخلفين لا همّ لهم إلا المغنم، ولا يعنيهم نصرة الإسلام فقال: سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ هي مغانم خيبر. يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ هو ما وعد الله أصحاب بيعة الرضوان أن مغانم خيبر لهم واحدهم لا يشاركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين. قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ: أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية. فَسَيَقُولُونَ: بَلْ تَحْسُدُونَنا أن نشرككم في الغنائم، فردّ الله عليهم زعمهم فقال: بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا الفقه: الفهم والعلم.
ثم بين سبحانه أن لهم فرصة لتدارك ما فاتهم والتكفير عن سيئاتهم فقال:
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ: هم بنو حنيفة وأضرابهم من المرتدين، وقيل: أهل فارس والروم تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ أي ينقادون إليكم بلا قتال ويدخلون في سلطانكم فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً النصر في الدنيا والثواب في الاخرة. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ في الحديبية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً: بالذلة في الدنيا والعذاب في الاخرة، ثم بين سبحانه أصحاب الأعذار في القعود عن الجهاد، فمنها لازم كالعمى والعرج، ومنها عارض كالمرض فقال: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ، وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ، وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ الاية.(2/345)
ثم بيّن سبحانه رضوانه على أهل بيعة الحديبية فقال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ: هي شجرة سمرة كانت هناك، وقد بني عندها مسجد، وقد كان الناس يأتون الشجرة ويصلون عندها، حتى كان زمان خلافة الفاروق عمر فقطعها خشية افتتان البعض بها. فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ من الإيمان فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً: هو صلح الحديبية. وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها: هي مغانم خيبر. وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً: لا يغالبه غالب. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها: هي جميع المغانم التي غنموها فيما بعد من العرب وغيرهم. فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ مغانم خيبر. وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ: لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة، وكذلك كف أيدي اليهود وغيرهم عمن خلفتموهم وراء ظهوركم بالمدينة من عيالكم ونسائكم. وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ: عبرة لهم أن الله ناصرهم، وأن الخيرة فيما اختاره الله لهم، وإن كرهوه في الظاهر.
وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً: بانقيادكم لأمره وطاعتكم لرسوله. وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً: الاخرى: قيل فتح مكة، وقيل: فتوح فارس والروم.
ثم بين سبحانه أنه لم يختر لهم القتال لحكم تجلت، لا لضعفهم، ولو أنهم قاتلوكم لانتصرتم عليهم فقال: وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً: من دون الله، أما أنتم فالله وليكم وناصركم. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا: أي سنة الله وعادته في الأمم أن ينتصر أهل الإيمان على أهل الكفر، والحق على الباطل، وأن العاقبة والنصر في النهاية إنما هي للمتقين المخلصين.
ثم قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً: امتنان من الله على عباده المؤمنين حيث كفّ أيدي المشركين عنهم فلم ينلهم منهم سوء، وكف أيدي المسلمين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، وصد كلّا من(2/346)
الفريقين عن الاخر لحكم بالغة يعلمها، وأوجد بينهم صلحا فيه خيرة للمؤمنين، وعافية لهم. وكان المشركون قد أرسلوا عيونا على المسلمين نحوا من سبعين، فأسرهم المسلمون وجاؤوا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله منهم.
ثم قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: أن تعتمروا به. وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، يعني وصدّوا الهدي الذي سقتموه وبقي محبوسا بالحديبية عن أن يبلغ محل نحره وهو الحرم، ثم بين سبحانه الحكمة في أنه لم يأذن له في القتال مع قدرتهم عليه بقوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ: هم المستضعفون والمستضعفات ممن أسلموا وأقاموا بمكة ولم يستطيعوا الهجرة. لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ: أي تقتلوهم بغير علم.
فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ: أي ينالكم بقتلهم سبة وإثم ويقول المشركون: قتلوا إخوانهم في الدين، وجواب لولا محذوف تقديره لسلطناكم عليهم فقاتلتموهم وأبدتموهم. لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ متعلق بمحذوف أي كففناكم عنهم ليكون لهم فسحة فيفيء بعضهم إلى الإسلام، وهذا ما كان، فقد أسلم منهم بين الحديبية والفتح أبطال مغاوير كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة بن عبد الدار. لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً: تزيلوا: تميزوا، يعني لو تميز المؤمنون عن الكافرين لسلطناكم عليهم فقتلتموهم قتلا ذريعا.
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ: هي الغضب والأنفة فأبوا أن تدخلوا مكة معتمرين، وأبو أن يكتبوا: بسم الله الرحمن الرحيم، وأبو أن يكتبوا: محمد رسول الله. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ: فلم تأخذهم الحمية فيعصوا الله في قتالهم، ولكنهم كظموا غيظهم، وأذعنوا لنبيهم. وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى: هي كلمة الإيمان: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعملوا بموجبها ووقفوا عند ما أمر الله ورسوله: وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها: أحق بكلمة التقوى وأهلا للعمل بها واحترامها. وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. فقد وسع علمه كل شيء، أما علمكم فقاصر، ومن كان هذا(2/347)
شأنه فليتهم عقله، وليلتزم ما أمر به الله ونبيه، ولينته عما نهيا عنه، وكن على ذكر لكلمة الصحابي الجليل سهل بن حنيف الانفة «1» .
ثم بيّن سبحانه أن رؤيا رسول الله صادقة ولابد أن تتحقق فقال: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ، لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ: تعليم للخلق أن يلتزموها في كل شيء وإن كان المتكلم بالقران سبحانه عالما بكل شيء، وصدق الله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.
آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ: ذلك أن رسول الله كان قد رأى في المنام قبل الخروج إلى الحديبية أنه دخل مكة وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، فلما ساروا إلى الحديبية لم يشكّوا أنّ هذه الرؤيا سيكون تأويلها هذا العام، فلما حدث ما حدث من قضية الصلح ورجوعهم وقع في نفس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر رسول الله عن ذلك فأخبره أنه لم يقل هذا العام، وأنه سيأتيه ويطوّف به، وهذا ما كان فقد وقع تأويل الرؤيا في العام القادم. فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا: وهو أن الصلاح والخير كان في الصلح وتأخير الدخول للحكم التي ذكرها الله انفا. فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً:
وهو صلح الحديبية، وقيل: فتح خيبر.
ثم بيّن سبحانه أن الله ناصر نبيه وناصر دينه، وسيعلو على الأديان كلها فقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً: أنك المبعوث رحمة للعالمين، ثم ختم سبحانه السورة ببيان صفة النبي وصحابته، وأنهم لجلالتهم ضرب الله لهم الأمثال في التوراة والإنجيل، وأشاد بذكرهم في القران فقال: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ: لا تأخذهم في المشركين شفقة ولكنهم متوادون متراحمون بينهم، فهو كقوله سبحانه: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ. تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً كناية عن كثرة صلاتهم ومواظبتهم عليها. يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ
__________
(1) انظر صفحة 341.(2/348)
وَرِضْواناً: أي يطلبون بأعمالهم الصالحة ثواب الله ورضوانه وهو أعظم من الثواب وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ. سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ:
عليهم سيما الصلاح من الخشوع والتواضع وحسن السمت وإشراق الوجه.
ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ: وبحسبهم فضلا أن ينوّه الله سبحانه بهم في توراته التي أنزلها على موسى عليه السلام. وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ: فرخه، وهو أول ما يبدو منه فَآزَرَهُ: قوّاه وشده. فَاسْتَغْلَظَ:
ترعرع وطال. فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ: غلظ وقوي. يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ: وكذلك أصحاب رسول الله كانوا قلة فكثروا، وضعفاء فقووا، وازروه ونصروه حتى بلّغ رسالة ربه، وعمّ دينه المشارق والمغارب.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ: من لبيان الجنس أي هم مَغْفِرَةً: لذنوبهم وَأَجْراً عَظِيماً: ثوابا جزيلا، ورزقا كريما لا يعلم قدره إلا الله، ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة، ونهج نهجهم فهو في ركابهم، وإن كان لهم الفضل، والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم.
المهاجرات المؤمنات
كان من شروط الصلح كما أسلفنا أن من جاء من قريش إلى النبي مسلما ردّ، فما استقر المقام للنبي بالمدينة حتى جاءت نسوة مؤمنات من قريش منهن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فجاء أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فيها أن يردها إليهما فأبى، وروي أنه قال: «كان ذلك في الرجال لا في النساء» ، فأنزل الله سبحانه قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ... الاية «1» .
__________
(1) سورة الممتحنة: الاية 10.(2/349)
وهكذا صدّق الله نبيه فيما قال، وأن النساء لا يدخلن في العهد الذي مضى، وأنهن يختبرن، فإن ظهر إيمانهن لا يرجعن إليهم أبدا.
تفسير الايتين الواردتين في هذه الحادثة
فَامْتَحِنُوهُنَّ: وكانت صيغة الامتحان كما روى ابن جرير عن ابن عباس: أن تقسم بالله ما خرجت من بغض زوج، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، ولا عشقا لرجل، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله، فإذا قالت ذلك اكتفي به في إيمانها وحرم إرجاعها إلى المشركين، وذلك لأنّ المرأة لا يؤمن عليها الفتنة، أما الرجل فله في أرض الله الواسعة ملجأ كما صنع أبو جندل وأبو بصير وغيرهما. اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ: يعني يكفيكم هذا في اختبارهن فلكم الظاهر والله يتولى السرائر.
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ: وهذه الاية هي التي حرمت النساء المسلمات على أزواجهن المشركين، فإن أسلم زوجها فهو أحق بها ما لم تتزوج غيره، وقد ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته زينب لأبي العاص بن الربيع لمّا أسلم، بعد نزول هذه الاية، قيل: بالعقد الأول، وقيل بعقد ومهر جديدين. وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا:
أي أعطوا أزواج المهاجرات المسلمات من المشركين ما أنفقوا من مهور.
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ: أيها المسلمون أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ:
أي مهورهن بشرط انقضاء عدتهن. وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ: جمع كافرة، والمراد المشركات لا الكتابيات، نهي المسلمون عن الاستمرار مع زوجاتهم المشركات بهذه الاية كما نهوا عن زواجهن ابتداء بقوله سبحانه: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ. ولما نزلت اية الممتحنة طلّق المسلمون أزواجهم المشركات، فقد كان لسيدنا عمر زوجتان بمكة فطلقهما، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، وتزوج الاخرى أبو جهم بن حذافة وهما على شركهما قبل أن يسلما.
وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ: يعني إذا لحقت امرأة منكم بالمشركين مرتدة(2/350)
فاسألوا ما أنفقتم من المهر ممن تزوجها منهم، قيل لم ترتد امرأة مسلمة قط، وقيل ارتدت واحدة ثم عادت فأسلمت فيما بعد، وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا: يعني للمشركين الذين لحقت زوجاتهم المؤمنات بكم أن يسألوا ما أنفقوا من المهر ممن تزوجها منكم. وهذا غاية العدل في التشريع ولذا قال: ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ: أي عليم بما يصلح العباد حكيم في تشريعه.
ولما نزلت قال المسلمون: رضينا بما حكم الله، وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا من أداء مهور من ارتددن أو ثبتن على كفرهن، فأنزل الله: وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا يعني لو ذهبت إليهم امرأة مرتدة ولم يعطوا زوجها ما أنفق من مهر، فأعطوه مما بأيديكم من مهور النساء اللاتي جئن مهاجرات، ولا تعطوا مهورهن لأزواجهن المشركين، وذلك على سبيل المعاقبة والمقابلة بالمثل.
وقيل معنى عاقَبْتُمْ: غنمتم، أي من ذهبت زوجته مرتدة إلى المشركين ولم يعطوه ما أنفق من مهر فأعطوه مما غنمتم وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ: أي اتقوا الله واحذروا أن تتعدّوا ما شرعه الله لكم، ولا تستجيبوا لأهوائكم في معاملة أعدائكم لأن الشأن في المؤمن أن يتقي على كل حال.(2/351)
أحداث وتشريعات في هذا العام
1- في هذا العام كان تشريع صلاة الخوف وهي تدل على يسر الشريعة الإسلامية وملاءمتها لكل زمان ومكان ولجميع الأحوال، وقد اختلفت الفقهاء في كيفيتها بناء على اختلاف الأحاديث والاثار الواردة فيها، وليس هنا مكان تفصيل ذلك، وإنما يطلب ذلك من كتب التفسير والحديث والفقه.
2- وفي هذا العام كان تحريم النساء المسلمات على أزواجهن المشركين بعد الحديبية، وتحريم النساء المشركات على أزواجهن المسلمين، قيل للإسلام، وقيل لاختلاف الدار.
تحريم الخمر
وقد اختلف العلماء وأصحاب السير في وقت تحريمها: قيل سنة أربع، وهو الذي يدل عليه كلام ابن إسحاق، فقد ذكر أنه كان في واقعة بني النضير، وقيل سنة ست وهو الذي جزم به الدمياطي في سيرته، واستظهر الحافظ في الفتح أنه كان سنة ثمان «1» ، والذي ترجح عندي أنه كان سنة ست.
ومهما يكن من شيء فقد كانت الخمر ممتزجة بلحوم العرب ودمائهم، حتى بلغ من بعضهم وهو أبو محجن الثقفي أن قال في الجاهلية:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها
__________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 85 ص 224، وج 10 ص 24.(2/352)
ولا تدفنّي بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت ألاأذوقها
لذلك كان حكمة الشارع الحكيم أن حرمها بالتدريج، فإن النفوس البشرية يشق عليها ترك ما تعودته دفعة واحدة (شديد عادة منتزعة) ، فقد نزل فيها أول ما نزل قوله سبحانه:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما «1» .
والاية وإن لم تقطع بالتحريم إلا أن فيها ترجيح جانب الحرمة على الحلّ، فمن ثمّ تركها قوم واستمر على شربها اخرون.
ثم إن بعض المسلمين وهو عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما لأصحابه، فأكلوا وشربوا، ثم قام أحدهم يصلّي بهم وهو لا يعي، فقرأ: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ. لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ» ، فترك حرف النفي في الاية وهو (لا) ، فأنزل الله سبحانه:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ «2» .
فقالوا: ما لنا ولشيء يمنعنا عن صلاتنا، فكانوا يتركونها عند الصلوات، وفي الأوقات القريبة منها، حتى إذا ما صلّوا العشاء شربوا وناموا، فيصحون وقد زال أثر السكر، وبذلك صار من السهل تحريمها تحريما باتا، وهذا ما كان.
فقد صنع بعض المسلمين طعاما، فأكلوا وشربوا حتى لعبت الخمر برؤوسهم، فتهاجوا بالأشعار، فتشاجروا حتى شجّ أحدهم رأس الاخر بعظم، فقال الفاروق عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا، فأنزل الله سبحانه:
__________
(1) سورة البقرة: الاية 219.
(2) سورة النساء: الاية 43.(2/353)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «1» .
فقال عمر: انتهينا انتهينا. وبذلك حرمت الخمر تحريما باتا قاطعا، روى هذا الإمام أحمد، وأصحاب السنن.
ولما حرمت نادى منادي رسول الله: ألا إن الخمر قد حرمت، فقام الناس إلى ما عندهم منها فأهرقوه حتى سالت بها طرق المدينة، وبذلك نجح الإسلام أيما نجاح في تحريمها على تأصّلها فيهم، وقد حاولت بعض الدول- الولايات المتحدة- في العصر الحديث تحريمها بسطوة القانون ففشلت، وأين قانون الإنسان من شريعة الرحمن؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وروي أنه لما نزلت اية التحريم البات قال ناس: يا رسول الله فكيف بمن قتلوا في سبيل الله أو ماتوا على فراشهم وكانوا يشربونها؟ فأنزل الله سبحانه قوله:
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ «2» .
فالاية إعذار لمن كان يشربها قبل التحريم ومات على ذلك، وليس فيها إباحة شربها لأن شربها لا يجامع التقوى بأي حال من الأحوال.
ما هي الخمر؟
والخمر هي كل ما أزال العقل أو غيّر منه. روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: قام عمر على المنبر فقال: (أما بعد: فإنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر
__________
(1) سورة المائدة: الايتان 90، 91.
(2) سورة المائدة: الاية 93. والحديث رواه البخاري.(2/354)
العقل) ، وقد خطب عمر بهذا وهو بمحضر من كبار الصحابة فلم ينكر عليه أحد، وإلى هذا ذهب جماهير العلماء سلفا وخلفا، وقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام» ، وفي رواية: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام» .
والخمر بجميع أنواعها حرام قليلها وكثيرها سواء، ويحد شاربها وإن لم يسكر، روى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام» ، وكل ما أسكر فهو خمر سواء أكان من العنب، أو التمر، أو الزبيب، أو البصل، أو الشعير، أو الذرة، والعبرة ليست بالأسماء، وإنما العبرة بالإسكار، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء الذين يتحايلون على الشرع ويسمون الخمر بغير اسمها فقال: «ليشربنّ أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» «1» .
حكمة تحريم الخمر
والخمر مضرة بالصحة «2» ، مذهبة للأموال، مفسدة لما بين الناس من أواصر المحبة والأخوة، مغواة للشيطان، صارفة عن ذكر الله وعن الصلاة، سالبة للعقل الذي هو أشرف ما وهب الله الإنسان، معرّضة شاربها للعربدة والتعدّي على الدماء والأعراض، فهي أم الخبائث، فلا تعجب إذا كان الإسلام حرّمها فيما حرم على المسلمين، ليكون المجتمع الإسلامي على خير ما يكون دينا وخلقا، وأمنا وسلاما.
وقد يقول قائل: إن القران الكريم قرر في اية البقرة أنها لم تخل من منافع، فكيف جعلتها سببا لكل هذه الماثم؟ وأقول لمن يزعم ذلك: إن المراد بالمنافع في الاية الدنيوية وهي ما يتخيله شاربها بعد شربها من النشوة وإدخال
__________
(1) رواه أحمد والبخاري في التاريخ.
(2) انظر ما كتبه الطبيب النطاسي الدكتور عبد العزيز إسماعيل في كتابه «الإسلام والطب الحديث» .(2/355)
الفرح والسرور على نفسه ونسيان الهموم، وما ينتفع به بعض الناس من صنعها أو بيعها أو الاتجار فيها، وهي منافع لا توازي في معيار الحق والفضيلة شيئا مما فيها من مفاسد ومباذل وماثم، على أن هذه الاية كانت قبل التحريم، فكان من الحكمة مجاراتهم فيما يزعمونه منافع حتى لا ينفروا، ثم لمّا تهيأوا للتحريم حرمها وجردها من أية منفعة أو مصلحة.(2/356)
تبليغ الإسلام في العالم
مكاتبة الملوك والأمراء
عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية وقد أمن شر قريش ومناوأتها لدعوة الإسلام، ووجد الرسول الفرصة سانحة لتبليغ رسالة الإسلام للناس جميعا عربهم وعجمهم، إذ قد أرسل للبشر كلهم قال تعالى:
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «1» .
وقال:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «2» .
وقال:
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ «3» .
وقد كان هذا كسبا كبيرا للدعوة، فقد شهدت افاقا واسعة، ووجدت أرضا خصبة، ونفوسا مستعدة لتقبل الدين الجديد بعد أن عاشت البشرية في ليل داج مظلم، ولم يكن ليخفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعانيه العالم- ولا سيما الدولتان اللتان كانتا تقتسمان النفوذ في العالم حينئذ: فارس والروم- من انحراف ديني، وفساد خلقي، واضطراب اجتماعي، وما وقع بينهما من حروب وغارات أنهكت قواهما، مما جعل هذه الشعوب على استعداد لقبول الإسلام،
__________
(1) سورة الأعراف: الاية 158.
(2) سورة الأنبياء: الاية 107.
(3) سورة سبأ: الاية 28.(2/357)
الذي ينعمون فيه بالإيمان والأمان، والحرية والإخاء، والعدل والمساواة، ولذلك لم تكد تنتهي ثلاثون عاما من دعوتهم إلى الإسلام، حتى كانت هذه البلاد قد دخلت في الإسلام، واستظلت بلوائه، وقد كان بدء إرسال الكتب بعد الحديبية في أواخر سنة ست أو أوائل سنة سبع، ولذلك اثرت ذكر هذه الكتب في هذا الموضع.
ولما عزم رسول الله على مكاتبة الملوك والأمراء خرج على أصحابه ذات يوم فقال: «أيها الناس: إن الله قد بعثني رحمة وكافة، فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم» فقال أصحابه: وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله؟ قال: «دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضي وسلّم، وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل» ثم ذكر أنه مرسل إلى هرقل وكسرى والمقوقس والنجاشي وغيرهم، يدعوهم إلى الإسلام، فأجابه أصحابه إلى ما أراد، ثم صنع له خاتم من فضة، نقش عليه (محمد رسول الله) ليختم به هذه الكتب.
كتاب رسول الله إلى القيصر (هرقل)
وجه رسول الله دحية بن خليفة الكلبي بكتاب إلى قيصر، وأمره أن يدفعه إلى حاكم (بصرى) ليوصله إلى هرقل، ونص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى أما بعد، فإن أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولّيت فإن عليك إثم الإرّيسيين «1» : قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا: اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» «2» .
__________
(1) الإرّيسيون: الفلاحون والأتباع، والمراد رعيته لأنها غالبا تتبع ملكها وراعيها.
(2) سورة ال عمران: الاية 64.(2/358)
موقف هرقل من الكتاب
ولما وصل الكتاب إلى هرقل وكان الرجل عاقلا قال: ائتوني برجل من قومه أسأله عنه، فالتمسوه، فصادفوا أبا سفيان في ركب من قومه ذاهبين بتجارتهم إلى الشام بعد صلح الحديبية، فجاؤوا بهم إليه، فسألهم بوساطة ترجمانه أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان:
أنا، فقال له: ادن مني، فأجلسه أمامه، ثم أجلس بقية قومه خلفه حتى لا يخجلوا من ردّ كذبه عليه إذا كذب. ثم سأله عن نسبه، وهل ادّعى ذلك أحد قبله، وعن مبلغ صدقه؟ وهل كان من ابائه من ملك؟ وأيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ وأيزيدون أم ينقصون؟ وهل يرتد أحد من أتباعه سخطة لدينه؟ وهل يغدر إذا عاهد؟ وكيف حربكم وحربه؟ وبم يأمركم؟ كل ذلك وأبو سفيان يجيب بما هو الحق.
ثم استخلص هرقل الحق من كلام أبي سفيان فقال له: إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها.
وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله، فزعمت أن لا، فلو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يأتم بقول قيل قبله. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فقلت ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك هل كان من ابائه ملك فقلت: لا، فلو كان من ابائه ملك لقلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون؟ فقلت: بل يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك هل قاتلتموه؟ فقلت: نعم، وأن الحرب بيننا وبينه سجال، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، وسألتك بماذا يأمر؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد اباؤكم، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، والوفاء بالعهد وأداء الأمانة.(2/359)
ثم قال: وهذه صفة نبي كنت أعلم أنه نبي، ولكن لم أعلم أنه منكم، وإن يك ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، ولو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت قدميه!! ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرىء على الحاضرين، فعلت أصوات من حوله من عظاماء الروم وكثر لغطهم، وأمر بأبي سفيان وأصحابه فأخرجوا، فقال أبو سفيان: لقد عظم أمر ابن أبي كبشة «1» ، هذا ملك بني الأصفر «2» يخافه، فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام.
ولما سار قيصر إلى حمص وأذن لعظماء الروم في دسكرة له، ثم أمر بأبوابها فأغلقت، ثم قال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها مغلقة، فلما رأى قيصر نفرتهم وغضبهم قال: ردّوهم علي، ثم قال لهم: إنما قلت مقالتي انفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فسجدوا له ورضوا عنه «3» . وهكذا غلبه حب ملكه على الإسلام، فذهب بإثمه وإثم رعيته كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه مع هذا كرّم دحية ورده ردا جميلا.
كتاب كسرى
ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السّهمي بكتاب إلى كسرى «4» ملك الفرس، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه هذا إلى كسرى ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وامن بالله ورسوله، وشهد ألاإله إلا الله
__________
(1) قيل: هو كنية أبيه من الرضاعة، واسمه الحارث بن عبد العزى، كانوا ينسبونه إليه استهزاء.
(2) بنو الأصفر: الروم.
(3) صحيح البخاري، باب بدء الوحي، وكتاب الجهاد- باب دعاء النبي الناس إلى الإسلام.
(4) كسرى لقب لكل ملك الفرس وهو كسرى بن برويز بن هرمز بن أنو شروان.(2/360)
واحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فإن تسلم تسلم، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك» .
فلما قرىء الكتاب عليه مزقه، فلما بلغ رسول الله ذلك دعا عليه قائلا:
«اللهم مزّق ملكه» وقد استجاب الله لنبيه، فقتله ابنه شيرويه، ولم تقف حماقة كسرى عند تمزيق الكتاب بل أرسل إلى «باذان» عامله على اليمن: ابعث من عندك رجلين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز، ففعل باذان، فلما قدما على النبي قال: «أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة» ! وكان ذلك ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الاخرة سنة سبع من الهجرة، فخرجا من عند النبي حتى قدما على باذان فأخبراه بمقتل كسرى، وقالا له يقول لك: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك من الأبناء.
ثم لم ينشب باذان أن جاءه كتاب شيرويه يخبره بقتل أبيه، وأوصاه أن لا يهيج النبي حتى يأتيه أمره فيه، فقال: إن هذا الرجل لرسول، فأسلم وأسلم الأبناء من فارس الذين كانوا باليمن.
كتاب المقوقس عظيم مصر
وأوفد عليه الصلاة والسلام حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس عظيم مصر وأميرها من قبل الروم بكتاب ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد:
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم القبط:
يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «1» .
__________
(1) انظر: صورة هذا الخطاب في كتاب «الوسيط في الأدب العربي وتاريخه» ، ص 122.(2/361)
فوفد حاطب على المقوقس وكان بمدينة الإسكندرية، فناوله الكتاب، فقبّله وأكرم حاطبا وأحسن نزله.
ثم بعث إلى وفد جمع بطارقته، وقال: إني سائلك عن كلام، فأحب أن تفهم عني، قال: قلت هلمّ، قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت:
بلى، هو رسول الله، قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟! قال: فقلت: عيسى بن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى، قلت: فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حيث رفعه الله إلى السماء الدنيا؟!.
فسر منه وقال له: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم «1» ، ثم قال إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدت أنه لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، وسأنظر، ثم كتب ردّ الخطاب، فقال فيه:
(لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي، وكنت أظنه بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت لك بجاريتين لهما مكان عظيم في القبط، وبثياب، وأهديت إليك بغلة تركبها والسلام) .
وإحدى الجاريتين مارية التي تسرّاها رسول الله وولدت له إبراهيم، والاخرى أعطاها حسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان وقيل أربع جوار، ومما أهدي غلام خصي اسمه «مابور» وحمار أسمي عفيرا أو يعفور، وقد أسمى النبي البغلة دلدلا، وكانت فريدة ببياضها بين البغال التي عرفتها بلاد العرب.
وخطاب المقوقس هذا يدل على إكباره لرسول الله كما يدل على أنه لم يسلم، ولم يبعد، والذي يبدو أن الرجل خاف على ملكه، ولولا هذا لامن ونال حظه من الإسلام.
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 273.(2/362)
كتاب النجاشي
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى النجاشي ملك الحبشة مع عمرو بن أمية الضمري ونصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم الحبشة، سلام على من اتبع الهدى وامن بالله ورسوله، وشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وأن محمدا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسوله، فأسلم تسلم:
يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك» «1» .
ولما وصله الكتاب احترمه وكرم حامله وقال له: إني أعلم والله أن عيسى بشّر به، ولكن أعواني بالحبشة قليل، فأنظرني حتى أكثر الأعوان وألين القلوب.
وفي بعض الروايات أنه أسلم، والصحيح خلافه، ففي صحيح مسلم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى، وليس النجاشي الذي صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم» .
ثم بعث إليه رسول الله بكتاب اخر مع عمرو أيضا بشأن مساعدة مهاجري الحبشة على الخروج إلى المدينة، فأعدّ لهم سفينتين حملتاهم إليها، فوصلوا عقب فتح خيبر كما سيأتي إن شاء الله.
بقية الكتب
كتاب المنذر بن ساوى
ووجه عليه الصلاة والسلام العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، يدعوه وقومه إلى الإسلام، فأسلم، فأقره النبي على إمارته، وأوصاه
__________
(1) البداية والنهاية، ج 3 ص 83.(2/363)
بالنصح والطاعة والإصلاح، وألايكره أحدا على الإسلام، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية.
كتاب أمير بصرى
وأرسل عليه الصلاة والسلام الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى أمير بصرى، فلما بلغ مؤتة- قرية بمشارف الشام- تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني، قال له: أين تريد؟ قال: الشام. قال: لعلك من رسل محمد؟ قال:
نعم، فأمر به فضربت عنقه، ولم يقتل لرسول الله رسول غيره.
كتاب أمير دمشق
ووجه عليه الصلاة والسلام شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أمير دمشق من قبل هرقل، يدعوه إلى الإسلام، ويعده ملكه إن أسلم، فلما وصله الكتاب رمى به، وقال: من ينتزع مني ملكي؟ واستعد ليرسل جيشا لحرب النبي، وقال لشجاع: أخبر صاحبك بما ترى، ثم أرسل إلى قيصر يستأذنه في ذلك، وصادف ذلك مجيء دحية بكتاب رسول الله إلى هرقل، فكتب إليه يثنيه عن عزمه، فلما رأى الحارث كتاب قيصر صرف شجاعا بالحسنى ووصله بنفقه وكسوة.
كتاب ملك اليمامة
ووجه النبي سليط بن عمرو العامري بكتاب إلى هوذة بن علي ملك اليمامة يدعوه إلى الإسلام، ووعده أن يجعل له ما تحت يديه إن أسلم، فكتب في رد الكتاب: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، وأنا شاعر قومي وخطيبهم، والعرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر أتبعك، فلما بلغ كتابه الرسول قال: «لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد وباد ما في يديه» فلم يلبث أن مات منصرف الرسول من فتح مكة.
كتب أخرى
وكذلك أرسل النبي إلى جبلة بن الأيهم الغساني، وإلى الحارث بن عبد كلال الحميري ملك اليمن، وإلى جيفر وعبد ابني الجلندى ملكي عمان،(2/364)
وإلى غيرهم من الملوك والأمراء، فمنهم من أجاب وأسلم ومنهم من رد ردا سيئا.
ويلاحظ على هذه الكتب الخبرة الدقيقة بنفوس من أرسل إليهم، وحسن تخير الألفاظ المناسبة لكل، والمثيرة للعواطف والمشاعر، كما يلاحظ أن بعض من لم يسلم كان رده ردا جميلا رقيقا مما يدل على قوة الإسلام وسطوته، وسماحة دعوته، فلا تعقيد فيها ولا غموض، وأن الصحابة الذين حملوا الكتاب كانوا عند حسن ظن الرسول بهم، ووفوا بما عاهدوه عليه من الإقدام، وأن لا ينكصوا كما نكص بعض رسل عيسى عليه الصلاة والسلام، كما كان عجيبا أن لم يقتل من الرسل على كثرتهم إلا واحد، وهذا يدل على أن العالم حينئذ كان يستشرف إلى دين جديد سمح، ينقذه من الحضيض الذي هوى إليه، فكان هذا الدين هو الإسلام.(2/365)
السّنة السّابعة من الهجرة
[الغزوات والسرايا في هذه السنة]
غزوة ذي قرد «1»
لم يختلف أصحاب السير أنها كانت سنة ست قبل الحديبية وإن اختلفوا في شهرها، وجزم الإمام البخاري بأنها كانت قبل خيبر بثلاث ليال على ما ثبت عنده من أحاديث صحيحة، وقد رجّح الحافظان ابن كثير وابن حجر ما ذهب إليه البخاري «2» ، ولذلك اثرت ذكرها هنا تبعا لما في الصحيح.
أغار عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري في جماعة من قومه غطفان على لقاح «3» النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة، وعلى اللقاح رجل من غفار ومعه امرأته، فقتلوا الرجل واستاقوا اللقاح وأخذوا معهم المرأة، وكان أول من سمع بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع، فقد لقيه غلام لعبد الرحمن بن عوف فأخبره، فتوشح سيفه، وتنكّب قوسه، وأخذ نبله وصعد على جبل فراهم، فصاح واصباحاه «4» (ثلاثا) وخرج يشتد في اثار القوم، وكان عاديا لا يسبقه أحد حتى لحق بهم، فجعل يرميهم بالنبل ويقول:
خذها وأنا ابن الأكوع ... اليوم يوم الرّضّع «5»
__________
(1) بفتح القاف والراء وحكي الضم فيها، وهو ماء على نحو بريد من بلاد غطفان.
(2) فتح الباري، ج 7 ص 37.
(3) جمع لقحة بكسر اللام وفتحها: الإبل ذوات اللبن.
(4) كلمة تقال عند استنفار الغافل.
(5) الرضع: جمع راضع وهو اللئيم، أي يوم هلاك اللئام.(2/367)
فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمع صياح ابن الأكوع فنادى في المدينة: «الفزع. الفزع» فترامت الخيول إلى رسول الله، فأمر عليهم سعدا وقال: «اخرج في طلب القوم حتى ألحقك» . منهم المقداد بن الأسود، وعبّاد بن بشر، وسعد بن زيد، وعكاشة بن محصن، وأبو قتادة.
وما زال سلمة يكر ويفر، حتى استنقذ منهم اللقاح، واستلب منهم أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا، ألقوها متخففين منها، وهم يظنون أنه ما فعل ذلك إلا ومعه كمين أو وراءه مدد.
ولما أدركهم الفرسان المسلمون حمل أبو قتادة على عبد الرحمن بن عيينة فقتله، وقتل عكاشة رجلا وابنه، وقتل من المسلمين محرز بن نضلة، وأخذ المشركون في السير هربا، ولم يلبث رسول الله أن جاء في خمسمائة من أصحابه وأقام على ذي قرد يوما وليلة، فقال سلمة: يا رسول الله لو سرحتني ومائة رجل لاستنقذت بقية السرح، وأخذت بأعناق القوم، فقال العفوّ الكريم: «يا سلمة ملكت فأسجح «1» ، إنهم الان ليغبقون في غطفان» «2» أي فاتوا ووصلوا إلى بلادهم.
وقسم النبي الغنيمة عليهم وأعطى سلمة سهمين: سهم الراجل وسهم الفارس، تقديرا له، وأردفه على ناقته العضباء، وهم عائدون إلى المدينة، وقال: «خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة» وعاد المسلمون بعد أن لقنوا غطفان درسا لن ينسوه.
لا نذر في معصية
وكانت امرأة الغفاري قد غافلت المشركين، وركبت ناقة من إبل النبي حتى قدمت عليها المدينة، وكانت نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنّها،
__________
(1) أي إذا قدرت فاعف.
(2) ليغبقون: يشربون لبن العشي، والغبوق- بفتح الغين- ما يشرب بالمساء.(2/368)
فلما أخبرت الرسول تبسم وقال: «بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها، ثم تنحرينها، إنه لا نذر في معصية، ولا فيما لا تملكين، وإنما هي ناقة من إبلي» .
الوفاء حتى للحيوان
وإن هذه القصة لترينا حسن العهد، وغاية الوفاء اللذين كان يتخلق بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الوفاء الذي شمل بني الإنسان والحيوان، وقد كان هذا درسا علمه رسول الله هذه المرأة ليكون عبرة للأجيال، إن صاحب الخلق العظيم يعلمنا أن نقابل الإحسان بالإحسان، والجميل بالجميل، والنعم بالشكر، لا بالجحود والكفران، وأن الوفاء لازم حتى للحيوان. وبعد أن بيّن لها الرسول الكريم أن هذا وإن كان لا يليق خلقا ومروءة، فهو لا يجوز شرعا، إذ لا نذر في معصية ولا فيما لا يملكه الإنسان.
غزوة خيبر
وفي هذه السنة كانت غزوة خيبر، وبالانتصار فيها تم القضاء على شوكة اليهود في جزيرة العرب، وسنرجىء الكلام عليها إلى بحث موقف الإسلام من اليهود بعد الفراغ من حوادث هذا العام.(2/369)
غزوة ذات الرقاع «1»
خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع من أصحابه، قيل: أربعمائة وقيل:
سبعمائة قبل نجد يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان لما بلغه أنهم يجمعون الجموع له، واستخلف على المدينة أباذر، وقيل عثمان بن عفان، فساروا حتى وصلوا «نخلا» ، فلقي بها جمعا من غطفان، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وخاف المسلمون أن يأخذهم المشركون على غرّة، فصلى النبي بأصحابه صلاة الخوف، وذلك أن طائفة منهم صفّت مع النبي صلى الله عليه وسلم ووقفت طائفة تجاه العدو، فصلّى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا تجاه العدو، وجاءت الطائفة الاخرى فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم.
وقد ورد عن النبي في صفة صلاة الخوف كيفيات أخرى حملها بعض العلماء على التوسع والتخيير، وأن أية طريقة منها جائزة، وحملها البعض الاخر على اختلاف الأحوال، فإذا اشتد الخوف أخذ بأيسرها مؤونة، وأقلها عملا.
وهذا يدل على يسر الإسلام وسماحته، وصلاحيته لكل زمان ومكان. وقد اختلف في تحديد وقتها، فالإمام البخاري يرى أنها كانت سنة سبع بعد خيبر وساق أدلته على ذلك، أما أصحاب السير فذهبوا إلى أنها قبل خيبر، وإن اختلفوا في تحديد زمانها، فقيل سنة أربع، وقيل سنة خمس، وقيل في أوائل سنة ست.
__________
(1) اختلف في سبب تسميتها «ذات الرقاع» فقيل: لأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق لما حفيت أقدامهم، وقيل: لأنهم رقعوا راياتهم فيها.(2/370)
قدوم مهاجري الحبشة
وفي هذا العام وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من بقي من مهاجري الحبشة وعلى رأسهم جعفر بن أبي طالب، ومعه بضعة وخمسون رجلا من أهل اليمن وهم الأشعريون، منهم أبو موسى الأشعري، وأخوه أبو بردة، وأبو رهم. ففي صحيح البخاري «1» عن أبي موسى أنه بلغهم مخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم باليمن، فخرجوا مهاجرين إليه وركبوا سفينة، ولكن الرياح عاكستها، وألقت بها إلى الحبشة، فوافوا جعفرا وأصحابه هناك، فأقاموا معهم حتى بعث النبي عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي أن يجهّز إليه جعفرا ومن معه، فجهزهم وحملهم في سفينتين وعادوا مكرمين إلى المدينة.
وكان قدومهم بعد فتح خيبر، وقد سر النبي بمقدم جعفر وأصحابه، وقال: «ما أدري بأيهما أنا أسر: بفتح خيبر، أم بقدوم جعفر؟» وكان فيمن قدم مع جعفر زوجته أسماء بنت عميس والسيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج الرسول، وخالد بن سعيد بن العاص، وزوجته، وولده، وعمرو بن سعيد بن العاص، والأشعريون.
ولما قدمت أسماء وراها الفاروق عمر قال لها: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم، فغضبت، وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله، يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار البعداء البغضاء، وذلك في الله،
__________
(1) فتح الباري، ج 7 ص 334.(2/371)
وفي رسول الله. ثم أخبرت النبي بمقالة سيدنا عمر فقال لها: «ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان» أي هجرتهم إلى الحبشة، ثم هجرتهم إلى المدينة، فما فرح أصحاب السفينة بشيء أعظم من فرحهم بمقالة الرسول.
ولما لهم من منزلة، ولما تحمّلوه في سبيل الإسلام قسم لهم جميعا من غنائم خيبر، ولم يقسم لأحد لم يشهدها غيرهم، إلا ما كان من أمر أبي هريرة فقد قدم على النبي مسلما وهو بخيبر بعد فتحها، فكلم النبي أصحابه في شأنه فأشركوه في غنيمتهم.(2/372)
سرية بشير بن سعد
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد الأنصاري لقتال بني مرة بناحية فدك، فلما ورد بلادهم لم ير منهم أحدا، فاستاق نعمهم، وكان القوم بالوادي فجاءهم الصريخ «1» ، فأدركوه ليلا وهو راجع، فتراموا بالنبل، ولما أصبح الصباح اقتتل الفريقان قتالا مريرا حتى قتل عامة من كان مع بشير، وصمد هو يومئذ صمود الأبطال، وما زال يقاتل حتى أثخنته الجراح، وظنوا أنه مات، ثم لم يلبث وقد انصرف عنه العدو أن تحامل على نفسه حتى جاء إلى رسول الله وأخبره الخبر.
سرية غالب بن عبد الله
وفي رمضان سنة سبع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي إلى الميفعة «2» من أرض بني مرة في جماعة من الصحابة، منهم أبو مسعود البدري، وكعب بن عجرة، وأسامة بن زيد، فأدرك أسامة بن زيد ورجل من الأنصار «مرداس بن نهيك» «3» ، فلما شهرا عليه السيف قال: أشهد ألاإله إلا الله، فكفّ عنه الأنصاري وقتله أسامة، وقد لامه الصحابة على هذا حتى سقط في يده، فلما قدموا على رسول الله أخبروه فقال: «يا أسامة كيف لك بلا إله إلا الله» ؟ فقال: يا رسول الله إنما قالها متعوذا من القتل، فقال النبي:
«فهلّا شققت عن قلبه فنظرت إليه» ؟! وما زال النبي يردد قوله: «فكيف لك
__________
(1) الصريخ: المستغيث.
(2) بكسر الميم وسكون الياء وفتح الفاء: على ثمانية برد من المدينة بناحية نجد.
(3) «مرداس» بكسر الميم و «نهيك» بفتح النون وكسر الهاء.(2/373)
بلا إله إلا الله» حتى تمنى أسامة أنه لم يكن أسلم قبل ذلك اليوم وقال: إني أعطي الله عهدا ألاأقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله أبدا، فقال النبي:
«بعدي يا أسامة» قال: بعدك. وهذا يدل على عظم حرمة كلمة التوحيد، وأن الرجل ما دام أظهر كلمة الإسلام فهو معصوم الدم.
وقد حدث مثل ذلك من المقداد وغيره من الصحابة متأولين «1» ، فأنزل الله هذا التأديب الإلهي في قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً «2» .
__________
(1) فتح الباري، ج 8 ص 208؛ وتفسير القرطبي، ج 5 ص 336، 337.
(2) سورة النساء: الاية 94.(2/374)
عمرة القضاء والقضية والقصاص «1»
ها هو العام قد استدار، وحلّ ميعاد عمرة القضاء، فما إن وافى ذو القعدة من عام سبعة حتى أذن مؤذن رسول الله أن يتجهزوا للعمرة، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من كان معه بالحديبية إلا من مات أو استشهد، وخرج معه اخرون حتى بلغت عدتهم ألفين، واستخلف على المدينة عويف بن الأضبط الديلي وقيل أبارهم، وسار رسول الله يلبي والمسلمون يلبون بعد أن أحرموا بالعمرة، وساقوا أمامهم الهدي، وشهدت الصحراء هذا المشهد الرائع الذي لم تشهده من قبل، وعجّت الصحراء بالتهليل والتكبير والتلبية، والمسلمون يغذون السير يحدوهم الشوق إلى بيت الله الحرام، ويستخفهم الفرح بالعودة إلى البلد الطيب الذي فيه ولدوا، وعلى ترابه ترعرعوا، وفي مغانيه كانت ذكريات الطفولة ومارب الشباب.
وكان رسول الله- رعاية للحيطة، وأخذا للحذر- قد ساق أمامه الخيل وعليها محمد بن مسلمة، والسلاح مع بشير بن سعد، حتى إذا غدر أهل مكة
__________
(1) سميت عمرة القضاء لأنها كانت قضاء عن العمرة الأولى، وأنكر السهيلي ذلك وقال: سميت بالقضاء لأنها كانت بسبب التقاضي والصلح بين المسلمين والمشركين في الحديبية، وتسمى عمرة القضية أيضا لما ذكرنا، وتسمى عمرة القصاص لأنها كانت قصاصا عن عمرة الحديبية، وقيل لقول الله تعالى: وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ لأنهم لما منعوا المسلمين من الاعتمار في شهر حرام كان جزاؤهم أن يدخلوا عليهم مكة في شهر حرام من العام القابل.(2/375)
بهم أو أهاجهم هائج كان السلاح قريبا منهم، وفي مرّ الظهران التقى نفر من قريش بمحمد بن مسلمة في خيل المسلمين، ورأوا السلاح مع بشير بن سعد، فرجعوا سراعا فأخبروا قريشا، ففزعت قريش وقالوا: والله ما أحدثنا حدثا، وإنا على كتابنا وهدنتنا، ففيم يغزونا محمد في أصحابه؟ ولما بلغ رسول الله بطن يأجج حيث ينظر أنصاب الحرم «1» ترك الخيل والسلاح، وبعثت قريش مكرز بن حفص في نفر منهم فالتقوا بالنبي ببطن يأجج، فقالوا: يا محمد ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر، وقد شرطت ألاتدخل مكة إلا بالسيوف في القرب، فقال له النبي: «إني لا أدخل عليهم السلاح» فقال مكرز: هذا التي تعرف به: البر والوفاء.
ثم رجع إلى قريش فأخبرهم، فخرجوا إلى رؤوس الجبال، وأخلوا مكة للمسلمين، واكتفوا بالنظر إليهم من عل، واستبدّ الحنق والغضب ببعضهم، فذهبوا إلى الخندمة كراهة أن ينظروا إلى النبي وإلى أصحابه، وتهيأ المسلمون لدخول البلد الحرام، وركب رسول الله على ناقته القصواء، وهؤلاء الغر الميامين والأبطال الأشاوس يحيطون به، وهم متوشحون سيوفهم، والكل يقول: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» والبطل المقدام عبد الله بن رواحة اخذ بزمام الناقة وهو يرتجز ويقول:
خلّوا بني الكفار عن سبيله ... خلّوا فكل الخير في رسوله
يا ربّ إني مؤمن بقيله ... أعرف حقّ الله في قبوله
نحن قتلناكم على تأويله ... كما قتلناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
وأنكر ابن هشام أن البيتين الأخيرين من كلام ابن رواحة وأنهما لعمار بن ياسر يوم صفّين، وقال: إنما يقاتل على التأويل من أقر بالتنزيل. وفيما قاله نظر،
__________
(1) العلامات الدالة عليه.(2/376)
فإن موسى بن عقبة والحافظ البيهقي رويا هذا، والمسلمون قد قاتلوا المشركين على تأويله، كما قاتلوهم على ما أوجبه التنزيل «1» .
ودخل المسلمون المسجد الحرام ليطوفوا بالبيت، وكان المشركون قد أرجفوا وقالوا: إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمّى يثرب، وتطلعوا من رؤوس الجبال ليروا الذين أضعفتهم الحمى والغربة، فلما علم النبي بهذه المقالة اضطبع بردائه وصار يهرول «2» ، وأمر المسلمين أن يضطبعوا ويهرولوا وقال: «رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة» فكان إذا استلم الحجر الأسود هرول وهرولوا، حتى إذا استلم الركن اليماني وواراه البيت منهم مشى ومشوا حتى يستلم الركن عند الحجر الأسود، هكذا فعل الأشواط الثلاثة الأولى ومشى في الأربعة الباقية، ولولا الرحمة بهم، والإشفاق عليهم لهرول بهم الأشواط كلها.
وبعد الطواف وصلاة ركعتين عند مقام إبراهيم سعوا بين الصفا والمروة، ثم حلقوا وذبحوا هداهم، وبذلك تمت عمرتهم. ورأى المشركون هذا المشهد المؤثر المعبّر فخاب ظنهم، ولم يكتموا ما بأنفسهم، فقالوا: ما يرضون بالمشي، أما إنهم لينفرون نفر الظباء، وازدادوا كمدا إلى كمد.
إقامة النبي بمكة
ومكث النبي والمسلمون بمكة ثلاثة أيام، يطوفون بالبيت ويصلون، ويعبون من ماء زمزم، وقد قضوا بعض حاجات النفس المشوقة إلى بيت الله
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 228؛ فتح الباري، ج 7 ص 402.
(2) الاضطباع: أن يضع منتصف إزاره تحت إبطه اليمنى، ثم يطرح طرفه على كتفه اليسرى. والهرولة فوق المشي العادي، ودون الجري مع تقارب الخطا وهز الكتفين، وهي مشية تنم عن القوة والفتوة، وهذا أصل هذه السنة، ثم أبقاها الشارع لما فيها من التذكير بنعمة الله على المسلمين حيث أعزهم بعد ذلة، وقواهم بعد ضعف، ونصرهم ومكن لهم في الأرض بعد ضيعة، وقد ذكر المرحوم الشيخ الخضري في سيرته: أن النبي طاف بالبيت وهو على ناقته، واستلم الركن بمحجن في يده، وهذا ليس بصحيح، وإنما كان ذلك في حجة الوداع، وهذا الذي ذكرناه هو ما ذكره ابن إسحاق وثبت في الأحاديث الصحاح.(2/377)
الحرام، وفي صبح اليوم الرابع جاء سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزّى إلى رسول الله وهو يتحدث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب: نناشدك الله والعهد لما خرجت عن أرضنا فقد مضت الثلاث، فقال سعد: كذبت ليس بأرضك ولا بأرض ابائك والله لا يخرج، ولكن رسول الله حسم المخاصمة وقال لهما:
«إني قد نكحت فيكم امرأة- ميمونة- فما يضركم أن أمكث حتى أدخل بها، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا» وذلك تطييبا لنفوسهم، وتأليفا لقلوبهم، ولكنهما أبيا فأمر رسول الله أبا رافع فأذّن بالرحيل، فارتحل الرسول وأصحابه حتى نزلوا بسرف- قرية قرب مكة- وأقاموا هناك، وفيها بنى النبي صلى الله عليه وسلم بزوجه ميمونة، ثم ارتحلوا إلى المدينة وألسنتهم بالشكر والثناء على الله، أن صدق وعده، ونصر عبده وهم يرددون قول الله سبحانه:
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً «1» .
حادثة وقضية
ولما خرج النبي من مكة تبعته فاطمة ابنة حمزة شهيد أحد وكانت جارية صغيرة، وقالت: يا عم يا عم، فتناولها علي وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك فحملتها، فلما رجعوا إلى المدينة اختصم فيها علي، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، فقال علي: أنا أخذتها وهي ابنة عمي، وعندي ابنة رسول الله وهي أحق بها، وقال جعفر ابنة عمي وخالتها تحتي «2» ، وقال زيد ابنة أخي «3» ، فقضى النبي بها لخالتها وقال: «الخالة بمنزلة الأم» ثم طيّب خاطر كل واحد
__________
(1) سورة الفتح: الاية 27.
(2) لأن أم البنت هي سلمى بنت عميس أخت أسماء بنت عميس.
(3) لأن النبي كان اخى بين حمزة وزيد حين عقد المؤاخاة بين المسلمين.(2/378)
من هؤلاء الثلاثة فقال لعلي: «أنت مني وأنا منك» وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» «1» وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا» ولما كبرت قال علي للنبي:
ألا تتزوج ابنة حمزة فقال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة» .
وإن لنا هنا لوقفة عند هذه القضية الشائكة، فكل من الثلاثة أدلى بحجته، وعلي وجعفر تربطهما بالنبي صلة القرابة الوثيقة، وهما بالنسبة للبنت أبناء عمومة، وزيد تربطه بالنبي علاقة تربية ومحبة، بهما اثر النبي على أهله حتى تبناه النبي، ثم أبطل ذلك الإسلام فيما أبطل، قضية محيّرة حقا، ولكن ذا القلب الكبير والعقل الواسع قضى فيها خير ما يكون القضاء، فزيد مهما نال من شرف الأخوة وحقها لحمزة فهو دون علي وجعفر في استحقاق ابنة حمزة، وقد يرى بعض بني هاشم في تربيتها في بيت مولى لهم ما يخل بمنزلتهم في قريش، أو ترى البنت الهاشمية في ذلك غضاضة عليها، فبقي التفاضل بين علي وجعفر، كلاهما من بني هاشم، وكلاهما ابن عم لها، وكلاهما من السابقين الأولين من المهاجرين ومنزلتهما في الإسلام معروفة، فليكن التفاضل بما وراء ذلك فمن ثمّ قضى بها لجعفر، لأن خالتها عنده والخالة كما قال الصادق المصدوق بمنزلة الأم.
وقد يبدو بادىء الرأي أن عليا كان أولى بها، لأنه ابن عم، وزوجه بنت عم لها، ولكن كيف؟ وابنة العم مهما بلغت من الكرم والتسامح والرعاية لن تكون كالخالة، وربما ترى في وجود ابنة العم معها- وهي من تحل لزوجها- منافسا لها، فلا تعجب إذا كان صاحب القلب المضيء، والنظر الرحيب، قد قضى بهذا القضاء العادل الحكيم، فقضى بها لجعفر، أو إن شئت الدقة فقل لخالتها التي عنده: أسماء بنت عميس، وهي من هي دينا وخلقا وتضحية في سبيل الله ورسوله.
ولا يخفى على العارف بالنفوس البشرية وما يدبّ فيها من الخواطر والهواجس ما عسى أن يداخل نفوسهم من ألم أو خواطر لفوات ما كانت تحب
__________
(1) الأولى بفتح الخاء وسكون اللام والثانية بضم الخاء واللام.(2/379)
وتهوى، أو هوان وضعف منزلة، فيطيب خاطر الثلاثة بهذه الأوصاف المشرّفة الموزونة بميزان عادل دقيق، لا يمكن أن يكون إلا ممن أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصارا، وبهذا جمع النبي صلوات الله وسلامه عليه بين جلال الحق العادل وجمال تطييب الخاطر.(2/380)
تشريعات وحوادث هذا العام
تحريم لحوم الحمر الأهلية وغيرها
وفي غزوة خيبر حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية- الإنسية-، وحرم لحوم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» ورويا بسندهما عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر، ثم جاءه جاء فقال: أفنيت الحمر، فأمر مناديا ينادي في الناس:
«إن رسول الله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس، فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم» .
وروى مسلم عن ابن عباس قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير) وبينت رواية الترمذي أن ذلك كان في خيبر «1» .
تحريم نكاح المتعة
وفي خيبر أيضا حرم النبي نكاح المتعة، وهو النكاح لأجل، ولم يكن يستلزم طلاقا ولا عدّة، ولا يستوجب ميراثا، وقد كان هذا النكاح معروفا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أباحها في بعض الغزوات للضرورة القصوى، ففي
__________
(1) فتح الباري، ج 9 ص 540؛ صحيح مسلم بشرح النووي، ج 13، ص 82، 99.(2/381)
حديث ابن مسعود: (أنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة، فأذن لهم في الاستمتاع) .
وقد ورد في حل المتعة ثم تحريمها أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، ففي الصحيحين عن علي رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة، عام خيبر، ولحوم الحمر الأهلية. وفي صحيح البخاري عن علي أيضا التصريح بأن نكاح المتعة نسخ. وتحرير المقال في هذا المقام الذي كثر فيه القيل والقال: إن تحريم المتعة بعد إباحتها وقع مرتين: الأولى يوم خيبر، والثانية يوم فتح مكة، أبيحت ثلاثة أيام ثم حرمت بعد ذلك تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة، ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الشيعة.
وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنه، بل قد ورد عنه أنه كان يبيحها للضرورة، فقد روى الخطابي والفاكهي عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء، فقال: والله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر، فإذا ثبت ذلك وأنه رجع عن مقالته فقد تأكد الإجماع على حرمتها بعد الفتح إلى يوم القيامة، وأجمع العلماء على أنه متى وقع نكاح المتعة الان حكم ببطلانه سواء كان قبل الدخول، أو بعده، إلا ما ورد عن زفر من الحنفية في أنه يتأبد نكاحه، وكأنه يرى التوقيت من باب الشروط الفاسدة في النكاح، فإنها تلغى ويصح النكاح.
ولا أدري كيف يستحل الشيعة نكاح المتعة، ويقولون ببقائه بعد ما ثبت في الصحيحين عن الإمام علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها وأنها منسوخة «1» ؟! والحق أحق أن يتبع.
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 9 ص 179- 181؛ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج 9 ص 136.(2/382)
زواج النبي بصفية بنت حييّ النضرية
هي السيدة صفية بنت حييّ بن أخطب من ذرية هارون بن عمران، ومن سبط لاوي بن يعقوب، ولما أجلى النبي يهود بني النضير من المدينة ذهب عامتهم إلى خيبر، وفيهم أبوها حييّ سيد بني النضير وبنو أبي الحقيق، وكانت صفية حينئذ دون البلوغ، فلما بلغت تزوجها سلّام بن مشكم، ثم خلفه عليها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وكان عنده كنز بني النضير، فجيء به إلى الرسول بعد هزيمة يهود خيبر، فسأله عن الكنز فجحده، فقال له النبي:
«أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك» ؟ قال: نعم، فأتى رسول الله رجل من اليهود فقال: يا رسول الله، إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة، فأمر الرسول بالخربة فحفرت، فأخرج منها بعض الكنز، ثم سأله عما بقي فأبى أن يؤديه، فدفعه رسول الله إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة الذي قتله اليهود في خيبر.
ولما فتح المسلمون القموص- حصن بني أبي الحقيق- كانت صفية في السبي، فأعطاها دحية الكلبي، فجاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قومها، وهي ما تصلح إلا لك، فاستحسن النبي ما أشار به الرجل، وقال لدحية: «خذ جارية من السبي غيرها» ثم أخذها رسول الله وأعتقها وجعل عتقها صداقها. وهكذا ردّ النبي إليها بصنيعه هذا اعتبارها، وحفظ لها شرفها وسيادتها.
وذكر ابن سعد عن الواقدي قال: لم يخرج النبي من خيبر حتى طهرت صفية من حيضها، فحملها وراءه، فلما صار إلى منزل على ستة أميال من خيبر(2/383)
مال يريد أن يعرّس بها فأبت عليه، فوجد في نفسه، فلما كان بالصهباء نزل بها هناك فمشطتها أم سليم، وعطرتها، وزفتها إلى النبي وبنى بها، فسألها:
«ما حملك على الامتناع من النزول أولا» ؟ فقالت خشيت عليك من قرب اليهود، فعظمت في نفسه، ومكث رسول الله بالصهباء ثلاثة أيام، وأولم عليها ودعا المسلمين، وما كان فيها من لحم وإنما التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطّأ لها خلفه ومدّ عليها الحجاب، فأيقنوا أنها إحدى أمهات المؤمنين.
وقد بلغ من إكرام النبي لها أنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته لتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، وقد بلغ من أدبها أنها كانت تأبى أن تضع رجلها على ركبته، فكانت تضع ركبتها على ركبته وتركب.
ولما كانت ليست بعربية ولا قرشية كان بعض نساء النبي يدللن عليها ويحاولن النيل منها، ولكن العادل المنصف، وناصر الضعفاء كان ينتصر لها، وينافح عنها، ويلقنها كيف ترد عليهن، فقد بلغ النبيّ أن عائشة وحفصة نالتا منها، فقال لها: «ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى» رواه الترمذي، بل بلغ من انتصار النبي لها أن هجر زينب بنت جحش مدة لنيلها منها، ووصفها لها باليهودية «1» .
فلا عجب أن كانت تحب رسول الله حبا جما، وشديدة الوفاء والإخلاص له، ففي مرض موته اجتمع نساؤه حوله، فقالت صفية: يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزن ببصرهن، فقال: «مضمضن» فقلن: من أي شيء؟
فقال: «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة» .
وقد روت عن النبي الأحاديث، وروي عنها، وكانت صفية عاقلة حليمة صادقة، يروى أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها عن ذلك، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما،
__________
(1) رواه ابن سعد.(2/384)
فأنا أصلها، فقبل منها، ثم قالت للجارية: ما حملك على هذا؟ قالت:
الشيطان، فقالت لها: اذهبي فأنت حرة. وكانت وفاتها في رمضان سنة خمسين في زمن معاوية، وقيل سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنها وأرضاها «1» .
حكمة زواجه بها
ومما ذكرنا يتبين لنا أن النبي لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباعا للغريزة الجنسية كما يزعم الأفاكون، وإنما أراد إعزازها وتكريمها وصيانتها من أن تفترش لرجل لا يعرف لها شرفها ونسبها في قومها، هذا إلى ما فيه من العزاء لها فقد قتل أبوها من قبل وزوجها وكثير من قومها، ولم يكن هناك أجمل مما صنعه الرسول معها، كما أن فيه رباط المصاهرة بين النبي واليهود عسى أن يكون هذا ما يخفف من عدائهم للإسلام، والانضواء تحت لوائه، والحد من مكرهم وسعيهم بالفساد، وقد ضرب النبي بزواجه بها بعد أن أعتقها في باب التسامح والعفو المثل الأعلى فطالما نال النبي والمسلمين من قومها الشر الكثير، ولا سيما أبوها الذي جمع الجموع في الأحزاب وكان دائم التأليب على النبي، وكان للنبي أن يدعها مملوكة له يستحقها بملك اليمين، أو يتركها سبية عند رجل ربما لا يعرف لها قدرها، ولكنه النبي الإنسان الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وأوفى في مكارم الأخلاق على الغاية.
حراسة أبي أيوب للنبي
ولما أعرس الرسول بصفية في قبة له، بات السيد الجليل أبو أيوب الأنصاري يحرس رسول الله ويطيف بالقبة من بعد، فلما أصبح الصباح ورأى النبي مكانه قال: «مالك يا أبا أيوب» ؟ قال: يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة، وقد قتل أبوها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فسرّ الرسول بعمله الذي ينبىء عن غاية الحب والإيمان وقال: «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحرسني» .
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 196؛ الإصابة والاستيعاب، ج 4 ص 347.(2/385)
زواج النبي بميمونة بنت الحارث
وفي ذي القعدة من هذا العام تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية، أخت أم الفضل لبابة الكبرى زوج عمه العباس، وكانت قبل النبي عند أبي رهم بن عبد العزّى وقيل عند حويطب بن عبد العزى «1» ، وكانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل، فجعلت أم الفضل أمرها إلى زوجها العباس، فعرضها العباس- وقد تأيّمت- على رسول الله فقبل «2» ، وأصدقها العباس عن الرسول أربعمائة درهم ولما بلغتها خطبة النبي وهي راكبة على بعير قالت: الجمل وما عليه لرسول الله، وقد أراد النبي أن يدخل بها وهو بمكة، فأبى المشركون ذلك كما ذكرنا، فخرج وبنى بها وهو بسرف.
وكانت اخر امرأة تزوجها رسول الله ممن دخل بهن كما قال ابن سعد، وقد اختلفت الروايات في الصحيحين وغيرهما أتزوجها النبي وهو محرم أم وهو حلال؟ فعن ابن عباس تزوجها وهو محرم، وروى غيره أنه تزوجها وهو حلال، فمن ثمّ جمع العلماء بين الروايات بأنه عقد عليها وهو محرم ودخل بها وهو حلال بعد قضاء عمرته، وقد شاء الله أن تكون وفاتها بسرف حيث بنى بها النبي، ودفنت هناك، وكانت وفاتها سنة إحدى وخمسين وقيل سنة إحدى وستين، فرضي الله عنها وأرضاها «3» .
__________
(1) ذكر المرحوم الشيخ الخضري في «نور اليقين» ، ص 212 أنها كانت تحت حمزة بن عبد المطلب، ولم أر هذا لغيره.
(2) وقيل: إن النبي أرسل جعفر بن أبي طالب فخطبها عليه، فلعلها لما بلغتها الخطبة وكلت من يتولى العقد.
(3) الإصابة، ج 4 ص 411.(2/386)
الحكمة في زواجها
قد سمعت أن العباس عرضها على الرسول فكان من أدب النبي مع عمه- والعم صنو الأب- ألايرد له رغبة شريفة، ولا سيما أن في تحقيق هذه الرغبة توثيق الصلة بعمه العباس، وتأليفه إلى الدخول في الإسلام، وبزوج عمه أم الفضل وهي من السابقات إلى الإسلام، وبابن عمه جعفر فقد كانت زوجه أسماء بنت عميس أختا لميمونة من أمها، كما كانت سلمى بنت عميس زوجة سيد الشهداء حمزة أختا لها من أمها.
ولعل النبي أراد ما هو أهم من هذا وهو استمالة البطل المغوار خالد بن الوليد، فقد كانت ميمونة أختا لأمه لبابة الصغرى، هذا إلى ما في زواج الرسول بها من توثيق صلته بقبيلة من أشرف القبائل العربية، وهم بنو هلال وبغيرها من قبائل العرب؛ فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب «1» أن ميمونة بنت الحارث كان لها ثلاث أخوات شقيقات، وأربع أخوات من أمها، وكلهن كنّ متزوجات في أشرف القبائل، وبعضهن كنّ من المنجبات، ولأولادهن منازل عالية في الإسلام، وكان النبي يسمي لبابة الكبرى، وميمونة، وأسماء، وسلمى: (الأخوات المؤمنات) وبحسبهن ذلك شرفا.
__________
(1) ج 4 ص 404.(2/387)
موقف النّبيّ عليه السّلام من اليهود وموقفهم منه
ذكرنا فيما سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وادع اليهود، وكتب بينه وبينهم كتابا شرط لهم فيه وشرط عليهم، وأقرهم على دينهم بشرط أن لا يغدروا، ولا يمالئوا عليه عدوا، ولكن اليهود قوم في طبيعتهم الغدر والدس والخيانة، فقابلوا هذا الإحسان بالإساءة، وحاربوا الدعوة الإسلامية بأساليبهم الماكرة حربا لا هوادة فيها، فقد هموا بقتل النبي وهو بدارهم لولا أن عصمه الله منهم، وطالما سعوا في إفساد ما بين المسلمين ولا سيما الأوس والخزرج من أخوة ومحبة كانت بفضل اعتناقهم الإسلام، وكثيرا ما نقضوا العهود وحاولوا طعن المسلمين من ظهورهم، وكثيرا ما ألّبوا عليه المشركين والقبائل كما حدث في غزوة الأحزاب.
وهكذا كانت حياتهم في المدينة وما جاورها سلسلة من المخازي، والمؤامرات الدنيئة، فلم يكن بدّ من أن يقف النبي منهم موقفا حازما، فأجلاهم عن المدينة واستراح من شرورهم، وقتل من يستحق منهم القتل، ولم تأت السنة السابعة حتى تقوّض سلطانهم في شبه الجزيرة، ولم يعد لهم شأن يذكر، وأذعنوا لسلطان الإسلام وسطوته. وهذا إيجاز يحتاج إلى تفصيل، وإليك البيان.
محاولتهم الوقيعة بين الأوس والخزرج
مرّ شاس بن قيس- وكان شيخا كبيرا عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين- على نفر من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام، بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من(2/389)
العداوات والإحن فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة- الأوس والخزرج- بهذه البلاد، لا والله ما لنا إذا اجتمعوا بها من قرار، فأمر شابا من اليهود كان معه فذكّرهم بيوم بعاث «1» وما كان فيه، وما تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم وتفاخروا، وتواثبوا حتى قال أحدهم للاخر: إن شئتم رددتها- أي الحرب- الان جذعة، وغضب الفريقان، وتنادوا: السلاح السلاح موعدكم الحرة.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إليهم في جماعة من المهاجرين حتى جاءهم فقال: «يا معشر المسلمين، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟! الله الله» .
فأفاق القوم من غضبهم، وعلموا أنها نزغة شيطانية وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح، وبكوا، وعانق بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين، وفي هذا نزل قول الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. إلى قوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ «2» .
ولولا حكمة النبي لكان من وراء هذه الفتنة شر كثير.
__________
(1) بضم الباء، وفتح العين: هو اخر يوم جرت فيه حرب بين الأوس والخزرج، وكان الغلب للأوس، ثم جاءهم الله بالإسلام، فألف بين قلوبهم.
(2) سورة ال عمران: الايات 100- 103.(2/390)
الجدل بين اليهود والمسلمين
من مخازي بني إسرائيل وأكاذيبهم
وثارت بين المسلمين واليهود حرب كلامية، تدرّع فيها اليهود بالأباطيل والاختلاق على الله وعلى الرسل، ونسبوا إليهم ما لا يليق بهم، روى ابن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه بيت المدراس «1» فوجد من اليهود ناسا كثيرين قد اجتمعوا على رجل منهم يقال له:
فنحاص «2» بن عازوراء من علمائهم وأحبارهم، فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم، فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل، فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من حاجة، وإنه إلينا لفقير، وإنا عنه لأغنياء!! لو كان غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم «3» ، ينهاكم عن الربا ويعطيناه؛ ولو كان غنيا ما أعطانا الربا!!
فغضب الصديق وضرب وجهه ضربة شديدة- على ما كان يتصف به الصديق من الحلم والرزانة والوقار- وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله، فذهب فنحاص شاكيا إلى رسول الله، فقال الرسول لأبي بكر: «ما حملك على ما صنعت» ؟ فأخبره بمقالة فنحاص وتجرئه على الله، فجحد فنحاص، فأنزل الله سبحانه وتعالى:
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ... الايتين «4» .
__________
(1) المدراس: الكنيسة التي يتدارسون فيها كتبهم.
(2) فنحاص: بكسر الفاء وسكون النون.
(3) يريد قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً.
(4) سورة ال عمران: الايتان 181، 182.(2/391)
وزعموا أيضا أن الله أخذ عليهم العهد ألايؤمنوا برسول حتى يقدّم قربانا، فتأتي نار من السماء فتأكله، وأنهم لن يؤمنوا برسول الله حتى يكون كذلك؛ وقد أكذبهم الله ورد عليهم ردا مفحما فقال:
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «1» .
وقد يستبد ببعضهم الغضب والحمق فينكر بعض الحقائق الثابتة التي يقر بها، جاء مالك بن الصيف ليخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي: «أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى، أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين» وكان حبرا سمينا- فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شيء. فلما لامه أصحابه على مقالته قال: أغضبني محمد فقلت ذلك، وقد ذكر الله مقالتهم والرد عليها في قوله:
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ
«2» .
إلى غير ذلك مما أثاروه من جدل حول تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وأي المسجدين أفضل: الكعبة، أم بيت المقدس «3» ؟، وأي النبيين هو الذبيح إسماعيل أم إسحاق «4» ؟، وحكم الزاني المحصن في التوراة أهو الرجم أم الجلد؟ وتحريفهم للتوراة، ولا سيما فيما يتعلق بالبشارة بالنبي،
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 183.
(2) سورة الأنعام: الاية 91.
(3) قد أوضحت أفضلية الكعبة في الجزء الأول.
(4) قد حققت ذلك في الجزء الأول.(2/392)
وقد كانوا قبل البعثة المحمدية يقولون للأوس والخزرج: إنه قرب زمان نبي يبعث في اخر الزمان سنتبعه وسنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما جاءهم النبي العربي المؤيد بالوحي والمعجزات الباهرة كفروا وعاندوا، وصدق الله في قوله:
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ «1» .
وهكذا ثارت حرب كلامية في هذه المسائل وغيرها، وكان للمسلمين فيها الغلب والحجة ولليهود البهت والعجز.
اليهود بالجزيرة العربية
كان يساكن المسلمين بالمدينة يهود بني قينقاع، ويهود بني النضير، ويهود بني قريظة، كما كانت تسكن منهم جالية كبيرة بخيبر وما جاورها. وإليك ما حاكوه من دسائس، وما همّوا به من شر، وما قاموا به من مناهضة للدعوة، لترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حق فيما صنع معهم، وأن إجلاءهم كان لابدّ منه لتأمين الدعوة.
__________
(1) سورة البقرة: الايات 89- 101.(2/393)
يهود بني قينقاع
لما انتصر المسلمون ببدر حرك هذا الأحقاد في نفوس الأعداء ولا سيما اليهود، وصاروا يرجفون بالمدينة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعظهم بالحسنى ويدعوهم إلى ترك المعاندة والدخول في الإسلام، فذهب رسول الله إلى يهود بني قينقاع، وجمعهم في سوق لهم، ثم قال: «يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم» .
فقالوا: (يا محمد لا يغرّنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحروب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس) ، وتمادوا في غيهم، فأنزل الله في شأنهم محذرا قوله تعالى:
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ.
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ ... الاية «1» .
يريد سبحانه فئتي المؤمنين والكافرين في بدر فلم يرعووا.
تماديهم في الشر
وتمادوا في الشر ولم يعبأوا بالقيم الخلقية، والتقاليد الكريمة العربية، ذلك أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها فباعته بسوق بني قينقاع؛ ثم جلست إلى
__________
(1) سورة ال عمران: الايتان 12، 13.(2/394)
صائغ هناك منهم، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى عمل مشين، فقد عقد طرف ثوبها إلى ظهرها وهي لا تشعر؛ فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت واستغاثت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله، فتجمع اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين فغضب المسلمون ووقع الشر بينهم وبين اليهود.
ولا تنس ما لهذا العمل الدنيء من إثارة النفوس العربية التي جبلت على حماية الأعراض، وصيانة النساء من مثل هذا العبث، والاستهانة بكل شيء في سبيل الشرف والكرامة.
غزوة بني قينقاع
لذلك لم يجد النبي بدا من غزوهم وقد نقضوا العهد بهذه الفعلة النكراء، وأخبرهم بنقض العهد الذي كان بينه وبينهم تأدبا بأدب القران في هذا حيث يقول:
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ «1» .
ثم حاصرهم خمس عشرة ليلة حتى نزلوا على حكم الله ورسوله، فاستشار الرسول كبار أصحابه فأشاروا بقتلهم، وكان لهم حليفان: عبد الله بن أبيّ المنافق، وعبادة بن الصامت، فأما عبادة فقد تبرأ إلى الله ورسوله منهم وقال: (يا رسول الله، أتولّى الله ورسوله وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم) «2» . وأما ابن أبي فقال: (يا محمد أحسن في موالي) ، فأعرض عنه الرسول، ثم كرر مقالته والرسول يعرض عنه، وما زال يلح على الرسول ويقول: (إني أخشى الدوائر) ، حتى قبل شفاعته فيهم على أن يخرجوا من المدينة ولهم النساء والذرية وللمسلمين الأموال.
__________
(1) سورة الأنفال: الاية 58.
(2) هذا هو الصحيح لا ما ذكره الدكتور هيكل في كتابه «حياة محمد» ، ص 274 من أنه حدث النبي بحديث ابن أبي وشفع فيهم.(2/395)
ووكل رسول الله عبادة بن الصامت بإجلائهم وأمهلهم ثلاث ليال، فذهبوا إلى أذرعات على حدود الشام، وبذلك أزال الله سبحانه عن المسلمين شر شوكة من الشوكات الثلاث التي كانت في ظهورهم انذاك، وكان ذلك في أوائل سنة ثلاث وقيل في شوال سنة ثنتين للهجرة.
وفي شأن ابن أبي وموالاته لهم، وعبادة بن الصامت وبراءته منهم أنزل الله ايات كريمة، لتكون درسا للمسلمين يعلمهم من يوالون، ومن لا يوالون فقال سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ «1» يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ «2» . إلى قوله تعالى:
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ «3» .
يعني عبادة بن الصامت ومن على شاكلته من المؤمنين.
__________
(1) مرض: نفاق، والمراد عبد الله بن أبي وأصحابه.
(2) سورة المائدة: الايتان 51، 52.
(3) سورة المائدة: الاية 55.(2/396)
قتل كعب بن الأشرف
كان كعب بن الأشرف «1» شديد العداوة للإسلام ورسوله، ولما هزم المشركون ببدر قال: (لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها) ، ثم خرج إلى مكة يندب من مات، ويحرض على رسول الله والمسلمين، ولما عاد إلى المدينة صار يشبّب «2» بنساء المسلمين، ويقذع في هجاء النبي وأصحابه، فقال رسول الله: «من لكعب بن الأشرف، فإنه اذى الله ورسوله؟» ، فقال محمد بن مسلمة الأنصاري الأوسي: أنا، وقال: ائذن لي أن أقول شيئا فيك، فقال له النبي: «قل» .
وانضم إليه نفر من قومه، منهم: أبو نائلة وكان أخا كعب من الرضاع، وعبّاد بن بشر بن وقش، والحارث بن أوس، فاجتمعوا فيما بينهم كي يحكموا الخطة لاغتيال عدو الله كعب، فخرج حتى أتى كعبا، فوقع في الرسول حتى ركن إليه كعب، واستسلفه وسقا أو وسقين، فقال: نعم ولكن ارهنوني قال: أي شيء تريد؟ قال: نساءكم!! قالوا: وكيف وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم!! قالوا: كيف نرهنك أبناءنا، فتكون مسبة وعارا علينا، ولكن نرهنك السلاح- وذلك حتى لا ينكر منهم مجيئهم بالسلاح- فواعده أن يأتيه ليلا بالسلاح.
__________
(1) قال ابن إسحاق وغيره: كان عربيا من بني نبهان، وهم بطن من طيّىء، وكان أبوه أصاب دما في الجاهلية، فأتى المدينة فحالف بني النضير، فشرف فيهم وتزوج عقيلة بنت أبي الحقيق فولدت له كعبا، وكان طويلا جسيما له بطن وهامة.
(2) التشبيب: ذكر محاسن النساء والتعرض لهن.(2/397)
فخرج محمد بن مسلمة ومعه أبو نائلة وصحبه وكلهم من الأوس حتى أتوه، فناداه محمد بن مسلمة وأبو نائلة، فأراد أن ينزل فقالت له امرأته: أين تخرج الساعة؟ إني أسمع صوتا يقطر منه الدم؟! فقال لها: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة «1» ، إن الكريم لو دعي إلى طعنة بليل لأجاب، ثم قال محمد: إذا جاء فساخذ بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت منه فاضربوه، فنزل كعب إليهم متوشحا سيفه، وهو ينفح منه ريح المسك، فقال له محمد:
ما رأيت كاليوم ريحا أطيب، أتأذن لي أن أشم رأسك؟ قال: نعم، فشمه وكذلك فعل أبو نائلة- «2» فلما استمكن منه قال: دونكم فاقتلوه ففعلوا.
ثم أتوا النبي فأخبروه «3» ، وبذلك أراحوا المسلمين من هذا الشر المستطير، وهكذا كان الرسول إذا رأى من أحد من اليهود غدرا وتأليبا عليه ومحاربة للدعوة أرسل إليه من يريحهم من شره، وكان قتله في ربيع الأول من السنة الثالثة كما ذكره ابن سعد في طبقاته.
__________
(1) اسمه سلكان بن سلامة بن وقش، وقيل اسمه سعد، ولقبه سلكان، وكان أخا كعب من الرضاع كما كان نديمه في الجاهلية ويركن إليه. وذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة كان أخاه من الرضاع أيضا.
(2) في السيرة لابن هشام: «أن أبا نائلة هو الذي وقع في الرسول، وأنه هو الذي أخذ برأسه حتى قتلوه» ولعل الاثنين اشتركا في النيل من الرسول، والأخذ برأسه، وقد اثرت ذكر ما في صحيح البخاري.
(3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب قتل كعب بن الأشرف.(2/398)
غزوة بني النضير
وكان يهود بني النضير ممن عاهداهم النبي ووادعهم على أن يأمن كل فريق الاخر، لكنهم لم يفوا بالعهد وهمّوا بقتل الرسول. ذلك أن عمرو بن أمية الضمري الذي نجا من سرية القراء لقي أثناء رجوعه إلى المدينة رجلين من بني عامر، فقتلهما وهو يظن أنه أصاب بذلك بعض الثأر من بني عامر الذي غدروا بهم، ولم يشعر بعهدهما الذي لهما من رسول الله، فقال له الرسول: «لقد قتلت رجلين لأدينّهما» «1» وكان بين بني عامر وبني النضير عهد وحلف.
فخرج رسول الله إلى بني النضير يستعينهم في دية الرجلين في جماعة من صحابته منهم أبو بكر وعمر وعلي، فلما جاءهم أظهروا له حسن الاستعداد لإجابته، ثم خلا بعضهم إلى بعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا إلى جنب جدار لهم- فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك الشقي عمرو بن جحّاش فقال: أنا لذلك.
فصعد ليلقي الصخرة، فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استلبث النبيّ أصحابه قاموا في طلبه حتى انتهوا إليه بالمدينة، فأخبرهم بما كانت اليهود اعتزمته من الغدر بهم.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إليهم يطلب إليهم الخروج من جواره بالمدينة، وأمهلهم عشرة أيام وإلا حاق بهم الهلاك. فأيقنوا أن الله أطلعه
__________
(1) لأدفعن الدية إلى أهلهما.(2/399)
على ما أرادوا وصاروا متحيرين لا يدرون ما يفعلون، وبينما هم في حيرتهم وترددهم جاءهم رسل أهل النفاق ابن أبي وأتباعه أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم: إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فقويت عند ذلك نفوسهم، وحمي حيي بن أخطب، وبعثوا إلى رسول الله أنهم لا يخرجون، ونابذوه بنقض العهود وفي ذلك نزل قول الله تعالى:
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ. لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ «1» .
حصار بني النضير
وأمر رسول الله بالتهيؤ لحربهم وقتالهم، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وسار إليهم في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة حتى نزل بدارهم، فحاصرهم ست ليال، وقيل: خمس عشرة ليلة، وقاتلوهم، ثم أمر رسول الله بقطع نخيلهم وتحريقها ليكون ذلك أدعى إلى تسليمهم، فقطعت، ففزعوا وجزعوا ونادوا: يا محمد، كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها؟! ولم يكن هذا إفسادا إنما هو وسيلة لنشر السلام والأمان والتقليل من إراقة الدماء، وكان بأمر الله وإذنه.
وعبثا انتظر اليهود نصر ابن أبيّ وجماعته، وخذلهم كما خذل بني قينقاع من قبل، وكان مثله ومثلهم كما قال الله:
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ
__________
(1) سورة الحشر: الايات 11- 13.(2/400)
إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ. فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ «1» .
وملأ الرعب قلوبهم، واشتد الحصار عليهم، وأيقنوا أن حصونهم لا تمنعهم من سوء المصير، فسألوا رسول الله أن يجليهم ويؤمنهم على دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة أي السلاح.
فصالحهم رسول الله على الجلاء، وعلى أن لكل ثلاثة منهم بعيرا يحملون عليه ما شاؤوا من أموال، فصاروا يخربون بيوتهم بأيديهم ليحملوا منها ما استطاعوا مما يحرصون عليه، ولكيلا ينتفع بها المسلمون، فمنهم من خرج إلى خيبر كحيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع، ومنهم من ذهب إلى أذرعات بالشام، وتركوا وراءهم للمسلمين مغانم كثيرة من غلال وسلاح وعقار ودور، ولما كان المسلمون قد أخذوها صلحا بدون حرب ولا قتال، فكانت فيئا من حق رسول الله يتصرف فيها كيف شاء، وقد قسمها على المهاجرين دون الأنصار بعد أن استبقى منها قسما خصصت غلته لذوي القربى والفقراء والمساكين، وبذلك أغنى الله المهاجرين وأزال فاقتهم، ولم يأخذ من الفيء من الأنصار إلا أبو دجانة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة، فقد شكوا فقرا، ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان فأحرزا أموالهما.
وبإجلاء بني النضير أراح الله المسلمين من شوكة ثانية كانت تقض مضاجعهم، ولو أن هؤلاء الأشرار نجحوا في مكيدتهم لقضوا على الإسلام في مهده، وأية خسارة كان سيمنى بها العالم لو لم يستضىء بنور الإسلام وتعاليمه؟
ولكن الله بالغ أمره لا محالة، وقد أنزل الله سورة الحشر في هذه الغزوة وإليك موجز تفسيرها.
__________
(1) سورة الحشر: الايتان 16، 17.(2/401)
ما نزل في غزوة بني النضير
(سورة الحشر) : بسم الله الرحمن الرحيم سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ: أي نزّهه وقدّسه. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ: القوي الذي لا يتصرف إلا عن حكمة. هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ: هم يهود بني النضير، والحشر: الجلاء. والحشر الأول من المدينة إلى خيبر، والثاني من خيبر والجزيرة إلى الشام. ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا: لشدة بأسهم، وحصانة حصونهم، وكثرة عددهم وعددهم. وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ: بأسه وعذابه. فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا: يظنوا، فسلط عليهم المؤمنين ذوي البأس الشديد، فلم تغن عنهم حصونهم شيئا. وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ: الذي نصر به النبي من مسيرة شهر يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ: فكان اليهود يخربون ليحملوا معهم ما أمكن والمسلمون يخربون نكاية فيهم. فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ: العقول والبصائر، واحذروا أن تقعوا فيما وقعوا فيه من الاغترار بالقوة والمال وترك جانب الله ومحاربة الله ورسوله.
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ: الخروج من المدينة. لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا: بالأسر والقتل. وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ: ولكنهم باستسلامهم وقوا أنفسهم من القتل والأسر، ولكن بقي لهم عذاب الاخرة. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: بسبب مخالفة الله ورسوله. وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ: وعيد لكل من يخالف أمر الله ويحارب رسوله.
ثم بين سبحانه أن قطع النخل ليس إفسادا كما زعموا لأنه بأمر الله وشرعه فقال: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها: اللينة:
النخلة أو نوع منها. فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ: يعني اليهود، ثم بين سبحانه معنى الفيء ووصفه فقال: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ: أوجف:
أسرع وتكلف. ركاب: إبل. يعني أن الفيء ما أخذ بدون حرب ولا قتال(2/402)
ولا تعب، وهو ما أخذ صلحا و (ما) في (فما أوجفتم) نافية. أما الغنيمة: فهي ما أخذت بحرب وقتال. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: ومنه تمكينهم من مال بني النضير.
ذكر الله مصارف الفيء وبين أنه لرسول الله يضعه حيث شاء في ذوي القربى والمساكين، وليس للمجاهدين فيه نصيب، فقال: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ: أي مما جعل الله مصرفه لهؤلاء، حتى لا يكون المال متداولا بين الأغنياء دون الفقراء، فالاية تبين أن البر ومواساة الفقراء تلحقهم بالأغنياء وتزيل من فقرهم وحاجتهم. وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا: أصل عام في طاعة رسول الله في كل ما يأمر به من قران أو سنة والانتهاء عما ينهى عنه.
وَاتَّقُوا اللَّهَ: أن تخالفوا أوامر رسوله ونواهيه لأنها من أمر الله ونهيه. إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ: لكل من خالف رسوله.
ثم بين سبحانه من هم أحق بهذا الفيء فقال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً: الجنة ونعيمها، ورضوان من الله أكبر. وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: بالتضحية بالنفس والجهاد في سبيل الله. أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ: المخلصون في إيمانهم، وقد خصهم الرسول بالفيء في هذه الغزوة إغناء لهم وتعويضا عما تركوه راضين من دور وعقار ومال.
ثم أثنى على الأنصار بما هم أحق به وأهل له فقال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ: المدينة. وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ: أي أخلصوا الإيمان وصدقوا الله فيه.
من قبلهم: راجع لتبوّء الدار، فقد كانت موطنهم قبل هجرة المهاجرين إليها. يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا: أي مما أعطي المهاجرون من هذا الفيء وغيره. وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ: شدة فقر وحاجة. وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
الفائزون، ولعلك على ذكر مما ذكرناه في ماثر الأنصار رضوان الله عليهم.(2/403)
ثم بين الله عز شأنه ما يجب أن يتخلّق به التابعون ومن جاء بعدهم إلى يوم القيامة، وهو موقفهم من المهاجرين والأنصار خيار هذه الأمة الذين زكاهم الله ورسوله فقال: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ: فليتق الله الذين يتناولون الصحابة رضوان الله عليهم بالنقد الجريء والتجريح، وليتأدبوا بأدب القران في هذا.
ثم ذكر الله المنافقين وكيف أغروا بني النضير على المعاندة حتى يئسوا منهم، ونزلوا على حكم الرسول فقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا ... إلى قوله:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ. وقد ذكرتها أثناء الغزوة.
ثم بيّن الله أن اليهود لا يجرؤون على قتالكم إلا وهم متحصنون فقال تعالى: لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ، بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ: أي هم يدّعون القوة والبأس فيما بينهم، فإذا لقوكم انهارت قواهم، وانماعت شجاعتهم، والمراد بالحصون الحسية والمعنوية، فتشمل الحصون المثبتة، والمتاريس، والخنادق ونحوها كما كان أولا، وتشمل أيضا الدبابات والطائرات، والقواعد التي يوجهون منها الصواريخ كما هو اليوم، ولو لم يكن إلا عنايتهم ببناء المسالح، والقرى المحصنة اليوم- المستعمرات- لكفى في بيان أسرار الإعجاز في الاية فاعتبروا يا أولي الأبصار.
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى: تحسب اليهود والمنافقين متفقين في ظاهرهم ولكنهم مختلفون في بواطنهم، فأهواؤهم متشعبة وقلوبهم متفرقة.
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ: هم بنو قينقاع الذين سبقوا بالغدر والنذلة. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: فقد أجلوا في الدنيا ولهم العذاب في الاخرة.
ثم بين سبحانه أن مثل المنافقين في إغرائهم اليهود وتخليهم عنهم كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ ... الايتين. وإلى هنا انتهى ما يتعلق ببني النضير.(2/404)
ثم بعد ذلك نادى الله المؤمنين وأوصاهم بتقوى الله وأن يقدّموا ما ينفعهم في أخراهم، ولا يكونوا كاليهود الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ثم خلص من ذلك إلى أن السبب في العصيان والمخالفة واتباع هوى النفس إنما هو لعدم الفقه والتأمل في القران، هذا الكتاب الذي لو نزل على الجمادات لخشعت وتصدعت، فكيف لا تخشع له قلوبكم وتلين جلودكم؟ لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.
ثم ختم السورة بتقديس الله في ذكر الكثير من أسمائه فقال: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إلى قوله:
يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وبذلك ختم السورة بما بدئت به فسبحانه سبحانه في البدء والنهاية، وتقديسا له ثم تقديسا فيما مضى، وفي الحال، وفيما يستقبل، وعلى كل حال.(2/405)
غزوة بني قريظة
قدمنا في غزوة الأحزاب أن حيي بن أخطب في جماعة من بني النضير ألّبوا العرب على محاربة الرسول بالمدينة حتى كانت غزوة الخندق، وأنهم سعوا إلى بني قريظة- والمشركون يحاصرون المدينة- أن ينقضوا ما بينهم وبين النبي، وأنهم نجحوا في ذلك حتى اشتد الكرب على المسلمين وأصبحوا بين نارين: نار المشركين ونار اليهود، حتى اضطر النبي إلى أن يرسل بعض المسلمين لحراسة الذراري والنساء من غدر اليهود، بعد أن نقضوا العهد.
ولما عاد النبي من الخندق ووضع سلاحه جاء جبريل فقال: أوضعت السلاح يا رسول الله؟ قال: «نعم» . فقال جبريل: ما وضعنا السلاح، وإن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم، فأمر رسول الله مناديا ينادي في الناس: «ألا لا يصلينّ أحد العصر إلا في بني قريظة» فأخذ بعضهم بظاهر الأمر، فلم يصلوا العصر حتى جاؤوا بني قريظة وقد غربت الشمس، وقال بعضهم: إنما أراد الإسراع وصلّوا في الطريق، فلما علم النبي لم يعنف واحدا منهم «1» .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءهم فيمن بقي من الصحابة ولواؤه معقود لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما عاين بنو قريظة جيش المسلمين امتلأت قلوبهم رعبا، وتحصنوا بحصونهم، وحاصرهم المسلمون خمسا وعشرين
__________
(1) لأن كلا الفريقين مجتهد، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.(2/406)
ليلة حتى اشتد بهم الحال، وأيقنوا أن رسول الله غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، فقال لهم كعب بن أسد: أرى أن تسلموا فقد استبان لكم أنه نبي مرسل، وأنه الذي بشر به كتابكم؛ فتأمنوا على دمائكم ونسائكم وأبنائكم وأموالكم، فأبوا، فقال لهم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ونخرج إلى محمد مستميتين في القتال حتى يحكم الله بيننا وبينه، فإن نهلك لم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه، وإن نغلب فلن نعدم النساء والأبناء، فأبوا، فقال: الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمد وأصحابه أمنونا فيها، فانزلوا لعلنا نصيب منهم غرّة، فأبوا وتخوفوا أن يعدوا في السبت فيصيبهم ما أصاب من قبلهم، فأعرض عنهم ورماهم بعدم الحزم.
استشارتهم أبا لبابة
فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف- وكانوا حلفاء الأوس- نستشيره في أمرنا، فأرسله الرسول إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء، وبكى الصبيان، فكأنه رقّ لهم، فقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، يعني الذبح، فاستشعر أبو لبابة أنه زل، وندم ندما تصوره هذه العبارة التي قالها: فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله!!.
توبة أبي لبابة
فاستحيا أبو لبابة أن يقابل رسول الله وقال: والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي، وعاد إلى المدينة فربط نفسه إلى سارية من سواري المسجد النبوي- وكانت من جذوع النخل- وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله على ما صنعت، فلما علم الرسول الكريم قال: «لو جاءني لاستغفرت له، وإذ قد فعل هذا فلن أطلقه حتى يقضي الله فيه ما يشاء» .
وأقام على هذه الحال ست ليال أو أكثر تأتيه امرأته في وقت كل صلاة(2/407)
فتحله حتى يتوضأ ويصلي، ثم يرتبط حتى نزلت توبته من السماء في قول الله تعالى:
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» .
فتتابع إليه الناس يبشرونه بتوبة الله عليه، وأرادوا أن يحلوه فأبى وقال:
لا يحلّني إلا رسول الله، فلما خرج الرسول إلى صلاة الفجر حلّه من رباطه، ولم يكتف أبو لبابة بما صنع بنفسه وقال: يا رسول الله إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كله، فقال النبي:
«يجزيك الثلث» فتصدق به.
وإن لنا هنا لوقفة ترينا مبلغ قوة الإيمان، وتذكر القلب، ويقظة الضمير من صحابة رسول الله، الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وسرعان ما يتوبون، ومبلغ ما وصل إليه المجتمع الإسلامي حينئذ من حياء من المعاصي والرذائل، وتقدير للقيم الخلقية، والمعاني الروحية، واستهانة بالنفس والولد والمال في سبيل رضاء الله ورسوله، وأن هذا المجتمع لم يصل إليه أي مجتمع متحضر إلى وقتنا هذا.
نزول بني قريظة على حكم رسول الله
فلما لم ير بنو قريظة فائدة من تحصنهم، وأنهم لا ناصر لهم من دون الله، عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم معاملة بني النضير، فأبى إلا أن ينزلوا على حكمه ففعلوا، فأمر برجالهم فكتفوا، ثم سعى إلى رسول الله رجال من الأوس راجين أن يعاملهم معاملة بني قينقاع حلفاء إخوانهم الخزرج، فقال لهم السيد الحكيم: «ألا يرضيكم أن يحكم فيهم رجل منكم» ؟ فقالوا: بلى، فاختاروا سعد بن معاذ- وكان في خيمة في المسجد النبوي معدة لمعالجة الجرحى وتمريضهم بسبب سهم أصيب به في الخندق- فأرسل رسول الله في طلبه، فجاء
__________
(1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 212. والاية هي 102 من سورة التوبة.(2/408)
راكبا، فالتف حوله جماعة من الأوس قائلين له: أحسن في مواليك، ألا ترى ما فعل ابن أبي في مواليه؟ فقال لهم: لقد ان لسعد ألاتأخذه في الله لومة لائم ثم قال: فإني أحكم فيهم أن تقتلوا الرجال، وتسبوا النساء والذرية، فقال له رسول الله: «لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله «1» من فوق سبع سماوات» . فنفّذ فيهم الحكم، فإذا كما قيل ثلاثمائة، وقيل أربعمائة، وقيل أكثر من ذلك.
وقتل معهم حيي بن أخطب وهو السبب فيما نزل بهم من قتل وبلاء، فقد كان دخل معهم حصنهم بعد انصراف قريش وغطفان، وعاد سعد إلى الخيمة بالمسجد، فلم يلبث- وقد أقر الله عينه- أن انفجر جرحه فمات شهيدا رضي الله عنه وأرضاه.
وبالقضاء على بني قريظة تخلّص المسلمون بالمدينة من اخر شوكة في ظهورهم، وأصبحت المدينة كلها- ما عدا المنافقين- على قلب رجل واحد، وموئل الإسلام، وحصنه الحصين.
دم بني قريظة في عنق حيي
وفي الحق أن دم بني قريظة معلق في عنق حيي بن أخطب النضري، وإن كان قتل معهم، فهو الذي حمل قريظة على نقض العهد وجسّم العداوة بين اليهود والمسلمين، حتى اعتقدوا أن اليهود لا تطيب نفوسهم إلا باستئصال النبي وأصحابه، وهو الذي دخل معهم حصنهم وأغراهم بعدم التسليم والاستمرار في المقاتلة، ولو أنهم استسلموا من أول الأمر لما أهدرت دماؤهم، ولقبل النبي
__________
(1) وهو ما قضى به كتابهم المقدس «العهد القديم» في حق العدو المهزوم ففي سفر التثنية الإصحاح 13، فقرة 13، 14: «وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء، والأطفال، والبهائم، وكل ما في المدينة، كل غنيمتها لنفسك. وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك» وهكذا يتبين لنا أن ما قضى به سيدنا سعد لم يخرج عما حكمت به التوراة وأيضا فهم ليسوا أعداء مهزومين فحسب بل هم خائنون غادرون غير وافين بالعهد.(2/409)
منهم ما قبل من بني قينقاع وبني النضير من قبل، وعفوه عن الاخرين بعد أن همّوا بقتله.
وقيل أن يستعظم أحد حكم سعد عليهم واعتبار ذلك قسوة، عليه أن يتدبر فيما لو نجح المشركون في عبور الخندق والتقوا بالمسلمين وجها لوجه، ونفذ بنو قريظة خطتهم التي همّوا بها بمهاجمة المسلمين من ظهورهم، والتعدّي على نسائهم وذراريهم، ماذا يكون الحال؟ وإلى أي مدى ستكون الكارثة؟ لا شك أن الكارثة ستكون بالنسبة إلى من اقتص منهم من بني قريظة أضعافا مضاعفة من رجال المسلمين ونسائهم وأولادهم.
وفي شأن بني قريظة نزل قول الله تعالى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ «1» ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً «2» يعني الذين ظاهروا الأحزاب وهم قريظة.
قسمة أموال قريظة
وقسم النبي أموال بني قريظة بعد ما أخرج الخمس، جعل للفارس ثلاثة أسهم: سهمين للفرس، وسهما لراكبه أو للراجل، وكانت الخيل يومئذ ستا وثلاثين، وبعث رسول الله سعيد بن زيد بسبايا من بني قريظة إلى نجد فاشترى بها خيلا وسلاحا ليزيد من قوة المسلمين الحربية.
ريحانة
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى من نسائهم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة، فعرض عليها الإسلام فامتنعت، ثم أسلمت بعد ذلك، فسرّ الرسول بإسلامها، وقد عرض عليها أن يعتقها ويتزوجها، فاختارت أن تستمر على الرق
__________
(1) الصياصي: جمع صيصة، وهي الحصن. وكل ما يتحصن به يقال له: صيصة، ومنه سمي قرن الثور.
(2) سورة الأحزاب: الايتان 26، 27.(2/410)
ليكون أسهل عليها وعليه، وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خيّرها اختارت الإسلام، فأعتقها وتزوجها وضرب عليها الحجاب، فغارت عليه غيرة شديدة فطلقها، فشق عليها وأكثرت البكاء فراجعها، ولم تختلف الروايات أنها ماتت في حياة النبي، قيل لما رجع من حجة الوداع، وقيل قبلها فرضي الله عنها «1» .
من استشهد
واستشهد من المسلمين يوم بني قريظة خلاد بن سويد، طرحت عليه امرأة رحى فجرحته جرحا بالغا فمات فقال النبي: «إنّ له لأجر شهيدين» ، وقد أمر رسول الله بقتل هذه المرأة، ولم يقتل من بني قريظة امرأة غيرها، ومات في أثناء الحصار أبو سنان بن محصن فدفن هناك رضي الله عنهما وأرضاهما.
__________
(1) الإصابة ج 4 ص 309.(2/411)
قتل سلام بن أبي الحقيق «1»
كان أبو رافع سلّام بن أبي الحقيق فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله، وكان شديد الإيذاء له وللمسلمين. وكان تاجرا مشهورا بأرض الحجاز، وقد اتخذ من ثرائه وسيلة لمحاربة الدعوة الإسلامية، وكان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيّين من الأوس والخزرج كانا يتسابقان في سبيل إرضاء الرسول وخدمة الإسلام، لا تصنع الأوس شيئا إلا وقالت الخزرج: والله لا يذهبون بهذا الفضل، فلا ينتهون حتى يفعلوا مثله أو أكثر منه، وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك.
وكان الأوس قد قتلوا كعب بن الأشرف فقال الخزرج: والله لا يذهبون بهذا الفضل علينا، فتذاكروا من رجل في عداوة رسول الله كابن الأشرف؟
فذكروا ابن أبي الحقيق، وكان بقصره بخيبر، فاستأذنوا رسول الله في قتله فأذن لهم، فخرج من الخزرج خمسة نفر وهم: عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان الأسلمي، وعبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار، وأبو قتادة الأنصاري، وخزاعي بن أسود، وأمّر عليهم رسول الله عبد الله بن عتيك، وأوصاهم أن لا يقتلوا وليدا ولا امرأة.
__________
(1) سلام: بتشديد اللام، الحقيق: بضم الحاء المهملة، وفتح القاف مصغّرا، وقيل: اسمه عبد الله، وقد اقتصر ابن إسحاق على الأول. وذكر البخاري الاسمين (وكان له أخوان مشهوران من أهل خيبر، أحدهما: كنانة وكان زوج صفية بنت حيي قبل النبي صلى الله عليه وسلم، والثاني: الربيع بن أبي الحقيق وقد قتلا في غزوة خيبر) .(2/412)
فلما وصلوا إلى خيبر قال لهم عبد الله: مكانكم، وانطلق إلى الباب، وتحايل على البوّاب حتى دخل، ثم توجّه إلى بيت أبي رافع، وصار يفتح الأبواب التي توصل إليه، وكلما فتح بابا أغلقه من داخل حتى انتهى إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله فلم يمكنه تمييزه، فنادى يا أبا رافع، فقال: من؟ فأهوى بالسيف نحو الصوت فلم يغن شيئا، فعاد عبد الله يناديه وفي كل مرة يغيّر صوته، حتى استمكن منه وقتله دون أن يؤذي أحدا من ولده وزوجه.
ثم خرج من البيت وكان نظره ضعيفا فوقع من فوق السلم فانخلعت رجله، فعصبها بعمامته، وصار يتحامل على نفسه حتى وصل إلى أصحابه فأخبرهم، فقالوا: النجاة النجاة، حتى انتهوا إلى الرسول، فلما راهم قال:
«أفلحت الوجوه» وحدّثوه بما كان، ثم قال لعبد الله: «ابسط رجلك» فمسحها عليه الصلاة والسلام فكأنه لم يشتكها قط «1» ، وعادت أحسن مما كانت، فلله در هذه النفوس المؤمنة التي استهانت بالموت في سبيل الله، وكانت أسمى أمانيها أن تفوز برضاء الله ورسوله.
وكان قتل أبي رافع- كما قال ابن سعد- في رمضان سنة ست، وقيل في ذي الحجة سنة خمس وقيل غير ذلك.
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب قتل أبي رافع.(2/413)
غزوة خيبر
لئن كانت المدينة قد تطهّرت من اليهود وغدرهم فها هي خيبر «1» لا تزال حصنا حصينا لليهود وأهلها، ومن نزح إليها من يهود بني النضير الذين يحملون الحقد والضغن على الإسلام والمسلمين، وغير بعيد عنا ما قام به زعماء بني النضير الذين اتخذوا خيبر مقاما لهم، من تأليب العرب على المسلمين في الخندق، وحملهم بني قريظة على نقض العهود التي كانت بينهم وبين الرسول، ومن ثم نجد أن خيبر أصبحت مركزا لتجمعات اليهود يقومون منها بما يريدون من غدر ومكايد.
ولئن كان المسلمون بعد فتح الحديبية قد أمنوا قريشا والجنوب، لكنهم لم يأمنوا ناحية الشمال، ولا سيما أهل خيبر الذين لا ينسون ما فعل بإخوانهم اليهود، وليس ببعيد أن يستعينوا بهرقل أو كسرى في النيل من المسلمين، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو السياسي المحنك- ليخفى عليه شيء من هذا، لذلك لم يكد يرجع من الحديبية ويستريح بالمدينة شهرا أو نحوه حتى أمر بالتجهز للخروج إلى خيبر، على ألايغزو معه إلا من شهد الحديبية كما أمر الله، وأراد بعض الأعراب الذين تخلّفوا عن الحديبية أن يخرجوا معه فقال لهم: «لا تخرجوا معي إلا رغبة في الجهاد، أما الغنيمة فلا أعطيكم منها شيئا» ، وقد أراد الرسول بذلك أن يبيّن لهم ألاحاجة له بالذين لا همّ لهم إلا الغنيمة، ولا يهمّهم نصر الإسلام، وولّى على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري، وصحب معه من أزواجه السيدة أم سلمة.
__________
(1) قرية في شمال المدينة بينها وبين الشام.(2/414)
الخروج إلى خيبر
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلع عام سبع في جيش تعداده ألف وستمائة، ومعهم مائتا فرس وقيل ثلاثمائة، وكلّ واثق بنصر الله، وذاكر قول الله سبحانه في سورة الفتح التي نزلت منصرفه من الحديبية:
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا «1» .
وكان من شأن رسول الله أنه إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح، فإن سمع أذانا كف وإن لم يسمع أذانا أغار، فوصل إلى خيبر ليلا، فبات حتى أصبح لم يسمع أذانا، فركب وركب معه أصحابه، فاستقبلهم يهود خيبر بمساحيهم ومكاتلهم «2» ، فلما رأوا رسول الله والجيش قالوا: محمد والجيش معه، فقال رسول الله: «الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» .
ضخامة القوتين
وقد كان يهود خيبر من أشدّ الطوائف اليهودية بأسا وأكثرها مالا، وأوفرها سلاحا، وكذلك كان المسلمون كثيرا عددهم، وافرا سلاحهم، ممتلئة قلوبهم بالإيمان، واثقة نفوسهم بنصر الله، مصمّمين على استئصال هذا الشر مهما كانت التضحية، فلا عجب إذا كانت قريش والجزيرة كلها وقفت تنتظر ما يسفر عنه التقاء هاتين القوتين، حتى حدث من البعض التراهن على أي الفريقين سيكون له الغلب؟.
ووقف المسلمون أمام حصون خيبر متأهبين للقتال، وهم كاملو العدة،
__________
(1) سورة الفتح: الاية 15.
(2) مساحيهم: جمع مسحاة وهي المجرفة وهي من حديد، المكاتل جمع مكتل- بكسر الميم- وهو الزنجيل وهو شيء يصنع من الخوص يحمل فيه التمر والتراب وغيرهما.(2/415)
وكانت حصونهم ثلاثة مجاميع، وكل مجموعة ثلاثة حصون تمتد من الجنوب إلى الشمال، يتخلّلها النخيل والزروع والمنازل المتفرقة. وهذه المجاميع هي:
النطاة، والشق، والكتيبة، أما النطاة فكانت ثلاثة حصون: ناعم، والصعب، وقلة، وكانت الشق حصنين: أبي، والبريء، وأما الكتيبة فكانت ثلاثة حصون: القموص، الوطيح، والسلالم.
وتشاور اليهود فيما بينهم فأشار عليهم زعيمهم سلام بن مشكم فأدخلوا أموالهم وعيالهم حصني الوطيح والسلالم، وأدخلوا ذخائرهم حصن ناعم، ودخلت المقاتلة وأهل الحرب حول حصن النطاة.
والتقى الجمعان حول حصن نطاة واقتتلوا قتالا شديدا، وضيّق المسلمون الحصار على حصون خيبر، واليهود يستميتون في الدفاع عنها لأنهم يعلمون أن هزيمتهم ما هي إلا القضاء الأخير عليهم في جزيرة العرب، وتتابعت الأيام والقتال يشتد، فالمسلمون يبدون من ضروب الشجاعة والاستبسال والتضحية ما هم أهل له، واليهود يستميتون في الدفاع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح الله عليه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله» .
فبات الناس ليلتهم يتمنى كل منهم أن يعطاها، حتى إن عمر قال:
ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، فلما أصبح الصباح قال: «أين علي بن أبي طالب» ؟
فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، فدعاه فبصق رسول الله في عينيه ودعا له فبرأ بإذن الله، فأعطاه الراية وقال له: «انفذ إليهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» «1» .
ولما ذهب إليهم خرج مرحب اليهودي يختال في سلاحه، ويرتجز ويدعو إلى المبارزة قائلا:
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(2/416)
أنا الذي سمتني أمي مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرّب
أطعن حينا وحينا أضرب ... إذا الليوث أقبلت تحرّب «1»
فبرز له سيدنا علي وهو يرتجز ويقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدره «2» ... كليث غابات كريه المنظره
أكيلهم بالصاع كيل السّندره «3»
فقتله، وقيل بل قتله محمد بن مسلمة الموتور الثائر الذي قتل اليهود أخاه محمود بن مسلمة بالأمس. وخرج بعد مرحب أخوه ياسر يقول: هل من مبارز؟ فبرز له الزبير بن العوام فقتله، ثم كان أن سقط حصن ناعم، ثم لم تلبث الحصون أن تهاوت حصنا بعد حصن، فاستولى اليأس على اليهود فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم الصلح على أن يحقن دماءهم، فقبل الرؤوف الرحيم وصارت أرضهم لله ولرسوله وللمسلمين، فلما أراد النبي إجلاءهم سألوه أن يقرهم على أن يعملوا في الأرض ولهم نصف التمر فقال لهم: «نقركم على ذلك ما شئنا» «4» ، وقد قتل من اليهود في هذه الغزوة ثلاثة وتسعون رجلا، واستشهد من المسلمين نحو خمسة عشر رجلا.
قصة الشاة المسمومة
ومع هذه المساهلة في الصلح، والإحسان إليهم بالكف عن قتلهم وإجابة مطلبهم، ما زالت نفوسهم مملوءة بالحقد والبغضاء وانتهاز الفرص للنيل من النبي والمسلمين، وليس أدل على هذا من أن النبي بعد أن صالحهم واطمأن، أهدت إليه زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم- وهو ممن قتل في الحرب- شاة مشوية، وسألت أي عضو أحب إلى نبيّهم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه من السم، ثم سمّت سائر الشاة وجاءت بها ووضعتها بين يدي
__________
(1) تحرب أي مغضبة.
(2) حيدرة: من أسماء الأسد.
(3) مكيل واف.
(4) رواه البخاري.(2/417)
النبي، فتناول الذراع، فلاك منها قطعة فلم يسغها «1» ، وكان معه بشر بن البراء بن معرور، وقد أخذ منها قطعة فأساغها، وأما رسول الله فلفظها وقال:
«إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم» .
ثم دعا بها فاعترفت فقال لها: «ما حملك على هذا؟» قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان كذابا استرحنا منه، وإن كان نبيا فسيخبر، فتجاوز عنها، ومات بشر من أكلته هذه. ويروى أن النبي قتلها به قصاصا، وهكذا نجى الله نبيّه من غدر هذه اليهودية، كما نجّاه من غدرهم وهمهم بقتله فيما قبل، ولم يزل أثر هذا السم يعاود النبي صلى الله عليه وسلم كل عام حتى اختاره الله لجواره، ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى قطعت أبهري «2» » .
تقسيم غنائم خيبر
وبعد الموقعة وحيازة الغنائم خمّسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبقى الخمس لنفسه يصرفه في مصارفه، ثم قسّم الباقي نصفين: نصفا قسمه في الغانمين، ونصفا أرصده لما ينوبه من الحاجات والمصالح، وقد جعل للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهما، ولم يقسم رسول الله إلا لمن شهد الحديبية من حضر منهم خيبر ومن غاب، ولم يغب عن خيبر ممن شهد الحديبية إلا جابر بن عبد الله، فضرب له بسهمه، وكذلك أسهم النبي لأصحاب السفينة الذين قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب بعد أن استأذن أصحابه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكّل إلى عبد الله بن رواحة أخذ النصف من غلتهم، فشكوا إلى رسول الله شدة خرصه- تقديره-، وأرادوا أن يرشوه، فقال:
يا أعداء الله تطعموني السحت!! والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي، ولأنتم أبغض من القردة والخنازير، ولا يحملني بغضي إياكم، وحبي إياه على
__________
(1) لاك: مضغها، فلم يسغها: لم يبلعها.
(2) الأبهر عرق متصل بالقلب إذا قطع مات الإنسان وهو كناية عن الموت.(2/418)
ألاأعدل، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض، فلما استشهد في مؤتة ولي بعده جبار بن صخر «1» .
مثل أعلى للتسامح
وقد كان من إحسان النبي معاملة يهود خيبر أنه كان من بين ما غنم المسلمون منهم عدة صحف من التوراة، فطلب اليهود ردّها، فأمر بتسليمها إليهم، ولم يصنع صلى الله عليه وسلم ما صنع الرومان حينما فتحوا أورشليم وأحرقوا الكتب المقدسة، وداسوها بأرجلهم، ولا ما صنع النصارى في حروب اضطهاد اليهود في الأندلس حين أحرقوا كذلك صحف التوراة «2» .
__________
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 201.
(2) حياة محمد ص 377.(2/419)
يهود فدك وتيماء ووادي القرى
ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود فدك «1» من يطلب إليهم الانقياد والطاعة، فصالحوا رسول الله على أن يحقن دماءهم، ويتركوا أموالهم، فكانت فدك فيئا لرسول الله خاصة، ينفق منها على نفسه وعلى من يمون ويعول، ثم عاملهم على العمل في الأرض بنصف ما يخرج منها.
ولما بلغ يهود تيماء «2» ما انتهى إليه أمر أهل خيبر، صالحوا على دفع الجزية وبقوا في بلادهم وأموالهم امنين.
ثم دعا رسول الله يهود وادي القرى إلى الاستسلام والطاعة، فأبوا وقاتلوا فقاتلهم، ولكن سرعان ما استسلموا، وصالحوا على ما صلح عليه أهل خيبر، فتركت لهم الأرض يزرعونها بشطر ما يخرج منها.
وبهذا النصر المتتابع دان اليهود كلهم لسلطان الإسلام، وانتهى ما كان لهم من نفوذ وكيان، ولم تقم لهم قائمة بعد، وبهذا أصبحت الدولة الإسلامية بمأمن من ناحية الشمال إلى بلاد الشام.
__________
(1) فدك، بفتحتين: بلد بينها وبين مدينة النبي صلى الله عليه وسلم يومان، وبينها وبين خيبر دون مرحلة.
(2) تيماء، وزن حمراء: موضع قريب من بادية الحجاز يخرج منها إلى الشام على طريق البلقاء.(2/420)
إجلاء الفاروق عمر لهم عن جزيرة العرب
ولم يزل يهود خيبر ومن صالح صلحهم يعملون في أرضها على نصف ما يخرج منها حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدة خلافة الصدّيق أبي بكر رضي الله عنه، وصدرا من خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه، حتى أجلاهم إلى بلاد الشام بعد أن أعطاهم قيمة ما كان لهم من التمر مالا وإبلا وعروضا، وذلك لأمور:
1- لما قاموا به من الغدر والإفساد، فقد كان لابنه عبد الله مال بخيبر، وكان يختلف إليه بين الحين والحين، فعدوا عليه من الليل، وألقوه من فوق السطح وهو نائم ففدعت «1» يداه ورجلاه.
2- ولما ثبت عنده من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى بجزيرة العرب دينان» ، فقال: من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له، وإلا فإني مجليكم فأجلاهم «2» ، ولا سيما أن إبقاء رسول الله لهم، وإقرارهم في بلدهم كان مشروطا بمشيئة المسلمين، ففي الصحيحين «نقركم ما شئنا» ، وفي رواية ابن إسحاق: «على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم» .
3- لأن إقرارهم عليها إنما كان لأنهم أقدر على العمل في الأرض، وأعمر لها من غيرهم، ولأن المسلمين كانوا في قلة من الأيدي العاملة،
__________
(1) الفدع بفتحتين: اعوجاج الرسغ من اليد أو الرجل، فينقلب الكف أو القدم إلى الجانب الاخر.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة وغيره.(2/421)
لاشتغالهم بالجهاد ونشر الإسلام، والعمل في زراعاتهم بالمدينة، فلما كثروا لم تعد حاجة إليهم، لا سيما أنهم أصبحوا مصدر قلق وإفساد. روى عمر بن شبّة في أخبار المدينة قال: لما كثر العيال- أي الخدم- في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر، فلهذه الاعتبارات مجتمعة كان الإجلاء «1» .
ونعمّا فعل الملهم المحدّث، فإن الحجاز قطب الإسلام، وقلبه النابض، فكان من الحكمة أن يبقى القطب قويا متماسكا، والقلب سليما من عوامل الضعف والفساد، كي تبقى الأطراف سليمة قوية تؤدي وظائفها المطلوبة معها، فهل يقيّض الله لهم من أبطال المسلمين والعرب من يجليهم من الأرض المباركة (فلسطين) كما أجلوا عن البلد الطيب (المدينة) والأرض الطاهرة (الحجاز) ؟!.
__________
(1) فتح الباري ج 5 ص 250.(2/422)
السّنة الثّامنة من الهجرة
إسلام خالد، وعمرو، وعثمان بن طلحة
وفي مستهل هذا العام أسلم ثلاثة من خيار قريش، وسادة بيوتاتها، وهم: عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة.
إسلام عمرو
وقد كان هاجر إلى الحبشة بعد غزوة الأحزاب في رواية ابن إسحاق لما ضاقت نفسه بانتصارات الإسلام، وبعد صلح الحديبية في رواية البيهقي، فصادف هناك عمرو بن أمية الضمري «1» ، فأراد أن يوقع به فزجره النجاشي، ثم كان أن أسلم وأقام بالحبشة حتى قدم على النبي أوائل هذا العام مظهرا إسلامه.
إسلام خالد
أما خالد فكان من أشد الناس على النبي والمسلمين، ولكن الله لما أراد له الكرامة نظر فرأى أنه لا يشهد مشهدا ضد النبي إلا وقد خذل فيه، وهو الفارس المعلم والقائد المحنك، وفي الحديبية كان على خيل المشركين ولقي رسول الله بعسفان، وتربص بالمسلمين شرا وهم يصلّون، ولكن الله أعلم نبيّه فصلّى صلاة الخوف، فوقع ذلك من نفس خالد وقال: الرجل ممنوع!!.
__________
(1) قيل كان هناك ليوصل كتاب النبي إلى النجاشي بشأن تزويجه من أم حبيبة، وقيل بشأن قدوم جعفر وأصحابه، وقيل كان يحمل كتاب النبي إلى النجاشي داعيا له إلى الإسلام.(2/423)
فلما كانت عمرة القضاء تغيب فيمن تغيب من المشركين كراهة رؤية المسلمين وهم بمكة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أخاه الوليد بن الوليد، وتعجب كيف يغيب الإسلام عن مثل خالد، فكتب له أخوه هذا الكتاب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك!! ومثل الإسلام جهله أحد؟! وقد سألني رسول الله عنك وقال: «أين خالد» ؟ فقلت: يأتي الله به فقال: «مثله جهل الإسلام؟ ولو كان جعل نكايته وجدّه مع المسلمين كان خيرا له، ولقدّمناه على غيره» ، فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة) .
فلما وصل خالدا الكتاب وقع سؤال النبي عنه من نفسه، واستشعر ما فيه من معان وتقدير كريم، فازداد رغبة في الإسلام، وقوّى هذه الرغبة في نفسه رؤيا راها: رأى أنه كان في بلاد ضيقة مجدبة، فخرج منها إلى بلاد خضراء واسعة، فقال: إن هذه لرؤيا!! فكانت البلاد الضيقة- كما عبّرها له الصدّيق فيما بعد- هي دنيا الشرك الذاهبة القاحلة. وكانت البلاد الخضراء الواسعة هي دنيا الإسلام الفسيحة الخصبة.
وأدركته لحظة من لحظات التجلّي الإلهي، فعزم على الخروج إلى رسول الله، وعرض هذه الفكرة على صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل فأبيا، ثم عرضها على عثمان بن طلحة فأسرع الإجابة.
وخرج خالد وعثمان حتى كانا بالطريق بين مكة والمدينة التقيا بعمرو بن العاص، فقال له: أين يا أبا سليمان- يعني خالدا-؟ قال: والله لقد استقام الميسم- أي تبين الطريق ووضح- وإن الرجل لنبي، أذهب- والله- فأسلم، فحتى متى؟!
وسار الركب الميمون المبارك حتى دخلوا المدينة، فأصلحوا من شأنهم ولبسوا صالح ثيابهم، ثم قصدوا إلى النبي. وكان البشير قد جاء بالبشرى إلى رسول الله فسر بمقدمهم، ولقيهم أخوه الوليد فقال لخالد: أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سر بمقدمك وهو ينتظركم، فأسرعوا حتى وقفوا على الرسول(2/424)
وهو يبتسم، فسلّم عليه خالد بالنبوة، فرد السلام بوجه طلق، ثم شهد شهادة الحق، فقال النبي له: «تعال، الحمد لله الذي قد هداك، كنت أرى لك عقلا رجوت ألايسلمك إلا إلى خير» ، فقال خالد: يا رسول الله إني قد شهدت تلك المواطن عليك معاندا للحق، فادع الله أن يغفرها لي، فقال الرسول الكريم: «الإسلام يجبّ ما كان قبله» .
وتقدم عثمان بن طلحة فبايع، وتقدم عمرو بن العاص فبايع. قال عمرو: فو الله ما هو إلا أن جلست بين يديه فاستحييت أن أرفع طرفي حياء منه، فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، فقال: «إن الإسلام يجبّ ما كان قبله، والهجرة تجب ما كان قبلها» ، فو الله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا، ولقد كان عند أبي بكر بتلك المنزلة، ولقد كنت عند عمر بهذه المنزلة، وكان عمر على خالد كالعاتب، وكان قدومهم وإسلامهم في أول صفر سنة ثمان من الهجرة «1» .
وبإسلام خالد وعمرو اكتسب الإسلام اثنين من أبطال الإسلام وقواده، الذين كانت لهم يد طولى في غزوات الإسلام وفتوحاته.
__________
(1) ذكر الشيخ الخضري- رحمه الله- في نور اليقين إسلام خالد وصاحبيه في سنة سبع، والتحقيق ما ذكرته (البداية والنهاية، ج 4 ص 236) .(2/425)
غزوة مؤتة
«1» في جمادى الأولى من عام ثمان الموافق سنة 629 م جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا للقصاص ممن قتلوا الحارث بن عمير الأزدي رسول الله إلى أمير بصرى، داعيا له إلى الإسلام، وقيل: إن النبي كان أرسل سرية إلى ذات الطلح على حدود الشام يدعون إلى الإسلام، فكان جزاؤهم القتل، ولم ينج منهم إلا رئيسهم بعد أن ظنوا أنه مات. وأمر على الجيش زيد بن حارثة، وقال:
«إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب، وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة» ، وسار الجيش وعدته ثلاثة الاف من المهاجرين والأنصار بعد أن ودعهم المسلمون قائلين: صحبكم الله، ودفع عنكم؛ وردكم إلينا سالمين.
وخرج رسول الله يشيّعهم ويوصيهم قائلا: «اغزوا باسم الله؛ قاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام، وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم، ولا تقتلوا امرأة ولا صغيرا، ولا شيخا فانيا، ولا تقطعوا شجرا، ولا تهدموا بناء....» .
ثم مضوا في سبيل الله حتى وصلوا (معانا) من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل (ماب) في أرض الشام في مائة ألف من الزوم وانضم إليهم مائة ألف أخرى من متنصّرة العرب من: لخم وجذام والقين وبهراء وبلي.
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على (معان) ليلتين وقالوا: نكتب إلى رسول الله نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره
__________
(1) مؤتة: مهموزة الواو، وحكى غير الهمزة، قرية من أرض البلقاء بطرف الشام.(2/426)
فنمضي له، فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة.
فتشجع الناس وقالوا: صدق ابن رواحة، وسار الجيش الإسلامي تحدوه الرغبة في إعزاز دين الله وحب الشهادة، حتى التقوا بجموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء (مشارف) فانحاز المسلمون إلى مؤتة وتحصنوا بها.
التقاء الجيشين
والتقى الجمعان غير المتكافئين عددا وعدة، وقاتل المسلمون قتال الأبطال، وصمدوا أمام هذا الجيش العرمرم، وقاتل زيد بن حارثة حامل اللواء حتى استشهد، فولي القيادة جعفر بن أبي طالب وحمل اللواء؛ وكان على فرس له شقراء، فنزل عنها وعقرها، وتقدم يقاتل وهو يحمل اللواء ويقول:
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها
والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إن لاقيتها ضرابها
وكان جعفر يحمل اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى ضربه رجل من الروم ضربة فقطعته نصفين، فاستشهد وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة بعد أن خط في كتاب البطولة الإسلامية سطورا مشرقة، وكان جزاؤه من ربه أن أبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء، ولما التمس في القتلى وجد به بضع وتسعون جرحا. وكان ابن عمر إذا حيّ ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
فأخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم تقدم بها في جموع الروم وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد وهو يقول:
أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... لتنزلنّ أو لتكرهنّه(2/427)
إن أجلب الناس وشدوا لرنّة ... مالي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة في شنّه «1»
ويقول:
يا نفس إن لا تقتلي تموتي ... هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت ... إن تفعلي فعلهما هديت
وما زال يتقدم باللواء ويقاتل حتى قتل شهيدا رضي الله عنه.
ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم فقال: يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم، فقالوا: أنت، فقال: ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد المخزومي، فلما أخذ الراية قاتل قتال الأبطال حتى اندقت في يده تسعة أسياف، وما صبرت معه إلا صحيفة يمانية، واستعمل دهاءه وحنكته الحربية حتى انحاز بالجيش، وأنقذه من هزيمة منكرة كادت تقع، وكان الليل قد أقبل، فانتهز خالد هذه الفرصة وغير نظام الجيش، فجعل المقدمة ساقة، والساقة مقدمة، والميمنة ميسرة، والميسرة ميمنة، وصف صفا طويلا وراء الجيش، فلما أصبح الصباح أنكرت الروم ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيئتهم، وسمعوا من الجلبة، وقعقعة السلاح، ما قد ظنوا معه أنهم جاءهم مدد، فرعبوا وانكشفوا، وما زال خالد يحاورهم ويداورهم، والمسلمون يقاتلونهم في أثناء انسحابهم بضعة أيام حتى خاف الروم أن يكون هذا استدراجا لهم إلى الصحراء، فتحاجز الفريقان وانقطع القتال.
بلاء المسلمين
وقد أبلى البطل خالد وأصحابه الأبطال بلاء حسنا في هذا اليوم، وبفضل ثباتهم وشجاعتهم تبدلت هزيمتهم نصرا، وأيّ نصر يرجى أكثر من صمود جيش تعداده ثلاثة الاف أمام جيش تعداده مائتا ألف، وانسحابهم وهم موفور والعدد محفوظو الكرامة، وإنه لشيء نادر في تاريخ الحروب أن يقف جندي واحد أمام
__________
(1) أجلبوا: صاحوا. الرنة صوت ترجيع شبه البكاء. النطفة: الماء القليل الصافي. الشنة: السقاء البالي، فيوشك أن تهراق أو ينخرق السقاء، وضرب ذلك مثلا لنفسه في جسده.(2/428)
سبعين من الجنود المدججين بالسلاح، ولكنه الإيمان الذي يصيّر من الجبناء شجعانا، ومن الشجعان أبطالا، ولعل مما يثير العجب أن جميع من استشهد من المسلمين في مؤتة ثمانية، وقيل اثنا عشر.
نعي رسول الله الأمراء
وأطلع الله سبحانه رسوله على ما جرى فقام على المنبر فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب- وعيناه تذرفان- حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم» «1» . ومن يومها قد عرف خالد بسيف الله المسلول، وفي رواية ابن إسحاق:
«ولقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم على سرير من ذهب، فرأيت في سرير عبد الله ازورارا عن سريري صاحبيه، فقلت عم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى» ، ويا لها من عبرة!! فإذا كان بعض التردد من الشجاع المغوار ابن رواحة قد جعله في منزلة دون صاحبيه، فما بالك بمن ينكص على عقبيه مؤثرا الحياة على الشهادة، طمعا في جاه أو مال أو عرض من أعراض الحياة؟!! إن مثله لا يقام له عند الله وزن وإن عرض عند سواد الناس جاهه، وبذّ مال قارون ماله.
لقاء الجيش
وخرج الرسول والمسلمون للقاء الجيش، فجعل الناس يحثون التراب على الجيش ويقولون لهم يا فرّار، فررتم في سبيل الله، ولكن الرسول العليم ببواطن الأمور، والمقدّر لموقف الجيش قال لهم: «ليسوا بالفرّار، ولكنهم الكرّار إن شاء الله» .
مثل أعلى للاستحياء
ومع منافحة الرسول عن أصحاب مؤتة قد اعتزل بعض المسلمين في بيته خشية سماع هذه الكلمة الثقيلة على أسماع المؤمنين الشجعان «يا فرّار» . روى
__________
(1) رواه البخاري.(2/429)
ابن إسحاق عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت:
ما يستطيع أن يخرج، كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار، فررتم في سبيل الله، حتى قعد في بيته ما يخرج. وهذا يدل على مبلغ ما وصل إليه الخلق الإسلامي انئذ من حب البطولة وإيثار الشهادة في سبيل الله على الفرار، والاستحياء من المثالب والمساوىء، وتقدير للقيم الخلقية، والمعاني الأدبية.
إكرام النبي لال جعفر
لما أصيب جعفر دخل رسول الله على أسماء بنت عميس فقال: «ائتني ببني جعفر» ، فأتت بهم فشمّهم وقبلهم وذرفت عيناه، فقالت أسماء: أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال: «نعم، أصيبوا هذا اليوم» ، فجعلت تصيح وتولول فقال النبي: «لا تغافلوا عن ال جعفر أن تصنعوا لهم طعاما، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم» ، وهذا هو الأصل في صنع الطعام لأهل الميت لا ما يصنعه بعض الناس اليوم بقصد التفاخر والمقابلة بالمثل، وقد لا يصيب أهل الميت منه شيء.
ولما قارب الجيش المدينة تلقّاهم الصبيان يشتدون ورسول الله مقبل مع الجيش على دابة له فقال: «خذوا الصبيان فاحملوهم، وأعطوني ابن جعفر» ، فأتي بعبد الله فحمله بين يديه، وبعد ثلاث دخل على أسماء وقال لها: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي بني أخي» ، فجيء بهم كأنهم أفرخ، فدعا بالحلاق فحلق لهم رؤوسهم ثم قال: «أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي» ، ثم أخذ بيمين عبد الله وقال: «اللهمّ اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه» ، (ثلاثا) . ولما ذكرت له أمهم يتمهم وضعفهم قال لها: «العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والاخرة» رواه الإمام أحمد.
وهذا غاية ما ينتظر من تكريم أبناء الشهداء، وبذلك وضع الرسول الكريم الأساس الصالح لهذا التقليد الشريف.(2/430)
نهي ال جعفر عن النياحة
روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الحزن فأتاه رجل فقال: أي رسول الله، إن نساء جعفر- وذكر بكاءهن- فأمره أن ينهاهن، فذهب الرجل ثم أتى فقال: والله لقد غلبننا، فقال رسول الله: «فاحث في أفواههن من التراب» .
رثاء أسماء بنت عميس زوجها
ورثت أسماء زوجها فقالت:
فاليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى ... أكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا
فلما انقضت عدتها خطبها الصدّيق رضي الله عنه فتزوجها فأولم عليها، وكان في الناس علي بن أبي طالب، فلما ذهب الناس استأذن عليّ أبا بكر في أن يكلم أسماء من وراء الستر فأذن له، فلما اقترب من الستر نفحه ريح طيبها فقال لها- متباسطا معها-: من القائلة:
فاليت لا تنفك نفسي حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فقالت: دعنا منك يا أبا الحسن فإنك امرؤ فيك دعابة. فولدت للصديق ابنه محمدا، ثم لما توفي الصدّيق تزوجها بعده علي بن أبي طالب، فولدت له أولادا رضي الله عنهم أجمعين.(2/431)
غزوة ذات السلاسل «1»
وفي جمادى الاخرة بلغه صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة يتجمعون في ديارهم وراء وادي القرى ليغيروا على المدينة، فأرسل لهم عمرو بن العاص في ثلاثمائة من خيار المسلمين، لأن أم عمرو كانت من بليّ، ولعل في هذا تأليفا لهم، فلما صار إلى هناك خاف كثرة عدوه، فبعث إلى رسول الله يستمده، فندب لذلك المهاجرين والأولين، فانتدب أبو بكر وعمر في مائتين من سراة المهاجرين، وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وقال له: «إذا أنت قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا» .
فلما قدم على عمرو قال له: إنما جئت مددا لي، فقال له أبو عبيدة: لا، ولكني على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه، فأبى عمرو، فتذكر أبو عبيدة وصاة رسول الله- وكان رجلا سهلا هينا عليه أمر الدنيا- فقال له: يا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «لا تختلفا» ، وإنك إن عصيتني أطعتك، وبذلك حسم الخلاف.
وسار عمرو بمن معه حتى وصل إلى بلاد بلي، فكان كلما انتهى إلى موضع به جمع تفرّقوا حتى انتهى إلى بلاد بلي وعذرة، فلقي جمعا ليس
__________
(1) ضبطها ابن الأثير في النهاية، بضم السين الأولى، وكسر الثانية. وضبطها صاحب القاموس بفتح السين الأولى. سميت باسم ماء بأرض جذام يقال له السلسل، وقيل لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا. وذكر ابن سعد أنها وراء وادي القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام. ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق فقال: إنها كانت قبلها.(2/432)
بالكثير، فاقتتلوا ساعة وتراموا بالنبل، وحمل عليهم المسلمون فهزموا وتفرقوا، وأوغلوا هربا في البلاد، ثم عاد المسلمون منتصرين بعد أن أروهم سلطان الإسلام وسطوته.
وفي الطريق أصيب عمرو بن العاص بجنابة من أثر احتلام، فتيمم وصلّى بأصحابه، فلما قدموا على رسول الله سألهم عن أحوالهم في غزوتهم كما هي عادته، فأخبروه بما كان من أمر عمرو واحتلامه وتيممه وصلاته من غير اغتسال، فقال رسول الله: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب» ، فقال:
يا رسول الله احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، وإني سمعت الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً، فضحك النبي ولم يقل شيئا، وكان سكوت النبي تقريرا له على هذا، وتقريره أحد وجوه السنن المعروفة.
وقد نجح عمرو في إرجاع هيبة الإسلام لأطراف الشام، وإرجاع أحلاف المسلمين لصداقتهم الأولى، ودخول قبائل أخرى في حلف مع المسلمين، وإسلام الكثيرين من بني عبس، وبني مرة، وبني ذبيان، وكذلك دخلت فزارة وسيدها عيينة بن حصن في حلف مع المسلمين، وتبعها بنو سليم، وعلى رأسهم العباس بن مرداس، وبنو أشجع، ومعظم من لم يكن قد حالف المسلمين من القبائل المجاورة للمدينة، وأصبح المسلمون أقوى عنصر سياسي في شمال بلاد العرب، وإن لم يكن في بلاد العرب جميعها «1» .
__________
(1) محاضرات في السيرة وتاريخ الخلفاء للدكتور محمد مصطفى زيادة.(2/433)
فتح الفتوح في الإسلام فتح مكّة
تمهيد
لما أبرم صلح الحديبية كان من شروط الصلح أن من أحب أن يدخل في عهد النبي فليدخل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش فليفعل، فدخلت خزاعة في عهد رسول الله، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وقد مضى على الصلح قرابة عامين ولم يحدث من المسلمين ما يخل بالعهد، وقد حدث بعد مؤتة أن خيّل إلى قريش أن المسلمين قد ضعفوا وزالت هيبتهم، وخيّل إلى بني بكر أن ينالوا من خزاعة أحلاف الرسول، وقد كان بين بني بكر وخزاعة ثارات في الجاهلية ودماء، فبيّت بنو بكر خزاعة وهم على ماء يسمى (الوتير) وأصابوا منهم، وأعانتهم قريش بالرجال والسلاح تحت جنح الليل، وما زالوا يقاتلونهم حتى ألجؤوهم إلى الحرم، ولجأت خزاعة إلى دار بديل بن ورقاء، ومولى لهم يسمى أبا رافع.
فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله بالمدينة يخبره بغدر قريش وإخلافهم العهد، ولما وقف على النبي أنشده أبياتا منها:
يا ربّ إني ناشد محمدا ... حلف أبيه وأبينا الأتلدا
فانصر رسول الله نصرا أعتدا «1» ... وادع عباد الله يأتوا مددا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا ... إنّ قريشا أخلفوك الموعدا
__________
(1) أعتدا: حاضرا، من الشيء العتيد، وهو الحاضر.(2/435)
وزعموا أن لست أدعو أحدا ... فهم أذلّ وأقلّ عددا
هم بيّتونا بالوتير هجّدا ... وقتلونا ركعا وسجّدا
فقال رسول الله: «نصرت يا عمرو بن سالم» .
ثم خرج أيضا بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله فأخبروه بما جرى، ثم انصرفوا ايبين إلى مكة، وفي الطريق لقيهم أبو سفيان وهو ذاهب إلى المدينة فقال له: لعلك ذهبت إلى محمد بالمدينة، فأنكر بديل وتعلّل بتعلّات أخرى، ولكن أبا سفيان جاء إلى مبرك ناقته، فرأى في بعرها نوى يثرب، فأيقن أنه جاء النبي مستنصرا.
سفارة أبي سفيان بن حرب
وأدركت قريش مغبة غدرها ونقضها للعهد، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة يؤكد العهد ويمد في المدة، فلما وصلها قصد إلى بيت ابنته أم حبيبة زوج الرسول، فلما همّ بالجلوس على فراش رسول الله طوته، فعجب وقال: يا بنية أرغبت بي عن الفراش أم رغبت به عني؟ فقالت هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت مشرك نجس فلم أحب أن تجلس عليه!! وكانت صدمة له لم يفق منها حتى قال: يا بنية والله لقد أصابك بعدي شر، وخرج مغضبا.
ثم كلم رسول الله في العهد وإطالة المدة فلم يحظ منه بطائل، فخرج قاصدا أبا بكر فكلمه أن يكلم رسول الله فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال له: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فو الله لو لم أجد لكم إلا الذر لجاهدتكم به.
ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة بنت رسول الله والحسن غلام يدب بين يديه، فقال: يا علي، إنك أمسّ القوم بي رحما وأقربهم مني قرابة، وقد جئت في حاجة فلا أرجعنّ كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى رسول الله، فقال له: ويحك يا أبا سفيان، والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فالتفت إلى فاطمة فقال: هل لك أن تأمري بنيّك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى اخر الدهر،(2/436)
فقالت: والله ما يبلغ بني ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على النبي صلى الله عليه وسلم «1» فقال: يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني، فقال علي: والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك شيئا، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك، فقال: أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ فقال:
لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان فقال: إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره وعاد من حيث أتى، فلما قدم على قريش أخبرهم بما كان وإجارته بين الناس، فقالوا له: هل أجاز ذلك محمد؟ قال: لا، قالوا: ويحك ما زاد الرجل على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت.
تجهز النبي للخروج
ولم يلبث رسول الله أن أخذ التجهز للخروج إلى مكة، وأذّن في الناس بالتجهيز، وأخفى مقصده إلا عن بعض خاصته كالصدّيق، وكان غرض رسول الله أن يبغت قريشا في عقر دارها من غير أن تأخذ أهبتها، حرصا أن لا تراق الدماء في بلد الله الحرام، فلما تجمعت الجموع وتهيأت للمسير أخبرهم بمقصده وقال: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها» .
كتاب حاطب إلى قريش
ولما أجمع صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله، ثم أعطاه مولاة لبعض بني عبد المطلب تسمى سارة، وجعل لها جعلا على أن تبلّغه قريشا، فجعلته في عقاص شعرها، ثم خرجت به، فإذا الوحي ينزل على رسول الله بما صنع حاطب، فبعث عليا والزبير والمقداد وقال: «انطلقوا حتى تأتوا (روضة خاخ) فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها» . فانطلقوا تتعادى بهم خيلهم حتى أدركوها، فقالوا لها أخرجي الكتاب، فقالت: ليس معي كتاب، فقالوا لها: لتخرجنّ الكتاب، أو لنكشفنّ
__________
(1) لا مخالفة بين هذا وقوله عليه الصلاة والسلام: (ويجير على المسلمين أدناهم) لأن المراد بالثاني من يجير واحدا ونفرا يسيرا، وأما قول السيدة فاطمة فالمراد به الإجارة العامة أي لا يمنع أحد الإمام من غزوه قوما.(2/437)
الثياب، فخافت وأخرجته من عقاصها، فأتوا به إلى النبي فإذا فيه: «يا معشر قريش فإن رسول الله جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل. فو الله لو جاءكم واحده لنصره الله، وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم، والسلام» «1» .
فقال النبي: «يا حاطب ما هذا؟» فقال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقا في قريش- يعني حليفا ولم يكن من أنفسها- وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي بها، ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال الرسول العظيم: «أما إنه قد صدقكم» .
فقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال الرسول:
«إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطّلع على من شهد بدرا فقال:
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ، فبكى عمر وقال: الله ورسوله أعلم!! فأنزل الله هذا التأديب الإلهي وهو صدر سورة الممتحنة:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ إلى قوله سبحانه:
فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ «2» .
العظيم من يرحم الضعفاء
وإن لنا هنا لوقفة، فما كان حاطب منافقا، ولا ضعيف الإيمان، بتزكية الرسول له. ولكن في النفس الإنسانية جوانب ضعف تطغى عليها في بعض الأحيان، وتهوي بها إلى ما لا ترضاه لنفسها، وكل بني ادم خطّاء، وما كان هذا الضعف الإنساني ليخفى على صاحب القلب الكبير، والقوي الأمين صاحب الخلق العظيم، فلا تعجب إذا كان الرسول صدّقه فيما قال، ورحم ضعفه،
__________
(1) فتح الباري ج 8 ص 420.
(2) سورة الممتحنة: الاية 1.(2/438)
ونافح عنه، والقوي حقا هو الذي يرحم الضعفاء، والعظيم حقا هو الذي يلتمس المعاذير لمن يستزلهم الشيطان في غفوة من صدق الإيمان ووازع الضمير!!.
مسيرة الجيش إلى مكة
ثم مضى رسول الله لغزوته واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري، وكان خروجه لعشر مضين من رمضان من السنة الثامنة، فصام وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد- موضع بين مكة والمدينة- أفطر حتى قدم مكة وانسلخ الشهر، وخرج معه المهاجرون والأنصار لم يتخلف منهم أحد، وانضمّ إليهم الاف من سليم ومزينة وغطفان وغيرها، وما إن وصل مرّ الظهران حتى صار تعداد الجيش عشرة الاف وقيل اثنا عشر ألفا، وشهدت الصحراء العربية الجيش العرمرم الذي لم تشهد له مثيلا من قبل، في عقيدته وإيمانه، وإيثاره الموت على الحياة والاخرة على الدنيا.
إسلام العباس وبعض القرشيين
وكان العباس بن عبد المطلب عم الرسول قد خرج من مكة مهاجرا إلى الله، واحتمل معه أهله وولده، فلقي الرسول بالجحفة «1» فأسلم، وقد سرّ الرسول بإسلامه غاية السرور، إذ قد كان ناصرا له ومؤيدا، وفي هم شاغل به وبدعوته مع بقائه على دين قريش، وإقامته بمكة على سقاية الحاج، وخرج من قريش أيضا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي، فلقيا رسول الله «بنيق العقاب» والتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما وقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك، وصهرك يلتمسان الدخول عليك فقال: «لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فبالغ في إساءتي،
__________
(1) وقيل برابغ، والقريتان متجاورتان، وقد درست الجحفة وبقيت رابغ، ويرى بعض المؤرخين أن العباس كان قد أسلم من قبل ولكنه أخفى إسلامه لمصلحة الدعوة، فقد كان بمثابة العين لرسول الله على قريش، ثم أعلن إسلامه قبل الفتح، ومنهم من يرى أنه ذهب إلى المدينة قبل الفتح وأسلم وسار مع جيش الفتح، ويشكك بعض المؤرخين في هذا وذاك، والصحيح ما ذكرناه أولا.(2/439)
وأما ابن عمتي فهو الذي قال بمكة ما قال» ، فلما بلغهما ذلك كان مع أبي سفيان بنيّ له فقال: والله ليأذننّ لي، أو لاخذن بيد بني هذا، ثم لنذهبنّ في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ النبي ذلك رقّ لهما، فدخلا عليه وأسلما.
تخوف العباس على قريش
ورأى العباس علو نجم ابن أخيه وقوته، وأحسّ منزلة النبي في قلوب هذه الالاف المؤمنة التي لا يقدر على أن يصدها عن غايتها صاد، والتي لا قبل لمكة ولا لغيرها بهم، فقال: واصباح قريش، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى اخر الدهر، فركب بغلة رسول الله البيضاء وذهب ناحية الأراك عسى أن يجد حطّابا أو صاحب لبن أو ذا حاجة ذاهبا إلى مكة فيخبرهم بمكان رسول الله حتى يخرجوا إليه فيستأمنوه، فكان أن التقى بأبي سفيان وصحبه.
أبو سفيان يستطلع الأخبار لقريش
ها هو رسول الله والجيش قد وصل إلى مر الظهران «1» ، وقد عميت الأخبار عن قريش لا يأتيهم خبر عنه، ولا يدرون ما هو فاعل بهم، وبينما هم في حيرة من أمرهم خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء يستطلعون الأمر لقريش، وكان رسول الله قد أمر أصحابه أن يوقدوا نارا فأوقدوا عشرة الاف نار، حتى كانوا قريبا من مرّ الظهران رأوا نيرانا كنيران الحجيج في عرفة، فقال أبو سفيان ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا!!، فقال بديل: هذه والله خزاعة، فقال أبو سفيان: خزاعة أذلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
وبينما هما يتحاوران عرف العباس صوت أبي سفيان، فقال: أبا حنظلة! وأجاب أبو سفيان: أبا الفضل! فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجيش، فقال أبو سفيان: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ فقال العباس: فاركب في عجز هذه البغلة حتى اتي بك رسول الله فأستأمنه لك،
__________
(1) قرية بالقرب من مكة بوادي الظهران يقال لها اليوم: وادي فاطمة.(2/440)
فركب وسار الاخران وراءهما، فكلما مروا بنار قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله وأنا عليها قالوا: عمّ رسول الله على بغلة رسول الله، حتى مروا بنار عمر بن الخطاب وعرف أبا سفيان فوجأه في عنقه، وهمّ بقتله حتى أجاره العباس، وأركض العباس البغلة، وعمر يشتد في إثرها حتى دخل العباس ومعه أبو سفيان على رسول الله، ثم دخل عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد فدعني فلأضرب عنقه، فقال العباس: أنا أجرته.
ثم جلس إلى رسول الله يناجيه، فلما أكثر عمر في شأن أبي سفيان قال العباس: مهلا يا عمر، فو الله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه من بني عبد مناف!! فقال عمر: مهلا يا عباس، فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب!!، وحسم رسول الله الخلاف بينهما فقال: «اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به» ، أما حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء فقد أسلما.
إسلام أبي سفيان
وبات أبو سفيان ليلته ورأى فيها ما ملأ نفسه إعجابا!! رأى المسلمين لما سمعوا الأذان انتشروا فتوضأوا، ثم اقتدوا بالرسول يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، فقال: يا عباس، ما يأمرهم بشيء إلا فعلوه؟! قال: نعم والله، لو أمرهم بترك الطعام والشراب لأطاعوه! ورأى أعجب من ذلك، ذلك أنه لما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلوا يبتدرون وضوءه، فقال: يا عباس ما رأيت كالليلة ولا ملك كسرى وقيصر!!.
وفي الصباح غدا به العباس إلى رسول الله فقال له: «ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم ألاإله إلا الله؟» ، فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد، قال الرسول: «ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟» ، فقال: أما هذه فإنّ في النفس منها حتى الان شيئا.
فقال له العباس: ويحك أسلم واشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا(2/441)
رسول الله قبل أن تضرب عنقك، فشهد شهادة الحق وأسلم، فقال العباس:
إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا، فرأى رسول الله بنور قلبه، وواسع عقله أن يكون هذا الشيء مما يتعلق بحقن الدماء، ونشر الأمان، وأن لا يقتصر على أبي سفيان حتى يأمن أكثر عدد من الناس فقال: «من دخل دار أبي سفيان فهو امن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو امن، ومن دخل الكعبة فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن، ومن أغلق بابه فهو امن» .
حبس أبي سفيان بمضيق الوادي
ورأى الرسول الحكيم أن يوقف أبو سفيان حيث تمر عليه كتائب جيش المسلمين ليرى قوة المسلمين، فيكون نذيرا لقريش بالتسليم والجنوح إلى السلام إبقاء على أنفسها، فقال: «يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم «1» الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها» .
فخرج بأبي سفيان- وقيل كان معه حكيم وبديل- فحبسه حيث أمره رسول الله، ومرّت القبائل على راياتها، فمرّت قبيلة فقال: يا عباس من هذه؟
قال: غفار، فيقول: ما لي ولغفار، وهكذا كلما مرّت قبيلة قال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، فقال: يا عباس من هذه؟، فقال: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار- أي يوم الحرمة ورعاية العهد-.
الكتيبة الخضراء
ثم مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء يحيط به المهاجرون لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد «2» ، يحمل الراية الزبير بن العوام، فقال سبحان الله يا عباس!! من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين، فقال
__________
(1) خطم الجبل: هو المكان الناتىء منه في الطريق، ليتمكن من رؤية الجيش كله.
(2) أي عدة الحروب من قوس، ومغفر، وسلاح، والعرب تعبر عن الاسوداد بالاخضرار، والعكس، ومنه قوله تعالى: مُدْهامَّتانِ أي خضراوان شديدتا الخضرة حتى كأنهما سوداوان.(2/442)
أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما!! فقال العباس: يا أبا سفيان إنها النبوة!! قال:
نعم إذا.
وبلّغ أبو سفيان الرسول مقالة سعد بن عبادة فقال: «كذب- أي أخطأ- سعد، ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة» «1» ، وأمر بالراية أن تؤخذ من سعد وتعطى لابنه قيس، وقيل أعطاها لعلي بن أبي طالب، وقيل للزبير، والذي نرجّحه الأول وهو ما يتّفق وما عرف عن الرسول من حكمة وبعد نظر، إذ لم يرد أن يغضب أبا سفيان وصحبه بإبقاء الراية مع سعد، وقد يطغى سيفه فيسرف في القتل، فأخذها من سعد تأديبا له وزجرا عما قال، وفي الوقت نفسه لم يغضب سعدا لأنه أخذها منه وأعطاها لابنه، وأي إنسان لا يود لابنه من الفخار والمنزلة ما يود لنفسه بل وأكثر!
رجوع أبي سفيان إلى مكة
ثم رجع أبو سفيان مسرعا حتى إذا وصلها نادى بأعلا صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به!! فمن دخل دار أبي سفيان فهو امن، فقالوا وما تغني دارك؟ فقال: ومن أغلق عليه بابه فهو امن، ومن دخل المسجد فهو امن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد، إلا من غلبت عليه الحمية وصمم على القتال.
دخول مكّة
وسار الجيش الإسلامي حتى وصل (ذا طوى) ، وفي هذا المكان رأى الرسول الحكيم والقائد المحنك أن يفرّق الجيش فرقا، وأوصاهم أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وأمر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفلها من كدى، وأمر الزبير بن العوام أن يدخل في فرقته من شمالها، وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري من جانبها الغربي.
__________
(1) هذا ما ذكر في صحيح البخاري، وذكر ابن إسحاق أن ذلك عند الدخول، والذي نرجحه ما في الصحيح.(2/443)
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلاها من كداء بين يديه أبو عبيدة بن الجراح في فرقة من الجيش، دخلها وهو راكب ناقته ومطأطىء رأسه حتى إن شعر لحيته ليمس واسطة رحله تواضعا لله وشكرا، ومعظما له ومكبّرا، حين رأى ما أكرمه الله من الفتح، وقد أردف وراءه أسامة بن زيد، فلما بلغ الحجون «1» أمر أن تركز رايته هناك وأن تضرب له قبة، فضربت فاستراح بها هو وزوجتاه ميمونة وأم سلمة، فقال له أسامة بن زيد: أين تنزل غدا يا رسول الله؟ فقال: «وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور» ؟ وفي رواية أخرى: «منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر» «2» رواهما البخاري.
ودخلت الجيوش مكة ولم يلق منها مقاومة تذكر إلا جيش خالد بن الوليد فقد كان يقيم في أسفل مكة أشد قريش عداوة للرسول، ومن اشتركوا مع بني بكر في نقض عهد الحديبية، هؤلاء لم يرضهم أن يستسلموا من غير إراقة دماء، ولم يعتدّوا بما منحوا من أمان فأعدوا عدتهم للقتال، ومن هؤلاء: صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وحماس بن قيس، فلما دخل جيش خالد أمطروه بنبالهم، ولكن خالدا لم يلبث أن فرقهم، ولم يقتل من رجاله إلا اثنان ضلّا طريقهما، أما قريش ففقدت ثلاثة عشر رجلا في رواية، وأربعة وعشرين في رواية أخرى، ولم يلبث صفوان وعكرمة وسهيل أن ولّوا الأدبار منهزمين.
وكان حماس بن قيس يعد سلاحا قبل مقدم جيش المسلمين، فقالت له امرأته: لماذا تعدّ ما أرى؟ فقال: لمحمد وأصحابه، فقالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء، فقال: والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، فلما شهد
__________
(1) مكان بأعلى مكة بالقرب من مقبرتها، و (كداء) بفتح الكاف كسحاب جبل بأعلى مكة، و (كدى) بالضم والقصر جبل بأسفل مكة.
(2) يعني لما تحالفت قريش ألايبايعوا بني هاشم ولا يناكحوهم ولا يؤوهم وحصروهم في الشعب وقد اختار النبي ذلك المكان ليتذكروا ما أصابهم من بلاء، فيشكروا الله على ما أنعم عليهم من الفتح العظيم ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا، ومقابلتهم بالعفو والإحسان، وقد كان الخيف وجاه الشعب.(2/444)
الموقعة مع صحبه وهزموا جاء حماس لاهثا وهو يقول: أغلقي عليّ بابي، فقالت: فأين ما كنت تقول؟! فقال لها:
إنك لو شهدت يوم الخندمه ... إذ فر صفوان وفر عكرمه
وأبو يزيد قائم كالمؤتمه ... واستقبلتهم بالسيوف المسلمه
يقطعن كل ساعد وجمجمه ... ضربا فلا يسمع إلا غمغمه
لهم نهيت خلفنا وهمهمه ... لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه «1»
ولما قيل لرسول الله: هذا خالد بن الوليد يقتل، فقال: «قم يا فلان فأت خالدا فقل له يرفع يديه من القتل» . وكان هذا الفتح المبين في صبيحة العشرين من رمضان سنة ثمان، فلا عجب أن كان المسلمون يحتفلون في هذا اليوم بالذكرى الخالدة: ذكرى الفتح المبين.
إجارة أم هانىء رجلين
وكانت السيدة أم هانىء بنت أبي طالب زوج هبيرة بن أبي وهب المخزومي فرّ إليها يوم الفتح رجلان من أحمائها «2» ، وهما: الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية المخزوميان، فدخل عليها أخوها علي بن أبي طالب يريد قتلهما فمنعته أم هانىء، ثم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أعلى مكة، فلما راها قال: «مرحبا بك وأهلا يا أم هانىء ما جاء بك» ؟ فقالت: يا نبي الله كنت أمنت رجلين من أحمائي فأراد عليّ قتلهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء» «3» . وقد أسلم الحارث وزهير، وأما هبيرة زوجها فلم يسلم وأقام بمكة حتى مات كافرا.
__________
(1) الخندمة: المكان الذي كانت به الموقعة، أبو يزيد: سهيل بن عمرو، المؤتمة: الاسطوانة أو المرأة مات عنها زوجها، الغمغمة: أصوات غير مفهومة، نهيت: صوت الصدر، همهمة: كلام خفي أو صوت يتردد في الصدر عند الحرب والطعن.
(2) أحماء: جمع حم: أقارب زوج المرأة كالأب والأخ والعم.
(3) رواه البخاري ومسلم.(2/445)
إلى الكعبة
ثم قصد رسول الله الكعبة فطاف بها سبعا، يستلم الركن بمحجن في يده، وكان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مشدودة إليها برصاص، فصار يطعنها بعود في يده وهو يقول: جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ فجعلت الأصنام تتهاوى وتسقط إلى غير رجعة، ورجعت الكعبة كما كانت على عهد الخليل إبراهيم رمز التوحيد، وعبادة الله واحده.
في جوف الكعبة
ثم دعا النبي عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد الدار حاجب الكعبة، فأخذ منه المفتاح ففتحت له الكعبة، فدخلها وكبّر في جوانبها وصلّى فيها ركعتين، ورأى على جدرانها صور الملائكة وغيرهم، وصورة إبراهيم وإسماعيل بيدهما الأزلام يستقسمان بها فقال: «قاتلهم الله، لقد علموا ما استقسما بها قط» !! وأمر بالصور فأزيلت، وبالأصنام فأخرجت.
أذان بلال على الكعبة
وبعد أن طهرت الكعبة من الأصنام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالا فأذّن فوقها، مما أهاج غيظ الذين لم يكونوا قد تخلّصوا من عنجهية الجاهلية، حتى لقد قال بعضهم: الحمد لله الذي توفى فلانا قبل أن يرى هذا العبد الأسود على ظهر الكعبة!! ومن يومها ومنذ أربعة عشر قرنا إلى يومنا وإلى ما شاء الله وبلال وخلفاؤه ينادون الناس كل يوم خمس مرات: (ألاإله إلا الله وأن محمّدا رسول الله) وأن الله أكبر من كل كبير، وداعين الناس إلى الفلاح، وإلى خير العمل وهي الصلاة.
اليوم يوم بر ووفاء
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ومفتاح الكعبة بيده، فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أين عثمان بن طلحة» ؟ فدعي له فقال: «هذا مفتاحك يا عثمان،(2/446)
اليوم يوم بر ووفاء» وقال: «خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم» «1» .
ولا يزال مفتاح الكعبة فيهم إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله، ويقال للحجبة: الشيبيون نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وهو ابن عم عثمان هذا لا ولده، وله أيضا صحبة للنبي ورواية، فقد انتقلت من عثمان بن طلحة إلى ابن عمه شيبة وما زالت في نسله إلى اليوم، وفي هذه الحادثة نزل قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ الاية «2» .
خطبة يوم الفتح
ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة، وقد تكاثر الناس في المسجد، وأوجس المشركون خيفة، وكادت تغص حلوقهم بقلوبهم من شدة الخوف، وصارت أبصارهم مشدودة إلى الرسول، ولكن المظلوم المنتصر أبى إلا أن يضرب مثلا نادرا في العفو، فقام خطيبا وكان مما قال:
«لا إله إلا الله واحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب واحده، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية، أو دم، أو مال يدعى، فهو موضوع تحت قدمي هاتين، إلا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحاج فإنهما أمضيتهما لأهلها على ما كانت ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا، ففيه الدية مغلّظة مائة من الإبل: أربعون منها في بطونها أولادها. يا معشر قريش إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالاباء، الناس من ادم، وادم من تراب» ثم تلا هذه الاية:
__________
(1) فتح الباري، ج 8 ص 15.
(2) سورة النساء: الاية 58.(2/447)
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ «1» .
ثم قال: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم» ؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» !!.
العفو عند المقدرة
ألا ما أجمل العفو عند المقدرة، وما أعظم النفوس التي تسمو على الأحقاد وعلى الانتقام، بل تسمو على أن تقابل السيئة بالسيئة، ولكن تعفو وتصفح، والعفو عن من؟ عن قوم طالما عذبوه وأصحابه، وهموا بقتله مرارا، وأخرجوه وأتباعه من ديارهم وأهليهم وأموالهم، ولم ينفكّوا عن محاربته والكيد له بعد الهجرة!!.
إن غاية ما يرجى من نفس بشرية كانت مظلومة فانتصرت أن تقتص من غير إسراف في إراقة الدماء، ولكنه النبي!! والنبوة من خصائصها كبح النفس ومغالبة الهوى، والعفو والتسامح، أليس من صفاته التي بشّرت بها التوراة أنه ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يقابل السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح؟ لقد ضرب النبي صلوات الله وسلامه عليه بعفوه عن أهل مكة للدنيا كلها، وللأجيال المتعاقبة مثلا في البر والرحمة، والعدل والوفاء وسمو النفس لم تعرفه الدنيا، ولن تعرفه في تاريخها الطويل.
ارجع ببصرك قليلا إلى ما فعله الغالبون بالمغلوبين في الحربين العالميتين في قرننا هذا: قرن الحضارة كما يقولون، لتعلم علم اليقين فرق ما بين النبوة وغير النبوة، والإسلام وغير الإسلام.
إسلام أبي قحافة
وبعد الفتح جاء أبو بكر الصديق بأبيه أبي قحافة يقوده وقد كفّ بصره، فلما راه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا اتيه» ؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، فأجلسه بين
__________
(1) سورة الحجرات: الاية 13.(2/448)
يديه، ثم مسح صدره وقال: «أسلم» فأسلم، وهنأ رسول الله أبا بكر بإسلام أبيه، وكان رأس أبي قحافة قد اشتعل شيبا، فقال الرسول: «غيّروا من شعره، ولا تقربوه سوادا» .
إسلام الحارث وعتّاب
وكان الحارث بن هشام، وعتّاب بن أسيد وأبو سفيان بن حرب جلوسا بفناء الكعبة، وبلال يؤذن فوق ظهر الكعبة، فقال عتّاب: لقد أكرم الله أسيدا ألايكون سمع هذا، فسمع منه ما يغيظه، فقال الحارث بن هشام: أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان: لا أقول شيئا، لو تكلمات لأخبرت عني هذه الحصا، فطلع عليهم رسول الله فقال: «قد علمت الذي قلتم» ثم ذكره لهم، فقال الحارث وعتاب: نشهد أنك رسول الله، ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول: أخبرك!!
إسلام فضالة بن عمير
وكانت نفسه قد حدثته أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح، فلما دنا منه قال له الرسول: «أفضالة» ؟ قال نعم فضالة يا رسول الله، قال: «ماذا كنت تحدّث به نفسك» ؟ قال لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك النبي ثم قال: «استغفر الله» ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه.
فكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه. قال فضالة: فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها، فقالت: هلمّ إلى الحديث- تعني حديث الهوى والغرام- فقال: لا، وانبعث يقول:
قالت هلمّ إلى الحديث فقلت: لا ... يأبى عليك الله والإسلام
لو ما رأيت محمدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسّر الأصنام(2/449)
لرأيت دين الله أضحى بيّنا ... والشرك يغشى وجهه الإظلام
نعم إن الإسلام يغير من سلوك من يعتنقه، ويرشده إلى القيم الخلقية الكريمة، ويغيّر من نظراته إلى الحياة حتى يصير منه إنسانا اخر في عقيدته، وسلوكه، وأخلاقه.(2/450)
إهدار النبي بعض الدماء
لقد كان النبي صلوات الله وسلامه عليه حريصا غاية الحرص على أن تبقى لمكة حرمتها، وأن يتم الفتح من غير إراقة دماء، وقد أوصى أمراء الجيوش ألايقاتلوا إلا مكرهين، وتوّج هذا بالعفو عن أهل مكة عفوا شاملا، بيد أنه استثنى بضعة عشر رجلا أمر بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة، لأنهم عظمت جرائمهم في حق الله ورسوله، وحق الإسلام، ولما كان يخشاه منهم من إثارة الفتنة بين الناس بعد الفتح.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وقد جمعت أسماءهم من متفرقات الأخبار، وهم: عبد العزّى بن خطل، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعكرمة بن أبي جهل، والحويرث بن نقيد- مصغّرا- ومقيس بن صبابة، وهبّار بن الأسود، وقينتان كانتا لابن خطل: فرتنى وقريبة، وسارة مولاة بني عبد المطلب، وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحارث بن طلاطل الخزاعي، وذكر الحاكم أن فيمن أهدر دمه كعب بن زهير، ووحشي بن حرب، وهند بنت عتبة «1» .
ومن هؤلاء من قتل، ومنهم من جاء مسلما تائبا فعفا عنه الرسول، وحسن إسلامه، إليك بعضا منهم.
عبد الله بن خطل وقينتاه
كان اسمه عبد العزّى، فلما أسلم سمي: عبد الله، وقد بعثه رسول الله
__________
(1) فتح الباري، ج 7 ص 9.(2/451)
مصدّقا «1» ، وبعث معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولى له فغضب عليه فقتله، ثم ارتد مشركا، وكانت قينتاه تغنيان بهجاء رسول الله والمسلمين، فلهذا أهدر النبي دمه ودم قينتيه، وقد اشترك في قتله أبو برزة الأسلمي، وسعيد بن حريث المخزومي، وقتلت إحدى قينتيه، واستؤمن للاخرى.
عبد الله بن أبي سرح
كان ممن يكتب الوحي لرسول الله، ثم ارتد وزعم أنه كان يزيف الوحي على الرسول، ولما أهدر الرسول دمه ذهب مع أخيه من الرضاع عثمان بن عفان كي يطلب له الأمان، فأعرض عنه الرسول طويلا، ثم قال: «نعم» ، فلما انصرف مع عثمان قال الرسول: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين راني قد صمتّ فيقتله» ؟ فقالوا: يا رسول الله، هلّا أو مأت إلينا، فقال: «إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» وقد حسن إسلامه فيما بعد، وولاه الفاروق عمر بعض أعماله، وكذلك فعل عثمان.
الحويرث بن نقيد
ولما تحمّل العباس بن عبد المطلب بفاطمة وأم كلثوم ليذهب بهما إلى المدينة يلحقهما برسول الله، نخس بهما الحويرث الجمل الذي هما عليه فسقطتا على الأرض، وهي نذلة وعمل عار عن المروءة، وقد قتله سيدنا علي بن أبي طالب.
مقيس بن صبابة
كان قتل أخ له مسلم خطأ، فأخذ ديته ورضي، ثم التمس من القاتل غرة فقتله وارتد مشركا، فقتله رجل من قومه نميلة بن عبد الله.
هبار بن الأسود
كان أبو العاص بن الربيع زوج السيدة زينب بنت الرسول أسر في بدر فأطلقه المسلمون، فأخذ عليه رسول الله أن يرسل إليه ابنته، فوفى بما وعد،
__________
(1) المصدق- بتخفيف الصاد وتشديد الدال- هو الذي يأخذ صدقات النعم، وأما المصدق- بتشديد الصاد- فهو الذي يعطي الناس، ويتصدق عليهم.(2/452)
وأرسل بصحبتها أخاه كنانة بن الربيع «1» ، فلما علمت قريش بخروجها علانية سعوا إليها كي يردوها، فكان أول من أدركها هبّار بن الأسود فروعها بالسيف وهي في هودجها، فسقطت وكانت حاملا فأجهضت، ولم يزل يعاودها المرض بسبب هذا حتى توفاها الله.
فلما أهدر النبي دمه هرب، حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرّانة بعد الفتح لقيه فأسلم، وقال: يا رسول الله هربت منك وأردت اللحاق بالأعاجم، ثم ذكرت عائدتك وصلتك وصفحك عمن جهل عليك، وكنا يا رسول الله أهل شرك فهدانا الله بك، وأنقذنا من الهلكة فاصفح الصفح الجميل فقال العفوّ الكريم: «قد عفوت عنك، وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام، والإسلام يجبّ ما قبله» .
عكرمة بن أبي جهل
لما أهدر النبي دمه هرب قاصدا اليمن، وكانت امرأته أم حكيم بنت الحارث قد أسلمت قبل الفتح، فأخذت له أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحقته وقد همّ بركوب البحر، فقالت: جئتك من عند أبر الناس، وخيرهم، لا تهلك نفسك، وإني قد استأمنته لك. فرجع معها، فلما راه رسول الله وثب قائما فرحا به، وقال: «مرحبا بمن جاءنا مسلما مهاجرا» ، ثم التمس من النبي أن يستغفر له كل عداوة عاداه إياها فاستغفر له، وكان رضي الله عنه بعد ذلك من خيرة المسلمين، وأشدهم غيرة على الإسلام ومن أبطال الفتوحات الإسلامية.
هند بنت عتبة بن ربيعة
زوج أبي سفيان، وهي التي أغرت وحشيا بقتل حمزة، والتي مثلت بقتلى المسلمين في أحد، وكانت اختفت ثم جاءت إلى النبي مسلمة، فعفا عنها
__________
(1) هذا ما ذكره ابن إسحاق، وذكر الحافظ في الإصابة أنه كنانة بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى، فهو ابن عم أبي العاص لا أخوه. وقال ابن عبد البر إنه ابن أخيه (الإصابة، ج 3 ص 307) ، ولعله للاختلاف في نسبه أهو أبو العاص بن الربيع بن ربيعة بن عبد العزى، أم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى كما ذكر الحافظ في الفتح.(2/453)
فقالت: والله يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم أهل خباء أحب إليّ أن يعزوا من أهل خبائك!!.
وأما وحشيّ بن حرب قاتل سيد الشهداء حمزة فقد مضت قصة إسلامه في غزوة أحد، وأما كعب بن زهير فتأتي قصته بعد.(2/454)
خطبة النبي غداة الفتح وإسلام أهل مكة وبيعتهم
وفي غداة الفتح بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن خزاعة حلفاءه عدت على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك برجل قتل في الجاهلية، فغضب وقام بين الناس خطيبا فقال: «يا أيها الناس، إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد- يقطع- فيها شجرا لم تحل لأحد كان قبلي، ولا تحل لأحد يكون بعدي، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا: إن الله قد أحلّها لرسوله ولم يحلها لكم.
يا معشر خزاعة: ارفعوا أيديكم عن القتل فلقد كثر إن نفع، لقد قتلتم قتيلا لأدينّه، فمن قتل بعد مقامي هذا، فأهله بخير النظرين: إن شاؤوا قدّم قاتله، وإن شاؤوا فعقله» «1» .
ثم ودى رسول الله الرجل الذي قتلته خزاعة، فأي احترام لحرمة الدماء حتى ولو كانت غير مسلمة فوق هذا؟ وهل يشك أحد في حرمة البلد الأمين بعد هذه الخطبة البليغة المؤثرة، واستمرارها إلى يوم القيامة؟.
__________
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده من طريق ابن إسحاق صاحب السيرة، ورواه أيضا من غير طريقه، وأصل الحديث في الصحيحين، والعقل: الدية.(2/455)
إسلام قريش رجالا ونساء
لقد كان من أثر عفو النبي الشامل عن أهل مكة، والعفو عن بعض من أهدر دماءهم أن دخل أهل مكة رجالا ونساء وأحرارا وموالي في دين الله، طواعية واختيارا، وبانطواء مكة تحت راية الإسلام دخل الناس في دين الله أفواجا، وتمت النعمة، ووجب الشكر، وصدق الله حيث يقول:
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً.
فالمراد بالفتح في هذه السورة فتح مكة، ولما نزلت قال النبي: «نعيت إليّ نفسي» فقد فهم منها قرب انتهاء أجله «1» ...
__________
(1) كان نزولها في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع كما سيأتي، وإنما ذكرتها هنا استشهادا على انتشار الإسلام بعد الفتح حتى عم الجزيرة، ولبيان أن المراد بالفتح في الاية فتح مكة.(2/456)
بيعة الرجال
وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جميعا الرجال والنساء، والكبار والصغار، وبدأ بمبايعة الرجال، فقد جلس لهم على الصفا، فأخذ عليهم البيعة على الإسلام والسمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا، وجاء مجاشع بن مسعود بأخيه مجالد بعد يوم الفتح فقال يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، فقال عليه الصلاة والسلام: «ذهب أهل الهجرة بما فيها» ، فقال: على أي شيء تبايعه؟ قال: «أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد» «1» .
وقد روي في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله قال يوم الفتح: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» ، والمراد أن الهجرة التي كانت واجبة من مكة قد انتهت بفتح مكة، فقد عز الإسلام، وثبتت أركانه ودعائمه، ودخل الناس فيه أفواجا، أما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، أو من بلد لا يقدر أن يقيم فيه دينه ويظهر شعائره إلى بلد يتمكن فيه من ذلك فهي باقية إلى يوم القيامة، ولكن هذه دون تلك، فقد تكون واجبة؛ وقد تكون غير واجبة؛ كما أن الجهاد والإنفاق في سبيل الله مشروع وباق إلى يوم القيامة ولكنه ليس كالإنفاق ولا الجهاد قبل فتح مكة قال عز شأنه:
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ «2» .
__________
(1) رواه البخاري.
(2) سورة الحديد: الاية 10.(2/457)
بيعة النساء
ولما فرغ رسول الله من بيعة الرجال بايع النساء، وفيهن هند بنت عتبة متنقّبة متنكرة، على ألايشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصين في معروف، ولما قال النبي: ولا يسرقن قالت هند: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بنيّ، فهل علي من حرج إذا أخذت من ماله بغير علمه؟ فقال لها: «خذي من ماله ما يكفيك وبنيك بالمعروف» . ولما قال:
ولا يزنين قالت هند: وهل تزني الحرة؟ ولما عرفها رسول الله قال لها: «وإنك لهند بنت عتبة؟» ، قالت: نعم، فاعف عما سلف عفا الله عنك.
وقد بايعن رسول الله من غير مصافحة، فقد كان لا يصافح النساء ولا يمس يد امرأة إلا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لا والله، ما مسّت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط) ، وفي رواية: ما كان يبايعهن إلا كلاما ويقول: «إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة» «1» .
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 319.(2/458)
أكان فتح مكة عنوة «1» أم صلحا؟
وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وجماهير العلماء، وأهل السير: إن مكة فتحت عنوة.
وقال الشافعي- ورواية عن أحمد- إنها فتحت صلحا.
وقد احتج الجمهور بأدلة منها:
1- حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناداه، فقال أبو هريرة: لبيك يا رسول الله، قال: «اهتف لي بالأنصار» ، فلبوا سراعا، قال: فأطافوا به، ووبّشت قريش أوباشا لها «2» وأتباعا، فقالوا: نقدّم هؤلاء فإن كان لهم شيء- يعني من النصر- كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترون إلى أوباش قريش، وأتباعهم» ، ثم قال «3» بيديه إحداهما على الاخرى «4» ثم قال: «حتى توافوني بالصفا» ، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا، فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله، أبيحت
__________
(1) قال في المصباح المنير: «عنا يعنو عنوة إذا أخذ الشيء قهرا ... وفتحت مكة عنوة أي قهرا» .
(2) أي جمعت جموعا من قبائل شتى لمحاربة جيش المسلمين.
(3) قال: أشار.
(4) يريد الإشارة إلى القتل.(2/459)
خضراء قريش «1» ، لا قريش بعد اليوم!! ثم قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو امن» «2» .
2- وقوع القتال من خالد بن الوليد وجيشه، وهذا أمر ثابت في الصحاح وكتب السير.
3- قوله صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين-: «أحلت لي ساعة من نهار» ، ونهيه عن التأسّي به في ذلك.
4- إذنه صلى الله عليه وسلم أن ينادى في الناس بقوله: «من دخل دار أبي سفيان فهو امن، ومن ألقى سلاحه فهو امن» ، فلو كان دخولهم مكة صلحا لم يحتج إلى هذا.
5- حديث أم هانىء- وهو في الصحيحين- حين أجارت رجلين من أحمائها أراد علي أخوها قتلهما، فأخبرت النبي بذلك، فقال: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء» ، فكيف يكون دخولها صلحا ويخفى على مثل عليّ؟!
واحتج الإمام الشافعي بأمور منها:
1- ما قاله الإمام النووي من أنه احتج بالأحاديث المشهورة من أن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم بمرّ الظهران قبل دخول مكة.
2- لأنها لم تقسم بين الغانمين، ولم يملكوا دورها، بل بقيت على ملك أهليها.
وقد رد الجمهور بما يأتي:
1- أي أحاديث مشهورة رويت في هذا؟! وما ذكره الإمام النووي رحمه الله تعالى- إن أراد به ما وقع من قوله صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان
__________
(1) يعني جماعاتهم، ويعبر عن الجماعة المجتمعة بالسواد، والخضرة، ومنه السواد الأعظم.
(2) صحيح مسلم- كتاب الجهاد والسير- باب غزوة الفتح.(2/460)
فهو امن ... » ، فإن ذلك لا يسمّى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال، والذي ورد في الأحاديث الصحيحة والسير أن قريشا لم يلتزموا ذلك، بل استعدوا للقتال، وجمعوا أوباش القبائل كما في حديث مسلم، وإن كان المراد بالصلح وقوع عقد بين النبي وبينهم فهذا لم ينقل قط.
2- وأما عدم القسمة بين الغانمين، فإنها لا تستلزم عدم العنوة، فقد تفتح البلد عنوة، ويمن الإمام على أهلها، ويترك لهم دورهم، لأن قسمة الأرض المغنومة بين الغانمين ليس متفقا عليها بل الخلاف ثابت بين الصحابة فمن بعدهم، وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم، وذلك في زمن عمر وعثمان، مع وجود أكثر الصحابة، وقد زادت مكة على ذلك بأمر يمكن أن تكون مختصة به دون بقية البلاد، وهي أنها دار النسكين- الحج والعمرة- ومتعبد الخلق، وقد جعلها الله تعالى حرما امنا سواء العاكف فيه والباد.
وجنحت طائفة منهم الإمام الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة، لما وقع بينهم وبين خالد وجيشه من قتال، وإن كانت دارت عليهم الدائرة، وبعضها وقع صلحا. وقد قرر ذلك الإمام الحاكم في «الإكليل» .
والحق أن الراجح والصحيح أن فتحها كان عنوة، وبقوة السلاح، ولو أمكنهم أن يقاتلوا أيضا الجيش الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم لفعلوا، وقد ناوشوا جيش خالد، ولكنهم لم يلبثوا أن هزموا واستسلموا، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم للاعتبارات التي ذكرناها، وتأليفا لقلوب من لم يدخل منهم في الإسلام يوم الفتح عاملهم معاملة من فتحت بلدهم بأمان وصلح «1» ، وبحسبنا هذا القدر في هذا المقام.
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم، ج 12 ص 130، 131؛ فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 8 ص 9، 10.(2/461)
مخاوف الأنصار وتبديدها
لما رأى الأنصار سرور رسول الله بالفتح، وحفاوته بالكعبة والمسجد الحرام، وذهابه إلى الصفا داعيا وشاكرا لله على عظم نعمائه- تخوفوا أن يقيم رسول الله في بلده، ولا يرجع إليهم فيحرموا منه، فقال بعضهم لبعض فيما بينهم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها؟
فأوحى الله إليه بما جرى، فذهب إليهم فأخبرهم بما قالوا فأقروا، فطمأنهم قائلا: «كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم» ، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله ورسوله، فقال رسول الله: «إن الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» .(2/462)
مدة إقامة النبي بمكة
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بضعة عشر يوما، قيل: خمسة عشر يوما، وقيل سبعة عشر يوما، وقيل تسعة عشر وهي أرجح الروايات، لأن أكثر الروايات الصحيحة على هذا «1» ، وكان النبي يقصر الصلاة في هذه المدة ويفطر، لأنه كان على سفر ولم يرد الإقامة، وكان إذا صلّى قال: «يا أهل البلد صلّوا أربعا فإنا سفر» «2» .
وفي هذه المدة أرسل النبي بعض الصحابة للدعوة إلى الإسلام، وهدم الأصنام والأوثان، والأنصاب.
__________
(1) فتح الباري، ج 2 ص 449.
(2) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.(2/463)
بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وهدم بعض الأصنام
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة داعيا إلى الإسلام، ولم يبعثه مقاتلا، فلما راه القوم أخذوا السلاح، فقال لهم خالد: ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا، فقام رجل منهم يسمى: جحدرا فقال: ويلكم يا بني جذيمة إنه خالد؛ والله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا فلم يزالوا به حتى وضع سلاحه.
فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكتفوا، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، وخالد يأخذ فيهم أسرا وقتلا، فأنكر عليه بعض أصحابه ذلك، ثم دفع الأسرى إلى من كان معه، حتى إذا أصبح يوما أمر خالد أن يقتل كل واحد أسيره، فامتثل البعض، وامتنع عبد الله بن عمر وامتنع معه اخرون من قتل أسراهم، فلما قدموا على رسول الله أخبروه، فغضب ورفع يديه إلى السماء قائلا: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» مرتين.
وقد أنكر على خالد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف، وقال له:
عملت بأمر الجاهلية في الإسلام، وكانت بينهما ملاحاة قال له فيها عبد الرحمن:
إنك ثأرت لعمك الفاكه بن المغيرة، وكان بعض بني جذيمة قتلوه في الجاهلية «1» وكذلك أنكر على خالد بعض كتاب السير والتاريخ، ورموه بما رماه به ابن عوف.
__________
(1) السيرة لابن هشام، ج 2 ص 431.(2/464)
والظن بمثل خالد أنه إنما أراد نصرة الإسلام، وأنه اجتهد في أمر وتأوّل فأخطأ، ففهم من كلامهم صبأنا أنهم يتبرأون من الإسلام، لا أنهم يريدون الإسلام. ولعل هذا هو السبب في أن النبي صلى الله عليه وسلم عذره ولم يعزله، وإن كان تبرأ من فعله إلى الله، وما كان رسول الله يداهن، أو يخاف في الحق لومة لائم.
وبعض من يعذر خالدا وينتصر له يزعم أنّ خالدا قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السّهمي، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام، وليس من شك في أن لخالد من المواقف المشهودة، والتضحية بالنفس، ما يغفر له مثل هذه الهنات، والله يغفر لهم جميعا.
تعويض النبي بني جذيمة عن الدماء والأموال
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له: «يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم. واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك» .
فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله معه، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من مال حتى ميلغة الكلب «1» ، وبقيت معه بقية من المال فقال لهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يؤدّ لكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيتكم هذه البقية احتياطا لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون، ثم رجع إلى رسول الله فأخبره بما صنع فقال له: «أصبت، أحسنت» .
وبهذا التصرف النبوي الحكيم واسى النبي بني جذيمة، وأزال ما في نفوسهم من أسى وحزن.
هدم العزّى
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا لهدم العزّى، وهي هيكل بنخلة تعظمه قريش وكنانة ومضر؛ وكان ذلك لخمس بقين من رمضان، فذهب إليها وهدمها وهو يقول:
يا عزّ كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
__________
(1) الميلغة: إناء من خشب كان يعد لشرب الكلب.(2/465)
هدم سواع
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص لهدم سواع، وهو أعظم صنم لهذيل على ثلاثة أميال من مكة، فذهب إليه وهدمه.
هدم مناة
وبعث سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا لهدم مناة، وهي صنم لكلب وخزاعة، وهيكلها بالمشلل، وهو جبل على ساحل البحر يهبط منه إلى قديد، فتوجهوا إليها وهدموها.
وبهذا الفتح المبين وسقوط دولة الأصنام والهياكل أصبح توحيد الله على كل لسان، وأضحت الكعبة منارة التوحيد في الأرض، وعادت كما كانت على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.(2/466)
غزوة حنين «1»
لما فتح الله مكة على رسوله والمؤمنين، ودانت له قريش فزعت هوازن وثقيف وقالوا: قد فرغ محمد لقتالنا، فلنغزه قبل أن يغزونا، وأجمعوا أمرهم على هذا، وولّوا عليهم مالك بن عوف النّصري، فاجتمع إليه هوازن، وثقيف، ونصر، وجشم، وسعد بن بكر قوم السيدة حليمة السعدية، وناس من بني هلال، ولم يحضرها من هوازن كعب وكلاب، وكان معهم دريد بن الصّمّة، وكان معروفا بشدة البأس في الحرب وأصالة الرأي، إلا أنه كان كبيرا فلم يكن له إلا الرأي والمشورة.
وكان رأي مالك بن عوف أن يخرجوا ووراءهم النساء والذراري والأموال حتى لا يفروا، فلما علم بذلك دريد سأله: لم ذلك؟ فقال: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم، فقال دريد: راعي ضأن والله، وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك!! ولكنه لم يستمع لمشورته.
خروج رسول الله
فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أجمعوا عليه خرج إليهم لخمس خلون من شوال من هذا العام وقيل لست، ليغزوهم قبل أن يغزوه في اثني ألفا، منهم العشرة الالاف الذين كانوا في فتح مكة، وألفان من الأعراب والطلقاء، والمؤلفة قلوبهم والنساء يرجون الغنائم، وخرج في الجيش ثمانون من المشركين، منهم:
__________
(1) حنين مصغرا واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات.(2/467)
صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، واستخلف النبي على مكة عتّاب بن أسيد «1» الأموي العبشمي، وكان عمره عشرين عاما.
استعارة دروع صفوان
وكان ذكر لرسول الله أن عند صفوان بن أمية دروعا وسلاحا، فلما عزم الأمر أرسل إليه وهو يومئذ مشرك، فقال: «يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلق به عدونا غدا» ، فقال: أغصبا يا محمد؟ فقال: «بل عارية مضمونة» ، فأعاره مائة درع بما يكفيها من السلاح، وسأله رسول الله أن يكفيهم حملها ففعل، فلما تمت الموقعة جمعت دروع صفوان فوجدوا أن بعضها فقد، فعرض عليه رسول الله أن يضمنها له، فأبى وقال: أنا اليوم في الإسلام أرغب.
مسيرة الجيش
وسار رسول الله حتى كان قريبا من معسكر العدو صف الغزاة، وعقد الألوية، فأعطى لواء المهاجرين لعلي بن أبي طالب، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن حضير، وكذلك فعل مع القبائل الاخرى.
وركب النبي بغلته ولبس درعين والبيضة والمغفر، واغتر بعض المسلمين بهذه الكثرة الكاثرة حتى قال: لن نهزم اليوم من قلة.
وفي الطريق إلى حنين مرّوا بذات أنواط «2» فقال بعض حديثي العهد بالإيمان: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر!! قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى:
اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ، قالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. إنها السنن، لتركبنّ سنن من كان قبلكم» .
__________
(1) قال في المصباح المنير: «وأسد أسيد مثل كريم أي متأسد جريء وبه سمي، ومنه: عتاب بن أسيد» ، وعتاب بتشديد التاء صيغة مبالغة ثم سمي به، وعبشمي: نسبة إلى عبد شمس.
(2) شجرة عظيمة كانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب، يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما.(2/468)
التقاء الجيشين
وكان مالك بن عوف قد سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، فأعدوا أنفسهم، وكمنوا في مضايق الوادي وأحنائه، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى نزلوا بالوادي في عماية الصبح، وإنهم لكذلك إذ شدت عليهم قبائل هوازن وثقيف شدة رجل واحد، وخرج من كان مستترا في شعاب الوادي ومضايقه، وأمطروهم بالسهام، فاختلط أمر المسلمين وأذهلتهم المفاجأة، فلووا أعنة خيلهم وأزمة إبلهم متقهقرين لا يلوون على أحد حتى وصلت فلول المنهزمين إلى مكة.
ثبات الرسول
ورأى رسول الله الجيش على كثرته قد اختل نظامه، واضطرب أمره، وولّى الكثيرون الأدبار، فماذا يصنع؟ إنه ليعلم أنه رسول الله وأنه ناصره، وأنه البطل الذي لم يعرف عنه الفرار قط، فعزم على الثبات ولو أن يكون واحده، وثبت رسول الله، وصار يركض بغلته البيضاء ركضا في نحر العدو «1» ، والعباس عم الرسول اخذ بلجامها يكفها به إرادة ألاتسرع وأبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول اخذ بركابه ينافح عنه، ورسول الله ينادي: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب» «2» وكان من دعائه في هذا اليوم: «اللهم أنزل نصرك، اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض بعد اليوم» .
__________
(1) قال الحافظ في الفتح: ومما ينبه عليه هنا أن البغلة البيضاء التي كان عليها في حنين غير البغلة البيضاء التي أهداها له ملك «أيلة» ، لأن ذلك كان في تبوك، وغزوة حنين كانت قبلها. وقد وقع في مسلم من حديث العباس أن البغلة التي كانت تحته في حنين أهداها له فروة بن نفاثة- بضم النون بعدها فاء خفيفة ثم مثلاثة- وهذا هو الصحيح. وذكر أبو الحسين بن عيدوس أن البغلة التي ركبها يوم حنين «دلدل» وكانت شهباء أهداها له المقوقس. وأن التي أهداها له «فروة» يقال لها «فضة» ذكر ذلك ابن سعد، وذكر عكسه. والصحيح ما في مسلم (فتح الباري، ج 6 ص 57) وفروة كان عاملا للروم على بلاد «معان» وما جاورها من بلاد الشام.
(2) انتسب إلى جده لأنه كان أشهر وأذكر عند العرب. أما أبوه فقد مات وهو شاب.(2/469)
من ثبت مع الرسول
وثبت مع رسول الله عدا هذين رهط من المهاجرين، وال البيت، منهم:
أبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، والفضل وقثم ولدا العباس، وأسامة بن زيد، وأيمن ابن أم أيمن. ولكن ماذا تفعل هذه القلة في هذا البحر اللجي من جيش الأعداء؟ فتفتق عقل النبي عن هذا الأمر الحكيم، فقد أمر عمه العباس- وكان رجلا جسيما صيّتا- أن ينادي: يا معشر الأنصار، يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة. فنادى بها.
استجابة المسلمين
وحركت هذه الكلمات ذات الذكريات مكامن الإيمان والشجاعة في النفوس، وأزالت ما غشي النفوس من هلع وفزع، فثاب الفارون إلى رشدهم، وأجابوه: لبيك، لبيك، وجعل الرجل منهم إذا لم يستطع أن يلوي عنق بعيره ينزل عنه، ويأخذ سيفه ورمحه ويؤم الصوت، حتى تجمع حول الرسول عدد كبير.
الان حمي الوطيس
واشتد القتال، وأشرف رسول الله على المعركة فقال: «الان حمي الوطيس» «1» ، وأمد الله المؤمنين بجند من عنده، واشتدت مطاردة المسلمين للفلول المنهزمة من هوازن وثقيف، وما هي إلا ساعة حتى انهزم المشركون، وجيء بالأسارى وهم مكتفون، وأفاء الله على رسوله والمؤمنين أموالهم وأبناءهم ونساءهم، وقتل من المشركين عدد غير قليل منهم دريد بن الصمة.
وممن قاتل في هذا اليوم قتال الأبطال السادة علي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد، فقد جرح جراحات بالغة، وأبو قتادة حتى سمّاه الصديق أسدا من أسد الله. وهكذا بفضل ثبات النبي كان النصر بعد الهزيمة، ولولا ثبات الرسول لما تجمع الأبطال حول سيدهم، ولما ثاب المسلمون إلى نبيهم، وقد
__________
(1) أي اشتدت رحى الحرب وهي من الكلم التي لم يسبق النبي إليها.(2/470)
كان لهذا النصر أثره في نفوس كثير ممن بقي من أهل مكة على شركهم، فأسلموا لما عاينوا نصر الله لنبيه، وإعزازه لدينه، وفي غزوة حنين أنزل الله سبحانه قوله:
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ. ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» .
تشفّي بعض الأعراب وضعفاء الإيمان
ولما انهزم المسلمون تكلم بعض جفاة الأعراب، ومن كانوا حديثي عهد بالإسلام بكلام ينم عن التشفي والشماتة، فقال كلدة بن الحنبل- وهو أخ لصفوان بن أمية لأمه-: ألا بطل السحر اليوم!! فقال له صفوان- وكان لا يزال مشركا في المدة التي جعل له فيها الرسول الخيار-: اسكت، فضّ الله فاك، فو الله لأن يربّني- يملكني- رجل من قريش أحب إلي من أن يربّني رجل من هوازن!!
ومر رجل قرشي بصفوان بن أمية فقال له: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه فو الله لا يجبرونها أبدا، فزجره أمية وقال: تبشرني بظهور الأعراب؟! وقال عكرمة بن أبي جهل لهذا الرجل: الأمر ليس بيدك، الأمر بيد الله ليس إلى محمد منه شيء، إن أديل عليه اليوم فإن العاقبة له غدا!! فقال سهيل بن عمرو: والله إن عهدك بخلافه لحديث، فقال عكرمة: يا أبا يزيد إنا كنا على غير شيء، وعقولنا ذاهبة نعبد حجرا لا يضر ولا ينفع!! وقال أبو سفيان بن حرب:
لا تنتهي هزيمتهم دون البحر. وقد أكذب الله كل هذه الأماني، وكانت العاقبة للرسول والمؤمنين.
__________
(1) سورة التوبة: الايات 25- 27.(2/471)
موقف إنساني للرسول
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة مقتولة قتلها خالد بن الوليد، والناس واقفون عليها ينظرون ويتعجبون من خلقها، حتى لحقهم رسول الله على راحلته، فانفرجوا عنها، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل» ، وقال لأحدهم: «الحق خالدا فقل له: لا يقتلن وليدا ولا امرأة ولا عسيفا» أي أجيرا.
حنين درس في التربية النفسية
وقد كانت حنين درسا أفاد منه المسلمون، فقد كان في الجيش أخلاط كثيرون من المشركين والأعراب، والمؤلّفة قلوبهم، وهؤلاء لا يقاتلون عن عقيدة وإخلاص، وإنما يقاتلون لمغنم أو عصبية. كما كانت درسا في التربية النفسية علم المسلمين أن النصر ليس بكثرة العدد والعدة، وأن الاغترار بذلك ليس من أخلاق الإسلام، فها هم لما اغتروا بكثرتهم كانت الهزيمة، وذلك ليكون المسلمون على صلة قوية بالله، فلا يلهيهم العدد والعدة عن تذكر الله، والتوكل عليه، فليتوكلوا على الله، ثم ليأخذوا ما استطاعوا في إعداد العدة للأعداء حسبما أمر الله به في قوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ... ، وقد أشار الله إلى هذا المعنى بقوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ «1» ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «2» .
غنائم حنين
وأمر رسول الله بجمع السبي من النساء والذراري والغنائم من الإبل والغنم والمال، وكانت نحو أربعة وعشرين ألف بعير، وأكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة الاف أوقية من الفضة، وأمر أن تساق إلى الجعرّانة فتحبس هناك ريثما تقسم، وجعل على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري.
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 126.
(2) سورة الأنفال: الاية 10.(2/472)
من استشهد من المسلمين
وممن استشهد في حنين أيمن بن عبيد ابن أم أيمن مولاة رسول الله وحاضنته، وزيد بن زمعة بن الأسود جمح به فرسه فمات، وسراقة بن الحباب الأنصاري.
سرية أوطاس
لما انهزمت هوازن وثقيف ذهبت فرقة منهم فيها رئيسهم مالك بن عوف فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها، وسارت فرقة أخرى فعسكروا بمكان يسمى (أوطاس) «1» ، وتوجهت فرقة ثالثة نحو نخلة «2» ، وهم بنو غيرة من ثقيف، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثار من توجه قبل أوطاس سرية وأمّر عليهم أبا عامر الأشعري، فلما التقوا تناوشوا القتال، وقد أبلى أبو عامر بلاء حسنا حتى قيل:
إنه قتل تسعة منهم، ثم رماه أحدهم بسهم فأثبته في ركبته فعجز عن القتال، فاستخلف على السرية ابن أخيه: «3» أبا موسى الأشعري، فقتل قاتل عمه.
ولم يلبث أبو عامر أن مات من جرحه بعد أن أوصى أبا موسى أن يقرىء رسول الله منه السلام، وأن يستغفر له، وقاتل أبو موسى القوم حتى هزمهم، فلما رجع بعد الموقعة أخبر الرسول بخبر عمه فدعا له ولأبي موسى رضي الله عنهما.
سبايا أوطاس
وفي يوم أوطاس أصاب المسلمون سبايا لهن أزواج من أهل الشرك، فتأثّم أناس من أصحاب رسول الله من غشيانهن وكفوا، فأنزل الله هذه الاية:
__________
(1) أوطاس: واد في ديار هوازن.
(2) مكان بين مكة والطائف.
(3) وهم ابن إسحاق فقال إنه ابن عمه، والذي في صحيح البخاري أن أبا عامر عم أبي موسى، وهو الصحيح(2/473)
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ «1» .
فاستحلوا فروجهنّ «2» .
وقد استدلّ جماعة من السلف على إباحة الأمة المشركة بهذه الاية، وخالفهم الجمهور فقالوا: هذه قصة عين فلعلهن أسلمن أو كنّ كتابيات.
__________
(1) سورة النساء: الاية 24.
(2) رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي.(2/474)
غزوة الطّائف «1»
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيؤ للمسير إلى الطائف حيث ذهب إليها مالك بن عوف رئيس المشركين في حنين في فلول من الجيش المنهزم، وكانت الطائف مدينة محصنة لها أبواب تغلق عليها كأكثر مدن العرب في ذلك العهد، وكان أهلها ذوي دراية بحرب الحصار، وذوي ثروة طائلة جعلت حصونهم من أمنع الحصون.
فسار إليهم رسول الله في جيش كثيف في شوال سنة ثمان حتى نزل قريبا من حصونها، فضرب به عسكره، فصار أهل الطائف يرمون بالنبل من فوق حصونهم، فأصابوا عددا من المسلمين، فتأخر إلى الموضع الذي يوجد فيه مسجد الطائف الذي بنته ثقيف لما أسلمت بعد، وكان مع رسول الله من نسائه أم سلمة وزينب بنت جحش، فضرب لهما قبتين، فكان يصلي بينهما بأصحابه، ومكث المسلمون حول الحصون بضعا وعشرين ليلة، وقيل سبع عشرة ليلة يترامون هم وأهل الطائف بالنبال والسهام.
إسلام بعض العبيد
وأمر رسول الله من يؤذن في ثقيف: أن من خرج إلينا من العبيد فهو حر، فخرج إليهم جماعة بعد أن تسوروا الحصن، منهم أبو بكرة «2» نفيع بن مسروح الحبشي، وكان عبدا للحارث بن كلدة فتبناه، فمن ثمّ ذكر في نسبه أنه نفيع بن
__________
(1) الطائف بلد كثير الأعناب والنخيل على ثلاث مراحل من مكة.
(2) كان عبدا لال يسار بن مالك من ثقيف، وقال الواقدي: كان مولى يسار نفسه.(2/475)
الحارث. والمنبعث، ويحنس، ووردان في رهط من رقيقهم يبلغ ثلاثة وعشرين رجلا، فأسلموا فأعتقهم رسول الله، ودفع كل واحد منهم إلى رجل من المسلمين يعوله ويحمله. فلما قدم أهل الطائف بعد مسلمين قالوا يا رسول الله:
ردّ علينا رقيقنا فقال: «لا، أولئك عتقاء الله» «1» .
الرمي بالمنجنيق واستعمال الدبابات
ثم أمر رسول الله برميهم بالمنجنيقات «2» وذكر ابن هشام أن رسول الله أول من رمى به، وكان أول استعمالهم له في حصار الطائف، ويقال إن سلمان الفارسي هو الذي أشار به وعمله بيده، ورأى المسلمون أن يستعملوا الدبابات «3» ليتوصلوا بها إلى نقب الحصن وتقويض أساسه، فيسهل عليهم الدخول والتلاقي مع الأعداء وجها لوجه، فدخل نفر من الصحابة تحت دبابة ثم زحفوا إلى جدار الحصن لينقبوه.
ولكن أهل الطائف كانوا من المهارة والدربة في الحرب ما أكره المسلمين على الفرار من تحتها، وعدم الاستفادة منها، ذلك أنهم أحموا قطعا من الحديد بالنار، حتى إذا انصهرت ألقوها على الدبابات فأحرقتها، ففرّ الجنود المسلمون من تحتها خيفة أن يحترقوا، فرمتهم ثقيف بالنبال فقتلت بعضهم، وهكذا لم تفد هذه المحاولة الجادة المبتكرة في نقب الحصون والدخول منها، وهذا يدل على لون من ألوان إعداد العدة للأعداء، وعلى مبلغ تقبل النبي والصحابة واستعمالهم لكل سلاح مستطاع في الحروب.
تقطيع الأعناب والزروع
وكانت الطائف مشهورة بزروعها وكرومها وكانت تمثل ثروة عظيمة لأهلها، فأمر رسول الله أصحابه بتقطيعها عسى أن يكون هذا حاملا لهم على
__________
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 348.
(2) المنجنيق الة يرمى بها الحجارة كانت تقوم مقام المدفع اليوم.
(3) الدبابة مشدّدة: الة تتخذ للحروب، فتدفع في أصل الحصن فينقبونه وهم في جوفها (قاموس) وقد كانت حينذاك تكسى بالجلود الغليظة، فلذلك أحرقتها كرات النار.(2/476)
الاستسلام، وشرع المسلمون يقطعون الكروم ويحرقونها، فلما رأى المشركون أن المسلمين جادون أرسلوا إلى الرسول مع أبي سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة أنه إن شاء فليأخذه لنفسه، أو ليدعه لله وللرحم، وكان رسول الله عطوفا رحيما فتركه لهم.
مشورة نوفل بن معاوية الدئلي
ولما طال حصار الطائف استشار رسول الله نوفل بن معاوية الدئلي فقال:
«ما رأيك في المقام عليهم» ؟ فقال: يا رسول الله، ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك.
وكان رسول الله قد رأى رؤيا قصّها على صاحبه أبي بكر قال: «إني رأيت كأني أهديت لي قعبة مملوءة زبدا، فنقرها ديك فهراق ما فيها» ، فقال الصدّيق ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد، فقال رسول الله: «وأنا لا أرى ذلك» . ولما نما إلى الفاروق عمر ما قاله رسول الله أنه لم يؤذن له في اقتحام ثقيف جاء إلى الرسول فقال: أو ما أذن فيهم؟ قال: «لا» ، فقال: أفلا أؤذّن بالرحيل؟ قال:
«بلى» ، فأذن بالرحيل.
وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن يفتح الطائف، ولو أن رسول الله أقام على حصارهم لاشتدّ بهم الجهد، ولاضطروا بعد القتال إلى الاستسلام، ولكن الحكمة الإلهية اقتضت أن يؤخر الفتح عامئذ، لئلا يستأصلوا قتلا وأسرا، وقد كان رسول الله- كما هو دأبه- حريصا على عدم الإسراف في القتل وإراقة الدماء، كما كان حريصا على هدايتهم، ولما قيل له وهم قافلون من الطائف:
يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف، فادع الله عليهم، قال: «اللهم اهد ثقيفا واكفنا مؤنتهم» .
ولو أننا رجعنا القهقرى إلى ما قبل الهجرة، وقد خرج إليهم داعيا إلى الله، وأن يؤوه حتى يبلغ رسالة ربه لرأينا أنهم ردوا عليه وكذبوه، وأغروا به الصبيان والسفهاء حتى رموه بالحجارة فأدموا عقبيه، فرجع مغموما لم يستفق إلا عند قرن الثعالب، فناداه جبريل فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك(2/477)
وما ردوا عليك، وقد بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداه هذا الملك وقال له: أنا رسول ربك، بعثني إليك لتأمرني فيهم بما شئت: إن شئت أطبق عليهم الأخشبين؟ - جبلين- فقال الرؤوف، الرحيم: «أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا» «1» ، وكذلك استأنى بهم رسول الله بعد هذه القصة بنحو عشر سنين، وفك حصارهم، واستجاب الله دعاءه، فقدموا من العام المقبل في رمضان مسلمين.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.(2/478)
وفد هوازن واسترداد السبايا
وعاد رسول الله من حصار الطائف إلى الجعرّانة «1» حيث وجد الغنائم والسبايا ليقسمها، فوافاه بها وفد هوازن وقد جاؤوا مسلمين، فقالوا:
يا رسول الله إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا منّ الله عليك، وقام إليه خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر من السبايا خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك، ثم أنشده بعض الشعر.
وكان رسول الله أعرف الناس بالجميل، وأرحم الناس بكليم القلب، وكسير الجناح، فقال لهم: «نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟، وقد كنت استأنيت بكم» «2» ، فقالوا: يا رسول الله خيّرتنا بين أحسابنا وأموالنا، بل أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا، فقال رسول الله: «أمّا ما كان لي ولبني عبد المطّلب فهو لكم، وإذا أنا صلّيت بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا، فإني سأعطيكم عند ذلك وأسأل لكم» .
فلما صلّى رسول الله الظهر بالناس قاموا فقالوا مثل ما قال لهم، فقام النبي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: «أما بعد، فإن إخوانكم هؤلاء
__________
(1) بكسر الجيم والعين وتشديد الراء، وقد تسكن العين وتخفف الراء: موضع بين الطائف ومكة وهو إليها أقرب.
(2) كان رسول الله انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، وأخر قسمة السبي عسى أن يحضروا مسلمين فيشفع لهم إسلامهم.(2/479)
قد جاؤوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول مال يفيء الله به علينا فليفعل» ، ثم قال: «ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم» ، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأنصار مثل ذلك، وتمنّع أناس منهم الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، والعباس بن مرداس، وما زال بهم رسول الله حتى أرضاهم.
وبذلك ردّت إلى هوازن نساؤها وذراريها بفضل النبي وبره ورحمته، وحسن كياسته وسياسته، فهو صلى الله عليه وسلم يعلم أن العربي يضحّي بكل مال، ولا يضحّي بامرأته، وذريته، ويموت راضيا في سبيل صيانة عرضه.
وأكمل رسول الله بره وصلته، فسأل وفد هوازن عن رئيسهم مالك بن عوف، فقالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال: «أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل» ، فلما بلغ ذلك مالكا انسل من ثقيف خفية، وركب فرسه حتى أتى رسول الله بالجعرانة، أو بمكة، فأسلم فردّ عليه رسول الله أهله وماله وأعطاه المائة، مما جعل لسانه ينطلق بمدح النبي، واستعمله النبي على من أسلم من قومه، وقد أسرت هذه المعاملة الكريمة مالكا، فكان يقاتل بمن أسلم من قومه ثقيفا، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيّق عليهم.
الشيماء بنت الحارث
وكان في السبايا الشيماء بنت الحارث بن عبد العزّى أخت رسول الله من الرضاع، وكان بعض المسلمين قد عنف عليها، فقالت: والله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدّقوها حتى أتوا بها رسول الله، فتعرّف عليها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، وقال لها: «إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت؟» فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها وأعطاها وردها إلى قومها ويقال: إنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوجتهما، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية.(2/480)
قسمة الغنائم
لما ردّ رسول الله السبايا على هوازن وأعطى بعضهم ما أعطى من الإبل، تخوف بعض الناس ولا سيما الأعراب أن يرد إليهم أموالهم أيضا، فألحوا على الرسول في قسمة الغنائم حتى ألجأوه إلى شجرة هناك، وخطفوا رداءه، فقال:
«ردوا علي ردائي أيها الناس، فو الذي نفسي بيده لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته فيكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا» ، ثم أخذ وبرة من سنام بعير ثم رفعها بين إصبعيه وقال: «أيها الناس، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخياط والمخيط، فإن الغلول «1» عار وشنار على أهله يوم القيامة» . فجعل كل من أخذ شيئا من الغنيمة يرده ولو كان زهيدا. «2»
ثم خمّس رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة فأخذ الخمس لنفسه، وأعطى منه أناسا أسلموا يتألفهم بذلك، وأناسا لم يسلموا ليحببهم في الإسلام، فأعطى مائة من الإبل لكل من أبي سفيان، وابنيه: معاوية ويزيد، والحارث بن هشام، وحكيم بن حزام، وكان كلما أعطاه الرسول مائة استزاده حتى قال له:
«يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى» «3» . وقد أثرت هذه الموعظة في نفس حكيم، فأخذ
__________
(1) في القاموس: «والخياط- ككتاب ومنبر-: ما خيط به الثوب والإبرة» ، والغلول: الخيانة في الغنيمة، يعني أدوا الخيط والإبرة.
(2) رواه البخاري.
(3) رواه البخاري.(2/481)
المائة وترك ما عداها، ثم قال: والذي بعثك بالحق لا أرزأ «1» أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يعرضان عليه العطاء فلا يأخذه.
وأعطى عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس مائة، وسهيل بن عمرو، والحارث بن كلدة وغيرهم، وأعطى غير هؤلاء دون المائة كالعباس بن مرداس، فأنشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبيد «2» ... بين عيينة والأقرع
فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرىء منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع
فقال النبي: «اقطعوا عني لسانه» فأكملوا له المائة.
وأعطى صفوان بن أمية- وكان لا يزال مشركا- عطاء كثيرا حتى قال:
ما طابت بهذا نفس أحد، وكان يقول ما زال رسول الله يعطيني من غنائم حنين وهو أبغض الخلق إلي، حتى ما خلق الله شيئا أحب إليّ منه، وكان من البواعث على إسلامه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن بعض النفوس عبيد الإحسان فتألّفهم بذلك، وهو ضرب من ضروب السياسة الشرعية الحكيمة، ولهذا جعل الشارع الحكيم للمؤلفة قلوبهم سهما في الزكاة، ونعمّا فعل الرسول، فإن كثيرين ممن لم يسلموا قد أسلموا، وكثيرين ممن أسلموا ولم تشرب قلوبهم حب الإيمان قد صاروا بعد من أجلّاء المسلمين، وأعظمهم نفعا للإسلام.
ثم قسم رسول الله الغنائم بين سائر المجاهدين فأصاب الراجل أربعة من الإبل وأربعون شاة، وأصاب الفارس ثلاثة أمثال ذلك.
__________
(1) لا أرزأ: لا أنقص، يعني لن اخذ من أحد شيئا.
(2) النهب: النصيب، والعبيد بضم العين على صيغة المصغر: فرسه.(2/482)
اعتراض بعض المنافقين
ولما قسم النبي غنائم حنين وأعطى للمؤلفة قلوبهم ما أعطى جاء رجل من المنافقين يقال له: (ذو الخويصرة) من بني تميم فقال: يا رسول الله اعدل، فقال الرسول: «ويلك، ومن يعدل إن لم أعدل؟ لقد خبت وخسرت إذا لم أعدل» ، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، دعه فإنّ له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القران لا يجاوز تراقيهم، ويمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» !!.
وقال معتّب بن قشير- وكان منافقا-: ما أريد بهذه القسمة وجه الله، فلما أخبر بذلك رسول الله قال: «رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر» ولم يكن رسول الله يفعل هذا لهوى نفسه، فحاشاه من ذلك، وإنما الأمر كما قال: «إني أعطي قوما أخاف هلعهم وجزعهم، وأكل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى» .
معتبة الأنصار
لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا والمؤلفة قلوبهم وغيرهم من سائر العرب ولم يعط الأنصار، وجد بعض الأحداث منهم في نفسه وقالوا: يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم؟!، فلما نميت المقالة إلى رسول الله أرسل إليهم وجمعهم في قبة واحدهم، فلما اجتمعوا قام خطيبا فيهم فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
«ما حديث بلغني عنكم» ؟ فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله ...
ثم قال: «يا معشر الأنصار، ألم اتكم ضلّالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله؟
وأعداء فألف الله بين قلوبكم» ؟ قالوا: بلى، ثم قال: «ألا تجيبون يا معشر الأنصار» ؟ قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وبماذا نجيبك؟ المنّ لله ولرسوله، فقال(2/483)
النبي: «والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم: جئتنا طريدا فاويناك، وعائلا فاسيناك، وخائفا فأمناك، ومخذولا فنصرناك» فقالوا: المنّ لله ولرسوله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لعاعة- شيء يسير- من الدنيا تألّفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام؟! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» «1» .
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ربا وبرسوله قسما، ثم انصرفوا.
فهل سمعت في باب الاسترضاء أروع من هذه الخطبة البليغة الجامعة بين الحق والصراحة، والرقة والاستعطاف؟ وهل سمعت في تهدئة النفوس العاتية أو الثائرة مثل هذه الكلمات الرقاق التي تضرب على أوتار القلوب، وتهز المشاعر، وتستولي على الوجدان؟ ومن أعجب العجب أنك لا تجد فيها كلمة مداهنة أو مخادعة، أو كلمة مزوّقة دعت إليها المجاملة، أو عدة بالوعود الكاذبة، والأماني البراقة، كما يفعل دهاقين السياسة، وقواد الحروب، وزعماء الإصلاح ولا سيما في العصر الحديث، ولكنها النبوة التي تسمو عن كل هذا، وتأبى إلا الإذعان للحق والإقرار بالفضل لذويه.
عمرة الجعرانة
واعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد قسمة الغنائم من الجعرانة في أواخر ذي القعدة هذا العام، ودخل مكة بليل، فطاف وسعى ثم تحلل من عمرته، ثم
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة الطائف، وصحيح مسلم- كتاب الزكاة- باب إعطاء المؤلفة قلوبهم.(2/484)
عاد هو وأصحابه من المهاجرين والأنصار إلى المدينة وقد دانت لهم مكة وما جاورها ومنّ الله عليهم بهذا النصر العظيم.
عتاب بن أسيد
وقد استعمل على مكة عتّاب بن أسيد «1» وكان عمره نيّفا وعشرين سنة، وأخلف معه معاذ بن جبل ليفقه الناس في دينهم، ويعلمهم القران. ولما ولاه رسول الله مكة جعل رزقه كل يوم درهما، فقام فخطب الناس فقال: أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم، فقد رزقني رسول الله كل يوم درهما، فليست لي حاجة إلى أحد. وهذا غاية القناعة، وكان متعففا عن أموال المسلمين، روي عنه أنه قال: ما أصبت في عملي هذا الذي ولّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معقّدين «2» كسوتهما مولاي كيسان، وقد بقي واليا على مكة مدّة الصدّيق، ثم في خلافة عمر إلى سنة اثنتين وعشرين فتوفاه الله «3» .
الحج هذا العام
وحج الناس في هذا العام على ما كانت العرب تحج وكان أمير الحج في هذا العام عتاب بن أسيد.
__________
(1) عتاب- بتشديد التاء- ابن أسيد- بفتح أوله وكسر السين- ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس الأموي أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، وأمه زينب بنت عمرو بن أمية، وقد أسلم يوم الفتح كما ذكرنا. وقد استعمله النبي على مكة بعد أن رجع من الطائف، وقيل لما سار إلى حنين واستمر واليا عليها حتى مات.
(2) الثوب المعقد: نوع من ثياب هجر.
(3) الإصابة ج 2 ص 451.(2/485)
إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى
كان كعب ممن أهدر النبي دماءهم لكثرة هجائه لرسول الله والمسلمين، فلما اب النبي إلى المدينة بعد غزوة الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب أن رسول الله لا يقتل من جاء تائبا مؤمنا، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل.
وبعد مطارحة شعرية بينهما خرج كعب قاصدا المدينة، فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة من جهينة، فغدا به إلى رسول الله في صلاة الصبح، فلما فرغ من صلاته قال له صاحبه: هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه، فقام كعب إلى رسول الله فجلس إليه، ووضع يده في يده- وكان رسول الله لا يعرفه- فقال: يا رسول الله إنّ كعب بن زهير قد جاء يستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن جئتك به؟ قال: «نعم» ، فقال: إذا أنا يا رسول الله كعب، فوثب إليه رجل من الأنصار مستأذنا رسول الله أن يضرب عنقه، فقال له: «دعه عنك فإنه جاء تائبا مسلما» ، فمن ثمّ وجد على الأنصار في نفسه، ولم يذكرهم بشيء في قصيدته. بل يقال: إنه عرض بهم في بعض شعره.
ثم أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته المشهورة الطويلة ومطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغنّ قرير العين مكحول
ومنها:
إنّ الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول(2/486)
في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا
شمّ العرانين أبطال لبوسهم ... من نسج داود في الهيجا سرابيل
ويقال إنه لما أنشد رسول الله قصيدته أعطاه بردته، وهي التي صارت إلى الخلفاء؛ قال ابن كثير: هذا من الأمور المشهورة جدا، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه فالله أعلم.
قال ابن هشام: ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده: بانت: «لولا ذكرت الأنصار بخير فإنهم لذلك أهل» ، وكانت هذه إيماءة كريمة من رسول الله بعد أن أحس غضب الأنصار عليه، فقال يمدح الأنصار:
من سره كرم الحياة فلا يزل ... في مقنب من صالحي الأنصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر ... إن الخيار همو بنو الأخيار
ومنها:
والبائعين نفوسهم لنبيهم ... للموت يوم تعانق وكرار(2/487)
تشريعات وأحداث في هذا العام
في هذا العام حرّمت المتعة تحريما باتا إلى يوم القيامة.
وفي ذي القعدة منها تزوج رسول الله فاطمة بنت الضحاك الكلابية، فاستعاذت بالله منه فقال لها: «لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك» ، وقد أدركها الندم فيما بعد وكانت تقول: أنا الشقية. وقيل إن رسول الله دخل بها، فلما خيّر نساءه اختارت قومها ففارقها، ورد هذا ابن عبد البر، واحتج لذلك بما ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة أن النبي لما خيّرهن بدأ بها فاختارته، وتتابع أزواج رسول الله كلهن على ذلك.
إسلام أبي العاص بن الربيع
قدمنا أن أبا العاص بن الربيع صهر رسول الله كان أسر في بدر، فأرسلت السيدة زينب زوجه في فدائه قلادة قلدتها إياها أمها السيدة خديجة، فلما راها رسول الله رقّ لها رقة شديدة وقال: «إن شئتم أن تردوا عليها قلادتها وتطلقوا لها أسيرها فافعلوا» ، ففعلوا، وأخذ عليه الرسول عهدا أن يرسل إليه ابنته، فوفّى بالعهد، وكان ما كان من ترويع هبّار بن الأسود لها وكانت حاملا فأجهضت.
واستمرت السيدة زينب عند النبي، وبقي زوجها على كفره بمكة، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش، فلما قفل من الشام لقيته سرية، فأخذوا ما معه وأعجزهم هربا، وجاء تحت جنح الليل إلى زوجته زينب فاستجار بها فأجارته، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الصبح وكبّر وكبّر الناس؛ صرخت من صفة النساء: أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع.
فلما سلم رسول الله أقبل على الناس فقال: «أما والذي نفس محمد بيده(2/488)
ما علمت من شيء حتى سمعت ما سمعتم، وإنه يجير على المسلمين أدناهم» ، ثم انصرف إلى ابنته زينب فقال: «أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلصنّ إليك، فإنك لا تحلّين له» ، ثم حثّ رسول الله أصحابه على ردّ ما كان معه، فردّوه بأسره، فأخذه أبو العاص وذهب به إلى مكة فأعطى كل ذي حق حقه، ثم قال لهم: هل بقي لأحد منكم عندي مال يأخذه، قالوا: لا، فجزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما قال: فإني أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن اكل أموالكم، فقد أداها الله إليكم. ثم خرج حتى قدم المدينة.
وقد اختلفت الرواية في رد رسول الله إليه زوجته زينب أكان بالنكاح الأول، أم بنكاح ومهر جديدين؟ فالذي رواه ابن إسحاق عن ابن عباس أنه ردّها بالنكاح الأول، وهو ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه أن رسول الله ردّ بنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد، ولكن قال فيه الإمام أحمد: إنه حديث ضعيف، والحديث الصحيح الذي روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرها على النكاح الأول، والأول وإن كان صحيحا إلا أن العمل عند الفقهاء على الثاني، فإن القاعدة عندهم أن المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة، وإن كان بعده انتظر إلى انقضاء العدة، فإن أسلم فيها استمر على نكاحها، وإن انقضت ولم يسلم انفسخ نكاحها، والسيدة زينب انقضت عدتها ولا محالة فقد نزل تحريم المسلمات على المشركين عام ست، وأبو العاص أسلم سنة ثمان.
ويعجبني في هذا الموضوع قول بعض العلماء: إن في قضية زينب والحالة هذه دليل على أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها حتى انقضت عدتها فنكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك، بل يبقى بالخيار إن شاءت تزوجت غيره، وإن شاءت تربصت وانتظرت إسلام زوجها أي وقت كان، وهي امرأته ما لم تتزوج، وهذا القول فيه قوة وله حظ من جهة الفقه والله أعلم «1» .
__________
(1) البداية والنهاية، ج 4 ص 332، 333.(2/489)
وفاة السيدة زينب
وفي هذا العام توفيت السيدة زينب بنت رسول الله وزوج أبي العاص بن الربيع، ولدت قبل المبعث بعشر سنين، وكانت أكبر بناته صلى الله عليه وسلم تليها رقية ثم أم كلثوم، ثم فاطمة رضي الله عنهن، كان رسول الله محبا لها، أسلمت قديما ثم هاجرت قبل إسلام زوجها بست سنين، وكانت قد أجهضت في هجرتها كما أسلفنا ثم نزفت، وصار المرض يعاودها حتى توفيت رضي الله عنها ولذا كان رسول الله يقول: «هي خير بناتي، أصيبت فيّ» ، ولما ماتت قال رسول الله:
«اغسلنها وترا: ثلاثا، أو خمسا، واجعلن في الاخرة كافورا» «1» .
وكانت ولدت من أبي العاص عليا، ثم مات وقد ناهز الاحتلام، وأمامة وهي التي كان يحملها رسول الله وهو يصلّي كما في الصحيحين، ولما كبرت تزوجها سيدنا علي بن أبي طالب بعد موت خالتها فاطمة، ثم تزوجت بعد علي المغيرة بن نوفل بن الحارث، فولدت له يحيى، وقيل إنها لم تلد لعلي ولا للمغيرة، ولذلك قال الزبير: ليس لزينب عقب.
مولد إبراهيم ابن النبي
وفي ذي الحجة من هذا العام ولد إبراهيم ابن النبي من السيدة مارية القبطية التي كان أهداها له المقوقس عظيم مصر، فتسراها، حتى ولدت له، فصارت أم ولد، وأنزلها منزلة الأزواج، وكان رسول الله قد رزىء بفقد أولاده الذكور صغارا كما رزىء بفقد رقية وهو ببدر، ثم بوفاة زينب سنة ثمان، لذلك لا تعجب إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرح بمولد إبراهيم فرحا شديدا، وخرج إلى أصحابه فبشرهم قائلا: «ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم» ، ولدته مارية بالعالية حيث كانت تقيم في الموضع الذي يقال له اليوم مشربة إبراهيم، وكانت قابلة مارية سلمى مولاة النبي امرأة أبي رافع، فبشّر به أبو رافع النبي فوهب له عبدا.
__________
(1) الكافور: نبت طيب الرائحة، وهو فضلا عن كونه يطيب الميت يجفف جسمه ويجعله صلبا متماسكا، ويمنع إسراع الفساد إليه.(2/490)
وفي اليوم السابع عقّ عنه بكبش، وحلق رأسه أبو هند، وتصدّق بوزن شعره ورقا «1» على المساكين، ثم دفعه رسول الله إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة يقال له: أبو يوسف لترضعه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق إلى بيت مارية كل يوم فيأخذه ويقبله، وتنافست نساء الأنصار في إرضاعه، فكان النبي يجاملهن ولا يرد لهنّ طلبا، كما كان يغدق على من ترضعه الكثير من خيره وبره، وأرصد لذلك قطعة من الغنم واللقاح فتروح كل ليلة على بيت من ترضعه فتشرب من لبنها وتسقي رضّعها حتى لقد أثار ذلك مكامن الغيرة في نفوس أزواجه.
ورسول الله بشر وإنسان، والأولاد ولا سيما البنين الصالحين ذكر باق بعد الموت، وحياة موصولة لحياة الاباء، فليس ببدع أن يهفو قلبه إلى إبراهيم، وأن يحل إبراهيم من نفس النبي هذه المنزلة، وأن يرى فيه العزاء والسلوى وهو في سن الستين عن فقد الأحبة قبل البعثة وبعدها، وأن يملأ إبراهيم جانبا من جوانب القلب الإنساني الكبير.
سرية بني المصطلق
وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط لأخذ صدقات بني المصطلق، فلما علموا بقدومه خرج منهم عشرون رجلا متقلدين السلاح تحية أثناء قدومه، ومعهم إبل الصدقة فلما راهم الوليد هابهم وظن أنهم يريدون حربه لما كان بينه وبينهم من عداوة في الجاهلية، فرجع مسرعا إلى المدينة وأخبر الرسول بما ظن، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في سريّة لتعرّف حقيقة أمرهم، فسار إليهم حتى ديارهم، وكمن بالقرب منهم ليلا، فإذا بمؤذنهم يؤذن للصلوات، فأتاهم خالد فلم ير منهم إلا الطاعة، فأخذ الصدقات وعاد إلى المدينة وأخبر الرسول بخبرهم.
وفي هذه الواقعة أنزل الله هذا التأديب الإلهي في قوله تعالى:
__________
(1) الورق بكسر الراء: الفضة.(2/491)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ «1» .
وهذه الاية أصل في التثبت في الأخبار، واشتراط العدالة في الرواة، والبحث عن أحوالهم حتى كان من ذلك علم (الجرح والتعديل) في الإسلام.
__________
(1) سورة الحجرات: الاية 6.(2/492)
السّنة التّاسعة من الهجرة
سرية طيّىء
في ربيع الأول من هذا العام أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في خمسين فارسا لهدم (الفلس) «1» صنم لطيّىء، فسار إليه وهدمه وأحرقه، ولما حاربه عبّاده هزمهم واستاق نعمهم وشاءهم، وسبى منهم سبايا فيهن «سفانة» «2» ، بنت حاتم الطائي المشهور.
ولما رجع إلى المدينة جعلت سفانة في حجرة عند باب المسجد كان السبايا تقيم فيها، فلما مر بها رسول الله قامت إليه فقالت: يا رسول الله: هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليّ منّ الله عليك، فقال لها: «ومن وافدك؟» قالت:
عديّ بن حاتم، قال: «الفار من الله ورسوله» ؟! ثم مضى وتركها، فكررت هذا من الغد، وبعد الغد، فمنّ عليها وقال: «لا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك، ثم اذنيني» .
فلما أعلمته بأنها وجدت رفقة ثقاة كساها وحملها وأعطاها نفقة، فشكرت النبي على هذا الجميل، وكان مما قالت: «شكرتك يد افتقرت بعد غنى؛ ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة كريم إلا وجعلك سببا لردها عليه» .
__________
(1) في القاموس: الفلس بالكسر صنم لطيّىء.
(2) سفانة بفتح السين وتشديد الفاء كما في القاموس.(2/493)
ثم ارتحلت حتى قدمت على أخيها عدي بالشام، لأنه لما سمع بخيل رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل بأهله وولده وتركها وفرّ إلى الشام، فلما وصلت إليه وبخته على صنيعه، فلم يجد ما يعتذر به، ثم أخبرته بما لقيت من رسول الله من كرم وحسن معاملة، وقالت له: أرى أن تلحق به سريعا، فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكا فأنت أنت، فما كان منه إلا أن أخذ بمشورتها، وقدم على النبي، ثم أسلم كما سنذكره إن شاء الله أثناء الوفود.(2/494)
غزوة تبوك «1»
وكانت في رجب في العام التاسع، وكان سببها ما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت له الجموع تريد غزوه في بلاده، وكان من سياسة رسول الله الحكيمة أنه إذا علم أن قوما همّوا بغزوه أن يبادئهم قبل أن يغزوه وكان قلما يخرج لغزوة إلا ورّى بغيرها؛ ليعمّي الأخبار على الأعداء، إلا في هذه الغزوة فإنه أخبر بمقصده، لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو، حتى يأخذ الناس لذلك عدتهم.
وقد اتفق أن كانت هذه الغزوة في زمان عسرة من الناس، وجدب في البلاد، وشدة الحر، كما كانت حين طابت الثمار، فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، لذلك أمر الرسول بالتجهز، واستنفر لذلك أهل المدينة وما حولها، وأهل مكة وما جاورها، واستنفر أيضا الأعراب الضاربين في الجزيرة العربية ممن أسلموا، كي يتكون من ذلك أكبر جيش يمكن إعداده لمقاتلة الروم، ذوي العدد والعدة، والدربة في الحروب.
الحث على تجهيز الجيش
وحث رسول الله على البذل والإنفاق في سبيل الله فقال: «من جهز جيش العسرة فله الجنة» ، وتسابق الخيّرون في هذا المضمار، فتبرّع عثمان بن عفان
__________
(1) تبوك: موضع معروف في منتصف الطريق بين المدينة ودمشق.(2/495)
رضي الله عنه بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها «1» ، وبألف دينار «2» جاء بها فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها ويقول: «اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض» ، ويقول: «ما على عثمان ما عمل بعد اليوم» «3» .
وجاء أبو بكر الصديق بكل ماله وهو أربعة الاف درهم فقال له الرسول:
«هل أبقيت لأهلك شيئا» ؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائة أوقية من ذهب، وجاء العباس وطلحة بمال كثير، وجاء عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، وجاء أحد الأنصار بصاع من تمر «4» ، وأرسلت النساء ما استطعن من حلي. وهكذا ضرب المسلمون أروع ألوان التضحية والبذل، وتكاثر الراغبون في الجهاد على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغون الظّهر والنفقة حتى لم يبق لديه شيء.
البكاؤون
وجاء جماعة إلى رسول الله وكانوا سبعة يسألونه ما يحملهم عليه فلم يجدوا، فرجعوا وهم يبكون أسفا وحزنا على ما فاتهم من شرف الجهاد مع رسول الله، والمساهمة في النفقة فيه، وقد عذرهم الله حيث قال:
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ
__________
(1) الأحلاس: جمع حلس وهو كساء يوضع على ظهر البعير تحت الرحل. الأقتاب: جمع قتب وهو ما يوضع على ظهر البعير للركوب.
(2) وأما روآية عشرة الاف دينار فسندها واه كما قال الحافظ، ولعلها كانت بعشرة الاف درهم فتتوافق الروايتان.
(3) رواه أحمد والترمذي.
(4) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 212.(2/496)
ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ «1» .
وقد روي أن يامين بن عمرو جهز اثنين، وجهز عثمان ثلاثة، والعباس اثنين «2» .
وإن لنا هنا لوقفة ترينا كيف بلغ حب الجهاد والبذل في سبيل الله في نفوس الصحابة، وأنهم كانوا يؤثرون رضاء الله ورسوله على كل محبوب لديهم، وبهذه المعاني والخصائص النفسية فتحوا العالم وسادوا الدنيا.
خروج الجيش
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس في جيش كثيف يزيد عن الثلاثين ألفا، يتقدمهم عشرة الاف فارس في مشهد مثير يستولي على المشاعر، ويستهوي القلوب، ويثير العزائم حتى وصل إلى ثنية الوداع حيث عسكر هناك، وضرب عبد الله بن أبيّ عسكره أسفل من عسكر النبي، وقد استخلف النبي على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وقيل: سباع بن عرفطة الغفاري، واستخلف على أهله علي بن أبيّ طالب، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له حتى قال علي لرسول الله: أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال له: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» رواه البخاري ومسلم.
تخلّف المنافقين وتخذيلهم عن الرسول
ثم لم يلبث ابن أبي أن تخلف وتخلف معه كثير من المنافقين، وقال بعضهم: يغزو محمد بني الأصفر- الروم- مع جهد الحال والحر والبلد البعيد!! أيحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب!! والله لكأني أنظر إلى
__________
(1) سورة التوبة: الايتان 91، 92.
(2) نور اليقين، ص 246.(2/497)
أصحابه مقرّنين في الحبال!! وتعلّل بعضهم بالتعلّات الباطلة من بعد الشقة وشدة الحر، وهم الذين ذكرهم الله في قوله:
وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ «1» .
وقوله:
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ... «2» الاية.
ومن هؤلاء الجدّ بن قيس، فقد قال له الرسول: «يا جدّ هل لك العام في جلاد بني الأصفر» فقال: يا رسول الله، أو تأذن لي ولا تفتني؟ فو الله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني، وإني خشيت إن رأيت نساء بني الأصفر ألاأصبر، فأعرض عنه الرسول.
تحريق بيت سويلم
وبلغ رسول الله أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله في غزوة تبوك، فبعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرّق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة، فاقتحم بعضهم من ظهر البيت فانكسرت رجله، وأفلت الاخرون.
المعتذرون
وجاء قوم من المنافقين يعتذرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لهم عذر، وإنما هو النفاق والشك وكراهية الجهاد، فأذن لهم بناء على ظاهر حالهم، ولكن الله عاتبه على الإذن لهم فقال:
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ إلى قوله: فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ «3» .
__________
(1) سورة التوبة: الاية 81.
(2) سورة التوبة: الاية 42.
(3) سورة التوبة: الايات 43- 45.(2/498)
وفي شأن المنافقين المتخلفين عن تبوك أنزل الله ايات كثيرة في سورة التوبة، وسنعرض لهم فيما بعد.
المتخلفون من غير نفاق
وتخلف جماعة من المسلمين لا يتهمون في إيمانهم، ولكن عن كسل، وميل إلى الراحة، منهم الجماعة الذين ربطوا أنفسهم في سواري المسجد، ومنهم الثلاثة الذين خلّفوا، وسنعرض لهم فيما يأتي ومن المتخلفين من تدارك أمره، فلحق بالرسول في الطريق أو في تبوك.
مسيرة الجيش إلى تبوك
ثم سار الرسول قاصدا تبوك، وأعطى اللواء الأعظم الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه ولا يخفى على القارىء الفطن ما في إعطائه صلى الله عليه وسلم اللواء في اخر غزوة غزاها الصدّيق، وتخليفه عليا في أهل بيته من إشارة لطيفة إلى أن الصدّيق أحق الصحابة بالخلافة. ووزع الرسول الرايات، فأعطى الزبير بن العوام راية المهاجرين، وأسيد بن حضير راية الأوس، والحباب بن المنذر راية الخزرج.
وسار الجيش في جهد شديد من قلة الظّهر، حتى كان الرجلان والثلاثة يعتقبون على بعير واحد، ومن قلة المؤنة حتى كان الرجلان والثلاثة يقتسمون التمرة فيما بينهم، حتى استأذنوا رسول الله أن ينحروا رواحلهم فيأكلون منها، فأذن لهم، فجاء الفاروق عمر فقال: يا رسول الله إن فعلنا قلّ الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة، فقال الرسول: «نعم» ودعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم حتى اجتمع من ذلك شيء يسير، فدعا رسول الله بالبركة ثم قال: «خذوا في أوعيتكم» ، فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوها، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة» «1» .
__________
(1) رواه مسلم والبيهقي، عن البداية والنهاية ج 5 ص 10.(2/499)
وأصيبوا بعسرة في الماء حتى عطشوا عطشا شديدا كادت تتقطع منه رقابهم، حتى كان الرجل منهم ينحر بعيره فيعتصر ما في كرشه من ماء فيشربه، ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عوّدك في الدعاء خيرا، فادع الله لنا. فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى أمطرت السماء، فشربوا وملأوا ما معهم، ثم ذهبوا فنظروا فلم يجدوها جاوزت العسكر. وقد ذكر ابن إسحاق أن هذه القصة كانت وهم بالحجر، وأنهم قالوا لرجل معهم منافق: ويحك هل بعد هذا من شيء؟ فقال: سحابة مارة!!.
وهكذا لم ينفك المنافقون عن شكهم وإرجافهم، بل قال بعضهم- يقال إنه زيد بن نصيب «1» - وقد ضاعت ناقة رسول الله: هذا محمد يخبركم أنه نبي ويخبركم خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال الرسول: «إني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، هي في الوادي، حبستها شجرة بزمامها» فانطلقوا فوجدوها كما أخبر الرسول فجاؤوا بها.
وقد دلّل النبي بمقالته تلك على أنه نبي حقا يوحى إليه، وهكذا الأنبياء لا يعلمون إلا ما علّمهم الله سبحانه، ولا يزعمون لأنفسهم علم الغيب، وإنما ذلك شأن المشعوذين والدجالين، أما زيد بن النصيب فقيل: إنه تاب، وقيل:
ما زال منافقا حتى هلك.
كن أبا خيثمة
وكان أبو خيثمة رضي الله عنه ممن تخلّف من غير عذر، فرجع بعد ما سار رسول الله إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في بستان له، وقد رشّت كل واحدة منهما عريشها، وبرّدت فيه ماء، وهيّأت فيه طعاما، فلما رأى ذلك قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح «2» ، والريح، والحر، وأبو خيثمة في
__________
(1) في الإصابة: زيد بن لصيب بلام مهملة ومثناة مصغّرا، وقيل بنون في أوله واخره مواحدة يعني باء، ثم ذكر عن ابن إسحاق قصته هذه في تبوك (الإصابة ج 4 ص 571) .
(2) الضح بكسر الضاد: الشمس وضوؤها (قاموس) .(2/500)
ظل بارد، وطعام مهيأ، وامرأة حسناء، في ماله مقيم!! ما هذا بالنّصف، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله، فهيّئا زادا ففعلتا.
ثم ركب راحلته ولحق برسول الله حين نزل بتبوك، فلما دنا من الجيش قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل. فقال رسول الله: «كن أبا خيثمة» فنظروا فإذا هو أبو خيثمة. فسلّم على الرسول وأخبره خبره، فدعا له بخير.
وكذلك لحق برسول الله عمير بن وهب الجمحي «1» .
كن أبا ذر
لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل الرجل يتخلّف عنه فيقولون:
يا رسول الله تخلّف فلان فيقول: «دعوه، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم.
وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه» . حتى قيل يا رسول الله تخلف أبوذر وأبطأ به بعيره، فقال مقالته تلك.
فتلوم- انتظر- أبوذر بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله ماشيا، ونزل رسول الله في بعض منازله، ونظروا فإذا رجل ماش على الطريق، فقال رسول الله: «كن أبا ذر» فتأمله القوم فإذا هو أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أبا ذر، يمشي واحده، ويموت واحده، ويبعث واحده» .
وقد صدقت نبوءة الرسول، ففي عهد عثمان خرج إلى الربذة «2» وأقام بها حتى مات، فلما حضرته الوفاة أوصى امرأته وغلامه فقال: إذا أنا مت فاغسلاني، وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمر فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما مات فعلوا به كذلك، فإذا ابن مسعود مار في رهط من الكوفة، فقال: ما هذا؟ فقيل له: جنازة أبي ذر، فبكى وقال: صدق رسول الله «يرحم الله أبا ذر ... » ونزل فتولّى دفنه بنفسه.
__________
(1) البداية والنهاية ج 5 ص 7، 8.
(2) الربذة: على وزن قصبة: مكان على الطريق بين المدينة والعراق، على ثلاثة أيام من المدينة.(2/501)
النزول بالحجر
ولما مرّ رسول الله بالحجر- ديار ثمود- قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم» ثم قنّع «1» رأسه وأسرع السير حتى أجازوا الوادي «2» .
وروى الإمام أحمد بسنده عن ابن عمر قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك الحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الابار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا ونصبوا القدور باللحم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل، ثم ارتحل بهم حتى نزل البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذّبوا فقال: «إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلا تدخلوا عليهم» . وذكر ابن إسحاق نحو ذلك وكذا البخاري في صحيحه، وهكذا لا يجد النبي فرصة للاعتبار إلا ذكّرهم وحذّرهم.
انسحاب الروم
ولما وصل جيش المسلمين تبوك لم يجد أحدا هنالك، لأن الروم لما بلغهم مسير هذا الجيش الذي يؤثر الموت على الحياة اثروا الانسحاب إلى بلاد الشام ليتحصنوا بحصونها، فلم ير النبي داعيا لتتبعهم داخل بلادهم، وأقام عند الحدود يناجز من شاء أن يناجزه ويقاومه.
وفود صاحب أيلة وأهل جرباء وأذرح «3»
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضعة عشر يوما، ليريهم أن سلطان الله في الأرض لا يرهب أحدا، وليؤمن الحدود الشمالية بمعاهدة المجاورين له.
__________
(1) قنّع رأسه: غطاها بثوبه.
(2) رواه البخاري ومسلم.
(3) أيلة بفتح الهمزة وسكون الياء: قرية بين الحجاز والشام على خليج العقبة. والجرباء: قرية من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام. أذرح بفتح الهمزة وسكون الذال، وضم الراء اخره حاء مهملة: بلد في أطراف الشام من نواحي البلقاء مجاورة لأرض الحجاز، وهي قريبة من الجرباء.(2/502)
وكان يحنة بن رؤبة «1» صاحب أيلة أحد الأمراء المقيمين على الحدود قد أتى إلى رسول الله وصالحه وأعطاه الجزية، فأمنه وكتب له كتابا.
وأتاه أهل جرباء وأذرح وصالحوه أيضا وأعطوه الجزية، فأمنهم وكتب لهم كتابا.
وأهدى صاحب أيلة النبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وكساه بردا، وكتب له ببحرهم أي ببلدهم «2» .
كتاب رسول الله ليحنة
«بسم الله الرحمن الرحيم: هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله، وذمة محمد النبي، ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن، وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثا، فإنه لا يحول ماله دون نفسه، وإنه طيب لمن أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يريدونه ولا طريقا يريدونه من بر أو بحر» وأعطاهم النبي برده مع كتابه زيادة في الأمان لهم.
كتاب أهل جرباء وأذرح
«بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي رسول الله لأهل جرباء وأذرح: إنهم امنون بأمان الله وأمان محمد، وإن عليهم مائة دينار في كل رجب، ومائة أوقية طيبة. وإن الله عليهم كفيل بالنصح والإحسان إلى المسلمين، ومن لجأ إليهم من المسلمين» .
بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر
وبهذه العهود أمن النبي هؤلاء، وأمن مجيء الروم من ناحيتهم، ولم يبق
__________
(1) يحنة- بضم أوله وفتح الباقي- ابن رؤبة: بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الباء في اخره تاء: ملك أيلة كما في القاموس.
(2) رواه البخاري.(2/503)
إلا أكيدر دومة «1» ، فيخشى انتفاضه أو معاونته لجيوش الروم إذا جاءت من ناحيته، فأرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في خمسمائة فارس وأخبره بأنه سيجده يصطاد البقر، فذهب إليه خالد فإذا أكيدر وأخوه حسان في نفر من أهل بيته يصطادون بقر الوحش ليلا، فلم يجدوا مقاومة تذكر، فقتلوا أخاه وأسروا أكيدرا، وكان عليه قباء من ديباح- حرير- مخوص بالذهب «2» ، فاستلبه خالد منه وأرسل به إلى رسول الله قبل قدومه عليه، فصار الصحابة يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال الرسول لهم: «أتعجبون من هذا؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا» .
ثم قدم خالد بأكيدر على رسول الله فحقن دمه وأمنه، وصالحه على الجزية، ثم خلّى سبيله. وذكر بعض الكاتبين في السيرة أنه أسلم «3» ، وقد اختلف الكاتبون في تاريخ الصحابة في إسلامه وعدمه، والراجح أنه لم يسلم «4» وقيل إنه أسلم ثم ارتد.
الأوبة إلى المدينة
وبعد أن أقام النبي بتبوك مدة استشار أصحابه في مجاوزة تبوك إلى ما هو أبعد منها من ديار الشام، فقال الفاروق عمر: إن كنت أمرت بالسير فسر، فقال عليه الصلاة والسلام: «لو كنت أمرت بالسير لما استشرت» فقال عمر: يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة، وليس بالشام أحد من أهل الإسلام، وقد دنونا وقد أفزعهم دنوك، فلو رجعنا في هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله أمرا، فاستجود النبي رأيه، واتبع مشورته بالرجوع إلى المدينة، فعادوا حامدين شاكرين.
__________
(1) دومة هي المعروفة بدومة الجندل بين المدينة ودمشق، وأكيدر: على صيغة المصغر هو ابن الملك الكندي ملكها.
(2) مخوص: مزين بالذهب.
(3) حياة محمد ص 444.
(4) الإصابة في تمييز الصحابة ج 1 ص 125- 128.(2/504)
ونعمّا أشار به الفاروق، فإنه ربما يكون من المخاطرة الحرب في بلاد الشام، مع أن الجزيرة لم تكن أسلمت أو استسلمت كلها، وقد تمّ ذلك بعد تبوك. قدمت ثقيف مسلمة ومذعنة في هذا العام وما بعده حتى صارت الجزيرة كلها على قلب رجل واحد، وبذلك حصل التهيؤ للجهاد والفتوحات خارج الجزيرة وتبليغ الإسلام للناس كافة، وهذا ما قام به الخلفاء الراشدون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
موت ذي البجادين «1»
وفي طريق الأوبة مات عبد الله ذو البجادين، فحفروا له ونزل رسول الله في حفرته، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه. وإذا هو يقول: «أدنيا لي أخاكما» فدلياه فلما هيأه لشقه قال «اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه» .
مكيدة بعض المنافقين
كان بعض المنافقين في الأوبة تامروا على رسول الله أن يزحموه في الطريق وهو على رأس عقبة- مكان عال- ولكن الله عصمه منهم. روى البيهقي عن حذيفة بن اليمان قال: كنت اخذا بخطام ناقة رسول الله، وعمار يسوق الناقة، حتى إذا كنا بالعقبة إذا باثني عشر رجلا قد اعترضوه فيها، قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ فيهم، فولّوا مدبرين، فقال رسول الله: «هل عرفتم القوم؟» قلنا: لا، يا رسول الله، قد كانوا متلثمين، قال: «هؤلاء المنافقون يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟» قلنا: لا، قال: «أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها!!» قلنا: أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟ قال: «لا، أكره أن يتحدث العرب أن محمدا قاتل بقومه حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم» ودعا عليهم.
__________
(1) البجاد بكسر الباء وبالجيم هو الكساء الغليظ المخطط، كان يريد الإسلام فمنعه قومه وضيقوا عليه حتى خرج من بينهم وليس عليه إلا بجاد فشقه اثنين، فائتزر بواحد وارتدى بالاخر وقدم على رسول الله فقيل له: ذو البجادين لذلك.(2/505)
وروى الإمام أحمد في مسنده نحو ذلك وزاد: أن عمارا صار يضرب وجوه رواحلهم ينحّيها عن رسول الله حتى قال: (قد، قد) يعني كفى، كفى، وهم الذين عناهم الله بقوله سبحانه: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا «1» يعني قتل الرسول.
__________
(1) سورة التوبة: الاية 74.(2/506)
هدم مسجد الضرار وتحريقه
كان أبو عامر الراهب ممّن حمل لواء العداوة لرسول الله من أول يوم قدم فيه المدينة. وقد دعاه رسول الله إلى الإسلام، وقرأ عليه القران فأبى، وقد كان يسمى الراهب لتنصره وترهبه في الجاهلية، فلما أبدى عداوته لله ورسوله قال النبي: «لا تقولوا: الراهب، بل قولوا: الفاسق» . وقد دعا عليه النبي أن يموت بعيدا طريدا فأصابته الدعوة، وهو الذي ألّب قريشا على المسلمين في أحد، وحفر الحفائر في ميدان المعركة كي يقع فيها المسلمون.
ولم يكفّ عن محاربة الرسول بعد أحد، فلما رأى أمر الرسول في ارتفاع وظهور، ورأى النصر يتوالى عليه ولا سيما بعد حنين وهزيمة هوازن، فرّ إلى هرقل ملك الروم يستنصر به، فوعده ومنّاه وأقام عنده، فكتب إلى جماعة من المنافقين بالمدينة يعدهم ويمنّيهم أنه سيقدم عليهم بجيش يقاتل به رسول الله، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لتبليغ كتبه، ويكون مرصدا لهم إذا قدم عليهم بعد ذلك.
فشرعوا في بناء هذا المسجد وكانوا اثني عشر رجلا، منهم: خذام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب «1» ، ومعتّب بن قشير،
__________
(1) أو ابن أبي حاطب كان من المنافقين، وهو الذي روي أنه منع الزكاة لما اغتنى وترك الجمعة والجماعة فنزل فيه قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ الايات من سورة التوبة، وهو غير ثعلبة بن حاطب الأنصاري من بني أمية بن زيد وهو من أهل بدر، وذكر ابن الكلبي أنه مات بأحد، وقد نبه إلى ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة (ج 1 ص 198) وساق أدلة على ذلك، وقد وهم ابن إسحاق حيث عدّ الثاني ممن بنى مسجد الضرار ووهم ابن عبد البر في الاستيعاب حيث نسب إليه القصة السابقة.(2/507)
ونبتل بن الحارث، ومجمّع بن جارية وهو الذي كان يصلي بهم فيه «1» .
فلما فرغوا من بنائه وأحكموه جاؤوا إليه صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لتبوك وسألوه أن يصلي لهم فيه ليحتجوا بصلاته فيه على تقريره واعتباره، وذكروا للنبي أنه بنوه لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، والليلة الباردة، فعصمه الله من الصلاة فيه وقال:
«أنا على جناح سفر، ولكن إذا رجعنا- إن شاء الله- أتيناكم فصلينا لكم فيه» .
فلما رجع النبي من تبوك، ولم يبق بينه وبين المدينة إلا يوم أو بعض يوم نزل عليه جبريل بخبر مسجد الضرار، وما أراد به بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين، فدعا رسول الله مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وقيل أخاه عاصما وقال: «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه» فذهبا فحرّقاه وهدّماه.
وفي هذا نزل قول الله تعالى:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ «2» .
ولا يزال أعداء الإسلام من المنافقين الملحدين والمبشرين والمستعمرين يقيمون أماكن باسم العبادة وما هي لها، وإنما المراد بها الطعن في الإسلام وتشكيك المسلمين في معتقداتهم وادابهم، وكذلك يقيمون مدارس باسم الدرس والتعليم ليتوصلوا بها إلى بث سمومهم بين أبناء المسلمين، وصرفهم عن دينهم، وكذلك يقيمون المنتديات باسم نشر الثقافة والغرض منها خلخلة العقيدة
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 21 ص 530.
(2) سورة التوبة: الايتان 107، 108.(2/508)
السليمة من القلوب، والقيم الخلقية من النفوس، ومستشفيات باسم المحافظة على الصحة والخدمة الإنسانية والغرض منها التأثير على المرضى والضعفاء وصرفهم عن دينهم. وقد اتخذوا من البيئات الجاهلة والفقيرة ولا سيما في بلاد إفريقيا ذريعة للتوصل إلى أغراضهم الدنيئة التي لا يقرها عقل ولا شرع ولا قانون، وكل هذه أخطر بكثير من مسجد الضرار الذي حاربه الله ورسوله أشد المحاربة.(2/509)
الوصول إلى المدينة واعتذار من تخلّف عن الخروج إلى رسول الله
ولما وصل النبي والمسلمون إلى المدينة تلقاهم النساء والصبيان والولائد من ثنية الوداع وهن ينشدن الأناشيد، ويرحبن بالرسول الكريم، وأصحابه الغر الميامين، والجيش المظفر المنصور.
طوائف المتخلفين
كان المتخلفون في غزوة تبوك أربعة أصناف:
1- مأمورون مأجورون، كعلي بن أبي طالب، ومحمد بن مسلمة.
2- ومعذورون، وهم الضعفاء والمرضى والمقلّون الذين لا يجدون ما ينفقون، ولا يجد الرسول ما يحملهم عليه كالبكائين وأمثالهم.
3- وعصاة مذنبون، وهم الثلاثة الذين خلّفوا، وأبو لبابة وأصحابه الذين ربطوا أنفسهم في سواري المسجد حتى يتوب الله عليهم.
4- واخرون ملومون مذمومون، يظهرون خلاف ما يبطنون وهم المنافقون «1» .
المنافقون
أما المنافقون فقد جاؤوا إلى رسول الله يعتذرون عن تخلفهم، ويحلفون الأيمان الكاذبة، وينتحلون المعاذير، فأعرض عنهم النبي وترك حسابهم لله سبحانه وتعالى. وفي هؤلاء نزل قول الله تعالى:
__________
(1) البداية والنهاية، ج 5 ص 27.(2/510)
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ.
إلى قوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1» .
وقوله:
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ... الاية «2» .
إلى غير ذلك من الايات المتكاثرة التي كشفت عن المنافقين وأساليبهم في سورة التوبة.
أبو لبابة وأصحابه
وهم قوم تخلفوا كسلا وميلا إلى الراحة، لا شكا ولا نفاقا، وكانوا سبعة وقيل عشرة، فقد أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد «3» ، تعبيرا عن بالغ ندمهم، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هؤلاء؟» قالوا: أبو لبابة وأصحابه، تخلّفوا عنك وعاهدوا الله عز وجل ألايطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت تطلقهم وترضى عنهم، فقال: «وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله عز وجل هو الذي يطلقهم، رغبوا عني، وتخلّفوا عن الغزو مع المسلمين» .
فلما أن بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا، فأنزل الله سبحانه قوله: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ، خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فأرسل إليهم رسول الله فأطلقهم وعذرهم، فجاؤوا بأموالهم، وقالوا: يا رسول الله هذه أموالنا فتصدّق بها عنا، واستغفر لنا، وكان هذا شأن الصحابة رضي الله عنهم إذا تاب الله عليهم من ذنب قدموا أموالهم شكرا لله، فقال: «ما أمرت أن اخذ من أموالكم شيئا» فأنزل الله سبحانه قوله: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
__________
(1) سورة التوبة: الايات 94- 98.
(2) سورة التوبة: الاية 101.
(3) هي الأعمدة.(2/511)
وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... إلى قوله تعالى: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «1» فأخذ رسول الله ثلث أموالهم وترك لهم الباقي.
الثلاثة الذين خلّفوا
وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع. لم يبالغوا في التوبة والاعتذار كما فعل أبو لبابة وأصحابه، فلذلك نزلت توبة هؤلاء وتأخرت توبة كعب وصاحبيه خمسين ليلة، وهم المرادون بقوله سبحانه:
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «2» .
وإليك خلاصة قصة هؤلاء الثلاثة، وسأحرص على إيراد لفظها لأنها قطعة من الأدب النفسي والقولي.
روى البخاري ومسلم وغيرهما- واللفظ للبخاري- «3» عن كعب قال:
لم أتخلّف عن رسول الله في غزوة غزاها إلا في غزاة تبوك، غير أني كنت تخلّفت في غزاة بدر ولم يعاتب أحد تخلّف عنها، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ... حتى كانت تلك الغزوة التي غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا، ومفاوز وعددا كثيرا ... والمسلمون مع رسول الله كثير لا يجمعهم كتاب حافظ- يريد الديوان-.
فتجهز إليها رسول الله، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا، فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد، فأصبح رسول الله والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين ثم ألحقهم، فغدوت بعد أن فصلوا- خرجوا- ولم أقض شيئا،
__________
(1) سورة التوبة: الايات 102- 105.
(2) سورة التوبة: الاية 106.
(3) صحيح البخاري- كتاب المغازي- حديث كعب بن مالك.(2/512)
فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممت أن أرتحل فأدركهم- وليتني فعلت- فلم يقدّر لي ذلك.
فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا «1» عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء.
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال: «ما فعل كعب» ؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفيه «2» ، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا.
قال كعب: فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادما، فكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله عز وجل.
فجئته، فلما سلّمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال: «تعال» فجئت أمشي حتى جلست بين يديه فقال لي: «ما خلّفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرا» ؟
فقلت: بلى- والله- لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكنّ الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديثا تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلّفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» .
ثم قلت: هل لقي هذا أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي.
__________
(1) أي مطعونا عليه.
(2) العطف: الجانب والمراد إعجابه بنفسه.(2/513)
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فقد استكانا وقعدا في بيوتهما، وأما أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، واتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه، فأسارقه النظر «1» ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي، وإذا التفت نحوه أعرض.
حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسوّرت «2» جدار حائط- بستان- أبي قتادة- وهو ابن عمي وأحبّ الناس إلي- فسلمت عليه، فو الله ما ردّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي.
قال: وبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط «3» أهل الشام ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدلني على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان، فإذا فيه: (أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك) فقلت: وهذا أيضا من البلاء، فتيمّمت بها التنور- الفرن- فسجرته بها.
فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبيّ بمثل ذلك،
__________
(1) أنظر إليه خلسة.
(2) أي: علا عليه ودخل.
(3) جيل من الناس يسكنون سواد العراق.(2/514)
فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه قال:
«لا، ولكن لا يقربك» فقالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومنا ...
قال: فلبثت بعد ذلك عشر ليال وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله عز وجل قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع «1» يقول بأعلى صوته: يا كعب أبشر، فخررت ساجدا، وعرفت أن قد جاء فرج. واذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبيّ مبشرون، وركض رجل إليّ فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقّاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة يقولون: ليهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو يبرق وجهه من السرور-: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» قلت: يا رسول الله إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير» قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.
وقلت: يا رسول الله إنما نجّاني الله بالصدق، وإن من توبتي ألا أتحدث إلا صدقا ما بقيت، فو الله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك
__________
(1) بفتح السين وسكون اللام.(2/515)
لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت.
وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ إلى قوله:
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «1» .
وقفات عند هذه القصة
وإن لنا في هذه القصة لعبرا وعظات وايات بينات، تدل على فضل الصحابة وما وصلوا إليه من سمو في الدين والأخلاق وتقدير للمعاني الروحية والقيم الأدبية، منها:
1- صدق الإيمان، وقوة اليقين، وحضور القلب، وكيف يسمو الإيمان بصاحبه حتى يرى السعادة الحقة الكاملة في رضوان الله ورسوله، والشقاوة كل الشقاوة في غضبهما وإنا لنلمس هذا في قول كعب: (حتى تنكرت لي الأرض، فما هي بالتي أعرف) . وفي بعض الروايات: (تنكرت لنا الحيطان، وتنكر لنا الناس، حتى ما هم الذي نعرف) . وهذا المعنى يجده الحزين والمهموم في كل شيء، حتى قد يجده في نفسه فينكرها، بل نلمس هذا المعنى بصورة أكبر في قول الله عنهم: وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ.
والإنسان قد تضيق به الأرض من سوء من يجاوره أو لعدم وجود من يشاكله، ومع هذا فيكون في اطمئنان من قلبه، ورضى من نفسه، ورحابة من صدره، ولكن أضيق الضيق أن تضيق بالإنسان نفسه، وحينئذ تصير الحياة مهما أحيطت بمظاهر النعيم جحيما لا تطاق، ويكون الموت خيرا من الحياة، وهذا يدل على مبلغ ما كان يتمتاع به هؤلاء الثلاثة من قلوب متيقظة ونفوس شفافة وضمائر حية.
2- إن المقاطعة والهجر كان نوعا من أنواع التأديب والزجر في صدر الإسلام، وقد أثمر هذا اللون من التأديب ثمرته ووصل بهم إلى هذه الخاتمة السعيدة الموفقة، وإن أضر شيء على أي مجتمع أن يجد فيه أهل الفسق
__________
(1) سورة التوبة: الايات 117- 119.(2/516)
والفجور، وأهل الظلم والابتداع، وأهل الاستهتار بالقيم الدينية والخلقية صدورا رحبة، ونفوسا ترضى عن فعلهم، بل وتحتضنهم، ولو أن العصاة والمذنبين والمنحرفين عن الصراط المستقيم وجدوا من المجتمعات التي يعيشون فيها نبذا لهم ومقاطعة وازدراء، لكان هذا من أقوى العوامل الدافعة إلى أن يرشد الغاوي، ويستقيم المعوج، ويصلح الطالح.
3- إن المتأمل في القصة يعجب كيف أن الصحابة نفّذوا ما أمر به الرسول من المقاطعة حتى ولو كانوا في غيبة عن أعين الرقباء. فهذا كعب ينشد ابن عمه كلمة عسى أن يجد فيها ما يخفف ما به من حزن وأسى، ولكنه يأبى عليه هذه الكلمة، ويكل علم ذلك إلى الله ورسوله، وهذه غاية ما يطمع فيه مجتمع من أمانة ومراقبة لله.
4- في أثناء المحنة تعرض كعب لمحنة أخرى كانت أقسى وأشد من الأولى، فهذا هو ملك غسان يكتب له كتابا وهو في أشد أوقات المقاطعة وضيق النفس، يفسح له من صدره، ويفتح له باب الأماني الحلوة، والجاه العريض، ويستغل ما كانت عليه حالته النفسية، فيقول له: قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك!!.
لو ان كعبا- رضي الله عنه- كان رقيق الإيمان، ضعيف النفس والخلق لوجد في هذه الفرصة السانحة المغرية ما يرغم به أنوف مقاطعيه ونابذيه، ولكن أدرك بادىء ذي بدء أنها محنة أخرى أقسى من الأولى، فلا يرضيه أن يجيب الرجل بالسلب، أو يرمي بالكتاب ويمزقه، ولكنه رمى به في التنور ليصير رمادا، ويصير كل ما به دخانا يتبدد في الهواء، وخرج الرجل من محنته وهو أقوى ما يكون إيمانا، وأصفى ما يكون روحا، وأكرم ما يكون أخلاقا، فيا لعظمة هذه النفوس المؤمنة الكبيرة!!.
5- هذه القصة توحي بما كان يتمتاع به المجتمع الإسلامي انئذ من تقدير للقيم الدينية والخلقية، فغاية ما يطمع فيه الفرد أن يكون على كمال في دينه، ومن أجلّ النعم عندهم نعمة التوبة، إنها للجديرة بأن يهنأ بها المسلم، وإنا(2/517)
لنلمس هذا المعنى في قول الرسول لكعب: «أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» وخلع كعب ثوبيه الوحيدين لمن بشره بالتوبة، ومجيء المسلمين أفواجا لتهنئة كعب وصاحبيه، وعدم نسيان كعب لطلحة بن عبيد الله مصافحته وتهنئته له.
6- إن من أدب الصحابة- وهم خير من يمثل الإسلام- أن من شكر الله على نعمائه أن يخرج شيئا من ماله صدقة على الفقراء والمساكين والمحتاجين، برا بهم ومواساة لهم، ترى لو أن كل من حصلت له نعمة دينية أو دنيوية جعل شيئا من ماله لله فهل كنت تجد بائسا أو محروما، أو جائعا أو عاريا؟ فلا تعجب وقد كوّن الصحابة هذا المجتمع المثالي في عقيدته، وسلوكه، وأخلاقه أن خاطبهم الله سبحانه هذا الخطاب الشريف:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «1» .
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «2» .
تبوك خاتمة الغزوات
وبغزوة تبوك تمت كلمة ربك في شبه الجزيرة العربية كلها، وأمن النبي صلى الله عليه وسلم الحدود الشمالية، وأمن من كل عادية عليها، وأقبل سائر العرب وفودا يقدمون الطاعة، ويعلنون لله الإسلام، وقد كانت هذه الغزوة خاتمة غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق وعد الله تعالى:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ «3» .
__________
(1) سورة ال عمران: الاية 110.
(2) سورة البقرة: الاية 143.
(3) سورة التوبة: الاية 33.(2/518)
تفسير ما نزل من الايات في تبوك
لقد أنزل الله سبحانه في تبوك ايات كثيرة وإليك تفسيرها موجزا:
قال عز شأنه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ: نزلت في الحث على غزوة تبوك، وكانت في زمان عسرة من الناس، وشدة من الحر، حين طابت الثمار والظلال، فكان لابدّ من الترغيب في الخروج، والتنفير من القعود. اثَّاقَلْتُمْ: أصلها تثاقلتم، أدغمت التاء في الثاء فصارت ساكنة، فأتي بهمزة الوصل: أي تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة وطيب الثمار. أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ: أفعلتم هذا رضاء للدنيا بدل الاخرة، ثم زهّد في متاع الدنيا ورغب في الاخرة فقال:
فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، ثم أوعدهم على ترك الجهاد فقال:
إِلَّا تَنْفِرُوا هي إن الشرطية المدغمة في لا النافية يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً:
جواب الشرط، يعني في الاخرة، أو فيها وفي الدنيا كمنع المطر عنهم.
وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ: خيرا منكم وأطوع. وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً: بترككم النفير. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: فهو ينصر نبيه بدونكم.
ثم بيّن الله أن نصرة نبيه ليست متوقفة عليكم، وإلا فقد نصره الله على أعدائه لما خرج مهاجرا ليس معه إلا صاحبه الصدّيق ولا أعوان معه ولا سلاح، وقد أيده بجنود لم تروها وهم الملائكة، فأنجاه الله منهم وهم مسلحون وهو على قيد أذرع منهم فقال: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إلى قوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وهو من الاستطرادات اللطيفة البديعة.(2/519)
ثم عاد إلى الحث على غزوة تبوك فقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: قيل إنها أول ما نزل من سورة براءة، وهو قول سديد يتفق وما روي أن صدر السورة نزل قبيل خروج أبي بكر أميرا على الحج سنة تسع أو بعد خروجه بقليل، وتبوك قبل حجة الصديق قطعا.
ومعناها: شبابا وشيبا، وأغنياء وفقراء، وأقوياء وضعفاء، ومشاة وركبانا، في العسر واليسر، والمنشط والمكره. ثم من العلماء من يرى أن ذلك كان في أول الأمر بسبب ما لابس تبوك من ظروف، ثم نسخ باية لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى.... واية: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ، ومنهم من يرى أنها محكمة، وكان بعض السلف الصالح على هذا، ويخرج للجهاد على أي حال «1» منهم أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن عمرو من الصحابة، ومن التابعين سعيد بن المسيب كما قدمنا.
ذلِكُمْ: أي الجهاد بالنفس والمال خَيْرٌ لَكُمْ: في الدنيا لما فيه من العزّة والظهور على الأعداء، والاخرة لأن الله ضمن للمجاهدين في سبيل الله الجنة. ثم وبّخ الله المتخلفين في تبوك فقال: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً: أي غنيمة قريبة المتناول. وَسَفَراً قاصِداً: قريبا هيّنا. لَاتَّبَعُوكَ: لخرجوا معك.
وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ: المسافة. وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ: لكم إذا رجعتم إليهم قائلين: لَوِ اسْتَطَعْنا: الخروج، لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ ... : بالتخلف من غير عذر والأيمان الكاذبة.
كان جماعة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخلفوا عنه فأذن لهم، وكان الأولى أن لا يأذن لهم لأنهم لا أعذار لهم، فعاتبه الله على هذا، وهذا من ألطف أنواع الكلام، حيث قدّم العفو على العتاب. وهو يدل على غاية إكرام الله لخاتم
__________
(1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 179.(2/520)
أنبيائه، وحفاوته به فقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا، وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ.
ثم بين الله أنه لا يستأذنه المؤمنون المخلصون في التخلف عن الجهاد، وإنما ذلك شأن المنافقين فقال: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ: شكت ونافقت، فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ: يتحيرون لا يثبتون على حال.
ثم هوّن الله الأمر على نبيه في شأن المتخلفين، وأنهم لم يكونوا جادّين في اعتذارهم، وأن الخير في عدم خروجهم فقال: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً: من سلاح وكراع «1» ، وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ:
خروجهم معكم مع أمرهم به شرعا، فَثَبَّطَهُمْ: بعد التوفيق وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ: المرضى والزّمنى والنساء والصبيان. أي قال بعضهم لبعضهم ذلك.
ثم بين تعالى وجه كراهيته لخروجهم مع المؤمنين فقال: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا: أي فسادا وشرا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ: الإيضاع الإسراع، أي لأسرعوا بالسعي فيما بينكم بالفتنة والبغضاء والنميمة، وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ: أي مستجيبون لأحاديثهم ووسوستهم. ثم بين الله سبحانه أنهم طالما فكروا في كيدك وخذلان دينك، وتخذيل الناس عنك قبل هذا اليوم، كما فعل ابن أبيّ في أحد، ولكن الله ردّ كيدهم في نحرهم، ونصرك وأظهر دينك، فقال: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ، وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ، حَتَّى جاءَ الْحَقُّ النصر وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ: دينه على كره منهم. قال تعالى:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي: نزلت في الجدّ بن قيس كما قدمنا.
ثم بيّن الله تأصل عداوة هؤلاء المنافقين فقال: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ:
نصر أو غنيمة تَسُؤْهُمْ: تحزنهم وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ: من قتل أو هزيمة
__________
(1) الكراع: بضم الكاف، جماعة الخيل.(2/521)
يَقُولُوا: قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ: أي حذرنا بالقعود عن الغزو وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ: بما نالكم من مصيبة قُلْ لهم يا محمد: لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا: هو تعزّ بالقضاء بعد نزول البلاء، ولن يخفف عن الإنسان ألم المصيبة إلا الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك هُوَ مَوْلانا: ناصرنا وحافظنا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: ونحن متوكلون عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إما النصر والغنيمة، أو الشهادة والمغفرة وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ: فيهلككم كما أهلك الأمم الخالية أَوْ بِأَيْدِينا بالقتل أو السبي فَتَرَبَّصُوا: ما وعدكم به الشيطان إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ما وعدنا الله به قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً: أي طائعين أو مكرهين. قيل نزلت في الجدّ بن قيس حين اعتذر وقال: أعينكم بمالي لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ: عاصين لله ورسوله.
وبعد أن ذكر الله سبحانه أصنافا من المنافقين ومقالاتهم ونيلهم من النبي والمسلمين رجع إلى أخبار تبوك فقال: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ: أي مخالفين له أو متخلّفين بعده وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ: أي قال بعضهم لبعض ذلك قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا: في الدنيا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً: في الاخرة جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ: من النفاق فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ: أي ردّك، والمراد بالطائفة الذين تخلفوا نفاقا فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك في غزوة أخرى فَقُلْ: لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً في سفر وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا، إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ:
يعني في غزوة تبوك فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ: الرجال الذين تخلّفوا بغير عذر وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ... : نزلت بسبب صلاة النبي على ابن أبيّ المنافق كما سيأتي، وحكمها عامّ في كل من عرف نفاقه.
قال تعالى: وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ المعذرون: قرىء بالتشديد من عذر في الأمر إذا قصر فيه، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما فعل ولا عذر له، أو أصله المعتذرون أدغمت التاء في الذال ونقلت حركتها إلى(2/522)
العين، وهم الذين يعتذرون بالباطل، وهم جماعة من الأعراب جاؤوا يعتذرون ولا عذر لهم، وقرأ يعقوب ومجاهد: المعذرون بالتخفيف، وهم المبالغون في العذر، يقال في المثل: «لقد أعذر من أنذر» قال ابن إسحاق: إنهم نفر من بني غفار وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ: يعني المنافقين. قال أبو عمرو بن العلاء: كلا الفريقين كان سيئا، قوم تكلّفوا عذرا بالباطل، وقوم تخلّفوا من غير تكلف عذر، فقعدوا جرأة على الله تعالى، فأوعدهم الله بقوله: سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
ثم بيّن الله تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد عن القتال بسببها، سواء ما كان منها لازما لا ينفك عن صاحبه، أو عارضا، فقال: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ، وَلا عَلَى الْمَرْضى، وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ: طريق بالعقوبة والمؤاخذة وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ: بهم وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ لتوفر لهم الظهر والنفقة قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ: وهم البكاؤون كما أسلفنا.
وفي الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو راجع من تبوك: «إن بالمدينة أقواما ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا وهم معكم» قالوا وهم بالمدينة؟ قال: «نعم، حبسهم العذر» إِنَّمَا السَّبِيلُ: الحجة بالعقوبة عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ: النساء جمع خالفة وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ: بسوء اختيارهم فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
النافع من الضار.
ثم أعلم الله نبيه بأنه عند رجوعه إلى المدينة سيأتي المنافقون المتخلّفون يعتذرون، وأوصاه بأن لا يصدقهم فقال: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ، قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ: لن نصدقكم قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ فيما سلف وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ: فيما يستقبل، أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ(2/523)
تَعْمَلُونَ: من خير أو شر، ويجازيكم عليهما سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ: إخبار بأنهم سيشفعون اعتذارهم بالأيمان الكاذبة لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ:
لتصفحوا عنهم ولا تؤنّبوهم فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ: احتقارا لهم إِنَّهُمْ رِجْسٌ:
نجس بواطنهم واعتقاداتهم وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ:
يجترحون من السيئات.
ثم بيّن سبحانه إلحاحهم في الحلف فقال: يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ: فلا تركنوا إليهم فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ أي إن فرض أنكم رضيتم عنهم فلن يرضى الله عنهم لأنهم فاسقون خارجون عن طاعة الله ورسوله.
ثم بيّن الله طوائف الأعراب أي أهل البدو، وأنّ منهم كفارا، ومنافقين ومؤمنين، وأنهم أعرق في الكفر والنفاق من غيرهم، فقال: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً من أهل الحضر لغلظ قلوبهم، وبعدهم عن مراكز العلم والاستنارة وهي المدن وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ أجدر: أحرى لبعدهم عن سماع القران ومعرفة السنن وهما أصل الدين والفقه والعلم وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ: عليم بقلوب خلقه حكيم فيما شرعه من شرائع.
ثم ذكر صنفا اخر من الأعراب فقال: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً المغرم التزام ما لا يلزم، فهم لا يرجون على الإنفاق ثوابا، ولا يخافون على إمساكه عقابا، إنما ينفقون خوفا ورياء وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ: الحوادث والشرور والافات عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ قرىء بفتح السين وضمها، أي سينزل بهم البلاء والشرور وما يترقبونه للمؤمنين وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ: سميع لدعاء عباده، عليم بمن يستحق النصر ممن يستحق الخذلان.
ثم ذكر الصنف الفاضل المؤمن الخيّر فقال: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ: طاعات تقربهم من الله وَصَلَواتِ الرَّسُولِ: أي دعائه واستغفاره لهم أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ: حقا(2/524)
وواقعا سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ: جنته إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ثم استطرد سبحانه إلى ذكر خيار المؤمنين فقال: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ... الاية.
ثم بيّن الله أن في الأعراب منافقين، وفي أهل المدينة منافقين فقال:
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ: أي مرنوا عليه لا تَعْلَمُهُمْ يا محمد يقينا، وإنما تعلمهم بعلاماتهم وأماراتهم، فهو لا ينافي قوله سبحانه في سورة محمد: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ «1» أو معناه لا تعلمهم جميعا، وهو لا ينافي أنه كان يعلم بعضهم، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة بأسماء بعضهم.
نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ اختلف في تفسير المرتين على أقوال عدة، فقيل الفضيحة في الدنيا وعذاب القبر، وقيل المصائب في الأموال والأولاد، وقيل بافتضاح أمرهم، وبما كان يداخلهم من الغم والحزن عند ظهور الإسلام. والذي يترجح عندي أن المراد به التكثير لا التحديد، فهو مثل قوله سبحانه: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ويكون المراد ما ينزل بهم في الدنيا من بلاء ومصائب وافتضاح، وما كان يحزّ في نفوسهم كلما حصل للمسلمين نصر وظهور وللإسلام انتشار ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ: عذاب جهنم خالدين فيها أبدا.
قال تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ الاية، هم أبو لبابة وأصحابه، وقد قدّمنا قصتهم خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ: بها من ذنب تخلفهم بغير عذر كسلا وتهاونا، لا نفاقا ولا شكا وَتُزَكِّيهِمْ بِها: من شبهة النفاق إلى منازل المخلصين، والضمير في أَمْوالَهُمْ* قيل للمذكورين في الاية السابقة فإنهم لما تاب الله عليهم عرضوا على النبي أن يتصدقوا بأموالهم، فأخذ منهم الثلث وترك الباقي، وعلى هذا يكون المراد بالصدقة صدقة النفل كفارة
__________
(1) لحن القول: فحواه ومعناه الذي يفهم منه نفاقهم، وذلك بما يبدو منهم رغما عنهم ويظهر من فلتات لسانهم، وعلى قسمات وجوههم، ورضي الله عن ذي النورين عثمان حيث قال: (ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه) .(2/525)
لذنوبهم، ومن العلماء من يجعل الاية مستقلة عما قبلها وأنها تشريع عام لجميع الناس فقالوا: إن المراد صدقة الفرض وهي الزكاة.
وَصَلِّ عَلَيْهِمْ: ادع لهم واستغفر لهم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ:
طمأنينة لهم أن الله قد قبل منهم توبتهم على الأول، وزكاتهم على الثاني، وكان من أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل بصدقة قوم دعا لهم أو بصدقته دعا له، وهل هذا الدعاء واجب، أو مستحب، وفي صدقة الفرض أم في صدقة التطوع أم فيهما معا؟ خلاف بين العلماء «1» . أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ: هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منهما يحط الذنوب ويمحو السيئات وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ: ومن شأن التواب أنه يقبل توبة من تاب إليه بشروطها.
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ حثّ للتائبين أن يتداركوا ما فاتهم من الغزو ويعملوا صالحا فيما يستقبلون من أمرهم وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ: وعد للطائعين ووعيد للمخالفين بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى يوم القيامة، فيجازيهم عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ: هم الثلاثة الذين خلّفوا، فقد قبل الله توبة أبي لبابة وأصحابه، وأرجأ توبة هؤلاء الثلاثة حتى تاب عليهم إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ: أي هم تحت عفو الله، إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم، ولكن رحمته تسبق غضبه وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*: عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو، حكيم في أفعاله وأقواله، منزّه عن العبث والهوى.
ثم أنزل الله التوبة عليهم في قوله سبحانه: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ: أي وقت العسرة ولم يرد ساعة بعينها، ويَزِيغُ: يميل ولم يرد الميل عن الدين، بل أراد الميل إلى التخلف والانصراف عن السير للشدة التي
__________
(1) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 4 ص 235.(2/526)
نزلت بهم ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ*: توكيدا للأولى إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا إلى قوله: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ: أي وتاب عن الثلاثة، وقد ذكرنا قصتهم سابقا مستوفاة، ومعنى خلّفوا أي أرجىء قبول توبتهم عن توبة أبي لبابة وأصحابه، وقيل تخلّفوا عن غزوة تبوك، ومعنى ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا أي ليستقيموا على التوبة ويستمروا عليها.
قال تعالى: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ: هذا عتاب من الله للمتخلّفين عن رسول الله في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب، ومعنى ما كانَ*: ما صح وما ينبغي، وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ: أي ولا أن يرغبوا بأنفسهم عن أن يصيبهم من الشدائد ما نزل به، فيختاروا الراحة والدّعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مشقة السفر ومعاناة التعب، فإنهم حرموا أنفسهم من الأجر ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ: في سفرهم ظَمَأٌ: عطش وَلا نَصَبٌ: تعب وَلا مَخْمَصَةٌ: مجاعة فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً: إما مصدر أو اسم مكان يَغِيظُ الْكُفَّارَ: وطؤهم إياه، ونزولهم به وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا قتلا أو أسرا، أو غنيمة أو هزيمة إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ، إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ: أي كتب لهم بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم، وإنما هي ناشئة عن أفعالهم- أعمالا صالحة وثوابا جزيلا، فهو سبحانه لا يضيع عنده شيء مهما قلّ وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً: قليلة أو كثيرة وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً: في السير إلى الأعداء إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ* ثواب ما قدموه من نفقة أو قطع واد لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ: أي أحسن جزاء أعمالهم.
وأما ما يتعلق بمسجد الضرار من الايات فقد ذكرناه فيما سبق، وأما ما يتعلّق بالمسجد الذي أسس على التقوى فقد ذكرناه في أول هذا الكتاب أثناء الكلام عن مسجد قباء، والحمد لله الذي هدانا لهذا.(2/527)
قدوم ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بعد رجوعه من تبوك، وكان من خبرهم بعد أن فكّ حصارهم ورجع عنهم أن اتبعه أحد أشرافهم: عروة بن مسعود الثقفي حتى أدركه قبل أن يصل المدينة، فأسلم وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، فقال له: «إنهم قاتلوك» ، فقال عروة وكان فيهم محبّبا مطاعا-: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارهم.
فلما عاد من الطائف أشرف على عليّة له ودعاهم إلى الإسلام، فرموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله، فقيل له- وهو يحتضر-: ما ترى في دينك؟ فقال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم.
فدفنوه، فقال فيه رسول الله: «إنّ مثله في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه» «1» .
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا، وائتمروا فيما بينهم، فرأوا أن لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا، فأجمعوا أمرهم أن يرسلوا رجالا منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا عبد ياليل ومعه خمسة من أشرافهم منهم عثمان بن أبي العاص، وكان أصغرهم، فلما وافوا المدينة وجدوا
__________
(1) قال السهيلي: يحتمل أن يريد به المذكور في سورة يس الذي قال لقومه: اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ فقتله قومه، واسمه حبيب بن مري. ويحتمل أن يريد صاحب إلياس وهو اليسع، فإن الياس يقال في اسمه ياسين أيضا، وفيه قال الله تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ الروض الأنف، ج 2 ص 325.(2/528)
المغيرة بن شعبة، فلما راهم ذهب يشتدّ إلى رسول الله يبشره بقدومهم، فلقيه الصدّيق فأخبره عنهم وأنهم قدموا يريدون البيعة والإسلام إن شرط لهم شروطا، ويكتبوا لهم كتابا، فأقسم عليه الصديق ألايسبقه حتى يبشر هو الرسول بمقدمهم، فقبل ودخل الصديق على رسول الله فبشره. ثم خرج إليهم المغيرة فعلّمهم كيف يحيّون رسول الله، فلما قدموا على الرسول حيّوه بتحية الجاهلية، وضربت لهم قبة بالمسجد النبوي ليكون ذلك أدعى إلى دخولهم في الإسلام، والتأدب بادابه.
وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يسعى بينهم وبين الرسول، وهو الذي كتب لهم كتابهم، وكان فيما اشترطوا على رسول الله أن يدع لهم الطاغية «1» ثلاث سنين فأبى، فسألوه سنة فأبى، فسألوه شهرا بعد مقدمهم ليتألّفوا سفهاءهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا ما. وهكذا الأنبياء لا يفرطون في التوحيد قيد شعرة.
وسألوه أيضا ألايصلّوا، ولا يكسروا أصنامهم بأيدهم فقال: «أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم من ذلك، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه» .
واشترطوا على رسول الله مع ذلك ألايحشروا، ولا يعشروا ولا يجبوا «2» ، ولا يستعمل عليهم غيرهم، فأعطاهم ذلك رواه أحمد، ثم قال:
«سيتصدقون، ويجاهدون إذا أسلموا» ، يعني أنهم سيقبلون الجهاد، ويخرجون الزكاة إذا انشرحت صدورهم للإسلام، وهذا ما كان، ثم سألوه عن الزنا، والربا، والخمر فحرم عليهم كل ذلك «3» .
__________
(1) صنم ثقيف وهي اللات.
(2) ألايحشروا: لا يندبوا إلى المغازي، ولا تضرب عليهم البعوث، ولا يعشروا ولا يجبوا أي لا تؤخذ منهم صدقاتهم.
(3) البداية والنهاية، ج 5 ص 29- 34.(2/529)
فلما أسلموا صاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من شهر رمضان، وكان رسول الله يأتيهم كل ليلة، فيعظهم ويفقههم وهو قائم، فأبطأ عليهم ذات ليلة فسألوه، فقال: «طرأ عليّ حزبي فكرهت أن أجيء حتى أتمه» فسألوا الصحابة كيف تحزّبون القران، فقالوا: «ثلاث وخمس وسبع وتسع، وإحدى عشرة سورة، وحزب المفصّل واحده» «1» .
ثم أمرّ عليهم بمشورة الصدّيق عثمان بن أبي العاص، لحرصه على القران والنفقة في الإسلام، وكان مما أوصاه به أنه قال: «من أمّ قوما فليخفف، فإن فيهم الضعيف والكبير، وذا الحاجة، فإذا صلّى واحده فليصلّ كيف شاء» «2» . وفي سنن ابن ماجه أن النبي بيّن له أن يقرأ بسورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وأشباهها من القران، وكانت تلك حكمة بالغة من الرسول؛ فإن قوما رغبوا أن يتحللوا من الصلاة ينبغي أن يخفف عنهم في الصلاة حتى لا يسأموا، ولعل في هذا بلاغا للذين ينفّرون الناس أو بعضهم بإطالة الصلاة.
فلما رجعوا إلى بلادهم بعث معهم رسول الله أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم (اللات) ، فتولى المغيرة هدمها حتى جاء على أساسها بعد أن أشفق عليه قومه أن يصاب كما هي عقائدهم الخرافية، فأيقنوا- وقد فرغ من هدمها وهو معافى- أنها حجارة لا تضر ولا تنفع، وهكذا طهر الله أرض ثقيف من الأصنام، ووفقهم إلى عبادة الله واحده.
وذكر موسى بن عقبة في مغازيه أن وفد ثقيف لم يجرؤوا أن يصارحوا قومهم بإسلامهم وما عاهدوا الرسول عليه، وقالوا: إنه يريد أن يحرم علينا الربا والزنا والخمر، فنفروا وقالوا: لا نطيع له أبدا، وتأهبوا للقتال، ومكثوا على ذلك يوما أو يومين، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب فرجعوا وقالوا: ارجعوا إليه فشارطوه على ذلك وصالحوه، فقالوا لهم: فإنا قد فعلنا ذلك ووجدناه أتقى الناس، وأوفاهم، وأرحمهم، وأصدقهم، وقد بورك لنا ولكم في سيرنا، وفيما
__________
(1) رواه أبو داود.
(2) رواه أحمد ومسلم.(2/530)
قاضيناه، فاقبلوا القضية، واقبلوا عافية الله، وقالوا: فلم كتمتمونا؟ قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان، فأسلموا وحسن إسلامهم.
ولما هدم المغيرة الطاغية وأخذ مالها وحليها دفع منها بأمر رسول الله دية عروة بن مسعود، وأخيه الأسود بن مسعود والد الصحابي قارب بن الأسود، وكان الأسود قد مات مشركا، ولكن رسول الله رأى ذلك تأليفا وإكراما لولده قارب.
كتاب رسول الله لهم
«بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إن عضاه (وجّ) وصيده لا يعضد «1» ، من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، وإن تعدّ ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا، وإن هذا أمر النبي محمد» وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعدّه أحد يظلم نفسه فيما أمره به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره أبو عبيد في كتاب الأموال وزاد فيه شهادة علي وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله قال: «إن صيد وجّ وعضاهه حرم محرم لله» وكذا رواه أبو داود، وذلك قبل نزول الطائف وحصاره ثقيفا، وقد اختلف الأئمة في هذا الحديث، فمنهم من ضعّفه كأحمد والبخاري وغيرهما، ومنهم من صححه كالشافعي وقال بمقتضاه «2» .
__________
(1) العضاه ككتاب: شجر ذو شوك، وج: أرض الطائف، يعضد: يقطع. قال السهيلي حرم عضاهه وشجره على غير أهله كتحريم المدينة ومكة.
(2) البداية والنهاية، ج 5 ص 34.(2/531)
بعض من مات في هذا العام
موت النجاشي
وفي رجب من هذا العام مات أصحمة بن أبجر النجاشي ملك الحبشة، أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يهاجر إليه، وقد أحسن إلى المسلمين الذين هاجروا غاية الإحسان، ولما مات نعاه النبي إلى أصحابه في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى وكبر عليه أربع تكبيرات «1» ، وهذا هو الأصل في مشروعية صلاة الجنازة على الغائب.
موت السيدة أم كلثوم
بنت سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاتها في شعبان من هذا العام، وكان سيدنا عثمان تزوجها سنة ثلاث بعد موت أختها رقية، ولم تنجب له أولادا، وقد اشتركت في تغسيلها أم عطية والسيدة صفية بنت عبد المطلب، وأسماء بنت عميس، وصلّى عليها رسول الله والمسلمون، ولما ذهبوا لدفنها وقف النبي على قبرها وعيناه تذرفان بالدموع، فقال: «هل فيكم أحد لم يقارف الليلة» ؟ فقال أبو طلحة: أنا، فقال: «انزل في قبرها» فنزل ونزل معه علي، والفضل، وأسامة بن زيد. وبموتها لم يبق من بنات النبي إلا السيدة فاطمة رضي الله عنهن.
موت عبد الله بن أبيّ
وفي شوال من هذا العام مرض عبد الله بن أبي المنافق ومات في ذي القعدة، وكان النبي يعوده في مرضه، وفي اليوم الذي مات فيه دخل عليه
__________
(1) رواه البخاري وغيره.(2/532)
وهو يجود بنفسه فقال له: «قد نهيتك عن حب يهود» فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه فأجابه، قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل مع ثقة رجاله.
وكان قد عهد ابن أبيّ إلى ابنه بذلك «1» ، فلما توفي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتصلّي عليه وقد نهاك «2» ربك أن تصلي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خيّرني الله فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ، وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق، فصلّى رسول الله عليه فأنزل الله: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ الاية «3» .
وفي رواية أخرى له عن عمر نفسه أن النبي لما قام ليصلي عليه قام عمر فقال: يا رسول الله أتصلّي عليه وقد قال كذا وكذا يعدد مساوئه، فتبسم الرسول وقال: «أخّر عني يا عمر» فلما أكثرت عليه قال: «إني خيّرت فاخترت، لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» ثم صلّى عليه فلم يلبث إلا قليلا حتى نزلت الاية «4» .
وإنما صلّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إجراء له على حكم الظاهر وهو الإسلام، ولما فيه من إكرام ولده عبد الله- وكان من خيار الصحابة وفضلائهم- وهو الذي عرض على النبي أن يقتل أباه لما قال مقالته يوم غزوة بني المصطلق كما ذكرنا، ولما فيه من مصلحة شرعية، وهو استئلاف قومه ومتابعيه، فقد كان يدين له بالولاء فئة كبيرة من المنافقين، فعسى أن يرعووا عن نفاقهم ويعتبروا ويخلصوا
__________
(1) فتح الباري، ج 8 ص 268.
(2) ليس في القران نهي عن الصلاة على المنافقين قبل نزول اية وَلا تُصَلِّ. والظاهر أن عمر فهم ذلك من قوله سبحانه: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ الاية. أو من قوله تعالى: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الاية.
(3) رواه البخاري عن ابن عمر.
(4) صحيح البخاري- سورة التوبة- باب ولا تصل ... الخ.(2/533)
لله ولرسوله، ولو لم يجب صلى الله عليه وسلم ابنه وترك الصلاة عليه قبل ورود النهي الصريح لكان سبة وعارا على ابنه وقومه، فالرسول الكريم اتبع أحسن الأمرين في السياسة إلى أن نهي فانتهى.
وهو لم يفعل ذلك لاعتقاده أنه يغفر له، وليس أدل على ذلك مما رواه أبو الشيخ عن قتادة: أنهم ذكروا القميص بعد نزول الاية فقال عليه الصلاة والسلام: «وما يغني عنه قميصي، إني لأرجوا أن يسلم به أكثر من ألف من بني الخزرج» أي يتخلصوا من نفاقهم، وينقادوا ظاهرا وباطنا لله ولرسوله، وأما إعطاؤه القميص فلأن الضن به يخل بالكرم، وقد كان من خلق رسول الله ألايرد طالب حاجة قط، على أنه كان مكافأة له على إعطائه العباس عم الرسول قميصه لما جيء به أسيرا يوم بدر «1» ، وكان من خلق رسول الله وال بيته رد الجميل بخير منه.
وقد استشكل بعض العلماء حديث عمر وابنه، واستبعدوا أن يفهم النبي من الاية التخيير لأن الظاهر أن «أو» للتسوية في عدم النفع، وأن يفهم من ذكر السبعين التحديد لأن ظاهر السياق أنها للتكثير، فقال بعضهم: إنه خبر احاد لا يعوّل عليه، وأنكر بعضهم صحته «2» ، وكل هذا وذاك غير سديد، فالحديث صحيح رواه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وكفى بهم أئمة.
والذي ظهر لي- والله أعلم- بعد النظر والتأمل في الاية والأحاديث وما قاله الأئمة: أن الاية تحتمل التسوية، وهو الأظهر، وأن المراد بالسبعين التكثير لا التحديد وهو الأظهر أيضا، وفي رواية عمر السابقة ما يدل على أن النبي كان يرى ذلك فقد قال: «لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له، لزدت» وتحتمل أيضا التخيير في «أو» ، وتحتمل التحديد في لفظ السبعين وهما مرجوحان قطعا.
__________
(1) تفسير الالوسي، ج 10 ص 154.
(2) فتح الباري، ج 8 ص 272- 273.(2/534)
والرسول صلى الله عليه وسلم- وهو أفصح العرب، وأعرفهم بأساليب البيان- ما كان يخفى عليه ذلك، ولكنه رجّح أحد الاحتمالين وإن كان مرجوحا للحكم السياسية، والأغراض التي ذكرناها انفا، وقد أطلت النفس في هذا، وعرضت لما يعرض له المؤرخون غالبا، لأن دراستنا للسيرة من جوانبها التحليلية من القران والسنة، وهذا هو السر في عنايتي بالتشريعات وتواريخها، وحكم التشريع فيها، وإعطائي للقارىء صورة واضحة لكل تشريع، وعنايتي بتفسير الايات القرانية في كل موضوع، وهو المهيع الذي سلكه إمام أهل المغازي محمد بن إسحاق، وابن هشام، والدراسات على هذا المنهج هي أجدى الدراسات وأنفعها، والحمد لله الذي هدانا لهذا.(2/535)
حج الصديق أبي بكر بالناس
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك تواردت عليه الوفود، ودخل الناس في دين الله من كل فج، فلما حلّ موسم الحج أراد الحج ولكنه قال: «إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك» . فأرسل الصدّيق أميرا على الحج سنة تسع، وبعث معه بضعا وثلاثين اية من صدر سورة براءة ليقرأها على أهل الموسم «1» .
فلما خرج دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه وراءه، وقال له: «اخرج بهذه الايات من صدر سورة براءة، فأذّن- أعلم- بها في الناس إذا اجتمعوا» فخرج علي على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم «العضباء» حتى أدرك الصديق أبا بكر بذي الحليفة، فلما راه الصدّيق قال له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم سارا، فأقام أبو بكر للناس الحج على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة لا في شهر ذي القعدة كما قيل.
وقد خطب الصدّيق قبل يوم التروية معلّما الناس مناسكهم، ثم خطب يوم عرفة، ويوم النحر، وكان كلما خطب أمير الحج «الصدّيق» قام أبو الحسن «علي» فقرأ على الناس صدر سورة براءة، ثم ينادي في الناس بهذه الأمور الأربعة.
__________
(1) هذا ما عليه الأكثر، وقيل إنها نزلت بعد خروج الصدّيق فأرسل عليا وراءه للحكمة التي سنذكرها.(2/536)
روى الترمذي في جامعه عن زيد بن يثيع، قال: سألت عليا بأي شيء بعثت في الحج؟ قال: (بعثت بأربع:
ألايطوف بالبيت عريان.
ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة «1» أشهر.
ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة.
ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا) .
قال الترمذي: «حديث حسن صحيح» وخرّجه النسائي أيضا، وفيه قال علي: (فكنت أنادي حتى صحل «2» صوتي) .
وقد أمر الصدّيق أبا هريرة في رهط اخرين أن يؤذّنوا في الناس يوم النحر بهذه الأمور مساعدين لعلي حتى يصل البلاغ إلى الناس جميعا، فلم يكن ثم افتيات عليه، وإنما هي معاونة على الخير. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة قال: (بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان) فكان حميد بن عبد الرحمن بن عوف يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة. وبيان ذلك: أن هذا الحديث مع الاية القرانية وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ...
يدلان على أن يوم النحر «3» هو يوم الحج الأكبر.
وقد ذكر ابن إسحاق أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده ألايطوف
__________
(1) يعني من يوم التبليغ على الصحيح تنتهي في عشر من ربيع الاخر.
(2) صحل صوته كفرح فهو أصحل. وصحل: بحّ.
(3) ومن السلف غيرهم من يرى أن يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة. وسمي الحج الأكبر احترازا عن العمرة لأنها تسمى الحج الأصغر.(2/537)
أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم، فإن لم يجد طاف عريانا، فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ، ثم لم ينتفع بها، فلما جاء الإسلام هدم ذلك كله فيما هدم من العقائد والخرافات، وقال العلامة ابن كثير:
كانت العرب ما عدا قريشا لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش- وهم الحمس- «1» يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوبا طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه، ومن لم يجد ثوبا جديدا ولا أعاره أحمسي ثوبا طاف عريانا، وربما كانت امرأة، فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر، وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه ... وما بدا منه فلا أحلّه
وأكثر ما كان الناس يطوفون عراة بالليل، وكان هذا ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه أهواءهم، ويعتقدون أن فعل ابائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر الله عليهم ذلك فقال:
وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ «2» .
وقد كان المشركون يجتمعون مع المسلمين في الحج، فأراد الله ألايكون ذلك، فقد دالت دولة الشرك والأوثان، وأصبحت كلمة الله هي العليا، وقد امتثل المشركون فلم يأت مشرك عام حجة الوداع، وانفرد المسلمون بالبيت لا يشاركهم فيه أحد، قال الله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ
__________
(1) الحمس: جمع أحمس كأحمر، سميت قريش بذلك، لتحمسها أي تشددها على أنفسها في عبادتها ودينها، وقيل: سموا حمسا بالكعبة لأنها حمساء حجرها أبيض يضرب إلى السواد.
(2) تفسير ابن كثير والبغوي، ج 3 ص 464. والاية هي 28 من سورة الأعراف.(2/538)
الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1» .
والمراد من نجاسة المشركين النجاسة المعنوية، وهي نجاسة المعتقدات، أو المراد أنهم لا يتنزهون عن النجاسات غالبا، ولا يغتسلون من الجنابات، وجمهور العلماء على عدم تمكينهم من دخول الحرم كله، وبعضهم حملها على المسجد الحرام خاصة دون الحرم وبقية المساجد، وبعضهم قال: المراد عدم تمكينهم من أداء الحج والعمرة استنادا إلى سبب النزول، والحق ما ذهب إليه الجمهور.
شبهة والجواب عليها
وهنا شبهة نرى لزاما أن نعرض لها ونبين الحق فيها، وهي: لم عدل النبي عن تبليغ أبي بكر صدر سورة براءة ووكل ذلك إلى عليّ؟
والجواب: أن صدر سورة براءة تضمن نقض العهود المطلقة غير المقيدة بوقت، أو التي مدتها فوق أربعة أشهر فيما زاد عن أربعة أشهر، وكان العرب تعارفوا فيما بينهم في عقد العهود ونقضها ألايتولّى ذلك إلا سيد القبيلة أو رجل من رهطه، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يكون المبلّغ عن النبي رجلا من أهله حتى يقطع ألسنة العرب بالاحتجاج على أمر هو من تقاليدهم، ولا سيما أنه ليس فيه منافاة للإسلام، فلذلك تدارك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر.
روى الترمذي- وحسّنه- وأحمد من حديث أنس قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم براءة مع أبي بكر، ثم دعا عليا فأعطاه إياها وقال:
«لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلا رجل من أهل بيتي» ) . وفي رواية الطبراني أن جبريل عليه السلام هو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لن يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك» .
__________
(1) سورة التوبة: الاية 28.(2/539)
فهذا هو السبب لا ما زعمته الرافضة من أن ذلك للإشارة إلى أن عليا أحق بالخلافة من أبي بكر، ولا أدري كيف غفلوا عن قول الصديق له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، وكيف يكون المأمور أحق بالخلافة من الأمير.
وقد كانت هذه الحجة بمثابة التوطئة للحجة الكبرى وهي حجة الوداع.(2/540)
عام الوفود
لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأسلمت هوازن، وعاد من تبوك وقد أظهر هيبة الإسلام، وجاءت ثقيف إليه مسلمة- تواردت عليه الوفود من كل ناحية، وفي حديث عمرو بن سلمة في قصة الفتح عند البخاري قال: «كانت العرب تلوّم- تنتظر- بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم ... » .
واتفقوا على أن توارد الوفود كان سنة تسع. قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة قال: كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود «1» . وقد ذكر هذه الوفود ابن إسحاق وابن هشام في السيرة، والواقدي في مغازيه، وكاتبه محمد بن سعد في طبقاته «2» ، وهو أوفى ما جمع في ذلك، والبخاري في صحيحه «3» ، وتابعهم معظم الكاتبين في السيرة. قال الحافظ في الفتح: ومجموع ما ذكروه يزيد على الستين.
ومما ينبغي أن يتنبه إليه أن الذين تعرضوا لذكر الوفود لم يقتصروا على الوفود سنة تسع، بل استطردوا إلى ذكر بعض الوفود قبلها وبعدها، فقد ذكر ابن إسحاق وفد ضمام بن ثعلبة مع أنه كان في رجب سنة خمس «4» ، وابن سعد
__________
(1) سيرة ابن هشام، ج 2 ص 560.
(2) الطبقات، ج 1 من ص 291- 295.
(3) فتح الباري، ج 8 من ص 68- 84.
(4) كنت قد ذكرت هذا في الطبعة الأولى بناء على ما ذكر ابن كثير نقلا عن الواقدي، وقد قال ذلك أيضا غيره. ثم ظهر لي أن قدوم ضمام كان سنة تسع، وهو الذي صححه-(2/541)
وفد مزينة مع أنه قال إنه كان في رجب سنة خمس. وذكر البخاري في الوفود وفد عبد القيس مع أنه كانت وفادتهم سنة خمس أو قبلها، ولم يتعرض لوفادتهم الثانية وهي المرادة هنا. وكذلك ذكر ابن سعد وفد محارب مع أنه قال: إن قدومه كان سنة عشر في حجة الوداع؛ وقد نبه إلى هذا الحافظ المؤرخ ابن كثير في بدايته «1» ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري «2» ، وقد تابع بعض الكتاب المتأخرين في السيرة السابقين فيما ذكروا من غير تحرّ وتحقيق.
وقد رأيت أن أذكر أهم هذه الوفود لما في أخبارها من فقه وعلم، وخلق وأدب، وحسن سياسة النبي صلى الله عليه وسلم، وغاية كياسته في معاملة هذه الوفود، وإجاباته لهم ومحاوراته معهم.
وفد بني تميم
وكان السبب في قدومهم- كما ذكر الواقدي- أنهم أغاروا على قوم من خزاعة، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري في خمسين رجلا ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري، فأسر منهم أحد عشر رجلا، وإحدى عشرة امرأة، وثلاثين صبيا، فقدم رؤساؤهم وأشرافهم بسبب أسراهم في وفد عظيم منهم: عطارد بن حاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، وعمرو بن الأهتم، وقيس بن عاصم، فدخلوا المسجد، وقد أذن بلال الظهر والناس ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج إليهم، فتعجل هؤلاء، فصاروا ينادون من وراء حجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم: اخرج يا محمد فإنّ مدحنا زين، وذمنا شين. وأكثروا من هذا النداء الجافي العاري عن الأدب في مخاطبة الرسول.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا وقال: «ذاك الله عز وجل» . فأنزل الله بسببهم هذا التأديب الإلهي، موبخا لهم على ما فعلوا فقال عز شأنه:
__________
- الحافظ ابن حجر (الفتح، ج 1 ص 144) ، ويكون الحق مع ابن إسحاق في ذكره عام الوفود.
(1) ج 5 ص 40- 61.
(2) ج 8 ص 69.(2/542)
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» .
ولما خرج إليهم قالوا: يا محمد جئناك نفاخرك، فأذن لشاعرنا وخطيبنا، فقال: «قد أذنت لخطيبكم فليقل» . فقام عطارد بن حاجب فخطب خطبته ثم جلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس وكان يعرف بخطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم فأجب الرجل في خطبته» فقام ثابت فقال أحسن مما قال عطارد، ثم قام الزبرقان بن بدر شاعرهم فقال قصيدته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان: «قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال» فقال حسان قصيدة مطلعها:
إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم ... قد بينوا سنة للناس تتّبع
يرضى بها كل من كانت سريرته ... تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك فيهم غير محدثة ... إنّ الخلائق- فاعلم- شرّها البدع «2»
فلما فرغ حسان من قصيدته قال الأقرع بن حابس: وأبي إن هذا لمؤتى له- أي مؤيد مستهل له- لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ولأصواتهم أعلى من أصواتنا. فأسلموا وجوّزهم «3» رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسن جوائزهم، وقال قيس بن عاصم- وكان يبغض عمرو بن الأهتم-:
__________
(1) سورة الحجرات: الاية 4- 5.
(2) السيرة، ج 2 ص 2.
(3) جوّزهم: أي أعطاهم جوائزهم وهي العطايا والمنح.(2/543)
يا رسول الله، إنه كان رجل منا في رحالنا وهو غلام حدث، وأزرى به، ولكن رسول الله أعطاه مثل ما أعطى القوم.
ومما يستطرف ما رواه البيهقي أنهم لما قدموا سأل رسول الله عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر فقال: مطاع في أدنيه، شديد العارضة «1» ، مانع لما وراء ظهره، فقال الزبرقان: لقد علم مني أكثر مما قال، وما منعه أن يتكلم إلا الحسد، فقال عمرو: أنا أحسدك؟ فو الله إنك للئيم الخال، حديث المال، أحمق الوالد، مضيّع في العشيرة، ولقد صدقت فيما قلت أولا، وما كذبت فيما قلت اخرا، ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت، وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت، فقال رسول الله: «إن من البيان لسحرا» «2» .
وفد بني عبد القيس
وكانت لهم وفادتان: الأولى قبل الفتح وهي التي قالوا فيها: بيننا وبينك كفار مضر (قريش) ، وكان ذلك قديما سنة خمس أو قبلها، وكانوا ثلاثة عشر رجلا وفيهم الأشج «3» الذي قال له النبي: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم «4» ، والأناة» ، وفيها سألوا عن الإيمان والأشربة، وعلى هذه اقتصر الإمام البخاري عن ابن عباس قال: أول جمعة جمعت- بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم- في مسجد عبد القيس بجواثى- قرية بالبحرين- وهذا يدل على تقدّم إسلامهم.
الثانية: كانت في سنة الوفود، وكانوا أربعين رجلا، وهي التي اقتصر عليها ابن إسحاق، وهي المرادة هنا. قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو في وفد عبد القيس، وكان نصرانيا، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليه الإسلام ورغّبه فيه، فقال: إني كنت على دين، وإني
__________
(1) العارضة: القدرة على الكلام.
(2) يعني كالسحر في قوة التأثير والاستيلاء على الألباب.
(3) اسمه المنذر بن عائد بالذال المعجمة العصرى، وقيل غير ذلك.
(4) العقل.(2/544)
تارك ديني لدينك أفتضمن لي ديني؟ فقال رسول الله: «نعم أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه» فأسلم وأسلم أصحابه.
فخرج الجارود راجعا إلى قومه، وكان حسن الإسلام صلبا في دينه، وقد أدرك الردّة، فلما رجع من قومه من رجع منهم قام الجارود فتشهّد ودعا إلى الإسلام فقال: (أيها الناس، إني أشهد ألاإله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأكفّر من لم يشهد) . وإنها لمكرمة له.
ويؤيد تعدد وفادتهم ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «ما لي أرى ألوانكم تغيّرت» ؟ ففيه إشعار بأنه كان راهم قبل هذا «1» .
وفد بني حنيفة
وقدم وفد بني حنيفة وفيهم مسيلمة الكذاب، فنزلوا في دار رملة بنت الحارث وكانت معدة للوفود، فجعل يقول: (إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته) فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال له:
«لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنّك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني» ، ثم انصرف عنه.
قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك أرى الذي أريت فيه ما رأيت) فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم رأيت في يديّ سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إليّ في المنام أن انفخهما، فنفختهما فذهبا، فأوّلتهما كذابين يخرجان» «2» .
والكذابان: أحدهما الأسود العنسي الذي ادعى النبوة بصنعاء وقد قتل قبل وفاة النبي بيوم وليلة، وجاء الخبر بذلك صبيحة دفن النبي. والاخر مسيلمة: ادّعى النبوة في بني حنيفة حتى قتل في خلافة الصديق.
__________
(1) فتح الباري ج 8 ص 61.
(2) رواه البخاري.(2/545)
وفي رواية أخرى للبخاري أن مسيلمة قال للنبي: (إن شئت خلّينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك) فأجابه النبي بما أجاب به.
وسياق هذه القصة في الصحيح يخالف ما ذكره ابن إسحاق وهو أن مسيلمة وفد مع قومه، وأنهم تركوه في رحالهم يحفظها لهم، وذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذوا منه جائزته، وأنه قال لهم: «إنه ليس بشركم» وأن مسيلمة لما ادّعى أنه أشرك في النبوة مع رسول الله احتجّ بهذه المقالة؛ وهذا مع شذوذه ضعيف السند لانقطاعه، وأمر مسيلمة كان عند قومه أكثر من ذلك، فقد كان يقال له: رحمان اليمامة لعظم قدره فيهم، فالمعول عليه ما في صحيح البخاري «1» .
وفد أهل نجران «2»
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتابا يدعوهم فيه إلى عبادة الله واحده ونبذ عبادة العباد، فإن أبوا فالجزية، فإن أبوا فالحرب. والظاهر أن هذا الكتاب كان سنة تسع «3» بعد نزول قوله تعالى:
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «4» .
فكان أنهم لما جاءهم كتاب رسول الله خرجوا إليه في أربعة عشر من أشرافهم، وقيل في ستين راكبا، منهم ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم: العاقب، وهو أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه، والسيد وهو صاحب رحلتهم، وأبو الحارث أسقفهم، وحبرهم وصاحب مدراسهم. فقدموا على
__________
(1) فتح الباري ج 8 ص 73.
(2) نجران بفتح النون: بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن، حوله قرى كثيرة.
(3) فتح الباري ج 8 ص 76.
(4) سورة التوبة: الاية 29.(2/546)
النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة، وأردية مكفوفة بالحرير، وفي أيديهم خواتيم الذهب، فقاموا يصلّون في المسجد نحو المشرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوهم» ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنهم ولم يكلمهم، فقال لهم عثمان: من أجل زيّكم هذا، فانصرفوا يومهم هذا، ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلّموا عليه، فردّ عليهم ودعاهم إلى الإسلام، فأبوا وقالوا: كنا مسلمين قبلكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يمنعكم من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم لحم الخنزير، وزعمكم أن لله ولدا» .
وكثر الجدال والحجاج بينه وبينهم، والنبي يتلو عليهم القران ويقرع باطلهم بالحجة، وكان مما قالوه لرسول الله: ما لك تشتم صاحبنا وتقول إنه عبد الله، فقال: «أجل، إنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول» فغضبوا، وقالوا: هل رأيت إنسانا قط من غير أب فإن كنت صادقا فأرنا مثله؟ فأنزل الله في الرد عليهم قوله سبحانه: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ «1» فكانت حجة دامغة شبه فيها الغريب بما هو أغرب منه.
فلما لم تجد معهم المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة دعاهم إلى المباهلة «2» امتثالا لقول الله عزّ شأنه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ:
تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ «3» .
وخرج النبي ومعه علي، والحسن، والحسين، وفاطمة وقال: «وإذا أنا دعوت فأمّنوا» فائتمروا فيما بينهم، فخافوا الهلاك لعلمهم أنه نبي حقا، وأنه
__________
(1) سورة ال عمران: الايتان 59- 60.
(2) الدعاء باللعنة، ثم شاعت في مطلق الدعاء؛ والمباهلة مشروعة حيث يتعذر عن طريق الجدال والمناظرة الوصول إلى الحق، ويأبى الخصم- كما هنا- الخضوع للحجة والبرهان. فلم يبق إلا اللجوء إلى استنزال غضب الله ولعنته وهلاكه على القوم الكاذبين.
(3) سورة ال عمران: الاية 61.(2/547)
ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا، فأبوا أن يلاعنوه وقالوا: احكم علينا بما أحببت، فصالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب، وألف في صفر، وعلى عارية ثلاثين درعا، وثلاثين رمحا، وثلاثين بعيرا، وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد، واشترط عليهم ألايتعاملوا بالربا، وأمّنهم على أنفسهم ودينهم وأموالهم وكتب لهم كتابا جاء فيه:
«ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهداهم وبيعهم، لا يغير أسقف على سقيف، ولا راهب عن رهبانيته، ولا واقف عن وقفانيته» وأشهد على ذلك بعض المسلمين، ثم رجعوا إلى بلادهم فلم يلبث العاقب والسيد إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري وأقام أهل نجران على ذلك حتى توفّى الله نبيّه.
وتولى الصدّيق الخلافة فأحسن معاملتهم وأوصى بهم عند وفاته، وفي عهد الفاروق عمر تعاملوا بالربا، فأخرجهم من أرضهم وكتب لهم: (هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران من سار منهم أنه امن بأمان الله، لا يضرهم أحد من المسلمين، وفاء لهم بما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، أما بعد: فمن وقعوا به من أمراء الشام، وأمراء العراق فليوسعهم من جريب الأرض فاعتملوا من ذلك فهو لهم صدقة، وعقبة لهم بمكان أرضهم لا سبيل عليهم فيه لأحد، ولا مغرم. أما بعد: فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم فإنهم أقوام لهم الذمة، وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهرا بعد أن تقدموا، ولا يكلفوا إلا من ضيعتهم التي اعتملوا غير مظلومين ولا معنوف عليهم) وأشهد على ذلك عثمان بن عفان واخر، فوقع أناس منهم بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة، وذهب بعضهم إلى الشام «1» .
وما حدث من النبي وخليفته هو غاية العدل والإحسان والتسامح مع النصارى، ولولا أنهم تعاملوا بالربا، وأصبحوا يكونون خطرا اجتماعيا
__________
(1) الطبقات الكبرى ج 1 ص 358.(2/548)
واقتصاديا في بلاد اليمن لما أجلاهم الفاروق، ولكنهم هم الذين أساؤوا لأنفسهم بنقض العهد الذي عاهداهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعث أبي عبيدة معهم
ولما عزموا على الرجوع إلى بلادهم قالوا للنبي: ابعث معنا رجلا أمينا ليقبض منهم مال الصلح، فقال لهم: «لأبعثنّ معكم رجلا أمينا حق أمين» فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قم يا أبا عبيدة بن الجراح» فلما قام قال: «هذا أمين هذه الأمة» .
وفد طيّىء وعدي بن حاتم
قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منّ على سفّانة أخت عدي لما جيء بها في سبايا طيّىء، وأن عديا كان هرب بأهله وولده لما سمع بخيل المسلمين، فذهبت أخته إليه بالشام، وأشارت عليه أن يقدم على رسول الله فيسلم. فذهب إلى المدينة حتى جاء المسجد النبوي فسلم عليه فقال: «من الرجل» ؟ فقلت: عدي بن حاتم فقال لي: «يا عدي أسلم تسلم» ثلاثا، فقلت: إني على دين قال: «أنا أعلم بدينك منك!! ألست ركوسيا، وأنت تأكل مرباع قومك «1» » ؟ قلت: بلى، قال:
«هذا لا يحل لك في دينك» قلت: نعم، وكان رأى من تواضع النبي مع الناس ومعه ما جعله يعتقد أنه نبي مرسل، يعلم ما يجهل، وليس بملك.
ثم قال النبي: «لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فو الله ليوشكنّ المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعلك إنما يمنعك من دخولك فيه ما ترى من كثرة عدوّهم وقلة عددهم، فو الله ليوشكنّ أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت، ولعلك إنما يمنعك من دخولك فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكنّ أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم» .
__________
(1) الركوسية: دين بين النصارى والصابئة كما في النهاية، والمرباع ربع الغنيمة.(2/549)
فأسلم وحسن إسلامه، وشارك في فتح بلاد فارس، ورأى المرأة تخرج من أقاصي البلاد إلى الكعبة وهي امنة، وكان يقول: وايم الله ولتكونن الثالثة.
وفد زيد الخيل
وقدم وفد من طيّىء على رسول الله وفيهم زيد الخيل «1» وهو سيدهم، فلما انتهوا إليه كلموه، فعرض عليهم الإسلام، فأسلموا وحسن إسلامهم، وقد أجاز رسول الله كل رجل خمس أواق فضة، وأجاز زيدا اثنتي عشرة أوقية ونشّا وقال: «ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا زيد الخيل، فإنه لم يبلغ الذي فيه» . ثم سمّاه زيد الخير، وقطع له قيد «2» ، وأرضين، وكتب له بذلك كتابا، ثم رجع مع قومه، فلما كان بالطريق مات، فعمدت امرأته إلى كل ما كان معه من الكتب فحرقتها ومنها كتاب رسول الله بما أقدمه إياه!!.
وفد بني عامر
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر وفيهم عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، فلما انتهوا إلى رسول الله قال عامر: يا محمد ما تجعل لي إن أسلمت؟
فقال: «لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم» قال عامر: أتجعل لي الأمر- إن أسلمت- من بعدك؟ فقال رسول الله: «ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكن لك أعنّة الخيل» قال: أنا الان في أعنّة خيل نجد، اجعل لي الوبر ولك المدر، فقال رسول الله: «لا» قال: أما والله لأملأنّها عليك خيلا ورجالا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
«اللهم اكفني عامر بن الطفيل» .
وكان هو وأربد قد تواطا على اغتيال النبي فعصمه الله منهما، فلما خرجا راجعين إلى بلادهم نزل عامر في بيت امرأة من بني سلول، فأصيب بغدّة «3» في
__________
(1) قيل: سمي زيد الخيل لخمسة أفراس كانت لها أسماء أعلام.
(2) قيد: بفتح القاف وسكون الياء: اسم قرية.
(3) داء يصيب البعير وهو شبيه بالذبحة التي تصيب ابن ادم.(2/550)
عنقه، فصار يقول: أغدة كغدة الإبل، وموت في بيت سلولية، فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وصار يعدو بفرسه حتى سقط عنه ميتا!!.
وأما أربد فقد وصل إلى أرض بني عامر فقالوا: ما وراءك يا أربد؟ قال:
لا شيء، والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الان فأرميه بالنبل حتى أقتله. فخرج بعد ذلك بيوم أو يومين معه جمل له يبيعه، فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما، وفي شأن عامر وأربد أنزل الله سبحانه قوله: اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ... إلى قوله تعالى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ «1» .
قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله
وفي شهر رمضان سنة تسع مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وفد عليه مالك بن مرارة الرهاوي رسول ملوك حمير بكتابهم وإسلامهم، فأمر بلالا أن ينزله ويكرمه، وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن عبد كلال، وإلى نعيم بن عبد كلال، وإلى النعمان قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان: «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله النبي إلى الحارث بن عبد كلال..: أما بعد ذلكم: فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا الله، فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم، فلقينا بالمدينة، فبلّغ ما أرسلتم به، وخبّرنا ما قبلكم، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين، وأن الله قد هداكم بهداه أن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة، واتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه ... » .
ثم ذكر زكاة الزرع والإبل والبقر والغنم، وكذلك أرسل إلى زرعة ذي يزن يوصيه برسله وعماله إليهم خيرا «2» .
__________
(1) سورة الرعد: الايات 8- 13.
(2) البداية والنهاية ج 5 ص 75.(2/551)
وفد أهل اليمن
وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في سنة تسع وفد اليمن، وقد جاؤوا فوجدوا وفد بني تميم عند النبي، ولكنهم كانوا أفقه منهم وأرق، روى البخاري في صحيحه أنه لما جاء بنو تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبشروا بني تميم» فقالوا: أما إذ بشرتنا فأعطنا، فتغيّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء ناس من أهل اليمن فقال النبي:
«اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم» قالوا: قد قبلنا يا رسول الله جئناك لنتفقّه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر «1» ما كان؟ قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله- وفي رواية غيره- وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء» «2» .
وفي شأن هذا الوفد روى البخاري في صحيحه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة، وألين قلوبا. الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم» .
وقد ترجم البخاري في باب الوفود «باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن» وليس معنى هذا أن قدوم الأشعريين كان سنة تسع، فالثابت في الصحيح والسير أن قدومهم كان سنة سبع عقب خيبر، وهذا يشهد لما ذكرته في صدر فصل الوفود من عدم التقيد بالوفود التي وفدت عام تسع.
وفود أخرى
وفد وائل بن حجر
وقدم وائل بن حجر بن ربيعة أحد ملوك اليمن، وقد بشّر النبي به أصحابه فقال: «يأتيكم بقية أبناء الملوك» ، فلما دخل رحّب به، وأدناه من نفسه، وبسط له رداءه وقال: «اللهم بارك في وائل وولده، وولد ولده» واستعمله على الأقيال من حضرموت.
__________
(1) يعني بدء الخلق.
(2) فتح الباري ج 8 ص 9، ج 6 ص 230.(2/552)
وفد الأزد
وقد وفد الأزد من اليمن، فأعجب الرسول ما رأى من زيهم وسمتهم، ثم سألهم «ما أنتم» ؟ فقالوا: مؤمنون، فسألهم عن حقيقة قولهم وإيمانهم، فذكروا خمس عشرة خصلة: خمس أمرتنا بها رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها» ؟ قلنا: أمرتنا أن نؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، قال:
«وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها» ؟ قلنا: أمرتنا أن نقول: لا إله إلا الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت من استطاع إليه سبيلا، فقال: «وما الخمس التي تخلّقتم بها في الجاهلية؟» قالوا: الشكر عند الرخاء، والصبر عند البلاء، والرضا بمرّ القضاء، والصدق في مواطن اللقاء، وترك الشماتة بالأعداء. فقال لهم الرسول: «حكماء علماء، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء» «1» .
وقدم الأشعث بن قيس في ثمانين راكبا من أشراف كندة وكان من ملوكهم، وقد رجّلوا جممهم «2» ، وتكحّلوا، عليهم جبب الحبرة قد كفّفوها بالحرير، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده قال لهم: «ألم تسلموا؟» قالوا: بلى، قال: «فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟» فشقّوه منها فألقوه، وأسلموا.
ثم ارتدّ الأشعث فيمن ارتد من الكنديين بعد وفاة النبي، ثم أسر وجيء به إلى الصدّيق، فندم، ورجع إلى الإسلام، وزوّجه الصدّيق أخته أم فروة، وقد حسن حاله وشارك في الفتوحات الإسلامية، وقد اتفق الذين كتبوا في تاريخ الصحابة على عده من الصحابة.
__________
(1) البداية ج 5 ص 94.
(2) الجمة: الشعر يبلغ المنكبين، ورجلوا: سرحوا.(2/553)
وفد الداريّين
وقدم وفد الداريين «1» على رسول الله منصرفه من تبوك، وهم عشرة نفر فيهم تميم الداري وأخوه نعيم، وكانوا نصارى فأسلموا، وأقاموا بالمدينة حتى توفي رسول الله، وكان النبي أقطع تميما أرضا بالشام، فلما تولّى الخلافة الصدّيق أعطاه ذلك.
وفد تغلب
وقدم وفد تغلب ستة عشر رجلا مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث- وكانت معدّة للوفود- فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم النصارى منهم على أن يقرهم على دينهم، على ألايصبغوا أولادهم في النصرانية «2» ، وأجاز المسلمين منهم بجوائزهم.
وبذلك أظهر الله دينه على الأديان كلّها، ودانت الجزيرة من بلاد الشام إلى بلاد حضرموت لله ولرسوله، إلا بعض بطون من قبائل العرب لم تلبث أن أسلمت وأذعنت سنة عشر.
__________
(1) نسبة إلى الدار بطن من لخم.
(2) أي ألايعمدوهم في ماء المعمودية.(2/554)
السّنة العاشرة من الهجرة
سرية خالد بن الوليد
في ربيع الاخر أو جمادى الأولى من سنة عشر أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، فإن استجابوا فاقبل منهم، وإن لم يفعلوا فقاتلهم، فخرج خالد حتى قدم إليهم ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتاب الله، وسنة نبيه، ثم أرسل إلى رسول الله كتابا يخبره خبرهم، فكتب إليه أن يبشرهم وينذرهم وأن يقبل، ويقبل معه وفدهم.
فأقبل خالد ومعه وفدهم، منهم قيس بن الحصين، فكلّمهم وسألهم: «بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية» ؟ قالوا: إنا كنا نجتمع ولا نتفرق، ولا نبدأ أحدا بظلم، قال «صدقتم» ، ثم أمّر عليهم قيس بن الحصين وعادوا إلى قومهم في شوال أو صدر ذي القعدة.
بعث عمرو بن حزم
ثم بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن ولّى وفدهم عمرو بن حزم ليفقههم في الدين، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام، ويأخذ منهم صدقاتهم، وكتب له كتابا عهد إليه فيه عهده، وأمره بأوامره، وبين له المنهج الذي يتبعه معهم في الحكم، والتربية، والتعليم، والتأديب، ثم ختمه بما يأخذه من المغانم وهو الخمس، وبيّن له أنصبة الزكاة في الزروع وفي الإبل والبقر والغنم. وقد ذكر الكتاب بطوله الإمام محمد بن إسحاق «1» في سيرته، والنسائي في سننه، والبيهقي في السنن.
__________
(1) سيرة ابن هشام، ج 3 ص 594.(2/555)
سرية علي بن أبي طالب
وفي رمضان أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا في جمع إلى بني مذحج، وهي قبيلة يمانية، وعمّمه بيده، وقال: «سر حتى تنزل بساحتهم، فادعهم إلى قول: لا إله إلا الله، فإن قالوا: نعم فمرهم بالصلاة، ولا تبغ غير ذلك، ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس، ولا تقاتلهم حتى يقاتلوك» .
فلما انتهى إليهم لقي جموعهم، فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا المسلمين بالنبل، فصفّ عليّ أصحابه وأمرهم بالقتال، فقاتلوا حتى هزموا عدوّهم، فكفّ عن طلبهم قليلا، ثم لحقهم ودعاهم إلى الإسلام، فأجابوا وبايعه رؤساؤهم، وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا، فخذ منها حق الله ففعل.
وفد بجيلة «1»
وقدم جرير بن عبد الله البجلي في رمضان سنة عشر على النبي ومعه من قومه مائة وخمسون رجلا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن، على وجهه مسحة ملك» ، فطلع جرير على راحلته ومعه قومه، فأسلموا وبايعوا.
وروي أن رسول الله بسط عليه كساء ثم التفت إلى أصحابه وقال: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» وفي الصحيحين عن جرير قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم» .
وفد أحمس
وقدم قيس بن عزرة الأحمسي في مائتين وخمسين رجلا من أحمس- أخوة بجيلة- فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنتم» ؟ فقالوا: نحن أحمس الله، وكان يقال لهم ذاك في الجاهلية، فقال لهم: «وأنتم اليوم لله» ، وقال لبلال: «أعط ركب بجيلة وابدأ بالأحمسيين» ففعل.
__________
(1) بجيلة على وزن حنيفة قبيلة باليمن.(2/556)
ولما أسلم جرير قال له رسول الله: «ألا تريحني من ذي الخلصة؟» «1» ، فانطلق في مائة وخمسين من أحمس وكانوا أصحاب خيل، فاشتكى إلى رسول الله أنه لا يثبت على الخيل، فضرب في صدره ودعا له قائلا: «اللهم ثبّته، واجعله هاديا مهديا» ، فلم يسقط بعد عن فرس، ثم ذهب ومن معه حتى جاء إليها فخرّبها وحرّقها، وأرسل إلى رسول الله من يبشر بذلك، فبارك رسول الله على خيل أحمس ورجالها (خمس مرات) «2» .
__________
(1) ذو الخلصة: بيت باليمن لخثعم كانوا بنوه يضاهئون به الكعبة وبه نصب تعبد.
(2) رواه البخاري ومسلم.(2/557)
بعث العمال والقضاة والأمراء إلى اليمن
بعث معاذ بن جبل إلى اليمن
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي الإمام المقدّم في علم الحلال والحرام إلى اليمن قاضيا ومفقّها، وأميرا، ومصدّقا «1» ، وجعله على أحد مخلافيها «2» وهو الأعلى، وفي طبقات ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن لما بعث معاذا: «إني بعثت لكم خير أهلي» .
ولما خرج معاذ متوجها إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعه ويوصيه، ومعاذ راكب، ورسول الله يمشي تحت راحلته، فأوصاه بوصايا كثيرة، منها: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» «3» .
وقال له- وقد وضع رجله في الغرز «4» -: «حسّن خلقك للناس» «5» رواه مالك في الموطأ، وقال له أيضا: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا ألاإله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة، فإن هم
__________
(1) المصدّق بتشديد الدال: اخذ الزكاة.
(2) المخلاف بكسر الميم بلغة أهل اليمن: الإقليم والكورة والرستاق، وكانت إمارة معاذ على المخلاف الأعلى، واليمن مخلافان.
(3) رواه أحمد والترمذي.
(4) الغرز: هو للإبل كالسرج للفرس، وهو ما يركب عليه.
(5) رواه مالك في الموطأ.(2/558)
أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» «1» .
وما أجلّه من منهج يجب أن يسلكه المربون والمعلمون، والهداة والمصلحون.
وكذلك أراد النبي أن يعرف علمه بالقضاء حين بعثه فقال له: «كيف تصنع إن عرض لك قضاء» ؟ قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: «فإن لم يكن في كتاب الله» ؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فإن لم يكن في سنة رسول الله» ؟
قال: أجتهد- وإني لا الو- أي لا أقصر، قال: فضرب رسول الله صدره ثم قال: «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» «2» . وهذا يدلّ على فقه معاذ، وعلمه بأصول القضاء.
فلما فرغ رسول الله من وصاياه قال له: «يا معاذ، إنك عسى ألاتلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري» فبكى معاذ خشعا لفراق الرسول. وكذلك وقع الأمر كما أشار الرسول، فقد أقام معاذ باليمن، ولم يقدم إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
بعث أبي موسى الأشعري
وكذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري اليمني إلى مخلاف اليمن الاخر وهو الأسفل، قاضيا ومفقها وأميرا ومصدّقا، وأوصاه ومعاذا فقال: «يسّرا ولا تعسرا، وبشّرا ولا تنفّرا، وتطاوعا ولا تختلفا» «3» .
وقد عملا بوصية النبي، وانطلق كل واحد منهما إلى عمله، وصارا يتزاوران ويتحابان في الله، وقد سأل أبو موسى رسول الله فقال: يا نبي الله،
__________
(1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
(3) رواه البخاري.(2/559)
إن أرضنا بها شراب من الشعير- المزر- وشراب من العسل- البتع- فقال:
«كل مسكر حرام» .
وقد دلّ بعث النبي لأبي موسى على أنه كان عالما فطنا حاذقا، ولولا ذلك لم يولّه النبي صلى الله عليه وسلم الإمارة والقضاء، ولو كان فوّض الحكم لغيره لم يحتج إلى توصيته بما وصاه به، ولذلك اعتمد عليه عمر، ثم عثمان، ثم علي.
وأما الخوارج والروافض فطعنوا فيه ونسبوه إلى الغافلة وعدم الفطنة لما صدر منه في التحكيم بصفين، قال ابن العربي وغيره: والحق أنه لم يصدر منه ما يقتضي وصفه بذلك، وغاية ما وقع منه أن اجتهاده أداه إلى أن يجعل الأمر شورى بين من بقي من أكابر الصحابة من أهل بدر ونحوهم، لما شاهد من الاختلاف الشديد بين الطائفتين بصفّين، وال الأمر إلى ما ال إليه «1» .
بعث علي بن أبي طالب
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب إلى اليمن ليقبض خمس الغنائم التي غنمها خالد بن الوليد، وهو يجاهد في اليمن وليخلفه في الجهاد، فذهب واستلمه واصطفى منه جارية لنفسه، فأثار ذلك نفس أحد الصحابة عليه وهو بريدة الأسلمي، وكان في نفسه من علي شيء، فلما قدم على النبي ذكر ذلك له فقال: «يا بريدة أتبغض عليا؟» ، قال: نعم. قال: «لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك» «2» . قال بريدة: فما كان أحد من الناس أحبّ إلي من علي.
وفي صحيح البخاري أن عليا بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس بذهيبة لم تخلص من تبرها من الخمس، فقسمها النبي بين أربعة: عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة العامري، وكذلك بعثه مصدّقا كما رواه البيهقي «3» .
__________
(1) فتح الباري، ج 7 ص 50.
(2) رواه البخاري.
(3) البداية والنهاية، ج 5 ص 105.(2/560)
وقد وكل إليه القضاء أيضا. روى أحمد وأبو داود والترمذي عن علي قال:
بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسنّ مني وأنا حديث السن لا أبصر القضاء؟ فوضع يده على صدري وقال: «اللهم ثبت لسانه، واهد قلبه» ، وقال: «يا علي، إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الاخر، فإنك إن فعلت ذلك تبيّن لك» . قال علي: فما أشكل علي قضاء بعد «1» . ثم رجع علي رضي الله عنه إلى رسول الله فوافاه بمكة في حجة الوداع.
أمراء وعمال اخرون
قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات (الزكاة) إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان.
فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه الأسود العنسي وهو بها.
وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى حضرموت وعلى صدقاتها.
وبعث عديّ بن حاتم على طيىء وصدقاتها، وعلى بني أسد.
وبعث مالك بن نويرة اليربوعي على صدقات بني حنظلة.
وفرّق صدقة بني سعد على رجلين منهم: فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها، وقيس بن عاصم على ناحية.
وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين.
وفي صحيح البخاري أن النبي استعمل ابن اللّتبيّة- وقد سماه ابن سعد وغيره عبد الله- على صدقات بني سليم، وممن استعملهم النبي يزيد بن أبي سفيان على صدقات بني فراس وكانوا أخواله «2» .
__________
(1) فتح الباري، 8 ص 53.
(2) الإصابة، ج 3 ص 656.(2/561)
جملة المغازي، والسرايا، والبعوث
ها نحن قد انتهينا- ولله الحمد والمنة- من غزوة تبوك، وهي اخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلنذكر جملة المغازي والسرايا والبعوث، فأقول وبالله التوفيق:
روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما «1» عن أبي إسحاق السّبيعي قال:
كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقلت له: كم غزا النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة؟.
قال: تسع عشرة، فقلت: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة، قلت:
فأيهن كانت أول؟ قال: العشير، أو العسيرة «2» ، فذكرت لقتادة قال:
العشيرة «3» .
وروى مسلم في صحيحه بسنده عن بريدة قال: (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، قاتل في ثمان منهن) ، وعلى هذا يتفق ما رواه زيد بن أرقم، وما رواه بريدة في العدة، ويكون مرادهما الغزوات التي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سواء قاتل أولم يقاتل، وأما قوله: (قاتل في ثمان منهن) ، فلعله لم يعدّ الفتح- كما قال الإمام النووي- ويكون مذهبه أنها فتحت صلحا، كما قال
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب غزوة العشيرة، وباب «كم غزا النبي» ، وصحيح مسلم- كتاب الجهاد والسير- باب عدد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) الأولى بالشين المعجمة بلا هاء. والثانية بالسين المهملة وبالهاء على صيغة المصغّر فيهما.
(3) يعني بالشين المعجمة، وبالهاء على صيغة المصغّر، وهي التي اتفق عليها أهل السير وإن كان الكل صحيحا.(2/562)
الشافعي وموافقوه، أو لعله اعتبر الخندق وبني قريظة غزوة واحدة، وبقول بريدة رضي الله عنه- قال موسى بن عقبة وهو من أئمة أهل المغازي «1» .
ولا يعكّر على هذا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، قال جابر: لم أشهد بدرا ولا أحدا؛ منعني أبي- وذلك ليكون مع أخواته البنات- فلما قتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط) ، ومقتضى هذا أن عدد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرون.
وذلك لأن زيدا فاته ذكر اثنتين منها وهما: الأبواء، وبواط، فقد كانتا قبل العشيرة قطعا؛ وكأن ذلك خفي عليه لصغره، ولعلهما خفيتا أيضا على بريدة أو نسيهما، على أن ذكر الأقل لا ينفي ذكر الأكثر، والعبارة في الروايتين غير حاصرة.
والذي ذكره ابن إسحاق في سيرته أنها سبع وعشرون غزوة، قال: (وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة، منها:
غزوة ودّان، وهي غزوة الأبواء، ثم غزوة بواط من ناحية رضوى؛ ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع، ثم غزوة بدر الأولى بطلب كرز بن جابر، ثم غزوة بدر الكبرى، التي قتل فيها صناديد قريش، ثم غزوة بني سليم حتى بلغ الكدر ثم غزوة بحران- معدن بالحجاز- ثم غزوة أحد، ثم غزوة حمراء الأسد، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل، ثم غزوة بدر الاخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة الخندق، ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحيان من هذيل، ثم غزوة الحديبية، لا يريد قتالا، فصده المشركون، ثم غزوة تبوك.
قاتل منها في تسع غزوات: بدر، وأحد، والخندق، وقريظة، والمصطلق، والفتح، وحنين، والطائف «2» .
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 12 ص 195؛ فتح الباري، ج 7 ص 224، 225.
(2) سيرة ابن هشام، ج 2 ص 608، 609.(2/563)
أقول: ولم يذكر ابن إسحاق «غزوة بني قينقاع» مع أنها أولى بتسميتها غزوة من عمرة القضاء، وهذا يدل على أن المسألة اعتبارية، وهي مما تختلف فيها الأنظار، ولا أدري السبب في عدم ذكر غزوة بني قينقاع إلا أن يكون سهوا، والكمال لله والعصمة لرسوله، كذلك خالفت ابن إسحاق في ترتيبه للغزوات بناء على الدليل والبرهان، وقد بينت ذلك ثم قال ابن إسحاق: وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثماني وثلاثين من بين بعث وسرية. ثم شرع- رحمه الله- في تفصيل ذلك.
وقال موسى بن عقبة في مغازيه: (قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان: بدر، ثم أحد، ثم الأحزاب، ثم المصطلق، ثم خيبر، ثم مكة، ثم حنين، ثم الطائف) ، فأهمل غزوة قريظة لأنه اعتبرها والأحزاب غزوة واحدة، بينما أفردها ابن إسحاق، وعلى هذا لا تنافي بين ما ذكره موسى بن عقبة، وما ذكره ابن إسحاق.
وكذلك عدّ ابن سعد في «الطبقات» المغازي سبعا وعشرين، وتبع في ذلك الواقدي، وهو موافق لما ذكره ابن إسحاق كما قدمنا. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: إلا أنه لم يفرد وادي القرى من خيبر، أشار إلى ذلك السهيلي، وكأن الستة الزائدة من هذا القبيل، وعلى هذا يحمل ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيّب قال: (غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين غزوة) وأخرجه يعقوب بن سفيان عن سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق، فزاد فيه: أن سعيدا قال أولا ثماني عشرة، ثم قال أربعا وعشرين. قال الزهري فلا أدري أوهم- غلط- أو كان شيئا سمعه بعد؟ قلت- أي الحافظ-:
وحمله على ما ذكرته يدفع الوهم ويجمع الأقوال، والله أعلم.
وأما البعوث والسرايا فقد عدها ابن إسحاق ثماني وثلاثين، وعدّها الواقدي ثماني وأربعين، وعدها ابن سعد ستا وخمسين، وحكى ذلك(2/564)
ابن الجوزي في «التلقيح» ، وعدها المسعودي ستين، وبلغها الحافظ العراقي في نظم السيرة زيادة على السبعين، ووقع عند الحاكم في «الإكليل» أنها تزيد على مائة؛ فلعله أراد ضم المغازي إليها، كما قال الحافظ في الفتح.
فلا يهولنّك- أيها القارىء الفطن- ما ترى من اختلاف في العدة، فالعبارات ليست حاصرة، والعدد كما يقول بعض الأصوليين لا مفهوم له؛ فذكر الأقل لا ينفي ذكر الأكثر، والمسألة كما قلت لك اعتبارية، فمن ثمّ اختلفت العبارات في العدة لاختلاف الاعتبارات؛ وكلّ أخبر بما علم، وقد يكون عند الواحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عند الاخر، وقد يشهد الواحد منهم ما لا يشهد الاخر.
وهذا هو اللائق بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرعيل الأول من المسلمين، الذين نشروا الإسلام وضحوا في سبيله بالنفس والنفيس، والأهل والولد، وكان الواحد منهم لأن يخر من أعلا جبل، أهون عليه من أن يكذب على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، أو يصفه بما ليس فيه، أو ينسب إليه ما لم يصدر عنه.
وكانوا من العدالة، ومن الصدق، والضبط بالمحل الأرفع، وكيف لا وقد أثنى الله عليهم بالثناء المستطاب في القران الكريم، وضرب بهم الأمثال في التوراة والإنجيل، وأثنى عليهم الرسول الكريم غاية الثناء؟
ولا تعجب- يا قارئي الحصيف- إذا كنت أعنى بالتوفيق بين الايات القرانية، والأحاديث والمرويات، لأن هذا من جلّ مقاصدي في هذا الكتاب أن أبين أن ايات الله يصدّق بعضها بعضا، وتتعارف ولا تتناكر، وتتالف ولا تتخالف، وأن الأحاديث الصحيحة الثابتة لا يرد بعضها بعضا، ولا يناقض بعضها البعض الاخر، وأن لهذه وتلك مخارج صحيحة لمن أعمل الذهن، وقدح الفكر، وتناولها بالقلب المؤمن، والعقل المتئد البصير، رزقني الله وإياك إيمانا ثابتا لا يتزعزع، وقلبا بصيرا تقيا، من الشكوك نقيا، وعلما نافعا، ولسانا ذاكرا،(2/565)
وبالحق قوالا، وعن الإسلام ورجالاته منافحا، وأتم عليّ وعليك نعمة الإسلام.
ولسان حالي يقول:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم(2/566)
حجّة الوداع
ها هي الوفود قد جاءت تترى من كل ناحية، وأضحت الجزيرة العربية مؤمنة موحّدة، وها هي دعائم الإسلام وشرائعه قد استقرت وبيّنها النبي بقوله وعمله، ولم يبق من أصول الإسلام ما هو في حاجة إلى البيان القولي والعملي من النبي صلى الله عليه وسلم إلا الحج، وها هو الصديق قد مهّد بالحج سنة تسع للنبي أن يحج بالناس ليوقفهم على مناسكه كما شرعه الله من لدن الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولينفي عن الحج ما شابه من بدع ومستحدثات، وإنا لنلمس هذا المعنى جليا في قوله صلى الله عليه وسلم: «كونوا على مشاعركم، فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم» «1» . وقوله في هذه الحجة وهو يرمي جمرة العقبة: «لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» رواه مسلم.
وتسمى هذه الحجة حجة الوداع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ودّع المسلمين بهذا القول، وحجة الإسلام لأنه لم يحج بعد الهجرة غيرها، وأما قبل الهجرة فقد حجّ مرارا قبل النبوة وبعدها، وحجة البلاغ لأن النبي بلّغ الناس شرع الله في الحج قولا وعملا، وذكّرهم بالمهم من شرائع الإسلام، وحقوق الإنسان، وأشهد الله والناس على ذلك.
الأذان بالحج
ولم يكد يحل شهر ذي القعدة من هذا العام حتى أخذ رسول الله في التجهز للحج، وأذّن في الناس بذلك، وأمرهم بالتجهز، فصادفت الدعوة هوى في
__________
(1) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه.(2/567)
النفوس، فجاء الناس من كل فج وصوب، من القرى والبوادي، والسهل والجبل، والوديان والصحاري، مشاة وركبانا، تحدوهم الرغبة الصادقة في حج بيت الله مهوى القلوب، ومثابة للناس، والحرص على أن يحظوا بالشرف الرفيع شرف مصاحبة الرسول، والنظر إليه، والسماع منه، وضرب حول المدينة الخيام لمائة ألف أو يزيدون، وحّد بينهم الإسلام، وربط قلوبهم على المحبة والإخاء، بعد أن كانوا أوزاعا متفرقين، وأعداء متنابذين.
الخروج للحج
وفي يوم السبت الخامس والعشرين من ذي القعدة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الألوف المؤلفة بعد أن صلى الظهر بالمدينة أربعا، وقد استخلف عليها أبا دجانة، وقيل: سباع بن عرفطة، حتى وصل إلى ذي الحليفة «1» ، فصلّى العصر بها ركعتين ثم بات بها، فلما أصبح اغتسل للإحرام، وتطيّب ولبّد «2» رأسه، وصلى ركعتين.
وكان رسول الله قد ساق معه الهدي، قيل مائة، وقيل دون ذلك، فأشعر واحدة منها وقلّدها نعلين، وتولى إشعار الباقي وتقليده غيره، ثم ركب ناقته (القصواء) وأهلّ بالحج قائلا: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك» ، ولما أشرفت ناقته على البيداء أدخل العمرة على الحج قائلا: «لبيك بعمرة وحجة» ، وأما المسلمون فمنهم من أحرم بحج، ومنهم من أحرم بعمرة، ومنهم من أحرم بعمرة وحج معا، كما روي في الصحيحين.
وسار الرسول والمسلمون وهم يلبون ويكبرون ويهللون، لا ينفكون عن ذلك كلما علوا شرفا- مكانا عاليا- أو هبطوا واديا، وتجاوبت الأصداء بالتوحيد والتهليل، وشهدت الصحراء هذا المشهد الفريد الذي لم تشهد له مثيلا من قبل، ولن تشهد له مثالا من بعد.
__________
(1) هو موضع على ستة أميال من المدينة وهو ميقات أهلها، ويقال له الان: أبيار علي.
(2) التلبيد: دهن الرأس بشيء لزج كصمغ مثلا، حتى لا يتشعث ولا يتولّد به هوام.(2/568)
بم أحرم النبي؟
وقد اختلفت الروايات في الصحيحين وغيرهما من كتب الحديث والسير في صفة إحرامه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع اختلافا كثيرا، واختلف تبعا لذلك أئمة العلم والفقه والحديث: أكان رسول الله مفردا، أم قارنا، أم متمتعا «1» ؟. وليس من شأني هنا أن أعرض لذلك بالتفصيل، فذلك يحتاج إلى رسالة، ولكني أقول:
إن الذي عليه المحققون من العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلّ بالحج، ثم أدخل عليه الإحرام بالعمرة فصار قارنا، واستمر على ذلك لم يتحلل من عمرته حتى قضى النسكين، لأنه كان ساق معه الهدي كما ذكرنا. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر من أحرم بالحج ولم يسق الهدي أن يجعله عمرة ويتحلل منها، ثم يهل بالحج يوم التروية، فمن ثمّ حصل هذا الاختلاف، فمن روى أو رأى أنه أهل بالحج فقط أراد ما أهل به أولا، ومن قال: إنه كان قارنا أراد اخر أحواله، ومن قال إنه كان متمتعا أراد التمتاع اللغوي وهو الانتفاع بالجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، أو أنه فهم من أمره بالاقتصار على العمرة والتحلل منها ثم الإحرام بالحج بعد أنه كان متمتعا «2» .
وأحب أن يضع القارىء الفطن في اعتباره أنه من المستبعد أن تتفق عشرات الألوف هذه كلها على رواية أو رأي، إذ لم يسمع الكل من النبي أو يروا ما صنعه في وقت واحد، وبذلك لا يهوله هذا الاختلاف، ويستبعد من تفكيره أن يكون مبعثه التناقض، أو الهوى والتزيد.
وفي سرف- مكان قريب من مكة- أمر رسول الله من أحرم بالحج
__________
(1) المفرد: المحرم بالحج فقط. القارن: أن يحرم بالحج والعمرة معا. أو يحرم بالحج ثم يدخل عليه العمرة، أو بالعكس. المتمتاع: أن يعتمر أولا في أشهر الحج، حتى إذا فرغ منها أحرم بالحج.
(2) راجع صحيح مسلم بشرح النووي، ج 8 ص 135؛ وفتح الباري، ج 3 ص 335؛ والبداية والنهاية، ج 5 ص 140.(2/569)
ولم يسق الهدي أن يجعل حجه عمرة، وفي (ذي طوى) على مشارف مكة بات الرسول وأصحابه حتى صلّى بهم الصبح، ثم اغتسل لدخول مكة.
في مكة
ودخلت هذه الجموع الحاشدة مكة من الثنية العليا نهارا جهارا، وكان ذلك في يوم الأحد الرابع من ذي الحجة، فلما عاين الرسول البيت قال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيّنا- ربنا- بالسلام. اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما، وتكريما ومهابة وبرا، وزد من حجّه أو اعتمره تكريما وتشريفا، وتعظيما وبرا» «1» .
الطواف بالبيت
وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب ناقته، يستلم الحجر الأسود بمحجن في يده، لأجل أن يراه الناس فيقتدوا به ويسألوه، ولأجل ألايصرف عنه الناس فقد غشوه من كل جانب، وطاف بطوافه المسلمون، وأمرهم أن يضطبعوا ويرملوا في الأشواط الثلاثة الأولى «2» ، ويمشوا على هيئتهم في الأربعة الباقية، حتى إذا فرغ من طوافة أتى مقام إبراهيم وهو يتلو قول الله تعالى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ «3» إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فصلى وراءه ركعتين، ثم استلم الحجر مرة أخرى.
إلى الصفا والمروة
ثم خرج من باب بني مخزوم إلى الصفا وهو يقرأ قول الله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الاية، وقال: «أبدأ بما بدأ الله به» فصعد عليه حتى عاين البيت فاستقبله قائلا: «لا إله إلا الله واحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله، أنجز وعده، وصدق عبده، وهزم
__________
(1) رواه الشافعي والبيهقي.
(2) الرمل: هو الهرولة، وقد بينت معنى ذلك وحكمته في ص 377 وما بعدها من كتابنا هذا.
(3) هو الحجر الذي قام عليه سيدنا إبراهيم الخليل وهو يا بني الكعبة، ولا يزال موجودا إلى يومنا هذا تجاه باب الكعبة، أما المحجن: فهو عصا معقوفة في اخرها.(2/570)
الأحزاب واحده» ثم نزل إلى المروة، ثم رجع إلى الصفا وهكذا حتى أتم سبعة أشواط.
فلما فرغ من السعي بينهما أمر أصحابه بأن من لم يكن معه هدي فليجعل حجه عمرة وليتحلل منها، فتباطأ بعض الصحابة في ذلك تأسفا على عدم الاقتداء به، فطيب خاطرهم، وبين لهم السبب في عدم تحلله فقال:
«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة» فحلّ الناس كلهم وقصّروا، ولم يبق محرما إلا النبي ومن ساق معه الهدي.
إلى الأبطح
ثم سار رسول الله والناس معه حتى نزلوا بالأبطح- مكان فسيح شرقي مكة- وأقام هناك إلى يوم الأربعاء يصلّي بأصحابه، ولم يعد إلى الكعبة في تلك الأيام كلها.
قدوم علي
وقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن، فوافى النبي بهذا المكان، ووجد زوجته السيدة فاطمة قد أحلّت كما حلّ أزواج النبي، ولبست ثيابا مصبوغة، فقال: من أمرك بهذا؟ قالت: أبي، فأخبر الرسول بذلك فقال: «صدقت، صدقت» ثم قال له: «بم أهللت؟» قال: (بإهلال كإهلال النبي) وكان معه هدي ساقه معه، فقال له النبي: «امكث على إحرامك» ، وقدم أبو موسى الأشعري أيضا، ولم يكن ساق الهدي فأمره الرسول أن يفسخ حجه إلى العمرة ويتحلل منها «1» .
الخروج إلى منى
وفي يوم الخميس الثامن من ذي الحجة، ويقال له يوم التروية، خرج النبي وأصحابه إلى منى بعد أن أحرم بالحج الذين كانوا قد تحلّلوا من عمرتهم من الأبطح، وساروا حتى جاؤوا منى، فصلّى بهم النبي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر.
__________
(1) رواهما الشيخان.(2/571)
إلى عرفات
وبعد شروق الشمس خرج النبي قاصدا عرفات، وأمر أن تضرب له قبة (بنمرة) «1» ، فسار رسول الله ولا تشك قريش إلا أنه سيقف بالمشعر الحرام «2» كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، ولكن النبي أخلف ظنهم، وسار حتى أتى عرفات ائتمارا بأمر الله في قوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، فوجد القبة قد ضربت، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس ركب ناقته (القصواء) حتى أتى بطن الوادي (وادي عرنة) ، وهنالك خطب خطبته المشهورة الجامعة.
خطبة عرفة
قال صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «أيها الناس: اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا، أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة، فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ موضوع «3» ، وربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب.
وإنّ دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم أبدأ به دم ابن «4» ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
وإنّ ماثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية «5» .
والعمد قود «6» ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر، وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.
__________
(1) نمرة: بفتح النون وكسر الميم: موضع بجانب عرفات.
(2) جبل بالمزدلفة يسمى قزح.
(3) أي باطل.
(4) اسمه إياس، وقيل حارثة، والأول أصح، وهو ابن ابن عم النبي.
(5) السدانة خدمة الكعبة، والسقاية سقاية الحج.
(6) قود: قصاص.(2/572)
أيها الناس: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
أيها الناس: إنّ النسيء «1» زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يحلونه عاما ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإنّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.
أيها الناس: إن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا، لكم عليهن ألايوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم، فإن فعلن فإن الله أذن لكم أن تعظوهن، وتهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرّح «2» ، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان «3» عندكم لا يملكن لأنفسهم شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله «4» ، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيرا، ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرىء مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد، فلا ترجعنّ بعدي كفارا يضرب
__________
(1) كانت العرب تدين بالأشهر الحرم التي يحرمون فيها القتال وربما كانوا يستطيلون ثلاثة شهور متوالية لحاجتهم إلى الحرب والقتال، فيؤخرون حرمة المحرم إلى صفر ويجعلون صفر مكانه حتى صار التحريم لعدد الأشهر لا لذواتها، وقد عاب عليهم القران هذا لاتباعهم الهوى في التحليل والتحريم.
(2) غير شديد ولا مؤلم.
(3) جمع عانية وهي الأسيرة أي كالأسيرات في ضعفهن.
(4) عقد النكاح.(2/573)
بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا:
كتاب الله، وسنة نبيه.
أيها الناس: إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لادم، وادم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلّغت؟ اللهم اشهد.
أيها الناس: إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، وإنه لا وصية لوارث، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث.
والولد للفراش، وللعاهر الحجر «1» ، ومن ادّعى إلى غير أبيه، أو تولّى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا «2» . وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت، فقال بأصبعه السبّابة يرفعها إلى السماء ويقلبها على الناس:
اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، والسلام عليكم ورحمة الله» «3» .
وكان جرير بن عبد الله البجلي يستنصت الناس، وكان ربيعة بن أمية بن خلف يبلّغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن فرغ رسول الله من هذه الخطبة الجامعة أذّن بلال ثم أقام فصلى النبي بالناس الظهر، ثم أقام فصلّى بهم العصر، جامعا بينهما جمع تقديم، ولم يصل بينهما شيئا، ثم ركب ناقته حتى جاء الصخرات التي في أسفل جبل الرحمة فوقف عندها مستقبلا القبلة، حتى غربت الشمس، وقال: «وقفت ههنا وعرفات كلها موقف» .
__________
(1) العاهر: الزاني. الحجر: الرجم. والمراد أنه لا ينسب إليه الطفل لأن الولد للفراش.
(2) الصرف: التوبة. العدل: الفدية.
(3) السيرة لابن هشام، ج 2 ص 306؛ صحيح مسلم بشرح النووي، ج 8 ص 182- 184؛ والبداية والنهاية، ج 5 ص 170- 171.(2/574)
وأكثر من الدعاء لأمته في هذا اليوم العظيم يوم عرفة، وكان يوم الجمعة، هذا اليوم الذي تسكب فيه العبرات، وتستجاب الدعوات، ويتجلى الله فيه على عباده فيباهي بهم الملائكة، ويقول: «يا ملائكتي هؤلاء عبادي جاؤوني شعثا غبرا «1» ، يرجون رحمتي ويخافون عذابي ولم يروني، فكيف لو رأوني، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل لغفرتها لهم، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم فيه» «2» .
وقد روي: «أن النبي لما أكثر من الدعاء لأمته بالمغفرة أوحى الله إليه أنه غفر كل شيء إلا ظلم بعضهم بعضا» «3» .
ما نزل في يوم عرفة
وفي هذا اليوم المشهور نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً. ولما نزلت هذه الاية بكى بعض الصحابة- ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه- وكأنهم فهموا منها الإشارة إلى قرب أجل الرسول، ولما قيل لسيدنا عمر:
ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان.
خطأ مشهور
وهو ما يزعمه البعض من أن هذه الاية اخر ما نزل من القران، وهو غلط لم يقل به أحد من العلماء، والحق أن اخر اية نزلت هي قوله تعالى في سورة البقرة: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
والمراد بإكمال الدين: إما إتمام حجهم على حسب ما شرع الله، وإذلال الشرك وأهله بحيث لم يشاركهم فيه أحد من المشركين، وهو تمام النعمة
__________
(1) بضم الشين، والغين: جمع أشعث وأغبر.
(2) رواه عبد الرزاق في مصنفه، وأصله في صحيح مسلم كتاب الحج من باب فضل يوم عرفة، وروى نحوه الإمام أحمد في مسنده.
(3) رواه البيهقي.(2/575)
عليهم، وإما إكمال الحلال والحرام، وهذا لا ينافي نزول شيء بعدها لا يتعلق بالحلال والحرام «1» .
إلى المزدلفة
ثم ركب النبي ناقته بعد الغروب، وشد زمامها حتى لتكاد رأسها تمس مقدمة الرحل، وأردف وراءه أسامة بن زيد وهو يشير إلى الناس قائلا:
«السكينة، السكينة، ليس البر بالإيضاع» «2» حتى أتى إلى «المزدلفة» «3» ، فصلّى بها المغرب والعشاء جامعا بينهما جمع تأخير بأذان وإقامتين ولم يتنفل بينهما، ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم حتى صلّى الفجر، ثم ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، ودعا الله وأكثر من الدعاء وهلّل، وكبّر، وما زال واقفا حتى أسفر الصبح جدا.
وقد روي: «أن النبي عاود الدعاء لأمته في المزدلفة، فأكثر من الدعاء، فأوحى الله إليه: إني قد غفرت لهم إلا ظلم بعضهم بعضا، فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب المظلوم خيرا من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم، فلم يجبه هذه العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء، فأوحى الله إليه أنه غفر لهم كل شيء، فجعل إبليس يدعو على نفسه بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه» «4» .
إلى منى
ثم دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى قبل أن تطلع الشمس، مردفا وراءه الفضل بن العباس، حتى أتى وادي محسّر «5» فأسرع بدابته، ثم قصد إلى الجمرة الكبرى «جمرة العقبة» فرماها بسبع حصيات صغار يكبر عند كل حصاة منها، حتى إذا
__________
(1) المدخل لدراسة القران الكريم للمؤلف، ص 125.
(2) الإيضاع: الإسراع.
(3) مكان معروف سميت بهذا لأن الناس يزدلفون أي يقتربون فيها إلى الله بالدعاء.
(4) رواه أبو داود الطيالسي، وروى نحوه البيهقي وابن ماجه.
(5) محسر: بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة.(2/576)
فرغ من الرمي انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده، وقال: «نحرت ههنا ومنى كلها منحر» ونحر سيدنا علي الباقي وهي تمام المائة، ثم أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة «1» ، فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها.
ثم حلق صلى الله عليه وسلم شعره والصحابة مطيفون به، ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد واحد منهم، وبذلك أحلّ صلى الله عليه وسلم ولبس ثيابه وتطيب قبل أن يطوف بالبيت، والمسلمون جميعا يقتدون به في كل ما يصنع من المناسك، ثم أمر عليا أن يتصدق بلحوم البدن وجلودها وجلالها، ففعل.
إلى الكعبة
ثم ركب صلى الله عليه وسلم حتى جاء البيت ليطوف طواف الإفاضة، وهو ركن من أركان الحج بالإجماع، فطاف وصلّى بمكة الظهر، ولم يسع بين الصفا والمروة، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون الناس على بئر زمزم وقال: «انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم» فناولوه دلوا فشرب منه حتى تضلّع، وأتى السقاية «2» التي يقوم بها العباس فقال: «اسقوني» فقال العباس: يا فضل، اذهب إلى أمك فأت رسول الله بشراب من عندها فإن هذا يجعل الناس أيديهم فيه، فقال النبي: «لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب الناس» .
وهكذا أبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتميز على أمته حتى في الشراب، وهذا غاية العدل والمساواة، وهكذا فليكن الملوك والأمراء، والقادة والرؤساء. ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منى بعد الظهر، فنزل حيث المسجد الموجود اليوم فيما يقال، وأنزل المهاجرين عن يمينه، والأنصار عن يساره، والناس حولهم من بعدهم.
__________
(1) بضعة بفتح الباء: أي قطعة.
(2) كانوا ينقعون التمر والزبيب في الماء ويسقون الناس، وهو من ماثر الجاهلية التي أقرها الإسلام.(2/577)
خطبة يوم النحر
وفي يوم النحر خطب النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على ناقته خطبة أخرى، أكد فيها بعض ما ذكره في يوم عرفات من حقوق الإنسان في الإسلام، والوصاة بالأخوة والواحدة. روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال:
«أتدرون أي يوم هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال: «أليس ذو الحجة» قلنا: بلى، قال: «أي بلد هذا؟» قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال:
«أليست بالبلدة الحرام» ؟ قلنا: بلى، قال: «فإن دماءكم، وأموالكم- وفي رواية أعراضكم- عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلّغت؟» قالوا: نعم قال: «اللهم اشهد.
فليبلغ الشاهد الغائب، فربّ مبلّغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» «1» .
وكان سيدنا علي يبلّغ عن النبي هذه الخطبة، ثم سأله بعض الصحابة عن تقديم بعض المناسك على بعض، وتأخير بعضها عن مكانه نسيانا وسهوا، فما سألوه عن شيء من ذلك إلا وقال: «لا حرج، لا حرج» .
المقام بمنى
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة «2» ، يرمي الجمرات «3» في كل يوم إذا زاغت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ويقف بعد كل من الجمرتين الأوليين مستقبلا القبلة، ورافعا يديه يدعو ويطيل الوقوف، فإذا رمى الثالثة انصرف ولا يقف بعدها، وأقام النبي تلك المدة بمنى يصلّي بأصحابه ويقصر الرباعية، ولم يرخص إلا لعمّه العباس وأعوانه بالمبيت بمكة لأجل السقاية.
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب الحج- باب خطبة أيام منى.
(2) هي الثلاثة التي تلي يوم النحر. سميت بذلك لأنهم كانوا يشققون فيها اللحم ويجففونه.
(3) هي ثلاث: الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف بمنى، والجمرة الوسطى وجمرة العقبة.(2/578)
خطبة أوسط أيام التشريق
وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى خطبة أخرى أوسط أيام التشريق وهو يوم النفر الأول، روى الحافظان البزار والبيهقي بسندهما عن ابن عمر قال: نزلت هذه السورة: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ في أوسط أيام التشريق، فعرف رسول الله أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحّلت، ثم ذكر خطبته في هذا اليوم، وهي تأكيد لبعض ما جاء في خطبتي عرفة، ويوم النحر «1» .
وفي الحق أن تكرار الخطب في حجة الوداع كان أمرا لابد منه، فهي الحجة الوحيدة التي حجّها الرسول، وقد عزّ فيها الإسلام والمسلمون، وأصبحت كلمتهم هي النافذة في الجزيرة العربية، كما كانت الوداع الأخير، فما أشد حاجة المسلمين في هذا المشهد العظيم الفذ إلى التذكير والنصح والتوصية، وإلى تكرار القول والتأكيد عليه حتى يعوه ويحفظوه ولا ينسوه، وإلى تقريرهم بإبلاغ الرسالة، وأداء الأمانة، وإشهاد الله عليهم، حتى تقوم عليهم الحجة، وتنقطع المعذرة، وقد روي أيضا أن النبي خطبهم أيضا بمكة في اليوم السابع، والظاهر أنها كانت لتعليمهم المناسك والمشاعر.
فائدة
كان يقال لليوم السابع من ذي الحجة يوم الزينة، لأنه يزين فيه البدن التي تهدى بالجلال وغيرها. واليوم الثامن يقال له: يوم التروية لأنهم كانوا يروون فيه إبلهم من الماء، ويحملون منه ما يحتاجون إليه حال الوقوف وما بعده، لأن هذه الأماكن لم يكن فيها يومئذ ابار ولا عيون، أما الان ففيها الماء الكثير والحمد لله. واليوم التاسع: يوم عرفة للوقوف فيه بها. واليوم العاشر: يوم النحر ويوم الأضحى ويوم الحج الأكبر. واليوم الحادي عشر: يوم القر لأنهم يقرون فيه، ويقال له: يوم الرؤوس لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي، وهو أول أيام التشريق. وثاني أيام التشريق يقال له: يوم النّفر الأول لجواز
__________
(1) البداية والنهاية ج 5 ص 201، 202.(2/579)
الخروج فيه إلى مكة لمن يريد التعجل. وثالث أيام التشريق يقال له: يوم النّفر الثاني. قال عزّ شأنه:
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ «1» .
إلى الأبطح بمكة
وفي اليوم الثالث من أيام التشريق، وكان يوم ثلاثاء ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، فنفر بهم من منى حتى نزل بالأبطح، وهو (المحصّب) . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل به في الفتح وفي حجة الوداع، وهو الخيف: خيف بني كنانة، وقد قدمت السبب في نزوله به: فصلّى بهم في الأبطح الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وهجع هجعة استراح فيها من العناء.
وكان رسول الله بعث عائشة مع أخيها عبد الرحمن لتعتمر من التنعيم، لأنها لم تتمكن عند القدوم من أداء العمرة بسبب حيضتها، فلما قضت عمرتها ورجعت، أذّن النبي في المسلمين بالرحيل، فارتحل وطاف بالبيت طواف الزيارة، وصلّى بهم الصبح عند الكعبة، ثم خرجوا من البلد الحرام من (كدي) راجعين إلى البلد الطيب (المدينة) وهم يكبّرون ويهلّلون ويقولون: ايبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب واحده.
في غدير خمّ
وفي مرجعه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة خطب بمكان يسمى (غدير خم) «2» مبينا فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبراءة عرضه مما تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنّها
__________
(1) سورة البقرة: الاية 203.
(2) بضم الخاء وتشديد الميم: موضع قريب من الجحفة.(2/580)
بعضهم جورا وتضييقا عليهم وبخلا، والصواب كان معه في هذا لأنها أموال صدقات وخمس، وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه.
وكان مما قاله له النبي في هذه الخطبة ما رواه النسائي بسنده عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم قال: «كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي: أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال:
الله مولاي وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» قال الإمام أبو عبد الله الذهبي:
هذا حديث صحيح، وقد استوفى الكلام على هذا الحديث الإمام الحافظ المؤرخ ابن كثير في بدايته مبينا الروايات الصحيحة من الحسنة من الضعيفة والموضوعة فليرجع إليه من يشاء «1» .
__________
(1) البداية والنهاية ج 5 ص 208- 214.(2/581)
أحداث في هذا العام
وفاة إبراهيم ابن النبي
وفي شهر ربيع الأول من هذا العام، وقيل: في رمضان، وقيل، في ذي الحجة مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية وهو ابن ستة عشر شهرا، وقيل: أكثر من ذلك، وقد كان النبي بمقتضى الفطرة البشرية قد فرح بمولده فرحا عظيما كما قدمنا، فلا عجب أن كان حزنه عليه شديدا، وقد دخل عليه وهو يجود بنفسه، فصارت عيناه تذرفان بالدموع، فقال عبد الرحمن بن عوف:
وأنت يا رسول الله؟! فقال: «يا ابن عوف، إنها رحمة» وقال: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» «1» .
وقال أيضا: «لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وإن اخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا» ثم غسل وكفّن، وصلّى عليه النبي وأصحابه، ودفن بالبقيع «2» بجوار السلف الصالح: عثمان بن مظعون.
وقد وافق يوم مات إبراهيم أن كسفت الشمس، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما ايتان من ايات الله، فإذا رأيتموهما فقوموا وصلّوا وادعوا الله» «3» .
__________
(1) رواه البخاري.
(2) البقيع: مقبرة أهل المدينة.
(3) رواه البخاري.(2/582)
وإن المنصف ليقف خاشعا أمام هذا القول الحكيم الذي يدل على أن سيدنا محمدا نبي حقا، فلو لم يكن نبيا، وكان طالب ملك أو زعامة، أو شرف وجاه، أو مدعيا نبوة لاستغلّ اعتقاد الناس هذا، أو على الأقل يسكت.
ولم يزل الدجالون وأدعياء النبوة والمشعوذون، من لدن مسيلمة إلى يومنا هذا يستغلون سذاجة الناس وجهلهم في مثل هذا، بل ويحاولون ما استطاعوا التمويه على الناس والتلبيس عليهم، ولكنه النبي الذي لا ينطق عن الهوى!! وأي عظمة نفسية أعظم من ألاينسى الرسول رسالته في أشد المواقف التي تملأ النفس غما وحزنا وربما تذهل الشخص عما هو حق، لذلك لا تعجب إذا كان المستشرقون الذين كتبوا في سيرة النبي، وتناولوا هذه القصة وقفوا منها موقف الإجلال والإعظام، ولم يستطيعوا كتم إعجابهم وإكبارهم للنبي، وإعلان عرفانهم بصدق إنسان لم يرض في أدق المواقف إلا الصدق وإعلان الحق.
تنبؤ مسيلمة
قدمنا ما كان من قدوم مسيلمة الكذاب مع وفد بني حنيفة، وأنه عرض على النبي أن يشركه في الأمر أو يجعله له من بعده، فأبى عليه، وفي اخر سنة عشر، أرسل إلى النبي هذا الكتاب: (من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك. أما بعد: فإني قد أشركت في الأمر معك، فإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها، ولكن قريشا قوم يعتدون) .
وقدم بالكتاب رسولان، فقال لهما النبي: «وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟» قالا: نعم، فقال: «أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» ثم كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» .
وقد استغلّ مسيلمة تعصب بني حنيفة له، وصار يمخرق ويموه ويكذب،(2/583)
ويأتي بكلام يضحك الثكلى، يزعم أنه قران نزل عليه، حتى قضي على فتنته وقتل في عهد الصدّيق رضي الله عنه.
تنبؤ الأسود العنسي
وقد ظهر بصنعاء، وادّعى النبوة، واستعان على ذلك بالسحر والشعوذة، وكان «باذان» أميرا على صنعاء من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات باذان تزوج امرأته، وطرد من صنعاء المهاجر بن أبي أمية المخزومي عامل النبي على الصدقات، فكتب النبي إلى امرأته وعماله أن يحيطوا به ويقتلوه، وقد نجحوا في قتله بمساعدة (المرزبانة) زوجة باذان، فقد سقته الخمر حتى سكر، فدخل عليه فيروز واحتزّ رأسه، وجاء الخبر بذلك في أول خلافة الصدّيق، صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم «1» .
__________
(1) فتح الباري ج 8 ص 76.(2/584)
السّنة الحادية عشرة
استهلت هذه السنة والنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد أن عاد من حجة الوداع موفور الكرامة، مطمئن القلب، منشرح الصدر، أن بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأكمل الله الدين، وأتمّ النعمة، وظهر الإسلام على الأديان كلها.
وما كان النبي لينسى ما صنع الروم بالمسلمين في مؤتة، وقتل الأبطال:
زيد وجعفر وابن رواحة وغيرهم، وما هموا به من غزو المدينة حتى كانت غزوة تبوك، وإيثار الروم الانسحاب على القتال، فعزم على إرسال جيش للاقتصاص منهم، فكان بعث أسامة بن زيد.
بعث أسامة بن زيد
في اخر صفر من هذا العام ندب النبي الناس لغزو الروم، فانتدب لذلك ثلاثة الاف من خيار المسلمين فيهم كبار المهاجرين والأنصار، منهم:
أبو بكر، وعمر «1» ، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وسلمة بن أسلم.
ودعا النبي أسامة بن زيد وقال له: «سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، وأغر صباحا عليهم، وأسرع السير تسبق الخير، فإن ظفّرك الله بهم فأقلّ اللبث فيهم» . وكان أسامة شابا لم يبلغ العشرين من عمره، مما دعا بعض الصحابة إلى التكلم في إمارته، فلما نميت المقالة إلى رسول الله قال: «إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وايم
__________
(1) الصحيح أن أبا بكر وعمر لم يكونا في بعث أسامة، بدليل أنهما كانا في المدينة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين كان جيش أسامة خارجها. (الناشر) .(2/585)
الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنّ هذا لمن أحب الناس إلي بعده» «1» .
وعقد له اللواء بيده، وخرج أسامة وعسكر «بالجرف» خارج المدينة استعدادا للمسير، وإنهم لعلى ذلك بلغهم اشتداد المرض بالرسول، فلم يكن بدّ من التريث والانتظار، فقد كان بالجيش كبار المهاجرين والأنصار ممن تحتم الأحوال أن يكونوا بالمدينة في هذا الظرف العصيب.
وقد كان تأمير أسامة لحكمة بالغة من الرسول؛ إذ فيه حث له على التضحية في سبيل الله، والحرص على الاقتصاص من قاتلي أبيه، كما كان فيه قضاء على العنجهية العربية، والتفاخر بالأحساب والأنساب، وتقرير عملي لمبدأ المساواة في الإسلام، وأيضا فقد كان من التوجيهات النبوية الحكيمة إلى تهيئة الفرص للشباب الصالح، وإثارة عزائمهم، وهممهم إلى معالي الأمور، وتعويدهم الاضطلاع بالتبعات الجسام، والمهام العظام.
__________
(1) رواه البخاري.(2/586)
مرض النّبيّ عليه السّلام ووفاته
النذر بقرب أجل النبي
إن الأرواح الشفافة الصافية القوية لتدرك بعض ما يكون مخبوا وراء حجب الغيب، والقلوب الطاهرة المطمئنة لتحدّث صاحبها بما عسى أن يحدث له فيما يستقبل من الزمان، والعقول الذكية المستنيرة بنور الإيمان لتدرك ما وراء الألفاظ والأحداث من إشارات وتلميحات، ولنبينا محمد من هذه الصفات الحظ الأوفر، وهو منها بالمحل الأرفع الذي لا يسامى ولا يطاول.
فلا تعجب إذا كان قد فهم من معارضة جبريل له بالقران مرتين في رمضان عام عشرة قرب انقضاء أجله، كما فهم ذلك من نزول سورة النصر، حتى روي أنه قال لجبريل: «لقد نعيت إليّ نفسي» «1» فقال جبريل: (وللاخرة خير لك من الأولى) ولعلك على ذكر لمعاذ حين أرسله إلى اليمن، وما قاله في حجة الوداع مودعا للناس، ولا تعجب أيضا إذا كان بعض الصحابة فهم ذلك عند ما نزل قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ كما ذكرنا انفا، ومن سورة النصر أيضا، وقد روي ذلك في صحيح البخاري عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما «2» .
ابتداء المرض
وكان ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في أواخر شهر صفر أو أول شهر
__________
(1) اشتهر على الألسنة: «لقد نعيت إلي نفسي» بفتح التاء خطابا لجبريل. والصحيح ما ذكرناه بسكون التاء للتأنيث.
(2) صحيح البخاري- كتاب التفسير- باب إذا جاء نصر الله.(2/587)
ربيع الأول، فقد أمر أن يستغفر لأهل البقيع، فانطلق ومعه مولاه أبو مويهبة فقال:
«السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنىء لكم ما أنتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع اخرها أولها» ثم أقبل على أبي مويهبة قائلا:
«إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلود فيها ثم الجنة، فخيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة» فقال أبو مويهبة: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة، قال: «لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة» ، ثم استغفر لأهل البقيع وانصرف.
وقد بدأ به وجعه فدخل على عائشة فوجدها تشتكي صداعا وتقول:
وا رأساه. فقال: «بل أنا- والله- يا عائشة وا رأساه» ، ثم قال مداعبا لها:
«وما عليك لو متّ قبلي، فقمت عليك، وكفّنتك، وصليت عليك، ودفنتك؟» وأثارت الكلمة الغيرة في نفسها، فقالت: والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه بإحدى نسائك، فسكت الرسول واعتبرها مداعبة بمداعبة.
اشتداد المرض
وكان رسول الله يطوف على نسائه، كما هو شأنه في تعهدهنّ، ورعاية غاية العدل بينهن، فاشتدّ به المرض وهو في بيت السيدة ميمونة، فدعا نساءه واستأذنهنّ أن يمرّض في بيت السيدة عائشة فأذنّ له، فخرج بين عمه العباس وابن عمه علي تخط رجلاه الأرض، حتى أتى بيتها.
وكان يعوده أهله وأزواجه، وهو ببيت عائشة، وفي ذات يوم زارته ابنته فاطمة فرحب بها وأجلسها بجانبه، ثم أسر إليها شيئا فبكت، ثم سارّها ثانيا فضحكت، فسألتها عائشة عن السر، فأجابت بأنه سر، ثم أخبرت فيما بعد أن النبي أعلمها بقرب انتهاء أجله، وأمرها بالتقوى والصبر فبكت. ثم أخبرها أنها أول أهله لحوقا به، وأنها سيدة نساء أهل الجنة فضحكت «1» .
__________
(1) صحيح البخاري- باب علامات النبوة- وباب مرض النبي ووفاته.(2/588)
وقابل العباس عليا فقال له: إني لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من مرضه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت. ثم أشار عليه أن يذهبا إلى رسول الله يسألونه: فيمن هذا الأمر؟ يعني الخلافة. إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا أوصى بنا. فقال له علي: لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم «1» .
وقد كان رسول الله يستشفي من ألم الحمى بالماء البارد، كما كانت ترقيه السيدة عائشة بالمعوذتين وقل هو الله أحد. وفي ذات مرة وقد غشي عليه لدّوه «2» ، فلما أفاق أمر أن يصنع بكل من في البيت، مثل ما صنعوا به إلا عمه العباس.
صلاة أبي بكر بالناس
ولما اشتد برسول الله وجعه قال: «مروا أبا بكر فليصلّ بالناس» فقالت عائشة: إن أبا بكر رجل أسيف «3» ، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد النبي فأعادت، وما حملها على قولها إلا خشية أن يتشاءم الناس بأبيها، فقال: «إنكن صواحب «4» يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس» .
فخرج أحد الصحابة ليخبر بذلك فلم يجد أبا بكر، ووجد عمر، فقال:
قم يا عمر فصلّ بالناس، فلما كبّر سمع النبي صوته فقال: «يأبى الله ذلك والمؤمنون» وكررها، فلم يصلّ أحد بعد هذا إلا أبو بكر، فلام عمر الرجل على ما فعل، فقال: والله ما أمرني رسول الله، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر الصلاة «5» .
__________
(1) رواه البخاري.
(2) اللد: أن يسقى المريض الدواء كرها. وقد كان الدواء مرضا اخر غير مرضه، فمن ثم كرهه. وإلا فالسنة مستفيضة بالحث على التداوي والاستشفاء.
(3) أسيف: رقيق القلب يغلبه البكاء عند قراءة القران.
(4) صواحب: جمع صاحبة والمراد به هنا واحدة، وهي امرأة العزيز حيث استدعت النساء مظهرة الضيافة. وقصدها أن يرين حسنه فيعذرنها في محبته ومراودتها عن نفسه.
(5) البداية والنهاية، ج 5 ص 332.(2/589)
يوم الخميس
وفي يوم الخميس الذي قبيل وفاة الرسول خشي أن يموت قبل أن يعهد للناس في شأن الخلافة، فقال- وحوله رجال من أهل بيته وأصحابه-: «ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا» فقال بعضهم- إشفاقا-: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وعندكم القران حسبنا كتاب الله. واختلفوا:
فمن قائل بإحضار الكتاب، ومن مانع، فلما كثر الاختلاف قال: «دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه» وأوصاهم بثلاث: قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» وأما الثالثة فقيل الوصية بالقران وقيل: تجهيز جيش أسامة «1» .
وفي الصحيح أيضا أن رسول الله قال: «لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون» وفي رواية الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر» .
تنبيه
في بعض روايات الصحيح «أهجر؟» استفهموه. والهمزة للإنكار والنفي، والهجر ما يقع من المريض من غير وعي، والمراد إنكار ونفي أن يحصل منه ذلك، أو أن يظن به ذلك، فحاشاه أن يكون منه ذلك، وفي بعضها «هجر» بغير الهمزة، وهي محمولة على الإنكار والنفي أيضا، والعرب في أساليبها قد تحذف حرف الاستفهام ويكون المعنى عليه «2» .
خروج النبي إلى المسجد
وفي هذا اليوم عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الخروج إلى الناس كي يوصيهم ويخطبهم، فقال: «أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلّ أوكيتهنّ «3» ، لعلي أعهد
__________
(1) رواه البخاري.
(2) فتح الباري، ج 8 ص 158.
(3) الوكاء: ما يربط به فم القربة.(2/590)
للناس» قالت عائشة: فأجلسناه في مخضب «1» لحفصة، ثم طفقنا نصب عليه الماء حتى طفق يشير إلينا بيده «أن فعلتن» .
فوجد من نفسه خفة، فخرج على الناس، وهم يصلون الظهر وهو يهادى بين رجلين، فلما راه أبو بكر أراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن مكانك، ثم جلس إلى جنب الصدّيق، فجعل أبو بكر يصلّي بالناس قائما، والرسول يصلّي وهو قاعد، فمن قائل أن رسول الله صلّى مأموما وراء أبي بكر، ومن قائل: إن رسول الله تولّى الإمامة، وصلّى أبو بكر بصلاة النبي، وصلى الناس بصلاة أبي بكر، ولعل الأول أرجح لأنه أدلّ على منزلة الصديق وأحقيته للخلافة «2» .
وكانت هذه اخر صلاة صلاها رسول الله مع المسلمين، ثم صعد المنبر، فكان أول ما ذكر- بعد حمد الله والثناء عليه- أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا ثم قال: «يا معشر المهاجرين، إنكم أصبحتم تزيدون، والأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي «3» التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» ثم قال: «أيها الناس: إن عبدا خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله» ففهمها أبو بكر من دون الناس فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا، فعجب الناس لبكائه، فكان المخيّر هو رسول الله، وكان أبو بكر أعلمهم بذلك فقال له رسول الله: «على رسلك يا أبا بكر» «4» ثم قال: «إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر. ولو كنت متخذا من أمتي خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن خلة الإسلام ومودته «5» . لا يبقى في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر» .
ثم قال: «وإن قوما ممن قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد،
__________
(1) مخضب: طست.
(2) البداية والنهاية، ج 5 ص 234.
(3) عيبتي: خاصتي وموضع سري.
(4) تمهل في البكاء حتى لا يسترسل الناس في البكاء.
(5) صداقة الإسلام ومحبته.(2/591)
فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك» ثم قال: «أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقا لها» .
وكان مما قاله: «ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد «1» . ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه. ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد. ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له عليّ، أو حلّلني فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة» «2» .
ألا فلتشهد الدنيا إلى أي حد وصل عدل الحاكم مع المحكومين، وإلى أي حد بلغت المساواة، وبلغ الاعتراف بالجميل لذويه، والإقرار بالفضل لأهله، وهل بعد هذا يدع مدع، أو يزعم زاعم أن أحدا أحق بالخلافة من أبي بكر.
إن للموت لسكرات
ثم اشتدت الحمى بعد برسول الله حتى قال له أبو سعيد الخدري: والله لا أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك، فيجيبه: «إنا معاشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء، كما يضاعف لنا الأجر» . وفي هذه الشدة كان يقول: «اللهم أعنّي على سكرات الموت» وكان كلما أفاق من غشيته قال: «اللهم الرفيق الأعلى» وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم قبل ذلك أن النبي لا يموت حتى يخيّر بين الدنيا والاخرة، قالت عائشة: (فلما سمعته يقول ذلك، وقد أدركته بحة علمت أنه اختار الاخرة على الدنيا) «3» .
__________
(1) فليستقد: فليقتص.
(2) البداية والنهاية ج 5 ص 230- 231.
(3) رواه البخاري.(2/592)
صحوة الموت
وفي صبيحة الاثنين والصدّيق أبو بكر يصلّي بالناس الفجر كشف النبي ستر الحجرة، فنظر إليهم وهو قائم على حال حسنة، ثم تبسّم لما رأى من اجتماعهم على رجل واحد، وألفتهم وتاخيهم، فنكص أبو بكر على عقبيه ظنا أن رسول الله يريد أن يخرج للصلاة، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله، فأشار إليهم بيده أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر فكان هذا اخر عهده بالمسلمين.
وفرح الصحابة غاية الفرح، ظنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلّ من مرضه، وما علموا أنها الصحوة التي تسبق الموت، وانصرف بعضهم إلى عمله، ودخل أبو بكر على ابنته عائشة وقال: ما أرى رسول الله إلا قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة- إحدى زوجتيه- وكانت تسكن بالسّنح «1» ، فركب على فرسه، وذهب إلى منزله.
في الرفيق الأعلى
واشتدت سكرات الموت بالنبي، ودخل عليه أسامة بن زيد وقد صمت فلا يقدر على الكلام، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة، فعرف أنه يدعو له، وأخذت السيدة عائشة رسول الله وأوسدته إلى صدرها بين سحرها «2» ونحرها، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده سواك، فجعل رسول الله ينظر إليه، فقالت عائشة: اخذه لك، فأشار برأسه أن نعم، فأخذته من أخيها ثم مضغته ولينته وناولته إياه، فاستاك به كأحسن ما يكون الاستياك، وكل ذلك وهو لا ينفك عن قوله: «في الرفيق الأعلى» «3» .
__________
(1) السنح بضم السين: مكان خارج المدينة كان للصديق مال فيه وبيت.
(2) السحر: الرئة. والنحر: الثغرة التي في أسفل العنق.
(3) الرفيق الأعلى: هم الذين ذكرهم الله في قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ. وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. وقيل هم الملائكة، وقيل هو الله جل جلاله، وهو من أسماء الله الحسنى وصفاته، يعني في كنفه ورحمته.(2/593)
وكان اخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم «لا يبقى بجزيرة العرب دينان» وقوله: «الصلاة وما ملكت أيمانكم» حتى جعل يغرغر بها صدره، وما يفصح بها لسانه.
فلما اشتد الضحى، فاضت أطهر روح في الدنيا من جسدها، وصعدت إلى بارئها راضية مرضية، وخرج أكرم إنسان على الله في هذا الوجود من الدنيا كما جاء إليها، ولم يترك مالا ولا دينارا ولا درهما، ولا ولدا إلا فاطمة رضي الله عنها، وإنما ترك هداية وإيمانا، وشريعة عامة خالدة، وميراثا روحيا عظيما، وأمة هي خير الأمم وأوسطها.
وكان ذلك يوم الاثنين لهلال ربيع الأول، وقيل لليوم الثاني منه، وقيل لليوم الثاني عشر منه من العام الحادي عشر للهجرة. والأول هو الأرجح، ويليه الثاني، وأما الثالث فعليه مأخذ وإن اختاره ابن إسحاق والواقدي وابن سعد «1» .
هول الفاجعة
وشاع الخبر في المدينة، فإذا لهم ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج بالإحرام، وأذهل النبأ سيدنا عمر فصار يتوعد وينذر من يزعم أن النبي مات، ويقول: ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم، والله ليرجعنّ رسول الله كما رجع موسى، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه مات.
خطبة الصديق
وأقبل أبو بكر من السّنح على فرس له لما بلغه الخبر، فوجد عمر يكلم الناس، وينذر ويتوعد، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجّى في البيت ببرد حبرة «2» ، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه يقبله، ويقول: (ما أطيبك حيا وميتا) ، وخرج أبو بكر وعمر يتكلم فقال: اجلس
__________
(1) فتح الباري، ج 8 ص 106؛ والروض الأنف، ج 2 ص 372.
(2) نوع من ثياب اليمن.(2/594)
يا عمر، وهو ماض في كلامه، وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيبا فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
(أما بعد: فإن من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا هذه الاية: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً، وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) .
قال عمر: فو الله ما إن سمعت أبا بكر تلاها فهويت إلى الأرض، ما تحملني قدماي، وعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات «1» .
وكذلك استفاق الناس من غشيتهم لما سمعوا أبا بكر يتلوها.
في سقيفة «2» بني ساعدة
في هذه الغمرة من الأسى والحزن، كاد أن يضطرب أمر المسلمين في مسألة الخلافة، فالأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع علي والزبير وطلحة في بيت فاطمة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، وانضم إليه أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقا حتى أتيا السقيفة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين أيديهم رجل مزمّل، فإذا هو سعد بن عبادة به وجع، فلما جلسوا قام خطيب الأنصار فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: (أما بعد: فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفّت منكم دافّة، تريدون أن تخزلونا من أصلنا، وتحصنونا من الأمر) .
فلما سكت أراد أن يتكلم عمر وكان قد زوّر «3» في نفسه مقالة أعجبته، ولكن الصدّيق منعه لما يعلم فيه من حدّة قد لا تفيد في هذا الموقف، وقال له:
على رسلك يا عمر، ثم قام فتكلم، قال الفاروق: فو الله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل. قال:
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب المغازي- باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته.
(2) مكان عليه ظلة.
(3) أعد وهيأ.(2/595)
(يا أيها الناس، نحن المهاجرين أول الناس إسلاما، وأكرمهم أحسابا، وأوسطهم دارا، وأحسنهم وجوها، وأكثرهم ولادة في العرب، وأمسهم رحما برسول الله، أسلمنا قبلكم، وقدّمنا في القران عليكم، فقال تبارك وتعالى:
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ فنحن المهاجرون وأنتم الأنصار إخواننا في الدين، وشركاؤنا في الفيء، وأنصارنا على العدو، أما ما ذكر فيكم من خير فأنتم له أهل، فأما العرب فلن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، فمنا الأمراء ومنكم الوزراء) .
فقام أحد الأنصار فقال: أنا جذيلها المحكك «1» ، وعذيقها المرجب «2» ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات.
بيعة الصديق
وفي هذا الموقف العاصف قام الفاروق- وكان جهوري الصوت- فقال:
ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعه. وقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر، ثم قام المهاجرون فبايعوا، ثم قام الأنصار فبايعوا، وهكذا وقى الله المسلمين شر الفرقة، وجمعهم على أفضلهم أبي بكر.
البيعة العامة
وفي اليوم الثاني غدا الصديق ومعه عمر والصحابة إلى المسجد النبوي ليبايع الناس المبايعة العامة، فصعد أبو بكر المنبر، وقام عمر خطيبا بين يديه، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أيها الناس، كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت ولا وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدا عهدها إليّ رسول الله، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يدبرنا- يكون اخرنا- فإن يك محمد قد مات فإن الله جعل بين أظهركم نورا تهتدون به، فاعتصموا به
__________
(1) الجذيل: تصغير جذل، وهو عود يكون في وسط مبرك الإبل تحتك به وتستريح إليه. يضرب به المثل في الرجل يستشفى برأيه وتوجد عنده الراحة.
(2) عذيق تصغير عذق، وهي النخلة. المرجب الذي تبنى إلى جانبه دعامة تسنده لكثرة حمله ونفاسته على أهله. يضرب به المثل للرجل الشريف المعظم في قومه، والذي يكثر خيره.(2/596)
تهتدوا، وإن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني اثنين إذ هما في الغار، فإنه أولى المسلمين بأموركم، فقوموا إليه فبايعوه) ، فقام الناس كلهم فبايعوه البيعة العامة «1» .
ونظر الصديق في وجوه القوم فلم ير الزبير، فدعا به فلما جاء قال له: ابن عمة رسول الله وحواريّه أردت أن تشق عصا المسلمين؟! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فقام فبايعه. ثم نظر فلم يجد عليا فدعا به فجاء فقال له:
ابن عم رسول الله وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال:
لا تثريب يا خليفة رسول الله، فقام فبايعه.
وهذا هو الحق في مبايعة علي للصديق، وأنه بايع في اليوم الثاني، وأما ما يقال: إن بيعته كانت بعد ستة أشهر، فإنما كان تجديدا للبيعة وتوثيقا لها «2» ، وهذا هو الظن بأبي الحسن والحسين، وفتى الإسلام علي رضي الله عنه.
خطبة الصديق
وخطب الصديق خطبة تعتبر من ايات الحكمة وفصل الخطاب، أوجز فيها أصول الحكم في الإسلام، قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
(أيها الناس: فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني؛ الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى اخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل. ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم البلاء. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله) .
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب الأحكام- باب الاستخلاف.
(2) البداية والنهاية، ج 5 ص 25.(2/597)
تجهيز رسول الله
وبعد هذه البيعة العامة انصرف المسلمون إلى تجهيز رسول الله، مقتدين في كل ما أشكل عليهم بالصدّيق رضي الله عنه في تغسيله، وتكفينه، ودفنه.
وقد حضر غسله من ال البيت: العباس، وعلي، والفضل وقثم ابنا العباس، وأسامة بن زيد، وصالح مولى الرسول. ودخل معهم بعد الاستئذان أوس بن خولي الأنصاري، وقد أسند علي النبي إلى صدره وعليه قميصه، وتولى غسله يعاونه العباس وابناه، وكان أسامة وصالح يصبان الماء.
ولم ير علي من النبي ما يرى من الميت، فصار يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا!! وكان يغسل بالماء والسّدر «1» ، فلما فرغوا من تغسيله كفّنوه في ثلاثة أثواب بيض يمانية من قطن، ولم يجعلوا في كفنه بردة حبرة كما زعم بعض كتاب السيرة المحدثين «2» ، بل أبوا ذلك كما رواه مسلم وأبو داود «3» .
وبعد أن كفّنوه وضعوه على سريره في الحجرة، ودخل الناس عليه أرسالا يصلون فرادى، لا يجتمعون على إمام، فلما فرع الرجال صلّى النساء ثم الصبيان.
وبعد أن فرغوا من الصلاة اختلفوا في أي مكان يدفن؟ أيدفن في مسجده، أم يدفن بالبقيع مع أصحابه، أم يدفن في بيته، وحسم الصدّيق
__________
(1) السدر: نبت طيب الرائحة يغسل به الميت كالصابون.
(2) حياة محمد، ص 494.
(3) البداية والنهاية، ج 5 ص 263.(2/598)
الخلاف بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما قبض نبي إلا ودفن حيث قبض» ، فقرّ رأيهم على أن يدفن في حجرة السيدة عائشة حيث مات.
وكان أبو عبيدة بن الجراح يضرح «1» لأهل مكة، وكان أبو طلحة الأنصاري- وهو الذي كان يحفر لأهل المدينة- يلحد «2» . فأرسل إليهما العباس رسولين، فأما رسول أبي عبيدة فلم يجده، وأما الثاني فقد وجد أبا طلحة، فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأهل المدينة، ونزل في الحفرة العباس، وعلي، وقثم، والفضل، وشقران، ومعهم أوس بن خولي أيضا، وأخذ شقران مولى رسول الله قطيفة كان يلبسها ففرشها للنبي في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك.
وبين الأسى والحزن والدموع، وتفطر القلب على الحبيب المغيب في اللحد، أهالوا التراب على القبر الشريف، ثم رشّوا عليه الماء، وكان ذلك في ليلة الأربعاء بعد يومين من وفاته صلى الله عليه وسلم، فلما توفي الصدّيق دفن بجانب صاحبه، وكان هناك موضع قبر كانت عائشة تدّخره لنفسها، فلما طعن الفاروق أوصاهم أن يستأذنوا عائشة في أن يدفن بجانب صاحبيه، فلما قبض استأذنوها، فأذنت واثرته على نفسها، وتحققت رؤياها، فقد كانت رأت أن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتها، فكان الثلاثة هم الثلاثة أقمار الذين ملأوا الدنيا إيمانا وهدى، وعدلا ورحمة، ونورا وضياء، ووضعوا الأساس الصالح للحضارة الإسلامية الفذة التي أرسى قواعدها هؤلاء السادة الأخيار، وعزت عن أن يكون لها مثيل.
ولم تكن القبور الثلاثة داخل المسجد حتى كان عهد الوليد بن عبد الملك، فأمر نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز أن يوسع في المسجد من جميع جوانبه، فاضطروا إلى إدخال الحجر في المسجد ومنها حجرة عائشة، ومع هذا احتاطوا غاية الاحتياط، فأحاطوا القبور بحائط مرتفع كيلا تظهر في المسجد فيصلي إليها
__________
(1) في القاموس: ضرحه كمنعه. وضرح الميت حفر له ضريحا، والضريح البعيد، والقبر أو الشق وسطه أو بلا لحد. فالمعنى يشق وسط القبر.
(2) في القاموس: ولحد القبر كمنع وألحده عمل له لحدا: وهو الشق بجانب القبر ثم يوضع فيه الميت.(2/599)
العوام، ثم بنوا جدارين من ركني الحجرة الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على هيئة رأس مثلث من الشمال، حتى لا يتمكن المصلي من استقبال القبور في الصلاة، عملا بتحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال في مرض موته وأكثر من القول:
«لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» رواه الشيخان، وفي رواية لمسلم: «اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» «1» .
إنفاذ جيش أسامة
ولم يكد المسلمون يفرغون من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أول ما أمر به الصدّيق خليفة رسول الله إنفاذ جيش أسامة تنفيذا لوصية النبي، ورفض الصدّيق أن يستمع إلى قول الذين رأوا ألايخرج الجيش في هذا الوقت العصيب، والذين أشاروا بتعيين قائد أسن منه، بل ولا إلى أسامة حينما رغب أن يكون بجانب الخليفة، وتم تجهيز الجيش عند الجرف، وأسامة على رأسه، وخرج الصدّيق مع الجيش يودعه وهو ماش وأسامة راكب، فقال: يا خليفة رسول الله لتركبنّ أو لأنزلنّ، فقال: لا نزلت ولا أركب!! وما عليّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله!!.
ثم قال له وهو راجع: إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل؟ فأذن له.
فلما رأى المتألمون من تأمير أسامة ما فعل الخليفة سكتوا، وطابت نفوسهم.
وسار أسامة حتى وصل إلى البلقاء وحدود الشام، فأغار عليهم وانتقم للمسلمين ولأبيه الذي قتل، ثم عاد إلى المدينة بجيشه مظفرا منصورا، بعد أن أرضى ربه، وأرضى نبيه، وأرضى خليفته.
__________
(1) شرح المختار من صحيح مسلم للمؤلف، ج 2 ص 65.(2/600)
المثل الكامل
ها أنذا قد فرغت- ولله الحمد والمنة- من السيرة العطرة، ولم يبق إلا أن أكتب فصولا موجزة في صفاته صلى الله عليه وسلم الخلقية، والخلقية، ليتجلّى للقارىء أنه كان مثلا في كل شيء، وأن الله سبحانه سوّاه على أحسن صورة، وجمّله ظاهرا وباطنا، وتعهده بالعناية والتربية قبل النبوة وبعدها، ثم توالت عليه فيوضات الوحي وإشراقات النبوة حتى صار مثلا أعلى في كل شيء، واستأهل ثناء الله عليه بقوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
ونحن لا ننكر أن في تاريخ البشرية- ولا سيما الصفوة من الخلق، وهم الأنبياء والمرسلون- أناسا فضلاء ذوي أخلاق ودين، وهداة ومصلحين، وعلماء وحكماء، ومشرعين وفقهاء، وملوكا وخلفاء، ملأوا الدنيا عدلا، بعد أن ملئت جورا ... ورجالا أوفياء أمناء لا يغدرون ولا يخونون؛ وسادة قادة، وساسة عباقرة، وقوادا شجعانا، وأبطالا لا يرهبون الموت، وأن البشرية لا تخلو في أي عصر من أمثال هؤلاء.
ولكن الذي نلاحظه أنه لا يوجد رجل اجتمعت فيه كل هذه الصفات والمميزات مثل ما اجتمعت في نبينا محمد، ولا نكاد نعرف أحدا كمّله الله بكل فضيلة، ونزهه عن كل رذيلة، مثل ما عرفنا ذلك لرسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه.
وليس العجب من اجتماع هذه الصفات فيه، وإنما العجب حقا أنها فيه على سواء، فلا صفة تطغى على أخرى حتى تكاد تطمسها، ولا خلق يربو على(2/601)
اخر حتى يكاد يخفي معالمه، وإنما هي صفات وزنت بميزان عادل لا يعول، وأخلاق حسبت بحسبان دقيق لا يضل، هداية في حكمة، وعلم في فقه، ورحمة في غير ضعف، وعدل في غير عنف، وحزم في حلم، وصرامة في رحمة، وغضب لله في غير جور ولا بطش، وكرم في غير إسراف، ودقة في غير فسولة؛ ورأفة في غير تفريط، وعقل كبير في سعة قلب، وجد في غير هزل، ومزح في غير باطل، وفصاحة في بلاغة، وكلم جوامع في حكم نوابغ، ورجولة في مروءة، وفحولة في عفة.
وهكذا لا يمكن لمنصف أن يجد في أخلاقه مغمزا، أو في سلوكه مطعنا، وهذا المعنى لا نجده في بشر أيا كان، وهذا هو سر الإعجاز في أخلاق هذا النبي العظيم، وهذا البشر العظيم!!
الفضيلة الإنسانية في ذروة كمالها في نبينا محمد
يقول الحكماء: إن الفضيلة وسط بين رذيلتين: فالشجاعة وسط بين الجبن وبين التهور. والقصد في الإنفاق وسط بين التقتير والإسراف. والعدل وسط بين البغي والظلم، وبين هضم الحق والتفريط فيه. والعفة وسط بين انتهاك حرمات الغير وبين حرمان النفس من متعتها المشروعة. والحكمة وسط بين الإسراف في استعمال العقل وتعدي أموره وبين البلادة والغافلة، وهكذا.
والفضيلة من الأمور التي تواطأت عليها العقول السليمة، ولا تختلف باختلاف الأشخاص والعصور. فالفضيلة لا يمكن أن تكون رذيلة، ولا تكون فضيلة عند إنسان ورذيلة عند اخر، وهذا أمر لا أعلم أحدا خالف فيه، إلا ما كان من السوفسطائيين «1» ومن على شاكلتهم كالوجوديين اليوم، فإنهم يخضعون الحق والفضيلة لأهوائهم، وشهوات أنفسهم.
__________
(1) السوفسطائيون: قوم وجدوا في بلاد اليونان قديما، لا يؤمنون بأن حقائق الأشياء ثابتة، فالحق في نظرهم ما يراه الواحد حقا، ولو كان في الواقع باطلا، والباطل ما يراه باطلا ولو كان في الواقع حقا. وقريب من هؤلاء الوجوديون اليوم فليس للفضيلة والحق معيار.(2/602)
والناس يتفاضلون ويتمايزون بقدر ما يكون عندهم من الفضائل والأخلاق الكريمة، والفضيلة لا تختص بأناس دون أناس، ولا بجنس دون جنس، وإنما هي أمر مشاع بين البشر، يأخذ كل واحد منها بحسب فطرته واستعداده، وتربيته ونشأته، إلا أن هذه الفضيلة الإنسانية توجد أوفى ما تكون وأكمل ما تكون في أنبياء الله ورسله، فقد فطرهم الله سبحانه على أكمل الصفات، وخير الخلال، إلا أن بعض هذه الفضائل قد تكون عند نبي أوفى منها عند اخر، ومن ثم صارت هذه الصفات البالغة الكمال، عند بعض الأنبياء بمنزلة الخصائص، فالحلم والتسامح عند الخليل إبراهيم وعيسى أكثر منهما عند نوح وموسى، والشدة والأخذ بالعقوبة، عند نوح وموسى، أعظم منهما عند إبراهيم وعيسى عليهم جميعا الصلاة والسلام.
وكذلك فضلاء البشر كصحابة الأنبياء وحواريّيهم، ولا سيما صحابة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، تقوى بعض الفضائل عند بعضهم حتى تصير كأنها خصوصية، فمنهم الذي يغلب عليه الحلم والرحمة والشفقة كالصدّيق رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه الشدة والصرامة في الحق، حتى مع أحب الناس إليه، كالفاروق عمر رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه الحياء كالسيّد الحييّ عثمان بن عفان رضي الله عنه فيفرط في حق نفسه، ومنهم من تغلب عليه الشجاعة والمصارحة بالحق وعدم المداهنة، حتى ولو كان في ذلك تثبيت أمر الخلافة كسيدنا علي رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه جانب الدهاء والسياسة، ومعرفة كيف تسترق النفوس كسيدنا معاوية رضي الله عنه.
وليس معنى هذا أن ما عدا هذه الصفات التي برزوا فيها ليس لهم فيما عداها حظ، كلا وحاشا، وليس أدل على هذا من الصدّيق الأكبر رضي الله عنه، فقد كانت سمته الغالبة في قصة أسارى بدر وغيرها الرحمة والشفقة، ومع هذا فلما جاور الرسول الرفيق الأعلى، وارتد بعض العرب كان أشجع من الشجاعة، وأشد من الشدة في محاربتهم، وحتى قال للفاروق وقد ناقشه في قتال مانعي الزكاة: أجبّار في الجاهلية خوّار في الإسلام؟!!
والفاروق عمر- وهو الشديد القوي في الحق- ما انتقم لنفسه، وكانت(2/603)
تقابله المرأة فتعظه، وتذكره، وتنصحه بتقوى الله في الخلق، فإذا به يتطامن لها ويبكي حتى تخضل لحيته!! وذلك كقصته مع السيدة خولة بنت ثعلبة بن حكيم، والمرأة الأعرابية التي كانت تعلل أولادها، وهم يتضاغون من الجوع حتى ناموا ...
والناس طبائع، ومعادن، وفطرتهم ليست واحدة، ومرد ذلك كله إلى الله جل جلاله- فسبحانه، سبحانه، تقدست أسماؤه، وتباركت صفاته ووسع علمه كل شيء، وجلّت حكمته، وعجزت العقول، مهما بلغت عن إدراك كنهه وأسراره، فله المثل الأعلى، وله الحكمة البالغة.
وقد أوحى إلى نفسي بما كتبت هذه المقارنة البديعة الصادقة التي صدع بها المثل الكامل صلى الله عليه وسلم عقب استشارة أصحابه في أسارى غزوة بدر، فأدلى الصديق برأيه وهو أخذ الفداء وتركهم عسى أن يهداهم أو يخرج الله من أصلابهم من يرضي الله وينصر دينه، وكان رأي الفاروق أن يقتلوا ولا يؤخذ منهم فداء، فقال النبي: «إن الله ليلينّ قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة. وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال:
فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» .
وكمثل عيسى قال:
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «2» .
وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً «3» . وكمثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ «4» . أنتم اليوم عالة، فلا يفلتنّ
__________
(1) سورة إبراهيم: الاية 36.
(2) سورة المائدة: الاية 118.
(3) سورة نوح: الاية 26.
(4) سورة يونس: الاية 88.(2/604)
أحد إلا بفداء أو ضربة عنق» وكان هذا اختيارا لما رأى الصديق رضي الله عنه.
وقد بلغت الفضيلة الإنسانية ذروة كمالها في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويدعوني المقام أن أقارن بين قولتي سيدنا نوح وسيدنا موسى الانفتين، وبين موقف حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من ثقيف بعد أن عرض عليهم الدعوة الإسلامية فأبوا، فرجاهم أن يكتموا أمره ولا يبلّغوا قريشا، ولكن القوم كانوا لئاما، فما إن همّ بمغادرتهم حتى أغروا به الصبيان والسفهاء يقذفونه بالحجارة، وصاحبه ومولاه زيد بن حارثة يدرأ عنه ويدفع، ولكن ماذا يغني زيد في هذا السيل المنهمر من الحجارة، فأصيب جسمه صلى الله عليه وسلم ودميت عقباه، وسال الدم الزكي على أرض الطائف ليكون شاهدا على لون من ألوان الكفاح في سبيل العقيدة، حتى ألجؤوه إلى بستان لابني ربيعة وبعد أن استراح قليلا، دعا الله بدعائه المشهور الذي ختمه بقوله: «إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي» . نعم، فالجراح والالام والمصاعب، كلها تهون ما دام في ذلك رضى الله، والنجاة من غضبه.
عاد وهو جريح الجسم، مكلوم الفؤاد، حزين النفس، فتبدى له عند «قرن الثعالب» ملك الجبال، وقال له: «إني رسول من الله إليك، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «1» فعلت؟!» ولقد كانت فرصة مواتية للنيل من هؤلاء الذين اذوه، وأسالوا دمه، وليذهبوا مع الهالكين الغابرين، وإن ذهبوا ففي الباقين من ينصر الدعوة ويقيم الإسلام.
ولكن لو جاز هذا في حق بشر اخر مهما بلغ من الكمال العقلي والخلقي؛ فلن يجوز في عقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا في أخلاق نبينا محمد، ولا في منطقه صلى الله عليه وسلم!! وهو الذي بلغت فيه الفضيلة ذروة كمالها.
وانتظر الملك الجواب، ولم يفكر النبي طويلا، لأن الأمر بالنسبة له لا يحتاج إلى تفكير، لأنه يتفق هو وفطرته التي فطره الله عليها، وأخلاقه التي
__________
(1) الأخشبان: جبلان بمكة.(2/605)
جبل عليها، وجعلته سيد ولد ادم على الإطلاق، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله واحده ولا يشرك به شيئا» !!
ودهش ملك الجبال لما سمع وقال: أنت- كما سمّاك ربك- رؤوف رحيم!! نعم- والله- لقد صدق من سماه الرؤوف الرحيم، ومن خاطبه هذا الخطاب الشريف الفذ: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ!!
وهذا هو سيدنا موسى عليه السلام يدخل مدينة من المدن المصرية، فوجد فيها رجلين يقتتلان ويتضاربان، أحدهما إسرائيلي من شيعته، والاخر قبطي من عدوه، فاستنصر به الإسرائيلي على القبطي، فضربه بجمع يده، فقضى عليه فمات، وما كان موسى عليه السلام يقصد قتله، وإنما قصد دفعه، وكثيرا ما يقصد الإنسان قصدا ويحصل خلافه، فلذلك ندم من فعلته وتاب إلى الله توبة نصوحا، وعزم على عدم العودة لمثل ذلك، وعاهد الله على ألايكون معينا لمجرم قط «1» .
ورأس الإجرام هو الكفر، ويليه المعاصي، وهذا الوكز وإن أفضى إلى الموت ليس بذنب، وإنما هو خلاف الأولى، وكان عليه أن يتثبت قبل الوكز أو يفصلهما عن بعضهما من غير وكز، وإنما عدّه موسى ذنبا واستغفر الله منه لمقام موسى وعلو منزلته على أن يحصل منه ذلك، وقد قيل: إن ذلك كان قبل نبوته فهو من الصغائر التي يجوز مثلها على الأنبياء، وهو الظاهر من قول موسى كما حكاه الله سبحانه في قوله:
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ «2» .
ومهما يكن من شيء فهذا وأمثاله مما جاء به القران وجاءت به الأحاديث الصحيحة يدل على أن الأنبياء بشر، وأن الكمال المطلق إنما هو لله واحده، وعلى أنهم لشدة معرفتهم بالله وقربهم منه يستعظمون في حق أنفسهم ما ليس عظيما،
__________
(1) اقرأ الايات من سورة القصص: الايات 15- 17.
(2) سورة الشعراء: الاية 21.(2/606)
ويعتبرونه ذنبا يستغفرون الله تعالى منه، وإن لم يكن ذنبا في الحقيقة ونفس الأمر.
وأما نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله فقد استأذنه سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه- أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو- أحد أسرى بدر- حتى يدلع لسانه فلا يقوم خطيبا بعد ذلك ضد النبي ودعوته، فماذا كان جواب الرؤوف الرحيم؟: «لا أمثل فيمثل الله بي ولو كنت نبيا» !! يالسمو الرحمة، ويا لعظمة البشرية!! ثم يغري النبي سيدنا عمر بالعفو عنه، وعدم النيل منه فيقول: «وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه» وقد كان، وصدقت نبوءة الرسول الكريم فقد وقف بعد الردّة موقفا كريما حمده الناس له، وحفظه له التاريخ «1» .
ومثل اخر أسوقه لبيان كمال الفضيلة الإنسانية في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لقد كان عمر رضي الله عنه مشهورا بالزهد وبلغ فيه مبلغا، صار مضرب الأمثال.
عمر هذا الزاهد، الذي كان يداوم لبس المرقّع، وكان ينام على الحصى والتراب، والذي كان يضرب اللبن «2» بنفسه، ويهنأ إبل الصدقة بالقار بيديه «3» والذي كان يعيش الكفاف، ويأتدم الزيت بالعيش الجاف، عمر الذي حرم على نفسه أكل السمن عام الرمادة حتى يخصب الناس، وحتى صارت تكركر بطنه وتغير لونه، وهو لا يهتم بذلك.
عمر الزاهد هذا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه بسبب تظاهر بعضهن عليه، وكان في مشربة له «4» يرقى إليها بدرج، وعلى الباب غلام اسمه رباح، فقال: يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأت رباح بجواب،
__________
(1) انظر: ص 159 من هذا الكتاب.
(2) اللبن: الطوب النّيء.
(3) يهنأ: يغسل جسدها، ويطليه بالقار ليداويها.
(4) المشربة: غرفة صغيرة.(2/607)
فرفع رأسه وقال استأذن لي على رسول الله، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة، والله لئن أمرني رسول الله بضرب عنقها لأضربنّ عنقها!! فأشار إليه الغلام: أن أذن لك، فدخل على رسول الله، وما زال يلاطفه حتى تبسم، ثم نظر عمر في المشربة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير قد أثر في جنبيه، وتحت رأسه وسادة من أدم، حشوها ليف، وفيها قرظ مجموع وأهب «1» معلقة وفرق من شعير، فبكى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا عمر» ؟! فذكر عمر كسرى وقيصر وما هما فيه من ألوان النعيم وما رأى في المشربة، أي- والله- عمر الزاهد يبكي لما رأى النبي في هذه الحالة، ولو أن البكاء كان من غير عمر لجاز، أما وهو من عمر فهذا موضع العبرة والعجب!!.
ترى أيها القارىء ماذا سيكون جواب الرسول؟! وماذا سيكون حال الرسول؟ أيبكي، كما بكى عمر الزاهد، أم يسكت على مضض وضجر؟! لو أن النبي فعل هذا وشارك عمر في بكائه أو سكت وتحسر، لكان قصارى أمره أنه عبقري، أو أنه رجل مصلح، ولكنه فوق ذلك: فوق العبقري وفوق المصلح، إنه النبي بكل ما في «أل» من كمال النبوة الذي بلغت به الذروة في الفضيلة الإنسانية، وإليك جواب النبوة الكاملة: «يا عمر، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الاخرة؟! أولئك قوم عجّلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا» !!.
ويقف الزاهد المتقشف مدهوشا أمام هذا الجواب فيزداد يقينا إلى يقين أنه النبي حقا، بعد أن أخذ من النبي صلى الله عليه وسلم درسا في زهد البطولة، أو إن شئت فقل بطولة الزاهد.
__________
(1) القرظ: ما يدبغ به الجلد، أهب بضم الهمزة والهاء وبفتحها جمع إهاب: وهو الجلد.(2/608)
صفاته الخلقية
وها هي صفاته صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأحاديث الصحيحة والحسنة والاثار المشهورة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، يزيد بعضهم عن بعض فيها، ومن مجموعها نستخلص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أزهر اللون «1» ، أدعج «2» ، أنجل «3» ، أشكل «4» ، أهدب الأشفار «5» ، أبلج «6» ، أزجّ «7» ، أقنى «8» ، أفلج «9» ، مدوّر الوجه، واسع الجبين، ضخم الرأس، كث اللحية «10» تملأ صدره.
سواء البطن والصدر، واسع الصدر، عظيم المنكبين «11» ، ضخم العظام.
عبل «12» العضدين والذراعين والأسافل، رحب «13» الكفين والقدمين، سائل «14»
__________
(1) أبيض اللون مشربا بحمرة.
(2) شديد سواد الحدقة مع سعة فيها.
(3) واسع العين مع حسن.
(4) في بياض عينيه حمرة.
(5) غزير شعر الأهداب مع طول.
(6) مضيء الوجه مشرقه.
(7) دقيق الحاجبين مع طول وتقوس.
(8) مرتفع قصبة الأنف مع احديداب يسير فيها.
(9) منفرج ما بين الثنايا.
(10) غزير شعرها.
(11) المنكب مجمع العضد والكتف.
(12) ضخم.
(13) واسع.
(14) طويلها طولا معتدلا.(2/609)
الأطراف، أنور المتجرد «1» ، دقيق المسربة «2» ، ربعة القد، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد، ومع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم، رجل الشعر «3» .
إذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البرق، وعن مثل حب الغمام، إذا تكلم رئي كالنور يخرج من ثناياه، أحسن الناس عنقا، ليس بمطهم «4» ، ولا مكلثم «5» ، متماسك البدن، ضرب اللحم «6» ، إذا مشى تكفّأ كأنما ينحط من صبب «7» ، وإذا التفت التفت معا.
قال البراء: ما رأيت من ذي لمّة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه، وإذا ضحك يتلألأ في الجدر. وقال جابر بن سمرة- وقال له رجل: أكان وجهه مثل السيف- فقال: لا، بل مثل الشمس والقمر، وكان مستديرا.
وقالت أم معبد في بعض ما وصفته به: أجمل الناس من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، وفي حديث ابن أبي هالة: يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر!! وقال علي رضي الله عنه في اخر وصفه له: من راه بديهه هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله، ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم «8» .
__________
(1) نير العضو المتجرد من الشعر.
(2) الشعر الممتد من الصدر إلى السرة.
(3) وسط بين التجعد والسبوطة.
(4) بادن كثير اللحم.
(5) مجتمع لحم الخدين.
(6) ليس فيه استرخاء.
(7) تكفأ: مشى إلى الأمام بقوة. صبب: مكان عال.
(8) الشمائل المحمدية للترمذي، ص 8- 32؛ وصحيح البخاري- كتاب أحاديث الأنبياء- باب صفة النبي، وصحيح مسلم- كتاب الفضائل- صفة شعره صلى الله عليه وسلم.(2/610)
وهذه الأوصاف تنم عن الذكاء والفطنة وكبر العقل، والقوة والبطولة والهيبة والجلال، والرزانة والوقار، وقد أملاها عليهم واقع الحال، لا مجرد الحب والخيال.
ومن ثم نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحظى بالكمال الجسماني، وسمات البطولة الجسدية الحقة، ولو أنك اطلعت على ما يشترط اليوم من الصفات لتحقيق «كمال الأجسام» لوجدتها لا تزيد عما ذكر في صفات النبي الخلقية، وهذا أمر كان لازما، فإن نبينا بعث بخاتم الأديان والشرائع، لأمم الأرض كلها، وشرع الله له الجهاد في سبيل حماية العقيدة، ونشر هذا الدين، لابدّ أن يكون متهيئا غاية التهيؤ للجهاد، وأن يكون له من بسطة الجسم ما يهيّئه للجهاد والقيادة، والشجاعة والإقدام. وهكذا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الله سبحانه له البطولة الجسمانية، إلى البطولة النفسية.
نظافة جسمه وطيب ريحه
هذا إلى نظافة جسمه، وطيب ريحه وعرقه، ونزاهته عن الأقذار، والروائح الكريهة، وقد خصه الله بذلك، ثم تممها وزادها بنظافة الشرع، وخصال الفطرة، والمداومة على التطيب والتطهر، ومجانبة الأطعمة الكريهة الرائحة.
عن أنس رضي الله عنه قال: (ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط ديباجا، ولا حريرا ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) «1» . وعن جابر بن سمرة: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح خده، قال: فوجدت ليده بردا وريحا كأنما أخرجها من جونة «2» عطار) .
وكانت تلك رائحته سواء مس طيبا أولم يمس، وكان يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان
__________
(1) رواه مسلم وغيره.
(2) الجؤنة: بضم الجيم وهمزة على الواو وبدونها: الوعاء الذي يضع فيه متاعه.(2/611)
بريحها، وكان إذا مرّ في طريق يعرف أنه سلكه مما يخلفه فيه من طيبه. وثبت في صحيح مسلم أنه نام في دار أنس فعرق، فجاءت أمه بقارورة فجمعت فيها عرقه، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالت: نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب. وفي رواية أخرى لمسلم: (فقالت: يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا) .
قال: «أصبت» .
كمال عقله
وأما كمال عقله، وأصالة تفكيره، وبعد نظره فيتجلّى في كثير من تصرفاته ومواهبه السياسية قبل النبوة وبعدها، وذلك كما حدث حينما حكّموه في قصة وضع الحجر الأسود، وفي إعداد الجيوش، ومباغتته للأعداء قبل أن يبغتوه في بلده، وموقفه في القضاء على الفتنة التي كادت تقع بين الأوس والخزرج بسبب تأليب اليهود، وبين المهاجرين والأنصار أثناء غزوة بني المصطلق، ومواهبه الفائقة في عقد المعاهدات والصلح، وفي معاملة الأصدقاء والأعداء، حتى كان سببا في دخول الكثيرين منهم الإسلام، وفي ترضية الأنصار بعد قسمة غنائم حنين، إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد. وقد عرضنا لذلك بالتفصيل في هذه السيرة العطرة.
فصاحة لسانه
وكان صلى الله عليه وسلم فصيح اللسان، قوي العارضة، يفصّل الكلام تفصيلا، مع سلاسة طبع ونصاعة لفظ، وقلة تكلف، وجزالة معنى. وليس هذا بعجيب ممن كان في الذؤابة من قريش، واسترضع في بني سعد، ونشأ بمكة، وأنزل عليه القران بلسان عربي بلغ أعلى درجات الفصاحة والبلاغة.
وكان مما اتاه الله العلم بلغات العرب ولهجاتها، فكان يخاطب كل قوم بلغتهم مما كان يدهشهم ويدهش الحاضرين من الصحابة، حتى قالوا له:
ما رأينا الذي هو أفصح منك!! فقال: «وما يمنعني وإنما أنزل القران بلسان(2/612)
عربي مبين» وقال مرة أخرى: «أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش، ونشأت في بني سعد» «1» .
فجمع الله له بذلك قوة عارضة البادية وجزالتها، ورقّة ألفاظ الحاضرة ورونقها، إلى المدد الإلهي بالوحي المتتابع، ولا سيما وحي القران الذي لا يحيط بعلمه وأسراره إنسي ولا جني، فلا عجب إذا قال: «أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارا» رواه النسائي في سننه وأبو يعلى، ورويت الفقرة الأولى من حديث للبخاري ومسلم.
وإليك ما قاله في وصف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أديب من أكبر أدباء العربية غير منازع وهو الجاحظ قال:
(وأنا ذاكر بعد هذا فنا اخر من كلامه صلى الله عليه وسلم، وهو الكلام الذي قلّ عدد حروفه وكثر عدد معانيه! وجلّ عن الصنعة، ونزّه عن التكلف، وكان كما قال الله تبارك وتعالى: قُلْ- يا محمد- وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ «2» فكيف وقد عاب التشديق، وجانب أصحاب التقعيب «3» ، واستعمل المبسوط في موضع البسط والمقصور في موضع القصر، وهجر الغريب الوحشي، ورغب عن الهجين السوقي، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة، ولم يتكلم إلا بكلام قد حفّ بالعصمة، وشيّد بالتأييد، ويسر بالتوفيق.
وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة، وغشّاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام، وقلة عدد الكلام، مع استغنائه عن إعادته، وقلة حاجة السامع إلى معاودته، لم تسقط له كلمة، ولا زلّت به قدم،
__________
(1) ذكره القاضي عياض في الشفاء، وأصحاب الغريب في كتبهم، وروى نحوه الطبراني مرفوعا، وابن سعد مرسلا، وأما: (أنا أفصح من نطق بالضاد) فلا أصل له.
(2) سورة ص: 86، والاية بتمامها: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ، وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ.
(3) التقعيب: هو التقعير، وهو أن يتكلم بأقصى قعر فمه، وهو لون من التكلف في الكلام.(2/613)
ولا بادت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب، بل يبذّ الخطب الطوال بالكلم القصار، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق ولا يطلب الفلج «1» إلا بالحق، ولا يستعين بالخلابة «2» ، ولا يستعمل المواربة «3» ، ولا يهمز، ولا يلمز «4» ، ولا يبطىء ولا يعجّل، ولا يسهب ولا يحصر «5» ، ثم لم يسمع الناس بكلام قط أعم نفعا، ولا أقصد لفظا، ولا أعدل وزنا، ولا أجمل مذهبا، ولا أكرم مطلبا، ولا أحسن موقعا، ولا أسهل مخرجا، ولا أفصح معنى، ولا أبين في فحوى «6» من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيرا ... ثم قال:
قال محمد: قال يونس بن حبيب: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جمعت لك في هذا الكتاب جملا التقطناها من أفواه أصحاب الأخبار، ولعل بعض من لم يتسع في العلم، ولم يعرف مقادير الكلم، يظن أنّا قد تكلفنا له في الامتداح والتشريف ومن التزيين والتجويد ما ليس عنده، ولا يبلغه قدره، كلا، والذي جرّم «7» التزيد عند العلماء وقبح التكلف عند الحكماء، وبهرج الكذابين عند الفقهاء، لا يظن هذا إلا من ضلّ سعيه.
فمن كلامه صلى الله عليه وسلم حين ذكر الأنصار: «أما والله ما علمتم إلا لتقلّون عند الطمع، وتكثرون عند الفزع» وقال: «الناس سواسية كأسنان المشط» «8» ...
__________
(1) الفلج- بفتح الفاء وفتح اللام وسكونها- الفوز والغلب.
(2) الخداع.
(3) المداهنة.
(4) الهمز: العيب بالجوارح. واللمز: العيب باللسان، وقيل هما بمعنى.
(5) حصر يحصر حصرا من باب «تعب» عيّ في الكلام.
(6) الفحوى: المعنى.
(7) جرّم: جعله جرما وإثما.
(8) رواه الديلمي.(2/614)
وقال: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى ويرد عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم» «1» فتفهّم- رحمك الله- قلة حروفه، وكثرة معانيه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول» «2» ... وقال: «خير المال سكة مأبورة، وفرس مأمورة» «3» ... «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» «4» ... وقال: «الناس كالإبل المائة لا تجد فيها راحلة» «المستشار مؤتمن» «5» «رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم» «6» وقال: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبله جميعا ولا تفرّقوا، وأن تناصحوا من ولّاه الله أمركم، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» «7» .
وقال: «يقول ابن ادم: مالي مالي، وإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت» «8» وقال: «لو كان لابن ادم واديان من ذهب لابتغى ثالثا، ولا يملأ عين ابن ادم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب» «9» .
وقال: «إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطؤون أكنافا، الذين يألفون، ويؤلفون. وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني
__________
(1) رواه أحمد وأبو داود.
(2) رواه الشيخان.
(3) السكة: السطر المصطفى من النخل. المأبورة: الملقحة أي كثيرة النتاج والنسل.
(4) رواه الشيخان.
(5) رواه مسلم.
(6) رواه أحمد وأصحاب السنن.
(7) رواه الديلمي والعسكري.
(8) رواه مسلم.
(9) رواه مسلم.(2/615)
مجالس يوم القيامة الثرثارون المتشدّقون، المتفيهقون» «1» إلى غير ذلك مما ذكره «2» هذا العالم الأديب الأريب.
وقد ذكر هذا الإمام الخبير بكلام البلغاء جملة صالحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن منها ما ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك مثل قوله: «الناس بأزمانهم أشبه منهم بابائهم» فالصحيح أنه من كلام علي، وقيل من كلام عمر، ومنها ما هو موضوع كما نصّ على ذلك أئمة النقد في الإسلام وهو «إن الأحاديث ستكثر عني كما كثرت عن الأنبياء من قبلي، فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فهو عني، قلته أولم أقله» وهو كلام باطل لا يصدر مثله عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتاب «البيان والتبيين» ونحوه من كتب الأدب، لا يعوّل عليها في معرفة الأحاديث ما ثبت منها، وما لم يثبت، ولذلك حرصت على تخريج الأحاديث التي ذكرها الجاحظ في الهامش.
ومما ذكره الجاحظ من كتبه صلى الله عليه وسلم التي تدل على مخاطبته كل قوم بلسانهم ولغتهم ما رواه سعيد بن عفير عن ابن لهيعة عن أشياخه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى وائل بن حجر الحضرمي ولقومه: «من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت، امركم بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، على التيعة «3» شاة والتيمة لصاحبها «4» ، وفي السبوب الخمس «5» ، لا خلاط، ولا وراط «6» ، ولا شناق،
__________
(1) رواه البخاري، ورواه الترمذي وقال: حديث حسن. فالثرثارون: هم الذين يكثرون من الكلام من غير داع. والمتشدقون: الذين يملأون فمهم بالكلام تشدقا وتكلفا. والمتفيهقون: الذين يملأون فمهم بالكلام تكبرا وتعظما.
(2) البيان والتبيين للجاحظ ج 1 ص 16- 30.
(3) التيعة بكسر التاء: الأربعون من الغنم.
(4) التيمة: الشاة الزائدة على الأربعين.
(5) السبوب: جمع سبب: وهو المال المدفون في الجاهلية.
(6) الخلاط: أن يخلط رجل إبله بإبل غيره أو بقره، أو غنمه ليمنع حق الله فيها، والوراط: الغش.(2/616)
ولا شغار «1» ، فمن أجبني فقد أربى «2» » وهي خصيصة عجيبة لرسول الله.
وأزيد على ما ذكره الجاحظ فأقول: ومن جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم قوله: «إن المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع» رواه البخاري ومسلم، وقوله:
«اتقوا النار ولو بشقّ تمرة» رواه البخاري، وقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» رواه الشيخان، وقوله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» متفق عليه، «ما ملأ ابن ادم وعاء شرا من بطنه، فإن كان ولابدّ، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
وقوله: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى» متفق عليه، وقوله: «وهل يكبّ الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم» رواه الترمذي، وقوله:
«كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» رواه الإمام مسلم في صحيحه، وقوله: «المسلمون عند شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا» رواه أحمد، وأبو داود، والدارقطني، وقوله: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ» رواه البخاري، وقوله:
«ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» رواه البخاري.
وقوله: «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» رواه البخاري، وقوله:
«الحياء من الإيمان» رواه الشيخان، وقوله: «إنّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما تشاء» رواه البخاري، وقوله: «من يحفظ لي ما بين لحييه، وما بين رجليه «3» ، أضمن له الجنة» متفق عليه، وقوله: «الرحم
__________
(1) الشناق ما بين الفريضتين من الإبل والغنم وهو: الوقص، والشغار: أن يزوج الرجل أخته مثلا على أن يزوجه الاخر أخته من غير مهر، وهو ما أبطله الإسلام.
(2) الإجباء: بيع الزرع قبل بدو صلاحه، والإرباء من الربا.
(3) ما بين لحييه أي فكيه وهو لسانه، وما بين رجليه: فرجه.(2/617)
شجنة «1» من الرحمن» رواه البخاري، وقوله: «في كل ذات كبد رطبة أجر» متفق عليه، وقوله: «من لا يرحم لا يرحم «2» » رواه البخاري، وقوله: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم. إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي فاضت بها كتب الأحاديث والسنن.
ومن هذه الأحاديث التي هي من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ما اعتبر من المبتكرات التي لم يسبق إليها النبي صلى الله عليه وسلم، وسارت مسار الأمثال في شيوعها وذيوعها، وذلك مثل حديث «لا يلدغ ... » السابق، وقوله: «الحرب خدعة» وقوله: «الان حمي الوطيس» وقوله: «إنّ من البيان لسحرا» «وإن من الشعر لحكما» أي لحكمة.
وقوله في فرس أبي طلحة: «وجدناه بحرا «3» » وقوله: «كما تدين تدان» ولا يفوتني أن أوصي الشباب والطلاب- ولا سيما المتأدّبين منهم- أن يكثروا من قراءة كتاب الله، وأحاديث رسول الله، وسيكتسبون بذلك إيمانا وعلما وعملا، وفصاحة وبلاغة، وجزالة ألفاظ، وقوة أسلوب، وإشراق بيان.
شرف نسبه وكرم محتده
وهذا أمر معروف غير منكور، أقرّ به المخالف والموافق، وليس من شك في أنه نخبة بني هاشم، وسلالة قريش، وخلاصة مضر، وإليه انتهى شرفها، ومصاص البشرية كلها، وقد أفصح صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «إن الله اصطفى من ولد ابراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» رواه مسلم
__________
(1) أي صلة قريبة منه.
(2) الأولى بفتح الياء والحاء، والثانية بضم الياء وفتح الحاء.
(3) أي واسع الجري، طويل النفس في العدو، وكان في أول أمره ليس كذلك فصار ببركة ركوب النبي عليه بحرا لا يجارى.(2/618)
والترمذي «1» ، وقال: «بعثت من خير قرون بني ادم قرنا فقرنا، حتى كنت من القرن الذي كنت منه» رواه البخاري، وقال: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إلا أن الله عزّ وجل خلق خلقه، فجعلني من خير خلقه، ثم فرّقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني من خيرهم بيتا، فأنا خيركم بيتا، وخيركم نفسا» رواه أحمد واللفظ له والترمذي، وقال:
حديث حسن صحيح.
وليس من شك في أن النسب الزكي إذا انضم إليه الخلق الرضي كان خيرا وأزكى، و «الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» رواه البخاري «2» .
__________
(1) من حديث في الخصائص النبوية، رواه الشيخان وقد زاد الترمذي الفقرة الأولى، واتفقا على ما بعدها.
(2) انظر الجزء الأول من هذا الكتاب من ص 182- 185.(2/619)
النبي الزوج
لقد خصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباح الله له من الزوجات ما لم يبح لغيره، فقد تزوج إحدى عشرة ودخل بهن، منهن اثنتان ماتتا في حياته وهما السيدتان:
خديجة، وزينب أم المساكين، وتوفي عن تسع، وهن: عائشة بنت الصدّيق، وسودة بنت زمعة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وجويرية بنت الحارث المصطلقية، وصفية بنت حيي النضيرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية. وتسرى جاريتين: مارية القبطية، وريحانة بنت زيد اليهودية، وقد ماتت في حياته.
وإذا كان الإسلام جعل للمرأة حقوقا لم تكن تحلم بها، ورفع من شأنها، فقد حظي بالنصيب الأوفى من ذلك نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولمّا أنكر الفاروق عمر على زوجته أن تراجعه في أمر قالت له: عجبا لك يا ابن الخطاب، أما تحب أن تراجع في شيء، إن بنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان.
فذهب إلى ابنته يسألها، فإذا هي تؤكد له ذلك.
وكان كثيرا ما يوصي بالنساء خيرا ويقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» «1» ، وفي حجة الوداع أوصى بهن خيرا كما أسلفنا.
وإن الإنسان ليعجب كيف وفّق النبي صلى الله عليه وسلم بين هؤلاء التسع وهنّ مختلفات في السن، والطبائع، والأخلاق والمشارب؟! ولكن النبي بسعة عقله، ورحابة صدره، وكرم أخلاقه أمكنه أن يحسن عشرتهنّ ويعدل بينهن، وأن يوفق
__________
(1) رواه ابن ماجه.(2/620)
بين رغباتهن، وأن يعشن عيشة الأخوات لا عيشة الضرائر، وإنها لبطولة حقا أن يكون عنده هذا العدد من الزوجات، ويقوم بأعباء الرسالة، وتكوين خير أمة، وأول دولة في الإسلام على خير ما يكون!!.
والواحد منا تكون عنده الزوجة الواحدة، والعدد القليل من الأولاد، ومع هذا يكون في شغل شاغل، وفي حيرة من التوفيق بين حقوق زوجته وولده، والقيام بواجبات عمله على وجه مرضي، ولكنه النبي الذي وسع الناس جميعا بعقله وصدره وبره.
وهن خيار نساء هذه الأمة، الحريصات على رضاء الله ورسوله. ومع كونهن بهذه المنزلة فلم تخل معاشرتهن للنبي صلى الله عليه وسلم من بعض مضايقات ومؤامرات، بسبب ما ركز في فطرة المرأة من الغيرة، وحب الاستئثار بالزوج.
فمن ذلك أنهن اجتمعن على النبي ورغبن إليه أن يوسّع عليهن، وأن يكون لهن ما لنساء الملوك وأصحاب الثراء، وكان النبي قد أخذ نفسه وأهله وولده بالتقشف والتقلل من طيبات الحياة وزخارفها، وفرض على نفسه وعليهن لونا من ألوان المعيشة لا يتميز عن معيشة عامة الأمة، إن لم يقلّ، وهو صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين جميعا فليكن نساؤه كذلك قدوة لنساء الأمة، لذلك تألم النبي لمطالبهن، فاعتزلهن شهرا.
ولما اعتزل النبي نساءه شاع ذلك، وعظم الأمر على الصحابة، فذهب الصدّيق أبو بكر إلى المشربة التي اعتزل فيها رسول الله، فإذا الناس جلوس محزونون، فاستأذن على رسول الله، فأذن له، ثم جاء الفاروق فاستأذن له، فوجدا النبي واجما ساكتا وحوله نساؤه، فقال أبو بكر: لأقولنّ شيئا أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة- زوجته- سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت «1» عنقها! فضحك رسول الله وقال: «هنّ حولي كما ترى يسألنني النفقة» .
__________
(1) طعنتها في عنقها طعنا مؤلما.(2/621)
فقام أبو بكر وعمر إلى ابنتيهما يزجرانهما ويقولان: لا تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده، فتعهدتا بذلك، وبعد مضي مدة الاعتزال أنزل الله ايتي التخيير، قال عز شأنه:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا. وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً «1» .
فبدأ رسول الله بعائشة وقال: «يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألاتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك» قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الايتين. قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الاخرة، وأسألك ألاتخيّر امرأة من نسائك بالذي قلت، فأبى وقال:
«لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها. إن الله لم يبعثني متعنتا، ولكن بعثني معلّما ميسرا» !! «2» ، ثم خيّرهنّ فكلهن اخترن الله ورسوله، رضي الله عنهن.
وحادثة أخرى ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلّى العصر دار على نسائه يلاطفهن ويؤانسهن بالمحادثة، وربما يطيل المكث عند بعضهن، فتأخذ الغيرة بنفوس بعضهن. فدخل ذات يوم على السيدة زينب بنت جحش، فمكث عندها وشرب عسلا، فتواطأت عائشة وحفصة أن أيتنا دخل عليها رسول الله فلتقل له: إني أجد منك ريح مغافير «3» - وكان النبي يكره الرائحة الخبيثة- فدخل على حفصة فقالت له ذلك، فقال: «بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، فلن أعود إليه، وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا» «4» .
__________
(1) سورة الأحزاب: الايتان 28- 29.
(2) فتح الباري ج 8 ص 422- 424، صحيح مسلم- كتاب الطلاق- باب أن تخيير امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية.
(3) مغافير: جمع مغفور بضم الميم وهو صبغ له رائحة كريهة، وينضحه شجر يسمى: العرفط، بضم العين والفاء.
(4) رواه البخاري ومسلم.(2/622)
ولكنها لم تعمل بما أوصاها به وأخبرت بذلك عائشة، وفي رواية عند مسلم أن التي شرب عندها العسل حفصة، وأن اللاتي تظاهرن عائشة، وسودة، وصفية، وأنه لما أخبرهن بشرب العسل عند حفصة قالت كل واحدة منهن: جرست نحله «1» العرفط، وأنه لما عرضت عليه حفصة أن تسقيه عسلا مرة أخرى امتنع وقال: «لا حاجة لي به» والأول هو الأصح «2» ، وهو الأليق بسياق الاية.
وفي الصحيحين عن عمر: أن المتظاهرتين هما عائشة وحفصة، وقد كانت هذه المؤامرة سببا في اعتزال النبي نساءه شهرا. وفي الصحيحين أن عمر لما أخبره جاره الأنصاري أن رسول الله اعتزل نساءه قال: رغم أنف حفصة وعائشة، وذهب إلى عائشة فذكّرها وحذّرها؛ ثم ذهب إلى ابنته فوبّخها وعنّفها، وقال لها: والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك، فبكت أشد البكاء.
ثم قصد إلى رسول الله في مشربة له يرقى إليها بدرج وعلى الباب غلام اسمه رباح، فقال: يا رباح استأذن لي على رسول الله، فلم يأت رباح بجواب، فرفع صوته وقال: استأذن لي على رسول الله فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظنّ أني جئت من أجل حفصة، والله لئن أمرني رسول الله بضرب عنقها لأضربن عنقها!! فأشار إليه الغلام: أن أذن لك، فدخل على رسول الله وما زال يلاطفه حتى تبسم.
ثم نظر عمر في المشربة فوجد رسول الله على حصير قد أثر في جنبه، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، وفيها قرظ مجموع، وأهب «3» معلّقة، وفرق من شعير، فبكى فقال رسول الله: «ما يبكيك يا عمر؟» فذكر كسرى
__________
(1) جرست: أكلت.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي ج 1 ص 73- 93، صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة التحريم.
(3) القرظ: يدبغ به الجلد. أهب بضم الهمزة والهاء وبفتحها جمع إهاب: وهو الجلد.(2/623)
وقيصر وما هما فيه، وما رأى في المشربة فقال له: «يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الاخرة، أولئك قوم قد عجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا» «1» .
فلما انقضى الشهر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سبحانه- معاتبا نبيه، ومخوفا ومحذرا نساءه- قوله:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً «2» .
فكفّر رسول الله عن يمينه. وتاب نساؤه إلى الله ورسوله.
وكان عمر رضي الله عنه لما دخل على رسول الله فوجده مغضبا قال له:
يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقال لنسائه: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) فنزلت الاية على ذلك، وعدّ هذا من موافقات عمر رضي الله عنه.
وذكر النسائي وابن جرير وابن مردويه وغيرهم أن نزول صدر سورة التحريم كان بسبب تحريم مارية القبطية، ذلك أن حفصة كانت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة أبيها فأذن لها، فأرسل إلى جاريته مارية وباشرها في يوم حفصة وعلى فراشها، فلما عادت وعلمت بما كان صارت تبكي وتقول: أما رأيت
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي، ج 10 ص 83؛ وفتح الباري، ج 10 ص 534.
(2) سورة التحريم: الايات 1- 5. سائحات: أي صائمات.(2/624)
لي حرمة؟ ما كنت لتصنع هذا بامرأة من نسائك!! فقال رسول الله: «أليست هي جاريتي أحلّها الله لي» ؟ ثم ترضّاها فأخبرها بأنها حرام عليه، وبأن الصدّيق وأباها سيتوليان الخلافة بعده وقال: «لا تخبري بذلك أحدا» .
فلما خرج رسول الله قالت حفصة لعائشة: ألا أبشرك؟ إن رسول الله قد حرم أمته عليه، وقد أراحنا منها، وأخبرتها بما سيكون من شأن الخلافة، فلما علم رسول الله بما أفشته من سر غضب. واعتزل نساءه شهرا، ثم أنزل الله قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... الايات.
والراجح ما في الصحيح، وأن ذلك كان بسبب تحريم العسل، وإن كان سياق الايات أليق بمسألة تحريم مارية، ويمكن أن تكون الايات قد نزلت بسبب تحريم العسل وتحريم مارية «1» ، فقد يكون سبب النزول حادثتين أو أكثر كما هو مقرر في أسباب النزول.
هذه هي أهم الأحداث التي عكرت صفو حياة النبي الزوجية، وقد كانت أسبابا لتشريعات حكيمة في قران يتلى إلى يوم الدين، وفيما عدا هذه فقد كنّ مؤمنات، قانتات، تائبات، عابدات، صوّامات، وكن خير معينات له على طاعة ربه وتأدية رسالته، كما كنّ مصابيح إشعاع وهداية وعلم في حياة النبي وبعد وفاته، فرضي الله عنهن.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاطفهن ولا ينفك عن مؤانستهن والتبسّط معهن. ومن رفقه بهن أنه أتى عليهن وسواق يسوق بهن يسمى أنجشة، وكان يحدو للإبل فتنشط وتسرع بالسير، فربما يؤلمهن ويتعبهن، فقال له: «ويحك يا أنجشة، رويدك، سوقك بالقوارير» «2» .
__________
(1) فتح الباري، ج 10 ص 533.
(2) رواه الشيخان.(2/625)
وروي أن من اخر ما نطق به قبل اللحوق بالرفيق الأعلى الوصية بالنساء.
وقال: «حبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة» «1» .
وحب الزوجة حب فطري، لأن فيه سكن النفس، وغذاء العاطفة، ورضا القلب، ومبعث هذا الحب الرحمة والشفقة، والرفق بالضعيف، لا مبعثه إرضاء الغريزة الجنسية، وإشباع الشهوة؛ وإلا فقد قضى شبابه مع زوجة واحدة مسنة تكبره بخمسة عشر عاما.
وسئلت عائشة عما كان يصنع النبي في بيته قالت: (كان يكون في مهنة «2» أهله) يعني خدمتهم «3» . فكان يساعدهم ويعاون خدمه، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويذهب إلى السوق ويحضر لهم طعامهم، ولا يرى في ذلك منقصة، ولا ما يغضّ من شرفه وقدره، ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرب امرأة، أو عبدا، أو خادما، أو شق عليه في شيء.
__________
(1) رواه النسائي. وقد اشتهر هذا الحديث بلفظ: «حبب إليّ من دنياكم ثلاث ... » وزيادة ثلاث غير ثابتة، ومتن الحديث يردها لأن «وجعلت قرة عيني في الصلاة» ليس من أمور الدنيا.
(2) مهنة: بفتح الميم وكسرها وسكون الهاء فيها: الخدمة، وقيل الحذق فيها.
(3) رواه البخاري.(2/626)
النبي الأب
وكما كان رسول الله الزوج المثالي المتسامح المتغاضي عن الهفوات، كان الأب الحاني العطوف الشفيق، وقد قدّمنا طرفا من حبه لبناته، وأبنائه، وحزنه لفقدهن، وبكائه عليهن بكاء الرحمة والشفقة، وتعهده لابنه إبراهيم، وذهابه إليه خارج المدينة كل يوم فيحمله ويشمه ويقبله. وكذلك كان يقبّل ولدي ابنته فاطمة ويشمهما ويقول: «هما ريحانتاي من الدنيا» «1» .
ولما راه الأقرع بن حابس وهو يقبل الحسن قال: إن لي عشرة أبناء ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من لا يرحم لا يرحم» وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم أحد الأعراب فوجد النبي والصحابة يقبلون الأولاد فقال: أتقبلون أولادكم؟ فقالوا: نعم، فقال: والله ما نقبلهم، فقال الرؤوف الرحيم:
«أو أملك لك أن الله نزع الرحمة من قلبك» !!.
(وقد كان يصلي بأمامة بنت بنته زينب- رضي الله عنهما- يحملها على عاتقه، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) «2» . فأي مثل أروع من هذا في بيئة كانت تحب الذكور، وتبغض الإناث بل وتئدهن؟!.
وكان النبي يخطب ذات يوم على المنبر فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويتعثران، فنزل النبي فحملهما ووضعهما بين يديه.
__________
(1) كالشيء الطيب الريح الذي يشم، ويحب، ويقبل. والأولاد يشمون ويحبون ويقبلون، وهو من الكلام الموجز البديع الذي لم يسبق إليه صلى الله عليه وسلم فيما أعلم.
(2) صحيح البخاري- كتاب الأدب- باب رحمة الولد، وتقبيله، ومعانقته.(2/627)
وروي عن عبد الله بن الزبير أنه رأى الحسن بن علي يجيء والنبي ساجد فيركب رقبته، أو قال ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الاخر. وروي أن رسول الله كان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم: «أن دعوهما» «1» كما كان يلاعبهما إذا فرغ لهما. فهل رأيت في باب العطف والشفقة على الأبناء، وإشباع رغباتهم في اللهو واللعب أفضل وأسمح من هذا؟!.
وكان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة يقوم لها ويقبلها ويقول لها: «مرحبا بابنتي» «2» ويجلسها على يمينه. وربما بسط لها ثوبه. فأي إكرام واحترام للأولاد يداني هذا؟! وكان يقول: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني» «3» فأي تأكيد لأواصر الحب والقربى فوق هذا؟!.
__________
(1) الإصابة، ج 1 ص 329.
(2) رواهما البخاري، و «بضعة» بفتح الباء أي قطعة.
(3) رواهما البخاري، و «بضعة» بفتح الباء أي قطعة.(2/628)
النبي الإنسان
لقد اتسمت حياته صلى الله عليه وسلم بالإنسانية، وقد قدمنا الكثير من المثل لإنسانيته الفائقة حتى مع الكفار والأعداء، وذلك في معرض الحديث عن العبر في غزوة بدر، وفي غزوة خيبر غنم المسلمون فيما غنموا صحائف من التوراة، فطلبها اليهود، فأمر بإعطائها إياهم وهو يعلم ما بها من تحريف وتبديل. وهذا غاية الإنسانية في احترام الشعور الديني للأعداء.
وروى البخاري في صحيحه أنه مرّ عليه بجنازة فقام لها، فقالوا:
يا رسول الله، إنها جنازة يهودي!! فقال: «أليست نفسا منفوسة» «1» ؟! فأي تكريم لبني ادم يسامي هذا؟!.
وفي إحدى الغزوات وجد امرأة مقتولة فغضب وقال: «ما كانت هذه لتقاتل» ! ونهى عن قتل النساء والصبيان. وكان إذا بعث بعثا أو جيشا أوصاهم قائلا: «لا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا» «2» .
وكان له خادم يهودي فكان إذا مرض عاده، فعاده مرة فعرض عليه الإسلام وأبوه حاضر فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم فقال: «الحمد لله الذي أنقذه من النار» «3» إلى غير ذلك مما تجده في ثنايا كتب الأحاديث والسيرة.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه مسلم. والغلول: الخيانة في الغنيمة. الغدر: نقض العهد وعدم الوفاء به. ولا تمثلوا: المثلة: التمثيل بالعدو، وقطع الأطراف ونحوها. الوليد: الطفل.
(3) رواه البخاري.(2/629)
النبي المربّي المعلّم
وقد ذكرنا انفا قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يبعثني متعنتا، وإنما بعثني معلّما ميسّرا» وقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ومحاسن الأفعال» «1» . وقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم حياة تربية وتعليم، وتأديب وتهذيب، وبحسبنا شاهدا على هذا أنه بعث إلى قوم يعبدون الأصنام، ويسفكون الدماء، ويعتدون على الأعراض والأموال، ويتظلمون، ويتعاملون بالربا، ويشربون الخمر، ويغشون الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويتفاخرون بالأحساب والأنساب، فلم يزل بهم يربيهم ويتعهداهم حتى صيّر منهم مواحدين أتقياء، وحكماء علماء، وحلماء رحماء، وإخوانا متحابين أصفياء، وكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس في عقيدتها وعبادتها، وعلمها وعملها، وأخلاقها وسلوكها.
من كان يظن أن معاقل الوثنية في الجزيرة العربية تصبح منارات للتوحيد الخالص؟ ومن كان يظن أن العرب- وهم أشد الناس اعتزازا وتفاخرا بالأحساب والأنساب- يصبحون أكثر الأمم اعترافا بالمساواة وتطبيقا لها؟ حتى لقد تسنّى لبلال الحبشي العبد الأسود أن يكون أول مؤذن في الإسلام!! وحتى قال عمر بن الخطاب العدوي القرشي في الصدّيق ومولاه بلال: (هو سيدنا، وأعتق سيدنا) «2» ، وحتى عقل بلال خالد بن الوليد المخزومي القرشي بعمامته، تنفيذا لأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، واستسلم خالد له!! فلما أجاب عما
__________
(1) رواه مالك وأحمد.
(2) رواه البخاري.(2/630)
طلبه سيدنا عمر أطلقه وأعاد إليه قلنسوته، ثم عمّمه بيده وقال: (نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخم ونخدم موالينا) «1» أي ساداتنا.
بل من كان يظن أن المرأة تخرج من اليمن إلى الكعبة فلا يعرض لها أحد بسوء؟ وأن الخمر التي كانت ممتزجة بلحوم العرب ودمائهم «2» يتركونها أبدا بعد التحريم؟ وأن الربا الذي كان شائعا بين العرب يقضى عليه هذا القضاء؟!! إنّ هذا سر من أسرار إعجاز الرسالة المحمدية.
لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأمة وسائل من أهمها القدوة، فقد كان أسوة حسنة في نفسه، وفي أهله وفي بيته، وفي كل تصرفاته، فمن ثمّ أثمرات تربيته أيما إثمار.
وكان رسول الله يربّيهم تارة بالقول، وتارة بالعمل، وتارة بهما معا، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» «3» ، وقال: «خذوا عني مناسككم ... » «4» ، وقال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبّك بين أصابعه تبيينا للقول بالفعل.
ولم تكن هذه التربية قصرا على الرجال، فقد رغب إليه النساء أن يجعل لهن يوما خاصا يعظهن ويعلمهن فيه، ففعل، وقد تخرج في مدرسة النبوة نساء بلغن الغاية في العلم، والعمل، والحكمة.
وكذلك لم تكن قصرا على الكبار، بل استفاد منها ونشأ عليها الصبيان والفتيان والفتيات، وكان في تربيته يتدرج معهم، ويتخولهم بالموعظة والتعليم أياما دون أيام، كراهية السامة منهم والمشقة عليهم، روى ذلك البخاري في الصحيح «5» .
__________
(1) أشهر مشاهير الإسلام، ج 2 ص 451.
(2) لقد بلغ من حبهم الخمر أن قال قائلهم:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا مامت ألاأذوقها
(3) رواه البخاري.
(4) رواه مسلم.
(5) صحيح البخاري- كتاب العلم.(2/631)
وكان من أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقي عليهم بعض الأسئلة التي تحتاج الإجابة عنها إلى علم وذكاء وفطنة، شحذا لأذهانهم على التفكير، واختبارا لذكائهم، وتنشيطا لهم، وذلك مثل قوله: «إنّ من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، ولا ينقطع نفعها، وإنها مثل المسلم، حدّثوني ما هي؟» قال ابن عمر:
(فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفسي أنها النخلة) ولكنه استحيى أن يجيب احتراما لكبار الصحابة، ولما أخبر أباه بهذا بعد قال له: لأن كنت قلتها أحب إليّ من أن يكون لي حمر النّعم.
وقد استرعى انتباه الكاتبين من فلاسفة الغرب في تاريخ الحضارات وارتقاء الشعوب، أن الأمة الإسلامية طفرت طفرة واحدة في زمن وجيز على خلاف العادة والمعروف، وعجبوا لهذا، ولو أنهم وضعوا في حسبانهم أن المربّي هو النبي المؤيد بالايات، والمثل الأعلى للمربين، والهداة والمرشدين، وأن عماد هذه التربية هو القران معجزة المعجزات- لزال العجب، ولعلموا أن هذا من إعجاز القران الاجتماعي والأخلاقي، إلى جانب إعجازه العلمي والبياني، وإلا فلن يستطيعوا أن يعلّلوا ذلك بمقتضى النظر المادي.
لقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم من شأن العلم والعلماء حينما قال كما قال الله: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وقال: «العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» «1» . ورفع من شأن المربين والمصلحين حينما قال لعلي رضي الله عنه: «فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النّعم» «2» . وبحسب العلماء والمربين والمعلمين هذا التقدير من إمام العلماء وقدوة المربين.
__________
(1) رواه أبو داود والترمذي.
(2) رواه الشيخان.(2/632)
النبي مع ربه
وكان صلى الله عليه وسلم أعرف الناس بربه، وأعلمهم بجلاله وكماله وصفاته، فمن ثمّ كان أشدهم تقوى، وأكثرهم عبادة، وقياما لليل. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطّر قدماه، فقلت: يا رسول الله لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ؟! فقال: «أفلا أكون عبدا شكورا» «1» ؟! وقالت: (كان عمل رسول الله ديمة «2» ، وأيكم يستطيع) وقالت: (كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم) «3» .
وكان الله سبحانه أمره في مبدأ أمره أن يقوم الليل إلا قليلا، قال تعالى:
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا «4» .
فكان قيام الليل واجبا محتوما، قيل عليه، وقيل: عليه وعلى أمته، ثم خفّف عنه، فنسخ الوجوب وصار مندوبا.
ولم يحدد للقيام وقت محدود، بل ترك ذلك إلى القدرة والاستطاعة، قال عز شأنه:
__________
(1) رواه البخاري.
(2) المراد المواظبة على الطاعة، والعبادة في جميع أوقات العام، لا أنه يواصل الليل بالنهار بدليل الحديث الذي بعده وغيره. وديمة: بكسر الدال.
(3) رواهما البخاري.
(4) سورة المزمل: الايات 1- 4.(2/633)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ الاية «1» .
وقال:
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً «2» .
ومع هذا كان دائم العبادة والتهجد، وكان دائم التذكر لله، والتفكر في خلق الله والائه، لا يغيب قلبه عن الله، فإن حصل من ذلك شيء بسبب شواغل الدنيا وهمومها استغفر الله تعالى، وهذا هو المراد بقوله: «إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة» رواه مسلم، وفي رواية البخاري:
«أكثر من سبعين مرة» .
ومع عبادته وتقواه كان أبعد الناس عن التشدد والمغالاة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخّص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه فكأنهم كرهوه، وتنزّهوا عنه فبلغه ذلك، فقام خطيبا فقال: «ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخّصت فيه فكرهوه، وتنزّهوا عنه، فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية» «3» ، وفي حديث اخر له قال: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا، وهم المتشددون في غير موضع التشديد.
وكان دائم الدعاء لله ولا سيما إذا اشتد الكرب، وتأزمت الأمور، وقد قدمنا لك دعاءه في بدر وأحد والأحزاب وغيرها، كما كان دائم الشكر لله، لا يطغيه النصر، ولا تبطره النعمة.
وما كانت تشغله عبادته عن دنياه، ولا دنياه عن عبادته، وهكذا راعى رسول الله الفضيلة والوسطية في العبادة، وكان الأنموذج الكامل للمسلم السمح
__________
(1) سورة المزمل: الاية 20.
(2) سورة الإسراء: الاية 79.
(3) رواه مسلم.(2/634)
الكريم، وليس أدل على هذا من هذه القصة: روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما- واللفظ للبخاري- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها «1» ، فقالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا «2» !! وقال اخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر!! وقال اخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا!! فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي «3» فليس مني» ) .
وفي رواية مسلم: (فقال بعضهم: لا اكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش) ، وفي الصحيحين أيضا عن سعد بن أبي وقاص قال: (ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل «4» ، ولو أجاز له لاختصينا) «5» .
وهذا هو المنهج الوسط، الذي جاءت به الشريعة الوسط؛ للأمة الوسط التي هي خير أمة أخرجت للناس. والإسلام ليس دين رهبانية، فالرهبانية لا تليق بعمارة الكون، وليست من سنن الأنبياء، والذين اتبعوا الرهبانية من اليهود والنصارى ابتدعوها من عند أنفسهم، قال تعالى:
__________
(1) تقالّوها: بتشديد اللام المضمومة: أي استقلوها.
(2) هو قيد لليل لا لأصلي.
(3) السنة: الطريقة المشروعة، وليس المراد السنة التي تقابل الفرض.
(4) التبتل: ترك النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة.
(5) الاختصاء: نزع الأنثيين حتى يفقد القدرة الجنسية.(2/635)
وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها «1» .
فهم مع ابتداعهم لها قصدوا ابتغاء رضوانه بالمبالغة في العبادة، فلم يقوموا بحقها ولم يلتزموا بما ألزموا به أنفسهم.
والإسلام- وهو الدين العام الخالد الصالح لكل زمان ومكان، ولإصلاح الدنيا والاخرة- لا يتفق والرهبانية، وهي نوع من التنطّع في الدين، وقد نبههم رسول الله كما سمعت، وفي رواية الطبراني أن عثمان بن مظعون رضي الله عنه لمّا قال للنبي: ائذن في الخصاء، قال له: «إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة» وفي رواية أخرى أرشده إلى علاج ما يعاني من مشقة العزوبة فقال له: «لا، ولكن عليك بالصوم» وصدق الله في وصف الأمة المحمدية حيث قال:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً «2» .
__________
(1) سورة الحديد: الاية 27.
(2) سورة البقرة: الاية 143.(2/636)
النبي مع أصحابه
وكان صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما بهم، يتعهد حاضرهم، ويسأل عمن غاب منهم، ويسلّم عليهم، ويشمّت عاطسهم، ويواسي فقيرهم، ويعين ضعيفهم، ويشاركهم في السراء والضراء، ويعود مريضهم، ويشيّع ميتهم، ويكسو عاريهم، ويشبع جائعهم، ويرعى أراملهم، وأيتامهم، ويجالس فقراءهم والأعبد منهم، ويحنّك أطفالهم، ويبارك عليهم، ويداعب صبيانهم ليدخل السرور على نفوسهم.
ما رؤي مادّا رجليه بينهم، ولا عابسا في وجه أحد منهم، ولا استأثر عليهم بشيء لنفسه ولا لأهله، ولما عرض عليه صاحباه في ركوب البعير في غزوة بدر أن يعفياه من نوبته في المشي أبى، وقال: «ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما» . وكان مع أصحابه في سفر، فذبحوا شاة، فقال واحد منهم:
عليّ ذبحها، وقال الاخر: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال رسول الله: «وعليّ جمع الحطب» فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك العمل، فقال: «علمت أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم، وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه» ، وفي حجة الوداع ذهب ليشرب من السقاية، فأراد عمه العباس أن يميزه بشراب خاص من البيت، فأبى وقال: «لا أشرب إلا مما يشرب منه الناس» .
وكان كذلك لا يميز أهله بشيء، ففي قصة المخزومية التي سرقت، وأرادوا أن يشفعوا في عدم إقامة الحد عليها قال: «وايم الله: لو أن فاطمة بنت(2/637)
محمد سرقت لقطع محمد يدها» «1» ، ولما جاءت ابنته فاطمة تطلب منه خادما من السبي وقد مجلت «2» يداها من الرحى والعمل، أبى وعلّمها وزوجها دعوات يدعوان بها عند النوم وقال: «لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم» «3» . وروى أصل القصة البخاري «4» .
وكان يستعين بالخاصة على العامة ويقول: «أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغي، فإنه من أبلغ حاجة من لا يستطيع إبلاغها امنه الله يوم الفزع الأكبر» وكان لا يأخذ أحدا بذنب أحد، ولا يصدّق أحدا على أحد، وروي عنه أنه قال: «لا يبلّغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» .
فهل رأيت في باب الحرص على الوقوف على أحوال الأمة، وإزالة شكاواها، وقطع باب السعاية والوشاية بالرعية أبلغ من هذا؟!! فلا عجب وهذا بعض ما كان يعامل به أصحابه أن أحبوه أكثر من حبهم أنفسهم، وأن فدوه بابائهم وأمهاتهم وأنفسهم، حتى شهد بذلك الأصدقاء والأعداء.
__________
(1) رواه الشيخان.
(2) السبي: ما يؤخذ في الحرب من رجال ونساء. مجلت: امتلأت بثورا من إدارة الرحى وكثرة العمل.
(3) رواه أحمد.
(4) صحيح البخاري- كتاب النكاح- باب عمل المرأة في بيت زوجها.(2/638)
النبي الرؤوف الرحيم
وأما رحمته وشفقته على جميع الخلق فحدّث عنها ولا حرج، وبحسبه شرفا أن الله وصفه باسمين من أسمائه فقال: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، وقد اذاه قومه وعشيرته أشد الإيذاء، فوضعوا الشوك في طريقه، والقذر على بابه، وحاولوا خنقه وقتله، ووطئوا رأسه وهو يصلي، ووضعوا سلا الجزور على ظهره، ومع ذلك كان يقول: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» .
ولما ذهب إلى ثقيف داعيا إلى الإسلام، فأبوا وأغروا به الصبيان والسفهاء حتى أدموا عقبه، أرصد الله له في الطريق وهو راجع ملكا من ملائكته، وعرض عليه أن يهلكهم، فأبى وقال: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا» «1» ، وفي رواية: فقال له جبريل: «صدق من سمّاك الرؤوف الرحيم» .
ومن المثل الرائعة في هذا ما رواه البزار بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه في شيء- قال عكرمة أراه قال في دم يعني دية- فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم قال: «أحسنت إليك؟» قال الأعرابي: لا، ولا أجملت!! فغضب بعض المسلمين، وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن كفّوا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، وزاده شيئا، وقال: «أأحسنت إليك؟» فقال الأعرابي:
__________
(1) رواه الشيخان.(2/639)
نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك قلت ما قلت وفي نفسي أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك» قال: نعم، فلما كان الغد أو العشية جاء، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك» قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا!! فقال صلى الله عليه وسلم:
«إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتّبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها: خلّوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه إليها وأخذ لها من قمام الأرض ودعاها، حتى جاءت واستناخت، وشدّ عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه دخل النار «1» » وسند القصة وإن كان فيه راو ضعيف إلا أنه يؤخذ به في باب الفضائل.
وفي الحق أن هذا الحديث فيه نور من نور النبوة، وروعة في التمثيل لا يقدر عليها، ولن يكون مصدرها إلا النبي صلوات الله وسلامه عليه، ومع كون المثل ليس بالأمر الغريب عن البيئة العربية، إلا أن النبي الفصيح البليغ ألبسه ثوبا قشيبا حتى بدا غاية في الروعة وغاية في التأثير، هذا إلى ما بين الممثّل به، والممثّل له من التطابق البديع، والتوافق العجيب!!.
ومن رحمته بأمته تخفيفه وتسهيله عليهم وكراهته المواظبة على بعض السنن كالتراويح مخافة أن تفرض عليهم، وكراهته كثرة سؤالهم حتى لا يكون سببا في تحريم ما سكت الله عنه رحمة بهم، وقد شملت رحمته المؤمن والكافر، والصديق والعدو، والإنسان والحيوان والطير، ولما قالوا له: إنّ لنا في البهائم لأجرا؟ قال:
«في كل كبد رطبة أجر» ونهى، بل (لعن من اتخذ الحيوان غرضا) «2» ، وكان من رحمته أنه يميل الإناء للهرة لتشرب منه، ومرض ديك له فقام على تمريضه،
__________
(1) الشفاء، ج 1 ص 96، تفسير ابن كثير والبغوي ج 4 ص 276 ط المنار.
(2) رواهما الشيخان.(2/640)
وقال: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» «1» ، وكذلك شملت رحمته الإنس والجن وصدق الله حيث يقول: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ.
ومن كل ذلك- وغيره أكثر منه- يتبيّن لنا شفقته صلى الله عليه وسلم على الأمة، وحرصه البالغ على حياتهم، وإرشادهم إلى الصراط المستقيم، وإلى تحصيل السعادتين الدينية والدنيوية، وإنا لنلمس هذا المعنى الجليل في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل أمتي، كمثل رجل استوقد نارا، فجعل الفراش والدواب يقعن فيها، وجعل يحجزهن، ويغلبنه، ويتقحّمن فيها، فهذا مثلي ومثلكم، فأنا اخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحّمون فيها» «2» وإنها لروعة في التمثيل مع البساطة لا ينقضي منها العجب!!.
__________
(1) رواه الشيخان. وخشاش الأرض بفتح الخاء: دوابها وهوامها.
(2) رواه الشيخان.(2/641)
النبي البطل الشجاع
وأما الشجاعة والنجدة، والقوة والثبات في وجه الموت، فقد كان صلى الله عليه وسلم منها بالمكان الذي لا يجهل، والمنزلة التي لا تدفع، وقد بلغ من قوته أنه صارع ركانة ابن يزيد فصرعه، وما صرعه أحد قط، فكان هذا سبب إسلامه. وقد حضر المواقف المشهورة، وفرّ الكماة والأبطال عنه غير مرة وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، وما من شجاع إلا وقد أحصيت له فرّة، وحفظت عنه جولة «1» سواه.
ولعلك على ذكر مما ذكرناه عن ثباته في أحد، وحنين، ووقوفه في فم الموت في بدر وغيرها. عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت، فاستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى الصوت على فرس لأبي طلحة في عنقه السيف وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» ) «2» .
وقال علي رضي الله عنه: (إنا كنا إذا حمي البأس، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس بأسا) «3» وأعظم بها من شهادة من مثل علي!!.
__________
(1) في القاموس: وجال القوم جولة: انكشفوا ثم كروا، فالمعنى تقهقر وانكشاف.
(2) رواه الشيخان.
(3) رواه أحمد.(2/642)
وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شجاعته وبطولته الجسمانية الشجاعة النفسية والبطولة الروحية، وإنا لنلمس هذا في قوله لعمه أبي طالب وقد قال له:
(يا ابن أخي أبق علي وعلى نفسك) فظنّ أن عمه خاذله، فقال قولته المشهورة:
«والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته» وأخذت هذه العظمة النفسية بنفس أبي طالب وبهرته، فما كان منه إلا أن قال له: (اذهب فقل ما أحببت، فو الله لن أسلمك لشيء أبدا!!) وفيما قدمناه في كتابنا من شجاعة النبي وبطولته الشيء الكثير.
ومع هذه الشجاعة الفائقة قد كان رؤوفا رفيقا بالناس رحيما بهم، رقيق القلب، تجري دموعه رقة ورحمة، فقد كان إذا رأى سيدنا مصعب بن عمير، وهو يلبس خلق الثياب، مع أنه ترعرع في أحضان النعيم، ولكن اثر الشقاء مع الإيمان، على النعيم في الكفر- بكى!!.
ولما أذن الله في زيارة قبر أمه، «بالأبواء» بكى وأبكى من حوله، ولما مات ولده إبراهيم بكى وقال: «العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» ، ولما قال له عبد الرحمن بن عوف، وقد راه يبكي: (وأنت يا رسول الله؟!) قال: «يا ابن عوف، إنها رحمة» !! ولما ذهب النبي وأصحابه إلى سعد بن عبادة يعوده في مرضه، وقد غشي عليه، فبكى، وبكى معه أصحابه، وقال: «إن الله لا يؤاخذ بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يؤاخذ بهذا» وأشار إلى لسانه، وقال في موقف اخر: «إنها- الدمعة- رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» «1» .
__________
(1) صحيح البخاري- كتاب الجنائز- باب البكاء عند المريض، وباب يعذب الميت ببكاء أهله عليه.(2/643)
النبي الوفي بالعهد
وكان صلى الله عليه وسلم أوفى الناس بالوعد، وأرعاهم للعهد، وأوصلهم للرحم قبل النبوة وبعدها، وقد عاهد اليهود والمشركين فما نقض العهد، ولا عرف منه الغدر، ولما توفيت السيدة الجليلة خديجة كان دائم الذكر لها، والثناء عليها حتى كانت عائشة تغار من ذلك، وكان يحب حبيباتها ويبرّهنّ، فكان يذبح الشاة، ويقطعها، ويقول: «أرسلوا إلى صديقات خديجة» «1» .
وكانت تستأذن عليه هالة بنت خويلد أخت خديجة فيهش لها، وترتاح نفسه، لأن صوتها يذكره بصوت الحبيبة الغائبة خديجة، وجاءته ذات يوم امرأة عجوز من صويحبات خديجة، فصار يسألها عن أحوالها، وما صارت إليه، ولما خرجت قالت له عائشة: تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: «إنها كانت تأتينا زمان خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان» «2» .
وكان يوصي بالوفاء ورعاية العهد حتى للحيوان، وقد قدمنا لك قصة المرأة التي ركبت ناقة فنذرت إن نجاها الله عليها لتذبحنها، فلما أخبرته قال:
«بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها، ثم تنحرينها» !! فهل رأيت مثيلا لهذا في تاريخ البشرية؟!.
__________
(1) رواه البخاري.
(2) رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.(2/644)
وكما وفى للأحبّاء والأصدقاء، وفى للأعداء، فقد عاهد اليهود ووفى لهم، ولكنهم هم الذين نقضوا العهد، ولا سيما لما تحزّب الأحزاب، وعاهد المشركين في الحديبية ووفى لهم، ولقد جاءه أبو جندل وأبو بصير مسلمين، فردّهما تنفيذا لشروط العهد على كره منهما ومن المسلمين، حتى جعل الله لهما فرجا ومخرجا.
ولما دخل مكة عام عمرة القضاء، وقضى بها ثلاثة أيام ليس معهم إلا السيوف في الأغماد، جاء المشركون إليه كي يخرج، فأبى بعض المسلمين عليهم، ورغب إليهم الرسول أن يدعوه حتى يعرس بالسيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية، فيأكل المسلمون ويأكلون معهم، فأبوا، فأمر رسول الله أصحابه بالانصراف وفاء بالعهد، ودخل بها «بسرف» «1» .
بل بلغ به وفاؤه أن أمر بدفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام، والد جابر، شهيدي أحد في قبر واحد، لأنهما كانا متصادقين في حياتهما الدنيا. وقد كان هذا الوفاء الذي وثّقه الإسلام وزاده امتدادا لوفائه في الجاهلية، لقد عاهد رجلا أن يلقاه في مكان كذا، فمكث ثلاثة أيام يذهب إلى هذا المكان ثم قال: «لقد شققت علي يا رجل، أنا أنتظرك هنا منذ ثلاث» .
وكان صلى الله عليه وسلم أوصل الناس لرحمه وذوي قرابته، ولكن ما كان يؤثرهم على من هم أولى منهم، وكان يقول: «إنّ ال أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله، وصالح المؤمنين، غير أن لهم رحما سأبلّها ببلالها» «2» .
__________
(1) سرف: مكان قريب من مكة.
(2) أي سأصلها بحقها علي، وقد شبه النبي القطيعة بالحرارة التي تجفف ما بين الناس من صلات، والصلة بالماء التي يبردها، ويطفئها، ويرطب ما جف من علاقات. وهو من المجازات النبوية البديعة التي لم يسبق إليها فيما أعلم. والحديث رواه الشيخان.(2/645)
النبي العفو الحليم
وأما الحلم والاحتمال، والصبر على ما يكره، والعفو والصفح والإغضاء، فكل ذلك مما أدّب الله نبيه صلى الله عليه وسلم به، قال له: خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وقد فسرها جبريل عن رب العالمين فقال: «إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك» . وقال سبحانه:
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ «1» .
وقال عز شأنه:
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «2» .
فلا عجب أن كان كالبحر العذب الذي لا يعكره ما يلقى فيه من أحجار، ولا تنزفه الدلاء، وما من حليم صبور إلا وقد عرفت عنه زلة، وحفظت عنه هفوة ما عداه صلى الله عليه وسلم، لا يزيده كثرة الأذى إلا صبرا، ولا إسراف الجاهل إلا حلما، «وما انتقم لنفسه قط، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله عز وجل، فينتقم لله» «3» .
وقد قدمنا في فصل رحمته طرفا من عفوه، كما قدمنا في السيرة عفوه عن غورث بن الحارث حتى كان سببا في إسلامه، وعفوه عن أهل مكة الذي صار
__________
(1) سورة الشورى: اية 40.
(2) سورة الشورى: اية 43.
(3) رواه مسلم.(2/646)
مثلا فريدا في الأولين والاخرين، وإبائه على من عرض عليه قتل ابن أبيّ رأس النفاق أن يقتله قائلا: «كيف يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» ، بل وإبائه على ابنه عبد الله أن يقتل أباه قائلا له: «بل نحسن صحبته ما دام بيننا» .
ومن القصص الرائعة في هذا ما روي أن زيد بن سعنة جاءه قبل إسلامه يتقاضاه دينا عليه لم يحن أجل أدائه، فجبذ ثوبه عن منكبه، وأغلظ له في القول ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل «1» فانتهره سيدنا عمر وشدّد له القول، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم، ثم قال: «أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر، تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي» ، ثم قال: «لقد بقي من أجله ثلاث» ، ثم أمر عمر أن يقضيه ما له ويزيده عشرين صاعا لما روّعه.
وقد أثر هذا الموقف الفريد، وهذا الحلم الفائق في نفس زيد فكان سبب إسلامه، وكان يقول: ما بقي من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في محمد إلا اثنتين لم أخبرهما: يسبق حلمه جهله «2» ، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما، فاختبرته بهذا فوجدته كما وصف!!.
وهذا شيء فوق العدل، لأن العدل أن يقتص منه، وأن يفعل بزيد مثل ما فعل بالرسول الكريم، والعدل- أيضا- أن يقضيه حقه فحسب، لا أن يزيده عشرين صاعا، وليس ترويع الفاروق عمر رضي الله عنه زيدا بأعظم من ترويع زيد النبي صلوات الله وسلامه عليه، على الفرق الشاسع ما بين مقام النبي ومقام زيد، ولكنه النبي الحليم الذي يسبق حلمه غضبه، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما!!.
__________
(1) مطل: بضم الميم وسكون الطاء: جمع أمطل، والمطل بفتح الميم: التسويف في الدين والعدة.
(2) يعني غضبه، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يجهل، فمقابلته السيئة بالسيئة ليس جهلا.(2/647)
وجاءه أعرابي ذات يوم فجبذه جبذة شديدة حتى أثّرت حاشية «1» الثوب في صفحة عاتقه. ثم قال: يا محمد، احمل لي على بعيريّ هذين من مال الله الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا من مال أبيك!! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: «المال مال الله وأنا عبده» !! ثم قال: «ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي» قال: لا، قال: «لم» ؟ قال: لأنك لا تكافىء السيئة بالسيئة، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وسرّ من جوابه، وأمر أن يحمل له على بعير شعير، وعلى الاخر تمر.
__________
(1) طرفه وجانبه من عند عنقه.(2/648)
النبي الكريم الجواد
وأما الجود والكرم والسخاء والسماحة فكان صلى الله عليه وسلم لا يوازى في هذه الصفات ولا يبارى، عن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس. وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القران، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) «1» .
وما سئل شيئا قط فقال: لا.
وكان جوده عن كرم في الطبع، وسماحة في النفس، وثقة في سعة خزائن الله، روى الإمام مسلم عن أنس (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه إياها، فأتى قومه فقال: أي قوم أسلموا، فو الله إن محمدا ليعطي عطاء من لا يخشى فاقة الفقر) .
وكان رسول الله يعلم أن بعض الناس عبيد إحسان، فكان يعطيهم يتألفهم بذلك، ثم لم يلبثوا أن يصيروا من خيار المسلمين. روي عن أنس قال:
(إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها) ، ويوم حنين تألف بعض حديثي العهد بالإسلام حتى أضحوا من المخلصين. وقد روي أنه (أعطى صفوان بن أمية وهو مشرك، وما زال يعطيه حتى صار رسول الله أحب الناس إليه) «2» .
ويوم حنين أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن الفزاري، وأبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية كل واحد مائة من الإبل، ومالك بن عوف مائة، وأعطى اخرين، وأعطى العباس بن مرداس دون المائة
__________
(1) رواه الشيخان.
(2) رواهما مسلم.(2/649)
فأنشأ يقول في ذلك شعرا ذكرناه فيما سبق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقطعوا عني لسانه» فأكملوا له المائة.
وما كان هذا- علم الله- إسرافا، ولكنها سياسة شرعية قصد بها النبي تأليف هؤلاء الذين لم يلبثوا أن صاروا من أخلص الخلصاء للإسلام، وكان لهم في نشره جهاد مشكور، وقد أراد النبي صلوات الله وسلامه عليه أن يبين لهم أن المال أهون شيء عليه، فهو ليس بطالب مال، وإنما طالب إيمان، ومقيم دين، وصانع رجال، وأنه لا أرب له في اكتناز الأموال، ولو كان عنده مال بعدد رمال الصحراء لما بخل به عليهم، لأنه ليس من خلقه الشح، عسى أن يعتبروا، ويستعفوا عن مال المسلمين.
ومن قبل أعطى حكيم بن حزام فاستزاد فأعطاه، فاستزاد ثم قال له:
«يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع..) وقد أثر الدرس في نفس حكيم، فالى ألايأخذ من أحد شيئا بعد الرسول حتى توفاه الله، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يعرضان عليه عطاءه، فيأبى أخذه.
وجاءه عليه الصلاة والسلام رجل فسأله فقال: «ما عندي شيء، ولكن ابتع علي «1» فإذا جاءنا شيء قضيناه» فقال له عمر: ما كلّفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي ذلك، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «بهذا أمرت» «2» .
وكذلك كان شأنه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، مما يدل على أن خلق الكرم والسخاء متأصل فيه، ففي حديث عائشة في بدء الوحي أن خديجة رضي الله عنها قالت له: (ما كان الله ليفعل بك، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر) «3» والأخبار عن جوده أكثر من أن تحصى.
__________
(1) ابتع علي أي اشتر واجعل الثمن دينا علي.
(2) رواه الترمذي في الشمائل.
(3) رواه الشيخان.(2/650)
النبي الزاهد
حقيقة الزهد في الدنيا إنما هو في الترفع عن زخارفها، وعصمة النفس من التوسع فيها مع القدرة على ذلك، لا عن تعنت وتحريم لما أحل الله من الطيبات، ولكن عن تنزه أن يكون الإنسان عبد أهوائه وأسير شهواته وملذاته، وهذا هو زهد الأنبياء والمرسلين، والصدّيقين والصالحين. أما عدم التمتاع والتوسع فيها عن عجز وفاقة فلا يسمى زهدا.
وقد كان زهد رسول الله في الدنيا زهد القادر المستطيع، فقد أوتي مفاتيح خزائن الأرض، وأحلّت له الغنائم ولم تحل لأحد من الأنبياء قبله، وفتح عليه في حياته بلاد الحجاز واليمن، وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق، وجلب إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يحصى، وهاداه جماعة من الملوك، والأمراء، فما استأثر بشيء منه، ولا خرج عن طبيعته من التقشف والتقلّل في المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، إلى غير ذلك مما لا يعتبر التوسع فيه فضيلة.
روي عن عائشة: (أنه ربما يمر بهم الهلال والهلالان ولا يوقد لهم نار في بيت، وليس لهم طعام إلا الأسودان: الماء، والتمر) «1» . (وخرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وما أكل خبزا مرقّقا حتى مات) «2» .
__________
(1) رواه الشيخان.
(2) رواه البخاري.(2/651)
ومع هذا فقد كان يأكل اللحم، ويؤتى له بالشاة المصلية- المشوية- فيجتز منها بالسكين، ويحب الحلواء والعسل، ويذهب إلى بئر عذبة لأبي طلحة فيشرب منها، بل كان يستعذب له الماء من بيوت السّقيا على أميال من المدينة، وكان يلبس الغليظ والخشن من الثياب، ومع هذا يلبس البرود اليمنية، والجبب الشامية، وكانت له حلّة حسنة يستقبل بها الوفود ويحضر بها الأعياد والجمع.
وكل ذلك من غير سرف ولا مخيلة، فقد كان الغالب من أحواله التقلل والقصد، وهذه هي الفضيلة حقا، والنفوس الكبيرة هي التي تفرض سلطانها وإراداتها على الحياة، وتأبى أن يكون لشيء في الدنيا سلطان عليها، والتي تجد غناها من أنفسها لا من شيء خارج عنها، وفي القمة من هؤلاء أولو العزم من الرسل ولا سيما خاتمهم عليه وعليهم الصلاة والسلام.
ومع كثرة ما جلب إليه من الفتوح والنصر لم يتحول عن خلقه، ولم يحتجز لنفسه ولا لأهله إلا ما يقوم بالضرورة، ولم يتأثّل مالا، بل صرفه في مصارفه، وأغنى به غيره، وقوّى به المسلمين، وكان يقول: «ما يسرني أن لي أحدا ذهبا يبيت عندي منه دينار، إلا دينارا أرصده لديني» «1» ، وأتته دنانير مرة فقسمها، وبقيت منها ستة فدفعها لبعض نسائه فلم يأخذه نوم حتى قام وقسمها، وقال:
«الان استرحت» ، فلا تعجب إذا كان «مات ودرعه مرهونة عند يهودي نظير ثلاثين صاعا من شعير» «2» .
وهكذا زهد في التوسع في الماكل والمشارب، ليشبع الناس، ولبس الخشن والغليظ ليكتسي الناس، وسكن في حجر من الطين واللبن ليجد الناس المسكن الذي يؤويهم، ويقيهم الحر والبرد، ولو أراد أن يكون له إيوان كإيوان كسرى، أو قصور كقصور الروم بالشام، أو التبابعة باليمن لفعل ولكن كيف؟! وهو المثل
__________
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2) رواه البخاري.(2/652)
الأعلى لكل من يأتي بعده من الخلفاء والملوك والأمراء، والقدوة الحسنة لكل من يقصد العدل والفضيلة في الحكم، والرخاء للأمم والشعوب.
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو القدوة- مات على ما سمعت، وها هم ملوك المسلمين ورؤساؤهم وحكامهم يعيشون عيشة البذخ والإسراف، فما بالك لو أن رسول الله توسّع ولو بعض التوسع، وترك ولو بعض المال؟! لو كان لكان الحال أدهى وأعظم، والأمر أطمّ وأمرّ.(2/653)
النبي الحييّ
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاء، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها «1» ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه) ، وقالت عائشة رضي الله عنها: (لم يكن رسول الله فاحشا ولا متفحّشا، ولا سخابا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح) .
وكان لا يواجه أحدا بما يكره حياء وكرم نفس، عن أنس قال: (دخل عليه رجل به أثر صفرة، قال: وكان رسول الله لا يكاد يواجه أحدا بشيء يكرهه، فلما قام قال للقوم: «لو قلتم له يدع هذه الصفرة» ) . «2» وكان إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل ما بال فلان قال كذا أو فعل كذا ولكن يقول: «ما بال أقوام يقولون كذا أو يفعلون كذا» وهذا لعمر الحق أسلوب جليل في التربية واستماع النصيحة، وكان يقول: «الحياء من الإيمان» و «الحياء لا يأتي إلا بخير» «3» .
ومع هذا فقد كان يغضب ويواجه بالحق إذا انتهكت حرمات الشرع، وينتصر لدين الله، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه
__________
(1) العذراء: البنت البكر. الخدر: ما تستتر فيه المرأة من بيت ونحوه.
(2) رواه الترمذي في الشمائل.
(3) رواهما الشيخان.(2/654)
شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله تعالى) «1» وعنها قالت: (ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى) وهذا يدل على أن حياءه عن المواجهة فيما عدا ذلك مما تركه أفضل وأورع، أو فيما كان من حق نفسه تسامحا وتغاضيا، وأما حق الله وحق العباد فلا.
__________
(1) رواه مسلم.(2/655)
النبي المتواضع
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس تواضعا وأبعدهم عن الكبر والخيلاء، وحسبك في هذا أنه خيّر بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار الثاني، وخرج على أصحابه ذات يوم فقاموا له، فقال لهم: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا» ، وقال: «إنما أنا عبد، اكل كما يأكل العبيد، وأجلس كما يجلس العبيد» «1» ، ويقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا: عبد الله ورسوله» «2» .
وكان يأكل مع العبد والخادم ويحمل حاجته من السوق، ولما أراد أبو هريرة أن يحمل عنه شيئا اشتراه قال له: «صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله» وكانت تقابله المرأة في سكك المدينة فتستوقفه فيقف حتى يقضي لها حاجتها.
وعن أنس قال: (إن كانت الأمة- الجارية- من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنطلق به حتى يقضي حاجتها) «3» .
وكان يركب البعير، والحمار، ويردف وراءه غيره، ولا يقبل أن يسير أحد وراءه وهو راكب، وحجّ على رحل رثّ، وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، وقال: «اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة» «4» . ودخل عليه رجل فأصابته
__________
(1) رواه أبو داود.
(2) رواه الترمذي في الشمائل.
(3) رواه البخاري.
(4) رواه الترمذي في الشمائل.(2/656)
من هيبته رعدة فقال له: «هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» أي اللحم المشقّق المجفف.
وقد فتحت عليه الدنيا ودانت له الجزيرة كلها فما أخرجه ذلك عن تواضعه وخلقه، ولما دخل مكة فاتحا منتصرا طأطأ رأسه حتى لتكاد تمس مقدمة الرّحل تواضعا لله تعالى، إلى غير ذلك من الأخبار الصحاح والحسان، التي زخرت بها كتب الحديث، والسير، والشمائل المحمدية.
وشيء اخر لا نكاد نجد له مثيلا في تاريخ الدنيا، وهو أدبه صلى الله عليه وسلم مع إخوانه الأنبياء والمرسلين، فقد بلغ به التواضع، وهضم النفس، والإقرار بالفضل لذويه أن يظهر بعضهم بمنزلة فوق منزلته، مع أنه أفضلهم جميعا بشهادة القران والحديث، والتاريخ الصادق، والواقع الذي لا ينكر، ففي الكتاب الكريم يقول الله تعالى:
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ «1» .
فقد كاد يجمع المفسرون على أن المراد بقوله: «ورفع بعضهم درجات» هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال الزمخشري في تفسيره:
(أي ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة، والظاهر أنه أراد محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه هو المفضّل عليهم، حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الايات المتكاثرة المرتقية إلى الألف اية، أو أكثر، ولو لم يؤت إلا القران واحده لكفى به فضلا منيفا على سائر ما أوتي الأنبياء، لأنه المعجزة الباقية على وجه الدهر، دون سائر المعجزات، وفي هذا
__________
(1) سورة البقرة: الاية 253.(2/657)
الإبهام من تفخيم فضله، وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس) «1» .
وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: «أنا سيد ولد ادم يوم القيامة ... » ورواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه بزيادة: «ولا فخر» وإذا كان سيدا في الاخرة فهو سيد في الدنيا من باب أولى.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم تعليقا على قول سيدنا يوسف عليه السلام لرسول الملك:
قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ «2» .
قال: «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» «3» ، وقوله لما أوذي من بعض المنافقين، وضعفاء الإيمان: «رحم الله أخي موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» «4» ، وفيه ما فيه من الإشادة بصبر سيدنا موسى وتحمله للأذى من سفهاء قومه، ما لم يتحمله غيره.
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يحاول ما استطاع تبرئة ساحة بعض الأنبياء مما يحتمل أن ينسب إليهم مما لا يليق بحالهم، كقوله في الدفاع عن جدّه «إبراهيم» عليه الصلاة والسلام: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» ، يعني في قوله:
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي «5» .
__________
(1) انظر تفسير الكشاف وغيره عند هذه الاية.
(2) سورة يوسف: الاية 50.
(3) رواه الشيخان.
(4) رواه الشيخان وأحمد وأبو داود.
(5) سورة البقرة: الاية 260.(2/658)
يريد نفي ما عسى أن يدل عليه السؤال من احتمال الشك، يعني أنه لم يكن شاكا قط، لأني وأنتم لسنا شاكين في قدرة الله على البعث، ولو جوّزناه على الخليل لجاز عليّ وعليكم، ونفي الشك عني وعنكم أمر مسلم، ففيه نفي للشك عن إبراهيم بطريق برهاني. وكقوله في حق أخيه «لوط» عليه السلام لما قال: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ «1» يريد عشيرة قوية تحميه: «رحم الله أخي لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد» «2» يريد الله تبارك وتعالى.
فأين من هذه المثل الفذة الفريدة ما يفعله الملوك، والرؤساء، والأمراء، ودهاقنة السياسة، والزعماء وأمثالهم- قديما وحديثا- من محاولة كل واحد منهم تنقيص من قبله، والنيل منه، والارتفاع على أنقاضه، وإظهار نفسه بمظهر البطولة التي تعز عن النظير، وأنه المتفرد في كل شيء؟!! ثم أليس هذا من أقوى الأدلة، وأظهر البراهين على أنه النبي حقا، وأنه العلم الفرد في سمو أخلاقه، وكبر قلبه، وعظم نفسه، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يبارى، ولا يسامى؟!!.
__________
(1) سورة هود: الاية 80.
(2) صحيح البخاري- كتاب التفسير- سورة يوسف، وكتاب أحاديث الأنبياء؛ وصحيح مسلم كتاب الفضائل- باب فضائل الخليل إبراهيم عليه السلام.(2/659)
النبي العادل
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، وأبعدهم عن الظلم، ما ظلم أحدا في، دم، أو عرض، أو مال، ولا جار في حكم. وكان من أخلاقه العدل في الرضا والغضب، وكان مثالا للعدل مع نفسه وأهله، وولده، وصحابته، ولقد بلغ من عدله أنه كان ينصف الناس من نفسه.
وقد قدمنا لك في بدر ما كان من قصته مع سواد بن غزية، ورضائه أن يقتص منه طعنة طعنه إياها، وهو يعدّل الصفوف. وما ذكره في اخر خطبة خطبها في مرض موته: «من جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ... » ولما قال له أحد المنافقين بعد قسمة غنائم حنين: (هذه قسمة ما أريد بها وجه الله) قال له:
«ويحك فمن يعدل إن لم أعدل؟! خبت وخسرت إن لم أعدل» وقد سمعت انفا قوله: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وامتناعه أن يعطيها خادما مع شدة حاجتها، وإيثار مصلحة أهل الصفّة على مصلحتها، وعدله البالغ مع زوجاته في القسم بينهن مع أن الله سبحانه وتعالى فوض إليه ذلك وخيّره فيه بقوله:
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ «1» .
__________
(1) سورة الأحزاب: الاية 51.(2/660)
ولم يقف الأمر في العدل عند ما هو من حق المرأة في النفقة، والكسوة والبيتوتة، بل شمل ذلك العدل في المباسطة والمؤانسة والتعهد، وكان يفعل ذلك بعد صلاة العصر غالبا، وقد يكون بعد صلاة الصبح كما في الصحيح، أما العدل والمساواة في الحب والميل القلبي فهذا لم يكلّف به النبي، ولم تكلّف به الأمة، لأنه أمر لا يدخل تحت الاختيار، ولا تحت الوسع، قال تعالى:
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وهذا هو المراد من قوله سبحانه: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ، فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وكان النبي يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» .(2/661)
النبي الصادق الأمين العفيف
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم مثالا كاملا للأمانة وأداء الحقوق لأربابها، والصدق في الحديث، لم تحص عنه خيانة ولا كذبة قط، ولقد اشتهر بأمانته منذ صغره حتى لقب بالأمين، ولما بلغ هرقل ملك الروم كتاب النبي داعيا له إلى الإسلام طلب ناسا من قومه يسألهم عنه، فجيء له برهط فيهم أبو سفيان بن حرب فكان مما قال له: (هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟) قال: لا، قال هرقل: (ما كان ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله!!) ولما هاجر إلى المدينة ترك عليا بمكة ليرد الودائع التي كانت عنده إلى أصحابها.
وأما عفته فكان أطهر الناس ذيلا، وأعفهم عن الحرم، ما مسّت يده قط يد امرأة لا يملك عصمتها، ولا امتدت عينه إلى محاسن امرأة قط، وقد عاش في مجتمع كانت تتوفر فيه مسارح الهوى واللهو، فما عرفت عنه صبوة، ولا أحصيت عليه هفوة، على ما كان يتمتاع به من قوة وشباب، وفتوة وجمال، ومن شرف الأسرة.(2/662)
ادابه الاجتماعية
وأما ادابه الاجتماعية فقد أوفى فيها على الغاية، وكان ادب الناس وأحسنهم عشرة، وألينهم عريكة، وأرعاهم لشعور الناس وكراماتهم، فقد كان دائم البشر، لا يطوي عن أحد من أصحابه بشره، ولا تبسمه، ويعطي كل جليس من جلسائه نصيبه من الترحاب والرعاية، حتى لا يظن أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاربه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه.
وكان أحسن الناس إجابة، ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال: لبيك، وإذا حدّثه أحد مال إليه بأذنه، ولا ينحّي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينحّي رأسه، وكان يبدأ من لقيه ولو صبيا بالسلام، ويبدأ أصحابه بالمصافحة، وما صافح أحدا فيرسل يده حتى يرسلها الرجل الاخر، ويكرم من يدخل عليه، وربما بسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي تحته، ويعزم عليه في الجلوس عليها ويكنّي أصحابه ويدعوهم بأحب أسمائهم تكرمة لهم، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يفرغ منه وكان لا يجلس إليه أحد يصلّي إلا خفف صلاته، وسأل عن حاجته، فإذا فرغ عاد إلى صلاته.
وكان يخدم ضيفه، ويكرم الوافد عليه، ولما قدم وفد النجاشي قام يخدمهم، فقال له أصحابه: إنا نكفيك هذا، فأبى وقال: «إنهم كانوا لإخواننا مكرمين» ، وكان يقبل الهدية، ويكافىء عليها، وما صنع معه أو مع أهله(2/663)
أحد معروفا إلا كافأه عليه، ومن قوله في هذا: «من أسدى إليكم معروفا فكافئوه عليه، فإن لم تستطيعوا فادعوا له» «1» .
وكان من أدبه في الطعام أن يغسل يديه، ويسمي الله في أوله، ويحمده في اخره ويأكل بيمينه، ويأكل من جانب القصعة، وينهى عن الأكل من وسطها أو تتبع أطيب ما فيها، وعن النفخ في الطعام، وما عاب طعاما قط: إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه.
وكان من أدبه في الشراب أن يشرب على دفعات، ويبين فمه من الإناء عند التنفس، وكان ينهى عن التنفس في الإناء، والنفخ في الشراب، ويسمّي في أول الشرب، ويحمد الله في اخره، ويشرب بعدما يشرب ضيوفه، وكان يقول: «ساقي القوم اخرهم شربا» .
وكان من أدبه في الطعام والشراب تقديم أهل اليمين على أهل اليسار، وذلك لأنه كان يحب التيامن في كل شيء، وتقديم الكبار على الصغار، لأنه الأمر الفطري الطبعي، وكان يقول: «ليس منا من لم يوقّر كبيرنا، ويرحم صغارنا» ، وكل ذلك ثابت بالأحاديث الصحاح والحسان، فهل رأيت في باب الاداب الاجتماعية أفضل وأجمل من هذا؟!.
__________
(1) رواه أبو داود والنسائي.(2/664)
عظمة الشخصية المحمدية وأثرها في الدعوة
إنّ الناظر في التاريخ، وسير الرسل، والأنبياء، والملوك، والأمراء، وأصحاب المذاهب والدعوات الإصلاحية يجد أنهم يتمتعون بشخصيات قوية تفرض اراءهم على من حولهم، وتجعل كلامهم مسموعا، وأمرهم مطاعا.
وقد يكون من أسباب هذه الشخصية القوية التجبر، والتكبر، والبطش بمن يخالفهم، أو يحاول أن يخالفهم في الاراء، أو يساميهم في المركز والسلطان، وقد يكون من أسبابها ما يكون عليه الإنسان من بسطة في الجسم، وما يمتاز به من قوة وشجاعة وبطولة، ولا سيما في مواطن الحروب وعند لقاء الأبطال.
وقد يكون مبعثها ما أسبغ الله على صاحبها من هيبة ووقار، وما يمتاز به من عظمة الخلق، وما يتحلّى به من الفضائل التي تفرض احترامه على الناس، وما يتمتعون به من عدل ورحمة، وبر وإحسان. وقد يكون مبعثها أنه من بيت عريق، يتوارثون المجد صاغرا عن كابر إلى غير ذلك من الأسباب والبواعث.
ورسل الله- ولا سيما أولو العزم منهم- قد أضفى الله عليهم من الهيبة والوقار والكمال الخلقي، واختارهم من أوساط الناس وأشرافهم، ما جعل لهم شخصيات عظيمة مهيبة.
وفي الذروة من كمال الشخصية وعظمتها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد حاز صلى الله عليه وسلم من الشرف، وكرم النسب وزكاء الأصل، والكمال الجسماني، والكمال الخلقي، ما لم يحزه أحد قط.(2/665)
لقد كانت له شخصية فذة فريدة على ما كان عليه من رقة القلب، ولين الجانب، وسماحة النفس، والحياء الفائق حتى كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وعلى ما كان عليه من بغض العجب، والتكبر، والتجبر على الناس، والتنكيل بهم، وهذا مما لا يقضي منه العجب!! ولا يسعنا إلا أن نقول: إنه فضل من الله يؤتيه من يشاء.
لقد كان الصحابة- رضوان الله عليهم- لا يحدّون النظر إليه، ويغضون أبصارهم حياء منه، ورضي الله عن أبي الحسن علي رضي الله عنه حيث قال: (من راه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم) .
وقد كان لهذه العظمة الشخصية، وهذه الهالة التي تحيط به، والمهابة التي تعلوه اثارها في ردّ بعض المشركين خاسئا وهو حسير حينما يريد به شرا، بل كان في بعض الأحيان يأمر أعدى أعدائه بالشيء فلا يكون منه إلا الإذعان والخضوع، وكانوا كثيرا ما يتواعدون على النيل منه فيواجههم، فإذا بهم يخورون، وتنهار قواهم، وتضعف معنوياتهم، وكان يأتيه الرجل وبيده السيف، أو تحت ثيابه الخنجر يبغي به شرا فإذا به يضطرب، ويسقط سلاحه من يده، ثم يكون التسليم والإسلام وسأذكر مثلا من ذلك:
1- روى ابن إسحاق في سيرته قال: قدم رجل من إراش «1» بإبل له إلى مكة، فابتاعها- أي اشتراها- منه أبو جهل، فمطله بأثمانها، فأقبل الإراشي حتى وقف على نادي قريش، ورسول الله جالس في ناحية من المسجد، فقال يا معشر قريش من رجل يعديني «2» على أبي الحكم بن هشام؟ فإني غريب، وابن سبيل، وقد غلبني على حقي.
__________
(1) إراش: بكسر الهمزة، والشين المعجمة: موضع كما قال ياقوت.
(2) يعديني: ينصرني ويأخذ لي حقي منه.(2/666)
فقال أهل المجلس: ترى هذا؟ وأشاروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة، اذهب إليه فهو يعديك عليه، يريدون الاستهزاء والسخرية منه صلى الله عليه وسلم، فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقام معه، فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ما يصنع؟!.
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟
قال: «محمد، فاخرج» فخرج إليه وما في وجهه قطرة دم، وقد انتقع لونه! فقال: «أعط هذا الرجل حقه» . قال: لا تبرح حتى أعطيه الذي له، فخرج إليه بحقه، فدفعه له!! ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للإراشي: «الحق لشأنك» فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرا، فقد أخذت الذي لي!!.
ولما جاء الرجل الذي أرسلوه ليرى ما يصنع أبو جهل، قالوا له: ويحك ماذا رأيت؟! قال: عجبا من العجب!! والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه، فخرج وما معه روحه!! فقال له: «أعط هذا الرجل حقه» فأعطاه!!.
ثم لم يلبث أن جاء أبو جهل فلاموه، وقالوا- ساخرين منه-: فو الله ما رأينا مثل الذي فعلت؟!! فقال أبو جهل: ويحكم، والله ما هو إلا أن ضرب على بابي، وسمعت صوتا فملئت رعبا!! وإن فوق رأسه فحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته «1» ولا أنيابه لفحل قط!! فو الله لو أبيت لأكلني!!.
2- وإليك مثلا اخر: اجتمع أشراف قريش في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما رأينا مثل صبرنا على هذا الرجل قط: سفّه أحلامنا، وشتم اباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب الهتنا، وصرنا منه على أمر عظيم!!.
__________
(1) قصرته: عنقه. أي مثله في ضخامة الجسم وطول العنق.(2/667)
فبينما هم في ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فغمزوه ببعض القول، فعرف ذلك في وجهه فمضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها!! ثم مر بهم الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فأقبل عليهم قائلا: «أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح» فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر وقع «1» حتى إن أشدهم فيه وصاة بإيذائه ليرفؤه «2» ، ويلاطفه، ويقول له:
انصرف أبا القاسم راشدا، فما كنت بجهول «3» .
وهكذا كان الواحد منهم يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا الشر، أو أن ينال منه بالسب، أو يغمزه ويلمزه، فإذا واجهه النبي اضطرب وتلعثم وخارت قواه وتملكه الخوف.
3- لما وقعت غزوة بدر الكبرى كان النصر فيها للفئة القليلة المؤمنة، على الفئة الكثيرة الكافرة، فقد قتل فيها الكثير من المشركين، وأسر من أسر، وكان من الأسرى وهب بن عمير بن وهب الجمحي، وكان أبوه شيطانا من شياطين قريش وسفهائهم، كما كان شديد الإيذاء للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة، جلس يوما بعد الموقعة مع صفوان بن أمية يتذاكران مصابهم في بدر، وما نزل بهم من الهزيمة الساحقة الماحقة، فقال عمير: والله لولا دين علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهم الضّيعة بعدي لركبت إلى محمد فأقتله، فإن ابني أسير عنده، فاغتنمها صفوان بن أمية، فقال له: عليّ دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير:
فاكتم علي، قال: سأفعل.
ثم أمر عمير بن وهب بسيفه فشحذ له، وسمّ، ثم انطلق حتى وصل
__________
(1) يعني أخذهم الخوف فسكنوا واطمأنوا ونكسوا رؤوسهم.
(2) ليهدئه ويسكنه كالمعتذر له.
(3) السيرة لابن هشام، ج 1 ص 289؛ والبداية والنهاية لابن كثير، ج 3 ص 45، 46.(2/668)
المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، وما أكرمهم الله به- إذ نظر إلى عمير بن وهب، وقد أناخ بعيره على باب المسجد متوشحا سيفه. فقال: هذا عدو الله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشر «1» ، وهو الذي حرّش بيننا، وحزرنا «2» للقوم يوم بدر، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره.
فقال له النبي: «أدخله علي» فأقبل إليه عمر فأخذ بحمالة سيفه في عنقه، فلبّبه بها «3» ، وقال لمن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما راه رسول الله، وعمر اخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: «أرسله يا عمر، ادن يا عمير» ، فدنا فقال له: «فما جاء بك يا عمير» ؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، قال: «اصدقني ما الذي جئت له؟» قال: ما جئت إلا لذلك، فقال النبي: «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا، فتحمّل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك» .
فإذا عمير تنهار قوته، ويضعف أمام نظرات النبي الثاقبة، وتذهله المفاجأة، فما كان منه إلا أن أقر، وأذعن وقال: أشهد أنك رسول الله!! قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق،
__________
(1) هذا من عبقريات عمر، وإلهاماته الصائبة، فما ظنه هو ما ظهر بعد.
(2) حزرنا: أي قدرنا. ذلك أنه لما تصافّ الجيشان للقتال يوم بدر قال له المشركون: احزر لنا أصحاب محمد، فاستجال بفرسه حول المعسكر، ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا، وهذا هو الواقع فقد كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، وهذا يدل على حصافة العرب وحسن تقديرهم ودقة نظرهم.
(3) الحمالة: السير الذي يشبه الغمد، لببه أي لفّه على عنقه وشده منه.(2/669)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقّهوا أخاكم في دينه، وعلّموه القران، وأطلقوا له أسيره» ففعلوا.
ثم قال: يا رسول الله: إني كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله ورسوله، وإلى الإسلام، لعل الله يهداهم، وإلا اذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم، فأذن له رسول الله فلحق بمكة.
خيبة أمل صفوان
وكان صفوان حين خرج عمير يمني نفسه الأماني، ويقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الان في أيام تنسيكم وقعة بدر، وكان يخرج، فيتلقّى الركبان يسألهم عن عمير ليتأكد من نجاح المؤامرة، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه!! فسقط في يده، وحلف ألايكلمه أبدا، ولا ينفعه بنفع أبدا!!.
أما عمير فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الله، وإلى الإسلام، ويؤذي من خالفه أذى شديدا، فأسلم على يديه ناس كثير، وهكذا نجده خرج كافرا جاهدا على قتل النبي، فإذا هو يعود مؤمنا صادق الإيمان!!.
4- وفي غزوة من الغزوات ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظل شجرة ليستريح، ولم يكن معه أحد، فتسلل إليه وهو نائم رجل من شجعان المشركين، فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا الرجل واقف على رأسه رافعا سيفه، فما رعب ولا خاف، وإنما نظر إليه نظرات المؤمن بربه، الواثق من حمايته، فيقول الرجل: من يمنعك مني يا محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله» !! فإذا الرجل يضطرب، ويرعب، ويسقط السيف من يده!!.
ويأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم السيف، ويعلو الرجل به قائلا: «من يمنعك مني؟» قال: عفوك، فعفا عنه!!.(2/670)
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخذ من عظمة شخصيته، وما كان يعلوه من المهابة والهالة وسيلة إلى تخويف الناس، أو ترويعهم أو الحط من كرامتهم، وإنما كان على العكس من ذلك يهوّن على الناس، ويخفف من رعبهم، لقد دخل عليه ذات يوم رجل فأصابته من هيبته رعدة، وخاف واضطرب، وإذا بالمتواضع الرؤوف الرحيم يقول له:
«هوّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» «1» !!.
نعم- والله- ليس بملك، ولكنه أعظم وأهيب من الملوك، وليس متجبرا ولا طاغيا، وإنما هو الرحمة المهداة للخلق أجمعين.
صلوات الله وسلامه عليك- يا سيدي يا رسول الله- يوم ولدت، ويوم بعثت، ويوم هاجرت، ويوم يقوم الناس لرب العالمين.
__________
(1) القديد: اللحم المشقّق المجفّف.(2/671)
عالم في فرد
هذه صور موجزة تحدد- إلى جانب ما درسنا من سيرة تحليلية- بعض معالم الشخصية المحمدية، ولا أقول كل المعالم، فإن ذلك مما لا يدركه جنان، ولا يستطيعه بيان، فهو صلى الله عليه وسلم كالوجود، وستنتهي هذه الحياة ولا يزال ثمّ أشياء من أسرار هذا الوجود، لا يحوم حولها عقل إنسان، ولا يفصح عنها لسان. وصدق القائل:
وعلى تفنّن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
ومن البدهي أن في الخلق صفوة، وصفوة هؤلاء الصفوة أنبياء الله ورسله، وفي الذروة منهم أولو العزم من الرسل، وذروة الذرى هو نبينا محمد خلاصة البشر وسلالة ولد ادم، وقد يوجد الكثير من هذه الصفات والاداب أو بعضها عند الصفوة من نبي، أو رسول، أو صدّيق، ولكن لم نعلم أحدا جمع الله له كل ما ذكرنا من الفضائل والخصائص مثل ما عرفنا ذلك لنبينا محمد، وهو بهذا المعنى نسيج واحده، وفريد في البشرية كلها، ولا غرو فقد كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعث هو إلى الناس عامة، فكان من الطبعيّ أن يجمع الله له ما تفرق من خلق المصطفين الأخيار.
وقصارى القول وحماداه أنه صلى الله عليه وسلم كان «عالما» في فرد، أو إن شئت فقل:
«فردا» في عالم، بنفسي وأهلي وولدي، وأبي وأمي، هو صلى الله عليه وسلم.
وبعد فهذا هو سيدنا محمد رسول الله صاحب أطهر سيرة عرفتها الدنيا، وناشر اخر رسالة اتسمت بالعموم والخلود، ومربّي أفضل جيل في تاريخ البشرية، ومنشىء خير أمة أخرجت للناس، ومحقق أول دولة في تاريخ الإسلام.
وكان الفراغ من تأليف هذه السيرة العطرة في ليلة الجمعة المباركة، لخمس خلون من صفر لعام 1386 هـ، قربى إلى الله ورسوله.
والحمد لله في النهاية كما حمدناه في البداية، وصلى الله تبارك وتعالى وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحابته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
انتهى الجزء الثاني، وبه ينتهي الكتاب والحمد لله أولا واخرا(2/672)
ثبت بأهم مراجع الكتاب
(1) القران الكريم.
(2) تفاسير: ابن جرير الطبري، والزمخشري، والبغوي، وابن كثير، والقرطبي، والألوسي، وأسباب النزول للسيوطي.
(3) الصحيحان: صحيح البخاري، وصحيح مسلم.
(4) سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ومسند أحمد، والموطأ.
(5) المستدرك للحاكم، السنن للبيهقي، سنن الدارقطني.
(6) السيرة النبوية لابن إسحاق وابن هشام، ط الحلبي.
(7) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للإمام الحافظ ابن حجر طبعة البهية.
(8) الشفا في التعريف بحقوق المصطفى، للإمام القاضي عياض، ط استانبول.
(9) الطبقات الكبرى، للإمام ابن سعد، ط بيروت.
(10) الإصابة في تاريخ الصحابة، للإمام ابن حجر، ط الأولى.
(11) الاستيعاب في تاريخ الأصحاب، ابن عبد البر على هامش الإصابة.
(12) شرح المواهب اللدنية، للإمام الزرقاني، ط بولاق.
(13) زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن قيم الجوزية، ط أنصار السنة.
(14) البداية والنهاية، للإمام الحافظ ابن كثير، ط الاستقامة.
(15) الروض الأنف شرح السيرة لابن هشام، للإمام السهيلي، ط الجمالية 1332 هـ 1914 م.
(16) السيرة الحلبية، للشيخ العلامة علي بن برهان الدين الحلبي.
(17) نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، للعلامة الشيخ محمد الخضري.
(18) حياة محمد، للدكتور محمد حسين هيكل، ط الأولى.
(19) حياة محمد، لدرمنغم ترجمة الأستاذ عادل زعيتر.
(20) حياة محمد ورسالته، لمولانا محمد علي.(2/673)
(21) الدين، للدكتور الشيخ محمد عبد الله دراز.
(22) التاريخ الإسلامي والحضارة العربية، للدكتور أحمد شلبي.
(23) جزيرة العرب في القرن العشرين، للشيخ حافظ وهبة.
(24) دائرة معارف القرن العشرين، للأستاذ محمد فريد وجدي.
(25) مكة والمدينة في عصر الجاهلية، للأستاذ أحمد الشريف.
(26) معجم البلدان، للشيخ العلامة ياقوت الحموي.
(27) الأصنام، لابن الكلبي.
(28) أدلة اليقين في الرد على مطاعن المبشرين، للعلامة الشيخ عبد الرحمن الجزيري.
(29) الرد على المنطقيين، للإمام أحمد بن تيمية الحراني.
(30) مدخل لدراسة القران الكريم، للدكتور الشيخ محمد أبو شهبة.
(31) الإسراء والمعراج، للدكتور الشيخ محمد أبو شهبة.
(32) تفسير سورة الفاتحة وملحقاتها، للإمام الشيخ محمد عبده.
(33) زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، لأستاذنا الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، ط الحلبي.
(34) البيان والتبيين، للإمام أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، ط ثالثة.
(35) عبقرية محمد، للأستاذ العقاد، ط الهلال.
(36) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، للأستاذ العقاد، ط الهلال.
(37) أم النبي صلى الله عليه وسلم، للدكتورة عائشة عبد الرحمن، ط الهلال.
(38) الملل والنحل، للإمام الشيخ محمد الخضر حسين، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما.
(39) الملل والنحل، للأستاذ حامد عبد القادر، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما.
(40) التاريخ الإسلامي، للدكتور محمد مصطفى زيادة، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما.
(41) التاريخ الإسلامي، للأستاذ محمد حبيب أحمد، ط خاصة بكلية أصول الدين قديما.
(42) كتب العهد القديم، والعهد الجديد أو التوراة والأناجيل، ط جمعية التوراة الأميركانية.
(43) كتب اللغة: القاموس المحيط، والمصباح المنير.(2/674)
فهارس الجزء الثاني
صنع فهارسه العلمية عبد الستّار الشيخ 1- فهرس الايات القرانية.
2- فهرس الأحاديث النبوية.
3- فهرس الأعلام.
4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات.
5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع.
6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام.
7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك.
8- فهرس الشعر.
9- فهرس الموضوعات.(2/675)
1- فهرس الايات القرانية
* الاية رقمها الصفحة
[سورة البقرة] وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ ... (58) 327
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ... (89) 46، 393
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ... (101) 393
... وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ... (125) 570
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ ... (142) 104، 106
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ... (143) 104، 105، 106،
518، 636
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها ... (144) 103، 105
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ... (146) 46
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ ... (149) 105
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ ... (150) 105
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ... (158) 570
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ... (183) 107
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ... (184) 107، 108
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... (185) 107
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ... (187) 108
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ... (190) 75، 88، 95
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ... (191) 88
__________
* الايات مرتبة في سورها حسب تسلسل أرقامها.(2/677)
الاية رقمها الصفحة
فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) 88
... وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ ... (194) 375
... وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ... (195) 83
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ... (196) 317
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ ... (199) 572
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ، فَمَنْ تَعَجَّلَ ... (203) 580
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ... (216) 85
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ ... (217) 120
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا ... (218) 121
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ... (219) 353
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ... (245) 391
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ... (253) 657
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... (256) 92، 96
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ... (260) 658
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... (281) 575
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ... (286) 661
[سورة ال عمران] قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ ... (12) 394
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا ... (13) 136، 172، 394
... وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) 22
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ... (59) 547
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) 547
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ ... (61) 547
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ... (64) 14، 358، 361،
363
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ... (96) 35
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ... (97) 35، 317
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ... (100) 390
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ ... (101) 390
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ... (103) 42، 390
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ... (110) 518(2/678)
الاية رقمها الصفحة
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ ... (121) 191
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما ... (122) 190
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ... (123) 143
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ ... (124) 144
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ... (126) 145، 173، 472
... أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) 144
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ... (128) 200
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ... (137) 221
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) 221
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ... (140) 220، 221
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ ... (141) 220
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا ... (142) 221
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ ... (143) 221
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ... (144) 159، 222، 595
وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا ... (145) 222
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا ... (146) 222
... وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) 222، 223
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ... (152) 219
إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ ... (153) 223
وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ... (154) 223، 224
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ ... (155) 196
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ ... (156) 224
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ ... (157) 225
وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ... (158) 225
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا ... (159) 134، 174
أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا ... (165) 225
وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ ... (166) 189
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا ... (167) 189
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً ... (169) 86، 87، 213
216، 225
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ ... (170) 86، 225(2/679)
الاية رقمها الصفحة
يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ... (171) 225
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ ... (172) 229، 244
الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ... (173) 229، 243، 244
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ... (174) 229، 244
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ... (181) 391
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى ... (183) 392
[سورة النساء] وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ... (24) 474
... وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) 433
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ... (43) 353
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ ... (51) 276
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) 276
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ... (58) 447
فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ... (69) 593
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ... (94) 374
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ... (95) 85
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ... (97) 39
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ... (98) 39
فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ... (99) 39
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ ... (102) 322
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... (129) 661
[سورة المائدة] ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ... (3) 575، 587
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... (11) 184
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ... (51) 396
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ ... (52) 396
... أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ... (54) 348
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... (55) 396
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... (67) 76
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ... (90) 354(2/680)
الاية رقمها الصفحة
إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ ... (91) 354
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ ... (93) 354
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ ... (118) 157، 604
[سورة الأنعام] ... وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ... (19) 14، 76
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ ... (91) 392
... وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ... (141) 111
[سورة الأعراف] وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا ... (28) 538
... اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ ... (138) 468
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ... (158) 14، 357
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ... (199) 646
[سورة الأنفال] يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ... (1) 151
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ ... (7) 129
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ... (8) 129
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ ... (9) 141، 144
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ... (10) 143، 144، 145،
174، 472
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ ... (11) 133
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ ... (12) 142، 145، 146
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ... (15) 80
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ... (16) 80، 81
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ... (17) 143
وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ... (39) 92
وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ... (41) 152
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً ... (43) 136
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا ... (44) 136
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ... (45) 80(2/681)
الاية رقمها الصفحة
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً ... (47) 127
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ ... (48) 127
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ... (58) 89، 395
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ... (60) 472
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ... (63) 53
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ... (66) 81
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... (67) 166، 177
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ ... (68) 166
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ ... (69) 166
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ... (70) 165
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ... (72) 51
وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ... (75) 51
[سورة التوبة] وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ... (3) 537
قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ... (14) 146
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ... (15) 146
... وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (16) 146
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ... (25) 471
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ... (26) 471
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ ... (27) 471
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ... (28) 538، 539
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (29) 546
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ... (33) 5، 518
... وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ... (36) 89، 92
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا ... (38) 82، 519
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ... (39) 82، 519
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (40) 519
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ... (41) 82، 83، 520
لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ ... (42) 498، 520
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ ... (43) 498، 521(2/682)
الاية رقمها الصفحة
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (44) 521
إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (45) 498، 521
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ ... (46) 521
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا ... (47) 521
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ... (48) 521
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي ... (49) 521
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا ... (50) 521، 522
قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا ... (51) 522
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ... (52) 85، 242، 522
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ... (53) 522
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ... (60) 113
... وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ... (72) 349
... وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ... (74) 506
وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ... (75) 507
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ... (80) 533
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ ... (81) 498، 522
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً ... (82) 522
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ ... (83) 522
وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ... (84) 522، 533
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ... (90) 522، 523
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ... (91) 84، 496، 520
523
وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ... (92) 496، 497، 523
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ ... (93) 523
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا ... (94) 511، 523
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ... (95) 524
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ ... (96) 524
الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا ... (97) 524
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ... (98) 511، 524
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ... (99) 524، 525
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ... (100) 525، 596(2/683)
الاية رقمها الصفحة
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ... (101) 511، 525
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ... (102) 408، 511، 525
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ... (103) 511، 525، 526
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ... (104) 526
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ... (105) 512، 526
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ... (106) 512، 526
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً ... (107) 508
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى ... (108) 19، 508
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ ... (111) 75، 84
ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ... (113) 533
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ... (117) 516، 526، 527
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ ... (118) 516، 527
... وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) 516
ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ ... (120) 527
وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً ... (121) 527
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ... (122) 80، 84، 520
... بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (128) 639
[سورة يونس] ... رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ... (88) 157، 604
... أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ... (99) 96
[سورة هود] ... أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) 659
[سورة يوسف] ... فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (18) 262، 267
... وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ... (26) 273
... قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ ... (50) 658
[سورة الرعد] اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ... (8) 551
... وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (13) 551(2/684)
الاية رقمها الصفحة
سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) 216
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً ... (38) 302
[سورة إبراهيم] ... فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ... (36) 157، 604
[سورة النحل] وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ... (126) 208
وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ... (127) 73، 208
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) 208
[سورة الإسراء] وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ ... (4) 45
فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا ... (5) 45
... فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ... (7) 46
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا ... (8) 46
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ ... (79) 634
... جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ... (81) 446
[سورة الكهف] ... كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (5) 102
وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (23) 348
إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ ... (24) 348
... فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ... (29) 96، 97
[سورة مريم] ... إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ... (30) 273
[سورة طه] ... وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114) 632
[سورة الأنبياء] وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ ... (105) 90
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107) 15، 357، 641(2/685)
الاية رقمها الصفحة
[سورة الحج] هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ... (19) 139
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ... (39) 74، 76، 77
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا ... (40) 74، 78
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ ... (41) 74، 79
[سورة النور] إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ... (11) 262، 268
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ... (12) 268
لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا ... (13) 269
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ... (14) 269
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ... (15) 269، 270
وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا ... (16) 270
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) 270
وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) 270
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا ... (19) 270
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ... (20) 262، 271
وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا ... (22) 262
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا ... (23) 271، 272
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ... (24) 271، 272
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ ... (25) 271، 272
الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ ... (26) 272
وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ... (31) 313
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... (55) 12
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ ... (62) 279
لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ... (63) 279
[سورة الشعراء] فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً ... (21) 606
[سورة القصص] وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ... (5) 90(2/686)
الاية رقمها الصفحة
قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ ... (26) 266
[سورة السجدة] فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ... (17) 226
[سورة الأحزاب] ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... (4) 296
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ... (5) 296
... وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ... (6) 51
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ... (9) 282، 289
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ... (10) 282، 289، 290
هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (11) 282، 290
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... (12) 282، 290
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ ... (13) 290
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ ... (14) 290، 291
وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ ... (15) 291
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ... (16) 291
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً ... (17) 291
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ ... (18) 291
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ ... (19) 291، 292
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ ... (20) 292
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... (21) 292
وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ ... (22) 292
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... (23) 197، 292
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ ... (24) 293
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً ... (25) 293
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ ... (26) 410
وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً ... (27) 410
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا ... (28) 622
وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ... (29) 622
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ... (32) 305، 311
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ... (33) 305، 311(2/687)
الاية رقمها الصفحة
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ... (34) 305
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً ... (36) 295
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ... (37) 295، 297، 298
ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ... (38) 296
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ ... (39) 296
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ ... (40) 296
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ ... (51) 660
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ ... (53) 310
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ ... (55) 311
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ ... (59) 314
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى ... (69) 273
[سورة سبأ] وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ... (28) 357
... جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (49) 446
[سورة يس] ... اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) 528
[سورة الصافات] سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ ... (130) 528
[سورة ص] قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) 613
[سورة الزمر] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ... (30) 159
[سورة الشورى] وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) 77
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ ... (40) 77، 646
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) 77
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ ... (42) 77
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) 73، 646(2/688)
الاية رقمها الصفحة
[سورة الأحقاف] فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ... (35) 74
[سورة محمد] وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ... (30) 525
... وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) 113
إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) 113
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... (38) 113
[سورة الفتح] إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) 338، 343
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ... (2) 343
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) 343
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ... (4) 343
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ... (5) 343
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ ... (6) 343، 344
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... (7) 344
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ... (8) 344
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ... (9) 344
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ ... (10) 344
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا ... (11) 344
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ ... (12) 345
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (13) 345
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ... (14) 345
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ ... (15) 345، 415
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ ... (16) 345
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ... (17) 345
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ... (18) 331، 346
وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (19) 346
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ ... (20) 346
وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها ... (21) 346
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ... (22) 346(2/689)
الاية رقمها الصفحة
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ ... (23) 346
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ ... (24) 332، 346
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... (25) 347
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ ... (26) 347
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ... (27) 348، 378
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ... (28) 348
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ... (29) 348، 349
[سورة الحجرات] إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) 543
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ... (5) 543
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ... (6) 492
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ ... (13) 448
[سورة ق] ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) 22
[سورة الذاريات] وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) 114
[سورة القمر] سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) 143
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (46) 143
[سورة الرحمن] مُدْهامَّتانِ (64) 442
[سورة الحديد] ... لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ ... (10) 457
... وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ ... (27) 636
[سورة المجادلة] كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) 220
لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ... (22) 148(2/690)
الاية رقمها الصفحة
[سورة الحشر] سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ... (1) 402
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ... (2) 402
وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا ... (3) 402
ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...
(4) 402
ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها ... (5) 402
وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ... (6) 402، 403
ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ... (7) 403
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ ... (8) 403
وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ ... (9) 55، 403
وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ... (10) 404
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (11) 400، 404
لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ... (12) 400
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ ... (13) 400، 404
لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ ... (14) 404
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ... (15) 404
كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ ... (16) 127، 400، 404
فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها ... (17) 127، 401
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً ... (21) 405
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ... (22) 405
... يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) 405
[سورة الممتحنة] يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ... (1) 438
لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ... (8) 95
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ ... (9) 95
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ... (10) 349، 350، 351
وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ ... (11) 351
[سورة الصف] إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ... (4) 135
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ ... (9)(2/691)
الاية رقمها الصفحة
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ ... (10) 85
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... (11) 85
[سورة المنافقون] هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ... (7) 256
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ... (8) 256
[سورة الطلاق] وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (5) 22
[سورة التحريم] يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... (1) 624، 625
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ ... (2) 624
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ... (3) 624
إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ... (4) 624
عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ ... (5) 624
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ... (10) 265
[سورة الملك] ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ... (4) 525
[سورة القلم] وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) 267، 300، 601، 606
[سورة المعارج] وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) 114
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ... (25) 114
[سورة نوح] ... رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (26) 157، 604
[سورة الجن] وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) 17(2/692)
الاية رقمها الصفحة
[سورة المزمل] يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) 633
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) 633
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) 633
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) 633
وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا (10) 74
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ ... (20) 634
[سورة المدثر] ... وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ... (31) 173
[سورة العلق] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) 165، 530
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) 165
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) 165
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) 165
عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5) 165
[سورة الكافرون] قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) 353
[سورة النصر] إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) 456، 579
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) 456
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3) 456
[انتهى فهرس الايات القرانية الكريمة](2/693)
2- فهرس الأحاديث النبوية
* الحديث الصفحة
[همزة الوصل] «ائتني ببني جعفر ... » 430
«ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا ... » 590
«ابسط رجلك» 413
«اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» 600
«اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة» 558
«اتق الله وأمسك عليك زوجك» 297
«اتقوا النار ولو بشق تمرة» 617
«اجتنبوا السبع الموبقات» 80
«اخرج بهذه الايات من صدر سورة براءة ... » 536
«اخرج في اثار القوم وانظر ماذا يصنعون ... » 209
«اخرج في طلب القوم حتى ألحقك ... » 368
«اخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب ... » 324
«اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا ... » 441
«اذهب فاذكرها عليّ» 308
الحديث الصفحة
«اذهب وائتني بخبر القوم» 290
«اذهبوا فأنتم الطلقاء» 448
«إرفعوا طعامكم» 309
«ارم فداك أبي وأمي» 201
«استغفر الله» 449
«استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر ... » 124
«استقد يا سواد» 139
«استقم يا سواد» 139
«استوصوا بهم خيرا» 153
«استووا حتى أثني على ربي عز وجل» 210
«اسقوني» 577
«اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله ... » 199
«اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله» 199
«اصبروا فإني لم أومر بقتال» 74
«اصدقني ما أنت وما أقدمك؟ ... » 324
«اصدقني ما الذي جئت له؟» 163، 669
«اضرب به» 178
__________
* الأحاديث مرتبة ترتيبا ألف بائيا، وتشمل القولية والفعلية والتقريرية.(2/695)
«اضرب عنقه، واللهم أغن المقداد من فضلك ... » 155
«اعرضها علي» 431
«اغزوا باسم الله، قاتلوا عدو الله وعدوكم ... » 426
«اغسلنها وترا: ثلاثا أو خمسا ... » 490
«إقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم ... » 556
«اقطعوا عني لسانه» 482، 650
«اكتب باسمك اللهم» 335
«اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» 335
«إلحق بسلفنا الصالح عثمان بن مظعون» 181
«الحق خالدا فقل له: لا يقتلن وليدا ... » 472
«الحق لشأنك» 667
«القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها» 212
«امكث على إحرامك» 571
«انثرها لأبي طلحة» 201
«انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس ... » 577
«انزل في قبرها» 532
«انزلوا» 327
«انضحوا بالنبل عنا، لا نؤتينّ من قبلكم ... » 190
«انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ... » 508
«انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ... » 437
«انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنظروا ... » 281
«انفذ إليهم ثم ادعهم إلى الإسلام ... » 416
«اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» 319
«اهتف لي بالأنصار» 459
[همزة القطع] «اية الإيمان حب الأنصار ... » 55
«أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد ... » 457
«أبدأ بما بدأ الله به ... » 570
«أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟» 254
«أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك» 515، 518
«أبشر يا أبا بكر فقد أتاك نصر الله ... » 140
«أبشروا بفتح الله ونصره» 282
«أبشروا بني تميم» 552
«أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه في هذه الليلة» 361
«أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغي ... » 638
«أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة ... » 552
«أتحببني؟» 25
«أتدرون أي يوم هذا؟» 578
«أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد ... » 155
«أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده ... » 668
«أتعجبون من هذا؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل....» 504
«أتعجبون من هذه؟ فو الذي نفسي بيده لمناديل ... » 504
«أتعجبون من هذه، لمناديل سعد بن معاذ ... » 319
«أجل» 130
«أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها ... » 547
«أجيبوه ... » 209
«أأحسنت إليك؟» 639
«أحسنت إليك؟» 639
«أحلت لي ساعة من نهار» 460
«أخبراني عن قريش» 132
«أخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من ... » 114(2/696)
«أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت ... » 480
«أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر ... » 429
«أخر عني يا عمر ... » 533
«أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ... » 590
«أدخله علي» 163، 669
«أدنيا لي أخاكما» 505
«إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» 556
«إذا أخبرتنا أخبرناك» 131
«إذا أنت قدمت على صاحبك فتطاوعا ... » 432
«إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم ... » 132
«إذا نظرت كتابي فامض حتى تنزل نخلة ... » 119
«أذن يا إبراهيم وعلي البلاغ ... » 317
«أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة ... » 505
«أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟ ... » 383
«أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد ... » 478
«أرسله يا عمر، ادن يا عمير ... » 163، 669
«أرسلوا إلى صديقات خديجة» 644
«أرواحهم في جوف طيور خضر لها قناديل ... » 87
«أريتك في المنام مرتين، إذا رجل ... » 61
«أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا» 309
«أسلم» 449
«أشبهت خلقي وخلقي» 379
«أشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله ... » 499
«أشهد أنك شهيد ... » 139
«أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله قبل البيت ... » 106
«أشيروا علي أيها الناس ... » 130، 173
«أصبت» 612
«أصبت، أحسنت» 465
«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ... » 226
«أعط ركب بجيلة وابدأ بالأحمسيين» 556
«أعط هذا الرجل حقه» 667
«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ... » 15
«أعلم به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي» 181
«أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم» 110
«أفأخبرتك أنك تأتيه هذا العام؟» 335
«أفرأيتم إن أسلم؟» 28
«أفضالة» 449
«أفلا أكون عبدا شكورا؟» 633
«أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن ... » 484
«أفلحت الوجوه» 413
«أقضي عنك كتابتك وأتزوجك» 254
«أكثر من سبعين مرة» 634
«ألا أخبرك؟ ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب ... » 213
«ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميّ ... » 572
«ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟» 483
«ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ... » 497
«ألا تريحني من ذي الخلصة؟» 557
«ألا رجل لهؤلاء؟» 201
«ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني ... » 384
«ألا، لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» 406
«ألا هل بلغت اللهم فاشهد» 573
«ألا يرضيكم أن يحكم فيهم رجل منكم؟» 408(2/697)
«إلا سهيل بن بيضاء» 157
«ألقها على بلال فإنه أندى صوتا منك» 63
«ألم تسلموا؟» 553
«أليس ذو الحجة؟» 578
«أليس من أهل بدر؟ لعل الله ... » 169
«أليست نفسا منفوسة؟» 629
«أليست هي جاريتي أحلها الله لي؟» 625
«إليّ عباد الله» 223
«إلي عباد الله، إلي عباد الله» 198
«أما إنه قد صدقكم» 438
«أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا ... » 452
«أما والذي نفس محمد بيده ما علمت ... » 488
«أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت ... » 583
«أما والله ما علمتم إلا لتقلون عند الطمع ... » 614
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ... » 89
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ... » 98، 112
«أمرنا رسول الله بصدقة الفطر قبل أن ... » 111
«أمسك عليك بعض مالك فهو خير ... » 515
«أمسك عليك زوجك واتق الله ... » 298
«أمّا أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك» 213
«أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله» 551
«أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء ... » 479
«أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا ... » 261
«أما ظاهرك فكان علينا، والله أعلم بإسلامك ... » 160
«أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم ... » 529
«أما ما ذكرت من الغيرة فسيذهبها الله ... » 247
«أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ... » 479
«أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما ... » 430
«أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك» 513
«إمّا لا فاصبروا حتى تلقوني ... » 54
«أن تشهد ألاإله إلا الله وأني رسول الله ... » 324
«أن تضرب به العدو حتى ينحني» 191
«أن دعوهما» 628
«أن فعلتن» 591
«إن أحببت فعندي محببة مكرمة ... » 480
«إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب ... » 526
«إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه ... » 585
«إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا ... » 162
«إن شئتم أن تردوا عليها قلادتها ... » 488
«إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ... » 55
«إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد ... » 656
«إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي» 605
«إن يكن في أحد من القوم خير فعند ... » 135
«أنا» 324
«أنا أخوك ... » 52
«أنا أعلم بدينك منك، ألست ركوسيا ... » 549
«أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش ... » 613
«أنا أفصح من نطق بالضاد» 613
«أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب» 469
«أنا سيد ولد ادم يوم القيامة» 658
«أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة» 215
«أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ... » 334
«أنا على جناح سفر، ولكن إذا رجعنا ... » 508
«أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إلا أن الله ... » 619(2/698)
«أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر ... » 647
«أنت أخونا ومولانا» 379
«أنت أخي في دين الله وكتابه ... » 61
«أنت رجل واحد، وماذا عسى أن تفعل؟
ولكن ... » 285
«أنت مني وأنا منك ... » 379
«أنتم أخوالي وأنا بما فيكم وأنا نقيبكم» 72
«أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله ... » 635
«أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى ... » 392
«أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين ... » 110
«أن النبي صلى الله عليه وسلم عاود الدعاء لأمته في المزدلفة ... » 576
«أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى ... » 363
«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أكثر من الدعاء لأمته بالمغفرة ... » 575
«أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين فأعطاه ... » 649
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخى بينه وبين سعد ... » 54
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب يهود ... » 249
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من العريش يوم بدر ... » 143
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فنزل في علو المدينة ... » 31
«إنّ ال أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما ... » 645
«إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» 169
«إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة ... » 615
«إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم ... » 241
«إن الأحاديث ستكثر عني كما كثرت على الأنبياء ... » 616
«إن الإسلام يجبّ ما كان قبله، والهجرة تجبّ ... » 425
«إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ... » 582
«إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ... » 582
«إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ... » 618
«إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة ... » 636
«إن الله لا يؤاخذ بدمع العين ولا بحزن القلب ... » 643
«إن الله لم يبعثني متعنتا وإنما بعثني ... » 630
«إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ... » 157، 604
«إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم ... » 462
«إن الله يأمرك أن تصل من قطعك ... » 646
«إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا ... » 615
«إن المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة ... » 617
«إن المرأة عورة فإذا خرجت من بيتها ... » 312
«إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ... » 591
«إن المدينة أقواما ما قطعتم واديا ... » 523
«إن رسول الله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية ... » 381
«إن زوج المرأة منها لبمكان» 212
«إن صاحبكم تغسله الملائكة فاسألوا ... » 213
«إن صيد وجّ وعضاهه حرم محرم لله» 531
«إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله ... » 544(2/699)
«إن لكل بني حواريا، وحواري الزبير» 192
«إن له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال ... » 158
«إن له لأجر شهرين» 411
«إن مثله في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه» 528
«إن مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا ... » 641
«إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل له ناقة ... » 640
«إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ... » 617
«إن من البيان لسحرا ... » 544، 618
«إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ... » 632
«إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه ... » 640
«إن هذا الرجل يريد غدرا، والله حائل ... » 324
«إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم ... » 418
«إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدى ... » 328
«إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ... » 17
«إنا كنا إذا حمى البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله ... » 642
«إنا لم نقض الكتاب بعد» 336
«إنا معاشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء ... » 592
«إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا ... » 558
«إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي من ذلك ... » 640
«إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر ... » 589
«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى» 617
«إنما أنا عبد، اكل كما يأكل العبد ... » 656
«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ... » 630
«إنما خيرني الله فقال: استغفر لهم ... » 533
«إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة ... » 458
«إنما نزل من القران أول ما نزل منه ... » 16
«أنه ربما يمر بهم الهلال والهلالان ... » 651
«أنه مات قبل أن تحول- يعني القبلة- رجال ... » 106
«إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله ... » 438
«إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» 452
«إنه ليس بشرّكم» 546
«إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر ... » 634
«إنه من أهل النار ... » 205
«إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ... » 334
«إنه من لا يرحم لا يرحم» 627
«إنه يحضر البيت عراة مشركون ... » 536
«إنها ابنة أخي من الرضاعة» 379
«إنها رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» 643
«إنا كانت تأتينا زمان خديجة، وإن ... » 644
«إنها لرؤيا حق ... » 63، 65
«إنها لرؤيا حق إن شاء الله، قم مع بلال ... » 64
«إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل ... » 191
«أنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة ... » 382
«أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت الذين ... » 125
«إنهم قاتلوك» 126، 528
«إنهم كانوا لإخواننا مكرمين» 663
«إني أحرم ما بين لابتي المدينة ... » 41
«إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ... » 502
«إني أخشى عليهم أهل نجد» 239(2/700)
«إني أعطي قوما أخاف هلعهم وجزعهم ... » 483
«إني أنزل على أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك» 23
«إني بعثت لكم خير أهلي» 558
«إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد ... » 216
«إني خيرات فاخترت، لو أعلم أني لو زدت ... » 533
«إني رأيت كأني أهديت لي قعبة مملوءة ... » 477
«إني رسول من الله إليك، إن شئت أن ... » 605
«إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلود ... » 588
«إني قد رأيت والله خيرا، رأيت بقرا تذبح ... » 188
«إني قد عرفت رجالا من بني هاشم وغيرهم ... » 147
«إني قد نكحت منكم امرأة، فما يضركم ... » 378
«إني لا أدخل عليهم السلاح» 376
«إني لم أنم الليلة من أجل عمي العباس ... » 160
«إني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد ... » 500
«أهريقوا علي من سبع قرب لم تحل أوكيتهن ... » 590
«أو أملك لك أن الله نزع الرحمة من قلبك؟» 627
«أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار ... » 484
«أوحشي أنت؟» 211
«أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الأخيار» 24
«أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟» 255
«أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام ... » 613
«أوجب طلحة» 198
«أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي ... » 56
«أولم ولو بشاة» 54
«أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟» 260
«أي بنية أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك ... » 489
«أي والذي نفسي بيده إنه لفتح» 338
«أيّ بلد هذا؟» 578
«أي دور أهلنا أقرب؟» 23
«أين البعيران اللذان غيبتهما في شعب كذا؟» 53
«أين خالد؟» 424
«أين عثمان بن طلحة؟» 446
«أين علي بن أبي طالب؟» 416
«أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري ... » 572
«أيها الناس أنفذوا بعث أسامة، فلعمري ... » 592
«أيها الناس إن الشيطان قد يئس ... » 573
«أيها الناس إن الله قد بعثني رحمة ... » 358
«أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث ... » 574
«أيها الناس إن الله وعدني إحدى الطائفتين ... » 129
«أيها الناس إن النسيء زيادة في الكفر ... » 573
«أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ... » 572
«أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ... » 574
«أيها الناس إن عبدا خيره الله بين الدنيا ... » 591
«أيها الناس إن لكم على نسائكم حقا ... » 573
«أيها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل ... » 573(2/701)
«أيها الناس والله ما لي من فيئكم ولا هذه ... » 481
«أيهم أكثر أخذا للقران؟» 215
[المعرف بالألف واللام] «الان استرحت» 652
«الان حمي الوطيس» 470، 618
«الإسلام يحبّ ما كان قبله» 425
«الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، و ... » 55
«الله» 184، 670
«الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين ... » 282
«الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد ... » 64
«الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا ... » 415
«الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده ... » 468
«الله مولاي، وأنا مولى كل مؤمن ... » 581
«اللهم اجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا ... » 247
«اللهم ابسط علينا من بركاتك ... » 210
«اللهم إجعله حجّا لا رياء فيه ولا سمعة» 656
«اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحرسني ... » 385
«اللهم أخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله ... » 430
«اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار ... » 484
«اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض ... » 496
«اللهم الرفيق الأعلى» 592
«اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ... » 574
«اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب ... » 578
«اللهم أعني على سكرات الموت» 592
«اللهم اكفني عامرا» 240
«اللهم اكفني عامر بن الطفيل» 550
«اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ... » 41
«اللهم أنت السلام ومنك السلام ... » 570
«اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك ... » 140
«اللهم أنزل نصرك، اللهم إنك إن تشأ ... » 469
«اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد» 464
«اللهم إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا ... » 318
«اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا ... » 210
«اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه ... » 505
«اللهم اهد ثقيفا واكفنا مؤنتهم» 477
«اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» 639
«اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم» 287
«اللهم بارك في وائل وولده، وولد ولده» 552
«اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين ... » 210
«اللهم ثبت لسانه واهد قلبه» 561
«اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا» 557
«اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ... » 210
«اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة ... » 37
«اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها ... » 437
«اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ... » 570
«اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب ... » 210
«اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ... » 210
«اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، غضب الله ... » 33
«اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت ... » 210(2/702)
«اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... » 278
«اللهم مزّق ملكه» 361
«اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ... » 287
«اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني ... » 661
«اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها ... » 135
[الباء] «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة و ... » 556
«بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ... » 369، 644
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين ... » 531
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله لأهل جرباء ... » 503
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى ... » 360
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة ... » 583
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المقوقس ... » 361
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ... » 363
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبي إلى الحارث ... » 551
«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل ... » 358
«بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي الأمي ... » 57
«بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي ... » 503
«بعثت من خير قرون بني ادم قرنا فقرنا ... » 619
«بعدي يا أسامة؟» 374
«بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من ... » 639
«بل أربعة أشهر» 101
«بل أنا والله يا عائشة وارأساه» 588
«بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ... » 622
«بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا ... » 284
«بل عارية مضمونة» 468
«بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر ... » 163، 669
«بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا» 257
«بل نحسن صحبته ما دام بيننا» 647
«بل هم الكرار» 81
«بل هو الرأي والحرب والمكيدة» 134
«بلى» 334، 477
«بم أهللت؟» 571
«بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية؟» 555
«بهذا أمرت» 650
«بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب ... » 545
[التاء] «تبكيه أو لا تبكيه، لم تزل الملائكة تظله ... » 213
«ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ... » 459
«تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا ... » 86
«تعال» 513(2/703)
«تعال، الحمد لله الذي قد هداك، كنت أرى ... » 425
[الثاء] و [الجيم] [الحاء] «حتى توافوني بالصفا» 459
«حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت ... » 626
«حبب إلي من دنياكم ثلاث ... » 626
«حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» 162
«حسبنا الله ونعم الوكيل» 229
«حسّن خلقك للناس» 558
«حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء» 553
[المعرف بالألف واللام] «الحرب خدعة» 618
«الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره ... » 21
«الحمد لله الذي أنقذه من النار» 629
«الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» 559
«الحياء لا يأتي إلا بخير» 654
«الحياء من الإيمان» 617، 654
[الخاء] «خذ جارية من السبي غيرها» 383
«خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطوني ابن جعفر ... » 430
«خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله ... » 22
«خذوا عني مناسككم» 631
«خذوا في أوعيتكم» 499
«خذوه فإنه خبيث خبيث الدية، نحن ... » 284
«خذوها يا بني شيبة خالدة تالدة، لا ينزعها ... » 447
«خذي من ماله ما يكفيك وبنيك بالمعروف» 458
«خل سبيلها» 212
«خلوا سبيلها فإنها مأمورة» 23
«خير المال سكة مأبورة، وفرس مأمورة ... » 615
«خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل ... » 24
«خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا ... » 368
«خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» 620
[المعرف بالألف واللام] «الخالة بمنزلة الأم» 378
«الخيل معقود في نواحيها الخير إلى يوم القيامة ... » 615
[الدال] «دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت ... » 641
«دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم ... » 54
«دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من ... » 358
«دعه عنك فإنه جاء تائبا مسلما» 486
«دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه» 590
«دعوه» 199
«دعوه فإن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم ... » 501
«دعوه فهذا الأعمى، أعمى القلب أعمى البصر» 44
«دعوهم» 547(2/704)
[الذال] «ذاك الله عز وجل» 542
«ذهب أهل الهجرة بما فيها» 457
[الراء] «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها ... » 86
«رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ... » 86
«رحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد» 659
«رحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر» 658
«رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة» 377
«رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت فسلم» 615
«رحم الله موسى، قد أوذي بأكثر ... » 483
«رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ... » 635
«ردوا علي ردائي أيها الناس، فو الذي ... » 481
[المعرف بالألف واللام] «الرحم شجنة من الرحمن» 617
[الزاي] «زعم أنه إذا رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز ... » 255
[السين] «ساقي القوم اخرهم شربا» 664
«سبحان الله العظيم، سبحان مقلب القلوب ... » 298
«سبقت رحمتي غضبي ... » 157
«سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم ... » 585
«سر حتى تنزل بساحتهم فادعهم إلى ... » 556
«سلمان منا أهل البيت» 277
«سمعت أنين عمي العباس في وثاقه ... » 160
«سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا» 529
«سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني ... » 130
[المعرف بالألف واللام] «السكينة السكينة ليس البر بالإيضاع ... » 576
«السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله ... » 309
«السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهنىء لكم ... » 588
[الشين] «شاهت الوجوه» 142
«شدوا» 142
[المعرف بالألف واللام] «الشرك بالله وقتل النفس ... » 80
[الصاد] «صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله» 656
«صدق» 101
«صدق من سماك الرؤوف الرحيم ... » 639
«صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة» 145
«صدقت، صدقت» 571
«صدقتم» 555
«صلاة في مسجد قباء كعمرة» 20
«صلاة في مسجدي هذا خير من ... » 34
«صلوا كما رأيتموني أصلي ... » 631
[المعرف بالألف واللام] «الصلاة جامعة» 63، 64
«الصلاة خير من النوم» 65
«الصلاة في مسجد قباء ركعتين أحب إلي ... » 20
«الصلاة وما ملكت أيمانكم» 594(2/705)
[الضاد] .....
[الطاء] «طرأ علي حزبي فكرهت أن أجيء حتى أتمه» 530
[الظاء] .....
[العين] «عبد الله بن أبي» 255
«عكاشة بن محصن» 177
«على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم» 421
«على رسلك يا أبا بكر» 591
«علمت أنكم تكفوني، ولكن أكره أن أتميز ... » 637
«عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله ... » 86
[المعرف بالألف واللام] «العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ... » 632
«العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والاخرة؟ ... » 430
«العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ... » 643
[الغين] «غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، قاتل في ... » 562
«غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم ... » 205
«غمسه يده في العدو حاسرا ... » 142
«غيروا من شعره، ولا تقربوه سوادا ... » 449
[الفاء] «فأجزه لي» 337
«فاحث في أفواههن التراب» 431
«فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني ... » 628
«فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت ... » 22
«فأما البقر فأناس من أصحابي يقتلون ... » 188
«فإن لم يكن في سنة رسول الله؟» 559
«فإن لم يكن في كتاب الله؟» 559
«فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك ... » 559
«فأنت وذاك» 284
«فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة ... » 578
«فإن ذلك أفضل» 34
«فإنك اتيه ومطوف به» 335
«فإنك من أهلها» 141
«فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» 28
«فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل؟» 160
«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا ... » 109
«فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القران، وأطلقوا ... » 163، 670
«فكيف لك بلا إله إلا الله؟» 373
«فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟» 255
«فلله الحمد» 64
«فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم ... » 87
«فما بال السيف في عنقك؟» 163
«فما بال هذا الحرير في أعناقكم؟» 553
«فما جاء بك يا عمير؟» 163، 669(2/706)
«فمن منهم من أشراف قريش؟» 132
«فهل لك في خير من ذلك؟» 254
«فهلا شققت عن قلبه فنظرت إليه؟» 373
«فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك ... » 632
«في الرفيق الأعلى» 593
«في كل ذات كبد رطبة أجر» 618
«في كل كبد رطبة أجر» 640
[المعرف بالألف واللام] «الفار من الله ورسوله؟» 493
«الفزع، الفزع» 368
[القاف] «قاتل بهذا يا عكاشة» 177
«قاتلهم الله لقد علموا ما استقسما بها قط» 446
«قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء» 445، 460
«قد أذنت لخطيبكم فليقل» 543
«قد أمنتك، فاذهب حيث شئت ... » 324
«قد رأى هذا ذعرا» 341
«قد زوجتكها، فابعث إليها بها ... » 179
«قد سبقك بذلك الوحي» 65
«قد علمت الذي قلتم ... » 449
«قد عفوت عنك، وقد أحسن الله إليك ... » 453
«قد مات اليوم عظيم من عظاماء المنافقين» 44
«قد نهيتك عن حب يهود» 533
«قل» 397
«قل: نعم هو بيننا وبينك موعد» 209
«قم فأجب الرجل في خطبته» 543
«قم يا أبا عبيدة بن الجراح» 549
«قم يا بلال فناد بالصلاة» 63
«قم يا حسان فأجب الرجل فيما قال ... » 543
«قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي» 138
«قم يا فلان فأت خالدا فقل له يرفع» 445
«قولوا: الله أعلى وأجل» 209
«قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم» 209
«قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه ... » 327
«قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض» 141، 173
«قوموا فانحروا ثم احلقوا» 337
[المعرف بالألف واللام] «القوم ما بين التسعمائة والألف» 132
[الكاف] «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان ... » 552
«كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون ... » 63
«كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار ... » 205
«كان النبي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ... » 633
«كان ذلك في الرجال لا في النساء» 349
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ... » 649
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أشجع الناس ... » 642
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع ... » 258
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها ... » 654
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين لا يكره أحدا ... » 96
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة إنما ... » 64(2/707)
«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، كان ... » 66
«كان عمل رسول الله ديمة ... » 633
«كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى ... » 633
«كان يكون في مهنة أهله» 626
«كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم ... » 581
«كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه ... » 443
«كذبت لا يدخلها، إنه شهد بدرا والحديبية ... » 170
«كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» 617
«كل مسكر حرام» 560
«كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» 355
«كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» 355
«كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم ... » 462
«كم القوم؟» 132
«كم ينحرون كل يوم؟» 132
«كما أنت يا طلحة» 201
«كما تدين تدان» 618
«كن أبا خيثمة» 501
«كن أبا ذر» 501
«كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث ... » 567
«كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم ... » 257
«كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟» 559
«كيف تيكم؟» 259، 260
«كيف يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟» 647
«كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم؟» 200
[اللام] «لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين» 549
«لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله عليه ... » 416
«لأنهم لم يشكوا» 337
«لا» 54، 477، 550
«لا أدعك تمسح عارضيك بمكة وتقول ... » 161
«لا أشرب إلا مما يشرب منه الناس» 637
«لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوي بطونهم ... » 638
«لا، أكره أن تتحدث العرب أن محمدا ... » 505
«لا إله إلا الله واحده لا شريك له، صدق وعده ... » 447
«لا إله إلا الله واحده لا شريك له، له الملك ... » 570
«لا أمثل فيمثل الله بي وإن كنت نبيا» 159، 175
«لا أمثل فيمثل الله بي ولو كنت نبيا» 607
«لا، أولئك عتقاء الله» 476
«لا، بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من ... » 606
«لا، بل نحسن صحبته ما دام بيننا» 44
«لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك ... » 560
«لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي ... » 430
«لا تحملوا حتى امركم، وإن اكتنفكم القوم ... » 140
«لا تخبري بذلك أحدا» 625
«لا تختلفا» 432
«لا تخرجوا معي إلا رغبة في الجهاد، أما ... » 414
«لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ... » 502(2/708)
«لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله ... » 622
«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... » 34
«لا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك ... » 493
«لا تغافلوا عن ال جعفر أن تصنعوا لهم طعاما ... » 430
«لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا ... » 629
«لا تفتحه إلا بعد يومين، فإذا فتحته فامض ... » 119
«لا تقولوا الراهب، بل قولوا: الفاسق ... » 507
«لا تقولوا الراهب ولكن قولوا:
الفاسق ... » 417
«لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا» 656
«لا حاجة لنا فيهم، إنا لا نستعين بكافر ... » 189
«لا حاجة لي به» 623
«لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فبالغ في ... » 439
«لا حاجة لي فيه، اسقوني مما يشرب الناس» 577
«لا حرج، لا حرج» 578
«لا نبرح حتى نناجز القوم» 331
«لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا ... » 121
«لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية ... » 40، 82، 457
«لا والله لا تذرون له درهما» 161
«لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ... » 458
«لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة» 588
«لا، ولكن عليك بالصوم» 636
«لا، ولكن عليك بالصوم» 636
«لا، ولكن لا يقربك» 515
«لا ولكنني أكرهه، فإني أناجي من لا تناجي» 26
«لا يبقى بجزيرة العرب دينان» 421، 594
«لا يبلغني أحد منكم عن أحد من أصحابي شيئا ... » 638
«لا يخرجنّ معنا إلا من حضر معنا القتال» 228
«لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع ... » 247
«لا يقاتلن أحد حتى امره بالقتال» 190
«لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» 161
«لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» 617، 618
«لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهل بيتي ... » 539
«لا ينبغي لهم أن يعلونا» 198
«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ... » 317، 376، 568
«لبيك بعمرة وحجة» 568
«لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي ... » 567
«لتزخرفنها- أي المساجد- كما زخرفت ... » 34
«لذلك غسلته الملائكة» 214
«لعلك جئت تخطب فاطمة؟» 179
«لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول ... » 549
«لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور ... » 600
«لعن صلى الله عليه وسلم من اتخذ الحيوان غرضا» 640
«لقد أشرت بالرأي» 134
«لقد أضاء لي من الأولى قصور الحيرة ومدائن كسرى ... » 279(2/709)
«لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب ... » 338
«لقد بقي من أجله ثلاث» 647
«لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله ... »
319، 409
«لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله ... » 143
«لقد سهل لكم من أمركم» 332
«لقد شققت علي يا رجل، أنا أنتظرك هنا ... » 645
«لقد عذت بعظيم، إلحقي بأهلك» 488
«لقد قتلت قتيلين لأدينهما» 240، 399
«لقد نعيت إلي نفسي» 587
«لقد نعيت إلي نفسي» 587
«لقد هممت أن أرسل إلى أبي وابنه فأعهد» 590
«لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم ... » 550
«للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ... » 166
«لم؟» 648
«لم تراعوا، لم تراعوا» 642
«لم يكن رسول الله فاحشا ولا متفحشا ... » 654
«لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله ... » 278
«لما نزلت هذه الاية وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ كان ... » 107
«لن أصاب بمثلك أبدا، وما وقفت قط موقفا ... » 207
«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما ... » 571
«لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له ... » 534
«لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» 660
«لو أنا هبطنا عسفان لرأت قريش ... » 322
«لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه» 156، 175
«لو جاءني لاستغفرت له، وإذ قد فعل هذا ... » 407
«لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن ... » 545
«لو سألني قطعة من الأرض ما فعلت، باد ... » 364
«لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة ... » 201
«لو قلتم له يدع هذه الصفرة» 654
«لو كان لابن ادم واديان من ذهب لابتغى ثالثا ... » 615
«لو كان لي يا عثمان عشرة لزوجتك ... » 231
«لو كنت أمرت بالسير لما استشرت» 504
«لو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» 658
«لو لم يبرز إليه أحد لبرزت أنا إليه» 192
«لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وإن اخرنا ... » 582
«لولا الهجرة لكنت امرا من الأنصار ... » 55
«لولا ذكرت الأنصار بخير فإنهم لذلك أهل» 487
«ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة ... » 372
«ليس ذلك لك ولا لقومك، ولكن لك ... » 550
«ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغارنا» 664
«ليس منكم ولكنه منا للحلف ... » 177
«ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله» 429
«ليشربن أناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها» 355
[الميم] «ما أدري بأيهما أنا أسر: بفتح خيبر ... » 371(2/710)
«ما أسكر الفرق منه، فملء الكف منه حرام» 355
«ما التفت يوم أحد يمينا وشمالا إلا وأراها ... » 203
«ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي أن تؤمنوا بها؟» 553
«ما أمرت أن اخذ من أموالكم شيئا» 511
«ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام» 120
«ما أنتم؟» 553
«ما أنتما بأقوى مني، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما» 124، 637
«ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» 18
«ما بال أقوام يقولون كذا، أو يفعلون كذا ... » 654
«ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه ... » 634
«ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» 34
«ما بين قبري ... » 34
«ما ترى يا ابن الخطاب؟» 156
«ما جاء بك، ألك حاجة؟» 179
«ما حديث بلغني عنكم؟» 483
«ما حملك على الامتناع من النزول أولا؟» 384
«ما حملك على ما صنعت؟» 391
«ما حملك على هذا؟» 418
«ما خلأت القصواء، وما هو بخلق لها» 327
«ما خلّفك، ألم تكن قد ابتعت ظهرا؟» 513
«ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار ... » 655
«ماذا كنت تحدث به نفسك؟» 449
«ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني ... » 550
«ما رأيك في المقام عليهم؟ ... » 477
«ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى قطعت أبهري» 418
«ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ... » 654
«ما عدتهم؟» 132
«ما على عثمان ما عمل بعد اليوم» 496
«ما علمت عليه إلا خيرا» 264
«ما عليكم ألاتمنعوه، لعل الله ... » 213
«ما عندي شيء، ولكن ابتع علي، فإذا ... » 650
«ما فعل كعب؟» 513
«ما فعلت درع سلحتكها؟» 179
«ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه حتى ... » 208
«ما قبض نبي إلا ودفن حيث قبض» 599
«ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم» 480
«ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» 617
«ما كانت هذه لتقاتل» 472، 629
«مالك يا أبا أيوب؟» 385
«ما لي أرى ألوانكم تغيرت؟» 545
«ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا؟ ... » 108
«ما لي أراك مهتما؟» 213
«ما ملأ ابن ادم وعاء شرا من بطنه، فإن ... » 617
«ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم؟» 19
«ما يبكيك يا عمر؟» 608، 623
«ما يحملك على قول: بخ بخ؟» 141
«ما يسرني أن لي أحدا ذهبا يبيت عندي ... » 652
«ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها» 189
«مات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي ... » 652
«متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك ... » 148(2/711)
«مثله جهل الإسلام؟ ولو جعل نكايته ... » 424
«محمد، فاخرج» 667
«مخيريق خير يهود» 47
«مرحبا بابنتي» 628
«مرحبا بمن جاءنا مسلما مهاجرا» 453
«مروا أبا بكر فليصل بالناس» 589
«معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ... » 483
«من أحب أن ينظر إلى شيطان فلينظر إلى هذا» 43
«من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» 617
«من أسدى إليكم معروفا فكافئوه عليه» 27، 664
«من أفضل المسلمين» 170
«من الرجل؟» 549
«من أم قوما فليخفف فإن فيهم الضعيف» 530
«من أنتم؟» 556
«من بنى لله مسجدا بنى الله له مثله في الجنة» 33
«من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى ... » 20
«من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة ... » 384
«من جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه» 660
«من جهز جيش العسرة فله الجنة» 495
«من دخل دار أبي سفيان فهو امن ... » 442، 460
«من دخل دار أبي سفيان فهو امن، ومن ألقى ... » 460
«من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم ... » 327
«من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ... » 287
«من رجل ينظر لى سعد بن الربيع ... » 212
«من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والاخرة» 270
«من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ... » 618
«من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك ... » 312
«من كان ظهره حاضرا فليركب معنا» 123
«من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه ... » 581
«من لا يرحم لا يرحم» 618
«من لكعب بن الأشرف فإنه اذى الله ورسوله؟» 397
«من محمد رسول الله إلى الأقيال العباهلة ... » 616
«من مس دمي دمه لم تصبه النار» 200
«من هؤلاء؟» 511
«من يأخذ هذا السيف بحقه؟» 191
«من يحفظ لي ما بين لحييه وما بين رجليه ... » 617
«من يمنعك مني؟» 184، 670
«منا خير فارس في العرب» 177
«منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة ... » 444
[المعرف بالألف واللام] «المال مال الله وأنا عبده» 648
«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ... » 617، 631
«المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» 41
«المرء مع رحله» 23
«المستشار مؤتمن» 615
«المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله» 82
«المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ... » 617(2/712)
«المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى ويرد عليهم ... » 615
«المسلمون عند شروطهم، والصلح جائز بين المسلمين ... » 617
[النون] «نحرت ههنا ومنى كلها منحر» 577
«نحن أولى بموسى منكم» 107
«نحن من ماء» 131
«نزلت هذه السورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ ...
في أوسط ... » 579
«نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم؟ ... » 479
«نصرت يا عمرو بن سالم ... » 436
«نعم ... » 131، 141، 155، 160،
406، 452، 486، 499
«نعم أصيبوا هذا اليوم» 430
«نعم، اللهم استر عوراتنا وامن روعاتنا» 287
«نعم، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ... » 545
«نعم، حبسهم العذر» 523
«نعيت إلي نفسي» 456
«نقركم على ذلك ما شئنا» 417
«نقركم ما شئنا» 421
«نهى النبي عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» 381
«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة عام خيبر ... » 382
«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع ... » 381
[المعرف بالألف واللام] «النار» 155
«الناس بأزمانهم أشبه منهم بابائهم» 616
«الناس سواسية كأسنان المشط» 614
«الناس كالإبل المائة لا تجد فيها راحلة» 615
«الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم ... » 619
[الهاء] «هؤلاء المنافقون يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟» 505
«هذا ابن أبي قحافة» 329
«هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة» 330
«هذا الذي أوفى الله بأذنه» 256
«هذا أمين هذه الأمة» 549
«هذا رجل غادر» 328
«هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا» 240
«هذا كتاب من محمد النبي الأمي ... » 57
«هذا لا يحل لك في دينك» 549
«هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو» 335
«هذا مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء» 446
«هذه عير قريش فاخرجوا إليها لعل ... » 123
«هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» 132
«هل أبقيت لأهلك شيئا؟» 496
«هل عرفتم القوم؟» 505
«هل منكم أحد لم يقارف الليلة؟» 532
«هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا اتيه» 448
«هلك المتنطعون» 634
«هما ريحانتاي من الدنيا» 245، 627
«هن حولي كما ترى يسألنني النفقة» 621
«هو مسجدكم هذا» 19
«هو هذا» 19
«هوّن عليك فإني لست بملك، إنما أنا ... »
657، 671(2/713)
«هي خير بناتي، أصيبت فيّ» 490
[الواو] «واخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر ... » 52
«واتقوا الله في عاجل أمركم واجله، في السر ... » 22
«وإذا أنا دعوت فأمّنوا» 547
«واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان ... » 573
«والعمد قود، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ... » 572
«والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله ... » 215
«والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم ... » 141
«والذي نفس محمد بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله ... » 86
«والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ... » 86
«والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل ... » 327
«والله إني لرسول الله حقا وإن كذبتموني ... » 335
«والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله ... » 336
«والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدّقتم ... » 484
«والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير ... » 5، 12
«والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني ... » 643
«والمقصرين» 337
«والولد للفراش وللعاهر الحجر، ومن ادعى ... » 574
«وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا ... » 58
«وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين ... » 59
«وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به ... » 138
«وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم ... » 57
«وإن دماء الجاهلية موضوعة، وأول دم ... » 572
«وإن قوما من قبلكم اتخذوا قبور ... » 591
«وإن ماثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية ... » 572
«وإن من الشعر لحكما» 618
«وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم ... » 511
«وأنا لا أرى ذلك» 477
«وأنا والّله أحبكم» 25
«وأنت امن» 324
«وأنتم اليوم لله» 556
«وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟» 574
«وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟» 583
«وإنك لهند بنت عتبة؟» 458
«وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ... » 58
«وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة ... » 58
«وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث ... » 59
«وأنه من تبعنا من يهود فإن له ... » 58
«وأوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به ... » 22
«وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ... » 637
«وبعثت إلى الخلق كافة» 15
«وبعثت إلى كل أحمر وأسود» 15
«وجدناه بحرا» 618
«وخرج الناس حين قدما المدينة ... » 25(2/714)
«وخرج صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ... » 651
«وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه» 607
«وعلي جمع الحطب» 637
«وقفت ههنا وعرفات كلها موقف» 574
«ولا يسلمه» 82
«ولئن أظهرني الله على قريش في موطن ... » 207
«ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم» 490
«ولقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم ... » 429
«ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي ... » 548
«وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟» 553
«وما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية؟» 553
«وما انتقم لنفسه قط إلا أن ينتهك شيء ... » 646
«وما حملك على هذا يا سواد؟» 139
«وما عليك لو متّ قبلي، فقمت عليك ... » 588
«وما يغني عنه قميصي، إني لأرجو أن ... » 534
«وما يمنعني وإنما أنزل القران بلسان ... » 612
«ومن وافدك؟» 493
«وهذه لعثمان» 331
«وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟» 444
«وهل عندك من شيء تستحلها به؟» 179
«وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ... » 617
«ويجير على المسلمين أدناهم» 437
«ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ ... » 441
«ويحك أو هبلت، أو جنة واحدة هي؟» 169
«ويحك غيب وجهك عني فلا أرينك ... » 211
«ويحك فمن يعدل إن لم أعدل؟! ... » 660
«ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم ... » 441
«ويحك يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير» 625
«ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي» 648
«ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد» 341
«ويلك ومن يعدل إن لم أعدل؟! لقد ... » 483
«يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلق به عدونا ... » 468
«يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم عهدا ... » 340
«يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل ... » 337
«يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟» 150
«يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟» 147
«يا ابن سلام اخرج عليهم» 28
«يا ابن عوف إنها رحمة» 582، 643
«يا أسامة فكيف لك بلا إله إلا الله؟» 373
«يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض ... » 313
«يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا سفر» 463
«يا أيها الناس إن الله قد حرم مكة يوم خلق ... » 455
«يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا ... » 317
«يا بريدة أتبغض عليا؟» 560
«يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا» 32
«يا جد هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟» 498
«يا حاطب ما هذا؟» 438
«يا حذيفة، اذهب فادخل القوم فانظر ... » 287
«يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن ... » 481، 650(2/715)
«يا رب إنك قادر على أن تثيب المظلوم ... » 576
«يا زيد تعلّم لي كتاب يهود، فإني والله ... » 249
«يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟» 263
«يا سلمة ملكت فأسجح، إنهم الان ... » 368
«يا سودة أعلى الله ورسوله تحرضين؟ ... » 154
«يا عائشة أما الله عز وجل فقد برأك» 262
«يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرا ... » 622
«يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ... » 267
«يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند ... » 442
«يا عدي أسلم تسلم» 549
«يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم ... » 465
«يا علي إذا جلس إليك الخصمان ... » 561
«يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ... »
608، 624
«يا عمر تراني رضيت وتأبى؟» 342
«يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» 433
«يا معاذ إنك عسى ألاتلقاني بعد عامي هذا ... » 559
«يا معشر الأنصار ألم اتكم ضلالا فهداكم الله ... » 483
«يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ... » 390
«يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل ... » 260
«يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون ... » 591
«يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله، فو الله ... » 28
«يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ... » 455
«يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة ... » 447
«يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟» 448
«يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ... » 270
«يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش ... » 394
«يا ملائكتي هؤلاء عبادي جاؤوني شعثا ... » 575
«يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو ... » 326
«يأبى الله ذلك والمؤمنون» 589
«يأبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر» 590
«يأتي زمان على أمتي يتباهون بالمساجد ... » 34
«يأتيكم بقية أبناء الملوك» 552
«يجزيك الثلث» 408
«يرحم الله أبا ذر، يمشي واحده ويموت واحده ... » 501
«يرحم الله المحلقين» 337
«يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا ... » 559
«يطلع عليكم من هذا الفج من خير ذي يمن ... » 556
«يقول ابن ادم: مالي مالي، وإنما لك ... » 615
«يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ... » 40
«يمنعكم من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب ... » 547
[المعرف بالألف واللام] «اليد العليا خير من اليد السفلى ... » 615
[انتهى فهرس الأحاديث](2/716)
3- فهرس الأعلام
* (أ) ادم عليه السلام: 294، 447، 574.
الالوسي: 312.
امنة بنت وهب: 187.
أبان بن سعيد بن العاصي: 331.
أبرام- إبراهيم عليه السلام.
إبراهيم عليه السلام: 35، 103، 157، 176، 301، 317، 318، 446، 466، 490، 567، 570، 603، 604، 618، 658، 659.
إبراهيم بن محمد رسول الله: 181، 362، 490، 491، 582، 627، 643.
إبليس: 127، 133.
ابن أبيّ- عبد الله بن أبي.
أبيّ بن خلف: 199.
أبي بن كعب: 50، 187.
ابن الأثير- محمد بن محمد بن عبد الكريم.
أحمد بن الحسين- البيهقي: 179، 201، 213، 217، 252، 377، 423، 505، 544، 555، 560، 579.
أحمد بن حنبل: 25، 34، 50، 87، 108، 111، 143، 164، 247، 249، 308، 338، 354، 430، 459، 489، 502، 506، 529، 531، 539، 561، 590، 617، 619، 658.
أحمد بن عبد الحليم- ابن تيمية: 50.
أحمد بن عبد الله- أبو نعيم: 18.
أحمد بن علي بن حجر- ابن حجر العسقلاني: 25، 50، 52، 65، 111، 248، 264، 297، 298، 352، 367، 451، 453، 469، 496، 507، 533، 541، 542، 564، 565.
أحمد بن علي بن شعيب- النسائي: 27، 111، 338، 534، 537، 555، 581، 613، 624.
أحمد بن علي بن المثنى- أبو يعلى: 613.
أحمد بن عمرو- البزار: 312، 342، 579، 639.
أحمد بن محمد- الثعلبي: 298.
أحمد بن موسى- ابن مردويه: 624.
أحمد بن يحيى- البلاذري: 98.
الأحمق المطاع- عيينة بن حصن.
__________
* أسقطت في هذا الفهرس: أبو، أم، ابن، ابن أبي، ابن أم، أخت، بنت.(2/717)
الأخنس بن شريق- أبو ثعلبة: 128.
أربد بن قيس: 550، 551.
أسامة بن زيد: 36، 190، 260، 373، 374، 444، 470، 532، 576، 585، 586، 590، 592، 593، 598، 600.
أبو الأسباط- يعقوب عليه السلام.
ابن إسحاق- محمد بن إسحاق.
إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام: 392.
أبو إسحاق السبيعي: 562.
أسد بن سعنة: 281.
أسد قريش- نوفل بن خويلد.
أسد الله- حمزة بن عبد المطلب.
إسرائيل ولفنسون: 276.
أسعد بن زرارة- أبو أمامة: 21، 23، 30، 71.
أسماء بنت أبي بكر- ذات النطاقين: 36، 61، 71، 313.
أسماء بنت عميس: 371، 378، 379، 387، 430، 431، 532.
إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام: 317، 392، 446، 618.
إسماعيل بن عمر بن كثير- ابن كثير: 65، 68، 152، 169، 216، 298، 315، 321، 367، 487، 538، 541، 542، 581.
الأسود بن عبد الأسد المخزومي: 138.
الأسود بن عبد يغوث: 130.
الأسود العنسي: 545، 561، 584.
الأسود بن مسعود الثقفي: 531.
الأسود بن المطلب بن أسد: 158.
أسيد (والد عتاب) : 449.
أسيد بن حضير: 189، 197، 255، 261، 324، 468، 499، 595.
أبو أسيد الساعدي: 24.
أسيد بن سعنة: 281.
أسيد بن ظهير: 20.
الأشج- المنذر بن عائذ.
الأشعث بن قيس: 553.
أصحمة بن أبجر (وانظر النجاشي) : 532.
أفلح (مولى أبي أيوب الأنصاري) : 27.
الأقرع بن حابس: 480، 482، 542، 543، 560، 627، 649.
أكيدر دومة: 503، 504.
إلياس: 528.
أبو أمامة- أسعد بن زرارة.
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع: 490، 627.
امرأة العزيز: 589.
امرأة لوط: 265.
امرأة نوح: 265.
امرأة هلال بن أمية: 515.
أمير بصرى- حاكم بصرى.
إميل در منغم- در منغم.
أميمة بنت عبد المطلب: 212، 294، 297.
ابنة أبي أمية- هند بنت أبي أمية.
أمية بن خلف: 117، 126، 132، 149، 150.
أنجشة: 625.
أنس بن فضالة: 187.
أنس بن مالك: 24، 25، 28، 31، 32، 34، 54، 55، 66، 160، 168، 169، 196، 201، 204، 205، 212، 239، 297، 308، 309، 310، 312، 338، 363، 381، 523، 539، 611، 612، 635، 642، 649، 654، 656.
أنس بن النضر: 196، 197، 212.
أنسة (مولى النبي) - أبو مسروح: 124.
ابن أم أنمار- سباع بن عبد العزى.
أوس بن خولي الأنصاري: 598، 599.(2/718)
أوس بن قيظي: 44، 290.
إياس بن ربيعة بن الحارث- حارثة: 572.
أم أيمن- بركة الحبشية.
أيمن بن أم أيمن- أيمن بن عبيد.
أيمن بن أم عبيد (- ابن أم أيمن) : 470، 473.
أبو أيوب الأنصاري- خالد بن زيد.
أم أيوب (زوج أبي أيوب الأنصاري) : 26، 269.
(ب) باذان: 361، 584.
بجير بن زهير بن أبي سلمى: 486.
البخاري- محمد بن إسماعيل.
أبو البختري- العاص بن هشام.
بختنصر البابلي: 45.
بديل بن ورقاء الخزاعي: 328، 435، 436، 440، 441، 442.
أبو براء- عامر بن مالك.
البراء بن عازب: 105، 124، 125، 190، 278، 338، 610.
أبو بردة بن قيس الأشعري (أخو أبي موسى) :
371.
أبو بردة بن أبي موسى الأشعري: 304.
أبو برزة الأسلمي: 452.
بركة بنت ثعلبة بن حصن- بركة الحبشية أم أيمن:
36، 473.
بركة الحبشية- بركة بنت ثعلبة.
برة بنت عبد المطلب: 245.
بريدة بن الحصيب الأسلمي: 560، 562، 563.
بريرة: 260.
البزار- أحمد بن عمرو.
بشر بن البراء بن معرور: 418.
أم بشر بن البراء بن معرور: 104.
بشر بن سفيان الكعبي: 326.
بشير بن سعد الأنصاري: 373، 375، 376.
أبو بصير- عروة بن أسيد.
البغوي- الحسين بن مسعود.
أبو بكر الصديق- عبد الله بن عثمان.
بكر بن العلاء القشيري: 297.
أبو بكرة- نفيع بن مسروح.
البلاذري- أحمد بن يحيى.
بلال الحبشي: 36، 37، 49، 52، 63، 64، 65، 110، 149، 446، 449، 542، 551، 556، 574، 630.
البيهقي- أحمد بن الحسين.
(ت) التّرمذي- محمد بن عيسى.
تميم: 566.
تميم الداري: 554.
توماس كارليل- كارليل: 91، 92.
ابن تيمية- أحمد بن عبد الحليم.
(ث) ثابت بن أقرم: 428.
ثابت بن قيس بن شماس- خطيب رسول الله:
253، 543، 545.
ثعلب: 285.
أبو ثعلبة- الأخنس بن شريق.
ثعلبة بن حاطب (منافق) - ثعلبة بن أبي حاطب:
507.
ثعلبة بن حاطب الأنصاري: 507.
ثعلبة بن سعنة: 281.
الثعلبي- أحمد بن محمد.
ثمامة بن أثال: 99، 100، 321.
ثويبة الأسلمية (جارية أبي لهب) : 245.(2/719)
(ج) أبو جابر- عبد الله بن عمرو بن حرام.
جابر بن سمرة: 610، 611.
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام: 170، 189، 201، 213، 217، 228، 418، 563، 645.
الجاحظ- عمرو بن بحر.
أبو الجارود- زياد بن المنذر.
الجارود بن عمرو: 544، 545.
جبار بن صخر: 419.
جبريل عليه السلام: 20، 61، 103، 104، 141، 146، 170، 279، 295، 322، 406، 477، 508، 539، 587، 624، 639، 646، 649.
جبلة بن الأيهم: 364.
جبير بن مطعم: 187، 194.
جحدر (من جذيمة) : 464.
الجد بن قيس: 44، 331، 498، 521، 522.
جدامة- الشيماء بنت الحارث.
جدعون (أحد الأنبياء عند اليهود) : 301.
جروة بن مازن: 196.
ابن جريج: 65.
جرير بن عبد الله البجلي: 556، 557، 574.
ابن جعفر- عبد الله بن جعفر.
جعفر بن أبي طالب: 50، 371، 378، 379، 386، 387، 418، 423، 426، 427، 429، 430، 431، 585.
جلاس بن سويد بن الصامت: 43.
جميع بن عمير: 52.
جميلة بنت عبد الله بن أبي: 214.
جندب بن جنادة- أبوذر الغفاري: 252، 370، 501.
أبو جندل بن سهيل بن عمرو: 336، 337، 341، 350، 645.
جهجاه بن مسعود الغفاري: 254.
أبو جهل- عمرو بن هشام.
أبو جهم بن حذافة: 350.
ابن الجوزي- عبد الرحمن بن علي.
جويرية بنت الحارث (أم المؤمنين) : 253، 254، 303، 307، 620.
جيفر بن الجلندى: 364.
(ح) حابس (والد الأقرع) : 482.
ابن أبي حاتم- عبد الرحمن بن محمد.
أبو الحارث (أسقف أهل نجران) : 546.
الحارث بن أوس الأنصاري: 397.
الحارث بن حاطب: 152.
الحارث بن زمعة بن الأسود: 158.
الحارث بن أبي شمر الغساني: 364.
الحارث بن الصمّة: 125، 152، 197، 199، 239، 401.
الحارث بن أبي ضرار: 252، 253.
الحارث بن طلاطل: 451.
الحارث بن عبد العزى السعدي- أبو ذؤيب- أبو كبشة: 360.
الحارث بن عبد كلال الحميري: 364، 551.
الحارث بن عمير الأزدي: 364، 426.
الحارث بن عوف المري: 276، 284.
الحارث بن كلدة: 475، 482.
الحارث بن هشام: 445، 449، 481.
حارثة بن ربيعة- إياس بن ربيعة بن الحارث.
حارثة بن سراقة النجاري: 169.
حاطب بن أمية بن رافع: 44.
حاطب بن أبي بلتعة: 49، 169، 170، 361، 362، 437، 438.
الحاكم- محمد بن عبد الله.(2/720)
حاكم بصرى: 358، 426.
حامد عبد القادر: 45.
الحباب بن المنذر الخزرجي: 134، 174، 187، 189، 197، 468، 499.
حبيب بن زيد بن عاصم: 203.
حبيب بن مري- صاحب ياسين: 528.
أم حبيبة- رملة بنت أبي سفيان.
حبيبة بنت أم حبيبة بن أبي سفيان: 315.
ابن حجر- أحمد بن علي بن حجر.
حذامة- الشيماء بنت الحارث.
أبو حذيفة بنت عتبة بن ربيعة: 49، 119، 137، 147، 148، 150، 173.
حذيفة بن المغيرة بن عبد الله- زاد الراكب- سهيل: 247.
حذيفة بن اليمان: 50، 196، 287، 288، 289، 505، 525.
حرام بن ملحان: 239.
حسان (أخو أكيدر دومة) : 504.
حسان بن ثابت: 263، 264، 268، 269، 362، 543.
الحسن البصري: 36.
الحسن بن علي بن أبي طالب: 179، 232، 245، 436، 531، 547، 597، 627 628.
الحسن بن يوسف- ابن المطهر الرافضي: 50.
حسيل بن جابر- اليمان: 196.
الحسين بن علي بن أبي طالب: 179، 232، 245، 248، 531، 547، 597، 627، 628.
أبو الحسين بن عيدوس: 469.
الحسين بن مسعود- البغوي: 55، 197.
حصن (والد عيينة) : 482.
حفصة بنت عمر (أم المؤمنين) : 231، 306، 384، 591، 608، 620، 622، 623، 624، 625.
أبو الحكم- عمرو بن هشام.
الحكم بن كيسان: 121.
أم حكيم بنت الحارث: 453.
حكيم بن حزام: 137، 440، 441، 442، 481، 650.
الحليس بن زبّان (أو ابن علقمة) : 207، 328، 329.
الحليس بن علقمة- الحليس بن زبان.
حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية: 467.
حماس بن قيس: 444، 445.
حمد بن محمد الخطابي: 382.
حمزة بن عبد المطلب: 49، 50، 67، 117، 118، 124، 138، 139، 148، 152، 156، 187، 188، 193، 194، 207، 208، 211، 212، 215، 216، 378، 379، 386، 387، 453، 454.
حمنة بنت جحش: 212، 263، 264، 268، 269.
أبو حميد الساعدي: 24.
حميد الطويل: 168.
حميد بن عبد الرحمن بن عوف: 537.
أبو حنظلة- صخر بن حرب.
حنظلة بن أبي سفيان: 149، 159.
حنظلة بن أبي عامر- حنظلة الغسيل: 43، 196، 213، 214.
حنظلة الغسيل- حنظلة بن أبي عامر.
ابن الحنظلية- عمرو بن هشام.
أبو حنيفة- النعمان بن ثابت.
الحويرث بن نقيد: 451، 452.
حويطب بن عبد العزى: 336، 378، 386.
حيدره- علي بن أبي طالب.(2/721)
الحيسمان بن عبد الله الخزاعي: 157.
حيي بن أخطب: 47، 48، 275، 281، 383، 400، 401، 406، 409.
(خ) بنت خارجة (زوج الصديق) : 593، 621.
خارجة بن زيد بن ثابت: 249.
خارجة بن زيد بن أبي زهير: 49.
خالد بن البكير: 119.
خالد بن زيد- أبو أيوب الأنصاري: 23، 26، 27، 28، 30، 32، 49، 83، 269، 385، 520، 548.
خالد بن سعيد بن العاص: 315، 371، 529، 531.
خالد بن الوليد: 81، 161، 191، 195، 198، 322، 326، 347، 387، 423، 424، 425، 428، 429، 443، 444، 445، 460، 461، 464، 465، 470، 472، 491، 503، 504، 555، 560، 630.
خالدة بنت الحارث: 29.
خبيب بن عدي: 235، 236، 241.
خديجة بنت خويلد (أم المؤمنين) : 36، 162، 176، 301، 306، 488، 620، 644، 650.
خذام بن خالد: 507.
خذامة- الشيماء بنت الحارث.
خراش بن أمية الخزاعي: 330.
خزاعي بن أسود: 412.
خزيمة بن كعب- المصطلق: 252.
الخطاب (والد عمر) : 441.
الخطابي- حمد بن محمد.
ابن خطل- عبد الله بن خطل.
خطيب رسول الله- ثابت بن قيس.
خلاد بن سويد: 411.
خليل الرحمن- إبراهيم عليه السلام.
خنيس بن حذافة السهمي: 231.
خولة بنت ثعلبة بن حكيم: 604.
خوّات بن جبير: 152، 281.
أبو خيثمة: 500، 501.
خيرة (أم الحسن البصري) : 36.
(د) الدارقطني- علي بن عمر.
داود عليه السلام: 296، 301، 487.
أبو داود- سليمان بن الأشعث.
أبو دجانة- سماك بن خرشة.
دحية بن خليفة الكلبي: 358، 360، 364، 383.
در منغم: 91، 92، 299.
دريد بن الصمة: 467، 470.
أبو دسمة- وحشي بن حرب.
دعثور: 184.
الدمياطي- عبد المؤمن بن خلف.
(ذ) ذات النطاقين- أسماء بنت أبي بكر.
أبو ذر الغفاري- جندب بن جنادة.
الذهبي- محمد بن أحمد بن عثمان.
ذو البجادين- عبد الله ذو البجادين.
ذو الجناحين- جعفر بن أبي طالب.
ذو الخويصرة: 483.
ذو رعين (النعمان) : 551.
ذو النورين- عثمان بن عفان.
أبو ذؤيب- الحارث بن عبد العزى.
ابنة أبي ذؤيب- حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية.(2/722)
(ر) أبو راشد: 84.
رافدة الأسلمية: 319.
أبو رابع (مولى خزاعة) : 435.
أبو رافع (مولى النبي) : 36، 378، 490.
أبو رافع الأعور- سلام بن أبي الحقيق.
رافع بن حرملة: 44.
رافع بن خديج: 190.
رافع بن وديعة: 44.
الراهب- أبو عامر الراهب.
رباح: 607، 623.
الربيع بن أبي الحقيق: 412.
الربيع بن الربيع بن أبي الحقيق: 47.
الربيع بنت النضر: 169.
ابنا ربيعة- شيبة وعتبة.
ربيعة بن أمية بن خلف: 574.
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: 470.
ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب- إياس.
ربيعة بن عامر بن مالك: 240.
الرحمن- مسيلمة الكذاب.
رحمن اليمامة- مسيلمة الكذاب.
رفاعة بن زيد بن التابوت: 44.
رقية بنت محمد رسول الله: 36، 124، 125، 151، 153، 181، 231، 245، 490، 532.
رقية بنت أبي سلمة: 247.
ركانة بن يزيد: 642.
رملة بنت الحارث: 545، 554.
رملة بنت أبي سفيان- أم حبيبة (أم المؤمنين) :
307، 315، 371، 423، 436، 620.
أبو رهم الغفاري- كلثوم بن حصين.
أبو رهم بن عبد العزى: 386.
أبو رهم بن قيس الأشعري: 371.
أبو رهم بن المطلب بن عبد مناف: 259.
أم رومان (زوج الصديق) : 36.
أبو رويحة- عبد الله بن عبد الرحمن.
ريحانة القرظية- ريحانة بنت زيد بن عمرو: 303، 410، 620.
(ز) زاد الراكب- حذيفة بن المغيرة بن عبد الله.
الزبرقان بن بدر: 542، 543، 544، 561.
الزبير بن بكار: 212، 490.
الزبير بن العوام: 36، 49، 52، 110، 124، 131، 192، 194، 195، 197، 211، 212، 283، 417، 437، 442، 443، 499، 595، 597.
زرعة ذو يزن: 551.
زفر: 382.
الزمخشري- محمود بن عمر.
زمعة بن الأسود بن المطلب: 158.
زمعة بن قيس (والد سودة) : 154.
الزهري- محمد بن مسلم.
زهير بن أبي أمية المخزومي: 445.
زهير بن صرد: 479.
زياد بن السكن: 202.
زياد بن لبيد الأنصاري: 561.
زياد بن المنذر (أبو الجارود) : 65.
ابن زيد- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
زيد بن أرقم: 254، 255، 562، 563، 581.
زيد بن أسلم: 96.
زيد بن ثابت: 190، 249.
زيد بن حارثة: 36، 49، 50، 118، 124، 150، 185، 280، 282، 294، 295، 297، 298، 299، 300، 308، 378، 379، 426، 427، 429، 431، 585،(2/723)
605.
زيد بن الدثنة: 236، 237، 241.
زيد الخير- زيد الخيل: 550، 560.
زيد بن رفاعة: 268.
زيد بن زمعة بن الأسود: 473.
زيد بن سعنة: 647.
زيد بن سهل- أبو طلحة الأنصاري: 49، 83، 194، 201، 217، 532، 618، 642، 652.
زيد بن عاصم: 203.
زيد بن عمرو: 44.
زيد بن اللصيت: 44.
زيد بن محمد- زيد بن حارثة.
زيد بن نصيب- زيد بن لصيب (وانظر زيد بن اللصيت) : 500.
زيد بن يثيع: 537.
زين العابدين- علي بن الحسين.
زينب بنت جحش (أم المؤمنين) : 263، 294، 295، 296، 297، 298، 299، 300، 307، 308، 309، 384، 475، 620، 622.
زينب بنت الحارث اليهودية: 417.
زينب بنت خزيمة (أم المؤمنين) - أم المساكين:
246، 306، 620.
زينب بنت محمد رسول الله: 36، 162، 176، 350، 452، 488، 489، 490، 627.
زينب بنت أبي سلمة: 247.
زينب بنت علي بن أبي طالب: 179.
زينب بنت عمرو بن أمية: 485.
زينب اليهودية- زينب بنت الحارث.
(س) سارة (مولاة بني عبد المطلب) : 437، 451.
سباع بن عبد العزى: 193.
سباع بن عرفطة الغفاري: 251، 414، 497، 568.
السدي: 297.
سراقة بن الحارث النجاري: 169.
سراقة بن الحباب الأنصاري: 473.
سراقة بن مالك بن جعشم: 126، 127.
سعاد (زوج كعب بن زهير) : 486.
ابن سعد- محمد بن سعد.
سعد بن حنيف (يهودي منافق) : 44.
سعد بن خولة: 40.
سعد بن خيثمة: 71، 181.
سعد بن الربيع: 49، 54، 212، 215.
أم سعد بن الربيع: 202.
سعد بن زيد: 368.
سعد بن زيد الأشهلي: 44، 466.
سعد بن سلامة بن وقش- سلكان بن سلامة بن وقش.
أبو سعد بن أبي طلحة: 193.
سعد بن عبادة: 24، 117، 198، 252، 261، 280، 281، 282، 284، 378، 442، 443، 595، 643.
سعد بن مالك- أبو سعيد الخدري: 19، 200، 216، 287، 592، 654.
سعد بن معاذ: 50، 117، 124، 126، 130، 134، 135، 140، 173، 174، 197، 261، 281، 282، 284، 319، 408، 409، 410، 504.
سعد بن النعمان: 159، 160.
سعد بن أبي وقاص: 41، 68، 117، 119، 120، 121، 131، 181، 194، 197، 199، 201، 216، 336، 585، 635.
السعدان- سعد بن عبادة وسعد بن معاذ.(2/724)
سعيد بن جبير: 382.
سعيد بن حريث: 452.
أبو سعيد الخدري- سعد بن مالك.
سعيد بن عفير: 616.
سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: 50، 123، 152، 410، 585.
سعيد بن المسيب: 63، 83، 84، 520، 564.
سفانة بنت حاتم الطائي: 493، 549.
أبو سفيان- صخر بن حرب.
أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب: 439، 440، 469.
سفيان بن خالد بن نبيح: 234، 235.
سفيان الضمري: 131.
أبو سفيان بن محصن- وهب بن محصن.
سلافة بنت سعد: 237.
سلكان بن سلامة بن وقش (أبو نائلة) : 397، 398.
سلام بن أبي الحقيق (- أبو رافع، عبد الله بن أبي الحقيق) : 47، 275، 401، 412، 413.
سلام بن مشكم: 47، 383، 416، 417.
سلمى: 318.
سلمى (مولاة النبي) : 490.
سلمى بنت عمرو النجارية: 161.
سلمى بنت عميس: 378، 387.
سلمان الفارسي: 277، 279، 476.
أبو سلمة- عبد الله بن عبد الأسد.
أم سلمة- هند بنت أبي أمية.
سلمة بن أسلم: 585.
سلمة بن أسلم بن حريش: 324.
سلمة بن الأكوع- سلمة بن عمرو بن الأكوع.
سلمة بن حريش: 178.
سلمة بن خويلد الأسدي: 233.
سلمة بن أبي سلمة: 247، 248.
سلمة بن سلامة بن وقش: 49.
سلمة بن شبيب: 564.
سلمة بن عمرو بن الأكوع: 107، 367، 368.
سلمة بن هشام بن المغيرة: 430.
أم سليط: 204.
سليط بن عمرو العامري: 364.
سليم- أبو كبشة (مولى النبي) .
أم سليم (أم أنس) : 204، 205، 384.
سليمان عليه السلام: 296، 302.
سليمان بن أحمد- الطبراني: 19، 338، 539، 636.
سليمان بن الأشعث- أبو داود: 19، 27، 34، 65، 108، 164، 271، 313، 338، 355، 489، 531، 561، 598، 617.
سماك بن خرشة- أبو دجانة: 191، 193، 197، 202، 217، 401، 568.
سمرة بن جندب: 190، 208.
أبو سنان بن محصن: 411.
سنان بن وبر الجهني: 254.
سهل بن حنيف: 20، 197، 341، 348، 401.
سهل بن عمرو (صاحب المربد) : 30.
سهيل بن بيضاء: 119، 157.
سهيل بن عمرو (صاحب المربد) : 30.
سهيل بن عمرو بن عبد شمس- أبو يزيد: 132، 154، 159، 174، 332، 335، 337، 378، 444، 445، 468، 471، 482، 607.
سهيل بن المغيرة- حذيفة بن المغيرة.
السهيلي- عبد الرحمن بن عبد الله.
سواد بن غزية: 139، 140، 660.(2/725)
سودة بنت زمعة: 36، 154، 306، 620، 623.
سويلم اليهودي: 498.
السيد: 546، 548.
سير موير- وليم موير.
أم سيف (زوج قين بالمدينة) : 491.
سيف الله المسلول- خالد بن الوليد.
(ش) شاس بن قيس: 47، 389.
شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي: 364.
شداد بن الأسود- ابن شعوب: 213.
شرحبيل بن عمرو الغساني: 364.
ابن شعوب- شداد بن الأسود.
شعيب عليه السلام: 266.
شقران (مولى النبي) : 599.
الشمّاء- الشيماء بنت الحارث.
شيبة- شيبة الحمد- عبد المطلب بن هاشم.
شيبة بن ربيعة: 132، 138، 139، 149، 605.
شيبة بن عثمان بن أبي طلحة: 447.
أبو الشيخ: 534.
شيرويه بن كسرى: 361.
الشيماء بنت الحارث السعدية (- جدامة، حذامة، خذامة، الشماء) : 480.
(ص) صاحب إلياس- اليسع.
صاحب أيلة- يحنة بن رؤبة.
صاحب ياسين- حبيب بن مري.
صالح (مولى النبي) : 598.
صخر بن حرب- أبو سفيان: 68، 118، 123، 125، 128، 132، 133، 159، 160، 171، 185، 186، 191، 207، 209، 213، 228، 229، 237، 243، 244، 276، 277، 284، 286، 287، 288، 289، 315،
323، 324، 331، 359، 360، 436، 437، 440، 441، 442، 443، 449، 453، 458، 459، 460، 471، 477، 481، 530، 649، 662.
صخر بن عامر: 259.
الصديقة بنت الصديق- عائشة بنت أبي بكر.
صرمة بن قيس: 108.
صفوان بن أمية: 100، 101، 163، 164، 178، 185، 187، 191، 236، 237، 244، 424، 444، 445، 468، 471، 482، 649، 668، 669، 670.
صفوان بن المعطل السلمي: 259، 264، 266، 268.
صفية بنت حيي النضرية: 47، 303، 307، 383، 384، 385، 412، 620، 623.
صفية بنت أبي العاص بن أمية: 315.
صفية بنت عبد المطلب: 211، 532.
صلاح الدين الأيوبي: 93، 167.
(ض) ضرار بن الأزور: 177.
ضرار بن الخطاب بن مرداس: 283.
ضمام بن ثعلبة: 541.
ضمضم بن عمرو الغفاري: 125.
(ط) ابن طاب: 178.
طارق بن بياضة: 192.
طالب بن أبي طالب: 128.
أبو طالب (عم الرسول) - عبد مناف بن عبد المطلب.(2/726)
طالوت: 125.
الطاهرة- خديجة بنت خويلد.
الطبراني- سليمان بن أحمد.
الطبري- محمد بن جرير.
طعيمة بن عدي: 187، 194.
الطفيل بن الحارث بن المطلب: 246.
أبو طلحة- زيد بن سهل.
طلحة بن أبي طلحة العبدري: 192.
طلحة بن عبيد الله: 49، 52، 123، 152، 194، 197، 198، 199، 200، 201، 217، 496، 498، 515، 518، 595، 599.
طلحة بن عثمان العبدري: 191.
طليحة بن خويلد الأسدي: 177، 233، 276، 287.
طيطوس الروماني: 45.
(ظ) .....
(ع) عاتكة بنت خالد الخزاعية- أم معبد: 610.
أبو العاص بن الربيع: 36، 162، 350، 452، 453، 488، 489، 490.
العاص بن هشام بن الحارث- أبو البختري:
147، 149.
العاص بن هشام بن المغيرة: 126، 148، 149، 173.
عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح: 156، 197، 235، 237، 238، 322.
عاصم بن عدي: 124، 152، 496، 508.
عاصم بن عمر بن قتادة: 205، 217.
العاقب: 546، 548.
أبو العالية: 75.
أبو عامر الأشعري- عبيد بن سليم.
عامر بن الجراح (أبو عبيدة) - عامر بن عبد الله بن الجراح.
عامر بن الحضرمي: 137، 138.
أبو عامر الراهب- الفاسق: 43، 186، 192، 199، 214، 507.
عامر بن ربيعة: 119.
عامر بن الطفيل: 239، 240، 242، 550، 551.
عامر بن عبد الله بن الجراح- أبو عبيدة: 49، 50، 52، 148، 149، 173، 197، 199، 200، 432، 444، 549، 585، 599.
عامر بن فهيرة: 36، 37، 239.
عامر بن مالك (- أبو براء، ملاعب الأسنة) :
239، 240، 242.
عائشة بنت أبي بكر (أم المؤمنين) : 15، 33، 36، 37، 61، 62، 107، 204، 231، 254، 258، 261، 262، 263، 264، 265، 266، 267، 268، 269، 270، 271، 272، 273، 304، 306، 309، 310، 313، 384، 431، 458، 488، 580، 588، 589، 591، 592، 593، 599، 620، 622، 623، 625، 626، 633، 634، 644، 650، 651، 654.
عباد بن بشر: 49، 368، 397.
عباد بن حنيف: 43.
عبادة بن الصامت: 395، 396.
العباس بن عبد المطلب: 55، 147، 160، 161، 164، 165، 176، 178، 187، 307، 386، 387، 439، 440، 441، 442، 443، 452، 469، 470، 496، 497، 534، 572، 577، 578، 588، 589، 598، 599، 637.(2/727)
العباس بن مرداس: 433، 480، 482، 649.
ابن أم عبد- عبد الله بن مسعود.
ابن عبد البر- يوسف بن عبد الله.
عبد بن الجلندى: 364.
عبد رب الكعبة: عبد الله بن عثمان (أبو بكر) .
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق: 148، 173، 580، 593.
عبد الرحمن بن حسان بن ثابت: 362.
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: 298.
عبد الرحمن بن صخر- أبو هريرة: 112، 216، 280، 322، 372، 459، 537، 545، 610، 639، 656.
عبد الرحمن بن عبد الله- السهيلي: 65، 192، 375، 528، 531، 564.
عبد الرحمن بن علي- ابن الجوزي: 565.
عبد الرحمن بن عمرو- الأوزاعي: 98.
عبد الرحمن بن عوف: 49، 52، 54، 124، 149، 197، 217، 336، 353، 367، 464، 496، 582، 643.
عبد الرحمن بن عيينة بن حصن: 367، 368.
عبد الرحمن بن محمد- ابن أبي حاتم: 297، 298.
عبد الرحيم بن الحسين- العراقي: 25، 565.
عبد الرزاق الصنعاني: 75، 564.
أبو عبد شمس- الوليد بن المغيرة.
عبد العزى بن خطل- عبد الله بن خطل.
عبد العزى بن عبد المطلب- أبو لهب (أبو عتبة، أبو عتيبة) : 126، 157، 171، 245.
عبد الكعبة- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) .
أم عبد الله- عائشة بنت أبي بكر.
عبد الله بن أبيّ بن سلول: 43، 44، 188، 189، 228، 229، 254، 255، 256، 257، 259، 261، 263، 264، 268، 269، 290، 291، 395، 396، 400، 409، 497، 521، 522، 532، 533، 647.
عبد الله بن أحمد- النسفي المفسر: 298.
عبد الله بن الأريقط: 36.
عبد الله بن أبي أمية: 439.
عبد الله بن أنيس: 234، 235، 412.
عبد الله بن أبي بكر: 36.
عبد الله بن جبير بن النعمان: 190، 195، 214.
عبد الله بن جحش: 119، 212، 215، 246، 294.
عبد الله بن الجراح (والد أبي عبيدة) : 148، 149.
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: 427، 430.
عبد الله بن حذافة السهمي: 360، 465.
عبد الله بن أبي الحقيق- سلام بن أبي الحقيق.
عبد الله بن خطل- عبد العزى بن خطل:
451.
عبد الله ذو البجادين: 505.
عبد الله بن رواحة: 32، 138، 150، 156، 157، 278، 281، 376، 418، 426، 427، 429، 431، 585.
عبد الله بن الزبير: 36، 61، 71، 628.
عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه: 63، 64.
عبد الله بن زيد بن عاصم: 203، 211.
عبد الله بن سعد بن أبي سرح: 451، 452.
عبد الله بن سلام: 28، 47.
عبد الله بن سهيل بن عمرو: 336.(2/728)
عبد الله بن شهاب الزهري: 199.
عبد الله بن طارق: 236.
عبد الله بن عباس: 19، 27، 55، 75، 84، 104، 108، 110، 143، 145، 160، 164، 265، 273، 350، 381، 382، 386، 391، 489، 544، 545، 587، 649.
عبد الله بن عبد الأسد- أبو سلمة: 118، 217، 233، 245، 247، 248، 306، 307.
عبد الله بن عبد الرحمن- أبو رويحة الخثعمي:
49، 52.
عبد الله بن عبد الله بن أبيّ: 243، 256، 533، 647.
عبد الله بن عتيك: 412، 413.
عبد الله بن عثمان- أبو بكر الصديق: 24، 25، 30، 31، 32، 36، 49، 52، 55، 61، 83، 112، 114، 124، 130، 131، 135، 140، 144، 148، 156، 157، 159، 166، 170، 173، 175، 176، 197، 200، 203، 209، 216، 231، 239، 249، 252، 258، 259، 262، 263، 306، 329، 334، 335، 336، 338، 391، 399، 421، 424، 425، 431، 432، 436، 437، 448، 449، 470، 477، 482، 485، 496، 499، 500، 505، 519، 520، 529، 530، 536، 537، 539، 540، 545، 548، 553، 554، 567، 584، 585، 589، 590، 591، 592، 593، 594، 595، 596، 597، 598، 599، 600، 603، 604، 605، 621، 622، 624، 625، 630، 650.
عبد الله بن عثمان بن عفان: 245.
عبد الله بن عمر بن الخطاب: 52، 63، 109، 124، 160، 190، 216، 354، 381، 421، 427، 464، 502، 579، 632.
عبد الله بن عمرو بن حرام (والد جابر) : 189، 196، 213، 215، 217، 563، 645.
عبد الله بن قيس- أبو موسى الأشعري: 11، 62، 304، 371، 473، 559، 560، 571.
عبد الله بن اللتبية: 561.
عبد الله بن لهيعة: 616.
عبد الله بن مسعود: 49، 87، 136، 149، 157، 312، 382، 501.
عبد الله بن أم مكتوم- عمرو بن أم مكتوم:
124، 189، 280، 322، 400.
عبد المطلب بن هاشم- شيبة- شيبة الحمد:
23، 161، 469.
أم عبد المطلب بن هاشم- سلمى بنت عمرو النجارية.
عبد الملك بن هشام: 57، 65، 156، 376، 476، 487، 535، 541.
عبد مناف بن عبد المطلب- أبو طالب: 139، 430، 643.
عبد المؤمن بن خلف الدمياطي: 352.
عبد ياليل بن عمرو الثقفي: 528.
أبو عبيد- القاسم بن سلام.
عبيد بن سليم الأشعري- أبو عامر: 473.
عبيد بن عمير (أخو مصعب) : 148.
أبو عبيد بن مسعود الثقفي: 178.
عبيد الله بن جحش: 307، 315.
أبو عبيدة (شيخ ابن هشام) : 541.
عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب: 138.
عبيدة بن الحارث بن المطلب: 68، 138،(2/729)
139، 153، 181، 246.
عتاب بن أسيد: 449، 468، 485.
عتبان بن مالك: 49.
أبو عتبة- عبد العزى بن عبد المطلب (أبو لهب) .
عتبة بن ربيعة: 132، 135، 137، 138، 139، 149، 150، 173، 605.
عتبة بن عمرو الفهري: 160.
عتبة بن غزوان: 68، 119، 120، 121.
عتبة بن أبي وقاص: 199.
أبو عتيبة- عبد العزى بن عبد المطلب (أبو لهب) .
العتيق- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) .
عثمان بن أوفى: 44.
عثمان بن طلحة بن أبي طلحة: 276، 347، 423، 424، 425، 446، 447.
عثمان بن أبي العاص الثقفي: 528، 530.
عثمان بن عبد الله بن المغيرة: 121.
عثمان بن عفان: 32، 33، 36، 52، 124، 125، 151، 153، 184، 216، 231، 245، 249، 330، 331، 370، 452، 461، 495، 496، 497، 501، 525، 532، 547، 548، 560، 603.
عثمان بن مظعون: 181، 582، 635، 636.
عدي بن حاتم الطائي: 493، 494، 549، 561.
عرابة بن أوس: 190.
العراقي- عبد الرحيم بن الحسين.
ابن العربي- محمد بن عبد الله.
عروة بن أسيد الثقفي- أبو بصير: 340، 341، 350، 645.
عروة بن مسعود الثقفي: 329، 330، 528، 531.
أبو عزة الشاعر- عمرو بن عبد الله بن عثمان.
ابو عزيز بن عمير (أخو مصعب) : 153، 154.
ابن عساكر- علي بن الحسن بن هبة الله.
عطارد بن حاجب بن زرارة: 542، 543.
أم عطية الأنصارية: 205، 532.
عظيم البحرين: 360.
عفراء بنت عبيد النجارية (أم معاذ ومعود) :
142، 149.
عقبة بن الحارث: 237.
عقبة بن عمرو البدري (أبو مسعود) : 373.
عقبة بن أبي معيط: 126، 154، 155.
عقيل بن الأسود بن المطلب: 158.
عقيل بن أبي طالب: 156، 160، 444.
عقيلة بنت أبي الحقيق: 397.
عكاشة بن محصن: 119، 120، 177، 331، 368.
عكرمة: 639.
عكرمة بن أبي جهل: 187، 191، 283، 286، 424، 444، 445، 451، 453، 471.
العلاء بن الحضرمي: 100، 363، 561.
علقمة بن علاثة العامري: 560.
علي بن الحسن- ابن عساكر: 432.
علي بن الحسين بن علي: 297، 298.
علي بن الحسين بن علي- المسعودي: 565.
علي بن أبي طالب: 27، 31، 49، 50، 52، 83، 118، 124، 131، 132، 138، 139، 143، 144، 148، 152، 155، 156، 170، 179، 193، 194، 197، 199، 200، 202، 209، 210، 228، 260، 283، 335، 336، 378، 379، 382، 399، 406، 416، 417، 431، 436، 437، 443، 445، 446، 452، 460، 465، 468، 470، 490،(2/730)
493، 497، 499، 510، 531، 532، 536، 537، 539، 540، 547، 556، 560، 561، 571، 577، 578، 580، 581، 588، 589، 595، 597، 598، 599، 603، 610، 616، 632، 642، 662، 666.
علي بن أبي العاص بن الربيع: 490.
علي بن عمر- الدارقطني: 217، 617.
علي بن محمد الماوردي: 264، 461.
عمار بن ياسر: 50، 376، 505، 506.
أبو عمارة- حمزة بن عبد المطلب.
أم عمارة- نسيبة بنت كعب.
عمارة بن عقبة بن أبي معيط: 349.
عمارة بن يزيد بن السكن: 202.
عمر بن الخطاب: 11، 32، 49، 52، 63، 64، 65، 83، 108، 112، 113، 114، 124، 130، 143، 147، 148، 156، 157، 159، 160، 163، 166، 169، 170، 173، 174، 175، 176، 197، 198، 203، 204، 209، 216، 231، 238، 247، 252، 254، 255، 257، 264، 306، 309، 310، 318، 330، 334، 335، 336، 337، 342، 346، 348، 350، 353، 354، 355، 371، 372، 384، 399، 416، 421، 422، 425، 432، 436، 438، 441، 452، 461، 470، 477، 482، 483، 485، 496، 499، 504، 505، 533، 534، 548، 549، 560، 575، 585، 587، 589، 594، 595، 596، 599، 600، 603، 604، 607، 608، 616، 620، 621، 622، 623، 624، 630، 631، 647، 650، 669.
عمر بن أبي سلمة: 247.
عمر بن شيبة: 422.
عمر بن عبد العزيز: 33، 115، 217، 218، 599.
عمرة بنت علقمة الحارثية: 194.
عمرو بن أمية الضمري: 240، 315، 324، 363، 371، 399، 423.
عمرو بن الأهتم: 542، 543، 544.
عمرو بن بحر- الجاحظ: 613، 616، 617.
عمرو بن جحّاش: 47، 399.
عمرو بن الجموح: 213، 215، 217، 645.
عمرو بن حزم: 555.
عمرو بن الحضرمي: 120، 126، 137، 138.
عمرو بن سالم الخزاعي: 435، 436.
عمرو بن سعدى القرظي: 281.
عمرو بن سعيد بن العاص: 371.
عمرو بن أبي سفيان بن حرب: 159، 160.
عمرو بن سلمة: 541.
عمرو بن العاص: 187، 315، 347، 423، 424، 425، 432، 433، 466.
أم عمرو بن العاص: 432.
عمرو بن عبد الله بن عثمان- أبو عزة الشاعر:
161، 164، 186.
عمرو بن عبدودّ: 283.
أبو عمرو بن العلاء: 523.
عمرو بن قيس: 44.
عمرو بن أم مكتوم- عبد الله بن أم مكتوم.
عمرو بن هشام (- أبو جهل، أبو الحكم) : 67، 126، 128، 132، 137، 149، 666، 667.
عمير بن الحمام: 141، 173، 181.
عمير بن أبي وقاص: 181.
عمير بن وهب الجمحي: 100، 101، 137،(2/731)
163، 164، 178، 501، 668، 669، 670.
عوف بن الحارث بن رفاعة- عوف بن عفراء:
138، 142، 154، 181.
عوف بن عفراء- عوف بن الحارث بن رفاعة.
عويف بن الأضبط: 375.
عويم بن ساعدة: 19، 49.
عياض بن موسى (القاضي عياض) : 298، 613.
عيسى عليه السلام: 91، 92، 93، 157، 176، 358، 362، 363، 365، 603، 604، 656.
عيينة بن حصن- الأحمق المطاع: 252، 276، 284، 289، 433، 480، 482، 542، 560، 649.
(غ) غالب بن عبد الله الكلبي: 373.
غسيل الملائكة- حنظلة بن أبي عامر.
غورث بن الحارث: 184، 646.
غورو: 93.
غوستاف لوبون: 168.
(ف) الفاروق- عمر بن الخطاب.
الفاسق- أبو عامر الراهب.
فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب: 378، 379.
فاطمة بنت صفوان: 331.
فاطمة بنت الضحاك الكلابية (زوج النبي) :
488.
فاطمة بنت محمد رسول الله: 36، 155، 179، 200، 216، 232، 245، 378، 436، 437، 452، 490، 532، 547، 571، 588، 594، 595، 627، 628، 637، 638، 660.
الفاكه بن المغيرة: 464.
الفاكهي- محمد بن إسحاق الفاكهي.
فرات بن حيان: 185.
فرتنى (قينة ابن خطل) : 451.
فرعون: 227.
أم فروة (أخت الصديق) : 553.
فروة بن نفاثة: 469.
فضالة بن عمير: 449.
أم الفضل (زوج العباس) - لبابة بنت الحارث.
الفضل بن العباس بن عبد المطلب: 160، 470، 532، 576، 577، 598، 599.
فنحاص بن عازوراء: 391.
فندر (قسيس) : 299.
فيروز: 584.
(ق) القارىء- مصعب بن عمير.
قارب بن الأسود: 531.
قارون: 429.
القاسم بن سلام- أبو عبيد: 151، 531.
قتادة: 298، 534، 562.
أبو قتادة الأنصاري: 326، 368، 412، 470، 514.
قتادة بن النعمان الأنصاري: 196، 217.
قتيلة بنت الحارث: 156، 175.
قثم بن العباس بن عبد المطلب: 160، 470، 598، 599.
أبو قحافة: 448، 449.
ابن أبي قحافة- عبد الله بن عثمان (أبو بكر) .
القرطبي المفسر- محمد بن أحمد.
قريبة (قينة ابن خطل) : 451.
قزمان: 205.
أبو القصم- علي بن أبي طالب.(2/732)
ابن قمئة: 196، 199، 202، 212.
قيس: 566.
قيس بن أبي حازم: 201.
قيس بن الحصين: 555.
قيس بن سعد بن عبادة: 111، 443.
قيس بن عاصم التميمي: 542، 543، 561.
قيس بن عزرة الأحمسي: 556.
قيس بن عمرو: 44.
قيس بن عيلان: 124.
قيصر الروم: 251، 282، 290، 330، 358، 360، 363، 364، 441، 608، 624.
ابن القيم- محمد بن أبي بكر.
(ك) كارليل- توماس كارليل.
أبو كبشة- الحارث بن عبد العزى.
أبو كبشة (مولى النبي) - سليم: 124.
ابن كثير- إسماعيل بن عمر بن كثير.
كرز بن جابر الفهري: 118، 323، 563.
كسرى: 282، 290، 330، 358، 360، 361، 363، 414، 441، 608، 623، 652.
كسرى بن برويز بن هرمز: 360.
كعب بن أسد: 47، 281، 407.
كعب بن الأشرف: 47، 397، 398، 412.
كعب بن زهير بن أبي سلمى: 451، 454، 486.
كعب بن زيد: 240.
كعب بن عجرة: 373.
كعب بن مالك: 50، 196، 198، 512، 513، 514، 515، 516، 517، 518.
ابن الكلبي- هشام بن محمد بن السائب.
كلثوم بن حصين الغفاري- أبو رهم: 375، 439.
أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب: 179، 204.
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط: 349.
أم كلثوم بنت محمد رسول الله: 36، 231، 452، 490، 532.
كلثوم بن الهدم: 71.
كلدة بن الحنبل: 471.
كناز بن حصن- كناز بن حصين (أبو مرثد الغنوي) : 67، 124.
كنانة بن أبي الحقيق: (انظر كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق) .
كنانة بن الربيع (أخو أبي العاص) : 453.
كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق: 47، 275، 383، 401، 412.
كنانة بن عدي بن ربيعة: 453.
الكندي (والد أكيدر) : 504.
(ل) كيسان (مولى عتاب بن أسيد) : 485.
لامنس: 299.
لاوي بن يعقوب: 383.
لبابة بنت الحارث الهلالية- لبابة الصغرى (أم خالد) : 387.
لبابة بنت الحارث الهلالية- لبابة الكبرى (أم الفضل) : 160، 178، 307، 386، 387.
لبابة الصغرى- لبابة بنت الحارث (أم خالد) .
أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري: 124، 125، 152، 407، 408، 510، 511، 512، 525، 526، 527.
لبابة الكبرى- لبابة بنت الحارث الهلالية (أم الفضل) .
ابن اللبتية- عبد الله بن اللبتية.
أبو لهب- عبد العزى بن عبد المطلب.(2/733)
ابن لهيعة- عبد الله بن لهيعة.
اللورد اللنبي: 93.
لوط عليه السلام: 265، 659.
لؤي بن غالب: 263.
(م) مابور: 362.
مارية القبطية: 303، 362، 490، 491، 582، 620، 624، 625.
مالك بن أنس (الإمام) : 35، 98، 217، 459، 558.
مالك بن الدخشم: 508.
مالك بن سنان (والد أبي سعيد) : 200.
مالك بن صيف: 47، 392.
مالك بن عوف النصري: 467، 469، 473، 475، 480، 649.
مالك بن مرارة الرهاوي: 551.
مالك بن نويرة: 561.
الماوردي- علي بن محمد.
المثنى بن حارثة: 178.
مجاشع بن مسعود: 457.
مجالد بن مسعود: 457.
مجاهد: 523.
المجدع في الله- عبد الله بن جحش.
مجدي بن عمرو الجهني: 67، 132.
مجمّع بن جارية: 508.
مجمع بن حارثة: 338.
أبو محجن الثقفي: 352.
محرز بن نضلة: 368.
محسن بن علي بن أبي طالب: 179.
محمد: 614.
محمد بن إبراهيم بن المنذر- ابن المنذر: 75.
محمد بن أحمد- القرطبي المفسر: 312.
محمد بن أحمد بن عثمان- الذهبي: 248، 581.
محمد بن إدريس الشافعي: 317، 459، 460، 531، 563.
محمد بن إسحاق بن خزيمة: 65، 111.
محمد بن إسحاق الفاكهي- الفاكهي: 382.
محمد بن إسحاق بن يسار: 43، 47، 50، 64، 68، 74، 145، 151، 152، 160، 177، 197، 202، 205، 208، 216، 217، 235، 252، 264، 322، 323، 326، 331، 352، 377، 391، 397، 412، 421، 423، 429، 430، 432، 443، 453، 473، 489، 500، 502، 507، 523، 535، 537، 541، 542، 544، 546، 555، 561، 563، 564، 594، 666.
محمد بن إسماعيل البخاري: 12، 15، 16، 18، 20، 25، 28، 31، 32، 34، 37، 40، 41، 54، 56، 61، 63، 66، 80، 82، 86، 105، 106، 107، 108، 110، 112، 124، 130، 143، 152، 155، 160، 162، 168، 169، 170، 179، 201، 204، 216، 231، 235، 241، 249، 258، 278، 297، 309، 310، 321، 323، 335، 337، 338، 354، 367، 370، 371، 381، 382، 418، 431، 444، 497، 502، 512، 531، 534، 537، 541، 542، 544، 546، 552، 560، 561، 578، 587، 613، 617، 618، 619، 629، 631، 634، 635، 638.
محمد بن أبي بكر- ابن القيم: 25، 264.
محمد بن أبي بكر الصديق: 431.
محمد بن جرير الطبري: 22، 71، 75، 84، 125، 152، 252، 297، 298، 350، 624.(2/734)
محمد بن جعفر بن أبي طالب: 430.
محمد حسين هيكل: 69، 70، 197، 299، 326، 395.
محمد الخضري: 138، 181، 246، 333، 377، 386، 425.
محمد بن سعد- ابن سعد: 50، 63، 64، 125، 197، 383، 386، 398، 413، 432، 469، 541، 542، 558، 561، 564، 594.
محمد بن عبد الله- الحاكم: 52، 75، 104، 108، 111، 160، 252، 264، 289، 338، 451، 461، 565.
محمد بن عبد الله- ابن العربي: 297، 560.
محمد بن عمر- الواقدي: 68، 178، 179، 197، 203، 216، 244، 383، 398، 475، 541، 542، 564، 594.
محمد بن عيسى- الترمذي: 19، 20، 65، 86، 312، 338، 381، 384، 489، 537، 539، 561، 617، 619، 658.
محمد بن محمد بن عبد الكريم- ابن الأثير: 432.
محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب- الزهري:
75، 84، 96، 297، 339، 564.
محمد بن مسلمة الأنصاري: 198، 251، 321، 332، 375، 376، 383، 397، 398، 399، 417، 497، 510.
محمد بن يزيد- ابن ماجه: 19، 20، 65، 111، 489، 530، 534، 658.
محمود بن عمر- الزمخشري: 272، 298، 657.
محمود بن مسلمة: 336، 383، 417.
مخرمة بن نوفل: 128.
مخشي بن عمرو الضمري: 117.
مخيريق: 47.
مذكور: 251.
مرارة بن الربيع العمري: 512، 513.
أبو مرثد الغنوي- كناز بن حصن.
مرثد بن أبي مرثد الغنوي: 124، 235.
مرحب اليهودي: 416، 417.
مرداس (والد العباس) : 482.
مرداس بن نهيك: 373.
ابن مردويه- أحمد بن موسى.
المرزبانة (زوجة باذان) : 584.
مريم (أم المسيح عليه السلام) : 275، 273، 547.
أم المساكين- زينب بنت خزيمة.
أبو مسروح- أنسة (مولى النبي) .
مسروق بن الأجدع: 62، 304.
أم مسطح: 259.
مسطح بن أثاثة: 259، 262، 263، 264، 268.
أبو مسعود البدري- عقبة بن عمرو.
مسعود بن سنان الأسلمي: 412.
مسعود بن عمرو الغفاري: 472.
المسعودي- علي بن الحسين.
مسلم بن الحجاج: 15، 19، 20، 25، 31، 34، 40، 41، 50، 66، 80، 82، 86، 87، 97، 98، 105، 107، 112، 145، 155، 169، 170، 204، 205، 216، 258، 270، 278، 308، 309، 355، 363، 381، 459، 461، 469، 497، 512، 534، 537، 562، 563، 567، 598، 600، 612، 613، 617، 618، 623، 634، 635، 649، 658.
مسلمة بن أسلم: 282.
المسيح- عيسى عليه السلام.
مسيلمة الكذاب: 100، 203، 211، 545، 546، 583.(2/735)
مصعب بن عمير: 49، 124، 148، 153، 154، 155، 173، 189، 196، 202، 212، 215، 643.
المصطلق- خزيمة بن كعب.
المطلب بن حنطب المخزومي: 164.
المطلب بن أبي وداعة السهمي: 158.
ابن المطهر الرافضي- الحسن بن يوسف.
معاذ بن الحارث بن رفاعة- معاذ بن عفراء: 149.
معاذ بن جبل: 49، 50، 108، 114، 485، 513، 558، 559، 587.
معاذ بن عفراء- معاذ بن الحارث.
معاذ بن عمرو بن الجموح: 149.
معاوية بن أبي سفيان: 83، 217، 265، 350، 385، 481، 603.
أم معبد- عاتكة بنت خالد.
معبد بن أبي معبد الخزاعي: 228.
معتب بن قشير: 483، 507.
أبو معشر: 252، 451.
معن بن عدي بن الجد بن عجلان: 508.
معوذ بن الحارث بن رفاعة- معوذ بن عفراء:
138، 149، 154، 181.
معوذ بن عفراء- معوذ بن الحارث.
المغيرة بن شعبة: 329، 330، 477، 529، 530، 531.
المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: 27.
المغيرة بن نوفل بن الحارث: 490.
المقداد بن عمرو: 68، 83، 84، 124، 130، 155، 173، 198، 368، 374، 437، 520.
المقرىء- مصعب بن عمير.
المقوقس: 358، 361، 362، 469، 490.
مقيس بن صبابة: 257، 451، 452.
ابن أم مكتوم- عبد الله بن أم مكتوم.
مكحول (غلام الشيماء) : 480.
مكرز بن حفص: 159، 328، 332، 336، 376.
ملاعب الأسنة- عامر بن مالك.
ملك أيلة- يحنة بن رؤبة.
ملك بني الأصفر- قيصر.
ملك غسان: 514، 517.
المنبعث: 476.
ابن المنذر- محمد بن إبراهيم بن المنذر.
المنذر بن ساوى: 363.
المنذر بن عائذ- الأشج: 544.
المنذر بن عمرو: 239، 240.
منذر بن محمد بن عقبة: 240.
المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة: 561، 584.
موسى عليه السلام: 106، 107، 130، 131، 157، 175، 176، 227، 266، 273، 327، 349، 384، 392، 468، 483، 497، 594، 603، 604، 605، 606، 658.
أبو موسى الأشعري- عبد الله بن قيس.
موسى بن عقبة: 30، 252، 377، 530، 563، 564.
مؤمن ال فرعون: 144.
مؤنس بن فضالة: 187.
أبو مويهبة (مولى النبي) : 588.
موير- وليم موير.
ميكائيل: 624.
ميمونة بنت الحارث الهلالية: 307، 378، 386، 387، 444، 588، 620، 645.
(ن) أبو نائلة- سلكان بن سلامة بن وقش.
نبتل بن الحارث: 43، 508.
النجاشي (وانظر أصحمة) : 109، 110، 315،(2/736)
316، 330، 358، 363، 371، 423، 663.
النسائي- أحمد بن علي.
نسطاس: 237.
النسفي المفسر- عبد الله بن أحمد.
نسيبة بنت كعب- أم عمارة: 202، 205، 217.
النضر بن الحارث: 154، 155، 156، 175.
النعمان (قيل ذي رعين) - ذو رعين.
نعمان بن أوفى: 44.
النعمان بن بشير: 71.
النعمان بن ثابت- أبو حنيفة: 459.
أبو نعيم- أحمد بن عبد الله.
نعيم الداري (أخو تميم) : 554.
نعيم بن عبد كلال: 551.
نعيم بن مسعود الأشجعي: 185، 243، 285، 286.
نفيس- نبش بن إسماعيل.
نفيع بن الحارث- نفيع بن مسروح.
نفيع بن مسروح (- أبو بكرة، نفيع بن الحارث) :
475، 578.
نميلة بن عبد الله الليثي: 326، 452.
نوح عليه السلام: 157، 176، 265، 603، 604، 605.
نوفل بن الحارث بن عبد المطلب: 160.
نوفل بن خويلد بن العدوية- أسد قريش: 149.
نوفل بن عبد الله بن المغيرة: 283.
نوفل بن معاوية الدئلي: 477.
النووي- يحيى بن شرف.
(هـ) هارون عليه السلام: 383، 384، 497.
ابن أبي هالة- هند بن أبي هالة.
هالة بنت خويلد: 644.
أم هانىء بنت أبي طالب: 445، 460.
هبار بن الأسود: 451، 452، 453، 488.
هبيرة بن أبي وهب المخزومي: 445.
هرقل (وانظر قيصر) : 98، 358، 359، 364، 414، 426، 427، 507، 662.
أبو هريرة- عبد الرحمن بن صخر.
ابن هشام- عبد الملك بن هشام.
هشام بن صبابة: 253، 257.
هشام بن عروة بن الزبير: 304.
هشام بن محمد بن السائب- ابن الكلبي: 45، 507.
هشام بن الوليد بن المغيرة: 161.
هلال بن أمية الواقفي: 512، 513، 515.
هلال بن عامر بن صعصعة: 246.
أبو هند (حالق إبراهيم ابن النبي) : 491.
هند بنت أبي أمية- أم سلمة (أم المؤمنين) : 36، 216، 245، 246، 247، 304، 306، 307، 337، 414، 430، 439، 444، 475، 620.
هند بنت أبي سفيان- رملة بنت أبي سفيان.
هند بنت طارق بن بياضة: 192.
هند بنت عتبة: 187، 191، 192، 194، 195، 207، 451، 453، 458.
هند بن أبي هالة: 610.
هوذة بن علي (ملك اليمامة) : 364.
هيكل- محمد حسين هيكل.
(و) واشنطن إرفنج: 299.
واقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمي: 119، 120.
الواقدي- محمد بن عمر.
وائل بن حجر بن ربيعة: 552، 616.
وحشي بن حرب- أبو رسمة: 187، 194،(2/737)
203، 207، 211، 451، 453، 454.
وحيد قريش- الوليد بن المغيرة.
أبو وداعة بن ضبيرة السهمي: 158.
وردان: 476.
أبو الوليد- عتبة بن ربيعة.
الوليد بن عبد الملك: 33، 599.
الوليد بن عتبة بن ربيعة: 138، 139، 149.
الوليد بن عقبة بن أبي معيط: 349، 491.
الوليد بن الوليد بن المغيرة: 161، 424.
وليم موير: 299.
وهب بن محصن- أبو سفيان بن محصن (أخو عكاشة) : 331.
وهب بن عمير بن وهب الجمحي: 163، 668.
وهب بن يهوذا: 47.
(ي) أبو ياسر بن أخطب (أخو حيي) : 47.
ياسر اليهودي (أخو مرحب) : 417.
ياسين- إلياس.
يامين بن عمرو: 497.
يحنس: 476.
يحنة بن رؤبة (- صاحب أيلة، ملك أيلة) : 469، 502، 503.
يحيى بن شرف النووي: 460، 562.
يحيى بن المغيرة بن نوفل: 490.
أبو يزيد- سهيل بن عمرو.
يزيد بن حاطب بن أمية: 44.
يزيد بن أبي سفيان: 481، 561.
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: 83، 248.
يسار بن مالك الثقفي: 475.
اليسع: 528.
يسوع- عيسى عليه السلام.
يعقوب عليه السلام: 262، 267.
يعقوب: 523.
يعقوب بن سفيان: 564.
أبو يعلى- أحمد بن علي.
أبو اليقطان- عمار بن ياسر.
اليمان (والد حذيفة) - حسيل بن جابر.
يوسف عليه السلام: 273، 589، 658.
أبو يوسف (قين بالمدينة) : 491.
يوسف بن عبد الله- ابن عبد البر: 52، 103، 203، 246، 387، 453، 488، 507.
يونس بن حبيب: 614.
[انتهى فهرس الأعلام](2/738)
4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات*
(أ) ادم (بنو) : 267، 270، 273، 438، 606، 619، 629، 658، 672.
ال أبي بكر: 36، 267.
ال البيت (- ال بيت النبي، ال رسول الله) :
188، 260، 264، 268، 272، 277، 305، 309، 470، 499، 534، 539، 581، 590، 598.
ال جعفر: 430، 431.
ال سعود: 34.
ال عفراء: 154.
ال فرعون: 144.
ال يسار بن مالك: 475.
إبراهيم عليه السلام (بنو) : 618.
الأبناء (من فارس) : 361.
الأخوات المؤمنات: 387.
أخوال عبد المطلب: 23.
الأحابيش: 88، 186، 207، 328، 329، 330.
أحبار اليهود- الأحبار: 28، 29.
الأحزاب: 276، 277، 284، 286، 287، 289، 290، 293، 410، 412، 447، 571، 580، 645.
أحمس (إخوة بجيلة) : 556، 557.
إرم: 41، 393.
الإريسيّون: 358.
الأزد: 553.
أسد (بنو) : 276، 561.
إسرائيل (بنو) : 48، 130، 131، 175، 227، 265، 327، 391.
أسلم (قبيلة) : 327، 515.
إسماعيل عليه السلام (بنو، أولاد) : 618.
أشجع (بنو) : 276، 433.
الأشعريون: 371، 552.
أصحاب أحد: 591.
أصحاب (أهل) الإفلك: 259، 260، 263، 272.
أصحاب بئر معونة: 239.
أصحاب بيعة الرضوان: 345، 346.
أصحاب سرية الرجيع: 282، 322.
__________
* أسقطت في هذا الفهرس: بنو، قبيلة، دولة، مملكة، حضارة، قوم، ووضعتها على اليسار بين قوسين () لتسهيل الكشف عن المراد.(2/739)
أصحاب سورة البقرة: 470.
أصحاب الشجرة: 470.
أصحاب القليب: 163، 669.
أصحاب مؤتة: 429.
الأصفر (بنو) - الروم.
الأقيال: 552، 616.
الأكاسرة: 35.
أمهات المؤمنين (- زوجات النبي، نساء النبي) :
248، 249، 266، 271، 296، 303، 304، 309، 310، 311، 312، 316، 384، 488، 620، 635.
أمية بن زيد (بنو) : 507.
أنباط أهل الشام: 514.
الأنصار- أنصار الله: 13، 23، 24، 25، 27، 30، 32، 39، 40، 41، 42، 46، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 59، 71، 74، 89، 96، 106، 108، 117، 124، 130، 138، 143، 145، 147، 149، 153، 160، 161، 163، 164، 175، 176، 181، 188، 192، 197، 200، 201، 202، 205، 211، 212، 230، 252، 253، 254، 255، 261، 277، 280، 285، 326، 373، 401، 403، 404، 412، 426، 439، 442، 452، 459، 462، 470، 480، 483، 484، 485، 486، 487، 491، 496، 577، 585، 586، 591، 595، 596، 612، 614، 650، 669.
أهل بدر: 166، 168، 169، 170، 232، 507، 560.
أهل التثليث- النصارى.
أهل (أعراب) تهامة: 186.
أهل السفينة: 372، 418.
أهل الصفة: 18، 239، 638، 660.
أهل النفاق (وانظر: المنافقون) : 189، 400.
الأوس: 41، 44، 46، 60، 89، 117، 189، 192، 261، 281، 319، 389، 390، 393، 398، 407، 408، 409، 412، 468، 499، 612.
إياد (قبيلة) : 192.
(ب) البابوات: 93.
بجيلة (قبيلة) : 323، 556.
البروتستانت: 167.
البكاؤون: 496، 510، 523.
بكر (بنو، قبيلة) : 187، 333، 435، 444.
بكر بن عبد مناة (بنو) : 126.
بكر بن كلاب (بنو) : 321.
بكر بن وائل (بنو) : 185.
بليّ: 426، 432.
بهراء (قبيلة) : 426.
(ت) التابعة: 652.
التتار: 101.
تغلب (قبيلة) : 554.
تميم (بنو، قبيلة) : 483، 542، 552.
تيم الرباب: 323.
(ث) ثعلبة (بنو) : 184، 370.
ثقيف (قبيلة) : 88، 467، 469، 470، 473، 475، 476، 477، 480، 505، 528، 529، 530، 531، 541، 605، 639.
ثمود (قبيلة، قوم) : 502.(2/740)
(ج) الجارودية (فرقة) : 65.
جذام (قبيلة) : 81، 426.
جذيمة (بنو) : 464، 465.
جشم (بنو) : 57، 467.
جهينة (قبيلة) : 117، 123، 486.
(ح) الحارث بن الخزرج (بنو) : 24، 164.
الحارث بن عبد مناف بن كنانة (بنو) : 329.
الحارث بن عمرو (بنو) : 236.
الحارث بن فهر (بنو) : 160.
الحارث بن كعب (بنو) : 160.
الحارث بن كعب (بنو) : 555.
حارثة (بنو) : 104، 106، 189، 290، 291.
الحجاج (بنو) : 132.
الحجبة (حجبة الكعبة) - الشيبيون.
الحقيق (بنو أبي) : 383.
الحلفاء: 93.
الحمس- قريش.
حمير: 551.
حنظلة (بنو) : 561.
حنيفة (بنو، قبيلة) : 99، 321، 345، 545، 583.
الحواريون: 358.
(خ) خثعم: 557.
خزاعة (بنو) : 187، 228، 234، 252، 328، 329، 333، 435، 436، 440، 455، 466، 542.
الخزرج: 41، 44، 46، 60، 71، 89، 117، 189، 256، 261، 281، 389، 390، 393، 408، 412، 468، 499، 534، 612.
الخوارج: 83، 560.
(د) الدار (بطن من لخم) : 554.
الداريون: 554.
دينار (بنو) : 204.
(ذ) ذبيان (بنو) : 433.
ذكوان بن ثعلبة (بطن من شكيم) : 239، 241، 264.
(ر) الرافضة- الروافض: 540، 560.
رعل (من سليم) : 239، 241.
الركوسية: 549.
الروم (- الرومان، بنو الأصفر) : 81، 90، 93، 98، 345، 358، 360، 361، 419، 426، 427، 428، 469، 495، 497، 498، 502، 503، 507، 585، 652، 662.
الروم (دولة) : 12، 90، 357.
(ز) الزنادقة: 299.
زوجات النبي- أمهات المؤمنين.
زهرة (بنو) : 128.
(س) ساعدة (بنو) : 24، 57، 595.
سالم بن عوف (بنو) : 21، 23، 96.
سعد (بنو) : 276.
سعد بن بكر (بنو) : 467، 612، 613.
سعد بن زيد (بنو) : 561.
سعنة (بنو) : 281.
سلمة (بنو) : 104، 189، 290، 291، 513.(2/741)
سلول (بنو) : 240، 550.
سليم بن منصور (بنو) : 88، 183، 185، 239، 242، 264، 276، 433، 439، 561.
السوفسطائيون: 602.
السويق (جيش) : 243.
(ش) شيبة (بنو) : 447.
الشيبيون- الحجبة: 447.
الشيعة: 382.
الشيوعية: 115.
(س) الصابئة: 549.
الصليبيون: 101.
(ض) ضمرة (بنو) : 117، 118.
(ط) طيء: 397، 493، 549، 550، 561.
(ظ) .....
(ع) عاد (قبائل، قوم) : 41، 393.
العاص بن سعيد (بنو) : 132.
عامر (بنو) (قوم أبي براء) : 239، 240، 242، 399، 550، 551.
عامر (بنو) : 88.
عامر بن لؤي (بنو) : 40.
عبد الأشهل (بنو) : 24، 50، 178، 595.
عبد الدار (بنو) : 191، 194.
عبد شمس (بنو) : 177، 468.
عبد القيس (بنو، قبيلة) : 229، 542، 544.
عبد المطلب (بنو) : 437، 451، 479، 480، 577، 589، 647.
عبد مناف بن قصي (بنو) : 441.
عبس (بنو) : 433.
عدي بن كعب (بنو) : 126، 128، 330، 441.
عدي بن النجار (بنو) : 169.
عرينة: 323.
عصية: 239، 241.
عضل (بطن) : 235، 282.
عكل: 323.
عمرو بن عوف (بنو) : 18، 31، 47، 57، 71، 152، 407.
عوف (بنو) : 57.
عوف بن الخزرج (بنو) : 254.
(غ) غطفان (بنو، قبيلة) : 88، 183، 184، 185، 276، 280، 281، 284، 285، 286، 288، 289، 367، 368، 370، 409، 439.
غفار (بنو) : 187، 254، 367، 442، 523.
غيرة (بنو) : 473.
(ف) فارس (دولة) : 12، 90، 357.
فراس (بنو) : 561.
الفرس- فارس: 178، 192، 299، 345، 360، 361.
فرعون (قوم) : 227.
فزارة (بنو) : 276، 433.
فهر: 543.
(ق) القارة (قبيلة) : 235، 282.
القبط: 361، 362.
القراء: 239، 241، 242.(2/742)
قريش (قبيلة) : 40، 52، 57، 58، 59، 67، 68، 69، 70، 88، 100، 117، 118، 119، 120، 121، 123، 125، 126، 128، 129، 131، 132، 133، 135، 137، 144، 146، 148، 149، 155، 157، 158، 162، 163، 170، 174، 175، 183، 185، 186، 187، 191، 194، 195، 207، 228، 229، 233، 235، 237، 243، 252، 275، 276، 280، 281، 283، 285، 286، 288، 289، 300، 319، 321، 322، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 332، 333، 336، 340، 341، 349، 357، 376، 379، 394، 409، 414، 415، 435، 436، 437، 438، 439، 440، 442، 443، 444، 447، 448، 453، 456، 459، 460، 461، 465، 467، 468، 471، 483، 487، 488، 507، 512، 537، 538، 544، 563، 572، 583، 596، 605، 612، 613، 618، 657، 666، 667، 668، 669، 671.
قريظة (بنو) : 45، 281، 282، 283، 285، 286، 288، 289، 319، 321، 393، 406، 408، 409، 410، 411، 414.
قضاعة: 432.
القياصرة: 35.
قيلة (بنو) : 390.
القين (قبيلة) : 426.
قينقاع (بنو) : 45، 275، 285، 393، 394، 400، 404، 408، 410.
(ك) الكاثوليك: 167.
كعب (بنو) (من هوازن) : 467.
كلاب (بنو) (من هوازن) : 467.
كلب (قبيلة) : 466.
كنانة (أعراب) : 186.
كنانة (بنو، قبائل) : 127، 186، 207، 437، 465، 580، 618.
كندة (بنو، قبيلة) - الكنديون: 553.
الكنديون- كندة.
(ل) لحيان (بنو) : 234، 235، 322.
لخم (قبيلة) : 81، 426، 554.
(م) مالك بن النجار (بنو) : 24.
المبشرون: 9، 91، 92، 93، 101، 102، 167، 168، 299، 301، 308، 508.
المجوس: 361.
محارب (بنو) : 184، 370، 542.
مخزوم (بنو) : 570.
مذحج (قبيلة) : 556.
المرتدون: 100، 222، 345.
مرة (بنو) : 276، 373، 433.
مزينة: 439، 542.
المستشرقون: 9، 69، 70، 91، 92، 93، 101، 102، 167، 168، 241، 299، 301، 308، 583.
المسيحية: 91، 92، 93، 94، 167.
المسيحية (الدول) : 168.
المسيحيون: 93، 167.
المصطلق (بنو) : 252، 253، 254، 307، 329، 491.
مضر (قبائل) : 240، 465، 544، 618.
المطلب (بنو) : 138، 175.(2/743)
معافر: 551.
المنافقون: 16، 42، 43، 44، 105، 119، 120، 151، 159، 171، 188، 220، 223، 224، 227، 228، 256، 257، 261، 265، 268، 269، 278، 282، 283، 289، 290، 292، 343، 404، 409، 483، 497، 498، 499، 500، 505، 507، 508، 510، 511، 521، 522، 523، 524، 525، 533، 658، 660.
مهاجرو الحبشة: 315، 363، 371.
المهاجرون: 27، 30، 32، 39، 40، 42، 49، 50، 52، 53، 54، 55، 57، 59، 67، 68، 69، 70، 71، 89، 117، 119، 124، 143، 145، 153، 175، 181، 188، 197، 198، 200، 211، 252، 254، 277، 280، 326، 379، 390، 401، 403، 404، 426، 432، 438، 439، 442، 468، 470، 480، 485، 499، 515، 577، 585، 586، 591، 595، 596، 612.
موسى (قوم) : 468.
(ن) نبهان (بنو) : 397.
البنيت (بنو) : 57.
النجار (بنو) : 23، 24، 25، 31، 32، 57، 71، 72، 139، 161، 249.
نجد (قبائل) : 88.
نساء النبي- أمهات المؤمنين.
النصارى: 33، 34، 63، 64، 74، 96، 98، 363، 419، 548، 549، 554، 600، 635، 656.
نصر (قبيلة) : 467.
النصرانية: 554.
النضير (بنو) : 45، 275، 285، 383، 393، 397، 399، 400، 401، 402، 403، 404، 406، 408، 410، 414.
(هـ) هاشم (بنو) : 128، 138، 147، 159، 175، 379، 444، 618.
هجر: 485.
هذيل: 234، 235، 236، 237، 455، 466، 563.
هلال (بنو) : 387، 467.
همدان: 551.
هوازن (بنو، قبيلة) : 467، 469، 470، 471، 473، 479، 480، 481، 507، 541.
الهون بن خزيمة (بنو) : 235، 329.
(و) وائل (قبيلة) : 275.
الوثنية: 275، 276، 317، 630.
الوجوديون: 602.
وفد أحمس: 556.
وفد الأزد: 553.
وفد أهل نجران: 546.
وفد أهل اليمن: 552.
وفد بجيلة: 556.
وفد بني تميم: 542، 552.
وفد بني حنيفة: 545، 583.
وفد بني عامر: 550.
وفد تغلب: 554.
وفد ثقيف: 530.
وفد الداريين: 554.
وفد رسول ملوك حمير: 551.
وفد زيد الخيل: 550.(2/744)
وفد ضمام بن ثعلبة: 541.
وفد طيّىء: 549.
وفد عبد القيس: 542، 544.
وفد محارب: 542.
وفد مزينة: 542.
وفد النجاشي: 663.
وفد هوازن: 479، 480.
وفد وائل بن حجر: 552.
(ي) اليمن (ملوك) : 552.
اليهود: 16، 24، 28، 29، 33، 34، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 57، 58، 59، 60، 63، 64، 71، 74، 75، 89، 98، 103، 104، 105، 106، 119، 120، 131، 151، 171، 189، 227، 249، 265، 273، 275، 276، 283، 285، 290، 299، 301، 302، 321، 327، 346، 369، 383، 384، 385، 389، 390، 391، 393، 394، 395، 398، 399، 400، 402، 404، 405، 406، 409، 414، 416، 417، 419، 420،
533، 600، 612، 629، 635، 644، 645.
يهود بني الأوس: 58.
يهود بني ثعلبة: 58.
يهود بني جشم: 58.
يهود بني الحارث: 58.
يهود بني ساعدة: 58.
يهود بني الشطيبة: 58.
يهود بني عوف: 58.
يهود بني النجار: 58.
يهود تيماء: 420.
يهود جفنة: 58.
يهود خيبر: 383، 415، 419، 421.
يهود فدك: 420.
يهود المدينة: 117.
يهود وادي القرى: 420.
[انتهى فهرس القبائل](2/745)
5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع* (أ) الأبواء (غزوة) - ودان: 117، 563.
أحد (غزوة) : 43، 44، 47، 83، 89، 161، 171، 186، 194، 197، 200، 201، 203، 204، 205، 207، 211، 212، 213، 215، 216، 217، 219، 220، 225، 227، 228، 229، 231، 233، 237، 244، 245، 246، 252، 276، 283، 291، 293، 294، 306، 378، 453، 454، 507، 521، 563، 564، 634، 642، 645.
الأحزاب (غزوة) - الخندق.
أرمينية (غزوة) : 264.
أسامة (بعث، جيش) : 585، 590، 592، 600.
الإسلام (حجة) - الوداع.
الإفك (حادثة، قصة) : 254، 258، 265، 268، 273، 309.
أوطاس (سرية) : 473.
(ب) بحران (غزوة) : 563.
بدر الاخرة (غزوة) : 243، 244، 275، 563.
بدر الأولى (غزوة) : 88، 118، 563.
بدر الكبرى (غزوة، يوم) : 12، 36، 69، 70، 71، 100، 109، 123، 124، 125، 128، 136، 142، 143، 144، 145، 146، 148، 149، 151، 152، 153، 154، 156، 160، 162، 163، 164، 167، 168، 169، 170، 171، 172، 173، 176، 177، 178، 179، 181، 186، 187، 188، 191، 194، 207، 209، 217، 220، 221، 225، 231، 236، 241، 245، 246، 260، 283، 293، 343، 394، 397، 438، 452، 488، 490، 512، 534، 563، 564، 604، 607، 629، 634، 637، 642، 660، 668، 669، 670.
بشير بن سعد (سرية) : 373.
بعاث (وقعة، يوم) : 41، 390.
البلاغ (حجة) : الوداع.
بواط (غزوة) : 117، 563.
بئر معونة (سرية، يوم) - القراء (سرية) : 88، 121، 239، 241، 399.
__________
* أسقطت هنا: غزوة، يوم، صلح، بيعة، ووضعتها كذلك على اليسار بين قوسين () .(2/747)
(ت) تبوك (غزوة) : 25، 44، 343، 469، 495، 498، 499، 500، 502، 505، 508، 510، 512، 518، 519، 520، 522، 523، 527، 528، 536، 541، 551، 554، 562، 563، 585.
(ث) الثورة الفرنسية: 167.
(ج) جسر أبي عبيد (يوم) : 178.
الجعرانة (همرة) : 484.
أبي جندل (يوم) - الحديبية (صلح) .
(ح) الحديبية (بيعة) - الرضوان.
الحديبية (صلح، عام، غزوة) : 90، 162، 170، 321، 325، 331، 333، 335، 336، 338، 339، 340، 341، 343، 344، 345، 347، 348، 352، 357، 358، 359، 367، 375، 414، 415، 418، 423، 435، 444، 563، 645.
الحديبية (عمرة) : 375.
حمراء الأسد (غزوة) : 227، 228، 233، 244، 563.
حمزة بن عبد المطلب (سرية) : 67.
حنين (غزوة، يوم) : 169، 205، 467، 469، 471، 472، 473، 475، 482، 483، 485، 507، 563، 564، 612، 642، 649، 660.
خالد بن الوليد (سرية) : 555.
الخندق (غزوة) - الأحزاب: 89، 190، 240، 264، 275، 277، 278، 283، 287، 189، 291، 315، 319، 385، 389، 406، 408، 414، 423، 563، 564، 634.
الخندمة (يوم) : 445.
خيبر (عام، فتح، يوم) : 50، 307، 316، 321، 322، 323، 331، 345، 346، 348، 363، 367، 369، 370، 371، 372، 381، 382، 412، 414، 415، 418، 552، 564، 629.
(د) دومة الجندل (غزوة) : 251، 563.
(ذ) ذات الرقاع (غزوة) : 323، 370، 563.
ذات السلاسل (غزوة) : 432، 433.
ذو أمر (غزوة) - غطفان: 184.
ذو قرد (غزوة) : 367.
(ر) الرجال (بيعة- في فتح مكة) : 457، 458.
الرجيع (سرية) : 235، 241، 282، 322.
الردة (حروب) : 177، 203، 204، 211، 545، 607.
الرضوان (بيعة) : 203، 331، 338، 345، 346.
الرمادة (عام) : 607.
الروم (فتوح) : 346.
(ز) زيد بن حارثة (سرية) - القردة: 185.
(س) سان بارتلمي (مجزرة) : 167.
سعد بن أبي وقاص (سرية) : 68.
أبو سلمة بن عبد الأسد (سرية) : 233.
بنو سليم (غزوة) : 563.(2/748)
السويق (غزوة) : 171.
(ش) الشام (فتوح) : 159.
(ص) الصديق (حجة) : 520.
صفين (يوم) : 376، 560.
الصليبية (الحروب) : 93.
(ض) ....
(ط) الطائف (حصار، غزوة) : 475، 476، 477، 485، 486، 563، 564.
طيء (سرية) : 493.
(ظ) ....
(ع) العالميتان (الحربان) : 448.
العالمية الأولى (الحرب) : 93، 168.
العالمية الثانية (الحرب) : 168.
عبد الله بن أنيس (سرية) : 234.
عبد الله بن جحش (سرية) : 119.
عبيدة بن الحارث (سرية) : 68.
علي بن أبي طالب (سرية) : 556.
عمرو بن أمية الضمري (سرية) : 323.
العسيرة (غزوة) - العشيرة.
العشير (غزوة) - العشيرة.
العسيرة (غزوة) - (العسيرة، العشير) : 118، 123، 562، 563.
العقبة الأولى (بيعة) : 41.
العقبة الثانية (بيعة، ليلة) : 21، 23، 41، 70، 71، 130، 147.
(غ) غالب بن عبد الله الكلبي (سرية) : 373.
غطفان (غزوة) - ذو أمر.
(ف) فارس (فتوح) : 346.
الفتح- فتح مكة (عام، غزوة، ليلة) : 12، 39، 40، 82، 90، 100، 169، 257، 288، 324، 338، 339، 346، 347، 364، 382، 435، 439، 445، 447، 448، 449، 451، 453، 455، 456، 457، 459، 461، 462، 467، 485، 488، 541، 562، 563، 564، 580.
فتح الفتوح- الفتح (غزوة) .
الفتنة (بين علي ومعاوية) : 83.
الفرقان (يوم) - بدر (غزوة) .
الفيل (حادثة، قصة) : 11، 537.
(ق) القادسية (معركة) : 101.
القراء (سرية) - بئر معونة.
القردة (سرية) - زيد بن حارثة (سرية) .
بنو قريظة (غزوة، يوم) : 48، 406، 411، 563، 564.
القصاص (عمرة) - القضاء.
القضاء (عمرة) - (القصاص، القضية) : 162، 307، 375، 424، 564، 645.
القضية (عمرة) - القضاء.
بنو قينقاع (غزوة) : 395، 564.
(ك) الكبرى الأولى (الحرب) - العالمية الأولى.
الكدر (غزوة) : 183.
كرز بن جابر الفهري (سرية) : 323.(2/749)
(ل) بنو لحيان (غزوة) : 322، 563.
(م) محمد بن مسلمة (سرية) : 321.
المريسيع (غزوة) - بنو المصطلق.
بنو المصطلق (سرية) : 491.
بنو المصطلق (غزوة) - المريسيع: 252، 253، 264، 533، 563، 564، 612.
مؤتة (غزوة، يوم) : 81، 419، 426، 429، 432، 435، 585.
(ن) النساء (بيعة- في فتح مكة) : 458.
بنو النضير (غزوة) : 55، 352، 399، 402، 563.
(هـ) الهجرتان (وانظر الهجرة للحبشة وللمدينة) : 181، 372.
الهجرة: 11، 25، 36، 39، 40، 41، 42، 49، 53، 61، 63، 65، 67، 71، 73، 74، 75، 88، 94، 95، 126، 162، 183، 197، 233، 251، 301، 304، 309، 321، 347، 361، 371، 372، 396، 423، 425، 448، 457، 477، 484، 493، 555، 567، 594.
هجرة الحبشة الأولى: 94.
هجرة الحبشة الثانية: 94، 306.
(و) وادي القرى (غزوة) : 564.
الوداع حجة- (حجة الإسلام، حجة البلاغ) :
40، 41، 377، 411، 456، 537، 538، 540، 542، 561، 567، 569، 579، 580، 581، 585، 587، 620، 637.
ودان (غزوة) - الأبواء.
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: 90، 159، 545، 559، 590.
(ي) اليرموك (واقعة، يوم) : 98، 101.
اليمامة (معركة، يوم) : 148، 203.
[انتهى فهرس الأيام والغزوات](2/750)
6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام
* (أ) اسيا: 252.
الأبطح- المحصب: 571، 580.
الأبواء: 117، 187، 643.
أبيار علي- ذو الحليفة.
الأخشبان: 605.
أذرح: 502، 503.
أذرعات: 396، 401.
إراش: 666.
أرض بابل: 549.
أرض بني عامر: 551.
أرض جذام: 432.
أرض الروم: 551.
الإسكندرية: 362.
إفريقيا: 102، 252، 509.
أميركا: 93، 102.
إنجلترا: 93.
الأندلس: 167، 419.
أندونيسيا: 102.
أنصاب الحرم: 376.
أوروبا: 93، 102، 167.
أورشليم: 45، 419.
أوطاس: 473.
إيطاليا: 93.
أيلة: 502، 503.
إيوان كسرى: 652.
(ب) باب أبي بكر: 591.
باب بني مخزوم: 570.
باريس: 167.
البحر الأحمر: 123.
بحران: 120.
البحرين: 54، 360، 363، 544، 561.
بدر: 118، 128، 129، 131، 132، 133، 150، 209، 243، 244، 277.
برك الغماد: 130.
بصرى: 358، 364، 426.
البصرة: 27، 273.
بطن يأجج: 376.
البقيع: 309، 582، 588، 598.
بكة (انظر: مكة) : 35.
__________
* في هذا الفهرس لم أسقط شيئا تسهيلا للبحث.(2/751)
بلاد بليّ: 432.
بلاد الحجر- (حجر ثمود، ديار ثمود) : 500، 502.
بلاد الروم: 265، 279.
بلاد الشام- الشام.
بلاد عذرة: 432.
بلاد غطفان: 367، 368.
بلاد فارس: 550.
بلاد المغرب- المغرب.
بلاد هذيل: 235، 239.
بلاد اليمامة- اليمامة.
بلاد اليمن- اليمن.
بلاد اليونان: 602.
البلقاء: 420، 426، 427، 502، 600.
البنية- الكعبة.
البيت الحرام- البيت العتيق (انظر الكعبة) : 106، 139، 317، 324، 326، 327، 328، 330، 331، 333، 335، 340، 348، 375، 377، 447، 449، 536، 537، 538، 549، 553، 568، 570، 577، 580، 668.
بيت سويلم اليهودي: 498.
بيت المقدس- المسجد الأقصى.
بئر أبي طلحة: 652.
بئر معونة: 239.
البيضاء (بغلة رسول الله) : 440، 441، 469، 503.
بيوت السقيا (خارج المدينة) : 124.
(ت) تبوك: 495، 499، 501، 502، 504، 508، 513.
التنعيم: 199، 236، 580.
تهامة: 186.
تيماء: 45، 420.
(ث) الثنية العليا (بمكة) : 570.
ثنية المرار: 327.
ثنية الوداع: 25، 497، 510.
(ج) جبل أحد: 43، 185، 187، 189، 190، 197، 198، 201، 217، 227، 280، 652.
جبل بواط: 117.
جبل الحبشي: 329.
جبل الرحمة: 574.
جبل سلع: 280، 283، 515.
الجحفة: 37، 68، 338، 439، 580.
جرباء: 502، 503.
الجرف: 59، 586، 600.
جزيرة العرب- شبه الجزيرة: 12، 14، 48، 77، 89، 90، 304، 325، 340، 369، 389، 393، 402، 415، 416، 421، 456، 495، 505، 518، 554، 567، 579، 590، 594، 630، 651، 657.
جسر أبي عبيد: 178.
الجعرانة: 453، 472، 479، 480، 484.
الجمرة الأولى: 578.
جمرة العقية- الجمرة الكبرى.
الجمرة الكبرى: 576، 578.
الجمرة الوسطى: 578.
جواثى: 544.
(ح) الحبشة: 50، 94، 245، 306، 307، 315، 363، 371، 372، 418، 423، 532.
الحجاز: 45، 47، 123، 125، 251، 361،(2/752)
412، 420، 422، 502، 563، 651.
الحجر- حجر الكعبة: 163، 667، 669.
حجر أزواج النبي: 33، 35، 36، 309، 542، 599، 635.
الحجر الأسود- الركن الأسود: 103، 318، 377، 446، 570، 612، 668.
حجر ثمود- بلاد الحجر.
حجر الكعبة- الحجر.
حجرة عائشة: 33، 309، 598، 599، 600.
الحجون: 444.
الحديبية: 325، 327، 338، 347، 348.
حرتا المدينة- لابتا المدينة: 41، 279.
الحرم: 120، 151، 347، 435، 539.
الحرة (بالمدينة) : 323، 390.
حصن أبي: 416.
حصن البريء: 416.
حصن بني أبي الحقيق- حصن القموص.
حصن السلالم: 416.
حصن الشق: 416.
حصن الصعب: 416.
حصن القموص- حصن بني أبي الحقيق: 383، 416.
حصن الكتيبة: 416.
حصن ناعم: 416، 417.
حصن النطاة: 416.
حصن الوطيح: 416.
حصون خيبر: 415، 416.
حضر موت: 5، 12، 130، 552، 554، 561، 616.
الحطيم- الحجر.
حمراء الأسد: 228، 229.
حمص: 84، 98، 211، 360.
الحوراء: 123.
حيزوم (فرس أحد الملائكة) : 145.
(خ) خراب المدينة: 25.
الخرار: 68.
خليج العقبة: 502.
الخندق: 277، 278، 280، 283، 284، 410.
الخندمة: 376، 445.
خيبر: 30، 45، 372، 383، 393، 401، 402، 412، 413، 414، 415، 418، 420، 421، 515.
الخيف- خيف بني كنانة.
خيف بني كنانة: 444، 580.
خيمة رافدة (في المسجد النبوي) : 319، 408، 409.
(د) دار أبي أيوب الأنصاري: 23، 26، 27، 28، 30، 548.
دار أبي سفيان: 442، 443، 460.
دار أنس: 612.
دار بديل بن ورقاء: 435.
دار بني الحارث بن عامر: 236.
دار بني ظفر: 205.
دار بني مالك بن النجار: 24.
دار حكيم بن حزام: 442.
دار رملة بنت الحارث: 545، 554.
دار قصي بن كلاب- دار الندوة.
دار الندوة- دار قصي: 186.
دار الهجرة- المدينة المنورة.
دلدل (بغلة النبي) : 362، 469.
دمشق: 93، 251، 364، 495، 504.
دور الأنصار: 23، 24.(2/753)
دور المدينة: 23.
دومة- دومة الجندل.
دومة الجندل: 251، 504.
ديار ثمود- بلاد الحجر.
ديار هوازن: 473.
(ذ) ذات أنواط: 468.
ذات الصلح: 426.
ذفران- وادي ذفران.
ذو أمر (ماء) : 184.
ذو الحليفة- أبيار علي: 341، 536، 568.
ذو الخلصة: 557.
ذو طوى: 326، 443، 570.
ذو قرد (ماء) : 368.
(ر) رابغ: 37، 68، 439.
الربذة: 501.
الرجيع: 235.
رضوى: 563.
الركن الأسود- الحجر الأسود.
الركن اليماني: 103، 377.
الروحاء: 124، 125، 129، 152، 153، 228.
روضة خاخ: 437.
الروضة الشريفة: 33، 34.
رومانيا: 93.
(ز) زمزم: 165، 377، 577.
(س) ساحل البحر (الأحمر) : 67، 133، 183، 341، 466.
سرف: 199، 378، 386، 569، 645.
سفوان- وادي سفوان.
سقيفة بني ساعدة: 595.
السلسل (ماء) : 432.
السنح: 593، 594.
سواد العراق: 514.
سواري المسجد (النبوي) : 510، 511.
سواع (الصنم) : 466.
سوق بني قينقاع: 394.
سوق عكاظ: 229.
سوق المدينة: 514.
(ش) الشام- بلاد الشام: 25، 37، 41، 43، 45، 49، 67، 69، 101، 117، 118، 123، 183، 185، 211، 251، 322، 341، 359، 362، 364، 396، 401، 402، 414، 420، 421، 426، 433، 469، 488، 494، 502، 503، 504، 505، 514، 548، 549، 554، 600، 651، 652.
شامة (جبل) : 37.
شبه جزيرة العرب- جزيرة العرب.
الشعب (بأحد) : 190، 198.
شعب بني هاشم: 147، 444.
شمال أفريقيا: 101.
الشوط: 189.
(ص) الصفا: 317، 377، 457، 459، 462، 570، 571، 577.
الصفراء (قرية) : 153، 154.
صنعاء: 5، 12، 545، 561، 584.
الصفة: 18، 31.(2/754)
الصهباء: 384.
الصين: 12، 102.
(ض) ضجنان: 338.
(ط) طابة (انظر المدينة) : 290.
الطاغية- اللات (الصنم) .
الطائف: 90، 119، 211، 467، 473، 475، 476، 477، 479، 480، 528، 531، 605.
طفيل (جبل) : 37.
طيبة (وانظر المدينة) : 290.
(ظ) ظفار: 258.
الظهران: 236.
(ع) العالية: 124، 150، 152، 490.
عدوة بدر الدنيا: 133.
عدوة بدر القصوى: 128، 132، 133.
العراق: 101، 131، 183، 501، 548، 651.
عرفات- عرفة: 234، 440، 467، 572، 574.
عرق الظبية: 155.
عرنة- وادي عرنة.
العريش (عريش النبي في بدر) : 134، 135، 140، 143، 144، 174.
العزى (الصنم) : 209، 465.
عسفان: 235، 239، 243، 322، 326، 423.
العشيرة: 118.
العضباء (ناقة النبي) : 368، 536.
عفير- يعفور.
علو المدينة: 31.
عمان: 203، 364، 502.
العون (سيف عكاشة) : 177.
العيص: 68، 341.
العين (في أحد) : 217.
(غ) الغابة: 367.
غار ثور: 31.
غار حراء: 143.
غدير خم: 580، 581.
غطفان- بلاد غطفان.
(ف) فارس- بلاد فارس.
فدك: 373، 420.
فرنسا: 93، 167.
فضة (بغلة النبي) : 469.
الفلس (صنم طيء) : 493.
فلسطين: 167، 422.
(ق) القادسية: 549.
قباء: 21، 31، 47، 71، 104، 124، 150، 152.
القبر الشريف (قبر النبي) : 33، 559، 599.
قديد: 466.
القردة (ماء) : 185.
قرقرة الكدر (ماء) : 183.
قرن الثعالب: 477، 605.
قزح (جبل) : 572.
القسطنطينية: 83.
القصواء (ناقة النبي) : 23، 24، 30، 327،(2/755)
376، 568، 570، 572، 574، 576، 578، 579.
القصور البيض: 549.
القصور الحمر: 279.
قصور الحيرة: 279.
قصور الروم: 652.
قصور صنعاء: 279.
قليب بدر: 150، 163، 669.
قيد: 550.
(ك) كدى: 443، 444.
كداء: 444.
الكدر: 563.
كدي: 580.
الكديد: 439.
كراع الغميم: 322، 326، 338.
كربلاء: 179.
الكعبة المشرفة (انظر: البيت الحرام) : 103، 104، 105، 126، 155، 257، 317، 318، 325، 392، 442، 443، 446، 447، 449، 451، 462، 466، 538، 550، 557، 570، 571، 572، 577، 580، 631.
الكوفة: 501، 548.
(ل) لابتا المدينة- حرتا المدينة.
اللات (الصنم) : 529، 530، 531.
(م) ماب: 426.
ماء (بالعراق) : 131.
مجنة: 37، 243.
المحصب- الأبطح.
مخلاف اليمن الأسفل: 559.
مخلاف اليمن الأعلى: 558.
المدائن (مدائن كسرى) : 279.
المدارس: 391.
مدرج عثمان- عسفان.
المدينة المنورة: 11، 13، 15، 16، 21، 23، 24، 25، 27، 28، 30، 31، 36، 37، 39، 40، 41، 42، 43، 45، 48، 49، 50، 52، 59، 60، 63، 64، 67، 69، 70، 71، 74، 76، 81، 88، 89، 94، 95، 96، 103، 104، 105، 106، 111، 117، 118، 119، 120، 121، 123، 124، 128، 130، 133، 150، 151، 152، 153، 154، 156، 158، 162، 163، 164، 170، 171، 175، 178، 181، 183، 184، 185، 187، 188، 189، 196، 203، 204، 209، 210، 211، 212، 215، 217، 227، 228، 229، 233، 234، 240، 243، 245، 249، 251، 252، 254، 255، 257، 258، 259، 275، 277، 279، 280، 282، 283، 284، 285، 288، 290، 291، 307، 315، 316، 321، 322، 323، 324، 326، 337، 340، 346، 349، 354، 363، 368، 370، 371، 372، 373، 375، 378، 383، 389، 393، 394، 395، 397، 399، 400، 402، 403، 406، 407، 409، 414، 420، 422، 424، 430، 432، 433، 435، 436، 439، 485، 486، 489، 491، 493، 495، 497، 501، 504، 507، 508، 510، 514، 523، 525، 527، 528، 531، 549، 551،(2/756)
554، 568، 580، 582، 585، 586، 593، 594، 599، 600، 627، 642، 652، 656، 662، 669.
مر الظهران: 376، 439، 440، 460.
2 لمروة: 317، 377، 570، 571، 577.
المريسيع (ماء) : 252.
المزدلفة: 572، 576.
المسجد- المسجد الحرام.
المسجد الأقصى- بيت المقدس: 20، 34، 93، 103، 104، 106، 392.
مسجد بني حارثة: 104.
مسجد بني سلمة- المسجد ذو القبلتين: 104.
مسجد بيت المقدس- المسجد الأقصى.
مسجد الجمعة: 21.
المسجد الحرام- (المسجد، مسجد الكعبة) : 19، 34، 35، 69، 121، 155، 325، 335، 346، 377، 442، 443، 447، 462، 539، 666.
مسجد الخيف: 578.
مسجد دمشق: 33.
المسجد ذو القبلتين- مسجد بني سلمة.
مسجد الضرار: 19، 43، 507، 508، 509، 527.
مسجد الطائف: 475.
مسجد عبد القيس: 544.
مسجد قباء: 17، 18، 19، 20، 527.
مسجد الكعبة- المسجد الحرام.
مسجد المدينة- المسجد النبوي.
المسجد النبوي- (مسجد الرسول، مسجد المدينة) : 17، 18، 19، 20، 23، 27، 30، 31، 32، 33، 34، 35، 36، 71، 75، 104، 188، 341، 407، 408، 409، 515، 529، 542، 544، 547، 549، 553، 559، 590، 591، 596، 598، 599، 669.
مشارف: 427.
مشربة إبراهيم: 490.
مشربة رسول الله: 607، 608، 621، 623، 624.
المشعر الحرام: 572، 576.
المشلل: 466.
مصر: 37، 361، 490.
معان: 426، 469.
المغرب: 12، 103.
مقام إبراهيم: 106، 155، 377، 570.
مكة المكرمة: 12، 13، 14، 16، 21، 25، 35، 36، 37، 39، 40، 41، 42، 52، 63، 69، 70، 73، 88، 90، 96، 100، 103، 111، 118، 119، 121، 125، 126، 128، 130، 143، 157، 158، 159، 161، 162، 163، 164، 165، 167، 169، 171، 183، 185، 186، 199، 210، 211، 228، 235، 236، 239، 243، 245، 257، 289، 315، 317، 322، 324، 325، 326، 327، 328، 329، 330، 331، 344، 347، 348، 350، 375، 376، 377، 378، 386، 397، 424، 436، 437، 439، 440، 443، 444، 445، 448، 451، 452، 455، 456، 457، 459، 460، 461، 463، 466، 467، 468، 469، 471، 473، 475، 479، 480، 484، 485، 487، 488، 489، 495، 531، 542، 546، 561، 569، 570، 571، 577، 578، 579، 580، 599، 605، 612، 645، 646، 657، 662، 666،(2/757)
668، 670.
منى: 571، 576، 577، 578، 579، 580.
المناصع: 259.
مناة (صنم كلب وخزاعة) : 466.
منبر النبي- المنبر: 33، 56، 216، 260، 261، 429، 591، 627.
منزل سعد بن خيثمة: 71.
مؤتة: 364، 426، 427.
الميفعة: 373.
(ن) الناقة (ناقة صالح عليه السلام) : 502.
نجد: 90، 183، 239، 280، 321، 370، 373، 410، 550.
نجران: 546، 548، 555.
النجرانية: 548.
نخل: 370، 563.
نمرة: 572.
نهر الفرات: 178.
نيق العقاب: 439.
(هـ) هبل (الصنم) : 209.
الهند: 32.
الهيكل: 45.
هذيل- بلاد هذيل.
(و) وادي بدر: 128.
وادي حنين: 467، 468، 469.
وادي ذفران: 129، 131.
وادي رانوناء: 21.
وادي سفوان: 118.
وادي الصفراء: 129.
وادي الظهران: 440.
وادي عرنة: 234، 572.
وادي العقيق: 253.
وادي فاطمة- مر الظهران: 440.
وادي القرى: 45، 432.
وادي محسّر: 576.
وادي نخلة: 119، 120، 465، 473.
الوتير (ماء) : 435، 436.
وجّ: 531.
ودان: 117.
الولايات المتحدة: 354.
(ي) يثرب (انظر المدينة) : 45، 57، 59، 133، 137، 187، 290، 377، 436.
يعفور- عفير (حمار النبي) : 362.
اليمامة: 100، 203، 364.
اليمن: 114، 130، 196، 211، 258، 361، 364، 371، 453، 503، 546، 548، 549، 552، 553، 556، 557، 558، 559، 560، 561، 571، 580، 587، 594، 631، 651، 652.
ينبع: 117، 118، 563.
[انتهى فهرس الأماكن](2/758)
7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك الحدث التاريخ الصفحة
نزوح اليهود إلى الحجاز 586 قبل الميلاد 45
هجرة اليهود إلى بلاد الحجاز 70 ميلادية 45
قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ربيع الأول- 1 هـ 106
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة ب (5 أو 9) أشهر 49
سرية حمزة بن عبد المطلب رمضان- 1 هـ 67
بناء النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة أم المؤمنين شوال- 1 هـ 61
سرية عبيدة بن الحارث شوال- 1 هـ 68
سرية سعد بن أبي وقاص اخر شوال- 1 هـ 68
ابتداء مشروعية الجهاد أوائل سنة- 2 هـ 69، 75
غزة الأبواء (ودان) صفر- 2 هـ 117
غزوة بواط ربيع الأول- 2 هـ 117
غزوة العشيرة جمادى الأولى أو الاخرة- 2 هـ 118
غزوة بدر الأولى بعد بضع ليال من العشيرة- 2 هـ 118
سرية عبد الله بن جحش رجب- 2 هـ 119
تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة منتصف رجب- 2 هـ 104، 106
تشريع فريضة الصيام شعبان- 2 هـ 106
تشريع زكاة الفطر رمضان- 2 هـ 109
خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزوة بدر الكبرى لثلاث ليال (أو ثمان) خلون من رمضان- 2 هـ 124
نصر الله في يوم بدر الجمعة 17 رمضان- 2 هـ 143
صلاة العيد (أول صلاة يصليها النبي صلى الله عليه وسلم) 2 هـ 109(2/759)
الحدث التاريخ الصفحة
تشريع الزكاة بعد رمضان- 2 هـ 111
إجلاء يهود بني قينقاع عن المدينة أوائل سنة 3 هـ[وقيل: في شوال 2 هـ] 396
غزوة ذي أمر (غزوة غطفان) ربيع الأول- 3 هـ 184
قتل كعب بن الأشرف ربيع الأول- 3 هـ 398
سرية زيد بن حارثة (سرية القردة) مستهل جمادى الأولى- 3 هـ 185
غزوة أحد السبت 15 شوال- 3 هـ 190، 228
خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد الأحد 16 شوال- 3 هـ 228
غزوة الكدر 3 هـ 183
تزوج النبي بالسيدة حفصة بنت عمر (أم المؤمنين) 3 هـ 231
سرية أبي سلمة بن عبد الأسد المحرم- 4 هـ 233
سرية عبد الله بن أنيس المحرم- 4 هـ 234
سرية الرجيع صفر- 4 هـ 235
سرية القراء صفر- 4 هـ 239
غزوة بني النضير ربيع الأول- 4 هـ 400
غزوة بدر الاخرة شعبان- 4 هـ 243
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة (أم المساكين) رمضان- 4 هـ 246
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة شوال- 4 هـ 246
غزوة ذات الرقاع سنة 4 هـ ابن إسحاق ويرى البخاري أنها بعد خيبر 323
تحريم الخمر سنة 4 هـ عند ابن إسحاق، و 6 هـ عند الدمياطي و 8 هـ عند ابن حجر 352
غزوة دومة الجندل ربيع الأول- 5 هـ 251
قدوم وفد مزينة رجب- 5 هـ 542
قدوم وفد ضمام بن ثعلبة رجب- 5 هـ (أو سنة 9 هـ) 541
غزوة بني المصطلق (المريسيع) شعبان- 5 هـ (أو في شعبان 6 هـ على رأي ابن إسحاق والطبري) 252
غزوة الخندق (الأحزاب) شوال- 5 هـ 277
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش 5 هـ 294
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان 5 هـ (وقيل 6 هـ أو 7 هـ) 315
تشريع فريضة الحج 5 هـ (أو قيل 6 هـ، وقيل 9 هـ) 317
قدوم وفد عبد القيس (الوفادة الأولى) 5 هـ (أو قبلها) 542، 544
سرية محمد بن مسلمة قبل نجد المحرم- 6 هـ (ويرى ابن كثير أنها بعد خيبر) 321(2/760)
الحدث التاريخ الصفحة
غزوة بني لحيان جمادى الأولى- 6 هـ 322
تشريع صلاة الخوف في غزوة بني لحيان 6 هـ (وقيل سنة 4 هـ في ذات الرقاع) 323، 352
قتل سلام بن أبي الحقيق رمضان 6 هـ (وقيل في ذي الحجة 5 هـ) 413
سرية كرز بن جابر الفهري شوال 6 هـ 323
غزوة ذي قرد 6 هـ قبل الحديبية (وجزم البخاري أنها قبل خيبر بثلاث ليال) 367
عمرة الحديبية ذو القعدة- 6 هـ 325
غزوة الحديبية 6 هـ 325
تحريم النساء المسلمات على أزواجهن المشركين، وتحريم المشركات على أزواجهن المسلمين 6 هـ 352
بدء إرسال الكتب إلى الملوك والأمراء أواخر 6 هـ (أو أوائل 7 هـ) 358
تحريم المسلمات على المشركين 6 هـ 489
خروج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة خيبر مطلع 7 هـ 415
غزوة خيبر 7 هـ 369
تحريم لحوم الحمر الأهلية وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير في غزوة خيبر 7 هـ 381
تحريم نكاح المتعة في خيبر أيضا 7 هـ 381
قدوم مهاجري الحبشة إلى المدينة بعد فتح خيبر 7 هـ 315، 371
دخوله صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان بعد خيبر 7 هـ 307، 315، 316
قدوم الأشعريين عقب خيبر 7 هـ 552
غزوة ذات الرقاع 7 هـ بعد خيبر عند البخاري (وأصحاب السير قالوا هي قبل خيبر سنة 4 هـ أو 5 هـ أو 370 أوائل 6 هـ)
سرية غالب بن عبد الله الكلبي رمضان- 7 هـ 373
سرية بشير بن سعد 7 هـ 373
عمرة القضاء (القضية، القصاص) ذو القعدة- 7 هـ 375
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث ذو القعدة- 7 هـ 386
إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة أول صفر- 8 هـ 423، 425
غزوة مؤتة جمادى الأولى- 8 هـ 426
غزوة ذات السلاسل جمادى الاخرة- 8 هـ 432
خروجه صلى الله عليه وسلم لغزوة الفتح 10 رمضان- 8 هـ 439(2/761)
الحدث التاريخ الصفحة
فتح مكة 20 رمضان- 8 هـ 445
هدم العزى لخمس بقين من رمضان- 8 هـ 465
خروج النبي صلى الله عليه وسلم لغزوة حنين 5 أو 6 شوال- 8 هـ 467
مسير النبي صلى الله عليه وسلم لغزو الطائف شوال- 8 هـ 475
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بفاطمة بنت الضحاك الكلابية ذو القعدة- 8 هـ 488
عمرة الجعرانة في أواخر ذي القعدة- 8 هـ 484
تحريم المتعة تحريما باتا 8 هـ 488
إسلام أبي العاص بن الربيع 8 هـ 489
سرية علي إلى طيء لهدم صنمها (الفلس) ربيع الأول- 9 هـ 493
غزوة تبوك رجب- 9 هـ 495
قدوم ثقيف مسلمين رمضان- 9 هـ 478، 528
قدوم وفد رسول ملوك حمير رمضان- 9 هـ 551
بعث الصديق أميرا على الحج ذو الحجة- 9 هـ 520، 536
توارد الوفود (عام الوفود) 9 هـ 541
قدوم وفد عبد القيس (الوفادة الثانية) 9 هـ 544
كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران 9 هـ 546
قدوم وفد أهل اليمن 9 هـ 552
سرية خالد إلى بني الحارث بن كعب بنجران ربيع الاخر (أو جمادى الأولى) - 10 هـ 555
سرية علي إلى بني مذحج رمضان- 10 هـ 556
قدوم وفد بجيلة رمضان- 10 هـ 556
خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لحجة الوداع السبت 25 ذو القعدة- 10 هـ 568
دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة لحجة الوداع الأحد 4 ذو الحجة- 10 هـ 570
قدوم وفد محارب في حجة الوداع- 10 هـ 542
كتاب مسيلمة الكذاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ورد النبي عليه اخر سنة 10 هـ
بعث أسامة لغزو الروم اخر صفر- 11 هـ 585
ابتداء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أواخر صفر (أو أول ربيع الأول) - 11 هـ 587
وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإثنين 1 ربيع الأول (أو 2 أو 12 منه) - 11 هـ 594
[انتهى الفهرس التأريخي](2/762)
8- فهرس الشعر صدر البيت قافيته الشاعر الصفحة
(أ) فإن أبي وقاء حسان بن ثابت 264
(ب) أنا الذي مجرّب مرحب اليهودي 417
أطعن تحرّب مرحب اليهودي 417
يا حبذا شرابها جعفر بن أبي طالب 427
والروم أنسابها جعفر بن أبي طالب 427
(ت) يا نفس صليت عبد الله بن رواحة 428
وما تمنيت هديت عبد الله بن رواحة 428
(د) لا يستوي وقاعدا علي بن أبي طالب 31
ركضا المعاد عمير بن الحمام الأنصاري 141
والصبر النفاد عمير بن الحمام الأنصاري 141
أنا ابن الردّ عاصم بن عمر بن قتادة 218
فعادت خدّ عاصم بن عمر بن قتادة 218
نحن الذين أبدا أهل الخندق 278
يا رب الأتلدا عمرو بن سالم الخزاعي 435
فانصر مددا عمرو بن سالم الخزاعي 435
في فيلق الموعدا عمرو بن سالم الخزاعي 435(2/763)
صدر البيت قافيته الشاعر الصفحة
وزعموا عددا عمرو بن سالم الخزاعي 436
هم وسجّدا عمرو بن سالم الخزاعي 436
(ر) نحن جار جواري بني النجار 25
هذي وأطهر- 30
اللهم والمهاجره- 30
اللهم والمهاجره- 32
رأيت النظير- 190
ويها الأدبار هند بنت عتبة في نساء من قريش 191
اللهم والمهاجره- 277
أمر الجدارا- 318
وما حبّ الديارا- 318
أنا الذي المنظره علي بن أبي طالب 417
فاليت أغبرا أسماء بنت عميس 431
فلله وأصبرا أسماء بنت عميس 431
من سره الأنصار كعب بن زهير بن أبي سلمى 487
ورثوا الأخيار كعب بن زهير بن أبي سلمى 487
والبائعين وكرار كعب بن زهير بن أبي سلمى 487
(ع) طلع البدر الوداع الأنصار 25
وجب راع الأنصار 25
أيها المطاع الأنصار 25
ولست مصرعي خبيب بن عدي 237
وذلك ممزع خبيب بن عدي 237
خذها الرضع سلمة بن الأكوع 367
أتجعل والأقرع العباس بن مرداس 482
فما كان مجمع العباس بن مرداس 482
وما كنت لا يرفع العباس بن مرداس 482
إن الذوائب تتبّع حسان بن ثابت 543
يرضى شرعوا حسان بن ثابت 543
قوم نفعوا حسان بن ثابت 543(2/764)
صدر البيت قافيته الشاعر الصفحة
سجية البدع حسان بن ثابت 543
(ف) وعلى تفنن يوصف- 672
(ق) قد وجدت فوقه عامر بن فهيرة 37
كل امرىء بروقه عامر بن فهيرة 37
أمحمد معرق قتيلة بنت الحارث 156
ما كان المحنق قتيلة بنت الحارث 156
والنضر يعتق قتيلة بنت الحارث 156
نحن النمارق نساء من قريش 192
مشي المفارق نساء من قريش 192
إن تقبلوا النمارق نساء من قريش 192
أو تدبروا وامق نساء من قريش 192
إذا مت عروقها أبو محجن الثقفي 352، 631
ولا تدفني أذوقها أبو محجن الثقفي 353، 631
(ك) يا عزّ أهانك خالد بن الوليد 465
(ل) لئن المضلّل- 31
كل نعله أبو بكر الصديق 36
ألا ليت وجليل بلال بن رباح الحبشي 37
وهل وطفيل بلال بن رباح الحبشي 37
ونسلمه والحلائل أبو طالب بن عبد المطلب 139
كدبتم ونناضل أبو طالب بن عبد المطلب 139
أنا الذي النخيل أبو دجانة 193
ألاأقوم والرسول أبو دجانة 193
تلك أبوالا عمر بن عبد العزيز (متمثلا) 218
حصان الغوافل حسان بن ثابت 263
عقيلة زائل حسان بن ثابت 263
مهذبة وباطل حسان بن ثابت 263
حليلة الفواضل حسان بن ثابت 264(2/765)
صدر البيت قافيته الشاعر الصفحة
رأيتك الغوائل حسان بن ثابت 264
خلوا رسوله عبد الله بن رواحة 376
يا رب قبوله عبد الله بن رواحة 376
نحن تنزيله عبد الله بن رواحة 376
ضربا خليله عبد الله بن رواحة 376
بانت مكبول كعب بن زهير بن أبي سلمى 486
وما سعاد مكحول كعب بن زهير بن أبي سلمى 486
إن الرسول مسلول كعب بن زهير بن أبي سلمى 486
في عصبة زولوا كعب بن زهير بن أبي سلمى 487
شمّ سرابيل كعب بن زهير بن أبي سلمى 487
اليوم أحلّه- 538
(م) إنك عكرمة حماس بن قيس 445
وأبو يزيد المسلمة حماس بن قيس 445
يقطعن غمغمه حماس بن قيس 445
لهم كلمه حماس بن قيس 445
قالت والاسلام فضالة بن عمير 449
لو ما رأيت الأصنام فضالة بن عمير 449
لرأيت الإظلام فضالة بن عمير 450
أبي أو تميم- 566
(ن) إذا ما راية باليمين- 190
اللهم ولا صلينا عبد الله بن رواحة 278
فأنزلن لاقينا عبد الله بن رواحة 278
إن الألى أبينا عبد الله بن رواحة 278
أقسمت لتكرهنّه عبد الله بن رواحة 427
إن أجلب الجنة عبد الله بن رواحة 428
قد طال شنّه عبد الله بن رواحة 428
(ي) وعين المساويا- 242
[تمت الفهارس] [والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات](2/766)
فهرس الموضوعات- الجزء الثاني
مقدمة الطبعة الثانية 9
مقدمة الطبعة الأولى 11
بين عهدين: العهد المكي والعهد المدني 13
منزلة المساجد في الإسلام 17، بناء مسجد قباء 18.
وصول النبي إلى المدينة وبناؤه المسجد 21، إلى المدينة 21، توسل الأنصار إلى الرسول لينزل عندهم 23، اليوم المشهود 24، في دار أبي أيوب الأنصاري 26، جميل بجميل 27، إسلام عبد الله بن سلام وبعض أهله 28، بناء المسجد النبوي 30، الأطوار التي مر بها بناء المسجد النبوي 31، فضل المسجد النبوي 34، بناء حجر أمهات المؤمنين 35، حمّى المدينة 36.
حالة المدينة السياسية والاجتماعية بعد الهجرة 39، المهاجرين 39، الأنصار 41، المنافقين 42، اليهود 45، الإخاء بين المهاجرين والأنصار 49، المؤاخاة بين المسلمين بمكة 52، ماثر الأنصار الخالدة 53، موادعة النبي اليهود 57، بناء النبي بعائشة 61، مشروعية الأذان 63.
السنة الأولى من الهجرة 67، السرايا في السنة الأولى 67، سرية حمزة بن عبد المطلب 67، سرية عبيدة بن الحارث 68، سرية سعد بن أبي وقاص 68، رأينا في هذه السرايا 69، مزاعم المستشرقين في هذه السرايا 69، أحداث هذا العام 71، مواليد 71، وفيات 71.
السنة الثانية من الهجرة 73
تشريع الجهاد في الإسلام 73، أول ما نزل في القتال 74، متى شرع الجهاد 75، لم شرع الجهاد في الإسلام 76، حكم الجهاد في الإسلام 79، من يرى أن الجهاد فرض عين 82، مثل عليا للحرص على الجهاد 83، الترغيب في(2/767)
الجهاد والاستشهاد 84، الاستشهاد في سبيل الله 86، الأطوار التي مر بها الجهاد 87، رد الضربة الكبرى 90.
أحداث وتشريعات 103، تحويل القبلة إلى الكعبة 103، تشريع فريضة الصيام 106، زكاة الفطر 109، صلاة العيد 109، الصوم والفطر والعيد من روافد العدالة الاجتماعية في الإسلام 110، تشريع الزكاة في الإسلام 111، الزكاة أساس العدالة الاجتماعية في الإسلام 114.
الغزوات والسرايا في السنة الثانية 117، غزوة الأبواء أو ودّان 117، غزوة بواط 117، غزوة العشيرة 118، غزوة بدر الأولى 118، سرية عبد الله بن جحش 119، وقفة عند ما نزل من القران 121.
غزوة بدر الكبرى 123، ترقب وانتظار 123، الخروج إلى العبر 123، أبو سفيان واستنفار قريش 125، تخوف قريش من بني بكر 126، فرار أبي سفيان بالعير واختلاف المشركين في الخروج 128، مسير المسلمين إلى بدر 128، استشارة النبي أصحابه في القتال 129، تسنط أخبار قريش 131، تعرف أخبار العير 132، جيش المسلمين في بدر 133، اية من السماء 133، مشورات حكيمة 134، تصاف المسلمين 135، رؤيا الرسول 135، تخاذل في صفوف المشركين 137، فشل المساعي لعدم الحرب 137، ابتداء الحرب بالمبارزة 138، تعديل الرسول صفوف الجيش 139، وصاة النبي للمسلمين 140، إشفاق ودعاء 140، التحريض على القتال 141، القوى الروحية تفوق القوى المادية 142، الصدّيق والقتال 144، إمداد الله المسلمين بالملائكة يوم بدر 144، وصاة النبي ببعض القرشيين 147، مثل عليا للإيمان 148، قتلى المشركين 149، موقف إنساني للرسول 150، البشرى بالنصر 150، الاختلاف على غنائم بدر وقسمتها 151، الأوبة إلى المدينة 153، وصاة النبي بالأسرى 153، قتل أسيرين 154، أسارى بدر 156، وصول النذير بالهزيمة إلى قريش 157، افتداء الأسرى 158، قيمة الفداء 164، وعد الله الأسارى بالخير إن أسلموا 165، العتاب في الفداء 166، طنين المستشرقين 167، فضائل أهل بدر 168، نتائج غزوة بدر 170، مواطن العبرة في بدر 172.
أحداث في السنة الثانية 179، زواج علي بفاطمة 179، وفيات 181.
السنة الثالثة للهجرة 183، تمهيد 183، غزوة الكدر 183، غزوة غطفان أو ذي أمر(2/768)
184، سرية زيد بن حارثة أو القردة 185.
غزوة أحد 185، تجهز قريش لأحد 185، وصول الخبر إلى الرسول 187، مشاورة النبي أصحابه 187، استعراض الجيش ورد بعض الصبيان 190، نزول المسلمين بالشعب في أحد والتعبئة للقتال 190، الرسول يحمس أصحابه 191، جيش قريش 191، محاولة فاشلة 192، بدء القتال بالمبارزة 192، التحام الجيشين 193، مخالفة الرماة أمر الرسول 195، شائعة قتل الرسول 196، الذين ثبتوا مع الرسول 197، ثبات الرسول 198، ما نزل بالرسول من جراح 199، علي وفاطمة يضمدان جراح النبي 200، مثل في البطولات في الدفاع عن الرسول 200، بطولة امرأة 202، مثل اخر من إيمان النساء 204، ومن جهاد النساء في أحد 204، المقاتلون حمية 205، المشركات يمثلن بشهداء أحد 207، حزن الرسول على عمه 207، أمر الله بالعدل في القصاص 208، بعد الموقعة 209، صلاة النبي بالمسلمين قاعدا 210، دعاء وابتهال 210، من استشهد في أحد 211، دفن شهداء أحد 215، منزلة شهداء أحد 216، من أصيب بالجراح يوم أحد 217، معجزة نبوية 217، سبب الهزيمة في أحد 219، عبرة وعظة 219، ما نزل من القران في أحد 220، اثار غزوة أحد 227.
غزوة حمراء الأسد 228
حوادث هذا العام 231، تزوج عثمان بأم كلثوم 231، تزوج النبي بحفصة 231 السنة الرابعة للهجرة 233، سرية أبي سلمة بن عبد الأسد 233، سرية عبد الله بن أنيس 234، سرية الرجيع 235، أصحاب بئر معونة أو سرية القراء 239، وقفة عند سرية الرجيع وبئر معونة 241، غزوة بدر الاخرة 243.
حوادث في هذا العام 245، وفاة أبي سلمة 245، وفاة عبد الله بن عثمان 245، مولد الحسين 245، تزوج رسول الله بزينب بنت خزيمة 246، تزوج النبي بأم سلمة 246، الحكمة في زواجها 248، تعلم زيد بن ثابت كتابة اليهود ولغتهم 249.
السنة الخامسة للهجرة 251، غزوة دومة الجندل 251، مصالحة عيينة بن حصن 252.
غزوة بني المصطلق أو المريسيع 252، تصرف نبوي حكيم 253، حدثان عظيمان(2/769)
في هذه الغزوة 254، الحدث الأول 254، اعتذار ابن أبيّ 255، سير النبي بالجيش ليشغلهم عن الفتنة 255، نزول سورة المنافقون 256، مثل أعلى للإيمان 256، اثار هذه السياسة النبوية الحكيمة 257، احتيال وغدر 257.
حادثة الإفك 258، إقامة الحد على من قذف عائشة 264، صفوان بن المعطل السلمي 264، وقفات عند قصة الإفك 265، تفسير ايات الإفك 268.
غزوة الخندق أو الأحزاب 275، تأليب اليهود على النبي 275، تفضيل اليهود الوثنية على الإسلام 275، استمرار اليهود في تأليب القبائل 276، خروج الأحزاب 276، استشارة الرسول أصحابه 277، حفر الخندق 277، تخاذل المنافقين 278، نبوات صادقة 279، جيش المسلمين 280، دهشة المشركين من الخندق 280، نقض بني قريظة العهد 281، استجلاء الرسول الخبر 281، اشتداد البلاء والخوف 282، اقتحام بعض المشركين الخندق 283، قتل عمرو بن عبد ودّ 283، محاولة لتفريق الأحزاب 284، الحرب خدعة 285، نجاح التدبير 286، دعاء وابتهال 287، هزيمة الأحزاب 287، تعرف أخبار القوم 287، الأوبة إلى المدينة 288، ما نزل من الايات في غزوة الأحزاب 289.
زواجه صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش 294، الروايات الصحيحة تؤيد ما ذكرناه 297، روايات واهية مدسوسة 298، أباطيل المبشرين والمستشرقين 299، تهافت كلامهم 299، تعدد الزوجات سنة من سنن الأنبياء 301، الحكمة في تعدد زوجاته عليه الصلاة والسلام 303، الحكم العامة 303، الحكم الخاصة 306، خطبة النبي لزينب وفضلها 308، نزول اية الحجاب صبيحة عرسها 309، تشريع الحجاب في الإسلام 311.
تزوج النبي بأم حبيبة بنت أبي سفيان 315
فرض الحج 317
وفاة سعد بن معاذ 319
السنة السادسة للهجرة 321، سرية محمد بن مسلمة قبل نجد 321، غزوة بني لحيان 322، سرية كرز بن جابر الفهري 323، سرية عمرو بن أمية الضمري 323.
غزوة الحديبية 325، خروج النبي معتمرا 325، وصول النبأ إلى قريش 326،(2/770)
رسل قريش 327، بديل بن ورقاء 328، مكرز بن حفص 328، حليس بن علقمة 328، عروة بن مسعود الثقفي 329، مثل أعلى للحب وللإيمان 329، رسل رسول الله 330، سفارة عثمان بن عفان 330، بيعة الرضوان 331، مناوشات قريش 332، بشائر الصلح 332، شروط صلح الحديبية 333، رأي المسلمين في الشروط 334، رؤيا رسول الله 335، كتابة «كتاب الصلح» 335، وقفة عند هذا الصلح 336، أبو جندل بن سهيل بن عمرو 336، نحر النبي هديه 337، الأوبة إلى المدينة ونزول سورة الفتح 337، صلح الحديبية فتح مبين 338، مكاسب المسلمين من صلح الحديبية 340، تفسير سورة الفتح 343، المهاجرات المؤمنات 349، تفسير الايتين الواردتين في هذه الحادثة 350.
أحداث وتشريعات في هذا العام 352، تحريم الخمر 352، ما هي الخمر 354، حكمة تحريم الخمر 355.
تبليغ الإسلام في العالم 357، مكاتبة الملوك والأمراء 357، كتاب رسول الله إلى القيصر (هرقل) 358، موقف هرقل من الكتاب 359، كتاب كسرى 360، كتاب المقوقس عظيم مصر 361، كتاب النجاشي 363، بقية الكتب 363، كتاب المنذر بن ساوى 363، كتاب أمير بصرى 364، كتاب أمير دمشق 364، كتاب ملك اليمامة 364، كتب أخرى 364.
السنة السابعة للهجرة 367، غزوة ذي قرد 367، لا نذر في معصية 368، الوفاء حتى للحيوان 369، غزوة خيبر 369، غزوة ذات الرقاع 370، قدوم مهاجري الحبشة 371، سرية بشير بن سعد 373، سرية غالب بن عبد الله 373.
عمرة القضاء والقضية والقصاص 375، إقامة النبي بمكة 377، حادثة وقضية 378.
تشريعات وحوادث في هذا العام 381، تحريم لحوم الحمر الأهلية وغيرها 381، تحريم نكاح المتعة 381، زواج النبي بصفية بنت حيي النضرية 383، حكمة زواجه بها 385، حراسة أبي أيوب للنبي 385، زواج النبي بميمونة بنت الحارث 386، الحكمة في زواجها 387.
موقف النبي من اليهود وموقفهم منه 389، محاولتهم الوقيعة بين الأوس والخزرج(2/771)
389، الجدل بين اليهود والمسلمين 391، من مخازي بني إسرائيل وأكاذيبهم 391، اليهود بالجزيرة العربية 393.
يهود بني قينقاع 394، غزوة بني قينقاع 395، قتل كعب بن الأشرف 397.
غزوة بني النضير 399، حصار بني النضير 400، ما نزل في غزوة بني النضير 402.
غزوة بني قريظة 406، استشارتهم أبا لبابة 407، توبة أبي لبابة 407، نزول بني قريظة على حكم رسول الله 408، دم بني قريظة في عنق حيي 409، قسمة أموال قريظة 410، ريحانة 410، من استشهد 411، قتل سلام بن أبي الحقيق 412.
غزوة خيبر 414، الخروج إلى خيبر 415، ضخامة القوتين 415، قصة الشاة المسمومة 417، تقسيم غنائم خيبر 418، مثل أعلى للتسامح 419، يهود فدك وتيماء ووادي القرى 420، إجلاء الفاروق عمر لهم عن جزيرة العرب 421.
السنة الثامنة من الهجرة 423، إسلام خالد وعمرو وعثمان بن طلحة 423.
غزوة مؤتة 426، التقاء الجيشين 427، بلاء المسلمين 428، نعي رسول الله الأمراء 429، لقاء الجيش 429، مثل أعلى للاستحياء 429، إكرام النبي لال جعفر 430، نهي ال جعفر عن النياحة 431، رثاء أسماء بنت عميس زوجها 431.
غزوة ذات السلاسل 432
فتح الفتوح في الإسلام (فتح مكة) 435، تمهيد 435، سفارة أبي سفيان بن حرب 436، تجهز النبي للخروج 437، كتاب حاطب إلى قريش 437، العظيم من يرحم الضعفاء 438، مسيرة الجيش إلى مكة 439، إسلام العباس وبعض القرشيين 439، تخوف العباس على قريش 440، أبو سفيان يستطلع الأخبار لقريش 440، إسلام أبي سفيان 441، حبس أبي سفيان بمضيق الوادي 442، الكتيبة الخضراء 442، رجوع أبي سفيان إلى مكة 443، دخول مكة 443، إجارة أم هانىء رجلين 445، إلى الكعبة 446، في جوف الكعبة 446، أذان بلال في الكعبة 446، اليوم يوم بر ووفاء 446، خطبة يوم الفتح 447، العفو عند المقدرة 448، إسلام أبي قحافة 448، إسلام الحارث وعتاب 449، إسلام فضالة بن عمير 449، إهدار النبي بعض الدماء 451، خطبة النبي غداة الفتح وإسلام أهل مكة 455،(2/772)
إسلام قريش رجالا ونساء 456، بيعة الرجال 457، بيعة النساء 458، أكان فتح مكة عنوة أم صلحا 459، مخاوف الأنصار وتبديدها 462، مدة إقامة النبي بمكة 463، بعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وهدم بعض الأصنام 464، تعويض النبي بني جذيمة عن الدماء والأموال 465، هدم العزى 465، هدم سواع 466، هدم مناة 466.
غزوة حنين 467، خروج رسول الله 467، استعارة دروع صفوان 468، مسيرة الجيش 468، التقاء الجيشين 469، ثبات الرسول 469، استجابة المسلمين 470، الان حمي الوطيس 470، تشفي بعض الأعراب وضعفاء الإيمان 471، موقف إنساني للرسول 472، حنين درس في التربية النفسية 472، غنائم حنين 472، من استشهد من المسلمين 473.
سرية أوطاس 473، سبايا أوطاس 473.
غزوة الطائف 475، إسلام بعض العبيد 475، الرمي بالمنجنيق واستعمال الدبابات 476، تقطيع الأعناب والزروع 476، مشورة نوفل بن معاوية الدئلي 477، وفد هوازن واسترداد السبايا 479، قسمة الغنائم 481، اعتراض بعض المنافقين 483، معتبة الأنصار 483، عمرة الجعرانة 484، عتاب بن أسيد 485، الحج هذا العام 485، إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى 486.
تشريعات وأحداث في هذا العام 488، إسلام أبي العاص بن الربيع 488، وفاة السيدة زينب 490، مولد إبراهيم ابن النبي 490، سرية بني المصطلق 491.
السنة التاسعة من الهجرة 493، سرية طيء 493.
غزوة تبوك 495، الحث على تجهيز الجيش 495، البكاؤون 496، خروج الجيش 497، تخلف المنافقين وتخذيلهم عن الرسول 497، تحريق بيت سويلم 498، المتخلفون من غير نفاق 499، مسيرة الجيش إلى تبوك 499، كن أبا خيثمة 500، كن أباذر 501، النزول بالحجر 502، انسحاب الروم 502، وفود صاحب أيلة وأهل جرباء وأذرح 502، كتاب رسول الله ليحنة 503، كتاب أهل جرباء وأذرح 503، بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر 503، الأوبة إلى المدينة 504، موت ذي البجادين 505، مكيدة بعض المنافقين 505، هدم مسجد الضرار وتحريقه 507، الوصول إلى المدينة واعتذار من تخلف عن الخروج إلى رسول الله 510، طوائف المتخلفين 510، المنافقون 510،(2/773)
أبو لبابة وأصحابه 511، الثلاثة الذين خلفوا 512، وقفات عند هذه القصة 516، تفسير ما نزل من الايات في تبوك 519.
قدوم ثقيف على رسول الله 528، كتاب رسول الله لهم 531.
بعض من مات في هذا العام 532
حج الصديق أبي بكر بالناس 536، شبهة والجواب عنها 539.
عام الوفود 541، وفد بني تميم 542، وفد بني القيس 544، وفد بني حنيفة 545، وفد أهل نجران 546، بعث أبي عبيدة معهم 549، وفد طيّىء وعدي بن حاتم 549، وفد زيد الخيل 550، وفد بني عامر 550، قدوم رسول ملوك حمير إلى رسول الله 551، وفد أهل اليمن 552، وفود أخرى 552، وفد وائل بن حجر 552، وفد الأزد 553، وفد الدارين 554، وفد تغلب 554.
السنة العاشرة من الهجرة 555، سرية خالد بن الوليد 555، بعث عمرو بن حزم 555، سرية علي بن أبي طالب 556، وفد بجيلة 556، وفد أحمس 556.
بعث العمال والقضاة والأمراء إلى اليمن 558، بعث معاذ بن جبل إلى اليمن 558، بعث العمال والقضاة والأمراء إلى اليمن 558، بعث معاذ بن جبل إلى اليمن 558، بعث أبي موسى الأشعري 559، بعث علي بن أبي طالب 560، أمراء وعمال اخرون 561.
جملة المغازي والسرايا والبعوث 562
حجة الوداع 567، الأذان بالحج 567، الخروج للحج 568، بم أحرم النبي 569، في مكة 570، الطواف بالبيت 570، إلى الصفا والمروة 570، إلى الأبطح 571، قدوم علي 571، الخروج إلى منى 571، إلى عرفات 572، خطبة عرفة 572، ما نزل في يوم عرفة 575، خطأ مشهور 575، إلى المزدلفة 576، إلى منى 576، إلى الكعبة 577، خطبة يوم النحر 578، المقام بمنى 578، خطبة أوسط أيام التشريق 579، فائدة 579، إلى الأبطح بمكة 580، في غدير خم 580.
أحداث في هذا العام 582، وفاة إبراهيم ابن النبي 582، تنبؤ مسيلمة 583، تنبؤ الأسود العنسي 584.
السنة الحادية عشرة 585، بعث أسامة بن زيد 585.
مرض النبي ووفاته 587، النذر بقرب أجل النبي 587، ابتداء المرض 587، اشتداد المرض 588، صلاة أبي بكر بالناس 589، يوم الخميس 590، تنبيه(2/774)
590، خروج النبي إلى المسجد 590، إن للموت لسكرات 592، صحوة الموت 593، في الرفيق الأعلى 593، هول الفاجعة 594، خطبة الصديق 594، في سقيفة بني ساعدة 595، بيعة الصديق 596، البيعة العامة 596، خطبة الصديق 597، تجهيز رسول الله 598، إنفاذ جيش أسامة 600.
المثل الكامل 601، الفضيلة الإنسانية في ذروة كمالها في نبينا محمد 602.
صفاته الخلقية 609، نظافة جسمه وطيب ريحه 611، كمال عقله 612، فصاحة لسانه 612، شرف نسبه وكرم محتده 618.
النبي الزوج 620، النبي الأب 627، النبي الإنسان 629، النبي المربي المعلم 630، النبي مع ربه 633، النبي مع أصحابه 637، النبي الرؤوف الرحيم 639، النبي البطل الشجاع 642، النبي الوفي بالعهد 644، النبي العفو الحليم 646، النبي الكريم الجواد 649، النبي الزاهد 651، النبي الحييّ 654، النبي المتواضع 656، النبي العادل 660، النبي الصادق الأمين العفيف 662، ادابه الاجتماعية 663، عظمة الشخصية المحمدية وأثرها في الدعوة 665، عالم في فرد 672. مراجع الكتاب 673
الفهارس العامة
1- فهرس الايات القرانية 677
2- فهرس الأحاديث النبوية 695
3- فهرس الأعلام 717
4- فهرس القبائل والأمم والجماعات والدول والممالك والحضارات 739
5- فهرس الأيام والغزوات والوقائع 747
6- فهرس الأماكن والبلدان والبحار والأنهار والأصنام 751
7- فهرس تأريخي متسلسل لأحداث السيرة والتشريعات ونحو ذلك 759
8- فهرس الشعر 763
9- فهرس الموضوعات 767(2/775)