كان فاحشة وساء سبيلا قالوا فالربا قال والربا قالوا انه أموالنا كلها قال فلكم رؤس أموالكم فقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا ان كنتم مؤمنين قالوا فالخمر فانها عصير أرضنا فلا بدّ لنا منها قال فانّ الله تعالى حرّمها فقد قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون فارتفع القوم وخلا بعضهم الى بعض فقالوا ويحكم انا نخاف ان خالفناه يوما كيوم مكة انطلقوا فأعطوه ما سأل وأجيبوه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لك ما سألت أرأيت الربة ماذا نصنع فيها قال اهدموها فقالوا هيهات لو تعلم الربة انا نريد هدمها لقتلت أهلنا فقال عمر ويحك يا ابن عبد ياليل ما أحمقك انما الربة حجر قال انا لم نأتك يا ابن الخطاب ثم قال يا رسول الله تول أنت هدمها فانا نخاف أن نهدمها فقال كنانة ائذن لنا قبل يا رسول الله ثم ابعث فى آثارنا فانى أعلم بقومى فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكرمهم فقالوا يا رسول الله أمّر علينا رجلا يؤمّنا فأمّر عليهم عثمان بن ابى العاص لما رأى من حرصه على الاسلام وقد كان علم سورا من القرآن قبل أن يخرج* قال كنانة لاصحابه أنا أعلمكم بثقيف فاكتموهم اسلامكم وخوّفوهم الحرب والقتال وأخبروهم أنّ محمدا سألنا أمورا أبيناها عليه سألنا أن ن
هدم اللات ونبطل أموالنا فى الربا ونحرّم الخمر فخرجوا حتى اذا دنوا من الطائف خرجت اليهم ثقيف يتلقونهم فلما رأوهم قد ساروا العنق وقطروا الابل وتغشوا ثيابهم كهيئة القوم قد حربوا وكربوا قالت ثقيف بعضهم لبعض ما جاؤكم بخير فلما دخلوا حصنهم عمدوا اللات فجلسوا عندها واللات بيت كانوا يتعبدونه ويسترونه ويهدون له الهدى يضاهون به البيت الحرام ثم رجع كل واحد منهم الى أهله فجاء كل رجل حاميته من ثقيف فسألوه ماذا جئتم به قالوا أتينا رجلا فظا غليظا يأخذ من أمره ما شاء قد ظهر بالسيف وأداخ العرب ودان الناس له فعرض علينا أمورا شدادا هدم اللات وترك الاموال فى الربا الا رؤس أموالكم وحرّم الخمر والزنا قالت ثقيف والله لا نقبل هذا أبدا فقال الوفد أصلحوا السلاح وتهيئوا للقتال وشيدوا حصونكم ورمّوها أى عمروها فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة تريد القتال ثم ألقى الله الرعب فى قلوبهم فقالوا والله ما لنا به طاقة أداخ العرب كلها فارجعوا اليه فأعطوه ما سأل وصالحوا عليه فلما رأى الوفد أنهم قد رغبوا واختاروا الأمن على الخوف وعلى الحرب قالوا لهم انا قد فرغنا من ذلك قد قاضيناه وأسلمنا وأعطانا ما أحببنا واشترطنا ما أردنا ووجدناه أتقى الناس وأوفاهم وأرحمهم وأصدقهم وقد بورك لكم ولنا فى سفرنا ومسيرنا اليه وفيما قاضيناه عليه فقالت ثقيف فلم كتمتم علينا هذا الحديث وغممتمونا بذلك أشدّ الغمّ قالوا أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان فأسلموا مكانهم واستسلموا
هدم اللات
فمكثوا أياما ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمّر عليهم خالد بن الوليد وفيهم المغيرة بن شعبة فلما قدموا عليهم عمدوا اللات ليهدموها فتكفأت ثقيف كلها الرجال والنساء والصبيان حتى خرج العواتق من الحجال وهم لا يرون أنها تهدم ويظنون أنها ستمنع فقام المغيرة بن شعبة فقال لاصحابه لا ضحكنكم من ثقيف فأخذ الكرزن فضرب به ثم أخذ يرتكض فارتج أهل الطائف بضجة واحدة وقالوا أبعد الله المغيرة قد قتلته الربة وفرحوا حين رأوه ساقطا وقالوا من شاء منكم فليقرب وليجهد على هدمها والله لا تستطاع أبدا فوثب المغيرة فقال قبحكم الله يا معشر ثقيف انما هى لكاع حجارة ومدر ثم ضرب الباب فكسره ثم علا على سورها وعلا الرجال معه فمازالوا يهدمونها حجرا حجرا حتى سووها بالارض وجعل صاحب المفاتيح يقول ليغضبن الاساس فليخسفن بهم فلما سمع ذلك المغيرة قال لخالد عنى أحفر أساسها فحفروها حتى أخرجوا ترابها وأخذوا حليها وثيابها فبهتت ثقيف وانصرف الوفد الى رسول الله صلى الله عليه(2/137)
وسلم بحليها وكسوتها فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه وحمد الله على نصرة نبيه واعزاز دينه
*
كتاب ملوك حمير
وفى هذه السنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك سنة تسع وهم الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذى رعين وهمدان ومعافر ورسولهم اليه صلى الله عليه وسلم مالك بن مرّة الرهاوى فى الصحاح القيل ملك من ملوك حمير دون الملك الاعظم* وفى القاموس أصله قيل كفيعل سمى به لانه يقول ما شاء فينفذ* وفى القاموس أيضا وذورعين ملك حمير ورعين كزبير حصن له أو جبل فيه حصن ومخلاف آخر باليمن قال الواقدى بعث زرعة ذى يزن الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن مرّة الرهاوى باسلام حمير ومفارقتهم الشرك وأهله وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسيره الى تبوك يقول انى بشرت بالكنزين فارس والروم وأمددت بالملوك ملوك حمير يأكلون فىء الله ويجاهدون فى سبيل الله فلما قدم مالك بن مرّة باسلامهم كتب اليهم* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله النبىّ الى الحارث بن كلال والى نعيم بن كلال والى النعمان قيل ذى رعين ومعافر وهمدان أمّا بعد ذلكم فانى أحمد اليكم الله الذى لا اله الا هو أمّا بعد فانه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبر ما قبلكم وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين وانّ الله قد هداكم بهداه ان أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم النبىّ صلى الله عليه وسلم وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة وبين لهم صدقة الزرع والابل والبقر والغنم ثم قال فمن زاد خيرا فهو خير له ومن أدّى ذلك وأشهد على اسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فانه من المؤمنين له مالهم وعليه ما عليهم ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فانه لا يردّ عنها وعليه الحزية على كل حال ذكر أو أنثى حرّ أو عبد دينار واف من قيمة المعافر أو عوضه ثيابا فمن أدّى ذلك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان له ذمة الله وذمة رسوله ومن منعه فانه عدوّ لله ولرسوله أما بعد فانّ محمدا النبىّ أرسل الى زرعة ذى يزن أن اذا أتاكم رسلى فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرّة وأصحابهم واذا جمعوا عندكم من الصدقة أو الجزية من مخاليفكم فأبلغوها رسلى فان أميرهم ابن جبل فلا ينقلبن الا راضيا أمّا بعد فانّ محمدا يشهد أن لا اله الا الله وأنه عبده ورسوله ثم انّ مالك بن مرّة الرهاوى قد حدّثنى انك قد أسلمت من أوّل حمير وقتلت المشركين فأبشر بخبر وآمرك بحمير خيرا ولا تخاونوا و* لا تخاذلوا فانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مولى غنيكم وفقيركم وانّ الصدقة لا تحلّ لمحمد ولا لأهل بيته انما هى زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل وان مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الطيب وآمركم به خيرا وانى قد أرسلت اليكم من صالحى أهلى وخيرتهم وأولى علمهم وآمركم بهم حيرا فانه منظور اليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته* فهذا ما ذكره ابن اسحاق من شأن ملوك حمير وما كتبوا به وكتب اليهم وذكر الواقدى أيضا نحوه ولا ذكر للمهاجرين أبى أمية فى شئ من ذلك الا أنّ ابن اسحاق والواقدى ذكرا أن قدوم رسول ملوك حمير على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقدمه من تبوك وذلك فى سنة تسع وتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل الى الملوك انما كان بعد انصرافه من الحديبية آخر سنة ست فلعلّ المهاجر والله أعلم كان توجهه حينئذ الى الحارث بن عبد كلال فصادف منه عامئذ تردّدا واستنظارا ثم جلا الله عنه العمى فيما بعد وآثره بهدايته فاستبان له القصد فعند ذلك أرسل هو وأصحابه باسلامهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك يجتمع الامران ويصح الخبران اذ لا خلاف بين أهل العلم بالاخبار والعناية بالسير أنّ ملوك حمير أسلموا وكتبوا باسلامهم
الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما انه لا خلاف بينهم أيضا فى توجيه(2/138)
المهاجرين أبى أمية المخزومى وهو شقيق أمّ سلمة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم الى الحارث بن عبد كلال ويقول بعض من ذكر ذلك أنّ المهاجر لما قدم عليه قال له يا حارث انك كنت أوّل من عرض عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم نفسه فخطئت عنه وأنت أعظم الملوك قدرا فاذا نظرت فى غلبة الملوك فانظر فى غالب الملوك واذا سرّك يومك فخف غدك وقد كانت قبلك ملوك ذهبت آثارها وبقيت أخبارها عاشوا دهرا طويلا وأملوا أملا بعيدا وتزوّدوا قليلا منهم من أدركه الموت ومنهم من أكلته النقم وانى أدعوك الى الرب الذى ان أردت الهدى لم يمنعك وان أرادك لم يمنعك منه أحد وأدعوك الى النبىّ الأمىّ الذى ليس شئ أحسن مما يأمر به ولا أقبح مما ينهى عنه واعلم انّ لك ربا يميت الحىّ ويحيى الميت ويعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور فقال الحارث قد كان هذا النبىّ عرض علىّ نفسه فخطئت وقد كان ذخرا لمن صار اليه وكان أمره أمر اسبق فحصره اليأس وغاب عنه الطمع ولم تكن لى قرابة أحتمله عليها ولا لى فيه هوى أتبعه له غير أنى أرى أمرا لم يؤسسه الكذب ولم يسنده الباطل له بدء سارّ وعاقبة نافعة وسأنظر*
رجم الغامدية
وفى هذه السنة رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة الغامدية روى ان امرأة من غامد من أزد جاءت الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبىّ الله انى قد زنيت وأنا أريد أن تطهرنى فقال لها النبىّ صلى الله عليه وسلم ارجعى فلما كان من الغدأتته أيضا واعترفت عنده بالزنا كما قالت له أوّل يوم فقال لها النبىّ صلى الله عليه وسلم ارجعى فلما كان من الغدأتته ايضا فاعترفت عنده بالزنا وقالت يا نبىّ الله طهرنى فلعلك تردّنى كما رددت ماعز بن مالك فو الله انى لحبلى من الزنا* وقصة ماعز بن مالك أنه جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله طهرنى فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم ويحك ارجع فاستغفر الله وتب اليه فرجع غير بعيد ثم جاء فقال يا رسول الله طهرنى فقال له النبى صلى الله عليه وسلم مثل ذلك حتى اذا كانت الرابعة قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم مم أطهرك قال من الزنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون فأخبر انه ليس بمجنون قال أشرب الخمر فقام رجل واستنكه فمه فلم يجد منه ريح خمر قط فقال أزنيت قال نعم* وعن ابن عباس أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال له لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا قال أنكتها لا يكنى قال نعم فأمر برجمه فرجم فلبثوا يومين أو ثلاثة أيام ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال استغفروا لما عز بن مالك لقد تاب توبة لو قسمت بين أمّة محمد لوسعتهم* ولما قالت الغامدية انى لحبلى من الزنا قال لها النبىّ صلى الله عليه وسلم ارجعى حتى تلدى فلما ولدت جاءت بالصبىّ تحمله فقالت يا نبىّ الله هذا الولد ولدته فقال لها اذهبى به فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته جاءت بالصبىّ فى يده كسرة خبز قالت يا نبىّ الله هذا فطمته فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بالصبىّ فدفع الى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها حفرة وجعلت فيها الى صدرها ثم أمر الناس أن يرجموها فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبىّ صلى الله عليه وسلم سبه اياها فقال مهلا يا خالد لا تسبها فو الذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له فأمر بها فصلى عليها ودفنت*
وفاة النجاشى
وفى رجب هذه السنة توفى النجاشى* فى المغرب النجاشى ملك الحبشة بتخفيف الياء سماعا من الثقات وهو اختيار الفاريابى وعن صاحب التكملة بالتشديد وعن الغورى كلتا اللغتين وأما تشديد الجيم فخطأ واسمه أصحمة وهو الذى هاجر اليه المسلمون وأسلم وله الافعال الجميلة والاعانة للمسلمين فنعاه النبى صلى الله عليه وسلم الى المسلمين وخرج الى المصلى وصف أصحابه خلفه وكبر عليه أربع تكبيرات* روى أنه رفع الحجاب حتى يراه الصحابة على سريره بالحبشة وهم بالمدينة* وروى انه لما مات النجاشى لا يزال يرى على قبره نور وقد مرّ فى الموطن السادس* وفى سيرة مغلطاى قد روى الصلاة على الغائب تسعة من الصحابة(2/139)
أو هريرة وابن عباس وأنس وبريدة وزيد بن ثابت وعامر بن ربيعة وأبو قتادة وسهيل بن حنيف وعبيدة ابن الصامت وحديثه مرسل كذا قال السهيلى وزيد عليه يزيد بن ثابت وعقبة بن عامر وأبو سعيد الخدرى وسعيد بن المسيب وان كان حديثه مرسلا فقد أسند*
وفاة أم كلثوم
وفى هذه السنة توفيت أمّ كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوّلا تزوّجها عتيبة بن أبى لهب قبل النبوّة فلما نزلت تبت يدا أبى لهب وتب قال له أبوه رأسى من رأسك حرام ان لم تطلق ابنته ففارقها ولم يكن دخل بها بعد وقد مرّ فى الباب الثالث فى السنة الخامسة والعشرين من المولد ولم تزل أم كلثوم بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم هاجرت الى المدينة فلما توفيت رقية خلف عليها عثمان أم كلثوم فى السنة الثالثة من الهجرة وماتت عنده فى هذه السنة التاسعة فغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وأم عطية* روى انه لما توفيت أمّ كلثوم حزن عثمان حزنا شديدا قال صلى الله عليه وسلم لو كانت عندى ثالثة لزوّجتكها يا عثمان وجلس صلى الله عليه وسلم على قبرها وقال محمد بن عبد الرحمن بن زرارة رأيت عينيه تدمعان وقال صلى الله عليه وسلم هل منكم أحد لم يقارف الليلة أهله فقال أبو طلحة أنا يا رسول الله فقال انزل يعنى وارها فنزل فى قبرها أبو طلحة*
وفاة ابن سلول
وفى هذه السنة مات عبد الله بن أبى بن الحارث بن عبيد المشهور بابن سلول امرأة من خزاعة وهى أمّ أبى بن مالك بن سالم بن غنم بن عمرو بن الخزرج كان عبد الله سيد الخزرج فى آخر جاهليتهم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد جمعوا له خرزا يتوجّونه فحسد ابن أبى ابن سلول رسول الله صلى الله عليه وسلم ونافق فاتضع شرفه وهو ابن خالة أبى عامر الراهب وكان لعبد الله بن أبى ابن اسمه عبد الله أيضا فأسلم وشهد بدرا وكان يغمه حال أبيه وتثقل عليه صحبة المنافقين فمرض ابن أبى عشرين يوما بعد أن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ومات فى ذى القعدة وقد مرّ فى الموطن الخامس انه مات فى السنة الخامسة فأتاه النبىّ صلى الله عليه وسلم فشهده وصلى عليه ووقف على قبره وعزى ابنه عليه عند القبر* وروى انه بعث عبد الله ابن أبى ابن سلول الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه فلما دخل عليه قال أهلكك حب يهود قال يا رسول الله انى لم أبعث اليك لتؤذينى ولكنى بعثت اليك لتستغفرلى فسأله أن يكفنه فى قميصه ويصلى عليه* وروى انه لما مات ابن أبى دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه وثب اليه عمر وقال يا رسول الله أتصلى على ابن أبى وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا وعدّد قوله فتبسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أخر عنى يا عمر فلما أكثر عليه قال انى خيرت فاخترت ولو أعلم أنى ان زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث الا يسيرا حتى نزلت الايتان من براءة ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره الى قوله وهم فاسقون قال عمر فعجبت من جراءتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم* وعن جابر بن عبد الله قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبى بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضع على ركبتيه ونفث فيه من ريقه وألبسه قميصه وكان كسا عباسا قميصا* وعن أبى هريرة كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصان فقال له ابن عبد الله يا رسول الله ألبسه قميصك الذى يلى جسدك* وعن جابر قال لما كان يوم بدر وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فوجدوا قميص عبد الله بن أبى يقدر عليه كساه النبىّ صلى الله عليه وسلم اياه فلذلك نزع النبىّ صلى الله عليه وسلم قميصه الذى لبسه وألبسه له* وقال ابن عيينة كانت له عند النبىّ صلى الله عليه وسلم يد وأحب أن يكافئه* وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كلمه أصحابه فيما فعل لعبد الله بن أبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يغنى عنه قميصى وصلاتى والله انى كنت أرجو أن يسلم به ألف من(2/140)
قومه وكان كما رجا صلى الله عليه وسلم فان الخزرج لما رأوه عند وفاته يستشفى بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم ألف رجل منهم*
حج أبى بكر بالناس
وفى ذى القعدة الحرام من هذه السنة على القول الاصح حج أبو بكر ذكره ابن سعد وغيره بسند صحيح عن مجاهد ووافقه عكرمة بن خالد فيما أخرجه الحاكم فى الاكليل وقال قوم فى ذى الحجة الحرام وبه قال الداودى والثعلبى والماوردى ومحمد بن سعد ويؤيده ان ابن اسحاق صرّح بأن النبىّ صلى الله عليه وسلم أقام بعد ما رجع من تبوك رمضان وشوّالا وذا القعدة ثم بعث أبا بكر على الحج فهو ظاهر فى أن بعث أبى بكر كان بعد انسلاخ ذى القعدة فيكون حجه فى ذى الحجة على هذا والله أعلم ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العام القابل فى ذى الحجة فذلك حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض وذلك ان العرب كانوا يستعملون النسىء فيؤخرون الحج الى صفر ثم كذلك حتى تتدافع الشهور فيستدير التحريم على السنة كلها وقد مرّ فى الركن الاوّل فى تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم* وفى أنوار التنزيل النسىء تأخير حرمة الشهر الى شهر آخر كانوا اذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الشهر واعتبروا مجرّد العدد ولما استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج خرج فى ثلثمائة رجل من المدينة وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بدنة فلما كان بالعرج لحقه على بن أبى طالب* روى النسائى عن جابر ان النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى اذا كنا بالعرج ثوّب بالصبح فلما استوى للتكبير سمع الرغوة خلف ظهره فوقف عن التكبير وقال هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجذعاء لقد بدا لرسول صلى الله عليه وسلم فى الحج فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلى معه فاذا علىّ عليها فقال أبو بكر أمير أم رسول قال لا بل رسول أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة أقرأها على الناس فى موقف الحج* وفى الاكتفاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرا على الحج من سنة تسع ليقيم للمسلمين حجهم ونزلت بعد بعثه اياه سورة براءة فى نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذى كانوا عليه فيما بينهم وبينه أن لا يصدّ عن البيت أحد جاءه ولا يخاف أحد فى الشهر الحرام وكان ذلك عهدا عامّا بينه وبين أهل الشرك وكان بين ذلك عهود خصائص بينه وبين قبائل العرب الى آجال مسماة فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عن تبوك وفى قول من قال منهم فكشف الله سرائر قوم كانوا يستخفون بغير ما يظهرون فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو بعثت بها الى أبى بكر فقال لا يؤدّى عنى الا رجل من أهل بيتى ثم دعا بعلى بن أبى طالب فقال اخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن فى الناس بالحج يوم النحر اذا اجتمعوا بمنى أنه لا يدخل الجنة كافر ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو الى مدّته فخرج علىّ رضى الله عنه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر الصدّيق فى الطريق فلما رآه أبو بكر قال أمير أو مأمور قال بل مأمور فمضيا حتى قدما مكة فلما كان قبل يوم التروية بيوم قام أبو بكر فخطب الناس فحدّثهم عن مناسكهم حتى اذا فرغ قام علىّ فقرأ على الناس البراءة التى أرسلها معه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها* وفى الوفاء فمضى أبو بكر فحج بالناس* وفى الاكتفاء فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب فى تلك السنة على منازلهم من الحج التى كانوا عليها فى زمن الجاهلية حتى اذا كان يوم النحر قام على بن أبى طالب فأذن فى الناس بالذى أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيه ليرجع كل قوم الى مأمنهم وبلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة الا أحد كان له(2/141)
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد انى مدّة فهو الى مدّته فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان وكانت البراءة تسمى فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المبعثرة لما كشفت من سرائر الناس ثم رجعا اى أبو بكر وعلى قافلين الى المدينة* وفى هذه السنة قتلت فارس ملكهم شهريار ابو شيرويه وملكوا عليهم بوران بنت كسرى كذا فى مورد اللطافة والله أعلم
*
(الموطن العاشر فى حوادث السنة العاشرة من الهجرة
من قدوم عدى بن حاتم وبعث أبى موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل الى اليمن وبعث خالد بن الوليد الى بنى الحارث بن كعب بنجران وبعث على بن أبى طالب بعد ذلك الى اليمن وبعث جرير بن عبد الله البجلى الى تخريب ذى الخاصة وبعث جرير بن عبد الله ايضا الى ذى الكلاع وسيجيئان فى الخاتمة فى ذكر الوفود وقصة بديل وتميم الدارى ووفاة ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم وانكساف الشمس وطلوع جبريل مجلس النبىّ صلى الله عليه وسلم وقدوم فيروز الديلمى واسلام فروة بن عمرو الجذامى وخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم من المدينة للحج واتيان صبىّ فى حجة الوداع وموت باذان ونزول آية الاستئذان) *
* وفى اول هذه السنة قدم عدى بن حاتم على ما فى الوفاء وفى بعض كتب السير أورد قدومه فى شعبان سنة تسع وسيجىء فى الخاتمة*
بعث أبى موسى الاشعرى الى اليمن
وفى هذه السنة بعث أبا موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل الى اليمن قبل حجة الوداع عند انصرافه من تبوك فى ربيع الاوّل كلا على مخلاف منه وهو مخلا فان ثم قال يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وطاوعا ولا تخالفا* المخلاف بكسر الميم وسكون المعجمة وآخره فاء بلغة أهل اليمن السكورة والاقليم والرستاق وكانت جهة معاذ العليا الى صوب عدن وكان من عمله الجند بفتح الجيم والنون وله بها مسجد مشهور وكانت جهة أبى موسى السفلى كذا فى المواهب اللدنية وفى رواية بعث معاذ بن جبل لاهل البلدين اليمن وحضر موت*
(ذكر معاذ بن جبل)
* فى الصفوة معاذ بن جبل بن أوس ويكنى أبا عبد الرحمن أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وشهد العقبة مع السبعين وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأردفه وراءه وبعثه الى اليمن بعد غزوة تبوك وشيعه ماشيا وهو راكب وسيجىء قريبا صفته* عن الواقدى عن أشياخه قالوا كان معاذ رجلا طويلا أبيض حسن الشعر عظيم العينين مجموع الحاجبين جعدا قططا وقال غيره أكحل العينين براق الثنايا اذا تكلم كأنما يخرج من فيه نور ولؤلؤ وله من الولد عبد الرحمن وأمّ عبد الله وولد آخر لم يذكر اسمه* وفى المنتقى عن ابن عمر لما أراد النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يبعث معاذ بن جبل الى اليمن صلى صلاة الغداة ثم أقبل علينا بوجهه فقال يا معشر المهاجرين والانصار أيكم ينتدب الى اليمن فقال أبو بكر بن أبى قحافة أنا يا رسول الله قال فسكت عنه فلم يجبه ثم قال يا معشر المهاجرين والانصار ايكم ينتدب الى اليمن فقام عمر بن الخطاب فقال أنا يا رسول الله فسكت عنه فلم يجبه ثم قال يا معشر المهاجرين والانصار أيكم ينتدب الى اليمن فقام معاذ بن جبل فقال أنا يا رسول الله فقال له أنت يا معاذ وهى لك يا بلال ائتنى بعما متى فعمم بها رأسه وشدّ له على راحلته وشيعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه من المهاجرين والانصار وفتاء الناس من قريش وغيرهم ممن شاء الله ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى الى جنبه يوصيه فقال معاذ يا رسول الله أنا راكب وأنت تمشى ألا أنزل فأمشى معك ومع أصحابك فقال يا معاذ انما أحتسب خطاى هذه فى سبيل الله قال فأوصاه بوصايا ثم قال يا معاذ لو أنا نلتقى بعد يومنا هذا لقصرت اليك فى الوصية ولكنا لا نلتقى الى يوم القيامة*
وصيته عليه السلام لمعاذ
وفى رواية قال يا معاذ لا تلقانى بعد عامى هذا ولعلك تمرّ بمسجدى وقبرى فبكى معاذ خشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت فأقبل بوجه نحو المدينة فقال ان أولى الناس بى المتقون من كانوا(2/142)
وحيث كانوا رواه أحمد* وفى رواية قال يا معاذ انك تقدم على قوم أهل كتاب وانهم سائلوك عن مفاتيح الجنة فأخبرهم ان مفاتيح الجنة لا اله الا الله وانها تخرق كل شئ حتى تنتهى الى الله عز وجل ولا تحجب دونه من جاء بها يوم القيامة مخلصا رجحت بكل ذنب فقال معاذ أرأيت ما سئلت عنه واختصم الىّ فيه مما ليس فى كتاب ولم أسمع منك عنه فقال تواضع لله يرفعك الله ولا تقضين الا بعلم فان أشكل عليك أمر فسل ولا تستحى واستشر ثم اجتهد فان الله عز وجل ان يعلم منك الصدق يوفقك فان التبس عليك فقف حتى تثبته أو تكتب الىّ فيه واحذر الهوى فانه قائد الاشقياء الى النار وعليك بالرفق* وعن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه الى اليمن قال كيف تقضى اذا عرض لك قضاء قال أقضى بكتاب الله قال فان لم تجد فى كتاب الله قال فبسنة رسول الله قال فان لم تجد فى سنة رسول الله قال أجتهد رأيى ولا آلو قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدره وقال الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله رواه الترمذى وأبو داود والدارمى كذا فى المشكاة* وعن ابن عباس بعث معاذا الى اليمن فقال انك تأتى قوما أهل كتاب فادعهم الى شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فان هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم ان الله قد فرض عليهم خمس صلوات فى اليوم والليلة فان هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم ان الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ فى فقرائهم فان هم أطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فانه ليس بينها وبين الله حجاب رواه البخارى كذا فى المواهب اللدنية* قال ثم ودّعه وانصرف ومضى معاذ حتى أتى صنعاء اليمن فصعد على منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قرأ عليهم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزل فأتاه صناديد صنعاء فقالوا يا معاذ هذا نزل قد هيأنا لك ومنزل قد فرغنا لك فقال معاذ ما بهذا أوصانى حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فمكث معاذ بن جبل أربعة عشر شهرا فبينما هو ذات ليلة على فراشه اذا هو بهاتف يهتف به عند رأسه ويقول له يا معاذ كيف يهنأ لك العيش ومحمد صلى الله عليه وسلم فى سكرات الموت فوثب معاذ فزعا ما ظنّ الا أن القيامة قد قامت فلما رأى السماء مصحية والنجوم ظاهرة استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم نودى فى الليلة الثانية يا معاذ كيف يهنأ لك العيش ومحمد بين أطباق التراب فوثب معاذ ووضع يده على أم رأسه وجعل ينادى بأعلى صوته يا محمداه يا محمداه فخرج العواتق من النساء والشباب من الرجال فجعلوا يقولون ما الذى جاءك وما الذى دهاك فجعل يبكى وينادى بأعلى صوته يا محمداه حتى أصبح فلما أصبح شدّ على راحلته فأخذ جرابا فيه سويق وأخذ أداوة من ماء ثم قال لا أنزل عن ناقتى هذه ان شاء الله الا لوقت صلاة أو لوقت قضاء حاجة حتى اذا كان على ثلاث مراحل من المدينة فاذا هو بهاتف يهتف عن يسار الطريق وهو يقول يا محمداه فعلم معاذ بأن محمدا قد ذاق الموت وفارق الدنيا فقال معاذ أيها الهاتف فى هذا الليل الغاوى من أنت يرحمك الله فقال له أنا عمار بن ياسر فقال له معاذ وأين تريد يرحمك الله فقال ان معى كتابا من أبى بكر الصدّيق الى معاذ بن جبل باليمن يعلمه بأن محمدا قد ذاق الموت وفارق الدنيا قال له فان كان محمد قد فارق الدنيا فمن للارامل واليتامى والضعفاء من بعده صلى الله عليه وسلم ثم سار وهو يقول يا عمار كيف تركت أصحاب محمد قال يا معاذ تركتهم كالغنم لا راعى لها ثم قال يا عمار كيف تركت المدينة قال تركتها وهى على أهلها أضيق من الخاتم قال فوضع معاذ يده على أمّ رأسه وجعل يبكى ويقول يا محمداه يا محمداه حتى ورد المدينة نصف الليل وستجىء وفاة معاذ فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وأرضاه
*
ذكر أبى موسى الاشعرى
ذكر أبى موسى الاشعرى رضى الله عنه* فى الصفوة أبو موسى الاشعرى عبد الله بن قيس بن سليم أسلم بمكة وهاجر الى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينتين(2/143)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وبعضهم ينكر هجرته الى الحبشة وعن أبى موسى الاشعرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا الى اليمن وأمرهما أن يعلما الناس القرآن وقد صح حديث أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو رأيتنى وأنا أسمع قراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فقلت يا رسول الله لو علمت انك تسمع قراءتى لحبرته لك تحبيرا وكان عمر بن الخطاب يقول لابى موسى الاشعرى ذكرنا ربنا تعالى فيقرأ* عن ابى عثمان النهدى قال صلى لنا أبو موسى الاشعرى صلاة الصبح فما سمعت صوت صنج ولا بربط كان أحسن من صوته وستجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة معاوية*
بعث خالد بن الوليد الى عبد المدان بنجران
وفى هذه السنة أرسل خالد بن الوليد قبل حجة الوداع أيضا فى ربيع الاوّل سنة عشرو فى الاكليل فى ربيع الاخر وفى المنتقى فى ربيع الاخر أو جمادى الاولى الى عبد المدان قبيلة بنجران وأمره أن يدعوهم الى الاسلام فأسلموا كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية الى بنى الحارث بن كعب بنجران وأمره أن يدعوهم الى الاسلام ثلاثا قبل أن يقاتلهم فان أجابوا فاقبل منهم وأقم فيهم وعلمهم كتاب الله وسنة نبيه فأسلم ناس ودخلوا فيما دعاهم اليه وأقام خالد فيهم يعلمهم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه ثم كتب خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أما بعد يا رسول الله فانك بعثتنى الى بنى الحارث بن كعب وأمرتنى اذا أتيتهم لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن أدعوهم الى الاسلام فان أسلموا قبلت منهم وانى قدمت عليهم ودعوتهم الى الاسلام فأسلموا فأنا مقيم فيهم أعلمهم معالم الاسلام* فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم* من محمد رسول الله الى خالد بن الوليد سلام عليك فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أما بعد فان كتابك جاءنى مع رسولك يخبر بأن بنى الحارث قد أسلموا قبل أن تقاتلهم فبشرهم وأنذرهم وأقبل معهم وليقبل معك وفدهم والسلام عليك ورحمة الله وبركاته* فأقبل خالد بن الوليد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وفد بنى الحارث بن كعب فيهم قيس ابن الحصين فسلموا عليه وقالوا نشهد انك رسول الله وأن لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أشهد أن لا اله الا الله وانى رسول الله وأمر عليهم قيسا فلم يلبثوا فى قومهم أربعة أشهر حتى توفى رسول الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الى بنى الحارث بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم الانصارى ليفقههم ويعلمهم السنة ومعالم الاسلام ويأخذ منهم صدقاتهم فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن حزم عامله على وفد نجران كذا فى المنتقى*
بعث على بن أبى طالب الى اليمن
وفى رمضان هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب الى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده وأخرج أبو داود وأحمد والترمذى من حديث علىّ قال بعثنى النبىّ صلى الله عليه وسلم الى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثنى الى قوم أسنّ منى وأنا حديث السن لا أبصر القضاء قال فوضع يده فى صدرى وقال اللهمّ ثبت لسانه واهد قلبه وقال يا على اذا جلس اليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الاخر الحديث فخرج علىّ فى ثلثمائة فارس ففرق أصحابه فأتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك ثم لقى جمعهم فدعاهم الى الاسلام فأبوا ورموا بالنبل حتى حمل عليهم علىّ وأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرّقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم الى الاسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الاسلام ثم قفل فوافى النبىّ صلى الله عليه وسلم بمكة قد قدمها للحج سنة عشر* وفى رواية لما وجه صلى الله عليه وسلم عليا الى اليمن عقد له لواء وعممه بيده وأرخى طرفها من قدّامه نحو ذراع ومن خلفه قيد شبر وكان كعب الاحبار اذ ذاك باليمن فلقيه* وفى الاصل الاصيل فى تحريم النقل من التوراة والانجيل للسخاوى قال ذكر الواقدى(2/144)
قال حدّثنى اسحاق بن عبد الله بن نسطاس عن عمر بن عبد الله العنسى* قال قال كعب الاحبار لما قدم علىّ اليمن لقيته فقلت له اخبرنى عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يخبرنى عنها وجعلت أتبسم فقال لى مم تتبسم قلت مما يوافق ما عندنا فى صفته وقلت ما يحلّ وما يحرّم فاخبرنى فقلت هو عندنا كما وصفت وصدّقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به ودعوت من قبلنا من الاحبار وأخرجت اليهم سفرا قلت هذا كان أبى يختمه علىّ ويقول لا تفتحه حتى تسمع بنبى يخرج بيثرب قال فأقمت على اسلامى باليمن حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى أبو بكر فقدمت فى خلافة عمر يا ليت انى كنت تقدّمت فى الهجرة* وعن سعيد بن المسيب قال قال العباس لكعب الاحبار ما منعك أن تسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر قال كعب ان أبى قد كتب لى كتابا من التوراة ودفعه الىّ وقال لى اعمل بهذا وختم على سائر كتبه وأخذ علىّ ميثاقا وقال لى بحق الوالد على ولده ان لا أفض الخاتم فلما كان الان ورأيت الاسلام يظهر ولم أر بأسا قالت لى نفسى لعل أباك غيب عنك علما وكتمه عنك ففضضته فوجدت فيه صفة النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمته فجئت الان مسلما فوالى العباس وقيل المشهوران اسلام كعب كان فى الشام فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه* وفى رواية بعث النبىّ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فى جماعة الى اليمن ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه وقال له مر أصحاب خالد من شاء أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقفل قال البراء كنت فيمن عقب معه فغنمت أواقى ذوات عدد* وفى ذخائر العقبى فى ذكر اسلام همدان على يد على بن أبى طالب عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى اليمن يدعوهم الى الاسلام وكنت فيمن سار معه فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه الى شئ فبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب وأمر أن يرسل خالدا ومن معه الا من أراد البقاء مع علىّ فيتركه فكنت فيمن بقى مع على فلما انتهينا الى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلى بنا الفجر فلما فرغ صفنا صفا واحدا ثم تقدّم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان كلها فى يوم واحد وكتب بذلك كتابا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خرّ ساجدا لله وقال السلام على همدان مرّتين أخرجه أبو عمرو
* بعث جرير بن عبد الله الى ذى الكلاع
وفى هذه السنة بعث جرير بن عبد الله البجلى الى تخريب ذى الخلصة وسيجىء فى الفصل الاوّل من الخاتمة فى ذكر الوفود* وفى هذه السنة بعث جرير بن عبد الله البجلى الى ذى الكلاع بن باكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع فأسلم وأسلمت امرأته صريمة بنت أبرهة بن الصباح واسم ذى الكلاع سميفع وفى القاموس سميفع كسميدع وقد يضم سينه بن باكور ذو الكلاع الاصغر روى عن الاصمعى أنه قال كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الكلاع من ملوك الطوائف على يد جرير بن عبد الله البجلى يدعوه الى الاسلام وكان قد استعلى أمره حتى ادّعى الربوبية فأطيع وتوفى النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم وفد ذو الكلاع فى خلافة عمر ومعه ثمانية آلاف عبد فأسلم على يده وأعتق من عبيده أربعة آلاف ثم قال عمر يا ذا الكلاع يعنى ما بقى عندك من عبيدك أعطك ثلث أثمانهم ههنا وثلثا باليمن وثلثا بالشام فقال أجلنى يومى حتى أفكر فيما قلت ومضى الى منزله فأعتقهم جميعا فلما غدا على عمر قال له ما رأيك فيما قلت لك فى عبيدك قال قد اختار الله لى ولهم خيرا مما رأيت قال وما هو قال هم أحرار لوجه الله تعالى قال أصبت يا ذا الكلاع قال يا أمير المؤمنين لى ذنب ما أظنّ الله تعالى يغفره لى قال وما هو قال تواريت يوما ممن يتعبدنى ثم أشرفت عليهم من مكان عال فسجدلى زها مائة ألف انسان فقال عمر التوبة باخلاص والانابة باقلاع يرجى بهما مع رأفة الله عز وجل(2/145)
الغفران* وفى رواية أعتق ذو الكلاع اثنى عشر ألف بيت وقتل ذو الكلاع بصفين*
بعث أبى عبيدة بن الجرّاح الى أهل نجران
وفى هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة عامر بن الجرّاح الى أهل نجران لما طلبوا رجلا أمينا وقال هذا أمين هذه الامة وسيجىء تمامه فى الفصل الاوّل فى الخاتمة وسيجىء موته وبعض أحواله فى الفصل الثانى منها فى خلافة عمر بن الخطاب*
قصة بديل وتميم الدارى
وفى هذه السنة خرج بديل بن أبى مارية مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين فى تجارة الى الشام مع تميم الدارى وعدى بن بدأ وكانا نصرانيين فمرض بديل وكتب وصيته فى صحيفة وطرحها فى متاعه ولم يخبر بها صاحبيه وأوصى اليهما أن يدفعا متاعه الى أهله فمات بأرض ليس بها مسلم ففتشا متاعه وأخذا اناء من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلثمائة مثقال فضة فغيباه فلما قدما المدينة بتركته أصاب أهل بديل الصحيفة وفقدوا الاناء فطالبوهما بالاناء فجحدا وترافعوا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فاستحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر عند المنبر فحلفا ثم وجد الاناء بمكة فقالوا اشتريناه من عدى وتميم فلما ظهرت خيانتهما قام رجلان من ورثة بديل وهما عبد الله بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبى وداعة فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما أى ليميننا أحق بالقبول من يمين هذين الوصيين الخائنين فاستحقا الاناء وفيهم نزلت يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم اذا حضر أحدكم الموت الاية*
وفاة ابراهيم ابن رسول الله عليه السلام
وفى هذه السنة العاشرة من الهجرة يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الاوّل توفى ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ولد فى ذى الحجة من السنة الثامنة من الهجرة ودفن بالبقيع* روى أنه لما توفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابراهيم ابنى وانه مات فى الثدى وان له لظئرين يكملان رضاعه فى الجنة وعن البراء ابن عازب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه ابراهيم ومات وهو ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام* وفى صحيح البخارى توفى ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم وله سبعة عشر أو ثمانية عشر شهرا* وفى الوفاء وسنه عام ونصف وستة أيام وقيل عام وثلث وفيما ذكره أبو داود توفى وله سبعون يوما فى ربيع الاوّل يوم الثلاثاء لعشر خلون منه كذا فى المواهب اللدنية وقال ان له لظئرا تتمّ له رضاعه فى الجنة* وفى رواية ابن ماجه ان له مرضعا فى الجنة كذا فى المواهب اللدنية ولما مات غسله الفضل بن عباس ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ثم حمل على سرير صغير وصلى الله عليه وسلم بالبقيع وقال يدفن عند فرطنا عثمان بن مظعون* وروى عن عائشة أنها قالت دفنه عليه السلام ولم يصل عليه يحتمل أن يكون لم يصل عليه بنفسه وأمر أصحابه أن يصلوا عليه فى جماعة* وروى ان الذى غسله أبو بردة وروى انه الفضل بن العباس ولعلهما اجتمعا عليه ونزل قبره الفضل وأسامة والنبىّ صلى الله عليه وسلم جلس على شفير القبر والعباس جالس على جنبه ورش قبره وعلم بعلامة قال الزبير وهو أوّل قبر رش* وقد روى من حديث أنس بن مالك انه قال لو بقى يعنى ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم لكان نبيا ولكن لم يبق لان نبيكم آخر الانبياء أخرجه أبو عمرو* وقال الطبرى وهذا انما يقوله أنس عن توقيف يخص ابراهيم والا فلا يلزم أن يكون ابن النبىّ نبيا بدليل ابن نوح* وعن أنس قال كان ابراهيم قد ملأ المهد ولو بقى لكان نبيا وعن البخارى من طريق محمد بن بشر عن اسماعيل بن أبى خالد قال قلت لعبد الله بن أبى أوفى رأيت ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال مات صغيرا ولو قضى بعد محمد نبى عاش ابنه ابراهيم ولكن لا نبىّ بعده كذا فى المواهب اللدنية*
كسوف الشمس
وفى هذه السنة انكسفت الشمس يوم مات ابراهيم فقال الناس انما كسفت لموت ابراهيم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته رواه الشيخان وزاد فى رواية(2/146)
اذا رأيتموهما فعليكم بالدعاء حتى يكشفا قيل ان الغالب ان الكسوف يكون يوم الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين فانكسفت الشمس يوم موت ابراهيم فى العاشر فلذلك قالوا ابها كسفت لموته
*
طلوع جبريل مجلس النبى فى صورة رجل
وفى هذه السنة طلع جبريل مجلس النبىّ صلى الله عليه وسلم فى صورة رحل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر طيب الرائحة حسن الوجه رآه حضار المجلس لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد فتعجبوا من حاله فلما دنا قال السلام عليك يا رسول الله فردّ النبىّ عليه السلام فجاء حتى جلس الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه الى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وسأل عن الايمان والاسلام والاحسان والقيامة وأماراتها فأجابه النبىّ صلى الله عليه وسلم عن غير القيامة وقال له ما المسئول عنها بأعلم من السائل فخرج جبريل من المجلس فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يطلبوه فما وجدوه فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أتدرون من السائل قالوا الله ورسوله اعلم فقال لهم انه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم وكان كلما يأتيه يعرفه فى أى صورة كان الا هذه المرة ولما غاب علم انه جبريل عليه الصلاة والسلام وفى رواية قال لعمر بن الخطاب بعد ثلاثة أيام أتدرى من السائل قال الله ورسوله أعلم قال انه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم*
قدم فيروز الديلمى إلى المدينة
وفى هذه السنة قدم فيروز الديلمى المدينة فأسلم وهو الذى قتل الاسود العنسى الكذاب المتنبى قتله فى السنة الحادية عشر من الهجرة وسيجىء فى الموطن الحادى عشر وفى هذه السنة أسلم فروة بن عمر والجذامى ثم النفاثى* وفى الاكتفاء ذكر الواقدى باسناد له ان فروة ابن عمرو هذا كان عاملا لقيصر على عمان من أرض البلقاء وفى كتاب ابن اسحاق على معان وما حولها من أرض الشام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى هرقل والى الحارث بن أبى شمر ولم يكتب اليه* وفى المواهب اللدنية بعث اليه يدعوه الى الاسلام انتهى فأسلم فروة وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه وبعث من عنده رسولا يقال له مسعود بن سعد من قومه بكتاب مختوم فيه* بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد رسول الله النبىّ انى مقرّ بالاسلام مصدّق به وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله وانه الذى بشربه عيسى ابن مريم والسلام عليك ثم بعث مع الرسول بغلة بيضاء يقال لها فضة وحمارة يقال لها يعفور وفرسا يقال لها الظرب وبعث بأثواب من لين وقباء من سندس مخوّص بالذهب فقدم الرسول ودفع الكتاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترأه وأمر بلالا أن ينزله ويكرمه فلما أراد الخروج كتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب كتابه* من محمد رسول الله الى فروة بن عمرو سلام عليك فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أما بعد فانه قدم علينا رسولك بكتابك فبلغ ما أرسلت به وخبر عما قبلك وأنبأنا باسلامك وان الله عز وجل قد هداك بهداه الى دين الاسلام فان أنت أصلحت وأطعت الله ورسوله وأقمت الصلاة وآتيت الزكاة دخلت الجنة والسلام عليك* ولما بلغ قيصر اسلام فروة بن عمرو بعث اليه وحبسه ولما طال سجنه أرسلوا اليه أن ارجع الى دينك ونعيد اليك ملكك فقال لا أفارق دين محمد أبدا أما انك تعرف انه رسول الله بشربه عيسى ابن مريم ولكنك ضننت بملك وأحببت بقاءه قال قيصر صدق والانجيل وذكر الواقدى انه مات فى ذلك الحبس فلما مات صلبوه قال ابن اسحاق انهم صلبوه حيا على ماء لهم يقال له عفراء بفلسطين قال فلما اجتمعت الروم لقتله قال فى ذلك
الا هل اتى سلمى بأن حليلها ... على ماء عفرا فوق احدى الرواحل
على ناقة لم يضرب الفحل أمها ... مشذبة أطرافها بالمناجل
وذكر ابن شهاب الزهرى انهم لما قدّموه ليقتلوه قال(2/147)
أبلغ سراة المسلمين بأننى ... سلم لربى أعظمى ومقامى
ثم ضربوا عنقه على ذلك الماء رحمة الله عليه وسيجىء فى الفصل الاوّل فى الخاتمة بتغيير يسير*
حجة الوداع
وفى هذه السنة كانت حجة الوداع وتسمى حجة الاسلام وحجة التمام وحجة البلاغ وكره ابن عباس أن يقال حجة الوداع وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة يضحى كل عام ويغزو المغازى فلما كان فى ذى القعدة سنة عشر من الهجرة أجمع على الخروج الى الحج قال ابن سعد لم يحج غيرها منذ تنبأ الى أن توفاه الله* وفى البخارى عن زيد بن أرقم ان النبىّ صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة وانه حج بعد ما هاجر حجة واحدة وهى حجة الوداع ولم يحج بعدها* قال ابن اسحاق وأخرى بمكة وقيل حج بمكة حجتين هذا بعد النبوّة وما قبلها لا يعلمه الا الله وأخرج الترمذى عن جابر بن عبد الله حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معها عمرة هذا لفظ الدار قطنى وابن ماجه والحاكم وصححه على شرط مسلم قال الشيخ محب الدين الطبرى لعل جابرا أشار الى حجتين بعد النبوّة وقال ابن حزم حج رسول الله واعتمر قبل النبوّة وبعدها وقبل الهجرة وبعدها حججا وعمرا لا يعلمهما الا الله وكذا قال ابن أبى الفرج فى كتاب مثير الغرام وقال السهيلى فى شرح السيرة لا ينبغى أن يضاف اليه فى الحقيقة الا حجة الوداع وان حج مع الناس اذ كان بمكة فلم يكن ذلك الحج على سنة الحج وكما له لانه صلى الله عليه وسلم كان مغلوبا على أمره وكان الحج منقولا عن وقته فقد ذكر ان أهل الجاهلية كانوا ينقلون الحج عن حساب الشهور الشمسية ويؤخرونه فى كل سنة احد عشر يوما وقد كان النبىّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يحج مقفله من تبوك وذلك اثر فتح مكة بيسير ثم ذكر ان بقايا المشركين يحجون ويطوفون بالبيت عراة فأخر الحج حتى نبذ الى كل ذى عهد عهده وذلك فى السنة التاسعة ثم حج فى العاشرة بعدا محاء رسوم الشرك كذا فى البحر العميق* وفى الاستيعاب لم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة غير حجته الواحدة وهى حجة الوداع وذلك فى سنة عشر من الهجرة وفى سيرة اليعمرى حج صلى الله عليه وسلم بعد فرض الحج حجة واحدة وقبل ذلك مرّتين واعتمر صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلها فى ذى القعدة الا التى مع حجته واحدة منهنّ فى ذى القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة وصدّوا فيها فتحلل فحسبت له عمرة والثانية فى ذى القعدة من العام المقبل وهى سنة سبع وهى عمرة القضاء والثالثة فى ذى القعدة سنة ثمان وهى عام الفتح من جعرانة حيث قسم غنائم حنين والرابعة مع حجته الكبرى سنة عشر وكان احرامها فى ذى القعدة واعمالها فى ذى الحجة كذا رواه البخارى فى صحيحه عن أنس وكذا فى منهاج النووى ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع خرج من طريق الشجرة وعن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريق الشجرة ويدخل من طريق المعرس وهو موضع معروف على ستة أميال من المدينة كذا فى منهاج النووى وهو أسفل من المسجد الذى ببطن الوادى وانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خرج الى مكة يصلى فى مسجد الشجرة واذا رجع صلى بذى الحليفة ببطن الوادى وبات حتى يصبح رواه البخارى وذو الحليفة ماء لجشم على ستة أميال من المدينة قاله النووى وقال ابن حزم انه على أربعة أميال وقيل سبعة وفى شرح مختصر الوقاية للشمنى فسر ابن شجاع الميل بثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع الى أربعة آلاف وفى الصحاح الميل من الارض منتهى مدّ البصر عن ابن السكيت وفى شرح الكنز ثلاث فراسخ أربعة آلاف ذراع بذراع محمد بن فرج الشاشى طولها أربعة وعشرون أصبعا وعرض كل أصبع ست حبات شعير ملصقة ظهرا لبطن* وفى الينابيع الميل ثلث فرسخ والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة وكل خطوة ذراع ونصف بذراع العامة وهو أربعة وعشرون(2/148)
اصبعا ومسجد ذى الحليفة يسمى مسجد الشجرة وقد خرب وبه البئر التى تسميها العوام بئر على وينسبونها الى على بن أبى طالب لظنهم انه قاتل الجنّ بها وهو كذب كذا فى تشويق الساجد وذو الحليفة هو الميقات لاهل المدينة ولمن مرّ به من غيرهم وهو أبعد المواقيت وهناك منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واردا وصادرا فخرج صلى الله عليه وسلم من المدينة مغتسلا مدّهنا مترجلا فى ثوبين ازار ورداء وذلك يوم السبت لخمس بقين من ذى القعدة فصلى الظهر بذى الحليفة* وفى المواهب اللدنية ثبت فى الصحيحين عن أنس صلينا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذى الحليفة ركعتين صرّح الواقدى بأنّ خروجه صلى الله عليه وسلم كان يوم السبت لخمس بقين من ذى القعدة وكان وقت خروجه من المدينة بين الظهر والعصر وكان أوّل ذى الحجة يوم الخميس وكان دخوله مكة صبح أربعة الى رابع ذى الحجة كما ثبت فى صحيح حديث عائشة وذلك يوم الاحد* وفى سيرة اليعمرى دخل مكة يوم الاحد بكرة وهذا يؤيد أنّ خروجه من المدينة كان يوم السبت كما تقدّم فيكون المكث فى الطريق ثمان ليال وهى المسافة الوسطى وخرج معه عليه السلام تسعون ألفا ويقال مائة ألف وأربعة عشر ألفا ويقال أكثر كما حكاه البيهقى وكانت الوقفة يوم الجمعة وأخرج صلى الله عليه وسلم معه نساءه كلهنّ فى الهوادج وأشعر هديه وقلده* وفى سيرة اليعمرى خرج فى حجة الوداع نهارا بعد ما ترجل وادّهن وتطيب وبات بذى الحليفة وقال أتانى الليلة آت من ربى وقال صل بهذا الوادى المبارك وقل عمرة فى حجة فأحرم بهما قارنا* وسئل جابر بن عبد الله عن حجة رسول الله قال انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن فى الناس فى العاشرة انّ رسول الله حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبى بكر فأرسلت الى رسول الله كيف أصنع قال اغتسلى واستشعرى وأحرمى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فى مسجد ذى الحليفة ثم ركب القصوى حتى اذا استوت به على البيداء كان الى مدّ البصر الناس من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك فأهلّ بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهلّ الناس بهذا ولزم رسول الله تلبيته قال لسنا ننوى الا الحج ولسنا نعرف العمرة* وعن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة من الثنية العليا يعنى كداء وهو المشهور بالمعلاة ويخرج من الثنية السفلى يعنى كدى كذا رواه البخارى* وفى سيرة اليعمرى ونزل على الحجون* وفى مناسك الكرمانى روى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة صبيحة اليوم الرابع من ذى الحجة وأقام بها محرما الى يوم التروية ثم راح الى منى محرما بذلك الا حرام* قال جابر حتى اذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدّم الى مقام ابراهيم فقرأ واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فصلى فيه ركعتين وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يقرأ فى الركعتين قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاها كان كعتق رقبة رواه الترمذى كذا فى المشكاة* قال جابر ثم رجع الى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب الى الصفا فلما دنا منه قرأ انّ الصفا والمروة من شعائر الله وقال أبدأ بما بدأ الله به فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبله فوحد الله وكبره وقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا اله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الاحراب وحده ثم دعا قال مثل هذا ثلاث مرّات ثم نزل الى المروة حتى انصبت
قدماه فى بطن الوادى حتى اذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل عليها كما فعل على الصفا حتى أتمّ السبع على المروة* وفى سيرة اليعمرى(2/149)
سعى راكبا انتهى* قال جابر قال لو أنى استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى وجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحلّ وليجعلها عمرة فقام سراقة بن مالك بن جشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم للابد فشبك رسول الله أصابعه واحدة فى الآخرى وقال دخلت العمرة فى الحج مرّتين لابل لأبد أبد* وقدم علىّ من اليمن ببدن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حلّ ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت أبى أمرنى بهذا* قال علىّ فذهبت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذى صنعت مستفتيا لرسول الله فيما ذكرت عنه فأخبرته انى أنكرت ذلك عليها فقال صدقت صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم انى أهلّ بما أهلّ به رسولك قال فانّ معى الهدى فلا تحلّ* وكانت جملة الهدى الذى قدم به علىّ من اليمن والذى أتى به النبىّ صلى الله عليه وسلم مائة فحلق الناس كلهم وقصروا الا النبىّ صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى* فلما كان يوم التروية توجهوا الى منى فأهلوا بالحج وركب النبىّ صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ومكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فنزل بها حتى اذا زاغت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له فأتى بطن الوادى فخطب الناس فقال انّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمىّ موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وانّ أوّل دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا فى سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوعة وأوّل ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب فانه موضوع كله فاتقوا الله فى النساء فانكم أخذتموهنّ بأمانة الله واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله ولكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهنّ ضربا غير مبرّح ولهنّ عليكم رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف وقد تركت فيكم ما ان تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأدّيت ونصحت فقال بأصبعه السبابة يرفعها الى السماء وينكتها الى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرّات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصوى الى الصخرة وجعل حبل الشاة بين يديه فوقف مستقبل القبلة وكان يوم الجمعة وكان واقفا اذ نزل عليه اليوم أكملت لكم دينكم الاية* وفى بحر العلوم فبركت ناقته من هيبة القرآن* قال جابر فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وأردف أسامة خلفه ودفع وقد شنق القصوى الزمام حتى انّ رأسها ليصيب مورك الرحل ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين الصبح وركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة ودعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدّا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّت ظعن البحرين فطفق الفضل ينظر اليهنّ فوضع صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحوّل الفضل وجهه الى الشق الاخر ينظر فحوّل صلى الله عليه وسلم يده من الشق الاخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الاخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرّك قليلا* وفى شفاء الغرام ذكر المحب الطبرى وابن خليل سمى محسرا لانّ فيل أصحاب الفيل حسر فيه أى أعيا واهل مكة يسمونه وادى النار زعموا أنّ رجلا اصطاد فيه غزالة فنزلت نار فأحرقته والله أعلم وليس وادى محسر من مزدلفة ولا من منى وهو مسيل ما بينهما وفى المشكاة وادى محسر من منى*
نفيسة
وفى منسك يحيى بن زكريا أنّ رجلا من(2/150)
الصالحين تأخر بعرفات فغلبه النوم فرأى فى منامه كأنّ عرفة مملوءة قردة وخنازير فتعجب من ذلك فهتف به هاتف هذه ذنوب الحجاج تركوها ومضوا طاهرين من الذنوب* وعن ابن الموفق قال حججت سنة فلما كانت ليلة عرفة بت بمنى فرأيت فى المنام ملكين قد نزلا من السماء فنادى أحدهما صاحبه يا عبد الله فقال له لبيك يا عبد الله قال أتدرى كم حج فى هذه السنة بيت ربنا قال لا أدرى قال حج ستمائة ألف فقال أتدرى كم قبل منهم قال لا قال قبل منهم ستة قال ثم ارتفعا فنادى فى السماء فانتبهت فزعا خائفا مرعوبا وغمنى ذلك وقلت فى نفسى اذا قبل حج ستة فمن أكون أنا فلما أفضت من عرفات وصرت عند المشعر الحرام جعلت أفكر فى كثرة الخلائق وقلة من قبل منهم فغلبنى النوم فاذا الملكان بعينهما قد نزلا فقال أحدهما لصاحبه المقالة الاولى ثم قال أتدرى ما حكم ربنا فى هذه الليلة قال لا قال وهب ربنا لكل واحد من الستة مائة ألف فانتبهت مملوآ من السرور ما الله به عالم* وفى المشكاة عن عباس بن مرداس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمّته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب بأنى قد غفرت لهم ما خلا المظالم فانى آخذ للمظلوم من الظالم قال أى رب ان شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشيته فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب الى ما سأل* قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال تبسم فقال له أبو بكر وعمر بأبى أنت وأمى انّ هذه لساعة ما كنت تضحك فيها فما الذى أضحكك أضحك الله سنك قال انّ عدوّ الله ابليس لما علم انّ الله عز وجل قد استجاب دعائى وغفر لأمّتى أخذ التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكنى ما رأيت من جزعه رواه ابن ماجه والبيهقى فى كتاب البعث والنشور* قال جابر ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة فرماها بسبع حصيات مثل حصى الخذف يكبر مع كل حصاة منها من بطن الوادى ثم انصرف الى المنحر فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة وأعتق ثلاثا وستين رقبة عدد سنى عمره ثم أعطى عليا ما بقى الى تمام المائة وقد كان صلى الله عليه وسلم أتى ببعضها وقدم علىّ بشئ منها من اليمن* وفى حياة الحيوان نحر بيده فى حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة وأعتق ثلاثا وستين رقبة ثم حلق رأسه بمنى جانبه الايمن ثم الايسر وحالقه معمر بن عبد الله العدوى وقيل اسمه خراش بن أمية بن ربيعة الكلبى* وفى منهاج النووى انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى ثم أتى الجمرة ولم يزل يلبى حتى رمى ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذو أشار الى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس* وفى المناسك للكرمانى انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما رمى جمرة العقبة رجع الى منزله بمنى ثم دعا بذبائح فذبح ثم دعا بالحلاق فأعطاه شقه الأيمن فحلقه فدفعه الى أبى طلحة ليفرّقه بين الناس ثم أعطاه شقه الأيسر فحلقه ثم دفعه الى أبى طلحة ليفرّقه بين الناس قيل أصاب خالد بن الوليد شعرات من شعرات ناصيته صلى الله عليه وسلم* وفى الشفاء كانت شعرات من شعره عليه السلام فى قلنسوة خالد فلم يشهد بها قتالا الارزق النصر* قال جابر وأشرك صلى الله عليه وسلم عليا فى هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت فى قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب صلى الله عليه وسلم فأفاض الى البيت وصلى الظهر بمكة فأتى بنى عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انتزعوا بنى عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه وطاف صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ليراه الناس وليشرف ويسألوه فانّ الناس قد غشوه وكان صلى الله عليه وسلم لا يستلم فى طوافه الا الحجر الأسود والركن اليمانى* وعن الزبير قال سأل رجل ابن عمر عن استلام الحجر قال رأيت رسول الله يستلمه ويقبله رواه البخارى وعن ابن عمر قال لم أر النبىّ صلى الله عليه وسلم يستلم من
البيت الا الركنين اليمانيين متفق عليه* وعن ابن عباس قال(2/151)
طاف النبىّ صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن متفق عليه* وعن أبى الطفيل قال رأيت رسول الله يطوف بالبيت على بعير ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن رواه مسلم ذكر الاحاديث الاربعة فى المشكاة* وقال النووى فى شرح صحيح مسلم انّ للبيت أربعة أركان الركن الأسود والركن اليمانى ويقال لهما اليمانيان للتغليب وأمّا الركنان الاخران فيقال لهما الشاميان فالركن الأسود فيه فضيلتان* احداهما كونه على قواعد ابراهيم عليه السلام* والثانية كون الحجر الأسود فيه وأمّا اليمانى ففيه فضيلة واحدة وهى كونه على قواعد ابراهيم وأمّا الركنان الاخران فليس فيهما شئ من هاتين الفضيلتين فلهذا خص الحجر الأسود بسنة الاستلام والتقبيل وأمّا اليمانى فيستلم ولا يقبل لانّ فيه فضيلة واحدة وأمّا الركنان الاخران فلا يقبلان ولا يستلمان* وفى تشويق الساجد قال المحب الطبرى فى كتابه المسمى بالقربى العمل عند أهل العلم فى كيفية التقبيل أن يضع شفتيه على الحجر من غير تصويت كما يفعله كثير من الناس انتهى فانه صح أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قبله من غير صوت وأمّا السجود على الحجر الأسود فقد ورد أنّ ابن عباس قبل الحجر الأسود وسجد عليه وقال رأيت عمر قبله ثم سجد عليه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا رواه ابن المنذر وأبو يعلى الموصلى والحاكم وصحح اسناده وليس فى حديث جابر الطويل المشهور فى صفة حج النبىّ ذكر السجود على الحجر الأسود والحنفية لم يذكروا فى كتبهم ومناسكهم السجود على الحجر الأسود وأغرب الشيخ فخر الدين الزيلعى الحنفى فقال فى شرح الكنز انه يسجد عليه وكأنه أخذ هذا عن الشافعية* وحكى السكاكى من الحنفية عن الشافعى السجود عليه واستدلّ بحديث ابن عباس المذكور ثم قال وعندنا الاولى أن لا يسجد عليه لعدم الرواية فى المشاهير وكذلك قاله الطرابلسى وأنكر مالك وضع الخدّ والجبهة عليه وقال انه بدعة نقله ابن جماعة فى منسكه* وقال ابن المنذر انه لا يعلم أحد أنكر ذلك الا مالكا* وفى البحر العميق ثم يستلم الحجر بيده ثم يقبله من غير أن يظهر الصوت فى القبلة ويسجد عليه ويكرّر التقبيل والسجود عليه ثلاثا* قال رشيد الدين فى مناسكه ينبغى أن يبدأ من جانب الحجر الذى يلى الركن اليمانى ليكون مروره على جميع الحجر بجميع بدنه* قال الطرابلسى انما قال هذا ليخرج من خلاف من يشترط المرور على الحجر بجميع بدنه وقال ابن الصلاح ثم النووى انه يستقبل القبلة ويقف على جانب الحجر بحيث يصير جميع الحجر على يمينه ويصير منكبه الايمن عند طرف الحجر ثم ينوى الطواف ثم يمشى مستقبل الحجر مارّا الى جهة يمينه حتى يجاوز الحجر فاذا جاوز انفتل وجعل يساره الى البيت ويمينه الى خارج البيت ولو فعل هذا من الاوّل فلم يستقبل الحجر عند محاذاته بل جعله عن يساره جاز* ومن البدعة ما يفعله بعض الجهال من استلام الركنين الشاميين وبعضهم يمسح عليهما بيده ويقبلهما وبعضهم يمرّ عليهما ويشير اليهما بيده من غير تقبيل وهذه بدعة منكرة مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم* وقال ابن جماعة فى منسكه اتفقت الائمة الاربعة على انه لا يستلم الركنان الشاميان ولا يقبلان اقتداء بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى* وأما رفع اليدين عند الاستلام فقال القاضى بدر الدين بن جماعة الشافعى فى مناسكه الكبرى لا يسنّ ولا يستحب رفع اليدين عند نية الطواف قبل استقبال الحجر الاسود على المذاهب الاربعة ولا يسنّ عند استقبال الحجر الاسود أيضا الاعلى مذهب أبى حنيفة فقط انتهى وأما رفع اليدين وكيفيته على مذهب أبى حنيفة عند استقبال الحجر الاسود فانه يرفع يديه حذو أذنيه مستقبلا بوجهه الحجر كما فى الصلاة لقوله عليه السلام لا ترفع الايدى الا فى سبع مواطن فى افتتاح الصلاة وفى القنوت وفى الوتر وفى العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبجمع(2/152)
* قال الشيخ فخر الدين الزيلعى فى شرح الكنز ثلاثة منها فى الصلاة عند الافتتاح والقنوت وتكبيرات العيدين وأربع فى الحج وهى ما عداها ففى أربع من هذه السبعة يرفع يديه حذو أذنيه وهى الثلاثة التى فى الصلاة وعند الاستلام وفى ثلاثة يرفع يديه بسطا الاوّل على الصفا والمروة يجعل باطن كفيه نحو السماء كما يفعل فى الدعاء ويستقبل القبلة ويدعو بحاجته والثانى والثالث بعرفة وجمع أما بعرفة فبعد ما صلى الظهر والعصر مع الامام ووقف ودعا الى وقت الغروب ويجعل باطن كفيه نحو السماء فقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة مادّا يديه فى نحره كالمستطعم المسكين وأما بجمع فبعد ما صلى الفجر بغلس يوم النحر وقف ودعا ويجعل باطن كفيه نحو السماء والرابع عند الجمرتين الاولى والوسطى دون جمرة العقبة ويرفع يديه حذو منكبيه ويجعل باطنهما نحو السماء* وفى السراج الوهاج فى باب صفة الصلاة انه عند الجمرتين يجعل باطنهما نحو الكعبة فى ظاهر الرواية وعن أبى يوسف يجعل باطنهما نحو السماء انتهى* وقد جمع بعضهم هذه السبعة فى تسعة أحرف وأفرد كلا من الصفا والمروة وكلا من العيدين وعرفات وهى فقعس صمعجم فالفاء للافتتاح والقاف للقنوت والعين الاولى للعيدين والسين لاستلام الحجر والصاد للصفا والميم الاولى للمروة والعين الثانية لعرفات والجيم للجمرتين والميم الثانية لمزدلفة فيرفع الايدى فى فقعس حذاء الاذنين وفى صمعجم حذاء منكبيه بسطا نحو السماء* قال صاحب الوقاية
ارفع يديك لدى التكبير مفتتحا ... وقانتا وبها العيدان قد وصفا
وفى الوقوفين ثم الجمرتين معا ... وفى استلام كذا فى مروة وصفا
وجه الانحصار فى الحديث أى لا ترفع الايدى على وجه السنن الاصلية التى هى سنة الهدى الا فى هذه المواضع واما فى سائر المواضع انما ترفع فى الدعاء على انه من باب الاستحباب لا على سنة الهدى واذا رفع يديه عند الاستلام يرسلهما ويكبر ويهلل ويحمد الله تعالى ويصلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم يستلم الحجر وتفسير الاستلام كما قال الكرمانى والفارسى وقاضى خان وشارح الطحاوى أن يضع كفيه على الحجر ويقبله بفمه بين يديه اذا أمكن من غير ايذاء أحد* الاستلام افتعال من السلام وهو التحية مشتق منه ومعناه يحيى نفسه بالحجر وقيل من السلم بكسر السين وهى الحجارة فادامس الحجر بيده فقد استلم أى مس به السلم وهو الحجر* وفى شرح الوقاية استلم الحجر أى تناوله باليد أو القبلة أو مسحه بالكف من السلمة بفتح السين وكسر اللام وهو الحجر والايمس بشئ فى يده ثم يقبله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدم مكة ينزل بذى طوى ويبيت به حتى يصلى الصبح ومصلاه ذلك على أكمة غليظة ليس فى المسجد المبنى ثمة ولكن أسفل من ذلك عليها*
اتيان الصبى وتكلمه بين يدى النبىّ يوم ولد
وفى هذه السنة فى حجة الوداع جىء بصبىّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ولد فقال من أنا فقال رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم صدقت بارك الله فيك ثم ان الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب وكان يسمى ذلك الغلام مبارك اليمامة* وفى هذه السنة مات باذان والى اليمن ففرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم عملها بين شهر بن باذان وعامر بن شهر الهمدانى وأبى موسى الاشعرى وخالد بن العاص ويعلى بن أمية وعمرو بن حزم وجعل زياد بن لبيد على حضرموت وعكاشة بن ثور على السكاسك والسكون والسكاسك حىّ باليمن جدّهم القيل بن سكسك بن الاشرس كذا فى القاموس والسكون بفتح السين حىّ باليمن*
موت باذان
وفى هذه السنة مات أبو عامر الراهب عند هرقل كذا فى سيرة مغلطاى*
نزول آية الاستئذان
وفى هذه السنة نزلت آية الاستئذان روى ان غلاما لأسماء بنت أبى مرثد دخل عليها فى وقت كرهته فنزلت يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الى آخرها وقيل أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مدلج بن عمرو الانصارى وكان غلاما وقت الظهيرة ليدعو عمر فدخل وهو نائم وقد انكشف عنه ثوبه فقال عمر لوددت ان الله تعالى(2/153)
نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا أن لا يدخلوا هذه الساعة علينا الا باذن تم انطلق معه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فوجده وقد نزلت عليه هذه الاية كذا فى أنوار التنزيل وكانوا لا يفعلون قبل ذلك* وفى الكشاف يحكى ان عيينة بن حصن دخل على النبىّ صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة من غير استئذان فقال رسول الله يا عيينة أين الاستئذان قال يا رسول الله ما استأذنت على رجل قط ممن مضى منذ أدركت ثم قال من هذه الجميلة الى جنبك فقال عليه السلام هذه عائشة أمّ المؤمنين فقال عيينة أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق فقال صلى الله عليه وسلم ان الله قد حرم ذلك فلما خرج قالت عائشة من هذا يا رسول الله قال أحمق مطاع وانه على ما ترين لسيد قومه وقوله عليه السلام ان الله قد حرّم ذلك اشارة الى تحريم التبدل فى قوله تعالى ولا أن تبدّل بهنّ من أزواج وهو من البدل الذى كان فى الجاهلية كان يقول الرجل للرجل بادلنى بامرأتك وأباد لك بامر أتى فينزل كل واحد منهما عن امرأته لصاحبه
*
(الموطن الحادى عشر فى وقائع السنة الحادية عشر من الهجرة
من قدوم وفد النخع واستغفاره صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع وسرية أسامة بن زيد الى أبنى وذكر الاسود العنسى ومسيلمة الكذاب وسجاح وطليحة وذكر ما وقع قبل مرضه وابتداء مرضه وما وقع فى مرضه ومدّة مرضه وذكر سنه ووقت موته وذكر بيعة أبى بكر وذكر غسله وتكفينه والصلاة عليه وقبره ودفنه والندب عليه وميراثه وتركته وحكمه فيها ورؤيته فى المنام وزيارته صلى الله عليه وسلم وسائر المزارات بالمدينة) ** وفى هذه السنة قدم وفد النخع من اليمن للنصف من المحرم وهم مائتا رجل مقرين بالاسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن وهم آخر وفد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم*
استغفاره عليه السلام لاهل البقيع
وفى هذه السنة استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل البقيع بالليل فى المحرم مرجعه من حجته قال أبو مويهبة اشتكى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بأيام* وفى رواية عنه فما لبث بعد ذلك الاستغفار الاسبعا أو ثمانيا حتى قبض وكان مامورا بالاستغفار* وفى المواهب اللدنية روى الشيخان من حديث عقبة بن عامر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للاحياء والاموات*
سرية أسامة بن زيد الى أهل ابنى
وفى هذه السنة كانت سرية أسامة بن زيد الى أهل أبنى بضم الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح النون على وزن فعلى موضع بناحية البلقاء كانت يوم الاثنين لاربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة كما مرّ وهى آخر سرية جهزها النبىّ صلى الله عليه وسلم وأوّل شئ جهزه أبو بكر لغزو الروم الى مكان قتل أبيه زيد* قال الواقدى قبض النبىّ صلى الله عليه وسلم وأسامة ابن عشرين سنة كذا فى الصفوة* روى ان رسول الله أمر بالتهيؤ لغزو الروم يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال سر الى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم فان أظفرك الله فاقلل اللبث فيهم وخذ معك الادلاء وقدّم العيون والطلائع أمامك فلما كان يوم الاربعاء بدأ مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمّ وصدع فلما أصح يوم الخميس عقد لا سامة لواء بيده ثم قال اغز بسم الله فى سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج وعسكر بالجرف على فرسخ من المدينة فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والانصار الا انتدب فى تلك الغزوة فيهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وقتادة بن النعمان فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الاوّلين فغضب رسول الله غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتنى عن بعضكم فى تأمير أسامة ولئن طعنتم فى تأميرى أسامة لقد طعنتم فى تأميرى أباه من قبله وأيم الله ان كان للامارة لخنيقا وان ابنه بعده(2/154)
لخليق للامارة وان كان لمن أحب الناس الىّ فاستوصوا به خيرا فانه من خياركم ثم نزل ودخل بيته وذلك فى يوم السبت لعشر خلون من ربيع الاوّل وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودّعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضون الى العسكر بالجرف وثقل رسول الله فلما كان يوم الاحد اشتت برسول الله وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبىّ صلى الله عليه وسلم مغمى عليه* وفى رواية قد أصمت وهو لا يتكلم وهو اليوم الذى لدّوه فيه فطأطأ رأسه فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه الى السماء ثم يضعهما على أسامة قال فعرفت انه يدعو لى ورجع أسامة الى معسكره فأمر الناس بالرحيل فبينما هو يريد الركوب اذا رسول أمه أمّ أيمن قد جاءه يقول ان رسول الله يموت فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة وانتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت* فتوفى صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين ودخل المدينة المسلمون الذين عسكروا وكان لواء أسامة مع بريدة بن الحصيب فدخل بريدة بلواء أسامة حتى غرزه عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بويع لأبى بكر بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر باللواء الى أسامة ليمضى لوجهه فمضى بريدة الى معسكرهم الاوّل فلما ارتدّت العرب كلم أبو بكر فى حبس جيش أسامة وكلم أبو بكر أسامة فى أن يأذن لعمر فى التخلف ففعل فلما كان هلال ربيع الاخر من السنة الحادية عشر بعث أبو بكر على مقتضى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد الى حرب الشام فخرج فابتدأ الاغارة من قضاعة الى مؤتة من الشام وسار الى أهل أبنى فى عشرين ليلة فأغارهم وقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وقتل قاتل أبيه ورجع الى المدينة بالغلبة والظفر وكانت مدّة غيبته فى ذلك السفر أربعين يوما فخرج أبو بكر فى المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا لقدومهم وستجىء وفاة أسامة فى الخاتمة فى آخر خلافة معاوية*
ظهور الاسود العنسى
وفى هذه السنة فى زمان مرضه عليه السلام جاء الخبر بظهور الاسود العنسى ومسيلمة الكذاب وكانا يستغويان أهل بلادهما قبل الا انه لم يظهر أمرهما الا فى زمان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله قد لحقه مرض بعيد عوده من الحج ثم عوفى ثم عاد فمرض مرض الموت* وقال ابو مويهبة لما رجع رسول الله عليه السلام طارت الاخبار بأنه قد اشتكى فوثب الاسود باليمن ومسيلمة باليمامة فجاء الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه* قال بعض أصحاب السير وذلك بعد ما ضرب على الناس بعث أسامة* وروى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه من الصداع وقال انى رأيت البارحة فيما يرى النائم ان فى عضدىّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والاخر باليمن قيل ما أوّلتهما يا رسول الله قال فاوّلتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة وصاحب اليمن يخرجان من بعدى* وفى الاكتفاء قال ابن اسحاق وقد كان تكلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذابان مسيلمة بن حبيب الحنفى باليمامة فى بنى حنيفة والاسود بن كعب العنسى بصنعاء* وذكر باسناد له عن أبى سعيد الخدرى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على منبره وهو يقول أيها الناس انى قد رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها ورأيت فى ذراعىّ سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا فأوّلتهما هذين الكذابين صاحب اليمن وصاحب اليمامة* وعن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كلهم يدعى النبوّة* وفى معالم التنزيل قد ارتدّ فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم ثلاث فرق* الفرقة الاولى بنو مذحج ورئيسهم الاسود العنسى* فى القاموس العنس لقب زيد بن مالك بن أدد أبو قبيلة من اليمن ومخلاف بها مضاف اليه واسم الاسود عبهلة بن كعب العنسى ويقال له ذو الخمار بخاء معجمة لانه كان يغطى وجهه(2/155)
بخمار ويقال ان ذا الخمار اسم شيطانه* وفى المنتقى وكان يقال له ذو الحمار بالحاء المهملة لقب بذلك لانه كان يقول يأتينى ذو حمار* وفى تفسير الكورانى لانه كان له حمار اذا قال له قف وقف قد ادّعى النبوّة باليمن فى عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم فاتبع على ذلك وكان كاهنا مشعبذا يرى الناس الاعاجيب ويسبى منطقه قلب من سمعه وكان يزعم ان ملكين يكلمانه اسم أحدهما شهيق والاخر شريق* وفى روضة الاحباب وكان له شيطانان اسم أحدهما سحيق والاخر شقيق وكانا يخبر انه بالامور الحادثة بين الناس فلما مات باذان الفارسى عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنعاء اليمن أخبراه بموته فسار اليها واستولى عليها وكان أوّل خروجه بعد حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ومن أوّل خروجه الى أن قتل أربعة أشهر فخرج مع قومه وغلب على اليمن فكتب فروة ابن مسيك عامل رسول الله على مراد بخبره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معاذ بن جبل هاربا حتى مرّ بأبى موسى الاشعرى وهو بمأرب فاقتحما حضرموت ورجع عمرو بن خالد الى المدينة فغلب أمر الاسود وجعل أمره يستطير استطارة الحريق* وفى الاكتفاء فتزوّج المرزبانة امرأة باذان الفارسى وكانت من عظماء فارس وقسرها على ذلك فأبغضته أشدّ البغض* وفى المنتقى قتل شهر ابن باذان وتزوّج امرأته وكانت بنت عمّ فيروز الديلمى فكتب رسول الله الى معاذ بن جبل ومن معه من المسلمين وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم وعلى النهوض الى حرب الاسود فقتله فيروز الديلمى على فراشه كما سيجئ وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا الى نفر من الابناء وكتب اليهم أن يحاولوا الاسودا ما غيلة واما مصادمة وأمرهم أن يستمدّوا رجالا سماهم لهم ممن حولهم من حمير وهمدان وأرسل الى أولئك الرجال أن يمدّوهم فدخلوا على زوجته فقالوا هذا قتل أباك وزوجك فما عندك قالت هو أبغض الناس الىّ وهو مجرّد والحرس محيطون بقصره الا هذا البيت فانقبوا عليه فنقبوا عليه البيت ودخل فيروز الديلمى ورجل آخر يقال له دادويه فقتله فيروز فخار كأشدّ خوار الثور فابتدر الحرس الى الباب فقالوا ما هذا الصوت قالت المرأة النبىّ يوحى اليه فاليكم ثم خمد وقد كان يجىء شيطانه فيوسوس اليه فيغط فيعمل بما قال له* فلما طلع الفجر نادى المسلمون بشعارهم الذى بينهم ثم بالاذان وقالوا فيه وأشهد أنّ محمدا رسول الله وأنّ عبهلة كذاب وأغار واو تراجع أصحاب رسول الله الى أعمالهم وكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر فسبق خبر السماء اليه* وعن ابن عمر أتى الخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم من السماء الليلة التى قتل فيها الاسود فخرج رسول الله قبل موته بيوم فأخبر الناس بذلك فقال قتل الاسود البارحة قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين قيل ومن هو يا رسول الله قال فيروز فاز فيروز فبشر النبىّ صلى الله عليه وسلم بهلاك الاسود وقبض من الغد فأتى خبر مقتل العنسى المدينة بعد وفاة رسول الله فى خلافة أبى بكر فى آخر شهر ربيع الاوّل بعد مخرج أسامة بن زيد الى أبنى* وكان ذلك أوّل فتح جاء أبا بكر وفى الاكتفاء سمعت بخروج الاسود بنو الحارث بن كعب من أهل نجران وهم يومئذ مسلمون فأرسلوا اليه يدعونه أن يأتيهم فى بلادهم فجاءهم فاتبعوه وارتدّوا عن الاسلام ويقال دحلها يوم دخلها فى آلاف من حمير يدعى النبوّة ويشهدون له بها فنزل غمدان فلم يتبعه من النخع ولا من جعفى أحد وتبعه ناس من مذحج وعنس وبنى الحارث وأود ومسلية وحكم وأقام الاسود بنجران يسيرا ثم رأى أنّ صنعاء خير له من نجران فسار اليها فى ستمائة راكب من بنى الحارث فنزل صنعاء فأبت الابناء أن يصدّقوه فغلب على صنعاء واستذلّ الابناء بها وقهرهم وأساء جوارهم لتكذيبهم اياه
قتل الاسود العنسى
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الازد وقيل من خزاعة يقال له وبر بن يخنس الى الابناء فى أمر الاسود فدخل صنعاء مختفيا فنزل على دادويه الابناوى فخبأه(2/156)
عنده وتأمّرت الابناء لقتل الاسود فتحرّك فى قتله نفر منهم قيس بن عبد يغوث المكشوح وفيروز الديلمى ودادويه الابناوى وكانت المرزبانة كما تقدّم قد أبغضت الاسود أشدّ البغض فوعدتهم موعدا أتوا لميقاته وقد سقته الخمر حتى سكر فسقط نائما كالميت فدخل عليه فيروز وقيس ونفر معهما فوجدوه على فراش عظيم من ريش قد غاب فيه فأشفق فيروز أن يتعادى عليه السيف ان ضربه به فوضع ركبته على صدر الكذاب ثم فتل عنقه فحوّله حتى حوّل وجهه من قبل ظهره وأمر فيروز قيسا فاحتزّ رأسه فرمى به الى الناس ففض الله الذين اتبعوه وألقى عليهم الخزى والذلة وفيروز الديلمى كنيته أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن يقال هو ابن أخت النجاشى وقيل هو من أبناء فارس ويقال له الحميرى لانه نزل حمير* فى الصحاح حمير أبو قبيلة من اليمن وهو حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب ابن قحطان ومنهم كانت الملوك فى الدهر الاوّل واسم حمير العرفج*
قصة مسيلمة الكذاب
الفرقة الثانية بنو حنيفة وفى القاموس حنيفة لقب اثال بن لجيم أبى حى انتهى ورئيسهم مسيلمة الكذاب اسمه هارون ابن حبيب من بنى حنيفة وكنيته أبو ثمامة ولقبه مسيلمة وهو قبيح الخلقة دميم الصورة وصفته على عكس صفة رسول الله وكان يزعم أنّ جبريل نزل عليه بالقرآن وكان يقال له رحمن اليمامة لانه كان يقول الذى يأتينى اسمه رحمن أو هو من باب تعنتهم فى الكفر كما هو فى الكشاف* وعن رافع بن خديج قال قدمت على النبىّ صلى الله عليه وسلم وفود العرب فلم يقدم علينا وفد أقسى قلوبا ولا أحرى أن يكون الاسلام لم يقرّ فى قلوبهم من بنى حنيفة وقد ذكر مسيلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما انه ليس بشرّكم مكانا لما كانوا أخبروه به من أنهم تركوه فى رحالهم حافظا لها* وعن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له أنّ مسيلمة قال عند ما قدم فى قومه لو جعل لى محمدا لخلافة من بعده لاتبعته فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس وفى يد رسول الله ميتخة من نخل فوقف عليه ثم قال لئن أقبلت ليفعلن الله بك ولئن أدبرت ليقطعن الله دابرك وما أراك الا الذى رأيت فيه ما رأيت ولئن سألتنى هذه الشظية لشظية من الميتخة التى فى يده ما أعطيتكها وهذا ثابت يجيبك* قال ابن عباس سألت أبا هريرة عن قول النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أراك الا الذى رأيت فيه ما رأيت قال كان رسول الله قال بينا أنا نائم رأيت فى يدىّ سوارين من ذهب فنفختهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والاخر باليمن قيل ما أوّلتهما يا رسول الله قال أوّلتهما كذا بين يخرجان من بعدى ولما انصرف فى قومه الى اليمامة ارتدّ عدوّ الله وادّعى الشركة فى النبوّة مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال للوفد الذين كانوا معه ألم يقل لكم حين ذكرتمونى له أما انه ليس بشرّكم مكانا ما ذاك الا لما علم أنى أشركت فى الامر معه وكتب الى رسول الله* من مسيلمة رسول الله الى محمد رسول الله أمّا بعد فانى قد أشركت فى الامر معك وانّ لنا نصف الارض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم يعتدون وبعث الكتاب مع رجلين من أصحابه فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قرأ كتابه أتشهدان انى رسول الله قالا نعم قال أتشهدان أنّ مسيلمة رسول الله قالا نعم قد اشترك معك فى الامر فقال أما والله لولا انّ الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما* وعن ابن مسعود قال جاء ابن النواحة وابن أنال رسولا مسيلمة الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال لهما أتشهدان انى رسول الله قالا نشهد أنّ مسيلمة رسول الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما* قال عبد الله فمضت السنة انّ الرسول لا يقتل رواه أحمد كذا فى المشكاة* ثم كتب الى مسيلمة فى جوابه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أمّا بعد فانّ الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وقد أهلكت أهل الحجر أبادك الله ومن(2/157)
صوّت معك فلما وصله كتاب رسول الله أخفاه وكتب عن رسول الله كتابا وصله بثبوت الشركة بينهما وأخرج ذلك الكتاب الى قومه فافتتنوا بذلك* وفى الاكتفاء قال ابن اسحاق وكان ذلك يعنى كتاب مسيلمة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه الى مسيلمة فى آخر سنة عشر* وقال أبو جعفر محمد ابن جرير الطبرى وقد قيل انّ دعوى الكذابين مسيلمة والعنسى للنبوّة فى عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد انصراف النبىّ من حجة الوداع ووقوعه فى المرض الذى توفاه الله فيه والله أعلم* وفى المواهب اللدنية لما انصرف وفد بنى حنيفة من عند النبىّ صلى الله عليه وسلم وقدموا اليمامة ارتدّ عدوّ الله مسيلمة وتنبأ وقال انى أشركت معه ثم اشتغل بالمعارضة الركيكة التى هى ضحكة العقلاء وجعل يسجع السجعات فيقول فيما يقول مضاهاة للقرآن لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشا وقال آخر ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين شراسيف وحشا وقال آخر الفيل ما الفيل وما أدراك ما الفيل له ذنب وثيل ومشفر أو خرطوم طويل انّ ذلك من خلق ربنا لقليل ويقول فى التشبيه بالسور القصار يا ضفدع نقى كم تنقين النقيق صوت الضفدع فاذا رجع صوته قيل نقنق كذا فى نهاية ابن الاثير أعلاك فى الماء وأسفلك فى الطين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين كذا فى شرح المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء انه كان يقول يا ضفدع بنت ضفدعين لحسن ما تنقنقين لا الشارب تمنعين ولا الماء تكدرين امكثى فى الارض حتى يأتيك الخفاش بالخبر اليقين لنا نصف الارض ولقريش نصفها ولكن قريش قوم لا يعدلون وسجع اللعين على سورة انا أعطيناك الكوثر فقال انا أعطيناك الجواهر فصل لربك وهاجر انّ مبغضك رجل فاجر* وفى رواية انا أعطيناك الجماهر فخذّ لنفسك وبادر واحذر أن تحرص أو تكاثر* وفى رواية انا أعطيناك الكواثر فصل لربك وبادر فى الليالى الغوادر ولما سمع الملعون والنازعات غرقا قال والزارعات زرعا فالحاصدات حصدا والذاريات قمحا والطابخات طبخا والحافرات حفرا والخابزات خبزا فالثاردات ثردا فاللاقمات لقما والاكلات أكلا لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر* روى أنّ امرأة أتت مسيلمة فقالت ادع الله لنا ولنخلنا ولمائنا فانّ محمدا دعا لقومه فجاشت آبارهم وكثر ماؤها قال كيف صنع قالت دعا بسجل فدعا لهم فيه ثم تمضمض ومج فيه فأفرغوه فى تلك الابار ففعل مسيلمة كذلك فغارت تلك المياه* وفى المواهب اللدنية ولما سمع اللعين أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم تفل فى عين علىّ وكان أرمد فبرئ تفل فى عين بصير فعمى ومسح بيده ضرع شاة حلوب فارتفع درّها ويبس ضرعها وحفرت بنو حنيفة بئرا فأعذبوها متاحا فجاؤا الى مسيلمة وطلبوا اليه أن يأتيها وأن يبارك فيها فأتاها فبصق فيها فعادت أجاجا وتوضأ مسيلمة فى حائط فصب وضوءه فيه فلم ينبت وقال له رجل بارك على ولدى فانّ محمدا يبارك على أولاد أصحابه فلم يؤت بصبىّ مسح مسيلمة رأسه أو حنكه الاقرع أو لثغ وجاءه رجل وقال يا أبا ثمامة انى ذو مال وليس لى مولود يبلغ سنتين حتى يموت غير هذا المولود وهو ابن عشر سنين ولى مولود ولد أمس أحب أن تبارك فيه وتدعو أن يطيل الله عمره فقال سأطلب لك الذى طلبت فجعل عمر المولود أربعين سنة فرجع الرجل الى منزله مسرورا فوجد الاكبر قد تردّى فى بئر ووجد الصغير ينزع فى الموت فلم يمس من ذلك اليوم حتى ماتا جميعا تقول أمّهما فلا والله ما لأبى ثمامة عند الهه مثل منزلة محمد عليه السلام قيل انه أدخل البيضة فى القارورة وادّعى أنها معجزة فافتضح بنحو ما ذكر أنّ النوشادر اذا ضرب فى الخلّ ضربا جيدا وجعلت فيه البيضة بنت يومها يوما وليلة فامتدّت كالخيط فتجعل فى القارورة ويصب عليها الماء البارد فانها تجمد كذا فى المواهب اللدنية* وفى ربيع الابرار قال الجاحظ كان مسيلمة قبل ادعاء النبوّة يدور(2/158)
فى الاسواق التى بين دور العرب والعجم كسوق الابلة وسوق بقة وسوق الانبار وسوق الحيرة يلتمس تعلم الحيل والنيرنجات واحتيالات أصحاب الرقى والنجوم ومن حيلته أنه صب على بيضة من خلّ حاذق قاطع فلانت حتى اذا مددتها استطالت واستدقت كالعلك ثم أدخلها قارورة ضيقة الرأس وتركها حتى انضمت واستدارت وعادت كهيئتها الاولى فأخرجها الى قومه وهم قوم اعراب وادّعى النبوّة فامن به جماعة ووضع فى الاخر الصلاة عن قومه وأحلّ الخمر والزنا ونحو ذلك واتفق معه بنو حنيفة الا افذاذا من ذوى عقولهم ومن أراد الله به الخير منهم وكان من أعظم ما فتن به قومه شهادة الدجال ابن عنفوة له باشراك النبىّ صلى الله عليه وسلم اياه فى الامر وكان من قصة الدجال انه قدم مع قومه وافدا على النبىّ صلى الله عليه وسلم فقرأ القرآن وتعلم السنن وكان يأتى أبيا يقرئه فقدم اليمامة وشهد لمسيلمة على رسول الله أنه أشركه فى الامر من بعده فكان أعظم على أهل اليمامة فتنة من غيره قالوا وسمع الدجال يقول كبشان انتطحا فأحبهما الينا كبشنا وكان ابن عمير اليشكرى من سراة أهل اليمامة وأشرافهم وكان مسلما يكتم اسلامه وكان صديقا للدّجال فقال شعر افشافى اليمامة حتى كانت المرأة والوليدة والصبىّ ينشدونه وهو
يا سعاد الفؤاد بنت أثال ... طال ليلى بفتنة الدجال
فتن القوم بالشهادة والله ... عزيز ذو قوّة ومحال
لا يساوى الذى يقول من الام ... ر قبالا وما احتذى من قبال
انّ دينى دين النبىّ وفى القو ... م رجال على الهدى أمثالى
أهلك القوم محكم بن طفيل ... ورجال ليسوا لنا برجال
بزهم أمرهم مسيلمة اليو ... م فلن يرجعوه أخرى الليالى
قلت للنفس اذ تعاظمها الصب ... ر وساءت مقالة الاقوال
ربما تجزع النفوس من الام ... ر له فرجة كحل العقال
ان تكن ميتتى على فطرة الله ... حنيفا فاننى لا أبالى
فبلغ ذلك مسيلمة ومحكما وأشراف اهل اليمامة فطلبوه ففاتهم ولحق بخالد بن الوليد فأخبره بحال أهل اليمامة ودله على عوراتهم*
قصة سجاح
واستضاف مسيلمة الى ضلالته فى دين الله وتكذبه على الله ضلالة سجاح وكانت امرأة من بنى تميم* وفى القاموس سجاح كقطام امرأة تنبأت وادّعت أنها نبية* وفى الاكتفاء أجمع قومها على أنها نبية فادّعت الوحى واتخذت مؤذنا وحاجبا ومنبرا فكانت العشيرة اذا اجتمعت تقول الملك فى أقربنا من سجاح وفيها يقول عطارد بن حاجب بن زرارة
أضحت نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
ثم انّ سجاح جيشت جيوشا ورحلت تريد حرب مسيلمة وأخرجت معها من قومها من تابعها على قولها وهم يرون أنّ السجاح أولى بالنبوّة من مسيلمة فلما قدمت عليه خلابها وقال لها تعالى نتدارس النبوّة أينا أحق بها فقالت له سجاح قد أنصفت وفى الخبر بعد هذا ما يحق الاعراض عن ذكره وقيل انّ سجاح توجهت الى مسيلمة مستجيرة به لما وطئ خالد العرب ورأت انه لا أحد أعزّ لها منه وقد كانت أمرت مؤذنها شيث بن ربعى أن يؤذن بنبوّة مسيلمة فكان يفعل فلما قدمت على مسيلمة قالت اخترتك على من سواك ونوّهت باسمك حتى انّ مؤذنى ليؤذن بنبوّتك فخلابها ليتدارسا النبوّة* وفى روضة الاحباب بعث مسيلمة اليها بهدية وخطبها فقبلت الخطبة وسارت الى اليمامة فتزوّجها وجعل مهرها اسقاط صلاتى الفجر والعشاء انتهى ولما قتل مسيلمة أخذ خالد بن الوليد سجاح فأسلمت ورجعت الى(2/159)
ما كانت عليه ولحقت بقومها وبقيت الى زمان معاوية وصارت مقبولة الاسلام* وفى المنتقى واتفقت مع مسيلمة أكثر بنى حنيفة وغلب على حجر اليمامة وأخرج ثمامة بن أثال عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمامة فكتب ثمامة الى رسول الله يخبره فلما توفى رسول الله كتب الى أبى بكر الصدّيق يخبره أنّ أمر مسيلمة قد استغلظ فبعث أبو بكر خالد بن الوليد فى جيش كثير الى حرب مسيلمة وذلك بعد قتال طليحة فانه أوّل من قوتل من أهل الردّة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر من ارتدّ وسيجىء بقية قصتهما فى الخاتمة*
قصة طليحة بن خويلد
الفرقة الثالثة بنو أسد رئيسهم طليحة بن خويلد وكان طليحة آخر من ارتدّ وادّعى النبوّة فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وأوّل من قوتل بعد وفاته كما مرّ وكان طليحة رجلا من بنى أسد وكان من أشجع العرب يعدل بألف فارس وكان قد قدم على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى وفد بنى أسد فى السنة التاسعة من الهجرة وأسلموا ولما رجعوا الى قومهم ارتدّ طليحة وادّعى النبوّة فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرار بن الازور الى قتاله فتوفى عليه السلام فظهر أمر طليحة وقويت شوكته بعد وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم وارتدّ عيينة بن حصن الفزارى مع قومه ومنعوا الزكاة فتبعوا طليحة ولحقوا به وكان طليحة يزعم ان الملك يأتيه ورفع السجود عن الصلاة وأوّل ما صدر عنه وكان سببا لضلال الناس انه كان مع بعض قومه فى سفر فأعوزهم الماء وغلب العطش على الناس فقال اركبوا أعلالا واضربوا أميالا تجدوا بلالا واعلال اسم فرس له ففعلوا فوجدوا الماء فكان ذلك سبب وقوع الاعراب فى الفتنة وستجىء فى الخاتمة* ومما وقع قبل مرضه بشهر ما روى عن ابن مسعود قال نعى لنا نبينا وحبيبنا قبل موته بشهر بأبى هو وأمى ونفسى له الفداء فلما دنا الفراق جمعنا فى بيت أمّنا عائشة وتشدّد لنا وقال مرحبا بكم وحياكم الله بالسلامة رحمكم الله حفظكم الله جبركم الله رزقكم الله رفعكم الله نفعكم الله آواكم الله وقاكم الله أوصيكم بتقوى الله وأوصى الله بكم وأستخلفه عليكم وأحذركم الله انى لكم نذير مبين ألا تعلوا على الله فى عباده وبلاده فانه قال لى ولكم تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا فى الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين وقال أليس فى جهنم مثوى للمتكبرين قلنا يا رسول الله متى أجلك قال دنا الفراق والمنقلب الى الله والى جنة المأوى والى سدرة المنتهى والى الرفيق الاعلى والكاس الاوفى والحوض والعيش الهنى قلنا يا رسول الله من يغسلك قال رجال أهلى الادنى فالادنى قلنا يا رسول الله ففيم نكفنك فقال فى ثيابى هذه ان شئتم أو ثياب مصر أو حلة يمانية قلنا يا رسول الله من يصلى عليك وبكينا وبكى فقال مهلا رحمكم الله وجزاكم عن نبيكم خيرا اذا أنتم غسلتمونى وكفنتمونى فضعونى على سريرى هذا على شفير قبرى فى بيتى هذا ثم اخرجوا عنى ساعة فان أوّل من يصلى علىّ حبيبى وخليلى جبريل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنود من الملائكة بأجمعهم ثم ادخلوا علىّ فوجا فوجا فصلوا علىّ وسلموا تسليما ولا تؤذونى بتزكية ولا برنة وليبتدئ بالصلاة علىّ رجال أهل بيتى ثم نساؤهم ثم أنتم بعد ثم اقرؤا السلام على من غاب عنى من أصحابى واقرؤا السلام على من تبعنى على دينى من يومى هذا الى يوم القيامة قلنا يا رسول الله من يدخلك قبرك قال أهلى مع ملائكة كثيرة يرونكم من حيث لا ترونهم* وفى أنوار التنزيل والمدارك عن ابن عباس أنه قال آخر آية نزل بها جبريل واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون وقال ضعها فى رأس المائتين والثمانين من البقرة وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها احدا وعشرين يوما وقيل احدا وثمانين وقيل سبعة أيام وقيل ثلاث ساعات* وفى تفسير الزاهدى وبكى ابن عباس وقال ختم الوحى كان بالوعيد*
(ذكر ابتداء مرضه وكيفيته)
* روى انه ابتدأ به صداع(2/160)
فى اواخر صفر لليلتين بقيتا منه يوم الاربعاء فى بيت ميمونة وقيل لليلة وقيل بل فى مفتتح ربيع الاوّل* وفى الوفاء مرض فى صفر لعشر بقين منه وتوفى صلى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل يوم الاثنين انتهى ما ذكره رزين عن أبى حاتم وشهر ربيع هذا من السنة الحادية عشر وكان ابتداء مرضه فى بيت ميمونة وقيل زينب بنت جحش وقيل ريحانة* وذكر الخطابى ان ابتداءه يوم الاثنين وقيل السبت وقيل الاربعاء قاله الحاكم* وحكى فى الروضة قولين وفى مدته اختلاف قيل أربعة عشر يوما وقيل اثنا عشر وقيل ثلاثة عشر وعليه الاكثرون وقيل عشرة وبه جزم سليمان التيمى وهو أحد الثقات بأن ابتداء مرضه يوم السبت الثانى والعشرين من صفر ومات يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الاول* وفى الاكتفاء ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع أقام بالمدينة بقية ذى الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعث أسامة بن زيد الى الشام وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الاوّلون وكان آخر بعث بعثه رسول الله فبينا الناس على ذلك ابتدأ صلوات الله عليه وسلامه بشكواه التى قبضه الله فيها الى ما أراد به من رحمته وكرامته فى ليال بقين من صفر أو فى أوّل شهر ربيع الاوّل فكان أوّل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر انه خرج الى بقيع الغرقد من جوف الليل فأستغفر لهم ثم رجع الى أهله فلما أصبح ابتدأ بوجعه فى يومه ذلك* حدث أبو مويهبة مولى رسول الله قال بعثنى صلى الله عليه وسلم من جوف الليل فقال يا أبا مويهبة انى قد أمرت أن أستغفر لاهل هذا البقيع فانطلق معى فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنأ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ثم أقبل علىّ فقال يا أبا مويهبة انى قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فحيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة فقلت بأبى أنت وأمى فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربى والجنة ثم استغفر لاهل البقيع ثم انصرف فبدأ به وجعه الذى قبضه الله فيه* وقالت عائشة رجع رسول الله من البقيع فوجدنى وأنا أجد صداعا فى رأسى وأنا أقول وارأساه فقال بل أنا والله يا عائشة وارأساه قالت وكان سكتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزاح على تحشم منه فقال وما ضرك لومت قبلى فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك قلت والله لكأنى بك لو قد فعلت ذلك لرجعت الى بيتى فأعرست فيه ببعض نسائك من آخر ذلك اليوم فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمادى به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استقر به وهو فى بيت ميمونة فدعا نساءه فاستأذنهن فى أن يمرّض فى بيتى فأذنّ له فخرج رسول الله يمشى بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتى* وعن ابن عباس ان الرجل الاخر هو على بن أبى طالب ثم عز رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ به وجعه* وفى رواية بعد ان قال وارأساه فذهب فلم يلبث الا يسيرا حتى جىء به محمولا فى كساء فدخل علىّ وبعث الى النساء فقال انى قد اشتكيت وانى لا أستطيع أن أدور بينكنّ فأذنّ فلأكن عند عائشة فكنت أوضيه ولم أوض أحدا قبله* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل فى مرضه أين أنا غدا أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء وكان فى بيت عائشة حتى مات عندها* وفى رواية ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يحمل فى ثوب يطاف به على نسائه وهو مريض يقسم بينهنّ قالت عائشة ثم تمادى به وجعه وهو فى ذلك يدور على نسائه حتى اجتمعن برسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيت ميمونة فلما رأوا ما به اجتمع رأى من
فى البيت على أن يلدّوه وتخوّفوا أن يكون به ذات الجنب ففعلوا* وفى رواية عن عائشة قالت كانت تأخذ(2/161)
رسول الله الخاصرة فأخذته يوما فأغمى عليه حتى ظننا انه قد هلك فلددناه ثم فرج عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد لدّوه فقال من صنع هذا فهبنه فاعتللن بالعباس واتخذ جميع من فى البيت العباس سببا ولم يكن له فى ذلك رأى فقالوا يا رسول الله عمك العباس أمر بذلك وتخوّفنا أن يكون بك ذات الجنب فقال انها من الشيطان ولم يكن الله عز وجل ليسلطها علىّ ولا ليرمينى بها ولكن هذا عمل النساء لا يبقى أحد فى البيت الا لدّالا عمى العباس فان يمينى لا تناله فلدّوا كلهم ولدّت ميمونة وكانت صائمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج رسول الله الى بيت عائشة وكان يومها بين العباس وعلىّ والفضل ممسك بظهره ورجلاه تخطان فى الارض حتى دخل على عائشة فلم يزل عندها مغلوبا لا يقدر على الخروج من بيتها الى غيره ثم ان وجعه اشتدّ قالت عائشة جعل يشتكى ويتقلب على فراشه فقلت له لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال ان المؤمنين تشتدّ علتهم انه لا يصيب المؤمن نكتة من شوكة فما فوقها الا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة وقالت ما رأيت أحدا كان اشدّ عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم* روى انه كان لا يكاد تقرّ يد أحد عليه من شدّة الحمى فقال ليس أحد أشدّ بلاء من الانبياء كما يشتدّ علينا البلاء كذلك يضاعف لنا الاجر* وعن عبد الله ابن مسعود قال دخلت على النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا رسول الله انك لتوعك وعكا شديدا قال أجل انى أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك بأن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها الا كفر الله به سياته كما تحط الشجرة ورقها رواه البخارى* وعن عائشة قالت لما اشتدّ وجعه قال صبوا علىّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلى أستريح فأعهد الى الناس قالت عائشة فأجلسناه فى مخضب لحفصة من نحاس وسكبنا عليه الماء حتى طفق يشير الينا أن قد فعلتن ثم خرج فقام يومئذ خطيبا فحمد الله وأثنى عليه واستغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد*
(ذكر شدّة مرضه)
* كانت مدّة علته اثنى عشر يوما وقيل أربعة عشر يوما وقيل ثمانية عشر يوما وقال عليه السلام فى مرضه سدّوا هذه الابواب الشوارع الى المسجد الاباب أبى بكر فانى لا أعلم رجلا أحسن يدا عندى فى الصحابة من أبى بكر* وفى رواية لا يبقين فى المسجد باب الاسدّ الاباب أبى بكر* وفى رواية سدّوا عنى كل خوخة فى هذا المسجد غير خوخة أبى بكر* وعن ابن عمر جاء أبو بكر الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لى فأمرّضك وأكون الذى يقوم عليك فقال يا أبا بكر ان لم أحمل أزواجى وبناتى وأهل بيتى علاجى ازدادت مصيبتى عليهم عظما وقد وقع أجرك على الله* ومما وقع فى مرضه انه خطب الناس فى مرضه وقال فى خطبته ان الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله فبكى أبو بكر فعجبنا من بكائه ان أخبر رسول الله عن عبد خير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المخير وكان أبو بكر أعلمنا وانه أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه أربعين نفسا* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لم يشتك شكوى الاسأل الله العافية حتى كان فى مرضه الذى توفى فيه فانه لم يدع بالشفاء بل عاتب نفسه وشرع يقول يا نفس مالك تلوذين كل ملاذ*
اسراره عليه السلام الى فاطمة
ومما وقع فى مرضه انه أسرّ الى فاطمة حديثا فبكت ثم أسرّ اليها حديثا فضحكت قالت عائشة سألت عنها قالت ما كنت لأفشى سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا قبض سألتها فقالت انه أسرّ الىّ فقال ان جبريل كان يعارضنى القرآن فى كل عام مرّة وانه عارضنى العام مرّتين ولا أراه الا قد حضر أجلى وانك أوّل أهل بيتى لحوقا بى ونعم السلف انا لك فبكيت لذلك ثم قال ألا ترضين أن تكونى سيدة نساء هذه الامة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك* ومما وقع فى مرضه انه كان يصلى بالناس فى مدّة مرضه وانما انقطع ثلاثة أيام وقيل سبع عشرة(2/162)
صلاة فلما آذن بالصلاة فى أوّل ما امتنع وهى صلاة العشاء قال مروا أبا بكر فليصل بالناس* وعن الزهرى قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة مر الناس فليصلوا فخرج عبد الله ابن زمعة فلقى عمر بن الخطاب فقال صل بالناس فصلى عمر بالناس فجهر بصوته وكان جهير الصوت فسمع رسول الله صوته فقال أليس هذا صوت عمر فقالوا بلى يا رسول الله فقال يأبى الله ذلك والمؤمنون ليصل بالناس أبو بكر كذا ذكره فى المنتقى* وفى شرح المواقف ان بلالا آذن بالصلاة فى أيام مرضه فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زمعة اخرج وقل لأبى بكر يصلّ بالناس فخرج فلم يجد على الباب الا عمر فى جماعة ليس فيهم أبو بكر فقال يا عمر صل بالناس فلما كبر وكان رجلا صيتا وسمع النبىّ صلى الله عليه وسلم صوته قال يأبى الله والمسلمون الا أبا بكر ثلاث مرّات قال فقال عمر لعبد الله ابن زمعة بئس ما صنعت كنت أرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تأمرنى قال لا والله ما أمرنى أن آمر أحدا* وروى ان بلالا آذن فوقف بالباب فقال السلام عليك يا رسول الله الصلاة يرحمك الله فقال له مر أبا بكر يصلّ بالناس فخرج بلال ويده على أمّ رأسه وهو ينادى واغوثاه وا انقطاع رجاه وا انكسار ظهراه ليتنى لم تلدنى أمى واذا ولدتنى لم أشهد من رسول الله هذا ودخل المسجد وقال يا أبا بكر ان رسول الله يأمرك أن تتقدّم فلما نظر أبو بكر الى خلو المكان عن رسول الله وكان رجلا رقيقا لم يتمالك ان خرّ مغشيا عليه فضج المسلمون فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحة وقال يا فاطمة ما هذه الضجة قالت يا رسول الله ضج المسلمون لفقدك فدعا بعلىّ وابن عباس وانكب عليهما وخرج الى المسجد وصلى ثم قال يا معشر المسلمين أنتم فى وداع الله وكنفه والله خليفتى عليكم وعليكم بتقوى الله وحفظ طاعته فانى مفارق الدنيا* وعن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قلت يا رسول الله ان أبا بكر رجل أسيف وانه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت لحفصة قولى له فقالت له حفصة يا رسول الله أبو بكر رجل أسيف وانه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال انكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فأمروا أبا بكر فلما دخل الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فقام يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان فى الارض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب ليتأخر فأومأ اليه رسول الله أن قم كما أنت فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبى بكر وكان رسول الله يصلى بالناس قاعدا وأبو بكر قائما يقتدى أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبى بكر* وفى سيرة ابن هشام فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرّج الناس فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك الا لرسول الله فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله فى ظهره وقال صل بالناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغوا من الصلاة قال له أبو بكر يا نبىّ الله انى أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب واليوم يوم بنت خارجة فاتيها قال نعم ثم دخل رسول الله وخرج أبو بكر الى أهله بالسنح* وفى المواقف وأمر أبا بكر بالصلاة بالناس فى مرضه الذى توفى فيه والروايات الصحيحة متعاضدة على ذلك* وفى شرحه للشريف الجرجانى روى عن ابن عباس أنه قال لم يصل النبىّ صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمّته الا خلف أبى بكر وصلى خلف عبد الرحمن بن عوف فى سفر ركعة واحدة* وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه انه كان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى سفر غزوة فذهب النبىّ عليه السلام لحاجة الطهارة فأقاموا الصلاة وتقدّمهم عبد الرحمن فجاء النبىّ صلى الله
عليه وسلم وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة وصلى(2/163)
مع الناس خلفه وأتم الذى فاته وقال ما قبض نبىّ حتى يصلى خلف رجل صالح من أمّته كذا فى الصفوة* وعن المغيرة بن شعبة انه غزا مع رسول الله غزوة تبوك قال المغيرة فتبرز رسول الله قبل الغائط فحملت معه اداوة قبل الفجر فلما رجع أخذت أهريق على يديه من الاداوة فغسل يديه ووجهه وعليه جبة من صوف وذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه وغسل ذراعيه ثم مسح ناصيته وعلى العمامة ثم أهويت لا نزع خفيه فقال دعهما فانى أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما* وفى رواية عن المغيرة قلت يا رسول الله نسيت فقال بل أنت نسيت بهذا أمرنى ربى عز وجل روى هذه الرواية أبو داود وللدارمى معناه قال المغيرة ثم ركب وركبت فانتهينا الى القوم وقد قاموا الى الصلاة ويصلى بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة فلما أحسّ بالنبىّ ذهب ليتأخر فأومأ اليه فأدرك النبىّ صلى الله عليه وسلم احدى ركعتين معه فلما سلم قام النبى وقمت معه فركعنا الركعة التى سبقنا رواه مسلم كذا فى المشكاة* وروى عن رافع بن عمرو بن عبيد عن أبيه أنه قال لما ثقل النبىّ صلى الله عليه وسلم عن الخروج أمر أبا بكر أن يقوم مقامه فكان يصلى بالناس وربما خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد ما دخل أبو بكر فى الصلاة ويصلى خلفه ولم يصل خلف أحد غيره الا أنه صلى خلف عبد الرحمن بن عوف ركعة واحدة فى سفر وأمّا ما رواه البخارى باسناده الى عروة عن أبيه عن عائشة انه عليه السلام أمر أبا بكر أن يصلى بالناس فى مرضه فكان يصلى بهم فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج الى المحراب وكان أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله والناس يصلون بصلاة أبى بكر أى بتكبيره كما مرّ فهو انما كان فى وقت آخر* وفى المواقف أيضا ان النبىّ صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر فى الصلاة حال مرضه واقتدى به وما عز له ولذلك قال علىّ قدمك رسول الله فى أمر ديننا أفلا نقدّمك فى أمر دنيانا* وفى أسد الغابة عن الحسن البصرى عن علىّ بن أبى طالب قال قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فصلى بالناس وانى شاهد غير غائب وانى لصحيح غير مريض ولو شاء أن يقدّمنى لقدّمنى فرضينا لدنيانا من رضى الله ورسوله لديننا* ومما وقع فى مرضه ان وجعه اشتدّ يوم الخميس فأراد أن يكتب كتابا فقال لعبد الرحمن بن أبى بكر ائتنى بكتف أو لوح أكتب لابى بكر كتابا لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون ان يختلف عليك يا أبا بكر* وعن ابن عباس لما حضر رسول الله وفى البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبىّ صلى الله عليه وسلم هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمران رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا منهم من يقول قدّموا يكتب لكم رسول الله كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما كثرا للغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا عنى فكان ابن عباس يقول ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم رواه البخارى وعن سهيل بن سعد قال كانت عند رسول الله سبعة دنانير وضعها عند عائشة فلما كان فى مرضه قال يا عائشة ابعثى بالذهب الى علىّ فيتصدّق به ثم أغمى عليه وشغل عائشة ما به حتى قال ذلك ثلاث مرّات كل ذلك يغمى عليه ويشغل عائشة ما به فبعثت به الى علىّ فتصدّق به ثم أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين فى حديد الموت فأرسلت عائشة الى امرأة من النساء بمصباحها فقالت اقطرى لنا فى مصباحنا من عكتك السمن فان رسول الله أمسى فى حديد الموت* وفى رواية قال لعائشة وهى مسندته الى صدرها يا عائشة ما فعلت بتلك الذهب قالت هى عندى قال فأنفقيها ثم غشى على رسول الله وهو على صدرها فلما أفاق قال أنفقت تلك الذهب يا عائشة قالت لا(2/164)
فدعا بها ووضعها فى كفه فعدّها فاذا هى ستة فقال ما ظنّ محمد بربه أن لو لقى الله وهذه عنده فأنفقها كلها ومات من ذلك اليوم* ومما وقع فى مرضه أنه خير عند موته قالت عائشة كنت أسمع أنه لا يموت نبىّ حتى يخير بين الدنيا والاخرة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر مرضه يقول مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فظننت أنه خير* وفى رواية مع الرفيق الاعلى فى الجنة مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا* ومما وقع فى مرضه استعمال السواك قبل موته* روى عن عائشة انها كانت تقول من نعم الله علىّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى فى بيتى وفى يومى وبين سحرى ونحرى وانّ الله عز وجلّ جمع ريقى وريقه عند موته دخل عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر اليه فعرفت أنه يحب السواك فقلت آخذه لك فأشار برأسه أن نعم فتناولته فاشتدّ عليه فقلت ألينه لك فأشار برأسه أن نعم فلينته فأخذه فأمره وبين يديه ركوة أو علبة يدخل يديه فى الماء ويمسح بهما وجهه ويقول لا اله الا الله انّ للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول فى الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده* ومما وقع فى مرضه انه كشف الستر يوم الاثنين فنظر الى الناس وهم فى صلاة الفجر عن أنس انّ أبا بكر كان يصلى بهم فى وجع النبىّ صلى الله عليه وسلم الذى توفى فيه حتى اذا كان يوم الاثنين وهم صفوف فى الصلاة وكشف النبىّ صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر الينا وهو قائم كانّ وجهه ورقة مصحف ثم تبسم فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبىّ صلى الله عليه وسلم فنكص أبو بكر على عقبه ليصل الصف فظنّ أنّ النبىّ خارج الى الصلاة فأشار الينا النبىّ صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم فأرخى الستر وتوفى من يومه* ومما وقع فى مرضه ما روى أنّ العباس وعليا خرجا من عند رسول الله فى مرضه فلقيهما رجل فقال كيف أصبح رسول الله يا أبا الحسن فقال أصبح بريئا فقال العباس لعلىّ أنت بعد ثلاث عبد العصا ثم خلا به فقال له انه يخيل الىّ أنى أعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت وانى خائف أن لا يقوم رسول الله من وجعه فاذهب بنا اليه فلنسأ له فان يك هذا الامر الينا فعلمنا ذلك وان لا يكن الينا أمرناه أن يوصى بنا خيرا فقال له علىّ أرأيت اذا جئناه فلم يعطناها أترى الناس يعطوناها والله لا أسأله اياها أبدا* ومما جرى فى مرضه تردّد جبريل اليه ثلاثة أيام قبل موته برسالة من الله يقول له كيف تجدك وكان ذلك فى يوم السبت والأحد والاثنين واستئذان ملك الموت عليه يوم الاثنين* روى عن أبى هريرة أنّ جبريل أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى قبض فيه فقال انّ الله يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال أجدنى وجعا يا أمين الله ثم جاء من الغد فقال يا محمد انّ الله يقرئك السلام ويقول كيف تجدك قال أجدنى وجعا يا أمين الله ثم جاء اليوم الثالث ومعه ملك الموت فقال يا محمد انّ ربك يقرئك السلام ويقول كيف تجدك فقال أجدنى وجعا يا أمين الله من هذا الذى معك قال هذا ملك الموت وهذا آخر عهدى بالدنيا بعدك وآخر عهدك بها ولن آسى على هالك من ولد آدم بعدك ولن أهبط الارض الى أحد بعدك فوجد النبىّ صلى الله عليه وسلم سكرة الموت وعنده قدح فيه ماء فكلما وجد سكرة أخذ من ذلك الماء فمس به وجهه ويقول اللهمّ أعنى على سكرة الموت* وعن أبى هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى وجعه الذى مات فيه ما زالت أكلة خيبر تعاودنى فالان أوان قطعت أبهرى* وحكى ابن اسحاق عن عائشة ان كان المسلمون ليرون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله تعالى من النبوة أورده فى الشفاء* وعن عائشة كان رسول الله يعوذ بهذه الكلمات أذهب الباس رب
الناس واشف أنت الشافى لا شفاء الا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما متفق عليه قالت فلما ثقل رسول الله(2/165)
صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه أخذ بيدى فجعلت أمسحه بها وأقولها فنزع يده منى ثم قال رب اغفر لى وألحقنى بالرفيق الاعلى وكان هذا آخر ما سمعته من كلامه أخرجاه فى الصحيحين* قال السهيلى وجدت فى بعض كتب الواقدى انّ أوّل كلمة تكلم بها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو مسترضع عند حليمة الله أكبر وآخر كلمة تكلم بها الرفيق الاعلى كذا فى المواهب اللدنية* وعن عائشة قالت كان آخر ما عهد رسول الله أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان وقالت أمّ سلمة كانت عامّة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها فى صدره وما يفيض بها لسانه كذا فى الاكتفاء* وعن أنس كانت وصية النبىّ صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله يتغر غربها فى صدره ولا يفيض بها لسانه* وروى أنه استأذن عليه ملك الموت وعنده جبريل فقال جبريل يا محمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمى كان قبلك ولا يستأذن على آدمى بعدك قال ائذن له فدخل ملك الموت فوقف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله يا أحمد انّ الله أرسلنى اليك وأمرنى أن أطيعك فى كل ما تأمرنى به ان أمرتنى أن أقبض نفسك قبضتها وان أمرتنى أن أتركها تركتها قال وتفعل يا ملك الموت قال بذلك أمرت أن أطيعك فى كل ما تأمرنى فقال جبريل انّ الله قد اشتاق اليك قال فامض يا ملك الموت لما أمرت به قال جبريل يا رسول الله هذا آخر موطئى الارض اذ كنت حاجتى من الدنيا فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء قالت عائشة توفى رسول الله بين سحرى ونحرى وفى دولتى لم أظلم فيه أحدا فمن سفاهة رأيى وحداثة سنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو فى حجرى ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهى ولما توفى جاء التعزية يسمعون الصوت والحس ولا يرون الشخص السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة انّ فى الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبا لله فثقوا واياه فارجوا فانما المصاب من حرم الثواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال علىّ أتدرون من هذا هو الخضر عليه السلام كذا فى المشكاة نقلا عن دلائل النبوّة*
(ذكر سنه صلى الله عليه وسلم)
* عن ابن عباس قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة أخرجاه فى الصحيحين وكذا الصحيح فى سنّ أبى بكر وعمر وعائشة ثلاث وستون سنة* وعن أنس أنه توفى وله ستون سنة* وفى رواية خمس وستون وصححه أبو حاتم فى تاريخه وفى تاريخ ابن عساكر ثنتان وستون ونصف* وفى كتاب ابن شيبة احدى أو اثنتان لا أراه بلغ ثلاثا وستين وجمع بين الاقاويل بأنّ من قال خمسا وستين حسب السنة التى ولد فيها والسنة التى قبض فيها ومن قال ثلاثا وستين وهو المشهور أسقطهما ومن قال ستين أسقط الكبور ومن قال ثنتين ونصف كأنه اعتمد على حديث فى الاكليل وفيه كلام لم يكن نبىّ الاعاش نصف عمر أخيه الذى قبله وقد عاش عيسى خمسا وعشرين ومائة ومن قال احدى أو اثنتين فشك ولم يتيقن وكل ذلك انما نشأ من الاختلاف فى مقامه بمكة بعد البعثة والله أعلم كذا فى سيرة مغلطاى*
(ذكر وقت موته عليه السلام)
* توفى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين نصف النهار لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل سنة احدى عشرة من الهجرة صحى فى مثل الوقت الذى دخل فيه المدينة* وعن ابن عباس ولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين* وقبض صلى الله عليه وسلم فى كساء ملبد* قال أبو بردة أخرجت الينا عائشة كساء ملبدا وازارا غليظا فقالت قبض رسول الله(2/166)
صلى الله عليه وسلم فى هذين* وفى الاكتفاء ولما توفى رسول الله وارتفعت الرنة عليه وسجته الملائكة دهش الناس كما روى عن غير واحد من الصحابة وطاشت عقولهم وأقمحوا واختلطوا فمنهم من خبل ومنهم من أصمت ومنهم من أقعد الى الارض فكان عمر ممن خبل فجعل يصيح ويقول انّ رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله توفى وانه والله ما مات ولكنه ذهب الى ربه كما ذهب موسى بن عمران فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع اليهم بعد أن قيل قد مات والله ليرجعنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى فليقطعنّ أيدى رجال وأرجلهم زعموا أنّ رسول الله مات* فأمّا عثمان ابن عفان فأخرس حتى يذهب به ويجاء ولا يتكلم الا بعد الغد وأقعد علىّ فلم يستطع حراكا وأضنى عبد الله بن أنيس ولم يكن فيهم أثبت وأحزم من أبى بكر والعباس* وفى رواية لما مات عليه السلام اختلفوا فى أنه هل مات أم لا* قال أنس لما توفى النبى صلى الله عليه وسلم بكى الناس فقام عمر بن الخطاب فى المسجد خطيبا فقال لا أسمعنّ أحدا يقول انّ محمدا قد مات ولكنه أرسل اليه كما أرسل الى موسى ابن عمران فلبث عن قومه أربعين ليلة والله لارجو أن يقطع أيدى رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات* قال عكرمة ما زال عمر يتكلم ويوعد المنافقين حتى أزيد شدقاه فقال العباس انّ رسول الله يأسن كما يأسن الناس وانه قد مات فادفنوا صاحبكم* روى عن عائشة أنّ أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسخ منازل بنى الحارث من الخزرج بعوالى المدينة بينه وبين منزل النبىّ صلى الله عليه وسلم ميل قالت حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فيمم نحو رسول الله وهو مغشى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى ثم قال بأبى أنت وأمى والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة الاولى التى كتبت عليك فقدمتها* وعن ابن عباس أنّ أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس الى أبى بكر وتركوا عمر فقال أبو بكر من كان منكم يعبد محمدا فانّ محمدا قد مات ومن كان منكم يعبد الله فانّ الله حىّ لا يموت قال تعالى وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل الى قوله الشاكرين قال والله لكانّ الناس لم يعلموا انّ الله أنزل هذه الاية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس الا يتلوها* وفى حياة الحيوان عن الواقدى عن شيوخه انهم قالوا لما شك فى موت النبىّ صلى الله عليه وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فقالت توفى رسول الله فقد رفع الخاتم من بين كتفيه وكان هذا الذى عرف به موت النبىّ صلى الله عليه وسلم* وروى عن أمّ سلمة أنها قالت وضعت يدى على صدر رسول الله يوم مأت فمرّ بى جمع آكل الطعام وأتوضأ ما تذهب ريح المسك من يدى*
(ذكر بيعة أبى بكر)
* قال ابن اسحاق لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحىّ من الانصار الى سعد بن عبادة فى سقيفة بنى ساعدة واعتزل علىّ بن أبى طالب والزبير بن العوّام وطلحة بن عبيد الله فى بيت فاطمة وانحاز بقية المهاجرين الى أبى بكر وانحاز معهم أسيد بن حضير فى بنى عبد الاشهل فأتى آت الى أبى بكر وعمر فقال انّ هذا الحىّ من الانصار مع سعد بن عبادة فى سقيفة بنى ساعدة قد انحازوا اليه فان كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيته لم يفرغ من أمره قد أغلق دونه الباب أهله قال عمر لابى بكر انطلق بنا الى اخواننا هؤلاء من الانصار حتى ننظر ما هم عليه فانطلقا يؤمّانهم فلقيهما رجلان صالحان منهم عويمر بن ساعدة ومعن بن عدى فذكرا لهما ما تمالأ عليه القوم وقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين قالوا نريد اخواننا هؤلاء من الانصار فقالا فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين اقضوا آمركم قال عمر والله لنأتينهم فانطلقا حتى أتياهم فى سقيفة بنى ساعدة فاذا بين ظهرانيهم رجل مزمّل فقال عمر من هذا فقالوا سعد بن عبادة فقال ما له فقالوا وجع(2/167)
فلما جلسا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة من قومكم قال عمر يريدون أن يجتازونا من أصلنا ويغصبونا الامر فلما سكت خطيبهم قال أبو بكر أما ما ذكرتم من خير فيكم فأنتم له أهل ولن يعرف هذا الامر الا لهذا الحىّ من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيد عمر وأبى عبيدة بن الجرّاح وهو جالس بينهما فقال قائل من الانصار وهو الخباب بن المنذر أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فى الصحاح الجذل أصل الحطب العظام والجذل المحكك الذى ينصب فى العطن لتحتك به الابل الجربى ومنه قول الخباب بن المنذر الانصارى أنا جذيلها المحكك* وفى نهاية ابن الاثير فى حديث السقيفة قول الخباب أنا جذيلها المحكك هو تصغير جذل وهو العود الذى ينصب للابل الجربى لتحتك به وهو تصغير تعظيم أى انا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الابل الجربى بالاحتكاك بهذا العود المحكك وهو الذى كثر الاحتكاك به وقيل أراد به شديد البأس صلب المكسر كالجذل المحكك* وفى النهاية أيضا العذق بالفتح النخلة وبالكسر العرجون بما فيه من الشماريخ وفى حديث السقيفة أنا عذيقها المرجب تصغير العذق النخلة وهو تصغير تعظيم* وفى الصحاح الترجيب التعظيم والترجيب أيضا أن يدعم الشجرة اذا كثر حملها لئلا تنكسر أغصانها انتهى* قال عمر فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى تخوّفت الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسطها فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعد بن عبادة* وذكر موسى بن عقبة انهم لما توجهوا الى سقيفة بنى ساعدة أراد عمر أن يتكلم فزجره أبو بكر فقال على رسلك فستكفى الكلام ان شاء الله ثم تقول بعدى ما بدا لك فتشهد أبو بكر وأنصت القوم ثم قال هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق فدعا صلى الله عليه وسلم الى الاسلام فأخذ الله بنوا صينا وقلوبنا الى ما دعانا اليه فكنا معشر المهاجرين أوّل الناس اسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذو ورحمه فنحن أهل النبوّة وأهل الخلافة وأوسط الناس انسابا فى العرب ولدتنا العرب كلها فليست منها قبيلة الا لقريش فيها ولادة ولن تعرف العرب ولا تصلح الا على رجل من قريش هم أصبح الناس وجوها وأبسط ألسنا وأفضل قولا فالناس لقريش تبع فنحن الامراء وأنتم الوزراء وهذا الامر بيننا وبينكم قسمة الابلمة وأنتم معشر الانصار اخواننا فى كتاب الله وشركاؤنا فى الدين وأحب الناس الينا وأنتم الذين آووا ونصروا وأنتم أحق بالرضا بقضاء الله والتسليم لفضيلة ما أعطى الله اخوانكم من المهاجرين وأحق الناس أن لا تحسدوا على خير آتاهم الله اياه فأنا أدعوكم الى أحد هذين الرجلين عمر بن الخطاب وأبى عبيدة عامر بن الجرّاح ووضع يديه عليهما وكان قائما بينهما فكلاهما قد رضيته للقيام بهذا الامر ورأيته أهلا لذلك فقال عمر وأبو عبيدة لا ينبغى لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون فوقك يا أبا بكر أنت صاحب الغار مع رسول الله وثانى اثنين وأمرك رسول الله حين اشتكى فصليت بالناس فأنت أحق الناس بهذا الامر قالت الانصار والله لا نحسدكم على خير ساقه الله اليكم وما خلق الله قوما أحب الينا ولا أعزّ علينا منكم ولا أرضى عندنا هديا ولكنا نشفق بعد اليوم فلو جعلتم اليوم رجلا منكم فاذا مات أخذنا رجلا من الانصار فجعلناه فاذا مات أخذنا رجلا من المهاجرين فجعلناه فكنا كذلك أبدا ما بقيت هذه الأمة بايعناكم ورضينا بذلك من أمركم وكان أجدر أن يشفق القرشى ان زاغ أن ينقض عليه الانصارى وأن يشفق الانصارى ان زاغ أن ينقض عليه القرشى فقال عمر لا ينبغى هذا الامر ولا يصلح الا لرجل من قريش ولن ترضى العرب الا به ولن تعرف العرب الامارة(2/168)
الا له ولن تصلح الا عليه والله لا يخالفنا أحد الا قتلناه فقام الخباب بن المنذر من بنى سلمة فقال منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب دفت علينا منكم دافة أرادوا أن يخرجونا من أصلنا ويختصوا من هذا الامر وان شئتم كرّرناها جذعة فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهم وأوعد بعضهم بعضا ثم ترادّ المسلمون وعصم الله دينهم فرجعوا بقول حسن وسلموا الامر وعصوا الشيطان* وفى أسد الغابة عن رزين بن حبيش عن عبد الله قال كان رجوع الانصار يوم سقيفة بنى ساعدة بكلام قاله عمر قال أنشدكم بالله أمر أبو بكر أن يصلى بالناس قالوا اللهمّ نعم قال فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقامه الذى أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا كلنا لا تطيب أنفسنا نستغفر الله وكان عمر بن الخطاب أوّل من بايعه فوثب عمر فأخذ بيد أبى بكر وقام أسيد بن حضير الاشهلى وبشر بن سعد أبو النعمان بن بشير يستبقان ليبايعا أبا بكر فسبقهما عمر فبايع ثم بايعا معا ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة وسعد بن عبادة مضطجع يوعك فازدحم الناس على أبى بكر فقال رجل من الانصار اتقوا سعدا لا تطئوه فتقتلوه فقال عمرو هو مغضب قتل الله سعدا فانه صاحب فتنة* فلما فرغ أبو بكر من البيعة رجع الى المسجد فقعد على المنبر فبايعه الناس حتى أمسى وشغلوا عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان آخر الليل من ليلة الثلاثاء مع الصبح* وفى أسد الغابة كانت بيعة أبى بكر فى السقيفة يوم وفاة رسول الله ثم كانت بيعة العامّة من الغد وتخلف عن بيعته علىّ وبنو هاشم والزبير بن العوّام وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن عبادة الانصارى ثم انّ الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله الاسعد بن عبادة فانه لم يبايع أحدا الى أن مات وبيعتهم بعد ستة أشهر من موت فاطمة على القول الصحيح وقيل غير ذلك* وذكر موسى بن عقبة أنّ رجالا من المهاجرين غضبوا فى بيعة أبى بكر منهم على بن أبى طالب والزبير بن العوّام فدخلا بيت فاطمة بنت رسول الله فجاءهما عمر بن الخطاب فى عصابة من المهاجرين والانصار فيهم أسيد بن حضير وسلمة ابن سلامة ابن وقش الاشهليان وثابت بن قيس بن شماس الخزرجى فكلموهما حتى أخذ أحد القوم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر اليهم وقال والله ما كنت حريصا على الامارة يوما قط ولا ليلة ولا سألتها الله قط سرّا ولا علانية ولكنى أشفقت من الفتنة ومالى فى الامارة من راحة ولقد قلدت أمرا عظيما مالى به طاقة ولا يد الا بتقوية الله ولوددت أن أقوى الناس عليها مكانى اليوم فقبل المهاجرون منه وقال علىّ والزبير ما غضبنا الا انا أخرنا عن المشورة وانا لنرى أنّ أبا بكر أحق الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه لصاحب الغار وثانى اثنين وانا لنعرف له شرفه وسنه ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حىّ* وعن أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر فى السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر فقام عمر وتكلم قبل أبى بكر فحمد الله وأثنى عليه وتكلم بكلمات ثم قال فى آخره انّ الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله ثانى اثنين اذهما فى الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامّة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بالذى هو أهله ثم قال أمّا بعد أيها الناس فانى قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينونى وان أسأت فقوّمونى الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوىّ عندى حتى أريح عليه حقه ان شاء الله والقوىّ فيكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه ان شاء الله لا يدع قوم الجهاد فى سبيل الله الا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة فى قوم الاعمهم الله بالبلاء أطيعونى ما أطعت الله ورسوله فاذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم قوموا الى صلاتكم يرحمكم الله* وذكر غير ابن عقبة أنّ أبا بكر قام فى الناس
بعد مبايعتهم اياه يقيلهم(2/169)
فى بيعتهم ويستقيلهم فيما يتحمله من امرهم ويعيد ذلك عليهم كل ذلك يقولون له والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدّمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا يؤخرك*
(ذكر غسله عليه السلام)
* فى الاكتفاء ولما فرغ الناس من بيعة أبى بكر الصدّيق وجمعهم الله عليه وصرف عنهم كيد الشيطان أقبلوا على تجهيز نبيهم صلى الله عليه وسلم والاشتغال به* سئل ابن عباس كيف كان غسل النبىّ عليه السلام قال ضرب العباس كلة له من ثياب يمانية صفاق فصارت سنة فينا وفى كثير من صالحى الناس ثم أذن لرجال بنى هاشم فقعدوا بين الحيطان والكلة ثم دخل العباس الكلة ودعا عليا والفضل وأبا سفيان بن الحارث وأسامة بن زيد فلما اجتمعوا فى الكلة ألقى عليهم النعاس وعلى من وراء الكلة فى البيت فناداهم مناد انتبهوا به وهو يقول ألا لا تغسلوا النبىّ فانه كان طاهرا فقال العباس ألابلى وقال أهل البيت صدق فلا تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة بصوت لا ندرى ما هو وغشيهم النعاس ثانية فناداهم مناد فانتبهوا به وهو يقول ألا لا تغسلوا النبىّ صلى الله عليه وسلم فانه كان طاهرا فقال العباس ألابلى وقال أهل البيت فلا تغسلوه فقال العباس لا ندع سنة بصوت لا ندرى ما هو وغشيهم النعاس ثالثة فناداهم مناد وتنبهوا به وهو يقول اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثيابه فقال أهل البيت ألا لا فقال العباس ألا نعم وقد كان العباس حين دخل الكلة للغسل قعد متربعا وأقعد عليا متربعا متواجهين وأقعدا النبىّ صلى الله عليه وسلم على حجورهما فنودوا أن أضجعوا رسول الله على ظهره ثم اغسلوا واستروا فثاروا عن الصفيح وأضجعاه فغرّبا رجل الصفيح وشرّقا رأسه ثم أخذوا فى غسله وعليه قميصه ومجوله مفتوح الشق ولم يغسلوه الا بالماء القراح وطيبوه بالكافور ثم اعتصر قميصه ومجوله وحنطوا مساجده ومفاصله ووضؤا منه وجهه وذراعيه وكفيه ثم أدرجوا أكفانه على قميصه ومجوله وجمروه عودا وندا ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه* وروى عن ابن عباس انه كان يقال لهم استروا نبيكم يستركم الله* وفى الاكتفاء قالت عائشة لما أرادوا غسل رسول الله اختلفوا فيه فقالوا والله ما ندرى أنجرّد رسول الله من ثيابه كما نجرّد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل الاوذقنه فى صدره وكلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبىّ صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا الى رسول الله فغسلوه وعليه قميصه* وفى المشكاة يصبون الماء فوق القميص ويد لكونه بالقميص رواه البيهقى فى دلائل النبوّة وكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نساؤه* ويروى عن غير واحد انّ الذين ولو اغسله عليه السلام ابن عمه على بن أبى طالب وعمه العباس ابن عبد المطلب وابناه الفضل وقثم وحبه أسامة بن زيد ومولاه شقران ولما اجتمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى من وراء الباب أوس بن خولى الانصارى أحد بنى عوف بن الخزرج وكان بدريا على بن أبى طالب فقال يا على نشدتك بالله حظنا من رسول الله فقال له علىّ ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا وقيل بل كان يحمل الماء قال فأسنده على صدره وعليه قميصه وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علىّ وكان آسامة وشقران يصبان الماء عليه وأعينهم معصوبة من وراء الستر لحديث علىّ لا يغسلنى أحد الا أنت* وفى رواية أوصانى رسول الله لا يغسله غيرى فانه لا يرى أحد عورتى الا طمست عيناه كذا فى سيرة مغلطاى والشفاء وعلىّ يغسله بالماء والسدر ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ مما يرى من الميت وهو يقول بأبى أنت وأمى ما أطيبك حيا وميتا* وعن محمد قال غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علىّ والفضل والعباس وأسامة بن زيد وغسل ثلاث غسلات بماء وسدر من بئر غرس كانت لسعد بن خيثمة(2/170)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها ذكره ابن الاثير فى جامعه وجعل علىّ على يده خرقة وأدخلها تحت القميص كذا فى سيرة مغلطاى* روى أنّ الغسلة الاولى كانت بالماء القراح والثانية بالماء والسدر والثالثة بالماء والكافور غسله علىّ والفضل بن عباس كان الفضل رجلا قويا وكان يقلبه شقران مولى رسول الله وقال علىّ كأنا نعاون على غسله* وروى جعفر بن محمد قال كان الماء يجتمع فى جفون النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان علىّ يشربه* وفى شواهد النبوّة سئل علىّ رضى الله عنه عن سبب زيادة فهمه وحفظه قال لما غسلت النبىّ صلى الله عليه وسلم اجتمع ماء فى جفونه فرفعته بلسانى وازدردته فأرى قوّة حفظى منه ويقال انّ عليا رأى فى عين النبىّ صلى الله عليه وسلم قذاة فأدخل لسانه فأخرجها منها يقال انّ عليا والفضل كانا يغسلان رسول الله فنودى على أن ارفع طرفك الى السماء أورده فى الشفاء*
(ذكر تكفينه عليه السلام)
* ولما فرغوا من غسله جففوه ثم صنع به ما صنع بالميت ثم أدرج فى ثلاثة أثواب ثوبين أبيضين وبرد حبرة* وفى الاكتفاء زاد الترمذى قال فذكروا لعائشة قولهم فى ثوبين وبرد حبرة فقالت قد أتى بالبرد ولكنهم ردّوه ولم يكفنوه فيه* وعن ابن عباس أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كفن فى ريطتين وبرد نجرانى* وعن عائشة قالت كفن رسول الله فى ثلاثة أثواب بيض سحولية بلد باليمن من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة قالت نظر الى ثوب عليه كان يمرّض فيه به ردع من زعفران قال اغسلوا قميصى هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنونى فيهما قلت هذا خلق قال انّ الحىّ أحق بالجديد من الميت انما هو للمهلة رواه البخارى* وفى موطأ الامام أبى عبد الله مالك بن أنس كفن صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة أثواب حبرة وسحاريين ولابى داود فى ثلاثة أثواب نجرانية وفى الاكليل كفن فى سبعة أثواب وجمع بأنه ليس فيها قميص ولا عمامة محسوب* وفى حديث تفرّد به يزيد بن أبى زياد وهو ضعيف وحنط بكافور وقيل بمسك كذا فى سيرة مغلطاى*
(ذكر الصلاة عليه)
* روى عن محمد أنه صلى على رسول الله بغير امام* وفى رواية افذاذا لا يؤمّهم أحد يدخل المسلمون زمرا فيصلون عليه فيخرجون فلما صلى عليه نادى عمر خلوا الجنازة وأهلها* وفى رواية صلى عليه علىّ والعباس وبنو هاشم ثم دخل المهاجرون ثم الانصار ثم الناس يصلون عليه أفذاذا لا يؤمّهم أحد ثم النساء ثم الغلمان قيل لانه أوصى بذلك لقوله أوّل من يصلى علىّ ربى ثم جبريل ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده ثم الملائكة ثم ادخلوا فوجا بعد فوج الحديث وفيه ضعف وقيل بل كانوا يدعون وينصرفون* قال ابن الماجشون لما سئل كم صلى عليه صلاة قال اثنان وسبعون صلاة كحمزة فقيل من أين لك هذا قال من الصندوق الذى تركه مالك بخطه عن نافع عن ابن عمر كذا فى سيرة مغلطاى وكان فى المدينة حفار ان أحدهما يلحد والاخر لا يلحد دعا العباس رجلين فقال ليذهب أحد كما الى أبى عبيدة بن الجرّاح وهو كان يحفر لاهل مكة وليذهب الاخر الى أبى طلحة وهو كان يلحد لاهل المدينة ثم قال العباس اللهمّ خير لرسولك فذهبا فلم يجد صاحب أبى عبيدة أبا عبيدة ووجد صاحب أبى طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم*
(ذكر قبره عليه السلام)
* روى أنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فى موضع دفنه أبمكة أو المدينة أو القدس حتى قال أبو بكر سمعت رسول الله يقول لم يقبر نبىّ الا حيث يموت فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه ونزل فى قبره على بن أبى طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله وقد قال أوس ابن خولى لعلىّ بن أبى طالب يا على أنشدك بالله حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له انزل فنزل مع القوم وكانوا خمسة* وفى رواية عن على أنه نزل فى حفرة النبىّ صلى الله عليه وسلم هو والعباس وعقيل ابن أبى طالب وأسامة بن زيد وابن عوف وأوس بن خولى وهم الذين ولو اكفنه وقد كان شقران حين(2/171)
وضع رسول الله فى حفرته أخذ قطيفة نجرانية حمراء أصابها يوم خيبر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفرشها فطرحها تحته فدفنها معه فى قبره فقال والله لا يلبسها أحد بعدك وبنى فى قبره اللبن يقال تسع لبنات وقيل طرح فى قبره شمل قطيفة كان يلبسها فلما فرغوا عن وضع اللبنات التسع أخرجوا القطيفة قاله أبو عمرو والحاكم وكان آخرهم عهدا به قثم وقيل علىّ وأمّا حديث المغيرة أنه طرح خاتمه فنزل ليخرجه فضعيف كذا فى سيرة مغلطاى وهالوا التراب على لحده وجعل قبره مسطوحا* وفى المشكاة عن جابر رش قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان الذى رش الماء على قبره بلال بن رباح بقربة بدأ من قبل رأسه حتى انتهى الى رجليه رواه البيهقى فى دلائل النبوّة* وعن سفيان بن التمار انه رآه مسنما ولابى داود كشفت عائشة للقاسم بن محمد عن قبره عليه السلام وعن قبر صاحبيه ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطية مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدّم وأبو بكر عند رأس رسول الله وعمر عند رجليه هكذا
قبر النبى عليه السلام قبر عمر رضى الله عنه
قبر أبى بكر رضى الله عنه
وذكر رزين أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدّم وأبو بكر خلفه رأسه عند منكبى رسول الله وطالت رجلاه أسفل وعمر خلف أبى بكر على تلك الرتبة هكذا
قبر رسول الله عليه السلام
قبر أبى بكر رضى الله عنه
قبر عمر رضى الله عنه
وفى خلاصة الوفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدّم وأبو بكر رأسه بين كتفى رسول الله وعمر رأسه عند رجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا
قبر النبىّ عليه السلام قبر عمر رضى الله عنه
قبر أبى بكر رضى الله عنه
ولا خلاف فى أنّ قثم بن العباس آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم لانه آخر من صعد من قبره وأما قصة المغيرة وطرح خاتمه فغير صحيح كما مرّ*
(ذكر وقت دفنه عليه السلام)
* اختلف فى وقت دفنه* روى عن عائشة أنها قالت ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحى ليلة الثلاثاء فى السحر* وفى الموطأ بلغ مالكا انه صلى الله عليه وسلم توفى يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وللترمذى فى ليلتها فى مكانه الذى توفى فيه* وروى عن محمد بن اسحاق أنه قال قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فمكث ذلك اليوم وليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ودفن فى الليل أى ليلة الاربعاء* وقال غيره سمعت صوت المساحى من آخر الليل رواه الترمذى قيل ذلك التأخير لانهم قالوا فيما بينهم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكنه عرج بروحه كما عرج بروح موسى حتى قام العباس فقال انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات وقيل دفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس* وفى كفاية الشعبى صلوا عليه يوم الاربعاء ثم دفن وفى تفسير الزاهدى توفى يوم الاثنين ودفن يوم الخميس كذا فى كنز العباد*
(ذكر الندب عليه عليه السلام)
* ندب فاطمة عن أنس قال لما ثقل(2/172)
النبىّ صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة واكرب أبتاه فقال ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه الى جبريل أنعاه فلما دفن قالت يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب انفرد باخراجه البخارى كذا فى الصفوة* وفى رواية أخرى لما فرغوا من دفنه خرجت فاطمة فقالت يا أبا الحسن دفنتم رسول الله قال نعم قالت كيف طابت قلوبكم أن تحثوا التراب عليه أليس كان نبىّ الرحمة قال نعم ولكن لا مردّ لامر الله فقعدت تندب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وا أبتاه وا رسول الله وا نبىّ الرحمتاه الان لا يأتى الوحى الان ينقطع عنا جبريل اللهمّ ألحق روحى بروحه واشفعنى بالنظر الى وجهه ولا تحرمنى أجره وشفاعته يوم القيامة* وفى رواية أخذت تربة من تراب رسول الله فشمته ثم أنشأت تقول
ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علىّ مصائب لو أنها ... صبت على الايام صرن لياليا
وفى الاكتفاء مما ينسب الى علىّ أو فاطمة* ماذا على من شم تربة أحمد الى آخره* ندب أبى بكر* روى عن عائشة أنها قالت لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أبو بكر فدخل عليه فرفعت الحجاب فكشف الثوب عن وجهه فاسترجع فقال مات والله رسول الله ثم تحوّل من قبل رأسه فقال وانبياه ثم حد دفمه فقبل جبهته ثم رفع رأسه فقال وا خليلاه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم رفع رأسه فقال وا صفياه ثم حدد فمه فقبل جبهته ثم سجاه بالثوب ثم خرج* ندب عائشة* روى عن أنس قال مررت على باب عائشة وكانت تندب النبىّ صلى الله عليه وسلم وتقول يا من لم يشبع من خبز الشعير يا من اختار الحصير على السرير يا من لم ينم الليل كله من خوف السعير* ذكر مرثبة صفية بنت عبد المطلب ترثى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنابرّا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكى النبىّ لفقده ... ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
كانّ على قلبى بذكر محمد ... وما خفت من بعد النبىّ المكاويا
أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمى وخالتى ... وعمى وآبائى ونفسى وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليب العود أبلج صافيا
فلو أنّ رب الناس أبقى نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا
*
(ذكر ميراثه وتركته وحكمه فيها)
* ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا شيئا الا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة* وفى خلاصة السير ترك صلى الله عليه وسلم يوم مات ثوبى حبرة وازارا عمانيا وثوبين صحاريين وقميصا صحاريا وقميصا سحوليا وجبة يمنية وقميصا وكساء أبيض وقلانس صغارا لاطية ثلاثا أو أربعا وازارا طوله خمسة أشبار وملحفة مورسة* وقال صلى الله عليه وسلم ما نورث ما تركناه صدقة* وقال صلى الله عليه وسلم لا يقتسم ورثتى دينارا ما تركت بعد نفقة نسائى ومؤنة عيالى فهو صدقة* وعن أبى هريرة قال جاءت فاطمة الى أبى بكر فقالت من يرثك فقال أهلى وولدى فقالت فمالى لا أرث أبى فقال أبو بكر سمعت رسول الله يقول(2/173)
لا نورث ولكنى أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه* وعن عائشة أنّ فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ميراثها من تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر وفدك وصدقة بالمدينة فقال أبو بكر ان رسول الله قال لا نورث ما تركناه صدقة فأبى أبو بكر أن يدفع الى فاطمة شيئا فوجدت فاطمة على أبى بكر فى ذلك فهجرته فلم تزل مهاجرته حتى توفيت دفنها زوجها على بن أبى طالب ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها على وكان لعلىّ من الناس جهة حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علىّ وجوه الناس فالتمس مصالحة أبى بكر ومبايعته ولم يكن بايع تلك الاشهر فبايعه بعدها كذا فى الصحيحين* وروى البيهقى عن الشعبى ان أبا بكر عاد فاطمة فى مرضها فقال لها علىّ هذا أبو بكر يستأذن عليك قالت أتحب أن آذن له قال نعم فأذنت له فدخل عليها فرضاها حتى رضيت كذا فى الوفاء* وفى الرياض النضرة للمحب الطبرى دخل أبو بكر على فاطمة واعتذر اليها وكلمها فرضيت عنه* وعن الاوزاعى قال بلغنى ان فاطمة بنت رسول الله غضبت على أبى بكر فخرج أبو بكر حتى قام على بابها فى يوم حارّ ثم قال لا أبرح عن مكانى حتى ترضى عنى بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فأقسم عليها لترضى فرضيت خرجه السمانى فى الموافقة* وعن أبى البحترى ان العباس وعليا جاآ الى عمر يختصمان يقول كل واحد منهما لصاحبه أنت كذا وكذا فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد نشدتكم بالله أسمعتم رسول الله يقول كل مال نبىّ صدقة الا ما أطعمه انا لا نورث قالوا اللهمّ نعم*
(ذكر رؤية رسول الله فى المنام)
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآنى فى المنام فقد رآنى فان الشيطان لا يتخيل بى أولا يتكوننى أو انه لا ينبغى للشيطان أن يتمثل فى صورتى أو بتشبه بى* وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآنى فقد رأى الحق*
(ذكر زيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم وسائر المشاهد والمزارات بالمدينة)
* اما زيارة النبىّ القرشى المدنى أبى القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم خاتم الانبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين فانها مستحبة مندوبة من أعظم القربات وانجح المساعى قريبة من الواجب فى حق من كان له سعة وقدرة لقوله صلى الله عليه وسلم من وجد سعة ولم يعد الىّ فقد جفانى* وفى رواية ما من أحد من أمّتى له سعة ولم يزرنى فليس له عذر عند الله وعنه صلى الله عليه وسلم من جاءنى زائر الايهمه الا زيارتى كان حقا على الله أن أكون له شفيعا يوم القيامة رواه الحافظ أبو على بن السكن وقد قال صلى الله عليه وسلم من زار قبرى وجبت له شفاعتى صححه عبد الحق* وعنه صلى الله عليه وسلم من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى وفى الباب أحاديث كثيرة يكفى هذا القدر فاذا خرج الزائر وتوجه الى المدينة يكثر من الصلاة على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الطريق فاذا وقع بصره على شجر المدينة وحرمها فليزد فى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وليسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته ويسعده بها فى الدنيا والاخرة واستحب بعض العلماء أن يقو لاللهمّ هذا حرم رسولك فاجعله لى وقاية من النار وأمانا من العذاب وسوء الحساب* ويستحب أن يغتسل لدخول المدينة من أجل السلام ويلبس أفخر ثيابه وأنظفها ويتطيب ويتصدّق بشئ وان قل ثم يدخلها قائلا بسم الله وعلى ملة رسول الله رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا فاذا وصل باب المسجد أىّ باب كان فليقدّم رجله اليمنى فى دخوله قائلا اللهمّ صل على محمد وعلى آل محمد اللهمّ اغفرلى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك وفضلك وليقصد الروضة الشريفة المقدّسة وهى بين منبره وقبره فيصلى تحية المسجد فى مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فى غيره من الروضة أو من المسجد ثم يسجد سجدة شكر الله(2/174)
تعالى على الوصول الى تلك البقعة الشريفة ويسأله اتمام النعمة عليه بقبول زيارته* ثم يأتى القبر الشريف ويقف عند رأسه ويكون وقوفه مستقبلا للقبلة ولا يضع يده على جدار الحظيرة ولا يقبلها فان ذلك ليس من سيرة الصحابة بل يدنو على قدر ثلاثة أذرع أو أربعة ثم يصلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه وعلى الصديق والفاروق على ما يأتى ثم يبعد عنها قدر رمح أو أقل كذا عن الفقيه أبى الليث وغيره من أصحاب أبى حنيفة* وفى مناسك أصحاب الشافعىّ وغيره انه يقف قبالة وجهه الشريف بحيث يستدبر القبلة ويستقبل جدار الحجرة الشريفة والحظيرة المنيفة والمسمار الفضة الذى فى الجدار على نحو أربعة أذرع من السارية التى هى غربية رأس القبر الشريف ويجعل القنديل الكبير على رأسه واستدبار القبلة ههنا عند السلام عليه وعند الدعاء هو المستحب عند الشافعية والذى صححه الحنفية انه يستقبل القبلة عند السلام عليه والدعاء كما مرّ وليقف عند السلام عليه ناظرا الى الارض غاض الطرف فى مقام الهيبة والتعظيم والاجلال فارغ القلب من علائق الدنيا مستحضرا فى قلبه جلالة موقفه ومنزلة من هو بحضرته وعلمه صلى الله عليه وسلم بحضوره وقيامه وسلامه وليقل بحضور قلب وغض صوت وسكون جوارح السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا نبىّ الله السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا قائد الغر المحجلين السلام عليك وعلى أهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين السلام عليك أيها النبىّ ورحمة الله وبركاته أشهد أن لا اله الا الله وأشهد انك عبده ورسوله وأمينه وخيرته من خلقه وأشهد انك بلغت الرسالة وأدّيت الامانة ونصحت الامّة وجاهدت فى الله حق جهاده وعبدت ربك حتى أتاك اليقين فجزاك الله عنا يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمّته اللهمّ صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على ابراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم فى العالمين انك حميد مجيد اللهمّ انك قلت وقولك الحق ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توّابا رحيما اللهمّ انا قد سمعنا قولك وأطعنا أمرك وقصدنا نبيك هذا مستغيثين به اليك من ذنوبنا اللهمّ فتب علينا وأسعدنا بزيارته وأدخلنا فى شفاعته وقد جئناك يا رسول الله ظالمين لا نفسنا مستغفرين لذنوبنا وقد سماك الله بالرؤف الرحيم فاشفع لمن جاءك ظالما لنفسه معترفا بذنبه تائبا الى ربه وقد قيل
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهنّ القاع والاكم
نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
أنت الشفيع الذى ترجى شفاعته ... عند الصراط اذا ما زلت القدم
ويدعو لنفسه ولوالديه ولمن أحب بما أحب وان كان قد أوصاه أحد بتبليغ السلام الى النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بك الى ربك بالرحمة والمغفرة فاشفع له ولجميع المؤمنين فأنت الشافع المشفع الرؤف الرحيم* ويكفى فى زيارته أن يقول السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم ثم يتحوّل عن ذلك المكان ويدور الى أن يقف بحذاء وجه النبىّ عليه السلام مستدبر القبلة ويقف لحظة ويصلى ويسلم عليه مرّة أو ثلاث مرّات ثم يتحوّل عن يمينه قدر ذراع الى أن يحاذى رأس قبر الصدّيق فان رأسه بحيال منكب النبىّ صلى الله عليه وسلم عند الاكثر فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله السلام عليك يا صاحب رسول الله فى الغار السلام عليك يا صاحب رسول الله فى الاسفار السلام عليك يا أبا بكر الصدّيق جزاك الله أفضل ما جزى اماما عن أمّة نبيه فلقد خلفته أحسن الخلف وسلكت طريقته بأحسن الطرق وقاتلت أهل الردّة(2/175)
والبدعة ونصرت الاسلام وكفلت الايتام ووصلت الارحام ولم تزل قائلا للحق ناصرا لاهله حتى أتاك اليقين رضوان الله عليك وبركاته وسلامه وتحياته أسأل الله تعالى أن يميتنا على محبتك كما وفقنا لزيارتك انه هو الغفور الرحيم* ثم يتحوّل عن يمينه قدر ذراع الى أن يحاذى رأس قبر الفاروق أمير المؤمنين عمر لان رأسه عند منكب أبى بكر عند الاكثر فيقول السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق السلام عليك يا كاسر الاصنام السلام عليك يا من أعز الله به الاسلام جزاك الله أفضل ما جزى اماما عن أمّة نبيه ثم يرجع قدر نصف ذراع ويقف بين رأس الصدّيق ورأس الفاروق ويقول السلام عليكما يا صاحبى رسول الله السلام عليكما يا وزيرى رسول الله المعاونين له على القيام فى دين الله القائمين فى أمّته فى أمور الاسلام جئنا يا صاحبى رسول الله زائرين لنبينا وصديقنا وفاروقنا ونحن نتوسل بكما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع لنا ويسأل الله تعالى أن يتقبل سعينا وأن يحيينا على ملتكم ويميتنا على سنتكم ويحشرنا فى زمرتكم ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين والمؤمنات ويسأل الله تعالى حاجته ويصلى فى آخره على النبىّ صلى الله عليه وسلم وآله ثم يرجع ويقف عند رأس النبىّ صلى الله عليه وسلم بين القبر والمنبر كما وقف فى الابتداء وليستقبل القبلة ويحمد الله تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبىّ صلى الله عليه وسلم ويدعو لنفسه ولمن أحب من المسلمين بما أحب* ويستحب أن يخرج بعد زيارته صلى الله عليه وسلم كل يوم خصوصا يوم الجمعة الى البقيع ويأتى المشاهد والمزارات ويزور القبور المشهورة فيه كقبر أمير المؤمنين عثمان بن عفان وهو منفرد فى قبة وقبر عم رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس فى قبته المعروفة به وفيها ضريحان فالغربى منهما قبر العباس والشرقى منهما قبر الحسن بن على وزين العابدين وابنه محمد الباقر وابن الباقر جعفر الصادق كلهم فى قبر واحد وكقبر صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله أمّ الزبير فانه خارج باب البقيع عن يسار الخارج ويزور قبر فاطمة بنت أسد أمّ على وقيل ان قبر فاطمة بنت رسول الله بالمسجد المنسوب اليها بالبقيع وهو المعروف ببيت الاحزان ويستحب أن يأتيه ويصلى فيه وقيل ان قبرها فى بيتها وهو فى مكان المحراب الخشب الذى خلف الحجرة المقدّسة داخل الدرابزين قيل وهذا أظهر الاقوال وقبر ابراهيم بن النبىّ صلى الله عليه وسلم بالبقيع وهو مدفون الى جنب عثمان بن مظعون ودفن أيضا الى جنب عثمان ابن مظعون عبد الرحمن بن عوف وبه قبر يقال ان فيه عقيل بن أبى طالب وابن أخيه عبد الله بن جعفر ابن أبى طالب والمنقول ان قبر عقيل فى داره وفى قبلة قبر عقيل حظيرة مستهدمة مبنية بالحجارة يقال ان فيها قبور من دفن بالبقيع من أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى مناسك الكرمانى ان فيها قبور أربع من أزواج النبىّ عليه السلام وفيه قبر مالك بن أنس صاحب المذهب وغيرهم من الصحابة والتابعين كلهم بالبقيع ويستحب أن يزور شهداء أحد يوم الخميس ويبدأ بحمزة عم النبىّ صلى الله عليه وسلم ومعه فى القبر ابن أخته المجذع فى الله عبد الله بن جحش ثم يزور باقى الشهداء ولا يعرف قبر أحد منهم ويسمى من علم اسمه منهم فى السلام عليه فمنهم مصعب بن عمير وحنظلة غسيل الملائكة ابن أبى عامر وسعد بن الربيع وأنس بن النضر وأبو الدحداح ومجد بن زياد وغيرهم وعند رجلى حمزة قبر ليس من قبور الشهداء ويقول فى السلام عليهم السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لاحقون رحم الله غربتكم وآنس الله وحشتكم تقبل الله من محسنكم وتجاوز الله عن مسيئكم ثم يقرأ سورة الاخلاص وآية الكرسى لورود الاحاديث فيهما* روى أبو نعيم فى الحلية بسنده الى ابن عمر قال مرّ النبىّ صلى الله عليه وسلم بمصعب بن عمير فوقف عليه وقال أشهد انكم أحياء عند الله ترزقون فزوروهم وسلموا عليهم فو الذى نفسى بيده لا يسلم
عليهم أحد الا ردّوا عليه السلام الى يوم(2/176)
القيامة* وعن ابن اسحاق بن سعيد قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم كل عام فيرفع صوته عندهم ويقول سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار* وعن جعفر بن محمد عن أبيه ان فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة كذا فى تشويق الساجد* ويستحب أن يأتى مسجد قباء فى كل يوم سبت ان أمكن ويصلى ركعتين ثم يأتى بئرار يس التى تفل فيها النبىّ صلى الله عليه وسلم وسقط فيها خاتمه وهى بئر قريب من المسجد فى داخل البستان ويتوضأ منها ويشرب من مائها ثم يأتى مسجد الفتح وهو على الخندق ويأتى جميع المساجد والمشاهد بالمدينة وهى ثلاثون موضعا يعرفها أهل المدينة ويقصد الابار التى كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها ويغتسل ويشرب منها اتباعا لفعله عليه السلام وطلبا للشفاء والبركة وهى سبعة آبار يعرفها أهل المدينة* وفى الاحياء الابار التى كان رسول الله يتوضأ منها ويغتسل ويشرب سبعة وهى المنظومة فى هذا النظم
اذا رمت آبار النبىّ بطيبة ... فعدّتها سبع مقالا بلا وهن
اريس وغرس رومة وبضاعة ... كذا بضة قل بئر حاء مع العهن
كذا فى الوفاء*
الخاتمة*
وفيها فصلان*
(الفصل الاوّل) * فى المتفرّقات
من رفقائه صلى الله عليه وسلم وحرسه وخدمه ومن كان يضرب الاعناق بين يديه وذكر مواليه وكتابه ورسله وقضاته ومؤذنيه وخطبائه وشعرائه وحداته وذكر خيله ولقاحه ودوابه وآلات حروبه ولباسه وذكر من وفد عليه* اما رفقاؤه النجباء الذين لهم مزيد اختصاص بملازمته صلى الله عليه وسلم فأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وجعفر وأبو ذر والمقداد وسلمان وحذيفة وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلال بن رباح المؤذن* وأما حراسه فى غزواته فسعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس سيد الاوس أسلم بين العقبتين على يد مصعب ابن عمير وشهد بدرا وأحدا والخندق فرمى فيه بسهم عاش شهرا ثم انتقض جرحه فمات حرسه يوم بدر حين كان فى العريش وذكوان بن عبد قيس ومحمد بن مسلمة الانصارى حرساه بأحد والزبير بن العوّام حرسه يوم الخندق وعباد بن بشر وكان يلى حرسه وسعد بن أبى وقاص وأبو أيوب الانصارى حرسه بخيبر ليلة بنى بصفية وبلال حرسه بوادى القرى وكان أبو بكر الصدّيق يوم بدر فى العريش شاهرا سيفه على رأسه لئلا يصل اليه أحد من المشركين رواه ابن السمان فى الموافقة ووقف المغيره بن شعبة على رأسه بالسيف يوم الحديبية ولما نزل والله يعصمك من الناس ترك الحرس*
(وأما خدمه عليه السلام)
* فأنس ابن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الانصارى الخزرجى يكنى أبا حمزة خدمه تسع سنين أو عشر سنين ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ اكثر ماله وولده وأدخله الجنة* وقال أبو هريرة ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم منه توفى سنة ثلاث وتسعين وقيل سنة اثنتين وتسعين وقيل سنة احدى وتسعين وقد جاوز المائة وسيجىء وفاته وهند وأسماء ابنا حارثة الاسليمان وربيعة بن كعب الاسلمى صاحب وضوئه وتوفى سنة ثلاث وستين وأيمن بن امّ أيمن صاحب مطهرته واستشهد يوم حنين وعدّه مغلطاى فى سيرته من الموالى كما سيجىء وعبد الله بن مسعود ابن غافل بالمعجمة والفاء ابن حبيب الهذلى أحد السابقين الاوّلين شهد بدرا والمشاهد وكان صاحب الوسادة والسواك والنعلين والطهور وكان يلى ذلك من النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا قام صلى الله عليه وسلم ألبسه نعليه واذا جلس جعلهما فى ذراعيه حتى يقوم وتوفى بالمدينة وقيل بالكوفة سنة اثنتين وثلاثين وقيل ثلاث وعقبة بن عامر بن عبس بن عمر والجهنى وكان صاحب بغلته يقود به فى الاسفار وكان عالما بكتاب الله وبالفرائض فصيحا شاعرا ولى مصر لمعاوية سنة أربع وأربعين ثم صرفه بمسلمة(2/177)
ابن محمد وتوفى بها سنة ثمان وخمسين وبلال بن رباح المؤذن وسعد مولى أبى بكر الصدّيق وقيل سعيد ولم يثبت وروى عنه ابن ماجه كذا فى المواهب اللدنية وذو مخمرة ويقال ذو مخبرة بن أخى النجاشى وقيل ابن أخته وبكر بن شداخ الليثى والاشدخ بن شريك بن عوف الاعوجى صاحب راحلته وأبو السمح خادمه عليه السلام واسمه اياد وأبو ذر جندب بن جنادة الغفارى أسلم قديما وتوفى بالربدة سنة احدى وثلاثين وصلى عليه عبد الله بن مسعود ثم مات بعده فى ذلك اليوم قاله ابن الاثير فى معرفة الصحابة وفى التقريب لابن حجر سنة اثنتين وثلاثين ومهاجر مولى أمّ سلمة وحنين والد عبد الله مولى العباس كان يخدم النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم وهبه لعمه العباس ونعيم بن ربيعة الاسلمى وأبو الحمراء مولاه صلى الله عليه وسلم وخادمه واسمه هلال بن الحارث أو ابن ظفر نزل حمص وتوفى بها وزاد فى سيرة مغلطاى فقال وازيد والاسود وثعلبة بن عبد الرحمن الانصارى وجزو بن الحل وسالم وزعم بعضهم انه ابن سلمى الداعى وسابق وأبو عبيدة وغلام من الانصار نحو أنس* ومن النساء بركة أمّ أيمن الحبشية أمّ أسامة بن زيد ماتت فى خلافة عثمان وخولة جدّة حفص وسلمى أمّ رافع زوج أبى رافع وميمونة بنت سعد وأمّ عياش مولاة رقية بنت النبىّ صلى الله عليه وسلم* وزاد فى سيرة مغلطاى فقال وأمة الله بنت رزينة وخضرة ورزينة أم علية ومارية أم الرباب ومارية جدّة المثنى بن صالح وصفية* وكان يضرب الاعتاق بين يديه عليه السلام على بن أبى طالب والزبير بن العوّام والمقداد بن عمرو ومحمد بن مسلمة وعاصم بن ثابت بن أبى الافلح والضحاك بن سفيان* وكان قيس بن سعد بن عبادة بين يديه عليه السلام بمنزلة صاحب الشرطة وأبو رافع واسمه أسلم وقيل غير ذلك قبطى كان على ثقله وكان بلال على نفقاته ومعيقيب ابن أبى فاطمة الدوسى على خاتمه وابن مسعود على سواكه ونعله كما تقدّم*
(وأما مواليه عليه السلام)
* فزيد بن حارثة بن شرحبيل استشهد بمؤتة سنة ثمان وابنه أسامة بن زيد وكان يقال له حب رسول الله وابن حب رسول الله مات بالمدينة أو بوادى القرى سنة أربع وخمسين وثوبان بن محمد ويكنى أبا عبد الله اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه فلم يزل معه حتى قبض عليه السلام وسكن حمص بعد موت النبىّ صلى الله عليه وسلم أصله من السراة وقيل سكن الرملة ولا عقب له ثم نزل حمص فمات بها سنة أربع وخمسين كذا فى الصفوة* وقيل كان له نسب باليمن وابو كبشة أوس ويقال سليم من مولدى مكة وقيل أرض دوس اشتراه النبىّ صلى الله عليه وسلم وأعتقه شهد بدرا وتوفى فى أوّل يوم استخلف فيه عمر* وأنيسة ويكنى أبا سرح من مولدى السراة اشتراه وأعتقه وسعيد بن تلزيد وشقران بضم الشين المعجمة وسكون القاف واسمه صالح الحبشى ويقال فارس قيل ورثه من أبيه وقيل اشتراه من عبد الرحمن بن عوف وقيل وهبه له صلى الله عليه وسلم وأعتقه شهد بدرا وهو مملوك ثم أعتق قاله الحافظ ابن حجر وقال أظنه مات فى خلافة عثمان كذا فى المواهب اللدنية ورباح بفتح الراء وباء موحدة وبالحاء المهملة اسود نوبى اشتراه من وفد عبد القيس فأعتقه وكان يأذن عليه احيانا اذا انفرد وهو الذى أذن لعمر بن الخطاب فى المسربة ويسار الراعى نوبى أصابه النبىّ صلى الله عليه وسلم فى بعض غزواته وأعتقه وهو الذى قتله العرنيون وقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك فى لسانه وعينيه واستاقوا لقاح رسول الله وأدخل المدينة ميتا وقد مرّ ذكره فى الموطن السادس وأبو رافع اسمه أسلم القبطى وقيل ابراهيم وقيل ثابت وقيل هرمز وقيل صالح كان على ثقله عليه السلام وكان عبدا للعباس فوهبه للنبىّ عليه السلام فأعتقه حين بشره باسلام عمه العباس وزوّجه سلمى مولاة له فولدت له عبيد الله وكان كاتبا لعلىّ فى خلافته كلها وتوفى قبل قتل علىّ بيسير وأبو رافع أخوه وقيل رافع والد البهى كذا فى الصفوة* وأبو مويهبة من مولدى مزينة اشتراه وأعتقه وزيد وهو ابن يسار وليس زيد بن حارثة(2/178)
والد أسامة ذكره ابن الاثير كذا فى المواهب اللدنية وفى غيره وزيد جد هلال بن يسار بن زيد وفضالة اليمانى نزل الشام ومات بها ورافع كان مولى لسعيد بن العاص فورثه أولاده فأعتقه بعضهم وأمسكه بعضهم فجاء رافع الى النبىّ صلى الله عليه وسلم يستعينه فوهب له وكان يقول أنا مولى النبىّ صلى الله عليه وسلم ومدعم بكسر الميم وفتح العين المهملة عبد أسود وهب له* وفى المواهب اللدنية أهداء له زفاعة بن زيد الضبيبى بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة الاولى كذا فى المواهب اللدنية وقال غيره الجذامى بدل الضبيبى وقتل مدعم بوادى القرى أصابه سهم غرب وهو الذى قال فيه النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ الشملة التى غلها تشتعل عليه نارا* وفى صحيح البخارى عن أبى هريرة أنه قال فتحنا خيبر وتوجه رسول الله نحو وادى القرى ومعه عبد له يقال له مدعم أهداه له رفاعة بن زيد فبينا هو يحط رحل رسول الله اذ جاءه سهم غرب حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذى نفسى بيده انّ الشملة التى أخذها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم تشتعل عليه نارا ورفاعة ابن زيد الجذامى ذكره فى المواهب اللدنية وكركرة بفتح الكاف الاولى وكسرها والثانية مكسورة فيهما كذا فى شرح المشكاة للطيبى ذكره أبو بكر بن حزم وكان نوبيا أهداه له هوذة بن على الحنفى فأعتقه وكان على ثقله صلى الله عليه وسلم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فى النار فذهبوا ينظرون اليه فوجدوا عباءة قد غلها رواه البخارى وضمرة بن أبى ضمرة* وفى الصفوة قال مصعب أهدى اليه المقوقس خصيا اسمه مأبور القبطى وواقد وأبو واقد وهشام وأبو ضمرة سعد وقيل روح بن سندر ويقال ابن شيرزاد الحميرى كذا فى سيرة مغلطاى* وفى الكامل قيل كان من الفرس من ولد كشتاسب الملك فأصابه رسول الله فى بعض وقائعه مما أفاء الله عليه فأعتقه وأبو السمح وأبو عبيد واسمه سعيد وقيل عبيدة قال ابراهيم الحربى ليس فى موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبيد وانما هو أبو عبيد وقيل عبيده وانما التيمى غلط فى الحديث فقال عبيد وذكر ابن أبى خيثمة أنهما اثنان عبيد وأبو عبيد وفرق الحربى بين رافع وأبى رافع فجعلهما اثنين* وحكى ابن قتيبة أنهما واحد كذا فى الصفوة وحنين وعسيب اسمه أحمر* وفى سيرة مغلطاى وأبو عسيب ويقال بالميم واسمه أحمر وقيل مرّة وبادام وبدر وحاتم وعبيد بن عبد الغفارى وزيد بن مولا وسعيد بن زيد وسعد وسندر وعبد الله بن أسلم وغيلان وفقير وكيرب ومحمد بن عبد الرحمن ومحمد آخر* قال المدينى كان اسمه ماهنة فسماه النبىّ صلى الله عليه وسلم محمدا وأبو مكحول ونافع بن السائب وبنيه من مولدى السراة ونهيك وأبو اليسر وأبو قبيلة انتهى من ذكرهم مغلطاى فى سيرته وسفينة واختلف فى اسمه فقيل طهمان ويكنى أبا عبد الرحمن على قول ابراهيم الحربى وقيل اسمه كيسان وقيل مهران وقيل رومان وقيل عبس وكان سفينة عبد الامّ سلمة فأعتقته وشرطت عليه أن يخدم النبى صلى الله عليه وسلم حياته فقال ولو لم تشترطى علىّ ما فارقته قيل كان سفينة أسود من مولدى الاعراب سمى سفينة لانه كان معهم فى سفر وكان كل من أعيا ألقى عليه متاعه ترسا أو سيفا أو غير ذلك فمرّ به النبىّ صلى الله عليه وسلم قال أنت سفينة* وروى عنه فى وجه تسميته أنه قال كنا مع رسول الله فى سفر فمررنا بواد أو نهر وكنت أعبر الناس* وعن محمد بن المنكدر عن سفينة أنه قال ركبت سفينة فى البحر فانكسرت فركبت لوحا فأخرجنى الى أجمة فيها أسد فأقبل الىّ فقلت أنا سفينة مولى رسول الله فجعل يغمزنى بمنكبه حتى أقامنى على الطريق ثم همهم فظننت انه السلام* وفى دلائل النبوّة للبيهقى عن ابن المنكدر أيضا أنّ سفينة مولى رسول الله أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر فى أرض الروم فانطلق هاربا
يلتمس الجيش فاذا هو بالاسد فقال له يا أبا الحارث أنا مولى رسول الله كان من أمرى كيت وكيت فأقبل الاسد يبصبص حتى قام الى جنبه كلما سمع صوتا أهوى اليه ثم أقبل(2/179)
يمشى الى جنبه فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش ثم رجع أوردهما فى حياة الحيوان* وفى الصفوة ذكر محمد بن حبيب الهاشمى من موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة كان لبعض عماته فوهبته له فأعتقه وأبو لقيط وأبو اليسر وأبو هند وهو الذى قال فيه زوّجوا أبا هند وتزوّجوا اليه وكان اشتراه النبىّ صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية وأعتقه وأنجشة الحادى وكان حاديا للجمال وهو الذى قال له رويدا أو رويدك يا أنجشة رفقا بالقوارير وأنيسة وكان جسيما فصيحا شهد بدرا وأعتقه بالمدينة ورويفع سباه من هوازن وأعتقه وقيصر وميمون وأبو بكرة نفيع وهرمز أبو كيسان وأبو صفية وأبو سلمى واسود وسلمان الفارسى أبو عبد الله ويقال له سلمان الخير أصله من أصبهان وقيل من رامهرمز أوّل مشاهده الخندق مات سنة أربع وثلاثين ويقال بلغ عمره ثلثمائة سنة وشمعون بن زيد أبو ريحانة* قال الحافظ ابن حجر حليف الانصار ويقال مولى رسول الله شهد فتح دمشق وقدم مصر وسكن بيت المقدس وأيمن بن أمّ أيمن وأفلح وسابق* وفى سيرة مغلطاى أيمن بن أمّ أيمن وسابق من الخدام كما مرّ وسالم وعبيد الله بن أسلم ونبيل ووردان وكيسان وأبو أيلة*
(وأمّا مولياته عليه السلام)
* فسلمى أمّ رافع ويقال كانت مولاة لصفية عمته وهى زوجة أبى رافع وداية فاطمة الزهراء وغاسلتها مع أسماء بنت عميس وقابلة ابراهيم بن النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمّ أيمن واسمها بركة الحبشية ورثها النبىّ صلى الله عليه وسلم من أبيه وهى أمّ أسامة بن زيد كانت وصيفة لعبد الله بن عبد المطلب* وقال سليمان بن أبى الشيخ كانت لأمّ النبىّ عليه السلام وكانت من الحبشة فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما توفى أبوه كانت أمّ أيمن تحضنه حتى كبر فأعتقها حين تزوّج خديجة وزوّجها عبيدة بن زيد بن الحارث الحبشى فولدت له أيمن وكنيت به واستشهد أيمن يوم حنين ثم تزوّجها زيد بن حارثة بعد النبوّة فولدت له أسامة وقيل أعتقها أبو النبىّ عليه السلام وهى التى شربت بول النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى الشفاء روى أن أمّ أيمن كانت تخدم النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان له قدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل فبال فيه ليلة ثم افتقده فلم يجد فيه شيئا فسأل بركة عنه فقالت قمت وأنا عطشانة فشربته وأنا لا أعلم فقال لن تشتكى وجع بطنك أبدا* وللترمذى لن تلج النار بطنك وصححه الدار قطنى وحمله الاكثرون على التداوى* وأخرج حسن بن سفيان فى مسنده والحاكم والدار قطنى وأبو نعيم والطبرانى من حديث أبى مالك النخعى يبلغه الى أمّ أيمن أنها قالت قام رسول الله من الليل الى فخارة فى جانب البيت فبال فيها فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر فلما أصبح النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يا أمّ أيمن قومى فاهريقى ما فى تلك الفخارة قلت قد والله شربت ما فيها قالت فضحك النبىّ حتى بدت نواجذه ثم قال اما والله لا يجعن بطنك أبدا* وعن ابن جريج قال أخبرت ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يبول فى قدح من عيدان ثم يوضع تحت سريره فجاء فاذا القدح ليس فيه شئ فقال لامرأة يقال لها بركة كانت تخدم أمّ حبيبة جاءت معها من أرض الحبشة أين البول الذى كان فى القدح قالت شربته قال صحة يا أمّ يوسف فما مرضت قط حتى كان مرضها الذى ماتت فيه* وروى أبو داود عن ابن جريح عن حليمة عن أمّها أميمة بنت رقيقة وصحح ابن دحية أنهما قصتان وقعتا لامر أتين وصح ان بركة أمّ يوسف غير بركة أم أيمن وهو الذى ذهب اليه شيخ الاسلام البلقينى* وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن أمى بعد أمى وكان يزورها ثم أبو بكر ثم عمر* وقال الواقدى حضرت امّ ايمن أحدا فكانت تسقى الماء وتداوى الجرحى وشهدت خيبر وتوفيت فى أوّل خلافة عثمان كذا فى الصفوة واميمة وخصرة ورضوى وريحانة ومارية وقيصر اخت مارية وميمونة بنت سعد وميمونة بنت ابى عسيب وامّ ضمرة وامّ عياش وقيل عباس مولاة ابنته رقية كذا فى الصفوة وسيرة(2/180)
مغلطاى وريحة ويقال هى الريحانة السرية وسائبة وامّ ضميرة* قال ابو عبيدة وكانت ايضا سرية جميلة اصابها فى سبى وسرية اخرى وهبتها له زينب بنت جحش* قال ابن الجوزى مواليه ثلاثة وأربعون واماؤه احدى عشرة كذا فى المواهب اللدنية وهؤلاء لم يكونوا فى وقت واحد بل كان كل بعض فى وقت
* (وامّا امراؤه عليه السلام)
* فمنهم باذان بن سامان من ولد بهرام أمره على اليمن وهو اوّل امير فى الاسلام على اليمن واوّل من اسلم من ملوك العجم وأمّر على صنعاء خالد بن سعيد وولى زياد بن لبيد الانصارى البياضى حضرموت وولى ابا موسى الاشعرى زبيد وعدن وولى معاذ بن جبل الجند وولى ابا سفيان بن حرب نجران وولى ابنه يزيد تيما وولى عتاب بفتح المهملة وتشديد المثناة الفوقية ابن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة مكة واقام الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان وولى علىّ بن ابى طالب القضاء باليمن وولى عمرو بن العاص عمان وأعمالها وولى ابا بكر الصدّيق امامة الحج سنة تسع وبعث فى أثره عليا فقرأ على الناس براءة قيل لان أوّلها نزل بعد أن خرج أبو بكر الى الحج وقيل أردفه به عونا له ومساعدا ولهذا قال الصدّيق أمير أو مأمور قال بل مأمور وأمّا الروافض فقالوا بل عزله وهذا لا يبعد من بهتهم وافترائهم وقد ولى عليه السلام الصدقات جماعة كثيرة*
(وأمّا كتابه عليه السلام)
* فالخلفاء الأربعة أبو بكر الصدّيق وكان اسمه فى الجاهلية عبد الكعبة وفى الاسلام عبد الله وسمى الصدّيق لتصديقه النبىّ صلى الله عليه وسلم وقيل انّ الله صدّقه ويلقب عتيقا لجماله أو لانه ليس فى نسبه ما يعاب به وقيل لانه عتيق من النار ولى الخلافة سنتين ونصفا وقيل أربعة أشهر كما سيجىء وبلغ سنّ المصطفى عليه السلام وتوفى مسموما وأسلم أبوه أبو قحافة يوم الفتح وتوفى فى خلافة عمر وأسلمت أمّه أمّ الخير سلمى بنت صخر قديما فى دار الارقم* وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى استخلفه أبو بكر فأقام عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال كذا فى المواهب اللدنية وقتله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة* وعثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية وكانت خلافته احدى عشرة سنة وأحد عشر أو ثلاثة عشر يوما ثم قتل يوم الدار شهيدا* وروى عن عائشة مما ذكره الطبرى فى فضائله انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اسند ظهره الىّ وانّ جبريل ليوحى اليه القرآن وانه ليقول اكتب يا عثم رواه أحمد وكان كاتب سرّ رسول الله* وعلى بن أبى طالب وأقام فى الخلافة أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام وتوفى شهيدا على يد عبد الرحمن بن ملجم واختص علىّ بكتابة الصلح يوم الحديبية وطلحة بن عبيد الله أحد العشرة استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ثلاث وستين سنة* والزبير ابن العوّام بن خويلد أحد العشرة أيضا قتل أيضا سنة ست وثلاثين يوم الجمل* وسعد بن أبى وقاص ومحمد بن مسلمة والارقم بن أبى الارقم وأبان بن سعيد بن العاص وأخوه خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وعبد الله بن الارقم مات فى خلافة عثمان وولاه عمر بيت المال وعبد الله بن زيد بن عبد ربه والعلاء بن عقبة والمغيرة بن شعبة الثقفى أسلم قبل الحديبية وولى امرة البصرة ثم الكوفة مات سنة خمسين على الصحيح والسحبل وعامر بن فهيرة وأبىّ بن كعب بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة من سباق الانصار كان يكتب الوحى له صلى الله عليه وسلم وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهده عليه السلام وأحد الفقهاء الذين كانوا يفتون على عهده عليه السلام توفى بالمدينة سنة تسع عشرة وقيل سنة عشرين وقيل غير ذلك وهو الذى كتب الكتاب الى ملكى عمان حيفر وعبد ابنى الجلندى وثابت بن قيس ابن شماس استشهد باليمامة وهو الذى كتب كتاب قطن بن حارثة العليمى وحنظلة بن الربيع الاسدى الذى غلته الملائكة حين استشهد بأحد وزيد بن ثابت بن الضحاك النجارى مشهور بكتب الوحى مات سنة خمسين أو ثمان وأربعين وقيل بعد الخمسين وكان أحد فقهاء الصحابة وهو أحد من جمع القرآن(2/181)
فى خلافة أبى بكر ونقله فى المصحف فى زمن عثمان وأبو سفيان صخر بن حرب وابنه معاوية بن أبى سفيان ولى لعمر الشام وأقرّه عثمان* قال ابن اسحاق كان أميرا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة* وروينا فى مسند الامام أحمد من حديث العرباض قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهمّ علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب وهو مشهور بكتاب الوحى ومات فى رجب سنة ستين وقد قارب الثمانين* وفى الشفاء دعا لمعاوية فقال اللهمّ مكنه فى البلاد فنال الخلافة وأخوه يزيد ابن أبى سفيان بن حرب أمّره عمر على دمشق حتى مات بها بالطاعون وشرحبيل ابن حسنة وهى أمّه والعلاء بن الحضرمى وخالد بن الوليد بن المغيرة المخزومى سيف الله أسلم بين الحديبية وفتح مكة مات سنة احدى أو اثنتين وعشرين* وعمرو بن العاص بن وائل السهمى أسلم عام الحديبية وولى مصر مرّتين وهو الذى فتحها ومات بها سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين وعبد الله بن رواحة الخزرجىّ الانصارى أحد السابقين الاوّلين شهد بدرا واستشهد بمؤتة ومعيقيب بقاف وآخره موحدة مصغر ابن أبى فاطمة الدوسى من السابقين الاوّلين وشهد المشاهد مات فى خلافة عثمان أو على وكتب له عليه السلام سعيد بن العاص كتاب ثقيف وحذيفة بن اليمان من السابقين صح فى مسلم انه صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون الى أن تقوم الساعة وأبوه صحابى أيضا استشهد بأحد بأيدى المسلمين ومات حذيفة فى أوّل خلافة علىّ سنة ست وثلاثين وحويطب بن عبد العزى العامرى أسلم يوم الفتح عاش مائة وعشرين سنة ومات سنة أربع وخمسين كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة مغلطاى وبريدة وحصين بن نمير وعبد الله بن سعد بن أبى سرح وأبو سلمة بن عبد الاسد وحاطب بن عمرو بن حنظلة وقيل كان كتابه نيفا وأربعين وأكثرهم ملازمة له زيد بن ثابت ومعاوية بن أبى سفيان بعد الفتح كذا فى مزيل الخفا كما قاله الحافظ الشريف الدمياطى وغيره* قال الحافظ بن حجر وقد كتب له قبل زيد ابن ثابت أبى بن كعب وهو أوّل من كتب له بالمدينة وأوّل من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن أبى سرح ثم ارتدّ ثم عاد الى الاسلام يوم الفتح كذا فى المواهب اللدنية*
(وأمّا رسله)
* فقد روى أنه عليه السلام بعث ستة نفر فى يوم واحد فى المحرّم سنة سبع وذكر القاضى عياض فى الشفاء مما عزاه الواقدى أنه أصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه اليهم انتهى وكان أوّل رسول بعثه عمرو بن أمية الضمرى الى أصحمة النجاشى ملك الحبشة وكتب اليه كتابين يدعوه فى أحدهما الى الاسلام ويتلو عليه القرآن فأخذه النجاشى ووضعه على عينيه ونزل عن سريره وجلس على الارض ثم أسلم وشهد شهادة الحق وقال لو كنت أستطيع أن آتيه لاتيته* وفى الكتاب الاخر أمره أن يزوّجه أمّ حبيبة بنت أبى سفيان فزوّجه اياها فدعا بحقة من عاج فجعل فيه كتابى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرهم وصلى عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم كذا قاله الواقدى وغيره وليس كذلك فانّ النجاشى الذى صلى عليه رسول الله ليس هو الذى كتب اليه كذا فى المواهب اللدنية وقد مرّ فى الموطن السادس* وبعث عليه السلام دحية بن خليفة الكلبى وهو أحد الستة الى قيصر ملك الروم واسمه هرقل يدعوه الى الاسلام فهمّ بالاسلام ولم توافقه الروم فخافهم على ملكه فأمسك* وبعث عبد الله بن حذافة السهمى الى كسرى ملك فارس وهو الثالث فمزّق كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام مزّق الله ملكه وملك قومه* وبعث حاطب ابن أبى بلتعة اللخمى وهو الرابع الى المقوقس ملك مصر والاسكندرية فأكرمه وقارب الاسلام ولم يسلم وأهدى للنبىّ صلى الله عليه وسلم مارية القبطية وأختها سيرين وأمتين أخريين وخصيا والبغلة الشهباء المسماة بالدلدل وقيل وألف دينار وعشرين ثوبا فوهب سيرين لحسان بن ثابت فولدت له(2/182)
عبد الرحمن واستولد عليه السلام مارية فولدت له ابراهيم وقد ذكر فى الموطن السادس* وبعث شجاع ابن وهب الاسدى وهو الخامس الى الحارث بن أبى شمر الغسانى ملك البلقاء من أرض الشام وتغيظ ولم يسلم* وبعث سليط بن عمرو العامرى وهو السادس الى اليمامة الى هوذة بن على والى ثمامة بن أثال الحنفيين فأسلم ثمامة وكتب هوذة الى رسول الله ما أحسن ما تدعو اليه وأجمله وأنا خطيب قومى وشاعرهم فاجعل لى بعض الامر أتبعك فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسلم هوذة ومات زمن الفتح وقد مرّ فى الموطن السادس* وبعث عمرو بن العاص فى ذى القعدة سنة ثمان الى حيفر وعبدا بنى الجلندى بعمان وهما من الازد فأسلما وصدّقا وخليا بين عمرو والصدقة والحكم فيما بينهم فلم يزل عمرو عندهم حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وبعث العلاء الحضرمى الى المنذر ابن ساوى العبدى ملك البحرين قبل منصرفه من الجعرانة وقيل قبل الفتح فأسلم وصدّق* وفى الصفوة كان اسم العلاء الحضرمى عبد الله بن سلمى من حضر موت وولاه رسول الله البحرين ثم عزله عنها وولاها أبان بن سعيد ثم أعاد أبو بكر العلاء الى البحرين ثم كتب اليه عمر أن سر الى عتبة ابن غزوان فقد وليتك عمله يعنى البصرة فسار اليها فمات فى الطريق سنة احدى وعشرين وقيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة* وبعث المهاجرين أمية المخزومى الى الحارث بن كلال الحميرى أحد مقاولة اليمن فقال سأنظر فى أمرى* وبعث أبا موسى الاشعرى ومعاذ بن جبل الى اليمن بعد انصرافه من تبوك سنة عشر فى ربيع الاوّل وكانا جميعا فى جملة اليمن داعيين الى الاسلام فأسلم غالب أهلها ملوكهم وعامّتهم طوعا من غير قتال وقد مرّ فى الموطن العاشر ثم بعث على بن أبى طالب بعد ذلك اليهم ووافاه بمكة فى حجة الوداع* وبعث جرير بن عبد الله البجلى الى ذى الكلاع وذى عمر ويدعوهم الى الاسلام فأسلما وتوفى صلى الله عليه وسلم وجرير عندهم* وبعث عمرو بن أمية الضمرى الى مسيلمة الكذاب بكتاب وبعث الى فروة بن عمرو الجذامى وكان عاملا لقيصر يدعوه الى الاسلام فأسلم وكتب الى النبى صلى الله عليه وسلم باسلامه وبعث اليه بهدية مع مسعود بن سعد وهى بغلة شهباء يقال لها فضة وفرس يقال له الظرب وحمار يقال له يعفور وبعث اليه أثوابا وقباء سندسا مذهبا فقبل هديته ووهب لمسعود بن سعد اثنى عشر أوقية* وبعث المصدّقين لاخذ الصدقات هلال المحرّم سنة تسع فبعث عيينة ابن حصن الفزارى الى بنى تميم وبعث بريدة ويقال كعب بن مالك الى أسلم وغفار وبعث عباد بن بشر الى سليم ومزينة وبعث رافع بن مكيث الى جهينة وبعث عمرو بن العاص الى فزارة وبعث الضحاك ابن سفيان الى بنى كلاب وبعث بشر بن سفيان الكعبى ويقال النجار العدوى الى بنى كعب وبعث عبد الله بن اللتبية الى ذبيان وبعث رجلا من سعد هذيم الى قومه*
(وأمّا قضاته)
* عليه السلام فأمير المؤمنين على ومعاذ بن جبل وأبو موسى الاشعرى ولى كل منهم القضاء باليمن*
(وأمّا مؤذنوه عليه السلام)
* فأربعة اثنان بالمدينة بلال بن رباح وأمّه حمامة وهو مولى أبى بكر الصدّيق وهو أوّل من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤذن بعده لاحد من الخلفاء الا أنّ عمر لما قدم الشام حين فتحها أذن بلال فتذكر الناس النبىّ صلى الله عليه وسلم قال أسلم مولى عمر فلم أر باكيا أكثر من يومئذ وتوفى بلال سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة أو عشرين بداريا بباب كيسان وله بضع وستون سنة وقيل دفن بحلب وقيل بدمشق* وعمرو بن أمّ مكتوم القرشى الاعمى* وفى معالم التنزيل اسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهرى من بنى عامر بن لؤى وكذا فى الكشاف وزاد فيه أمّ مكتوم أمّ أبيه هاجر الى المدينة قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم وسيجىء موت بلال وابن أمّ مكتوم فى الفصل الثانى فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب* وأذن له عليه السلام بقباء سعد بن عائذ أو ابن(2/183)
عبد الرحمن المعروف بسعد القرظى وبالقرظى مولى عمار بقى الى ولاية الحجاج وذلك سنة أربع وسبعين* وبمكة أبو محذورة واسمه أوس الجمحى المكى أبوه معير بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحتية مات بمكة سنة تسع وخمسين وقيل تأخر بعد ذلك وكان أبو محذورة منهم يرجع الاذان ويثنى الاقامة وبلال لا يرجع ويفرد الاقامة فأخذ الشافعى باقامة بلال وأهل مكة أخذوا باذان أبى محذورة واقامة بلال وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال واقامة ابى محذورة وأخذ أحمد وأهل المدينة بأذان بلال واقامته وخالفهم مالك فى موضعين اعادة التكبير وتثنية لفظ الاقامة*
(وأمّا شعراؤه الذين يذبون عن الاسلام)
* فكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة الخزرجى الانصارى وحسان بن ثابت بن المنذر ابن عمرو بن حزام الانصارى دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ أيده بروح القدس فيقال أعانه جبريل بسبعين بيتا* وفى الحديث انّ جبريل مع حسان ما نافح عنى وهو بالحاء المهملة أى دافع والمراد هجاء المشركين ومجازاتهم على أشعارهم وعاش مائة وعشرين سنة ستين فى الجاهلية وستين فى الاسلام وكذا عاش ابوه ثابت وجدّه المنذر وجدّ ابيه حزام كل واحد منهم مائة وعشرين سنة وتوفى حسان سنة اربع وخمسين وكان اشدّهم على الكفار حسانا وكعبا* وكان يحد وبين يديه عليه السلام فى السفر عبد الله بن رواحة* وفى رواية الترمذى فى الشمائل عن أنس انه عليه السلام دخل مكة فى عمرة القضاء وابن رواحة يمشى بين يديه عليه السلام وهو يقول
خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
وعامر بن الاكوع بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح الواو وبالعين المهملة وهو عم سلمة بن الاكوع كذا فى المواهب اللدنية واستشهد يوم خيبر* وأنجشة العبد الاسود بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الجيم وبالشين المعجمة وكان حسن الحداء قال انس كان البراء بن مالك يحد وبالرجال وأنجشة يحد وبالنساء وقد كان يحدو وينشد القريض والرجز فقال عليه السلام كما فى رواية البراء بن مالك رويدك رفقا بالقوارير وفى المشكاة لا تكسر القوارير* قال قتادة يعنى ضعفة النساء متفق عليه فشبههنّ بالقوارير من الزجاج لانه يسرع اليها الكسر فلم يأمن عليه السلام ان يصيبهنّ او يقع فى قلوبهنّ حداؤه فأمره بالكف عن ذلك* وفى المثل الغنارقية الزنا وقيل اراد أن الابل اذا سمعت الحداء أسرعت فى المشى واشتدّ وأزعجت الراكب وأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن عن شدّة الحركة*
(وامّا خيله ودوابه)
* فذكر له صلى الله عليه وسلم الدميرى فى حياة الحيوان اثنين وعشرين فرسا فقال السكب والسبحة والمرتجز واللزاز والظرب واللحيف والورد وهذه السبعة متفق عليها وامّا غيرها وهى الابلق وذو العقال وذو اللمة والمرتجل والسرحان واليعسوب أو اليعبوب والبحر والادهم والملاوح والشحاء والمرواح والمقدام والمندوب والطرف والضرمن فهذه الخمسة عشر مختلف فيها وقد بسط الكلام عليها الحافظ الدمياطى وغيره انتهى كلام الدميرى* قال الحافظ عبد المؤمن الدمياطى الخيل المتفق عليها لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وقد نظمها القاضى بدر الدين بن جماعة فى بيت فقال
الخيل سكب لحيف سبحة طرب ... لزاز مرتجز ورد لها اسرار
* مشكلات الافراس فى القاموس السكب اوّل فرس ملكه النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان كميتا محجلا طلق اليمين ويحرّك* وفى المواهب اللدنية يقال فرس سكب اى كثير الجرى كأنما ينصب جريه صبا من سكب الماء يسكبه وهو اوّل فرس ملكه اشتراه عليه السلام بالمدينة من اعرابى من بنى(2/184)
فزارة بعشرة أواق واوّل فرس غزا عليه واوّل غزاة غزاها عليه أحد* وفى نور العيون وكان عليه السلام عليه يوم أحد* وفى المواهب اللدنية وكان أغر محجلا طلق اليمين كميتا* وقال ابن الاثير كان أدهم وكذا فى حياة الحيوان* وفى القاموس السبحة بالفتح فرس للنبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى حياة الحيوان وهو الذى سابق عليه فسبق ففرح به وفى غيرهما كان قد سبق فسبح عليه فسمى سبحة* وفى المواهب اللدنية سبحة بالموحدة من قولهم فرس سابح اذا كان حسن مدّ اليدين فى الجرى* قال ابن بنين هى فرس شقراء اشتراها من أعرابى من جهينة بعشر من الابل* وفى القاموس المرتجز بن الملاءة فرس للنبىّ صلى الله عليه وسلم سمى به لحسن صهيله اشتراه من سواد بن الحارث بن ظالم* وفى المواهب اللدنية المرتجز بضم الميم وسكون الراء وفتح التاء وكسر الجيم بعدها زاى سمى به لحسن صهيله مأخوذ من الرجز وهو ضرب من الشعر وكان أبيض وهو الذى شهد له فيه خزيمة بن ثابت فجعل شهادته شهادة رجلين* وفى حياة الحيوان الفرس الذى اشتراه النبىّ صلى الله عليه وسلم من الاعرابى وشهد له خزيمة اسمه المرتجز وقيل كان أبيض واسم الاعرابى سواد بن الحارث بن ظالم المحاربى وكان عليه السلام ابتاعه منه واستتبعه النبىّ صلى الله عليه وسلم ليقبض ثمنه وأسرع النبىّ صلى الله عليه وسلم المشى وأبطأ الاعرابى فطفق رجال يعترضون الاعرابى فيساومون الفرس لا يشعرون أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابى فى السوم على ثمن الفرس فنادى الاعرابى النبىّ عليه السلام فقال ان كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه والابعته فقام النبىّ صلى الله عليه وسلم حين سمع صوت الاعرابى فقال أو ليس قد ابتعته منك قال لا والله ما ابتعتك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون برسول الله والاعرابى وهما يتراجعان فطفق الاعرابى يقول هلم بشاهدك قال خزيمة أنا أشهد فأقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال بم تشهد قال بتصديقك يا رسول الله فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين أخرجه أبو داود والنسائى والحاكم* وفى رواية قال خزيمة بأبى أنت وأمى يا رسول الله أصدّقك على أخبار السماء وما يكون فى غدو لا أصدقك فى ابتياعك هذا الفرس فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انك ذو شهادتين يا خزيمة وكان يقال له ذو الشهادتين وكان معه راية بنى خطمة فى غزوة الفتح وشهد صفين مع علىّ وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين* قال السهيلى فى مسند الحارث زيادة وهى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم ردّ الفرس على الاعرابى وقال لا بارك الله لك فيها فأصبحت من الغد شائلة برجليها أى ماتت* وفى الصفوة وربما جعل بعضهم الاسمين يعنى السكب والمرتجز لواحد* وفى القاموس اللزاز ككتاب فرس للنبىّ صلى الله عليه وسلم أهداها المقوقس مع مارية* وفى المواهب اللدنية سمى به لشدّة تلززه واجتماع خلقه ولزبه الشئ لزق به كأنه يلتزق بالمطلوب لسرعته أهداها له المقوقس الطرب بالطاء المهملة والمعجمة ككتف فرس للنبىّ صلى الله عليه وسلم كذا فى القاموس* وفى المواهب اللدنية الظرب بالظاء المعجمة آخره باء موحدة واحد الظراب سمى به لكبره وسمنه وقيل لقوّته وصلابة حافره أهداها له فروة بن عمرو الجذامى* وفى القاموس اللحيف كأمير وزبير فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لانه كان يلحف الارض بيديه أهداه له ربيعة بن أبى البراء وفى غيره فأثابه عليه فرائض من نعم بنى كلاب أورد اللحيف فى القاموس بالحاء المهملة والجيم* وفى المنتقى بالجيم وقال من قولهم سهم لجيف اذا كان سريع المرّ* وفى المواهب اللدنية اللحيف بالمهملة أهداها له ربيعة بن أبى براء سمى به لسمنه وكبره كأنه يلحف الارض أى يغطيها بذنبه لطوله فعيل بمعنى فاعل يقال لحفت الرجل باللحاف طرحته عليه ويروى بالجيم وبالخاء المعجمة(2/185)
رواه البخارى ولم يتحققه والمعروف بالحاء المهملة قاله ابن الاثير فى النهاية والورد فرس أهداه له تميم الدارى فأعطاه عمر فحمله فى سبيل الله ثم وجده يباع برخص فأراد أن يشتريه فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره لا تعد فى صدقتك وان أعطيك بدرهم فانّ العائد فى صدقته كالكلب يعود فى قيئه قاله ابن سعد كذا فى المواهب اللدنية* وفى القاموس الورد من الخيل ما بين الكميت والاشقر (والابلق) ذولونين فصاعدا (وذو العقال) بضم العين المهملة وتشديد القاف* وحكى بعضهم تخفيفها يقال هوداء يأخذ الدواب فى الرجلين (وذو اللمة) بكسر اللام وتشديد الميم ذكره ابن حبيب وهو الشعر المجاوز شحمة الاذن كذا فى القاموس (والمرتجل) بكسر الجيم ذكره ابن خالويه من قولهم ارتجل الفرس ارتجالا اذا خلط العنق بشىء من الهملجة (والسرحان) بكسر السين المهملة وسكون الراء ذكره ابن خالويه وفى القاموس (اليعسوب) أمير النحل وذكرها (واليعبوب) الفرس الطويل السريع أو الجواد السهل فى عدوه ذكرهما قاسم بن ثابت فى كتاب الدلائل (والبحر) فرس كان اشتراه من تجر قدموا من اليمن فسبق عليه مرّات فجثا صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ومسح على وجهه وقال ما أنت الابحر فسمى بحرا ذكره ابن بنين فيما حكاه الحافظ الدمياطى* قال ابن الاثير وكان كميتا وكان سرجه دفتان من ليف كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة اليعمرى وسبحة اشتراه من تجار اليمن فسبق عليه ثلاث مرّات فمسح وجهه وقال ما أنت (الابحر) (والادهم) (والملاوح) بضم الميم وكسر الواو ذكره ابن خالويه كان لابى بردة بن نيار (والشحاء) أى الفاتحة فاها كذا فى القاموس (والمرواح) من أبنية المبالغة كالمطعام مشتق من الريح لسرعته أو من الرواح لتوسعه فى الجرى أهداه له قوم من بنى مذحج ذكره ابن سعد (والمقدام) (والمندوب) ذكره بعضهم فى خيله عليه السلام (والطرف) بكسر الطاء المهملة وسكون الراء بعدها فاء ذكره ابن قتيبة فى المعارف* وفى رواية أنه الذى اشتراه من الاعرابى وشهد له خزيمة بن ثابت كذا فى المواهب اللدنية (والضرمن) ذكره السهيلى فى أفراسه وفى القاموس الضرم الفرس العدّاء وفى غيره شديد العدو وكأنّ النون زائدة وزاد فى المواهب اللدنية (السجل) بكسر السين المهملة وسكون الجيم ذكره على بن محمد بن الحسين بن عبدوس الكوفى ولعله مأخوذ من قولهم سجلت الماء فانسجل أى صببته فانصب (والنجيب) ذكره ابن قتيبة* وفى رواية أنه الذى اشتراه من الاعرابى وشهد له به خزيمة*
(وأمّا بغاله عليه السلام)
* فدلدل بدالين مضمومتين وكانت شهباء أهداها له المقوقس ملك مصر والاسكندرية وهى أوّل بغلة رؤيت فى الاسلام كذا فى الكامل وهى التى قال لها يوم حنين اربضى دلدل فربضت وكان يركبها فى المدينة وفى الاسفار وكانت أنثى كما أجاب به ابن الصلاح كذا فى حياة الحيوان* وفى حياة الحيوان أيضا قال الحافظ قطب الدين البغلة بهاء للافراد يقع على الذكر والانثى كالجرادة والتمرة ثم قال أجمع أهل الحديث على أنّ بغلة النبىّ صلى الله عليه وسلم كانت ذكرا لا أنثى ثم عدّله خمس بغال انتهى وكانت الدلدل قد كبرت وزالت أضراسها يجش لها الشعير وكان علىّ يركبها بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم وروى أنّ عتمان بن عفان أيضا كان يركبها ثم ركبها الحسن ثم ركبها الحسين ومحمد بن على المشهور بابن الحنفية حتى عميت من الكبر فدخلت مبطحة لبنى مدلج فرماها رجل بسهم فقتلها وقيل ماتت بينبع* وفى القاموس ينبع كينصر حصن له عيون ونخيل وزرع بطريق حاج مصر* وفى خلاصة الوفاء ينبع الماء مضارع نبع ظهر من نواحى المدينة على أربعة أيام منها وبغلة يقال لها (فضة) أهداها له فروة بن عمرو الجذامى وهبها لابى بكر وبغلة أخرى يقال لها (الابلية) أهداها له ملك أيلة كعتلة موضع بالبصرة كذا فى القاموس وكانت بيضاء محذوفة طويلة كأنها تقوم على رماح وكانت حسنة السير فأعجبته وهى التى(2/186)
قال فيها علىّ ان كانت أعجبتك هذه البغلة فانا نصنع لك مثلها قال وكيف ذلك قال هذه أمّها فرس عربية وأبوها حمار فلوانا أنزينا على فرس عربية حمارا لجاءت بمثل هذه البغلة فقال انما يفعل ذلك الذين لا يعلمون رواه البخارى فى كتاب الجزية وأخرى أهداها له ابن العلماء صاحب أيلة وأخرى من دومة الجندل وأخرى من عند النجاشى قيل وأهدى له كسرى بغلة وفيه نظر لان كسرى مزّق كتابه صلى الله عليه وسلم*
(وأمّا حميره عليه السلام)
* فعفير بضم العين المهملة أهداه له المقوقس ويعفور أهداه له فروة بن عمر والجذامى ويقال هما واحد وهما مأخوذان من العفرة وهو لون التراب فنغف يعفور منصرف النبىّ عليه السلام من حجة الوداع وكان له حمار آخر أعطاه سعد بن عبادة فركبه كذا فى المواهب اللدنية ومزيل الخفا* وروى ابن عساكر بسنده أنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصاب حمارا أسود فكلمه الحمار فقال له رسول الله ما اسمك فقال يزيد بن شهاب أخرج الله من نسل جدّى سبعين حمارا كلها لا يركبها الا نبىّ وقد كنت أتوقعك لتركبنى ولم يبق من نسل جدّى غيرى ولا من الانبياء غيرك وقد كنت قبلك عند يهودى* وفى رواية اسمه مرحب وكان اذا سمع اسمك يتكلم بما لا يليق بك وكنت أتعثر به عمدا وكان يجيع بطنى ويركب ظهرى فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم فأنت يعفور يا يعفور تشتهى الاناث قال لا* وفى رواية قال لم قال لان آبائى رووا عن آبائهم أنه سيركب نسلنا سبعون من الانبياء والاخر من نسلنا سيركبه نبىّ اسمه محمد وأنا أرجو أن أكون ذلك الاخر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه وكان يوجهه الى دور أصحابه فيضرب عليهم الباب ويدعوهم فلما قبض النبىّ عليه السلام* وفى رواية ولما مضى ثلاثة أيام جاء الى بئر أبى الهيتم بن التيهان فتردّى فيها جزعا على رسول الله فصارت قبره كذا فى حياة الحيوان*
(وأمّا ابله عليه السلام)
* فكان له من اللقاح (القصوى) وهى مقطوعة الاذن وهى التى تاجر عليها (والعضباء) وهى مشقوقة الاذن (والجذعاء) وهى مقطوعة طرف الاذن ولم يكن بهما عضب ولا جذع وانما سميت بذلك قاله أبو عبيدة وقيل كان بأذنها عضب وقيل العضباء هى التى كانت لا تسبق قيل وكان اشتراها من أبى بكر بأربعمائة درهم وعن الواقدى بستمائة درهم وقد مرّ أنه اشتراها بثمانمائة درهم وكانت حين قدم المدينة رباعية وكان لا يحمله اذا نزل عليه الوحى غيرها وكانت تبرك حينا من ثقل الوحى وهى التى كانت لا تسبق فجاء أعرابى على قعود له فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال عليه السلام انّ حقا على الله أن لا يرفع من الدنيا شيئا الا وضعه* وفى سيرة اليعمرى قيل المسبوق غيرها انتهى وكانت صهباء وهى التى روى تكليمها النبىّ صلى الله عليه وسلم وتعريفها له نفسها ومبادرة العشب اليها فى الرعى وتجنب الوحوش عنها ونداؤها له انك لمحمد وانها لم تأكل ولم تشرب بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم حتى ماتت ذكره الاسفراينى وقيل القصوى والعضباء غيرها وهى المسبوقة وقيل العضباء والجذعاء والقصوى ثلاث نوق وقيل الجذعاء والقصوى واحدة والعضباء غيرها وهى المسبوقة وقيل العضباء والجذعاء واحدة وقيل كانت له ناقة أخرى اشتراها من بنى قشير بثمانمائة درهم وهى التى هاجر عليها وكانت اذ ذاك رباعية وهى المسبوقة وهى الحاملة له اذا نزل عليه الوحى والله أعلم* وفى ذخائر العقبى عن أبى هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال تبعث الانبياء على الدواب ويحشر صالح على ناقته ويحشر ابنا فاطمة على ناقتىّ العضباء والقصوى وأحشر أنا على البراق خطوها عند أقصى طرفها ويحشر بلال على ناقة من نوق الجنة خرجه الحافظ السلفى وكانت له عشرون لقحة بالغابة يراح اليه منها كل ليلة بقربتين عظيمتين من اللبن وكان يفرّقها على نسائه وكان فيها تسع لقاح غرر الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم والعسيرة والريا وكانت لقحة تدعى بردة أهداها له الضحاك(2/187)
ابن سفيان وكانت تحلب كما تحلب لقحتان غزيرتان وكانت له مهرية أرسلها اليه سعد بن عبادة من نعم بنى عقيل* وفى المواهب اللدنية وكانت له خمس وأربعون لقحة أرسل بها اليه سعد بن عبادة منها اطلال واطراف وبردة وبركة والبغوم والحناء ورمزة والريا والسعدية وسقيا والسمراء والشقراء وعجرة والعريس وغوثة وقيل وغيثة وقمر ومروة ومهرة ورشة والعسيرة والحفدة وغنم صلى الله عليه وسلم يوم بدر جملا لابى جهل فى أنفه برة من فضة وكان يغز وعليه ويضرب فى لقاحه فأهداه يوم الحديبية ليغيظ بذلك الكفار كما مرّ ذكره* ولم ينقل انه صلى الله عليه وسلم اقتنى من البقر شيئا وكانت له مائة شاة وكانت له سبع منائح عجزة وزمزم وسقيا وبركة ورشة واطلال واطراف وكانت له ستة أو سبعة أعنز منائح ترعاها أمّ أيمن وكانت له شاة يختص بشرب لبنها تدعى غبثة ويقال غوثه ويمن وقمر ذكرها ابن حبان وكان له ديك أبيض ذكره أبو سعد كذا فى سيرة اليعمرى وحياة الحيوان ونقل فيها عن معجم الطبرانى وتاريخ الاصبهانى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال انّ لله ديكا أبيض جناحاه موشيان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ جناح بالمشرق وجناح بالمغرب رأسه تحت العرش وقوائمه فى الهواء يؤذن فى كل سحر فيسمع تلك الصيحة أهل السموات والارض الا الثقلين الجنّ والانس فعند ذلك تجيبه ديوك أهل الارض فاذا دنا يوم القيامة قال الله تعالى ضم جناحيك وغض صوتك فيعلم أهل السموات والارض الا الثقلين أنّ الساعة قد اقتربت صاح سبوح قدّوس فصاحت الديكة* وفى رواية يقول سبحان الملك القدّوس ربنا الرحمن الملك لا اله غيره* وفى رواية سبحانك ما أعظم شأنك*
(وأمّا أسلحته وآلات حربه عليه السلام)
* فكان له تسعة أسياف مأثور وهو أوّل سيف ملكه عليه السلام وهو الذى يقال انه قدم به الى المدينة فى الهجرة والعضب أرسله اليه سعد بن عبادة حين سار الى بدر وذو الفقار لانه كان فى وسطه مثل فقرات الظهر ويجوز فى فائه الفتح والكسر صار اليه يوم بدر وكان للعاص بن منبه بن الحجاج السهمى كذا فى المواهب اللدنية وغيره من الكتب* وفى سيرة اليعمرى تنفله من غنائم بدر وكان لبنى الحجاج السهميين وكان لا يفارقه فى الحرب فيكون معه فى كل حرب يشهدها وهو الذى رأى فيه الرؤيا يوم أحد رأى بذباب سيفه ثلمة فأوّلها هزيمة كما مرّ* وفى القاموس ذو الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرا فصار الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم صار الى علىّ وكانت قائمته أى مقبضه وقبيصته كسفينة ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد وذؤابته أى ما يعلق من القائمة وبكراته أى الحلقة التى فى حلية السيف ونعله أى الحديد فى أسفل عمد السيف من فضة كذا فى القاموس وكانت له حلقتان فى الحمائل فى موضعهما من الظهر* وعن أنس بن مالك قال كان نعل سيف رسول الله فضة وقبيصته فضة وما بين ذلك حلق الفضة كذا فى نور العيون وللترمذى وكان سيفه حنفيا وكان له على سيفه اذ دخل مكة يوم الفتح ذهب وكانت قبيصته فضة وثلاثة أسياف أصابها من سلاح بنى قينقاع والقلعى بضم القاف وفتح اللام وهو الذى أصابه من قلع موضع بالبادية والبتار أى القاطع والحتف أى الموت والمخذم أى القاطع والرسوب أى يمضى فى الضربة ويغيب فيها وهو فعول من رسب فى الماء يرسب اذا ذهب الى أسفل واذا ثبت أهداهما له زيد الخير* وفى المواهب اللدنية أصابهما من الفلس بضم الفاء وسكون اللام صنم كان لطى وفى رواية أصابهما وثالثا علىّ ابن أبى طالب من الفلس فاصطفاهما للنبىّ صلى الله عليه وسلم صفى المغنم* وفى القاموس أو هو يعنى الرسوب من السيوف السبعة التى أهدت بلقيس لسليمان عليه السلام والقضيب أى اللطيف أو القطاع كذا فى القاموس ويقال القضيب وذو الفقار واحد ومأثور والعضب كذا فى سيرة مغلطاى قيل هو أوّل سيف تقلد به صلى الله عليه وسلم وقيل كان له سيف آخر ورثه من أبيه فتكون السيوف(2/188)
عشرة*
(وأمّا ادراعه عليه السلام)
* فسبع ذات الفضول بالضاد المعجمة لطولها وهى درع موشح بالنحاس أرسلها اليه سعد بن عبادة حين سار الى بدر* وفى نور العيون لبسها يوم حنين وفى الهدى لابن القيم انها التى رهنها النبىّ صلى الله عليه وسلم عند أبى الشحم اليهودى على صاع من شعير وكان الدين الى سنة كذا فى المواهب اللدنية وذات الوشاح وذات الحواشى والبتراء لقصرها والخرنق باسم ولد الارنب ودرعان أصابهما من سلاح بنى قينقاع يقال لاحداهما السغدية بالسين المهملة ثم بالغين المعجمة ويقال بالسين والعين المهملتين نسبة الى بلد تعمل فيه الدروع كذا فى القاموس* وفى المواهب اللدنية وهى درع عكير القينقاعى قيل وهى درع داود عليه السلام التى لبسها حين قتل جالوت كذا فى المواهب اللدنية وخلاصة الوفاء وللاخرى الفضة* وعن محمد بن سلمة قال رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين ذات الفضول والفضة ورأيت عليه يوم حنين ذات الفضول والسعدية* وكان له مغفر من حديد وهو زرد ينسج على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة ويسمى مغفره السبوغ أو ذا السبوغ لتمامه ومغفر آخر يسمى الموشح وكان له أربعة أزواج خفاف خفان ساذجان وثلاث جبات يلبسهنّ فى الحرب جبة سندس أخضر وجبة طيالسية كذا فى سيرة مغلطاى*
(وأمّا رماحه عليه السلام)
* فالمثوى سمى به لانه يثبت المطعون به من الثوى وهو الاقامة قاله ابن الاثير والمثنى ورمحان آخران أصابهما من سلاح بنى قينقاع وكانت له حربة كبيرة تسمى البيضاء وكانت له حربة أخرى صغيرة دون الرمح شبه العكاز يقال لها العنزة* وفى بعض كتب السير تسمى اليمين كان يمشى بها فى يده يدعم عليها وتحمل بين يديه فى الاعياد الى المصلى حتى تركز أمامه فيتخذها سترة يصلى اليها يقال هذه الحربة كانت للنجاشى فوهبها للزبير بن العوّام وحربة يقال لها النبعة وأخرى تسمى الهرّ كذا فى سيرة مغلطاى وكان له قضيب من شوحط يسمى الممشوق رواه ابن عباس* القضيب العصا والشوحط بالشين المعجمة وبالحاء والطاء المهملتين شجر تتخذ منه القسى أو ضرب من النبع وهو شجر القسى أيضا وهما والشريان واحد ويختلف الاسم بحسب كرم منابتها فما كان فى قلة الجبل فنبع وفى سفحه شريان وفى الحضيض شوحط كذا فى القاموس وكان له محجن وهو عصا منعطفة يتناول بها الراكب ويحرّك بطرفها بعيره للمشى وكان قدر ذراع أو أكثر يمشى به ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره وهو الذى استلم به الركن فى حجة الوداع وكانت له مخصرة وهى خشبة تمسك باليد تسمى العرجون وكان له محجن يسمى الوقر*
(وأمّا أقواسه عليه السلام)
* فكانت له ست أو سبع قسى قوس من شوحط تدعى الروحاء وأخرى من شوحط تدعى البيضاء وأخرى من نبع تدعى الصفراء أصابها من بنى قينقاع وقوس تسمى الزوراء وقوس تدعى الكتوم انكسرت يوم أحد فأخذها قتادة وقوس تدعى السداد وقوس تدعى الشداد وكانت له جعبة وهى كنانة النشاب تدعى الكافور* وفى رواية وكانت له كنانة بالكسر وهى جعبة من جلد لا خشب فيها أو بالعكس تسمى الجمع واسم نبله المتصلة وقيل الموصلة سميت بها تفاؤلا بوصوله الى العدوّ*
(وأما اتراسه عليه السلام)
* فكان له ترس اسمه الزولق يزلق عنه السلاح وترس يقال له الفتق وترس فيه تمثال* فى حياة الحيوان روى أبو سعيد فى طبقاته أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أهدى له ترس فيه تمثال كبش فكره النبىّ صلى الله عليه وسلم مكانه فأصبح وقد أذهبه الله* وفى سيرة مغلطاى كان له ترس فيه تمثال رأس كبش ويقال عقاب انتهى ويقال وضع النبىّ صلى الله عليه وسلم يده على ذلك التمثال فأذهبه الله عنه*
(وأمّا راياته عليه السلام)
* فالعقاب وكانت سوداء من صوف من ستر باب عائشة وقد مرّ فى غزوة خيبر وكانت له ألوية بيضاء وربما جعل فيها السوداء وربما جعلت من خمر نسائه وللترمذى رايته سوداء مربعة(2/189)
من نمرة ولمحيى السنة لواؤه أبيض مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله ولأبى داود رؤيت رايته صفراء
* (وأمّا لباسه وثيابه ومتاعه عليه السلام)
* فكان له صلى الله عليه وسلم القلانس يلبسها تحت العمائم وبغير العمائم ويلبس العمائم بغير القلانس وكان يلبس القلانس اليمانية من البيض المضربة وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه ويصلى اليها وربما مشى بلا قلنسوة ولا عمامة ولا رداء راجلا يعود المرضى كذلك فى أقصى المدينة كذا فى خلاصة السير وكانت له قلانس صغار لاطية ثلاث أو أربع* وفى القاموس ونهاية ابن الاثير كانت كمام الصحابة بطحاء أى لازقة بالرأس غير ذاهبة فى الهواء والكمام القلانس* وفى مختصر الوفاء عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قلنسوة بيضاء* وعن أبى هريرة قال رأيت على رسول الله قلنسوة بيضاء شامية* وعن ابن عباس قال كان لرسول الله ثلاث قلانس بيضاء مضربة وقلنسوة برد حبرة وقلنسوة ذات آذان يلبسها فى السفر والحرب وكانت له عمامة تسمى السحاب وكان يعتم بها فكساها عليا وربما طلع علىّ فيها فيقول أتاكم علىّ فى السحاب* وللترمذى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء وله خطب الناس وعليه عمامة سوداء ولمسلم انها كانت عليه قد أرخى طرفها أو طرفيها بين كتفيه* وللترمذى اذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه وكذا فى مختصر الوفاء عن ابن عمر وذكر رزين انّ عمامته كانت بطحاء يعنى لاطية* قال ابن القيم فى الهدى النبوى كان شيخ الاسلام ابن تيمية يذكر فى سبب الذؤابة شيئا بديعا وهو انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم انما اتخذها صبيحة المنام الذى رآه بالمدينة لما رأى رب العزة فقال يا محمد فيم يختصم الملأ الا على قلت لا أدرى فوضع يديه بين كتفىّ فعلمت ما فى السماء والارض الحديث وهو فى الترمذى وسأله عنه البخارى فقال صحيح قال فمن ذلك الغداة أرخى الذؤابة بين كتفيه قال وهذا من العلم الذى تنكره ألسنة الجهال وقلوبهم قال ولم أر هذه الفائدة فى شأن الذؤابة لغيره انتهى وعبارة غير الهدى وذكر ابن تيمية انه صلى الله عليه وسلم لما رأى ربه واضعا يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة انتهى لكن قال العراقى بعد أن ذكره لم نجد لذلك أصلا انتهى* وروى ابن ابى شيبة عن علىّ قال عممنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمامة سدل طرفها على منكبى وقال ان الله أمدّنى يوم بدر ويوم حنين بملائكة معممين هذه العمة وقال ان العمامة حاجز بين المسلمين والمشركين قال عبد الحق الا شبيلى وسنة العمامة بعد فعلها أن يرخى طرفها ويتحنك به فان كانت بغير طرف ولا تحنيك فذلك يكره عند العلماء واختلف فى وجه الكراهة فقيل لمخالفة السنة فيها وقيل لانها كذلك كانت عمائم الشيطان وجاءت الاحاديث فى ارسال طرفها على أنواع منها ما تقدّم انه أرسل طرفها على منكب علىّ ومنها انّ عبد الرحمن بن عوف قال عممنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسد لها بين يدىّ ومن خلفى ذكره أبو داود كذا فى المواهب اللدنية وللترمذى خطب الناس وعليه عصابة دسماء وللبخارى عصب على رأسه حاشية برد وللترمذى كان صلى الله عليه وسلم يكثر القناع وكان له ثوبان للجمعة غير ثيابه التى يلبسها فى سائر الايام وكان له منديل يمسح به وجهه من الوضوء وربما مسح بطرف ردائه وللترمذى كان أحبّ الثياب اليه القميص وله كان كم قميصه الى الرسغ ولأبى داود ان قميصه مطلق وللترمذى زر قميصه لمطلق ولأبى داود انه صلى الله عليه وسلم ساوم أبا صفوان وصاحبه بسراويل فباعاه ولم يثبت انه صلى الله عليه وسلم لبس السراويل ولكنه اشتراها ولم يلبسها* وفى الهدى لابن القيم انه لبسها قالوا انه سبق فلم اشتراها بأربعة دراهم* وفى الاحياء انه اشتراها بثلاثة دراهم وللشيخين كان عليه صلى الله عليه وسلم فى سفر جبة من صوف ولهما جبة شامية ضيقة الكمين وللترمذى رومية ولمسلم أخرجت أسماء بنت أبى بكر جبة طيالسية(2/190)
كسراوية لها لينة ديباج مكفوفة الفرجين من ديباج وقالت هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبى داود جبة طيالسية مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج وكانت له منطقة من أديم مبشور فيها ثلاث حلق من فضة والابزيم من فضة والطرف من فضة والحلق على صفة الفلك المضروبة من فضة ولبس الفروة المكفوفة بالسندس* وعن أنس انّ ملك الروم أهدى للنبىّ صلى الله عليه وسلم مسبغة من سندس أى فروة طويلة الكمين مكفوفة بالسندس* وفى هدى ابن القيم كان رداؤه بردة طول ستة أذرع وشبر فى عرض ثلاثة وشبر واسم ردائه الفتح* وفى سيرة مغلطاى وكان له رداء مربع انتهى وازاره من نسج عمان طوله أربعة أذرع وشبر فى عرض ذراعين وشبر وكان له ازار طوله خمسة أشبار وللترمذى خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو متوكىء على أسامة بن زيد وعليه ثوب قطرى قد توشح به فصلى بهم ولبس صلى الله عليه وسلم ثوبا أبيض وحلة حمراء وللشيخين خميصة جرثية أو خوتية أو جوينية وبردا نجرانيا غليظ الحاشية وللبخارى وبردة منسوجة فيها حاشيتها ولمسلم ومرطا مرجلا من شعر أسود* وفى سيرة مغلطاى وكان له كساء اسود وآخر أحمر ملبد وآخر من شعر* وروى انه كان له صلى الله عليه وسلم كساء اسود كساه فى حياته فقالت له أمّ سلمة بأبى أنت وأمى ما فعل كساؤك قال كسوته قالت ما رأيت شيئا قط كان أحسن من بياضك فى سواده* ولأبى داود ولبس بردا أحمر وبردين أو ثوبين أخضرين* وللترمذى ثوبين قطريين غليظين واسمال ملاءتين كانتا بزعفران وقد نفضت* وفى سيرة اليعمرى كان يعجبه الثياب الخضر* وفى رواية لبس فى وقت حلة حمراء وازار او رداء وفى وقت ثوبين أخضرين وفى وقت جبة ضيقة الكمين وفى وقت قباء وفى وقت عمامة سوداء وأرخى طرفها بين كتفيه وفى وقت مرطا اسود من شعر أى كساء* وفى المواهب اللدنية وكان له ثلاث جبات يلبسهنّ فى الحرب وجبة سندس أخضر ولمسلم ألبس النبىّ صلى الله عليه وسلم حذيفة فى غزوة الخندق من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها وللشيخين ارتدى بالرداء ولأبى داود وكان يأتزر عليه السلام فيضع حاشية ازاره من مقدمه على ظهر قدميه ويرفع من مؤخره وللترمذى كانت ازرته الى أنصاف ساقيه* وروى عن علىّ أنه قال لباس الصالحاء الى نصف السوق ولباس السفهاء مكنسة السوق* وفى سيرة اليعمرى ربما لبس الازار الواحد ليس عليه غيره ويعقد طرفيه بين كتفيه وقبض روحه صلى الله عليه وسلم فى كساء ملبد وازار غليظ ولبس عليه السلام خفين ومسح عليهما* وللترمذى خفين اسودين ساذجين أهداهما اليه النجاشى ملك الحبشة* وفى رواية وكان ربما لبسهما النبىّ صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما وكان يلبس النعال التى فيها شعر ولبس صلى الله عليه وسلم نعلين جرداوين وكان لنعله قبالان* وللترمذى مخصوفتين وصلى فيهما وله كان لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبالان مثنىّ شراكهما* وفى رواية وكان له نعلان من السبت وكانت مخصرة ذات قبالين وكانت صفراء* وعن ابن عمر أن النبىّ صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة وكان يختم به ولم يلبسه* وعن أنس كان خاتم النبىّ صلى الله عليه وسلم من ورق وكان فصه حبشيا* وعنه كان خاتم النبىّ صلى الله عليه وسلم من فضة وفصه منه يجعله فى يمينه وقيل كان أوّلا فى يمينه ثم حوّله الى يساره* وعنه كان نقش خاتم النبىّ صلى الله عليه وسلم محمد سطر ورسول سطر والله سطر* وعنه ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب الى كسرى وقيصر والنجاشى فقيل له انهم لا يقبلون كتابا الا بخاتم فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما حلقته فضة ونقش فيه محمد رسول الله كما مرّ* وعن علىّ انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه فى يمينه* وعن ابن عمر انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما
من فضة وجعل فصه مما يلى كفه ونقش فيه محمد رسول الله ونهى أن ينقش أحد عليه وهو(2/191)
الذى سقط من معيقيب فى بئرار يس* وفى رواية اتخذ رسول الله خاتما من ورق وكان فى يده ثم كان بعد فى يد أبى بكر ثم كان بعد فى يد عمر ثم كان بعد فى يد عثمان حتى وقع فى بئر أريس نقشه محمد رسول الله وتختم صلى الله عليه وسلم فى خنصره الايمن وربما لبسه فى الايسر وعن محمد كان الحسن والحسين يتختمان فى يسارهما ولأبى داود كان خاتمه صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة أو بفضة وكانت له ربعة اسكندرانية أهداها له المقوقس ملك مصر يكون فيها مرآته المسماة بالمدلة ومشط عاج ومكحلة يكتحل منها كل ليلة ومقراض يسمى الجامع وسواك وفى سيرة اليعمرى ولا تفارقه قارورة الدهن فى سفره والمكحلة والمرآة والمشط والمقراض والسواك والابرة والخيط وكان يستاك فى الليل ثلاث مرّات قبل النوم وبعده وعند القيام لورده وعند الخروج لصلاة الصبح وكان يكتحل قبل أن ينام بالاثمد فى كل عين ثلاثا* وفى سيرة اليعمرى وربما اكتحل ثلاثا فى اليمين واثنين فى اليسار وربما اكتحل وهو صائم* وفى حياة الحيوان كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم مشط من العاج الذبل وهو شئ يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية تتخذ منه الامشاط والاساور وفى الحديث انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر ثوبان أن يشترى لفاطمة سوارا من عاج المراد بالعاج الذبل لا العاج الذى هو ناب الفيل وكانت له ركوة تسمى الصادر وقعب يسمى السعة كذا فى سيرة مغلطاى وكان له قدح يسمى الريان وآخر يسمى مغيثا وكان له قدح مضبب فيه ثلاث ضباب من فضة فى ثلاثة مواضع وقيل من حديد وفيه حلقة يعلق بها اكبر من نصف المد وأصغر من المد وفى رواية يسع كل واحد منهما قدر مد وكان له قدح من عيدان وآخر من زجاج وفى المشكاة عن عبد الله بن ياسر كان له صلى الله عليه وسلم قصعة يحملها أربعة رجال يقال لها الغراء فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتى بتلك القصعة يعنى وقد ثرد فيها فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله فقال اعرابى ما هذه الجلسة فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ الله قد جعلنى عبدا كريما ولم يجعلنى جبارا عنيدا ثم قال كلوا من جوانبها ودعوا ذروتها يبارك فيها رواه أبو داود وكان له مغتسل من صفر وكان له تور من حجارة يقال له المخضب يتوضأ منه وكان له مركز أو قال مخضب من نحاس وقيل من شبه يعمل فيه الحناء والكتم ويوضع على رأسه اذا وجد فيه حرارة وكان له سرير قوائمه من ساج وقطيفة وفراش من أدم حشوه ليف ومسح تثنيه ثنيتين تحته وقصعة تسمى الغراء بأربع حلق* وفى سيرة مغلطاى وجفنة لها أربع حلق ومدّ وصاع يخرج به زكاة الفطر وكان له فسطاط يسمى الكن ولابى داود كان له صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب منها وللنسائى كان صلى الله عليه وسلم يتطيب بذكارة الطيب المسك والعنبر وفى سيرة اليعمرى وكان يتطيب بالغالية والمسك ويتبخر بالعود والكافور*
(وأمّا من وفد عليه صلى الله عليه وسلم)
* فأقوام كثيرة وجماعات غزيرة وقد سرد محمد بن سعد فى الطبقات الوفود وتبعه الدمياطى فى سيرته وابن سيد الناس ومغلطاى والحافظ زين الدين العراقى ومجموع ما ذكروه يزيد على الستين قال النووى الوفد الجماعة المختارة للتقدّم فى لقى العظماء واحدهم وافد انتهى وكان ابتداء الوفود عليه بعد رجوعه عليه السلام من الجعرانة فى آخر سنة ثمان وما بعدها وقال ابن اسحاق بعد غزوة تبوك وقال ابن هشام كانت سنة تسع تسمى سنة الوفود فقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد هوازن كما ذكره البخارى وغيره فى شهر شوّال سنة ثمان بعد انصرافه من الطائف الى الجعرانة فى الجعرانة وقدم عليه وفد ثقيف سنة تسع بعد قدومه من تبوك وكان من أمرهم انه صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف قيل له يا رسول الله ادع على ثقيف فقال اللهمّ اهد ثقيفا وائتنى بهم ولما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة فأسلم وسأله أن يرجع بالاسلام الى قومه فلما أشرف لهم على(2/192)
علية له وقد دعاهم الى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله* وفى المنتقى أورد قدوم عروة بن مسعود الثقفى واسلامه سنة تسع وكذا فى تاريخ اليافعى ثم أقامت ثقيف بعد قتله شهرا ثم قدم وفدهم عليه صلى الله عليه وسلم وهم عبد ياليل بن عمرو بن عمير واثنان من الاحلاف وثلاثة من بنى مالك وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى المؤمنين ان عضاه وج وصيده حرام لا تعضد فمن وجد يفعل شيئا من ذلك فانه يجلد وتنزع ثيابه فان تعدّى فانه يؤخذ ويبلغ النبىّ وان هذا أمر النبى محمد رسول الله فكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله فلا يتعدّاه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله ووج بفتح الواو وتشديد الجيم واد بالطائف واختلف فيه هل هو حرم يحرم صيده وقطع شجره فالجمهور على انه ليس فى البقاع حرم الاحرم مكة والمدينة وخالفهم أبو حنيفة فى حرم المدينة* وقدم وفد بنى تميم عليه عطارد ابن حاجب بن زرارة فى أشراف قومه منهم الاقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعمرو بن الاهتم والحتات بن زيد ونعيم بن زيد وقيس بن الحارث وقيس بن عاصم فى وفد عظيم من بنى تميم قيل كانوا تسعين أو ثمانين رجلا فلما دخلوا المسجد نادوا رسول الله من وراء حجراته أن اخرج الينا يا محمد فاذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم واياهم عنى الله سبحانه وتعالى بقوله انّ الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون وقد مرّ فى الموطن التاسع* وقدم وفد بنى عامر بن صعصعة* قال ابن اسحاق لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت اليه وفود العرب من كل وجه فدخلوا فى دين الله أفواجا فوفد اليه بنو عامر فيهم عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أخو لبيد الشاعر كذا فى حياة الحيوان* وفى المنتقى أورد قدومهم فى سنة عشر* وفى المواهب اللدنية اربد بن قيس وخالد بن جعفر وحيان بن أسلم بن مالك وكان هؤلاء النفر الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم فأقبل عدوّ الله عامر بن الطفيل واربد يريدان أن يغدرا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك فقال عليه السلام دعه فان يرد الله به خيرا يهده فأقبل حتى قام عليه فاستشرف الناس لجمال عامر وكان من أجمل الناس فقال يا محمد مالى ان أسلمت فقال لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال أتجعل لى الامر بعدك قال ليس ذلك الىّ انما ذلك الى الله يجعله حيث يشاء وفى الحدائق قال ليس ذلك لك ولا لقومك قال فتجعلنى على الوبر وأنت على المدر قال لا قال فماذا تجعل لى قال أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها قال أو ليس ذلك الىّ اليوم وكان عامر قال لأربد اذا قدمنا على الرجل فانى شاغل عنك وجهه فاذا رأيتنى أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف فدار أربد ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله فيبست يده على سيفه ولم يقدر على سله فعصم الله نبيه فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أربد وما يصنع بسيفه فقال اللهمّ اكفنيهما بما شئت فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة فى يوم حرّ قائظ فأحرقته وبعيره وولى عامر هاربا فقال يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا ولا ربطن بكل نخلة فرسا كذا فى الحدئق فقال رسول الله يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة يعنى الاوس والخزرج* وفى المواهب اللدنية فلما خرجا قال عامر لاربد أين ما كنت أمرتك به فقال والله ما هممت بالذى أمرتنى الا دخلت بينى وبينه أفأضربك بالسيف* وفى حياة الحيوان فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اللهمّ اكفنى عامر بن الطفيل بما شئت وأخذ أسيد بن حضير الرمح وجعل يقرع رؤسهما ويقول اخرجا أيها الهجرسان فقال عامر من أنت قال أسيد بن حضير قال أبوك خير منك قال بل أنا خير منك ومن أبى مات أبى وهو كافر فنزل
عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم(2/193)
عليه سلاحه وقد تغير لونه فجعل يركض فى الصحراء ويقول ابرز يا ملك الموت ويقول الشعر ويقول واللات لئن أصحر محمد الىّ وصاحبه يعنى ملك الموت لا نفدنهما برمحى فأرسل الله ملكا فلطمه بجناحه فأثراه فى التراب وخرجت على ركبته فى الوقت غدة عظيمة كغدة البعير* وفى حياة الحيوان فبعث الله له الطاعون فى عنقه فعاد الى بيت السلولية فقال غدة كغدة البعير وموت فى بيت السلولية ثم ركب فرسه وكان يركضه فمات فى ظهر الفرس فأنزل الله تعالى ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء* وقدم وفد عبد القيس سنة عشر وهى قبيلة كبيرة يسكنون البحرين ينسبون الى عبد القيس بن أفصى بسكون الفاء بعدها مهملة على وزن أعمى بن دعمى بضم المهملة وسكون المهملة أيضا وكسر الميم بعدها تحتانية وقدم فى هذا الوفد الجارود بن عمرو وكان نصرانيا فأسلم وقدم وفد بنى حنيفة فيهم مسيلمة الكذاب بن حبيب الحنفى وكان منزلهم فى دار امرأة من الانصار من بنى التجار فأتوا بمسيلمة الى رسول الله يستر بالثياب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه فى يده عسيب من سعف النخل فلما انتهى الى رسول الله وهم يسترونه بالثياب كلمه وسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألتنى هذا العسيب الذى فى يدى ما أعطيتكه وذكر حديثه ابن اسحاق على غير ذلك فقال حدّثنى شيخ من أهل اليمامة من بنى حنيفة أتوا رسول الله وخلفوا مسيلمة فى رحالهم فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا يا رسول الله انا قد خلفنا صاحبا لنا فى رحالنا وركابنا يحفظها لنا فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أمر به لقومه وقال لهم انه ليس بشركم مكانا يعنى لحفظه ضيعة أصحابه ثم انصرفوا ولما قدموا اليمامة ارتدّ عدوّ الله وتنبأ وقال انى أشركت فى الامر معه ثم جعل يسجع السجعات وقد سبق فى الموطن الحادى عشر وقدم وفد طى فى أوّل سنة عشر كذا فى الوفاء أوفى شعبان سنة تسع وفيهم عدى بن حاتم وانّ حاتما هلك على كفره وعدى كان نصرانيا فأسلم وأسلموا وفيهم زيد الخيل وكان سيد القوم وسماه النبىّ صلى الله عليه وسلم زيد الخير وقال ما وصف لى أحد فى الجاهلية فرأيته فى الاسلام دون تلك الصفة الا أنت فانك فوق ما قيل فانّ فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الاناءة والحلم وفى رواية الحياء والحلم فقال الحمد لله الذى جبلنى على ما يحبه الله ورسوله وفى المواهب اللدنية قال عليه السلام ما ذكر لى رجل من العرب بفضل ثم جاءنى الا رأيته دون ما يقال فيه الا زيد الخيل فانه لم يبلغ كل ما فيه ثم سماه زيد الخير ومات محموما بعد رجوعه الى قومه وفى المواهب اللدنية فلما انتهى الى ماء من مياه نجد أصابته الحمى فمات قاله ابن عبد البر وقيل مات فى آخر خلافة عمر وكان صلى الله عليه وسلم قال انه لنعم الفتى ان لم تدركه أمّ كلدة وفى رواية قال يا زيد تقتلك أمّ كلدة يعنى الحمى فلما رجع الى أهله حم ومات كذا فى حياة الحيوان وكان له ابنان مكيث وحريث أسلما وصحبا رسول الله عليه السلام وشهدا قتال أهل الردّة مع خالد بن الوليد وقدم وفد كندة سنة عشر فى ثمانين أو ستين راكبا من كندة وفيهم أشعث بن قيس الكندى فدخلوا عليه مسجده وقد تسلحوا ولبسوا جباب الحبرات مكفوفة بالحرير فلما دخلوا قال صلى الله عليه وسلم أو لم تسلموا قالوا بلى قال فما هذا الحرير فى أعناقكم فشققوه فنزعوه وألقوه وقدم فروة بن مسيك المرادى مفارقا لملوك كندة مبايعا للنبىّ صلى الله عليه وسلم وكان رجلا له شرف فلما قدم المدينة أنزله سعد بن عبادة عليه كذا فى الاكتفاء وقدم الاشعريون وأهل اليمن الترجمة مشتملة على طائفتين وليس المراد اجتماعهما فى الوفادة فان قدوم الاشعريين كان مع أبى موسى الاشعرى فى سنة سبع عند فتح خيبر وقدوم حمير كان فى سنة تسع وهى سنة الوفود ولهذا اجتمعوا مع بنى تميم وروى يزيد بن هارون عن حميد عن أنس انّ رسول الله قال يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا
فقدم الاشعريون فجعلوا(2/194)
يرتجزون* غدا نلقى الاحبة* محمدا وحزبه* وقدم وفد بنى الحارث بن كعب بن نجران فيهم قيس بن الحصين ويزيد بن المحمل وشدّاد بن عبد الله وقال لهم عليه السلام بم كنتم تغلبون من قاتلكم قالوا كنا نجتمع ولا نتفرّق ولا نبدأ أحدا بالظلم قال صدقتم وأمر عليهم قيس بن الحصين فرجعوا الى قومهم فى بقية من شوّال أو من ذى القعدة فلم يمكثوا الا أربعة أشهر حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وقدم وفد همدان فيهم مالك بن النمط وأبو ثور وهو المشعار ومالك بن أيفع وضمام بن مالك السلمانى وعمرو بن مالك الخارقى فلقوا رسول الله مرجعه من تبوك وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية على الرواحل المهرية والارحبية ومالك بن النمط يرتجز بين يديه عليه السلام وذكر له كلاما كثيرا حسنا فصيحا فكتب لهم عليه السلام كتابا أقطعهم فيه ما سألوا وأمّر عليهم مالك بن النمط واستعمله على من أسلم من قومه وأمره بقتال ثقيف وكان لا يخرج لهم سرح الا أغار عليه* قال ابن القيم فى الهدى النبوى لم تكن همدان تقاتل ثقيفا ولا تغير على سرحهم فان همدان باليمن وثقيف بالطائف* وقدم وفد مزينة وهم أربعمائة رجل فأسلموا فلما أرادوا أن ينصرفوا أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم عمر حتى زوّدهم تمرا* وقدم وفد دوس وكان قدومهم عليه بخيبر* وقدم وفد نصارى نجران سنة عشر فى القاموس نجران موضع باليمن فتح سنة عشر من الهجرة* وفى مزيل الخفاء نجران بفتح النون وسكون الجيم منزل للنصارى بين مكة واليمن على سبع مراحل من مكة* وفى معجم ما استعجم نجران مدينة بالحجاز من شق اليمن معروفة سميت بنجران بن زيد بن يشجب بن يعرب وهو أوّل من نزلها والاخدود الذى ذكره الله فى القرآن فى قرية من قرى نجران وهى اليوم خراب ليس فيها الا المسجد الذى أمر عمر بن الخطاب ببنائه* وفى أنوار التنزيل ولما تنصر نجران غزاهم ذو نواس اليهودى من حمير فأحرق فى الاخاديد من لم يرتدّ انتهى* قال مقاتل كانت الاخدود ثلاثة واحدة بنجران أرض العرب ليوسف ذى نواس بن شرحبيل اليهودى وكان من ملوك حمير وكانت فى الفترة بين عيسى والنبىّ عليهما السلام قبل مبعثه بسبعين سنة والآخرى بالشام لانطيانوس الرومى* والثالثة بفارس لبخت نصر* فأمّا التى بالشام وفارس فلم ينزل الله فيهما قرآنا وأنزل فى التى كانت بنجران كذا فى معالم التنزيل* قيل أطيب البلاد نجران من الحجاز وصنعاء من اليمن ودمشق من الشام والرى من خراسان* ولما قدم وفد نجران ودخلوا المسجد النبوى بعد العصر حانت صلاتهم فقاموا يصلون فيه فأراد الناس منعهم فقال عليه السلام دعوهم فاستقبلوا المشرق وصلوا صلاتهم وكانوا ستين راكبا وفيهم أربعة وعشرون رجلا من أشرافهم* وفى معالم التنزيل أربعة عشر وفى الاربعة والعشرين ثلاثة نفر اليهم يؤل أمرهم العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم واسمه عبد المسيح والسيد صاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الايهم بتحتانية ساكنة ويقال شرحبيل وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل وكان أبو حارثة أسقفهم وحبرهم وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه وموّلوه وكان يعرف أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم وشأنه وصفته مما علمه من الكتب المتقدّمة ولكن حمله الجهل والشقاء على الاستمرار والبقاء على النصرانية لما يرى من تعظيمه وجاهه عند أهلها فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الاسلام وتلى عليهم القرآن فامتنعوا فقال ان أنكرتم ما أقول فهلم أبا هلكم* وفى البخارى من حديث حذيفة جاء السيد والعاقب صاحبا نجران الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعنا يعنى يباهلا فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل* وعند أبى نعيم ان قائل ذلك هو السيد وعند غيره بل الذى قال ذلك هو العاقب لانه كان صاحب رأيهم* وفى زيادات يونس بن بكير فى المغارى ان الذى قال ذلك(2/195)
شرحبيل فو الله لئن كان نبيا فلاعناه يعنى باهلناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا أبدا* وفى أنوار التنزيل روى انهم لما دعوا الى المباهلة قالوا حتى ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم ماذا ترى فقال والله لقد عرفتم نبوّته ولقد جاءكم بالفصل فى أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا الا هلكوا فان أبيتم الا الف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشى خلفه وعلىّ خلفها وهو صلى الله عليه وعلى آله وذريّته يقول اذا أنا دعوت فأمّنوا فقال أسقفهم يا معشر النصارى انى لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا عن مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا فأذعنوا لرسول الله وبذلوا الجزية ألفى حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد فقال عليه السلام والذى نفسى بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادى نارا ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر وهو دليل على نبوّته وفضل من أتى بهم من أهل بيته* وفى المواهب اللدنية ثم قال العاقب والسيدانا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا فقال لأبعثن معكم أمينا حق أمين فاستشرف لها أصحاب رسول الله فقال قم يا أبا عبيدة يا ابن الجراح فلما قام قال عليه السلام هذا أمين هذه الامّة* وفى رواية يونس بن بكير صالحهم على ألفى حلة ألف فى رجب وألف فى صفر مع كل حلة أوقية من الذهب وكتب فيه الكتاب وساق يونس الكتاب الذى بينهم مطوّلا* وذكر ابن سعد أن السيد والعاقب رجعا بعد ذلك وأسلما وفى ذلك مشروعية مباهلة المخالف اذا أصر بعد ظهور الحجة ووقع ذلك لجماعة من العلماء سلفا وخلفا ومما عرف بالتجربة انّ من باهل وكان مبطلا لا تمضى عليه سنة من يوم المباهلة* وقدم رسول فروة بن عمرو الجذامى وكان عاملا للروم وكان منزله معان أسلم وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه وبعث به مع رجل من قومه يقال له مسعود بن سعد وبعث له ببغلة بيضاء وفرس يقال له الظرب وحمار يقال له يعفور وأثواب وقباء سندس مرصع بالذهب وكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم* من محمد رسول الله الى فروة بن عمرو أمّا بعد فقدم علينا رسولك وبلغ ما أرسلت به وخبر عما قبلك وأتانا باسلامك وانّ الله قد هداك بهداه وأمر بلالا فأعطى رسوله اثنتى عشرة أوقية ذهبا ونشا وبلغ ملك الروم خبر اسلام فروة فدعاه فقال له ارجع عن دينك نملكك قال لا أفارق دين محمد فانك تعلم ان عيسى بشربه ولكنك تضنّ بملكك فحبسه ثم أخرجه وصلبه على ماء بفلسطين وضرب عنقه على ذلك الماء كما مرّ فى الموطن الحادى عشر بتغيير يسير* وقدم وفد ضمام بن ثعلبة بعثه بنو سعد بن بكر وفى صحيح البخارى عن أنس بن مالك أنه قال بينما نحن جلوس مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى المسجد دخل رجل على جمل فأناخه فى المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد والنبىّ عليه السلام متكىء بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الابيض المتكىء فقال له الرجل أين ابن عبد المطلب فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم قد أجبتك فقال الرجل انى سائلك ومشدّد عليك فى المسألة فلا تجد علىّ فى نفسك فقال سل عما بدالك فقال أسألك بربك ورب من قبلك الله الذى أرسلك الى الناس كلهم فقال اللهمّ نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تصلى الصلوات الخمس فى اليوم والليلة قال اللهمّ نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا وتقسمها على فقرائنا قال اللهمّ نعم فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائى من قومى وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بنى سعد بن بكر* وقدم وفد طارق بن عبد الله وقومه* وقدم وفد نجيب سنة تسع وهم من السكون ثلاثة عشر رجلا وقد ساقوا معهم صدقات أموالهم التى فرض الله عليهم فسرّ عليه السلام بهم وأكرم منزلهم ومقرّهم
وأمر بلالا أن يحسن ضيافتهم* وقدم وفد بنى سعد هذيم من قضاعة فى سنة تسع(2/196)
وفى المنتقى وهم من أهل اليمن* وقدم وفد بنى فزارة سنة تسع قال أبو الربيع بن سالم فى كتاب الاكتفاء ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك قدم عليه وفد بنى فزارة بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن والجد بن قيس بن أخى عيينة بن حصن وهو أصغرهم فجاؤا مقرّين بالاسلام* وقدم وفد بنى أسد عشرة رهط سنة تسع فيهم وابضة بن معبد وطليحة بن خويلد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه فقال متكلمهم يا رسول الله انا نشهد انّ الله وحده لا شريك له وانك عبده ورسوله وجئناك ولم تبعث الينا بعثا فأنزل الله تعالى فيهم يمنون عليك أن أسلموا الاية* وقدم وفد بهراء من اليمن سنة تسع وكانوا ثلاثة عشر رجلا ونزلوا على المقداد بن عمرو وأقاموا أياما تعلموا الفرائض ثم ودّعوا رسول الله فأمر لهم بالجوائز وانصرفوا الى بلادهم* وقدم وفد عذرة فى صفر سنة تسع وكانوا اثنى عشر رجلا منهم حمزة بن النعمان فرحب بهم عليه السلام فأسلموا وبشرهم بفتح الشام وهرب هرقل الى ممتنع من بلاده ثم انصرفوا وقد أجيزوا* وقدم وفد بلى فى ربيع الاوّل سنة تسع فنزلوا على رو يفع بن ثابت البلوى فأسلموا فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذى هداكم للاسلام فكل من مات على غير الاسلام فهو فى النار ثم ودّعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أجازهم* وقدم وفد بنى مرّة وكانوا ثلاثة عشر رجلا ورئيسهم الحارث بن عوف فقال رسول الله كيف البلاد فقالوا والله انا لمسنتون فادع الله لنا فقال عليه السلام اللهمّ اسقهم الغيث ثم أقاموا أياما ورجعوا بالجائزة فوجدوا بلادهم قد أمطرت فى ذلك اليوم الذى دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم* وقدم وفد خولان فى شعبان سنة عشر وكانوا عشرة مسلمين فقال عليه السلام ما فعل صنم خولان الذى كانوا يعبدونه قالوا أبد لنا الله ما جئت به الا أنّ عجوزا وشيخا كبيرا يتمسكان به فان قدمنا عليه هدمناه ان شاء الله تعالى ثم علمهم فرائض الدين وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الامانة وحسن الجوار وأن لا يظلموا أحدا ثم أجازهم ورجعوا الى قومهم وهدموا الصنم* وقدم وفد محارب عام حجة الوداع وكانوا أغلظ العرب وأفظهم عليه أيام عرضه على القبائل يدعوهم الى الله فجاءه منهم عشرة وأسلموا ثم انصرفوا الى أهليهم*
وفد صداء
وقدم وفد صداء فى سنة ثمان وذلك أنه لما انصرف من الجعرانة بعث قيس بن سعد بن عبادة فى أربعمائة وأمره أن يطأ ناحية من اليمن فيها صداء فقدم رجل منهم علم بالبعث على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اردد الجيش فانى لك بقومى فردّ قيسا ورجع الصدائى الى قومه فقدم على رسول الله خمسة عشر رجلا منهم فبايعوه على الاسلام ورجعوا الى قومهم ففشا فيهم الاسلام فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل فى حجة الوداع ذكره الواقدى* وقدم وفد غسان فى شهر رمضان سنة عشر وكانوا ثلاثة نفر فأسلموا وأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا راجعين*
وفد سلامان
وقدم وفد سلامان فى شوّال سنة عشر كما قال الواقدى وكانوا سبعة نفر فيهم حبيب بن عمرو فأسلموا وشكوا اليه جدب بلادهم فدعا لهم ثم ودّعوه وأمر لهم بالجوائز فرجعوا الى بلادهم فوجدوها قد أمطرت فى اليوم الذى دعا لهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الساعة* وقدم وفد بنى عبس سنة عشر فقالوا يا رسول الله قدم علينا قرّاؤنا فأخبرونا أنه لا اسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش فان كان لا اسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا فقال عليه السلام اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئا* وقدم وفد غامد فى رمضان سنة عشر وكانوا عشرة فأقرّوا بالاسلام وكتب لهم كتابا فيه شرائع الاسلام وأمر أبى بن كعب فعلمهم قرآنا وأجازهم عليه السلام وانصرفوا*
وفد الازد
وقدم وفد الازد سنة عشر وهم سبعة نفر* وفى المنتقى ورأسهم صرد بن عبد الله الازدى فى بضعة عشر انتهى فأسلم وحسن اسلامه وأمّره على من أسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن أسلم(2/197)
أهل الشرك من قبائل اليمن*
رؤيا زرارة
وقدم وفد المنيفق لقيط بن عامر ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم ابن مالك بن المنيفق* وقدم وفد النخع وهم آخر الوفود قد وما عليه وكان قدومهم فى نصف المحرّم سنة احدى عشرة فى مائتى رجل فنزلوا دار الاضياف ثم جاؤا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرّين بالاسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل فقال رجل منهم يقال له زرارة بن عمرو يا رسول الله انى رأيت فى سفرى هذا عجبا قال وما رأيت قال رأيت اتانا تركتها كأنها ولدت جديا أسفع أحوى فقال له رسول الله هل تركت مصرة على حمل قال نعم قال فانها قد ولدت غلاما وهو ابنك قال يا رسول الله فما باله أسفع أحوى قال ادن منى فدنا منه فقال هل بك من برص تكتمه قال والذى بعثك بالحق نبيا ما علم به أحد ولا اطلع عليه غيرى قال يا رسول الله ورأيت النعمان بن المنذر عليه قرطان ومسكتان قال ذلك ملك العرب رجع الى أحسن زيه وبهجته قال يا رسول الله ورأيت عجوز اشمطاء خرجت من الارض قال تلك بقية الدنيا قال ورأيت نارا خرجت من الارض فحالت بينى وبين ابن لى يقال له عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فتنة تكون فى آخر الزمان قال يا رسول الله وما الفتنة قال يقتل الناس امامهم وخالف رسول الله بين أصابعه يحسب المسىء فيها أنه محسن ويكون دم المؤمن عند المؤمن أحلى من شرب الماء ان مات ابنك أدركت الفتنة وان مت أنت أدركها ابنك فقال يا رسول الله ادع الله أن لا أدركها فقال رسول الله اللهمّ لا يدركها فمات فبقى ابنه فكان ممن خلع عثمان بن عفان انتهى ملخصا من الهدى النبوى نقل سرد الوفود بهذا الترتيب من المواهب اللدنية للشيخ شهاب الدين أحمد القسطلانى* وفى المنتقى زيادة على ما ذكره وهى* وقدم وفد زبيد على رسول الله سنة عشر فيهم عمرو بن معدى كرب فأسلم فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّ عمرو ثم عاد الى الاسلام*
وفد بجيلة
وقدم وفد بجيلة سنة عشر فيهم جرير بن عبد الله البجلى ومعه من قومه مائة وخمسون رجلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم من هذا السفح من خير ذى يمن على وجهه مسحة ملك فطلع جرير على راحلته ومعه قومه فأسلموا وبايعوا قال جرير وبسط رسول الله يده فبايعنى وقال وعلى أن تشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم شهر رمضان وتنصح للمسلمين وتطيع الوالى وان كان عبدا حبشيا فقلت نعم فبايعته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عما وراءه فقال يا رسول الله قد أظهر الله الاسلام والاذان وهدمت القبائل أصنامها التى تعبد قال ما فعل ذو الخلصة قال هو على حاله فبعثه رسول الله الى هدم ذى الخلصة وعقد له لواء فقال انى لا أثبت على الخيل فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره فقال اللهمّ اجعله هاديا مهديا فخرج فى قومه وهم زها مائتين فما أطال الغيبة حتى رجع قال رسول الله هدمته قال نعم والذى بعثك بالحق وأحرقته بالنار فتركته كما يسوء أهله فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها وفى البخارى روى عن جرير بن عبد الله البجلى كان فى الجاهلية بيت باليمن لخثعم وبجيلة وفيه نصب تعبد يقال له ذو الخلصة وكان يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنت مريحى من ذى الخلصة قال فنفرت اليه فى خمسين ومائة فارس من أحمس فكسرناها وأحرقناها وقتلنا من وجدنا عنده فأخبرناه فدعا لنا ولا حمس* وقدم وفد ثعلبة سنة ثمان مرجعه من الجعرانة وهم أربعة نفر* وقدم وفد رهاوين سنة عشر* وقدم وفد بنى تغلب سنة عشر* وقدم وفد الداريين من لخم وهم عشرة فى سنة تسع* وقدم وفد بنى كلاب فى سنة تسع معهم لبيد ابن ربيعة بن حبان بن سلمى وقالوا انّ الضحاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وسنتك ودعانا فاستجبنا له وانه أخذ الصدقة من أغنيائنا فردّها فى فقرائنا* وقدم وفد البكائين سنة تسع(2/198)
*
(الفصل الثانى فى ذكر الخلفاء الراشدين وخلفاء بنى أمية والعباسيين)
** (ذكر أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه) *
يقال كان اسمه فى الجاهلية عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله كذا فى المواهب اللدنية والمختصر الجامع وغيرهما وقيل اسمه عتيق بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرّة يلتقى هو ورسول الله فى مرّة بن كعب بين كل منهما وبين مرّة ستة أشخاص وأمّه أمّ الخير سلمى بنت صخر بن عامر وهى بنت عمّ أبى قحافة وقيل اسمها ليلى بنت صخر بن عامر قاله محمد ابن سعد كذا فى أسد الغابة أسلمت قديما حين كان المسلمون فى دار الارقم* وفى الكشاف وأنوار التنزيل فى تفسير قوله تعالى رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ الى آخرها قيل نزلت فى أبى بكر وفى أبيه أبى قحافة وأمّه أمّ الخير وفى أولاده واستجابة دعائه فيهم وقيل لم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين والانصار أسلم هو ووالده وبنوه وبناته غير أبى بكر* وفى تسميته بعتيق خمسة أقوال* أحدها ما روى عن عائشة انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم نظر اليه فقال هذا عتيق من النار* الثانى لجمال وجهه العتق الجمال قاله الليث بن سعد وقتيبة* الثالث أنه اسم سمته به أمّه قاله موسى بن طلحة بن عبيد الله قال كانت أمّه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهمّ هذا عتيقك من الموت فهبه لى فعاش فسمته عتيقا وكان يعرف به رواه الخجندى فى الاربعينية وغيره* قال الازدى وكانت أمّه اذا هزته قالت عتيق وما عتيق ذو المنظر الانيق رشفت منه ريق كالزرنب الفتيق كذا فى سيرة مغلطاى وقيل كان له أخوان عتق وعتيق فسمى باسم أحدهما ذكره البغوى فى معجمه* الرابع قال مصعب وطائفة من أهل النسب انما سمى عتيقا لانه لم يكن فى نسبه شئ يعاب به* الخامس قال أبو نعيم الفضل بن دكين سمى بذلك لأنه قديم الخير والعتيق القديم كذا فى الرياض النضرة وسماه النبىّ صلى الله عليه وسلم صديقا فقال يكون بعدى اثنتا عشرة خليفة أبو بكر الصدّيق لا يلبث الا قليلا وكان على بن أبى طالب يحلف بالله انّ الله أنزل اسم أبى بكر من السماء الصدّيق كذا فى الصفوة وغيره لتصديقه خبر الاسراء* وفى سيرة مغلطاى لتصديقه النبىّ عليه الصلاة والسلام وقيل انّ الله صدّقه* قال ابن دريد وكان يلقب ذا الخلال لعباءة كان يخللها على صدره*
(ذكر صفته)
* كان رجلا نحيفا خفيف اللحم أبيض خفيف العارضين معروق الوجه ناتئ الجبهة غائر العينين اجنأ لا يستمسك ازاره يسترخى عن حفّوه عارى الاشاجع يخضب بالحناء والكتم كذا فى الصفوة وغيرها* وعن قيس بن أبى حازم قال قدمت على أبى بكر مع أبى فى مرضه الذى مات فيه فرأيته رجلا أسمر خفيف اللحم خرجه أبو بكر بن مخلد والمشهور ما تقدّم من أنه كان أبيض كذا فى الرياض النضرة* وفى رواية كان آدم طويلا وكان أصغر من النبىّ صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث أسلم وهو ابن سبع وثلاثين أو ثمان وثلاثين وعاش فى الاسلام ستا وعشرين سنة وكانت ولادته بمنى بعد الفيل* قال أبو اسحاق الشيرازى فى طبقاته لم يكن أحد يفتى بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم غيره ومع ما به من العناية أنه تنزه عن شرب المسكر فى الجاهلية والاسلام* قوله معروق الوجه أى قليل اللحم حتى ينبين حجم العظم أجنأ بالجيم والهمزة أى منحنيا وأحنى بالحاء غير مهموز بمعناه الحقو الكشح وقد يسمى الازار حقوا للمجاورة لانه يشدّ على الحقو الاشاجع جمع أشجع كأحمد واصبع وهى أصول الاصابع التى تتصل بعصب ظاهر الكف والكتم بالتحريك نبت كذا فى الرياض النضرة والقاموس*
(ذكر خلافته)
* فى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى روى أنّ بعض الصحابة قد اجتمعوا يوم وفاة رسول الله فى سقيفة بنى ساعدة قال الانصار للمهاجرين منا أمير ومنكم أمير فقال لهم أبو بكر منا(2/199)
الامراء ومنكم الوزراء واحتج عليهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأئمة من قريش فاستقرّ رأى الصحابة بعد المشاورة والمراجعة على خلافة أبى بكر وأجمعوا على ذلك وبايعه على ذلك علىّ ولقبه بخليفة رسول الله بعد توقف منه فصارت امامته مجمعا عليها غير مدافع* وفى مورد اللطافة قيل انّ الذين أطلق عليهم اسم الخليفة ثلاثة آدم وداود عليهما السلام بلفظ القرآن وأبو بكر باجماع المسلمين ولم ينص رسول الله صلى الله عليه وسلم على امامة أحد وفوّض أمرها الى الأمّة وقوله عليه السلام اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر ليس نصا عليهما وقوله عليه السلام لعلىّ أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبىّ بعدى لا يدل على كونه خليفة له بعد وفاته بل المراد به أنه خليفة له حين غيبته فى غزوة تبوك كما كان هارون خليفة لموسى حين غيبته عن قومه* وفى الصفوة والرياض النضرة ذكر الواقدى عن أشياخه أنّ أبا بكر بويع يوم قبض رسول الله يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل سنة احدى عشرة من مهاجره عليه السلام* وفى التذنيب للرّافعى تولى الخلافة اليوم الثانى من وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة خلت من أوّل سنة احدى عشرة من الهجرة* وفى الرياض النضرة قال ابن قتيبة بويع أبو بكر بالخلافة يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سقيفة بنى ساعدة وبويع بيعة العامّة على المنبر يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم* وفى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى مدّة خلافته سنتان وأربعة أشهر وقيل سنتان وثلاثة أشهر وسبعة أو ستة أيام وقيل عشرة أيام* وفى سيرة مغلطاى ولى الخلافة سنتين ونصفا وقيل أربعة أشهر الا عشرة أيام وقيل الا أربعة أيام وقيل غير ذلك وبعث عمر بالحج فحج بالناس سنة احدى عشرة وحج بالناس أبو بكر سنة ثنتى عشرة كذا فى الرياض النضرة* وفى البحر العميق عن الواقدى عن أشياخه أنّ أبا بكر استعمل عمر على الحج سنة احدى عشرة فحج بالناس ثم اعتمر أبو بكر فى رجب سنة ثنتى عشرة ثم حج فيها بالناس واستخلف على المدينة عثمان* وفى الرياض النضرة ذكر صاحب الصفوة أنه اعتمر فى رجب سنة ثنتى عشرة فدخل مكة ضحوة وأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره ومعه فتيان يحدّثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها فجعل يقول يا أبت لا تقم ثم التزمه وقبل بين عينى أبى قحافة وجعل أبو قحافة يبكى فرحا بقدومه وجاء أهل مكة عتاب ابن أسيد وسهيل بن عمرو وعقبة وعكرمة بن أبى جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه سلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكى حين يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبى قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم* الملأ الجماعة ويطلق على أشراف القوم لانهم يملأون القلب والعين فقال أبو بكر يا أبت لا حول ولا قوّة الا بالله طوّقت عظيما من الامر لا قوّة لى به ولا يدان الا بالله وقال هل أحد يشتكى ظلامته فما أتاه أحد وأثنى الناس على واليهم وكان حاجبه سديدا مولاه وكاتبه عثمان بن عفان وعبد الله بن الارقم قاله ابن عباس* وفى رواية وكان قاضيه عمر بن الخطاب وكاتبه عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وحاجبه سديدا مولاه وصاحب شرطته أبا عبيدة ابن الجرّاح وهو أوّل من اتخذ الحاجب وصاحب الشرطة فى الاسلام وكان فى يده خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورق نقشه محمد رسول الله وكان بعد فى يد عمر ثم كان فى يد عثمان حتى وقع من معيقيب فى بئر أريس وفى مدّة خلافته اليسيرة فتح فتوحات كثيرة فأوّل ما بدأ به بعد خلافته أنه نفذ جيش أسامة وأمره بالانتهاء الى ما أمر به رسول الله وشيعه ماشيا وأسامة راكب لانه أقسم عليه أن لا ينزل وسأله أن يأذن لعمر فى الرجوع معه فأذن له فى ذلك ومضى أسامة وبث الخيل فى قبائل قضاعة وعاد سالما
وكان فراغه فى أربعين يوما وفتح أبو بكر اليمامة وقتل مسيلمة الكذاب وقاتل جموع أهل الردّة الى أن رجعوا الى دين الله وفتح أطراف العراق وبعض الشام(2/200)
* (ذكر بدء الردّة بعد وفاة رسول الله وما كان من تأييد الله لخليفة رسول الله فيها)
* فى الاكتفاء قال ابن اسحاق ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين وكانت عائشة فيما بلغنى تقول لما توفى رسول الله ارتدت العرب واشرأبت اليهودية والنصرانية وعم النفاق وصار المسلمون كالغنم المطيرة فى الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبى بكر فلقد نزل بأبى ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها* قوله اشرأب اليه مدعينيه لينظر اليه وارتفع كذا فى القاموس قدور راسية لا تبرح مكانها لعظمها هاض العظم يهيضه كسره بعد الجبور* وذكر ابن هشام عن أبى عبيدة وغيره من أهل العلم ان أكثر أهل مكة لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا بالرجوع عن الاسلام وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد فتوارى فقام سهيل بن عمرو فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله وقال ان ذلك لم يزد الاسلام الا قوّة فمن رابنا ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا فظهر عتاب بن أسيد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سهيل بن عمرو لعمر بن الخطاب وقد قال له انزع ثنيتى سهيل بن عمرو بلدغ لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انه عسى ان يقوم مقاما لا تذمه فكان هذا المقام المتقدّم هو الذى أراده رسول الله عليه السلام* وفى سيرة مغلطاى ارتدت فى أيامه العرب فأرسل اليهم الجيوش فأبادوا من استمر منهم على كفره وأرسل خالدا الى العراق وعمرو بن العاص الى فلسطين ويزيد بن أبى سفيان وأبا عبيدة وشرحبيل بن حسنة الى الشأم وتوفى أبو بكر مسموما واستخلف عمر* وفى معالم التنزيل لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر خبر وفاته ارتد عامّة العرب الا أهل مكة والمدينة والبحرين من عبد القيس ومنع بعضهم الزكاة وهمّ أبو بكر بقتالهم فكره ذلك أصحاب رسول الله وقال عمر كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فاذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم قال له أبو بكر أليس قد قال الا بحقها ومن حقها اقامة الصلاة وايتاء الزكاة والله لو منعونى عقالا* وفى رواية عناقا كانوا يؤدّونه الى رسول الله لقاتلتهم على منعه ولو خذلنى الناس كلهم لجاهدتهم بنفسى فقال عمر بن الخطاب فو الله ما هو الا ان رأيت انّ الله قد شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت انه الحق قال عمر بن الخطاب والله لقد رجح ايمان أبى بكر بايمان هذه الامّة جميعا فى قتال أهل الردّة* قال أبو بكر بن العياش سمعت أبا حصين يقول ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبى بكر لقد قام مقام نبى من الانبياء فى قتال أهل الردّة* وقال أنس بن مالك كرهت الصحابة قتال مانعى الزكاة وقالوا أهل القبلة فتقلد أبو بكر سيفه وخرج وحده فلم يجدوا بدا من الخروج على أثره وهذا دليل على شجاعة أبى بكر* وقال ابن مسعود كرهنا ذلك فى الابتداء ثم حمدنا عليه فى الانتهاء* وذكر يعقوب ابن محمد الزهرى ان العرب افترقت فى ردّتها فقالت فرقة لو كان نبيا ما مات وقال بعضهم انقضت النبوّة بموته فلا نطيع أحدا بعده* وقال بعضهم نؤمن بالله وقال بعضهم نؤمن بالله ونشهد أن محمدا رسول الله ونصلى ولكن لا نعطيكم أموالنا فأبى أبو بكر الا قتالهم وجادل أبو بكر أصحابه فى جهادهم وكان من أشدّهم عليه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبى حذيفة وقالوا له احبس جيش أسامة بن زيد فيكون عمارة وأمانا بالمدينة وارفق بالعرب حتى ينفرج هذا الامر فان هذا الامر شديد غوره ومهلكة من غير وجه فلو ان طائفة من العرب ارتدت قلنا قاتل بمن معك ممن ثبت من ارتد وقد أصفقت العرب على الارتداد فهم بين مرتد ومانع صدقة فهو مثل المرتد وبين واقف ينظر ما تصنع أنت وعدوّك قد قدّم رجلا وأخر رجلا وفى المشكاة قال عمر فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فقال لى أجبار فى الجاهلية وخوار فى الاسلام قد انقطع الوحى وتم الدين(2/201)
أينقص وأنا حى رواه رزين فى كتاب الواقدى من قول عمر لابى بكر وانما شحت العرب على أموالها وأنت لا تصنع بتفريق العرب عنك شيئا فلو تركت للناس صدقة هذه السنة* وقدم على أبى بكر عبينة بن حصن والاقرع بن حابس فى رجال من أشراف العرب فدخلوا على رجال من المهاجرين فقالوا انه قد ارتدّ عامّة من وراءنا عن الاسلام وليس فى أنفسهم ان يؤدّوا اليكم من أموالهم ما كانوا يؤدّون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان تجعلوا لنا جعلا نرجع فنكفيكم من وراءنا فدخل المهاجرون والانصار على أبى بكر فعرضوا عليه الذى عرضوا عليهم وقالوا نرى ان تطعم الاقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ويكفيانك من وراءهما حتى يرجع اليك أسامة وجيشه ويشتدّ أمرك فانا اليوم قليل فى كثير ولا طاقة لنا بقتال العرب* قال أبو بكر هل ترون غير ذلك قالوا لا قال أبو بكر انكم قد علمتم انه كان من عهد رسول الله اليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ولا نزل به الكتاب عليكم وانّ الله لن يجمعكم على ضلالة وانى سأشير عليكم وانما أنا رجل منكم تنظرون فيما اشرته عليكم وفيما أشرتم به فتجتمعون على أرشد ذلك فانّ الله يوفقكم أما انا فأرى ان نشد الى عدوّنا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وان لا ترشوا على الاسلام أحدا وان تتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فنجاهد عدوّه كما جاهدهم والله لو منعونى عقالا لرأيت ان أجاهدهم عليه حتى آخذه من اهله وأدفعه الى مستحقه فأتمروا يرشدكم الله فهذا رأيى فقالوا لابى بكر لما سمعوا رأيه أنت أفضلنا رأيا ورأينا لرأيك تبع فأمر أبو بكر الناس بالتجهيز وأجمع على المسير بنفسه لقتال أهل الردّة وكانت أسد وغطفان من أهل الضاحية قد ارتدّت ولم ترتدّ عبس ولا بعض أشجع وارتدّت عامّة بنى تميم وطوائف من بنى سليم وعصية وعميرة وخفاف وبنو عوف بن امرئ القيس وذكوان وبنو حارثة وارتدّ أهل اليمامة كلهم وأهل البحرين وبكر بن وائل وأهل دباء من أزد عمان والنمر بن قاسط وكليب ومن قاربهم من قضاعة وعامّة بنى عامر بن صعصعة وفيهم علقمة بن علاثة وقيل انها تربصت مع قادتها وسادتها ينظرون لمن تكون الدبرة وقدّموا رجلا وأخروا أخرى وارتدّت فزارة وجمعها عيينة بن حصن وتمسك بالاسلام ما بين المسجدين وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وكعب وثقيف قام فيهم عثمان بن أبى العاص من بنى مالك وقام فى الاحلاف رجل منهم فقال يا معشر ثقيف نشدتكم الله أن تكونوا أوّل العرب ارتدادا وآخرهم اسلاما وأقامت طئ كلها على الاسلام وهذيل وأهل السراة وبجيلة وخثعم ومن قارب تهامة من هوازن نصر وجشم وسعد بن بكر وعبد القيس قام فيهم الجلرود فثبتوا على الاسلام وارتدّت كندة وحضرموت وعنس وقال أبو هريرة لم يرجع واحد من دوس ولا من أهل السراة كلها وقال أبو مرزوق التجيبى لم يرجع رجل واحد منا من تجيب وهمدان ولا من الابناء بصنعاء ولقد جاء الابناء وفاة رسول الله فشق نساؤهم الجيوب وضربن الخدود وفيهم المرزبانة فشقت درعها من بين يديها ومن خلفها وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدر من الحج سنة عشر وقدم المدينة أقام حتى رأى هلال المحرم سنة احدى عشرة وبعث المصدّقين فى العرب فبعث على عجز هوازن عكرمة بن أبى جهل وبعث حامية بن سبيع الاسدى على صدقات قومه وعلى بنى كلاب الضحاك بن أبى سفيان وعلى أسد وطىء عدى بن حاتم وعلى بنى يربوع مالك بن نويرة وعلى بنى دارم وقبائل من حنظلة الاقرع بن حابس وبعث الزبرقان بن بدر على صدقات قومه وقيس بن عاصم المنقرى على صدقة قومه فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فمنهم من رجع ومنهم من أدّى الى ابى بكر وكان الذين حبسوا صدقات قومهم وفرّقوها بين قومهم مالك بن نويرة وقيس بن عاصم والاقرع بن حابس التميمى وأما بنو كلاب فتربصوا ولم يمنعوا
منعا بينا ولم يعطوا كانوا بين ذلك وكان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على فزارة نوفل بن معاوية الديلمى فلقيه خارجة بن(2/202)
حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى بالشربة فقال اما ترضى ان تغنم نفسك فرجع نوفل بن معاوية هاربا حتى قدم على أبى بكر الصديق بسوطه وقد كان جمع فرائض فأخذها منه خارجة فردها على أربابها وكذلك فعلت سليم بعرباض بن سارية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على صدقاتهم فلما بلغتهم وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم أبوا أن يعطوه شيئا وأخذوا منه ما كان جمع فانصرف من عندهم بسوطه وأما أسلم وغفار ومزينة وجهينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث اليهم كعب بن مالك الانصارى فسلموا اليه صدقاتهم لما بلغتهم وفاته وتأدّت الى أبى بكر فاستعان بها على قتال أهل الردّة وكذلك فعل بنو كعب مع أمير صدقاتهم بشر بن سفيان الكعبى وأشجع مع مسعود ابن رخيلة الاشجعى فقدم بذلك كله على أبى بكر وكان عدى بن حاتم قد حبس ابل الصدقة يريد أن يبعث بها الى أبى بكر اذا وجد فرصة والزبرقان بن بدر مثل ذلك فجعل قومهما يكلمونهما فيأبيان وكانا أحرم رأيا وأفضل فى الاسلام رغبة ممن كان فرّق الصدقة فى قومه فقالا لقومهما لا تعجلوا فانه ان قام بهذا الامر قائم ألفاكم لم تفرّقوا الصدقة وان كان الذى تظنون فلعمرى انّ اموالكم لبأيديكم فلا يغلبنكم عليها احد فسكنوهم حتى أتاهم خبر القوم فلما اجتمع الناس على أبى بكر جاءهم أنه قد قطع البعوث وسار بعث اسامة بن زيد الى الشأم وابو بكر يحرج اليهم وكان عدى بن حاتم يأمر ابنه ان يسرح مع نعم الصدقة فاذا كان المساء روّحها وانه جاء بها ليلة عشاء فضربه وقال ألا عجلت بها ثم راح بها الليلة الثانية فوق ذلك قليلا فجعل يضربه وجعلوا يكلمونه فيه فلما كان اليوم الثالث قال يا بنى اذا سرحتها فصح فى أذنابها وأمّ بها المدينة فان لقيك لاق من قومك أو من غيرهم فقل أريد الكلأ تعذر علينا ما حولنا فلما ان جاء الوقت الذى كان يروح فيه لم يأت الغلام فجعل أبوه يتوقعه ويقول لاصحابه العجب لحبس ابنى فيقول بعضهم نخرج يا أبا طريف فنتبعه فيقول لا والله فلما أصبح تهيأ ليغدو فقال قومه نغد ومعك فقال لا يغد ومعى منكم أحد انكم ان رأيتموه حلتم بينى وبين ضربه وقد عصى امرى كما ترون فخرج على بعير له سراعا حتى لحق ابنه ثم حدر النعم الى المدينة فلما كان ببطن قناة لقيه خيل لابى بكر عليها ابن مسعود وقيل محمد بن مسلمة وهو أثبت عندنا فلما نظروا اليه ابتدروه وما كان معه وقالوا له أين الفوارس الذين كانوا معك قال ما معى أحد قالوا بلى لقد كان معك فوارس فلما رأونا تغيبوا فقال ابن مسعود خلوا عنه فما كذب ولا كذبتم جنود الله معه ولم يرهم فقدم على أبى بكر بثلثمائة بعير وكانت أوّل صدقة قدم بها على أبى بكر* وذكر بعض من ألف فى الردّة انّ الزبرقان بن بدر هو الذى فعل هذا الفعل المنسوب فى هذا الحديث الى عدى بن حاتم فاما ان يكونا فعلاه معا توفيقا من الله لهما وامّا ان يكون هذا مما يعرض فى النقل من الاختلاف* وذكر ابن اسحاق ان عدى بن حاتم كانت عنده ابل عظيمة اجتمعت له من صدقات قومه عند ما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ارتدّ من ارتدّ من الناس وارتجعوا صدقاتهم وارتدّ بنو أسد وهم جيرانه اجتمعت طى الى عدى بن حاتم فقالوا ان هذا الرجل قد مات وقد انتقض الناس بعده وقبض كل قوم ما كان فيهم من صدقاتهم فنحن أحق بأموالنا من شذاذ الناس فقال ألم تعطوا من أنفسكم العهد والميثاق على الوفاء طائعين غير مكرهين قالوا بلى ولكن قد حدث ما ترى وقد ترى ما صنع الناس* قال والذى نفس عدى بيده لا أحبس بها أبدا ولو كنت جعلتها لرجل من المدلج لوفيت له بها فان أبيتم لا قاتلنكم يعنى على ما فى يديه وما فى أيديهم فيكون أوّل قتيل يقتل على وفاء ذمّته عدى بن حاتم أو يسلمها فلا تطمعوا ان يسب حاتما فى قبره ابنه عدى من بعده فلا يدعونكم غدر غادر الى ان تغدروا فان للشيطان قادة عند موت كل نبى يستخف بها(2/203)
أهل الجهل حتى يحملهم على قلائص الفتنة وانما هى عجاجة لاثبات لها ولاثبات فيها ان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة من بعده يلى هذا الامر وان لدين الله أقواما سينهضون ويقومون به بعد رسول الله كما قاموا بعهده ولئن فعلتم لينازعنكم على أموالكم ونسائكم بعد قتل عدى وغدركم فأىّ قوم أنتم عند ذلك فلما رأوا منه الجدّ كفوا عنه وسلموا له* ويروى ان مما قال له قومه أمسك ما فى يديك فانك ان تفعل تسد الحليفين يعنون طيا وأسدا فقال ما كنت لا فعل حتى أدفعها الى أبى بكر فجاء بها حتى دفعها اليه فلما كان زمن عمر بن الخطاب رأى من عمر جفوة فقال له عدى ما أراك تعرفنى قال عمر بلى والله يعرفك من فى السماء أعرفك والله أسلمت اذ كفروا ووفيت اذ غدروا وأقبلت اذ أدبروا بلى وهايم الله أعرفك وفى القاموس هيم الله وقدم أيضا الزبرقان بن بدر بصدقات قومه على أبى بكر فلم يزل لعدى والزبرقان بذلك شرف وفضل على من سواهما وأعطى أبو بكر عديا ثلاثين بعيرا من ابل الصدقة وذلك ان عديا لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرانيا فأسلم وأراد الرجوع الى بلاده أرسل اليه رسول الله يعتذر من الزاد ويقول والله ما أصبح عند آل محمد سفة من الطعام لكن ترجع ويكون خيرا فلذلك أعطاه ابو بكر تلك الفرائض ولما كان من العرب ما كان من التوائهم عن الدين ومنع من منع منهم الصدقة جدّ بأبى بكر الجدّ فى قتالهم وأراه الله رشده فيهم وعزم على الخروج بنفسه اليهم وأمر الناس بالجهاد وخرج هو فى مائة من المهاجرين وقيل فى مائة من المهاجرين والانصار وخالد بن الوليد يحمل اللواء حتى نزل بقعاء وهو ذو القصة يريد أبو بكر أن يتلاحق الناس من خلفه ويكون أسرع لخروجهم ووكل بالناس محمد بن مسلمة يستحثهم فانتهى الى بقعاء عند غروب الشمس فصلى يها المغرب وأمر بنار عظيمة فأوقدت وأقبل خارجة بن حصن بن حذيفة ابن بدر وكان ممن ارتدّ فى خيل من قومه الى المدينة يريد أن يخذل الناس عن الخروج أو يصيب غرّة فيغير قأغار على أبى بكر ومن معه وهم غافلون فاقتتلوا شيئا من قتال وتحيز المسلمون ولاذ أبو بكر بشجرة وكره أن يعرف فأوفى طلحة بن عبيد الله على شرف فصاح بأعلى صوته لا بأس هذه الخيل قد جاءتكم فتراجع الناس وجاءت الامداد وتلاحق المسلمون فانكشف خارجة بن حصن وأصحابه وتبعه طلحة ابن عبيد الله فيمن خف معه فلحقوه فى أسفل ثنايا عوسجة وهو هارب لا يألو فيدرك اخريات أصحابه فحمل طلحة على رجل بالرمح فدق ظهره ووقع ميتا وهرب من بقى ورجع طلحة الى أبى بكر فأخبره ان قدولوا منهزمين هاربين وأقام أبو بكر ببقعاء أياما ينتظر الناس وبعث الى من كان حوله من أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة وكعب يأمرهم بجهاد؟؟؟ الردّة والحفوف اليهم فتحلب الناس اليه من هذه النواحى حتى شحنت منهم المدينة* قال سبرة الجهنى قدمنا معشر جهينة أربعمائة معنا الظهر والخيل وساق عمرو بن مرّة الجهنى مائه بعير عونا للمسلمين فوزعها أبو بكر فى الناس وجعل عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب يكلمان أبا بكر فى الرجوع الى المدينة لما رأيا عزمه على المسير بنفسه وقد توافى المسلمون وحشدوا فلم يبق أحد من أصحاب رسول الله من المهاجرين والانصار من أهل بدر الآخرج* وقال عمر ارجع يا خليفة رسول الله تكن للمسلمين فئة وردئا فانك ان تقتل يرتدّ الناس ويعلو الباطل على الحق وابو بكر مظهر المسير بنفسه وسألهم بمن نبدأ من أهل الردّة فاختلفوا عليه فقال ابو بكر نعمد لهذا الكذاب على الله وعلى كتابه طليحة ولما ألحوا على ابى بكر فى الرجوع وعزم هو عليه أراد أن يستخلف على الناس فدعا زيد بن الخطاب لذلك فقال يا خليفة رسول الله كنت ارجو أن ارزق الشهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أرزقها وانا ارجو أن ارزقها فى هذا الوجه وانّ امير الجيش لا ينبغى ان يباشر القتال بنفسه فدعا ابا حذيفة بن عتبة بن ربيعة فعرض عليه
ذلك فقال مثل(2/204)
ما قال زيد فدعا سالما مولى ابى حذيفة ليستعمله فأبى عليه فدعا ابو بكر خالد بن الوليد فامره على الناس وقال لهم وقد توافى المسلمون قبله وبعث مقدّمته أمام الجيش أيها الناس سيروا على اسم الله وبركته فأميركم خالد بن الوليد الى ان ألقاكم فانى خارج فيمن معى الى ناحية خيبر حتى ألاقيكم* ويروى أنه قال للجيش سيروا فان لقيتكم بعد غد فالامر الىّ وانا أميركم والا فخالد بن الوليد عليكم فاسمعوا له وأطيعوا وانما قال ذلك أبو بكر لان تذهب كلمته فى الناس وتهاب العرب خروجه* ثم خلا بخالد ابن الوليد فقال يا خالد عليك بتقوى الله وايثاره على من سواه والجهاد فى سبيله فقد وليتك على من ترى من أهل بدر من المهاجرين والانصار فسار خالد ورجع أبو بكر وعمر وعلىّ وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص فى نفر من المهاجرين والانصار من أهل بدر الى المدينة* وفى الصفوة لما خرج أبو بكر الى أهل الردّة كان خالد بن الوليد يحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالد او رجع الى المدينة*
(ذكر وصية أبى بكر الصديق خالد بن الوليد حين بعثه فى هذا الوجه)
* قال حنظلة الاسلمى بعث أبو بكر خالد بن الوليد الى أهل الردّة وأمره أن يقاتلهم على خمس خصال فمن ترك واحدة من الخمس قاتله شهادة أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت وأمره بأن يمضى بمن معه من المسلمين حتى يقدم اليمامة فيبدأ ببنى حنيفة ومسيلمتهم الكذاب فيدعوهم ويدعوه الى الاسلام وينصح لهم فى الدين ويحرص على هداهم فان أجابوا الى ما دعاهم اليه من رعاية الاسلام قبل منهم وكتب بذلك الىّ وأقام بين أظهرهم حتى يأتيه أمرى وان هم لم يجيبوا ولم يرجعوا عن كفرهم واتباع كذابهم على كذبه على الله عز وجل قاتلهم أشدّ القتال بنفسه وبمن معه فان الله ناصر دينه ومظهره على الدين كله كما قضى فى كتابه ولو كره الكافرون فان أظهره الله عليهم ان شاء الله تعالى وأمكنه منهم فليقتلهم بالسلاح وليحرقهم بالنار ولا يستبق منهم أحدا قدر على أن يستبقيه وليقسم أموالهم وما أفاء الله عليه وعلى المسلمين الا خمسه فليرسل به الىّ أضعه حيث أمر الله به أن يوضع ان شاء الله تعالى* وعن عروة بن الزبير قال جعل أبو بكر يوصى خالد بن الوليد ويقول يا خالد عليك بتقوى الله والرفق بمن معك من رعيتك فان معك أصحاب رسول الله أهل السابقة من المهاجرين والانصار فشاورهم فيما نزل بك ثم لا تخالفهم وقدّم أمامك الطلائع ترتد لك المنازل وسر فى أصحابك على تعبية جيدة فاذا لقيت اسدا وغطفان فبعضهم لك وبعضهم عليك وبعضهم لا عليك ولا لك متربص دائرة السوء ينظر لمن تكون الدبرة فيميل مع من تكون له الغلبة ولكن الخوف عندى من أهل اليمامة فاستعن بالله على قتالهم فانه بلغنى أنهم رجعوا باسرهم فان كفاك الله الضاحية فامض الى أهل اليمامة سر على بركة الله*
(ذكر مسير خالد الى بزاخة وغيرها)
* قالوا وسار خالد بن الوليد ومعه عدى بن حاتم وقد انضم اليه من طىء ألف رجل فنزل بزاخة وكانت جديلة معرضة عن الاسلام وهى بطن من طىّ وكان عدى بن حاتم من الغوث وقد همت جديلة أن ترتد فجاءهم مكيث بن زيد الخيل الطائى فقال أتريدون أن تكونوا سبة على قومكم لم يرجع رجل واحد من طىّ وهذا أبو طريف عدى بن حاتم معه ألف رجل من طىّ فكسرهم فلما نزل خالد ابن الوليد قال لعدى يا أبا طريف الا نسير الى جديلة فقال يا أبا سليمان لا تفعل أقاتل معك بيدين أحب اليك أم بيد واحدة فقال خالد بل بيدين قال عدى فان جديلة احدى يدىّ فكف خالد عنهم فحاءهم عدى فدعاهم الى الاسلام فأسلموا فحمد الله وساربهم الى خالد فلما رآهم خالد فزع منهم وظنّ أنهم أتوا للقتال فصاح فى أصحابه السلاح فقيل له انما هى جديلة أتت تقاتل معك فلما جاؤا حلوا ناحية وجاءهم خالد فرحب بهم وفرح بهم واعتذروا اليه من اعتزالهم وقالوا نحن لك حيث أحببت فجزاهم خيرا فلم يرتد(2/205)
من طىّ رجل واحد فسار خالد على تعبيته وطلب اليه عدى أن يجعل قومه مقدّمة أصحابه فقال يا أبا طريف انّ الامر قد اقترب وأنا أخاف ان أقدّم قومك فاذا لحمهم القتال انكشفوا فانكشف من معنا ولكن دعنى أقدّم قوما صبرا لهم سوابق وثبات وهم من قومك* قال عدى الرأى ما رأيت فقدم المهاجرين والانصار ولم يزل خالد يقدم طليعة منذ خرج من بقعاء حتى قدم اليمامة وأمر عيونه أن يختبروا كل من مروا به عند مواقيت الصلاة بالاذان لها فيكون ذلك أمانا لهم ودليلا على اسلامهم وانتهى خالد والمسلمون الى طليحة وقد ضربت لطليحة قبة من أدم واصحابه حوله معسكرون فانتهى خالد ممسيا فضرب عسكره على ميل أو نحوه من عسكر طليحة وخرج يسير على فرس معه نفر من أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فوقف من عسكر طليحة غير بعيد ثم قال يخرج اليه طليحة فقال أصحابه لا تصغروا اسم نبينا وهو طلحة فخرج طلحة فوقف فقال خالد انّ من عهد خليفتنا الينا أن ندعوك الى الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله وأن تعود الى ما خرجت منه فنقبل منك ونغمد سيوفنا عنك فقال يا خالد أنا أشهد أن لا اله الا الله وأنى رسول الله وانى نبىّ مرسل يأتينى ذو النون كما كان جبريل يأتى محمدا وقد كان ادّعى هذا فى عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لقد ذكر ملكا عظيما فى السماء يقال له ذو النون وكان عيينة بن حصن قد قال له لا ابا لك فهل أنت مرينا بعض نبوّتك فقد رأيت ورأينا ما كان يأتى محمدا قال نعم فبعث عيونا له حيث سار خالد بن الوليد من المدينة مقبلا اليهم قبل أن يسمع بذكر خالد وقال ان بعثتم فارسين على فرسين أغرين محجلين من بنى نضر بن قعين أتوكم من القوم بعين فهيؤا فارسين فبعثوهما فخرجا يركضان فلقيا عينا لخالد بن الوليد فقالا ما وراءك فقال هذا خالد بن الوليد فى المسلمين قد أقبلوا فأتوا به اليه فزادهم فتنة وقال ألم أقل لكم فلما أبى طليحة على خالد أن يقرّ بما دعاه اليه انصرف الى معسكره فاستعمل تلك الليلة على حرسه مكيث بن زيد الخيل وعدىّ بن حاتم وكان لهما صدق نية ودين فباتا يحرسان فى جماعة من المسلمين* فلما كان فى السحر نهض خالد فعبى أصحابه ووضع ألويته مواضعها ودفع اللواء الاعظم الى زيد بن الخطاب فتقدّم بها وتقدّم ثابت بن قيس ابن شماس بلواء الانصار وطلبت طىّ لواء يعقد لها فعقد خالد لواء ودفعه الى عدىّ بن حاتم فلما سمع طليحة حركة القوم عبى أصحابه وجعل خالد يسوّى الصفوف على رجليه وطليحة يسوّى أصحابه على راحلته حتى اذا استوت الصفوف زحف بهم خالد حتى دنا من طليحة فلما انتهى اليه خرج اليه طليحة بأربعين غلاما جلدا من جنوده مردا فأقامهم فى الميمنة فقال اضربوا حتى تأتوا الميسرة فتضعضع الناس ولم يقتل أحد منهم ثم أقامهم فى الميسرة ففعلوا مثل ذلك وانهزم المسلمون فقال رجل من هوازن حضرهم يومئذ انّ خالدا لما كان ذلك قال يا معشر الانصار الله الله واقتحم وسط القوم وكرّ علينا أصحابه فاختلطت الصفوف واختلفت السيوف بينهم وضرس خالد فى القتال فجعل يقحم فرسه ويقولون له الله الله فانك أمير القوم ولا ينبغى لك أن تقدم فيقول والله انى لا عرف ما تقولون ولكنى والله ما رأيتنى أصبر وأخاف هزيمة المسلمين* وفيما ذكر الكلبى عن بعض الطائيين أنه نادى يومئذ مناد من طىّ يعنى عند ما حمل أولئك الاربعون غلاما على المسلمين يا خالد عليك سلمى وأجأ فقال بل الى الله الملجأ قال ثم حمل فو الله ما رجع حتى لم يبق من اولئك الاربعين رجل واحد وقاتل خالد يومئذ بسيفين حتى قطعهما وترادّ الناس بعد الهزيمة واشتدّ القتال وأسر حبال بن أبى حبال فأرادوا أن يبعثوا به الى أبى بكر فقال اضربوا عنقى ولا ترونى محمديكم هذا فضربوا عنقه* وذكر الواقدى عن ابن عمر قال نظرت الى راية طليحة يومئذ حمراء يحملها رجل منهم لا يزول بها فترا فنظرت الى خالد أتاه فحمل عليه فقتله فكانت هزيمتهم فنظرت الى الراية تطؤها الخيل والابل والرجال حتى تقطعت ولقد
رأيته يوم طليحة يباشر(2/206)
الحرب بنفسه حتى ليم فى ذلك ولقد رأيته يوم اليمامة يقاتل أشدّ القتال ان كان مكانه ليتقى حتى يطلع الينا منبهرا ولما تراجع المسلمون وضرس القتال تزمل طليحة بكساء له ينتظر بزعمه أن ينزل عليه الوحى فلما طال ذلك على أصحابه وهدّتهم الحرب جعل عيينة بن حصن يقاتل ويذمر الناس* قال ابن اسحاق قاتل عيينة يومئذ فى سبعمائة من فزارة قتالا شديدا حتى اذا ألح المسلمون عليهم بالسيف وقد صبروا لهم أتى طليحة وهو ملتثم فى كسائه فقال لا ابا لك هل أتاك جبريل بعد ذلك قال يقول طليحة وهو تحت الكساء لا والله ما جاء بعد فقال عيينة تبالك سائر اليوم ثم رجع عيينة فقاتل وجعل يحض أصحابه وقد ضجوا من وضع السيوف* فلما طال ذلك على عيينة جاء طليحة وهو مستلق متشح بكسائه فجبذه جبذة جلس منها وقال له قبح الله هذه من نبوّة ما قيل لك بعد شئ فقال طليحة قد قيل لى ان لك رحا كرحاه وأمرا لن تنساه فقال عيينة أظن قد علم الله أن سيكون لك أمر لن تنساه يا فزارة هكذا وأشار لها تحت الشمس هذا والله كذاب ما بورك له ولا لنا فيما يطالب فانصرفت فزارة وذهب عيينة وأخوه فى آثارها فأدرك عيينة فأسرو أفلت أخوه ويقال أسر عيينة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائى فأراد خالد قتله حتى كلمه فيه رجل من بنى مخزوم وترك قتله* ولما رأى طليحة أنّ الناس يؤسرون ويقتلون خرج منهزما وأسلمه الشيطان فاعجزهم هو وأخوه فجعل أصحابه يقولون له ماذا ترى وقد كان أعدّ فرسه وهيأ امرأته النوار فوثب على فرسه وحمل امرأته وراءه فنجابها وقال من استطاع منكم أن يفعل كما فعلت فليفعل ولينج بأهله ثم هرب حتى قدم الشأم وأقام عند بنى جفنة الغسانيين وفى كتاب ابى يعقوب الزهرى انّ طليحة قال لاصحابه لما رأى انهزامهم ويلكم ما يهزمكم فقال له رجل منهم أنا أخبركم أنه ليس منا رجل الا وهو يحب أنّ صاحبه يموت قبله وانا نلقى أقواما كلهم يحب ان يموت قبل صاحبه* وذكر ابن اسحاق أنّ طليحة لما ولى هاربا تبعه عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم وقد كان طليحة أعطى الله عهدا أن لا يسأله أحد النزول الا فعل فلما أدبرنا داه عكاشة يا طليحة فعطف عليه فقتل عكاشة ثم أدركه ثابت فقتله ايضا طليحة ثم لحق بالشأم وقد قيل فى قتلهما غير هذا وهو ما ذكره الواقدى عن عميلة الفزارى وكان عالما بردّتهم انّ خالد بن الوليد لما دنا من القوم بعث عكاشة وثابتا طليعة أمامه وكانا فارسين فلقيا طليحة واخاه مسلمة ابنى خويلد طليعة لمن وراءهما من الناس وخلفوا عسكرهم من ورائهم فلما التقوا انفرد طليحة بعكاشة ومسلمة بثابت فلم يلبث مسلمة ان قتل ثابتا وصرخ طليحة بمسلمة أعنى على الرجل فانه قاتلى فكرّ معه على عكاشة فقاتلاه ثم كرّا راجعين الى من وراءهما وأقبل خالد معه المسلمون فلم يرعهم الا ثابت بن أقرم قتيلا تطؤه المطىّ فعظم ذلك على المسلمين ثم لم يسيروا الا يسيرا حتى وطئوا عكاشة قتيلا فثقل القوم على المطىّ كما وصف واصفهم حتى ما تكاد المطىّ ترفع أخفافها وفى كتاب الزهرى ثم لحقوا أصحاب طليحة فقتلوا وأسروا وصاح خالد لا يطبخن رجل قدرا ولا يسخنن ماء الا أثفيته رأس رجل وأمر خالد بالحظائر أن تبنى ثم أوقد فيها النار ثم أمر بالاسرى فألقيت فيها وألقى يومئذ حامية بن سبيع بن الخشخاش الاسدى وهو الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات قومه فارتدّ عن الاسلام وأخذت أم طليحة أحد نساء بنى اسد فعرص عليها الاسلام فأبت ووثبت فاقتحمت النار وهى تقول
يا موت عم صباحا ... كافحته كفاحا
اذ لم أجد براحا
وذكر الواقدى عن يعقوب بن يزيد بن طلحة أنّ خالدا جمع الاسارى فى الحظائر ثم أصرمها عليهم فاحترقوا وهم أحياء ولم يحرق أحد من بنى فزارة فقلت لبعض أهل العلم لم حرق هؤلاء من بين أهل الردّة فقال بلغت عنهم مقالة سيئة شتموا النبى صلى الله عليه وسلم وثبتوا على ردّتهم* وذكر غير يعقوب أنّ(2/207)
خالدا أمر بالاخدود تحفر فقيل له ماذا تريد بهذه الاخدود قال أحرقهم بالنار فكلم فى ذلك فقال هذا عهد أبى بكر الصدّيق الىّ اقرؤه فى كل مجمع ان أظفرك الله بهم فأحرقهم بالنار وعن عبد الله بن عمر قال شهدت بزاخة فأظفرنا الله على طليحة وكنا كلما أعزنا الله على القوم سبينا الذرارى وقسمنا أموالهم ولما انفلت طليحة مضى على وجهه هاربا نحو الشأم فأقام بها الى أن توفى أبو بكر وعاد القبائل الى الاسلام ثم أسلم وحسن اسلامه وحج فى خلافة عمر وله آثار جميلة فى قتال الفرس بالقادسية فى العراق فى زمن عمر بن الخطاب وكتب عمر الى النعمان بن المقرن أن استعن فى حربك بطليحة وعمرو بن معدى كرب واستشهد طليحة فى حرب نهاوند*
(ذكر رجوع بنى عامر وغيرهم الى الاسلام)
* ولما أوقع الله ببنى أسد وفرارة ما أوقع ببزاخة بث خالد بن الوليد السرايا ليصيبوا ما قدروا عليه ممن هو على ردّته وجعلت العرب تسير الى خالد راغبة فى الاسلام أو خائفة من السيف فمنهم من أصابته السرية فيقول جئت راغبا فى الاسلام وقد رجعت الى ما خرجت منه ومنهم من يقول ما رجعنا ولكن منعنا أموالنا وشححنا عليها فقد سلمناها فليأخذ منها حقه ومنهم من لم تظفر به السرايا فانتهى الى خالد مقرّا بالاسلام ومنهم من مضى الى أبى بكر الصديق ولم يقرب خالدا وكان عمرو بن العاص عاملا للنبى صلى الله عليه وسلم على عمان فجاءه يوما يهودى من يهود عمان فقال أرأيتك ان سألتك عن شىء أأخشى علىّ منك قال لا قال اليهودى أنشدك بالله من أرسلك الينا قال اللهم رسول الله قال اليهودى الله انك لتعلم أنه رسول الله قال عمرو اللهم نعم فقال اليهودى لئن كان حقا ما تقول لقد مات اليوم فلما رأى عمرو ذلك جمع أصحابه وحواشيه وكتب ذلك اليوم الذى قال له اليهودى فيه ما قال ثم خرج بخفراء من الازد وعبد القيس يأمن بهم فجاءته وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجر ووجد ذكر ذلك عند المنذر بن ساوى فسار حتى قدم أرض بنى حنيفة فأخذ منهم خفراء حتى جاء أرض بنى عامر فنزل على قرّة بن هبيرة القشيرى ويقال خرج قرّة مع عمرو فى مائة من قومه خفراء له وأقبل عمرو بن العاص يلقى الناس مرتدّين حتى أتى على ذى القصة فلقى عيينة بن حصن خارجا من المدينة وذلك حين قدم على أبى بكر يقول ان جعلت لنا شيئا كفيناك ما وراءنا فقال له عمرو بن العاص ما وراءك يا عيينة من ولى الناس أمورهم قال أبا بكر فقال عمرو الله أكبر قال عيينة يا عمرو استوينا نحن وأنتم فقال عمرو كذبت يا ابن الاخابث من مضر وسار عيينة فجعل يقول لمن لقيه من الناس احبسوا عليكم أموالكم قالوا فأنت ما تصنع قال لا يدفع اليه رجل من فزارة عناقا واحدة ولحق عند ذلك بطليحة الاسدى فكان معه ولما فرغ خالد من بيعة بنى عامر أوثق عيينة بن حصن وقرّة بن هبيرة القشيرى وبعث بهما الى أبى بكر الصدّيق قال ابن عباس فقدم بهما المدينة فى وثاق فنظرت الى عيينة مجموعة يداه الى عنقه بحبل ينخسه غلمان المدينة بالجريد ويضربونه ويقولون أى عدوّ الله أكفرت بالله بعد ايمانك فيقول والله ما كنت آمنت بالله فلم يعاقب أبو بكر قرة وعفا عنه وكتب له أمانا وكتب لعيينة أمانا وقبل منه وكان فيمن ارتدّ من بنى عامر ولم يرجع معهم علقمة بن علاثة بن عوف فبعث أبو بكر الى ابنته وامرأته ليأخذهما فقالت امرأته مالى ولابى بكر ان كان علقمة قد كفر فانى لم أكفر فتركها ثم راجع علقمة الاسلام زمن عمر وردّ عليه زوجته وأخذ خالد بن الوليد من بنى عامر وغيرهم من أهل الردّة ممن جاء منهم وبايعه على الاسلام كل ما ظهر من سلاحهم واستحلفهم على ما غيبوا عنه فان حلفوا تركهم وان أبوا شدّهم أسرا حتى أتوا بما عندهم من السلاح فأخذ منهم سلاحا كثيرا فأعطاه أقواما يحتاجون اليه فى قتال عدوّهم وكتبه عليهم فلقوا به العدوّ ثم ردّوه بعد فقدم به على أبى بكر وقبض أبو بكر من اسد وغطفان كل ما قدر عليه من الخلفة والكراع فلما توفى راى عمر أن الاسلام قد ضرب بجرانه فدفعه الى أهله أو الى عصبة من مات منهم ولما فرغ خالد من بزاخة(2/208)
وبنى عامر ومن يليهم أظهر ان أبا بكر عهد اليه أن يسير الى أرض بنى تميم والى اليمامة فقال ثابت بن قيس ابن شماس وهو على الانصار وخالد على جماعة المسلمين ما عهد الينا ذلك وما نحن بسائرين وليست بنا قوّة وقد كل المسلمون وعجف كراعهم فقال خالد أمّا أنا فلست بمستكره أحدا منكم فان شئتم فسيروا وان شئتم فأقيموا فسار خالد ومن تبعه من المهاجرين وأبناء العرب عامدا لارض بنى تميم واليمامة وأقامت الانصار يوما أو يومين ثم تلاومت فيما بينها وقالوا والله ما صنعنا شيئا والله لئن اصيب القوم ليقولنّ خذلتموه وأسلمتموه وانها لسبة باق عارها الى آخر الدهر ولئن أصابوا خيرا وفتح الله فتحا انه لخير منعتموه فابعثوا الى خالد يقيم لكم حتى تلحقوه فبعثوا اليه مسعود بن سنان ويقال ثعلبة بن غنمة فلما جاءه الخبر أقام حتى لحقوه فاستقبلهم فى كثرة من معه من المسلمين لما أظلوا على العسكر حتى نزلوا وساروا جميعا حتى انتهى خالد بهم الى البطاح من أرض بنى تميم فلم يجد بها جمعا ففرّق السرايا فى نواحيها وكان فى سرية فيها أبو قتادة الانصارى فلقوا اثنى عشر رجلا فيهم مالك بن نويرة فأخذوهم فجاؤا بهم خالدا وكان مالك بن نويرة قد بعثه النبى صلى الله عليه وسلم مصدّقا الى قومه بنى حنظلة وكان سيدهم فجمع صدقاتهم فلما بلغته وفاة النبى صلى الله عليه وسلم جفل ابل الصدقة أى ردّها من حيث جاءت فلذلك سمى الجفول* ولما بلغ ذلك أبا بكر والمسلمين حنقوا على مالك وعاهد الله خالد بن الوليد لئن أخذه ليقتلنه ثم ليجعلنّ هامته أثفية للقدر فلما أتى به أسيرا فى نفر من قومه أخذوا معه كما تقدّم اختلف فيه الذين أخذوهم فقال بعضهم قد والله أسلموا فما لنا عليهم من سبيل وفيمن شهد بذلك أبو قتادة الانصارى وكان معهم فى تلك السرية وشهد بعض من كان فى تلك السرية أنهم لم يسلموا وان قتلهم وسبيهم حلال وكان ذلك رأى خالد فيه فأمر بهم خالد فقتلوا وقتل مالك بن نويرة فتزوّج امرأته أم متمم من ليلته وكانت جميلة قيل لعلها كانت مطلقة قد انقضت عدّتها الا أنها كانت محبوسة عنده فاشتدّ فى ذلك عمر وقال لابى بكر ارجم خالدا فانه قد استحل ذلك فقال أبو بكر والله لا أفعل ان كان خالد تأوّل أمرا فأخطأه* وفى شرح المواقف فأشار عمر على أبى بكر بقتل خالد قصاصا فقال أبو بكر لا أغمد سيفا شهره الله على الكفار وقال عمر لخالد لئن وليت الامر لاقيدنك به* وفى بعض الروايات انّ خالدا أمر برأس مالك فجعل أثفية لقدر حسبما تقدّم من نذره وكان من أكثر الناس شعرا فكانت القدر على رأسه فراحوا وان شعره ليدخن وما خلصت النار الى شواء رأسه وعاتب أبو بكر خالدا لما قدم عليه فى قتل مالك بن نويرة فاعتذر اليه خالد وزعم أنه سمع منه كلاما استحل به قتله فعذره أبو بكر وقبل منه يقال ان كلاما سمعه من مالك أنه حين كان يكلم خالدا قال انّ صاحبكم قد توفى فعلم خالد أنه أراد أنه صلى الله عليه وسلم ليس بصاحب له فتيقن ردّته فقتله* وفى الاكتفاء كان أبو بكر الصدّيق قد عاهد خالدا اذا فرغ من اسد وغطفان والضاحية أن يقصد اليمامة واكد عليه فى ذلك فلما أظهر الله خالدا باولئك تسلل بعضهم الى المدينة يسألون أبا بكر أن يبايعهم على الاسلام ويؤمنهم فقال لهم بيعتى اياكم وأمانى لكم أن تلحقوا بخالد بن الوليد ومن معه من المسلمين فمن كتب الىّ خالد بأنه حضر معه اليمامة فهو آمن فليبلغ شاهدكم غائبكم ولا تقدموا علىّ اجعلوا وجوهكم الى خالد* قال أبو بكر بن أبى الجهم اولئك الذين لحقوا بخالد بن الوليد من الضاحية هم الذين كانوا انهزموا بالمسلمين يوم اليمامة ثلاث مرّات وكانوا على المسلمين بلاء قال شريك الفزارى كنت ممن حضر بزاخة مع عيينة بن حصن فرزقنى الله الانابة فجئت أبا بكر فأمرنى بالمسير الى خالد وكتب معى اليه بوصايا وفى آخرها ان أظفرك الله بأهل اليمامة فاياك والابقاء عليهم أجهز على جريحهم واطلب مدبرهم واحمل أسيرهم على السيف وهوّل فيهم القتل وأحرقهم بالنار واياك أن تخالف أمرى
والسلام عليك فلما انتهى الكتاب الى خالد اقترأه وقال سمعا(2/209)
وطاعة ولما اتصل بأهل اليمامة مسير خالد اليهم بعد الذى صنع الله له فى امثالهم حيرهم ذلك وجزع له محكم بن الطفيل سيد أهل اليمامة وهمّ أن يرجع الى الاسلام فبات يلتوى على فراشه وكان محكم صديقا لزياد بن لبيد بن بياضة من الانصار فقال له خالد فى بعض الطريق لو ألقيت الى محكم شيئا تكسره به فانه سيد أهل اليمامة وطاعة القوم فبعث اليه مع راكب ويقال بل بعث بها اليه مع حسان بن ثابت من المدينة
يا محكم بن طفيل قد اتيح لكم ... لله درّ أبيكم حية الوادى
بامحكم بن طفيل انكم نفر ... كالشاء أسلمها الراعى لاساد
ما فى مسيلمة الكذاب من عوض ... من دار قوم واخوان وأولاد
فاكفف حنيفة يوما قبل نائحة ... تنعى فوارس شاج شجوها باد
لا تأمنوا خالدا بالبرد معتجرا ... تحت العجاجة مثل الاغضف العادى
ويل اليمامة ويلا لا فراق له ... ان جالت الخيل فيها بالقنا الصادى
والله لا تنثنى عنكم أعنتها ... حتى تكونوا كأهل الحجر أو عاد
ووردت على محكم وقيل له هذا خالد بن الوليد فى المسلمين فقال رضى خالد أمرا ورضينا غيره وما ينكر خالد أن يكون فى بنى حنيفة من أشرك فى الامر فسيرى خالد ان قدم علينا يلق قوما ليسوا كمن لقى ثم خطب أهل اليمامة فقال يا معشر أهل اليمامة انكم تلقون قوما يبذلون أنفسهم دون صاحبهم فابذلوا أنفسكم دون صاحبكم فان أسدا وغطفان انما أشار اليهم خالد بذباب السيف فكانوا كالنعام الشارد وقد اظهر خالد بن الوليد نارا حيث أوقع ببزاخة ما أوقع وقال هل حنيفة الاكمن لقينا وكان عمير بن صالى اليشكرى فى اصحاب خالد وكان من سادات اليمامة ولم يكن من اهل حجر كان من ملمم وهى لبنى يشكر فقال له خالد تقدّم الى قومك فاكسرهم فأتاهم ولم يكونوا علموا باسلامه وكان مجتهدا فارسا سيدا فقال يا معشر أهل اليمامة أظلكم خالد فى المهاجرين والانصار تركت القوم يتبايعون الى فتح اليمامة وقد قضوا وطرا من أسد وغطفان وعليا هوازن وأنتم فى أكفهم وقولهم لا قوّة الا بالله انى رأيت أقوامان غلبتموهم بالصبر غلبوكم بالنصر وان غلبتموهم على الحياة غلبوكم على الموت وان غلبتموهم بالعدد غلبوكم بالمدد لستم والقوم سواء الاسلام مقبل والشرك مدبر وصاحبهم نبىّ وصاحبكم كذاب ومعهم السرور ومعكم الغرور فالان والسيف فى غمده والنبل فى جفيره قبل أن يسل السيف ويرمى بالسهم سرت اليكم مع القوم عشرا فكذبوه واتهموه فرجع عنهم وقام ثمامة بن أثال الحنفىّ فى بنى حنيفة فقال اسمعوا منى وأطيعوا امرى ترشدوا انه لا يجتمع نبيان بأمر واحدان محمدا صلى الله عليه وسلم لا نبىّ بعده ولا نبىّ مرسل معه ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا اله الا هو اليه المصير هذا كلام الله عز وجل اين هذا من يا ضفدع نقى كم تنقين لا الشرب تمنعين ولا الماء تكدّرين والله انكم لترون ان هذا الكلام ما يخرج من ال؟؟؟ وتوفى رسول الله وقام بهذا الامر من بعده رجل هو أفقههم فى انفسهم لا تأخذه فى الله لومة لائم ثم بعث اليكم رجلا لا يسمى باسمه ولا باسم ابيه يقال له سيف الله معه سيوف الله كثيرة فانظروا فى امركم فاذاه القوم جميعا أو من آذاه منهم وقال ثمامة
مسيلمة ارجع ولا تمحك ... فانك فى الامر لم تشرك
كذبت على الله فى وحيه ... فكان هواك هو الانوك
ومناك قومك أن يمنعوك ... وان يأتهم خالد تترك(2/210)
فما لك من مصعد فى السماء ... ولا لك فى الارض من مسلك
*
(ذكر تقديم خالد بن الوليد الطلائع امامه من البطاح)
ولما سار خالد من البطاح ووقع فى أرض بنى تميم قدّم أمامه مائتى فارس عليهم معن بن عدى العجلانى وبعث معه فرات بن حبان العجلى دليلا وقدّم عينين له أمامه مكيث بن زيد الخيل الطائى وأخاه* وذكر الواقدى أنّ خالدا لما نزل العرض قدّم مائتى فارس وقال من أصبتم من الناس فخذوه فانطلقوا حتى أخذوا مجاعة بن مرارة الحنفى فى ثلاث وعشرين رجلا من قومه قد خرجوا فى طلب رجل من بنى نمير أصاب فيهم دما فخرجوا وهم لا يشعرون بمقبل خالد فسألوهم ممن أنتم قالوا من بنى حنيفة فظنّ المسلمون أنهم رسل من مسيلمة فقال ما تقولون يا بنى حنيفة فى صاحبكم فشهدوا أنه رسول الله فقال لمجاعة ما تقول أنت فقال والله ما خرجت الا فى طلب رجل من بنى نمير أصاب فينادما وما كنت أقرب مسيلمة ولقد قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وما غيرت ولا بدّلت فقدّم القوم فضرب أعناقهم على دم واحد حتى اذا بقى سارية بن مسيلمة بن عامر فقال يا خالد ان كنت تريد بأهل اليمامة خيرا أو شرا فاستبق هذا يعنى مجاعة فانه عون لك على حربك وسلمك وكان مجاعة شريفا فلم يقتله وأعجب بسارية وبكلامه فتركه أيضا وأمر بهما فأوثقا فى جوامع حديد وكان يدعو بمجاعة وهو كذلك فيتحدّث معه ومجاعة يظنّ أنّ خالدا يقتله ودفعه الى أم متمم امرأته التى تزوّجها لما قتل زوجها مالك بن نويرة وأمرها أن تحسن أساره وكان خالد كلما نزل منزلا واستقرّ به دعا مجاعة فأكل معه وحدّثه فقال له ذات يوم أخبرنى عن صاحبك يعنى مسيلمة ما الذى كان يقرئكم هل تحفظ منه شيئا قال نعم فذكر له شيئا من رجزه قال خالد وضرب باحدى يديه على الآخرى يا معشر المسلمين اسمعوا الى عدوّ الله كيف يعارض القرآن ثم قال هات زدنا من كذب الخبيث فقال مجاعة أخرج لكم حنطة وزوانا ورطبا وتمرانا فى رجز له قال خالد وهذا كان عندكم حقا وكنتم تصدّقونه قال مجاعة لو لم يكن عندنا حقا لما لقيتك غدا اكثر من عشرة آلاف سيف يضاربونك فيه حتى يموت الاعجل قال خالد اذا يكفيناهم الله ويعز دينه فاياه يقاتلون ودينه يريدون* وفى كتاب الاموى ثم مضى خالد حتى نزل منزلة من اليمامة ببعض أوديتها وخرج الناس مع مسيلمة وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لما أشرف خالد بن الوليد وأجمع أن ينزل عقرباء دفع الطلائع أمامه فرجعوا اليه فخبروه أنّ مسيلمة ومن معه خرجوا فنزلوا عقرباء فزحف خالد بالمسلمين حتى نزلوا عقرباء وضرب عسكره وقد قيل انّ خالدا سبق عقرباء وضرب عسكره ويقال توافيا اليها جميعا قال وكان المسلمون يسألون عن الدجال بن عنفوة فاذا الدجال على مقدّمة مسيلمة فلعنوه وشتموه فلما فرغ خالد من ضرب عسكره وبنو حنيفة تسوّى صفوفها نهض خالد الى صفوفه فصفها وقدّم رايته مع زيد بن الخطاب ودفع راية الانصار الى ثابت ابن قيس بن شماس فتقدّم بها وجعل على ميمنته أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وعلى ميسرته شجاع ابن وهب واستعمل على الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليها اسامة بن زيد وأمر بسرير فوضع فى فسطاطه واضطجع عليه يتحدّث مع مجاعة ومعه ام متمم وأشراف أصحاب رسول الله يتحدّث معهم وأقبلت بنو حنيفة قد سلت السيوف فلم تزل مسللة وهم يسيرون نهارا طويلا فقال خالد يا معشر المسلمين أبشروا فقد كفاكم الله عدوّكم وما سلوا السيوف من بعيد الا ليرهبونا وانّ هذا منهم لجبن وفشل فقال مجاعة ونظر اليهم كلا والله يا أبا سليمان ولكنها الهندوانية خشوا من تحطمها وهى غداة باردة فأبرزوها للشمس لان تسخن متونها فلما دنوا من المسلمين نادوا انا لنعتذر من سلنا سيوفنا حين سللناها والله ما سللناها ترهيبا لكم ولاجبنا عنكم ولكنها كانت الهندوانية وكانت غداة باردة فخشينا تحطمها فأردنا أن نسخن متونها الى أن نلقاكم فسترون قال فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر(2/211)
الفريقان جميعا صبرا طويلا حتى كثرت القتلى والجراح فى الفريقين وكان أوّل قتيل من المسلمين مالك بن أوس من بنى زعوراء قتله محكم بن الطفيل واستلحم من المسلمين حملة القرآن حتى فنوا جميعا الا قليلا وهزم كلا الفريقين حتى دخل المسلمون عسكر المشركين والمشركون عسكر المسلمين مرارا فاذا اجلى المسلمون عن عسكرهم فدخل المشركون أرادوا حمل مجاعة فلا يستطيعون لما هو فيه من الحديد ولانه لا تزال تناوثهم خيل المسلمين فاذا رجع المسلمون وثبوا على مجاعة ليقتلوه وقالوا اقتلوا عدوّ الله فانه رأسهم وانهم ان دخلوا عليه أخرجوه فاذا شهروا عليه سيوفهم ليقتلوه حنت عليه أم متمم امرأة خالد وردّت عنه وقالت انى له جار حتى أجارته منهم وكان مجاعة أيضا قد أجارها من المشركين مرارا أن يقتلوها على هذا الوجه وقد كان مجاعة قال لها لما دفعه اليها خالد لتحسن أساره يا أمّ متمم هل لك ان أحالفك ان غلب أصحابى كنت لك جارا وأنت كذلك فقالت نعم فتحالفا على ذلك وقال عكرمة حملت بنو حنيفة أوّل مرّة كانت لها الحملة وخالد على سريره حتى خلص اليه فجرّد سيفه وجعل يسوق بنى حنيفة سوقا حتى ردّهم وقتل منهم قتلى كثيرة ثم كرت بنو حنيفة حتى انتهوا الى فسطاط خالد فجعلوا يضربون الفسطاط بالسيوف قال الواقدى وبلغنا أن رجلا منهم لما دخلوا الفسطاط أراد قتل أم متمم ورفع السيف عليها فاستجارت بمجاعة فألقى عليها رداءه وقال انى جار لها فنعمت الحرة كانت وعيرهم وسبهم وقال تركتم الرجال وجئتم الى امرأة تقتلونها عليكم بالرجال فانصرفوا وجعل ثابت بن قيس يومئذ يقول وكانت معه راية الانصار بئس ما عوّدتم أنفسكم الفرار يا معشر المسلمين وقد انكشف المسلمون حتى غلب بنو حنيفة على الرجال فجعل زيد بن الخطاب ينادى وكانت عنده راية خالد امّا الرجال فلا رجال اللهم انى أعتذر اليك من فرار أصحابى وأبرأ اليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل وجعل يشتد بالراية يتقدّم بها فى نحر العدوّ ثم ضارب بسيفه حتى قتل وفى الصفوة زيد بن الخطاب كان أسن من اخيه عمر ابن الخطاب وكان أسلم قبل عمر وكان طوالا أسمر فلما رجع عبد الله بن عمر قال له عمر ألا هلكت قبل زيد فقال قد كنت حريصا على ذلك ولكن الله اكرمه بالشهادة وفى رواية اخرى قال له عمر ما جاء بك وقد هلك زيد ألاواريت وجهك عنى قال فلما قتل زيد وقعت الراية فأخذها سالم مولى أبى حذيفة قال المسلمون يا سالم انا نخاف أن نؤتى من قبلك فقال بئس حامل القرآن أنا اذا اتيتم من قبلى قالوا ونادت الانصار ثابت بن قيس وهو يحمل رايتهم الزمها فانما ملاك القوم الراية فتقدّم سالم مولى أبى حذيفة فحفر لرجليه حتى بلغ أنصاف ساقيه ومعه راية المهاجرين وحفر ثابت لنفسه مثل ذلك ثم لزما رايتهما ولقد كان الناس يتفرّقون وان سالما وثابتا لقائمان ثابتان برايتيهما حتى قتل سالم وقتل أبو حذيفة مولاه فوجد رأس أبى حذيفة عند رجلى سالم ورأس سالم عند رجلى أبى حذيفة لقرب مصرع كل واحد منهما من صاحبه وفى الصفوة استشهد سالم يوم اليمامة آخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم تناولها بشماله فقطعت ثم اعتنق اللواء وجعل يقرأ وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ الى أن قتل قال ابن عمر كان سالم يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة لانه كان أقرأ وفيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر سالما فقال انّ سالما شديد الحب لله عز وجلّ وعن شهر بن حوشب قال قال عمر بن الخطاب لو استخلفت سالما مولى أبى حذيفة فسالنى عنه ربى ما حملك على ذلك لقلت رب سمعت نبيك يقول يحب الله عز وجل حقا من قلبه وقتل يومئذ ثابت بن قيس بن شماس وكان قد ضرب فقطعت رجله فرمى بها قاتله فقتله وعن عبد الله بن عبيد الله الانصارى قال كنت فيمن دفن ثابت بن قيس بن شماس وكان قتل باليمامة فسمعناه حين أدخلناه القبر يقول محمد رسول الله أبو بكر الصدّيق عمر الشهيد عثمان البر الرحيم فنظرنا فاذا هو ميت أورده(2/212)
فى الشفاء وفى الاكتفاء ولما قتل ثابت بن قيس بن شماس يوم اليمامة ومعه راية الانصار يومئذ وهو خطيبهم وسيد من ساداتهم أرى رجل من المسلمين فى منامه ثابت بن قيس يقول له انى موصيك بوصية فاياك ان تقول هذا حلم فتضيعه انى لما قتلت بالامس جاء رجل من ضاحية نجد وعلىّ درعى فأخذها واتى بها منزله فاكفأ عليها برمة وجعل على البرمة رحلا وخباؤه فى اقصى العسكر الى جنب خبائه فرس ابلق يستن فى طوله فأت خالد بن الوليد فأخبره فليبعث الى درعى فليأخذها واذا قدمت على خليفة رسول الله فأخبره انّ علىّ من الدين كذا ولى من الدين كذا وسعد ومبارك غلاماى حرّان فاياك أن تقول هذا حلم فتضيعه فلما اصبح الرجل اتى خالد بن الوليد فأخبره فبعث خالد الى الدرع فوجدها كما قال وأخبره بوصيته فأجازها ولا نعلم أحدا من المسلمين اجيزت وصيته بعد موته الا ثابت ابن قيس بن شماس* وقد روى انّ بلال بن الحارث كان صاحب الرؤيا رواه الواقدى عن عبد الله ابن جعفر بن عبد الواحد بن أبى عون قال قال بلال رأيت فى منامى سالما مولى أبى حذيفة قال لى ونحن منحدرون من اليمامة الى المدينة انّ درعى مع الرفقة الذين معهم الفرس الابلق تحت قدرهم فاذا اصبحت فخذها من تحت قدرهم فاذهب بها الى أهلى وانّ علىّ شيئا من دين فمرهم يقضونه* قال بلال فأقبلت الى تلك الرفقة وقدرهم على النار فألقيتها وأخذت الدرع وجئت أبا بكر فحدّثته الحديث فقال نصدّق قولك ونقضى دينه الذى قلت* قال فلما قتل سالم مكثت الراية ساعة لا يرفعها أحد فأقبل يزيد بن قيس وكان بدريا فحملها حتى قتل ثم حملها الحكم بن سعيد بن العاص فقاتل دونها نهارا طويلا ثم قتل* وقال وحشى اقتتلنا قتالا شديدا فهزموا المسلمين ثلاث مرّات وكرّ المسلمون فى الرابعة وتاب الله عليهم وثبت اقدامهم وصبروا لوقع السيوف واختلفت بينهم وبين بنى حنيفة السيوف حتى رأيت شهب النار تخرج من خلالها حتى سمعت أصواتا كالاجراس وانزل الله علينا نصره وهزم الله بنى حنيفة فقتل الله مسيلمة قال ولقد ضربت بسيفى يومئذ حتى غرى قائمته فى كفى من دمائهم* وقال ابن عمر لقد رأيت عمارا على صخرة قد اشرف يصيح يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرّون أنا عمار بن ياسر هلموا الىّ وأنا انظر الى اذنه تذبذب وقد قطعت* وقال سعد القرظى لقد رأيته يومئذ يقاتل قتال عشرة* وقال شريك الفزارى لما التقينا والقوم صبر الفريقان صبرا لم أر مثله قط ما تزول الاقدام فترا واختلفت السيوف بينهم وجعل يقبل أهل السوابق والنيات فيتقدّمون فيقتلون حتى فنوا ودلفت فينا سيوفهم نهارا طويلا فانهزمنا ولقد أحصيت لنا ثلاث انهزامات وما أحصيت لبنى حنيفة الا انهزامة واحدة وهى التى الجأناهم فيها الى الحديقة يعنى حديقة لمسيلمة كانت يقال لها حديقة الرحمن وبعد ذلك سميت حديقة الموت* وقال رافع بن خديج شهدنا اليمامة سبعين من اللتب فلاقينا عدوّا صبر الوقع السلاح وجماعة الناس أربعة آلاف وبنو حنيفة مثل ذلك أو نحوه فلما التقينا أذّن الله للسيوف فينا وفيهم فجعلت السيوف فينا وفيهم تجتلى هام الرجال واكفهم وجراحا لم أر جراحا قط أبعد غورا منها فينا وفيهم انى لا نظر الى عباد بن بشر قد ضرب بسيفه حتى انحنى كأنه منجل فيقيمه على ركبتيه فعرض له رجل من بنى حنيفة فلما اختلفا ضربات ضربه عباد بن بشر على العاتق مستمكنا فو الله لرأيت سحره باديا ومضى عنه عباد ومررت بالحنفى وبه رمق فأجهزت عليه وأنظر بعد الى عباد وقد اختلفت السيوف عليه وهو يبضع بها ويبعج بها بطنه فوقع وما أعلم به مصحا وكانوا حنقوا عليه لانه اكثر القتل فيهم قال وحرصت على قتلته فناديت أصحابنا من اللتب فقمنا عليه وقتلنا قتلته فرأيتهم حوله مقتلين فقلت بعدا لكم* وقال ضمرة بن سعيد المازنى وذكر ردّة بنى حنيفة لم يلق المسلمون عدوّا أشدّ لهم نكاية منهم لقوهم بالموت الناقع وبالسيوف قد أصلتوها قبل(2/213)
النبل وقبل الرماح وقد صبر المسلمون لهم فكان المعول يومئذ على أهل السوابق ونادى عباد بن بشر يومئذ وهو يضرب بالسيف قد قطع من الجراح وما هو الا كالنمر الجرب فيلقى رجلا من بنى حنيفة كأنه جمل صؤل فقال هلم يا أخا الخزرج اتحسب قتالنا مثل من لاقيت فيعمد له عباد ويبدره الحنفى ويضربه ضربة بالسيف فانكسر سيفه ولم يصنع شيئا وضربه عباد فقطع رجليه وجاوزه وتركه ينوء على ركبتيه فناداه يا ابن الاكارم أجهز علىّ فكرّ عليه عباد فضرب عنقه ثم قام آخر فى ذلك المقام فاختلفا ضربات وتجاولا وعباد على ذلك كثير الجراح فضربه عباد ضربة أبدى سحره وقال خذها وأنا ابن وقش ثم جاوزه يفرى فى بنى حنيفة ضربا فريا فكان يقال قتل عباد يومئذ من بنى حنيفة بالسيف اكثر من عشرين رجلا واكثر فيهم الجراح قال ضمرة فحدّثنى رجل من بنى حنيفة قديم قال انّ بنى حنيفة لتذكر عباد بن بشر فاذا رأت الجراح بالرجل منهم تقول هذا ضرب محرب القوم عباد بن بشر وفى بعض الروايات عن حديث رافع بن خديج قال خرجنا من المدينة ونحن أربعة آلاف وأصحابنا من الانصار ما بين خمسمائة الى اربعمائة وعلى الانصار ثابت بن قيس ويحمل رايتنا أبو لبابة فانتهينا الى اليمامة فننتهى الى قوم هم الذين قال الله تعالى ستدعون الى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فلما صففنا صفوفنا ووضعنا الرايات مواضعها لم يلبثوا أن حملوا علينا فهزمونا مرارا فنعود الى مصافنا وفيها خلل وذلك انّ صفوفنا كانت مختلطة فيها حشو كثير من الاعراب فى خلال صفوفنا فينهزم أولئك بالناس فيستخفون أهل البصائر والنيات حتى كثر ذلك منهم ثم انّ الله بمنه وكرمه وفضله رزقنا عليهم الظفر وذلك انّ ثابت بن قيس نادى خالد بن الوليد أخلصنا فقال ذلك اليك فناد فى أصحابك قال فأخذ الراية ونادى يا للانصار فتسللت اليه رجلا رجلا فنادى خالديا للمهاجرين فأحدقوا به ونادى عدى بن حاتم ومكنف بن زيد الخيل بطى فثابت اليهما طىّ وكانوا أهل بلاء حسن وعزلت الاعراب عنا ناحية فقاموا من ورائنا غلوة أو اكثر وانما كنا نؤتى من الاعراب قال رافع وأجهضهم أهل السوابق والبصائر فهم فى نحورهم ما يجد أحد مدخلا الا أن يقتل رجلا منهم أو يخرج فيقع فيخلف مقامه آخر حتى أوجعنا فيهم وبان خلل صفوفهم وضجوا من السيف ثم اقتحمنا الحديقة فضاربوا فيها وغلقنا الحديقة وأقمنا على بابها رجلا لئلا يهرب منهم أحد فلما رأوا ذلك عرفوا أنه الموت فجدّوا فى القتال ودكت السيوف بيننا وبينهم ما فيها رمى بسهم ولا حجر ولا طعن برمح حتى قتلنا عدوّ الله مسيلمة* قيل لرافع يا أبا عبد الله أى القتلى كان اكثر قتلاكم أو قتلاهم قال قتلاهم اكثر من قتلانا أحسبنا قتلنا منهم ضعف ما قتلوا منا مرّتين فقد قتل من الانصار يومئذ زيادة على السبعين وجرح منهم مائتان ولقد لاقينا بنى سليم بالجواء وانهم لمجروحون فأبلوا بلاء حسنا قالت نسيبة أم عمارة لقد رأيت عديا يومئذ يصيح بطىّ صبرا فداكم أبى وأمى لوقع الاسل وانّ ابنى زيد الخيل ليقاتلان يومئذ قتالا شديدا وكان أبو خيثمة النجارى يقول لما انكشف المسلمون يوم اليمامة تنحيت ناحية وكأنى أنظر الى أبى دجانة يومئذ ما يولى ظهره منهزما وما هو الا فى نحور القوم حتى قتل وكان يختال فى مشيته عند الحرب شجية ما يستطيع غير ذلك قال وكرّت عليه طائفة من بنى حنيفة فما زال يضرب بالسيف أمامه وعن يمينه وعن شماله فحمل على رجل فصرعه وما ينبس بكلمة حتى انفرجوا عنه ونكصوا على أعقابهم والمسلمون مولون وقد ابيض ما بينهم وبينه فما ترى الا المهاجرين والانصار لا والله ما أرى أحدا يخالطهم فقاموا ناحية وتلاحق الناس فدفعوا بنى حنيفة دفعة واحدة فانتهينا بهم الى الحديقة فأقحمناهم اياها* قال أبو دجانة ألقونى على الترسة حتى أشغلهم وكانوا قد أغلقوا الحديقة فأخذوه فألقوه على الترسة ورفعوها على رؤس الرماح حتى وقع فى الحديقة وهو يقول لا ينجيكم منا الفرار(2/214)
فضاربهم حتى فتحها ودخلنا عليه مقتولا وقد روى انّ البراء بن مالك هو المرمى به فى الحديقة والاوّل أثبت قال ثابت بن قيس يومئذ يا معشر الانصار الله الله ودينكم علمنا هؤلاء أمر اما كنا نحسنه ثم أقبل على المسلمين فقال أف لكم ولما تعملون ثم قال خلوا بيننا وبينهم أخلصونا فأخلصت الانصار فلم تكن لهم ناهية حتى انتهوا الى محكم بن الطفيل فقتلوه ثم انتهوا الى الحديقة فدخلوها فقاتلوا أشدّ القتال حتى اختلطوا فيها فما يعرف بعضهم بعضا الا بالشعار وشعارهم أمت أمت ثم صاح ثابت صيحة يستجلب بها المسلمين يا أصحاب سورة البقرة يقول رجل من طى والله ما معى منها آية وانما يريد ثابت يا أهل القرآن* قال واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ لما ازحف المسلمون انكشفوا أقبح الانكشاف حتى ظنّ ظانهم أن لا تكون لهم فئة فى ذلك اليوم والناس أوزاع قد هدأ حسهم وأشرت بنو حنيفة وأظهروا البغى وأو فى عباد بن بشر على نشز من الارض ثم صاح بأعلى صوته أنا عباد بن بشريا للانصار يا للانصار ألا الىّ ألا الىّ فأقبلوا اليه جميعا وأجابوه لبيك لبيك حتى توافوا عنده فقال فداكم أبى وأمى حطموا جفون السيوف ثم حطم جفن سيفه فألقاه وحطمت الانصار جفون سيوفهم ثم قال حملة صادقة اتبعونى فخرج أمامهم حتى ساقوا بنى حنيفة منهزمين حتى انتهوا بهم الى الحديقة فأغلقوا عليهم فأوفى عباد بن بشر على الحديقة وهم فيها فقال للرماة ارموا فرموا أهل الحديقة بالنبل حتى ألجأوهم أن اجتمعوا فى ناحية منها لا يطلع النبل عليهم ثم انّ الله فتح الحديقة فاقتحم عليهم المسلمون فضاربوهم ساعة ثم أغلق عباد باب الحديقة لما كل اصحابه وكره أن يفرّ بنو حنيفة وجعل يقول اللهم انى أبرأ اليك مما جاءت به بنو حنيفة* قال واقد بن عمرو فحدّثنى من رأى عباد بن بشر ألقى درعه على باب الحديقة ثم دخل بالسيف صلتا فجالدهم حتى قتل* وقال أبو سعيد الخدرى سمعت عباد بن بشر يقول حين فرغنا من بزاخة يا أبا سعيد رأيت الليلة كأنّ السماء فرجت ثم أطبقت علىّ فهى ان شاء الله الشهادة قال قلت خيرا والله قال أبو سعيد فأنظر اليه يوم اليمامة وانه ليصيح بالانصار يقول أخلصونا أخلصونا فأخلصوا أربعمائة رجل لا يخالطهم أحد يقدمهم البراء بن مالك وأبو دجانة سماك بن خرشة وعباد بن بشر حتى انتهوا الى باب الحديقة* قال أبو سعيد فرأيت بوجه عباد يعنى بعد قتله ضربا كثيرا وما عرفته الا بعلامة كانت فى جسده وكان أبو بكر الصدّيق لما انصرف اليه أسامة بن زيد من بعثه الى الشام بعثه فى اربعمائة مدد الخالد بن الوليد فأدرك خالدا قبل أن يدخل اليمامة بثلاث فاستعمله خالد على الخيل مكان البراء بن مالك وأمر البراء أن يقاتل راجلا فاقتحم عن فرسه وكان راجلا لا راحلة له فلما انكشف الناس يوم اليمامة وانكشف أسامة بأصحاب الخيل صاح المسلمون يا خالد ولّ البراء بن مالك فعزل أسامة وردّ الخيل الى البراء فقال له اركب فى الخيل فقال البراء وهل لنا من خيل قد عزلتنى وفرّقت الناس عنى فقال له خالد ليس حين عتاب اركب أيها الرجل فى خيلك ألا ترى ما لحم من الامر فركب البراء فرسه وان الخيل لاوزاع فى كل ناحية وما هى الا الهزيمة فجعل يليح بسيفه وينادى بأصحابه يا للانصار يا خيلاه يا خيلاه أنا البراء بن مالك فثابت اليه الخيل من كل ناحية وثابت اليه الانصار فارسها وراجلها* قال أبو سعيد الخدرى فقال لنا احملوا عليهم فداكم أبى وأمى حملة صادقة تريدون فيها الموت ثم أظهر التكبير وكبرنا معه فما كان لنا ناهية الا باب الحديقة وقد غلقت دوننا وازدحمنا عليهم فلم نزل حتى فتح الله وظفرنا وله الحمد* وقال عبد الله بن أبى بكر بن حزم كان البراء فارسا وكان اذا حضرته الحرب أخذته رعدة وانتفض حتى يضبطه الرجال مليا ثم يفيق فيبول بولا أحمر كأنه نقاعة الحناء فلما رأى ما يصنع الناس يومئذ من الهزيمة أخذه ما كان يأخذه فانتفض وضبطه أصحابه وجعل يقول طدونى الى الارض فلمّا أفاق سرى عنه مثل(2/215)
الاسد وهو يقول
أسعدنى ربى على الانصار ... كانوا يدا طرّا على الكفار
فى كل يوم ساطع الغبار ... فاستبدلوا النجاة بالفرار
قال وضرب بسيفه قدما حتى انفرجوا له وخاض غمرتهم وثابت اليه الانصار كأنها النحل تأوى الى يعسوبها وتلاومت الانصار فيما صنعت وحدث عن خالد بن الوليد من سمعه يقول شهدت عشرين زحفا فلم أرقو ما أصبر لوقع السيوف ولا أضرب بها ولا أثبت أقداما من بنى حنيفة يوم اليمامة انا لما فرغنا من طليحة الكذاب ولم تكن له شوكة قلت كلمة والبلاء موكل بالقول وما بنو حنيفة ما هى الاكمن لقينا فلقينا قوما ليسوا يشبهون أحدا ولقد صبروا لنا من حين طلعت الشمس الى صلاة العصر حتى قتل عدوّ الله فما ضرب أحد من بنى حنيفة بعده بسيف ولقد رأيتنى فى الحديقة وعانقنى رجل منهم وأنا فارس وهو فارس فوقعنا عن فرسينا ثم تعانقنا بالارض فأجأه بخنجر فى سيفى وجعل يجأنى بمعول فى سيفه فجرحنى سبع جراحات وقد جرحته جرحا أثبته فاسترخى فى يدى وما بى حركة من الجراح وقد نزفت من الدم الا أنه سبقنى بالاجل فالحمد لله على ذلك* وحدّث ضمرة بن سعيد انه خلص يومئذ الى محكم بن الطفيل وهو يقول يا بنى حنيفة قاتلوا قبل أن تستحقب الكرائم غير راضيات وينكحن غير حظيات وما كان عندكم من حسب فأخرجوه فقد لحم الامر واحتيج الى ذلك منكم وجعل يقول يا بنى حنيفة ادخلوا الحديقة سأمنع دابركم وجعل يرتجز
لبئسما أوردنا مسيلمه ... أورثنا من بعده أغيلمه
فدخلوا الحديقة وغلقوها عليهم ورمى عبد الرحمن بن أبى بكر محكما بسهم فقتله فقام مقامه المعترض ابن عمه فقاتل ساعة حتى قتله الله* وفى غير حديث ضمرة انّ خالد بن الوليد هو الذى قتل محكما حدّث الحارث بن الفضيل قال لما رأى محكم بن الطفيل من قتل قومه ما رأى جعل يصيح ادن يا أبا سليمان فقد جاءك الموت الناقع قد جاءك قوم لا يحسنون الفرار فبلغت خالدا كلمته وهو فى مؤخر الناس فأقبل وهو يقول ها أنا ذا أبو سليمان وكشف المغفر عن وجهه ثم حمل على ناحية محكم يخوض بنى حنيفة فاقحم عليه خالد فضربه ضربة أرعش منها ثم ثنى له باخرى وهو يقول خذها وأنا أبو سليمان فوقع ميتا وكان عبد الرحمن بن أبى بكر قدر ماه بسهم قبل ذلك ومنهم من يقول رماه عبد الرحمن بعد ضربة خالد ومنهم من يقول لم يكن من سهم عبد الرحمن شئ وقاتلت بنو حنيفة بعد قتل محكم بن الطفيل أشدّ القتال وهم يقولون لا بقاء بعد قتل محكم* وقال قائل لمسيلمة يا ابا ثمامة أين ما كنت وعدتنا قال أما الدين فلا دين ولكن قاتلوا عن أحسابكم فاستيقن القوم أنهم على غير شئ* وقال وحشى لما اختلط الناس فى الحديقة وأخذت السيوف بعضها بعضا نظرت الى مسيلمة وما أعرفه ورجل من الانصار يريده وأنا من ناحية اخرى أريده فهززت من حربتى حتى رضيت منها ثم دفعتها عليه وضربه الانصارى فربكم أعلم أينا قتله الا أنى سمعت امرأة فوق الدير تقول قتله العبد الحبشى* وفى البخارى قال وحشى خرجت مع الناس فاذا رجل قائم فى ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس فرميته بحربتى فوضعتها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ووثب اليه رجل من الانصار فضربه بالسيف على هامته فقالت جارية على ظهر بيت وا أمير المؤمنين قتله العبد الاسود* وفى المنتقى وأما الانصارى فلا يشك انه أبو دجانة سماك بن خرشة وكان وحشى يقول قتلت خير الناس فى الجاهلية وشرّ الناس فى الاسلام يعنى حمزة ومسيلمة قيل قتل مسيلمة بحربة قتل بها حمزة وكان معاوية بن أبى سفيان يقول أنا قتلته وقال أبو الحويرث ما رأيت أحدا قط يشك انّ عبد الله بن زيد الانصارى ضرب مسيلمة وزرقه(2/216)
وحشىّ فقاتلاه جميعا وذكر عمر بن يحيى المازنى عن عبد الله بن زيد انه كان يقول أنا قتلته وكانت أم عبد الله بن زيد وهى أم عمارة نسيبة بنت كعب تقول انّ ابنها عبد الله هو الذى قتله وكانت ممن شهد ذلك اليوم وقطعت فيه يدها وذلك انّ ابنها حبيب بن زيد كان مع عمرو بن العاص بعمان عند ما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ ذلك عمروا أقبل من عمان يريد المدينة فسمع به مسيلمة فاعترض له فسبقه عمرو وكان حبيب بن زيد وعبد الله بن وهب الاسلمى فى الساقة فأصابهما مسيلمة فقال لهما أتشهد ان انى رسول الله فقال له الاسلمى نعم فأمر به فحبس فى حديد وقال له حبيب لا أسمع فقال اتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم فأمر به فقطع وكلما قال له اتشهد انى رسول الله قال لا اسمع فاذا قال أتشهد ان محمدا رسول الله قال نعم حتى قطعه عضوا عضوا حتى قطع يديه من المنكبين ورجليه من الوركين ثم أحرقه بالنار وهو فى كل ذلك لا ينزع عن قوله ولا يرجع عما بدأ به حتى مات فى النار* فلما تهيأ بعث خالد ابن الوليد الى اليمامة جاءت أم عمارة الى أبى بكر الصديق فاستأذنته فى الخروج فقال لها أبو بكر ما مثلك يحال بينه وبين الخروج قد عرفناك وعرفنا جراءتك فى الحرب فاخرجى على اسم الله قالت فلما انتهوا الى اليمامة واقتتلوا تداعت الانصار أخلصونا فأخلصوا قالت فلما انتهينا الى الحديقة ازدحمنا على الباب وأهل النجدة من عدوّنا فى الحديقة قد انحازوا يكونون فئة لمسلمة فاقتحمنا فضاربناهم ساعة والله ما رأيت أبذل لمهج أنفسهم منهم وجعلث أقصد عدوّ الله مسيلمة لان أراه ولقد عاهدت الله لئن رأيته لا أكذب عنه أو اقتل دونه وجعلت الرجال تختلط والسيوف بينهم تختلف وخرس القوم فلا صوت الا وقع السيوف حتى بصرت بعدوّ الله فشددت عليه وعرض لى منهم رجل فضرب يدى فقطعها فو الله ما عرّجت عليها حتى انتهيت الى الخبيث وهو صريع وأجدا بنى عبد الله قد قتله* وفى رواية وابنى يمسح سيفه بثيابه فقلت أقتلته قال نعم يا أمه فسجدت لله شكرا وقطع الله دابرهم فلما انقطعت الحرب ورجعت الى منزلى جاءنى خالد بن الوليد بطبيب من العرب فداوانى بالزيت المغلى وكان والله أشدّ علىّ من القطع وكان خالد كثير التعاهد لى حسن الصحبة لنا يعرف لنا حقنا ويحفظ فينا وصية نبينا* قال عباد قلت يا جدّة كثرت الجراح فى المسلمين فقالت يا بنى لقد نحاجز الناس وقتل عدوّ الله وانّ المسلمين لجرحى كلهم لقد رأيت ابنى أبى مجروحين ما بهم حركة ولقد رأيت بنى مالك بن النجار بضعة عشر رجلا لهم أنين يكمدون ليلتهم بالنار ولقد أقام الناس باليمامة خمس عشرة ليلة وقد وضعت الحرب أوزارها وما يصلى مع خالد بن الوليد من المهاجرين والانصار الانفر يسير* وعن محمد بن يحيى بن حبان قال جرحت أم عمارة يوم اليمامة أحد عشر جرحابين ضربة بسيف أورمية بسهم أو طعنة برمح وقطعت يدها سوى ذلك وكان أبو بكر يأتيها ويسأل عنها وهو يومئذ خليفة وقتل يوم اليمامة حاجب بن زيد بن تميم الاشهلى وأبو عقيل الازرقى وبشر بن عبد الله وعامر بن ثابت العجلانى* وعن محمد بن محمود بن لبيد قال لما قتل خالد بن الوليد من أهل اليمامة من قتل كانت لهم فى المسلمين أيضا مقتلة عظيمة حتى أبيح أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لا تغمد السيوف بيننا وبينهم مادام عين تطرف وكان فيمن بقى من المسلمين جراحات كثيرة فلما امسى مجاعة بن مرارة ارسل الى قومه ليلا أن ألبسوا السلاح النساء والذرية والعبيد ثم اذا أصبحتم فقوموا مستقبلى الشمس على حصونكم حتى يأتيكم أمرى وبات خالد والمسلمون يدفنون قتلاهم فلما فرغوا رجعوا الى منازلهم وباتوا يتكمدون بالنار من الجراح فلما أصبح خالد أمر بمجاعة فسيق معه فى الحديد فجعل يسبر القتلى وهو يريد مسيلمة فمرّ برجل وسيم فقال يا مجاعة أهو هذا قال لا هذا والله أكرم منه هذا محكم بن الطفيل ثم قال مجاعة انّ الذى تبتغون رجل ضخم أشعر البطن والظهر أبجر بجرته مثل القدح مطرف احدى(2/217)
العينين ويقال هو اريحل اصيغرا خينس قال وامر خالد بالقتلى فكشفوا حتى وجد الخبيث فوقف عليه خالد فحمد الله كثيرا وأمر به فألقى فى البئر التى كان يشرب منها قالوا ولما أمسينا أخذنا شغل السعف ثم جعلنا نحفر لقتلانا حتى دفناهم جميعا بدمائهم وثيابهم وما صلينا عليهم وتركنا قتلى بنى حنيفة فلما صالحوا خالدا طرحوهم فى الابار وكان خالد يرى انه لم يبق من بنى حنيفة احد الا من لا ذكر له ولا قتال عنده فقال خالد لما وقف على مسيلمة مقتولا يا مجاعة هذا صاحبكم الذى فعل بكم الافاعيل ما رأيت عقولا أضعف من عقول اصحابكم مثل هذا فعل بكم ما فعل فقال مجاعة قد كان ذلك يا خالد ولا تظنّ انّ الحرب انقطعت بينك وبين بنى حنيفة وان قتلت صاحبهم انه والله ما جاءك الاسرعان الناس وانّ جماعة الناس واهل البيوتات لفى الحصون فانظر فرفع خالد بن الوليد رأسه وهو يقول قاتلك الله ما تقول قال أقول والله الحق فنظر خالد فاذا السلاح واذا الخلق على الحصون فرأى امرا غمه ثم تشدّد ساعتئذ وأدركته الرجولية فقال لاصحابه يا خيل الله اركبوا وجعل يدعو بسلاحه ويقول يا صاحب الراية قدّمها والمسلمون كارهون لقتالهم قدملوا الحرب وقتل من قتل وعامة من بقى جريح* وقال مجاعة أيها الرجل انى لك ناصح انّ السيف قد أفناك وأفنى غيرك فتعال أصالحك عن قومى وقد أخل بخالد مصاب اهل السابقة ومن كان يعرف عند العناء فرق وأحب الموادعة مع عجف الكراع واصطلحا على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع ونصف السبى ثم قال مجاعة آتى القوم فأعرض عليهم ما صنعت قال فانطلق فذهب ثم رجع فأخبره انهم قد أجازوه فلما بان لخالد أنه انما هو نصف السبى قال ويلك يا مجاعة خدعتنى فى يوم مرتين قال مجاعة قومى فما أصنع وما وجدت من ذلك بدّا* وقال أسيد بن حضير وأبو نائلة لخالد لما صالح يا خالد اتق الله ولا تقبل الصلح قال خالد والله قد أفناكم السيف قال أسيد وانه قد أفنى غيرنا أيضا قال فمن بقى منكم جريح قال وكذلك من بقى من القوم جرحى لا ندخل فى الصلح أبدا أغدبنا عليهم حتى يظفرنا الله بهم أو نبيد عن آخرنا احملنا على كتاب أبى بكر ان أظفرك الله ببنى حنيفة فلا تبق عليهم فقد أظفرنا الله وقتلنا رأسهم فمن بقى منهم أكل شوكه فبيناهم على ذلك اذ جاء كتاب أبى بكر يقطر الدم ويقال انهم لم يمسوا حتى قدم مسلمة بن سلامة بن وقش من عند أبى بكر بكتابين فى أحدهما* بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاذا جاءك كتابى فانظر فان أظفرك الله ببنى حنيفة فلا تستبق منهم رجلا جرت عليه الموسى فتكلمت الانصار فى ذلك وقالوا أمر أبى بكر فوق أمرك فلا تستبق منهم فقال خالد انى والله ما صالحت القوم الا لما رأيت من رقتكم ولما نهكت الحرب منكم وقوم قد صالحتهم ومضى الصلح فيما بينى وبينهم والله لو لم يعطونا شيئا ما قاتلتهم وقد أسلموا* قال أسيد بن حضير قد قتلت مالك بن نويرة وهو مسلم فسكت عنه خالد فلم يجبه وكان خالد قد خطب الى مجاعة ابنته وكانت اجمل أهل اليمامة فقال له مجاعة مهلا انك قاطع ظهرى وظهرك عند صاحبك انّ القالة عليك كثيرة وما أقول هذا رغبة عنك فقال له خالد زوّجنى أيها الرجل فانه ان كان أمرى عند صاحبى على ما أحب فلن يفسده ما تخاف علىّ وان كان على ما أكره فليس هذا بأعظم الامور فقال له مجاعة قد نصحتك ولعل هذا الامر لا يكون عيبه الا عليك ثم زوّجه فلما بلغ ذلك أبا بكر غضب وقال لعمر بن الخطاب انّ خالدا لحريص على النساء حين يصاهر عدوّه وينسى مصيبته فوقع عمر فى خالد وعظم الامر ما استطاع فكتب أبو بكر الى خالد مع مسلمة بن سلامة يا خالد بن أم خالد انك لفارغ تنكح النساء وتعرّس بهنّ وببابك دماء ألف ومائتين من المسلمين لم تجف بعد ثم خدعك مجاعة عن رأيك فصالحك عن قومه وقد أمكنك الله منهم* فلما نظر خالد فى الكتاب قال هذا عمل عمر وكتب الى أبى بكر جواب كتابه مع أبى برزة الاسلمى أما بعد
فلعمرى ما تزوّجت النساء حتى تم لى السرور وقرّت بى الدار وما تزوّجت الا الى امرئ(2/218)
لو عملت اليه من المدينة خاطبا لم ابل دع انى استثرت خطبتى اليه من تحت قدمىّ فان كنت قد كرهت لى ذلك لدين أو دنيا أعتبتك وأما حسن عزائى على قتلى المسلمين فو الله لو كان الحزن يبقى حيا أو يردّ ميتا لأبقى حزنى الحى وردّ الميت ولقد اقتحمت فى طلب الشهادة حتى أيست من الحياة وأيقنت بالموت وأما خدعة مجاعة اياى عن رأيى فانى لم أخطئ رأى يومى ولم يكن لى علم بالغيب وقد صنع الله للمسلمين خيرا أورثهم الارض وجعل لهم عاقبة المتقين* فلما قدم الكتاب على أبى بكر رق بعض الرقة وتم عمر على رأيه الاوّل فى عيب خالد بما صنع ووافقه على ذلك رهط من قريش فقام أبو برزة الاسلمى فعذر خالدا وقال يا خليفة رسول الله مايؤ بن خالد بجبن ولا خيانة ولقد اقتحم حتى أعذر وصبر حتى ظفر وما صالح القوم الاعلى رضاه وما أخطأ رأيه بصلح القوم اذ لا يرى النساء فى الحصون الا رجالا فقال أبو بكر صدقت لكلامك هذا أولى بعذر خالد من كتابه الىّ* ولما فرغ خالد من الصلح أمر بالحصون فألزمها الرجال وحلف مجاعة بالله لا يغيب عنه شيئا مما صالحه عليه ولا يعلم أحدا غيبه الا رفعه الى خالد ثم فتحت الحصون فأخرج سلاحا كثيرا فجمعه خالد على حدة وأخرج ما وجد فيها من دنانير ودراهم فجمعه على حدة وجمع كراعهم وترك الخف ولم يحرّكه ولا الرثة ثم أخرج السبى فقسمه قسمين ثم أقرع على القسمين فخرج سهمه على أحدهما وفيه مكتوب لله ثم جزأ الذى صار له من السبى على خمسة أجزاء ثم كتب على سهم منها لله وجزأ الكراع والحلقة هكذا ووزن الذهب والفضة فعزل الخمس وقسم على الناس الاربعة الاخماس وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهما وعزل الخمس من ذلك كله حتى قدم به على أبى بكر ولما انقطعت الحرب بين خالد وبين أهل اليمامة تحوّل من منزله الذى كان فيه الى منزل آخر ينتظر كتاب أبى بكر يأمره ان ينصرف اليه بالمدينة* وحدث زيد بن أسلم عن أبيه قال كان أبو بكر حين وجه خالدا الى اليمامة رأى فى النوم كأنه أتى بتمر من هجر فأكل منها تمرة واحدة وجدها نواة على خلقة التمرة فلاكها ساعة ثم رمى بها فتأوّلها فقال ليلقين خالد من أهل اليمامة شدّة وليفتحن الله على يديه ان شاء الله فكان أبو بكر يستروح الخبر من اليمامة بقدر ما يجئ رسول خالد فخرج أبو بكر يوما بالعشى الى ظهر الحرّة يريد أن يبلغ صرارا ومعه عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله ونفر من المهاجرين والانصار فلقى أبا خيثمة النجارى قد أرسله خالد فلما رآه أبو بكر قال له ما وراءك يا أبا خيثمة قال خيرا يا خليفة رسول الله قد فتح الله علينا اليمامة قال فسجد أبو بكر قال أبو خيثمة وهذا كتاب خالد اليك فحمد الله أبو بكر وأصحابه ثم قال أخبرنى عن الوقعة كيف كانت فجعل أبو خيثمة يخبره كيف صنع خالد وكيف صف أصحابه وكيف انهزم المسلمون ومن قتل منهم فجعل أبو بكر يسترجع ويترحم عليهم وجعل أبو خيثمة يقول يا خليفة رسول الله أتينا من قبل الاعراب انهزموا بنا وعوّدونا ما لم نكن نحسن حتى أظفرنا الله بعد ثم قال أبو بكر كرهت رؤيا رأيتها كراهية شديدة ووقع فى نفسى انّ خالدا سيلقى مهم شدّة وليت خالدا لم يصالحهم وانه حملهم على السيف فما بعد هؤلاء المقتولين يستبقى أهل اليمامة ولن يزالوا من كذابهم فى بلية الى يوم القيامة الا أن يعصمهم الله ثم قدم بعد ذلك وفد اليمامة مع خالد على أبى بكر* وقال أبو بكر لخالد سم لى أهل البلاء فقال يا خليفة رسول الله كان البلاء للبراء بن مالك والناس له تبع ولما قدم خالد المدينة لم يبق بها دار الا وفيها باكية لكثرة من قتل معه من الناس فبكى أبو بكر لما رأى ذلك وكانت وقعة اليمامة فى ربيع الاوّل من سنة ثنتى عشرة واختلف فى عدد من استشهد فيها من المسلمين فأكثر ما فى ذلك ما وقع فى كتاب أبى بكر الى خالد انّ يبايك دماء ألف ومائتين من المسلمين* وقال سالم بن عبد الله
بن عمر قتل يوم اليمامة ستمائة من المهاجرين والانصار وغير ذلك* وقال زيد بن طلحة قتل يوم اليمامة من قريش سبعون ومن الانصار سبعون ومن سائر الناس خمسمائة* وعن أبى سعيد(2/219)
الخدرى قال قتلت الانصار فى مواطن أربعة سبعين سبعين يوم أحد سبعين ويوم بئر معونة سبعين ويوم اليمامة سبعين ويوم جسر أبى عبيدة سبعين وقتل الله من بنى حنظلة يوم اليمامة عددا كثيرا ففى كتاب يعقوب الزهرى انه قتل منهم أكثر من سبعة الاف وعن غيره انه أصيب يومئذ من صميم بنى حنيفة سبعمائة مقاتل كذا فى الاكتفاء* وفى المنتقى كان عدد بنى حنيفة يومئذ أربعين ألف مقاتل فقتل من المسلمين ألف ومائتان وقيل ألف وثمانمائة ومن المشركين نحو عشرين ألفا وقيل عشرة آلاف* وفى شواهد النبوّة كان النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لعلىّ انه سيملك سبية من سبايا بنى حنيفة فوصاه ان رزق منها ولدا أن يسميه باسمه ويكنيه بكنيته فلما فتحت اليمامة فى خلافة أبى بكر وأتى بالسبايا من بنى حنيفة أعطى أبو بكر عليا الحنفية فولدت له محمد المشهور بابن الحنفية* وفى المشكاة عن محمد بن الحنفية عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت ان ولدلى بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم رواه أبو داود*
قصة زرقاء اليمامة
وفى الفوائد بلد مسيلمة الكذاب مدينة الان اسمها اليمامة ويقال لها حجر اليمامة ويقال لها جوّ اليمامة وهى بلد معروف فى اليمن واليمامة فى الاصل اسم امرأة زرقاء يقال لها زرقاء اليمامة يضرب بها الامثال فى حدّة البصر فيقال أبصر من زرقاء اليمامة وهى اليمامة بنت مرّة من ذرّية ارم بن سام بن نوح فسميت تلك المدينة باسم تلك المرأة* وفى القاموس وبلاد الجوّ تنسب اليها سميت باسمها وهى أكثر نخيلا من سائر الحجاز وبها تنبأ مسيلمة الكذاب وهى دون المدينة فى وسط الشرق عن مكة على ست عشرة مرحلة من البصرة وعن الكوفة نحوها* وفى الفوائد وقد روى ان تبع بن بنان بن تبع لما جيش الجيوش لحصر هذه المدينة التى هى اليمامة فسار حتى بقى بينه وبين هذه المدينة مسيرة ثلاثة أيام فقال رباح بن مرّة أخو اليمامة بنت مرّة المذكورة لتبع أيها الملك انّ لى أختا مزوّجة ليس على وجه الارض أبصر منها فانها تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة ايام وأخاف أن تنذر قومها فقال تبع وما الرأى فى ذلك فقال له رباح بن مرّة الرأى فى ذلك ان تأمر أهل العسكر أن يقلعوا أشجارا ويحملوها أمامهم فأمرهم تبع بذلك ففعلوا فنظرت اليمامة فرأتهم فقالت يا قوم رأيت عجبا قالوا وما هو قالت لهم انى رأيت الاشجار تمشى على وجه الارض يحملها الرجال وانى لارى رجلا خلف شجرة ينهش كتفا أو يخصف نعلا فكذبوها فأنشدت أبياتا تحرّضهم فيها على القتال
انى أرى شجرا من خلفها بشر ... فكيف تجتمع الاشجار والبشر
ثوروا بأجمعكم فى صدر أوّلهم ... فان ذلك منكم فاعلموا ظفر
فلم يعبأ القوم بما قالت حتى صبح العدوّ عليهم فقتلوهم وسبوا ذراريهم فلما فرغوا دعا الملك باليمامة بنت مرّة فنزعت عيناها ووجدوا فى عينيها عروقا سودا فسألها الملك عن ذلك فقالت انى كنت اكتحل بحجر أسود يقال له الاثمد فبقى فى عينىّ وهى أوّل من اكتحل بالاثمد فاتخذه الناس كحلا من ذلك الوقت الى الان* وروى انّ هذه المرأة كانت ذات يوم قاعدة فى قصرها فنظرت فى الجوّ فرأت حماما يطير فتمنت أن يكون لها مثل ذلك الحمام ومثل نصفه الى حمامة كانت عندها فيكون عدد الحمام مائة فقالت هذا البيت
ليت الحمام ليه ... الى حمامتيه
أو نصفه قديه ... تم الحمام ميه
هذا البيت من بحر البسيط وكان عدة الحمام التى رأتها هذه المرأة ستة وستين ونصفه ثلاثة وثلاثون مجموع ذلك تسعة وتسعون فاذا انضم الى حمامتها يكون جملته مائة حمامة كاملة والى هذه المرأة وقولها أشار النابغة بقوله حيث قال
واحكم كحكم فتاة الحىّ اذ نظرت ... الى حمام سراع وارد الثمد(2/220)
قالت الاليتما هذا الحمام لنا ... الى حمامتنا أو نصفه فقد
فحسبوه فلا قوه كما حسبت ... تسعا وتسعين لم تنقص ولم تزد
فكملت مائة فيها حمامتها ... وأسرعت حسبة فى ذلك العدد
انتهى ما فى الفوائد* وبعث أبو بكر خالد بن الوليد فسار الى الحيرة وصالح أهلها ثم سار الى أمغيشا وخربها وكان بها أملاك لاهل الحيرة فلما رأوا خالدا خرب أملاكهم نقضوا العهد وحاربوه فقتل رئيسهم وانهزم الباقون ثم سار خالد الى الخورنق وبعث مثنى بن حارثة الى حرب الحيرة فحاصرهم وضيق عليهم الامر وكان رئيسهم عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن الحارث وهو بقيلة وانما سمى بقيلة لانه خرج على قومه فى بردين أخضرين فقالوا له يا حارث ما أنت الا بقيلة خضراء فاشتهر بذلك قال فخرج عمر والى خالد فصالحه قالوا وكان مع عمرو منصف له معلق كيسا فى حقوه فتناول خالد الكيس ونثر ما فيه فى راحته وقال ما هذا يا عمر وقال هذا وأمانة الله سم ساعة قال ولم تحتقنه قال خشيت ان تكونوا على غير ما رأيت وقد أتيت على أجلى والموت أحب الىّ من مكروه أدخله على قومى فقال خالد لن تموت نفس حتى تأتى على أجلها وقال بسم الله خير الاسماء ورب الارض والسماء ليس يضرّ مع اسمه داء فأهووا اليه ليمنعوه فبادرهم وابتلع السم فقال عمرو والله يا معشر العرب لتملكنّ ما أردتم مادام منكم أحد أيها القرن وأقبل على أهل الحيرة وقال لم أر كاليوم أوضح اقيالا كذا فى الاكتفاء* وفى المنتقى روى عن على بن حرب انه قال انّ عبد المسيح بن بقيلة هو الذى صالح خالد بن الوليد على أهل الحيرة وقد كان له أربعمائة سنة وكان ذلك المال أوّل مال ورد على أبى بكر*
بعث أبى بكر العلاء الحضرمى الى البجرين
وبعث أبو بكر العلاء الحضرمى الى البحرين الى أهل الردّة* وفى حياة الحيوان بعث العلاء الحضرمى الى البحرين فسلكوا مفازة وعطشوا عطشا شديدا حتى خافوا الهلاك فنزل وصلى ركعتين ثم قال يا حليم يا عليم يا علىّ يا عظيم اسقنا فجاءت سحابة كأنها جناح طائر فقعقعت عايهم وأمطرت حتى ملؤا الانية وسقوا الركاب قال ثم انطلقنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم* وفى رواية أتينا على خليج من البحر ما خيض فيه قبل ذلك اليوم ولا خيض بعد فلم نجد سفنا وكان المرتدون قد أحرقوا السفن فصلى ركعتين ثم قال يا حليم يا عليم يا علىّ يا عظيم أجزنا ثم أخذ بعنان فرسه ثم قال جوزوا بسم الله* قال أبو هريرة فمشينا على الماء فو الله ما ابتل لنا قدم ولا خف ولا حافر وكان الجيش أربعة آلاف* وفى رواية وكان البحر مسيرة يوم وسخر هجر* وفى الاكتفاء سار العلاء بن الحضرمى الى الخط حتى نزل على الساحل فجاءه نصرانى فقال له مالى ان دللتك على مخاضة تخوض منها الخيل الى ذارين قال وما تسألنى قال أهل بيت بدارين قال هم لك فخاض به وبالخيل اليهم فظهر عليهم عنوة وسبى أهلها ثم رجع الى عسكره* وقال ابراهيم بن أبى حبيبة حبس لهم البحر حتى خاضوا اليهم وجاوزه العلاء وأصحابه مشيا على أرجلهم وكانت تجرى فيه السفن قبل ثم جرت فيه بعد فقاتلهم فأظفره الله بهم وسلموا له ما كانوا منعوا من الجزية التى صالحهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم* ويروى انه كان للعلاء بن الحضرمى ومن كان معه جؤار الى الله تعالى فى خوض هذا البحر فأجاب الله دعاءهم وفى ذلك يقول عفيف بن المنذر وكان شاهدا معهم
ألم تر أن الله ذلل بحره ... وأنزل بالكفار احدى الجلائل
دعانا الذى شق البحار فجاءنا ... بأعظم من فلق البحار الاوائل
وفى حديث غيره لما رأى ذلك أهل الردّة من أهل البحرين سألوه الصلح على ما صالحه عليه أهل هجر وفى الصفوة عن سهم بن سنجاب فى غزوة دارين قال يا عليم يا حليم يا علىّ يا عظيم انا عبيدك فى سبيلك نقاتل عدوّك اللهمّ اجعل لنا اليهم سبيلا فنقتحم البحر فخضنا ما يبلغ لبودنا فخرجنا اليهم فلما رجع أخذه(2/221)
وجع البطن فمات فطلبنا الماء نغسله فلم نجده فلففناه فى ثيابه فدفناه فسرنا غير بعيد فاذا نحن بماء كثير فقال بعضنا لبعض لو رجعنا فاستخرجناه ثم غسلناه فرجعنا فطلبناه فلم نجده فقال رجل من القوم سمعته يقول يا علىّ يا عظيم يا حليم يا عليم أخف موتى أو كلمة نحوها ولا تطلع على عورتى أحدا فرجعنا وتركناه* وفى الصفوة عن عمرو بن ثابت قال دخلت فى أذن رجل من أهل البصرة حصاة فعالجها الاطباء فلم يقدروا عليها حتى وصلت الى صماخه فأسهرت ليله ونغصت عيش نهاره فأتى رجلا من أصحاب الحسن فشكى ذلك اليه فقال ويحك ان كان شئ ينفعك الله به فدعوة العلاء الحضرمى التى دعا بها فى البحرين وفى المفازة قال وما هى رحمك الله قال يا علىّ يا عظيم يا حليم يا عليم فدعا بها فو الله ما برحنا حتى خرجت من أذنه لها طنين حتى صكت الحائط وبرأ*
(ذكر الغزو الى الشام وما وقع فى نفس أبى بكر من ذلك وما قوّى عزمه عليه)
* فى الاكتفاء حدّث سهل بن سعد الساعدى قال لما فرغ أبو بكر من أهل الردّة واستقامت له العرب حدّث نفسه بغزو الروم ولم يطلع عليه أحد فبينما هو كذلك اذ رأى شرحبيل بن حسنة فى المنام صورة غزو الشام وبعث أبى بكر جندا فجاءه شرحبيل وجلس اليه فقال يا خليفة رسول الله أحدّثت نفسك أن تبعث الى الشأم جندا قال نعم حدثت نفسى بذلك وما يطلع عليه أحد وما سألتنى الا لشئ فأخبره شرحبيل بما رأى فأوّل أبو بكر ببعثه جندا الى الشام وفتحها عليهم ثم انه بعد ذلك أمر الامراء وبعث الى الشام البعوث* وعن عبد الله بن أبى أوفى الخزاعى وكانت له صحبة قال لما أراد أبو بكر أن يجهز الجنود الى الشام دعا عمر وعثمان وعليا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص وأبا عبيدة بن الجراح ووجوه المهاجرين والانصار من أهل بدر وغيرهم وشاورهم وكلهم استصوبوا رأى أبى بكر وقالوا ما رأيت من الرأى فأمضه فانا سامعون لك مطيعون لا نخالف أمرك وعلىّ فى القوم لا يتكلم فقال له أبو بكر ماذا ترى يا أبا الحسن فقال ارى انك مبارك الامر ميمون النقيبة فانك ان سرت اليهم بنفسك أو بعثت اليهم نصرت ان شاء الله تعالى قال بشرك الله بخير ومن أين علمت هذا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال هذا الدين ظاهرا على كل من ناواه حتى تقوم الساعة وأهله ظاهرون فقال أبو بكر سبحان الله ما أحسن هذا الحديث لقد سررتنى سرّك الله فى الدنيا والاخرة ثم انه قام فى الناس خطيبا ورغب الناس فى الجهاد ثم أمر بلالا فأذن فى الناس انفروا أيها الناس الى جهاد عدوّكم الروم بالشأم وأمير الناس خالد بن سعيد وكان خالد بن سعيد من عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن فلما ولاه أبو بكر الجند الذى استنفر الى الشام أتى عمر أبا بكر ومنعه من ذلك وكان أبو بكر لا يخالف عمر ولا يعصيه فدعا يزيد بن أبى سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة فقال انى باعثكم فى هذا الوجه ومؤمركم على هذا الجند وانى باعث على كل رجل منكم من الرجال ما قدرت عليه فاذا قدمتم البلد ولقيتم العدوّ فاجتمعتم على قتالهم فأميركم أبو عبيدة بن الجراح وان أبو عبيدة لم يلقكما وجمعتكما حرب فيزيد بن أبى سفيان الامير وأمروا بالعسكر مع هؤلاء الثلاثة وبلغ ذلك خالد بن سعيد فتهيأ بأحسن هيئة ثم أقبل الى أبى بكر وسلم عليه وعلى المسلمين ثم جلس فقال لابى بكر أما انك كنت وليتنى أمر الناس وأنت غير متهم ورأيك فىّ حسن افعل ما ترى فخرج هو واخوته وغلمته ومن معه فكانوا أوّل خلق الله عسكر ثم خرج الناس الى معسكرهم وكتب أبو بكر الى اليمن يستنفرهم يدعوهم الى الجهاد ويرغبهم فى ثوابه وبعث الكتاب مع انس بن مالك فبلغ اليمن وقرأ الكتاب على أهلها فأجابوا حتى انتهى الى ذى الكلاع فلما قرأ عليه الكتاب دعا بفرسه وسلاحه ونهض فى قومه وأمر بالعسكر فعسكر معه جموع كثيرة من اهل اليمن وسارعوا فنفر فى ناس كثير وأقبل بهم الى أبى بكر فرجع انس فسبقه بأيام فوجد(2/222)
أبا بكر بالمدينة ووجد ذلك العسكر على حاله وأبو عبيدة يصلى بذلك العسكر فلما قدمت حمير معها أولادها ونساؤها فرح بهم أبو بكر وقام وقال عباد الله ألم نكن نتحدّث فنقول اذا مرت حمير معها أولادها نصر الله المسلمين وخذل المشركين فأبشروا أيها المسلمون قد جاءكم النصر* قال وجاء قيس ابن هبيرة بن مكشوح المرادى معه جموع كثيرة حتى سلم على أبى بكر ثم جلس فقال له ما تنتظر ببعثة هذه الجنود قال ما كنا ننتظر الا قذومكم قال فقد قدمنا فابعث الناس الاوّل فالاوّل فانّ هذه البلدة ليست ببلدة خف ولا كراع قال فعند ذلك خرج فدعا يزيد بن أبى سفيان فعقد له ودعا ربيعة بن عامر من بنى عامر بن لؤى فعقد له ثم قال له أنت مع يزيد بن أبى سفيان لا تعصه ولا تخالفه ثم قال ليزيد ان رأيت ان توليه مقدّمتك فافعل فانه من فرسان العرب وصالحاء قومك وأرجو أن يكون من عباد الله الصالحين ثم خرج أبو بكر يمشى ويزيد راكب فقال له يزيد يا خليفة رسول الله اما أن تركب واما أن تأذن لى فأمشى معك فانى أكره أن أركب وأنت تمشى فقال أبو بكر ما أنا براكب وما أنت بنازل انى أحتسب خطاى هذه فى سبيل الله* وفى الرياض النضرة عن ابن عمر أنّ أبا بكر مشى مع يزيد بن أبى سفيان نحوا من ميلين فقيل له يا خليفة رسول الله لو انصرفت فقال لا انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اغبرت قدماه فى سبيل الله عز وجل حرمهما الله على النار ثم أوصاه بوصايا ثم أخذ بيده وودّعه فخرج يزيد فى جيشه قبل الشأم وكان أبو بكر كل غدوة وعشية يدعو فى دبر صلاة الغداة ويدعو بعد العصر* قال انس لما بعث أبو بكر يزيد بن أبى سفيان الى الشام لم يسر من المدينة حتى جاءه شرحبيل بن حسنة وأخبره برؤيا رآها فقال أبو بكر نامت عينك هذه بشرى وهو الفتح ان شاء الله لا شك فيه وانت احد أمرائى فاذا سار يزيد بن أبى سفيان فأقم ثلاثا ثم تيسر للمسير ففعل فلما مضى اليوم الثالث أتاه من الغد يودّعه فأوصاه بمثل ما اوصى به يزيد بن ابى سفيان ثم ودّع ابا بكر وخرج فى جيشه قبل الشأم وبقى معظم الناس مع ابى عبيدة فى العسكر يصلى بهم وابو عبيدة ينتظر فى كل يوم أن يدعوه ابو بكر فيسرّحه وابو بكر ينتظر به قدوم العرب عليه من كل مكان يريد أن يشحن أرض الشام ويريد ان زحفت الروم عليهم أن يكونوا مجتمعين فقدمت عليهم حمير فيها ذو الكلاع واسمه أيفع وجاءت مذحج فيها قيس بن هبيرة المرادى معه جمع عظيم من قومه وفيهم الحجاج بن عبد يغوث الزبيدى وجاء حابس بن سعد الطائى وعدد كثير من طى وجاءت الازد فيهم جندب بن عمرو بن جمزة الدوسى وفيهم أبو هريرة وجاء جماعة من قبائل قيس فعقد أبو بكر لميسرة بن مسروق العبسى عليهم وجاء قباث بن أشيم فى بنى كنانة فأما ربيعة وأسد وتميم فانهم كانوا بالعراق قال فخرج أبو بكر فى رجال من المسلمين على رواحلهم حتى أتى أبا عبيدة بن الجراح فسار معه حتى بلغ ثنية الوداع فأوصاه وناصحه ثم انه تأخر وتقدّم اليه معاذ بن جبل فأوصى كل واحد منهما صاحبه ثم أخذ كل واحد منهما بيد صاحبه فودّعه ودعا له ثم تفرّقا وانصرف أبو بكر ومضى ذلك الجيش وقال رجل من المسلمين لخالد بن سعيد وقد تهيأ للخروج مع أبى عبيدة لو كنت خرجت مع ابن عمك يزيد بن أبى سفيان كان أمثل من خروجك مع غيره فقال ابن عمى أحب الىّ من هذا فى قرابته وهذا أحب الىّ من ابن عمى فى دينه هذا كان أخى فى دينى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليى وناصرى على ابن عمى قبل اليوم فأنا به أشدّ استئناسا واليه أشدّ طمأنينة فلما أراد أن يغد وسائرا الى الشأم لبس سلاحا وأمر اخوته فلبسوا أسلحتهم عمرا وأبانا والحكم وغلمته ومواليه ثم أقبل الى أبى بكر عند صلاة الغداة فصلى معه فلما انصرفوا قام اليه هو واخوته فجلسوا اليه فحمد الله خالد وأثنى عليه
وصلى على رسوله ثم أوصى أبا بكر بالوصايا الحسنة ثم قال هات يدك يا أبا بكر فانا لا ندرى أنلتقى فى الدنيا أم لا فان قضى الله لنا فى الدنيا التقاء فنسأل عفوه وغفرانه(2/223)
وان كانت هى الفرقة التى ليس بعدها لقاء فعرّفنا الله واياك وجه النبىّ صلى الله عليه وسلم فى جنات النعيم فأخذ أبو بكر بيده فبكى وبكى خالد وبكى المسلمون وظنوا انه يريد الشهادة وطال بكاؤهم ثم انّ أبا بكر قال انتظر نمش معك قال ما أريد أن تفعل قال لكنى أريد ذلك فقام وقام الناس معه حتى خرج من بيوت المدينة فما رأيت أحدا من المسلمين شيعه أكثر ممن شيع خالد بن سعيد يومئذ واخوته* فلما خرج من المدينة قال له أبو بكر انك قد أوصيتنى برشدى وقد وعيت وانى موصيك فاسمع وصايتى وعها فأوصاه بوصايا ثم اخذ بيده فودّعه ثم أخذ بأيدى اخوته بعد ذلك فودّعهم واحدا واحدا ثم ودّعهم المسلمون ثم انهم دعوا بابلهم فركبوها وكانوا قبل ذلك يمشون مع أبى بكر ثم قيدت معهم خيلهم فخرجوا بهيئة حسنة فلما أدبروا قال ابو بكر اللهمّ احفظهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم واحطط أوزارهم وأعظم اجورهم ثم انصرف ابو بكر ومن معه من المسلمين* وعن محمد بن خليفة أن ملحان بن زياد الطائى اخا عدىّ بن حاتم لأمه أتى ابا بكر فى جماعة من قومه من طى نحو ستمائة فقالوا له سرّحنا فى اثر الناس واخترلنا واليا صالحا نكن معه وكان قدومهم على أبى بكر بعد مسير الامراء كلهم الى الشأم فقال ابو بكر قد اخترت لك افضل امرائنا اميرا وأقدم المهاجرين هجرة ألحق بأبى عبيدة بن الجراح فقد رضيت لك صحبته وحمدت لك أدبه فنعم الرفيق فى السفر والصاحب فى الحضر قال فقلت لابى بكر قد رضيت بخيرتك التى اخترت لى فاتبعته حتى لحقته بالشأم فشهدت معه مواطنه كلها لم أغب عن يوم منها* وعن ابى سعيد المقبرى قال قدم ابن ذى السهم الخثعمى على ابى بكر وجماعة من خثعم فوق تسعمائة ودون الف بنسائهم واولادهم فشاوروا ابا بكر فى أن يخلفوهم عنده ام يخرجوا معهم فقال ابو بكر قد مضى معظم الناس ومعهم ذراريهم ولك بجماعة المسلمين أسوة فسر فى حفظ الله وفى كنفه فانّ بالشام امراء قد وجهناهم اليها فأيهم احببت ان تصحبه فاصحبه فسار حتى لقى يزيد بن ابى سفيان فصحبه* وعن يحيى بن هانئ بن عروة ان ابا بكر كان أوصى ابا عبيدة بقيس بن مكشوح وقال له انه قد صحبك رجل عظيم الشرف فارس من فرسان العرب لا أظنّ له عظم حسبة ولا كثيرنية فى الجهاد وليس بالمسلمين غنى عن مشورته ورأيه وبأسه فى الحرب فأدنه وألطفه وأره انك غير مستغن ولا مستهين بأمره فانك تستخرج منه بذلك نصيحته لك وجهده ووجده على عدوّك ودعا ابو بكر قيسا فقال له انى بعثتك مع أبى عبيدة الامين الذى اذا ظلم كظم واذا أسيئ اليه غفر واذا قطع وصل رحيم بالمؤمنين شديد على الكافرين فلا تعصين له أمرا ولا تخالفنّ له رأيا فانه لن يأمرك الا بخير وقد أمرته أن يسمع منك ولا تأمره الا بتقوى الله فقد كنا نسمع أنك شريف بئيس مجرّب وذلك فى زمان الشرك والجاهلية الجهلاء فاجعل بأسك وشدّتك ونجدتك اليوم فى الاسلام على من كفر بالله وعبد غيره فقد جعل الله فيه الاجر العظيم والعز للمسلمين فقال ان بقيت ولقيت فسيبلغك من حيطتى على المسلم وجهدى على الكافر ما يسرّك ويرضيك فقال أبو بكر افعل ذلك فلما بلغه مبارزته البطر يقين بالجابية وقتله اياهما قال صدق قيس ووفى وبرّ* وعن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص قال لما مضت جنود أبى بكر الى الشأم بلغ ذلك هرقل ملك الروم وهو بفلسطين وقيل له قد أتتك العرب وجمعت لك جموعا عظيمة وهم يزعمون انّ نبيهم الذى بعث اليهم أخبرهم انهم يظهرون على أهل هذه البلاد وقد جاؤك وهم لا يشكون انّ هذا يكون وجاؤك بأبنائهم ونسائهم تصديقا لمقالة نبيهم يقولون لو دخلناها وافتتحناها نزلناها بأولادنا ونسائنا فقال هرقل ذلك أشدّ لشوكتهم اذا قاتل القوم على تصديق فما أشدّ على من كايدهم أن يزيلهم أو يصدّهم قال فجمع اليه أهل البلاد وأشراف الروم ومن كان على دينه من العرب فقال يا أهل هذا الدين انّ الله قد كان اليكم محسنا وكان لدينكم معزا
وله ناصرا على الامم الخالية(2/224)
وعلى كسرى والمجوس وعلى الترك الذين لا يعلمون وعلى من سواهم من الامم كلها وذلك انكم كنتم تعملون بكتاب ربكم وسنة نبيكم الذى كان أمره رشدا وفعله هدى فلما بدّلتم وغيرتم ذلك أطمع فيكم قوما والله ما كنا نعبأ بهم ولا نخاف ان نبتلى بهم وقد ساروا اليكم حفاة عراة جياعا قد اضطرّهم الى بلادكم قحط المطر وجدوبة الارض وسوء الحال فسيروا اليهم فقاتلوهم عن دينكم وعن بلادكم وعن أبنائكم وعن نسائكم وانا شاخص عنكم وممدّكم بالخيول والرجال وقد أمرت عليكم أمراء فاسمعوا لهم وأطيعوا ثم خرج حتى أتى دمشق فقام فيها مثل هذا المقام وقال فيها مثل هذا المقال ثم خرج حتى أتى حمص ففعل مثل ذلك ثم أتى انطاكية فأقام بها وبعث الى الروم فحشدهم اليه فجاءه منهم مالا يحصى عدده ونفر اليه مقاتلتهم وشبانهم وأتباعهم وأعظموا دخول العرب عليهم وخافوا ان يسكنوا ملكهم ثم أقبل أبو عبيدة حتى مرّ بوادى القرى ثم أخذ على الحجر أرض صالح النبى عليه السلام ثم على ذات المنار ثم على زبراء ثم ساروا الى ماب بعمان فخرج عليهم الروم فلم يلبثهم المسلمون ان هزموهم حتى دخلوا مدينتهم فحاصروهم فيها وصالح أهل ماب عليها فكانت أوّل مدائن الشأم صالح أهلها*
كتاب أبى عبيدة الى أبى بكر
ثم سار أبو عبيدة حتى اذا دنا من الجابية أتاه آت فأخبره أنّ هرقل بانطاكية وأنه قد جمع لكم من الجموع ما لم يجمعه أحد كان قبله من آبائه لاحد من الامم قبلكم فكتب أبو عبيدة الى أبى بكر الصدّيق لعبد الله أبى بكر خليفة رسول الله من أبى عبيدة بن الجرّاح سلام عليك فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو أمّا بعد فانا نسأل الله أن يعز الاسلام وأهله عزا مبينا وأن يفتح لهم فتحا يسيرا فانه بلغنى أنّ هرقل ملك الروم نزل قرية من قرى الشأم تدعى انطاكية وأنه بعث الى أهل مملكته فحشدهم اليه وأنهم نفروا اليه على الصعب والذلول وقد رأيت أن أعلمك ذلك فترى فيه رأيك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته* فكتب اليه أبو بكر أمّا بعد فقد بلغنى كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر هرقل ملك الروم فامّا منزله بانطاكية فهزيمة له ولاصحابه وفتح من الله عليك وعلى المسلمين وأمّا حشده أهل مملكته وجمعه لكم الجموع فان ذلك ما قد كنا وكنتم تعلمون أنه سيكون منهم ما كان قوم أن يدعوا سلطانهم ويخرجوا من مملكتهم بغير قتال ولقد علمت والحمد لله أن قد غزاهم رجال كثير من المسلمين يحبون الموت حب عدوّهم الحياة يحتسبون من الله فى قتالهم الاجر العظيم ويحبون الجهاد فى سبيل الله أشدّ من حبهم أبكار نسائهم وعقائل أموالهم الرجل منهم عند الهيج خير من ألف رجل من المشركين فالقهم بجندك ولا تستوحش لمن غاب عنك من المسلمين فان الله تعالى ذكره معك وأنا مع ذلك ممدّك بالرجال بعد الرجال حتى تكتفى ولا تريد أن تزداد والسلام عليك* وبعث هذا الكتاب مع دارم العبسى وكتب يزيد بن أبى سفيان الى أبى بكر أمّا بعد فانّ هرقل ملك الروم لما بلغ مسيرنا اليه ألقى الله الرعب فى قلبه فتحوّل ونزل انطاكية وخلف امراء من جنده على جند الشأم وأمرهم بقتالنا وقد تسيروا لنا واستعدّوا وقد نبأنا مسالمة الشأم أنّ هرقل استنفر أهل مملكته وأنهم جاؤا يجرون الشوك والشجر فمرنا بأمرك وعجل علينا فى ذلك برأيك نتبعه نسأل الله النصر والصبر والفتح وعاقبة المسلمين والسلام عليك وبعث بهذا الكتاب مع عبد الله بن قرط الثمالى* وكتب أبو بكر معه بهذا الكتاب أمّا بعد فقد بلغنى كتابك تذكر فيه تحوّل ملك الروم الى انطاكية والقاء الله الرعب فى قلبه من جموع المسلمين فانّ الله تبارك وتعالى وله الحمد قد نصرنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب وأيدنا بملائكته الكرام وان ذلك الدين الذى نصرنا الله فيه بالرعب هو هذا الدين الذى ندعو الناس اليه اليوم فو ربك لا يجعل الله المسلمين كالمجرمين ولا من يشهد أنه لا اله غيره كمن يعبد معه آلهة أخرى ويدين بعبادة آلهة شتى فاذا لقيتهم فانبذ اليهم بمن معك وقاتلهم فانّ الله لن يخذلك وقد نبأنا الله أنّ الفئة القليلة مما تغلب الفئة الكثيرة باذن الله وأنا مع ما هنالك ممدّكم بالرجال فى(2/225)
أثر الرجال حتى تكتفوا ولا تحتاجوا الى زيادة انسان ان شاء الله تعالى والسلام* ولما ردّ أبو بكر عبد الله بن قرط بهذا الكتاب الى يزيد قال له أخبره والمسلمين أنّ مدد المسلمين آتيهم مع هاشم بن عتبة وسعيد بن عامر بن جذيم فخرج عبد الله بكتابه حتى قدم به على يزيد وقرأه على المسلمين فتباشروا وفرحوا وان أبا بكر دعا هاشم بن عتبة وبعثه فى ألف من المسلمين فسلم على أبى بكر وودّعه ثم خرج من غده فلزم طريق أبى عبيدة حتى قدم عليه فسر المسلمون بقدومه وتباشروا به وبلغ سعيد بن عامر بن جذيم أن أبا بكر يريد أن يبعثه فلما أبطأ ذلك عليه ومكث أياما لا يذكر له ذلك أتاه فقال يا أبا بكر والله لقد بلغنى أنك كنت أردت أن تبعثنى فى هذا الوجه ثم رأيتك قد سكت فما أدرى ما بدا لك فىّ فان كنت تريد أن تبعث غيرى فابعثنى معه وان كنت لا تريد أن تبعث أحدا فانى راغب فى الجهاد فأذن لى رحمك الله كيما ألحق بالمسلمين فقد ذكر لى أنّ الروم جمعت لهم جمعا عظيما فقال أبو بكر رحمك الله أرحم الراحمين يا سعيد فأمر بلالا فنادى فى الناس أن انتدبوا أيها المسلمون مع سعيد بن عامر الى الشأم فانتدب معه سبعمائة رجل فى أيام فلما أراد سعيد الشخوص جاء بلال فقال يا خليفة رسول الله ان كنت انما أعتقتنى لله تعالى لا ملك نفسى وأتصرف فيما ينفعنى فخل سبيلى حتى أجاهد فى سبيل ربى فانّ الجهاد أحب الىّ من المقام* قال أبو بكر فان الله يشهد انى لم أعتقك الا له وانى لا أريد منك جزاء ولا شكورا فهذه الارض ذات الطول والعرض فاسلك أىّ فجاجها أحببت فقال كأنك أيها الصدّيق عتبت علىّ فى مقالتى ووجدت فى نفسك منها قال لا والله ما وجدت فى نفسى من ذلك وانى لا أحب ان تدع هواك لهواى ما دعاك هواك الى طاعة ربك قال فان شئت أقمت معك قال امّا اذ هواك فى الجهاد فلم اكن لامرك بالمقام وانما اردتك للاذان ولأجدن لفراقك وحشة يا بلال ولا بدّ من التفرق فرقة لا التقاء بعدها حتى يوم البعث فاعمل صالحا يا بلال وليكن زادك من الدنيا ما يذكرك الله ما حييت ويحسن لك به الثواب اذا توفيت فقال له بلال جزاك الله من ولىّ نعمة ومن أخ فى الاسلام خيرا فو الله ما أمرك لنا بالصبر على الحق والمداومة على العمل بالطاعة ببدع وما كنت لأؤذن لاحد بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم وخرج بلال مع سعيد بن عامر وكان أبو بكر أمر سعيد بن عامر مع توابعه وهم اكثر من خمسين رجلا أن يلحق بيزيد بن ابى سفيان فلحق به وشهد معه وقعة العربة والدثنة* وقدم على ابى بكر حمزة بن مالك الهمدانى فى جمع عظيم زها الف رجل أو اكثر فلما رآى ابو بكر عددهم وعدّتهم سرّه ذلك فقال الحمد لله على صنعه للمسلمين ما يزال الله تعالى يرتاح لهم بمدد من انفسهم يشدّ به ظهورهم ويقصم به ظهور عدوّهم ثم قال حمزة لابى بكر علىّ امير دونك قال نعم ثلاثة امراء قد أمرناهم فأيهم شئت فكن معه فلما لحق بالمسلمين سألهم اى الامراء افضل وأيهم كان افضل عند النبىّ صلى الله عليه وسلم صحبة فقيل له ابو عبيدة بن الجرّاح فجاءه فكان معه* قال عمرو ابن محصن لم يكن ابو بكر رضى الله عنه يسأم توجيه الجنود الى الشأم وامداد الامراء الذين بعثهم بالرجال بعد الرجال ارادة اعزاز الاسلام واذلال اهل الشرك* وعن ابى سعيد المقبرى قال لما بلغ أبا بكر جمع الاعاجم لم يكن شئ أعجب اليه من قدوم المجاهدين عليه من ارض العرب فكانوا كلما قدموا عليه سرح الاوّل فالاوّل فقدم عليه فيمن قدم ابو الاعور السّلمى فبعثه ابو بكر فسار حتى قدم على ابى عبيدة وقدم على ابى بكر معن بن يزيد بن الاخنس فى رجال من بنى سليم نحو مائة فقال ابو بكر لو كان هؤلاء اكثر مماهم أمضيناهم فقال عمر والله لو كانوا عشرة لرأيت لك أن تمدّبهم اخوانهم اى والله وأرى ان نمدّهم بالرجل الواحد اذا كان ذا اجزاء وغناء فقال حبيب بن مسلمة الفهرى عندى نحو من عدّتهم رجال من ابناء القبائل ذو ورغبة
فى الجهاد فأخرجنا وهؤلاء جميعا يا خليفة رسول الله فقال له امّا الان فاخرج بهم جميعا حتى تقدم بهم على اخوانهم فخرج فعسكر معهم ثم جمع اصحابه اليهم ثم مضى بهم حتى(2/226)
قدم على يزيد بن ابى سفيان قال واجتمعت رجال من كعب واسلم وغفار ومزينة نحوا من مائتين فأتوا ابا بكر فقالوا ابعث علينا رجلا وسرّحنا الى اخواننا فبعث عليهم الضحاك بن قيس فسار حتى أتى يزيد فنزل معه* وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال لما رأى اهل مدائن الشأم انّ العرب قد جاشت عليهم من كل وجه وكثرت جموعهم بعثوا الرسل الى ملكهم يعلمونه ذلك ويسألونه المدد فكتب اليهم انى عجبت لكم حين تستمدّوننى وحين تكثرون علىّ عدّة من جاءكم وانا أعلم بكم وبمن جاءكم منهم ولأهل مدينة واحدة من مدائنكم اكثر ممن جاءكم منهم أضعافا فالقوهم وقاتلوهم ولا تحسبوا انى كتب اليكم بهذا وأنا لا اريد ان أمدّكم لأبعثن اليكم من الجنود ما تضيق به الارض الفضاء وكان اهل مدائن الشأم قد ارسلوا الى كل من كان على دينهم من العرب فأطمعهم أكثرهم فى النصر ومنهم من حمى العرب فكان ظهور العرب أحب اليه وذلك من لم يكن فى دينه راسخا منهم وبلغ خبرهم وتراسلهم أبا عبيدة بن الجراح فكتب بذلك الى أبى بكر
مكالمة عمرو بن العاص مع أبى بكر
فجمع أبو بكر أشراف قريش من المهاجرين وغيرهم من أهل مكة ثم دعا باشراف الانصار وذوى السابقة منهم ثم دعا عمرو بن العاص فقال يا عمرو هؤلاء اشراف قومك يخرجون مجاهدين فاخرج فعسكر حتى أندب الناس معك فقال يا خليفة رسول الله انا وال على الناس فقال نعم أنت الوالى على من أبعثه معك من هاهنا قال لابل وال على من أقدم عليه من المسلمين قال لا ولكنك أحد الامراء فان جمعتكم حرب فأبو عبيدة أميركم فسكت عنه ثم خرج فعسكر فاجتمع اليه ناس كثير وكان معه أشراف قريش فلما حضر خروجه جاء الى عمر فقال يا أبا حفص انك قد عرفت بصرى بالحرب ويمن نقيبتى فى الغزو وقد رأيت منزلتى عند رسول الله وقد علمت انّ أبا بكر ليس يعصيك فأشر عليه أن يولينى هذه الجنود التى بالشام فانى أرجو أن يفتح الله على يدىّ هذه البلاد وأن يريكم والمسلمين من ذلك ما تسرّون به فقال له عمر لا أكذبك ما كنت أكلمه فى ذلك لانه لا يوافقنى أن يبعثك على ابى عبيدة وأبو عبيدة أفضل منزلة عندنا منك قال فانه لا ينقص أبا عبيدة شيئا من فضله أن ألى عليه فقال له ويحك يا عمرو انك والله ما تطلب بهذه الرياسة الاشرف الدنيا فاتق الله ولا تطلب بشئ من سعيك الا وجه الله واخرج فى هذا الجيش فانه ان يكن عليك أمير فى هذه المرّة فما أسرع ما تكون ان شاء الله أميرا ليس فوقك أحد فقال قد رضيت فخرج واستتب له المسير* فلما أراد الشخوص خرج معه أبو بكر يشيعه وقال يا عمرو انك ذو رأى وتجربة للامور وبصير بالحرب وقد خرجت فى اشراف قومك ورجال من صالحاء المسلمين وأنت قادم على اخوانك فلا تألهم نصيحة ولا تدخر عنهم صالح مشورة فرب رأى لك محمود فى الحرب مبارك فى عواقب الامور فقال له عمرو ما خلتنى ان أصدق ظنك ولا أقبل رأيك ثم ودّعه وانصرف عنه فقدم الشام فعظم غناؤه وبلاؤه عند المسلمين* وكتب أبو بكر الى أبى عبيدة أما بعد فقد جاءنى كتابك تذكر فيه تيسر عدوّكم لمواقعتكم وما كتب به اليهم ملكهم من عدته اياهم أن يمدّهم من الجنود بما تضيق به الارض الفضاء ولعمر الله لقد أصبحت الارض ضيقة عليه برحبها وأيم الله ما أنا بيائس أن تزيلوه من مكانه الذى هو به عاجلا ان شاء الله تعالى فبث خيلك فى القرى والسواد وضيق عليهم بقطع الميرة ولا تحاصر المدائن حتى يأتيك أمرى فان ناهدوك فانهض اليهم واستعن بالله عليهم فانه ليس يأتيهم مدد الامددناكم بمثله أو ضعفه وليس بكم بحمد الله قلة ولا ذلة ولا أعرفنّ ما جبنتم عنهم فانّ الله فاتح لكم ومظهركم على عدوّكم ومعزكم بالنصر وملتمس منكم الشكر لينظر كيف تعملون وجاءك عمرو فأوصيك به خيرا فقد أوصيته ان لا يضيع لك حقا والسلام عليك* وجاء عمرو بالناس حتى نزل بأبى عبيدة وكان عمرو فى مسيره ذلك الى الشأم فيما حدّث به عمرو بن شعيب يستنفر من مرّ به من الاعراب فتبعه منهم ناس كثير فلما اجتمعواهم ومن كان قد قدم معه من المدينة كانوا نحوا من ألفين فلما قدم بهم(2/227)
على أبى عبيدة سرّ بهم هو والناس الذين معه واستأنس بهم وكان عمرو ذا رأى فى الحرب وبصر بالاشياء فقال له أبو عبيدة أبا عبد الله رب يوم شهدته فبورك للمسلمين فيه برأيك ومحضرك انما أنا رجل منكم لست وان كنت الوالى عليكم بقاطع أمرا دونكم فاحضرنى رايك فى كل يوم بما ترى فانه ليس لى عنك غنى فقال له افعل والله يوفقك لما يصلح المسلمين* وقال سهل بن سعد ما زال أبو بكر يبعث الامراء الى الشام أمير أميرا ويبعث القبائل قبيلة قبيلة حتى ظنّ انهم قد اكتفوا وأنهم لا يريدون ان يزدادوا رجلا* وذكر ابو جعفر الطبرى عن محمد بن اسحاق انّ تجهيز ابى بكر الجيوش الى الشام كان بعد قفوله من الحج سنة اثنتى عشرة وانه حينئذ بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين* وقيل انّ ابا بكر جعل سعيد بن العاص ردئا بتيماء وأمره أن لا يبرحها وان يدعو من حوله بالانضمام اليه وان لا يقبل الا ممن لا يرتدّ ولا يقاتل الا من قاتله حتى يأتيه أمره فأقام فاجتمعت اليه جموع كثيرة وبلغ الروم عظم ذلك العسكر فضربوا على العرب الضاحية بالشام البعوث اليهم* فكتب خالد بن سعيد بذلك الى أبى بكر فكتب اليه أبو بكر أن أقدم ولا تحجم واستنصر الله فسار اليه خالد فلما دنا منهم تفرّقوا وأعروا منزلهم ودخل من كان يجمع له فى الاسلام* وكتب الى أبى بكر بذلك فكتب اليه أبو بكر أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك فسار فيمن كان خرج معه من تيماء وفيمن لحق به من طرف الرمل* فسار اليه بطريق من بطارقة الروم يدعى ماهان فهزمه وقتل جنده وكتب بذلك الى أبى بكر واستمدّه* وقد قدم على أبى بكر أوائل مستنفرى اليمن ومن بين مكة واليمن فساروا فقدموا على خالد بن سعيد وعند ذلك اهتاج أبو بكر للشام وعناه أمره* وقد كان أبو بكر ردّ عمرو بن العاص على عمالته التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاه اياها من صدقات سعد وعذرة وما كان معهما قبل ذهابه الى عمان فخرج الى عمان من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على عدة من عمله اذا هو رجع فأنجز له ذلك أبو بكر ثم كتب اليه أبو بكر عند اهتياجه الى الشام انى كنت قد رددتك على العمل الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرّة وسماه لك أخرى اذ بعثتك الى عمان انجاز الموعد رسول الله فقد وليته ثم وليته وقد أحببت أبا عبد الله ان أفرغك لما هو خير لك فى حياتك ومعادك منه الا ان يكون الذى أنت فيه أحب اليك* فكتب اليه عمرو انى سهم من سهام الاسلام وانت بعد الله الرامى بها والجامع فانظر أسدّها وأحسنها وأفضلها فارم به شيئا ان جاءك من ناحية من النواحى* وكتب أبو بكر الى الوليد بن عقبة بنحو ذلك فأجابه الى ايثار الجهاد* وعن أبى أمامة الباهلى قال كنت فيمن سرح أبو بكر مع أبى عبيدة وأوصانى به وأوصاه بى*
أوّل وقعة فى الشام
فكانت أوّل وقعة بالشام يوم العربة ثم يوم الدثنة وليسا من الايام العظام خرج ستة قوّاد من الروم مع كل قائد خمسمائة فكانوا ثلاثة آلاف فلمّا رأيناهم أقبلوا حتى انتهوا الى العربة بعث يزيد بن أبى سفيان الى أبى عبيدة يعلمه فبعثنى اليه فى خمسمائة فلما أتيته بعث معى رجلا فى خمسمائة فلما رأيناهم يعنى قوّادهم أولئك حملنا عليهم فهزمناهم وقتلنا قائدا من قوّادهم ثم مضوا واتبعناهم فجمعوا لنا بالدثنة فسرنا اليهم فقدّمنى يزيد وصاحبى فى عدّتنا فهزمناهم فعند ذلك فزعوا واجتمعوا وأمدّهم ملكهم* وذكر ابن اسحاق عن صالح بن كيسان أن عمرو بن العاص خرج حتى نزل بعمير العربات ونزل الروم بثنية جلق بأعلا فلسطين فى سبعين ألفا عليهم تدارق اخو هرقل لابيه وأمّه* فكتب عمرو الى أبى بكر يستمدّه وخرج خالد بن سعيد بن العاص وهو بمرج الصفر من أرض الشأم فى يوم مطير يستمطر فيه فعدى عليه أعلاج الروم فقتلوه وقيل أتاهم ادريحا وهم فى أربعة آلاف وهم غارون فاستشهد خالد بن سعيد وعدّة من المسلمين* قال أبو جعفر الطبرى قيل انّ المقتول فى هذه الغزوة ابن لخالد بن سعيد وانّ خالدا انحاز حين قتل ابنه* وذكر سيف انّ الوليد بن عقبة لما قدم على خالد بن سعيد فسانده وقدمت جنود المسلمين(2/228)
الذين كان أبو بكر امدّه بهم وبلغه عن الامراء يعنى أمراء المسلمين الذين امدّهم ابو بكر وتوجههم اليه اقتحم على الروم وطلب الحظوة وأعرى ظهره وبادر الامراء لقتال الروم واستطرد له ماهان فارّاهو ومن معه الى دمشق واقتحم خالد فى الجيش ومعه ذو الكلاع وعكرمة والوليد حتى نزل مرج الصفر ما بين الواقصة ودمشق فانطوت مشايخ ماهان عليه واخذوا عليه الطرق ولا يشعر وزحف له ماهان فوجد ابنه سعيد بن خالد يستمطر فى الناس فقتلوه فأتى الخبز خالدا فخرج هاربا فى جريدة خيل ولم تنته بخالد الهزيمة عن ذى المروة وأقام عكرمة فى الناس ردئا لهم فردّ عنهم ماهان وجنوده أن يطلبوهم وأقام من الشام على قرب منها* وذكر ابن اسحاق مسير الامراء ومنازلهم وان يزيد بن أبى سفيان نزل البلقاء ونزل شرحبيل بن حسنة الاردن ويقال بصرى ونزل أبو عبيدة الجابية* وعن غير ابن اسحاق انه لما نزل أبو عبيدة بالجابية كتب الى أبى بكر* أما بعد فانّ الروم وأهل البلد ومن كان على دينهم من العرب قد أجمعوا على حرب المسلمين ونحن نرجو النصر وانجاز موعد الرب تبارك وتعالى وعادته الحسنى واحببت اعلام ذلك لترينا رأيك*
توجه خالد بن الوليد من العراق الى الشام
فقال أبو بكر والله لانسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد وكان خالد اذ ذاك يلى حرب العراق فكتب اليه أبو بكر* أما بعد فدع العراق وخلف فيه أهله الذين قدمت عليهم وهم فيه وامض مختفيا فى أهل القوّة من اصحابك الذين قدموا معك العراق من اليمامة وصحبوك فى الطريق وقدموا عليك من الحجاز حتى تأتى الشام فتلقى أبا عبيدة ومن معه من المسلمين فاذا التقيتم فأنت أمير الجماعة والسلام* ويروى انه كان فيما كتب اليه به أن سر حتى تأتى جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجوا وأشجوا واياك أن تعود لمثل ما فعلت فانه لم يشج الجموع بعون الله سبحانه أحد من الناس اشجاءك ولم ينزع الشجا أحد من الناس نزعك فلتهنك أبا سليمان النعمة والحظوة فأتمم يتمم الله لك ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل واياك أن تدل بعمل فانّ الله تعالى له المنّ وهو ولىّ الجزاء ووافى حالدا كتاب أبى بكر هذا وهو بالحيرة منصرفا من حجة حجها مكتتما بها وذلك انه لما فرغ من ايقاعه بالروم ومن انضوى اليهم مغيثا لهم من مشايخ فارس بالفراض والفراض تخوم الشام والعراق والجزيرة أقام بالفراض عشرا ثم اذن بالقفل الى الحيرة لخمس بقين من ذى القعدة وأمر عاصم بن عمرو أن يسير بهم وأمر شجرة بن الاغر أن يسوقهم وأظهر خالد أنه فى الساقة وخرج من الحيرة ومعه عدّة من أصحابه يعتسف البلاد حتى أتى مكة بالسمت فتأتى له فى ذلك ما لم يتأت لدليل ومرسال فسار طريقا من طرق الجزيرة لم ير طريق أعجب منه فكانت غيبته عن الجند يسيرة ما توا فى الى الحيرة آخرهم حتى واماهم مع صاحب الساقة الذى وضعه وقدما جميعا وخالد وأصحابه مخلفون ولم يعلم بحجه الا من أفضى اليه بذلك من الساقة ولم يعلم أبو بكر بذلك الا بعد فهو الذى يعنيه بما تقدم فى كتابه اليه من معاتبته اياه وقدم على خالد بالكتاب عبد الرحمن بن حنبل الجمعى فقال له خالد قبل أن يقرأ كتابه ما وراءك فقال خير تسير الى الشام فشق عليه ذلك وقال هذا عمل عمر نفسى علىّ أن يفتح الله علىّ العراق وكانوا هابوه هيبة شديدة وكان خالد اذا نزل بقوم عذابا من عذاب الله عليهم وليثا من الليوث فلما قرأ كتاب أبى بكر فرأى أن قد ولاه على أبى عبيدة وعلى الشام تسخى بنفسه وقال أما اذولانى فانّ فى الشام من العراق خلفا فقام اليه النسر بن ديسم العجلى وكان من أشراف بنى عجل وفرسان بكر بن وائل ومن رؤس أصحاب المثنى بن حارثة فقال لخالد أصلحك الله والله ما جعل الله فى الشام من العراق خلفا للعراق اكثر حنطة وشعيرا وديباجا وحريرا وفضة وذهبا وأوسع سعة وأعرض عرضا والله ما الشام كله الا كجانب من العراق فكره المثنى مشورته عليه وكان يحب أن يخرج من العراق ويخليه واياها فقال خالد انّ بالشأم أهل الاسلام وقد(2/229)
تهيأت لهم الروم وتسيرت فانما أنا مغيث وليس لهم مدد فكونوا أنتم ههنا على حالتكم التى كنتم عليها فان نفرغ مما أشخصنا اليه عاجلا عجلنا اليكم وان أبطأت رجوت أن لا تعجزوا ولا تهنوا وليس خليفة رسول الله بتارك امدادكم بالرجال حتى يفتح الله عليكم هذه البلاد ان شاء الله تعالى* ويروى انّ أبا بكر أمر خالدا بالخروج فى شطر الناس وأن يخلف على الشطر الثانى المثنى بن حارثة وقال له لا تأخذ مجدا الا خلفت لهم مجدا فاذا فتح الله عليك فارددهم الى العراق وأنت معهم ثم أنت على عملك وأحضر خالد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأثر بهم على المثنى وترك للمثنى أعدادهم من أهل الغباء ممن لم يكن له صحبة ثم نظر فيمن بقى فاختلج من كان قدم على النبى صلى الله عليه وسلم وافدا أو غير وافد وترك للمثنى اعدادهم من أهل الغباء ثم قسم الجند نصفين فقال المثنى والله لا اقيم الا على انفاذ أمر أبى بكر كله فى استصحاب نصف الصحابة وابقاء النصف وبعض النصف فو الله ما أرجو النصر الا بهم فانى تعرينى منهم فلما رأى ذلك خالد بعد ما تكلما عليه أعاضه منهم حتى رضى وكان فيمن أعاضه منهم فرات بن حيان العجلى وبشر بن الخصاصية والحارث بن حسان الدهليان ومعبد بن أم معبد الاسلمى وبلال بن الحارث المزنى وعاصم بن عمرو التيمى حتى اذا رضى المثنى واخذ حاجته انحدر خالد ومضى لوجهه وشيعه المثنى الى قراقر فقال له خالد انصرف الى سلطانك غير مقصر ولا ملوم ولا وان*
كيفية سلوك خالد فى القفار
وذكر الطبرى انّ خالدا لما أراد المسير الى الشام دعا بالادلة فارتحل من الحيرة سائرا الى دومة ثم طعن فى البر الى قراقر ثم قال كيف لى بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم فانى ان استقبلتها حبستنى عن غياث المسلمين فكلهم قالوا لا نعرف الا طريقا لا يحمل الجيش فاياك أن تغرر بالمسلمين فعزم عليه فلم يجبه الى ذلك الا رافع بن عميرة على تهيب شديد فقام فيهم فقال لا تختلفنّ هدتكم ولا تضعفن تعبيتكم واعلموا انّ المعونة تأتى على قدر النية والاجر على قدر الحسبة وانّ المسلم لا ينبغى له أن يكترث بشىء يقع فيه مع معونة الله له فقالوا له أنت رجل قد جمع الله لك الخير فشأنك فطابقوه ونووا واحتسبوا* وذكر غير الطبرى انّ خالدا حين أراد المسير الى الشام قال له محرز بن حريش وكان يتجر بالحيرة ويسافر الى الشام اجعل كوكب الصبح على حاجبك الايمن ثم أمّه حتى تصبح فانك لا تحور فجرّب ذلك فوجده كذلك ثم أخذ فى السماوة حتى انتهى الى قراقر فقوّر من قراقر الى سوى وهما منزلان بينهما خمس ليال فلم يهتدوا للطريق فدل على رافع بن عميرة الطائى فقال له خفف الاثقال واسلك هذه المفازة ان كنت فاعلا فكره خالد أن يخلف احدا فقال قد أتانى أمر لابد من انفاذه وان تكون جميعا قال فو الله انّ الراكب المنفرد ليخافها على نفسه لا يسلكها الا مغررا فكيف انت بمن معك فقال انه لا بدّ من ذلك فقدأتنى؟؟؟ عزمة قال فمن استطاع منكم أن يصرّ اذن راحلته على ماء فليفعل فانها المهالك الا ما وقى الله ثم قال لخالد ابغنى عشرين جزورا عظاما سمانا مسانّ فأتاه بهنّ فظمأهنّ حتى اذا جهدهنّ عطشا سقاهنّ حتى أرواهنّ ثم قطع مشافرهنّ ثم عكمهنّ ثم قال لخالد سر بالخيول والاثقال فكلما نزل منزلا نحر من تلك الشرف اربعا فافتظ ماءهنّ فسقاه الخيول وشرب الناس مما تزوّدوا حتى اذا كان آخر ذلك قال خالد لرافع ويحك ما عندك يا رافع فقال أدركك الرى ان شاء الله انظروا هل تجدون شجرة عوسج على ظهر الطريق قالوا لا قال انا لله اذا والله هلكت وأهلكت لا أبالكم نظروا فنظروا فوجدوها فكبر وكبروا وقال احفروا فى أصلها فاحتفروا فوجدوا عينا فشربوا وارتووا فقال رافع والله ما وردت هذا الماء قط الا مرّة مع أبى وأنا غلام قال راجز من المسلمين
لله درّ رافع أنى اهتدى ... قوّر من قراقر الى سوى
أرضا اذا ما سارها الجيش بكى ... ما سارها من قبله انس أرى(2/230)
لكن بأسباب متينات الهدى ... نكبها الله ثنيات الردى
وعن عبد الله بن قرط الثمالى قال لما خرج خالد من عين التمر مقبلا الى الشام كتب الى المسلمين مع عمرو ابن الطفيل بن عمرو الازدى وهو ابن ذى النور* أما بعد فانّ كتاب خليفة رسول الله أتانى بالمسير اليكم وقد شمرت وانكمشت وكأن قد أظلت عليكم خيلى ورجالى فابشروا بانجاز موعد الله وحسن ثواب الله عصمنا لله واياكم باليقين وأثابنا أحسن ثواب المجاهدين والسلام عليكم*
كتاب خالد الى أبى عبيدة
وكتب معه الى أبى عبيدة أما بعد فانى اسأل الله لنا ولك الا من يوم الخوف والعصمة فى دار الدنيا من كل سوء وقد اتانى كتاب خليفة رسول الله يأمرنى بالمسير الى الشأم وبالقيام على جندها والتولى لامرها والله ما طلبت ذلك قط ولا أردته اذ وليته فأنت على حالك التى كنت عليها لا نعصيك ولا نخالفك ولا نقطع دونك أمرا فأنت سيد المسلمين لا ننكر فضلك ولا نستغنى عن رأيك تمم الله بنا وبك من احسان ورحمنا واياك من صلىّ النار والسلام عليك ورحمة الله* قال فلما قدم علينا عمرو بن الطفيل وقرأ كتاب خالد على الناس وهم بالجابية ودفع الى أبى عبيدة كتابه فقرأه قال بارك الله لخليفة رسول الله فيما رأى وحيا الله خالدا قال وشق على المسلمين أن ولى خالدا على أبى عبيدة ولم أره على احد أشق منه على بنى سعيد بن العاص وانما كانوا متطوّعين حبسوا انفسهم فى سبيل الله حتى يظهر الله الاسلام فأما ابو عبيدة فانا لم نتبين فى وجهه ولا فى شئ من منطقه الكراهة لامر خالد* وعن سهل بن سعد أنّ أبا بكر كتب الى أبى عبيدة أما بعد فانى قد وليت خالدا قتال العدوّ بالشام فلا تخالفه واسمع له وأطع أمره فانى لم أبعثه عليك أن لا تكون عندى خيرا منه ولكنى ظننت أن له فطنة فى الحرب ليست لك أراد الله بنا وبك خيرا والسلام*
اغارة خالد على بنى تغلب
ثم انّ خالدا خرج من عين التمر حتى أغار على بنى تغلب والنمر بالبشر فقتلهم وهزمهم وأصاب من أموالهم طرفا قال وانّ رجلا منهم ليشرب من شراب له فى جفنة وهو يقول
* الاعللانى قبل جيش أبى بكر ... لعل منايانا قريب وما ندرى*
فما هو الا أن فرغ من قوله اذ شدّ عليه رجل من المسلمين فضرب عنقه فاذا رأسه فى الجفنة* وعن عدى ابن حاتم قال أغرنا يعنى مع خالد على أهل المصيخ واذا رجل من النمر يدعى حرقوص بن النعمان حوله بنوه وبينهم جفنة من خمروهم عليها عكوف يقولون له ومن يشرب هذه الساعة فى أعجاز الليل فقال اشربوا شرب وداع فما أرى أن تشربوا خمرا بعدها أبدا هذا خالد بالعين وقد بلغه جمعنا وليس بتاركنا ثم قال
الا فاشربوا من قبل قاصمة الظهر ... وقبل انتقاص القوم بالعسكر الدثر
وقيل منايانا المصيبة بالقدر ... بحين لعمرى لا يزيد ولا يحرى
فسبق اليه وهو فى ذلك بعض الخيل فضرب رأسه فاذا هو فى جفنته فأخذنا بناته وقتلنا بنيه* وفى كتاب سيف قال ولما بلغ غسان خروج خالد على سوى وانتسافها واغارته على مصيخ بهراء وانتسافها اجتمعوا بمرج راهط وبلغ ذلك خالدا وقد خلف ثغور الشام وجنودها مما يلى العراق فصار بينهم وبين اليرموك صمد لهم فخرج من سوى بعد ما رجع اليها بسبى بهراء فنزل علمين على الطريق ثم نزل الليث حتى صار الى دمشق ثم مرج الصفر فلقى عليه غسان وعليهم الحارث بن الايهم فانتسف عسكرهم ونزل بالمرج أياما وبعث الى أبى بكر بالأخماس ثم خرج من المرج حتى نزل مياه بصرى فكانت أوّل مدينة افتتحت بالشام على يدى خالد فيمن معه من جنود العراق وخرج منها فوافى المسلمين بالواقوصة* وعن غير سيف أنّ خالدا أغار على غسان فى يوم فصبحهم فقتل وسبى وخرج على أهل الغوطة حتى أغار عليهم فقتل ما شاء وغنم ثم انّ العدوّ دخلوا دمشق فتحصنوا وأقبل أبو عبيدة وكان بالجابية مقيما حتى نزل معه بالغوطة فحاصر أهل دمشق*
عدّة الجيش الذى دخل الشام مع خالد
وعن قيس بن أبى حازم قال كان خرج مع خالد من بجيلة وعظيمهم أحمس نحو من(2/231)
مائتى رجل ومن طى نحو من مائة وخمسين قال وكان معنا المسيب بن نجيبة فى نحو من مائتى فارس من بنى ذبيان وكان خالد فى نحو من تلثمائة من المهاجرين والانصار فكان أصحابه الذين دخلوا معه الشام ثمانمائة وخمسين رجلا كلهم ذونية وبصيرة لانه كان يقحم أمورا يعلمون انه لا يقوى على ذلك الاكل قوىّ جلد فأقبل بنا حتى مرّ بأروكة فأغار عليها وأخذ الاموال وتحصن منه أهلها فلم يبارحهم حتى صالحهم* قال ومرّ بتدمر فتحصنوا منه فأحاط بهم من كل جانب وأخذهم من كل مأخذ فلم يقدر عليهم فلما لم يطقهم ترحل عنهم وقال لهم حين أراد أن يرتحل فيما يروى عن عبد الله بن قرط والله لو كنتم فى السحاب لاستنزلناكم وظهرنا عليكم ما جئناكم الا ونحن نعلم انكم ستفتحون علينا وان أنتم لم تصالحونا هذه المرّة لارجعنّ اليكم لو قد انصرفت من وجهى هذا ثم لا أرحل عنكم حتى أقتل مقاتلتكم وأسبى ذراريكم فلما فصل قال علماؤهم واجتمعوا انا لا نرى هؤلاء القوم الا الذين كنا نتحدّث انهم يظهرون علينا فافتحوا لهم فبعثوا الى خالد فجاء ففتحوا له وصالحوه* وعن سراقة بن عبد الاعلى أن خالدا فى طريقه ذلك مرّ على حوران فهابوه فتحرز أكثرهم منه وأغار عليهم فاستاق الاموال وقتل الرجال وأقام عليهم أياما فبعثوا الى ما حولهم ليمدّوهم فأمدّوهم من مكانين من بعلبك وهى أرض دمشق ومن قبل بصرى وبصرى مدينة حوران وهى من أرض دمشق أيضا فلما رأى المددين قد أقبلا خرج وصف بالمسلمين ثم تجرّد فى مائتى فارس فحمل على مدد بعلبك وهم أكثر من ألفين فما وقفوا حتى انهزموا ودخلوا المدينة ثم انصرف يوجف فى أصحابه وجيفا حتى اذا كان بحذاء مدد بصرى وانهم لاكثر من ألفين حمل عليهم فما ثبتوا له فواقا حتى هزمهم فدخلوا المدينة وخرج أهل المدينة فرموا المسلمين بالنشاب فانصرف عنهم خالد وأصحابه حتى اذا كان من الغد خرجوا اليه ليقاتلوه فعجزوا وأظهره الله عليهم فصالحوهم* وعن عمرو بن محصن حدّثنى علج من أهل حوران كان يتشجع قال والله لخرجنا اليهم بعد ما جاءنا مدد أهل بعلبك وأهل بصرى بيوم فخرجنا وانا لاكثر من خالد وأصحابه بعشرة أضعافهم وأكثر فما هو الا أن دنونا منهم فثاروا فى وجوهنا بالسيوف كأنهم الاسد فانهزمنا أقبح الهزيمة وقتلونا أشر القتلة فما عدنا نخرج اليهم حتى صالحناهم ولقد رأيت رجلا منا كنا نعدّه بالف رجل قال لئن رأيت أميرهم لا قتلته فلما رأى خالدا قيل له هذا خالد أمير القوم فحمل عليه وانا لنرجو لبأسه أن يقتله فما هو الا أن دنا منه فضرب خالد فرسه فأقدمه عليه ثم استعرض وجهه بالسيف فأطار قحف رأسه ودخلنا مدينتنا فما كان لنا هم الا الصلح حتى صالحناهم* وعن قيس بن أبى حازم قال كنت مع خالد حين مرّ بالشام فأقبل حتى نزل بقناة بصرى من أرض حوران وهى مدينتها فلما نزلنا واطمأننا خرج الينا الدرنجال فى خمسة آلاف فارس من الروم فأقبل الينا وما يظنّ هو وأصحابه الا أنا فى أكفهم فخرج خالد فصفنا ثم جعل على ميمنتنا رافع بن عميرة الطائى وعلى ميسرتنا ضرار بن الازور وعلى الرجال عبد الرحمن بن حنبل الجمحى وقسم خيله فجعل على شطرها المسيب بن نجيبة وعلى الشطر الاخر رجلا كان معه من بكر بن وائل ولم يسمه وأمرهما خالد حين قسم الخيل بينهما أن يرتفعا من فوق القوم عن يمين وشمال ثم ينصبا على القوم ففعلا ذلك وأمرنا خالد أن نزحف الى القلب فزحفنا اليهم والله ما نحن الاثمانمائة وخمسون رجلا وأربعمائة رجل من مشجعة من قضاعة استقبلنا بهم يعبوب رجل منهم فكنا ألفا ومائتين ونيفا قال وكنا نظنّ انّ الكثير من المشركين والقليل عند خالد سواء لانه كان لا يملأ صدره منهم شىء ولا يبالى بمن لقى منهم لجراءته عليهم فلما دنوا منا شدّوا علينا شدّتين فلم نبرح ثم انّ خالدا نادى بصوت له جهورى شديد عال فقال يا أهل الاسلام الشدّة الشدّة احملوا رحمكم الله عليهم فانكم ان قاتلتموهم محتسبين بذلك وجه الله فليس لهم أن يواقفوكم ساعة* ثم انّ خالدا شدّ عليهم فشددنا معه فو الله(2/232)
الذى لا اله الا هو ما ثبتوا لنا فواقا حتى انهزموا فقتلنا منهم فى المعركة مقتلة عظيمة ثم اتبعناهم نكردهم ونصيب الطرف منهم ونقطعهم عن أصحابهم ثم نقتلهم فلم نزل كذلك حتى انتهبنا الى مدينة بصرى فأخرج لنا أهلها الاسواق واستقبلوا المسلمين بكل ما يحبون ثم سألوا الصلح فصالحناهم فخرج خالد من فوره ذلك وأغار على غسان فى جانب من مرج راهط فى يوم فصبحهم فقتل وسبى* وعن أبى الخزرج الغسانى قال كانت أمى فى ذلك السبى فلما رأت هدى المسلمين وصلاحهم وصلاتهم وقع الاسلام فى قلبها فأسلمت فطلبها أبى فى السبى فعرفها فجاء المسلمين فقال يا أهل الاسلام انى رجل مسلم وهذه امرأتى قد أصبتموها فان رأيتم أن تصلونى وتحفظوا حقى وتردّوا علىّ أهلى فعلتم فقال لها المسلمون ما تقولين فى زوجك فقد جاء يطلبك وهو مسلم قالت ان كان مسلما رجعت اليه والا فلا حاجة لى فيه ولست براجعة اليه*
(وقعة أجنادين)
* ذكر سعد بن الفضل وأبو اسمعيل وغيرهما انّ خالد بن الوليد لما دخل الغوطة كان قد مرّ بثنية فجزعها ومعه راية ببضاء تدعى العقاب فسميت بذلك تلك الثنية ثنية العقاب ثم نزل ديرا يقال له دير خالد لنزوله به وهو مما يلى الباب الشرقى يعنى من دمشق وجاء أبو عبيدة من قبل الجابية ثم شنا الغارات فى الغوطة وبيناهما كذلك أتاهما أن وردان صاحب حمص قد جمع الجموع يريد أن يقتطع شرحبيل بن حسنة وهو ببصرى وانّ جموعا من الروم قد نزلت أجنادين وانّ أهل البلد ومن مرّوابه من نصارى العرب قد سارعوا اليهم فأتاهما خبر أقطعهما وهما مقيمان على عدوّ يقاتلا به فالتقيا فتشاورا فى ذلك فقال أبو عبيدة أرى أن نسير حتى نقدم على شرحبيل قبل أن ينتهى اليه العدوّ الذى صمد صمده فاذا اجتمعنا سرنا اليه حتى نلقاه فقال له خالد ان جمع الروم هذا بأجنادين وان نحن سرنا الى شرحبيل تبعنا هؤلاء من قريب ولكن أرى أن نصمد صمد عظيمهم وأن نبعث الى شرحبيل فنحذره مسير العدوّ اليه ونأمره فيوا فينا بأجنادين ونبعث الى يزيد بن أبى سفيان وعمرو بن العاص فيوا فيانا باجنادين ثم نناهض عدوّنا فقال له أبو عبيدة هذا رأى حسن فأمضه على بركة الله وكان خالد مبارك الولاية ميمون النقيبة مجرّبا بصيرا بالحروب مظفرا فلما أراد الشخوص من أرض دمشق الى الروم الذين اجتمعوا بأجنادين كتب نسخة واحدة الى الامراء* أما بعد فانه قد نزل بأجنادين جمع من جموع الروم غير ذى قوّة ولا عدّة والله قاصمهم وقاطع دابرهم وجاعل دائرة السوء عليهم وشخصت اليكم يوم سرحت رسولى اليكم فاذا قدم عليكم فانهضوا الى عدوّكم بأحسن عدّتكم وأصح نيتكم ضاعف الله لكم أجوركم وحط أوزاركم والسلام ووجه بهذه النسخة مع انباط كانوا مع المسلمين عيونا لهم وفيوجا وكان المسلمون يرضخون لهم* ودعا خالد الرسول الذى بعثه منهم الى شرحبيل فقال له كيف علمك بالطريق قال كما تريد قال فادفع اليه هذا الكتاب وحذره الجيش الذى ذكر لنا انه يريده وخذ به وبأصحابه طريقا تعدل به عن طريق العدوّ الذى شخص اليه وتأتى به حتى تقدمه علينا بأجنادين قال نعم فخرج الرسول الى شرحبيل ورسول آخر الى عمرو بن العاص ورسول آخر الى يزيد بن أبى سفيان وخرج خالد وأبو عبيدة بالناس الى أهل أجنادين والمسلمون سراعا اليهم جرآء عليهم فلما شخصوا لم يرعهم الا أهل دمشق فى آثارهم فلحقوا أبا عبيدة وهو فى أخريات الناس فلما رآهم قد لحقوا به نزل فأحاطوا به وهو فى نحو من مائتى رجل من أصحابه وأهل دمشق فى عدد كثير فقاتلهم أبو عبيدة قتالا شديدا وأتى الخبر خالدا وهو فى أمام الناس فى الفرسان والخيل فعطف راجعا ورجع الناس معه وتعجل خالد فى الخيل وأهل القوّة فانتهوا الى أبى عبيدة وأصحابه وهم يقاتلون الروم قتالا حسنا فحمل الخيل على الروم فقذف بعضهم على بعض وتعقبهم ثلاثة أميال حتى دخلوا دمشق ثم انصرف ومضى الناس نحو الجابية وأخذ يلتفت وينتظر قدوم أصحابه ومضى رسول خالد الى شرحبيل فوافاه ليس بينه وبين الجيش الذى(2/233)
سار اليه من حمص مع وردان الا مسيرة يوم وهو لا يشعر فدفع اليه الرسول الكتاب وأخبره الخبر واستحثه بالشخوص* فقام شرحبيل فى الناس فقال أيها الناس اشخصوا الى أميركم فانه قد توجه الى عدوّ المسلمين بأجنادين وقد كتب الىّ يأمرنى بموافاته هناك ثم خرج بالناس ومضى بهم الدليل وبلغ ذلك الجيش الذى جاء فى طلبهم فعجل المسير فى آثارهم وجاء وردان كتاب من الروم الذين بأجنادين أن عجل الينا فانا مؤمروك علينا ومقاتلون معك العرب حتى ننفيهم من بلادنا فأقبل فى آثار هؤلاء رجاء أن يستأصلهم أو يصيب طرفا منهم فيكون قد نكب طائفة من المسلمين فأسرع المسير فلم يلحقهم وجاؤا حتى قدموا على المسلمين وجاء وردان فيمن معه حتى وافى جمع الروم بأجنادين فأمروه عليهم واشتدّ أمرهم وأقبل يزيد بن أبى سفيان حتى وافى أبا عبيدة وخالدا ثم انهم ساروا حتى نزلوا بأجنادين وجاء عمرو بن العاص فيمن معه فاجتمع المسلمون جميعا بأجنادين وتزاحف الناس غداة السبت فخرج خالد فأنزل أبا عبيدة فى الرجال وبعث معاذ بن جبل على الميمنة وسعد بن عامر على الميسرة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل على الخيل وأقبل خالد يسير فى الناس لا يقرّ فى مكان واحد يحرّض الناس وقد أمر نساء المسلمين فاحتزمن وقمن وراء الناس يدعون الله ويستغثنه وكلما مرّ بهنّ رجل من المسلمين رفعن أولادهنّ اليه وقلن لهم قاتلوا دون أولادكم ونسائكم* وأقبل خالد يقف على كل قبيلة فيقول اتقوا الله عباد الله وقاتلوا فى الله من كفر بالله ولا تنكصوا على أعقابكم ولا تهابوا من عدوّكم ولكن أقدموا كاقدام الاسد أو ينجلى الرعب وأنتم أحرار كرام قد أوتيتم الدنيا واستوجبتم على الله ثواب الاخرة ولا يهولنكم ما ترون من كثرتهم فانّ الله منزل رجزه وعقابه بهم وقال للناس اذا حملت فاحملوا* وقال معاذ بن جبل يا معشر المسلمين اشروا أنفسكم اليوم لله فانكم ان هزمتموهم اليوم كانت لكم دار الاسلام أبدا مع رضوان الله والثواب العظيم من الله وكان من رأى خالد مدافعتهم وان يؤخر القتال الى صلاة الظهر عند مهب الارياح وتلك الساعة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب القتال فيها فأعجله الروم فحملوا عليهم مرّتين من قبل الميمنة على معاذ بن جبل ومن قبل الميسرة على سعيد بن عامر فلم يتخلخل أحد منهم ورموا المسلمين بالنشاب فنادى سعيد بن زيد وكان من أشدّ الناس يا خالد علام نستهدف لهؤلاء الا علاج وقد رشقونا بالنشاب حتى شمست الخيل فقال خالد للمسلمين احملوا رحمكم الله على اسم الله فحمل خالد والناس بأجمعهم فما واقفوهم فوقا فهزمهم الله فقتلهم المسلمون كيف شاؤا وأصابوا عسكرهم وما فيه وأصابت أبان بن سعيد بن العاص نشابة فنزعها وعصبها بعمامته فحمله اخوته فقال لا تنزعوا عما متى عن جرحى فلو قد نزعتموها تبعتها نفسى أم والله ما أحب ان لى بها معجرا من خمر النساء فمات منها رحمه الله وأبلى يومئذ بلاء حسنا وقاتل قتالا شديدا عظم فيه عناؤه وعرف به مكانه وكان قد تزوّج أم أبان بنت عتبة بن ربيعة وبنى عليها فباتت عنده الليلة التى زحفوا للعدوّ فى غدها فاصيب فقالت امّ أبان هذه لما مات ما كان أغنانى عن ليلة أبان وقتل اليعبوب بن عمرو بن ضريس المشجعى يومئذ سبعة من المشركين وكان شديدا جليدا فطعن طعنة كان يرجى أن يبرأ منها فمكث أربعة أيام أو خمسة ثم انتقضت به فاستأذن أبا عبيدة أن يأذن له فى المسير الى أهله فان يبرأ رجع اليهم فأذن له فرجع الى أهله بالعمر عمر المدائن فمات رحمه الله فدفن هناك وقتل سلمة بن هشام المخزومى ونعيم بن عدى بن صخر العدوى وهشام بن العاص السهمى أخو عمرو بن العاص وهبار بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن الطفيل الدوسى وهو ابن ذى النور وكان من فرسان المسلمين فقتلوا يومئذ رحمهم الله وقتل المسلمون منهم يومئذ فى المعركة ثلاثة آلاف واتبعوهم يأسرون ويقتلون فخرج فان الروم الى ايليا وقيسارية ودمشق وحمص فتحصنوا فى المدائن العظام*
كتاب خالد بالفتح الى أبى بكر رضى الله عنهما
وكتب خالد الى أبى بكر لعبد الله(2/234)
أبى بكر خليفة رسول الله من خالد بن الوليد سيف الله المصبوب على المشركين سلام عليك فانى أخبرك أيها الصديق انا التقينا نحن والمشركون وقد جمعوا لنا جموعا جمة بأجنادين وقد رفعوا صليبهم ونشروا كتبهم وتقاسموا بالله لا يفرّون حتى يفنونا أو يخرجونا من بلادهم فخرجنا واثقين بالله متوكلين على الله فطاعناهم بالرماح شيئا ثم صرنا الى السيوف فقا رعناهم بها مقدار نحر جزور ثم انّ الله أنزل نصره وأنجز وعده وهزم الكافرين فقتلناهم فى كل فج وشعب وغائط فالحمد لله على اعزاز دينه واذلال عدوّه وحسن الصنيع لاوليائه والسلام عليك ورحمة الله وبركاته* وبعث خالد بكتابه هذا مع عبد الرحمن ابن حنبل الجمحى فلما قرئ على أبى بكر وهو مريض مرضه الذى توفاه الله فيه أعجبه ذلك وقال الحمد لله الذى نصر المسلمين وأقرّ عينى بذلك* قال سهل بن سعد وكانت وقعة أجنادين هذه أوّل وقعة عظيمة كانت بالشأم وكانت سنة ثلاث عشرة فى جمادى الاولى لليلتين بقيتا منه يوم السبت نصف النهار قبل وفاة أبى بكر رضى الله عنه بأربع وعشرين ليلة* وذكر الطبرى عن ابن اسحاق انّ الذى كان على الروم تدارق أخو هرقل لابيه وأمه ثم ذكر عنه عن عروة بن الزبير قال كان على الروم رجل منهم يقال له القلقنار وكان استخلفه على امراء الشأم حين سار الى القسطنطينية واليه انصرف تدارق ومن معه من الروم* قال ابن اسحاق فأما علماء الشأم فيزعمون انه كان على الروم تدارق والله أعلم وعنه لما ترا آى العسكران بعث القلنقار رجلا عربيا فقال له ادخل فى هؤلاء القوم فأقم فيهم يوما وليلة ثم ائتنى بخبرهم فدخل فى الناس رجل عربى لا ينكر عليه فأقام فيهم يوما وليلة ثم أتاه فقال له ما وراءك فقال له بالليل رهبان وبالنهار فرسان ولو سرق ابن ملكهم لقطعوا يده ولوزنى لرجم لاقامة الحق فيهم فقال له القلنقار لئن كنت صدقتنى لبطن الارض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها ولوددت أن الله يخلى بينى وبينهم فلا ينصرنى عليهم ولا ينصرهم علىّ ثم تزاحف الناس فاقتتلوا فلما رأى القلنقار ما رأى من قتالهم للروم قال للروم لفوا رأسى بثوب قالوا له لم قال هذا يوم بئيس ما أحب ان أراه ما رأيت لى من الدنيا يوما أشدّ من هذا قال فاحتز المسلمون رأسه وانه للملفف* وعن غير ابن اسحاق قال ثم ان خالد بن الوليد أمر الناس أن يسيروا الى دمشق وأقبل بهم حتى نزلها وقصد الى ديره الذى كان ينزل به وهو من دمشق على ميل مما يلى الباب الشرقى وبخالد يعرف ذلك الدير الى اليوم وجاء أبو عبيدة حتى نزل على باب الجابية ونزل يزيد بن أبى سفيان على باب آخر من دمشق فأحاطوا بها فكثروا حولها وحاصروا أهلها حصارا شديدا وقدم عبد الرحمن بن حنبل من عند أبى بكر بكتابه الى خالد والى يزيد قال فخرج خالد بالمسلمين ذات يوم فأحاطوا بمدينة دمشق ودنوا من أبوابها فرماهم أهلها بالحجارة ورشقوهم من فوق السور بالنشاب* قال ابن حنبل
فبلغ أبا سفيان عنا بأننا ... على خير حال كان جيش يكونها
فانا على بابى دمشق نرتمى ... وقدحان من بابى دمشق حينها
*
(وقعة مرج الصفر)
* سنة أربع عشرة قال فان المسلمين لكذلك يقاتلونهم ويرجون فتح مدينتهم أتاهم آت فأخبر انّ هذا جبش قد أتاكم من قبل الروم فنهض خالد بالناس على تعبيته وهينته فقدّم الاثقال والنساء وخرج معهن يزيد بن أبى سفيان ووقف خالد وأبو عبيدة من وراء الناس ثم أقبلوا نحو ذلك الجيش فاذا هو درنجان بعثه ملك الروم فى خمسة آلاف رجل من أهل القوّة والشدّة ليغيث أهل دمشق فصمد المسلمون صمدهم وخرج اليهم أهل القوّة من أهل دمشق وناس كثير من أهل حمص فالقوم نحو من خمسة عشر ألفا فلما نظر اليهم خالد عبىّ لهم أصحابه كتعبيته يوم أجنادين فجعل على ميمنته معاذ بن جبل وعلى ميسرته هاشم بن عتبة وعلى الخيل سعيد بن زيد وأبا عبيدة على الرجال وذهب خالد فوقف فى أوّل(2/235)
الصف يريد أن يحرض الناس ثم نظر الى الصف من أوّله الى آخره حتى حملت خيل لهم على خالد بن سعيد وكان واقفا فى جماعة من المسلمين فى ميمنة الناس يدعون الله وانقض عليهم فحملت طائفة منهم عليه فقاتلهم حتى قتل رحمه الله وحمل عليهم معاذ بن جبل من الميمنة فهزمهم وحمل عليهم خالد بن الوليد من الميسرة فهزم من يليه منهم وحمل سعيد بن زيد بالخيل على معظم جمعهم فهزمهم الله وقتلهم واجتث عسكرهم ورجع الناس وقد ظفروا وقتلوهم كل قتلة وذهب المشركون على وجوههم فمنهم من دخل دمشق مع أهلا ومنهم من رجع الى حمص ومنهم من لحق بقيصر* وعن عمرو بن محصن ان قتلاهم يومئذ وهو يوم مرج الصفر كانت خمسمائة من المعركة وقد قتلوا وأسروا نحوا من خمسمائة أخرى* وقال أبو أمامة فيما رواه عنه يزيد بن زيد بن جابر كان بين أجنادين وبين يوم مرج الصفر عشرون يوما قال فحسبت ذلك فوجدته يوم الخميس اثنتى عشرة ليلة بقيت من جمادى الاخرة قبل وفاة أبى بكر بأربعة أيام ثم انّ الناس أقبلوا عودهم على بدئهم حتى نزلوا دمشق فحاصروا أهلها وضيقوا عليهم وعجز أهلها عن قتال المسلمين ونزل خالد منزله الذى كان ينزل به على الباب الشرقى ونزل أبو عبيدة منزله على باب الجابية ونزل يزيد بن أبى سفيان جانبا آخر وكان المسلمون يغزون فكلما أصاب رجل نفلا جاء بنفله حتى يلقيه فى القيض لا يستحل أن يأخذ منه قليلا ولا كثيرا حتى انّ الرجل منهم ليجىء بالكبة الغزل أو بالكبة الصوف أو الشعر أو المسلة أو الابرة فيلقيها فى القيض لا يستحل أن يأخذها فسأل صاحب دمشق بعض عيونه عن أعمالهم وسيرتهم فوصفهم له بهذه الصفة بالامانة ووصفهم بالصلاة بالليل وطول القيام فقال هؤلاء رهبان بالليل أسد بالنهار والله مالى بهؤلاء طاقة ومالى فى قتالهم خير قال فراود المسلمين على الصلح فأخذ لا يعطيهم ما يرضيهم ولا يتابعونه على ما يسأل وهو فى ذلك لا يمنعه من الصلح والفراغ الا انه قد بلغه أن قيصر يجمع الجموع للمسلمين يريد غزوهم فكان ذلك مما يمنعه من تعجيل الصلح وعلى تعبيته تلك بلغ المسلمين الخبر بوفاة أبى بكر الصديق واستخلافه عمر بن الخطاب وما يتبعه ذلك من صرف خالد بن الوليد بأبى عبيدة بن الجراح وستجىء فى خلافة عمر رضى الله عنه*
(ذكر مرض أبى بكر ووفاته رضى الله عنه)
* عن عبد الله بن عمر قال كان سبب موت أبى بكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كمد فما زال جسمه يحرى حتى مات الكمد الحزن المكتوم* قال ابن شهاب انّ أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حريرة أهديت لابى بكر فقال الحارث لابى بكر ارفع يدك يا خليفة رسول الله والله انّ فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت فى يوم فرفع أبو بكر يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا فى يوم واحد عند انقضاء السنة كذا فى الصفوة* وفى الاكتفاء اختلف أهل العلم فى السبب الذى توفى منه أبو بكر فذكر الواقدى انه اغتسل فى يوم بارد فحمّ ومرض خمسة عشر يوما لا يخرج الى الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب يصلى بالناس كذا فى الرياض النضرة* وقال الزبير بن بكار كان به طرف من السل وقال غيره أصل ابتداء ذلك السل به الوجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قبضه الله اليه فما زال ذلك به حتى قضى منه* وروى عن سلام بن أبى مطيع انه رضى الله عنه سم وبعض من ذكر ذلك يقول انّ اليهود سمته فى أرزة وقيل فى حريرة فمات بعد سنة كما مرّ وقيل له لو أرسلت الى طبيب فقال قد رآنى قالوا فما قال لك قال قال انى أفعل ما أريد وكذلك اختلف فى حين وفاته* قال ابن اسحاق توفى يوم الجمعة لليال بقين من جمادى الاخرة سنة ثلاث عشرة* وقال غيره من أهل السير انه مات عشاء يوم الاثنين وقيل ليلة الثلاثاء وقيل عشاء الثلاثاء وهذا هو الاكثر فى وفاته* وفى الصفوة قيل ليلة الاثنين بين المغرب والعشاء لثمان بقين من جمادى الاخرة* وفى التذنيب وشرح العقائد العضدية من جمادى الاولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة* وفى بعض الكتب بعد(2/236)
مضى سنتين وستة أشهر من وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة وستة أشهر وأسلم وهو ابن سبع وثلاثين سنة وعاش فى الاسلام ستا وعشرين سنة وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس فغسلته فصى أوّل امرأة غسلت زوجها فى الاسلام وأوصى أن يدفن الى جنب رسول الله وقال اذا أنامت فحيئوابى على الباب يعنى باب البيت الذى فيه قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فادفعوه فان فتح لكم فادفنونى قال جابر فانطلقنا فدفعنا الباب وقلنا هذا أبو بكر الصديق قد اشتهى ان يدفن عند النبىّ صلى الله عليه وسلم ففتح الباب ولا ندرى من فتح لنا وقال لنا ادخلوا ادفنوه كرامة ولا نرى شخصا ولا نرى شيئا كذا فى الصفوة* وفى شواهد النبوّة سمعوا صوتا يقول ضموا الحبيب الى الحبيب* وفى الاكتفاء آخر ما تكلم به أبو بكر رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين* ولما توفى أبو بكر ارتجت المدينة بالبكاء ودهش القوم كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليه عمر بن الخطاب فى مسجد رسول الله بين القبر والمنبر وحمل على السرير الذى حمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فى قبره عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرحمن بن أبى بكر ودفن ليلا فى بيت عائشة مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وجعل رأسه عند كتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الصفوة ولحده بلحده وجعل قبره مسطحا مثل قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم ورش عليه بالماء كذا فى الاكتفاء* مروياته فى كتب الحديث مائة واثنان وأربعون حديثا* حكى ابن النجار انّ أبا قحافة حين توفى أبو بكر كان حيا بمكة نعى اليه قال رزء جليل وعاش بعده ستة أشهر وأياما وتوفى فى المحرم سنة أربع عشرة بمكة لسبع وتسعين سنة كذا فى الرياض النضرة*
(ذكر أولاد أبى بكر)
* وكان له من الولد ستة ثلاثة بنين وثلاث بنات أما البنون فعبد الله وهو أكبر ولده الذكور امه قتيلة ويقال قتلة دون تصغير من بنى عامر بن لؤى شهد فتح مكة وحنينا والطائف مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وجرح بالطائف رمى بسهم رماه أبو محجن الثقفى واندمل جرحه الى خلافة أبيه بعد وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم وانتقض به فمات فى أوّل خلافة أبيه أبى بكر وذلك فى شوّال من سنة احدى عشرة ودفن بعد الظهر وصلى عليه أبوه ونزل فى قبره أخوه عبد الرحمن وعمر وطلحة بن عبيد الله اخرجه أبو نعيم وابن منده وأبو عمر وكذا فى أسد الغابة وترك سبعة دنانير فاستنكرها أبو بكر ولا عقب له كذا فى الرياض النضرة وعبد الرحمن ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد بابنه محمد الذى يقال له أبو عتيق وقيل أبو عثمان أمّه أم رومان بنت الحارث من بنى فراس بن غنم بن كنانة أسلمت وهاجرت وكان عبد الرحمن شقيق عائشة شهد بدرا وأحدا مع المشركين وكان من الشجعان وكان راميا حسن الرمى وله مواقف فى الجاهلية والاسلام مشهورة دعا الى البراز يوم بدر فقام اليه أبوه أبو بكر ليبارزه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم متعنى بنفسك ثم منّ الله عليه فأسلم فى هدنة الحديبية وكان اسمه عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وقيل كان اسمه عبد العزى وله عقب* وفى الاستيعاب ذكر الزبير عن سفيان بن عيينة عن على بن زيد بن جدعان انّ عبد الرحمن بن أبى بكر فى فئة من قريش هاجروا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم قبل الفتح وأحسبه قال ان معاوية كان منهم وكذا فى أسد الغابة وشهد اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل سبعة من أكابرهم وهو الذى قتل محكم اليمامة بن الطفيل رماه فى نحره فقتله وكان محكم اليمامة فى ثلمة فى الحصن فلما قتل دخل المسلمون منها* قال الزبير بن بكار كان عبد الرحمن أسن ولد أبى بكر وكان فيه دعابة أى مزاح وشهد وقعة الجمل مع أخته عائشة* روى الزبير بن بكار انه بعث معاوية الى عبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية فردّها عبد الرحمن وأبى أن يأخذها وقال لا أبيع دينى(2/237)
بدنياى وخرج الى مكة ومات بها قبل ان تتم البيعة ليزيد وكان موته فجأة سنة ثلاث وخمسين فى نومة نامها بمكان اسمه حبشى كصلبى جبل باسفل مكة قريب منها وقيل على نحو عشرة اميال من مكة وحمل على أعناق الرجال الى مكة* وفى الرياض النضرة أدخلته أخته عائشة الحرم ودفنته* وفى أسد الغابة ولما اتصل خبر موته باخته عائشة ظعنت الى مكة حاجة فوقفت على قبره فبكت عليه وتمثلت بقول متمم بن نويرة فى أخيه مالك
وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
ولما تفرّقنا كأنى وملكا ... لطول افتراق لم نبت ليلة معا
أما والله لو حضرتك لدفنتك حيث مت ولو حضرتك ما بكيتك وهذا يغاير ما سبق آنفا من رواية الرياض النضرة أدخلته أخته عائشة الحرم ودفنته وكان موته سنة ثلاث وخمسين كما مرّ وقيل سنة خمس وخمسين وقيل سنة ست وخمسين والاوّل أكثر* مروياته فى كتب الاحاديث ثمانية أحاديث ولا يعرف فى الصحابة أربعة ولاء أب وبنوه والذى بعد كل منهم ابن الذى قبله أسلموا وصحبوا النبىّ صلى الله عليه وسلم الا فى بيت أبى بكر الاوّل أبو قحافة اسمه عثمان بن عامر وابنه أبو بكر الصدّيق وابنه عبد الرحمن ابن أبى بكر وابنه محمد بن عبد الرحمن أبو عتيق وكذلك ثبت هذا فى ولد أسماء* ومحمد بن أبى بكر ويكنى أبا القاسم وكان من نساك قريش الا انه أعان على عثمان يوم الدار أمه أسماء بنت عميس الخثعمية وكانت من المهاجرات الاول وكانت تحت جعفر بن أبى طالب وهاجرت معه الى الحبشه ولما استشهد جعفر بمؤتة من أرض الشأم تزوّجها بعده أبو بكر فولدت له محمدا هذا بذى الحليفة لخمس ليال بقين من ذى القعدة سنة عشر من الهجرة وهى شاخصة الى الحج فى حجة الوداع مع النبىّ صلى الله عليه وسلم هى وأبو بكر فأمرها النبىّ عليه السلام أن تغتسل وترجل ثم تهل بالحج وتصنع ما يصنع الحاج الا انها لا تطوف بالبيت فكانت سببا لحكم شرعى الى قيام الساعة وزكاها النبىّ صلى الله عليه وسلم وبرأها من الفحشاء* ولما توفى أبو بكر عنها تزوّجها على بن أبى طالب فنشأ محمد بن أبى بكر فى حجر على بن أبى طالب وكان على راحلته يوم الجمل وشهد معه صفين وولاه عثمان فى أيامه مصر وكتب له العهد ثم اتفق مقتل عثمان قبل وصوله اليها وولاه أيضا علىّ مصر مكان قيس بن سعد بعد مرجعه من صفين*
ذكر مقتل محمد بن أبى بكر
وذكر فى تاريخ ابن خلكان وغيره انّ على بن أبى طالب ولى محمد بن أبى بكر الصدّيق مصر فدخلها سنة سبع وثلاثين من الهجرة وأقام بها الى ان بعث معاوية بن أبى سفيان عمرو بن العاص فى جيوش أهل الشأم ومعهم معاوية بن حديج بحاء مهملة مضمومة ودال مهملة مفتوحة وبالجيم فى آخره كذا ضبطه السمعانى فى الانساب وابن عبد البر وابن قتيبه* ووقع فى كثير من نسخ تاريخ ابن خلكان معاوية بن خديج بخاء معجمة مفتوحة ودال مكسورة وآخره جيم وهو غلط والصواب ما تقدّم فالتقى هو ومعاوية ابن خديج وأصحابه فاقتتلوا وانهزم محمد بن أبى بكر واختبى فى بيت مجنونة فمرّ أصحاب معاوية بن حديج بالمجنونه وهى قاعدة على الطريق وكان لها أخ فى الجيش فقالت تريد قتل أخى قال لا ما أقتله قالت فهذا محمد بن أبى بكر داخل بيتى فامر معاوية أصحابه فدخلوا اليه وربطوه بالحبال وجرّوه على الارض وأتوا به الى معاوية فقال محمدا حفظنى لابى بكر فقال له قتلت من قومى فى قصة عثمان ثمانين رجلا وأتركك وأنت صاحبه لا والله فقتله فى صفر سنة ثمان وثلاثين وأمر به معاوية انّ يجر فى الطريق ويمرّ على دار عمرو بن العاص لما يعلم من كراهته لقتله وأمر به أن يحرق بالنار فى جيفة حمار وعليه أكثر المؤرّخين* وقال غيره بل وضعه حيا فى جيفة حمار ميت وأحرقه وكان ذلك قتله وسبب ذلك دعوة اخته عائشة لما أدخل يده فى هودجها يوم وقعة الجمل وهى لا تعرفه فظنته اجنبيا فقالت من هذا الذى(2/238)
يتعرّض لحرم رسول الله أحرقه الله بالنار قال يا اختاه قولى بنار الدنيا قالت بنار الدنيا ودفن فى الموضع الدى قتل فيه فلما كان بعد سنة من مدفنه أتى غلامه وحفر قبره فلم يجد فيه سوى الرأس فأخرجه ودفنه فى المسجد تحت المنارة ويقال انّ الرأس فى القبلة* قال وكانت عائشة قد أنفذت أخاها عبد الرحمن الى عمرو بن العاص فى شأن محمد فاعتذر بانّ الامر لمعاوية بن حديج ولما قتل رضى الله عنه ووصل خبره الى المدينة مع مولاه سالم ومعه قميصه فدخل به داره رجال ونساء فامرت أم حبيبة بنت أبى سفيان بكبش فشوى فبعثت به الى عائشة وقالت هكذا شوى أخوك فلم تأكل عائشة بعد ذلك شوى حتى ماتت* وقالت هند بنت شمس الحضرمية رأيت نائلة امرأة عثمان بن عفان تقبل رجل معاوية بن حديج وتقول بك أدركت ثارى ولما سمعت أمّه أسماء بنت عميس بقتله كظمت الغيظ حتى شخبت ثدياها دما ووجد عليه على بن أبى طالب وجدا عظيما وقال كان لى ربيبا وكنت أعدّه ولدا ولى أخا وذلك انّ عليا قد تزوّج امّه أسماء بنت عميس بعد وفاة الصدّيق ورباه كذا فى حياة الحيوان* وأما البنات فعائشة أمّ المؤمنين رضى الله عنها شقيقة عبد الرحمن تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت لابى بكر بذلك أشرف الشرف فكانت احدى أمّهات المؤمنين وحظوتها عنده وشرف منزلتها وعظم رتبتها على سائر النساء مشهور حتى بلغ ذلك منه الى ان قيل من أحب الناس اليك يا رسول الله قال عائشة فقيل ومن الرجال فقال أبوها فكانت أحب الناس اليه مطلقا بنت أحب الناس اليه من الرجال وكيفية تزويجها وزفافها قد سبقت فى الركن الثانى والثالث وأسماء بنت أبى بكر شقيقة عبد الله وهى أكبر بناته وهى ذات النطاقين وقد تقدّم سبب تسميتها بذلك فى هجرة أبى بكر مع رسول الله وتزوّجها الزبير بن العوام بمكة وولدت له عدّة أولاد ثلاثة ذكور المنذر وعروة وهو احد الفقهاء السبعة المدنيين والمهاجر وثلاث اناث خديجة الكبرى وأمّ الحسن وعائشة ثم طلقها فكانت مع ولدها عبد الله بن الزبير بمكة حتى قتل وعاشت بعده قليلا وكانت من المعمرين بلغ عمرها مائة سنة ولم يسقط لها سنّ وعميت وماتت بمكة وقد تقدّم ما ثبت برؤية ولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته عنه لبيت أبى بكر من الشرف بوجود أربعة فيه بعضهم ولد بعض رأوا رسول الله ورووا عنه وأمّ كلثوم وهى أصغر بناته وفى المختصر أمّها نصرانية وهى التى قال أبو بكر فيها ذو بطن بنت خارجة أمّها حبيبة بنت خارجة بن زيد كان أبو بكر قد نزل عليه فى الهجرة وتزوّج ابنته وتوفى عنها وتركها حبلى فولدت بعده أمّ كلثوم هذه ولما كبرت خطبها عمر بن الخطاب الى عائشة فانعمت له وكرهت أمّ كلثوم بنت علىّ فاحتالت له حتى أمسك عنها وتزوّجها طلحة بن عبيد الله ذكره ابن قتيبه وغيره وجميع ما ذكر من كتاب المعارف ومن الصفوة لابى الفرج بن الجوزى ومن الاستيعاب لابى عمرو بن عبد البر ومن كتاب فضائل أبى بكر كل منهم خرج طائفة كذا فى الرياض النضرة*
(ذكر عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح ابن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب)
* يلتقى هو ورسول الله عند كعب وبين عمر وكعب ثمانية آباء وبين النبىّ صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة لم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام عمر وكناه رسول الله ابا حفص والحفص ولد الاسد وكان ذلك يوم بدر ذكره ابن اسحاق* وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يوم أسلم فى دار الارقم عند الصفا وبه تم المسلمون أربعين فخرجوا وأظهروا الاسلام فرق الله بعمر بين الحق والباطل كذا روى عن ابن عباس وكذا ذكر فى الرياض النضرة وأمّه خيثمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وقد قال طائفة فى أمّ عمر خيثمة بنت هشام بن المغيرة ومن قال ذلك فقد أخطأ ولو كانت كذلك لكانت أخت أبى جهل بن هشام والحارث بن هشام وليس كذلك وانما هى بنت هاشم بن المغيرة وانّ هاشم بن المغيرة وهشام بن المغيرة اخوان فهاشم والد خيثمة(2/239)
أمّ عمر وهشام والد الحارث وأبى جهل وأمّ عمر ابنة عمهما وهاشم بن المغيرة هذا جدّ عمر لامّه وكان يقال له ذو الرمحين كذا فى الاستيعاب* وولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة*
(صفته)
* فى الرياض النضرة قال ابن قتيبة الكوفيون يرون انّ عمر آدم شديد الادمة وأهل الحجاز يرون انه أبيض أمهق* قال صاحب الصفوة كان عمر طوالا أصلع أجلح شديد حمرة العينين خفيف العارضين* وقال أبو عمرو كان كث اللحية أعسر يسر آدم شديد الادمة وهكذا وصفه رزين بن حبيش وغيره يعنى شديد الادمة وعليه الاكثر* وقال الواقدى لا يعرف انه كان آدم الا ان يكون تغير لونه من أكل الزيت عام الرمادة* فى الصحاح عام الرمادة أعوام تتابعت على الناس فى أيام عمر بن الخطاب فهلك فيه الناس والاموال من رمدت الغنم ترمد رمدا هلكت* قوله والادم من الناس الاسمر والجمع الادمان والادمة بضم الهمزة واسكان الدال السمرة الامهق الذى يشبه لونه لون الجص لا يكون له دم ظاهر الاصلع هو الذى انحسر شعر مقدم رأسه ويقال لموضع الصلع صلعة بالتحريك وصلعة بضم الصاد واسكان اللام والاجلح هو الذى انحسر الشعر من جانبى رأسه فوق الانزع وأوّله النزع ثم الجلح ثم الصلع واسم ذلك الموضع جلحة بالتحريك وأعسر يسر هو الذى يعمل بيديه جميعا ويقال له الاضبط* قال ابو رجاء العطاردى كان عمر طويلا جسيما أصلع شديد الصلع أبيض شديد حمرة العينين فى عارضيه خفة سبلته كثيرة الشعر فى أطرافها صهبة وزاد فى دول الاسلام اذا حزبه أمر فتلها وكان أحول* وعن سماك ابن حرب قال كان عمر أروح كأنه راكب والناس يمشون* وفى المختصر الجامع كأنه راكب جمل والناس مشاة كأنه من رجال سدوس خرجه الحافظ السلفى قال الاروح هو الذى تتدانى قدماه اذا مشى* وقال الجوهرى هو الذى تتباعد صدور قدميه وتتدانى عقباه وكل نعامة روحاء* وقال وهب صفته فى التوراة قرن من حديد أمين شديد* القرن الجبل الصغير وكان يختضب بالحناء والكتم وخرج القاضى أبو بكر بن الضحاك عن ابن عمر أن عمر كان لا يغير شيبه فقيل له يا أمير المؤمنين ألا تغير وقد كان أبو بكر يغير فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شاب شيبة فى الاسلام كانت له نورا يوم القيامة وما أنا بمغير والاوّل أصح* روى انه رضى الله عنه كان يأخذ أذنه اليسرى بيده اليمنى ويثب على فرسه كأنما خلق على صخرة* وقال ابن مسعود انى لا حسب عمر ذهب يوم توفى بتسعة اعشار العلم ولو أنّ علمه وضع فى كفة ميزان ووضع علم أحياء الارض فى كفة لرجح علمه عليهم* وقال قتادة كان عمر يلبس جبة صوف مرقعة بأدم ويطوف فى السوق معه الدرة يؤدّب الناس بها* وقال أنس رأيت بين كتفى عمر أربع رقاع فى قميصه* وقال طارق بن شهاب لما قدم عمر الشأم لقيه الجنود وعليه ازار فى وسطه وعمامة قد خلع خفيه وهو يخوض فى الماء آخذ بزمام راحلته وخفاه تحت ابطه فقالوا له يا أمير المؤمنين الان يلقاك الامراء وبطارقة الشأم وأنت هكذا فقال انا قوم أعزنا الله بالاسلام فلن نلتمس العز بغيره* وعن معاوية قال أمّا أبو بكر فلن يرد الدنيا ولن ترده الدنيا وأمّا عمر فأرادته الدنيا ولم يردها وأما عثمان فأصاب منها وأما نحن فتمر غنا فيها ظهر البطن قيل كان فى خدّى عمر خطان أسودان من البكاء وقد فتح الفتوحات وكثر المال فى دولته الى الغاية حتى عمل بيت المال ووضع الديوان ورتب لرعيته ما يكفيهم وفرض للاجناد وكان نوّابه باليمن وبأوائل المغرب الى العجم*
(ذكر خلافة عمر رضى الله عنه)
فى شرح العقائد العضديه للعلامة الدوانى انّ أبا بكر بعد ما انقضت على خلافته سنتان وأربعة أشهر مرض فلما أيس من حياته دعا عثمان وأملى عليه كتاب العهد لعمر فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبى قحافة فى آخر عهده بالدنيا خارجا عنها وأوّل عهده بالاخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر ويوقن الفاجر أنى استخلفت* وفى الاكتفاء ولما انتهى أبو بكر الى(2/240)
هذا الموضع ضعف ورهقته غشية فكتب عثمان وقد استخلف عمر بن الخطاب فأمسك حتى أفاق أبو بكر قال أكتبت شيئا قال نعم كتبت عمر بن الخطاب قال رحمك الله أما لو كتبت نفسك لكنت لها أهلا فاكتب قد استخلفت عمر بن الخطاب فان عدل فذلك ظنى به ورأيى فيه وذلك أردت وما توفيقى الا بالله وان بدّل فلكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت والخير أردت ولا علم لى بالغيب* وفى رواية ما أردت الا الخير ولا يعلم الغيب الا الله وسيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون* وفى الاكتفاء والتوى عمر على أبى بكر فى قبول عهده وقال لا أطيق القيام بامر الناس فقال أبو بكر لابنه عبد الرحمن ارفعنى وناولنى السيف فقال عمر أو تعقبنى قال لا فعند ذلك قبل* ذكر هذا كله أبو الحسن المدائنى فلما كتب ختم الصحيفة وأخرجها الى الناس وأمرهم أن يبايعوا لمن فى الصحيفة حتى مرّت بعلىّ فقال بايعت لمن فيها وان كان عمر فوقع الاتفاق على خلافته* وفى الاكتفاء ولما استمرّ بابى بكر وجعه وثقل أرسل الى عثمان وعلىّ ورجال من أهل السابقة والفضل من المهاجرين والانصار فقال قد حضر ما ترون ولا بدّ من قائم بأمركم يجمع فئتكم ويمنع ظالمكم من الظلم ويردّ على الضعيف حقه فان شئتم اخترتم لانفسكم وان شئتم جعلتم ذلك الىّ فو الله لا آلوكم ونفسى خيرا* وفى رواية قال لهم أترضون بخلافة خليفة أعينه لكم والله ما أعين لكم أحدا من أقربائى قالوا قد رضينا من اخترت لنا فقال قد اخترت عمر فقال طلحة والزبير ما كنت قائلا لربك اذا وليته مع غلظته* وفى رواية قال طلحة أتولى علينا فظا غليظا ما تقول لربك اذا لقيته فقال أبو بكر ساندونى فأجلسوه فقال أبا لله تخوّفنى أقول استعملت عليهم خير أهلك وحلفت ما تركت أحدا أشدّ حبا له من عمر فستعلمون اذا فارقتموه وتنافستموها ودخل عثمان وعلىّ فاخبرهما أبو بكر فقال عثمان علمى به انه يخاف الله فوله فما فينا مثله وقال على يا خليفة رسول الله امض لرأيك فما نعلم به الا خيرا فقام عمر عشر سنين* وفى سيرة مغلطاى فاقام عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال بامر الخلافة والامامة وأقامها على نهج العدل والاستقامة واستشهد فى ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة على يد أبى لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة كما سيجىء* وقال ابن اسحاق ومدّة خلافته عشر سنين وستة أشهر وخمس ليال وقال غيره ثلاثة عشر يوما كذا فى حياة الحيوان قال حمزة بن عمرو توفى أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الاخرة من السنة الثالثة عشر من الهجرة واستقبل عمر لخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبى بكر* وعن جامع بن شدّاد عن أبيه قال كان أوّل كلام تكلم به عمر حين صعد المنبر أن قال اللهم انى شديد فلينى وانى ضعيف فقوّنى وانى بخيل فسخنى وهو أوّل خليفة دعى بأمير المؤمنين وبه تم المسلمون أربعين كما مرّ كذا فى الصفوة وأوّل من وضع التاريخ بعام الهجرة وضعه فى السنة السابعة عشر وهو أوّل من جمع الناس على امام واحد فى قيام رمضان وأوّل من أخر المقام الى موضعه اليوم وكان ملصقا بالبيت وقيل بل أوّل من أخره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوّل من حمل الدرّة لتأديب الناس وتعزيرهم وفتح الفتوح ووضع الخراج ومصر الامصار واستقضى القضاة ودوّن الديوان وفرض العطية وكان نقش خاتمه الذى اصطنعه لنفسه كفى بالموت واعظا يا عمر ذكره أبو عمرو وغيره وأمّا الخاتم الذى يختم به فهو خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نقشه محمد رسول الله وهو الذى وقع فى بئر أريس وقد مرّ وحج بالناس عشر حجات متواليات آخرها سنة ثلاث وعشرين وحج بازواج رسول الله فى آخر حجج عشر حجها فى أيام خلافته* وفى البحر العميق عن محمد بن سعيد انّ عمر وهو خليفة استعمل على الحج أوّل سنة ولى عبد الرحمن بن عوف فحج بالناس ثم لم يزل عمر يحج بالناس فى خلافته كلها فحج عشر سنين وحج بازواج رسول الله صلى
الله عليه وسلم فى آخر حجة حجها واعتمر فى خلافته ثلاث عمر وعن ابن عباس قال حججت مع عمر احدى(2/241)
عشرة حجة*
(ذكر كتابه وقضاته وأمرائه)
* أمّا كتابه فعبد الرحمن بن خلف الخزاعى وزيد بن ثابت وعلى بيت المال زيد بن أرقم* وأمّا قضاته فزيد بن أحب النمر بالمدينة وأبو أمية شريح بن الحارث الكندى بالكوفة ويقال انّ شريحا هذا قام قاضيا خمسا وسبعين سنة الى أيام الحجاج فعطل منها ثلاث سنين وامتنع عن الحكم فى فتنة ابن الزبير فلما تولى الحجاج استعفاه فاعفاه وتوفى سنة تسع وسبعين وله مائة وعشرون سنة* وكان القاضى بمصر قيس بن العاص السهمى ثم كعب بن يسار* وأما أمراؤه فكان أميره بمصر عمرو بن العاص السهمى ثم صرفه عن الصعيد وردّ أمره الى عبد الله بن ابى سرح العامرى وكان الامير بالشأم معاوية بن أبى سفيان* وفى المختصر الجامع وكان فى أيامه فتوح الامصار منها دمشق فتحت صالحا على يد أبى عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ثم الروم طبرية وقيسارية وفلسطين وعسقلان وسار عمر بنفسه ففتح بيت المقدس صالحا وفتحت أيضا بعلبك وحمص وحلب وقنسرين وانطاكية وجلولا والرقة وحران والموصل والجزيرة ونصيبين وآمد والرها وفتحت قادسية والمدائن على يد سعد بن أبى وقاص وزال ملك الفرس وانهزم يزدجرد ملك الفرس ولجأ الى فرغانة والترك وفتحت أيضا كور دجلة والابلة على يد عتبة بن غزوان وفتحت كور الاهواز والجابية على يد أبى موسى وفتحت نهاوند واصطخر وأصفهان وبلاد فارس وتستر وشوش وهمدان والنوبة والبربر كذا ذكره فى الرياض النضرة وأذربيجان وبعض أعمال خراسان* وفتحت مصر على يد عمرو بن العاص غرة المحرم سنة عشرين وفتح عمر أيضا الاسكندرية وطرابلس الغرب وما يليها من الساحل وفى حياة الحيوان عدّ مما فتحت فى أيام عمر رأس العين وخابور وبيسان ويرموك والرى وما يليها وسيجىء تفصيل بعضها* وفى أيام عمر مصرت البصرة سنة سبع عشرة ومصرت الكوفة ونزلها سعد بن أبى وقاص وفى سنة ثمان عشرة كان عام الرمادة واستسقى عمر بالعباس فسقى وفيها كان طاعون عمواس مات فيه خمسة وعشرون ألفا منهم أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسيجىء* وفى بعض كتب التواريخ وقع فتوح البلاد فى زمان خلافة عمر على هذا الترتيب ففى السنة الاولى فتح بعض بلاد الشام وفى الثانية فتح القادسية واستخلص بلاد السودان وفى الثالثة فتح تمام بلاد الشام وفى الرابعة فتح تمام بلاد عراق العرب وهرب يزدجرد بن شهريار منها الى خراسان وفى الخامسة فتح بلاد ديار بكر ربيعة وفى السادسة وفاة أبى عبيدة ابن الجراح فى الشأم بالطاعون وفتح بلاد اذربيجان وايران وأرمن وبعض من بلاد خوزستان وبعض من فارس وفى السابعة فتح مصر واسكندرية وبحرين وبقية بلاد اليمن وفى الثامنة وقع غزو نهاوند وفتح بعض عراق العجم وفى التاسعة فتحت تتمة بلاد عراق العجم وقومس وبعض ماريدران وتتمة فارس وسادكاره وكرمان وخراسان وهرب يزدجرد بن شهريار من خراسان الى فرغانة اندجان وفى العاشرة فى ذى الحجة وقع قتله رضى الله عنه*
ذكر قصة النيل
وفى الرياض النضرة لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص وقالوا انّ هذا النيل يحتاج فى كل سنة الى جارية بكر من أحسن الجوارى فنلقيها فيه والا فلا يجرى وتخرب البلاد وتقحط فبعث عمرو الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخبره بالخبر فبعث اليه عمر الاسلام يجب ما قبله ثم بعث اليه بطاقة فيها بسم الله الرحمن الرحيم الى نيل مصر من عبد الله عمر بن الخطاب أمّا بعد فان كنت تجرى بنفسك فلا حاجة بنا اليك وان كنت تجرى بامر الله فاجر على اسم الله* وأمره أن يلقيها فى النيل فألقاها فجرى فى تلك السنة ستة عشر ذراعا فزاد على كل سنة ستة أذرع* وفى رواية كتب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين عمر الى نيل مصر أمّا بعد فان كنت تجرى من قبلك فلا تجروان كان الله الواحد القهار هو الذى يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك* وفى رواية فلما ألقى كتابه فى النيل جرى ولم يعد يقف خرج الرواية الاولى والثانية الملافى سيرته*
كرامة فى نداء عمر لسارية وهو على المنبر
وعن عمرو بن(2/242)
الحارث قال بينما عمر يخطب يوم الجمعة اذ ترك الخطبة ونادى يا سارية الجبل مرّتين أو ثلاثا ثم أقبل على خطبته فقال ناس من أصحاب رسول الله انه لمجنون ترك الخطبة ونادى يا سارية الجبل فدخل عبد الرحمن ابن عوف وكان يبسط عليه فقال يا أمير المؤمنين تجعل للناس عليك مقالا بينما أنت فى خطبتك اذ ناديت يا سارية الجبل أىّ شئ هذا فقال والله ما ملكت ذلك حين رأيت سارية وأصحابه يقاتلون عند جبل يؤتون من بين أيديهم ومن خلفهم فلم أملك أن قلت يا سارية الجبل ليلحقوا بالجبل فلم يمض الا أيام حتى جاء رسول سارية بكتابه انّ القوم لا قونا يوم الجمعة فقاتلناهم من حين صلاة الصبح الى ان حضرت الجمعة وذر حاجب الشمس فسمعنا صوت مناد ينادى يا سارية الجبل مرّتين فلحقنا بالجبل فلم نزل قاهرين لعدوّنا حتى هزمهم الله كذا فى الرياض النضرة يقال فى جبل نهاوند غار سمع منه سارية نداء عمر والى الان يعظم ذلك الغار ويتبرك به ومناقبه الحسنة وسيرته المستحسنة وزهده وشجاعته وهيبته واخلاصه مشهورة وحسبك من كرامته انه كان وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم* وقال صلى الله عليه وسلم لو كان بعدى نبى لكان عمر وقال عليه السلام اللهم أعز الاسلام بعمر فاسلم عمر قال ابن مسعود مازلنا أعزة منذ أسلم عمر فانّ اسلامه فتح وما استطعنا أن نصلى حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر* وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر وقال عليه السلام وضع الحق على لسان عمر وقلبه* وقال علىّ خير هذه الامّة بعد نبيها أبو بكر وعمر كذا ذكره الذهبى فى دول الاسلام قام بعد أبى بكر عمر بن الخطاب بمثل سيرته وجهاده وثباته وصبره على العيش الخشن والخبز الشعير والثوب الخام المرقوع* وعن زيد بن ثابت قال رأيت على عمر مرقعة فيها سبع عشرة رقعة والقناعة باليسير ففتح الفتوحات الكبار والاقاليم الشاسعة الواسعة فافتتح عسكره وعليهم سعد ابن أبى وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة مملكة كسرى وكانت جيوش كسرى مائة ألف أو يزيدون فكسرهم المسلمون غير مرّة وغنموا أموالهم وسبوا نساءهم وأولادهم وكانوا يعبدون النار وبنى المسلمون حينئذ الكوفة والبصرة وأما عسكره الاخر الذين قصدوا الشام وعليهم سيف الله خالد ابن الوليد وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهم من الامراء فافتتحوا مدائن الشام جميعها بعد أربع مصافات أكبرها وقعة اليرموك بحوران سنة خمس عشرة وما كان المسلمون أكثر من عشرين ألفا وكان جيوش قيصر ملك النصارى أزيد من مائة ألف فارس فقتل منهم يومئذ أزيد من النصف أو أقل واستشهد من المسلمين جماعة من الصحابة ثم قدم عمر بنفسه فافتتح بيت المقدس كما مرّ وكانت بالعراق وقعة جلولا فى أيامه وقتل خلائق من المجوس وبلغت الغنيمة فيما قيل ثلاثين ألف ألف درهم ثم افتتح جيش عمر الموصل والجزيرة وأرمينية وتلك الناحية الى توريز وسار عمرو بن العاص بطائفة من الجيش فيهم حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته الزبير بن العوّام فافتتحوا الديار المصرية بعضها بالسيف وبعضها صالحا وافتتح الاسكندرية وملك المسلمون بعض بلاد الروم ومدينة نهاوند من العجم ومدينة اصطخر وبلد الرى وهمدان وجرجان ودينور وافتتح المسلمون أوّل مدائن الغرب وهى طرابلس* وهذه الفتوحات العظيمة والممالك الواسعة تمت كلها فى ثلاث عشرة سنة وكان فتح بعضها فى خلافة أبى بكر ومات فى خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى المحرم سنة أربع عشرة أبو قحافة والد أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهما كما مرّ فى الموطن الثامن وماتت هند بنت عتبة أمّ معاوية فى اليوم الذى مات فيه أبو فحافة فى محرم السنة المذكورة كذا فى حياة الحيوان ومات فى دولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أبو عبيدة بن الجرّاح أمين هذه الامّة وأحد العشرة الشهود لهم بالجنة مات بالغور وكان زاهدا عابدا مجاهدا كبيرا لقدر ما فى بيته الاسلاحه وجلد شاة وجرّة للماء وكان فتح دمشق على يده كذا فى(2/243)
دول الاسلام*
صفة أبى عبيدة بن الجرّاح
وفى الصفوة أبو عبيدة عامر بن الجرّاح بن هلال بن أهيب بن منبه بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر أسلم مع عثمان بن مظعون وهاجر الى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرا والمشاهد كلها وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ونزع يومئذ بفيه الحلقتين اللتين دخلتا وجنتى رسول الله من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه فكان أحسن الناس هتما (صفته) كان طوالا نحيفا أجنى معروق الوجه أثرم الثنيتين خفيف اللحية وكان له من الولد يزيد وعمير أمّهما هند بنت جابر فدرجا ولم يبق له عقب* قال عمر بن الخطاب لو أدركنى أجلى وأبو عبيدة حىّ استخلفته فان سألنى الله عز وجل لم استخلفته على أمّة محمد قلت انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انّ لكل نبى أمينا وأمينى أبو عبيدة* ومن مناقبه انه قتل أباه عبد الله بن الجرّاح يوم بدر غيرة على الدين فانزل الله فيه لا تجد قوما يؤمنون بالله الاية كذا فى الكشاف توفى فى طاعون عمواس بالاردن بالشام وقبره فيها وصلى عليه معاذ بن جبل ونزل فى قبره هو وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس وذلك سنة ثمان عشرة فى خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة ذكره أبو عمرو صاحب الصفوة كذا فى الرياض النضرة* وفى الصفوة أيضا روى انه استخلف أبا عبيدة بن الجرّاح بالشام بعد عزل خالد بن الوليد فمات بها بالطاعون ومات فى خلافة عمر أبو سفيان ابن الحارث بالمدينة بعد ان استخلف عمر بسنة وسبعة أشهر ويقال بل مات سنة عشرين وقيل توفى سنة خمس عشرة وقد مرّ ذكره فى فضل النسب فى الطليعة الثانية ومات فى خلافة عمر أبو قيس سعد بن عبادة سيد الانصار بارض حوران وكان من نجباء أصحاب محمد عليه السلام وقد اجتمعت حوله الانصار بعد موت النبىّ صلى الله عليه وسلم وعزموا أن يبايعوه بالخلافة فلم يتم ذلك لما علموا انّ الخلافة لا تكون الا فى عشيرة النبىّ صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام لا يزال هذا الامر فى قريش ما بقى فى الناس اثنان* وفى الصفوة وكان سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة يكنى أبا ثابت وهو أحد النقباء شهد العقبة مع السبعين والمشاهد كلها ما خلا بدرا فانه تهيأ للخروج فلدغ فأقام وكان جوادا وكانت جفنته تدور مع رسول الله فى بيوت أزواجه* وعن يحيى بن أبى كثير قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم من سعد بن عبادة جفنة من ثريد فى كل يوم تدور معه أينما دار من نسائه وكان له من الولد سعيد ومحمد وعبد الرحمن وقيس وعبد العزيز وأمامة ومندوس وكان سعد يكتب فى الجاهلية بالعربية ويحسن العوم والرمى والعرب تسمى من اجتمعت فيه هذه الاشياء الكامل* وقال محمد بن سعد ابن عبادة توفى سعد بن عبادة بحوران من أرض الشام لسنتين ونصف من خلافة عمر كأنه مات سنة خمس عشرة* قال عبد العزيز سعد بن عبادة ما علم بموته فى المدينة حتى سمع غلمان قد اقتحموا فى بئر نصف النهار فى حرّ شديد قائلا يقول من البئر
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... فرميناه بسهمين فلم تخط فؤاده
فذعر الغلمان فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذى توفى فيه سعد وانما جلس يبول فى نفق فافتلت فمات من ساعته فوجدوه قد اخضر جلده* ومات فى خلافة عمر عتبة بن غزوان المازنى وكان ممن شهد بدر اوله سبع وخمسون سنة وهو الذى بنى البصرة وكان من الرماة المذكورين ومعاذ بن جبل الانصارى بالغور شابا وكان من خيار الصحابة قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم يا معاذ انى أحبك* وقال ابن مسعود كنا نشبه معاذا بابراهيم الخليل كان أمّة قانتا لله حنيفا وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال اعلم أمّتى بالحلال والحرام معاذ بن جبل قال استخلف الناس معاذ بن جبل بعد أبى عبيدة فمات بالطاعون واستخلف على الناس عمرو بن العاص قال طعن معاذ فى ابهامه فجعل يمسها بفيه ويقول اللهم انها صغيرة فبارك فيها فانك تبارك فى الصغير حتى هلك* وعن الحارث بن عمير قال طعن(2/244)
معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الاشعرى فى يوم واحد اتفق أهل التاريخ على انّ معاذا مات فى طاعون عمواس بناحية الاردن من الشام سنة ثمانى عشرة واختلفوا فى عمره على قولين* أحدهما اثنان وثلاثون والثانى ثلاث وثلاثون* وعن سعيد بن المسيب قال رفع عيسى ابن مريم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ومعاذ وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة أو أربع وثلاثين ومات شرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبى سفيان وكانا من كبار أمراء الصحابة الذين فتحوا الشام وكان يزيد بن أبى سفيان هذا نائب عمر رضى الله عنه على دمشق فلما مات ولى النيابة بعده أخوه معاوية* ومات أبى بن كعب الانصارى سيد القراء بالمدينة وهو الذى قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ الله أمرنى أن أقرئك القرآن ولما توفى صلى عليه عمرو قال اليوم مات سيد المسلمين* ومات بداريا بلال بن رباح مؤذن رسول الله وهو ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وكان من السابقين الاوّلين البدريين*
ترجمة بلال رضى الله عنه
وفى الصفوة عن قاسم بن عبد الرحمن أوّل من أذن بلال بن رباح مولى أبى بكر واسم أمّه حمامة أسلم قديما فعذبه قومه وجعلوا يقولون له ربك اللات والعزى وهو يقول أحد أحد فأتى عليه أبو بكر فاشتراه بسبع اواق وقيل بخمس وقيل بغلام أسود فأعتقه فشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أوّل من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يؤذن له حضرا وسفرا وكان خازنه على بيت ماله*
(صفته)
* كان آدم شديد الادمة نحيفا طوالا اجنى له شعر كثير خفيف العارضين به شمط كثير لا يغيره* قال محمد بن اسحاق كان أمية بن خلف يخرج بلالا اذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره فى بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول بلال وهو على ذلك أحد أحد ومرّ أبو بكر يوما على أمية بن خلف وهو يعذب بلالا فقال لامية ألا تتقى الله عز وجل فى هذا المسكين حتى متى فقال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى فقال أبو بكر أفعل عندى غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به قال أمية قد قبلت قال هو لك فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك وأخذ بلالا* وفى معالم التنزيل اسم الغلام الذى اشترى به أبو بكر بلالا من أمية بن خلف نسطاس فاعتق أبو بكر بلالا ثم أعتق معه على الاسلام قبل أن يهاجر من مكة ست رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة شهيدا وأمّ عميس وزنيرة فاصيب بصرها حين أعتقها قالت قريش ما أذهب بصرها الا اللات والعزى فقالت كذبوا وبيت الله ما تضرّانى اللات والعزى ولا تنفعانى فردّ الله اليها بصرها وأعتق الهندية وابنتها وكانتا لامراة من بنى عبد الدار فمرّ بهما أبو بكر وقد بعثتهما سيدتهما يطحنان لها وهى تقول والله لا أعتقكما أبدا فقال أبو بكر جلايا أمّ فلان فقالت جلا أنت أفسدتهما فاعتقهما قال أبو بكر فبكم قالت بكذا وكذا قال قد أخذتهما وهما حرتان ومرّ بجارية من بنى المؤمل وهى تعذب فابتاعها وأعتقها* وقال سعيد بن المسيب بلغنى انّ أمية بن خلف قال لابى بكر فى بلال حين قال أتبيعه قال نعم بنسطاس عبد أبى بكر وعشرة آلاف درهم وغلمان وجوار ومواش وكان نسطاس مشركا حمله أبو بكر على الاسلام على أن يكون ماله له فأبى فأبغضه أبو بكر فلما قال له أمية أبيعه بغلامك نسطاس اغتنمه أبو بكر وباعه منه فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر ببلال الا ليد كانت لبلال عنده فانزل الله تعالى وما لأحد عنده من نعمة تجزى* وعن جابر قال قال عمر كان أبو بكر سيدنا واعتق سيدنا يعنى بلالا* قال ابراهيم التيمىّ لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر فكان اذا قال أشهد أنّ محمدا رسول الله انتحب الناس فى المسجد فلما دفن قال له أبو بكر أذن قال ان كنت انما أعتقتنى لان أكون معك فسبيلى ذلك وان كنت انما أعتقتنى لله فخلنى ومن أعتقتنى له قال(2/245)
ما أعتقك الا لله قال فانى لا أؤذن لاحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذلك اليك قال فأقام حتى خرجت بعوث الشام فخرج معهم حتى انتهى اليها* وعن سعيد بن المسيب قال لما كانت خلافة أبى بكر تجهز بلال ليخرج الى الشأم فقال له أبو بكر ما كنت أراك يا بلال تدعنا على هذه الحال فلو أقمت معنا فأعنتنا قال ان كنت انما أعتقتنى لله عز وجل فدعنى أذهب اليه وان كنت انما أعتقتنى لنفسك فاحبسنى عندك فأذن له فخرج الى الشأم فمات بها* وقد اختلف أهل السير اين مات قال بعضهم بدمشق وقال بعضهم بحلب سنة عشرين وقيل سنة ثمان عشرة وهو ابن بضع وستين سنة* وفى المنتقى قال أبو بكر لبلال أعتقتك وكنت مؤذنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيدك أرزاق رسله ووفوده فكن مؤذنا لى كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكن خازنا لى كما كنت خازنا له فقال له يا أبا بكر صدقت كنت مملوكك فأعتقتنى فان كنت أعتقتنى لتأخذ منفعتى فى الدنيا فخلنى أخدمك وان كنت أعتقتنى لتأخذ الثواب من الرّب فخلنى والرّب فبكى أبو بكر وقال اعتقتك لاخذ الثواب من المولى فلا أعجلها فى الدنيا فخرج بلال الى الشأم فمكث زمانا فرأى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال له يا بلال جفوتنا وخرجت من جوارنا فاقصد الى زيارتنا فانتبه بلال وقصد المدينة وذلك بقريب من موت فاطمة فلما انتهى الى المدينة تلقاه الناس فأخبر بموت فاطمة فصاح وقال بضعة النبىّ ما أسرع ما لقيت بالنبىّ صلى الله عليه وسلم وقالوا له اصعد فأذن فقال لا أفعل بعد ما أذنت لمحمد صلى الله عليه وسلم فألحوا عليه فصعد فاجتمع أهل المدينة رجالهم ونساؤهم وصغارهم وكبارهم وقالوا هذا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤذن لنسمع الى أذانه فلما قال الله أكبر الله أكبر صاحوا وبكوا جميعا فلما قال أشهد أن لا اله الا الله ضجوا جميعا فلما قال أشهد أنّ محمدا رسول الله لم يبق فى المدينة ذو روح الابكى وصاح وخرجت العذارى والابكار من خدورهنّ يبكين وصار كيوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فرغ من أذانه فقال أبشركم انه لا تمس النار عينا بكت على النبىّ محمد صلى الله عليه وسلم ثم انصرف الى الشأم وكان يرجع فى كل سنة مرّة فينادى بالاذان الى أن مات* مروياته فى كتب الاحاديث أربعة وأربعون حديثا*
ترجمة ابن أم مكتوم
ومات بالمدينة ابن أمّ مكتوم فى الصفوة عمرو بن امّ مكتوم هو عمرو بن قيس* وفى معالم التنزيل هو عمرو بن شريح بن مالك وقيل اسمه عبد الله وأمّه عاتكة تكنى أمّ مكتوم وهى أمّ أبيه وعبد الله هذا ابن خال خديجة بنت خويلد وقد استخلفه على الامامة فى المدينة فى ثلاث عشرة غزوة من غزواته واستخلفه عليها حين خرج الىّ تبوك وعلىّ رضى الله عنه بالمدينة لانه استخلف عليا فى أهله كيلا ينالهم عدوّ بمكروه فلم يستخلفه فى الصلاة لئلا يشغله شاغل عن حفظهم كذا قاله الزين العراقى أسلم بمكة وصار ضرير البصر وهاجر الى المدينة وكان يؤذن للنبىّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة مع بلال وكان رسول الله يستخلفه بالمدينة يصلى بالناس فى عامة غزواته* وعن البراء بن عازب قال أوّل من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير ثم قدم علينا ابن أمّ مكتوم الاعمى وفيه نزلت عبس وتولى أن جاءه الاعمى وغير أولى الضرر بعد لا يستوى القاعدون وكان بعد ذلك يغزو ويقول ادفعوا الىّ اللواء فانى أعمى لا أستطيع أن أفرّ وأقيمونى بين الصفين* وقال أنس بن مالك كان مع ابن أمّ مكتوم يوم القادسية راية ولواء* وقال الواقدى مات ابن أمّ مكتوم بالمدينة ولم يسمع له ذكر بعد عمر* وفى شعبان سنة عشرين توفى أسيد بن حضير الانصارى أحد النقباء كذا فى الصفوة وماتت ابنة عمة النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّ المؤمنين زينب بنت جحش وكانت تفتخر على أمّهات المؤمنين وتقول زوّجكنّ أهاليكنّ وزوّجنى الله تعالى من فوق سبع سموات وكانت دينة عابدة ورعة كثيرة الصدقة والمعروف وهى التى قال الله تعالى فيها(2/246)
فلما قضى زيد منها وطرا زوّجناكها* ومات فى دولة عمر رضى الله عنه بحمص الامير البطل الكرّار سيف الله أبو سليمان خالد بن الوليد المخزومى وله ستون سنة ومات على فراشه بعد ما باشر من الحروب العظيمة ولم يبق فى جسده نحو شبر الا وعليه طابع الشهداء وكان يضرب بشجاعته المثل سماه النبىّ صلى الله عليه وسلم سيف الله كذا فى دول الاسلام*
ترجمة خالد بن الوليد رضى الله عنه
وفى الصفوة ولما عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة بن الجرّاح على الشأم لم يزل خالد مرابطا بحمص حتى مرض فدخل عليه أبو الدرداء عائدا فقال انّ خيلى وسلاحى على ما جعلته عليه فى سبيل الله تعالى ودارى بالمدينة صدقة قد كنت أشهدت عليها عمر بن الخطاب ونعم العون هو على الاسلام وجعلت وصيتى وانفاذ عهدى الى عمر فقدم بالوصية على عمر فقبلها وترحم عليه ومات خالد فقيرا فى بعض قرى حمص على ميل من حمص سنة احدى وعشرين وحكى من غسله انه ما كان فى جسده موضع صحيح من بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم* وعن عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه انّ خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة بكى وقال لقد لقيت كذا وكذا زحفا وما فى جسدى شبر الا وفيه ضربة بسيف أورمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت العنز فلا نامت أعين الجبناء* وعن شقيق بن سلمة قال لما مات خالد بن الوليد اجتمع نساء بنى المغيرة فى دار خالد يبكين عليه فقيل لعمر انهض فقال عمر ما عليهنّ أن يرقن دموعهنّ على أبى سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة قال وكيع النقع الشق واللقلقة الصوت ومات فى خلافة عمر العلاء بن الحضرمى رضى الله عنه ولى امرة البحرين للنبىّ صلى الله عليه وسلم ثم للصديق وكان من سادة الصحابة وقد مرّ من أخباره فى خلافة أبى بكر وفى سنة احدى وعشرين فتحت نهاوند فاستشهد أمير الجيش النعمان بن مقرن المزنى وكان من كبار الصحابة كان معه يوم فتح مكة لواء مزينة* واستشهد يومئذ بنهاوند طليحة بن خويلد الاسدى أحد الابطال المذكورين وكان قد أسلم سنة تسع ثم بعد النبى صلى الله عليه وسلم ارتدّ وادّعى النبوّة بأرض نجد وحارب المسلمين مرّات ثم انهزم ولحق بنواحى دمشق ثم أسلم وحج وحسن اسلامه وكان يعدّ بألف فارس لشدّته وبأسه وقد مرّ فى أهل الردّة فى خلافة أبى بكر* ومات قتادة بن النعمان الانصارى من كبار أهل بدر وهو الذى وقعت عينه على خدّه يوم وقعة أحد فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فغمز حدقته فردّها الى موضعها فكانت أحسن عينيه وكان من الرماة المذكورين بالمدينة ونزل أمير المؤمنين عمر فى قبره وكان قتادة شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه يوم الفتج راية بنى ظفر وتوفى سنة ثلاث وعشرين فى خلافة عمر وهو ابن خمس وستين سنة وصلى عليه عمر*
(ذكر الخبر عن آخر أمر عمر رضى الله عنه ووفاته)
* فى الاكتفاء كان عمر رضى الله عنه ملازما للحج فى سنى خلافته كلها وكان من سيرته ان يأخذ عماله بموافاته كل سنة فى موسم الحج ليحجرهم بذلك عن الرعية ويحجر عليهم الظلم ويتعرّف أحوالهم فى قرب وليكون للرّعية وقت معلوم ينهون اليه شكاويهم فيه فلما كانت السنة التى قتل فى منسلخها خرج الى الحج على عادته وآذن لازواج النبىّ صلى الله عليه وسلم فخرجن معه فلما وقف يرمى الجمرة أتاه حجر فوقع على صلعته فأدماه وثمة رجل من بنى لهب قبيلة من الازد تعرف فيها القيافة والزجر فقال اللهبى عند ما أدمى عمر أشعر أمير المؤمنين لا يحج بعدها* ويروى عن عائشة انها حجت مع عمر تلك الحجة وانه لما ارتحل من المحصب أقبل رجل متلثم قالت فقال وانا أسمع أين كان منزل أمير المؤمنين فقال قائل هذا كان منزله فأناخ فى منزل عمر ثم رفع عقيرته يتغنى ويقول
عليك سلام من أمير وباركت ... يد الله فى ذاك الاديم الممزق
فمن يجر أو يركب جناحى نعامة ... ليدرك ما قدّمت بالامس يسبق(2/247)
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق فى أكمامها لم تفتق
قالت عائشة فقلت لبعض أهلى اعلموا الى من هذا الرجل فذهبوا فلم يجدوا فى مناخه أحدا قالت عائشة فو الله انى لا حسبه من الجنّ فلما قتل عمر نحل الناس هذه الابيات للشماخ بن ضرار ولاخيه مزرّد* قال سعيد بن المسيب لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالابطح ثم كوّم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه فاستلقى ثم مدّيده الى السماء فقال اللهمّ كبر سنى وضعفت قوّتى وانتشرت رعيتى فاقبضنى اليك غير مضيع ولا مفرّط ثم قدم المدينة فخطب الناس فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل* وروى أن عمر لما انصرف من حجته هذه التى لم يحج بعدها أتى ضجنان ووقف فقال الحمد لله ولا اله الا الله يعطى الله من يشاء ما يشاء لقد كنت بهذا الوادى أرعى ابلا للخطاب وكان فظا غليظا يتعبنى اذا عملت ويضربنى اذا قصرت وقد أصبحت وأمسيت وليس بينى وبين الله أحد أخشاه ثم تمثل بهذه الابيات
لا شئ مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الا له ويردى المال والولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان اذ تجرى الرياح له ... والانس والجنّ فيما بينها ترد
أين الملوك التى كانت لعزتها ... من كل أوب اليها وافد يفد
حوض هنا لك مور ودبلا كذب ... لا بدّ من ورده يوما كما وردوا
(ذكر مقتله رضى الله عنه)
روى أنّ عمر كان لا يأذن لمشرك قد احتلم أن يدخل المدينة حتى كتب اليه المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة يستأذنه فى غلام صنع اسمه فيروز أبو لؤلؤة فقال ان لديه أعمالا كثيرة حداد ونقاش ونجار ومنافع للناس فأذن له فأرسل به المغيرة وضرب عليه المغيرة مائة درهم فى كل شهر فجاء الغلام الى عمر واشتكى فقال له عمر ما تحسن من الاعمال فذكرها فقال له عمر ما خراجك بكثير* وعن عمرو بن ميمون قال كان أبو لؤلؤة أزرق نصرانيا خرجه أبو عمرو وقيل كان مجوسيا ذكره القلعى وغيره* وعن أبى رافع قال كان أبو لؤلؤة عبد اللمغيرة بن شعبة وكان يصنع الارحاء وكان المغيرة كل يوم يستغله أربعة دراهم فلقى أبو لؤلؤة عمر فقال يا أمير المؤمنين انّ المغيرة أثقل علىّ غلتى فكلمه لى يخفف عنى فقال له عمر اتق الله وأحسن الى مولاك فغضب العبد وقال وسع الناس كلهم عدله غيرى فأضمر على قتله فاصطنع خنجرا له رأسان وسمه ثم أتى به الهرمز ان فقال كيف ترى هذا فقال انك لا تضرب بهذا أحدا الا قتلته كذا فى الرياض النضرة* وروى انّ عمر بعد أن قدم المدينة من حجته خرج يوما يطوف بالسوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانيا فقال يا أمير المؤمنين أعدنى على المغيرة فانّ علىّ خراجا كثيرا قال وكم خراجك قال درهمان فى كل يوم قال وأيش صناعتك قال نجار نقاش حدّاد قال فما أرى خراجك كثيرا على ما تصنع من الاعمال قال بلغنى انك تقول لو أردت أعمل رحى تطحن بالريح لفعلت قال نعم قال فاعمل لى رحى قال لئن سلمت لا عملنّ لك رحى يتحدّث بها بالمشرق والمغرب ثم انصرف عنه فقال عمر لقد توعدنى العلج آنفا* وفى رواية قيل له ما يمنعك ان تأمر بدفعه قال لا قصاص قبل القتل ثم انصرف عمر الى منزله فلما كان من الغد جاءه كعب الاحبار فقال يا أمير المؤمنين اعهد فانك ميت فى ثلاثة أيام قال وما يدريك قال أجده فى كتاب الله التوراة فقال عمر آلله انك لتجد عمر ابن الخطاب فى التوراة قال اللهمّ لا ولكن أجد صفتك وحليتك بانه قد فنى أجلك وعمر لا يحس وجعا ولا ألما قبل فقال عمر رضينا بقضاء الله وقدره فلما أصيب تذكر قول كعب فقال وكان أمر الله قدرا مقدورا فلما كان من الغد جاءه كعب فقال يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقى يومان ثم جاءه من بعد الغد فقال ذهب يومان وبقى يوم وليلة وهى لك الى صبحها* فلما كان الصبح خرج عمر الى الصلاة وكان(2/248)
يوكل بالصفوف رجالا فاذا استوت أخبروه فكبر وكان دخل أبو لؤلؤة فى الناس وبيده خنجر فى كمه له رأسان نصابه فى وسطه فضرب عمر ست ضربات احداهنّ تحت سرته هى التى قتلته فلما وجد عمر حد السلاح سقط وقال دونكم الكلب فانه قتلنى وماج الناس وأسرعوا اليه فخرج منهم ثلاثة عشر رجلا حتى جاء رجل منهم فاحتضنه من خلفه وقيل ألقى عليه برنسا* وفى دول الاسلام وثب عليه أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة وقد دخل عمر فى صلاة الصبح فطعنه بخنجر فى بطنه وجال الملعون وكان نصرانيا وقتل أيضا سبعة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرح جماعة فأخذ عبد الرحمن ابن عوف بساطا ورماه عليه وقبضه ولما رأى الكلب انه قد أخذ قتل نفسه وحمل عمر الى منزله فمات بعد يوم وليلة* وفى المختصر الجامع جرحه أبو لؤلؤة فيروز المجوسى مولى المغيرة بن شعبة ثلاث جراحات وكان ذلك فى يوم الاربعاء لسبع بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين* وفى سيرة مغلطاى لاربع بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين* وقال ابن قانع غرّة المحرّم لتمام ثلاث وعشرين سنة وهو ابن ثلاث وستين وتوفى بعد ذلك بثلاثة أيام قاله الواقدى* قيل انّ أبا لؤلؤة جرح معه يوم جرحه أحد عشر رجلا من الصحابة مات منهم خمسة وانّ رجلين من بنى أسد لحقاه فألقى أحدهما عليه برنسا ثم ضمه فأدنى السكين الى حلقه فقتل نفسه ذكره الذولابى* وفى الصفوة عن عمرو بن ميمون قال انى لقائم ما بينى وبين عمر الا عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان عمر اذا مرّ بين الصفين قال استووا حتى اذا لم يرفيهن خللا تقدّم وكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك فى الركعة الاولى حتى يجتمع الناس فما هو الاكبر فسمعته يقول قتلنى أو أكلنى الكلب حين طعنه فطار العلج بسكين ذى طرفين لا يمرّ على أحد يمينا ولا شمالا الا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة وفى رواية تسعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا فلما ظنّ العلج انه مأخوذ نحر نفسه وقال عمر عند ما سقط أفى الناس عبد الرحمن بن عوف قالوا نعم يا أمير المؤمنين هو ذا فتناوله بيده وقال تقدّم صلّ بالناس فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة وحمل عمر الى منزله* فلما نصرفوا قال عمر يا عبد الله بن عباس* وفى الاكتفاء عبد الله ابن عمر انظر من قتلنى فجال عبد الله ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة قال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذى لم يجعل منيتى بيد رجل يدّعى الاسلام وفى الاكتفاء بيد رجل سجد لله سجدة واحدة يحاجنى بلا اله الا الله وقال يا عبد الله ائذن للناس فجعل يدخل عليه المهاجرون والانصار فيسلمون عليه ويقول لهم أعن ملأ منكم كان هذا فيقولون معاذ الله ودخل فى الناس كعب فلما نظر اليه عمر أنشأ يقول
وواعدنى كعب ثلاثا أعدّها ... ولا شك انّ القول ما قاله كعب
وما بى حذار الموت انى لميت ... ولكن حذار الذنب يتبعه ذنب
فقيل له لو دعوت الطبيب فدعى له طبيب من بنى الحارث بن كعب فسقاه نبيذا فخرج من جوفه مشكلا فقال اسقوه لبنا فخرج من جوفه أبيض فعرفوا انه ميت فقال له الطبيب لا أرى أن تمسى فما كنت فاعلا فافعل* وفى رواية قيل له يا أمير المؤمنين اعهد قال قد فرغت* وفى دول الاسلام قالوا لعمرا عهد بالامر يا أمير المؤمنين فلم يعين أحدا بل جعل الامر شورى فى ستة وهم عثمان وعلى وابن عوف وسعد وطلحة والزبير ورجحوا عثمان فبايعوه بالخلافة وكان أسنّ الجماعة وأفضلهم وستجىء خلافة عثمان فقال لابنه يا عبد الله بن عمر انظر ما علىّ من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه فقال ان وفى له مال آل عمر فأدّه من أموالهم والافسل بنى عدى بن كعب وان لم تف أموالهم فسل فى قريش ولا تعدهم الى غيرهم فأدّعنى هذا المال انطلق الى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليك(2/249)
عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فانى لست اليوم أميرا وقل يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه فمضى وسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكى فقال يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريد لنفسى ولأوثرنه اليوم على نفسى فلما أقبل قيل هذا عبد الله قد جاء وهو متطلع اليه قال ارفعونى فأسنده رجل اليه فقال ما لديك قال الذى تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد لله ما كان شئ من الأمرأهم الىّ من ذلك فاذا انا قضيت فاحملونى وقل يستأذن عمر بن الخطاب فان أذنت لى فأدخلونى وان ردّتنى فردّونى* وعبارة الاكتفاء قال ما كان أمرأهم الىّ من هذا فاذا أنامت فاغسلنى ثم احملنى وأعد عليها الاستئذان فان أذنت والا فاصرفنى الى مقابر المسلمين* فلما توفى رضى الله عنه خرجوا به فصلى عليه صهيب بن سنان الرومى ودفن فى بيت عائشة رضى الله عنها* ويروى انه لما احتضر رضى الله عنه قال ورأسه فى حجر ابنه عبد الله
ظلوم لنفسى غير أنى مسلم ... أصلى صلاتى كلها وأصوم
وقال سعد بن أبى وقاص طعن عمر يوم الاربعاء لاربع ليال بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة كذا فى التذنيب ودفن يوم الاحد صبيحة هلال المحرم وقيل لثلاث بقين منه وقيل ان وفاته كانت غرّة المحرم من سنة أربع وعشرين كما مرّ* ونزل فى قبره عثمان وعلى وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبى وقاص وقيل صهيب وابنه عبد الله بن عمر عوضا عن الزبير وسعد* واختلف فى مبلغ سنه يوم توفى وأشهر ما فى ذلك ما قال معاوية كان عمر ابن ثلاث وستين* وعن الشعبى انّ أبا بكر قبض وهو ابن ثلاث وستين وانّ عمر قبض وهو ابن ثلاث وستين* وفى دول الاسلام عاش عمر ثلاثا وستين سنة كصاحبيه ودفن معهما فى الحجرة النبوية* وعن سالم بن عبد الله أنّ عمر قبض وهو ابن خمس وستين سنة* وقال ابن عباس كان عمر ابن ست وستين سنة* وقال قتادة احدى وستين وصلى عليه صهيب كذا فى الصفوة* وفى المختصر الجامع خمس وخمسين سنة* مروياته فى كتب الاحاديث خمسمائة وسبعون حديثا*
(ذكر أولاده)
وكان له ثلاثة عشر ولدا تسعة بنين وأربع بنات على ما ذكر والله أعلم* ذكر البنين* عبد الله ويكنى أبا عبد الرحمن أسلم بمكة فى صغره مع اسلام أبيه وهاجر مع أبيه وأمّه وهو ابن عشر سنين ذكره الخجندى وشهد المشاهد كلها بعد بدر وأحد وكان يوم أحد ابن أربع عشرة سنة* قال الدار قطنى استصغر يوم أحد وشهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة وشهد المشاهد بعد الخندق مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وقيل شهد بدرا فاستصغره النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم يجزه وأجازه فى السنة الآخرى يوم أحد ذكره الطائى وقال والاوّل أصح وكان عالما مجتهدا عابدا لزوما للسنة فرورا من البدعة ناصحا للأمّة ويقال انه ما خرج من الدنيا حتى صار مثل أبيه* وقال سفيان الثورى كان عادة ابن عمر أنه اذا أعجبه شئ من ماله تصدّق به وكان رقيقه عرفوا ذلك منه فربما شمر أحدهم ولزم المسجد والاقبال على الطاعة فاذا رآه ابن عمر على تلك الحالة أعتقه فقيل له انهم يخدعونك فقال من خدعنا بالله انخد عنا له* وقال نافع ما مات ابن عمر حتى عتق ألف انسان أو زاد عليه ذكر ذلك كله الطائى وبقى الى زمان عبد الملك بن مروان وتوفى بمكة* قال أبو اليقظان زعموا انّ الحجاج دس له رجلا قد سم زج رمحه فزحمه فى الطريق وطعنه فى ظهر قدمه فدخل عليه الحجاج فقال يا أبا عبد الرحمن من أصابك فقال أنت أصبتنى قال ولم تقول هذا رحمك الله قال حملت السلاح فى بلد لم يكن يحمل فيها السلاح فمات فصلى عليه عند الردم ودفن فى حائط أم خرّمان* قلت هذا الحائط لا يعرف اليوم بمكة ولا حواليها وانما بالابطح موضع يقال له الخرمانية فلعله هو نسب الى أمّ خرمان* وقال غير أبى اليقظان مات بمكة ودفن بفخ بالفاء والخاء(2/250)
المعجمة المشدّدة وهو موضع قريب من مكة وهو ابن أربع وثمانين سنة وله عقب* وقال الدار قطنى توفى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة كذا فى الرياض النضرة* وفى سح السحابة قال سعيد بن حبير كنت مع ابن عمر اذ أصابه سنان الرمح فى أخمص قدمه فلزقت بالركاب فنزلت فنزعتها وذلك بمنى فبلغ الحجاج فجاء يعوده فقال الحجاج لو نعلم من أصابك فقال ابن عمر أنت أصبتنى قال وكيف قال حملت السلاح فى يوم لم يكن يحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم* وفى أسد الغابة انما فعل الحجاج ذلك لانه خطب يوما وأخر الصلاة فقال ابن عمران الشمس لا تنتظرك فقال الحجاج لقد هممت أن أضرب الذى فيه عيناك قال ان تفعل فانك سفيه مسلط وقيل انّ عبد الملك بن مروان كان أمر الحجاج أن يقتدى بابن عمر فكان ابن عمر يتقدّم الحجاج فى المواقف بعرفة وغيرها فكان ذلك يشق عليه* توفى وهو ابن ست وثمانين سنة وقيل أربع وثمانين فى المختصر وهو آخر من مات من الصحابة بمكة فصلى عليه الحجاج بالمحصب وقيل بذى طوى وقيل بفخ* وعن نافع دفن فى مقبرة المهاجرين بفخ نحو ذى طوى* وفى حياة الحيوان فخ واد بمكة وقيل اسم ماء* وفى نهاية ابن الاثير فخ موضع بمكة وقيل واد دفن فيه عبد الله بن عمر* وفى أسد الغابة قيل دفن بسرف* مروياته فى الكتب ألف وستمائة وثلاثون حديثا* وفى الرياض النضرة روى عبد الله عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وعن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبى وقاص وسعيد بن زيد وزيد بن الخطاب وزيد بن ثابت وأبى أمامة الانصارى وأبى أيوب الانصارى وأبى ذرّ الغفارى وأبى سعيد الخدرى وزيد بن حارثة واسامة بن زيد وعامر بن ربيعة وبلال وصهيب وعثمان بن طلحة ورافع بن خديج وعبد الله بن مسعود وكعب بن عمرو وتميم الدارى وعبد الله ابن عباس* وروى أيضا عن عائشة وحفصة وامرأته صفية بنت أبى عبيدة* وروى عنه من الصحابة عبد الله بن عباس ذكر ذلك الدار قطنى* وعبد الرحمن الاكبر شقيقه أمّهما زينب بنت مظعون الجمحى أدرك النبىّ صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه* وزيد الاكبر أمّه أمّ كلثوم بنت على بن أبى طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال انه رمى بحجر بين حيين فى حرب فمات ولا عقب له ويقال انه مات هو وامّه أمّ كلثوم فى ساعة واحدة فلم يرث أحدهما من الاخر وصلى عليهما عبد الله بن عمر فقدّم زيدا على أمّ كلثوم فجرت السنة بذلك فكان فيهما حكمان* وعاصم أمّه أمّ كلثوم جميلة بنت عاصم بن ثابت حمى الدبر وهى التى كان اسمها عاصية فسماها النبىّ صلى الله عليه وسلم جميلة وكان عاصم فاضلا خيرا توفى سنة سبعين وله عقب أخوه لامّه عبد الرحمن بن زيد بن حارثة الانصارى يروى عن ثوبان وعمر بن عبد العزيز ابن ابنة أمّ عاصم بنت عاصم* وعياض أمّه عاتكة بنت زيد* وزيد الاصغر وعبيد الله أمّهما مليكة بنت جرول الخزاعية* قال الدار قطنى أمّ كلثوم بنت جرول فلعلّ ذلك كنيتها وكان عبيد الله شديد البطش لما قتل عمر جرّد سيفه وقتل الهرمز ان وقتل جفينة وهو رجل نصرانى من أهل الحيرة وقتل بنتا صغيرة لابى لؤلؤة قاتل عمر فأخذ عبيد الله ليقتص فاعتذر بأنّ عبد الرحمن بن أبى بكر أخبره انه رأى أبا لؤلؤة والهرمز ان وجفينة يدخلون فى مكان يتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه فى وسطه فقتل عمر صبيحة تلك الليلة فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله فى ذلك فقال انظروا الى السكين فان كانت ذات طرفين فلا أرى القوم الا وقد اجتمعوا على قتله فنظروا اليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن* وقال عمرو بن العاص قتل أمير المؤمنين عمر بالامس ويقتل ابنه اليوم لا والله لا يكون هذا أبدا فترك عثمان قتل عبيد الله ثم لحق عبيد الله بمعاوية وقتل فى وقعة صفين معه وله عقب وأخو
زيد الاصغر وعبيد الله لامّهما عبد الله بن أبى جهم بن(2/251)
حذيفة وحارثة بن وهب الخزاعى وله صحبة* وعبد الرحمن الاوسط أمّه لهبة أمّ ولد*
قصة عبد الرحمن بن عمر وهو المجلود فى الحدّ
وعبد الرحمن الاصغر أمّه أمّ ولد ويكنى أحد الثلاثة أبا شحمة ويلقب آخر مجبرا فامّا أبو شحمة فهو الذى ضربه عمر فى الحدّ حتى مات فلا عقب له وأمّا مجبر فكان له عقب فبادوا ولم يبق منهم أحد ذكره ابن قتيبة كذا فى الرياض النضرة* وفى أسد الغابة عبد الرحمن الاصغر هو أبو المجبر والمجبر أيضا اسمه عبد الرحمن وانما قيل له المجبر لانه وقع وهو غلام فتكسر فأتى به الى عمته حفصة أمّ المؤمنين فقيل لها انظرى الى ابن أخيك المكسر فقالت ليس بالمكسر ولكنه المجبر قاله أبو عمرو* وفى الرياض النضرة قال الدار قطنى عبد الرحمن الاوسط هو أبو شحمة المجلود فى الحدّ وقطع به* وعن عمرو بن العاص قال بينا أنا بمنزلى بمصر اذ قيل لى هذا عبد الرحمن بن عمرو أبو سروعة يستأذنان عليك وفى رواية غيره عبد الرحمن ورجل يعرف بعقبة بن الحارث فقلت يدخلان فدخلا وهما منكسران فقالا أقم علينا حدّ الله فانا أصبنا البارحة شرابا وسكرنا قال فزبرتهما وطردتهما فقال عبد الرحمن ان لم تفعله أخبرت والدى اذا قدمت عليه فعلمت أنى ان لم أقم عليهما الحدّ غضب علىّ عمر وعزلنى فأخرجتهما الى صحن الدار فضربتهما الحدّ ودخل عبد الرحمن ناحية الى بيت فى الدار فحلق رأسه وكانوا يحلقون مع الحدود والله ما كتبت الى عمر بحرف مما كان حتى اذا كتابه جاءنى فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر الى عمرو بن العاص عجبت لك وجراءتك علىّ وخلافك عهدى فما أرانى الا عازلك تضرب عبد الرحمن فى بيتك وتحلق رأسه فى بيتك وقد عرفت انّ هذا يخالفنى انما عبد الرحمن رجل من رعيتك تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين ولكن قلت هو ابن أمير المؤمنين وعرفت ان لا هوادة لاحد من الناس عندى فى حق فاذا جاءك كتابى هذا فابعث به فى عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع فبعث به كما قال أبوه* وكتب عمرو الى عمر يعتذر اليه انى ضربته فى صحن دارى وبالله الذى لا يحلف بأعظم منه انى لأقيم الحدود فى صحن دارى على المسلم والذمى وبعث بالكتاب مع عبد الرحمن بن عمر فقدم به عبد الرحمن على أبيه فدخل وعليه عباءة ولا يستطيع المشى من سوء مركبه فقال يا عبد الرحمن فعلت وفعلت فكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحدّ فلم يلتفت اليه فجعل عبد الرحمن يصيح ويقول انى مريض وأنت قاتلى قال فضربه الحدّ ثانية وحبسه فمرض ثم مات* وعن مجاهد عن ابن عباس قال لقد رأيت عمر وقد أقام الحدّ على ولده فقتله فيه فقيل له يا ابن عم رسول الله حدّثنا كيف أقام الحدّ على ولده فقتله فيه فقال كنت ذات يوم فى المسجد وعمر جالس والناس حوله اذ أقبلت جارية فقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال عمرو عليك السلام ورحمة الله ألك حاجة قالت نعم خذ ولدك هذا منى فقال عمر انى لا أعرفه فبكت الجارية وقالت يا أمير المؤمنين ان لم يكن من ظهرك فهو ولد ولدك فقال أىّ أولادى قالت أبو شحمة فقال أبحلال أم بحرام فقالت من قبلى بحلال ومن جهته بحرام قال عمر وكيف ذلك اتقى الله ولا تقولى الا حقا قالت يا أمير المؤمنين كنت مارّة فى بعض الايام اذ مررت بحائط بنى النجار اذ أتانى ولدك أبو شحمة يتمايل سكرا وكان شرب عند نسيكة اليهودى قالت ثم راودنى عن نفسى وجرّنى الى الحائط ونال منى ما ينال الرجل من المرأة وقد أغمى علىّ فكتمت أمرى عن عمى وجيرانى حتى أحسست بالولادة فخرجت الى موضع كذا وكذا فوضعت هذا الغلام وهممت بقتله ثم ندمت على ذلك فاحكم بحكم الله بينى وبينه فأمر عمر مناديا فنادى فأقبل الناس يهرعون الى المسجد ثم قام عمر فقال لا تفرّقوا حتى آتيكم ثم خرج فقال يا ابن عباس أسرع معى فلم يزل حتى أتى منزله فقرع الباب وقال هاهنا ولدى أبو شحمة قيل له انه على الطعام فدخل عليه وقال كل يا بنىّ فيوشك أن يكون آخر زادك من الدنيا قال ابن عباس فلقد رأيت الغلام وقد تغير لونه وارتعد وسقطت اللقمة(2/252)
من يده فقال له عمر يا بنى من أنا فقال أنت أبى وأمير المؤمنين فقال فلى حق طاعة أم لا قال لك طاعتان مفترضتان لانك والدى وأمير المؤمنين قال عمر بحق نبيك وبحق أبيك هل كنت ضيفا لنسيكة اليهودى فشربت الخمر عنده فسكرت قال قد كان ذلك وقد تبت قال رأس مال المؤمنين التوبة قال يا بنى أنشدك بالله هل دخلت حائط بنى النجار فرأيت امرأة فواقعتها فسكت وبكى قال عمر لا بأس اصدق يا بنى فانّ الله يحب الصادقين قال قذ كان ذلك وأنا تائب نادم فلما سمع ذلك عمر منه قبض على يده ولببه وجرّه الى المسجد فقال يا أبت لا تفضحنى وخذ السيف واقطعنى اربا اربا قال أما سمعت قوله تعالى وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ثم جرّه الى بين يدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد وقال صدقت المرأة واقرّ أبو شحمة بما قالت وكان له مملوك يقال له أفلح فقال يا أفلح خذا بنى هذا اليك واضربه مائة سوط ولا تقصر فى ضربه فقال لا أفعل وبكى فقال يا غلام انّ طاعتى طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فافعل ما آمرك به قال فنزع ثيابه وضج الناس بالبكاء والنحيب وجعل الغلام يشير الى أبيه يا أبت ارحمنى فقال له عمر وهو يبكى وانما أفعل هذا كى يرحمك الله ويرحمنى ثم قال يا أفلح اضرب فضربه وهو يستغيث وعمر يقول اضربه حتى بلغ سبعين فقال يا أبت اسقنى شربة من ماء فقال يا بنى ان كان ربك يطهرك فيسقيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبدا يا غلام اضربه فضربه حتى بلغ ثمانين فقال يا أبت السلام عليك فقال وعليك السلام ان رأيت محمدا فأقرئه منى السلام وقل له خلفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود يا غلام اضربه فلما بلغ تسعين انقطع كلامه وضعف فرأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا عمر انظر كم بقى فأخره الى وقت آخر فقال كما لم تؤخر المعصية لا تؤخر العقوبة وجاء الصريخ الى أمّه فجاءت باكية صارخة وقالت أحج بكل سوط حجة ماشية وأتصدّق بكذا وكذا درهما فقال انّ الحج والصدقة لا ينوبان عن الحدّ فضربه فلما كان آخر سوط سقط الغلام ميتا فصاح وقال يا بنى محص الله عنك الخطايا ثم جعل رأسه فى حجره وجعل يبكى ويقول يا بنى من قتله الحق بأبى من مات عند انقضاء الحدّ بأبى من لم يرحمه أبوه وأقار به فنظر الناس اليه فاذا هو قد فارق الدنيا فلم نر يوما أعظم منه وضج الناس بالبكاء والنحيب فلما كان بعد أربعين يوما أقبل حذيفة بن اليمان صبيحة يوم الجمعة فقال انى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام واذا الفتى معه وعليه حلتان خضرا وان وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرئ عمر منى السلام وقل هكذا أمرك الله أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود وقال الغلام يا حذيفة أقرئ أبى منى السلام وقل له طهرك الله كما طهرتنى أخرجه شيرويه الديلمى فى كتاب المنتقى كذا ذكره فى الرياض النضرة وخرجه غير الديلمى مختصرا بتغييرا للفظ وقال فيه وكان لعمر ابن يقال له أبو شحمة فأتاه يوما فقال انى زنيت فأقم علىّ الحدّ قال زنيت قال نعم حتى كرّر ذلك عليه أربعا قال وما عرفت التحريم قال بلى قال معاشر المسلمين خذوه فقال أبو شحمة معاشر المسلمين من فعل فعلى فى جاهلية أو اسلام فلا يأخذنى فقام على بن أبى طالب فقال لولده الحسن فأخذ بيمينه وقال لولده الحسين فأخذ بيساره ثم ضربه ستة عشر سوطا فاغمى عليه ثم قال اذا وافيت ربك فقل ضربنى الحدّ من ليس لك فى جنبيه حدّ ثم قام عمر حتى أقام عليه تمام مائة سوط فمات من ذلك فقال انا أوثر عذاب الدنيا على عذاب الاخرة فقيل يا أمير المؤمنين ندفنه من غير غسل ولا كفن قتل فى سبيل الله قال بل نغسله ونكفنه وندفنه فى مقابر المسلمين فانه لم يمت قتيلا فى سبيل الله وانما مات فى حدّ* (ذكر البنات) وهنّ أربع حفصة زوجة النبىّ صلى الله عليه وسلم وهى شقيقة عبد الله وعبد الرحمن
الاكبر ورقية وهى شقيقة زيد الاكبر تزوّجها ابراهيم بن نعيم بن عبد الله بن النحام فماتت عنده ولم تلد له وفاطمة أمّها أمّ حكيم(2/253)
بنت الحارث بن هشام بن المغيرة تزوّجها ابن عمها عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فولدت له عبد الله ذكره الدار قطنى وزينب أمّها فكيهة تزوّجها عبد لله بن عبد الله بن سراقة العدوى وروت عن أختها حفصة ذكر ذلك كله ابن قتيبة وصاحب الصفوة كذا فى الرياض النضرة*
(ذكر عثمان بن عفان)
* ابن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف يلتقى هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند عبد مناف فبين عثمان وعبد مناف أربعة آباء وبين النبىّ صلى الله عليه وسلم وعبد مناف ثلاثة وهو أقرب الصحابة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد علىّ ويقال له ذو النورين لانّ النبىّ صلى الله عليه وسلم زوّجه ابنته رقية فلما ماتت زوّجه أمّ كلثوم بنتا أخرى له فلما ماتت قال لو كان عندى ثالثة لزوّجتكها وفى الاستيعاب زوّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية ثم أمّ كلثوم واحدة بعد واحدة وقال لو كان عندى غيرهما لزوّجتكها* وفى أسد الغابة لو كان لنا ثالثة لزوّجناك وفى أسد الغابة أيضا عن أبى محبوب عقبة بن علقمة قال سمعت على بن أبى طالب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أنّ لى أربعين بنتا لزوّجت عثمان واحدة بعد واحدة حتى لا تبقى منهنّ واحدة وقد مرّ فى الباب الثالث من الركن الاوّل فى تزويج بناته انّ تزويجهما عثمان كان بوحى من الله* وفى الاستيعاب قيل للمهلب ابن أبى صفرة لم قيل لعثمان ذو النورين قال لانه لم نعلم أحدا أرسل سترا على ابنتى نبى غيره وأمّه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف أسلمت وأمّها البيضاء أمّ حكيم بنت عبد المطلب شقيقة أبى طالب* ولد عثمان بالطائف فى السنة السادسة من عام الفيل وكان يكنى أبا عبد الله وأبا عمرو كنيتان مشهورتان له وأبو عمر وأشهرهما قيل انه ولدت له رقية ابنا فسماه عبد الله واكتنى به ومات ثم ولد له عمر وفاكتنى به الى ان مات أسلم قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم وهو ابن تسع وثلاثين سنة وقيل ثلاث وثلاثين سنة* وفى أسد الغابة كان عثمان بن عفان رابع أربعة فى الاسلام انتهى وعاش فى الاسلام ستا وأربعين سنة وقيل سبعا وأربعين وهاجر الى الحبشة هجرتين ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر خلفه على ابنته رقية يمرّضها هكذا ذكر ابن اسحاق* وقال غيره بل كان مريضا به الجدرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع وضرب له بسهمه واجره ولذا يعدّ من أهل بدر وكان كمن شهدها وبايع عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فى بيعة الرضوان ودعا له بالخصوصية غير مرّة فأثرى وكثر ماله وجهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرا بأحلاسها وأقتابها وأتم الالف بخمسين فرسا* وقال قتادة حمل عثمان على ألف بعير وسبعين فرسا* وقال الزهرى حمل على تسعمائة وأربعين بعيرا وستين فرسا كذا فى حياة الحيوان*
صفته
* فى الاستيعاب كان عثمان رجلا ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير حسن الوجه رقيق البشرة كث اللحية عظيمها أسمر اللون كثير الشعر ضخم الكراديس بعيد ما بين المنكبين كان يصفر لحيته ويشدّ أسنانه بالذهب* وعن الحسن قال نظرت الى عثمان فاذا رجل حسن الوجه فاذ ابو جنتيه نكتات جدرى واذا شعره قد كسا ذراعيه* وقال البغوى مشرف الانف من أجمل الناس* وفى الرياض النضرة عظيم اللحية طويلها أسمر اللون كثير الشعر له جمة أسفل من أذنيه ولكثرة شعره ولحيته كان أعداؤه يسمونه نعثلا والنعثل اسم رجل طويل اللحية كان اذا نيل من عثمان سمى بذلك والنعثل أيضا اسم الذكر من الضباع*
(ذكر خلافته)
* فى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى انّ عمر حين استشعر موته قال ما أحد أحق بهذا الامر من الذين توفى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عثمان وعليا والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وجعل الامر شورى بينهم فاجتمعوا بعد دفن عمر* وفى حياة الحيوان بثلاثة أيام وفوّض الامر خمستهم الى عبد الرحمن(2/254)
ابن عوف ورضوا بحكمه فاختار عثمان وبايعه بمحضر من الصحابة فبايعوه بالخلافة وانقادوا له انتهى وكذا فى سائر الكتب الكلامية* وفى المختصر ولما كان فى اليوم الثالث من وفاة عمر خرج عبد الرحمن بن عوف وعليه عمامته التى عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه وصعد المنبر ثم قال أيها الناس انى سألتكم سرّا وجهرا عن امامكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين امّا على وامّا عثمان وقال قم يا على فقام على فوقف تحت المنبر وأخذ عبد الرحمن بيده وقال هل أنت مبايعى على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبى بكر وعمر فقال اللهم لا ولكن على جهدى من ذلك وطاقتى رسل يده ثم نادى قم يا عثمان فقام فأخذ بيده وقال أبايعك فهل أنت مبايعى على كتاب الله وسنة رسوله وفعل أبى بكر وعمر فقال اللهم نعم فرفع رأسه الى سقف المسجد وقال اللهم اسمع قد خلعت ما فى رقبتى من ذلك وجعلته فى رقبة عثمان فازدحم الناس يبايعون عثمان فقعد عبد الرحمن مقعد النبىّ صلى الله عليه وسلم من المنبر وقعد عثمان فى الدرجة الثانية تحته فجعل الناس يبايعونه* وكانت المبايعة يوم الاثنين لليلة بقيت من ذى الحجة سنة ثلاث وعشرين واستقبل عثمان بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين* وفى الاستيعاب بويع لعثمان بالخلافة يوم السبت غرّة المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بن الخطاب بثلاثة أيام باجماع الناس* وفى سيرة مغلطاى بويع يوم الجمعة غرّة المحرّم وسحىء مدّة الخلافة ان شاء الله تعالى* وفى البحر العميق فلما بويع عثمان رضى الله عنه أمر عبد الرحمن بن عوف على الحج سنة أربع وعشرين وحج عثمان بالناس سنة خمس وعشرين فلم يزل يحج الى سنة أربع وثلاثين ثم حصر فى داره وحج عبد الله بن عباس بالناس سنة خمس وثلاثين* وقال ابن سيرين كان عثمان بن عفان أعلمهم بالمناسك وبعده عبد الله بن عمر*
(ذكر كاتبه وقاضيه وأميره وحاجبه وصاحب شرطته وخاتمه)
أمّا كاتبه فمروان بن الحكم وقاضيه كعب بن سور وعثمان بن قيس بن أبى العاص وأميره بمصر أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبى سرح وحاجبه حمران مولاه وصاحب شرطته عبيد الله بن معبد التيمى ونقش خاتمه آمنت بالله مخلصا وقيل أمنت بالذى خلق فسوّى وكان فى يده خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبع به الى ان وقع فى بئر أريس وقد تقدّم ذكره فى خلافة أبى بكر رضى الله عنه* وفى الرياض النضرة قال ابن قتيبة وافتتح فى أيام خلافته الاسكندرية ثم سابور ثم افريقية ثم قبرس ثم سواحل الروم واصطخر الاخرة وفارس الاولى ثم خور وفارس الاخرة ثم طبرستان ودارابجرد وكرمان وسجستان ثم الاساورة فى البحر ثم حصون قبرس ثم ساحل الاردن ثم مرو ثم حصر عثمان فى ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وفى غيره جاء بترتيب آخر فقال وفى أيامه فتحت افريقية وكرمان وسجستان ونيسابور وفارس وطبرستان وقبرس وهراة وأعمال خراسان وفى ايامه قتل يزدجرد ملك فارس بمرو وغزا معاوية القسطنطينية وفى أيامه فتحت أرمينية وسيجىء تفصيلها* وفى دول الاسلام سار عثمان بسيرة عمر ستة أعوام وفى دولته نقض أهل الرى الصلح فغزاهم أبو موسى الاشعرى وفى ثانى سنة من خلافته عزل عن نيابة العراق سعد بن أبى وقاص وولى الوليد بن عقبة الاموى وهو أخو عثمان لامّه وممن أسلم يوم الفتح وكان الوليد يشرب الخمر فتكلموا فى عثمان لتوليته وبعث الوليد جيشا أميرهم سلمان بن ربيعة وهم اثنا عشر ألفا ففتحوا برذعة من أرض اذربيجان وفيها انتقض أهل الاسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص فقتل وسبى ثم بعد سنة عزل عثمان نائب مصر عمرو بن العاص واستعمل عليها عبد الله بن أبى سرح وسار المسلمون وأميرهم عثمان بن أبى العاص فافتتحوا مدينة سابور من اقليم فارس صالحا فصالحهم فى السنة على ثلاثة آلاف ألف وثلثمائة ألف وركب معاوية نائب الشأم البحر بالجيوش فافتتح قبرس* قال داود بن أبى هند صالح عثمان بن أبى العاص وأبو موسى(2/255)
أهل أرّجان على ألفى ألف ومائتى ألف وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف درهم وسائر نائب مصر عبد الله بن أبى سرح بالجيوش الى المغرب فالتقى هو والكفار وهم نحو مائتى ألف وملكهم جرجير وكانت المصاف بسبيطلة بقرب مدينة القيروان فقتل جرجير ونزل النصر وكانت وقعة هائلة عظيمة بحيث طلع سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار من الغنيمة وقد مرّ فى مولد ابن الزبير فى الموطن الثانى* وفى سنة تسع وعشرين افتتح المسلمون ومقدمهم عبد الله بن عامر بن كريز مدينة اصطخر بالسيف بعد قتال عظيم وقتل عبيد الله بن معمر التيمى من صغار الصحابة فحلف بن كريز لئن ظفر بها ليقتلنّ بها حتى يسيل الدم من باب المدينة فلما فتحها أسرف فى قتلهم وجعل الدم لا يجرى فقيل له أفنيتهم فأمر بالماء فصب على الدم حتى جرى وعزل عثمان أبا موسى الاشعرى عن نيابة البصرة وابن أبى العاص عن بلاد فارس وجعل الولايتين لابن أبى كريز وفى هذا الوقت افتتح المسلمون أصبهان* وفى سنة ثلاثين من الهجرة كانت غزوة طبرستان وأمير الناس سعيد بن العاص فحاصرهم وأخذها وافتتح ابن كريز من أرض فارس مدينة جور وغيرها* قال ابن أبى هند لما افتتح ابن كريز مملكة فارس هرب يزدجرد بن كسرى الذى كان صاحب العراقين فتبعه المسلمون وافتتح عسكر ابن كريز من بلاد سجستان زالق وشاش وصالحوا أهل مدينة زرنج على اعطاء ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب وسار ابن كريز بالجيوش ففتح اقليم خراسان فالتقاه أهل هراة فانكسروا ثم سار فافتتح نيسابور صالحا ويقال بالسيف وبعث فرقة افتتحوا طوس ونواحيها صالحا وصالح أهل سرخس وبعث اليه أهل مرو يطلبون الصلح فصالحهم ابن كريز على ألفى ألف ومائتى ألف فى السنة* وجهز الاحنف بن قيس فى أربعة آلاف فارس فاجتمع لحربه أهل طخارستان وأهل الجوزجان والفيرياب وتلك النواحى ومقدمهم كلهم طوغان شاه فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انكسر المشركون ونزل الاحنف بن قيس على بلخ فصالحوه على أربعمائة ألف ثم أتى خوارزم فلم يطقها فرجع وافتتح المسلمون فى أشهر معدودة نحوا من عشرين مدينة ثم خرج ابن كريز وهو ابن خمس وعشرين سنة من نيسابور محرما بالحج من بقعته شكر الله تعالى لما فتح الله عليه من هذه المدائن الكبار واستناب على خراسان الاحنف وسار حتى أتى مكة وطاف وسعى وحل ثم أتى وافدا على أمير المؤمنين عثمان بالمدينة ثم تجمع أهل خراسان على مرو فالتقاهم الاحنف بن قيس فهزمهم* وقدم ابن كريز البصرة فاستقر بها ونوّابه على خراسان وسجستان والجبال وكثر الخراج على عثمان وأتاه المال من النواحى واتخذ الخزائن العظيمة بالمدينة وكان يقسم بين الناس فيأمر للرجل بمائة ألف درهم ويقال أخذ المسلمون من خزائن كسرى مائة ألف بدرة من الذهب وزن كل بدرة أربعة آلاف* وقتل بخراسان يزدجرد آخر ملوك الاكاسرة وكان فى سنة اثنتين وثلاثين وقعة المضيق بقرب مدينة قسطنطينية وعلى جيش الاسلام نائب الشام معاوية وغزا المسلمون قبرس ثانى مرّة وجمع قارن المجوسى جمعا عظيما بأرض هراة وأقبل فى أربعين ألفا وقام بأمر المسلمين عبد الله بن حازم السلمى وسار فى أربعة آلاف فالتقوا فقتل قارن وتمزق جمعه وغنم المسلمون سبيا عظيما وأموالا وتقرّر ابن حازم على نيابة خراسان وغزا نائب مصر الحبشة فأخذ بعضها وغزا غزوة الصوارى فى البحر وتوفى فى دولة عثمان ابن عمه أبو سفيان بن حرب بن أمية الاموى أحد الاشراف وحمو رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المختصر الجامع ذكر ابن قتيبة انّ أبا سفيان ذهبت احدى عينيه يوم الطائف وذهبت الآخرى يوم اليرموك ومات فى خلافة عثمان أعمى وكان له ثلاثة أولاد نبلاء أمّ المؤمنين حبيبة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم ويزيد بن أبى سفيان الذى جهزه أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه لغزو الشأم ومشى أبو بكر فى ركابه وكان من خيار الامراء وثالثهم(2/256)
معاوية بن أبى سفيان نائب الشأم وغيره لعمر وعثمان ثم صار بعد علىّ خليفة كذا فى دول الاسلام وفى موضع آخر منه عدّ من أولاده عتبة وقال حج بالناس أخو معاوية عتبة بن أبى سفيان فى سنة احدى وأربعين* وفى سيرة ابن هشام عدّ من أولاده عمرو بن أبى سفيان أسر يوم بدر فقدم مكة من المدينة سعد بن النعمان الانصارى معتمرا فحبسه أبو سفيان حتى خلص ابنه عمرا به ومن أولاده حنظلة وبه كان يكنى أبو سفيان بأبى حنظلة وقتل يوم بدر ومن أولاده الفارعة بنت أبى سفيان بن حرب أخت أم حبيبة فتزوّجها أبو أحمد بن جحش وكان أبو أحمد سلفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أولاده عزة بنت أبى سفيان وهى التى عرضتها أختها أمّ حبيبة على النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال لا تحل لى لمكان أختها أمّ حبيبة* وفى ذخائر العقبى عدّ من أولاده هند بنت أبى سفيان بن حرب وهى التى تزوّجها نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له الحارث الذى يقال له ببه فيكون جملة أولاد أبى سفيان ثمانية خمسة ذكور وثلاث بنات* وتوفى حكيم هذه الامّة وعالم أهل الشأم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الدرداء الانصارى وقد أبلى يوم أحد بلاء عظيما وآخى النبىّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسى وكان أبو الدرداء مقرئ أهل دمشق وقاضيهم يهابه معاوية ويتأدّب معه* وفى الصفوة توفى أبو الدرداء بدمشق سنة اثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان وله عقب بالشأم* وتوفى معه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب كان اسمه فى الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الحارث وقيل عبد الكعبة
ترجمة عبد الرحمن بن عوف
* صفته* انه كان طويلا رقيق البشرة فيه جنأ أبيض مشربا بحمرة ضخم أقنى* وقال ابن اسحاق كان ساقط الثنيتين أعرج أصيب يوم أحد وجرح عشرين جراحة أو أكثر وبعضها فى رجله فعرج كذا فى الصفوة وهو أحد ثمانية سبقوا الخلق الى الاسلام* وفى المختصر الجامع توفى وله خمس وسبعون سنة وكان على ميمنة عمر لما قدم الجابية وافتتح القدس وكان أبيض أعين أقنى ضخم الكفين مليح الوجه لا يغير شيبه هتم يوم أحد وأصيب عشرين جرحا عرج من بعضها وكان تاجرا كثير الاموال بعد ان كان فقيرا باع مرّة أرضاله بأربعين ألف دينار فتصدّق بها كلها وتصدّق مرّة بتسعمائة جمل بأحمالها قدمت من الشأم وأعان فى سبيل الله بخمسمائة فرس عربية وأوصى لكل رجل بقى من أهل بدر بأربعمائة دينار وكانوا يومئذ مائة رجل وقسمت تركته على ستة عشر سهما وكان كل سهم ثمانمائة ألف دينار وعينه عمر فى جملة ستة يصلحون للخلافة من بعده فقام هو بأمر البيعة لعثمان وزوى الامر عن نفسه وعن ابن عمه سعد ومناقبه جمة*
ترجمة العباس عم النبى
ومات العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الوقت* وفى حياة الحيوان مات العباس لست سنين خلون من خلافة عثمان رضى الله عنهما وفى المختصر الجامع فى سنة اثنتين وثلاثين وكان مولده قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين فيكون عمره سبعا وثمانين سنة* وفى المواهب اللدنية توفى العباس فى خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة وقيل لاربع عشرة ليلة خلت من رجب وقيل من رمضان سنة اثنتين وقيل سنة ثلاث وثلاثين وهو ابن ثمانين سنة وقيل سبع وثمانين سنة وقد كف بصره أدرك منها فى الاسلام اثنتين وثلاثين سنة ودفن بالبقيع ودخل قبره ابنه عبد الله وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يحترمه وكذلك أبو بكر وكذلك عمر وكذلك عثمان وكذلك على رضى الله عنهم* وفى المختصر الجامع اذا مرّ بعمر أو بعثمان وهما راكبان ترجلا اجلالا له ومن ذرّيته خلفاء الاسلام*
ترجمة عبد الله بن مسعود
ومات فى هذا الوقت وهو عام اثنتين وثلاثين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكبر خدمه عبد الله بن مسعود الهذلى أحد السابقين الاوّلين وكان يحمل نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلازمه ولقنه رسول الله سبعين سورة وكان من أكابر(2/257)
علماء الصحابة وهو الذى احتز رأس أبى جهل يوم بدر وأتى به النبىّ صلى الله عليه وسلم أقام بالكوفة متوليا على بيت المال وغير ذلك وتفقه به طائفة واتفق انه قدم المدينة فى آخر عمره فمات بها وصلى عليه عثمان قيل انه خلف تسعين ألف دينار وكان قصيرا جدّا* مروياته فى كتب الاحاديث ثمانمائة وأربعون حديثا*
ترجمة أبى ذر الغفارى
ومات بالربذة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ذر الغفارى أحد السابقين أسلم خامس خمسة ثم رجع الى أرض قومه وقدم بعد الهجرة وكان من أكابر العلماء والزهاد كبير الشان كان عطاؤه فى السنة أربعمائة دينار وكان لا يدّخر شيئا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبى ذرّ* وتوفى بحمص فى سنة اثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان كعب الاحبار بن تابع بالمثناة من فوق بن هينوع يكنى أبا اسحاق وهو من حمير من آل ذى رعين كان يهوديا أدرك زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم ولم يره وأسلم فى خلافة أبى بكر وقيل فى خلافة عمر وكان يسكن اليمن وقدم المدينة ثم خرج الى الشأم فسكن حمص وتوفى بها كذا فى الصفوة ومزيل الخلفاء* ومات المقداد بن الاسود الكندى أحد السابقين البدريين فى سنة ثلاث وثلاثين* ومات أبو طلحة الانصارى أحد من شهد بدرا فى سنة أربع وثلاثين وكان ممن تضرب بشجاعته الامثال وكان أكثر الانصار مالا قال أنس قتل أبو طلحة يوم حنين عشرين نفسا وأخذ أسلابهم وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لصوت أبى طلحة فى الجيش خير من فئة وقد مرّ فى غزوة أحد فى الموطن الثالث* وفى الصفوة قال الواقدى أهل البصرة يرون انّ أبا طلحة دفن فى الجزيرة وانما توفى بالمدينة سنة أربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه عثمان* قال ابن الجوزى قلت وما روينا انه صام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يخالف هذا والله أعلم* وفيها مات عبادة بن الصامت الانصارى أحد النقباء بدرى كبير ولى قضاء بيت المقدس وكان طوالا جسيما جميلا من العلماء الجلة* وفى المختصر الجامع وفى أيام عثمان وقع الخلاف فى القراآت وقدم حذيفة بن اليمان وهو حذيفة بن حنسل ويقال حسل بن جابر ابن عمرو بن ربيعة واليمان لقب حسل بن جابر من أرمينيه فقال له أدرك الناس من قبل أن يختلفوا فى الكتاب اختلاف اليهود والنصارى قال وما ذاك قال رأيت أهل العراق يكفرون أهل الشأم فى قراءتهم وأهل الشأم يكفرون أهل العراق فى قراءتهم فأمر زيدا فكتب مصحفا*
(ذكر مقتل عثمان)
* فى دول الاسلام لما وقعت الغزوات واتسعت الدنيا على الصحابة كثرت الاموال حتى كان الفرس يشترى بمائة ألف وحتى كان البستان يباع بالمدينة بأربعمائة ألف درهم وكانت المدينة عامرة كثيرة الخيرات والاموال والناس يجبى اليها خراج الممالك وهى دار الامان وقبة الاسلام فبطر الناس بكثرة الاموال والخيل والنعم وفتحوا أقاليم الدنيا واطمأنوا وتفرّغوا ثم أخذوا ينقمون على خليفتهم عثمان رضى الله عنه لكونه يعطى المال لاقاربه ويوليهم الولايات الجليلة فتكلموا فيه وكان قد صار له أموال عظيمة وله ألف مملوك وآل بهم الامر الى ان قالوا هذا ما يصلح للخلافة وهموا بعزله وثاروا لمحاصرته وجرت أمور طويلة نسأل الله العافية وحاصروه فى داره أياما وكانوا رؤس شر وأهل جفاء* وفى سيرة مغلطاى حاصره الكوفيون وعليهم الاشتر النخعى والبصريون والمصريون وعليهم عبد الرحمن ابن عديس وعمرو بن الحمق وسودان بن حمران ومحمد بن أبى بكر انتهى فتدلى عليه ثلاثة فذبحوه فى بيته والمصحف بين يديه وهو شيخ كبير ابن ثلاث وثمانين سنة وكان ذلك أوّل وهن وبلاء تم على الامّة بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم فانا لله وانا اليه راجعون فقتلوه يوم الجمعة فى ثانى عشر من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين وكذا فى الاستيعاب والاكتفاء* وفى حياة الحيوان وتقرّقت الكلمة بعد قتله(2/258)
رضى الله عنه واقتتلوا للاخذ بثاره حتى قتل من المسلمين تسعون ألفا* قال ابن خلكان وغيره لما بويع عثمان رضى الله عنه نفى أبا ذر الغفارى الى الربذة لانه كان يزهد الناس فى الدنيا وردّ الحكم بن أبى العاص وكان قد نفاه النبى صلى الله عليه وسلم الى الربذة* وفى الرياض النضرة ردّه من الطائف الى المدينة ولم يردّه أبو بكر ولا عمر فردّه عثمان* قيل انما ردّه باذن النبى صلى الله عليه وسلم قاله غير واحد وسيجىء وولى مصر عبد الله بن أبى سرح وأعطى أقاربه الاموال وكان ذلك مما نقم عليه الناس فلما كان سنة خمس وثلاثين قدم المدينة مالك بن الاشتر النخعى فى مائتى رجل من أهل الكوفة ومائة وخمسين من أهل البصرة وستمائة من أهل مصر كلهم مجمعون على خلع عثمان من الخلافة فلما اجتمعوا فى المدينة سير عثمان اليهم المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص ليدعوهم الى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فردّوهما أقبح ردّو لم يسمعوا كلامهما فبعث اليهم عليا فردّهم الى ذلك وضمن لهم ما يعدهم به عثمان وكتبوا على عثمان كتابا بازاحة علتهم والسير فيهم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأخذوا عليه عهدا بذلك وأشهدوا على علىّ انه ضمن ذلك واقترح المصريون على عثمان عزل عبد الله بن أبى سرح وتولية محمد بن أبى بكر فأجابهم الى ذلك وولاه فافترق الجمع كل الى بلده فلما وصل المصريون الى أيلة وجدوا رجلا على نجيب لعثمان ومعه كتاب مختوم بخاتم عثمان مصطنع على لسانه وعنوانه من عثمان الى عبد الله بن أبى سرح وفيه اذا قدم محمد بن أبى بكر وفلان وفلان فاقطع أيديهم وأرجلهم وارفعهم على جذوع النخل فرجع المصريون والبصريون والكوفيون لما بلغهم ذلك وأخبروه الخبر فحلف عثمان انه ما فعل ذلك ولا أمر به فقالوا هذا أشدّ عليك يؤخذ خاتمك ونجيب من ابلك وأنت لا تعلم وما أنت الا مغلوب على أمرك ثم سألوه أن يعتزل فأبى فأجمعوا على حصاره فحصروه فى داره وكان من أشدّهم عليه محمد بن أبى بكر وكان الحصار سلخ شوّال واشتدّ الحصار ومنع من أن يصل اليه الماء* وعن أبى سعيد مولى أبى أسيد الانصارى قال سمع عثمان انّ وفد أهل مصر قد أقبلوا فاستقبلهم فلما سمعوا به أقبلوا نحوه الى المكان الذى هو فيه وقالوا له ادع بالمصحف فدعا بالمصحف وقالوا له افتح السابعة وكانوا يسمون سورة يونس السابعة فقرأ حتى أتى على هذه الاية قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون فقالوا له قف أرأيت ما جمعت من الحمى آلله أذن لك أم على الله تفترى فقال امضه نزلت فى كذا وكذا وأما الحمى فى ابل الصدقة فلما ولدت زادت فى ابل الصدقة فزدت فى الحمى لما زاد فى ابل الصدقة امضه قال فجعلوا يأخذونه باية آية فيقول امضه نزلت فى كذا وكذا فقال لهم ما تريدون فقالوا نأخذ ميثاقك فال فكتبوا عليه شروطا وأخذ عليهم أن لا يشقوا عصا ولا يفارقوا جماعة فأفاء لهم شروطهم وقال لهم ما تريدون قالوا نريد أن لا يأخذ أهل المدينة عطاء قال لا انما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال فرضوا وأقبلوا معه الى المدينة راضين قال فقام وخطب فقال ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه ومن كان له ضرع فليحتلبه ألا وانه لا مال لكم عندنا انما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال فغضب الناس وقالوا هذا مكر بنى أمية قال ثم رجع المصريون فبينما هم فى الطريق اذهم براكب يتعرّض لهم يفارقهم ثم يرجع اليهم ويسيبهم قالوا مالك انّ لك الامان ما شأنك قال أنا رسول أمير المؤمنين الى عامله بمصر قال ففتشوه فاذاهم بكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه الى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم فأقبلوا حتى قدموا المدينة وأتوا عليا فقالوا ألم تر الى عدوّ الله كتب فينا بكذا وكذا وأن الله قد
أحل(2/259)
دمه قم معنا اليه قال والله لا أقوم معكم قالوا فلم كتبت الينا قال والله ما كتبت اليكم كتابا قط فنظر بعضهم الى بعض ثم قال بعضهم لبعض ألهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون فانطلق علىّ فخرج من المدينة الى قرية وانطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا كتبت كذا وكذا فقال انما هما اثنتان أن تقيموا علىّ رحلين شاهدين من المسلمين أو يمينى بالله الذى لا اله الا هو ما كتبت ولا أمليت ولا علمت وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش الخاتم على الخاتم فقالوا والله أحل الله دمك ونقضوا العهد والميثاق فحاصروه فأشرف عليهم ذات يوم وقال السلام عليكم فما سمع أحدا من الناس يردّ عليه الا أن يردّ فى نفسه فقال انشدكم الله هل علمتم انى اشتريت بئر رومة من مالى فجعلت رشائى كرشاء رجل من المسلمين قيل نعم قال فعلام تمنعونى أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر أنشدكم الله هل علمتم انى اشتريت كذا وكذا من الارض فزدتا فى المسجد قيل نعم قال فهل علمتم ان أحدا من الناس منع أن يصلى فيه من قبلى أنشدكم بالله هل سمعتم نبى الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا اشياء فى شأنه عدّدها ورأيته أشرف عليهم مرّة أخرى فوعظهم وذكرهم فلم تأخذ منهم الموعظة وكان الناس تأخذ منهم الموعظة فى أوّل ما يسمعونها فاذا أعيدت عليهم لم تأخذ منهم فقال لامرأته افتحى الباب وفتح المصحف بين يديه وذلك أنه رأى من الليل أنّ نبىّ الله صلى الله عليه وسلم يقول له أفطر عندنا الليلة فدخل عليه رجل فقال بينى وبينك كتاب الله فخرج وتركه ثم دخل عليه آخر فقال بينى وبينك كتاب الله تعالى والمصحف بين يديه فأهوى اليه بالسيف فاتقاه بيده فقطعها فلا أدرى أبانها أم لم يبنها* قال عثمان أما والله انها لاوّل كف خطت المفصل وفى حديث غير أبى سعيد فدخل البخترى فضربه مشقصا فنضح الدم على هذه الاية فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم قال وانها فى المصحف ما حكت* قال فى حديث أبى سعيد فأخذت بنت الفرافصة خاتمه فوضعته فى حجرها وذلك قبل أن يقتل فلما قتل تفاجت عليه فقال بعضهم قاتلها الله ما أعظم عجيزتها فعلم أن أعداء الله لم يريدوا الا الدنيا خرجه أبو حاتم* وذكر ابن قتيبة أنه سار اليه قوم من أهل مصر منهم محمد بن أبى حذيفة بن عتبة بن ربيعة فى جند ومن أهل البصرة حكيم بن جبلة العبدى وسدوس بن عنبس الشنى ونفر من أهل الكوفة فاستعتبوه فأعتبهم وأرضاهم ثم وجدوا بعد انصرافهم كتابا من عثمان عليه خاتمه الى أمير مصر اذا نلت القوم فاضرب أعناقهم فعادوا به الى عثمان فحلف لهم انه لم يأمر ولم يعلم فقالوا انّ هذا عليك شديد يؤخذ خاتمك من غير علمك وراحلتك فان كنت قد غلبت على نفسك فاعتزل فأبى أن يعتزل وأن يقاتل ونهى عن ذلك وأغلق بابه فحصروه اكثر من عشرين يوما وهو فى الدار فى ستمائة رجل ثم دخلوا عليه من دار أبى حزم الانصارى فضربه سيار بن عياض الاسلمى بمشقص فى وجهه فسال الدم على مصحف فى حجره* وأقام للناس الحج فى تلك السنة عبد الله بن عباس وصلى بالناس على بن أبى طالب* وروى عن عبد الله بن سلام انه قال لما حصر عثمان ولى أبو هريرة على الصلاة وكان ابن عباس يصلى أحيانا وأقام للناس الحج فى ذلك العام عبد الله بن عباس وكان عثمان قد حج عشر حجج متواليات خرجه القلعى* وقال الواقدى حاصروه تسعة وأربعين يوما* وقال الزبير حاصروه شهرين وعشرين يوما* وذكر ابن الجوزى فى شرح الصحيحين انّ الذين خرجوا على عثمان هجموا على المدينة وكان عثمان يخرج فيصلى بالناس وهم يصلون خلفه شهرا ثم خرج من آخر جمعة خرج فيها فحصبوه حتى وقع عن المنبر ولم يقدر أن يصلى بهم فصلى بهم يومئذ أبو أمامة بن سهيل بن حنيف* وروى أن جهجاه الغفارى قال له بعد أن حصبوه ونزل عن المنبر والله لنضربنك الى جبل الرمال وأخذ عصا النبىّ صلى الله عليه وسلم وكسرها بركبته فوقعت الاكلة فى ركبته ثم حصروه ومنعوه(2/260)
الصلاة فى المسجد وكان يصلى بهم ابن حديش تارة وكنانة بن بشر أخرى وهما من الخوارج على عثمان فبقوا على ذلك عشرة أيام ثم قتلوه* وفى رواية انهم حصروه أربعين ليلة وطلحة يصلى بالناس* وفى رواية انّ عليا كان يصلى بهم تلك الايام ذكر ذلك كله فى الرياض النضرة* وفيه ذكر طريقا آخر فى مقتله وفيه بيان الاسباب التى نقمت عليه عن ابن شهاب قال قلت لسعيد بن المسيب هل أنت مخبرى كيف كان قتل عثمان وما كان شأن الناس وشأنه ولم خذ له أصحاب محمد قال قتل عثمان مظلوما ومن قتله كان ظالما ومن خذله كان معذورا فقلت وكيف كان ذلك قال لما ولى كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لانّ عثمان كان يحب قومه فولى ثنتى عشرة سنة وكان كثيرا ما يولى بنى أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة وكان يجىء من أمرائه ما يكره أصحاب رسول الله وكان يستغاث عليهم فلا يغيثهم فلما كان فى الستة الحجج الاواخر استأثر بنى عمه فولاهم وأمرهم وولى عبد الله بن أبى سرح مصر فشكا أهل مصر وكان من قبل ذلك من عثمان هنات الى عبد الله بن مسعود وأبى ذرّ وعمار بن ياسر وكانت هذيل وبنو زهرة فى قلوبهم ما فيها لاجل عبد الله بن مسعود وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب لابى ذر فى قلوبهم ما فيها وكانت بنو مخزوم حنقت على عثمان لاجل عمار بن ياسر وجاء أهل مصر يشكون ابن أبى سرح فكتب اليه يهدّده فأبى ابن أبى سرح أن يقبل ما نهاه عنه وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان ومن أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله فخرج جيش أهل مصر فى سبعمائة رجل الى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا الى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه على بن أبى طالب وكان متكلم القوم وقال اذا سألوك رجلا مكان رجل وقد ادّعوا قبله دما فاعزله عنهم وان وجب عليه حق فأنصفهم من عاملك فقال لهم اختاروا رجلا فأشاروا الى محمد بن أبى بكر فكتب عهده وولاه وخرج معهم مدد من المهاجرين والانصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبى سرح فخرج محمد ومن معه فلما كانوا على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة اذاهم بغلام أسود على بعير يخبط الارض خبطا حتى كأنه يطلب أو يطلب فقال له أصحاب محمد ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب فقال لهم أنا غلام أمير المؤمنين وجهنى الى عامل مصر فقال رجل هذا عامل مصر معنا قال ليس هذا الذى أريد فأخبروا بأمره محمد بن أبى بكر فبعث فى طلبه رجالا فأخذوه فجاؤا به اليه فقال غلام من أنت فاعتل مرّة يقول أنا غلام أمير المؤمنين ومرّة يقول أنا غلام مروان فقال له محمد الى من أرسلت قال الى عامل مصر قال بماذا قال برسالة قال معك كتاب قال لا ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا وكان معه اداوة قد يبست وفيها شىء يتقلقل فراوده ليخرجه فلم يخرج فشقوا الاداوة فاذا فيها كتاب من عثمان الى ابن أبى سرح فجمع محمد من كان معه من المهاجرين والانصار وغيرهم ثم فك الكتاب بمحضر منهم فاذا فيه اذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابه وقف على عملك حتى يأتيك أمرى ان شاء الله تعالى فلما قرؤا الكتاب فزعوا ورجعوا الى المدينة وختم محمد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ودفع الكتاب الى رجل منهم وقدموا المدينة فجمعوا طلحة والزبير وعليا وسعدا ومن كان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم فاذا فيه اذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل لقتلهم فقرؤا الكتاب عليهم وأخبروهم بقصة العبد فلم يبق أحد من أهل المدينة الاحنق على عثمان وزاد ذلك من غضب ابن مسعود وأبى ذر وعمار وقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى منازلهم وما منهم من أحد الامغتم وحاصر الناس عثمان فلما رأى ذلك علىّ بعث الى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام(2/261)
والبعير فقال له علىّ هذا الغلام غلامك قال نعم وهذا البعير بعيرك قال نعم قال فأنت كتبت الكتاب قال لا وحلف بالله ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا علمت به ولا وجهت هذا الغلام الى مصر وأما الخط فعرفوا انه خط مروان وسألوه أن يدفعه اليهم وكان معه فى الدار فأبى وخشى عليه القتل فخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده غضابا وعلموا أن عثمان لا يحلف باطلا فحاصره الناس ومنعوه الماء وأشرف على الناس وقال أفيكم علىّ قالوا لا قال أفيكم سعد قالوا لا فقال الا أحد يسقينا ماء فبلغ ذلك عليا فبعث اليه ثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل اليه حتى جرح بسببها عدّة من موالى بنى هاشم وبنى أمية ثم بلغ عليا انهم يريدون قتل عثمان فقالوا انما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا وقال للحسن والحسين اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدا يصل اليه وبعث الزبير ابنه وبعث عدّة من الصحابة أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان ويسألونه اخراج مروان فلما رأى الناس ذلك رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن على بدمائه وأصاب مروان سهم وهو فى الدار وكذلك محمد بن طلحة وشج قنبر مولى علىّ ثم انّ بعض من حضر عثمان خشى أن تغضب بنو هاشم لاجل الحسن والحسين فتنتشر الفتنة فأخذ بيد رجلين وقال ان جاء بنو هاشم ورأوا الدم على وجه الحسن كشف الناس عن عثمان وبطل ما تريدون ولكن اذهبوا بنا نتسوّر الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد فتسوّروا من دار رجل من الانصار حتى دخلوا على عثمان وما يعلم أحد ممن كان معه لانّ كل من كان معه كان فوق البيت ولم يكن معه الا امرأته فقتلوه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها من الجلبة فصعدت الى الناس فقالت انّ أمير المؤمنين قتل فدخل عليه الحسن والحسين ومن كان معهما فوجدوه مذبوحا فانكبوا عليه يبكون ودخل الناس فوجدوا عثمان مقتولا فبلغ عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا وقال علىّ لابنيه كيف قتل أمير المؤمنين وانتما على الباب ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين وشتم محمد بن طلحة ولعن عبد الله بن الزبير وخرج على وهو غضبان فلقيه طلحة فقال مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين وكان يرى انه أعان على قتل عثمان فقال عليك كذا وكذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرى لم تقم عليه بينة ولا حجة فقال طلحة لو دفع مروان لم يقتل فقال علىّ لو أخرج اليكم مروان لقتل قبل أن تثبت عليه حكومة وخرج علىّ فأتى منزله وجاء الناس كلهم الى علىّ ليبايعوه فقال لهم ليس هذا اليكم انما هو الى أهل بدر فمن رضى به أهل بدر فهو الخليفة فلم يبق أحد من أهل بدر الا قال ما نرى أحق بها منك* فلما رأى علىّ ذلك جاء الى المسجد فصعد المنبر وكان أول من صعد اليه وبايعه طلحة والزبير وسعد وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وطلب مروان فهرب وطلب نفر من ولد بنى مروان وبنى ابن أبى معيط فهربوا أخرجه السمانى فى كتاب الموافقة* وعن شدّاد بن أوس انه قال لما اشتدّ الحصار بعثمان رضى الله عنه يوم الدار رأيت عليا خارجا من منزله معتما بعمامة رسول الله متقلدا سيفه وأمامه ابنه الحسن والحسين وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم فى نفر من المهاجرين والانصار فحملوا على الناس وفرّقوهم ثم دخلوا على عثمان فقال علىّ السلام عليك يا أمير المؤمنين انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلحق هذا الامر حتى ضرب بالمقبل المدبر وانى والله لا أرى القوم الا قاتلوك فمرنا فلنقاتل فقال عثمان انشد الله رجلا رأى لله عز وجل عليه حقا وأقرّ أن لى عليه حقا أن يهريق فى سببى ملء محجمة من دم أو يهريق دمه فىّ فأعاد على رضى الله عنه القول فأجاب عثمان بمثل ما أجاب فرأيت عليا خارجا من الباب وهو يقول
اللهم(2/262)
انك تعلم انا قد بذلنا المجهود ثم دخل المسجد* وفى الرياض النضرة وحضرت الصلاة فقالوا يا أبا الحسن تقدّم فصل بالناس فقال لا أصلى بكم والامام محصور ولكن أصلى وحدى انتهى ثم اقتحموا على عثمان الدار والمصحف بين يديه؟؟؟ فأخذ محمد بن أبى بكر بلحيته فقال له عثمان يا ابن أخى فو الله لو رأى أبوك مقامك هذا الساءه فأرسل لحيته وولى وضربه يسار بن علياص أو سيار ابن عياض الاسلمى وسودان بن حمران بسيفيهما فنضح الدم على قوله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم* وفى رواية وجلس عمرو بن الحمق على صدره وضربه حتى مات ووطئ عمير بن صابئ على بطنه فكسر له ضلعين من أضلاعه* وفى الاستيعاب روى سعيد المقبرى عن أبى هريرة وكان محصورا مع عثمان فى الدار قال رمى رجل منا فقلت يا أمير المؤمنين الان طاب الضراب قتلوا منا رجلا قال عزمت عليك يا أبا هريرة الا رميت بسيفك فانما يراد نفسى وسأقى المؤمنين بنفسى* قال أبو هريرة فرميت سيفى لا أدرى اين هو حتى الساعة* وفى الرياض النضرة قال ألقيته فما أدرى من أخذه ثم دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال يا امير المؤمنين انّ هؤلاء القوم اجتمعوا عليك وهموا بك فان شئت أن تلحق بمكة* وفى رواية عن المغيرة انه قال لعثمان امّا أن تخرق بابا سوى الباب الذى هم عليه فتقعد على راحلتك وتلحق بمكة فانهم لم يستحلوك وأنت بها وان شئت تلحق بالشأم فانّ بها معاوية وان شئت فاخرج الى هؤلاء القوم فقاتلهم فانّ معك عددا وقوّة وأنت على الحق وهم على الباطل فقال عثمان أمّا أن أخرج وأقاتل فلن أكون أوّل من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمّته بسفك الدماء وأمّا أن أخرج الى مكة فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يلحد رجل من قريش بمكة يكون عذابه نصف عذاب العالم فلن أكون أنا وأمّا ان ألحق بالشأم وفيها معاوية فلن أفارق دار هجرتى ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الرياض النضرة وكان معه فى الدار ممن يريد الدفع عنه عبد الله بن عمر وعبد الله بن سلام وعبد الله بن الزبير والحسن بن على وأبو هريرة ومحمد بن حاطب وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم فى طائفة من الناس منهم المغيرة بن الاخنس ويومئذ قتل المغيرة بن الاخنس قبل قتل عثمان* وفى أسد الغابة لما طال حصره والذين حصروه من أهل مصر والبصرة والكوفة ومعهم بعض أهل المدينة أرادوه أن ينزع نفسه من الخلافة فلم يفعل وخافوا أن تأتيه الجيوش من أهل الشأم والبصرة وغيرهما فيأتى الحجاج فيهلكوهم فتسوّروا عليه من دار أبى الحزم الانصارى فقتلوه* وفى الاستيعاب وكان أوّل من دخل عليه الدار محمد بن أبى بكر فأخذ بلحيته فقال له دعها يا ابن أخى فو الله لقد كان أبوك يكرمها فاستحيا وخرج وفى رواية فلما دخل أخذ بلحيته وهزها وقال ما أغنى عنك معاوية وما أغنى عنك ابن أبى سرح وما أغنى عنك عبد الله بن عامر فقال يا ابن أخى أرسل لحيتى فو الله لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا منى فيقال انه حينئذ تركه وخرج عنه ويقال حينئذ أشار الى من معه فطعنه واحد منهم فقتلوه انتهى* قال ولما خرج محمد دخل رومان بن سرحان رجل أزرق قصير محدود عداده فى مراد وهو من ذى أصبح معه خنجر فاستقبله به وقال على أىّ دين أنت يا نعثل فقال لست بنعثل ولكنى عثمان بن عفان وأنا على ملة ابراهيم حنيفا مسلما وما أنا من المشركين قال كذبت وضربه على صدغه الايمن* وفى الرياض النضرة على صدغه الايسر فقتله فخرّ فأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها وكانت امرأة جسيمة ودخل رجل من أهل مصر ومعه السيف صلتا فقال والله لاقطعنّ أنفه فعالج المرأة فكشف عن ذراعيها* وفى الرياض النضرة فعالجت امرأته وقبضت على السيف فقطع يدها فقالت لغلام لعثمان يقال له رباح ومعه سيف عثمان أعنى على هذا(2/263)
وأخرجه عنى فضربه الغلام بالسيف فقتله* وفى أسد الغابة اختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل محمد ابن أبى بكر ضربه بمشقص وقيل بل حبسه محمد بن أبى بكر وأشغره غيره وكان الذى قتله سودان بن حمران وقيل بل قتله رومان اليمامى وقيل بل رومان رجل من بنى أسد بن خزيمة وقيل بل أسود التجيبى من أهل مصر ويقال جبلة بن الايهم رجل من أهل مصر وقيل سودان بن رومان المرادى ويقال ضربه التجيبى ومحمد بن أبى حذيفة وهو يقرأ فى المصحف سورة البقرة وقطرت قطرة من دمه على فسيكفيكهم الله وكان صائما يومئذ* وفى أسد الغابة عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال تقتل وأنت مظلوم وتسقط قطرة من دمك على فسيكفيكهم الله قال انها الى الساعة لفى المصحف والله أعلم*
(ذكر تاريخ قتله)
* ولا خلاف بينهم فى انه قتل فى ذى الحجة وانما الخلاف فى أىّ يوم منه قتل* قال الواقدى قتل بالمدينة يوم الجمعة لثمان أو سبع خلت من ذى الحجة يوم التروية سنة خمس وثلاثين من الهجرة ذكره المدائنى عن أبى معشر عن نافع* وعن أبى عثمان النهدى قتل فى وسط أيام التشريق وقيل انه قتل يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذى الحجة وقد روى ذلك عن الواقدى أيضا* وفى الصفوة حصر فى منزله أياما ثم دخلوا عليه فقتلوه يوم الجمعة لثلاث عشرة أو لثانى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة* وقال ابن اسحاق قتل عثمان على رأس احدى عشرة سنة واحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه وعلى رأس خمس وعشرين سنة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاربعاء بعد العصر ودفن يوم السبت بعد الظهر ذكره فى الرياض النضرة* وفى أسد الغابة عن أبى سعيد مولى عثمان بن عفان انّ عثمان أعتق عشرين مملوكا وهو محصور ودعا بسراويل فشدّها عليه ولم يلبسها لا فى جاهلية ولا فى اسلام وقال انى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة فى المنام ورأيت أبا بكر وعمر فقالوا لى اصبر فانك تفطر عندنا القابلة ثم دعا بمصحف فنشر بين يديه فقتل وهو بين يديه* وعن عائشة رضى الله عنها انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لعثمان لعلّ الله يقمصك قميصا فان أرادوك على خلعه فلا تخلع لهم وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعى لى بعض أصحابى قلت أبا بكر قال لا فقلت عمر فقال لا فقلت ابن عمك فقال لا فقلت له عثمان قال نعم فلما جاء قال لى بيده فتنحيت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسارّه ولون عثمان يتغير فلما كان يوم الدار وحصر قيل ألا تقاتل قال لا انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الىّ عهدا وأنا صابر نفسى عليه* وعن كنانة مولى صفية بنت حيى بن أخطب قال شهدت مقتل عثمان رضى الله عنه فاخرج من الدار امامى أربعة من قريش مضرجين بالدم أى ملطخين محمولين كانوا مع عثمان فى الدار يدرؤن عنه وهم الحسن ابن على وعبد الله بن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان بن الحكم كذا فى الاكتفاء* وقال محمد بن طلحة قلت لكنانة مولى صفية هل بدأ محمد بن أبى بكر بشىء من دم عثمان قال معاذ الله دخل عليه فقال له عثمان يا ابن أخى لست بصاحبى وكلمه بكلام فخرج عنه ولم يبدأ بشىء من دمه قال قلت لكنانة من قتله قال قتله رجل من أهل مصر يقال له جبلة بن الايهم ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول أنا قاتل نعثل* وعن أبى جعفر الانصارى قال دخلت مع المصريين على عثمان فلما ضربوه خرجت اشتدّ حتى ملأت فروجى عدوا حتى دخلت المسجد فاذا رجل جالس فى نحو عشرة وعليه عمامة سوداء فقال ويحك ما وراءك قلت قد والله فرغ من الرجل قال تبالك آخر الدهر فنظرت فاذا هو على بن أبى طالب خرجه القلعى وخرجه ابن السمان* ولفظه قال لما دخل على عثمان يوم الدار خرجت فملأت فروجى مجتازا بالمسجد فاذا رجل قاعد فى ظلة النساء عليه عمامة سوداء وحوله نحو من عشرة فاذا هو على فقال ما صنع الرجل قلت قتل الرجل قال تبالهم آخر الدهر كذا ذكرهما فى الرياض النضرة*
(ذكر دفنه
واين دفن وكم أقام حتى(2/264)
دفن ومن دفنه ومن صلى عليه) * فى الرياض النضرة قال أبو عمر ولما قتل عثمان أقام مطروحا يومه ذلك الى الليل فحمله رجال على باب ليدفنوه فعرض لهم ناس ليمنعوه من دفنه فوجدوا قبرا كان حفر لغيره فدفنوه فيه وصلى عليه جبير بن مطعم* وقال الواقدى وغيره حمل على لوح وصلى عليه جبير بن مطعم فى ثلاثة نفر هو رابعهم وقيل المسور بن مخرمة وقيل حكيم بن حزام وقيل الزبير وكان أوصى اليه رواه أحمد وقيل ابنه عمرو بن عثمان ذكره القلعى* وعن عروة انه قال أرادوا أن يصلوا على عثمان فمنعوا فقال رجل من قريش وهو أبو جهم بن حذيفة دعوه فقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجه القلعى* قال الواقدى دفن ليلا ليلة السبت فى موضع أو قال فى أرض يقال له حش كوكب وأخفى قبره وكوكب رجل من الانصار والحش البستان كان عثمان قد اشتراه وزاده البقيع فكان أوّل من قبر فيه* قال مالك وكان عثمان مرّ بحش كوكب فقال انه سيدفن ههنا رجل صالح خرجه القلعى ذكره فى الاستيعاب والرياض النضرة* وقيل انّ الذين تولوا تجهيزه كانوا خمسة أو ستة جبير بن مطعم وحكيم بن حزام ويسار بن مكرم وزوجتا عثمان نائلة بنت الفرافصة وأمّ البنين بنت عقبة ونزل يسار وأبو حهم وجبير فى قبره وكان حكيم ونائلة وأمّ البنين يدلونه فلما دفنوه غيبوا قبره* وعن الحسن قال شهدت عثمان بن عفان دفن فى ثيابه بدمائه خرجه فى الصفوة كذا فى الرياض النضرة وعن ابراهيم بن عبد الله بن فروخ عن أبيه مثله وكذا رواه عبد الله بن الامام أحمد فى زيادات المسند وزاد فيه ولم يغسل كذا فى مورد اللطافه* وخرج البخارى والبغوى فى معجمه ولم يغسل كذا فى الرياض النضرة وذكر الخجندى انه أقام فى حش كوكب ثلاثا مطروحا لا يصلى عليه حتى هتف بهم هاتف ادفنوه ولا تصلوا عليه فانّ الله عز وجل قد صلى عليه وقيل صلى عليه وغشيهم فى الصلاة وفى دفنه سواد فلما فرغوا منه نودوا أن لاروع عليكم اثبتوا وكانوا يرون انهم الملائكة* وروى محمد بن عبد الله بن الحكيم وعبد الملك بن الماجشون عن مالك قال لما قتل عثمان ألقى على المزبلة ثلاثة أيام فلما كان فى الليل أتاه اثنا عشر رجلا منهم حويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وجدّى فاحتملوه فلما صاروا به الى المقبرة ليدفنوه فاذاهم بقوم من بنى مازن قالوا والله لئن دفنتموه ههنا لنخبرنّ الناس غدا فاحتملوه وكان على باب وانّ رأسه على الباب يقول طق طق حتى صاروا به الى حش كوكب فاحتفروا له وكانت عائشة ابنة عثمان معها مصباح فى حق فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت فقال لها ابن الزبير والله لئن لم تسكتى لاضربن الذى فيه عيناك فسكتت فدفنوه خرجه القلعى كذا فى الرياض النضرة*
(ذكر شهود الملائكه عثمان)
* عن سهل بن خنيس وكان ممن شهد قتل عثمان قال لما أمسينا قلت لئن تركتم صاحبكم حتى يصبح مثلوا به فانطلقنا به الى بقيع الغرقد فامكنا له من جوف الليل ثم حملناه فغشينا سواد من خلفنا فهبناهم حتى كدنا أن نتفرّق فاذا مناد ينادى لاروع عليكم اثبتوا فانا جئنا لنشهد معكم وكان ابن خنيس يقول هم الملائكة خرجه الضحاك*
(ذكر مدّة خلافته)
* قال ابن اسحاق كانت مدّة خلافته اثنتى عشرة سنة* وقال غيره وكانت خلافته احدى عشرة سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما كذا فى الرياض النضرة* وفى دول الاسلام كانت دولته اثنتى عشرة سنة وتفرّقت الكلمة بعد قتله وماج الناس واقتتلوا للاخذ بثاره حتى قتل من المسلمين تسعون ألفا* (ذكر سنه) * واختلف فى سنه حين قتل قال ابن اسحاق قتل وهو ابن ثمانين سنة وقال غيره قتل وهو ابن ثمان وثمانين وقيل ابن تسعين سنة وأعلى ما قيل فى ذلك خمس وتسعون سنة وقال قتادة قتل عثمان وهو ابن ست وثمانين سنة* وقال الواقدى لا خلاف عندنا انه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وهو قول أبى اليقظان* مروياته فى كتب الاحاديث مائة وستة وأربعون(2/265)
حديثا*
(ذكر ما نقم على عثمان مفصلا والاعتذار عنه بحسب الامكان)
* وذلك أمور (الاوّل) ما نقموا عليه من عزله جمعا من الصحابة منهم أبو موسى عزله عن البصرة وولاها عبد الله بن عامر ومنهم عمرو بن العاص عزله عن مصر وولى عبد الله بن أبى سرح وكان قد ارتدّ فى زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم ولحق بالمشركين فأهدر النبىّ صلى الله عليه وسلم دمه بعد الفتح الى ان أخذ له عثمان الامان ثم أسلم ومنهم عمار بن ياسر عزله عن الكوفة ومنهم المغيرة بن شعبة عزله عن الكوفة أيضا وأشخصه الى المدينة* جوابه أمّا عزل أبى موسى فكان عذره فى عزله أوضح من أن يذكر فانه لو لم يعزله لاضطربت البصرة والكوفة وأعمالهما للاختلاف الواقع بين جند البلدين* وقصته انه كتب الى عمر فى أيامه يسأله المدد فامدّه بجند الكوفة فأمرهم أبو موسى حين قدومهم عليه برامهرمز فذهبوا اليها ففتحوها وسبوا نساءها وذراريها فحمدهم على ذلك وكره نسبة الفتح الى جند الكوفة دون جند البصرة فقال لهم انى كنت أعطيتهم الامان وأجلتهم ستة أشهر فردّوا عليهم فوقع الخلاف فى ذلك بين الجندين وكتبوا الى عمر فكتب عمر الى صالحاء جند أبى موسى مثل البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وعمر ان بن حصين وأنس بن مالك وسعيد بن عمرو الانصارى وأمثالهم وأمرهم أن يستحلفوا أبا موسى فان حلف انه أعطاهم الامان وأجلهم ردّوا عليهم فاستحلفوه فحلف وردّ السبى عليهم وانتظر بهم أجلهم وبقيت قلوب الجند حنقة على أبى موسى ثم رفع على أبى موسى الى عمر وقيل له لو أعطاهم الامان لعلم ذلك فاستحضره عمر وسأله عن يمينه فقال ما حلفت الا على حق قال فلم أمرت الجند اليهم حتى فعلوا ما فعلوا وقد وكلنا أمرك فى يمينك الى الله تعالى فارجع الى عملك فليس نجد الان من يقوم مقامك ولعلنا ان وجدنا من يكفينا عملك وليناه فلما مضى عمر لسبيله وولى عثمان شكا جند البصرة الشيخ أبا موسى وشكا جند الكوفة ما نقموا عليه فخشى عثمان ممالأة الفريقين على أبى موسى فعزله عن البصرة وولاها أكرم الفتيان عبد الله بن عامر بن كريز وكان من سادات قريش وهو الذى سقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ريقه حين حمل اليه طفلا فى مهده* وأمّا عمرو بن العاص فانما عزله لانّ أهل مصر أكثروا شكايته وكان عمر قبل ذلك عزله لشئ بلغه عنه ولما أظهر توبته ردّه لذلك ثم عزله عثمان لشكاية رعيته كيف والروافض يزعمون انّ عمروا كان منافقا بالاسلام فقد أصاب عثمان فى عزله فكيف يعترض على عثمان بما هو مصيب عندهم وأمّا توليته عبد الله بن أبى سرح فمن حسن النظر عنده لانه تاب وأصلح عمله وكان له فيما ولاه آثار محمودة فانه فتح من تلك النواحى طائفة كثيرة حتى انتهى فى اغارته الى الجزائر التى فى بحر بلاد المغرب وحصل فى فتوحه ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار سوى ما غنمه من صنوف الاموال وبعث بالخمس منها الى عثمان وفرّق الباقى فى جنده وكان فى جنده جماعة من الصحابة ومن أولادهم كعقبة بن عامر الجهنى وعبد الرحمن بن أبى بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص قاتلوا تحت رايته وأدّوا طاعته ووجدوه أقوم بسياسة الامر من عمرو بن العاص ثم أبان عن حسن رأى فى نفسه عند وقوع الفتنة حين قتل عثمان فانه اعتزل الفريقين ولم يشهد مشهدا ولم يقاتل أحدا بعد قتال المشركين وأمّا عمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة فأخطاؤا فى ظنّ عزل عمار فانه لم يعزله وانما عزله عمر كان أهل الكوفة قد شكوه فقال عمر من يعذرنى من أهل الكوفة ان استعملت عليهم تقيا استضعفوه وان استعملت عليهم قويا فجروه ثم عزله وولى المغيرة بن شعبة فلما ولى عثمان شكوا المغيرة اليه وذكروا انه ارتشى فى بعض أموره فلما رأى ما وقر عندهم منه استصوب عزله عنهم ولو كانوا مفترين عليه والعجب من هؤلاء الرافضة كيف ينقمون على عثمان عزل المغيرة وهم يكفرون المغيرة على انا نقول ما زال ولاة الامر قبله وبعده يعزلون من عمالهم مارأوا عزله ويولون ما رأوا توليته(2/266)
بحسب ما تقتضيه أنظارهم عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد عن الشأم وولى أبا عبيدة وعزل عمار عن الكوفة وولاها المغيرة بن شعبة وعزل علىّ قيس بن سعد عن مصر وولاها الاشتر النخعى ألا ترى الى معاوية وكان ممن ولاه عمر لما ضبط الجزيرة وفتح البلاد الى حدود الروم وفتح جزيرة قبرس وغنم منها مائة ألف رأس سوى ما غنم من البياض وأصناف المال وحمدت سيرته وسراياه أقرّه على ولايته وأمّا ابن مسعود فسيأتى الاعتذار عنه فيما بعد* (الثانى) * ما ادّعوه عليه من الاسراف فى بيت المال وذلك مأمور منها انّ الحكم بن العاص لما ردّه من الطائف الى المدينة وقد كان طرده النبىّ صلى الله عليه وسلم وصله من بيت المال بمائة ألف درهم وجعل لابنه الحارث سوق المدينة يأخذ منها عشور ما يباع فيها* ومنها انه وهب لمروان خمس افريقية* ومنها انّ عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبى العيص قدم عليه فوصله بثلثمائة ألف درهم* ومنها ما رواه أبو موسى قال كنت اذا أتيت عمر بالمال والحلية من الذهب والفضة لم يلبث أن يقسمه بين المسلمين حتى لا يبقى منه شئ فلما ولى عثمان أتيته به فكان يبعث به الى نسائه وبناته فلما رأيت ذلك أرسلت دمعى وبكيت فقال ما يبكيك فذكرت له صنيعه وصنيع عمر فقال رحمه الله كان حسنة وانا حسنة ولكل ما اكتسب* قال أبو موسى انّ عمر كان ينزع الدرهم الفرد من الصبىّ من أولاده فيردّه فى مال الله ويقسم بين المسلمين فأراك أعطيت بناتك مجمرا من ذهب مكللا باللؤلؤ والياقوت وأعطيت الآخرى درّتين لا يعرف قيمتهما فقال انّ عمر عمل برأيه ولا يألو عن الخير وأنا أعمل برأيى ولا آلو عن الخير وقد أوصانى الله بذوى قراباتى وأنا مستوص بهم أبرّهم* ومنها انه أنفق أكثر بيت المال فى ضياعه ودوره التى اتخذها لنفسه ولا ولاده وكان عبد الله بن أرقم ومعيقيب على بيت المال فى زمان عمر فلما رأيا ذلك استعفيا فعزلهما وولى زيد بن ثابت وجعل المفاتيح بيده فقال له يوما وقد فضل فى بيت المال فضلة فقال خذها فهى لك فأخذها زيد وكانت أكثر من مائة ألف درهم* جوابه أمّا ما ادّعوه عليه من اسرافه فى بيت المال فأكثر ما نقلوه عنه مفترى عليه مختلق وما صح منه فعذره فيه واضح وأمّا ردّه الحكم الى المدينة فقد روى انه كان استأذن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ردّه الى المدينة فوعده بذلك فلما ولى أبو بكر سأله عثمان ذلك فقال كيف أردّه اليها وقد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عثمان ذلك قال انى لم أسمعه يقول لك ذلك ولم يكن مع عثمان بينة على ذلك فلما ولى عمر سأله ذلك فأبى ولم يريا الحكم بقول واحد فلما ولى عثمان قضى بعلمه وهو قول أكثر الفقهاء وهو مذهب عثمان وهذا بعد أن تاب وأصلح عما كان طرد لاجله واعانة التائب مما يحمد وأمّا صلته من بيت المال بمائة ألف فلم يصح وانما الذى صح انه زوّج ابنته من ابن الحارث بن الحكم وبذل لهما من مال نفسه مائة ألف درهم وكان ذاثروة فى الجاهلية والاسلام وكذلك ابنته أمّ أبان بن الحكم وجهزها من خاص ماله بمائة ألف لا من بيت المال وهذه صلة رحم يحمد عليها* وأمّا طعنهم على عثمان انه وهب خمس افريقية من مروان بن الحكم فهو غلط منهم وانما المشهور فى القصة انّ عثمان كان جهز ابن أبى السرح أميرا على الالف من الجند وحضر القتال بافريقية فلما غنمه المسلمون أخرج ابن أبى السرح الخمس من الذهب وهو خمسمائة ألف دينار فأنفذها الى عثمان وبقى من الخمس أصناف من الاثاث والمواشى مما يشق حمله الى المدينة فاشتراها مروان بمائة ألف درهم ونقد أكثرها وبقيت منه بقية ووصل الى عثمان مبشرا بفتح افريقية وكانت قلوب المسلمين مشغولة خائفة أن يصيب المسلمين من أمر افريقية نكبة فوهب له عثمان ما بقى جزاء ببشارته وللامام أن يصل المبشر من بيت المال بما يرى على قدر مراتب البشارة* وأمّا ما ذكروه من صلة عبد الله ابن خالد بن أسيد بثلثمائة
ألف درهم فانّ أهل مصر عاتبوه على ذلك لما حاصروه فأجابهم بانه استقرض(2/267)
له ذلك من بيت المال وكان يحتسب لبيت المال ذلك من مال نفسه حتى وفاه وأما دعواهم انه جعل للحارث بن الحكم سوق المدينة يأخذ عشر ما يباع فيه فغير صحيح وانما جعل اليه سوق المدينة ليراعى أمر المثاقيل والموازين فتسلط يومين أو ثلاثة على باعة النوى واشتراه لنفسه فلما رفع ذلك الى عثمان أنكر عليه وعزله وقال لاهل المدينة انى لم آمره بذلك ولا عتب على السلطان فى جور بعض العمال اذا استدرك بعد علمه وقد روى انه جعله على سوق المدينة وجعل له كل يوم درهمين وقال لاهل المدينة اذا رأيتموه سرق شيئا فخذوه منه وهذا غاية الانصاف* وأما قصة أبى موسى فلا يصح شئ منها فانه رواه ابن اسحاق عن من حدّثه عن أبى موسى ولا يصح الاستدلال برواية المجهول وكيف يصح ذلك وأبو موسى ما ولى لعثمان عملا الا فى آخر السنة التى قتل فيها ولم يرجع اليه فانه لما عزله عن البصرة بعبد الله بن عامر لم يتول شيئا من أعماله الى ارسال أهل الكوفة اليه فى السنة التى قتل فيها أن يوليه الكوفة فولاه اياها ولم يرجع اليه ثم يقال للخوارج والروافض انكم تكفرون أبا موسى وعثمان فلا حجة فى دعوى بعضهم على بعض* وأمّا عزل ابن أرقم ومعيقيب عن ولاية بيت المال فانهما أسنا وضعفا عن القيام بحفظ بيت المال وقد روى انّ عثمان لما عزلهما خطب الناس وقال ألا انّ عبد الله بن أرقم لم يزل على جرايتكم من زمن أبى بكر وعمر الى اليوم وانه كبر وضعف وقد ولينا عمله زيد بن ثابت وأمّا ما نسبوه اليه من صرف بيت المال فى عمارة دوره وضياعه المختصة به فبهتان افتروه عليه وكيف وهو من أكثر الصحابة مالا وكيف يمكنه ذلك بين أظهر الصحابة مع انه الموصوف بكثرة الحياء وان الملائكة تستحيى منه لفرط حيائه أعاذنا الله من فرطات الجهل وموبقات الهوى آمين* وأما قولهم انه دفع الى زيد ما فضل من بيت المال فافتراء واختلاق بل الصحيح انه أمر بتفرقة المال على أصحابه ففضل فى بيت المال ألف درهم فأمر بانفاقها فيما يراه أصلح للمسلمين فأنفقها زيد على عمارة مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد ما زاد عثمان فى المسجد زيادة وكل واحد منهما مشكور محمود على فعله* (الثالث) * انهم قالوا حبس عن عبد الله بن مسعود وأبى ذرّ عطاءهما وأخرج أبا ذرّ الى الربذة وكان بها الى ان مات وأوصى الى الزبير وأوصاه ان يصلى عليه ولا يستأذن عثمان لئلا يصلى عليه فلما دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبيهم خمس سنين* جوابه أما ما ادّعوه من حبس عطاء ابن مسعود فكان ذلك فى مقابلة ما بلغه عنه ولم تزل الائمة على مثل ذلك وكل منهما مجتهد فاما مصيبان أو مخطىء ومصيب ولم يكن قصد عثمان حرمانه البتة وأمّا التأخير الى غاية اقتضى نظره التأخير اليها أدبا فلما قضى عليه امّا مع حصول تلك الغاية أو دونها وصل به ورثته ولعله كان انفع لهم* (الرابع) * ما روى انه حمى نقيع المدينة ومنع الناس وزاد فى الحمى أضعاف النقيع* جوابه أمّا قصة الحمى فهذا ما كان اعترض به أهل مصر عليه فأجابهم بأنه انما حمى لابل الصدقة كما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا انك زدت قال زدت لانّ ابل الصدقة زادت وليس هذا مما ينقم على الامام* (الخامس) * قالوا انه حمى سوق المدينة فى بعض ما يباع ويشترى فقال لا يشترى منه أحد النوى حتى يشترى وكيله حتى يفرغ من شراء ما يحتاج اليه عثمان لعلف ابله* جوابه أمّا انه حمى سوق المدينة الى آخر ما قرّر فهذا مما تقوّل عليه واختلق ولا أصل له ولم يصح الا ما تقدّم من حديث الحارث بن الحكم ولعله لما فعل ذلك نسبوه الى عثمان وعلى تقدير صحة ذلك يحمل على انه فعله لابل الصدقة وألحقه بحمى المرعى لها لانه فى معناه* (السادس) * زعموا انه حمى البحر من أن تخرج فيه سفينة الا فى تجارته* جوابه أما حمى البحر فعلى تقدير صحة نقل فيها يحمل على انها كانت ملكا له لانه كان منبسطا فى التجارات متسع المال فى الجاهلية والاسلام فما حمى البحر وانما حمى سفنه أن
يحمل فيها متاع غير متاعه* (السابع) * انه أقطع أصحابه(2/268)
اقطاعات كثيرة من بلاد الاسلام مما لم يكن له فعله* جوابه امّا اقطاعه كثيرا من أصحابه الى آخره فعنه جوابان* الاوّل انّ ذلك كان اذنا منه فى الاحياء فأحيا كل ما قدر عليه من موات أرض العراق ومن أحيا أرضا ميتة فهى له* والثانى انّ أصحاب السير ذكروا انّ الاشراف من أهل اليمن قدموا المدينة وهجروا بلادهم وأموالهم وأحبوا أن يقيموا تجاه الاعداء وسألوه أن يعوّضهم عما تركوه من أراضيهم وأموالهم مثلها فأعطى طلحة موضعا وأخذ منه ماله بحضر موت وأعطى الاشعث بن قيس ضيعة وأخذ ماله بكندة وهكذا كل من أعطى شيئا فانما هو بشىء صار للمسلمين وفعل ذلك لما رأى من المصلحة اما اجارة ان قلنا أن أراضى السواد وقف أو تمليكا ان قلنا انها ملك* (الثامن) * انه نفى جماعة من أعلام الصحابة عن أوطانهم منهم أبو ذرّ الغفارى جندب بن جنادة وقصته فيما نقلوه انه كان بالشأم فلما بلغه ما أحدث عثمان ذكر عيوبه للناس فكتب معاوية الى عثمان أن أبا ذرّ يفسد عليك الناس فكتب اليه عثمان أن أشخصه الىّ على مركب وعروسائق عنيف فأشخصه معاوية على تلك الصورة فلما وصل الى عثمان قال له تفسد علىّ قال له أبو ذرّ أشهد لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا بلغ بنو أبى العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباد الله خولا ودين الله دغلا ثم يريح الله العباد منهم فقال عثمان لمن بحضرته من المسلمين أسمعتم هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا فدعا عثمان عليا فسأله عن الحديث فقال لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبى ذرّ فاغتاظ عثمان وقال لابى ذرّ اخرج من هذه البلدة فخرج منها الى الربذة فكان بها الى أن مات رحمه الله* جوابه أما ما ادّعوه من نفى جماعة من الصحابة فأما أبو ذرّ فروى انه كان يتجاسر عليه ويجيبه بالكلام الخشن ويفسد عليه ويثير الفتنة وكان يؤدّى ذلك التجاسر عليه الى اذهاب هيبته وتقليل حرمته ففعل ما فعل به صيانة لمنصب الشريعة واصانة لحرمة الدين وكان عذر أبى ذرّ فيما كان يفعله انه كان يدعوه الى ما كان عليه صاحباه من التجرّد عن الدنيا والزهد فيها فيخالفه الى أمور مباحة من اقتنائه الاموال وجمعه الغلمان الذين يستعان بهم على الحروب وكل منهما على هدى من الله ولم يزل أبو ذرّ ملازما طاعة عثمان بعد خروجه الى الربذة حتى توفى ولما قدم اليها كان لعثمان غلام يصلى بالناس فقدّم أبا ذرّ للصلاة فقال له أنت الوالى والوالى أحق* هذا كله على تقدير صحة ما نقله الروافض فى قصة أبى ذرّ مع عثمان والا فقد روى محمد بن سيرين خلاف ذلك فقال لما قدم أبو ذرّ من الشأم استأذن عثمان فى لحوقه بالربذة فقال أقم عندى تغدى عليك اللقاح وتروح فقال لا حاجة لى فى الدنيا فأذن له فى الخروج الى الربذة* وروى قتادة انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لابى ذرّ اذا رأيت المدينة بلغ بناؤها سلعا فاخرج منها وأشار الى الشأم فلما كان فى ولاية عثمان بلغ بناؤها سلعا فخرج الى الشأم وأنكر على معاوية أشياء فشكا الى عثمان فكتب عثمان الى أبى ذرّ أقبل الينا فنحن أرعى لحقك وأحسن جوارا من معاوية فقال أبو ذرّ سمعا وطاعة فقدم على عثمان ثم استاذن فى الخروج الى الربذة فاذن له فمات ورواية هذين الامامين العالمين من التابعين وأهل السنة هذه القصة أشبه بأبى ذرّ وعثمان من رواية غيرهما من أهل البدعة* (التاسع) * ان عبادة بن الصامت كان بالشأم فى جند فمر عليه قطار جمال تحمل خمرا فقيل له انها خمر تباع لمعاوية فأخذ شفرة وقام اليها فما ترك منها راوية الاشقها ثم ذكر لاهل الشأم سوء سيرة عثمان ومعاوية فكتب معاوية الى عثمان يشكوه وسأل اشخاصه الى المدينة فبعث اليه فاستدعاه فلما دخل عليه قال مالك يا عبادة تنكر علينا وتخرج من طاعتنا فقال عبادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طاعة لمن عصى الله(2/269)
تعالى* جوابه أما قصة عبادة بن الصامت فهى دعوى باطلة وكذب مختلق وما شكا معاوية عبادة ولا أشخصه عثمان والامر على خلاف ذلك فيما رواه الثقات من اتفاقهم ورجوع بعضهم الى بعض فى الحق ويشهد لذلك ما روى انّ معاوية لما غزا جزيرة قبرس كان معه عبادة بن الصامت فلما فتح الجزيرة وأخذوا غنائمها أخرج معاوية خمسها وبعثه الى عثمان وجلس يقسم الباقى بين جنده وجلس جماعة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ناحية منهم عبادة بن الصامت وأبو الدرداء وشدّاد بن أوس وواثلة بن الاسقع وأبو امامة الباهلى وعبد الله بن بشر المازنى فمرّ بهم رجلان يسوقان حمارين فقال لهما عبادة ما هذان الحماران فقالا انّ معاوية أعطاناهما من المغنم وانا نرجو أن نحج عليهما فقال لهما عبادة لا يحل لكما ذلك ولا لمعاوية أن يعطيكما فردّ الرجلان الحمارين على معاوية وسأل معاوية عبادة بن الصامت عن ذلك فقال عبادة شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة حنين والناس يكلمونه فى الغنائم فأخذو برة من بعير وقال مالى مما أفاء الله عليكم من الغنائم الا الخمس والخمس مردود عليكم فاتق الله يا معاوية واقسم الغنائم على وجهها ولا تعط أحدا منها اكثر من حقه فقال معاوية قد وليتك قسمة الغنائم ليس أحد بالشأم أفضل منك ولا أعلم فاقسمها بين أهلها واتق الله فيها فقسمها عبادة بين أهلها وأعانه أبو الدرداء وأبو امامة وما زالوا على ذلك الى آخر زمن عثمان فهذه قصة عبادة فى التزامه طاعة عثمان وطاعة عامله بالشأم بضدّ ما رووه قاتلهم الله* (العاشر) * هجره لعبد الله بن مسعود وذلك انه لما عزله عن الكوفة وأشخصه الى المدينة هجره أربع سنين الى أن مات مهجورا وسبب ذلك فيما زعموا انّ ابن مسعود لما عزله عثمان عن الكوفة وولى الوليد بن عقبة ورأى صنيع الوليد فى جوره وظلمه فعاب ذلك وجمع الناس بمسجد الكوفة وذكر لهم احداث عثمان ثم قال أيها الناس لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم وبلغه خبر نفى أبى ذر الى الربذة فقال فى خطبته بمحفل من أهل الكوفة هل سمعتم قول الله تعالى ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم وعرض بذلك لعثمان فكتب الوليد بذلك الى عثمان فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبى صلى الله عليه وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به الى الارض وأمر باحراق مصحفه وجعل منزله محبسه وحبس عنه عطاء أربع سنين الى أن مات وأوصى الزبير بأن لا يترك عثمان يصلى عليه وزعموا أن عثمان دخل على ابن مسعود يعوده وقال استغفر الله لى فقال اللهم انك عظيم العفو كثير التجاوز فلا تتجاوز عن عثمان حتى تقيد لى منه* جوابه اما ما رووه مما جرى على عبد الله بن مسعود من عثمان وأمره غلامه بضربه الى آخر ما قرّروه فكله بهتان واختلاق لا يصح منه شئ وهؤلاء الجهلة لا يتحامون الكذب فيما يروونه موافقا لا غراضهم اذ لا ديانة تردّهم لذلك ثم نقول على تقدير صحة ذلك من الغلام فيكون قد فعله من نفسه غضبا لمولاه فانّ ابن مسعود كان يجبه عثمان بالكلام ويلقاه بما يكرهه ولو صح ذلك عنه لكان محمولا على الادب فانّ منصب الخلافة لا يحتمل ذلك ويضع ذلك منه بين العامّة وليس هذا بأعظم من ضرب عمر سعد بن أبى وقاص بالدرة على رأسه حين لم يقم له وقال له انك لم تهب الخلافة فأردت أن تعرف انّ الخلافة لا تهابك ولم يغير ذلك سعد اولا رآه عيبا وكذلك ضربه لابىّ بن كعب حين رآه يمشى وخلفه قوم فعلاه بالدرّة وقال انّ هذا مذلة للتابع وفتنة للمتبوع ولم يطعن أبىّ بذلك على عمر بل رآه أدبا منه نفعه الله به ولم يزل دأب الخلفاء والامراء تأديب من رأوا منه الخلاف على أنه قد روى انّ عثمان اعتذر لابن مسعود وأتاه فى منزله حين بلغه مرضه وسأله أن يستغفر له وقال يا أبا عبد الرحمن هذا عطاؤك فخذه فقال له ابن مسعود وما أتيتنى به اذ كان ينفعنى(2/270)
وجئتنى به عند الموت لا أقبله فمضى عثمان الى أم حبيبة فسألها أن تطلب من ابن مسعود ليرضى عنه فكلمته أم حبيبة ثم أتاه عثمان فقال يا أبا عبد الرحمن ألا تقول كما قال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فلم يتكلم ابن مسعود واذا ثبت هذا فقد فعل عثمان ما هو الممكن من حقه اللائق بمنصبه أوّلا وآخرا ولو فرض خطاؤه فقد أظهر التوبة والتمس الاستغفار واعتذر بالذنب لمن لم يقبله حينئذ فان الله أخبر أنه يقبل التوبة عن عباده وفى ذلك حثهم على الاقتداء به على أنه قد نقل ان ابن مسعود رضى عنه واستغفر له قال سلمة بن سعيد دخلت على ابن مسعود فى مرضه الذى توفى فيه وعنده قوم يذكرون عثمان فقال لهم مهلا فانكم ان قتلتموه لا تصيبون مثله وأما عزله عن الكوفة واشخاصه الى المدينة وهجره له وجفاؤه اياه فلم تزل هذه شيمة الخلفاء قبله وبعده على ما تقدّم تحريره وليس هجره اياه أعظم من هجر علىّ أخاه عقيلا بن أبى طالب وأبا أيوب الانصارى حين فارقاه بعد انصرافه من صفين وذهبا الى معاوية ولم يوجب ذلك طعنا عليه ولا عيبا فيه* وقد روى ان اعرابيا من همدان دخل المسجد فرأى ابن مسعود وحذيفة وأبا موسى يذكرون عثمان طاعنين عليه فقال أنشدكم الله لو أن عثمان ردّكم الى أعمالكم وردّ اليكم عطاياكم أكنتم ترضون قالوا اللهم نعم فقال الهمدانى اتقوا الله يا أصحاب محمد ولا تطعنوا على أئمتكم وفى هذا بيان أن من طعن على عثمان انما كان لعزله اياه وتولية غيره وقطع عطاياه وذلك سائغ للامام اذا أدّى اجتهاده اليه* (الحادى عشر) * نقلوا انه قال لعبد الرحمن بن عوف انه منافق وذلك ان الصحابة لما نقموا على عثمان ما أحدثه وعاتبوا عبد الرحمن فى توليته اياه فى اختياره فندم على ذلك وقال انى لا أعلم ما يكون وأن الامر اليكم فبلغ قوله عثمان وقال ان عبد الرحمن منافق وأنه لا يبالى ما قال فحلف ابن عوف لا يكلمه ما عاش ومات على هجرته وقالوا فان كان ابن عوف منافقا كما قال فما صحت بيعته ولا اختياره له وان لم يكن منافقا فقد فسق بهذا القول وخرج عن أهلية الامارة* جوابه أما قولهم ان عبد الرحمن ندم على تولية عثمان فكذب صريح ولو كان كذلك لصرح بخلعه اذ لا مانع له فان أعيان الصحابة على زعمهم منكرون عليه ناقمون احداثه والناس تبع لهم فلا مانع لهم من خلعه وكيف يصح ما وصفوا به كل واحد منهما فى حق الاخر وقد آخى صلى الله عليه وسلم بينهما فثبت لكل واحد منهما على الاخر حق الاخوة والاشتراك فى صحبة النبوّة وشهادة النبىّ صلى الله عليه وسلم لكل منهما بالجنة ونزل التنزيل مخبرا بالرضا عنهم وتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راض ويبعد مع هذا كله صدور ما ذكروه عن كل واحد منهما وانما الذى صح فى قصته ان عثمان استوحش منه فان عبد الرحمن كان ينبسط اليه فى القول ولا يبالى بما يقول له* وروى أنه قال له انى أخاف يا ابن عوف أن تنبسط فى دمى* (الثانى عشر) * ما رووا أنه ضرب عمار بن ياسر وذلك ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع منهم خمسون رجلا من المهاجرين والانصار فكتبوا احداث عثمان وما نقموا عليه فى كتاب وقالوا العمار أوصل هذا الكتاب الى عثمان ليقرأه فلعله أن يرجع عن هذا الذى ننكره وخوّفوه فيه بأنه ان لم يرجع خلعوه واستبدلوا غيره قالوا فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه فقال عمار لا ترم بالكتاب وانظر فيه فانه كتاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا والله ناصح لك وخائف عليك فقال كذبت يا ابن سمية وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمى عليه وزعموا انه قام بنفسه فوطئ بطنه ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمى عليه أربع صلوات فقضاها بعد الافاقة واتخذ لنفسه ثيابا تحت ثيابه وهو أول من لبس الثياب لاجل الفتق فغضب لذلك بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات عمار من هذا لنقتلنّ من بنى أمية شيخا عظيما يعنون عثمان ثم
ان عمارا لزم بيته الى أن كان من أمر الفتنة ما كان(2/271)
* جوابه أمّا ضرب عمار فسياق هذه القصة لا يصح على هذا النحو الذى رووه بل الصحيح منها انّ غلمانه ضربوا عمارا وقد حلف انه لم يكن على أمره لانهم عاتبوه فى ذلك فاعتذر اليهم بان قال جاء هو وسعد الى المسجد وأرسلا الىّ أن ائتنا فانا نريد أن نذاكرك أشياء فعلتها فأرسلت اليهما انى عنكما اليوم مشغول فانصرفا وموعدكما يوم كذا وكذا فانصرف سعد وأبى هو أن ينصرف فأعدت اليه الرسول فأبى ثم أعدت اليه فأبى فتناوله رسولى بغير أمرى والله ما أمرته ولا رضيت بضربه وهذه يدى لعمار فليقتص منى ان شاء وهذا أبلغ ما يكون من الانصاف* ومما يؤيد ذلك ويوهى ما رووا انه روى أبو الزناد عن أبى هريرة انّ عثمان لما حوصر ومنع الماء قال لهم عمار سبحان الله قد اشترى بئر رومة وتمنعونه ماءها خلوا سبيل الماء ثم جاء الى علىّ وسأله انفاذ الماء اليه فأمر براوية ماء وهذا يدل على رضاه وقد روى رضاه عنه لما أنصفه بحسن الاعتذار فما بال أهل البدعة لا يرضون وما مثلهم فيه الا كما يقال رضى الخصمان ولم يرض القاضى* (الثالث عشر) * قالوا انه انتهك حرمة كعب بن عبدة البهزى وذلك انّ جماعة من أهل الكوفة اجتمعوا وكتبوا الى عثمان كتابا يذكرون فيه احداثه ويقولون ان أنت أقلعت عنها فانا سامعون مطيعون والا فانا منا بذوك ولا طاعة لك علينا وقد أعذر من أنذر ودفعوا الكتاب الى رجل من عنزة ليحمله الى عثمان وكتب اليه كعب بن عبدة كتابا أغلظ منه مع كتابهم فغضب عثمان وكتب الى سعيد بن العاص أن يسرع الى كعب بن عبدة ويبعث به من الكوفة الى بعض الجبال فدخل عليه وجرّده من ثيابه وضربه عشرين سوطا ونفاه الى بعض الجبال* جوابه أمّا قولهم انه انتهك حرمة كعب فيقال لهم ما أنصفتم اذ ذكرتم بعض القصة وتركتم تمامها وذلك انّ عثمان استدرك ذلك بما أرضاه وكتب الى سعيد بن العاص أن ابعثه الىّ مكرّما فبعثه اليه فلما دخل عليه قال له يا كعب انك كتبت الىّ كتابا غليظا ولو كتبت الىّ ببعض اللين لقبلت مشورتك ولكنك حدّدتنى وأغصبتنى حتى نلت ما نلت ثم نزع قميصه ودعا بسوط فدفعه اليه ثم قال قم فاقتص منى ما ضربته فقال كعب أمّا اذا فعلت ذلك فأنا أدعه الى الله تعالى ولا أكون أوّل من اقتص من الائمة ثم صار كعب بعد ذلك من خاصة عثمان وعذره فى مبادرته الامر بضربه ونفيه وذلك سبيل أولى الامر فى تأديب من رأوا خروجه على امامه* (الرابع عشر) * قالوا وانتهك حرمة الاشتر النخعى وذلك انّ سعيد بن العاص لما ولى الكوفة من قبل عثمان دخل المسجد فاجتمع اليه أشراف الكوفة فذكروا الكوفة وسوادها فقال عبد الرحمن بن حنين صاحب شرطة سعيد وددت أنّ السواد كله للامير فقال الاشتر النخعى لا يكون للامير ما أفاء الله علينا بأسيافنا فقال عبد الرحمن اسكت يا اشتر فو الله لو أراد الامير لكان السواد كله له فقال الاشتر كذبت يا عبد الرحمن لو رام ذلك لما قدر عليه وقامت العامّة على ابن حنين فضربوه حتى وقع لجنبه وكتب سعيد الى عثمان ليأمره باخراج الاشتر من الكوفة الى الشام مع أتباعه الذين أعانوه فأجابه الى ذلك فأشخصه مع عشرين نفرا من صالحاء الكوفة الى الشام فلم يزالوا محبوسين بها الى ان كانت فتنة عثمان ثم انّ سعيد الحق بالمدينة واضطربت الكوفة على عمال عثمان وكتب أشراف الكوفة الى الاشتر أمّا بعد فقد اجتمع الملأ من اخوانك فتذاكروا احداث عثمان وما أتاه عليك ورأوا ان لا طاعة عليهم فى معصية الله وقد خرج سعيد عنا وقد أعطينا عهودنا أن لا يدخل علينا سعيد بعد هذا واليا فالحق بنا ان كنت تريد أن تشهد معنا أمرنا فسار اليهم واجتمع معهم وأخرجوا ثابت بن قيس صاحب شرطة سعيد بن العاص وعزم عسكر الاشتر وأهل الكوفة على منع عمال عثمان على الكوفة واتصل الخبر بعثمان فأرسل اليهم سعيد بن العاص فلما بلغ العذيب استقبله جند الكوفة وقالوا ارجع يا عدوّ الله فانك لا تذوق فيها بعد صنيعك ماء الفرات وقاتلوه(2/272)
وهزموه فرجع الى عثمان خائبا وكتب عثمان الى الاشتر كتابا توعده على مخالفة الامام فكتب اليه الاشتر* من مالك بن الحويرث الى الخليفة الخارج عن سنة نبيه النابذ حكم القرآن وراء ظهره أمّا بعد فانّ الطعن على الخليفة انما يكون وبالا اذا كان الخليفة عادلا وبالحق قاضيا واذا لم يكن كذلك ففراقه قربة الى الله ووسيلة اليه وأنفذ الكتاب مع كميل بن زياد فلما وصل الى عثمان سلم ولم يسمه بأمير المؤمنين فقيل له لم لا تسلم بالخلافة على أمير المؤمنين فقال ان تاب عن أفعاله وأعطانا ما نريد فهو أمير المؤمنين والا فلا فقال عثمان انى أعطيكم الرضا فمن تريدون أن أوليه عليكم فاقترحوا عليه أبا موسى الاشعرى فولاه عليهم* جوابه أمّا قصة الاشتر النخعى فبقول ظلمة البدعة والحمية الناشئة عن محض العصبية تحول دون رؤية الحق وهل آثار الفتنة فى هذه القصة الافعل الاشتر بالكوفة من هتك حرمة السلطان وتسليط العامّة على ضرب عامله فلا يعتذر عن عثمان فى الامر بنفيه بل ذلك أقلّ ما يستوجبه ثم لم يقنعه ذلك حتى سار من الشام الى الكوفة وأضرم نار الفتنة على ما تقدّم تقريره ثم لم يتمكن عثمان معهم من شئ الاسلوك سبيل السياسة واجابتهم الى ما أرادوا فولى عليهم أبا موسى وبعث حذيفة بن اليمان على خراجهم ثم لم يقنعهم ذلك حتى خرج اليهم الاشتر مع رعاع الكوفة وانضم اليه جماعة من أهل مصر وساروا الى عثمان فقتلوه وباشر الاشتر قتله على ما فى بعض الروايات وصار قتله سببا للفتنة الى ان تقوم الساعة فعميت أبصارهم وبصائرهم عن ذمّ الاشتر وأنظاره وتعرّضوا لذمّ من شهد له لسان النبوّة انه على الحق وأمر بالكون معه وأخبر بانه يقتل مظلوما يشهد لذلك الحديث الصحيح كما تقدّم* (الخامس عشر) * قالوا انّ عثمان أحرق مصحف ابن مسعود ومصحف أبى وجمع الناس على مصحف زيد ثابت ولما بلغ ابن مسعود انه أحرق مصحفه وكان له نسخة عند أصحاب له بالكوفة أمرهم بحفظها وقال لهم قرأت سبعين سورة وانّ زيد بن ثابت لصبى من الصبيان* جوابه أمّا احراق مصحف ابن مسعود فليس ذلك مما يعتذر عنه بل هو من أكبر المصالح فانه لو بقى فى أيدى الناس أدّى ذلك الى فتنة كبيرة فى الدين لكثرة ما فيه من الشذوذ المنكرة عند أهل العلم بالقرآن ولحذفه المعوّذتين من مصحفه مع الشهرة عند الصحابة انهما من القرآن قال عثمان لما عوتب فى ذلك خشيت الفتنة فى القرآن وكان الاختلاف بينهم واقعا حتى كان الرجل يقول لصاحبه قراءتى خير من قراءتك فقال له حذيفة أدرك الناس فجمع الناس على مصحف واحد لتزول الفتنة فى القرآن وكان الذى اجتمعوا عليه مصحف عثمان ثم يقال لاهل الاهواء والبدعة ان لم يكن مصحف عثمان حقا فلم رضى علىّ وأهل الشام بالتحكم اليه حين رفع أهل الشام المصاحف وكانت مكتوبة على نسخة مصحف عثمان* (السادس عشر) * قالوا انّ عثمان ترك اقامة حدود الله تعالى فى عبيد الله بن عمر لما قتل الهرمز ان وقتل جفينة وبنتا صغيرة لابى لؤلؤة قاتل عمر فاجتمعت الصحابة عند عثمان وأمروه بقتل عبيد الله بن عمر قصاصا بمن قتل وأشار علىّ بذلك فلم يقتله ولذلك صار عبيد الله بعد قتل عثمان الى معاوية خوفا من علىّ أن يقتله بالهرمزان* جوابه أمّا قولهم ترك اقامة حدود الله فى عبيد الله بن عمر فنقول أمّا ابنة أبى لؤلؤة فلا قود فيها لانّ ابنة المجوسى صغيرة لا قود فيها تابعة له وكذلك جفينة فانه نصرانى من أهل الحيرة وأمّا الهرمز ان فعنه جوابان* الاوّل انه شارك أبا لؤلؤة فى ذلك ومالأه وان كان المباشر أبا لؤلؤة وحده ولكن المعين على قتل الامام العادل يباح قتله عند جماعة من الائمة وفد أوجب كثير من الفقهاء القود على الامر والمأمور وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمرو قال انّ عبد الرحمن بن أبى بكر أخبره انه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون فى مكان يتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه فى وسطه فقتل عمر فى صبيحة تلك الليلة فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله فى ذلك فقال انظروا الى السكين فان كان ذا طرفين فلا أرى القوم(2/273)
الاوقد اجتمعوا على قتله فنظروا اليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن وقد مرّ فى أولاد عمر فلذلك ترك عثمان قتل عبيد الله بن عمر لرؤيته عدم وجوب القود لذلك أو لتردّده فيه فلم ير الوجوب بالشك* والثانى أن عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة لانه كان معه بنو تيم وبنو عدى مانعون من قتله ودافعون عنه وكان بنو أمية أيضا جانحون اليه حتى قال عمرو بن العاص قتل أمير المؤمنين عمر بالامس ويقتل ابنه اليوم لا والله لا يكون هذا أبدا فلما رأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال أمره الىّ سأرضى أهل الهرمز ان منه* (السابع عشر) * قالوا انّ عثمان خالف الجماعة فى اتمام الصلاة بمنى مع علمه بان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قصروا الصلاة بها* جوابه أما اتمام الصلاة بمنى فعذره فى ذلك ظاهر فانه ممن لم يوجب القصر فى السفر وانما كان يبيحه كما رواه فقهاء المدينة ومالك والشافعى وغيرهما وانما أوجبه فقهاء الكوفة ثم انها مسئلة اجتهادية اختلف فيها العلماء فقوله فيها لا يوجب تكفيرا ولا تفسيقا* (الثامن عشر) * انفرد بأقوال شاذة خالف فيها جميع الامّة فى الفرائض وغيرها* جوابه أما انفراده بالاقوال الشاذة فلم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو من ذلك ينفرد الواحد منهم بالقول ويخالفه فيه الباقون وهذا على بن أبى طالب فى مسئلة بيع أم الولد على مثل ذلك وفى الفرائض عدّة مسائل على هذا النحو الكثير من الصحابة* (التاسع عشر) * قالوا انه كان غادرا مخالفا لوعده فانّ أهل مصر شكوا اليه عامله عبد الله بن أبى سرح فوعدهم أن يولى عليهم من يرضون فاختاروا محمد بن أبى بكر فولاه عليهم وتوجهوا به معهم الى مصر ثم كتب الى عامله ابن أبى سرح بمصر يأمره أن يأخذ محمد بن أبى بكر فيقطع يديه ورجليه وهذا كان سبب رجوع أهل مصر وغيرهم الى المدينة وحصارهم عثمان وقتله* جوابه أما قولهم انه كان غادرا الى آخر ما قرّروه فنقول أما الكتاب الذى كان الى عامله بمصر فلم يكن من عنده وقد حلف على ذلك لهم وقد تقدّم ذكر ذلك فى مقتله مستوفى وقد ذكرنا من يتهم بالتزوير عليه وقد تحققوا ذلك وانما غلب الهوى أعاذنا الله منه على العقول حتى ضلت فيه فئة فقتلته رضى الله عنه*
(ذكر ولده)
* وكان له من الولد ستة عشر تسعة ذكور وسبعة اناث* ذكر الذكور* عبد الله ويعرف بالاصغر وفى المختصر عبد الله الاكبر أمّه رقية بنت رسول الله هلك صغيرا وقيل بلغ ست سنين ونقره ديك فى عينه فمرض فمات وعبد الله الاكبر وفى المختصر عبد الله الاصغر أمّه فاخته بنت غزوان* وعمرو وكان أسنهم وأشرفهم عقبا وولدا دعاه مروان الى أن يشخص الى الشأم فأبى ومات بمنى* وأبان ويكنى ابا سعيد وهو من رواة الحديث وشهد حرب الجمل مع عائشة* وفى المختصر وكان أوّل من انهزم وكان أبرص أحول أصم ولى المدينة فى أيام عبد الملك بن مروان وأصابه فالج ومات فى خلافة يزيد بن عبد الملك وعقبه كثير وله ولد فى الاندلس* وخالد وكان فى يده وأولاده المصحف الذى قطر عليه دم عثمان حين قتل* وفى المختصر توفى فى خلافة أبيه بركض دابة فأصابه قطع فهلك منه وله عقب وهو الذى يقال له الكسير* وعمرو وله عقب أيضا أمهم بنت جندب من الازد وسعيد والوليد أمهما فاطمة بنت الوليد وكان سعيد يكنى أبا عثمان ولاه معاوية خراسان وكان حاكما بخراسان من قبل معاوية فقتل هناك* وفى المختصر ففتح سمرقند وكان أعور نحيلا أصيبت عينه بسمرقند وعبد الملك مات غلاما أمّه مليكة وهى أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزارى وزاد فى المختصر فى أولاده الذكور المغيرة وقال أمّه أسماء بنت أبى جهل بن هشام* ذكر الاناث* مريم الكبرى أخت عمر ولامّه وأم سعيد أخت سعيد لامّه فتزوّجها عبد الله وعائشة فتزوّجها الحارث بن الحكم ابن أبى العاص ثم خلف عليها عبد الله بن الزبير* وأم أبان فتزوّجها مروان ابن لحكم بن العاص وأم(2/274)
عمر وأمّهم رملة بنت شيبة بن ربيعة بن عبد شمس ومريم الصغرى أمها نائلة بنت الفرافصة الكلبية فتزوّجها عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبى معيط وأم البنين أمّها أم ولد كذا فى الرياض النضرة* وزاد فى المختصر فى بناته عمرة بنت عثمان بن عفان قال فتزوّجها سعيد بن العاص فهلكت عنده فتزوّج أختها مريم الكبرى بنت عثمان ثم هلك عنها فخلف عليها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومى فهلكت عنده*
(ذكر على بن أبى طالب)
* أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وقد سبق ذكرها فى آخر الموطن الرابع* وفى الرياض النضرة لم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام عليا وكان يكنى أبا الحسن وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا* وعن أبى ليلى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال الصدّيقون ثلاثة حبيب بن مرى النجار مؤمن آل ياسين الذى قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذى قال أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وعلى بن أبى طالب الثالث وهو أفضلهم خرجه أحمد فى المناقب وكناه رسول الله بأبى الريحانتين* وعن جابر ابن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى بن أبى طالب سلام عليك يا أبا الريحانتين فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتى عليك فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علىّ هذا أحد الركنين الذى قال صلى الله عليه وسلم فلما ماتت فاطمة قال هذا الركن الاخر الذى قال صلى الله عليه وسلم خرجه أحمد فى المناقب وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا تراب وما كان لعلىّ اسم أحب اليه منه وقد سبق سبب التكنية به فى الموطن الثانى فى غزوة العشيرة وقد جاء فى الصحيح من شعره* أنا الذى سمتنى أمى حيدره* وحيدرة اسم الاسد وكانت فاطمة أمّه لما ولدته سمته باسم أبيها فلما قدم أبو طالب كره الاسم فسماه عليا وكان يلقب ببيضة البلد وبالامين وبالشريف وبالهادى وبالمهتدى وبذى الاذن الواعية* قال الخجندى وكان يكنى أبا قصم ويلقب بيعسوب الامّة أى سيدهم ورئيسهم وأصله فحل النحل كذا فى الرياض النضرة* وفى القاموس بيضة البلد واحده الذى يجتمع اليه ويقبل قوله وهو من الاضداد* وفى شواهد النبوّة ولد بمكة بعد عام الفيل بسبع سنين ويقال كانت ولادته فى داخل الكعبة ولم يثبت واختلف فى سنه وقت المبعث وهو تاريخ اسلامه* فى الصفوة أسلم وهو ابن سبع ويقال تسع ويقال عشر ويقال خمس عشرة ويقال الاخير هو الاصح* وفى ذخائر العقبى عن محمد بن عبد الرحمن انّ على بن أبى طالب والزبير أسلما ولهما ثمان سنين* وقال ابن اسحاق أسلم على بن أبى طالب وهو ابن عشر وقيل ابن ثلاث عشرة وقيل أربع عشرة وقيل خمس عشرة أو ست عشرة وشهد المشاهد كلها ولم يتخلف الا فى تبوك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفه فى أهله فقال يا رسول الله أتخلفنى فى النساء والصبيان قال أما ترضى ان تكون منى بمنزلة هرون من موسى غير أنه لا نبى بعدى أخرجاه فى الصحيحين كذا فى الصفوة*
(ذكر صفته)
* فى الصفوة كان آدم شديد الادمة ثقيل العينين عظيمهما أقرب الى القصر من الطول ذا بطن كثير الشعر عريض اللحية أصلع أبيض الرأس واللحية لم يصفه أحد بالخضاب الاسوادة بن حنظلة فانه قال رأيت عليا أصفر اللحية يشبه أن يكون خضب مرّة ثم ترك* وفى ذخائر العقبى كان ربعة من الرجال أدعج العينين عظيمهما حسن الوجه كانه قمر بدرى عظيم البطن الى السمن* وعن أبى سعيد التيمى انه قال كنا نبيع الثياب على عواتقنا ونحن غلمان فى السوق فاذا رأينا عليا قد أقبل علينا قلنا بزرك اشكم قال علىّ ما يقولون قال يقولون عظيم البطن قال اجل أعلاه علم وأسفله طعام اشكم بالعجمية البطن وبزرك بضم الباء والزاء وسكون الراء عظيم كذا فى الرياض النضرة* وكان عريض ما بين المنكبين لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضارى لا تبين عضده من ساعده قد(2/275)
أدمج ادما جاشثن الكفين عظيم الكراديس أغيد كانّ عنقه ابريق فضة أصلع ليس فى رأسه شعر الامن خلفه كثير شعر اللحية وكان لا يخضب وقد جاء عنه الخضاب* فى أسد الغابة وكان ربما يخضب انتهى والمشهور انه كان أبيض اللحية وكان اذا مشى تكفأ شديد الساعد واليد اذا مشى الى الحروب هرول ثبت الجنان قوىّ ما صارع أحدا الاصرعه شجاع منصور على من لاقاه* وفى أسد الغابة عن رزام بن سعد الضبى قال سمعت أبى ينعت عليا قال كان رجلا فوق الربعة ضخم المنكبين طويل اللحية وان شئت قلت اذا نظرت اليه قلت آدم وان تبينته من قرب قلت أن يكون أسمر أدنى من أن يكون آدم* وعن قدامة بن عتاب قال كان علىّ ضخم البطن ضخم مشاش المنكب ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها ضخم عضلة الساق دقيق مستدقها وقيل كانما كسر ثم جبر لا يغير شيبه خفيف المشى ضحوك السنّ*
(ذكر خلافة على رضى الله عنه)
* فى ذخائر العقبى عن محمد بن الحنفية قال أتى رجل عليا وعثمان محصور فقال ان أمير المؤمنين مقتول ثم جاء آخر فقال ان أمير المؤمنين مقتول الساعة فقام علىّ قال محمد أخذت بوسطه تخوّفا عليه فقال خل لا أمّ لك فأتى على الدار وقد قتل الرجل فأتى داره فدخلها وأغلق عليه بابه فأتاه الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا ان هذا الرجل قد قتل ولا بدّ للناس من خليفة ولا نعلم أحدا أحق بها منك فقال لهم علىّ لا تريدونى فانى لكم وزير خير لكم منى أمير فقالوا والله لا نعلم أحدا أحق بها منك قال فان أبيتم علىّ فان بيعتى لا تكون سرا ولكن ائتوا المسجد فمن شاء أن يبايعنى بايعنى قال فخرج الى المسجد فبايعه الناس أخرجه أحمد فى المناقب* قال ابن اسحاق ان عثمان لما قتل بويع على بن أبى طالب بيعة العامة فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايع له أهل البصرة وبايع له بالمدينة طلحة والزبير* قال أبو عمرو واجتمع على بيعته المهاجرون والانصار وتخلف عن بيعته نفر فلم يكرههم وسئل عنهم فقال اولئك قوم قعدوا عن الحق ولم يقوموا مع الباطل وتخلف عنه معاوية بالشأم وكان منه بصفين ما كان غفر الله لنا ولهم أجمعين* وفى دول الاسلام لما قتل عثمان صبرا سعى الناس الى دار علىّ وأخرجوه وقالوا لا بدّ للناس من امام فحضر طلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص والاعيان فأوّل من بايعه طلحة والزبير ثم سائر الناس* وفى الرياض النضرة قال أبو عمرو بايع لعلى أهل اليمن بالخلافة يوم قتل عثمان* وفى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى لما استشهد عثمان اجتمع كبار المهاجرين والانصار بعد ثلاثة أيام أو خمسة أيام من موت عثمان على علىّ فالتمسوا منه قبول الخلافة فقبل بعد مدافعة طويلة وامتناع كثير فبايعوه فقام بأمر الخلافة ست سنين واستشهد على رأس ثلاثين سنة من وفاة النبىّ صلى الله عليه وسلم وقيل انّ الثلاثين انما تتم بخلافة أمير المؤمنين حسن بن على ستة أشهر بعد وفاة أبيه* وفى الصفوة استخلف علىّ بعد عثمان فى التاسع عشر من ذى الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة ومدّة خلافته ست سنين وقيل خمس سنين وستة أشهر* وفى ذخائر العقبى للمحب الطبرى وكانت خلافته أربع سنين وسبعة أشهر وستة أيام وقيل ثمانية وقيل ثلاثة أيام وقيل أربعة عشر يوما وفى أوائل خلافته كانت وقعة الجمل ونازعه معاوية الامر بأهل الشأم حتى بلغوا تسعين وقعة كذا فى سيرة مغلطاى* وفى دول الاسلام طارت الاخبار الى النواحى بقتل الشهيد عثمان فحزن عليه المسلمون ولا سيما أهل دمشق وأتى البريد بثوبه بالدماء فنصب على منبر دمشق ونعاه معاوية الى أهلها فنعاقدوا على الطلب بدمه وكانوا ستين ألفا ثم ان طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة ندموا وعظم عليهم قتله ورأوا أنهم قد قصروا فى نصرته فخرجوا على وجوههم قاصدين البصرة للطلب بدمه من غير أمر علىّ وذلك ان قتلة عثمان التقوا على علىّ وصاروا من رؤس الملأ وخاف علىّ من ان ينتقض الناس(2/276)
فسار بعسكر المدينة وبرؤس قتلة عثمان الى العراق فجرت بينه وبين عائشة وقعة الجمل بلا علم ولا قصد والتحم القتال من الغوغاء وخرج الامر عن على وعن طلحة والزبير وقتل من الفريقين نحو عشرين ألفا وقتل طلحة والزبير فانا لله وانا اليه راجعون* وفى المختصر الجامع بويع له يوم قتل عثمان وأقام بالمدينة بعد المبايعة أربعة أشهر ثم سار الى العراق فى سنة ست وثلاثين فالتقى بطلحة والزبير وهو يوم الجمل بالبصرة وكانا قد بايعاه بالمدينة وخلعاه بالبصرة فقتل طلحة وانهزم الزبير فلحقه عمرو بن جرموز بوادى السباع فقتله وكان سنّ كل واحد من طلحة والزبير أربعا وستين سنة يقال ان عدّة المقتولين من أصحاب الجمل ثمانية آلاف وقيل سبعة عشر ألفا وذكر انه قطعت على خطام الجمل سبعون يدا كلهم من بنى ضبة كلما قطعت يد رجل تقدّم آخر وقتل من أصحاب علىّ نحو ألف* وفى دول الاسلام ثم تحرك جيش الشأم وامتنعوا من مبايعة علىّ فسار علىّ نحوهم فى سبعين ألفا من أهل العراق وقيل فى تسعين ألفا وسار اليه معاوية من الشأم فى ستين ألفا فالتقوا على صفين بناحية الفرات ودام الحرب والمصابرة أياما وليالى وقتل من الفريقين أزيد من ستين ألفا وقتل من جند علىّ عمار بن ياسر من السابقين الاوّلين البدريين وكان من نجباء الصحابة قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية* وفى الصفوة قتله أبو معاوية ودفن هناك فى سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وقيل أربع وتسعين سنة* وفى أنوار التنزيل قال عمار بصفين الان ألاقى الاحبة محمدا وحزبه* وفى عقائد الشيخ أبى اسحاق الفيروزابادى وخلاصة الوفاء ان عمرو بن العاص كان وزير معاوية فلما قتل عمار ابن ياسر أمسك عن القتال وتابعه على ذلك خلق كثير فقال له معاوية لم لا تقاتل قال قتلنا هذا الرجل وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتله الفئة الباغية فدل على انا نحن بغاة قال له معاوية أسكت فو الله ما تزال تدحض فى بولك أنحن قتلناه انما قتله علىّ وأصحابه جاؤا به حتى ألقوه بيننا* وفى رواية قال قتله من أرسله الينا يقاتلنا وانما دفعنا عن أنفسنا فقتل فبلغ ذلك عليا فقال ان كنت أنا قتلته فالنبىّ صلى الله عليه وسلم قتل حمزة حين أرسله الى قتال الكفار* وقتل مع علىّ خزيمة بن ثابت الانصارى ذو الشهادتين وأويس القرنى زاهد التابعين* وفى المختصر الجامع قتل من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا منهم عمار بن ياسر وأويس القرنى وخمسة وعشرون بدريا وقتل من عسكر معاوية خمسة وأربعون ألفا* وفى دول الاسلام وقد شهد صفين مع على ومعاوية جماعة من الصحابة وتخلف عنها جماعة من سادات الصحابة منهم سعد بن أبى وقاص الذى افتتح العراق وسعيد بن زيد وأبو اليسر السلمى وزيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة وابن عمرو أسامة بن زيد وصهيب الرومى وأبو موسى الاشعرى وجماعة رأوا السلامة فى العزلة وقالوا اذا كان غزو الكفار قاتلنا فأما قتال أهل الفتنة والبغى فلا نقاتل أهل القبلة روى ان عليا كتب الى معاوية يناصحه* غرّك عزك فصار قصار ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك فعلك تهدى بهذا* وكتب معاوية فى جوابه* على قدرى غلى قدرى* وفى المختصر الجامع أقاما بصفين مائة يوم وعشرة أيام وكانت بينهم تسعون وقعة وكان علىّ فى تسعين ألفا وكان معاوية فى مائة وعشرين ألفا ولما سئم الفريقان القتال تداعيا الى الحكومة فرضى علىّ وأهل الكوفة بأبى موسى الاشعرى ورضى معاوية وأهل الشأم بعمرو بن العاص فاجمع الحكمان بدومة الجندل واتفقا على ان يخلعاهما معا ويختار اللمسلمين خليفة رضوا به وقد عين للخلافة يومئذ يوم الحكمين عبد الله بن عمر بن الخطاب كذا فى دول الاسلام ثم اجتمعا بالناس وحضر معاوية ولم يحضر علىّ فبدأ أبو موسى وخلع عليا ثم قام عمرو وقال قد خلعت عليا كما خلعه وأثبت خلافة معاوية فرضى أهل الشأم بذلك وكفره أهل النهروان وعاد علىّ فى سنة تسع وثلاثين ولم يزل
علىّ فى حرب ولم يحج فى سنى خلافته لاشتغاله(2/277)
بالحروب* وفى البحر العميق ما يعلم عدد حج علىّ قبل ولايته وفى زمن ولايته اشتغل عن الحج بما وقع فى أيامه فلم يحج لانه ولى الخلافة أربع سنين وتسعة أشهر وأياما وكانت ولايته بعد انقضاء الحج فى سنة خمس وثلاثين لان عثمان قتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذى الحجة من هذه السنة وكانت وقعة الجمل فى سنة ست وثلاثين فحج بالناس عبد الله بن عباس ثم كانت وقعة صفين فى سنة سبع وثلاثين وحج عبد الله أيضا بالناس وحج بالناس فى سنة ثمان وثلاثين قثم ابن عباس* وفى هذه السنة كان التحكيم وبسببه كفر جماعة ممن يسمون الخوارج وقاتلهم علىّ فى مواضع وقتل منهم المجدع الذى بشره النبىّ صلى الله عليه وسلم بقتله كذا فى سيرة مغلطاى* ثم اصطلج الناس فى سنة تسع وثلاثين على شيبة بن عثمان فأقام لهم الحج ثم قتل على بن أبى طالب رضى الله عنه فى رمضان سنة أربعين* وفى دول الاسلام ثم تحاجز اهل صفين عن القتال واتفقوا على أن يحكموا بينهما حكما من جهة على وحكما من جهة معاوية على ان من اتفق الحكمان على توليته الخلافة فهو الخليفة وأتوا لميعاد الحكم بعد أشهر مع كل حكم طائفة كثيرة من أشراف الناس فبعث علىّ أبا موسى الاشعرى وبعث معاوية عمرو بن العاص فاجتمع الحكمان بدومة الجندل وهى مسيرة عشرة أيام عن دمشق وعشرة أيام عن الكوفة وعشرة أيام عن المدينة فلم ينبرم أمر ورجع الشاميون فبايعوا معاوية وبقيت مصر تارة يغلب عليها جند معاوية وتارة يغلب عليها جند علىّ ولما جرى التحكيم غضب خلق أزيد من عشرة آلاف من جيش علىّ وقالوا لا حكم الا لله فان الله تعالى يقول ان الحكم الا لله وكفروا عليا بفعله واعتزلوه وهم الخوارج فعاتبهم علىّ فلم يفد فيهم ثم قاتلهم وظفر عليهم وقتل منهم نحو أربعة آلاف وقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم الخوارج كلاب النار* وفى الرياض النضرة ثم خرج الخوارج على علىّ فكفروه وكل من معه اذ رضى بالتحكيم فى دين الله بينه وبين أهل الشأم وقالوا حكمت فى دين الله والله تعالى يقول ان الحكم الا لله ثم اجتمعوا وشقوا عصا المسلمين ونصبوا راية الخلاف وسفكوا الدماء وقطعوا السبيل فخرج علىّ اليهم بمن معه ورام رجعتهم فأبوا الا القتال فقاتلهم بالنهروان فقتل واستأصل جمهورهم ولم ينج منهم الا القليل انتهى ولم تهيأ فى هذه السنين جهاد ولا افتتح المسلمون شيئا بل اشتغلوا بالفتنة* وفى الملل والنحل وظهر فى زمنه الخوارج عليه مثل الاشعث ابن قيس ومسعود بن فدكى التيمى وزيد بن حصن الطائى وغيرهم* وكذلك ظهر فى زمانه الغلاة فى حقه مثل عبد الله بن سيا وجماعة معه ومن الفريقين ابتدأت البدعة والضلالة صدق فيه قول النبىّ صلى الله عليه وسلم لعلىّ يهلك فيك اثنان محب غال ومبغض قال*
ذكر من توفى فى خلافة على من مشاهير الصحابة
وتوفى فى أيام علىّ حذيفة بن اليمان من كبار الصحابة وكان فتح الدينور على يده وولاه عمر المدائن فبقى بها الى حين وفاته وتوفى بعد عثمان بأربعين يوما وكان قد أسرّ النبىّ صلى الله عليه وسلم اليه أسماء المنافقين وعرفه بالفتن التى تكون بين يدى الساعة وهو الذى ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاحزاب ليأتيه بخبر القوم وله الجنة وفى خلافة علىّ قتل الزبير بن العوام الاسدى كما مرّ وهو ابن عمة النبىّ صلى الله عليه وسلم وأحد العشرة المبشرة بالجنة وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبى حوارىّ وحوارىّ الزبير أى ناصرىّ أسلم وله ست عشرة سنة وقيل ثمان سنين وهو أوّل من سل سيفه فى سبيل الله وكان طويلا بمرّة اذا ركب تخط رجلاه الارض خفيف العارضين عينه عمر فيمن يصلح للخلافة وكان كثير المتاجر والاموال قيل كان له ألف مملوك يؤدّون اليه الخراج فربما تصدق بذلك فى مجلسه وقد خلف أملاكا بيعت بنحو أربعين ألف ألف درهم وهذا لم يسمع بمثله قط لحقه ابن جرموز يوم الجمل فطعنه غيلة فقتله وله نيف وستون سنة وقد مرّ بعض أحواله فى أولاد صفية بنت عبد المطلب فى الفصل الثانى فى النسب فى الطليعة الثالثة(2/278)
وفيها قتل طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب التيمى أحد العشرة كما مرّ* روى الصلت بن دينار عن أبى نصرة عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أراد أن ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة* وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال يوم أحد أوجب طلحة وكان طلحة يردّ النبل بيده عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شلت يده* صفته* كان آدم كثير الشعر ليس بالجعد القطط ولا بالسبط حسن الوجه دقيق العرنين لا يغير شيبه وكان من الاجواد يقال له طلحة الفياض وطلحة الجود يقال انه فرق فى يوم واحد سبعمائة ألف* ويروى ان اعرابيا من أقاربه قصده وتوسل اليه فوصله بثلثمائة ألف* وروى عمرو بن دينار عن مولى لطلحة قال ان دخل طلحة كان كل يوم ألف درهم ويقال خلف من المال ألفى ألف درهم ومائتى ألف دينار* وروى ابن سعد باسناد له قوّمت أصول طلحة وعقاره بثلاثين ألف ألف درهم* قال ابن الجوزى خلف طلحة ثلثمائة حمل ذهبا فتزوّج أم كلثوم بنت أبى بكر الصدّيق فولدت له زكريا ويوسف وعائشة قال معاوية طلحة عاش سخيا حميدا وقتل فقيدا شهيدا وقد مرّ بعض أحواله فى غزوة أحد فى الموطن التالث قال قيس بن أبى حزم رأيت مروان حين رمى طلحة يوم الجمل بسهم فوقع فى ركبته فما زال يسيح حتى مات* وقال مروان هذا أعان على قتل عثمان ولا أطلب بثارى بعد اليوم وكان طلحة ممن عينه عمر للخلافة من بعده وعاش أزيد من ستين سنة* وفى الصفوة قتل طلحة يوم الجمل وكان يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الاخرة سنة ست وثلاثين ويقال ان سهما غربا أتاه فوقع فى حلقه فقال بسم الله وكان أمر الله قدرا مقدورا ويقال ان مروان بن الحكم قتله كما مرّ ودفن بالبصرة وهو ابن ستين سنة كذا فى الملل والنحل ويقال اثنتين وستين ويقال أربع وستين وفى سنة ست وثلاثين مات سلمان الفارسى الاصبهانى وقيل الرامهرمزى من سادة الصحابة حضر غزوة الاحزاب وأشار بحفر الخندق على المدينة قيل عاش مائتى سنة وقيل مائتين وثلاثين سنة وقيل أكثر من ذلك وترجمته طويلة عجيبة وفيها مات نائب مصر عبد الله بن سعد بن أبى سرح القرشى العامرى وكان بطلا شجاعا كان فارس بنى عامر له غزوات وفتوحات ولما جاءه الموت قال اللهمّ اجعل آخر عملى الصلاة فلما طلع الفجر توضأ وصلى فلما ذهب ليسلم عن يساره مات وتوفى حكيم بن جبلة العبدى وكان شريفا مطاعا تولى امرة السند فغزاها ورجع واقام بالبصرة حتى كان يوم الجمل فخرج حكيم فى سبعمائة فلم يزل حكيم يقاتل حتى قطعت رجله فأخذها وضرب بها الذى قطعها فقتله ثم أخذ يقاتل ويقول* يا ساق لن تراعى* ان معى ذراعى* أحمى بها كراعى حتى نزفه الدم فاتكأ على المقتول الذى قطع رجله فمرّ به رجل فقال من قطع رجلك قال وسادتى وهذا ما لم يسمع للشجعان بمثله وكان حكيم هذا ممن أكب على عثمان وفيها مات خباب بن الارت التميمى من السابقين البدريين ونجباء الصحابة رضى الله عنهم وفى سنة ثمان وثلاثين مات صهيب بن سنان المعروف بالرومى بالمدينة من المهاجرين البدريين الكبار*
(ذكر مقتل على رضى الله عنه)
* فى ذخائر العقبى عن علىّ قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم يا على أتدرى من أشقى الاوّلين قلت الله ورسوله أعلم قال عاقر الناقة قال أتدرى من أشقى الاخرين قلت الله ورسوله أعلم قال قاتلك أخرجه أحمد فى المناقب وخرجه ابن الضحاك وقال فى أشقى الاخرين الذى يضربك على هذه فيبل منها هذه وأخذ بلحيته* وعن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلىّ من أشقى الاوّلين يا علىّ قال الذى عقر ناقة صالح قال صدقت فمن أشقى الاخرين قال الله ورسوله أعلم قال أشقى الاخرين قال الذى يضربك على هذه وأشار الى يافوخه وكان علىّ يقول لاهله والله لوددت ان لو انبعث أشقاها أخرجه أبو حاتم* وعن عكرمة عن ابن عباس قال على قلت له يعنى النبىّ صلى الله عليه وسلم انك قلت لى يوم أحد حين أخرت عن الشهادة(2/279)
واستشهد من استشهد ان الشهادة من ورائك فكيف صبرك اذا خضبت هذه من هذه بدم وأومأ بيده الى لحيته ورأسه فقال على يا رسول الله أما ان ثبتت لى شهادة ما أنبئت فليس ذلك من موطن الصبر ولكن موطن البشرى والكرامة* وفى الصفوة عن زيد بن وهب قال قدم على على قوم من أهل البصرة من الخوارج فيهم رجل يقال له الجعدة بن نعجة فقال له اتق الله يا على انك ميت فقال علىّ بل مقتول بضربة على هذا تخضب هذه يعنى لحيته من رأسه بعهد معهود وقضاء مقضى وقد خاب من افترى وعاتبه فى لباسه فقال مالك وللباس هو أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدى بى المسلم* وعن أبى الطفيل قال دعا الناس الى البيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادى فردّه مرّتين ثم أتاه فقال ما يحبس أشقاها لتخضبن أو لتصبغن هذه من هذه يعنى لحيته من رأسه ثم تمثل بهذين البيتين
أشدد حياز يمك للموت ... فان الموت لاقيكا
ولا تجزع من الموت ... اذا حل بواديكا
وعن أبى مجلز قال جاء رجل من مراد الى على وهو يصلى فى المسجد فقال احترس فان ناسا من مراد يريدون قتلك قال ان مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر عليه فاذا جاء القدر خليا بينه وبينه وان الاجل جنة حصينة* وفى ذخائر العقبى عن عبد الله بن سبع قال خطبنا علىّ فقال والذى فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذا قال الناس أعلمنا من هو لنبيدنّ عترته قال أنشدكم أن يقتل بى غير قاتلى قال ان كنت قد علمت ذلك فاستخلف اذا قال لا ولكن أكلكم الى من وكلكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجهما أحمد* وعن سكين بن عبد العزى العبدى انه سمع أباه يقول جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل عليا فحمله ثم قال هذا قاتلى قال فما يمنعك منه قال انه لم يقتلنى بعد وقيل له ان ابن ملجم سم سيفه ويقول انه سيقتلك به قتلة يتحدّث بها العرب فبعث اليه لم تسم سيفك قال لعدوّى وعدوّك فخلى عنه وقال ما قتلنى بعد أخرجه أبو عمرو* وعن الحسين بن كثير عن أبيه وكان أدرك عليا قال خرج علىّ الى الفجر فأقبل الاوز يصحن فى وجهه فطردوهنّ فقال دعوهنّ فانهنّ نوائح فضربه ابن ملجم فقلت له يا أمير المؤمنين خل بيننا وبين مراد فلا تقوم لهم ثاغية ولا راغية أبدا قال لا ولكن احبسوا الرجل فان أنامت فاقتلوه وان أعش فالجروح قصاص أخرجه أحمد فى المناقب* وفى رواية لما صاحت الاوز بين يدى علىّ قال هذه صائحة تتبعها نائحة فلم يقدر أن يفتح باب داره ثم تكلف وفتح الباب فتعلق ازاره بالباب فخرج الى المسجد* وعن الحسن البصرى انه سمع الحسن بن على يقول انه سمع أباه فى سحر اليوم الذى قتل فيه يقول لهم يا بنى رأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فى نومة نمتها فقلت يا رسول الله ما لقيت من أمّتك من اللواء واللدد فقال ادع الله عليهم فقلت اللهمّ أبدلنى خيرا منهم وأبدلهم بى من هو شرمنى ثم انتبه وجاء مؤذنه يؤذنه بالصلاة فخرج فقتله ابن ملجم أخرجه أبو عمرو*
(ذكر قاتله وما حمله على القتل وكيفية قتله وأين قتل)
* عن الزبير بن بكار قال من بقى من الخوارج تعاقدوا على قتل على ومعاوية وعمرو بن العاص* وعن محمد بن سعد قال قالوا انتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم المرادى وهو من حمير وعداده فى بنى مراد وحليف بنى جبلة من كندة والبرك بن عبد الله التميمى وعمرو بن بكر التميمى فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلنّ هذه الثلاثة على بن أبى طالب ومعاوية وعمرو بن العاص ويريحوا العباد منهم فقال ابن ملجم انا لكم بعلى وقال البرك انا لكم بمعاوية وقال عمرو بن بكر انا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا عليه وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذى سمى له فتوجه له حتى يقتله أو يموت دونه فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من رمضان سنة أربعين ثم توجه كل رجل منهم الى المصر الذى فيه صاحبه فخرج البرك لقتل معاوية وقدم دمشق(2/280)
وضرب معاوية فجرحه فى أليتيه فسلم منها* وفى حياة الحيوان فأصاب اوراكه وكان معاوية كبير الاوراك فقطع منه عرق النكاح فلم يولد له بعد ذلك فلما أخذ قال الامان والبشارة فقد قتل علىّ فى هذه الليلة فاستبقاه حتى أتاه الخبر بذلك فقطع معاوية يده ورجله وأطلقه فرحل الى البصرة وأقام بها حتى بلغ زياد بن أبيه أنه ولد له فقال أيولد له وأمير المؤمنين لا يولد له فقتله قالوا وأمر معاوية باتخاذ المقصورة من ذلك الوقت وأما عمرو بن بكر فسار الى مصر وكان يومئذ بعمرو بن العاص وجع الظهر أو البطن فبعث مكانه سهلا العامرى ليصلى بالناس* وفى حياة الحيوان فصلى بالناس رجل من بنى سهم يقال له خارجة فقتله عمرو بن بكر يحسبه عمرو بن العاص وقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة عازما على قتل علىّ واشترى سيفا لذلك بألف وسقاه السم فيما زعموا حتى نفضه وكان فى خلال ذلك يأتى عليا يسأله ويستحمله فيحمله ويلقى أصحابه وكاتمهم ما يريد وكان يزورهم ويزورونه فزار يوما نفرا من بنى تيم الرباب فوقعت عينه على امرأة منهم يقال لها قطام بنت شحنة بن عدى بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب وكانت امرأة رائقة جميلة وكانت ترى رأى الخوارج وكان علىّ قتل أباها وأخاها بالنهروان فأعجبته فخطبها فقالت آليت أن لا أتزوّج الاعلى مهر لا أريد سواه قال وما هو لا تسألينى شيئا الا أعطيتك فقالت ثلاثة آلاف دينار وقتل على بن أبى طالب وعبد وقينة وفيه قال شاعرهم
ولم أرمهرا ساقه ذو شجاعة ... كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وقتل علىّ بالحسام المسمم
فلا مهر أعلى من علىّ وان علا ... ولا قتل الا دون قتل ابن ملجم
فقال والله ما جاء بى الى هذا المصر الا قتل على فقد أعطيتك ما سألت* وفى رواية الزبير قال صدقت ولكنى لما رأيتك آثرت تزويجك فقالت ليس الا الذى قلت لك قال وما يغنيك أو ما يغنينى منك قتل علىّ وأنا أعلم أنى ان قتلته لم أفت قالت ان قتلته ونجوت فهو الدى أردت فيبلغ شفاء نفسى ويهنيك العيش معى وان قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها فقال لها لك ما اشترطت فقالت له سألتمس من يشدّ ظهرك فبعثت الى ابن عم لها يدعى ورد ان بن مجالد فأجابها ولقى ابن ملجم شبيب بن بجرة الاشجعى بفتح الباء والجيم قاله ابن مأكولا والذى ضبطه أبو عمر وبضم الباء وسكون الجيم فقال له يا شبيب هل لك فى شرف الدنيا والاخرة قال وما هو قال تساعدنى على قتل على بن أبى طالب قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا ادّا كيف تقدر على ذلك قال انه رجل لا حرس له ويخرج الى المسجد منفردا دون من يحرسه فنكمن له فى المسجد فاذا خرج الى الصلاة قتلناه فان نجونا نجونا وان قتلنا سعدنا بالذكر فى الدنيا وبالجنة فى الاخرة فقال ويلك انّ عليا ذو سابقة فى الاسلام مع النبى صلى الله عليه وسلم ما تنشرح نفسى لقتله قال ويلك انه حكم الرجال فى دين الله وقتل اخواننا الصالحين فنقتله ببعض من قتل ولا تشكن فى دينك فأجابه وأقبلا حتى دخلا على قطام وهى معتكفة فى المسجد الاعظم فى قبة ضربتها لنفسها فدعت لهم فقاما فأخذا أسيافهما ثم جاآ حتى جلسا قبالة السدّة التى يخرج منها علىّ ودخل ابن النباح المؤذن فقال الصلاة فقام علىّ يمشى وابن النباح بين يديه والحسن بن علىّ خلفه فلما خرج من الباب نادى أيها الناس الصلاة الصلاة كذلك كان يصنع كل يوم يخرج ومعه درّته يوقظ الناس فاعترضاه الرجلان فقال بعض من حضر ذلك رأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول لله الحكم يا علىّ لا لك وفى رواية الزبير قال الحكم لله يا علىّ لا لك ولا لاصحابك ثم رأيت سيفا ثانيا فضربا جميعا فأما سيف شبيب فوقع فى الطاق* وفى مورد اللطافة فوقعت الضربة فى السدة وأخطأ وأما سيف ابن ملجم فأصاب جبهته الى قرنه ووصل الى(2/281)
دماغه* وفى حياة الحيوان ضربه ابن ملجم على صلعته فقال علىّ فزت ورب الكعبة فسمع علىّ يقول لا يفوتنكم الرجل وفى رواية لا يفوتنكم الكلب فشدّ الناس عليهما من كل جانب فأمّا شبيب فأفلت خارجا من باب كندة وأمّا ابن ملجم فانه لما هم الناس به حمل عليهم بسيفه ففرّجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة فرماها عليه واحتمله وضرب به الارض وقعد على صدره وانتزع سيفه عنه وكان أيدا قويا كذا فى ذخائر العقبى وقد مرّ فى فصل النسب فى أولاد عبد المطلب* وفى أسد الغابة فلما أخذ ابن ملجم ادخل على علىّ فقال احبسوه وأطيبوا طعامه وألينوا فراشه فان أعش فأنا ولى دمى عفو أو قصاص وان أمت فالحقوه بى أخاصمه عند ربّ العالمين* وفى ذخائر العقبى قال علىّ احبسوه فان أمت فاقتلوه ولا تمثلوا به وان لم أمت فالامر الىّ فى العفو والقصاص أحرجه أبو عمر وفقالت أم كلثوم يا عدوّ الله قتلت أمير المؤمنين قال ما قتلت الا أباك قالت والله انى لارجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس قال فلم تبكين اذا ثم قال والله لقد سممته شهرا يعنى سيفه فان أخلفنى أبعده الله وأسحقه* قال فمكث علىّ يوم الجمعة وليلة السبت وتوفى ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان من سنة أربعين* وفى معجم البغوى عن ليث بن سعد انّ عبد الرحمن بن ملجم ضرب عليا فى صلاة الصبح على دهش بسيف كان سمه بسم ومات من يومه ودفن بالكوفة ليلا* وفى دول الاسلام ضربه بخنجر على دماغه فمات بعد يومين* وفى مورد اللطافة فمكث علىّ جريحا يوم الجمعة والسبت وتوفى ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين واختلفوا فى انه هل ضربه بخنجر على دماغه فمات بعد يومين* وفى مورد اللطافة فمكث علىّ جريحا يوم الجمعة والسبت وتوفى ليلة الاحد لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة أربعين واختلفوا فى انه هل ضربه فى الصلاة أو قبل دخوله فيها وهل استخلف من أتم الصلاة أو هو أتمها والاكثر على انّ جعدة ابن هبيرة صلى بهم تلك الصلاة*
(ذكر وصيته رضى الله عنه)
* روى انه لما ضربه ابن ملجم أوصى الى الحسن والحسين وصية طويلة فى آخرها بابنى عبد المطلب لا تخوضوا دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا تقتلوا بى الا قاتلى انظروا اذا أنامت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ولا تمثلوا به فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور أخرجه الفضائلى* وعن قثم مولى الفضل لما قتل ابن ملجم عليا قال للحسن والحسين أحبستم الرجل فان مت فاقتلوه ولا تمثلوا به فلما مات قام اليه الحسين ومحمد فقطعاه وحرقاه ونهاهم الحسن أخرجه الضحاك* وفى دول الاسلام فقطعوه اربا اربا* وفى حياة الحيوان قتل الحسين بن على عبد الرحمن بن ملجم واجتمع الناس وأحرقوا جثته* وروى عن عمرو ذى مرّ قال لما أصيب علىّ بالضربة دخلت عليه وقد عصب رأسه قال قلت يا أمير المؤمنين أرنى ضربتك قال فحلها فقلت خدش وليس بشئ قال انى مفارقكم انى مفارقكم فبكت أم كلثوم من وراء الحجاب فقال لها اسكتى فلو ترين ما أرى لما بكيت فقلت يا أمير المؤمنين ماذا ترى قال هذه الملائكة وفود والنبيون ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول يا على أبشر فما تصير اليه خير مما أنت فيه وأم كلثوم هذه ابنة على بن أبى طالب زوج عمر بن الخطاب* قال ولما فرغ علىّ من وصيته قال أقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ثم لم يتكلم الا لا اله الا الله حتى قبضه الله رحمة الله ورضوانه عليه* قيل انّ عليا كان عنده مسك فضل من حنوط رسول الله أوصى أن يحنط به* وفى أسد الغابة لما توفى غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكفن فى ثلاثة أثواب ليس فيها قميص وصلى عليه الحسن ابنه وكبر عليه أربعا ودفن فى السحر*
(ذكر موضع دفنه)
* اختلفوا فى موضع دفنه فقيل فى قصر الامارة بالكوفة وقيل فى رحبة الكوفة وقيل بنجف الحيرة وهو موضع بطريق الحيرة قال الخجندى والاصح عندهم انه مدفون وراء المسجد الذى يؤمه الناس اليوم وعن أبى جعفر انّ قبره جهل موضعه* وقال الواقدى دفن ليلا وعفى قبره* وفى(2/282)
مورد اللطافة وعمى قبره لئلا تنبشه الخوارج* وقال شريك وغيره نقله ابنه الحسن الى المدينة وذكر المبرد عن محمد بن حبيب قال أوّل من حوّل من قبر الى قبر كان على بن أبى طالب* وعن عائشة لما بلغها موت علىّ قالت لتصنع العرب ما شاءت فليس لها أحد ينهاها قالوا وكان عبد الرحمن بن ملجم فى السجن فلما مات علىّ ودفن بعث حسن بن على الى ابن ملجم فأخرجه من السجن ليقتله فاجتمع الناس وجاؤا بالنفط والبوارى والنار وقالوا نحرقه فقال عبد الله بن جعفر وحسين بن على ومحمد بن الحنفية دعونا تشتف أنفسنا منه فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ثم كحل عينيه بمسمار محمى فلم يجزع وجعل يقول انك لتكحل عينى عمك بمكحول محمص وجعل يقرأ اقرأ بسم ربك الذى خلق حتى أتى على آخر السورة وانّ عينيه لتسيلان على خدّيه ثم أمر به فعولج على لسانه ليقطعه فجزع فقيل له قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدوّ الله فلم تجزع فلما صرنا الى لسانك جزعت قال ما ذاك من جزع الا انى أكره أن أكون فى الدنيا فوا قالا أذكر الله فقطعوا لسانه ثم جعلوه فى قوصرة فأحرقوه بالنار وكان ابن ملجم اسمر ابلج فى جبهته أثر السجود*
(ذكر تاريخ مقتله)
* وكان ذلك فى صبيحة يوم سبع عشرة من رمضان مثل صبيحة بدر وقيل ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة منه سنة أربعين ذكر ذلك كله أبو عمرو وابن عبد البرّ كذا ذكره المحب الطبرى فى كتابه ذخائر العقبى والرياض النضرة* وفى الصفوة قال العلماء بالسير ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من رمضان وقيل ليلة احدى وعشرين منه سنة أربعين فبقى الجمعة والسبت ومات ليلة الاحد وقيل يوم الاحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وصلى عليه الحسن ودفن فى السحر* وفى سيرة مغلطاى بويع علىّ فى اليوم الذى مات فيه عثمان فأقام فى الخلافة أربع سنين وتسعة أشهر وثمانية أيام وتوفى شهيدا على يد عبد الرحمن بن ملجم ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة أربعين* وفى تاريخ ابن عاصم سنة تسع وثلاثين وفيه غرابة وله ثلاث وستون سنة ودفن بمسجد الكوفة وقيل حمل الى المدينة ودفن عند فاطمة وقيل غير ذلك* وفى الصفوة فى سنه أربعة أقوال* أحدها ثلاث وستون قال الواقدى وهذا المثبت عندنا* والثانى خمس وستون* والثالث سبع وخمسون* والرابع ثمان وخمسون والله أعلم* وعن على ابن الحسين قال قتل على وهو ابن ثمان وخمسين* وفى ذخائر العقبى وقيل ثمان وستين ذكر ذلك أبو عمرو وغيره وذكر أبو بكر أحمد بن الدرّاع ان سنه خمس وستون ولم يذكر غيره وصحب النبىّ صلى الله عليه وسلم منها بمكة ثلاث عشرة سنة وسنه يوم صحبه اثنتا عشرة سنة ثم هاجر فصحبه عشر سنين وعاش بعده ثلاثين سنة* مروياته فى كتب الاحاديث خمسمائة وستة وثمانون حديثا وفى المختصر الجامع وكان نقش خاتمه الملك لله الواحد القهار* وأما كاتبه فعبد الله بن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وأما قاضيه فشريح بن الحارث الكندى* وأما حاجبه فقنبر مولاه وكان قبله بشر مولاه أيضا* وأما أميره بمصر فقيس بن سعد بن عبادة وكان ذا رأى ودهاء واجتهد معاوية فى اخراجه بأن أظهر انه من شيعته فبلغ ذلك عليا فعزله وولاها مالك بن الحارث الاشتر فأسقى السم فى شربة من عسل يقال سمه عبد لعثمان فى الطريق فمات وولاها بعده محمد بن أبى بكر ولما رجع علىّ بعد التحكيم الى العراق سار عمرو بن العاص ومعه عساكر الشأم الى مصر فانهزم أهل مصر واستتر محمد بن أبى بكر فوجده معاوية بن خديج فقتله وجعله فى جيفة حمار وأحرقه بالنار كما سبق فى أولاد أبى بكر وكانت ولايته لمصر خمسة أشهر ووليها عمرو بن العاص من قبل معاوية وجعلها له طعمة*
(ذكر أولاده)
* وكان له من الاولاد جماعة وردت فى عددهم روايات مختلفة ففى كتاب الانوار لابى القاسم اسماعيل أولاد على اثنان وثلاثون عددا ستة عشر ذكرا وست عشرة أنثى* وقال اليعمرى(2/283)
تسع وعشرون نفسا اثنا عشر ذكرا وسبع عشرة أنثى* وقال المحب الطبرى فى ذخائر العقبى والرياض النضرة كان له من الولد أربعة عشر ذكرا وثمان عشرة أنثى* وفى الصفوة أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة أنثى* (ذكر الذكور) * الحسن والحسين وقد سبق ذكر ولادتهما وبعض أحوالهما فى الموطن الثالث والرابع وسيجىء ذكر وفاتهما ولهما عقب* ومحسن مات صغيرا أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم* ومحمد الاكبر أمه خولة بنت اياس بن جعفر الحنفية ذكره الدارقطنى وغيره وقال وأخته لامّه عوانة بنت أبى مكمل الغفارية وقيل بل كانت أمه من سبى اليمامة فصارت الى علىّ وانها كانت أمة لبنى حنيفة سندية سوداء ولم تكن من أنفسهم وقيل انّ أبا بكر أعطى عليا الحنفية أم محمد من سبى بنى حنيفة أخرجه السمان وكان سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيه وكانت الشيعة تسميه المهدى وهو يقول كل مؤمن مهدى وكان صاحب راية أبيه يوم الجمل وكان شجاعا كريما فصيحا يقال انه مات بالطائف منهزما عن عبد الله بن الزبير سنة احدى وثمانين* والعباس الاكبر ويدعى السقا ويكنى أبا قربة وكان صاحب راية الحسين يوم كربلا وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين أيضا أمهم أم البنين وايسى بنت حزام بن خالد الوحيدية ثم الكلابية يقال قتل العباس يزيد بن زياد الحنفى وحكيم بن الطفيل الطائى* ومحمد الاصغر قتل مع الحسين أيضا أمه أم ولد ويحيى مات صغيرا وعون أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية فهما أخوا بنى جعفر بن أبى طالب وأخوا محمد بن أبى بكر لامهم وعمر الاكبر أمه أم حبيب الصهباء الثعلبية سبية سباها خالد فى الردّة فاشتراها علىّ* ومحمد الاوسط أمه امامة بنت أبى العاص بن الربيع وعبيد الله قتله المختار الثقفى فى حرب مصعب بن الزبير وأبو بكر قتل مع الحسين أمهما ليلى بنت معوذ بن خالد النهشلية وقيل الدارمية وهى التى تزوّجها عبد الله ابن جعفر خلف عليها بعد عمه جمع بين زوجة علىّ وابنته زينب فولدت له صالحا وأم أبيها وأم محمد بنى عبد الله بن جعفر فهم اخوة عبيد الله وأبى بكر ابنى علىّ لامهما ذكره الدار قطنى* (ذكر الاناث) * زينب الكبرى عن ابن شهاب قال تزوّج زينب بنت على عبد الله بن جعفر فماتت عنده وقد ولدت له عليا وعونا* وعن الحسن قال زينب الكبرى بنت على بن أبى طالب أمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وولدت عليا وعونا وعباسا وأم كلثوم بنى عبد الله بن جعفر* وقال الدار قطنى ولدت عليا وأم كلثوم ورقية وأم كلثوم هما شقيقتا الحسن والحسين* قال أبو عمرو ولدت أم كلثوم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم* قال ابن اسحاق حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة خطب عمر الى على ابنته أم كلثوم فأقبل علىّ عليه وقال انها صغيرة فقال عمر والله ما ذاك بك ولكن أردت منعى فان كانت كما تقول فابعثها الىّ فرجع علىّ فدعاها فأعطاها حلة وقال انطلقى بهذه الى أمير المؤمنين وقولى له يقول لك أبى كيف ترى هذه الحلة فأتته بها وقالت له ذلك فأخذ عمر بذراعها فاجتبذتها منه وقالت أرسلها فأرسلها وقال حصان كريم انطلقى فقولى له ما أحسنها وأجملها وليست والله كما قلت فزوّجها اياه* وذكر أبو عمرو انّ عمر قال له لما قال انها صغيرة زوّجنيها يا أبا الحسن فانى أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد فقال له على أنا أبعثها اليك فان رضيتها فقد زوّجتكها فبعثها اليه ببرد وقال لها قولى له هذا البرد الذى قلت لك فقالت ذلك لعمر فقال لها قولى له قد رضيت رضى الله عنك ووضع يده على ساقها فكشفها فقالت أتفعل هذا لولا انك أمير المؤمنين لكسرت انفك* وفى رواية لطمست عينيك ثم خرجت حتى أتت أباها فأخبرته الخبر فقالت بعثتنى الى شيخ سوء قال يا بنية فانه زوجك فجاء عمر الى مجلس المهاجرين فى الروضة وكان يجلس فيها المهاجرون الاوّلون فجلس اليهم فقال رفونى فقالوا بمن يا أمير المؤمنين فقال تزوّجت بأم كلثوم بنت على بن أبى طالب سمعت رسول
الله صلى الله عليه(2/284)
وسلم يقول كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى وصهرى فرفوه* وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب الى على أم كلثوم فقال انكحنيها فقال علىّ انى أرصدها لابن أخى جعفر فقال عمر أنكحنيها فو الله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصد فأنكحه علىّ فأتى المهاجرين والانصار فقال ألا تهنؤنى فقالوا بم يا أمير المؤمنين قال بأم كلثوم بنت علىّ ثم ذكر معنى ما تقدّم الى قوله الا سببى ونسبى وزاد فأحببت أن يكون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب ونسب* وفى رواية ان عليا اعتل عليه بصغرها فقال عمرانى لم أرد الباءة ولكنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثم ذكر الحديث خرجهما أحمد فى المناقب وخرج الاوّل ابن السمان مختصرا وزاد المستطيل وكل بنى أنثى فعصبتهم لابيهم ما خلا ولد فاطمة فانى أبوهم وأنا عصبتهم خرجه ابن السمان* وعن واقد بن محمد بن عبد الله بن عمر عن بعض أهله لما خطب عمر الى علىّ ابنته أم كلثوم قال علىّ ان على أمراء حتى أستأذنهم فأتى ولد فاطمة فذكر ذلك لهم فقالوا زوّجه فدعا أم كلثوم وهى يومئذ صبية فقال لها انطلقى الى أمير المؤمنين فقولى له ان أبى يقرئك السلام ويقول لك قد قضى حاجتك التى طلبت فأخذها عمر فضمها اليه وقال انى خطبتها الى أبيها فزوّجنيها قيل يا أمير المؤمنين ما كنت تريد اليها انها صبية صغيرة قال انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل سبب منقطع يوم القيامة الا سببى فأردت أن يكون بينى وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب صهر خرجه الدولابى وخرج ابن السمان معناه ولفظه مختصر ان عمر قال لعلىّ انى أحب أن يكون عندى عضو من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له على ما عندى الا أم كلثوم وهى صغيرة فقال ان تعش تكبر فقال ان لها أميرين معى قال نعم فرجع علىّ الى أهله وقعد عمر ينتظر ما يرد عليه فقال علىّ ادعو الى الحسن والحسين فجاآ فدخلا فقعدا بين يديه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لهما ان عمر قد خطب الىّ أختكما فقلت له ان لها معى أميرين وانى كرهت ان أزوّجها اياه حتى أوامر كما فسكت الحسين وتكلم الحسن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا اباه من بعد عمر صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفى وهو عنه راض ثم ولى الخلافة فعدل قال صدقت يا بنى ولكن كرهت ان أقطع أمرا دونكما ثم ذكر معنى ما تقدّم* وعن أسلم أن عمر بن الخطاب تزوّج أم كلثوم بنت على بن أبى طالب على أربعين ألف درهم خرجه أبو عمرو والد ولابى وابن السمان* وعن أبى هريرة قال أم كلثوم بنت علىّ من فاطمة تزوّجها عمر بن الخطاب فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب* وقال أبو عمرو زيد بن عمر الاكبر ورقية بنت عمر* قال الزهرى ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون ابن جعفر بن أبى طالب فلم تلد له شيئا حتى مات فخلف عليها بعده محمد بن جعفر فولدت له جارية ثم مات فخلف عليها بعده عبد الله بن جعفر فلم تلد له شيئا وماتت عنده* قال ابن اسحاق فمات عنها ولم يصب منها ولدا كذا ذكره الدار قطنى فى كتاب الاخوة والاخوات غير انه ذكر ان محمدا تزوّجها أوّلا ثم عونا ثم عبد الله وحكى الدولابى وغيره القولين فى موتها عنده أو موته عندها* قال أبو عمرو ماتت ام كلثوم وابنها زيد فى وقت واحد وكان زيد قد أصيب فى حرب بين بنى عدىّ ليلا فخرج ليصلح بينهم فضربه رجل منهم فى الظلمة فشجه وصرعه فعاش أياما ثم مات هو وأمّه فى وقت واحد وصلى عليهما ابن عمر قدّمه الحسن بن على فكانت فيهما سنتان فيما ذكروا كما مرّ لم يورث أحدهما من الاخر وقدّم زيد على أمّه مما يلى الامام وقيل صلى عليهما سعد بن أبى وقاص وخلفه الحسن والحسين وأبو هريرة رواه الدولابى عن عمار بن أبى عمار* ورقية شقيقة عمر الاكبر وأم الحسن تزوّجها جعدة بن هبيرة المخزومى ورملة الكبرى أمها
أم سعد بنت عروة بن مسعود الثقفى تزوّجها عبد الله بن أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وأم هانى تزوّجها عبد الرحمن بن عقيل وميمونة تزوّجها عبد الله الاكبر بن عقيل وزينب(2/285)
الصغرى تزوّجها محمد بن عقيل ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى تزوّجها عبد الله الاصغر بن عقيل وفاطمة تزوّجها سعيد بن الاسود من بنى الحارث وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة وأمامة تزوّجها الصلت بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وفى الرياض النضرة لم يذكر أمامة وذكر بدلها تقية ونفيسة لامّهات أولاد شتى ذكره ابن قتيبة وصاحب الصفوة كذا فى ذخائر العقبى للمحب الطبرى والرياض النضرة له* وفى الصفوة وابنة أخرى لم يذكر اسمها ماتت صغيرة وهى جارية كانت تخرج الى المسجد فيقال لها من أخوالك فتقول أو أو* وقد يروى انها كانت تقول وه وه تعنى كلبا أمّها المحياة بنت امرئ القيس بن عدى بن كلب كذا فى المختصر وعقبه من الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس وعمر* قال اليعمرىّ مات من أولاده تسعة عشر نفرا فى حياته وورثه منهم ثلاثة عشر نفرا وقتل منهم بالطف ستة رجال كذا فى التوضيح*
(ذكر الائمة الاثنى عشر على طريق الاختصار وهم علىّ وأولاده أوّلهم على بن أبى طالب)
* وقد سبق ذكره* (الثانى) * الحسن بن على بن أبى طالب ويكنى أبا محمد ويلقب بالتقى والسيد أمّه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد بالمدينة فى منتصف رمضان سنة ثلاث من الهجرة واستخلف ستة أشهر وتوفى بالمدينة لخمس ليال خلون من ربيع الاوّل سنة خمسين وقيل سنة تسع وأربعين وكان عمره سبعا وأربعين سنة ودفن بالبقيع* (الثالث) * الحسين بن على بن أبى طالب يكنى أبا عبد الله ولقب بالشهيد والسيد أمّه فاطمة الزهراء ولد بالمدينة يوم الثلاثاء الرابع من شعبان سنة أربع من الهجرة* وفى الصفوة استشهد يوم الجمعة وقيل الثلاثاء يوم عاشوراء فى المحرم سنة احدى وستين من الهجرة وهو ابن ست وخمسين سنة وخمسة أشهر كما سيجىء* (الرابع) * على بن الحسين بن على بن أبى طالب ويكنى أبا الحسن وقيل أبا محمد وقيل أبا بكر ولقب بزين العابدين والسجاد ولد بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة وقيل سنة ثمان وثلاثين وقيل سنة ست وثلاثين أمّه أم ولد اسمها غزالة كذا فى الصفوة* وقال فى شواهد النبوّة اسم أمّه شهر بانو بنت يزدجرد من أولاد أنو شروان العادل انتهى* وفى حياة الحيوان قال ابن خلكان كانت أمّه سلامة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس* وذكر الزمخشرى فى ربيع الابرار* ان يزدجرد كان له ثلاث بنات سبين فى زمن عمر بن الخطاب فحصلت واحدة منهنّ لعبد الله بن عمر فأولدها سالما والآخرى لمحمد بن أبى بكر فأولدها قاسما والآخرى للحسين بن على فأولدها عليا زين العابدين فكلهم بنو خالة وهو علىّ الاصغر فأما علىّ الاكبر فانه قتل مع الحسين وكان علىّ هذا أيضا مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة الا أنه كان مريضا نائما على فراش فلم يقتل وفى حياة الحيوان استبقى لصغر سنه لانهم قتلوا كل من أنبت كما يفعل بالكفار قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ولعنه* وتوفى بالمدينة فى الثامن عشر من المحرم سنة أربع وتسعين وقيل خمس وتسعين ودفن بالبقيع وهو ابن ثمان وخمسين سنة وضريحه هناك فى قبة معروفة بقبة العباس روى الحديث عن أبيه وعمه الحسن وجابر وابن عباس والمسور بن مخرمة وأبى هريرة وصفية وعائشة وأم سلمة أمّهات المؤمنين* (والخامس) * محمد الباقر بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب أمّه أم عبد الله فاطمة بنت الحسن ابن على بن أبى طالب يكنى أبا جعفر ولقب بالباقر لتبقره فى العلم وهو توسعه فيه ولد بالمدينة يوم الجمعة ثالث صفر سنة سبع وخمسين من الهجرة قبل قتل الحسين بثلاث سنين* وأولاده جعفر وعبد الله أمّهما فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق وابراهيم وعلى وزينب وأم سلمة توفى بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة وقيل ثمان عشرة وقيل أربع عشرة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة وقيل ثمان وخمسين وقيل سبع وخمسين سنة وقبره بالبقيع عند أبيه فى قبة العباس كذا فى الصفوة* (السادس(2/286)
جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب) * ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا اسمعيل وله القاب أشهرها الصادق وأمّه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق وأمّ أمّ فروة أسماء بنت عبد الرحمن بن أبى بكر ولذا قال الصادق لقد ولدنى أبو بكر مرّتين ولد بالمدينة سنة ثمانين من الهجرة وقيل سنة ثلاث وثمانين يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقين من ربيع الاوّل وتوفى بالمدينة يوم الاثنين للنصف من رجب سنة ثمان وأربعين ومائة وقبره بالبقيع فى قبة العباس وهو القبر الذى فيه أبوه الباقر وجدّه زين العابدين وعمه الحسن بن على فلله درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه وأعلى قدره عند الله كذا فى شواهد النبوّة* وفى الملل والنحل وله خمسة أولاد محمد واسمعيل وعبد الله وموسى وعلىّ* (السابع موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب) * ويكنى أبا الحسن وأبا ابراهيم وقيل غير ذلك ويلقب بالكاظم لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه أمّه أمّ ولد اسمها حميدة البربرية ولد بالابواء بين مكة والمدينة يوم الاحد لسبع ليال خلون من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة كذا فى شواهد النبوّة وفى الصفوة ولد بالمدينة سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين ومائة وأقدمه المهدى بغداد ثم ردّه الى المدينة فأقام بها الى أيام الرشيد فلما قدم الرشيد المدينة حمله معه وحبسه ببغداد الى ان توفى بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة* وفى شواهد النبوّة مات فى حبس هارون الرشيد ببغداد يوم الخميس لخمس خلون من رجب سنة ست وثمانين ومائة من الهجرة وقبره ببغداد ويقال ان يحيى بن خالد البرمكى سمه فى رطب بأمر هارون الرشيد* (الثامن على بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب) * يكنى أبا الحسن ككنية ابيه موسى الكاظم ولقب بالرضا أمّه أم ولد لها أسماء منها أروى ونجمة وسمانه وأم البنين واستقرّ اسمها على تكتم قيل كانت أمّه جارية لحميدة أم موسى الكاظم فرأت فى المنام النبىّ صلى الله عليه وسلم أمرها ان تهب نجمة لابنها موسى وقال سيولد له منها خير أهل الارض ولد بالمدينة يوم الخميس الحادى عشر من ربيع الاخر سنة ثلاث وخمسين ومائة بعد وفاة جدّه الصادق بخمس سنين وقيل غير ذلك ومات ببلاد طوس فى قرية سناباد من رستاق قوجاز قبره فى قبلى قبر هارون الرشيد فى قبة فى دار حميد بن قحطبة الطائى وذلك فى شهر رمضان لتسع بقين منه يوم الجمعة سنة ثمان ومائتين* (التاسع محمد بن على بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب) * يكنى أبا جعفر وهو موافق للباقر فى الكنية والاسم ولذا يقال له أبو جعفر الثانى ولقبه التقى والجواد أمه أم ولد اسمها خيزران وقيل ريحانة وقيل كانت من أهل مارية القبطية ولد بالمدينة يوم الجمعة لعشرة أيام خلون من رجب سنة خمس وتسعين ومائة وتوفى يوم الثلاثاء لستة أيام خلون من ذى الحجة سنة عشرين ومائتين فى خلافة المعتصم وقيل مسموما ولكنه ما صح وقبره ببغداد خلف قبر جدّه الكاظم ولكمال علمه وأدبه وفضله زوّجه المأمون فى صغر سنه ابنته أم الفضل وأرسلها معه الى المدينة وكان يرسل الى المدينة فى كل سنة ألف ألف درهم كذا فى شواهد النبوّة* (العاشر على بن محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على ابن أبى طالب) * يكنى أبا الحسن ويقال له أبو الحسن الثالث ولقبه الهادى لكنه مشتهر بالتقى أمه أم ولد اسمها سمانة وقيل أمه امّ الفضل بنت المأمون ولد بالمدينة فى الثالث عشر من رجب سنة أربع عشرة ومائتين وتوفى فى زمان المستنصر فى سرّ من رأى من نواحى بغداد يوم الاثنين من أواخر جمادى الاخرة سنة أربع وخمسين ومائتين وقبره فى داره التى فى سرّ من رأى وقيل ان مشهد الهادى بقم وليس بصحيح وانما الصحيح انّ مشهد فاطمة بنت موسى بن جعفر بن محمد
ببلدة قم وقد نقل عن الرضا انه قال من زارها دخل الجنة كذا فى شواهد النبوّة* (الحادى عشر الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى(2/287)
ابن جعفر الصادق) * ويكنى أبا محمد ويلقب بالزكى والخاص والسراج وهو أيضا مثل أبيه مشهور بالعسكرى وأمه أم ولد اسمها سوسن وقيل غير ذلك ولد بالمدينة سنة احدى أو اثنتين وثلاثين ومائتين وتوفى فى سرّ من رأى فى سنة ستين ومائتين وقبره بجنب ابيه* (الثانى عشر محمد بن الحسن بن على بن محمد ابن على الرضا) يكنى أبا القاسم* ولقبه الامامية بالحجة والقائم والمهدى والمنتظر وصاحب الزمان وهو عندهم خاتم للاثنى عشر اماما ويزعمون انه دخل السرداب الذى فى سرّ من رأى وأمّه تنظر اليه ولم يخرج اليها وذلك فى سنة خمس وستين ومائتين وقيل فى سنة ست وستين ومائتين وهو الاصح واختفى الى الان فى زعمهم أمه أم ولد اسمها صقيل وقيل سوسن وقيل نرجس وقيل غير ذلك ولد فى سرّ من رأى فى الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين* وفى جامع الاصول فى أشراط الساعة وعلاماتها عن ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا منى أو من أهل بيتى يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا* وفى رواية أخرى لا تنقضى الدنيا حتى يملك العرب من أهل بيتى رجل يواطئ اسمه اسمى أخرجه أبو داود* وقال صاحب الفتوحات المكية فى ذكر المهدى انه يكون معه ثلثمائة وستون رجلا من رجال الله الكاملين وهذا الخليفة يكون من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولد فاطمة اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنيته كنية جدّه حسن بن على يبايع بين الركنين والمقام يبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق عن شهود وكشف بتعريف الهى رجال الهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء يحملون أثقال المملكة ويعينون على ما قلده الله تعالى ثم قال فانّ الله يستوزر له طائفة خبأهم فى مكنون غيبه أطلعهم الله كشفا وشهودا على الحقائق وهذا الخليفة يفهم منطق الحيوان ويسرى عدله فى الانس والجان وفى ذخائر العقبى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس منك المهدى فى آخر الزمان وبه ينشر الهدى وبه تطفأ نيران الضلالات انّ الله عز وجل فتح بنا هذا الامر وبذريتك يختمه وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم الا أبشرك يا أبا الفضل قال بلى يا رسول الله قال ان الله تعالى افتتح بى هذا الامر وبذريتك يختمه خرجه الحافظ أبو القاسم السهمى* وعن عثمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المهدى من ولد العباس* وعن عبد الصمد بن على عن أبيه عن جدّه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس قال لبيك يا رسول الله قال انّ الله عز وجل ابتدأ الاسلام بى وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذى يتقدّم عيسى ابن مريم* وعن جابر ابن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمّتى يقاتلون على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدى فيقال تقدّم يا نبى الله صل بنا فيقول هذه الامّة أمراء بعضهم على بعض أخرجه الامام أبو عمرو عثمان بن سعيد المقبرى فى سننه* وعن كعب الاحبار قال يحاصر الدجال المؤمنين ببيت المقدس فيصيبهم فيها جوع شديد حتى يأكلوا أوتار قسيهم من الجوع فبينماهم على ذلك اذ سمعوا صوتا فى الغلس فيقولون ان هذا الصوت صوت رجل شبعان قال فينظرون فاذا عيسى ابن مريم عليه السلام قال فيقام فيرجع امام المسلمين المهدى فيقول عيسى عليه السلام تقدّم فلك أقيمت الصلاة فيصلى بهم تلك قال ثم يكون عيسى اماما أخرجه الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد فى كتاب الفتن* وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج المهدى وعلى رأسه غمامة فيها ملك ينادى هذا المهدى خليفة الله فاتبعوه أخرجه أبو نعيم فى مناقب المهدى* وعن عون بن منبه قال كنا نتحدّث انما يكون فى هذه الامّة خليفة لا
يفضل عليه(2/288)
أبو بكر وعمر اخرجه الامام الدوانى فى سننه* وعن محمد بن سيرين قال قيل له المهدى خير أم أبو بكر وعمر قال هو خير منهما* وفى رواية وذكر فتنة فقال اذا كان ذلك فاجلسوا فى بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبى بكر وعمر أخرجهما الحافظ أبو عبد الله نعيم بن حماد قال وفى زمن المهدى ترعى الشاة والذئب ويلعب الصبيان بالحيات والعقارب* قال الشيخ علاء الدولة أحمد بن محمد السمنانى قدس سره فى ذكر الا بدال وأقطابهم وقد وصل الى الرتبة القطبية محمد بن الحسن العسكرى وهو انه اذا اختفى دخل فى دائرة الابدال وترقى متدرجا طبقة طبقة الى أن صار سيد الافذاذ وكان القطب حينئذ على بن الحسين البغدادى فلما جاد بنفسه ودفن فى الشونيزية صلى عليه محمد بن الحسن العسكرى وجلس مجلسه وبقى فى الرتبة القطبية تسع عشرة سنة ثم توفاه الله بروح وريحان وأقام مقامه عثمان بن يعقوب الجوينى الخراسانى وصلى عليه هو وجميع أصحابه ودفنوه فى مدينة الرسول فلما جاد الجوينى بنفسه جلس أحمد كوجك من أبناء عبد الرحمن بن عوف مجلسه وكان توفى فى العجم وصلى عليه وقبورهم لاصقة بالارض غير مشرفة ولا مبنية لا يعرفها غيرهم وهم يزورونها كل سنة كذا فى شواهد النبوّة* وفى زبدة الاعمال قال سراج الحرم أبو بكر الكتانى قدس سره النقباء ثلثمائة والنجباء سبعون والابدال أربعون والاخيار سبعة والعمد أربعة والغوث واحد ثم مسكن النقباء المغرب ومسكن النجباء مصر ومسكن الابدال الشأم والاخيار سياحون فى الارض والعمد فى زوايا الارض ومسكن الغوث مكة فاذا عرضت الحاجة من أمر العامّة ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الاخيار ثم العمد فان أجيبوا والا ابتهل فيها الغوث فلا تتم مسئلته حتى تجاب دعوته*
(ذكر خلافة الحسن بن على وخروجه الى معاوية وتسليمه الامر اليه)
* وهو أبو محمد الحسن بن على بن أبى طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو السادس فخلع كما سيأتى وأمّة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا صفته وميلاده فى الموطن الثالث قال أبو عمرو ولما قتل على بن أبى طالب بايع الحسن أكثر من أربعين ألفا كلهم قد بايع أباه قبله على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب فيه منهم فى أبيه فبقى نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وماوراءها من خراسان والحجاز واليمن وغير ذلك كذا فى اسد الغابة وقيل ستة أشهر* وفى المختصر الجامع بويع له يوم مات أبوه وأقام بعد المبايعة بالكوفة الى ربيع الاوّل من سنة احدى وأربعين* وعن شرحبيل بن سعد قال مكث الحسن نحوا من ثمانية أشهر لا يسلم الامر الى معاوية وفى حياة الحيوان بويع له بالخلافة بعد موت والده ثم سار الى المدائن واستقرّ بها فبينما هو بالمدائن اذ نادى مناد ان قيسا قد قتل فانفروا وكان الحسن قد جعله على مقدّمة الجيش وهو قيس ابن سعد بن عبادة* فلما خرج الحسن عدا عليه الجراح بن الاسد ليسير معه فوجأه بالخنجر فى فخذه ليقتله فقال الحسن قتلتم أبى بالامس ووثبتم علىّ اليوم تريدون قتلى زهدا فى العادلين ورغبة فى القاسطين والله لتعلمن نبأه بعد حين ثم كتب الى معاوية بتسليم الامر اليه كما سيجىء*
ترجمة الاشعث بن قيس الكندى
ومات فى خلافة الحسن الاشعث بن قيس الكندى من كبار أمراء العرب كان سيد قومه وارتدّ بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم استأمن ووفد على أبى بكر مسلما فمنّ عليه الصدّيق وزوّجه بأخته ففرح وذهب الى سوق الابل فجذب سيفه وعرقب كل ابل بالسوق فصاح الناس ارتدّ الاشعث قال لا والله ولكن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّجنى بأخته وهذه وليمتى فانحروا وكلوا ولو كنا ببلادنا لكانت أضعاف هذه ثم وزن للناس أثمان ابلهم ثم نزل الكوفة وولى أذربيجان وتوريز لعثمان وكان على ميمنة علىّ يوم صفين وكان أحد الاجواد وعاش بعد علىّ أربعين ليلة* وفى دول الاسلام لما استشهد علىّ عمد اهل العراق الى ابنه الحسن فبايعوه ثم أشاروا عليه بالمسير ليأخذ الشام من معاوية وسار معاوية(2/289)
بجيش الشام لقصده فلما تقارب الجيشان وتراآى الجمعان بموضع يقال له مسكن بناحية الانبار من أرض السواد علم الحسن أن لن تغلب احدى الفئتين حتى يذهب أكثر الآخرى فرأى أن المصلحة فى جمع الكلمة وترك القتال فكتب الى معاوية يراسله يخبر بانه يصير الامر اليه وينزل عنه على أن يشترط عليه أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشئ مما كان فى أيام أبيه وان يكون ولى العهد من بعده وان يمكنه من بيت المال ليأخذ حاجته منه ففرح معاوية وأجاب الى ذلك الا أنه قال الا عشرة أنفس لا أو منهم فراجعه الحسن فيهم فكتب اليه معاوية انى قد آليت اننى متى ظفرت بقيس بن سعد بن عبادة ان أقطع لسانه ويده فراجعه الحسن انى لا أبايعك أبدا وأنت تطلب قيسا وغيره بتبعة قلت أو كثرت فبعث اليه معاوية حينئذ برق أبيض وقال له اكتب ما شئت فيه فأنا ألتزمه فاصطلحا على ذلك فكتب الحسن كل ما اشترط عليه من الامور المذكورة واشترط ان يكون له الامر بعده فالتزم ذلك كله معاوية فخلع الحسن نفسه وسلم الامر الى معاوية ببيت المقدس تورعا وقطعا للشر واطفاء لنائرة الفتنة ويقال انه باعه اياها بخمسة آلاف ألف درهم يدفعها اليه كل سنة كذا فى المختصر الجامع فلما اصطلحا دخل معاوية الكوفة وسمى ذلك العام عام الجماعة وسيجىء عطاء معاوية الحسن وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وذكر ذلك كله فى الاستيعاب وكان الحسن يقول ما أحببت منذ علمت ما ينفعنى وما يضرنى أن ألى أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يهراق فى ذلك محجمة دم ثم سار الحسن بأهله وحشمه الى المدينة وأقام بها وغضب من فعله شيعته ويقولون له يا عار المؤمنين سوّدت وجوه المؤمنين فيقول لهم العار خير من النار* وعن أبى العريف قال كنا فى مقدّمة الحسن بن على اثنى عشر ألفا مستميتين حراصا* وفى الاستيعاب مستميتين تقطر أسيافنا من الجدّ والحرص على قتال أهل الشام فلما جاءنا صلح الحسن كانما كسرت ظهورنا من الغيظ والحزن فلما جاء الحسن الكوفة أتاه شيخ منا يكنى أبا عمر وسفيان بن أبى ليلى فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين قال لا تقل يا أبا عمر وفانى لم أرذل المؤمنين ولكن كرهت ان أقتلكم فى طلب الملك خرجه أبو عمرو* وفى دول الاسلام قال لست بمذل المؤمنين ولكن كرهت ان أقتلكم على الملك* وعن جبير بن نفير قال قدمت المدينة فقال الحسن بن على كانت جماجم العرب بيدى يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت وتركتها ابتغاء لوجه الله تعالى وحقن دماء المسلمين خرجه الدولابى* وكان الحسن من المبادرين الى نصرة عثمان بن عفان وكان كثير الزواج والطلاق يقال تزوّج رضى الله عنه تسعين امرأة* وروى المدائنى انه أحصن فى زمان أبيه تسعين امرأة فقال على رضى الله عنه لقد تزوّج الحسن وطلق حتى خفت ان يجنى علينا بذلك عداوة أقوام* قال ابن سيرين تزوّج الحسن امرأة فبعث اليها بمائة جارية مع كل جارية ألف درهم وحج مرات ماشيا ونجائبه تقاد بين يديه وكان قاضيه قاضى أبيه وكذلك كاتبه ولم يكن له حاجب* قال أبو عمرو بايع الناس معاوية فاجتمعوا عليه فى منتصف جمادى الاولى سنة اثنتين وأربعين* وفى الاستيعاب سنة احدى وأربعين ومعاوية يومئذ ابن ست وستين سنة الاشهرين قال أبو عمرو هذا أصح ما قيل فى تاريخ عام الجماعة وعليه أكثر أهل هذه الصناعة من أهل السير والعلم بالخبر قال ومن قال سنة أربعين فقدوهم اذ لم يختلفوا ان المغيرة حج بالناس سنة أربعين من غير ان يأمره أحد وكان بالطائف ولو كان الاجتماع على معاوية قبل ذلك لم يكن كذلك والله أعلم* وفى الاستيعاب لما دخل معاوية الكوفة حين أسلم الامر اليه الحسن بن على كلم عمرو بن العاص معاوية ان يأمر الحسن بن على فيخطب الناس فكره ذلك معاوية وقال لا حاجة لنا فى ذلك قال عمرو ولكنى أريد ذلك(2/290)
ليبدوعيه فانه لا يدرى هذه الامور ما هى فلم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن أن يخطب وقال له قم يا حسن وكلم الناس فيما جرى بيننا فقام الحسن فتشهد وحمد الله وأثنى عليه ثم قال فى بديهته أما بعد أيها الناس فانّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دماءكم باخرنا وان هذا الامر مدّة والدنيا دول وان الله عز وجل يقول قل ان أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون انه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع الى حين فلما قالها قال له معاوية إجلس فجلس ثم قام معاوية فخطب الناس ثم قال لعمرو هذا من ورائك* وعن الشعبى قال لما جرى الصلح بين الحسن بن على وبين معاوية قال له معاوية قم فاخطب الناس واذكر ما كنت فيه فقام الحسن فخطب فقال الحمد لله الذى هدى بنا أوّلكم وحقن بنا دماء آخركم الا ان أكيس الكيس التقى وأعجز العجز الفجور وأن هذا الامر الذى اختلفت أنا ومعاوية اما ان يكون كان أحق به منى أو يكون حقى تركته لله ولصلاح امّة محمد وحقن دمائهم قال ثم التفت الى معاوية وقال وان أدرى لعله فتنة لكم ومتاع الى حين ثم نزل* قال عمرو بن العاص لمعاوية ما أردت الا هذا* وعن الشعبى انه قال شهدت خطبة الحسن حين أسلم الامر الى معاوية*
(ذكر عطاء معاوية الحسن واكرامه له)
* عن عبد الله بن بريدة انّ الحسن دخل على معاوية فقال لاجيزنك بجائزة لم أجز بها أحدا قبلك ولا أجيز بها أحدا بعدك فأجازه بأربعمائة ألف درهم فقبلها خرجه ابن الضحاك فى الاحاد والمثانى ذكر ذلك المحب الطبرى فى ذخائر العقبى وسيجىء ذكر وفاته فى سنة تسع وأربعين فى خلافة معاوية* مروياته فى كتب الاحاديث ثلاثة عشر حديثا وقد ذكرنا ولادته وتسميته وأولاده فى الموطن الثالث*
فائدة غريبة
* ذكرها المؤرخون وهى انّ كل سادس قائم بأمر الامة مخلوع* ونقل ابن الجوزى عن أبى بكر الصولى انه قال الناس يقولون كل سادس يقوم بأمر الناس منذ أوّل الاسلام لا بد وان يخلع* قال ابن الجوزى فتأملت ذلك فرأيت عجبا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على ثم الحسن فخلع ثم معاوية ثم يزيد ثم معاوية بن يزيد ثم مروان ثم عبد الملك ثم عبد الله بن الزبير فخلع وقتل وسيأتى ذكر تمامهم بالترتيب ان شاء الله تعالى قيل الفائدة المذكورة انما تستقيم اذا تأخرت خلافة ابن الزبير عن خلافة عبد الملك بن مروان كما وقعت فى حياة الحيوان وأما اذا كانت بعد خلافة معاوية بن يزيد كما وقع فى دول الاسلام ومورد اللطافة وغيرهما فلا يستقيم وأيضا الفائدة المذكورة أكثرية لا كلية لتخلفها فى بعض المواضع كما ذكر فى حياة الحيوان*
(ذكر خلافة معاوية ابى عبد الله بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف القرشى الاموى وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس)
* وفى مورد اللطافة كنيته أبو عبد الرحمن ولقبه الناصر لدين الله وقيل الناصر لحق الله والثانى أشهر* صفته* كان طوالا أبيض اذا ضحك انقلبت شفته العليا يخضب بالحناء والكتم وكان ربما كتب للنبىّ صلى الله عليه وسلم الوحى ثم كان من عسكر أخيه يزيد بن أبى سفيان فلما احتضر أخوه بدمشق وكان نائبها لعمر استخلفه على امرة دمشق فأقرّه عليها عمر فى سنة عشرين فلم يزل متوليا على الشام عشرين سنة فلما أسلم اليه الحسن الخلافة اجتمع له الامر وبعث نوّابه على البلاد وذلك فى اليوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الاوّل سنة احدى وأربعين* وفى سيرة مغلطاى فى شوّال سنة احدى وأربعين ببيت المقدس وسمى هذا العامّ عام الجماعة كما مرّ فى خلافة الحسن لاجتماع الامة بعد الفرقة على خليفة واحد* وفى دول الاسلام فى سنة احدى وأربعين غزا المسلمون اطراف افريقية وغنموا وسبوا وفى سنة اثنتين وأربعين مات عثمان بن طلحة بن أبى طلحة وأمه أم سعيد سلافة بنت سعد من بنى عمرو بن عوف* وفى سنة ثلاث وأربعين توفى عبد الله بن سلام بالمدينة وكان اسلامه فى أوّل قدوم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة كما(2/291)
مرّ فى الموطن الاوّل وكان اسرائيليا حبرا يكنى أبا يوسف وهو ممن شهد له النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجنة وطالت دولة معاوية وكان ملكا مهيبا حازما شجاعا جوادا حليما سيدا كانما خلق للملك يعدّ من أفراد الملوك تمت فى أيامه عدّة فتوحات وفى سنة احدى وأربعين وقيل خمس وأربعين فى خلافة معاوية ماتت أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب العدوية تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم فى سنة ثلاث من الهجرة وفى سنة احدى وأربعين مات لبيد بن ربيعة العامرى الشاعر الذى قال فيه النبىّ صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشعراء كلمة لبيد* ألا كل شئ ما خلا الله باطل* تمامه* وكل نعيم لا محالة زائل* وكان من فحول الشعراء عاش مائة وخمسين سنة وفد على النبىّ صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن اسلامه وترك قول الشعر وله
ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه القرين الصالح
وفاة عمرو بن العاص
وفى سنة ثلاث وأربعين مات بمصر ليلة عيد الفطر عمرو بن العاص السهمى وكان نائبا لمعاوية عليها وفد مسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره على غزوة ذات السلاسل وهو الذى افتتح مصر وكان من دهاة العرب وأولى الحزم والرأى والمكيدة خلف أموالا عظيمة من ذلك سبعين رقبة بعير مملوءة ذهبا وكان معاوية أطلق له خراج الديار المصرية ست سنين شارطه على ذلك لما أعانه على وقعة صفين وعاش نحوا من تسعين سنة* وفى سنة أربع وأربعين عمل معاوية المقصورة بجامع دمشق وهو أوّل من عملها وكان يستنيب فى زمن ولايته من يحج وحج بالناس سنتين سنة أربع وأربعين وسنة احدى وخمسين* قال أبو الفرج حج هو بالناس سنة خمسين* وفى مورد اللطافة لما حج معاوية خرج اليه الحسن ابن على يشتكى اليه دينا فأعطاه ثمانين ألف دينار ولى نيابة المدينة لمعاوية مروان بن الحكم وحج بالناس أخو معاوية عتبة بن أبى سفيان وفى سنة أربع وأربعين وقيل اثنتين وخمسين مات أبو موسى الاشعرى واسمه عبد الله بن قيس اليمنى صاحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد استعمله على زبيد وعدن ولم يكن فى الصحابة أحسن صوتا منه بالقرآن وقد مرّ فى الموطن العاشر استماع النبىّ صلى الله عليه وسلم لقراءته وقد ولى فتح أصبهان فى أيام عمر ومناقبه جمة ودفن بمكة وقيل دفن بالنوبة على ميلين من الكوفة مروياته فى كتب الاحاديث ثلثمائة وسبعون حديثا وفى سنة أربع وأربعين توفيت زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبى سفيان بالمدينة وهى أخت الخليفة معاوية وفى سنة خمس وأربعين مات زيد بن ثابت الانصارى المفرى الفرضى أحد أئمة الصحابة وكاتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم* قال الواقدى مات زيد بن ثابت بالمدينة سنة خمس وأربعين وهو ابن ست وخمسين وحين قدم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة كان ابن احدى عشرة سنة* وقال غير الواقدى مات سنة احدى أو اثنتين وخمسين* وقال آخر مات سنة خمس وخمسين كذا فى الصفوة وفى سنة سبع وأربعين كان أوّل وقعة بين المسلمين والترك فانّ الترك تجمعوا وخرجوا فالتقاهم ابن سوار العبدى فقتل هو وعامّة جيشه وغلب الترك على بلد قيقان* وفى سنة ثمان وأربعين غزا معاوية بن أبى سفيان قبرس فيما ذكره الواقدى وقال وهو أوّل من غزا الروم كذا فى الاكتفاء*
(ذكر وفاة الحسن بن على بن أبى طالب)
* رضى الله عنهما وقد ذكر مولده فى الموطن الثالث فى الصفوة قال عمير بن اسحاق دخلت على الحسن قال ألقيت طائفة من كبدى وانى قد سقيت السم مرارا* وفى ذخائر العقبى ثلاث مرّات فلم أسق مثل هذه المرّة ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه فقال يا أخى من تتهم قال لم أتقتله قال نعم قال ان يكن الذى أظنّ فالله أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا والا فما أحب أن يقتل بى برىء* وفى رواية قال والله لا أقول لكم من سقانى ثم قضى رضى الله عنه* وقد ذكر يعقوب بن سفيان فى تاريخه(2/292)
أن جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندى كانت تحت الحسن بن علىّ فزعموا انها سمته* مرض الحسن أربعين يوما واختلف فى وقت وفاته فقيل سنة تسع وأربعين بالمدينة قاله أبو عمرو وغيره كذا فى ذخائر العقبى وقيل مات فى ربيع الاوّل سنة خمسين بعد ما مضى من خلافة معاوية عشر سنين كذا فى الاستيعاب وقيل بل مات سنة احدى وخمسين وهو يومئذ ابن ست وقيل سبع وأربعين سنة على الخلاف منها سبع سنين مع النبىّ صلى الله عليه وسلم وثلاثون سنة مع أبيه وعشر بعده وقيل مات وهو ابن خمس وأربعين سنة وغسله الحسين ومحمد والعباس بنو على بن أبى طالب ودفن بالبقيع* روى انه أوصى أن يدفن مع أمه فاطمة بالمقبرة فدفن بالمقبرة الى جنبها* قال سعيد بن محمد بن جبير رأيت قبر الحسن بن على بن أبى طالب عند فم الزقاق بين دار نبيهة بن وهب وبين دار عقيل بن أبى طالب* وروى قائد مولى عبادة قال حدّثنى الحفار لقبره قال وجدت قبرا على سبعة أذرع مشرفا عليه لوح مكتوب هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك كله ابن النجار فى أخبار المدينة وذكر انه دفن معه فى قبره ابن أخيه على بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمد الباقر وابنه جعفر الصادق وقبره يعرف بقبة العباس وصلى عليه سعيد بن العاص وكان أمير المدينة قدّمه الحسين للصلاة على أخيه وقال لولا انها سنة ما قدّمتك وكانت عائشة أباحت له ان يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتها وكان سألها ذلك فى مرضه فلما مات منع من ذلك مروان وبنو أمية* قال قتادة وأبو بكر بن جعفر مات مسموما سمته امرأته بنت الاشعث بن قيس الكندى وكان لها ضرائر كما مر*
(ذكر وصيته لاخيه الحسين رضى الله عنهما)
* قال أبو عمرو روينا من وجوه ان الحسن لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه يا أخى ان أباك حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم استشرف لهذا الامر رجاء أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشرف لها ايضا فصرفت عنه الى عمر فلما قبض عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم فلم يشك انها لا تعدوه فصرفت عنه الى عثمان فلما هلك عثمان بويع له ثم نوزع حتى جرّد السيف وطلبها فما صفا له شئ منها وانى والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوّة والخلافة فلا عرفنّ ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك وقد كنت طلبت الى عائشة اذا مت ان أدفن فى بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت نعم وانى لا أدرى لعله كان ذلك منها حياء فاذا أنامت فاطلب ذلك اليها فان طابت نفسها فادفنى فى بيتها وما أظنّ الا القوم سيمنعونك اذا أردت ذلك فان فعلوا فلا تراجعهم فى ذلك وادفنى فى بقيع الغرقد فان لى بمن فيه أسوة* فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة يطلب ذلك اليها فقالت نعم وكرامة فبلغ ذلك مروان فقال كذب وكذبت والله لا يدفن هناك أبدا منعوا عثمان من دفنه فى المقبرة ويريدون دفن حسن فى بيت عائشة فبلغ ذلك حسينا فدخل هو ومن معه فى السلاح فبلغ ذلك مروان فاستلام فى الحديد أيضا فبلغ ذلك أبا هريرة فقال والله ما هو الا ظلم يمنع حسن ان يدفن مع أبيه والله انه لابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق الى حسين فكلمه وناشده الله وقال له أليس قد قال أخوك ان خفت ان يكون قتال فردّنى الى مقبرة المسلمين ولم يزل به حتى فعل وحمله الى البقيع ولم يشهده يومئذ من بنى أمية الا سعيد بن العاص وكان يومئذ أميرا على المدينة قدّمه الحسين فى الصلاة عليه وقال هى السنة وخالد بن اليد بن عقبة ناشد بنى أمية ان يخلوه يشهد الجنازة فتركوه وشهد دفنه فى المقبرة ودفن الى جنب امّه فاطمة رضى الله عنهم*
(ذكر أولاده)
* فى الصفوة كان للحسن من الولد خمسة عشر ذكر او ثمان بنات وذكر ابن الدراع أبو بكر أحمد فى كتاب مواليد أهل البيت أنه ولد له أحد عشر ابنا وبنت عبد الله والقاسم والحسن وزيد وعمرو وعبيد الله وعبد الرحمن وأحمد واسمعيل والحسين الاثرم وعقيل وأمّ الحسن* وفى ذخائر العقبى خلف الحسن من(2/293)
الولد حسن بن حسن وعبد الله وعمرا وزيدا وابراهيم ذكره الدولابى* وفى المختصر الجامع أما أولاده فالحسن وزيد وعمرو والحسين الاثرم وطلحة وعبد الرحمن والقاسم وأبو بكر وعبد الله وهؤلاء الثلاثة قتلوا فى الطف مع الحسين والعقب للحسن وزيد دون من سواهما* ولما مات الحسن ورد البريد الى معاوية بموته فقال يا عجبا من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه ودخل عليه ابن عباس فقال له يا أبا عباس احتسب الحسن لا يحزنك الله ولا يسؤك فقال أما ما أبقاك الله يا أمير المؤمنين فلا يحزننى الله ولا يسوءنى فأعطاه على كلمته ألف ألف وعروضا وأشياء وقال خذها واقسمها على أهلك خرجه أبو عمرو* وفى حياة الحيوان قال ابن خلكان لما مرض الحسن كتب مروان ابن الحكم الى معاوية بذلك وكتب اليه معاوية أن أقبل المطى الىّ بخبر الحسن فلما بلغ معاوية موته سمع تكبير من الخضراء فكبر أهل الشام لذلك التكبير فقالت فاختة بنت قريظة لمعاوية أقرّ الله عينك ما الذى كبرت لاجله فقال مات الحسن فقالت أعلى موت ابن فاطمة تكبر فقال ما كبرت شماتة ولكن استراح قلبى ودخل عليه ابن عباس فقال يا ابن عباس هل تدرى ما حدث فى أهل بيتك قال لا أدرى ما حدث الا أنى أراك مستبشرا وقد بلغنى تكبيرك فقال مات الحسن فقال ابن عباس رحم الله أبا محمد ثلاثا والله يا معاوية لا تسدّ حفرته حفرتك ولا يزيد عمره فى عمرك ولئن كنا أصبنا بالحسن فلقد أصبنا بامام المتقين وخاتم النبيين فجبر الله تلك الصدعة وسكن تلك العبرة وكان الخلف علينا من بعده*
ذكر من توفى من كبار الصحابة فى زمن الحسن
وفى سنة خمسين من الهجرة مات عبد الرحمن بن سمرة القرشى الامير الذى فتح سجستان وغيرها وفيها مات كعب بن مالك الانصارى الشاعر الشهير أحد الثلاثة الذين خلفوا فتيب عليهم والمغيرة ابن شعبة الثقفى وكان شهد بيعة الرضوان وكان يومئذ سياف النبىّ صلى الله عليه وسلم واقفا على رأسه وبيده سيف وكان من دهاة العرب وعقلائها وأشرافها وولى امرة العراق لعمرو فيها ماتت أم المؤمنين صفية بنت حيى بن أخطب وفى سنة احدى وخمسين مات جرير بن عبد الله البجلى وكان قد وفد على النبىّ صلى الله عليه وسلم فأكرمه وأمره على طائفة وكان بديع الحسن* وعن عمر قال جرير يوسف هذه الامّة وكان طويلا جدّا نعله ذراع* ومات فيها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى ابن عم عمرو أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم قبل عمرو شهد بدرا وغيرها وعاش بضعا وسبعين سنة ومات فيها عثمان بن أبى العاص الثقفى الذى ولاه النبىّ صلى الله عليه وسلم على الطائف وقد فتح على يده عدّة فتوحات وسكن البصرة وكان من فضلاء زمانه وفيها ماتت امّ المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم بسرف وهو محرم ودخل بها بسرف واتفق موتها بسرف وهى خالة ابن عباس وخالد بن الوليد وقد مرّ فى الموطن السابع وفى سنة خمسين وقال الواقدى فى سنة اثنتين وخمسين وكذا فى المختصر الجامع غزا المسلمون الروم وغلبهم يزيد بن معاوية* قال الواقدى غزا يزيد فى خلافة أبيه معاوية بن أبى سفيان بلاد الروم فسار بالجيش الى ان نزل على مدينة قسطنطينية ومعه من الكبار أبو أيوب الانصارى وتوفى بها وصلى عليه يزيد وقبره هناك تجاه سور قسطنطينية* وقال الواقدى قبره بأصل حصن القسطنطينية بأرض الروم* وفى المختصر الجامع دفن فى أصل سور قسطنطينية* وقال الواقدى بلغنا ان الروم يتعاهدون قبره ويؤمّونه ويستسقون به اذا قحطوا الى اليوم* وفى المختصر الجامع فقيل للروم لقد مات رجل عظيم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقدمهم اسلاما وقد قبرناه حيث رأيتم والله لئن مس لا يضرب ناقوس بأرض العرب وبنى الروم على قبره وعلقوا عليه أربع قناديل* ثم التوفيق بين القولين أى بين كون غزوة يزيد فى سنة خمسين وبين كونها فى سنة اثنتين وخمسين أن يقال يحتمل ان يكون أحد القولين باعتبار الابتداء(2/294)
والاخر باعتبار الانتهاء واتفق موت ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على بن أبى طالب وحصول مثل هذه الغزوة ليزيد بن معاوية فطمع أبوه وقويت نفسه على ان يجعله ولى عهده فحج من دمشق وبالغ فى اكرام الحسين بن على وأعطاه مالا ضخما وأكرم أيضا ابن الزبير الى الغاية وعبد الرحمن بن أبى بكر بن الصدّيق رضى الله عنهم ووصلهم بالاموال وغيرها وعرّض لهم بتولية ابنه يزيد فتوقفوا ولم يجيبوا وقال له ابن أبى بكر اختر فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم أو فعل أبى بكر أو فعل عمر فالنبىّ مات وترك الناس فعمدوا الى أفضل رجل فولوه الامر وأبو بكر عند موته لم يول ولده ولا أقاربه بل تفرّس أفضل الناس فعمد اليه بالخلافة وهو عمر وأما عمر فنظر فيمن يصلح لها فوجد ستة متقاربين فجعل الامر شورى ليختاروا لهم منهم واحدا فافعل أحد هذه الصور فسكت ثم قال انى متكلم الليلة على منبر المدينة فليحذر امرؤ أن يردّ علىّ مقالتى خشية ان لا يتم قوله حتى يطير رأسه ثم انه استوى على المنبر وذكر من فضل ابنه وشجاعته وأن أهل الشام بايعوا له بالعهد ثم قال وقد بايع له هؤلاء وأشار الى ابن الزبير والى ابن أبى بكر والحسين فما جسروا أن ينطقوا فبايع أهل الحجاز فلما قاموا قالوا انا لم نبايع فلم يصدّقهم بعض الناس وسار معاوية الى الشأم من ليلته وفى سنة اثنتين وخمسين مات عمران بن حصين الخزاعى من فضلاء أصحابه ولى قضاء البصرة وكان بعثه عمر اليها ليفقههم وذكر ان الملائكة كانت تسلم عليه ومات فيها معاوية بن حديج أحد من ولى ديار مصر لمعاوية ابن أبى سفيان له صحبة وفى حدودها مات أبو بكرة الثقفى نفيع تدلى من حصن الطائف ببكرة الى النبى صلى الله عليه وسلم فأسلم نزل البصرة وفى هذا الوقت مات عمرو بن حزم الانصارى الذى استعمله النبىّ صلى الله عليه وسلم على نجران وفى سنة ثلاث وخمسين توفى عبد الرحمن بن أبى بكر الصدّيق كذا فى تاريخ اليافعى وتأخر اسلامه عن أبيه مدّة وأسلم قبل الفتح وكان شجاعا راميا قتل يوم اليمامة سبعة من كبارهم وفى سنة ثلاث وخمسين مات زياد بن أمية الذى استخلفه معاوية بأنه أخوه وجمع له امرة العراقين وكان أسلم فى خلافة الصدّيق ويعدّ من رجال الدهر عقلا ورأيا وشجاعة ودهاء وفصاحة وفى سنة أربع وخمسين مات حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه اسامة بن زيد الكلبى وامّه أمّ أيمن حاضنة النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد أمره النبىّ على جيش قبل موته ليغزو أطراف الشام وكان فى جيشه عمر* وفى الصفوة وكان اسامة قد سكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وادى القرى ثم نزل الى المدينة ومات فى الجرف فى آخر خلافة معاوية* قال الزهرى حمل اسامة حين مات من الجرف الى المدينة* ومات فيها بحمص ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من علماء الصحابة وجبير ابن مطعم بن عدى النوفلى أحد الاشراف ومن بنى عم النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان من حلماء قريش وسادتهم وحسان بن ثابت الانصارى شاعر النبىّ صلى الله عليه وسلم الذى كان يهجو المشركين دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم اللهمّ أيده بروح القدس* وفيها مات حكيم بن حزام بن خويلد القرشى الاسدى من اجلة الصحابة أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه اتفق مولده فى جوف الكعبة وكان جوادا شريفا أعتق فى الجاهلية والاسلام مائتى رقبة وباع لمعاوية دارا بستين ألفا وتصدّق بها وقال كنت اشتريتها فى الجاهلية بزق خمر وقد مرّ ذكره فى الموطن الثامن وفيها مات فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو قتادة الانصارى السلمى وكان من كبار الصحابة وفى سنة أربع وخمسين غزا عبيد الله بن زياد خراسان وقطع نهر جيحون الى بخارى على الابل فكان أوّل عربى قطع النهر فافتتح بعض مملكة بخارى وصالحه أهل طبرستان على خمسمائة ألف درهم فى السنة* وفى سنة خمس وخمسين مات الامير الكبير
فاتح العراق سعد بن أبى وقاص واسمه مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهرى أحد(2/295)
العشرة المشهود لهم بالجنة وكان يقال له فارس الاسلام* صفته* كان قصيرا غليظا ذا هامة شثن الاصابع آدم أفطس أشعر الجسد يخضب بالسواد كذا فى الصفوة وهو أوّل من رمى بسهم فى سبيل الله وكان مجاب الدعوة عاش ثلاثا وسبعين سنة أو أكثر ويقال جاوز الثمانين وهو أحد الستة الذين عينهم عمر بن الخطاب للخلافة* مروياته فى كتب الاحاديث مائتان واحد وسبعون حديثا ومات فيها أبو اليسر كعب بن عمرو الانصارى من كبار البدريين وهو الذى أسر العباس يوم بدر ومات بعد سعد وفيها مات فى الغزاة بأرض الروم مالك السرايا وكان من كبار الامراء الابطال كسروا على قبره أربعين لواء وكان صوّاما قوّاما مجاهدا وقيل بقى الى دولة عبد الملك* وفى سنة ست وخمسين ولى خراسان لمعاوية سعيد بن عثمان بن عفان فغزا سمرقند والتقى هو والصغد فاقتتلوا ثم صالحوا سعيدا وأعطوه ماتن وفيها توفيت أمّ المؤمنين جويرية بنت الحارث المصطلقية كذا فى تاريخ اليافعى وقيل فى سنة خمس وخمسين وفيها استشهد ابن عم النبىّ صلى الله عليه وسلم قثم بن العباس بن عبد المطلب وكان يشبه النبىّ عليه السلام وقد ولى امرة مكة لعلى بن أبى طالب وقبره بسمرقند كما مرّ وفى سنة سبع وخمسين مات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة الدوسى وكان اماما حافظا مفتيا كبير القدر كثير الرواية وتوفيت قبله بيسير السيدة العالمة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبى بكر وهى أفقه نساء الامّة وأعلمهنّ* قال الواقدى توفيت عائشة بالمدينة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين وقال غيره سبع وخمسين سنة من الهجرة فى أيام معاوية ومدّة عمرها ثلاث وستون سنة وهو الصحيح وقيل ست وستون كذا فى الصفوة والمنتقى وفى سنة ثمان وخمسين مات شدّاد بن أوس الانصارى بالقدس وكان من العلماء الحكماء وكان يقول اللهم ان النار قد حالت بينى وبين النوم فيقوم ويصلى الى الصباح وفيها مات بمصر عقبة بن عامر الجهنى وكان من علماء الصحابة ولى امرة مصر ثم ولى غزو البحر وفى سنة تسع وخمسين غزا بالمسلمين ابن المهاجر فنزل على قرطاجنة وكثر القتل فى الفريقين وكانت ملحمة عظمى وكانت غزوة ابن المهاجر هذه مدّة عامين التقوا غير مرّة وفى سنة تسع وخمسين مات سعيد بن العاص الاموى أحد الفصحاء الاجواد والامراء الكبار ولى الكوفة وافتتح طبرستان ثم ولى امرة المدينة واعتزل فتنة الجمل وصفين وكانه رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم وفيها توفى أبو محذورة الجمحى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى تاريخ اليافعى ومات فى سنة ستين سمرة بن جندب الفزارى وعبد الله بن مغفل المزنى وكانا من بقايا الصحابة بالبصرة وكان ابن مغفل من الفقهاء العلماء*
(ذكر وفاة معاوية وموضع قبره)
* توفى معاوية خليفة الوقت بدمشق فى غرّة رجب وفى سيرة مغلطاى لثمان بقين من رجب سنة ستين وصلى عليه ابنه يزيد على خلاف ودفن بين باب الجابية وباب الصغير وعمره ثمان وسبعون سنة وثلاثة أشهر وخمسة أيام قاله ابن اسحاق كان واليا على الشام وأميرا وخليفة أربعين سنة أربع فى خلافة عمر واثنتى عشرة مدّة خلافة عثمان وقاتل عليا خمس سنين وخلص له الامر تسع عشرة سنة وثمانية أشهر* وفى تاريخ اليافعى ولى الشام لعمر وعثمان عشرين سنة وولى الملك بعد علىّ عشرين أخرى الا شهرا وكان أسلم قبل أبيه أبى سفيان وصحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكتب له وقد استشارت النبىّ صلى الله عليه وسلم امرأة فى ان تتزوّج بمعاوية فقال صلى الله عليه وسلم انه صعلوك لا مال له ثم بعد هذا القول باحدى عشرة سنة صار نائب دمشق ثم بعد الاربعين صار ملك الدنيا تحت حكمه من حدود بخارى الى القيروان من المغرب ومن أقصى اليمن الى حدود قسطنطينية وملك اقليم الحجاز واليمن والشام ومصر والمغرب والعراق والجزيرة وأرمينية وأذربيجان والروم وفارس وخراسان والجبال وما وراء النهر* وفى الشفاء دعا له(2/296)
النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهم مكنه فى البلاد فنال الخلافة وكان عظيم الهيبة مليح الشكل وافر الحشمة يلبس الثياب الفاخرة والعدّة الكاملة ويركب الخيل المسوّمة وكان حليما محببا الى الرعية كثير البذل والعطاء كبير الشأن وكان نقش خاتمه لكل عمل ثواب*
(ذكر أولاده وقضاته وأمرائه وكتابه وحجابه
* أما أولاده فعبد الرحمن ويزيد وعبد الله وهند ورملة وصفية وعائشة* وأما قضاته فقضى له أبو عبيد الله الانصارى وعلى مصر سليم بن عنزة عشرين سنة الى ان مات معاوية* وأما أمراؤه فعمرو بن العاص أمير مصر الى ان توفى فى ليلة الفطر من سنة ثلاث وأربعين وولى عوضه أخاه عتبة بن أبى سفيان ثم مات فولى عوضه عقبة بن عامر الجهنى ثم صرفه وولى مسلمة بن مخلد الانصارى* وأما كتابه فعبيد الله بن أوس الانصارى* وأما حجابه فزيد مولاه ثم صفوان مولاه*
(ذكر خلافة يزيد بن معاوية بن أبى سفيان القرشى الاموى)
* أمه ميسورة بنت مخلد* حليته* كان شديد الادمة بوجهه أثر الجدرى كان أبوه قد جعله ولىّ عهده من بعده فقدم من أرض حمص وبادر الى قبر والده ثم دخل دمشق الى الخضراء وكانت دار السلطنة فخطب الناس وبايعوه بالخلافة فى رجب سنة ستين وكتب الى الاقاليم بذلك فبايعوه وامتنع من بيعته اثنان عظيمان الحسين بن علىّ سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن الزبير ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى أيام يزيد فتح مسلم بن زياد خوارزم وبخارى وماتت فى دولته أم المؤمنين أم سلمة المخزومية وكانت آخر زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا*
(ذكر مقتل الحسين بن على وأين قتل ومن قتله)
* فى الاستيعاب لابن عبد البرّ قال أبو عمرو لما مات معاوية فى غرّة رجب سنة ستين وأفضت الخلافة الى يزيد ووردت بيعته على الوليد بن عتبة بالمدينة ليأخذ البيعة على أهلها ارسل الى الحسين بن على والى عبد الله بن الزبير ليلا وأتى بهما فقال بايعا فقالا مثلنا لا يبايع سرّا ولكننا نبايع على رؤس الناس اذا أصبحنا فرجعا الى بيوتهما وخرجا من ليلتهما الى مكة وذلك ليلة الاحد لليلتين بقيتا من رجب وأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوّالا وذا القعدة وخرج يوم التروية يريد الكوفة فكان سبب هلاكه فقتل يوم الاحد لعشر من المحرّم يوم عاشوراء سنة احدى وستين بموضع من أرض الكوفة يدعى كربلاء قرب الطف* وفى حياة الحيوان وكان قتله يوم عاشوراء فى سنة ستين ذكره أبو حنيفة فى الاخبار الطوال* وفى أسد الغابة لابن الاثير سبب قتله انه لما مات معاوية بن أبى سفيان كاتب كثير من أهل الكوفة الحسين بن على يحثونه على القدوم عليهم وكان قد امتنع من البيعة ليزيد بن معاوية لما بايع له أبوه بولاية العهد* وفى الاستيعاب كان معاوية أشار بالبيعة ليزيد فى حياته وعرّض بها ولم يكشفها ولا عزم عليها الا بعد موت الحسن بن على* وفى أسد الغابة وامتنع مع الحسين عن بيعة يزيد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبى بكر ولما توفى معاوية لم يبايع حسين أيضا وسار من المدينة الى مكة فأتاه كتب أهل الكوفة وهو بمكة فاغترّ فتجهز للمسير فنهاه جماعة منهم أخوه محمد بن الحنفية وابن عمر وابن عباس وغيرهم فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وأمرنى بأمر فأنا فاعل ما أمر* وفى دول الاسلام فسار الحسين فى سبعين فارسا من أهل بيته وغيرهم* وفى أسد الغابة فلما أتى العراق وكان يزيد استعمل عبيد الله ابن زياد على الكوفة فجهز الجيوش اليه واستعمل عليهم عمر بن سعد بن أبى وقاص ووعده امارة الرى* وفى دول الاسلام فوجه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد بن أبى وقاص لقتاله فى نحو ألفى فارس فسار أميرا على الجيش فتلافوه بكر بلاء فأحاطوا به وطلبوا منه أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد فلم يرض ان ينقاد لهم ويسلم نفسه بل قاتل* وعن أبى جعفر عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن على حين نزل بكر بلاء ما اسم هذه الارض قالوا كربلاء قال ذات كرب وبلاء لقد مرّ أبى بهذا المكان عند(2/297)
مسيره الى صفين وانا معه فوقف وسأل عنه فأخبر باسمه فقال ههنا محط ركابهم وههنا هراق مائهم فسئل عن ذلك فقال نفر من آل محمد ينزلون ههنا ثم أمر باثقاله فحطت فى ذلك المكان كذا فى حياة الحيوان* وعن عبد المطلب قال لما أحيط بالحسين قال ما اسم هذه الارض فقيل كربلاء فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض كرب وبلاء خرجه ابن الضحاك* (ذكر كيفية قتله) * عن عبد ربه انّ الحسين بن على لما رهقه القتال وأخذ له السلاح قال ألا تقبلون منى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين قال كان اذا جنح أحد للسلم قبل منه قالوا لا قال فدعونى أرجع قالوا لا قال فدعونى آتى أمير المؤمنين* وفى رواية قال الحسين يا عمر اختر منى احدى ثلاث خصال اما أن تتركنى أرجع كما جئت فان أبيت فسيرنى الى يزيد فأضع يدى فى يده فيحكم فىّ ما رآى فان أبيت هذه فسيرنى الى الترك فأقاتلهم حتى أموت فأرسل عمر الى ابن زياد بذلك فهمّ ابن زياد أن يسير الى يزيد فقال له شمر بن ذى الجوشن لا الا ان ينزل على حكمك فأرسل اليه بذلك فقال والله لا أفعل فأبطأ عمر عن قتله فأرسل اليه ابن زياد شمر بن ذى الجوشن فقال ان تقدّم عمر فقاتل والا فاقتله وكن أنت مكانه* وكان مع عمر قريب من ثلاثين رجلا من أهل الكوفة فقالوا يعرض عليكم ابن بنت رسول لله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصال لا تقبلون منها شيئا فتحوّلوا مع الحسين فقاتلوا أخرجهما ابن بنت منيع أبو القاسم البزى* وفى دول الاسلام امتنع الحسين عن الانقياد لهم ولم يسلم نفسه بل قاتل حتى جاء سهم فى حلقه فسقط فاحتزوا رأسه فانا لله وانا اليه راجعون وذلك فى يوم عاشوراء سنة احدى وستين بأرض كربلاء بالطف وكان له سبع وخمسون سنة على الخلاف كما سيأتى ونفذوا أولاده وخدمه الى يزيد وهو بدمشق فأكرم أهله ونساءه وبعثهم الى المدينة كذا فى دول الاسلام* وفى أسد الغابة ولما قتل الحسين أمر عمر بن سعد نفرا فركبوا خيولهم وأوطأوا الحسين وكان عدّة من قتل مع الحسين اثنين وسبعين* وفى ذخائر العقبى قتل الحسين يوم الجمعة لعشر خلت من المحرم يوم عاشوراء سنة ستين وقيل احدى وستين بموضع يقال له كربلاء من أرض العراق من ناحية الكوفة ويعرف ذلك الموضع أيضا بالطف كما مرّ* (ذكر من قتله) * قتله سنان بن أنس النخعى وقيل رجل من مذحج وقيل شمر بن ذى الجوشن وكان أبرص أجهر ثم تمم عليه خولى بن يزيد الاصبحى من حمير حز رأسه وأتى به عبيد الله بن زياد وقال
أوقر ركابى فضة وذهبا ... فقد قتلت السيد المحببا
كذا فى أسد الغابة* وقال فى الاستيعاب شعر
انى قتلت الملك المحببا ... قتلت خير الناس أمّا وأبا
وخيرهم اذ ينسبون نسبا
وما قيل ان عمر بن سعد بن أبى وقاص قتله فلم يصح وسبب نسبته اليه انه كان أمير الخيل التى أخرجها عبيد الله بن زياد لقتاله ووعده ان ظفر به أن يوليه الرى وكان فى تلك الخيل قوم من أهل مصر وأهل اليمن* وفى حياة الحيوان كان الذى باشر قتله الشمر بن ذى الجوشن وقيل سنان بن أنس النخعى وقيل ان شمرا ضربه على وجهه فأدركه سنان فطعنه فألقاه عن فرسه فنزل خولى بن يزيد الاصبحى ليحتز رأسه فارتعدت يداه فنزل اخوه شبل بن يزيد فاحتز رأسه ودفعه الى أخيه خولى وكان أمير الجيش عبيد الله بن زياد بن أبيه من قبل يزيد بن معاوية* وفى الاستيعاب عن ابن الحنفية انه قال قتل مع الحسين فى ذلك اليوم سبعة عشر رجلا كلهم من ولد فاطمة* وعن الحسن البصرى أصيب مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته ما على وجه الارض يومئذ لهم شبه* وفى تاريخ اليافعى وقتل معه ولده على الاكبر وعبد الله واخوته على الاصغر ومحمد وعتيق والعباس الاكبر وابن أخيه قاسم بن الحسن وأولاد عمه محمد وعون أبناء عبد الله بن جعفر بن أبى طالب بن عبد المطلب وابناه(2/298)
عبد الله وعبد الرحمن* وفى حياة الحيوان ثم ان عبيد الله بن زياد جهز على بن الحسين ومن كان معه من حرمه بعد أن فعلوا ما فعلوا الى البغيض يزيد بن معاوية وهو يومئذ بدمشق مع الشمر بن ذى الجوشن فى جماعة من أصحابه فساروا الى ان وصلوا الى دير فى الطريق فنزلوا ليقيلوا به فوجدوا مكتوبا على بعض جدرانه
أترجو أمة قتلوا حسينا ... شفاعة جدّه يوم الحساب
فسألوا الراهب عن السطر ومن كتبه فقال انه مكتوب ههنا من قبل ان يبعث نبيكم بخمسمائة عام وقيل ان الجدار انشق وظهر منه كف مكتوب فيه بالدم هذا السطر* ثم ساروا حتى قدموا دمشق ودخلوا على يزيد بن معاوية ومعهم رأس الحسين فرمى به بين يدى يزيد ثم تكلم شمر بن ذى الجوشن فقال يا أمير المؤمنين ورد علينا هذا يعنى الحسين فى ثمانية عشر رجلا من أهل بيته وستين رجلا من شيعته فسرنا اليهم وسألناهم النزول على حكم أميرنا عبيد لله بن زياد أو القتال فاختاروا القتال فعدونا عليهم عند شروق الشمس وأحطنابهم من كل جانب فلما أخذت السيوف مأخذها أخذوا يلوذون لو اذ الحمام من الصقور فما كان الا مقدار جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مزملة وخدودهم معفرة تسفى عليهم الرياح زوّارهم العقبان ووفودهم الرخم* فلما سمع يزيد ذلك دمعت عيناه وقال ويحكم قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين لعن الله ابن مرجانة أما والله لو كنت صاحبه لعفوت عنه ثم قال يرحم الله أبا عبد الله ثم تمثل بقول القائل
تعلق هاما من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما
ثم أمر بالذرية فأدخلوا دار نسائه وكان يزيد اذا حضر غداؤه دعا على بن الحسين وأخاه عمر بن الحسين فأكلا معه ثم وجه الذرية صحبة على بن الحسين الى المدينة ووجه معه رجلا فى ثلاثين فارسا يسير أمامهم حتى انتهوا الى المدينة وكان بين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليوم الذى قتل فيه الحسين خمسون عاما* وفى بهجة المجالس انه قيل لجعفر الصادق كم تتأخر الرؤيا قال خمسون سنة لانّ النبىّ صلى الله عليه وسلم رأى كانّ كلبا أبقع ولغ دمه فأوّله بانّ رجلا يقتل الحسين ابن بنته فكان الشمر بن ذى الجوشن قاتل الحسين كان أبرص فتأخرت الرؤيا بعده خمسين سنة كذا فى حياة الحيوان*
(ذكر سنه)
* اختلف فى سنه يوم قتل فقيل سبع وخمسون ولم يذكر ابن الدراع فى كتاب مواليد أهل البيت غيره وقال اقام منها مع جدّه عليه الصلاة والسلام سبع سنين الا ما كان بينه وبين الحسن ومع أبيه ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن عشر سنين وبعده عشر سنين فجملة ذلك سبع وخمسون سنة وقيل ست وخمسون سنة وخمسة أشهر كذا فى الصفوة* وفى الاستيعاب قال قتادة قتل الحسين وهو ابن أربع وخمسين سنة وستة أشهر* وذكر المزنى عن الشافعىّ عن سفيان بن عيينة قال قال جعفر بن محمد توفى على بن أبى طالب وهو ابن ثمان وخمسين سنة وقتل الحسين بن على وهو ابن ثمان وخمسين وتوفى على بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين وتوفى محمد بن على بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين قال وقال لى جعفر بن محمد وأنا بهذه السنة فى ثمان وخمسين سنة وتوفى فيها رحمه الله* وفى أسد الغابة ولما قتل الحسين أرسل عمر بن سعد رأسه ورؤس أصحابه الى ابن زياد فجمع الناس وأحضر الرؤس وجعل ينكت بقضيب بين ثنيتى الحسين فلما رآه زيد بن أرقم لا يرفع قضيبه قال له اعل بهذا القضيب فو الله الذى لا اله غيره لقد رأيت شفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما ثم بكى فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك فو الله لولا انك شيخ قد خرفت لضربت عنقك فخرج وهو يقول أنتم(2/299)
يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم الحسين بن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم وفى ذخائر العقبى جىء برأسه الى بين يدى ابن زياد فنكته بقضيبه وقال لقد كان غلاما صبيحا ثم قال أيكم قاتله فقام رجل فقال انا قاتله فقال ما قال لكم قال لما أخذت السلاح قلت له ابشر بالنار قال أبشر ان شاء الله تعالى برحمته وشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم قال فاسودّ وجه الرجل* وفى أسد الغابة عن أمّ سلمة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت مالك يا رسول الله قال شهدت قتل الحسين آنفا* وعن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم فقلت بأبى أنت وأمى يا رسول الله ما هذا الدم قال هذا دم الحسين لم أزل ألتقطه منذ اليوم فوجده قتل ذلك اليوم* وفى أسد الغابة قضى الله عز وجل أن قتل عبيد الله بن زياد أيضا يوم عاشوراء سنة سبع وستين قتله ابراهيم بن الاشتر فى الحرب وبعث برأسه الى المختار وبعث به المختار الى ابن الزبير فبعث به ابن الزبير الى على بن الحسين وفى أسد الغابة عن عمارة بن عمير قال لما جىء برأس بن زياد وأصحابه نضدت فى المسجد فانتهيت اليهم وهم يقولون قد جاءت فاذا حية قد جاءت تخلل الرؤس حتى دخلت فى منخر عبيد الله بن زياد فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت ففعلت ذلك مرّتين أو ثلاثا قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح أخرجه الثلاثة* مروياته فى كتب الاحاديث ثمانية أحاديث*
(ذكر أولاده)
* فى الصفوة وله من الولد على الاكبر وعلى الاصغر وله العقب وجعفر وفاطمة وسكينة* وفى ذخائر العقبى ولد له ستة بنين وثلاث بنات على الاكبر واستشهد مع أبيه وعلى الامام زين العابدين وعلى الاصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة* قال ثم انّ اكابر أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد لسوء سيرته وقيل كان يشرب الخمر وأبغضوه لما جرى من قتل الحسين* وفى المختصر الجامع وهاجت فتنة ابن الزبير فأخرج من كان بالمدينة من بنى أمية وأخرج عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية من مكة* وفى شفاء الغرام انّ ابن جرير ذكر فى اخبار سنة ستين من الهجرة انّ يزيد بن معاوية ولى عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالاشدق المدينة بعد أن عزل عنها الوليد ابن عقبة فى شهر رمضان* وذكر ابن الاثير مثل ما ذكره ابن جرير بالمعنى وذكر انّ عمرو بن سعيد قدم المدينة وجهز منها الى ابن الزبير بمكة أخاه عمرو بن الزبير لما بينهما من العداوة وأنيس بن عمرو الاسلمى فى جيش نحو ألفى رجل فقتل أنيس بذى طوى قتله أصحاب عبد الله بن الزبير وأسر عمرو بن الزبير فأقاد منه أخوه عبد الله بن الزبير للناس بالضرب وغيره كما صنع بهم فى المدينة حتى مات عمرو تحت السياط* وفى أيام يزيد مات بمرو صاحب النبى صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الاسلمى سنة اثنتين وستين وفيها مات بالكوفة فقيهها ومفتيها علقمة بن قيس النخعى تلميذ ابن مسعود ومات بدمشق شيخها وزاهدها أبو مسلم الخولانى من سادات التابعين وقبره بداريا وفى سنة أربع وستين فى أوّلها هلك مسلم بن عقبة الذى استباح المدينة عجل الله قصمه وكذا عجل الله بيزيد بن معاوية فمات بعد نيف وسبعين يوما منها كذا فى تاريخ اليافعى*
(ذكر وفاة يزيد ومدفنه)
* توفى لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل وفى سيرة مغلطاى فى ثلاث وعشرين من شهر ربيع الاوّل* وقال الحافظ سنة أربع وستين بحوران بالذبحة وذات الجنب لقد ذاب ذوبان الرصاص وحمل الى دمشق ودفن فى مقبرة الباب الصغير وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد وعمره يوم مات ثمان أو تسع وثلاثون سنة وخلافته ثلاث سنين ونقش خاتمه ربنا الله* (ذكر أولاده وقاضيه وأميره وحاجبه وكاتبه) * أما أولاده فمعاوية وخالد وأبو سفيان وعبد الله الاكبر وعبد الله الاصغر وعمر وعبد الرحمن وعتبة الاعور ومحمد(2/300)
وأبو بكر وحرب والربيع* وأما قاضيه فأبو ادريس الخولانى وعلى مصر سعيد بن يزيد الاسدى وأما أميره على مصر فمسيلمة بن مخلد ثم توفى فولى عوضه سعيد بن يزيد الازدى* وأما حاجبه فخصى اسمه فتح وهو أوّل من اتخذ الخصيان ولم يحج فى أيام خلافته*
(ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان القرشى الاموى)
* يكنى أبا ليلى وكان لقبه الراجع الى الحق أمه أم هاشم بنت أبى هاشم بن عتبة بن عبد شمس* وفى مورد اللطافة أمه أم خالد بويع له بالخلافة يوم موت أبيه منتصف شهر ربيع الاوّل من سنة أربع وستين وهو ابن عشرين سنة على خلاف وكان خيرا من أبيه فيه دين وعقل فأقام فى الخلافة أربعين يوما وقيل أقام فيها خمسة أشهر وأياما وخلع نفسه ثم لما خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلا ثم خطب خطبة بليغة مشتملة على الثناء على الله والصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نزاع جدّه معاوية هذا الامر من كان أولى به منه ومن غيره ثم ذكر أباه يزيد وخلافته وتقلد أمرهم لهوى كان أبوه فيه وسوء فعله واسرافه على نفسه وكونه غير خليق للخلافة على أمة محمد واقدامه على ما أقدم من جراءته على الله وبغيه واستحلاله حرمة أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اختنقته العبرة فبكى طويلا ثم قال وصرت أنا ثالث القوم والساخط علىّ اكثر من الراضى وما كنت لأتحمل آثامكم ولا يرانى الله جلت قدرته متقلدا أو زاركم وألقاه بتبعاتكم فشأنكم أمركم فخذوه ومن رضيتم به فولوه فقد خلعت بيعتى من أعناقكم والسلام فقال له مروان بن الحكم وكان تحت المنبر أسنة عمرية يا أبا ليلى فقال اغد عنى فو الله ما ذقت حلاوة خلافتكم أفأ تجرّع مرارتها ثم نزل فدخل عليه أقار به وأمه فوجدوه يبكى فقالت له أمه ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك فقال وددت والله ذلك ثم قال ويلى ان لم يرحمنى ربى ثم انّ بنى أمية قالوا لمعلمه عمر المقصوص أنت علمته هذا ولقنته اياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علىّ وأولاده وحملته على ما وسمنا به من الظلم وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق وقال ما قال فقال والله ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علىّ فلم يقبلوا منه ذلك وأخذوه ودفنوه حيا حتى مات* وتوفى معاوية بن يزيد فى جمادى الاخرة بعد خلع نفسه بأربعين ليلة وقيل تسعين وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وقيل احدى وعشرين وقيل ثمانية عشر وقيل عشرين سنة ويقال لما احتضر قيل له الا تستخلف فأبى وقال ما أصبت من حلاوتها شيئا فلم أتحمل مرارتها* وفى سيرة مغلطاى وصلى عليه الوليد بن عتبة ليكون له الامر من بعده فلما كبر طعن فمات قبل تمام الصلاة ولم يعقب ذكر ذلك كله فى حياة الحيوان وكان نقش خاتمه الدنيا غرور وصلى عليه مروان بن الحكم* وفى دول الاسلام الوليد بن عقبة بن أبى سفيان ودفن الى جنب أبيه*
(ذكر خلافة عبد الله ابن الزبير بن العوّام بن خويلد بن اسد بن عبد العزى بن قصى)
* ويكنى أبا بكر ويكنى أيضا أبا خبيب أمه أسماء ذات النطاقين بنت أبى بكر الصدّيق وهو أول مولود ولد للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة وكان قد صحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو صبى وحفظ عنه أحاديث فمات النبى صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين بل تسع كذا وقع فى دول الاسلام ومورد اللطافة والرياض النضرة وغيرها يعنى ذكر خلافة عبد الله بن الزبير بعد خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية وهو الانسب بالتاريخ وأما فى حياة الحيوان وبعض كتب التواريخ فذكرت خلافة ابن الزبير بعد خلافة عبد الملك بن مروان فقال وهو السادس فخلع وقتل* وفى حياة الحيوان بويع لابن الزبير بالخلافة بمكة لسبع بقين من رجب سنة أربع وستين فى أيام يزيد بن معاوية* وفى سيرة مغلطاى بويع عبد الله بن الزبير فى رابع جمادى الاخرة بالحجاز وما والاه انتهى وبايعه أهل العراق ومصر وبعض أهل الشأم وبايع خلق كثير من العرب الضحاك بن قيس الفهرى وولى دمشق فقدم اليه مروان بن الحكم مع(2/301)
خدمه وحواشيه وانضم اليه عبيد الله بن زياد وقد هرب من نيابة العراق خوفا من القتل لما فعل بالحسين ثم التقى الضحاك ومروان وكان المصاف بتل راهط بمرج دمشق فقتل خلق كثير وقتل الضحاك وفى الرياض النضرة بويع ابن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين وقيل سنة خمس وستين بعد موت معاوية بن يزيد واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان وحج بالناس ثمانى حجج وفى البحر العميق أقام عبد الله بن الزبير الحج للناس سنة ثلاث وستين قبل أن يبايع له فلما بويع له حج ثمانى حجج متوالية* وذكر صاحب الصفوة فى صفته انه كان اذا صلى كأنه عود من الخشوع قاله مجاهد وكان اذا سجد يطوّل السجود حتى ينزل العصافير على ظهره لا تحسبه الا جذعا قال يحيى بن ثابت الجذع أصل الشىء والجذعة القطعة من الجبل ونحوه* قال ابن المنكدر لو رأيت ابن الزبير يصلى كأنه غصن شجرة تصفقه الريح* وعن عمرو بن قيس عن أمّه قالت دخلت على ابن الزبير بيته وهو يصلى فسقطت حية من السقف على ابنه ثم تطوّقت على بطنه وهو نائم فصاح أهل البيت ولم يزالوا بها حتى قتلوها وابن الزبير يصلى ما التفت ولا عجل ثم فرغ بعد ما قتلت الحية فقال ما بالكم قالت زوجته رحمك الله أرأيت ان كنا هنا عليك يهون عليك ابنك* وفى المختصر الجامع بويع لابن الزبير بمكة لسبع بقين من رجب سنة أربع وستين بعد أن أقام الناس بغير خليفة جماديين وأياما من رجب وبايعه أهل العراق وبايعه أهل حمص وولى ابن الحارث قنسرين وولى مصر عبد الرحمن بن عتبة بن أبى اياس وولى عبيدة بن الزبير المدينة فقدمها فأخرج منها بنى أمية فى ولاية مروان بن الحكم فخرج مروان وبنو أمية الى الشأم وأتت ابن الزبير البيعة من الامصار ما خلا فلسطين فانّ حسان بن مالك بن نجدل كان بها مخالفا على ابن الزبير وولى أخاه مصعب البصرة وولى عبد الله بن مطيع الكوفة فوثب المختار بن أبى عبيد الثقفى على الكوفة فأخذها ووجه ابن سميط الى البصرة فقتله مصعب وسار الى المختار فقتله أيضا فى سنة سبع وستين وبنى عبد الله ابن الزبير الكعبة وأدخل فيها الحجر وجعل لها بابين وساواهما مع الارض يدخل من أحدهما ويخرج من الاخر وخلقوا داخل الكعبة وخارجها وهو أوّل من خلقها وكساها القباطى* وفى دول الاسلام نقض ابن الزبير الكعبة وبناها جديدا وأحكمها ووسعها بما أدخل فيها من الحجر وعلاها وعمل لها بابين وساواهما بالارض وفعل هذا لما حدثته خالته عائشة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم انه قال لولا انّ قومك حديث عهد بالكفر لنقضت الكعبة وأدخلت فيها ستة أذرع من الحجر ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه ولا لصقت بابها بالارض ففعل ذلك ابن الزبير* وفى شفاء الغرام ولى مكة عبد الله بن الزبير بعد أن لقى فى ذلك عناء شديدا سببه ان أهل المدينة لما طردوا منها عامل يزيد عثمان بن محمد بن أبى سفيان وغيره من بنى أمية الا ولد عثمان بن عفان بعث اليهم يزيد مسلم بن عقبة المرى ويسمى مسرفا باسرافه فى القتل بالمدينة وبعث معه اثنى عشر ألفا فيهم الحصين بن نمير السكونى وقيل الكندى ليكون على العسكران عرض لمسلم موت فانه كان عليلا فى بطنه الماء الاصفر فأمر يزيد مسرفا اذا بلغ المدينة أن يدعو أهلها الى طاعة يزيد ثلاثة أيام فان أجابوه والا قاتلهم فاذا ظهر عليهم أباحها ثلاثا ثم يكف عن الناس ويسير الى مكة لقتال ابن الزبير* وفى حياة الحيوان فى سنة ستين دعا ابن الزبير الى نفسه بمكة وعاب يزيد بشرب الخمر واللعب والتهاون بالدين وأظهر ثلمه ومنقصته فبايع ابن الزبير أهل تهامة والحجاز فلما بلغ ذلك يزيد ندب له الحصين بن نمير السكونى وروح بن ريباع الجذامى وضم الى كل واحد جيشا واستعمل على الجميع مسلم بن عقبة المرى وجعله أمير الامراء ولما ودّعهم قال يا مسلم لا تردّن أهل الشأم عن شئ يريدونه بعدوّهم واجعل طريقك(2/302)
على المدينة فان حاربوك فحاربهم فان ظفرت بهم فأبحها ثلاثا فسار مسلم حتى بلغ المدينة فنزل الحرّة بظاهر المدينة بمكان يقال له حرّة واقم فخرج أهل المدينة وعسكروا بها وأميرهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة بن أبى عامر الراهب فدعاهم مسلم ثلاثا فلم يجيبوه فقاتلهم فغلب أهل المدينة وانهزموا وقتل أمير المدينة عبد الله بن حنظلة وسبعمائة من المهاجرين والانصار وقتل منهم معقل الاشجعى وعبد الله بن يزيد المازنى مع عبد الله بن حنظلة الغسيل وهؤلاء من الصحابة ودخل مسلم المدينة وأباحها ثلاثة أيام وذلك فى آخر سنة ثلاث وستين* وفى شفاء الغرام قتل من أولاد المهاجرين ثلثمائة نفر وجماعة من الصحابة وكانت الوقعة بمكان يقال له حرّة واقم كما سبق لثلاث بقين من ذى الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة ثم سار مسلم الى مكة لقتال ابن الزبير ولما كان بالمشلل مات ودفن بثنية المشلل ثم نبش وصلب هناك وكان يرمى كما يرمى قبر أبى رغال دليل أبرهة المدفون بالمغمس والمشلل على ثلاثة اميال من قديد بينهما خيمتى أم معبد وقيل مات بثنية هرشى بفتح أوّله وسكون ثانيه مقصورة على وزن فعلى هضبة ململمة فى بلاد تهامة لا تنبت شيئا على ملتقى طريقى الشأم والمدينة وهى من الجحفة يرى منها البحر والطريق من جنبتيها كذا فى معجم ما استعجم* قال الشاعر
خذا بطن هرشى أوقفاها فانه ... كلا جانبى هرشى لهنّ طريق
ومات مسلم بن عقبة بعد أن قدّم على عسكره الحصين بن نمير فسار الحصين بالعسكر حتى بلغ مكة لاربع بقين من المحرّم سنة أربع وستين وقد اجتمع على ابن الزبير أهل مكة والحجاز وغيرهم وانضم اليه من انهزم من أهل المدينة وكان قد بلغه خبر أهل المدينة وما وقع لهم مع مسلم هلال المحرم سنة أربع وستين مع المسور بن مخرمة فلحقه منه أمر عظيم واعتدّ هو وأصحابه واستعدوا للقتال وقاتلوا الحصين أياما وتحصن ابن الزبير وأصحابه فى المسجد حول الكعبة وضرب أصحاب ابن الزبير فى المسجد خياما ورفافا يكتنون بها من حجارة المنجنيق ويستظلون بها من الشمس وكان الحصين بن نمير على أبى قبيس وعلى الاحمر وكان يرميهم بالحجارة وتصيب الحجارة الكعبة فوهنت* وفى الوفاء حاصر مكة أربعة وستين يوما جرى فيها قتال شديد ودقت الكعبة بالمجانيق يوم السبت ثالث ربيع الاوّل وأخذ رجل قبسا فى رأس رمح فطارت به الريح فاحترق البيت* وفى أسد الغابة فى هذا الحصر احترقت الكعبة واحترق فيها قرن الكبش الذى فدى به اسمعيل بن ابراهيم الخليل وكان معلقا فى الكعبة ودام الحرب بينهم الى ان فرّج الله عن ابن الزبير وأصحابه بوصول نعى يزيد بن معاوية ومات يزيد فى منتصف ربيع الاوّل سنة أربع وستين وكان وصول نعيه ليلة الثلاثاء لثلاث مضين من شهر ربيع الاخر سنة أربع وستين وكان بين وقعة الحرّة وبين موته ثلاثة أشهر وقال القرطبى دون ثلاثة أشهر وبلغ نعيه ابن الزبير قبل ان يبلغ الحصين وبعث الى الحصين من يعلمه بموت يزيد ويحسن له ترك القتال ويعظم عليه أمر الحرم وما أصاب الكعبة فمال الى ذلك وأدبر الى الشام لخمس ليال خلون من ربيع الاخر سنة أربع وستين بعد ان اجتمع بابن الزبير فى الليلة التى تلى اليوم الذى بلغه فيه نعى يزيد وسأل ابن الزبير أن يبايع له هو ومن معه من أهل الشام على أن يذهب معهم ابن الزبير الى الشام ويؤمّن الناس ويهدر الدماء التى كانت بينه وبين أهل الحرم فأبى ابن الزبير ذلك* وفى حياة الحيوان تحصن منه ابن الزبير بالمسجد الحرام ونصب الحصين المنجنيق على أبى قبيس ورمى به الكعبة المعظمة فبيناهم كذلك اذ ورد الخبر على الحصين بموت يزيد بن معاوية فأرسل الى ابن الزبير يسأله الموادعة فأجابه الى ذلك وفتح الابواب واختلط العسكران يطوفان بالبيت فبينا الحصين يطوف ليلة بعد العشاء اذ استقبله ابن الزبير فأخذ الحصين بيده وقال له سرّ اهل لك فى الخروج معى الى الشام فأدعو الناس الى بيعتك فان أمرهم(2/303)
قد مرج ولا أرى أحدا أحق بها اليوم منك ولست أعصى ههنا فاجتبذ ابن الزبير يده من يده وقال وهو مجهر بقوله دون أن اقتل بكل واحد من أهل الحجاز عشرة من أهل الشام فقال الحصين كذب الذى قال انك من دهاة العرب أكلمك سرا وتكلمنى علانية وأدعوك الى الخلافة وتدعونى الى الحرب ثم انصرف بمن معه من أهل الشام* وقيل بايعه الحصين ثم بايعه أهل الحرمين وجرت فتن كبار واقتتل الناس على الملك بالشام والعراق والجزيرة بعد موت يزيد وبايع أهل دمشق بعد يزيد ولده معاوية بن يزيد وقيل بويع لابن الزبير بعد رحيل الحصين بالخلافة بالحرمين ثم بويع بها فى العراق واليمن وغير ذلك حتى كاد الامر أن يجتمع عليه فولى فى البلاد التى بويع له فيها العمال وفى شوّال سنة سبع وستين كان طاعون الجارف وهو طاعون كان فى زمن ابن الزبير مات فى ثلاثة أيام فى كل يوم سبعون ألفا ومات فيه لانس بن مالك ثلاثة وثمانون ابنا ومات لعبد الرحمن بن أبى بكر أربعون ابنا* وفى الصحاح الجرف الاخذ الكثير وقد جرفت الشىء أجرفه بالضم جرفا أى ذهبت به كله أوجله وجرفت الطين كسحته ومنه سمى المجرفة والجرف أو الجرف مثل عشر وعشر ما تجرفته السيول وأكلته من الارض ومنه قوله تعالى على شفا جرف هار والجارف الموت العام يجترف مال القوم* قال أبو الحسن المداينى الطواعين المشهورة العظام فى الاسلام خمسة طاعون شيرويه بالمدائن فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة ثم طاعون عمواس فى عهد عمر بن الخطاب بالشام سنة ثمان عشرة مات فيه خمسة وعشرون ألفا منهم أبو عبيدة بن الجرّاح ومعاذ بن جبل* وعن الحارث ابن عمير قال طعن معاذ وأبو عبيدة وشرحبيل بن حسنة وأبو مالك الاشعرى فى يوم واحد ثم طاعون الجارف فى زمن ابن الزبير وقد سبق ذكره ثم طاعون الفتيات فى شوّال سنة سبع وثمانين سمى طاعون الفتيات لانه بدأ فى العذارى بالبصرة وواسط والشام والكوفة ويقال له طاعون الاشراف ثم طاعون سنة احدى وثلاثين ومائة فى رجب واشتدّ فى رمضان فكان يحصى فى سكة المريد فى كل يوم ألف جنازة ثم خف فى شوّال وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين وفيه توفى المغيرة بن شعبة هذا آخر كلام المداينى وفيه بعض كلام غيره قال ولم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون كذا فى أذكار النووى* وفى المختصر ولم يزل ابن الزبير يقيم للناس الحج من سنة أربع وستين الى سنة اثنتين وسبعين ولما ولى عبد الملك بن مروان فى سنة خمس وستين منع أهل الشام من الحج من أجل ابن الزبير وكان يأخذ الناس بالبيعة له اذا حجوا فضج الناس لما منعوا الحج فبنى عبد الملك الصخرة وكان الناس يحضرونها يوم عرفة ويقفون عندها ويقال ان ذلك كان سببا للتعريف فى مسجد بيت المقدس ومساجد الامصار* وذكر الحافظ فى كتاب نظم القرآن انّ أوّل من سنّ التعريف فى مساجد الامصار عبد الله بن عباس*
(ذكر مقتل ابن الزبير)
* يروى انّ عبد الملك ابن مروان بعث الحجاج فى سنة اثنتين وسبعين الى ابن الزبير وكان الحجاج لما وصل من عند عبد الملك نزل الطائف فكان يبعث منه خيلا الى عرفة ويبعث ابن الزبير خيلا الى عرفة فيقتتلون بها فتهزم خيل ابن الزبير وتعود خيل الحجاج بالظفر ثم استأذن الحجاج عبد الملك فى منازلة ابن الزبير فأذن له فنزل الحجاج بئر ميمون ومعه طارق بن عمرو مولى عثمان وكان عبد الملك قد أمدّ الحجاج بطارق لما سأله النجدة أى الشجاعة والحرب على ابن الزبير فقدم طارق فى ذى الحجة ومعه خمسة آلاف وكان مع الحجاج ألفان وقيل ثلاثة آلاف من أهل الشام فحاصروه وكان ابتداء حصار الحجاج ليلة هلال ذى القعدة سنة اثنتين وسبعين من الهجرة* وفى أسد الغابة حصاره أوّل ليلة من ذى الحجة سنة اثنتين وسبعين من الهجرة وذكر القولين فى الرياض النضرة حج الحجاج بالناس تلك السنة ووقف بعرفة وعليه درع ومغفر ولم يطوفوا بالبيت ولا بين الصفا والمروة ونصب الحجاج منجنيقا على جبل أبى قبيس كذا فى أسد(2/304)
الغابة وحاصره ستة أشهر وسبع عشرة ليلة على ما ذكر ابن جرير ورمى به أحث الرمى وألحّ عليه بالقتال من كل جانب وحبس عنهم الميرة وحصرهم أشدّ الحصار وكان يرمى بالمنجنيق من أبى قبيس فيصيب الكعبة حجارة المنجنيق لكون ابن الزبير مكتنا بالمسجد* وفى نهاية ابن الاثير أن ابن الزبير كان يصلى فى المسجد الحرام وأحجار المنجنيق تمرّ على أذنه وما يلتفت كانه كعب راتب أى منتصب* وفى زبدة الاعمال وبعض المناسك روى انّ الحجاج بن يوسف نصب المنجنيق على أبى قبيس ورمى الكعبة بالحجارة والنيران حتى تعلقت بأستار الكعبة واشتعلت فجاءت سحابة من نحو جدّة مرتفعة يسمع منها الرعد ويرى فيها البرق واستوت فوق الكعبة والمطاف فأطفأت النار وسال الميزاب فى الحجر ثم عدلت الى أبى قبيس فرمت بالصاعقة وأحرقت منجنيقهم قدر كوّة وأحرقت تحته أربعة رجال فقال الحجاج لا يهولنكم هذا فانها أرض صواعق فأرسل الله صاعقة أخرى فأحرقت المنجنيق وأحرقت معه أربعين رجلا وذلك فى سنة ثلاث وسبعين فى أيام عبد الملك بن مروان فأمسك وكتب بذلك الى عبد الملك ووهى البيت بسبب ما أصابه من حجارة المنجنيق ثم هدم الحجاج بأمر عبد الملك ما زاد ابن الزبير فى الكعبة وبناه* وعن هشام بن عروة قال لما كان قبل قتل ابن الزبير بعشرة أيام دخل على أمّه أسماء وهى شاكية فقال لها كيف تجدينك يا أماه قالت ما أجدنى الاشاكية فقال لها ان فى الموت لراحة فقالت لعلك تمنيته لى ما أحب ان أموت حتى يأتى عليك أحد طرفيك اما قتلت فأحتسبك واما ظفرت بعدوّك فقرّت عينى قال عروة فألتفت الى عبد الله فأضحك ولما كان اليوم الذى قتل فيه دخل على أمّه أسماء فقالت له يا بنى لا تقبلنّ منهم خطة تخاف على نفسك الذل مخافة القتل فو الله لضربة بسيف فى عز خير من ضربة بسوط فى ذلك فأتاه رجل من قريش فقال ألا نفتح لك الكعبة فتدخلها فقال عبد الله من كل شئ تحفظ أخاك الا من حتفه والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم وهل حرمة المسجد الا كحرمة البيت قال ثم شدّ عليه أصحاب الحجاج فقال عبد الله أين أهل مصر قالواهم هؤلاء من هذا الباب لاحد أبواب المسجد فقال لاصحابه اكسروا أغماد سيوفكم ولا تميلوا عنى قال فأقبل الرعيل الاوّل فحمل عليهم وحملوا معه وكان يضرب بسيفين فلحق رجلا فضربه فقطع يديه فانهرموا وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد ثم دخل عليه أهل حمص فشدّ عليهم وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد ثم دخل عليه أهل الاردن من باب آخر فقال من هؤلاء فقيل أهل الاردن فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد ثم انصرف فأقبل عليه حجر من ناحية الصفا فوقع بين عينيه فنكسر رأسه وفى الصفوة فأصابته آجرة فى مفرقه ففلقت رأسه فوقف قائما وهو يقول
ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا تفطر الدما
وفى الرياض النضرة ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه ومواليه جميعا ولما قتل كبر عليه أهل الشام فقال عبد الله بن عمر المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين عليه يوم قتل وفى الرياض النضرة روى انه لما اشتدّ الحصار بابن الزبير قامت أمّه أسماء يوما فصلت ودعت وقالت اللهمّ لا تخيب عبد الله بن الزبير وارحم ذلك السجود والتحنث والظمأ فى تلك الهواجر وكان قتله يوم الثلاثاء لسبع عشرة أو ست عشرة ليلة خلت من جمادى الاولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة وهو ابن اثنتين أو ثلاث وسبعين سنة كذا أخرجه صاحب الصفوة* وفى أسد الغابة فلم يزل الحجاج يحاصره الى ان قتله فى النصف من جمادى الاخرة سنة ثلاث وسبعين ولم يقتل الا بعد أن لم يبق معه من أصحابه الا اليسير لميلهم عنه الى الحجاج وأخذهم الامان منه وكان ممن فعل ذلك ابناه حمزة وخبيب ولما قتل صلب بعد قتله منكسا على الثنية اليمنى بالحجون وبعث برأسه لعبد الملك(2/305)
ابن مروان فطيف به فى البلدان* وفى كتاب القرى حمل رأسه الى المدينة ثم الى خراسان وماتت أمّه أسماء بنت أبى بكر بعده بأيام ولها مائة سنة وقد كف بصرها* وقال يعلى بن حرملة دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بثلاثة أيام وهو مصلوب فجاءت أمّه امرأة كبيرة طويلة عجوزة مكفوفة البصر تقاد فقالت للحجاج أما آن لهذا الراكب أن ينزل فقال لها الحجاج المنافق فقالت لا والله ما كان منافقا ولكنه كان صوّاما قوّاما وصولا قال انصرفى فانك عجوزة قد خرفت قالت لا والله ما خرفت ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج من ثقيف كذاب ومبير أما لكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت* قال أبو عمرو الكذاب فيما يقولون المختار بن أبى عبيد الثقفى* وعن أبى نوفل معاوية بن مسلم قال رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة مكة قال فجعلت قريش والناس يمرّون عليه حتى مرّ عبد الله بن عمر فوقف عليه وقال السلام عليك أبا خبيب ثلاثا أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ثلاثا أما والله ان كنت ما علمت صوّاما قوّاما وصولا للرحم أما والله لامّة أنت شرها لامّة سوء يعنى أهل الشام كانوا يسمونه ملحدا منافقا الى غير ذلك* وفى رواية لامّة خير ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله فأرسل اليه وأنزله عن جذعه فألقى فى قبور اليهود أورده فى المشكاة والرياض النضرة* وعن أبى مليكة قال لما أنزل عبد الله دعت أمّه أسماء بمركن وأمرت بغسله فكنا لا نتتاول عضوا الاجاء معنا وكنا نغسل العضو ونضعه فى أكفانه حتى فرغنا ثم قامت فصلت عليه وكانت تقول اللهمّ لا تمتنى حتى تقرّ عينى بجنبه فما أتت عليها جمعة حتى ماتت أخرجه أبو عمرو قال ثم أرسل الحجاج الى أمه أسماء بنت أبى بكر فابت ان تأتيه فأعاد عليها الرسول اما تأتينى أو لأبعثن اليك من يقودك أو يسحبك بقرونك فأبت وقالت والله لا آتيك حتى تبعث الىّ من يسحبنى بقرونى قال الحجاج أرونى سبتيتىّ فأخذ نعليه ثم انطلق يتوذف أى يتبختر حتى دخل عليها فقال كيف رأيتنى صنعت بعدوّ الله فقالت رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك بلغنى انك تقول له يا ابن ذات النطاقين انا والله ذات النطاقين أمّا أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبى بكر من الدواب وأما الاخر فنطاق المرأة التى لا تستغنى عنه أما انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ان فى ثقيف كذابا ومبيرا فاما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فلا أخالك الا اياه فقام عنها ولم يراجعها* مروياته فى الكتب ثلاثة وثلاثون حديثا وهو أحد العبادلة الاربعة* فى القاموس العبادلة من الصحابة مائتان وعشرون واذا أطلقوا أرادوا أربعة عبد الله بن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن عمرو بن العاص وليس منهم ابن مسعود كما توهمه الجوهرى*
(ذكر أولاده وقاضيه وكاتبه وأميره وحاجبه)
* أما أولاده فعبد الله وحمزة وخبيب وثابت وعباد وقيس وعامر وموسى وأما قاضيه فعابس بن سعيد وكاتبه زمل بن عمرو وكان أميره على مصر عبد الرحمن بن عتبة بن جحدم وكان يحجبه مولاه عنتر*
(ذكر خلافة مروان بن الحكم بن أبى العاص)
* بن أمية بن عبد شمس القرشى الاموى يقال له ابن الطريد لانّ رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد أباه الحكم الى بطن وج وفى حياة الحيوان طرده الى الطائف* وفى المختصر كان الحكم أبو مروان عليه فى اسلامه طعن وكان اظهاره الاسلام يوم فتح مكة وكان يمرّ خلف رسول الله فيغمز بعينه ويجلح بأنفه فبقى على ذلك التجليح وأصابته خبلة فقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الانصارى
انّ اللعين أتاك فارم عطافه ... ان ترم ترم مجلحا مجنونا
يضحى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا
واطلع الحكم ذات يوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض حجر نسائه فخرج اليه يعيره وقال من عذيرى من هذه الوزغة وكان يفشى حديث رسول الله وسرّه فلعنه وسيره الى الطائف ومعه عثمان(2/306)
الازرق والحارث وغيرهما من بنيه وقال لا يساكننى فلم يزل طريدا حتى ردّه عثمان بن عفان الى المدينة وكان ذلك مما نقم عليه أيضا* قال الواقدى استأذن الحكم بن أبى العاص على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له لعنه الله ومن خرج من صلبه الا المؤمنين وقليل ما هم يشرفون فى الدنيا ويتضعون فى الاخرة* وفى دول الاسلام وكان مروان قد لحق النبى صلى الله عليه وسلم وهو صبى وولى نيابة المدينة مرّات وهو قاتل طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرة بالجنة وكان كاتب السرّ لعثمان وبسببه جرى على عثمان ما جرى* وفى مورد اللطافة كان مولد مروان بمكة بعد عبد الله ابن الزبير بأربعة أشهر* قال المداينى كان مروان من رجال قريش وكان من أقرأ الناس القرآن وكان يقول ما أخللت بالقرآن قط وانى لم آت الفواحش والكبائر قط قالوا وكان مروان يلقب بخيط باطل لدقته وطوله شبه بالخيط الابيض الذى يرى فى الشمس قال الشاعر
لعمرى ما أدرى وانى لسائل ... حليلة مضروب القنا كيف يصنع
لحى الله قوما امّروا خيط باطل ... على الناس يعطى ما يشاء ويمنع
وفى المستدرك عن عبد الرحمن بن عوف انه قال كان لا يولد لاحد ولد الا أتى به النبى صلى الله عليه وسلم فيدعو له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال هو الوزغ بن الوزغ الملعون بن الملعون ثم قال صحيح الاسناد وكان اسلام الحكم يوم فتح مكة ومات فى خلافة عثمان كما مر* وفى مورد اللطافة سار مروان بعد قتل عثمان مع طلحة والزبير يطلبون بدم عثمان يوم وقعة الجمل وقاتل يومئذ أشدّ القتال ولما رأى الهزيمة عليهم رمى طلحة بسهم فقتله غدرا وهو فى عسكره والتفت الى أبان بن عثمان وقال له قد كفيتك بعض قاتلى أبيك وانهزم مروان من وقعة الجمل وقد أصابته جراحات فحمل وتداوى ثم اختفى وأمّنه علىّ فقدم عليه فلما مات معاوية أرسله يزيد يوم وقعة الحرّة مع مسلم بن عقبة وحرّضه على أهل المدينة ثم تزوّج مروان أم خالد بن يزيد بن معاوية آمنة بنت علقمة وقيل فاختة بنت هاشم كذا فى سيرة مغلطاى بعد موت يزيد وكان يجلس مع خالد بن يزيد فدخل عليه خالد فى بعض الايام فزبره مروان وقال له تنح يا ابن رطبة الاست والله مالك عقل فقام خالد عنه ودخل على أمه وذكر لها مقالته فأضمرت أمه السوء لمروان ثم دخل عليها مروان فقال لها هل قال لك خالد شيئا فأنكرت فنام عندها مروان فوثبت هى وجواريها فعمدت الى وسادة فوضعتها على وجهه وغمرته هى والجوارى حتى مات ثم صرخن وقلن مات فجأة وذلك فى أوّل شهر رمضان وقيل فى ربيع الاخر سنة خمس وستين بدمشق وقيل انه مات فجأة وقيل مطعونا وقيل مسموما فى نصف رمضان وكان مروان فقيها عالما أديبا كاتبا لعثمان بن عفان وهو كان من أعظم الاسباب فى زوال دولة عثمان وكانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرّفه فى الامور بويع لمروان بالخلافة فى الجابية فى رجب سنة أربع وستين* وفى مورد اللطافة بويع له بعد خلع معاوية بن يزيد وقيل بعد خلع خالد بن يزيد ولقب المؤتمن بالله* وفى مورد اللطافة أيضا ثبت مروان على الخلافة من غير عهد ولا مشورة ثم سار الى دمشق بعد أن قتل الضحاك بن قيس وأطاعه اكثر امراء الشأم ثم عبى جيوشه وسار الى ديار مصر فى سنة خمس وستين فصالحه أهلها وأعطوه الطاعة فاستولى عليهم ثم جدّدت له البيعة* وفى تاريخ اليافعى فى سنة خمس وستين توجه مروان الى مصر فتملكها واستعمل عليها ابنه عبد العزيز فبايعوه فى ذى القعدة من السنة ورجع الى الشأم وكان سلطانه بالشأم ومصر فلم يلبث أن وثبت عليه زوجته لكونه شتمها فوضعت على وجهه مخدّة كبيرة وهو نائم وقعدت هى وجواريها فوقها حتى مات كذا فى دول الاسلام وقد مرّ تفصيله* وصلى عليه ابنه وولىّ عهده عبد الملك(2/307)
وقال المداينى صلى عليه عبد الرحمن بن أم الحكم وكان خليفته بدمشق* قال الواقدى قبض النبى عليه السلام ومروان بن ثمان سنين ومات بدمشق سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة كذا فى المختصر وغيره وكان عمره يوم مات ثلاثا وستين سنة وخلافته منذ تجدّدت له البيعة عشرة أشهر* وفى مورد اللطافة نحو تسعة أشهر وكذا فى سيرة مغلطاى وقيل اكثر من ذلك وتخلف بعده ابنه عبد الملك وكان نقش خاتمه الله ثقتى ورجائى* (ذكر أولاده) * كان له من الولد عبد الملك ومعاوية وعبيد الله وعبد الله وأبان وداود وعبد العزيز وعبد الرحمن وأم عثمان وأم عمرو وعمرو وبشر ومحمد وكان قاضيه أبو ادريس الخولانى وحاجبه أبو اسماعيل مولاه*
(ذكر خلافة عبد الملك ابن مروان)
* وكان يلقب برشح الحجر لبخله وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبى العاص وهو أول من سمى عبد الملك فى الاسلام* (صفته) * كان أبيض طويلا أعين رقيق الوجه أفوه مفتوح الفم مشبك الاسنان بالذهب وكان حازما فى الامور لا يكلها الى أحد وكان قبل الخلافة متعبدا ناسكا عالما فقيها واسع العلم حتى قيل كان فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة ابن ذؤيب وعبد الملك بن مروان كذا فى المختصر ولما هلك أبوه فى رمضان سنة خمس وستين بايعه أهل الشأم ومصر بالخلافة وتمكن ابن الزبير وبايعه أهل الحرمين واليمن والعراق وخراسان واستناب على العراق وما يليه أخاه مصعب بن الزبير وتفرّقت الكلمة وبقى فى الوقت خليفتان اكبرهما ابن الزبير ثم لم يزل عبد الملك الى أن ظفر بالزبير وقتله فى سنة ثلاث وسبعين بعد حروب عظيمة* فأوّلها انه تجهز فى جيشه وسار من دمشق الى العراق فبرز لحربه نائبها مصعب بن الزبير فالتقى الجمعان والتحم الحرب فخامر على مصعب جيشه وكان عبد الملك قد كاتبهم ووعدهم بأمور فبقى مصعب فى نفر يسير وقاتل أشدّ القتال ولا زال كذلك حتى قتل فاستولى حينئذ عبد الملك على العراق وخراسان واستناب أخاه بشر بن مروان ورجع بجيشه الى دمشق ثم جهز جيشا عليهم الحجاج بن يوسف الثقفى لحرب بن الزبير فساروا وضايقوه وحاصروه ونصبوا المنجنيق وكان ابن الزبير قد نقض الكعبة وبناها كما ذكرنا وكان يضرب بشجاعته المثل كان رضى الله عنه وحده يحمل على عسكر الحجاج فيهزمهم ويخرجهم من أبواب المسجد وقاتلهم أربعة أشهر فاتفق انه حمل عليهم يوما فسقط على رأسه شرّافة من شراريف المسجد فخرّ منها فبادروا اليه واحتزوا رأسه وأمر الحجاج بصلب جسده وقد مرّ* وفى سنة أربع وستين قتل النعمان بن بشير الانصارى من صغار الصحابة وقد ولى نيابة حمص فلقيته خيل مروان بقرية حمص فقتلوه ومات بالطاعون بالشام فى ذلك العام الوليد بن عتبة بن أبى سفيان بعد أن صلى على معاوية بن يزيد وكانوا قد عينوه للخلافة وكان جوادا ممدحا دينا ولى المدينة غير مرّة لعمه معاوية فلما جاءته البيعة ليزيد أشار عليه مروان بقتل ابن الزبير والحسين ان لم يبايعوه فامتنع من ذلك ديانة* وفى سنة خمس وستين سار سليمان بن صرد الخزاعى والمسيب بن نجية الاميران فى أربعة آلاف يطلبون بثار الحسين وقصدوا عبيد الله بن زياد وكان مروان قد وجهه ليأخذ له العراق فى ثلاثين ألف فارس فالتقوا فقتل الاميران ولسليمان صحبة وكان المسيب من كبراء أصحاب علىّ وكانت الوقعة بالجزيرة وفيها مات عبد الله بن عمرو بن العاص السهمى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن صاحبه وكان واسع العلم عاقلا صالحا متعبدا يلوم أباه على أفاعيله وقيامه مع معاوية* مروياته فى كتب الاحاديث سبعمائة حديث ومات فى سنة ست وستين جابر بن سمرة الثوائى أحد أصحابه الذين نزلوا الكوفة ومات فيها أو بعدها زيد بن أرقم الانصارى بالكوفة من أهل بيعة الرضوان وقال غزوت مع النبىّ صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة وكان المختار بن أبى عبيد الثقفى الكذاب قد ظهر(2/308)
بالعراق والتفت عليه الشيعة وكان يدّعى أن جبريل ينزل عليه فجهز ابراهيم بن الاشتر النخعى فى ثمانية آلاف فى سنة ست وستين لقتال عبيد الله بن زياد فالتقى الجمعان فقتل عبيد الله وقتل معه من الامراء حصين بن نمير السكونى وشرحبيل بن ذى الكلاع وكان المصاف بنواحى الموصل وتمزق فى الوقعة أكثر عسكر الشأم وكانوا أربعين ألفا وغلب على الكوفة المختار واباد قتلة الحسين كعمر بن سعد بن أبى وقاص وشمر بن ذى الجوشن وخرج نجدة الجرورى باليمامة فى جمع فأتى البحرين وقاتل أهلها ثم حج فوقف بجمعه وحده بعرفة ووقف ابن الزبير بالناس ووقف ابن الحنفية بجيشه الذين أتوا من العراق وحده فتواعدوا الحرب حتى ينقضى الحج والموسم ومات فى سنة سبع وستين عدى بن حاتم الطائى صاحب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان يقول ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت الا وانا على وضوء وكان أبوه يضرب به المثل فى السخاء ولما بعث ابن الزبير أخاه مصعبا على العراق انضم اليه جيش البصرة فجاء وضايق المختار الكذاب حتى ظفر به وقتله وقتل بينهما سبعمائة أو أكثر*
وفاة عبد الله بن عباس
ومات فى سنة ثمان وستين عالم الامة الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم ان يؤتيه الله العلم مرّتين فكان اعلم أهل زمانه وقد ولى نيابة البصرة لابن عمه علىّ وأضرّ فى آخر عمره ومات بالطائف وله احدى وتسعون سنة وقبره بها يزار وقتل فى سنة ثمان وستين نجدة الحرورى وفى سنة تسع وستين كان طاعون الجارف بالبصرة* قال المدائنى حدّثنى من أدرك ذلك قال كان ثلاثة أيام فمات فيها نحو مائتى ألف نفس* وقال غيره مات فى طاعون الجارف لانس من أولاده وأولادهم سبعون نفسا وقيل مات فى الجارف لعبد الرحمن بن أبى بكر أربعون ولدا وقل الناس وعجز من بقى عن دفن الموتى وكانت الوحوش تدخل الازقة وتأكلهم* ومات لصدقة المازنى فى يوم واحد سبعة بنين فقال اللهم انى مسلم فلما كان يوم الجمعة بقى الجامع يصفر لم يحضر للصلاة سوى سبعة أنفس وامرأة فقال الخطيب ما فعلت تلك الوجوه فقالت المرأة تحت التراب* وفى سنة سبعين سار عبد الملك بجيوشه الى العراق ليملكها فوثب بدمشق عمرو بن سعد بن العاص الاشدق الاموى ودعا الى نفسه بالخلافة واستولى على دمشق فرجع اليه عبد الملك ولاطفه وراسله وحلف له أن يكون الخليفة بعد عبد الملك وأن يكون مهما شاء حكم وفعل فاطمأنّ وفتح البلد لعبد الملك ثم ان عبد الملك غدر به وذبحه* وفيها مات عاصم بن عمر بن الخطاب العدوى ولد فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو جدّ الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز لامه*
هدم قصر الامارة بالكوفة
وفى سنة احدى وسبعين قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير أخا عبد الله بن الزبير وهدم قصر الامارة بالكوفة* وسببه أنه جلس ووضع رأس مصعب بين يديه فقال له عبد الملك بن عمير يا أمير المؤمنين جلست أنا وعبد الله بن زياد فى هذا المجلس ورأس الحسين بين يديه ثم جلست أنا والمختار بن أبى عبيد فاذا رأس عبيد الله بن زياد بين يديه ثم جلست أنا ومصعب هذا فاذا رأس المختار بين يديه ثم جلست مع أمير المؤمنين فاذا رأس مصعب بين يديه وأنا أعيذ أمير المؤمنين من شرّ هذا المجلس فارتعد عبد الملك وقام من فوره فأمر بهدم القصر* ومات فى سنة اثنتين وسبعين الامير أبو بحر الاحنف بن قيس اليمنى أحد أشراف العرب وحلمائها بالبصرة وله سبعون سنة أو اكثر قد سمع من عمر وغيره* ومات فى سنة ثلاث وسبعين عوف بن مالك الاشجعى صاحب النبى صلى الله عليه وسلم وقد غزا بالمسلمين أرض الروم ولما قتل فيها ابن الزبير استقل بالخلافة فى الدنيا عبد الملك بن مروان وناب له على الحرمين الحجاج الظالم الغاشم فنقض ما زاد ابن الزبير فى الكعبة وضيقها وسدّ بابها الغربى وعلى الباب الشرقى* وفى سنة أربع وسبعين مات من الصحابة رافع بن خديج الانصارى وأبو سعيد الخدرى وعبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى(2/309)
الفقيه أحد الكبار وكان قد عين للخلافة يوم الحكمين فى زمن على رضى الله عنهم وفيها مات سلمة بن الاكوع الاسلمى آحد من بايع تحت الشجرة وكان بطلا شجاعا راميا محسنا يسبق الفرس العربية عدوا وأبو حجيفة السوائى وهب الخير من صغار الصحابة وفى هذا الوقت مات مقرى العراق أبو عبد الرحمن السلمى عبد الله بن حبيب بالكوفة قرأ على عثمان وعلى ابن مسعود وأقرأ الناس أربعين سنة وفى سنة خمس وسبعين مات الاسود بن يزيد النخعى صاحب ابن مسعود بالكوفة وكان رأسا فى العلم والعمل قيل كان يصلى فى اليوم والليلة ستمائة ركعة ومات بالشام العرباض بن سارية السلمى أحد أصحاب الصفة الاخيار البكائين وأبو ثعلبة الخشنى وكان ممن شهد فتح خيبر وحج فيها أمير المؤمنين عبد الملك
أوّل ضرب الدنانير فى الاسلام
وفيها ضربت الدراهم والدنانير وهى أول ما ضرب فى الاسلام وانما كانت قبل ذلك رومية وكسروية* وفى المختصر الجامع وهو أول من نقش الدراهم والدنانير بالعربية أمر بنقشها وكتب عليها قل هو الله أحد وكان عليها قبل ذلك كتابة بالرومية وعلى الدراهم بالفارسية* ومات بالبصرة بشر أخو الخليفة ونائب العراقين وكان جوادا ممدحا جميلا فبعث عبد الملك موضعه الحجاج الظالم فعسف وسفك الدماء* ومات بمصر قاضيها وواعظها وزاهدها سليم بن عنز البختى وكان قد حضر خطبة عمر بالجابية* ومات بالكوفة قاضيها شريح وكان من سادة القضاة حكم بها من دولة عمر رضى الله عنه* وافتتح عبد الملك مدينة هرقلة من أقصى بلاد الروم واستفحل أمر الخوارج وعليهم الامير شبيب بن يزيد بالعراق والاهواز وكان شبيب فردا فى الشجاعة قاتلوه عند جسر وحيل فلما غدا فوقه قطع الجسر فغرق شبيب وكان فى مائتى نفس يلتقى الالفين فيهزمهم ويبذعر فئتهم* وفى سنة ثمان وسبعين مات صاحب النبى صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله الانصارى بالمدينة بعد أن ذهب بصره كذا فى الصفوة وكان عالما مفتيا كبير القدر شهد ليلة العقبة مع أبيه وشهد غزوة الاحزاب وعاش أربعا وتسعين سنة وروى علما كثيرا* مروياته فى كتب الاحاديث ألف وخمسمائة وأربعون حديثا ومات فيها بالكوفة زيد بن خالد الجهنى وله خمس وثمانون سنة من مشاهير الصحابة روى عنه علماء المدينة* وفى سنة ثمانين مات أسلم مولى عمر بن الخطاب وفيها مات عالم الشأم أبو ادريس الخولانى الفقيه وعبد الله بن جعفر بن أبى طالب الهاشمى الجواد ولد بالحبشة وله صحبة ورواية يقال لم يكن فى الاسلام أحد أسخى منه* وفى سنة احدى وثمانين مات محمد بن الحنفية وهو محمد ابن أمير المؤمنين على بن أبى طالب وكانت الشيعة تعظمه وتزعم أنه المهدى* وفى سنة اثنتين وثمانين مات زر بن حبيش بالكوفة وقد قرأ القرآن على على رضى الله عنهم وروى علما كثيرا وفيها كانت غزوة صقلية غزاها المسلمون وعليهم عطاء بن رافع وصقلية جزيرة كبيرة فى البحر فيها مدائن وهى قريبة من جزيرة الاندلس يركب اليها من ناحية تونس افتتحها المسلمون وبقيت دار اسلام مدّة طويلة وخرج منها علماء وأئمة ثم أخذتها الافرنج من نحو مائتى سنة* وفيها وفى المختصر الجامع فى سنة ثلاث وثمانين أنشأ الحجاج مدينة بالعراق وهى واسط وجعل فيها دار الامارة وفيها التقى ولد عبد الملك بن مروان عساكر الروم عند سورية فكسرهم واستعمل عبد الملك أخاه محمد بن مروان على امرة أذربيجان والجزيرة وأرمينية ولمحمد غزوات وفتوحات* وفى سنة خمس وثمانين مات متولى مصر والمغرب عبد العزيز بن مروان الاموى أخو الخليفة* قال ابن أبى مليكة سمعته عند الموت يقول يا ليتنى لم اكن شيئا وقد ولى الديار المصرية عشرين سنة وخلف أموالا لا تحصى ومات بالكوفة عمرو بن الحارث من بقايا أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم وبدمشق واثلة بن الاسقع وهو صحابى من أهل الصفة وأبو زيد عمرو بن سلمة الحرمى الذى كان يؤم قوما صبيا فى أيام النبىّ عليه(2/310)
السلام ثلاثتهم فى سنة خمس وثمانين* ومات فى سنة ست وثمانين ثلاثة من الصحابة أبو أمامة الباهلى بحمص وعبد الله بن أوفى الاسلمى بالكوفة وكان من أصحاب الشجرة وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى بمصر وفيها بنيت مدينة أردبيل وبردعة على يد الامير عبد العزيز بن حاتم*
(ذكر وفاة عبد الملك بن مروان الاموى ومدفنه)
* توفى فى منتصف شوّال وقيل لعشر خلون من شوّال سنة ست وثمانين ودفن بدمشق وصلى عليه ابنه وولى عهده الوليد وكانت خلافته احدى وعشرين سنة وخمسة عشر يوما منها ثمان سنين كان مزاحما لابن الزبير ثم انفرد بمملكة الدنيا* وفى سيرة مغلطاى فكانت خلافته عشرين سنة الى أن مات وله ستون سنة كذا فى دول الاسلام* وفى المختصر الجامع كان سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة عشر يوما قبل قتل ابن الزبير وكانت ولايته بعد مقتل ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر وخمسة عشر يوما ودفن خارج باب الجابية بدمشق وكان نقش خاتمه آمنت بالله مخلصا* (ذكر أولاده وقاضيه وأميره وكاتبه وحاجبه) * كان له من الولد سبعة عشر الوليد وسليمان ومروان الاكبر ويزيد ومروان الاصغر ومعاوية وهشام وبكار والحكم وعبد الله ومسلمة والمنذر وعيينة ومحمد وسعيد والحجاج وقبيصة وفى المختصر عدّ من أولاده داود وعائشة وفاطمة فيكونون عشرين ولى الخلافة منهم أربعة وفى حياة الحيوان رأى عبد الملك بن مروان فى المنام أنه بال فى محراب مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم أربع مرّات فغمه ذلك فكتب بذلك الى ابن سيرين وفى رواية الى سعيد بن المسيب فقال ابن سيرين ان صدقت رؤياك فسيقوم من ولدك أربعة فى المحراب ويتقلدون الخلافة بعدك فوليها أربعة خلفاء من صلبه الوليد وسليمان ويزيد وهشام* وكان قاضيه أبو ادريس الخولانى وعبد الله ابن قيس* وكان أميره على العراق الحجاج بن يوسف الثقفى وعلى مصر أخوه عبد العزيز بن مروان* وكان كاتبه روح بن رباع ثم قبيصة بن ذؤيب* وكان حاجبه يوسف مولاه*
(ذكر خلاقة الوليد أبى العباس بن عبد الملك بن مروان)
* أمه ولادة بنت العباس (صفته) كان أسمر جميلا وبوجهه آثار جدرى* وفى دول الاسلام كان دميما سائل الانف يختال فى مشيته قليل العلم وكان ذا سطوة شديدة لا يتوقف اذا غضب وكان كثير النكاح والطلاق يقال انه تزوّج ثلاثا وستين امرأة وكان أبوه أخذ له العهد ولسليمان بعده بويع بالخلافة فى يوم الخميس منتصف شوّال سنة ست وثمانين وهو الذى بنى جامع دمشق وزخرفه وكان قبله نصفه كنيسة للنصارى والنصف الاخر الذى فيه محراب الصحابة للمسلمين فأرضى الوليد النصارى بعدة كنائس صالحهم عليها فرضوا ثم هدمه سوى حيطانه وأنشأ فيه النسر والقناطر وحلاها بالذهب وأستار الحرير وبقى العمل فيه تسع سنين حتى قيل كان يعمل فيه اثنا عشر ألف مرخم وغرم عليه من الدنانير المصرية زنة مائة قنطار وأربعة وأربعين قنطارا بالدمشقى حتى صيره نزهة الدنيا وأمر نائبه على المدينة ابن عمه عمر بن عبد العزيز ببناء مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وتوسيعه وزخرفته ففعل وهو أوّل من اتخذ المارستان للمرضى ودار الضيافة وأقام عمر بن عبد العزيز والى المدينة سبع سنين وخمسة أشهر وشيد مسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وأدخل فيه المنازل التى حوله وحجرات أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم وبنى الاميال فى الطرقات وأنفذ الى خالد بن عبد الله القسرى عامله على مكة ثلاثين ألف مثقال ذهبا فصفح باب الكعبة والميزاب والاساطين* وفى دول الاسلام وكان الوليد يعطى أكياس الدراهم لتقسم فى الصالحين وكان يختم القرآن فى ثلاث قال ابراهيم بن أبى عبلة كان يختم فى رمضان سبع عشرة مرّة* وعن الوليد قال لولا انّ الله تعالى ذكر اللواطة فى كتابه ما ظننت أحدا يفعله* وفى حياة الحيوان قال الحافظ ابن عساكر(2/311)
كان الوليد عند أهل الشام من أفضل خلفائهم بنى المساجد بدمشق وأعطى الناس وفرض للمجذومين وقال لا تسألوا الناس وأعطى كل مقعد خادما وكل أعمى قائدا وكان يبر حملة القرآن ويقضى عنهم ديونهم وبنى الجامع الاموى وهدم كنيسة مريوحنا وزادها فيه وذلك فى القعدة سنة ست وثمانين وتوفى الوليد ولم يتم بناؤه فأتمه سليمان أخوه وكان جملة ما أنفق على بنائه أربعمائة صندوق فى كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار وكان فيه ستمائة سلسلة ذهب للقناديل وما زالت الى أيام عمر ابن عبد العزيز فجعلها فى بيت المال واتخذ عوضها صفرا وحديدا وبنى الوليد قبة الصخرة ببيت المقدس وبنى المسجد النبوى ووسعه حتى دخلت الحجرة النبوية فيه وله آثار حسنة كثيرة جدّا ومع ذلك روى ان عمر بن عبد العزيز قال لما ألحدت الوليد ارتكض فى أكفانه وغلت يداه الى عنقه نسأل الله العفو والعافية فى الدنيا والاخرة* وفتحت فى أيام خلافة الوليد الفتوحات العظام مثل الهند والسند والاندلس وغير ذلك انتهى وقوله انّ الوليد بنى قبة الصخرة فيه نظر وانما بنى قبة الصخرة عبد الملك بن مروان فى أيام فتنة ابن الزبير لما منع عبد الملك أهل الشام من الحج خوفا من ان يأخذ منهم ابن الزبير البيعة وكان الناس يقفون يوم عرفة بقبة الصخرة الى ان قتل ابن الزبير* وعن ابن خلكان وغيره لعلها تشعثت فهدمها الوليد وبناها والله أعلم*
غريبة
وفى مورد اللطافة قال عمر بن عبد الواحد الدمشقى عن عبد الرحمن بن يزيد بن خالد عن أبيه قال خرج الوليد بن عبد الملك من الباب الاصغر فوجد رجلا عند الحائط عند المأذنة الشرقية يأكل وحده فجاء فوقف على رأسه فاذا هو يأكل خبزا وترابا فقال ما شأنك انفردت من الناس فقال أحببت الوحدة فقال فما حملك على أكل التراب أما فى بيت مال المسلمين ما يجرى عليك قال بلى ولكن رأيت القنوع قال فرجع الوليد الى مجلسه ثم أحضره فقال ان لك ذمّة ان تخبرنى به والا ضربت ما فيه عيناك قال نعم كنت جمالا ومعى ثلاثة أجمال موقرة طعاما حتى أتيت مرج الصفر فقعدت فى خرابة أبول فرأيت البول ينصب فى شق فاتبعته حتى كشفته واذا غطاء على حفير فنزلت فاذا مال فأنخت رواحلى وأفرغت طعامى ثم أوقرتها ذهبا وغطيت الموضع فلما سرت غير بعيد وجدت معى مخلاة فيها طعام فقلت انا أترك الكسرة وآخذ الذهب ففرغتها ورجعت لا ملأها فخفى عنى الموضع وأتعبنى الطلب فرجعت الى الجمال فلم أجدها ولم أجد الطعام فاليت على نفسى ان لا آكل شيئا الا الخبز والتراب فقال الوليدكم لك من العيال فذكر عيالا قال يجرى عليك من بيت المال ولا يستعمل فى شئ فان هذا المحروم* قال ابن جابر فذكر لنا أن الابل حملت الى بيت مال المسلمين فاناخت عنده فأخذها أمين الوليد فطرحها فى بيت المال* قال الذهبى هذه الحكاية رواية ثقات قاله الكنانى وفى سنة سبع وثمانين غزا قتيبة الباهلى بناحية بخارى ووقع بينه وبين الترك مصاف عظيم هزمهم ومزقهم وصالح أهل بخارى وولاها قرابته ورجع فوثبوا على متوليها وأخيارهم فقتلوهم فأقبل قتيبة ونازلها وافتتحها بالسيف فقتل وسبى وفيها غزا أخو الخليفة مسلمة فافتتح بالروم قميقم وبحيرة الفرسان* وفى سنة ثمان وثمانين غزا قتيبة بما وراء النهر وافتتح مدينتين صالحا فزحف اليه الترك والصغد وأهل فرغانه وعلى الجميع ابن أخت ملك الصين وكانوا نحو مائتى ألف فالتقاهم قتيبة فهزمهم ونصر الله الاسلام وفيها افتتح مسلمة جرمومة وطوانة من بلاد الروم وبلاد الاندلس وطليطله وحملت اليه مائدة سليمان بن داود عليهما السلام وهى من ذهب وفضة وعليها ثلاثة أطواق من لؤلؤ والتقى الروم فهزمهم فقتل خلقا وغزا مسلمة عمورية من الروم وهزم الكفار* وفى سنة تسع وثمانين غزا قتيبة وردان ثانى مرّة فسال عليه الروم فالتقاهم وهزمهم وقتل وأسر وأوقع بأهل الطالقان بخراسان فقتل منها مقتلة عظيمة وصلب من أهلها صفين مسيرة أربعة فراسخ(2/312)
وسبب ذلك ان ملكها غدر ونكث وأعان الترك* وعزل الخليفة عمه محمدا عن الجزيرة وأذربيجان وولاها أخاه مسلمة فغزا مسلمة وافتتح مدائن وحصونا عند دربند ودان له من وراء باب الابواب وفيها حج الوليد بالناس* وفى المختصر الجامع حج الوليد بالناس سنة ثمان وثمانين واحدى وتسعين وأربع وتسعين وتمت لقتيبة الباهلى حروب بماوراء النهر حتى ان طرحون ملك الترك وثب عليه امراؤه فعزلوه وحبسوه واتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره وغزا قتيبة خوارزم فافتتحها صالحا وصالح أهل سمرقند بعد ان قاتلوه أشدّ قتال يكون على ألفى ألف وعلى ثلاثين ألف رأس وقتل فى المصاف خلائق من الترك وكان دين أهل ما وراء النهر على المجوسية وعبادة النار والاوثان وافتتح فى دولته الهند وبعض بلاد الترك وجريرة الاندلس واتسعت ممالك الاسلام فى دولة الوليد وفى سنة أربع غزا قتيبة فافتتح فرغانة وخجند وكاشان بعد حروب عظيمة وبعث عسكرا افتتحوا الشاش وافتتح مسلمة من أرض الروم مدينة سندرة فكان فى كل وقت يصل اليه البريد بخبر فتح بعد فتح ويحمل اليه خمس المغانم وامتلأت خزائنه وعظمت هيبته* وفى سنة احدى وتسعين مات صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن سعد الساعدى بالمدينة وقد قارب مائة سنة ومات بمكة السائب بن يزيد الكندى صحابى صغير ومات فيها نائب اليمن محمد بن يوسف الثقفى أخو الحجاج فكان عمر بن عبد العزيز يقول الوليد الخليفة بدمشق والحجاج بالعراق وأخوه باليمن وعثمان بن حبان بالحجاز وقرّة بمصر امتلأت والله الدنيا جورا*
آخر من مات من الصحابة
وفى سنة ثلاث وتسعين مات بالبصرة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وآخر من بقى من الصحابة أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الانصارى الخزرجى وله مائة وثلاث سنين وقد غزا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم مرّات وروى عنه علما كثيرا مروياته فى كتب الاحاديث ألفان ومائتان وستة وثمانون حديثا* وفيها مات الامام أبو العالية الرباحى رفيع وله أزيد من مائة سنة قرأ القرآن على أبى بن كعب وغيره* قال ابن أبى داود لم يكن أحد بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبى العالية وبعده سعيد بن جبير* وفيها قرأ فى صلاة الصبح قاضى البصرة زرارة بن أبى أوفى المدثر فلما بلغ الى قوله فاذا نقر فى الناقور خرّ ميتا رحمه الله* وفى سنة أربع وتسعين مات عالم أهل زمانه سيد التابعين سعيد بن المسيب المخزومى وقد قارب ثمانين سنة والامام عروة بن الزبير ابن العوام الاسدى بالمدينة* قال الزهرى كان بحر الا ينزف والامام زين العابدين على بن الحسين ابن على بن أبى طالب وله بضع وخمسون سنة قال الزهرى ما رأيت أفقه منه وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام المخزومى أحد الفقهاء السبعة وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهرى أحد الائمة الاعلام* وفى سنة خمس وتسعين مات فقيه الكوفة ابراهيم بن يزيد النخعى عن بضع وخمسين سنة وكان رأسا فى العلم والعمل والامام المفسر سعيد بن جبير الكوفى قتله الحجاج ظلما فما أمهله الله بعده فهلك الحجاج بن يوسف الثقفى أمير العراق فى رمضان وله ثلاث وخمسون سنة وكانت ولايته بالعراق عشرين سنة وكان شجاعا مهيبا جبارا عنيدا ومخازيه كثيرة الا انه كان عالما فصيحا مفوّها مجوّدا للقرآن يقال انه قتل أكثر من مائة ألف صبرا كذا فى دول الاسلام* وفى المختصر الجامع انّ عدّة من قتله الحجاج صبرا مائة ألف رجل وعشرون ألفا وانه توفى فى حبوسه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة وسمعوه يقول عند الموت رب اغفرلى فان الناس يزعمون انك لا تغفرلى وفيها مات مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشى بالبصرة كان من الائمة العباد بلغنا أن رجلا كذب عليه فقال مطرف اللهمّ ان كان كاذبا فأمته فخرّ مكانه ميتا* وفى سنة ست وتسعين قتل نائب خراسان كلها مسلم الباهلى وليها عشر سنين من جهة الحجاج ولما مات الوليد خرج عن الطاعة فوثب عليه الامير وكيع العبدانى(2/313)
فقتله واستولى على خراسان وفيها مات نائب مصر قرّة بن شريك القيسى وكان ظالما جبارا بنى جامع مصر وزخرفه فقيل كان اذا انصرف منه الصناع دخل ودعا بالخمر والملاهى ويقول لهم النهار ولنا الليل وعزم جماعة من الكبار على قتله فعرف بهم وأبادهم*
ذكر وفاة الوليد
(ذكر وفاته ومدفنه) توفى يوم السبت منتصف جمادى الاخرة سنة ست وتسعين بدير مروان وحمل على أعناق الرجال ودفن بدمشق فى مقابر الباب الصغير وتولى دفنه عمر بن عبد العزيز كذا فى حياة الحيوان وعمره ست وأربعون سنة وأشهر وقيل ثمان وأربعون سنة وأشهر وفى دول الاسلام خمسون سنة وكانت خلافته تسع سنين وثمانية أشهر وقيل وتسعة أشهر وفى دول الاسلام عشر سنين وكان نقش خاتمه يا وليد انك ميت ومحاسب وتخلف بعده أخوه سليمان بن عبد الملك* (ذكر أولاده وأمرائه وقضاته وكتابه وحجابه) * كان له من الولد أربعة عشر ذكرا سوى البنات* وفى دول الاسلام خلف أربعة عشر ولدا انتهى منهم يزيد وابراهيم وليا الخلافة ومنهم العباس فارس بنى مروان وعمر فحلهم كان يركب فى ستين من صلبه وعمرو وعبد العزيز وبشر وكان أميره على مصر قرّة بن شريك*
(ذكر خلافة سليمان أبى أيوب بن عبد الملك بن مروان)
* أمه ولادة أم أخيه المقدّم ذكره* صفته* كان طويلا جميلا أبيض فصيحا لسنا بليغا وكان مولده فى سنة ستين* وفى دول الاسلام كان كبير الوجه مليحا مقرون الحواجب أبيض مقصوص الشعر أديبا معجبا بنفسه متوقفا عند الدماء بويع بالخلافة يوم موت أخيه الوليد يوم السبت منتصف جمادى الاخرة سنة ست وتسعين وكان أبوهما عقد لهما بالامر من بعده وكان سليمان بالرملة فلما جاءته الخلافة عزم على الاقامة بها ثم توجه الى دمشق وكمل عمارة الجامع الاموى كما تقدّم وكان محبا للغزو جهز أخاه مسلمة بن عبد الملك فى سنة سبع وتسعين الى غزو الروم فانتهى الى قسطنطينية كذا فى حياة الحيوان* وفى رواية حتى صالحهم على بناء جامع وكان شديد الغيرة وهو الذى خصى المخنثين بالمدينة وكان نكاحا وكان كثير الاكل حج مرّة فنزل بالطائف فأكل سبعين رمانة ثم جاؤه بخروف مشوى وست دجاجات فأكلها ثم جاؤه بزبيب فأكل منه شيئا كثيرا ثم نعس فانتبه فى الحال فأتاه الطباخ فأخبره بأن الطعام قد استوى فقال اعرضه علىّ قدرا قدرا فصار سليمان يأكل من كل قدر اللقمة واللقمتين واللحمة واللحمتين وكانت ثمانين قدرا ثم مدّ السماط فأكل على عادته كأنه لم يأكل شيئا* قيل أفاد بعض الحكماء انّ الرجل لا يأكل اكثر من ستين لقمة من جوعه الى شبعه فما يكون شأن هذا الرجل وأمثاله من الاكلة* وفى المختصر الجامع وحياة الحيوان من ترجمة ابن خلكان انّ سليمان كان يأكل كل يوم مائة رطل شامى وكان به عرج ولما ولى ردّ الصلاة الى ميقاتها الاوّل وكان من قبله من الخلفاء من بنى أمية يؤخرونها الى آخر وقتها ولذلك قال محمد بن سيرين رحم الله سليمان افتتح خلافته بخير وختمها بخير افتتحها باقامة الصلاة لمواقيتها الاولى وختمها باستخلاف عمر ابن عبد العزيز وبنى دار السلطنة وعملها قبة صفراء عالية بدمشق* ومما يحكى من محاسنه انّ رجلا دخل عليه فقال يا أمير المؤمنين انشدتك الله والاذان فقال له سليمان أما انشدتك الله فقد عرفناه فما الاذان قال قوله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فقال له سليمان وما ظلامتك فقال ضيعتى فلانة غلبنى عليها عاملك فلان فنزل سليمان عن سريره ورفع البساط ووضع خدّه بالارض قال والله لا رفعت خدّى من الارض حتى يكتب له بردّ ضيعته فكتب الكتاب وهو واضع خدّه لما سمع كلام ربه الذى خلقه وخوّله نعمه خشى على نفسه من لعن الله وطرده رحمه الله* قيل انه أطلق من سجن الحجاج ثلثمائة ألف ما بين رجل وامرأة وصادر آل الحجاج واتخذ ابن عمه عمر بن عبد العزيز وزيرا ومشيرا كذا فى حياة الحيوان*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة سليمان بن عبد الملك
وفى سنة سبع وتسعين مات طلحة بن عبد الله بن عوف(2/314)
الزهرى قاضى المدينة وكان أحد الاجواد وفيها مات قيس بن أبى حازم البجلى شيخ الكوفة وعالمها عن اكثر من مائة سنة وكان قد هاجر الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم يلحقه وسمع من أبى بكر وعمر رضى الله عنهم* وفى سنة ثمان وتسعين مات أحد الفقهاء السبعة بالمدينة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الهذلى شيخ الزهرى والفقيهة عمرة بنت عبد الرحمن صاحبة عائشة فى سنة تسع وتسعين وعالم بيت المقدس عبد الله بن محيريز الجمحى* قال الاوزاعى كان اماما قدوة وقال رجاء بن حيوة ان يفخر علينا أهل المدينة بابن عمر فانا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز وبقاؤه أمان لاهل الارض وفيها توفى محمود بن الربيع الانصارى بالمدينة وكان قد عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجهه من دلو وحدّث عن عبادة بن الصامت وغيره* وأمر الخليفة سليمان الناس بغزو القسطنطينية برّا وبحرا وجهز الجيوش وبذل الخزائين ونزل على حلب وأمر على الكل أخاه مسلمة وابنه وكان الذين غزوها أزيد من مائة ألف وطالت الغزوة حتى مات سليمان وهم هناك* وروى السكن ابن خالد قال أصاب الجيش على القسطنطينية جوع عظيم حتى اكلوا الميتة* وقال محمد بن زيد الالهانى هلكنا من الجوع ومات الناس وان كان الرجل ليذهب الى الغائط والاخر يرصده فاذا قام جاء هذا فأكل رجيعه وربما كان الرجل ليبعد للحاجة فيؤخذ*
(ذكر وفاته)
* قيل انّ سليمان جلس يوما فى نبت أخضر على وطاء أخضر عليه ثياب خضر ثم نظر فى المرآة فأعجبه شبابه وكان من أجمل الناس فقال كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيا وكان أبو بكر صدّيقا وكان عمر فاروقا وكان عثمان حييا وكان معاوية حليما وكان يزيد صبورا وكان عبد الملك سيوفا وكان الوليد جبارا وأنا الملك الشاب فمات من جمعته فى يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين* ويقال انه لبس يوما أفخر ما عنده وتطيب بأفخر الطيب وتزين بأحسن الزينة فأعجبته نفسه فالتفت فرأى جارية من جواريه واقفة فقال لها كيف ترين فقالت شعر
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للانسان
أنت خلو من العيوب ومما ... يكره الناس غير أنك فانى
وفى حياة الحيوان
ليس فيما بدا لنا منك عيب ... عابه الناس غير أنك فانى
فطردها ثم أحضرها فقال لها ما قلت فقالت ما قلت شيئا ولا رأيتك اليوم فتعجب الناس من ذلك ومات من جمعته* وفى دول الاسلام ولما احتضر أشار عليه وزيره رجاء بن حيوة بأن يستخلف ابن عمه الامام العادل عمر بن عبد العزيز بشرط أن تكون الخلافة من بعد عمر ليزيد بن عبد الملك أخى سليمان وفى الجملة هو من خيار ملوك بنى أمية قرّب ابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله ولىّ عهده بالخلافة وليس عهد فى الخلافة وانما العهد كان ليزيد وهشام فأدخل عمر قبلهما وبايع الناس على العهد وهو مكتوب وفيه عمر بن عبد العزيز ثم يزيد وهشام فصحت البيعة* وفى المختصر الجامع توفى سليمان بذات الجنب بمرج دابق من أرض قنسرين لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين وله خمس وأربعون سنة وقيل تسع وثلاثون وصلى عليه عمر بن عبد العزيز وكانت خلافته سنتين وثمانية أشهر الا خمسة أيام* وفى دول الاسلام دون ثلاثة أعوام وكان نقش خاتمه آمنت بالله مخلصا وكان له من الولد أربعة عشر ذكرا*
(ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشى الاموى)
* أمير المؤمنين أبى حفص ولد بالمدينة سنة ستين عام توفى معاوية بن أبى سفيان أو بعده بسنة كذا فى مورد اللطافة* وفى حياة الحيوان مولده بالبصرة سنة احدى وستين أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب عسّ ليلة من الليالى فأتى على امرأة تقول لابنتها قومى وامزجى اللبن(2/315)
بالماء فقالت لا تفعلى فانّ أمير المؤمنين عمر نهى عن ذلك قالت ومن أين يدرى قالت فان لم يعلم هو فانّ رب أمير المؤمنين يرى ذلك* وفى شواهد النبوّة قالت البنت والله لا أفعله أبدا أطيع أمره فى العلن وأخالفه فى السرّ فلما أصبح عمر قال لابنه عاصم اذهب الى مكان كذا فانّ هناك صبية فان لم تكن مشغولة فتزوّج بها فلعل الله يرزقك منها نسمة مباركة فتزوّج عاصم بتلك البنية فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر فتزوّجها عبد العزيز بن مروان باربعمائة دينار من أطيب ماله فولدت له عمر بن عبد العزيز* وفى حياة الحيوان وهو تابعى جليل روى عن انس بن مالك والسائب بن مالك والسائب بن يزيد وروى عنه جماعة قال الترمذى فى تاريخه بلغنا انّ عمر بن الخطاب قال انّ من ولدى رجلا بوجهه شين يلى فيملأ الارض عدلا* قال نافع لا أحسبه الاعمر بن عبد العزيز* صفته* كان أبيض رقيق الوجه مليحا جميلا مهيبا نحيف الجسم حسن اللحية غائر العينين بجبهته أثر شجة من أثر حافر فرس ضربه وهو صغير ولذا سمى أشج بنى أمية وقد خطه الشيب* روى انه دخل اصطبل أبيه وهو غلام فضربه فرس فجعل أبوه يمسح عنه الدم ويقول ان كنت أشج بنى أمية انك لسعيد* وروى الذهبى فى تاريخه باسناده عن رباح بن عبيدة قال خرج علينا عمر بن عبد العزيز وشيخ متكىء على يده ونقلت فى نفسى هذا الشيخ جاف فلما صلى ودخل لحقته فقلت أصلح الله الامير من الشيخ لذى يتكىء على يديك قال يا رباح رأيته قلت نعم قال لا أحسبك الا رجلا صالحا ذاك أخى الخضر أتانى وأعلمنى انى سألى أمر هذه الامّة وانى أساعدك فيها بويع بالخلافة بعد موت ابن عمه سليمان بن عبد الملك بعهد عهده اليه ولقب بالمعصوم بالله فلما بويع بالخلافة قدّمت له فرس الخلافة على عادة الخلفاء فلم يركبها وركب فرسه* وفى حياة الحيوان فجاء صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة جريا على عادة الخلفاء فقال له تنح عنى مالى ولك انما انا رجل من المسلمين ثم سار مختلطا بين الناس حتى دخل المسجد فصعد المنبر واجتمع الناس اليه فحمد الله تعالى واثنى عليه وذكر النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قال أيها الناس قد ابتليت بهذا الامر من غير رأى منى فيه ولا طلب ولا مشورة وانى قد خلعت ما فى أعناقكم فاختاروا لانفسكم غيرى فصاح المسلمون صيحة واحدة قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضيناك تدبرنا باليمن والبركة فلما سكتوا خطب الناس خطبة مشتملة على الحمد والصلاة ثم قال فى آخرها أيها الناس من أطاع الله تعالى وجبت طاعته ومن عصى الله عز وجل فلا طاعة له أطيعونى ما أطعت الله تعالى فان عصيته فلا طاعة لى عليكم ثم نزل ودخل دار الخلافة فأمر بالستور فهتكت وبالبسط فرفعت وأمر ببيع ذلك وادخال أثمانها فى بيت مال المسلمين ثم ذهب يتبوّأ ليقيل فاتاه ابنه عبد الملك فقال ما تريد أن تصنع يا أبت قال أى بنى أقيل قال تقيل ولا تردّ المظالم قال أى بنى انى قد سهرت البارحة فى أمر عمك سليمان فاذا صليت الظهر رددت المظالم فقال يا أمير المؤمنين من أين لك ان تعيش الى الظهر فقال ادن منى يا بنى فدنا منه فقبل بين عينيه وقال الحمد لله الذى أخرج من ظهرى من يعيننى على دينى فخرج ولم يقل فأمر مناديه ان ينادى ألا من كانت له مظلمة فيرفعها فقدم اليه ذمى من أهل حمص فقال يا أمير المؤمنين أسألك كتابك قال وما ذاك قال ان العباس بن الوليد اغتصبنى أرضى والعباس جالس فقال عمر ما تقول يا عباس قال ان أمير المؤمنين الوليد أقطعنى اياها وهذا كتابه فقال ما تقول يا ذمى قال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل فقال كتاب الله أحق ان يتبع من كتاب الوليد فاردد عليه أرضه يا عباس فردّ عليه ثم جعل لا يدع شيئا مما كان فى يد أهل بيته من المظالم الا ردّها مظلمة مظلمة فلما بلغ الخوارج سيره وما ردّ من المظالم اجتمعوا وقالوا ما ينبغى لنا ان نقاتل هذا الرجل انتهى ثم شرع فى بسط العدل الذى ما سمع بمثله من عهد الخلفاء الراشدين* قال الشافعىّ رحمه الله الخلفاء خمسة أبو بكر وعمر
وعثمان(2/316)
وعلى وعمر بن عبد العزيز رضى الله عنهم ولما وليها أبطل سب على بن أبى طالب وجعل مكان ذلك انّ الله يأمر بالعدل والاحسان الاية وكان ذلك اللعن مستمرّا منذ ست وسبعين سنة* وفى رواية الاصح منذ ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر وذلك ألف شهر* روى ان عمر خلا بصعلوك وأمره ان يحىء اليه غدا حين كان عمر جالسا بين أظهر الناس فيخطب اليه ابنته وقال له انى سأقول كذا وكذا وأنت قل كذا وكذا ولا تخف فان فيه مصلحة فجاء الرجل من الغد فى مثل الوقت الذى أمره عمر ان يأتيه فيه فقال يا أمير المؤمنين ان لى اليك حاجة قال وما حاجتك قال انا رجل فقير أيم وأنت خليفة عادل تكفى مؤن الناس وتقضى حوائج الخلق فانى أخطب اليك ابنتك فهمّ الناس بزجره وايذائه فمنعهم عمر عن ذلك وقال للرجل أنت فقير وأنا خليفة فلا كفاءة بيننا قال الرجل لئن كنت خليفة فلست بأكبر من النبىّ صلى الله عليه وسلم ولئن كنت صعلوا كلسيئ الحال فلست بأسوأ من علىّ بن أبى طالب من حيث انكم تلعنونه على المنابر وهو كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم فصاح عمر وقال يا أيها الناس ألزمنى هذا الرجل لا أقدر على جوابه فأجيبوه فلما لم يجبه أحد أمر عمر برفع اللعن وتركه بعد ذلك وجاء فى التواريخ وجه آخر فى ترك اللعن وهو أنّ عمر أمر يهوديا ان يخطب اليه ابنته فخطبها اليهودى فقال له عمر كيف تحطب الىّ وأنت يهودى فقال اليهودى فكيف زوّج نبيكم ابنته من على بن أبى طالب فقال عمر ويحك انّ عليا من عظماء الدين وأكابر المسلمين فقال اليهودى فلم تلعنونه على المنابر فأقبل عمر على الناس فقال لهم أجيبوه ولما عجزوا عن الجواب أمر بترك اللعن وجعل مكانه ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان الاية وفيه قيل شعر
وليت ولم تشتم عليا ولم تحف ... بريا ولم تتبع سجية مثلم
وقلت فصدّقت الذى قلت بالذى ... فعلت وأضحى راضيا كل مسلم
وكان عمر صالحا ورعا زاهدا فقيها ولما ولى أبطل جميع ما كان أهله تتصرف من بيت المال كما مرّ وضيق على نفسه وعلى أهله تضييقا كثيرا* وعن مسلمة بن عبد الملك قال دخلت على أمير المؤمنين عمر أعوده فى مرضه الذى مات فيه فاذا عليه قميص لا يساوى أربعة دراهم فقلت لفاطمة بنت عبد الملك يا فاطمة اغسلى قميص أمير المؤمنين فقالت نفعل ان شاء الله تعالى ثم عدت فاذا القميص على حاله فقلت يا فاطمة ألم آمرك ان تغسلى قميص أمير المؤمنين فان الناس يعودونه فقالت والله ماله قميص غيره وأخشى ان أقلعه يبقى عريانا هذا وخراج الارض كلها يحمل اليه مع ما كان عليه من الترفه والمال قبل أن يلى الخلافة* قال رجاء بن حيوة فلما استخلف عمر قوّمت ثيابه وعمامته وقميصه وقباؤه وخفاه ورداؤه فاذاهنّ يعدلن اثنى عشر درهما كذا فى حياة الحيوان
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة عمر بن عبد العزيز
وفى خلافته سنة مائة مات أبو امامة سهل بن حنيف الانصارى ولد فى حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان من علماء التابعين ومات معه بشر بن سعيد العالم الربانى المجاب الدعوة أحد التابعين بالمدينة والامام خارجة بن زيد بن ثابت الانصارى المدنى أحد الفقهاء السبعة والامام أبو عثمان النهدى بالبصرة عن مائة وثلاثين سنة وقد أسلم زمن النبىّ صلى الله عليه وسلم وأنفذ اليه بزكاته وشهد اليرموك وكان يصلى حتى يغشى عليه وشهر بن حوشب الاشعرى بالشام وفيها مات محمد بن مروان بن الحكم الامير نائب الجزيرة وأذربيجان* وذكر ابن عساكر وغيره ان عمر بن عبد العزيز كان شدّد على أقاربه وانتزع كثيرا مما فى أيديهم فتبرّموا به وسموه* يروى أنه دعا بخادمه الذى سمه فقال له ويحك ما حملك على ان تسقينى السم قال ألف دينار أعطيتها قال هاتها فجاء بها فأمر بطرحها فى بيت المال وقال لخادمه اذهب حيث لا يراك أحد كذا فى حياة الحيوان*
(ذكر وفاته)
* وتوفى أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز بن مروان(2/317)
الاموى يوم الجمعة لخمس بقين وقال أبو عمرو بن الضرير لعشر بقين من رجب سنة احدى ومائة بدير سمعان من أعمال حمص* وقال الذهبى من أعمال قنسرين وقبره ظاهر يزار وهو ابن تسع وثلاثين سنة وستة أشهر وقال الذهبى عمره أربعون سنة وخلافته سنتان وخمسة أشهر كأبى بكر الصدّيق* وفى سيرة مغلطاى مدّة مكثه فى الخلافة ثلاثون شهرا وصلى عليه ابن عمه يزيد بن عبد الملك الذى تخلف بعده قال الذهبى فى تاريخه عن يوسف بن ماهك قال بينا نحن نسوّى التراب على قبر عمر بن عبد العزيز اذ سقط علينا كتاب رق من السماء فيه بسم الله الرحمن الرحيم أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار*
(ذكر خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس الاموى القرشى)
* أمير المؤمنين أبو خالد ولقبه القادر بصنع الله وأمّه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ومولده فى سنة احدى أو اثنتين وسبعين من الهجرة* صفته* كان أبيض جسيما مليح الوجه مدوّره أفقم لم يشب بويع بالخلافة بعد موت ابن عمه عمر بن عبد العزيز بعهد من أبيه ثم من أخيه سليمان معقود فى تولية عمر بن عبد العزير لانّ عمر لم يكن له عهد من عبد الملك الا أن سليمان أدخله فى العهد ثم ختم بأخيه يزيد هذا ثم هشام فلعل الله يرحم سليمان بذلك فأقام يزيد على هذا يسير على سيرة عمر بن عبد العزيز أربعين يوما وكان أوّلا صاحب لهو وطرب ثم انهمك فى اللذات* وفى خلافته دعا يزيد بن المهلب لنفسه ويسمى القحطانى فقتله وأهل بيته مسلمة بالعقر كذا فى سيرة مغلطاى*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافته
وفى خلافته توفى الضحاك بن مزاحم الخراسانى صاحب التفسير وكان علامة وكان مؤدّبا عنده ثلاثة آلاف صبى ومكتبه كالجامع فكان يدور عليهم على بهيمة* وفيها مات عالم المدينة وواعظها عطاء بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين ومات شيخ التفسير الامام الربانى مجاهد بن حبر المكى مولى بنى مخزوم عن نيف وثمانين سنة وكان يقول عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث مرّات أفقه عند كل آية وأسأله فيم نزلت وكيف معناها* وفى سنة ثلاث ومائة مات مصعب بن سعد ابن أبى وقاص الهذلى المحدّث وموسى بن طلحة بن عبيد الله التيمى بالكوفة وكانوا يسمونه المهدى لفضله وجلالته* وفى سنة أربع ومائة مات عالم حمص خالد بن سعدان الكلاعى وكان قد لقى سبعين من الصحابة وفيها مات الشعبى وهو عامر بن شراحيل الكوفى عالم أهل زمانه وكان حافظا علامة ذا فنون وأدرك خلقا من الصحابة وعاش بضعا وثمانين سنة وفيها أو بعدها مات الامام أبو قلابة عبد الله بن يزيد الحرمى البصرى الفقيه وكان طلب للقضاء فهرب وسكن داريا وفيها توفى عالم الكوفة وقاضيها أبو بردة بن أبى موسى الاشعرى أخذ العلم من أبيه ومن جماعة* وفى سنة خمس ومائة مات أبان بن عثمان بن عفان الاموى أحد فقهاء المدينة وفيها وقيل فى سنة سبع مات أبو رجاء العطاردى شيخ البصرة وهو عمران بن ملحان عن مائة وعشرين سنة وكان أحد العلماء أسلم فى أيام النبىّ صلى الله عليه وسلم وكانت خلافة يزيد هذا أربع سنين وشهرا ومات بسواد الاردن بمرض السل قاله الهيثم بن عمرو* وفى حياة الحيوان توفى باربل من أرض البلقاء عشقا ولا يعلم خليفة مات عشقا غيره وقيل بالجولان وحمل على أعناق الرجال الى دمشق ودفن بين باب الجابية وباب الصغير* وقال غير واحد انه مات لخمس بقين من شعبان سنة خمس ومائة بعد موت قينته جبانة بأيام يسيرة وكانت الغالبة على الولاية والعزل وله تسع وعشرون سنة وقيل ثمان وثلاثون سنة وشهر*
(ذكر خلافة هشام بن عبد الملك بن مروان الاموى أمير المؤمنين أبى الوليد)
* وأمه فاطمة بنت الوليد بن المغيرة المخزومية ومولده سنة نيف وسبعين* صفته* كان أبيض سمينا أحول يخضب بالسواد وكان حليما لين الجانب للرعية محببا اليهم وكان ذا رأى وحزم وقلة شرّ بويع بالخلافة بعد موت أخيه يزيد فى شعبان(2/318)
سنة خمس ومائة وعمره أربع وثلاثون سنة* وعن سحيل بن محمد قال ما رأيت أحدا من الخلفاء اكره اليه الدماء ولا أشدّ عليه من هشام* وفى سنة ست ومائة غزا المسلمون فرغانة وعملوا مع الترك مصاف فقتل فيه ابن خاقان وانهزموا ولله الحمد وغزا الجرّاح الحكمى وتوغل فى بلاد الخور فصالحوه وأعطوه الجزية وحج بالناس الخليفة هشام*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة هشام ابن عبد الملك
وفيها مات عالم المدينة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى الزاهد الفقيه وكان أسود يلبس الصوف ويأكل الخشن ويخدم نفسه* وفى سنة سبع وماثة عزل الخليفة الجرّاح بن عبد الله الحكمى عن أذربيجان وأرمينية واستناب أخاه مسلمة فافتتح قيصرية بالسيف فتحا ثانيا وفيها مات سليمان بن يسار المدنى الفقيه أحد الفقهاء السبعة وهو أخو عطاء والعلامة عكرمة البربرى مولى ابن عباس وكان من بحور العلم فى زمانه والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق المدنى أحد الاعلام* وفى سنة ثمان ومائة غزا أسد القسرى متولى خراسان فالتقى بالغور فكسرهم وفيها مات الامام يزيد بن عبد الله بن الشخير بالبصرة والامام محمد بن كعب القرظى المفسر الزاهد بالمدينة* وفى سنة عشر ومائة توفى عالم زمانه الحسن بن أبى الحسن البصرى وله تسعون سنة وكان قد سمع من عثمان والكبار ومات بعده بيوم شيخ البصرة محمد بن سيرين من كبار ائمة التابعين الورعين ومات شاعر العصر جرير والفرزدق فيها* وفى سنة احدى عشرة ومائة عزل مسلمة عن أذربيجان وأعيد الجرّاح الحكمى فافتتح المدينة البيضاء* وفى سنة ثلاث عشرة ومائة أعيد الى ولاية أذربيجان وأرمينية مسلمة بن عبد الملك وفيها توفى عالم الشأم مكحول مولى بنى هذيل ومات أحد ائمة البصرة معاوية بن قرّة المزنى* وفى سنة أربع عشرة ومائة عزل مسلمة عن أذربيجان ونواحيها ووليها مروان الحمار وفيها مات فقيه الحجاز وشيخ العصر أبو محمد عطاء بن أبى رباح المكى مولى قريش عن سنّ عالية وكان أسود قال أبو حنيفة ما رأيت أفضل منه وفيها مات الامام أبو جعفر محمد بن على بن الحسين العلوى الباقر الفقيه وله ثمان وخمسون سنة وعالم أهل اليمن وهب بن منبه الصنعانى وكان يشبه كعب الاحبار فى زمانه عاش ثمانين سنة وأخذ عن ابن عباس* وفى سنة خمس عشرة ومائة مات عالم الكوفة الحكم بن عيينة الفقيه أحد الائمة وقاضى مرو عبد الله بن بريدة الاسلمى وله مائة سنة* وفى سنة سبع عشرة ومائة مات شيخ أهل مكة عبد الله بن عبيد الله بن أبى مليكة التيمى وعالم البصرة أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسى الضرير المفسر وكان يقول ما سمعت شيئا فنسيته وما فى القرآن آية الا وقد سمعت فيها شيئا من النكت* وقال ابن سيرين قتادة أحفظ الناس ومات قاضى الجزيرة وفقيهها ميمون بن مهران البرقى وكان من العباد ومات عالم المدينة ومحدّثها أبو عبد الله نافع مولى ابن عمر* وفى سنة ثمان عشرة ومائة مات جدّ الخلفاء العباسيين على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بالبلقاء فى اعتقال الخليفة هشام وكان من أجمل قريش وأجلها وأهيبها وأعبدها* قال الاوزاعى كان يسجد لله تعالى كل يوم ألف سجدة وفيها مات الامام عمرو ابن شعيب من علماء التابعين ومقرى دمشق عبد الله بن عامر اليحصبى أحد السبعة وله سبع وتسعون سنة وقد ولى القضاء* وفى سنة عشرين ومائة مات فقيه الكوفة حماد بن أبى سليمان وهو شيخ أبى حنيفة ومات مقرى مكة عبد الله بن كثير الكنانى مولاهم الدارمى وله خمس وسبعون سنة ومات علقمة بن مرثد الكوفى المحدّث* وفى سنة احدى وعشرين ومائة مات البطل الكرّار مسلمة بن عبد الملك ابن مروان الامير الملقب بالجرادة الصفراء وله فتوحات كثيرة مشهورة منها مسيره فى مائة وعشرين ألفا فغزا القسطنطينية فى دولة أخيه سليمان* وفيها قتل زيد بن على بن الحسين بن على الهاشمى بالكوفة فى المصاف وكان قد خرج وبايعه خلق كثير فحاربه نائب العراق يوسف بن عمر وظفر به(2/319)
يوسف فقتله وصلبه عريانا وبقى جسده مصلوبا أربع سنين وقد مر فى الفصل الاوّل من الموطن الاوّل أن العنكبوت نسجت على عورة زيد بن على بن الحسين لما صلب عريانا* وفى سنة ثلاث وعشرين ومائة مات شيخ البصرة ثابت بن أسلم البنانى من سادة التابعين علما وعبادة وتألها وشيخ الكوفة سماك بن حرب الذهلى وكان يقول ذهب بصرى فدعوت الله عز وجل فردّه علىّ وقال أدركت ثمانين صحابيا* وفى رمضان سنة أربع وعشرين ومائة مات عالم زمانه الزهرى أبو بكر محمد بن مسلم المدنى وله أربع وسبعون سنة* وفى سنة خمس وعشرين ومائة مات والد السفاح والمنصور محمد بن على بن عبد الله بن عباس الهاشمى وله ستون سنة* وفى سيرة مغلطاى وفى أيامه قتل قاآن الترك ودخلت دعاة بنى العباس خراسان وقتل يوسف بن عمر الثقفى نائب العراق زيد بن على بن الحسين وصلبه وقد مر نبذة منه فى حديث الغار وبعد زمان أحرقه وذرّاه فلما ظهر بنو العباس تتبعوا قبور الامويين يجلدونهم ويحرّقونهم* وفى ربيع الاخر منها مات أمير المؤمنين أبو الوليد هشام بن عبد الملك بن مروان الاموى بالرصافة بدمشق وقيل فى شوّال سنة خمس وعشرين ومائة وله أربع وخمسون سنة وقيل ثلاث وخمسون وخلافته عشرون عاما أو تسع عشرة سنة وتسعة أو سبعة أشهر وأياما وفى سيرة مغلطاى واحدى عشرة ليلة بدل وأياما*
(ذكر خلافة الوليد الزنديق بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الاموى القرشى)
* أبو العباس الفاسق وهو السادس فخلع كما سيأتى أمّه بنت يوسف الثقفى أخت الحجاج ومولده بدمشق فى سنة تسعين ويقال سنة اثنتين وتسعين وكان من أجمل الناس وأحسنهم وأقرئهم وأجودهم شعرا وكان فاسقا متهتكا بويع بالخلافة بعد موت عمه هشام لان أباه حين احتضر لم يكن له أن يستخلفه لانه صبى حديث السنّ فعقد لاخيه هشام بالخلافة وعهد اليه بان يكون ولده الوليد هذا ولى العهد من بعده ولما مات هشام سلم الخلافة الى الوليد* ذكر الذهبى باسناده عن عمر قال ولد لاخى أمّ سلمة ولد سموه الوليد فقال صلى الله عليه وسلم سميتموه بأسماء فراعنتكم ليكونن فى هذه الامّة رجل يقال له الوليد لهو أشد لهذه الامّة من فرعون لقومه* وعن صالح بن سليمان قال أراد الوليد أن يحج وقال أشرب الخمر فوق ظهر الكعبة ونقل عنه من كفرياته وفسقه كثير من ذلك انه دخل يوما فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها فقالت له الدادة هذا دين المجوس فأنشد
من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور
وأخذ يوما المصحف ففتحه فأوّل ما طلع واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد فقال أتهدّدنى ثم أغلق المصحف ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه ثم أنشد
أتوعد كل جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
اذا لا قيت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقنى الوليد
وأذن للصبح مرّة وعنده جارية يشرب الخمر معها فقام فوطئها وحلف لا يصلى بالناس غيرها فخرجت وهى جنب سكرانة فلبست ثيابه وتنكرت وصلت بالناس ونكح أمّهات أولاد أبيه* قيل كان فى عقله خلل والا فما يجاهر بالذى يفعله احد وان كان زنديقا خوفا من عواقب الامور* ولما كثر فسقه خرج عليه الناس قاطبة تدينا واجتمع أهل دمشق على خلعه وقتله ففعلوا ونصبوا ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك الملقب بالناقص وسيجىء سبب تسميته بالناقص ورشحوه للخلافة فغلب على دمشق وكان الوليد الفاسق بناحية تدمر فى الصيد فجهز يزيد عسكرا فحاربوه الى ان أحاطوا به بحصن النجراء بأرض تدمر فلما غلب الوليد وحوصردنا من الباب فقال أما فيكم رجل شريف له حسب أكلمه فقال له(2/320)
يزيد بن عنبسة كلمنى فقال يا أخا السكاسك ألم أزد فى عطائكم ألم أرفع عنكم المؤمن ألم أعط فقراءكم فقال ما ننقم عليك فى أنفسنا لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمّهات أولاد أبيك واستخفافك بأمر الله قال حسبك فرجع الى الدار فجلس وأخذ المصحف وقال يوم كيوم عثمان ونشر المصحف يقرأ فيه ثم تسوّروا الحائط عليه فكان أوّل من نزل اليه يزيد بن عنبسة فأخذ بيد الوليد وهو يريد أن يعتقله ويؤامر فيه فنزل من الحائط عشرة فضربه عبد السلام اللخمى على رأسه وضربه آخر على وجهه وجرّوه بين خمسة ليخرجوه فصاحت امرأة حزوا رأسه فذبحوه وقطعوا رأسه وخاطوا الضربة التى فى وجهه وأتوا برأسه على رمح الى يزيد فسجد لله شكرا وتخلف يزيد المذكور بعده وكان قتله فى جمادى الاخرة يوم الخميس لليلتين بقيتا منها سنة ست وعشرين ومائة فكانت خلافته سنة وشهرين أو ثلاثة أشهر* وفى سيرة مغلطاى كان مقامه فى الخلافة سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما وخرج عليه يحيى بن يزيد بن على فقتله نسر بن سيار*
(ذكر خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك ابن مروان ابن الحكم الاموى)
* أبو خالد القرشى المعروف بالناقص ولقبه الشاكر لا نعم الله وفى سيرة مغلطاى وكانت المعتزلة تفضله على عمر بن عبد العزيز لكونه ينتحل مذهبهم* صفته* كان أسمر نحيفا حسن الوجه وأمّه شاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد* حكى انّ سليمان بن أبى شيخ بن قتيبة بن مسلم ظفر بما وراء النهر بابنتى فيروز بن يزدجرد فبعث بهما الى الحجاج فبعث الحجاج باحداهما وهى شاه فرند الى الوليد بن عبد الملك فاولدها يزيد هذا وفيروز والد شاه فرند ابن بنت شيرويه بن كسرى وأمّ شيرويه بنت خاقان ملك الترك وأمّ فيروز المذكور هى بنت قيصر عظيم الروم فلذلك كان يزيد هذا يفتخر ويقول
أنا ابن كسرى وأبى مروان ... وقيصر جدّى وجدّى خاقان
بويع بالخلافة بعد قتل ابن عمه الوليد الفاسق بن يزيد فى جمادى الاخرة سنة ست وعشرين ومائة* وفى سيرة مغلطاى فى مستهل رجب من السنة المذكورة وتم أمره فى الخلافة ولقب بالناقص لكونه نقص الجند من عطاياهم وقال الذهبى لكونه لما استخلف نقص أخباز الجند* روى انه قام خطيبا عند قتل الوليد فقال أما بعد فانى والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا ورغبة فى الملك وانى لظلوم لنفسى ان لم يرحمنى ربى ولكن خرجت غضبا لله ودينه وداعيا الى كتاب الله وسنة نبيه حين درست معالم الهدى وطفئ نور أهل التقوى وظهر الجبار المستحل للحرمة والراكب للبدعة فلما رأيت ذلك أشفقت ان غشيكم ظلم لا يقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم وقسوة من قلوبكم وأشفقت أن يدعو كثيرا من الناس الى ما هو عليه فيجيبه فاستخرت الله فى أمرى ودعوت من أجابنى من أهلى وأهل ولايتى وأراح الله البلاد والعباد ولاية من الله ولا قوّة الا بالله أيها الناس انّ لكم عندى ان وليت أموركم أن لا أضع لبنة على لبنة ولا حجرا على حجر ولا أنقل مالا من بلد حتى أسدّ ثغره وأقسم بين مصالحه ما يقوم به فان فضل فضل رددته الى البلد الذى يليه حتى تستقيم المعيشة وتكونوا فيه سواء فان اردتم بيعتى على الذى بذلت لكم فانا لكم وان ملت فلا بيعة لى عليكم وان رأيتم أحدا أقوى منى فانا أوّل من يبايع ويدخل فى طاعته واستغفر الله لى ولكم* ويزيد هذا أوّل من خرج بالسلاح فى العيد*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة يزيد ابن الوليد
ومات فى خلافته عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبى بكر الصدّيق التيمى فقيه المدينة ودراج أبو السمح واعظ مصر وهلك فى أوّلها خالد بن عبد الله القسرى الدمشقى الامير تحت العذاب وعمره ستون سنة ومات بمكة الامام عمرو بن دينار الجمحى مولاهم قال فيه ابن أبى نجيح ما رأيت أحدا قط أفقه منه وكان يزيد هذا ذا دين وورع الا انه لم يمتع وبغتته المنية ولم تطل خلافته ومات فى سابع الحجة سنة ست وعشرين ومائة* وفى سيرة مغلطاى توفى فى سلخ ذى القعدة وقيل فى ذى الحجة من السنة المذكورة وكانت خلافته ستة أشهر وقيل انه مات بعد عيد(2/321)
الاضحى* وقال الهيثم بن عدى عاش ستا وأربعين سنة* وقال المداينى عاش خمسا وثلاثين سنة* وقال الذهبى عاش ستا وثلاثين سنة ودفن بباب الجابية الصغير ويقال انه مات بالطاعون وصلى عليه أخوه ابراهيم*
(ذكر خلافة ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الاموى)
* أمير المؤمنين أبى اسحاق الدمشقى لقب بالمعتز بالله أمّه أمّ ولد لما احتضر يزيد الناقص عهد بالامر الى أخيه ابراهيم فبويع بالخلافة بعد موت أخيه يزيد الناقص ولم يتم أمره ولا اطاعه أحد فلما سمع بذلك مروان الحمار نائب أذربيجان وتلك النواحى وصاحب الفتوحات سار فى جيشه ودعا الى نفسه وقدم الشام فجهز ابراهيم لحربه أخويه بشرا ومسرورا فالتقى الجمعان فانتصر مروان وزحف فنزل على مرج عذراء فبرز لحربه سليمان بن هشام بن عبد الملك فانكسر سليمان فبرز ابراهيم الخليفة وعسكر بظاهر دمشق وأنفق الخزائن واختلف عليه جنده وهزم ابراهيم وتوجه الى الجزيرة فمات بها فى سنة سبع وعشرين ومائة فكانت خلافته شهرين وعشرة أيام* قال الذهبى فخذله جنده وخامروا فاختفى ابراهيم وفى سيرة مغلطاى فمكث ابراهيم فى الخلافة أربعة أشهر ثم خلع وقتله مروان بن محمد وكان فى أيامه عجائب من الهرج واللغط وسقوط الهيبة واختلاف الكلمة*
(ذكر خلافة مروان الحمار بن محمد بن مروان ابن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس أبى عبد الملك الاموى الدمشقى القرشى)
* أمير المؤمنين ولقبه القائم بحق الله أمّه أمّ ولد كردية وكان مولده بالجزيرة وكان أبوه متوليها من قبل ابن عمه عبد الملك بن مروان فى سنة اثنتين وسبعين* صفته* كان أبيض ربعة أشهل ضخما كث اللحية مهيبا بطلا شجاعا بويع بالخلافة بعد ابن عمه ابراهيم بحكم خلعه ومروان هذا آخر خلفاء بنى أمية* وفى دول الاسلام بايعه الناس واستوثق له الامر وظهر ابراهيم فدخل على مروان ونزل له عن الخلافة وقتل فى هذا الفتنة يوسف بن عمر الثقفى الذى كان نائب العراق ذبح فى السجن بدمشق وقتل عبد العزيز ابن الحجاج بن عبد الملك بن مروان والحكم وعثمان أخو الخليفة ابراهيم وكان مروان هذا يعرف بالحمار لشجاعته يقال فلان أصبر من حمار فى الحرب فانه كان لا يفتر عن محاربة الخارجين عليه وكان أشجع بنى أمية كان يصل السير بالسير ويصبر على مكاره الحروب وقيل سمى بالحمار لان العرب تسمى كل مائة سنة حمارا فلما قارب ملك بنى أمية مائة سنة لقبوا مروان هذا بالحمار وأخذوا ذلك من قوله تعالى وانظر الى حمارك الاية وكان مروان هذا يعرف بالجعدى أيضا نسبة الى مؤدّبه وأستاذه جعد ابن درهم وكان زنديقا وقيل بل قيل له ذلك ذما وعيبا ويقال كانت أمّه من بنى جعدة وقد ولى مروان المذكور ولايات جليلة قبل ان يلى الخلافة وافتتح فتوحات كثيرة وكان مشهورا بالفروسية والشجاعة ولم ينتج أمره مع بنى العباس وانهزم من عبد الله بن على أقبح هزيمة بعد خطوب وحروب توالت بينهم أشهرا بل سنين لما ظهر أبو مسلم عبد الرحمن الخراسانى بدعوة بنى العباس ووقع الحرب بينهم بخراسان وقتل ابراهيم بن عبد الملك بالزاب كذا فى سيرة مغلطاى*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة مروان الحمار
وفى سنة سبع وعشرين ومائة مات محدث المدينة عبد الله بن دينار مولى ابن عمر وزاهد البصرة مالك بن دينار واسمعيل بن عبد الرحمن السدى المفسر* وفى سنة ثمان وعشرين ومائة توفى عاصم بن أبى النجود الكوفى المقرى أحد السبعة* وفى سنة تسع وعشرين ومائة فى رمضان كان ظهور أبى مسلم الخراسانى صاحب الدعوة بمرو واستولى عليها وفيها مات محملين المنكدر التيمى المدنى* وفى سنة احدى وثلاثين ومائة استفحل أمر ابى مسلم الخراسانى واستولى على بلاد خراسان وهزم الجيوش وأقبلت سعادة بنى العباس وولت الدنيا عن بنى أمية* وفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة قامت الدولة العباسية وسار عبد الله بن على فالتقى هو ومران الحمار بأرض الموصل فى جمادى الاخرة فانكسر مروان وقال خليفة بن حياط وسار مروان لحرب بنى(2/322)
العباس لما بلغه ظهور دعوتهم وكان فى مائة ألف وخمسين ألفا حتى نزل الرأس دون الموصل فالتقى هو وعبد الله بن على العباسى عم المنصور فى جمادى الاخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة فانكسر مروان وقطع الجسور الى الجزيرة فأخذ بيوت الاموال والكنوز وقدم الشأم فاستولى عبد الله على الجزيرة وطلب الشام وفرّعنه مروان ونازل عبد الله دمشق فلما بلغ مروان أخذ دمشق وهو يومئذ بأرض فلسطين دخل الى مصر وعبر النيل وطلب الصعيد وكان قد عزم على الدخول الى الحبشة وبلاد السودان فوجه عبد الله بن على أخاه صالح بن على فى طلب مروان وعلى طلائعه عمرو بن اسمعيل فساق عمرو فى أثر مروان فلحقه بقرية بوصير من أرض مصر فبيته فقتله* قال ابن السندى قتل مروان وهو ابن اثنتين وستين سنة* وقال الذهبى عاش بضعا وخمسين سنة وكانت خلافته خمس سنين وشهرا وعشرة أيام كذا فى سيرة مغلطاى وكان قتله فى ذى الحجة من سنة اثنتين وثلاثين ومائة ببوصير من أرض مصر* ويروى ان مروان فى هربه مرّ على راهب فقال يا راهب هل تبلغ الدنيا من الانسان ان تجعله مملوكا قال نعم قال كيف قال بحبها قال فكيف السبيل الى العتق قال ببغضها والتخلى عنها قال هذا مما لا يكون قال سيكون فبادر بالهروب منها قبل ان تبادرك قال هل تعرفنى قال نعم مروان ملك العرب تقتل فى بلاد السودان وتدفن بلا أكفان ولولا ان الموت فى طلبك لدللتك على موضع هربك* وأخبار مروان طويلة ووقائعه كثيرة وهو آخر خلفاء بنى أمية بدمشق وبلاد الشرق وبموته انقرضت دولة بنى أمية الى يومنا هذا سوى عبد الرحمن الداخل من بنى امية الى الغرب وتخلف هو وجماعة من ذريته هناك* وفى حياة الحيوان وفى أيام مروان ظهر أبو مسلم الخراسانى صاحب الدعوة وظهر السفاح بالكوفة فبويع بالخلافة وجهز عمه عبد الله بن على بن عبد الله بن عباس لقتال مروان بن محمد فالتقى الجمعان برأس الموصل فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم مروان وقتل من عسكره وغرق ما لا يحصى فتبعه عبد الله الى أن وصل نهر أردن فلقى جماعة من بنى امية وكانوا نيفا وثمانين رجلا فقتلهم عن آخرهم ثم أمر عبد الله فسحبوا وبسط عليهم بساط وجلس هو وأصحابه فوقهم واستدعى بالطعام فأكلوا وهم يسمعون انينهم من تحتهم فقال عبد الله يوم كيوم الحسين ولا سواء ثم جهز السفاح عمه صالح بن على على طريق السماوة فلحق بأخيه عبد الله وقد نازل دمشق ففتحها عنوة وأباحها ثلاثة أيام ونقض عبد الله سور دمشق حجرا حجرا وهرب مروان الى بوصير قرية من قرى الصعيد عند الفيوم فقال ما اسم هذه القرية قيل بوصير قال الى الله المصير ثم دخل كنيسة فبلغه أن خادما نمّ عليه فقطع رأسه وسل لسانه وألقاه على الارض فجاءت هرّة فاكلته ثم بعد أيام هجم عليه الكنيسة التى كان نازلا بها عمرو بن اسماعيل فخرج مروان من الكنيسة وفى يده سيف وقد أحاط به الجنود وعكفت عليه وصفقت حوله الطيور فتمثل ببيت الحجاج بن الحكم السلمى يقول
متقلدين صفائحا هندية ... يتركن من ضربوا كأن لم يولد
ثم قاتل حتى قتل فقال حين قتل انقرضت دولتنا فأمر به عمرو فقطع رأسه وسل لسانه وألقى على الارض فجاءت تلك الهرّة بعينها فحطفته وأكلته فقال عمرو لو لم يكن فى الدنيا عجب الا هذا لكان كافيا لسان مروان فى فم هرة* ودخل عمرو بعد قتله الكنيسة وقعد على فرش مروان وكان مروان يتعشى فلما سمع الوجبة وثب عن عشائه فأكل عمرو ذلك الطعام ودعا بابنة لمروان وكانت أسنّ بناته فقالت يا عمرو انّ دهرا أنزل مروان عن فرشه وأقعدك عليها حتى تعشيت بعشائه واستصبحت بمصباحه ونادمت ابنته لقد أبلغ فى موعظتك وأجمل فى ايقاظك فاستحيى عمرو وصرفها*
ملخص أخبار بنى أمية
ملخص أخبار بنى أمية انّ جميع خلفائهم من معاوية الى مروان أربعة عشر خليفة أوّلهم معاوية(2/323)
وآخرهم مروان الجعدى المشهور بالحمار وكانت مدّة خلافتهم نيفا وثمانين سنة وهى ألف شهر فعلم ما قال الحسن بن على بن أبى طالب لما قيل له تركت الخلافة لمعاوية فقال ليلة القدر خير من ألف شهر ومدّة خلافتهم منذ خلص الامر لمعاوية الى أن قتل مروان احدى وتسعون سنة وتسعة أشهر وخمسة أيام منها فتنة ابن الزبير تسع سنين واثنان وعشرون يوما ثم تفرّقوا بعد قتل مروان فى البلاد وتمزقوا كل ممزق وهرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الى الاندلس فبايعه أهلها سنة تسع وثلاثين ومائة وأقام واليا ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر والله أعلم*
(ذكر دولة بنى العباس وخلافة السفاح)
* أبى العباس عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أمير المؤمنين القرشى العباسى وأمه رابطة بنت عبد الله الحارثية ومولده بالاجمة من ناحية البلقاء سنة ثمان ومائة ونشأ بها* صفته* كان أبيض طوالا أقنى جعد الشعر حسن اللحية بويع بالخلافة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل سنة اثنتين وثلاثين ومائة بعد موت أبيه محمد وكان أبوه بويع بالخلافة كذا فى سيرة مغلطاى ولم يتم أمره وكان السفاح هذا أصغر من أخيه أبى جعفر المنصور* روى عن سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج رجل من أهل بيتى عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يقال له السفاح فيكون اعطاؤه المال حثيا رواه العطاردى عن أبى معاوية عن الاعمش أخرجه أحمد فى مسنده* وعن عقبة بن عامر الجهنى قال رأيت رسول الله آخذا بيد العباس ثم قال يا عباس انه لا تكون نبوّة الا وكانت بعدها خلافة وسيلى من ولدك فى آخر الزمان سبعة عشر منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم الجموح ومنهم العاقب ومنهم الراهن من ولدك وويل لا متى منه كيف يهلكها ويذهب بأمرها* وعن ابن عباس قال أقبل العباس يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأبى بكر يا أبا بكر هذا العباس قد أقبل وعليه ثياب بيض وسيلبس ولده من بعده السواد ويتملك منهم اثنا عشر رجلا يعنى ملكا وينازع فيه أخرجهما ابن حبان والملا فى سيرته وكان قد قام بدعوة السفاح أبو مسلم الخراسانى وهو الذى مهد له البلاد وقطع جادرة بنى أمية قال الهيثم بن عدى وهشام بن الكلبى عاش السفاح ثلاثا وثلاثين سنة وقال الذهبى مات بالانبار وله اثنان وثلاثون سنة ومات يوم الاحد لاثنتى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وزاد غيرهما فقال بالجدرى فى ذى الحجة وقال خليفة توفى سنة خمس وثلاثين وهو ابن ثمان وعشرين وقال غيره وهو ابن سبع وعشرين سنة والاوّل أشهر وأصح* قال الذهبى ومدّة خلافته خمس سنين الا ثلاثة أشهر وفى سيرة مغلطاى كانت خلافته أربع سنين وثمانية أشهر ويوما وأوصى بالخلافة بعده لاخيه المنصور*
(ذكر خلافة أبى جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس)
* أمير المؤمنين القرشى الهاشمى ثانى خلفاء بنى العباس أمه سلامة البربرية ومولده فى سنة خمس وتسعين وهو أسنّ من أخيه السفاح كما تقدّم وكان المنصور فى صغره يلقب بمدرك التراب وبالطويل أيضا ثم لقب فى خلافته بأبى الدوانيق لبخله وكان بخيلا ولمحاسبته العمال والصناع على الدوانيق والحبات سمى بالدوانيقى وكان مع هذا ربما يعطى العطاء العظيم* صفته* كان أسمر نحيفا طويلا مهابا خفيف العارضين معرّق الوجه رحب للحية يخضب بالسواد كأنّ عينيه لسانان ناطقان تخالطه أبهة الملوك بزىّ النساك تقلبه القلوب وتتبعه العيون وكان أفحل بنى العباس هيبة وشجاعة وحزما ورأيا وجبرونا وجماعا للمال تاركا للهو والطرب كامل العقل جيد المشاركة فى العلم والادب فقيه النفس وكان يرجع الى عدل وديانة وله حظ من صلاة وتدين وكان فصيحا بليغا خليقا للامارة الا أنه قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه بويع بالخلافة بعد أخيه السفاح أتته البيعة وهو(2/324)
بمكة بعهد السفاح لانه كان حج فى تلك السنة ومكث فى الخلافة احدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا كذا فى سيرة مغلطاى وفيها حج أبو مسلم الخراسانى ووقع منه فى حق المنصور أمور نقمها عليه وقتله لما ولى الخلافة* والمنصور هذا هو الذى بنى بغداد وقتل أبا مسلم الخراسانى واسمه عبد الرحمن وضرب أبا حنيفة على أن يلى القضاء فامتنع ومات فى حبسه كذا فى سيرة مغلطاى وهو والد جميع الخلفاء العباسية* ولما بلغ نائب الشام عم السفاح وهو عبد الله بن على موت السفاح زعم انّ السفاح عهد اليه فى حياته بالخلافة بعده وأنه على ذلك حارب مروان حتى هزمه واستأصله وأقام بذلك شهودا ودعا الى نفسه فبايعه جيشه وعسكر بدابق فجهز المنصور لحربه صاحب الدولة أبا مسلم الخراسانى فكان المصاف بنصيبين وكانت وقعة هائلة فانكسر الشاميون وهرب عبد الله الى البصرة ونائبها أخوه فاختفى عنده وحاز أبو مسلم خزائنه وكانت عظيمة لانه استولى على ذخائر بنى أمية ونعمتهم فبعث المنصور يقول لابى مسلم احتفظ بمالى فعظم ذلك عليه وعزم على خلع المنصور وسار بجيشه يريد خراسان ليقيم بها خليفة علويا فراسله المنصور يستعطفه ويعتذر اليه فما زال بتحيله عليه حتى انخدع ووقع فى مخالبه وجاء الى خدمته فبالغ المنصور فى تعظيمه وكان اذا ركب الى الخدمة يركب فى ثلاثة آلاف فكلمه ابن عم الخليفة فى أن يختصر هذا الموكب فما زالوا به حتى كان يركب فى مائة فارس فدخل يوما الى المنصور وقد أعدّ له عشرين بالسلاح فى مجلس وقال اذا رأيتمونى أصفق بيدى فدونكم عدوّ الله فدخل والحجاب يمنعون امراءه من الدخول حتى بقى وحده فأخذ المنصور يعنفه ويتنمر له ويعدّد ذنوبه بعد أن قال له أرنى سيفك هذا فأخذه ونظر فيه ووضعه تحت طراحته فبقى أبو مسلم يعتذر ويقول ما قتلت من سمى مولانا أمير المؤمنين الا فى اقامة دولتكم ثم صفق المنصور بيده فخرج العشرون فذل أبو مسلم وقال يا أمير المؤمنين استبقنى لعدوّك فقال وهل أعدى لى منك فقطعوه فى الحال ولف فى بساط وألقوا رأسه الى أصحابه خارج القصر ونثروا لهم ذهبا عظيما فاشتغلوا بذلك يقال انّ أبا مسلم كان جبارا مهيبا سفاكا للدماء أباد أمما لا يحصون حتى قيل انه قتل ستمائة ألف محاربة وصبرا وعاش سبعا وثلاثين سنة*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة أبى جعفر المنصور
وفى سنة احدى وأربعين ومائة مات موسى بن عقبة صاحب المغازى بالمدينة وكان فقيها مفتيا من التابعين وفيها أمر المنصور بعمارة جدار الحجر فعملوه بالرخام وكان قبل ذلك مبنيا بحجارة بادية ليس عليها رخام كذا فى شفاء الغرام* وفى سنة اثنتين وأربعين ومائة مات شيخ الكوفة خالد بن مهران الحذاء الحافظ وعم الخليفة سليمان بن على العباسى أمير البصرة عن ستين سنة وفى سنة ثلاث وأربعين ومائة مات حميد الطويل وسليمان التيمى صاحب أنس بن مالك وكانا من الائمة الكبار وقد مكث سليمان التيمى أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما ويصلى الصبح بوضوء العشاء وفى سنة خمس وأربعين ومائة أمر المنصور ببناء مدينة بغداد*
سبب بناء بغداد
روى ان المنصور خرج يوما الى الصيد وسار الى أن وصل الى الدجلة وأرض بغداد ولم يكن حينئذ هناك بلد ولا عمارة سوى دير لراهب ومزرعة فطلب المنصور الراهب واستخبره عن اسمه وعن اسم الارض فقال اسمى باغ وهذه الارض اسمها داد وقرأت فى كتاب اقليد سيات والملاحم ان لا بدّ أن يعمر ههنا مدينة مذكورة الى آخر الزمان فاشتراها منه وبنى فيها مدينة وسميت بغداد باسم الراهب والارض فرسمها أولا بالرماد وأسس أسوارها وبنيت مستديرة وفى وسطها قصر السلطنة وفرغ بناؤها فى أربع سنين* وفى سنة ثمان وأربعين ومائة توفى سيد بنى هاشم جعفر بن محمد الصادق أبو عبد الله العلوى المدنى وله ثمان وستون سنة* وفى سنة تسع وأربعين ومائة مات بالبصرة كهمس بن الحسين من صغار التابعين* وفى سنة خمسين ومائة مات امام أهل الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكى صاحب عطاء وهو أوّل من صنف(2/325)
التصانيف فى العلم بمكة كما أن سعيد بن أبى عروبة أوّل من صنف بالبصرة فى هذا العصر*
ترجمة الامام الأعظم أبى حنيفة النعمان
وفى رجب سنة خمسين ومائة توفى فقيه العراق الامام الاعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زنوطا بن ماه الكوفى مولى بنى تيم الله بن ثعلبة أحد الائمة الاربعة المشهورين ولد بالكوفة سنة ثمانين ونشأ بها* قال أبو بكر ابن أحمد بن ثابت المؤرّخ يقال انّ أباه ثابتا هو الذى أهدى الفالوذج لعلى بن أبى طالب يوم النيروز وقيل كان يوم المهرجان وكان أبو حنيفة يقول أنا فى بركة دعوة صدرت من علىّ بن أبى طالب* وعن ابن حيرون عن الضمرى قال كان أبو حنيفة حسن السمت والوجه والثوب والفعل والمواساة لكل من طاف به* صفته* انه كان ربعة من الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير وكان من أحسن الناس منطقا روى انّ ولادته كانت فى عصر الصحابة وتفقه فى زمن التابعين* وفى الكشف شرح المنار انه ولد فى زمن الصحابة ولقى ستة منهم انس بن مالك وعبد الله بن الحارث بن جزء وعبد الله بن أنيس وعبد الله ابن أبى أوفى وواثلة بن الاسقع ومعقل بن يسار وفى جابر بن عبد الله اختلاف ونشأ فى زمن التابعين وفى تذنيب الرافعى يقال انه أدرك أنس بن مالك حين نزل الكوفة وسمع عطاء بن أبى رباح والزهرى وقتادة* وفى تاريخ اليافعى رأى انسا وروى عن عطاء بن أبى رباح وتفقه على حماد بن أبى سليمان وفى تاريخ اليافعى وكان قد أدرك أربعة من الصحابة أنس بن مالك بالبصرة وعبد الله بن أبى أوفى بالكوفة وسهل بن سعد الساعدى بالمدينة وأبا الطفيل عامر بن واثلة بمكة* وذكر الخطيب فى تاريخ بغداد انه رأى أنس بن مالك وأخذ الفقه من حماد بن أبى سليمان وسمع عطاء بن أبى رباح وأبا اسحاق السبيعى ومحارب بن دثار والهيثم بن حبيب الصوّاف ومحمد بن المنكدر ونافع مولى عبد الله بن عمر وهشام بن عروة وسماك بن حرب وفيه قال أبو حنيفة دخلت على أبى جعفر أمير المؤمنين فقال لى يا أبا حنيفة عمن أخذت العلم قال قلت عن حماد عن ابراهيم عن عمر بن الخطاب وعن على بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس قال بخ بخ استوثقت ما شئت يا أبا حنيفة الطيبين الطاهرين المباركين رضى الله عنهم أجمعين* وفيه أيضا قيل دخل أبو حنيفة يوما على المنصور وهو أبو جعفر وعنده عيسى بن موسى قال المنصور انّ هذا لعالم الدنيا اليوم فقال له يا نعمان عمن أخذت العلم قال عن أصحاب عمر عن عمرو عن أصحاب على عن على وعن أصحاب عبد الله عن عبد الله وما كان فى وقت ابن عباس على وجه الارض أعلم منه قال لقد استوثقت* روى عن أبى حنيفة ابن المبارك ووكيع بن الجرّاح والقاضى أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيبانى وغيرهم* وحكى عن الشافعىّ انه قال الناس كلهم عيال على ثلاثة على مقاتل بن سليمان فى التفسير وعلى زهير بن أبى سليمان فى الشعر وعلى أبى حنيفة فى الكلام* وفى رواية عن الشافعىّ انه قال الناس فى الفقه عيال أبى حنيفة* وروى حرملة بن ابى يحيى عن الشافعىّ انه قال الناس عيال هؤلاء الخمسة من أراد أن يتبحر فى الفقه فهو عيال أبى حنيفة ومن أراد أن يتبحر فى التفسير فهو عيال على مقاتل بن سليمان ومن أراد أن يتبحر فى النحو فهو عيال على الكسائى ومن أراد أن يتبحر فى الشعر فهو عيال على زهير بن أبى سلمى ومن أراد أن يتبحر فى المغازى فهو عيال على ابن اسحاق وكذا فى حياة الحيوان* وفى ربيع الابرار يقال انّ أربعة لم يسبقوا ولم يلحقوا أبو حنيفة فى الفقه والخليل فى نحوه والجاحظ فى تأليفه وأبو تمام فى شعره وفى تذنيب الرافعى عرض المنصور أخو السفاح عليه القضاء فامتنع عن الدخول فيه فألج عليه وضربه ثلاثين سوطا ثم اعتذر وأمر له بثلاثين ألف درهم فلم يقبلها* وفى تاريخ اليافعى نقله أبو جعفر المنصور من الكوفة الى بغداد وأراد أن يوليه القضاء فأبى فخلف عليه ليفعلن فحلف أبو حنيفة لا يفعلنّ فقال الربيع بن يونس الحاجب لابى حنيفة ألا ترى أن أمير المؤمنين يحلف فقال أبو حنيفة(2/326)
أمير المؤمنين أقدر منى على كفارة يمينه فأمر به الى السجن فلم يقبل القضاء فضربه مائة سوط وحبس الى ان مات فى السجن وقيل انّ المنصور سقاه سما فمات شهيدا رحمه الله* سمه لقيامه مع ابراهيم بن عبد الله ابن حسن كذا فى تاريخ اليافعى وكذا روى عن بشر بن الوليد* قال الخطيب أيضا فى بعض الروايات انّ المنصور لما بنى مدينته ونزل بها ونزل المهدى فى الجانب الشرقى وبنى مسجد الرصافة أرسل الى أبى حنيفة فجىء به فعرض عليه قضاء الرصافة فأبى فقال له ان لم تفعل ضربتك بالسياط فقال أو تفعل قال نعم فقعد فى القضاء يومين فلم يأته أحد فلما كان فى اليوم الثالث أتاه رجل صفار ومعه آخر فقال الصفار لى على هذا درهمان وأربعة دوانق ثمن ثور صفر قال أبو حنيفة اتق الله وانظر فيما يقول الصفار قال ليس علىّ شئ فقال أبو حنيفة للصفار ما تقول قال استحلفه لى فقال أبو حنيفة قل والذى لا اله الا هو فجعل يقول فلما رآه أبو حنيفة مقدما على اليمين قطع عليه وأخرج من صرّة فى كمه درهمين ثقيلين وقال للصفار هذا عوض مالك عليه فلما كان بعد اليومين اشتكى أبو حنيفة فمرض ستة أيام ثم مات رحمه الله* وكان يزيد بن هبيرة الفزارى أمير العراقين أراده للقضاء بالكوفة فى أيام مروان بن محمد آخر ملوك بنى أمية فأبى عليه أبو حنيفة فضربه مائة سوط وعشرة أسواط كل يوم عشرة أسواط وهو على الامتناع فلما رأى ذلك خلى سبيله* وفى ربيع الابرار أراد عمر بن هبيرة أبا حنيفة على القضاء فأبى فحلف ليضربنه بالسياط على رأسه وليسجننه وفعل حتى انتفخ وجه أبى حنيفة ورأسه من الضرب فقال الضرب فى الدنيا بالسياط أهون علىّ من مقامع الحديد فى الاخرة* وعن أبى عون ضرب أبو حنيفة مرّتين على القضاء ضربه ابن هبيرة وضربه أبو جعفر وأحضر بين يديه فدعا له بسويق وأكرهه على شربه فشربه ثم قال فقال الى اين فقال الى حيث بعثتنى فمضى به الى السجن فمات فيه وكان الامام أحمد بن حنبل اذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبى حنيفة وذلك بعد أن ضرب الامام أحمد على ترك القول بخلق القرآن* وفى الكشاف وكان أبو حنيفة يفتى سرّا بوجوب نصرة زيد بن على وحمل المال اليه والخروج على اللص المتغلب المتسمى بالامام والخليفة كالدوانيقى وأشباهه وقالت له امرأة أشرت الى ابنى بالخروج مع ابراهيم ومحمدا بنى عبد الله بن الحسن حتى قتل فقال ليتنى مكان ابنك وكان يقول فى المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادونى على عدّ آجرّه لما فعلت* وذكر الخطيب فى تاريخه أيضا انّ أبا حنيفة رأى فى المنام انه نبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث من سأل محمد ابن سيرين قال ابن سيرين صاحب هذه الرؤيا يثور علما لم يسبقه اليه أحد* وعن صالح بن محمد ابن يوسف بن رزين عن أبى حنيفة أنه قال رأيت فى المنام كأنى نبشت قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخرجت عظاما فاحتضنتها قال فهالتنى هذه الرؤيا فدخلت على ابن سيرين وقصصتها عليه فقال ان صدقت رؤياك لتحيين سنة محمد صلى الله عليه وسلم* وعن يوسف بن الصباغ قال قال لى رجل رأيت كأن أبا حنيفة نبش قبر النبىّ عليه السلام فسألت عن ذلك ابن سيرين ولم أخبره من الرجل الذى رأيته قال هذا رجل يحيى سنة محمد صلى الله عليه وسلم* قال الامام الشافعى قيل لما لك هل رأيت أبا حنيفة قال نعم رأيت رجلا لو كلمك فى هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته* وفى ربيع الابرار كان الثورى اذا سئل عن مسألة دقيقة قال لا يحسن أن يتكلم فيها الا رجل قد حسدناه يعنى أبا حنيفة* قال على بن عاصم لو وزن عقل أبى حنيفة بعقل أهل الارض لرجح به قال يزيد بن هارون ما رأيت أورع ولا أعقل من أبى حنيفة مكث عشرين سنة يصلى الصبح بوضوء العشاء* وقال جعفر بن عبد الرحمن كان أبو حنيفة يحيى الليل بقراءة القرآن فى ركعة ثلاثين سنة* وفى ربيع الابرار ختم القرآن فى ركعة واحدة أربعة من الائمة عثمان بن عفان وتميم الدارى وسعيد بن(2/327)
جبير وأبو حنيفة* وروى عن أسد بن عمرو أنه قال صلى أبو حنيفة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة وكان يسمع بكاؤه فى الليل حتى ترحمه جيرانه* وفى حياة الحيوان كان أبو حنيفة اماما فى القياس وصلى صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة وكان عامّة ليله يقرأ القرآن فى ركعة واحدة وكان يبكى فى الليل حتى ترحمه جيرانه وختم القرآن فى الموضع الذى توفى فيه سبعة آلاف مرة ولم يفطر منذ ثلاثين سنة* وقال على بن يزيد الصدائى رأيت أبا حنيفة ختم القرآن فى شهر رمضان ستين ختمة بالليل لو ستين ختمة بالنهار* وروى عن أبى حنيفة أنه قال دخلت البصرة فظننت أن لا أسأل عن شئ الا أجبت عنه فسألونى عن أشياء لم يكن عندى فيها جواب فجعلت على نفسى أن لا أفارق حمادا فصحبته عشرين سنة قال وما صليت صلاة الا واستغفرت لحماد مع والدىّ ولكل من قرأت عليه وكان أبو حنيفة يقول ما جاءنا أو يقول أتانا عن الله ورسوله قبلناه على الرأس والعين وما جاءنا أو أتانا عن الصحابة اخترنا أحسنه ولم نخرج عن أقاويلهم وما جاءنا أو أتانا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال وأما غير ذلك فلا نسمع التشنيع كذا فى ربيع الابرار غير قوله وأما غير ذلك فلا نسمع التشنيع وفى نوابغ الكلم وتد الله الارض بالاعلام المنيفة* كما وتد الحنيفية* بعلوم أبى حنيفة* الائمة الجلة الحنفية* أزمة الملة الحنيفية* الناس حنفى وأحنفى* والدين والعلم حنيفى وحنفى كذا فى ربيع الابرار وحتيف هو ابن السجف بن سعد التابعى وكان شجاعا باسلا والحنتف الجراد المنتف المنقى للطبخ والحسّوف؟؟؟ الذى ينتف لحيته من هيجان المرار به والا حنف بن قيس من كبار التابعين والسيوف الحنيفية تنسب اليه لانه أوّل من أمر باتخاذها والقياس أحنفى كذا فى القاموس وكان أبو حنيفة يقول قولنا هذا رأى وهو أحسن ما قدمنا عليه فمن جاءنا بأحسن منه فهو أولى بالصواب* وفى الملل والنحل للشهرستانى وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى* ومن أصحابه محمد بن الحسن وأبو يوسف يعقوب وزفر بن هذيل والحسن بن زياد اللؤلؤى وأبو مطيع البلخى وبشر المريسى* ومن تورّعه عما دخله الشبهة ما رواه حفص بن عبد الرحمن وكان شريك أبى حنيفة فى التجارة وكان أبو حنيفة يتجر عليه ويبعث اليه بمتاع ويقول له فى ثوب كذا وكذا عيب فبين اذا بعته فباع حفص المتاع ولم يبين ونسى فلما علم أبو حنيفة تصدّق بثمن الثياب كلها* ومن ورعه انّ شاة سرقت فى عهده فلم يأكل لحم الشاة مدّة تعيش الشاة فيها وكان يتمثل بهذين البيتين دائما
عطاء ذى العرش خير من عطائكم ... وفضله واسع يرجى وينتظر
أنتم يكدّر ما تعطون منكم ... والله يعطى فلا منّ ولا كدر
وروى انّ امرأة دخلت فى مسجد أبى حنيفة وهو جالس بين أصحابه فأخرجت تفاحة أحد جانبيها أحمر والاخر أصفر فوضعتها بين يديه ولم تتكلم فأخذها أبو حنيفة وشقها نصفين فقامت المرأة وخرجت ولم يعرف أصحابه مرادها فسألوه عن ذلك فقال انها ترى تارة أحمر مثل احد جانبى التفاحة وتارة أصفر مثل الجانب الاخر سألت أيكون حيضا أو طهرا فشققت التفاحة وأريتها باطنها وأردت بذلك أن لا تطهرين حتى ترين البياض مثل باطنها فقامت وخرجت* وفى المبسوط أن اعرابيا دخل على أبى حنيفة وهو جالس بين أصحابه فقال له أفى الصلاة واو أو واوان فقال واوان فقال بارك الله فيك كما بارك فى لا ولا فلم يعلم أحد سؤال السائل ولا جواب أبى حنيفة فسألوه عن ذلك فقال سألنى فى التشهد واو أو واوان فقلت واوان فدعا لى بالبركة كما بارك فى الشجرة الزيتونة لا شرقية ولا غربية وقال أحمد بن كامل وعبد الباقى بن قانع توفى أبو حنيفة ببغداد سنة خمسين ومائة وكان ابن سبعين* وقال النووى فى تهذيب الاسماء واللغات توفى فى سنة احدى وقيل ثلاث وخمسين ومائة كذا فى حياة(2/328)
الحيوان وهى السنة التى ولد فيها الامام الشافعى رحمه الله وقيل مات فى يوم ولادته لكن قال البيهقى لم يثبت اليوم* وفى ربيع الابرار نعى الى شعبة فقال بعد الاسترجاع قد طفئ من أهل الكوفة أضوأ نور أهل العلم أما انهم لا يرون مثله أبدا ويقال انّ مسعرا لما بلغه وفاة أبى حنيفة قال مات أفقه المسلمين وصلى عليه قاضى القضاة الحسن بن عمارة فى جمع عظيم* وعن عبد الحميد بن عبد الرحمن قال رأيت فى المنام كأنّ نجما سقط من السماء فقيل أبو حنيفة ثم سقط آخر فقيل مسعر ثم سقط آخر فقيل سفيان فمات أبو حنيفة قبل مسعر ثم مسعر قبل سفيان ثم سفيان* وعن خلف بن سالم عن صدقة المقابرى وكان صدقة مجاب الدعوة يقال لما دفن أبو حنيفة فى مقابر الخيزران سمعت صوتا من الليل ثلاث ليال يقول
ذهب الفقه فلا فقه لكم ... واتقوا الله وكونوا حنفا
مات نعمان فمن هذا الذى ... محى الليل اذا ما سجفا
وقال الذهبى قبره مشهد كبير وعليه قبة عالية ببغداد رحمه الله رحمة واسعة وفى سنة احدى وخمسين قدم المهدى ولد الخليفة من الرىّ فرأى بغداد فأعجبته وبنى بازائها الرصافة فى الجانب الشرقى وجعل له أبوه حاشية وحشما وخيلا فى زى الخلفاء وبايعه الناس بولاية العهد وأن يكون له الامر بعد أبيه وأن يكون العهد بعد المهدى لعيسى الذى كان ولى عهد المسلمين* وفيها مات شيخ البصرة وعالمها وزاهدها عبد الله بن عون* قال ابن مهدى ما كان بالعراق أعلم بالسنة منه* وقال هشام بن حسان تلميذ الحسن البصرى لم تر عيناى مثل ابن عون* وفيها مات محمد بن اسحاق بن يسار المدنى صاحب السير الذى يقول فيه شعبة كان ابن اسحاق أمير المؤمنين فى الحديث* وفى سنة أربع وخمسين ومائة توفى مقرى البصرة أبو عمرو بن العلاء المازنى أحد السبعة عن أربع وثمانين سنة والحكم بن أبان العدنى صاحب طاوس وكان اذا هدأت العيون وقف فى البحر الى ركبتيه يذكر الله تعالى الى الفجر ومسعر بن كدام الهلالى عالم الكوفة وحافظها قال شعبة كنا نسميه المصحف لاتقانه وفى سنة ست وخمسين ومائة مات شيخ البصرة وعالمها شعبة بن أبى عروبة العدوى صاحب التصانيف ومقرئ الكوفة حمزة بن حبيب الزيات وكان رأسا فى القرآن والفرائض والورع* وفى سنة سبع وخمسين ومائة مات الحسين بن واقد قاضى مرو وعالمها وأبو عمر والاوزاعى فقيه الشأم وكان رأسا فى العلم والعمل أجاب فى سبعين ألف مسئلة* قال أبو مسهر كان الاوزاعى يحيى الليل صلاة وقرآنا وبكاء* وفى سنة ثمان وخمسين ومائة صادر المنصور خالد بن برمك وأخذ منه ثلاثة آلاف ألف ثم رضى عنه واستنابه على الموصل ومات زفر بن الهذيل الفقيه صاحب أبى حنيفة مات كهلا وكان من الاذكياء أولى العبادة والعلم*
وفاة المنصور
وعن الهيثم بن عمران قال انّ المنصور مات بالبطن بمكة* وقال خليفة والهيثم وغيرهما عاش أربعا وستين سنة* قال الصولى دفن ما بين الحجون وبئر ميمون فى ذى الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة* وفى حياة الحيوان مات ببئر ميمون على اميال من مكة وهو محرم بالحج وكذا فى سيرة مغلطاى وهو ابن ثلاث وستين سنة وكانت خلافته اثنتين وعشرين سنة وثلاثة أشهر* قال الذهبى وسار المنصور للحج فأدركه الموت وهو محرم بظاهر مكة وله ثلاث وستون سنة وتخلف بعده ابنه المهدى*
(ذكر خلافة المهدى أبى عبد الله محمد بن أبى جعفر المنصور محمد بن على بن عبد الله الهاشمى العباسى)
* الثالث من خلفاء بنى العباس وأمّه أمّ موسى بنت منصور الحميرى ومولده بأقدح فى سنة سبع وعشرين ومائة* وقال الخطى ولد سنة ست وعشرين ومائة فى جمادى الاخرة بويع بالخلافة بعد موت أبيه المنصور بعهد منه اليه وكان المهدى جوادا ممدحا(2/329)
مليح الشكل محببا الى الرعية شجاعا خصاما للزنادقة يتتبعهم ويقتلهم فى كل بلد وبنى جامع الرصافة وكسا الكعبة القباطى والخز والديباج وطلى جدرانها بالمسك والعنبر من أسفلها الى أعلاها ولما شب ولاه أبوه على طبرستان وما يليها وعلى الرىّ وتأدّب المهدى وجالس العلماء وتميز وقيل انّ أباه المنصور غرم أموالا عظيمة وتحيل حتى استنزل ولى العهد أخاه عيسى بن موسى عن المنصب وولاه للمهدى هذا* قال الذهبى بايعه الناس بالعهد الذى عهد اليه أبوه المنصور فلما كان بعد أشهر الحّ على ولىّ عهده من بعده عيسى بن موسى بكل ممكن ليخلع نفسه عن العهد لموسى الهادى بن المهدى فأجاب خوفا على نفسه وأعطاه المهدى عشرة آلاف ألف واقطاعات جليلة وأبرم ذلك فى أوّل سنة ستين ومائة*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المهدى
وفى سنة تسع وخمسين ومائة مات مالك بن معول البجلى أحد الائمة قال له رجل اتق الله فألصق خده بالارض فمات* وفى سنة ستين ومائة افتتح المسلمون مدينة كبيرة بالهند وكانت دولة المهدى مباركة محمودة ففرّق فى هذا العام أموالا لا تحصى وأمر بانشاء رواقات المسجد الحرام وحمل اليها الا عمدة الرخام فى البحر وفرق فى أهل الحرمين ما لم يسمع بمثله أبدا فقيل بلغ ثلاثين ألف ألف درهم وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألفا وحج بالناس وحمل معه الثلج الى مكة وهذا أيضا لم يسمع بمثله وفى جمادى الاخرة من العام مات محدّث الاسلام شعبة بن الحجاج العتكى الواسطى شيخ أهل البصرة وله ثمانون سنة* قال الشافعى لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق* وقال آخر رأيت شعبة يصلى حتى تورّم قدماه رحمه الله*
ظهور عطاء المقنع الساحر
وفى سنة احدى وستين ومائة كان ظهور عطاء المقنع الساحر الذى ادّعى النبوّة* قال الذهبى ادّعى الربوبية بناحية مرو واستغوى الخلق وأرى الناس قمرا آخر فى السماء يراه المسافرون من مسيرة شهرين وكان يرى الناس أعاجيب كثيرة من أنواع السحر وكان يقول بالتناسخ وانّ الحق تحوّل فى صورة آدم فسجدت له الملائكة ثم تحوّل الى صورة نوح ثم تحوّل الى صورة صاحب الدولة أبى مسلم الخراسانى ثم الى صورته تعالى الله عن ذلك فعبده خلق وقاتلوا دونه مع قبح صورته ولكنته وعوره ودمامته وكان قد اتخذ على وجهه وجها من ذهب يستتر به فقيل له المقنع فأرسل اليه المهدى جيشا عليهم شعبة الخرشى فالحّ عليه بالقتال وقتل خلق كثير وقتلوه وقيل انه لما أحس بالغلبة وعلم بأخذه قتل نفسه فافتتح المسلمون حصنه فقطعوا رأسه وبعثوا به فقدم الرأس على المهدى وهو بحلب* وفى شعبان سنة احدى وستين ومائة توفى سيد أهل زمانه فى العلم والعمل سفيان بن شعبة الثورى وله ست وستون سنة بالبصرة* قال ابن المبارك كتبت الحديث عن ألف ومائة ما فيهم أفضل من الثورى* وقال ابن معين وغيره الثورى أمير المؤمنين فى الحديث* وقال الثورى ما حفظت شيئا فنسيته وفى سنة احدى وستين ومائة جدّد المهدى عمارة الحجر وجداره ورخمها برخام حسن كذا فى شفاء الغرام نقلا عن الازرقى* وفى سنة اثنتين وستين أو احدى وستين ومائة مات سيد الزهاد ابراهيم بن أدهم البلخى بالشأم وكان أبوه أميرا ومات بعده أو قبله زاهد الكوفة داود بن نصير الطائى وكان اماما فى العلم والعمل* وفى سنة ثلاث وستين ومائة مات عالم خراسان ابراهيم بن طهمان وبكير بن معروف المفسر قاضى نيسابور* وفى سنة ثمان وستين ومائة مات أمير المدينة أبو محمد الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب والد السيدة نفيسة وله خمس وثمانون سنة ومات الامير ولى عهد السفاح عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم وقد ذكرنا انّ المهدى خلعه وكان من كبار الابطال* وفى سنة تسع وستين ومائة لثمان بقين من المحرّم منها توفى أمير المؤمنين المهدى بالله أبو عبد الله محمد بن المنصور ساق خلف صيد فدخل خربة فدق ظهره باب الحربة فى قوّة سوق الفرس فتلف لوقته وقيل مات صريعا عن دابته فى الصيد كذا فى سيرة مغلطاى(2/330)
وقيل بل سمته جاريته وقيل كان الطعام سمته لضرّتها فدخل المهدى فمدّيده فما جسرت أن تقول هو مسموم* وفى سيرة مغلطاى أرادت بعض حظاياه أن تنفرد به دون صاحبتها فجعلت لها سما فى حلوى فأكل هو منه من حيث لا يشعر فمات وكان قبل ذلك بعشر ليال رأى رحلا يهدم قصره فى المنام وعاش ثلاثا وأربعين سنة وملك احدى عشرة سنة وشهرا ونصف شهر* قال الذهبى خلافته عشر سنين وشهرا وتولى بعده ولده موسى*
(ذكر خلافة موسى الهادى بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى القرشى العباسى الرابع من خلفاء بنى العباس أبى محمد أمير المؤمنين)
* مولده بالرى سنة سبع وأربعين ومائة وأمّه أم ولد تسمى الخيزران وهى أم الرشيد أيضا* صفته* كان طويلا جسيما أبيض لشفته العليا تقلص وكان أبوه قد وكل به خادما فى الصبا كلما رآه مفتوح الفم يقول له يا موسى أطبق فيفيق على نفسه ويضم شفتيه بويع بالخلافة بعد موت أبيه وكان بجرجان فأخذ له البيعة أخوه هارون الرشيد* قال الذهبى كانت الخلافة معقودة له وكان ولى عهد أبيه فلما مات المهدى تسلمها موسى الهادى وكان فصيحا أديبا قادرا على الكلام تعلوه هيبة وله سطوة وشهامة على انه كان يتناول المسكر ويحب اللهو والطرب وكان ذا ظلم وجبروت وكان يركب حمارا فارها ولا يقيم أبهة الخلافة ولم تطل مدّته فى الخلافة ومات لقرحة أصابته فى جوفه وقيل سمته أمّه الخيزران لما أجمع على قتل أخيه الرشيد وقيل انها سمته بسبب آخر وهو انها كانت حاكمة مستبدة بالامور الكبار وكانت المواكب تغدو الى بابها فزجرهم الهادى عن ذلك وكلمها بكلام فج وقال ان وقف ببابك أمير لاضربن عنقه أمالك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو سبحة فقامت من عنده وهى لا تعقل شيئا من الغضب فقيل انه بعث اليها بطعام مسموم فأطعمت منه كلبا فانتثر لحمه فعمدت الى قتله لما وعك بان غمرت وجهه ببساط جلسوا عليه وعلى جوانبه وكان قصده هلاك الرشيد ليؤول العهد لولد له صغير عمره عشر سنين وقيل انه مات بعيسى باد فى نصف شهر ربيع الاخر سنة سبعين ومائة* وفى سيرة مغلطاى توفى ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الاوّل سنة سبعين ومائة وفى هذه الليلة ولد المأمون وكانت خلافته سنة واحدة وثلاثة أشهر وعاش ستا وعشرين سنة وخلف سبع بنين وتولى الخلافة بعده أخوه هرون الرشيد*
(ذكر خلافة هرون الرشيد بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى العباسى الخامس من خلفاء بنى العباس)
* أمير المؤمنين أبى جعفر أمّه الخيزران أمّ أخيه الهادى ومولده بالرّى لما كان أبوه أميرا عليها وعلى خراسان فى سنة ثمان وأربعين ومائة استخلف بعهد من أبيه بعد موت أخيه الهادى فى سنة سبعين ومائة وكان أبوهما عقد لهما بولاية العهد معا* صفته* كان الرشيد أبيض جميلا مليح الشكل طويلا عبل الجسم قد وخطه الشيب قبل موته وكان فصيحا له نظر ومعرفة جيدة بالعلوم بلغنا انه منذ استخلف كان يصلى كل يوم وليلة مائة ركعة لم يتركها الا لعلة قاله نفطويه فى تاريخه ويتصدّق من خالص ماله بألف درهم وكان يقتفى آثار جدّه المنصور الا فى الحرص وكان يجب العلم وأهله ويعظم الاسلام ويبكى على نفسه واسرافه وذنوبه سيما اذا وعظ وكان يأتى بنفسه الى الفضيل بن عياض ويسمع وعظه وكان أبوه أغزاه أرض الروم وهو ابن خمس عشرة سنة وهو أجل الخلفاء وأعظم ملوك بنى العباس وكان كثير الحج قيل انه كان يحج سنة ويغزو سنة وفيه يقول بعض شعرائه
فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور
وفى سيرة مغلطاى وقد كان حج تسع حجج وغزا ثمان غزوات* قال الجاحظ اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره وزراؤه البرامكة وقاضيه أبو يوسف وشاعره مروان بن أبى حفصة ونديمه العباس بن محمد بن(2/331)
عمة أبيه وحاجبه الفضل بن الربيع ومغنيه ابراهيم الموصلى وزوجته زبيدة* وقال غيره فتحت فى أيام الرشيد فتوحات كثيرة وهو الذى فتح عمورية وهى مدينة الكفار أعظم من القسطنطينية وأحرقها وسبى أهلها*
ترجمة الامام مالك وذكر من مات من المشاهير فى خلافة هارون الرشيد
وفى سنة ست وسبعين ومائة توفى حماد بن الامام الاعظم أبى حنيفة كان على مذهب أبيه وكان من أهل الصلاح وكان ابنه اسمعيل قاضى البصرة فعزل عنها كذا فى تاريخ اليافعى* وفى سنة تسع وسبعين ومائة فى ربيع الاوّل مات امام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبى عامر الاصبحى نسبة الى بطن من حمير يقال له ذو أصبح* وأنس بن مالك هذا غير أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد الانصارى الخزرجى وأنس أبو الامام مالك تابعى* وفى التذنيب ولد سنة ثلاث أو احدى أو أربع أو خمس أو سبع وتسعين وتوفى سنة تسع وسبعين ومائة وله ست وثمانون سنة سمع نافعا والزهرى وغير واحد من التابعين وصنف الموطأ* وعن الشافعىّ أنه قال ما بعد كتاب الله كتاب هو أكثر صوابا من موطأ مالك* قال العلماء قول الشافعىّ هذا كان قبل تصنيف البخارى ومسلم كتابيهما والا كتاباهما أصح الكتب المصنفة وأكثرها صوابا* وقال الشافعىّ اذا وجدت لمالك حديثا فشدّيدك به فانه حجة وحمل حديث أبى هريرة انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يضرب الناس أكباد الابل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة على مالك* وقال الشافعىّ اذا ذكر العلماء فمالك النجم وكان مالك طوالا جسيما عظيم الهامة أبيض الرأس واللحية قيل تبلغ لحيته صدره وقيل كان أشقر أزرق العينين يلبس الثياب العدنية الرفيعة* وقال أشهب اذا اعتم جعل منها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه وقيل كان يكره حلق الشارب ويعيبه ويراه من المثلة ولا يغير شيبه كذا فى تاريخ اليافعى* وفى رمضان هذه السنة مات عالم البصرة الحافظ أبو اسمعيل حماد بن زيد الازدى عن ثمانين سنة* وفى سنة ثمانين ومائة كانت الزلزلة العظمى التى سقط منها رأس منارة الاسكندرية وفيها مات فقيه مكة مسلم بن خالد الزنجى شيخ الشافعىّ عن ثمانين سنة وامام النحو سيبويه واسمه عمرو بن عثمان البصرى وله دون أربعين سنة* وفى سنة احدى وثمانين ومائة مات عالم خراسان عبد الله بن المبارك المروزى الحافظ الزاهد الغازى المجاهد أحد الاعلام وله ثلاث وستون سنة قال ابن مهدى كان أعلم من الثورى* وفى الصفوة عبد الله بن المبارك أبا عبد الرحمن كان أبوه عبدا تركيا لرجل من التجار من بنى حنظلة وكانت أمّه تركية خوارزمية ولد سنة ثمان عشرة ومائة وقيل تسع عشرة* وفى سنة اثنتين وثمانين ومائة وثب بطارقة الروم على طاغيتهم الاكبر قسطنطين فأكحلوه وملكوا عليهم أمّه قيل اسمها هيلانه* وفى ربيع الاخر من هذه السنة توفى أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم الكوفى قاضى القضاة وهو أوّل من دعى بذلك تفقه على الامام أبى حنيفة وكان ورده فى اليوم مائتى ركعة* وفى سنة ثلاث وثمانين ومائة مات شيخ بغداد وعالمها هشيم بن بشير الحافظ وكان عنده عشرون ألف حديث ومكث يصلى الصبح بوضوء العشاء عشرين سنة وفيها مات موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوى من سادة أهل البيت* وفى سنة خمس وثمانين ومائة مات الامير عبد الصمد بن على العباسى عم المنصور وقد عمل نيابة دمشق وعاش ثمانين سنة وفيها قتل الرشيد وزيره جعفر بن يحيى البرمكى* وفى سيرة مغلطاى قتل البرامكة سنة سبع وثمانين ومائة ونهب ديارهم* وفى سنة سبع وثمانين ومائة خلعت الروم قسطنطين من الملك وملكوا يقفور الذى كان ناظر ديوانهم فقيل انه من آل جفنة الغسانى وفيها مات شيخ الحجاز زاهد العصر أبو على الفضيل بن عياض التميمى المروزى بمكة وقد قارب الثمانين* وفى سنة تسع وثمانين ومائة سار الرشيد حتى نزل الرّى وكان فى صحبته امامان عظيمان أبو الحسن على بن حمزة الكسائى النحوى أحد(2/332)
القراء السبعة وقاضى القضاة محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة فماتا بالرّى* وفى تاريخ اليافعى فى سنة تسع وثمانين ومائة توفى قاضى القضاة فقيه العصر محمد بن الحسن الكوفى منشأ الشيبانى مولى قدم أبوه من الشام الى العراق فأقام بواسط فولد محمد ونشأ بالكوفة* قال الشافعىّ لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلت لفصاحته وقال أيضا ما رأيت رجلا يسأل عن مسئلة فيها تطيرا لا تبينت فى وجهه الكراهة الا محمد بن الحسن وقال أيضا ما رأيت سمينا أفقه من محمد بن الحسن وقال غيره لقى جماعة من أعلام الائمة وحضر مجلس أبى حنيفة سنين ثم تفقه على أبى يوسف صاحب أبى حنيفة وصنف الكتب الكثيرة النادرة منها الجامع الكبير والجامع الصغير* وفى سنة احدى وتسعين ومائة مات فى السجن يحيى بن خالد البرمكى وابنه الفضل* وفى سنة ثلاث وتسعين ومائة سار هارون الرشيد الى خراسان ليكشف أحوالها فقدم طوس وهو عليل ومات بها وله خمس وأربعون سنة كذا قاله الذهبى* وقال الجمالى يوسف بن المقرى لما كانت سنة ثلاث وتسعين ومائة خرج الرشيد الى الغزو فأدركته المنية بطوس من أعمال خراسان ليلة السبت ثالث جمادى الاخرة وقيل للنصف من جمادى الاولى وصلى عليه ابنه صالح ودفن بطوس وأخطأ عليه طبيبه المسمى جبريل فى دبلة كانت به وله خمس وأربعون سنة وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وخمسة عشر أو ستة عشر يوما*
(ذكر خلافة الامين محمد بن الرشيد هارون بن المهدى بن محمد بن المنصور الهاشمى القرشى العباسى البغدادى)
* أمير المؤمنين أبى عبد الله وقيل أبى موسى وهو السادس فخلع وقتل كما سيأتى وأمّه زبيدة بنت جعفر المنصور الهاشمية العباسية وهو ثالث خليفة تخلف أبواه هاشميان فالاوّل على بن أبى طالب والثانى ابنه الحسن والثالث محمد هذا* صفته* كان الامين من أحسن الشباب صورة وكان أبيض طوالا جميلا بديع الحسن ذا قوّة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة وفصاحة وأدب وفضيلة وبلاغة وكان ولى عهد أبيه الرشيد فولى الخلافة بعد موت أبيه* وفى دول الاسلام تسلم الخلافة لانه كان ولى عهد أبيه الرشيد وجاء من طوس خاتم الخلافة والبردة والقضيب واستناب أخاه المأمون على ممالك خراسان وفى أيامه فتحت أهواز كذا فى سيرة مغلطاى*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الامين
وفيها مات عالم البصرة اسمعيل بن على وحافظ البصرة محمد بن جعفر غندر ومقرئ الكوفة أبو بكر عياش الاسدى وله سبع وتسعون سنة* وفى سنة أربع وتسعين ومائة وقعت أوّل الفتنة بين الاخوين الامين والمأمون عزم الامين على خلع المأمون من ولاية العهد ليقدّم ولده وهو صبى عمره خمس سنين فأخذ يبذل الاموال للامراء ليتم له ذلك فنصحه العقلاء فلم يصغ اليهم حتى آل الامر الى ان بعث أخوه الجيوش لحربه ومحاصرته ثم قتل وفيها مات زاهد خراسان شقيق البلخى استشهد فى غزوة الهند* وفى سنة خمس وتسعين ومائة تيقن المأمون ان أخاه الامين خلعه فغضب وخلع هو الامين وبايعه جيش خراسان بالخلافة وتسمى بأمير المؤمنين فجهز الامين لحربه ابن ماهان وجهز المأمون طاهر بن الحسن وكبس طاهر عساكر الامين وقتل ابن ماهان وانهزم جيوشه وشرع ملك الامين فى سفال ودولته فى اضمحلال ثم ندم على خلع أخيه وطمع فيه أمراؤه ولقد أنفق فيهم أموالا لا تحصى ولم يفد ثم جهز جيشا فالتقاهم طاهر بهمدان فهزمهم مرّتين وقتل قائد جيش الامين* وفى سنة ست وتسعين ومائة مات شاعر زمانه أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمى* وفى سنة سبع وتسعين ومائة حوصر الامين ببغداد نازله طاهر وهرثمة بن أعين وزهير فى جيوشهم وقاتلت الرعية مع الامين فبالغوا وكان محبا اليهم فدام الحصار سنة فجرت عجائب وأهوال وفيها توفى مقرى الوقت ورش واسمه عثمان بن سعيد وحافظ العراق وكيع بن الجرّاح الروّاسى أحد الاعلام وله سبع وستون سنة* قال أحمد ما رأيت(2/333)
أوعى للعلم ولا أحفظ له من وكيع* وقال يحيى بن اكتم صحبت وكيعا فكان يصوم الدهر ويختم كل ليلة وفى يوم السبت الخامس والعشرين من المحرّم سنة ثمان وتسعين ظفر طاهر بن الحسين بالامين فقتله بظاهر بغداد صبرا وشال رأسه على رمح وطيف به وكانت خلافته أربع سنين وأياما* وفى سيرة مغلطاى أربع سنين وستة أشهر وعشرة أيام وفى دول الاسلام عاش سبعا وعشرين سنة وكانت دولته ثلاثة أعوام وأياما وخلع فى رجب سنة ست وتسعين ومائة ومن حسب له الى موته فخلافته خمس سنين الاشهر او كان مبذرا للاموال لعابا لا يصلح لامرة المؤمنين سامحه الله وتولى الخلافة بعده أخوه المأمون*
(ذكر خلافة المأمون عبد الله بن الرشيد هارون بن المهدى محمد أبى جعفر المنصور)
* أمير المؤمنين أبى العباس الهاشمى العباسى أمه أم ولد تسمى مراجل ماتت أيام نفاسها به ولد سنة سبعين ومائة عند ما استخلف أبوه* صفته* قال ابن أبى الدنيا كان أبيض ربعة حسن الوجه يعلوه صفرة وقد وخطه الشيب أعين طويل اللحية رقيقها ضيق الجبين على خدّه خال* وقال الجاحظ كان أبيض فيه صفرة وكان ساقاه دون جسده صفراوين كأنما طليتا بزعفران وكان بويع بالخلافة بمرو وكان أمره نافذا فى افريقية الى أقصى خراسان وما وراء النهر والسند كذا فى سيرة مغلطاى وكان سمع الحديث فى صغره وبرع فى الفقه والعربية من النحو واللغة وأيام الناس والادب ولما كبر عنى بالفلسفة وعلوم الاوائل حتى مهر فيهما فجرّه ذلك الى القول بخلق القرآن وامتحان العلماء ولولا ذلك لكان أعظم بنى العباس لما اشتمل عليه من الحزم والعزم والعقل والعلم والحلم والشجاعة والسودد والسماحة* قال أبو معشر كان أمّارا بالعدل محمود السيرة يعدّ من كبار العلماء* وفى حياة الحيوان وفى أيامه ظهر القول بخلق القرآن وقيل انّ القول بخلق القرآن ظهر فى أيام الرشيد وكان الناس فيه بين أخذ وترك الى زمن المأمون فحمل الناس على القول بخلق القرآن وكل من لم يقل بخلقه عاقبه أشدّ عقوبة* وكان الامام أحمد بن حنبل امام أهل السنة من الممتنعين من القول بخلق القرآن فحمل الى المأمون مقيدا فمات المأمون قبل وصوله وكان اعتبار المأمون فى المناظرة والمقالات بأبى الهذيل البصرى المعتزلى الذى يقال له العلاف وعن الرشيد قال انى لأعرف فى عبد الله حزم المنصور ونسك المهدى وعزة الهادى ولو أشاء أن أنسبه الى الرابع يعنى نفسه لنسبته وقد قدّمت محمدا عليه وانى لأعلم انه منقاد الى هواه مبذر لما حوته يداه يشارك فى رأيه الاماء والنساء ولولا أم جعفر يعنى زبيدة وميل بنى هاشم اليه لقدّمت عبد الله عليه يعنى فى ولاية العهد بالخلافة اجتمعت الامة على عبد الله الا ما عرف من حال صاحب الاندلس فانه والامراء قبله وبعده غير متقيدين بطاعة العباسيين لبعد الديار*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المأمون
وفيها فى رجب توفى شيخ الحجاز أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالى أحد الاعلام وله احدى وتسعون سنة* قال أحمد بن حنبل ما رأيت أحدا أعلم بالسنن من سفيان وفيها فى جمادى الاخرة مات حافظ البصرة أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدى اللؤلؤى وله ثلاث وستون سنة قال ابن المدينى أحلف أنى ما رأيت أعلم منه* وقال أحمد هو أفقه من القطان وأثبت من وكيع وفى صفر مات حافظ العراق يحيى بن سعيد القطان أحد الاعلام الذى يقول فيه أحمد ما رأيت بعينى مثل يحيى بن القطان عاش ثمانية وسبعين سنة وقال بندار ما أظنّ انه عصى الله قط* وفى سنة تسع وتسعين ومائة مات شيخ الحنفية أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخى صاحب أبى حنيفة وله أربع وثمانون سنة* وفى سنة مائتين مات محدث المدينة أبو ضمرة أنس بن عياض الليثى وزاهد الوقت معروف الكرخى ببغداد* وفى سنة احدى ومائتين جعل المأمون ولى عهده من بعده على بن موسى الرضا العلوى وأمر الدولة برمى السواد ولبس الخضرة وهو بعد بخراسان فأرسل الى العراق بلبس الخضرة* وفى سيرة مغلطاى(2/334)
بايع المأمون موسى بن الكاظم بالعهد بعده ولبس الخضرة فخرج عليه عمه ابراهيم بن مهدى المعروف بابن شكلة انتهى فشق هذا على أقاربه وقامت قيامتهم بادخاله فى الخلافة الرضا فخلعوا المأمون وبايعوا عمه وهو المنصور بن المهدى فضعف عن الامر وقال بل أنا خليفة المأمون فأهملوه وأقاموا أخاه ابراهيم بن المهدى وكان أسود فبايعوه وجرت لذلك حروب يطول شرحها وفيها مات حافظ الكوفة أبو أسامة حماد بن أسامة وله احدى وثمانون سنة* وفى سنة ثلاث ومائتين مات على بن موسى الرضا ولى عهد المأمون وهو من الاثنى عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم ووجوب طاعتهم وفيها مات حسين بن على الجعفى الكوفى أحد الائمة الاعلام*
ترجمة الامام الشافعى محمد بن ادريس
وفى سنة أربع ومائتين فى رجب مات فقيه الوقت الامام أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعى المطلبى أحد الائمة الاربعة الاعلام ويقال له الشافعى نسبة الى شافع بن السائب بن عبيد أحد أجداده اذ هو محمد بن ادريس بن عباس بن عثمان بن شافع ابن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وهو ثالث أجداد النبىّ عليه السلام وتاسع أجداد الشافعى وكونه مطلبيا من جهة أبيه وهو أيضا هاشمى من جهة أمهات أجداده وأزدىّ من جهة أمه* نقل عن الحاكم أبى عبد الله وأبى بكر البيهقى والخطيب صاحب تاريخ بغداد انهم ذكروا أنّ الشافعى ولده هاشم بن عبد مناف جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وذلك لانّ أم السائب هى الشفا بنت الارقم بن هاشم بن عبد مناف وأم الشفاهى خليدة بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وكسر اللام وسكون المثناة التحتية بينها وبين الدال ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف وأم عبد يزيد هى الشفا بنت هاشم بن عبد مناف فولدت له عبد يزيد فالشافعى ابن عم رسول الله وابن عمته وكان حاذقا فى الرمى يصيب تسعة من عشرة مولده سنة خمسين ومائة وقد قيل انه ولد فى اليوم الذى توفى فيه الامام أبو حنيفة وقال الذهبى لم يثبت اليوم* قال اليافعى بين الحنفية والشافعية مقاولة على سبيل المزاح* الحنفية يقولون كان امامكم مخفيا حتى ذهب امامنا والشافعية يقولون لما ظهر امامنا هرب امامكم وكان مولده فى بلاد غزة وقيل بعسقلان وقيل باليمن والاوّل أصح وحمل الى مكة وهو ابن سنتين ونشأ بالحجاز وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وحفظ موطأ مالك وهو ابن عشر سنين* وعن مسلم بن خالد الزنجى أنه قال للشافعى أفت فقد آن لك أن تفتى وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة وقدم بغداد وأقام بها مدّة وصنف بها كتبه القديمة ووقع بينه وبين محمد بن الحسن مناظرات كثيرة ثم رجع الى مكة ثم عاد الى بغداد فأقام بها شهرا ثم خرج الى مصر وصنف بها كتبه الجديدة ولم يزل بها الى أن توفى يوم الجمعة فى آخر يوم من رجب ودفن بعد العصر فى يومه بالقرافة الصغرى وقبره بها يزار وعليه ضربت قبة عظيمة كذا فى تاريخ اليافعى* وفى التذنيب وجملة عمره أربع وخمسون سنة ومناقبه كثيرة فلتطلب من الكتب وفيها مات قاضى الكوفة وصاحب أبى حنيفة أبو على الحسن بن زياد اللؤلؤى الفقيه وفيها مات حافظ الوقت أبو داود سليمان بن داود الطيالسى بالبصرة* وفى سنة خمس ومائتين مات محمد بن عبيد الطنافسى الكوفى الحافظ ومقرئ الوقت يعقوب بن اسحاق الحضرمى البصرى* وفى سنة ست ومائتين مات شيخ واسط يزيد بن هارون الحافظ أحد الائمة الاعلام ولما حدّث ببغداد كان يحضر مجلسه خلائق وربما بلغوا سبعين ألفا وعاش تسعين سنة* وفى سنة سبع ومائتين مات طاهر بن الحسين الخزاعى مقدّم جيوش المأمون وكان آخر شئ قد قطع دعوة المأمون وعزم على الخروج بخراسان فمات بغتة وفيها مات قاضى بغداد محمد بن عمر الواقدى المدنى صاحب المغازى وشيخ العربية يحيى بن زياد الفراء صاحب الكسائى* وفى سنة ثمان ومائتين مات عالم البصرة سعيد بن عامر الضبعى ومحدّث بغداد عبد الله بن(2/335)
بكر السهمى والفضل بن الربيع بن يونس صاحب الرشيد وهو الذى قام بخلافة الامين ثم اختفى مدّة* وفى سنة عشر ومائتين مات أبو عمر والشيبانى اسحاق بن بزار الكوفى اللغوى صاحب التصانيف والعلامة أبو عبيدة معمر المثنى التيمى البصرى صاحب المصنفات الادبية* وفى سنة احدى عشرة ومائتين أظهر المأمون التشيع وأمر أن يقال خير الخلق بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم علىّ رضى الله عنه وأمر بالنداء ان برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير* وفى سنة ست عشرة ومائتين توفى الاصمعى واسمه عبد الملك بن قريب الباهلى البصرى العلامة اللغوى وله ثمان وثمانون سنة وعاش المأمون ثمانيا وأربعين سنة وكانت وفاته فى ثانى عشر رجب سنة ثمان عشرة ومائتين وكانت خلافته احدى وعشرين سنة الا ستة أشهر* وفى سيرة مغلطاى اثنتين وعشرين سنة* وفى دول الاسلام نيفا وأربعين سنة وتوفى بالبد نرون من طرسوس ليلة الخميس لاحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثمان عشرة ومائتين كذا فى سيرة مغلطاى وتخلف بعده أخوه المعتصم بن الرشيد هارون*
(ذكر خلافة المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور)
* أمير المؤمنين أبى اسحاق الهاشمى العباسى وأمه أم ولد اسمها ماردة* صفته* كان أبيض اللون أصهب اللحية طويلها ربع القامة مشرب اللون ذا شجاعة وقوّة وهمة عالية الا انه كان عاريا عن العلم أميا* روى الصولى عن محمد بن سعد عن ابراهيم بن محمد الهاشمى قال كان مع المعتصم غلام فى الكتاب يتعلم معه فمات الغلام فقال الرشيد يا محمد مات غلامك قال نعم يا سيدى استراح قال وانّ الكتاب ليبلغ مثل هذا دعوه لا تعلموه قال فكان يكتب ويقرأ قراءة ضعيفة* ومع هذا حكى أبو الفضل الرياشى قال كتب ملك الروم الى المعتصم يهدّده فأمر بجوابه فكتبوه ولما قرئ عليه الجواب لم يرضه المعتصم وقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد قرأت كتابك وسمعت خطابك والجواب مترى لا ما تسمع وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار بويع بالخلافة بعد أخيه المأمون بعهد منه اليه لما احتضر فى رابع شهر من شهر رجب سنة ثمانى عشرة ومائتين وكان أبوه قد أخرجه من الخلافة وعهد الى الامين والمأمون والمؤتمن فساق الله اليه الخلافة وجعل الخلفاء الى اليوم من ولده ولم يكن من نسل أولئك خليفة كذا فى سيرة مغلطاى وكان المعتصم يلقب بالثمانى فانه ثامن خلفاء بنى العباس وملك ثمان سنين وثمانية أشهر وزاد بعضهم وثمانية أيام وافتتح ثمان حصون وقيل انه ولد فى شعبان وهو الثامن من شهور السنة وكان نقش خاتمه الحمد لله وهى ثمانى حروف وبويع بالخلافة سنة ثمانى عشرة ومولده سنة ثمانين ومائة وقهر ثمانية أعداء ووقف ببابه ثمان ملوك وخلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار ومن الدراهم مثلها وخلف من الجمال والبغال ثمانية آلاف ومن الجوارى مثلها وبنى ثمانى حصون* وفى سيرة مغلطاى كان مكملا من اثنتى عشرة جهة وفى أيامه أمطرت أهل تيماء بردا كل بردة وزن رطل وقتلت خلقا كثيرا وسمع قائلا يقول ارحم عبادك ارحم عبادك ورأوا أثر قدم طوله ذراع ونصف فى عرض شبرين غير الاصابع وبين كل خطوة وخطوة ستة أذرع فتبعوه فجعلوا يسمعونه ولا يرون شخصه* وفى سنة عشرين ومائة أمر المعتصم بانشاء مدينة سميت سرّ من رأى وهى سامرا وفيها مات قارئ المدينة ونحويها قالون واسمه عيسى بن منيا والشريف محمد الجواد ولد على بن موسى الرضا وله خمس وعشرون سنة وكان زوج بنت المأمون وكان يصله منه فى السنة خمسون ألف دينار* وفى سنة احدى وعشرين ومائتين مات محدّث مرو عبدان واسمه عبد الله بن عثمان المروزى والامام الربانى عبد الله بن مسلم العقبى بمكة فى المحرم وكان مجاب الدعوة ثقة من الابدال* وفى سنة أربع وعشرين ومائتين توفى الامير ابراهيم ابن المهدى العباسى وكان لسواده وسمنه يقال له التنين وكان فصيحا شاعرا بديع الغناء ولى نيابة دمشق(2/336)
لاخيه هرون الرشيد وبويع بالخلافة ببغداد ثم اضمحل دسته واختفى سبع سنين* وفى سنة سبع وعشرين ومائتين مات زاهد الوقت بشر بن الحارث الحافى ببغداد وله خمس وسبعون سنة وكانت وفاة المعتصم بسرّ من رأى فى يوم الخميس تاسع عشر ربيع الاوّل كما تقدّم ذكره ومات وعمره سبع وأربعون سنة وسبعة أشهر وتخلف بعده ابنه هارون*
(ذكر خلافة الواثق بالله هارون بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى البغدادى)
* أمير المؤمنين أبو جعفر وأمّه أمّ ولد رومية تسمى قراطيس ومولده لعشر بقين من شعبان سنة ست وتسعين ومائة بويع بالخلافة لما مات أبوه بعهد منه* قال الخطيب كان أحمد بن داود قد استولى على الواثق وحمله على تشديد المحنة ودعا الناس الى القول بخلق القرآن* قال الذهبى قيل انّ الواثق رجع عن ذلك قبل موته وترك المحنة بخلق القرآن لما أحضروا اليه رجلا مقيدا فقال أخبرونى عن هذا الرأى الذى دعوتم الامّة اليه أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع الناس اليه أم هو شئ ما علمه فقال أحمد بن أبى داود بل علمه قال فكيف وسعه صلى الله عليه وسلم ان يترك الناس ولم يدعهم اليه وأنتم لا يسعكم قال فبهتوا فاستضحك الواثق وقام قابضا على فمه ودخل بيتا وتمدّد وهو يقول وسع نبى الله أن يسكت ولا يسعنا فأمر بفك أقياد الشيخ وأن يعطى ثلثمائة دينار وأن يردّ الى بلده وهذا الذى قاله هذا الشيخ الزام وبحث لازم للمعتزلة وكان الواثق وافر الادب فصيحا قيل انّ جارية من جواريه غنته بشعر العرجى
أظلوم انّ مصابكم رجلا ... ردّ السلام تحية ظلم
فمن الحاضرين من صوّب نصب رجلا ومنهم من قال صوابه الرفع فقالت هكذا لقننى المازنى فطلب المازنى فلما حضر قال ممن الرجل قال من بنى مازن قال أى الموازن أمازن بنى تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة قال مازن ربيعة قال المازنى فكلمنى حينئذ بلغة قومى فقال با اسمك لانهم يقلبون الميم باء والباء ميما فكرهت ان أواجهه بمكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لها وأعجبته وقال ما تقول فى هذا البيت قلت الوجه النصب لانّ مصابكم مصدر بمعنى اصابتكم فأخذ البريدى يعارضنى فقلت هو بمنزلة ان ضربك زيدا ظلم فالرجل مفعول مصابكم والدليل عليه انّ الكلام معلق الى أن يقول ظلم فيتم فأعجب الواثق فأعطانى ألف دينار* وفى سنة تسع وعشرين ومائتين مات شيخ القراء خلف بن هشام البزاز ببغداد والعلامة نعيم بن حماد الخزاعى الحافظ صاحب التصانيف*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الواثق بالله
وفى سنة احدى وثلاثين ومائتين مات فقيه وقته الامام أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطى صاحب الشافعى مسجونا لكونه أبى أن يقول القرآن مخلوق وهو أعلم أصحاب الشافعى وأعبدهم* وفيها مات شاعر العصر تمام الطائى حبيب بن أوس بالموصل كهلا* وفيها مات الخليفة الواثق بالله وكان قد أسرف فى التمتع بالنساء بحيث انه أكل لذلك لحم الاسد فولد له أمراضا تلف منها قيل لما احتضر جعل يردّد هذين البيتين
الموت فيه جميع الخلق تشترك ... لا سوقة منهم تبقى ولا ملك
ما ضرّ أهل قليل فى تفاقرهم ... وليس يغنى عن الاملاك ما ملكوا
ثم أمر بالبسط فطويت وألصق خدّه بالتراب وذل وأناب وافتقر الى الرحيم التوّاب وجعل يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه وكانت وفاته بمدينة سرّ من رأى فى يوم الاربعاء لست بقين من ذى الحجة من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين عن بضع وثلاثين سنة متحرّقا فى تنور بدعائه على نفسه حين امتحن أحمد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين كذا فى سيرة مغلطاى وكانت دولته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام وتخلف بعده أخوه جعفر المتوكل*
(ذكر خلافة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى البغدادى)
* أمير المؤمنين أبى الفضل أمه أم ولد تركية تسمى(2/337)
شجاع ومولده فى سنة خمس ومائتين وقيل سبع* صفته* كان المتوكل أسمر اللون مليح العينين نحيف الجسم خفيف العارضين الى القصر أقرب وكان له جمة الى شحمة أذنيه كعمه وأبيه بويع بالخلافة بعد موت أخيه الواثق فى ذى الحجة من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ولما استخلف أظهر السنة وتكلم بها فى مجلسه وكتب الى الافاق برفع المحنة واظهار السنة ونصر أهلها وأمر بنشر الاثار النبوية* قال على بن الجهم وكان المتوكل فيه الخصال الحسنة الا أنه كان ناصبيا يكره عليا وكان ابراهيم بن محمد التيمى قاضى البصرة يقول الخلفاء ثلاثة أبو بكر الصدّيق يوم الردّة وعمر بن عبد العزيز فى ردّ مظالم بنى أمية والمتوكل فى محو البدع يعنى القول بخلق القرآن ويقال انّ المتوكل سلم عليه بالخلافة ثمانية كل واحد منهم أبوه خليفة منصور بن المهدى عم أبيه والعباس بن الهادى عم أبيه وأبو أحمد بن الرشيد عمه وعبد الله بن الامين بن عمه وموسى بن المأمون ابن عمه أيضا وأحمد بن المعتصم أخوه ومحمد بن الواثق بن أخيه وابنه المنتصر محمد بن المتوكل وهذا شئ لم يقع لخليفة قبله* قال الزبير كنت حاضرا بيعته فبايع لاولاده بالعهد محمد المنتصر والمعتز والمؤيد ولم يدخل فى العهد أحمد المعتمد ولا أبا أحمد الموفق فصار الامر الى ولد الموفق الى اليوم كذا فى سيرة مغلطاى* وفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين كانت الزلزلة العظيمة بدمشق فدامت ثلاث ساعات وسقطت الجدران وهرب الخلق الى المصلى يجأرون الى الله ومات خلق تحت الهدم وامتدّت الزلزلة الى أنطاكية فقيل هلك بها عشرون ألفا تحت الردم وزلزلت الموصل فيقال هلك بها خمسون ألف آدمى*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المتوكل على الله
وفى سنة أربع وثلاثين ومائتين مات الحافظ العالم البحر الزخار على بن عبد الله بن المدينى السعدى أبو الحسن الذى يقول فيه البخارى رحمه الله ما استصغرت نفسى قدّام أحد سواه وقال فيه شيخه عبد الرحمن بن مهدى على بن المدينى أعلم الناس بالحديث مات فى ذى القعدة وله ثلاث وسبعون سنة* وفى سنة خمس وثلاثين ومائتين ألزم المتوكل نصارى بلاده بلبس العسلى وخصوابه* وفى سيرة مغلطاى وأمر أهل الذمّة بلبس العسلى والزنانير وركوب السروج بالركب الخشب وأن لا يعتموا وغير زىّ نسائهم بالازر العسلية وان دخلن الحمام كان معهنّ جلاجل وأمر بهدم بيعتهم المحدثة وأن يجعل على أبوابهم صور شياطين خشب وأن لا يستعان بهم فى شئ من الدواوين* وفيها مات ابراهيم الموصلى النديم الاخبارى صاحب الموسيقا وفيها مات شيخ المعتزلة أبو الهذيل العلاف* وفى سنة سبع وثلاثين ومائتين مات زاهد وقته حاتم الاصم وكان يقال له لقمان هذه الامّة* وفى سنة ثمان وثلاثين ومائتين توفى عالم خراسان اسحاق بن راهويه الحنظلى صاحب التصانيف عن سبع وسبعين سنة* قال أحمد ابن حنبل لا أعلم له بالعراق نظيرا وما عبر الجسر مثله* وقال محمد بن أسلم ما أعلم أحدا كان أخشى لله من اسحاق* وقال أبو زرعة مارىء أحد أحفظ من اسحاق ومات ببغداد بشر بن الوليد الكندى القاضى الفقيه صاحب أبى يوسف وله سبع وتسعون سنة ومات بنيسابور الحسين بن منصور الحافظ وقد دعى الى قضاء نيسابور فاختفى ودعا الله فمات فى اليوم الثالث وفيها مات الامير عبد الرحمن بن الحكم الاموى صاحب الاندلس وكانت دولته اثنتين وثلاثين سنة وكان محمود الامرة* وفى سنة احدى وأربعين ومائتين مات ببغداد شيخ الامّة وعالم زمانه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانى المروزى ثم البغدادى الحافظ الامام فى يوم الجمعة غدوة ثانى عشر ربيع الاوّل وله سبع وسبعون سنة وكان مولده سنة أربع وستين ومائة وضريحه يزار ببغداد وكان شيخا أسمر مديد القامة يخضب بالحناء* وفى سنة ثلاث وأربعين ومائة توفى شيخ مصر حرملة بن يحيى التجيبى الحافظ الفقيه مصنف المختصر والمبسوط وهناد بن السرى الكوفى الحافظ القدوة* وفى سنة خمس وأربعين ومائتين مات مقرئ العراق أبو عمرو الدورى حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان ببغداد وشاعر عصره دعبل بن على الخزاعى(2/338)
الرافضى* وفى سنة سبع وأربعين ومائتين مات أبو عثمان المازنى النحوى صاحب التصريف وأمير المؤمنين المتوكل على الله جعفر بن المعتصم وكان المتوكل بايع بولاية العهد ولده المنتصر محمدا ثم انه أراد ان يعزله ويولى ولده المعتز لمحبته لامّه قبيحة فسأل المتوكل ولده المنتصر أن ينزل عن العهد لاخيه المعتز فأبى المنتصر فغضب المتوكل عليه وصار يحضره المجالس العامّة ويحط منزلته ويهدّده ويشتمه ويتوعده ثم اتفق انّ الترك انحرفوا على المتوكل لكونه صادر وصيف التركى وبغا فاتفق الاتراك حينئذ مع المنتصر على قتل أبيه المتوكل ودخلوا عليه وهو فى مجلس أنسه وعنده وزيره الفتح بن خاقان بعد أن مضى من الليل ثلاث ساعات* وفى دول الاسلام نصف الليل وهجم باعز ومعه عشرة وقصد السرير فصاح الفتح ويلكم مولاكم وتهارب الغلمان والندماء على وجوههم وبقى الفتح وحده والمتوكل قد غرق فى السكر والنوم وبقى الفتح يمانعهم عنه فضرب باعز المتوكل بالسيف على عاتقه فقدّه الى خاصرته فصاح المتوكل ثم بعج الفتح آخر بالسيف فأخرجه من ظهره وهو صابر ثم طرح الفتح نفسه على المتوكل فماتا ولفا فى بساط وكان قتل المتوكل فى ليلة الاربعاء ثالث أو رابع شوّال سنة سبع وأربعين ومائتين فى القصر الجعفرى الذى بناه المتوكل ودفن به ووزيره الفتح وكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسعة أو ثمانية أيام ومات وعمره احدى وأربعون سنة وتخلف بعده ابنه المنتصر ولم تطل دولته ولا متع بالملك*
(ذكر خلافة المنتصر بالله محمد بن المتوكل جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد هرون بن المهدى محمد بن أبى جعفر وقيل أبى عبد الله)
* وأمّه أمّ ولد رومية اسمها حبشه* صفته* كان أعين أقنى أسمر مليح الوجه ربعة كبير البطن مهيبا منصفا فى الرعية مالت اليه القلوب مع شدّة هيبتهم بويع بالخلافة بعد قتل أبيه* قال الذهبى تسلم الخلافة صبيحة قتل والده المتوكل فلم تطل دولته ولم يمتع بالخلافة وهو أوّل من عدا على أبيه من بنى العباس كما ان يزيد بن الوليد الاموى أوّل من عدا على أبيه كذا قاله ابن دحية وشيرويه بن كسرى عدا على أبيه وقد جرت عادة الله أن من عدا على أبيه لا يبلغه سؤلا ولا يمتعه بدنياه الا قليلا فلم يقم المنتصر بعد أبيه الا ستة أشهر كذا فى سيرة مغلطاى وقيل انه كان يقول يابغا أين أبى من قتل ابى ويسب الاتراك ويقول هؤلاء قتلة الخلفاء وعلى هذا لا يكون المنتصر تواطأ على قتل أبيه انتهى* ولما سمع بغا الصغير ذلك من المنتصر قال للذين قتلوا المتوكل ما لكم عند هذا رزق فهموا به وعجزوا عنه لانه كان مهابا شجاعا فطنا متحرّزا فتحيل عند ذلك الاتراك الى أن دسوا الى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار عند مرضه فأشار بفصده ففصد بمبضع أو قال بريشة مسمومة فمات فيقال ان ابن طيفور المذكور نسى ومرض فأمر غلامه ففصده بتلك الريشة فمات أيضا* وقال بعضهم بل حصل للمنتصر مرض فى أنثيبه أو معدته فمات بعد ثلاث ليال وقيل مات بالخوانيق أى الذبحة وقيل سم فى كمثراة بابرة لانه كان يسيئ على العيال ويبخل فسمه بعضم وكان المنتصر يتهم بقتل أبيه* يحكى انه نام يوما ثم انتبه وهو يبكى فجاءته أمه فقالت يا بنى لا أبكى الله لك عينا فقال اذهبى عنى ذهبت عنى الدنيا والاخرة رأيت الساعة أبى فى النوم وهو يقول ويحك يا محمد قتلتنى لاجل الخلافة والله لامتعت بها الا أياما يسيرة ثم مصيرك الى النار فلم يعش بعد ذلك الا أياما قليلة* وذكر على بن يحيى المنجم انّ المنتصر جلس مجلس اللهو فرأى فى بعض البسط دائرة فيها رأس عليه تاج وحوله كتابة فارسية فطلب المنتصر من يقرأ ذلك فأحضر رجل فنظر فيها ثم قطب فقال له المنتصر ما هذه قال لا معنى لها فالح عليه فقال فيها انا شيرويه بن كسرى ابن هرمز قتلت أبى فلم أمتع بالملك الا ستة أشهر فتغير لذلك وجه المنتصر وقام من مجلسه وحاصل الامر ان المنتصر لم يمتع بالخلافة ومات بعد ستة أشهر أو دونها فانه تخلف فى شوّال ومات فى شهر ربيع الاخر(2/339)
وكان مدّة عمره ستا وعشرين سنة وتخلف بعده عمه المستعين بالله*
(ذكر خلافة المستعين بالله أحمد ابن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى العباسى)
* أمير المؤمنين وهو السادس فخلع وقتل كما سيأتى وأمّه أمّ ولد رومية تسمى مخارق ومولده فى سنة احدى وعشرين ومائتين* صفته* كان مربوع القامة أحمر الوجه خفيف العارضين بمقدّم رأسه طول وكان حسن الوجه والجسم بوجهه أثر جدرى وكان يلثغ فى السين تاء وكان كريما مسرفا مبذرا للخزائن يفرق الجواهر والثياب والنفائس لكائن من كان سامحه الله بويع بالخلافة فى شهر ربيع الاخر سنة ثمان وأربعين ومائتين بعد موت المنتصر وتمّ أمره فى الخلافة وبقى فيها ثلاث سنين وثمانية أشهر وعشرين يوما كذا فى سيرة مغلطاى* وفى سنة تسع وأربعين ومائتين مات محدث بغداد المحدث بن الصباح البزار أحد الاعلام وفى سنة تسع وأربعين ومائتين مات البزى مقرئ مكة وهو أبو الحسن أحمد بن محمد وله ثمانون سنة وحافظ البصرة نصر بن على الجهضمى وكان قد طلب للقضاء فقال حتى استخير الله تعالى فرجع ثم صلى ركعتين وقال اللهمّ ان كان لى عندك خير فتوفنى ثم نام فنبهوه فاذا هو ميت واستمرّ الخليفة المستعين بالله فى الخلافة الى أوّل سنة احدى وخمسين ومائتين* وفى سيرة مغلطاى خرج فى أيامه اسمعيل بن يوسف فأحرق الكعبة ونهبها* قال الذهبى فى سنة اثنتين وخمسين ومائتين كانت فتنة المستعين الخليفة بايعوه وكان الامراء الاتراك قد استولوا على الامور وبقى المستعين مقهورا معهم فانتقل من دار الخلافة بسامرا الى بغداد مغاضبا فبعثوا يعتذرون اليه ويسألونه الرجوع فامتنع فعمدوا الى الحبس فأخرجوا المعتز بالله وحلفوا له وبايعوه بالخلافة وأخرجوا أيضا من الحبس المؤيد بن المتوكل ولى العهد ثم جهز المعتز أخاه المذكور أبا أحمد فى عسكر لقتال المستعين ومحاصرته فتهيأ المستعين ونائبه ببغداد وهو ابن طاهر للقتال وبنوا السور ووقع الحصار ونصبت المجانيق ودام القتال شهرا وكثرت القتلى وأكل أهل بغداد الميتة وتمت عدّة وقعات بين الفريقين وقتل نحو ألفين من البغاددة ثم قوى أمر المعتز وتخلى ابن طاهر نائب بغداد عن المستعين لشدّة البلاء وكاتب المعتز وسعوا فى الصلح فخلع المستعين نفسه من الخلافة على شروط مقهورا فى أوّل سنة اثنتين وخمسين ومائتين ثم نقلوه الى واسط واعتقل بها تسعة أشهر ثم أحضروه الى قادسية سامرا وهو سر من رأى ونكثوا الايمان وقتلوه بها صبرا فى ثالث شوّال يوم الاربعاء من سنة اثنتين وخمسين ومائتين ليومين بقيا من شهر رمضان بعد خلعه بنحو من تسعة أشهر وله احدى وثلاثون سنة وكان الذى قتله سعيد بن صالح الحاجب بعثه اليه المعتز فلما رآه المستعين تيقن التلف وقال ذهبت والله نفسى ولما قرب منه سعيد المذكور أخذ يتبعه بسوطه ثم أتكاه وقعد على صدره وقطع رأسه وهذا أوّل خليفة قتل صبرا مواجهة من بنى العباس*
(خلافة المعتز بالله محمد بن المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد هرون بن المهدى محمد بن ابى جعفر المنصور)
* أمير المؤمنين أبى عبد الله وقيل اسمه الزبير الهاشمى العباسى البغدادى أمه أم ولد تسمى قبيحة لجمال صورتها قيل هذا من أسماء الاضداد وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بويع بالخلافة عند خلع المستعين بالله عمه نفسه فى أول سنة اثنتين وخمسين ومائتين وهو ابن تسع عشرة سنة ولم يل الخلافة قبله أحد أصغر منه وكان شابا جميلا مليح الوجه حسن الجسم بديع الحسن ولما تم أمر المعتز فى الخلافة واستهل شهر رجب خلع المعتز أخاه المؤيد ابراهيم من ولاية العهد وكتب بذلك الى الافاق وفيها مات محمد بن بشار بندار البصرى الحافظ وأبو موسى محمد بن المثنى العنزى الحافظ* وفى سنة ثلاث وخمسين ومائتين مات زاهد الوقت سرىّ بن المغلس السقطى العارف صاحب معروف الكرخى ونائب بغداد محمد بن(2/340)
عبد الله بن طاهر الخزاعى وكبير الامراء وصيف التركى وكان قد استولى على الخليفة وتمكن ثم قتلوه وأخذوا له أموالا عظيمة وبعده قتل فى سنة أربع بغا الصغير وكان قد تمرّد وطغى وبغى وراح وصيف فتفرّد هو بالامور وكان المعتز يقول لا أستلذ بحياة ما بقى بغا وفيها مات بسامرا على الملقب بين الشيعة بالهادى وهو أحد الاثنى عشر المعصومين عند الرافضة وهو ابن الجواد محمد بن الرضا على بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق وعاش أربعين سنة* وفى سنة خمس وخمسين ومائتين مات عالم سمرقند أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى الحافظ صاحب السند وشيخ الطائفة الكرامية المجسمة محمد بن كرام السجستانى الزاهد مات ببيت المقدس وكان المعتز فى ضيق وحجر فى خلافته مع الاتراك واتفق جماعة منهم أتوه وقالوا يا أمير المؤمنين أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف التركى ونستريح منه وكان المعتز يخاف من صالح المذكور فطلب من أمه مالا لينفقه فيهم فأبت عليه وشحت وكانت فى سعة من المال ولم يكن بقى فى بيوت الاموال شئ فاجتمع الاتراك حينئذ واتفقوا على خلعه من الخلافة ووافقهم صالح بن وصيف ومحمد بن بغا فلبسوا السلاح وجاؤا الى دار الخلافة فبعثوا الى المعتز أن اخرج الينا فبعث يقول قد شربت دواء وأنا ضعيف فهجم عليه جماعة فجرّوه برجليه وضربوه بالدبابيس وأقاموه فى الشمس فى يوم صائف فبقى يرفع قدما ويضع اخرى ويلطمون وجهه ويقولون اخلع نفسك ثم أحضروا القاضى ابن أبى الشوارب والشهود وخلعوه ثم أحضروا من بغداد الى سامرا وهى يومئذ دار الخلافة محمد بن الواثق وكان المعتز قد أبعده الى بغداد فسلم اليه المعتز الخلافة وبايعه ولقبوه المهتدى بالله ثم أخذوا المعتز بعد خمس ليال من خلعه وأدخلوه الحمام فلما تغسل عطش وطلب ماء فمنعوه حتى شارف الهلاك ثم أخرجوه فسقوه ماء ثلج فشربه وسقط ميتا وابنه عبد الله مات فى صهريج ماء من شدّة البرد كذا فى سيرة مغلطاى وكان موته فى شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وفى سيرة مغلطاى مات فى سر من رآى لثلاث خلون من شعبان وقيل من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وله أربع وعشرون سنة وقيل ثلاث وعشرون سنة وكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوما* وفى سيرة مغلطاى وكانت خلافته ثلاث سنين وستة أشهر واحدى وعشرين يوما وبعد قتله أمسك صالح بن وصيف وكان رئيس الامراء أمه قبيحة وصادروها فوجدوا عندها ألف ألف دينار عينا ونصف أردب لؤلؤ وويبة ياقوت أحمر وأشياء كثير غير ذلك* قال الذهبى أخذ صالح منها ثلاثة آلاف دينار فحمل جميع ذلك لصالح بن وصيف فقال ابن وصيف قاتل الله قبيحة عرضت ابنها للقتل وعندها هذه الاموال العظيمة ثم أخرجت قبيحة المذكورة على أقبح وجه الى مكة فأقامت بها الى أن ماتت*
(ذكر خلافة المهتدى بالله محمد بن الواثق هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدى محمد بن أبى جعفر المنصور الهاشمى العباسى)
* أمير المؤمنين الصالح الدين أبى اسحاق وقيل أبى عبد الله وأمه أم ولد رومية تسمى قرب ولد فى خلافة جدّه سنة بضع عشرة ومائتين* صفته* كان أسمر رقيقا مليح الوجه دينا صالحا ورعا عابدا عاقلا قويا فى أمر الله شجاعا خليقا للامارة لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الحق والخير ولو وجد ناصر الكان أحيا سنة عمر بن عبد العزيز وقيل كان يسرد الصوم ويقنع بعض الليالى بخبز وخل وزيت* قال الخطيب لم يزل صائما منذولى الى أن قتل* وقال أبو العباس هاشم بن القاسم كنت بحضرة المهتدى عشية رمضان فوثبت لانصرف قال اجلس ثم أحضر بعد الصلاة طبقا فيه أرغفة من الخبز وبعض ملح وخل وزيت وقال كل فقلت يا أمير المؤمنين قد أسبغ الله نعمه عليك قال صدقت ولكنى فكرت فى أنه كان فى بنى أمية عمر بن عبد العزيز ففاق على بنى هاشم فأخذت نفسى على ما رأيت بويع بالخلافة بعد ابن عمه المعتز(2/341)
بالله فى التاسع والعشرين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وله بضع وثلاثون سنة* قال الذهبى لما خلعوا المعتز أحضروا محمد بن الواثق بالله فبايعوه ولقب بالمهدى بالله وكان صالح بن وصيف رئيس الامراء ولما طلب المهتدى لم يقبل بيعة أحد حتى أتوا بالمعتز فلما رأى المهتدى قام له وسلم عليه بالخلافة وجلس بين يديه وجىء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة فاعترف بذلك ومدّيده وبايع المهتدى فارتفع حينئذ المهدى الى صدر المجلس وقال لا يجتمع سيفان فى غمد وهذا من كلام أبى ذؤيب
تريدين كيما تجمعينى وخالدا ... وهل يجمع السيفان ويحك فى غمد
وكان المهتدى قد اطرح الملاهى وسدّ باب اللهو والغناء وحسم الامراء عن الظلم وكان شديد الاشراف على أمر الدواوين يجلس بنفسه ويجلس الكتاب بين يديه فيعملون الحساب* قال الذهبى لما دخلت سنة ست وخمسين ومائتين عبى موسى بن بغا عسكره بأكمل زينة وزحف على سامرا مجمعا على الفتك بصالح وصاحت العامّة يا فرعون جاءك موسى ثم هجم موسى بمن معه على المهتدى بالله وأركبوه فرسا وانتهبوا القصر وأدخلوا المهتدى دارا وهو يقول ويحك يا موسى ما بك فيقول وتربة أبيك لا ينالك سوء فحلفوه أن لا يمالئ صالحا وطلبوا صالحا ليناظروه على سوء فعاله فاختفى فردّوا المهتدى الى قصره ثم ظفروا بصالح وقتلوه*
وفاة حافظ العصر البخارى
وفى ليلة عيد الفطر من هذه السنة مات شيخ الاسلام وحافظ العصر محمد بن اسماعيل البخارى وله اثنتان وستون سنة وكان مولده يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة وقبره فى قرية مشهورة عندهم بخرتنك قرب على آباد من توابع سمرقند* وفى الكشف شرح المنار فى ان المحدث غير الفقيه يغلط كثيرا فقد روى عن محمد ابن اسماعيل صاحب الصحيح أنه استفتى فى صبيين شربا من لبن شاة فأفتى بثبوت الحرمة بينهما فأخرج به من بخارا اذ الاختية تتبع الامية والبهيمة لا تصلح أما للادمى وفيها مات قاضى مكة الزبير ابن بكار الاسدى أحد الاعلام وفيها قتل المهتدى بالله يقال ان الامراء والاتراك خرجوا عليه واتفقوا على خلعه فلبس سلاحه فى اناس قلائل من حاشيته وشهر سيفه عليهم وخرج وحاربهم أشدّ المحاربة ثم أحاطوا به وأسروه وخلعوه وقتلوه شهيدا فى شهر رجب سنة ست وخمسين ومائتين فكانت خلافته سنة الا خمسة عشر يوما* وفى سيرة مغلطاى كانت خلافته أحد عشر شهرا وتسعة عشر يوما وقتل بالسكين بسر من رآى لاربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين انتهى وعاش ثمانيا وثلاثين سنة*
(ذكر خلافة المعتمد على الله أحمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدى بن المنصور)
* أمير المؤمنين أبى العباس الهاشمى العباسى وأمه أم ولد رومية اسمها فتيان ولد سنة تسع وعشرين ومائتين بسر من رآى* صفته* كان أسمر ربعة رقيقا مدوّر الوجه مليح العينين صغير اللحية أسرع اليه الشيب بويع بالخلافة بعد قتل ابن عمه المهتدى* قال الذهبى خلعوا المهتدى بالله قبل قتله وبايعوا المعتمد هذا وتم أمره فى الخلافة وطالت أيامه وكان منهمكا فى اللذات فجعل أخاه الموفق طلحة ولى عهده على الامور وانهمك هو فى اللذات فاستولى أخوه المذكور جميع تعلقات الخلافة وقوى أمره وصار اليه العقد والحل وانقهر معه المعتمد وصار كالمحجور عليه معه وكان الموفق يتولى محاربة الافرنج هو وولده أحمد المعتضد والمعتمد هذا غارق فى السكر وكان يعربد فى سكره على الندماء وكان أخوه الموفق محسا للرعية والجند وعنده سباسة ومعرفة بالامور والتدبير وكان الموفق يلقب بالناصر لدين الله ولو أرادوا الوثوب على الامر لحصل له ذلك لانه هو صاحب الجيش والعساكر وما لاخيه المعتمد هذا سوى اسم الخلافة لا غير ولم يزل الموفق على ما هو عليه من الامر والنهى الى ان مرض ومات فى سنة ثمان وسبعين ومائتين فى حياة أخيه المعتمد وكان الموفق قد حبس ولده فى حياته فلما احتضر(2/342)
الموفق أخرج ولده المعتمد أحمد من الحبس وجعله عرضة فى ولاية العهد وكان المعتضد على عمه المعتمد أشدّ من أبيه الموفق* وفى سنة ثمان وخمسين ومائتين مات واعظ عصره يحيى بن معاذ الرازى الزاهد* وفى سنة ستين ومائتين مات الحسن بن على الجواد بن الرضا العلوى أحد الائمة الاثنى عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم وهو والد منتظرهم محمد بن الحسن* وفى سنة احدى وستين ومائتين مات حافظ خراسان أحمد بن سليمان الرهاوى ومقرئ وقته أبو شعيب صالح بن زياد السوسى والعارف الكبير أبو يزيد البسطامى وحافظ خراسان مسلم بن الحجاج القشيرى صاحب الصحيح مات بنيسابور وهو ابن خمس وخمسين سنة* وفى سنة أربع وستين ومائتين مات كبير الامراء موسى بن بغا وكان بطلا شجاعا وافر الحشمة وحافظ زمانه أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازى أحد الاعلام فى آخر السنة* قال أبو حاتم لم يخلف بعده مثله* وفى سنة خمس وستين ومائتين مات صالح ابن أحمد بن حنبل الشيبانى قاضى أصبهان* وفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين مات الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزوينى صاحب السنن والتفسير والحافظ حنبل بن اسحاق بن عم الامام أحمد ومات فى صفر صاحب الاندلس محمد بن عبد الرحمن بن الحكم الاموى وكانت أيامه خمسا وثلاثين سنة وكان فقيها فصيحا بليغا كثير الجهاد* قال ابن الجوزى هو صاحب وقعة وادى سليط التى لم يسمع بمثلها يقال قتل فيها من الكفرة ثلثمائة ألف* وفى سنة ست وسبعين ومائتين مات العلامة أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى صاحب التصانيف فى رجب ببغداد فجاءة وله ثلاث وستون سنة وحافظ البصرة أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشى فى شوّال ببغداد حدّث من حفظه بستين ألفا وكان ورده فى اليوم والليلة أربعمائة ركعة ومحدّث الاندلس قاسم بن محمد بن القاسم الاموى القرطبى الفقيه قال تقى بن مخلد هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم* وقال ابن لبابة ما رأيت أفقه منه* وفى سنة سبع وسبعين ومائتين مات حافظ زمانه أبو حاتم محمد بن ادريس الحنظلى الرازى فى شعبان وهو فى عشر التسعين وكان جاريا فى مضمار أبى زرعة والبخارى وفيها مات الحافظ أبو داود صاحب السنن مات بالبصرة* وفى سنة ثمان وسبعين ومائتين كان مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة وهم زنادقة مارقون من الدين* وفيها مات الموفق أبو أحمد طلحة بن المتوكل بن المعتصم ولى عهد أخيه الخليفة المعتمد على الله فى صفر وله تسع وأربعون سنة وكان ملكا جبارا مطاعا بطلا شجاعا كبير الشأن حارب الفرنج حتى أبادهم وحارب يعقوب الصفار فهزمه وكان اليه جميع أمر الجيش وكان محببا الى الناس اعتراه نقرس فبرّح به وأصاب رجله داء الفيل وكان يقول فى ديوانى مائة ألف مرتزق ما أصبح فيهم أسوأ حالا منى واشتدّ ألمه حتى مات* وفى سنة تسع وسبعين ومائتين تمكن المعتضد وخضعت لهيبته الامراء حتى ألزم عمه أمير المؤمنين ان يقدّمه فى العهد على ابنه المفوّض ففعل ذلك مكرها وفيها منع المعتضد الناس من بيع كتب الفلسفة وتهدد على ذلك ومنع المنجمين والقصاص من الجلوس وفيها مات الامام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الاسلمى الترمذى مصنف الجامع فى رجب بترمذ والحافظ أبو بكر أحمد بن أبى خيثمة أحد الاعلام صاحب التاريخ الكبير وتوفى أمير المؤمنين المعتمد على الله ولم تطل أيامه بعد أخيه الموفق مات المعتمد فجاءة وهو سكران وقيل سم فى لحم وقيل رمى فى رصاص مذاب وقيل وقع فى حفرة ببغداد فى تاسع شهر رجب سنة تسع وسبعين ومائتين فكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة* وفى سيرة مغلطاى سنة اثنتين وعشرين واحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما ليس له فيها الا مجرّد الاسم فقط والامر كله لاخيه الموفق طلحة ثم بعده لابنه المعتضد أحمد الخليفة الاتى ذكره*
(ذكر خلافة المعتضد بالله أبى العباس أحمد بن ولى العهد الموفق بالله طلحة بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله محمد بن الرشيد هرون الهاشمى العباسى)(2/343)
* أمير المؤمنين مولده فى سنة اثنتين وأربعين ومائتين فى ذى القعدة فى أيام جدّه* صفته* كان أسمر نحيفا معتدل الخلق وكان يقدر على الاسد وحده وتغير مزاجه لافراط الجماع وكان المعتضد هذا آخر من ولى الخلافة ببغداد من بنى العباس وكان شجاعا مقدامامها باذا سطوة وحزم ورأى وجبروت ومن جاء بعده فهم كلا شئ بالنسبة الى المعتضد وكان الموفق قد خاف من ولده المعتضد فلما اشتدّ مرض الموفق عمد غلمان المعتضد اليه وأخرجوه من الحبس بلا اذن الموفق ولا الخليفة فلما رآه والده الموفق أيقن بالموت ثم قال له يا ولدى لهذا اليوم خبأتك وفوّض اليه الامور وأوصاه بعمه المعتمد وكان ذلك قبل موت الموفق بثلاثة أيام ولما تخلف المعتضد أحبه الناس لحسن تدبيره وشدّة بأسه بويع بالخلافة بعد موت عمه المعتمد بامرة المؤمنين* وفى سنة ثمان وثمانين ومائتين مات الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد البرنى القاضى الحافظ صاحب المسند وكان من عباد الحنفية وقاضى مصر أبو جعفر أحمد بن ابى عمران الحنفى صاحب ابن سماعة وقد قارب الثمانين وحافظ سجستان الامام عثمان بن سعيد الدارمى صاحب التصانيف عن ثمانين سنة* وفى سنة احدى وثمانين ومائتين توفى الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبى الدنيا صاحب التصانيف عن نيف وثمانين سنة وحافظ دمشق أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو البصرى وله تصانيف* وفى سنة اثنتين وثمانين ومائتين اصطلح خمارويه بن أحمد بن طولون صاحب مصر والمعتضد بعد خطوب وحروب بينهما فتزوّج المعتضد بابنة خمارويه قطر الندا على صداق أربعين ألف دينار فبعثها أبوها وجهزها بألف ألف دينار وأعطت الدلال مائة ألف درهم ومات فى ذى القعدة متولى مصر والشام أبو الجيش خمارويه أحمد بن طولون حمو الخليفة فتك به غلمانه لانه راودهم وكان شهما صارما مهيبا وعاش اثنتين وثلاثين سنة ودولته اثنتى عشرة سنة* وفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين توفى السيد العارف سهل بن عبد الله التسترى الزاهد عن نحو ثمانين سنة* وفى سنة أربع وثمانين ومائتين قال ابن جرير فيها عزم المعتضد على سب معاوية على المنابر فخوّفه الوزير عبد الله من اضطراب العامّة فلم يلتفت اليه وتهدد العامّة وألزمهم بترك الاجتماع وشدّد عليهم وأنشأ كتابا ليقرأ على المنبر فيه مثالبه ومعائبه وقال ان تحرّكت العامّة وضعت فيهم السيف قيل فما تصنع بالعلوية الذين هم قد خرجوا عليك فى كل ناحية اذا سمع الغوغاء هذا من مناقب أهل البيت مالوا اليهم فأمسك المعتضد عن ذلك* وفيها مات البحترى شاعر وقته أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائى وله بضع وسبعون سنة وفى سنة خمس وثمانين ومائتين مات ببغداد أبو العباس المبرّد امام النحو* وفى سنة ست وثمانين ومائتين ظهر بالبحرين القرامطة وعليهم أبو سعيد الجبائى وقويت شوكته وأفسد وقصد البصرة فحصنها المعتضد وكان أبو سعيد كيالا بالبصرة وجبان من قرى الاهواز* وقال لصولى كان يرفو أعدال الدقيق فخرج الى البحرين وانضم اليه بقايا الزنج والحرامية حتى تفاقم أمره وهزم جيوش المعتضد مرّات ثم انه ذبح فى الحماء وقام بعده ابنه أبو طاهر* وفيها مات شيخ الصوفية أبو سعيد الخراز أحد الاولياء* وفى سنة تسع وثمانين ومائة ماتت قطر الندا بنت صاحب مصر زوجة المعتضد واستمرّ المعتضد فى الخلافة الى ان مات يوم الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الاخر سنة تسع وثمانين ومائتين وفى سيرة مغلطاى توفى ببغداد ليلة الثلاثاء لست بقين من ربيع الاخر وقيل لثمان بقين منه سنة ثمان وثمانين ومائتين وقيل تسع ودفن فى الحجرة الرخام وكان المعتضد يسمى السفاح الثانى لانه جدّد ملك بنى العباس* ومن عجيب ما ذكر عنه المسعودى ان صح قال شكوا فى موت المعتضد فتقدّم الطبيب فجس نبضه ففتح عينيه ورفس الطبيب برجله فدحاه أذرعا ومات الطبيب ثم مات المعتضد من ساعته(2/344)
وكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ونصف* وفى سيرة مغلطاى وكانت مدّة خلافته عشر سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام وقيل تسع سنين وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوما وعاش أربعين سنة*
(ذكر خلافة المكتفى بالله على بن المعتضد أحمد بن ولى العهد الموفق طلحة بن جعفر)
* المتوكل بن المعتصم محمد بن الرشيد هرون الهاشمى العباسى أمير المؤمنين أبو محمد أمّه أمّ ولد تسمى خاضع ولد سنة أربع وستين ومائتين* صفته* كان يضرب المثل بحسنه فى زمانه كان معتدل القامة درىّ اللون أسود الشعر حسن اللحية جميل الصورة بويع بالخلافة بعد أبيه المعتضد فى جمادى الاولى سنة تسع وثمانين ومائتين وأخذ له أبوه البيعة فى مرض موته وأباد القرامطة وفتح انطاكية* وفى أيام المكتفى سنة تسعين ومائتين كان بمصر غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة ولم يبق من العالم الا القليل وفيها حاصرت القرامطة دمشق فقتل طاغيتهم صاحب الشام ابن ركرويه وكان ركرويه يكذب ويزعم أنه علوى فقام بالامر بعده أخوه الحسين فجهز المكتفى عشرة آلاف مع أبى الاعز لقتالهم فلما قاربوا حلب بيتهم القرامطة فهرب أبو الاعز فى ألف فارس فدخل حلب وقتل أكثر جيشه ووصل المكتفى بالله الى الرقة وبعث الجيوش يمدّ أبا الاعز وقدمت عساكر مصر مع بدر الحمامى فهزموا القرامطة وقتل منهم خلق كثير* وفيها مات محدّث بغداد عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيبانى الحافظ وله سبع وسبعون سنة* وفى سنة احدى وتسعين ومائتين مات مقرئ أهل مكة قنبل واسمه محمد بن عبد الرحمن المخزومى وفيها مات محدث الرى على بن الحسين بن الجنيد الرازى الحافظ* وفى سنة اثنتين وتسعين ومائتين مات حافظ وقته أبو بكر أحمد بن عمرو البصرى البزار صاحب المسند الكبير برملة وقاضى القضاة أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفى ببغداد وكان من قضاة العدل فكان عند الموت يبكى ويقول يا رب من القضاء الى القبر* وأما القرامطة فعظم بهم البلاء فالتزم أهل دمشق لهم بأمور عظيمة فترحلوا ثم افتتحوا حمص وساروا الى حماة والمعرّة يقتلونهم ويسبون وقتلوا أكثر أهل بعلبك ثم استباحوا سلمية فالتقاهم جيش الخليفة بقرب حمص فكسروهم وأسروا خلائق وذلت القرامطة لعنهم الله ثم انهزم رئيسهم مع ابن عمه وآخر فوقعوا بهم فحملوهم الى المكتفى فقتلوهم وأحرقوا ولم تطل أيام المكتفى ومات ببغداد شابا ليلة الاحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذى القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين وكانت خلافته ستة أعوام وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما واستخلف بعده أخوه المقتدر بتفويض المكتفى اليه فى مرضه بعد أن سأل عنه المكتفى وصح عنده انه احتلم والله أعلم*
(ذكر خلافة المقتدر بالله أبو الفضل جعفر بن ولى العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد الهاشمى العباسى)
* أمير المؤمنين وهو السادس فخلع مرّتين كما سيأتى أمّه أمّ ولد اسمها شعب بويع بالخلافة بعد موت أخيه المكتفى وهو غير بالغ وعمره أربع عشرة سنة قال الذهبى وعمره ثلاث عشرة سنة وأربعون يوما ولم يل أمر الامّة صبىّ قبله وضعف دست الخلافة فى أيامه ولما استخلف المقتدر فى هذه المرّة الاولى لم يتم أمره لصغر سنه وتغلب عليه الجند واتفق جماعة من الاعيان على خلعه من الخلافة وتولية عبد الله بن المعتز وكلموا ابن المعتز فى ذلك فأجابهم بشرط أن لا يكون فيها دم فانه كان عالما فاضلا دينا أديبا شاعرا فأجابوه لذلك وكان رأسهم محمد بن داود بن الجرّاح وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضى والحسين بن حمدان واتفقوا على قتل المقتدر ووزيره العباس وفاتك فلما كان العشرون من شهر ربيع الاوّل سنة ست وتسعين ومائتين ركب الحسين بن حمدان والقوّاد فشدّ ابن حمدان على الوزير فقتله فأنكر عليه فاتك فقتله ثم شدّ على المقتدر وكان يلعب بالصوالجة فسمع الضجة فدخل وأغلقت الابواب فعاد ابن حمدان ونزل وأحضر عبد الله بن المعتز وحضر القواد والقضاة والاعيان وبايعه(2/345)
حسبما يأتى ذكره وخلع المقتدر من الخلافة وهو مقيم بالحريم داخل دار الخلافة وكانت خلافة المقتدر فى هذه المرّة الاولى دون السنة* وفى سيرة مغلطاى ولى أربعة أشهر ثم عزل ثم أعيد كما سيأتى*
(ذكر خلافة عبد الله بن المعتز الشاعر بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد)
* الهاشمى العباسى أمير المؤمنين أبو العباس الاديب مولده فى شعبان سنة تسع وأربعين ومائتين بويع بالخلافة بعد خلع المقتدر ولقب بالغالب بالله وفى سيرة مغلطاى لقب بالمنتصف بالله وقيل بالراضى واستوزر محمد بن داود بن الجرّاح ويمن الخادم حاجبه فغضب سوسن الخادم وعاد الى دار المقتدر وطاعته وتم أمر عبد الله بن المعتز فى ذلك اليوم وأنفذت الكتب بخلافته الى الاقطار فى العشرين من شهر ربيع الاوّل سنة ست وتسعين ومائتين ولما تخلف ابن المعتز بعث الى المقتدر يأمره بالانصراف الى دار محمد بن طاهر لكى ينتقل ابن المعتز الى دار الخلافة فأجاب المقتدر وقد بقى عنده أناس قلائل وباتوا تلك الليلة وأصبح الحسين بن حمدان باكرا الى دار الخلافة وقاتل أعوان المقتدر فقاتلوه ودفعوه عنها ثم خرجوا بالسلاح وقصدوا مكان ابن المعتز فلما رآهم من حول ابن المعتز أوقع الله فى قلوبهم الرعب فانهزموا بغير حرب فركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره ابن داود وحاجبه يمن وقد شهر سيفه فلم يتبعه أحد فلما رأى أمره فى ادبار نزل عن دابته ودخل دار ابن الجصاص واختفى الوزير وغيره ونهبت دورهم وخرج المقتدر واستفحل أمره وأمسك جماعة ابن المعتز ومن قام بنصرته وحبسهم ثم قتل غالبهم وقتل ابن الجرّاح الذى وزر لابن المعتز ذلك اليوم وكان اديبا فاضلا علامة له تصانيف واستقام أمر المقتدر وأعيد للخلافة ثم قبض على ابن المعتز وابن الجصاص وحبس ابن المعتز أياما ثم أخرج ميتا فى شهر ربيع الاخر سنة ست وتسعين ومائتين وكان الذى تولى هلاكه مؤنس الخادم وكانت خلافته يوما واحدا وقيل نصف يوم* وفى سيرة مغلطاى مكث فى الخلافة يوما وليلة فقتل وبعضهم لم يذكره مع الخلفاء وسماه الامير لا امير المؤمنين ومذهب بعضهم انه أمير المؤمنين ولو لم يل الخلافة فانه كان خليقا للخلافة وأهلالها*
(ذكر خلافة المقتدر بالله أبو الفضل جعفر فى المرّة الثانية)
* أعيد الى الخلافة فى صبيحة يوم خلعه ولم ينتقل المقتدر من دار الخلافة ولم يغير لقبه واستمرّ فى الخلافة وظفر بأعدائه واحدا بعد واحد واستوزر أبا الحسين بن محمد بن الفرات فسار ابن الفرات فى الناس أحسن سيرة وكشف المظالم وفوّض اليه المقتدر جميع الامور لصغر سنه واشتغل باللعب مع الندماء والمغنين وعاشر النساء وغلب أمر الخدم والحرم على دولته وأتلف الخزائن* وفى الكامل فى سنة ثلثمائة كثرت الامراض والعلل ببغداد وفيها كلبت الكلاب والذئاب بالبادية فأهلكت خلقا كثيرا وفيها انقضت الكواكب انقضاضا كثيرا الى جهة المشرق وفى هذا الوقت مات الملعون أحمد بن يحيى الراوندى الزنديق وقد صنف فى الازراء على النبوّات والردّ على القرآن* وفى سيرة مغلطاى لما صفا الامر للمقتدر قتل الحلاج الزنديق المدّعى للربوبية وقوى أمر القرامطة فقلع الحجر الاسود وتحرّكت الديلم وقوى أمر بنى القداح بالمغرب وانتسبوا الى محمد ابن اسمعيل بن جعفر فقتلهم أبو القاسم المهدى وقيل انه كان من أبناء اليهود* قال الذهبى فى سنة احدى وثلثمائة شهر الحلاج على جمل ثم علقوه ونودى هذا من دعاة القرامطة فاعرفوه ثم سجن وظهر أنه ادعى الالهية وصرح بالحلول* وفى المواقف لقبوا بالقرامطة لانّ أوّلهم الذى دعا الناس الى مذهبهم رجل يقال له حمدان قرمطه وهى احدى قرى واسط لقبوا بسبعة ألقاب بالقرامطة لما مرّ وبالباطنية لقولهم بباطن الكتاب دون ظاهره فانهم قالوا للقرآن ظاهر وباطن والمراد منه باطنه لا ظاهره المعلوم من اللغة ونسبة الباطن الى الظاهر كنسبة اللب الى القشر وبالحرمية لاباحتهم الحرمات والمحارم وبالسبعية لانهم زعموا انّ النطقاء بالشرائع أى الرسل سبعة آدم ونوح وابراهيم(2/346)
وموسى وعيسى ومحمد ومحمد المهدى سابع النطقاء وبالبابكية اذ تبع طائفة منهم بابك بن عبد الكريم الحرمى فى الخروج بأذربيجان وبالمحمرة للبسهم الحمرة فى أيام بابك وبالاسماعيلية لاثباتهم الامامة لاسمعيل بن جعفر الصادق وهو أكبر أبنائه* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى لهم ألقاب كثيرة على لسان كل قوم فبالعراق يسمون الباطنية والقرامطة والمزدكية وبخراسان التعليمية والملحدة وهم يقولون نحن اسماعيلية لانا نميز عن فرق الشيعة بهذا الاسم وبهذا الشخص* وفى هذه السنة قتل أبو سعيد الجبانى رأس القرامطة قتله مملوك له صقلبى راوده فى الحمام ثم خرج فاستدعى قائدا من أصحاب الجبانى فقال السيد يطلبك فلما دخل قتله وخرج فطلب آخر فقتله حتى قتل أربعة من رؤسائهم واستدعى الخامس فلما دخل فطن لذلك فأمسك بيد الخادم وصاح الناس وصاح النساء فقتلوه* وفى سنة ثلاث وثلثمائة توفى حافظ زمانه أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائى أحد الاعلام ومصنف السنن فى صفر وله ثمان وثمانون سنة وكان يقوم الليل ويصوم يوما ويفطر يوما وفيها مات أبو على محمد بن عبد الله الجبائى البصرى شيخ المعتزلة* وفى سنة سبع وثلثمائة مات محدّث الموصل أبو يعلى محمد بن على بن المثنى الموصلى الحافظ صاحب المسند وله سبع وتسعون سنة وفيها انقض كوكب واشتدّ ضوءه وعظم وتفرّق ثلاث فرق وسمع عند انقضاضه مثل صوت الرعد الشديد ولم يكن فى السماء غيم والله تعالى أعلم كذا فى الكامل* وفى سنة تسع وثلثمائة قتل حسين بن منصور الحلاج ببغداد بأمر المفتين وحكم الحاكم على الزندقة والحلول وكان قد سافر الى الهند وتعلم السحر كذا فى دول الاسلام*
ترجمة حسين بن منصور الحلاج
وفى الكامل فى هذه السنة قتل الحسين بن منصور الحلاج الصوفى فى ذى القعدة وأحرق بالنار وكان ابتداء حاله انه كان يظهر الزهد والتصوّف ويظهر الكرامات ويخرج للناس فاكهة الشتاء فى الصيف وفاكهة الصيف فى الشتاء ويمدّيده الى الهواء ويعيدها مملوءة دراهم على كل درهم مكتوب قل هو الله أحد ويسميها دراهم القدرة ويخبر الناس بما أكلوا وبما صنعوا فى بيوتهم ويتكلم بما فى ضمائرهم فافتتن به خلق كثير اعتقدوا فيه الحلول وبالجملة فانّ الناس اختلفوا فيه اختلافهم فى المسيح عليه السلام فمن قائل انه حل فيه جزء الهىّ ويدعى فيه الربوبية ومن قائل انه ولى الله تعالى وانّ الذى يظهر منه من جملة كرامات الصالحين ومن قائل انه مشعبذ وممجرق وساحر وكذاب ومتكهن والجنّ تطيعه فتأتيه بالفاكهة فى غير أوانها وكان قد قدم من خراسان الى العراق وسار الى مكة فأقام بها فى الحجر لا يستظل تحت سقف شتاء ولا صيفا وكان يصوم الدهر فاذا جاء العشاء أحضر له القوم كوزماء وقرصا فيشربه ويعض من القرص ثلاث عضات من جوانبه فيأكلها ويترك الباقى فيأخذونه ولا يأكل شيئا آخر الى الغد آخر النهار* وكان شيخ الصوفية يومئذ بمكة عبد الله المغربى فأخذ أصحابه الى زيارة الحلاج فلم يجدوه فى الحجر وقيل قد صعد الى جبل أبى قبيس فصعد اليه فرآه قائما على صخرة حافيا مكشوف الرأس والعرق يجرى منه الى الارض فأخذ أصحابه وعاد ولم يكلمه وقال هذا يتصبر ويتقوّى على قضاء الله تعالى وسوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقوّته وعاد الحسين الى بغداد وأما سبب قتله فانه نقل عنه عند عوده الى بغداد الى الوزير حامد بن العباس وزير المقتدر أنه أحيى جماعة وأنه يحيى الموتى وانّ الجنّ يخدمونه ويحضرون عنده ما يشتهى وأنه قدّموه على جماعة من حواشى الخليفة المقتدر بالله وأن نصر الحاجب قد مال اليه فالتمس حامد الوزير من المقتدر بالله أن يسلم اليه الحلاج وأصحابه فدفع عنه نصر الحاجب فألح الوزير فأمر المقتدر بتسليمه اليه فأخذه وأخذ معه جماعة من أصحابه فيهم انسان يعرف بالشمرىّ قيل انهم يعتقدون انه اله فقرّرهم حامد(2/347)
فاعترفوا بأنه قد صح عندهم أنه اله وأنه يحيى الموتى وقابلوا الحلاج على ذلك فأنكر وقال أعوذ بالله أن أدّعى الربوبية والنبوّة وانما أنا رجل أعبد الله عز وجل فأحضر حامد القاضى أبا عمرو والقاضى أبا جعفر بن البهلول وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود واستفتاهم فقالوا لا نفتى فى أمره بشئ الا أن يصح عندنا ما يوجب قتله ولا يجوز قبول قول من يدّعى عليه ما ادّعاه الا ببينة أو اقرار وكان يخرج الحلاج الى مجلسه ويستنطقه فلا يظهر منه ما تكرهه الشريعة المطهرة وطال الامر على ذلك وحامد الوزير مجدّ فى أمره وجرى له قصص يطول شرحها وفى آخرها انّ الوزير رأى له كتابا حكى فيه انّ الانسان اذا أراد الحج ولم يمكنه أفرد من داره بيتا لا يلحقه شئ من النجاسات ولا يدخله أحد فاذا حضرت أيام الحج طاف حوله وفعل ما يفعله الحاج بمكة ثم يجمع ثلاثين يتيما ويصنع أجود طعام يمكنه ويطعمهم فى ذلك البيت ويخدمهم بنفسه فاذا فرغوا كساهم وأعطى كل واحد منهم تسعة دراهم فاذا فعل ذلك كان كمن حج فلما قرئ هذا الكتاب على الوزير قال القاضى أبو عمرو للحلاج من أين لك هذا قال من كتاب الاخلاص للحسن البصرى قال له كذبت يا حلاج الدم سمعناه بمكة وليس فيه هذا فكتب القاضى ومن حضر المجلس باباحة دمه فأرسل الوزير الفتاوى الى الخليفة فاستأذن فى قتله وسلمه الوزير الى صاحب الشرطة فضربه ألف سوط فما تأوّه ثم قطع يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ثم قتل وأحرق بالنار فلما صار رمادا ألقى فى الدجلة ونصب الرأس ببغداد وأرسل الى خراسان لانه كان له بها أصحاب وأقبل بعض أصحابه يقولون انه لم يقتل وانما ألقى شبهه على دابة وانه يجىء بعد أربعين يوما وبعضهم يقول لقيته بطريق النهروان وأنه قال له لا تكونوا مثل هؤلاء البقر الذين يظنون أنى ضربت وقتلت* وفى حياة الحيوان نقلا عن تاريخ ابن خلكان رسم المقتدر بتسليمه الى محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة فتسلمه بعد العشاء خوفا من العامّة أن تنزعه من يده ثم أخرجه يوم الثلاثاء لست بقين من ذى القعدة سنة سبع وثلثمائة عند باب الطاق واجتمع خلق كثير فأمر به فضربه الجلاد ألف سوط فما استعفى ولا تأوّه ثم قطع أطرافه الاربعة وهو ساكن لا يضطرب ثم حز رأسه وأحرقت جثته وألقى رماده فى دجلة ونصب الرأس ببغداد ثم حمل وطيف به فى النواحى والبلاد وجعل أصحابه يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوما واتفق أن زاد دجلة تلك السنة زيادة وافرة فادّعى أصحابه انّ ذلك بسبب القاء رماده فيها وادّعى بعض أصحابه انه لم يقتل وانما ألقى شبهه عند قتله على عدوّله* وذكر الشيخ الامام عز الدين بن عبد السلام المقدسى فى مفاتيح الكنوز انه لما أتى به ليصلب ورأى الخشب والمسامير ضحك ضحكا كثيرا ثم نظر فى الجماعة فرأى الشبلى فقال له يا أبا بكر أما معك سجادة قال بلى قال افرشها لى ففرشها فتقدّم وصلى ركعتين فقرأ فى الاولى بفاتحة الكتاب ومن بعدها ولنبلونكم بشئ من الخوف الاية ثم قرأ فى الثانية بفاتحة الكتاب ومن بعدها كل نفس ذائقة الموت ثم ذكر كلاما كثيرا ثم تقدّم أبو الحارث السياف ولطمه لطمة هشم وجهه وأنفه فصاح الشبلى ومزق ثيابه وأغشى على أبى الحسن الواسطى وعلى جماعة من المشايخ وكان الحلاج يقول اعلموا ان الله قد أباح لكم دمى فاقتلونى ليس للمسلمين اليوم أهم من قتلى وقد اضطرب الناس فى أمره اضطرابا متباينا فمنهم من يعظمه ومنهم من يكفره* وقد ذكر الامام قطب الوجود حجة الاسلام فى كتاب مشكاة الانوار فصلا طويلا فى أمره واعتذر عن اطلاقاته كقوله أنا الحق وما فى الجبة الا الله وحملها كلها على محامل حسنة وقال هذا من فرط المحبة وشدّة الخوف والوجل وهو كقول القائل أنا من أهوى ومن أهوى أنا* نحن روحان حللنا بدنا* وحسبك هذا مدحة وتزكية وكان ابن شريح اذا سئل عنه يقول هذا رجل قد خفى علىّ حاله وما أقول فيه شيئا وهذا شبيه بكلام عمر بن(2/348)
عبد العزيز وقد سئل عن على ومعاوية قال دماؤهم قد طهر الله منها سيوفنا أفلا يطهر من الخوض فيها ألسنتنا وهكذا ينبغى لمن يخاف الله تعالى أن لا يكفر أحدا من أهل القبلة بكلام يصدر منه يحتمل التأويل على الحق والباطل فان الآخراج من الاسلام عظيم ولا يسارع به الا الجاهل* ويحكى عن شيخ العارفين قطب الزمان عبد القادر الكيلانى قدّس الله روحه أنه قال عثر الحلاج ولم يكن له من يأخذ بيده ولو أدركت زمانه لاخذت بيده وهذا وما سبق عن الامام الغزالى فى أمره كاف لمن له أدنى فهم وبصيرة وسمى الحلاج لانه جلس يوما على حانوت حلاج فاستقضاه حاجة فقال له الحلاج أنا مشتغل بالحلج فقال له اقض حاجتى حتى أحلج عنك فمضى الحلاج فى حاجته فلما عاد وجد قطنه كله محلوجا وكان لا يحلجه عشرة رجال فى أيام متعدّدة فمن ثمة قيل له الحلاج وقيل انه كان يتكلم على الاسرار ويخبر عنها فسمى حلاج الاسرار وكان من أهل البيضاء بلدة بفارس واسمه الحسين بن منصور* وفيها توفى شيخ الصوفية أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الزاهد البغدادى* وفى سنة عشر وثلثمائة مات عالم العصر أبو حفص محمد بن جرير الطبرى صاحب التفسير والتاريخ والفقهيات مات فى شوّال وله ست وثمانون سنة وفيها فى جمادى الاخرة انقض كوكب فى المشرق فى برج السنبلة طوله نحو ذراعين ذكره فى الكامل* وفى سنة احدى عشرة وثلثمائة مات أبو اسحاق الزجاج نحو العراق وحافظ ما وراء النهر أبو حفص عمر بن محمد بن يحيى صاحب الصحيح وشيخ الطب محمد بن زكريا الرازى صاحب الكتب* وفى سنة اثنتى عشرة وثلثمائة افتتح المسلمون فرغانة من مدائن الترك وفى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة انقض كوكب كبير وقت المغرب له صوت مثل صوت الرعد الشديد وضوء عظيم أضاءت له الدنيا* وفى سنة أربع عشرة وثلثمائة توجه أبو طاهر القرمطى نحو مكة فبلغ خبره الى أهلها فنقلوا أموالهم وحرمهم الى الطائف وغيره خوفا منه كذا فى الكامل* وفى سنة ست عشرة وثلثمائة مات ببغداد شيخها الحافظ ذو التصانيف أبو بكر بن صاحب السنن أبى داود السجستانى وله ست وثمانون سنة وكان ذا زهد ونسك وصلى عليه نحو ثلثمائة ألف نفس وقد حدّث من حفظه بأصبهان بثلاثين ألف حديث باسانيدها ومات باسفرائن حافظها الكبير أبو عوانة يعقوب بن اسحاق الاسفرائنى صاحب المسند واستمرّ المقتدر فى الخلافة الى سنة سبع عشرة وثلثمائة ثم خلع ثانيا بأخيه القاهر بالله أبى منصور محمد*
(خلافة القاهر بالله أبى منصور محمد بن المعتضد)
* أحمد بن ولىّ العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر العباسى الهاشمى أمير المؤمنين وأمه أم ولد مغربية تسمى فنون* صفته* كان أسمر ربعة أصهب الشعر طويل الانف بويع بالخلافة بعد أن قبض على أخيه المقتدر جعفر وعلى أمه وخالته وأخرجوا الى دار يونس وكان القاهر هذا محبوسا فوصل فى الثلث الاخير من ليلة الخامس عشر من المحرّم سنة سبع عشرة وثلثمائة وبايعه يونس والامراء ولقبوه بالقاهر بالله ثم أشهد المقتدر على نفسه بالخلع فى يوم السبت وجلس القاهر فى يوم الاحد وكتب الوزير عنه الى الاقطار وعمل الموكب يوم الاثنين فامتلات دهاليز الدار بالعسكر يطلبون رزق البيعة ورزق سنة أيضا فارتفعت أصوات الرجالة ثم هجموا على الحاجب نازل وهو بدار الخلافة فقتلوه وصاحوا يا مقتدر يا منصور فتهارب من فى دار الخلافة ثم أخرج المقتدر وحضر الى دار الخلافة وجلس مجلسه فأتوا بأخيه محمد القاهر هذا وجلس بين يديه فاستدناه المقتدر وقبل جبينه وقال له يا أخى والله أنت لا ذنب لك والقاهر يبكى ويقول ألله ألله يا أمير المؤمنين فى نفسى فقال المقتدر والله لا جرى عليك منى سوء أبدا فطب نفسا وأقام القاهر عند أخيه المتقدر مبجلا محترما الى أن أعيد الى الخلافة بعد موت أخيه المقتدر*
(خلافة المقتدر بالله جعفر أعيد الى الخلافة ثالث مرّة)
*(2/349)
حسبما تقدّم ذكره ولما أعيد الى الخلافة كتب بذلك الى سائر البلاد وتم أمره ثم بذل الخزائن والاموال فى الجند وباع ضياعا وغيرها حتى تمم عطاءهم
قلع الحجر الاسود من الكعبة ونقله الى هجر
ثم فى سنة سبع عشرة وثلثمائة سير المقتدر ركب الحاج مع منصور الديلمى فوصلوا الى مكة سالمين فوافاهم فى يوم التروية الملعون عدوّ الله أبو طاهر القرمطى فقتل الحجيج فى المسجد الحرام قتلا ذريعا وهم محرمون وفى أزقة مكة وفى داخل البيت وحوله وقتل ابن محارب أمير مكة وعرّى البيت وقلع باب الكعبة واقتلع الحجر الاسود وأخذه الى هجر وطرح القتلى فى بئر زمزم ودفن الباقى فى المسجد الحرام وحيث قتلوا بغير كفن ولا غسل ولا صلى على أحد منهم كذا فى الكامل* يقال دخل القرمطى مكة بأناس قلائل نحو سبعمائة فلم يطق أحد ردّه خذلانا من الله تعالى فقتلوا حول البيت ألفا وسبعمائة وصعد اللعين على عتبة الكعبة ونادى
أنا بالله وبالله أنا ... أخلق الخلق وأفنيهم أنا
ويقال ان القتلى بمكة وبظاهرها فى هذه الكائنة أكثر من ثلاثين ألف انسان وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك ومدّة اقامته بمكة ستة أيام ولم يحج أحد ولا وقف بالناس امام سنة سبع عشرة وثلثمائة كذا فى سيرة مغلطاى فكان من القتلى شيخ الحنفية ببغداد أبو سعيد أحمد بن على البردعى والحافظ أبو الفضل محمد بن أبى الحسين الهروى وبعد عود القرمطى الى هجر رماه الله فى جسده وطال عذابه وتقطعت أوصاله وتناثر الدود من لحمه الى أن مات وبقى الحجر الاسود عند القرامطة نحو عشرين سنة ولما أخذه القرمطى وساربه الى هجر هلك تحته أربعون جملا فلما أعيد الى مكة حمل على قعود هزيل فسمن تحته* ولما كان الحجر عندهم دفع فيه بحكم التركى خمسين ألف دينار ليردّه الى مكانه فأبوا وقالوا قد أخذناه بأمر ولا نردّه الا بأمر وقد مرّ فى بناء الكعبة* وفيها فى آخر ذى القعدة انقض كوكب عظيم وصار له ضوء عظيم جدّا وفيها هبت ريح شديدة وحملت رملا أحمر شديد الحمرة فعمّ جانبى بغداد وامتلات منه البيوت والدور يشبه رمل طريق مكة كذا فى الكامل* وأما المقتدر فاستمرّ فى الخلافة الى أن قتل فى يوم الاربعاء السابع والعشرين من شوّال سنة عشرين وثلثمائة فى حرب كان بينه وبين مونس من البربر فضربه رجل منهم من خلفه ضربة سقط منها الى الارض فقال له ويحك أنا الخليفة فقال أنت المطلوب وذبحه بالسيف وشال رأسه على رمح ثم سلب ما عليه وبقى مكشوف العورة حتى ستر بالحشيش ثم حفر له فى الموضع ودفن وعفى أثره* وفى سيرة مغلطاى صاحب المقتدر قرناء السوء حتى أخرجوه ليتفرّج على لاعب فى الميدان فاشتغل الناس باللاعب عن حراسة الخليفة فلما رأى اللاعب الناس قد أبعدوا عنه ركض فرسه اليه وطعنه فى صدره بحربة ثم مر اللاعب يطلب دار الخلافة نحو القاهر فعلق به كلاب فى دكان قصاب فخرج الفرس من تحته فبقى معلقا فمات فى الوقت وأحرق وكان قتله يوم الاربعاء لثلاث ليال بقين من شوّال سنة عشرين وثلثمائة وقيل انه قتل فى حرب كانت بينه وبين مونس الخادم الملقب بالمظفر وأعيد بعده الى الخلافة أخوه القاهر* وكانت خلافة المقتدر أوّلا وثانيا وثالثا خمسا وعشرين سنة الا اياما* وفى سيرة مغلطاى كانت خلافته أربعا وعشرين سنة وشهرين وعشرة أيام وقيل وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما انتهى وعاش ثمانيا وعشرين أو ثلاثين سنة وكان سخيا مبذرا يصرف فى كل سنة للحج اكثر من ثلثمائة ألف دينار وكان فى داره أحد عشر ألف غلام خصيان غير الروم والصقالبة والسود* وقال الصولى كان المقتدر يفرّق يوم عرفة من الابل والبقر أربعين ألف رأس ومن الغنم خمسين ألف رأس ويقال انه أتلف من الذهب ثمانين ألف ألف دينار فى أيامه قال الذهبى انه كان مسرفا مبذرا للمال ناقص الرأى أعطى جارية له الدرّة اليتيمة وزنها(2/350)
ثلاثة مثاقيل وما كانت تقوّم وخلف عدّة أولاد منهم الراضى بالله والمتقى بالله واسحاق والمطيع لله
*
(خلافة القاهر بالله أبى منصور محمد)
* تخلف ثانيا بعد قتل أخيه جعفر المقتدر بالله فى السابع والعشرين من شوّال سنة عشرين وثلثمائة* وفى سنة احدى وعشرين وثلثمائة مات شيخ الحنفية أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوى المصرى الحنفى أحد الاعلام* وشيخ الاعتزال والضلال أبو هاشم الجبائى وشيخ اللغة والعربية أبو بكر محمد بن الحسين بن دريد الازدى ببغداد وله ثمان وتسعون سنة* وفيها توفى محمد بن يوسف بن مطر الفربرى بالفاء والراءين المهملتين بينهما باء موحدة وهى قرية من قرى بخارى وكان مولده سنة احدى وثلاثين ومائتين وهو الذى روى صحيح البخارى عنه وكان قد سمعه عشرات ألوف من البخارى فلم ينتشر الا عنه كذا فى الكامل* وكان القاهر هذا قد قرب المنجمين وعمل بقولهم على طريق أبى جعفر المنصور فانه أوّل خليفة قرّبهم وكان عنده نوبخت المنجم وعلى بن عيسى الاسطرلابى وهو أول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والاعجمية ككتاب كليلة ودمنة وكتاب أرسطاطاليس فى المنطق واقليدس وكتب اليونان فنظر الناس فيها وتعلقوا بها فلما رأى ذلك محمد بن اسحاق جمع المغازى والسير* قال الصولى كان القاهر سفا كاللدماء قبيح السيرة كثير التلوّن والاستحالة مدمن الخمر ولولا جودة حاجبه سلامة لأهلك الحرث والنسل وكان قد صنع حربة يأخذها بيده فلا يضعها حتى يقتل بها انسانا* قال محمود الاصبهانى كان سبب خلع القاهر سوء سيرته وسفكه الدماء ولما أساء السيرة وقتل بعضا من الاعيان كالامير أبى السرايا نصر بن أحمد واسحاق بن اسماعيل النوبختى وكان أشار بخلافته وكان أحد الصدور وغيرهم نفرت القلوب منه وكان ابن مقلة مختفيا فبقى يراسل الخاصكية ويجسرهم على القاهر بالله ويخوّفهم من غائلته حتى اتفقوا على الفتك به فركبوا آخر النهار وأتوا الى دار القاهر وكان نائما سكران الى أن طلعت الشمس فنبهوه فلم ينتبه لشدّة سكره وهرب الوزير فى زىّ امرأة وكذا سلامة الحاجب فدخلوا بالسيوف على القاهر فأفاق من سكره وهرب الى سطح حمام واستتر فأتوا مجلس القاهر وفيه عيسى الطبيب وزيرك الخادم واختيار القهرمان فسألوهم عن القاهر فقالوا ما نعرف له خبرا فرسموا عليهم ووقع فى أيديهم خادم القاهر فضربوه فدلهم عليه فجاؤه وهو على السطح وبيده سيف مسلول فقالوا انزل فامتنع فقالوا نحن عبيدك لا تستوحش مناثم فوّق واحد منهم سهما وقال انزل والا قتلتك فنزل اليهم فقبضوا عليه فى سادس جمادى الاخرة من سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ثم أخرجوا أبا العباس محمد بن المقتدر وأمه من الحبس وبايعوه ولقبوه بالراضى بالله ثم أرسل الراضى بالقاضى وغيره الى القاهر ليخلع نفسه فأبى فعادوا للراضى بالخبر فقال لهم انصرفوا ودعونى واياه فأمسكوا القاهر واكحلوه بمسمار قد حمى بالنار فعمى ودام مسجونا الى أن مات فى جمادى الاولى سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وكانت خلافته سنة وستة أشهر وسبعة أو ثمانية أيام*
(خلافة الراضى بالله أبو العباس محمد بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولىّ العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر الهاشمى العباسى)
* أمير المؤمنين أمه أم ولد رومية تسمى ظلوم ومولده فى سنة سبع وتسعين ومائتين* صفته* كان قصيرا أسمر نحيفا فى وجهه طول بويع بالخلافة بعد عمه القاهر حسبما تقدّم ذكره بعد ما سمل القاهر سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة واستوزر أبا على بن مقلة وكان بديع الخط وفى أيام الراضى ضعف أمر الخلافة حتى لم يبق للخلفاء من البلاد سوى بغداد وما والاها وعظم فى أيامه أمر الحنابلة ببغداد حتى صاروا يكبسون دور الامراء والقوّاد فان وجدوا نبيذا أراقوه او قنية كسروها ثم اعترضوا على الناس فى البيع والشراء قال أبو بكر الخطيب وكان للراضى فضائل منها انه آخر خليفة له شعر مدوّن(2/351)
وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش وآخر خليفة خطب يوم الجمعة وآخر خليفة جالس الندماء وكانت جوائزه وأموره على ترتيب المتقدّمين* وفيها مات شيخ العارفين خير النساخ وشيخ الصوفية أبو على الروذآبادى* وفى سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة انقضت الكواكب من أوّل الليل الى آخره انقضاضا دائما كذا فى الكامل وفيها توفى ابراهيم بن محمد بن عرفة المعروف بنفطويه النحوى وله مصنفات كذا فى الكامل* وفى سنة أربع وعشرين وثلثمائة مات مقرئ الافاق أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد ببغداد وله ثمانون سنة وفيها انخسف القمر جميع جرمه ليلة الجمعة لازبع عشرة خلت من شوّال كذا فى الكامل* وفى سنة خمس وعشرين وثلثمائة مات حافظ وقته عبد الرحمن بن أبى حازم الرازى مصنف التفسير والتاريخ وكان يعدّ من الابدال* وفى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة مات الوزير ابن مقلة فى السجن وقد قطعت يده وعاش ستين سنة وتوفى الراضى بالله محمد بن المقتدر فى ليلة السبت لاربع عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل سنة تسع وعشرين وثلثمائة وله اثنتان وثلاثون سنة وكانت خلافته سنتين وأشهرا* وفى سيرة مغلطاى خلافته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام مرض أياما ثم تقايأ دما كثيرا ومات وكان أكبر آفاته كثرة الجماع صلى بالناس الجمعة بسامرا وخطب فأبلغ وأجاد*
(خلافة المتقى لله أبو اسحاق ابراهيم بن المقتدر جعفر الهاشمى العباسى البغدادى)
* أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى حلوب مولده سنة سبع وتسعين ومائتين فأبوه أكبر منه بخمس عشرة سنة* صفته* كان أبيض مليحا أشهل كث اللحية وكان صالحا خيرا كثير الصوم والتهجد والتلاوة فى المصحف ولا يشرب مسكرا ولهذا لقبوه بالمتقى لله بويع بالخلافة لما مات أخوه الراضى بالله وفى أيامه ضعفت الدولة وصغرت دائرة الخلافة فان فى زمانه لم يكن يحمل الى بغداد مال من الاقاليم بل كل واحد استولى على قطر ونزل الامير بحكم التركى واسطا وقرّر مع الخليفة أن يحمل اليه فى السنة ثمانمائة ألف دينار وفى أيامه كانت حروب وفتن وزلازل أقامت تعاود الناس ستة أشهر حتى خربت البلاد وفى أيامه فى سنة احدى وثلاثين وثلثمائة أرسل ملك الروم يطلب منه منديلا زعم انّ المسيح مسح به وجهه فصارت صورة وجهه فيه وكان هذا المنديل فى كنيسة الرهبان وأرسل ملك الروم يقول للمتقى ان أرسلت هذا المنديل أطلقت لك عشرة آلاف أسير من المسلمين فأحضر المتقى الفقهاء واستفتاهم فقالوا أرسل اليهم هذا المنديل ففعل وأطلق الاسراء* وفى هذه السنة توفى أبو الحسن على بن أبى اسمعيل بن أبى بشر الاشعرى المتكلم صاحب المذهب المشهور وكان مولده سنة ستين ومائتين وهو من ولد أبى موسى الاشعرى كذا فى الكامل* وفى سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة مات الطاغية القرمطى أبو طاهر سليمان بن أبى سعيد الجبانى فى هجر بالجدرى لا رحمه الله* وفى سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة جلف توزون التركى للمتقى* وفى سيرة مغلطاى فغدر به توزون فالتقى توزون بالمتقى بين الانبار وهيت فنزل توزون وقبل الارض فأمره المتقى بالركوب فلم يفعل ومشى بين يديه الى المخيم فلما نزل المتقى قبض عليه توزون وعلى ابن مقلة ومن معه ثم كحل المتقى يوم السبت لعشر ليال بقين من صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة فصاح المتقى وصاح النساء فأمر توزون بضرب الديارب حول المخيم ساعة ثم أدخل المتقى بغداد مسمول العينين وقد أخذ منه الخاتم والبردة والقضيب وبلغ القاهر الذى كان خلع من الخلافة وسمل فقال صرنا اثنين ونحتاج الى ثالث يعرّض بالمستكفى الذى نصبه توزون بالامس فى الخلافة فكان كما قال كما سيأتى ذكره ثم أحضر توزون عبد الله بن المكتفى وبايعه بالخلافة ولقبه المستكفى بالله وكانت خلافة المتقى نحو أربع سنين وعاش بعد خلعه خمسا وعشرين سنة ودفن فى داره فأخرجه منها عز الدولة ودفنه فى تربة أخرى فامتحن حيا وميتا كذا فى سيرة مغلطاى* وفى دول الاسلام أربعا وعشرين(2/352)
سنة وأما توزون لما فعل بالمتقى ما فعل لم يحل عليه الحول ومات بالصرع من سنته*
(خلافة المستكفى بالله أبى القاسم عبد الله بن المكتفى بالله على بن المعتضد أحمد الهاشمى العباسى البغدادى)
* أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى فضة بويع بالخلافة بعد ما كحل المتقى فى عشرين صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة وعمره احدى وأربعون سنة* قال ثابت أحضر توزون عبد الله بن المكتفى وبايعه بالخلافة ولقبه بالمستكفى وفيها مرض توزون بعلة الصرع* وفى سنة أربع وثلاثين وثلثمائة هلك أتابك الجيوش توزون بالصرع بهيت ولقب المستكفى نفسه امام الحق ودخل معز الدولة أحمد بن بويه بغداد وهو أوّل من ملكها من الديلم باذن المستكفى غضبا عليه ودام أشهرا ثم وقعت الوحشة بينه وبين المستكفى فى جمادى الاخرة من سنة أربع وثلاثين وثلثمائة ودخل معز الدولة بحواشيه والامراء على خدمة الخليفة فوقف الناس على مراتبهم فتقدم أميران من الديلم فطلبا من الخليفة رزقهما فمدّ لهما يده على العادة للتقبيل ظنا منه أنهما يريدان تقبيلها فجذباه من السرير وطرحاه الى الارض وجرّاه بعمامته ووقعت الضجة وهجم الديلم دار الخلافة الى الحرم ونهبوا وقبضوا على القهرمانة وخواص الخليفة ومضى معز الدولة الى منزله وساقوا المستكفى ماشيا اليه ولم يبق فى دار الخلافة شئ وخلع المستكفى ثم سملت يومئذ عيناه وهو يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الاخرة سنة أربع وثلاثين وثلثمائة فصار أعمى ثالث خليفة قد سمل كما أشار اليه القاهر وكانت خلافة المستكفى سنة وأربعة أشهر ويومين وتوفى بعد ذلك فى سنة ثمان وثلاثين وعمره ست وأربعون سنة ثم أحضر معز الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر جعفر وبايعوه بالخلافة ولقبوه بالمطيع لله*
(ذكر خلافة المطيع لله أبى القاسم الفضل ابن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولى العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر الهاشمى العباسى البغدادى)
* أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى شعلة ومولده فى أوّل سنة احدى وثلثمائة بويع بالخلافة فى سنة أربع وثلاثين وثلثمائة بعد خلع المستكفى وسمله وللمطيع يومئذ أربع وثلاثون سنة وتم أمره فى الخلافة وطالت أيامه وفى أيامه كانت بمصر زلازل عظيمة عاودت الناس أشهرا وخربت بسببها عدّة بلاد وسكنت الناس الصحراء وفى أيامه أمطرت بغداد حصى ورن كل حصاة رطل فقتلت خلقا كثيرا من الناس والدواب والطير وفى أيامه اشتدّ أمر الغلاء حتى أكل لحم الادميين وبيع العقار بالرغفان* قال ابن الجوزى فى أيامه وقع حريق عظيم بمصر أحرقت فيه قيسارية العسل وسوق الزياتين وألف وسبعمائة دار ونادى كافور الاخشيدى من جاء بجرة ماء فله درهم فكان جملة ما انصرف على الماء أربعة عشر ألف دينار وفيها مات الشبلى أبو بكر الزاهد صاحب الاحوال والتأله وتلميذ الجنيد* وفى سنة خمس وثلاثين وثلثمائة مات حافظ ما وراء النهر الهيتم بن كليب الشاشى صاحب المسند* وفى سنة سبع وثلاثين وثلثمائة مات المستكفى بالله الذى خلع وسمل من أربع سنين مات بنفث الدم وله ست وأربعون سنة كما مرّ* وفى سنة تسع وثلاثين وثلثمائة مات القاهر بالله الذى كان خليفة وعزل وكحل وعاش ثلاثا وخمسين سنة وفيها مات أبو نصر محمد بن محمد الفارابى الفيلسوف بدمشق وكان صاحب التصانيف وفيها مات أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق الزجاج النحوى وقيل سنة أربعين وفيها أعادت القرامطة الحجر الاسود الى مكة* وفى سيرة مغلطاى أعيد الحجر الاسود الى موضعه فى ذى الحجة انتهى وقالوا أخذناه بأمر وأعدناه بأمر وكان بحكم بذل لهم فى ردّه خمسين ألف دينار فلم يجيبوه وردّوه الان بغير شئ فى ذى القعدة ولما أرادوا ردّه حملوه الى الكوفة وعلقوه بجامعها حتى رآه الناس ثم ردّوه الى مكة وكانوا أخذوه من ركن بيت الله الحرام سنة سبع عشرة وثلثمائة فكان مكثه عندهم اثنين وعشرين سنة(2/353)
الا شهرا كذا فى الكامل* وفى سنة ست وأربعين وثلثمائة قال ابن الجوزى كان بالرّى زلزلة عظيمة وخسف ببلد الطالقان ولم يفلت من أهلها الا نحو ثلاثين وخسف بخمسين ومائة قرية قال وعلقت قرية بين السماء والارض نصف يوم ثم خسف بها هكذا ذكره فى المنتظم* وزاد بعضهم ورد بذلك محاضر شرعية وقال وصارت كلها نارا وانقطعت الارض وخرج منها دخان عظيم وقذفت الارض جميع ما فى بطنها حتى عظام الموتى من القبور* وفى الكامل ودامت الزلزلة نحو أربعين يوما تسكن وتعود فهدمت الابنية وغارت المياه وهلك تحت الهدم من الامم كثير وكذلك كانت ببلاد الجبال وقم ونواحيها زلازل كثيرة متتابعة وفيها نقص البحر ثمانين ذراعا فظهر فيه جزائر وجبال لم تعرف قبل ذلك* وفى سنة سبع وأربعين وثلثمائة مات عبد الله بن جعفر بن درستويه أبو محمد الفارسى النحوى فى صفر وكان مولده سنة ثمان وخمسين ومائتين أخذ النحو عن المبرّد* وفى سنة تسع وأربعين وثلثمائة أسلم من الترك مائتا ألف وحضروا الى دار الاسلام بأهليهم وأموالهم وفيها انصرف حجاج مصر من الحج فنزلوا واديا وباتوا فيه فأتاهم السيل ليلا فأخذهم جميعهم مع أثقالهم وأحمالهم فألقاهم فى البحر* وفى سنة احدى وخمسين وثلثمائة توفى أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش المقرى صاحب كتاب شفاء الصدور فى التفسير ذكرهما فى الكامل* وفى سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة أرسل بطارقة الارمن الى ناصر الدولة ابن حمدان رجلين ملتصقين من تحت ابطيهما ولهما بطنان وسرتان وفرجان ومقعدان وكل منهما كامل الاطراف فأراد ناصر الدولة افصالهما فأحضر الاطباء فسألوهما هل تجوعان جميعا وتعطشان معا قالا نعم فقال الاطباء متى فصلناهما ماتا* وفى سنة أربع وخمسين وثلثمائة مات شاعر العصر أبو الطيب المتنبى وله احدى وخمسون سنة وعالم وقته أبو حاتم محمد بن حبان التميمى النسائى الحافظ صاحب التصانيف وقد قارب ثمانين سنة* وفى سنة خمس وخمسين وثلثمائة انخسف القمر جميعه ليلة السبت ثالث عشر شعبان وغاب منخسفا كذا فى الكامل* وفى سنة سبع وخمسين وثلثمائة توفى المتقى لله بن المقتدر الذى كان خليفة وخلعوه مات فى السجن* وفى سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ليلة الخميس رابع عشر رجب انخسف القمر جميعه وغاب منخسفا وفيها قدم جوهر القائد غلام المعز لدين الله صاحب القيروان مصر فأقام الدعوة بها للمعز لدين الله وبايعه الناس وانقطعت الخطبة بمصر عن بنى العباس وشرع جوهر القائد فى بناء القاهرة لاسكان الجند بها ثم دخل المعز لدين الله مصر لثمان مضين من شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة وهو أوّل الخلفاء الفاطمية بمصر كذا فى حياة الحيوان* وفى سنة ستين وثلثمائة انفلج المطيع لله أمير المؤمنين وثقل لسانه وفيها توفى مسند الدنيا الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبرانى بأصبهان وله مائة سنة وشهران* وفى سنة احدى وستين فى صفر انقض كوكب عظيم له نور وسمع له عند انقضاضه صوت كالرعد وبقى ضوءه كذا فى الكامل* واستمرّ المطيع لله فى الخلافة الى سنة ثلاث وستين وثلثمائة ففيها ظهر ما كان يستره من مرضه وتعذرت الحركة وثقل لسانه من الفالج الذى اعتراه فدخل عليه الصاحب عز الدولة سبكتكين ودعاه الى خلع نفسه من الخلافة وتسليم الامر الى ابنه الطائع ففعل ذلك وعقد للطائع يوم الاربعاء ثالث عشر ذى الحجة من سنة ثلاث وستين وثلثمائة فكانت مدّة خلافة المطيع تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما وصار المطيع بعد أن خلع من الخلافة يسمى الشيخ الفاضل وصار فى خلافة ولده مكرما الى ان مات بعد أشهر* وفى سيرة مغلطاى توفى يوم الاثنين لثمان بقين من المحرم سنة أربع وستين وثلثمائة*
(خلافة الطائع لله أبى بكر عبد الكريم بن المطيع الفضل بن المقتدر الهاشمى العباسى)
* أمير المؤمنين وهو السادس فخلع أمّه أمّ ولد تسمى غيب* صفته* كان مربوع القامة(2/354)
كبير الانف أبيض أصفر* وفى دول الاسلام كان أشقر مربوعا شديد القوى فى أخلاقه حدّة بويع بالخلافة لما خلع أبوه المطيع نفسه من الخلافة فى سادس ذى الحجة* وفى سيرة مغلطاى فى ذى القعدة سنة ثلاث وستين وثلثمائة وعمره سبع وأربعون سنة واستخلف فى حياة أبيه يقال لم يتقلد الخلافة وأبوه حىّ سوى الطائع لله والصدّيق وكلاهما اسمه أبو بكر كذا فى حياة الحيوان* قال الذهبى أثبتوا خلع المطيع لله على قاضى العراق أبى الحسين بن أم شيبان والنزول عن الخلافة لولده عبد الكريم ولقبوه بالطائع لله* قال أبو الفرج بن الجوزى ولما ولى الطائع الخلافة ركب وعليه البردة ومعه الجيش وبين يديه سبكتكين الحاجب وعقد له اللواء*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الطائع لله
وفى سنة أربع وستين وثلثمائة مات الحافظ أبو بكر السنى صاحب النسائى بالدينور والامير سبكتكين حاجب معز الدولة وخلف ثلاثين ألف ألف درهم وثلاثة آلاف فرس وجواهر وفيها مات المطيع لله الفضل بن المقتدر والد أمير المؤمنين الطائع لله وله ثلاث وستون سنة وقد خلع نفسه طائعا للطائع لله* وفى سنة خمس وستين وثلثمائة مات حافظ خراسان الحسين بن محمد الماسرجسى عن ثمان وستين سنة وله المسند الكبير المعلل فى ألف وثلثمائة جزء يكون سبعين مجلدا وكان يحفظ كتاب الزهرى مثل الماء وفيها توفى أبو بكر بن محمد بن على الشاشى القفال شيخ الشافعية وفيها فى ذى القعدة توفى ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الصابى صاحب التاريخ وفى سنة سبع وستين وثلثمائة ظهر بافريقية فى السماء حمرة بين المشرق والشمال مثل لهب النار فخرج الناس يدعون الله تعالى ويتضرعون اليه كذا فى الكامل* وفى سنة ثمان وستين وثلثمائة مات شيخ النحو أبو سعيد الحسن بن عبد الله السيرافى النحوى مصنف شرح كتاب سيبويه وكان فقيها فاضلا مهندسا منطقيا فيه كل فضيلة وله أربع وثمانون سنة* وفى سنة تسع وستين وثلثمائة مات قاضى القضاة أبو الحسن بن محمد بن صالح الهاشمى بن أمّ شيبان ببغداد فجاءة* وفى سنة سبعين وثلثمائة ورد على عضد الدولة هدية من صاحب اليمن فيها قطعة واحدة عنبر وزنها ستة وخمسون رطلا وفيها توفى أبو بكر أحمد بن على الرازى امام الفقهاء فى زمانه وطلب ليلى قضاء القضاة فامتنع وهو من أصحاب الكرخى كذا فى الكامل وفى سنة احدى وسبعين وثلثمائة مات شيخ العلماء أبو زيد المروزى الشافعى الزاهد محمد بن أحمد شيخ أبى بكر القفال وشيخ الصوفية محمد بن يوسف الخفيف الشيرازى وقد جاوز المائة
*
غريبة
وفى سنة خمس وسبعين وثلثمائة خرج طير من البحر بعمان ولونه أبيض قدر الفيل ووقف على تل هناك وصاح بصوت عال ولسان فصيح قد قرب الامر ثلاث مرّات ثم غاص فى البحر وطلع فى اليوم الثانى وقال مثل ذلك ثم طلع فى اليوم الثالث وقال مثل ذلك ثم غاب فلم يطلع ولم ير بعد ذلك واستمرّ الطائع الى سنة احدى وثمانين وثلثمائة فلما كان فى شعبان من السنة المذكورة خلع الطائع من الخلافة وأظهر أمر القادر بالله وانه الخليفة ونودى له فى الاسواق وكتب عن الطائع كتابا بخلع نفسه وأنه سلم الامر الى القادر بالله وشهد عليه الاكابر والاشراف وعاش الطائع بعد ذلك الى أن مات سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وكانت خلافته نحو ثمان عشرة سنة* وفى سيرة مغلطاى أقام فى الخلافة سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وستة أيام* وفى دول الاسلام ومدّة خلافته أربع وعشرون سنة وعاش ثلاثا وسبعين سنة*
(خلافة القادر بالله أبو العباس أحمد بن الامير اسحاق بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد أحمد بن ولىّ العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون العباسى الهاشمى البغدادى)
* أمير المؤمنين وأمه أم ولد تسمى يمن مولاة عبد الواحد بن المقتدر وكانت دينة خيرة ومولده فى سنة ست وثلاثين وثلثمائة* صفته* كان أبيض كث اللحية كبيرها طويلها يخضب بالسواد بويع بالخلافة فى حادى عشر شهر رمضان سنة احدى وثمانين وكان من أهل(2/355)
الستر والصيانة دائم التهجد كثير الصدقات وكان لديه فضل وفقه وله مصنف فى السنة وذم المعتزلة والروافض وصنف كتابا فى الاصول ذكر فيه فضائل الصحابة واكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن وكان ذلك الكتاب يقرأ فى كل جمعة فى حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدى بحضرة الناس مدّة خلافته وهى احدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر وفى أيامه أحضر الى بغداد برجل من يأجوج ومأجوج قد ألقته الريح من فوق السد طوله ذراع ولحيته شبران وله اذنان عظيمتان فطافوا به مدينة بغداد حتى رآه الناس*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافة القادر بالله
وفى سنة خمس وثمانين وثلثمائة مات حافظ العصر أبو الحسن بن على بن عمر الدار قطنى ببغداد فى ذى القعدة وله ثمانون سنة والحافظ أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين البغدادى الحافظ المفسر صاحب التاليف ومن كتبه التفسير ألف جزء والمسند ألف وثلثمائة جزء* وفى سنة ست وثمانين وثلثمائة مات شيخ الصوفية أبو طالب المكى صاحب قوت القلوب* وفى سنة تسع وثمانين وثلثمائة عاشر ربيع الاوّل انقض كوكب عظيم ضحوة نهار كذا فى الكامل* وفى سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة مات امام العربية أبو الفتح عثمان بن جنى الموصلى وهو فى عشر السبعين* وفى سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة مات امام اللغة وصاحب الصحاح أبو نصر اسماعيل بن حماد الجوهرى التركى قيل انه غلبت عليه السوداء بحيث انه عمل لنفسه جناحين ليطير فطفر فسقط وكسر فهلك وفيها مات الطائع لله عبد الكريم بن المطيع لله بن المقتدر العباسى الذى خلع فى سنة احدى وثمانين وثلثمائة ولم يردّوه بل بقى محترما مكرّما عند ابن عمه القادر بالله* وفى سنة أربع وتسعين وثلثمائة مات مسند الاندلس محمد بن عبد الملك بن صيفون القرطبى وكان قد رحل ولقى بمكة ابن الاعرابى* وفى سنة خمس وتسعين وثلثمائة مات مسند خراسان أبو الحسين أحمد بن محمد الخفاف صاحب السراج وحافظ أصبهان أبو عبد الله محمد بن اسحاق بن منده العبدى صاحب التصانيف وقد قارب التسعين وكان قد سمع من ألف وسبعمائة شيخ* وفى الكامل أورد وفاته سنة ست وتسعين وثلثمائة* وفى سنة ثمان وتسعين وثلثمائة وقع ثلج عظيم ببغداد وبقى أسبوعا لم يذب وكان سمكه ذراعا وكان شئ لم يعهد ببغداد وبقى فى الطرق نحو عشرين يوما كذا فى الكامل وفيها زلزلت الدينور فهلك تحت الردم اكثر من عشرة آلاف ووقع برد عظيم وزنت منه بردة مائة وستة دراهم وفيها هدم الحاكم كنيسة القمامة بالقدس وكان فيها من الا اموال والجواهر مالا يوصف وألزم النصارى بتعليق صلبان كبار على صدورهم وزن كل صليب رطل بالدمشقى وألزم اليهود بتعليق مثل رأس العجل كالمدقة وزنها رطل ونصف وأن يشدّوا الاجراس فى رقابهم عند دخول الحمامات* وفى سنة اربعمائة تزهد الحاكم وتأله وأنشأ دار العلم بمصر وعمر الجامع الحاكمى فدعا له الرعية فبقى كذلك ثلاث سنين ثم تزيذق وأخذ يقتل العلماء ومنع من فعل الخير وبطل تلك الدار* وفى سنة ثلاث وأربعمائة مات عالم العراق القاضى أبو بكر محمد بن الطيب الباقلانى المالكى الأصولى قال الخطيب كان ورده عشرين ترويحة فاذا فرغ كتب من تصنيفه خمسا وثلاثين ورقة وكانت له بجامع المنصور حلقة عظيمة* وفى سنة خمس وأربعمائة مات حافظ زمانه الحاكم بنيسابور وولد بها سنة احدى وعشرين وثلثمائة* وفى سنة ست وأربعمائة مات شيخ الشافعية وعالم العراق أبو حامد أحمد بن أبى طاهر الاسفراينى وله اثنتان وستون سنة وكان يحضره بحلب سبعمائة فقيه وتعليقته الكبرى نحو من خمسين مجلدا* وفى أيامه سنة عشر وأربعمائة غزا السلطان محمود بن سبكتكين بلاد الهند وفتح بلادا كثيرة وقتل من الكفار خمسين ألفا وأسلم نحو عشرين ألفا وغنم أموالا عظيمة وحصل من الفضة نحو عشرين ألف ألف درهم وكان جيشه ثلاثين ألف فارس وأهدى الى القادر منها هدية جليلة فيها صنم من ذهب(2/356)
وزنه أربعمائة رطل وقطعة ياقوت أحمر فى صورة امرأة وزنها ستون مثقالا وهى تضىء كالقنديل وفى سنة احدى عشرة وأربعمائة فى شهر ربيع الاوّل نشأت سحابة بافريقية شديدة البرق والرعد فأمطرت حجارة كثيرة ما رأت الناس اكثر منها فأهلكت كل من أصابته* وفى سنة اثنتى عشرة وأربعمائة توفى أبو الحسين بن على الدقاق النيسابورى الصوفى شيخ أبى القاسم القشيرى كذا فى الكامل* وفى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة تقدّم اسماعيل فضرب الحجر الاسود بدبوس غير مرة فقتل فى الحال وكان يقول الى متى نعبد الحجر ولا محمد ولا على ليمنعنى فاليوم أهدم هذا البيت وكان أحمر أشقر طويلا ضخما فطعنه رجل بخنجر وأحرق ثم قتلوا جماعة اتهموا بأنهم معه ومال الناس على ركب مصر بالنهب وفيها مات ابن البوّاب صاحب الخط الفائق على بن هلال ببغداد* وفى سنة ثمان عشرة وأربعمائة مات ابن اسحاق الاسفراينى الاصولى* وفى هذه السنة سقط فى العراق جميعه برد كبار تكون الواحدة رطلا ورطلين وأصغره كالبيضة فأهلك الغلات ولم يصح منها الا القليل وفيها فى آخر تشرين الثانى هب ريح بارد بالعراق جمد منها الماء وبطل دوران الدواليب على دجلة كذا فى الكامل* وفى سنة عشرين وأربعمائة وقع ببغداد البرد الكبار المفرط القدر حتى قيل ان بردة يزيد وزنها على قنطار بالبغدادى وقد نزلت فى الارض نحوا من ذراع وذلك بالارض النعمانية* وفيها توفى قسطنطين ملك الروم وانتقل الملك الى بنت له فقامت بتدبير الملك وفيها انقض كوكب عظيم فى رجب أضاءت منه الارض وسمع له صوت عظيم كالرعد وتقطع أربع قطع وانقض بعده بليلتين كوكب آخر دونه وانقض بعده اكبر منهما واكثر ضوء كذا فى الكامل* وفى سنة احدى وعشرين وأربعمائة افتتح سلطان خراسان محمود بن سبكتكين غزنة وبخارى وسمرقند والهند ثم استولى على خراسان ودانت له الامم وفرض على نفسه غزو الهند كل عام وطالت أيام الخليفة القادر بالله الى أن توفى ليلة الاثنين حادى عشر ذى الحجة* وفى سيرة مغلطاى ذى القعدة سنة اثنتين وعشرين وقيل ثلاث وعشرين وأربعمائة وخلافته احدى وأربعون سنة ويقال ثلاثا وأربعين سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوما وعاش سبعا وثمانين سنة الاشهر او ثمانية أيام ودفن بدار الخلافة وصلى عليه ولده الخليفة القائم بأمر الله والخلق ورآءه ولم يزل مدفونا حتى نقل تابوته فى مركب ليلا الى الرصافة فدفن بعد عشرة أشهر من موته وكان من أحسن الخلق سيرة*
(خلافة القائم بأمر الله أبى جعفر عبد الله بن القادر أحمد بن الامير اسحق بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولىّ العهد الموفق طلحة بن المتوكل)
* الهاشمى العباسى البغدادى أمه أم ولد تسمى قطن* صفته* كان مليح الوجه أبيض فيه دين وخير وعدل وشفقة ومعرفة بالادب بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه القادر فى ذى الحجة سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وتم أمره فى الخلافة*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافته وما وقع من الغرائب فى زمنه
وفى سنة سبع وعشرين وأربعمائة مات أبو اسحاق أحمد بن ابراهيم النيسابورى الثعلبى المفسر وفى هذه السنة فى رجب انقض كوكب عظيم غلب نوره على نور الشمس وشوهد فى آخره مثل التنين يضرب الى السواد وبقى ساعة وذهب وفيها كانت ظلمة عظيمة اشتدّت حتى انّ الانسان كاد لا يبصر جليسه وأخذ بأنفاس الخلق فلو تأخر انكشافها لهلك أكثرهم ذكره فى الكامل وفى أيامه فى سنة ثمان وعشرين وأربعمائة وقع غلاء عظيم عم الدنيا كلها شرقا وغربا حتى لم يبق من الناس فى كل بلد الا القليل وفيها مات شيخ الحنفية أبو الحسن أحمد القدورى البغدادى وله ست وستون سنة وشيخ الفلسفة والطب الرئيس أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا البلخى الاصل البخارى المولد عاش ثلاثا وخمسين سنة* قال ابن خلكان اغتسل وتاب وتصدّق بماله وأعتق غلمانه وجعل يختم فى كل ثلاث ومات بهمدان فى يوم(2/357)
جمعة فلعله رحم* وفى سنة ثلاثين وأربعمائة مات حافط أصبهان أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الاصبهانى الصوفى الاحول صاحب الحلية فى المحرم وله أربع وتسعون سنة* وفى سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وقعت زلازل عظيمة بالقيروان وبلاد افريقية وخسف ببعض بلاد القيروان وطلع من الخسف دخان عظيم اتصل بالجوّ ووقع ببلاد خوزستان قطعة حديد من الهواء وزنها مائة وخمسون منا فكان لها دوى عظيم أسقط منها الحوامل فأخذها السلطان وأراد ان يعمل منها سيفا فكانت الالات لا تعمل فيها وكل آلة ضربوها بها تكسرت* وفى سنة أربع وثلاثين وأربعمائة كانت ببلاد توريز زلزلة عظيمة هدمتها كلها حتى القلعة والسور ومات تحت الردم بقدر مائة ألف انسان ولبس أهلها المسوح وتضرعوا الى الله لعظم هذه النازلة* وفى سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة فى ذى القعدة توفى عبد الله بن يوسف أبو محمد الجوينى والد امام الحرمين أبى المعالى وكان اماما للشافعية تفقه على أبى الطيب سهل بن محمد الصعلوكى* وفى سنة أربعين وأربعمائة توفى عبيد الله بن عمر بن أحمد بن عثمان أبو القاسم الواعظ المعروف بابن شاهين ومولده سنة احدى وخمسين وثلثمائة* وفى سنة احدى وأربعين فى ذى الحجة ارتفعت سحابة سوداء مظلمة ليلا فزادت ظلمتها على ظلمة الليل وظهر فى جوانب السماء كالنار المضطرمة وهبت معها ريح شديدة قلعت رواشن دار الخلافة وشاهد الناس من ذلك ما أزعجهم وخوّفهم فلزموا الدعاء والتضرّع فانكشفت فى باقى الليل* وفى سنة سبع وأربعين وأربعمائة فى شوالها توفى قاضى القضاة أبو عبد الله الحسين بن على بن مأكولا ومولده سنة ثمان وستين وثلثمائة وبقى فى القضاء تسعا وعشرين سنة وكان شافعيا ورعا نزها أمينا* وفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة فى ربيع الاوّل توفى اياز بن انماق أبو النجم غلام محمود بن سبكتكين وأخباره معه مشهورة كذا فى الكامل* وفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة كان الوباء المفرط بما وراء النهر حتى قيل انه مات فى الوباء ألف ألف وستمائة ألف نفس* وفى سنة خمسين وأربعمائة توفى أقضى القضاة أبو الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردى الشافعى صاحب التصانيف الكثيرة منها الحاوى وغيره فى علوم كثيرة وكان عمره ستا وثمانين سنة* وفى سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة فى جمادى الاولى انكسفت الشمس جميعها وظهرت الكواكب وأظلمت الدنيا وسقطت الطيور الطائرة* وفى سنة أربع وخمسين وأربعمائة توفى القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعى مصنف كتاب الشهاب بمصر كذا فى الكامل* وفى سنة ست وخمسين وأربعمائة مات عالم الاندلس أبو محمد على بن أحمد ابن حزم القرطبى الفقيه الظاهرى صاحب التصانيف وله اثنتان وسبعون سنة* وفى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة كانت زلزلة عظيمة بخراسان تكرّرت أياما وتشققت منها الجبال وخسف بعدّة قرى وهلك خلق كثير نقله ابن الاثير قال وفيها ولدت ببغداد بباب الازج بنت لها رأسان ووجهان ورقبتان على بدن واحد وفيها مات بنيسابور عالم خراسان الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقى صاحب التصانيف وله أربع وسبعون سنة وكانت ولادته سنة سبع وثلاثين وثلثمائة* وفى سنة ستين وأربعمائة كانت الزلزلة العظمى بالرملة ومصر والشام حتى طلع الماء من رؤس الابار وهلك من أهلها كما نقل ابن الاثير خمسة وعشرون ألفا وزال البحر عن الساحل فنزل الناس يلتقطون السمك منه فرجع عليهم البحر فغرقوا جميعا* وفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة فى ذى الحجة توفى ببغداد الخطيب أبو بكر أحمد بن على بن ثابت البغدادى صاحب التاريخ والمصنفات الكثيرة وكان امام الدنيا فى زمانه وممن حمل جنازته الشيخ أبو اسحاق الشيرازى* وفى سنة خمس وستين وأربعمائة توفى الامام ابو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى النيسابورى مصنف الرسالة وغيرها وكان اماما فقيها أصوليا مفسرا(2/358)
كاتبا ذا فضائل جمة وكان له فرس قد أهدى اليه فركبه نحو عشرين سنة فلما مات الشيخ لم يأكل الفرس شيئا وعاش أسبوعا ومات* وفى سنة ست وستين وأربعمائة فى ربيع الاوّل توفى القاضى أبو الحسين ابن أبى جعفر السمنانى حمو قاضى القضاة أبى عبد الله الدامغانى وولى ابنه أبو الحسين ما كان اليه من القضاء بالعراق والموصل وكان مولده سنة أربع وثمانين وثلثمائة وكان هو وأبوه من المغالين فى مذهب الاشعرى ولابنه فيه تصانيف كثيرة وهذا مما يستظرف أن يكون حنفى أشعريا وفيها فى جمادى الاخرة توفى عبد العزيز أحمد بن محمد بن على أبو محمد الكنانى الدمشقى الحافظ وكان مكثرا من الحديث ثقة وممن سمع منه الخطيب أبو بكر البغدادى* وفى سنة سبع وستين وأربعمائة فى شوالها وقعت نار فى دكان خباز بنهر المعلى وأحرقت من السوق ثمانين دكانا سوى الدور ثم وقعت نار فى المأمونية ثم فى المظفرية ثم فى درب المطبخ ثم فى دار الخلافة ثم فى حمام السمرقندى ثم فى باب الازج ودرب فراشا ثم فى الجانب الغربى فى نهر طابق ونهر القلايين والقطيعة وباب البصرة فاحترق ما لا يحصى وفيها أيضا أعمل الرصد للسلطان ملك شاه واجتمع جماعة من أعيان المنجمين فى عمله منهم عمر بن ابراهيم الخيامى ومنهم أبو المظفر الاسفراينى وميمون ابن النجيب الواسطى وغيرهم وخرج عليه من الاموال شئ عظيم وبقى الرصد دائرا الى ان مات السلطان سنة خمس وثمانين وأربعمائة ثم بطل ذكره فى الكامل وفى سيرة مغلطاى وفى أيامه قطعت خطبة المصريين بحران وأقيمت له وأسلم من كفار الترك ثلاثون ألف خركاه ودخل أبو طالب محمد بن طغرابك بن ميكائيل بن سلجوق بغداد وخطب للمستنصر ببغداد بجامع المنصور أربعين جمعة وزيد فى الاذان حىّ على خير العمل وطالت مدّة القائم فى الخلافة الى أن مات فى ليلة الخميس الثالث والعشرين من شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة فكانت مدّة خلافته أربعا وأربعين سنة وثمانية أو تسعة أشهر الا خمسة أيام وعمره سبع وسبعون سنة وتخلف بعده حفيده فانه لم يخلف أولاد القلة الجماع قيل انه كان مرّة بجامع فرأى خياله فى ضوء الشمعة فاستقبح ذلك وترك الجماع فقل نسله لذلك*
(خلافة المقتدى بأمر الله أبى القاسم عبد الله بن الامير محمد الذخيرة بن القائم عبد الله بن القادر أحمد بن الامير اسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد أحمد بن ولى العهد الموفق طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد هارون الهاشمى العباسى البغدادى)
* أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى أرجو ان ولد يوم مات أبوه ذخيرة الدين محمد ورباه جدّه القائم ولما كبر عهد اليه* وفى دول الاسلام ولد بعد موت أبيه الذخيرة بستة أشهر بويع بالخلافة بعد موت جدّه القائم فى شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة وفى دول الاسلام لما مرض القائم بأمر الله افتصد فانفجر فصاده وخرج منه دم عظيم فحارت قوّته فطلب ابن ابنه الامير عبد الله بن محمد وعهد اليه الامر ولقبه المقتدى بأمر الله بمحضر قاضى القضاة الدامغانى وأبى اسحاق صاحب التنبيه وأبى نصر بن الصباغ وأبى جعفر بن أبى موسى الهاشمى وتم أمره فى الخلافة وطالت أيامه وحسنت وظهر فى أيامه آثار حسنة غير انه ظهر فى أيامه زلازل كثيرة بعدة أقاليم حتى خربت أكثر البلاد وفارقت الناس الدور وسكنت البرارى* وفى سنة ثمان وستين وأربعمائة توفى أبو الحسن على بن محمد بن منوية الواحدى المفسر مصنف البسيط والوسيط والوجيز فى التفسير وهو نيسابورى امام مشهور*
ذكر من مات من المشاهير فى خلافته
وفى سنة خمس وسبعين وأربعمائة توفى أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن اسحاق بن منده الاصفهانى فى جمادى الاخرة فى أصفهان وكان حافظا فاضلا* وفى سنة ست وسبعين وأربعمائة فى جمادى الاخرة توفى الشيخ أبو اسحاق الشيرازى وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وكان واحد عصره علما وزهدا وعبادة وسخاء وصلى عليه فى جامع القصر وجلس أصحابه للعزاء فى المدرسة النظامية ثلاثة أيام ودفن بباب(2/359)
نيرز كذا فى الكامل* وفى سنة احدى وسبعين وأربعمائة مات امام النحاة أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجانى صاحب التصانيف* وفى سنة سبع وسبعين وأربعمائة مات شيخ الصوفية أبو على الفارمدى صاحب القشيرى وفى هذه السنة فى صفر انقض كوكب من المشرق الى المغرب كان حجمه كالقمر وضوءه كضوئه وسار مدى بعيدا على تمهل وتؤدة فى نحو ساعة ولم يكن له شبيه من الكواكب وفى سنة ثمان وسبعين وأربعمائة مات شيخ الشافعية أبو سعيد المتولى عبد الرحمن بن مأمون النيسابورى وعالم زمانه امام الحرمين أبو المعالى عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينى الشافعى بنيسابور وله تسع وخمسون سنة ومولده سنة سبع عشرة وأربعمائة وشيخ الحنفية قاضى القضاة أبو عبد الله محمد بن على الدامغانى ببغداد وله ثمانون سنة* وفى سنة ثمانين وفى الكامل احدى وثمانين وأربعمائة مات شيخ الاسلام أبو اسماعيل عبد الله بن محمد الانصارى الهروى الواعظ المحدّث صاحب التصانيف وقد نيف على الثمانين وفى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة مات شيخ الحنفية بما وراء النهر أبو بكر خواهرزاده البخارى وطريقته أبسط طريقة للاصحاب* وفى سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة توفى الخطيب أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن عبد الواحد بن أبى الحديد السلمى خطيب دمشق فى ذى الحجة ودام المقتدى فى الخلافة الى ان توفى ببغداد فى النصف من المحرّم سنة سبع وثمانين وأربعمائة وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر الا يومين* قال الذهبى ثلاثة أشهر مات فجأة وهو ابن تسع وثلاثين سنة ويقال انّ جاريته سمته وقد كان السلطان صمم على اخراجه من بغداد الى البصرة وكانت حرمته وافرة بخلاف الخلفاء قبله وتخلف بعده ابنه المستظهر*
(خلافة المستظهر بالله أبى العباس أحمد بن المقتدى بالله عبد الله)
* وقد مرّ نسب هؤلاء الخلفاء فى مواضع كثيرة فلا حاجة الى ذكرها هنا وفيما يأتى الا لضرورة* أمه أم ولد تركية اسمها التون وعاشت الى خلافة ابن ابن ابنها المسترشد* قال ابن الاثير كان المستظهر لين الجانب كريم الاخلاق يسارع فى أعمال البرّ وكانت أيامه أيام سرور للرّعية وكان حسن الخط جيد التوقيعات لا يقاومه فيها أحد بويع بالخلافة يوم مات أبوه فى محرّم سنة سبع وثمانين وأربعمائة*
ذكر من مات من المشاهير فى زمنه
وفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة توفى محدث بغداد الحافظ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن حيرون وله اثنتان وثمانون سنة* وفى هذه السنة توجه الامام أبو حامد الغزالى الى الشأم وزار القدس وترك التدريس فى النظامية واستناب أخاه وتزهد ولبس الخشن وأكل الدون وفى هذه السفرة صنف احياء علوم الدين وسمع منه الخلق الكثير بدمشق وعاد الى بغداد بعد ما حج فى السنة الثالثة وسار الى خراسان* وفى سنة تسع وثمانين وأربعمائة اجتمع ستة كواكب فى برج الحوت وهى الشمس والقمر والمشترى والزهرة والمريخ وعطارد فحكم المنجمون بطوفان يكون فى الناس يقارب طوفان نوح فأحضر الخليفة المستظهر بالله ابن عبسون المنجم فسأله فقال انّ فى طوفان نوح اجتمعت الكواكب السبعة فى برج الحوت والان قد اجتمع ستة منها ليس فيها زحل فلو كان معها لكان مثل طوفان نوح* ولكن أقول انّ مدينة أو بقعة من الارض يجتمع فيها عالم كثير من بلاد كثيرة فيغرقون فخافوا على بغداد لكثرة من يجتمع فيها من البلاد فأحكمت المسناة والمواضع التى يخشى منها الانفجار والغرق فاتفق انّ الحجاج نزلوا فى دار المناقب بعد نخله فأناهم سيل عظيم فغرق أكثرهم ونجا من تعلق بالجبال وذهب المال والدواب والارواد وغير ذلك فخلع الخليفة على المنجم* وفى هذه السنة ابتداء دولة محمد خوارزم شاه ذكره فى الكامل*
عجيبة فى ذكر صبية عمياء تتكلم على أسرار الناس
قال ابن الجوزى وظهر فى هذه السنة صبية عمياء تتكلم على أسرار الناس وبالغ الناس فى الحيل ليعلموا حالها فلم يعلموا* قال ابن عقيل أشكل أمرها على العلماء والخواص والعوام حتى انها كانت تسأل(2/360)
عن نقوش الخواتم وألوان الفصوص وصفات الاشخاص وما فى داخل البنادق من الشمع والطين وأنواع الخرز وبالغ واحد ووضع يده على ذكره فقيل لها ما الذى فى يده قالت يحمله الى أهله وعياله وفى سنة أربع وتسعين وأربعمائة توفى فى ربيع الاوّل منها محمد بن على بن عبيد الله بن أحمد بن صالح ابن سليمان بن ودعان أبو النصر القاضى الموصلى وهو صاحب الاربعين الودعانية وقد تكلموا فيها فقيل انها سرقها وكانت تصنيف زيد بن رفاعة الهاشمى والغالب على حديثه المناكير كذا فى الكامل وفى أيام المستظهر توفى ملك شاه بخراسان وجلس ابنه سنجر مكانه وملك الفرنج انطاكية وسميساط والرها وبيت المقدس كذا فى سيرة مغلطاى* وفى سنة اثنتين وخمسمائة قتلت الاسماعيلية شيخ الشافعية أبا المحاسن الرويانى صاحب كتاب البحر وله ست وثمانون سنة وكان يقول لو عدمت كتب الشافعية أمليتها من حفظى ومات المستظهر فى يوم الاربعاء الثالث والعشرين من ربيع الاخر سنة اثنتى عشرة وخمسمائة وخلافته أربع وعشرون سنة وثلاثة أشهر* وفى سيرة مغلطاى مكث فى الخلافة خمسا وعشرين سنة وتوفى ليلة الاحد السابع والعشرين من ربيع الاخر مات بعلة التراقى وهى الخوانيق وغسله شيخ الحنابلة ابن عقيل وخلف عدّة أولاد وتخلف بعده ابنه المسترشد بالله*
(خلافة المسترشد بالله أبى منصور الفضل بن المستظهر بالله أبى العباس أحمد بن المقتدى أبى القاسم عبد الله الهاشمى العباسى البغدادى)
* أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تسمى لبابة ومولده فى حدود سنة خمس وثمانين وأربعمائة بويع بالخلافة بعد موت أبيه فى شهر ربيع الاخر سنة اثنتى عشرة وخمسمائة وكان شجاعا ذا نعمة ومعرفة وعقل وكان دينا مشتغلا بالعبادة سلك من الخلافة سيرة القادر وقرأ القرآن وسمع الحديث وقال الشعر وفى أيامه مات شيخ الحنفية شمس الائمة أبو الفضل بكر بن محمد الانصارى الجابرى البخارى الزنجرى وكان يضرب به المثل فى حفظ المذهب وعاش خمسا وثمانين سنة وتفقه على شمس الائمة السرخسى* وفى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة مات قاضى القضاة ببغداد أبو الحسن على ابن قاضى القضاة محمد بن على الدامغانى الحنفى وله أربع وستون سنة* وفى سنة أربع عشرة وخمسمائة ظهر قبر ابراهيم الخليل وقبور ولديه اسحاق ويعقوب عليهم السلام بالقرب من البيت المقدس ورآهم كثير من الناس لم تبل أجسادهم وعندهم فى المغارة قناديل من ذهب وفضة كذا ذكره أحمد بن أسد بن على بن محمد التميمى فى تاريخه والله أعلم* وفى هذه السنة ظهر معدن نحاس بديار بكر قريبا من قلعة ذى القرنين كذا فى الكامل* وفى سنة ست عشرة وخمسمائة توفى محيى السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوى الشافعى صاحب التصانيف وقد نيف على السبعين ومصنف المقامات أبو محمد القاسم بن على بن محمد البصرى الحزيرى وفيها تضعضع الركن اليمانى من البيت الحرام زاده الله شرفا من زلزلة وانهدم بعضه وتشعب بعض حرم النبىّ صلى الله عليه وسلم وتشعب غيرهما من البلاد* وفى سنة سبع عشرة وخمسمائة توفى عبد الله بن الحسين بن أحمد بن الحسين أبو نعيم بن أبى على الحدّاد الاصفهانى ومولده سنة ثلاث وستين وأربعمائة وهو من أعيان المحدّثين سافر الكثير فى طلب الحديث* وفى سنة عشرين وخمسمائة توفى أبو الفتح أحمد بن محمد بن محمد الغزالىّ الواعظ وهو اخو الامام أبى حامد وقد ذمه أبو الفرج ابن الجوزى بأشياء كثيرة منها روايته فى وعظ الاحاديث التى ليست بصحيحة والعجب أنه يقدح فيه بهذا وتصانيفه ووعظه مشحونة مملوءة به نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الوقيعة فى الناس* وفى سنة أربع وعشرين وخمسمائة ظهر ببغداد عقارب طيارة ذوات شوكتين فنال الناس منها خوف شديد واذى عظيم كذا فى الكامل* وكان المسترشد لما تغير أحوال مملكته صار يباشر القتال بنفسه فمات قتيلا فى سابع عشر ذى القعدة سنة تسع وعشرين(2/361)
وخمسمائة وسببه انه خرج فى عساكر لقتال مسعود بن محمد شاه بن ملك شاه السلجوقى فخالف عسكره فانكسروا وانهزم فأرسل سنجر شاه عم مسعود المذكور يلوم مسعودا فى قتال الخليفة فرجع عن قتاله وضرب له السرادق وطلبه وأنزله به فلما نزل المسترشد بالسرادق وصل رسول سنجر شاه الى الخليفة ومعه سبعة عشر نفرا من الباطنية الاسماعيلية فى زى الغلمان فدخلوا على الخليفة وضربوه بالسكاكين حتى قتلوه وقطعوا أنفه وأذنيه وخرجت الباطنية والسكاكين بأيديهم فيها الدم فمالت عليهم العساكر فقتلوهم ثم أحرقوهم وغطى الخليفة بسندسة خضراء لفوه فيها ودفنوه على حاله بباب مراغة وكان قتله فى سابع عشر ذى القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة كذا فى سيرة مغلطاى وعمره أربع أو خمس وأربعون سنة وخلافته سبع عشرة سنة وسبعة أو ثمانية أشهر وفى سيرة مغلطاى وستة أشهر وأيام واستخلف بعده ابنه الراشد*
(خلافة الراشد بالله أبى جعفر منصور بن المسترشد الفضل بن المستظهر أحمد)
* الهاشمى العباسى البغدادى وهو السادس فخلع كما سيأتى وأمّه أمّ ولد حبشية ومولده فى سنة اثنتين وخمسمائة ويقال انّ الراشد هذا ولد مسدودا فأحضر والده المسترشد الاطباء فأشاروا ان يفتح له مخرج بالة من ذهب ففعل به ذلك بويع بالخلافة بعد قتل أبيه فى الخامس والعشرين من ذى القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة* وفى دول الاسلام لما جاء الخبر بمصرع المسترشد قامت قيامة أهل بغداد وناحوا عليه وشقوا الثياب وخرج النساء يلطمن منتشرات الشعور ينشدن المراثى وطلب الاعيان ولده الراشد بالله فبايعوه* وحكى عن الراشد أن والده أعطاه عدّة جوار وعمره أقل من تسع سنين وأمرهنّ أن علاعبنه وكانت فيهنّ جارية فحملت من الراشد فلما ظهر الحمل وبلغ المسترشد أنكره لصغر سن ولده فسألها فقالت والله ما تقدّم الىّ غيره وأنه احتلم فسأل المسترشد باقى الجوارى فقلن كذلك ووضعت الجارية صبيا وسمى أمير الجيش وقيل للمسترشد ان صبيان تهامة يحتلمون لتسع سنين وكذلك نساؤهم ولم تطل خلافة الراشد فانه خرج بعد خلافته بمدّة الى الموصل لقتال مسعود بن محمد شاه وغيره فلما قاربهم خذله أصحابه فقبض مسعود عليه وخلعه من الخلافة فى يوم الخميس ثامن عشر أو تاسع عشر من ذى القعدة سنة ثلاثين وخمسمائة يقال انّ الوزير أبا القاسم على بن طراد كتب محضرا على الراشد فيه أنواع كبائر ارتكبها من الفسق ونكاح أمّهات أولاد أبيه وأخذ أموال الناس وسفك الدماء وانه فعل أشياء لا يجوز أن يكون معها اماما على المسلمين فشهد بذلك طائفة وحكم ابن الكرخى القاضى بخلعه وكان السلطان مسعود قد جمع القضاة والشهود والاعيان وأخرج لهم نسخة يمين كانت بينه وبين الراشد أخذها عليه بخطه فيها متى عصيت أو حاربت أو جذبت سيفا فى وجه مسعود فقد خلعت نفسى من هذا الامر وفيها خطوط القضاة والشهود بذلك فحكم القضاة حينئذ بخلعه فخلع وولوا المقتفى محمد بن المستظهر عم الراشد وحبس الراشد الى أن مات قتيلا فى محبسه فى السابع والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وقيل انّ الذين قتلوه جماعة من الخراسانية كانوا بخدمته فوثبوا عليه فقتلوه بدسيسة من السلطان* وفى سيرة مغلطاى قتله الباطنية على باب أصبهان وقتلت معه خوارزمشاه*
(خلافة المقتفى لامر الله أبى عبد الله محمد ابن المستظهر أحمد بن المقتدى عبد الله بن الامير محمد الذخيرة بن الخليفة القائم بالله عبد الله الهاشمى العباسى البغدادى)
* أمه أم ولد تسمى بغية النفوس وقيل نسيم ومولده فى سنة تسع وثمانين وأربعمائة بويع بالخلافة بعد خلع ابن أخيه الراشد وكان المقتفى اماما عالما فاضلا أديبا شجاعا دمث الاخلاق كامل السودد خليقا للخلافة قليل المثل* وفى دول الاسلام لما حكم القاضى بخلع الراشد أحضروا عمه محمد بن المستظهر بالله وكان صهرا لعلى بن طرّاد ولقبوه المقتفى(2/362)
لامر الله وبايعوه* وفى سنة احدى وثلاثين وخمسمائة تزوّج الخليفة بالخاتون فاطمة بنت محمد ابن ملك شاه على صداق مائة ألف دينار وفيها صام أهل بغداد ثلاثين يوما ولم يروا الهلال ليلة احدى وثلاثين مع كون السماء مصحية* قال ابن الجوزى وهذا شئ لم يقع مثله وفيها ظهر بالشام سحاب أسود أظلمت له الدنيا ثم سحاب أحمر كأنه نار أضاءت له الدنيا ثم جاءت ريح عاصفة فألقت أشجارا كثيرة ثم وقع مطر شديد وسقط برد كبار* وفى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة كسا الكعبة رجل من التجار يقال له ابن امشت الفارسى وجعل فيها أربعة قناديل من الذهب وزنها عشرة ارطال بثمانية عشر ألف دينار وذلك لانه لم يأتها كسوة فى هذا العام لاجل اختلاف الملوك* وفى سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة زلزل أهل حلب فى ليلة واحدة ثمانين مرّة وكانت زلازل بمصر والشام أقامت تعاود الناس أياما كثيرة حتى خربت اكثر البلاد* حكى أنها جاءت فى يوم وليلة احدى وتسعين مرّة* وفى دول الاسلام فيها كانت الزلزلة العظمى التى دكت مدينة الحيرة ومات تحت الردم أزيد من مائة ألف وقيل خسف بها وبقى مكانها ماء أسود* وفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة مات محدّث بغداد الحافظ عبد الوهاب بن المبارك الانماطى وله ست وسبعون سنة* وعلامة خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشرى النحوى المفسر المعتزلى وله احدى وسبعون سنة* وفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة مات عالم المغرب القاضى أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض السبتى وله ثمان وستون سنة* وفى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة مات الافضل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستانى المتكلم صاحب الملل والنحل وتوفى المقتفى لامر الله يوم الاحد ثانى شهر ربيع الاوّل* وفى سيرة مغلطاى توفى المقتفى ليلة السبت مستهل ربيع الاوّل سنة خمس وخمسين وخمسمائة ودفن بداره بعد أن صلى عليه ولده المستنجد يوسف وكانت خلافته أربعا وعشرين سنة وثلاثة أشهر واحدا وعشرين يوما وعاش ستا وستين سنة وفى أيامه مات السلطان مسعود بهمدان وقتل أتابك زنكى وهو نائم ومطرت اليمن دما ووقع على ثياب الناس والارض شبه الدم كذا فى سيرة مغلطاى*
(خلافة المستنجد بالله أبى المظفر يوسف بن المقتفى محمد بن المستظهر بن أحمد الهاشمى العباسى البغدادى أمير المؤمنين)
* أمه أم ولد كرجية تسمى طاوس أدركت خلافته ومولده فى سنة ثمان وخمسمائة* صفته* كان المستنجد أسمر طويل اللحية معتدل القامة شجاعا مهابا عادلا فى الرعية أديبا فصيحا فطنا أزال المظالم والمكوس فى خلافته بويع بالخلافة بعد موت أبيه المقتفى فى سنة خمس وخمسين وخمسمائة فبايعه أولاد عمه أبو طالب ثم أخوه أبو جعفر ثم ابن هبيرة وقاضى القضاة ابن الدامغانى قيل انّ المستنجد رأى فى منامه فى حياة أبيه كأن ملكا نزل من السماء فكتب فى كفه أربع خاآت معجمات فلما أصبح أوّله له بعض المعبرين بأنه يلى الخلافة فى سنة خمس وخمسين وخمسمائة وكان كذلك وكان نقش خاتم المستنجد من أحب نفسه عمل لها*
سبب حفر الخندق حول الحجرة النبوية
وفى سنة سبع وخمسين وخمسمائة عمل الملك نور الدين الشهيد محمود بن زنكى بن أقسنقر خندقا حول الحجرة النبوية مملوآ بالرصاص على ما ذكر فى الوفاء وسبب ذلك أن النصارى خذلهم الله دعتهم أنفسهم فى سلطنة الملك المذكور الى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم ويأبى الله الا أن يتم نوره ولو كره الكافرون وذلك ان السلطان المذكور كان له تهجد يأتى به فى الليل وأوراد يأتى بها فنام عقب تهجده فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فى نومه وهو يشير الى رجلين أشقرين ويقول أنجدنى أنقذنى من هذين فاستيقظ فزعا ثم توضأ وصلى ونام فرأى المنام بعينه فاستيقظ وصلى ونام فرآه أيضا مرّة ثالثة فاستيقظ وقال لم يبق نوم وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلى فأرسل اليه ليلا وحكى له جميع ما اتفق(2/363)
له فقال له وما قعودك اخرج الان الى المدينة النبوية واكتم ما رأيت فتجهز فى بقية ليلته وخرج على رواحل خفيفة فى عشرين نفرا وفى صحبته الوزير المذكور ومال كثير فقدم المدينة فى ستة عشر يوما فاغتسل خارجها ودخل فصلى فى الروضة وزار ثم جلس لا يدرى ماذا يصنع فقال الوزير وقد اجتمع أهل المدينة فى المسجد ان السلطان قصد زيارة النبى صلى الله عليه وسلم وأحضر معه أموالا للصدقة فاكتبوا من عندكم فكتبوا أهل المدينة كلهم وأمر السلطان بحضورهم وكل من حضر ليأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التى أراها له النبىّ صلى الله عليه وسلم فلا يجد تلك الصفة فيعطيه ويأمره بالانصراف الى أن انفضت الناس فقال السلطان هل بقى أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة قالوا لا فقال تفكروا وتأمّلوا فقالوا لم يبق أحد الا رجلين مغربيين لا يتناولان لاحد شيئا وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج فلما سمعه السلطان انشرح صدره وقال علىّ بهما فأتى بهما فرآهما والرجلين اللذين أشار النبىّ صلى الله عليه وسلم اليهما بقوله أنجدنى أنقذنى من هذين فقال لهما من أين أنتما فقالا من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة فى هذا العام عند رسول الله فقال أصدقانى فصمما على ذلك فقال أين منزلهما فأخبر بأنهما فى رباط بقرب الحجرة الشريفة فأمسكهما وحضر الى منزلهما فرأى فيه مالا كثيرا وختمتين وكتبا فى الرقائق ولم ير فيه شيئا غير ذلك فأثنى عليهما أهل المدينة بخير كثير وقالوا انهما صائمان الدهر ملازمان الصلوات فى الروضة الشريفة وزيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم وزيارة البقيع كل بكرة وزيارة قباء كل سبت ولا يردّان سائلا قط بحيث سدّا خلة أهل المدينة فى هذا العام المجدب فقال السلطان سبحان الله ولم يظهر شيئا مما رآه وبقى السلطان يطوف فى البيت بنفسه فرفع حصيرا فى البيت فرأى سردا بالمحفورا ينتهى الى صوب الحجرة الشريفة فارتاعت الناس لذلك وقال السلطان عند ذلك أصدقانى حالكما وضربهما ضربا شديدا فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى فى زى حجاج المغاربة وأمدّوهما بأموال عظيمة وامروهما بالتحيل فى شئ عظيم خيلته لهم أنفسهم وتوهموا أن يمكنهم الله منه وهو الوصول الى الجناب الشريف ويفعلوا به مازينه لهم ابليس فى النقل وما يترتب عليه فنزلا فى أقرب رباط الى الحجرة الشريفة وهو الرباط المعروف برباط المراغة وفعلا ما تقدّم وصارا يحفران ليلا ولكل منهما محفظة جلد على زىّ المغاربة والذى يجتمع من التراب يجعله كل منهما فى محفظته ويخرجان لاظهار زيارة قبور البقيع فيلقيانه بين القبور وأقاما على ذلك مدّة فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجيف عظيم بحيث خيل انقلاع تلك الجبال فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة واتفق مسكهما واعترافهما فلما اعترفا وظهر حالهما على يديه ورأى تأهيل الله له لذلك دون غيره بكى بكاء شديدا وأمر بضرب رقابهما فقاتلا تحت الشباك الذى يلى الحجرة الشريفة وهو مما يلى البقيع ثم أمر باحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما الى الماء حول الحجرة كلها وأذيب ذلك الرصاص وملئ به الخندق فصار حول الحجرة سورا رصاصا الى الماء ثم عاد الى ملكه وأمر باضعاف النصارى وأمر أن لا يستعمل كافر فى عمل من الاعمال وأمر مع ذلك بقطع المكوس جميعها وقد أشار الى ذلك الجمال المطرى باختصار ولم يذكر عمل الخندق حول الحجرة وسبك الرصاص به وقال ان السلطان محمود المذكور رأى النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث مرّات فى ليلة واحدة وهو يقول فى كل واحدة يا محمود أنقذنى من هذين الشخصين الاشقرين تجاهه فاستحضر وزيره قبل الصبح فذكر له ذلك فقال له هذا أمر حدث فى مدينة النبى صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك فتجهز وخرج على عجل بمقدار ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك حتى دخل المدينة على غفلة من أهلها والوزير معه وزار وجلس(2/364)
فى المسجد لا يدرى ما يصنع وقال له الوزير أتعرف الشخصين اذا رأيتهما قال نعم فطلب الناس عامّة للصدقة وفرّق عليهم ذهبا كثيرا وفضة وقال لا يبقين أحد بالمدينة الاجاء فلم يبق الارجلان مجاوران من أهل الاندلس نازلان فى الناحية التى قبلة حجرة النبىّ صلى الله عليه وسلم من خارج المسجد عند دار آل عمر بن الخطاب التى تعرف اليوم بدار العشرة فطلبهما للصدقة فامتنعا وقالا نحن على كفاية لا نقبل شيئا فجدّ فى طلبهما فجىء بهما فلما رآهما قال للوزير هما هذان فسألهما عن حالهما وما جاء بهما فقالا لمجاورة النبى صلى الله عليه وسلم فقال أصدقانى وتكرّر السؤال حتى أفضى الى معاقبتهما فأقرّا انهما من النصارى وانهما وصلا لكى ينقلا من فى هذه الحجرة الشريفة باتفاق من ملوكهم ووجدهما قد حفرا نقبا تحت الارض من تحت حائط المسجد القبلى وهما قاصدان الى جهة الحجرة الشريفة يجعلان التراب فى بئر عندهما فى البيت الذى هما فيه هكذا حدّثنى عمن حدّثه فضرب أعناقهما عند الشباك الذى فى شرقى حجرة النبىّ صلى الله عليه وسلم خارج المسجد ثم أحرقا بالنار آخر النهار وركب متوجها الى الشام* وذكر الامام اليافعى فى ترجمته أن بعض العارفين من الشيوخ ذكر أنه كان فى الاولياء معدودا من الاربعين وصلاح الدين نائبه من الثلثمائة* ويناسب ذلك ما ذكره المحب الطبرى فى الرياض النضرة فى فضائل العشرة قال أخبرنى هارون بن الشيخ عمر ابن الزغب وهو ثقة صدوق مشهور بالخير والصلاح والعبادة عن أبيه وكان من الرجال الكبار قال كنت مجاورا بالمدينة وشيخ خدّام النبى صلى الله عليه وسلم اذ ذاك شمس الدين صواب اللمطى وكان رجلا صالحا كثير البرّ بالفقراء والشفقة عليهم وكان بينى وبينه أنس فقال لى يوما أخبرك بعجيبة كان لى صاحب يجلس عند الامير ويأتينى من خبره بما تمس حاجتى اليه فبينا أنا ذات يوم اذ جاءنى فقال أمر عظيم حدث اليوم قلت وما هو قال جاء قوم من أهل حلب وبذلوا للامير بذلا كثيرا وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة واخراج أبى بكر وعمر منها فأجابهم الى ذلك قال صواب فاهتممت لذلك هما عظيما فلم أنشب أن جاء رسول الامير يدعونى اليه فأجبته فقال لى يا صواب يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ولا تعترض عليهم قال فقلت سمعا وطاعة قال فخرجت ولم أزل يومى أجمع خلف الحجرة أبكى لا ترقأ لى دمعة ولا يشعر أحد ما بى حتى اذا كان الليل وصلينا العشاء الاخرة وخرج الناس من المسجد وغلقت الابواب فلم ننشب أن دق الباب الذى حذاء باب الامير أى باب السلام فان الامير كان مسكنه حينئذ بالحصن العتيق قال ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدّهم واحدا بعد واحد ومعهم المساحى والمكاتل والشموع وآلات الهدم والحفر قال وقصدوا الحجرة الشريفة فو الله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الارض جميعهم بجميع ما كان معهم من الالات ولم يبق لهم أثر قال فاستبطأ الامير خبرهم فدعانى وقال يا صواب ألم يأتك القوم قلت بلى ولكن اتفق لهم كيت وكيت قال انظر ما تقول قلت هو ذاك وقم فانظر هل ترى لهم من باقية أولهم أثر فقال هذا موضع هذا الحديث وان ظهر منك كان بقطع رأسك ثم خرجت عنه* قال المحب الطبرى فلما وعيت هذه الحكاية عن هارون حكيتها لجماعة من الاصحاب فيهم من أثق بحديثه قال وأنا كنت حاضرا فى بعض الايام عند الشيخ أبى عبد الله القرطبى بالمدينة والشيخ شمس الدين صواب يحكى هذه الحكاية سمعتها بأذنى انتهى ما ذكره الطبرى وقد ذكر أبو محمد عبد الله بن أبى عبد الله بن أبى محمد المرجانى هذه الواقعة باختصار فى تاريخ المدينة له وقال سمعتها من والدى يعنى الامام الجليل أبا عبد الله المرجانى قال وقال لى سمعتها من والدى أبى محمد المرجانى سمعها من خادم الحجرة قال أبو عبد الله المرجانى ثم سمعتها أنا من خادم الحجرة الشريفة وذكر نحو ما تقدّم الا أنه قال فدخل خمسة عشر أو قال عشرون رجلا بالمساحى(2/365)
والقفاف فما مشوا غير خطوة أو خطوتين وابتلعتهم الارض ولم يسم الخادم والله أعلم* وفى أيام المستنجد فى سنة تسع وخمسين وخمسمائة توفى الجمال محمد بن على وزير قطب الدين مودود بن زنكى صاحب الموصل كان كثير المعروف والصدقات ساق عينا الى عرفات وعمل هناك مصانع وبنى مسجد عرفات ودرجة وأحكم أبواب الحرم وبنى مسجد الخيف وبنى الحجر وزخرف الكعبة وذهبها وعملها بالرخام وبنى على المدينة النبوية سورا وبنى جسرا على دجلة عند جزيرة ابن عمر بالحجر المنحوت والحديد والرصاص وبنى الربط الكثيرة وكان يتصدّق كل يوم فى بابه بمائة دينار ويفتدى من الاسارى فى كل سنة بعشرين ألف دينار وكانت صدقاته وافدة الى الفقهاء والفقراء حيث كانوا وقد حبس فى سنة ثمان وخمسين وخمسمائة* وذكر ابن الساعى عن شخص كان معه فى السجن أنه نزل اليه طائر أبيض قبل موته فلم يزل عنده وهو يذكر الله عز وجل حتى توفى فى شعبان من هذه السنة ثم طار عنه ودفن فى رباط بناه بالموصل* وفى سنة ستين وخمسمائة قال ابن الجوزى فى يوم الاضحى ولدت امرأة ببغداد يقال لها بنت أبى العز أربع بنات* وفى سنة احدى وستين وخمسمائة توفى شيخ الوقت أبو محمد عبد القادر بن صالح الجيلى الواعظ المفتى الحنبلى المذهب الزاهد أحد الاعلام ببغداد وله تسعون سنة* وفى سنة اثنتين وستين وخمسمائة مات حافظ خراسان أبو سعيد عبد الكريم ابن محمد بن منصور السمعانى المروزى وله ست وخمسون سنة وله تصانيف جمة* وكانت وفاة المستنجد بالله الخليفة وقيل قتله فى يوم السبت ثانى ويقال ثامن شهر ربيع الاخر سنة ست وستين وخمسمائة وكانت خلافته احدى عشرة سنة وشهرا واحدا*
(خلافة المستضىء بالله أبى محمد الحسن بن المستنجد يوسف بن المقتفى لامر الله محمد بن المستظهر)
أمير المؤمنين الهاشمى العباسى البغدادى أمه أم ولد مولدة مولده فى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة بويع بالخلافة بعد وفاة والده فى شهر ربيع الاخر سنة ست وستين وخمسمائة وخطب له بالديار المصرية واليمن وكانت الدولة العباسية منقطعة منها من زمن المطيع كذا فى حياة الحيوان وكان أحسن الخلفاء سيرة وكان اماما عادلا شريف النفس حسن السيرة كريما ليس للمال عنده قدر حليما شفوقا على الرعية أسقط فى أيامه المكوس والضرائب وفى أيامه فى سنة تسع وستين وخمسمائة وقع برد عظيم وزنت واحدة فكانت سبعة أرطال بالبغدادى فقتل جماعة وشيئا كثيرا من المواشى وكان غالبه كالنارنج* وفى سنة احدى وسبعين وخمسمائة مات حافظ الشام أبو القاسم على بن الحسين بن عساكر صاحب التاريخ الكبير وله ثلاث وسبعون سنة واستهلت سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وفى هذه السنوات كان ابن الجوزى يعظ ببغداد ويحضره ألوف مؤلفة ويحضره أمير المؤمنين فى المنظرة* وفى سنة أربع وسبعين وخمسمائة قال ابن الجوزى وعظت بجامع المنصور فخرر المجلس بمائة ألف وكان المستضىء بالله يحضر من وراء الستر وله محبة فى الحنابلة والسنية وكراهية فى الرافضة وكانت وفاة المستضىء بالله فى بغداد فى ليلة الاحد ثانى ذى القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة* وفى دول الاسلام فى شوّال سنة خمس وسبعين وخمسمائة وعاش تسعا وثلاثين سنة وكانت خلافته تسع سنين وستة أشهر وأربعة عشر يوما وهو الذى عادت الخطبة باسمه فى الديار المصرية والبلاد الشامية والثغور واجتمعت الامة فى أيامه على خليفة واحد وانقطعت دولة بنى عبيد الفاطميين خلفاء مصر فى أيامه على يد الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب وفى دول الاسلام وكان سمحا جوادا محبا للسنة أمنت البلاد فى زمانه*
(خلافة الناصر لدين الله أبى العباس أحمد بن المستضىء حسن بن المستنجد يوسف الهاشمى العباسى)
* أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد تركية ومولده فى يوم الاثنين عاشر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة* صفته* قال الذهبى(2/366)
كان أبيض اللون تركى الوجه مليح العينين أنور الجبهة أقنى الانف خفيف العارضين اشقر اللحية رقيق المحاسن بويع بالخلافة فى بغداد بعد موت أبيه فى أوّل ذى القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة وكان نقش خاتمه رجائى من الله عفوه لم تكن خلافة أحد من بنى العباس قبله أطول مدّة منه وفى أيامه ظهرت القسى ببغداد والرمى بالبندق ولعب الحمام وتفنن الناس فى ذلك* قال الذهبى كان يعانى البندق والحمام فى شبيبته وكان له عيون على كل سلطان يأتونه بالاسرار حتى كان بعض الكبار يعتقد فيه انّ له كشفا واطلاعا على المغيبات* وفى أيامه سنة ثمان وخمسمائة مات حافظ الاندلس أبو القاسم خلف ابن عبد الملك بن بشكوال القرطبى وله أربع وثمانون سنة* وفى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة مات مسند بغداد أبو السعادات نصر الله القزاز وله اثنتان وتسعون سنة* وفى سنة أربع وثمانين وخمسمائة مات شيخ الحنفية بماوراء النهر شمس الائمة عمر بن الزرنجرى الجابرى والحافظ المصنف أبو بكر محمد بن موسى الحازمى الهمدانى* وفى تسعين وخمسمائة توفى شيخ القراء أبو محمد القاسم بن فيره بن خلف الرعينى الشاطبى ناظم الشاطبية وله اثنتان وخمسون سنة* وفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة مات ببغداد شيخ الوقت العلامة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزى الحنبلى الواعظ ببغداد صاحب التصانيف وتصانيفه مشهورة وكان كثير الوقيعة فى الناس لا سيما العلماء المخالفين لمذهبه وكان مولده سنة عشر وخمسمائة كذا فى الكامل* وفى سنة تسع وتسعين وخمسمائة فى أوّلها ماجت النجوم ببغداد وتطايرت شبه الجراد ودام ذلك الى الفجر وضح الخلق الى الله تعالى وفى سنة ثلاث وستمائة قدم ببغداد للحج شيخ الحنفية برهان الدين صدر جهان وفى صحبته ثلثمائة فقيه وفيها مات مسند أصبهان أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلانى وله أربع وتسعون سنة*
وقعة خوارزم شاه مع التتار وابتداء ظهورهم
وفى سنة أربع وستمائة مات المعمر أبو على حنبل بن عبد الله الرصافى راوى المسند وله ثلاث وتسعون سنة وفيها عدّى خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش الى ماوراء النهر بجيوش عظيمة فالتقاه صاحب الخطا وتمت بينهم وقعات كبار آخرها انهزم المسلمون وأسر خلق وأسر السلطان خوارزم شاه مع أمير أسرهما الخطائى فأظهر السلطان انه مملوك لذلك الامير وقلعه خفه فاحترم الخطائى ذلك الامير ثم بعد أيام قال الامير للخطائى انى أخاف ان يظنّ أهلى انى قتلت فيقتسموا أموالى فقرّر علىّ شيئا حتى أبصر كيف أعمل فقرّره فقال أتأذن لغلامى هذا يذهب ويحضر الذهب فأذن له وبعث معه من يخفره الى خوارزم فنجا السلطان وتمت الحيلة وزينت بلاده وضربت البشائر ثم انّ الخطائى قال للامير انّ سلطانكم عدم قال أو ما تعرفه قال لا قال هو غلامى الذى بعثته فعض الخطائى على يده وبهت وقال هلا كنت أعلمتنى حتى كنت سرت بين يديه وخدمته الى مقر ملكه قال خفت عليه قال فانهض بنا الى خدمته فسارا جميعا الى باب خوارزم شاه* وفى سنة خمس وستمائة أخذت الكرج أرجيش وقتلوا أهلها وفى سنة ست وستمائة حاصرت الكرج خلاط وكادوا ان يفتحوها فركب ملك الكرج سكران وحمل على البلد فتقنطر به فرسه وتسارع اليه المسلمون فأسروه وقتلوا حوله جماعة فانهزم جيشه وفيها عبر خوارزم شاه جيحون فى جحفل عظيم فالتقى الخطا فكسرهم وقتل من الخطا مقتلة عظيمة لم يسمع بمثلها وأسر سلطانهم طاينكو وأحضر الى بين يدى خوارزم شاه فأكرمه وأجلسه معه على السرير ثم افتتح عدّة مدائن قهرا وصالحا وفى هذا الوقت كان مبدأ ظهور التتار فانهم كانوا ببادية الخطا فلما سمعوا بالهزيمة العظمى على الخطا قصدوهم مع كشلوخان وعلم خوارزم شاه انه لا طاقة له بالتتار فأمر أهل ممالكه من ناحية الخطا كأهل فرغانة والشاش واسبيجاب بالجلاء والانجفال الى بخارى وسمرقند الى ان أخلى تلك البلاد النزهة العامرة وخربها وصيرها مفاوز خوفا من ان يملكها التتار ويجاوروه(2/367)
ثم اتفق خروج جنكيزخان وجيوشه الذين أبادوا خراسان فاشتغل كشلوخان بحربهم مدّة وفيها توفى العلامة فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر التيمى البكرى الرازى بن خطيب الرى الشافعى المتكلم صاحب التصانيف فى التفسير والطب والفلسفة يوم الفطر وله اثنتان وستون سنة وفيها مات العلامة مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن الاثير الشيبانى الجزرى ثم الموصلى صاحب جامع الاصول وغريب الحديث فى آخر العام وله اثنتان وستون سنة وتسعة أشهر* وفى سنة تسع وستمائة مات الملك الاوحد أيوب بن العادل صاحب خلاط وميافارقين وكان ظلوما غشوما وتملك خلاط بعده أخوه الاشرف* وفى سنة عشر وستمائة خلص خوارزم شاه من الاسر وذلك انه كان منازلا للتتار فخاطر بنفسه وتنكر ولبس زى التتار هو وثلاثة ودخل فى التتار ليكشف أمورهم فاستنكروهم فأمسكوهم فضربوا اثنين منهم حتى ماتا تحت الضرب ولم يقرّا وضربوا خوارزم شاه والاخر ورسموا عليهما فهربا بالليل* وفى سنة خمس عشرة وستمائة اندفع السلطان خوارزم شاه بين يدى التتار لما بلغه انهم قاصدون ماوراء النهر وجاءه رسول جنكيزخان طاغية التتار بهدية مثل مسك ونحوه يطلب المسالمة وأعلمه بان جنكيزخان قد ملك طمغاج والصين وأشار بالمسالمة فأعطاه خوارزم شاه معضدة جوهرا وعاهده أن يكون عينا له ومناصحا ثم سافرت تجار جنكيزخان وجاءت فظلمهم نائب بخارى وهو خال خوارزم شاه وأخذ أموالهم فاستشاط جنكيزخان غضبا وأرسل يهدّد خوارزم شاه ويطلب منه أن يسلم خاله اليه نائب بخارى فأمر خوارزم شاه بالرسل فقتلوا فيا لها فعلة ما كان أقبحها أجرت كل قطرة من دماء الرسل سيلا من الدماء* وفى سنة ست عشرة وستمائة انهزم السلطان خوارزم شاه بين يدى التتار وبلغ أمّه الخبر فعمدت الى من كان محبوسا بخوارزم من الملوك وكانوا عشرين ملكا ممن قد أخذ بلادهم وأسرهم فأمرت بقتلهم ثم أخذت خزائن ابنها ونساءه الى قلعة ابلال فأخذت وأسرت وساق هو الى أن وصل الى همدان وقد تفرق جيوشه وبقى معه نحو عشرين ألفا ونازلت التتار بخارى وسمرقند وفعلوا عوائدهم الملعونة من القتل والسبى والحريق فانا لله وانا اليه راجعون* وفيها مات شيخ النحو أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبرى الضرير صاحب التصانيف وشيخ الحنفية افتخار الدين عبد المطلب بن الفضل الهاشمى البلخى ثم الحلبى مؤلف شرح الجامع الكبير وله ثمانون سنة* وفى سنة سبع عشرة وستمائة كان سيف التتار قد استطال فى الامة فانهم هزموا خوارزم شاه وملكوا ماوراء النهر وعدّوا جيحون فأبادوا أهل خراسان ووصلوا الى قزوين وهمدان وقصدوا توريز وفرغوا من بلاد الخطا والترك وماوراء النهر وخوارزم وخراسان والعجم وغير ذلك قتلا وتخريبا وابادة فى نحو من سنة ونصف ثم دخلوا صحراء القفجاق واستولوا عليها ومضت فرقة الى كرمان وغزنة وتلك الديار فتركوها بلاقع ودينهم الكفر دين جاهلية أعراب الترك وأكثرهم يعبدون الشمس وبعضهم مجوس وبعضهم يعبدون الاصنام وهم جنس من الترك ومأواهم جبال طمغاج وملك جنكيزخان عدّة أقاليم وبث جيوشه وجهز كل فرقة الى اقليم فأبادت أهله وفيها مات السلطان الكبير علاء الدين خوارزم شاه بن محمد ابن خوارزم شاه بن تكش بن أرسلان بن أستر بن توشتكين الخوارزمى وكان قدد انت له الامم واستولى على بلاد الترك وماوراء النهر وخراسان وغزنة وغير ذلك وكان جدّه الاعلى البتكين من مماليك السلطان ألب ارسلان بن جعفر بك السلجوقى وكان عنده علم من الفقه والاصول واكرام العلماء والصالحين لكنه ظلوم سفاك للدماء وعسكره قد اعتادوا النهب والفساد والاذى والرعية معهم فى بلاء وويل فلما ابتلوا بجند جنكيزخان رضوا عن الخوارزمية وكان محمد بطلا شجاعا مقداما يقطع(2/368)
البلاد البعيدة فى أقرب زمان ولا ينشف له لبد وكان هجاما شهما بعيد الغور فاتكا كثير الغدر قليل النوم نزر الراحة وكان لا يعبأ بملبوس بل ثيابه وعدة فرسه تساوى دينارا أو نحوه وقد ذهب اليه رسول صاحب اربل فقال كان عدّة عسكر خوارزم شاه محمد ممن هو داخل فى طاعته ثلثمائة ألف وخمسين ألفا* وكانت دولته احدى وعشرين سنة ومات كهلا فرّ من التتار الى بحيرة مازندران فمرض بالاسهال وطلب الدواء فأعوزه الخبز ومات فى المركب غريبا وقام بعده ابنه جلال الدين خوارزم شاه* وفى سنة ثمان عشرة وستمائة جمع جلال الدين خوارزم شاه جيوش أبيه والتقى التتار وعليهم تولى ابن جنكيزخان فكسرهم جلال الدين ووضع فيهم السيوف قتلا وأسرا وقيل تولى فى المصاف وهذا هو أبو هولاكو* فلما بلغ الخبر أباه جنكيزخان قامت قيامته وجمع جيشه وسار مجدّا الى السند وكان السلطان جلال الدين قد فارقه بعض الجيش فالتقى جنكيزخان فى شوّال من السنة وحمل على القلب فمزقهم فولى جنكيزخان منهزما لكن كان له كمين عشرة آلاف فخرجوا على ميمنة جلال الدين وعليها الامير ملك فانكسرت وأسر ابن جلال الدين وتبدد نظامه فتقهقر الى حافة نهر السند فرآى نساءه وأمّه يصحن بالله اقتلنا لا نقع فى الاسر فأمر بتغريقهنّ وركبه العدوّ والبحر من بين يديه فرفس فرسه فى الماء على انه يغرق فسبح به فرسه ذلك النهر العظيم وخلص الى الجهة الآخرى هو ونحو أربعة آلاف فارس عراة جياعا فلما عرف متولى تلك الناحية انّ خوارزم شاه دخل فى أرضه طلبه بالفارس والراجل فانهزم منه خوارزم شاه ليختفى فى الشجر* ثم دهمه ملك الهند وحمل على خوارزم شاه فثبت له حتى قاربه فرماه بسهم ما أخطأ فواده فسقط وانهزم جيشه فحاز خوارزم شاه الغنيمة فعاش بذلك وقدم سجستان فتقوى بها* وأما التتار فوصلوا الى حدّ العراق وفنيت الناس وحصروا بغداد فأنفق الناصر لدين الله الاموال* وفيها عند أخذ خوارزم استشهد شيخ العارفين نجم الدين الكبرى أحمد بن عمر أبو الجناب الخيوقى ومات مسند دمشق موسى بن الشيخ عبد القادر الجيلى* وفى سنة تسع عشرة وستمائة مات محدث دمشق الحافظ تقى الدين اسماعيل بن عبد الله بن الانماطى المصرى كهلا* وفى سنة عشرين وستمائة كان فرقة عظيمة من التتار قد جاوزوا دربند شيرين الى صحراء القفجاق فجرت بينهم وبين القفجاق والروس وقعة عظيمة صبر فيها الجمعان وكثر القتل ثم انهزمت القفجاق وراح أكثرهم تحت السيف* وفى سنة احدى وعشرين وستمائة رجعت التتار من أرض القفجاق وأتوا الرىّ وقد تعمرت فوضعوا فى أهلها السيف وجعلوا كذلك بساوة وقم وقاشان وهمدان ثم قصدوا توريز فالتقاهم خوارزم شاه وكان كسرهم أخو خوارزم شاه وهو غياث الدين فتملك شيراز بلا كلفة وهرب منه صاحبها اتابك سعد بن زنكى الى قلعة اصطخر ثم داهنه سعد وسار تبعا وفيها انفصل خوارزم شاه جلال الدين عن الهند وكرمان وجاء فاستولى على مملكة اذربيجان وأقام الناصر لدين الله فى الخلافة ستة وأربعين سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما الى ان مات فى ليلة الاحد سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة وكانت خلافته سبعا وأربعين سنة وتوفى وله سبعون سنة وتحلف بعده ابنه الظاهر بأمر الله*
(خلافة الظاهر بأمر الله أبى النصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد الهاشمى العباسى)
* أمير المؤمنين أمّه أمّ ولد ومولده فى المحرّم سنة سبعين وخمسمائة* صفته* كان جميل الصورة أبيض اللون مشربا بحمرة حلو الشمائل شديد القوّة بويع بالخلافة بعد موت أبيه الناصر لدين الله فى سنة اثنتين وعشرين وستمائة وله اثنتان وخمسون سنة الاشهر او فيها سار صاحب الروم علاء الدين كيقباد فأخذ قلاعا لصاحب آمد* وفى أيامه فى سنة ثلاث وعشرين وستمائة قال ابن الاثير فى كامله صاد صاحب لنا أرنبا ولها ذكر وانثيان ولها أيضا فرج فشقوها فاذا فى بطنها(2/369)
جروان فقال جماعة مازلنا نسمع ان الارنب تكون سنة ذكرا وسنة أنثى وفيها زلزلت الموصل وشهرزور وتكرّرت عليهم الزلزلة ثلاثين يوما وخربت القرى وانخسف القمر فى السنة مرّتين* وفى ثالث عشر رجب من سنة ثلاث وعشرين وستمائة مات الخليفة الظاهر بأمر الله وكانت خلافته تسعة أشهر ونصف* وفى سيرة مغلطاى واثنى عشر يوما وله اثنتان وخمسون سنة وكان فيه دين وعقل ووقار قيل له ألا تتفسح وتتنزه فقال قد فات الزرع فقيل له يبارك الله فى عمرك فقال من فتح دكانا بعد العصر أيش يكسب فكان كذلك ومات بعد مدّة يسيرة وكان خيرا عادلا أحسن الى الرعية وبذل الاموال وأزال المظالم والمكوس وكان يقول الجمع شغل التجار أنتم الى امام فعال أحوج منكم الى امام قوّال اتركونى أفعل الخير فكم بقيت أعيش وقد فرّق فى ليلة العيد فى العلماء والصالحين مائة ألف دينار* قال اين الاثير لقد أظهر من العدل والاحسان ما أحيا به سنة العمرين ولما تولى الخلافة ولى الشيخ عماد الدين بن الشيخ عبد القادر الجيلىّ الحنبلى القضاء فما قبل عماد الدين الا بشروط أنه يورث ذوى الارحام فقال له الخليفة أعط كل ذى حق حقه واتق الله ولا تتق سواه فكلمه أيضا فى الاوراق التى ترفع الى الخليفة وهو أن حراس الدروب كانت ترفع الى الخليفة فى صبيحة كل يوم ما يكون عندهم من أحوال الناس الصالحة والطالحة فأمر الظاهر بتبطيل ذلك وقال أى فائدة فى كشف أحوال الناس فقيل له ان تركت هذا تفسد الرعية فقال نحن ندعو لهم بالاصلاح ثم أعطى القاضى المذكور عشرة آلاف دينار يوفى بها ديون من فى السجون من الفقراء*
(خلافة المستنصر بالله أبى جعفر منصور بن الظاهر بأمر الله محمد ابن الناصر لدين الله أحمد بن المستضىء حسن بن المستنجد يوسف)
* أمير المؤمنين الهاشمى العباسى البغدادى أمّه أمّ ولد تركية ومولده فى سنة ثمان وثمانين وخمسمائة* صفته* كان أبيض أشقر الشعر ضخما قصيرا ولما شاب خضب بالحناء ثم ترك الخضاب وهو السادس فلم يخلع لا هو ولا أبوه وبهذا انتقضت القاعدة المذكورة الا انّ التتار كان أمرهم قد عظم فى أيامهما فأخذوا جملة مستكثرة من بلاد الاسلام وفقد جلال الدين خوارزم شاه فى أيام المستنصر فى وقعة كانت بينه وبين التتار وهذا أعظم وأطم من الخلع كذا فى حياة الحيوان* بويع بالخلافة بعد موت أبيه الظاهر فى رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة* ولما ولى الخلافة نشر العدل فى الرعايا وبذل الانصاف وقرب أهل العلم والدين وبنى المساجد والربط والمدارس وأقام منار الدين وقمع المتمرّدين ونشر السنن وكف الفتن* قال الذهبى وهو أكبر اخوته فبايعه جميع اخوته وبنو عمه وله اذ ذاك خمس وثلاثون سنة وكان مليح الشكل كأبيه* قال ابن الساعى حضرت بيعته فلما رفعت الستارة شاهدته وقد كمل الله صورته ومعناه كان أبيض بحمرة أزج الحاجبين أدعج العينين سهل الخدّين أقنى رحب الصدر وعليه ثوب أبيض ومئزر أبيض وطرحة قصب بيضاء جلس الى الظهر فبلغنى انّ عدّة الخلع بلغت ثلاثة آلاف خلعة وخمسمائة وسبعين خلعة وفيها مات شيخ الشافعية امام الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعى القزوينى مؤلف الشرح الكبير*
بقية أخبار التتار
وفى سنة أربع وعشرين وستمائة كان المصاف بين التتار وبين جلال الدين خوارزم شاه أقبلوا فى جمع عظيم حتى نزلوا شرقى أصبهان فتأخر هو عن الخروج ثلاثة أيام فذهبت فرق منهم تغير وتنهب فجهز السلطان وراءهم جيشا أخذوا على التتار المضايق فبيتوهم وأسروا منهم* ثم عبى السلطان جيشه وبرز فلما تراآى الجمعان خذله أخوه غياث الدين وفارقه لوحشة حدثت فثغافل السلطان عنه ووقف التتار كراديس متقاربة فردّ السلطان الرجالة وحملت ميمنته على ميسرة التتار فهزمتها وحملت ميسرته على التتار أيضا فرأى السلطان انهزام العدوّ فنزل ليستريح فجاءه أمير والح عليه فى اتباع التتار فركب آخر النهار وساق فلما رأت التتار السواد تجرد جماعة من أبطالهم وكمنوا للسلطان(2/370)
وخرجوا بعد المغرب على ميسرة السلطان فطحنوها فقتل عدّة امراء واشتدّ الحرب ووقف السلطان وقد وهن نظامه وتبدد وأحاط به العدوّ فلم يبق معه سوى أربعة عشر فارسا فانهزم على حمية وجاءته طعنة فنجا منها وانهزم جيشه فرقا الى كرمان وتوريز وأمّا ميمنته فساقت وراء التتار تقتل فيهم وعادوا بعد يومين ودخل السلطان جلال الدين الى أصبهان وردت التتار الى خراسان* وفى سنة خمس وعشرين وستمائة التقى خوارزم شاه والتتار بالرى فانهزم ثم عمل مصافا آخر فانهزم أيضا ثم جمع وحشد ثم ضرب مع التتار رأسا فانهزم الجمعان من غير قتال وذلك انّ خوارزم شاه فارقه أخوه وقت المصاف بعسكره فظنت التتار أنه يريد أن يدور من ورائهم فانهزموا وأما هو فلما رأى مفارقة أخيه له وولت التتار ظن انها خديعة ليستدرجوه فتقهقر ولم يقحم عليهم ثم رجعت التتار ونازلت أصبهان فجاء خوارزم شاه وخرق فيهم ودخل أصبهان ثم خرج بالناس والتقى التتار فانهزمت التتار أقبح هزيمة وساق خوارزم شاه وراءهم الى الرى قتلا وأسرا ثم جاء فنازل خلاط مرة ثانية ليملكها وهى للملك الاشرف* وفى سنة ثمان وعشرين وستمائة التقى خوارزم شاه التتار فكسروه وطحنوه وتمزق عسكره وفيها قتل السلطان الكبير جلال الدين خوارزم شاه بن السلطان علاء الدين محمد بن تكش الخوارزمى وكانت دولته ثنتى عشرة سنة مات كهلا وكان أسمر أصفر لانّ أمّه هندية وكان فارسا شجاعا مهيبا حضر حروبا كثيرة وكان سدّا بيننا وبين التتار وكان عسكره مجمعة لا أخباز لهم بل يعيشون من النهب والغارة وفى آخر أمره راح منهزما من وقعة صاحب الروم فسار على فرسه فى تلك الجبال فظفر به كردى فقتله غيلة طعنه بحربة بأخ له كان قد قتلته الخوارزمية وذلك فى نصف شوّال وفى سنة تسع وعشرين وستمائة قصد التتار أذربيجان فتهيأ لحربهم عسكر الخليفة وصاحب اربل الملك المعظم مظفر الدين كوكبرى فردّت التتار* وفى سنة ثلاثين وستمائة حاصر الملك الكامل آمد بالمجانيق وأخذها من صاحبها الملك مسعود مودود الاتابكى وكان فاسقا قال الاشرف وجدنا فى قصره خمسمائة حرّة للفراش من بنات الناس يأخذهنّ قهرا وأخذ منه حصن كيفا ثم استناب السلطان على ذلك ولده الملك الصالح نجم الدين أيوب* وفى شعبان مات العلامة عز الدين على بن محمد بن محمد بن الاثير الجزرى صاحب التاريخ المسمى بالكامل ومعرفة الصحابة* وفى سنه احدى وثلاثين وستمائة مات بدمشق العلامة المتكلم سيف الدين على بن أبى على الامدى صاحب التصانيف وله ثمانون سنة* وفى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة مات شيخ الصوفية العارف الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد السهروردى البكرى ببغداد وله ثلاث وتسعون سنة ومسند أصبهان أبو الوفاء محمود بن ابراهيم بن منده قتل بأصبهان فى خلق عظيم عند دخول التتار اليها بالسيف* وفى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة جاءت التتار الى اربل فالتقاهم عسكرها فقتل طائفة من التتار ثم ساقت التتار الى أعمال الموصل فنهبوا وقتلوا وردّوا فتهيأ المستنصر بالله وانفق أموالا واستخدم خلقا كثيرا وفيها مات قاضى قضاة بغداد عماد الدين أبو صالح نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الجيلى الحنبلى وله سبعون سنة وكان من خيار القضاة دينا وتواضعا وعلما* وفى سنة أربع وثلاثين وستمائة حاصرت التتار اربل وأخذوها وقتلوا أهلها* وفى سنة سبع وثلاثين وستمائة مات الصاحب الوزير ضياء الدين نصر الله بن محمد بن الاثير الجزرى الكاتب مصنف المثل السائر عن ثمانين سنة ومات المستنصر بالله فى العشرين من جمادى الاخرة وقيل يوم الجمعة عاشره سنة أربعين وستمائة عن احدى وخمسين سنة وأربعة اشهر وتسعة أيام وكتم موته وخطب له يومئذ بالجامع حتى جاء الامير شرف الدين اقبال الشرابى الخادم ومعه جمع من الخدام وسلم على ولده المستعصم بالخلافة فاستخلف المستعصم وتم أمره وكانت خلافة المستنصر(2/371)
تسع عشرة سنة الاشهرا* وفى سيرة مغلطاى فمكث فى الخلافة ست عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة عشر يوما وتوفى سنة أربعين وستمائة فى جمادى الاخرة وهو الذى بنى المستنصرية ببغداد التى لم يبن فى الاسلام مثلها فى كثرة الاوقاف وكثرة ما جعل فيها من الكتب*
(خلافة المستعصم بالله أبى أحمد عبد الله بن المستنصر ابن الظاهر بأمر الله محمد أمير المؤمنين الهاشمى العباسى البغدادى)
* آخر خلفاء بنى العباس ببغداد وهو السادس فخلع وقتل فى أيام هولاكو أمّه أمّ ولد حبشية بويع بالخلافة بعد موت أبيه فى جمادى الاخرة سنة أربعين وستمائة وعمره ثلاثون سنة وكان فيه لين وقلة معرفة* وفى سيرة مغلطاى ومكث فى الخلافة خمس عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوما وقتله التتار سنة خمسين وستمائة* وفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة وصلت التتار الى يعقوبا من أعمال بغداد فالتقاهم الديدوان فكسرهم وفيها مات بدمشق العلامة تقى الدين بن الصلاح شيخ الشافعية والامام علم الدين السخاوى شيخ القراء ومسند العصر أبو الحسن على بن الحسين بن المقبرى بمصر وله ثمان وتسعون سنة* وفى سنة خمسين وستمائة مات العلامة رضى الدين بن الحسن بن محمد الصاغانى صاحب التصانيف ببغداد وله ثلاث وسبعون سنة*
ظهور النار خارج المدينة المنوّرة
وفى سنة أربع وخمسين وستمائة كان ظهور النار خارج مدينة النبىّ صلى الله عليه وسلم فكانت من الايات الكبرى التى أنذر بها النبىّ صلى الله عليه وسلم بين يدى الساعة ولم يكن لها حرّ على عظمها وشدّة ضوئها ودامت أياما وظنّ أهل المدينة انها الساعة وابتهلوا الى الله بالدعاء والتوبة وتواتر شأن هذه النار* وفى الوفاء ظهرت نار الحجاز التى أنذر بها النبىّ صلى الله عليه وسلم بأرض المدينة واطفأها الله تعالى عند وصولها الى حرم نبينا كما سنوضحه وهذه النار مذكورة فى الصحيحين ولفظ البخارى يخرج نار من أرض الحجاز تضىء منها أعناق الابل ببصرى ولا اشكال فى أنّ المدينة حجازية وظهور النار المذكورة بالمدينة الشريفة قد اشتهر اشتهارا بلغ حد التواتر عند أهل الاخبار وتقدّمها زلازل مهولة وكان ابتداء الزلزلة بالمدينة الشريفة مستهل جمادى الاولى سنة أربع وخمسين وستمائة لكنها كانت خفيفة لم يدركها بعضهم وتكرّرت بعد ذلك واشتدّت فى يوم الثلاثاء على ما حكاه القطب القسطلانى وظهرت ظهورا عظيما اشترك فى ادراكها العامّ والخاص ثم لما كانت ليلة الاربعاء ثالثة الشهر أو رابعته فى الثلث الاخير من الليل حدث بالمدينة زلزلة عظيمة أشفق الناس منها وانزعجت القلوب لهيبتها واستمرّت تزلزل بقية الليل واستمرّت الى يوم الجمعة ولها دوىّ أعظم من دوىّ الرعد فتموّجت الارض وتحركت الجدران حتى وقع فى يوم واحد دون ليلته ثمانى عشرة حركة* قال القرطبى خرجت نار الحجاز بالمدينة وكان بدوّها زلزلة عظيمة فى ليلة الاربعاء بعد الليلة الثالثة من جمادى الاخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرّت الى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت وظهرت بقريظة النار بطرف الحرّة ترى فى صفة البلدة العظيمة عليها سور محيط عليه شراريف وأبراج وماذن وترى رجال يوقدونها لا تمرّ على جبل الا دكته وأذابته ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وازرق له دوىّ كدوىّ الرعد يأخذ الصخور بين يديه وينتهى الى محط الركب العراقى واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم فانتهت النار الى قرب المدينة ومع ذلك كان يأتى الى المدينة نسيم بارد وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر وقال لى بعض أصحابنا رأيتها صاعدة فى الهواء من نحو خمسة أيام وسمعت انها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى ونقل أبو شامة من كتاب الشريف سنان قاضى المدينة الشريفة وغيره أنّ فى ليلة الاربعاء ثالثة جمادى الاخرة حدثت بالمدينة فى الثلث الاخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها وباتت فى تلك الليلة تزلزل ثم استمرّت تزلزل كل يوم وليلة مقدار عشر مرّات وفى كتاب بعضهم أربع عشرة مرّة قال ولقد تزلزلت مرّة ونحن حول الحجرة فاضطرب لها المنبر الى أن سمعنا منه(2/372)
صوتا للحديد الذى فيه واضطربت قناديل الحرم الشريف* وزاد القاشانى ثم فى اليوم الثالث وهو يوم الجمعة تزلزلت الارض زلزلة عظيمة الى أن اضطرب منها المسجد وسمع لسقف المسجد صرير عظيم* قال القطب فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ظهرت تلك النار فثار من محل ظهورها فى الجوّ دخان متراكم غشى الافق سواده فلما تراكمت الظلمات وأقبل الليل سطع شعاع النار وظهرت مثل المدينة العظيمة فى جهة المشرق* قال القاضى سنان وطلعت الى الامير وكان عز الدين منيف بن شيخه وقلت له قد أحاط بنا العذاب ارجع الى الله فأعتق كل مماليكه وردّ على الناس مظالمهم زاد القاشانى وأبطل المكس ثم هبط الامير الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وبات فى المسجد ليلة الجمعة وليلة السبت ومعه جميع أهل المدينة حتى النساء والصغار ولم يبق أحد فى النخل الا جاء الى الحرم الشريف وبات الناس يتضرّعون ويبكون وأحاطوا بالحجرة الشريفة كاشفين رؤسهم مقرّين بذنوبهم مبتهلين مستجيرين بنبيهم* قال القطب فصرف الله عنهم تلك النار العظيمة ذات الشمال ونجوا من الاوجال فسارت تلك النار من مخرجها وسال بحر عظيم من النار وأخذت فى وادى أخيليين وأهل المدينة يشاهدونها من دورهم كأنها عندهم ومالت عن مخرجها الى جهة الشمال واستمرّت مدّة ثلاثة أشهر على ما ذكره المؤرّخون قال وهى تسكن مرّة وتظهر أخرى* وذكر القسطلانى عمن يثق به انّ أمير المدينة أرسل عدّة من الفرسان الى هذه النار للاتيان بخبرها فلم تجسر الخيل على القرب منها فترجل أصحابها وقربوا منها فذكروا انها ترمى بشرر كالقصر ولم يظفروا بجلية أمرها فجرّد عزمه للاحاطة بخبرها فذكروا انه وصل منها الى قدر غلوتين بالحجر ولم يستطع أن يجاوز موقفه من حرارة الارض واحجار كالمسامير تحتها نار سارية ومقابله ما يتصاعد من اللهب فعاين نارا كالجبال الراسيات والتلال المجتمعة السائرات تقذف بزبد الاحجار كالبحار المتلاطمة الامواج وعقد لهيبها فى الافق قتاما حتى ظنّ الظانّ انّ الشمس والقمر كسفا اذ سلبا بهجة الاشراق فى الافاق ولولا كفاية الله كفتها لأكلت ما تقدم عليه من الحيوان والنبات والحجر* وذكر الجمال المطرزى بعض ما يخالف هذا فانه قال اخبرنى علم الدين سنجر العزى من عتقاء الامير عز الدين منيف بن شيخه صاحب المدينة قال ارسلنى مولاى الامير عز الدين بعد ظهور النار بأيام ومعى شخص من العرب وقال لنا ونحن فارسان اقربا من هذه النار وانظر اهل يقدر أحد على القرب منها فانّ الناس يهابونها لعظمتها فخرجت أنا وصاحبى الى أن قربنا منها ولم نجد لها حرّا فنزلت عن فرسى وسرت الى أن وصلت اليها وهى تأكل الصخر والحجر فأخذت سهما من كنانتى ومددت به يدى الى أن وصل النصل اليها فلم أجد لذلك ألما ولا حرّا فغرق النصل ولم يحترق العود فأدرت السهم وأدخلت فيها الريش فاحترق الريش ولم تؤثر فى العود وذكر المطرزى قبل ذلك انها كانت تأكل كلما مرّت عليه من جبل وحجر ولا تأكل الشجر قال وظهر لى فى ذلك انه لتحريم النبىّ صلى الله عليه وسلم شجر المدينة فمنعت من أكل شجرها لوجوب طاعته عليه السلام على كل مخلوق* وذكر القسطلانى انّ هذه النار لم تزل مارّة على سبيلها حتى اتصلت بالحرّة ووادى الشظاة وهى تسحق ما والاها وتذيب ما لاقاها من الشجر الاخضر والحصا من قوّة اللظى وانّ طرفها الشرقى أخذ بين الجبال فحالت دونه ثم وقفت وانّ طرفها الشامى وهو الذى يلى الحرم اتصل بجبل يقال له وعر على قرب من شرقى جبل أحد ومضت فى الشظاة الذى فى طرفه وادى حمزة ثم استمرّت حتى استقرّت تجاه حرم النبىّ صلى الله عليه وسلم وأطفئت* قال المطرزى وأخبرنى بعض من أدركها من النساء انهنّ كنّ يغزلن على ضوئها بالليل على أسطحة البيوت بالمدينة الشريفة* قال القسطلانى انّ ضوأها استولى على ما بطن من القيعان وظهر من التلاع حتى كانّ الحرم النبوى عليه(2/373)
الشمس مشرقة وجملة أماكن المدينة بأنوارها محدقة ودام على ذلك لهبها حتى تأثر له النيران وصار نور الشمس على الارض يعتريه صفرة ولونها من تصاعد الالتهاب يعتريه حمرة والقمر كأنه قد كسف من اضمحلال نوره* وأخبرنى جمع ممن توجه للزيارة على طريق الشام انهم شاهدوا ضوأها على ثلاث مراحل للمجدّ وآخرون انهم شاهدوها من جبال سارية ونقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب الشريف سنان قاضى المدينة انّ هذه النار رؤيت من مكة ومن الفلاة جميعها ورآها أهل الينبع قال أبو شامة وأخبرنى بعض من أثق به ممن شاهدها بالمدينة انه بلغه انه كتب بتيماء على ضوئها الكتب* وقال المجد الشمس والقمر فى المدّة التى ظهرت فيها ما يطلعان الا كاسفين* قال أبو شامة وظهر عندنا بدمشق أثر ذلك الكسوف من ضعف النور على الحيطان وكنا حيارى فى سبب ذلك الى أن بلغنا الخبر عن هذه النار ويقول فى آخر كلامه وعجائب هذه النار وعظمها يكل عن وصفها اللسان والاقلام وتجل أن يحيط بشرحها البيان والكلام فظهر بظهورها معجزة للنبىّ صلى الله عليه وسلم لوقوع ما أخبر به وهى هذه النار اذ لم يظهر من زمنه قبلها ولا بعدها نار مثلها* قال القسطلانى ان جاء من أخبر برؤيتها ببصرى فلا كلام والا فيحتمل أن يكون ذكر ذلك فى الحديث على وجه المبالغة فى ظهورها أو أنها بحيث ترى وقد جاء من أخبر انه أبصرها بتيماء وبصرى منها مثل ما هى من المدينة فى البعد* وعن القرطبى انه بلغه انها رؤيت من جبال بصرى* قال الشيخ عماد الدين بن كثير اخبرنى قاضى القضاة صدر الدين الحنفى قال اخبرنى والدى الشيخ صفى الدين مدرس مدرسة بصرى انه أخبره غير واحد من الاعراب صبيحة الليلة التى ظهرت فيها هذه النار ممن كان يحاضره ببلد بصرى انهم رأوا صفحات أعناق ابلهم فى ضوء تلك النار فقد تحقق بذلك انها الموعود بها* قال المؤرّخون وكان ظهور هذه النار من صدر واد يقال له وادى أخيليين* وقال البدر بن فرحون انها سالت فى وادى أخيليين وموضعها شرقى المدينة على طريق السوارقية مسيرة من الصبح الى الظهر* وقال القسطلانى ظهرت فى جهة المشرق على مرحلة متوسطة من المدينة فى موضع يقال له قاع الهيلا على قرب من مساكن قريظة شرقى قباء فهى بين قريظة وموضع يقال له أحيليين ثم عرجت واستقبلت الشأم سائلة الى أن وصلت الى موضع يقال له قرين الارنب بقرب من أحد فوقفت وانطفأت وانصرفت* قال المؤرّخون واستمرّت هذه النار مدّة ظهورها تأكل الاحجار والجبال وتسيل سيلا ذريعا فى واد يكون طوله مقدار أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمقه قامة ونصف وهى تجرى على وجه الارض والصخر يذوب حتى يبقى مثل الانك فاذا خمد اسودّ بعد ان كان أحمر ولم يزل يجتمع من هذه الحجارة المذابة فى آخر الوادى عند منتهى الحرّة حتى قطعت فى وسط وادى الشظاة الى جهة جبل وعر فسدّت الوادى المذكور بسد عظيم من الحجر المسبوك بالنار ولا كسدّ ذى القرنين يعجز عن وصفه الواصف ولا مسلك لانسان فيه ولا دابة وهذا من فوائد ارسال هذه النار فان تلك الجهة كثيرا ما يطرق منها المفسدون لكثرة الاعراب بها فسار السلوك الى المدينة متعسرا عليهم جدّا* قال القسطلانى أخبرنى جمع ممن أركن الى قولهم انّ النار تركت على الارض من الحجر ارتفاع رمح طويل على الارض الاصلية* قال المؤرّخون انقطع وادى الشظاة بسبب ذلك وصار السيل اذا سال ينحبس خلف السدّ المذكور حتى يصير بحرا مد البصر عرضا وطولا فانخرق من تحته فى سنة تسعين وستمائة لتكاثر الماء من خلفه فجرى فى الوادى المذكور سنتين كاملتين أما السنة الاولى فكانت ملئ ما بين جانبى الوادى وأما الثانية فدون ذلك ثم انخرق مرّة أخرى فى العشر الاول بعد السبعمائة فجرى سنة كاملة أو أزيد ثم انخرق فى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وكان ذلك بعد تواتر أمطار عظيمة فى الحجاز فكثر الماء وعلا(2/374)
من جانبى السدّ ومن دونه مما يلى جبل وعر وتلك النواحى فجاء سيل طام لا يوصف ولو زاد مقدار ذراع فى الارتفاع وصل الى المدينة وكان أهل المدينة يقفون خارج باب البقيع على التل الذى هناك فيشاهدونه ويسمعون خريرا توجل القلوب دونه فسبحان القادر على ما يشاء* ومن العجائب انّ فى السنة التى ظهرت فيها هذه النار احترق المسجد الشريف النبوى بعد انطفائها وسيجىء وزادت دجلة زيادة عظيمة فغرق أكثر بغداد وتهدّمت دار الوزير وكان ذلك انذارا لهم وليتهم اتعظوا*
ذكر احتراق المسجد النبوى
قال المؤرّخون احترق المسجد النبوى ليلة الجمعة أوّل شهر رمضان من سنة أربع وخمسين وستمائة فى أوّل الليل ونقل أبو شامة انّ ابتداء حرقه كان من زاويته الغربية من الشمال وسبب ذلك كما ذكره أكثرهم انّ أبا بكر بن أوحد الفراش أحد القوام بالمسجد الشريف دخل الى حاصل المسجد هناك ومعه نار فغفل عنها الى ان علقت فى بعض الالات التى كانت فى الحاصل وأعجزه اطفاؤها ثم احترق الفراش المذكور والحاصل وجميع ما فيه* وقال القسطلانى دخل أحد قومة المسجد فى المخزن الذى فى الجانب الغربى من أخريات المسجد لاستخراج قناديل لمنائر المسجد فاستخرج منها ما احتاج اليه ثم ترك الضوء الذى كان فى يده على قفص من أقفاص القناديل وفيه مشاق فاشتعلت فيه النار وبادر لان يطفئه فغلبته وعلقت بحصر المسجد وبسطه وأقفاص وقصب كان فى المخزن ثم تزايد الالتهاب وتضاعف الى ان علا الى سقف المسجد* وفى العبر للذهبى ان حرقه كان من مسرجة القوّام* قال المؤرّخون ثم دبت النار فى السقف بسرعة آخذة قبلة وأعجزت الناس عن اطفائها بعد أن نزل أمير المدينة واجتمع معه غالب أهل المدينة فلم يقدروا على اطفائها وما كان الا أقل من القليل حتى استولى الحريق على جميع سقف المسجد الشريف واحترق جميعه حتى لم يبق خشبة واحدة سالمة قال القسطلانى وتلف جميع ما احتوى عليه المسجد الشريف من المنبر النبوى والابواب والخزائن والشبابيك والمقاصير والصناديق وما اشتملت عليه من كتب وكسوة الحجرة وكان عليها أحد عشر ستارة* ثم ذكر القطب حكما لذلك وأسرارا ككون تلك الزخارف لم ترضاه عليه السلام وأنشد ابراهيم بن محمد الكنانى رئيس المؤذنين هو وأبوه قال وجد بعد الحريق فى بعض جدران المسجد بيتان وهما شعر
لم يحترق حرم النبىّ لريبة ... يخشى عليه وما به من عار
لكنه أيدى الروافض لامست ... تلك الرسوم فطهرت بالنار
وأوردهما المجد هكذا شعر
لم يحترق حرم النبىّ لحادث ... يخشى عليه ولادها والعار
لكنما أيدى الروافض لامست ... ذاك الجناب فطهرته النار
ولم يسلم سوى القبة التى أحدثها الناصر لدين الله لكونها بوسط صحن المسجد وببركة المصحف الشريف العثمانى وعدة صناديق كبار*
ذكر الاحتراق الثانى
قال المؤرّخون احترق المسجد النبوى ثانى الاحتراقين أوّل الثلث الاخير من ليلة الثالث عشر من شهر رمضان عام ست وثمانين وثمانمائة وذلك انّ رئيس المؤذنين وصدر المدرسين الشيخ شمس الدين محمد بن الخطيب قام يهلل حينئذ بالمنارة الشرقية اليمانية المعروفة بالرئيسة وصعد المؤذنون بقية المنائر وقد تراكم الغيم فحصل رعد قاصف أيقظ النائمين فسقطت صاعقة أصاب بعضها هلال المنارة المذكورة فسقط شرقى المسجد وله لهب كالنار وانشق رأس المنارة وتوفى الرئيس المذكور لحينه صعقا ففقد صوته من كان على بقية المنائر فنادوه فلم يجب فصعد اليه بعضهم فوجده ميتا وأصاب ما نزل من الصاعقة سقف المسجد الاعلى بين المنارة الرئيسة وقبة الحجرة النبوية(2/375)
فثقبه ثقبا كالترس وعلقت النار فيه وفى السقف الاسفل ففتح الخادم أبواب المسجد قبل الوقت المعتاد وقبل اسراجه ونودى بالحريق فى المسجد فاجتمع أمير المدينة وأهلها بالمسجد الشريف وصعد أهل النجدة منهم بالمياه لاطفاء النار وقد التهبت سريعا فى السقفين وأخذت لجهة الشمال والمغرب فعجزوا عن اطفائها وكلما حاولوه لم تزدد الا التهابا واشتعالا فحاولوا قطعها بهدم بعض ما أمامها من السقف فسبقتهم لسرعتها وتطبق المسجد بدخان عظيم فخرج غالب من كان به ولم يستطيعوا المكث فكان ذلك سبب سلامتهم وهرب من كان بسطح المسجد الى شماليه ونزلوا بما كان معهم من حبال الدلاء التى استقوا بها الماء لخارج المسجد على الميضأة والبيوت التى هناك وما حول ذلك وسقط بعضهم فهلك ونزل طائفة منهم الى المسجد من الدرج فاحترق بعضهم ولجأبقيتهم الى صحن المسجد مع من حالت النار بينه وبين أبواب المسجد ممن كان اسفل منهم ومنهم الشيخ شمس الدين محمد بن المسكين المعروف بالعوفى فمات بعد أيام لضيق نفسه بسبب الدخان واحترق من الخدام الزينى سند نائب خازندار الحرم ومات جماعة تحت هدم الحريق من الفقراء وسودان المدينة وجملة من مات بسبب ذلك بضع عشرة نفسا وكان سلامة من بقى بالمسجد على خلاف القياس لانّ النار عظمت جدّا حتى صار المسجد كبحر لجىّ من نار ولها زفير وشهيق وألسن تصعد فى الجوّ وصار لهبها يؤثر من بعيد حتى أثرت فى النخلات التى فى صحن المسجد* وفى سنة أربع وخمسين وستمائة خرج الطاغية العنيد مبيد الامم هولاكو فأخذ قلعة الموت من الاسماعيلية وقتلهم وأخرب نواحى الرى وبذلت السيوف على عوائدهم فتوجه الكامل محمد صاحب ميافارقين الى خدمة هولاكو فأعطاه القرمان ثم نزل هولاكو باذربيجان وأخذها* وفى سنة خمس وخمسين وستمائة ثارت فتنة مهولة ببغداد بين السنية والرافضة أدّت الى نهب عظيم وخراب وقتل عدّة من الرافضة فغضب لها وتنمر ابن العلقمى الوزير وجسر التتار على العراق ليشتفى من السنية*
وصول هولاكو الى بغداد
وفى أوّل سنة ست وخمسين وستمائة وصل الطاغية هولاكو بن تولى بن جنكيزخان المغلى بغداد بجيوشه وبالكرج وبعسكر الموصل فخرج الدويدار بالعسكر فالتقى طلائع هولاكو وعليهم ياجونوس فانكسر المسلمون لقلتهم ثم أقبل ياجونوس فنزل على بغداد من غربيها ونزل هولاكو من شرقيها فقال الوزير ابن العلقمى للخليفة المستعصم بالله انى أخرج الى القاآن الاعظم فى تقرير الصلح فخرج الكلب وتوثق لنفسه ورجع فقال انّ القاآن قد رغب فى أن يزوّج بنته بابنك وأن تكون الطاعة له كالملوك السلجوقية ويرحل عنك فخرج المستعصم فى أعيان دولته وأكابر الوقت ليحضروا العقد فضربت رقاب الجميع وقتلوا الخليفة رفسوه حتى مات ودخلت التتار بغداد واقتسموها وكل أخذ ناحية وبقى السيف يعمل أربعة وثلاثين يوما وقلّ من سلم فبلغت القتلى ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة فعند ذلك نادوا بالامان ثم أمر هولاكو بضرب عنق ياجونوس لكونه كاتب الخليفة وأرسل الى صاحب الشام يهدّده ان لم يخرب أسوار بلاده كذا فى دول الاسلام* وفى تاريخ الجمالى يوسف سبب قتل المستعصم بالله انه لما ولى الخلافة لم يستوثق أمره لانه كان قليل المعرفة بتدبير الملك نازل الهمة مهملا للامور المهمة محبا لجمع المال أهمل أمر هولاكو وانقاد الى وزيره ابن العلقمى حتى كان فى ذلك هلاكه وهلاك الرعية فانّ وزيره ابن العلقمى الرافضى كان كتب كتابا الى هولاكو ملك التتار فى الدشت انك تحضر الى بغداد وانا أسلمها لك وكان قد داحل قلب اللعين الكفر فكتب هولاكو انّ عساكر بغداد كثيرة فان كنت صادقا فيما قلته وداخلا فى طاعتنا فرّق عساكر بغداد ونحن نحضر* فلما وصل كتابه الى الوزير دخل الى المستعصم وقال ان جندك كثيرة وعليك كلفة كبيرة والعدوّ قد رجع(2/376)
من بلاد العجم والصواب انك تعطى دستور الخمسة عشر ألفا من عسكرك وتوفر معلومهم فأجابه المستعصم لذلك فخرج الوزير لوقته ومحا اسم من ذكر من الديوان ثم نفاهم من بغداد ومنعهم من الاقامة بها ثم بعد شهر فعل مثل فعلته الاولى ومحا اسم عشرين ألفا من الديوان ثم كتب الى هولاكو بما فعل وكان قصد الوزير بمجىء هولاكو أشياء منها انه كان رافضيا خبيثا وأراد أن ينقل الخلافة من بنى العباس الى العلويين فلم يتم له ذلك من عظم شوكة بنى العباس وعساكرهم فافكر أن هولاكو اذا قدم يقتل المستعصم وأتباعه ثم يعود الى حال سبيله وقد زالت شوكة بنى العباس وقد بقى هو على ما كان عليه من العظمة والعساكر وتدبير المملكة فيقوم عند ذلك بدعوة العلويين الرافضة من غير ممانع لضعف العساكر ولقوّته ثم يضع السيف فى أهل السنة فهذا كان قصده لعنه الله* ولما بلغ هولاكو ما فعل الوزير ببغداد ركب وقصدها الى أن نزل عليها وصار المستعصم يستدعى العساكر ويتجهز لحرب هولاكو وقد اجتمع أهل بغداد وتحالفوا على قتال هولاكو وخرجوا الى ظاهر بغداد ومشى عليهم هولاكو بعساكره فقاتلوا قتالا شديدا وصبر كل من الطائفتين صبرا عظيما وكثرت الجراحات والقتلى فى الفريقين الى أن نصر الله تعالى عساكر بغداد وانكسر هولاكو أقبح كسرة وساق المسلمون خلفهم وأسروا منهم جماعة وعادوا بالاسرى ورؤس القتلى الى ظاهر بغداد ونزلوا بخيمهم مطمئنين بهروب العدوّ فأرسل الوزير ابن العلقمى فى تلك الليلة جماعة من أصحابه فقطعوا شط الدجلة فخرج ماؤها على عساكر بغداد وهم نائمون فغرقت مواشيهم وخيامهم وأموالهم وصار السعيد منهم من لقى فرسا يركبها وكان الوزير قد أرسل الى هولاكو يعرّفه بما فعل ويأمره بالرجوع الى بغداد فرجعت عساكر هولاكو الى ظاهر بغداد فلم يجدوا هناك من يردّهم فلما أصبحوا استولوا على بغداد وبذلوا فيها السيف ووقع منهم أمور يطول شرحها والمقصودان هولاكو استولى على بغداد وأخذ المستعصم أسيرا ثم بذل السيف فى المسلمين فلم يرحم شيخا كبير الكبره ولا صغير الصغره* ولما أخذ الخليفة أسيرا هو وولده وأحضر بين يديه أمر به هولاكو فأخرج من بغداد وأنزله بمخيم صغير بظاهر بغداد هو وولده ثم فى عصر ذلك اليوم وضع الخليفة وولده فى عدلين وأمر التتار برفسهما الى أن ماتا فى المحرّم سنة ست وخمسين وستمائة ثم نهبت دار الخلافة ومدينة بغداد حتى لم يبق فيها لا ما قلّ ولا ما جلّ ثم أحرقت بغداد بعد أن قتل اكثر أهلها حتى قيل ان عدّة من قتل فى نوبة هولاكو يزيد على ألفى ألف وثلاثين ألف انسان وانقرضت الخلافة من بغداد بقتل المستعصم هذا وبقيت الدنيا بلا خليفة سنين الى أن أقام الملك الظاهر بيبرس البند قدارى بعض بنى العباس فى الخلافة حسبما يأتى ذكره على سبيل الاختصار* وكانت خلافة المستعصم خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وأياما وتقدير عمره سبع وأربعون سنة وزالت الخلافة من بغداد قال الشاعر
خلت المنابر والاسرة منهم ... فعليهم حتى الممات سلام
وأما الوزير العلقمى فلم يتم له ما أراد من أن التتار يبذلون السيف فى أهل السنة فجاء بخلاف ما أراد وبذلوا السيف فى أهل السنة والرافضة كلهم وهو فى منصبه مع الذل والهوان وهو يظهر قوّة النفس والفرح وأنه بلغ مراده فلم يلبث أن أمسكه هولاكو بعد قتل المستعصم بأيام ووبخه بألفاظ شنيعة معناها انه لم يكن له خير فى مخدومه ولا فى دينه فكيف يكون له خير فى هولاكو ثم انه قتله أشرّ قتلة فى أوائل سنة سبع وخمسين وستمائة الى سقر لا دنيا ولا آخرة* وفى دول الاسلام وهو الوزير المدبر المتبر مؤيد الدين محمد بن محمد بن العلقمى قرّر مع هولاكو أمورا فانعكست عليه وعض يده ندما وبقى يركب اكديشا فنادته عجوز يا ابن العلقمى أهكذا كنت تركب فى أيام المستعصم واستشهد ببغداد(2/377)
العلامة استاذ دار الخلافة محيى الدين يوسف بن الجزرى وأولاده وفيها نزل هولاكو على آمد وبعث اليه صاحب ماردين بالتقادم مع ولده الملك المظفر فقبض واشتدّت الاراجيف بقصد التتار الى الشام ونزح الخلق الى مصر فقبض الامير قطن على ابن استاذه الملك المنصور بن المعز وتسلطن ولقب بالملك المظفر ونازلت التتار فى آخر العام حلب ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وستمائة وهولاكو قد عدّى الفرات بجيوشه لمحاصرته حلب فنزلوها ففى اليوم الثامن أخذوا حلب وركبوا السور الخارج ونزلوا فوضعوا السيف يومين وأبادوا الخلق ثم أخذوا قلعة حلب الداخلة بالامان وعصت قلعة دمشق وحاصرتها التتار وبالاخرة نزل أهلها وسكنها نائب التتار وسلموا قلعة بعلبك وأخذوا نابلس وغيرها بالسيف*
(خلافة المستنصر بالله أبى العباس أحمد بن الخليفة الظاهر بالله محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضىء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفى محمد العباسى الاسود)
* وكانت أمه حبشية وقد تقدّم بقية نسبه وكان بطلا شجاعا قدم مصر وعرفوه وهو عم المستعصم المقتول بويع المستنصر هذا بالخلافة بالقاهرة* وقصته انه كان معتقلا ببغداد فى وقعة التتار ولما حضر الى الديار المصرية فى تاسع شهر رجب ركب السلطان الظاهر بيبرس التركى القفجاقى البندقدارى ثم الصالحى النجمى وخرج الى تلقيه فى موكب عظيم فتلقاه وأكرمه وأنزله بقلعة الجبل وقصد السلطان اثبات نسبه الى العباس وتقريره فى الخلافة لكونها كانت شاغرة من يوم قتل المستعصم من سنة ست وخمسين الى يوم تاريخه فعمل السلطان الموكب وأحضر الامراء والقضاة والعلماء والفقهاء والصالحاء وأعيان الصوفية بقاعة الأعمدة من قلعة الجبل وحضر السلطان وتأدب مع المستنصر وجلس بغير مرتبة ولا كرسى وأمر باحضار العربان الذين حضروا مع المستنصر من العراق فحضروا وحضر طواشى من البغاددة فسألوا منه هذا هو الامام أحمد بن الخليفة الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله فقال نعم وشهد جماعة بالاستفاضة وهم جمال الدين يحيى نائب الحكم بمصر وعلم الدين بن دستق وصدر الدين بن برهوت الجزرى ونجيب الدين الحرانى وسديد الدين البرمينى نائب الحكم بالقاهرة عند قاضى القضاة تاج الدين بن بنت الاعز فسجل على نفسه بالثبوت فلما ثبت قام قاضى القضاة قائما وأشهد على نفسه بثبوت النسب وبايعه فتمت بيعة المستنصر بالخلافة وكتب السلطان الى النوّاب والملوك بأن يخطبوا باسمه واسم السلطان الظاهر ثم ان الخليفة خلع على السلطان بيبرس خلعته فلبسها السلطان ونزل من القلعة فى موكبه وشق القاهرة وهى فرجية سوداء بتركيبة زركش وعمامة سوداء وطوق من ذهب وسيف بداوى ثم كتب للسلطان تقليدا عظيما فلما تم ذلك كله أخذ السلطان فى تجهيز المستنصر وارساله الى بغداد فرتب له الامير سابق الدين أتابكا والسيد الشريف أحمد أستادارا والامير فتح الدين بن الشهاب خازندارا والامير ناصر الدين صبرم دويدارا وبلبان الشمسى وأحمد بن أيدمر اليعمرى دويدارين أيضا والقاضى كمال الدين السخاوى وزيرا وعين له السلطان خانه وسلاح خزانه ومماليك كبارا وصغارا أربعين نفرا وأمر له بمائة فرس وعشر قطار من الجمال وعشر قطار من البغال وعين له البيوتات على العادة وجهز معه خمسمائة فارس ثم تجهز السلطان أيضا وخرج بعساكره الى دمشق ثم من دمشق جرّد معه الامير بلبان الرشيدى وسنقر الرومى ومعهما طائفة من العساكر المصرية والشامية وأوصاهما أن يوصلا المستنصر الى الفرات ثم ودّع السلطان الخليفة وسافر الخليفة فى ثالث ذى القعدة من سنة تسع وخمسين وستمائة وسار الى أن نزل على الرحبة فلقى عليها الامير على بن خديشة من آل فضل فى أربعمائة فارس فرحلوا فى خدمة الخليفة الى أن نزل مشهد على ثم قصد هيت فاتصل خبره بقرابغا مقدّم التتار ببغداد وبات المستنصر ليلة الاحد ثالث المحرّم من(2/378)
سنة ستين بجانب الانبار فلما أصبح وصل قرابغا المذكور بمن معه من عساكر التتار فاقتتلوا فانكسر مقدّم التتار ووقع أكثرهم فى الفرات* وكان قرابغا قد أكمن جماعة من عسكره فخرج الكمين وأحاط بعسكر الخليفة فقتلوا عسكر الخليفة ولم ينج منهم الا من طوّل الله فى عمره وأضمرت البلاد الخليفة المستنصر وعدم فى الوقعة ولم يعلم له خبر الى يومنا هذا* وقد اختصر ناقصة المستنصر وبيعته من خوف التطويل* وفى دول الاسلام فى سنة تسع وخمسين وستمائة تجمع فى أوّلها خلق من التتار من الذين بالجزيرة وغيرهم فأغاروا على حلب وساقوا الى حمص عند ما سمعوا بقتل السلطان الذى كسرهم فالتقاهم صاحب حمص الملك الاشرف وصاحب حماة وحسام الدين الجوكندار وعدّتهم ألف وأربعمائة فارس والتتار فى ستة آلاف فحمل المسلمون حملة صادقة فكان لهم النصر ووضعوا السيف فى الكفرة حتى حصدوا أكثرهم وانهزم مقدّمهم بيدو باسوء حال والعجب انه ما قتل من المسلمين سوى رجل واحد* وفى سنة ستين وستمائة فى رمضان أخذت التتار الموصل بعد حصار تسعة أشهر أخذوها بخديعة وطمنوا الناس حتى خربوا السور ثم وضعوا السيف فى الخلق تسعة أيام ثم قتلوا صاحبها الصالح اسمعيل بن بدر الدين لؤلؤ وفيها وقع الحرب بين هولاكو وبين ابن عمه بركه صاحب مملكة القفجاق فانكسر هولاكو وقتلت أبطاله*
(خلافة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن محمد بن الحسن بن على الفتى بن الراشد بالله منصور بن المسترشد الفضل بن المستظهر أحمد بن المقتدى عبد الله بن الامير محمد الذخيرة الهاشمى العباسى)
* أمير المؤمنين أوّل خلفاء مصر من بنى العباس قدم الى مصر فى يوم الخميس السادس والعشرين من صفر سنة ستين وستمائة فأنزله الظاهر بيبرس الصالحى النجمى البند قدارى بالبرج الكبير من قلعة الجبل ورتب له من الرواتب ما يكفيه فأقام على ذلك الى ثامن المحرّم سنة احدى وستين وستمائة فعقد له الملك الظاهر مجلس البيعة بالايوان من القلعة وحضر الوزير والقضاة والامراء وأرباب الدولة وقرئ نسب الحاكم هذا على قاضى القضاة وشهد عنده جماعة فأثبته ثم مدّ يده فبايعه بالخلافة ثم بايعه السلطان ثم الوزير ثم الاعيان على طبقاتهم وخطب له على المنبر وكتب السلطان الى النوّاب والى ملوك الاقطار أن يخطبوا باسمه ثم أنزله السلطان الى مناظر الكبش فأسكنه بها الى ان مات* وفى دول الاسلام فعند ذلك قلد السلطنة للملك الظاهر ومن الغد خطب الحاكم بأمر الله المذكور خطبة أوّلها الحمد لله الذى أقام لال العباس ركنا وظهيرا*
هلاك هولاكو
وفى أيامه فى سنة أربع وستين وستمائة مرض طاغية المغول هولاكو بن تولى بن جنكيزخان الذى أباد الامم ببغداد وحلب وكان ذا سطوة وهيبة شديدة وحزم ودهاء وخبرة بالحروب مات على دينه بعلة الصرع بمراغة وبنوا على قبره قبة بقلعة تلا وقام بعده ابنه أبغا وفى رجب سنة خمس وستين وستمائة مات صاحب مملكة القفجاق بركه بن نوشى بن جنكيزخان وقام بعده منكوتمر ابن أخيه* وفى سنة ست وستين وستمائة مات صاحب الروم ركن الدين كيقباد بن السلطان كيخسرو بن كيقباد السلجوقى وكان هو وأبوه من تحت أوامر التتار فقتلوه فى هذه السنة وله نحو من ثلاثين سنة* وفى سنة اثنتين وسبعين وستمائة مات بالروم الصدر القونوى وببغداد خواجا نصير الطوسى* وفى سنة أربع وسبعين وستمائة نازلت التتار فى ثلاثين ألفا البيرة فكبسهم أهل البيرة وأحرقوا المجانيق فترحلوا بعد حصار تسعة أيام وفى سنة ست وسبعين وستمائة فى رجبها مات شيخ الاسلام شيخ الشافعية القدوة الزاهد العلم محيى الدين يحيى بن شرف الدين النووى وله خمس وأربعون سنة ونصف وله سيرة مفردة فى علومه وتصانيفه ودينه ويقينه وورعه وزهده وقناعته باليسير وتعبده وتهجده وخوفه من الله تعالى وقبره بنوى يزار*
وقعة التتار فى حمص
وفى سنة ثمانين وستمائة كانت وقعة حمص أقبلت التتار كالسيل وعدّوا الفرات وانجفل(2/379)
الخلق وتهيأ السلطان بدمشق فنازل الرحبة ثلاثة آلاف وجاء منكو تمر بن هولاكو بمائة ألف من ناحية حلب وخرج الجيش المنصور مع السلطان المنصور وحضر الى خدمته سنقر الاشقر فاحترمه السلطان وحضر أيدمش السعدى والحاج ازدمر فكان المصاف شمالى حمص فى رجب بكرة الخميس وكان الجيش المنصور يقارب خمسين ألف راكب فاستظهر العدوّ أوّلا وكسروا الميسرة واضطربت الميمنة وثبت السلطان أيده الله بمن حوله من أبطال المسلمين وبقى المصاف الى بعد العصر وثبت الفريقان وكثر القتل وأشرف الاسلام على خطة صعبة ثم تناجى الكبار مثل بيسرى وسنقر الاشقر وعلاء الدين طيبرس وأيدمش السعدى وأمير سلاح بكتاش وطرنطاى المنصورى ونائب الشام لاجين وحملوا على التتار عدّة حملات الى أن جرح منكو تمر فاشتغلت التتار فقيل انّ الجارح له ازدمر ساق وخرق فى التتار الى عند مقدّمهم منكوتمر وطعنه برمحه فاستشهد ازدمر رحمه الله ونزل النصر وركب المسلمون أقفية التتار واستجرّ بهم القتل وبقى السلطان واقفا فى نحو ألف فارس عند الماء وقد رجعت التتار الذين كسروا الميسرة فمرّوا بالسلطان والكوسات تضرب فلما جاوزوه حملت الخاصكية عليهم فانهزموا لا يلوون وذهبت فرقة على سلمية وفرقة على الرستن بأسوء حال ثم نزل السلطان بعد هوىّ من الليل مؤيدا مظفرا ولله المنة وزينت البلاد وعاشت العباد ووصل خبر النصر بكرة بعد أن عاين أهل دمشق من نصف الليل الى بكرة سكرات الموت وتودّعوا من أولادهم وأحبابهم فان عدوّهم كانوا كفارا لا يبقون على مسلم لو ملكوا واستشهد نحو المائتين منهم ازدمر وسيف الدين الرومى وشهاب الدين توتل وناصر الدين الكاملى وعز الدين بن النصرة وهلك متكوتمر من تلك الطعنة ومات أخوه الطاغية أبغا بعد شهرين وكان كافرا سفاكا للدماء مات بهمدان وله نحو من خمسين سنة وتملك بعده أخوه الملك أحمد الذى أسلم* وفيها مات بالموصل الامام شيخ الوقت موفق الدين أحمد بن يوسف الكواشى الزاهد المفسر وله سبعون سنة* وفى أوّل سنة احدى وثمانين وستمائة مات منكو تمر بن هولاكو عاش ثلاثين سنة وكان ذا شجاعة واقدام وكفر نفس وجرآءة على الله وعلى عباده تمرّض من جرحه واعتراه صرع حتى هلك* وفى سنة ثلاث وثمانين وستمائة مات صاحب خراسان والعراق وأذربيجان والروم أحمد بن هولاكو بن تولى بن جنكيزخان وكان قد دخل به الاحمدية النار بين يدى هولاكو فوهبه لهم وسماه أحمد فأسلم وهو صبى وتسلطن بعد أبغا وراسل السلطان الملك المنصور فى الصلح عاش بضعا وعشرين سنة قتله أرغون بن أبغا وملك البلاد بعده* وفيها توفى صاحب حماة الملك المنصور محمد بن الملك المظفر الايوبى وكانت دولته اثنتين وأربعين سنة وأمه هى غازية أخت السلطان الملك الصالح أيوب وتملك بعده ابنه الملك المظفر* وفى سنة سبع وثمانين وستمائة توفى بمصر الزاهد القدوة الشيخ ابراهيم بن معصار الجعبرى وله ثمان وثمانون سنة وشيخ الاطباء علاء الدين على بن أبى الحزم بن النفيس الدمشقى صاحب التصانيف بمصر وكان من أبناء الثمانين* وفى سنة تسعين وستمائة مات أرغون بن أبغا ملك التتار وكان ظلوما غشوما مات على كفره شابا وكان مقداما شجاعا جبارا شديد القوى يصفّ ثلاثة أفراس ويقف الى جنب أوّلها ويطفر فى الهواء فيركب الثالثة وهو والد قازان وخربنده* وفى سنة ثلاث وتسعين وستمائة مات كنجتو بن هولاكو طاغية التتار تسلطن بعد موت أرغون فى سنة تسعين ومالت طائفة الى بيدو ابن أخيه فملكوه ووقع الخلف بينهم ثم قوى بيدو وقاد الجيوش فالتقى الجمعان فقتل كنجتو واستقل بيدو بالممالك فخرج عليه نائب خراسان غارى بن أرغون وجمع الجيوش وطلب الملك* وفى سنة أربع وتسعين وستمائة دخل(2/380)
ملك التتار غازان بن أرغون فى الاسلام وتلفظ بالشهادتين باشارة نائبه نوروز ونثر الذهب واللؤلؤ على الخلق وكان يوما مشهودا ثم لقنه نوروز شيئا من القرآن ودخل رمضان فصامه وفشا الاسلام فى التتار وفيها توفى شيخ الحرم الحافظ الفقيه محب الدين أحمد بن عبد الله الطبرى مصنف الاحكام عن تسع وسبعين سنة* وفى سنة ثمان وتسعين وستمائة مات ببغداد ياقوت المستعصمى الرومى صاحب الخط البديع* وفى سنة تسع وتسعين وستمائة مات من مشايخ دمشق المسند شرف الدين أحمد بن هبة الله بن عساكر وله خمس وثمانون سنة وشيخ المغرب الواعظ القدوة العارف بالله أبو محمد عبد الله بن محمد المرجانى بتونس* وفى سنة سبعمائة ألبست النصارى واليهود بمصر والشام العمائم الزرق والصفر واستمرّ ذلك* وفى سنة احدى وسبعمائة فى صفر ختق شيخ الحنفية العلامة ركن الدين عبيد الله بن محمد السمرقندى البارسا مدرس الظاهرية وألقى فى بركتها وأخذ ماله ثم ظهر قاتله أنه قيم الظاهرية فشنق على حائطها* وفى ربيع الاوّل ثبت على قاضى ماردين ونقل ثبوته الى قاضى حماة انه وقع هناك برد على صورة حيات وعقارب وطيور ورجال وسباع* وفى ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الاولى سنة احدى وسبعمائة توفى أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد الخليفة العباسى فى سلطنة الناصر محمد بن قلاوون الثانية ودفن بجوار السيدة نفيسة فى قبة بنيت له وكانت خلافته أربعين سنة وأشهرا وهو أوّل خليفة دفن بمصر من بنى العباس*
(خلافة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبى العباس أمير المؤمنين الهاشمى العباسى ثانى خلفاء مصر)
* وقد تقدّم بقية نسبه فى ترجمة أبيه الحاكم بويع بالخلافة بعهد من أبيه فى جمادى الاولى سنة احدى وسبعمائة وعمره عشرون سنة وقرئ تقليده بعد عزآء والده وخطب له على المنابر على العادة وسكن مكان والده* وفى سنة اثنتين وسبعمائة مات قاضى القضاة بقية الاعلام تقىّ الدين محمد بن على بن دقيق العيد بالقاهرة وله سبع وسبعون سنة* وفى سنة ثلاث وسبعمائة فى شوّالها مات صاحب العراق غازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بقرب همدان مسموما وكان شابا لم يتكهل وتملك بعده أخوه خربنده محمد* وفى سنة خمس عشرة وسبعمائة مات المفتى الاصولى صفىّ الذين محمد بن عبد الرحيم الارموى ثم الهندى بدمشق عن احدى وسبعين سنة وكان شيخ الشيوخ ومدرس الظاهرية وفيها مات صاحب الشرق خربنده بن ارغون بن أبغا المغولى عن بضع وثلاثين سنة وكان قد أظهر الرفض وأمر قبل هلاكه ببذل السيف فى أهل باب الازج لامتناعهم عن اقامة الخطبة على شعار الشيعة فما أمهله الله فمات بهيضة شديدة وملكوا بعده ولده أبا سعيد فأظهر السنة وأقام المستكفى بالله فى الخلافة الى أن سافر فى صحبة الملك الناصر محمد بن قلاوون الى البلاد الشامية فى نوبة غازان ثم رجع وأقام بالقاهرة على عادته الى سنة ست وثلاثين وسبعمائة فتغير الملك الناصر عليه وأمره بسكنى القلعة فسكن بقلعة الجبل أربعة أشهر وسبعة عشر يوما ثم أمره بالنزول الى داره بالكبش فنزل اليها وسكنها على عادته مدّة الى أن بلغ السلطان ما غيره عليه فرسم له يوم السبت ثانى عشر ذى الحجة من سنة ست وثلاثين وسبعمائة بالتوجه الى قوص والسكن بها فسافر وأقام بقوص الى أن مات فى مستهل شعبان سنة احدى وأربعين وسبعمائة وورد الخبر على السلطان بموته وأنه قد عهد لولده أحمد بشهادة أربعين عدلا وأثبت قاضى قوص ذلك فلم يمض الناصر عهده لما كان فى نفسه منه وطلب ابراهيم بن محمد المستمسك بن الحاكم أحمد فى يوم الاثنين ثالث شهر رمضان واجتمع القضاة بدار العدل على العادة فعرّفهم السلطان بما أراد من اقامة ابراهيم المذكور فى الخلافة وأمرهم بمبايعته فأجابوه بعدم أهليته وأن المستكفى قد عهد لولده أحمد واحتجوا بما حكم(2/381)
به قاضى قوص فكتب السلطان بقدوم أحمد المذكور الى القاهرة وأقام الخطباء بمصر وغيرها نحو أربعة أشهر لا يذكرون فى خطبتهم اسم الخليفة فلما قدم أحمد من قوص لم يمض السلطان عهده وطلب ابراهيم ثانيا وعرّفه قبح سيرته وما سمع عنه فأظهر التوبة منها والتزم سلوك طريق الخير فاستدعى السلطان القضاة وعرفهم انه قد أقام ابراهيم فى الخلافة فأخذ قاضى القضاة عز الدين بن جماعة يعرّفه عدم أهليته فلم يلتفت السلطان الى كلامه وقال له انه قد تاب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له فبايعوه ولقب بالواثق وكانت العامة تسميه المستعطى فانه كان قبل ذلك يستعطى من الناس ما ينفقه* واستمرّ ابراهيم فى الخلافة على زعم الملك الناصر الى ان مات الناصر وتسلطن ولده المنصور أبو بكر فى يوم الخميس حادى عشرى ذى الحجة سنة احدى وأربعين وسبعمائة فلما كان يوم السبت سلخ الحجة طلب الملك المنصور القضاة والاعيان واجتمعوا بجامع القلعة للنظر فى أمر أحمد المستكفى فاتفق الامر على خلافة أحمد المذكور بعهد أبيه اليه بمقتضى المكتوب الثابت على قاضى قوص فبويع ولقب بالحاكم بأمر الله على لقب جدّه وكان لقب به فى حياة أبيه* وقد اختلف المؤرّخون فى خلافة ابراهيم هذا فمنهم من عدّه فى الخلفاء لكون السلطان أقامه وبايعه ومنهم من لم يعدّه لكون المستكفى كان عهد لولده أحمد والناظر فى أمرهما بالخيار لما عرفته فان شاء أثبت وان شاء نفى والله أعلم*
(خلافة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن المستكفى سليمان)
* أمير المؤمنين الهاشمى العباسى المصرى بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه بقوص فى العشرين من شعبان سنة احدى وأربعين وسبعمائة ولما بلغ الناصر محمد بن قلاوون موت المستكفى لم يمض خلافة الحاكم هذا وبايع ابراهيم ولقبه بالواثق بالله فدام ابراهيم على ذلك الى ان مات الناصر وتسلطن بعده ولده المنصور أبو بكر فعزل ابراهيم وبايع الحاكم هذا وقد تقدّم ذلك كله مفصلا فاستمرّ الحاكم فى الخلافة وسكن بالكبش على عادة أبيه وجده الى ان توفى سنة أربع وخمسين وسبعمائة ولم يعهد لاحد وكانت خلافة الحاكم نحو أربع عشرة سنة تخمينا*
(خلافة المعتضد بالله أبى بكر بن المستكفى بالله سليمان بن الحاكم)
* ولما توفى الحاكم جمع المتولى لتدبير مملكة مصر الامير شيخون العمرى الناصرى الامراء والقضاة وجمع بنى العباس وعقد بسبب الخلافة مجلسا عظيما وتكلموا فيمن يبايع بالخلافة الى أن وقع الاتفاق على أبى بكر بن المستكفى أخى الحاكم بأمر الله المتوفى فى سنة أربع وخمسين وسبعمائة واستمرّ فى الخلافة الى ان توفى بالقاهرة فى ليلة الاربعاء الثامنة عشر من جمادى الاولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وعهد بالخلافة الى ولده المتوكل محمد فكانت مدّة خلافته عشر سنين هكذا أرّخه بدر الدين حسن بن حبيب فى تاريخه المسمى بدرة الاسلاك فى تاريخ الاتراك*
(خلافة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد بن المعتضد بالله أبى بكر بن المستكفى سليمان)
* أمير المؤمنين الهاشمى العباسى المصرى بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه بعهد منه اليه فى سابع جمادى الاخرة سنة ثلاث وستين وسبعمائة والمتوكل هذا تخلف من أولاده لصلبه خمسة خلفاء وهم العباس وداود وسليمان وحمزة ويوسف الاتى ذكرهم فى محلهم وهذا شئ لم يقع لخليفة وأما أربعة فتخلف من بنى عبد الملك بن مروان وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام وأما ثلاثة اخوة فالامين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد والمستنصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل والمقتفى والمقتدر والقاهر بنو المعتضد والراضى والمقتفى والمطيع بنو المقتدر وأما الاخوان فالمقتفى والمسترشد أبناء المستظهر* قال الشيخ عماد الدين بن كثير ودام المتوكل فى الخلافة الى ان خلعه الامير ايبك البدرى فى ثالث شهر ربيع الاوّل سنة تسع وسبعين وسبعمائة واستخلف عوضه زكريا بن ابراهيم ولقب بالمعتصم ثم أعيد المتوكل هذا ثانيا حسبما يذكر وكانت خلافة(2/382)
المتوكل فى هذه المرة نحو ستة عشر سنة*
(خلافة المعتصم بالله أبى يحيى زكريا بن ابراهيم بن الحاكم أحمد ابن محمد بن حسن بن على الفتى)
* أمير المؤمنين الهاشمى العباسى المصرى بويع بالخلافة بعد المتوكل وسبب خلافته ان أيبك البدرى لما ملك الديار المصرية بعد قتل الاشرف وقع من المتوكل هذا أمور حقدها عليه أيبك فلما انفرد أيبك بالحكم أمر نفيه الى قوص فخرج المتوكل ثم شفع فيه فعاد الى بيته ثم أصبح أيبك من الغد وهو رابع شهر ربيع الاوّل سنة تسع وسبعين وسبعمائة فاستدعى نجم الدين زكريا ابن ابراهيم المتقدّم ذكره وخلع عليه واستقربه خليفة عوضا عن المتوكل من غير مبايعة ولا خلع المتوكل نفسه ولقب زكريا بالمعتصم ودام فى الخلافة على زعم من يثبت ذلك الى رابع عشرى شهر ربيع الاوّل خلعه أيبك وأعاد المتوكل ثانيا وسببه انه لما كان رابع عشرى الشهر المذكور تكلم الامراء مع أيبك فيما فعله مع المتوكل ورغبوه فى اعادته فأذعن واستدعاه وخلع عليه باعادته الى الخلافة فكانت مدّة خلافته فى هذه المرة شهرا الاعشرة أيام*
(خلافة المتوكل على الله فى المرة الثانية)
* تقدّم ذكر نسب المتوكل فى خلافته فى المرة الاولى ولما أعيد الى الخلافة طالت أيامه ودام الى ان تسلطن الظاهر برقوق فلما كان شهر رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة قبض عليه برقوق وحبسه بقلعة الحبل وأرسل الظاهر برقوق خلف زكريا الذى كان تخلف فى أيام أيبك فى سلطنة المنصور على بن الاشرف وخلف أخيه عمر وشاور الامراء فى أمرهما ثم وقع اختيارهم على عمر فولاه الخلافة عوضا عن المتوكل هذا ولقبه الواثق بالله ودام المتوكل فى الحفظ بقلعة الجبل الى ان أعيد الى الخلافة ثالث مرّة*
(خلافة الواثق بالله أبى حفص عمر بن المعتصم ابراهيم
كان ولاه ابن قلاون الخلافة بن المستمسك بالله محمد ومحمد هذا ليس بخليفة ابن الحاكم بأمر الله أحمد الهاشمى العباسى المصرى أمير المؤمنين بويع بالخلافة لما خلع الظاهر برقوق المتوكل حسبما تقدّم ذكره وتم أمره فى الخلافة ودام فيها الى ان مرض ومات فى يوم الاربعاء سابع عشرى شوّال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فكانت خلافته نحو ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأياما ولما توفى كلم الناس الظاهر برقوق فى اعادة المتوكل فلم يقبل وأرسل فأحضر أخاه المعتصم زكريا الذى كان ولاه أيبك تلك الايام اليسيرة وخلع عليه وأقره عوضا عن الواثق*
(خلافة المعتصم بالله ابى يحيى زكريا بن المستعصم ابراهيم بن المستمسك بالله)
* محمد أمير المؤمنين الهاشمى العباسى تقدّم ان المستمسك بالله لم يكن خليفة بويع بالخلافة ثانيا على قول من أثبت خلافته الاولى بعد موت أخيه الواثق عمر فى آخر شوّال سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ودام فى الخلافة فى هذه المرة الى ان خرج الامير تمربغا الافضلى المدعو منطاس والاتابك يلبغا الناصرى اليلبغائى نائب حلب* وفى سنة احدى وتسعين استدرك الملك الظاهر فرطه وما وقع منه فى حق المتوكل فانه كان من يوم خلعه من الخلافة فى سجنه بقلعة الجبل وأرسل بطلبه وخلع عليه باستقراره فى الخلافة على عادته بعد ان حبس فى سنة خمس وثمانين الى هذه السنة وعزل المعتصم زكريا ولزم داره الى أن مات*
(خلافة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد)
* أعبد الى الخلافة ثالث مرّة فى سنة احدى وتسعين وسبعمائة وسبب اعادته ان الظاهر برقوق كان أفحش فى أمر المتوكل وعزله فلما قوى امر الناصرى ومنطاس أشاعا عن الظاهر بما فعله مع المتوكل بالبلاد الشامية فنفرت القلوب منه لهذا المعنى وغيره فلما بلغه ذلك استشار فى أمره فأشار عليه أكابر دولته بتلافى أمر المتوكل واعادته الى الخلافة ففعل ذلك وأنعم على المتوكل بأشياء كثيرة وأكرمه غاية الاكرام وتصافيا بحيث ان برقوق لما خلع من السلطنة فى سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بالمنصور حاجى وصار الناصرى مدبر مملكته ووقع لبرقوق ما وقع من الخلع والحبس بالكرك لم يتكلم فيه المتوكل بكلام قادح بالنسبة الى من تكلم(2/383)
فى حق برقوق من أصحابه لا من أعدائه لما أيسوا من عوده فلما أعيد الظهر برقوق الى ملكه لم ينقم على المتوكل بشىء فى الظاهر ودام المتوكل فى الخلافة الى ان مات فى الدولة الناصرية فرج بن برقوق فى ليلة الثلاثاء ثامن عشرى رجب سنة ثمان وثمانمائة فكان مجموع خلافته بما كان فيها من الخلع والحبس سنين نحوا من خمس وأربعين سنة تخمينا*
(خلافة المستعين بالله أبى الفضل العباس بن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد)
* تقدّم بقية نسبه فى تراجم آبائه أمير المؤمنين والسلطان بويع بالخلافة بعد موت أبيه فى يوم الاثنين مستهل شعبان سنة ثمان وثمانمائة بعهد منه اليه وتم أمره فى الخلافة الى أن سافر الناصر فرج الى البلاد الشامية فى سنة أربع عشرة وثمانمائة لقتال شيخ ونوروز وهى السفرة التى قتل فيها كان المستعين هذا فى صحبته فلما انكسر الناصر من الاميرين ودخل الشام يوم مات الوالد أو قبله بيوم فولى عوض الوالد فى نيابة دمشق دمرداش المحمدى وتجهز لحرب أعدائه فلم ينتج أمره وانكسر ثانيا وحوصر بدمشق وقد استولت الامراء على الخليفة هذا والقضاة وطال الامر بين الامراء والسلطان الناصر فلم يجد الامراء بدّا من خلع الناصر وسلطنة المستعين هذا فتسلطن المذكور بعد مدافعة كثيرة على كره منه* ولما تسلطن المستعين عظم أمره الى أن قتل الناصر فرج وعاد الامير شيخ المحمودى بالمستعين الى الديار المصرية وقد صار نوروز الحافظى نائبا على دمشق وأخذ شيخ يسير مع المستعين على قاعدة الخلفاء لا على قاعدة السلاطين فعظم ذلك على المستعين وكان فى ظنه انه يستبد بالامور فجاء الامر على خلاف ذلك فصار فى قلعة الجبل كالمسجون بها وليس له من الامر شئ وأخذ الامير شيخ فى أسباب السلطنة الى أن تم له ذلك وتسلطن فى يوم الاثنين مستهل شعبان من سنة خمس عشرة وثمانمائة على كره من المستعين وخلع المستعين من السلطنة من غير أمر موجب لدلك بل بالشوكة فكانت مدّة سلطنة المستعين سبعة أشهر وخمسة أيام وليس له فيها الا مجرّد الاسم فقط واستمرّ فى الخلافة وهو محتفظ به بقلعة الجبل الى ذى الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة فخلعه المؤيد شيخ من الخلافة أيضا بأخيه المعتضد داود وأرسله الى سجن الاسكندرية فسجن بها الى ان أطلقه الاشرف برسباى ورسم له بالسكنى فى الاسكندرية فسكن بها الى ان مات فى يوم الاربعاء العشرين من جمادى الاخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالطاعون ولم يبلغ الاربعين ودفن بالاسكندرية وعهد بالخلافة الى ولده يحيى يعنى انه لم يخلع منها بطريق شرعى*
(خلافة المعتضد بالله أبى الفتح داود بن المتوكل على الله أبى عبد الله محمد أمير المؤمنين)
* الهاشمى العباسى بويع بالخلافة بعد خلع أخيه المستعين فى يوم الخمس سادس عشر ذى الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة وأقام المعتضد فى الخلافة سنين حتى انه تسلطن فى أيامه عدّة سلاطين وكان فيه كل الخصال الحسنة سيد بنى العباس فى زمانه أهلا للخلافة بلا مدافعة كريما عاقلا حلو المحاضرة يجل طلبة العلم وأهل الادب جيد الفهم له مشاركة فى أشياء كثيرة من الفنون بالذوق والمعرفة وكان يجتهد فى السير على قاعدة الخلفاء مع جلسائه وندمائه فيضعف موجوده عن هذا الامر وربما يحمل الديون بسبب ذلك وكان يحب معاشرة الناس وله أوراد فى كل يوم وتوفى بعد مرض طويل بعد ان عهد الى أخيه سليمان بالخلافة فى يوم الاحد رابع شهر ربيع الاوّل سنة خمس وأربعين وثمانمائة وشهد السلطان الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلى المؤمنى من تحت القلعة ودفن عند آبائه بالمشهد النفيسى خارج القاهرة*
(خلافة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان بن المتوكل على الله محمد بن المعتضد أبى بكر بن الحاكم أحمد ابن المستكفى بالله سليمان بن الحاكم أحمد بن محمد بن الحسن بن على الفتى بن الراشد)
* الهاشمى العباسى أمير المؤمنين بويع بالخلافة بعد أخيه داود بعهد منه اليه فى العشر الاوّل من شهر ربيع الاوّل(2/384)
سنة خمس وأربعين وثمانمائة فأقام فى الخلافة الى أن مات فى يوم الجمعة ثانى المحرّم سنة خمس وخمسين وثمانمائة بعد ان مرض عدّة أيام ولم يعهد لاحد من اخوته ومات وهو فى عشر الستين تخمينا وحضر السلطان جقمق الصلاة عليه بمصلى المؤمنى تحت القلعة وعاد امام جنازته الى المشهد النفيسى ماشيا وتولى حمل نعشه فى بعض الاحيان وكان المستنكفى رئيسا كيسا عاقلا دينا كثير الصمت منعزلا عن الناس قليل الاجتماع بهم لم يسلك طريقة أخيه داود مع ندمائه وأصحابه هذا مع العقل التام والسيرة الحسنة والعفة عن المنكرات*
(خلافة القائم بأمر الله أبى البقاء حمزة بن المتوكل على الله محمد أمير المؤمنين الهاشمى العباسى)
* رابع الاخوة من أولاد المتوكل بويع بالخلافة بعد موت أخيه المستكفى سليمان من غير عهد وهو انه لما توفى سليمان أجمع رأى السلطان الظاهر جقمق على تولية حمزة المذكور لانه أسنّ من بقى من اخوته وأمثلهم فاستدعاه فى يوم الاثنين خامس المحرّم سنة خمس وخمسين وثمانمائة بالقصر السلطانى من قلعة الجبل وحضر الامراء والقضاة وأعيان الدولة وأجمعوا على بيعة حمزة المذكور فبايعوه ولقب بالقائم بأمر الله واستمرّ القائم فى الخلافة الى أن كانت الفتن وتسلطن الاتابك اينال العلائى ووقع بين الخليفة وبين السلطان هذا أمور يضحك السفهاء منها ويبكى من عواقبها اللبيب فطلب السلطان القائم بأمر الله الى القلعة ووبخه بالكلام فأراد القائم أن يلحن بحجته وكان فى لسانه مسكة تمنعه من الكلام فلم يقف السلطان لجوابه وأمر به فقبض عليه وحبس بالبحرة من قلعة الجبل ثم استدعى السلطان أخاه يوسف من الغد وهو يوم الخميس ثالث شهر رجب سنة تسع وخمسين وثمانمائة وخلع عليه بعد أن حكم القاضى بخلع القائم ودام القائم محتفظا به بقلعة الجبل الى يوم الاثنين سابع شهر رجب رسم السلطان بتوجهه الى سجن الاسكندرية فسار معه جماعة الى ان أوصلوه الى جزيرة أروى وأنزلوه الى النيل من تجاه بولاق التكرور وتوجه الى الاسكندرية فسجن بها الى سنة احدى وستين وثمانمائة أفرج عنه من سجن الاسكندرية ورسم له أن يسكن بها فى بيت كما كان أخوه العباس وأقام به الى أن مات*
(خلافة المستنجد بالله أبى المحاسن يوسف بن المتوكل على الله أمير المؤمنين الهاشمى العباسى)
* بويع بالخلافة بعد ان خلع الاشرف اينال أخاه القائم حمزة من الخلافة فى يوم الخميس ثالث شهر رجب سنة تسع وخمسين وثمانمائة ونقل القاضى الشافعى علم الدين صالح البلقينى عن علماء مذهبه انّ للسلطان أن يعزل الخليفة ويولى غيره فهذه المندوحة فى خلع القائم حمزة وولاية يوسف المستنجد* قال الشيخ صلاح الدين الصفدى فى شرح لامية العجم قلت* وكذلك العبيديون الذين يسمون بالفاطميين خلفاء مصر فأوّل من ملك منهم بالمغرب المهدى ثم القائم ثم ابنه المنصور ثم المعز وهو أوّل من ملك مصر منهم ثم العزيز ثم كان السادس الحاكم فقتلته أخته وولت ابنه الظاهر ثم المستنصر ثم المستعلى ثم الامر ثم الحافظ ثم كان السادس الظافر فخلع وقتل ثم ولى ابنه الفائز ثم العاضد وهو آخرهم* وكذلك بنو أيوب فى ملك مصر فأوّلهم صلاح الدين الملك الناصر ثم ابنه العزيز ثم أخوه الافضل بن صلاح الدين ثم العادل الكبير أخو صلاح الدين ثم الكامل ولده ثم كان السادس العادل الصغير فقبض عليه أرباب دولته وخلعوه وولى الملك الصالح نجم الدين أيوب ثم ولده المعظم توران شاه وهو آخرهم* قال وكذلك دولة الاتراك فأوّلهم المعز عز الدين أيبك الصالحى ثم ابنه المنصور ثم المظفر قطز ثم الملك الظاهر بيبرس ثم ابنه السعيد محمد ثم السادس العادل سلامش بن الظاهر بيبرس فخلع وملك السلطان الملك المنصور قلاوون الالفى انتهى*
ذكر الخلفاء الفاطميين بالاختصار
قال الدميرى قد ذكر دولة العبيديين وغيرهم من ملوك مصر على الاجمال مختصرا وها أنا أذكرهم مفصلا مبينا وذلك ان الحسين بن محمد بن أحمد بن عبد الله القدّاح وذلك(2/385)
انه كان يعالج العيون ويقدحها ابن ميمون بن محمد بن اسمعيل بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم قدم الى سلمية قبل وفاته وكان له بها ودائع وأموال من ودائع جدّه عبد الله القداح فاتفق انه جرى بحضرته ذكر النساء فوصفوا له امرأة يهودى حدّاد مات عنها زوجها وهى فى غاية الحسن والجمال ولها منه ولد يماثلها فى الجمال فتزوّجها وأحبها وحسن موضعها منه وأحب ولدها وعلمه فتعلم العلم وصارت له نفس عظيمة وهمة كبيرة وكان الحسين يدعى انه الوصى وصاحب الامر والدعاة باليمن والمغرب يكاتبونه ويراسلونه ولم يكن له ولد فعهد الى ابن اليهودى الحدّاد وهو عبيد الله المهدى أوّل من ولى من العبيديين ونسبتهم اليه وعرّفه أسرار الدعوة من قول وفعل وأين الدعاة وأعطاه الاموال والعلامات وأمر أصحابه بطاعته وخدمته وقال انه الامام الوصى وزوّجه ابنة عمه فوضع حينئذ المهدى لنفسه نسبا وهو عبيد الله بن الحسين بن على بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب وبعض الناس يقول انه من ولد القدّاح فلما توفى الحسين وقام بعهده المهدى انتشرت دعوته وأرسل اليه داعيته بالمغرب يخبره بما فتح الله عليه من البلاد وانهم ينتظرونه فشاع خبره فى الناس أيام المكتفى وطلب فهرب هو وولده أبو القاسم نزار الملقب بالقائم وهو يومئذ غلام ومعهما خاصتهما ومواليهما يريدان المغرب فلما وصلا الى افريقية أحضر الاموال منها واستصحبها معه فوصل الى رفادة فى العشر الاخير من شهر ربيع الاخر سنة سبع وتسعين ومائتين ونزل فى قصر من قصورها وأمر بأن يدعى له فى الخطبة يوم الجمعة فى جميع تلك البلاد ويلقب بأمير المؤمنين المهدى وجلس للدعاة فى يوم الجمعة فأحضروا الناس بالعنف ودعوهم الى مذهبه فمن أجاب أحسن اليه ومن أبى حبسه* فابتداء دولتهم فى سنة سبع وتسعين ومائتين فأوّلهم المهدى عبيد الله ثم ابنه القائم نزار ثم ابنه المنصور اسماعيل ثم ابنه المعز معدّ وهو أوّل من ملك مصر من العبيديين وكان ذلك فى سابع عشر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة ودعى له فيها يوم الجمعة العشرين من شعبان على المنابر وانقطعت خطبة بنى العباس من مصر والديار المصرية وكان الخليفة اذ ذاك العباسى المطيع لله الفضل بن جعفر* وفى يوم الثلاثاء سادس شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة دخل المعز مصر بعد مضى ساعة من اليوم المذكور* وفى مورد اللطافة دخل المعز الديار المصرية ومعه ألف وخمسمائة جمل موسوقة ذهب عين وكان دخوله اليها فى سنة احدى وستين وثلثمائة وكان قد أرسل قبل ذلك مملوكه الخادم جوهر الصقلبى بجيوش عظيمة الى مصر فملكها جوهر بعد أمور وبنى القاهرة فى سنة ستين وثلثمائة وجوهر المذكور هو صاحب الجامع الازهر وهو من كبار الرافضة الشيعة* ولما ثم بناء القاهرة أرسل جوهر الى المعز فجاء وسكنها وملكها والشام فى رمضان سنة احدى وستين وثلثمائة وكان الخليفة يومئذ ببغداد من بنى العباس أمير المؤمنين المطيع لامر الله فمن حينئذ صار ببغداد وسائر ممالك المشرق الى أعمال الفرات وحلب يخطب فيها باسم خلفاء بنى العباس ومن حلب الى بلاد المغرب يخطب فيها باسم الخلفاء الفاطميين ومن جملة ذلك الحرمان الشريفان وكان المعز أيضا سبابا خبيثا الا انه كان فاضلا عاقلا أديبا حاذقا ممدوحا وفيه عدل للرعية* وتوفى المعز فى شهر ربيع الاخر سنة خمس وستين وثلثمائة وله ست وأربعون سنة وكذا فى حياة الحيوان* ثم انّ العزيز بن المعز ولى الامر بعد أبيه ثم ابنه الحاكم أبو العباس أحمد وهو السادس من العبيديين فقيل انه خرج عشية يوم الاثنين سابع عشر شوّال سنة احدى عشرة وأربعمائة وطاف على عادته فى البلد ثم توجه الى شرقى حلوان ومعه راكبان فردّهما وانتظره الناس الى ثالث ذى القعدة ثم خرجوا فى طلبه فبلغوا ذيل القصر وأمعنوا فى الجبل فشاهدوا حماره على ذروة الجبل مضروب اليد بسيف فتبعوا الاثر فانتهوا(2/386)
الى بركة هناك ونزل شخص فيها فوجد سبع جبات مزرّرة وفيها أثر السكاكين فلم يشكوا حينئذ فى قتله ثم ابنه الظاهر أبو الحسن ثم ابنه المستعين ثم ابنه المستعلى ثم ابنه الامر ثم الحافظ عبد المجيد بن أبى القاسم محمد بن المستنصر ثم ابنه الظاهر وهو السادس فقتل* ولم يل الخلافة بعده الا اثنان الفائز ثم العاضد عبد الله بن يوسف بن الحافظ* وانقضت دولة العبيديين فى سنة ست أو سبع وستين وخمسمائة وذلك فى أيام المستضىء بنور الله أبى محمد الحسن بن المستنجد العباسى وخلفهم بمصر السلطان السعيد الشهيد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وهو أوّل ملوك بنى أيوب بالديار المصرية كذا فى حياة الحيوان*
ذكر ملوك الاكراد والاتراك والجراكسة الذين تولوا سلطنة مصر
وفى مورد اللطافة أصل بنى أيوب من دوين بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء وبعدها نون وهى فى آخر عمل اذربيجان من جهة ايران وبلاد الكرد وهم أكراد روادية كانوا فى خدمة زنكى بن آق سنقر ثم بعده فى خدمة ولده نور الدين محمود صاحب الشأم وهو الذى أرسلهم الى الديار المصرية ونصبهم فيها* وفى حياة الحيوان ثم بعد صلاح الدين يوسف ابنه الملك العزيز عثمان ثم اخوه الافضل ثم الملك العادل الكبير أبو بكر بن أيوب ثم ابنه الكامل محمد ثم ابنه الملك العادل الصغير وهو السادس فخلع ثم الملك الصالح أيوب بن الكامل ثم ابنه الملك المعظم توران شاه ثم أخوه الاشرف يوسف وهو ابن شجرة الدرّ ثم المعز أيبك وهو أوّل ملوك الترك بالديار المصرية* وقد ذكر من ولى مصر من الاتراك الذين مسهم الرق وهم اثنان وعشرون* أيبك وقطز وبيبرس وقلاوون وكتبغا ولاجين وبيبرس وبرقوق وشيخ وططر وبرسباى وجقمق واينال وخشقدم ويلباى وتمر بغا وقايتباى وقانصوه وطومان باى وجان بلاط وقانصوه الغورى وطومان باى* وسيجىء ذكرهم بهذا الترتيب وفى حياة الحيوان ثم ولى بعد المعز أيبك ابنه المنصور على* وفى مورد اللطافة فى أيام المنصور هذا قدم هولاكو ملك التتار الى بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله ثم ملك حلب والشأم ثم قصد جهة الديار المصرية* وفى أيام المنصور هذا فى سنة خمس وخمسين وستمائة وقع تفريط من الخدّام الذين بحرم النبىّ صلى الله عليه وسلم فاحترق المسجد ثم ظهرت بعد ذلك نار كبرى بالحرّة قريبا من المدينة الشريفة فكانت تخفى بالنهار وتظهر بالليل يراها الناس من مسافة بعيدة ويظهر لها دخان عظيم وأقامت على ذلك أياما كثيرة وقد سبق ذكرها ثم المظفر قطز وهو السادس فقتل بعد ما خرج الى التتار من الديار المصرية والتقاهم بعين جالوت يوم الجمعة خامس عشر شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة وهزمهم أقبح هزيمة انتهى ثم الظاهر بيبرس البندقدارى ثم ابنه السعيد محمد بركه خان ثم أخوه العادل سلامش ثم المنصور قلاوون ثم ابنه الاشرف خليل ثم القاهر وهو السادس أقام نصف يوم وقتل ثم الناصر بن المنصور فخلع مرّة بالعادل كتبغا وخلع نفسه مرّة أخرى فتسلطن مملوك أبيه المظفر بيبرس ثم العادل كتبغا ثم المنصور لاجين والمظفر بيبرس* وفى مورد اللطافة أورد بعد لاجين الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم بيبرس الجاشنكير انتهى والمنصور أبو بكر بن الناصر بن المنصور ثم أخوه الاشرف كحل فخلع ثم قتل وهو السادس ثم أخوهم الناصر أحمد ثم أخوهم الصالح اسماعيل ثم أخوهم الكامل شعبان ثم أخوهم المظفر حاجى ثم أخوهم الملك الناصر حسن ثم أخوهم الملك الصالح صالح وهو السادس فخلع وسجن وأعيد الملك الذى كان قبله وهو الملك الناصر حسن ثم المنصور على بن الصالح ثم الاشرف شعبان بن حسين بن الناصر ثم أخوه الصالح حاجى بن الاشرف ثم الظاهر برقوق* وفى مورد اللطافة وهو السلطان الخامس والعشرون من ملوك الترك والثانى من الجراكسة ان صح انّ بيبرس الجاشنكير كان جاركسيا والا فهو الاوّل* وفى حياة الحيوان ثم أعيد حاجى ولقب المنصور ثم أعيد برقوق ثم ولده الناصر فرج ثم أخوه العزيز ثم أعيد فرج فخلع وقتل ثم الخليفة المستعين بالله(2/387)
العباسى ثم الملك المؤيد أبو النصر شيخ ثم ابنه الملك المظفر أحمد فخلع ثم الملك الظاهر ططر ثم ولده الملك الصالح محمد فخلع ثم الملك الاشرف أبو النصر برسباى ثم ابنه الملك العزيز يوسف فخلع ثم الملك الظاهر جقمق ثم ولده الملك المنصور عثمان فخلع ثم الملك الاشرف اينال ثم ولده الملك المؤيد أحمد فخلع ثم الملك الظاهر خشقدم وهو أوّل من ملك الديار المصرية من الاروام ان لم يكن أيبك التركمانى والمنصور لاجين من الاروام والا فهو الثالث منهم كذا فى مورد اللطافة ثم الملك الظاهر يلباى ثم الملك الظاهر تمربغا ثم الملك الاشرف قايتباى كذا فى حياة الحيوان وهو الجاركسى المحمودى الظاهرى* وفى مورد اللطافة وهو الحادى والاربعون من ملوك الترك بالديار المصرية* قال الشيخ مؤرّخ القدس القاضى محب الدين العليمى الحنبلى فى كتاب الاعلام مولده فى سنة ست وعشرين وثمانمائة ودخل الديار المصرية فى سنة ثمان وقيل فى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة فى سلطنة الملك الاشرف برسباى وكان من مماليكه ثم انتقل الى الملك الظاهر جقمق فأعتقه وهو جاركسى الجنس فنسبته بالمحمودى الى جالبه الى مصر الخواجا محمود وبالظاهرى الى معتقه الملك الظاهر جقمق بويع بالسلطنة وجلس على سرير الملك بعد طلوع الشمس بعشر درجات من يوم الاثنين سادس شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بعد خلع تمربغا ووقع فى أيامه وقائع وحوادث* منها انه فى سنة تسع وسبعين ظفر بشهوار الذى كان تغلب على جزء من المملكة بين حلب والروم وأمر به فعلق على باب زويلة ومات من يومه وحج حجتين حجة قبل سلطنته سنة سبع وسبعين وثمانمائة وحجة فى سلطنته سنة أربع وثمانين وثمانمائة ومدّة سلطنته تسع وعشرون سنة وأربعة أشهر وعشرون يوما واجتهد فى أيام سلطنته فى بناء المشاعر العظام فى المواضع الكرام كعمارة مسجد الخيف بمنى ومسجد نمرة بعرفة المعروف بابراهيم الخليل وقبة عرفه والعالمين اللذين تميزت عرفة بهما وسلالم المشعر الحرام بالمزدلفة وعمر بركة خليص وأجرى العين اليها وذلك كله فى سنة أربع وسبعين وثمانمائة* ثم فى السنة التى تليها عمر عين عرفة بعد انقطاعها وعمر سقاية سيدنا العباس وأصلح بئر زمزم والمقام وعلو مصلى الحنفى وجهز فى سنة تسع وسبعين وثمانمائة للمسجد الحرام منبرا عظيما وعين للكعبة كل سنة كسوة وأنشأ بجانب المسجد الحرام عند باب السلام مدرسة وبجانبها رباطا للفقراء يفرّق لهم كل يوم دشيشة وكذا أنشأ بالمدينة النبوية مدرسة وبنى المسجد الشريف بعد الحريق وجدّد المنبر والحجرة ورتب لأهل المدينة من المقيمين فيها والواردين عليها ما يكفيهم من البر والدشيشة* وعمل أيضا ببيت المقدس مدرسة وبصالحية قطيا جامعا وجدّد من جامع عمرو بن العاص بعض جهاته وتوفى فى آخر نهار الاحد قبل المغرب السابع والعشرين من ذى القعدة ودفن فى ضحى يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذى القعدة سنة احدى وتسعمائة من الهجرة النبوية وله خمس وسبعون سنة وكان شيخا طوالا أبيض اللون حسن الشكل منوّر الوجه فصيح اللسان عامله الله باللطف والاحسان* ثم ولى السلطنة بعده ابنه الملك الناصر أبو السعادات محمد بن قايتباى الجاركسى الابوين كانت أمّه من مشتريات أبيه أخت الظاهر قانصوه الذى ولى السلطنة بعد قتله* قال الشيخ مؤرّخ القدس فى كتاب الاعلام لما مرض والده مرض الموت ومكث أياما واشتدّ مرضه اجتمع أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو العز عبد العزيز يعقوب العباسى والقضاة واركان الدولة من أهل الحل والعقد بقلعة الجبل فبايعوا الملك الناصر محمد بن قايتباى بالسلطنة وهو يومئذ شاب فى سنّ البلوغ ولبس شعار الملك وجلس على السرير يوم السبت السادس والعشرين من ذى القعدة سنة احدى وتسعمائة واستقرّ الامير قانصوه خمسمائة أتابك العساكر ثم فى عشية اليوم الثانى من سلطنته وهو نهار الاحد توفى والده الملك الاشرف قايتباى كما تقدّم واستمرّ الملك الناصر محمد بن قايتباى(2/388)
فى السلطنة الى أن وثب عليه الاتابك قانصوه خمسمائة واستدعى الخليفة والقضاة وأثبت عجز الملك الناصر عن السلطنة والقيام بالملك وخلعه فى يوم الاربعاء الثامن والعشرين من جمادى الاولى سنة اثنتين وتسعمائة وكانت مدّة ملكه فى هذه المرّة الاولى ستة أشهر ويومين وتسلطن الاشرف قانصوه خمسمائة بعد خلع الناصر محمد بن قايتباى ثم فقد قانصوه خمسمائة فى وقعة خان يونس وكانت مدّة سلطنته ثلاثة أيام كما سيجىء* ثم يوم السبت مستهل جمادى الاخرة سنة اثنتين وتسعمائة جدّدت البيعة للناصر محمد بن قايتباى وأعيد الى السلطنة المرة الثانية بعد ثبوت رشده ثم شرع فى المخالطة ومباشرة الاوباش وارتكاب الفواحش فقتل شر قتلة وكان ذلك فى يوم الاربعاء قبل غروب الشمس الخامس والعشرين من ربيع الاوّل سنة أربع وتسعمائة وكانت مدّة سلطنته فى المرة الثانية سنة وستة أشهر ونصف* ومجموع مدّة ولاية الناصر محمد فى المرّتين سنتان وثلاثة أشهر وسبعة عشر يوما وتسلطن الملك الاشرف قانصوه خمسمائة بعد خلع الناصر محمد بن قايتباى* قال الشيخ السخاوى فى كتابه الضوء اللامع قانصوه الاشرفى القايتبايى وأيضا يعرف بخمسمائة ترقى الى ان صار دوادارا ثم رأس العساكر لابن أستاذه الناصر محمد بن قايتباى ثم تولى الاتابكية ثم خالف عليه وخلعه من السلطنة وتسلطن هو مكانه فى يوم الاربعاء الثامن والعشرين من جمادى الاولى سنة اثنتين وتسعمائة فتحرك العسكر فهرب قانصوه خمسمائة الى غزة ثم فقد فى وقعة خان يونس ولم يعرف موته ولا حياته وكانت مدّة سلطنته ثلاثة أيام ثم جدّدت البيعة للملك الناصر محمد بن قايتباى ثم قتل كما ذكرناه* ثم بعد قتله تولى السلطنة بعده خاله الملك الظاهر أبو سعيد قانصوه الجاركسى الاشرفى القايتبايى وجلس الخليفة والقضاة بالقلعة وبايعوا الملك الظاهر قانصوه بالسلطنة وقت صلاة الجمعة السابع عشر من ربيع الاوّل سنة أربع وتسعمائة وهو يومئذ شاب له نيف وعشرون سنة واستمرّت سلطنته سنة وثمانية أشهر واثنى عشر يوما وقيل ثمانية أشهر ويومين الى أن وثب الاتابك صهره زوج أخته والدة الملك الناصر محمد وتسلطن واختفى الظاهر قانصوه يوم السبت التاسع والعشرين من ذى القعدة سنة خمس وتسعمائة واستمرّ مختفيا أزيد من نصف شهر فتولى الملك جان بلاط ثم ظفر بالظاهر قانصوه ليلة الاحد فقبض عليه من المكان الذى اختفى فيه وأرسله الى الاسكندرية فقيد وسجن فى البرج وأقام بالاسكندرية سبع عشرة سنة وولد له بها فلما تغيرت دولة الجراكسة وملك الديار المصرية السلطان سليم العثمانى فى أوّل سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة أمر بقتله مع الامراء فقتل صبرا فى الاسكندرية وعمره نحوا من أربعين سنة وكان ابتداء سلطنة جان بلاط يوم الاثنين ثانى ذى الحجة سنة خمس وتسعمائة وكانت مدّة ولايته نصف عام ونصف شهر ويوما واحدا* قال الشيخ مؤرّخ القدس فى كتاب الاعلام كان الملك الاشرف أبو النصر جان بلاط من أعيان مماليك الاشرف قايتباى استقرّ فى السلطنة وجلس على سرير الملك يوم الاثنين ثانى شهر ذى الحجة سنة خمس وتسعمائة بعد مضى ثلاثين درجة من النهار وكانت مدّة ملكه ستة أشهر وستة عشر يوما* ثم تولى السلطنة بعده الملك العادل طومان باى الاشرفى القايتبايى قال الشيخ مؤرّخ القدس فى كتاب الاعلام كان الملك العادل سيف الدين طومان باى الاشرفى من أعيان مماليك الاشرف قايتباى فحضر الخليفة والقضاة وأركان الدولة وبويع بالسلطنة وألبس شعار الملك وجلس على السرير بعد الظهر من يوم السبت ثامن عشر جمادى الاخرة وكانت مدّته من حين تغلبه بالشام أربعة أشهر وخمسة وعشرين يوما ومن حين مبايعته بقلعة الجبل بالديار المصرية ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرين يوما* ثم تولى السلطنة بعده الملك الاشرف أبو النصر سيف الدين قانصوه الغورى الظاهرى الاشرفى* نسبته الى طيقة الغور والى الظاهر خشقدم والى الاشرف قايتباى فانه كان من مماليك(2/389)
الظاهر خشقدم ثم انتقل الى الاشرف قايتباى مولده كان فى حدود الخمسين وثمانمائة تقريبا عما أخبر ولما كان يوم الاثنين مستهل شوّال سنة ست وتسعمائة من الهجرة النبوية حضر قلعة الجبل أمير المؤمنين المستمسك بالله والقضاة الاربعة والامراء وأصحاب الحل والعقد وأجمع رأيهم على سلطنة الدوادار الكبير الامير قانصوه الغورى فبويع بالسلطنة وألبس شعار الملك وجلس على التخت فى اليوم المذكور وهو نهار عيد الفطر ثم بنى فى سلطنته سور جدّة ودائرة الحجر الشريف وبعض أروقة المسجد الحرام وباب ابراهيم وجعل علوه قصرا شاهقا وتحته ميضأة وبنى بركة وادى بدر وعدّة خانات وآبار فى طريق الحاج المصرى منها خان فى عقبة أيلة والازلم ومدرسة أنشأها علوسوق الجملون بالقاهرة والتربة المقابلة لها من جهة القبلة مع أوقافها وأنشأ مجرى الماء من مصر العتيقة الى قلعة الجبل وعمر بعض أبراج الاسكندرية* وفى سنة سبع عشرة وتسعمائة توفى السلطان بايزيد صاحب الروم وتسلطن ابنه السلطان سليم فى الروم* وفى سنة عشرين وتسعمائة عزم السلطان سليم على قتال شاه اسمعيل المعروف بالصوفى ولاقاه صبح يوم الاربعاء ثانى شهر رجب بموضع يقال له چالدران من توابع تبريز وهزمه ثم سار بالعساكر المنصورة حتى نزل تبريز وصلى فيها الجمعة وخطب فيها باسم السلطان سليم ثم رجع الى بلاد الروم* وفى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة انتقل ملك مصر الى ملوك بنى عثمان فأوّل من ملكها منهم وهو عاشرهم السلطان سليم ابن السلطان بايزيد بن السلطان محمد وذلك أنه وقعت فتنة بينه وبين صاحب مصر قانصوه الغورى فقصد كل منهم الاخر فى عسكرين عظيمين فالتقيا بموضع يقال له مرج دابق من نواحى حلب شماليها مسافته منها نحو مرحلة وكان المصاف والوقعة يوم الاحد الخامس والعشرين من رجب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وقيل هذه وقعة ثانية فى الريدانية بمصر بمرج دابق وقيل بل صبح يوم الاثنين تسع وعشرين من ذى الحجة من السنة المذكورة ودام الحرب وصبر الفريقان من أوّل النهار الى ما بين صلاتى الظهر والعصر ثم نزل نصر العثمانية وانهزم الجراكسة وقتل سلطانهم قانصوه الغورى وفتحت البلاد الشامية ثم المصرية وكانت مدّة ولاية الغورى خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسا وعشرين يوما وبعد الوقعة مكث السلطان سليم فى بلاد الشام أشهرا وفى مدة مكثه تسلطن بمصر الملك الصالح طومان باى الجركسى الاشرفى القايتبايى وهو ابن أخى قانصوه الغورى ولقب بالاشرف كعمه وهو السادس والاربعون من ملوك الترك والعشرون من ملوك الجراكسة* ومدّة ولايته ثلاثة أشهر ونصف وبه انقرضت دولة الاتراك والجراكسة فلدولة الاتراك مائتان وسبعون سنة ان كان أوّلهم المعز ايبك التركمانى وأوّل ولايته بمصر فى سنة ثلاث وأربعين وستمائة ولدولة الجراكسة مائتان وأربع عشرة سنة ان كان أوّلهم السلطان بيبرس الجاشنكير وكانت ولايته فى شوّال سنة ثمان وسبعمائة وان كان أوّلهم السلطان سيف الدين برقوق فتكون مدّتهم مائة وثمانيا وثلاثين سنة وولايته فى رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة* وكان ابتداء سلطنة السلطان سليم فى الديار الشامية والمصرية ثانى يوم حرب قانصوه الغورى مستهل المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة ثم عين الامير مصلح الدين أمير اللحاج فسار بحرا ورفقته كسوة الكعبة المعظمة ثم عاد الحاج برّا وتأخر الامير مصلح الدين لعمارة قبة عالية على مقام الحنفية بالمسجد الحرام وأمر السلطان سليم أيضا بعمارة فى صالحية دمشق على قبر شيخ الصوفية محيى الدين بن العربى نفعنا الله ببركاته ثم توفى السلطان سليم فى الليلة السادسة من شوّال ليلة الجمعة سنة ست وعشرين وتسعمائة وكانت ولادته تقريبا فى سنة خمس وسبعين وثمانمائة* وكانت مدّة ملكه بعد أبيه تسع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام وقيل ثمان سنين وثمانية أشهر وتسعة أيام وملكه(2/390)
بالديار المصرية ثلاثة أعوام ثم تولى السلطنة بعده ابنه السلطان سليمان وهو الحادى عشر من ملوك بنى عثمان تسلطن بعد موت أبيه بسبعة أيام يوم الاحد خامس عشر وقيل سابع عشر من شوّال سنة ست وعشرين وتسعمائة فى أوّل القرن العاشر وتسلطن تسعة وأربعين سنة ومدّة عمره خمس وسبعون وتسلطن ولده السلطا سليم سبع سنين وتوفى فى سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وتسلطن ولده السلطان مراد خان نصره الله فى التاريخ المذكور والله أعلم بالصواب
يقول الفقير الى ربه الصمد مصطفى بن محمد مصحح المطبعة ومنشيها ومطرز أمورها وموشيها
الحمد لله ذى العظمة والكبرياء الذى أفاض على العالمين جميع الالاء والنعماء والصلاة والسلام على مركز دائرة الوجود ومطلع أهلة العناية والجود وعلى آله وأصحابه الذين ساروا بسيرته الغرّا ففتحوا البلاد وانقادت لاوامرهم الناس طوعا وقهرا (وبعد) فانّ من أجل ما يتحلى به أهل الفضل والكمال وتنبعث اليه رغبات أرباب المناصب والاعمال فن التاريخ الجليل الغنى فضله عن البرهان والدليل اذ هو من أعظم ما تستمدّ منه العقول السليمه وتستخرج به ما خفى دركه من حل الامور العظيمة وتستضىء بأنواره البصائر ويهتدى به الى سبيل الرشاد التائه الحائر وانما تأخذ كل نفس بقدر الاستعداد فى الامور وعلى حسب ما ألهمها الله من التقوى والفجور كما يشير اليه قول أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرّم الله وجهه
رأيت العقل عقلين ... فمطبوع ومسموع
ولا ينفع مسموع ... اذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس ... وضوء العين ممنوع
هذا مع كون ثماره على طرف الثمام لا يحتاج فى اجتنائها الى كبير جدّ واهتمام هنىّ الجنى سهل المقتنى روض بتأرج؟؟؟ من رياحينه الارجاء وتنتشر روائحه الى جميع البلاد والانحاء لا سيما بواسطة فنّ الطبع الجميل فانه الذى تكفل بذلك وهو نعم الكفيل واذا تحلى بنفائس الضبط والتصحيح كان أرغب لطالبه من محاسن الاغيد المليح ولما كان التاريخ الجليل النفيس المشهور بين الانام بالخميس قد ذكر أحوال العالم من ابتداء التكوين وتكلم على كل جيل بما فيه تبصرة لاهل اليقين لا سيما سيرة النبىّ المصطفى وأصحابه الكرام ذوى الوفا فانه جمع فيها كل شارده وبلغ الطالب مقاصده بادرت الى تكثير نسخه بالطبع والتمثيل حتى يعمّ نفعه الحقير والجليل وكنت قد عنيت باصلاح تحريفه واظهار صوابه من تصحيفه وتعديل ما انحرف من مزاج عباراته بمعالجات أخذتها من غضون اشاراته وكتبت على هامشه معانى بعض الالفاظ المحتاجة الى البيان ناقلا لها من القاموس اذ هو المعوّل عليه فى هذا الشان فهاك نسخة عظيمة فاغتنمها فانها أعظم(2/391)
غنيمه قلما يسمح الزمان بمثلها أو تنسج أيدى الايام على نولها ولما رفلت فى ملابس حسن الختام متجلية لعشاقها كالبدر التمام أنشد الشاب الاديب واللبيب النجيب حضرة على بيك فهمى نجل ذى الجناب الرفيع رفاعة بيك فقال
تلك الثريا أم ضياء الفرقد ... أم نظم درّ أم سبائك عسجد
أم ساطعات زواهر فى أفقنا ... أم يانعات ازاهر للمجتدى
أم مبدعات فرائد منظومة ... أم مودعات فوائد المتفرّد
فى طبع حسن أسفرت أضواؤه ... عن حسن طبع للخميس الأوحد
سعة اطلاع مؤلف حبر لنا ... بث الحوادث بالحديث المسند
فكأنّ مرآة الزمان أمامه ... رسمت أشعة ذهنه المتوقد
فأتى بتاريخ العصور مرتبا ... لقديمها بالسبق والمتجدّد
فله اليد الطولى على من قبله ... وبغيره من بعده لا يهتدى
ان قلت مصباح صدقت وان تقل ... شمس المعارف لم تكن بمفند
سير الملوك بطيه منشورة ... سنن السلوك يسومه من يقتدى
فالفضل كسبىّ بطول تجارب ... والطبع وهبىّ لحبر أمجد
طبع سما بسنا مطالع حسنه ... وحلا بمرواه صفاء المورد
فى بدئه تسمو براعة مطلع ... وبختمه حسن التخلص يبتدى
من رام طبع الحسن فى تاريخه ... يجد الخميس بحسن طبع مفرد
17 741 120 81 324 1283
وكان تمام طبعه وظهور نوره وينعه بالمطبعة الوهبية الكائنة بباب الشعرية أحد الاخطاط المصرية فى أواخر رجب الفرد لسنة ثلاث وثمانين بعد المائتين والالف من هجرة من خلق على أكمل وصف عليه أنمى صلاة وأزكى سلام وعلى آله وأصحابه الكرام(2/392)
*
(فهرست الجزء الثانى من تاريخ الخميس) *
صحيفه 2 الموطن السادس فى وقائع السنة السادسة من الهجرة
2 سرية محمد بن مسلمة الى القرطا
3 قصة ثمامة بن أثال الحنفى
3 كسوف الشمس
3 غزوة بنى لحيان
4 زيارة النبى صلى الله عليه وسلم قبر أمه
5 غزوة الغابة وتعرف بذى قرد
9 سرية عكاشة الى غمر مرزوق
9 سرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة
9 سرية زيد بن حارثة الى بنى سليم
9 سرية زيد أيضا الى العيص
9 سرية زيد الى الطرف
9 سرية زيد الى حسمى
10 سرية كرز الى العرنيين
11 سرية زيد الى وادى القرى
11 سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل
12 بعث على بن أبى طالب الى بنى سعد
12 بعث زيد الى أم قرفة
12 سرية عبد الله بن عتيك الى قتل أبى رافع
14 حديث الاستسقاء
15 سرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رزام اليهودى
15 سرية زيد بن حارثة الى مدين
16 غزوة الحديبية
20 ذكر بيعة الرضوان
25 بيان حكم الظهار
26 وفاة أم رومان أم عائشة رضى الله عنها
26 تحريم الخمر
27 ذكر الحشيشة وأشباهها
28 مضار الحشيشة
28 صفة الميسر
صحيفه 29 الموطن السابع فى وقائع السنة السابعة من الهجرة
29 ذكر اتخاذ الخاتم
29 ارسال الرسل الى الملوك
30 كتابه عليه السلام الى النجاشى
30 كتاب النجاشى اليه عليه السلام
31 كتاب النبى الى قيصر
33 صورة كتاب النبى الى هرقل
34 كتاب النبى الى كسرى
37 كتاب النبى الى المقوقس
38 كتاب النبى الى الحارث الغسانى
39 كتاب النبى الى ثمامة وهوذة الحنفيين
40 سحر النبى صلى الله عليه وسلم
41 سرية أبان بن سعيد قبل نجد
41 اسلام أبى هريرة
42 قصة جراب أبى هريرة
43 غزوة خيبر
52 سم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشاة
55 قسمة غنائم خيبر
56 استصفاء صفية
58 فتح فدك
58 طلوع الشمس بعد غروبها لعلى رضى الله عنه
58 فتح وادى القرى
59 نوم الرسول عن صلاة الصبح
59 بناء الرسول عليه السلام بأم حبيبة
60 سرية عمر بن الخطاب الى تربة
60 سرية بشر بن سعد الى بنى مرّة
61 بعث غالب الليثى الى الميفعة
61 سر بشر بن سعد الى يمن وجبار
61 سرية ابن عمر الى قبل نجد
61 كتابه الى جبلة بن الايهم
61 قتل شيرويه أباه(2/393)
صحيفه 61 هدية المقوقس
62 الكلام فى عمرة القضاء
64 تزوّجه عليه السلام بميمونة رضى الله عنها
65 الموطن الثامن فى وقائع السنة الثامنة من الهجرة
65 اسلام خالد وعمرو بن العاص وعثمان الحجبى
67 بعث غالب بن عبد الله الى فدك
68 اتخاذ المنبر
69 حنين الجذع
70 أوّل قود فى الاسلام
70 سرية شجاع بن وهب الى بنى عامر
70 سرية كعب بن عمير الى ذات اطلاح
70 سرية مؤتة
73 ذكر زيد بن حارثة
74 ذكر جعفر بن أبى طالب
75 سرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل
75 سرية أبى عبيدة الى سيف البحر
76 سرية أبى قتادة الانصارى الى خضرة
76 سرية أبى قتادة الى بطن اضم
76 سرية عبد الله بن أبى حدرج الى الغابة
77 غزوة فتح مكة
85 ذكر الاصنام التى كانت فى البيت
90 ذكر الرجال الاحد عشر الذين أهدر دمهم يوم فتح مكة الاوّل عبد الله بن خطل
90 الثانى عبد الله بن سعد بن أبى سرح
91 الثالث عكرمة بن أبى جهل
92 الرابع حويرث بن نقيد
92 الخامس المقيس بن صبابة الكندى
93 السادس هبار بن الاسود
93 السابع صفوان بن أمية
94 الثامن حارث بن طلاطلة
94 التاسع كعب بن زهير
94 العاشر وحشى بن حرب
صحيفه 94 الحادى عشر عبد الله بن زبعرى
94 ذكر النساء اللاتى أهدر النبىّ دماءهنّ يوم الفتح أولاهنّ هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان
94 الثانية والثالثة قريبة والفرتنا الرابعة مولاة بنى خطل والخامسة مولاة بنى عبد المطلب
95 السادسة أم سعد أرنب
95 اسلام أبى قحافة والد أبى بكر
95 اسلام حكيم بن حزام
95 سرية خالد بن الوليد الى العزى
95 ذكر منشأ اتخاذ الاصنام
96 بعث عمرو بن العاص الى سواع
97 بعث سعد بن زيد الى مناة
97 بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة
99 غزوة حنين
107 سرية أبى عامر الاشعرى الى أوطاس
109 سرية الطفيل بن عامر الى ذى الكفين
109 غزوة الطائف
113 اسلام مالك بن عوف
116 بعث عمرو بن العاص الى حيفر وعبد
116 بعث العلاء الحضرمى الى ملك البحرين
117 اسلام عروة بن مسعود
117 تزوّجه عليه السلام بمليكة الكندية
118 ولادة ابراهيم من مارية القبطية
118 الموطن التاسع فى حوادث السنة التاسعة من الهجرة
118 بعث عيينة بن حصن الى بنى تميم
119 بعث الوليد بن عقبة الى بنى المصطلق
120 بعث قطبة بن عامر الى خثعم
120 بعث الضحاك بن سفيان الكلابى الى بنى كلاب
120 بعث علقمة بن مجزز الى الحبشة
120 بعث على بن أبى طالب الى الفلس(2/394)
صحيفه 121 اسلام كعب بن زهير
121 تتابع الوفود
122 هجره صلى الله عليه وسلم نساءه
122 غزوة تبوك
128 سرية خالد بن الوليد الى اكيدر
129 موت عبد الله ذى البجادين
130 هدم مسجد الضرار
131 قصة كعب بن مالك
133 قصة اللعان
134 اسلام ثقيف
137 هدم اللات
138 كتاب ملوك حمير
139 رجم الغامدية
139 وفاة النجاشى
140 وفاة أم كلثوم
140 وفاة ابن سلول
141 حج أبى بكر بالناس
142 الموطن العاشر فى حوادث السنة العاشرة من الهجرة
142 بعث أبى موسى الاشعرى الى اليمن
142 ذكر معاذ بن جبل
142 وصيته عليه السلام لمعاذ
143 ذكر أبى موسى الاشعرى
144 بعث خالد بن الوليد الى عبد المدان بنجران
144 بعث على بن أبى طالب الى اليمن
145 بعث جرير بن عبد الله الى ذى الكلاع
146 بعث أبى عبيدة بن الجرّاح الى أهل نجران
146 قصة بديل وتميم الدارى
146 وفاة ابراهيم ابن رسول الله عليه السلام
146 كسوف الشمس
147 طلوع جبريل مجلس النبى فى صورة رجل
147 قدوم فيروز الديلمى الى المدينة
148 حجة الوداع
150 نفيسة
صحيفه 153 اتيان الصبى وتكلمه بين يدى النبىّ يوم ولد
153 موت باذان
153 نزول آية الاستئذان
154 الموطن الحادى عشر فى وقائع السنة الحادية عشر من الهجرة
154 استغفاره عليه السلام لاهل البقيع
154 سرية أسامة بن زيد الى أهل ابنى
155 ظهور الاسود العنسى
157 قتل الاسود العنسى
157 قصة مسيلمة الكذاب
159 قصة سجاح
160 قصة طليحة بن خويلد
160 ابتداء مرضه عليه السلام
162 اسراره عليه السلام الى فاطمة
166 ذكر سنه عليه السلام
166 ذكر وقت موته عليه السلام
167 ذكر بيعة أبى بكر رضى الله عنه
170 ذكر غسله عليه السلام
171 ذكر تكفينه عليه السلام
171 ذكر الصلاة عليه عليه السلام
171 ذكر قبره عليه السلام
172 ذكر وقت دفنه عليه السلام
172 ذكر الندب عليه صلى الله عليه وسلم
173 ذكر ميراثه وتركته وحكمه فيها
174 ذكر رؤيته عليه السلام فى المنام
174 ذكر زيارته وسائر المشاهد بالمدينة
177 الفصل الاوّل من الخاتمة
177 ذكر خدمه عليه السلام
178 ذكر مواليه عليه السلام
180 ذكر مولياته عليه السلام
181 ذكر امرائه عليه السلام
181 ذكر كتابه عليه السلام
182 ذكر رسله عليه السلام
183 قضاته ومؤذنوه عليه السلام(2/395)
صحيفه 184 شعراؤه عليه السلام
184 خيله ودوابه عليه السلام
186 بغاله عليه السلام
187 حميره عليه السلام
187 غريبة
187 ابله عليه السلام
188 أسلحته عليه السلام
189 أدراعه عليه السلام
189 رماحه وأقواسه وأتراسه ورايانه عليه السلام
190 لباسه وثيابه عليه السلام
192 وفوده عليه السلام
197 وفد صداء
197 وفد سلامان
197 وفد الازد
198 رؤيا زرارة
198 وفد بجيلة
199 الفصل الثانى فى ذكر الخلفاء الراشدين وخلفاء بنى أمية والعباسيين
199 ذكر صفة أبى بكر رضى الله عنه
199 ذكر خلافته رضى الله عنه
201 ذكر بدء ردّة الاعراب
205 ذكر وصية أبى بكر لخالد بن الوليد
205 ذكر مسير خالد الى بزاخة
208 رجوع بنى عامر وغيرهم الى الاسلام
211 ذكر تقديم خالد الطلائع امامه
220 قصة زرقاء اليمامة
221 بعث أبى بكر العلاء الحضرمى الى البجرين
222 ذكر غزو الشام
225 كتاب أبى عبيدة الى أبى بكر
227 مكالمة عمرو بن العاص مع أبى بكر
228 أوّل وقعة فى الشام
229 توجه خالد بن الوليد من العراق الى الشام
230 كيفية سلوك خالد فى القفار
صحيفه 231 كتاب خالد الى آبى عبيدة
231 اغارة خالد على بنى تغلب
232 عدّة الجيش الذى دخل الشام مع خالد
233 ذكر وقعة اجنادين
235 كتاب خالد بالفتح الى أبى بكر رضى الله عنهما
235 وقعة مرج الصفر
236 ذكر مرض أبى بكر ووفاته رضى الله عنه
237 ذكر أولاد أبى بكر رضى الله عنه
238 ذكر مقتل محمد بن أبى بكر
239 ذكر عمر بن الخطاب رضى الله عنه
240 صفة عمر رضى الله عنه
240 ذكر خلافة عمر رضى الله عنه
242 ذكر كتابه وقضاته وامرائه
242 ذكر قصة النيل
243 كرامة فى نداء عمر لسارية وهو على المنبر
244 صفة أبى عبيدة بن الجرّاح
245 ترجمة بلال رضى الله عنه
246 ترجمة ابن أم مكتوم
247 ترجمة خالد بن الوليد رضى الله عنه
247 ذكر الخبر عن آخر أمر عمر ووفاته رضى الله عنه
248 ذكر مقتله رضى الله عنه
250 ذكر أولاد عمر رضى الله عنه
252 قصة عبد الرحمن بن عمر وهو المجلود فى الحدّ
254 ذكر عثمان بن عفان
254 صفة عثمان
254 ذكر خلافة عثمان رضى الله عنه
255 ذكر كاتبه وقاضيه وأميره
257 ترجمة عبد الرحمن بن عوف
257 ترجمة العباس عم النبى
257 ترجمة عبد الله بن مسعود
258 ترجمة أبى ذر الغفارى(2/396)
صحيفه 258 ذكر مقتل عثمان رضى الله عنه
264 ذكر تاريخ قتل عثمان رضى الله عنه
264 ذكر دفنه رضى الله عنه
265 ذكر شهود الملائكة عثمان
265 ذكر مدّة خلافته
266 ذكر ما نقم على عثمان مفصلا والاعتذار عنه بحسب الامكان
274 ذكر ولد عثمان رضى الله عنه
275 ذكر على بن أبى طالب رضى الله عنه
275 ذكر صفته رضى الله عنه
276 ذكر خلافة على رضى الله عنه
278 ذكر من توفى فى خلافة على من مشاهير الصحابة
279 ذكر مقتل على رضى الله عنه
280 ذكر قاتله وما حمله على قتله
282 ذكر موضع دفنه
283 ذكر أولاد على رضى الله عنه
286 ذكر الائمة الاثنى عشر
289 ذكر خلافة الحسن بن على رضى الله عنهما
289 ترجمة الاشعث بن قيس الكندى
291 فائدة غريبة
291 ذكر خلافة معاوية بن أبى سفيان
292 وفاة عمرو بن العاص
292 ذكر وفاة الحسن بن على
293 ذكر وصيته لاخيه الحسين
293 ذكر أولاد الحسن
294 ذكر من توفى من كبار الصحابة فى زمن الحسن
296 ذكر وفاة معاوية وموضع قبره
297 ذكر أولاده وقضاته وأمرائه
297 ذكر خلافة يزيد بن معاوية
297 ذكر مقتل الحسين بن على رضى الله عنهما
299 ذكر سنّ الحسين بن على رضى الله عنهما
300 ذكر أولاد الحسين
300 ذكر وفاة يزيد ومدفنه وذكر أولاده
صحيفه 301 ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية
301 ذكر خلافة عبد الله بن الزبير
304 ذكر مقتل ابن الزبير
306 ذكر أولاد عبد الله بن الزبير
306 ذكر خلافة مروان بن الحكم
308 ذكر خلافة عبد الملك بن مروان
309 وفاة عبد الله بن عباس
309 هدم قصر الامارة بالكوفة
310 أوّل ضرب الدنانير فى الاسلام
311 ذكر وفاة عبد الملك بن مروان
311 ذكر خلافة الوليد بن عبد الملك
312 غريبة
313 آخر من مات من الصحابة
314 ذكر وفاة الوليد
314 ذكر خلافة سليمان بن عبد الملك
314 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة سليمان بن عبد الملك
315 ذكر وفاة سليمان بن عبد الملك
315 ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز
317 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة عمر بن عبد العزيز
317 ذكر وفاة عمر بن عبد العزيز
318 ذكر خلافة يزيد بن عبد الملك
318 ذكر من مات من المشاهير فى خلافته
318 ذكر خلافة هشام بن عبد الملك
319 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة هشام ابن عبد الملك
320 خلافة الوليد الزنديق بن يزيد
321 ذكر خلافة يزيد بن الوليد
321 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة يزيد ابن الوليد
322 ذكر خلافة ابراهيم بن الوليد
322 ذكر خلافة مروان الحمار آخر خلفاء بنى أمية(2/397)
صحيفه 322 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة مروان الحمار
323 ملخص أخبار بنى أمية
324 ذكر دولة بنى العباس وخلافة السفاح
324 ذكر خلافة أبى جعفر المنصور
325 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة أبى جعفر المنصور
325 سبب بناء بغداد
326 ترجمة الامام الأعظم أبى حنيفة النعمان
329 وفاة المنصور
329 ذكر خلافة المهدى أبى عبد الله محمد
330 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المهدى
330 ظهور عطاء المقنع الساحر
331 ذكر خلافة موسى الهادى
331 ذكر خلافة هارون الرشيد
332 ترجمة الامام مالك وذكر من مات من المشاهير فى خلافة هارون الرشيد
333 ذكر خلافة الامين محمد بن الرشيد هارون
333 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الامين
334 ذكر خلافة المأمون عبد الله بن الرشيد هارون
334 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المأمون
335 ترجمة الامام الشافعى محمد بن ادريس
336 ذكر خلافة المعتصم محمد بن الرشيد هارون
337 خلافة الواثق بالله هارون بن المعتصم
337 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الواثق بالله
337 خلافة المتوكل على الله جعفر بن المعتصم
338 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المتوكل على الله
339 خلافة المنتصر بالله محمد بن المتوكل
صحيفه 340 خلافة المستعين بالله أحمد بن المعتصم
340 خلافة المعتز بالله محمد
341 خلافة المهتدى بالله محمد
342 وفاة حافظ العصر البخارى
342 خلافة المعتمد على الله أحمد بن المتوكل
343 خلافة المعتضد بالله أبى العباس أحمد
345 خلافة المكتفى بالله على بن المعتضد
345 خلافة المقتدر بالله أبى الفضل جعفر
346 خلافة عبد الله بن المعتز
346 خلافة المقتدر بالله فى المرّة الثانية
347 ترجمة حسين بن منصور الحلاج
349 خلافة القاهر بالله أبى منصور محمد
349 خلافة المقتدر بالله ثالث مرّة
350 قلع الحجر الاسود من الكعبة ونقله الى هجر
351 خلافة القاهر بالله أبى منصور محمد
351 خلافة الراضى بالله أبى العباس محمد
352 خلافة المتقى لله أبى اسحاق ابراهيم
353 خلافة المستكفى بالله أبى القاسم عبد الله
353 خلافة المطيع لله أبى القاسم الفضل
353 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة المطيع لله
354 خلافة الطائع لله أبى بكر عبد الكريم
355 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة الطائع لله
355 غريبة
355 خلافة القادر بالله أبى العباس أحمد
356 ذكر من مات من المشاهير فى خلافة القادر بالله
357 خلافة القائم بأمر الله أبى جعفر عبد الله
357 ذكر من مات من المشاهير فى خلافته وما وقع من الغرائب فى زمنه
359 خلافة المقتدى بأمر الله
359 ذكر من مات من المشاهير فى خلافته
360 خلافة المستظهر بالله(2/398)
صحيفه 360 ذكر من مات من المشاهير فى زمنه
360 عجيبة فى ذكر صبية عمياء تتكلم على أسرار الناس
361 خلافة المسترشد بالله
362 خلافة الراشد بالله
362 خلافة المقتفى لامر الله
363 خلافة المستنجد بالله
363 سبب حفر الخندق حول الحجرة النبوية
366 خلافة المستضئ بالله
366 خلافة الناصر لدين الله
367 وقعة خوارزم شاه مع التتار وابتداء ظهورهم
369 خلافة الظاهر بأمر الله
370 خلافة المستنصر بالله
370 بقية أخبار التتار
372 خلافة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسية ببغداد
372 ظهور النار خارج المدينة المنوّرة
375 ذكر احتراق المسجد النبوى
375 ذكر الاحتراق الثانى
376 وصول هولاكو الى بغداد
378 خلافة المستنصر بالله أبى العباس أحمد
صحيفه 379 خلافة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد أوّل خلفاء العباسية بمصر
379 هلاك هولاكو
379 وقعة التتار فى حمص
381 خلافة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان
382 خلافة الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد
382 خلافة المعتضد بالله أبى بكر
382 خلافة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد
383 خلافة المعتصم بالله أبى يحيى زكريا
383 خلافة الواثق بالله أبى حفص عمر
383 خلافة المعتصم بالله أبى يحيى زكريا ثانى مرّة
383 خلافة المتوكل على الله أبى عبد الله محمد
384 خلافة المستعين بالله أبى الفضل العباس
384 خلافة المعتضد بالله أبى الفتح داود
384 خلافة المستكفى بالله أبى الربيع سليمان
385 خلافة القائم بأمر الله أبى البقاء حمزة
385 خلافة المستنجد بالله أبى المحاسن يوسف
385 ذكر الخلفاء الفاطميين بالاختصار
387 ذكر ملوك الاكراد والاتراك والجراكسة الذين تولوا سلطنة مصر
تم فهرست الجزء الثانى من تاريخ الخميس(2/399)