تكرهون جلوسى معكم فاخرج قالت قريش بعضهم لبعض هذا رجل من نجد لا من مكة فلا يضركم حضوره معكم فشرعوا فى الكلام وقال بعضهم لبعض ان هذا الرجل يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم قد كان من أمره ما كان وانا والله لا نأمن منه الوثوب علينا بمن اتبعوه فأجمعوا فيه رأيا فقال أبو البخترى ابن هشام* وفى رواية قال هشام بن عمرو رأيى أن تحبسوه فى بيت وتشدّوا وثاقه وتسدّوا بابه غير كوّة تلقون اليه طعامه وشرابه منها وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك فيه كما هلك من الشعراء من كان قبله كزهير والنابغة فصرخ عدوّ الله الشيخ النجدى فقال بئس الرأى رأيتم والله لو حبستموه لخرج أمره من وراء الباب الى أصحابه فوثبوا وانتزعوه من أيديكم قالوا صدق الشيخ* وقال هشام بن عمرو وفى رواية أبو البخترى رأيى أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضرّكم ما صنع واسترحتم فقال الشيخ النجدى والله ما هذا لكم برأى ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به فو الله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حىّ من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يبايعوه ثم يسير بهم حتى يطؤكم بهم فقالوا صدق والله الشيخ فقال أبو جهل والله انّ لى فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم فقال رأيى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا نسيبا وسيطا فينا ثم نعطى كل فتى سيفا صار ما ثم يعمدون اليه فيضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه فنستريح منه فانهم اذا فعلوا ذلك تفرّق دمه فى القبائل كلها فلا تقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم قال الشيخ النجدى القول ما قال هذا الفتى هو أجودكم رأيا لا رأى لكم غيره* وفى خلاصة الوفاء وصوّب ابليس قول أبى جهل لما اختلفوا فيما يفعلون بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم أرى أن يعطى خمسة رجال من خمسة قبائل سيفا سيفا فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرّق دمه فى هذه البطون فلا يقدر لكم بنو هاشم على شئ فتفرّقوا على رأى أبى جهل مجمعين على قتله فأخبر جبريل بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وكان مما أنزل الله فى ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين وقوله عز وجل أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قال ابن هشام المنون الموت وريب المنون ما يريب ويعرض منها قال أبو ذئب الهذلى
أمن المنون وريبها تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع
الاعتاب الارضاء
* (الركن الثالث فى الوقائع من أول هجرته صلّى الله عليه وسلم الى وفاته
وفيه أحد عشر موطنا) **
(الموطن الاوّل) * فى وقائع السنة الاولى من الهجرة
وهى السنة التى فى الثامن والعشرين من صفرها أو فى غرّة ربيع الاوّل منها وقعت الهجرة الى المدينة وهى السنة الرابعة عشر من المبعث والرابعة والثلاثون من ملك كسرى برويز والتاسعة من ملك هرقل وأوّل هذه السنة المحرم وفيه فصلان) *
* (الفصل الاوّل فى خروجه صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر من مكة الى الغار
ولبثهما فيه ثلاثة أيام وخروجهما منه الى المدينة وما وقع لهم فى الطريق من لحوق سراقة اياهما ومرورهما بخيمتى أمّ معبد ولقيهم بريدة بن الحصيب ولقيهم طلحة أو الزبير فى الطريق وموت براء بن معرور واستقبال أهل المدينة ونزوله بقباء ولبثه فى بنى عمرو بن عوف وتأسيسه مسجد قباء) * قال أصحاب السير لما استقرّ رأى قريش بعد المشاورة على قتله صلّى الله عليه وسلم أتاه جبريل وأخبره بذلك وقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذى كنت تبيت عليه وأذن الله له عند ذلك(1/322)
بالخروج الى المدينة كذا فى معالم التنزيل* وفى رواية قال له جبريل ان الله يأمرك بالهجرة* وفى شواهد النبوّة لما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالهجرة سأل جبريل عمن يهاجر معه قال أبو بكر الصدّيق فمن ذلك اليوم سماه الله صديقا* وعن ابن عباس قال ان الله آذن نبيه فى الهجرة بهذه الآية وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا أخرجه الترمذى وصححه هو والحاكم كذا فى الوفاء والمواهب اللدنية* وفى العمدة أمر أن يقول له عند الهجرة وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وآذن الله تبارك وتعالى نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلم عند ذلك فى الهجرة وكان أبو بكر رجلا ذا مال فكان حين استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الهجرة قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تعجل لعلّ الله أن يجعل لك صاحبا فطمع أبو بكر بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما يعنى نفسه حين قال له ذلك فابتاع راحلتين فحبسهما فى داره يعلفهما اعدادا لذلك فحدّثنى من لا أتهم عن عروة بن الزبير عن عائشة أمّ المؤمنين أنها قالت كان لا يخطأ أن يأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيت أبى بكر أحد طرفى النهار امّا بكرة وامّا عشية حتى اذا كان اليوم الذى أذن الله تعالى فيه لرسوله فى الهجرة والخروج من مكة من بين ظهرانى قومه أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالهاجرة فى ساعة كان لا يأتى فيها قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى هذه الساعة الا لأمر حدث قالت فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم عليه وليس عند أبى بكر الا أنا وأختى أسماء بنت أبى بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عنى من عندك فقال يا نبىّ الله انما هى ابنتاى وما ذاك فداك أبى وأمى قال انّ الله تعالى قد أذن لى فى الخروج والهجرة قالت فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال نعم* وفى المنتقى قالت عائشة فبينا نحن جلوس فى بيت أبى بكر فى نحر الظهيرة قال قائل لابى بكر هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم متقنعا فى ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر فدى له أبى وأمّى والله ما جاء به فى هذه الساعة الا أمر فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال لابى بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر انما هم أهلك بأبى أنت وأمى يا رسول الله قال فانى قد أذن لى فى الخروج قال أبو بكر الصحبة بأبى أنت وأمّى يا رسول الله قال نعم* وفى رواية أذن له باذن الله أن يصحبه قالت عائشة رأيت أبا بكر يبكى من الفرح وما كنت أظنّ الى ذلك الوقت أن يبكى أحد من الفرح قال فخذ احدى راحلتىّ هاتين قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالثمن* قال الواقدى ثمنها ثمانمائة درهم وان المأخوذة كانت هى القصوى وانها كانت من نعم بنى قشير كان اشتراها أبو بكر منهم وانها عاشت حتى ماتت فى خلافة ابى بكر الصدّيق وكانت مرسلة ترعى فى البقيع وكذا فى طبقات ابن سعد أن ثمنها كان ثمانمائة درهم كذا فى الوفاء* وفى رواية قال ابو بكر عندى ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فأعطى النبىّ احداهما وهى الجدعاء قاله ابن اسحاق وقال انها كانت من نعم بنى الحريش وكذا فى رواية ابن حبان انها الجدعاء كذا فى الوفاء قالت عائشة فجهزناهما احث الجهاز وصنعنا لهما سفرة فى جراب فقطعت اسماء بنت ابى بكر قطعة من نطاقها فربطت به فم الجراب فلذلك سميت ذات النطاقين هكذا رواية ابن عباس* وفى رواية عن أسماء قالت فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به فقلت لابى بكر والله ما أجد شيئا أربط به الانطاقى قال فشقيه باثنتين فاربطى بواحدة السقاء وبالاخرى السفرة ففعلت فلذلك سميت ذات النطاقين رواه البخارى وسيجىء غير ذلك* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبى بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما
اذا أمسى فى الغار بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر وكان يفعل ذلك وأمر عامر(1/323)
ابن فهيرة مولى أبى بكر أن يرعى عليهما منحة لابى بكر ليشربا من لبنها واستأجر أبو بكر رجلا من بنى الدئل هاديا حريتا أى ماهرا بالهداية ليدلهما على الطريق يقال له عبد الله بن الاريقط الديلى الليثى* قال النووى لا نعلم له اسلاما وفى الرياض النضرة الليث بن عبد الله بن الاريقط* وفى الوفاء ذهب أبو بكر الى عبد الله بن أريقط قاله ابن عقبة* وفى تهذيب بن هشام عبد الله بن أرقد وفى رواية الاموى عن ابن اسحاق أريقد وفى العتبية رقيط من بنى الدئل بن بكر بن كنانة وأمّه امرأة من بنى سهم بن عمرو وكان مشركا أو قال على دين الكفار فأمنه ودفع اليه لراحلتين وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال* وفى سيرة ابن هشام بلفظ التثنية فى استأجرا ودفعا اليه راحلتيهما فكانتا عنده لميعادهما* وفى أنوار التنزيل الغار ثقب فى أعلا ثور وثور جبل بمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثا* وفى القاموس يقال له ثور أطحل واسم الجبل اطحل نزله ثور بن عبد مناة فنسب اليه ذلك الجبل ذكر ابن جبير أن جبل ثور من مكة على ثلاثة أميال* وفى معجم ما استعجم انه من مكة على ميلين وارتفاعه نحو ميل وفى أعلاه الغار الذى دخله النبىّ صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر وهو المذكور فى القرآن والبحر يرى من أعلا هذا الجبل وفيه من كل نبات الحجاز وشجره وفيه شجرة البان وفيه شجرة من حمل منها شيئا لم تلدغه الهامة انتهى* ولما كانت العتمة اجتمع المشركون بمكة على باب النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم ترصدوه متى ينام فيثبون عليه فيهلكونه* وفى الوفاء اجتمعت قريش الى باب الدار فقال أبو جهل لا تقتلوه حتى تجتمعوا يعنى الخمسة من القبائل الخمس وجعل يقول لهم هذا محمد كان يزعم لكم انكم ان تابعتموه كنتم ملوك العرب والعجم ويكون لكم فى الآخرة جنات تأكلون منها وان لم تتابعوه يكون له فيكم ذبح فى الدنيا ويوم القيامة نار تحرقون فيها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نعم والله كذا أقول وكذا يكون وأنت أحدهما فلما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكانهم واجتماعهم قال لعلىّ نم على فراشى واتشح ببردى الحضرمى الاخضر فانه لا يخلص اليك شئ تكرهه منهم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينام فى برده ذلك اذا نام* وفى خلاصة الوفاء فلن يخلص اليك منهم أمر فردّ هذه الودائع الى أهلها وكانت الودائع توضع عنده لصدقه وأمانته* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما بلغنى أخبر عليا بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدّى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الودائع التى عنده وليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه الاوضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته فبات علىّ على فراش النبىّ صلّى الله عليه وسلم تلك الليلة وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الغار ولما خرج قام على رؤسهم وقد ضرب الله على أبصارهم* وفى رواية أخذ الله أبصارهم عنه ونزل تلك الليلة أوّل سورة يس فأخذ قبضة من تراب وجعل ينثره على رؤسهم وهو يقرأ انا جعلنا فى أعناقهم أغلالا الى قوله فهم لا يبصرون وتلا واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ثم أتى منزل ابى بكر فخرجا من خوخة كانت له فى ظهر البيت وعمدا الى غار ثور* وفى الاستيعاب أذن الله له فى الهجرة الى المدينة يوم الاثنين وكانت هجرته فى ربيع الاوّل وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وقدم المدينة يوم الاثنين قريبا من نصف النهار فى الضحى الاعلى لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل هذا قول ابن اسحاق وكذا قال غيره الا أنه قال كان مخرجه الى المدينة لهلال ربيع الاوّل وقال أبو عمرو وقد يروى عن ابن شهاب أنه قدم المدينة لهلال ربيع الاوّل وقال عبد الرحمن ابن المغيرة قدم المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الاوّل* وقال الكلبى خرج من الغار ليلة الاثنين أوّل يوم من ربيع الاوّل وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت منه
قال أبو عمرو(1/324)
وهو قول ابن اسحاق الا فى تسمية اليوم فان ابن اسحاق يقول يوم الاثنين والكلبى يقول يوم الجمعة واتفقا لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل وغيرهما يقول لثمان خلت منه فالاختلاف أيضا فى تاريخ قدومه المدينة كما ترى* وفى الصفوة قال يزيد بن حبيب خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة فى صفر وقدم المدينة فى ربيع الاوّل* وفى الوفاء ذكر موسى بن عقبة عن الزهرى أن الخروج كان فى بقية تلك الليلة وكان ذلك بعد العقبة بشهرين وليال وقال الحاكم بثلاثة أشهر أو قريبا منها ويرجح الاوّل ما جزم به ابن اسحاق من انه خرج أوّل يوم من ربيع الاوّل فيكون بعد العقبة بشهرين وبضعة عشر يوما وكذا جزم به الاموى فقال خرج لهلال ربيع الاوّل وقدم المدينة لاثنتى عشرة ليلة خلت منه قال فى فتح البارى وعلى هذا كان خروجه يوم الخميس وهو الذى ذكره محمد بن موسى الخوارزمى لكن قال الحاكم تواترت الاخبار بأن الخروج كان يوم الاثنين والدخول يوم الاثنين وجمع الحافظ ابن حجر بينهما بأنّ خروجه من مكة كان يوم الخميس أىّ فى أثناء ليلته لما قدمناه وخروجه من الغار يعنى غار ثور ليلة الاثنين لانه أقام فيه ثلاث ليال ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الاحد وخرج فى أثناء ليلة الاثنين كذا فى المواهب اللدنية ومن روى لليلتين لعله لم يحسب أوّل ليلة وكانت مدّة اقامته صلّى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوّة بضع عشرة سنة ويدل عليه قول صرمة
ثوى فى قريش بضع عشرة حجة ... يذكر لو ألفى صديقا مؤاتيا
وقال عروة عشرا وقال ابن عباس خمس عشرة سنة* وفى رواية عنه عشر سنين ولم يعلم بخروجه الا علىّ وآل أبى بكر* وفى سيرة اليعمرى ولما بلغ ثلاثا وخمسين سنة هاجر من مكة الى المدينة يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الاوّل وأقام المشركون ساعة فجعلوا يتحدّثون فأتاهم آت وقال ما تنتظرون قالوا ننتظر أن نصبح فنقتل محمدا قال قبحكم الله وخيبكم أو ليس قد خرج عليكم وجعل على رؤسكم التراب قال أبو جهل أو ليس ذاك مسجى ببرده والآن كلمنا فلما أصبحوا قام علىّ عن الفراش فقال أبو جهل صدقنا ذلك المخبر فاجتمعت قريش وأخذت الطرق وجعلت الجعائل لمن جاء به فانصرفت عيونهم ولم يجدوا شيئا وفى رواية لما قال القائل قد خرج ونثر على رؤسكم التراب فما ترون ما بكم وضع كل رجل منهم يده على رأسه فاذا فيه التراب ثم جعلوا يتطلعون وينظرون من شق الباب فيرون عليا على الفراش متسج ببرد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحسبونه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فيحرسونه ويقولون ان هذا المحمد تائم عليه برده فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فوثبوا عليه فقام علىّ من الفراش فقالوا له أين صاحبك قال لا علم لى قيل انهم ضربوا عليا وحبسوه ساعة ثم تركوه واقتصوا أثر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم وروى أنه لم يبق أحد من الذين وضع على رؤسهم التراب الا قتل يوم بدر وأنشأ علىّ فى بيوتته فى بيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم هذه الابيات
وقيت بنفسى خير من وطئ الثرى ... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر
رسول اله خاف أن يمكروا به ... فنجاه ذو الطول الاله من المكر
وبات رسول الله فى الغار آمنا ... موقى وفى حفظ الاله وفى ستر
وبت أراعيهم وما يثبتوننى ... وقد وطنت نفسى على القتل والاسر
قال الغزالى فى الاحياء ان ليلة بات علىّ بن أبى طالب على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوحى الله تعالى الى جبريل وميكائيل انى آخيت بينكما وجعلت عمر أحد كما أطول من عمر الاخر فأيكما يؤثر صاحبه بحياة فاختار كلاهما الحياة وأحباها فأوحى الله اليهما أفلا كنتما مثل علىّ بن أبى طالب آخيت بينه وبين محمد فبات علىّ على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة اهبطا الى الارض(1/325)
فاحفظاه من عدوّه فكان جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ينادى بخ بخ من مثلك يا ابن أبى طالب تباهى بك الملائكة فأنزل الله تعالى ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد* وفى عمدة المعانى الاية نزلت فى الزبير والمقداد وقيل فى صهيب وخباب وعمار ابن ياسر وقيل فى علىّ حين نام على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة الغار* وروى أن أبا بكر حين خرج الى الغار احتمل ماله كله وكان ذا مال وهو خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم فانطلق بها معه* وفى الاستيعاب روى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا أنفقها كلها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفى سبيل الله وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما نفعنى مال الا مال أبى بكر* وفى معالم التنزيل ان أبا بكر حين انطلق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الغار جعل يمشى ساعة بين يديه وساعة خلفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك يا أبا بكر قال أذكر الطلب فأمشى خلفك ثم أذكر الرصد فأمشى بين يديك وفى دلائل النبوّة فجعل مرّة يمشى أمامه ومرّة خلفه ومرّة عن يمينه ومرة عن يساره فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك فقال يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد خلع نعليه فى طريق الغار وكان يمشى على أطراف أصابعه لئلا يظهر أثرهما على الارض حتى حفيت رجلاه فلما رآه أبو بكر وقد حفيت رجلاه حمله على كاهله وجعل يشتدّ حتى أتى الغار كذا فى دلائل النبوّة (قوله) حفيت رجلاه أى رقتا من كثرة المشى ويشبه أن يكون ذلك من خشونة الجبل وكان حافيا والا فلا يحتمل بعد المكان ذلك أو لعلهم ضلوا طريق الغار حتى بعدت المسافة ويدل عليه قوله فمشى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلته ولا يحتمل ذلك مشى ليلة الا تقدير ذلك أو سلوك غير الطريق تعمية على الطلب كذا فى الرياض النضرة وأما ما وقع فى رواية ابن هشام عن عروة عند ابن حبان انهما ركبا حتى أتيا المغار فتواريا فلا ينافى مواعدتهما الدليل الديلى بأن يأتى بالراحلتين بعد ثلاث لاحتمال أن يكون ما ركبا غير راحلتيهما أو اياهما ثم ذهب بهما عامر بن فهيرة الى الدليل كذا فى الوفاء وأيضا لا ينافى ذلك ما ذكر من نقب القدم وحمل أبى بكر اياه لاحتمال أن يكون كل واحد منهم فى بعض الطريق وروى عن أبى بكر أنه قال لعائشة لو رأيتنى ورسول الله صلّى الله عليه وسلم اذ صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتفطرتا وأما قدماى فعادتا كأنهما صفوان قالت عائشة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يتعوّد الحفية ولا الرعية وروى عن أبى بكر أنه قال نظرت الى قدمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الغار وقد قطرتا دما فاستبكيت فعلمت أنه صلّى الله عليه وسلم لم يتعوّد الحفاء والجفوة قال ابن هشام وحدّثنى بعض أهل العلم أن الحسن البصرى قال انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر الى الغار ليلا فدخل أبو بكر الى الغار قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أوحية ليقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنفسه* وفى معالم التنزيل قال أبو بكر يا رسول الله مكانك حتى استبرئ الغار وكان ذلك الغار مشهورا بكونه مسكن الهوام والوحش قال ادخل فدخل فرأى غارا مظلما فجلس وجعل يلتمس بيده كلما وجد حجرا أدخل فيه اصبعه حتى انتهى الى حجر كبير فأدخل رجله الى فخذه فأخرجه* وفى رواية كلما وجد حجرا شق ثوبه فألقمه اياه حتى فعل ذلك بثوبه كله فبقى حجر فألقمه عقبه* وفى الرياض النضرة فجعل الحيات والافاعى يضربنه ويلسعنه انتهى وعلى كلا التقديرين لدغته الحية تلك الليلة قال أبو بكر فلما ألقمت عقبى الجحر لدغتنى الحية وان
كانت اللدغة أحب الىّ من أن يلدغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم(1/326)
انتهى ثم قال أبو بكر ادخل يا رسول الله فانى سوّيت لك مكانا فدخل فاضطجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأما أبو بكر فكان متألما من لدغة الحية ولما أصبحا رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أبى بكر أثر الورم فسأل عنه فقال من لدغة الحية فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم هلا أخبرتنى قال كرهت أن أوقظك فسجه النبىّ صلّى الله عليه وسلم بيده فذهب ما به من الورم والالم ثم قال فأين ثوبك يا أبا بكر فأخبره بما فعل فعند ذلك رفع النبىّ صلّى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم اجعل أبا بكر فى درجتى يوم القيامة فأوحى الله اليه قد استجاب لك كذا فى المنتقى خرجه الحافظ أبو الحسين بن بشر والملا فى سيرته عن ميمون بن مهران عن ضبة بن محصن الغنوى* وعن ابن عباس قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم رحمك الله صدّقتنى حين كذبنى الناس ونصرتنى حين خذلنى الناس وآمنت بى حين كفر بى الناس وآنستنى فى وحشتى فأى منة لاحد علىّ مثلك خرجه فى فضائله ذكره فى الرياض النضرة* وفى معالم التنزيل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لابى بكر أنت صاحبى فى الغار وصاحبى على الحوض* قال الحسن بن الفضل من قال ان أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فهو كافر لانكاره نص القرآن وفى سائر الصحابة اذا أنكر يكون مبتدعا لا كافرا* وفى المشكاة عن عمر بن الخطاب أنه قال لما انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الغار قال أبو بكر والله لا تدخله حتى أدخل قبلك فان كان فيه شىء أصابنى دونك فدخل فكسبه فوجد فى جانبه تقبا فشق ازاره فسدّها وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه ثم قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ادخل فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووضع رأسه فى حجر أبى بكر ونام فلدغ أبو بكر فى رجله من الحجر ولم يتحرّك مخافة أن ينتبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسقطت دموعه على وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فانتبه فقالى مالك يا أبا بكر قال لدغت فداك أبى وأمى فتفل فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذهب ما يجده ثم انتقض عليه وكان سبب موته رواه رزين وفى حديث الخجندى ثم قال أبو بكر بعد سدّ الحجر انزل يا رسول الله دليل على أن باب الغار من أعلاه كذا فى الرياض النضرة* وحكى الواقدى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما دخل الغار دعا بشجرة كانت أمام الغار فأقبلت حتى وقفت على باب الغار فحجبت أعين الكفار* وذكر ثابت بن قاسم فى الدلائل أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما دخل الغار وأبو بكر معه أنبت الله على بابه الراءة قال هشام هى شجرة معروفة وهى أمّ غيلان فحجبت عن الغار أعين الكفار وعن أبى حنيفة أنها تكون مثل قامة الانسان لها خيطان وزهر أبيض يحشى به المخاد فيكون كالريش لخفته ولينه لانه كالقطن وخرج أبو بكر البزار فى مسنده من حديث أبى مصعب المكى قال أدركت زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة وأنس بن مالك يحدّثون أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما كانت ليلة بات فى الغار أمر الله تبارك وتعالى شجرة أو قال الراءة فنبتت فى وجه الغار فسترت وجه النبى صلّى الله عليه وسلم وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجه الغار وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار فعششتا على بابه* قال السهيلى وحمام الحرم من نسلهما كذا فى سيرة مغلطاى* وفى معالم التنزيل حتى باضتافى أسفل النقب* وفى القصة أنبت الله ثمامة على فم الغار* وفى المواهب اللدنية أخرج أبو نعيم فى الحلية عن عطاء ابن ميسرة قال نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود حين كان طالوت يطلبه ومرّة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الغار انتهى قيل وكذا نسجت على الغار الذى دخله عبد الله بن أنيس لما بعثه النبىّ صلى الله عليه وسلم لقتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلى بالعرنة فقتله ثم احتمل رأسه ودخل فى غار فنسجت عليه العنكبوت وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين* وفى تاريخ ابن عساكران العنكبوت(1/327)
نسجت أيضا على عورة زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب لما صلب عريانا فى سنة احدى وعشرين ومائة وسيأتى فى الخاتمة أنه قتل بالكوفة فى المصاف وكان قد خرج وبايعه خلق فحاربه نائب العراق يوسف بن عمر وظفر به يوسف فقتله وصلبه عريانا وبقى جسده مصلوبا أربع سنين* روى أن المشركين كانوا يعلمون محبة النبىّ صلّى الله عليه وسلم لابى بكر رضى الله عنه فذهبوا لطلبه فوقفوا على بابه وفيهم أبو جهل فخرجت اليهم أسماء بنت أبى بكر فقالوا لها أين أبوك قالت لا أدرى فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدّها لطمة خرج منها قرطها فسقط ثم انصرفوا فوقعوا فى طلبهما* وفى الاكتفاء ولما فقدت قريش رسول الله صلّى الله عليه وسلم طلبوه بمكة أعلاها وأسفلها وبعثوا القافة يتبعون أثره فى كل وجه فوجد الذى ذهب قبل ثور أثره هناك فلم يزل يتبعه حتى انقطع لما انتهى الى ثور وشق على قريش خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجزعوا لذلك فطفقوا يطلبونه بأنفسهم فيما قرب منهم ويرسلون من يطلبه فيما بعد عنهم وجعلوا مائة بعير لمن ردّه عليهم ولما انتهوا الى فم الغار وقد كانت العنكبوت ضربت على بابه بعشاش بعضها على بعض بعد أن دخله رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال قائل منهم ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف ما أربكم فى الغار ان عليه لعنكبوتا أقدم من ميلاد محمد* وفى الشفاء وعليه من نسج العنكبوت ما أرى أنه قبل أن يولد محمد قالوا فنهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل العنكبوت وقال انها جند من جنود الله* وفى رواية أقبل فتيان من مشركى قريش من كل بطن رجل بعصيهم وسيوفهم ومعهم قائف من قافة بنى مدلج وهم المشهورون بالقيافة بين العرب فالتمسوا أثرهما فوجدوه وقصوه الى أن بلغ قرب جبل ثور ففقدوه هناك فقال القائف ما أدرى أين وضعا أقدامهما بعد هذا ولما دنوا من الغار قال القائف والله ما جاوز مطلوبكم من هذا الغار فعند ذلك حزن أبو بكر فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا قال يا رسول الله لو نظر فى موضع قدميه لرآنا* وفى رواية لا بصرنا تحت قدميه* وفى الرياض النضرة فيه دلالة على أن باب الغار كان من أعلاه فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما* وفى تفسير الكورانى قد روى أنه عليه السلام لما رآى بالصدّيق اضطرابا قال له انظر الى جانب الغار فنظر فرأى بحرا على ساحله سفينة* وفى معالم التنزيل لم يكن حزن أبى بكر جبنا منه وانما كان اشفاقا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ان أقتل فأنا رجل واحد وان قتلت هلكت الامّة* وفى معالم التنزيل أيضا فجعل الطلب يضربون يمينا وشمالا حول الغار يقولون لو دخلا الغار انكسر بيضة الحمام وتفسخ بيت العنكبوت* وفى الشفاء وقعت حمامتان على فم الغار فقالت قريش لو كان فيه أحد لما كان هناك الحمام روى أن المشركين لما مرّوا على باب الغار طارت الحمامتان فلما رأوا بيضة الحمام ونسج العنكبوت قالوا ذلك فلما سمع النبىّ صلّى الله عليه وسلم حديثهم علم أن الله قد حمى حماهما بالحمام وصرف عنهما كيدهم بالعنكبوت
وما حوى الغار من خير ومن كرم ... وكل طرف من الكفار عنه عمى
فالصدق فى الغار والصدّيق لم يرما ... وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ... خيرا لبرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة ... من الدروع وعن عال من الأطم
ولله در القائل
والعنكبوت أجادت حوك حلتها ... فما تخال خلال النسج من خلل
وما أحسن قول النقيب(1/328)
ودود القزان نسجت حريرا ... يجمل لبسه فى كل شى
فان العنكبوت أجل منها ... بما نسجت على رأس النبى
ولقد حصل للعنكبوت الشرف بذلك كذا فى المواهب اللدنية* روى ابن وهب أن حمام مكة أظلت النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم فتحها فدعا لها بالبركة ونهى عن قتل العنكبوت وقال هى جند من جنود الله* وفى العمدة روى عن أبى بكر رضى الله عنه أنه قال لا أزال أحب العنكبوت منذ رايت النبىّ صلّى الله عليه وسلم أحبها ويقول جزى الله العنكبوت عنا خيرا فانها نسجت علىّ وعليك يا أبا بكر فى الغار حتى لم يرنا المشركون الا أن البيوت تطهر من نسجها لما روى عن علىّ أنه قال طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فان تركه فى البيت يورث الفقر* وفى الاكتفاء وأتى المشركون من كل بطن حتى اذا كانوا من النبىّ صلّى الله عليه وسلم على قدر أربعين ذراعا معهم قسيهم وعصيهم تقدّم أحدهم فنظر فرآى حمامتين فرجع فقال لاصحابه ليس فى الغار شىء رأيت حمامتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد فسمع قوله النبىّ صلّى الله عليه وسلم فعلم أن الله قد دارأ بهما عنه فأثنى عليهما وفرض جزاءهما وانحدرن فى حرم الله ففرّخن أحسبه قال فأضل كل حمام فى الحرم من فراخهما وفى حياة الحيوان ان حمام الحرم من نسل تلك الحمامتين* روى أيضا أن أبا بكر لما رآى القائف اشتدّ حزنه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال ان قتلت فانما أنا رجل واحد الى آخر ما سبق فعند ذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تحزن ان الله معنا يعنى بالنصرة فأنزل الله سكينته أى أمنه الذى يسكن عنده القلوب عليه أى على النبىّ صلّى الله عليه وسلم أو على أبى بكر وهو الاظهر لانه كان منزعجا وأيده يعنى النبىّ صلّى الله عليه وسلم بجنود لم تروها يعنى الملائكة أنزلهم يحرسونه فى الغار وليصرفوا وليضربوا وجوه الكفار وأبصارهم عن رؤيته وألقوا الرعب فى قلوبهم حتى انصرفوا خائبين كذا فى معالم التنزيل* أنظر لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حزن الصدّيق قد اشتدّ لكن لا على نفسه قوّى قلبه ببشارة لا تحزن ان الله معنا وكانت تحفة ثانى اثنين مدخرة له فهو الثانى فى الاسلام والثانى فى بذل النفس والعمر وسبب الموت ولما وقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بماله ونفسه جوزى بمواراته معه فى رمسه وقام مؤذن التشريف ينادى على منائر الامصار ثانى اثنين اذهما فى الغار ولقد أحسن حسان بن ثابت حيث قال
وثانى اثنين فى الغار المنيف وقد ... طاف العدوّ به اذ صاعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا ... من الخلائق لم يعدل به بدلا
وتأمّل فى قول موسى عليه السلام لبنى اسرائيل كلا ان معى ربى سيهدين وقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم للصدّيق ان الله معنا فموسى خص بشهود المعية ولم يتعدّ منه الى أتباعه ونبينا صلّى الله عليه وسلم تعدّى منه الى الصدّيق لم يقل معى لانه أمدّ أبا بكر بنوره فشهد سرّ المعية ومن ثم سرى سر السكينة الى أبى بكر والا لم يثبت تحت أعباء هذا التجلى والشهود وأين معية الربوبية فى قصة موسى عليه السلام من معية الالهية فى قصة نبينا صلّى الله عليه وسلم قاله العارف شمس الدين بن اللبان كذا فى المواهب اللدنية عن ابن عباس رضى الله عنهما قال كان أبو بكر مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الغار فعطش عطشا شديدا فشكى الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال له النبى صلّى الله عليه وسلم اذهب الى صدر الغار فاشرب قال أبو بكر فانطلقت الى صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأزكى رائحة من المسك ثم عدت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال شربت فقلت نعم قال ألا أبشرك يا أبا بكر قلت بلى يا رسول الله قال ان الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن اخرق نهرا من جنة(1/329)
الفردوس الى صدر الغار ليشرب أبو بكر فقلت يا رسول الله ولى عند الله هذه المنزلة فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم نعم وأفضل والذى بعثنى بالحق لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيا خرجه الملا فى سيرته كذا فى الرياض النضرة ثم أمر أبو جهل مناديا ينادى فى أعلا مكة وأسفلها من جاء بمحمد أو دل عليه فله مائة بعير أو جاء بابن أبى قحافة أو دل عليه فله مائة بعير فلم يزل المشركون يطوفون على جبال مكة يطلبونهما وكان مكثهما فى الغار ثلاث ليال وقيل بضعة عشر يوما والاوّل هو المشهور كذا فى المواهب اللدنية وكان عبد الله بن أبى بكر وفى معالم التنزيل عبد الرحمن ابن أبى بكر وهو مخالف لرواية غيره شابا خفيفا ثقفا لقنا يختلف عليهما فيبيت عندهما بالغار ويدلج من عندهما بالسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمرا يكاد ان به الاوعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتيهما من مكة اذا أمست بما يصلحهما وكان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر يرعى عليهما منحة من غنم كانت لابى بكر فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان فى رسل وهو لبن المنحة فيرجع عنهما بغلس فيرعاها فلا يتفطن له أحد من الرعيان ففعل ذلك كل ليلة من الليالى الثلاث* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق كان عامر بن فهيرة مولى أبى بكر يرعى فى رعيان أهل مكة فاذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر فاحتلبا وذبحا فاذا غدا عبد الله بن أبى بكر من عندهما تبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفى عليه فخرج معهما حتى قدم المدينة فاستشهد يوم بئر معونة كما سيجىء فى الموطن الرابع* وفى الاستيعاب وأسد الغابة عامر بن فهيرة مولى أبى بكر كان مولدا من مولدى الازد أسود اللون مملوكا للطفيل بن عبد الله بن سخبرة أخى عائشة لامّها وكان من السابقين الى الاسلام أسلم وهو مملوك وكان حسن الاسلام عذب فى الله اشتراه أبو بكر فأعتقه وكان يرعى فى ثور فى رعيان أهل مكة الى آخر ما ذكر فى رواية ابن هشام آنفا* فلما سار النبى صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر من الغار الى المدينة هاجر معه فأردفه أبو بكر خلفه وشهد بدرا وأحدا وقتل يوم بئر معونة وهو ابن أربعين سنة قتله عامر بن الطفيل ذكر ذلك كله موسى بن عقبة وابن اسحاق عن ابن شهاب ويقال قتله جبار بن سلمى كما سيجىء فى الموطن الرابع فى سرية المنذر الى بئر معونة ان شاء الله تعالى*
(ذكر خروجهما من الغار وتوجههما الى المدينة وما وقع لهما فى الطريق)
* ولما مضت ثلاث ليال وسكن عنهما الناس جاء الدليل بالراحلتين صبح ثلاث بالسحر الى باب الغار كما وعده* قال أبو الحسن بن البراء خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الغار ليلة الاثنين لغرة شهر ربيع الاوّل* وذكر محمد بن سعد أنه خرج من الغار ليلة الاثنين لا ربع ليال خلون من ربيع الاوّل كما مرّ كذا فى سيرة مغلطاى ودلائل النبوّة* وفى سيرة ابن هشام أتاهما صاحبهما الذى استأجراه ببعيريهما وبعير له وأتتهما أسماء بنت أبى بكر بسفرتهما ونسيت أن تجعل لها عصا ما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فاذا ليس فيها عصام فحلت نطاقها فجعلته عصا ما علقتها به فكان يقال لاسماء بنت أبى بكر ذات النطاقين لذلك* قال ابن هشام سمعت غير واحد من أهل العلم يقول ذات النطاقين وتفسيره انها لما أرادت تعليق السفرة شقت نطاقها باثنتين فعلقت السفرة بواحدة وانتطقت بالاخرى كما مرّ فى أوائل الفصل الاوّل وجاء عامر بن فهيرة ليخدمهما فى الطريق* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما قرب أبو بكر الراحلتين الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قدّم له أفضلهما ثم قال اركب فداك أبى وأمى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى لا أركب بعيرا ليس لى قال فهى لك يا رسول الله بأبى أنت وأمى قال لا ولكن بالثمن الذى ابتعتها به قال أخذتها بكذا وكذا قال قد أخذتها بذلك قال هى لك يا رسول الله وقد مرّ أن ثمنها ثمانمائة درهم* قيل الحكمة فيه انه صلّى الله عليه وسلم أحب أن لا تكون هجرته الا بمال نفسه فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه(1/330)
ليخدمهما فى الطريق* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ولما خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقد وكان ماهرا بالطريق فسلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل من عسفان ثم سلك بهما على أسفل أمج* وفى رواية ثم عارض الطريق على أمج ثم نزل من قديد خيام أمّ معبد عاتكة بنت خالد الخزاعية من بنى كعب* قال ابن اسحاق ثم اجتاز بهما حتى عارض الطريق بعد أن أجاز قديدا ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الحرار ثم سلك بهما ثنية المرة ثم سلك بهما لقفا* قال ابن هشام لفتا قال ابن اسحاق ثم أجاز بهما مدلجة لقف ثم استبطن بهما مدلجة مجاج ويقال لجاج فيما قال ابن هشام ثم سلك بهما مزجج مجاج ثم تبطن بهما مزجج من ذى العضوين بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة ويقال بسكون الصاد المهملة فيما قاله ابن هشام ثم بطن بهما ذى كشد ثم أخذ بهما على الجد اجد ثم على الاجرد ثم سلك بهما ذا سلم من بطن أعدا مدلجة بعمين ثم على الغبا بيد قال ابن هشام ويقال الغبابيب ويقال العشبانة قال ابن هشام ثم أجاز بهما الفاجة ويقال الفاخة فيما قال ابن هشام ثم هبط بهما المعرج وقد أبطأ عليهم بعض ظهرهم فحمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجل من أسلم يقال له أوس بن حجر على جمل وقيل يقال له ابن الرداة وفى نسخة ابن الرداح الى المدينة وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ثم خرج بهما دليلهما من المعرج فسلك بهما ثنية العائر عن يمين ركونة ويقال ثنية القاير فيما قال ابن هشام حتى هبط بهما على بطن ديم ثم قدم بهما قباء على بنى عمرو بن عوف لاثنتى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاوّل يوم الاثنين حين اشتدّ الضحى وكادت الشمس تعتدل كما سيجىء واتفق فى مسيرة قصة سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد ذكره ابن سعد كما سيجىء* قال أبو بكر فأدلجنا يعنى من الغار فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصرى هل أرى ظلا نأوى اليه فاذا أنا بصخرة فأهويت اليها فاذا بقبة ظلها مديد فدخلت اليها فسوّيته لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وفرشت فروة وقلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب فاذا أنا براعى غنم لرجل من قريش كنت أعرفه فحلب شيئا من اللبن ثم أتيت به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشرب حتى رضيت* وفى المواهب اللدنية واجتاز صلّى الله عليه وسلم فى وجهه ذلك بعبد يرعى غنما فكان من شأنه ما رويناه من طريق البيهقى بسنده عن قيس بن النعمان قال فلما انطلق النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفين مرّا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال ما عندى شاة تحلب غير أن ههنا عناقا حملت أوّل وما بقى لها لبن فقال ادع بها فاعتقلها صلّى الله عليه وسلم ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت وجاء أبو بكر بمجن فسقى أبا بكر ثم حلب فسقى الراعى ثم حلب فشرب فقال الراعى بالله من أنت فو الله ما رأيت مثلك فقال أو تراك تكتم علىّ حتى أخبرك قال نعم قال فانى محمد رسول الله قال فأنت الذى تزعم قريش أنه صابئ قال انهم ليقولون ذلك قال فأشهد انك نبىّ وانّ ما جئت به حق وانه لا يفعل ما فعلت الا نبىّ وأنا متبعك قال انك لن تستطيع ذلك يومك فاذا بلغك انى قد ظهرت فأتنا أورد فى المواهب اللدنية قصة العبد الراعى بعد قصة أم معبد قال أبو بكر ثم قلت آن الرحيل فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم الا سراقة بن مالك بن جعشم فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا قال لا تحزن ان الله معنا حتى اذا دنا منا وكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت قال لم تبكى قلت أما والله ما على نفسى أبكى ولكنى أبكى عليك فدعا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال اللهم اكفناه بما شئت فساخت قوائم فرسه الى بطنها فى أرض صلد فوثب عنها وقال يا محمد قد علمت ان هذا عملك فادع الله أن ينجينى مما أنا فيه فو الله لا عمين على
من ورائى من الطلب وهذه كنانتى فخذ منها سهما فانك ستمرّ بابلى وغنمى فى موضع(1/331)
كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا حاجة لى بها فأطلق فرجع الى أصحابه وجعل لا يلقى أحدا الا قال كفيتم ماههنا ولا يلقى أحد الا ردّه كذا فى المنتقى* وفى رواية دعا عليه فقال اللهم اصرعه فصرعت فرسه ثم قامت تحمحم وفى مزيل الخفاء اسم هذه الفرس العود وقيل كانت أنثى* وفى سيرة مغلطاى فلما راحوا من قديد تعرض لهما سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى* وفى المواهب اللدنية ثم تعرض لهما بقديد سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى وفى رواية عن سراقة أنه قال جاءنا رسل قريش انهم جعلوا فى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر دية فى كل واحد منهما مائة ابل لمن قتله أو أسره فبينا أنا جالس فى مجلس من مجالس قومى أقبل رجل حتى قام علينا فقال يا سراقة انى قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أظنها محمدا وأصحابه* وفى سيرة ابن هشام قال والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مرّوا علىّ آنفا انى لأراهم محمدا وأصحابه قال فأو مأت اليه بعينى أن اسكت انتهى قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت انهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا ثم لبثت فى المجلس ساعة ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتى أن تخرج بفرسى وهى من وراء أكمة فتحبسها علىّ وأخذت رمحى فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الارض وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسى* وفى سيرة ابن هشام قال سراقة وكنت أرجو أن أردّه على قريش وآخذ المائة قال فركبتها فرفعتها تقرب بى حتى دنوت منهم فعثرت بى فخررت عنها فقمت فأهويت يدى الى كنانتى فاستخرجت منها الازلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذى أكره فركبت فرسى وعصيت الازلام ولم أزل أجدّ فى الطلب تقرب بى حتى سمعت قراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر كثير الالتفات ساخت يدا فرسى فى الارض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة ظهر لاثر يديها غبار ساطع الى السماء مثل الدخان* وفى سيرة ابن هشام كالاعصار فاستقسمت بالازلام فخرج الذى أكره فناديت بالامان فوقفوا فركبت فرسى حتى جئتهم ووقع فى نفسى حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر محمدا صلّى الله عليه وسلم فقلت له ان قومك قد جعلوا فيك الدية فأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآنى ولم يسألانى شيئا الا أن قال أخف عنا فسألت أن يكتب لى كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب فى رقعة من أدم ثم مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا فى المنتقى* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق قال سراقة عرفت حين رأيت ذلك أنه قد منع منى وانه ظاهر قال فناديت القوم فقلت أنا سراقة بن جعشم أنظرونى أكلمكم فو الله لا أريبكم ولا يأتيكم منى شىء تكرهونه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لابى بكر قل له ما تبتغى منا قال فقال لى ذلك أبو بكر فقلت تكتب لى كتابا يكون آية بينى وبينكم قال اكتب له يا أبا بكر قال فكتب لى كتابا فى عظم أو فى رقعة أو فى حزقة ثم ألقاه الىّ فأخذته فجعلته فى كنانتى ثم رجعت فسكت فلم أذكر شيئا مما كان حتى اذا كان فتح مكة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفرغ من حنين والطائف خرجت ومعى الكتاب لالقاه فلقيته بالجعرانة قال فدخلت فى كتيبة من خيل الانصار فجعلوا يقرعوننى بالرماح ويقولون اليك اليك ماذا تريد قال فدنوت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو على ناقته والله لكأنى أنظر الى ساقه فى غرزه فكأنما جمارة قال فرفعت يدى بالكتاب ثم قلت يا رسول الله هذا كتابك لى أنا سراقة ابن جعشم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم وفاء وبرّادن منى قال فدنوت منه وأسلمت وأورد فى المواهب اللدنية قصة سراقة بعد قصة أم معبد روى ان أبا جهل لما سمع قصة سراقة أنشأ هذين البيتين وبعث بهما اليه(1/332)
بنى مدلج انى أخاف سفهيكم ... سراقة يستغوى بنصر محمد
عليكم به أن لا يفرق جمعكم ... فيصبح شتى بعد عز وسودد
وسراقة أيضا أنشأ هذين البيتين وبعث بهما الى أبى جهل
أبا حكم واللات ان كنت شاهدا ... لامر جوادى اذ تسيح قوائمه
عجبت ولم تشكك بأن محمدا ... نبى ببرهان فمن ذا يكاتمه
معجزة
وفى الاكتفاء وسراقة بن مالك هذا الذى أظهر الله فيه أثرا من الآثار الشاهدة له عليه الصلاة والسلام بأن الله أطلعه من الغيب فى حياته على ما ظهر مصداقه بعد وفاته وذلك انه روى سفيان بن عيينة عن أبى موسى عن الحسن ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لسراقة بن مالك كيف بك اذا لبست سوارى كسرى قال فلما أتى عمر بسوارى كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة بن مالك فألبسه اياهما وكان سراقة رجلا ازب كثير شعر الساعدين فقال له ارفع يديك فقل الله أكبر الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز الذى كان يقول أنا رب الناس وألبسهما سراقة بن مالك بن جعشم اعرابيا من بنى مدلج ورفع عمر بها صوته*
قصة أم معبد
ومما وقع لهم فى الطريق مرورهم بخيمتى أمّ معبد عاتكة بنت خالد الخزاعية* وفى المشكاة ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا الى المدينة هو وأبو بكر ومولى أبى بكر عامر بن فهيرة ودليلهما عبد الله الليثى مروا على خيمتى أمّ معبد الخزاعية انتهى وكانت بقديد وفى معجم ما استعجم من قديد الى المشلل ثلاثة أميال بينهما خيمتى امّ معبد* وفى خلاصة الوفاء قديد كزبير قرية جامعة بطريق مكة كثيرة المياه وكانت أمّ معبد امرأة برزة جلدة تحتبى بفناء الخيمة تسقى وتطعم فسألوها تمرا ولحما ليشتروا منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وكان القوم مرملين مسنتين فقالت والله لو كان عندنا ما أعوزتكم القرى فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى شاة فى كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا امّ معبد قالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن قالت هى أجهد من ذلك قال اتأذنين لى أن أحلبها قالت نعم بأبى أنت وأمى ان رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمسح بيده المباركة ضرعها وسمى الله عز وجل ودعا لها فى شانها فتفاجت عليه ودرّت واجترت ودعا باناء يريض الرهط فحلب ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم آخرهم ثم أراضوا ثم حلب ثانيا بعد بدء حتى امتلأ الاناء ثم غادره عندها ثم بايعها وارتحلوا كذا ذكره البغوى فى شرح السنة وابن عبد البرّ فى الاستيعاب وقال ابن الجوزى فى الوفاء قال لها هات قدحا فجاءت بقدح فحلب فيه حتى امتلأ فأمر أبا بكر ان يشرب فقال ابو بكر بل أنت اشرب يا رسول الله قال ساقى القوم آخرهم شربا فشرب أبو بكر ثم حلب فشرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم حلب فشربت امّ معبد ثم حلب فقال ارفعى هذا لابى معبد اذا جاءك ثم ركبوا وساروا وقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هز الاضحى مخهنّ قليل فلما رأى ابو معبد اللبن عجب وقال من أين لك هذا اللبن يا امّ معبد والشاء عازب حيال لا حلوب بالبيت قالت لا والله الا أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال صفيه لى يا امّ معبد قالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة ابلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة وفى رواية نحلة ولم تزربه صعلة وفى رواية صقلة وسيم قسيم فى عينيه دعج وفى أشفاره عطف وفى صوته صحل وفى عنقه سطع وفى لحيته كثاثة أزج أقرن ان صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء أكمل الناس وابهاه من بعيد وأحسنه واعلاه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كانّ منطقه خرزات نظمن يتحدّرن ربعة لا تشنؤه من طول ولا تقتحمه(1/333)
العين من قصر غصن بين غصنين وهو انضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحفونه ان قال أنصتبوا لقوله وان أمر تبادروا لامره محفود محشود لا عابس ولا مفند* قال أبو معبد هذا والله صاحب قريش الذى ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد هممت أن أصحبه ولا فعلنّ ان وجدت الى ذلك سبيلا ثم هاجرت هى وزوجها فأسلما وكان أهلها يؤرّخون بيوم الرجل المبارك كذا فى شرح السنة لمحيى السنة* وفى خلاصة الوفاء فخرج أبو معبد فى أثرهم ليسلم فيقال أدركهم ببطن ريم فبايعه وانصرف* وفى الصفوة قال عبد الملك فبلغنا ان أمّ معبد هاجرت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأسلمت* قال رزين أقامت قريش أياما ما يدرون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى أىّ جهة توجه وأىّ طريق سلك حتى سمعوا بعد ذهابهما من مكة بأيام فى صباح هاتفا أقبل من أسفل مكة بأبيات ويغنى بغناء العرب عاليا بين السماء والارض والناس يسمعون الصوت ويتبعونه ولا يدرون صاحبه حتى خرج من أعلا مكة وهو يقول
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتى أمّ معبد
هما نزلا بالهدى ثم اهتدت به ... فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فما حملت من ناقة فوق رحلها ... أبرّ وأوفى ذمّة من محمد
فيا لقصى ما زوى الله عنكم ... به من فعال لا تجارى وسودد
ليهن بنى كعب مكان فتاتهم ... ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا اختكم عن شاتها وانائها ... فانكم ان تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... عليه صريحا ضرّة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب ... يردّدها فى مصدر ثم مورد
وقيل سمعوا هاتفا على أبى قبيس بصوت جهورى يقول هذه الابيات ولما سمع حسان بن ثابت قال فى جوابه هذه الابيات
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم ... وقدس من يسرى اليه ويغتدى
ترحل عن قوم فزالت عقولهم ... وحلّ على قوم بنور مجدّد
هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوى ضلال قوم تسفهوا ... عمى وهداة يهتدون بمهتد
لقد نزلت منه على أهل يثرب ... ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبىّ يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله فى كل مشهد
وان قال فى يوم مقالة غائب ... فتصديقها فى اليوم أو فى ضحى غد
ليهن أبا بكر سعادة جدّه ... بصحبته من يسعد الله يسعد
وفى رواية عن أمّ معبد أنها قالت طلعت علينا أربعة على راحلتين فنزلوا بى فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشاة اريد ذبحها فاذا هى ذات درّ فأذيتها منه فلمس ضرعها وقال لا تذبحيها فأرسلتها وجئت بأخرى فذبحتها وطبختها لهم فأكل هو وأصحابه وملأت سفرتهم منها ما وسعت وبقى عندنا لحمها أو أكثر وبقيت الشاة التى لمس رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضرعها عندنا الى زمان عمر وهى السنة الثامنة عشر من الهجرة وكنا نحلبها صبوحا وغبوقا وما فى الارض لبن*
قصة العوسجة
وروى الزمخشرى فى ربيع الابرار عن هند بنت الجون نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيمة خالتها أمّ معبد فقام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومج فى عوسجة الى جانب الخيمة فأصبحنا وهى كأعظم دوحة وجاءت بثمر كأعظم(1/334)
ما يكون فى لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد ما أكل منها جائع الاشبع ولا ظمآن الا روى ولا سقيم الا برئ ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة الا درّ لبنها فكنا نسميها المباركة وينتابنا من البوادى من يستشفى بها ويتزوّد منها حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها وصغر ورقها ففزعنا فما راعنا الا نعى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم انها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها الى أعلاها وتساقط ثمرها وذهبت نضرتها فما شعرنا الا بقتل أمير المؤمنين علىّ رضى الله عنه فما أثمرت بعد ذلك وكنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا واذا بها قد نبع من ساقها دم غبيط وقد ذبل ورقها فبينا نحن فزعون مهمومون اذ أتانا خبر مقتل الحسين بن على ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما شهر أمر الشاة فى قصة هى أعلى القصص* ومما وقع لهم فى الطريق انه أقبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى المدينة وهو مردف أبا بكر وهو شيخ يعرف والنبىّ صلّى الله عليه وسلم شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا بين يديك فيقول هذا الذى يهدينى السبيل فيحسب السائل أنه يعنى به الطريق وانما يعنى سبيل الخيبر وفى نهاية ابن الاثير لقيهما فى الهجرة رجل بكراع فقال من أنتم فقال أبو بكر باغ وهاد عرّض ببغاء الابل أى طلبه وهداية الطريق وهو يريد طلب الدين والهداية من الضلالة* ومما وقع لهم فى الطريق انه لقيهم بريدة بن الخصيب الاسلمى* وفى الوفاء روى ابن الجوزى فى شرف المصطفى من طريق البيهقى موصولا الى بريدة انه لما جعلت قريش مائة من الابل ان أخذ النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويردّه عليهم حين توجه الى المدينة سمع بريدة بذلك فحمله الطمع على الخروج لقصده صلّى الله عليه وسلم فركب فى سبعين من أهل بيته من بنى سهم فتلقى رسول الله وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يتطير وكان يتفاءل فقال من أنت فقال أنا بريدة بن الخصيب فالتفت النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى أبى بكر فقال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن أنت قال من أسلم قال صلّى الله عليه وسلم سلمنا قال ممن قال من بنى سهم قال خرج سهمك يا أبا بكر فقال بريدة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم من أنت قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله فقال بريدة أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعا قال بريدة الحمد لله أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين فلما أصبح قال بريدة يا رسول الله لا تدخل المدينة الا معك لواء فحل عمامته ثم شدّها فى رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة فقال يا نبىّ الله ننزل على من فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان ناقتى هذه مأمورة أين تنزل كذا فى شرف المصطفى لابن الجوزى*
خبر بريدة بن الحصيب
وفى شواهد النبوّة أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بنزوله بعده بخراسان بمدينة بناها ذو القرنين يقال لها مرو وبموته بها وبكونه يوم الحشر قائدا لاهل المشرق فكان كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنزل بريدة فى بعض الغزوات بمرو وتوفى بها بعد الهجرة بستين سنة وقبره هناك معروف قريب من قبر حكم بن عمرو الغفارى وهو أيضا من أصحاب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان حاكما وقاضيا بمرو وتوفى بها بعد الهجرة بخمسين سنة قال بعض أصحاب الحديث الاحاديث التى وردت فى شأن البلدان لم يتحقق صحتها الا حديث بريدة بن الخصيب* ومما وقع لهم فى الطريق ما روى عن عروة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقى طلحة بن عبيد الله والزبير فى الطريق فى ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشأم فكسا طلحة أو الزبير رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا* قال الحافظ ابن حجر ويحتمل ان كلامن طلحة والزبير أهدى لهما والذى فى السير هو طلحة والاولى الجمع وعند ابن أبى شيبة ما يؤيده والا فما فى الصحيح أصح كذا فى الوفاء* وفى هذه السنة قبل قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة بشهر مات البراء بن معرور وهو أحد النقباء وأوّل من تكلم ليلة العقبة فلما قدم رسول الله انطلق(1/335)
بأصحابه فصلى على قبره وقال اللهمّ اغفر له وارحمه وارض عنه وقد فعلت وهو أوّل من مات من النقباء وأوّل صلاة على الميت*
(ذكر استقبال أهل المدينة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومكثه بقباء فى بنى عمرو بن عوف وتأسيس مسجد قباء)
* عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت سمع المسلمون بالمدينة بخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداة الى الحرّة فينتظرون حتى يردّهم حرّ الظهيرة* قال ابن اسحاق وذلك فى أيام حارّة فانقلبوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم فلما أووا الى بيوتهم أو فى رجل من اليهود على أطم من الآطام لامر ينظر اليه فبصر برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته يا معشر العرب وفى رواية يا بنى قيلة يعنى الانصار هذا جدّكم يعنى حظكم* وفى رواية صاحبكم الذى تنتظرونه* وفى رواية بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى الانصار من يخبرهم بقدومه كما سيجىء فثار المسلمون الى السلاح فتلقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين نحو قباء حتى نزل أعلا المدينة فى حىّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف وهم أهل قباء* وفى الوفاء قباء معدود من العالية وكانّ حكمته التفاؤل له ولدينه بالعلو وذلك يوم الاثنين من ربيع الاوّل نهارا عند الاكثر* وفى سيرة أبى محمد عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد الله البكائى عن محمد بن اسحاق المطلبى قال قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين حين أشتدّ الضحى وكادت الشمس تعتدل لاثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الاوّل وهو التاريخ فيما قال ابن هشام قال ابن اسحاق ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن ثلاث وخمسين سنة وذلك بعد أن بعثه الله بثلاث عشرة سنة* وفى أسد الغابة كان مقامه بمكة عشر سنين وقيل ثلاث عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة والاكثر ثلاث عشرة سنة وقال ابن الكلبى خرج من الغار أوّل ربيع الاوّل وقدم المدينة لاثنتى عشرة ليلة خلت منه يوم الجمعة* وفى المنتقى تنازع القوم أيهم ينزل عليه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنزل الليلة على بنى النجار أخوال عبد المطلب لاكرمهم بذلك فلما أصبح غدا حيث أمر* وفى الوفاء روى رزين عن أنس قال كنت اذ قدم رسول الله المدينة ابن تسع سنين فأسمع الغلمان والولائد يقولون جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنذهب فلا نرى شيئا حتى جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر فمكثا فى خرب فى طرف المدينة* وفى رواية فنزلا جانب الحرة فأرسلا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما الانصار فاستقبلهما زها خمسمائة من الانصار حتى انتهوا اليهما* وفى خلاصة الوفاء فنزل فى بنى عمرو بن عوف بقباء على كلثوم ابن الهدم وكان يومئذ مشركا وبه جزم ابن زبالة ولرزين نزل فى ظل نخلة ثم انتقل الى دار كلثوم أخى بنى عمرو بن عوف* وفى رواية نزل على سعد بن خيثمة وجه الجمع بين الروايتين أن يقال انه كان نزل على كلثوم بن الهدم ولكن عينوا له مسكنا فى دار سعد بن خيثمة يكون للناس فيه وذلك لان سعدا كان عزبالا أهل له ويسمى منزله منزل الغرباء* قال المطرى وبيت سعد بن خيثمة أحد الدور التى قبلى مسجد قباء وهى التى تلى المسجد فى قبلته يدخلها الناس اذا زاروا مسجد قباء ويصلون فيها وهناك أيضا دار كلثوم بن الهدم وفى تلك العرصة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم نازلا قبل خروجه الى المدينة وكذلك أهله وأهل أبى بكر حين قدموا بعد خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة وهنّ سودة وعائشة وأمّها أمّ رومان واختها أسماء وهى حامل بعبد الله بن الزبير فولدته بقباء قبل نزولهم المدينة انتهى ونزل أبو بكر بالسنخ على حبيب بن أساف أحد بنى الحارث بن الخزرج وقيل على خارجة بن زيد بن أبى زهير روى مجمع بن يعقوب عن أبيه وعن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش عن عبد الرحمن بن زيد بن حارثة قالا نزل النبىّ صلّى الله عليه وسلم بظهر حرتنا ثم ركب(1/336)
فأناخ على عذق عند بئر غرس قبل أن تبزغ الشمس (قوله) عند بئر غرس الظاهر أنه تصحيف ولعله بئر غدق لبعد بئر غرس عن منزله صلّى الله عليه وسلم بقباء بخلاف بئر غدق قيل كان أوّل ما سمع من النبىّ صلى الله عليه وسلم أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الارحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام وأكثر أهل السير على أن ذلك اليوم كان يوم الاثنين وشذ من قال يوم الجمعة من ربيع الاوّل فى الضحوة الكبرى قريبا من نصف النهار* وفى نسخة طاهر بن يحيى ان قدومه كان قبل أن تبزغ الشمس وما يعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أبى بكر عليهما ثياب بيض متشابهة فجعل الناس يقفون عليهم حتى بزغت الشمس من ناحية أطمهم الذى يقال له شنف فأمهل أبو بكر ساعة ثم قام فستر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بردائه فعرف القوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم* قال محمد بن معاذ قلت لمجمع بن يعقوب ان الناس يرون أنه جاء بعد ما ارتفع النهار وأحرقتهم الشمس قال مجمع هكذا أخبرنى أبى وسعيد بن عبد الرحمن يريد أنهما قالا ما بزغت الشمس الا وهو فى منزله صلّى الله عليه وسلم* وفى مسلم ان قدومهم كان ليلا والذى قاله الاكثرون نهارا* وفى الصفوة قال ابن اسحاق دخلها حين ارتفع الضحى وكادت الشمس تعتدل كما مرّ فى قول ابن هشام حيث قال وهو التاريخ وفى الصحيح انهم لما قدموا جليس النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت شجرة صامتا وقام أبو بكر لامر الناس أى يتلقاهم فطفق من جاء من الانصار ممن لم يكن رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحيى أبا بكر ويرحبه يحسب أنه النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى أصابت الشمس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله*
ذكر تاريخ الهجرة
واختلفوا فى أن يوم نزوله أى يوم من الشهر فبعضهم على أنه أوّل الشهر على ما روى موسى بن عقبة عن ابن شهاب وقيل لليلتين خلتا من شهر ربيع الاوّل ونحوه عن أبى معشر لكن قال ليلة الاثنين ومثله عن ابن البرقى وثبت ذلك فى أواخر صحيح مسلم وقيل لاثنتى عشرة ليلة خلت منه حكاه ابن الجوزى فى شرف المصطفى عن الزهرى فقال قال الزهرى قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل وبه جزم النووى وكذا ابن النجار* وفى شرف المصطفى لابن الجوزى عن ابن عباس ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وخرج مهاجرا يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين* وفى روضة الاقشهرى قال ابن الكلبى خرج من الغار يوم الاثنين أوّل يوم من ربيع الاوّل وقدم المدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة خلت منه قال أبو عمر وهو قول ابن اسحاق الا فى تسمية اليوم وعن أبى بكر بن حزم لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل ويجمع بين هذا وبين الذى قبله بالحمل على الاختلاف فى رؤية الهلال ونقل ابن زبالة عن ابن شهاب ان نزوله على بنى عمرو بن عوف كان فى النصف من ربيع الاوّل وقيل كان قدومه فى سابعه ولما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعامر ابن فهيرة على كلثوم قال لمولى له يا نجيح اطعمنا رطبا فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسم نجيح التفت الى أبى بكر وقال أنجحت أو أنجحنا فأتوا بقنو من أمّ جردان فيه رطب منصف وفيه زهو فقال ما هذا فقال عذق أمّ جردان فقال صلّى الله عليه وسلم اللهمّ بارك فى أمّ جردان* واختلف فى أنه صلّى الله عليه وسلم كم يوما أقام فى بنى عمرو بن عوف فعن قوم من بنى عمرو بن عوف أنه أقام فيهم اثنين وعشرين يوما حكاه ابن زبالة* وفى البخارى من حديث أنس أقام فيهم أربع عشرة ليلة وهو المراد بما فى رواية عائشة بقولها بضع عشرة ليلة* وقال موسى بن عقبة ثلاثا* وقال عروة ثلاث ليال الثلاثاء والاربعاء والخميس كما جزم به ابن حبان* وقال ابن اسحاق أقام فيهم خمسا* وفى ذخائر العقبى لم يقم بقباء الا ليلة أو ليلتين* قال الحافظ ابن حجر أنس ليس من بنى عمرو بن عوف فانه من الخزرج وقد جزم(1/337)
بأربع عشرة ليلة فهو أولى بالقبول وأمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالتاريخ فكتب من حين الهجرة فى ربيع الاوّل رواه الحاكم فى الاكليل قال ابن الجزار وتعرف بعام الاذن وهو معضل والمشهور ان ذلك كان فى خلافة عمرو أن عمر قال الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخ بها وابتدأ من المحرم بعد اشارة على وعثمان بذلك وأفاد السهيلى انّ الصحابة أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم* وفى الاستيعاب ومن مقدمه الى المدينة أرخ التاريخ فى زمان عمرو أقام علىّ بمكة بعد مخرجه عليه السلام ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى للناس ودائعهم التى كانت عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم وخلفه لردّها ثم خرج فلحق النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقباء فنزل على كلثوم بن الهدم وانما كانت اقامة علىّ بقباء مع النبىّ ليلة أو ليلتين* وفى روضة الاحباب وكان علىّ يسير بالليل ويختفى بالنهار وقد نقبت قدماه فمسحهما النبىّ صلّى الله عليه وسلم ودعا له بالشفاء فبرئتا فى الحال وما اشتكاهما بعد اليوم قط* وفى الوفاء وكان لكلثوم بن الهدم بقباء مربد والمربد الموضع الذى يبسط فيه التمر لييبس فأخذه منه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسسه وبناه مسجدا كما رواه ابن زباله وغيره* وفى الصحيح عن عروة فلبث فى بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة واسس المسجد الذى أسس على التقوى* وفى رواية عبد الرزاق قال الذين بنى فيهم المسجد الذى أسس على التقوى هم بنو عمر بن عوف وكذا فى حديث ابن عباس عند ابن عائذ ولفظه ومكث فى بنى عمرو بن عوف ثلاث ليال واتخذ مكانه مسجدا وكان يصلى فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف فهو المسجد الذى أسس على التقوى وروى ابن أبى شيبة عن جابر قال لقد لبثنا بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنتين نعمر المساجد ونقيم الصلاة ولذا قيل المتقدّمون فى الهجرة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم والانصار بقباء قد بنوا مسجدا يصلون فيه يعنى هذا المسجد فلما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وورد قباء صلّى بهم فيه الى بيت المقدس ولم يحدث فيه شيئا أى فى مبدأ الامر لان ابن أبى شيبة روى ذلك ثم روى أنه صلّى الله عليه وسلم بنى مسجد قباء وقدّم القبلة الى موضعها اليوم وقال جبريل بؤم بى البيت* وقد اختلف فى المراد بقوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أوّل يوم فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء ولا ينافيه قوله صلّى الله عليه وسلم لمسجد المدينة هو مسجدكم هذا اذ كل منهما أسس على التقوى* وفى الكبير عن جابر بن سمرة قال لما سأل أهل قباء النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان بينى لهم مسجدا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليقم بعضكم فليركب الناقة فقام أبو بكر فركبها فحركها فلم تنبعث فرجع فقعد فقام عمر فركبها فلم تنبعث فرجع فقعد فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليقم بعضكم فيركب الناقة فقام علىّ فلما وضع رجله فى غرز الركاب وثبت به فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارخ زمامها وابتنوا على مدارها فانها مأمورة وروى الطبرى عن جابر قال لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة قال لاصحابه انطلقوا الى أهل قباء نسلم عليهم فرحبوا به ثم قال يا أهل قباء ائتونى بأحجار من الحرّة فجمعت عنده أحجار كثيرة ومعه عنزة فحط قبلتهم فأخذ حجرا فوضعه ثم قال يا أبا بكر خذ حجرا فضعه الى جنب حجرى ثم قال يا عمر خذ حجرا فضعه الى جنب حجر أبى بكر ثم قال يا عثمان خذ حجرا فضعه الى جنب حجر عمر كأنه أشار الى ترتيب الخلافة كما سيجىء فى بناء مسجد المدينة ثم التفت الى الناس فقال وضع رجل حجره حيث أحب على ذلك الخط وروى الترمذى عن أسيد بن ظهير عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الصلاة فى مسجد قباء كعمرة وعن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص قالت سمعت أبى يقول لأن أصلى فى مسجد قباء ركعتين أحب الىّ من أن آتى بيت المقدس مرّتين لو يعلمون ما فى قباء لضربوا
اليه أكاد الابل(1/338)
وورد فى الصحيحين عن ابن عمر أنه قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزور قباء أو يأتى قباء راكبار أو ماشيا وعن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من صلّى فيه كان كعدل عمرة* وعن سهل بن حنيف قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من تطهر فى بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة أخرجه ابن ماجة وعن عمرو بن شيبة بسند جيد ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح الاسناد وللبخارى والنسائى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يأتى مسجد قباء كل سبت راكبا أو ماشيا وكان عبد الله يفعله وروى ابن زبالة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلى الى الاسطوانة الثالثة فى مسجد قباء التى فى الرحبة وعن سعيد بن عبد الرحمن قال كان المسجد فى موضع الاسطوانة المخلفة الخارجة فى رحبة المسجد* قال ابن رقيش حدّثنى نافع ان ابن عمر كان اذا جاء مسجد قباء صلّى الى الاسطوانة المخلفة يقصد بذلك مسجد النبىّ صلّى الله عليه وسلم الاوّل* وروى ابن زبالة عن عبد الملك بن بكير عن ابن أبى ليلى عن أبيه أن رسول الله صلّى فى مسجد قباء الى الاسطوانة الثالثة فى الرحبة اذا دخلت من الباب الذى بفناء دار سعد بن أبى خيثمة* قلت الباب المذكور هو المسدود اليوم يظهر رسمه من خارج المسجد فى جهة المغرب وكان شارعا فى الرواق الذى يلى الرحبة من السقف القبلى فالاسطوانة الثالثة فى الرحبة هى الاسطوانة التى عندها اليوم محراب فى رحبة المسجد لانطباق الوصف المذكور عليها فهى المرادة بقول الواقدى كان المسجد فى موضع الاسطوانة المخلفة الخارجة فى رحبة المسجد وهى التى كان ابن عمر يصلى اليها ذكر ذلك كله فى الوفاء
* (الفصل الثانى فى انتقاله من قباء الى باطن المدينة
وأوّل جمعة صليت فى الاسلام قبل قدومه المدينة ونزوله على أبى أيوب وسكناه بداره وبناء المسجد وموت كلثوم بن الهدم واسلام عبد الله بن سلام وموت أسعد بن زرارة وابتداء خدمة أنس والزيادة فى صلاة الحضر ووعك أبى بكر والاصحاب واسلام سلمان والمواخاة بين المهاجرين والانصار وموادعته اليهود وموت العاص بن وائل من مشركى مكة وبعث زيد بن حارثة الى مكة للاتيان بعياله وولادة النعمان بن بشير وولادة عبد الله بن الزبير وذكر فاطمة بنت النعمان وتكلم الذئب وابتداء الغزوات وبعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر وسرية عبيدة بن الحارث الى بطن رابغ وبناء عائشة وبعث سعد بن أبى وقاص الى الخرار وابتداء الاذان والاقامة) *
فى الصحيح عن أنس بعد ما ذكر من اقامته ببنى عمرو بن عوف ثم أرسل الى بنى النجار فجاؤا متقلدين السيوف وكانوا اخواله يعنى أخوال جدّه عبد المطلب* وفى رواية فجاؤا فسلموا على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وعلى أبى بكر وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب يوم الجمعة حتى نزل جانب دار أبى أيوب وسيجىء أنه صلّى الله عليه وسلم لما شخص أى خرج من قباء اجتمعت بنو عمرو بن عوف فقالوا أخرجت ملالا منا أم تريد دارا خيرا من دارنا قال انى أمرت بقرية تأكل القرى فخلوها أى ناقته فانها مأمورة حتى أدركته الجمعة فى بنى سالم فصلاها فى بطن الوادى وادى ذى صلت*
أول خطبة فى الاسلام
وفى سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق وادى رانونا وفى غيرها كانوا أربعين وقيل مائة وكانت هذه أوّل جمعة جمعها فى الاسلام حين قدم المدينة وخطب يومئذ خطبة بليغة وهى أوّل خطبة فى الاسلام وقيل انه كان يصلى الجمعة فى مسجد قباء فى اقامته هناك والله أعلم (ذكر تلك الخطبة) روى عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحى أنه بلغه عن خطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أوّل جمعة صلاها فى المدينة فى بنى سالم بن عوف* الحمد لله أحمده واستعينه واستغفره وأستهديه وأو من به ولا اكفره واعادى من يكفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله ارسله بالهدى والنور(1/339)
والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنوّ من الساعة وقرب من الاجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى وفرط وضلّ ضلالا بعيدا أوصيكم بتقوى الله فانّ خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة وان يأمره بتقوى الله فاحذر واما حذركم الله من نفسه ولا افضل من ذلك ذكر وان تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة ومن يصلح الذى بينه وبين الله من أمره فى السرّ والعلانية لا ينوى بذلك الا وجه الله يكن له ذكرا فى عاجل امره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء الى ما قدّم وما كان سوى ذلك يودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد والذى صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك فانه يقول ما يبدّل القول لدىّ وما أنا بظلام للعبيد فاتقوا الله فى عاجل أمركم وآجله فى السرّ والعلانية فانه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما وان تقوى الله توقى مقته وعقوبته وسخطه وتبيض الوجوه وترضى الرب وترفع الدرجة خذوا بحظكم ولا تفرّطوا فى جنب الله فقد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين فاحسنوا كما أحسن الله اليكم وعادوا اعداءه وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حىّ عن بينة ولا قوّة الا بالله واكثر واذكر الله واعلموا أنه خير من الدنيا وما فيها واعملوا لما بعد الموت فانه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس ذلك بأن الله يقضى الحق على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون عليه ولا قوّة الا بالله العلىّ العظيم* كذا أوردها فى المنتقى وفى خلاصة الوفاء وليحيى عن عمارة بن خزيمة أنه صلّى الله عليه وسلم دعا براحلته يوم الجمعة وحشد المسلمون ولبسوا السلاح وركب صلّى الله عليه وسلم ناقته القصوى والناس عن يمينه وشماله وخلفه منهم الماشى والراكب فاعترضت الانصار فما يمرّ بدار الا قالوا هلم الى العز والمنعة والثروة فيقول لهم خيرا ويدعو ويقول انها مأمورة خلوا سبيلها فمر ببنى سالم فقام اليه عتبان بن مالك ونوفل بن عبد الله بن مالك العجلانى وهو آخذ بزمام راحلته يقول يا رسول الله انزل فينا فان فينا العدد والعدّة والحلقة ونحن أصحاب الفضاء والحدائق والدرك يا رسول الله كان الرجل من العرب يدخل هذه البحرة خائفا فيلجأ الينا فنقول له قوقل حيث شئت فجعل يتبسم ويقول خلوا سبيلها فانها مأمورة وقام اليه عبادة ابن الصامت وعباس بن الصامت بن نضلة بن العجلان فجعلا يقولان يا رسول الله انزل فينا فيقول انها مأمورة ثم أخذ عن يمين الطريق حتى جاء بنى الحبلى وأراد أن ينزل على عبد الله بن أبى بن سلول فلما رآه وهو عند مزاحم أى الاطم محتبيا قال اذهب الى الذين دعوك فانزل عليهم فقال سعد بن عبادة لا تجد يا رسول الله فى نفسك من قوله فقد قدمت علينا والخزرج تريد أن تملكه عليها ولكن هذه دارى فمرّ ببنى ساعدة فقال له سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة هلم يا رسول الله الى العز والثروة والقوّة والجلد وسعد يقول يا رسول الله ليس فى قومى أكثر عذقا ولا فم بئر منى مع الثروة والجلد والعدد والحلقة فيقول صلّى الله عليه وسلم بارك الله عليكم ويقول يا أبا ثابت خل سبيلها فانها مأمورة فمضى واعترضه سعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة وبشير بن سعد أى من بنى الحارث بن الخزرج فقالوا يا رسول الله لا تجاوزنا فانا أهل عدد وثروة وحلقة فقال بارك الله فيكم خلوا سبيلها فانها مأمورة واعترضه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو أى من بنى بياضة
يقولان يا رسول الله هلم الى المواساة والعز والثروة والعدد والقوّة نحن أهل الدرك فقال خلوا سبيلها فانها مأمورة ثم مرّ ببنى عدى بن النجار وهم اخواله فقام اليه أبو سليط وصرمة بن أبى انيس فى قومهما فقالا يا رسول الله نحن اخوالك هلم(1/340)
الى العدد والمنعة والقوّة مع القرابة لا تجاوزنا الى غيرنا ليس أحد من قومنا اولى بك منا لقرابتنا لك فقال خلوا سبيلها فانها مأمورة أو يقال أوّل الانصار اعترضه بنو بياضة ثم بنو سالم ثم مال الى ابن أبى ثم مرّ على بنى عدى بن النجار حتى انتهى الى بنى مالك بن النجار ولابن اسحاق اعترض بنى سالم أوّلا ثم وازت راحلته بنى بياضة واعترضوه ثم وازت دار الحارث كذلك ثم مرّت بدار بنى عدى وهم أخواله لانّ سلمى بنت عمرو احدى بنى عدى بن النجار كانت أمّ جدّة عبد المطلب وبنو مالك بن النجار اخوتهم ومنزله صلّى الله عليه وسلم بدار بنى غنم منهم وجاء فى رواية ان القوم لما تنازعوا أنه صلّى الله عليه وسلم على أيهم ينزل وكل منهم على أن يكون داره له المنزل قال انى أنزل على أخوال عبد المطلب وأكرمهم بذلك قيل يشبه أن يكون هذا فى أوّل قدومه من مكة قبل نزوله قباء لا فى قدومه باطن المدينة* وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم قال دعوا الناقة فانها مأمورة فبركت على باب أبى أيوب* وفى سيرة مغلطاى نزل برحله على أبى أيوب لكونه من أحوال عبد المطلب وعند البعض ان الناقة استناخت به أوّلا فجاءه ناس فقالوا المنزل يا رسول الله فقال دعوها فانبعثت حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد ثم تحلحلت فنزل عنها فأتاه أبو أيوب فقال منزلى أقرب المنازل فائذن لى أن أنقل رحلك قال نعم فنقل رحله وأناخ الناقة فى منزله* وقال الواقدى أخذ أسعد بن زرارة بزمامها فكانت عنده* وعن مالك بن أنس أن الناقة لما أتت موضع المسجد بركت وهو عليها وأخذه صلى الله عليه وسلم الذى كان يأخذه عند الوحى ثم ثارت من غير أن تزجر وسارت غير بعيد ثم التفتت فعادت الى المكان الذى بركت فيه أوّل مرّة فبركت فيه فسرى عنه فأمر أن يحط رحله* وفى رواية كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ من بنى النجار حوله حتى ألقى بفناء أبى أيوب وهو موضع مسجده اليوم وهو يومئذ مربد للتمر لغلامين يتيمين من بنى النجار كانا فى حجر معاذ بن عفراء أو أبى أيوب أو أسعد بن زرارة والاخير هو الاصح اسمهما سهل وسهيل ابنا عمرو ابن عمارة* وفى رواية رافع بن عمرو فبركت عند باب المسجد فلم ينزل عنها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم انبعثت وسارت غير بعيد ورسول الله صلّى الله عليه وسلم مرخ لها زمامها ثم التفتت خلفها ثم رجعت الى مبركها الاوّل وبركت فيه ووضعت جرانها على الارض ونزل عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال هذا ان شاء الله المنزل فاحتمل أبو أيوب رحله ووضعه فى بيته بعد ما استأذنه صلّى الله عليه وسلم فدعته الانصار الى النزول عليهم فقال صلّى الله عليه وسلم المرء مع رحله* وفى الوفاء فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال أى الدور أقرب فقال أبو أيوب دارى هذا بابى وقد حططنا رحلك فيها فقال المرء مع رجله فمضت مثلا فنزل على أبى أيوب خالد بن زيد وسأل عن المربد فقال معاذ هو ليتيمين لى وسأرضيهما فاشتراه النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى شرف المصطفى لما بركت الناقة على باب أبى أيوب خرج جوار من بنى النجار يضربن بالدف ويقلن* نحن جوار من بنى النجار* يا حبذا محمد من جار* فقال النبىّ عليه الصلاة والسلام أتحببننى قلن نعم يا رسول الله فقال والله وأنا أحبكن قالها ثلاثا وفى رواية يعلم الله انى أحبكن* وفى رواية الطبرى فى الصغير فقال عليه السلام الله يعلم ان قلبى يحبكن* وفى المواهب اللدنية فرح أهل المدينة بقدومه عليه الصلاة والسلام وأشرقت المدينة بحلوله فيها وسرى السرور الى القلوب* قال أنس بن مالك لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة أضاء منها كل شىء ولما كان اليوم الذى مات فيه أظلم منها كل شىء رواه ابن ماجه قال رزين صعدت ذوات الخدور على الاجاجير يعنى السطوح عند قدومه صلّى الله عليه وسلم يقلن* وفى الرياض النضرة لما قدم النبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة جعل الصبيان
والنساء(1/341)
والولائد يقولون
* طلع البدر علينا* من ثنيات الوداع* وجب الشكر علينا* ما دعا لله داعى*
وفى رواية* أيها المبعوث فينا* جئت بالامر المطاع* قال الطبرى تفرّق الغلمان والخدم فى الطرق ينادون جاء محمد جاء رسول الله* وفى الرياض النضرة خرج أهل المدينة حتى ان العواتق لفوق البيوت يقلن أيهم هو أيهم هو* وفى خلاصة الوفاء ثنية الوداع بفتح الواو معروف شامى المدينة خلف سوقها القديمة بين مسجد الراية ومشهد النفس الزكية قرب سلع* وقال عياض هى موضع بالمدينة بطريق مكة وقيل واد بمكة والاوّل أصح* وفى المواهب اللدنية أنشىء هذا الشعر عند قدومه رواه البيهقى فى الدلائل وأبو الحسن بن مقرى فى كتاب الشمائل له عن ابن عائشة وذكره الطبرى فى الرياض النضرة عن الفضل بن الجمحى قال سمعت ابن عائشة يقول أراه عن أبيه فذكر وقال خرجه الحلوانى على شرط الشيخين وسميت ثنية الوداع لانّ المسافر من المدينة كان يشيع اليها ويودّع عندها قديما* وصحح القاضى عياض هذا واستدل عليه بقول نساء الانصار حين قدم عليه الصلاة والسلام* طلع البدر علينا* من ثنيات الوداع* فدل على انه اسم قديم وقال شيخ الاسلام الولى ابن العراقى ففى صحيح البخارى وسنن أبى داود والترمذى عن السائب بن يزيد قال لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع قال وهذا صريح بأنها من جهة الشأم* وقال ابن القيم فى الهدى النبوى هذا وهم من بعض الرواة فان ثنية الوداع انما هى من جهة الشأم لا يراها القادم من مكة ولا يمرّ بها الا اذا توجه الى الشأم وانما وقع ذلك عند قدومه من تبوك انتهى لكن قال زين الدين العراقى يحتمل أن تكون الثنية التى من كل جهة يصل اليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع انتهى* قال مؤلف الكتاب يشبه أن يكون هذا هو الحق ويؤيده جمع الثنيات اذ لو كان المراد بها الموضع الذى هو من جهة الشأم لم يجمع ولا مانع من تعدّد وقوع هذا الشعر مرّة عند قدومه عليه الصلاة والسلام من مكة ومرّة عند قدومه من تبوك فلا ينافى ما فى صحيح البخارى وغيره ولا ما قاله ابن القيم عن جابر أنه كان لا يدخل أحد المدينة الا من ثنية الوداع فان لم يعشر بها مات قبل أن يخرج فاذا وقف على الثنية قيل قد ودّع فسميت ثنية الوداع حتى قدم عروة بن الورد فلم يعشر ثم دخل فقال يا معشر يهود ما لكم وللتعشير قالوا لا يدخلها أحد من غير أهلها فلم يعشر بها الا مات ولا يدخلها أحد من ثنية الوداع الا قتله الهزال فلما ترك عروة التعشير تركه الناس ودخلوا من كل ناحية كذا فى الوفاء* وعن أنس لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعبت الحبشة بحرابهم فرحا بقدومه صلّى الله عليه وسلم ولابن اسحاق عن أبى أيوب الانصارى لما نزل علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بيتى نزل فى السفل وأنا وأمّ أيوب فى العلو فقلت يا نبىّ الله بأبى أنت وأمّى انى أكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتى فاظهر أنت فكن فى العلو وننزل نحن ونكون فى السفل فقال يا أبا أيوب ان الارفق بنا وبمن يغشانا أن نكون فى سفل البيت قال فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى سفله وكنا فوقه فى المسكن فلقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأمّ أيوب يقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوّفا أن يقطر على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم منه شىء فيؤذيه وذكر غيره ان أبا أيوب لم يزل يتضرع للنبىّ عليه الصلاة والسلام حتى تحوّل الى العلو وأبو أيوب فى السفل* وفى الصفوة عن أفلج مولى أبى أيوب انّ رسول الله عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه نزل أسفل وأبو أيوب فى العلو فانتبه ابو أيوب ذات ليلة فقال نمشى فوق رأس رسول الله عليه الصلاة والسلام فتحوّل فباتوا فى جانب فلما أصبح ذكر ذلك للنبىّ عليه الصلاة والسلام فقال النبىّ عليه الصلاة والسلام الاسفل أرفق بى فقال أبو أيوب(1/342)
لا أعلو سقيفة أنت تحتها فتحوّل أبو أيوب فى السفل والنبىّ عليه الصلاة والسلام فى العلو وسيجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة معاوية وأفاد ابن سعد أن اقامته عليه الصلاة والسلام بهذه الدار سبعة أشهر بتقديم السين وقيل الى صفر من السنة الثانية* وقال الدولابى شهرا كذا فى سيرة مغلطاى وقد ابتاع داره هذه وبيته المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث من ابن ابى أفلح مولى أبى أيوب الانصارى بألف دينار فتصدّق بها وهو فى شرقى المسجد المقدّس ثم بيعت فاشتراها الملك المظفر شهاب الدين غازى ابن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب بن شادى أى عرصة دار أبى أيوب هذه وبناها مدرسة للمذاهب الاربعة تعرف اليوم بالمدرسة الشهابية وفى ايوان قاعتها الصغرى الغربى خزانة صغيرة جدّا مما يلى القبلة فيها محراب يقال انها مبرك ناقته عليه الصلاة والسلام* قال ابن اسحاق ان هذا البيت بناه تبع الاوّل لما مرّ بالمدينة للنبىّ عليه الصلاة والسلام ينزله اذا قدم المدينة وترك فيها أربعمائة عالم وكتب كتابا للنبىّ عليه الصلاة والسلام ودفعه الى كبيرهم وسأله أن يدفعه للنبىّ عليه الصلاة والسلام فتداول البيت الملاك الى أن صار الى أبى أيوب وان أبا أيوب من ذرّية الحبر الذى أسلمة تبع كتابه* وفى رواية أرسل رسول الله عليه الصلاة والسلام الى ملأ بنى النجار فقال يا بنى النجار ثامنونى بحائطكم قالوا والله لا نطلب ثمنه الا من الله عز وجل* وفى خلاصة الوفاء قال الغلامان بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يقبله هبة حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير ذهبا ودفعها أبو بكر الصدّيق* وفى رواية أدّاها من مال أبى بكر وكان قد خرج من مكة بماله كله كذا فى المواهب اللدنية* وعن النوار بنت مالك أمّ زيد بن ثابت أنها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام يصلى بالناس الصلوات الخمس ويجمع بهم فى مسجد ابناه فى مربد سهل وسهيل ابنى رافع بن عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار قالت فأنظر الى رسول الله عليه الصلاة والسلام لما قدم صلّى بهم فى ذلك المسجد وبناه فهو مسجده اليوم ونقل ابن سيد الناس عن ابن اسحاق ان الناقة بركت على باب مسجده عليه الصلاة والسلام وهو يومئذ ليتيمين من بنى مالك بن النجار فى حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابنى عمرو* وقال أحمد بن يحيى البلادرى فنزل رسول الله عليه الصلاة والسلام عند أبى أيوب ووهبت له الانصار كل فضل كان فى خططها وقالوا يا نبىّ الله ان شئت فخذ منازلنا فقال لهم خيرا وكان أبو امامة أسعد بن زرارة يجمع بمن يليه فى مسجد له فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام يصلى بهم ثم انه سأل أسعد أن يبيع أرضا متصلة بذلك المسجد كانت فى يده ليتيمين فى حجره يقال لهما سهل وسهيل ابنا رافع*
(ذكر بناء المسجد)
* قال المجد ذكر البيهقى المسجد فقال كان جدارا مجدّر اليس عليه سقف وقبلته الى بيت المقدس وكان أسعد بن زرارة بناه وكان يصلى بأصحابه فيه ويجمع بهم فيه الجمعة قبل مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالنخل التى فى الحديقة وبالغرقد أن يقطع وكان قبور جاهلية فأمر بها فنبشت وأمر بالعظام أن تغيب وكان فى المربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب والمستنجل ممشى ماء المطر* وفى الصحيحين أن النبىّ عليه الصلاة والسلام لما أخذه كان موضع نخل وقبور للمشركين وخرب فأمر بالنخل فقطعت وبالقبور فتبشت وبالخرب فسويت وصفوا النخل قبلة المسجد أى جعلوها سوارى فى جهة القبلة ليسقف عليها وجعلوا عضادتيه حجارة وأسند ابن زبالة عن حسن بن محمد الثقفى قال بينا رسول الله عليه الصلاة والسلام يبنى أساس مسجد المدينة ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلىّ فمرّ بهم رجل فقال يا رسول الله ما معك الا هؤلاء الرهط فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام هؤلاء ولاة الامر من بعدى وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة قالت لما أسس(1/343)
رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسجد المدينة جاء بحجر فوضعه وجاء أبو بكر بحجر فوضعه وجاء عمر بحجر فوضعه وجاء عثمان بحجر فوضعه قالت فسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أمر الخلافة من بعدى وتقدّم فى تأسيس مسجد قباء نحوه من غير ذكر أمر الخلافة* وقال الاقشهرى فى روضته ان جبريل أتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال يا محمد انّ الله يأمرك أن تبنى له بيتا وأن ترفع بنيانه بالرهص والحجارة والرهص الطين الذى يتخذ منه الجدار وفى القاموس الرهص بكسر الراء العرق الاسفل من الحائط والطين الذى يبنى به بعض على بعض فقال كم أرفعه يا جبريل قال سبعة أذرع وقيل خمسة أذرع ولما ابتدأ فى بنائه أمر بالحجارة فأخذ حجرا فوضعه بيده أوّلا ثم أمر أبا بكر فجاء بحجر فوضعه الى جنب حجر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم عمر كذلك ثم عثمان كذلك ثم عليا روى البيهقى فى دلائل النبوّة عن سفينة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما بنى النبى صلى الله عليه وسلم المسجد وضع حجرا ثم قال ليضع أبو بكر حجره الى جنب حجرى ثم ليضع عمر حجره الى جنب حجر أبى بكر ثم ليضع عثمان حجره الى جنب حجر عمر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هؤلاء الخلفاء من بعدى وفى الشفاء رفعت له الكعبة حين بنى مسجده وعن مكحول قال لما كثر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام قالوا اجعل لنا مسجدا فقال وثمامات عريش كعريش أخى موسى صلوات الله عليه والامر أعجل من ذلك وفى الصحيح كان المسجد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه جريد وعمده خشب النخل فضرب اللبن وعجن الطين نقل المجد عن رواية محمد بن أسعد قال جاء رجل يحسن عمل الطين وكان من حضر موت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم رحم الله امرأ أحسن صنعته وقال له الزم أنت هذا الشغل فانى أراك تحسنه وفى كتاب يحيى من طريق ابن زبالة عن الزهرى كان رجل من أهل اليمامة يقال له طلق من بنى حنيفة يقول قدمت على النبىّ عليه الصلاة والسلام وهو يبنى مسجده والمسلمون يعملون فيه معه وكنت صاحب علاج وخلط طين فأخذت المسحاة أخلط الطين والنبىّ عليه الصلاة والسلام ينظر الىّ ويقول انّ هذا الحنفى لصاحب طين وروى أحمد عن طلق بن على قال بنيت المسجد مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان يقول قربوا اليمامى من الطين فانه أحسنكم له مسكا وأشدّكم منكبا وعنه أيضا قال جئت الى النبىّ عليه الصلاة والسلام وأصحابه يبنون المسجد قال فكأنه لم يعجبه عملهم قال فأخذت المسحاة فخلطت بها الطين فكانه أعجبه أخذى المسحاة وعملى فقال دعوا الحنفى فانه من أصنعكم للطين* وأسند ابن زبالة فى خبر ابن شهاب فى أخذ المربد قال فبناه مسجدا وضرب لبنه من بقيع الخبجبة بخاء معجمة وجيم وباءين تحت كل منهما نقطة واحدة موضع يسار بقيع الغرقد ناحية بئر أبى أيوب بالمناصع وهى مبرز النساء فى المدينة ليلا قبل اتخاذ الكنف والخبجبة شجرة تنبت هناك وبقيع الغرقد هو بقيع المقبرة قال الاصمعى قطعت غرقدات فى هذا الموضع حين دفن فيه عثمان بن مظعون فسمى بقيع الغرقد لهذا والغرقد شجرة وفى الوفاء بقيع الخبجبة ما كان الخارج من المدينة الى البقيع اذا مشى فى البقيع فجهة مشهد أمير المؤمنين عثمان وجعل مشهد ابراهيم ابن النبىّ عليه الصلاة والسلام على يمينه يكون على يساره طريق تمرّ بطرف الكومة تنتهى بعد رأس العطفة التى على يمينه الى حديقة تعرف قديما بأولاد الصيفى بها بئر ينزل اليها بدرج تعرف ببئر أيوب قديما وحديثا وقيل بقيع الخبجبة غير ما ذكر وعن أمّ سلمة قالت بنى رسول الله عليه الصلاة والسلام مسجده فقرب اللبن وما يحتاجون اليه فقام رسول الله عليه الصلاة والسلام فوضع رداءه فلما رأى ذلك المهاجرون الاوّلون والانصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم وجعلوا يرتجزون ويعملون ويقولون(1/344)
لئن قعدنا والنبىّ يعمل* ذاك اذا للعمل المضلل* وينقلون الصخرة ويحملون اللبنة والنبىّ عليه الصلاة والسلام معهم ينقل اللين ويقول* هذا الجمال لا جمال خيبر* هذا أبرّ ربنا وأطهر* ويقول اللهم ان الاجر أجر الآخرة* فارحم الانصار والمهاجرة* وفى رواية الصحيح فجعلوا ينقلون الصخرة وهم يرتجزون والنبىّ عليه الصلاة والسلام معهم يقول* اللهمّ لا خير الاخير الآخرة* فانصر الانصار والمهاجرة* ويذكر أن هذا البيت لعبد الله بن رواحة وعن الزهرى بلغنى ان الصحابة كانوا يرتجزون به وكان النبىّ عليه الصلاة والسلام ينقل معهم ويقول* اللهم لا خير الا خير الآخرة* فارحم المهاجرين والانصار* وكان لا يقيم الشعر قال الله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغى له وفعل ذلك احتسابا وترغيبا فى الخير ليعمل الناس كلهم ولا يرغب أحد بنفسه عن نفس رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان عثمان بن عفان رجلا نظيفا متنظفا وكان يحمل اللبنة فيجا فى بها عن ثوبه فاذا وضعها نفض كمه ونظر الى ثوبه فان أصابه شىء من التراب نفضه فنظر اليه على بن أبى طالب فأنشأ يقول
لا يستوى من يعمر المساجدا ... يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن التراب حائدا
فسمعها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها وهو لا يدرى من يعنى بها فمرّ بعثمان فقال يا ابن سمية بمن تعرّض ومعه جريدة فقال لتكفنّ أو لاعترضنّ بها وجهك فسمعه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو جالس فى ظل بيت أمّ سلمة* وفى كتاب يحيى فى ظل بيته فغضب صلّى الله عليه وسلم ثم قال ان عمار بن ياسر جلدة ما بين عينى وأنفى فاذا بلغ ذلك من المرء فقد بلغ ووضع يده بين عينيه فكف الناس عن ذلك ثم قالوا لعمار انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم قد غضب فيك ونخاف أن ينزل فينا القرآن فقال أنا أرضيه كما غضب فقال يا رسول الله مالى ولاصحابك قال مالك ولهم قال يريدون قتلى يحملون لبنة لبنة ويحملون علىّ اللبنتين والثلاث فأخذ بيده فطاف فى المسجد وجعل يمسح وفرته بيده من التراب ويقول يا ابن سمية لا يقتلك أصحابى ولكن تقتلك الفئة الباغية وقد ذكر ابن اسحاق بنحوه كما فى تهذيب ابن هشام قال وسألت غير واحد من أهل العلم بالشعر عن هذا الرجز فقالوا بلغنا أنّ علىّ بن أبى طالب ارتجز به فلا ندرى أهو قائله أم غيره وانما قال ذلك على مطايبة ومباسطة كما هو عادة الجماعة اذا اجتمعوا على عمل وليس ذلك طعنا وأخرج ابن أبى شيبة من مرسل أبى جعفر الخطمى قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبنى فى المسجد وعبد الله بن رواحة يقول* أفلح من يعمر المساجدا* فيقولها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيقول ابن رواحة* يتلو القران قائما وقاعدا* فيقولها رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الصحيح فى ذكر بناء المسجد كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار ويقول عمار أعوذ بالله من الفتن فقتل عمار فى حرب معاوية بصفين تحت راية علىّ كذا فى شرح المقاصد وسيجىء فى الخاتمة فى خلافة علىّ* وفى خلاصة الوفاء روى يحيى فى خبر عن أسامة بن زيد عن أبيه قال كان الذين أسسوا المسجد جعلوا طوله مما يلى القبلة الى مؤخره مائة ذراع وفى الجانبين الآخرين أى العرض مثل ذلك فكان مربعا ويقال انه كان أقل من مائة ذراع* وفى كتاب رزين ما لفظه عن جعفر بن محمد عن أبيه قال كان بناء مسجد النبى صلّى الله عليه وسلم بالسميط لبنة لبنة ثم بالسعيدة لبنة ونصف أخرى ثم كثروا فقالوا يا رسول الله لو زيد فيه ففعل فبنى بالذكر والانثى وهما لبنتان مختلفتان وكانوا رفعوا أساسه قريبا من ثلاثة أذرع بالحجارة وجعلوا طوله مما يلى القبلة الى مؤخره مائة ذراع وكذا فى العرض وكان مربعا* وفى رواية جعفر ولم يسطح فشكوا الحرّ وجعلوا خشبه وسواريه جذوعا وظللوا بالجريد ثم بالخصف فلما وكف عليهم طينوه بالطين وجعلوا وسطه رحبة وكان جداره قبل أن يظلل قامة وشيئا(1/345)
وذكر ابن زبالة ويحيى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يبنى مسجده بالسميط لبنة لبنة ثم ان المسلمين كثروا فبناه بالسعيدة فقالوا يا رسول الله لو أمرت من يزيد فيه قال نعم فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالانثى والذكر ثم اشتدّ عليهم الحرّ فقالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل قال نعم فأمر به فأقيمت فيه سوارى من جذوع النخل ثم طرحت عليها العوارض والخصف والاذخر فعاشوا فيه وأصابتهم الامطار فجعل المسجد يكف عليهم قالوا يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال لا عريش كعريش موسى وروى البيهقى عن الحسن فى بيان عريش موسى قال اذا رفع يده بلغ العريش يعنى السقف وأورد رزين قال ابنو الى عريشا كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى والامر أعجل من ذلك قيل وما ظلة موسى قال اذا قام فيه أصاب رأسه السقف فلم يزل المسجد كذلك حتى قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان جداره قبل أن يظلل قامة فكان اذا فاء الفىء ذراعا وهو قدمان يصلى الظهر فاذا كان ضعف ذلك صلّى العصر* وفى الاحياء لما أراد صلّى الله عليه وسلم أن يبنى مسجد المدينة أتاه جبريل فقال ابنه سبعة أذرع طولا فى السماء ولا تزخرفه ولا تنقشه وقد نقل الاقشهرى فى ارتفاعه سبعة أذرع وقيل خمسة وجعل قبلته الى بيت المقدس وجعل له ثلاثة أبواب باب فى مؤخره أى جهة القبلة اليوم ويدخل منه عامة أصحابه وباب يدعى باب عاتكة ويقال له باب الرحمة وباب يدخل منه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو باب آل عثمان اليوم أى المعروف اليوم بباب جبريل وهذان البابان لم يغيرا بعد صرف القبلة ولما صرفت سدّ الباب الذى كان خلفه وفتح هذا الباب حذاءه أى محاذاة المسدود خلف المسجد أى تجاهه فأقام عند أبى أيوب سبعة أشهر حتى أتمّ مسجده ومكنه ثم انتقل اليه* وفى خلاصة الوفاء روى يحيى عن خارجة بن زيد بن ثابت وهو أحد سبعة فقهاء المدينة وقد نظمهم البعض فى بيت واحد
ألا كل من لا يقتدى بأئمة ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجه
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجه
أنه قال بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبعين ذراعا فى ستين ذراعا ولبن لبنه من بقيع الخبجبة وجعل له جدارا وجعل سواريه شقة شقة وجعل وسطه رحبة وبنى بيتين لزوجتيه عائشة وسودة على نعت بناء المسجد من لبن وجريد النخل وكان باب عائشة مواجه الثنأم وكان بمصراع واحد من عرعر أوساج كذا ذكره ابن زبالة عن محمد بن هلال ولما تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم نساءه بنى لهنّ حجرا وهى تسعة أبيات قال أهل السير ضرب النبىّ صلّى الله عليه وسلم الحجرات ما بين بيت عائشة وبين القبلة والشرق الى الشأم ولم يضربها فى غربيه وكانت خارجة من المسجد مديرة به الا من الغرب وكانت أبوابها شارعة فى المسجد* وعن محمد بن هلال قال أدركت بيوت أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانت من جريد مستورة بمسوح الشعر مستطيرة الى القبلة والى الشرق والشأم ليس فى غربى المسجد شىء منها وفى دلائل النبوّة قال عطاء الخراسانى أدركت حجر أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود* وفى شرف المصطفى لابن الجوزى أن منازل أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانت كلها فى الشق الايسر الى وجه الامام فى وجه المنبر أى الى جهة الشأم وفى دلائل النبوّة قال محمد بن عمر كانت لحارثة بن النعمان منازل قرب المسجد حوله وكلما أحدث رسول الله صلّى الله عليه وسلم أهلا تحول له حارثة عن منزله حتى صارت منازله كلها لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ابن سعد أوصت سودة بيتها لعائشة وباع أولياء صفية بنت حيى بيتها من معاوية بمائة ألف وثمانين ألف درهم واشترى معاوية من عائشة منزلها بمائة ألف وثمانين ألفا وقيل ثمانية آلاف وشرطت سكناها(1/346)
حياتها وحمل اليها المال فما قامت من مجلسها حتى فرقته وقيل اشتراه ابن الزبير من عائشة وبعث اليها خمسة أجمال تحمل المال وشرط لها سكناها فى حياتها ففرقت المال فقيل لها لو خبأت منه درهما فقالت لو ذكرتمونى فعلت وتركت حفصة بيتها فورثه ابن عمر فلم يأخذ ثمنا فأدخل فى المسجد وأسند يحيى عن عيسى بن عبد الله عن أبيه أن بيت فاطمة رضى الله عنها فى الزور الذى فى المقبرة بينه وبين بيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم خوخة وذكر يحيى قال كان بيت فاطمة فى موضع مخرج النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكانت فيه كوّة الى بيت عائشة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا قام الى المخزج اطلع من الكوّة الى فاطمة فعلم خبرهم وأن فاطمة قالت لعلىّ ان ابنىّ أمسيا عليلين فلو نظرت لنا اذ ما نستصبح به فخرج علىّ الى السوق فاشترى لهم أدما وجاء به الى فاطمة فاستصبحت به فدخلت عائشة المخرج فى جوف الليل فأبصرت المصباح عندهم فذكر الراوى كلاما وقع بينهما فلما أصبحوا سألت فاطمة النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يسدّ الكوّة فسدّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأسند يحيى عقب ذلك قالت عائشة يا رسول الله تدخل الكنيف فلا نرى شيئا من الاذى فقال الارض تبلع ما يخرج من الانبياء من الاذى فلا يرى منه شىء أفاد يحيى أن المراد من المخرج موضع الكنيف وأفهم ذلك أن المخرج المذكور كان خلف حجرة عائشة بينها وبين بيت فاطمة وذلك يقتضى أن يكون محله فى الزوراء أعنى الموضع المزور شبيه المثلث فى بناء عمر بن عبد العزيز فى جهة الشأم وكان بابه فى المربعة التى فى القبر وعن سليمان قال مسلم لا تنس حظك من الصلاة اليها فانه باب فاطمة الذى كان علىّ يدخل اليها منه قال ابن النجار وبيت فاطمة اليوم حوله مقصورة وفيه محراب وهو خلف حجرة النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال السيد السمهودى المقصورة اليوم دائرة على بيت فاطمة وعلى حجرة عائشة والمحراب الذى ذكره خلف حجرة عائشة من جهة الزوراء بينه وبين موضع يحترمه الناس ولا يدوسونه بأرجلهم يذكر أنه موضع قبر فاطمة رضى الله عنها على أحد الاقوال* وأما الصفة بضم الصاد وتشديد الفاء فظلة فى مؤخر مسجد النبىّ صلّى الله عليه وسلم يأوى اليها المساكين على أشهر الاقوال كذا قاله القاضى عياض وقال الحافظ الذهبى ان القبلة قبل أن تحوّل كانت فى شمالى المسجد فلما حولت القبلة بقى حائط المسجد الاوّل مكان أهل الصفة وقال الحافظ ابن حجر الصفة مكان فى مؤخر المسجد النبوى مظلل أعدّ لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوّج منهم أو يموت أو يسافر وقد سرد أسماءهم أبو نعيم فى الحلية فزادوا على المائة* وروى البيهقى عن عثمان بن اليمان قال لما كثر المهاجرون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وسماهم أصحاب الصفة وكان يجالسهم ويؤانسهم وكان المسجد على هذه الهيئة فى عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يزد فيه أبو بكر شيئا ولما كان زمان خلافة عمر وكثر الناس وضاق المسجد عنهم وسعه عمر وزاد فيه ولم يغير فى جنس الآلة فبناه على ما بنى فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا* وفى تاريخ اليافعى أن زيادته كانت فى سنة سبع عشرة وذكر غيره أنه زاد فى هذه السنة فى المسجد الحرام ولم يتعرّض لتاريخ زيادة فى مسجد المدينة روى أن عمر جعل له ستة أبواب ثم غير عثمان فيه ووسعه وزاد فيه زيادات كثيرة وكان أوّل عمله فى شهر ربيع الاوّل سنة تسع وعشرين وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال محرم سنة ثلاثين فكان مدّة عمله عشرة أشهر قال أهل السير جعل عثمان طول المسجد مائة وستين ذراعا وعرضه مائة وخمسين ذراعا وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والجص وجعل عمده من حجارة منقوشة وجعل سقفه من خشب الساج وجعل أبوابه ستة كما كانت فى زمن عمر ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك بن مروان فى أيام خلافته
وجعله(1/347)
أوسع فجعل طوله مائتى ذراع وعرضه فى مقدّمه مائتين وفى مؤخره مائة وثمانين ذراعا وأدخل فيه بيوت أزواج النبى صلّى الله عليه وسلم المتصلة بالمسجد* قالوا هدم المسجد نائب الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز سنة احدى وتسعين وبناه بالحجارة المنقوشة ومكث فى بنائه ثلاث سنين وقد فرغ منه سنة ثلاث وتسعين وهى السنة التى عزل فيها عمر عن المدينة ثم زاد فيه المهدى العباسى مائة دراع من جهة الشأم فقط دون الجهات الثلاث الأخر وكان ابتداء زيادته سنة احدى وستين ومائة* قال ابن زبالة ويحيى فرغ من بنيان المسجد سنة خمس وستين ومائة ثم جدّده المأمون وزاد فيه واتفق بنيانه أيضا فى سنة ثنتين ومائتين والى يومنا هذا ابناء المأمون وللمسجد اليوم أربعة أبواب باب جبريل وباب النساء وأوّل من أحدثه فى المسجد عمر بن الخطاب حين زاد فيه وباب الرحمة وباب السلام واذا عرفت حال المسجد والزيادات والتغييرات الواقعة فيه فينبغى أن تعتنى على محافظة الصلوات فيما كان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فان الحديث الوارد فى فضيلة الصلاة فيه وهو صلاة فى مسجدى هذا أفضل أو خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام انما يتناول ما كان فى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لكن اذا صليت بالجماعة فالتقدّم الى الصف الاوّل ثم ما يليه أفضل كذا فى ايضاح المناسك للنووى وسيجىء قصة قصد الافرنج قبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الخاتمة فى خلافة المستنجد بالله فى سنة سبع وخمسين وخمسمائة ونذكر فى خلافة المستنجد بالله قصة قصد الروافض قبر صاحبيه لتناسب القصتين وان لم يذكر المحب الطبرى تاريخ الثانية ونذكر قصة احتراق المسجد النبوى مرّتين فى الخاتمة فى خلافة المعتصم بالله فى سنة أربع وخمسين وستماسة*
موت كلثوم بن الهدم
وفى هذه السنة مات كلثوم بن الهدم بن امرئ القيس بعد قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة بزمان قليل قبل موت أسعد بن زرارة فهو أوّل من مات من الانصار بعد قدوم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان شريفا كبير السنّ كان أسلم قبل قدومه صلّى الله عليه وسلم وهاجر ولما هاجر النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى المدينة نزل عليه هو وجماعة منهم أبو عبيدة عامر بن الجراح والمنذرين الاسود والخباب بن الارت*
اسلام عبد الله بن سلام
وفى هذه السنة فى أوّل قدومه صلّى الله عليه وسلم المدينة أسلم عبد الله بن سلام ويكنى أبا يوسف وكان اسمه فى الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام* وفى البخارى من حديث عائشة التصريح بأنه جاء قبل دخوله صلّى الله عليه وسلم دار أبى أيوب لما سمع بقدومه صلّى الله عليه وسلم ثم رجع الى أهله ثم قال عليه السلام لابى أيوب اذهب فهيئ لنا مقيلا فقال قوما على بركة الله أى هو وأبو بكر قالت فلما جاء نبىّ الله صلّى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال أشهد أنك رسول الله فأسلم وسيجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة معاوية فى سنة ثلاث وأربعين* وفى الاكتفاء كان من حديث عبد الله بن سلام واسلامه وكان حبرا عالما انه قال لما سمعت برسول الله صلّى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذى كنا نتوكف له فكنت مسرّا لذلك صامتا عليه حتى قدم المدينة فلما نزل بقباء فى بنى عمرو بن عوف أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا فى رأس نخلة لى أعمل فيها وعمتى خالدة بنت الحارث تحتى جالسة فلما سمعت بقدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم كبرت فقالت لى عمتى حين سمعت تكبيرتى خيبك الله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت فقلت لها أى عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به فقالت أى ابن أخى هو النبىّ الذى كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة فقلت لها نعم قالت فذاك اذا ثم رحت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلمت ثم رجعت الى أهلى فأمرتهم فأسلموا وكتمت اسلامى من يهود الى آخر ما يجىء من الحديث* قال أنس لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة أخبر عبد الله بن سلام بقدومه وهو بأرض يخترف فأتاه فقال انى سائلك عن أشياء لا يعلمها(1/348)
الا نبىّ فان أخبرتنى بها آمنت بك وان لم تعلمهنّ عرفت أنك لست بنبىّ قال وما هنّ فسأله عن الشبه وعن أوّل شىء يأكله أهل الجنة وعن أوّل شىء يحشر الناس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخبرنى بهنّ جبريل آنفا قال عبد الله ذاك عدوّ اليهود وسيجىء سبب عداوته فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أما الشبه فاذا سبق ماء الرجل ماء المرأة ذهب بالشبه واذا سبق ماء المرأة ماء الرجل ذهبت بالشبه وأما أوّل شىء يأكله أهل الجنة فزائدة كبد الحوت وأما أوّل شىء يحشر الناس فنار تجىء من قبل المشرق فتحشرهم الى المغرب فأمسك عبد الله وقال أشهد أنك لرسول الله وانك قد جئت بالحق وقد علمت يهود أنى سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فسلهم عنى قبل أن يعلموا أنى أسلمت فانهم ان يعلموا أنى قد أسلمت قالوا فىّ ما ليس فىّ فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهم فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فو الذى لا اله الا هو انكم لتعلمون أنى رسول الله حقا وانى قد جئتكم بحق فأسلموا قالوا ما نعلمه قال فأىّ رجل فيكم عبد الله بن سلام وفى الاكتفاء قال عبد الله بن سلام فأدخلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بعض بيوته ودخلوا عليه فكلموه وسألوه ثم قال لهم أى رجل حصين بن سلام فيكم قالوا ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا* وفى المشكاة خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا قال أفرأيتم ان أسلم قالوا حاشا الله ما كان ليسلم وفى المشكاة أعاذه الله من ذلك قال أفرأيتم ان أسلم قالوا حاشا الله ما كان ليسلم كرّر عليهم ثلاثا فيقولون له ذلك قال يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج فقال يا معشر اليهود اتقوا الله فو الذى لا اله الا هو انكم لتعلمون انه لرسول الله وانه لجاء بحق فقالوا كذبت* وفى رواية قالوا هو شرّنا وابن شرنا فأخرجهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال عبد الله هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وفى الاكتفاء قال فأظهرت اسلامى واسلام أهل بيتى وأسلمت عمتى خالدة فحسن اسلامها انتهى ونصبت أحبار اليهود العداوة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم بغيا وحسدا منهم حيى بن أخطب وأبو رافع الاعور وكعب بن الاشرف وعبد الله بن صوريا والزبير بن باطا وشمويل ولبيد بن الاعصم وغيرهم ودخل منهم جماعة فى الاسلام نفاقا وانضاف اليهم من الاوس والخزرج منافقون* وفى الكشاف روى أن عبد الله بن صوريا من أحبار فدك حاج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسأله عمن يهبط عليه بالوحى قال جبريل قال ذاك عدوّنا ولو كان غيره لآمنا بك وقد عادانا مرارا وأشدّها انه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخر به بخت نصر فبعثنا من يقتله وهو رجل من أقوياء بنى اسرائيل فلقيه ببابل غلاما مسكينا فدفعه عنه جبريل وقال ان كان ربكم أمره بهلاككم فانه لا يسلطكم عليه وان لم يكن اياه فعلى أى حق تقتلونه فصدّقه صاحبنا ورجع الينا وكبر بخت نصر وقوى وغزانا وحرق بيت المقدس وفى رواية قال أمره الله أن يجعل النبوّة فينا فجعلها فى غيرنا وفى رواية قال بعث جبريل الى أولاد اسرائيل فأدى الى أولاد اسماعيل* وفى القاموس عبد الله بن صوريا كبوريا من أحبار الشأم أسلم ثم كفر* وفى الحدائق عن أبى هريرة قال أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيت المدراس فقال أخرجوا الىّ أعلمكم فقام عبد الله بن صوريا فخلا به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فناشده بدينه وبما أنعم الله عليهم وأطعمهم من المنّ والسلوى وظللهم به من الغمام أتعلم انى رسول الله قال اللهم نعم وان القوم يعرفون ما أعرف فان صفتك ونعتك لمبين فى التوراة ولكنهم حسدوك قال فما يمنعك أنت قال أكره خلاف قومى وعسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم*
موت أسعد بن زرارة
وفى هذه السنة وقيل فى السنة الثانية مات أسعد بن زرارة بالذبحة وهو أحد النقباء الاثنى عشر فى ليلة العقبة وبيعتها مات قبل أن يفرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بناء مسجده ودفن بالبقيع والانصار يقولون هو أوّل من دفن بالبقيع والمهاجرون(1/349)
يقولون أوّل من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون وكان عثمان رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلم توفى فى شعبان على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة وقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم خدّه وسماه السلف الصالح وعن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل عثمان بن مظعون وهوميت قالت فرأيت دموع رسول الله صلّى الله عليه وسلم تسيل على خدّ عثمان بن مظعون كذا فى الصفوة ويمكن الجمع بأن أوّل من دفن بالبقيع من الانصار أسعد بن زرارة ومن المهاجرين عثمان بن مظعون*
ابتداء خدمة أنس
وفى هذه السنة كان ابتداء خدمة أنس لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الوفاء كانت الانصار يتقرّبون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهدايا رجالهم ونساؤهم وكانت أمّ سليم تتأسف على ذلك وما كان لها شىء فجاءت بابنها أنس وقالت يخدمك أنس يا رسول الله قال نعم والذى فى الصحيح عن أنس قال قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم وأخذ أبو طلحة بيدى فانطلق بى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان أنسا غلام كيس فليخدمك قال فخدمته عشر سنين الحديث وقد يجمع بأنّ أمّ سليم جاءت به أوّلا وانطلق به ابو طلحة ثانيا لانه وليه وعصبته وهذا غير مجيئه به لخدمته فى غزوة خيبر كما يفهمه لفظ الحديث*
الزيادة فى صلاة الحضر
وفى هذه السنة بعد شهر من مقدمه صلّى الله عليه وسلم لاثنتى عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل وفى سيرة مغلطاى من ربيع الآخر قال الدولابى يوم الثلاثاء وقال السهيلى بعد الهجرة بعام أو نحوه زيد فى صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها وصلاة المغرب لانها وتر النهار وأقرت صلاة السفر وتركت على الفريضة الاولى* وفى سيرة مغلطاى وكانت الصلاة قبل الاسراء صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها انتهى وقيل انما فرضت أربعا ثم خففت عن المسافر ويدل عليه حديث ان الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وقيل انما فرضت فى الحضر أربعا وفى السفر ركعتين وهو قول ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم فى الحضر أربعا وفى السفر ركعتين رواه مسلم وغيره كذا فى المواهب اللدنية وفى الوفاء الذى عليه الاكثرون ان الصلاة نزلت بتمامها من بدء الامر والله أعلم*
وعك أبى بكر والصحابة
وفى هذه السنة وعك ابو بكر وغيره من الصحابة* فى المواهب اللدنية أورد وعك أبى بكر قبل بناء المسجد روى ان هواء المدينة كان عفنا وخما يكون فيها الوباء وكانت مشهورة بالوباء فى الجاهلية فادا دخلها غريب فى الجاهلية يقال له ان أردت أن تسلم من الوعك والوباء فانهق نهق الحمار فادا فعل سلم فاستوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق أمزجتهم فمرض كثير من الغرباء وضعفوا حتى لم يقدروا على الصلاة قياما وكان المشركون والمنافقون يقولون أضناهم حمى يثرب* وفى سنن النسائى وسيرة ابن هشام ان الصدّيق لما قدم المدينة أخذته الحمى وعامر بن فهيرة وبلالا قالت عائشة فدخلت عليهم وهم فى بيت واحد قبل أن يضرب علينا الحجاب فقلت يا أبت كيف أصبحت فقال* كل امرئ مصبح فى أهله* والموت أدنى من شراك نعله* ففلت انالله ان أبى ليهذى فقلت لعامر كيف تجدك فقال* لقد وجدت الموت قبل ذوقه* والمرء يأتى موته من فوقه* وفى رواية ان الجبان موته من فوقه* كل امرئ مجاهد بطوقه* كالثور يحمى أنفه بروقه* الطوق الطاقة والروق القرن قالت فقلت هذا والله لا يدرى ما يقول ثم قلت لبلال كيف أصبحت وكان بلال اذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة ... بواد وحولى اذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة ... وهل يبدون لى شامة وطفيل
ثم يقول اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا الى أرض الوباء المراد بالوادى وادى مكة وفى رواية بفخ بتشديد الخاء المعجمة واد بمكة ومجنة سوق بأسفل مكة وجليل نبت(1/350)
ضعيف وشامة وطفيل بكسر الفاء جبلان مشرفان على مجنة* وفى المواهب اللدنية شامة وطفيل عينان بقرب مكة قالت عائشة فدخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته فقال اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة أو أشدّ حبا وصححها وبارك لنا فى صاعها ومدّها وانقل حماها الى مهيعة وهى الجحفة وفى هذا وقولها قبل أن يضرب علينا الحجاب اشعار بأن وعك أبى بكر وصاحبيه كان بعد بناء المسجد انتهى فأجاب الله لنبيه دعاءه فجعل هواءها صحيحا موافقا لامزجة الغرباء ونقل وباءها وحماها وعفونة هوائها الى جحفة وهى يومئذ كانت دار اليهود ولم يكن بها مسلم يقال كانت لا يدخلها أحد الاحمّ وفى الصفوة كان المولود يولد بالجحفة فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى كذا فى الصحيحين ولهذا عدلوا الطريق الى رابغ* وعن عبد الله بن عمر أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال رأيت امرأة وفى رواية كانّ امرأة ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت* وفى رواية حتى أقامت بمهيعة فأوّلتها ان وباء المدينة نقل الى مهيعة وهى الجحفة* وفى القاموس مهيعة كمرحلة ويقال مهيعة كمعيشة كلتاهما بالمثناة التحتية اسم للجحفة* وفى تشويق الساجد الجحفة بضم الجيم واسكان الحاء قرية خربة تسمى مهيعة على نحو خمس مراحل من مكة وهى ميقات أهل الشأم ومصر والمغرب وهى بقرب رابغ بالغين المعجمة ومحاذية له على يسار الذاهب الى مكة* وفى معجم ما استعجم بين الجحفة والبحر نحو ستة أميال وغدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة يسرة عن الطريق وهذا الغدير تصب فيه عين ماء وحوله شجر كثير ملتف وهى الغيضة التى تسمى خم وبغدير خم قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لعلىّ من كنت مولاه فعلىّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وكان ذلك منصرفه من حجة الوداع
*
اسلام سلمان الفارسى
وفى هذه السنة أسلم سلمان الفارسى وفى رواية فى جمادى الاولى منها روى أن سلمان كان رجلا فارسيا من أهل أصفهان من قرية يقال لها خبى وكان أبوه مجوسيا دهقان قريته وكان يحبه وكان يحبسه فى بيته كما تحبس الجارية فى بيتها فوّض اليه أمرا يقاد النار وتعهدها وكانت لابيه ضيعة عظيمة فشغل يوما فى بنيان له عن أمر الضيعة وأرسل سلمان اليها فأمره فيها ببعض ما يريد فخرج سلمان يريد الضيعة فمرّ بكنيسة من كنائس النصارى فسمع أصواتهم فيها وهم يصلون فدخل عليهم ينظر ما يصنعون فلما رآهم أعجبته صلاتهم ورغب فى أمرهم فقال هذا والله خير من الذى نحن عليه فمكث عندهم حتى غربت الشمس وترك ضيعة أبيه فسألهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشأم ثم رجع الى أبيه فسأله أبوه أين كنت يا بنى قال مررت بقوم يصلون فى كنيسة لهم أعجبنى ما رأيته من دينهم قال أى بنى ليس ذاك الدين خيرا من دينك ودين آبائك قال كلا والله انه لخير من ديننا فخافه فجعل فى رجله قيدا ثم حبسه فى بيته فبعث سلمان دسيسا الى النصارى فقال لهم اذا قدم عليكم من الشام ركب تجار من النصارى فأخبرونى بهم فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروه بقدوم التجار وارادتهم الرجوع الى الشأم فألقى سلمان الحديد من رجله ثم خرج معهم حتى قدم الشأم وسأل من أفضل أهل هذا الدين فقالوا الأسقف فى الكنيسة فجاء فأقام عنده فخدمه حتى مات وكان رجل سوء فلما مات هو نصبوا مكانه رجلا آخر فأقام سلمان عنده فلما حضرته الوفاة أوصى به الى رجل بالموصل فلحق سلمان بصاحب الموصل فأقام عنده وخدمه ولما حضرته الوفاة أوصى به الى رجل من نصيبين فلحق سلمان بصاحب نصيبين وأقام عنده وخدمه ولما حضرته الوفاة أوصى به الى رجل بعمورية فلحق سلمان بصاحب عمورية وأقام عنده واكتسب بها فحصل له بقرات وغنيمات فلما حضرته الوفاة استوصاه سلمان فقال له يا بنى والله ما أعلم أحدا من الناس فيه خير ومعرفة بهذا الدين آمرك أن تأتيه ولكن أظلك زمان نبىّ هو مبعوث بدين ابراهيم عليه السلام يخرج بأرض العرب يهاجر الى أرض بين حرّتين بينهما(1/351)
نخل به علامات ظاهرة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوّة فان استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ثم مات ومكث سلمان بعمورية ما شاء الله ثم مرّ به نفر من بنى بكر أو بنى كلب فقال لهم أتحملوننى الى أرض العرب أعطيكم بقراتى هذه وغنيماتى قالوا نعم فأعطاهم اياها فحملوه حتى اذا قدموا به وادى القرى باعوه من يهودى فأقام سلمان عنده ورأى بها النخل فرجا أن يكون البلد الذى وصف له صاحبه بعمورية فبينما هو عنده اذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بنى قريظة فاشتراه منه فاحتمله الى المدينة فقال سلمان فو الله لما رأيتها عرفتها بوصف صاحبى بعمورية فأقام بها سلمان فبعث الله رسوله بمكة فأقام بها ما أقام لم يسمع له سلمان ذكرا مع ما به من شغل سيده وخدمته ثم هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة فبينما كان سلمان فى رأس نخل لسيده يعمل فيه بعض العمل وسيده جالس تحت النخل اذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بنى قيلة يعنى الانصار والله انهم الآن مجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون انه نبىّ قال سلمان فلما سمعتها أخذتنى العرواء أى الرعدة حتى ظننت انى ساقط على سيدى فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول فغضب سيدى فلكمنى لكمة شديدة ثم قال مالك ولهذا أقبل على عملك قلت لا شىء انما أردت أن استبثه عما قال وقد كان عند سلمان شىء من الرطب قد جمعه فلما أمسى اخذه ثم ذهب به الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو بقباء ثم دخل عليه فقال له انه قد بلغنى أنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة وهذا شىء كان عندى للصدقة فرأيتكم احق به من غيركم فقرّبه منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل فقال سلمان فى نفسه هذه واحدة ثم انصرف عنه وجمع شيئا وتحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قباء الى المدينة فجاءه سلمان به فقال انى رأيتك لا تأكل صدقة وهذه هدية اكرمتك بها فأكل وأمر اصحابه فأكلوا منها فقال سلمان فى نفسه هاتان اثنتان ثم جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد وقد تبع جنازة رجل من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس فى أصحابه فسلم عليه ثم استدار خلفه ينظر الى ظهره هل يرى الخاتم الذى وصفه له صاحبه بعمورية فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلم استدبر عرف انه يستثبت فى شىء وصف له فألقى رداءه عن ظهره فنظر الى الخاتم فانكب عليه يقبله ويبكى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تحوّل فتحوّل فقص عليه قصته فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه فأسلم سلمان* وفى شواهد النبوّة لما جاء سلمان الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ليسلم لم يفهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم كلامه فطلب ترجمانا فأتى بتاجر من اليهود كان يعلم الفارسية والعربية فمدح سلمان النبىّ صلّى الله عليه وسلم وذمّ اليهود فغضب اليهودى وحرّف الترجمة فقال ان سلمان يشتمك فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا الفارسى جاء ليؤذينا فنزل جبريل وترجم كلام سلمان فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذلك لليهودى فقال يا محمد اذا كنت تعرف الفارسية فما حاجتك الىّ قال ما كنت أعلمها قبل فالآن علمنى جبريل أو كما قال فقال اليهودى يا محمد قد كنت قبل هذا أتهمك فالآن تحقق عندى أنك رسول الله فقال أشهد أن لا اله الا الله وأشهد انك رسول الله ثم قال النبىّ لجبريل علم سلمان العربية قال قل له ليغمض عينيه وليفتح فاه ففعل سلمان فتفل جبريل فى فيه فشرع سلمان يتكلم بالعربى الفصيح* قال ثم شغل سلمان الرق حتى فاته بدر وأحد حتى عتق فى السنة الخامسة من الهجرة كما سيجىء فى الموطن الخامس*
ذكر المواخاة بين المهاجرين والانصار
وفى هذه السنة بعد قدوم النبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وهو يبنى المسجد وقيل بعده وقيل قبله* وفى أسد الغابة بعد ثمانية أشهر آخى بين المهاجرين والانصار فقعدوا عقد المواخاة والمعاونة(1/352)
والمواساة وقيل كتبوا فيه كتابا وكان ذلك فى دار أنس* وفى رواية كان فى المسجد على ان يتوارثوا بعد الممات دون ذوى الارحام وكانوا تسعين رجلا خمسة وأربعون من المهاجرين وخمسة وأربعون من الانصار والتأم شمل الحيين الاوس والخزرج ببركة النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد ما كان بينهما أمور عظام ومخالفات كثيرة وما وجدنا فى الكتب من أساميهم هذه أبو بكر بن أبى قحافة مع خارجة ابن زيد الانصارى اخى الحارث بن الخزرج وعمر بن الخطاب مع عتبان بن مالك الانصارى الخزرجى وعثمان بن عفان مع أوس بن ثابت الانصارى وابو عبيدة بن الجراح اسمه عامر بن عبد الله مع سعد بن معاذ سيد الاوس الانصارى الاشهلى والزبير بن العوام مع سلمة بن سلام الانصارى الاشهلى وطلحة ابن عبيد الله مع كعب بن مالك الانصارى اخى بنى سلمة وعبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع الانصارى اخى الحارث بن الخزرج وسلمان الفارسى مع ابى الدرداء عويمر بن ثعلبة الانصارى اخى بلحارث بن الخزرج* وقال ابن هشام عويمر بن عامر ويقال عويمر بن زيد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل مع أبى بن كعب الانصارى أخى بنى النجار ومصعب بن عمير بن هاشم مع أبى أيوب خالد بن زيد الانصارى النجارى وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة مع عباد بن بشر الانصارى الاشهلى وعمار بن ياسر مع حذيفة بن النجار الانصارى اخى بنى عبس ويقال بل عمار بن ياسر مع ثابت بن قيس بن شماس الانصارى أخى بلحارث بن الخزرج وأبوذر وقد اختلف فى اسمه ونسبه اختلافا كثيرا فقيل جندب ابن جنادة ويقال بريد بن جندب ويقال برير ويقال بر بن جنادة كذا قاله ابن اسحاق وقيل بريد بن جندب أيضا عن ابن اسحاق ويقال جندب بن عبد الله ويقال جندب بن سكن ويقال غير ذلك والمشهور المحفوظ جندب بن جنادة الغفارى كذا فى الاستيعاب وأسد الغابة وقال ابن هشام سمعت غير واحد من العلماء يقول أبو ذرّ جندب بن جنادة انتهى مع المنذر بن عمرو الانصارى أخى بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج قاله ابن اسحاق وحاطب بن أبى بلتعة اللخمى حليف بنى أسد بن عبد العزى مع عويمر بن ساعدة أخى بنى عمرو بن عوف وجعفر بن أبى طالب مع معاذ بن جبل اخى بنى سلمة قاله ابن اسحاق وقال ابن هشام وكان جعفر بن أبى طالب يومئذ غائبا بأرض الحبشة وبلال المؤذن مولى أبى بكر مع أبى رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمى هذا هو المشهور بين المؤرّخين* ونقل الشيخ ابن حجر فى شرح صحيح البخارى عن ابن عبد البر أنه كانت المؤاخاة مرّتين الاولى قبل الهجرة بمكة بين المهاجرين خاصة روى الحاكم ابن عبد الله النيسابورى حديثا يدل على ما قاله ابن حجر وهو حديث أبى عمرو قال آخى النبىّ عليه الصلاة والسلام بين أبى بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف وفى رواية بين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة فقال على يا رسول الله آخيت بين أصحابك فمن أخى قال أنا أخوك وفى رواية أنت أخى فى الدنيا والآخرة وهؤلاء كلهم من المهاجرين والثانية ما تقدّم من المؤاخاة بين المهاجرين والانصار وكانت هذه المؤاخاة قبل وقعة بدر ولما وقعت وقعة بدر أنزل الله تعالى وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وانقطعت المؤاخاة فى الميراث ورجع كل انسان الى نسبه وورثه ذوو رحمه*
ذكر موادعة اليهود
وفى هذه السنة بعد ما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وادع اليهود وعاهدهم وأقرّهم على دينهم وأموالهم واشترط عليهم أن لا يعينوا عليه أحدا وان دهمه بها عدوّ نصروه
موت العاص بن وائل من مشركى مكة
وفى هذه السنة مات من مشركى مكة بمكة العاص بن وائل السهمى والوليد بن المغيرة روى عن الشعبى لما احتضر الوليد بن المغيرة جزع فقال له أبو جهل يا عم ما يجزعك قال والله ما بى من جزع من الموت ولكنى أخاف أن يظهر دين ابن أبى كبشة بمكة قال أبو سفيان لا تخف أنا ضامن أن لا يظهر وفى هذه السنة ولد زياد بن(1/353)
أبية وقتل كسرى النعمان بن المنذر وتوفى أبو لهب وولد المسور بن مخرمة كذا فى سيرة مغلطاى
بعت زيد بن حارثة الى مكة
وفى هذه السنة بعث رسول الله زيد بن حارثة وأبا رافع وأعطاهما خمسمائة درهم وبعيرين فقد ما عليه بفاطمة وأمّ كلثوم بنتيه وسودة زوجته وأمّ أيمن زوج زيد بن حارثة واسامة بن زيد وخرج عبد الله بن ابى بكر معهم بعيال ابى بكر وهم عائشة وامّها امّ رومان واختها اسماء زوج الزبير وهى حامل بعبد الله ابن الزبير فولدته بقباء قبل نزولهم المدينة فكان اوّل مولود ولد من المهاجرين بالمدينة كما سيجىء وقال رزين ان ابا بكر ارسل عبد الله بن اريقط مع زيد بن حارثة ليأتيه بعائشة وامّ رومان أمّها وعبد الرحمن وقال بعضهم ووجدوا طلحة بن عبيد الله على خروج فخرج معهم فقدموا كلهم فلما قدموا المدينة انزلهم فى بيت حارثة بن النعمان*
ولادة النعمان بن بشير وعبد الله بن الزبير
وفى هذه السنة ولد النعمان بن بشير وهو اوّل مولود ولد فى الاسلام من الانصار وفى هذه السنة ولد عبد الله بن الزبير* وفى الوفاء جاءت امّه اسماء بنت ابى بكر بعد الهجرة فنفست به بقباء فى شوّال فى السنة الاولى من الهجرة* وقال الذهيى تبعا للواقدى انه ولد فى شوّال سنة اثنتين كذا اورد فى المواهب اللدنية وتاريخ اليافعى* وفى اسد الغابة ولد عبد الله بن الزبير بالمدينة على رأس عشرين شهرا من الهجرة وقيل فى السنة الاولى وسيجىء قتله فى الخاتمة* وقال الحافظ ابن حجر المعتمد انه ولد فى السنة الاولى للحديث المتفق عليه* وفى بعض الكتب ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا وهو أوّل مولود ولد للمهاجرين بالمدينة بعد الهجرة أذن أبو بكر فى أذنه وكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وكانوا قد تحدّثوا فيما بينهم بأنّ اليهود قد سحرتهم وقيل انّ اليهود قالت انا سحرناهم فلا يولد لهم مولود فكذبهم الله ففرح المسلمون بولادته وكان تكبيرهم حين الولادة للفرح* وفى الرياض النضرة ان أسماء لما هاجرت الى المدينة كانت حبلى به فنزلت بقباء فولدته هناك ثم خرجت حتى أتت به النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو جالس فوضعته فى حجره ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل فى فيه ثم حنكه بها ودعا له بالبركة وكان أوّل ما دخل فى جوفه ريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا فى المشكاة* وعن عائشة أنّ أمّه أسماء لما ولدته أتت به رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليحنكه فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلم منها فوضعه فى حجره قالت عائشة فمكثنا ساعة نلتمسها يعنى تمرة قبل أن نجدها فمضغها ثم بصقها فى فيه فأوّل شىء دخل بطنه ريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت أسماء ثم مسحه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسماه عبد الله ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمره بذلك الزبير فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا ثم بايعه أخرجه البخارى كذا فى الرياض النضرة* وفى حياة الحيوان روى السهيلى انه لما ولد عبد الله بن الزبير نظر اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال هو هو فلما سمعت بذلك أسماء أمسكت عن ارضاعه فقال لها النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرضعيه ولو بماء عينيك كبش بين الذئاب ذئاب عليها ثياب ليمنعن البيت أو ليقتلن دونه* وذكر الدار قطنى وغيره أعطى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابن الزبير وهو غلام دم محاجمه ليدفنه فشربه فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم من خالط دمه دمى لم تمسه النار ويل لك من الناس وويل للناس منك* أورده فى النجم الوهاج والقاضى عياض فى الشفاء* وفى المواهب اللدنية عن ابن الزبير قال احتجم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال اذهب فغيبه فذهبت به فشربته فأتيته فقال ما صنعت قلت غيبته قال لعلك شربته قلت نعم قال ويل لك من الناس وويل للناس منك وفيه دلالة على طهارة بوله ودمه صلّى الله عليه وسلم* وفى الرياض النضرة لا تمسك النار الاقسم اليمين وكان أطلس عديم اللحية ولا شعر فى وجهه وكان صوّاما قوّاما طويل الصلاة وصولا للرحم عظيم المجاهدة والشجاعة ومن مجاهدته المنقولة انه كان يحيى الدهر أجمع ليلة قائما(1/354)
حتى الصباح وليلة راكعا حتى الصباح وليلة ساجدا حتى الصباح وكان يواصل الصوم سبعا ويصوم يوم الجمعة فلا يفطر الا ليلة الجمعة الاخرى ويصوم بالمدينة ولا يفطر الا بمكة ويصوم بمكة ولا يفطر الا بالمدينة وبينهما مائتا ميل كذا فى معجم ما استعجم وكان أوّل ما يفطر عليه لبن لقحة بسمن بقر وصبر كذا فى الصفوة*
شجاعة عبد الله بن الزبير
ومن شجاعته المنقولة ما ذكره الذهبى فى دول الاسلام انّ عثمان فى خلافته لما عزل نائب مصر عمرو بن العاص واستعمل عليها عبد الله بن أبى سرح سار عبد الله بالجيوش الى المغرب فالتقى هو والكفار وهم نحو مائتى ألف وملكهم جرجير وكان المصاف بسيطلة بقرب مدينة القيروان فقتل جرجير ونزل النصر وكانت وقعة هائلة عظيمة بحيث طلع سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار من الغنيمة وكيفيتها ما قال مصعب بن الزبير حدّثنى أبى والزبير بن حبيب قالا قال عبد الله بن الزبير هجم علينا جرجير فى مائة وعشرين ألفا واختلف الجند على ابن أبى سرح وخافوا كثرة العدد وأحاط بنا العدوّ وكنا عشرين ألفا فرأيت أنا غرة من جرجير بصرت به خلف جيوشه على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس بينه وبين عسكره فلاة من الارض فأتيت أميرنا ابن أبى سرح فندب لى فرسانا فاخترت منهم ثلاثين وقلت لهم اثبتوا هنا وحملت على جرجير وقلت احمو الى ظهرى وخرجت الى جرجير وهو يظن انى رسول اليه فلما دنوت منه عرف الشر فوثب على برذونه وساق موليا فأدركته فطعنته فسقط ثم ضربته بالسيف ونصبت رأسه على رمحى وكبرت وقد كبر المسلمون فحملوا وركينا أكتاف العدوّ وتمزقوا وذلك بشجاعة عبد الله بن الزبير رضى الله عنه وسيجىء خلافته فى الخاتمة فى سنة أربع وستين وقتله فى سنة ثلاث وسبعين*
قصة فاطمة بنت النعمان
وفى هذه السنة ما روى انه كانت امرأة من بنى النجار يقال لها فاطمة بنت النعمان كان لها تابع من الجنّ وكان يأتيها فأتاها بعد ما هاجر النبىّ عليه الصلاة والسلام الى المدينة فانقض على الحائط فقالت له ما لك لا تأتى كما كنت تأتى قال جاء النبىّ الذى يحرم الزنا والحرام*
تكلم الذئب
وفى هذه السنة تكلم ذئب خارج المدينة ينذر برسول الله عليه الصلاة والسلام* عن أبى هريرة أنه قال جاء ذئب الى غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعى حتى انتزعها منه فصعد الذئب على تل فاقعى واستنفر وقال عمدت الى رزق رزقنيه الله انتزعته منى فقال الرجل بالله ان رأيت كاليوم ذئب يتكلم قال الذئب أعجب من هذا رجل فى النخلات بين الحرّتين يخبركم بما مضى وما هو كائن عندكم وكان الراعى يهوديا فجاء الى النبىّ عليه الصلاة والسلام فأخبره خبره وصدّقه النبىّ عليه الصلاة والسلام وقال انها أمارة من أمارات بين يدى الساعة أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه بما أحدث أهله بعده* وفى حياة الحيوان قال ابن عبد البركام الذئب من الصحابة ثلاثة رافع بن عمير وسلمة بن الاكوع واهبان بن أوس*
ابتداء الغزوات
وفى هذه السنة ابتداء الغزوات* اعلم انه جرت عادة المحدّثين وأهل السير واصطلاحاتهم غالبا بأن يسموا كل عسكر حضره النبىّ صلّى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة غزوة وما لم يحضره بل أرسل بعضا من أصحابه الى العدوّ سرية وبعثا* وأفاد فى فتح البارى أن السرية بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية هى التى تخرج بالليل والسارية التى تخرج بالنهار وقيل سميت بذلك يعنى السرية لانها تخفى ذهابها وهذا يقتضى انها أخذت من السر ولا يصح لاختلاف المادّة وهى قطعة من الجيش تخرج منه وتعود اليه كذا فى المواهب اللدنية* وفى القاموس السرية من خمسة أنفس الى ثلثمائة أو أربعمائة* وفى المواهب اللدنية من مائة الى خمسمائة فما زاد على خمسمائة يقال له منسر بالنون ثم المهملة وفى السامى فى الاسامى المنسر والمقنب من الثلاثين الى الاربعين* وفى المواهب اللدنية فان زاد على ثمانمائة يسمى جيشا فان زاد على أربعة آلاف يسمى جحفلا والخميس الجيش العظيم الكثير وكذا المجر والمدهم والعرمرم كذا(1/355)
فى سامى الاسامى وفى المواهب اللدنية وما افترق من السرية يسمى بعثا والكثيبة والفيلق ما اجتمع ولم ينتشر* وفى سر الادب فى ترتيب العساكر عن أبى بكر الخوارزمى عن ابن خالويه أقل العساكر الجريدة وهى قطعة جردت من سائرها لوجه مّا ثم السرية أكثر منها وهى من خمسين الى أربعمائة ثم الكثيبة وهى من مائة الى ألف ثم الجيش وهو من ألف الى أربعة آلاف وكذلك العريق والجحفل ثم الخميس وهو من أربعة آلاف الى اثنى عشر ألفا والعسكر يجمعها* وجملة غزواته التى غزاها عليه السلام بنفسه مختلف فيها ففى سيرة اليعمرى وابن هشام والاكتفاء والمواهب اللدنية سبع وعشرون كما قاله ابن اسحاق غزوة ودان وهى غزوة الابواء ثم غزوة بواط من ناحية رضوى ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع ثم غزوة بدر الصغرى الاولى بطلب كرز بن جابر ثم غزوة بدر الكبرى القتال ثم غزوة بنى سليم حتى بلغ الكدر ثم غزوة السويق لطلب أبى سفيان بن حرب ثم غزوة غطفان وهى غزوة ذى أمر ثم غزوة بحران معدان بالحجاز ثم غزوة أحد ثم غزوة حمراء الاسد ثم غزوة بنى النضير ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ثم غزوة بدر الأخرى ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة الخندق ثم غزوة بنى قريظة ثم غزوة بنى لحيان من هذيل ثم غزوة ذى قرد ثم غزوة بنى المصطلق من خزاعة وهى غزوة المرييسع ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصدّه المشركون ثم غزوة خيبر ثم غزوة عمرة القضاء ثم غزوة الفتح ثم غزوة حنين ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوك قاتل صلّى الله عليه وسلم فى تسع غزوات منها بدر وأحد والخندق وبنى قريظة وبنى المصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف وهذا الترتيب عن ابن اسحاق وخالفه ابن عقبة فى بعضه كذا فى الاكتفاء وسيرة ابن هشام وسيجىء بالتفصيل ان شاء الله تعالى* وقيل جميع غزواته أربع وعشرون وقيل احدى وعشرون وقيل تسع عشرة غزوة* وفى خلاصة السير للمحب الطبرى وجملة المشهور منها اثنتان وعشرون غزوة* وقال ابن اسحاق وأبو معشر وموسى بن عقبة وغيرهم المشهور انه غزا خمسا وعشرين غزوة بنفسه* وفى عمدة المعانى وأسد الغابة وكانت جملة غزواته ستا وعشرين غزوة وقاتل فى تسع منها أوفى اثنتى عشرة وهى بدر وأحد والمريسيع والخندق وبنو قريظة وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف هذا على قول من قال فتحت مكة عنوة* وفى سيرة اليعمرى قاتل منها فى سبع وعدّ ما عدا خيبر وفتح مكة* وفى الصفوة قاتل أيضا بوادى القرى وبنى النضير* وفى خلاصة الوفاء البعوث والسرايا خمسون أو نحوها وكذلك فى سيرة اليعمرى* وفى المواهب اللدنية وكانت سراياه التى بعث بها سبعا وأربعين سرية وفى موضع آخر منه فجميع سراياه وبعوثه نحو ستين ومغازيه سبع وعشرون* وفى الاكتفاء وسيرة ابن هشام وكانت بعوثه وسراياه ثمانية وثلاثين ما بين بعث وسرية* وفى أسد الغابة لابن الاثير خمسة وثلاثين واختلف أيضا فى أوّل الغزوات فمحمد بن اسحاق وجماعة على ان أوّلها غزوة الابواء ثم بواط ثم العشيرة* وروى البخارى أيضا فى صحيحه عن ابن اسحاق بهذا الترتيب ورجحه الحافظ ابن حجر فى فتح البارى شرح صحيح البخارى وقيل أوّل ما غزا العشيرة*
بعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر
وفى رمضان هذه السنة على رأس سبعة أشهر من الهجرة وقيل فى ربيع الاوّل سنة ثنتين بعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر وكان أوّل بعوثه عليه السلام قال ابن اسحاق بعث رسول الله حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر من ناحية العيص فى ثلاثين راكبا من المهاجرين قيل ومن الانصار وفيه نظر لانه لم يبعث من الانصار حتى غزابهم بدرا ليتعرّض عير قريش فلقى أبا جهل بالساحل فى ثلثمائة راكب من أهل مكة فلما تصافوا حجز بينهما مجدى بن عمرو الجهنى وكان موادعا للفريقين حليفا لهما ثم انصرفوا من غير قتال وكان حامل لواء حمزة أبو مرثد الغنوى* وفى المواهب اللدنية وكان عليه السلام قد عقد له لواء أبيض واللواء هو(1/356)
العلم الذى يحمل فى الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش وقد يدفعه الى مقدم العسكر وقد صرّح جماعة من أهل اللغة بترادف اللواء والراية لكن روى أحمد والترمذى عن ابن عباس كانت راية رسول الله صلّى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض ومثله عن الطبرانى عن بريدة وعن ابن عدى عن أبى هريرة وزاد مكتوب فيه لا اله الا الله محمد رسول الله وهو ظاهر فى التغاير ولعل التفرقة بينهما عرفية* وذكر ابن اسحاق وكذا أبو الاسود عن عروة أنّ أوّل ما حدثت الرايات يوم خيبر وما كانوا يعرفون قبل ذلك الا الاولوية انتهى وهكذا قدم بعضهم سرية حمزة هذه على سرية عبيدة وقال لواء حمزة أوّل لواء عقد فى الاسلام* وقال المداينى أوّل سرية بعثها رسول الله صلّى الله عليه وسلم سرية حمزة بن عبد المطلب فى ربيع الاوّل من سنة اثنتين الى سيف البحر من أرض جهينة خرجه أبو عمرو وصاحب الصفوة ولفظه أوّل لواء عقد رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحمزة حين قدم المدينة* وقال ابن اسحاق ان ذلك لعبيدة بن الحارث واليه أشار ابن هشام فى سيرته وانما اشتبه ذلك على الناس لان بعثه وبعث عبيدة كانا معا والنبىّ صلّى الله عليه وسلم شيعهما جميعا فأشكل أمرهما فكل من قال ذلك فى واحد منهما فهو صادق كذا فى ذخائر العقبى وهذا يشكل بقوله ان بعث عبيدة كان على رأس ثمانية أشهر لكن يحتمل أن يكون صلّى الله عليه وسلم عقد رايتهما معا ثم تأخر خروج عبيدة الى رأس الثمانية لامر اقتضاه والله أعلم* وقال أبو عمرو ان أوّل راية عقدت لعبد الله بن جحش* وفى شوّال هذه السنة على رأس ثمانية أشهر كانت سرية عبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف بن قصى الى بطن رابغ بالغين المعجمة ويعرف بودّان*
سرية عبيدة بن الحارث الى بطن رابغ
روى انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم عقد لواء أبيض لابن عم عبد المطلب عبيدة بن الحارث بن المطلب وأمره على ستين رجلا من المهاجرين ليس فيهم من الانصار واحد وقد مرّ الخلاف فى انه أوّل راية راية حمزة وكان حامل اللواء مسطح بن اثاثة ورمى فيها سعد بن أبى وقاص بسهم فكان أوّل سهم رمى به فى الاسلام وكان ذلك قبل غزوة الابواء على القول الراجح وأوردها ابن هشام فى سيرته والكلاعى فى الكتفاء بعد غزوة الابواء فى السنة الثانية فى ربيع الاوّل حيث قال ثم رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى من غزوة الابواء الى المدينة فأقام بها بقية صفر وصدرا من شهر ربيع الاوّل وبعث فى مقامه ذلك عبيدة ابن الحارث وقيل بعثه من الابواء وذكر أبو الاسود فى مغازيه عن عروة انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما وصل الى الابواء بعث عبيدة بن الحارث فى ستين رجلا وذكر القصة فيكون ذلك فى السنة الثانية وبه صرّح بعض أهل السير* وفى سيرة ابن هشام بعثه حين أقبل من غزوة الابواء قبل أن يصل الى المدينة فسار حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرّة فلقى جمعا عظيما من قريش وكان أميرا على المشركين أبو سفيان بن حرب وقيل عكرمة بن أبى جهل وقيل مكرز بن حفص فترموا بالنبل وكان أوّل من رمى فى وجوه المشركين بسهم سعد بن أبى وقاص كما مرّ ولم يقع بينهم ضرب السيوف فظنّ المشركون ان للمسلمين مددا فخافوا وانهزموا ولم يتبعهم المسلمون فانحاز من المشركين الى المسلمين رجلان المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان المازنى وكانا مسلمين لكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار الى المسلمين*
بناؤه عليه السلام بعائشة
وفى هذه السنة بنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعائشة بنت أبى بكر الصدّيق رضى الله عنهما وسنذكر تمام نسبها فى الخاتمة فى خلافة أبى بكر ان شاء الله تعالى وأمّها أمّ رومان بنت عامر بن عويمر وكنيتها أمّ عبد الله كناها النبىّ صلّى الله عليه وسلم باسم ابن أختها عبد الله بن الزبير وكان البناء بها على رأس تسعة أشهر وقيل ثمانية عشر شهرا فى شوّال كذا فى المواهب اللدنية وتاريخ اليافعى وكذا فى الوفاء من غير لفظ شوّال* وفى أسد الغابة وبنى بها فى المدينة سنة اثنتين* وفى المشكاة عن عائشة(1/357)
أنها قالت تزوّجنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى شوّال وبنى بى فى شوّال فأى نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده منى* وعن عائشة ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم تزوّجها وهى بنت سبع سنين وزفت اليه وهى بنت تسع سنين ولعبها معها ومات عنها وهى بنت ثمانى عشرة سنة وقيل البناء بها فى الثامن والعشرين من ذى الحجة وقيل زفافها وقع فى السنة الثانية والاوّل أصح وكان البناء بها يوم الاربعاء ضحى فى منزل أبى بكر بالسنخ* وخرج الشيخان عن عائشة أنها قالت تزوّجنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا فى بنى الحارث بن الخزرج فوعكت فتمزق شعرى فأتتنى أمى أم رومان وانى لفى أرجوحة مع صواحب لى فصرخت بى فأتيتها ما أدرى ما تريد منى فأخذت بيدى حتى أو قفتنى على باب الدار وأنا أنهج حتى سكن بعض نفسى ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهى ورأسى ثم أدخلتنى الدار فاذا نسوة من الانصار فى البيت فقلن على الخير والبركة فأسلمتنى اليهنّ فأصلحن من شأنى فلم يرعنى الا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضحى فأسلمتنى اليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين كذا فى المواهب اللدنية* وفى المواهب اللدنية أيضا بنى بعائشة فى البيت الذى يليه شارعا الى المسجد وجعل سودة بنت زمعة فى البيت الآخر الذى يليه الى الباب الذى يلى آل عثمان ثم تحوّل عليه السلام من دار أبى أيوب الى مساكنه التى بناها* روى انه عليه السلام ما أولم على عائشة بشىء غير أن قدحا من لبن أهدى اليه من بيت سعد بن عبادة فشرب النبىّ صلى الله عليه وسلم بعضه وشربت عائشة منه* وروى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرى عائشة فى المنام مرتين أو ثلاثا فى سرقة من حرير يجىء بها الملك فيقول هذه امرأتك وللترمذى جاء جبريل بصورتها فى سرقة حرير خضراء فقال هذه زوجتك فى الدنيا والآخرة* وفى البخارى عن عائشة أنها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أريتك فى المنام مرّتين اذا رجل يحملك فى سرقة حرير فيقول هذه امرأتك فاكشفها فاذا هى أنت فأقول ان يكن هذا من عند الله يمضه* وروى انه صلّى الله عليه وسلم قال يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته وكانت من خير مفتى الصحابة وفقهائهم وفصحائهم وبلغائهم حتى نقل عن بعض السلف ان ربع الاحكام الشرعية علم منها* وفى الاخبار خذوا ثلثى دينكم من هذه الحميراء* وروى عن عروة بن الزبير أنه قال ما رأيت أحدا أعلم بمعانى القرآن وبالفريضة وأحكام الحلال والحرام وشعر العرب وعلم النسب من عائشة وهذان البيتان من أشعارها قالتهما فى مدح النبىّ صلّى الله عليه وسلم
فلو سمعوا فى مصر أوصاف خدّه ... لما بذلوا فى سوم يوسف من نقد
لوامى زليخا لو رأين جبينه ... لآثرن بالقطع القلوب على الايدى
ومن كلماتها ينبغى للاخ أن يكون خيرا لاخيه منه لنفسه ألا ترى ان موسى سأل لهارون عليهما السلام النبوّة وروى ان رجلا سألها متى أعلم انى محسن قالت اذا علمت انك مسىء فقال متى أعلم انى مسىء قالت اذا علمت انك محسن وقالت أديموا قرع باب الملك يفتح لكم قيل كيف نديمه قالت بالجوع والظمأ ومن كلماتها النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع عتيقه وروى أنها كانت تقرأ القرآن فلما بلغت هذه الآية لقد أنزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون قالت والله أطلب ذكرى وصفتى فى القرآن فلم تزل تختم القرآن وتتفكر فى معانى الآيات حتى قالت انّ الله قد أطلعنى على ذكرى وصفتى فى القرآن قيل وما هو قالت هو وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ولم يتزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بكرا غيرها فمكثت عنده تسع سنين ولم يولد منها ولد وما قيل انها أسقطت من النبىّ صلّى الله عليه وسلم سقطا فسماه عبد الله وكناها بأم(1/358)
عبد الله فغير ثابت وتوفى النبىّ صلّى الله عليه وسلم عنها ولها ثمانى عشرة سنة وعاشت بعده سبعا وأربعين سنة قال الواقدى وتوفيت عائشة بالمدينة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين وقال غيره سبع وخمسين من الهجرة فى أيام معاوية وسيجىء ومدّة عمرها ثلاث وستون سنة وهو الصحيح وقيل ست وستون كذا فى الصفوة والمنتقى وحضر جنازتها أكثر أهل المدينة وصلّى عليها أبو هريرة وكان خليفة مروان بالمدينة* وفى شواهد النبوّة عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ائذن لى أن أدفن بعد وفاتك بجنبك فقال كيف تدفنين هناك وما فيه الا موضع قبرى وقبر أبى بكر وقبر عمر وقبر عيسى ابن مريم ودفنت بالبقيع مع صاحباتها بمقتضى وصيتها ودخل فى قبرها قاسم بن محمد بن أبى بكر وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر مروياتها فى الكتب المتداولة ألفان ومائتان وعشرة أحاديث المتفق عليها منها مائة وأربعة وستون حديثا وفرد البخارى أربعة وخمسون حديثا وفرد مسلم ثمانية وستون حديثا والباقية فى سائر الكتب*
بعث سعد بن أبى وقاص الى الخرار
وفى ذى القعدة من هذه السنة على رأس سبعة أشهر بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن أبى وقاص فى عشرين رجلا الى الخرار بخاء معجمة وراءين مهملتين واد بالحجاز يصب فى الجحفة* وقال أبو عمرو وكانت بعد بدر* وقال ابن حزم نحوه كذا فى سيرة مغلطاى يعترض عيرا لقريش وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو فخرجوا على أقدامهم يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل حتى انتهوا اليه صبح خامسه فلم يجدوا شيئا وقد سبقتهم العير بيوم* وفى رواية قد مرّت بالامس فرجعوا الى المدينة*
ابتداء الاذان
وفى هذه السنة شرع الاذان قال ابن المنذر ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يصلى بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة الى أن هاجر الى المدينة وكان الناس بها كما فى السير وغيرها انما يجتمعون الى الصلاة لتحين مواقيتها من غير دعوة* وأخرج ابن سعدان بلالا كان ينادى للصلاة بقوله الصلاة جامعة وشاور النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه فيما يجمعهم للصلاة وكان ذلك فيما قيل فى السنة الثانية فأرى عبد الله بن ثعلبة بن عبد ربه الخزرجى الاذان والاقامة على الوجه المتعارف قال عبد الله لما أجمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس لجمع الناس للصلاة وهو له كاره لموافقته النصارى رأيت فى المنام رجلا عليه ثوبان أخضران وفى يده ناقوس يحمله قلت له يا عبد الله تبيع هذا الناقوس قال ما تصنع به قلت ندعو به للصلاة قال أفلا أدلك على خير من ذلك فقلت بلى قال تقول الله أكبر الله أكبر الى آخره ثم استأخر غير بعيد فقال تقول اذا أقيمت الصلاة الله أكبر الله أكبر الى آخرها وزاد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرّتين فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال ان هذه لرؤيا حق ان شاء الله ثم أمر بالتأذين وكان بلال يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الصلاة فجاءه ذات غداة ودعا الى صلاة الفجر فقيل انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم نائم فصرخ بلال بأعلى صوته الصلاة خير من النوم فأدخلت هذه الكلمة فى التأذين لصلاة الفجر* وفى رواية لما صرفت القبلة الى الكعبة أمر بالاذان وذلك ان الناس كانوا لا يدرون كيف يفعلون لتجتمع الناس للصلاة فذكر بعضهم البوق وبعضهم الناقوس وبعضهم النار فبيناهم على ذلك رأى عبد الله بن زيد الخزرجى فى المنام كيفية الاذان والاقامة على الوجه الذى ذكر فلما أصبح أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره بما رأى فقال له قم مع بلال فألق عليه ما قيل لك فليؤذن بذلك ففعل وجاء عمر بن الخطاب فقال قد رأيت مثل الذى رأى عبد الله فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلله الحمد فعلى هذه الرواية يكون الاذان قد وقع فى السنة الثانية من الهجرة لانه قيل فيها لما صرفت القبلة وقد صح ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم(1/359)
وأصحابه صلوا الى بيت المقدس ستة عشر شهرا* وذكر ابن شهاب عن عبيد بن عمير ان عمر بن الخطاب بينا هو يريد أن يشترى خشبتين للناقوس عند ما ائتمر به النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه اذ رأى فى المنام أن لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا بالصلاة فذهب عمر الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ليخبره بالذى رأى فما راعه الا بلال يؤذن وقد جاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم الوحى بذلك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين أخبره سبقك بذلك الوحى كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية فان قلت هل أذن عليه السلام بنفسه قط أجاب السهيلى بأنه روى الترمذى ورفعه الى أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم أذن مرّة فى سفر وصلّى بهم على رواحلهم الحديث قال فنزع بعض الناس بهذا الحديث الى أنه عليه السلام أذن بنفسه وكذا جزم النووى بأنه أذن مرّة فى سفر والله أعلم
*
(الموطن الثانى فى حوادث السنة الثانية من الهجرة
من
صوم عاشوراء وتزوّج علىّ بفاطمة وغزوة ودّان وهى الابواء وغزوة بواط وغزوة العشيرة وتكنية علىّ بابى تراب وسرية عبد الله بن جحش الى بطن نخلة وتحويل القبلة وتجديد بناء مسجد قباء ونزول فرض رمضان وغزوة بدر وغلبة الروم على فارس ووفاة رقية وقتل عمير بن عدى العصماء وزكاة الفطر وصلاته وفرض زكاة الاموال وغزوة قرقرة الكدر وسرية سالم بن عمير وغزوة بنى قينقاع وغزوة السويق وموت عثمان بن مظعون وصلاة العيد والتضحبة وبناء علىّ بفاطمة وموت أمية ابن أبى الصلت
صوم عاشوراء
وفى هذه السنة صام رسول الله صلّى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه* روى عن ابن عباس أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صائمين يوم عاشوراء فقال لهم ما هذا اليوم الذى تصومونه قالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وأغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنحن أحق وأولى باحياء سنة أخى موسى منكم فصامه وأمر بصيامه أخرجاه فى الصحيحين* وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان عاشوراء يوما تصومه قريش فى الجاهلية وكان يصومه النبىّ صلّى الله عليه وسلم بمكة فلما قدم المدينة فرض صيام شهر رمضان فمن شاء صامه ومن شاء تركه كذا فى التنبيه لابى الليث السمرقندى* وعن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من صام يوم عاشوراء من المحرم أعطى ثواب عشرة آلاف ملك وعشرة آلاف حاج ومعتمر وعشرة آلاف شهيد ومن مسح بيده رأس يتيم فى يوم عاشوراء رفع الله له بكل شعرة درجة فى الجنة ومن فطر مؤمنا ليلة عاشوراء فكانما أفطر عنده جميع أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم وأشبع بطونهم قالوا يا رسول الله لقد فضل يوم عاشوراء على سائر الايام قال نعم. خلق الله السموات يوم عاشوراء وخلق الجبال يوم عاشوراء وخلق النجوم يوم عاشوراء وخلق القلم يوم عاشوراء وخلق اللوح يوم عاشوراء وخلق آدم يوم عاشوراء وخلق حوّاء يوم عاشوراء وأدخل آدم الجنة يوم عاشوراء وولد ابراهيم يوم عاشوراء وأنجاه الله من النار يوم عاشوراء وفدى ابنه الذبيح يوم عاشوراء وأغرق فرعون وفلق البحر لبنى اسرائيل يوم عاشوراء وكشف الله البلاء عن أيوب يوم عاشوراء وولد عيسى يوم عاشوراء وغفر ذنب داود يوم عاشوراء وردّ ملك سليمان يوم عاشوراء وتاب الله على آدم يوم عاشوراء ورفع الله عيسى يوم عاشوراء ويوم القيامة يوم عاشوراء* وعن ابراهيم بن محمد المنتشر بلغه أنّ من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه انعمة سائر السنة* قال سفيان بن عيينة جربناه ثلاثين سنة فوجدناه كذلك أورد هذه الثلاثة أبو الليث السمرقندى فى التنبيه وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان الله تعالى فرض على بنى اسرائيل(1/360)
صوم يوم فى السنة وهو يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرّم فصوموا فيه ووسعوا على أهاليكم فيه فانه اليوم الذى تاب الله فيه على آدم وكانت عاشوراء حينئذ يوم الجمعة وهو اليوم الذى رفع الله فيه ادريس وهو اليوم الذى أخرج فيه نوحا ومن معه من السفينة فصامه شكرا لله وهو اليوم الذى ردّ الله فيه على يعقوب بصره وهو اليوم الذى أخرج الله فيه يوسف من السجن وهو اليوم الذى كشف الله فيه العذاب عن قوم يونس وأخرج الله فيه يونس من بطن الحوت وغفر الله فيه لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخر وهاجر فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة والمشهور ان هجرته كانت فى ربيع الاوّل وفى رواية ابن مسعود وفيه ولد نوح وابراهيم وفى رواية عبد الله بن سلام واسماعيل واسحاق ويحيى ويونس وعيسى ومحمد عليهم السلام والمشهور ان ولادته كانت فى ربيع الاوّل انتهى وكذلك فاطمة والحسن والحسين وابتداء ابراهيم واسماعيل بناء الكعبة فيه وتاب الله فيه على اخوة يوسف وعلى داود وعلى قوم يونس وأهلك نمرود وخسف بقوم لوط وقتل داود جالوت وفى حديث غيره وهلك شدّاد ابن عاد وفرعون وهامان وقارون والعمالقة وعاد وثمود وقوم ابراهيم وفى حديث وهب بن منبه ولد موسى بن عمران يوم الاثنين يوم عاشوراء وخلق فيه العرش والكرسى واللوح والقلم والجنة وغرس شجرة طوبى والبحار والبراق وفيه تقوم الساعة وفى حديث ابن عباس فيه خلق جبريل وميكائيل والنجوم وفيه كانت شهادة الحسين بن علىّ وهى كرامة له وذلك كله فى بحر العلوم* وفى حديث انّ أوّل رحمة نزلت من السماء نزلت يوم عاشوراء لانّ جبريل نزل علىّ يوم عاشوراء وخلق الله السموات والارض يوم عاشوراء وخلق البراق والحور العين يوم عاشوراء وزوّج الله ابراهيم سارة يوم عاشوراء وأخرج الله سارة من يد ملك حران الطاغى وأعطاها هاجر يوم عاشوراء واتخذ الله ابراهيم خليلا يوم عاشوراء وتزوّج يوسف عليه السلام زليخا يوم عاشوراء وتزوّج محمد صلّى الله عليه وسلم خديجة يوم عاشوراء وكلم الله موسى يوم عاشوراء ووقع فى بطن أمّه ليلة عاشوراء*
تزوّج على بفاطمة رضى الله عنها
وفى هذه السنة تزوّج علىّ بفاطمة رضى الله عنها وفى الصفوة تزوّجها فى السنة الثانية من الهجرة فى رمضان وبنى بها فى ذى الحجة وفى الوفاء كان ذلك قبل بدر فى رجب على الاصح بعد مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر وقيل فى صفر* وفى ذخائر العقبى عن جعفر بن محمد قال تزوّج علىّ فاطمة فى ليال بقين منه وبنى بها فى ذى الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ قال أبو عمرو بعد وقعة أحد وقال غيره بعد بناء النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف وبنى بها بعد تزوّجها بسبعة أشهر ونصف وتزوّجها علىّ وهى ابنة خمس عشرة سنة وخمسة أشهر أو ستة أشهر ونصفا وقيل بنت ثمان عشرة سنة* وقال ابن الجوزى ولدت قبل النبوّة بخمس سنين أيام بناء البيت كذا فى سيرة مغلطاى وسنّ علىّ يومئذ احدى وعشرون سنة وخمسة أشهر ولم يتزوّج عليها حتى ماتت كذا فى المواهب اللدنية والذى كان لها من الجهاز بردان وعليها دملجان من فضة وكانت معها خميلة ووسادة أدم حشوها ليف ومنخل وقدح ورحى وسقاية وجرّتان* وفى ذخائر العقبى أمرهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يجهزوها فجعل لها سرير مشرط ووسادة من أدم حشوها ليف* روى أن أبا بكر خطب فاطمة فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم يا أبا بكر أنتظر بها القضاء ثم خطبها عمر فقال له مثل ما قال لابى بكر ثم أهلّ علىّ فقالوا يا على اخطب فاطمة قال أخطب بعد أبى بكر وعمر وقد منعهما* وفى رواية قال كيف والنبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يعطها أشراف قريش فذكروا له قرابته من النبىّ صلى الله عليه وسلم فخطبها فزوّجها النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أربعمائة وثمانين درهما فباع علىّ بعيرا له وبعض متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين درهما فأمره النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يجعل(1/361)
ثلثيها فى الطيب وثلثها فى المتاع* وفى رواية جعل ثلثها فى الطيب وثلثيها فى الثياب* وروى انّ عليا خطب فاطمة فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان عليا يذكرك فسكتت فزوّجها اياه* وعن عكرمة ان عليا خطب فاطمة فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم ما تصدقها قال ليس عندى ما أصدقها قال فأين درعك الحطمية قال لدىّ قال أصدقها اياه فأصدقها اياه فتزوّجها* وفى ذخائر العقبى عن علىّ قال وهل عندك من شىء تستحلها به قلت لا والله يا رسول الله فقال ما فعلت الدرع التى سلحتكها فقلت عندى والذى نفس علىّ بيده انها لحطمية ما ثمنها أربعمائة درهم قال قد زوّجتكها فابعث بها فان كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرجه أبو اسحاق وخرجه الدولابى أيضا* وفى ذخائر العقبى قال سمرة فى تفسير الحطمية هى العريضة الثقيلة* وقال بعضهم هى التى تكسر السيوف ويقال هى منسوبة الى بطن من عبد القيس يقال له حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع* وقال ابن عيينة هى شرّ الدروع وهذا أمس بالحديث لان عليا ذكرها فى معرض الذم لها وتقليل ثمنها قيل انه باع الدرع باثنتى عشرة أوقية والا وقية أربعون درهما وكان ذلك مهر فاطمة من علىّ* وفى المواهب اللدنية عن أنس قال جاء أبو بكر ثم عمر يخطبان فاطمة الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فسكت ولم يرجع اليهما شيئا فانطلقا الى علىّ يأمر انه بطلب فاطمة قال علىّ فنبهانى لامر كنت عنه غافلا فقمت أجرّ ردائى حتى أتيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقلت تزوّجنى فاطمة قال أو عندك شىء قلت فرسى وبدنى قال امّا فرسك فلا بدّ لك منها وامّا بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما فجئته بها فوضعتها فى حجره فقبض منها قبضة فقال أى بلال ابتع لنا بها طيبا وأمرهم أن يجهزوها فجعل لها سرير مشرّط ووسادة من أدم حشوها ليف الى آخر ما سيجى فى زفافه* وفى بعض الروايات جعل صداقها درعه فباعها من عثمان بن عفان بأربعمائة وثمانين درهما ثم انّ عثمان ردّ الدرع الى علىّ فجاء علىّ بالدرع والدراهم الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعا لعثمان بدعوات* روى بريدة قال أتى علىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما حاجة ابن أبى طالب فقال ذكرت فاطمة فقال مرحبا وأهلا ثم لم يزد عليهما فخرج علىّ على رهط من الانصار فقالوا ما وراءك يا علىّ قال ما أدرى غير انه قال لى مرحبا وأهلا قالوا يكفيك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم احداهما أعطاك الاهل وأعطاك الرحب فلما زوّجه قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا على انه لا بدّ للعرس من وليمة فقال سعد عندى كبش وجمع له رهط من الانصار آصعا من ذرّة وكان ذلك وليمة عرسه*
ذكر خطبة النبى فى نكاح فاطمة
وروى أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم خطب حين النكاح هذه الخطبة* الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب اليه فيما عنده النافذ أمره فى سمائه وأرضه الذى خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته وأحكمهم بعزته وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد ثم انّ الله تعالى جعل المصاهرة نسبا لا حقا وأمرا مفترضا نسخ بها الآثام* وفى رواية أو شج بها الارحام وألزمها الانام فقال عز وجل وهو الذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا فأمر الله يجرى الى قضائه وقضاؤه يجرى الى قدره وقدره يجرى الى أجله فلكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ثم انّ الله تعالى أمرنى أن أزوّج فاطمة من على وقد زوّجته على أربعمائة مثقال فضة أرضيت يا على فقال على رضيت عن الله وعن رسوله فقال جمع الله شملكما وأسعد جدّكما وبارك عليكما وأخرج منكما كثيرا طيبا* وفى رواية لما أراد النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يزوّج علىّ بن أبى طالب فاطمة قال يا على اخطب لنفسك فقال علىّ* الحمد لله شكرا لانعمه وأياديه واشهد أن لا اله الا الله شهادة تبلغه وترضيه وصلّى الله على محمد صلاة تزلفه وترضيه والنكاح(1/362)
مما أمر الله به ورضيه واجتماعنا مما قدّر الله وأذن فيه وقد زوّجنى رسول الله عليه الصلاة والسلام فاطمة ابنته على ثنتى عشرة أوقية فسلوه واشهدوا فلما تمّ النكاح دعا بطبق من بسر فوضعه بين يديه ثم قال انتهبوا وسيجىء الزفاف فى آخر هذه السنة فى ذى الحجة على القول الاصح ان شاء الله تعالى
*
غزوة الابواء
وفى صفر هذه السنة وقعت غزوة الابواء وهو جبل بين مكة والمدينة ويقال له ودان كذا فى سيرة مغلطاى أى على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة كما ذكره ابن اسحاق وقيل لسنة وشهرين وعشرة أيام وقيل فى أواخر السنة الاولى* قال ابن اسحاق قدم رسول الله عليه الصلاة والسلام المدينة لاثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الاوّل فأقام بقية شهر ربيع الاوّل وربيع الآخر وجمادين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوّالا وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرّم ثم خرج غازيا فى صفر على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة وهى أوّل مغازيه كما ذكره ابن اسحاق وهى من ودّان على ستة أميال أو ثمانية مما يلى المدينة ولتقاربهما أطلق عليهما غزوة ودّان أيضا كذا فى الوفاء وودّان قرية من أمّهات القرى وقيل واد فى الطريق يقطعه المصعدون من حجاج المدينة روى أنه عليه الصلاة والسلام استخلف على المدينة سعد بن عبادة فيما قاله ابن هشام وخرج فى ستين رجلا من أصحابه يريد قريشا وبنى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة فلما بلغ الابواء تلقاه سيد بنى ضمرة مجشى بن عمرو الضمرى فصالحه ثم رجع الى المدينة* وفى الوفاء فانصرف بعد ما وادع مجدى بن عمرو الضمرى* وفى المواهب اللدنية فكانت الموادعة أى المصالحة على ان بنى ضمرة لا يغزونه ولا يكثرون عليه جمعا ولا يعينون عليه عدوّا ولم يلق كيدا أى حربا* قال ابن الاثير الكيد الاحتيال والاجتهاد وبه سمى الحرب كيدا*
غزوة بواط
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة بواط جبل لجهينة من ناحية رضوى بينه وبين المدينة أربعة برد فى ربيع الاوّل وقيل الآخر كذا فى سيرة مغلطاى* وفى المواهب اللدنية بواط بفتح الباء الموحدة وقد تضم وتخفيف الواو آخره طاء مهملة وهى الغزوة الثانية غزاها النبىّ عليه الصلاة والسلام فى شهر ربيع الاوّل على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة فسار حتى بلغ موضعا يقال له بواط من ناحية رضوى بفتح الواو وسكون المعجمة مقصورا* وفى مزيل الخفاء بواط جبل من جبال جهينة* وفى خلاصة الوفاء رضوى كسكرى جبل على يوم من ينبع وأربعة أيام من المدينة ذو شعاب وأودية وبه مياه وأشجار وهذا هو المعروف فى المسافة بينهما ومنه تقطع أحجار المسانّ قال عرام هو أوّل تهامة وذكر أنّ رضوى مما وقع بالمدينة من الجبل الذى تجلى الله سبحانه وتعالى له وصار لهيبته ستة أجبل وان رضوى من جبال الجنة* وفى رواية من الجبال التى بنى منها البيت وفى الحديث رضوى رضى الله عنه وقدس قدّسه الله وأحد جبل يحبنا ونحبه وتزعم الكيسانية ان محمد بن الحنفية مقيم برضوى حىّ يرزق* روى ان النبىّ عليه الصلاة والسلام عقد لواء أبيض ودفعه الى سعد بن أبى وقاص واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون قاله ابن هشام ويقال استخلف سعد بن معاذ وخرج فى مائتى رجل من أصحابه المهاجرين يعترض عيرا لقريش فيهم أمية ابن خلف الجمحى وكانوا زها مائتى رجل من قريش وكان فيها ألفان وخمسمائة تعير فسار النبىّ عليه الصلاة والسلام حتى بلغ بواط فلم يلق كيدا فرجع الى المدينة*
غزوة العشيرة
وفى جمادى الاولى من هذه السنة وقعت غزوة العشيرة بالشين المعجمة والتصغير وآخره هاء لم يختلف أهل المغازى فى ذلك وفى القاموس العشيرة موضع بناحية ينبع وكانت بعد بواط بأيام قلائل* وفى البخارى العشيرا والعسيرة بالتصغير والاولى بالمعجمة بلا هاء والثانية بالمهملة وبالهاء وأمّا غزوة العسرة بالمهملة بغير تصغير فهى غزوة تبوك وستأتى ونسبت هذه الغزوة الى المكان الذى وصلوا اليه وهو موضع لبنى مدلج بينبع(1/363)
وسببها انه سمع بخروج عير لقريش من مكة الى الشأم للتجارة وفيها أبو سفيان فى جمع من قريش فخرج اليها النبىّ عليه الصلاة والسلام فى جمادى الاولى وقيل فى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة فى خمسين ومائة رجل وقيل مائتين ومعه ثلاثون بعيرا يعتقبونها وجمل اللواء حمزة وكان لواء أبيض* قال ابن هشام واستعمل عليه الصلاة والسلام على المدينة أبا سلمة بن عبد الاسد فسلك على نقب بنى دينار ثم فيفاء الخبار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده عليه السلام وصنع له عندها طعام فأكل منه وأكل الناس معه فموضع أثافى البرمة معلومة هناك واستقى له من ماء يقال له المشرب ثم ارتحل رسول الله عليه الصلاة والسلام فترك الخلائق بيسار وسلك شعبة يقال لها شعبة عبد الله وذلك اسمها اليوم حتى هبط يليل فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة واستقى من بئر بالضبوعة ثم سلك فرش ملك حتى لقى الطريق بصخيرات اليمام ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة ببطن ينبع فأقام بها جمادى الاولى وليالى من جمادى الآخرة ووادع فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة ثم رجع الى المدينة ولم يلق كيدا*
تكنية علىّ بأبى تراب
وفى تلك الغزوة كنى على بن أبى طالب بابى تراب* قال ابن اسحاق فحدّثنى يزيد بن محمد بن خيثم المحاربى عن محمد بن كعب القرظى عن محمد بن خيثم ابى يزيد عن عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلى بن أبى طالب رفيقين فى غزوة العشيرة فلما نزل بها رسول الله عليه الصلاة والسلام وأقام بها رأينا أناسا من بنى مدلج يعملون فى عين لهم ونخل فقال لى علىّ يا أبا اليقظان هل لك فى أن نأتى هؤلاء فننظر كيف يعملون قال قلت ان شئت قال فجئناهم فنظرنا الى عملهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلى حتى اضطجعنا على صور من النخل وفى دقعاء من التراب فنمنا فو الله ما أهبنا الا رسول الله عليه الصلاة والسلام يحرّ كنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء التى نمنا فيها فيومئذ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لعلىّ بن أبى طالب مالك يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب ثم قال ألا أحدّثكما بأشقى الناس رجلين قلنا بلى يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذى عقر الناقة والذى يضربك يا على على هذه ووضع يده على قرنه حتى تبل منها هذه وأخذ بلحيته خرجه أحمد كذا فى الرياض النضرة* وفى المدارك قال أشقى الاوّلين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك (قوله) الصور هو بفتح الصاد وتسكين الواو النخل المجتمع الصغار والدقعاء التراب ودقع بالكسر أى لصق بالتراب وأحيمر تصغير أحمر لقب قدار بن سالف عاقر ناقة صالح عليه السلام كذا فى الرياض النضرة* قال ابن اسحاق وقد حدّثنى بعض أهل العلم ان رسول الله عليه الصلاة والسلام انما سمى عليا أبا تراب انه كان اذا عتب على فاطمة فى شىء لم يكلمها ولم يقل لها شيئا تكرهه الا انه يأخذ ترابا فيضعه على رأسه قال فكان رسول الله عليه الصلاة والسلام اذا رأى عليه التراب عرف انه عاتب على فاطمة فيقول مالك يا أبا تراب فالله أعلم أى ذلك كان* وفى الشفاء يدخل أولياءه يعنى عليا الجنة وأعداءه النار وكان ممن عاداه الخوارج والناصبية وطائفة ممن ينسب اليه من الروافض كفروه* وفى عقائد الفيروزابادى أخبر عليا بموته فقال له ابن ملجم يقتلك فكان علىّ اذا لقى ابن ملجم يقول متى تخضب هذه من هذه واذا دخل الحرب ولاقى الخصم يعلم ان ذلك الخصم لا يقتله* وفى رواية سهل بن سعد قال جاء رسول الله عليه الصلاة والسلام بيت فاطمة فلم يجد عليا فى البيت فقال لها أين ابن عمك قالت كان بينى وبينه شىء فغاضبنى فخرج فلم يقل عندى فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام لانسان أنظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو فى المسجد راقد فجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن ظهره وأصابه تراب فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسحه عنه ويقول قم يا أبا تراب أخرجه الشيخان كذا فى الرياض النضرة* قال ابن اسحاق وقد كان بعث رسول الله(1/364)
عليه الصلاة والسلام فيما بين ذلك من غزوة سعد بن أبى وقاص فى ثمانية رهط من المهاجرين فخرج حتى بلغ الخرار من أرض الحجاز ثم رجع ولم يلق كيدا* قال ابن هشام وذكر بعض أهل العلم ان بعث سعد هذا كان بعد حمزة فى السنة الاولى كما مرّ*
غزوة بدر الاولى
وفى هذه السنة وقعت غزوة بدر الاولى قال ابن اسحاق ولما رجع رسول الله عليه الصلاة والسلام من غزوة العشيرة لم يقم بالمدينة الاليال قلائل لا تبلغ العشر حتى أغار كرز بن جابر الفهرى على سرح المدينة من شفر* وقال ابن حزم بعد العشيرة بعشرة أيام فخرج رسول الله عليه الصلاة والسلام فى طلبه واستعمل على المدينة زيد بن حارثة قاله ابن هشام* وفى خلاصة الوفاء شفر كزفر جمع شفير الوادى جبل بأصل جما أمّ خالد يهبط الى بطن العقيق وكان يرعى بها السرح ولما جاء الخبر الى النبىّ عليه الصلاة والسلام عقد لواء ودفعه الى على وسار حتى بلغ واديا يقال له سفوان بفتح المهملة والفاء* وفى خلاصة الوفاء سفوان بفتحات من ناحية بدر ولذا سميت هذه الغزوة بدر الاولى وفانه كرز بن جابر فلم يدركه فرجع الى المدينة وذكر فى الوفاء اغارة كرز قبل العشيرة وقال ذكر ذلك ابن اسحاق بعد العشيرة بليال والله أعلم*
بعث عبد الله بن جحش الى بطن نخلة
وفى رجب أو فى جمادى الآخرة من هذه السنة بعث عبد الله بن جحش بن رباب الاسدى قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهرا من مقدمه المدينة الى بطن نخلة على ليلة من مكة* وفى هذه السرية لقب عبد الله بأمير المؤمنين وفى معجم ما استعجم نخلة بلفظ واحدة النخل موضع على يوم وليلة من مكة وهى التى ينسب اليها بطن النخلة وهى التى ورد فيها حديث ليلة الجنّ قيل هما نخلتان نخلة شامية ونخلة يمانية فالشامة تنصب من الغمير واليمانية من بطن قرن المنازل وهى طريق اليمن الى مكة فاذا اجتمعا وكانا واحدا فهو المسدّ ثم يضمهما بطن مرو وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الانصار أحد وقيل اثنى عشر رجلا سعد بن أبى وقاص الزهرى وعكاشة بن محصن بن حرثان الاسندى وعتبة بن غزوان ابن جابر السلمى وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وسهيل بن بيضاء الحارثى وعامر بن ربيعة الوائلى العنزى وواقد بن عبد الله بن عبد مناف التميمى وخالد بن بكير الليثى كل اثنين منهم يعتقبان بعيرا وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضى لما أمره به ولا يستكره أحدا من أصحابه على المسير معه فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب ونظر فيه فاذا فيه اذا نظرت فى كتابى هذا امض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم* وفى رواية فاذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش لعلك أن تأتينا منها بخبر فلما نظر فى الكتاب قال سمعا وطاعة ثم قال لاصحابه قد أمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن امضى الى نخلة أرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر وقد نهانى أن استكره أحدا منكم فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لامر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد وسلك على الحجاز حتى اذا كان بمكان فوق الفرع يقال له بحران أضل سعد بن أبى وقاص وعتبة ابن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا فى طلبه وحبسهما ابتغاؤه ومضى عبد الله وبقية أصحابه* وفى الوفاء مضى العشرة حتى نزلوا نخلة فمرت بهم عير قريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيهم عمرو بن الحضرمى واسم الحضرمى عبد الله والحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فقال عبد الله ابن جحش ان القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرّض لهم فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فلما رأوه أمنوا وقالوا قوم عمار لا بأس عليكم منهم وتشاور القوم فيهم وذلك فى آخر يوم(1/365)
من رجب فقالوا لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلنّ الحرم فليمتنعنّ منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم فى الشهر الحرام* وفى سيرة مغلطاى فتشاور المسلمون وقالوا نحن فى آخر يوم من رجب فان نحن قاتلنا انتهكنا حرمة الشهر وان تركناهم الليلة دخلوا حرم مكة* وفى الكشاف وكان ذلك أوّل يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة فتردّد القوم وهابوا الاقدام ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله عمرو بن الحضرمى بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت من القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والاسيرين حتى قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة وقد عزل عبد الله ابن جحش لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خمس تلك الغنيمة وقسم سائرها بين أصحابه وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من الغنائم فلما أحل الله الفئ بعد ذلك وأمر بقسمه وفرض الخمس فيه وقع على ما كان عبد الله صنع فى تلك العير فلما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما أمرتكم بقتال فى الشهر الحرام فوقف العير والاسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم شقط فى أيدى القوم وظنوا انهم قد هلكوا وعنفهم اخوانهم من المسلمين فيما صنعوا وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام وسفكوا فيه الدماء وأخذوا فيه الاموال وأسروا فيه الرجال* وفى رواية غير ابن اسحاق قالت قريش قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف وينتشر فيه الناس الى معائشهم وعير بذلك أهل مكة من بها من المسلمين وقالوا يا معشر الصاة قد استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه وكتبوا فى ذلك تشنيعا وتعييرا قال ابن اسحاق فقال من يردّ عليهم من المسلمين ممن كان بمكة انما أصابوا ما أصابوا فى شعبان وقالت اليهود تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمى قتله واقد بن عبد الله عمرو عمرت الحرب والحضرمى حضرت الحرب وواقد بن عبد الله وقدت الحرب فجعل الله عليهم ذلك لا لهم فلما أكثر الناس فى ذلك أنزل الله تعالى على رسوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّعن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل أى ان كنتم قتلتم فى الشهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل الله مع الكفر به وعن المسجد الحرام واخراجكم منه وانتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منه والفتنة أكبر من القتل أى قد كانوا يفتنون المسلم فى دينه حتى يردّوه الى الكفر بعد ايمانه فذلك أكبر عند الله من القتل فلما نزل القرآن بهذا من الامر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشقق قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم العير والاسيرين وبعثت اليه قريش فى فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعنى سعد بن أبى وقاص وعتبة بن غزوان فانا نخشاكم عليهما فان تقتلوهما نقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة فأفداهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم فأما الحكم ابن كيسان فأسلم وحسن اسلامه وأقام عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا* وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات كافرا فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن طمعوا فى الاجر فقالوا يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين فأنزل الله فيهم انّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا فى سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم فوضعهم الله من ذلك على أعظم الرجاء قال ابن هشام وهى أوّل غنيمة غنمها المسلمون وعمرو بن الحضرمى أوّل من قتله المسلمون وعثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان أوّل من أسر المسلمون قال ابن اسحاق قال أبو بكر الصدّيق فى غزوة عبد الله بن جحش هذه الابيات وقال ابن(1/366)
هشام بل قالها عبد الله بن جحش
تعدّون قتلى فى الحرام عظيمة ... وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عنا بقول محمد ... وكفر به والله راء وشاهد
واخراجكم من مسجد الله أهله ... لئلا يرى لله فى البيت ساجد
فانا وان عيرتمونا بقتله ... وأرجف بالاسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمى رماحنا ... بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما وابن عبد الله عثمان بيننا ... ينازعه غلّ من القدّ عاند
تحويل القبلة
وفى نصف شعبان هذه السنة يوم الثلاثاء كما قاله ابن حبيب الهاشمى حوّلت القبلة من بيت المقدس الى الكعبة وقيل فى رجب وكان عليه السلام يصلى الى بيت المقدس بالمدينة ستة عشر شهرا وقيل سبعة عشر وقيل ثمانية عشر* وقال الحربى قدم عليه السلام المدينة فى ربيع الاوّل فصلى الى بيت المقدس الى تمام السنة وصلّى من سنة اثنتين ستة أشهر ثم حوّلت القبلة ثم فرض صوم رمضان بعد ما حوّلت القبلة الى الكعبة بشهر بل بنصف شهر روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يصلى بمكة الى الكعبة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشىّ فلما عرج به الى السماء أمر بالصلوات الخمس فصارت ركعتين فى الاوقات غير المغرب للمسافر والمقيم وبعد ما هاجر الى المدينة زيد فى صلاة الحضر وأمر أن يصلى نحو بيت المقدس لئلا تكذبه اليهود لان نعته فى التوراة انه صاحب قبلتين وكانت الكعبة أحب القبلتين اليه فأمره الله تعالى أن يصلى الى الكعبة قال الله تعالى قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام كذا عن ابن عباس* وفى الكشاف وأنوار التنزيل أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يصلى بمكة الى الكعبة ثم أمر بالصلاة الى بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود* وعن ابن عباس كانت قبلته بمكة بيت المقدس الا انه كان يجعل الكعبة بينه وبيته انتهى وفى زبدة الاعمال أقام صلّى الله عليه وسلم بمكة بعد نزول جبريل ثلاث عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة وقيل عشرا والصحيح الاوّل وكان يصلى الى بيت المقدس مدّة اقامته بمكة ولا يستدبر الكعبة ويجعلها بين يديه وقال الحافظ ابن حجر فى فتح البارى ظاهر حديث ابن عباس يدل على أن استقبال بيت المقدس انما وقع بعد الهجرة الى المدينة لكن أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس كان النبىّ صلى الله عليه وسلم يصلى بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه والجمع بينهما ممكن بأن يكون أمر لما هاجر أن يستمر على الصلاة لبيت المقدس وأخرج الطبرى أيضا من طريق ابن جريج انه أوّل ما صلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى الكعبة ثم صرف الى بيت المقدس وهو بمكة فصلى ثلاث حجج ثم هاجر وصلّى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ثم وجهه الله الى الكعبة وقوله فى حديث ابن عباس الاوّل أمره الله يردّ من قال انه صلّى الى بيت المقدس باجتهاد وعن أبى العالية انه صلّى الى بيت المقدس يتألف أهل الكتاب وهذا لا ينفى أن يكون بتوقيف كذا فى المواهب اللدنية وعن محمد بن شهاب الزهرى قال لم يبعث الله عز وجل منذ هبط آدم الى الدنيا نبيا الاجعل قبلته صخرة بيت المقدس ولقد صلّى اليها نبينا عليه السلام ستة عشر شهرا* وأورد الغزالى فى الوسيط ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يستقبل الصخرة من بيت المقدس مدّة مقامه بمكة وهى قبلة الانبياء واياها كانت اليهود تستقبل وكان عليه السلام لا يؤثره بأن يستدبر الكعبة فلا يقف الابين الركنين اليمانيين ويستقبل جنوب الصخرة فلما هاجر الى المدينة لم يمكنه استقبالها الا باستدبار الكعبة فشق ذلك عليه فنزلت فولّ وجهك الآية فيكون بعد التحويل وجهه الى موضع الحجر لانه فى مقابل الجدار الذى فيه الركنان اليمانيان ذكره(1/367)
القاضى البيضاوى فى حواشى أنوار التنزيل روى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم زار بشر بن البراء ابن معرور فى بنى سلمة فتغدّى هو وأصحابه وجاءت الظهر فصلى بأصحابه فى مسجد القبلتين ركعتين من الظهر نحو الشأم ثم أمر أن يستقبل الكعبة وهو راكع فى الركعة الثانية فاستدار الى الكعبة ودارت الصفوف خلفه ثم أتم الصلاة فسمى مسجد القبلتين* وفى المواهب اللدنية وقع عند النسائى انها الظهر وظاهر حديث البراء فى البخارى انها كانت صلاة العصر وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر الى صلاة الفجر من اليوم الثانى كما فى الصحيحين وفى هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه الا بعد العلم به وان تقدّم نزوله لانهم لم يؤمروا باعادة العصر والمغرب والعشاء والله أعلم قال الواقدىّ كان هذا يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا وعن البراء على رأس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على اختلاف الاقوال* وفى الكشاف وأنوار التنزيل والاستيعاب روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه الى الكعبة فى رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين وقد صلّى بأصحابه فى مسجد بنى سلمة ركعتين من الظهر فتحوّل فى الصلاة واستقبل الميزاب وتبادل الرجال والنساء صفوفهم فسمى المسجد مسجد القبلتين وفى تبصير الرحمن نزلت الفاتحة بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة حين حوّلت القبلة لدلالتها على أنه رب الجهات كلها وقد اختار أفضلها فله الحمد*
تجديد بناء مسجد قباء
وفى هذه السنة كان تجديد بناء مسجد قباء روى عن أبى سعيد الخدرى قال لما صرفت القبلة الى الكعبة اتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسجد قباء فقدم جدار المسجد الى موضعه اليوم وأسسه بيده وحوّل قبلته الى جهة الكعبة وكانت الى جهة بيت المقدس ونقل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه الحجارة لبنائه وقد مرّت فضيلة لصلاة فيه فى أوّل مقدمه قباء*
نزول فرض رمضان
وفى شعبان هذه السنة نزلت فريضة رمضان* وفى معالم التنزيل ويقال انزل فرض شهر رمضان قبل رمضان بشهر وأيام على ما روى عن أبى سعيد الخدرى قال نزل فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة الى الكعبة فى شعبان بشهر على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة فلما فرض رمضان لم يأمرهم بصيام عاشوراء ولانهاهم عنه*
غزوة بدر الكبرى
وفى هذه السنة وقعت غزوة بدر الكبرى فى معالم التنزيل وسيرة ابن هشام قال ابن اسحاق كانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة السابع عشر من رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة وقيل التاسع عشر من رمضان والاوّل أصبح وكذا فى المنتقى* وفى المواهب اللدنية بعد الهجرة بتسعة عشر شهرا وكان خروج المسلمين من المدينة لاثنتى عشرة ليلة مضت من رمضان وقال ابن هشام لثمان ليال خلون من رمضان وفى الاستيعاب وكانت غزوة بدر فى السنة الثانية من الهجرة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وليس فى غزواته ما يعدل بها فى الفضل ويقرب منها غزوة الحديبية حيث كان فيها بيعة الرضوان وذلك سنة ست وقال ابن اسحاق فى ليال مضت من رمضان وبدر بالفتح والسكون بئر حفرها رجل من غفار اسمه بدر بن قريش بن مخلد بن النضر بن كنانة وقيل بدر رجل من بنى ضمرة سكن ذلك الموضع فنسب اليه ثم غلب اسمه ويقال بدر اسم البئر التى بها سميت لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها وحكى الواقدىّ انكار ذلك كله من غير واحد من شيوخ بنى غفار قالوا انما هى ماؤنا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر وانما هى علم عليها كغيرها من البلاد* وفى معجم ما استعجم بدر ماء على ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة فى طريق مكة وبدر مذكر ولا يؤنث جعلوه اسم ماء* قال ابن كثير وهو يوم الفرقان الذى أمدّ الله فيه نبيه والمسلمين بالملائكة وفى الوفاء وهو يوم الفرقان الذى أعز الله فيه الاسلام وأهله ودمغ فيه الشرك وخرب محله هذا مع قلة عدد المسلمين وكثرة(1/368)
العدوّ مع ما كانوا فيه من سوابغ الحديد والعدّة الكاملة والخيول المسوّمة والخيلاء الزائد فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيض وجه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأخزى الشيطان وجبله ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة أى قليل عددكم فقد كانت هذه أعظم غزوات الاسلام اذ منها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على الآفاق نوره ومن حين وقوعها أذل الله الكفار وأعز من حضرها من المسلمين فهم عند الله من الابرار* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم سمع بأبى سفيان بن حرب مقبلا من الشأم فى عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تحاراتهم وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو اربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام* وقال غيره كانت العير زها ألف بعير وفى أحمالها من التمر والشعير والبرّ والزبيب وغير ذلك كذا فى الينابيع وهى العير التى كان فيها أبو سفيان بن حرب مع جمع من قريش خرجوا من مكة الى الشأم وكان صلّى الله عليه وسلم خرج اليها وسار الى العشيرة فلم يدركها فرجع الى المدينة فأخبر جبريل بقفول العير من الشأم فأخبر النبى صلّى الله عليه وسلم المسلمين فأعجبهم تلقى العير لكثرة الخير وقلة القوم* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأبى سفيان مقبلا من الشأم ندب المسلمين اليهم وقال هذه عير قريش فيها أموال فاخرجوا اليها لعل الله ينفلكموها فانتدب المسلمون فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك انهم لم يظنوا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان بن حرب حين دنا من الحجاز يتجسس الاخبار ويسأل من لقى من الركبان تخوّفا عن أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفارى فبعثه الى مكة وأمره أن يأتى قريشا فيستنفرهم الى أموالهم ويخبرهم أنّ محمدا قد عرض لها فى أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا الى مكة قال ابن اسحاق وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث رؤيا أفزعتها فبعثت الى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخى والله لقد رأيت البارحة رؤيا أفزعتنى وتخوّفت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة فاكتم عنى ما أحدّثك وما رأيت فقال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالابطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لصارعكم فى ثلاث فأرى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم فى ثلاث ثم مثل به بعيره على أبى قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى اذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار الا دخلها منها فلقة قال العباس والله ان هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لاحد ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه اياها فذكرها الوليد لابيه عتبة ففشا الحديث بمكة حتى تحدّثت به قريش قال العباس فغدوت لاطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام فى رهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة فلما رآنى أبو جهل قال يا أبا الفضل اذا فرغت من طوافك فأقبل الينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست بينهم فقال لى أبو جهل يا بنى عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال تلك الرؤيا التى رأت عاتكة قال قلت وما رأت فقال يا بنى عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة فى رؤياها انه قال انفروا لمصارعكم فى ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فان يك حقا ما تقول فسيكون وان تمض الثلاث ولم يكن شىء من ذلك نكتب عليكم كتابا انكم أكذب اهل بيت فى العرب قال ثم تفرّقنا فلما أمسينا لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب الا أتتنى(1/369)
فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع فى رجالكم ثم تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشئ مما سمعت قال قلت وايم الله لا تعرضنّ له فان عاد لا كفيكنه قال فغدوت فى اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب فدخلت المسجد فرأيته فو الله انى لا مشى نحوه لا تعرضه ليعود لبعض ما قال فأوقع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر اذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ قال فقلت فى نفسى ماله لعنه الله أكل هذا فرقا منى أن اشاتمه قال فاذا هو قد سمع ما لم أسمعه صوت ضمضم بن عمرو الغفارى وهو يصرخ ببطن الوادى واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحوّل رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد فى أصحابه لا أرى ان تدركوها الغوث الغوث قال فشغلنى عنه وشغله عنى ما جاء من الامر* وفى رواية فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا اهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم وأموالكم ان أصابها محمد لن تفلحوا اذا أبدا فتجهز الناس سراعا وقالوا أيظنّ محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمى كلا والله ليعلمنّ غير ذلك فكانوا بين رجلين اما خارج واما باعث مكانه رجلا وأرعبت قريش ولم يتخلف من أشرافها أحد الا ان أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف وبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة وكان قد لأط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزئ عنه فخرج عنه وتخلف ابو لهب قال ابن اسحاق وحدّثنى عبد الله بن ابى نجيح ان أمية بن خلف كان قد أجمع على القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا فأتاه عقبة بن ابى معيط وهو جالس فى المسجد بين ظهرى قومه بمجمرة يحملها فيها نار حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا على استجمر فانما أنت من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز فخرج مع الناس* وفى رواية كان أمية قد سمع من سعد بن معاذ أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال سأقتله فقال أمية والله ان محمد الا يكذب ولم يزل يخاف من ذلك فعزم للقعود فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان انك سيد أهل الوادى فسربنا يوما أو يومين فوسوس اليه حتى خرج وفى سيرة ابن هشام ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب والعداوة قالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا وكاد ذلك أن يثبطهم ويثنيهم فتبدّى لهم ابليس فى صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى وكان سراقة من أشراف بنى كنانة فقال أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشىء تكرهونه فخرجوا سراعا* وفى رواية ولما التقى الجمعان كان ابليس فى صف المشركين على صورة سراقة بن مالك بن جعشم آخذا بيد الحارث بن هشام* وفى رواية بيد أبى جهل ورأى الملائكة نزلت من السماء ورأى جبريل معتجرا ببرد يمشى بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفى يده اللجام يقود الفرس وما ركب بعد وعلم انه لا طاقة له بهم نكص على عقبيه موليا هاربا فقال له الحارث الى أين أفرارا من غير قتال وحول بمكة أتخذ لنا فى هذه الحالة قال انى أرى ما لا ترون ودفع فى صدر الحارث فانطلق فانهزم الناس ولما قدموا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال بلغنى انكم تقولون انى هزمت الناس فو الله ما شعرت بمسيركم حتى بلغنى هزيمتكم فقالوا ما أتيتنا يوم كذا فحلف لهم فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء ذكر انهم كانوا يرونه فى كل منزل فى صورة سراقة لا ينكرونه حتى اذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم* روى عن السدّى والكلبى انهما قالا كان المشركون حين خرجوا الى النبى صلّى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا اللهمّ انصر أهدى الفئتين وأعلى الجندين وأكرم الحزبين وأفضل الدين ففيه نزلت ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح فخرجت قريش من مكة سراعا معها القيان والدفوف* قال ابن اسحاق
وخرج رسول الله صلّى الله(1/370)
عليه وسلم من المدينة لليال مضت من شهر رمضان فى أصحابه* وقال ابن هشام خرج يوم الاثنين لثمان ليال خلون من شهر رمضان واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم ويقال اسمه عبد الله ابن أم مكتوم أخا بنى عامر بن لؤى على الصلاة بالناس ثم ردّ أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة وفى رواية خرج معه قوم من الانصار لطلب الغنيمة وقعد آخرون ولم تكن الانصار خرجت قبل ذلك الى عدوّ ولم يظنوا أنه عليه السلام يلقى عدوّا فلم يلهم لانه لم يخرج للقتال ولم يكن غزا بأحد قبلها وضرب عسكره على بئر أبى عنبة بلفظ واحد العنب على ميل من المدينة كذا فى الوفاء وعرض أصحابه وردّ من استصغره وكان ممن استصغره براء بن عازب وعبد الله بن عمرو كان الخيل فرسين فرس للمقداد وفرس لمرثد بن أبى مرثد* وفى رواية للزبير وفى المواهب اللدنية والوفاء معهم ثلاثة أفراس برجة فرس المقداد واليعسوب فرس الزبير وفرس لابى مرثد الغنوى يقال له السيل ولم يكن لهم يومئذ خيل غير هذه الثلاثة* وفى الكشاف وما كان معهم الا فرس واحد انتهى وكانت الدروع تسعا* وفى رواية ستا والسيف ثمانية والمسلمون ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدد أصحاب طالوت يوم جالوت الذين جاوزوا معه النهر وفى الحديث قال عليه السلام لاصحابه يوم بدر أنتم اليوم كعدد المرسلين وأصحاب طالوت يوم عبروا النهر كذا فى العمدة* منهم سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الانصار* وفى رواية منهم ثمانون من المهاجرين وباقيهم من الانصار ولابى داود والذين كانوا معه عليه السلام يوم بدر ثلثمائة وخمسة عشر رجلا وكذا فى شواهد النبوّة وفى صحيح البخارى والكشاف والوفاء ثلثمائة وبضعة عشر رجلا وقد ذكرهم الامام البخارى فى صحيحه وسيجىء ذكرهم فى هذا الكتاب بالتفصيل ان شاء الله تعالى* قال العلامة الدوانى فى شرح العقائد العضدية سمعنا من مشايخ الحديث أن الدعاء عند ذكرهم فى البخارى مستجاب وقد جرب ذلك* وفى المواهب اللدنية وكان عدّة من خرج ثلثمائة وخمسة ثمانية منهم لم يحضروها بعذر انما ضرب لهم بسهمهم وأجرهم وكانوا كمن حضرها ثلاثة منهم من المهاجرين أحدهم عثمان بن عفان خلفه النبىّ صلى الله عليه وسلم على ابنته رقية زوجة عثمان وكانت مريضة فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان لك لاجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه رواه البخارى والثانى والثالث طلحة وسعيد عينا النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعثهما لتجسس العير فسارا حتى بلغا الخرار فكمنا هناك فمرت بهما العير فبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم الخبر فخرج ورجعا يريد ان المدينة ولم يعلما بخروج النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقدما المدينة بخبر العير وقد كان صلّى الله عليه وسلم قبل مجيئهما خرج منها بقصد العير* وفى رواية فقد ما المدينة فى اليوم الذى لاقى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم المشركين فخرجا يعترضان رسول الله فلقياه منصرفا من بدر فضرب لهما بسهامهما وأجرهما فكانا كمن شهدها وخمسة من الانصار أحدهم أبو لبابة ردّه من الطريق لخلافة المدينة والثانى عاصم بن عدى العجلانى استعمله على أهل العوالى والثالث حارثة بن حاطب بعثه من الروحاء الى بنى عمرو بن عوف والرابع والخامس الحارث بن الصمة وخوات بن جبير سقطا من الابل فأصابهما بعض الكسر فردّهما من الطريق* وفى المواهب اللدنية كان عدد المشركين ألفا ويقال تسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس وسبعمائة بعير ولما نظر عليه السلام الى أصحابه ورأى قلة عددهم وعدتهم قال اللهم انهم حفاة فاحملهم اللهم انهم عراة فاكسهم اللهم انهم جياع فأشبعهم اللهم انهم عالة فأغنهم من فضلك فاستجيبت دعوته ففتح الله له ذلك وما من رجل منهم الا رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ودفع عليه السلام اللواء الى مصعب ابن عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار قال ابن هشام وكان أبيض وكان أمام رسول الله صلّى الله(1/371)
عليه وسلم رايتان سوداوان احداهما مع علىّ بن أبى طالب يقال لها العقاب والاخرى مع بعض الانصار وكانت ابل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلىّ بن أبى طالب ومرثد بن أبى مرثد يعتقبون بعيرا* وفى الكشاف يعتقب النفر منهم على البعير الواحد* وفى رواية كان زميلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى ذلك السفر علىّ بن أبى طالب وأبو لبابة أوّلا وزيد بن حارثة آخرا* وفى الحديث اذا كان عقبة النبىّ صلّى الله عليه وسلم قالوا اركب يا رسول الله حتى نمشى عنك فيقول ما أنتما بأقوى على السير منى وما أنا بأغنى عن الاجر منكما* وقال ابن اسحاق وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا* قال ابن اسحاق وجعل على الساقة قيس بن أبى صعصعة أخا بنى مازن بن النجار وكانت راية الانصار مع سعد بن معاذ فيما قال ابن هشام قال ابن اسحاق فسلك طريقه من المدينة الى مكة على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذى الحليفة ثم على آلات الجيش قال ابن هشام ذات الجيش قال ابن اسحاق ثم مر على تربان ثم على ملل ثم على عميس الحمائم من مرتين ثم على صخيرات اليمام ثم على السيالة ثم على فج الروحاء ثم على شنوكة وهى الطريق المعتدلة حتى اذا كان بعرق الظبية قال ابن هشام عن غير ابن اسحاق لقوا رجلا من الاعراب فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أوفيكم رسول الله فقالوا نعم فسلم عليه ثم قال ان كنت رسول الله فاخبرنى عما فى بطن ناقتى هذه قال له سلمة بن سلامة بن وقش لا تسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أقبل علىّ أنا أخبرك عن ذلك نزوت عليها ففى بطنها منك سخلة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم مه فحشت على الرجل ثم أعرض عن سلمة ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم سجسج وهى بئر الروحاء* وفى معالم التنزيل أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالروحاء عينا للقوم فأخبره بهم فبعث صلّى الله عليه وسلم عينا له من جهينة حليفا للانصار يدعى ابن الاريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم ارتحل من الروحاء حتى اذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدرا فسلك فى ناحية منها حتى جزع واديا يقال له رحقان بين النازية وبين مضيق الصفراء ثم علا المضيق ثم انصب به حتى اذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنى حليف بنى ساعدة وعدىّ بن أبى الزغباء الجهنى حليف بنى النجار الى بدر يتجسسان له الاخبار عن أبى سفيان وغيره* وفى خلاصة الوفاء الصفراء تأنيث الاصفر واد كثير العيون والنخل سلكه النبى صلّى الله عليه وسلم مرجعه من بدر الكبرى وقال محمد سلك غير مرّة فمضى العينان حتى نزلا بدرا فأناخا الى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه ومجدى بن عمرو الجهنى على الماء فسمع جاريتين من جوارى الحاضر وهما يتلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها انما ترد العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذى لك فقال مجدى بن عمرو وكان على الماء صدقت ثم خلص بينهما فلما سمع بذلك عدى وبسبس جلسا على بعيريهما ثم انطلقا فأتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبراه ثم تقدّم أبو سفيان العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدى هل احسست أحدا قال ما رأيت أحدا أنكره الا انى قد رأيت راكبين أناخا الى هذا التل ثم استقيا فى شن لهما ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فاذا فيه كسيرات النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع الى أصحابه سريعا فصرف وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدرا بيسار وانطلق حتى أسرع قال ابن اسحاق ثم ارتحل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد قدّم العينين فلما استقبل الصفراء وهى قرية بين جبلين سأل عن
جبليها ما أسماؤهما(1/372)
فقالوا لاحدهما هذا مسلح وللآخر هذا محزى وسأل عن أهلهما فقالوا بنو النار وبنو حراق بطنان من غفار فكرههما رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمرور بينهما وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما فتركهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم والصفراء بيسار وسلك ذات اليمين على واد يقال له دفران وجزع فيه ثم نزل* وفى خلاصة الوفاء دفران واد معروف قبل الصفراء بيسير يصب سيله فيها من المغرب يسلكه الحاج المصرى فى رجوعه الى ينبع فيأخذ ذات اليمين كما فعله النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ذهابه الى غزوة بدر وبه مسجد يتبرّك به على يسار السالك الى ينبع وأظنه مسجد دفران* وفى القاموس دفران بكسر الفاء واد قرب الصفراء* قال ابن اسحاق ثم نزل دفران فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش* وفى الكشاف وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوادى دفران فنزل جبريل وقال يا محمد ان الله وعدك احدى الطائفتين اما العير واما قريشا فاستشار النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه وقال ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحب اليكم أم النفير قالوا بل العير أحب الينا من لقاء العدوّ فتغير وجه رسول الله ثم ردّ عليهم فقال ان البعير قد مضت من ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل قالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدوّ فقام عند غضب النبىّ صلّى الله عليه وسلم أبو بكر فقال وأحسن ثم قام عمر فقال وأحسن ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض فو الله لو سرت الى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الانصار* وفى معجم ما استعجم ابين بكسر أوّله واسكان ثانيه وبعده ياء معجمة باثنتين من تحتها مفتوحة ثم نون اسم رجل كان فى الزمن القديم وهذا الذى ينسب اليه عدن ابين من بلاد اليمن انتهى ثم قام مقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك فو الله ما نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دام مناعين نطرف نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك فو الذى بعثك بالحق لو سرّت بنا الى برك الغماد يعنى مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال له خيرا وفى رواية أشرق وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسر بذلك* وقال ابن هشام ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أشيروا علىّ انما يريد الانصار وذلك انهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله انا برآء من ذمامك حتى تصل الى ديارنا فاذا وصلت الينا فأنت فى ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتخوّف أن لا تكون الانصار ترى عليها نصرة الا ممن دهمه بالمدينة من عدوّه وان ليس عليهم أن يسير بهم الى عدوّ من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال أجل قال قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك مواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا انا لصبر فى الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقرّبه عينك فسربنا على بركة الله فسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك وقال سيروا وأبشروا فان الله قد وعدنى احدى الطائفتين والله لكأنى الآن انظر الى مصارع القوم ثم ارتحل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من دفران فسلك على ثنايا يقال لها الاصافر ثم انحط منها الى بلد يقال لها الدبة فى الوفاء الدبة بفتح أوّله وتشديد الموحدة من تحت كدبة الدهن معناه مجتمع الرمل موضع بين أصافر وبدر اجتاز به النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد ارتحاله من دفران يريد بدرا* وفى القاموس الدبة بالضم موضع
قرب بدر قال ابن اسحاق(1/373)
وترك الحنان بيمين وهو كثيب عظيم كالجبل ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من أصحابه قال ابن هشام الرجل أبو بكر الصدّيق قال ابن اسحاق حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبر كما حتى تخبرانى ممن أنتما فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا أخبرتنا أخبرناك قال أو ذاك بذاك قال نعم فقال الشيخ فانه قد بلغنى ان محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فان كان صدقنى الذى أخبرنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به قرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبلغنى أن قريشا خرجوا من يوم كذا وكذا فان كان الذى أخبرنى صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به قريش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول الشيخ ماء من ماء أمن ماء العراق* وفى المنتقى أراد صلى الله عليه وسلم أن يوهمه انه من العراق وكان العراق يسمى ماء لكثرة الماء فيه وانما أراد انه خلق من نطفة ماء* قال ابن هشام يقال الشيخ سفيان الضمرى قال ابن اسحاق ثم رجع رسول الله الى أصحابه فلما أمسى بعث علىّ بن أبى طالب والزبير بن العوّام وسعد بن أبى وقاص فى نفر من أصحابه الى ماء بدر يلتمسون الخبر فأصابوا راوية لقريش فيها غلام اسود لبنى الحجاج اسمه أسلم وغلام لبنى العاص بن سعد اسمه عريض أبو يسار وفرّ الباقون وكانوا كثيرا وأوّل من بلغ مشركى قريش من الفرّار رجل اسمه عجير فبلغهم خبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال يا آل غالب هذا ابن أبى كبشة مع أصحابه قد أخذوا راويتكم مع غلامين فوقع فى جيشهم انزعاج واضطراب وخوف فلما أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالغلامين سألوهما ورسول الله صلّى الله عليه وسلم قائم يصلى فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا ان يكونا لابى سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لابى سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال اذا صدقاكم ضربتموهما واذا كذباكم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش أخبرانى عن قريش قالاهم والله وراء هذا الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل فقال كم القوم فقالا كثير قال ما عدّتهم قالا لا ندرى قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم القوم فيما بين التسعمائة والالف ثم قال لهما فمن فيهم من أشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البخترى بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدى بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الاسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبدودّ فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت اليكم أفلاذ كبدها قال ابن اسحاق ولما أقبلت قريش ونزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال انى أرى فيما يرى النائم وانى لبين النائم واليقظان اذ نظرت الى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان فعدّ رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ثم رأيته ضرب فى لبة بعيره ثم أرسله فى العسكر فما بقى خباء من أخبية العسكر الا أصابه نضح من دمه فبلغت أبا جهل فقال وهذا أيضا نبى آخر من بنى المطلب سيعلم غدا من المقتول ان نحن التقينا قال ابن اسحاق ولما رأى أبو سفيان انه قد أحرز عيره أرسل الى قريش انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورحالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق فى كل عام فنقيم عليه ثلاثا
فنخر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع(1/374)
بنا العرب وبسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها فامضوا فوافوها فسقوا كؤس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان وقال الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى وكان حليفا لبنى زهرة وهم بالجحفة يا بنى زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة ابن نوفل وانما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلونى جبنها وارجعوا فانه لا حاجة لكم بأن تخرجوا فى ضيعة لا تسمعوا ما يقول هذا يعنى أبا جهل فرجعوا فلم يشهدها زهرى واحد وأطاعوه وكان فيهم مطاعا ولم يكن بقى من قريش بطن الا وقد نفر منهم ناس الا بنى عدى بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الاخنس فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد* روى أن أبا سفيان صادفهم فقال يا بنى زهرة لا فى العير ولا فى النفير وهو أوّل من قال هذا قالوا أنت أرسلت الى قريش أن ترجع وفى بعض التفاسير قال أخنس بن شريق يا قوم اذا حصل مرادنا الذى هو نجاة أموالنا فلنرجع فقال له أبو جهل أخنس فرجع فى ثلثمائة من بنى زهرة فسمى أخنس لاختزاله من الحرب ولما بلغ أبا سفيان قول أبى جهل قال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام يعنى أبا جهل روى ان أبا سفيان لما بلغ العير الى مكة رجع ولحق بجيش قريش فمضى معهم الى بدر فجرح يومئذ جراحات وأفلت هاربا ولحق بمكة راجلا قال ابن اسحاق ومضى القوم وكان بين طالب بن أبى طالب وكان فى القوم وبين بعض قريش محاورة فقالوا والله لقد عرفنا يا بنى هاشم وان خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد فرجع طالب الى مكة مع من رجع قال طالب بن أبى طالب
لاهمّ اما يغنزونّ طالب ... فى عصبة محالف محارب
فى مقنب من هذه المقانب ... فليكن المسلوب غير السالب
وليكن المغلوب غير الغالب
قال ابن اسحاق ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادى خلف العقنقل وبطن الوادى وهو يليل بين بدر وبين العقنقل الكثيب الذى خلفه قريش والقليب ببدر فى العدوة الدنيا من بطن يليل الى المدينة وبعث الله السماء وكان الوادى دهسا فأصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبدلهم الارض ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبادرهم الى الماء حتى اذا جاء أدنى ماء ببدر نزل به* وفى الكشاف وغيره من التفاسير مضت قريش حتى أناخت بالعدوة القصوى أى البعدى عن المدينة خلف العقنقل العدوة شط الوادى وكان فيها الماء وكانت أرضا لا بأس بها للمشى فيها ونزل المسلمون بالعدوة الدنيا أى القربى الى جهة المدينة ولا ماء فيها وكانت كثيبا أعفر رخوا تسوخ فيه الاقدام وحوافر الدواب ولا يمشى فيها الّا بتعب وكانت الركب أى العير وقوّادها بمكان أسفل من مكان المسلمين بثلاثة أميال الى جهة وراء ظهر العدوّ يعنى الساحل وكذا فى أنوار التنزيل والمدارك* وفى شواهد النبوّة روى أنه فى الليلة السابقة على يوم الحرب غلب النوم والامنة على المسلمين بحيث لم يقدروا أن يكونوا أيقاظا* وعن الزبير أنه قال سلط علىّ النوم بحيث كلما أردت أن أجلس لم أقدر فيلقينى النوم على الارض وكذا كان حال النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه* قال سعد بن أبى وقاص رأيتنى تقع ذقنى بين ثديىّ فلما أنتبه أسقط على جنبى قال رفاعة غلب علىّ النوم حتى احتلمت وتغسلت وكان مشركو قريش بقرب منهم وقد غلب عليهم الخوف فبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليهم عمار بن ياسر وابن مسعود فرجعا وقالا يا رسول الله غلب على المشركين الخوف حتى اذا صهل خيلهم يضربون وجوهها من شدّة الخوف* روى ان المسلمين ناموا فاحتلم أكثرهم وأجنوا وقد غلب المشركون على الماء فتمثل(1/375)
لهم الشيطان فوسوس اليهم فقال كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون محدثين مجنبين وآية التيمم لم تنزل بعد وتزعمون انكم أولياء الله وفيكم رسوله فأشفقوا فأرسل الله عليهم السماء ليلا حتى سال منها الوادى فاتخذوا الحياض على عدوة الوادى وشربوا وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضأوا وملؤا الاسقية وانطفأ للغبار وتلبدت لهم الارض حتى تثبت عليها الاقدام ولم تمنعهم من المسير وزالت عنهم الوسوسة وطابت النفوس كما قال تعالى اذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام وقيل يثبت به الاقدام بالصبر وقوّة القلب فحصل بذلك للمسلمين اطمئنان وزال عنهم الخوف ولما كانت العدوة القصوى مناخ قريش أرضا سهلا لينا لم تبلغ أن تكون رملا وليس هو بتراب أصابهم ما لم يقدروا ان يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبادر الى الماء حتى اذا أتى أدنى ماء من بدر نزل به قال ابن اسحاق حدثت عن رجال من بنى سلمة انهم ذكروا ان الخباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأى والحرب والمكيدة قال بل الزأى والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتى أدنى ماء من القوم فتنزل ثم نغوّر ما وراءه من القلب ثم نبنى عليه حوضا فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأى* وفى رواية فنزل جبريل فقال الرأى ما أشار اليه الخباب كذا فى المنتقى فنهض رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين فسار حتى اذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فغوّرت وبنى حوضا على القليب الذى نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية وكان نزوله بدرا عشاء ليلة الجمعة السابعة عشر من رمضان كما مرّ ولما نزل قام مع جماعة من أصحابه يسير فى عرصة بدر ويضع يده على الارض ويقول هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان يرى أصحابه مصارع صناديد قريش فو الله ما تجاوز أحد منهم عن الموضع الذى عين له بل قتل فيه* قال ابن اسحاق فحدثنى عبد الله بن أبى بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال يا نبىّ الله ألا نبنى لك عريشا تكون فيه ونعدّ عندك ركائبك ثم نلقى عدوّنا فان أعزنا الله وأظهرنا على عدوّنا كان ذلك ما أحببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبىّ الله ما نحن لك بأشدّ حبا منهم ولو ظنوا انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم بنى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عريش فكان فيه* وفى خلاصة الوفاء مسجد بدر كان العريش الذى بنى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم بدر عنده وهو معروف عند النخيل والعين قريبة منه وبقربه فى جهة القبلة مسجد آخر تسميه أهل بدر مسجد النصر ولم أقف فيه على شىء* قال ابن اسحاق وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذى جاؤا منه الى الوادى قال اللهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهمّ فنصرك الذى وعدتنى اللهمّ أحنهم الغداة وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة فى القوم على جمل له أحمران يك فى أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمران يطيعوه يرشدوا وقد كان خفاف ابن ايماء بن رحضة الغفارى أو أبوه ايماء بن رحضة الغفارى بعث الى قريش حين مروان ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال ان أحببتم ان نمدّكم بسلاح ورجال فعلنا قال فأرسلوا اليه ان وصلتك رسم وقد قضيت الذى عليك فلعمرى لئن كنا انما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم ولئن كنا انما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لاحد بالله من طاقة فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش
حتى وردوا حوض رسول الله(1/376)
صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه يومئذ رجل الا قتل الا ما كان من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن اسلامه فكان اذا اجتهد فى يمينه قال والذى نجانى يوم بدر ولما اطمأنّ القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحى فقالوا احرز لنا أصحاب محمد فدار بفرسه حول العسكر ثم رجع اليهم فقال ثلثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصونه ولكن أمهلونى حتى أنظر للقوم كمين أو مدد فضرب فى الوادى حتى أبعد فلم ير شيئا فرجع اليهم فقال ما رأيت شيئا ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا* وفى رواية الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع* وفى المنتقى السم الناقع أى القاتل قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل رجل منكم فاذا أصابوا منكم أعدادهم فلا خير فى العيش بعد ذلك فروا رأيكم* روى انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم رأى المشركين فى وقعة بدر فى المنام قليلا فأخبر بذلك أصحابه وكان تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوّهم ولو أراه اياهم كثيرا لفشلوا وجبنوا وهابوا الاقدام عليهم وتنازعوا فى أمر القتال وتردّدوا بين الثبات والفرار فقلل الله الكافرين فى أعين المؤمنين حتى قال ابن مسعود لمن الى جنبه أتراهم سبعين فقال أراهم مائة وكانوا ألفا تثبيتا وتصديقا لرؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وليجترئوا عليهم وقلل المؤمنين فى أعين الكافرين قبل التحام القتال حتى قال أبو جهل انّ محمدا وأصحابه أكلة جزور ليجترئؤا عليهم ولئلا يرجعوا عن قتالهم ولئلا يستعدوا لهم ثم كثرهم فى أعينهم حتى يروهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم وهذا من عظائم آيات تلك الوقعة فان البصر وان كان قديرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا الى هذا الحد وانما يتصوّر ذلك بصدّ الله تعالى الابصار عن ابصار بعض دون بعض مع التساوى فى الشرط كذا فى أنوار التنزيل* فلما سمع حكيم بن حزام قول عمير تمشى فى الناس فأتى عتبة فقال يا أبا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك الى أن لا تزال تذكر منها بخير الى آخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمى قال قد فعلت أنت علىّ بذلك انما هو حليفى فعلىّ عقله وما أصيب من ماله فأت ابن الحنظلية يعنى أبا جهل والحنظلية أم أبى جهل وهى أسماء بنت مخرمة أحد بنى نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة فانى لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره ثم قام عتبة خطيبا فقال يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن أصبتموهم لا يزال الرجل ينظر فى وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فان أصابوه فذلك الذى أردتم وان كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى عتبة فى القوم على جمل له أحمر الى آخر الحديث كما مرّ قال حكيم فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهيئها فقلت له يا أبا الحكم ان عتبة أرسلنى اليك بكذا وكذا الذى قال فقال انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما يعتبة ما قال ولكنه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه قد تخوّفكم عليه يعنى أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم* وفى المنتقى قال عتبة فى جواب حكيم قد فعلت يعنى قال أنا أتحمل بدم حليفى فاذهب الى ابن الحنظلية يعنى أبا جهل فقل له هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك فجئته فاذا هو فى جماعة من بين يديه ومن ورائه فاذا بابن الحضرمى واقف على رأسه وهو يقول قد فسخت عقدى من بنى عبد شمس وعقدى الى بنى مخزوم فقلت له يقول لك عتبة هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك قال أما وجد رسولا غيرك* قال حكيم
فخرجت أبادر الى عتبة وهو متكىء على ايماء بن رحضة وقد أهدى الى المشركين عشر جزائر فطلع(1/377)
أبو جهل والشرّ فى وجهه فقال لعتبة* انتفخ سحرك* وهذا الكلام تقوله العرب للجبان فقال له عتبة ستعلم غدا من انتفخ سحره أنا أم أنت* وفى رواية قال له عتبة اياى تعيريا صفرا سته انما قال هذا لانّ أبا جهل كان به برص فى ألبته وكان يردعها بالزعفران فغضب أبو جهل وسل سيفه وضرب به متن فرسه فقال له ايماء بن رحضة بئس الفأل* قال ابن هشام ثم بعث أبو جهل الى عامر بن الحضرمى فقال هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثارك بعينك فقم وانشد حفرتك ومقتل أخيك فقام عامر بن الحضرمى فاكتشف ثم صرخ واعمرواه وا عمرواه فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوثقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأى الذى دعاهم اليه عتبة ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها فى رأسه فما وجد فى الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له وعقد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثة ألوية وكان لواؤه الاعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الخباب بن المنذر ولواء الاوس مع سعد بن معاذ وجعل شعار المهاجرين يا بنى عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بنى عبد الله وشعار الاوس يا بنى عبيد الله وقيل كان شعار الكل يا منصور أمت وفى اكتفاء الكلاعى كان شعار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحد أحد وكان مع المشركين ثلاثة ألوية لواء مع عبد العزيز بن عمير ولواء مع النضر بن الحارث ولواء مع طلحة بن أبى طلحة كلهم من بنى عبد الدار وخرج الاسود بن عبد الاسد المخزومى وكان رجلا شرساسيئ الخلق فقال أعاهد الله لاشر بن من حوضهم أو لاهد منه أولا موتن دونه فخرج اليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه يريد بزعمه أن تبرّ يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى قتله فى الحوض ثم خرج بعده عتبة ابن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة حتى اذا فصل من الصف دعا الى المبارزة فخرج اليه فتية من الانصار ثلاثة وهم عوف ومعاذا بنا الحارث وأمهما عفراء ورجل آخر يقال هو عبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم قالوا رهط من الانصار قالوا ما لنا بكم من حاجة* قال ابن اسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ عتبة بن ربيعة قال للفتية من الانصار حين انتسبوا أكفاء كرام انما نريد قومنا قال فنادى مناديهم يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا على فلما قاموا ودنوا منهم قالوا من أنتم قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علىّ علىّ قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز علىّ الوليد بن عتبة فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة ان قتله وأما علىّ فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكرّ حمزة وعلىّ بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه الى أصحابه* وقال موسى بن عقبة وقد صح ان قوله تعالى هذان خصمان اختصموا فى ربهم الآية نزل فى هؤلاء الستة* وفى رواية قتل علىّ الوليد ثم قام شيبة بن ربيعة فقام اليه عبيدة بن الحارث فاختلفا ضربتين فضربه عبيدة فصرعه وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها أسفل من الركبتين وصرعا جميعا وقام عتبة فقام اليه حمزة فاختلفا ضربتين فلم يصنع سيفاهما شيئا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فأهوى عبيدة بن الحارث وهو صريع فضرب عتبة فقطع ساقه فقام اليه حمزة فضربه حتى برد واحتمل علىّ وحمزة عبيدة فجاءا به الى أصحابه وقد قطعت رجله ومخ ساقه يسيل فلما أتوا بعبيدة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ألست شهيدا يا رسول الله قال بلى فقال عبيدة لو كان أبو طالب حيا لعلم انى أحق منه حيث يقول
ونسلمه حتى نصرّع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل(1/378)
وفى رواية أنشأ عبيدة هذين البيتين
فان يقطعوا رجلى فانى مسلم ... وأرجوبه عيشا من الله عاليا
فألبسنى الرحمن من فضل منه ... لباسا من الاسلام غطى المساويا
ومات فدفنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصفراء وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل عاش أياما ثم مات بالروحاء كذا فى المنتقى* وفى ذخائر العقبى قيل ان حمزة قتل يوم بدر عتبة بن ربيعة مبارزه قاله موسى بن عقبة وقيل بل قتل شيبة بن ربيعة مبارزه قاله ابن اسحاق وغيره وقتل يومئذ طعيمة بن عدى أخا مطعم بن عدى وقتل الاسود بن عبد الاسد المخزومى يومئذ فى الحوض وقتل سباعا الخزاعى وقيل بل قتله يوم أحد قبل أن يقتل* وفى اكتفاء الكلاعى ذكر ابن عقبة انه لما طلب القوم المبارزة فقام اليه ثلاثة نفر من الانصار استحيى النبىّ صلّى الله عليه وسلم من ذلك لانه كان أوّل قتال التقى فيه المسلمون والمشركون ورسول الله صلّى الله عليه وسلم شاهد معهم فأحب النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن تكون الشوكة لبنى عمه فناداهم أن ارجعوا الى مصافكم وليقم اليهم بنو عمهم فعند ذلك قام حمزة وعلىّ وعبيدة* قال ابن اسحاق ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا على المشركين حتى يأمرهم وقال ان كبتكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى العريش ومعه أبو بكر الصدّيق وعدّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ صفوف أصحابه وفى يده قدح يعدّل به القوم فمرّ بسواد بن غزية حليف بنى عدى بن النجار وهو مستنثل من الصف أى بارز فطعن فى بطنه بالقدح وقال استويا سواد فقال يا رسول الله أوجعتنى وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى فكشف رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم له بخير ثم عدّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الصفوف ورجع الى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر ليس معه فيه غيره ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد فى الارض أبدا وأبو بكر يقول يا نبىّ الله يكفيك بعض مناشدتك ربك فانّ الله منجز لك ما وعدك* روى النسائى والحاكم عن علىّ أنه قال قاتلت يوم بدر شيئا من قتال ثم جئت فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى سجوده يا حىّ يا قيوم فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته كذلك* وفى المواهب اللدنية فى صحيح مسلم عن ابن عباس قال عمر بن الخطاب لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر دخل العريش فاستقبل القبلة ومدّيده وجعل يهتف بربه اللهم أنجزلى ما وعدتنى فما زال يهتف بربه مدّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأخذ أبو بكر رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبىّ الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تعالى اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم مرسل اليكم مددا لكم بألف من الملائكة مردفين متتابعين بعضهم فى اثر بعض وعلى قراءة فتح الدال معناه أردف الله المسلمين وجاءهم بهم مددا وفى الآية الاخرى بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين فقيل فى معناه ان الالف أردفهم بثلاثة آلاف فكان الاكثر مدد اللاقل وكان الالف مردفين لمن وراءهم والالف هم الذين قاتلوا مع المؤمنين وهم الذين قال الله لهم فثبتوا الذين آمنوا وكانوا فى صورة الرجال ويقولون للمؤمنين اثبتوا فان عدوّكم قليل وانّ الله معكم* وقال الربيع ابن أنس أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف قال ابن اسحاق وقد خفق رسول الله خفقة(1/379)
وهو فى العريش ثم انتبه* وفى رواية البخارى أخذته صلّى الله عليه وسلم سنة من النوم ثم استيقظ متبسما فقال ابشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع يريد الغبار وقد رمى مهجع مولى عمر بسهم فقتل فكان أوّل قتيل من المسلمين ثم رمى حارثة بن سراقة أحد بنى عدى ابن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الناس وهو يثب فى الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر فحرّضهم ونفل كل امرئ ما أصاب وقال والذى نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبرا لا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام أخو بنى سلمة وفى يده تمرات يأكلهنّ بخ بخ فما بينى وبين أدخل الجنة الا أن يقتلنى هؤلاء فقذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل وهو يقول
ركضا الى الله بغير الزاد ... الا التقى والعمل المفاد
والصبر فى الله على الجهاد ... وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد
وفى المشكاة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قوموا الى جنة عرضها السموات والارض قال عمير ابن الحمام بخ بخ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله الارجاء أن أكون من أهلها قال فانك من أهلها فأخرج تمرات من كرزه أى جعبته فجعل يأكل منهنّ ثم قال لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى انها الحياة طويلة قال فرمى بما كان معه من التمرات ثم قاتلهم حتى قتل رواه مسلم قال والتقى الناس ودنا بعضهم من بعض قال أبو جهل اللهمّ من كان أقطعنا رحما فأتى بمالا يعرف فأحنه الغداة وكان هو المستفتح على نفسه وقال يومئذ عوف بن الحارث وهو ابن عفراء يا رسول الله ماذا يضحك الرب من عبده قال غمسة يده فى العدوّ حاسرا فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل
لطيفة انقلاب العصا سيفا
وقاتل عكاشة بن محصن الاسدى حليف بنى عبد شمس يوم بدر بسيفه حتى انقطع فى يده فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب فقال قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه هزه فعاد فى يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون ثم لم يزل عنده حتى قتل فى الردّة وهو عنده قتله طليحة الاسدى ثم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشا ثم قال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها ثم أمر أصحابه فقال شدوا فكانت الهزيمة وجعل الله تلك الحصباء عظيما شأنها لم تترك من المشركين رجلا الاملأت عينيه واستولى عليهم المسلمون معهم الله وملائكته يقتلونهم ويأسرونهم ويجدون النفر كل رجل منهم مكب على وجهه لا يدرى أين يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه فقتل الله من قتل من صناديد قريش وأسر من أسر من أشرافهم* قال قتادة وابو زيد ذكر لنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة فى ميمنة القوم وبحصاة فى ميسرة القوم وبحصاة فى أظهرهم وقال شاهت الوجوه فانهزموا فذلك قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى* وفى معالم التنزيل تناول كفا من حصى عليه تراب فرمى فى وجوه القوم وقال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك الا دخل فى عينيه وفى فمه ومنخره منها شىء فانهزموا ورد فهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم* وقال حكيم بن حزام لما كان يوم بدر سمعنا صوتا من السماء الى الارض كأنه صوت حصاة وقعت فى طست حين رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم تلك الحصيات فانهزمنا فذلك قوله تعالى وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى وقال نوفل بن معاوية انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع كوقع الحصاة فى الطساس فى أفئدتنا من خلفنا وكان ذلك أشدّ الرعب علينا فلما وضع القوم أيديهم يأسرون وسعد بن معاذ(1/380)
قائم على باب العريش الذى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم متوشحا السيف فى نفر من الانصار يحرسون رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدوّ رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أوّل وقعة أوقعها الله بأهل الشرك فكان الاثخان فى القتل أحب الىّ من استبقاء الرجال وقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ لاصحابه انى قد عرفت ان رجالا من بنى هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها ولا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم أحدا من بنى هاشم فلا يقتله ومن لقى أبا البخترى بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله واسم أبى البخترى العاصى بن هشام ومن لقى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلا يقتله فانه انما خرج مستكرها قال أبو حذيفة أنقتل آباءنا وأبناءنا واخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف فبلغت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص قال عمر والله انه لاوّل يوم كنانى فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأبى حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف فقال عمر يا رسول الله دعنى فلاضربن عنقه بالسيف فو الله لقد نافق فكان أبو حذيفة يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة التى قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا الا أن تكفرها عنى الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا وانما نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل أبى البخترى لانه كان أكف القوم عنه بمكة وكان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شىء يكرهه وكان ممن قام فى نقض الصحيفة التى كتبتها قريش على بنى هاشم وبنى المطلب فلقيه المجذر بن زياد البلوى حليف الانصار يوم بدر فقال له ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك ومع أبى البخترى زميل له خرج معه من مكة وهو رجل من بنى ليث اسمه جنادة بن مليحة بنت زهير قال وزميلى فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركى زميلك ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بك وحدك قال لا والله اذا لا موتن أنا وهو جميعا لا تحدّث عنى نساء مكة أنى تركت زميلى حرصا على الحياة وقال يرتجز
لن يسلم ابن حرة زميله ... حتى يموت أو يرى سبيله
فاقتتلا فقتله المجذر ثم أتى المجذر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال والذى بعثك بالحق انى جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى الا أن يقاتلنى فقاتلته فقتلته* وقال موسى بن عقبة يزعم ناس ان أبا اليسر قتل أبا البخترى ويأبى معظم الناس الا أن المجذر هو الذى قتله ثم أضرب ابن عقبة عن القولين وقال بل قتله بغير شك أبو داود المازنى وسلبه سيفه فكان عند بنيه حتى باعه بعضهم من بعض بنى أبى البخترى وكان المجذر قد ناشده أن يستأسر وأخبره بنهى النبى صلّى الله عليه وسلم عن قتله فأبى أبو البخترى أن يستأسر وشدّ عليه المجذر بالسيف وطعنه الانصارى يعنى أبا داود المازنى بين ثدييه فأجهز عليه فقتله كذا فى الاكتفاء* قال ابن هشام حدّثنى أبو عبيدة وغيره ان عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاصى انى أراك كانّ فى نفسك شيئا اراك تظنّ أنى قتلت أباك انى لو قتلته لم أعتذر اليك من قتله ولكنى قتلت خالى العاصى بن هشام بن المغيرة فأما أبوك فانى مررت به وهو يبحث بحث الثور بروقه فجزت عنه وقصد له ابن عمه علىّ فقتله* وقال عبد الرحمن بن عوف كان أمية بن خلف لى صديقا بمكة وكان اسمى عبد عمرو فلما أسلمت تسميت عبد الرحمن فكان يلقانى فيقول لى يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه أبوك فأقول نعم فيقول فانى لا أعرف الرحمن فاجعل بينى وبينك شيئا أدعوك به أما أنت فلا تجيبنى باسمك الاوّل وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف فقلت يا أبا علىّ اجعل ما شئت قال فأنت عبد الاله فقلت نعم حتى اذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف مع ابنه علىّ بن أمية آخذا بيده ومعى أدراع لى
قد استلبتها فأنا أحملها فلما رآنى قال يا عبد عمرو فلم أجبه فقال يا عبد الا له فقلت نعم فقال(1/381)
هل لك فىّ فأنا خير لك من هذه الا دراع التى معك قال قلت نعم فطرحت الا دراع من يدى وأخذت بيده ويد ابنه علىّ وهو يقول ما رأيت كاليوم قط أمالكم حاجة فى اللبن يريد الفداء ثم خرجت أمشى بهما قال عبد الرحمن قال أمية فأنا بينه وبين ابنه علىّ آخذا بأيديهما فقال يا عبد الا له من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة فى صدره قلت ذلك حمزة بن عبد المطلب قال ذلك الذى فعل بنا الافاعيل* قال عبد الرحمن فو الله انى لاقودهما اذ رآه بلال وكان هو الذى يعذبه بمكة على ترك الاسلام فيخرجه الى رمضاء مكة اذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد فيقول بلال أحد أحد فلما رآه بلال قال رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت ان نجوت قال قلت أى بلال أبأسيرى قال لا نجوت ان نجا قلت أتسمع يا ابن السوداء قال لا نجوت ان نجا ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت ان نجا فأحاطوا بنا حتى جعلونا فى مثل الشبكة وأنا اذب عنه فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فقلت انج بنفسك ولا نجاء به فو الله ما أغنى عنك شيئا فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما فكان عبد الرحمن يقول رحم الله بلا لا ذهبت أدراعى وفجعنى بأسيرى* وقاتلت الملائكة يوم بدر قال ابن عباس ولم تقاتل فى يوم سواه وكانوا يكونون فيما سواه من الايام عددا ومددا لا يضربون وقيل لم تقاتل الملائكة لا فى يوم بدر ولا فى غيره وانما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين والا فملك واحد يكفى فى اهلاك أهل الدنيا فان جبريل أهلك بريشة واحدة من جناحه مدائن قوم لوط وأهلك ثمود وقوم صالح بصيحة واحدة وكانت سيماهم يوم بدر عمائم بيضا قد أرسلوها فى ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا* وذكر ابن هشام عن علىّ فى سيماء الملائكة يوم بدر مثل ما قال ابن عباس الا جبريل فان فى حديث علىّ أنه كانت عليه عمامة صفراء* قال ابن عباس حدّثنى رجل من غفار قال أقبلت أنا وابن عمّ لى حتى أصعدنا فى جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر لمن تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب فبينا نحن فى الجبل اذ دتت مناسحابة فسمعنا منها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم فأما ابن عمى فانكشف قناع قبله فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت* وقال أبو سعيد الساعدى بعد أن ذهب بصره وكان شهد بدرا لو كنت اليوم ببدر ومعى بصرى لأريتكم الشعب الذى خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى* وقال أبو داود المازنى انى لا تبع رجلا من المشركين يوم بدر لا ضربه اذ وقع رأسه قبل أن يصل اليه سيفى فعرفت انه قد قتله غيرى* روى انه جاءت يوم بدر ريح شديدة لم ير مثلها ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى ثم ذهبت وجاءت ريح أخرى فكانت الاولى جبريل فى ألف من الملائكة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم والثانية ميكائيل فى ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم والثالثة اسرافيل فى ألف من الملائكة عن ميسرته* وفى الكشاف نزل جبريل فى خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر وميكائيل فى خمسمائة ملك على الميسرة وفيها علىّ بن أبى طالب قال الله تعالى انى ممدّكم بألف من الملائكة* وفى أنوار التنزيل قيل أمدّ الله يوم بدر أوّلا بألف من الملائكة ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف وكانت سيماء الملائكة يوم بدر انهم على صورة الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم قد أرخوا أذنابها بين اكتافهم خضر وصفر وحمر وبيض* وفى الصفوة ان الزبير بن العوام كان عليه يوم بدر ريطة صفراء معتجرا بها وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه* وفى الحديث ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال لاصحابه يوم بدر تسوّموا فان الملائكة قد تسوّمت بالصوف الابيض فى قلانسهم ومغافرهم كذا فى معالم التنزيل والصوف فى خيلهم وكانت خيلا بلقا وكان المشركون يسمعون صهيل خيلهم ولا يرونها وقال قتادة(1/382)
والضحاك كانت الملائكة قد أعلموا بالعهن فى نواصى الخيل وأذنابها* وفى خلاصة الوفاء عن حكيم بن حزام قال رأيت يوم بدر قد وقع بوادى خليص بجاد من السماء قد سدّ الافق فاد الوادى يسيل نملا فوقع فى نفسى أنه شىء من السماء أيد به محمد صلّى الله عليه وسلم فما كانت الا الهزيمة* وعن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال قال لى أبى يا بنى لقد رأيتنا يوم بدر وان أحدنا ليشير بسيفه الى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل اليه السيف* وقال عكرمة كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدرى من ضربه ويندريد الرجل لا يدرى من ضربه روى ان رجلا من الانصار اتبع كافرا ليقتله فقبل أن يصل اليه سمع صوتا يقول أقدم حيزوم فرأى الكافر الذى قدّامه وقع صريعا وقد شق وجرح وجهه وانكسر أنفسه فجاء الانصارى الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره بما رآه فقال عليه السلام صدقت فهو من مدد السماء* وفى المواهب اللدنية قال ابن الانبارى كانت الملائكة لا تعلم كيف تقتل الآدميون فعلمهم الله تعالى بقوله فاضربوا فوق الاعناق أى الرؤس واضربوا منهم كل بنان قال عطية كل مفصل وقال السهيلى جاء فى التفسير انه ما وقعت ضربة يوم بدر الا فى رأس أو مفصل وكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم بآثار سود فى الاعناق وفى البنان* وفى خلاصة الوفاء قال المرجانى شهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدرا بسيفه الذى يدعى العضب وضربت طبلخانة النصر ببدر فهى تضرب الى يوم القيامة*
لطيفة فى استماع الطبل ببدر كطبل الملوك
قال القسطلانى فى المواهب اللدنية يقال انها تسمع ببدر كهيئة طبل ملوك الوقت ويرون ان ذلك لنصر أهل الايمان وقال أنا جرّبتها فسمعت صوت طبل سماعا محققا لا شك انه صوت طبل ثم نزلنا ببدر فظللت أسمع ذلك الصوت يومى أجمع المرّة بعد المرّة قال ولقد أخبرت أن ذلك الصوت لا يسمعه جميع الناس* وقال مؤلف الكتاب حسين بن محمد الديار بكرى عفا الله عنهما وأنا جرّبتها فى سنة ست وثلاثين وتسعمائة وقت اجتيازى ببدر قافلا من المدينة المشرّفة الى مكة المكرّمة فنزلنا بدرا وأقمنا فيه يوما ولما صليت الفجر يوم الاربعاء من أوائل شعبان ابتكرت نحو ذلك الصوت وكان يجىء من كثيب ضخم طويل مرتفع كالجبل شمالى بدر فطلعت على الكثيب ثم تتابع الناس لسماع ذلك الصوت وكانوازها مائة انسان من الرجال والنساء فى الشقادف وغيرها وما سمعت شيئا من أعلا الكثيب فنزلت أسفل فسمعت من سفح ذلك الكثيب صوتا كهيئة الطبل الكبير سماعا محققا بلا شك مرارا متعدّدة وكذلك سائر الناس كانوا يسمعونه مثل ما سمعت بلا شبهة ومكثنا فيه زمانا طويلا وكان الصوت يجىء تارة من تحتنا ثم ينقطع وتارة من خلفنا ثم ينقطع وتارة من قدّامنا وتارة عن يميننا وتارة عن شمالنا وعلى كل الهيئات كنا نسمع الصوت قائما وقاعدا ومتكئا سماعا محققا بلا شبهة وكان الوقت صحوا راكدا لا ريح فيه* قال ابن اسحاق وأقبل أبو جهل يوم بدر يرتجز وهو يقاتل ويقول
ما تنقم الحرب العوان منى ... بازل عامين حديث سنّ
لمثل هذا ولدتنى أمى
وكان أوّل من لقيه فيما ذكر معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنى سلمة قال سمعت القوم وأبو جهل فى مثل الحرجة يقولون أبو الحكم لا يخلص اليه فلما سمعتها جعلته من شأنى فصمدت نحوه فلما أمكننى حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فو الله ما شبهتها حين طاحت الا بالنواة حين نطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها وضربنى ابنه عكرمة على عاتقى فطرح يدى فتعلقت بجلدة من جنبى وأجهضنى القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومى وانى لا سحبها خلفى فلما آذتنى وضعت عليها قدمى ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها وعاش بعد ذلك معاذ هذا الى زمان عثمان كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية جاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ فيما ذكره القاضى عياض عن ابن وهب معاذ بن عمرو يحمل(1/383)
يده ضربه عكرمة عليها فتعلقت بجلدة فبصق صلّى الله عليه وسلم عليها فلصقت وهو مخالف لما قال طرحتها كما مرّ آنفا قال ابن اسحاق ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مرّ بأبى جهل وهو عقير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمرّ عبد الله بن مسعود بأبى جهل حين أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتماسه فى القتلى وقد قال صلّى الله عليه وسلم أنظروا ان خفى عليكم فى القتلى الى أثر جرح فى ركبته فانى ازدحمت يوما أنا وهو على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحشته فى احداهما جحشا لم يزل أثره بها قال عبد الله بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلى على عنقه قال وقد كان ضبث بى مرّة بمكة فآذانى ولكزنى ثم قلت له هل أخزاك الله يا عدوّ الله قال بماذا أخزانى أعمد من رجل قتلتموه وفى الصحاح قال أبو جهل أعمد من سيد قتله قومه أى هل زاد على هذا قال ابن هشام ويقال أعار على رجل قتلتموه أخبرنى لمن الدبرة اليوم قلت لله ولرسوله قال ابن اسحاق وزعم رجال من بنى مخزوم ان ابن مسعود كان يقول قال لى لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقى صعبا ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدوّ الله أبى جهل فقال آلله الذى لا اله غيره وكانت يمين رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلت نعم والله الذى لا اله غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه فحمد الله وخرج مسلم فى صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف قال بينا أنا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وشمالى فاذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزنى أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك اليه يا ابن أخى قال أخبرت انه يسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الاعجل منا قال فتعجبت لذلك فغمزنى الآخر فقال مثلها قال فتعجبت لذلك فما سرّنى انى بين رجلين مكانهما فلم انشب ان نظرت الى أبى جهل يجول فى الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذى تسألانى عنه فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر فى السيفين فقال كلا كما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء متفق عليه كذا فى الاكتفاء والمشكاة* وفيه ذكر ابن عقبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقف يوم بدر على القتلى فالتمس أبا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك فى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال اللهمّ لا يعجزن فرعون هذه الامة فسعى له الرجال حتى وجده عبد الله بن مسعود مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير مقنعا بالحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح ولا يستطيع أن يحرّك منه عضوا وهو مكب ينظر الى الارض فلما رآه ابن مسعود طاف حوله ليقتله وهو خائف ان ينوء اليه فلما دنا منه وأبصره لا يتحرك ظن انه مثبت جراحا فأراد أن يضربه بسيفه فخاف أن لا يغنى شيئا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبى جهل فاستله وهو مكب لا يتحرك ثم رفع سابغة البيضة عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه فلما نظر اليه فاذا هو ليس به جراح وأبصر فى عنقه جدرا وفى بدنه وكتفه مثل آثار السياط فأتى ابن مسعود النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره بقتله والذى رأى به فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذلك ضرب الملائكة* وفى المنتقى فى رواية عن عبد الله بن مسعود قال انتهيت الى أبى جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فقلت الحمد لله الذى أخزاك يا عدوّ الله قال هل أنا الارجل قتله قومه فجعلت أتناوله بسيف لى غير طائل وأصبت يده فندر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته
ثم خرجت حتى أتيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم كأنما أقلّ من الارض فأخبرته فقال(1/384)
الله الذى لا اله الا هو فردّدها قال قلت الله الذى لا اله الا هو قال فخرج يمشى معى حتى قام عليه فقال الحمد لله الذى أخزاك يا عدوّ الله هذا كان فرعون هذه الامة* وفى الينابيع بينما أبو جهل يجول على فرسه فى المعركة اذ أصابه رمح ملك فى صدره ويقال كان رمح ميكائيل فصرع عن فرسه فرآه عبد الله بن مسعود صريعا فبادر اليه وجلس على صدره ففتح أبو جهل عينه فرآه فقال يا رويعى الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا وقال لمن الدبرة أى الغلبة قال لله ولرسوله يا عدوّ الله قال أنت تقتلنى انما قتلنى الذى لم يصل سنانى سنبك دابته وان اجتهدت فسل عبد الله سيفه ليحتز به رأسه فلم يصنع شيئا وكان سيفا غير طائل فقال أبو جهل خذ سيفى هذا فاحتز به فأخذ سيفه فاجتهد فى سله فلم يقدر عليه فقال أبو جهل ناولنى مقبضه وامسك بجفنه ففعل فلما جرّ بقى الجفن فى يد عبد الله والسيف فى يد أبى جهل صلتا فأهوى به الى رجل عبد الله فجرحه وفى رواية لما قال أبو جهل ناولنى المقبض قال عبد الله يا عدوّ الله تريد بى المكر فناول أبا جهل الجفن وقبض هو بمقبضه فلما جرّد السيف قال له أبو جهل يا عبد الله اذا حززت رأسى فاحتز من أصل العنق ليرى عظيما مهيبا فى عين محمد وقل له ما زلت عدوّ الى سائر الدهر واليوم اشدّ عداوة فلما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله برأس أبى جهل وأخبره بما قاله أبو جهل قال صلى الله عليه وسلم كما انى أكرم النبيين على الله وأمّتى أكرم الامم عند الله كذلك فرعون هذه الامّة أشدّوا غلظ من فراعنة سائر الامم اذ فرعون موسى حين غرق قال آمنت أنه لا اله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل وفرعون هذه الامّة ازداد عداوة وكفرا أو كما قال* وفى كنز العباد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى برأس أبى جهل يوم بدر وألقى بين يديه سجد لله عز وجل خمس سجدات شكر الله ولهذا قال الفقهاء يستحب للعبد أن يسجد للشكر اذا اندفعت عنه بلية أو أصابته نعمة وأيضا يعلم من هذا جواز تعدّد السجدة وفى كنز العباد أيضا روى أنه صلّى الله عليه وسلم قرأ آية السجدة فى سورة انشقت فسجد لله عز وجل عشر سجدات للشكر لما فيه من الخضوع والتعبد وعليه الفتوى* قال ابن هشام فى سيرته ونادى أبو بكر الصدّيق ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين أين مالى يا خبيث فقال عبد الرحمن عند ذلك
لم يبق غير شكة ويعبوب ... وصارم يقتل ضلال الشيب
وفى الكشاف دعا أبو بكر ابنه يوم بدر الى البراز وقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم دعنى أكن فى الرعلة الاولى قال متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم انك عندى بمنزلة سمعى وبصرى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا فى القليب فطرحوا فيه الا ما كان من أمية بن خلف فانه انتفخ فى درعه فملأها فذهبوا ليحرّكوه فتزايل لحمه وتقطعت أوصاله فأقرّوه فى مكانه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة ويقال لما ألقوهم فى القليب وقف عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا أهل القليب بئس عشيرة النبىّ كنتم لنبيكم كذبتمونى وصدّقنى الناس وأخرجتمونى وآوانى الناس وقاتلتمونى ونصرنى الناس يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى قد وجدت ما وعدنى ربى حقا قال له أصحابه يا رسول الله أتكلم أقواما موتى فقال لهم لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا قالت عائشة والناس يقولون لقد سمعوا ما قلت لهم وانما قال رسول الله لقد علموا وفى حديث أنس ان المسلمين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حين نادى أهل القليب يا رسول الله أتنادى قوما قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع منهم لما أقول ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبونى* وذكر ابن عقبة نحوا من ذلك عن نافع عن عبد الله بن عمر وفى المنتقى باسناد صاحبه الى البخارى أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا فى طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان اذا(1/385)
ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه قالوا ما نراه ينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم والذى نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وفى رواية ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون متفق عليه وزاد البخارى قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما ولله درّ العلامة ابن جابر لقد أحسن حيث قال
بدا يوم بدر وهو كالبدر حوله ... كواكب فى أفق الكواكب تنجلى
وجبريل فى جند الملائك دونه ... فلم تغن أعداد العدوّ المخذل
رمى بالحصى فى أوجه القوم رمية ... فشرّدهم مثل النعام المجفل
وجادلهم بالمشرفىّ فسلموا ... فجاد له بالنفس كل مجدّل
عبيدة سل عنهم وحمزة فاستمع ... حديثهم فى ذلك اليوم من على
هم عتبوا بالسيف عتبة اذ عدا ... فذاق الوليد الموت ليس له ولى
وشيبة لما شاب خوفا تبادرت ... اليه العوالى بالخضاب المعجل
وجال أبو جهل فحقق جهله ... غداة تردّى بالردى عن تذلل
فأضحى قليبا فى القليب وقومه ... يؤمّونه فيها الى شرّ منهل
وجاءهم خير الانام موبخا ... ففتح من أسماعهم كل مقفل
وأخبر ما أنتم بأسمع منهم ... ولكنهم لا يهتدون لمقول
سلا عنهم يوم السلا اذ تضاحكوا ... فعاد بكاء عاجلا لم يؤجل
ألم يعلموا علم اليقين بصدقه ... ولكنهم لا يرجعون بمعقل
فيا خير خلق الله جاهك ملجئى ... وحبك ذخرى فى الحساب وموئلى
عليك صلاة يشمل الآل عرفها ... وأصحابك الاخيار أهل التفضل
وفى الاكتفاء ولما أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بهم أن يلقوا فى القليب أخذ عتبة بن ربيعة فسحب الى القليب فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى وجه أبى حذيفة بن عتبة فاذا هو كئيب قد تغير فقال يا أبا حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك شىء أو كما قال قال لا والله يا رسول الله ما شككت فى أبى ولا فى مصرعه ولكن كنت أعرف من أبى رأيا وعلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك للاسلام فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذى كنت أرجو له أحزننى ذلك فدعا له رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال له خيرا وكان فى قريش فتية أسلموا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة فلما هاجر الى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ثم ساروا مع قومهم الى بدر فأصيبوا بها جميعا فنزل فيهم من القرآن فيما ذكر ان الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأوام جهنم وساءت مصيرا وأولئك الفتية الحارث بن زمعة بن الاسود وأبو قيس بن الفاكه وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وعلىّ بن أمية بن خلف والعاصى بن منبه بن الحجاج ثم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر بما فى العسكر مما جمع الناس فجمع* واختلف فيه المسلمون فقال من جمعه فهو لنا وقال الذين كانوا يقاتلون العدوّ ويطلبونه والله لولا نحن ما أصبتموه ولنحن شغلنا عنكم العدوّ حتى أصبتم ما أصبتم وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلّى الله(1/386)
عليه وسلم مخافة أن يخالف العدوّ اليه والله ما أنتم بأحق به منا لقد رأينا أن نقتل العدوّ اذ منحنا الله أكتافهم ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ولكنا خفنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم كرّة العدوّ فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا فكان عبادة بن الصامت اذا سئل عن الانفال قال فينا معاشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقسمه بيننا على بهاء يقول على السواء فكان فى ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله وصلاح ذات البين* وفى الكشاف روى أنه قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر عليك بالعير ليس دونها شىء فناداه العباس وهو فى وثاقه لا يصلح فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم قال لان الله تعالى وعدك احدى الطائفين وقد أعطاك ما وعدك* قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة بشيرا الى أهل العالية بما فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين وبعث زيد بن حارثة الى أهل السافلة* وفى المواهب اللدنية ولما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بدر فى آخر رمضان وأوّل يوم من شوّال بعث زيد بن حارثة بشيرا فوصل المدينة ضحى وقد نفضوا أيديهم من تراب رقية قال أسامة بن زيد فأتانا الخبر حين سوّينا التراب على رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم خلفنى عليها مع زوجها عثمان وان زيد بن حارثة قد قدم قال فجئته وهو واقف بالمصلى وقد غشيه الناس وهو يقول قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل ابن هشام وزمعة بن الاسود وأبو البخترى بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قلت يا أبت أحق هذا قال نعم والله يا بنىّ ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة ومعه الاسارى من المشركين وهم أربعة وأربعون وفيهم عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث وجعل على النفل عبد الله ابن كعب من بنى مازن ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى اذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له سيركجبل كذا فى القاموس فقسم هناك النفل الذى أفاء الله على المسلمين من المشركين على السوية وتنفل رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار وكان لمنبه بن الحجاج وغنم جمل أبى جهل وكان يغزو عليه وكان يضرب فى لقاحه حتى نحره بالحديبية وفى أنفه برة فضة كما سيجىء ثم ارتحل حتى اذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذى تهنوننا به فو الله ان لقينا الاعجائز صلعا كالبدن المعقلة فنحرناها فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال أى ابن أخى أولئك الملأ وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علىّ بن أبى طالب ثم خرج حتى اذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبى معيط* قال ابن اسحاق والذى أسر عقبة عبد الله بن سلمة أحد بنى العجلان وكان كثيرا ما يؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن أذيته انه وضع مشيمة جزور وسلاه بين كتفيه حين كان فى الصلاة كما مرّ وحين أمر بقتله قال فمن للصبية يا محمد قال النار فقتله عاصم بن ثابت بن أبى الافلح فى قول ابن عقبة وابن اسحاق* وقال ابن هشام قتله علىّ بن أبى طالب فيما ذكر ابن شهاب الزهرى وغيره قال ابن اسحاق ولقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضى بحميت مملوء حيسا وكان قد تخلف عن بدر ثم شهد المشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم كلها وهو كان حجام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما أبو هند امرؤ من الانصار فانكحوه وانكحوا
اليه ففعلوا ثم مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الاسارى بيوم وقد كان فرّقهم بين أصحابه قال استوصوا بالاسارى خيرا وكان أبو عزيز ابن عمير أخو مصعب بن عمير لابيه وأمه فى الاسارى قال وكنت فى رهط من الانصار حين أقبلوا بى(1/387)
من بدر فكانوا اذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصونى بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلم اياهم بنا ما تقع فى يد رجل منهم كسرة من الخبز الا وقد نفحنى بها قال فأستحيى فأردّها عليه فيردّها علىّ ما يمسها قال ومرّ بى أخى مصعب بن عمير ورجل من الانصار يأسرنى فقال له شدّ يديك به فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك قال ابن هشام وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث فلما قال أخوه مصعب لابى اليسر وهو الذى أسره ما قال قال له أبو عزيز يا أخى هذه وصايتك بى قال انه أخى دونك فسألت أمه عن أعلى ما فدى به قرشى فقيل لها أربعة آلاف درهم فبعثت أربعة آلاف درهم ففدته بها* وذكر قاسم بن ثابت فى دلائله ان قريشا لما توجهت الى بدر مرّ هاتف من الجنّ على مكة فى اليوم الذى وقع بهم المسلمون وهو ينشد بأنفذ صوت ولا يرى شخصه يقول
ازار الحنيفيون بدرا وقيعة ... سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
أبادت رجالا من لؤى وأبرزت ... خرائد يضر بن الترائب حسرا
فيا ويح من أمسى عدوّ محمد ... لقد حاد عن قصد الهدى وتحيرا
فقال قائلهم من الحنيفيون فقال محمد وأصحابه يزعمون انهم على دين ابراهيم الحنيف ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين وكان أوّل من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعى فقالوا ما وراءك قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وزمعة بن الاسود ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البخترى بن هشام فلما جعل يعدّد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد فى الحجر والله ان يعقل هذا فسلوه عنى قالوا ما فعل صفوان بن أمية قال ها هو ذاك جالس فى الحجر وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا وقال أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس ابن عبد المطلب وكان الاسلام قد دخلنا اهل البيت فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم فكان يكتم اسلامه وكان ذا مال كثير متفرّق فى قومه وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة كما مرّ فلما جاءه الخبر عن مصاب أهل بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا فى أنفسنا قوّة وعزة وكنت أعمل الاقداح فى حجرة زمزم فو الله انى لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أمّ الفضل جالسة وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر اذ أقبل أبو لهب يجرّ رجليه بشرّ حتى جلس الى طنب الحجرة ظهره الى ظهرى فبينا هو جالس اذ قال الناس هذا ابو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب قد قدم مكة فقال أبو لهب هلم الىّ فعندك لعمرى الخبر فجلس اليه والناس قيام عليه فقال يا ابن أخى اخبرنى كيف كان أمر الناس قال والله ما هو الا أن لقينا القوم فمنحناهم اكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا ويأسروننا كيف شاؤا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض والله ما تبقى شيئا ولا يقوم لها شىء قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدى ثم قلت تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده وضرب وجهى ضربة شديدة فثاورته فاحتملنى وضرب بى الارض ثم برك علىّ يضربنى وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل الى عمود من عمد الحجرة فضربته به ضربة فلقت فى رأسه شجة منكرة وقالت أتستضعفه أن غاب عنه سيده فقام موليا فو الله ما عاش الا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته* وذكر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه ان العدسة قرحة كانت العرب تتشاء بها ويرون انها تعدى أشدّ العدوى فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقى بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه فلما خافوا السبة فى تركه حفروا له ثم دفعوه فى حفرته بعود وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وقال ابن اسحاق فى رواية يونس بن بكير عنه انهم لم يحفروا له ولكن أسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه* وفى رواية بقى بعد(1/388)
موته ثلاثا لا يحوم حوله أحد حتى أنتن وبعد ذلك استأجروا حمالين سود حتى أخرجوه من مكة وألقوه فى مكان وقاموا يرمونه بالحجارة حتى ملؤه كذا فى المنتقى* ويروى انّ عائشة كانت اذا مرّت بموضعه ذلك غطت وجهها وخرج البخارى فى صحيحه انّ أبا لهب رآه بعض أهله فى المنام بشرخيبة أى حالة فقال ما لقيت بعدكم راحة غير انى سقيت فى مثل هذه وأشار الى النقرة بين السبابة والابهام بعتقى ثويبة وقد مرّ فى الركن الاوّل فى ارضاع ثويبة*
فائدة
روى عن الفقيه اسماعيل الحضرمى أنه لما حج الى مكة سأل الشيخ محب الدين الطبرى عن القبرين اللذين يرجمان فى أسفل مكة عند جبل البكاء فأجاب الشيخ محب الدين بأن القبرين المرجومين قصتهما أنه أصبح البيت يوما فى دولة بنى العباس ملطخا بالعذرة فرصدوا الفاعل لذلك فمسكوهما بعد أيام فبعث أمير مكة الى أمير المؤمنين فى شأنهما فأمر بصلبهما فصلبا فى هذا الموضع فصارا يرجمان الى الآن كذا فى البحر العميق فما هو المشهور عند أهل مكة من أنهم يقولون انه قبر أبى لهب ليس له أصل* قال ابن اسحاق ناحت قريش على قتلاهم شهرا ثم قالوا لا تفعلوا فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ولا تبعثوا فى أسراكم حتى تستأنوا بهم لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه فى الفداء قال وكان الاسود بن المطلب قد أصيب له ثلاثة من ولده زمعة وعقيل ابناه والحارث بن زمعة وهو ابن ابنه وكان يحب أن يبكى عليهم فسمع نائحة من الليل فقال لغلام له وقد ذهب بصره انظر هل أحل النحب وهل بكت قريش على قتلاها لعلى أبكى على أبى حكيمة يعنى زمعة فان جوفى قد احترق فلما رجع اليه الغلام قال انما هى امرأة تبكى على بعير لها أضلته قال فذاك حين يقول الاسود
أتبكى أن يضل لها بعير ... ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكى على بكر ولكن ... على بدر تقاصرت الجدود
وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا على الاسود بن المطلب هذا بأن يعمى الله بصره ويثكله ولده فاستجيب له وفق دعائه سيق العمى الى بصره أوّلا ثم أصيب يوم بدر بمن سمى آنفا من ولده فتمت اجابة الله سبحانه رسوله فيه وكان فى الاسارى أبو وداعة بن صبيرة السهمى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان له بمكة ابنا كيسا تاجرا ذا مال فكأنكم به قد جاء فى طلب فداء أبيه فلما قالت قريش لا تعجلوا بفداء أسراكم لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه قال المطلب بن ابى وداعة وهو الذى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنى صدقتم لا تعجلوا وانسل من الليل فقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم ثم بعثت قريش فى فداء الاسارى فقدم مكرز بن حفص بن الاحنف فى فداء سهيل بن عمرو وكان الذى أسره مالك بن الدخشم أخو بنى سالم بن عوف فلما قاولهم فيه مكرز فانتهى الى رضاهم قالوا هات الذى لنا قال اجعلوا رجلى مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث اليكم بفدائه فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرز امكانه عندهم وكان سهيل قد قام فى قريش خطيبا عند ما استنفرهم أبو سفيان فقال يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصبأة من أهل يثرب يأخذون عيرانكم وأموالكم من أراد مالا فهذا مالى ومن أراد قوّة فهذه قوّة فيروى أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم لما أسر سهيل يوم بدر يا رسول الله انزع ثنيتى سهيل بن عمرو يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا فى موطن أبدا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا أمثل به فيمثل الله بى وان كنت نبيا وانه عسى أن يقوم مقاما لا نذمه فصدق الله رسوله وكان لسهيل بعد وفاته عليه السلام فى تثبيت أهل مكة على الايمان مقام وكان عمرو بن أبى سفيان بن حرب أسيرا فى يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أسارى بدر قال ابن هشام أسره على بن أبى طالب فقيل لابى سفيان بن حرب افد عمرا ابنك فقال أيجمع على(1/389)
دمى ومالى قتلوا حنظلة وأفدى عمروا دعوه فى أيديهم يمسكونه ما بدا لهم فبينا هو كذلك محبوس فى المدينة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذ خرج سعد بن النعمان بن أكال أخو بنى عمرو بن عوف معتمرا ومعه مرية له وكان شيخا مسلما فى غنم له بالبقيع فخرج من هناك معتمرا ولا يخشى الذى صنع به لم يظنّ أنه يحبس بمكة انما جاء معتمرا وقد كان فى عهد قريش لا يتعرّضون لاحد جاء حاجا أو معتمرا الا بخير فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة فحبسه بابنه عمرو ومشى بنو عمرو بن عوف الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبروه خبره وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبى سفيان فيفكوا به صاحبهم ففعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبعثوا به الى أبى سفيان فخلى سبيل سعد وكان فى الاسارى العباس ابن عبد المطلب أسره أبو اليسر كعب بن عمرو الانصارى وكان رجلا صغير الجثة وكان العباس رجلا عظيما جسيما قويا فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لابى اليسر كيف أسرته قال أعاننى عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده فقال لقد أعانك عليه ملك كريم* وفى الصفوة لما كانت أسارى بدر كان فيهم العباس فسهر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ليلته فقال له بعض أصحابه ما يسهرك يا نبىّ الله قال أنين العباس فقام رجل من المقوم فأرخى من وثاقه فقال رسول الله ما بالى ما أسمع أنين العباس فقال رجل من القوم انى أرخيت من وثاقه شيئا قال فافعل ذلك بالاسارى كلهم* فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم للعباس افد نفسك وابنى أخيك عقيل بن أبى طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن جحدم فانك ذو مال قال انى كنت مسلما ولكن القوم استكرهونى قال الله أعلم باسلامك ان يك ما ذكرت حقا فالله يجزيك فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا وكان العباس أحد العشرة الذين ضمنوا اطعام أهل بدر ونحر كل منهم يوم نوبته عشرة من الابل وكان حمل معه عشر بن أوقية من الذهب ليطعم بها الناس وكان يوم بدر نوبته فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه فأخذت منه حين أخذ وأسر فى الحرب فكلم النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال أما شىء خرجت لتستعين به علينا فلا أتركه لك* وفى رواية لما قال العباس احسبها فى فدائى قال صلى الله عليه وسلم لا فان ذلك شىء أعطاناه الله منك وكلفه فداء ابنى أخيه وحليفه قال تركتنى أتكفف قريشا ما بقيت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأين الذهب الذى دفعته الى امّ الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها انى لا أدرى ما يصيبنى فى وجهى هذا فان حدث بى حدث فهذه لك ولعبد الله ولعبيد الله وللفضل ولقثم يعنى بنيه فقال له العباس وما يدريك قال أخبرنى به ربى جل جلاله فقال له العباس أشهد أنك صادق وأن لا اله الا الله وانك عبده ورسوله كذا فى معالم التنزيل* وفى المنتقى لما كلفه عليه السلام بالفداء ولم يحسب الذهب المأخوذ منه قال العباس فليس لى مال قال فأين مالك الذى وضعته عند امّ الفضل بمكة حين خرجت وليس معكما أحد ثم قلت ان أصبت فى سفرى هذا فالفضل كذا وكذا ولعبد الله كذا وكذا ولقثم كذا وكذا ولعبيد الله كذا وكذا قال والذى بعثك بالحق ما علم بهذا أحد غيرى وغيرها وانى لاعلم انك رسول الله ففدى نفسه وابنى أخيه وحليفه وفى العباس نزلت يأيها النبىّ قل لمن فى أيديكم من الاسرى ان يعلم الله فى قلوبكم خيرا أى ايمانا يؤتكم خيرا مما اخذ منكم من الفداء ويغفر لكم والله غفور رحيم قال العباس فأبدلنى الله عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمال كثير وأدناهم بعشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية وأعطانى زمزم وما أحب أن لى بها جميع أموال مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربى* وفى المواهب اللدنية ذكر موسى ابن عقبة أن فداءهم كان أربعين أوقية ذهب وعند أبى نعيم فى الدلائل باسناد حسن من حديث ابن عباس أنه جعل على العباس مائة أوقية وعلى
عقيل ثمانين اوقية فقال له العباس أللقرابة صنعت هذا(1/390)
فأنزل الله تعالى يأيها النبىّ قل لمن فى أيديكم من الاسرى الآية قال العباس وددت ان كنت أخذ منى اضعافها لقوله يؤتكم خيرا مما اخذ منكم وكان فى الاسارى أيضا أبو العاصى بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ختن رسول الله صلّى الله عليه وسلم زوج ابنته زينب وكان عليه السلام يثنى عليه فى صهره خيرا وكان من رجال مكة المعدودين مالا وأمانة وتجارة وهو ابن اخت خديجة هالة بنت خويلد وخديجة سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحى أن يزوّجه وكان لا يخالفها فزوّجه وكانت تعده بمنزلة ولدها فلما أكرم الله رسوله صلّى الله عليه وسلم بنبوّته آمنت به خديجة وبناته فصدّقنه ودنّ بدينه وشهدن ان الذى جاء به هو الحق وثبت أبو العاصى على شركه فلما بادى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريشا بأمر الله وبالعداوة قالوا انكم قد فرّغتم محمدا من همه فردوا عليه بناته فاشغلوه بهنّ فمشوا الى أبى العاصى فقالوا له فارق صاحبتك ونحن نزوجك أية امرأة من قريش شئت قال لاها الله اذا لا أفارق صاحبتى وما أحب ان لى بها امرأة من قريش ثم مشوا الى عتبة بن أبى لهب وكان رسول الله قد زوّجه رقية أو امّ كلثوم كذا فى سيرة ابن هشام واكتفاء الكلاعى وهو مخالف لما فى ذخائر العقبى للطبرى وغير ذلك من كتب السير من أن رقية كانت عند عتبة وامّ كلثوم كانت عند عتيبة ابنى أبى لهب فقالوا لعتبة طلق ابنة محمد ونحن ننكحك أية امرأة من قريش شئت فقال ان زوّجتمونى ابنة أبان بن سعيد بن العاصى أو ابنة سعيد بن العاصى فارقتها ففعلوا وفعل ولم يكن دخل بها فأخرجها الله من يده كرامة لها وهو اناله وخلف عليها عثمان بن عفان وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوبا على أمره وكان الاسلام قد فرق بين زينب ابنته وبين أبى العاصى الا أنه كان لا يقدر ان يفرّق بينهما فأقامت معه على اسلامها وهو على شركه حتى هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما سارت قريش الى بدر سار فيهم أبو العاصى فاصيب فى الاسارى فكان فى المدينة عمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما بعث أهل مكة فى فداء أسراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى فداء أبى العاصى بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاصى حين بنى بها فلما رآها رسول الله صلّى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال ان رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الذى لها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردّوا عليها مالها وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أن يخلى سبيل زينب اليه أو وعده أبو العاصى بذلك أو شرطه عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى اطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيعلم ما هو الا انه لما خرج أبو العاصى الى مكة وخلى سبيله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه زيد بن حارثة ورجلا من الانصار فقال كونا ببطن يأجج حتى تمرّ بكما زينب فتصحباها حتى تأتيانى بها فخرجا وذلك بعد بدر بشهر أو سبعة فلما قدم أبو العاصى أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهز حالها قالت زينب بينا أنا أتجهز بمكة لقيتنى هند ابنة عتبة فقالت يا ابنة محمد ألم يبلغنى انك تريدين اللحوق بأبيك قلت ما أردت ذلك قالت أى ابنة عمّ لا تفعلى ان كانت لك حاجة بمتاع مما يرفق بك فى سفرك أو بمال تتبلغين به الى أبيك فان عندى حاجتك فلا تخفين منى فانه لا يدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال قالت زينب فو الله ما أراها قالت ذلك الا لتفعل ولكنى خفتها فأنكرت أن أكون اريد ذلك ولما فرغت بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم من جهازها قدّم اليها حموها كنانة ابن الربيع أخو زوجها بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود بها وهى فى هودج لها وتحدث بذلك رجال قريش فخرجوا فى طلبها حتى أدركوها بذى طوى فكان أوّل من سبق اليها هبار بن
الاسود بن المطلب الفهرى فروّعها هبار بالرمح وهى فى هودجها وكانت حاملا فلمّا(1/391)
ريعت طرحت ما فى بطنها* وفى شفاء الغزام الحويرث بن نقيد هو الذى نخس بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدركها هو وهبار بن الاسود وقد مرّ فى الباب السابع فى حوادث السنة الخامسة والعشرين من المولد وبرك حموها كنانة ونثر كنانته ثم قال والله لا يدنو منى رجل الا وضعت فيه سهما فتكركر الناس عنه وأتى أبو سفيان بن حرب فى جلة من قريش فقال ايها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك فكف فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال انك لم تصب خرجت بالمرأة نهارا على رؤس الناس علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد فيظنّ الناس اذا أخرجت اليه ابنته علانية على رؤس الناس من بين أظهرنا أن ذلك عن ذلّ أصابنا عن مصيبتنا التى كانت وان ذلك منا ضعف ووهن ولعمرى مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة ومالنا فى ذلك من ثورة ولكن ارجع المرأة حتى اذا هدأت الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسلها سرّا وألحقها بأبيها ففعل فأقامت ليالى حتى اذا هدأت الاصوات خرج بها ليلا حتى أسلمها الى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولما انصرف الذين خرجوا الى زينب لقيتهم هند بنت عتبة فقالت لهم عند ذلك
أفى السلم أنما رجفاء وغلظة ... وفى الحرب أشباه النساء العوارك
وعن أبى هريرة أنه قال بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سرية انا فيها فقال لنا ان ظفرتم بهبار بن الاسود أو الرجل الذى سبق معه الى زينب قال ابن هشام وقد سمى ابن اسحاق الرجل فى حديثه فقال هو نافع بن عبد قيس فحرقوهما بالنار فلما كان الغد بعث الينا فقال انى قد كنت أمرتكم بتحريق هذين الرجلين ان أخذتموهما ثم رأيت انه لا ينبغى لاحد أن يعذب بالنار الا الله فان ظفرتم بهما فاقتلوهما فأقام أبو العاصى بمكة وأقامت زينب عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين فرق بينهما الاسلام حتى اذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاصى تاجرا الى الشأم وكان رجلا مأمونا بمال له وأموال لرجال من قريش أبضعوها معه فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا لقيته سرية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه وأعجزهم هاربا فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاصى تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله فاستجار بها فأجارته وجاء فى طلب ماله فلما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الصبح فكبر وكبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء أيها الناس انى قد أجرت أبا العاصى بن الربيع فلما سلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس فقال أيها الناس هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما والذى نفس محمد بيده ما علمت بشىء حتى سمعت ما سمعتم انه يجير على المسلمين ادناهم ثم انصرف فدخل على ابنته فقال اى بنية اكرمى مثواه ولا يخلصنّ اليك فانك لا تحلين له وبعث الى السرية الذين أصابوا مال ابى العاصى فقال لهم ان هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالا فان تحسنوا وتردّوا عليه الذى له فانا نحب ذلك وان أبيتم فهو فىء الله الذى أفاء عليكم فأنتم احق به قالوا يا رسول الله بل نردّه عليه فردّوه عليه حتى ان الرجل ليأتى بالدلو ويأتى الرجل بالشنة والا داوة وحتى ان الرجل ليأتى بالشظاظ حتى ردّوا عليه ماله بأسره لم يفقد منه شىء ثم احتمل الى مكة فأدّى الى كل ذى مال من قريش ماله ثم قال يا معشر قريش هل بقى لاحد منكم عندى مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما قال فانى اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله والله ما منعنى من الاسلام عنده الاخوف أن تظنوا انى انما اردت ان آكل اموالكم فلما ادّاها الله اليكم وفرغت منها اسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وردّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم زينب على النكاح الاوّل لم يحدث(1/392)
شيئا بعد ست سنين فى رواية ابن عباس* وفى الوفاء لما قدم مسلما ردّها عليه بالنكاح الاوّل على الصحيح وذلك بعد صلح الحديبية والله اعلم وقيل ردّها عليه بنكاح جديد* وحكى عن ابن هشام عن ابى عبيدة ان ابا العاصى لما قدم من الشأم ومعه اموال المشركين قيل له هل لك ان تسلم وتأخذ هذه الاموال فانها للمشركين فقال بئس ما أبد أبه اسلامى أن اخون امانتى روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم اتى يوم بدر بسبعين اسيرا فيهم العباس وعقيل فاستشار فيهم اصحابه أنأخذ منهم الفداء ونخلى سبيلهم او نقتلهم فقال ابو بكر قومك واهلك استبقهم لعل الله ان يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوى بها أصحابك أو قال تكون لنا قوّة على الكفار وقال عمر اضرب أعناقهم فانهم أئمة الكفر كذبوك وأخرجوك وان الله أغناك عن الفداء مكنى من فلان لنسيب له ومكن عليا وحمزة من أخويهما عقيل والعباس فلنضرب أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظروا ديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم نارا وقال له العباس قطعت رحمك فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم ثم دخل فقال ناس يأخذ بقول أبى بكر وقال ناس يأخذ بقول ابن رواحة فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال انّ الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن وانّ الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشدّ من الحجارة وان مثلك يا أبا بكر مثل ابراهيم قال فمن تبعنى فانه منى ومن عصانى فانك غفور رحيم وانّ مثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم وان مثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا ومثلك يا عمر مثل موسى قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنتم اليوم عالة فلا يفلتن أحد منهم اليوم الا بفداء أو بضرب عنق* قال عبد الله بن مسعود الا سهيل بن بيضاء فانى سمعته يذكر الاسلام فسكت رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال عبد الله فما رأيتنى فى يوم أخوف أن تقع علىّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا سهيل بن بيضاء* قال ابن عباس قال عمر بن الخطاب فهوى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فاذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان قلت يا رسول الله أخبرنى من أى شئ تبكى أنت وصاحبك فان وجدت بكاء بكيت وان لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبكى للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه* قال العلامة ابن حجر فى شرح صحيح البخارى ان الترمذى والنسائى وابن حبان والحاكم رووا باسناد صحيح عن علىّ قال جاء جبريل الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال انّ الله قد كره ما صنع قومك من أخذ الفداء من الاسارى وقد أمر أن تخيرهم بين أن يقدّموهم ويضربوا أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدّتهم فذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم للناس فقال ان شئتم قتلتموهم وان شئتم فاديتموهم ويستشهد منكم عدّتهم قالوا يا رسول الله عشائرنا واخواننا بل نأخذ منهم فداءهم فنتقوى به على قتال عدوّنا ويستشهد منا عدّتهم فقتل منهم يوم أحد سبعون عدد أسارى بدر فهذا معنى قوله قل هو من عند أنفسكم يعنى بأخذكم الفداء واختياركم القتل ولما أخذوا الفداء نزل جبريل بقوله تعالى ما كان لنبىّ أن تكون له أسرى حتى يثخن فى الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق أى لولا سبق حكم من الله وقضاؤه فى اللوح المحفوظ لمسكم أى لنا لكم وأصابكم فيما أخذتم فى أخذ فدية هؤلاء الاسرى عذاب عظيم قيل هذا دليل على أنّ الاجتهاد جائز للانبياء وعلى ان اجتهادهم يجوز أن يقع خطأ ولكن لا يتركون فيه بل ينبهون على(1/393)
الصواب وللمفسرين اختلاف فى ان المراد من هذا الحكم ماذا* فى معالم التنزيل يعنى لولا قضاء الله سبق فى اللوح المحفوظ بأنه يحلّ لكم الغنائم* وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق انه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وقال ابن جريج لولا كتاب من الله سبق انه لا يضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وانه لا يأخذ قوما فعلوا شيئا بجهالة* وفى روضة الاحباب قيل المراد ان المخطئ فى اجتهاده لا يعاقب وقيل لا يعذب قوما بسبب أمر ما لم ينهوا عنه نهيا صريحا وقيل المراد ان الفدية التى أخذوها ستحل لهم روى انه صلّى الله عليه وسلم قال لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ لقوله كان الاثخان فى القتلى أحب الىّ من استبقاء الرجال* وفى معالم التنزيل روى انه لما نزلت الآية الاولى كف أصحاب رسول الله أيديهم مما أخذوا من الفداء فنزلت فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا* وعن جابر ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أحلت لى الغنائم ولم تحل لاحد قبلى* وعن أبى هريرة لم تحل الغنائم لاحد من قبلنا وذلك بأنّ الله تعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا* قال ابن عباس كانت الغنائم حراما على الانبياء والامم وكانوا اذا أصابوا شيئا من الغنائم كان للقربان وكانت نار تنزل من السماء وتأكله* وفى المنتقى ولما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفدية فأصابتهم مصيبة ونالتهم هزيمة وقتل منهم سبعون عدد أسارى يوم بدر وفرّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه وأنزل الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم يعنى بأخذكم الفداء يوم بدر* وفى الاكتفاء منّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الاسارى من قريش بغير فداء منهم من بنى عبد شمس بن عبد مناة أبو العاصى بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس منّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد أن بعثت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بفدائه وقد مرّ ومن بنى مخزوم المطلب بن حنطب بن الحارث ابن عبد بن عمرو بن مخزوم كان لبعض بنى الحارث بن الخزرج فترك فى أيديهم حتى خلوا سبيله فلحق بقومه* قال ابن هشام أسره خالد بن زيد أبو أيوب أخو بنى النجار وصيفى بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد الله ابن عمرو بن مخزوم ترك فى أيدى أصحابه فلما لم يأت أحد بفدائه أخذوا عليه ليبعثن اليهم بفدائه فخلوا سبيله ولم يف لهم بشئ وأبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحى كان محتاجا ذا بنات فقال يا رسول الله لقد عرفت مالى من مال وانى لذو حاجة وذو عيال فامنن علىّ فمنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا فقال أبو عزة فى ذلك يمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويذكر فضله فى قومه
ومن مبلغ عنى الرسول محمدا ... بأنك حق والمليك حميد
وأنت امرؤ تدعو الى الحق والهدى ... عليك من الله العظيم شهيد
وأنت امرؤ بوّأت فينا مباءة ... لها درجات سهلة وصعود
فانك من حاربته لمحارب ... شقى ومن سالمته لسعيد
ولكن اذا ذكرت بدرا وأهله ... تأوب مابى حسرة وفقود
وفى حياة الحيوان فرجع الى مكة ومسح عارضيه وقال خدعت محمدا وما وقع فى شعره ومحاورته رسول الله صلّى الله عليه وسلم من التصريح برسالته فلم يعلم له مخرج ان صح الا أن يكون ذلك من جملة ما قصد به أن يخدع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فعاد على عدوّ الله ضرره ولم يخدع الا نفسه وما شعر وذلك انه نقض العهد وخرج يسير فى تهامة ويدعو بنى كنانة ويقول(1/394)
أيا بنى عبد مناة الرزام ... أنتم حماة وأبوكم حام
لا تعبدونى نصركم بعد العام ... لا تسلمونى لا يحل اسلام
فخرج الى حرب المسلمين وحضر أحدا ثم لما رجع المشركون عن أحد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى آثارهم مرهبا لهم حتى انتهى الى حمراء الاسد فأخذ أبو عزة فقال يا رسول الله أقلنى فقال رسول الله ألا تمسح عارضيك بمكة وتقول خدعت محمدا مرّتين انّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرّتين فضرب عنقه كما سيجىء فى غزوة حمراء الاسد*
ذكر اعتناء الصحابة بتعلم الخط والكتابة
وفى بعض الكتب لما تقرّر أمر الاسارى على الفداء وكان بعضهم فقراء لا يحصل منهم شئ منّ عليهم وأطلقهم وأخذ عليهم العهد أن لا يعودوا الى حرب المسلمين منهم أبو عزة الشاعر الجمحى وكان بعض من فقرائهم يعلمون الخط والكتابة فقرّر عليهم أن يعلم كل واحد منهم عشرة من غلمان الانصار الخط فاذا حذقوا فهو فداؤه وكان زيد بن ثابت ممن علم ووضع على الاغنياء منهم الفداء بقدر قدرتهم وغنائهم ولا يكون فداء أحد منهم أقل من ألف درهم ولا أكثر من أربعة آلاف درهم وفى معالم التنزيل كان الفداء لكل أسير أربعين أوقية والاوقية أربعون درهما وفى سيرة ابن هشام كان فداء المشركين يومئذ أربعة آلاف درهم بالرجل الى ألف درهم الا من لا شئ له منّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأطلقه وكان عمير بن وهب الجمحى شيطانا من شياطين قريش وكان يؤذى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه بمكة ويلقون منه عنتا وكان ابنه وهب بن عمير فى أسارى بدر فجلس عمير مع صفوان بن أمية فى الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان فو الله ليس فى العيش خير بعدهم فقال له عمير صدقت والله اما والله لولا دين علىّ ليس له عندى قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدى لركبت الى محمد حتى أقتله فانّ لى فيهم علة ابنى أسير فى أيديهم فاغتنمها صفوان فقال علىّ دينك أنا أقضيه عنك وعبالك مع عيالى أواسيهم ما بقوا ثم ان عميرا أمر بسيفه فشحذو سمّ ثم انطلق حتى قدم المدينة فرآه عمر قد أناخ البعير على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا عدوّ الله عمير ما جاء الا بشرّ وهو الذى حرش بيننا وحزرنا للقوم ببدر ثم دخل عمر على رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال يا نبىّ الله هذا عدوّ الله عمير قد جاء متوشحا سيفه قال أدخله علىّ فأقبل عمر حتى أخذ بحمائل سيفه فى عنقه فلببه بها وقال لرجال من الانصار ادخلوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام فاجلسوا عنده واحذروا هذا الخبيث عليه فانه غير مأمون ثم دخل به على رسول الله عليه الصلاة والسلام فلما رآه وعمر آخذ بحمالة سيفه فى عنقه قال أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال انعموا صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم ثم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتكم يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة ما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الاسير الذى فى أيديكم فأحسنوا فيه قال فما بال السيف فى عنقك قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئا قال أصدقنى بالذى جئت له قال ما جئت الا لذلك فقال بل قعدت أنت وصفوان بن أمية فى الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علىّ ولولا عيالى لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلنى والله حائل بينى وبينك فقال عمير أشهد انك رسول الله قد كنا نكذبك وهذا أمر لم يحضره الا أنا وصفوان فو الله انى لأعلم ما أتاك به الا الله فالحمد لله الذى هدانى للاسلام وساقنى هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام فقهوا أخاكم فى دينه وعلموه القرآن وأطلقوا له أسيره ففعلوا ثم قال يا رسول الله انى كنت جاهدا فى اطفاء نور الله شديد الاذى لمن كان على دين الله وانى أحبّ أن تأذن لى فاقدم مكة فأدعوهم الى الله والى الاسلام لعلّ الله أن يهديهم والا آذيتهم كما كنت أوذى اصحابك(1/395)
فى دينهم فأذن له ولحق بمكة وكان صفوان حين خرج عمير من مكة يقول لقريش ابشروا بوقعة تأتيكم الآن فى أيام تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل الركبان عنه حتى قدم راكب فأخبره باسلامه فحلف صفوان أن لا يكلمه ابدا ولا ينفعه بنفع ابدا فلما قدم مكة اقام بها يدعو الى الاسلام ويؤذى من خالفه فأسلم على يده ناس كثير وعمير هذا أو الحارث بن هشام يشك ابن اسحاق هو الذى رأى ابليس حين نكص على عقبيه يوم بدر فقال الى أين أى سراقة فضربه عدوّ الله وذهب* روى ان قريشا رأوا سراقة المدلجى بمكة بعد وقعة بدر وهو الذى تمثل لهم ابليس فى صورته كما تقدّم فقالوا له يا سراقة خرقت الصف وأوقعت فينا الهزيمة فقال والله ما علمت بشىء من امركم حتى كانت هزيمتكم وما شهدت معكم فما صدّقوه حتى أسلموا وسمعوا ما انزل الله فى ذلك فعلموا انه كان ابليس تمثل لهم كما تقدّم ولما انقضى امر بدر أنزل الله تعالى فيه من القرآن الانفال بأسرها* قال ابن اسحاق وكان المطعمون من قريش من بنى هاشم العباس بن عبد المطلب ومن بنى عبد شمس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ومن بنى نوفل الحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدى بن نوفل يعتقبان ذلك ومن بنى أسد أبا البخترى ابن هشام بن الحارث بن أسد وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد يعتقبان ذلك ومن بنى عبد الدار ابن قصى النضر بن الحارث ومن بنى مخزوم بن يقظة أبا جهل بن هشام بن المغيرة ومن بنى جمح بن عمرو أمية بن خلف بن وهب ومن بنى سهم بن عمرو نبيها ومنبها ابنى الحجاج بن عامر يعتقبان ذلك ومن بنى عامر بن لؤى سهيل بن عمرو بن عبد شمس*
(تسمية من شهد بدرا من المسلمين)
* وكان جميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والانصار من شهدها ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلثمائة رجل وأربعة عشر رجلا فمن قريش ثم من بنى هاشم بن عبد مناف وبنى المطلب بن عبد مناف ثم من المهاجرين* محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم* وحمزة بن عبد المطلب ابن هاشم وعلى بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم* وزيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبى وأنيسة الحبشى مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو كبشة الفارسى مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو مرثد كناز بن حصن أو حصين وابنه مرثد بن أبى مرثد حليفا لحمزة بن عبد المطلب وعبيدة ابن الحارث بن عبد المطلب وأخواه الطفيل بن الحارث والحصين بن الحارث* ومسطح واسمه عوف بن اثاثة بن عباد بن المطلب اثنى عشر رجلا ومن بنى عبد شمس* عثمان بن عفان بن أبى العاص ابن أمية بن عبد شمس تخلف على امرأته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه قال وأجرى يا رسول الله قال وأجرك* وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس* وسالم مولى أبى حذيفة واسم أبى حذيفة مهشم* قال ابن هشام وسالم كان لبثينة بنت يعار ابن زيد سيبته فانقطع الى أبى حذيفة فتبناه ويقال كانت بثينة بنت يعار تحت أبى حذيفة بن عتبة فأعتقت سالما فقيل سالم مولى أبى حذيفة* قال ابن اسحاق وزعموا ان صبيحا مولى أبى العاص ابن أمية تجهز للخروج مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم مرض فحمل على بعيره أبا سلمة بن عبد الاسد ثم شهد صبيح بعد ذلك المشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشهد بدرا من حلفاء بنى عبد شمس عبد الله بن جحش بن ذئاب الاسدى وعكاشة بن محصن بن حرثان الاسدى وشجاع بن وهب الاسدى وأخوه عقبة بن وهب ويزيد بن رقيش بن ذئاب الاسدى وأبو سنان بن محصن بن حرثان أخو عكاشة ابن محصن وابنه سنان بن أبى سنان ومحرز بن نضلة الاسدى وربيعة بن أكتم بن سخبرة الاسدى ومن حلفاء بنى كبير بن غنم الاسدى ثقف بن عمرو وأخواه مالك بن عمرو ومدلج بن عمرو* قال ابن هشام مدلاج بن عمرو وقال ابن اسحاق وهم من بنى حجز آل بنى سليم وأبو مخشى حليف لهم(1/396)
ستة عشر رجلا* قال ابن هشام أبو مخشى طائى واسمه سويد بن مخشى ومن بنى نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر وخباب مولى عتبة بن غزوان رجلان ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى الزبير بن العوّام بن خويلد بن أسد وحاطب بن ابى يلتعة واسم ابى بلتعة عمرو اللخمى وسعد الكلبى مولى حاطب ثلاثة نفر ومن بنى عبد الدار بن قصى مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى وسويبط بن سعد بن حرملة رجلان ومن بنى زهرة بن كلاب عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة وسعد بن ابى وقاص وابو وقاص مالك بن اهيب الزهرى وأخوه عمير بن ابى وقاص ومن حلفائهم المقداد بن عمرو بن بلتعة وعبد الله بن مسعود بن الحارث ومسعود بن ربيعة بن عمرو من القارة والقارة لقب وكانوا رماة وذو الشمالين بن عبد عمرو انما قيل له ذو الشمالين لانه كان أعسرو واسمه عمير* وخباب بن الارت من بنى تميم ويقال من خزاعة كذا فى سيرة ابن هشام ثمانية نفر ومن بنى تميم بن مرّة أبو بكر الصدّيق* واسمه عتيق بن عثمان بن عامر ابن كعب بن سعد بن تيم* قال ابن هشام اسم أبى بكر عبد الله وعتيق لقب لحسن وجهه وعتقه وبلال مولى أبى بكر وبلال مولد من مولدى بنى جمح اشتراه أبو بكر من أمية بن خلف وهو بلال بن رباح وعامر ابن فهيرة مولد اسود من مولدى الاسد اشتراه أبو بكر منهم قاله ابن هشام* وصهيب بن سنان النمر بن قاسط ويقال صهيب مولى عبد الله بن جدعان بن عمرو يقال انه رومى فقال بعض من ذكر انه من النمر ابن قاسط انما كان أسيرا فى الروم اشترى منهم* وجاء فى الحديث صهيب سابق الروم وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم كان بالشأم فقدم بعد ان رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه قال واجرى يا رسول الله قال وأجرك خمسة نفر ومن بنى مخزوم ابن يقظة بن مرّة أبو سلمة بن عبد الاسد واسم أبى سلمة عبد الله* وشماس بن عثمان بن الشريد قال ابن هشام واسم شماس عثمان بن عثمان وانما سمى شماسا لجماله وحسنه* والارقم بن أبى الارقم واسم أبى الارقم عبد بن عبد مناف بن أسد* وعمار بن ياسر عبسى من مذحج* ومعتب بن عوف بن عامر حليف لهم من خزاعة خمسة نفر* ومن بنى عدى بن كعب عمر بن الخطاب بن نوفل بن عبد العزى بن عبد الله ابن قرط بن رباح بن رزاح بن عدى وأخوه زيد بن الخطاب* ومهجع مولى عمر بن الخطاب من أهل اليمن وكان أوّل قتيل من المسلمين بين الصفين رمى بسهم* قال ابن هشام مهجع من عك* وعمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس وأخوه عبد الله بن سراقة* وواقد بن عبد الله بن عبد مناف حليف لهم وخولى بن أبى خولى* ومالك بن أبى خولى حليفان لهم وابو خولى من بنى عجل وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب من عنز بن وائل وعامر بن البكير بن عبد ياليل وعاقل بن البكير وخالد بن البكير واياس بن البكير حلفاء بنى عدى بن كعب* وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قدم من الشأم بعد ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فكلمه فضرب له بسهمه قال وأجرى يا رسول الله قال وأجرك أربعة عشر رجلا ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب* عثمان بن مظعون بن حبيب وابنه السائب بن عثمان وأخواه قدامة بن مظعون وعبد الله بن مظعون* ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب خمسة نفر ومن بنى سهم بن عمرو* خنيس بن حذافة بن قيس ومن بنى عامر بن لؤى ثم من بنى مالك بن حسل بن عامر أبو سبرة بن أبى رهم بن عبد العزى وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبى قيس* وعبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد
شمس كان خرج مع أبيه سهيل بن عمرو فلما نزل الناس بدرا فرّ الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشهدها معه وعمير بن عوف مولى سهيل بن عمرو* وسعد ابن خولة من اليمن حليف لهم خمسة نفر* ومن بنى الحارث بن فهر أبو عبيدة وهو عامر بن عبد الله بن(1/397)
الجراح وعمرو بن الحارث بن زهير وسهيل بن وهب بن ربيعة وأخوه صفوان بن وهب وهما ابنا بيضاء وعمرو بن أبى سرح بن ربيعة خمسة نفر فجميع من شهد بدرا من المهاجرين ومن ضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهمه وأجره ثلاثة وثمانون رجلا قال ابن هشام وكثير من أهل العلم غير ابن اسحاق يذكرون فى المهاجرين ببدر فى بنى عامر بن لؤى بن غالب وهب بن سعد بن أبى سرح وحاطب بن أبى عمرو وفى بنى الحارث بن فهر عياض بن أبى زهير قال ابن اسحاق وشهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المسلمين ثم من الانصار ثم من الاوس بن الحارث سعد بن معاذ ابن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل وعمرو بن معاذ بن النعمان والحارث بن أوس ابن معاذ بن النعمان والحارث بن انس بن رافع بن امرئ القيس ومن بنى عبيد بن كعب بن عبد الاشهل سعد بن زيد بن مالك بن عبيد ومن بنى زعور بن عبد الاشهل ويقال زعوراء سلمة بن سلامة ابن وقش بن زعبة بن زعوراء وسلمة بن ثابت بن وقش ورافع بن يزيد بن كرز بن سكن بن زعوراء والحارث ابن خزمة بن عدى حليف لهم من بنى عوف بن الخزرج ومحمد بن مسلمة بن خالد بن عدى حليف لهم من بنى حارثة بن الحارث ومسلمة بن أسلم بن حريش بن عدى حليف لهم من بنى حارثة بن الحارث وأبو الهيثم ابن التيهان وعبيد بن التيهان ويقال عتيك بن التيهان وعبد الله بن سهل أخو بنى زعوراء ويقال من غسان خمسة عشر رجلا* ومن بنى ظفر ثم من بنى سواد بن كعب قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد وعبيد بن أوس بن مالك بن سواد رجلان* قال ابن هشام عبيد بن أوس هو الذى يقال له مقرن لانه قرن أربعة أسرى فى يوم بدر وهو الذى أسر عقيل بن أبى طالب يومئذ رجلان* ومن بنى عبد بن رزاح بن كعب نضر بن الحارث بن عبد ومعتب بن عبد ومن حلفائهم من بلى عبد الله بن طارق ثلاثة نفر ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج مسعود بن سعد بن عامر بن عدى* قال ابن هشام ويقال مسعود ابن عبد سعد أبو عبس بن جبير بن عمرو ومن حلفائهم ثم من بلى أبو بردة بن نيار واسمه هانئ بن نيار بن عمرو ثلاثة نفر* ومن بنى عمرو بن عوف بن مالك بن الاوس ثم من بنى ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف عاصم بن ثابت بن قيس وقيس أبو الافلح بن عصمة بن مالك بن أمية بن ضبيعة ومعتب بن قشير بن مليك بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وأبو مليك بن الازعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وعمرو بن معبد بن الازعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة* قال ابن هشام عمير بن معبد وسهل بن حنيف بن واهب بن العكيم خمسة نفر ومن بنى أمية بن زيد بن مالك مبشر بن عبد المنذر بن زنير بن زيد بن أمية ورفاعة بن عبد المنذر بن زنير وسعد بن عبيد بن النعمان بن قيس وعويمر بن ساعدة ورافع بن عنجدة وعنجدة أمّه فيما قاله ابن هشام وعبيد بن أبى عبيد وثعلبة بن حاطب وزعموا ان أبا لبابة بشير بن عبد المنذر والحارث بن حاطب بن عمرو بن عبيد خرجا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرجعهما* قال ابن هشام ردّهما من الروحاء وأمّر أبا لبالبة على المدينة فضرب لهما بسهميهما مع أصحاب بدر تسعة نفر* ومن بنى عبيد بن زيد بن مالك أنيس بن قتادة بن ربيعة بن خالد ومن حلفائهم من بلى معن بن عدى بن الجد بن العجلان بن ضبيعة وثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان وعبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدى بن العجلان وزيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدى بن العجلان وربعى بن رافع بن زيد بن حارثة بن الجد بن العجلان وخرج عاصم ابن عدى بن الجد بن العجلان فردّه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضرب له
بسهمه مع أصحاب بدر سبعة نفر* ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف عبد الله بن جبير بن النعمان بن أمية وعاصم بن عمرو قال ابن هشام عاصم بن قيس بن ثابت بن النعمان وأبو صباح بن ثابت بن النعمان وأبو حنة وهو أخو أبى صباح ويقال أبو حبة ويقال امرؤ القيس البرك بن ثعلبة وسالم بن عمير بن ثابت بن النعمان ويقال ثابت بن عمرو بن(1/398)
ثعلبة والحارث بن النعمان بن أمية وخوّات بن جبير بن النعمان ضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهم مع أصحاب بدر سبعة نفر* ومن بنى حججبا بن كلفة بن عوف منذر بن محمد بن عقبة بن أحبحة بن الجلاح* ومن حلفائهم من بنى أنيف أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة رجلان ومن بنى غنم بن أسلم بن امرئ القيس بن مالك بن أوس سعد بن خيثمة بن الحارث ومنذر بن قدامة ومالك بن قدامة بن عرفجة والحارث ابن عرفجة وتميم مولى بنى غنم خمسة نفر* قال ابن هشام وتميم مولى سعد بن خيثمة ومن بنى معاوية بن مالك بن عوف جبير بن عتيك بن الحارث بن قيس ومالك بن نميلة حليف لهم من مزينة والنعمان بن عسر حليف لهم من بلى ثلاثة نفر فجميع من شهد بدرا من الاوس مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن ضرب له بسهمه وأجره أحد وستون رجلا* (وشهد بدرا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المسلمين من الانصار ثم من بنى الخزرج بن حارثة بن ثعلبة) * خارجة بن زيد بن ابى زهير بن مالك بن امرئ القيس وسعد بن ربيع بن عمرو بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس وعبد الله ابن رواحة بن امرئ القيس وخلاد بن سويد بن ثعلبة ابن عمرو بن حارثة ابن امرئ القيس أربعة نفر ومن بنى زيد بن مالك بن ثعلبة بشير بن سعد بن ثعلبة وأخوه سماك بن سعد بن ثعلبة رجلان* ومن بنى عدى بن كعب بن الخزرج سبيع بن قيس بن عبسه وعباد بن قيس بن عبسه أخوه وعبد الله بن عبس ثلاثة نفر* ومن بنى أحمر بن حارثة بن ثعلبة يزيد بن الحارث بن قيس رجل ومن بنى جشم بن الحارث بن الخزرج وزيد بن الحارث بن الخزرج وهما التوأمان خبيب بن أساف بن عتبة بن عمرو وعبد الله بن زيد بن ثعلبة وأخوه حريث بن زيد وسفيان بن بشر أربعة نفر* قال ابن هشام سفيان بن بشر ومن بنى جدارة بن عوف تميم بن يعار بن قيس بن عدى وعبد الله بن عمير من بنى حارثة قال ابن هشام ويقال عبد الله بن عمير بن عدى بن أمية بن جداره وزيد بن المزين بن قيس بن عدى قال ابن هشام وزيد بن المزين وعبد الله بن عرفطة بن أمية بن جدارة أربعة نفر* ومن بنى الابجر وهم بنو خدرة بن الحارث بن الخزرج عبد الله بن ربيع بن قيس بن عمرو بن عباد بن الابجر رجل ومن بنى عوف بن الخزرج ثم من بنى عبيد بن مالك بن سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج وهم بنو الحبلى والحبلى سالم بن غنم بن عوف وانما سمى الحبلى لعظم بطنه عبد الله بن عبد الله بن أبى بن مالك ابن الحارث بن عبيد المشهور بابن سلول وانما سلول امرأة وهى أمّ أبى وأوس بن خولى بن عبد الله بن الحارث بن عبيد رجلان ومن بنى جزى بن عدى بن مالك زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزى وعقبة بن وهب ابن كلدة حليف لهم من بنى عبد الله بن غطفان ورفاعة بن عمرو بن زيد وعامر بن سلمة بن عامر حليف لهم من اليمن قال ابن هشام ويقال عمرو بن سلمة وهو من بلى من قضاعة وأبو خميصة معبد بن عباد ابن قشير وعامر بن البكير حليف لهم ستة نفر* قال ابن هشام عامر بن العكير ويقال عاصم بن العكير ومن بنى سالم بن عوف بن عمرو نوفل بن عبد الله بن نضلة رجل ومن بنى أصرم بن فهر بن ثعلبة ابن غنم سالم بن عوف قال ابن هشام هذا غنم بن عوف أخو سالم بن عوف وغنم بن سالم الذى قبله على ما قال ابن اسحاق عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم وأخوه أوس بن الصامت رجلان ومن بنى دعد ابن فهر بن ثعلبة بن غنم النعمان بن مالك بن ثعلبة وهو النعمان الذى يقال له قوقل رجل ومن بنى قربوش بالشين المعجمة والمهملة بن غنم بن أمية أو ابن ثابت رجل ومن بنى مرضخة بن
غنم مالك بن الدخشم بن مرضخة رجل ومن بنى لود بن سالم ربيع بن اياس بن عمرو بن غنم وأخوه ورقة بن اياس وعمرو بن اياس حليف لهم من أهل اليمن ثلاثة نفر قال ابن هشام ويقال عمرو بن اياس أخو ربيع وورقة ومن حلفائهم من بلى ثم من بنى غصينة قال ابن هشام غصينة أمّهم وأبوهم عمرو بن عمارة المجدر اسمه(1/399)
عبد الله بن زياد بن عمرو بن زمزمة وعباد بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة ونجاب بن ثعلبة بن خزمة ويقال نحاب بن ثعلبة وعبد الله بن ثعلبة بن خزمة وزعموا أن عتبة بن ربيعة بن خالد بن معاوية حليف لهم من بهراء قد شهد بدرا خمسة نفر* ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج ثم من بنى ثعلبة بن الخزرج ابن ساعدة أبو دجانة سماك بن خرشة قال ابن هشام أبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة والمنذر بن عمرو ابن خنيس رجلان قال ابن هشام ويقال عمرو بن خنيش ومن بنى البدى بن عامر بن عوف أبو أسيد مالك بن ربيعة ابن البدى ومالك بن مسعود وهو أبو البدى رجلان* قال ابن هشام ما روى مسعود بن البدى فيما ذكر لى بعض أهل العلم* ومن بنى طريف بن الخزرج بن ساعدة عبد ربه بن حق ابن أوس بن وقش رجل ومن حلفائهم من جهينة كعب بن حماد بن ثعلبة قال ابن هشام ويقال كعب ابن حماز وهو من غبشان* وضمرة وزياد وبسبس بنو عمرو* قال ابن هشام ويقال ضنمرة وزياد ابنا بشر وعبد الله بن عامر من بلى خمسة نفر ومن بنى جشم بن الخزرج ثم من بنى سلمة بن سعد بن على خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح والحباب بن المنذر بن الجموح وعمير بن الحمام بن الجموح وتميم مولى خراش بن الصمة وعبد الله بن عمرو بن حزام ومعاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عمرو بن الجموح وخلاد بن عمرو بن الجموح وعقبة بن عامر بن نابى وحبيب بن الاسود مولى لهم وثابت بن ثعلبة بن زيد وثعلبة الذى يقال له الجدع وعمير بن الحارث بن ثعلبة اثنا عشر رجلا* قال ابن هشام عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة ومن بنى عبيدة بن عدى بن غنم بن كعب بشر بن البراء بن معرور بن صخر بن خنساء والطفيل بن مالك بن خنساء والطفيل بن النعمان بن خنساء وسنان بن صيفى ابن صخر بن خنساء وعبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء وعتبة بن عبد الله بن صخر بن خنساء وجبار بن صخر بن أمية بن خنساء وخارجة بن حمير وعبد الله ابن حمير حليفان لهم من أشجع من بنى دهمان تسعة نفر ومن بنى خناس بن سنان بن عبيد يزيد بن المنذر بن سرح بن خناس ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس وعبد الله بن النعمان بن بلدمة* قال ابن هشام ويقال بلدمة وبلذمة والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة وسواد بن رزيق بن ثعلبة قال ابن هشام ويقال سواد بن رزم بن زيد بن ثعلبة ومعبد بن قيس بن صخر بن حزام ويقال معبد بن قيس بن صيفى بن صخر بن حزام فيما قاله ابن هشام وعبد الله بن صخر بن حزام ومن بنى النعمان بن سنان بن عبيد عبد الله بن عبد مناف بن النعمان وجابر بن عبد الله بن رباب بن النعمان وخليدة بن قيس بن النعمان والنعمان بن سنان مولى لهم أربعة نفر ومن بنى سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ثم من بنى حديدة عمرو بن غنم بن سواد* قال ابن هشام عمرو بن سواد ليس لسواد ابن يقال له غنم وأبو المنذر وهو يزيد بن عامر ابن حديدة وسليم بن عمرو بن حديدة وقطبة بن عامر بن حديدة وعنترة مولى سليم بن عمرو اربعة نفر قال ابن هشام عنترة من بنى سليم بن منصور ثم من بنى ذكوان ومن بنى عدى بن نابى بن عمرو بن سواد بن غنم عبس بن عامر بن عدى وثعلبة بن غنمة بن عدى وأبو اليسر وهو كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم ابن سواد وسهل بن قيس بن أبىّ بن كعب بن القين بن كعب بن سواد وعمرو بن طلق بن زيد بن أمية ومعاذ ابن جبل بن عمرو بن أوس ستة نفر* قال ابن هشام وانما نسب ابن اسحاق معاذ بن جبل فى بنى سواد وليس منهم لانه فيهم قال ابن اسحاق والذين كسروا آلهة بنى سلمة
معاذ بن جبل وعبد الله بن أنيس وثعلبة بن غنمة ومن بنى رزيق بن عامر قيس بن محصن بن خالد بن مخلد ويقال قيس بن حصن وأبو خالد وهو الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد وجبير بن اياس بن خالد بن مخلد وأبو غادة وهو سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد وأخوه عقبة بن عثمان بن خلدة بن مخلد وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد ومسعود(1/400)
ابن خلدة بن عامر بن مخلد سبعة نفر ومن بنى خالد بن عامر بن رزيق عباد بن قيس بن عامر بن خالد رجل ومن بنى خلدة بن عامر بن رزيق أسعد بن يزيد بن الفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة* قال ابن هشام بشر بن الفاكه ومعاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة وأخوه عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة ومسعود بن سعد بن خلدة خمسة نفر* ومن بنى العجلان بن عمرو بن عامر بن رزيق رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان واخوه خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان ثلاثة نفر* ومن بنى بياضة ابن عامر بن رزيق زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان وفروة بن عمرو بن ودقة ويقال ورقة وخالد بن قيس ابن مالك بن العجلان ورحيلة بن ثعلبة بن خالد* قال ابن هشام رخيلة وعطية بن نويرة بن عامر وخليفة ابن عدى بن عمرو ستة نفر* قال ابن هشام ويقال عليقة ومن بنى حبيب بن عبد حارثة بن مالك رافع ابن المعلى بن لوذان بن حارثة رجل* ومن بنى النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ثم من بنى غنم بن مالك بن النجار ثم من بنى ثعلبة بن عبد عوف بن غنم أبو ايوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة رجل ومن بنى عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم ثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة رجل* قال ابن هشام ويقال عشيرة ومن بنى عمرو بن عبد بن عوف بن غنم عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان ابن عمرو وسراقة بن كعب بن عبد العزى رجلان ومن بنى عبيد بن ثعلبة بن غنم حارثة بن النعمان ابن زيد بن عبيد وسليم بن قيس بن فهد رجلان* قال ابن هشام حارثة بن النعمان بن نفع بن يزيد ومن بنى عائذ بن ثعلبة بن غنم ويقال عائد فيما قاله ابن هشام سهيل بن رافع بن أبى عمرو بن عائذ وعدى بن أبى الزغباء حليف لهم ومن جهينة رجلان ومن بنى زيد بن ثعلبة بن غنم مسعود بن أوس بن زيد وأبو خزيمة بن أوس بن زيد بن اصرم بن زيد ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد ثلاثة نفر ومن بنى سواد ابن مالك بن غنم عوف ومعوذ ومعاذ بنو الحارث بن رفاعة بن سواد وهم بنو عفراء* قال ابن هشام عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ويقال رفاعة بن الحارث بن سواد فيما قاله ابن هشام والنعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد ويقال نعيمان فيما قاله ابن هشام وعامر بن مخلد بن الحارث بن سواد وعبد الله بن قيس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد وعصيمة حليف لهم من أشجع ووديعة بن عمرو حليف لهم من جهينة وثابت بن زيد بن عمرو بن عدى بن سواد وزعموا أن أبا الحمراء مولى الحارث بن عفراء قد شهد بدرا عشرة نفر قال ابن هشام أبو الحمراء مولى الحارث بن رفاعة ومن بنى عامر بن مالك بن النجار وعامر بن مبذول ثم من بنى عتيك بن عمرو بن مبذول ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك وسهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو بن عتيك والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك كسر به بالروحاء فضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهمه ثلاثة نفر ومن بنى عمرو بن مالك بن النجار وهم بنو حديلة ثم من بنى قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية ابن عمرو بن مالك بن النجار* قال ابن هشام حديلة بنت مالك بن زيد الله بن حبيب وهى أم معاوية ابن عمرو بن مالك بن النجار فبنو معاوية ينسبون اليها أبىّ بن كعب بن قيس وأنس بن معاذ بن أنس بن قيس رجلان ومن بنى عدى بن عمرو بن مالك بن النجار* قال ابن هشام وهم بنو مغالة بنت عوف بن عبد مناة بن عمرو ويقال انها من بنى زريق وهى أم عدى بن عمرو بن مالك بن النجار فبنو عدى ينسبون اليها أوس بن ثابت بن المنذر بن
حزام وأبو شيخ بن أبىّ بن ثابت بن المنذر بن حزام قال ابن هشام أبو شيخ ابن ثابت أخو حسان بن ثابت وأبو طلحة وهو زيد بن سهل بن الاسود بن حزام ثلاثة نفر ومن بنى عدى ابن النجار ثم من بنى عدى بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدى بن مالك بن عدىّ بن عامر وعمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدى بن عامر وهو أبو حكيم وسليط بن قيس(1/401)
ابن عمرو بن عتيك وأبو سليط وهو أسيرة بن عمرو وعمرو أبو خارجة بن قيس بن مالك وثابت بن خنساء ابن عمرو بن مالك وعامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس ومحرز بن عامر بن مالك بن عدى وسواد بن غزية بن أهيب حليف لهم من بلى ثمانية نفر* قال ابن هشام ويقال سواد ومن بنى حزام بن جندب بن عامر بن غنم ابن عدى بن النجار أبو يزيد قيس بن سكن بن قيس بن زعوراء بن حزام وأبو الاعور بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حزام* قال ابن هشام ويقال أبو الاعور الحارث بن ظالم وسليم بن ملحان وحزام بن ملحان واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حزام أربعة نفر* ومن بنى مازن بن النجار ثم من بنى عوف بن مبذول قيس بن أبى صعصعة واسم أبى صعصعة عمرو بن زيد بن عوف وعبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف وعصيمة حليف لهم من بنى أسد بن خزيمة ثلاثة نفر* ومن بنى خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن أبو داود عمير بن عامر بن مالك بن خنساء وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء رجلان ومن بنى ثعلبة بن مازن بن النجار قيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب رجل ومن بنى دينار بن النجار ثم من بنى مسعود بن عبد الاشهل بن حارثة بن دينار بن النجار النعمان بن عبد عمرو بن مسعود والضحاك ابن عبد عمرو بن مسعود وسليم بن الحارث بن ثعلبة وهو أخو الضحاك بن عبد عمرو والنعمان ابنى عبد عمرو لامّهما وجابر بن خالد بن عبد الاشهل خمسة نفر* ومن بنى قيس بن مالك بن كعب بن حارثة ابن دينار بن النجار كعب بن زيد بن قيس وبجير بن أبى بجير حليف لهم رجلان* قال ابن هشام وبجير من عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ثم من بنى جذيمة بن رواحة* قال ابن اسحاق فجميع من شهد بدرا من الخزرج مائة وسبعون رجلا* وقال ابن هشام وأكثر أهل العلم يذكر فى الخزرج ببدر فى بنى العجلان بن زيد بن غنم عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان ومليل بن وبرة بن خالد بن العجلان وعصمة ابن الحصين بن وبرة بن خالد بن العجلان ومن بنى حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن عضب بن جشم بن الخزرج وهم فى بنى رزيق هلال بن المعلى بن لوذان بن حارثة*
عدّة أهل بدر
قال ابن اسحاق فجميع من شهد بدرا من المسلمين من المهاجرين والانصار من شهدها منهم ومن ضرب له بسهمه وأجره ثلثمائة وأربعة عشر رجلا من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلا ومن الاوس أحد وستون رجلا ومن الخزرج مائة وسبعون رجلا وقد ذكرنا أن الدعاء عند ذكرهم فى البخارى مستجاب وقد جرّب ذلك*
عدّة شهداء بدر
واستشهد من المسلمين يوم بدر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعة عشر رجلا وكذا فى الكشاف ستة من المهاجرين من قريش ثم من بنى المطلب بن عبد مناف عبيدة بن الحارث بن المطلب قتله عتبة بن ربيعة قطع رجله فمات فى الصفراء رجل* ومن بنى زهرة بن كلاب عمير بن أبى وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة حليف لهم من خزاعة ثم من بنى غبشان رجلان ومن بنى عدى بن كعب بن لؤى عاقل بن البكير حليف لهم من بنى سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ومهجع مولى عمر بن الخطاب رجلان ومن بنى الحارث بن فهر صفوان بن بيضاء رجل فهؤلاء ستة نفر من المهاجرين ومن الانصار ثمانية خمسة من الاوس من بنى عمرو بن عوف سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر بن زبير رجلان ومن بنى الحارث بن الخزرج يزيد بن الحارث وهو الذى يقال له قسحم رجل ومن بنى سلمة ثم من بنى حرام بن كعب بن سلمة عمير بن الحمام رجل ثم من بنى حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن عضب ابن جشم رافع بن المعلى رجل وثلاثة من الخزرج من بنى النجار حارثة بن سراقة بن الحارث رجل ومن بنى غنم بن مالك بن النجار عوف ومعوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد وهما ابنا عفراء رجلان ثمانية نفر* وفى خلاصة الوفاء استشهد بوقعة بدر ثلاثة عشر رجلا غير عبيدة بن الحارث تأخرت وفاته حتى وصل وادى الصفراء فدفن فيها* وفى الوفاء يظهر من كلام أهل السير أن بقيتهم دفنوا ببدر(1/402)
وأما قتلى المشركين يوم بدر فسيجىء الخلاف فيهم فعلى قول ابن اسحاق ان جميع من أحصى له خمسون وقال ابن هشام عن أبى عبيدة ان القتلى سبعون والاسرى كذلك سبعون*
عدّة قتلى المشركين يوم بدر
قال ابن اسحاق وقتل من المشركين يوم بدر من قريش ثم من بنى عبد شمس بن عبد مناف حنظلة بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس قتله زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما قاله ابن هشام ويقال اشترك فيه حمزة وعلى وزيد فيما قاله ابن هشام والحارث بن الحضرمى وعامر بن الحضرمى حليفان لهم قتل عامرا عمار بن ياسر وقتل الحارث النعمان بن عسر حليف الاوس فيما قاله ابن هشام وعبيدة بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس قتله الزبير بن العوّام والعاصى بن سعيد بن العاص بن أمية قتله علىّ بن أبى طالب وعقبة بن أبى معيط بن أبى عمرو بن أمية بن عبد شمس قتله عاصم بن ثابت بن أبى الافلح أخو بنى عمرو بن عوف صبرا* قال ابن هشام ويقال علىّ بن أبى طالب قتله وعتبة بن ربيعة بن عبد شمس قتله عبيدة بن الحارث بن المطلب قال ابن هشام اشترك فيه هو وحمزة وعلى وشيبة بن ربيعة بن عبد شمس قتله حمزة بن عبد المطلب والوليد بن عتبة بن ربيعة قتله علىّ بن أبى طالب وعامر بن عبد الله حليف لهم من بنى أنمار من بغيض قتله علىّ بن ابى طالب اثنى عشر رجلا ومن بنى نوفل بن عبد مناف الحارث بن عامر بن نوفل قتله فيما يذكرون خبيب بن اساف أخو بنى الحارث بن الخزرج وطعيمة بن عدى بن نوفل قتله علىّ بن أبى طالب ويقال حمزة بن عبد المطلب رجلان ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى زمعة ابن الاسود بن المطلب* قال ابن هشام قتله ثابت بن الجذع أخو بنى حرام ويقال اشترك فيه حمزة وعلىّ ابن أبى طالب وثابت والحارث بن زمعة قتله عمار بن ياسر وعقيل بن الاسود بن المطلب قتله حمزة وعلىّ اشتركا فيه فيما قاله ابن هشام وأبو البخترى وهو العاص بن هشام بن الحارث بن أسد قال ابن هشام أبو البخترى العاصى بن هاشم قتله المجدر بن زياد البلوى ونوفل بن خويلد بن أسد وهو ابن العدوية عدى خزاعة وهو الذى قرن أبا بكر وطلحة بن عبيد الله حين أسلما فى حبل فكانا يسميان القرينين لذلك وكان من شياطين قريش قتله علىّ بن أبى طالب خمسة نفر ومن بنى عبد الدار بن قصى النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار قتله على بن أبى طالب صبرا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصفراء فيما يذكرون* قال ابن هشام بالاثيل وزيد بن مليص مولى عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار رجلان* قال ابن هشام قتل زيد بن مليص بلال بن رباح مولى أبى بكر وزيد حليف لبنى عبد الدار من بنى مازن ويقال قتله المقداد بن عمرو ومن بنى تيم بن مرّة عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم* قال ابن هشام قتله علىّ بن أبى طالب ويقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان ابن مالك بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن عمرو قتله ضريب بن سنان رجلان ومن بنى مخزوم بن يقظة ابن مرّة أبو جهل بن هشام واسمه عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ضربه معاذ بن عمرو بن الجموح فقطع رجله وضرب ابنه يد معاذ فطرحها ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته ثم تركه وبه رمق ثم ذفف عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه حين أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يلتمس فى القتلى والعاصى بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتله عمر بن الخطاب ويزيد ابن عبد الله حليف لهم من بنى تميم* قال ابن هشام ثم أحد بنى عمرو بن تميم وكان شجاعا قتله عمار بن ياسر وأبو مسافع الاشعرى حليف لهم قتله أبو دجانة الساعدى فيما قال ابن هشام وحرملة بن عمرو حليف لهم* قال ابن هشام قتله خارجة بن زيد بن أبى زهير أخو بلحارث بن الخزرج فيما قال ابن هشام ويقال بل علىّ بن أبى طالب وحرملة بن الاسد ومسعود بن أبى أمية بن المغيرة قتله علىّ بن أبى طالب فيما قاله ابن
هشام وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة بن الوليد بن المغيرة قتله حمزة بن عبد المطلب فيما قاله ابن هشام(1/403)
ويقال علىّ بن أبى طالب ويقال عمار بن ياسر فيما قاله ابن هشام ورفاعة بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتله سعد بن الربيع أخو بلحارث بن الخزرج فيما قاله ابن هشام والمنذر بن أبى رفاعة بن عائذ قتله معن بن العدى بن الجد بن العجلان حليف بنى عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف فيما قاله ابن هشام وعبد الله بن المنذر بن أبى رفاعة بن عائذ قتله علىّ بن أبى طالب فيما قاله ابن هشام والسائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم* قال ابن هشام السائب بن أبى السائب شريك رسول الله صلّى الله عليه وسلم الذى جاء فيه الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم نعم الشريك السائب لا يشارى ولا يمارى كان أسلم فحسن اسلامه فيما بلغنا والله أعلم* وذكر ابن شهاب الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن السائب بن أبى السائب بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ممن بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قريش وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين* وذكر غير ابن اسحاق أن الذى قتله الزبير بن العوّام والاسود بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم قتله حمزة بن عبد المطلب وحاجب بن السائب ابن عويمر بن عمرو ويقال حاجز بن السائب والذى قتل حاجب بن السائب علىّ بن أبى طالب وعويمر بن السائب بن عمير قتله النعمان بن مالك القوقلى مبارزة فيما قاله ابن هشام وعمرو بن سفيان وجابر بن سفيان حليفان لهم من طى قتل عمرا يزيد بن رقيش وقتل جابرا أبو بردة بن نيار فيما قال ابن هشام سبعة عشر رجلا ومن بنى سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة ابن سعد بن سهم قتله أبو اليسر أخو بنى سلمة وابنه العاص بن منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة قتله علىّ بن أبى طالب فيما قاله ابن هشام ونبيه بن الحجاج بن عامر قتله حمزة بن عبد المطلب وسعد بن أبى وقاص اشتركا فيه فيما قاله ابن هشام وأبو العاصى بن قيس بن عدى بن سعيد بن سهم قال ابن هشام قتله علىّ بن أبى طالب ويقال النعمان بن مالك القوقلى ويقال أبو دجانة وعاصم بن أبى عوف بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم قتله أبو اليسر أخو بنى سلمة فيما قاله ابن هشام خمسة نفر ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رجل من الانصار من بنى مازن فيما قاله ابن هشام ويقال بل قتله معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وحبيب بن اساف اشتركوا فيه وابنه علىّ بن أمية بن خلف قتله عمار بن ياسر وأوس بن مغير بن لوذان بن سعد بن جمح قتله علىّ بن أبى طالب فيما قاله ابن هشام ثلاثة نفر ويقال قتله الحصين بن الحارث ابن المطلب وعثمان بن مظعون اشتركا فيه فيما قاله ابن هشام ومن بنى عامر بن لؤى معاوية بن عامر حليف لهم من عبد القيس قتله علىّ بن أبى طالب ويقال عكاشة بن محصن فيما قاله ابن هشام ومعبد ابن وهب حليف لهم من بنى كلب بن عوف بن كعب قتل معبدا خالد واياس ابنا البكير ويقال أبو دجانة فيما قاله ابن هشام رجلان* قال ابن اسحاق فجميع من أحصى لنا من قتلى قريش يوم بدر خمسون رجلا* قال ابن هشام حدّثنى أبو عبيدة عن أبى عمرو أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلا والاسرى كذلك وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وفى كتاب الله تبارك وتعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها يقوله لاصحاب أحد وكان من استشهد منهم سبعين رجلا يقول قد أصبتم يوم بدر مثلى من استشهد منكم يوم أحد سبعين قتيلا وسبعين أسيرا* قال ابن هشام وممن لم يذكر ابن اسحاق من هؤلاء السبعين القتلى من بنى عبد شمس بن عبد مناف وهب بن الحارث من بنى انمار بن بغيض حليف لهم وعامر بن زيد حليف لهم من اليمن
رجلان ومن بنى أسد بن عبد العزى عقبة بن زيد حليف لهم من اليمن وعمير مولى لهم رجلان ومن بنى عبد الدار بن قصى نبيه بن زيد بن مليص وعبيد بن سليط(1/404)
حليف لهم من قيس رجلان ومن بنى تيم بن مرّة مالك بن عبيد الله بن عثمان أسر فمات فى الاسارى فعدّ فى القتلى ويقال وعمرو بن عبد الله بن جدعان رجلان ومن بنى مخزوم بن يقظة حذيفة بن أبى حذيفة بن المغيرة قتله أبو أسيد مالك بن ربيعة والسائب بن أبى رفاعة قتله عبد الرحمن بن عوف وعائذ بن السائب ابن عويمر أسر ثم افتدى فمات فى الطريق من جراحة جرحه اياها حمزة بن عبد المطلب وعمير حليف لهم من طى وخيار حليف لهم من القارة سبعة نفر ومن بنى جمح بن عمرو سيرة بن مالك حليف لهم رجل ومن بنى سهم بن عمرو الحارث بن منبه بن الحجاج قتله صهيب بن سنان وعامر بن أبى عوف بن صبيرة أخو عاصم قتله عبد الله بن سلمة العجلانى ويقال أبو دجانة رجلان*
(ذكر الاسارى من المشركين)
** قال ابن اسحاق وأسر من المشركين يوم بدر من قريش ثم من بنى هاشم بن عبد مناف عقيل بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ومن بنى المطلب بن عبد مناف السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ونعمان بن عمرو بن علقمة بن المطلب رجلان ومن بنى عبد شمس بن عبد مناف عمرو بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس والحارث بن أبى وجرة بن أبى عمرو بن أمية بن عبد شمس ويقال ابن أبى وجرة فيما قاله ابن هشام وأبو العاصى بن الربيع ابن عبد العزى بن عبد شمس وأبو العاصى بن نوفل بن عبد شمس ومن حلفائهم أبو ريشة بن أبى عمرو وعمرو بن الازرق وعقبة بن عبد الحارث بن الحضرمى سبعة نفر ومن بنى نوفل بن عبد مناف عدى ابن الخيار بن عدى بن نوفل وعثمان بن عبد شمس بن غزوان بن جابر حليف لهم من بنى مازن بن منصور وأبو نوفل حليف لهم ثلاثة نفر ومن بنى عبد الدار بن قصى أبو عزيز بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار والاسود بن عامر حليف لهم ويقولون نحن بنو الاسود بن عامر بن الحارث بن السباق رجلان ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى السائب بن أبى حبيش بن المطلب بن أسد والحويرث بن عباد بن عثمان بن أسد وسالم بن شماخ حليف لهم ثلاثة نفر ومن بنى مخزوم بن يقظة بن مرّة خالد بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وأمية بن أبى حذيفة بن المغيرة والوليد ابن الوليد بن المغيرة بن عبد الله وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وصيفى بن أبى رفاعة بن عائذ بن عبد الله وأبو المنذر بن أبى رفاعة بن عائذ وأبو عطاء عبد الله بن أبى السائب بن عائذ والمطلب بن الحنطب بن الحارث بن عبيد وخالد بن الاعلم حليف لهم وهو كان فيما يذكرون أوّل من ولى فارّا منهزما وهو الذى يقول
ولسنا على الادبار تدمى كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدم
تسعة نفر قال ابن هشام* ويروى ولسنا على الاعقاب وخالد بن الاعلم من خزاعة ويقال عقيلى ومن بنى سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب أبو وداعة بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم كان أوّل أسير افتدى من أسرى بدر افتداه ابنه المطلب بن أبى وداعة وفروة بن قيس بن عدى بن حذافة بن سعد بن سهم وحنظلة بن قبيصة بن حذافة بن سعد بن سهم والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدى بن سعيد بن سعد ابن سهم أربعة نفر ومن بنى جمح بن عمرو بن هصيص عبد الله بن أبى بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمح والفاكه مولى أمية بن خلف ادّعاه بعد ذلك رباح بن المغترف وهو يزعم انه من بنى شماخ بن فهر ويقال ابن الفاكه بن جرول بن جذيم بن عوف ووهب بن عمير بن وهب بن خلف وربيعة بن دراج بن العنبس بن اهبان خمسة نفر ومن بنى عامر بن لؤى سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبدود أسره مالك بن الدخشم أخو بنى سالم بن عوف وعبد بن زمعة بن قيس بن عبد شمس وعبد الرحمن بن مشنوء بن وقدان بن قيس بن عبد شمس ثلاثة نفر ومن بنى الحارث(1/405)
ابن فهر الطفيل بن أبى قنيع وعتبة بن جحدم حليف العباس بن عبد المطلب رجلان* قال ابن اسحاق فجميع من حفظ لنا من الاسارى ثلاثة وأربعون رجلا* قال ابن هشام وقع من جملة العدّة رجل لم أذكر اسمه وممن لم يذكر ابن اسحاق من الاسارى من بنى هاشم بن عبد مناف عتبة حليف لهم من بنى فهر رجل ومن بنى المطلب بن عبد مناف عقيل بن عمرو حليف لهم وأخوه تميم بن عمرو وابنه ثلاثة نفر ومن بنى عبد شمس بن عبد مناف خالد بن أسيد بن أبى العيص وأبو العريض يسار مولى العاص بن أمية رجلان ومن بنى نوفل بن عبد مناف نبهان مولى لهم رجل ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث رجل ومن بنى عبد الدار بن قصى عقيل حليف لهم من اليمن رجل ومن بنى تيم بن مرّة مسافع بن عياض بن صخر بن عامر وجابر بن الزبير حليف لهم رجلان ومن بنى مخزوم بن يقظة قيس بن السائب رجل ومن بنى جمح بن عمرو عمرو بن أبى بن خلف وأبو رهم بن عبد الله حليف لهم وحليف لهم ذهب عنى اسمه وموليان لامية بن خلف أحدهما نسطاس وأبو رافع غلام أمية بن خلف ستة نفر ومن بنى سهم بن عمرو أسلم مولى نبيه بن الحجاج رجل ومن بنى عامر بن لؤى حبيب بن جابر والسائب بن مالك رجلان ومن بنى الحارث بن فهر شافع وشفيع حليفان لهم من اليمن رجلان* أقول ومن جملة أسارى بدر عباس بن عبد المطلب ولم يذكر فيما ذكر* قال ابن اسحاق وكان فراغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بدر فى عقب شهر رمضان أو فى شوّال* وفى هذه السنة غلبت الروم على فارس* روى انه لما التقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمشركين يوم بدر فنصر عليهم وافق ذلك اليوم التقاء الروم بفارس فنصرت الروم ففرح المسلمون بالفتحين وانما فرحوا لانّ الروم أهل كتاب وفارس مجوس لا كتاب لهم*
وفاة رقية بنته عليه السلام
وفى هذه السنة توفيت رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم زوجة عثمان وكان تزوّجها بمكة فى الجاهلية وهاجر معها الى الحبشة فتوفيت يوم جاء زيد بن حارثة بشيرا بفتح بدر جاء وعثمان واقفا على قبرها يدفنها كما مرّ وكان تمريضها منعه عن شهود بدر وضرب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسهمه من غنيمتها* روى انه صلّى الله عليه وسلم لما عزى فى ابنته رقية قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات رواه العسكرى فى الامثال وفى رواية من المكرمات دفن البنات* قال النووى توفيت رقية فى ذى الحجة من هذه السنة لكن ذكر أهل السير أن وفاة رقية كانت فى رمضان حين كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى غزوة بدر كما مرّ
*
سرية عمير بن عدى لقتل العصماء اليهودية
وفى هذه السنة كانت سرية عمير بن عدى الخطمى لقتل العصماء بنت مروان اليهودى امرأة من الانصار وهى زوجة يزيد الخطمى لخمس ليال بقين من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة قال ابن سعد كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة مغلطاى ذكر سيرة عمير بعد قرقرة الكدر* وفى الوفاء قدّم قتل أبى عفك على قتل العصماء وكانت تعيب المسلمين وتؤنب الانصار فى اتباعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتقول الشعر فى هجوه فجاءها ليلا عمير ابن عدى وكان أعمى فدخل عليها بيتها وحولها نفر من أولادها نيام منهم من ترضعه فى صدرها فجها بيده فنحى الصبىّ عنها ووضع ذبابة سيفه فى صدرها حتى أنفذها من ظهرها ثم صلّى الصبح مع النبىّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أقتلت ابنة مروان قال نعم قال لا ينتطح فيها عنزان أى لا يعارض فيها معارض ولا يسأل عنها فانها هدر وكانت هذه الكلمة اوّل ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهذا من الكلام الموجز البديع الذى لم يسبق اليه*
نبذة من جوامع كلمه عليه السلام
كحمى الوطيس ومات حتف أنفه ولا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين ويا خيل الله اركبى والولد للفراش وللعاهر الحجر وكل الصيد فى جوف الفرا والحرب خدعة واياكم وخضراء الدمن وان مما(1/406)
ينبت الربيع لما يقتل حبطا أو يلم والانصار كرشى وعيبتى ولا يجنى على المرء الايده والشديد من غلب نفسه وليس الخبر كالمعاينة والمجالس بالامانة واليد العليا خير من اليد السفلى والبلاء موكل بالمنطق والناس كأسنان المشط وترك الشر صدقة وأى داء أدوأ من البخل والاعمال بالنيات والحياء خير كله واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع وسيد القوم خادمهم وفضل العلم خير من فضل العبادة والخيل فى نواصيها الخير وعدة المؤمن كأخذ باليد وأعجل الاشياء عقوبة البغى وانّ من الشعر لحكمة والصحة والفراغ نعمتان ونية المؤمن خير من عمله واستعينوا على الحاجات بالكتمان وان كل ذى نعمة محسود والمكر والخديعة فى النار ومن غشنا ليس منا والمستشار مؤتمن والندم توبة والدال على الخير كفاعله وحبك الشىء يعمى ويصم والعارية مؤدّاة والايمان قيد الفتك وسبقك بها عكاشة وعجب ربكم من كذا وقتل صبرا وليس المسؤل بأعلم من السائل ولا ترفع عصاك عن أهلك ولا تضحى شرقاء الى غير ذلك مما يطول ذكره وكذا فى سيرة مغلطاى* وفى الوفاء ان العصماء هذه تأففت لما قتل أبو عفك بالفاء واهمال أوّله وقالت شعرا تعيب به الاسلام وأهله وان عميرا رجع الى قومه بعد قتلها وهم يومئذ كثير يوبخهم فى شأنها ولها بنون خمسة رجال فقال يا بنى خطمة أنا قتلت بنت مروان يعنى العصماء فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون فذلك اليوم أوّل ما عز الاسلام فى دار بنى خطمة وكان يستخفى باسلامه فيهم من أسلم ويومئذ أسلم رجال منهم لما رأوا من عز الاسلام* وفى شواهد النبوّة كانت العصماء بنت مروان من بنى أمية بن زيد وكانت تؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتعيب الاسلام فحين كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى غزوة بدر قالت فى ذم الاسلام وأهله أبياتا فسمعها عمير بن عدى وكان ضرير البصر قاله ابن سعد وسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم البصير وكان قد تخلف بالمدينة عن غزوة بدر لعماه وقيل كان أوّل من أسلم من بنى خطمة وكان امام قومه وقارئهم وكان يدعى القارئ فنذر لئن ردّ الله عز وجل رسوله من بدر سالما ليقتلنها ففى ليلة قدم فيها النبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة من بدر سل عمير سيفه ودخل عليها فى جوف الليل وقتلها وصلّى الصبح بالمدينة مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولما رآه قال أقتلت ابنة مروان قال نعم فأقبل على الناس وقال من أحب منكم أن ينظر الى رجل كان فى نصرة الله ورسوله فلينظر الى عمير بن عدى فقال عمر الى هذا الاعمى بات فى طاعة الله ورسوله قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم مه يا عمر فانه بصير أو كما قال*
فرض زكاة الفطر
وفى هذه السنة فرضت زكاة الفطر وكان ذلك قبل العيد بيومين كذا فى أسد الغابة فخطب الناس قبل الفطر بيومين يعلمهم زكاة الفطر وكان ذلك قبل أن ت
فرض زكاة الاموال كما سيجىء* وفى أوّل شوّال هذه السنة خرج الى المصلى وحملت العنزة بين يديه وغرزت فى المصلى وصلّى اليها صلاة الفطر وهذه الحربة كانت للنجاشى فوهبها للزبير بن العوّام وكانت تحمل بين يديه عليه السلام فى الاعياد وأمر بأن تخرج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والانثى نصف صاع من برّ أوصاع من شعير أوصاع من زبيب وكان يأمر باخراجها قبل أن يغد والى المصلى*
فرض زكاة الاموال
وفى هذه السنة فرضت زكاة الاموال وقيل فى السنة الثالثة وقيل فى الرابعة وقيل قبل الهجرة وثبتت بعدها والله أعلم*
غزوة قرقرة الكدر
وفى شوّال هذه السنة أيضا وقيل بعد بدر بسبعة أيام وقيل فى نصف المحرم سنة ثلاث وقعت غزوة قرقرة الكدر ويقال نجران كذا فى سيرة مغلطاى وذكرها ابن سعد بعد غزوة السويق وقرقرة الكدر بفتح القافين أرض ملساء* وقال البكرى هى بضم القاف واسكان الراء وبعدهما مثلهما والمعروف فى ضبطها الفتح وهى ناحية بأرض سليم على ثمانية برد من المدينة كذا فى حياة الحيوان* وفى المواهب اللدنية(1/407)
الكدر طير فى ألوانها كدرة عرف بها ذلك الموضع* وفى خلاصة الوفاء كدر بالضم جمع أكدر يضاف اليه قرقرة الكدر بناحية معدن بنى سليم وراء سدّ معاوية وقال عرام فى حرم بنى عوال مياه وآبار منها بئر الكدر* وفى الاكتفاء كانت وقعة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة من شهر رمضان وكان فراغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم منها فى عقبه أو فى شوّال بعده فلما قدم المدينة لم يقم بها الاسبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بنى سليم فبلغ ماء من مياههم يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع الى المدينة ولم يلق كيدا* وفى بعض الكتب أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأن جماعة من بنى سليم وغطفان تجمعوا بماء يقال له الكدر ويعرف بغزوة قرقرة الكدر فعقد النبىّ صلّى الله عليه وسلم لواء ودفعه الى علىّ بن أبى طالب واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى وقيل ابن أمّ مكتوم وخرج منها فى مائتى رجل من أصحابه وسار الى أن بلغ قرقرة الكدر فلم يرفيها أحدا فبعث بعضا من أصحابه الى أعالى الوادى وسار هو فى بطن الوادى وأقام عليه الصلاة والسلام بها ثلاثا وقيل عشرا فلم يلق كيدا فلقى رعاة الابل فيهم غلام اسمه يسار فسألهم عن بنى سليم وغطفان قالوا لا ندرى فساقوا الابل مع الرعاة الى المدينة فلما بلغ صرارا بالصاد المهملة وهو موضع بينه وبين المدينة ثلاثة أميال وفى خلاصة الوفاء صرار ماء قرب المدينة محتفر جاهلى أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم باخراج الخمس وقسم الباقى على أصحاب الغزوة فأصاب كل واحد بعيران وكان جملة الابل خمسمائة ووقع يسار فى سهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأعتقه حين رآه يصلى وكانت مدّة غيبته فى تلك الغزوة خمس عشرة ليلة* وفى خلاصة السير أورد هذه الغزوة بعد غزوة السويق وقال هذه الاربع يعنى
غزوة بنى قينقاع وغزوة السويق وغزوة قرقرة الكدر وغزوة ذى أمر فى بقية السنة الثانية* وفى حياة الحيوان روى ابن هشام وغيره أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم غزا قرقرة الكدر فى النصف من المحرّم على رأس ثلاثة عشر شهرا من مهاجره والله أعلم* وفى المواهب اللدنية ذكر غزوة قرقرة الكدر فى أوّل شوّال السنة الثانية قبل سرية سالم بن عمير وقال ذكرها ابن سعد بعد غزوة السويق
* سرية سالم بن عمير الى قتل أبى عفك
وفى شوّال هذه السنة على رأس عشرين شهرا من الهجرة كما فى المواهب اللدنية كانت سرية سالم بن عمير أحد البكائين وممن شهد بدرا الى قتل أبى عفك اليهودى وكان أبو عفك من بنى عمرو بن عوف شيخا كبيرا قد بلغ عشرين ومائة سنة وكان يحرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويقول فيه الشعر فقال سالم بن عمير علىّ نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه فقتله ووضع سيفه على كبده ثم اعتمد عليه حتى خش فى الفراش فصاح عدوّ الله أبو عفك فثار اليه ناس ممن هو على قوله فأدخلوه منزله فقتل كذا فى المواهب اللدنية* وفى الوفاء قدّم قتل أبى عفك على قتل العصماء*
غزوة بنى قينقاع
وفى نصف شوّال هذه السنة يوم السبت على رأس عشرين شهرا من الهجرة وقعت غزوة بنى قينقاع بفتح القاف وتثليث النون والضم أشهر حى من اليهود كانوا بالمدينة كذا فى القاموس* وفى الوفاء منازلهم عند جسر بطحان مما يلى العالية* وفى صحيح البخارى عن ابن عمر أن بنى قينقاع هم رهط عبد الله بن سلام* وقال الحافظ ابن حجر وهم من ذرّية يوسف الصدّيق عليه السلام* وفى الاكتفاء لما رجع من قرقرة الكدر الى المدينة أقام بقية شوّال وذا القعدة وأفدى فى اقامته تلك جل الاسارى من قريش أى أسارى بدر* روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وادع اليهود على أن لا يعينوا عليه أحدا وان دهمه بها عدوّ نصروه فلما انصرف من بدر أظهروا له الحسد والبغى وقالوا لم يلق محمد من يحسن القتال ولو لقينا لاقى عندنا قتالا لا يشبه قتال أحد ثم أظهروا له نقض العهد كذا فى المنتقى* وفى خلاصة السير اليهود يرجعون الى ثلاث طوائف بنى قينقاع والنضير وقريظة فنقض الثلاث(1/408)
العهد طائفة بعد طائفة فأوّل من نقض العهد منهم بنو قينقاع قتلوا رجلا من المسلمين وحاربوا فيما بين بدر وأحد* وقال مغلطاى قال الحاكم غزوة بنى قينقاع وبنى النضير واحدة فربما اشتبهتا على من لا يتأمّل* وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكر انهم أوّل من نقض العهد فغزاهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم بنى النضير وأغرب الحاكم فزعم ان اجلاء بنى قينقاع واجلاء بنى النضير كان فى زمن واحد ولم يوافق على ذلك لانّ اجلاء بنى النضير كان بعد بدر بستة أشهر على قول عروة أو بعد ذلك بمدّة طويلة على قول ابن اسحاق* وذكر الواقدى ان اجلاء بنى قينقاع كان فى شوّال سنة اثنتين يعنى بعد بدر بشهر ويؤيده رواية ابن اسحاق عن ابن عباس ان غزوة بنى قينقاع بعد بدر* وفى الوفاء حاربهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد بدر فى شوّال فألقى الله الرعب فى قلوبهم فنزلوا على حكمه فأراد قتلهم فاستوهبهم منه عبد الله بن أبى وكانوا حلفاءه فوهبهم له وأخرجهم من المدينة الى أذرعات* وفى الاكتفاء منشأ أمرهم فى نقض العهد أن امرأة من العرب قدمت بحلب لها فباعته بسوق بنى قينقاع وجلست الى صائغ بها فجعلوا يرادونها على كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ الى طرف ثوبها من خلفها بحيث لا تعلم فعقده الى ظهرها فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهود يا فشدّت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود فأغضب المسلمون فوقع الشر بينهم وبين بنى قينقاع فلما أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بذلك جمع أشراف يهود بنى قينقاع فقال لهم يا معشر اليهود احذروا من الله أن يوقع بكم ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا فانكم قد عرفتم انى نبىّ مرسل تجدون ذلك فى كتابكم وعهد الله اليكم قالوا يا محمد انك ترى أنا قومك لا يغرّنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة انا والله لئن حاربتنا لتعلمنّ أنا نحن الناس* وفى الوفاء قالوا انهم كانوا لا يعرفون القتال ولو قاتلتنا لعرفت أنا الرجال فأنزل الله قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم الى قوله أولى الابصار فخرج صلّى الله عليه وسلم اليهم للنصف من شوّال سنة اثنتين بعد بدر بشهر ودفع لواءه يومئذ الى حمزة وكان أبيض* قال ابن هشام واستعمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المدينة فى محاصرته اياهم بشر بن عبد المنذر فتحصنت اليهود فى حصنهم فحاصرهم خمس عشرة ليلة الى هلال ذى القعدة حتى جهدهم الحصار فنزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر منذر بن قدامة السلمى أن يكتفهم فكتفوا وهو يريد قتلهم فمرّ بهم عبد الله بن أبى بن سلول فأراد أن يطلقهم وهم حلفاؤه قال له المنذر أتطلق قوما أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بربطهم والله لا يفعله أحد الا أضرب عنقه* وفى سيرة ابن هشام فقام اليه عبد الله بن أبى بن سلول حين أمكن الله نبيه منهم فقال يا محمد أحسن فى موالىّ فأعرض عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأعاد ابن أبى كلامه فسكت النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يجبه بشئ فأدخل ابن أبىّ يده فى جيب درع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان يقال لها ذات الفضول فيما قاله ابن هشام وقال يا رسول الله أحسن فى حلفائى وألح عليه من أجلهم فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ثم قال ويحك أرسلنى قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن فى موالىّ أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد كانوا منعونى من الاحمر والاسود تحصدهم فى غداة واحدة وانى والله امرؤ أخشى الدوائر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك فأمر أن يجلوا وتركهم من القتل* وفى رواية قال حلوهم لعنهم الله ولعن من معهم فتجاوز عن دمائهم ولكن أمر باجلائهم* قال ابن اسحاق حدّثنى أبى اسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلّى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبى وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم(1/409)
وكان أحد بنى عوف لهم من حلفه مثل الذى لهم من عبد الله بن أبى فخلعهم عبادة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ الى الله والى رسوله من حلفهم وقال يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم قال ففيه وفى عبد الله بن أبى نزلت القصة من المائدة يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم انّ الله لا يهدى القوم الظالمين فترى الذين فى قلوبهم مرض كعبد الله بن أبى يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة الى قوله فى أنفسهم نادمين ولما سمعوا خبر الاجلاء اغتموا وأتى عبد الله بن أبى برؤسائهم ليشفع لهم عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أمر الاجلاء أيضا وكان عويمر بن ساعدة العمروى واقفا على الباب فأراد ابن أبى أن يدخل فمنعه عويمر فدفعه ابن أبى وأراد أن يدخل بالعنف فغضب عويمر فدفعه دفعا أصابت منه جبهته الجدار فدميت فلما رأت اليهود ذلك قالوا لابن أبى يا أبا الخباب نحن لا نسكن فى بلد يفعل فيها مثل هذا ولا نقدر على دفعه فرجعوا خائبين فأمر صلّى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت باخراجهم فاستمهلوه ثلاثة أيام بامر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم أخرجهم عن منازلهم وبلغهم الى ذى ناب فذهبوا الى أذرعات من الشام فهلكوا بعد زمان فليل وصارت أموالهم وأسلحتهم غنيمة للمسلمين واصطفى عليه السلام لنفسه صفى المغنم ثلاث قسى يقال لاحداها الكتوم انكسرت يوم احد وللثانية الروحاء وللثالثة البيضاء ودرعين يسمى أحدهما فضة والاخرى السغدية بالسين المهملة والغين المعجمة* قال بعض الحفاظ كانت السغدية درع داود عليه السلام التى لبسها حين قتل جالوت والله أعلم وثلاثة أسياف سيف يقال له قلعى وسيف يدعى البتار وسيف يسمى الحتف وثلاثة ارماح ثم أمر بعزل الخمس وهو أوّل خمس فى الاسلام بعد بدر ووهب منها درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ يدعى سحك وقسم الباقى على أصحابه ثم انصرف الى المدينة
*
غزوة السويق
وفى ذى الحجة من هذه السنة يوم الاحد لخمس خلون منها على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة كانت غزوة السويق* وقال ابن اسحاق فى صفر كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ولما رجع من قرقرة الكدر الى المدينة أقام بها بقية شوّال وذا القعدة وفدى فى اقامته تلك جل الاسارى من قريش ثم غزا أبو سفيان بن حرب غزوة السويق فى ذى الحجة وكان أبو سفيان حين رجع الى مكة ورجع فلّ قريش من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا فخرج من مكة فى مائتى راكب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل صدر قناة الى جبل يقال له تيب من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بنى النضير تحت الليل فأتى حيى بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له بابه وخافه فانصرف عنه الى سلام بن مشكم وكان سيد بنى النضير فى زمانه ذلك وصاحب كنزهم فاستأذن عليه فأذن له فقراه وسقاه وبطن له من خبر الناس ثم رجع فى عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها العريض على ثلاثة أميال من المدينة فخرقوا فى صور من نخلب بها ووجدوا رجلا من الانصار وحليفا له فى حرث لهما فقتلوهما ثم انصرفوا راجعين وانذر بهم الناس فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى طلبهم يوم الاحد لخمس خلون من ذى الحجة واستعمل على المدينة أبا لبابة بشر بن عبد المنذر فجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون للهرب والنجاة فيلقون جرب السويق وكانت عامة أزوادهم السويق* قال ابن هشام انما سميت غزوة السويق فيما حدّثنى أبو عبيدة ان أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق فهجم المسلمون على سويق كثير فسميت غزوة السويق فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أن بلغ قرقرة الكدر ففاته أبو سفيان وأصحابه فانصرف راجعا الى المدينة(1/410)
فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة قال نعم وكانت مدّة غيبته فى هذه الغزوة خمسة أيام وعند بعض أصحاب السير هذه الغزوة كانت فى أوّل السنة الثالثة من الهجرة والله أعلم* وفى سيرة ابن هشام والاكتفاء أورد غزوة السويق قبل غزوة بنى قينقاع*
موت عثمان بن مظعون
وفى هذه السنة مات عثمان بن مظعون فى ذى الحجة فهو أوّل من مات من المهاجرين بالمدينة ودفن بالبقيع وهو رضيع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقبله صلّى الله عليه وسلم بعد موته كذا فى الوفاء* وفى هذه السنة فى ذى الحجة خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم عيد الاضحى الى المصلى وصلّى صلاة العيد فيه وضحى هو بكبش والاغنياء من أصحابه وهو أوّل عبد أضحى رآه المسلمون*
بناء على بفاطمة رضى الله عنهما
وفى ذى الحجة من هذه السنة بنى علىّ بفاطمة كما قاله الحافظ مغلطاى وقد كان عقد النكاح فى رجب منها على الاصح وقيل فى رمضان* وقال الطبرى تزوّجها فى صفر فى السنة الثانية وبنى بها فى ذى الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا من التاريخ* وقال أبو عمرو بعد وقعة أحد وقال غيره بعد بنائه صلّى الله عليه وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف وبنى بها بعد تزوّجها بسبعة أشهر ونصف ولما كان ليلة البناء قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلىّ لا تحدث شيئا حتى تلقانى فدعا صلّى الله عليه وسلم باناء فتوضأ فيه ثم أفرغه على علىّ ثم قال اللهمّ بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما فى شملهما* وفى رواية عن علىّ انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين زوّجه دعا بماء فمجه ثم صبه فى فيه ثم رشه فى جنبيه وبين كتفيه وعوّذه بقل هو الله أحد والمعوّذتين ثم قال انى أزوجتك خير أهل بيتى كذا فى المنتقى* وفى ذخائر العقبى قال لعلىّ اذا أتتك لا تحدث شيئا حتى آتيك فجاءت فاطمة مع أمّ أيمن حتى قعدت فى جانب البيت وعلىّ فى جانب وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال هاهنا أخى قالت أمّ أيمن أخوك وقد زوّجته ابنتك قال نعم ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لفاطمة ائتينى بماء فقامت الى قعب فى البيت فأتت فيه بماء فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومج فيه ثم قال لها تقدّمى فتقدّمت فتضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال اللهمّ انى أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم ثم قال لها أدبرى فادبرت فصب بين كتفيها وقال اللهمّ انى أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ائتونى بماء فقال علىّ فعلمت الذى يريد فقمت فملأت القعب ماء فأتيته فأخذه فمج فيه وصنع بعلىّ كما صنع بفاطمة ودعا له بما دعا به لها ثم قال ادخل بأهلك بسم الله والبركة خرجه أبو حاتم وخرج أحمد فى المناقب وفى رواية بتقديم علىّ على فاطمة فى النضح والدعاء وقال ثم دعا فاطمة فقامت تعثر فى ثوبها وربما قال فى مرطها من الحياء* وعن جابر قال حضرنا عرس علىّ وفاطمة فما رأينا عرسا كان أحسن منه حسنا هيأ لنا رسول الله زيتا وتمرا فأكلنا وكان فراشهما ليلة عرسهما اهاب كبش* وفى رواية انه بنى بها بعد تسع وعشرين ليلة من النكاح وكان جهازها فى هذه الرواية فراشين من خيوش أحدهما محشو بليف والآخر بحذو الحذائين وأربع وسائد وسادتين من ليف وثنتين من صوف* وروى عن الحسن البصرى قال كان لعلىّ وفاطمة رضى الله عنهما قطيفة اذا لبساها بالطول انكشفت ظهورهما واذا لبساها بالعرض انكشفت رؤسهما* وأخرج الدولابى عن أسماء قالت لقد أولم علىّ على فاطمة فما كانت وليمة فى ذلك الزمان أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودى بشطر شعير وكانت وليمته آصعا من شعير وتمر وحيس والحيس التمر والاقط وأخرج أحمد فى المناقب عن على كان جهاز فاطمة خميلة وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف كذا فى المواهب اللدنية* وروى عن أنس قال لما تزوّج علىّ بفاطمة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لاسماء بنت عميس اذهبى فهيئى منزلها فجاءت أسماء الى البيت فعملت(1/411)
فراشا من رمل والثانى من ادم حشوها ليف ومرقعة من ادم حشوها ليف فلما صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم العشاء الآخرة انصرف الى بيت فاطمة فنظر اليها ودعا لها بالبركة فانصرف فبعث بفاطمة الى على فى ذلك البيت* وفى رواية قال لعلىّ دونك اهلك ثم خرج فلبث رسول الله صلّى الله عليه وسلم اربعا لا يدخل عليهما حتى اذا كان اليوم الرابع دخل عليهما فى غداة باردة وهما فى لحاف واحد فقال كما انتما وجلس عند رأسهما ثم ادخل قدميه وساقيه بينهما فأخذ علىّ احداهما فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها وأخذت فاطمة الاخرى فوضعتها على صدرها وبطنها لتدفئها وطلبت خادما فأمرها بالتسبيح والتحميد والتكبير* وروى عن علىّ قال لهما النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبرا اربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم كذا فى الصحيحين وعن انس قال جاءت فاطمة يوما الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى وابن عمى ما لنا فراش الا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار فقال يا بنية اصبرى فانّ موسى بن عمران أقام مع امرأته عشر سنين ليس لهم فراش الاعباء قطوانية وولد الحسن فى منتصف رمضان السنة الثالثة من الهجرة والحسين فى السنة الرابعة وكان بين ولادة الحسن والعلوق بالحسين خمسون ليلة وولد الحسين لليال خلون من شعبان السنة الرابعة من الهجرة كما سيجىء
غضب النبى حين خطب على بنت أبى جهل
عن مسور بن مخرمة انّ علىّ بن ابى طالب خطب بنت ابى جهل وعنده فاطمة بنت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت له ان قومك يتحدّثون انك لا تغضب لبناتك وهذا علىّ ناكح ابنة ابى جهل فخطب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال انى لست أحرم حلالا ولا احلّ حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد وفى رواية مكانا واحدا ابدا* وفى رواية عنه انه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول ان بنى هشام ابن المغيرة استأذنونى فى ان ينكحوا ابنتهم علىّ بن ابى طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن لهم الا أن يحب ابن ابى طالب ان يطلق ابنتى وينكح ابنتهم فانما ابنتى بضعة منى يريبنى ما رابها ويؤذينى ما آذاها اخرجه الشيخان والترمذى واسم بنت ابى جهل جويرية أسلمت وبايعت وتزوّجها عتاب ابن اسيد ثم ابان بن سعيد بن العاص*
وفاة أمية بن الصلت
وفى هذه السنة مات امية بن ابى الصلت واسم ابى الصلت عبد الله بن ربيعة وكان امية قد قرأ الكتب المتقدّمة ورغب عن عبادة الاوثان واخبر ان نبيا يخرج قد اظل زمانه وكان يؤمّل ان يكون ذلك النبىّ فلما بلغه خبر خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم كفر به حسدا ولما انشد لرسول الله صلّى الله عليه وسلم شعر أمية قال عليه السلام آمن لسانه وكفر قلبه
*
(الموطن الثالث فى وقائع السنة الثالثة من الهجرة
من
سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف وتزوّج عثمان امّ كلثوم وغزوة غطفان وغزوة نجران وسرية زيد بن حارثة الى قردة وتزوّج حفصة وتزوّج زينب بنت خزيمة وذكر ميلاد الحسن وغزوة احد وغزوة حمراء الاسد وسرقة طعمة وعلوق فاطمة بالحسين) *
* سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف
وفى هذه السنة كانت سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف من يهود بنى النضير لاربع عشرة ليلة خلت من ربيع الاوّل على رأس خمسة وعشرين شهرا من الهجرة كذا فى المواهب اللدنية ويفهم من المدارك فى تفسير سورة الحشر أن قتله بعد احد* وفى الوفاء كان اصل كعب بن الاشرف عربيا من طى ثم أحد بنى نبهان وامّه من بنى النضير على ما قاله ابن اسحاق اتى ابوه المدينة فحالف بنى النضير فشرف فيهم وتزوّج بنت ابى الحقيق فولدت له كعبا وكان جسيما شاعرا وهجا المسلمين بعد وقعة بدر وخرج الى مكة وأنشدهم الاشعار وبكى على اصحاب القليب من قريش قال ابن اسحاق ولما اصيب(1/412)
أصحاب بدر وقدم زيد بن حارثة الى اهل السافلة وعبد الله بن رواحة الى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عليه وقتل من قتل من المشركين قال كعب بن الاشرف حين بلغه الخبر أحق هذا أترون أنّ محمدا قتل هؤلاء الذين يسمى هذان الرجلان يعنى زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة فهؤلا أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد قد أصاب هؤلاء القوم لبطن الارض خير لى من ظهرها فلما تيقن عدوّ الله الخبر خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبى وداعة بن صبيرة السهمى وعنده عاتكة بنت أبى العيص بن امية فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وينشد الاشعار ويبكى على أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا ببدر فهجا حسان المطلب بن أبى وداعة وهجا امرأته عاتكة فطردته فرجع الى المدينة وشبب بنساء المسلمين وكان يهجو رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويحرّض عليه كفار قريش وقيل صنع طعاما وواطأ يهود أن يدعو النبىّ صلّى الله عليه وسلم فاذا حضر فتكوا به ثم دعاه فجاءه فأعلمه جبريل فقام منصرفا ثم قال من الكعب بن الاشرف* وفى رواية من لى أولنا بابن الاشرف فانه قد أذى الله ورسوله اى من ينتدب لقتله فقد استعلن بعد اوتنا وهجائنا وقد خرج الى قريش فجمعهم لقتالنا وقد أخبرنى الله بذلك ثم قرأ ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا الى آخر الآية* وفى الاكليل فقد أذانا بشعره وقوّى المشركين كذا فى المواهب اللدنية فانتدب اليه محمد بن مسلمة أخو بنى عبد الاشهل فى نفر وقال أناله يا رسول الله* وفى رواية أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال فافعل ان قدرت على ذلك وقيل أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه والله أعلم* روى أن محمد بن مسلمة بعد ما قال أنا له رجع فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب الا ما تعلق به نفسه فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاه فقال له لم تركت الطعام والشراب قال يا رسول الله قلت لك قولا ما أدرى هل أفى لك به أم لا فقال انما عليك الجهد قال يا رسول الله انه لا بدّلنا من أن نقول فيك قال قولوا ما بدا لكم فأنتم فى حل من ذلك فاجتمع فى قتل كعب محمد بن مسلمة ومكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بنى عبد الاشهل أخا لكعب بن الاشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش أحد بنى عبد الاشهل والحارث بن أوس بن معاذ أحد بنى عبد الاشهل وأبو عبس بن جبر أخو بنى حارثة وهؤلاء الخمسة من الاوس ثم قدّموا ملكان ابن سلامة وكان أخاه من الرضاعة فجاءه فتحدّث معه ساعة وتناشد الشعر وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال ويحك يا ابن الاشرف انى قد جئتك لحاجة أريد أذكرها لك فاكتمها عنى قال افعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الانفس فقال كعب بن الاشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن سلامة ان الامر سيصير الا ما أقول فقال أبو نائلة ان معى أصحابا لى على مثل رأيى وقد أردنا أن تبيعنا طعامك ونرهنك ونوثق لك وتحسن فى ذلك قال اترهنونى نساءكم قال كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب وأشب أهل يثرب وأعطرهم ولا نأمنك وأية امرأة تمننع منك لجمالك قال أترهنونى أبناءكم قالوا أردت أن تفضحنا انا نستحيى أن يسب ابن أحدنا ويعير فيقال هذا رهن وسق شعير وهذا رهن وسقين ولكنا نرهنك من الحلقة يعنى السلاح ما فيه وفاء وقد علمت حاجتنا الى السلاح وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السلاح ادارآه وجاؤا بها قال ان الحلقة لوفاء فواعده أن يأتيه فرجع أبو نائلة الى أصحابه وأخبرهم الخبر وأمرهم أن يأخذوا السلاح ويجتمعوا اليه فاجتمعوا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمشى معهم صلّى الله عليه وسلم الى بقيع الغرقد فى ليلة مقمرة ثم وجههم وقال
انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع الى بيته فأقبلوا حتى انتهوا الى حصنه ليلا فهتف أبو نائلة وكان كعب حديث عهد بعرس فوثب فى ملحفته(1/413)
فأخذت امرأته بناحيتها وقالت انك امرؤ محارب وان أصحاب الحرب لا ينزلون فى مثل هذه الساعة كلمه من فوق الحصن قال انه أبو نائلة رضيعى فانه لو وجدنى نائما ما أيقظنى قالت والله انى لا عرف فى صوته الشرّ فانى أسمع صوتا يقطر منه الدم فقال كعب لو يدعى الفتى لطعنة لاجاب* وفى رواية قال ان الكريم اذ ادعى الى طعنة بليل لاجاب فنزل اليهم متوشحا وينفح منه ريح الطيب قتحدّث معهم ساعة قالوا له هل لك أن نتماشى الى شعب العجوز فتتحدّث فيه بقية ليلتنا هذه قال ان شئتم فخرجوا يتماشون وكان أبو نائلة قال لاصحابه انى فاتل شعره لأشمه فاذا رأيتمونى استمكنت من رأسه فدونكم عدوّ الله فاضربوه ثم انه شام يده فى فود رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليل طيب عروس أعطر قط قال انه طيب أم فلان يعنى امرأته ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها جتى اطمأنّ ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها فأخذ بفود رأسه حتى استمكن منه ثم قال اضربوا عدوّ الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فتذكرت معولا كان فى سيفى حين رأيت أسيافنا لا تغنى شيئا فأخذته وقد صاح عدوّ الله صيحة لم يبق حولنا حصن الا أوقدت عليه نار قال فوضعته فى ثنته* وفى رواية فى سرّته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدوّ الله وقد أصيب الحارث بن أوس بجرح فى رجله أو رأسه أصابه بعض أسيافنا فخرجنا حتى أسندنا فى حرّة العريض وقد أبطأ علينا الحارث بن أوس لجرحه ونزفه الدم فوقفنا له ساعة حتى أتانا يتبع آثارنا فاحتملناه فجئنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلى فسلمنا عليه فخرج الينا فأخبرناه بقتل عدوّ الله كعب وجئنا برأسه اليه وتفل على جرح صاحبنا فبرأ فى الحال ولم يؤذه بعد فرجعنا الى أهلنا فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدوّ الله فليس بها يهودى الا وهو يخاف على نفسه* وفى روضة الاحباب حملوا رأسه الى المدينة فخرج أهل الحصن فى آثارهم وسلكوا طريقا آخر ففاتوهم ولما بلغ محمد بن مسلمة وأصحابه بقيع الغرقد كبروا وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يصلى فسمع صوت تكبيرهم فعلم أنهم قتلوه فلما انتهوا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أفلحت الوجوه قالوا ووجهك يا رسول الله وأتوا برأس عدوّ الله فحمد الله تعالى وأثنى عليه* وفى شرف المصطفى ان الذين قتلوه حملوا رأسه فى مخلاة الى المدينة فقيل انه أوّل رأس حمل فى الاسلام كذا فى المواهب اللدنية* روى أن رهط كعب بن الاشرف جاؤا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة من غير جناية وسبب قال انه كان يهجونا ويؤذى المسلمين ويحرض المشركين علينا فخافوا وسكتوا ورجعوا* قال ابن اسحاق وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة بن مسعود على سبيبة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود أخو محيصة اذ ذاك لم يسلم وكان أسنّ من محيصة فلما قتله جعل حويصة يضربه ويقول أى عدوّ الله قتلته أما والله لرب شحم فى بطنك من ماله قال له محيصة والله لو أمرنى بقتلك من أمرنى بقتله لضربت عنقك قال آلله لو أمرك محمد بقتلى لتقتلنى قال نعم قال له والله ان دينا بلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة كذا فى معالم التنزيل*
تزوّج عثمان بن عفان بأمّ كلثوم
وفى هذه السنة تزوّج عثمان بن عفان أمّ كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم تلد ولدا وقيل ولدت ولم يعش منها ولا من أختها وفى بعض الكتب تزوّجها عثمان فى ربيع الاوّل وأدخلت عليه فى جمادى الآخرة والله أعلم وسيجىء وفاتها فى السنة التاسعة ان شاء الله تعالى*
غزوة غطفان
وفى هذه السنة لثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الاوّل على رأس خمسة وعشرين شهرا من الهجرة وقعت غزوة غطفان وهى غزوة ذى أمر بفتح الهمزة وسماها الحاكم غزوة أنمار وهى بناحية نجد وهى التى صلّى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم على راحلته متطوّعا متوجها قبل المشرق* وفى سيرة ابن هشام لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذى الحجة أو قريبا منها ثم غزا نجدا يريد غطفان وهى غزوة ذى أمر(1/414)
قال ابن اسحاق فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك ثم رجع الى المدينة وسببها انه أخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم بأن جمعا من بنى ثعلبة وبنى محارب وبنى أنمار تجمعوا فى ذى أمر يريدون الاغارة وحاملهم على ذلك رجل اسمه دعثور بن الحارث الغطفانى كذا قاله الذهبى*
هجوم دعثور على الرسول وسقوط سيفه من بده
وفى المواهب اللدنية المحاربى وسماه الخطيب غورث وغيره غورك وكان شجاعا فتهيأ النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج منها فى أربعمائة وخمسين فارسا فلما سمعوا بمهبطه صلى الله عليه وسلم هربوا فى رؤس الجبال فسار عليه السلام الى أن بلغ ذى أمر فأصابوا رجلا منهم من بنى ثعلبة اسمه خيار فأدخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاه الى الاسلام فأسلم وضمه الى بلال ولم يقع فى تلك الغزوة قتال ولكن كانوا يرونهم من بعيد متحصنين بقلل الجبال وأقام النبىّ صلّى الله عليه وسلم بذى أمر ثلاثة أيام وفى اليوم الرابع خرج من بين العسكر لحاجة له وكانت السماء ترش فأصابه مطر ونزع ثوبيه ونشرهما على شجرة للجفاف واضطجع تحتها وهم ينظرون فقالوا لدعثور وهو سيدهم وأشجعهم قد انفرد محمد فعليك به فان استطعت ان تفتك به فافعل فأخذ دعثور سيفه ونزل اليه حتى قام عليه فلم ينتبه صلّى الله عليه وسلم الا وهو قائم والسيف فى يده صلتا فقال من يعصمك منى الآن قال الله فدفعه جبريل فى نحره فسقط السيف من يده فأخذه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقام عليه وقال من يمنعك منى الآن قال لا أحد وقال كن خير آخذ فتركه وعفا عنه فقال أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله والله لا أجمع الناس لحربك أبدا فدفع النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليه سيفه فقال دعثور والله انك لخير منى ورجع الى قومه فقالوا له أين ما كنت تقول وقد مكنك الله منه فقال انى نظرت الى رجل أبيض طويل دفع فى صدرى فوقعت لظهرى فسقط السيف فعرفت انه ملك وأن محمدا رسول الله فأسلم دعثور ودعا قومه الى الاسلام وقيل ان قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذهمّ قوم الآية نزلت فى تلك القصة* وفى رواية الخطابى ان غويرث بن الحارث المحاربى أراد أن يفتك برسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى معالم التنزيل غويرث بن الحارث المحاربى وفيه انه عليه السلام غزا محاربا وبنى أنمار فنزلوا ولا يرون من العدوّ أحدا فوضعوا أسلحتهم وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحاجة له وقد وضع سلاحه حتى قطع الوادى والسماء ترش فحال السيل بيته وبين أصحابه فجلس فى ظل شجرة فبصر به غويرث بن الحارث فقال قتلنى الله ان لم أقتله ثم انحدر من الجبل ومعه السيف ولم يشعر به رسول الله صلّى الله عليه وسلم الا وهو قائم على رأسه منتضيا سيفه فقال يا محمد من يعصمك منى الآن قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الله ثم قال اللهم اكفنى غويرث بن الحارث بما شئت ثم أهوى بالسيف الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليضربه فانكب لوجهه لزلخة زلخها بين كتفيه وندر السيف من يده وفى القاموس الزلخة كفترة وجع الظهر فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذه ثم قال يا غويرث من يمنعك منى الآن قال لا أحد قال اشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأعطيك سيفك قال لا ولكن أشهد أن لا أقاتلك أبدا ولا أعين عليك عدوّا فأعطاه رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيفه فقال غويرث والله لانت خير منى قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أجل أنا أحق بذلك منك فرجع غويرث الى أصحابه فقالوا ويلك ما منعك منه قال لقد أهويت اليه بالسيف لا ضربه فو الله ما أدرى من زلخة بين كتفى فخررت وذكر حاله قال وسكن الوادى فقطع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوادى الى أصحابه فأخبرهم الخبر وقرأ عليهم ما نزل عليه وهو قوله تعالى ولا جناح عليكم ان كان بكم أذى من مطر الآية وكذا فى الشفاء القصة بحالها الا انه قال فيه ونزلت يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذهمّ قوم الآية* وفى صحيح البخارى عن جابر انه غزا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقفل فأدركته القائلة(1/415)
فى واد كثير العضاه فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة وعلق بها سيفه ونمنا نومة فاذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدعونا فاذا عنده اعرابى وقال ان هذا اخترط علىّ سيفى وأنا نائم فاستيقظت وهو فى يده صلتا فقال ما يمنعك منى قلت الله فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه وفى رواية عن أبى هريرة أن الاعرابى سلّ سيفه وقال من يمنعك منى يا محمد قال الله فرعدت يد الاعرابى وسقط السيف من يده ويضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه كذا فى معالم التنزيل* ثم رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة وكانت غيبته فى تلك الغزوة احدى عشرة ليلة ويقال كانت قصة الاعرابى فى ذات الرقاع ولا مانع من تعدّد ذلك وكانّ أبا حاتم رأى اتحادهما فلم يذكر ذات الرقاع وعند بعضهم هى بنخل فلذلك لم يذكرها أيضا والله أعلم*
غزوة بحران
وفى هذه السنة كانت غزوة بحران وتسمى غزوة بنى سليم من ناحية الفرع بفتح الفاء والراء كما قيده السهيلى* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما رجع صلّى الله عليه وسلم من غزوة غطفان الى المدينة لبث بها شهر ربيع الاوّل كله الا قليلا منه ثم غزا يريد قريشا واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قاله ابن هشام حتى بلغ بحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع فأقام به شهر ربيع الآخر وجمادى الاولى ثم رجع الى المدينة وسببها انه بلغه عليه السلام أن بها جمعا كثيرا من بنى سليم فخرج فى ثلثمائة رجل من أصحابه فوجدهم قد تفرقوا فى مياههم فرجع ولم يلق كيدا وكان قد استعمل على المدينة ابن أمّ مكتوم وكانت غيبته عشر ليال
* سرية زيد بن حارثة الى قردة
وفى هذه السنة لهلال جمادى الآخرة كانت سرية زيد بن حارثة الى قردة بالقاف كشجرة ماء بنجد كذا فى خلاصة الوفاء وقيل بالفاء وكسر الراء كما ضبطه ابن الفرات اسم ماء من مياه نجد كذا فى المواهب اللدنية وسببها على ما قاله ابن اسحاق ان قريشا بعد ما وقعت وقعة بدر خافوا سلوك طريقهم التى كانوا يسلكونها الى الشام قبل أعنى طريق الحجاز فعدلوا عنها وسلكوا طريق العراق وكان فى هذه العير أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى وعبد الله بن أبى ربيعة وكانت معهم فضة كثيرة هى معظم تجارتهم فبعث اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فى خمسمائة راكب وهى أوّل سرية أمر فيها زيد فساروا حتى أدركوها بالقردة فهرب رؤساء القوم وأسروا فرات بن حيان وساقوا العير والاموال الى المدينة فبلغ الخمس من تلك الغنيمة عشرين ألفا وفيها قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم خير أمراء السرايا زيد بن حارثة أعدلهم بالرعية وأقسمهم بالسوية وعند ابن سعد بعثه صلى الله عليه وسلم لهلال جمادى الآخرة على رأس ثمانية وعشرين شهرا من الهجرة فى مائة راكب يعترض عيرا لقريش فيها صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى ومعهم مال كثير وآنية فضة فأصابوها فقدموا بالعير على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخمسها فبلغ الخمس قيمة عشرين ألف درهم وعند مغلطاى خمسة وعشرين ألف درهم وذكرها ابن اسحاق قبل قتل ابن الاشرف كذ فى المواهب اللدنية*
سرية زيد بن حارثة الى قردة
وفى شعبان هذه السنة على الاصح وقيل فى السنة التى قبلها كذا فى الوفاء على رأس ثلاثين شهرا من الهجرة قبل أحد كذا فى المنتقى وقيل فى أربعة وعشرين من رمضان هذه السنة على ما فى تاريخ اليافعى تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب وكانت قبله تحت حبيش بن حذافة السهمى وكان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشهد بدرا وتوفى عنها بالمدينة فلما قدم النبىّ صلّى الله عليه وسلم من بدر عرضها عمر على أبى بكر فلم يجبه بشىء ثم عرض بها على عثمان فلم يجبه بشىء فشكى عمر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله عرضت على عثمان حفصة فأعرض عنى قال عليه السلام فان الله قد زوّج عثمان خيرا من ابنتك وزوّج ابنتك خيرا من عثمان فكان كذلك فزوّج عثمان أمّ كلثوم بعد رقية وتزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم حفصة ثم طلقها فأتاها(1/416)
خالاها قدامة وعثمان فبكت وقالت والله ما طلقنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ملل روى انه لما بلغ عمر خبر طلاقها حتى على رأسه التراب وقال ما يعبأ الله بعمرو ابنته بعد هذا فنزل جبريل من الغد وقال للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ان الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودخل عليها فقال ان جبريل أتانى فقال راجع حفصة فانها صوّامة قوّامة وهى زوجتك فى الجنة* وفى رواية انه صلّى الله عليه وسلم هم بطلاقها وما طلقها* وروى عن عمر أنه قال لما تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم قلت لابى بكر ما حملك على ما صنعت قال ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان قد ذكرها فمن أجل ذلك سكت كذا فى المنتقى وكانت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريبا من ثمان سنين قال الواقدى توفيت حفصة فى شعبان سنة خمس وأربعين فى خلافة معاوية وهى ابنة ستين سنة كما سيجىء وفى الصفوة فى خلافة عثمان بالمدينة مروياتها فى الكتب المتداولة ستون حديثا المتفق عليه منها أربعة أحاديث وفرد مسلم ستة أحاديث والخمسون الباقية فى سائر الكتب*
تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة
وفى هذه السنة تزوّج رسول الى صلّى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف ابن هلال وكانت تسمى فى الجاهلية أمّ المساكين للين قلبها وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش قاله ابن شهاب* وقال قتادة وأبو الحسن النسابة الجرجانى عند الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب فطلقها فتزوّجها أخوه عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم بدر شهيدا فتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى رمضان هذه السنة* وفى رواية على رأس أحد وثلاثين شهرا من الهجرة وأصدقها اثنتى عشرة أوقية ونشا فمكثت عنده ثمانية أشهر ذكره الفضائلى وقيل شهرين أو ثلاثا وتوفيت ودفنت بالبقيع
*
(ذكر ميلاد الحسن)
* وسيجىء ميلاد الحسين فى الموطن الرابع فى السنة الرابعة من الهجرة* وفى منتصف رمضان هذه السنة سنة ثلاث من الهجرة ولد الحسن بن علىّ بن أبى طالب كذا فى الصفوة قال أبو عمرو وهذا أصح ما قيل فيه وقيل ولد للنصف من شعبان سنة ثلاث من الهجرة وقيل ولد بعد أحد بسنة وقيل بسنتين وكان بين أحد والهجرة سنتان وستة أشهر ونصف كذا فى أسد الغابة لابن الاثير ويكنى أبا محمد ويلقب بالتقى* وقال الدولابى ولد لاربع سنين وستة أشهر من الهجرة وحكى الاوّل الليث بن سعد*
ذكر ميلاد الحسين
قال الواقدى وحملت فاطمة بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة وولدته لخمس خلون من شعبان سنة أربع* وقال الزبير بن بكار فى مولده مثل ذلك وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال لم يكن بين الحسن والحسين الاطهر واحد* وقال قتادة ولد الحسين بعد الحسن بسنة وعشرة أشهر لخمس سنين وستة أشهر من الهجرة* وقال ابن الدراع فى مواليد أهل البيت لم يكن بينهما الا مدّة حمل البطن وكان مدّة حمل البطن ستة أشهر وقال لم يولد مولود قط لستة أشهر فعاش الا الحسين وعيسى ابن مريم* وفى رواية الا الحسين ويحيى بن زكرياء* روى عن علىّ بن الحسين قال لما حان وقت ولادة فاطمة بعث اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس وأمّ أيمن حتى قرأتا عليها آية الكرسى والمعوّذتين وعن أسماء بنت عميس قالت قبلت فاطمة بالحسن فلم أر لها دما فقلت يا رسول الله انى لم أر لفاطمة دما فى حيض ولا نفاس فقال عليه السلام أما علمت أن ابنتى طاهرة مطهرة لا يرى لها دم فى طمس ولا ولادة خرحه الامام علىّ بن موسى الرضا ذكره فى ذخائر العقبى*
(ذكر عقه صلّى الله عليه وسلم عنهما وأمره بحلق رؤسهما)
* عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا خرجه أبو داود وخرجه النسائى وقال كبشين كبشين* وعن علىّ عق رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الحسن وقال يا فاطمة احلقى رأسه وتصدّقى بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم خرجه الترمذى وقد روى عن(1/417)
فاطمة انها عقت عنهما واعطت القابلة فخذ شاة ودينارا واحدا أخرجه الامام علىّ بن موسى الرضا عن أسماء بنت عميس قالت عق النبىّ صلّى الله عليه وسلم عن الحسن يوم سابعه بكبشين أملحين وأعطى القابلة الفخذ وحلق رأسه وتصدّق بزنة الشعر ثم طلى رأسه بيده المباركة بالخلوف ثم قال يا أسماء الدم من فعل الجاهلية فلما كان بعد حول ولد الحسين فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم ففعل مثل الاوّل قالت وجعلته فى حجره فبكى عليه السلام قلت فداك أبى وأمى مم بكاؤك فقال ابنى هذا يا اسماء انه ستقتله الفئة الباغية من امّتى لا أنا لهم الله شفاعتى يا أسماء لا تخبرى فاطمة فانها قريبة عهد بولادة خرجه الامام علىّ بن موسى الرضا*
(ذكر ختانهما لسابعهما)
* عن جابر ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام*
(ذكر تسميتهما يوم سابعهما)
* عن علىّ رضى الله عنه قال لما ولد الحسن سميته حربا فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال أرونى ابنى ما سميتموه قلنا حربا قال بل هو حسن فلما ولد الحسين سميته حربا فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال أرونى ابنى ما سميتموه قلنا سميناه حربا قال بل هو حسين فلما ولد الثالث سميته حربا فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال أرونى ابنى ما سميتموه قلنا سميناه حربا فقال بل هو محسن ثم قال انما سميتهم بولد هارون شبر وشبير ومشبر خرجه أحمد وأبو حاتم* وفى القاموس شبر كبقم وشبير كقمير ومشبر كمحدّث أبناء هارون عليه السلام* وعن عمران بن سليمان قال الحسن والحسين اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا فى الجاهلية خرجه الدولابى* وفى أسد الغابة لابن الاثير قال أبو أحمد العسكرى سمى النبىّ صلّى الله عليه وسلم الحسن وكناه أبا محمد فلم يكن يعرف هذا الاسم فى الجاهلية* وروى عن ابن الاعرابى عن المفضل قال ان الله تعالى حجب اسم الحسن والحسين حتى سمى بهما النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابنيه الحسن والحسين قال فاللذين باليمن هما حسن ساكن السين وحسين بفتح الحاء وكسر السين ولا يعرف قبلهما الا اسم رملة فى بلاد ضبة وعندها قتل بسطام بن قيس الشيبانى* وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم اشتق اسم حسن وحسين من حسن وسمى حسنا وحسينا يوم سابعهما خرّجه الدولابى وخرج البغوى نحوه*
(ذكر تسميتهما الحسن والحسين كان بأمر الله وتأذينه صلّى الله عليه وسلم فى اذنهما)
* عن علىّ قال لما ولد الحسن سماه حمزة فلما ولد الحسين سماه باسم عمه جعفر قال فدعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انى أمرت أن أغير اسم هذين فقلت الله ورسوله أعلم فسماهما حسنا وحسينا* وعن اسماء بنت عميس قالت قبلت فاطمة بالحسن فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال يا اسماء هلمى ابنى فدفعته اليه فى خرقة صفراء فألقاها عنه قائلا ألم اعهد اليكنّ أن لا تلفوا مولودا فى خرقة صفراء فلفيته بخرقة بيضاء فأخذه وأذن فى أذنه اليمنى واقام فى اليسرى ثم قال لعلىّ أى شىء سميت ابنى قال ما كنت لا سبقك بذلك فقال ولا أنا سابق ربى به فهبط جبريل فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول لك علىّ منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبىّ بعدك فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون فقال وما كان اسم ابن هارون يا جبريل قال شبر فقال صلّى الله عليه وسلم ان لسانى عربى فقال سمه الحسن ففعل صلّى الله عليه وسلم فلما كان بعد حول ولد الحسين فجاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم وذكرت مثل الاوّل وساقت قصة التسمية مثل الاوّل وان جبريل أمره ان يسميه باسم ولد هارون شبير فقال له النبىّ مثل الاوّل فقال سمه حسينا خرجه الامام علىّ بن موسى الرضا* وعن ابى رافع قال رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم أذن فى أذن الحسن حين ولدته فاطمة بالصلاة خرجه ابو داود والترمذى وصححه*
(ذكر ارضاع أم الفضل امرأة عباس بن عبد المطلب الحسن بلبن ابنها قثم)
* عن قابوس بن المخارق ان امّ الفضل قالت يا رسول الله رأيت كانّ عضوا من أعضائك فى بيتى فقال خيرا رأيتيه تلد فاطمة غلاما(1/418)
فترضعيه بلبن قثم فولدت الحسن فأرضعته بلبن قثم خرجه الدولابى والبغوى فى معجمه قالت فجئت به الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فوضعته فى حجره فبال فضربت كتفه فقال عليه السلام أوجعت ابنى رحمك الله* وفى الصفوة عن علىّ قال الحسن أشبه الناس بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم ما بين الصدر الى الرأس والحسين أشبه الناس بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك* وفى ذخائر العقبى مثل ذلك عن أبى هريرة قال لا ازال أحب هذا الرجل يعنى الحسن بن علىّ بعد ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصنع به ما يصنع قال رأيت الحسن فى حجر النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يدخل أصابعه فى لحية النبىّ صلّى الله عليه وسلم والنبىّ صلّى الله عليه وسلم يدخل لسانه فى فيه ثم يقول اللهم انى أحبه كذا فى ذخائر العقبى
*
(ذكر صفته)
* فى ذخائر العقبى كان أبيض مشربا حمرة ادعج العينين سهل الخدّين كث اللحية ذا وفرة كانّ عنقه ابريق فضة عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير من أحس الناس وجها وكان يخضب بالسواد وكان جعد الشعر حسن البدن ذكره الدولابى وغيره* وعن زادان بن منصور قال رأيت الحسن بن على يخضب بالحناء والكتم وعن عبد الرحمن بن روح عن أنس قال كان الحسن والحسين يخضبان بالسواد الا أن الحسن ترك عنفقته بيضاء خرجه ابن الضحاك وخرجه أيضا عن أبى بكر بن أبى شيبة ان الحسن كان يخضب بالحناء والكتم وخرج عن أنس ان الحسين كان يخضب بالوشمة* فى الصفوة عن محمد بن علىّ قال الحسن انى لاستحيى من ربى عز وجل أن ألقاه ولم امش الى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه* وعن علىّ بن زيد قال حج الحسن خمس عشرة حجة ماشيا وان النجائب لتقاد معه وخرج من ماله مرّتين وعاش بعد أبيه ثمان سنين واربعة أشهر وخمسة عشر يوما وستجىء خلافته ووفاته وبعض احواله وذكر اولاده فى الخاتمة*
غزوة أحد
وفى هذه السنة وقعت غزوة أحد وهو جبل مشهور بالمدينة على اقل من فرسخ منها وسمى بذلك لتوحده واتقطاعه عن جبال أخر هناك ويقال له ذوعينين قال فى القاموس بكسر العين وفتحها مثنى جبل بأحد انتهى وهو الذى قال فيه صلّى الله عليه وسلم أحد جبل يحبنا ونحبه قيل وفيه قبر هارون أخى موسى عليهما السلام وكانت عنده الوقعة المشهورة يوم السبت فى شوّال سنة ثلاث بالاتفاق كذا فى المواهب اللدنية وشذ من قال سنة اربع وقال ابن اسحاق لاحدى عشرة ليلة خلت منه وقيل لسبع ليال وقيل لثمان وقيل لتسع وقيل فى نصفه وعن مالك بعد بدر بسنة وعنه ايضا كانت على رأس احدى وثلاثين شهرا من الهجرة كذا فى الوفاء وكان سببها كما ذكره ابن اسحاق عن شيوخه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب وابو الاسود عن عروة وابن سعد لما قتل الله من قتل من كفار قريش يوم بدر ورجع الى مكة من بقى ممن حضر بدرا من فلهم وجدوا العير التى قدم بها أبو سفيان من الشأم سالمة موقوفة فى دار الندوة فمشت اشراف قريش مثل عبد الله بن ربيعة وصفوان بن امية وعكرمة بن ابى جهل فى جماعة ممن اصيب آباؤهم واخوانهم وأبناؤهم يوم بدر الى أبى سفيان فقالوا نحن طيبو الانفس بأن نجهز بربح هذه العير جيشا الى محمد وهو قد وترنا وقتل خيارنا فنتعاون بهذا المال على حرب محمد لعلنا ان ندرك منه ثارا فقال أبو سفيان أنا اوّل من اجاب الى ذلك وبنو عبد المطلب معى* وفى الوفاء فكلموا ابا سفيان ومن كان له فى العير مال فى الاستعانة بها على حرب النبىّ صلّى الله عليه وسلم ففعلوا وكانت الف بعير والمال خمسين الف دينار فلم الى اهل العير رؤس اموالهم وعزلت الارباح وكانوا يربحون فى تجارتهم الدينار دينارا وجهزوا الجيش بذلك وفيهم نزلت ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدّوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون فبعثوا الرسل الى القبائل يستنصرونهم وحركوا من أطاعهم من قبائل بنى كنانة وأهل تهامة فخرجت قريش بحدها وجدها وأحابيشها ومن تابعها من بنى كنانة وأهل تهامة وخرجوا معهم(1/419)
بالظعن لئلا يفرّوا وليذكرنهم قتلى بدر ويغنين ويضر بن بالدفوف ليكون أجد لهم فى القتال فخرج أبو سفيان وكان قائدهم بهند بنت عتبة وخرج عكرمة بن أبى جهل بأمّ حكيم بنت الحارث وخرج الحارث ابن هشام بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة وخرج صفوان بن امية ببرزة بنت مسعود الثقفية ويقال رقية وخرج عمرو بن العاص بريطة ببنت منبه بن الحجاج وهى امّ عبد الله بن عمرو وخرج طلحة بن ابى طلحة واسم ابى طلحة عبد الله بن عبد العزى بسلافة بنت سعد بن شهيد الانصارية وهى أم بنى طلحة مسافع والحارث والجلاس وكلاب قتلوا يومئذهم وابوهم طلحة وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب احدى نساء بنى الحارث وكذلك سائر اشرافهم خرجوا بنسائهم وكان جبير بن مطعم أمر غلامه وحشيا الحبشى بالخروج مع الناس وقال له ان قتلت حمزة عم محمد بعمى طعيمة بن عدى فأنت عتيق وكانت هند بنت عتبة كلما مرّت بوحشى فى المسير أو مرّ بها قالت ويهايا أباد سمة اشف واشتف وكان وحشى يكنى بأبى دسمة فكتب العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ بمكة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره بمسير قريش الى حربه وبكيفية أحوالهم وكمية اعدادهم وختم الكتاب واستأجر رجلا من بنى غفار وبعثه الى المدينة وشرط ان يأتيها فى ثلاثة ايام ولياليها فقدم الغفارى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان بقباء فذهب اليه فلقيه بباب المسجد حين يريد أن يركب فأعطاه الكتاب ففتح عليه السلام ختمه وأعطاه ابىّ بن كعب فقرأه عليه فاذا فيه مسير قريش الى حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأوصاه بكتمانه وذهب الى منزل سعد بن الربيع فأخبره الخبر فقال سعد خيرا فانصرف النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى المدينة واستكتمه الخبر فدخلت امرأة سعد وقالت انى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا فاسترجع سعد وأخذ المرأة ثم خرج بها يسرع حتى أدركا النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الطريق وقد علاها النفس فقال يا رسول الله هذه تقول سمعت ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخاف أن يفشو فتحسب انى أفشيت قال أرسلها فوقعت الاراجيف فى المدينة فقالت اليهود والمنافقون ان هذا الرجل الذى جاء من مكة ما جاء بخبر يسرّ محمدا ففشا الخبر بأن المشركين قد خرجوا من مكة بقصد المدينة ولحق بهم ابو عامر الراهب مع خمسين رجلا من قومه وفى جيشهم ثلاثة آلاف رجل منها سبعمائة دارع ومائتا فرس وألف بعير وخمسة عشر هودجا وخرج فيها جميع اشراف قريش مثل أبى سفيان والاسود بن المطلب وجبير بن مطعم وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل والحارث بن هشام وعبد الله بن ربيعة وحويطب بن عبد العزى وخالد ابن الوليد وأبو عزة الشاعر واسمه عمرو بن عبد الله الجمحى وامثالهم واستقرّ قيادة الجيش ورياستها على أبى سفيان بن حرب وكان ابو عزة الشاعر قد أسر يوم بدر فمنّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأطلقه لفقره وعياله وأخذ عليه العهد أنه لا يكثر على المسلمين ولا يعود انى حربهم وقد مرّ فى غزوة بدر فلما خرج المشركون الى أحد تخلف عنهم بمكة وأقام بها فمشى اليه صفوان ابن أمية وقال له يا ابا عزة انك شاعر فأعنا بلسانك فاخرج معنا فقال ان محمدا قد منّ علىّ فلا أريد أن أمية وقال له يا ابا عزة انك شاعر فأعنا بنفسك فلك علىّ ان رجعت أن أغنيك وان أصبت أن أجعل بناتك مع بناتى يصيبهنّ ما أصابهنّ من عسر ويسر فخرج ابو عزة يسير فى تهامة يدعو الناس الى الحرب* وفى الوفاء أقبل المشركون حتى نزلوا بعينين جبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادى مقابل المدينة قاله ابن اسحاق* ووادى قناة خلف عينين بينه وبين أحد فنزلوا أمام عينين مما يلى المدينة وفى غربيه لجهة بئر رومة* وقال المطرى ان أبا سفيان سار بجمعه حتى طلعوا من بين الجماوين ثم نزلوا ببطن الوادى الذى قبل أحد فنزلوا برومة من وادى العقيق وكان(1/420)
نزولهم يوم الجمعة وقال ابن اسحاق يوم الاربعاء* وفى روضة الاحباب فبعث اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين انسا ومؤنسا ابنى فضالة فرجعا اليه وأخبراه بافساد المشركين وسرحهم الظهر فى زروع عريض* وفى معجم ما استعجم وسرّحوا الظهر فى زروع كانت للمسلمين* وفى خلاصة الوفاء عريض تصغير عرض واد عريض شرقى الحرة الشرقية قرب قناة* وفى معجم ما استعجم عريض موضع من أرجاء المدينة فيه أصول نخل* وفى القاموس عريض كزبير واد بالمدينة به أموال لاهلها ثم بعث اليهم حباب بن المنذر عينا فدخل فى جيشهم وحزرهم ثم رجع وأخبر بكميتهم وكيفيتهم موافقا لما كتبه العباس فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حسبنا الله ونعم الوكيل بك أصول وبك أحول* وفى الكشاف ومعالم التنزيل عن ابن اسحاق والسدى ان المشركين نزلوا بأحد يوم الاربعاء الثانى عشر من شوّال سنة ثلاث من الهجرة وأقاموا بها الاربعاء والخميس والجمعة وبات ليلة الجمعة التى فى سبتها وقعت الحرب سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير مع جماعة من شجعان الصحابة مسلحين فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبابه يحرسون وحرست المدينة تلك الليلة ورأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى تلك الليلة ليلة الجمعة رؤيا فلما أصبح قال انى والله قد رأيت خيرا رأيت بقرا تذبح ورأيت فى ذباب سيفى ثلما ورأيت انى أدخلت يدى فى درع حصينة فأوّلتها المدينة فأما البقر فناس من أصحابى يقتلون واما الثلم الذى رأيت فى ذباب سيفى فهو رجل من أهل بيتى يقتل* وقال ابن عقبة وتقول رجال كان الذى فى سيفه ما قد أصاب وجهه فان العدوّ أصابوا وجهه الشريف يومئذ وكسروا رباعيته وجرحوا شفته كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء قال رأيت البارحة فى منامى بقرا تذبح ورأيت سيفى ذا الفقار انقصم من عند ضبته أو قال به فلول فكرهته وهما والله مصيبتان ورأيت انى فى درع حصينة وانى مردف كبشا قالوا وما أوّلتها قال اوّلت البقر بقرا يكون فينا واوّلت الكبش كبش الكتيبة واوّلت الدرع الحصينة المدينة فامكثوا فان دخل القوم الازقة قاتلناهم ورموا من فوق البيوت فان رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم وكان رأيه ان لا يخرج من المدينة فاستشار فى ذلك أصحابه وكان ذلك رأى اكابر الصحابة من المهاجرين والانصار ودعا عبد الله بن ابىّ ابن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال عبيد الله بن أبىّ واكثر الصحابة يا رسول الله أقم بالمدينة لا تخرج اليهم فو الله ما خرجنا منها الى عدوّ قط الا أصاب منا ولا دخل علينا الا واصبنا منه كيف وأنت فينا فدعهم يا رسول الله فان اقاموا أقاموا بشرّ محبس وان دخلوا قاتلهم الرجال فى وجوههم ورماهم النّساء والصبيان بالحجارة من فوقهم وان رجعوا رجعوا خائبين فأعجب رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيه لكن طلب فتيان أحداث السنّ فاتهم يوم بدر واكرمهم الله بالشهادة يوم أحد أن يخرجوا حرصا على الشهادة فقالوا يا نبىّ الله كنا نتمنى هذا اليوم اخرج بنا الى اعدائنا لا يرون انا جبنا عنهم وأبى كثير من الناس الا الخروج فغلبوا على الامر حتى مال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الخروج وهوله كاره* روى انه صلّى الله عليه وسلم صلّى الجمعة وخطب الناس ووعظهم وأمرهم بالجدّ والجهاد واعداد الجيش والتأهب للقتال وقد مات فى ذلك اليوم رجل من الانصار يقال له مالك بن عمرو أحد بنى النجار فصلى عليه ثم صلّى العصر ودخل البيت ومعه أبو بكر وعمر فعمماه ولبساه وصف له الناس ينتظرون خروجه فخرج مسلحا قد لبس لأمته وهى بالهمز وقد يترك تخفيفا الدرع وشدّ وسطه بمنطقة من الاديم واعتم وتقلد سيفه وألقى الترس وراء ظهره وأخذ قناته بيده ثم أذن بالخروج فلما رأوه ندم ذو الرأى منهم على ما صنعوا وقالوا بئس ما صنعنا نشير على رسول الله صلّى الله عليه وسلم والوحى يأتيه فقاموا واعتذروا(1/421)
اليه فقالوا يا رسول الله ما كان لنا ان نخالفك فاصنع ما بدا لك* وفى الوفاء امكث كما امرتنا فقال ما ينبغى لنبى اذا اخذ لأمة الحرب ان يرجع حتى يقاتل* وفى رواية أن يلبس لأمته فيضعها حتى يقاتل أو قال يحكم الله بينه وبين اعدائه فامضوا على اسم الله فلكم النصران صبرتم فدعا بثلاثة ارماح فعقد ثلاثة ألوية فدفع لواء الاوس الى أسيد بن حضير ولواء الخزرج الى حباب بن المنذر بن الجموح وقيل الى سعد بن عبادة ولواء المهاجرين الى علىّ بن ابى طالب وفى رواية الى مصعب بن عمير واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم للصلاة كذا فى سيرة ابن هشام وقيل ابن أبى مكرز ثم ركب فرسه السكب وتوجه الى أحد* وفى الوفاء فخرج بهم وهم الف رجل ويقال تسعمائة ليس معهم فرس* وفى الوفاء أيضا عن الاقشهرى مع النبى صلّى الله عليه وسلم فرسه وفرس لابى بردة بن نيار وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فرس وثلاثة آلاف بعير وخمس عشرة امرأة كما مر* وقال المطرى خرج النبى صلّى الله عليه وسلم مع الناس على الحرة الشرقية حرة واقم وبات بالشيخين موضع بين المدينة وأحد على الطريق الشرقى مع الحرة الى جبل أحد وغد اصبح يوم السبت الى أحد* وفى خلاصة الوفاء شيخان بلفظ تثنية شيخ أطمان بجهة الوالج سميا بشيخ وشيخة كانا هناك بفضائها مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلّى به فى مسيره لاحد وعسكر هناك تلك الليلة* ويؤخذ مما نقل ابن سيد الناس عن ابن اسحاق ومما رواه الطبرى أنهم خرجوا من ثنية الوداع شامى المدينة* وفى الوفاء روى الطبرانى فى الكبير والاوسط برجال ثقات عن ابى حميد الساعدى ان النبى صلّى الله عليه وسلم خرج يوم احد حتى اذا جاوز ثنية الوداع فاذا هو بكتيبة خشناء فقال من هؤلاء قالوا عبد الله بن أبىّ ابن سلول فى ستمائة من مواليه اليهود فقال وقد أسلموا قالوا لا يا رسول الله قال مروهم فليرجعوا فانا لا نستعين بالمشركين على المشركين* وفى الكشاف ومعالم التنزيل خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الف وقيل فى تسعمائة وخمسين وفيهم مائة دارع وخرج السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة مسلحين أمامه يعدوان والناس عن يمينه وعن يساره فمضى حتى اذا كان بالشيخين وهما أطمان التفت فنظر الى كتيبة خشنة لها زجل فقال ما هذه قالوا حلفاء ابن ابىّ من يهود فقال عليه السلام لا تستنصروا بأهل الشرك وفى ذلك الموضع أى بالشيخين عرض عسكره وردّ من استصغره مثل عبد الله بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت واسامة بن زيد وزيد بن الارقم والبراء بن عازب وعمرو بن حزم واسيد بن ظهير وعرابة بن أوس وابى سعيد الخدرى اسمه سعد بن مالك بن سنان الخدرى وسمرة بن جندب ورافع بن خديج ردّهم يوم أحدوهم أبناء اربع عشرة سنة ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة ولما امر بردّ هؤلاء الى المدينة لصغر سنهم قال خديج يا رسول الله ان ابنى رافعا رام وكان رافع يومئذ يتطاول من الشغف على الخروج فأذن له فيه فقال سمرة بن جندب لزوج أمه مرّة بن سنان أذن لرافع وردّنى وانا أصرعه فأمرهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمصارعة فصرع سمرة رافعا فأذن له أيضا فى الخروج ولما غربت الشمس أذن بلال المغرب فصلوها بالجماعة وباتوا ليلتئذ بالشيخين وعين لحراسة الجيش تلك الليلة محمد بن مسلمة فى خمسين رجلا يطوفون بالجيش وعين المشركون لحراسة جيشهم عكرمة بن ابى جهل فى جماعة يحرسونهم* روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ما صلّى العشاء قال من يحرسنا الليلة فقام رجل وقال أنا يا رسول الله قال من أنت قال ذكوان قال اجلس فجلس ثم قال من يحرسنا الليلة فقام رجل وقال أنا يا رسول الله قال من أنت قال أبو سبع قال اجلس فجلس ثم قال من يحرسنا الليلة فقام الرجل وقال أنا يا رسول الله فقال له من أنت قال ابن عبد القيس قال اجلس فجلس فمكث غير بعيد حتى أمر بقيام هؤلاء الثلاثة فقام ذكوان وحده(1/422)
فسأله عن صاحبيه فقال يا رسول الله أنا كنت المجيب فى كل مرة قال اذهب حفظك الله فلبس ذكوان لأمته واخذ قوسه وحمل سلاحه وترسه فكان يطوف بالعسكر ويحرس خيمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولما كان السحر استيقظ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال من رجل يخرج بنا على القوم من كثب أى من قرب ومن طريق لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أخو بنى حارثة أنا يا رسول الله فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه فأدلج فى السحر وسلك فى حرة بنى حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلب سيف فاستله ويقال كلاب سيف فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان يحب الفال ولا يعتاف يا صاحب السيف شم سيفك فانى أرى السيوف ستسل اليوم ثم نفذ به دليله أبو خيثمة فى حرة بنى حارثة وبين اموالهم حتى سلك فى مال لمربع بن قبطى وكان منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن معه قام يحثى فى وجوهم التراب ويقول ان كنت رسول الله فانى لا أحل لك حائطى* وذكر انه أخذ حفنة من تراب ثم قال والله لو أعلم انى لا اصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدر اليه القوم ليقتلوه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الاعمى أعمى القلب واعمى البصر ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الكشاف ولما بلغ الشوط اختزل ابن أبىّ فى ثلثمائة من أهل النفاق* وفى رواية أمرهم بالانصراف لكفرهم بمكان يقال له الشوط* وفى رواية اعتزل ابن أبى من الشيخين ورجع فقال محمد عصانى وأطاع الولدان ما ندرى علام نقتل أنفسناها هنا أيها الناس ارجعوا فرجع بمن تبعه من قومه من أهل النفاق والريب* وفى معالم التنزيل اعتزل بثلث الناس وقال علام نقتل أنفسنا واولادنا* وفى سيرة ابن هشام وتبعهم عمرو بن حزم الانصارى أحد بنى سلمة وقال أنشدكم الله فى نبيكم وأنفسكم فقال ابن أبىّ لو نعلم قتالا لا تبعناكم ولو أطعتنا لرجعت معنا* وفى سيرة ابن هشام يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عند ما حضر من عدوّهم قالوا لو نعلم انكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال فلما استعصوا عليه وأبوا الا الانصراف قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى الله عنكم نبيه فبقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى سبعمائة من أصحابه* وفى الوفاء فلما رجع عبد الله بن أبىّ سقط فى أيدى طائفتين من المؤمنين وهما بنو حارثة وبنو سلمة قال الله تعالى اذهمت طائفتان منكم أن تفشلا الآية* وفى الكشاف وأصبح بشعب أحد يوم السبت ونزل فى عدوة الوادى وفى معالم التنزيل للنصف من شوّال سنة ثلاث من الهجرة* وفى الوفاء لما انتهى صلّى الله عليه وسلم الى موضع القنطرة حانت الصلاة فصلى بهم الصبح صفوفا عليهم سلاحهم* قال مجاهد والكلبى والواقدى غدا رسول الله من منزل عائشة على رجليه الى أحد فجعل يصف أصحابه للقتال كما يقوّم القدح* وفى الاكتفاء مضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد فجعل ظهره وعسكره الى أحد وقال لا يقاتلن أحد حتى نأمر بالقتال وقد سرحت قريش الظهر والكراع فى زروع كانت للمسلمين فقال رجل من الانصار أترعى زروع بنى قيلة ولما نضارب* وتعبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم للقتال وهو فى سبعمائة رجل فجعل عكاشة بن محصن الاسدى على الميمنة وأبا سلمة بن عبد الاسد على الميسرة وأبا عبيدة عامر بن الجرّاح وسعد بن أبى وقاص على المقدّمة ومقداد بن عمرو على الساقة فجعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل عينين وهو جبل على شفير قناة قبلى مشهد حمزة عن يساره وكانت فيه ثغرة فأقام عليها خمسين رجلا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير أخا بنى عمرو بن عوف وهو معلم بثياب بيض فقال انضح الخيل عنا لا يأتونا من خلفنا ان كانت لنا أو علينا فاثبت فى مكانك لا نؤتين من قبلك* وفى رواية قال لهم ان رأيتمونا تختطفنا الطير فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل اليكم
وان رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل اليكم كذا فى البخارى(1/423)
من حديث البراء* وفى حديث ابن عباس عند الطبرانى والحاكم انه صلّى الله عليه وسلم أقامهم فى موضع ثم قال احموا ظهورنا فان رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وان رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وظاهر رسول الله بين درعين ودفع اللواء الى مصعب بن عمير من بنى عبد الدار وكان شعار رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد أمت أمت فيما قاله ابن هشام وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبى جهل وأمروا على الخيل صفوان بن أمية وعمرو بن العاص وعلى الرماة عبد الله بن ربيعة وكانوا مائة رام ودفعوا اللواء الى طلحة ابن أبى طلحة وكان معه يوم بدر وجعلوا شعارهم يالعزى يالهبل ونقل الاقشهرى أن ابا سفيان بن حرب قال يومئذ لبنى عبد الدار انكم ضيعتم اللواء يوم بدر فأصابنا ما رأيتم فادفعوا اللواء الينا نكفكم وانما أراد تحريضهم على القتال والثبات فغضبوا وأغلظوا له* وفى الاكتفاء قال لهم يا بنى عبد الدار انكم قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وانما يؤتى الناس من قبل راياتهم اذا زالت زالوا فاما أن تكفونا لواءنا واما أن تخلوا بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوا وقالوا أنحن نسلم اليك لواءنا ستعلم غدا اذا التقينا كيف نصنع وذلك ما أراد أبو سفيان* وفى المواهب اللدنية ثم صف المسلمون بأصل احد وصف المشركون بالسبخة قاله ابن عقبة فسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمن يحمل لواء المشركين قيل عبد الدار قال نحن احق بالوفاء منهم أين مصعب بن عمير فقال ها أنا قال خذ اللواء فأخذه وكان يمشى أمام رسول الله* وفى معالم التنزيل فجاءت قريش وعلى ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبى جهل ومعهم النساء يضر بن بالدفوف والاكبار ويحرّضن ويرتجزن ويقلن
نحن بنات طارق ... نمشى على النمارق
مشى القطا النوانق ... الدرّ فى المخانق
والمسك فى المفارق ... ان تقبلوا نعانق
ونفرش النمارق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة فى النسوة اللاتى معها وأخذن الدفؤف يضر بن بها خلف الرجال ويحرّضنهم فقالت هند فيما تقول
ويها بنى عبد الدار ... ويها حماة الادبار
ضربا بكل بتار
وتقول
ان تقبلوا نعانق ... ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق
وفى المنتقى وكان اوّل من أنشب الحرب ورمى بالسهم فى وجوه المسلمين ابو عامر الراهب طلع فى خمسين رجلا من قومه فنادى أنا أبو عامر فقال المسلمون لامر حبابك ولا أهلا يا فاسق فتراموا حتى ولى مدبرا* وفى الوفاء كان أبو عامر الراهب من الاوس خرج عن قومه الى مكة مباعدا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان يعد قريشا أن لو لقى قومه لم يختلف عليه منهم رجلان فلما التقى الناس كان اوّل من لقيهم هو فى الاحابيش وعبدان أهل مكة فنادى يا معشر الاوس أنا ابو عامر قالوا فلا انعم الله بك عينا يا فاسق وبذلك سماه رسول الله وكان يسمى فى الجاهلية الراهب فلما سمع ردّهم عليه قال لقد أصاب قومى بعدى شرّ ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم بالحجارة* وفى الاكتفاء فاقتتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بنى ساعدة حتى أمعن فى الناس وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخذ سيفا بيده وكان مكتوبا فى احدى صفحتيه
فى الجبن عار وفى الاقبال مكرمة ... والمرء بالجبن لا ينجو من القدر
وقال من يأخذ هذا السيف بحقه فطلبه ناس فلم يعطهم اياه* وفى الينابيع طلبه أبو بكر وعمر وعلى فلم يعطهم اياه فقال أبو دجانة ما حقه يا رسول الله قال أن تضرب به فى العدوّ حتى ينحنى فقال أنا آخذه(1/424)
بحقه فأخذه ثم أهوى الى ساق حفه فأخرج منها عصابة حمراء وعصب بها رأسه وكان مكتوبا فى أحد طرفيها نصر من الله وفتح قريب وفى طرفها الآخر الجبانة فى الحرب عار ومن فرّ لم ينج من النار وفى الاكتفاء قام اليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام اليه أبو دجانة سماك بن خرشة الانصارى وقال ما حقه يا رسول الله قال ان تضرب به فى العدوّ حتى تثخن* وفى رواية ينحنى قال يا رسول الله أنا آخذه بحقه فأعطاه اياه وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب وكان اذا علم بعصابة له حمراء فاعتصب بها علم الناس انه سيقاتل فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخرج عصابته تلك فعصب بها رأسه وجعل يتبختر بين الصفين فقال رسول الله حين رآه يتبختر انها المشية يبغضها الله الا فى مثل هذا الموطن وكان الزبير بن العوام قد سأل رسول الله ذلك السيف مع من سأله ومنعه اياه قال وجدت فى نفسى حين سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه ابا دجانة وقلت أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت اليه وسألته اياه قبله فأعطاه اياه وتركنى والله لا نظرن ما يصنع أبو دجانة فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه فقالت الانصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت وهكذا كانت تقول له اذا تعصب بها فخرج وهو يقول
أنا الذى عاهدنى خليلى ... ونحن بالسفح لدى النخيل
أن لا اقوم الدهر فى الكبول ... اضرب بسيف الله والرسول
الكيول بفتح الكاف وتشديد المثناة التحتية مؤخر الصفوف وهو فيعول من كال الزند كيلا اذا كبا ولم يخرج نارا فشبه مؤخر الصفوف به لان من فيه لا يقاتل قال أبو عبيدة لم يسمع الا فى هذا الحديث فجعل لا يلقى أحدا من المشركين الا قتله* وفى سح السحابة وقاتل به حتى انقطع فى يده انتهى وكان فى المشركين رجل لا يدع جريجا الا ذفف عليه فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه فدعوت الله أن يجمع بينهما فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتفاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رأيته قد حمل على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها قال الزبير قلت الله أعلم ورسوله قال أبو دجانة رأيت انسانا يحمش الناس حمشا شديدا فصمدت اليه فلما حملت عليه السيف ولول فاذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان اضرب به امرأة* وفى الوفاء عن الزبير بن العوّام أنه قال خرج أبو دجانة بعد ما أخذ السيف فاتبعته فجعل لا يمرّ بشىء الا أفراه وهتكه حتى أتى لنسوة فى سفح الجبل ومعهنّ هند وهى تقول نحن بنات طارق الى آخر ما ذكرنا تغنى وتحرّض المشركين بذلك فحمل عليها فنادت بالصحرات فلم يجبها أحد فانصرف عنها قال الزبير فقلت له كلّ سيفك رأيته فأعجبنى غير انك لم تقتل المرأة قال فانها نادت فلم يجبها أحد فكرهت أن أضرب بسيف رسول الله صلّى الله عليه وسلم امرأة لا ناصر لها قال وغلب رماة المسلمين على المشركين ورشقوا خيلهم بالنبل حتى ولوا هاربين من خيلهم فصاح طلحة بن أبى طلحة وهو صاحب لواء قريش فقال من يبارزنى فبرز له على بن أبى طالب فلما التقيا بين الصفين ضربه علىّ بالسيف على هامته ففلقها الى المخ* وفى رواية قتله مصعب بن عمير وهو كبش الكتيبة فسر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكبر المسلمون ثم شدّوا على المشركين فحمل لواءهم أخو طلحة عثمان بن أبى طلحة فضربه حمزة بالسيف على عاتقه فقطع يده وكتفه حتى انتهى الى مؤتزره فرجع حمزة وهو يقول أنا ابن ساقى الحجيج* وفى سيرة ابن هشام وقاتل حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطاه بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ثم مرّ به سباع ابن عبد العزى الغبشانى وكان يكنى بأبى نيار فقال له حمزة هلم الىّ يا ابن مقطعة البظور وكانت أمّه(1/425)
أمّ انمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفى ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله قال وحشى غلام جبير بن مطعم والله انى لا نظر الى حمزة يهد الناس بسيف ما يبقى شيئا مثل الجمل الاورق اذ تقدّمنى اليه سباع فقال حمزة هلم الىّ يا ابن مقطعة البظور فضربه ضربة فكأنما أخطأ رأسه وهززت حربتى حتى اذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فى ثنته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوى فغلب فوقع فأمهلته حتى اذا مات جئت فأخذت حربتى ثم تنحيت الى العسكر ولم يكن لى بشىء حاجة غيره* وفى الاكتفاء وكان جبير بن مطعم قد وعد غلامه وحشيا بالعتق ان قتل حمزة بعمه طعيمة بن عدى المقتول يوم بدر وكان وحشى يحسن قذف الحربة قذف الحبشة وقلما يخطئ بها شيئا واستتر يومئذ وحشى بشجرة أو حجر حتى مرّ عليه حمزة بعد قتله سباع بن عبد العزى الخزاعى الغبشانى فرماه وحشى بالحربة فقتله وتركه حتى مات ثم أتاه وأخذ حربته وشق بطنه وأخرج كبده وذهب بها الى هند بنت عتبة وقال لها هذه كبد حمزة قاتل أبيك فأخذتها ومضغتها فلم تقدر أن تسيغها فلفظتها وأعطته ثوبها وحليها ووعدته عشرة دنانير بمكة ثم قالت له أرنى مصرعه فأراها اياه فمثلت به وقطعت مذاكيره وذهبت بها الى مكة فلما قدم وحشى مكة عتق ثم أقام بمكة حتى اذا افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة هرب الى الطائف فكان بها فلما خرج وفد الطائف الى رسول الله ليسلموا تغيبت عليه المذاهب فقال له رجل ويحك انه والله لا يقتل أحدا من الناس دخل دينه فخرج مع وفدهم حتى قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة فشهد شهادة الحق فلما رآه قال أوحشى قال نعم يا رسول الله قال اقعد فحدّثتى كيف قتلت حمزة فحدّثه فلما فرغ قال ويحك غيب عنى وجهك فكان عليه السلام يتنكبه حيث كان لئلا يراه حتى قبضه الله فلما خرج المسلمون الى مسيلمة الكذاب خرج معهم قال وأخذت حربتى التى قتلت بها حمزة فلما التقى الناس رأيت مسيلمة قائما فى يده السيف وما أعرفه فتهيأت له وتهيأ له رجل من الانصار من الناحية الاخرى كلانا نريده فهززت حربتى حتى اذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه فشدّ عليه الانصارى فضربه بالسيف فالله أعلم أينا قتله فان كنت قتلته وقد قتلت خير الناس بعد رسول الله فقد قتلت شرّ الناس* ذكر ابن اسحاق باسناده الى عبد الله بن عمر وكان شهد اليمامة قال سمعت يومئذ صارخا يقول قتله العبد الاسود* قال ابن اسحاق فبلغنى ان وحشيا لم يزل يحد فى الخمر حتى خلع عن الديوان فكان عمر بن الخطاب يقول قد علمت انّ الله لم يكن ليدع قاتل حمزة* وعن الزهرى عن شيبة بن عثمان بن أبى طلحة انّ طلحة بن عثمان أخا شيبة أيضا قتل فى أحد كذا فى معالم التنزيل* وفى الوفاء قال ابن عقبة وكان صاحب لواء المسلمين مصعب بن عمير أخو بنى عبد الدار فبارز طلحة بن عثمان من بنى عبد الدار فقتله* قال ابن اسحاق وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قتل وكان الذى قتله ابن قمئة الليثى وهو يظنّ انه رسول الله* وفى الكشاف أقبل ابن قمئة يريد قتل رسول الله فذب عنه مصعب بن عمير فقتله ابن قمئة* وفى المنتقى كان لواء رسول الله صلّى الله عليه وسلم الاعظم لواء المهاجرين معه يوم بدر ويوم أحد أيضا ولما جال المسلمون أقبل ابن قمئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقول وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعها ابن قمئة فحنى على اللواء وضمه بعضديه الى صدره وهو يقول وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل وما كانت هذه الآية نازلة بعد فنزلت ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه فاندق الرمح ووقع مصعب صريعا فابتدر اليه رجلان من بنى عبد الدار سويبط ابن سعد وأبو الروم بن عمير أخو مصعب فأخذه أبو الروم فلم يزل فى يده حتى دخل المدينة* وفى رواية لما قتل مصعب أخذ اللواء ملك فى صورة مصعب فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول له فى آخر(1/426)
النهار تقدم يا مصعب فالتفت اليه الملك وقال لست بمصعب فعرف رسول الله انه ملك أيد به فوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على مصعب فقرأ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وقتل مصعب وهو ابن أربعين سنة* وفى سيرة ابن هشام قال محمد ابن اسحاق لما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللواء على بن أبى طالب وقاتل علىّ فى رجال من المسلمين* وقال ابن هشام حدّثنى سلمة بن علقمة المازنى قال لما اشتدّ القتال يوم أحد جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحت راية الانصار وأرسل الى علىّ بن أبى طالب ان قدّم الراية فتقدّم علىّ فقال أنا أبو القصم ويقال الفصم بالقاف والفاء فيما قاله ابن هشام فناداه ابو سعيد بن أبى طلحة وهو صاحب لواء المشركين ان هل لك يا أبا القصم فى البراز من حاجة فقال نعم فبرزا بين الصفين فاختلفا ضربتين فضربه علىّ فصرعه ثم انصرف ولم يجهز عليه فقال له أصحابه أفلا أجهزت عليه قال انه استقبلنى بعورته فعطفتنى عليه الرحم فعرفت انّ الله قتله ويقال ان ابا سعيد خرج من بين الصفين وطلب من يبارزه مرارا فلم يخرج اليه أحد فقال يا أصحاب محمد زعمتم ان قتلاكم فى الجنة وقتلانا فى النار كذبتم واللات لو تعلمون ذلك حقا لخرج الىّ بعضكم فخرج اليه علىّ فاختلفا ضربتين فقتله علىّ* قال ابن اسحاق ان سعد بن أبى وقاص هو الذى قتل أبا سعيد هذا كذا فى سيرة ابن هشام والاكتفاء والمنتقى وفى بعض الكتب كيفية قتله ان سعد بن ابى وقاص رماه بسهم فلم يخطئ حنجرته حتى خرج لسانه فمات ثم حمل لواءهم مسافع بن أبى طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبى الافلح فقتله وأخاه الجلاس بن طلحة كلاهما يشعره سهما وأرثت مسافع الى أمّه سلافة بنت سعد وكانت فى العسكر فوضع رأسه فى حجرها فقالت يا بنىّ من اصابك قال لا أدرى الا أنى سمعت رجلا يقول حين رمانى خذها وأنا ابن أبى الافلح فنذرت ان أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب الخمر فى قحفه وجعلت لمن يأتيها برأسه مائة ناقة وكان عاصم قد عاهد الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك أبدا فتمم الله له ذلك حيا وميتا كما سيجىء ثم حمل لواءهم الحارث بن ابى طلحة فرماه عاصم أيضا فقتله كذا فى المنتقى* وفى سيرة ابن هشام انّ عاصم بن ثابت قتل مسافعا وأخاه الجلاس كما سبق* وفى المنتقى قتل الجلاس طلحة بن عبيد الله ثم حمل لواءهم كلاب بن طلحة فقتله الزبير بن العوّام ثم حمل اللواء أرطاه بن شرحبيل بن هاشم ابن عبد مناف فقتله حمزة وقيل علىّ ثم حمل اللواء شريح بن فارض فقتله بعض المسلمين ثم حمل اللواء صواب غلام حبشى لبنى طلحة فقتله سعد بن أبى وقاص وقيل علىّ بن أبى طالب وقيل قزمان وهو أثبت الاقوال* وفى رواية حملت اللواء عمرة بنت علقمة كما سيجىء* قال ابن اسحاق قتل اصحاب لواء المشركين وهم سبعة يأخذه واحد بعد واحد وقال غيره وهم أحد عشر آخرهم غلام حبشى لبنى طلحة اسمه صواب قال ابن اسحاق والتقى يومئذ حنظلة بن ابى عامر غسيل الملائكة وابو سفيان بن حرب فلما استعلاه حنظلة رآه شدّاد بن الاسود بن شعوب قد علا أبا سفيان فضربه شدّاد فقتله فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان صاحبكم يعنى حنظلة لتغسله الملائكة فسلوا اهله ما شأنه فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو جنب حسين سمع الهائعة فقال رسول الله لذلك غسلته الملائكة* وفى الصفوة ان حنظلة ابن ابى عامر الراهب كان من خيار المسلمين استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقتل أباه فنهاه عن قتله وتزوّج جميلة بنت عبد الله بن ابى بن سلول فأدخلت عليه فى الليلة التى فى صبيحتها كان قتال أحد وكان قد استأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له فلما صلّى الصبح غدا يريد النبىّ بأحد ثم مال الى جميلة فأجنب منها وكانت قد ارسلت الى اربعة من قومها فأشهدتهم انه قد دخل بها فقيل لها فى ذلك فقالت رأيت كأن السماء فرجت له فدخل فيها ثم اطبقت فقلت هذه(1/427)
الشهادة وقد علقت بعبد الله بن حنظلة فأخذ حنظلة سلاحه فلحق بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يسوّى الصفوف فلما انكشف المسلمون اعترض حنظلة ابا سفيان بن حرب فضرب عرقوب فرسه فوقع ابو سفيان ثم تحمل رجل منهم على حنظلة قأنفذه بالرمح فقال رسول الله رأيت الملائكة تغسل حنظلة ابن ابى عامر بين السماء والارض بماء المزن فى صحاف الفضة* قال ابو سعيد الساعدى فذهبنا اليه فنظرنا فاذا رأسه يقطر ماء فرجعت الى رسول الله فأخبرته انه خرج وهو جنب فأعجله الحال عن الغسل فولده يقال لهم بنو غسيل الملائكة* وفى رواية قالت كان جنبا فلما غسل أحد شقيه سمع الهيعة وأعجله الحال عن الغسل فخرج ولم يغسل الشق الآخر قال رسول الله هو ذاك فانى رأيته قد غسلته الملائكة فسمى غسيل الملائكة وبذلك تمسك من قال من العلماء ان الشهيد يغسل اذا كان جنبا كذا فى المواهب اللدنية فلما قتل اصحاب اللواء وانتكست رايتهم انكشف المشركون وانهزموا* قال ابن اسحاق ثم انزل الله نصره على المؤمنين واصدقهم وعده فحسوا الكفار بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر وكانت الهزيمة لا شك فيها* وفى المواهب اللدنية فولى الكفار لا يلوون على شىء ونساؤهم يدعون بالويل والثبور وتبعهم المسلمون حتى أجهضوهم ووقعوا يتهبون العسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم* وفى الكشاف فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون خيلهم والباقون يضربون بالسيف حتى انهزموا وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح وصرخت نساؤهم يدعون بالويل والثبور وألقين الدفوف ويشتددن الى الجبل رافعات ثيابهنّ وقد بدت خلاخلهنّ وسوقهنّ ولما نظر الرماة الى المشركين قد انكشفوا ورأوا أصحابهم ينتهبون ويأخذون الغنائم قالوا الغنيمة يا قوم الغنيمة قد ظهر أصحابكم فما تنتظرون فقال عبد الله بن جبير أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا انا والله لنأتينهم فلنصيبن من الغنيمة فلما أتوهم صرفت وجوههم وأقبلوا منهزمين كذا رواه البخارى عن البراء بن عازب* وفى الكشاف اختلف الرماة حين انهزم المشركون قال بعضهم قد انهزم القوم فما موقفنا وأقبلوا على الغنيمة* وقال بعضهم لا نخالف أمر رسول الله* وفى معالم التنزيل تركوا المركز للغنيمة وقالوا نخشى أن يقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر فتركوا المركز ووقعوا فى الغنائم ثم قال لهم النبىّ ألم أعهد اليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمرى قالوا تركنا بقية اخواننا وقوفا فقال النبىّ بل ظننتم انا نغل فلا نقسم لكم فأنزل الله تعالى وما كان لنبىّ أن يغلّ ومن يغلل يأت بما غلّ الآية ولما ترك الرماة مركزهم ثبت أميرهم عبد الله بن جبير فى مكانه فى نفر يسير دون العشرة فلما رأى خالد بن الوليد قلة الرماة وخلاء الجبل واشتغال المسلمين بالغنيمة ورأى ظهورهم خالية صاح فى خيله من المشركين فكربهم وتبعه عكرمة بن أبى جهل فى جماعة من المشركين فحملوا على من بقى من الرماة فقتلوهم وقتل أميرهم عبد الله بن جبير ثم حملوا على المسلمين من خلفهم وحالت الريح دبورا بعد ما كانت صبا* وفى الاكتفاء كشف المسلمون المشركين عن العسكر ونهكوهم قتلا وقد حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرّات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة فلما أبصر الرماة الخمسون انّ الله قد فتح لاخوانهم قالوا والله ما نجلس هناك لشىء قد أهلك الله العدوّ واخواننا فى عسكر المشركين فتركوا منازلهم التى عهد اليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن لا يتركوها وتنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول فأوجفت الخيل فيهم قتلا ولم يكن نبل ينضحها ووجدت مدخلا عليهم فكان ذلك سبب الهزيمة على المسلمين* وفى سيرة ابن هشام قال الزبير بن العوّام والله لقد رأيتنى أنظر الى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات منكشفات هوارب ما دون أخذهنّ قليل ولا كثير اذ مالت الرماة الى(1/428)
العسكر حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل وأوتينا من خلفنا وصرخ صارخ ألا انّ محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد ان أصبنا اصحاب اللواء حتى ما يدنو منه احد من القوم* قال ابن هشام والصارخ أزب العقبة* قال ابن اسحاق حدّثنى بعض أهل العلم انّ اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش فلا ثوابه وكان اللواء مع صواب غلام حبشى لبنى طلحة وكان آخر من أخذه منهم فقاتل به حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول اللهم هل أعذرت يعنى أعذرت* وفى الينابيع وكانت فى المشركين امرأة كافرة اسمها عفراء فأخذت لواء قريش ورفعتها فلما رأى المشركون لواءهم مرفوعا كروا راجعين فجعلوا يضربون المسلمين من قدامهم ومن خلفهم حتى قتلوا منهم سبعين وجرحوا سبعين وكسروا يد علىّ وجرحوا أبا بكر وعمر وانهزم عثمان مع جماعة* قال ابن اسحاق وانكشف المسلمون فأصاب فيهم العدوّ وصرخ صارخ ألا انّ محمدا قد قتل وفى رواية تصوّر الشيطان بصورة جعال بن سراقة الضمرى وصرخ ان محمدا قد قتل وقال قائل أى عباد الله أخراكم أى احترزوا من جهة أخراكم فعطف المسلمون يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون كذا فى المواهب اللدنية* ووثب الناس على جعال بن سراقة ليقتلوه لانّ الشيطان تمثل بصورته وصاح بخبر القتل فشهد خوات بن جبير وأبو بردة بن نيار بأنّ الصارخ غير جعال وجعال كان عندهما وبجنبهما حين صرخ ذلك الصارخ وجرح أسيد بن حضير يومئذ جراحتين من أيدى المسلمين احداهما من ضربة أبى بردة بن نيار وجرح أبو بردة أيضا من يد أنصارى ولم يعرفه* وفى الصحيح عن عائشة قالت كان يوم أحد هزم المشركون هزيمة بينة فصاح ابليس أى عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت مع اخراهم فنظر حذيفة فاذا هو بأبيه اليمان فنادى أى عباد الله أبى أبى قالت فو الله ما احتجزوا حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وعند أحمد والحاكم عن ابن عباس انهم لما رجعوا اختلطوا بالمشركين والتبس العسكران فلم يتميزوا فوقع القتل فى المسلمين بعضهم من بعض* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى أحد رفع حسبل بن جابر وهو اليمان ابو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش فى الآطام مع النساء والصبيان وهما شيخان كبيران فقال أحدهما لصاحبه لا أبا لك ما تنتظر فو الله ان بقى لواحد منا من عمر الاظمئ حمار انما نحن هامة اليوم أو غدا أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا فى الناس ولم يعلم بهما فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسبل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة أبى قالوا والله ان عرفناه وصدقوا قال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فأراد رسول الله أن يديه فتصدّق بديته على المسلمين فزاده عند رسول الله خيرا* قال ابن اسحاق وكان يوم احد يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدوّ الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدث بالحجارة حتى وقع لشقه فأصيبت رباعيته وكلمت شفته وشج فى وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل صلّى الله عليه وسلم يمسحه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم الى ربهم فأنزل الله تعالى ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم او يعذبهم فانهم ظالمون ورواه احمد والترمذى والنسائى من طريق حميد الطويل عن انس وقيل همّ أن يدعو عليهم فنهاه الله تعالى لعلمه بأنّ فيهم من يؤمن* وفى المواهب اللدنية قيل كان سبب الهزيمة ان ابن قميئة الحارثى قتل مصعب بن عمير وكان مصعب اذا لبس لأمنه يشبه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما قتله ظنه رسول الله فرجع الى قريش وقال قد قتلت محمدا فازداد واجراءة وصاح ابليس من العقبة قتل محمد فلما سمع المسلمون ذلك وهم(1/429)
متفرّقون كانت الهزيمة فلم يلو أحد على احد والصواب ان السبب مخالفة الرماة لامر النبىّ صلّى الله عليه وسلم والاصل فى ذلك مع ما أراده الله ما اتفق ببدر من اخذ الفداء فقد خرج الترمذى والنسائى عن علىّ ان جبريل هبط فقال خيرهم فى اسارى بدر القتل والفداء على أن يقتل منهم فى القابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا مثلهم قال الترمذى حديث حسن وذكر غيره له شواهد تقوّيه ولهذا جاء فى الصحيح انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم واصحابه اصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة قتلوا سبعين وأسروا سبعين وفيه ايضا ان المشركين اصابوا يوم احد من المسلمين سبعين ووقع عند مسلم من طريق ابن عباس عن عمر فى قصة بدر قال فلما كان يوم أحد قتل منهم سبعون وفروا وكسرت رباعية النبىّ صلى الله عليه وسلم وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا والمراد بكسر الرباعية وهى السن التى بين الثنية والناب انها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها وقوله فروا أى بعضهم أو أطلق ذلك باعتبار تفرقهم والواقع بهم انهم صاروا ثلاث فرق فرقة استمروا فى الهزيمة الى قرب المدينة فما رجعوا حتى انقضى القتال وهم قليل وهم الذين نزل فيهم انّ الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان الآية وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا انّ النبىّ قتل فصار غاية الواحد منهم أن يذب عن نفسه ويستمرّ فى القتال الى أن يقتل وهم أكثرهم وفرقة بقيت مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم تراجع اليهم الفرقة الثانية شيئا فشيئا لما عرفوا انه حى وما ورد فى الاختلاف فى العدد فمحمول على تعدّد المواطن فى القصة* ووقع عند أبى يعلى فى حديث عمر المتقدّم فلما كان عام أحد عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون* قال ابن هشام فى سيرته عن أبى سعيد الخدرى ان عتبة بن أبى وقاص رمى النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ فكسر رباعيته السفلى وجرح شفته السفلى وانّ عبد الله بن شهاب الزهرى شجه فى جبهته وانّ ابن قميئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من حلق المغفر فى وجنته ووقع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى حفرة من الحفر التى عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فأخذ علىّ بن أبى طالب بيد رسول الله ورفعه طلحة حتى استوى قائما* وفى الاكتفاء فقال صلّى الله عليه وسلم من أحب أن ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة* قال ابن هشام ومص مالك بن سنان والد أبى سعيد الخدرى الدم عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مس دمه دمى لم تصبه النار* وفى الرياض النضرة لم تمسه النار أخرجه ابن اسحاق وفى رواية غيره من أحب أن ينظر الى من خالط دمه دمى فلينظر الى مالك بن سنان* وعن عائشة عن أبى بكر الصدّيق ان أبا عبيدة بن الجراح نزع احدى الحلقتين من وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسقطت ثنيته ثم نزع الاخرى فسقطت ثنيته الاخرى فكان ساقط الثنيتين* وفى الصفوة نزع بفيه الحلقتين اللتين دخلتا فى وجنته من حلق المغفر فوقعت ثنيتاه وكان أحسن الناس هتما وفى رواية ولذلك يقال له الاهتم* وفى المواهب اللدنية وهشموا البيضة على رأسه أى كسروا الخودة ورموه بالحجارة حتى سقط لشقه فى حفرة من الحفر التى حفرها أبو عامر فأخذ علىّ بيده واحتضنه طلحة ابن عبيد الله ورفعه حتى استوى قائما ونشبت حلقتان من المغفر فى وجهه فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه من شدّة غوصهما فى وجهه* وفى الاكتفاء وكان الذى كسر رباعيته وجرح شفته عتبة بن أبى وقاص أخو سعد بن أبى وقاص وكذا قاله السهيلى وغيره ومن ثمة لم يولد من نسله ولد فبلغ الحنث الا وهو ابحر واهتم أى عطشان لا يروى وساقط مقدم أسنانه يعرف ذلك فى عقبه* وفى القاموس البحر العطش فلا يروى من الماء ويقال أهتم فاه ألقى مقدّم أسنانه(1/430)
وروى ابن الجوزى عن محمد بن يوسف الغريانى قال بلغنى ان الذين كسروا رباعية النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يولد لهم صبى فنبتت له رباعية* وفى الاكتفاء وكان سعد بن أبى وقاص يقول والله ما حرصت على قتل رجل قط حرصى على قتل عتبة بن أبى وقاص وهو أخوه وان كان ما علمت لسيئ الخلق مبغضا فى قومه ولقد كفانى منه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه رسول الله* وفى مستدرك الحاكم لما فعل عتبة ما فعل جاء حاطب بن أبى بلتعة فقال يا رسول الله من فعل هذا بك فأشار الى عتبة فتبعه حاطب حتى قتله وجاء بفرسه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قيل قد اختلف فى اسلامه والصحيح انه لم يسلم* وفى المنتقى فى الذى كسر رباعيته وكلمه فى وجهه قولان* أحدهما نه عتبة بن أبى وقاص كما سبق والثانى انه ابن قميئة فانه علا رسول الله بالسيف فضربه على الايمن فاتقاه طلحة بيده وردّ بسيفه عنه فشلت يده ويبست وأصيبت ختصره حين رمى مالك بن زهير الجشمى رسول الله بسهم وكان لا يخطئ سهمه فجعل طلحة يده وقاية له فأصاب خنصره وضرب رجل من المشركين على رأس طلحة بالسيف ضربتين فنزف الدم على وجهه فخرّ مغشيا عليه* وروى عن أبى بكر الصدّيق أنه قال أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد بالماء فقال اذهب به الى طلحة فذهبت به اليه فرأيته قد وقع صريعا وينزف الدم من جراحاته فرششت عليه من الماء حتى حصل له بعض الافاقة فقال ما فعل برسول الله قلت هو بالعافية وهو أرسلنى اليك قال الحمد لله فكل مصيبة بعده هين* وفى الصفوة عن أبى بكر الصدّيق قال كنت أوّل من جاء يوم أحد فقال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولابى عبيدة بن الجراح عليكما به يريد طلحة وقد نزف دمه يعنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصلحنا من شأنه ثم أتينا طلحة فوجدناه فى بعض تلك الحفار فاذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من بين طعنة وضربة ورمية فاذا قطعت أصبعه فأصلحنا من شأنه* وأخرج أبو حاتم معناه ولفظه قال قال أبو بكر لما صرف الناس يوم أحد عن رسول الله كنت أوّل من جاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فجعلت انظر الى رجل خلفى بين يديه يقاتل عنه ويحميه فجعلت أقول كن طلحة فداك أبى وأمى مرّتين قال ونظرت الى رجل خلفى كأنه طائر فلم أنشب ان أدركنى فاذا هو أبو عبيدة بن الجراح فاندفعنا الى النبىّ فاذا طلحة بين يديه صريعا فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم دونكم أخاكم فقد أوجب قال وقد رمى فى جبهة رسول الله ووجنته فأهويت الى السهم لا نزعه فقال أبو عبيدة نشدتك بالله يا أبا بكر الا تركتنى قال فتركته فأخذ أبو عبيدة السهم بفيه فجعل ينضنضه ويكره أن يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استله بفيه ثم أهويت الى السهم الذى فى وجنته لانزعه فقال أبو عبيدة نشدتك بالله يا أبا بكر الا تركتنى فأخذ السهم بفيه وجعل ينصنصه ويكره أن يؤذى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم استله وكان طلحة أشدّ نهكة من رسول الله وكان رسول الله أشدّ نهكة منه وكان قد أصاب طلحة بضعة وثلاثون ما بين طعنة وضربة ورمية* قوله ينضنضه بالصاد والضاد يحركه* قوله أشدّ نهكة أى جراحة وجهدا وألما وكان أبو عبيدة أثرم الثنيتين من انتزاع السهمين* ويروى ان المنتزع حلقتى الدرع أبو بكر ويجوز أن يكون السهمان أثبتا حلقتى الدرع فانتزع الجميع فسقطتا لذلك* وعن أبى هريرة ان طلحة لما جرح يوم أحد مسح رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده على جسده وقال اللهمّ اشفه وقوّه فقام صحيحا ورجع الى مبارزة العدوّ أخرجه الملاذكر ذلك كله فى الرياض النضرة* وعن قيس قال رأيت طلحة يده شلاء وقى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد انفرد به البخارى* وفى الصفوة شهد طلحة أحدا وثبت يومئذ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووقاه بيده فشلت أصبعاه وجرح يومئذ اربعا
وعشرين جراحة قال وكانت فيه خمس وسبعون ما بين طعنة وضربة ورمية سماه(1/431)
رسول الله يوم أحد طلحة الخير ويوم غزوة ذات العشيرة طلحة الفياض ويوم حنين طلحة الجود وسيجىء موته فى الخانمة فى خلافة علىّ بن ابى طالب* قال السدى رضى الله عنهما ابن قميئة هو الذى رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشج فى وجهه* وقال ابو بشير المازنى حضرت يوم أحد وأنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول الله بالسيف فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقع على كتفه فى حفرة أمامه حتى توارى فجعلت أصيح وأنا غلام حتى رأيت الناس ثابوا اليه فانظر الى طلحة بن عبيد الله آخذ يحضنه حتى قام* وفى الينابيع غلب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضعف من الجراحات حتى وقع عن فرسه وجرحت ركبتاه وكسرت جبهته* وفى الطبرانى من حديث ابى أمامة قال لما رمى عبد الله بن قميئة يوم أحد فشج وجهه وكسر رباعيته قال خذها وأنا ابن قميئة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهه مالك أقأك الله وفى رواية وأذلك فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة* وعند ابن عائذ من طريق الاوزاعى بلغنا انه لما جرح رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد اخذ شيئا فجعل ينشف به دمه وقال لو وقع منه شىء على الارض لنزل عليهم العذاب من السماء ثم قال اللهمّ اغفر لقومى فانهم لا يعلمون وفى الينابيع وكان صلى الله عليه وسلم يأخذ قطرات الدم ويرمى بها الى السماء ولم يقع شىء منها على الارض ويقول لو وقع شىء منها على الارض لم ينبت عليها نبات وفى الينابيع أيضا لما كسرت جبهته وانخضب وجهه ولحيته جعل سالم مولى ابى حذيفة يسلت الدم عن وجهه وهو يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وفى شمائل الترمذى عن جندب بن سفيان البجلى قال اصاب حجرا صبع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدميت فقال
هل أنت الا اصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت
وكان ذلك فى غزوة أحد وروى انّ عبد الله ابن حميد الاسدى لما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد جرح جعل يركض فرسه ويقول أرونى محمدا والله انى لا قتله فاعترضه ابو دجانة فضربه بالسيف فقتله فقال رسول الله اللهمّ ارض عن ابن خرشة كما أنا عنه راض وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهرى قال ضرب وجه النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله من شرّها كلها قال فى فتح البارى وهذا مرسل قوى ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة* قال ابن اسحاق وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين غشيه القوم من رجل يشرى لنا نفسه فقام زياد بن السكن فى خمسة نفر من الانصار وبعض الناس يقولون انما هو عمارة بن زياد بن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثم رجلا يقتلون دونه حتى كان آخرهم زيادا أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة ثم جاءت فئة من المسلمين فأجهضوهم عنه فقال رسول الله ادنوه منى فأدنوه منه فوسده قدمه فمات وخدّه على قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقاتلت امّ عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يومئذ فيما قاله ابن هشام قالت خرجت أوّل النهار وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعى سقاء فيه ماء فانتهيت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو فى اصحابه والدولة والريح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت الى رسول الله فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وارمى عن القوس حتى خلصت الجراحة الىّ قالت امّ سعد بنت سعد بن الربيع فرأيت على عاتقها جرحا اجوف له غور فقلت من أصابك بهذا قالت ابن قميئة اقماه الله لما ولى الناس عن رسول الله اقبل يقول دلونى على محمد فلا نجوت ان نجا فاعترضته انا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضربنى هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدوّ الله عليه درعان* وتترس دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابو دجانة بنفسه(1/432)
تقع النبل فى ظهره وهو منحن عليه حتى كثر فيه النبل وفى المواهب اللدنية وهو لا يتحرّك وفى المنتقى كانت النبل تتابع فى ظهره وهو منحن عليه ورمى سعد بن ابى وقاص دون رسول الله قال سعد فلقد رأيته يناولنى النبل وهو يقول ارم فداك ابى وامى حتى انه ليناولنى السهم بلا نصل فيقول ارم به وفى رواية ورمى سعد بن ابى وقاص حتى اندقت سية قوسه ونثل له النبىّ صلّى الله عليه وسلم كنانته فقال له ارم فداك أبى وامى وفى المشكاة عن علىّ قال ما سمعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم جمع ابويه لاحد الا لسعد بن مالك فانى سمعته يقول يوم أحد يا سعد ارم فداك ابى وامى متفق عليه* وروى ان بعض المشركين يوم احد كانوا يرمون بالنبل فى وجوه المسلمين منهم حبان بن قيس بن عرفة اخو بنى عامر وابو أسامة الجشمى فأمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم سعد بن ابى وقاص أن يرمى فى وجوههم فيقول ارم يا سعد فداك ابى وامى فرمى ابن عرفة فأصاب ذيل امّ ايمن وكانت فى العسكر فانكشف ذيلها فضحك ابن عرفة ضحكا شديدا فثقل ذلك على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فناول سعد اسهما وامره أن يرميه فرماه سعد فلم يخطئ ثغرة نحره فوقع لظهره وانكشفت عورته فضحك النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال استعاض لها سعد ودعا لسعد فقال اللهم سدّد رميته وأجب دعوته رواه فى شرح السنة فصار سعد مجاب الدعوة حتى يتبرّك بدعائه وظاهر هذا مخالف لما سيجىء فى غزوة الخندق فى الموطن الخامس من ان حبان بن عرفة هو الذى رمى سعد بن معاذ فى أكحله* وعن أنس أنه قال لما كان يوم أحد انهزم الناس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو طلحة كان قائما بين يديه يترس معه بترس واحد وكان أبو طلحة راميا شديد الرمى والنزع فكسر يومئذ قوسين أو ثلاثا وكان الرجل يمر بجعبته من النبل فيقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم انثرها لابى طلحة وكان اذا رمى يشرف النبى لينظر الى موضع نبله فيقول أبو طلحة بأبى أنت وأمى يا رسول الله لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم نحرى دون نحرك*
معجزة فى انقلاب العود سهما والعصا سيفا
وفى الصفوة وكان رسول الله يرفع رأسه من خلفه ينظر الى مواقع نبله فتطاول أبو طلحة بصدره يقى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويقول يا رسول الله نحرى دون نحرك انتهى وكان قد جعل نفسه وقاية له ونثر سهامه كلها على الارض وكان رجلا شديد النزع صيتا وكان فى كنانته يومئذ خمسون سهما وكان كلما رمى بسهم يصيح ويقول يا رسول الله نفسى دون نفسك جعلنى الله فداك والنبىّ صلّى الله عليه وسلم واقف خلف ظهره ينظر الى مواقع نبله حتى فنيت سهامه فيناوله العود ويقول ارم يا أبا طلحة فأى عود يضعه فى كبد القوس يعود سهما جيدا يرمى به فى وجوه المشركين ويصيح فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لصوت أبى طلحة فى الجيش خير من فئة كذا فى الصفوة وكان رسول الله لا يزال يرمى عن قوسه حتى صارت شظايا* قال ابن اسحاق حدّثنى عاصم بن عمر عن قتادة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة بن النعمان وكانت عنده وكان يرمى بالحجارة* وفى الشفاء رمى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قوسه يوم أحد حتى اندقت سيتها ويقال اسم هذه القوس كتوم وانقطع يومئذ سيف عبد الله بن جحش فأعطاه عليه السلام عرجونا فعاد فى يده سيفا فقاتل به وكان ذلك السيف يسمى العرجون ولم يزل يتوارث حتى بيع من بغا التركى من أمراء المعتصم بالله فى بغداد بمائتى دينار وهذا نحو حديث عكاشة السابق فى غزوة بدر الا ان سيف عكاشة يسمى العون ورمى كلثوم بن الحصين بسهم فى نحره رماه أبورهم الغفارى فبصق عليه صلّى الله عليه وسلم فبرأ* وعن أبى طلحة انه قال غشينا النعاس يوم أحد ونحن فى مصافنا فجعل سيفى يسقط من يدى فآخذه ويسقط فآخذه* وعنه أنه قال رفعت رأسى يوم أحد فجعلت ما أرى أحدا من القوم الا وهو يميل تحت حجفته من النعاس وذلك قوله تعالى ثم أنزل عليكم من بعد الغمّ أمنة نعاسا الآية(1/433)
واصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته فردّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده فكانت أحسن عينيه وأحدّهما كذا فى سيرة ابن هشام* وفى الوفاء فأتى بها الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذها رسول الله بيده وردّها الى موضعها وقال اللهمّ اكسها جمالا فكانت أحسن عينيه وأحدّهما نظرا رواه الدار قطنى بنحوه* وفى الصفوة عن عدى قال أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد يقال أصابها رمح حتى وقعت على وجنته فأتى بها النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهى فى يده قال ما هذه يا قتادة قال هذا ما ترى يا رسول الله قال ان شئت صبرت ولك الجنة وان شئت رددتها ودعوت الله لك فلم تفقد منها شيئا فقال يا رسول الله ان الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل ولكنى رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يردننى ولكن تردّها الىّ وتسأل الله لى الجنة فقال أفعل يا قتادة ثم أخذها رسول الله بيده وأعادها الى موضعها فكانت أحسن عينيه الى ان مات ودعا له بالجنة وسيجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة عمر وروى أنه دخل ابن قتادة على عمر بن عبد العزيز فقال له من أنت يافتى فقال
أنا ابن الذى سالت على الخدّ عينه ... فردّت بكف المصطفى أيمارد
فعادت كما كانت لا حسن حالها ... فيا حسن ما عين ويا طيب مارد
فقال عمر بمثل هذا فليتوسل الينا المتوسلون ثم قال
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وفى الرياض النضرة عن علىّ قال كسرت يده يوم أحد فسقط اللواء من يده فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعوه فى يده اليسرى فانه صاحب لوائى فى الدنيا والآخرة أخرجه الحضرمى* وفى الاكتفاء وأصيب فم عبد الرحمن بن عوف فهتم وجرح عشرين جراحة أو أكثر وأصابه بعضها فى رجله فعرج* وفى شواهد النبوّة عن الحارث بن الصمة قال رأيت عبد الرحمن بن عوف يوم أحد بين سبعة قتلى من المشركين فقلت هنيئا لك أنت قتلت هؤلاء كلهم فأشار الى قتيلين وقال هذان قتلتهما وأما الآخرون فقتلهم من لم أره* قال ابن اسحاق حدّثنى القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بنى عدى بن النجار قال انتهى أنس بن النضر عم أنس بن مالك الى عمر بن الخطاب وطلحة ابن عبيد الله فى رجال من المهاجرين والانصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يحبسكم قالوا قتل رسول الله قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على مثل ما مات عليه رسول الله ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل* وعن أنس بن مالك قال لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة وقد مثلوا به فما عرفه الا اخته عرفته بينانه كذا فى سيرة ابن هشام* وفى المنتقى عن أنس بن مالك ان عمه أنس بن النضر غاب عن بدر قال غبت عن أوّل قتال قاتله رسول الله ولئن أشهدنى الله مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ليرين ما أفعل فلقى يوم أحد فهزم الناس فقال اللهم انى أعتذر اليك مما صنع هؤلاء يعنى المسلمين وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء يعنى المشركين فتقدّم بسيفه فلقى سعد بن معاذ فقال أين يا سعدانى أجد ريح الجنة دون أحد فمضى فقتل فما عرف حتى عرفته اخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من بين طعنة وضربة ورمية بسهم* وفى رواية لما صرخ صارخ وفشا فى الناس ان محمدا قد قتل قال بعض المسلمين ليت لنا رسولا الى عبد الله بن أبى فيأخذ لنا أمانا من أبى سفيان وبعضهم جلسوا وألقوا بأيديهم وقال ناس من المنافقين لو كان نبيا لما قتل ارجعوا الى اخوانكم والى دينكم الاوّل فقال أنس بن النضر يا قوم ان كان قتل محمد فان رب محمد حى لا يموت ما تصنعون بالحياة بعد رسول الله فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه ثم قال اللهم انى أعتذر اليك مما يقول هؤلاء(1/434)
يعنى المسلمين وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء يعنى المنافقين ثم قاتل حتى قتل الى آخر ما ذكر* وفى المنتقى لما فشافى الناس خبر قتل رسول الله صاح ثابت بن الدحداح وقال يا معشر الانصار ان كان محمد قد قتل فان الله حى لا يموت فقاتلوا عن دينكم فهض اليه نفر من الانصار وقد وقعت له كثيبة خشناء فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبى جهل فحمل عليه خالد بالرمح فأنفذه فوقع ميتا وقتل من كان معه وقيل انه برأ من جراحاته ومات على فراشه من جرح كان أصابه ثم انتقض عليه ومات مرجع النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الحديبية كذا فى الصفوة وان رسول الله تبع جنازته وقتل عبد الله بن عمر وأبو جابر يوم أحد فما عرف الا ببنانه أى أصابعه وقيل أطرافها واحدتها بنانة* وفى المواهب اللدنية ثبت رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين انكشفوا عنه وثبت معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر الصدّيق وسبعة من الانصار* وفى معالم التنزيل ثلاثة عشر رجلا ستة من المهاجرين وهم أبو بكر وعمر وعلى وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص والباقى من الانصار وفى البخارى لم يبق معه عليه السلام الا اثنا عشر* روى أن الملائكة حضرت يوم أحد لكن فى قتالهم خلاف وروى احمد بن سعد بن ابى وقاص انه قال رأيت عن يمير رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن يساره يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشدّ القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد وقد أخرجه الشيخان* وفى رواية مسلم يعنى جبريل وميكائيل كذا فى الوفاء* وعن على بن أبى طالب لما غلب المشركون واختلط الناس غاب النبىّ صلّى الله عليه وسلم عن نظرى فذهبت أطلبه فى القتلى فما وجدته فقلت فى نفسى ان رسول الله لا يفرّ فى القتال وليس فهو فى القتلى فما أظنّ الا ان الله تعالى قد غضب علينا بسوء فعلنا فرفع نبيه من بيننا فالاولى أن اقاتل المشركين حتى أقتل فسللت سيفى وحملت على جماعة من المشركين فانكشفوا فاذا برسول الله صلّى الله عليه وسلم حيا سويا فعرفت ان الله تعالى حفظه بملائكته الكرام* قال ابن اسحاق لما كان يوم أحد انجلى القوم عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبقى سعد بن مالك يرمى وفتى شاب ينبل له فلما فنى النبل أتاه به فنثره فقال ارم أبا اسحاق ارم أبا اسحاق مرّتين فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الفتى فلم يعرف فقول مجاهد لم تقاتل الملائكة فى معركة لا فى أحد ولا فى غيره الا فى بدر وفيما سوى ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون وانما يكونون عددا ومددا قال البيهقى أراد أنهم لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم حين عصوا الرسول ولم يصبروا على ما أمرهم به* وعن عروة بن الزبير كان الله تعالى وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدّهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين وكان قد فعل فلما عصوا ما أمر الرسول وتركوا مصافهم وتركت الرماة عهده اليهم وأرادوا الدنيا رفع عنهم مدد الملائكة وأنزل الله ولقد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم باذنه فصدق الله وعده وأراهم الفتح فلما عصوا عقبهم البلاء كذا فى الوفاء وقيل معنى لم تقاتل الملائكة انها لم تقاتل على سبيل العموم أى غير جبريل وميكائيل وأماهما فكانا على صورة رجلين عليهما ثياب بيض عن يمين رسول الله وعن يساره يحفظانه ويقاتلان الكفار قال ابن اسحاق وكان أوّل من عرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وتحدّث الناس بقتله كعب بن مالك الانصارى قال عرفت عينيه تزهران تحت المغفر فناديت بأعلى صوتى يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول الله* وفى رواية مسلم حيا سالما سويا فأشار الىّ أن انصت فلما عرف المسلمون رسول الله صلّى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب معه أبو بكر الصدّيق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين فلما أسند رسول الله فى الشعب أدركه أبى ابن خلف وهو يقول أين محمد لا نجوت
ان نجا فقال القوم يا رسول الله أيعطف عليه رجل منا قال دعوه(1/435)
فلما دنا تناول رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة يقول بعض القوم فلما أخذها رسول الله انتفض بها انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعراء من ظهر البعير اذا انتفض بها ثم استقبله فطعته فى عتقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا وكان أبى بن خلف يلقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة فيقول يا محمد ان عندى العود فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنا أقتلك ان شاء الله تعالى فلما رجع الى قريش وقد خدشه فى عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال قتلنى والله محمد قالوا له ذهب والله فؤادك والله ان بك من بأس قال انه قد كان قال لى بمكة أنا أقتلك فو الله لو بصق علىّ لقتلنى فمات عدوّ الله بسرف وهم قافلون به الى مكة رواه البيهقى وأبو نعيم وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما قاله يومئذ اشتدّ غضب الله على رجل قتله رسول الله فسحقا لاصحاب السعير وفى رواية أو قتل رسول الله قال الواقدى وكان عبد الله بن عمر يقول مات أبى بن خلف ببطن رابغ فانى لا سير ببطن رابغ بعد هوى من الليل اذ نار تأجج لى فهبتها فاذا رجل يخرج منها فى سلسلة يجتذبها يصيح العطش فاذا رجل يقول لا تسقه فان هذا قتيل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبى بن خلف رواه البيهقى* وفى الشفاء لما طلع أبى بن خلف اعترضه رجال من المسلمين قال النبىّ هكذا خلوا سبيله وفى رواية اشتدّ عليه الزبير ومعه حربة قال صلّى الله عليه وسلم دعه فلما دنا منه أخذ الحربة من الزبير وفى رواية من طلحة بن عبيد الله وفى رواية من سهل بن حنيف وشدّ عليه فطعنه بها فدق ترقوته وخرّ صريعا وأدركه المشركون وارتثوه وفى رواية رماه بها وضرب تحت ابطه وكسر ضلعا من اضلاعه فرجع الى قريش يركض فرسه حتى بلغ قومه وهو يخور كخوار الثور ويقول قتلنى محمد ويقول أصحابه ليس عليك بأس قال بلى لو كانت هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلتهم* وفى رواية لو كان ما بى بجميع الناس لقتلهم* وفى رواية قال له أبو سفيان ويلك ما بك الاخدشة قال ويلك يا ابن حرب ما تعلم من ضربها أما ضربها محمد وانه قد قال لى سأقتلك فعلمت انه قاتلى ولا أنجو منه ولو بصق علىّ بعد تلك المقالة لقتلنى وانى لاجد من هذه الطعنة ألما واللات والعزى لو قسم على جميع أهل الحجاز لهلكوا وكان يصرخ ويخور حتى مات بسرف أو بمر الظهران على أميال من مكة كذا فى الشفاء ومعالم التنزيل وفى الينابيع ولما نادى ابليس ثلاث مرّات ألا ان محمدا قد قتل سمعوا صوته فى جوانب العسكر فبلغ الصوت أبا بكر وعمرو عليا فنسوا ما بهم من جراحاتهم وبكوا حتى أتاهم رجل فرآهم جلوسا محزونين فقال لهم ما لكم قالوا سمعنا خبر قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتحيرنا فقال الرجل انى مررت الآن على القتلى فنظرت اليهم فرأيت النبى فى موضع كذا حيا سالما يتهلل وجهه كالقمر ليلة البدر فقاموا اليه مع الجراحات واجتمعوا لديه ورفعوه من مكانه فاعتنق عليا ووضع يده على منكبه حتى ركبوه على فرسه مرّة اخرى فلما رأى المشركون انه حىّ حملوا عليه فاعترضهم سماك بن خرشة وحمل عليهم حتى هزمهم وفرّقهم* وفى صح السحابة أفرد النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم أحد فى سبعة من الانصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال من يردّهم عنا وله الجنة أو هو رفيقى فى الجنة فتقدّم رجل من الانصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضا فقال من يردّهم عنا وله الجنة أو هو رفيقى فى الجنة فتقدّم رجل من الانصار فقاتل حتى قتل فلم يزالوا كذلك حتى قتل سبعة فقال رسول الله لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا* قوله أفرد أى أفرز وعزل ونحى عن الجمع وقوله رهقوه أى دنوا منه وكان سلمان جعل نفسه وقاية له من وراء ظهره من سهام الكفار وأذاهم ويقول نفسى فداء لرسول الله صلّى الله عليه وسلم والعباس بن عبد المطلب ممسك بعنان فرسه يقوده وعلى بن أبى طالب مع
انه مجروح مكسور اليد حمل على الكفار فهزمهم فجاء جبريل وقال يا محمد من ذا الذى بارز الكفار آنفا فان الله(1/436)
باهى به الملائكة قال هو علىّ فانحازوا به الى أحد فلم يقدر أن يصعده بالفرس فحوّل رجله الى الجانب الآخر واعتمد على منكب علىّ فنزل عن الفرس وصعد الجبل فجلس وجلس أصحابه حوله وكان صلى الله عليه وسلم يلتفت الى الجوانب فقالوا من تريد يا رسول الله فأقبل على علىّ وقال هل عندك خبر من عمك فأخبره علىّ بما وقع فبكى رسول الله صلّى الله عليه وسلم والاصحاب هذا ما فى الينابيع وفيه بعض المخالفة لما هو المشهور* قال ابن اسحاق فلما انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى فم الشعب خرج علىّ بن أبى طالب حتى ملأ درقته من المهراس* فى المواهب اللدنية المهراس صخرة منقورة تسع كثيرا من الماء وقيل هو اسم ماء بأحد* وفى خلاصة الوفاء هو ماء بأقصى شعب أحد يجتمع من المطر فى نقرة هناك فجاء به الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه فلم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه نبيه فبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الشعب معه أولئك النفر من أصحابه اذ علت عالية من قريش الجبل* قال ابن هشام كان على تلك الخيل خالد بن الوليد فقال رسول الله اللهمّ انه لا ينبغى لهم أن يعلونا فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل ونهض رسول الله الى صخرة من الجبل ليعلوها فلم يستطع وقد كان بدن وظاهر يومئذ بين درعين فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فقال صلّى الله عليه وسلم أوجب طلحة كذا رواه الترمذى وأورده فى الرياض النضرة بتغيير يسير عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم احد عليه درعان فذهب لينهض على صخرة فلم يستطع فبرك طلحة بن عبيد الله تحته وصعد رسول الله على ظهره حتى صعد فى الصخرة قال الزبير سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول أوجب طلحة أخرجه احمد والترمذى وقال حسن صحيح كذا قاله أبو حاتم واللفظ للترمذى عن عائشة بنت طلحة قالت لما كان يوم أحد كسرت رباعية النبىّ صلّى الله عليه وسلم وشج وجهه وعلاه الغشى فجعل طلحة يحمله ويرجع القهقرى وكلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده الى الشعب أخرجه الفضائلى وفى رواية قيل وما أوجب قال الجنة* قال ابن هشام وبلغنى عن عكرمة عن ابن عباس ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يبلغ الدرجة النبية من الشعب وصلّى رسول الله الظهر يومئذ قاعدا من الجراح التى أصابته وصلّى المسلمون خلفه قعودا* وفى معالم التنزيل ولما انتهى صلّى الله عليه وسلم الى أصحاب الصخرة فرأوه وضع رجل من أصحابه سهما فى قوسه وأراد أن يرميه فقال أنا رسول الله فلما سمعوا ذلك فرحوا به وفرح بهم حين رأى فى أصحابه من يمتنع به واجتمعوا حوله وتراجع الناس فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا فأقبل أبو سفيان وأصحابه حتى وقفوا بباب الشعب فلما نظر المسلمون اليهم همهم ذلك فظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده وقال اللهم ليس لهم أن يعلونا اللهم ان تقتل هذه العصابة لا تعبد فى الارض ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم وفى رواية قذف الله فى قلوبهم الرعب حتى وقفوا مكانهم* قال ابن اسحاق وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم الى المنقى دون الاعوص وقال ابن اسحاق حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة أن رجلا منهم كان يدعى حاطب بن أمية بن رافع وكان له ابن يقال له يزيد بن حاطب أصابته جراحة يوم أحد فأتى به الى دار قومه وهو بالموت فاجتمع اليه أهل الدار فجعل المسلمون من الرجال والنساء يقولون ابشريا ابن حاطب بالجنة وكان أبوه حاطب شيخا قد عاش فى الجاهلية فنجم يومئذ نفاقه فقال بأى شىء تبشرون يزيد لقد غررتم والله هذا الغلام من نفسه* وقال ابن اسحاق حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة قال كان فينا رجل لا ندرى ممن هو يقال
له قزمان(1/437)
وكان رسول الله يقول اذا ذكر انه لمن أهل النار فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل الى دار بنى ظفر قال فجعل رجال من المسلمين يقولون له والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فابشر قال بماذا أبشر فو الله ان قاتلت الا عن أحساب قومى ولولا ذلك لما قاتلت فلما اشتدّت عليه جراحته أخرج سهما من كنانته فقتل به نفسه وقال ابن اسحاق وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق من أحبار يهود وكان أحد بنى ثعلبة بن الطيفون قال لما كان يوم أحد قال يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق قالوا ان اليوم يوم السبت قال لا سبت فأخذ سيفه وعدته وقال ان أصبت فما لى لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا الى رسول الله فقاتل معه حتى قتل فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم مخيريق خير يهود* وقال ابن اسحاق وكان ممن قتل يوم أحد المجدر بن زياد البلوى قتله الحارث بن سويد بن صامت بن عطية* وفى المنتقى روى محمد بن سعد عن أشياخه قالوا كان سويد بن الصامت قد قتل زيادا أبا المجدر فى وقعة التقوا فيها فلما كان بعد ذلك لقى المجدر سويدا خاليا فى مكان وهو سكران ولا سلاح معه فقال له قد أمكننى الله منك قال وما تريد قال قتلك فقتله فهيج قتله وقعة بعاث وذلك قبل الاسلام فلما قدم النبىّ صلّى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد ومجدر ابن زياد فجعل الحارث يطلب مجدرا ليقتله بأبيه فلا يقدر عليه فلما كان يوم أحد وجال الناس تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه فلما رجع النبىّ صلّى الله عليه وسلم أتاه جبريل فأخبره أن الحارث قتل مجدرا غيلة وأمره أن يقتله به فركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى قباء ذلك اليوم فى يوم حارّ فدخل مسجد قباء فصلى فيه وسمعت به الانصار فجاءت تسلم عليه وأنكروا اتيانه فى تلك الساعة حتى طلع الحارث بن سويد فى ملحفة مورسة فلما رآه رسول الله دعا عويمر بن ساعدة فقال قدّم الحارث بن سويد الى باب المسجد فاضرب عنقه بمجدر بن زياد فانه قتله غيلة فقال الحارث قد والله قتلته وما كان قتلى اياه رجوعا عن الاسلام ولا ارتيابا فيه ولكنه حمية الشيطان وأمر وكلت فيه الى نفسى وأتوب الى الله والى رسوله وجعل يمسك بركاب رسول الله ورجل رسول الله فيه ورجل فى الارض وبنو مجدر حضور ولا يقول لهم رسول الله شيئا فلما استوعب كلامه قال قدّمه يا عويمر فاضرب عنقه وركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقدّمه عويمر وضرب عنقه* وكان عمرو بن ثابت بن وقش أصيرم بنى عبد الاشهل يأبى الاسلام على قومه فلما كان يوم أحد بدا له فى الاسلام فأسلم ثم أخذ سيفه فغدا حتى دخل فى عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة فبينا رجال من بنى عبد الاشهل يلتمسون قتلاهم فى المعركة اذا هم به فقالوا والله ان هذا للاصيرم ما جاء به لقد تركناه وانه لمنكر لهذا الحديث فسألوه ما جاءك يا عمرو أحرب على قومك أم رغبة فى الاسلام قال بل رغبة فى الاسلام آمنت بالله ورسوله وأسلمت ثم أخذت سيفى فغدوت مع رسول الله ثم قاتلت حتى أصابنى ما أصابنى ثم لم يلبث أن مات فى أيديهم فذكروه لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال انه لمن أهل الجنة وكان أبو هريرة يحدّث عن رجل دخل الجنة لم يصل قطوهو أصيرم بنى عبد الاشهل عمرو بن ثابت بن وقش قال ابن اسحاق ان عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الاسد يشهدون مع رسول الله المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا له ان الله قد عذرك فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أى نبىّ الله ان بنىّ يريدون أن يحبسونى عن هذا الوجه والخروج معك فيه فو الله انى لا رجو أن أطأبعر حتى هذه فى الجنة فقال رسول الله أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله يرزقه شهادة فخرج معه فقتل يوم أحد
*
تمثيل النسوة بقتلى أحد
ووقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتى معها يمثلن بالقتلى من المسلمين يجد عن الآذان والانوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهم(1/438)
خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطيها وحشيا قاتل حمزة وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فضرخت بأعلى صوتها فقالت
نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان من عتبة لى من صبر ... ولا أخى وعمه وبكر
شفيت نفسى وقضيت نذرى ... شفيت وحشىّ غليل صدرى
فشكر وحشىّ علىّ عمرى ... حتى ترم أعظمى فى قبرى
فأجابتها هند بنت اثاثة بنت عباد بن المطلب فقالت
خزيت فى بدر وبعد بدر ... يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر ... بالهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفرى ... حمزة ليثى وعلىّ صقرى
اذرام شيب وأبوك غدرى ... فخضبا منه ضواحى النحر
ونذرك الشر فشر نذر
وقالت هند بنت عتبة أيضا
شفيت من حمزة نفسى بأحد ... حين بقرت بطنه عن الكبد
أذهب عنى ذاك ما كنت أجد ... من لوعة الحزن الشديد المتقد
والحرب تعلوكم بشؤبوب برد ... تقدم اقداما عليكم كالاسد
وقالت هند بنت عتبة حين انصرف المشركون عن أحد
رجعت وفى نفسى بلا بل جمة ... وقد فاتنى بعض الذى كان مطلبى
من اصحاب بدر من قريش وغيرهم ... بنى هاشم منهم ومن آل يثرب
ولكننى قد نلت شيئا ولم يكن ... كما كنت أرجو فى مسيرى ومركبى
وهند هذه أمّ معاوية بن أبى سفيان وكانت امرأة فيها مكارة وذكورة ولها نفس آنفة وكان المسلمون قد أصابوا يوم بدر أباها عتبة وعمها شيبة وأخاها الوليد فأصابها من ذلك ما يصيب النفوس الشهمة والقلوب الكافرة فخرجت الى أحد مع زوجها ابى سفيان تبغى الانتصار وتطلب الاوتار فهذا قولها يرحمها الله والوتر يقلقها والكفر يخنقها والحزن يحرقها والشيطان ينطقها ثم انّ الله سبحانه هداها الى الاسلام وعبادة الله وترك الاصنام وأخذ بحجزتها عن سواء النار ودلها على دار السلام فصلحت حالها وتبدّلت أقوالها حتى قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فبما قالت والله يا رسول الله ما كان على وجه الارض أهل خباء أحب الىّ أن يذلوا من أهل خبائك وما أصبح اليوم على الارض اهل خباء احب الىّ ان يعزوا من أهل خبائك أو نحو هذا من القول* فالحمد لله الذى هدانا برسوله اجمعين واياه نسأل أن يميتنا على خير ما هدانا اليه لا مبدّلين ولا مغيرين هذا كله فى الاكتفاء* قال ابن اسحاق وقد كان الجليس بن زيان أخو بنى الحارث بن عبد مناة وهو يومئذ سيد الاجابيش قد مر بأبى سفيان وهو يضرب فى شدق حمزة بن عبد المطلب بزج الرمح ويقول ذق عقق فقال الجليس يا بنى كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما فقال ويحك اكتمها عنى فانها كانت زلة ثم ان أبا سفيان حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته أنعمت فعال ان الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل أى أظهر دينك كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية وكان أبو سفيان حين أراد الخروج من مكة الى أحد كتب على سهم نعم وعلى الآخر لا وأجالهما عند هبل فخرج سهم نعم فخرج(1/439)
الى أحد فلما قال أعل هبل أى زد علوّا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم قم يا عمر فأجبه فقل الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان انعمت فعال أى اترك ذكرها فقد صدقت فى فتواها وأنعمت أى أجابت ينعم فقال عمر لا سواء قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار* وفى الصحيح من حديث البراء ان أبا سفيان قال ان لنا العزى ولا عزى لكم فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم وفى الصحيح أيضا ان أبا سفيان أشرف يوم أحد فقال أفى القوم محمد ثلاث مرّات فنهاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يجيبوه فقال أفى القوم ابن أبى قحافة ثلاث مرّات قال لا تجيبوه فقال أفى القوم ابن الخطاب ثلاث مرّات فنهاهم أن يجيبوه فلما لم يجبه أحد رجع الى أصحابه فقال أما ان هؤلاء قد قتلوا وقد كفيتموهم ولو كانوا أحياء لاجابوا فعند ذلك لم يملك عمر نفسه فقال كذبت يا عدوّ الله ان الذين عددتهم لاحياء كلهم وقد أبقى الله لك ما يخزيك وفى المنتقى ما يسوءك* قال ابن اسحاق فلما اجاب عمر أبا سفيان قال له هلم الىّ يا عمر فقال رسول الله لعمرائته فانظر ما شأنه فجاء فقال له أبو سفيان أنشدك بالله يا عمر أقتلنا محمدا فقال عمر اللهم لا وانه ليسمع كلامك الآن قال أنت أصدق عندى من ابن قميئة وأبرّ لقول ابن قميئة لهم انى قتلت محمدا ثم نادى أبو سفيان انه قد كان فى قتلاكم مثل والله ما رضيت وما سخطت وما أمرت وما نهيت ولما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى ان موعدكم بدر العام القابل فقال رسول الله لرجل من أصحابه قل نعم هو بيننا وبينكم موعد وفى المنتقى هو بيننا ميعاد وفى الكشاف روى أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القابل ان شئت فقال صلّى الله عليه وسلم ان شاء الله وفى الكشاف قذف الله فى قلوب المشركين الخوف يوم أحد فانهزموا الى مكة من غير سبب ولهم القوّة والغلبة ثم بعث رسول الله علىّ بن أبى طالب قال اخرج فى آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فان كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الابل فهم يريدون مكة وان ركبوا الخيل وساقوا الابل فهم يريدون المدينة والذى نفسى بيده لئن أرادوها لاسيرن اليهم فيها ثم لأناجزنهم فيها فخرج علىّ فرآهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الابل ووجهوا الى مكة* وفى رواية تخوف المسلمون أن تكون قريش تذهب الى المدينة للغارة فبعث عليا أو سعد بن أبى وقاص أو هما وباقى الحديث على حاله* وفى الينابيع ثم بعث عليا الى المدينة يخبر أهلها ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حىّ سالم وفزع الناس الى قتلاهم وانتشروا يبغونهم فلم يجدوا قتيلا الا وقد مثلوا به الا حنظلة بن أبى عامر فان أباه كان مع المشركين فتركوه له وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا فدفع صدره بقدمه وقال قد تقدّمت اليك فى مصرعك ولعمر الله ان كنت لو اصلا للرحم برّا بالوالدة وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من رجل ينظر لى ما فعل سعد بن الربيع أفى الاحياء هو أم فى الاموات* وفى الصفوة وأرسل عليه الصلاة والسلام محمد بن مسلمة كما ذكره الواقدى ينادى فى القتلى يا سعد بن الربيع مرّة بعد أخرى فلم يجبه حتى قال ان رسول الله أرسلنى أنظر ماذا صنعت فأجاب بصوت ضعيف فوجده صريعا فى القتلى وبه رمق فقال أبلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنى السلام وقل له يقول لك سعد بن الربيع جزاك الله عنا خير ما جزى به نبيا عن أمّته وأبلغ قومك عنى السلام وقل لهم ان سعد بن الربيع يقول لكم انه لا عذر لكم عند الله أن يخلص الى نبيكم وفيكم عين تطرف ثم مات عن جراحاته* وفى الاكتفاء قال ثم لم أبرح حتى مات فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبرته خبره* وذكر الطبرانى انه لما انصرف المشركون خرج النساء الى الصحابة يعنهم* وفى المواهب اللدنية خرجت أربع عشرة امرأة من أهل البيت وغيرها وخرجت عائشة وفاطمة* وفى البخارى روى أن
عائشة بنت أبى بكر وأمّ سليم لمشمرتان يرى خدم سوقهما ينقلان القرب على متونهما يفرغان فى أفواه القوم ثم ترجعان وتملآنها ثم تجيئان وتفرغان فى أفواه القوم وفى البخارى عن عمر(1/440)
ابن الخطاب ان امّ سليط وهى من نساء الانصار بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تزفر لنا القرب يوم أحد وكانت فاطمة فيمن خرج فلما لقيت النبىّ اعتنقته وزاد فى رواية وبكت ورق النبى صلّى الله عليه وسلم رقة شديدة وجعل علىّ يجىء بالماء من المهراس فى درقته وفاطمة تغسل جراحاته فيزداد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير أحرقته بالنار وكمدته به حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية أخرى فحشى به رواهما البخارى وكان صلّى الله عليه وسلم يداوى جراحه بالعظام الرميم حتى لم يبق أثر* وروى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم سأل عن حمزة يوم أحد فذهب الحارث بن الضمة ثم علىّ بن أبى طالب يلتمسانه فوجداه قد بقر بطنه وأخذ كبده ومثل به فرجعا وأخبراه بذلك قال ابن اسحاق وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادى قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه فقال رسول الله حين رأى ما رأى لولا ان تحزن صفية وتكون سنة من بعدى لتركته حتى يكون فى بطون السباع وحواصل الطير* وفى الصفوة لسرّنى أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى ولئن أظهرنى الله على قريش يوما من الدهر فى موطن من المواطن لا مثلنّ بثلاثين رجلا منهم فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا والله لئن أظهرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب* وفى الصفوة فنظر الى شىء لم ينظر الى شىء قط أوجع لقلبه منه* وفى الاكتفاء لما وقف على حمزة قال لن أصاب بمثلك أبدا ما وقفت موقفا قط أغيظ لى من هذا* وفى ذخائر العقبى عن جابر بن عبد الله قال لما رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم حمزة قتيلا بكى ولما رأى ما مثل به شهق انتهى وكان يحبه حبا شديدا لانّ حمزة كان عمه وأخاه من الرضاعة فقال رحمة الله عليك لقد كنت فعولا للخير وصولا للرحم أم والله لامثلن بسبعين منهم مكانك وكذا فى المواهب اللدنية فنزل جبريل والنبى صلّى الله عليه وسلم واقف بعد بخواتيم سورة النحل* وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فعفا رسول الله وصبر* وفى رواية قال أصبر ونهى عن المثلة* وفى رواية وكفر عن يمينه واستغفر لحمزة سبعين مرّة عوضا عنها قال ابن اسحاق ثم قال صلّى الله عليه وسلم جاءنى جبريل فأخبرنى ان حمزة مكتوب فى أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ثم أمر به رسول الله فسجى ببرد وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر الى حمزة وكان أخاها لابيها وأمّها فقال صلّى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوّام القها فارجعها لا ترى ما بأخيها فقال لها يا أمه ان رسول الله يأمرك أن ترجعى قالت ولم وقد بلغنى أن قد مثل بأخى وذلك فى الله قليل فما أرضانا بما كان من ذلك لاحتسبن ولا صبرنّ ان شاء الله فلما أخبر الزبير بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له خل سبيلها قأتته فنظرت اليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له كذا فى الاكتفاء* وفى الصفوة عن عروة بن الزبير عن الزبير قال لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى اذا كادت تشرف على القتلى قال فكره النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن تراه فقال المرأة المرأة قال الزبير فتوسمت أنها أمى صفية فخرجت أسعى اليها فأدركتها قبل أن تنتهى الى القتلى قال فلدمت فى صدرى وكانت امرأة جلدة وقالت اليك لا أرض لك فقلت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عزم عليك فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت هذان جئت بهما لاخى حمزة فقد بلغنى مقتله فكفنوه بهما فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فاذا الى جنبه رجل من الانصار قتيل قد فعل به كما فعل بحمزة فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة فى ثوبين والانصارى لا كفن له فقلنا لحمزة ثوب وللانصارى ثوب فقدّرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقر عنا بينهما فكفنا كل واحد منهما فى
الثوب الذى طار له* وفى ذخائر العقبى فأصاب(1/441)
الانصارى واسمه سهيل أكبر الثوبين فكفن رسول الله حمزة بالصغير وكان اذا مدّه على وجهه خرجت قدماه واذا مدّه على قدميه خرج وجهه فغطى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وجهه ولف على قدميه ليفا واذ خرا ووضعه فى القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشغ من البكاء يقول يا حمزة يا عم رسول الله وأسد الله وأسد رسوله يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب عن وجه رسول الله قال فطال بكاؤه* والانتحاب رفع الصوت بالبكاء والنشغ الشهيق حتى يبلغ به الغشى* قتل حمزة رضى الله عنه على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة وكان يوم قتل له تسع وخمسون سنة ثم صلّى عليه سبع تكبيرات ثم يؤتى بالقتلى يوضعون الى جنب حمزة فيصلى عليهم وعليه معهم حتى صلّى عليه ثنتين وسبعين صلاة كذا فى الطيبى*
دعاء عبد الله بن جحش وسعد بن أبى وقاص
وفى الاكتفاء ثم أمر به رسول الله فدفن وزعم آل عبد الله بن جحش ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم دفن عبد الله بن جحش مع حمزة فى قبره قاله الواقدى وعبد الله بن اخته أميمة بنت عبد المطلب وكان قد مثل به كما مثل بخاله حمزة الا انه لم يبقر عن كبده وجدع أنفه وأذناه فلذلك يقال له المجدع فى الله وكان أوّل النهار قد لقى سعد بن أبى وقاص فقال له عبد الله هلم يا سعد فلندع الله وليذكر كل واحد منا حاجته فى دعائه وليؤمّن الآخر فخلوا فى ناحية فقال سعد يا رب اذا لقيت العدوّ غدا فلقنى رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلنى ثم ارزقنى الظفر عليه حتى أقتله وأسلبه أو قال آخذ سلبه فأمّن عبد الله بن جحش على دعائه ثم قال اللهم ارزقنى رجلا شديدا بأسه شديدا حرده أقاتله فيك ويقاتلنى فيقتلنى ثم يجدع أنفى وأذنى فاذا لقيتك غدا قلت لى يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذناك فأقول فيك يا رب وفى رسولك فتقول لى صدقت فأمّن سعد على دعوته قال سعد كانت دعوة عبد الله خيرا من دعوتى لقد رأيته آخر النهار وان أذنيه وأنفه معلقان فى خيط ولقيت انا فلانا من المشركين فقتلته وأخذت سلبه قال الواقدى قتل عبد الله بن جحش يوم احد قتله ابو الحكم بن الاخنس ابن شريق وكان له يوم قتل بضع وأربعون سنة وولى رسول الله تركته وأخذ منها سيفه العرجون فاشترى لولده مالا بخيبر قال أجمع العلماء على ان شهداء أحد لم يغلوا وقال عليه السلام زملوهم بثيابهم ودمائهم فانه ليس من يكلم كلمة فى الله الا وهو يأتى يوم القيامة يسيل منها الدم اللون لون الدم والريح ريح المسك* وفى المواهب اللدنية ولما أشرف عليه السلام على القتلى قال أنا شهيد على هؤلاء وما من جريح يجرح فى الله الا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون الدم والريح ريح المسك* وروى عن بعض أئمة الحديث أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد والائمة الشافعية اخذوا بهذه الرواية وعن بعض ائمة الحديث انه صلّى الله عليه وسلم صلّى على شهداء احد وعن ابن عباس انه صلّى الله عليه وسلم جعل يضع تسعة وحمزة ويصلى عليهم وعلى حمزة فترفع التسعة ويترك حمزة وهكذا حتى فرغ منهم وعن ابن مسعود وضع حمزة فصلى عليه وجىء برجل من الشهداء فوضع الى جنبه فصلى عليهما فرفع ذلك الرجل وترك حمزة حتى صلّى عليه سبعين أو اثنتين وسبعين صلاة كما سبق والائمة الحنفية أخذوا بهذه الرواية* قال ابن اسحاق وقد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم الى المدينة فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال ادفنوهم حيث صرعوا كذا فى الاكتفاء* وفى المشكاة عن جابر قال لما كان يوم أحد جاءت عمتى بأبى لتدفنه فى مقابرنا فنادى منادى رسول الله ردّوا القتلى الى مضاجعهم رواه أحمد والترمذى وأبو داود والنسائى والدارمى ولفظه للترمذى* وفى المنتقى انّ الناس حملوا قتلاهم الى المدينة ودفنوهم بها فنادى منادى رسول الله ردّوا القتلى الى مضاجعهم فأدرك المنادى رجلا لم يكن دفن فردّ وهو شماس بن عثمان المخزومى* وفى المشكاة ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال يوم أحد احفروا وأوسعوا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة فى قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآنا رواه(1/442)
أحمد والترمذى وأبو داود والنسائى رواه ابن ماجه الى قوله وأحسنوا* وفى الاكتفاء وكانوا يدفنون الاثنين والثلاثة فى القبر الواحد فدفنوا حمزة وعبد الله بن جحش فى قبر كما مرّ ونزل فى قبرهما أبو بكر وعمرو على والزبير ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس على حفرته ودفن خارجة بن زيد وسعد بن الربيع فى قبر واحد ودفن نعمان بن مالك وعبد الله بن جحاش ومجدر بن زياد الثلاثة فى قبر واحد قال ابن اسحاق ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى انظروا عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام فانهما كانا متصافيين فى الدنيا فاجعلوهما فى قبر واحد*
كرامة فى عدم تغير أجساد الشهداء
وذكر مالك بن أنس فى موطائه ان السيل حفر قبرهما بعد زمان فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنما مانا بالامس وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جراحته فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه فانبعث الدم ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين يوم احد وبين يوم حفر عنهما ست واربعون سنة*
غريبة فى أمر معاوية بنبش قبور الشهداء بأحد
وفى الصفوة عن جابر بن عبد الله الانصارى قال لما أراد معاوية ان يجرى عينه التى بأحد كتب الى عامله بالمدينة بذلك فكتبوا اليه انا لا نستطيع أن نخرجها الاعلى قبور الشهداء فكتب معاوية ابشوهم قال جابر فلقد رأيتهم يحملون على أعناق الرجال كأنهم قوم نيام وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة فانبعثت دما وفى المنتقى مثله* وفى معالم التنزيل عن ابن عباس قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما اصيب اخوانكم يوم أحد جعل الله عز وجل أرواحهم فى أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح من الجنة حيث شاءت وتأوى الى قناديل من ذهب فى ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت اخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا فى الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب قال الله تبارك وتعالى فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى على رسوله هذه الآيات ولا تحسبنّ الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا الى آخرها رواه أحمد* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الشهداء على بارق نهر بباب الجنة فى قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا وفى حديث ابن مسعود فى شهداء أحد قال فيطلع الله عليهم اطلاعة فيقول يا عبادى ما تشتهون فأزيدكم فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة نأكل منها حيث نشاء ثم بطلع عليهم اطلاعة فيقول يا عبادى ما تشتهون فأزيدكم فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة نأكل منها حيث نشاء ثم يطلع عليهم اطلاعة فيقول يا عبادى ما تشتهون فأزيدكم فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا الجنة نأكل منها حيث نشاء الا أنا نحب أن تردّ أرواحنا فى أجسادنا ثم نردّ الى الدنيا فنقاتل فيك حتى نقتل مرّة أخرى وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله ألا أبشرك يا جابر قال بلى يا نبىّ الله قال ان أباك حيث اصيب بأحد احياه الله ثم قال ما تحب يا عبد الله بن عمر وأن أفعل بك قال أى رب أحب أن تردّنى الى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرّة أخرى وفى رواية ابى بكر بن مردويه يا جابر الا اخبرك ما كلم الله احدا قط الا من وراء حجاب وانه كلم أباك كفاحا قال فسلنى أعطك قال اسألك أن اردّ الى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل انه سبق منى انهم لا يرجعون الى الدنيا قال اى رب فأبلغ من ورائى فأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا الآية كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء قال رسول الله والذى نفسى بيده ما من مؤمن يفارق الدنيا يحب أن يرجع اليها ساعة من النهار وان له الدنيا وما فيها الا الشهيد فانه يحب أن يردّ الى الدنيا فيقاتل فى الله فيقتل مرّة أخرى قال ابن اسحاق ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم راجعا الى المدينة* وفى رواية فى آخر النهار فلقيته حمنة بنت جحش فلما لقيت الناس نعى لها أخوها عبد الله ابن جحش فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها زوجها مصعب بن عمير فصاحت وولولت قال رسول الله ان زوج المرأة منها لبمكان لما(1/443)
رأى من تنبتها عند اخيها وخالها وصياحها على زوجها ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدور من دور الانصار من بنى عبد الاشهل فاستقبلته كبشة بنت رافع أمّ سعد بن معاذ وكان على فرسه وسعد ممسك بعنانه فقال يا رسول الله هذه أمى أقبلت اليك قال مرحبا بها فجاءت حتى نظرت الى وجهه الكريم قالت بأبى انت وأمى يا رسول الله هانت علىّ كل مصيبة اذ سلمت فعزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بابنها عمرو بن معاذ ودعا لبنى عبد الاشهل فقال اللهم أذهب حزن قلوبهم وأجرهم فى مصيبتهم وامر أن يأوى كل جريح منزله فنادى سعد لا يتبع رسول الله جريح من بنى عبد الاشهل وكان فيهم زها ثلاثين جريحا قال ابن اسحاق ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدور من دور الانصار من بنى عبد الاشهل وبنى ظفر فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عينا رسول الله ثم قال لكن حمزة لابواكى له فلما رجع سعد وأسيد بن حضير الى دار بنى عبد الاشهل امر نساءهم ان يتحز من ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله فلما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكاء هنّ على حمزة خرج عليهنّ وهنّ على باب مسجده يبكين عليه فقال ارجعن رحمكنّ الله فقد واسيتن بأنفسكنّ قال ابن هشام ونهى يومئذ عن النوح وحدّثنا أبو عبيدة ان رسول الله لما سمع بكاء هنّ قال رحم الله الانصار فان المواساة منهم ما علمت لقديمة مروهنّ فلينصرفن* وفى رواية لما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لكن حمزة لابواكى له اليوم سمعه قوم من الانصار فأتوا نساءهم فأقسموا عليهنّ بالله لا يبكين أنصار يا الليلة حتى يأتين نبىّ الله فيبكين عنده ففعلن فسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم صياح النساء فى دار حمزة فسأل ما هذا فأخبر بالذى فعلت الانصار بنسائهم فقال لهم معروفا ونهى يومئذ عن النوح فبكرت اليه نساء الانصار وقلن بلغنا يا رسول الله انك نهيت عن النوح وانما هو شىء نندب به موتانا ونجد بعض الراحة فائذن لنا فيه فقال صلّى الله عليه وسلم ان فعلتن فلا تلطمن ولا تخمشن ولا تحلقن شعرا ولا تسلقن ولا تشققن جيبا كذا فى المنتقى قال ابن اسحاق مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بامرأة من الانصار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله بأحد فلما نعوا اليها قالت ما فعل رسول الله قالوا خيرا يا أمّ فلان وهو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر اليه فأشير لها اليه حتى اذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل تريد صغيرة وعبارة المنتقى عن أنس خرجت امرأة من الانصار فاستقبلت بأخيها وأبيها وابنها وزوجها أمواتا قالت من هؤلاء قالوا أخوك وأبوك وابنك وزوجك قالت ما فعل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فيقولون امامك فمشت حتى ذهبت الى رسول الله فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول بأبى أنت وأمى يا رسول الله لا أبالى اذ سلمت من عطب* ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمون المدينة ممسين وليس فيها دار الا وفيها باكية قال ابن اسحاق لما انتهى رسول الله الى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال اغسلى عن هذا دمه يا بنية فو الله لقد صدقنى اليوم وناولها علىّ بن أبى طالب سيفه فقال وهذا اغسلى عنه دمه فو الله لقد صدقنى اليوم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة* وفى سح السحابة روى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأى عليا عند رجوعه من أحد يعطى سيفه فاطمة ويقول خذيه حميدا فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لئن كان سيفك حميدا فسيف أبى دجانة غير ذميم وان صدقت القتال فقد صدق معك أبو دجانة قال ابن هشام وكان يقال لسيف رسول الله ذو الفقار* وقال بعض أهل العلم ان ابن أبى نجيح قال نادى مناد يوم أحد لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علىّ* وفى روضة الاحباب هكذا أورد هذا الحديث بعض المحدّثين وأهل السير فى كتبهم لكن الذهبى وهو محك الرجال ضعف راويه وكذبه فى كتاب ميزان الاعتدال قال ابن
هشام وحدّثنى بعض أهل العلم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لعلىّ بن أبى طالب(1/444)
لا يصيب المشركون منا مثلها حتى يفتح الله علينا وبات جماعة من الصحابة تلك الليلة على باب مسجد رسول الله خوفا من رجوع قريش ومكرهم ولما بكى المسلمون على قتلاهم سرّ بذلك المنافقون وظهر غش اليهود* وذكر القاضى عياض فى الشفاء عن القاضى أبى عبد الله بن المرابط من المالكية أنه قال من قال انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم هزم يستتاب فان تاب والا قتل لانه تنقيص اذ لا يجوز ذلك عليه فى خاصته اذ هو على بصيرة من أمره ويقين من عصمته كذا فى المواهب اللدنية
*
بيان الحكم الربانية فى ابتلاء المسلمين
قال ابن اسحاق وكان يوم أحد يوم بلاء ومصيبة وتمحيص اختبر الله به المؤمنين ومحق به المنافقين ممن كان يظهر الاسلام بلسانه وهو مستخف بالكفر فى قلبه ويوما أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته وقد كان فى قصة أحد وما أصيب به المسلمون من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة منها تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية وشؤم ارتكاب النهى لما وقع من ترك الرماة موقفهم الذى أمرهم رسول الله أن لا يبرحوا منه* ومنها ان عادة الرسل تبتلى وتكون لهم العاقبة والحكمة فى ذلك لو انتصروا دائما لدخل فى المسلمين من ليس منهم ولم يتميز الصادق من غيره ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من البعثة فاقتضت الحكمة الجمع بين الامرين ليتميز الصادق من الكاذب وذلك ان نفاق المنافقين كان مخفيا على المسلمين فلما جرت هذه القصة وأظهر أهل النفاق ما أظهروه من القول والفعل عاد التلويح تصريحا وعرف المسلمون انّ لهم عدوّا فى دورهم وبين أظهرهم واستعدّوا لهم وتحرزوا عنهم* ومنها انّ فى تأخير النصر فى بعض المواطن هضما للنفس وكسر الشماختها فلما ابتلى المسلمون صبروا وجزع المنافقون* ومنها انّ الله تعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل فى دار كرامته لا تبلغها أعمالهم فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ليصلوا اليها* ومنها انّ الشهادة من أعلى مراتب الاولياء فساقهم اليها بين يدى الرسول ليكون شهيدا عليهم* ومنها انه أراد اهلاك أعدائه فقيض لهم الاسباب التى يستوجبون بها ذلك من كفرهم وبغيهم وطغيانهم فى أذى أوليائه فمحص ذنوب المؤمنين ومحق بذلك الكافرين* قال ابن اسحاق وفى شأن أحد أنزل الله تعالى ستين آية من آل عمران* وعن عبد الرحمن بن عوف أنزل الله فى شأن يوم أحد عشرين ومائة آية من آل عمران واذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال الى قوله أمنة نعاسا*
(ذكر شهداء أحد)
* قال ابن اسحاق استشهد يوم أحد من المسلمين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المهاجرين ثم من بنى هاشم بن عبد مناف* حمزة ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف قتله وحشى غلام جبير بن مطعم ومن بنى أمية بن عبد شمس* عبد الله بن جحش حليف لهم من بنى أسد بن خزيمة ومن بنى عبد الدار بن قصى مصعب بن عمير قتله عبد الله بن قميئة الليثى ومن بنى مخزوم بن يقظة شماس بن عثمان أربعة نفر* ومن الانصار من بنى عبد الاشهل عمرو بن معاذ بن النعمان والحارث بن أنس بن رافع وعمارة بن زياد بن السكن وسلمة ابن ثابت بن وقش وعمرو بن ثابت بن وقش وقد زعم عاصم بن عمرو بن قتادة ان أباهما ثابتا قتل يومئذ ورفاعة بن وقش وحسبل بن جابر أبو حذيفة وهو اليمان أصابه المسلمون فى المعركة ولا يدرون فتصدّق حذيفة بدينه على من أصابه وصيفى بن قيظى وخباب بن قيظى وعباد بن سهل والحارث بن أوس بن معاذ اثنا عشر رجلا* ومن أهل رابح اياس بن أوس بن عتيك الاشهلى وعبيد بن التيهان قال ابن هشام ويقال عتيك بن التيهان وحبيب بن زيد بن تيم ثلاثة نفر* ومن بنى ظفر يزيد بن حاطب ابن أمية بن رافع رجل ومن بنى عمرو بن عوف ثم من بنى ضبيعة بن زيد أبو سفيان بن الحارث بن وقشر بن زيد وحنظلة بن أبى عامر بن صيفى بن نعمان وهو غسيل الملائكة قتله شدّاد بن الاسود بن شعوب اللبثى رجلان ومن بنى عبيد بن زيد أنيس بن قتادة رجل ومن بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف(1/445)
أبو حبة وهو أخو سعد بن خيثمة لامه قال ابن هشام أبو حبة بن عمرو بن ثابت قال ابن اسحاق وعبد الله بن جبير بن النعمان وهو أمير الرماة رجلان ومن بنى السلم بن امرئ القيس بن مالك بن أوس خيثمة بن سعد بن خيثمة رجل ومن حلفائهم من بنى العجلان عبد الله بن سلمة رجل ومن بنى معاوية ابن مالك سبيع بن حاطب بن الحارث بن قيس بن هيشة رجل* ومن بنى النجار ثم من بنى سواد ابن مالك بن غنم عمرو بن قيس وابنه قيس بن عمرو* وثابت بن عمرو بن زيد* وعامر بن مخلد أربعة نفر* ومن بنى مبذول أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقف بن مالك بن مبذول* وعمرو بن مطرف بن علقمة رجلان ومن بنى عمرو بن مالك* أوس بن ثابت بن المنذر رجل وهو أخو حسان بن ثابت* ومن بنى عدى بن النجار أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد النجارى رجل* ومن بنى مازن بن النجار* قيس بن مخلد وكيسان عبد لهم رجلان* ومن بنى مازن بن النجار أيضا سليم بن الحارث ونعمان بن عبد عمرو رجلان* ومن بنى الحارث بن الخزرج خارجة بن زيد بن أبى زهير وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير دفنا فى قبر واحد وأوس بن الارقم بن زيد بن قيس ثلاثة نفر* ومن بنى الابجر وهم بنو خدرة مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبد بن الابجر وهو والد أبى سعيد الخدرى قال ابن هشام اسم أبى سعيد سنان ويقال سعد قال ابن اسحاق وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد بن الابجر وعتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية ثلاثة نفر* ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج ثعلبة بن سعد بن مالك الساعدى وثقف بن فروة بن اليدى رجلان ومن بنى ظريف رهط سعد بن عبادة عبد الله بن عمرو بن وهب بن ثعلبة وضمرة حليف لهم من جهينة رجلان ومن بنى عمرو بن عوف بن الخزرج ثم من بنى سالم ثم من بنى مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم نوفل بن عبد الله وعامر بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان ونعمان بن مالك بن ثعلبة بن فهر والمجدر بن زياد حليف لهم من بلى وعبادة بن الحسحاس* دفن نعان بن مالك والمجدر وعبادة فى قبر واحد خمسة نفر* ومن بنى الحبلى زفاعة بن عمرو رجل ومن بنى سلمة ثم من بنى حرام عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام دفنا فى قبر واحد وخلاد بن عمرو بن الجموح وأبو أيمن مولى عمرو بن الجموح أربعة نفر ومن بنى سواد بن غنم سليم بن عمرو بن حديدة ومولاه عنترة وسهل بن قيس بن أبى بن كعب ابن القين ثلاثة نفر ومن بنى زريق بن عامر ذكوان بن عبد قيس وعبيد بن المعلى بن لوذان رجلان قال ابن هشام عبيد بن المعلى من بنى حبيب*
عدّة الشهداء بأحد
قال ابن اسحاق فجميع من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المهاجرين والانصار خمسة وستون رجلا وفى المشكاة عن أنس قتل من الانصار يوم أحد سبعون ويوم بئر معونة سبعون ويوم اليمامة على عهد أبى بكر سبعون رواه البخارى وفى المواهب اللدنية قد استشهد يوم أحد من المسلمين سبعون فيما قاله مغلطاى وغيره وقيل خمسة وستون أربعة من المهاجرين وروى ابن منده من حديث أبى بن كعب قال استشهد من الانصار يوم أحد أربعة وستون ومن المهاجرين ستة وصححه ابن حبان وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون رجلا وقتل النبىّ صلّى الله عليه وسلم بيده أبى بن خلف قال ابن هشام وممن لم يذكر ابن اسحاق من السبعين الشهداء الذين ذكرنا من الاوس ثم من بنى معاوية بن مالك مالك بن نميلة حليف لهم من مزينة ومن بنى خطمة واسم خطمة عبد الله بن جشم بن مالك بن الاوس الحارث ابن عدى بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة ومن بنى الخزرج ثم من بنى سواد بن مالك مالك بن اياس ومن بنى عمرو بن النجار اياس بن عدى ومن بنى سالم بن عوف عمرو بن اياس* قال ابن اسحاق وقتل من المشركين يوم أحد من قريش ثم من بنى عبد الدار بن قصى بن أصحاب اللواء طلحة بن أبى(1/446)
طلحة واسم أبى طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار قتله على بن أبى طالب قال ابن اسحاق وعثمان بن أبى طلحة قتله حمزة وأبو سعيد بن أبى طلحة قتله علىّ وقيل سعد بن أبى وقاص ومسافع بن طلحة والجلاس بن طلحة قتلهما عاصم بن ثابت بن أبى الافلح وكلاب بن طلحة والحارث بن طلحة قتلهما قزمان حليف لبنى ظفر قال ابن هشام ويقال قتل كلابا عبد الرحمن بن عوف* قال ابن اسحاق وأرطاه بن شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله حمزة بن عبد المطلب وأبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان وشريح بن فارض قتله بعض المسلمين كذا فى المنتقى وصواب غلام لهم حبشى قتله قزمان* قال ابن هشام ويقال قتله على بن أبى طالب ويقال سعد بن أبى وقاص ويقال أبو دجانة قال ابن اسحاق والقاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان أحد عشر رجلا ومن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد قتله على بن أبى طالب وسباع بن عبد العزى بن نضلة الخزاعى حليف لهم قتله حمزة بن عبد المطلب رجلان ومن بنى مخزوم بن يقظة هشام بن أبى أمية بن المغيرة قتله قزمان والوليد بن العاص بن هشام ابن المغيرة قتله قزمان أربعة نفر ومن بنى جمح بن عمرو عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح وهو أبو عزة الشاعر قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم صبرا وأبى بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح قتله رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلان ومن بنى عامر بن لؤى عبيدة بن جابر وشيبة بن مالك بن المضرب قتلهما قزمان رجلان قال ابن هشام ويقال قتل عبيدة بن جابر عبد الله بن مسعود* قال ابن اسحاق فجميع من قتله الله تعالى يوم أحد من المشركين اثنان وعشرون رجلا* وفى المواهب اللدنية ثلاثة وعشرون رجلا*
غزوة حمراء الاسد
وفى هذه السنة وقعت غزوة حمراء الاسد قال ابن اسحاق كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوّال السنة الثالثة من الهجرة فلما كان يوم الاحد من الغد من يوم أحد لست عشرة ليلة مضت من شوّال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حمراء الاسد وهو موضع على ثمانية أميال من المدينة كذا فى سيرة ابن هشام وقيل عشرة* وفى معجم ما استعجم هى على يسار الطريق اذا أردت ذا الحليفة واليها انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثانى من أحد لما بلغه ان قريشا منصرفون الى المدينة* قال أهل السير لما انصرف أبو سفيان وأصحابه من قتال أحد وبلغوا الروحاء بالفتح ثم السكون ثم حاء مهملة أكثر ما قيل فى المسافة بينها وبين المدينة اثنان وأربعون ميلا* وفى صحيح مسلم ست وثلاثون وفى القاموس على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة ندموا على انصرافهم وتلاوموا وقالوا بئس ما صنعتم لا محمدا قتلتم ولا الكواعب أردفتم قتلتموهم حتى اذا لم يبق منهم الا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوّة وشوكة* وفى الكشاف ولما عزموا على الرجوع ألقى الله الرعب فى قلوبهم فامسكوا وفى رواية منعهم صفوان بن أمية ويقول لا تفعلوا فانّ القوم قد حربوا وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذى كان فارجعوا فرجعوا وفى المنتقى قال يا قوم لا ترجعوا فانّ محمدا وأصحابه الآن فى حنق شديد مما أصابهم فو الله ما أمنت ان رجعتم أن يجتمع جميع من كان تخلف عن أحد من الاوس والخزرج ويطؤكم ويغلبوا عليكم والآن لكم الغلبة فلا يكون الا أن ينعكس الامر فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يقذف فى قلوبهم الرعب ويريهم من نفسه وأصحابه قوّة وانّ الذى أصابهم لم يوهنهم من عدوّهم فندب أصحابه للخروج فى طلب أبى سفيان وأصحابه فانتدب عصابة منهم مع ما بهم من الجراح والقرح الذى أصابهم يوم أحد ففى اليوم الثانى من وقعة أحد نادى منادى رسول الله بالخروج فى طلب العدوّ وأن لا يخرجنّ معنا أحد الا من حضر يومنا بالامس فكلمه جابر بن عبد الله ابن عمرو(1/447)
فقال يا رسول الله انّ أبى كان قد خلفنى على أخوات لى سبع وقال يا بنى انه لا ينبغى لى ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهنّ ولست بالذى أو ثرك بالجهاد مع رسول الله على نفسى فتخلف على اخوتك فتخلفت عليهنّ فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرج معه ولم يخرج ممن لم يشهد قتال أحد غيره فلما سمعوا النداء تسارعوا الى الخروج ولم يشتغلوا بالتداوى فخرجوا مع الجراحات المتعدّدة واستعمل النبىّ صلّى الله عليه وسلم على المدينة ابن أمّ مكتوم فيما قاله ابن هشام وخرج وهو مجروح مشجوج مكسور الرباعية مكلوم الشفة متوهن المنكب الايمن من ضرب ابن قميئة وفى المنتقى وشفته العليا قد كلمت من باطنها وخرج لابسا سلاحه ووقف على الطريق راكبا حتى لحق به أصحابه فأنزل فيهم الذين استجابو الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ودفع لواءه وهو معقود لم يحلّ بعد الى على بن أبى طالب وقيل الى أبى بكر الصدّيق ونزل اليه أهل العوالى وقدّم ثلاثة نفر من أسلم طليعة فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الاسد وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم كما مرّ فبصروا بالرجلين فرجعوا اليهما فقتلوهما ومضى رسول الله وأصحابه حتى نزلوا بحمراء الاسد وعسكروا هناك ودفنوا الرجلين فى قبر واحد فأقام بها الاثنين والثلاثاء والاربعاء وأمر حتى أوقدوا تلك الليالى خمسمائة نار فذهب صيت عسكرهم ونارهم الى كل جانب فكبت الله بذلك عدوّهم فمرّ برسول الله معبد بن أبى معبد الخزاعى بحمراء الاسد وهو يريد مكة وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة نصح رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه لا يخفون عنه شيئا كان بها ومعبد يومئذ كان مشركا فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا ما أصابك فى أصحابك ولوددنا انّ الله عافاك فيهم ثم خرج ورسول الله صلّى الله عليه وسلم بحمراء الاسد حتى لقى أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء وقد أجمعوا الرجعة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا أصبنا أحدّ أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم لنكرّن على بقيتهم فلنفرغن منهم فمنعهم صفوان ابن أمية عن ذلك فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد قال محمد قد خرج فى أصحابه يطلبكم فى جمع لم أر مثله قط يتحرّفون عليكم تحرّفا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه فى يومكم وندموا على ما صنعوا وفيهم من الحنق عليكم شئ لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصى الخيل قال فو الله لقد أجمعنا الكرّة عليهم لنستأصل قال فانى أنهاك عن ذلك والله لقد حملنى ما رأيت ان قلت فيه أبياتا من شعر قال وما قلت قال قلت
كادت تهد من الاصوات راحلتى ... اذ سالت الارض بالجرد الابابيل
وذكر أبياتا فتر ذلك أبا سفيان ومن معه فقذف الله فى قلوبهم الرعب والتزلزل حتى رجعوا عما هموا به فارتحلوا سراعا وذلك قوله تعالى سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب* ومرّ به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عنى محمدا رسالة أرسلكم بها اليه وأحمل لكم بهذه غدا زبيبا بعكاظ اذا وافيتمونا قالوا نعم قال فاذا وافيتموه فأخبروه انا قد أجمعنا الرجعة والسير اليه والى أصحابه لنستأصل بقيتهم فبعث معبد الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم من يخبره بما وقع من استخبار أبى سفيان عنه وجوابه ومنع صفوان اياه عن الرجعة واندفاعهم الى مكة فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرشدهم صفوان وما كان برشيد وقال صلّى الله عليه وسلم وهو بحمراء الاسد حين بلغه انهم هموا بالرجعة والذى نفسى بيده لقد سوّمت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب كذا فى سيرة ابن هشام والاكتفاء* فمرّ الركب برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو بحمراء الاسد فأخبروه بالذى قال أبو سفيان وأصحابه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه(1/448)
حسبنا الله ونعم الوكيل هذا قول أكثر المفسرين وقال مجاهد وعكرمة نزلت هذه الآية فى غزوة بدر الصغرى الموعد وستجىء وأخذ رسول الله فى وجهه ذلك قبل رجوعه الى المدينة رجلين أحدهما معاوية بن المغيرة بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس جدّ عبد الملك بن مروان أبو أمّه عائشة بنت معاوية والثانى أبو عزة الجمحى اسمه عمرو بن عبد الله بن عثمان وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسره يبدر ثم منّ عليه وأطلقه لبناته الخمس وأخذ عليه العهد أن لا يعود الى حرب المسلمين وأن لا يظاهر عليهم أحدا وقد نقض العهد وحضر أحدا كما مرّ فى غزوة أحد فلما جىء به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله أقلنى فقال رسول الله والله لا تمسح عارضيك بمكة بعدها تقول خدعت محمدا مرّتين اضرب عنقه يا زبير فضرب عنقه كذا فى سيرة ابن هشام وفى رواية لا تمسح لحيتك بمكة تجلس فى الحجر وتقول خدعت محمدا مرّتين* قال ابن هشام وبلغنى عن سعيد بن المسيب أنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انّ المؤمن لا يلدغ من حجر مرّتين اضرب عنقه يا عاصم بن ثابت فضرب عنقه وانصرف عليه السلام الى المدينة ودخلها يوم الجمعة وكانت غيبته خمس ليال وأمّا معاوية بن المغيرة فاستأمن له عثمان بن عفان رسول الله فأمّنه على انه ان وجده بعد ثلاث قتل فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعمار بن ياسر وقال انكما ستجدانه بموضع كذا وكذا فوجداه فقتلاه*
سرقة طعمة
وفى هذه السنة سرق طعمة بن أبيريق من بنى ظفر بن الحارث بفتح الفاء بطن من الانصار درعا لقتادة بن النعمان وهو جار له وكانت الدرع فى جراب فيه دقيق ينتثر من خرق فى الجراب حتى انتهى الى دار طعمة ثم خبأها عند يهودى يقال له زيد السمين فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد عنده وحلف والله ما أخذها ولا له بها من علم فقال أصحاب الدرع لقد رأينا أثر الدقيق حتى دخل داره فلما حلف تركوه واتبعوا أثر الدقيق فانتهوا الى منزل اليهودى فأخذوها فقال دفعها الىّ طعمة فقال قوم طعمة وهم بنو ظفر انطلقوا الى رسول الله ليجادل عن صاحبنا وأخبروه بخلاف الحق قالوا ان لم نفعل افتضح صاحبنا وبرئ اليهودى ففعلوا وصدّقهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهمّ أن يعاقب اليهودى فأنزل الله تعالى انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما فلما ظهرت السرقة على طعمة خاف على نفسه من قطع اليد وهرب الى مكة وارتدّ عن الدين فنزل على رجل من أهل مكة يقال له الحجاج بن علاط من بنى سليم فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع أن يدخل ولا أن يخرج حتى أصبح فأخذ ليقتل فقال بعضهم دعوه فانه قد لجأ اليكم فتركوه وأخرجوه من مكة فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشأم فنزل منزلا فسرق بعض متاعهم فطلبوه فأخذوه ورموه بالحجارة حتى قتلوه فصار قبره تلك الحجارة وقيل انه ركب سفينة الى جدّة فسرق فيها كبسا فيه دنانير فألقى فى البحر وقيل انه نزل حرة بنى سليم وكان يعبد صنما لهم الى أن مات فأنزل الله انّ الله لا يغفر أن يشرك به الآية* وفى ذى القعدة من هذه السنة علقت فاطمة بالحسين وكان بين ولادة الحسن وعلوقها بالحسين خمسون ليلة وستجىء ولادة الحسين فى الموطن الرابع
*
(الموطن الرابع فى حوادث السنة الرابعة من الهجرة
من سرية أبى سلمة الى قطن ووفاته وسرية عبد الله بن أنيس الى عرنة لقتل سفيان بن خالد وسرية المنذر الى بئر معونة وسرية عاصم وقصة الرجيع وسرية عمرو بن أمية الضمرى الى مكة لقتل أبى سفيان وغزوة بنى النضير ووفاة زينب بنت خزيمة وغزوة ذات الرقاع وصلاة الخوف فيها ووفاة عبد الله بن عثمان وولادة الحسين بن علىّ وتعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود وغزوة بدر الصغرى الموعد وتزوّج أمّ سلمة ورجم اليهوديين ووفاة فاطمة بنت أسد أمّ علىّ وتحريم الخمر عند البعض) *(1/449)
* سرية أبى سلمة الى قطن
وفى هذه السنة لهلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة كانت سرية أبى سلمة عبد الله بن عبد الاسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم معه مائة وخمسون رجلا من المهاجرين والانصار لطلب طليحة وسلمة ابنى خويلد الاسديين الى قطن بفتح أوّله وثانيه جبل بناحية فيد كذا فى المواهب اللدنية وفى غيره ببلاد بنى أسد على يمينك اذا فارقت الحجاز وأنت صادر من النقرة* قال ابن اسحاق قطن ماء من مياه بنى أسد بنجد بعث اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبا سلمة بن عبد الاسد فى سرية فقتل مسعود بن عروة كذا فى معجم ما استعجم روى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى آخر السنة الثالثة أو فى أوّل السنة الرابعة بعث أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومى الى بنى أسد وسببه انه أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم انّ طليحة وسلمة ابنى خويلد يحرضان جماة من قومهما ومن تبعهما على قتال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويريدان اغارة المواشى من أرجاء المدينة وفى رواية جمعوا وتوجهوا الى المدينة ثم بدا لهم الرجوع فرجعوا الى منازلهم فدعا النبىّ أبا سلمة وعقد له لواء وأمّره على مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والانصار منهم أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبى وقاص وأسيد ابن حضير وأبو نائلة وأبو سبرة بن أبى رهم الغفارى وعبد الله بن سهل وأرقم بن أبى الارقم وأمر أبا سلمة بالمسير اليهم والاغارة عليهم بغتة قبل أن يعلموا ويجمعوا الجيش فخرج أبو سلمة من المدينة ودليله الوليد ابن الزبير الطائى ويسير معتسفا الى أن وصل الى قطن وأغار على سرحهم ودوابهم وأصابوا ثلاثة أعبد كانوا رعاة وهرب الباقون ولحقوا بقومهم وأخبروهم بمجىء أبى سلمة وكثرة جيشه فخافوا وهربوا عن منازلهم ثم نزلها أبو سلمة وأغاروا وجمعوا ما قدروا عليه من الاموال ورجعوا الى المدينة وأعطى الدليل الطائى ما رضى به من الاموال وعزل من الغنيمة عبد اللنبى صلّى الله عليه وسلم صفى المغنم ثم خمسها وقسم الباقى على أهل السرية فبلغ سهم كل واحد منهم سبعة أبعرة وأغناما ومدّة غيبته فى تلك السرية عشرة أيام وفى هذه السنة توفى أبو سلمة* وفى المواهب اللدنية مات أبو سلمة سنة أربع وقيل سنة ثلاث من الهجرة انتهى وكان أسلم قبل دخول رسول الله صلّى الله عليه وسلم دار الارقم وهاجر الى الحبشة الهجرتين ومعه امرأته أمّ سلمة* قال سهل بن حنيف أوّل من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبو سلمة وكذا أورد فى المنتقى وانه توفى فى السنة الرابعة من الهجرة* وقال فى الصفوة شهد بدرا وجرح بأحد فمكث شهرا يداوى جراحه ثم بعثه رسول الله فى سرية فلما قدم انتقض جرحه ثم توفى سنة ثلاث من الهجرة فحضره رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأغمضه بيده*
سرية عبد الله بن أنيس الى قتل سفيان بن خالد
وفى هذه السنة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس وحده الى قتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلى اللحيانى وفى الاكتفاء خالد بن سفيان ببطن عرنة وادى عرفة وفى القاموس بطن عرنة كهمزة بعرفات وليس من الموقف* وفى الاكتفاء وهو بنخلة أو بعرنة يجمع لحرب رسول الله الناس قال عبد الله بن أنيس دعانى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال انه قد بلغنى ان سفيان بن نبيح الهذلى يجمع لى الناس قال انك اذا رأيته أدركك الشيطان وآية ما بينك وبينه انك اذا رأيته وجدت له قشعريرة قال فخرجت متوشحا سيفى حتى دفعت اليه وهو فى ظعن يرتاد لهنّ منزلا وكان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما قال لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بينى وبينه مجادلة تشغلنى عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومئ برأسى فلما انتهيت اليه قال من الرجل قلت رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لذلك قال أجل أنا فى ذلك قال فمشيت معه شيئا حتى اذا أمكننى حملت عليه بالسيف فقتلته ثم خرجت وتركت ظعائنه مكيات عليه فلما قدمت على رسول الله صلّى الله عليه(1/450)
وسلم فرآنى قال أفلح الوجه قلت قد قتلته يا رسول الله قال صدقت ثم قام بى وأدخلنى بيته وأعطانى عصا فقال امسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس قال فخرجت بها على الناس فقالوا ما هذه العصا قلت أعطانيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمرنى أن أمسكها عندى قالوا أفلا ترجع اليه فتسأله لم ذلك فرجعت فقلت يا رسول الله لم أعطيتنى هذه العصا قال آية بينى وبينك يوم القيامة ان أقل الناس المتخصرون يومئذ فقرنها عبد الله بن أنيس بسيفه فلم تزل معه حتى مات ثم أمر بها فضمت فى كفنه ثم دفنا جميعا* وفى المواهب اللدنية أوردها فى السنة الرابعة وأوردها فى الوفاء فى السنة الخامسة بعد غزوة بنى قريظة وأوردها بعض أهل السير بعد سرية عاصم بن ثابت قال انه يعنى سفيان بن خالد كان سببا لقصة الرجيع وقتل عاصم وأصحابه فتكون سرية عبد الله بن أنيس بعد الرجيع* وفى بعض السير فلما قتله أخذ رأسه وكان يسير بالليل ويتوارى بالنهار فدخل غارا فبعث الله العنكبوت حتى نسجت على فم الغار وأخبر قومه فخرحوا فى طلبه فلم يجدوا فرجعوا فخرج عبد الله حتى قدم المدينة يوم السبت لسبع بقين من المحرم كذا فى المواهب اللدنية والوفاء فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أفلح الوجه قال أفلح الله وجهك يا رسول الله ووضع رأسه بين يديه وكانت مدة غيبته ثمانية عشر يوما روى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أعطاه مخصرة وقال تخصر بهذه فى الجنة وكانت المخصرة عنده الى وقت وفاته فلما دنا موته وصى بها أهله حتى لفوها فى كفنه ودفنوها معه وفى القاموس وذو المخصرة عبد الله بن أنيس لانّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم أعطاه مخصرة وقال تلقانى بها فى الجنة والمخصرة كالمكنسة ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه وما يأخذه الملك بيده يشير به اذا خاطب والخطيب اذا خطب*
سرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة
وفى هذه السنة كانت سرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة أوّلها فى المحرم كذا قاله فى الوفاء وقدّمها على سرية الرجيع كما فى المنتقى وأمّا فى المواهب اللدنية فقدّم سرية الرجيع على بئر معونة كما قاله ابن اسحاق والله أعلم وأورد كلتاهما فى صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد* وفي المواهب اللدنية بئر معونة بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو بعدها نون موضع ببلاد هذيل بين مكة وعسفان وفى معجم ما استعجم ماء لبنى عامر بن صعصعة وفى الاكتفاء وهى بين أرض بنى عامر وحرّة بنى سليم كلا البلدين منها قريب وهى الى حرّة بنى سليم أقرب* وفى الوفاء فى الصحيح من رواية أنس قال انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم أتاه رعل فزعموا انهم قد أسلموا واستمدّوه على قومهم فأمدّهم النبىّ بسبعين من الانصار قال أنس كنا نسميهم القراء وبعث معهم المطلب السلمى ليدلهم على الطريق فانطلقوا بهم حتى اذا بلغوا بئر معونة غدروا بهم وقتلوهم فقنت شهرا يدعو على رعل وذكوان وبنى لحيان* رعل بكسر الراء وسكون المهملة بطن من سليم ينسبون الى رعل بن عوف بن مالك وذكوان بطن من سليم أيضا ينسبون الى ذكوان بن ثعلبة فنسبت اليها الغزوة وهذه الغزوة تعرف بسرية القراء وفى رواية لما أخبره جبريل وجد وجدا شديدا فقنت شهرا وقيل أربعين يوما فى صلاة الغداة وذلك بدء القنوت يدعو على رعل وذكوان وعصية وسائر القبائل فيقول اللهمّ اشدد وطأتك على مضروا جعل عليهم ستين كسنى يوسف اللهم عليك ببنى لحيان ورعل وذكوان وعصية فانهم عصوا الله ورسوله اللهم عليك ببنى لحيان وعضل والقارة وفى بعض الروايات ما يقتضى انّ الذين استمدّوا لم يظهروا الاسلام بل كان بينهم وبين النبىّ عهد وانهم غير الذين قتلوا القراء لكنهم من قومهم وهو الذى فى كتب السير وقد بين ابن اسحاق فى المغازى وكذلك موسى ابن عقبة عن ابن شهاب أسماء الطائفتين وانّ أصحاب العهد هم بنو عامر ورأسهم أبو براء عامر بن مالك ابن جعفر المعروف بملاعب الا سنة والطائفة الاخرى من بنى سليم وان عامر بن أخى ملاعب الاسنة(1/451)
أراد الغدر بأصحاب النبىّ صلّى الله عليه وسلم فدعا بنى عامر الى قتالهم فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمّة أبى براء فاستصرخ عليهم عصية وذكوان من بنى سليم فأطاعوه وقتلوهم قالوا ومات أبو براء بعد ذلك أسفا على ما صنع به عامر بن الطفيل بن أخيه وقيل أسلم أبو براء عند ذلك وقاتل حتى قتل وعاش عامر بن الطفيل حتى مات كافرا بدعاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصابته غدّة كغدّة البعير ولم يكن القراء المذكورون كلهم من الانصار بل كان بعضهم من المهاجرين مثل عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصدّيق ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعى وغيرهما* وفى بعض كتب السير قصة بئر معونة أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر المشهور بملاعب الا سنة وكان سيد بنى عامر بن صعصعة من أهل نجد قدم على رسول الله المدينة وأهدى له هدية فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يقبلها وقال لا أقبل هدية مشرك وعرض عليه الاسلام وأخبر بماله فيه وما وعد الله المؤمنين وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد انّ الذى تدعو اليه حسن جميل ولو بعثت رجالا من أصحابك الى أهل نجد فيدعوهم الى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أخشى عليهم أهل نجد قال أبو براء أنالهم جاران تعرّض لهم أحد فابعثهم فليدعوا الناس الى أمرك فبعث سبعين رجلا على الرواية الاكثرية الصحيحة وأربعين رجلا على رواية البعض وثلاثين راكبا على رواية الآخرين يقال لهم قراء الصحابة وكان أكثرهم من الانصار وأربعة من المهاجرين المنذر ابن عمر والساعدى وحرام وسليم ابنا ملحان وحارث بن الصمة وعامر بن فهيرة والحكم بن كيسان وسهل بن عامر وطفيل بن أسعد وأنس بن معاوية ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعى وعروة بن أسماء بن الصلت السلمى وعطية بن عبد عمرو ومالك بن ثابت وسفيان بن ثابت وعمرو بن أمية الضمرى وكعب بن زيد والمنذر بن محمد بن عقبة بن الجلاح فى رجال مسمين من خيار المسلمين كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل وأمر عليهم فى صفر المنذر بن عمرو أخا بنى ساعدة وهو أحد نقباء ليلة العقبة وكتب كتابا الى رؤساء نجد وبنى عامر ودفعه اليهم فساوا حتى نزلوا بئر معونة وبعثوا رواحلهم الى المرعى مع عمرو بن أمية الضمرى ورجل آخر من الانصار أحد بنى عمرو بن عوف* وفى رواية حارث ابن الصمة بدل الانصارى* وقال بعضهم لبعض أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا الماء فقال حرام بن ملحان أنا فخرج بكتاب رسول الله الى عامر بن الطفيل وكان على ذلك الماء فلما أتاهم حرام وقال أتؤمنونى أن أبلغ رسالة رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم ينظر عامر بن الطفيل فى كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال حرام بن ملحان يا أهل ماء بئر معونة انى رسول رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج اليه رجل من كسر البيت فطعنه بالرمح فى حنبه حتى خرج من الشق الآخر* وفى رواية فأومؤا الى رجل حتى أتاه من خلفه فطعنه بالرمح حتى أنفذ فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة وقال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم استصرخ عامر بن الطفيل بنى عامر على المسلمين فامتنعوا وقالوا لا نخفر ذمّة أبى براء عمك وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم عصية ورعلا وذكوان من سليم فأجابوه فخرجوا حتى غشوا القوم وأحاطوا بهم فى رحالهم فلما رآهم المسلمون أخذوا السيوف فقاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم الا كعب بن زيد أخا بنى دينار بن النجار فانهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق* وفى رواية لما استبطأ المسلمون حراما أقبلوا فى أثره فلقيهم القوم فأحاطوا بهم وكاثروهم فقال المسلمون اللهمّ انا لم نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك فاقرئه منا السلام فبلغ جبريل رسول الله سلامهم فقال وعليهم السلام وكان فى سرح القوم عمرو بن أمية الضمرى(1/452)
ورجل آخر من الانصار من بنى عمرو بن عوف وقيل انه المنذر بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح فلم ينبههما بمصاب أصحابهما الا الطير تحوم على العسكر فقالا والله انّ لهذا الطير لشأنا فأقبلا لينظرا فاذا القوم فى دمائهم والخيل التى أصابتهم واقفة فقال الانصارى لعمرو بن أمية الضمرى ماذا ترى قال أرى أن نلحق برسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال الانصارى لكنى ما كنت أرغب بنفسى عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو الساعدى ثم قاتل القوم* وفى رواية قتل أربعة من المشركين حتى قتل وأسر عمرو بن أمية فأتى به الى عامر بن الطفيل فقام ودخل به فى القتلى يستبرئهم ويسأل عن اسم كل واحد ونسبه ثم قال هل من أصحابك من ليس فيهم قال نعم ما رأيت فيهم عامر بن فهيرة مولى أبى بكر الصدّيق وكان قد قتله رجل من بنى كلاب قال أى رجل هو فيكم قال من أفضلنا وأوّل المسلمين من أصحاب رسول الله قال لما قتل رأيته رفع الى السماء* وعن عروة انّ عامر بن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل وفى أسد الغابة قال عامر بن الطفيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم لما قدم عليه من الرجل الذى لما قتل رأيته رفع بين السماء والارض حتى رأيت السماء دونه قال هو عامر بن فهيرة كذا فى معالم التنزيل* وفى شرح صحيح البخارى للكرمانى قال عروة طلب عامر يومئذ فى القتلى فلم يوجد قال ويرون أن الملائكة دفنته أو رفعته* وروى عن جبار بن سلمى قاتل عامر بن فهيرة أنه قال لما طعنته بالرمح وأنفذته سمعته قال فزت والله ورأيته رفع الى السماء* وفى معجم ما استعجم أنه أخذ من رمحى وصعد به فانطلقت الى ضحاك بن سفيان الكلابى وحكيت له قول عامر بن فهيرة فزت والله قال ضحاك ان مقصوده انك فزت بالجنة فعرض ضحاك علىّ الاسلام فأسلمت وكان ما رأيته سببا لاسلامى* وفى الاكتفاء وكان جبار بن سلمى يقول انّ مما دعانى الى الاسلام انى طعنت رجلا منهم بالرمح بين كتفيه فنظرت الى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول فزت والله فقلت فى نفسى ما فاز ألست قد قتلت الرجل حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا الشهادة فقلت فاز لعمر الله* ونقل انّ الضحاك بن سفيان كتب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره باسلام جبار وبما رآه من رفع عامر ابن فهيرة الى السماء قال دفنته ملائكة الجنة ورفع روحه الى عليين* وفى صحيح مسلم عن أنس دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا وفى المنتقى أربعين يدعو على رعل وذكوان وبنى لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله* قال أنس أنزل الله فى الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد أى نسخت تلاوته وهو بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه* وفى رواية عنه وأرضانا انتهى كذا وقع فى هذه الرواية وهو يوهم ان بنى لحيان ممن أصاب القراء يوم بئر معونة وليس كذلك وانما أصاب هؤلاء رعل وذكوان وعصية ومن صحبهم من سليم وأمّا بنو لحيان فهم الذين أصابوا بعث الرجيع وانما أتى الخبر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهم كلهم فى وقت واحد فدعا على الذين أصابوا أصحابه فى الموضعين دعاء واحدا والله أعلم كذا فى المواهب اللدنية* روى انهم لما أسروا عمرو بن أمية وأتوا به الى عامر بن الطفيل وأخبر انه من ضمرة أطلقه وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم انها كانت على أمّه فقدم عمرو على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره الخبر قال هذا عمل أبى براء قد كنت لهذا كارها متخوّفا* روى ان ربيعة بن أبى براء بعد موت أبيه طعن عامر بن الطفيل فقتله كذا فى معالم التنزيل* وفى رواية طعنه فى نادى قومه حتى أشرف على الهلاك فقال ان عشت فلا أبالى بذلك وان مت فدمى لعمى فعاش بعد ذلك حتى ابتلى بغدة كغدة البعير ومات كافرا ويجىء فى الموطن العاشر* وفى معالم التنزيل قتل المنذر بن عمرو وأصحابه الا ثلاثة نفر كانوا فى طلب ضالة لهم أحدهم عمرو بن أمية الضمرى
فلم يرعهم الا الطير تحوم فى السماء يسقط من بين(1/453)
خراطيمها علق الدم فقال أحد النفر الثلاثة قتل أصحابنا ثم تولى يشتد حتى لقى رجلا فاختلفا ضربتين فلما خالطه الضربة رفع طرفه الى السماء وفتح عينيه وقال الله أكبر الجنة ورب العالمين ورجع صاحباه فلقيا رجلين من بنى سليم وكان بين النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة فانتسبا الى بنى عامر فقتلاهما* وفى الاكتفاء فخرج عمرو بن أمية حتى اذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بنى عامر حتى نزلا معه فى ظلّ هو فيه فسألهما ممن أنتما فقالا من بنى عامر فأمهلهما حتى اذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى انه قد أصاب بهما ثؤرة من بنى عامر فيما أصابوه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجوار ولم يعلم به عمرو بن أمية ولما قدم المدينة وأخبر النبىّ خبر أصحابه وخبر قتل الرجلين لامه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال قتلت قتيلين كان لهما منى جوار لأدينهما فقدم الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم قومهما فى ديتهما فخرج فيها الى بنى النضير وستجىء غزوة بنى النضير بعد وقعة الرجيع*
سرية عاصم بن ثابت الى الرجيع
وفى صفر هذه السنة وقعت وقعة الرجيع وهى سرية عاصم بن ثابت* الرجيع بفتح الراء وكسر الجيم ماء لهذيل ولبنى لحيان ببلاد هذيل بين مكة وعسفان بناحية الحجاز على سبعة أميال من الهدة كانت الوقعة بقرب منه فسميت به كذا فى المواهب اللدنية* وفى الصفوة كان يوم الرجيع على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة وذكرها فى الوفاء فى السنة الرابعة بعد بئر معونة كما فى هذا الكتاب وقال ثم كانت غزوة الرجيع فى صفر وكانت بئر معونة أوّلها فى المحرم على ما ذكرو الله أعلم*
(ذكر عضل والقارة)
* عضل بفتح المهملة والمعجمة بعدها لام بطن من بنى الهون بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ينسبون الى عضل بن الديش والقارة بالقاف وتخفيف الراء بطن من الهون أيضا ينسبون الى الديش المذكور* قال ابن دريد القارة أكمة سوداء فيها حجارة كأنهم نزلوا عندها فسموا بها كذا فى المواهب اللدنية وقصة عضل والقارة كانت فى بعث الرجيع لا فى سرية بئر معونة وقد فصل بينهما ابن اسحاق فذكر بعث الرجيع فى أواخر سنة ثلاث وبئر معونة فى أوائل سنة أربع* وذكر الواقدى ان خبر بئر معونة وخبر اصحاب الرجيع جاء الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ليلة واحدة وسياق ترجمة البخارى يوهم ان بعث الرجيع وبئر معونة شئ واحد وليس كذلك لانّ بعث الرجيع كان سرية عاصم وخبيب واصحابهما وهى مع عضل والقارة وبئر معونة كانت سرية القراء وهى مع رعل وذكوان وكانّ البخارى أدمجها معها لقربها منها ويدل على قربها منها ما فى حديث أنس من تشريك النبىّ صلّى الله عليه وسلم بين بنى لحيان وبين بنى عصية وغيرهم فى الدعاء ولم يرد البخارى انهما قصة واحدة ولم يقع ذكر عضل والقارة عنده صريحا وانما وقع ذلك عند ابن اسحاق فانه بعد أن استوفى قصة أحد قال ذكر يوم الرجيع حدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة قال قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله انّ فينا اسلاما فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث معهم ستة من اصحابه* وفى رواية بعث معهم عشرة من اصحابه أسامى سبعة منهم معلومة فى كتب الاحاديث والسير وهم عاصم بن ثابت ومرثد بن ابى مرثد الغنوى وخبيب بن عدى وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق وخالد بن أبى البكير ومعتب بن عبيد وأمّا الثلاثة الاخر فكأنهم لم يكونوا من مشاهير القوم وأعيانهم وأصولهم ولذا لم يكن الاهتمام بضبط أسمائهم وأمر عليهم مرثد بن أبى مرثد الغنوى كذا فى بعض كتب السير* وفى الصحيح وأمر عليهم عاصم بن ثابت وهو اصح فخرجوا مع القوم حتى اذا اتوا على الرجيع ماء لهذيل غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم وهم فى رحالهم الا الرجال بأيديهم السيوف وقد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم فقالوا لهم انا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله(1/454)
وميثاقه أن لا نقتلكم فأبوا وأمّا مرثد وخالد وعاصم بن ثابت فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا وقاتلوا حتى قتلوا* وفى البخارى وأمر عليهم عاصم بن ثابت حتى اذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة يقال منها الى عسفان سبعة أميال ذكروا لحى من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائتى رجل وعند بعضهم فتبعوا لهم بقريب من مائة رام والجمع بينهما واضح وهو أن تكون المائة الاخرى غير رماة* وفى رواية ابى معشر فى مغازيه فنزلوا بالرجيع سحرا فاكلوا تمر عجوة فسقط نواه بالارض وكانوا يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما فرأت النوى فأنكرت صغرهنّ وقالت هذا تمر يثرب فصاحت فى قومها أتيتم فجاؤا فى طلبهم فوجدوهم كمنوا فى الجبل فاتبعوا آثارهم حتى لحقوهم* وفى رواية ابن سعد فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤا الى فدفد بفاءين مفتوحتين ومهملتين الاولى ساكنة وهى الرابية المشرفة فأحاط بهم القوم فقالوا لكم العهد والميثاق ان نزلتم الينا أن لا نقتل منكم رجلا فقال عاصم بن ثابت أيها القوم امّا أنا فلا أنزل فى ذمّة كافر ولا أقبل جوار مشرك ولا أضع يدى فى يد مشرك نذرت بذلك وأشهدت الله عليه ثم قال اللهمّ أخبر عنا رسولك فاستجاب الله لعاصم فأخبر رسوله خبرهم يوم أصيبوا فرماهم بالنبل وجعل يقاتل ويقول
ما علتى وأنا جلدنا بل ... والقوس فيها وترعنا بل
تزل عن صفحتها المعابل ... ان لم أقاتلكم فأمى هابل
الموت حق والحياة باطل ... وكل ما حمّ الاله نازل
بالمرء والمرء اليه آيل
فرماهم بالنبل حتى فنيت نبله*
كرامة عاصم فى حفظ جثته بعد استشهاده
وفى رواية نثر عاصم كنانته فيها سبعة أسهم فقتل بكل سهم رجلا من عظماء المشركين ثم طاعنهم حتى انكسر رمحه ثم سل سيفه وقال اللهمّ انى حميت دينك صدر النهار فاحم لحمى آخره* وفى الصفوة فجرح رجلين وقتل واحدا وقتلوه بالنبل فقالوا هذا الذى آلت فيه المكية وهى سلافة فأرادوا أن يحتزوا رأسه ليذهبوا به اليها فبعث الله مثل الظلة من الدبر بفتح المهملة وسكون الموحدة أى الزنابير فحمته فلم يستطيعوا أن يحتزوا رأسه فقالوا أمهلوه حتى يمسى فتذهب عنه فلما أمسى أرسل الله سيلا فحمله الى حيث أراد الله فسمى حمى الدبر وذلك يوم الرجيع* وفى معالم التنزيل فاحتمل السيل عاصما فذهب به الى الجنة وحمل خمسين من المشركين الى النار* وفى حياة الحيوان ان المشركين لما قتلوه أرادوا أن يمثلوا به فحماه الله بالدبر فارتدعوا عنه حتى أخذه المسلمون فدفنوه* وعن عمر بن الخطاب قال ان عاصما نذر أن لا يمس مشركا فلما وفى بنذره عصمه الله تعالى عن مساس المشركين اياه فصار عاصم معصوما* روى ان قريشا بعثت الى عاصم ليؤتوا بشىء من جسده يعرفونه فلم يظفروا منه على شىء وكان عاصم قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر ولعلّ العظيم المذكور عقبة بن أبى معيط فانّ عاصما قتله صبرا بأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ان انصرفوا من بدر ووقع عند ابن اسحاق وكذا فى رواية يزيد بن أبى سفيان انّ عاصما لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعيد وهى أمّ مسافع وجلاس ابنى طلحة العبدرى وكان عاصم قتلهما يوم أحد وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر فى قحفه* قال الطيرى وجعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة فمنعه الدبر أى الزنابير فلم يقدروا منه على شىء وكان عاصم قد أعطى الله العهد أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا وكان عمر لما بلغه خبره يقول يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما حفظه فى حياته وانما استجاب الله له فى حماية لحمه من المشركين ولم يمنعه من قتله لما أراد الله من اكرامه بالشهادة ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمة* وأمّا الستة الاخر فاقتدوا بعاصم فقاتلوا(1/455)
حتى قتلوا بالنبل ونزل ثلاثة منهم على العهد والميثاق ولم يف الكفار بعهدهم وهم خبيب بن عدى وعبد الله بن طارق وزيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وفتح النون المشدّدة فأسروا فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها* قال عبد الله هذا أوّل الغدر والله لاصبحتكم انّ لى بهؤلاء أسوة يعنى القتلى فجروه وعالحوه فأبى أن يصحبهم فقتلوه كذا فى الصفوة والمنتقى* وفى رواية خرجوا بالنفر الثلاثة حتى اذا كانوا بمر الظهران انتزع عبد الله يده من رباطه وأخذ سيفه وجعل يشتدّ فيهم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بمر الظهران كذا ذكره فى الصفوة فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة أمّا خبيب فاشتراه بنو الحارث بن عامر بن نفيل بمائة ابل وقيل اشتروه بأمة سوداء وقيل فادوا به أسيرين من هذيل كانا بمكة وكان خبيب قتل الحارث يوم بدر* وفى المنتقى اشترى خبيبا حجير بن أبى اهاب لابن أخته عقبة بن الحارث ليقتله بأبيه* وأمّا زيد بن الدثنة فاشتراه صفوان بن أمية بخمسين رأسا ليقتله بأبيه وكان قتل يوم بدر وقيل اشترك جماعة فى ابتياعه وقيل حين أتوابهما الى مكة كان ذا القعدة فحبسوا كل واحد منهما فى مكان على حدة حتى تخرج الاشهر الحرم فيقتلوهما فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله وتخرج الاشهر الحرم فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدّبها يعنى يحلق عانته فأعارته فدرج بنى لها وهى غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه* وفى رواية فغفلت عن ابن لها صغير فأقبل اليه الصبىّ فأجلسه عنده والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لا فعل ذلك قالت والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب فى يده مثل رأس الرحل وانه لموثق بالحديد وما بمكة ثمرة وما كان الارزق رزقه الله خبيبا وهذه كرامة جعلها الله تعالى لخبيب وآية على الكفار وبرهان لنبيه لتصحيح رسالته*
دقيقة فى أنّ الكرامة ثابتة للاولياء
والكرامة للاولياء ثابتة مطلقا عند أهل السنة ولكن استثنى بعض المحققين منهم كالعالم الربانى أبى القاسم القشيرى ما وقع به التحدى لبعض الانبياء قال ولا يصلون الى مثل ايجاد ولد من غير أب ونحو ذلك وهذا أعدل المذاهب فى ذلك وان اجابة الدعوة فى الحال وتكثير الطعام والمكاشفة بما يغيب عن العين والاخبار بما سيأتى ونحو ذلك قد كثر جدّا حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب الى الصلاح كالعادة فانحصر الخارق الآن فى نحو ما قاله القشيرى وتعين تقييد ما أطلق بان كل معجزة وجدت لنبىّ تجوز أن تقع كرامة لولى ووراء ذلك ان الذى استقرّ عند العامّة ان خرق العادة يدل على ان من وقع له ذلك يكون من أولياء الله وهو غلط فانّ الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب فيحتاج من يستدلّ بذلك على ولاية أولياء الله الى فارق وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له فان كان متمسكا بالاوامر الشرعية والنواهى كان علامة على ولايته ومن لا فلا والله أعلم وقد مرّ نحوه فى أوائل الكتاب* ولما انسلخ الاشهر الحرم أخرجوا خبييا وزيدا من الحرم الى التنعيم ليقتلوهما فى الحل ونصبوا خشبة وحضر أكثر أهل مكة واجتمع خبيب وزيد فى الطريق فتواصوا بالصبر والثبات على ما يلحقهما من المكاره قال لهم خبيب دعونى أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال والله لولا أن تحسبوا أن ما بى جزع لزدت وعند موسى بن عقبة انه صلاهما فى موضع مسجد التنعيم وقال اللهمّ أحصهم عددا واقتلهم بددا يعنى متفرّقين ولا تبق منهم أحدا فلم يحل الحول ومنهم أحد حىّ كذا فى المواهب اللدنية* قال معاوية بن أبى سفيان كنت فيمن حضر قتل خبيب ولقد رأيت أبا سفيان حين دعا خبيب اللهمّ أحصهم عددا يلقينى الى الارض فرقا من دعوته وكانوا يقولون ان الرجل اذا دعا عليه أحد فاضطجع زلت عنه الدعوة* وقال حويطب بن عبد العزى جعلت اصبعى فى أذنى وهربت من ذلك المكان* وقال حكيم بن حزام تخبأت وراء شجرة أو قال بأصل شجرة(1/456)
وعن ابن اسحاق أنه قال أكثر الذين حضروا قتل خبيب ابتلوا ببلاء وكان ممن حضره يومئذ سعد بن عامر بن جذيم الجمحى ثم اسلم واستعمله عمر بن الخطاب على بعض الشأم ويروى على حمص وكان تصيبه غشية بين ظهرى القوم فذكر ذلك لعمر وقيل ان الرجل مصاب فسأله عمر فى قدمة قدمها عليه فقال يا سعد ما هذا الذى يصيبك قال والله يا امير المؤمنين ما بى من بأس ولكننى كنت فيمن حضر خبيب بن عدى حين قتل وسمعت دعوته فو الله ما خطرت على قلبى وأنا فى مجلس قط الا وغشى علىّ فزادته عند عمر خيرا* وفى رواية بريدة بن سفيان قال خبيب اللهم انى لا اجد من يبلغ رسولك منى السلام فبلغه* وفى رواية أبى الاسود عن عروة جاء جبريل الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره بذلك الحديث ثم أنشأ خبيب يقول
فلست أبالى حين اقتل مسلما ... على اىّ شق كان لله مصرعى
وذلك فى ذات الاله وان يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
الى الله أشكو غربتى بعد كربتى ... وما أرصد الاحزاب لى عند مصرعى
وساق ابن اسحاق هذه الابيات ثلاثة عشر بيتا قال ابن هشام ومن الناس من ينكرها لخبيب والاوصال جمع وصل وهو العضو والشلو بكسر المعجمة الجسد ويطلق على العضو لكن المراد به هاهنا الجسد كذا فى المواهب اللدنية قال أبو هريرة كان خبيب أوّل من سنّ الركعتين عند القتل لكل مسلم قتل صبرا لانه فعله فى حياته صلّى الله عليه وسلم فاستحسن ذلك من فعله وقررها واستحسن المسلمون فبقى سنة والصلاة خير ما ختم به عمل العبد
دعاء زيد بن حارثة واستجابته
وقد صلّى هاتين الركعتين زيد بن حارثة مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذلك فى حياته عليه السلام كما روى السهيلى بسنده الى الليث بن سعد قال بلغنى أن زيد ابن حارثة اكترى بغلا من رجل بالطائف اشترط عليه المكرى أن ينزله حيث شاء قال فمال به الى خربة فقال له انزل فنزل فاذا فى الخربة قتلى كثيرة قال فلما أراد أن يقتله قال له دعنى أصلّ ركعتين قال صلّ فقد صلّى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا قال فلما صليت أتانى ليقتلنى فقلت يا ارحم الراحمين قال فسمعت صوتا لا تقتله فهاب ذلك فخرج يطلب فلم ير شيئا فرجع الىّ فناديت يا ارحم الراحمين فعل ذلك ثلاثا فاذا بفارس على فرس فى يده حربة من حديد وفى رأسها شعلة نار فطعنه بها فأنفذ من ظهره فوقع ميتا ثم قال لما دعوت المرّة الاولى يا أرحم الراحمين كنت فى السماء السابعة فلما دعوت الثانية يا ارحم الراحمين كنت فى السماء الدنيا فلما دعوت الثالثة أتيتك انتهى* وفى سيرة مغلطاى ذكر بعضهم ان هذه القصة وقعت لاسامة بن زيد والصواب زيد بن حارثة والد أسامة ووقع فى رواية أبى الاسود عن عروة فلما وضعوا السلاح فى خبيب وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب ان محمدا مكانك قال لا والله ما احب أن يفدينى بشوكة فى قدمه وسيجىء مثل هذا لزيد بن الدثنة ولا مانع من التعدّد قال سعيد بن عامر بن جذيم قد بضعت قريش لحم خبيب ثم حملوه على جذعة بحيث كان وجهه الى المدينة قال لا يضرّنى صرف وجهى عن الكعبة فان الله تعالى قال فأينما تولوا فثمّ وجه الله فقالوا له ارجع عن دين محمد فقال لا ارجع أبدا قالوا واللات والعزى ان لم ترجع نقتلك قال ان قتلى فى الله لقليل ثم قال اللهم انك تعلم انه ليس أحد حوالىّ أن يبلغ رسولك سلامى فابلغه سلامى قال زيد بن أسلم كنت فى جماعة عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذ ظهر عليه أثر الوحى فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ان قريشا قتلوا خبيبا وهذا جبريل أتى بسلامه* وفى الاكتفاء زعموا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال وهو جالس فى ذلك اليوم الذى قتلا فيه وعليكما أو وعليك السلام خبيب قتلته قريش لا ندرى أذكر ابن الدثنة معه أم لا ثم ان قريشا طلبوا جماعة ممن قتل آباؤهم وأقرباؤهم ببدر فاجتمع اربعون منهم بأيديهم الرماح(1/457)
والحراب وقالوا لهم ان هذا الرجل قتل آباءكم فطعنوه بالحراب والرماح فتحرّك خبيب على الخشبة فانقلب وجهه الى الكعبة فقال الحمد لله الذى جعل وجهى نحو قبلته التى رضى لنفسه ولنبيه وللمؤمنين* وفى الكشاف صلبه أهل مكة وجعلوا وجهه الى المدينة فقال اللهم ان كان لى عندك خير فحوّل وجهى نحو قبلتك فحوّل الله وجهه نحوها فلم يستطع أحد أن يحوّله فقام اليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فطعنه فى صدره حتى أنفذ من ظهره فعاش ساعة وبه رمق فأقر فيها بالتوحيد وبنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ثم مات رضى الله عنه وله كرامات كثيرة يطول الكتاب بذكرها ثم أسلم أبو سروعة وروى الحديث وله فى صحيح البخارى ثلاثة أحاديث ثم أتى بزيد بن الدثنة الى الخشبة فاقتدى بخبيب فصلى ركعتين فحملوه على الخشبة وقالوا له مثل ما قالوا لخبيب من الرجوع عن الدين والتخويف بالقتل فأجابهم بمثل ما أجابهم خبيب* وفى الصفوة وحضر نفر من قريش فيهم أبو سفيان فقال قائل يا زيد أنشدك الله أتحب أنك الآن فى أهلك ومالك وأن محمدا عندنا مكانك ويقال ان الذى قال ذلك لزيد أبو سفيان قال والله ما أحب أن محمدا يشاك فى مكانه شوكة تؤذيه وأنا جالس فى أهلى فقال ابو سفيان والله ما رأيت من قوم قط أشدّ حبا لصاحبهم من أصحاب محمد له* وفى رواية قال ابو سفيان ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا فقتله نسطاس بكسر النون عبد صفوان بن أمية وقد مرّ مثل هذا الخبيب* روى ان اللحيانيين ذهبوا الى سلافة بنت سعيد لطلب الابل المائة التى جعلتها على قتل عاصم فأبت وقالت جعلتها لمن يأتينى برأسه أو رأس واحد ممن قتل ابنى وما أتيتم به فرجعوا خائبين خاسرين وروى أن المشركين تركوا خبيبا على الخشبة ليراه الوارد والصادر فيذهب بخبره الى الاطراف ولما بلغ النبى صلّى الله عليه وسلم الخبر قال أيكم يختزل خبيبا عن خشبته وله الجنة قال الزبير بن العوّام أنا يا رسول الله وصاحبى المقداد بن الاسود فخرجا من المدينة يمشيان ويسيران بالليل ويكمنان بالنهار حتى أتيا التنعيم ليلا واذا حول الخشبة أربعون من المشركين نيام نشاوى فأنزلاه فاذا هو رطب يتثنى لم يتغير منه شئ بعد أربعين يوما ويده على جراحته وهى تبض دما اللون لون الدم والريح ريح المسك فحمله الزبير على فرسه وسارا فانتبه الكفار وقد فقدوا خبيبا فأخبروا قريشا فركب منهم سبعون رجلا فلما لحقوا بهما قذف الزبير خبيبا فابتلعته الارض فسمى بليع الارض فقال الزبير ما جرّأكم علينا يا معشر قريش ثم رفع العمامة عن رأسه فقال أنا الزبير بن العوام وأمى صفية بنت عبد المطلب وصاحبى المقداد بن الاسود أسدان رابضان حاميان حافظان يدفعان عن شبلهما فان شئتم ناضلتكم وان شئتم نازلتكم وان شئتم انصرفتم فانصرفوا الى مكة وقدما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجبريل عنده فقال يا محمد ان الملائكة تباهى بهذين من أصحابك فنزل فيهما ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله الآية وقيل نزلت فى علىّ حين نام على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة الغار كما مرّ فى معالم التنزيل* وقال الاكثرون نزلت فى صهيب بن سنان الرومى أخذه المشركون فى رهط من المؤمنين يعذبونه فقال لهم صهيب انى شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أو من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالى وتذرونى ودينى ففعلوا* وفى الصفوة عن عمرو بن امية الضمرى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا الى قريش قال فجئت الى خشبة خبيب وأنا أتخوّف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا فوقع الى الارض فانتبذت عنه بعيدا ثم التفت فلم أرخبيبا ولكأنما ابتلعته الارض فلم ير لخبيب أثر حتى الساعة*
بعث عمرو بن أمية الى أبى سفيان بن حرب
وفى هذه السنة كان بعث عمرو بن أمية الضمرى الى أبى سفيان بن حرب بمكة* فى الاكتفاء بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمرى بعد مقتل خبيب وأصحابه الى مكة وأورد فى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى بعث عمرو بن أمية فى السنة السادسة(1/458)
بعد سرية كرز بن جابر وقبل الحديبية كما سيجىء وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب وبعث معه جبار ابن صخر الانصارى أو سلمة بن أسلم فخرجا حتى قدما مكة وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ثم دخلا مكة ليلا فقال جبار لعمر ولو أنا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين فقال عمرو ان القوم اذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم فقال كلاهما ان شاء الله قال عمرو فطفنا بالبيت وصلينا ثم خرجنا نريد أبا سفيان فو الله انا لنمشى بمكة اذ نظر الىّ رجل من أهل مكة فعرفنى فقال عمرو بن أمية والله ان قدومهما الا لشرّ فقلت لصاحبى النجاء فخرجنا نشتدّ حتى صعدنا فى الجبل وخرجوا فى طلبنا حتى اذا علونا الجبل يئسوا منا فرجعوا فدخلنا كهفا فى الجبل فبتنا وقد أخذنا حجارة فرضمنا هادوننا فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يسوق فرسا ويخلى عليها فغشينا ونحن فى الغار فقلت ان رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا قال ومعى خنجر أعددته لابى سفيان فخرجت اليه فضربته على ثديه فصاح صيحة أسمع أهل مكة ورجعت ودخلت مكانى وجاءه الناس يشتدّون وهو بآخر رمق فقالوا من ضربك فقال عمرو بن أمية الضمرى وغلبه الموت فمات مكانه ولم يدلل على مكاننا فاحتملوه فقلت لصاحبى لما أمسينا النجاء فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدى فقال أحدهم والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو ابن أمية الضمرى لولا انه بالمدينة لقلت انه عمرو بن أمية فلما حاذى عمرو الخشبة شدّ عليها فاحتملها وخرج هو وصاحبه يشتدّان وخرجوا وراءه حتى أتى جرفا بمهبط ياجج فرمى بالخشبة فغيبه الله عنهم فلم يقدروا عليه قال عمرو بن امية وقلت لصاحبى النجاء حتى تأتى بعيرك فتقعد عليه فانى شاغل عنك القوم وكان الانصارى لا راحلة له قال ومضيت حتى خرجت على صجنان ثم أويت الى جبل فدخلت كهفا فبينا أنا فيه دخل علىّ شيخ من بنى الديل أعور فى غنيمة فقال من الرجل قلت من بنى بكر فمن أنت قال من بنى بكر قلت مرحبا فاضطجع ثم رفع عقيرته فقال
ولست بمسلم ما دمت حيا ... ولا دان لدين المسلمينا
فقلت فى نفسى ستعلم فأمهلته حتى اذا نام أخذت قوسى فجعلت سيتها فى عينه الصحيحة ثم تحاملت علميه حتى بلغت العظم ثم خرجت النجاء حتى جئت العرج ثم سلكت ركونة حتى اذا هبطت البقيع اذا رجلان من قريش من المشركين كانت قريش بعثتهما عينا الى المدينة ينظران ويتجسسان فقلت استأسرا فأبيا فرميت أحدهما بسهم فقتلته واستأسرت الآخر فأوثقته رباطا وقدمت به المدينة هذا ما فى الاكتفاء* وقد مرّ أن القسطلانى أورد فى المواهب اللدنية بعث عمرو بن أمية الضمرى الى أبى سفيان فى السنة السادسة بعد سرية كرز بن جابر وقبل الحديبية وقال بعد ذكر سرية كرز بن جابر ثم سرية عمرو بن أمية الضمرى الى أبى سفيان بن حرب بمكة لانه أرسل الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم من يقتله من العرب غدرا فأقبل الرجل ومعه خنجر ليغتاله فلما رآه النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان هذا ليريد غدرا فلما دنا قال أين ابن عبد المطلب قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنا ابن عبد المطلب فأقبل اليه كأنه يسارّه فجذبه أسيد بن حضير بداخلة ازاره فاذا بالخنجر فسقط فى يده فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصدقنى ما أنت قال وأنا آمن قال نعم فأخبره بخبره فخلى عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأسلم الرجل وأقام بالمدينة أياما ثم استأذن وذهب الى بلاده ولم يعرف بعد ذلك خبره وبعث رسول الله عمرو بن أمية ومعه سلمة بن أسلم ويقال جبار بن صخر الى أبى سفيان وقال ان أصبتما منه غرة فاقتلاه فمضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن أبى سفيان فأحبر قريشا بمكانه فخافوه وطلبوه وكان فاتكا فى الجاهلية فحشد له أهل مكة وتجمعوا فهرب عمرو وسلمة فلقى عمرو عبيد الله بن مالك التيمى فقتله وقتل آخر ولقى رسولين لقريش بعثتهما يتجسسان الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر فقدم به المدينة فجعل عمر ويخبر رسول الله(1/459)
خبره وهو صلّى الله عليه وسلم يضحك*
غزوة بنى النضير
وفى هذه السنة وقعت غزوة بنى النضير بفتح النون وكسر الضاد المعجمة قبيلة كبيرة من اليهود فى ربيع الاوّل سنة أربع وذكر ابن اسحاق هناك* قال السهيلى وكان ينبغى أن يذكرها بعد بدر لما روى عقيل بن خالد وغيره عن الزهرى قال كانت غزوة بنى النضير على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد ورجح الداودى ما قاله ابن اسحاق من أن غزوة بنى النضير بعد بئر معونة كذا فى المواهب اللدنية وكانت منازلهم بناحية الفرع وما يقربها بقرية يقال لها زهرة وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه* ولما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بدرا وظهر على المشركين قالت بنو النضير والله انه النبىّ الذى وجدنا نعته فى التوراة لا تردّ له راية فلما غزا أحدا وهزم المسلمون ارتابوا وأظهروا العداوة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين ونقضوا العهد الذى كان بينهم وبين رسول الله وركب كعب بن الاشرف فى أربعين من اليهود فأتوا قريشا* ودخل أبو سفيان المسجد الحرام فى أربعين من قريش وكعب فى أربعين من اليهود وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الاستار والكعبة ثم رجع كعب وأصحابه الى المدينة فنزل جبريل وأخبر النبىّ بما عاقد عليه كعب وأبو سفيان فأمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقتل كعب بن الاشرف فقتله محمد بن مسلمة* وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اطلع منهم على خيانة حين اتاهم يستعينهم فى دية الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى فى منصرفه من بئر معونة فهموا بطرح حجر عليه من فوق الحصن فعصمه الله وأخبره بذلك جبريل كما سيجىء الآن كذا فى المدارك ومعالم التنزيل واللفظ له* وفى المنتقى ثم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج يوم السبت وصلّى فى مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه منهم أبو بكر وعمرو على والزبير وطلحة وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ثم أتى منازل بنى النضير وكلمهم فى دية الرجلين من بنى سليم اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمرى ويستعينهم فى عقلهما وكانوا قد عاهدوا النبى صلّى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى أن يعينوه فى الديات كما مرّ وكان لهم حلف مع بنى عامر قالوا نعم يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذى تسألنا فجلس رسول الله الى حدار يهودى وجلس أصحابه فهمّ اليهودى بالغدر فخلا بعض الى بعض قالوا انكم لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت ويطرح عليه صخرة فيريحنا منه فقال عمرو بن جحاش انا قيل كان ذلك باشارة من حيى بن أخطب فقال سلام بن مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به فجاء عمرو بن جحاش الى رحى عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله يده وعصمه وجاء جبريل فأخبره فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم راجعا الى المدينة ثم دعا عليا وقال لا تبرح مقامك فمن خرج عليك من أصحابى فسألك عنى فقل توجه الى المدينة ففعل ذلك علىّ حتى انصبوا اليه ثم تبعوه ولحقوا به كذا فى المنتقى* وفى الاكتفاء خرج راجعا الى المدينة وترك أصحابه فى مجلسهم فلما استلبث النبى أصحابه قاموا فى طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال لقيته داخلا المدينة فأقبلوا حتى انتهوا اليه فقالوا قمت ولم تشعرنا يا رسول الله فقال همت يهود بالغدر فأخبرنى الله بذلك فقمت* وبعث اليهم رسول الله محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدتى ولا تساكنونى وقد هممتم بما هممتم به وقد أجلتكم عشرا فمن رؤى منكم بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا أياما يتجهزون وتكاروا من اناس ابلا وأرسل اليهم عبد الله بن أبىّ ابن سلول لا تخرجوا وأقيموا فان معى ألفين من قومى وغيرهم يدخلون حصونكم فيموتون عن آخرهم معكم وتمدّكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع حيى بن أخطب فيما قاله ابن أبىّ ابن سلول فأرسلوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم انا لا نخرج فاصنع ما بدا لك فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكبر المسلمون لتكبيره
وقال حاربت(1/460)
يهود فسار اليهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى أصحابه فصلوا العصر بفضاء بنى النضير* وروى أيضا من طريق عكرمة ان غزوتهم كانت صبيحة قتل كعب بن الاشرف كذا فى الوفاء* وفى المدارك مشى المسلمون اليهم على أرجلهم لانه على ميلين من المدينة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم على حمار فحسب وعلىّ رضى الله عنه يحمل رايته واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم* وفى معالم التنزيل فلما صار اليهم النبىّ صلى الله عليه وسلم وجدهم ينوحون على كعب بن الاشرف وقالوا يا محمد واعية على اثر واعية وباكية على اثر باكية قال نعم قالوا ذرنا نبك على شجونا ثم نأتمر أمرك فقال النبىّ اخرجوا من المدينة* وفى المنتقى ولما رأوا رسول الله قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة واعتزلتهم قريظة وخفر لهم ابن أبىّ وحلفاؤهم من غطفان وحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم خمسة عشر يوما* وفى الوفاء وسيرة ابن هشام حاصرهم ست ليال وفى معالم التنزيل ولما نزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنى النضير وكانوا أهل حصون وعقار ونخل كثيرة وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم واحراقها فلما رأى أعداء الله ان المسلمين يقطعونها شق عليهم فجزعوا عند ذلك وقالوا يا محمد زعمت انك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخل وهل وجدت فيما زعمت انه انزل عليك الفساد فى الارض وقالوا للمؤمنين انكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون دعوا أصول النخل فانما هى لمن غلب عليها فوجد المسلمون فى أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فسادا فاختلفوا فى ذلك فقال بعضهم لا تقطعوا فانه ما أفاء الله علينا* وقال بعضهم بل نغيظهم بقطعها فأخبر الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله واختلفوا فى اللينة فقال قوم النخل كلها لينة ما خلا العجوة وهو قول عكرمة وقتادة* وفى رواية بازان عن ابن عباس قال كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أمر بقطع نخلهم الا العجوة وأهل المدينة يسمون ما خلا العجوة من التمر الالوان واحدها لون ولينة* وقال الزهرى هى ألوان النخل كلها الا العجوة* وقال مجاهد وعطية هى النخل كلها من غير استثناء* وقال العوفى عن ابن عباس هى لون من النخل* وقال سفيان هى كرام النخل* وقال مقاتل هى ضرب من النخل يقال لتمرها اللون وهى شديدة الصفرة يرى نواها من خارج تغيب فيها الاصراس وكانت من أجود تمرهم وأحبها اليهم وكانت النخلة الواحدة منها ثمن وصيف وأحب اليهم من وصيف فلما رأوهم بقطعونها شق عليهم وقيل قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة وقيل كان جميع ما قطعوا وأحرقوا ست نخلات* وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم حرق نخل بنى النضير ولها يقول حسان بن ثابت
وهان على سراة بنى لؤىّ ... حريق بالبويرة مستطير
وأجاب سفيان ولم يكن أسلم حينئذ
أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق فى نواحيها السعير
ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أى أرضينا نضير
وفى روضة الاحباب أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أمر أبا ليلى المازنى وعبد الله بن سلام بقطع نخيلهم أما أبو ليلى فكان يقطع أجود أنواع التمر وهى العجوة ويقول قطع العجوة أشدّ عليهم وأما عبد الله بن سلام فكان يقطع أردأ أنواع التمر وهو تمر يقال له اللون ويقول انى أعلم ان الله سيجعلها للمسلمين فأترك الاجود لهم فأنزل الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فباذن الله وليخزى الفاسقين فلم يغث بنى النضير أحد ولم يقدر ابن أبى أن يصنع شيئا فجهدهم الحصار وضاقت عليهم الاحوال وقذف الله فى قلوبهم الرعب حتى أرسلوا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم انا نخرج من بلادك فقال لهم رسول الله اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت الابل الا الحلقة وولى اخراجهم محمد بن مسلمة فاحتملوا أبواب(1/461)
بيوتهم فكانوا يخربون بيوتهم ويهدمونها ويحملون ما يوافقهم من أخشابها كذا فى الوفاء* وفى معالم التنزيل قال الزهرى لما صالحهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلت الابل وأيسوا من منازلهم وتيقنوا بخروجهم منها كانوا ينظرون الى منازلهم فيهدمونها وينزعون منها الخشب ما يستحسنونها فيحملونها على ابلهم ويخرب المؤمنون بواقيها وذلك قوله تعالى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين قال ابن زيد كانوا يقلعون العمد وينقضون السقف وينقبون الجدر وينزعون الخشب حتى الاوتاد ويخربونها حتى لا يسكنها المؤمنون حسدا وبغضا* وفى رواية لما أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهم يأمرهم بالخروج من بلدته قالوا الموت أقرب الينا من ذلك فتنادوا بالحرب ودس اليهم المنافقون عبد الله بن أبىّ بن سلول وأصحابه أن لا تخرجوا من الحصن فان قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنكم ولئن أخرجتم لنخرجنّ معكم فدربوا على الازقة وحصنوها ثم انهم أجمعوا الغدر فأرسلوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن اخرج فى ثلاثين من أصحابك ويخرج منا ثلاثون حتى نلتقى فى فضاء فيستمعون منك ان صدّقوك وآمنوا بك آمنا كلنا ففعل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فخرج اليه ثلاثون حبرا من اليهود فأرسلوا اليه كيف نفهم ونحن ستون رجلا اخرج فى ثلاثة من أصحابك ونخرج اليك ثلاثة من أصحابنا فيسمعون منك فخرج النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا المكر برسول الله صلّى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بنى النضير الى أخيها وهو رجل مسلم من الانصار فأخبرته بما أراد بنو النضير من الغدر فأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبى صلّى الله عليه وسلم فسارّه بمكرهم قبل أن يصل النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليهم فرجع فلما كان من الغد غدا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالعسكر فحاصرهم احدى وعشرين ليلة فقذف الله فى قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين فسألوا الصلح فأبى عليهم الا أن يخرجوا من المدينة على ما يأمرهم به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقبلوا ذلك فصالحهم على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلت الابل من أموالهم الا السلاح* وقال ابن عباس على ان يحمل أهل كل ثلاثة أبيات على بعير واحد ما شاؤا من متاعهم وللنبىّ صلّى الله عليه وسلم ما بقى* وقال الضحاك أعطى كل ثلاثة نفر بعيرا وسقاء فتجهزوا وتجملوا وتحملوا على ستمائة بعير وحملوا النساء والابناء والاموال فخرجوا معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم ويظهرون الجلادة فعبروا من سوق المدينة وتفرّقوا فى البلاد فذهب بعضهم الى الشأم الى أذرعات وأريحاء ولحق أهل بيتين وهم آل أبى الحقيق وآل حيى بن أخطب بخيبر* قال ابن اسحاق كان اجلاء بنى النضير حين رجع النبىّ صلّى الله عليه وسلم من أحد وفتح بنى قريظة مرجعه من الاحزاب وبينهما سنتان أكثر الروايات على انه كان أموال بنى النضير وعقارهم فيئا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خاصة له خصه الله بها حبسا لنوائبه لم يخمسها ولم يسهم منها لاحد كما هو مذهب الامام أبى حنيفة رحمه الله* وورد فى بعض الروايات أنه خمسها وذهب اليه الامام الشافعى رحمه الله وأعطى منها ما أراد لمن أراد ووهب العقار للناس وكان يعطى من محصول البعض أهله وعياله نفقة سنة ويجعل ما بقى حيث يجعل مال الله* وفى المهمات المال المأخوذ من الكفار ينقسم الى ما يحصل من غير قتال وايجاف خيل وركاب والى حاصل بذلك ويسمى الاوّل فيئا والثانى غنيمة* وفى المدارك أن ما خوّل الله رسوله من أموال بنى النضير شىء لم يحصلوه بالقتال والغلبة ولكن سلطه الله عليهم وعلى ما فى أيديهم فالامر فيه مفوّض اليه يضعه حيث يشاء ولا يقسمه قسمة التى قوتل عليها وأخذت عنوة قهرا فقسمها بين المهاجرين ولم يعط الانصار الا ثلاثة منهم لفقرهم أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة وكذا فى معالم التنزيل ولابى داود أعطى أكثر المهاجرين وقسمها بينهم وأعطى رجلين من الانصار ذوى(1/462)
حاجة لم يعط غيرهما منهم وبقى منها صدقته التى فى أيدى بنى فاطمة وقيل أعطى سعد بن معاذ سيف أبى الحقيق وكان مشهورا بالجودة* وفى روضة الاحباب قد ثبت أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين والانصار كما مرّ فى وقائع السنة الاولى من الهجرة فذهب كل واحد من الانصار برجل من المهاجرين الى منزله وكفاه مؤنة ما يحتاج اليه وهكذا كان الانصار يعملون بالمهاجرين ثم تنافسوا فيهم حتى آل أمرهم الى القرعة فيقترعون فيما بينهم فأى أنصارى تخرج القرعة باسمه يذهب بالمهاجرى فبلغت مواساتهم ومعاونتهم الى المرتبة القصوى حتى قال سعد بن الربيع الانصارى لاخيه عبد الرحمن بن عوف المهاجرى هلم أقسم مالى بينى وبينك نصفين أو شطرين ولى امرأتان انظر أعجبهما اليك فسمها لى أطلقها أو قال أنزل عنها فاذا انقضت عدّتها فتزوّجها قال له عبد الرحمن بارك الله فى أهلك ومالك وهكذا كان ديدن الانصار فى مواساتهم الى أن جعل الله أموال بنى النضير فيئا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فجمع الانصار ثم حمد الله وأثنى على الانصار وذكر اعانتهم وامدادهم واحسانهم واسعادهم للمهاجرين ثم قال يا معشر الانصار ان الله تبارك وتعالى أعطانا أموال بنى النضير ان شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم فى هذه القسمة وان شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شىء من هذه الاموال* قال السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يا رسول الله بل نحب أن نقسم ديارنا وأموالنا على المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وعشائرهم وخرجوا حبا لله ولرسوله ونؤثرهم بالقسمة ولا نشاركهم فيها* وفى الوفاء روى ابن أبى شيبة عن الكلبى قال لما ظهر النبىّ صلّى الله عليه وسلم على أموال بنى النضير قال للانصار ان اخوانكم من المهاجرين ليست لهم أموال فان شئتم قسمت هذه الاموال بيتكم وبينهم جميعا وان شئتم أمسكتم أموالكم فقسمت هذه فيهم قالوا بل اقسم هذه فيهم واقسم لهم من أموالنا ما شئت انتهى فلما قال السعدان ذلك اقتدى بهما سائر الانصار فقالوا مثل ذلك ففرح النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار فأنزل الله فيهم ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة أى يقدّمون اخوانهم من المهاجرين ويختارونهم بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم ولو كان بهم فاقة وحاجة الى ما يؤثرون كذا فى معالم التنزيل فقسم أموال بنى النضير على المهاجرين حسبما اقتضته المصلحة فعين لابى بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وصهيب وأبى سلمة بن عبد الاسد المخزومى ضياعا معروفة ومن الانصار أعطى سهل بن حنيف وأبا دجانة شيئا لفقرهما وحاجتهما كذا قاله ابن اسحاق
*
وفاة زينب بنت خزيمة
وفى ربيع الآخر من هذه السنة توفيت زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية وكانت تدعى فى الجاهلية أم المساكين ذكره أبو عمرو وكان صلّى الله عليه وسلم تزوّجها فى سنة ثلاث ولبثت عنده شهرين أو ثمانية كما مرّ ودفنت بالبقيع ذكره الفضائلى*
غزوة ذات الرقاع
وفى هذه السنة كانت غزوة ذات الرقاع وأوردها مغلطاى فى سيرته بعد غزوة بدر الصغرى اختلف فيها متى كانت ففى خلاصة الوفاء بعد غزوة بنى النضير بشهرين وعشرين يوما وفى المواهب اللدنية عند ابن اسحاق بعد بنى النضير سنة أربع فى شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الاولى وعند ابن سعد وابن حبان فى المحرّم سنة خمس كذا فى المنتقى وجزم أبو معشر بأنها بعد بنى قريظة فى ذى القعدة سنة خمس فتكون ذات الرقاع فى آخر هذه السنة وأوّل التى تليها* قال فى فتح البارى قد جنح البخارى الى أنها كانت بعد خيبر واستدل لذلك بأمور ومع ذلك ذكرها قبل خيبر فلا أدرى هل تعمد ذلك تسليما لاهل المغازى انها كانت قبلها أو انّ ذلك من الرواة عنه أو اشارة الى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين احداهما قبل خيبر والاخرى بعدها كما أشار اليه البيهقى على أن أصحاب المغازى مع جزمهم بأنها(1/463)
كانت قبل خيبر مختلفون فى زمانها انتهى والذى جزم به ابن عقبة تقدّمها لكن تردد فى وقتها فقال لا ندرى كانت قبل بدر أو بعدها أو قبل أحد أو بعدها كذا فى المواهب اللدنية وأوردها مغلطاى فى سيرته بعد غزوة بدر الصغرى وهى غزوة كانت بأرض غطفان من نجد سميت ذات الرقاع لان الظهر كان قليلا واقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق وهى الرقاع هذا هو الصحيح فى تسميتها وقد ثبت هذا فى الصحيح عن أبى موسى الاشعرى وقيل سميت به بجبل هناك يقال له الرقاع لان فيه بياضا وحمرة وسوادا وقيل سميت بشجرة هناك يقال لها ذات الرقاع وقيل لان المسلمين رقعوا راياتهم ويحتمل أن تكون هذه الامور كلها وجدت فيها وشرعت صلاة الخوف فى غزوة ذات الرقاع وقيل فى غزوة بنى النضير كذا فى شرح مسلم للنووى وفى أسد الغابة لابن الاثير وقيل ان فيها قصرت الصلاة وفيها نزلت آية التميم وسببها أن قادما قدم المدينة فأخبر بأن أنمارا وثعلبة وغطفان قد جمعوا جموعا بقصد المسلمين فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم فى أربعمائة رحل وقيل فى سبعمائة فمضى حتى أتى محالهم بذات الرقاع وهو جبل فلم يجد الانسوة فأخذهنّ وفيهنّ جارية وضيئة وهربت الاعراب الى رؤس الجبال ولم يكن قتال وأخاف المسلمون بعضهم بعضا من غير أن يغيروا عليهم فصلى بهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلاة الخوف* وفى رواية بطائفة ركعتين وبالاخرى أخرتين وكان أوّل ما صلاها ورجع الى المدينة واشترى فى الطريق من جابر جملا بأوقية وشرط له ظهره الى المدينة واستغفر لجابر فى تلك الليلة خمسا وعشرين مرّة* وفى الترمذى سبعين مرّة وكانت غيبته فى تلك الغزوة خمس عشرة ليلة* وعن جابر أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلّى بأصحابه صلاة الخوف فى الغزوة السابعة غزوة ذات الرقاع* قال ابن عباس صلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذى قرد* اعلم أنه ورد فى صحيح البخارى أن النبى صلّى الله عليه وسلم نام فى غزوة ذات الرقاع فى ظل شجرة فجاء أعرابى فاخترط سيفه صلّى الله عليه وسلم وقام عليه فاستيقظ والسيف فى يده صلتا فقال من يمنعك منى قال الله فقام النبىّ صلّى الله عليه وسلم فجلس الاعرابى فحفظ الله نبيه من شرّه ووقع مثل هذه القصة أيضا فى السنة الثالثة من الهجرة ففى ظاهر هاتين القصتين خلاف فلا بدّ من أحد الامرين اما أن ترجح رواية الصحيح أو يقال بتعدّد الواقعة والله أعلم*
وفاة عبد الله بن عثمان
وفى جمادى الاولى من هذه السنة توفى عبد الله بن عثمان من رقية بنت رسول الله ولد فى الاسلام فى الحبشة وبه كان يكنى عثمان فبلغ ست سنين فنقره ديك فى عينه فمرض فمات كما مرّ فى الباب الثالث فى تزويج بناته ونزل فى حفرته عثمان*
ولادة الحسين بن على رضى الله عنهما
وفى شعبان هذه السنة ولد الحسين بن علىّ كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى لخمس خلون من شعبان سنة أربع* وفى المنتقى لثلاث ليال خلون من شعبانها* وفى الاستيعاب ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع وقيل سنة ثلاث هذا قول الواقدى وطائفة معه* وفى شواهد النبوّة كانت ولادته بالمدينة يوم الثلاثاء رابع شعبان السنة الرابعة من الهجرة* وفى الوفاء المشهور فى ولادتها انها فى الثالثة وكان علوق فاطمة بالحسين فى ذى القعدة وكان بين ولادة الحسن وعلوقها بالحسين خمسون ليلة* وفى الاستيعاب روى جعفر بن محمد عن أبيه قال لم يكن بين الحسن والحسين الاطهر واحد* وقال قتادة ولد الحسين بعد الحسن بستة عشرة شهر الخمس سنين وستة أشهر من التاريخ وبعض أحواله من التسمية والختان والعقيقة وغير ذلك ذكر فى الموطن الثالث فى ميلاد الحسن فليطلب ثمة وسيجىء ذكر مقتله فى الخاتمة فى سنة احدى وستين فى خلافة يزيد بن معاوية
*
تعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود
وفى هذه السنة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بتعليم السريانية معللا ذلك بأنه لا يأمن اليهود على كتابه* عن زيد بن ثابت قال أتى بى النبىّ صلّى الله عليه وسلم مقدمه المدينة فعجب بى فقيل له(1/464)
هذا الغلام من بنى النجار قد قرأ مما أنزل الله اليك بضع عشرة سورة فاستقر أنى فقرأت ق فقال لى تعلم كتاب يهود فانى ما آمن يهود على كتابى فتعلمته فى نصف شهر حتى كتبت الى يهود وكنت أقرأ له اذا كتبوا له كذا رواه ابن أبى الزناد وأحمد ويونس عند أبى داود وداود بن عمرو الضبى وسعيد بن سليمان الواسطى وسليمان ابن داود الهاشمى وعبد الله بن وهب وعلى بن حجر وحديثه عند الترمذى كذا ذكره السخاوى فى الاصل الاصيل*
غزوة بدر الصغرى الموعد
وفى شعبان هذه السنة بعد ذات الرقاع وقعت غزوة بدر الصغرى الموعد وهى بدر الثالثة* قال ابن اسحاق لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها جمادى الاولى الى آخر رجب ثم خرج فى شعبان الى بدر لميعاد أبى سفيان كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى كانت فى هلال ذى القعدة وذلك ان أبا سفيان لما أراد أن ينصرف من أحد نادى يا محمد الموعد بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى لقابل ان شئت نلتقى بها فنقتتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر قل نعم ان شاء الله فافترق الناس على ذلك فلما كان العام المقبل خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية مرّ الظهران ويقال عفان ثم ألقى الله الرعب فى قلبه فبدا له فى الرجوع فلقى نعيم بن مسعود الاشجعى وقد قدم معتمرا فقال له أبو سفيان يا نعيم انى قد واعدت محمدا وأصحابه أن نلتقى بموسم بدر الصغرى وان هذا عام جدب ولا يصلحنا لا عام خصب نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لى أن لا أخرج اليها واكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة فلأن يكون الخلف من قبلهم أحبّ الىّ من أن يكون من قبلى فالحق بالمدينة وثبطهم وأعلمهم أنا فى جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندى عشرة من الابل أضعها على يد سهيل بن عمرو يضمنها لك وجاء سهيل بن عمرو فقال له نعيم يا أبا يزيد أتضمن لى هذه الفرائض وأنطلق الى محمد وأثبطه قال نعم فخرج نعيم حتى أتى المدينة فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبى سفيان فقال أين تريدون فقالوا واعدنا أبو سفيان لموسم بدر الصغرى أن نقتتل بها فقال بئس الرأى رأيتم أتوكم فى دياركم وقراركم فلم يفلت منكم الا الشريد فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم والله لا يفلت منكم أحد فكره أصحاب رسول الله الخروج فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لا خرجنّ ولو وحدى وفى رواية وان لم يخرج معى أحد فأما الجبان فانه رجع وأما الشجاع فانه تأهب للقتال وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل* واستخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه على بن أبى طالب فخرج صلّى الله عليه وسلم ومعه ألف وخمسمائة رجل والخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع لهم وتجارات فجعلوا يلقون المشركين ويسألون عن قريش فيقولون قد جمعوا لكم يريدون أن يرعبوا المسلمين فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى بلغوا بدرا* قال مجاهد وعكرمة فى هذه الغزوة نزلت هذه الآية الذين استجابوا الله والرسول وعند أكثر المفسرين نزلت هذه الآية فى غزوة حمراء الاسد كما مرّ وكانت بدر الصغرى موضع سوق للعرب فى الجاهلية يجتمعون اليها فى كل عام ثمانية أيام لهلال ذى القعدة الى ثمان تخلو منه ثم يتفرّقون الى بلادهم ونزلت النبىّ صلى الله عليه وسلم بدر اليلة هلال ذى القعدة وأقام بها ثمانية أيام ينتظر أبا سفيان وقد انصرف أبو سفيان من مجنة الى مكة وقال لا يصلحنا الاعام خصب وهذا عام جدب فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق يقولون خرجوا يشربون السويق ولم يلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه أحدا من المشركين وافوا السوق وكانت معهم تجارات ونفقات فباعوها وآصابوا بالدرهم درهمين وقد سمع الناس بمسيرهم وذهب صيت جيشهم الى كل جانب فكبت الله بذلك عدوّهم وانصرفوا الى المدينة سالمين غانمين فذلك قوله تعالى الذين استجابوا الله والرسول الآية كذا فى معالم التنزيل فقال(1/465)
صفوان بن أمية لابى سفيان نهيتك أن تعد القوم ولم تسمع كلامى قد اجترؤا علينا ورأوا اناقد أخلفناهم ثم أخذوا فى الكيد والتهيؤ لغزوة الخندق*
تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بأم سلمة
وفى هذه السنة أو السنة الثالثة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم امّ سلمة هندا وقيل رملة بنت أبى أمية عبد الله بن مخزوم بن يقظة ابن مرّة بن كعب بن لؤى واسم أبى أمية سهيل ويقال له زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله* وقال أبو عمرو تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة اثنتين بعد بدر فى شوّال وبنى بها فى شوّال كذا فى السمط الثمين* وفى المواهب اللدنية تزوّجها فى ليال بقين من شوّال من السنة التى مات فيها أبو سلمة* وفى المنتقى أورد تزوّجها فى السنة الرابعة وكانت قبل رسول الله عند أبى سلمة بن عبد الاسد هاجرت مع زوجها الى الحبشة ثم هاجرت الى المدينة كذا فى الوفاء وولدت له سلمة وعمرا وزينب كما سيجىء ومات أبو سلمة بالمدينة فى سنة ثلاث من الهجرة كما هو فى الصفوة فتزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى سيرة مغلطاى مات ابو سلمة لثمان خلون من جمادى الآخرة زوجها من النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابنها عمرو وقيل سلمة ويقال تزوّجها سنة اثنتين بعد بدر ويقال قبل بدر روى ان أبا سلمة جاء الى امّ سلمة وقال لقد سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم حديثا أحب الىّ من كذا وكذا سمعته يقول لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ويقول اللهم عندك أحتسب مصيبتى هذه اللهم اخلفنى فيها خيرا منها الا أعطاه الله عز وجل ذلك قالت امّ سلمة فلما أصبت يأبى سلمة قلت اللهم عندك أحتسب مصيبتى ولم تطب نفسى أن اقول اللهم اخلفنى فيها خيرا منها ثم قلت من خير من أبى سلمة أليس أليس ثم قلت ذلك قال لما انقضت عدّتها أرسل اليها أبو بكر يخطبها فأبت ثم أرسل اليها عمر ابن الخطاب يخطبها فأبت ثم أرسل اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطبها فقالت مرحبا برسول الله ان فىّ خلالا ثلاثا أنا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة مصبية وأنا امرأة ليس لى ههنا أحد من أوليائى فيزوّجنى فغضب عمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أشدّ مما غضب لنفسه حين ردّته فأتاها عمر فقال أنت التى تردّين رسول الله بما تردّينه فقالت يا ابن الخطاب فىّ كذا وكذا فأتاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أما ما ذكرت من غيرتك فأنا أدعو الله عز وجل ان يذهبها عنك وأما ما ذكرت من صبيتك فالله عز وجلّ سيكفيكهم وأما ما ذكرت انه ليس من اوليائك أحد شاهد فليس من اوليائك أحد شاهد ولا غائب يكرهنى فقالت لابنها سلمة زوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى السمط الثمين أرسل اليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة يخطبها له انتهى فقال رسول الله اما انى لم انقصك عما اعطيت فلانة فقيل لامّ سلمة ما اعطى فلانة قالت أعطا هاجرتين تضع فيهما حاجتها ورحى ووسادة من أدم حشوها ليف ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأقبل يأتيها فلما رأته وضعت زينب أصغر ولدها فى حجرها فلما رأى انصرف ثم أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأتيها فوضعتها فى حجرها فأقبل عمار مسرعا بين يدى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فانتزعها من حجرها وقال هاتى هذه المشقوحة التى منعت رسول الله فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلم يرها فى حجرها قال أين زناب قالت أخذها عمار فدخل رسول الله على أهله وكانت امّ سلمة فى النساء كأنها لم تكن فيهنّ لا تجد ما يجدن من الغيرة* وقال أنس ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم تزوّج امّ سلمة على متاع قيمته عشرة دراهم وروى انه لما تزوّجها رسول الله نقلها الى بيت زينب بنت خزيمة بعد موتها فدخلت فرأت جرّة فيها شعير ورحى وبرمة فطحنته ثم عصدته فى البرمة وأدمته باهالة وكان ذلك طعام رسول الله صلّى الله عليه وسلم وطعام آهله ليلة عرسه* وفى القاموس الاهالة الشحم وما أذيب منه أو الزيت وكل ما ائتدم به(1/466)
فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثا ثم أراد أن يدور فأخذت بثوبه فقال ليس بك على أهلك هو ان ان شئت سبعة عندك وسبعة عندهنّ وان شئت ثلاثا عندك ودرت قالت ثلاث وروى عن هند بنت الفراسية قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان لعائشة منى شعبة ما نزلها منى أحد فلما تزوّج امّ سلمة سئل فقيل يا رسول الله ما فعلت الشعبة فسكت فعرف ان امّ سلمة قد نزلت عنده وروى عن عائشة أنها قالت لما تزوّج رسول الله امّ سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكروا لى من جمالها فتلطفت حتى رأيتها والله اضعاف ما وصفت لى فى الحسن والجمال فذكرت ذلك لحفصة وكانتا يدا واحدة فقالت لا والله ان هذا الا الغيرة ما هى كما يقولون فتلطفت بها حفصة حتى رأتها فقالت قد رأيتها لا والله ما هى كما تقولين ولا قريب منه وانها لجميلة قالت فرأيتها بعد وكانت كما قالت حفصة ولكنى كنت غيرى وكانت امّ سلمة عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم سبع سنين وعاشت بعده ثمانية وأربعين سنة وتوفيت فى أوّل خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين وقيل سنة تسع وخمسين وقيل ثنتين وستين فى شهر رمضان أو شوّال وقبرت بالبقيع وهى بنت أربع وثمانين سنة وصلّى عليها أبو هريرة قيل كانت الصلاة بوصيتها ودخل قبرها عمرو وسلمة ابنا ابى سلمة وعبد الله بن أبى اسامة وعبد الله بن زمعة ذكره أبو عمرو صاحب الصفوة قيل أوّل من هلك من أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعده زينب بنت جحش هلكت فى خلافة عمرو آخر من هلك منهنّ امّ سلمة هلكت فى زمن يزيد بن معاوية وقيل آخر من هلك منهنّ ميمونة كما سيجىء مروياتها فى الكتب المتداولة ثلثمائة وثمانية وسبعون حديثا منها المتفق عليه ثلاثة عشر وفرد البخارى ثلاثة وفرد مسلم ثلاثة عشروا الباقية فى سائر الكتب*
(ذكر أولاد أم سلمة)
* وكان لها ثلاثة أولاد سلمة وهو أكبرهم وعمرو وزينب وهى أصغرهم ربيبو النبىّ صلّى الله عليه وسلم وزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم سلمة أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب وعاش الى خلافة عبد الملك بن مروان ولم تحفظ له رواية وأما عمرو فله رواية وتوفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وله تسع سنين وكان مولده بالحبشة فى السنة الثانية من الهجرة واستعمله علىّ على فارس والبحرين وكان يوم الجمل مع علىّ وتوفى بالمدينة سنة ثلاث وثمانين فى خلافة عبد الملك وله عقب بالمدينة وأما زينب فولدت أيضا فى الحبشة وقدمت بها أمّها وكانت اسمها برّة فسماها رسول الله زينب وروى أنها دخلت على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يغتسل فنضح فى وجهها الماء فلم يزل ماء الشباب فى وجهها حتى كبرت وعجزت وتزوّجها عبد الله بن زمعة بن الاسود الاسدى فولدت له وكانت من أفقه نساء زمانها ذكره أبو عمرو*
رجم اليهوديين
وفى ذى القعدة من هذه السنة رجم رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهودى واليهودية بالزنا ونزل قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون* وعن ابن عمر قال أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيهودى ويهودية قد أحدثا فقال لهم ما تجدون فى كتابكم قالوا أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتحبية قال عبد الله بن سلام ادعهم يا رسول الله يأتوا بالتوراة فأتوا بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فاذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرجما عند البلاط فرأيت اليهودى أحنى عليها رواه البخارى قوله أحدثا أى زنيا التحبية أن يجلد ويحمل على دابة بعد تحميم الوجه البلاط موضع بالمدينة بين المسجد والسوق يفرش فيه البلاط وهو ضرب من الحجارة يفرش كذا فى القاموس احنى عليها أى أكب ومال عليها ليقيها الحجارة كذا فى نهاية ابن الاثير*
وفاة فاطمة أم على بن أبى طالب
وفى هذه السنة توفيت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف أم على ابن أبى طالب* وفى الرياض النضرة قال أبو عمرو وغيره وهى أوّل هاشمية ولدت هاشميا أسلمت وتوفيت مسلمة بالمدينة وشهدها النبىّ صلّى(1/467)
الله عليه وسلم وتولى دفنها وألبسها قميصه واضطجع فى قبرها ذكره الخجندى وذكر الطائى فى الاربعين انه صلّى الله عليه وسلم نزع قميصه وألبسها اياه وتولى دفنها واضطجع فى قبرها فلما سوّى عليها التراب سئل عن ذلك قال ألبستها لتلبس من ثياب الجنة واضطجعت معها فى قبرها لا خفف عنها ضغطة القبر انها كانت أحسن خلق الله صنعا بى بعد أبى طالب* وذكر السلفى انه صلّى الله عليه وسلم صلّى عليها وتمرّغ فى قبرها وبكى وقال جزاك الله من أمّ خيرا لقد كنت خير أم قال وكانت ربت النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال وولدت لابى طالب طالبا وعقيلا وجعفرا وعليا وأم هانى واسمها فاختة وحمانة قال ابن قتيبة وأبو عمرو وكان علىّ أصغر من طالب بعشر سنين* وفى كتب الاحاديث قال علىّ قلت لامى فاطمة بنت أسدا كفى فاطمة بنت رسول الله سقاية الماء والذهاب فى الحاجة وتكفيك خدمة الداخل والطحن والعجن* وفى هذه السنة حرمت الخمر على قول ابن اسحاق وسيجىء فى الموطن السادس تمامه والله أعلم
*
(الموطن الخامس فى وقائع السنة الخامسة من الهجرة
من
فك سلمان عن الرق وغزوة دومة الجندل ووفاة أم سعد وخسوف القمر وشدّة قريش ووفد بلال بن الحارث المزنى وقدوم ضمام بن ثعلبة وغزوة المريسيع وتنازع جهجاه وقدوم مقيس بن ضبابة ونزول آية التيمم وتزوّج جويرية وافك عائشة رضى الله عنها وغزوة الخندق وغزوة بنى قريظة وقصة أولاد جابر وتزوّج زينب بنت جحش ونزول آية الحجاب وزلزلة المدينة وسقوطه عن فرسه ومسابقة الخيل ونزول فرض الحج والنهى عن ادّخار لحوم الاضاحى) *
* فك سلمان عن الرق
وفى هذه السنة فك رسول الله صلّى الله عليه وسلم سلمان عن الرق قد مرّ ان سلمان أسلم فى السنة الاولى من الهجرة ثم شغله الرق حتى قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتب سيده على ثلثمائة نخلة يجبها له وأربعين أوقية من ذهب فأعانه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى اجتمعت عنده ثلثمائة نخلة فغرسها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فحملت من عامها الا نخلة غرسها عمر فانتزعها النبىّ وغرسها بيده فحملت فأتى النبى صلّى الله عليه وسلم بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض الغزوات فقال ما فعل الفارسى المكاتب فدعى سلمان له فقال خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان قال وأين تقع هذه يا رسول الله مما علىّ ولما قال سلمان ذلك أخذها رسول الله فقلبها على لسانه ثم أعطاها سلمان فأخذها فأوفى منها حقهم كله أربعين أوقية* وفى الشفاء نقلا عن كتاب البزار أعطاه مثل بيضة دجاجة بعد أن ردّها على لسانه فوزن منها لمواليه أربعين أوقية وبقى عنده مثل ما أعطاهم انتهى وعتق وشهد الخندق مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم لم يفته معه مشهد* وفى بعض الروايات قال سلمان اشترتنى امرأة يقال لها خليسة بنت فلان حليف بنى النجار بثلثمائة درهم فمكثت معها ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة فبلغنى ذلك بعد خمسة أيام وأنا فى أقصى المدينة فى زمن الخلال بالضم يعنى البلح* قال ابن الاثير فى النهاية البلح أوّل ما يرطب من البسر واحدها بلحة وفى الصحاح البلح قبل البسر لانّ أوّل التمر طلع ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر قال فالتقطت شيئا من الخلال فجعلت فى ثوبى فأقبلت أسأل عنه حتى بلغت دار أبى أيوب ورسول الله داخل وأبو أيوب وامرأته يلتقطان الماء بقطيفة لهم لا يكف أى لا يقطر على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ما تصنع يا أبا أيوب قال وقع حب لنا فانكسر فانصب الماء فخشيت أن تكون نائما أو فى الصلاة فكيف عليك فيؤذيك فقال رسول الله لك ولزوجك الجنة* قال سلمان فقلت هذا والله محمد رسول الله فدنوت منه فسلمت عليه ثم أخذت ذلك الخلال(1/468)
فوضعته بين يديه وذكر قصة الصدقة والهدية وخاتم النبوّة فأسلم سلمان وأخبر بقصة خليسة قال سلمان فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بن أبى طالب فقال اذهب الى خليسة فقل لها يقول لك محمد امّا أن تعتقى هذا وامّا أن أعتقه فانّ الحكمة تحرّمه عليك فقلت يا رسول الله انها لم تسلم فقال يا سلمان ما تدرى ما حدث بعدك دخل عليها ابن عمها فعرض عليها الاسلام فأسلمت وذكر أنها أعتقته بأمر رسول الله وكافأها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأن غرس لها ثلثمائة فسيلة وهى صغار النخل كالودى* وفى بعض الروايات انّ سلمان كان يرعى الغنم لسيده وفى بعضها اشتراه أبو بكر فأعتقه وفى بعضها انّ سلمان أسلم بمكة روى أنه قال تداولنى بضعة عشر سيدا من رب الى رب* وروى انه كان من المعمرين أدرك وصى عيسى ابن مريم وعاش ثلثمائة وخمسين سنة وأمّا عيشه مائتين وخمسين فلا يشكون فيه قيل انّ اسمه كان ما هويه وقيل مايه وقيل بهبوذ بن بدخشان من ولد منوجهر الملك توفى بالمدائن فى خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين وقيل انّ اسلامه كان فى جمادى الاولى من السنة الاولى من الهجرة وانّ مولاه الذى باعه عثمان بن أشهل اليهودى القرظى وقيل انه عاد الى أصفهان فى زمان عمر وقيل كان له أخ بشير ازله نسل ثمة وله ثلاث بنات بنت بأصفهان لها نسل وبنتان بمصر وقيل كان له ابن يقال له كثير*
غزوة دومة الجندل
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة دومة الجندل بضم الدال من دومة وفتحها وهى مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال وبعدها من المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة قاله ابن سعد* وفى الصحاح الدوم شجر المقل والجندل الحجارة ودومة الجندل اسم حصن وأهل اللغة يقولونه بضم الدال وأصحاب الحديث يفتحونها* قال البكرى سميت بدومى بن اسماعيل كان نزلها وكانت بعد غزوة ذات الرقاع بشهرين وأربعة أيام وسببها انه سمع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان الاعراب تجمعوا بكثرة فى دومة الجندل يظلمون من مرّ بهم فاستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الاوّل فى ألف من أصحابه فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار* قال سعد غزاها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ونزل بساحة أهلها فلم يجد الا النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب فى كل وجه وجاء الخبر أهل دومة فتفرّقوا ونزل عليه السلام بساحتهم فلم يلق بها أحدا فأقام بها أياما وبث السرايا وفرّقها فرجعوا ولم يصب منهم أحدا فرجع ودخل المدينة فى العشرين من ربيع الآخر كذا فى المواهب اللدنية* وقال ابن هشام انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم رجع قبل أن يصلها* وفى الوفاء قيل كان منزل أكيدر أوّلا دومة الحيرة وكان يزور أخواله من كلب فخرج معهم للصيد فرفعت له مدينة متهدّمة لم يبق الا حيطانها مبنية بالجندل فأعاد بناءها وغرسوا الزيتون وغيره فيها وسموه دومة الجندل تفرقة بينها وبين دومة الحيرة وكان أكيدر يتردّد بينهما وزعم بعضهم ان تحكيم الحكمين كان بدومة الجندل*
نفيسة
وفى كتاب الخوارج عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال مررت مع أبى موسى بدومة الجندل فقال حدّثنى حبيبى صلّى الله عليه وسلم انه حكم فى بنى اسرائيل فى هذا الموضع حكمان بالجور وانه يحكم فى أمّتى حكمان بالجور فى هذا الموضع قال فما ذهبت الايام حتى حكم هو وعمرو بن العاص فيما حكماه قال فلقيته فقلت يا أبا موسى قد حدّثنى عن رسول الله فقال والله المستعان كذا أورده المجد*
وفاة أم سعد
وفى مدّة غيبته هذه فى الغزوة ماتت أمّ سعد بن عبادة عمرة بنت مسعود من المبايعات ولما قدم المدينة صلّى على قبرها وقال سعد يا رسول الله انّ أمى افتلتت وأظنها لو تكلمت لتصدّقت أتصدّق عنها قال نعم قال أى الصدقة أفضل قال الماء فحفر بئرا وقال هذه لأمّ سعد*
خسوف القمر
وفى هذه السنة انخسف القمر فى جمادى الآخرة وجعل اليهود يضربون بالطساس ويقولون سحر القمر فصلى بهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلاة الخسوف حتى انجلى القمر رواه(1/469)
ابن حبان* وفى هذه السنة أصابت قريشا شدّة فبعث اليهم بفضة يتألفهم بها*
وفد بلال بن الحارث
وفى هذه السنة جاء بلال بن الحارث فى أربعة عشر رجلا من مزينة فأسلموا وكان أوّل وافد مسلم بالمدينة فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارجعوا فأينما تكونوا فأنتم من المهاجرين فرجعوا الى بلادهم
*
وفد ضمام بن ثعلبة
وفى هذه السنة قدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضمام بن ثعلبة من بنى سعد بن بكر وعليه جمع كثير من أكابر أهل السير لكن الحافظ ابن حجر قال فى فتح البارى انّ قدوم ضمام كان فى السنة التاسعة كما ذهب اليه محمد بن اسحاق وسيجىء فى الخاتمة*
غزوة المريسيع
وفى شعبان هذه السنة وفى سيرة ابن هشام فى شعبان سنة ست وقعت غزوة المريسيع بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما مهملة مكسورة آخره عين مهملة وهو ماء لبنى خزاعة بيته وبين الفرع يومان وبين الفرع والمدينة ثمانية برد كذا فى سيرة مغلطاى وتسمى غزوة بنى المصطلق بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المشالة المهملة وكسر اللام بعدها قاف وهو لقب واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بطن من خزاعة وكانت يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس* وقال موسى بن عقبة سنة أربع انتهى قالوا وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع والذى فى مغازى موسى بن عقبة من عدّة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابورى والبيهقى فى الدلائل وغيرهم سنة خمس كذا فى المواهب اللدنية* وفى الوفاء ذكر كثير من أهل السير أنّ غزوة المريسيع كانت فى سنة ست ونقل البخارى عن ابن اسحاق انها فى سنة ست وكذا فى الاكتفاء وأسد الغابة لكن الاصح انّ المريسيع والمصطلق واحدة كلاهما فى سنة خمس بعد غزوة دومة الجندل بخمسة أشهر وثلاثة أيام وهى التى قال فيها أهل الافك ما قالوا وسبب هذه الغزوة انّ بنى المصطلق كانوا ينزلون على بئر يقال لها المريسيع من ناحية قديد الى الساحل وكان سيدهم الحارث بن أبى ضرار دعا قومه ومن قدر عليه على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأجابوه وتجمعوا وتهيؤا للحرب والمسير معه فبلغ الخبر رسول الله فأرسل بريدة بن الخصيب الاسلمى ليتحقق ذلك فأتاهم ولقى الحارث وكلمه ورجع الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاخبره بأنهم يريدون الحرب فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الناس اليهم فأسرعوا الخروج ومعهم ثلاثون فرسا عشرة منها للمهاجرين وعشرون للانصار وخرجت معه عائشة وأمّ سلمة وخرج معهم جماعة من المنافقين واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان وجعل عمر بن الخطاب على مقدمة الجيش وبلغ الحارث ومن معه خبر مسير رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليهم وأنه قتل عين الحارث الذى كان يأتى بخبر رسول الله فسىء بذلك هو ومن معه وخافوا خوفا شديدا وتفرق الاعراب الذين كانوا معه وانتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المريسيع وضربت عليه قبة وتهيؤا للقتال وصف رسول الله أصحابه ودفع راية المهاجرين الى أبى بكر وراية الانصار الى سعد بن عبادة وكان شعار المسلمين يومئذ يا منصور أمت أمت كذا فى الاكتفاء فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا على الكفار حملة واحدة فقتل منهم عشرة وأسر الباقون وسبوا الرجال والنساء والذرارى وأخذوا النعم والشاء ولم يقتل من المسلمين الا رجل واحد وكانت الابل ألفى بعير والشاء خمسة آلاف والسبى مائتى أهل بيت وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا نضلة الطائى الى المدينة بشيرا بفتح المريسيع ولما رجع المسلمون بالسبى قدم أهاليهم فافتدوهم كذا ذكره ابن اسحاق والذى فى صحيح البخارى أغار على بنى المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وهم على الماء فأصاب يومئذ رجل من الانصار من رهط عبادة بن الصامت رجلا من المسلمين من بنى كلب بن عوف بن عامر بن أمية بن(1/470)
ليث بن بكر يقال له هشام بن ضبابة وهو يرى انه من العدوّ فقتله خطأ كذا فى الاكتفاء* وفى هذه الغزوة وقع التنازع بين جهجاه وسنان بالمريسيع على الماء بعد انقضاء الحرب والفراغ من بنى المصطلق ونزلت سورة المنافقين* روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين لقى بنى المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم وقتلهم كما مرّ ازدحم على الماء جهجاه بن سعد الغفارى وهو كان أجير العمر بن الخطاب يقود له فرسه وسنان بن وبر الجهنى حليف عمرو بن عوف من الخزرج* وفى المدارك كان حليفا لابن أبى فاقتتلا فأعان جهجاها رجل من فقراء المهاجرين يقال له جعال ولطم وجه سنان فاستغاث سنان يا للانصار يا للخزرج واستغاث جهجاه يالكنانة يالقريش فتسارع اليهما القوم وعمدوا الى السلاح فمشى جماعة من المهاجرين الى سنان فقالوا له اعف عن جهجاه ففعل فسكنت الفتنة وانطفأت نائرة الحرب* وفى القاموس جهجاه ممن خرج على عثمان وكسر عصا النبىّ صلّى الله عليه وسلم بركبته فوقعت الاكلة فيها* وفى الشفاء وأخذ جهجاه الغفارى القضيب من يد عثمان ليكسره على ركبته فصاح الناس فأخذته فيها الأكلة فقطعها فمات قبل الحول قال فسمع عبد الله بن أبى بن سلول التنازع فغضب وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم ذو الأذن الواعية وهو غلام حديث السن وقال يعنى ابن أبى أفعلوها قد نافرونا وكاثر ونافى بلادنا وقال ما صحبنا محمدا الا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم الا كما قال سمن كلبك يا كلك اما والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجنّ الاعز منها الاذل يعنى بالاعز نفسه وبالأذل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم أقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ولتحوّلوا الى غير بلادكم* عبارة الاكتفاء لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحوّلوا الى غير بلادكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد فقال له زيد بن أرقم أنت والله الذليل القليل المبغض فى قومك ومحمد فى عز من الرحمن وقوّة من المسلمين قال له عبد الله بن أبى اسكت فانما كنت ألعب فمشى زيد بن أرقم الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال دعنى أضرب عنقه يا رسول الله فقال اذا ترعد آنف كثيرة يثرب فقال ان كرهت أن يقتله مهاجرى فأمر به أنصاريا* وفى الاكتفاء قال عمر فمر به عباد بن بشر فليقتله فقال كيف يا عمر اذا تحدّث الناس انّ محمدا يقتل أصحابه ولكن أذن بالرحيل وذلك فى ساعة لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس وأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى عبد الله بن أبى فأتاه فقال أنت صاحب هذا الكلام الذى بلغنى فقال عبد الله والذى أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وانّ زيدا لكاذب* وفى الاكتفاء وقد مشى عبد الله بن ابى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين بلغه انّ زيدا بلغه ما سمعه منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان عبد الله بن أبى فى قومه شريفا عظيما فقال من حضر من الانصار من أصحابه يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدّق عليه كلام غلام عسى أن يكون الغلام وهم فى حديثه ولم يحفظ ما قاله فعذره النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى الكشاف روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لزيد لعلك غضبت عليه قال لا قال فلعله أخطأ سمعك قال لا قال فلعله شبه عليك قال لا وفشت الملامة فى الانصار لزيد وكذبوه وكان زيد يساير النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يقرب منه بعد ذلك استحياء فلما استقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوّة وسلم عليه ثم قال يا رسول الله رحت فى ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبى قال وما قال قال زعم انه ان رجع الى المدينة أخرج الاعز منها الاذل فقال أسيد
بن حضير فأنت والله يا رسول الله(1/471)
تخرجه ان شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فو الله لقد جاء الله بك وانّ قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه فانه ليرى أنك قد استلبته ملكا وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبى ما كان من أبيه فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انه بلغنى انك تريد قتل عبد الله بن أبى لما بلغك عنه فان كنت فاعلا فمرنى به فأنا أحمل اليك رأسه فو الله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبرّ بوالديه منى وانى أخشى أن تأمر به غيرى فيقتله فلا تدعنى نفسى أن أنظر الى قاتل عبد الله بن أبى يمشى فى الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر وأدخل النار فقال رسول الله نرفق به ونحسن صحبته ما بقى معنا* وفى الاكتفاء ثم مشى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ولياتهم حتى أصبح وسار يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا ان وجدوا مس الارض فوقعوا نياما وانما فعل ذلك ليشغل عن الحديث الذى كان بالامس وفى غير الاكتفاء ثم سار رسول الله صلّى الله عليه وسلم رائحا بالناس حتى نزل على ماء فويق النقيع يقال له نقعاء فهاحت ريح شديدة آذتهم وتخوّفوها وضلت ناقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم القصوى وذلك ليلا فقال رسول الله لا تخافوا انما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفى بالمدينة قيل من هو قال رفاعة بن زيد بن التابوت فقال رجل من المنافقين وهو زيد بن اللصيت أحد بنى قينقاع كيف يزعم انه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ألا يخبره الذى يأتيه بالوحى فأتاه جبريل وأخبر بقول المنافق ومكان ناقته وأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه وقال ما أزعم أنى أعلم الغيب وما أعلمه ولكن الله أخبرنى بقول المنافق ومكان ناقتى هى فى الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فاذا هى كما قال فجاؤا بها وآمن ذلك المنافق فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قدمات وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين* وفى المنتقى أوردهما فى السنة التاسعة من الهجرة وذكر فقدان الناقة حين توجهه الى تبوك وهبوب الريح بتبوك وسيجىء فى الموطن التاسع* ولما دنوا من المدينة وفى الوفاء ولما كان بينهم وبين المدينة يوم تعجل عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول حتى أناخ على مجامع طرق المدينة* فلما جاء عبد الله بن أبى قال له ابنه وراءك قال مالك ويلك قال لا والله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتعلم اليوم من الاعز ومن الاذل فقال له أنت من بين الناس فقال نعم أنا من بين الناس فانصرف عبد الله حتى لقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فشكى اليه ما صنع ابنه فأرسل صلّى الله عليه وسلم الى ابنه أن خل عنه فدخل المدينة رواه ابن شيبة* وفى المنتقى فتقدّم عبد الله بن عبد الله بن أبى حتى وقف لأبيه على الطريق فلما رآه أناخ به وقال لا أفارقك حتى تقرّ أنك الذليل وأنّ محمدا العزيز فمرّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال دعه فلعمرى لنحسنن صحبته مادام بين أظهرنا* وفى الكشاف ولما أراد عبد الله أن يدخل المدينة اعترضه ابنه حباب وهو عبد الله بن عبد الله غير رسول الله اسمه وقال ان حبابا اسم شيطان وكان مخلصا وقال وراءك والله لا تدخلها حتى تقول رسول الله الاعز وأنا الاذل فلم يزل حبيسا فى يده حتى أمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالتخلية* وروى أنه قال لئن لم تقرّ لله ورسوله بالعزة لأضربن عنقك فقال ويحك أفاعل أنت قال نعم فلما رأى منه الجدّ قال أشهد أنّ العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا فلما وافى رسول الله المدينة أنزل الله تعالى سورة اذا جاءك المنافقون فى تصديق زيد وتكذيب عبد الله فلما نزل أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأذن زيد وقال ان الله صدّقك وأوفى بأدنك* وفى الاكتفاء قال هذا
الذى أوفى الله بأذنه* وفى الكشاف فلما نزل لحق رسول الله زيدا من خلفه فعرك أذنه وقال وفت أدنك يا غلام ان الله صدّقك(1/472)
وكذب المنافقين* وفى معالم التنزيل ولما نزلت هذه الآية وبان كذب عبد الله بن أبىّ قيل له يا أبا حباب انه قد نزل فيك آى شداد فاذهب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمر تمونى أن أومن فآمنت وأمر تمونى أن أعطى زكاة مالى فقد أعطيت فما بقى الا أن أسجد لمحمد فأنزل الله واذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لوّوا رؤسهم الآية ولم يلبث ابن أبى الا أياما قلائل حتى اشتكى ومات هكذا فى معالم التنزيل والمدارك وأما فى المنتقى فأورد موت عبد الله بن أبى فى السنة التاسعة من الهجرة وسيجىء فى الموطن التاسع وكانت غيبته عليه السلام فى هذه الغزوة ثمانية وعشرين يوما هكذا فى المواهب اللدنية وقدم المدينة لهلال رمضان* وفى هذه السنة قدم مقيس بن حبابة من مكة متظاهرا بالاسلام فقال يا رسول الله جئتك مسلما وجئتك أطلب دية أخى قتل خطأ فأمر له رسول الله بدية أخيه هشام بن حبابة فأقام عند رسول الله غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم رجع الى مكة مرتدّا*
نزول آية التيمم
وفى هذه السنة نزلت آية التيمم فى الصحيحين من حديث عائشة خرجنا مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بعض أسفاره فذكرت حديث التيمم قال فى فتح البارى قولها فى بعض أسفاره قال ابن عبد البرّ فى التمهيد يقال انه كان فى غزوة بنى المصطلق وجزم بذلك فى الاستدراك وسبقه الى ذلك ابن سعد وابن حبان وغزوة بنى المصطلق هى غزوة المريسيع وفيها كانت قصة الافك لعائشة وكان ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا فان كان ما جزموا ثابتا حمل على انه سقط منها فى تلك السفرة مرّتين لاختلاف القصتين كما هو بين فى سياقهما قال واستبعد بعض شيوخنا ذلك لان المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها فى الحديث حتى اذا كتابا لبيداء أو ذات الجيش وهما بين مكة وخيبر كما جزم به النووى قال وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين فانه قال البيداء هو ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة وذات الجيش وراء ذى الحليفة* وقال أبو عبيدة البكرى فى معجمه أدنى الى مكة من ذى الحليفة ثم ساق حديث عائشة هذا ثم قال وذات الجيش من المدينة على بريد قال وبينها وبين العقيق سبعة أميال والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر فاستقام ما قاله ابن التين وقد قال قوم بتعدّد ضياع العقد ومنهم محمد بن حبيب الاخبارى فقال سقط عقد عائشة فى غزوة ذات الرقاع وفى غزوة بنى المصطلق وقد اختلف أهل المغازى فى أى هاتين الغزوتين كانت* قال الداودى كانت قصة التيمم فى غزوة الفتح ثم تردّد فى ذلك* وروى ابن أبى شيبة من حديث ابى هريرة قال لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بنى المصطلق لان اسلام أبى هريرة كان فى السنة السابعة وهى بعدها بلا خلاف وكانّ البخارى يرى ان غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبى موسى وقدومه كان وقت اسلام أبى هريرة* ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الافك ما رواه الطبرانى من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت لما كان من أمر عقدى ما كان وقال أهل الافك ما قالوا خرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى غزوة أخرى وسقط أيضا عقدى حتى حبس الناس على التماسه فقال لى أبو بكر يا بنية فى كل سفرة تكونين بلاء وعناء على الناس فأنزل الله الرخصة فى التميم فقال أبو بكر انك لمباركة وفى اسناده محمد بن حميد الرازى وفيه مقال وفى سياقه من الفوائد بيان عتاب ابى بكر الذى أبهم فى حديث الصحيحين والتصريح بأن ضياع العقد كان مرّتين فى غزوتين كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى نزلت آية التيمم بقرب المدينة فى موضع يقال له ذات الجيش أو البيداء* وفى خلاصة الوفاء ذات الجيش هى على ستة أميال من ذى الحليفة وقيل عشرة وقيل ميلان وهى أحد المنازل النبوية الى بدر انتهى* وفى القاموس ذات الجيش أو أولات الجيش واد قرب المدينة وفيه انقطع عقد عائشة قالت عائشة خرجنا مع رسول الله فى بعض أسفاره حتى اذا كنا بالبيداء(1/473)
أو ذات الجيش انقطع عقدى فأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء وجاء أبو بكر ورسول الله واضع رأسه على فخذى قد نام فقال حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فقالت عائشة فعاتبنى أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده فى خاصرتى ولا يمنعنى من التحرّك الامكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم على فخذى فنام رسول الله صلّى الله عليه وسلم على غير ماء فأنزل الله عز وجل آية التيمم فقال أسيد بن حضير وهو أحد النقباء ليلة العقبة ما هذا بأوّل بركتكم يا آل أبى بكر* وفى الصفوة عن ابن عباس سقطت قلادتها يوم الابواء فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين يصبح فى المنزل وأصبح الناس ليس معهم ماء فأنزل الله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا قالت فبعثنا البعير الذى كنت أركب عليه فوجدنا العقد تحته*
تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بجويرية
وفى شعبان هذه السنة وقيل فى السادسة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار الخزاعية ثم المصطلقية روى ان جويرية بنت الحارث كانت من جملة سبايا بنى المصطلق ووقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس أو ابن عمه فكاتبته فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى اعانة كتابتها فأدّى عنها وتزوّجها وهى ابنة عشرين سنة وكان اسمها برّة فحوّله رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى جويرية كره أن يقال خرج من عند برّة كذا فى المشكاة بعضه وقد ذكر مثل ذلك فى ميمونة وزينب بنت جحش وزينب بنت أبى سلمة وكان اسم كل واحدة منهنّ برّة فحوّله رسول الله الى هذه وكانت قبل النبى صلّى الله عليه وسلم زوجة ابن عمها عبد الله كذا فى السمط الثمين وفى غيره اسمه ذو الشفر بن مسافع وقيل فى غزوة المريسيع وتزوّجها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى المراجعة فى أثناء الطريق فى شعبان للسنة الخامسة وقيل فى السادسة من الهجرة وعن عائشة كانت جويرية امرأة ملاحة تأخذها العين فجاءت تسأل رسول الله فى كتابتها فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها وعرفت أن رسول الله سيرى منها مثل الذى رأيت فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث وكان من أمرى ما لا يخفى عليك ووقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس وانى كاتبته على نفسى فجئت أسألك فى كتابتى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فهل لك فيما هو خير فقالت وما هو يا رسول الله قال أؤدّى عنك كتابتك وأتزوّجك قالت قد فعلت قالت فتسامع الناس يعنى ان رسول الله قد تزوّج جويرية فأرسلوا ما فى أيديهم من السبى فأعتقوهم وقالوا أصهار رسول الله لا ينبغى أن تسترق قالت فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها وأعتق بسببها مائة أهل بيت من بنى المصطلق خرجه بهذا السياق أبو داود وسيجىء فى آخر الموطن التاسع أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث اليهم بعد اسلامهم الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى آخر القصة* قال ابن هشام ويقال اشتراها رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ثابت بن قيس وأعتقها وتزوّجها وأصدقها أربعمائة درهم قال ابن هشام ويقال لما انصرف رسول الله من غزوة بنى المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث فكان بذات الجيش دفع جويرية لرجل من الانصار وأمره بالاحتفاظ بها وقدم رسول الله فأقبل أبوها الحارث بن أبى ضرار بفداء ابنته فلما كان بالعقيق نظر الى الابل التى جاء بها للفداء فرغب فى بعيرين منها فغيبهما فى شعب من شعاب العقيق ثم أتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال يا محمد أصبت ابنتى وهذا فداؤها فقال رسول الله فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق فى شعب كذا وكذا قال الحارث أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنك رسول الله فو الله ما اطلع على ذلك الا الله تعالى فأسلم الحارث وأسلم معه ابنان له وناس من قومه وأرسل الى البعيرين فجاء بهما فدفع الابل الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ودفعت اليه ابنته جويرية وأسلمت فحسن اسلامها فخطبها النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى أبيها فزوّجه اياها وأصدقها اربعمائة درهم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند ابن عمّ لها(1/474)
يقال له عبد الله كما مر* وعن ابن شهاب قال سبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث يوم المريسيع فحجبها وقسم لها قال أبو عبيدة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم جويرية سنة خمس من الهجرة خرج جميعه أبو عمرو صاحب الصفوة وكانت جويرية عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم خمس سنين وعاشت بعده خمسا وأربعين سنة وتوفيت بالمدينة سنة خمسين* وفى رواية ست وخمسين وهى بنت خمس وستين سنة وصلّى عليها مروان بن الحكم وكان حاكما على المدينة من قبل معاوية مروياتها فى الكتب المتداولة سبعة أحاديث منها فى البخارى حديث وفى مسلم حديثان والباقية فى سائر الكتب*
قصة الافك
وفى غزوة المريسيع وقعت قصة افك عائشة* وفى الاكتفاء وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من سفره ذلك يعنى بنى المصطلق حتى اذا كان قريبا من المدينة قال أهل الافك فى الصدّيقة المبرّأة المطهرة عائشة رضى الله عنها ما قالوا* روى عن عائشة انها قالت كان رسول الله اذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه قأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فأقرع بيننا فى غزوة غزاها فخرج فيها سهمى فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ما أنزل الحجاب فكنت أحمل فى هودج وأنزل فيه فسرنا حتى اذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأنى أقبلت الى رحلى فلمست صدرى فاذا عقد لى من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدى فحبسنى ابتغاؤه فأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بى فاحتملوا هودجى فرحلوه على بعيرى الذى كنت أركب عليه وهم يحسبون انى فيه وكان النساء اذ ذاك خفافا لم يغشهنّ اللحم انما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدى بعد ما استمرّ الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فيمت منزلى الذى كنت فيه فظننت انهم سيفقدوننى فيرجعون الىّ فبينا أنا جالسة فى منزلى غلبتنى عينى فنمت* وكان صفوان بن المعطل السلمى ثم الذكوانى تخلف من وراء الجيش وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم جعله فى الساقة بالتماسه وكان يصلى حين يرحل الناس ويسير خلف الجيش ويتفقد أشياء الناس من اللقطة والمنسى ويبلغهما الى أصحابهما قالت فأصبح عند منزلى فرأى سواد انسان نائم فعرفنى حين رآنى وكان رآنى قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى فخمرت وجهى بجلبابى والله ما تكلمت بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه وهوى حتى أناخ راحلته ووطئ يدها فقمت اليها فركبتها فانطلق يقود بى الراحلة حتى أتينا الجيش فى نحر الظهيرة وهم نزول فهلك من هلك من أهل الافك وهم عصبة أى جماعة من العشرة الى الاربعين وهم عبد الله ابن أبى بن سلول رأس المنافقين وحسان بن ثابت الشاعر ومسطح بن أثاثة ابن خالة أبى بكر وزيد بن رفاعة وجمنة بنت جحش أخت زينب ومن ساعدهم* والذى تولى كبر الافك اما عبد الله بن أبى بن سلول قال عروة أخبرت انه كان يشاع ويتحدّث به عنده فيقرّه ويستمعه ويستوشيه قالت عائشة مررنا بملأ من المنافقين وكانت عادتهم أن ينزلوا منتبذين من الناس فقال عبد الله بن أبى رئيسهم من هذه قالوا عائشة وصفوان قال والله ما نجت منه ولا نجا منها وقال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها واما حسان ومسطح وحمنة بنت جحش فانهم شايعوه بالتصريح به والذى بمعنى الذين قوله له عذاب عظيم أى لكل خائض فى حديث الافك نصيب من الاثم على مقدار خوضه والعذاب العظيم اما فى الآخرة فهو لعبد الله لان معظم الشرّ كان منه ويدل عليه افراد الموصول أو فى الدنيا بالحدّ وغيره فهو له ولغيره ولقد ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن أبى وحسانا ومسطحا وصار ابن أبى مطرودا مشهورا بالنفاق وحسان أعمى أشلّ اليدين ومسطح مكفوف البصر كذا فى أنوار التنزيل(1/475)
والكشاف* وفى الكشاف وقعد صفوان لحسان فضربه بالسيف فكف بصره كما سيجىء* وفى صحيح مسلم قال مسروق قلت لعائشة لم تأذنين لحسان يدخل عليك وقد قال الله تعالى والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم قالت فأى عذاب أشدّ من العمى وقالت انه كان ينافح أو يهاجى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى السمط الثمين روى أن حسان بن ثابت استأذن على عائشة وقد كف بصره فأذنت له فدخل عليها فأكرمته فلما خرج عنها قيل لها اما هذا من القوم قالت انه الذى يقول
فانّ أبى ووالدتى وعرضى ... لعرض محمد منكم فداء
بهذا البيت يغفر الله له كل ذنب خرجه أبو عمرو* وقالت عائشة رضى الله عنها فقد منا المدينة فاشتكيت شهرا والناس يخوضون فى قول أصحاب الافك وأنا لا أشعر بشىء من ذلك ويريبنى فى وجعى انى لا أرى من رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللطف الذى كنت أرى منه حين أمرض وانما يدخل فيسلم ثم يقول كيف تيكم ثم ينصرف حتى نقهت فخرجت أنا وأم مسطح خالة أبى بكر قبل المناصع وكانت متبرزنا لا نخرج الا ليلا الى ليل وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الاول فى البرية فقالت انطلقت أنا وأم مسطح فعثرت فى مرطها فقالت تعس مسطح فقلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت أى هنتاه أو لم تسمعى ما قال قلت وما قال فأخبرتنى بقول أهل الافك قالت فازددت مرضا على مرضى فلما رجعت الى بيتى دخل علىّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال كيف تيكم فقلت له أتأذن لى أن آتى أبوىّ وأريد أن أستيقن الخبر من قبلهما فأذن لى رسول الله فقلت لامى يا أماه ماذا يتحدّث الناس فقالت يا بنية هوّنى عليك الامر فو الله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر الا أكثرن عليها فقلت سبحان الله ولقد تحدّث بها فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم علىّ بن أبى طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحى يسألهما ويستشيرهما فى فراق أهله فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله بالذى يعلم من براءة أهله وبالذى يعلم لهم فى نفسه من الودّ فقال أسامة أهلك يا رسول الله وما نعلم منهم الاخيرا وزاد فى الاكتفاء وهذا الكذب والباطل* وأما علىّ فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثيرة وسل الجارية تصدقك فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بريرة فقال أى بريرة هل رأيت من شىء يريبك قالت له بريرة والذى بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه أكثر من أنها جارية حديثة السنّ تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتأكله* وفى الاكتفاء وأما علىّ فقال يا رسول الله ان النساء لكثيرة وانك لتقدر أن تستخلف وسل الجارية فانها ستصدقك فدعا رسول الله بريرة ليسألها فقام اليها علىّ فضربها ضربا شديدا ويقول أصدقى رسول الله فتقول والله ما أعلم الاخيرا وما كنت أعيب على عائشة شيئا الا انى كنت أعجن عجينى فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتى الشاة فتأكله قالت عائشة وكان رسول الله سأل زينب بنت جحش عن أمرى فقال يا زينب ماذا رأيت أو ما علمت فقالت يا رسول الله أحمى سمعى وبصرى والله ما علمت عليها الاخيرا قالت عائشة وهى التى تسامينى من أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع فطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك*
كلام عمر وعثمان وعلى فى حق الافك
وروى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى تلك الايام كان أكثر أوقاته فى البيت فدخل عليه عمر فاستشاره فى تلك الواقعة فقال عمر يا رسول الله أحمى سمعى وبصرى والله أنا قاطع بكذب المنافقين لان الله عصمك عن وقوع الذباب على جلدك لانه يقع على النجاسات فيتلطخ بها فلما عصمك الله تعالى عن ذلك القدر من القذر فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة فاستحسن صلّى الله عليه وسلم كلامه* وقال عثمان ان الله ما أوقع ظلك على الارض لئلا يضع انسان قدمه على ذلك الظل أو تكون تلك الارض نجسا فلما لم يمكن أحدا(1/476)
من وضع القدم على ظلك كيف يمكن أحدا من تلويث عرض زوجتك وقال علىّ يا رسول الله كنا نصلى خلفك فجعلت نعليك فى أثناء الصلاة فخلعنا نعالنا فلما أتممت الصلاة سألتنا عن سبب الخلع فقلنا الموافقة فقلت أمرنى جبريل باخراجهما لعدم طهارتهما فلما أخبرك أن على نعلك قذرا وأمرك باخراج النعل عن رجلك بسبب ما التصق به من القذر فكيف لا يأمرك باخراجها بتقدير أن تكون متلطخة بشىء من الفواحش* وفى المشكاة عن أبى سعيد الخدرى مثله وروى أن أبا أيوب الانصارى قال لامرأته أم أيوب ألا ترين ما يقال فقالت لو كنت بدل صفوان أكنت تظنّ بحرم رسول الله صلّى الله عليه وسلم سوأ قال لا قالت ولو كنت انا بدل عائشة ما خنت رسول الله فعائشة خير منى وصفوان خير منك ثم وبخ الله الخائضين فى الافك بقوله ولولا اذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا أى عفافا وصلاحا كما روى آنفا عن عمر وعثمان وعلى وأم أيوب* قيل انما جاز أن تكون امرأة النبىّ كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لان النبىّ مبعوث الى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه والكفر غير منفر عندهم وأما الفاحشة فمن أعظم المنفرات* قالت عائشة فبينا نحن على ذلك اذ دخل رسول الله علينا فسلم ثم جلس ولم يجلس عندى مذ قيل لى ما قيل قبلها ولقد لبث شهرا ما يوحى اليه فى شأنى بشىء فتشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فانه قد بلغنى عنك كذا وكذا فان كنت بريئة فسيبرئك الله وان كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله وتوبى اليه فان العبد اذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه فلما قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعى حتى ما أحس منه قطرة فقلت لابى أجب عنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما قال قال والله ما أدرى ما أقول لرسول الله فقلت لأمى أجيبى عنى رسول الله فيما قال قالت والله ما أدرى ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلم* قالت عائشة وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيرا من القرآن فقلت انى والله لقد علمت انكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر فى أنفسكم وصدّقتم به فلئن قلت لكم انى بريئة والله يعلم انى لبريئة لا تصدّقوننى بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم انى منه بريئة لتصدّقننى والله لا أجد لى ولكم مثلا الا أبا يوسف حين قال فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحوّلت واضطجعت على فراشى وأنا أرجو أن يبرئنى الله ولكن والله ما ظننت أن ينزل فى شأنى وحيا يتلى ولأنا أحقر فى نفسى من أن يتكلم الله بالقرآن فى أمرى ولكنى كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى النوم رؤيا يبرئنى الله بها فو الله ما رام رسول الله صلّى الله عليه وسلم مجلسه ولاخرج أحد من أهل البيت حتى أنزل الله عليه الوحى فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى انه ليتحدر منه العرق مثل الجمان وهو فى يوم شات من ثقل القول الذى أنزل عليه فسرى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يضحك وكانت أوّل كلمة تكلم بها أن قال لى يا عائشة احمدى الله فقد برأك الله* وفى رواية أبشرى يا حميراء فقد أنزل الله براءتك قلت بحمد الله لا بحمدك قالت فقالت لى أمى قومى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت لا والله لا أقوم اليه ولا أحمد الا الله فأنزل الله عز وجل ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم العشر آيات كذا فى الصحيحين* وفى الكشاف وغيره من التفاسير انه نزل ثمانى عشرة آية وفى رواية سبع عشرة آية* وفى العروة الوثقى وقد برأ الله عائشة أم المؤمنين فى كتابه الكريم فى عدّة آيات أوّلها ان الذين جاؤا بالافك الى قوله أولئك مبرّؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم فلما أنزل فى براءتها هذا قال أبو بكر الصدّيق وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره وكان من فقراء المهاجرين والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذى قال لعائشة ما قال
فأنزل الله ولا يأتل أولو الفضل منكم الى قوله غفور رحيم* روى أنه(1/477)
صلى الله عليه وسلم قرأها على أبى بكر فقال بلى أحب أن يغفر الله لى فرجع الى مسطح النفقة التى كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها منه أبدا* وروى عن عائشة انها قالت والله ان الرجل الذى قيل له ما قيل تعنى صفوان ليقول سبحان الله فو الذى نفسى بيده ما كشفت من كنف أنثى قط قالت ثم قتل بعد ذلك فى سبيل الله* ولقد برّأ الله أربعة بأربعة برأ يوسف عليه السلام بلسان الشاهد وشهد شاهد من أهلها وبرأ موسى عليه السلام من قول اليهود فيه بالحجر الذى ذهب بثوبه وبرّأ مريم بانطاق ولدها حين نادى من حجرها انى عبد الله الآية وبرّأ عائشة بهذه الآيات العظام فى كتابه المعجز المتلوّ على وجه الدهر مثل هذه التبرئة بهذه المبالغات فانظركم بينها وبين تبرئة أولئك وما ذاك الالاظهار علوّ منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتنبيه على انافة سيد ولد آدم وخير الاوّلين والآخرين وحجة رب العالمين* روى انه دخل ابن عباس على عائشة فى مرضها وهى خائفة من القدوم على الله فقال لا تخافى فانك ما تقدمين الا على مغفرة ورزق كريم وتلا الخبيثات للخبيثين الى قوله لهم مغفرة ورزق كريم فغشى عليها فرحا بما تلا* وعن عائشة أنها قالت لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهنّ امرأة لقد نزل جبريل بصورتى فى راحته حين أمر رسول الله أن يتزوّجنى ولقد تزوّجنى بكرا وما تزوّج بكرا غيرى ولقد توفى وان رأسه لفى حجرى ولقد قبر فى بيتى وان الوحى ينزل فى أهله فيتفرقون عنه وان كان لينزل عليه وأنا معه فى لحاف واحد وانى ابنة خليفته وصديقه ولقد نزل عذرى من السماء ولقد خلقت طيبة عند طيب ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما* وكان مسروق اذا روى عن عائشة قال حدّثتنى الصدّيقة ابنة الصدّيق حبيبة رسول الله المبرّأة من السماء كذا فى معالم التنزيل*
اعطاء الرسول بئر بيرحا لحسان بن ثابت
وذكر ابن اسحاق أن حسان بن ثابت مع ما كان منه فى صفوان بن المعطل من القول السيئ قال مع ذلك شعرا يعرّض فيه بصفوان ومن أسلم من مضر يقول فيه
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا ... وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
فلما بلغ ذلك ابن المعطل اعترض حسان بن ثابت فضربه بالسيف ثم قال
تلق ذباب السيف عنى فاننى ... غلام اذا هو جيت لست بشاعر
فوثب عند ذلك ثابت بن قيس بن شماس على صفوان فجمع يديه الى عنقه بحبل ثم انطلق به الى دار بنى الحارث بن الخزرج فلقيه عبد الله بن رواحة فقال ما هذا قال أما أعجبك ضرب حسان بالسيف والله ما أراه الا قد قتله فقال له ابن رواحة هل علم رسول الله بشىء مما صنعت قال لا والله قال لقد اجترأت أطلق الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فدعا حسان وصفوان فقال صفوان يا رسول الله آذانى وهجانى فاحتملنى الغضب فضربته فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحسان يا حسان أشوّهت على قومى أن هداهم الله للاسلام ثم قال يا حسان أحسن فى الذى أصابك قال هى لك فأعطاه رسول الله عوضا منها بيرحا بالحاء المهملة بعدها ألف مقصورة من غير مدّ وروى فيها الاعراب بالحركات على الراء فى الاحوال الثلاث مع الاضافة الى حاء وأنكره أبو ذرّ وقال انما هى بفتح الراء فى كل حال* قال الباجى عليه أدركت أهل العلم بالمشرق وكذا عند القاضى عياض كذا فى البحر العميق* وهى قصر بنى جديلة اليوم بالمدينة ثم باعها حسان من معاوية بمال عظيم كانت مالا لابى طلحة بن سهل فتصدّق بها الى رسول الله ليضعها حيث يشاء فأعطاها حسان فى ضربته وأعطاه سيرين أمة قبطية ولدت له ابنه عبد الرحمن كذا فى سيرة ابن هشام* وقد روى من وجوه أن اعطاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم اياه سيرين انما كان لذبه بلسانه عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فالله تعالى أعلم* وقال بعد ذلك حسان يمدح عائشة ويعتذر من الذى كان من شأنها(1/478)
حصان رزان لا تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
حليلة خير الناس دينا ومنصبا ... نبىّ الهدى والمكرمات الفواضل
عقيلة حىّ من لؤىّ بن غالب ... كرام المساعى مجدها غير زائل
مهذبة قد طيب الله جيبها ... وطهرها من كل سوء وباطل
فان كان ما قد قيل عنى قلته ... فلا رفعت سوطى الىّ أناملى
وان الذى قد قيل ليس بلائط ... بها الدهر بل قول امرئ بى ماحل
فكيف وودّى ما حييت ونصرتى ... لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم ... تقاصر عنه سورة المتطاول
رأيتك وليغفر لك الله حرة ... من المحصنات غير ذات غوائل
ولما بلغ قوله وتصبح غرثى من لحوم الغوافل قالت عائشة عند ذلك لكنك لست كذلك رواه مسلم ولما نزلت ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم الآية جلد رسول الله بعد تنازع بين الاصحاب أربعة عبد الله بن أبىّ وحسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش أخت زينب التى عصمها الله بالورع جلدهم ثمانين ثمانين* وفى رواية وجلد زيد بن رفاعة خامس الاربعة المذكورة كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء قال قائل من المسلمين فى ضرب حسان وصاحبيه فى فريتهم على عائشة رضى الله عنها
لقد ذاق حسان الذى كان أهله ... وحمنة اذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ... وسخطة ذى العرش الكريم فأترحوا
وآذوا رسول الله فيها فجللوا ... مخازى تبقى عمموها وفضحوا
وصبت عليهم محصدات كأنها ... شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح
وقد ذكر أبو عمرو بن عبد البرّ الحافظ أن قوما أنكروا أن يكون حسان خاض فى الافك أو جلد فيه روى عن عائشة أنها برّأته من ذلك ثم ذكر عن الزبير بن بكار وغيره ان عائشة كانت فى الطواف مع أمّ حكيم بنت خالد بن العاصى وابنة عبد الله بن أبى ربيعة فتداكرن حسانا فابتدرتاه بالسب فقالت لهما عائشة ابن الفريعة تسبان انى لارجو أن يدخله الله الجنة بذبه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بلسانه أليس القائل
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله فى ذاك الجزاء
فان أبى ووالدتى وعرضى ... لعرض محمد منكم وقاء
فقالتها لها أليس ممن لعنه الله فى الدنيا والآخرة بما قال فيك قالت لم يقل شيئا ولكنه القائل
حصان رزان ما تزنّ بريبة ... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فان كان ما قد قيل عنى قلته ... فلا رفعت سوطى الىّ أناملى
وفى السمط الثمين قال أبو عمرو هذا عندى أصح لانه لم يشتهر جلد عبد الله ولا جلد من اشتهر من الجميع
*
غزوة الخندق
وفى شوّال هذه السنة وقعت غزوة الخندق سميت بالخندق لحفر النبىّ صلّى الله عليه وسلم الخندق باشارة سلمان الفارسى وسميت بالاحزاب جمع حزب أى طائفة لاجتماع طوائف المشركين على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود ومن معهم وهم الذين سماهم الله تعالى بالاحزاب وأنزل الله تعالى فى ذلك صدر سورة الاحزاب كذا فى المواهب اللدنية والوفاء* واختلف فى تاريخها فقال موسى بن عقبة كانت فى شوّال سنة أربع وفى نسخة لعشرة أشهر وخمسة أيام وصححه النووى فى الروضة مع قوله بأن غزوة بنى قريظة فى الخامسة وهو عجيب لما سيأتى من انها كانت عقيب الخندق* وقال ابن(1/479)
اسحاق غزوة الخندق فى شوّال سنة خمس وبهذا جزم غيره من أهل المغازى وأما البخارى فمال الى قول موسى بن عقبة وقوّاه بقول ابن عمر ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه فيكون بينهما سنة واحدة وأحد كانت سنة ثلاث فتكون الخندق سنة أربع ولا حجة فيه بينهما اذا ثبت لنا انها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون ابن عمر فى أحد كان أوّل ما طعن فى الرابعة عشر وكان في الاحزاب استكمل الخمس عشرة وبهذا أجاب البيهقى* وقال الشيخ ولىّ الدين العراقى المشهور انها فى السنة الرابعة من الهجرة كذا فى المواهب اللدنية* قال أصحاب السير ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما أجلى يهود بنى النضير من حوالى المدينة تفرّقوا فى البلاد وسكن كل قوم منهم فى ناحية وبعض منهم وهم حيى بن أخطب وأبو رافع غلام بن أبى الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق النضريون ومن تابعهم استوطنوا خيبر فخرج نفر من أشرافهم مثل حيى بن أخطب وكنانة بن الربيع وسلام بن أبى الحقيق النضريين وأبى عامر الفاسق وهوذة بن قيس الوائليين فى رهط من بنى النضير ورهط من بنى وائل قريب من عشرين رجلا وهم الذين حزبوا الاحزاب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قدموا مكة على قريش فاستغووهم واستنصروهم ودعوهم على حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت لهم قريش يا معشر اليهود انكم أهل الكتاب والعلم بما كنا نختلف فيه نحن ومحمد فأخبرونا أديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل الله فيهم ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا الى قوله وكفى بجهنم سعيرا فلما قالوا ذلك لقريش سرّهم ما قالوا وطابت قلوبهم ونشطوا لما دعوهم اليه من حرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأجابوهم وأجمعوا على ذلك واستعدّوا له ثم خرجت أولئك اليهود من مكة حتى جاؤا غطفان من قيس غيلان بفتح الغين المعجمة اسم قبيلة سميت باسم جدّهم* وفى القاموس قيس عيلان بالفتح أبو قبيلة واسمه الناس بن مضر انتهى فدعوهم الى حرب رسول الله وأخبروهم بأنهم سيكونون معهم عليه وان قريشا قد تابعوهم على ذلك وأجمعوا عليه واجتمعوا معهم وجعلت يهود لغطفان تحريضا على الخروج نصف تمر خيبر كل عام فزعموا أن الحارث ابن عوف أخا بنى مرّة قال لعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ولقومه من غطفان يا قوم أطيعونى ودعوا قتال هذا الرجل وخلوا بينه وبين عدوّه من العرب فغلب عليهم الشيطان وقطع أعناقهم الطمع ونفذوا لامر عيينة على قتال رسول الله وكتبوا الى حلفائهم من بنى أسد فأقبل طليحة الاسدى فيمن تبعه من بنى أسد وهما الحليفان أسد وغطفان وكتب قريش الى رجال من بنى سليم بينهم وبينهم أرحام استمدادا لهم فأقبل أبو الاعور بمن تبعه من سليم مدد القريش ثم كتب اليهود الى حلفائهم من بنى سعد أن يأتوا الى امدادهم فجمع أبو سفيان جيش قريش أربعة آلاف رجل وفيهم ثلثمائة فرس وألف بعير وعقد والواء ودفعوه الى عثمان بن طلحة بن أبى طلحة من بنى عبد الدار فخرج أبو سفيان بقريش ونزلوا مرّ الظهران ولحق بهم من أجابهم من القبائل من بنى سليم وأسلم وأشجع وبنى مرّة وكنانة وفزارة وغطفان فصاروا فى جمع كبير حتى تحزبت وتجمعت عشرة آلاف رجل على ما ذكره ابن اسحاق بأسانيده ولهذا سمى هذه الغزوة غزوة الاحزاب وكان المسلمون ثلاثة آلاف وقيل كان المسلمون ألفا والمشركون أربعة آلاف* وذكر ابن سعد انه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا كذا فى المواهب اللدنية فسارت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب وسارت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فى فزارة والحارث بن عوف بن أبى حارثة المرى(1/480)
فى بنى مرّة ومسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف بن شحمة بن عبد الله بن هلال بن حلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه فى قومه من أشجع وتكامل لهم ولمن استمدّوه فأمدّهم جمع عظيم هم الذين سماهم الله الاحزاب فلما سمع بهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبما أجمعوا له من الامر ضرب الخندق على المدينة وكان الذى أشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالخندق سلمان الفارسى وكان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول الله وهو يومئذ حرّ قال يا رسول الله انا كنا بفارس اذا حوصرنا خندقنا علينا فعبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم جيشه واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم ودفع لواء المهاجرين الى زيد بن حارثة ولواء الانصار الى سعد بن عبادة فخرج من المدينة فى ثلاثة آلاف رجل وعرض أصحابه وردّ الى المدينة من استصغره من أولاد الصحابة وأذن لبعضهم فى الخروج مثل عبد الله ابن عمر وزيد بن ثابت وأبى سعيد الخدرى والبراء بن عازب وهم يومئذ أبناء خمس عشرة سنة فطلب النبىّ صلّى الله عليه وسلم موضعا صالحا للخندق* وفى خلاصة الوفاء كان أحد جانبى المدينة عورة وسائر جوانبها مشتبكة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدوّ منها فاختار ذلك الجانب المكشوف للخندق وجعل معسكره تحت جبل سلع وجعل المسلمون ظهورهم الى جبل سلع وضربت له صلّى الله عليه وسلم قبة من أديم أحمر على القرن فى موضع مسجد الفتح والخندق بينه وبين المشركين فخط أوّلا موضع الخندق ثم قسمه فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا* وفى رواية لكل عشرة رجال عشرة أذرع فاستعار من يهود بنى قريظة لحفر الخندق المعاول والفؤس والمكاتل والقدوم والمرو المسحاة وغير ذلك وكانت يومئذ بينهم وبين النبىّ صلّى الله عليه وسلم مهادنة ومعاهدة وهم يكرهون مسير قريش الى المدينة* وفى خلاصة الوفاء وعمل فيه جميع المسلمين وهم يومئذ ثلاثة آلاف* قال الطبرى وأتباعه حفر النبىّ صلى الله عليه وسلم الخندق طولا من أعلا وادى بطحان غربى الوادى مع الحرة الى غربى مصلى العيد ثم الى مسجد الفتح ثم الى الجبلين الصغيرين اللذين فى غربى الوادى ومأخذه قول ابن النجار والخندق باق فيه قناة تأتى من عين قباء الى النخل الذى بالسنح حوالى مسجد الفتح وفى الخندق نخل أيضا وقد انطم أكثره وتهدّمت حيطانه* الحاصل ان الخندق كان شامى المدينة من طرف الحرّة الشرقية الى طرف الغربية* وعن أنس قال جعل المهاجرون والانصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يعمل فيه مع أصحابه* وعن سهل بن سعد قال كنا مع رسول الله وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتافنا* وفى رواية كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ينقل التراب حتى وارى التراب جلدة بطنه* وفى رواية بعض بطنه* وفى رواية شعر صدره وكان كثير الشعر* وفى رواية ينقل التراب يوم الخندق حتى اغمر أو اغبر بطنه وهو يقول أو يرتجز بكلمات ابن رواحة
والله لولا الله ما اهتدينا* وفى رواية* لا همّ لولا أنت ما اهتدينا* ولا تصدّقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا* وثبت الاقدام ان لاقينا* ان الاولى قد رغبوا علينا** وفى رواية*
ان الذين قد بغوا علينا ... اذا أرادوا فتنة أبينا
ورفع بها صوته أبينا أبينا رواه الشيخان* وفى حديث سليمان التيمى عن أبى عثمان النهدى أنه صلّى الله عليه وسلم حين ضرب فى الخندق قال* بسم الله وبه بدينا* ولو عبدنا غيره شقينا* حبذاربا وحبذا دينا* قال فى النهاية يقال بديت بالشىء بكسر الدال أى بدأت به فلما خفف الهمزة كسر الدال فانقلبت الهمزة ياء وليس من باب الياء* وعن أبى قتادة انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لعمار حين يحفر الخندق فجعل يمسح رأسه ويقول بؤس ابن سمية تقتلك الفئة الباغية رواه مسلم* وروى ان حفر(1/481)
الخندق كان فى زمان عسرة وعام مجاعة حتى انّ الاصحاب كانوا يشدّون فى بطونهم الحجر من الجهد والضعف الذى بهم من الجوع ولبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا* وعن أبى طليحة شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن بطنه عن حجرين ذكره الترمذى فى الشمائل ولهذا أشار صاحب البردة بقوله
وشدّ من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الادم
قيل الحجر يدفع الجوع* وعن أنس خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الخندق فاذا المهاجرون والانصار يحفرون الخندق فى غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال اللهمّ لا خير الاخير الآخرة فبارك فى الانصار والمهاجرة* وفى رواية فاكرم الانصار والمهاجرة فقالوا مجيبين له
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
* وفى رواية ما حيينا أبدا فحفروا الخندق وفرغوا منه بعد ستة أيام* وفى المواهب اللدنية قد وقع عند موسى بن عقبة أنهم أقاموا فى عمل الخندق قريبا من عشرين يوما وعند الواقدى أربعا وعشرين* وفى الروضة للنووى خمسة عشر يوما* وفى الهدى النبوى لابن القيم أقاموا شهرا* روى أنه صلى الله عليه وسلم كان عين للمهاجرين أن يحفروا من موضع كذا الى موضع كذا وعين للانصار أن يحفروا من موضع كذا الى موضع كذا وتحاجّ الفريقان فى سلمان الفارسى وكل فريق قالوا سلمان منا ونحن أحق به وكان سلمان رجلا قويا يحسن حفر الخندق فلما سمع النبىّ مقالة الفريقين قال سلمان منا أهل البيت* روى انه كان يعمل فى حفر الخندق عمل الرجلين* وفى رواية كان يحفر كل يوم خمسة أذرع من الخندق وعمقها أيضا خمسة أذرع فعانه قيس بن صعصعة فصرع وتعطل من العمل فأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأمر أن يتوضأ قيس لسلمان ويجمع وضوءه فى ظرف ويغتسل سلمان بتلك الغسالة ويكفأ الاناء خلف ظهره ففعل فنشط فى الحال كما ينشط البعير من العقال* وروى انه كان عمرو بن عوف وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزنى وستة من الانصار فى أربعين ذراعا فحفروا حتى اذا كانوا تحت ذباب عرضت لهم* ذباب كغراب وكتاب لغتان* قال البكرى ذباب جبل بجبانة المدينة وهو الجبل الذى عليه مسجد الراية واسمه ذو ناب أيضا* وفى رواية أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء* وفى المواهب اللدنية كدية شديدة وهى بضم الكاف وتقديم الدال المهملة على المثناة التحتية القطعة الصلبة* وفى رواية مرو عظيمة كسرت حديدهم فأخبروا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك وهو ضارب عليه قبة تركية فهبط مع سلمان الخندق وبطنه معصوب بحجر ولبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا كما مرّ والتسعة على شفير الخندق فأخذ المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء منها ما بين لابتيها يعنى المدينة حتى لكانّ مصباحا فى بيت مظلم فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكبيرة فتح وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر رسول الله تكبيرة فتح وكبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكبيرة فتح وكبر المسلمون فأخذ بيد سلمان ورقى قال سلمان بأبى أنت وأمى يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى القوم فقال أرأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم يا رسول الله قال ضربت ضربتى الأولى فبرق الذى رأيتم أضاءت لى منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أتياب الكلاب وأخبرنى جبريل ان أمّتى(1/482)
ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتى الثانية فبرق الذى رأيتم أضاءت لى منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب فأخبرنى جبريل ان أمّتى ظاهرة عليها ثم ضربتها ضربتى الثالثة فبرق الذى رأيتم أضاءت لى قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرنى جبريل انّ أمّتى ظاهرة عليها فابشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون منهم معتب بن قشير ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وانها تفتح لكم وأنتم انما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا فنزل القرآن واذ يقول المنافقون والدين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا وأنزل الله فى هذه القصة قل اللهمّ مالك الملك الآية ووقع عند أحمد والنسائى أخذ المعول وقال بسم الله ثم ضرب ضربة فبشر ثلثها فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله انى لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس وانى والله لأبصر قصور المدائن البيض الآن ثم ضرب الثالثة فقال بسم الله فقطع بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله انى لأبصر أبواب صنعاء اليمن من مكانى هذا الساعة كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء اشتدّ عليهم فى بعض الخندق كدية فشكوها الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعا باناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضر فو الذى بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب ما تردّ مسحاة ولا فأسا* ولما فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع السيول من رومة بين الجرف ورباعة فى عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بنى كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصن حتى نزلوا بذنب نعمى الى جانب أحد* وفى خلاصة الوفاء عن ابن اسحاق ان عيينة بن حصن فى غطفان نزلوا الى جانب أحد بباب نعمان* وفى تهذيب ابن هشام عند نزولهم بنعمى ونعمان بالضم وعين مهملة واد بجانب أحد يصب هو ونعمى فى الغابة وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى ثلاثة آلاف رجل من المسلمين يوم الاثنين لثمان ليال مضين من ذى القعدة حتى جعلوا ظهورهم الى سلع فضرب هناك عسكره والخندق بينهم وبين المشركين وكان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة ولواء الانصار بيد سعد بن عبادة وكان شعار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة حم لا ينصرون كذا فى سيرة ابن هشام وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبعث الحرس الى المدينة خوفا على الذرارى من بنى قريظة كذا فى المواهب اللدنية وأمر رسول الله بالنساء والذرارى حتى رفعوا فى الآطام وخرج عدوّ الله حيى بن أخطب النضرى بالتماس من أبى سفيان حتى أتى كعب بن أسد القرظى صاحب عقد بنى قريظة وعهدهم وكان كعب قد وادع رسول الله صلّى الله عليه وسلم على قومه وعاهدهم على ذلك فلما سمع كعب بحيى بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه حيى فأبى كعب أن يفتح له فناداه حيى ويحك يا كعب افتح لى فقال كعب ويحك يا حيى انك أمرؤ مشؤم وانى قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بينى وبينه ولم أرمنه الا وفاء وصدقا قال ويحك افتح لى أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله ما أغلقت الباب الا لخشيتك أن آكل معك فاغضب الرجل ففتح له فقال يا كعب ويحك جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الاسيال من رومة وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نعمى الى جانب أحد قد عاهدونى وعاقدونى أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب بن أسد جئتنى بذل الدهر بجهام هراق ماءه وبرعد وببرق ليس فيه شىء فدعنى ومحمدا وما أنا عليه فلم أر من محمد الا وقاء وصدقا فلم يزل حيى ابن أخطب بكعب(1/483)
يفتل فى الذروة والغارب حتى سمح له على ان أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا ان أدخل معك فى حصنك حتى يصيبنى ما أصابك فنقض كعب عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما انتهى الخبر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله حسبنا الله ونعم الوكيل وبعث صلّى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أحد بنى عبد الاشهل وهو يومئذ سيد الاوس وسعد بن عبادة أحد بنى ساعدة وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحارث وخوّات بن جبير أخو بنى عمرو بن عوف ليعرفوا الخبر فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على اخبث ما بلغهم عنهم قالوا من رسول الله تبرؤا من عقده وعهده وقالوا لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وكان رجلا فيه حدّة فقال له سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فما بينهم وبيننا أربى من المشاتمة ثم أقبل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومن معهما الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبروه وقالوا عضل والقارة أى كغدرهما بأصحاب الرجيع فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم الله أكبر ابشروا يا معشر المسلمين ولما فشا بين المسلمين خبر نقض عهد بنى قريظة اشتدّ الخوف وعظم عند ذلك البلاء فبينماهم على ذلك اذ جاءتهم جنود يعنى الاحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوازها اثنى عشر ألفا كذا فى أنوار التنزيل فجاء بنو أسد وغطفان وفزارة واليهود من فوقهم من جهة المدينة وقائدهم حارث بن عوف وعبينة بن حصن الفزارى وجاء قريش وكنانة من جانب أسفل الوادى وقائدهم أبو سفيان بن حرب* وقال ابن عباس كان الذين جاؤهم من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان كذا فى الوفاء ومن هيبة كثرتهم وشدّة شوكتهم رعبت قلوب ضعفاء أهل الاسلام وزاغت أبصارهم* وفى الاكتفاء حتى ظنّ المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين وحتى قال قائل منهم كان محمد يعدنا أن نملك كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب الى الغائط كما قال الله تعالى اذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا فلما بلغت الاحزاب وجنود الاعراب شفير الخندق ورأوه تعجبوا منه اذ لم يكن أمر الخندق متعارفا بين العرب فأقاموا بظاهر المدينة على الخندق وحاصروا المسلمين عشرين أو أربعة وعشرين أو سبعة وعشرين يوما* وفى الاكتفاء وأقام عليه المشركون قريبا من شهر ولم يكن بينهم حرب الا الرمى بالنبل والحصار واستعان بنو قريظة من قريش ليبيتوا المدينة فعلم به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فبعث سلمة بن الاسلم فى مائتى رجل وزيد بن حارثة فى ثلثمائة رجل حتى حرسوا حصون المدينة ومحلاتها وكان جماعة من المنافقين مثل أوس القيظى ومتابعيه ينفرون جيش الاسلام ويقولون ارجعوا الى منازلكم واعتلوا بأنّ منازلكم عورة خالية عن المحافظة فانها خارج المدينة ونحن نخاف أن يظفر بها جيش العدوّ كما أخبر عنه قوله تعالى واذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبىّ يقولون انّ بيوتنا عورة وما هى بعورة ان يريدون الا فرارا* روى انه كان عباد بن بشر مع جمع من الصحابة فى أيام المحاصرة يحرسون خيمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم كل ليلة وكان المشركون يتناوبون الحرب لكن الله تعالى لم يمكنهم من عبور الخندق فان شجعان الصحابة كانوا يمنعونهم بالنبال والاحجار وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم بنفسه فى الليالى يحرس بعض مواضع الخندق* روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان فى الخندق موضع لم يحسنوا ضبطه اذ أعجلهم الحال وكان يخاف عليه عبور الاعداء منه وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يختلف ويحرسه بنفسه ويقول(1/484)
لا أخاف أن يعبر المشركون من موضع الا من هذا الموضع وكان يختلف عليه ورجع مرّة من الخندق فكنت أستد فئة فقال ليت رجلا صالحا يحرس الليلة هذا الموضع اذ سمع قعقعة السلاح فقال من هذا قال سعد بن أبى وقاص فأمره أن يحرس الليلة هذا الموضع فذهب سعد يحرسه فنام النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى نفخ وكان اذا نام نفخ* وعن أمّ سلمة أنها قالت كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة من ليالى الخندق يصلى فى خيمته فخرج منها فنظر فسمعته يقول هؤلاء ركب المشركين يحومون حول الخندق فأمر عباد بن بشر ومن معه أن يحوموا حول الخندق ثم قال اللهمّ ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم فذهب عباد وأصحابه حتى انتهوا الى شفير الخندق فرأوا أبا سفيان مع جمع من المشركين قد اقتحموا بمضيق من الخندق وقوم من المسلمين يرمونهم بالنبل والحجر فاعانهم عباد وأصحابه ورموا المشركين حتى ولوا هاربين فرجع عباد وأصحابه الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو يصلى فلما فرغ أخبروه بذلك قالت فنام رسول الله حتى نفخ وما استيقظ حتى أذن بلال الفجر فخرج وصلّى الفجر مع الجماعة* وعن أم سلمة كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم نائما فى خيمته ذات ليلة فلما كان نصف الليل كثر الصياح وارتفعت الاصوات وسمعت قائلا يقول يا خيل الله اركبوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شعار المهاجرين فى تلك الغزوة يا خيل الله اركبى* وفى رواية كان صلى الله عليه وسلم قال لهم ان بيتكم العدوّ فليكن شعاركم حم لا ينصرون فوجه الجمع أن يقال ان هذا كان شعار الانصار والله أعلم* وفى سيرة ابن هشام كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة حم لا ينصرون* فانتبه صلّى الله عليه وسلم وخرج من خيمته وسأل الحرس ما شأن الناس وما هذا الصياح قال عباد هذا صوت عمرو بن عبدودّ العامرى والليلة نوبته فبعثه النبىّ صلّى الله عليه وسلم اليه فذهب عباد والنبىّ صلّى الله عليه وسلم واقف خارج الخيمة ينتظر الخبر فرجع وقال يا رسول الله هذا عمرو بن ودّ فى جمع من المشركين يرمون المسلمين بالنبل والحجارة فدخل النبىّ صلّى الله عليه وسلم خيمته ولبس سلاحه فخرج وركب فرسه وناس بين يديه حتى بلغوا ذلك الموضع ثم رجعوا مع جراحات كثيرة قد أصابتهم فرقد النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى سمعته ينفخ ثم سمعت صياحا فاستيقظ النبىّ صلّى الله عليه وسلم فبعث اليه عباد بن بشر فرجع فقال هذا ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهرى فى جمع من المشركين يقاتلون المسلمين ويرمونهم بالنبال والاحجار فلبس النبىّ صلّى الله عليه وسلم سلاحه وتوجه الى ذلك الموضع واشتغل بقتالهم حتى الصباح ثم رجع وقال هربوا مع جراحات كثيرة قالت أم سلمة قد كنت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى غزوات عديدة مثل المريسيع وخيبر والحديبية وفتح مكة وحنين والطائف ولم تكن غزوة من تلك الغزوات شديدة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم مثل الخندق لقد أصابه تعب ومشقة كثيرة وأصاب المسلمين جراحات كثيرة وكان الزمان زمان برد وعسرة* روى أنه لما اشتدّ البلاء رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يعطى غطفان وفزارة ثلث ثمار المدينة حتى يرجعا عنه ويخذلا قريشا فبعث الى عيينة بن حصن الفزارى والحارث بن عوف وهما قائدا فزارة وغطفان وشرط لهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما المراوضة فى الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح* وفى رواية ان عيينة وحارثا مع نفر من قومهما أتيا النبىّ صلّى الله عليه وسلم لامر المصالحة فجرى بينه وبينهم الصلح فأمر النبى عثمان بن عفان حتى كتب كتاب الصلح ولم يقع الاشهاد ولما أرادوا أن يكتبوا الشهادة جاء اسيد بن حضير فرأى عيينة ابن حصن الفزارى قد مدّ رجله بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلم ما جاء له فأقبل الى عيينة(1/485)
وقال يا عين الهجرس أتمدّ رجلك بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فو الله لولا مجلس رسول الله لانفذت جنبك بهذا الرمح ثم أقبل بوجهه الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان كان هذا شيئا أمرك الله به لا بدّ لنا من عمل به أو أمرا تحبه فاصنع ما شئت ما نقول فيه شيئا وان كان غير ذلك فو الله ما نعطيهم الا السيف متى كانوا يطعمون منا شيئا فسكت النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا فدعا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما فيه فقالا مثل ما قال أسيد بن حضير فقالا يا رسول الله أشىء أمرك الله به أم أمر تصنعه لنا قال بل شىء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك الا لانى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكايدوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم فقال سعد ابن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الاوثان لا نعرف الله ولا نعبده وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة الاقرى أو بيعا فحين أكرمنا الله بالاسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم الا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله فأنت وذلك فتناول سعد الصحيفة وأخذها من عثمان فمحاما فى الكتاب ومزق الكتاب ثم قال ليجتهدوا علينا فرجع عيينة ابن حصن والحارث بن عوف خائبين خاسرين وعلما أن لا يدلهم على المدينة بوجه من الوجوه لما رأوا من اخلاص الانصار واتفاقهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودخل فى أمرهما فتور وتزلزل* وروى ان فوارس من قريش وشجعانهم منهم عمرو بن عبدودّ أخو بنى عامر بن لؤى وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة بن أبى وهب المخزوميان ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بنى محارب قد تلبسوا يوما للقتال وخرجوا على خيلهم ومرّوا على بنى كنانة وقالوا تهيئوا للحرب يا بنى كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ثم أقبلوا نحو الخندق تعنق بهم خيلهم والجيش على أثرهم حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا والله ان هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم قصدوا مكانا ضيقا من نواحى الخندق فضربوا خيولهم فاقتحمت فيه من تلك الناحية الضيقة فعبروه فجالت بهم خيولهم فى السبخة بين الخندق وسلع وأبو سفيان وخالد بن الوليد وفوج من رؤساء قريش وكنانة وغطفان كانوا مصطفين على الخندق فقال عمرو بن عبدودّ لابى سفيان ما لكم لا تعبرون قال أبو سفيان ان احتيج الى عبورنا نعبر أيضا وكان عمرو بن عبدودّ من مشاهير الابطال وشجعان العرب وكانوا يعدلونه بألف رجل وقد كان قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فجال وطلب المبارزة والاصحاب ساكتون كأنما على رؤسهم الطير لانهم كانوا يعلمون شجاعته*
مبارزة علىّ لعمرو بن عبد ودّ
وفى الاكتفاء ذكر ابن اسحاق فى غير رواية البكائى ان عمرو بن عبدودّ لما نادى يطلب من يبارزه قام علىّ وهو مقنع بالحديد فقال أنا له يا رسول الله فقال له اجلس انه عمرو ثم نادى عمرو وجعل يوبخهم ويقول أين جنتكم التى تزعمون انه من قتل منكم دخلها أفلا تبرزون الىّ رجلا فقام علىّ فقال أنا له يا رسول الله فقال له اجلس انه عمرو ثم نادى الثالثة وقال
ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز ... ووقفت اذ جبن المشجع وقفة الرجل المناجز
وكذاك الثانى لم أزل ... متسرعا نحو الهزاهز
ان الشجاعة فى الفتى ... والجود من خير الغرائز
فقام علىّ وقال أنا له يا رسول الله فقال انه عمرو فقال وان كان عمرا فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمشى اليه علىّ وهو يقول
لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز(1/486)
ذونية وبصيرة ... والصدق منجى كل فائز
انى لارجو أن اقسيم عليك نائحة الجنائز ... من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز
* فقال عمرو من أنت قال أنا علىّ قال ابن عبد مناف قال أنا على بن أبى طالب قال غيرك يا ابن أخى من أعمامك من هو أسنّ منك فانى اكره أن أهريق دمك فقال علىّ لكنى والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب ونزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علىّ مغضبا ويقال انه كان على فرسه فقال له علىّ كيف أقاتلك وأنت على فرسك ولكن انزل معى فنزل عن فرسه ثم أقبل نحوه فاستقبله علىّ رضى الله عنه بدرقته فضربه عمرو فيها فقدّها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه علىّ على حبل العاتق فسقط وثار العجاج وسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم التكبير فعرف أن عليا قتله* وفى القاموس كان علىّ ذا شجتين فى قرنى رأسه احداهما من عمرو ابن ودّ والثانية من ابن ملجم ولذا يقال له ذو القرنين* وفى رواية لما أذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعلىّ أعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه الحديد وعممه عمامته وقال اللهم أعنه عليه* وفى رواية رفع عمامته الى السماء وقال الهى أخذت عبيدة منى يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علىّ أخى وابن عمى فلا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين فمشى اليه علىّ فى نفر من المسلمين حتى أخذوا على الثغرة التى اقتحموا منها فأقبلت الفرسان تعنق نحوهم فلما وقف عمرو وخيله قال له علىّ يا عمرو سمعت انك تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من قريش الى خلتين الا أخذت منه احداهما* وفى الاكتفاء الى احدى الخلتين الا أخذتها منه قال أجل فقال علىّ فانى أدعوك الى الله والى رسوله والى الاسلام قال لا حاجة لى فى ذلك قال فارجع الى ديارك واترك القتال معنا فان انتظم أمر محمد وظفر على أعدائه فقد أسعدته وأمددته والا فحصل مطلوبك من غير قتاله قال عمرو ان نساء قريش لا يقلن هذا كيف وقد قدرت على استيفاء نذرى وأنا أرجع ولم أف به وقد كان عمرو جرح يوم بدر وأفلت هاربا ونذر أن لا يدّهن حتى ينتقم من محمد فقال علىّ فانى أدعوك الى النزال فقال له يا ابن أخى فو الله ما أحب أن أقتلك قال علىّ ولكنى أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه وسل سيفه وعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علىّ فتنازلا وتجاولا فقتله علىّ وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت الخندق هاربة وفى رواية ثم حمل ضرار بن الخطاب وهبيرة بن أبى وهب على علىّ وهو أقبل اليهما فأما ضرار فلما نظر الى وجه علىّ ولى هاربا وبعد ذلك سئل عن سبب فزاره قال خيل لى أن الموت يرينى صورته وأما هبيرة فثبت فى مقاتلته حتى أصابه أثر السيف فعند ذلك ألقى درعه وهرب* وفى رواية حمل الزبير بن العوّام وعمر بن الخطاب بعد قتل علىّ عمرا على بقية أصحاب عمرو وقد كان ضرار بن الخطاب يفرّ وعمر يشتدّ فى أثره فكرّ ضرار راجعا وحمل على عمر بالرمح ليطعنه ثم أمسك وقال يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ويدلى عندك غير مجزى بها فاحفظها* وفى معالم التنزيل وأما نوفل ابن عبد الله فضرب فرسه ليدخل الخندق فوقع فيه مع فرسه فتحطما جميعا* وفى المنتقى فتورّط فيه* وفى الوفاء وبرز نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومى فبارزه الزبير فقتله ويقال قتله علىّ ورجعت بقية الخيول منهزمة* وفى روضة الاحباب اقتحم الخندق نوفل حين الفرار فسقط فيه فرماه المسلمون بالحجارة فصرخ يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه فنزل اليه علىّ فضربه بالسيف فقطعه نصفين وجرح من الكفار يومئذ منبه بن عثمان أصابه سهم فمات منه بمكة وفرّ عكرمة وهبيرة ومرداس وضرار حتى انتهوا الى جيشهم فأخبروهم بقتل عمرو ونوفل فتوهن من ذلك قريش(1/487)
وخاف أبو سفيان وكادت أن تهرب فزارة وتفرّقت غطفان* وفى معالم التنزيل طلب المشركون جيفة نوفل بالثمن فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم خذوه فانه خبيث الجيفة خبيث الدية وروى ان عليا لما قتل عمرا لم يسلبه فجاءت اخت عمرو حتى قامت عليه فلما رأته غير مسلوب سلبه قالت ما قتله الا كفؤ كريم ثم سألت عن قاتله قالوا علىّ بن أبى طالب فأنشأت هذين البيتين
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... لكنت أبكى عليه آخر الابد
لكنّ قاتله من لا يعاب به ... من كان يدعى قديما بيضة البلد
وروى ان الكفار فى ذلك اليوم أو فى يوم آخر اتفقوا وشرعوا فى القتال من جميع جوانب احندق فقاتلوا سائر اليوم حتى فاتت صلاة الظهر والعصر والمغرب عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه وبعد ذلك أمر بالاقامة لكل صلاة وقضوها* وفى الهداية ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهنّ مرتبة ثم قال صلوا كما رأيتمونى وقد صح عن علىّ أنه قال قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الخندق ملأ الله عليهم بيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس وقيل اقتتلوا ثلاثة أيام قتالا شديدا حتى حجز الليل بينهم سيما فى اليوم الثالث حين شغلهم القتال عن صلاة العصر والمغرب وقيل والظهر وذلك قبل نزول صلاة الخوف وهو قوله تعالى فان خفتم فرجالا أو ركبانا* وفى شمائل الترمذى روى أنه كان يوم الخندق رجل من الكفار معه ترس وكان سعد راميا وكان الرجل يقول كذا وكذا بالترس يغطى جبهته فنزع له سعد بسهم فلما رفع رأسه رماه سعد لم يخطئ هذه منه يعنى جبهته وانقلب وأشال برجله فضحك النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه يعنى من فعله بالرجل قالت عائشة كنا يوم الخندق فى حصن بنى حارثة وهو من أحرز حصون المدينة وكانت أمّ سعد بن معاذ معنا فى الحصن وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فمرّ سعد بن معاذ وعليه درع مقلص قد خرجت منها ذراعه كلها وفى يده حربة وهو يقول البث قليلا تلحق الهيجا جمل* وفى الاكتفاء فى يده حربة يرقد بها أى يسرع بها فى نشاط وهو يقول
البث قليلا تشهد الهيجا جمل ... لا بأس بالموت اذا حان الاجل
كذا فى المنتقى* وفى الصفوة عن عائشة قالت خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس فسمعت وبيد الارض من ورائى فالتفت فاذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة فجلست الى الارض فمرّ سعد وهو يرتجز
البث قليلا تدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت اذا جاء الاجل
فقالت أمّه يا بنىّ الحق فقد والله أخرت قالت فقلت لها والله يا أمّ سعد لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هى وخفت عليه حيث أصاب السهم منه قالت فرمى سعد يومئذ بسهم فقطع منه الاكحل وزعموا أنه لم ينقطع من أحد قط الا لم يزل يبض دما ولم يرقأ حتى يموت* الاكحل بفتح الهمزة والحاء المهملة بينهما كاف ساكنة عرق فى وسط الذراع* قال الخليل هو عرق الحياة يقال ان فى كل عضو منه شعبة فهو فى اليد الاكحل وفى الظهر الابهر وفى الفخذ النسا* وكان الذى رماه حبان بن قيس ابن العرقة أحد بنى عامر بن لؤى فلما أصابه قال خذها وأنا ابن العرقة قال سعد عرق الله وجهك فى النار* وحبان بن العرقة وقد تفتح الراء وهى أمّه قلابة لقبت بها لطيب ريحها كذا فى القاموس قال ابن اسحاق عن عبد الله بن كعب بن مالك انه كان يقول ما أصاب سعدا يومئذ الا أبو أسامة الجشمى حليف بنى مخزوم* قال ابن هشام ويقال ان الذى رمى سعد اخفاجة بن عاصم بن حبان كذا فى سيرة ابن هشام ثم قال سعد اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقنى لها فانه لا قوم أحب(1/488)
الىّ أن اجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه وان كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لى شهادة ولا تمتنى حتى تقرّ عينى أو قال تشفينى من بنى قريظة وكانوا حلفاء سعد ومواليه فى الجاهلية فرقأ كمله* ولما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الخندق أمر بقبة من أدم ضربت على سعد فى المسجد* وعن جابر قال رمى سعد بن معاذ فى أكحله فحسمه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وعنه قال رمى أبى بن كعب يوم الاحزاب على أكحله فكواه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعنه بعث رسول الله الى أبى بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه روى الاحاديث الثلاثة مسلم كذا فى المشكاة*
لطيفة
وروى ابن اسحاق عن عباد الزهرى انه كانت صفية بنت عبد المطلب فى فارع حصن قالت وحسان معنا وفيه من النساء والصبيان فمرّ بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمون فى نحور عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا الينا عنهم اذ أتانا آت قلت يا حسان ان هذا اليهودى كما ترى يطيف بالحصن وانى والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من اليهود وقد شغل عنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل اليه فاقتله فقال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا فلما قال ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت اليه من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه رجعت الى الحصن فقلت يا حسان انزل فسلبه فانه لم يمنعنى من سلبه الا أنه رجل قال مالى فى سلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب كذا فى المنتقى* وفى الوفاء روى الطبرانى ورجاله ثقات عن رافع بن خديج قال لم يكن حصن أحصن من حصن بنى حارثة فجعل النبىّ صلّى الله عليه وسلم النساء والصبيان والذرارى فيه وقال ان ألم بكنّ أحد فألمعن بالسيف فجاءهنّ رجل من بنى حارثة بن سعد يقال له نجدان أحد بنى جحاش على فرس حتى كان فى أصل الحصن ثم جعل يقول انزلن الىّ خير لكن فحرّكن السيف فأبصره أصحاب رسول الله فابتدر الحصن قوم فيهم رجل من بنى حارثة يقال له ظفر بن رافع فقال يا نجدان ابرز فبرز اليه فحمل عليه فقتله وأخذ رأسه وذهب به الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى الوفاء قال حسان لا والله ما ذاك فىّ ولو كان فىّ لخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت صفية فأربط السيف على ذراعى ثم تقدّمت اليه حتى قتلته وقطعت رأسه فقالت له خذ الرأس فارم به على اليهود قال ما ذاك فىّ فأخذت هى الرأس فرمت به اليهود فقالت اليهود قد علمنا أن لم يكن يترك أهله خلوفا ليس معهم أحد فتفرّقوا وذهبوا وروى الطبرانى هذه القصة عن صفية فى غزوة أحد وفى اسناده اثنان قال الهيتمى لم أعرفهما وبقية اسناده ثقات والمذكور فى كتب السير انّ هذه القصة فى الخندق وانّ بعضهم كان بحصن بنى حارثة وبعضهم بفارع* قال السهيلى محمل هذا الحديث عند الناس أن حسانا كان جبانا شديد الجبن وقد دفع بعض العلماء هذا وأنكره وقال لو صح هذا لهجى حسان به فانه كان يهاجى الشعراء وكانوا يردّون عليه فما عيره أحد بجبن وان صح فلعل حسانا كان متعللا فى ذلك اليوم بعلة منعته عن شهود القتال هذا وروى الطبرانى برجال الصحيح عن عروة مرسلا ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أدخل النساء يوم الاحزاب أطما من آطام المدينة وكان حسان بن ثابت رجلا جبانا فأدخله مع النساء فأغلق الباب وذكر القصة* وفى أسد الغابة لابن الاثير كان حسان من أجبن الناس حتى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم جعله مع النساء فى الآطام يوم الخندق وأقام النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدّة لتظاهر عدوّهم عليهم واتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم ثم ان نعيم بن مسعود بن عامر الاشجعى الغطفانى أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم(1/489)
فقال يا رسول الله انى قد أسلمت وان قومى لم يعلموا باسلامى فمرنى بما شئت فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ان استطعت فان الحرب خدعة فخرج نعيم حتى أتى بنى قريظة وكان لهم نديما فى الجاهلية فقال لهم يا بنى قريظة قد عرفتم ودّى اياكم وخاصة ما بينى وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم ان قريشا وغطفان قد جاؤا لحرب محمد وقد ظاهر تموهم عليهم وان قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون أن تحوّلوا الى غيره وان قريشا وغطفان اموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بغيره ان رأوا نهزة أصابوها وان كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به ان خلابكم فلا تقاتلوا القوم حتى تأخذوا بعض أشرافهم رهنا يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه فقالوا لقد أشرت برأى ونصح ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبى سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش يا معشر قريش قد عرفتم ودّى اياكم وفراقى محمدا وقد بلغنى أمر رأيت حقا علىّ أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا علىّ ما أقول لكم قالوا نفعل قال اعلموا ان معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد وقد أرسلوا اليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ من القبيلتين قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقى منهم حتى نستأصلهم فأرسل محمد اليهم أن نعم فان بعث اليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم لا تدفعوا اليهم منكم رجلا واحدا* ثم خرج حتى أتى غطفان فقال يا معشر غطفان أنتم أهلى وعشيرتى وأحب الناس الىّ فلا أراكم تتهمونى قالوا صدقت قال فاكتموا علىّ قالوا نفعل ثم قال لهم ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم به فلما كانت ليلة السبت من شوّال سنة خمس وكان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم انه أرسل أبو سفيان ورؤساء غطفان الى بنى قريظة عكرمة بن أبى جهل فى نفر من قريش وغطفان وقالوا لهم انا لسنا بدار مقام هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا اليهم ان اليوم يوم السبت وهو يوم لا يعمل فيه شىء وكان قد أحدث فيه بعض الناس حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا مع ذلك بالذى نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فانا نخشى انكم اذا اشتدّ عليكم القتال أسرعتم السير الى بلادكم وتركتمونا والرجل فى بلادنا فلا طاقة لنا بذلك فلما رجعت اليهم الرسل وأخبروهم بالذى قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان والله ان الذى حدثكم نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا الى بنى قريظة انا والله لا ندفع اليكم رجلا واحدا من رجالنا فان كنتم تريدون القتال فاخرجوا وقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت اليهم الرسل وأخبروهم بهذا الخبر ان الذى ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم الا القتال فان وجدوا فرصة انتهزوها وان كان غير ذلك تشمروا الى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل فى بلادكم فأرسلوا الى قريش وغطفان والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم* روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم حوصر بضع عشرة ليلة* وفى الوفاء ذكر موسى بن عقبة ان مدّة الحصار كانت عشرين يوما حتى أصاب كل امرئ منهم الكرب فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى مسجد الاحزاب* وعن جابر بن عبد الله الانصارى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم دعا فى مسجد الفتح يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء فقال اللهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الاحزاب اللهمّ اهزمهم وزلزلهم فاستجيب له يوم الاربعاء بين الصلاتين الظهر والعصر فعرف البشر فى وجهه صلّى الله عليه وسلم فأجلوا* قال جابر ولم ينزل بى أمر غائظ الا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فاعرف الاجابة* وفى مسند الامام أحمد عن أبى سعيد(1/490)
الخدرى قال قلنا يوم الخندق يا رسول الله هل من شىء فنقوله قد بلغت القلوب الحناجر قال نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا فضرب الله وجوه أعدائة بالريح فهزمهم* وفى معالم التنزيل قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الاحزاب انطلقى ننصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت الشمال ان الحرّ لا يسرى بالليل وكانت الريح التى أرسلت عليهم الصبا* وعن ابن عباس عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور فبعث الله عليهم فى تلك الليلة الشاتية ريحا باردة فأحصرتهم وسفت التراب فى وجوههم وأرسل عليهم جنودا لم يروها وهم الملائكة وكانوا ألفا ولم تقاتل يومئذ ولكن قلعت الاوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور وجالت الخيل بعضها فى بعض وكثر تكبير الملائكة فى جوانب عسكرهم وقذف الله فى قلوبهم الرعب فانهزموا من غير قتال* وفى ينبوع الحياة لابن ظفر قيل انه صلّى الله عليه وسلم دعا فقال يا صريخ المكروبين يا مجيب المضطرين اكشف همى وغمى وكربى فانك ترى ما نزل بى وبأصحابى فأتاه جبريل وبشره بأن الله سبحانه يرسل عليهم ريحا وجنودا فأعلم أصحابه ورفع يده به قائلا شكرا شكرا وهبت ريح الصبا ليلا فقلعت الاوتاد وألقت عليهم الابنية وكفأت القدور وسفت عليهم التراب ورمتهم بالحصباء وسمعوا فى أرجاء عسكرهم التكبير وقعقعة السلاح فارتحلوا هرابا فى ليلتهم وتركوا ما استنقلوه من متاعهم قال فذلك قوله تعالى فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها كذا فى المواهب اللدنية* وروى عن حذيفة أنه قال لقد رأيتنى ليلة الاحزاب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال من يقوم فيذهب الى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنة فما قام منا رجل ثم صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت الينا فقال مثله فسكت القوم وما قام رجل ثم صلّى هو يا من الليل ثم التفت الينا فقال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم على أن يكون رفيقى فى الجنة فما قام رجل من شدّة الخوف وشدّة البرد وشدّة الجوع فلما لم يقم أحد دعانى فقال يا حذيفة فلم يكن لى بدّ من القيام حين دعانى فقلت لبيك يا رسول الله فقمت حتى أتيته وان جنبتى لتضطربان فمسح رأسى ووجهى ثم قال ائت هؤلاء القوم حتى تأتينى بخبرهم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع الىّ* وفى رواية لا تذعرهم علىّ* وفى رواية قال يا حذيفة اذهب فادخل فى القوم فانظر ما يفعلون ولا تذعرهم علىّ ثم قال اللهمّ احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فأخذت سهمى وشددت علىّ أسلابى ثم انطلقت أمشى نحوهم كأنى أمشى فى حمام فذهبت فدخلت فى القوم وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنود الله تفعل بهم الريح ما تفعل فلا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فرأيت أبا سفيان قاعدا يصطلى أو قال يصلى ظهره بالنار فأخذت سهما فوضعته فى كبد قوسى فأردت أن أرميه ولو رميته لا صبته فذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تحدثن شيئا حتى ترجع الىّ ولا تذعرهم علىّ فرددت سهمى فى كنانتى فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش لينظر كل امرئ من جليسه قال حذيفة فأحذت بيد الرجل الذى الى جنبى فقلت من أنت قال أنا فلان بن فلان* وذكر ابن عقبة انه فعل ذلك بمن على جانبيه يمينا ويسارا قال وبدرتهم بالمسئلة خشية أن يفطنوا* فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم قام وقال يا معشر قريش انكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذى نكرهه ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فانى مرتحل ثم قام الى جمله وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلقه الا وهو قائم ولولا عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم الىّ أن لا تحدث شيئا حتى تأتينى ثم شئت لقتلته بسهم ولما سمعت فزارة وغطفان بما فعلت قريش انصرفت الى بلادها* وفى الوفاء فحملت قريش(1/491)
واستمرّوا راجعين الى بلادهم* وعن الكلبى أنه قال ان الملائكة اتبعوا الاحزاب حتى بلغوا الروحاء يكبرون فى أدبارهم فهربوا لا يلوون على شىء والله أعلم* وفى الصفوة عن عائشة رضى الله عنها بعث الله الريح على المشركين وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ولحق عيينة بن حصن ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا فى صياصيهم ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة فأمر بقبة من أدم فضربت على سعد ابن معاذ فى المسجد كما سيجىء* قال حذيفة فرجعت الى رسول الله كأنى أمشى فى الحمام ورأيت فى أثناء الطريق عشرين راكبا عليهم عمائم بيض قالوا لى أخبر صاحبك أن الله كفاك جيش العدوّ كذا فى روضة الاحباب* قال حذيفة أتيت النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو قائم يصلى فلما سلم أخبرته فضحك حتى بدت نواجذه يعنى أنيابه فى سواد الليل فلما أخبرته قررت فذهب عنى الدفاء فأدنانى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأنا منى عند رجليه وألقى علىّ طرف ثوبه وألزق صدرى ببطن قدميه وفى رواية ألبسنى من فضل عباءة كانت عليه يصلى فيها فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال قم يا نومان فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس بحضرته أحد من العساكر* وفى الوفاء قال مالك لم يستشهد من المسلمين يوم الخندق الا أربعة أو خمسة* وقال ابن اسحاق لم يستشهد يوم الخندق من المسلمين الاستة نفر من بنى عبد الاشهل سعد بن معاذ وأنس بن أوس بن عتيك وعبد الله بن سهل ثلاثة نفر ومن بنى جشم بن الخزرج ثم من بنى سلمة الطفيل بن النعمان وثعلبة بن غنمة رجلان ومن بنى النجار ثم من بنى دينار كعب بن زيد أصابه سهم غرب فقتله وقتل من المشركين ثلاثة نفر من بنى عبد الدار ابن قصى منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم فمات منه بمكة ومن بنى مخزوم ابن يقظة نوفل بن عبد الله بن المغيرة اقتحم الخندق فتورّط فيه فقتل فغلب المسلمون على جسده وسأل المشركون رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده فقال صلّى الله عليه وسلم لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنه فخلى بينهم وبينه* قال ابن هشام اعطوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى جسده عشرة آلاف درهم فيما بلغنى عن الزهرى* وفى معالم التنزيل فطلب المشركون جيفة نوفل بالثمن فقال رسول الله خذوه فانه خبيث الجيفة خبيث الدية وقد مرّ ومن بنى عامر بن لؤى ثم من بنى مالك بن حسل عمرو بن عبدودّ قتله على بن أبى طالب* قال ابن هشام وحدّثنى الثقة انه حدث عن ابن شهاب الزهرى أنه قال قتل على بن أبى طالب يومئذ عمرو بن ودّ وابنه حسل بن عمرو وكان من المناوشات بين الفريقين أن مات بعض بنى عمرو بن عوف من أهل قباء فاستأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليدفنوه فأذن لهم فلما خرجوا الى الصحراء لدفن ميتهم وافقوا ضرار بن الخطاب وجماعة من المشركين بعثهم أبو سفيان ليمتاروا له من بنى قريظة على ابل له فحملوا على بعضها قمحا وعلى بعضها شعيرا وعلى بعضها تمرا وتبنا للعلف فلما رجعوا وبلغوا ساحة قباء وافقوا الذين كانوا يدفنون ميتهم فناهضهم المسلمون وغلبوهم وجرح ضرار جراحات فهرب هو وأصحابه وساق المسلمون الابل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان للمسلمين فى ذلك سعة من النفقة وكان قد أقام بالخندق خمسة عشر يوما وقيل أربعة وعشرين يوما وقيل عشرين وقيل سبعة وعشرين وقيل قريبا من شهر كما مرّ* قال صلّى الله عليه وسلم لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا وكان كذلك فهو معجزة وانصرف عليه السلام من غزوة الخندق يوم الاربعاء لسبع ليال بقين من ذى القعدة كذا فى المواهب اللدنية*
غزوة بنى قريظة
وفى ذى القعدة من هذه السنة وقعت غزوة بنى قريظة قال أهل السير لما أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الليل وقد انصرف الاحزاب مدلجين انصرف صلّى الله عليه وسلم والمؤمنون من الخندق الى المدينة يوم الاربعاء(1/492)
كما سبق ذكره ووضعوا عنهم السلاح فلما كان الظهر أتاه جبريل معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة بيضاء عليها رحاله عليها قطيفة من ديباج ورسول الله صلّى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش وهى تغسل رأسه* وفى رواية فى بيت فاطمة وقد اغتسل ويريد أن يتطيب اذ جاءه جبريل* وفى رواية كان فى بيت عائشة ساعتئذ وهى تغسل رأسه وقد غسلت شقه* روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت سمعت صوت رجل يسلم علينا من خارج البيت فقام صلّى الله عليه وسلم مستعجلا وخرج من البيت فتبعته الى الباب فرأيت دحية الكلبى على بغلة بيضاء على وجهه الغبار* وفى رواية على ثناياه النقع فجعل النبى صلّى الله عليه وسلم يمسحه بردائه ويحدّثه فلما عاد الى البيت قال هذا جبريل أمرنى بالمسير الى بنى قريظة* وفى الوفاء ذكر ابن عقبة ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان فى المغتسل عند ما جاءه جبريل وهو يرجل رأسه وقد رجل احد شقيه فجاءه جبريل على فرس عليه اللامة وأثر الغبار حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز فخرج اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له جبريل غفر الله لك قد وضعت السلاح قال نعم قال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد وفى المنتقى بعد أربعين ليلة وما رجعت الآن الا من طلب القوم* وفى المنتقى كان الغبار على وجهه وفرسه فجعل النبى صلّى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجهه ووجه فرسه انتهى قال جبريل ان الله يأمرك بالمسير الى بنى قريظة فانى عامد اليهم فمزلزل بهم وكذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية وعند ابن عائذ قم فشدّ عليك سلاحك فو الله لادقنهم دق البيض على الصفا* وفى الوفاء فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار فى زقاق بنى غنم حى من الانصار* وفى البخارى قال أنس كأنى أنظر الى الغبار ساطعا فى سكة بنى غنم من موكب جبريل وزقاقهم عند موضع الجنائز شرقى المسجد* وفى رواية ابن سعد فجاء جبريل فقال يا رسول الله انهض الى بنى قريظة فقال ان فى أصحابى جهدا قال انهض اليهم فلأضعضعنهم* وفى المنتقى قال جبريل وانّى عامد الى بنى قريظة فاشهد اليهم فانى قد قلعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم فى زلزال وبلبال فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مناديا ينادى يا خيل الله اركبى* وفى رواية نادى ان من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر الا فى بنى قريظة وقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بن أبى طالب براية اليهم ولبس صلّى الله عليه وسلم لأمته وبيضته وشدّ السيف فى وسطه وألقى الترس من وراء كتفه وأخذ رمحه وركب فرسه واسمه لحيف واجتنب فرسين* وأما ما فى شمائل الترمذى كان صلّى الله عليه وسلم يوم قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه اكاف ليف فالتوفيق بين الروايتين ممكن واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم فسار على أثر علىّ والاصحاب تهيئوا وخرجوا وكان عددهم قريبا من ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثين فرسا ولما بلغ بنى النجار فى الطريق رآهم قد تسلحوا وصفوا على الطريق فقال من أمركم بلبس السلاح قالوا دحية الكلبى قال ذاك جبريل عليه السلام ذهب ليزلزل حصونهم وفى المنتقى ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالصورين قبل أن يصل الى بنى قريظة* فى القاموس الصوران موضع بقرب المدينة* وفى خلاصة الوفاء يقال الصوران بالفتح ثم السكون للنخل المجتمع الصغار موضع فى أقصى بقيع الغرقد مما يلى طريق بنى قريظة مرّ به النبىّ صلّى الله عليه وسلم متوجها الى بنى قريظة* وفى المنتقى سأل رسول الله أصحابه بالصورين هل مرّبكم أحد قالوا مرّ بنادحية بن خليفة الكلبى على بغلة بيضاء عليها رحاله وعليها قطيفة ديباج فقال صلّى الله عليه وسلم ذاك جبريل بعث الى بنى قريظة يزلزل حصونهم ويقذف الرعب فى قلوبهم وقد كان علىّ ابتدر الناس وسار حتى اذا دنا من الحصن غرز هناك الراية فشرعت اليهود فى السب من فوق(1/493)
الحصن* وفى المنتقى سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فترك علىّ أبا قتادة عند الراية ورجع حتى لقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الاخابث قال لم أظنك سمعت لى منهم أذى قال نعم يا رسول الله قال لو رأونى لم يقولوا من ذلك شيئا وانتهى المسلمون الى بنى قريظة فيما بين المغرب والعشاء وبعض الاصحاب صلوا العصر فى الطريق رعاية للوقت وحملوا نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على التعجيل والمبالغة فى المسير وبعضهم قضوا العصر ببنى قريظة رعاية لظاهر النهى وما عاب أحدا من الفريقين ولا عنفهم* وفى المنتقى ولما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بنى قريظة نزل على بئر من آبارهم فى ناحية فتلاحق به الناس فأتاه بعض الناس بعد صلاة العشاء الاخرة ولم يصلوا العصر لقوله عليه السلام لا يصلين أحد العصر الا ببنى قريظة فصلوها بعد العشاء الآخرة فما عاتبهم الله بذلك ولا عنفهم به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد كان حيى بن أخطب دخل مع بنى قريظة فى حصنهم حين رجعت قريش وغطفان من الخندق وفاء لكعب بن أسد بما عاهد* ولما دنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا اخوان القردة والخنازير هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته انزلوا على حكم الله ورسوله* وفى رواية قال اخسؤا أخسأكم الله أى ابعدوا أبعدكم الله من رحمته قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا ولا فحاشا قبل هذا ولما سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قولهم هذا سقطت العنزة من يده والرداء عن كتفه وجعل يتأخر استحياء مما قال لهم وقال أسيد بن حضير يا أعداء الله نحن لن نبرح من ههنا حتى تموتوا من الجوع وأنتم انحجرتم مثل الثعلب فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن أبى وقاص حتى رماهم ساعة بالنبل ثم رجع الى معسكره وكانوا يقاتلونهم فى كل يوم من جوانب الحصن ويرمونهم بالنبل والحجارة فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ذلك خمسا وعشرين ليلة كذا فى الصفوة* وفى رواية خمس عشرة ليلة وعند ابن سعد عشرة* وفى معالم التنزيل احدى وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله فى قلوبهم الرعب فأمسكوا عن القتال وأرسلوا نباش بن قيس الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسألوا النزول كما نزل بنو النضير وأن يخرجوا مع نسائهم وأبنائهم من هذا البلد ولك الاموال والاسلحة والامتعة والدواب فأبى النبىّ صلّى الله عليه وسلم الا النزول على أن يفعل بهم ما يريد ولما رجع النباش وبلغهم الخبر وأيقنوا ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم جمع رئيسهم كعب بن أسد أشراف بنى قريظة وقال يا معشر اليهود انه قد نزل بكم من الامر ما ترون وانى أعرض عليكم خلالا ثلاثة فحذوا أيتها شئتم قالوا وما هى قال نتابع هذا الرجل ونصدّقه فو الله لقد تبين لكم انه نبىّ مرسل وانه الذى تجدونه فى كتابكم وابن حواس وكان من علماء التوراة اذ بلغ هذه الديار أخبركم بظهوره بها وآمن به وأوصاكم بمتابعته ونصرته وقال لكم ان أدركتم زمانه بلغوه سلامى فآمنوا به فتأمنوا على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال فاذا أبيتم هذا فهلموا لنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج على محمد وأصحابه رجالا مصلتين السيوف ولم نترك وراءنا ثقلايهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فان نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه وان نغلب عليه لنتخذن النساء والابناء الاخر قالوا كيف نقتل هؤلاء المساكين فما فى العيش بعدهم خير قال فان أبيتم هذا فتعالوا فانّ هذه الليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها يحسبون ان اليهود لا تقاتل فى السبت فانزلوا عليهم فلعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرّة قالوا كيف نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا الا من علمت فأصابهم من المسخ ما لم يخف
عليك* قال(1/494)
كعب ما بات رجل منكم منذ ولدته أمّه ليلة واحدة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن ابعث الينا أبا لبابة عبد المنذر الاوسى أخا بنى عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الاوس نستشيره فى أمرنا* وفى معالم التنزيل وكان أبو لبابة مناصحا لهم لانّ ماله وعياله وولده كانت فى بنى قريظة فأرسله رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما رأوه قام اليه الرجال واستقبلوه ونهض اليه النساء والصبيان يبكون فى وجهه من شدّة المحاصرة وتشتت أحوالهم فرق لهم فقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه انه الذبح* وفى معالم التنزيل قالوا يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده الى حلقه انه الذبح فلا تفعلوه قال أبو لبابة فو الله ما زالت قدماى حتى عرفت انى خنت الله ورسوله*
ارتباط أبى لبابة الى عمود من عمد المسجد
وفى المواهب اللدنية ومضى أبو لبابة الى المدينة فارتبط فى المسجد الى عمود من عمده وقال لا أبرح من مكانى هذا حتى يتوب الله علىّ مما صنعت وحلف أن لا يطأ بنى قريظة أبدا ولا أرى فى بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا وأقام مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته فى وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فتربطه بالجذع* وقال أبو عمرو يرفعه الى عبد الله ابن أبى بكر ان أبا لبابة ارتبط الى جذع موضع اسطوانة التوبة يسلسلة ثقيلة بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه فما كاد يسمع وكاد يذهب بصره وكانت ابنته تحله اذا حضرت الصلاة واذا أراد أن يذهب لحاجته ثم يأتى فتردّه الى الرباط وحلف لا يحل نفسه حتى يحله رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى رواية قال لا أبرح من مكانى هذا ولا يطلقنى أحد فى غير وقت الصلاة حتى يتوب الله علىّ مما صنعت ويقال ان هذه الحالة جرت له حين تخلف من تبوك كذا فى سيرة مغلطاى* فلما سمع النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال امّا لو جاءنى لاستغفرت له فأمّا اذا فعل ذلك فما أنا الذى أطلقه حتى يتوب الله عليه فبعد ما رجعوا عن بنى قريظة أنزل الله فى توبته فيما روى عن عبد الله بن أبى قتادة يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول الآية* وفى الاكتفاء الآية التى نزلت فى توبة أبى لبابة وآخرون اعترفوا بذنوبهم الى آخرها فأنزلت توبته سحرا فى بيت أمّ سلمة قالت أمّ سلمة فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى السحر يضحك فقلت مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك قال تيب على أبى لبابة فقلت ألا أبشره بذلك يا رسول الله قال بلى ان شئت فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهنّ الحجاب كذا فى المنتقى فقالت يا أبا لبابة ابشر فقد تاب الله عليك فثار الناس اليه ليطلقوه قال لا والله حتى يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الذى يطلقنى بيده فمرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خارجا الى الصبح فحله فعاهد الله أن لا يطأ بنى قريظة أبدا وقال لا يرانى الله فى بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا كذا فى المنتقى كما مرّ* وفى خلاصة الوفاء وقيل سبب ارتباطه بها تخلفه فى غزوة تبوك فلما جاء النبىّ صلّى الله عليه وسلم جاءه فأعرض عنه فارتبط بسارية التوبة التى عند باب أمّ سلمة سبعا بين يوم وليلة رواه البيهقى فى الدلائل عن سعيد بن المسيب كذا فى سيرة مغلطاى* وروى أيضا عن ابن عباس فى قوله تعالى وآخرون اعترفوا بذنوبهم قال كان عشرة رهط تخلفوا عن رسول الله فى غزوة تبوك فلما حضر رجوع النبىّ صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسوارى المسجد فقال النبىّ من هؤلاء قالوا هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك الحديث وفيه توبة الله عليهم واطلاقهم ونقل ابن النجار ان السارية التى ربط اليها ثمامة بن أثال الخثعمى هى السارية التى ارتبط اليها أبو لبابة* وعن محمد بن كعب ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يصلى نوافله الى اسطوانة التوبة ولا بن ماجه عن ابن عمر انه صلّى الله عليه وسلم اذا اعتكف طرح له فراشه ووضع له سرير وراء اسطوانة التوبة مما يلى القبلة يستند اليها* ونقل عياض عن ابن المنذران مالك بن أنس كان له موضع فى المسجد قال وهو مكان عمر بن الخطاب وهو الذى(1/495)
كان يوضع فيه فراش النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا اعتكف* وفى خبر لابن زبالة ان اسطوانة التوبة بينها وبين القبر اسطوانة وان ابن عمر كان يقول هى الثانية من القبر قال ابن زبالة بينها وبين القبر الشريف عشرون ذراعا* قلت فهى الرابعة من المنبر والثانية من القبر والثالثة من القبلة والخامسة فى زماننا من رحبة المسجد وهى بين اسطوانة عائشة وبين الاسطوانة اللاصقة بشباك الحجرة وكان فيها محراب من الجص يميزها من غيرها زال بعد الحريق الثانى انتهى* ثم ان ثعلبة بن شعبة وأسد بن شعية وأسد بن عمير وهم نفر من هذيل ليسوا من بنى قريظة ولا من بنى النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التى نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأحرزوا دماءهم وأموالهم وكان اسلامهم فيما زعموا عما كان ألقاه اليهم من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن الهيبان القادم اليهم قبل الاسلام متوكفا لخروج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومحققا لنبوّته فنفع الله هؤلاء الثلاثة بذلك واستنقذهم به من النار وخرج فى تلك الليلة عمرو بن سعد القرظى فمرّ بحرس رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعليهم محمد بن مسلمة فلما رأوه قالوا من هذا قال أنا عمرو بن سعد وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بنى قريظة فى غدرهم برسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال لا أغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهمّ لا تحرمنى عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلم يدر أين توجه من أرض الله الى اليوم فذكر شأنه لرسول الله فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه وبعض الناس يزعم انه كان أوثق برمّة فيمن أوثق من بنى قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأصبحت رمّة ملقاة ولا يدرى أين ذهب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم تلك المقالة والله أعلم أى ذلك كان كذا فى الاكتفاء* ولما استشار بنو قريظة أبا لبابة وهو أشار الى القتل قالوا ننزل على حكم سعد بن معاد فتواثب الاوس وقالوا يا رسول الله ان بنى قريظة موالينا دون الخزرج وقد أحسنت الى موالى الخزرج بالامس يعنى بنى قينقاع فأحسن الى موالينا وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل بنى النضير حاصر بنى قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام الحبر وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكم رسول الله فأراد صلّى الله عليه وسلم قتلهم فشفع فيهم عبد الله بن أبى بن سلول وبالغ فى السؤال وألح حتى وهبهم له رسول الله صلّى الله عليه وسلم كما مرّ فلما تكلم الاوس فى بنى قريظة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا ترضون يا معشر الاوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك سعد بن معاذ فأخرجت بنو قريظة من الحصن وجمعت أمتعتهم وأقمشتهم وأسلحتهم قيل كان السيف ألفا وخمسمائة والدرع ثلثمائة والرمح ألفا والترس خمسمائة والاثاث والامتعة والنواضح والمواشى كثيرة فجلس النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى موضع وبعث الى المدينة من يأتى بسعد بن معاذ وكان أصابه سهم بالخندق فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم سعد أن يجعلوه فى خيمة امرأة من المسلمين يقال لها رفيدة فى مسجده وكانت تداوى الجرحى تحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين وقال صلّى الله عليه وسلم اجعلوه فى خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب فلما حكمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بنى قريظة أتاه قومه فاحتملوه على حمار عليه اكاف من ليف قد أوطؤا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم أقبلوا معه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن فى مواليك فان رسول الله ما ولاك ذاك الا لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال انى سعد أى لا تأخذه فى الله لومة لائم* وفى الصفوة وسعد لا يرجع اليهم شيئا حتى اذا دنا من دورهم التفت اليهم وقال قد آن لى أن لا
أبالى فى الله لومة لائم* وفى الوفاء لقد آن لسعد أن لا تأخذه فى الله لومة لائم ولما سمعوا كلامه علموا انه سيحكم(1/496)
بالقتل فرجع بعض من كان معه من قومه الى دار بنى عبد الاشهل فنعى لهم رجال بنى قريظة قبل أن يصل اليهم سعد من كلمته التى سمع منه* ولما انتهى سعد الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمين قال قوموا الى سيدكم فأمّا المهاجرون من قريش فيقولون انما أراد الانصار وأمّا الانصار فيقولون قد عم بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسلمين فقالوا اليه فقالوا يا أبا عمرو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيهم ما حكمت قالوا نعم قال وعلى من هاهنا فى الناحية التى فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم اجلالا له فقال رسول الله نعم قال سعد فانى حكمت فيهم أن تقتل الرجال وتقسم الاموال وتسبى الذرارى والنساء فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة* الرقيع السماء سميت بذلك لانها رقعت بالنجوم* ووقع فى البخارى قال قضيت فيهم بحكم وربما قال بحكم الملك بكسر اللام* وفى رواية ابن صالح لقد حكمت اليوم فيهم بحكم الله الذى حكم به من فوق سبع سموات* وفى حديث جابر عند ابن عائذ فقال احكم فيهم يا سعد فقال الله والرسول أحق بالحكم قال قد أمرك الله أن تحكم فيهم* وفى هذه القصة جواز الاجتهاد فى زمنه صلّى الله عليه وسلم وهى مسئلة اختلف فيها أهل أصول الفقه والمختار الجواز سواء كان فى حضرته صلّى الله عليه وسلم أم لا وانصرف صلّى الله عليه وسلم يوم الخميس لسبع ليال كما قاله الدمياطى أو لخمس كما قاله مغلطاى خلون من ذى الحجة كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية وكان مما حكم به سعد أن تكون ديارهم للمهاجرين فلامه الانصار على ذلك قال أردت أن يكونوا مستغنين عن دياركم ثم أمر النبى صلّى الله عليه وسلم حتى ذهبوا برجال بنى قريظة الى المدينة مقرنين فى الاصفاد حتى يرى ضعفاء الاسلام قوّة الدين وعزة ملة سيد المرسلين فحبسوهم فى دارين بعضهم فى دار قلابة بنت الحارث امرأة من بنى النجار وبعضهم فى دار أسامة بن زيد ثم خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى سوق المدينة التى هى سوقها اليوم فأمر فخندق فيها خنادق ثم بعث اليهم وجىء بهم أرسالا فضربت أعناقهم بحيث تهراق دماؤهم فى تلك الخنادق وفيهم عدوّ الله حيى بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة قاله ابن اسحاق وسبعمائة عند ابن عائذ* وقال السهيلى المكثر يقول كانوا ما بين ثمانمائة الى سبعمائة* وفى حديث جابر عند الترمذى والنسائى وابن حبان انهم كانوا أربعمائة مقاتل وقالوا لكعب بن أسدوهم يذهب بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يا كعب ما تراه يصنع بنا قال أفى كل موطن لا تعقلون ألا ترون ان الداعى لا ينزع وان من ذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل كذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله وأتى بحيى بن أخطب وعليه حلة تفاحية وقد شققها عليه من كل جانب قطعة قطعة كموضع الانملة لئلا تسلب مجموعة يداه الى عنقه بحبل فلما نظر الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أما والله ما قصرت فى عداوتك* وفى الاكتفاء أما والله ما لمت نفسى فى عداوتك ولكن من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال يا أيها الناس انه لا بأس بأمر الله وتقديره كتاب الله وقدره ملحمة كتبت على بنى اسرائيل ثم جلس فضرب عنقه* وعن عائشة رضى الله عنها قالت لم يقتل من نساء بنى قريظة الا امرأة واحدة وانها كانت عندى تتحدّث معى وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يقتل رجالهم فى السوق اذ هتف هاتف باسمها اين فلانة قالت أنا والله قلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم ولا تقتل امرأة قالت لحدث أحدثته انى كنت زوجة رجل من بنى قريظة وكان بينى وبين زوجى كأشد ما يتحاب الزوجان فلما اشتدّ أمر المحاصرة قلت لزوجى يا حسرتى على أيام الوصال كادت أن تنقضى وتتبدل
بليالى(1/497)
الفراق وما أصنع بالحياة بعدك قال زوجى والله لقد غلب علينا محمد سيقتل الرجال ويسبى النساء والذرارى فان كنت صادقة فى دعوى المحبة فتعالى فان جماعة من المسلمين جالسون فى ظل حصن الزبير بن باطا فألقى عليهم حجر الرحا لعله يصيب واحدا منهم فيقتله فان ظفروا بنا يقتلونك بذلك ففعلت كذلك فهربت تلك الجماعة وأصاب الحجر خلاد بن سويد فقتل فالآن يطلبوننى للقصاص فكانت عائشة تقول ما أنسى عجبا منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها تقتل* قال الواقدى وكان اسم تلك المرأة نباتة امرأة الحكم القرظى وكانت قتلت خلاد بن سويد رمت عليه رحا فدعا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فضرب عنقها بخلاد بن سويد* وفى الوفاء واستشهد يوم بنى قريظة من المسلمين خلاد بن سويد من بنى الحارث بن الخزرج كما مرّ ومات فى الحصار أبو سنان بن محصن الاسدى أخو عكاشة بن محصن فدفنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى مقبرة بنى قريظة التى يدفن فيها المسلمون لما سكنوها اليوم واليه دفنوا أمواتهم فى الاسلام كذا قاله ابن اسحاق ولم يصب من المسلمين غير هذين* وروى محمد بن اسحاق عن الزهرى ان الزبير بن باطا القرظى وكان يكنى بأبى عبد الرحمن كان قد منّ على ثابت بن قيس بن شماس فى الجاهلية يوم بعاث فأخذه فجر ناصيته ثم خلى سبيله فجاءه ثابت لما قتل بنو قريظة وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفنى قال وهل يجهل مثلى مثلك قال انى أريد أن أجزيك بيدك عندى قال ان الكريم يجزى الكريم قال ثم أتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاستوهبه فقال يا رسول الله قد كان للزبير عندى يد وله علىّ منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لى دمه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو لك فأتاه فقال له ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد وهب لى دمك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فأتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال امرأته وولده يا رسول الله قال هما لك فأتاه فقال انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهب لى امرأتك وولدك قال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ماله يا رسول الله قال هو لك فأتاه فقال ان رسول الله أعطانى مالك فقال أى ثابت ما فعل الذى كان وجهه مرآة مضيئة تتراآى فيها عذارى الحى كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادى حيى بن أخطب قال قتل قال فما فعل مقدّمتنا اذا شددنا وحاميتنا اذا فررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجليان يعنى كعب بن قريظة وبنى عمرو بن قريظة قال ذهبوا وقتلوا وكان يقول ما فعل فلان وفلان يذكر صناديد قومه ويصفهم ويقول ثابت قتلوا قال فانى أسئلك بيدى عندك يا ثابت الا الحقتنى بالقوم فو الله ما فى العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر قلبة دلو ناضح حتى ألقى الاحبة فقدّمه ثابت فضرب عنقه* فلما بلغ أبا بكر الصدّيق قوله ألقى الاحبة قال يلقاهم والله فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا* قال وكان علىّ والزبير يضربان أعناق بنى قريظة ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس هناك وقد كان عليه السلام أمر بقتل من نبت شعر عانته منهم* وفى الاكتفاء أمر بقتل كل من أنبت منهم* قال عطية القرظى وكنت غلاما فوجدونى لم أنبت فخلوا سبيلى وكان رفاعة بن سموال القرظى رجلا قد بلغ فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر أخت سليط بن قيس وكانت احدى خالات رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد صلت الى القبلتين معه وبايعت بيعة النساء فقالت يا رسول الله بأبى أنت وأمى هب لى رفاعة فانه زعم انه سيصلى ويأكل لحم الجمل فوهبه لها فاستحيته* ولما فرغ من قتل بنى قريظة قسم نساءهم وأبناءهم على المسلمين وأعلم فى ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال وأخرج منها الخمس فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم وللرجال من ليس له فرس سهم وكانت الخيل يوم بنى قريظة ستة وثلاثين فرسا(1/498)
وكان أموال بنى قريظة أوّل ما وقع فيها السهمان وأخرج منه الخمس فعلى سنتهما وما مضى من رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ومضت السنة فى المغازى واصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو القرظى وكانت عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى توفى عنها وهى فى ملكه وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كثيرا ما يريد أن يتزوّجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركنى فى ملكك فهو أخف علىّ وعليك فتركها وقد كانت حين سباها كرهت الاسلام وأبت الا اليهودية فاجتنب رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنها ووجد فى نفسه من أمرها كدورة فبينا هو مع أصحابه اذ سمع وقع نعلين خلفه فقال ان هذا ثعلبة بن شعبة يبشرنى باسلام ريحانة فجاء فقال يا رسول الله قد أسلمت ريحانة ثم بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سعد بن زيد الانصارى أخا بنى عبد الاشهل بسبايا بنى قريظة الى نجد فاشترى له بها خيلا وسلاحا وفى رواية باع بعض بنى قريظة من عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف*
وفاة سعد بن معاذ رضى الله عنه
ولما انقضى شأن بنى قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ وذلك دعاء سعد بعد أن حكم فى بنى قريظة ما حكم فقال اللهم انك قد علمت انه لم يكن قوم أحب الىّ أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقنى لها وان كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضنى اليك فانفجر كلمه فرجعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى خيمته التى ضربت عليه فى المسجد كذا فى المنتقى* وفى البخارى انه دعا فقال اللهم انك تعلم انه ليس أحد أحب الىّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك اللهم انى أظنّ انك قد وضعت الحرب فافجرها واجعل موتى فيها فانفجرت من ليلته وكان ضرب النبىّ صلّى الله عليه وسلم له خيمة فى المسجد ليعوده من قريب وفى المسجد خيمة من بنى غفار فلم يرعهم الا الدم يسيل عليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذى يأتينا من قبلكم فاذا سعد يعد وجرحه دم فمات منها شهيدا وقد بين سبب انفجار جرح سعد فى مرسل حميد بن هلال عند ابن سعد ولفظه انه مرّت به عنزة وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الفجر فانفجرت حتى مات كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء ذكروا ان جبريل اتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين قبض سعد من جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال يا محمد من هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء واهتزله العرش فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم سريعا يجرّ ثوبه الى سعد بن معاذ فوجده قد مات وفى الصحيحين اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ وكان سعد رجلا بادنا فلما حمله الناس وجدوا له خفة فقال رجال من المنافقين والله ان كان لبادنا وما حملنا من جنازة أخف منه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان له حملة غيركم والذى نفس محمد بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد واهتزله العرش ولسعد يقول رجل من الانصار
وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به الا لسعد أبى عمرو
وفى رواية لما مات سعد بن معاذ وكان رجلا جسيما جزلا جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون ما رأينا كاليوم رجلا أخف منه قال أتدرون لم ذاك لحكمه فى بنى قريظة فذكروا ذلك للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال والذى نفسى بيده لقد كانت الملائكة تحمل سريره وحضر جنازته سبعون ألف ملك وعن عائشة رضى الله عنها قالت فحضره رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضى الله عنهم والذى نفس محمد بيده لا عرف بكاء عمر من بكاء أبى بكر وانى لفى حجرتى وكانوا كما قال الله تعالى رحماء بينهم* وفى رواية سأل الراوى كيف كان يصنع رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت كانت عنه لا تدمع لكبنه كان اذا وحد فانما يأخذ بلحيته وأخرج ابن سعد عن أبى سعيد الخدرى قال كنت فيمن حفر قبره فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا وأخرج ابن سعد وأبو نعيم من طريق محمد بن المنكدر عن(1/499)
محمد بن شرحبيل بن حسنة قال قبض انسان يومئذ بيده من تراب قبره قبضة فذهب بها ثم نظر اليها بعد ذلك فاذا هى مسك فلما وضعوه فى قبره قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبحان الله سبحان الله حتى عرف ذلك فى وجهه فقال الحمد لله لو كان أحد ناجيا من ضمة القبر لنجا منها سعد ضمه ضمة ثم فرّج الله عنه كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء قال جابر بن عبد الله لما دفن سعد ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسبح الناس معه وكبر فكبر الناس معه فقالوا يا رسول الله لم سبحت قال لقد تضايق على هذا الرجل الصالح قبره حتى فرجه الله عنه ويروى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ان للقبر ضمة لو كان أحد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ* وفى الصفوة سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الاشهل يكنى أبا عمرو وأمّه كبشة بنت رافع من المبايعات أسلم سعد على يد مصعب بن عمير فأسلم باسلامه بنو عبد الاشهل وهى أوّل دار أسلمت من الانصار وشهد بدرا وأحدا وثبت مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ ورمى يوم الخندق ثم انفجر كلمه بعد ذلك فمات شهيدا فى شوّال سنة خمس من الهجرة وهو ابن سبع وثلاثين سنة وصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودفن بالبقيع* وعن البراء قال أتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم بثوب حرير فجعلوا يتعجبون من حسنه ولينه فقال صلّى الله عليه وسلم لمناديل سعد بن معاذ فى الجنة أفضل أو خير من هذا أخرجاه فى الصحيحين وقالت أمّ سعد حين احتمل نعشه وهى تبكيه
* ويل ام سعد سعدا* صرامة وحدا* وسوددا ومجدا* وفارسا معدّا* سدّ به مسدّا*
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كل نائحة تكذب الانائحة سعد بن معاذ*
قصة احياء أولاد جابر
وفى هذه السنة أو فى غيرها وقعت قصة أولاد جابر بن عبد الله الانصارى* فى شواهد النبوّة عن جابر بن عبد الله انه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الى القرى فأجابه النبىّ صلّى الله عليه وسلم ففرح جابر فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجلس وكان لجابر داجن فذبحه ليشويه وكان له ابنان فقال كبيرهما للصغير هلم أورك كيف ذبح أبى الحمل فأضجع الصغير وربط يديه ورجليه فذبحه وحز رأسه وجاء به الى أمه فلما رأته أمه دهشت وبكت فخاف الصبى وهرب على السطح فتبعته أمه فزاد خوفه فرمى نفسه من السطح فهلك فسكتت المرأة وأدخلت ابنيها البيت وغطتهما بمسح فى ناحية من البيت واشتغلت بطبخ الحمل وكانت تخفى الحزن وتظهر السرور ولم يعلم جابر ما وقع فلما تمّ الطبخ وقرب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى جبريل وقال يا محمد ان الله يأمرك أن تأكل مع أولاد جابر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذلك لجابر فطلب جابر ابنيه فقالت امرأته انهما ليسا بحاضرين فأخبر جابر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ان الله يأمرك باحضارهما فرجع جابر الى امرأته وأخبرها بذلك فعند ذلك بكت المرأة وكشفت الغطاء عنهما فلما رآهما جابر تحير وبكى وأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فنزل جبريل وقال يا محمد ان الله يأمرك أن تدعو لهما ويقول منك الدعاء ومنا الاجابة والاحياء فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحييا باذن الله تعالى كذا فى شواهد النبوّة لكنها لم تشتهر اشتهارا* وفى المواهب اللدنية أخرج أبو نعيم ان جابرا ذبح شاة وطبخها وثرد فى جفنة وأتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأكل القوم وكان صلّى الله عليه وسلم يقول لهم كلوا ولا تكسروا عظما ثم انه عليه السلام جمع العظام ووضع يده عليها ثم تكلم بكلمات فاذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها*
تزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
وفى ذى القعدة من هذه السنة على ما فى المنتقى تزوّج صلّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن ذئاب بن يعمر بن صبرة بن مرّة بن كثير بن غنم بن ذوزان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر* وفى تاريخ اليافعى أورد تزوّجه زينب بنت جحش فى السنة الثالثة من الهجرة* وفى أسد الغابة لابن الاثير فى سنة خمس نزلت آية الحجاب(1/500)
فى ذى القعدة وآية الحجاب نزلت فى قصة تزويج زينب فيكون تزويجها فى ذى القعدة* روى الدار قطنى ان زينب جحش كان اسمها برة بالفتح وكان اسم أبيها برة بالضم فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لو كان أبوك مؤمنا لسميته باسم رجل منا ولكنى قد سميته جحشا كذا فى حياة الحيوان وأمّها أميمة بنت عبد المطلب وكانت زينب ممن هاجر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت امرأة جميلة بيضاء فيها حدة فخطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة وكان عبد الخديجة اشتراه لها حكيم بن حزام بن أخى خديجة بسوق عكاظ فى الجاهلية بأربعمائة دينار فلما تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهبته له فقبضه اليه فأعتقه وتبناه وكان يقال له زيد بن محمد وستجىء قصته فى سرية مؤتة من الموطن الثامن فلما خطب زينب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد ظنت انه يخطبها لنفسه فرضيت ولما علمت انه يخطبها لزيد أبت هى وأخوها عبد الله بن جحش وقالت أنا ابنة عمتك يا رسول الله أرادت انها ابنة أميمة بنت عبد المطلب فلا أرضاه لنفسى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى قد رضيته لك فأنزل الله عز وجل وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم وقيل نزلت فى أم كلثوم بنت عتبة وهبت نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى أنوار التنزيل فلما نزلت الآية زضيت زينب وأخوها عبد الله بذلك وجعلت أمرها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فأنكحها صلّى الله عليه وسلم زيدا ودخل بها وساق لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم عشرة دنانير وستين درهما وخمارا ودرعا وازارا وملحفة وخمسين مدّا من طعام وثلاثين صاعا من تمر ومكثت عند زيد ما شاء الله ثم ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى بيت زيد يطلبه فلم يجده وأبصر زينب قائمة فى درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش فوقعت فى نفسه فأعجبه حسنها فقال سبحان الله مقلب القلوب وانصرف وسمعت زينب بالتسبيحة فلما جاء زيد ذكرتها لزيد ففطن زيد فألقى فى نفسه كراهيتها والرغبة عنها فى الوقت* وفى رواية فى وقت رآها فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال انى أريد أن أفارق صاحبتى فقال مالك أرابك منها شىء قال لا والله يا رسول الله ما رأيت منها الاخيرا ولكنها تتعاظم علىّ لشرفها وتؤذينى بلسانها فقال له صلّى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك واتق الله فى أمرها ثم طلقها زيد وعن زينب قالت لما وقعت فى قلب النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يستطعنى زيد وما امتنعت منه غير ما يمنعه الله منى فلا يقدر علىّ* وعن أنس لما انقضت عدّة زينب قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد ما أجد احدا أوثق فى نفسى منك اذهب فاذكرنى لها* وفى رواية اخطب علىّ زينب قال زيد فلما قال ذلك عظمت فى نفسى فذهبت اليها فجعلت ظهرى الى الباب فقلت يا زينب ابشرى فان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخطبك* وفى رواية بعثنى يذكرك ففرحت بذلك وقالت ما أنا بصانعة شيئا* وفى رواية ما كنت لاحدث شيئا حتى أؤامر ربى عز وجل فقامت الى مسجد لها فصلت ركعتين وناجت ربها فقالت اللهم ان رسولك يخطبنى فان كنت أهلا له فزوّجنى منه فنزل القرآن وهو فلما قضى زيد منها وطرا زوّجناكها فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم بغير اذن* وفى رواية فانطلق زيد حتى أتاها وهى تخمر عجينها قال فلما رأيتها عظمت فى صدرى حتى لا استطيع أن أنظر اليها فقلت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكرها فوليتها ظهرى ونكصت على عقبى فقلت يا زينب أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكرك* وفى رواية لما انقضت عدّتها قال له يا زيد ائت زينب فاخبرها ان الله سبحانه قد زوّجنيها فانطلق زيد واستفتح الباب فقالت من هذا قال زيد قالت وما حاجة زيد الىّ وقد طلقنى فقال أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه
وسلم فقالت مرحبا برسول الله صلّى الله عليه وسلم ففتحت له فدخل عليها وهى تبكى فقال زيد لا أبكى الله عينك قد كنت نعمت المرأة(1/501)
ان كنت لتبرين قسمى وتطيعين أمرى وتتبعين دعوتى فقد أبد لك الله خيرا منى قالت من هو قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرّت ساجدة* وفى رواية ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان جالسا يتحدّث مع عائشة أخذته غشية فسرى عنه وهو يتبسم ويقول من يذهب الى زينب ويبشرها ان الله قد زوّجنيها من السماء وتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم واذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك القصة كلها قالت عائشة رضى الله عنها فأخذنى ما قرب وما بعد لما يبلغنى من جمالها وأخرى هى أعظم الامور وأشرفها ما صنع لها زوّجها الله من السماء وقلت هى تفتخر علينا بهذا فخرجت سلمى خادمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم تشتد فتحدّثها بذلك فاعطتها أوضاحا عليها كذا فى المنتقى قال وكانت زينب تفتخر على أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم تقول زوّجكنّ أهاليكنّ وزوّجنى الله عز وجل من فوق سبع سموات* وفى رواية قالت ان الله عز وجل انكحنى من السماء كذا فى الصفوة* وفى أنوار التنزيل ان الله تعالى تولى انكاحى وأنتن زوّجكنّ أولياؤكنّ وما أو لم على امرأة من نسائه أكثر وأفضل مما أو لم على زينب أو لم عليها بتمر وسويق وشاة ذبحها وأطعم الناس الخبز واللحم فأمر لنا أن ندعو الناس فترادفوا أفواجا يأكل فوج فيخرج ثم يدخل فوج حتى امتد النهار أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه فخرج الناس وبقى رجال جلوسا فى البيت يتحدّثون بعد الطعام فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبث هنيهة ثم رجع والقوم جلوس فشق ذلك عليه وعرف فى وجهه ذلك فنزلت آية الحجاب فى قصة زينب* فى الصحيحين من حديث أنس وكذا فى المنتقى والوفاء قال أنس لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعته فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهنّ ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك قال أنس فما أدرى أنا أخبرته ان القوم قد خرجوا أو أخبرنى قال فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه فألقى الستر بينى وبينه ونزل الحجاب فمكثت زينب عند النبىّ صلّى الله عليه وسلم ست سنين والمشهور انها ماتت فى سنة عشرين من الهجرة بعد ما مضى من عمرها ثلاث وخمسون سنة وقيل ماتت سنة احدى وعشرين وهى أوّل من مات من أزواجه صلّى الله عليه وسلم بعده فلما أخبرت عائشة بموتها قالت ذهبت حميدة مفيدة فقيدة مفزع اليتامى والارامل ولما توفيت أمر عمر بن الخطاب بالنداء يا أهل المدينة احضروا جنازة أمكم وصلّى عليها عمر ودفنت بالبقيع ودخل قبرها اسامة بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله بن أختها مروياتها فى الكتب المتداولة أحد عشر حديثا المتفق عليه منها حديثان والتسعة الباقية فى سائر الكتب*
وقوع الزلزلة بالمدينة
وفى هذه السنة زلزلت المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل يستعتبكم فأعتبوه كذا فى أسد الغابة*
سقوطه صلّى الله عليه وسلم عن فرسه
وفى ربيع الاوّل أو فى ذى الحجة من هذه السنة سقط صلّى الله عليه وسلم عن فرسه فجحشت ساقه وجرحت فخذه اليمنى ولما رجع الى المدينة أقام فى البيت خمسا يصلى قاعدا* وفى رواية والاصحاب يقتدون به قياما فأمرهم بالجلوس وقال انما جعل الامام اماما ليؤتمّ به فاذا ركع فاركعوا واذا سجد فاسجدوا واذا جلس فاجلسوا لكن عند أكثر العلماء هذا الحديث منسوخ لانه صح أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم صلّى فى مرض موته جالسا والاصحاب اقتدوا به قياما والنبىّ صلّى الله عليه وسلم قرّره*
مسابقة الخيل
وفى هذه السنة أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالسبق بين ما ضمر من الخيل وبين ما لم يضمر* عن عبد الله بن عمر أجرى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ما ضمر من الخيل فأرسلها من الحفيا بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء يمدّ ويقصر وكان أمدها ثنية الوداع وهو خمسة أميال أو ستة أو سبعة وأجرى ما لم يضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بنى زريق وهو ميل أو نحوه وكان ابن عمر ممن سابق فيها قال فوثب بى فرسى جدارا وعن أنس كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق أو لا تكاد تسبق فجاء اعرابى على قعود فسبقها فشق ذلك(1/502)
على المسلمين حتى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال حق على الله أن لا يرتفع شىء من الدنيا الا وضعه رواه البخارى*
نزول فرض الحج
وفى هذه السنة فرض الحج على القول الصحيح أى نزلت فريضة الحج فيها لكن أخره رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى السنة العاشرة من غير مانع فانه خرج فى السنة السابعة فى ذى القعدة لقضاء العمرة ولم يحج وفتح مكة فى رمضان السنة الثامنة ولم يحج وبعث أبا بكر أميرا على الحاج فى السنة التاسعة وحج صلّى الله عليه وسلم فى السنة العاشرة* وفى الوفاء قد اختلف فى وقت فرض الحج فقيل قبل الهجرة وهو غريب والمشهور بعدها وقيل سنة خمس وجزم به الرافعى فى موضع وكذا فى المنتقى قال فى سنة خمس وقيل فى ست وصححه الرافعى فى موضع آخر وكذا النووى وهو قول الجمهور وقيل فى سبع وقيل فى ثمان وكذا فى مناسك الكرمانى أيضا ورجحه جماعة من العلماء وقيل فى تسع وصححه عياض*
النهى عن ادخار لحوم الاضاحى
وفى هذه السنة دفت دافة العرب أى اجتمعت جموعها فنهى النبىّ صلى الله عليه وسلم عن ادّخار لحوم الاضاحى فوق ثلاث كذا فى الوفاء ثم رخص لهم فى الادّخار ما بدا لهم والله أعلم تم الى هنا انتهى الجزء الاوّل من تاريخ الخميس ويليه الجزء الثانى وأوّله (الموطن السادس) يسر الله حسن اتمامه بفضله وانعامه(1/503)
* (فهرست الجزء الاوّل من تاريخ الخميس)
* صحيفه 3 ذكر ترتيب الكتاب على مقدّمة وثلاثة أركان وخاتمة
6 الطليعة الاولى فى تعريف النبىّ والرسول
8 مطلب نفيس فى نغمات داود
8 دقبقة فى الاب والام والابن
10 ذكر ترتيب ما نزل بمكة من القرآن
10 ذكر ترتيب ما نزل بالمدينة
11 ذكر ما اختلفوا فيه
11 ذكر ما نزل مرّتين
14 ذكر الناسخ والمنسوخ
14 أوّل من تتبع القرآن وجمعه
15 ذكر اللغات التى نزل بها كلام الله
15 مطلب أولى العزم
16 الفرق بين البشر والملك
16 مطلب نفيس فى قولهم انّ الولاية أفضل من النبوّة
16 الفرق بين النبى والولى والساحر
17 مطلب أول المخلوقات
18 مطلب اللوح والقلم
21 حديث صور الانبياء
24 ذكر دلائل نبوّة النبىّ عليه الصلاة والسلام
28 ذكر خبر أبى عامر الراهب
30 الطليعة الثانية من المقدّمة
31 ذكر خلق السماء والارض
31 ذكر خلق الملائكة والجان
34 ذكر مدّة الدنيا وذكر مدّة هذه الامّة
35 دقيقة فى اختصاص عدد السبعة بأن تكون مدّة الدنيا
36 ذكر ابتداء خلق آدم
38 غريبة من الفتوحات
38 ذكر الروح
صحيفه 39 ذكر عيسى ومريم ويحيى
42 نفيسة
44 قصة اباء ابليس
45 ذكر أخذ الميثاق
46 خلق حوّاء
47 خطبة نكاح آدم التى خطبها الله عز وجل
48 صفة شجرة الحنطة
49 صفة الحية
49 اكل آدم من الشجرة
51 معاقبة ابليس
52 الخصال التى ابتليت بها حوّاء
52 خروج آدم من الجنة
55 اتخاذ آدم الديك لمعرفة الاوقات
56 ذكر كيفية انتقاله صلّى الله عليه وسلم من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة
57 صفة الشعرى
59 أولاد آدم الصلبية
59 قتل قابيل هابيل
62 قصة عنق وابنها عوج
65 ذكر ملوك الفرس ومشاهير الانبياء والحكماء
65 ذكر هو شنج
65 ذكر طهمورث
65 ذكر ادريس عليه السلام
67 ذكر ملك جمشيد
67 ذكر متوشلخ
68 ذكر نوح عليه السلام
68 صفة سفينة نوح
74 ذكر الضحاك
75 ذكر افريدون
76 ذكر ارم
78 ذكر لقمان
78 مولد ابراهيم عليه السلام(1/504)
صحيفه 82 القاء ابراهيم فى النار
82 فائدة فى قتل الوزغ
83 ذكر صرح نمرود
85 ذكر سارة
86 ذكر هاجر
87 ذكر الشام والارض المقدّسة
88 ذكر أوّلية البيت الحرام ومن بناه من الملائكة والانبياء وسائر الامم
95 ذكر الاختلاف فى الذبيح
96 قصة الذبح
97 تزوّج اسماعيل وزيارة أبيه ابراهيم له
98 بناء الكعبة
100 ذكر ذى القرنين الاكبر
101 ذكر ذى القرنين الاصغر
103 سدّ الاسكندر
103 ذكر يأجوج ومأجوج
104 خروج الدجال
106 آثار الاسكندر
106 ذكر الخضر عليه السلام
107 بقية اخبار ابراهيم عليه السلام
112 ذكر دابة الارض
114 أشراط الساعة
114 بقية أخبار بناء الكعبة
117 عدّة بناء الكعبة
118 نقل الحجر الاسود
119 أوّل من كسا الكعبة
119 ذرع الكعبة
122 مقامات الائمة ومصلاهم
123 عدد أبواب المسجد الحرام
124 عدد أساطين المسجد الحرام
124 عدد منائر المسجد الحرام
124 فضيلة مكة
126 رجع الى ذكر أحوال ابراهيم
127 أوّل من شاب ابراهيم
صحيفه 127 ذكر وفاة ابراهيم عليه السلام
128 صورة ما كتبه النبى صلّى الله عليه وسلم لتميم الدارى
129 اختتان ابراهيم عليه السلام
130 ذكر أولاد ابراهيم عليه السلام
131 نبذة من قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام
133 عجائب فرعون
141 ديك يوسف
141 نقل صندوق يوسف
143 ذكر منوجهر سبط ايرج
144 ذكر بخت نصر
145 ذكر الاسكندر
145 بقية قصة اسماعيل عليه السلام
148 قصة الافعى الجرهمى
153 نفيسة فى تسمية العرب أولادها بشر الاسماء
159 أعمامه صلّى الله عليه وسلم
163 ذكر أبى طالب وأولاده
164 ذكر الزبير وأولاده
164 ذكر حمزة بن عبد المطلب
165 ذكر العباس بن عبد المطلب واسلامه
166 ذكر الفضل بن عباس
167 ذكر عبد الله بن عباس
167 ذكر عبيد الله بن عباس
168 ذكر قثم بن العباس
168 ذكر عبد الرحمن وكثير وتمام أولاد العباس
169 ذكر الاناث من ولد العباس
169 ذكر أبى لهب
170 ذكر الاناث من أولاد عبد المطلب
172 ذكر الزبير بن العوّام
172 ذكر مقتل الزبير
173 ذكر قتل شعياء وتخريب بخت نصر بيت(1/505)
صحيفه المقدس
177 سبب قتل يحيى عليه السلام
178 نقش خاتم دانيال
178 ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب
181 سرقة الغزالين من الكعبة
181 ذكر بشار مكة
182 الطليعة الثالثة
182 ذكر ولادة عبد الله
182 نذر عبد المطلب ذبح عبد الله
183 تزوّج عبد الله بآمنة
184 قصة الخثعمية
185 حمل آمنة برسول الله صلّى الله عليه وسلم
188 قصة أصحاب الفيل
192 مسير سيف بن ذى يزن الى قيصر وكسرى
193 سبب تملك الحبشة اليمن
194 نادرة
195 الركن الاوّل فى الحوادث من عام ولادته الى زمان نبوّته صلّى الله عليه وسلم
195 ذكر تاريخ ولادته
197 ذكر يوم ولادته
197 ذكر طالع ولادته
198 مكان ولادته
198 بيان التواريخ
199 ذكر خالد بن سنان
200 ذكر حنظلة بن صفوان
200 ذكر ما وقع ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم
202 ذكر بعض ما وقع حين الولادة
204 ذكر ختانه صلّى الله عليه وسلم
206 أسماؤه صلّى الله عليه وسلم
207 ألقابه صلّى الله عليه وسلم
207 ذكر شمائله وصفاته
210 مزاحه صلّى الله عليه وسلم
211 مصارعته عليه السلام
212 لطيفة
صحيفه 213 ذكر خصائصه عليه السلام
213 النوع الاوّل ما اختص به فى ذاته فى الدنيا
214 النوع الثانى ما اختص به فى شرعه وأمّته فى الدنيا
215 النوع الثالث فيما اختص به فى ذاته فى الآخرة
216 النوع الرابع ما اختص به فى أمّته فى الآخرة
216 القسم الثانى فى الخصائص التى اختص بها عن أمّته
216 النوع الثانى ما اختص به من المحرّمات
217 النوع الثالث ما اختص به من المباحات
218 النوع الرابع ما اختص به من الكرامات
220 ذكر معجزاته صلّى الله عليه وسلم
222 ذكر ارضاع الاظآر وعددها
225 شق صدره عليه السلام
226 رعيه عليه السلام للغنم
229 وفاة آمنة
230 احياء أبويه صلّى الله عليه وسلم
239 كفالة عبد المطلب له عليه السلام
239 رمده عليه السلام
239 استسقاء عبد المطلب
239 تبشير سيف الحميرى عبد المطلب
241 ذكر سليمان وبلقيس
243 قصة الهدهد
245 قصة ملك اليمن أبى بلقيس وسبب وصوله الى الجنّ
246 بقية قصة الهدهد
249 ذكر وفاة بلقيس
249 صفة كرسى سليمان
250 سبب سلب ملك سليمان
252 وفاة سليمان
253 وفاة عبد المطلب
253 كفالة أبى طالب له صلّى الله عليه وسلم(1/506)
صحيفه 255 موت حاتم الطائى وموت كسرى أنوشروان
255 ذكر حرب الفجار
255 سبب ثروة عبد الله بن جدعان
256 نفيسة وكتب غلطا 456
256 أول ما رأى عليه السلام من أمر النبوّة
257 الباب الثانى فى الحوادث من السنة الثانية عشر الى السنة الرابعة والعشرين
257 خروجه عليه السلام مع أبى طالب الى الشام
259 ذكر رعيه صلّى الله عليه وسلم
259 ولادة عمر رضى الله عنه
259 حرب الفجار الآخر
260 ولاية كسرى برويز
260 صحبة أبى بكر للنبى فى تجارة الى الشام
261 ذكر حلف الفضول
261 شكواه عليه السلام الى عمه أبى طالب مما يأتيه
261 الباب الثالث فى الحوادث من السنة الخامسة والعشرين الى السنة الاربعين من مولده عليه السلام
262 خروجه عليه السلام مع ميسرة الى الشام
263 ذكر من خطب خديجة
263 ذكر هند بن هند
263 نزوّجه عليه السلام خديجة
265 ذكر وليمته عليه السلام
265 ذكر تزوّجه عليه السلام أمّهات المؤمنين
270 ذكر من خطب عليه السلام من النساء ولم يعقد عليهنّ
271 ذكر سراريه عليه السلام
272 ذكر أولاده عليه السلام
273 ذكر زينب ابنته عليه السلام
274 ذكر وفاتها وأولادها
274 ذكر رقية بنت رسول الله
صحيفه 275 ذكر تزويج عثمان رقية
275 ذكر أمّ كلثوم بنت رسول الله
276 ذكر تزويج ام كلثوم وذكر وفاتها
277 ذكر فاطمة ابنته صلّى الله عليه وسلم
277 ذكر وصيتها الى أسماء بنت عميس
278 ذكر تاريخ وفاتها وسنها
278 ذكر من غسلها وموضع قبرها
278 ذكر ولد فاطمة
280 الركن الثانى فى الحوادث من ابتداء نبوّته الى زمان هجرته
280 نزول الوحى وكيفيته
284 صفة نزول الوحى
285 رمى الشياطين بالشهب
285 انفصام طاق كسرى
286 ذكر أوّل من أسلم
287 ذكر ما وقع فى السنة الثانية والثالثة
288 هجرة الحبشة الاولى
289 فائدة فى أسماء ملوك الجهات
290 مكالمة جعفر مع النجاشى
291 قصة تولية النجاشى
292 ذكر بعض ما لقى رسول الله من ايذاء المشركين
293 ذكر اسلام حمزة
295 ذكر اسلام عمر رضى الله عنه
297 وقعة بعاث
297 تقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب
298 نزول سورة الروم
298 انشقاق القمر
299 وفاة أبى طالب
300 وصية أبى طالب
301 وفاة خديجة الكبرى
302 خروجه عليه السلام الى الطائف والى ثقيف(1/507)
صحيفه 303 ذكر وفود الجنّ
305 تزوّجه صلّى الله عليه وسلم سودة وعائشة
306 ابتداء اسلام الانصار وبيعة العقبة الاولى
306 ذكر قصة المعراج
316 ذكر بيعة العقبة الثانية
317 ذكر مصعب بن عمير
317 ذكر بيعة العقبة الكبرى
319 هجرة أبى بكر الى الحبشة
320 ذكر هجرة الاصحاب الى المدينة
321 مشاورة قريش فى اخراجه أو حبسه أو قتله صلّى الله عليه وسلم
322 الموطن الاوّل فى وقائع السنة الاولى من الهجرة
322 خروجه صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر من مكة الى الغار
330 ذكر خروجهما من الغار وتوجههما الى المدينة
333 معجزة
333 قصة أم معبد
334 قصة العوسجة
335 خبر بريدة بن الحصيب
336 ذكر استقبال أهل المدينة له صلّى الله عليه وسلم
337 ذكر تاريخ الهجرة
339 الفصل الثانى فى انتقاله من قباء الى باطن المدينة
339 أول خطبة فى الاسلام
343 ذكر بناء المسجد
348 موت كلثوم بن الهدم
348 اسلام عبد الله بن سلام
349 موت أسعد بن زرارة
350 ابتداء خدمة أنس
350 الزيادة فى صلاة الحضر
صحيفه 350 وعك أبى بكر والصحابة
351 اسلام سلمان الفارسى
352 ذكر المواخاة بين المهاجرين والانصار
353 ذكر موادعة اليهود
353 موت العاص بن وائل من مشركى مكة
354 بعت زيد بن حارثة الى مكة
354 ولادة النعمان بن بشير وعبد الله بن الزبير
355 شجاعة عبد الله بن الزبير
355 قصة فاطمة بنت النعمان
355 تكلم الذئب
355 ابتداء الغزوات
356 بعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر
357 سرية عبيدة بن الحارث الى بطن رابغ
357 بناؤه عليه السلام بعائشة
359 بعث سعد بن أبى وقاص الى الخرار
359 ابتداء الاذان
360 الموطن الثانى فى حوادث السنة الثانية
360 صوم عاشوراء
361 تزوّج على بفاطمة رضى الله عنها
362 ذكر خطبة النبى فى نكاح فاطمة
363 غزوة الابواء
363 غزوة بواط
363 غزوة العشيرة
364 تكنية علىّ بأبى تراب
365 غزوة بدر الاولى
365 بعث عبد الله بن جحش الى بطن نخلة
367 تحويل القبلة
368 تجديد بناء مسجد قباء
368 نزول فرض رمضان
368 غزوة بدر الكبرى
380 لطيفة انقلاب العصا سيفا
383 لطيفة فى استماع الطبل ببدر كطبل الملوك(1/508)
صحيفه 389 فائدة
395 ذكر اعتناء الصحابة بتعلم الخط والكتابة
396 ذكر أسماء أهل بدر
402 عدّة أهل بدر
402 عدّة شهداء بدر
403 عدّة قتلى المشركين يوم بدر
405 ذكر الاسارى ببدر
406 وفاة رقية بنته عليه السلام
406 سرية عمير بن عدى لقتل العصماء اليهودية
406 نبذة من جوامع كلمه عليه السلام
407 فرض زكاة الفطر
407 فرض زكاة الاموال
407 غزوة قرقرة الكدر
408 سرية سالم بن عمير الى قتل أبى عفك
408 غزوة بنى قينقاع
410 غزوة السويق
411 موت عثمان بن مظعون
411 بناء على بفاطمة رضى الله عنهما
412 غضب النبى حين خطب على بنت أبى جهل
412 وفاة أمية بن الصلت
412 الموطن الثالث فى وقائع السنة الثالثة من الهجرة
412 سرية محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الاشرف
414 تزوّج عثمان بأم كلثوم
414 غزوة غطفان
415 هجوم دعثور على الرسول وسقوط سيفه من بده
416 غزوة بحران
416 سرية زيد بن حارثة الى قردة
416 تزوّجه عليه السلام بحفصة بنت عمر
417 تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت خزيمة
417 ذكر ميلاد الحسن رضى الله عنه
صحيفه 418 ذكر ختان الحسن والحسين وتسميتهما
418 ذكر ارضاع أم الفضل امرأة العباس للحسن
419 ذكر صفة الحسن رضى الله عنه
419 غزوة أحد
433 معجزة فى انقلاب العود سهما والعصا سيفا
438 تمثيل النسوة بقتلى أحد
442 دعاء عبد الله بن جحش وسعد بن أبى وقاص
443 كرامة فى عدم تغير أجساد الشهداء
443 غريبة فى أمر معاوية بنبش قبور الشهداء بأحد
445 بيان الحكم الربانية فى ابتلاء المسلمين
445 ذكر شهداء أحد
446 عدّة الشهداء بأحد
447 غزوة حمراء الاسد
449 سرقة طعمة
449 الموطن الرابع فى حوادث السنة الرابعة من الهجرة
450 سرية أبى سلمة الى قطن
450 سرية عبد الله بن أنيس الى قتل سفيان بن خالد
451 سرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة
454 سرية عاصم بن ثابت الى الرجيع
454 ذكر عضل والقارة
455 كرامة عاصم فى حفظ جثته بعد استشهاده
456 دقيقة فى أنّ الكرامة ثابتة للاوليا
457 دعاء زيد بن حارثة واستجابته
458 بعث عمرو بن أمية الى أبى سفيان بن حرب
460 غزوة بنى النضير
463 وفاة زينب بنت خزيمة
463 غزوة ذات الرقاع
464 وفاة عبد الله بن عثمان
464 ولادة الحسين بن على رضى الله عنهما(1/509)
صحيفه 464 تعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود
465 غزوة بدر الصغرى الموعد
466 تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بأم سلمة
467 ذكر أولاد أم سلمة
467 رجم اليهوديين
467 وفاة فاطمة أم على بن أبى طالب
468 الموطن الخامس فى وقائع السنة الخامسة من الهجرة
468 فك سلمان عن الرق
469 غزوة دومة الجندل
469 نفيسة
469 وفاة أم سعد
469 خسوف القمر
470 وفد بلال بن الحارث
470 وفد ضمام بن ثعلبة
470 غزوة المريسيع
473 نزول آية التيمم
474 تزوّجه صلّى الله عليه وسلم بجويرية
صحيفه 475 قصة الافك
476 كلام عمر وعثمان وعلى فى حق الافك
478 اعطاء الرسول بئر بيرحا لحسان بن ثابت
479 غزوة الخندق
486 مبارزة علىّ لعمرو بن عبدودّ
489 لطيفة
492 غزوة بنى قريظة
495 ارتباط أبى لبابة الى عمود من عمد المسجد
499 وفاة سعد بن معاذ رضى الله عنه
500 قصة احياء أولاد جابر
500 تزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش
502 وقوع الزلزلة بالمدينة
502 سقوطه صلّى الله عليه وسلم عن فرسه
502 مسابقة الخيل
503 نزول فرض الحج
503 النهى عن ادخار لحوم الاضاحى
تم فهرست الجزء الاوّل من تاريخ الخميس(1/510)
الجزء الثانى من تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس
تأليف الامام العالم العلامة الشيخ حسين بن محمد ابن الحسن الديار بكرى نفعنا الله به وبعلومه والمسلمين أجمعين آمين(2/1)
الله (
الجزء الثانى من تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس)
[تتمة الركن الثالث من الحوادث من ابتداء نبوته إلى زمان هجرته ووفاته]
* (بسم الله الرحمن الرحيم) **
(الموطن السادس فيما وقع فى السنة السادسة من الهجرة
من سرية محمد بن مسلمة الى القرطا بالضرية وقصة ثمامة وكسوف الشمس وغزوة بنى لحيان وبعث أبى بكر الى كراع الغميم وزيارة النبىّ صلى الله عليه وسلم قبر أمّه وغزوة الغابة وسرية عكاشة الى عمر وسرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة وسرية أبى عبيدة بن الجراح الى مصارع أصحاب محمد بن مسلمة وسرية زيد بن حارثة الى بنى سليم بالجموم وسرية زيد بن حارثة الى العيص وسرية زيد بن حارثة الى الطرف وسرية زيد بن حارثة الى حسمى وسرية كرز ابن جابر الفهرى الى العرنيين وسرية زيد بن حارثة الى وادى القرى وبعث عبد الرحمن بن عوف الى بنى كلب وبعث على بن أبى طالب الى بنى سعد وسرية زيد بن حارثة الى أمّ قرفة وسرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع والاستسقاء وسرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رزام اليهودى بخيبر وسرية زيد ابن حارثة الى مدين وغزوة الحديبية وبيعة لرضوان ووفاة أمّ رومان ونزول حكم الظهار وتحريم الخمر وتزوّج أمّ حبيبة) *
سرية محمد ابن مسلمة الى القرطا
* وفى محرّم هذه السنة لعشر خلون منه على رأس تسعة وخمسين شهرا من الهجرة كانت سرية محمد ابن مسلمة الى القرطا بطن من بنى بكر بن كلاب وهم ينزلون ضرية بالبكرات* روى أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فى ثلاثين راكبا على جماعة من بنى بكر بن كلاب بموضع يقال له الضرية فى خلاصة الوفا الضرية بفتح الضاد المعجمة وكسر الراء وتشديد المثناة التحتية قرية على سبع مراحل بطريق خارج البصرة الى مكة وفى القاموس ضرية بين البصرة ومكة* وأمره أن يغير عليهم(2/2)
بغتة وكان محمد يسير بالليل ويختفى بالنهار حتى أغار عليهم فجأة وهم عارون غافلون وهرب سائرهم* وعند الدمياطى قتل نفرا منهم وهرب سائرهم وأصاب منهم خمسين بعيرا وثلاثة آلاف شاة وساقها وقدم المدينة لليلة بقيت من المحرّم فقسمها النبيّ صلى الله عليه وسلم بين أصحابه بعد اخراج الخمس وكانت غيبته فى تلك السرية تسع عشرة ليلة
قصة ثمامة بن أثال الحنفى
وكان معه ثمامة بن أثال الحنفى سيد اليمامة أسيرا فربط بسارية من سوارى المسجد* وفى الاكتفاء ان خيلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت فأخذت رجلا من بنى حنيفة لا يشعرون من هو حتى أتوابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتدرون من أخذتم هذا ثمامة ابن أثال الحنفى أحسنوا أساره ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أهله فقال اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا به اليه وأمر بلقحته أن يغدى عليه بها ويراح فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أسلم يا ثمامة وفى رواية ما تقول يا ثمامة* وفى رواية فخرج اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال ما عندك يا ثمامة فقال عندى خير يا محمد ان تقتلنى تقتل ذادم وان تنعم تنعم على شاكر وان كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك حتى كان الغد ثم قال له ما عندك يا ثمامة وهكذا الى ثلاثة أيام ففى اليوم الثالث أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بأن يطلق فانطلق الى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم عاد اليه فقال أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله* وفى الاكتفاء فلما أطلقوه خرج حتى أتى الى البقيع فتطهر وأحسن طهوره ثم أقبل فبايع النبىّ صلى الله عليه وسلم على الاسلام فلما أمسى جاؤه بما كانوا يأتونه به من الطعام فلم ينل منه الا قليلا وباللقحة فلم يصب من حلابها الا يسيرا فتعجب المسلمون من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مم تعجبون من رجل أكل أوّل النهار فى معى كافر وأكل آخر النهار فى معى مسلم انّ الكافر يأكل فى سبعة أمعاء وانّ المسلم يأكل فى معى واحدة* وقال ثمامة حين أسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان وجهك أبغض الوجوه الىّ فأصبح وهو أحب الوجوه الىّ ولقد كان دينك أبغض الاديان الىّ فأصبح وهو أحب الاديان الىّ ولقد كان بلدك أبغض البلاد الىّ فأصبح وهو أحب البلاد الىّ* وفى رواية قال يا محمد والله ما كان على الارض وجه أبغض الىّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه الىّ ووالله ما كان من دين أبغض الىّ من دينك فقد أصبح دينك أحب الاديان الىّ ووالله ما كان من بلد أبغض الىّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد الىّ وانّ خيلك أخذتنى وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره النبىّ صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت قال لا ولكنى أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لما تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم خرج الى اليمامة فمنعهم أن يحملوا الى مكة شيئا فكتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنك تأمر بصلة الرحم وانك قد قطعت أرحامنا فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومى وبين ميرتهم ففعل ويقال انه لما كان ببطن مكة فى عمرته لبى فكان أوّل من دخل مكة يلبى فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا وهموا بقتله ثم خلوه لمكان حاجتهم اليه والى بلده ذكر قصته البخارى*
كسوف الشمس
وفى هذه السنة كسفت الشمس أوّل مرّة قبل الكسوف الذى كان فيه موت ابراهيم كذا فى الوفا*
غزوة بنى لحيان
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة بنى لحيان بكسر اللام وفتحها لغتان وذكرها ابن اسحاق فى جمادى الاولى على رأس ستة أشهر من فتح بنى قريظة* قال ابن حرم الصحيح أنها فى الخامسة قال أهل السير لما وقعت وقعة عاصم بن ثابت وخبيب بن عدى وغيرهما من الصحابة الذين قتلهم هذيل وجد النبىّ صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا فأراد أن ينتقم منهم فأمر أصحابه بالتهيؤ وورّى فأظهر أنه يريد الشام ليصيب من القوم غرة(2/3)
وعسكر فى مائتى رجل ومعهم عشرون فرسا واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم فسلك على غراب جبل بناحية المدينة الى الشام ثم على مخيض تم على البتراء ثم ذات اليسار فخرج على بين ثم على صخيرات اليمام ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة فأسرع السير حتى انتهى الى منازلهم ببطن عران بخط السلفى كتب تحت العين عين صغيرة وقال ابن الاثير بضم الغين المعجمة وفتح الراء وهو واد بين أمج وعسفان وبينه وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحاب الرجيع الذين قتلوا فوجد بنى لحيان قد حذروا وتمنعوا فى رؤس الجبال فترحم على أصحاب الرجيع ودعا لهم واستغفر وأقام هناك يوما أو يومين يبعث السرايا فى كل ناحية فلما أخطأ من غرتهم ما أراد قال لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج فى مائتى راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرّا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا وكان جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا آيبون تائبون ان شاء الله تعالى لربنا حامدون أعوذ بالله من وعثاء السفر وكابة المنقلب وسوء المنظر فى الاهل والمال كذا فى الاكتفاء* وفى رواية بعث أبا بكر فى عشرة فوارس من عسفان ليسمع بهم قريش فيذعرهم فأتوا كراع الغميم ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا وانصرف صلى الله عليه وسلم الى المدينة ولم يلق كيدا وكانت غيبته عن المدينة أربع عشرة ليلة*
زيارة النبي ص قبر أمه
وفى هذه السنة زار قبر أمّه روى أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من بنى لحيان وقف على الابواء فنظر يمينا وشمالا فرأى قبر آمنة أمه فتوضأ ثم صلى ركعتين فبكى وبكى الناس لبكائه ثم قام فصلى ركعتين ثم انصرف الى الناس فقال ما الذى أبكاكم قالوا بكيت فبكينا يا رسول الله قال ما ظننتم قالوا ظننا أنّ العذاب نازل علينا قال لم يكن من ذلك شئ قالوا ظننا أنّ أمتك كلفت من الاعمال ما لا يطيقون قال لم يكن من ذلك شئ ولكنى مررت بقبر أمى فصليت ركعتين ثم استأذنت ربى عز وجل أن أستغفر لها فنهيت فبكيت ثم عدت وصليت ركعتين فاستأذنت ربى عز وجل أن أستغفر لها فزجرت زجرا فأبكانى ثم دعا براحلته فركبها فسار يسيرا فقامت الناقة لثقل الوحى فأنزل الله ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى الى آخر الايتين فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أشهد كم أنى برىء من آمنة كما تبرأ ابراهيم من أبيه* وفى رواية لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة زار قبر أمه بالابواء ثم قام متغيرا ذكره الطيبى فى شرح المشكاة* وفى رواية لما مرّ بالابواء فى عمرة الحديبية زار قبرها وعن أبى هريرة قال زار النبىّ صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربى فى أن أستغفر لها فلم يأذن لى واستأذنته فى أن أزور قبرها فأذن لى فزوروا القبور فانها تذكر الموت* وعن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الاضاحى فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ الا فى سقاء فاشربوا فى الاسقية كلها ولا تشربوا مسكرا رواهما مسلم* وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تزهد فى الدنيا وتذكر الاخرة رواه ابن ماجه* وعن محمد بن النعمان يرفعه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم قال من زار قبر أبويه أو أحدهما فى كل جمعة غفر له وكتب برّا رواه البيهقى فى شعب الايمان* وعن بريدة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم اذا خرجوا الى المقابر ان يقولوا السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وانا ان شاء الله بكم لا حقون نسأل الله لنا ولكم العافية رواه مسلم* وعن أبى هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوّارات القبور رواه أحمد والترمذى وابن ماجه وقد رأى بعض أهل العلم انّ هذا كان قبل أن يرخص النبىّ صلى الله عليه وسلم فى زيارة القبور فلما رخص دخل فى رخصته(2/4)
الرجال والنساء وقال بعضهم انما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهنّ وكثرة جزعهنّ كذا فى المشكاة وعن عائشة قالت كنت أدخل بيتى الذى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وانى واضعة ثوبى وأقول انما هو زوجى وأبى فلما دفن عمر معهما فو الله ما دخلته الا وأنا مشدودة علىّ ثيابى حياء من عمر رواه أحمد والله تعالى أعلم
* (وفى ربيع الاوّل من هذه السنة وقعت غزوة الغابة) *
وتعرف بذى قرد بفتح القاف والراء وبالدال المهملة وهو ماء على بريد من المدينة* وفى خلاصة الوفا الغابة واد لم يزل معروفا فى أسفل سافلة المدينة من جهة الشام وهو مغيض مياه أوديتها بعد مجتمع السيول وكان بها املاك أهل المدينة استولى عليها الخراب والحفياء من أدنى الغابة وانها على خمسة أميال أو ستة من المدينة* وعن محمّد بن الضحاك أنّ العباس كان يقف على سلع فينادى غلمانه وهم بالغابة فيسمعهم وذلك من آخر الليل وبينهما ثمانية أميال وهو محمول على انتهاء الغابة لا أدناها* وفى حياة الحيوان الغابة موضع بينه وبين المدينة أربعة أميال وفيها أيضا كان للنبىّ صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة وهى على بريد من المدينة بطريق الشام* وفى معجم ما استعجم الغابة بالموحدة اثنتان العليا والسفلى ومنبر النبى صلى الله عليه وسلم كان من طرفاء الغابة* وفى خلاصة الوفا وذو قرد ماء انتهى اليه المسلمون فى غزوة الغابة قال ابن الاثير هو بين المدينة وخيبر على يومين من المدينة* وفى فتح البارى مسافة يوم وفى غيره نحو يوم مما يلى بلاد غطفان وكانت فى ربيع الاوّل سنة ست قبل الحديبية وعند البخارى انها كانت قبل خيبر بثلاثة أيام وفى مسلم نحوه قال الحافظ مغلطاى فى ذلك نظر لاجتماع أهل السير على خلافهما انتهى* قال القرطبى شارح مسلم لا يختلف أهل السير أنّ غزوة ذى قرد كانت قبل الحديبية وقال الحافظ ابن حجر ما فى الصحيح من التاريخ لغزوة ذى قرد أصح مما ذكره أهل السير وهى الغزوة التى أغار فزارة على لقاح النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ربيع الاوّل قبل خيبر وعن سلمة بن الاكوع قال رجعنا أى من الغزوة الى المدينة فوالله ما لبثنا فى المدينة الا ثلاث ليال حتى خرجنا الى خيبر وقال ابن اسحاق كانت غزوة بنى لحيان فى شعبان سنة ست فلما رجع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة لم يقم بها الا ليال قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى على لقاحه وقال ابن سعد كانت غزوة ذى قرد فى ربيع الاوّل سنة ست قبل الحديبية ويمكن الجمع بأنّ اغارة عيينة ابن حصن على اللقاح كانت مرّتين الاولى قبل الحديبية والثانية بعدها قبل الخروج الى خيبر كذا فى فتح البارى* وفى المواهب اللدنية سببها أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة وهى ذوات اللبن القريبة العهد بالولادة ترعى بالغابة وكان أبو ذرّ فيها فأغار عليهم عيينة بن حصن الفزارى* وفى المشكاة وغيرها انّ عبد الرحمن بن حصن الفزارى أغار على اللقاح ويمكن الجمع بأنّ عبد الرحمن هو الذى أنشأ الاغارة لكن عيينة لما جاء الى امداده نسبت الاغارة تارة الى هذا وتارة الى هذا وكانت الاغارة ليلة الاربعاء فى أربعين فارسا فاستاقوها وقتلوا ابن أبى ذرّ الغفارى* وقال ابن اسحاق وكان فيها رجل من بنى غفار وامرأته فقتلوا الرجل وسبوا المرأة واحتملوها فى اللقاح وكان أوّل من نذر بهم سلمة بن الاكوع الاسلمى غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله معه فرس له يقوده حتى اذا علا ثنية الوداع نظر الى بعض خيولهم فأشرف فى ناحية سلع ثم صرخ واصباحاه وخرج يشتدّ فى آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق القوم فجعل يردّهم بالنبل ويقول(2/5)
اذا رمى* خذها وأنا ابن الاكوع* اليوم يوم الرضع* فكلما وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فاذا أمكنه الرمى رمى ثم قال خذها وأنا ابن الاكوع اليوم يوم الرضع فيقول قائلهم أكيعنا أوّل النهار فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الاكوع فصرخ بالمدينة الفزع الفزع* وفى رواية ونودى يا خيل الله اركبى وكان أوّل ما نودى بها وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى خمسمائة وقيل فى سبعمائة واستخلف على المدينة ابن أمّ مكتوم وخلف سعد بن عبادة فى ثلثمائة يحرسون المدينة وكان قد عقد لمقداد بن عمرو فى رمحه لواء وقال له امض حتى تلحقك الخيول وانا على أثرك فأدرك أخريات العدوّ كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء فكان أوّل من انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو وهو الذى يقال له المقداد بن الاسود حليف بنى زهرة ثم كان أوّل فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الانصار عباد بن بشر بن وقش أحد بنى عبد الاشهل وسعد بن زيد أحد بنى كعب بن عبد الاشهل وأسيد بن ظهير أخو بنى حارثة يشك فيه وعكاشة بن محصن أخو بنى أسد بن خزيمة ومحرز بن نضلة أخو بنى أسد بن خزيمة وأبو قتادة الحارث بن ربعى أخو بنى سلمة وأبو عياش وهو عبيد بن زيد بن صامت أخو بنى رزيق فلما اجتمعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر عليهم سعد بن زيد وقال اخرج فى طلب القوم حتى ألحقك فى الناس وقال لابى عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق القوم قال أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم أضرب الفرس فو الله ما جرى بى خمسين ذراعا حتى طرحنى فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو أعطيته أفرس منك وأقول أنا أفرس الناس فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرس أبى عياش هذا فيما يزعمون معاذ بن ما عص أو عائذ بن ما عص فكان ثامنا وبعض الناس يعد سلمة بن عمر وابن الاكوع أحد الثمانية ويطرح أسيد بن ظهير أخابنى حارثة والله أعلم أى ذلك كان* ولم يكن سلمة يومئذ فارسا قد كان أوّل من لحق بالقوم على رجليه فخرج الفرسان فى طلب القوم حتى تلاحقوا وكان أوّل فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو بنى أسد بن خزيمة وكان يقال لمحرز هذا الآخرم ويقال له أيضا قمير لما كان الفزع جال فرس لمحمود بن سلمة فى الحائط وهو مربوط بجذع نخل حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا ضبعا جامعا فقال بعض نساء بنى عبد الاشهل حين رأى الفرس يجول فى الحائط بجذع نخل هو مربوط به يا قمير هل لك فى أن تركب هذا الفرس فانه كما ترى ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين فأعطته اياه فخرج عليه فلم يلبث ان بدأ الخيل بحمامه حتى أدرك القوم فوقف بين أيديهم ثم قال قفوا بنى اللكيعة كذا فى الاكتفاء* وفى سيرة ابن هشام معشر اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من المهاجرين والانصار ثم حمل عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس فلم يقدر حتى وقف على اربة فى بنى عبد الاشهل فقيل انه لم يقتل من المسلمين يومئذ غيره وقيل انه قتل مع محرز وقاص ابن محرز المدلجى* قال ابن اسحاق وكان اسم فرس محمود ذا اللمة وقال ابن هشام وكان اسم فرس سعد لا حق واسم فرس المقداد برجة ويقال سمحة وفرس عكاشة ذو اللمه وفرس أبى قتادة خرودة وفرس عباس بن بشر لماع وفرس أسيد بن ظهير مسنون وفرس عياش جلوة قال ابن اسحاق وقد حدّثنى بعض من لا أتهم عن عبد الله بن كعب بن مالك أن محرزا انما كان على فرس عكاشة بن محصن يقال لها الجناح فقتل محرز واستلبت الجناح ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه برده ثم لحق بالناس وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسلمين فاذا حبيب مسحى ببرد أبى قتادة فاسترجع الناس وقالوا قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بأبى
قتادة ولكنه قتيل لابى قتادة وضع عليه برده لتعرفوا أنه صاحبه(2/6)
* وفى المواهب اللدنية وقتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وسلاحه وقتل عكاشة بن محصن أبان بن عمرو وقتل من المسلمين محرز بن نضلة قتله مسعدة وأدرك عكاشة ابن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار وهما على بعير واحد فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا واستنقذوا بعض اللقاح* وفى المواهب اللدنية استنقذوا عشرة من اللقاح وأفلت القوم بما بقى وهو عشر وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذى قرد وتلاحق الناس والخيول عشاء وذهب الصريخ الى بنى عمرو بن عوف فجاء الامداد فلم تزل الخيل تأتى والرجال على أقدامهم وعلى الابل حتى انتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يذى قرد وأقام عليه يوما وليلة وقال له سلمة بن الاكوع يا رسول الله لو سرحتنى فى مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم الان ليغبقون فى غطفان* وفى المواهب اللدنية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الاكوع اذا ملكت فأسحج بهمزة قطع ثم سين مهملة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة أى فارفق وأحسن من السجاحة وهى السهولة ثم قال انهم ليقرون فى غطفان فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أصحابه فى كل مائة رجل جزورا* وفى المواهب اللدنية وصلى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذى قرد ثم رجع قافلا الى المدينة وقد غاب عنها خمس ليال وافلتت امرأة الغفارى على ناقة من ابل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر فلما فرغت قالت يا رسول الله انى نذرت أن أنحرها ان نجانى الله عليها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بئسما جزيتيها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها انه لا نذر فى معصية الله ولا فيما لا تملكين انما هى ناقة من ابلى ارجعى الى أهلك على بركة الله وهذا حديث ابن اسحاق عن غزوة ذى قرد وخرج مسلم بن الحجاج حديثها فى صحيحه باسناده الى سلمة بن الاكوع مطوّلا ومختصرا وخالف فيه حديث ابن اسحاق فى مواضع منها أنّ هذه الغزوة بعد انصراف النبىّ صلى الله عليه وسلم من الحديبية وجعلها ابن اسحاق قبلها وكذلك فعل ابن عقبة قال القرطبى لا تختلف أهل السير أنّ غزوة ذى قرد كانت قبل الحديبية وما فى الصحيح من التاريخ لها أصح مما فى السير كما مرّ ويمكن الجمع بتكرر الواقعة ويؤيده أنّ الحاكم ذكر فى الاكليل أنّ الخروج الى ذى قرد تكرّر الاولى خرج اليها زيد بن حارثة قبل أحد وفى الثانية خرج اليها النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ربيع الاخر سنة خمس والثالثة هى المختلف فيها ومنها أنّ اللقاح كانت ترعى بذى قرد وكذا فى البخارى وقال ابن اسحاق بالغابة وكذا قال عياض الاوّل غلط ويمكن الجمع بأنها كانت ترعى تارة بذى قرد وتارة بالغابة ومنها قد ورد فى صحاح الاحاديث عن سلمة أنه قال خرجت أنا ورباح عبد النبىّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤذن بلال بالاولى يعنى صلاة الصبح نحو الغابة وأنا راكب على فرس أبى طلحة الانصارى فاذا أغار عبد الرحمن ابن عيينة بن حصن الفزارى قبل طلوع الفجر على لقاح النبىّ صلى الله عليه وسلم وكانت ترعى بذى قرد وقد قتل الراعى واستاق اللقاح فقلت أى رباح اركب هذا الفرس وبلغه الى أبى طلحة وأخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى رواية عن سلمة خرجت قبل أن يؤذن بلال بالاولى فلقينى عبد لعبد الرحمن بن عوف فقلت ويحك مالك قال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من أخذها قال أخذها غطفان وفزارة* وفى رواية لمسلم ما يقتضى أنّ سلمة كان مع السرح لما أغير عليه وانه قام على اكمة وصاح واصباحاه ثلاثا وهذا يرجح ان السرح كان بالغابة ويبعد كونه بذى قرد اذ لو كان بذى قرد لما أمكنه لحوقهم ومنها أنّ سلمة بن الاكوع استنقذ سرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بجملته قال سلمة فو الله ما زلت أرميهم وأعقرهم فاذا رجع
الىّ فارس منهم أتيت شجرة فجلست فى أصلها ثم رميته(2/7)
فعقرت حتى اذا تضايق الجبل فدخلوا فى مضائقه علوت الجبل فجعلت أردّهم بالحجارة قال فما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهرى وخلوا بينى وبينه ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون ولا يطرحون شيئا الا جعلت عليه آراما من الحجارة يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أتوا متضايقا من ثنية فأتاهم فلان ابن بدر الفزارى فجلسوا يتضحون أى يتغدون وجلست على رأس قرن قال الغزارى ما هذا الذى أرى قالوا لقينا من هذا البرح والله ما رافقنا منذ عيش يومنا حتى انتزع كل شئ فى أيدينا قال فليقم اليه نفر منكم قال فصعد الىّ منهم أربعة فى الجبل فلما أمكنونى من الكلام قلت هل تعرفوننى قالوا لا ومن أنت قلت فأنا سلمة بن الاكوع والذى كرّم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم الا أدركته ولا يطلبنى فيدركنى قال أحدهم أظنّ ذلك فرجعوا فما برحت مكانى حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر فاذا أوّلهم الآخرم الاسدى وعلى أثره أبو قتادة الانصارى وعلى أثره المقداد بن الاسود الكندى فأخذت بعنان الآخرم وقلت يا أخرم احذرهم لا يقتطعونك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال يا سلمة ان كنت تؤمن بالله واليوم الاخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق فلا تحل بينى وبين الشهادة قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن فقتله وتحوّل على فرسه ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فطعنه فقتله* وفى رواية اختلفا طعنتين فطعن أوّلا الآخرم عبد الرحمن فجرحه ثم طعن عبد الرحمن أخرم فقتله وركب فرسه فبلغه أبو قتادة فاختلفا طعنتين أيضا فطعن أوّلا عبد الرحمن أبا قتادة فجرحه بالرمح الذى طعن به أخرم فطعنه أبو قتادة فقتله فركب فرس أخرم الذى ركبه عبد الرحمن* وفى الشفاء أصاب سهم وجه أبى قتادة يوم ذى قرد فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر السهم فما ضرب ولا قاح* وفى الاكتفاء قال سلمة بن الاكوع والذى أكرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لتبعتهم أعدو على رجلىّ حتى ما أرى من ورائى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا من غبارهم شيئا حتى عدلوا قبل غروب الشمس الى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد ليشربوا منه وهم عطاش فنظروا الى عدوى وراءهم فجلوتهم عنه فما ذاقوا منه قطرة ويخرجون ويشتدّون فى ثنية فأعد وفألحق رجلا منهم فاصكه بسهم فى نغض كتفه فقلت خذها وأنا ابن الاكوع واليوم يوم الرضع قال يا ثكلة أمه أكوعه بكره قلت نعم يا عدوّ نفسه أكوعه بكره قال وأردوا فرسين على ثنية فجئت بهما أسوقهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحقنى عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن وسطيحة فيها ماء فتوضأت وشربت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الماء الذى جلاتهم عنه قد أخذت تلك الابل وكل شئ استنقذته من المشركين وكل رمح وكل بردة واذا بلال نحر ناقة من الابل التى استنقذت من القوم فاذا هو يشوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها وسنامها قلت يا رسول الله خلنى فانتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر الا قتلته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فى ضوء النهار وقال يا سلمة أتراك كنت فاعلا قلت نعم والذى أكرمك قال انهم الان ليقرّون بأرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان فقال نحر لهم فلان جزورا فلما كشطوا جلدها رأوا غبارا فقال أتاكم القوم فخرجوا هاربين فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة ويرخ؟؟؟
رجالتنا سلمة بن الاكوع ثم أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين سهم الراجل وسهم الفارس فجمعهما الىّ جميعا وذكر الزبير بن أبى بكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ فى غزوة ذى قرد هذه على ماء يقال له بيسان فسأل عنه فقيل اسمه يا رسول الله بيسان وهو مالح فقال رسول الله صلى الله(2/8)
عليه وسلم لا بل اسمه نعمان وهو طيب فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه فغير الله تعالى الماء فاشتراه طلحة بن عبيد الله ثم تصدّق به وجاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنت يا طلحة الافياض فسمى طلحة الفياض قال سلمة ثم أردفنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته فرجعنا الى المدينة فلما دنونا الى المدينة نادى رجل من الانصار هل من سابق نتسابق الى المدينة فاستأذنت النبىّ صلى الله عليه وسلم فسابقته فسبقته*
سرية عكاشة الى غمر مرزوق
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية عكاشة بن محصن الاسدى الى غمر مرزوق بالغين المعجمة المكسورة وهو ماء لبنى أسد على ليلتين من فيد فى أربعين رجلا فخرج سريعا فأخبر به القوم فهربوا فنزل المسلمون عليا بلادهم وبعث شجاع بن وهب فى جماعة الى بعض النواحى فأخذ رجلا من بنى أسد فدلهم على نعمهم فى المرعى فساقوا مائة بعير وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا*
سرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة بفتح القاف والصاد المهملة المشدّدة موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا ومعه عشرة الى بنى ثعلبة فورد عليه ليلا فأحدق به القوم وهم مائة رجل فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الاعراب عليهم بالرماح فقتلوهم الا محمد بن مسلمة فوقع جريحا وجردوهم من ثيابهم ومرّ رجل من المسلمين فحمله حتى ورد به الى المدينة* وفى ربيع الاخر من هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح فى أربعين رجلا الى مصارعهم فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا فى الجبال وأصاب رجلا واحدا فأسلم وتركه وأخذ نعما من نعمهم فاستاقها ورثة من متاعهم وقدم به المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقى عليهم* وفى القاموس الرث السقط من متاع البيت كالرثة بالكسر*
سرية زيد بن حارثة الى بنى سليم
وفى ربيع الاخر من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة الى بنى سليم بالجموم من أرض بنى سليم ويقال بالجموح ناحية ببطن نخل من المدينة على أربعة أميال فأصابوا امرأة من مزينة يقال لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بنى سليم فأصابوا نعما وشاء وأسرى فكان فيهم زوج حليمة المزنية فلما قفل زيد بما أصاب وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية نفسها وزوجها*
سرية زيد بن حارثة أيضا الى العيص
وفى جمادى الاولى من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى العيص موضع على أربعة أميال من المدينة ومعه سبعون راكبا لما بلغه عليه السلام أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام يتعرّض لها فأخذوها وما فيها فأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية وأسر منهم ناسا منهم أبو العاص بن الربيع زوج زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادت فى الناس حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجرانى قد أجرت أبا العاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمت بشئ من هذا وقد أجرنا من أجرت وردّ عليه ما أخذ* وذكر ابن عقبة ان أسره كان على يد أبى بصير بعد الحديبية وكانت هاجرت قبله وتركته على شركه وردّها النبىّ صلى الله عليه وسلم بالنكاح الاوّل قيل بعد سنتين وقيل بعد ست سنين وقيل قبل انقضاء العدّة* وفى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ردّها له بنكاح جديد سنة سبع*
سرية زيد بن حارثة أيضا الى الطرف
وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى الطرف وهو ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة فخرج الى بنى ثعلبة فى خمسة عشر رجلا فأصاب نعما وشاء وهربت الاعراب وصبح زيد بالنعم المدينة وهى عشرون بعيرا ولم يلق كيدا وغاب أربع ليال*
سرية زيد بن حارثة أيضا الى حسمى
وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة أيضا الى حسمى وهو واد وراء ذات القرى* وفى الاكتفاء وكان من حديثها كما حدّث رجال من جذام وكانوا علماء بها ان رفاعة بن زيد الجذامى لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم الى الاسلام فاستجابوا له لم يلبث أن قدم دحية بن خليفة الكلبى من عند قيصر صاحب(2/9)
الروم حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه تجارة له وقد أجازه قيصر وكساه حتى اذا كان بواد من أوديتهم يقال له حسمى أغار عليه الهنيد بن عوض الضلعى بطن منه وابنه عوض فأصاب كل شئ معه فبلغ ذلك قوما من بنى الضبيب وهم رهط رفاعة ممن كان أسلم وأجاب فنفروا الى الهنيد وابنه فاستنقذوا ما كان فى أيديهما من متاع دحية فخرج دحية حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره واستشفاه دم الهنيد وابنه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وبعث معه جيشا خمسمائة رجل وردّ معه دحية فكان زيد يسير بالليل ويكمن بالنهار حتى هجموا مع الصبح على القوم فأغاروا عليهم وقتلوا فيهم وأوجعوا وقتلوا الهنيد وابنه وأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف ومائة من النساء والصبيان* وفى الاكتفاء فجمعوا ما وجدوا من مال وأناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين معهما فلما سمع ذلك بنو الضبيب ركب نفر منهم فيهم حسان بن ملة فلما وقفوا على زيد بن حارثة قال حسان انا قوم مسلمون فقال له زيد اقرأ أم الكتاب فقرأها فقال زيد بن حارثة نادوا فى الجيش أن قد حرم علينا ثغرة القوم التى جاؤا منها الا من ختر أى غدر واذا بأخت حسان فى الاسارى فقال له زيد خذها فقالت أم الغرار الضلعية أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتكم فقال أحد بنى الخصيب انها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم فسمعها بعض الجيش فأخبر بها زيدا فامر بأخت حسان وقد كانت أخذت بحقوى أخيها ففكت يداها من حقويه وقال لها اجلسى مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه فرجعوا ونهى الجيش أن يهبطوا الى واديهم الذى جاؤا منه فامسوا فى أهليهم فلما شربوا عتمتهم ركبوا الى رفاعة بن زيد فصبحوه فقال له حسان بن ملة انك لجالس تحلب المعزى وان نساء جذام أسارى قد غرّها كتابك الذى جئت به فدعا رفاعة بجمل له فشدّ عليه رحله وهو يقول* هل أنت حى وتنادى حيا* ثم غدا رفاعة فى نفر من قومه وهم مبكرون فساروا الى جهة المدينة ثلاث ليال فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح اليهم بيده أن تعالوا من وراء الناس فلما استفتح رفاعة بن زيد النطق قال رجل من الناس يا رسول الله ان هؤلاء قوم سحرة فردّدها مرتين فقال رفاعة رحم الله من لم يحدث فى يومنا هذا الاخيرا ثم دفع رفاعة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابه الذى كان كتب له ولقومه ليالى قدم عليه فأسلم فقال دونك يا رسول الله قديما كتابه حديثا غدره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأه يا غلام وأعلن فلما قرأ كتابه استخبرهم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرّات فقال رفاعة أنت أعلم يا رسول الله لا نحرّم عليك حلالا ولا نحلل لك حراما فقال أبو زيد بن عمر وأحد قومه مع رفاعة أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمى هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبو زيد اركب معهم يا على فقال له على يا رسول الله انّ زيدا لا يطيعنى قال فخذ سيفى هذا فأعطاه سيفه فخرجوا فاذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من ابلهم فأنزلوه عنها فقال يا على ما شأنى فقال ما لهم عرفوه فأخذوه ثم ساروا فلقوا الجيش فأخذوا ما بأيديهم حتى كانوا ينتزعون لبد المرأة من تحت الرجل*
سرية كرز الى العرنيين
وفى جمادى الاخرة من هذه السنة على قول ابن اسحاق وهو المذكور فى المواهب اللدنية أو فى شوّال هذه السنة على ما قاله الواقدى وتبعه ابن سعد وابن حبان أو فى ذى القعدة بعد الحديبية وهو المذكور فى البخارى كانت سرية كرز بن جابر الفهرى الى العرنيين بضم العين وفتح الراء المهملتين حى من قضاعة وحى من بجيلة والمراد ههنا الثانى كذا ذكره ابن عقبة فى المغازى* روى ان ثمانية نفر من عرينة وفى البخارى من عكل وعرينة* عكل بضم العين واسكان الكاف وفى الاكتفاء من قيس كبة من بجيلة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلموا فى الاسلام ثم استوخموا أو قال اجتووا أو استوبأوا المدينة(2/10)
وطلحوا وقالوا انا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فبعثهم النبىّ صلى الله عليه وسلم الى لقاحه* وفى الاكتفاء وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاح ترعى بناحية الجماوان يرعاها عبد له يقال له يسار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابه فى غزوة بنى محارب وبنى ثعلبة* وفى رواية بعثهم الى ابل الصدقة وكأنهما كانا معا فصح الاخبار بالبعث الى كل منهما* وفى الاكتفاء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خرجتم الى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها فخرجوا اليها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا وانطوت بطونهم عكنا وعدوا على راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذبحوه* وفى رواية وقتلوا راعيها يسارا وقطعوا يده ورجله وغرّزوا الشوك فى لسانه وعينيه حتى مات واستاقوا الابل فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه الخبر فى أوّل النهار بعث فى أثرهم عشرين فارسا وأمّر عليهم كرز بن جابر الفهرى فأدركوهم وأحاطوا بهم وربطوهم فما ارتفع النهار حتى قدموا بهم المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة فخرجوا بهم نحوه* وفى الاكتفاء فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة ذى قرد فامر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم* وفى رواية وسمرت أعينهم وصلبوا هنا لك* وفى صحيح البخارى فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وما حسمهم ثم ألقوا فى الحرّة يستقون فماسقوا حتى ماتوا قال أنس فكنت أرى أحدهم يكد أو يكدم الارض بفيه وعن محمد بن سيرين انما فعل النبىّ صلى الله عليه وسلم هذا قبل ان تنزل الحدود كذا فى الترمذى قال أبو قلابة هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله وكانت اللقاح خمس عشرة لقحة فردّوها الا واحدة وفى الوفاء ذكر أهل السيران اللقاح كانت ترعى بناحية الجماوان* وفى رواية بذى الجدر غربى جبال عير على ستة أميال من المدينة وذكر ابن سعد عن ابن عقبة ان أمير الخيل يومئذ سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرة فأدركوهم وربطوهم وأردفوهم على خيلهم وردّوا الابل ولم يفقدوا منها الا لقحة واحدة من لقاحه صلى الله عليه وسلم تدعى الحناء فسأل عنها فقيل نحروها فلما دخلوا بهم المدينة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة قال بعضهم وذلك مرجعه من غزوة ذى قرد كما مر فخرجوا بهم نحوه فلقوه بالغابة فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هناك*
سرية زيد الى وادى القرى
وفى رجب هذه السنة كانت سرية زيد بن حارثة الى وادى القرى فقتل من المسلمين قتلى وارتث زيد أى حمل من المعركة رثيثا أى جريحا وبه رمق وهو مبنى للمجهول قاله فى القاموس والله أعلم
* سرية عبد الرحمن بن عوف الى دومة الجندل
وفى شعبان هذه السنة بعث عبد الرحمن بن عوف الى بنى كلب بدومة الجندل قال أهل السير دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فأجلسه بين يديه وعممه بيده وقال اغز باسم الله وفى سبيل الله فقاتل من كفر بالله ولا تغدر ولا تقتل وليدا وبعثه الى بنى كلب بدومة الجندل وقال ان استجابوا لك فتزوّج ابنة ملكهم فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم الى الاسلام فأسلم اصبغ بن عمرو الكلبى وكان نصرانيا وكان رئيسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على دينه على اعطاء الجزية وتزوّج عبد الرحمن تماضر ابنة الاصبغ فقدم بها المدينة فولدت له أبا سلمة عبد الله الاصغر وهو من الفقهاء السبعة بالمدينة ومن أفضل التابعين كذا فى المواهب اللدنية وفى الاكتفاء قال عطاء بن أبى رباح سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله ابن عمر بن الخطاب عن ارسال العمامة من خلف الرجل اذا اعتم فقال عبد الله سأخبرك عن ذلك ان شاء الله تعالى ثم ذكر مجلسا شاهده من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فيه عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها قال فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سود فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ثم نقضها ثم عممه بها وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ثم قال هكذا يا ابن عوف فاعتم(2/11)
فانه أحسن وأعرف ثم أمر بلالا أن يدفع اليه اللواء فدفعه اليه فحمد الله وصلى على نفسه ثم قال خذه يا ابن عوف اغزوا جميعا فى سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم فأخذ عبد الرحمن اللواء قال ابن هشام فخرج عبد الرحمن ومن معه الى دومة الجندل المذكور
* بعث على بن أبى طالب الى بنى سعد
وفى شعبان هذه السنة بعث على بن أبى طالب فى مائة رجل الى بنى سعد بن بكر بفدك وسببه انه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لهم جمعا يرويدون أن يمدّوا يهود خيبر فسار علىّ بمن معه فأغاروا عليهم وهم عارون بين فدك وخيبر فأخذوا خمسمائة بعير وألفى شاة وهربت بنو سعد وعزل علىّ طائفة من الابل الجياد صفى المغنم وقسم الباقى على السرية وقدم بمن معه المدينة ولم يلقوا كيدا*
بعث زيد الى أم قرفة
وفى رمضان هذه السنة بعث زيد بن حارثة الى أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن زيد الفزارى بناحية وادى القرى على سبع ليال من المدينة وكان سببها ان زيد بن حارثة خرج فى تجارة الى الشام ومعه بضائع لاصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فلما كانوا بوادى القرى لقيه ناس من فزارة من بنى بدر فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فبعثه صلى الله عليه وسلم اليهم فكمن أصحابه بالنهار وساروا بالليل ثم صبحهم زيد وأصحابه فكبروا وأحاطوا بالحاضر وأخذوا أم قرفة وكانت ملكة رئيسة وفى المثل يقال* أمنع وأعز من أم قرفة* لانه كان يعلق فى بيتها خمسون سيفا لخمسين رجلا كلهم لها محرم وهى زوجة مالك بن حذيفة بن بدر كذا فى القاموس وأخذوا بنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر وعمد قيس بن المحسر الى أم قرفة وهى عجوز كبيرة فقتلها قتلا عنيفا وربط برجليها حبلين ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا بها فقطعاها وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك فقرع باب النبىّ صلى الله عليه وسلم فقام اليه عريانا يجرّثو به حتى اعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما ظفر به والله أعلم*
سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع
وفى رمضان هذه السنة كانت سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع عبد الله تاجر أهل الشام* وفى سيرة ابن هشام وكان سلام ابن أبى الحقيق وهو أبو رافع اليهودى وهو بخيبر فيمن حزب الاحزاب يوم الخندق كذا ذكره ابن سعد هنا انها كانت فى رمضان وذكر فى ترجمة عبد الله بن عتيك انه بعثه فى ذى الحجة الى أبى رافع سنة خمس بعد وقعة بنى قريظة وقيل فى جمادى الاخرة سنة ثلاث* وفى البخارى قال الزهرى بعد قتل كعب بن الاشرف وأرسل معه أربعة فكانوا خمسة عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبا قتادة الحارث بن ربعى والاسود بن الخزاعى ومسعود بن سنان وأمرهم بقتله فذهبوا الى خيبر فكمنوا فلما هدأت الرجل جاؤا الى منزله فصعدوا درجة له وقدّموا عبد الله بن عتيك لانه كان يرطن باليهودية فاستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح فأشار اليها بالسيف فسكتت فدخلوا عليه فما عرفوه الا ببياضه فعلوه بأسيافهم* وفى البخارى كان أبو رافع يؤدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعين عليه وكان فى حصن له فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله لاصحابه اجلسوا مكانكم فانى منطلق ومتلطف للبوّاب لعلى أدخل فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضى حاجته مبديا انه من أهل الحصن فدخل الناس فهتف به البوّاب يا عبد الله ان كنت تريد أن تدخل فادخل فانى أريد أغلق الباب فحسب البوّاب انه من أهل الحصن فدخل عبد الله فكمن فلما دخل الناس أغلق البوّاب الباب ثم علق الاقاليد فأخذها بعد ما رقد وافتتح الباب وكان أبو رافع يسمر عنده وكان فى علالى له فلما ذهب عنه أهل سمره صعد عبد الله فجعل كلما فتح بابا من خارج أغلق عليه من داخل لئلا يصل اليه القوم ان علموا به حتى يقتله فانتهى اليه فاذا هو فى بيت مظلم وسط عياله لا يدرى أين هو(2/12)
من البيت فقال يا أبا رافع فقال من هذا فأهوى نحو الصوت فضربه ضربة بالسيف وهو دهش فما أغنى عنه شيئا وصاح أبو رافع فخرج عبد الله من البيت فمكث غير بعيد ثم دخل عليه كأنه يغيثه فقال مالك يا أبا رافع وغير عبد الله صوته فقال لامك الويل دخل علىّ رجل فضربنى بالسيف فعمد اليه بالسيف فضربه ضربة أخرى فلم تغن عنه شيئا فصاح وقام أهله فجاء وغير صوته كهيئة المغيث له فاذا هو مستلق على ظهره فوضع ضبيب السيف فى بطنه ثم انكفأ عليه حتى سمع صوت العظم ثم خرج دهشا يفتح الابواب بابا بابا حتى أتى السلم يريد أن ينزل فنزل حتى انتهى الى درجة له فوضع رجله وهو يحسب انه انتهى الى الارض فسقط فى ليلة مقمرة فانكسرت ساقه* وفى رواية فانخلعت رجله فعصبها بعمامته ثم انطلق حتى جلس على الباب فقال لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا فلما صاح الديك قام الناعى على السور فقال أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز فانطلق الى أصحابه يحجل وقال قد قتل الله أبا رافع فأسرعوا فانطلقوا حتى أتوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدّثه بما جرى فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم أبسط رجلك فمسحها فبرأت كما كانت وكأنه لم يشتكها قط* وفى رواية محمد بن سعد أن الذى قتله عبد الله بن أنيس والصواب ان الذى دخل عليه وقتله عبد الله بن عتيك وحده كما فى البخارى كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية بعث صلى الله عليه وسلم خمسة من أصحابه منهم أبو قتادة الى خيبر لقتل سلام بن أبى الحقيق فدخلوا بيته ليلا وقتلوه وخرجوا فنسى أبو قتادة قوسه فرجع اليها وأخذها فأصيبت رجله فشدّها بعمامته ولحق بأصحابه وكانوا يتناوبون حمله حتى قدموا المدينة فأتوا به النبىّ صلى الله عليه وسلم فمسحها بيده فبرأت كأنما لم تشتك وهذا لفظ البخارى* وفى سيرة ابن هشام ولما أصابت الاوس كعب ابن الاشرف فى عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج والله لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى العداوة كابن الاشرف فذكروا ابن أبى الحقيق وهو بخيبر فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قتله فأذن لهم فخرج اليه من الخزرج من بنى سلمة خمسة نفروهم عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة الحارث بن ربعى وخزاعى بن أسود حليف لهم من أسلم فخرجوا حتى اذا قدموا خيبر أتوادار أبى الحقيق ليلا فلم يدعوا بيتا فى الدار الا أغلقوه على أهله قال وكان فى علية له اليها عجلة فاستندوا اليها حتى قاموا على بابه فاستأذنوه فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم فقالوا انا من العرب نلتمس الميرة فقالت لهم ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه قال فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليها الحجرة تخوّفا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه قال وصاحت بنا امرأته فنوّهت بنا وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا والله ما يدلنا عليه فى سواد الليل الا بياضه كأنه قطنة ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يتذكر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ولولا ذلك لفرغنا منها بليل قال ولما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه فى بطنه حتى أنفذه وهو يقول قطنى قطنى أى حسبى حسبى وخرجنا وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيئ البصر فوقع من الدرجة فوثبت يده وثيا شديدا ويقال انها رجله فيما قاله ابن هشام وحملناه حتى نأتى نهرا من عيونهم فندخل فيه قال وأوقدوا النيران واشتدّوا فى كل وجه يطلبون حتى اذا أيسو ارجعوا الى صاحبهم فأكتنفوه وهو يقضى بينهم قال فقلنا كيف لنا بأن نعلم بأن عدوّ الله قد مات فقال رجل منا أنا أذهب فأنظر لكم الخبر فانطلق حتى دخل فى الناس قال فوجدتها ورجال يهود حوله وفى يدها المصباح فتنظر فى وجهه وتحدّثهم وتقول أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت وقلت اين ابن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت عليه تنظر فى وجهه ثم قالت فاظ؟؟؟ واله يهود فما سمعت كلمة كانت ألذ الى نفسى منها قال ثم جاءنا فأخبرنا
الخبر فاحتملنا(2/13)
صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدوّ الله واختلفنا عنده فى قتله وكلنا يدّعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم فجئناه بها فنظر اليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر الطعام*
حديث الاستسقاء
وفى رمضان هذه السنة استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجدب الناس فطروا فقال صلى الله عليه وسلم أصبح الناس مؤمنا بالله وكافرا بالكواكب* قاله مغلطاى واستسقى فى موضع المصلى وصلى صلاة الاستسقاء روى أنه قحط الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه المسلمون وقالوا يا رسول الله قحط المطر ويبس الشجر وهلكت المواشى وأسنت الناس فاستسق لنا ربك فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه يمشى ويمشون بالسكينة والوقار حتى أتوا المصلى فتقدّم وصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فى العيدين والاستسقاء فى الركعة الاولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الاعلى وفى الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وهل أتاك حديث الغاشية فلما قضى صلاته استقبل الناس بوجهه وقلب رداءه لكى ينقلب القحط الى الخصب ثم جثا على ركبتيه ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقى ثم قال اللهم أسقنا وأغثنا غيثا مغيثا وحياء ربيعا وجدا طبقا غدقا مغدقا عامّا هنيئا مريئا مريعا مرتعا وابلا شاملا مسبلا مجللا دائما ودرا نافعا غير ضارّ عاجلا غير رائث غيثا اللهم تحيى به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا صالحا للحاضر والباد اللهم أنزل فى أرضنا زينتها وأنزل عليها سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا تحى به بلدة ميتا واسقه مما خلقت أنعاما وأناسىّ كثيرا* فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه الى بعض ثم أمطرت سبعة أيام بليا ليهنّ لا تقلع عن المدينة فأتاه المسلمون وقالوا يا رسول الله قد غرقت الارض وتهدّمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله تعالى أن يصرفها عنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر حتى بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة بنى آدم ثم رفع يديه ثم قال حوالينا ولا علينا اللهم على رؤس الظراب ومنابت الشجر وبطون الاودية وظهور الاكام فتصدّعت عن المدينة حتى كانت مثل ترس عليها كالفسطاط تمطر مراعيها ولا تمطر فيها قطرة* وفى رواية لما صارت المدينة كالفسطاط وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله أبو طالب لو كان حيا لقرّت عيناه من الذى ينشدنا قوله فقام على بن أبى طالب رضى الله عنه فقال يا رسول الله كأنك أردت
وأبيض يستسقى العمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل
يلوذبه الهلاك من آل هاشم ... فهم عنده فى نعمة وفواضل
كذبتم وبيت الله يردى محمد ... ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فقام رجل من كنانة يترنم ويذكر هذه الابيات ويقول فى ذلك
لك الحمد والشكر ممن شكر ... سقينا بوجه النبىّ المطر
دعا الله خالقنا دعوة ... اليه وأشخص منه البصر
ولم يك الا كقلب الردا ... وأسرع حتى رأينا المطر
دفاق الغرائل جم البعاق ... أغاث به علينا مضر
وكان كما قاله عمه ... أبو طالب أبيض ذو غرر
به الله يسقيه صوب الغمام ... وهذا العيان لذاك الخبر(2/14)
فمن يشكر الله يلق المزيد ... ومن يكفر الله يلق العبر
فقال صلى الله عليه وسلم ان يكن شاعر أحسن فقد أحسنت وأنشد بعض السلف عقيب حديث الاستسقاء هذه الابيات
سألنا وقد ضنّ السحاب بمائه ... نبى الهدى فى جمعة وهو يخطب
فقلنا قد اغبرّت من الجدب أرضنا ... فليس لنا فيها من الضرّ مذهب
فما زال يدعو الله والصحب حوله ... ويضرع مقلوب الرداء ويرغب
الى أن بدت من نحو سلع غمامة ... فلما تزل سبعا على القوم تسكب
فقام اليه بعض من كان شاهدا ... يقول وأخلاف السموات تحلب
سل الله يا خير النبيين حبسها ... فقد خيف منها أن تهدّم يثرب
سرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رزام اليهودى
وفى شوّال هذه السنة كانت سرية عبد الله بن رواحة الى اسير ابن رزام اليهودى بخيبر* وفى سيرة ابن هشام اليسير بن رزام ويقال رازم وكان سببها أنه لما قتل أبو رافع بن أبى الحقيق أمّرت يهود عليها أسيرا فسار فى غطفان وغيرهم يجمع لحربه صلى الله عليه وسلم وبلغه ذلك فوجه عبد الله بن رواحة فى ثلاثة نفر فى رمضان سرّ افسأل عن خبره وعربه فأخبر بذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب عليه السلام الناس فانتدب له ثلاثون رجلا لأمّر عليهم عبد الله بن رواحة فقدموا عليه وقالوا انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا اليك لتخرج اليه يستعملك على خيبر ويحسن اليك فطمع فى ذلك وخرج معه ثلاثون رجلا من اليهود مع كل رجل رديفه من المسلمين حتى اذا كانوا بقرقرة فضربه عبد الله بن أنيس بالسيف وكان فى السرية فسقط عن بعيره ومالوا على أصحابه فقتلوهم غير رجل ولم يصب من المسلمين أحد ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد نجاكم الله من القوم الظالمين* وفى الاكتفاء غزا عبد الله بن رواحة خيبر مرّتين احداهما التى أصاب فيها اليسير بن رزام ومن حديثه أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة فى نفر من أصحابه منهم عبد الله بن أنيس حليف بنى سلمة فلما قدموا عليه كلموه وقاربوا له وقالوا له انك ان قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك وأكرمك فلم يزالوا به حتى خرج معهم فى نفر من يهود فحمله عبد الله بن أنيس على بعيره حتى اذا كانوا بالقرقرة من خيبر على ستة أميال ندم اليسير على مسيره الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففطن به عبد الله بن أنيس وهو يريد السيف فاقتحم به فضربه بالسيف فقطع رجله وضربه اليسير بمخرش فى يده من شوحط فأمّه فمال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله الا رجلا واحدا أفلت على رجليه فلما قدم عبد الله بن أنيس على رسول الله عليه السلام تفل على شجته فلم تقح ولم تؤذه*
سرية زيد بن حارثة الى مدين
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى مدين وفى معجم ما استعجم مدين بلد بالشام معلوم تلقاء غزة وهو المذكور فى كتاب الله تعالى وهو منزل جذام وشعيب النبىّ عليه السلام المبعوث الى أهل مدين أحد بنى وائل من جذام فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا قدم جذام مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى لا تقوم الساعة حتى يتزوّج فيكم المسيح ويولد له وفى كتاب الاعلام شعيب هو شعيب ابن صيعون بن مدين بن ابراهيم* وفى أنوار التنزيل مدين قرية شعيب سميت باسم مدين بن ابراهيم ولم تكن فى سلطنة فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمانى مراحل بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية الى مدين أميرهم زيد بن حارثة فأصاب سرايا من أهل مينا قال ابن اسحاق ميناهى سواحل فبيعوا وفرّقوا بين الامّهات وأولادهنّ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال ما لهم(2/15)
فأخبر خبرهم فقال لا تبيعوا الا جميعا*
غزوة الحديبية
وفى هلال ذى القعدة من هذه السنة وقعت غزوة الحديبية* وفى معجم ما استعجم الحجازيون يخففونها والعراقيون يثقلونها ذكر ذلك ابن المدينى فى كتاب العلل والشواهد وكذلك الجعرانة والحديبية قرية سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة وبين الحديبية والمدينة تسع مراحل وبينها وبين مكة مرحلة* قيل هى من الحرم وقيل بعضها من الحرم قال المحب الطبرى هى قرية قريبة من مكة أكثرها فى الحرام وهى على تسعة أميال من مكة* وفى شفاء الغرام ومسجد الشجرة بالحديبية والشجرة المنسوب اليها هذا المسجد هى الشجرة التى كانت تحتها بيعة الرضوان وكانت هذه الشجرة سمرة معروفة عند الناس وهذا المسجد عن يمين طريق جدّة وهو المسجد الذى يزعم الناس أنه الموضع الذى كان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وثمة مسجد آخر وهذان المسجدان والحديبية لا تعرف اليوم والله أعلم بذلك* وسبب هذه الغزوة أنه أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام بالمدينة قبل أن يخرج الى الحديبية أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وأخذ مفتاح الكعبة بيده وطافوا واعتمروا وحلق بعضهم وقصر بعضهم فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك فأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر فاستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادى من الاعراب ليخرجوا معه وهو لا يريد الحرب لكنه يخشى من قريش أن يتعرّضوا له بحرب أو يصدّوه عن البيت وأبطأ عليه كثير من الاعراب فاغتسل النبىّ صلى الله عليه وسلم ولبس ثيابه وركب ناقته القصوى واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم وخرج منها يوم الاثنين غرّة ذى القعدة من السنة السادسة من الهجرة للعمرة وهى عام الحديبية ومعه أصحابه من المهاجرين والانصار ومن لحق به من العرب وساق معه سبعين بدنة منها جمل أبى جهل الذى غنمه يوم بدر وجعل على الهدى ناجية بن جندب الاسلمى* وفى معالم التنزيل ناجية بن عمير وساق ذو اليسار من أصحابه معه الهدى فصلى الظهر بذى الحليفة وقلد الهدى وأشعر فتولى تقليد البعض بنفسه وأمر ناجية فقلد الباقى واقتدى به من أصحابه من كان معه الهدى فقلدوا وأشعروا ثم أحرم من ذى الحليفة بالعمرة ولبى فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك فاقتدى به جمهور الصحابة فأحرموا من ذى الحليفة وبعضهم أحرم من جحفة وبعث من ذى الحليفة عينا له من خزاعة يقال له بشر بن سفين بن عمرو بن عويمر الخزاعى يخبره عن قريش وقدّم ناجية الاسلمى مع الهدى وسار هو من خلفه وجعل عباد بن بشر فى عشرين راكبا من المهاجرين والانصار طليعة وكانوا ألفا وأربعمائة أو أكثر كذا فى البخارى عن البراء وعن مروان والمسور بن مخرمة بضع عشرة مائة* وفى معالم التنزيل الناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر وكانت معه من أمّهات المؤمنين أمّ سلمة ولما بلغ المشركين خبر مسيره الى مكة تشاور وافى ذلك فاستقرّ رأيهم على انهم يصدّوه عن البيت واستعانوا من قبائل العرب وجماعة الاحابيش فأجابوهم واستعدّوا وخرجوا من مكة وعسكروا بموضع يقال له بلدح وجعلوا خالد بن الوليد وعكرمة بن أبى جهل فى مائتى رجل طليعة وسار صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بغدير الاشطاط على وزن الاشتات تلقاء الحديبية على ثلاثة أميال من عسفان مما يلى مكة أتاه عنه الخزاعى الذى بعثه من ذى الحليفة الى أهل مكة بخبر قريش* وفى الاكتفاء حتى اذا كان بعسفان لقيه عينه بشر بن سفين الكعبى فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل وقد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذى طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد فى خيلهم قد قدّموها الى كراع الغميم* وفى رواية قال انّ قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الاحابيش وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت فقال(2/16)
النبىّ صلى الله عليه وسلم أشيروا علىّ أيها الناس أترون أن أميل على ذرارى هؤلاء الذين عاونوهم فنصيبهم فان قعدوا قعدوا موتورين وان نجوا يكونوا عتقاء عتقها الله أو ترون البيت فمن صدّنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدّنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله فنفذوا حتى اذا كانوا ببعض الطريق قال النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ خالد بن الوليد بالغميم فى خيل لقريش طليعة لهم فخذوا ذات اليمين* وفى الاكتفاء بعد ما أخبره عينه بتهيؤ قريش للصدّ عن البيت قال النبىّ صلى الله عليه وسلم يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى وبين سائر العرب فان هم أصابونى كان الذى أرادوا وان أظهرنى الله عليهم دخلوا فى الاسلام وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّة فما تظنّ قريش فو الله لا أزال أجاهد على الّذى بعثنى الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ثم قال من رجل يخرج بنا على غير طريقهم فقال رجل من أسلم أنا فسلك بهم طريقا وعرا أجزل بين شعاب فلما خرجوا منه وقد شق عليهم وأفضوا الى أرض سهلة عند منقطع الوادى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا نستغفر الله ونتوب اليه فقالوا ذلك فقال والله انها للحطة التى عرضت على بنى اسرائيل فلم يقولوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسلكوا ذات اليمين بين ظهرى الحمض فى طريق مخرجة على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين الى قريش وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا سلك فى ثنية المرار بركت ناقته قالت الناس خلأت القصوى الى آخر الحديث* وفى نهاية ابن الاثير الخلأ للنوق كالالحاح للجمال والحران للدواب يقال خلأت الناقة وألخ الجمل وحرن الفرس* وفى خلاصة الوفاء الغميم بالفتح موضع بين رابغ والجحفة قاله المجد وقال ابن شهاب الغميم بين عسفان وضجنان وقال عياض هو واد بعد عسفان بثمانية أميال* وفى القاموس الغميم كأمير واد بين الحرمين على مرحلتين من مكة وقيل الغميم حيث حبس العباس أبا سفيان بن حرب أيام الفتح دون الاراك الى مكة وهذا يقتضى أن يكون الغميم دون مر الظهران الى مكة لان الجيوش مرّت على أبى سفيان بعد توجهها من مر الظهران الى مكة فيكون الغميم بين مر الظهران ومكة كذا فى شفاء الغرام ومن كراع الغميم الى بطن مر خمسة عشر ميلا ومر الظهران هو الذى تسميه أهل مكة الوادى ويقال له وادى مر أيضا نقل الحازمى عن الكندى ان مرا اسم لقرية والظهران اسم للوادى وبين مرو مكة ستة وعشرون ميلا على ما قاله البكرى وقيل ثمانية عشر ميلا وقيل أحد وعشرون كذا فى شفاء الغرام ودون مر بثلاثة أميال مسلك خشن وطريق رتب بين جبلين وهو الموضع الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه عباسا أن يحبس هناك أبا سفيان حتى يرى جيوش المسلمين ومن مر الظهران الى سرف سبعة أميال ومن سرف الى مكة ستة أميال وبين مكة وسرف التنعيم ومنه يحرم من أراد العمرة وهو الموضع الذى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر أن يعمر منه عائشة ودونه الى مكة مسجد عائشة بينه وبين التنعيم ميلان* وفى شفاء الغرام التنعيم من جهة المدينة النبوية امام أدنى الحل على ما ذكره المحب الطبرى وليس بطرف الحل ومن فسره بذلك تجوّز وأطلق اسم الشئ على ما قرب منه وأدنى الحل انما هو من جهته ليس موضع فى الحل أقرب الى الحرم منه وهو على ثلاثة أميال من مكة والتنعيم امامه قليلا فى صوب طريق مر الظهران وقال صاحب المطالع التنعيم من الحل بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وقيل على أربعة اميال وسميت بذلك لان جبلا عن يمينها يقال له نعيم وآخر عن شمالها يقال له ناعم والوادى نعمان وبين أدنى الحل ومكة ذو طوى وهذا وقع فى البين لفوائد فلنرجع الى ما كنا فيه قال فو الله(2/17)
ما شعر بهم خالد حتى اذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذير القريش وسار النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بثنية ارمياء الثنية التى يهبط عليها منها بركت راحلته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلأت القصوى فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصوى وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والذى نفسى بيده لا تدعونى قريش اليوم الى حطة يعظمون فيها حرمات الله وفيها صلة الرحم الا أعطيتهم ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضا فلم يلبث حتى نزحوه وشكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسل العطش فانتزع سهما من كنانته وأعطاه رجلا من أصحابه يقال له ناجية بن عمير وهو سائق بدن النبىّ صلى الله عليه وسلم فنزل فى البئر فغرزه فى جوفه فو الله ما زال يجيش لهم بالرواء حتى صدروا عنه* وفى المشكاة فبلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا باناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركائبهم حتى ارتحلوا رواه البخارى* وعن البراء بن عازب عن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه قالوا ليس عندنا ما نتوضأ به ونشرب الا ما فى ركوتك فوضع النبىّ صلى الله عليه وسلم يده فى الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال فشربنا وتوضأنا* قيل لجابركم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة متفق عليه* قال فبينماهم كذلك اذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعى فى نفر من قومه وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال انى تركت كعب بن لؤى وعامر بن لؤى نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت* العوذ جمع عائذ وهى كل أنثى لها سبع ليال منذ وضعت وقيل النساء مع الاولاد وقيل النوق مع فصلانها وهذا هو الاصل وهى كالنفساء من النساء والمطافيل ذوات الاطفال الصغار جمع مطفيل وهى الناقة التى معها ولدها ذكرهما فى المنتقى* فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وانّ قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرّت بهم فان شاؤا ماددتهم مدّة ويخلوا بينى وبين الناس وان شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا والا فقد حموا وان هم أبوا فو الذى نفسى بيده لا قاتلنهم على أمرى هذا حتى تنفرد سالفتى وهى أعلى العنق أو لينفذنّ الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال انا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فان شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشئ وقال ذو الرأى منهم هات ما سمعته قال سمعته يقول كذا وكذا فحدّثهم بما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفى فقال أى قوم ألستم بالولد قالوا بلى قال ألست بالوالد قالوا بلى قال فهل تتهمونى قالوا لا قال ألستم تعلمون أنى استنفرت أهل عكاظ فلما بلجوا علىّ جئتكم بأهلى وولدى ومن أطاعنى قالوا بلى قال فانّ هذا الرجل قد عرض عليكم حطة رشد فاقبلوها ودعونى آته قالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك يا محمد ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وان تكن الآخرى فانى والله لا أرى وجوها وانى لارى أشوابا من الناس خليقا أن يفرّوا ويدعوك فقال له أبو بكر امصص بظر اللات أنحن نفرّ عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر قال أما والذى نفسى بيده لولا يد كانت لك عندى لم أجزك بها لا جبتك وكان عروة فى الجاهلية تحمل دينا فأعانه أبو بكر فيه اعانة جميلة* وفى رواية أعطاه عشرة ابل شواب وجعل عروة يكلم النبى صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبىّ صلى الله
عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما(2/18)
أهوى عروة بيده الى لحية النبىّ صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنصل السيف ويقول اكفف يدك عن لحية رسول الله فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال أى غدر ألست أسعى فى غدرتك* وفى رواية لما أكثر المغيرة ضرب يد عروة بنصل السيف غضب عروة وقال يا محمد من هذا الذى يؤذينى من بين أصحابك والله ما أظنّ فيكم ألأم منه ولا أسوأ منه فتبسم النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال يا عروة هذا ابن أخيك المغيرة ابن شعبة فأقبل عروة على المغيرة وقال أى غدر ألست أسعى فى غدرتك وكان المغيرة صحب فى الجاهلية ثلاثة عشر رجلا من بنى مالك من قبيلة ثقيف وكانوا خرجوا الى مصر وقصدوا المقوقس ولما بلغوا الى مصر ولا قوة أمر لكل واحد منهم بالجائزة ولم يعط المغيرة شيئا فحسد عليهم وبعد ما رجعوا من مصر نزلوا منزلا وشربوا خمرا فلما سكروا وناموا وثب عليهم المغيرة وقتل هؤلاء الثلاثة عشر كلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّا الاسلام فأقبل وأمّا المال فلست منه فى شئ فلما أخبر بنو مالك اختصموا مع رهط المغيرة وشرعوا فى محاربتهم فسعى عروة بن مسعود الثقفى فى اطفاء نائرة الحرب وقبل لبنى مالك ثلاث عشرة دية فصالحوا على ذلك* فقول عروة للمغيرة أى غدر ألست أسعى فى غدرتك كان اشارة الى تلك القصة ثم انّ عروة جعل يرمق أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم بعينيه فلما رجع الى قريش قال أى قوم لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشى والله ان رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه مثلما يعظم أصحاب محمد محمدا والله أعلم ما تنخم نخامة الا وقعت فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده اذا أمر ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم أو تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون اليه النظر تعظيما له* وفى رواية واذا سقطت شعرة من رأسه أو لحيته أخذوها تبركا وحفظوها احتراما وانه قد عرض عليكم حطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بنى كنانة دعونى آته فقالوا ائته فلما أشرف على النبىّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعث له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغى لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت ثم بعثوا اليه الحليس* وفى رواية رقت وفاضت عيناه وقال هلكت قريش ورب الكعبة ما جاء هؤلاء الا للعمرة فلما رجع الى أصحابه قال رأيت بدنا قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدّوا عن البيت ثم بعثوا اليه الحليس بن علقمة كذا فى معالم التنزيل* وفى روضة الاحباب قعد الرجل الكنانى والحليس واحدا فقال رجل من بنى كنانة يقال له الجليس* وفى رواية العلقمة الى آخره وكان الحليس يومئذ سيد الاحابيش فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادى فى قلائد قد أكل أوباره من طول الحبس رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظاما لما رأى فقال يا معشر قريش انى رأيت مالا يحل صدّه الهدى فى قلائد قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله فقالوا له اجلس فانما أنت رجل أعرابى لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أن تصدّوا عن البيت الحرام من جاءه معظما له والذى نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له أو لا نفرنّ بالاحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى نأخذ لا نفسنا ما نرضى به* وفى الاكتفاء دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم جواس ابن أمية الخزاعى فحمله على بعير له وبعثه الى قريش ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا الجمل وأرادوا قتله فنعته الاحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثت قريش أربعين رجلا أو خمسين وأمروهم أن يطوفوا بعسكر(2/19)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا أخذ فأتى بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلى سبيلهم*
(ذكر بيعة الرضوان)
* ولما رجع الجواس دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه الى مكة فقال انى أخاف قريشا على نفسى وليس بمكة من بنى عدى ابن كعب أحد يمنعنى وقد عرفت قريش عداوتى اياها وغلظتى عليها ولكن أدلك على رجل هو أعز بها منى عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وبعثه الى أبى سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وانما جاء زائرا للبيت معظما لحرمته فخرج عثمان الى مكة فلقيه أبان ابن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحمله أبان بين يديه ثم أجاره حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له فيما ذكر غير ابن اسحاق أقبل وأدبر ولا تخف أحدا بنو سعيدهم أعزة الحرم وانطلق عثمان حتى دخل مكة وأتى أبا سفيان وعظماء قريش وأشرافهم وبلغهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاقدوه ولما فرغ وأراد أن يرجع قالوا ان شئت أن تطوف بالبيت فطف قال ما كنت لا فعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضبت قريش وحبسته عندها ولما أبطأ عثمان قال المسلمون طوبى لعثمان دخل مكة وسيطوف وحده فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما كان ليطوف وحده ولما احتبس عثمان طارت الاراجيف بأنّ عثمان قد قتل أى بأنّ قريشا قتلوه بمكة قيل انّ الشيطان دخل جيش المسلمين ونادى بأعلى صوته ألا انّ أهل مكة قتلوا عثمان فحزن النبىّ صلى الله عليه وسلم والمسلمون من سماع هذا الخبر حزنا شديدا فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا النبىّ صلى الله عليه وسلم الناس الى البيعة فبايعهم على أن يقاتلوا قريشا ولا يفرّوا عنهم* وكان صلى الله عليه وسلم جالسا تحت سمرة أو سدرة وكان عدد المبايعين ألفا وثلثمائة قاله عبد الله بن أبى اوفى أو ألفا وأربعمائة على ما قاله معقل بن يسار قال لقد رأيتنى يوم الشجرة والنبىّ صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائة أو ألفا وخمسمائة على ما قاله جابر وسميت هذه البيعة بيعة الرضوان لان الله تعالى ذكر فى سورة الفتح المؤمنين الذين صدرت عنهم هذه البيعة بقوله لقد رضى الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فسميت بهذه الاية كذا فى المدارك قال سعيد بن المسيب حدّثنى أبى أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نفد عليها* روى أنّ عمر بن الخطاب رضى الله عنه مرّ بذلك المكان بعد ذهاب الشجرة فقال أين كانت فجعل بعضهم يقول ها هنا وبعضهم يقول هنا فلما كثر اختلافهم قال سيروا قد ذهبت الشجرة قال أبو بكر بن الاشجع وسلمة بن الاكوع بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل على ما استطعتم وقال جابر ابن عبد الله ومعقل بن يسار ما بايعناه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفرّ وقال أبو عيسى معنى الحديثين صحيح فبايعه جماعة على الموت أى لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل وبايعه آخرون وقالوا لا نفرّ كذا فى معالم التنزيل وكان أول من بايعه بيعة الرضوان رجل من بنى أسد يقال له أبو سنان بن وهب ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين ممن حضرها الا الجدّ بن قبس الانصارىّ أخو بنى سلمة اختفى تحت ابط بعيره قال جابر وكأنى أنظر اليه لاصقا يابط ناقته مستترا بها عن الناس وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ عثمان فى حاجة الله وحاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه لعثمان وكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير أهل الارض وعن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة(2/20)
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بانّ ما ذكر من أمر عثمان باطل ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو وقالوا ائت محمدا فصالحه ولا يكون فى صلحه الا أن يرجع عنا عامه هذا فو الله لا تحدّث العرب أنه دخل علينا عنوة أبدا* وروى أنه بعد ما رجع الحليس قام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعونى آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبى صلى الله عليه وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى رواية قال وهو رجل غادر فلا تقولوا له شيئا فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم بكلمه فبينما هو يكلمه اذ جاء سهيل بن عمرو فلما رآه النبىّ صلى الله عليه وسلم مقبلا قال قد سهل لكم من أموركم وقد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى اليه سهيل قال يا محمد انّ قريشا يصالحونك على ان تعتمر من العام المقبل* وفى الاكتفاء تكلم سهيل فأطال الكلام وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح* وفى المدارك بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص على أن يعرضوا على النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلى له قريش مكة من العام المقبل ثلاثة أيام فقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال سهيل هات اكتب بيننا وبينكم كتاب صلح فدعا النبىّ صلى الله عليه وسلم الكاتب فقال له اكتب* بسم الله الرحمن الرحيم قال سهيل وأصحابه أمّا الرحمن فو الله ما ندرى أو ما نعرف ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون لا نكتب الا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال اكتب هذا ما قضى أو صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو فقالوا والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك محمد ابن عبد الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انى لرسول الله وان كذبتمونى اكتب محمد بن عبد الله* وفى رواية كان الكاتب على بن أبى طالب وكان قد كتب محمد رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى امح رسول الله واكتب مكانه محمد بن عبد الله فقال على لا والله لا أمحوك أبدا فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأرنيه فأراه اياه فأخذ الكتاب بيده الكريمة صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم ومحا رسول الله ولم يكن يحسن الكتابة فكتب مكانه ابن عبد الله وكانت هذه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كتب بيده ولم يكن يحسن الخط* وفى شواهد النبوّة وغيرها أنه صلى الله عليه وسلم بعد ما كتب فى كتاب الصلح محمد بن عبد الله أقبل بوجهه على علىّ فقال يا على سيكون لك يوم مثل هذه الواقعة وهذا الكلام كان اشارة الى أنه لما وقعت المصالحة بين علىّ ومعاوية بعد حرب صفين وكتب الكاتب فى كتاب الصلح هذا ما صالح أمير المؤمنين علىّ قال معاوية لا تكتب أمير المؤمنين لو كنت أعلم انه أمير المؤمنين ما قاتلته ولكن اكتب على بن أبى طالب فلما سمع ذلك علىّ تذكر قول النبىّ صلى الله عليه وسلم له يوم الحديبية فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب على بن أبى طالب ثم قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لسهيل على أن تخلوا بيننا وبين البيت لنطوف به قال سهيل والله لا تتحدّث العرب أنا أخذنا ضغطة واضطرارا ولكن ذلك من العام المقبل فكل شرط شرطه سهيل يوم الحديبية قبله النبىّ صلى الله عليه وسلم وكتبه علىّ وكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض وعلى انه من أتى محمدا من قريش بغير اذن وليه ردّه عليه وان كان مسلما وان جاء قريشا ممن مع محمد لم يردّوه عليه وانّ بيننا عيبة مكفوفة وانه لا اسلال ولا اغلال وانه من أحب أن يدخل فى عقد قريش
وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن فى عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن فى عقد قريش وعهدهم وانك ترجع عنا عامك هذا فلا(2/21)
تدخل علينا مكة وانه اذا كان عام قابل خرجنا عنها فدخلتها أنت وأصحابك فأقمت فيها ثلاثا مع سلاح الراكب السيوف فى القرب لا تدخلها بغيرها* وفى رواية ولا تدخلها الا بجلباب السلاح السيف والقوس ونحو ذلك كذا فى المنتقى* وفى رواية لما بلغ هذا الشرط ان من أتى محمدا من قريش ردّه عليهم وان كان مسلما ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردّوه عليه تعجب المسلمون من هذا الشرط فقالوا سبحان الله كيف نردّ من أتانا مسلما وقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم انه من ذهب منا اليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا* وفى رواية قال عمر عند ذلك أترضى بهذا الشرط يا رسول الله فتبسم النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال من جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا ومن أعرض عنا وذهب اليهم لسنا منه فى شئ أو ليس منا بل هو أولى بهم فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو اذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف فى قيده وقد انفلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل يا محمد هذا أوّل ما أقاضيك عليه ان تردّه الىّ فقال انا لم نقض الكتاب بعد قال فو الله ما أصالحك على شىء أبدا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأجره لى قال ما أنا بمجير لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه لك قال لا تعذبه وكان قد عذب فى الله عذابا شديدا فضمن له ذلك مكرز بن حفص فلما رأى سهيل أبا جندل قام اليه وضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وجرّه ليردّه الى قريش فجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته ويقول يا معشر المسلمين أردّ الى المشركين يفتنونى فى دينى فزاد الناس ذلك الى ما بهم* وفى رواية قام سهيل الى سمرة وجز منها غصنا وضرب به وجه أبى جندل ضربا رق عليه المسلمون وبكوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فانّ الله جاعل لك ولمن معك من المسلمين فرجا ومخرجا اننا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا واصطلحنا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وانا لا نغدر بهم فوثب عمر بن الخطاب يمشى الى جنب أبى جندل ويقول اصبر يا أبا جندل فانما هم المشركون وانما دم أحدهم كدم كلب ويدنى عمر وهو قائم السيف منه يقول رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه فضنّ الرجل بأبيه* وفى رواية قال أبو جندل يا عمر ما أنت بأحرى بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم منى* وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون فى الفتح لرؤيارآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع من غير فتح وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون* وروى عن عمر أنه قال والله ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ فأتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فقلت ألست نبىّ الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل قال بلى قلت أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار قال بلى قلت فلم نعطى الدنية فى ديننا قال انى رسول الله ولست أعصيه وهو ناصرى قلت أو لست كنت تحدّثنا أنا سنأتى البيت فنطوف به قال بلى أفأخبرتك انا نأتيه العام قلت لا قال فانك آتيه ومطوّف به قال فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبىّ الله حقا قال بلى قلت فلم نعطى الدنية فى ديننا قال أيها الرجل انه رسول الله ولن يعصيه فاستمسك بغرزه فو الله انه لعلى الحق المبين فكان عمر رضى الله عنه يقول ما زلت أتصدّق وأصوم وأصلى وأعتق من الذى صنعت يومئذ مخافة كلامى الذى تكلمت به حين رجوت أن يكون خيرا كذا فى الاكتفاء* وفى غيره قال عمر جعلت كثيرا من الاعمال الصالحة من الصوم والصلاة والصدقة والاعتاق كفارة لتلك الجراءة التى صدرت منى
يومئذ وما فى الاكتفاء مغاير لما ذكرنا حيث قال فلما التأم الامر ولم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر أليس هذا برسول الله قال بلى قال(2/22)
أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال أو ليس هؤلاء بالمشركين قال بلى قال فلم نعطى الدنية فى ديننا قال أبو بكر يا عمر الزم غرزه فانى أشهد انه رسول الله قال عمر وأنا أشهد انه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألست برسول الله قال بلى قال أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال أو ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطى الدنية فى ديننا قال أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعنى فلما فرغ من الكتاب أشهد رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين* وهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وعلىّ بن أبى طالب وهو كاتب الصحيفة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وأبو عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص* وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربا فى الحل وكان يصلى فى الحرم فلما فرغ من الصلح قال لاصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فو الله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرّات فلما لم يقم أحد منهم قام فدخل على أمّ سلمة فذكر لها ما لقى من الناس فقالت أم سلمة يا رسول الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق لك فخرج ولم يكلم أحدا حتى نحر بدنه ودعا حالقه فحلق له قيل كان حالقه فى ذلك اليوم الجواس بن أمية بن فضل الخزاعى فلما رأوا ذلك قاموا ونحروا وجعل بعضهم يحلق لبعض حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما* وفى حياة الحيوان وكان الهدى مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الحديبية ونحر مائة بدنة قال ابن عمرو ابن عباس حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمحلقين* وفى معالم التنزيل قال يرحم الله المجلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين وفى الثالثة أو الرابعة قال والمقصرين قالوا يا رسول الله لم ظاهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين قال لانهم لم يشكوا قال ابن عمر وذلك انه تربص قوم وقالوا لعلنا نطوف بالبيت* قال ابن عباس اهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فى هداياه جملا لابى جهل فى رأسه برة فضة قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غنمه يوم بدر ليغيظ المشركين بذلك* روى أن جمل أبى جهل ندّ من بين الهدايا وذهب الى مكة ودخل داره فتعاقبه جمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد سفهاء قريش أن لا يردّوه فمنعهم سهيل بن عمرو وهو المؤسس لبنيان الصلح وقال لهم ان تريدوه فاعرضوا على محمد مائة من الابل فان قبلها فأمسكوا هذا الجمل والا فلا تتعرّضوا له فقبلوا قول سهيل فعرضوا على النبىّ صلى الله عليه وسلم مائة من الابل فأبى وقال لو لم يكن هذا الجمل للهدى لقبلت المائة وأعطيت هذا الواحد أو كما قال فنحره أيضا وقسم لحوم الهدايا على الفقراء الذين حضروا الحديبية* وفى رواية بعث النبىّ صلى الله عليه وسلم الى مكة عشرين بدنة مع ناجية حتى نحروها بمروة وقسموا لحومها على فقراء مكة* روى انه لما تم النحر والحلق بعث الله ريحا شديدة حتى حملت شعرات المسلمين الى أرض الحرم ونشرتها هناك وفى بعض كتب السيران رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه ألقى شعره على سمرة بقربه فأجهد بعض الصحابة نفسه جهدا بليغا حتى أصاب شعرات منه وكانت عنده يغسلها للمرضى ويسقيهم للشفاء* وفى رواية انه صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية اذ جاءته جماعة من النساء المؤمنات مهاجرات من مكة منهنّ أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وسبيعة ابنة الحارث الاسلمية فأقبل زوجها وهو مسافر المخزومى طالبا لها وأراد مشركو مكة أن يردّوهنّ الى مكة فنزل جبريل بهذه الاية يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الى آخره فاستحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعة فحلفت فأعطى زوجها مسافرا ما أنفق فتزوّجها عمر* وفى الاكتفاء وهاجرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مدّة الصلح(2/23)
أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط فخرج أخواها عمارة والوليدا بنا عقبة حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسئلانه ان يردّها عليهما بالعهد الذى بينه وبين قريش بالحديبية فلم يفعل وقال أبى الله ذلك وأنزل فيه على رسوله* يا أيها الذين آمنوا اذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ الاية فكأنّ الاية بيان انّ ذلك الرد فى الرجال لا فى النساء لانّ المسلمة لا تحلّ للكافر فلما تعذر ردّهنّ لورود النهى عنه لزم ردّ مهورهنّ فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن لا ترجع المؤمنات الى الكفار لشرف الاسلام وأن لا تكون كافرة فى نكاح مسلم لقوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر* العصم جمع عصمة وهى ما يعتصم به من عقد ونسب والكوافر جمع كافرة وهى التى بقيت فى دار الحرب أو لحقت بها مرتدة والمراد نهى المؤمنين عن البقاء على نكاح المشركات فطلق الاصحاب كل امرأة كافرة فى نكاحهم وطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين له مشركتين بمكة فتزوّج احداهما معاوية بن أبى سفيان والآخرى صفوان بن أمية وعن ابن عباس يعنى من كانت له امرأة بمكة فلا يعدّها من نسائه لان اختلاف الدارين قطع عصمتها منه* قال أهل السير أقام النبىّ صلى الله عليه وسلم بالحديبية قريبا من عشرين يوما ثم رجع الى المدينة* روى انه صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية وكان بضجنان كسكران جبل بقرب مكة نزلت عليه ليلة سورة انا فتحنا لك فتحا مبينا والمراد من الفتح المبين عند بعض المفسرين فتح الحديبية وسمى فتحا لانه كان مقدمة لفتوح كثيرة كما ورد فى كتب التفاسير والسير من أن الذين أسلموا فى سنتى الصلح يعدلون الذين أسلموا قبلهما وبعض المفسرين على ان المراد بالفتح المبين فتح مكة أو فتح خيبر الذى وعده الله لرسوله وانما أدّى بصيغة الماضى لان اخبار الله فى التحقق بمنزلة الكائن الموجود والله أعلم* روى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة من الحديبية جاءه أبو بصير عتبة بن أسد بن حارثة رجل من قريش وهو مسلم وكان ممن حبس بمكة فكتب أزهر بن عبد بن عوف والاخنس بن شريق الثقفى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وبعثا فى طلبه رجلا من بنى عامر بن لؤى ومعه مولى لهم فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بالكتاب وقالا العهد الذى جعلت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير انا أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصح فى ديننا الغدر وان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ثم دفعه الى الرجلين فخرجا به وانطلق معهما حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا هناك فدخل أبو بصير المسجد وركع ركعتين ثم جلسوا يتغدّون ويأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لاحد الرجلين والله انى لارى سيفك هذا يا اخا بنى عامر صار ما جيدا فاستله الاخر فقال أجل انه والله لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرنى أنظر اليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد* وفى رواية استله أبو بصير فضربه به حتى برد وذكر ابن عقبة ان الرجل هو الذى سل سيفه ثم هزه وقال لا ضربن بسيفى هذا فى الاوس والخزرج يوما الى الليل فقال له أبو بصير فصارم سيفك هذا فقال نعم فقال ناولنيه لا نظر اليه فناوله اياه فلما قبض عليه ضربه به حتى برد ويقال بل تناول أبو بصير سيف الرجل بفيه فقطع أساره ثم ضربه به حتى برد وطلب الاخر فخرج مرعوبا حتى دخل المسجد* وفى رواية وفرّ الاخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعد وحتى لتطن الحصباء من شدّة سعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد لقى هذا ذعرا فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ويلك مالك قال قتل صاحبكم صاحبى وانى لمقتول* وفى الاكتفاء قال ويحك مالك قال قد قتل صاحبكم صاحبى قال فو الله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبى الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتنى اليهم ثم أنجانى الله منهم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو
كان معه أحد* وفى الاكتفاء(2/24)
محش حرب لو كان معه رجال وفى هذا الكلام ايماء لابى بصير الى الفرار ورمز للمؤمنين الذين كانوا بمكة أن يلحقوا به فلما سمع ذلك أبو بصير عرف أنه سيردّه الى قريش فخرج حتى نزل سيف البحر موضعا يقال له العيص من ناحية المروة على ساحل البحر بطريق قريش الذى كانوا يأخذونه الى الشام وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال فخرجوا الى أبى بصير بالعيص فاجتمع اليه قريب من سبعين رجلا منهم وذكر موسى ابن عقبة ان أبا جندل بن سهيل بن عمرو الذى ردّ الى قريش بالحديبية مكرها يوم الصلح والقضية هو الذى انفلت فى سبعين راكبا أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبى بصير ونزلوا مع أبى بصير فى منزل كريه الى قريش فقطعوا مادتهم من طريق الشام وكان أبو بصير على ما زعموا وهو فى مكانه ذلك يصلى بأصحابه فلما قدم عليهم أبو جندل كان هو يؤمّهم واجتمع الى أبى جندل أناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل وهم مسلمون فأقاموا مع أبى جندل وأبى بصير لا تمرّ بهم عير لقريش الا أخذوها وقتلوا أصحابها وقال فى ذلك أبو جندل فيما ذكره غير ابن عقبة شعرا
أبلغ قريشا عن أبى جندل ... أنا بذى المروة بالساحل
فى معشر تخفق أيمانهم ... بالبيض فيها والقنا الذابل
يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد اسلامهم الواصل
أو يجعل الله لهم مخرجا ... والحق لا يغلب بالباطل
فيسلم المرء باسلامه ... أو يقتل المرء ولا يأتل
فأرسل قريش أبا سفيان بن حرب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ويتضرّعون اليه ويناشدونه بالله والرحم أن يرسل الى أبى بصير وأبى جندل بن سهيل ومن معهم فيقدموا عليه وقالوا انا أسقطنا هذا الواحد من الشروط فمن أتاه فهو آمن* وفى الاكتفاء قالوا من خرج منا اليك فأمسكه فى غير حرج فانّ هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح اقراره فلما كان ذلك من أمرهم علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع أبا جندل من أبيه يوم الصلح والقضية أنّ طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فيما أحبوا وفيما كرهوا وانّ رأيه أفضل من رأيهم* وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبى جندل وأبى بصير يأمرهم أن يقدموا عليه بالمدينة ويأمر من معهما من المسلمين أن يرجعوا الى بلادهم وأهليهم ولا يتعرّضوا لاحد مرّ بهم من قريش وعيرانها فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبى جندل وأبى بصير وكان أبو بصير حينئذ مشرفا على الموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده يقتريه فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أناس من أصحابه ورجع سائرهم الى أهليهم وأمنت عيران قريش ولم يزل أبو جندل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد ما أدرك من المشاهد بعد ذاك وشهد الفتح ورجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل معه بالمدينة حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم أبوه سهيل بن عمرو المدينة أوّل امارة عمر بن الخطاب رضى الله عنه فمكث بها شهرا ثم خرج الى الشام يجاهد وخرج معه ولده أبو جندل فلم يزالا مجاهدين حتى ماتا جميعا هناك رحمهما الله وظاهر بعض روايات البخارى يدل على أنّ قوله تعالى وهو الذى كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة الاية نزلت فى قصة أبى بصير والله أعلم*
بيان حكم الظهار
وفى هذه السنة نزل حكم الظهار وذلك أنّ أوس ابن الصامت غضب على زوجته خولة بنت ثعلبة ذات يوم وقال لها أنت علىّ كظهر أمى وكان ذلك أوّل ظهار فى الاسلام وكان الظهار طلاقا فى الجاهلية ثم ندم على ما قال فأتت خولة النبىّ(2/25)
صلّى الله عليه وسلم وعائشة تغسل رأسه فقالت يا رسول الله انّ زوجى أوس بن الصامت تزوّجنى وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالى وذهب شبابى ونفضت بطنى وتفرّق أهلى ظاهر منى فقال صلى الله عليه وسلم حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو الى الله فقرى وفاقتى ووجدى وصبية صغارا ان ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم الىّ جاعوا فقال صلى الله عليه وسلم ما أراك الا حرمت عليه فجعلت ترفع صوتها باكية وتقول اللهم انى أشكو اليك فبينما هى على تلك الحالة اذ تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم للوحى فنزل جبريل عليه السلام بهذه الايات* قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى الى الله والله يسمع تحاور كما الايات* فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوس بن الصامت فتلا عليه الايات المذكورة فقالت عائشة تبارك الله الذى وسع سمعه كل شئ انى كنت أسمع كلام خولة ويخفى علىّ بعضه وهى تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الايات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاوس أعتق رقبة قال مالى بهذا قدرة قال فصم شهرين متتابعين قال انى اذا لم آكل فى اليوم مرّتين كل بصرى قال فأطعم ستين مسكينا قال لا أجد الا أن تعيننى منك بعون وصلة فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا وكانوا يرون أنّ عند أوس مثلها وذلك لستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع*
وفاة أم رومان أم عائشة رضى الله عنها
وفى هذه السنة ماتت أمّ رومان بنت عامر بن عويمر أمّ عائشة رضى الله عنها كانت أسلمت قديما وكانت أوّلا تحت عبد الله ابن سخبرة فولدت له الطفيل وهو أخو عائشة لامها كذا فى أسد الغابة ثم مات عنها فتزوّجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة فلما ماتت نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قبرها فلما دليت فى قبرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن ينظر الى امرأة من الحور العين فلينظر الى هذه وكون وفاتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قول محمد بن سعد وابراهيم الحربى وقال آخرون انها عاشت بعده دهرا طويلا كذا فى الصفوة*
تحريم الخمر
وفى هذه السنة السادسة حرمت الخمر* جزم الحافظ الدمياطى فى سيرته بأنّ تحريم الخمر كان فى سنة الحديبية وهى سنة ست من الهجرة وقال ابن اسحاق كان تحريمها فى وقعة بنى النضير وهى بعد أحد وذلك فى سنة أربع على القول الراجح* وفى أسد الغابة فى السنة الثالثة وقيل فى الرابعة حرمت الخمر فى ربيع الاوّل وكذا فى المنتقى أورد تحريمها فى سنة أربع كما قاله ابن اسحاق وفيه نظر لان أنسا كان الساقى يوم حرمت وأنه لما سمع المنادى بتحريمها بادر فأراقها ولو كان ذلك سنة أربع لكان أنس يصغر عن ذلك وآية تحريم الخمر نزلت عام الفتح قبل الفتح ذكر كله القسطلانى ورجح القول بكون تحريمها فى السنة السادسة وقيل كون تحريمها فى السنة الرابعة هو المشهور كما هو قول ابن اسحاق* الخمر فى الاصل مصدر خمره اذا ستره سمى به عصير العنب اذا اشتدّ وغلا كأنه يخمر العقل كما سمى سكرا لانه يسكره أى يحجزه كذا فى المواهب اللدنية وفى القاموس الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة والعموم أصح لانها حرمت وما بالمدينة خمر عنب وما كان شرابهم الا البسر والتمر سميت خمرا لانها تخمر العقل وتستره* وفى الكشاف الخمر ما غلا واشتدّ وقذف الزبد من عصير العنب وهو حرام وكذا نقيع الزبيب والتمر الذى لم يطبخ فان طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم غلا واشتدّ وذهب خبثه ونصيب الشيطان حلّ شربه ما دون السكر اذا لم يقصد بشر به اللهو والطرب عند أبى حنيفة* وعن بعض أصحابه لأن أقول مرارا هو حلال أحب الىّ من ان أقول مرّة هو حرام ولئن أخرّ من السماء فأتقطع قطعا أحبّ الىّ من أن أتناول منه قطرة* وعند أكثر الفقهاء هو حرام كالخمر وكذلك كل ما أسكر من كل شراب سميت خمرا لتغطيتها العقل والتمييز كما سميت سكرا لانها تسكرهما أى تحجزهما وكأنها سميت بالمصدر من خمره خمرا اذا ستره(2/26)
للمبالغة* وعن على لو وضعت قطرة أى من الخمر فى بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها ولو وقعت فى بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ لم أرعه* وعن ابن عمر لو أدخلت اصبعى فيه لم يتبعنى وهذا هو الايمان وهم الذين اتقوا الله حق تقاته* وفى المواهب اللدنية قال أبو هريرة فيما رواه أحمد حرمت الخمر ثلاث مرّات* وفى المنتقى جملة الايات النازلة فى تحريم الخمر أربع الاولى قوله تعالى ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا وهى نزلت بمكة وكان المسلمون يشربونها وهى يومئذ كانت حلالا* والثانية يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس* نزلت فى عمر وحمزة ومعاذ بن جبل قالوا يا رسول الله أفتنا فى الخمر والميسر فانهما مذهبتان لعقولنا ومسلبتان لاموالنا فنزلت هذه الاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ الله تقدم فى تحريم الخمر فتركها قوم لقوله تعالى قل فيهما اثم كبير وشربها قوم لقوله تعالى ومنافع للناس الى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا فحضرت صلاة المغرب فقدّموا بعضهم ليصلى بهم فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون هكذا الى آخر السورة بحذف لا فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون وهى ثالثة الايات فحرّم الخمر فى أوقات الصلاة فترك قوم الخمر مطلقا فقالوا لا خير فى شئ يحول بيننا وبين الصلاة وتركها قوم فى أوقات الصلاة وشربوها فى غير وقت الصلاة فكان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ويشرب بعد الصبح فيصحو اذا جاء وقت الظهر* واتخذ عتبان بن مالك صنيعا ودعا رجالا من المسلمين وفيهم سعد بن أبى وقاص وكان شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى سكروا ثم انهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الاشعار فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء الانصار وفخر لقومه فأخذ رجل من الانصار لحى بعير فضرب به رأس سعد فشجه شجة موضحة فانطلق سعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا اليه الانصارى فقال عمر اللهم بين لنار رأيك فى الخمر بيانا شافيا فأنزل الله تعالى تحريم الخمر فى سورة المائدة وهو قوله تعالى انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان الى قوله فهل أنتم منتهون* فقال عمر انتهينا يا رب وهى رابعة الايات النازلة فى تحريم الخمر وكذا فى الكشاف* وفى المواهب اللدنية وهى حرام مطلقا وكذا كل ما أسكر عند أكثر العلماء وقال أبو حنيفة نقيع الزبيب والتمر اذا طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم اشتد حل شربه ما دون السكر انتهى*
ذكر الحشيشة وأشباهها
وأمّا الحشيشة وتسمى القنب الهندية والحيدرية والقلندرية فلم يتكلم فيها الأئمة الاربعة ولا غيرهم من علماء السلف لانها لم تكن فى زمنهم وانما ظهرت فى أواخر المائة السادسة أو السابعة واختلف هل هى مسكرة فيجب فيها الحدّ أو مفسدة للعقل فيجب التعزير والذى أجمع عليه الاطباء أنها مسكرة وبه جزم الفقهاء وصرّح به الشيخ أبو اسحاق الشيرازى فى كتاب التذكرة فى الخلاف والنووى فى شرح المهذب ولا يعرف فيه خلاف عند الشافعية ونقل عن ابن تيمية أنه قال الصحيح أنها مسكرة كالشراب فان أكلتها ينتشون عنها ولذلك يتناولون بخلاف البنج فانه لا ينشى ولا يشتهى قال الزركشى ولم أر من خالف فى هذا الا القرافى فى قواعده فقال قال بعض العلماء بالنبات فى كتبهم انها مسكرة والذى يظهر أنها مفسدة وقد تظافرت الادلة على حرمتها ففى صحيح مسلم كل مسكر حرام وقد قال الله تعالى ويحرّم عليهم الخبائث وأىّ خبيث أعظم مما يفسد العقول التى اتفقت الملل والشرائع على ايجاب حفظها ولا ريب أنّ متناول الحشيشة يظهر به التغير فى انتظام الفعل والقول المستمد كماله من نور العقل* وقد روى أبو داود باسناد حسن عن ديلم الحمير قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله انا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا(2/27)
وانا نتخذ شرابا من هذا القبح نتقوّى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا قال هل يسكر قلت نعم قال فاجتنبوه قلت فانّ الناس غير تاركيه قال فان لم يتركوه فقاتلهم وهذا تنبيه على العلة التى لاجلها حرم المزر فوجب أنّ كل شئ عمل عمله يجب تحريمه ولا شك أنّ الحشيش يعمل ذلك وفوقه* وروى أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه عن أمّ سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر* قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر فى الاطراف وهذا الحديث أدل دليل على تحريم الحشيشة وغيرها من المخدّرات فانها وان لم تكن مسكرة كانت مفترة مخدّرة ولذا يكثر النوم من متعاطيها وتثقل رؤسهم بواسطة تبخيرها فى الدماغ* وقد نقل الاجماع على تحريمها غير واحد منهم القرافى واختلف هل يحرم تعاطى اليسير الذى لا يسكر فقال النووى فى شرح المهذب انه لا يحرم اكل القليل الذى لا يسكر من الحشيش بخلاف الخمر حيث حرم قليلها الذى لا يسكر والفرق أنّ الحشيش طاهر والخمر نجس فلا يجوز شرب قليله للنجاسة وتعقبه الزركشى بأنه صح فى الحديث ما أسكر كثيره فقليله حرام قال والمتجه أنه لا يجوز تناول شىء من الحشيش لا قليل ولا كثير* وأمّا قول النووى انها طاهرة وليست نجسة فقطع به ابن دقيق العيد وحكى الاجماع قال والافيون وهو لبن الخشخاش أقوى فعلا من الحشيش لان القليل منه يسكر جدّا وكذلك السيكران وجوز الطيب مع أنه طاهر بالاجماع انتهى*
مضار الحشيشة
وقد جمع بعضهم فى الحشيش مائة وعشرين مضرّة دينية وبدنية حتى قال بعضهم كل ما فى الخمر من المذمومات موجود فى الحشيش وزيادة فانّ أكثر ضرر الخمر فى الدين لا فى البدن وضررها فيهما* فمن ذلك فساد العقل وعدم المروءة وكشف العورة وترك الصلاة والوقوع فى المحرّمات وقطع النسل والبرص والجذام والاسقام والرعشة والابنة ونتن الفم وسقوط شعر الاجفان وحفر الاسنان وتسويدها وتضييق النفس وتصفير اللون وتنقيب الكبد وتجعل الاسد كالجعل وتورث الكسل والفشل وتجعل العزيز دليلا والصحيح عليلا والفصيح أبكم والصحيح أثلم وتذهب السعادة وتنسى الشهادة فصاحبها بعيد من السنة طريد عن الجنة موعود من الله باللعنة الا أن يقرع من الندم سنه ويحسن بالله ظنه ولقد أحسن القائل فيما قال
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... يا خسيسا قد عشت شرّ معيشه
دية العقل بدرة فلماذا ... يا سفيها قد بعتها بحشيشه
ولبعضهم فى القهوة
شراب مطبوخة القشر قد حرما ... لكونه مفسدا عقل الذى طعما
أبو كثير به أفتى وكم رجل ... أفتوا بتحريمه قطعا وقد جزما
فذر مقالة قوم قد غدوا سفها ... يحللون الذى قد حرّم العلما
صفة الميسر
وأمّا الميسر فهو القمار مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعليهما يقال يسرته اذا قمرته واشتقاقه من اليسر لانه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب أو من اليسار لانه سلب يساره* وعن ابن عباس كان الرجل فى الجاهلية يخاطر على أهله وماله وصفة الميسر كانت لهم عشرة أقداح وهى الازلام والاقلام الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى والمنيح والسفج والوغد ولبعضهم شعر
وأقداح أزلام القمار عديدة ... فثنتان منها مسبل وسفيح
وفذ وحلس والمعلى ونافس ... رقيب ووغد توأم ومنيح
لكل واحد منها نصيب معلوم من جزور ينحرونها ويجزؤنها عشرة أجزاء وقيل ثمانية وعشرين جزآ الا(2/28)
الثلاثة فانها لا نصيب لها وهى المنيح والسفيح والوغد* ولبعضهم
لى فى الدنيا سهام* ليس فيهنّ ربيح* وأساميهنّ وغد* وسفيح ومنيح
للفذ سهم وللتوأم سهمان وللرقيب ثلاثة وللحلس أربعة وللنافس خمسة وللمسبل ستة وللمعلى سبعة يجعلونها فى الرباب وهى حريطة ويضعونها على يدى عدل ثم يجلجلها ويدخل يده فيها فيخرج باسم رجل رجل قدحا منها فمن خرج له قدح من ذوات الانصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القدح ومن خرج له قدح مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغرم ثمن الجزور كله وكانوا يدفعون تلك الانصباء الى الفقراء ولا يأكلون منها ويفتخرون بذلك ويذمون من لم يدخل فيه ويسمونه البرم* وفى حكم الميسر أنواع القمار من النرد والشطرنج وغيرهما* وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم اياكم وهاتين الكعبتين المشؤمتين فانهما من ميسر العجم* وعن على رضى الله عنه أنّ النرد والشطرنج من الميسر* وعن ابن سيرين كل شئ فيه خطر فهو من الميسر كذا فى الكشاف* وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ حبيبة وسيجئ البناء بها فى الموطن السابع
*
(الموطن السابع فى وقائع السنة السابعة من الهجرة
من اتخاذ الخاتم وارسال الرسل الى الملوك وسحره وبعث أبان بن سعيد قبل نجد واسلام أبى هريرة وغزوة خيبر وسمه بها واستصفاء صفية وفتح فدك وطلوع الشمس بعد غروبها وفتح وادى القرى وليلة التعريس والبناء بأمّ حبيبة وسرية عمر بن الخطاب الى تربة وبعث أبى بكر الى بنى كلاب بناحية الضرية وبعث بشر بن سعد الى بنى مرّة بفدك وبعث غالب بن عبد الله الى الميفعة وسرية بشر بن سعد الى اليمن وجبار وبعث سرية قبل نجد وكتابه الى جبلة بن الايهم وقتل شيرويه أباه كسرى برويز ووصول هدية المقوقس وعمرة القضاء وتزوّج ميمونة وسرية ابن أبى العوجاء الى بنى سليم) *
*
ذكر اتخاذ الخاتم
وفى هذه السنة اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاتم* ثبت فى صحاح الاحاديث أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب الى كسرى وقيصر والنجاشى وغيرهم من الملوك يدعوهم الى الاسلام قيل انهم لا يقبلون كتابا الا بخاتم أو مختوما فصاغ النبىّ صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب واقتدى به ذو واليسار من أصحابه فصنعوا خواتيم من ذهب فلما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه لبسوا أيضا خواتيمهم فجاء جبريل عليه السلام من الغد وقال لبس الذهب حرام لذكور أمتك فطرح النبىّ صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح أصحابه أيضا خواتيمهم ثم اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما حلقه وفصه من فضة ونقش فيه محمد رسول الله فى ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر ونهى أن ينقش عليه أحد واقتدى به أصحابه فاتخذوا خواتيمهم من فضة*
ارسال الرسل الى الملوك
وفى هذه السنة كان ارسال الرسل الى الملوك* فى الوفاء وفى أوّل السنة السابعة كتب الى الملوك* وفى أسد الغابة فى سنة سبع بعث الرسل الى الملوك بغير لفظ الاوّل وقيل كان ارسال الرسل فى آخر سنة ست وجمع بعضهم بين القولين بان ارسال الرسل كان فى السنة السادسة ووصولهم الى المرسل اليهم كان فى السابعة* وفى المواهب اللدنية بعث ستة نفر فى يوم واحد فى المحرم سنة سبع وذكر القاضى عياض فى الشفاء مما عزاه الى الواقدى انه أصبح كل رجل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعثه اليهم انتهى وكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى خرجوا مصطحبين فى ذى الحجة الحرام* وفى شواهد النبوّة ومن أواخر ذى الحجة الحرام من السنة السادسة على القول الاظهر الى أوّل المحرم من السنة السابعة بعث الرسل الى أرباب الاديان* وفى الاكتفاء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التى صدّ عنها يوم الحديبية فقال يا أيها الناس ان الله بعثنى رحمة وكافة فأدّوا(2/29)
عنى يرحمكم الله ولا تختلفوا علىّ كما اختلف الحواريون على عيسى فقال أصحابه وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله فقال دعاهم الى الذى دعوتكم اليه فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضى وسلم وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وجهه وتثاقل فشكا ذلك عيسى الى الله تعالى فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الامّة التى بعث اليها* وروى انه صلى الله عليه وسلم بعد ما صاغ الخاتم دعا بالكاتبين فكتبوا ستة كتب الى ستة ملوك وأسماؤهم هذه* النجاشى ملك الحبشة وقيصر ويقال هرقل عظيم الروم وكسرى حاكم فارس والمدائن والمقوقس صاحب الاسكندرية ومصر والحارث والى تخوم الشام ودمشق وثمامة بن أثال وهوذة بن على الحنفيين ملكى اليمامة وقائديها ودعا ستة من أصحابه ودفع الى كل واحد منهم كتابا وبعثه الى واحد من هؤلاء الملوك فبعث عمرو بن أمية الضمرى الى النجاشى ودحية بن خليفة الكلبى الى قيصر وعبد الله بن حذافة السهمى الى كسرى وحاطب بن أبى بلتعة اللخمى الى المقوقس والشجاع بن وهب الاسدى الى الحارث بن أبى شمر الغسانى وسليط بن عمرو العامرى الى ثمامسة وهوذة*
(ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى النجاشى مع عمرو بن أمية الضمرى)
* روى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث عمرا الى النجاشى فى شأن جعفر بن أبى طالب وأصحابه وكتب اليه كتابين أحدهما يدعوه فيه الى الاسلام ويتلو عليه القرآن فكتب فيه* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى النجاشى ملك الحبشة أما بعد فانى أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد ان عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها الى مريم البتول الطاهرة المطهرة الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وانى أدعوك الى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته فان تابعتنى وتؤمن بالذى جاءنى فانى رسول الله وانى أدعوك وجنودك الى الله تعالى وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحى وقد بعثت اليك ابن عمى جعفرا ومعه نفر من المسلمين والسلام على من اتبع الهدى* فأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعه على عينيه ونزل من سريره وجلس على الارض تواضعا فقال أشهد بالله انه النبىّ الامىّ الذى ينتظره أهل الكتاب وان بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل فأسلم النجاشى وشهد شهادة الحق وقال لو كنت استطيع ان آتيه لاتيته وكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* بسم الله الرحمن الرحيم من النجاشى أصحمة سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الله الذى لا اله الا هو الذى هدانى للاسلام* أما بعد فقد بلغنى كتابك يا رسول الله فما ذكرت من امر عيسى عليه السلام فو رب السماء والارض ان عيسى عليه السلام لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا انه كما قلت وقد عرفنا ما بعثت به الينا وقدم ابن عمك وأصحابه وأشهد انك رسول الله صادقا مصدّقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين وقد بعثت اليك ابنى أرها فان شئت أن آتيك بنفسى فعلت يا رسول الله فانى أشهد ان ما تقول حق والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته* وذكر الواقدى عن سلمة بن الاكوع ان النجاشى توفى فى رجب سنة تسع كما سيجىء منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تبوك قال سلمة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم قال ان أصحمة النجاشى قد توفى فى هذه الساعة فاخرجوا بنا الى المصلى حتى نصلى عليه قال سلمة فحشد الناس وخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمنا وانا لصفوف خلفه وأنا فى الصف الرابع فكبر بنا أربعا كذا فى الاكتفاء* وقال فى المواهب اللدنية وهذا هو أصحمة الذى هاجر اليه المسلمون فى رجب سنة خمس من النبوّة وكتب اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه فيه الى الاسلام مع عمرو بن أمية الضمرى سنة ست من(2/30)
الهجرة وأسلم على يد جعفر بن أبى طالب وتوفى فى رجب سنة تسع من الهجرة ونعاه النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم توفى وصلى عليه بالمدينة وأما النجاشى الذى ولى بعده وكتب اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم يدعوه الى الاسلام فكان كافرا لم يعرف اسلامه ولا اسمه وقد خلط بعضهم ولم يميز بينهما* وفى صحيح مسلم عن قتادة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب الى كسرى والى قيصر والى النجاشى والى كل جبار يدعوهم الى الاسلام والى دين الله وليس بالنجاشى الذى صلى عليه* قال ابن اسحاق فذكر لى انه بعث النجاشى بعد قدوم جعفر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرها ابن النجاشى من البحر فى ستين رجلا من الحبشة فركبوا سفينة فى اثر جعفر وأصحابه حتى اذا كانوا فى وسط البحر غرقوا ووافى جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبعين رجلا وعليهم ثياب من الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس الى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن فأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فأنزل الله تعالى ولتجدنّ أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى يعنى وفد النجاشى الذين قدموا مع جعفر وهم سبعون وكانوا أصحاب الصوامع* وقال مقاتل كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وقال عطاء كانوا ثمانين رجلا أربعون من أهل نجران من بنى الحارث واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام كذا فى معالم التنزيل* وفى الكتاب الاخر يأمره أن يزوّجه أم حبيبة ابنة أبى سفيان وكانت قد هاجرت الى الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش الاسدى فتنصر هناك ومات كما سيجىء فى هذا الموطن وأمره فى الكتاب بأن يبعث اليه بمن قبله من أصحابه فجهز النجاشى مهاجرى الحبشة وبعثهم فى سفينتين مع عمرو بن أمية الضمرى الى المدينة* روى انّ النجاشى دعا بحقة من عاج فجعل فيها مكتوبى النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال لا يزال فى أهل الحبشة خير وبركة ما دام فيهم هذان المكتوبان* وأورد صاحب الاعلام ان كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فى أيدى ملوك الحبشة باق الى الان يعظمونه*
(ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى قيصر مع دحية بن خليفة الكلبى)
* قيل ان اسم قيصر هرقل وقيل أغطس وقيصر كلمة افر نجية معناه شق عنه* وسببه على ما قاله المؤرخون ان أم قيصر ماتت فى المخاض فشق بطنها وأخرج فسمى قيصر وكان يفتخر بذلك على الملوك ويقال انه لم يخرج من الرحم ثم وضع هذا اللقب لكل من ملك الروم كما لقبوا ملك الترك خاقان وملك فارس كسرى وملك الشام هرقل وملك القبط فرعون وملك اليمن تبع وملك الحبشة النجاشى وملك فرغانة اخشيد وملك مصر فى الاسلام سلطان فأخذ دحية كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجه الى بصرى لان النبىّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يدفع الكتاب الى عظيم بصرى وهو الحارث ملك غسان ليدفعه الى قيصر ولما انتهى دحية الى بصرى وكان حينئذ عظيم بصرى فى حمص فبعث رجلا مع دحية ليبلغه الى قيصر وقيصر ذاهب الى ايليا وهو بيت المقدس لانه لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص الى ايليا شكرا لله عز وجل فيما أولاه من ذلك* فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال التمسوا أحدا من قومه وكان أبو سفيان حينئذ بالشام فى رجال من قريش قدموا تجارا فى زمان الهدنة فأتى بأبى سفيان وأصحابه فسألهم عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيجىء ذكره الواقدى من حديث ابن عباس* وفى حديث غير هذا ذكره أيضا الواقدى عن محمد بن كعب القرظى ان دحية الكلبى لقى قيصر بحمص لما بعثه اليه رسول الله وقيصر ماش من قسطنطينية الى ايليا فى نذر كان عليه لئن أظهر الله الروم على فارس ليمشين حافيا من قسطنطينية الى ايليا وليصلين فيه(2/31)
ففرشوا له بسطا ونثروا عليها الرياحين وهو يمشى عليها حتى بلغ ايليا ووفى بنذره فقال لدحية قومه لما بلغ قيصر اذا رأيته فاسجد له ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك قال دحية لا أفعل هذا أبدا ولا أسجد لغير الله أبدا قالوا اذا لا يأخذ كتابك ولا يكتب جوابك قال وان لم يأخذه فقال له رجل منهم أدلك على أمر يأخذ فيه كتابك ولا يكلفك فيه السجود قال دحية وما هو قال ان له على كل عقبة منبرا يجلس عليه فضع صحيفتك تجاه المنبر فانّ أحدا لا يحركها حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها فيأتيه قال أما هذا فسأفعل فعمد الى منبر من تلك المنابر التى يستريح عليها قيصر فألقى الصحيفة فدعا بها فاذا عنوانها كتاب العرب فدعا بالترجمان الذى يقرأ بالعربية فاذا فيه من محمد رسول الله الى قيصر صاحب الروم فغضب أخ لقيصر يقال له نباق فضرب فى صدر الترجمان ضربة شديدة ونزع الصحيفة من يده فقال له قيصر ما شأنك فقال تنظر فى كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم ما ذكر لك ملكا فقال له قيصر انك والله ما علمت أحمق صغيرا مجنون كبيرا تريدان تخرق كتاب رجل قبل ان أنظر فيه فلعمرى لئن كان رسول الله كما يقول لنفسه أحق أن يبدأ بها منى وان كان سمانى صاحب الروم لقد صدق ما أنا الا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله عز وجل سخرهم لى ولو شاء لسلطهم علىّ كما سلط فارس على كسرى فقتلوه ثم فتح الصحيفة فاذا فيها* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى قيصر صاحب الروم سلام على من اتبع الهدى* أما بعد* يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ فى آيات من كتاب الله يدعوه الى الله ويزهده فى ملكه ويرغبه فيما رغبه الله من الاخرة ويحذره بطش الله وبأسه كذا فى الاكتفاء* وفى الصحيح وكان ابن الناطور صاحب ايليا وهرقلة أسقفا على نصارى الشام يحدّث ان هرقل حين قدم ايليا أصبح يوما خبيث النفس مهموما فقال له بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناطور وكان هرقل حزاء ينظر فى النجوم ماهرا فى الاحكام النجومية يستخرج أحكام الاجسام السفلية من آثار الاجرام العلوية عالما بسائر القواعد النجومية فقال لهم حين سألوه أجل انى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم أن ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الامة قالوا ما نعلم يختتن الا اليهود فلا يهمنك شأنهم وهم فى حكمك وسلطانك واكتب الى مدائن ملكك فليقتلوا من فيها من اليهود فتستريح من الهم فبينماهم على أمرهم اذ أتى هرقل رجل اسمه عدى بن حاتم وهو رسول عظيم بصرى برجل من العرب يقوده وهو دحية بن خليفة الكلبى فقال أيها الملك ان هذا من العرب يحدّث عن أمر عجيب قد حدث ببلاده فقال هرقل لترجمانه سله ما هذا الحدث الذى ببلاده فسأله فقال دحية خرج من بين أظهرنا رجل يزعم انه نبىّ فاتبعه اناس وخالفه آخرون فكانت بينهم ملاحم فتركتهم على ذلك فلما أخبره قال هرقل اذهبوا به فجردوه فانظروا أمختون هو أم لا فجرّدوه ونظروا اليه فاذا هو مختون فحدّثوه انه مختون وسألوه عن العرب فقال هم يختتنون فقال هرقل هذا والله الذى رأيته هذا ملك هذه الامة قد ظهر أعطوه ثوبه ثم دعا صاحب شرطته فقال له قلب لى الشام ظهر او بطنا حتى تأتينى برجل من قوم هذا الرجل يعنى النبىّ صلى الله عليه وسلم* قال أبو سفيان ان هرقل أرسل اليه فى ركب من قريش صاحب شرطته وكان أبو سفيان وأصحابه حينئذ تجارا بالشام بمدينة غزة فى المدّة التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن فيها أبا سفيان وكفار قريش اى فى زمان الهدنة فأتوهم بايليا وهو بيت المقدس وكان هرقل حينئذ فيه فدعاهم الى مجلسه وحوله عظماء الروم ودعا ترجمانه فقال أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذى يزعم انه نبىّ فقال أبو سفيان أنا أقربهم نسبا فقال ادنوه منى وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره(2/32)
ثم قال لترجمانه انى سائل هذا أى أبا سفيان عن هذا الرجل يعنى النبىّ صلى الله عليه وسلم فان كذبنى فكذبوه قال ابو سفيان فو الله لولا الحياء من ان يأثروا علىّ كذبا لكذبت عنه قال ثم كان أوّل ما سألنى عنه أن قال كيف نسبه فيكم قلت هو فينا ذو نسب قال فهل قال هذا القول منكم أحد قبله قط قلت لا قال فهل كان من آبائه من ملك قلت لا قال فاشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال أيزيدون أم ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتدّ منهم أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه قلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال فهل يغدر قلت لا ونحن فى هدنة لا ندرى ما هو فاعل فيها قال أبو سفيان ولم يمكنى أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال كيف كان قتالكم اياه قلت الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه قال بماذا يأمركم قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدقة والصدق والعفاف والصلة والطهارة فقال للترجمان قل له سألتك عن نسبه فذكرت انه ذو نسب وكذلك الرسل تبعث فى نسب قومها وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت لو قال أحد هذا القول قبله لقلت رجل يتأسى بقول قيل قبله وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا قلت فلو كان من آبائه من ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد علمت انه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله وسألتك اشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم اتباع الرسل وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت انهم يزيدون وكذلك أمر الايمان حتى يتم وسألتك أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك بما يأمركم فذكرت انه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الاوثان ويأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف فان كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمىّ هاتين وقد كنت أعلم انه خارج ولم أكن أظنّ انه منكم فلو أنى أخلص اليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى بعث به دحية الى عظيم بصرى فدفعه الى هرقل ملك الروم كما تقدّم آنفا فاذا مكتوب فيه*
صورة كتاب النبى الى هرقل
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فانى أدعوك بداعية الاسلام اسلم تسلم اسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فان توليت فعليك اثم الاريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون* قال أبو سفيان فلما قال هرقل ما قال وفرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب وارتفعت أصوات الذين حوله وكثر لغطهم فلا أدرى ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا من عنده فقلت لاصحابى حين أخرجنا لقد عظم أمر ابن أبى كبشة انه يخافه ملك بنى الاصفر فما زلت موقنا انه سيظهر حتى أدخل الله علىّ الاسلام* وفى الاكتفاء وفى هذا الحديث عن أبى سفيان انه قال لقيصر لما سأله عن النبىّ صلى الله عليه وسلم جملة ما أجابه به أيها الملك ألا أخبرك عنه خبرا تعرف به انه كاذب قال وما هو قلت زعم انه خرج من أرضنا أرض الحرم فى ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد ايليا ورجع الينا فى تلك الليلة قبل الصباح قال وبطريق ايليا عند رأس قيصر قال قد علمت تلك الليلة قال فنظر اليه قيصر وقال ما علمك بهذا قال انى كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الابواب كلها غير باب واحد غلبنى فاستعنت عليه بعمالى ومن يحضرنى فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا اليه فقالوا(2/33)
هذا باب سقط عليه النجاف والبنيان فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر اليه من أين أتى فرجعت وتركت البابين مفتوحين فلما أصبحت غدوت عليهما فاذا الحجر الذى فى زاوية المسجد مثقوب واذا فيه أثر رباط الدابة فقلت لاصحابى ما حبس هذا الليلة الباب الاعلى نبىّ وقد صلى الليلة فى مسجدنا هذا فقال قيصر لقومه يا معشر الروم ألستم تعلمون ان بين عيسى وبين الساعة نبىّ بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم قالوا بلى قال فان الله قد جعله فى غيركم فى أقل منكم عددا وأضيق منكم بلدا وهى رحمة الله عز وجل يضعها حيث شاء* وفى رواية ان هرقل لما قرأ الكتاب أى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بدحية وقال له والله انا لنعلم انه نبىّ مرسل وهو الذى كنا ننتظره وقرأنا نعته فى الكتب السماوية وانى أخاف الروم أن يقصدوا هلاكى والا تابعته فاذهب الى رومة فلن بها رجلا اسمه ضفاطر وكان رجلا عظيما من علماء النصارى وكان نظير هرقل فى العلم قال فأخبره بهذا الخبر* وفى رواية كتب اليه هرقل كتابا وقال لدحية ان ضفا طرفى الروم أعظم منى واعتقادهم لكلامه أكثر فانظر ماذا يقول فذهب دحية الى رومة وبلغ ضفاطر كتاب هرقل وأخبره بخبر النبىّ صلى الله عليه وسلم وأوصافه قال ضفاطر والله انه لنبىّ على الحق ونحن وجدناه فى كتابنا بالصفة التى ذكرت وقرأنا اسمه فى التوراة والانجيل ثم دخل ضفاطر بيته ونزع ثيابه السود ولبس ثيابا بيضا وأخذ بيده العصا وذهب الى كنيسة النصارى حين كان فيها جمع من أشرافهم وقال يا معشر الروم اعلموا انه جاءنا كتاب من عند أحمد العربى ودعانا فى ذلك الكتاب الى الحق* وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأن أحمد عبده ورسوله* فلما سمعت الروم منه هذا الكلام وثبت عليه بأجمعها فضربته حتى قتلته فرجع دحية الى هرقل وأخبره بما رأى قال له هرقل أما قلت لك انى أخاف من الروم والله ان ضفاطر عند قومه أعظم منى عند هؤلاء القوم واعتقاد أهل الروم لكلامه أكثر من اعتقادهم لكلامى وقد ثبت ان هرقل لما بلغه خبر ضفاطر انتقل من ايليا الى حمص دار ملكه وسلطنته وكانت له هناك دسكرة أى قصر عظيم فأذن لعظماء الروم فى دسكرته ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم فى الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتابعوا هذا النبىّ فحاصوا حيصة حمر الوحش الى الابواب فوجدوها قد غلقت فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من ايمانهم قال ردّوهم علىّ فقال انى قلت مقالتى آنفا أختبر بها شدّتكم على دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك آخر شأن هرقل* رواه صالح بن كيسان ومعمر عن الزهرى كذا فى البخارى* وفى المنتقى وهرقل عظيم الروم ملك احدى وثلاثين سنة واختلف فى اسلامه* وفى ملكه توفى النبىّ صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم*
(ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى كسرى ملك فارس)
* وهذا هو كسرى برويز بن هرمز بن أنو شروان ومعنى برويز بالعربية المظفر فيما ذكره المسعودى وهو الذى كان غلب الروم فأنزل الله فى قصتهم* ألم غلبت الروم فى أدنى الارض وأدنى الارض فيما ذكره الطبرى هى بصرى وفلسطين وأذرعات من أرض الشام* ذكر الواقدى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة السهمى منصرفه من الحديبية الى كسرى وبعث معه كتابا مختوما وفيه مكتوب* (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأنّ محمدا عبده ورسوله وأدعوك بداعية الله عز وجل فانى أنا رسول الله عز وجل الى الناس كافة لانذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فان أبيت فعليك اثم المجوس فلما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه ومزّقه وشققه وقال يكتب الىّ بهذا الكتاب(2/34)
وهو عبدى ثم قال لى ملك هنىء لا أخشى أن أغلب عليه ولا أشارك فيه وقد ملك فرعون بنى اسرائيل ولستم بخير منهم فما يمنعنى أن أملككم وانا خير منه فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ كسرى شقق كتابه قال مزّق الله ملكه) * وفى المنتقى دعا عليه أن يمزّقوا كل ممزّق فقال مزّق كتابى مزّق الله ملكه* وفى رواية قال اللهم مزّق ملكه فانصرف عبد الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى نظام التواريخ بلغ برويز فى الملك والتبختر والتنعم الى مرتبة لم يكن أحد من الملوك مثله ثمانيا وعشرين سنه وأعظم الاسباب فى زوال ملكه تمزيق كتاب رسول الله لما كتب الى ملوك الاطراف يدعوهم الى الاسلام* قال ابن هشام فى سيرته بلغنى أنه قال كتب كسرى الى باذان أنه بلغنى أنّ رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبىّ فسر اليه فاستتبه فان تاب والا فابعث الىّ برأسه فبعث باذان كتاب كسرى الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ الله وعدنى أن يقتل كسرى يوم كذا من شهر كذا فلما أتى باذان الكتاب توقف وقال ان كان نبيا فسيكون ما قال فقتل الله كسرى فى اليوم الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل على يد ولده شيرويه* وفى المنتقى كتب كسرى الى باذان وهو على اليمن من قبله أن ابعث الى هذا الرجل الذى بالحجاز من عندك رجلين جلدين فليأتيانى به* وفى رواية كتب الى باذان بلغنى أن فى أرضك رجلا تنبأ فاربطه وابعث به الىّ فبعث باذان قهرمانه وهو بانويه وكان كاتبا حاسبا وبعث معه برجل من الفرس يقال له خرخسره وفكتب معهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما الى كسرى وقال لبانويه ويلك انظر ما الرجل وكلمه وائتنى بخبره فخرجا فلما بلغا الطائف وكان فيه حينئذ جمع من أشراف قريش مثل أبى سفيان وصفوان بن أمية وغيرهما فسألا عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالوا انه بيثرب فلما سمع أبو سفيان وصفوان بن أمية مضمون كتاب باذان فرحا وقالا مثل كسرى قام بعداوته وقدم بانويه وخرخسره المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قد ما عليه أنزلهما وأمرهما بالمقام أياما ثم أرسل لهما صلى الله عليه وسلم ذات غداة ولما دخلا عليه قال لهما اجلسا فبركا على ركبهما وكلمه بانويه وقال انّ شهنشاه ملك الملوك كسرى كتب الى الملك باذان يأمره أن يبعث اليك من يأتيه بك وقد بعثنى اليك لتنطلق معى فان فعلت كتب فيك الى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكف عنك به وان أبيت فهو ممن قد علمت وهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك وأعطياه كتاب باذان ولما اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضمون الكتاب وسمع حكايتهم المزخرفة تبسم ودعاهما الى الاسلام* وفى رواية أنهما حين دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا قد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما حتى وارت شفاههما فكره النظر اليهما وقال ويلكما من أمركما بهذا قالا أمرنا بهذا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن ربى أمرنى باعفاء لحيتى وقص شواربى* وفى المشكاة عن زيد بن أرقم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لم يأخذ من شار به فليس منا رواه أحمد والترمذى والنسائى وأورد الكرمانى فى مناسكه اثم تطويل الشوارب وعقوبته فقال قال النبىّ صلى الله عليه وسلم من طوّل شاربه عوقب بأربعة أشياء لا يجد شفاعتى ولا يشرب من حوضى ويعذب فى قبره ويبعث الله اليه المنكر والنكير فى غضب انتهى* روى أنهما كانا يتكلمان بالتجلد وترجف بوادرهما من هيبة مجلس رسول الله فقالا له ان لم تأت معنا فاكتب جواب كتاب الملك باذان فقال لهما ارجعا حتى تأتيانى غدا فلما خرجا من عنده قال أحدهما لصاحبه لو مكثنا فى مجلس هذا الرجل أكثر مما جلسنا لخفت على نفسى الهلاك وقال صاحبه وانى أيضا ما لقيت قط مثل ما وقع لى اليوم فى محضر هذا الرجل من الخوف فيعلم أنّ له(2/35)
شأنا فأتى جبريل عليه السلام الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنّ الله عز وجل قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله فى شهر كذا وكذا ليلة كذا وكذا بعد ما مضى من الليل كذا وكذا ساعة فلما أتيا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم من الغد قال انّ ربى قد قتل الليلة ربكما بعد ما مضى من الليل سبع ساعات سلط عليه ابنه شيرويه حتى بقربطنه وكانت تلك الليلة ليلة الثلاثاء العاشرة من جمادى الاولى من السنة السابعة من الهجرة قال اذهبا وأخبرا صاحبكما يعنى باذان بهذا الخبر فقالا هل تدرى ما تقول انا قد نقمنا منك ما هو أيسر من هذا أفنكتب بها عنك ونخبر الملك قال نعم أخبراه ذلك عنى وقولا له انّ دينى وسلطانى سيبلغ ما بلغ ملك كسرى وينتهى منتهى الخف والحافر وقولا له انك ان أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك من الابناء* وفى الاكتفاء يروى أنّ كسرى رأى فى النوم بعد أن أخبر بخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم من مكة ونزوله بيثرب ان سلما وضع فى الارض الى السماء وحشر الناس حوله اذ أقبل رجل عليه عمامة وازار ورداء فصعد السلم حتى اذا كان بمكان منه نودى اين فارس ورجالها ونساؤها ولامتها وكنوزها فأقبلوا فجعلوا فى جوالق ثم دفع الجوالق الى ذلك الرجل فأصبح كسرى تعس النفس محزونا لتلك الرؤيا وذكرها لاساورته فجعلوا يهوّنون عليه الامر فيقول كسرى هذا أمر يراد به فارس فلم يزل مهموما حتى قدم عليه عبد الله بن حذافة بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه الى الاسلام* وفى المنتقى ان كسرى كان اذا ركب ركب أمامه رجلان يقولان له ساعة فساعة أنت عبد ولست برب فيشير برأسه نعم قال فركب يوما فقالا له ذلك ولم يشر برأسه فشكوا الى صاحب شرطته ليعاتبه وكان كسرى قد نام فلما وقع صوت حوافر الدواب فى سمعه استيقظ فدخل عليه صاحب شرطته فقال أيقظتمونى ولم تدعونى أنام انى رأيت انه رقى بى فوق سبع سموات فوقفت بين يدى الله تعالى فاذا رجل بين يديه عليه ازار ورداء وقال لى سلم مفاتيح خزائن أرضى الى هذا فأيقظتمونى قال وصاحب الرداء والازار يعنى به النبىّ صلى الله عليه وسلم* وعن سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث الله ملكا الى كسرى وهو فى بيت من بيوت ايوانه الذى لا يدخل عليه فيه فلم يرع الا به قائما على رأسه فى يده عصا بالهاجرة وفى ساعته التى كان يقيل فيها فقال له يا كسرى أتسلم أو أكسر هذه العصا فقال بهل بهل بالفارسية معناه خل خل وأمهل ولا تكسر فانصرف عنه ثم دعا حرّاسه وحجابه فتغيظ عليهم فقال من أدخل هذا الرجل علىّ قالوا ما دخل عليك أحد ولا رأيناه حتى اذا كان العام القابل أتاه فى الساعة التى أتاه فيها فقال له كما قال له ثم قال له أتسلم أم أكسر هذه العصا فقال بهل بهل فخرج عنه فدعا كسرى حجابه وبوّابيه فتغيظ عليهم فقال لهم كما قال أوّل مرّة فقالوا ما رأينا أحدا دخل عليك حتى اذا كان العام الثالث أتاه فى الساعة التى جاء فيها وقال له كما قال ثم قال أتسلم أو أكسر هذه العصا فقال بهل بهل فكسر العصا ثم خرج فهلك كسرى عند ذلك* وفى الاكتفاء ذكر الواقدى من حديث أبى هريرة وغيره ان كسرى بينما هو فى بيت كان يخلو فيه واذا رجل خرج اليه فى يده عصا فقال يا كسرى ان الله بعث رسولا وأنزل عليه كتابا فأسلم تسلم واتبعه يبق لك ملكك قال كسرى أخر عنى أثرا ما فدعا حجابه وبوّابيه فتوعدهم وقال من هذا الذى دخل علىّ قالوا له والله ما دخل عليك أحد وما ضيعنا لك بابا حتى اذا كان العام المقبل أتاه فقال له مثل ذلك وقال له ان لم تسلم أكسر العصا قال لا تفعل أخر ذلك أثرا ما ثم جاءه العام المقبل ففعل مثل ذلك وضرب بالعصا على رأسه فكسرها وخرج من عنده ويقال ان ابنه قتله تلك الليلة فأعلم الله بذلك رسوله فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رسل باذان اليه ثم أعطى خرخسره منطقة فيها ذهب وفضة كان أهدا
هاله(2/36)
بعض الملوك فخرجا من عنده وانطلقا حتى قدما على باذان وأخبراه الخبر فقال والله ما هذا بكلام ملك وانى لارى الرجل نبيا كما يقول ولننظرنّ ما قد قال فلئن كان ما قد قاله حقا سيأتى الخبر الىّ يوم كذا ولا كلام أنه نبىّ مرسل ولا يسبق علىّ أحد من الملوك فى الايمان به وان لم يكن فسنرى فيه رأينا فلم يلبث باذان ان قدم عليه كتاب شيرويه* أما بعد فانى قد قتلت كسرى ولم أقتله الا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم فتفرق الناس فاذا جاءك كتابى هذا فحذلى الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذى كان كسرى كتب اليك فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمرى فيه* فلما انتهى كتاب شيرويه الى باذان قال ان هذا الرجل لرسول الله حقا فأسلم وأسلمت الابناء من فارس من كان منهم باليمن فبعث باذان باسلامه واسلام من كان معه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال ان الخبر أتاه بمقتل كسرى وهو مريض فاجتمعت اليه أساورته فقالوا له من تؤمّر علينا فقال لهم ملك مقبل وملك مدبر فاتبعوا هذا الرجل وادخلوا فى دينه وأسلموا ومات باذان فبعث رؤسهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدهم يعرّفونه باسلامهم* روى ان أهل اليمن كانوا يقولون لخرخسره ذو المفخرة ويقال لاولاده أيضا الان ذو المفخرة والمفخرة بلغة حمير المنطقة*
(ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المقوقس)
* فى حياة الحيوان هو لقب لجريج بن مينا القبطى وكان من قبل هرقل ويقال ان هرقل عز له لما رأى ميله الى الاسلام انتهى* بعثه مختوما مع حاطب بن أبى بلتعة وانه لما انتهى الى الاسكندرية أتى أوّلا حاجب المقوقس وأخبره الخبر فأكرمه الحاجب وأدخله على المقوقس من غير توقف فأكرمه المقوقس* عبارة الاكتفاء فلم يلبث أن وصل الى المقوقس كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقيه حاطب وأخذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله رسول الله الى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى* أما بعد فانى ادعوك بداعية الى الاسلام أسلم تسلم أسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فان توليت فانّ عليك اثم القبط* يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون* فكلمه حاطب فقال له انه قد كان قبلك رجل يزعم انه الرب الاعلى فأخذه الله نكال الاخرة والاولى فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك الى غير ذلك من النصائح والمواعظ وأخذ كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فجعله فى حقة من عاج وختم عليه ودفعه الى جارية له ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرّم* بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو اليه وقد علمت ان نبيا بقى وكنت أظنّ انه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك وبعثت اليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم وبكسوة وأهديت اليك بغلة لتركبها والسلام عليك* ولم يزد على هذا ولم يسلم وهاتان الجاريتان اللتان ذكرهما احداهما مارية أمّ ابراهيم ابن النبىّ صلى الله عليه وسلم والثانية أختها سيرين وهى التى وهبها النبى صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن والبغلة هى الدلدل وكانت بيضاء وقيل انه لم تكن يومئذ فى العرب بغلة غيرها وانها بقيت الى زمان معاوية وذكر الواقدى باسناد له ان المقوقس أرسل الى حاطب ليلة وليس عنده الا ترجمان له يترجم بالعربية فقال له ألا تخبرنى عن أمور أسألك عنها وتصدقنى فانى أعلم ان صاحبك قد تخيرك من بين أصحابه حيث بعثك فقال له حاطب لا تسألنى عن شئ الاصدقتك فسأله عن ماذا يدعو اليه النبى صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه وهل يقاتل قومه فأجابه(2/37)
حاطب عن ذلك كله ثم سأله عن صفته فوصفه حاطب ولم يستوف فقال له بقيت أشياء لم أرك تذكرها فى عينيه حمرة قلما تفارقه وبين كتفيه خاتم النبوّة ويركب الحمار ويلبس الشملة ويجتزى بالتمرات والكسرة ولا يبالى من لاقى من عم وابن عم قال حاطب فهذه صفته قال قد كنت أعلم انه قد بقى نبىّ وكنت أظنّ انّ مخرجه ومنبته بالشام وهناك تخرج الانبياء من قبله فأراه قد خرج فى العرب فى أرض جهد وبؤس والقبط لا يطاوعونى فى اتباعه ولا أحب ان تعلم محاورتى اياك وأنا أضن بملكى أن أفارقه وسيظهر على البلاد وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده حتى يظهر على ماههنا فارجع الى صاحبك فقد أمرت له بهدايا وجاريتين أختين فارهتين وبغلة من مراكبى وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من لين وغير ذلك وأمرت لك بمائة دينار وخمسة أثواب فارحل من عندى ولا يسمع منك القبط حرفا واحدا* قال حاطب فرجعت من عنده وقد كان لى مكرما فى الضيافة وقلة اللبث ببابه انى ما أقمت عنده الا خمسة أيام وان فى الوفود وفود العجم من ببابه منذ شهر وأكثر* قال حاطب فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ضنّ الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه هذا ما فى الاكتفاء* وفى غيره أهدى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار تركية منها مارية القبطية أمّ ابراهيم وأختها سيرين وكانت مارية من قرية يقال لها حفن من قرى كورة أنصنا بفتح أوّله واسكان ثانيه بعده صاد مهملة مكسورة ونون وألف ذكره فى معجم ما استعجم وجاريتين أخريين اسمهما غير معلوم وغلاما خصيا كان أخا لمارية وسيرين كذا فى بعض كتب السير* وفى حياة الحيوان اسمه مأبور وكان ابن عم مارية وكان يأوى اليها فقال الناس علج يدخل على علجة فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعث عليا ليقتله فقال يا رسول الله أقتله أو أرى فيه رأيى فقال بل ترى رأيك فيه فلما رأى الخصى عليا ورأى السيف تكشف فاذا هو مجبوب ممسوح فرجع علىّ الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وأخبره فقال عليه السلام ان الشاهد يرى مالا يرى الغائب* وفى سح السحابة ان رجلا كان يتهم بأمّ ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام لعلىّ رضى الله عنه اذهب اليه فاضرب عنقه فأتاه علىّ فاذا هو فى ركى يتبرز فقال له علىّ اخرج فناوله يده فأخرجه فاذا هو مجبوب ماله ذكر ومات الخصى فى زمن عمر وكان عمر رضى الله عنه جمع الناس لشهود جنازته وصلى عليه ودفنه بالبقيع* قال الدميرى فى حياة الحيوان ذكر ابن مندة وأبو نعيم مأبور القبطى فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلطا فى ذلك فانه لم يسلم وما زال نصرانيا وفى زمنه فتح المسلمون مصر فى خلافة عمر رضى الله عنه وأهدى أيضا قدحا من قوارير كان عليه السلام يشرب فيه وثيابا من قباطى مصر وألف مثقال ذهبا وعسلا من عسل بنها فأعجب النبىّ صلى الله عليه وسلم العسل ودعا فى عسله بالبركة وفرسا يقال له لزاز وبغلة يقال لها الدلدل وحمارا يقال له عفير أو يعفور ووصلت تلك الهدايا سنة سبع وقيل سنة ثمان فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هديته فاختار مارية لنفسه وكان صلى الله عليه وسلم معجبا بمارية وكانت بيضاء جميلة وضرب عليها الحجاب وكان يطؤها بملك اليمين فلما حملت بابراهيم ووضعته قبلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابراهيم فوهب له عبدا وذلك فى ذى الحجة من السنة الثامنة من الهجرة كما سيجىء* ووهب سيرين لحسان بن ثابت ووهب احدى الجاريتين لابى جهم بن حذيفة وبقيت البغلة الى زمان معاوية وهلك الحمار مرجعه من حجة الوداع ومات المقوقس فى خلافة عمر بن الخطاب على نصرانيته ودفن فى كنيسة أبى مجلس والله تعالى أعلم
* (ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى الحارث بن أبى شمر الغسانى)
* ذكر الواقدى ان رسول الله(2/38)
صلى الله عليه وسلم بعث شجاع بن وهب الى الحارث بن أبى شمر فانتهى اليه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى الحارث بن أبى شمر سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدّق وانى أدعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبق لك ملكك* وختم الكتاب وأخذه شجاع وخرج به الى الحارث وهو بغوطة دمشق فوجده وهو مشغول بتهيئة الانزال والالطاف لقيصر وهو جاء من حمص الشام الى ايليا حيث كشف الله عنه جنود فارس شكر الله تعالى* قال شجاع فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه انى رسول من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انك لا تصل اليه حتى يخرج يوم كذا وكذا وجعل حاجبه وكان روميا اسمه مرى يسألنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو اليه فكنت أحدّثه عن صفته وما يدعو اليه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول انى قرأت الانجيل فأجد صفته وما يدعو اليه بعينه فكنت أراه يخرج بالشام وأراه قد خرج بأرض القرظ وأنا أو من به وأصدّقه وأخاف من الحارث أن يقتلنى وكان الحاجب يكرمنى ويحسن ضيافتى ويخبرنى عن الحارث باليأس منه ويقول هو يخاف قيصر وخرج الحارث يوما فجلس على سريره ووضع التاج على رأسه وأذن لى عليه فدخلت عليه ودفعت اليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ثم رمى به وقال من ينتزع منى ملكى وأنا سائر اليه ولو كان باليمن جئته فلم يزل جالسا يتعرّض حتى الليل ثم قام وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال أخبر صاحبك بما ترى وكتب الى قيصر يخبره بخبرى وما عزم عليه فصادف رسوله قيصر بايليا وعنده دحية الكلبى وقد بعثه اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب اليه أن لا تسر اليه واله عنه ووافنى بايليا قال ورجع الكتاب وأنا مقيم ولما جاء جواب كتابه دعانى فقال متى تريد أن تخرج الى صاحبك فقلت غدا فأمر لى بمائة مثقال من الذهب ووصلنى حاجبه مرىء بنفقة وكسوة وقال اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام واخبره أنى متبع دينه فقدمت على النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته به فقال باد ملكه وأقرأته من مرى السلام وأخبرته بما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق* ومات الحارث عام الفتح وكان نازلا بجلق وانتقل ملكه الى جبلة بن الايهم الغسانى آخر ملوك بنى غسان وكان ينزل الجابية أدركه عمر بن الخطاب بالجابية فأسلم ثم انه لاحى رجلا من مزينة فلطم عينه فجاء به المزنى الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال خذلى بحقى فقال له عمر الطم وجهه فأنف جبلة وقال عينى وعينه سواء قال عمر نعم فقال جبلة لا أقيم بهذه الدار أبدا ولحق بعمورية مرتدّا فمات هناك على ردّته هكذا ذكر الواقدى أنّ توجه شجاع بن وهب بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الى الحارث بن أبى شمر وكذلك ابن اسحاق وأمّا ابن هشام فقال انما توجه الى جبلة بن الايهم وقد قال ذلك غيره والله أعلم وسيجىء فى هذا الموطن فى كتاب جبلة بن الايهم بعض ما يخالف هذا وبعض أهل السير على أنّ الحارث أسلم ولكن قال أخاف أن أظهر اسلامى فيقتلنى قيصر والله أعلم*
(ذكر كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم الى ثمامة ابن أثال وهوذة بن على الحنفيين ملكى عمان مع سليط بن عمرو العامرىّ)
* ويقال لهوذة المتوّج وكان كسرى قد تؤجه وذكر الواقدى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الى هوذة مع سليط حين بعثه اليه* بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى هوذة بن على سلام على من اتبع الهدى واعلم أنّ دينى سيظهر الى منتهى الخف والحافر فأسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يدك* فلما قدم عليه سليط بكتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم مختوما أكرمه وأنزله وحياه وقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان هوذة من الملوك العقلاء ولكن لم يوفق وكتب اليه ما أحسن ما تدعو اليه وأجمله وأنا شاعر قومى وخطيبهم والعرب تهاب مكانى(2/39)
فاجعل لى بعض ملكك أتبعك وأجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلك كله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قال فقرأ كتابه وقال لو سألنى سيابة من الارض ما فعلت باد وباد ما فى يده فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح مكة جاءه جبريل فأخبره أنّ هوذة قد مات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما انّ اليمامة سيخرج بها كذاب يتنبأ يقتل بعدى فقال قائل يا رسول الله فمن يقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت وأصحابك فكان من أمر مسيلمة وتكذيبه ما كان وظهر عليه المسلمون فقتلوه فى خلافة أبى بكر رضى الله عنه وكان ذلك القائل من قتلته وفق ما قاله الصادق المصدوق صلوات الله وبركاته عليه* ذكر الواقدى باسناد له عن عبد الله بن مالك أنه قال قدمت اليمامة فى خلافة عثمان بن عفان فجلست فى مجلس بهجر فقال رجل فى المجلس انى لعند ذى التاج الحنفى يعنى هوذة يوم الفصح اذ جاءه حاجبه فاستأذن لاركون دمشق وهو عظيم من عظماء النصارى فقال ائذن له فدخل فرحب به فتحدّثا فقال الاركون ما أطيب بلاد الملك وأبرأها من الاوجاع قال ذو التاج هى أصح بلاد العرب وهى ريف بلادهم قال الاركون وما قرب محمد منك قال ذو التاج هو بيثرب وقد جاءنى كتابه يدعونى الى الاسلام فلم أجبه قال الاركون لم لا تجيبه قال ضننت يدينى وأنا ملك قومى فان تبعته لم أملك قال بلى والله لئن تبعته ليملكنك وانّ الخيرة لك فى اتباعه وانه للنبىّ العربىّ الذى بشربه عيسى ابن مريم والمكتوب عندنا فى الانجيل محمد رسول الله* قال ذو التاج قد قرأت فى الانجيل ما تذكر ثم قال للاركون فما لك لا تتبعه قال الحسد له والضنّ بالخمر وشربها قال فما فعل هرقل قال هو على دينه ويظهر لرسله أنه معه وقد سبر أهل مملكته فأبوا أشدّ الاباء فضنّ بملكه أن يفارقه قال ذو التاج فما أرانى الا متبعه وداخلا فى دينه فانى فى بيت العرب وهو مقرّى على ما تحت يدى قال البطريق هو فاعل فاتبعه فدعا رسولا وكتب معه كتابا وسمى هدايا فجاءه قومه فقالوا تتبع محمدا وتترك دينك لا تملكنّ علينا أبدا فرفض الكتاب قال فأقام الاركون عنده فى حباء وكرامة ثم وصله ووجهه راجعا الى الشام قال الرجل وتبعته حين خرج فقلت أحق ما أخبرت ذا التاج قال نعم والله فاتبعه قال فرجعت الى أهلى فتكلفت الشخوص الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقدمت عليه مسلما وأخبرته بكل ما كان فالحمد لله الذى هدانى ولم يسم فى حديث الواقدى هذا الرجل الا أنّ فيه أنه كان من طئ من بنى نبهان* روى انّ عامر بن سلمة من بنى حنيفة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعوام ولاء فى الموسم بعكاظ وبمجنة وبذى المجاز يعرض نفسه على قبائل العرب يدعوهم الى الله والى أن ينصروه حتى يبلغ عن الله فلا يستجيب له أحد وانّ هوذة بن على سأل عامرا بعد انصرافه عن الموسم الى اليمامة فى أوّل عام عما كان فى موسمهم من خبر فأخبره خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه رجل من قريش فسأله هوذة من أىّ قريش فقال له عامر من أوسطهم نسبا من بنى عبد المطلب فقال له هوذة انما أمره سيظهر على ما هاهنا وغير هاهنا ثم ذكر تكرّر سؤال هوذة له عنه حتى ذكر له فى السنة الثالثة أنه رآه وأمره قد أمر فقال هوذة هو الذى قلت لك ولو أنا اتبعناه لكان خيرا لنا ولكنا نضنّ بملكنا وأخبر عامر بذلك كله سليط بن عمرو وقد مرّ به منصرفا اد بعثه اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم عامر آخر حياة النبىّ صلى الله عليه وسلم ومات هوذة كافرا على نصرانيته ذكر هذا الكلام كله الكلاعى فى الاكتفاء*
سحر النبى صلى الله عليه وسلم
وفى هذه السنة سحر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم* فى المواهب اللدنية قد بين الواقدى السنة التى وقع فيها السحر كما أخرجه عنه ابن سعد بسند له الى عمر بن الحكم مرسل قال لما رجع صلى الله عليه وسلم من الحديبية فى ذى الحجة الحرام ودخل المحرّم سنة سبع جاءت رؤساء اليهود الى لبيد بن الاعصم وكان حليفا فى بنى زريق(2/40)
وكان ساحرا فقالوا له يا أبا الاعصم أنت أسحرنا وقد سحرنا محمدا فلم يصنع شيئا ونحن نجعل لك جعلا على أن تسحر لنا سحرا ينكاءه فجعلوا له ثلاثة دنانير ووقع فى رواية أبى ضمرة عند الاسماعيلى فأقام يعنى فى السحر أربعين يوما* وفى رواية وهب عن هشام عن أحمد ستة أشهر ويمكن الجمع بأن يكون ستة أشهر من ابتداء تغير مزاجه والاربعين يوما من استحكامه وقال السهيلى لم أقف فى شئ من الاحاديث المشهورة على قدر المدّة التى مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فى السحر حتى ظفرت به فى جامع معمر عن الزهرى أنه لبث سنة* قال الحافظ ابن حجر وقد وجدناه موصولا بالاسناد الصحيح فهو المعتمد* وفى كنز العباد أنّ بنات لبيد بن الاعصم اليهودى سحرنه فمرض حتى انه لم يقدر على قربان أهله ستة أشهر وذكر السنة والاربعين يوما فى الوفاء وفى البخارى عن عائشة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى أن كان ليخيل اليه أنه يفعل الشئ وما فعله* وفى معالم التنزيل قال ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدبت اليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذ من مشاطة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدّة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروا فيها فتولى ذلك لبيد ابن الاعصم رجل من اليهود واشتدّ عليه ثلاث ليال فجاءه ملكان وهو نائم فقال أحدهما لصاحبه ما باله فقال طب قال من طبه قال لبيد بن الاعصم اليهودى قال وبما طبه قال بمشط ومشاطة فى جف طلعة ذكر وعقد فى وتردسه تحت راعونة* وفى رواية تحت صخرة فى ذروان وذروان بئر بمنازل بنى زريق قبلى الدور التى فى جهة قبلة المسجد كذا فى خلاصة الوفاء* وفى رواية فى بئر ذى أروان كذا فى كتاب مسلم وكذا وقع فى بعض روايات البخارى وفى معظمها ذروان وكلاهما صحيح مشهور والاوّل أصح وأجود وهى بئر فى المدينة فى بستان أبى زريق كذا ذكره الطيبى فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب فى أناس من أصحابه الى البئر وقال هذه البئر التى أريتها وكانّ ماءها نقاعة الحناء وكأنّ نخلها رؤس الشياطين فاستخرجه كذا ذكره الشيخان* وفى فتح البارى فنزل رجل واستخرجه وانه وجد فى الطلعة تمثالا من الشمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا فيه ابر مغروزة واذا وترفيه احدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوّذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة وكلما نزع ابرة وجد لها ألما ثم يجد بعدها راحة كذا فى المواهب اللدنية* وفى رواية بعث عليا وزبيرا وعمارا فنزحوا ماء البئر واخرجوا جف الطلعة وكانت تحت صخرة فاذا مشاطة رأسه وأسنان من مشطه واذا فيه وتر معقد فيه احدى عشرة عقدة مغروزة بالابر فلم يقدروا على حل العقد فنزلت المعوّذتان فكلما قرأ جبريل آية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة حتى قام عند انحلال العقدة الاخيرة فكأنما أنشط من عقاله وجعل جبريل يقول بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك فلهذا جوّز الاسترقاء بما كان من كتاب الله وكلام رسوله لا بما كان بالسريانية والعبرية والهندية فانه لا يحلّ اعتقاده والاعتماد عليه ثم أمر بها النبىّ صلى الله عليه وسلم فدفنت فقيل قتل النبىّ صلى الله عليه وسلم من سحره وقيل عفا عنه قال الواقدى عفوه عنه أثبت عندنا وروى قتله*
سرية أبان بن سعيد قبل نجد
وفى هذه السنة بعث صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد فى سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان فى أصحابه على النبىّ صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها وانّ جزم خيلهم الليف ولم يقسم لهم من غنائم خيبر وكان اسلام أبان بين الحديبية وخيبر وهو الذى أجار عثمان يوم الحديبية حين بعثه النبىّ صلى الله عليه وسلم الى مكة كذا فى حياة الحيوان
*
اسلام أبى هريرة
وفى هذه السنة أسلم أبو هريرة* وفى المنتقى كان اسلامه بين الحديبية وخيبر واختلفوا فى اسمه واسم أبيه على ثمانية عشر قولا ذكرها ابن الجوزى فى التلقيح أشهرها عبد شمس بن عامر فسمى فى الاسلام عبد الله* وفى التذنيب الاظهر أنّ اسمه عبد الرحمن واسم أبيه صخر وكانت له هريرة(2/41)
صغيرة فكنى بها وكانت كنيته فى الجاهلية أبا الاسود* وفى المنتقى قيل له لم كنوك بأبى هريرة قال كنت أرعى غنم قومى وكانت لى هريرة صغيرة ألعب بها فكنونى بأبى هريرة وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا هرّ قدم المدينة سنة سبع مهاجرا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فسار اليه حتى قدم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كذا فى الصفوة وكان أحفظ الصحابة لاخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره ولم يشتغل بالبيع ولا بالغرس ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين مختارا للعدم والفقر ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم حبب عبيدك هذا وأمّه الى عبادك المؤمنين وحبب اليهما المؤمنين وقال أبو هريرة حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس جرب من العلم فاخرجت جرابين ولو أخرجت الثالث لرجمونى بالحجارة وعن يزيد بن الاصم قال سمعت أبا هريرة يقول يقولون لى أكثرت يا أبا هريرة والذى نفسى بيده لو حدّثتكم بكل ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرميتمونى بالقشع وهى النخامة وقيل الجلد اليابس ثم ما ناظرتمونى* وعن أبى هريرة قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين فأمّا أحدهما فبثثته فيكم وأمّا الاخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم يعنى مجرى الطعام وعن سعيد بن المسيب أنّ أبا هريرة قال انكم تقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والانصار لا يحدّثون عن النبىّ صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبى هريرة وان اخوانى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق فى الاسواق واخوانى من الانصار يشغلهم عمل أموالهم وكنت امر أمسكينا من مساكين الصفة ألزم النبىّ صلى الله عليه وسلم على ملء بطنى فأحضر حين يغيبون وأعى حين ينسون* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ألا تسألنى عن هذه الغنائم التى يسألنى أصحابك فقال أسئلك أن تعلمنى مما علمك الله وخرج النبىّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم وقال لن يبسط أحدثو به حتى أقضى مقالتى هذه ثم يجمع اليه ثوبه الاوعى ما أقول قال أبو هريرة فبسطت نمرة لى حتى اذا قضى النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى رواية فنزع نمرة عن ظهرى فبسطها بينى وبينه حتى كأنى أنظر الى القمل يدب عليها حتى اذا استوعب حديثه قال اجمعها فجمعتها الى صدرى فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم* وروى عن الامام أحمد بن حنبل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام فقلت يا رسول الله ما روى أبو هريرة عنك حق قال نعم
قصة جراب أبى هريرة
وأبو هريرة كان من أهل الصفة واختلف فى صفة جرابه والصحيح ما روى عنه أنه قال أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت يا رسول الله ادع لى فيهنّ بالبركة قضمهن ثم دعا فيهنّ بالبركة وقال خذهنّ واجعلهنّ فى مزودك كلما أردت منه شيئا فأدخل فيه يدك فخذه ولا تنثره نثرا قال فحملت من تلك التمرات كذا وكذا من وسق فى سبيل الله وكنا نأكل منه ونطعم وكان لا يفارق حقوى حتى كان يوم الدار يوم قتل عثمان انقطع فذهب* وفى رواية عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة فأصاب الناس مخمصة فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة هل من شئ قلت نعم شىء من تمر فى المزود فقال ائتنى به فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال ادع لى عشرة فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يصنع ذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا ثم قال خذ ما جئت به وأدخل يدك فاقبض ولا تكبه قال فقبضت على أكثر مما جئت به ثم قال ألا أحدّثكم كم أكلت أكلت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبى بكر وأطعمت وحياة عمر وأطعمت وحياة عثمان وأطعمت فلما قتل عثمان انتهب يعنى الجراب فذهب* وفى المنتقى انتهبت يعنى المدينة وذهب المزود وكان يقول
للناس همّ ولى فى اليوم همان ... همّ الجراب وهمّ الشيخ عثمان(2/42)
توفى أبو هريرة بالمدينة ويقال بالعقيق سنة سبع وقيل ثمان وقيل تسع وخمسين من الهجرة فى آخر خلافة معاوية وله ثمان وسبعون سنة كذا فى الصفوة وسيجئ فى الخاتمة مروياته فى كتب الاحاديث خمسة آلاف وثلثمائة وأربعة وسبعون حديثا*
غزوة خيبر
وفى هذه السنة وقعت غزوة خيبر* فى الاكتفاء لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية فى ذى الحجة مكث بهاذا الحجة منسلخ سنة ست وبعض المحرم من سنة سبع* وفى رواية قريبا من عشرين يوما ثم خرج فى بقية منه الى خيبر غازيا وكان الله وعده اياها وهو بالحديبية بقوله* وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه يعنى بالمعجل صلح الحديبية وبالمغانم الموعود بها فتح خيبر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليها مستنجزا ميعاد ربه وواثقا بكفايته ونصرته* وفى رواية أقام يحاصر خيبر بضع عشرة ليلة الى أن فتحها وقيل كانت فى آخر سنة ست وهو منقول عن مالك وبه جزم ابن حزم قال الحافظ ابن حجر والراجح ما ذكره ابن اسحاق ويمكن الجمع بأن من أطلق سنة ست بناه على ان ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقى وهو ربيع الاوّل كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى كانت غزوة خيبر فى جمادى الاولى وكان معه ألف وأربعمائة راجل ومائتا فارس ومعه أمّ سلمة زوجته* وفى خلاصة الوفاء خيبر اسم ولاية مشتملة على حصون ومزارع ونخل كثير على ثلاثة أيام من المدينة على يسار خارج الشام وخيبر بلسان اليهود الحصن* وفى معجم ما استعجم بينها وبين المدينة ثمانية برد الى جهة الشام مشى ثلاثة أيام* وفى مزيل الخفاء كل بريد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال وكل ميل أربعة آلاف خطوة وكل خطوة ثلاثة أقدام يوضع قدم أمام قدم ويلصق به* وأمر أن لا يخرج معه الا من رغب فى الجهاد لا من غرضه عرض الدنيا واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى واستعمل على مقدمة الجيش عكاشة بن محصن الاسدى وعلى الميمنة عمر بن الخطاب وعلى الميسرة واحدا من أصحابه وفى بعض الكتب على بن أبى طالب وهو غير صحيح لان الروايات الصحيحة تدل على ان عليا فى أوائل الحال لم يكن فى العسكر وكان به رمد شديد ولما لحق بالعسكر أعطاه الراية وأمّره على الجيش ووقع الفتح على يده كما سيجئ وكان دليله رجلين من أشجع ماهرين بالطريق اسم أحدهما حسبل وأرسل ابن أبى بن سلول الى يهود خيبر يخبرها بأن محمدا فى قصدكم وتوجه اليكم فخذوا حذركم وأدخلوا أموالكم فى الحصون واخرجوا الى قتاله ولا تخافوا منه فان عددكم وعددكم كثيرة وقوم محمد شرذمة قليلون عزل لا سلاح فيهم الا قليل فلما علم بذلك أهل خيبر أرسلوا كنانة بن أبى الحقيق وهوذة بن قيس الوائلى الى غطفان يستمدونهم لانهم كانوا حلفاء يهود خيبر وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر ان غلبوا على المسلمين ولم تقبل غطفان خوفا من أهل الاسلام* وفى رواية قبلوا ولما نزل المسلمون منزل الرجيع وكان بينهم وبين غطفان مسيرة يوم وليلة تهيأ غطفان وتوجهوا الى خيبر لامداد اليهود ولما كانوا ببعض الطريق سمعوا من خلفهم حسا ولغطا فظنوا ان المسلمين أغاروا على أهليهم وأموالهم فرجعوا وتركوا أهل خيبر مخذولين وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر كما سيجئ* وفى معجم ما استعجم قال محمد بن اسحاق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة الى خيبر سلك على عصر هكذا روى بفتح العين واسكان الصاد المهملة وفى بعض النسخ عصر بفتح الصاد قال فبنى له فيها مسجد ثم سلك على الصهباء التى أعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى من خيبر على بريد* روى انه صلى الله عليه وسلم لما ورد الصهباء وصلى بها العصر دعا بالازواد فلم يأتوا بغير التمر والسويق فأكلوا وصلى المغرب فى الجماعة بوضوء العصر وبعد ما صلى العشاء دعا بالدليلين ليدلاه على أحسن طرق خيبر حتى يحول بين أهل خيبر وغطفان فقال أحد(2/43)
الدليلين واسمه حسبل انا أدلك يا رسول الله فأقبل حتى انتهوا الى مفرق الطريق المتعدّدة قال حسبل يا رسول الله هذه طرق يمكن الوصول من كل منها الى المقصد فأمر بأن يسميها له واحدا واحدا قال حسبل اسم واحد منها احزن فأبى النبىّ صلى الله عليه وسلم من سلوكه وقال اسم الاخر شأس فامتنع منه أيضا وقال اسم الاخر حاطب فامتنع منه أيضا قال حسبل فما بقى الا واحد قال عمر ما اسمه قال مرحب فاختار النبىّ صلى الله عليه وسلم سلوكه فقال عمر يا حسبل هلا قلت هذا أوّل مرة* وفى خلاصة الوفاء مرحب بالحاء المهملة كمقعد طريق اختار النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يسلكه لخيبر بعد ان ذكر له طرق غيره فأبى أن يسلكها فأقبل حتى نزل بواد يقال له الرجيع كأمير فنزله بين أهل خيبر وبين غطفان ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مرّ وقد كان النبىّ صلى الله عليه وسلم قدّم عباد بن بشر فى جماعة من الركبان أمامه طليعة فأصابوا عينا اليهود خيبر فأخذوه فسأله عباد من أنت قال جمال فاقدا بل خرجت أطلبها قال ما الخبر من أهل خيبر قال هم أرسلوا هوذة بن قيس وكنانة بن أبى الحقيق الى حلفائهم يستمدونهم وأدخلوا عيينة بن بدر مع جمع كثير فى حصونهم لامدادهم فالان فيها ألف مقاتل يترقبون حرب محمد وأصحابه قال له عباد كأنك عينهم فأنكر فضربه وعذبه وخوّفه بالقتل فقال اذا أدخلتنى فى جوارك أصدقتك ففعل فقال اعلموا ان أهل خيبر خائفون منكم خوفا شديدا واستولى على قلوبهم خوف عظيم مما فعلتم بيهود بنى قريظة والنضير ومنافقو المدينة بعثوا الى أهل خيبر يخبرونهم ان محمدا يقصدكم فلا تخافوهم فانهم قليلون فأرسلونى لا تجسس أخباركم وأحرز أعدادكم ومقداركم فجاء به عباد الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بما سمع منه فقال عمر ينبغى أن يضرب عنقه فقال عباد هو فى جوارى فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم عبادا بحفظه حتى يتبين الامر وبعد ما دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم خيبر أسلم العين وعن سلمة بن الاكوع أنه قال خرجنا من المدينة مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى خيبر فقال رجل من القوم لعامر بن الاكوع ألا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فشرع يحد وللقوم يقول رجز ابن رواحة
اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلينا
فاغفر فدى لك لما أبقينا ... وثبت الاقدام ان لاقينا
وألقين سكينة علينا ... انا اذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عوّلوا علينا
وفى رواية اياس بن أبى سلمة عن أبيه عن الضبى فى هذا الرجز من الزيادة وهو قوله
ان الذين قد بغوا علينا ... اذا أرادوا فتنة أبينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا
فأعجب القوم ذلك وفرحوا وأسرع الابل فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم كما فى رواية البخارى من هذا السائق قالوا عامر بن الاكوع فقال يرحمه الله* وفى رواية لما قال من هذا السائق قال أنا عامر ابن الاكوع فقال غفر لك ربك وكان معلوما عندهم انه ما استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم لانسان يخصه الا استشهد فقال عمر بن الخطاب وجبت له الشهادة فنادى عمر وهو على جمل له يا رسول الله هلا أمتعتنا به فاستشهد فى خيبر كما سيجئ* وفى صحيح البخارى فأصيب صبيحة ليلته* وفى بعض الكتب لما سكت عامر عن الحداء أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة أن يسوق الابل فشرع عبد الله فى الحداء وأنشد ما أنشد عامر وزاد عليه فقال صلى الله عليه وسلم اللهمّ ارحمه فاستشهد هو أيضا بمؤتة كما سيجئ* وروى انه كان لسلام بن مشكم حصن(2/44)
صعب فذهب جماعة من أعيان يهود الى منزله وشاوروه فى الخروج الى حرب محمد والتحصن فى حصونهم فحرضهم سلام على الخروج* وفى رواية قال الرأى ما أشار اليكم عبد الله بن أبى على سبيل النصيحة ولكن لم يقدّر لهم الخروج فبقوا فى حصونهم* وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل حصونها من طريق وادى خرصه ولما أشرف صلى الله عليه وسلم على خيبر قال لاصحابه قفوا ثم قال اللهمّ رب السموات وما أظللن ورب الارضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين* وفى رواية ورب البحار وماجرين فانا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها ثم قال اقدموا بسم الله وكان يقولها لكل قرية دخلها فساروا حتى انتهوا الى موضع يسمى المنزلة وعرّس بها ساعة من الليل فصلى فيها نافلته فبنى له ثمة له مسجد بالحجارة وهذا المسجد يسمى المنزلة وفيه تصلى الاعياد اليوم كذا فى معجم ما استعجم فقامت راحلته تجرّ زمامها فأدركت لتردّ فقال دعوها فانها مأمورة فلما انتهت الى موضع الصخرة بركت عندها فتحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الصخرة وتحوّل الناس اليها واتخذوا ذلك الموضع معسكرا وابتنى هناك مسجدا وهو مسجدهم اليوم وهو المسجد الاعظم الذى كان طول مقامه بخيبر يصلى فيه وبنى عيسى بن موسى هذا المسجد وانفق عليه ما لا جزيلا وهو على طاقات معقودة وله رحاب واسعة وفيها الصخرة التى يصلى اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم طول مقامه بخيبر وكان قد استولى ليلتئذ نوم الغفلة على أهل خيبر فلم يشعروا بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع انهم كانوا قبل ذلك يبعثون كل ليلة من رجالهم ركبانا متسلحة للتجسس والاستخبار عن جيش الاسلام فانهم كانوا قد سمعوا بخروجهم من المدينة وتوجههم الى خيبر وفى تلك الليلة لم يتحرّك أحد منهم حتى ان ديوكهم لم تصح ودوابهم لم تتحرّك* وفى البخارى من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم أتى خيبر ليلا وكان اذا أتى قوما بليل لم يغزهم حتى يصبح فان سمع أذانا أمسك والا أغار فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح ولم يسمع أذانا فركب وركبنا معه وركبت خلف أبى طلحة وان قدمى لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلنا عمال خيبر غادين قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم* وفى رواية فلما أصبحوا وأفئدتهم تخفق فانتبهوا قريبا من طلوع الشمس وفتحوا حصونهم وغدوا الى أعمالهم فخرجوا بمساحيهم ومدافلهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا والله محمد والخميس معه فولوا هاربين الى حصونهم وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله أكبر خربت خيبر فانا اذا انزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين والخميس الجيش سمى به لانه مقسوم بخمسة أقسام التامّة؟؟؟ والساقة والميمنة والميسرة والقلب ومحمد خبر مبتدأ أى هذا محمد قال السهيلى ويؤخذ من هذا الحديث التفاؤل لانه عليه السلام لما رأى آلة الهدم تفاءل ان مدينتهم ستخرب انتهى ويحتمل كما قاله فى فتح البارى أن يكون قال خربت خيبر بطريق الوحى ويؤيده قوله انا اذ انزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فدخلت اليهود حصونهم وأخبر واسلام بن مشكم بأنه قددهمهم جيش محمد قال ما سمعتم كلامى وقصرتم فى الخروج اليه فلا تقصروا فى الحرب لأن تقتلوا فى الحرب خير من أن توتروا فعزموا على الحرب فأدخلوا أموالهم وعيالهم فى حصن كثيبة وأدخلوا ذخائرهم فى حصن ناعم وجمع المقاتلة وأهل الحرب فى حصن نطاة وسلام بن مشكم مع انه كان مريضا جاء ودخل نطاة معهم وحرض الناس على الحرب ومات فى ذلك الحصن ولما تيقن النبىّ صلى الله عليه وسلم ان اليهود تحارب وعظ أصحابه ونصحهم وحرضهم على الجهاد ورغبهم فى الثواب وبشرهم بأن من صبر فله الظفر والغنيمة وقال مغلطاى وغيره وفرّق عليه السلام الرايات ولم تكن الرايات الا بخيبر وانما كانت الالوية وقال الدمياطى وكانت(2/45)
راية النبىّ صلى الله عليه وسلم سوداء من برد لعائشة* وفى رواية عقد النبىّ صلى الله عليه وسلم رايتين احداهما سوداء من ستر باب عائشة وتسمى العقاب والآخرى بيضاء وكانت الوية غيرهما وكان شعار المسلمين يا منصور أمت أمت* روى ان خباب بن المنذر أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله أم هو الرأى فى الحرب قال بل هو الرأى فقال يا رسول الله ان هذا المنزل قريب جدّا من حصن نطاه وجميع مقاتل خيبر فيها وهم يدرون أحوالنا ونحن لا ندرى أحوالهم وسهامهم تصل الينا وسهامنا لا تصل اليهم ولا نأمن بياتهم وأيضا هذا منزل بين النخلات ومكان غائر وأرض وخيمة لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد يتخذ معسكرا قال صلى الله عليه وسلم الراى ما أشرت اليه وقد مرّ مثل هذا فى غزوة بدر فدعا محمد بن مسلمة فأمره أن يرتاد منزلا يصلح لأن يتخذ معسكرا كما قاله خباب فذهب محمد بن مسلمة يلتمس ويدور حتى انتهى الى موضع يقال له الرجيع فرأى ذلك الموضع صالحا للمعسكر فرجع الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وأخبره به فنهضوا اليه بالليل فيومئذ فى ذلك الموضع شرعوا فى حرب حصن نطاة وكانت اليهود ترمى بالسهام الى عسكر الاسلام ويلتقطها المسلمون ويرمونها فى وجوههم الى الحصن ثم انهم قطعوا من نخيل نطاة أربعمائة نخلة وما قطع فى خيبر غير نخيلها* وفى تلخيص المغازى وبعض كتب السير أوّل ما فتح من حصون خيبر نطاة ثم الشق وقال ابن اسحاق كان أوّل حصن افتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حصن ناعم وعنده قتل محمود بن مسلمة وكان قد حارب حتى أعياه الحرب وثقل السلاح وكان الحرّ يومئذ شديدا فانحاز محمود بن مسلمة الى ظل حصن ناعم يظنّ ان ليس فيه أحد وكان مرحب اليهودى أو كنانة بن أبى الحقيق يراه فأتى بحجر الرحا وألقاه على رأسه فهشمت البيضة على رأسه ونزل جلد جبهته على وجهه فأدركه المسلمون فارتثوه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فسوّى جلده بيده الى مكانه وعصبه بخرقة فمات من هذه الجراحة ثم افتتح صلى الله عليه وسلم القموص حصن بنى أبى الحقيق فأصاب صلى الله عليه وسلم سبايا منهم صفية ابنة حيى بن أخطب وكانت زوجة كنانة بن الربيع ابن أبى الحقيق وبنتاعم لها فاصطفى صفية لنفسه بعد أن سأله اياها دحية بن خليفة الكلبى فلما اصطفاها لنفسه أعطاه ابنتى عمها وكان بلال هو الذى جاء بصفية وبأخرى معها فمرّ بهما على قتلى يهود فلما رأتهم التى مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اعزبوا عنى هذه الشيطانه فذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال حين رأى بتلك اليهودية ما رأى أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حصن القموص وأتى اليه بكنانة بن الربيع وهو من رؤساء يهود خيبر وكان عنده كنز بنى النضير وأبى الحقيق وكان ملأ مسك جمل بالجيم وقيل حمار ذهبا وعقودا من الدر والجوهر واذا كان لاعيان أهل مكة ورؤسائهم وليمة أو عرس يبعثون اليه بالرهن ويستعيرون منه فيعطيهم من ذلك الحلى والجواهر ما أرادوه وكان الكنز فى الاوائل ملأ مسلك حمل بالحاء المهملة ولما ازدادت ثروة أبى الحقيق زادها حتى لا يسعها مسك شاة فجعلها فى مسك ثور هكذا كان يزيد عليها حتى جعلها ملأ مسك بعير ولما سأل النبىّ صلى الله عليه وسلم كنانة عن الكنز قال يا أبا القاسم صرفناها فى الحروب ونوائب الدهر حتى فنيت وما بقى منها شئ وحلف على ذلك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان ظهر خلاف ذلك أبحت دماءكم قالوا نعم فأشهد النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك أبا بكر وعمر وعليا وعشرة من رجال يهود فقام يهودى وقال لكنانة ان كان ما يطلبه محمد عندك أو تعلم أين هو فأخبره تبق فى أمانه والا فو الله ليطلعنه الله عليه فتفتضح فزجره كنانة ولم يسمع كلامه(2/46)
فأطلع الله نبيه على موضع الكنز فطلب كنانة فأخبره بكذبه وانه أخبر به من السماء وكان كنانة حين رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم فتح حصن نطاة وتيقن بظهوره عليهم دفنه فى خربة* وفى رواية سأل صلى الله عليه وسلم ثعلبة بن سلام بن أبى الحقيق عن الكنز قال لا أدرى غير انى رأيت كنانة يطيف كل غداة حول تلك الخربة فأرسل صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوّام مع جماعة الى تلك الخربة فحفروها ووجدوا الكنز فرفع عنهم الامان وأبيحت دماؤهم* وفى الاكتفاء فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم كنانة عن الكنز فجحد ان يكون يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من اليهود فقال انى رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت ان وجدناه عندك أقتلك قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقى فأبى أن يريه فأمر به الزبير بن العوّام فقال عذبه حتى تستأصل ما عنده فكان الزبير يقدح بزند فى صدره حتى أشرف على نفسه ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة* وفى المواهب اللدنية وفتح الله عليه خيبر حصنا حصنا وهى نطاة وحصن الصعب وحصن ناعم وحصن قلعة الزبير والشق وحصن أبى وحصن البراء والقموص والرطيح والسلالم وهو حصن آل أبى الحقيق* وفى خلاصة الوفاء الوطيح بالفتح وكسر الطاء المهملة ومثناة تحتية وحاء مهملة من أعظم حصون خيبر وفى كتاب أبى عبيدة الوطيحة بزيادة هاء وفى بعض الكتب اللغوية عدّ السطيح بفتح السين المهملة من حصون خيبر مما فتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وجدته فى كتب السير والله أعلم بذلك والسلالم بضم السين وكسر اللام الثانية أحرز حصون خيبر أو موضع به حصن من حصونها وروى الواقدى ان من حصون خيبر البزار كان أهله أشدّ رميا للمسلمين من؟؟؟ حصاره فحصبه النبىّ صلى الله عليه وسلم بكف من حصى فرجف بهم وساخ* وفى تلخيص المغازى فى أيام محاصرة حصن صعب خرج من الحصن عشرون أو ثلاثون حمارا فأخذها رهط من المسلمين فذبحوها وجعلوا لحومها فى قدور وجعلوا يطبخونها للاكل من شدّة الجوع فمرّ بهم النبىّ صلى الله عليه وسلم فسأل عما فى القدور والبرام قالوا لحم الحمر الانسية قأمر المنادى حتى نادى ألا ان لحم الحمار الانسى ولحم كل حيوان ذى ناب من السباع وذى مخلب من الطيور ونكاح المتعة حرام المشهور فى الانسية كسر الهمزة نسبة الى الانس وهم بنو آدم وحكى ضم الهمزة ضدّ الوخشية ويجوز فتحها والنون أيضا مصدر أنست به انسا وانسة* وفى المواهب اللدنية نهى يوم خيبر عن أكل الثؤم وعن لحم الحمر الاهلية وعن سلمة بن الاكوع لما امسوا يوم فتحوا خيبر أو قدوا النيران قال صلى الله عليه وسلم علا أو قدتم هذه النيران قالوا على لحم الحمر الاهلية قال أهريقوا ما فيها فكسر واقدورها فقام رجل من القوم فقال أنهريق ما فيها ونغسلها فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أو ذلك كذا فى الصحيحين* وفى الاكتفاء قال ابن عقبة كانت خيبر أرضا وخيمة شديدة الحرّ فجهد المسلمون جهدا شديدا وأصابتهم مسغبة شديدة فوجدوا أحمرة انسية ليهود لم يكونوا أدخلوها فى الحصن فانتحروها ثم وجدوا فى أنفسهم من ذلك فذكروها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن أكلها* وعن جابر بن عبد الله و؟؟؟ خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر أذن لهم فى لحوم الحيل وعن معتب بن قش الاسلمى أنه قال حين محاصرة نطاة بلغ حالنا أيها الاسلميون المخمصة فأرسلنا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم نشكو اليه الجوع فقلنا له ادع لنا بالفتح فقال اللهمّ افتح للمسلمين أعظم الحصون وأكثرها طعاما فجمع الجيش وأعطى الراية خباب بن المنذر وأمرهم أن يحملوا جملة واحدة ففعلوا فأوّل جماعة وصلوا الى باب(2/47)
حصن الصعب أسلم وكانوا يحاربون حتى فتح الحصن فأصابوا أقمشة وأمتعة وأطعمة كثيرة* وفى الاكتفاء ولما أصاب المسلمين بخيبر ما أصابهم من الجهد أتى بنو سهم من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شئ فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعطيهم اياه فقال اللهمّ انك قد عرفت حالهم وان ليست بهم قوّة وان ليس بيدى شئ أعطيهم اياه فافتح عليهم أعظم حصونها غناء وأكثرها طعاما وودكا فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه* وفى معجم ما استعجم نطاة وشق واديان بينهما أرض تسمى السبخة وفى نطاة حصن مرحب وقصره وقع فى سهم الزبير بن العوّام وفى نطاة عين تسمى اللجيجة وأوّل دار فتحت بخيبر دار بنى قمة وهى بنطاة وهى منزل لياسر أخى مرحب وهى التى قالت فيها عائشة رضى الله عنها ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير والتمر حتى فتحت دار بنى قمة قال كل ذلك من كتاب السكونى ثم قال بالشق عين تسمى الحمة وهى التى سماها النبىّ صلى الله عليه وسلم قسمة الملائكة يذهب ثلثا مائها فى فلج بالفاء والجيم وهو النهر الصغير كذا فى الصحاح والثلث الاخر فى فلج والمسلك واحد وقد اعتبرت منذ زمان النبىّ صلى الله عليه وسلم الى اليوم يطرح فيها ثلاث خشبات أو ثلاث تمرات فيذهب اثنان فى الفلج الذى له ثلثا مائها وواحدة فى الفلج الثانى ولا يقدر أحد أن يأخذ من ذلك الفلج أكثر من الثلث ومن قام فى الفلج الذى يأخذ الثلثين ليردّ الماء الى الفلج الثانى غلبه الماء وفاض ولم يرجع الى الفلج الثانى بشئ يزيد على الثلث* قال الواقدى بعد فتح الشق ونطاة تحوّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى كثيبة* وفى خلاصة الوفاء الكثيبة بلفظ كتيبة الجيش قاله أبو عبيدة بالمثلثة حصن بخيبر خمس الله ورسوله وذى القربى واليتامى والمساكين وجاء أهل الشق ونطاة فتحصنوا معهم فى القموص وهو حصن خيبر الاعظم والقموص بالصاد المهملة كصبور جبل عليه حصن لبنى أبى الحقيق بخيبر وقيل الحصن بالغين والضاد المعجمتين وكان حصنا حصينا حاصره النبىّ صلى الله عليه وسلم قريبا من عشرين ليلة وحين حاصره كانت به شقيقة لم يقدر أن يحضر بنفسه الكريمة معركة المحاربة وكان يعطى الراية كل يوم واحدا من أصحابه ويبعثه الى المحاربة فأعطاها يوما أبا بكر ووجهه اليه فأتاه وقاتل مقاتلة شديدة ورجع من غير فتح وأخذ الراية فى اليوم الثانى عمر فقاتل أشدّ من اليوم السابق ولم يفتح له* وفى رواية فى اليوم الاوّل قاتل عمر وفى الثانى أبو بكر وفى الثالث عمر ولم يفتح الحصن فلما أمسى قال النبىّ صلى الله عليه وسلم اما والله لأعطين الراية غدا رجلا كرارا غير فرّار يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه* وفى رواية قال ابشر يا محمد بن مسلمة تقتل غدا قاتل أخيك وبات الناس يدوكون ليلتهم أى يحرصون ويتحدّثون أيهم يعطاها غدا ولم يكن أحد من الصحابة الذين لهم منزلة من النبىّ صلى الله عليه وسلم الا يرجو أن يعطاها روى ان عليا لما بلغه ما قاله النبىّ صلى الله عليه وسلم قال اللهمّ لا معطى لما منعت ولا مانع لما أعطيت* روى ان الناس لما أصبحوا غدوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا على بابه* وفى المنتقى لما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر وقريش يرجو كل واحد أن يكون هو صاحب ذلك وعن سعد بن أبى وقاص قال جئت فبركت بحذاء النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قمت ووقفت بين يديه وعن عمر بن الخطاب أنه قال ما أحببت الامارة الا ذلك اليوم ثم خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم من خيمته وقال أين على بن أبى طالب فقيل هو يشتكى عينيه وعن سلمة بن الاكوع أنه قال كان علىّ تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر خيبر بالمدينة
أوّلا وكان به رمد شديد حتى انه كان لا يرى شيئا ثم قال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأهب وخرج فى أثره ولحق به فى الطريق أو بعد وصوله الى خيبر(2/48)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا اليه من يأتى به فذهب اليه سلمة بن الاكوع وأخذ بيده يقوده حتى أتى به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو أرمد وكان قد عصب عينيه بشقة برد قطرى فتفل فى عينيه ودعا له فبرىء حتى كأن لم يكن به رمد ولا وجع فأعطاه الراية وعن علىّ أنه قال لما انتهيت الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وضع رأسى فى حجره فبصق فى عينى وفى رواية عنه بصق فى كفه ومسح به عينى فشفيت فى الحال وما اشتكيتهما بعد اليوم أبدا وفى رواية فما وجعاه بعد حتى مضى لسبيله وفى رواية عن علىّ دعا له النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ أذهب عنه الحر والقر فما وجد بعده الحر والبرد وكان يلبس ثياب الصيف فى الشتاء ولا يبالى وثياب الشتاء فى الصيف ولا يبالى وفى رواية ألبسه النبىّ صلى الله عليه وسلم درعه الحديد وشدّ ذا الفقار أعنى السيف فى وسطه وأعطاه الراية ووجهه الى الحصن فقال علىّ يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا يعنى مسلمين فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فو الله لان يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من ان يكون لك حمر النعم يعنى تصدّقت بها فى سبيل الله أخرجاه فى الصحيحين* وفى معالم التنزيل قال امض ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك وفى الاكتفاء قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك قال سلمة ابن عمرو بن الاكوع فخرج علىّ والله يهرول هرولة وانا خلفه نتبع أثره حتى ركز رايته فى ربض من حجارة تحت الحصن فاطلع اليه يهودى من فوق الحصن قال من أنت فقال على بن أبى طالب فقال اليهودى غلبتم وما أنزل على موسى أو كما قال قال فما رجع حتى فتح الله على يديه وفى المواهب اللدنية ولما تصاف القوم كان سيف عامر قصيرا فتناول ساق يهودى ليضربه ورجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا قال سلمة قلت يا رسول الله فداك أبى وأمّى زعموا ان عامرا قد حبط عمله قال النبىّ صلى الله عليه وسلم كذب من قاله وان له أجرين وجمع بين اصبعيه انه لجاهد مجاهد رواه البخارى وفى بعض كتب السير روى انه لما حاربوا على حصن صعب خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول شعرا
قد علمت خيبر أنى مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرب
اذا الحروب أقبلت تلتهب
فبرز له عامر بن الاكوع وقال
قد علمت خيبر انى عامر ... شاكى السلاح بطل مغامر
فاختلفا ضربتين فاوّلا سلّ مرحب سيفه وضرب به عامرا فاتقى عامر بترسه فنشب السيف فى الترس فسل عامر سيفه وذهب يسفل فتناول به ساق مرحب ليضربه وكان فى سيفه قصر فرجع سيفه على نفسه فأصاب ذباب السيف ركبة نفسه فقطع أكحله فكانت فيها موته فدفنوه فى منزل رجيع مع محمود بن مسلمة فى غار واحد قال سلمة بن الاكوع لما رجعنا من خيبر رآنى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الطريق محزونا* وفى رواية قال أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله يزعم أسيد بن حضير وجماعة من أصحابك ان عامرا حبط عمله اذ قتل بسيفه قال كذب من قاله ان له لأجرين اثنين وجمع بين اصبعيه وقال انه لجاهد مجاهد كما مرّ* وفى رواية قال انه ليعوم فى الجنة عوم الدعموص* وعن زيد بن ابى عبيد قال رأيت أثر ضربة بساق سلمة بن الاكوع فقلت ما هذه الضربة قال هذه ضربة أصابتنى يوم خيبر فأتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات فما اشتكيتها حتى الساعة أخرجه البخارى وعنه أيضا شهدنا خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدّعى الاسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل أشدّ(2/49)
القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده الى كنانته فاستخرج منها سهما فنحر نفسه فاشتدّ رجال من المسلمين فقالوا يا رسول الله صدّق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال قم يا فلان فناد لا يدخل الجنة الا مؤمن وان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر* وفى رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وان الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة كذا فى المواهب اللدنية* وروى ان عليا لما انتهى الى حصن قموص كان أوّل من خرج اليه من الحصن الحارث اليهودى أخو مرحب مع اتباعه وباشهر الحرب وقتل رجلين من المسلمين فقتله علىّ فلما رأى مرحب أن أخاه قد قتل خرج من الحصن سريعا مع اتباعه وهو يرتجز ويقول
قد علمت خيبر انى مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرّب
أطعن أحيانا وحينا أضرب ... اذا الحروب أقبلت تلهب
ان حماى للحمى لا يقرب
روى أنه لم يكن فى أهل خيبر أشجع من مرحب وكان يومئذ قد لبس درعين وتقلد بسيفين واعتمّ بعمامتين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة* وفى معالم التنزيل كهيئة البيضة على رأسه وله رمح سنانه ثلاثة أسنان ولم يقدر أحد من أهل الاسلام أن يقاومه فى الحرب فبرز له علىّ وهو يرتجز ويقول
أنا الذى سمتنى أمى حيدره ... ضرغام آجام وليث قسوره
وفى الكشاف كانت أمّه فاطمة بنت أسد رضى الله عنها سمته أسدا باسم أبيها وكان أبو طالب غائبا فلما رجع كره ذلك وسماه عليا* وفى معالم التنزيل والكشف* كليث غابات كريه المنظره* بدل* ضرغام آجام وليث قسوره* عبل الذراعين غليظ القصره* أو فيهم وفى رواية* أكيلكم بالصاع كيل السندره* قوله عبل الذراعين أى ضخمهما والقصرة أصل العنق والسندرة ضرب من الكيل كبير واسم امرأة كانت تبيع القمح وتوفى الكيل كذا فى القاموس قيل لعلّ النكتة فى ارتجاز علىّ بهذا الرجز أنّ مرحبا كان قد رأى فى المنام أنّ أسدا يفترسه فلعلّ الله أطلع عليا على رؤيا مرحب فأراد أن بذكره رؤياه ليقذف فى قلبه الرعب فيجبن جبن الرباح ولا تقوى يده على حمل السلاح* وفى حياة الحيوان الرباح بفتح الراء والباء المخففة دويبة كالسنور وهى التى يجلب منها الزباد وذكر القرود وفى الامثال قالوا أجبن من الرباح* فلما اختلطا أراد مرحب أن يضرب عليا فسبقه علىّ فعلاه بالسيف وهو ذو الفقار فتترس مرحب فوقع السيف على الترس فقدّه والحجر والمغفر والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف فى الاضراس كذا فى معالم التنزيل* قيل هذا أى قتل علىّ مرحبا هو الصحيح وما نظمه بعض الشعراء يؤيده وهو
علىّ حمى الاسلام من قتل مرحب ... غداة اعتلاه بالحسام المضخم
وفى رواية قتله محمد بن مسلمة* فى الاكتفاء ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح وحاز من الاموال ما حاز انتهوا الى حصنيهم الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون أهل خيبر افتتاحا فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة وخرج مرحب اليهودى من حصنهم قد جمع سلاحه وهو ينادى من يبارز ويرتجز ويقول
قد علمت خيبر أنى مرحب ... شاكى السلاح بطل مجرّب(2/50)
أطعن أحيانا وحينا أضرب ... اذا الليوث أقبلت تحزب
انّ حماى للحمى لا يقرب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا قال محمد بن مسلمة أنا يا رسول الله أنا والله الموتور الثائر دم أخى بالامس قال فقم اليه اللهم أعنه عليه فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة غمرته من شجر العشر فجعل أحدهما يلوذبها من صاحبه كلما لا ذبها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها حتى برز كل واحد منهما لصاحبه وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فانقاه بدرقته فوقع سيفه فيها فعضت به فأمسكته وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله* وفى معالم التنزيل ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر وهو يرتجز فخرج اليه الزبير بن العوّام فقالت له أمّه صفية بنت عبد المطلب وكانت فى الجيش أيقتل ابنى يا رسول الله قال بل ابنك يقتله ان شاء الله ثم التقيا فقتله الزبير يفهم من هذا أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم حضر المعركة بنفسه الكريمة وهو مخالف لما سبق ثم حمل المسلمون على اليهود فقتلوا اليهود قتلا ذريعا وقتل على يومئذ ثمانية من رؤساء اليهود وفرّ الباقون الى الحصن فتبعهم المسلمون فبينما علىّ يشتدّ فى أثرهم اذ ضربه يهودى على يده ضربة سقط منها الترس فبادر يهودى آخر فأخذ الترس فغضب علىّ فتناول باب الحصن وكان من حديد فقلعه وتترّس به عن نفسه وفى المنتقى والتوضيح فتناول علىّ بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل فى يده وهو يقاتل* وفى شواهد النبوّة روى أنّ عليا بعد ذلك حمله على ظهره وجعله قنطرة حتى دخل المسلمون الحصن انتهى ثم لما وضعت الحرب أوزارها ألقى علىّ ذلك الباب الحديد وراء ظهره ثمانين شبرا وفى هذا الباب قال الشاعر
علىّ رمى باب المدينة خيبر ... ثمانين شبرا وافيا لم يثلم
وفى المنتقى والتوضيح روى عن أبى رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فلقد رأيتنى فى سبعة نفر وأناثا منهم نجهد أن نقلب ذلك الباب فما نستطيع أن نقلبه* وفى التوضيح رواه الطبرانى وأخرجه أحمد* وفى المواهب اللدنية قلع علىّ باب خيبر ولم يحرّكه سبعون رجلا الا بعد جهد* وفى رواية ابن اسحاق سبعة وأخرجه من طريقة البيهقى فى الدلائل ورواه الحاكم عن البيهقى من جهة ليث بن أبى سليم عن أبى جعفر محمد بن على بن الحسين عن جابر أنّ عليا حمل الباب يوم خيبر وانه جرب بعد ذلك ولم يحمله أربعون رجلا وليث ضعيف* وفى رواية البيهقى أنّ عليا لما انتهى الى الحصن اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالارض فاجتمع عليه بعده سبعون رجلا منا فكان جهدا أن أعادوا الباب مكانه* قال القسطلانى قال شيخنا وكلها واهية ولذا أنكره بعض العلماء كذا فى المواهب اللدنية* وفى شرح المواقف قلع علىّ باب خيبر بيده وقال ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية ولكن بقوّة الهية وحدث أبو اليسر بن كعب بن عمرو قال انا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية اذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ونحن محاصرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يطعمنا من هذه الغنم قال أبو اليسر أنا يا رسول الله قال فافعل قال فخرجت أشتدّ مثل الظليم فلما رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا قال اللهم أمتعنا به قال فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن فأخذت شاتين من أخراها فاحتضنتهما تحت يدى ثم أقبلت أشتدّ كأن ليس معى شىء حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذبحوهما وأكلوهما فكان أبو اليسر من آخر أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم موتا اذا حدّث بهذا الحديث بكى ثم قال أمتعونى بعمرى حتى كنت من آخرهم وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فى حصنيهم الوطيح والسلالم حتى اذا(2/51)
أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ففعل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الاموال كلها والشق والنطاة والكثيبة وجميع حصونهم الا ما كان من ذينك الحصنين الوطيح والسلالم فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم وأن يخلوا له الاموال ففعل فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم فى الاموال على النصف وقالوا نحن أعلم بها منكم وأعمر لها فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على انا اذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم* وفى رواية قال نقرّكم على ذلك ما شئنا فصالحه أهل فدك على مثل ذلك فكان خيبر فيئا للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لانهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب*
سم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الشاة
وفى هذه الغزوة سمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها سمته زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم أخت مرحب اليهودى قاله ابن اسحاق وذلك بعد ما دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم حصن القموص واطمأنّ أهدت له زينب شاة مصلية أى مشوية مسمومة كلها لكن جعلت السمّ فى الذراع أكثر مما فى باقى الاعضاء لانها سألت أى عضو من الشاة أحب الى محمد فقيل لها الذراع كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّا بشر فأساغها وأمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ومات بشر بن البراء من أكلته التى أكلها من تلك الشاة* وفى المنتقى فلاكها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها فأخذها بشر بن البراء فمات من ساعته وقيل بعد سنة* وفى الاكتفاء فلفظها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال انّ هذا العظم ليخبرنى أنه مسموم ثم دعا بها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومى ما لم يخف عليك فقلت ان كان ملكا استرحت منه وان كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر بن البراء من أكلته* وفى مغازى سليمان التيمى أنها قالت ان كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان لى الان أنك صادق وأنى أشهدك ومن حضر أنى على دينك وأن لا اله الا الله وأنّ محمدا رسول الله فانصرف عنها حين أسلمت وفيه موافقة الزهرى على اسلامها* وفى المواهب اللدنية عمدت زينب الى عنزلها فذبحتها وصلتها ثم عمدت الى سمّ لا يطنى يعنى لا يلبث أن يقتل من ساعته وقد شاورت يهود فى سموم فاجتمعوا لها فى هذا السمّ بعينه فسمت الشاة وأكثرت فى الذراعين والكتف فوضعت بين يديه ومن حضر من أصحابه وفيهم بشر بن البراء فتناول صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منها وتناول بشر بن البراء عظما آخر فلما ازدرد صلى الله عليه وسلم لقمته ازدرد بشر بن البراء ما فى فيه وأكل القوم فقال صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم فانّ هذه الذراع تخبرنى أنها مسمومة وفيه أن بشر بن البراء مات فيه وفيه دفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أولياء بشر فقتلوها رواه الدمياطى* وفى سيرة مغلطاى لم يقتلها وأمر بلحم الشاة فأحرق* وفى حديث جابر عن أبى داود توفى أصحابه الذين أكلوا من الشاة واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله من أجل الذى أكله من الشاة كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء ذكر ابن عقبة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الكتف من تلك الشاة فانتهش منها وتناول بشر عظما فانتهش منه فلما استرط رسول الله صلى الله عليه وسلم لقمته استرط بشر ما فى فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم فانّ كتف هذه الشاة تخبرنى انى بغيت فيها فقال بشر بن البراء والذى أكرمك لقد وجدت ذلك فى أكلتى التى أكلت فما منعنى أن ألفظها الا انّى أعظمت أن أبغضك طعامك فلما أسغت ما فى فيك لم أكن لأرغب بنفسى عن نفسك ورجوت أن لا تكون(2/52)
استرطتها وفيها بغى فلم يقم بشر من مكانه حتى عادلونه مثل الطيلسان وماطله وجعه حتى كان لا يتحوّل الا ما حوّل قال جابر بن عبد الله واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على الكاهل حجمه أبو طيبة مولى بنى بياضة* وفى المشكاة احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذى أكل من الشاة حجمه أبو هند بالقرن والشفرة وهو مولى لبنى بياضة من الانصار رواه أبو داود والدارمى وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده ثلاث سنين حتى كان وجعه الذى توفى منه فدخلت عليه أمّ بشر بنت البراء بن معرور تعوذه فيما ذكره ابن اسحاق فقال لها يا أمّ بشر انّ هذا الاوان وجدت انقطاع أبهرى من الاكلة التى أكلت مع أخيك بخيبر* وفى نهاية ابن الاثير قال صلى الله عليه وسلم ما زالت اكلة خيبر تعاودنى فهذا أو ان قطعت أبهرى والابهر عرق فى الظهر وهما أبهران وقيل هما الا كحلان اللذات فى الذراعين وقيل هو عرق مستبطن القلب فاذا انقطع لم تبق بعده حياة وقيل الابهر عرق منشأه من الرأس ويمتدّ الى القدم وله شرايين تتصل بأكثر أطراف البدن فالذى فى الرأس منه يسمى النامة ومنه قولهم أسكت الله نامته أى أماته ويمتدّ الى الحلق ويسمى فيه الوريد ويمتدّ الى الصدر فيسمى الابهر ويمتدّ الى الظهر فيسمى الوتين والفؤاد معلق به ويمتدّ الى الفخذين فيسمى النسا ويمتدّ الى الساق فيسمى الصافن والهمزة فى الابهر زائدة ويجوز فى أوان الضم والفتح فالضم لانه خبر لمبتدا والفتح على البناء لاضافته الى مبنى* قال فان كان المسلمون ليرون أنّ رسول الله الله عليه وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوّة وفى قتلها اختلاف فقيل قتلها وقيل بل عفا عنها* وفى رواية أنس دفعها الى أولياء بشر بن البراء فقتلوها كما مرّ وقال الدميرى فى حياة الحيوان جمع البيهقى بينهما بأنه لم يقتلها فى الابتداء فلما مات بشر أمر بقتلها وكذلك اختلف فى قتل من سحره ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فحاصر أهله ليالى ثم انصرف راجعا الى المدينة وخرج مسلم فى صحيحه من حديث عمر بن الخطاب قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالوا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مرّوا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا انى رأيته فى النار فى بردة غلها أو عباءة ثم قال يا ابن الخطاب اذهب فناد فى الناس أنه لا يدخل الجنة الا المؤمنون قال فخرجت فناديت ألا انه لا يدخل الجنة الا المؤمنون* وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من النساء المسلمات فرضخ لهنّ عليه السلام من الفئ ولم يضرب لهنّ بسهم وقيل ضرب لهنّ أيضا بسهم كامل وكانت قد خرجت معهم عشرون امرأة وفى حديث ابن أبى الصلت عن امرأة غفارية سماها قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نسوة من غفار وهو يسير الى خيبر فقلنا يا رسول الله قد أردنا الخروج معك الى وجهك هذا فنداوى الجرحى ونعين المسلمين ما استطعنا فقال على بركة الله قالت فخرجنا معه فلما افتتح خيبر رضخ لنا من الفئ وأخذ هذه القلادة التى ترين فى عنقى فأعطانيها وعلقها بيده فى عنقى فو الله لا تفارقنى أبدا قالت فكانت فى عنقها حتى ماتت ثم أوصت أن تدفن معها واستشهد بخيبر من المسلمين نحو من عشرين رجلا منهم عامر بن الاكوع عمّ سلمة بن الاكوع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له فى مسيره الى خيبر انزل يا ابن الاكوع فاحد لنا من هناتك فنزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال* والله لولا الله ما اهتدينا* ولا تصدّقنا ولا صلينا* الى آخر ما ذكر فى أوّل مسيره الى خيبر من قوله عليه السلام لعامر يرحمك الله وقول عمر وجبت والله يا رسول الله لو أمتعتنا به فقتل يوم خيبر شهيدا بسيف نفسه رجع عليه وهو يقاتل فكلمه كلما شديدا فمات منه وكان المسلمون قد شكوا فيه وقالوا انما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك(2/53)
وأخبره بقول الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون وقد مرّ ومنهم الاسود الراعى من أهل خيبر وكان من حديثه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم وكان فيها أجيرا لرجل يهودى فقال يا رسول الله اعرض علىّ الاسلام فعرضه عليه فأسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا أن يدعوه الى الاسلام فيعرضه عليه فلما أسلم قال يا رسول الله انى كنت أجير الصاحب هذه الغنم وهى أمانة عندى فكيف أصنع بها قال اضرب فى وجوهها فانها سترجع الى ربها أو كما قال فقام الاسود فأخذ حفنة من الحصباء فرمى بها فى وجوهها وقال ارجعى الى صاحبك فو الله لا أصحبك وخرجت مجتمعة كأنّ سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن ثم تقدّم الاسود الى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله وما صلى لله صلاة قط فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع خلفه وسجى بشملة كانت عليه فالتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا يا رسول الله لم أعرضت عنه قال انّ معه الان زوجتيه من الحور العين* وذكر ابن اسحاق عن عبد الله بن نجيح أنّ الشهيد اذا أصيب نزلت زوجتاه من الحور العين عليه ينفضان التراب عن وجهه ويقولان ترّب الله وجه من ترّبك وقتل من قتلك قال ولما افتتحت خيبر كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمى ثم البهزى فقال يا رسول الله انّ لى بمكة مالا عند صاحبتى أمّ شيبة بنت أبى طلحة ومالا متفرّقا فى تجار أهل مكة فائذن لى يا رسول الله فأذن له قال لا بدّ لى يا رسول الله من أن أقول قال قل قال الحجاج فخرجت حتى اذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالا من قريش يتسمعون الاخبار ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغهم أنه سار الى خيبر وعرفوا أنها قرية الحجاز ريفا ومنعة ورجالا فهم يتجسون الاخبار من الركبان فلما رأونى ولم يكونوا علموا باسلامى قالوا الحجاج بن علاط عنده والله الخبر أخبرنا يا أبا محمد فانه قد بلغنا أنّ القاطع سار الى خيبر وهى بلد يهود وريف الحجاز قلت قد بلغنى ذلك وعندى من الخبر ما يسرّكم قال فالتبطوا بجنبى ناقتى يقولون ايه يا حجاج قلت هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وقتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط وأسر محمد أسرا وقالوا لا نقتله حتى نبعث به الى مكة فيقتلونه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم قال فقاموا وصاحوا بمكة وقالوا قد جاءكم الخبر وهذا محمد انما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم قال قلت أعينونى على جمع مالى بمكة على غرمائى فانى اريد أن أقدم خيبر فاصيب من فلّ محمد وأصحابه قبل أن يسبقنى التجار الى ما هنا لك فقاموا فجمعوا لى مالى كأحث جمع سمعت به وجئت صاحبتى فقلت مالى وقد كان لى عندها مال موضوع لعلى ألحق بخيبر فاصيب من فرص البيع قبل أن يسبقنى التجار قال فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر أو جاءه عنى أقبل حتى وقف الى جنبى وأنا فى خيمة من خيام التجار فقال يا حجاج ما هذا الذى جئت به قلت وهل عندك حفظ لما وضعت عندك قال نعم قلت فاستأخر عنى حتى ألقاك على خلاء فانى فى جمع مالى كما ترى فانصرف عنى حتى أفرغ قال حتى اذا فرغت من جمع كل شئ كان لى بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس فقلت احفظ علىّ حديثى يا أبا الفضل فانى أخشى الطلب ثلاثا ثم قل ما شئت قال افعل قال فانى والله لقد تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم يعنى صفية بنت حيى ولقد افتتح خيبر وانتثل ما فيها وصارت له ولاصحابه قال ما تقول يا حجاج قلت اى والله فاكتم عنى ولقد أسلمت وما جئت الا لاخذ مالى فرقا من أن أغلب عليه فاذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فهو والله على ما تحب قال حتى اذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا
يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحرّ المصيبة قال كلا والله(2/54)
الذى حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وترك عروسا على ابنة ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولاصحابه قالوا من جاء بهذا الخبر قال الذى جاءكم بما جاءكم ولقد دخل عليكم مسلما وأخذ ماله فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه قالوا يا لعباد الله انفلت عدوّ الله أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك* ذكر ابن عقبة أنّ بنى فزارة قدموا على خيبر فى أوّل أمرهم ليعينوهم فراسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعينوهم وأن يخرجوا عنهم على أن يعطيهم من خيبر شيئا سماه لهم فأبوا عليه وقالوا جيراننا وحلفاؤنا فلما افتتح الله خيبر أتاه من كان هناك من بنى فزارة فقالوا الذى وعدتنا فقال لكم ذو الرقيبة لجبل من جبال خيبر قالوا اذا نقاتلك قال موعدكم جنفاء فلما سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا هاربين*
قسمة غنائم خيبر
وروى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر فروة بن عمرو البياضى أن يجمع غنائم خيبر فى حصن نطاة فجمع وكان فى أثناء الغنائم صحائف متعدّدة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بدفعها اليهم ويوم جمع غنائم خيبر وأخذ سباياها أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى أن من آمن بالله واليوم الاخر لا يسق بمائه زرع الغير ولا يطأ امرأة حتى تنقضى عدتها وأمر فروة ببيع الغنائم ودعا لها فقال اللهم ألق عليها النفاق وقال فروة فلما عرضناها على البيع رغب فيها الناس رغبة تامّة حتى بيعت كلها فى يومين وكنا نقدر الفراغ عنها بمدة مديدة وذلك ببركة دعاء النبىّ صلى الله عليه وسلم* وفى معجم ما استعجم لما أفاء الله خيبر قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستة وثلاثين سهما عزل نصفها لنوائبه وما ينزل به وقسم النصف الباقى بين المسلمين وسهم النبىّ صلى الله عليه وسلم فيها قسم نطاة والشق وما حيز معهما وكان فيما وقف الكثيبة والوطيحة والسلالم ولما أراد القسمة أمر زيد بن ثابت حتى أحصى أهل العسكر وأفراسهم وقسم الشق ونطاة الى ثمانية عشر سهما نطاة من ذلك خمسة أسهم والشق ثلاثة عشر سهما ثم قسم كل قسم من هذه الثمانية عشر الى مائة سهم لكل رجل سهم ولكل فرس سهمان وكانت عدّة الذين قسمت عليهم ألف رجل وأربعمائة رجل ومائتى فرس فذلك ألف وثمانمائة سهم* قال ابن اسحاق وكانت المقاسم فى أموال خيبر على الشق ونطاة والكثيبة وكان الشق ونطاة فى سهمان المسلمين وكانت الكثيبة خمس الله وسهم النبىّ صلى الله عليه وسلم وسهم ذوى القربى والمساكين وطعم أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح وقسمت خيبر على أهل الحديبية من شهد خيبر لا من غاب عنها الا جابر ابن عبد الله بن عمرو بن حرام فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها* وفى هذه الغزوة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمان الخيل والرجال فجعل للفرس سهمين ولفارسه سهما وللرّاجل سهما فجرت المقاسم فيما بعد على ذلك ويومئذ عرّب العربى من الخيل وهجن الهجين وذكر ابن عقبة أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر نفر من الاشعريين فيهم أبو عامر الاشعرى قدموا المدينة مع مهاجرة الحبشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فمضوا اليه وفيهم أبان بن سعيد ابن العاص والطفيل بن عمر والدوسى وذو النون وأبو هريرة ونفر من دوس فرأى النبىّ صلى الله عليه وسلم ورأيه الحق أن لا يخيب مسيرهم ولا يبطل سفرهم فشركهم فى مقاسم خيبر وسأل أصحابه ذلك فطابوا به نفسا ولم يذكر ابن عقبة جعفر بن أبى طالب فى هؤلاء القادمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر من أرض الحبشة وهو أوّلهم وأفضلهم وما مثل جعفر يتخطى ذكره ومن البعيد أن يغيب عن ابن عقبة فالله أعلم بعذره* وفى سح السحابة عن أبى موسى أنه قال بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين اليه فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا الى النجاشى(2/55)
بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبى طالب وأصحابه فقال جعفر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا وأمرنا بالاقامة فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا* وقد ذكر ابن اسحاق أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث عمرو بن أمية الضمرى الى النجاشى فيمن كان أقام بأرض الحبشة من أصحابه فحملهم فى سفينتين فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد الحديبية فذكر جعفرا أوّلهم وذكر معه ستة عشر رجلا قدموا فى السفينتين صحبته وذكر ابن هشام عن الشعبى أنّ جعفرا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عينيه والتزمه وقال ما أدرى بأيهما أنا أسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ولما جرت المقاسم فى أموال خيبر أشبع فيها المسلمون ووجدوا بها مرفقا لم يكونوا وجدوه قبل حتى قال عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما فيما خرج له البخارى فى صحيحه ما شبعنا حتى فتحنا خيبر وأقرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر فى أموالهم يعملون فيها للمسلمين على النصف مما يخرج منها كما تقدّم* قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصا بين المسلمين وبين يهود خيبر فيخرص عليهم فاذا قالوا تعدّيت علينا قال ان شئتم فلكم وان شئتم فلنا فيقول يهود خيبر بهذا قامت السموات والارض قال وانما خرص عليهم عبد الله عاما واحدا ثم أصيب بمؤتة رحمه الله فكان جبار بن صخر أخو بنى سلمة هو الذى يخرص عليهم بعده فأقامت اليهود على ذلك لا يرى بهم المسلمون بأسافى معاملتهم حتى عدوا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن سهل أخى بنى حارثة فقتلوه فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه وكتب اليهم أن يدوه أو يأذنوا بحرب فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده وأقرّهم على ما سبق من معاملته اياهم فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرّهم أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه على مثل ذلك حتى توفى ثم أقرّهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه صدرا من امارته ثم بلغ عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى وجعه الذى قبضه الله فيه لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثبت فارسل الى يهود فقال انّ الله قد أذن فى اجلائكم قد بلغنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأتنى به أنفذه له ومن لم يكن له عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتجهز للجلاء فأجلى عمر رضى الله عنه منهم من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عبد الله بن عمر خرجت أنا والزبير والمقداد بن الاسود الى أموالنا بخيبر نتعاهدها فلما قدمنا تفرّقنا فى أموالنا فعدى علىّ تحت الليل ففدعت يداى من مرفقىّ فلما أصبحت استصرخ علىّ صاحباى فأتيانى فأصالحا من يدى ثم قدما بى على عمر فقال هذا عمل يهود ثم قام فى الناس خطيبا فقال أيها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على انا نخرجهم اذا شئنا وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما بلغكم مع عدوتهم على الانصار قبله قد لا نشك انهم أصحابه ليس لنا هناك عدوّ غيرهم فمن كان له مال بخيبر فليلحق به فانى مخرج يهود فأخرجهم ولما أخرج عمر يهود خيبر ركب فى المهاجرين والانصار وخرج معه بجبار بن صخر وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم وبزيد بن ثابت فهما قسما خيبر على أصحاب السهمان التى كانت عليها كما قسمت فى الاصل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مرّ*
استصفاء صفية
وفى هذه الغزوة استصفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيى ابن أخطب بن يحيى بن كعب بن الخزرج النضرى من بنى اسرائيل من سبط هرون بن عمران وتزوّجها فى مقفله من خيبر وكانت من جملة سبايا خيبر فاصطفاها لنفسه فأسلمت فأعتقها وجعل(2/56)
عتقها صداقها وقيل وقعت فى سهم دحية الكلبى فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس كذا فى الصفوة ودفعها الى أمّ سلمة تصيغها وتهيؤها وكانت أوّلا زوجة سلام بن مشكم ثم وقعت الفرقة بينهما فتزوّجها كنانة بن ربيعة بن أبى الحقيق وكانت عروسا به حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فرأت فى المنام كأنّ الشمس قد نزلت حتى وقعت على صدرها فقصت ذلك على زوجها فقال والله ما تتمنين الا هذا الملك الذى نزل بنا ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب عنق زوجها كما مرّ* وفى رواية انّ صفية رأت فى المنام وهى عروس بكنانة أنّ القمر قد وقع فى حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا الا انك تتمنين ملك الحجاز فلطم وجهها لطمة اخضرّت عينها منها فاتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منها فسألها ما هو فأخبرت بهذا الخبر وأتى بزوجها كنانة وسأله عن الكنز فجحده فأمر الزبير بتعذيبه ثم دفعه الى محمد بن مسلمة الاوسى فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة وقد قتل فى خيبر كما مرّ* وفى الصفوة عن جابر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بصفية يوم خيبر فاخذ بيدها فمرّ بها بين القتلى فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئى فى وجهه ثم قام صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فنزعت شيئا كانت عليه جالسة فألقته للنبىّ صلى الله عليه وسلم ثم خيرها بين أن يعتقها فترجع الى من بقى من أهلها أو تسلم فيتخذها لنفسه فقالت اختار الله ورسوله فلما كان عند رواحه أحقب بعيره ثم خرجت معه تمشى حتى ثنى لها ركبته فوضعت ركبتها على فخذه فركبت ثم ركب النبىّ صلى الله عليه وسلم فألقى عليها كساء ثم سار حتى اذا كانا على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها فأبت صفية فوجد النبىّ صلى الله عليه وسلم عليها فى نفسه ولما كان بالصهباء مال الى دومة هناك فطاوعته فقال ما حملك على ابائك حين أردت المنزل الاوّل قالت يا رسول الله خشيت عليك قرب يهود فأعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصهباء* وفى الاكتفاء أعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر أو ببعض الطرق وبات بها فى قبلة له انتهى وبات أبو أيوب ليلة متوشحا بالسيف يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور حول خبائه فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الوطء قال من هذا قال خالد بن يزيد فقال مالك قال ما نمت هذه الليلة مخافة هذه الجارية عليك فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع كذا فى الصفوة* وفى الاكتفاء قال أبو أيوب يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها وكانت حديثة عهد بكفر فخفتها عليك فزعموا انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهمّ احفظ أبا أيوب كما بات يحفظنى* وعن أنس انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لابى طلحة التمس لى غلاما من غلمانكم يخدمنى حتى أخرج الى خيبر فخرج بى أبو طلحة مردفى وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا نزل ثم قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيى بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا واصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فخرج حتى بلغنا سد الصهباء بين خيبر والمدينة أقام ثلاثة أيام يا بنى عليه بصفية ثم صنع حيسا فى نطع صغير ثم قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم آذن من حولك فدعوت الناس الى وليمته على صفية وما كان فيها خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن أمر بلالا بالانطاع فبسطت فألقى عليها التمر والاقط والسمن وهو الحيس فقال المسلمون احدى امهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه فقالوا ان حجبها فهى احدى امهات المؤمنين والا فهى مما ملكت يمينه فلما ارتحلت ثم خرجنا الى المدينة فرأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم يحوى لها وراءه بعباءة وطاء لها خلفه ثم جلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبته وقد مدّ الحجاب بينها وبين الناس* وفى رواية ابن عباس
لما أراد أن يركب أدلى رسول الله صلى الله(2/57)
عليه وسلم فخذه منها لتركب عليها فأبت ووضعت ركبتها على فخذه ثم حملها كما سبق قال أنس فسرنا حتى اذا أشرفنا على المدينة نظر الى احد فقال هذا جبل يجبنا ونحبه ثم نظر الى المدينة فقال اللهمّ انى احرم ما بين لا بيتها بمثل ما حرم ابراهيم* وفى رواية كتحريم ابراهيم اللهمّ بارك لهم فى مدّهم وصاعهم* وفى رواية ولما أشرف على المدينة قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة وكانت صفية عند النبىّ صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين وأشهر او توفيت سنة خمسين ومروياتها فى الكتب عشرة أحاديث المتفق عليه منها حديث واحد والباقى فى سائر الكتب وقيل اثنين وخمسين ودفنت بالبقيع كذا فى الصفوة*
فتح فدك
وفى هذه السنة فتح فدك وهى قرية بينها وبين مدينة النبىّ صلى الله عليه وسلم مرحلتان وقيل ثلاث مراحل وفى شرح المواقف وهى قرية بخيبر كانت للنبى صلى الله عليه وسلم قال أهل السير لما أتى النبى صلى الله عليه وسلم حوالى خيبر بعث محيصة بن مسعود الحارثى الى فدك يدعو أهلها الى الاسلام فدعاهم اليه فخوّفهم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الى حربهم كما أتى الى حرب أهل خيبر وقالوا انّ عامر او ياسر او حارثا وسيد اليهود مرحبا فى حصن نطاة ومعهم ألف مقاتل وما نظنّ أن يقاومهم محمد فمكث محيصة فيهم يومين ولما رأى ان لا ميل لهم فى الصلح أراد أن يرجع فقالوا له اصبر حتى نستشير أكابر قومنا ونبعث معك من يصالح محمدا وبينماهم فى ذلك الرأى اذ أتاهم خبر حصن الناعم انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحه فوقع فى قلوبهم خوف عظيم فأرسلوا جماعة من يهود فدك الى النبى صلى الله عليه وسلم حتى يصالحوه فبعد القيل والقال الكثير استقرّ الامر على أن يعطوا النبى صلى الله عليه وسلم نصف أرض فدك ولهم نصفها فرضى النبى صلى الله عليه وسلم فصالحهم على ذلك وكانوا يعملون على ذلك حتى أخرجهم عمر وأهل خيبر الى الشام واشترى منهم حصتهم النصف بمال بيت المال* وفى رواية ولما سمع أهل فدك ان المسلمين قد صنعوا ما صنعوا بأهل خيبر بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم أيضا ويتركوا له الاموال ففعل*
طلوع الشمس بعد غروبها لعلى رضى الله عنه
وفى هذه السنة طلعت الشمس بعد ما غربت لعلىّ رضى الله عنه على ما أورده الطحاوى فى مشكلات الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين ان النبى صلى الله عليه وسلم كان يوحى اليه ورأسه فى حجر على رضى الله عنه ولم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصليت يا على قال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انه كان فى طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت ووقعت على الجبل والارض وذلك فى الصهباء فى خيبر وهذا حديث ثابت الرواية عن ثقات* وحكى الطحاوى ان أحمد بن صالح كان يقول لا ينبغى لمن سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء لانه من علامات النبوّة كذا فى المنتقى قال ابن الجوزى فى الموضوعات حديث ردّ الشمس فى قصة علىّ موضوع بلا شك*
فتح وادى القرى
وفى هذه السنة فتح وادى القرى* وفى المواهب اللدنية ثم فتح وادى القرى فى جمادى الاخرة بعد ما أقام بها اربعا فحاصرهم ويقال أكثر من ذلك* وفى الوفاء فى جمادى الاخرة قال أصحاب السير لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف الى وادى القرى فلما سمع أهل وادى القرى بمجيئه تهيئوا للحرب وخرجوا الى القتال فسوّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف أصحابه للقتال ودفع لواءه الى سعد بن عبادة وقيل الى حباب بن المنذر وقيل الى سهل بن حنيف وقيل الى عباد بن بشر ثم دعاهم الى الاسلام وأعلمهم انهم ان أسلموا تبق دماؤهم مصونة وأموالهم محفوظة مضمومة وحسابهم على الله فأبوا وقاتلوا ذلك اليوم الى الليل فقتل من اليهود عشرة رجال* وفى الوفاء حاصر أهل وادى القرى ليالى وأصاب غلامه مدعما سهم غرب فقتله(2/58)
قال أبو هريرة لما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر الى وادى القرى نزلناها أصلا مع غروب الشمس ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام أهداه له رفاعة بن زيد الجذامى ثم الضبى فو الله انه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ أتاه سهم غرب فقتله فقلنا هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذى نفسى بيده ان شملته الان لتحترق عليه فى النار كان غلها من فىء المسلمين يوم خيبر فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال له يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين لى فقال لقد قدّ لك مثلهما فى النار كذا فى الاكتفاء* وفى رواية وفتح صبيحة اليوم الثانى وغلبهم المسلمون وأصابوا أموالا كثيرة وأثاثا وأمتعة وفيرة ومنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود وترك فى أيديهم أراضى وادى القرى والبساتين والحدائق حتى يعملوا فيها ويأخذوا الاجرة ولما بلغ خبر يهود خيبر وفدك ووادى القرى يهود تيماء خافوا وصالحوا وقبلوا الجزية قاله الحافظ مغلطاى فرجع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة كذا فى المواهب اللدنية
*
نوم الرسول عن صلاة الصبح
وفى هذا السفر فى الرجوع الى المدينة نام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح الى الشمس وعن أبى هريرة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم حين قفل عن غزوة خيبر سار من أوّل الليل حتى اذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال اكلأ لنا الليل فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند بلال قريب الفجر الى راحلته مواجه الفجر فغلبته عيناه ونام فلم يستيقظ أحد حتى ضربتهم الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّلهم استيقاظا ففزع وقال أى بلال فقال بلال أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك بأبى أنت وأمى يا رسول الله فاقتادوا رواحلهم من ذلك المكان شيئا ثم توضأ فأمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال من نسى الصلاة فليصلها اذا ذكرها فان الله تعالى قال أقم الصلاة لذكرى* وروى انه كان فى الرجوع من غزوة تبوك كذا فى المواهب اللدنية*
بناء الرسول عليه السلام بأم حبيبة
وفى هذه السنة بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة رملة بنت أبى سفيان صخر ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش ووقع التزوّج فى السنة السادسة من الهجرة* وفى هذه السنة وقع الزفاف كما مرّ وقصتها انها كانت قد خرجت مهاجرة الى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فى الهجرة الثانية ثم ارتدّ عن الاسلام وتنصر ومات هناك وثبتت أم حبيبة على الاسلام قالت رأيت فى المنام كأن آتيا يقول يا أمّ المؤمنين ففزعت فأوّلها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوّجنى فلما انقضت عدّتى فما شعرت الا برسول النحاشى على بابى يستأذن فاذا بجارية له يقال لها ابرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علىّ فقالت ان الملك يقول لك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الىّ أن أزوّجك منه قلت بشرك الله بالخير قالت يقول الملك وكلى من يزوّجك فأرسلت الى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وفى سيرة اليعمرى ولى نكاح أم حبيبة عثمان بن عفان وقيل خالد بن سعيد بن العاص فأعطت ابرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا فى رجليها وخواتم من فضة فى أصابع رجليها سرورا بما بشرت به فلما كان العشىّ أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب ومن كان هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشى فقال الحمد لله الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار وأشهد أن لا اله الا الله وحده وأن محمدا عبده ورسوله وانه الذى بشر به عيسى ابن مريم* أما بعد فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب الىّ أن أزوّجه أمّ حبيبة بنت أبى سفيان فأجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار* وفى روضة الاحباب أربعمائة مثقال من الذهب ثم سكب الدنانير بين يدى القوم فتكلم خالد بن سعيد بن العاص فقال الحمد لله أحمده واستعنه واستغفره وأشهد أن(2/59)
لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أمّ حبيبة بنت أبى سفيان فبارك الله لرسوله ودفع النجاشى الدنانير الى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال النجاشى اجلسوا فان من سنن الانبياء اذا تزوّجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرّقوا وذلك سنة سبع من الهجرة كذا فى الصفوة قالت أمّ حبيبة لما أتانى المال أرسلت الى ابرهة التى بشرتنى فقلت لها انى كنت أعطيتك ما أعطيتك ولا مال بيدى فهذه خمسون مثقالا فخذيها واستعينى بها* وفى معالم التنزيل أنفذ اليها النجاشى أربعمائة دينار على يد ابرهة فلما جاءتها بها أعطتها خمسين دينارا انتهى قالت فأخرجت ابرهة كل ما كنت أعطيتها فردّته علىّ وقالت عزم على الملك أن لا أرزأك وأنا التى أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله وأسلمت لله وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن اليك بكل ما عندهن من العطر* فلما كان من الغد جاءتنى بعداد ورس وعنبر وزباد كثير فقدمت بكله على النبىّ صلى الله عليه وسلم وكان يراه علىّ وعندى ولا ينكره ثم قالت ابرهة حاجتى اليك أن تقرئى على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام وتعلميه انى اتبعت دينه قالت وكانت هى التى جهزتنى وكانت كلما دخلت علىّ تقول لا تنسى حاجتى اليك فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بى ابرهة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرأته منها السلام فقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته وبعث النجاشى أمّ حبيبة الى النبىّ صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة ولما بلغ أبا سفيان خبر تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمّ حبيبة قال ذاك الفحل لا يقرع أنفه وكان لامّ حبيبة حين قدم بها الى المدينة بضع وثلاثون سنة ومكثت عند النبىّ صلى الله عليه وسلم قريبا من أربع سنين وتوفيت فى زمان معاوية سنة ثنتين أو أربع وأربعين من الهجرة فى المدينة على القول الصحيح وصلى عليها مروان بن الحكم وقيل توفيت بالشام ومروياتها فى الكتب المتداولة خمسة وستون حديثا المتفق عليه حديثان وفرد مسلم حديث واحد والبقية فى سائر الكتب*
سرية عمر بن الخطاب الى تربة
وفى شعبان هذه السنة كانت سرية عمر بن الخطاب الى تربة ومعه ثلاثون رجلا ومعه دليل من بنى هلال فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار فأتى الخبر الى هوازن فهربوا وجاء عمر الى محلهم فلم يلق منهم أحدا فانصرف راجعا الى المدينة* ثم فى شعبان هذه السنة بعث أبا بكر الصدّيق الى بنى كلاب فى ناحية ضرية ويقال الى فزارة كما فى صحيح مسلم وهو الصواب وكان سلمة بن الاكوع فى تلك السرية فساروا اليهم وقاتلوهم وكان شعارهم أمت أمت فقتلوا طائفة وأسروا طائفة ولقى سلمة جماعة يهربون الى الجبل مع ذراريهم فخشى أن يسبقوه الى الجبل فرمى بسهم بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم وقفوا فأتى بهم الى أبى بكر يسوقهم وفيهم امرأة من بنى فزارة مع ابنة لها من أحسن العرب فأخذ أبو بكر ابنتها وقدموا المدينة وما كشف لها ثوبا فلقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السوق مرّتين فى يومين فقال يا سلمة هب لى المرأة فقال هى لك يا رسول الله فبعث الى مكة ففدى بها ناسا من المسلمين كانوا أسرى بمكة*
سرية بشر بن سعد الى بنى مرّة
وفى شعبان هذه السنة بعث بشر بن سعد الانصارى فى ثلاثين رجلا الى بنى مرّة بفدك فسار بشر الى ذلك الموضع ولقى الرعاة واستخبرهم عن القوم قالواهم فى الوادى فساقوا دوابهم ومواشيهم فأخبروا القوم فتعاقبوا المسلمين فأدركوهم فوقع بينهم قتال عظيم وقتل كثير من الصحابة وجرح بشر وضرب كعبه فوقع فى القتلى وقيل قد مات فرجعوا عنه وقدم ابن زيد الحارثى بخبرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتث بشر وانسل من بين القوم ولحق بفدك فمكث هناك حتى برأت جراحته ثم قدم المدينة وذكر ذلك للنبىّ صلى الله عليه وسلم(2/60)
وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم قبل قدوم بشر أخبر الناس بتلك القصة*
بعث غالب الليثى الى الميفعة
وفى رمضان هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثى فى مائة وثلاثين رجلا الى الميفعة بناحية نجد من المدينة على ثمانية برد على جمع من بنى عوال وبنى عبد بن ثعلبة فهجموا عليهم فى وسط محالهم فقتلوا من أشرف لهم واستاقوا نعما وشاء الى المدينة* قالوا وفى هذه السرية قتل أسامة بن زيد نهيك بن مرداس بعد أن قال لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا شققت قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب فقال أسامة لا أقاتل أحدا يشهد أن لا اله الا الله* وفى الاكليل فعل ذلك أسامة فى سرية كان هو أميرا عليها سنة ثمان وفى البخارى عن أبى ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا اله الا الله فكف الانصارى عنه وطعنته برمحى حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا اله الا الله قلت كان متعوّذا فما زال يكرّرها حتى تمنيت انى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم أورده فى المواهب اللدنية وستجىء هذه القصة فى الموطن الثامن فى سرية غالب بن عبد الله الليثى الى فدك*
سرية بشر بن سعد الى يمن وجبار
وفى شوّال هذه السنة كانت سرية بشر بن سعد الانصارى الى يمن وجبار بفتح الجيم وهى أرض لغطفان ويقال لفزارة وعذرة وبعث معه ثلثمائة رجل لجمع تجمعوا للاغارة على المدينة فساروا الليل وكمنوا النهار فلما بلغهم مسير بشر هربوا وأصاب لهم نعما كثيرة فغنمها وأسر رجلين وقدم بهما المدينة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما
سرية ابن عمر الى قبل نجد
وبعث صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد وفيها ابن عمر رضى الله عنهما قال فبلغت سهماننا اثنى عشر بعيرا ونفلنا بعيرا فرجعنا بثلاثة عشر بعيرا يحتمل ان تكون هذه السرية هى سرية ابان بن سعيد المذكورة وأن تكون غيرها*
كتابه الى جبلة بن الايهم
وفى هذه السنة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جبلة بن الايهم آخر ملوك غسان ودعاه الى الاسلام قال فلما وصل اليه الكتاب أسلم وكتب جواب كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه باسلامه وأرسل الهدية وكان ثابتا على اسلامه الى زمان عمر بن الخطاب* وفى خلافته قدم مكة للحج وحين كان يطوف فى المطاف وطئ رجل من فزارة ازاره فانحلّ فلطم الفزارى لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه فشكا الفزارى الى عمر واستغاثه فطلب عمر جبلة وحكم بأحد الامرين امّا العفو وامّا القصاص قال جبلة أتقتص له منى سواء وأنا ملك وهو سوقى قال عمر الاسلام سوّى بينكما ولا فضل لك عليه الا بالتقوى قال فان كنت أنا وهذا الرجل سواء فى هذا الدين فسأتنصر قال عمر اذا أضرب عنقك قال فأمهلنى الليلة حتى أنظر فى أمرى فلما كان الليل ركب فى بنى عمه وهرب الى قسطنطينية وتنصر هناك ومات مرتدّا نعوذ بالله من ادراك الشقاوة وسوء الخاتمة قيل اليه أشار الشاعر بقوله
أخذت بالجمة رأسا أزعرا ... وبالثنايا الواضحات الدردرا
وبالطويل العمر عمرا جيذرا ... كما اشترى المسلم اذ تنصرا
وبعض أهل الاسلام على أنّ جبلة عاد الى الاسلام ومات مسلما والله أعلم وقد مرّ فى هذا الموطن فى ذكر كتابه الى الحارث بعض ما يخالف هذا*
قتل شيرويه اباه
وفى هذه السنة قتل شيرويه اباه على ما سبق ذكره قال الواقدى كان قتله ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الاخرة أو جمادى الاولى سنة سبع من الهجرة لست أو سبع ساعات مضين* روى أنه لما قتل أباه كان الملك لا يستقرّ عليه حتى قتل سبعة عشر أخاله ذوى أدب وشجاعة فابتلى بالاسقام فبقى بعده ثمانية أشهر وقيل ستة أشهر ثم مات ويقال مدّة عمر شيرويه اثنان وعشرون سنة*
هدية المقوقس
وفى هذه السنة وصلت هدية المقوقس ملك الاسكندرية(2/61)
ومصر واسمه جريج بن مينا وهى مارية وسيرين أختها وجاريتان أخريان وخصى يقال له مأبور وقدح من قوارير وثياب من قباطى مصر وألف مثقال من الذهب وعسل وفرس يقال له لزاز وبغلة يقال لها الدلدل وحمار يقال له يعفور كما مرّ فى الموطن السادس وبعث المقوقس كل ذلك مع حاطب بن أبى بلتعة فعرض حاطب الاسلام على مارية ورغبها فيه فأسلمت هى وأختها وأقام الخصى على دينه حتى أسلم بالمدينة فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لم يسلم وقد مرّ فى الموطن السادس*
الكلام فى عمرة القضاء
وفى ذى القعدة من هذه السنة وقعت عمرة القضاء ويقال لها عمرة القضية وغزوة الا من أيضا أما تسميتها عمرة القضاء فلانها قضاء عن العمرة التى صدّ عنها بالحديبية فانها فسدت بالتحلل عنها وانما عدوّها عمرة لثبوت الاجر فيها لانها كملت كما هو مذهب الحنفية وذكر ابن هشام أنها يقال لها عمرة القضاء لانهم صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة فى ذى القعدة فى الشهر الحرام من سنة ست فاقتص منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل مكة فى ذى القعدة فى الشهر الحرام الذى صدّوا فيه من سنة سبع قال موسى بن عقبة وذكر انّ الله تعالى أنزل فى تلك العمرة الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص وأمّا تسميتها عمرة القضية فلانه عليه السلام قاضى قريشا فيها لا لانها قضاء عن العمرة التى صدّ عنها لانها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة كما هو مذهب الشافعية ولذا عدّوا عمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أربعا وهذا الخلاف مبنى على الاختلاف فى وجوب القضاء أو الهدى على من أحرم معتمرا وصدّ عن البيت فعند أبى حنيفة يجب القضاء عليه لا الهدى وعند الشافعية يجب عليه الهدى لا القضاء وكانت عمرة القضاء بعد غزوة خيبر بستة أشهر وعشرة أيام وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من خيبر الى المدينة أقام بها شهرى ربيع وما بعده الى شوّال وهو يبعث فيما بين ذلك سرايا ثم خرج فى ذى القعدة فى الشهر الذى صدّه فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التى صدّوه عنها وخرج معه المسلمون ممن كان صدّ معه فى عمرته تلك وهى سنة سبع فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنها كذا فى الاكتفاء وقال غيره انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين رأوا هلال ذى القعدة أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التى صدّهم المشركون عنها بالحديبية وأن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف منهم أحد الا من استشهد منهم بخيبر ومن مات وخرج معه صلى الله عليه وسلم قوم من المسلمين عمارا غير الذين شهدوا الحديبية وكانوا فى عمرة القضاء ألفين واستخلف على المدينة أبارهم الغفارى* وفى القاموس عويف بن الاضبط وأحرم من ذى الحليفة وساق صلى الله عليه وسلم ستين بدنة وجعل على هديه ناجية ابن جندب الاسلمى وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه السلاح والدروع والرماح وقاد مائة فرس* وفى المواهب اللدنية فلما انتهى الى ذى الحليفة قدم الخيل أمامه عليها محمد بن مسلمة وقدّم السلاح واستعمل عليه بشر بن سعد وأحرم صلى الله عليه وسلم ولبى والمسلمون يلبون معه ومضى محمد ابن مسلمة فى الخيل الى مرّ الظهران فوجد بها نفرا من قريش فسألوه فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح هذا المنزل غدا ان شاء الله تعالى فأتوا قريشا فأخبروهم ففزعوا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران وقدّم السلاح الى بطن يأجج كيسمع وينصر ويضرب موضع بمكة حيث ينظر الى أنصاب الحرم وخلف عليه أوس بن خولى الانصارى فى مائتى رجل وخرج قريش من مكة الى رؤس الجبال وأخلوا مكة ثلاثة أيام* وفى الاكتفاء قال ابن عقبة وتغيب رجال من أشرافهم وخرجوا الى بوادى مكة كراهية أن ينظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيظا وحنفا ونفاسة وحسدا انتهى وقدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى أمامه فحبس بذى طوى(2/62)
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصوى والمسلمون متوشحون السيوف محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يلبون فدخل النبىّ صلى الله عليه وسلم من ثنية كداء بفتح أوّله والمدّ وهى طلعة الحجون التى بأعلى مكة ينحدر منها الى المقابر على درب المعلاة على طريق الابطح ومنى وعبد الله بن رواحة آخذ بزمام راحلته وهو يمشى بين يديه ويقول
خلوا بنى الكفار عن سبيله ... اليوم نضر بكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
* فقال له عمر يا ابن رواحة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى حرم الله تقول شعرا* فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهى أسرع فيهم من نصح النبل رواه الترمذى ورواه عبد الرزاق من وجهين بلفظ
خلوا بنى الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن فى تنزيله
بأنّ خير القتل فى سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله
كما قتلناكم على تنزيله
وفى الاكتفاء
خلوا بنى الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير فى رسوله
يا رب انى مؤمن بقيله ... أعرف حق الله فى قبوله
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى حتى استلم الركن بمعجنه مضطبعا بثوبه وطاف على راحلته والمسلمون يطوفون معه وقد اضطبعوا بثيابهم وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بلالا فأذن على ظهر الكعبة* وفى البخارى عن ابن عباس قال المشركون انهم يقدمون عليكم وقد أوهنتهم حمى يثرب فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يرملوا فى الأشواط الثلاثة وأن يمشوا بين الركنين ولم يمنعه أن يرملوا الاشواط كلها الا الابقاء شفقة عليهم أى لم يمنعه من أمرهم بالرمل فى جميع الطوفات الا الرفق بهم والاشفاق عليهم* وفى رواية قال ارملوا ايرى المشركون قوّتكم والمشركون من قبل قيقعان* وفى أسد الغابة اضطبع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ورملوا وهو أوّل اضطباع ورمل فى الاسلام* وفى الاكتفاء تحدّثت قريش بينها فيما ذكره ابن اسحاق أنّ محمدا وأصحابه فى عسرة وجهد وشدّة فصفوا له عند دار الندوة لينظروا اليه والى أصحابه فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى ثم قال رحم الله امرآ أراهم اليوم من نفسه قوّة ثم استلم الركن وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى اذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليمانى مشى حتى يستلم الاسود ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها فكان ابن عباس يقول كان الناس يظنون أنها ليست سنة عليهم وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انما صنعها لهذا الحى من قريش للذى بلغه عنهم حتى حج حجة الوداع فلزمها فدل أنها سنة ثم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على راحلته فلما كان الطواف السابع عند فراغه وقد وقف الهدى عند المروة قال هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر فنحر عند المروة وحلق هناك وكذلك فعل المسلمون وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من أصحابه أن يقيموا على السلاح ببطن يأجج ويأتى آخرون فقضوا نسكهم ففعلوا كذا فى المواهب اللدنية وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا فلما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا قد انقضى أجلك فاخرج عنا* وفى رواية أتوا عليا فقالوا له قل لصاحبك يخرج عنا فقد انقضى الاجل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادى(2/63)
يا عمّ يا عمّ فتناولها علىّ فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك فحملتها فاختصم فيها علىّ وزيد وجعفر فقال علىّ أنا أحذتها وهى ابنة عمى وقال جعفر بنت عمى وخالتها تحتى وقال زيد بنت أخى فقضى بها النبىّ صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الامّ قال وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بسرف بفتح أوّله وكسر ثانيه بعده فاء على عشرة أميال من مكة أو سبعة* وفى شفاء الغرام فى سرف أربعة أقوال ستة أميال وسبعة بتقديم السين وتسعة بتقديم التاء على السين واثنا عشر ميلا وهو الموضع الذى بنى النبىّ صلى الله عليه وسلم بميمونة فيه حين تزوّجها* وفى معجم ما استعجم قال ابن وفد بلغنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غربت عليه الشمس بسرف وصلى المغرب بمكة وبينهما سبعة أميال وفى موضع آخر منه على ستة أميال من مكة وليس بجامع اليوم*
تزوّجه عليه السلام بميمونة رضى الله عنها
وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حرب بن بجير بن هدن بن رؤبة بن عبد الله بن هلال ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان الهلالية* قال أبو عمر وقال أبو عبيدة لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر توجه الى مكة معتمرا سنة سبع وقدم عليه جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة فبعثه بين يديه فخطب عليه ميمونة بنت الحارث الهلالية وكانت أختها لامها أسماء بنت عميس تحت جعفر وسلمى بنت عميس تحت حمزة وأم الفضل بنت الحارث تحت العباس فجعلت أمرها الى العباس فأنكحها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو محرم وقيل جعلت أمرها الى أم الفضل فجعلت أمّ الفضل أمرها الى العباس فزوّجها العباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصدقها عنه أربعمائة درهم وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسكه وأقام بمكة ثلاث ليال وكان ذلك أجل القضية يوم الحديبية فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وهو يخالف ما مرّ من أنهما أتياه عند الظهر من اليوم الرابع انتهى ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى مجلس الانصار يتحدّث مع سعد بن عبادة فصاح حويطب نناشدك الله والعقد الا خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاثة فقال سعد كذبت لا أم لك انها ليست بأرضك ولا بأرض أبيك والله لا يخرج الا راضيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك يا سعد لا تؤذ قوما زارونا فى رحالنا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تركتمونى فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه قالوا لا حاجة لنا بطعامك فاخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع مولاه فاذن بالرحيل وخلف أبا رافع على ميمونة حتى أتاه بسرف ولقد لقيت هى ومن معها عناء وأذى من سفهاء المشركين وصبيانهم كذا فى الاكتفاء* وروى فى تزويجها أنّ العباس لقى النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين اعتمر عمرة القضية فقال له العباس يا رسول الله أيمت ميمونة بنت الحارث بن أبى رهم بن عبد العزى هل لك فى تزويجها فتزوّجها صلى الله عليه وسلم وهو محرم فلما قدم مكة أقام ثلاثا فجاء سهيل بن عمرو فى نفر من أصحابه من أهل مكة فقال يا محمدا خرج عنا فقال له سعديا عاضّ بظر أمه أهى أرضك وأرض أمّك دونه لا يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يشاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهم فخرج فبنى بها بسرف حلالا أخرجه أبو عمرو وكذا رواه ابن عباس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم تزوّجها وهو محرم أخرجه الشيخان والنساءى وروت ميمونة أنه صلى الله عليه وسلم تزوّجها بسرف وهو حلال أخرجه أبو داود* وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من عمرته أقام بمكة ثلاثة أيام التى اشترطها على أهل مكة ثم بعث بها عثمان وقال ان شئتم أقمت عندكم ثلاثا أخر وعرست بأهلى وأولمت لكم وكان صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة الهلالية قبل عمرته ولم يدخل بها فقالوا لا حاجة لنا فى وليمتك اخرج عنا وهذا يعضد قول من قال(2/64)
انه صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة وهو محرم وكانت ميمونة رضى الله عنها قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم عند أبى رهم بن عبد العزى ويقال عند عبد الله بن أبى رهم وقيل بل عند حويطب بن عبد العزى وقيل فروة بن عبد العزى وقيل أبى سبرة العامرى* قال ابن اسحاق ويقال انها رضى الله عنها وهبت نفسها للنبىّ صلى الله عليه وسلم وذلك أنّ خطبة النبىّ صلى الله عليه وسلم انتهت اليها وهى على بعيرها فقالت البعير وما عليه لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبىّ ويقال التى وهبت نفسها للنبىّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ويقال أمّ شريك غزية بنت جابر بن وهب ويقال غيرها والله أعلم ذكره ابن اسحاق وقد سبق فى الباب الثالث فى حوادث السنة الخامسة والعشرين من مولده صلى الله عليه وسلم وكانت ميمونة آخر امرأة تزوّج بها النبىّ صلى الله عليه وسلم وآخر من توفيت منهنّ حكاه المنذرى صاحب الترغيب والترهيب توفيت سنة ثلاث وستين* وفى معجم ما استعجم أنها ماتت بسرف لانها اعتلت بمكة وقالت أخرجونى من مكة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى أنى لا أموت بها فحملوها حتى أتوابها سرف الى الشجرة التى بنى بها رسول الله تحتها فى موضع القبة فماتت هناك سنة ثمان وثلاثين وهناك عند قبرها سقاية* وفى خلاصة الوفاء تزوّجها بسرف وبنى بها فيه وماتت فيه ودفنت فيه* ومروياتها ستة وسبعون حديثا المتفق عليه منها سبعة أحاديث وأفرد البخارى بحديث واحد وأفرد مسلم بخمسة أحاديث والباقية فى سائر الكتب* وفى ذى الحجة من هذه السنة كانت سرية ابن أبى العوجاء السلمى واسمه أحزم الى بنى سليم فى خمسين رجلا فأحدق بهم الكفار من كل ناحية وقاتل القوم قتالا شديدا حتى قتل عامتهم وأصيب ابن أبى العوجاء وصار جريحا مع القتلى ثم تحامل حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أوّل صفر سنة ثمان والله تعالى أعلم تمّ الموطن السابع بحمد الله
*
(الموطن الثامن فى وقائع السنة الثامنة من الهجرة
من اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وتزوّج فاطمة بنت الضحاك وسرية غالب بن عبد الله الليثى الى بنى الملوّح وسرية غالب بن عبد الله الى مصاب أصحاب بشر بن سعد بفدك واتخاذ المنبر والقصاص وسرية شجاع بن وهب الى بنى عامر بالسىء وسرية كعب بن عمير الغفارى الى ذات اطلاح وسرية مؤتة وسرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل وسرية أبى عبيدة بن الجرّاح الى سيف البحر وسرية أبى قتادة الى خضرة وسرية أبى قتادة الى بطن اضم وسرية عبد الله بن أبى حدرد الى الغابة وغزوة فتح مكة واسلام ابى سفيان بن حرب واسلام أبى قحافة واسلام حكيم بن حزام واسلام عكرمة بن أبى جهل وسرية خالد بن الوليد عقب فتح مكة الى العزى بنخلة وسرية عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل وسرية سعد بن زيد الاشهل الى مناة صنم للأوس وسرية خالد بن الوليد الى بنى جذيمة وغزوة حنين وسرية أبى عامر الى أوطاس وسرية الطفيل الى ذى الكفين وغزوة الطائف واسلام مالك بن عوف النضرى واسلام صفوان بن أمية وتزوّج المليكة الكندية وبعث عمرو بن العاص الى حيفر وعبد بعمان وبعث العلاء الحضرمى الى المنذر بن الساوى وانصرافه الى المدينة واسلام عروة بن مسعود الثقفى وقتله وبعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن وطلاق سودة وولادة ابراهيم وقدوم أوّل الوفود وفد هوازن ووفاة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
*
اسلام خالد وعمرو بن العاص وعثمان الحجبى
وفى صفر هذه السنة قدم المدينة خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبى فأسلموا فى أسد الغابة اختلفوا فى وقت اسلام خالد بن الوليد وهجرته قيل كان اسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى قريظة وقيل كان اسلامه بين الحديبية وخيبر وقيل بل كان اسلامه(2/65)
وهجرته سنة ثمان وقد قيل فى أوّل سنة ثمان مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رمتكم مكة بافلاذ كبدها قال أبو عمرو ولم يصح لخالد بن الوليد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفتح* وفى المواهب اللدنية كان قدومه المدينة واسلامه سنة خمس قاله ابن أبى خيثمة وقال الحاكم سنة سبع وكذا فى الوفاء وفى كون اسلام خالد سنة خمس أو سبع نظر لما ورد فى صحيح البخارى عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال انّ خالد بن الوليد بالغميم فى خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين قاله زمن الحديبية سنة ست كذا فى المشارق وهذا ينافى اسلامه سنة خمس أو سبع* وفى الصفوة خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يكنى أبا سليمان وأمّه أسماء وهى لبابة الصغرى بنت الحارث أخت أمّ الفضل امرأة عباس قال خالد لما أراد الله بى ما أراد من الخير قذف فى قلبى حب الاسلام وحضرنى رشدى وأرى فى المنام كأنى فى بلاد ضيقة جدب فخرجت الى بلاد احسن وأوسع فقلت انّ هذه لرؤيا فذكرتها لابى بكر فقال هو مخرجك الذى هداك الله فيه للاسلام والضيق هو الشرك فاجمعت الخروج الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبت من أصحابه فلقيت عثمان بن طلحة فذكرت له الذى أريد فأسرع الى الاجابة وخرجنا جميعا فأدلجنا سحرا فلما كان بالهدة اذا عمرو بن العاص فقال مرحبا بالقوم فقلنا له وبك قال أين مسيركم فأخبرناه وأخبرنا أيضا أنه يريد النبىّ صلى الله عليه وسلم فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أوّل يوم من صفر سنة ثمان فلما طلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ علىّ السلام بوجه طلق فقال صلى الله عليه وسلم قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك الا لخير وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت استغفر لى كل ما أوضعته من صدّعن سبيل الله عز وجل قال انّ الاسلام يجب ما كان قبله ثم استغفر لى وتقدّم عمرو وعثمان بن طلحة فأسلما فو الله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بى أحدا من أصحابه فيما يحزبه* وفى أسد الغابة فلم يزل خالد من حين أسلم يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنة الخيل فيكون فى مقدمتها فى محاربة العرب وكان فى مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فى بنى سليم وجرح يومئذ فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رحله بعد ما هزم من هوازن ليعرف خبره ويعوده فنفث فى جرحه فانطلق وسيجىء وفاة خالد فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب* وفى المنتقى روى أنّ عمرو بن العاص كان أسلم بالحبشة على يد النجاشى ولكن كان يكتم اسلامه من أصحابه فخرج متوجها الى المدينة فلما كان ببعض الطريق عند الهدة اذ لقى خالد بن الوليد وهو يريد المدينة وذلك قبل الفتح فقال عمرو يا أبا سليمان أين تريد فقال خالد والله لقد استقام الميسم أى تبينت الطريق وظهر الامر وانّ هذا الرجل لنبىّ فاذهب فأسلم فحتى متى قال عمرو والله ما جئت الا لأسلم فقد ما المدينة فتقدّم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ثم عمرو بن العاص فبايعه ثم انصرف قال ابن اسحق وحدّثنى من لا أتهم أنّ عثمان بن طلحة بن أبى طلحة العبدرى الحجبى كان معهما حين أسلما قال عثمان بن طلحة لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام عمرة القضاء غير الله قلبى عما كان عليه ودخلنى الاسلام وجعلت أفكر فيما نحن عليه وما نعبد من حجر لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ وأنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وظلف أنفسهم عن الدنيا فيقع ذلك فأقول ما عمل القوم الاعلى الثواب ليكون بعد الموت وجعلت أحب النظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أن رأيته خارجا من باب بنى شيبة يريد منزله بالابطح فأردت أن آتيه وآخذ بيده وأسلم فلم يعزم لى ذلك فانصرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم راجعا الى المدينة ثم عزم لى على الخروج اليه فأدلجت الى بطن يأجج فألقى خالد بن الوليد فاصطحبنا حتى نزلنا الهدة فما شعرنا(2/66)
الا بعمرو بن العاص فانقمعنا منه وانقمع منا ثم قال اين يريد الرجلان فأخبرناه فقال وأنا والله أريد الذى تريدان فاصطحبنا جميعا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الاسلام وأقمت حتى خرجت معه فى غزوة الفتح ودخل مكة فقال لى يا عثمان ايت بالمفتاح فأتيته به فأخذه منى ثم دفعه الىّ وقال خذوها تالدة خالدة ولا ينزعها منكم أحد الا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف وسيجىء* قال الواقدى هذا أثبت الوجوه فى اسلام عثمان* فى الاستيعاب وأسد الغابة عثمان بن طلحة بن أبى طلحة واسم أبى طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب بن مرّة القرشى العبدرى الحجبى أمه أم سعيد سلافة بنت سعد من بنى عمرو بن عوف قتل أبوه طلحة وعمه عثمان بن أبى طلحة جميعا يوم أحد كافرين قتل حمزة عثمان وقتل علىّ طلحة مبارزة وقتل يوم أحد منهم أيضا مسافع والجلاس والحارث وكلاب بنو طلحة كلهم اخوة عثمان بن طلحة هذا قتلوا كفارا قتل عاصم بن ثابت بن أبى الافلح رجلين منهم مسافعا والجلاس وقتل الزبير كلابا وقتل قزمان الحارث وقد مرّ فى الموطن الثالث فى غزوة أحد وهاجر عثمان بن طلحة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هدنة الحديبية مع خالد فلقيا عمرو بن العاص قد أتى من عند النجاشى يريد الهجرة فاصطحبوا جميعا حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ألقت اليكم مكة أفلاذ كبدها كذا فى الاستيعاب كما مرّ* وفى أسد الغابة رمتكم مكة بأفلاذ كبدها يعنى انهم وجوه أهل مكة فأسلموا وأقام عثمان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة وشهد معه فتح مكة ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة اليه والى شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وقال خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ثم نزل عثمان بن طلحة المدينة وأقام بها الى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقل الى مكة فسكنها حتى مات بها فى أوّل خلافة معاوية سنة اثنتين وأربعين وقيل انه قتل يوم اجنادين* وفى هذه السنة تزوّج صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية وقد سبق فى الباب الثالث*
بعث غالب بن عبد الله الى فدك
وفى صفر هذه السنة كانت سرية غالب بن عبد الله الليثى الى بنى الملوّح بالكديد بفتح الكاف فغنم* وفى صفر هذه السنة بعث غالب بن عبد الله أيضا* وفى معالم التنزيل غالب بن فضالة الليثى مع جماعة الى فدك لينتقموا من الذين قتلوا أصحاب بشر بن سعد روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لواء للزبير بن العوّام وأمره على مائتى رجل وأمره أن يأتى مصارع أصحاب بشر بن سعد ويستأصلهم ان ظفر بهم فبينما هو على ذلك اذ قدم غالب بن عبد الله الليثى من الكديد فدفع اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم اللواء المعقود للزبير وأمره على تلك السرية وبعثه الى فدك وكان ابو مسعود الثقفى وعقبة بن عامر الانصارى وكعب بن عجرة وأسامة بن زيد فى تلك السرية فلما انتهوا الى فدك أغاروا عليهم مع الصبح وقاتلوا قتالا شديدا وقتل كثير من المشركين وأخذ المسلمون كثيرا من الاسارى والابل والغنم* روى ان أسامة بن زيد اتبع رجلا من الكفار يقال له نهيك بن مرداس ولما لحقه وسل السيف ليضربه قال نهيك لا اله الا الله فقتله أسامة فلما رجع الى غالب وذكر له ما جرى بينه وبين نهيك لامه غالب وقال لم قتلته ولما قدموا المدينة ذكر للنبىّ صلى الله عليه وسلم ذلك فقال يا أسامة أقتلته بعد ان قال لا اله الا الله فقال يا رسول الله كان متعوّذا بها من السيف قال أفلا شققت قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب قال أسامة لن أقاتل من قال لا اله الا الله أبدا كذا فى روضة الاحباب* وفى معالم التنزيل غير هذا ظاهرا وهو ما روى عن ابن عباس أنه قال نزلت هذه الاية* يا أيها الذين آمنوا اذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا الاية فى رجل(2/67)
من بنى مرّة بن عوف يقال له نهيك بن مرداس وكان من أهل فدك وكان مسلما لم يسلم من قومه غيره فسمعوا بأن سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم تريدهم وكان على السرية غالب بن فضالة الليثى فهربوا وأقام الرجل لانه كان على دين الاسلام فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من غير أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم فألجأ غنمه الى عال من الجبل فلما تلاحقت الخيل سمعهم يكبرون فعرف انهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر ونزل وهو يقول لا اله الا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة واستاق غنمه ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا وكان قبل ذلك قد سبق ذلك الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلتموه ارادة ما معه ثم قرأ هذه الاية على أسامة بن زيد فقال يا رسول الله استغفر لى فقال فكيف بلا اله الا الله قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أسامة فما زال رسول الله يكررها ويعيدها حتى وددت انى لم أكن أسلمت الا يومئذ ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لى بعد ثلاث مرات وقال اعتق رقبة* وروى أبو ظبيان عن أسامة بن زيد قال مرّ رجل من بنى سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنم له فسلم عليهم فقالوا ما سلم عليكم الا ليتعوّذ منكم فقاموا وقتلوه وأخذوا غنمه وأتوا بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا* وفى رواية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد مع جماعة الى الحرقات من جهينة فصبحوهم فهزموهم وقتل أسامة رجلا ظنه متعوّذا بقول لا اله الا الله فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم له أقتلته بعد ما قال لا اله الا الله حتى قال تمنيت انى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم وقد مرت هذه القصة فى الموطن السابع فى سرية غالب بن عبد الله الليثى الى الميفعة بناحية نجد*
اتخاذ المنبر
وفى هذه السنة على ما فى أسد الغابة أو السابعة أو التاسعة من الهجرة اتخذ المنبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أثل الغابة* وفى رواية من طرفاء الغابة روى انه صلى الله عليه وسلم بنى مسجده مسقوفا على جذوع النخل وكان اذا خطب يقوم الى جذع من جذوعه فصنع له منبر* وفى خلاصة الوفاء أشهر الاقوال ان الذى صنع المنبر باقوم بموحدة وقاف وهو بانى الكعبة لقريش وقيل باقول باللام بدل الميم وأشبه الاقوال بالصواب ما قاله الحافظ ابن حجرانه ميمون وقيل صباح غلام العباس وقيل غلامه كلاب وقيل مينا غلام امرأة من الانصار ونقل ابن النجار عن الواقدى انه درجتان ومجلس وللدارمى فى صحيحه عن أنس فصنع له منبر له درجتان ويقعد على الثالثة* وفى رواية الدارمى هذه المراقى الثلاث أو الاربع على الشك* وفى صحيح مسلم هذه الثلاث درجات من غير شك فأطلق على المجلس درجة* وليحيى عن ابن أبى الزناد ان النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يجلس على المجلس ويضع رجليه على الدرجة الثانية فلما ولى أبو بكر قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الدرجة السفلى فلما ولى عمر قام على الدرجة السفلى ووضع رجليه على الارض فلما ولى عثمان فعل ذلك ست سنين من حلافته ثم علا الى موضع النبىّ صلى الله عليه وسلم ولما استخلف معاوية زاد فى المنبر فجعل له ست درجات وكان عثمان أوّل من كسا المنبر قطيفة وعن أبى الزناد قال فسرقت الكسوة امرأة فأتى بها عثمان فقال لها هل سرقت قولى الحق فاعترفت فقطعها قالوا فلما قدم معاوية عام حج حرك المنبر وأراد أن يخرجه الى الشام الى دمشق فكسفت الشمس يومئذ حتى رؤيت النجوم فاعتذر معاوية الى الناس وقال أردت أن أنظر الى ما تحته وخشيت عليه من الارضة قال بعضهم كساه يومئذ قطيفة أولينة* وفى رواية ان معاوية كتب الى مروان بذلك فقلعه فأصابتهم ريح مظلمة بدت فيها النجوم نهارا ويلقى الرجل الرجل يصكه ولا يعرفه فقال مروان انما كتب(2/68)
الىّ أن أصلحه فدعا النجارين فعمل هذه الدرجات ورفعوه عليها وهى يعنى الدرجات التى زادها ست درجات ولم يزد فيه أحد قبله ولا بعده* وفى تاريخ الواقدى أراد معاوية سنة خمسين تحويل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى دمشق بالشام فكسفت الشمس يومئذ وكلمه أبو هريرة فيه فتركه فلما كان عبد الملك أراد ذلك فكلمه قبيصة فتركه فلما كان الوليد أراد ذلك فأرسل سعيد بن المسيب الى عمر بن عبد العزيز فكلمه فتركه فلما كان سليمان قيل له فى تحويله فقال لاها الله أخذنا الدنيا ونعمد الى علم من أعلام الاسلام نريد تحويله ذاك شىء لا أفعله وما كنت أحب ان يذكر هذا عن عبد الملك ولا عن الوليد وما لنا ولهذا قال ابن النجار فيما رواه عن ابن أبى الزناد انه صار بما زاد فيه مروان تسع درجات بالمجلس فلما قدم المهدى قال لمالك أريد أن أعيده على حاله فقال له مالك انما هو من طرفاء الغابة وقد سمر الى هذه العيدان وشدّ فمتى نزعته خفت أن تتهافت فانصرف المهدى عن ذلك* قال ابن زياد وطول منبر النبىّ صلى الله عليه وسلم خاصة ذراعان فى السماء وعرضه أى عرض مقعده ذراع فى ذراع وتربيعه سواء وعرض درجه شبران لان كل درجة شبر وان طول المنبر فى السماء بعد ما زاد فيه أربعة أذرع وصار امتداده فى الارض سبعة أذرع بتقديم السين باضافة عتبة الدكة الرخام التى المنبر فوقها وتلك العتبة ذراع فامتداد المنبر بدونها ستة أذرع انتهى وعن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم اذا خطب يقوم الى جذع منها كما مرّ وكانت امرأة من الانصار اسمها عائشة وكان لها غلام نجار اسمه باقوم الرومى قالت يا رسول الله ان لى غلاما نجارا أفلا آمره يتخذ لك منبرا تخطب عليه قال بلى فأمرته فاتخذ له منبرا* وفى رواية سأله رجل عن اتخاذ المنبر فأجابه اليه وفى هذه الرواية صنع له ثلاث درجات فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر قال جابر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار*
حنين الجذع
وفى خلاصة الوفاء اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج أى التى انتزع ولدها قال عياض حديث حنين الجذع مشهور والخبر به متواتر أخرجه أهل الصحيح ورواه من الصحابة بضع عشر وفى رواية أنس حتى ارتح المسجد لخواره وفى رواية أنّ كأنين الصبىّ وفى رواية سهل وكثر بكاء الناس لما رأوا به* وفى رواية المطلب حتى تصدع وانشق حتى جاءه النبىّ صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليه فسكت* وفى رواية فنزل النبىّ صلى الله عليه وسلم يمسحه بيده حتى سكن أو سكت كالصبى الذى يسكت ثم رجع الى المنبر وزاد غيره فقال قال النبىّ صلى الله عليه وسلم هذا بكى لما فقد من الذكر وزاد غيره والذى نفسى بيده لو لم ألتزمه لم يزل هكذا الى يوم القيامة تحزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن تحت المنبر هكذا فى حديث المطلب* وفى حديث أبى بن كعب فكان اذا صلى النبىّ صلى الله عليه وسلم صلى اليه فلما هدم المسجد وغير أخذ ذلك الجذع أبى وكان عنده فى تلك الدار الى أن بلى وأكلته الارضة وعادر فاتا وذكر الاسفراينى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يحرق الارض فالتزمه ثم أمره فعاد الى مكانه* وفى حديث بريدة قال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان شئت أردّك الى الحائط الذى كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدّد لك خوصك وثمرك وان شئت أغرسك فى الجنة فيأكل أولياء الله من ثمرك ثم أصغى له النبىّ صلى الله عليه وسلم بسمع ما يقول فقال بل تغرسنى فى الجنة فيأكل منى أولياء الله فأكون فى مكان لا أبلى فيه يعنى فى الجنة فسمعه من يليه فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم قد فعلت ثم قال قد اختار دار البقاء على دار الفناء أورده فى الشفا* وفى خلاصة الوفا اعتمد المطرى فى بيان محل الجذع على ما روى ابن زبالة فقال وكان هذا الجذع عن يمين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصقا بجدار المسجد القبلى فى موضع(2/69)
كرسى الشمعة اليمنى التى توضع عن يمين الامام المصلى فى مقام النبىّ صلى الله عليه وسلم والاسطوانة التى قبلى الكرسى متقدّمة على موضع الجذع فلا يعتمد على قول من جعلها فى موضع الجذع*
أوّل قود فى الاسلام
وفى هذه السنة أقاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من هذيل برجل من بنى ليث وهو أوّل قود كان فى الاسلام*
سرية شجاع بن وهب الى بنى عامر
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية شجاع بن وهب الى بنى عامر بالسىء ماء من ذات عرق الى وجرة على ثلاث مراحل من مكة الى البصرة وخمس من المدينة ومعه أربعة وعشرون رجلا الى جمع من هوازن وأمره أن يغير عليهم فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار حتى صبحهم فأصابوا نعما وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة وكانت غيبتهم خمس عشرة ليلة واقتسموا الغنيمة وكانت سهامهم خمسة عشر بعيرا وعدّلوا البعير بعشر من الغنم*
سرية كعب بن عمير الى ذات اطلاح
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة كانت سرية كعب بن عمير الغفارى الى ذات اطلاح وراء ذات القرى فى خمسة عشر رجلا فساروا حتى انتهوا الى ذات اطلاح فوجدوا فيها جمعا كثيرا فقاتلهم الصحابة أشدّ القتال حتى قتلوا وأفلت منهم رجل جريح فى القتلى* قال مغلطاى قيل هو الامير فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فشق ذلك عليه فهم بالبعث اليهم فبلغه انهم ساروا الى موضع آخر فتركهم*
سرية مؤتة
وفى جمادى الاولى من هذه السنة كانت سرية مؤتة وهى بضم أوّله واسكان ثانيه بعده تاء مثناة فوقية* وفى المواهب اللدنية بضم الميم وسكون الواو بغير همز لاكثر الرواة وبه جزم المبرد وجزم ثعلب والجوهرى وابن فارس بالهمز* وحكى غيرهم الوجهين وهى موضع من أرض الشام من عمل البلقاء والبلقاء دون دمشق وكان لقاؤهم الروم بقرية يقال لها مشارف من تخوم البلقاء ثم انحاز المسلمون الى مؤتة كذا فى معجم ما استعجم* وفى مورد اللطافة وكانت وقعة مؤتة بالكرك* وقال فى الاكتفاء ولما صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء الى المدينة أقام بها نحوا من ستة أشهر ثم بعث الى الشام فى جمادى الاولى من سنة ثمان بعث الذين أصيبوا بمؤتة* روى انه صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الازدى الى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغسانى وهو من أمراء قيصر فقتله ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر عن قتل الحارث وقاتله ودعا الناس وعسكر بالجرف وهم ثلاثة آلاف فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أمير الناس زيد بن حارثة فان قتل أو قال أصيب فجعفر بن أبى طالب فان قتل أو قال أصيب فعبد الله بن رواحة فان قتل أو قال أصيب فيتربص المسلمون بينهم رجلا* روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عين أمراء السرية كان يهودى عنده فقال ان كان محمد نبيا فيقتل هؤلاء الذين عينهم للامارة فانّ أنبياء بنى اسرائيل كانوا اذا عينوا الامراء مثل ما عينه يقتلون البتة ثم قال لزيد ودّع أبا القاسم فانك مقتول ثم عقد النبىّ صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه الى زيد بن حارثة وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف وودّعهم وأمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك الى الاسلام فان أجابوا والا فقاتلوهم* وفى الصفوة عن محمد بن جعفر بن الزبير قال فلما تجهز الناس وتهيؤا للخروج الى مؤتة قال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم السوء وردّكم سالمين غانمين فقال عبد الله بن رواحة عند ذلك شعرا
لكننى أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات قرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدى حران مجهزة ... بحربة تنفذ الاحشاء والكبدا
حتى يقولوا اذا مرّوا على جدثى ... أرشدك الله من غاز وقد رشدا
فلما فصلوا من المدينة سمع العدوّ بمسيرهم فجمعوا لهم وتهيؤا لحربهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع(2/70)
أكثر من مائة ألف وقدّم الطلائع أمامه* قال ابن اسحاق لما نزل المسلمون معان وهو حصن كبير بين الحجاز والشام على خمسة أيام من دمشق بطريق مكة* وفى الصفوة لما نزلوا معان من أرض الشام بلغهم ان هرقل قد نزل ماب من أرض البلقاء فى مائة ألف من الروم وانضمت اليه المستعربة من لخم وجذام والقين وبلى وبهراء ووائل فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون فى أمرهم وقالوا نكتب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدوّنا فاما أن يمدّنا بالرجال واما أن يأمرنا بأمر فنمضى له فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال والله يا قوم ان الذى تكرهونه للذى خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدّة ولا قوّة ولا كثرة وما نقاتلهم الا بهذا الدين الذى أكرمنا الله به فانطلقوا فانما هى احدى الحسنيين اما الظهور واما الشهادة قال الناس قد والله صدق ابن رواحة فمضوا لوجوههم* وفى الاكتفاء ثم مضى الناس حتى اذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف وانحاز المسلمون الى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فتعبى لهم المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا من بنى عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الانصار يقال له عباية بن مالك ويقال عبادة ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط فى رماح القوم ثم أخذها جعفر فقاتل حتى اذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ثم عرقبها ثم قاتل القوم حتى قتل رحمه الله تعالى وهو يقول
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها
والروم روم قددنا عذابها ... علىّ اذ لاقيتها ضرابها
وكان جعفر أوّل من عقر فى الاسلام وفى رواية فأخذ اللواء زيد بن حارثة فوقع بين الجمعين قتال فقتل سدوم أخو شرحبيل وهرب أصحابه وخاف شرحبيل ودخل حصنا وبعث أخاه الاخر الى هرقل يستمدّه فبعث هرقل زها مائتى ألف ولما التقى الجمعان أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل بطعنة رمح ثم أخذ اللواء جعفر فنزل عن فرسه فعرقبها وكان أوّل فرس عرقبت فى الاسلام فقاتل حتى قطعت يده اليمنى فأخذ اللواء بيده اليسرى فقطعت فضمه بعضديه أو قال احتضنه فضربه رجل من الروم فقطعه نصفين* وفى الاكتفاء قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين يطير بهما فى الجنة حيث يشاء قال ابن عمر كنت فى تلك الغزوة فالتمسنا جعفرا فوجدناه فى القتلى ووجدنا فيما أقبل من بدنه ما بين منكبينه تسعين ضربة بين طعنة برمح وضربة بسيف* وفى رواية قال عددت خمسين جراحة من قدامه وفى رواية وجدت فى أحد نصفيه بضعا وثلاثين جراحة* ذكر عبد الله بن رواحة عن النعمان بن بشير أن جعفر بن أبى طالب حين قتل دعا الناس يا عبد الله بن رواحة وهو فى جانب العسكر ومعه ضلع جمل ينتهشه ولم يكن ذاق طعاما منذ ثلاث فرمى الضلع وجعل يلوم نفسه فقال قتل جعفر وأنت مع الدنيا ثم تقدّم وأخذ اللواء فقاتل فأصيبت اصبعه فنزل عن فرسه وجعلها تحت رجله ومدّ حتى طرحها عنه وجعل يرتجز ويقول
هل أنت الا اصبع دميت ... وفى سبيل الله ما لقيت
فجعل يستنزل نفسه ويتردّد بعض التردّد ثم قال يا نفس الى أىّ شئ تتوقين الى فلانة امرأة له فهى طالقة ثلاثا أو الى فلان وفلان غلامان له فهما حرّان أو الى معجف حائط له فهو لله ولرسوله ثم قال
أقسم يا نفس لتنزلته ... طائعة لى أو لتكرهنه
قد طال ما كنت مطمئنة ... هل أنت الا نطفة فى شنه
قد أجلب الناس وشدّوا الرنة ... مالى أراك تكرهين الجنة(2/71)
* وفى الاكتفاء قال
يا نفس ان لا تقتلى تموتى ... هذى حياض الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت ... ان تفعلى فعلهما هديت
وان تأخرت فقد شقيت
يعنى صاحبيه زيدا وجعفرا ثم نزل فأتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال شدّ بها صلبك فانك قد لقيت أيامك فأخذه من يده فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة فى ناحية الناس فقال وأنت فى الدنيا ثم ألقاه من يده ثم أخذ سيفه فتقدّم فقاتل حتى قتل فبادر ثابت بن قيس بن الارقم الانصارى أخو بنى العجلان وأخذ الراية فجعل يصيح يا آل الانصار فجعل الناس يثوبون اليه فقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم فقالوا أنت قال ما أنا بفاعل فنظر الى خالد بن الوليد فقال يا أبا سليمان خذ اللواء قال لا آخذه أنت أحق به منى لك سن قد شهدت بدرا قال ثابت خذ أيها الرجل فو الله ما أخذته الا لك وقال ثابت للناس اصطلحتم على خالد قالوا نعم فأخذ خالد اللواء وحمل بأصحابه ففض جمعا من جمع المشركين كذا فى الصفوة وقد جاء فى بعض الروايات اصطلح الناس على خالد بن الوليد وأخذ اللواء وانكشف المسلمون وكانت الهزيمة فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقوهم فجعلوا يحثون فى وجوههم التراب ويقولون يا فرار أفررتم فى سبيل الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ليسوا بفرار ولكنهم كرار ان شاء الله تعالى* وفى الاكتفاء فلما أخذ خالد الراية دافع القوم وحاشى بهم ثم انحازوا حتى انصرف الناس قافلا ودنوا من المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولقيهم الصبيان يشتدّون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطونى ابن جعفر فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذه وحمله بين يديه وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون يا فرار فررتم فى سبيل الله فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بالفرار ولكنهم بالكرار ان شاء الله تعالى* وقالت أمّ سلمة زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة مالى لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت انه والله لا يستطيع أن يخرج كلما خرج صاح به الناس يا فرار فررتم فى سبيل الله حتى قعد فى بيته* وعن أبى هريرة أنه قال لما قتل ابن رواحة انهزم المسلمون فجعل خالد يدعوهم فى أخراهم ويمنعهم عن الفرار وهم لا يسمعون حتى نادى قطبة ابن عامر أيها الناس لان يقتل الرجل فى حرب الكفار خير من ان يقتل حال الفرار فلما سمعوا كلام قطبة تراجعوا* وروى ان خالدا لما أصبح أخذ اللواء فبعد ما صفوا للقتال غير صفوف جيشه فجعل المقدمة مكان الساقة والساقة مكان المقدمة والميمنة مكان الميسرة والميسرة مكان الميمنة فوقع الكفار من ذلك فى غلط فحسبوا أن لحق المسلمين مدد فوقع فى قلوبهم من ذلك الرعب فانهزموا فتعهم المسلمون يقتلونهم كيف شاؤا فغنم المسلمون من أموالهم فرجعوا الى المدينة وفى مقفلهم مروا بمدينة لها حصن وقد كان أهل الحصن قتلوا رجلا من المسلمين فى مرورهم الى مؤتة فحاصروهم وفتحوا حصنهم وقتل خالد كثيرا منهم* وعن أنس ان النبىّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليهم* وفى معجم ما استعجم فأصيبوا متتابعين وخرج الى الظهر من ذلك اليوم تعرف الكابة فى وجهه فخطب الناس بما كان من أمرهم وقال أخذ اللواء سيف من سيوف الله يعنى خالد بن الوليد فقاتل حتى فتح الله عليه فيومئذ سمى خالد سيف الله* وفى الاكتفاء لما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ(2/72)
الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم صمت؟؟؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الانصار وظنوا انه قد كان فى عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ثم قال أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ثم قال لقد رفعوا الى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت فى سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريرى صاحبيه قلت عمّ هذا فقيل لى مضيا وتردّد عبد الله بعض التردّد ثم مضى* وروى انه لما قدم يعلى بن أمية بخبر أهل مؤتة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان شئت فاخبرنى وان شئت فأخبرتك قال فأخبرنى يا رسول الله فأخبره صلى الله عليه وسلم بخبرهم كله ووصفه له فقال يعلى والذى بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وان أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع لى الارض حتى رأيت معركتهم كذا رواه البخارى* وفى الصحيح عن خالد بن الوليد أنه قال انقطع فى يدى يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقى فى يدى الا صفيحة يمانية* وفى الصفوة صبرت فى يدى صفيحة يمانية وفيها أيضا عن أبى عبيدة بن الجراح قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خالد بن الوليد سيف من سيوف الله نعم فتى العشيرة قال العلماء بالسير بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فى السرايا وخرج معه فى غزاة الفتح والى حنين وتبوك وحجة الوداع فلما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه أعطاه ناصيته وكانت فى مقدمة قلنسوته وكان لا يلقى أحدا الا هزمه ولما خرج أبو بكر الى أهل الردّة كان خالد بن الوليد يحمل لواءه فلما تلاحق الناس به استعمل خالدا ورجع الى المدينة وستجىء وفاة خالد بن الوليد فى الخاتمة فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنهم*
(ذكر زيد بن حارثة بن شرحبيل بن عبد العزى بن امرىء القيس)
ويقال له زيد الحب وأمه سعدى ابنة ثعلبة بن عبد عمرو وعن أسامة بن زيد قال كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين زيد عشر سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه* ذكر صفته* وكان زيد رجلا قصيرا آدم شديد الادمة فى أنفه فطس وكان يكنى أبا أسامة وكان فى ابتداء حاله مع أمه وقد خرجت به تزور قومها فأغارت خيل لبنى القين فى الجاهلية فمروا على أبيات بنى معن فاحتملوه وهو يومئذ غلام يفعة فوافوا به سوق عكاظ فعرضوه للبيع فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم فلما تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم وهبته له فقبضه اليه وكان أبوه حارثة حين فقده قال
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل ... أحىّ فيرجى أم أتى دونه الاجل
فو الله ما أدرى وان كنت سائلا ... أغالك سهل الارض أم غالك الجبل
فياليت شعرى هل لك الدهر رجعة ... فحسبى من الدنيا رجوعك لى علل
تذكرنيه الشمس عند طلوعها ... وتعرض ذكراه اذا قارب الطفل
وان هبت الارواح هيجن ذكره ... فيا طول ما حزنى عليه وما وجل
سأعمل نص العيس فى الارض جاهدا ... ولا أسأم التطواف أو تسأم الابل
حياتى أو تأتى علىّ منيتى ... فكل امرئ فان وان غرّه الامل
وأوصى به قيسا وعمرا كليهما ... وأوصى يزيدا ثم من بعده جبل
يعنى جبلة بن حارثة أخا زيد ويزيد أخوه لامه فحج ناس من كعب فرأوا زيدا فعرفوه وعرفهم فقال أبلغوا أهلى هذه الابيات
أكنى الى قوم وان كنت نائيا ... بأنى قطين البيت عند المشاعر
فكفوا عن الوجد الذى قد شجاكم ... ولا تعملوا فى الارض نص الاباعر(2/73)
فانى بحمد الله فى خير أسرة ... كرام معدّ كابرا بعد كابر
فانطلقوا وأعلموا أباه ووصفوا له مكانه وعند من هو فخرج حارثة وكعب ابنا شرحبيل بفدائه فقد ما مكة وسألا عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فقيل هو فى المسجد فدخلا عليه فقالا يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله وجيرانه تفكون العانى وتطعمون الاسير جئناك فى ابننا عندك فامنن علينا وأحسن الينا فى فدائه فاننا سنرفع لك فى الفداء قال ما هو قالوا زيد بن حارثة فقال صلى الله عليه وسلم هلا غير ذلك فقالوا ما هو قال ادعوه وخيروه فان اختاركم فهو لكما بغير فداء وان اختارنى فو الله ما أنا بالذى أختار على من اختارنى أحدا قالوا لقد زدتنا على النصفة وأحسنت فدعاه فقال له هل تعرف هؤلاء فقال نعم هذا أبى وهذا عمى فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم فأنا من قد علمت وقد رأيت صحبتى لك فاخترنى أو اخترهما فقال زيد ما أنا بالذى اختار عليك أحدا أبدا أنت منى بمكان الاب والعم فقالا ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك قال نعم انى قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذى أختار عليه أحدا أبدا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه الى الحجر فقال يا من حضر اشهدوا انّ زيدا ابنى أرثه ويرثنى فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا فدعى بزيد بن محمد حتى أتى الله بالاسلام فزوّجه النبىّ صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فلما طلقها تزوّجها النبىّ صلى الله عليه وسلم فتكلم المنافقون فى ذلك وقالوا تزوّج امرأة ابنه فنزلت هذه الاية قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من رجالكم الاية وقال ادعوهم لابائهم فدعى يومئذ بزيد بن حارثة كذا فى الصفوة* روى ان زيدا تزوّج أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط فولدت له ثم طلقها وتزوّج درّة ابنة أبى لهب ثم طلقها وتزوّج هند بنت العوّام أخت الزبير ثم زوّجه النبىّ صلى الله عليه وسلم أمّ أيمن فولدت له أسامة* قال الزهرى أوّل من أسلم زيد قال أهل السير شهد زيد بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج الى المريسيع وخرج أميرا فى سبع سرايا ولم يسم أحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم باسمه فى القرآن غيره وكان له من الولد زيد فهلك صغيرا ورقية أمّها أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وأسامة وأمه أمّ أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل زيد فى غزوة مؤتة فى جمادى الاولى سنة ثمان من الهجرة وهو ابن خمس وخمسين سنة وعن خالد بن الوليد قال لما أصيب زيد بن حارثة أتاهم النبى صلى الله عليه وسلم فجهشت بنت زيد فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتحب* النحيب رفع الصوت بالبكاء كذا فى الصحاح فقال له سعد بن عبادة يا رسول الله ما هذا قال هذا شوق الحبيب الى حبيبه كذا فى الصفوة*
(ذكر جعفر بن أبى طالب)
* كان أسن من علىّ بعشر سنين وكان أسلم قديما بمكة قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الارقم وهاجر الى الحبشة فى الهجرة الثانية مع امرأته أسماء بنت عميس فولدت له هناك عبد الله وبه كان يكنى ومحمدا وعونا فلم يزل هناك حتى قدم على النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر سنة سبع فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما أدرى بأيهما أفرح بقدوم جعفر أم بفتح خيبر كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى أشدّ فرحا بدل أفرح وقال ثم التزمه وقبله بين عينيه خرجه البغوى فى معجمه* وعن جابر قال لما قدم جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر جعفر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل وقال سفين أى مشى على رجل واحدة اعظاما منه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله النبىّ صلى الله عليه وسلم بين عينيه وأعطاه وامرأته أسماء بنت عميس من غنائم خيبر وقال له أشبهت خلقى وخلقى* وعن أبى هريرة قال كان جعفر يحب المساكين ويجلس اليهم ويحدّثهم ويحدّثونه وكان(2/74)
رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين ولما قتل بمؤتة أمهل النبىّ صلى الله عليه وسلم آل جعفر أن يأتيهم ثلاثة أيام فندبوا ثم قال لا تبكوا على أخى بعد اليوم وقال ان له جناحين يطير بهما حيث شاء من الجنة* وروى عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أدخلت الجنة البارحة فنظرت فيها فاذا جعفر يطير مع الملائكة* وفى الاكتفاء استشهد يوم مؤتة من المسلمين سوى الامراء الثلاثة رضى الله عنهم من قريش من بنى عدى بن كعب مسعود بن الاسود بن حارثة ومن بنى مالك بن جبل وهب بن سعد بن أبى سرح ومن الانصار عباد بن قيس من بنى الحارث بن الخزرج والحارث بن النعمان بن أساف من بنى غنم بن مالك بن النجار وسراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء من بنى مازن بن النجار وأبو كليب ويقال أبو كلاب وجابر ابنا عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول وهما لاب وأمّ وعمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث بن عباد من بنى مالك بن أقصى وهؤلاء الاربعة عن ابن هشام
* سرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل
وفى جمادى الاخرة من هذه السنة كانت سرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل وسميت بذلك لان المشركين ارتبط بعضهم الى بعض مخافة أن يفروا وقيل لان بها ماء يقال له السلسل وراء ذات القرى من المدينة على عشرة أيام* قال اسماعيل بن أبى خالد هى غزوة لخم وجذام وقال عروة هى بلاد بلى وعذره وبنى القين أو بنى العنبر وقال بعضهم هى موضع معروف بناحية الشام فى أرض بنى عذرة وفى سيرة ابن هشام انه ماء بأرض جذام وبذلك سميت الغزوة ذات السلاسل وكانت فى جمادى الاخرة سنة ثمان وقيل سنة سبع وبه جزم ابن أبى خالد فى كتاب صحيح التاريخ ونقل ابن عساكر الاتفاق على انها كانت بعد غزوة مؤتة الا ان ابن اسحاق قال قبلها* وسببها انه بلغه صلى الله عليه وسلم ان جمعا من قضاعة تجمعوا للاغارة فعقد لواء أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه فى ثلثمائة من سراة المهاجرين والانصار ومعهم ثلاثون فرسا فسار الليل وكمن النهار فلما قرب منهم بلغه ان لهم جمعا كثيرا فبعث رافع بن مكيث الجهنى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمدّه فبعث اليه أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء وبعث معه مائتين من سراة المهاجرين والانصار فيهم أبو بكر وعمر وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعا ولا يختلفا فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو انما قدمت علىّ مددا وأنا الامير فأطاع له بذلك أبو عبيدة وكان عمرو يصلى بالناس حتى وصل الى العدوّ بلى وعذرة فحمل عليهم المسلمون فهربوا فى البلاد وتفرّقوا*
سرية أبى عبيدة الى سيف البحر
وفى رجب هذه السنة كانت سرية أبى عبيدة الى سيف البحر وهى سرية الخبط وسماها البخارى غزوة سيف البحر قال شيخ الاسلام ابن العراقى فى شرح التقريب قالوا وكانت هذه السرية فى شهر رجب سنة ثمان من الهجرة وذلك بعد ان نكثت قريش العهد وقبل الفتح فان النكث كان فى رمضان من السنة المذكورة* فى استقامة هذا الكلام نظر فليتأمل أو تكون هذه السرية فى سنة ست أو قبلها قبل هدنة الحديبية كما قاله ابن سعد وكان فيها ثلثمائة من المهاجرين والانصار الى ساحل البحر وكان فيها عمر بن الخطاب وقيس بن سعد بن عبادة* وعن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال بعثنا النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ثلثمائة راكب وأميرنا أبو عبيدة ابن الجراح فى طلب عير قريش وترصدها فأقمنا على الساحل حتى فنى زادنا وأكلنا الخبط حتى تقرّحت أشداقنا ثم انّ البحر ألقى الينا دابة يقال لها العنبر فأكلنا منها نصف شهر حتى صحت أجسامنا* وفى رواية عنه فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناها فاذا هى دابة تدعى العنبر فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال الدهن ونقطع منه القدر كالثور ولقد أخذمنا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلا فاقعدهم فى وقب عينها وأخذ ضلعا من أضلاعها وأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا ثم ركبه أطول رجل منا فجاز من تحتها وتزوّدنا من لحمه(2/75)
الوسائق فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شئ فتطعمونا فأرسلنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله
* سرية أبى قتادة الانصارى الى خضرة
وفى شعبان هذه السنة كانت سرية أبى قتادة بن ربعى الانصارى الى خضرة وهى أرض محارب وبعث معه خمسة عشر رجلا الى غطفان فقتل من أشرافهم وسبى سبيا كثيرا واستاق النعم فكانت الابل مائتى بعير والغنم ألفى شاة وكانت غيبته خمس عشرة ليلة*
سرية أبى قتادة الى بطن اضم
وفى أوّل رمضان هذه السنة كانت سرية أبى قتادة أيضا الى بطن اضم فيما بين ذى خشب وذى المروة على ثلاثة برد من المدينة لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو أهل مكة بعث أبا قتادة فى ثمانية نفر سرية الى بطن اضم ليظنّ ظانّ أنه صلى الله عليه وسلم توجه الى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك الاخبار فلقوا عامر بن الاضبط فحياهم بتحية الاسلام يعنى السلام فقتله محكم بن جثامة ولم يلقوا العدوّ فرجعوا الى المدينة فلما بلغوا موضعا يقال له ذو خشب سمعوا بخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم من المدينة نحو مكة فساروا فى أثره حتى لحقوا به فى السقيا بالضم بين المدينة ووادى الصفراء وكذا فى القاموس* فأنزل الله عز وجل ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا الاية وهو عند ابن جرير من حديث ابن عمر بنحوه وزاد فجاء محكم بن جثامة فى بردين فجلس بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غفر الله لك فقام وهو يتلقى دموعه بردائه فما مضت له سابعة حتى مات فلفظته الارض وعند غيره ثم عادوا به فلفظته فلما غلب قومه عمدوا الى صدين فسطحوه ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه* وفى القاموس الصد الجبل وناحية الوادى والرضم وضع الحجر بعضه على بعض وفى رواية ابن جرير ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان الارض لتطابق على من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم ونسب ابن اسحاق هذه السرية لابن أبى حدرد كذا فى الاكتفاء*
سرية عبد الله بن أبى حدرد الى الغابة
وفى هذه السنة كانت سرية عبد الله بن أبى حدرد الاسلمى أيضا ومعه رجلان الى الغابة لما بلغه صلى الله عليه وسلم ان رفاعة بن قيس يجمع لحربه فقتلوا رفاعة وهزموا عسكره وغنموا غنيمة عظيمة حكاه مغلطاى وعن عبد الله بن أبى حدرد أنه قال أقبل رجل من جشم بن معاوية يقال له رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة فى بطن عظيم من بنى جشم حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة يريد أن يجمع جيشا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذا اسم فى جشم وشرف فدعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معى من المسلمين فقال اخرجوا الى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم قال فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى اذا جئنا قريبا من الحاضر عشية مع غروب الشمس كنت فى ناحية وأمرت صاحبىّ فكمنا فى ناحية أخرى من حاضر القوم وقلت لهما اذا سمعتمانى قد كبرت وشددت فى ناحية العسكر فكبرا وشدّا معى فو الله انا لذلك ننتظر غرّة القوم أو أن نصيب منهم شيئا وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء وكان لهم راعى سرح فى ذلك البلد فأبطأ عليهم حتى تخوّفوا عليه فقام صاحبهم ذلك فأخذ سيفه فجعله فى عنقه ثم قال والله لأتبعنّ أثر راعينا هذا ولقد أصابه شرّ فقال نفر ممن كان معه والله لا تذهب أنت نحن نذهب نكفيك قال والله لا يذهب الا أنا قالوا فنحن معك قال والله لا يتبعنى أحد منكم وخرج حتى مرّ بى فلما أمكننى نفحته بسهم فوضعته فى فؤاده فو الله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت رأسه وشددت فى ناحية العسكر وكبرت وشدّ صاحباى فكبرا فو الله ما كان الا النجا ممن فيه عندك عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم واستقنا ابلا عظيمة وغنما كثيرة فجئنا بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت برأسه أحمله معى فأعاننى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الابل بثلاثة(2/76)
عشر بعيرا فى صداق امرأة تزوّجتها من قومى على مائتى درهم فجئت بها الى أهلى كذا فى الاكتفاء
*
غزوة فتح مكة
وفى عشرين من رمضان هذه السنة يوم الجمعة وقيل فى سادس عشر منه وقعت غزوة فتح مكة* وفى البخارى على رأس ثمان ونصف من مقدمه المدينة* وفى خلاصة السير لسبع ستين وثمانية أشهر واحد عشر يوما* وفى الاكتفاء أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه الى مؤتة جمادى الاخرة ورجبا ثم عدت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة على خزاعة قال أصحاب الاخبار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشا عام الحديبية واصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر ستين يأمن فيهنّ الناس ويكف بعضهم عن بعض وانه من أحب أن يدخل فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل فيه كما مرّ فدخلت بنو بكر فى عقد قريش ودخلت خزاعة فى عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بينهما شرّ قديم ولما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية عدت بنو بكر على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير فخرج نوفل بن معاوية الديلى فى بنى ديل من بنى بكر وليس كل بنى بكر تابعه كذا فى معالم التنزيل* وفى المنتقى كلمت بنو نفاثة وهم من بنى بكر أشراف قريش أن يعينوهم على خزاعة بالرجال والسلاح فوعدوهم ووافوهم وكان ممن أعان بنى بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ متنكرين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو وحويطب ومكرز مع عبيدهم فبيتوا خزاعة ليلا وهم غارّون فقتلوا منهم عشرين رجلا ثم ندمت قريش على ما صنعت وعلموا ان هذا نقض للعهد الذى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمرو بن سالم الخزاعى فى أربعين راكبا حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة* وروى عن ميمونة بنت الحارث زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها فى ليلتها ثم قام وتوضأ للصلاة فسمعته يقول لبيك لبيك ثلاثا فلما خرج من متوضئه قلت له يا رسول الله بأبى أنت وأمى انى سمعتك تكلم انسانا فهل كان معك أحد قال هذا راجز بنى كعب يستصرخنى ويزعم ان قريشا أعانت عليهم بنى بكر قال فأقمنا ثلاثة أيام ثم صلى الصبح بالناس فسمعت راجزا ينشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد جالس بين ظهرانى الناس وهو يقول
لاهمّ انى ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الا تلدا
انا ولدناك وكنت الولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
ان قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا
هم بيتونا بالوتير هجدا ... وقتلونا ركعا وسجدا
وجعلوا لى فى كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا ... فانصر هداك الله نصرا أبدا
وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا
فى فيلق كالبحر يجرى مزبدا ... أبيض كالبدر ينمى صعدا
ان سيم خسفا وجهه تربدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نصرت يا عمرو بن سالم* وفى المنتقى نصرت نصرت ثلاثا أو لبيك لبيك ثلاثا ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال ان هذه السحابة لتستهل لنصر بنى كعب وهم رهط عمرو بن سالم* وفى المنتقى فلما كان بالروحاء نظر الى سحاب منصب فقال ان هذا السحاب لنصب لنصر بنى كعب ثم خرج يديل بن ورقاء الخزاعى فى نفر من خزاعة حتى قدموا(2/77)
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب منهم ومظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين الى مكة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس كأنكم بأبى سفيان قد جاء ليشدّد العقد ويزيد فى المدّة ومضى بديل بن ورقاء فلقى أبا سفيان بعسفان قد بعثه قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشدد العقد ويزيد فى المدّة وقد رهبوا الذى صنعوا فلما لقى أبو سفيان بديلا قال من أين أقبلت يا بديل فظن أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سرت الى خزاعة فى هذا الساحل وفى بطن هذا الوادى قال أو ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل مكة قال أبو سفيان لئن كان بالمدينة لقد علف بها فعمد الى منزل ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وهو بيت ابنته أم حبيبة ابنة أبى سفيان فأتى ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فطوته عنه قال يا بنية أرغبت بى عن هذا الفراش أم رغبت به عنى قالت بلى هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس وما أحب ان تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لقد أصابك يا بنية بعدى شر ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يردّ عليه شيئا ثم ذهب الى أبى بكر وكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فأبى ثم أتى على بن أبى طالب فأبى ثم قال لفاطمة ان تأمر ابنها الحسين وهو غلام يدب بين يدى أبويه حتى يجير له فأبت فقال يا أبا حسن انى أرى الامور قد اشتدّت علىّ فانصحنى قال والله ما أعلم شيئا يغنى عنك ولكنك سيد بنى كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال وترى ذلك مغنيا شيئا قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان فى المسجد فقال أيها الناس انى قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق فلما أن قدم على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فو الله ما ردّ علىّ بشئ ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد عنده خيرا وجئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم أتيت علىّ بن أبى طالب فوجدته ألين الناس فقد أشار علىّ بشئ صنعته فو الله ما أدرى هل يغنينى شيئا أم لا قالوا وماذا أمرك قال أمرنى أن أجير بين الناس ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا والله ان زاد علىّ الا أن لعب بك الناس فما يغنى عنا ما قلت قال لا والله ما وجدت غير ذلك وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه ولم يعلموا به أحدا فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضى الله عنها وهى تصلح بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنية ما هذا الجهاز قالت لا أدرى قال أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تجهزوه قالت نعم فنجهزه قال فأين ترينه يريد قالت ما أدرى قال ما هذا زمان غزوة بنى الاصفر فأين يريد قالت لا علم لى ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس انه سائر الى مكة وقال اللهمّ خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نسبقها فى بلادها* وفى رواية قال اللهم عمّ عليهم خبرنا حتى نأخذهم بغتة فتجهز الناس فكتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا الى أهل مكة وبعثه مع سارة مولاة بنى المطلب* وفى معالم التنزيل والمدارك ان مولاة لابى عمرو بن صيفى بن هاشم بن عبد مناف يقال لها سارة أتت المدينة من مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فقال لها أمسلمة جئت قالت لا فال أفمهاجرة قالت لا قال فما جاء بك قالت قد ذهبت الموالى وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطونى وتكسونى وتحملونى فقال لها وأين أنت من شباب مكة وكانت مغنية نائحة قالت ما طلب منى شئ بعد وقعة بدر فحث عليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب وبنى المطلب فاعطوها نفقة وكسوة وحملوها* وفى شفاء الغرام حامل كتاب حاطب بن أبى بلتعة أم سارة مولاة لقريش وفيه أيضا أم سارة هى التى أمر النبىّ صلى الله(2/78)
عليه وسلم بقتلها يوم فتح مكة وانها كانت مولاة لقريش وبين الحافظ مغلطاى اسم المرأة وقال كتب حاطب كتابا وأرسله مع أم سارة كنود المزنية انتهى* ولما علم حاطب بن أبى بلتعة حليف بنى أسد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو أهل مكة كتب اليهم كتابا ودفعه الى سارة وأعطاها عشرة دنانير وكساها بردا على ان توصل الكتاب الى أهل مكة وكتب فى الكتاب وفى المدارك واستحملها كتابا نسخته* من حاطب بن أبى بلتعة الى أهل مكة اعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم* وفى رواية كتب فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه اليكم بجيش كالليل يسير كالسيل واقسم بالله لو سار اليكم وحده لنصره الله عليكم فانه منجز له وعده* وفى رواية كتب فيه ان محمدا قد نفر فاما اليكم واما الى غيركم فعليكم الحذر ذكرهما السهيلى فخرجت سارة ونزل جبريل بالخبر فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الاسود وأبا مرثد فرسانا فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب من حاطب بن أبى بلتعة الى المشركين أو الى أهل مكة فخذوه منها وخلوا سبيلها فان لم تدفعه اليكم أو قال فان أبت فاضربوا عنقها* قال الواقدى روضة خاخ بقرب ذى الحليفة على بريد من المدينة فانطلقوا تعادى بهم خيلهم حتى أتوا الروضة فأدركوها فى ذلك المكان الذى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها كتاب فبحثوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا فهموا بالرجوع فقال علىّ والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقال أخرجى الكتاب والا لا جردنك أو لا ضربن عنقك* وفى المدارك اخرجى الكتاب أو تضعى رأسك* وفى رواية لتخرجن الكتاب أو لتلقنّ الثياب فلما رأت الجد أخرجته من عقيصتها قد خبأته فى شعرها فخلوا سبيلها ولم يتعرّضوا لها ولا لما معها فرجعوا بالكتاب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حاطب فأتاه فقال هل تعرف الكتاب قال نعم قال ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله لا تعجل علىّ والله يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ صحبتك أو قال نصحتك ولا أجبتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين الا وله بمكة من يمنع عشيرته* وفى رواية وكان لمن معك من المهاجرين بمكة قرابات يحمون أهلهم وأموالهم وكنت غريبا فيهم* وفى رواية كنت امرأ ملصقا فى قريش بقول حليفا ولم أكن من أنفسها وليس فيهم من يحمى أهلى وكان أهلى بين ظهرانيهم فخشيت على أهلى فأحببت اذ فاتنى ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتى وقد علمت بأن الله ينزل بهم بأسه وان كتابى لا يغنى عنهم شيئا ولم أفعل ذلك ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الاسلام فصدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره فقال أما انه قد صدقكم فقام عمر بن الخطاب فقال دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال انه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ففاضت عينا عمر فأنزل الله عز وجل فى حاطب يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّى وعدوّكم أولياء تلقون اليهم بالمودّة الاية وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى من حوله من الاعراب فجلبهم وهم أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع وسليم فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم بن حصين بن خلف الغفارى* وفى المنتقى عبد الله بن أم مكتوم وخرج عامدا الى مكة يوم الاربعاء بعد العصر لعشر مضين من رمضان السنة الثامنة من الهجرة فصام صلى الله عليه وسلم وصام الناس حتى اذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمج* وعن ابن عباس الكديد الماء الذى بين قديد وعسفان* وفى القاموس الكديد ماء بين الحرمين أفطر فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر وقدّم أمامه الزبير وقد كان ابن عمته*
وأخوه من رضاع حليمة السعدية أبو سفيان بن(2/79)
الحارث بن عبد المطلب ومعه ولده جعفر بن أبى سفيان وكان أبو سفيان يألف رسول الله فلما بعث عاداه وهجاه وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أبى أمية بن المغيرة لقياه بنبق العقاب فيما بين مكة والمدينة* وفى المواهب اللدنية كان لقاؤهما له عليه السلام بالابواء وقيل بين السقيا والعرج فالتمسا الدخول عليه فأعرض صلى الله عليه وسلم عنهما لما كان يلقى منهما من شدّة الاذى والهجو وكلمته أم سلمة وهى أخت عبد الله فيهما فقالت يا رسول الله لا يكن ابن عمك وابن عمتك وصهرك أشقى الناس بك قال لا حاجة لى فيهما أما ابن عمى فهتك عرضى وأما ابن عمتى وصهرى فهو الذى قال لى بمكة ما قال فلما خرج الخبر اليهما بذلك قال أبو سفيان ومعه بنى له اسمه جعفر بن أبى سفيان والله ليأذنن لى أو لاخذنّ بيد بنى هذا ثم لنذهبن فى الارض حتى نموت عطشا وجوعا فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما* وفى المواهب اللدنية قال علىّ لابى سفيان فيما حكاه ابو عمرو وصاحب ذخائر العقبى ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل ما قال اخوة يوسف تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فانه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولا ففعل ذلك أبو سفيان فقال له صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين* وقد مرّ فى أولاد عبد المطلب فى النسب ويقال ان أبا سفيان ما رفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه قالوا ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بقديد عقد الالوية والرايات ودفعها الى القبائل ثم سار حتى نزل مرّ الظهران فى عشرة آلاف من المسلمين لم يتخلف عنه من المهاجرين والانصار أحد* وفى القاموس ظهران واد بقرب مكة يضاف اليه مر ومرّ الظهران موضع على مرحلة من مكة وقال بعضهم ومنه الى مكة أربعة فراسخ قال ابن سعد نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ الظهران عشاء فأمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب وقد عميت الاخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل وهم مغتمون لما يخافون من غزوه اياهم وقد كان عباس بن عبد المطلب لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق فخرج فى تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسون الاخبار هل يجدون خبرا وقد قال العباس ليلتئذ واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يستأمنوا انه لهلاك قريش الى آخر الدهر فخرج على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وقال اخرج الى الاراك لعلى ألقى بعض الخطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتى مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتونه فيستأمنونه قبل أن يدخلها عليهم عنوة قال فخرجت وانى لا طوف فى الاراك التمس ما خرجت له اذ سمعت صوت أبى سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان فأبو سفيان يقول والله ما رأيت كالليلة قط نيرانا فقال بديل والله هذه نيران خزاعة حشتها الحرب فقال أبو سفيان خزاعة والله ألأم وأذل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة فعرف صوتى فقال أبو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك أبى وأمى فقلت ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين واصباح قريش قال فما الحيلة فداك أبى وأمى قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب فى عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك فردفنى ورجع صاحباه فحرّكت به بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكاه امررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا فاذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا هذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على
بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررت بنار عمر(2/80)
فقال من هذا وقام الىّ فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة قال أبو سفيان عدوّ الله الحمد لله الذى أمكننى منك بغير عقد ولا عهد ثم اشتدّ نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطىء فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدوّ الله قد أمكن الله تعالى منه بغير عقد ولا عهد فدعنى أضرب عنقه فقلت يا رسول الله انى قد أجرته ثم جلست الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه قال قال النبىّ صلى الله عليه وسلم للعباس بعد تنازع وتراجع فى الكلام بينه وبين عمر اذهب به يا عباس الى رحلك فاذا أصبحت فأتنى به قال فذهبت به الى رحلى فبات عندى فلما أصبحت غدوت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا اله الا الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وما اكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنى شيئا قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم انى رسول الله قال بأبى أنت وأمى ما أحلمك وما أكرمك وأوصلك أما هذه والله كان فى النفس حتى الان منها شئ قال العباس قلت ويحك يا أبا سفيان أسلم واشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن يضرب عنقك فشهد شهادة الحق وأسلم وفى رواية عروة لما دخل أبو سفيان مع العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة أسلم* قال أبو سفيان يا محمد انى قد استنصرت الهى واستنصرت الهك فو الله ما لقيتك من مرة الا ظهرت علىّ فلو كان الهى محقا والهك مبطلا لظهرت عليك فشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فقال العباس يا رسول الله ان أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس احبسه بمضيق الوادى عند حطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها قال فخرجت به حتى حبسته حيث أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرّت به القبائل على راياتها كلما مرّت قبيلة قال من هؤلاء يا عباس فأقول سليم فيقول مالى ولسليم ثم تمرّ القبيلة قال من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالى ولمزينة حتى نفدت القبائل لا تمرّ قبيلة الا سألنى عنها فاذا أخبرته فيقول مالى ولبنى فلان حتى مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخضراء كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المهاجرون والانصار لا يرى منهم الا الحدق قال سبحان الله من هؤلاء يا عباس قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والانصار قال ما لأحد بهؤلاء من قبل والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن اخيك عظيما قلت ويحك يا أبا سفيان انها النبوّة قال فنعم اذا قلت الحق بقومك فحذرهم* وفى الاكتفاء التجئ الى قومك فخرج سريعا حتى اذا جاءهم فصرخ باعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فه قال فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن فقامت اليه هند بنت عتبة فأخذت بشار به فقالت اقتلوا الحميت الدسم الاحمس قبح من طليعة قوم قال ويحكم لا تغرّن هذه من أنفسكم فانه قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا قاتلك الله وما تغنى دارك عنا شيئا قال فمن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن* وفى رواية نادى أبو سفيان أسلموا تسلموا فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد* وروى ان حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهر ان فأسلما فبايعاه فبعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه الى قريش يدعو انهم الى الاسلام ولما خرج أبو سفيان وحكيم من عند النبىّ صلى الله عليه وسلم
راجعين الى مكة بعث فى أثرهما الزبير بن العوّام وأعطاه الراية وأمره على خيل المهاجرين والانصار وأمره أن يسير من طريق كداء وأن يركز رايته باعلى الحجون(2/81)
وقال له لا تبرح من حيث أمرتك أن تركز رايتى حتى آتيك* وفى الاكتفاء وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذى طوى الزبير بن العوّام أن يدخل فى بعض الناس من كداء وكان على المجنبة اليسرى وأمر سعد بن عبادة ان يدخل فى بعض الناس من كدى فذكروا ان سعدا حين وجه داخلا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين قيل هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا رسول الله أتسمع ما قال سعد ما نأمن أن يكون له فى قريش صولة وصدمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلىّ بن أبى طالب أدركه فخذ الراية فكن أنت الذى تدخل بها ويقال أخذت الراية من سعد ودفعت الى ابنه قيس بن سعد ويقال أمر الزبير بأخذ الراية وجعله مكان سعد على الانصار مع المهاجرين* وفى المواهب اللدنية هذه ثلاثة أقوال فيمن دفعت اليه الراية التى نزعت من سعد والذى يظهر من الجميع ان عليا أرسل لينزعها من سعد ويدخل بها ثم خشى من تغير خاطر سعد فأمر بدفعها الى ابنه قيس ثم ان سعدا خشى أن يقع من ابنه شئ ينكره النبىّ صلى الله عليه وسلم فسأل النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يأخذها من قيس فحينئذ أخذها الزبير وجعل أبا عبيدة بن الجراح على الحسر والبيادق كذا فى المواهب اللدنية والمنتقى* فسار الزبير بالناس حتى وقف بالحجون وغرز هناك راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر خالد بن الوليد وكان على المجنبة اليمنى أن يدخل فيمن أسلم من قضاعة وبنى سليم وأسلم وغفار وجهينة ومزينة وسائر القبائل فدخل من الليط أسفل مكة وبها بنو بكر وبنو الحارث بن عبد مناة والاحابيش الذين استنفرتهم واستنصرتهم قريش وأمرتهم أن يكونوا بأسفل مكة وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم خالدا أن يركز رايته عند منتهى البيوت وأدناها وكان ذلك أوّل امارة خالد وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لخالد والزبير حين بعثهما لا تقاتلوا الا من قاتلكم ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ذى طوى وقف على راحلته معتجرا بشقة برد حمراء وانه ليضع رأسه تواضعا لله وشكرا له حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى ان عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل* العثنون بالعين المهملة والثاء المثلثة والنونين بينهما واو اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو نبت على الذقن وتحته سفلا أو هو طولها وشعيرات طوال تحت حنك الابل كذا فى القاموس* ولما وقف صلى الله عليه وسلم هناك قال أبو قحافة وقد كف بصره لابنة له من أصغر ولده وهو على أبى قبيس مشرفا عليه أى بنية ماذا ترين قالت أرى سوادا مجتمعا قال تلك الخيل قالت وأرى رجلا يسعى بين يدى ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال أى بنية ذاك الوازع يعنى الذى يأمر الخيل ويتقدّم اليها ثم قالت قد والله انتشر السواد فقال قد والله اذا دفعت الخيل فأسرعى بى الى بيتى فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل الى بيته وفى عنق الجارية طوق من ورق فتلقاها رجل فقطعه من عنقها قال فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ فى بيته حتى أكون أنا آتيه فيه فقال أبو بكر يا رسول الله هو أحق أن يمشى اليك من ان تمشى أنت اليه قال فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له أسلم فأسلم ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانّ رأسه ثغامة فقال غيروا هذا من شعره وسيجىء ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال انشد الله والاسلام طوق أختى فلم يجبه أحد فقال أى أخية احتسبى طوقك فو الله ان الامانة اليوم فى الناس قليل ولم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال وأما خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة فلقيه قريش وبنو بكر والاحابيش فقاتلوه فقتل منهم قريبا من عشرين رجلا ومن هذيل ثلاثة أو أربعة وانهزموا وقتلوا بالحزورة حتى بلغ قتلهم باب المسجد وهرب فضيضهم حتى دخلوا الدور
وارتفعت طائفة منهم على الجبال واتبعهم(2/82)
المسلمون بالسيوف وهربت طائفة منهم الى البحر والى صوب اليمن وأقبل أبو عبيدة بن الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أواخر المهاجرين حتى نزل بأعلى مكة وضربت له هناك قبة* وروى مسلم من حديث جابر دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء من غيرا حرام* وروى ابن ابى شيبة باسناد صحيح عن طاوس لم يدخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة الا محرما الا يوم فتح مكة وقد اختلف العلماء هل يجب على من دخل مكة الاحرام أم لا فالمشهور من مذهب الشافعىّ عدم الوجوب مطلقا وفى قول يجب مطلقا وفيمن يتكرّر دخوله خلاف مرتب فاولى بعدم الوجوب والمشهور عن الائمة الثلاثة الوجوب كذا فى المواهب اللدنية* ولما علا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنية كداء نظر الى البارقة على الجبل مع فضض المشركين فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقال المهاجرون نظنّ ان خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن بد أن يقاتل من قاتله وما كان يا رسول الله ليعصيك ولا ليخالف أمرك فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثنية فأجاز على الحجون واندفع الزبير بن العوّام حتى وقف بباب الكعبة* وفى الاكتفاء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد الى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا الا من قاتلهم الا انه قد عهد فى نفر قد سماهم أمر بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة وسيجىء ذكرهم وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو قد جمعوا ناسا بالحندمة ليقاتلوا فيهم حماس ابن قيس بن خالد اخو بنى بكر وقد كان أعدّ سلاحا وأصلح منها فقالت له امرأته لم تعدّ سلاحك هذا قال لمحمد وأصحابه قالت والله ما أراه يقوم لمحمد شئ قال والله انى لأرجو أن أخدمك بعضهم ثم قال
ان يقتلوا اليوم فما لى علة ... هذا سلاح كامل وألة
وذو غرارين سريع السلة
ثم شهد الحندمة فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد ناوشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر الفهرى وخنيس بن خالد بن الاشقر كانا فى خيل خالد فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقاتلا جميعا وأصيب سلمة بن الميلاء الجهنى من خيل خالد وأصيب من المشركين ناس ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته وقال لامرأته أغلقى علىّ بابى قالت فأين ما كنت تقول فقال
انك لو شهدت يوم الخندمة ... اذ فرّ صفوان وفرّ عكرمة
واستقبلتهم بالسيوف المسلمة ... يقطعن كل ساعد وجمجمة
ضربا فلا تسمع الا غمغمة ... لهم نهيت خلفنا وهمهمة
لم تنطقى فى اللوم أدنى كلمة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد بعد أن اطمأنّ لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال قال هم يدؤنا ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا النبل وقد كففت يدى ما استطعت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء الله خير وفرّ يومئذ صفوان بن أمية عامد اللبحر وعكرمة بن أبى جهل عامد الليمن وستجىء قصتهما* وفى المنتقى وكل الجنود لم يلقوا جنودا غير خالد فانه لقى صفوان بن أمية وسهيل ابن عمرو وعكرمة ابن أبى جهل فى جمع من قريش فمنعوه من الدخول وشهروا السلاح ورموا بالنبل فصاح خالد فى أصحابه فقاتلهم فقتل أربعة وعشرون من قريش وأربعة من هذيل فلما ظهر النبى صلى الله عليه وسلم قال لخالد ألم أنه عن القتال فقيل قوتل خالد فقاتل كما مرّ* وفى شفاء الغرام عن عطاء ابن السائب قال حدّثنى طاوس وعامر قالا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم خالد بن الوليد(2/83)
فانا لهم شيئا من قتل فجاء رجل من قريش فقال يا رسول الله هذا خالد بن الوليد قد أسرع فى القتل فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لرجل من الانصار عنده يا فلان قال لبيك يا رسول الله قال ائت خالد بن الوليد قل له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل بمكة أحدا فجاء الانصارى فقال يا خالد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تقتل من لقيت فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا من مكة فجاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم رجل من قريش فقال يا رسول الله هلكت قريش لا قريش بعد اليوم قال ولم قال هذا خالد لا يلقى أحدا من الناس الا قتله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ادع لى خالدا فلما أتى اليه خالد قال يا خالد ألم أرسل اليك أن لا تقتل أحدا قال بل أرسلت الىّ أن أقتل من قدرت عليه قال ادع لى الانصارى فدعاه له فقال ألا آمرك أن تأمر خالدا أن لا يقتل أحدا قال بلى ولكنك أردت أمرا وأراد الله غيره فكان ما أراد الله فسكت صلى الله عليه وسلم ولم يقل للانصارى شيئا وقال يا خالد قال لبيك يا رسول الله قال لا تقتل أحدا قال لا* وفى المواهب اللدنية والمنتقى روى أحمد ومسلم والنسائى عن أبى هريرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بعث على احدى المجنبتين خالد بن الوليد وبعث الزبير على الآخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر بضم المهملة وتشديد السين المهملة أى الذين بغير سلاح فقال لى يا أبا هريرة اهتف لى بالانصار فهتفت بهم فجاؤا فأطافوا فقال لهم أترون الى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال باحدى يديه على الآخرى احصدوهم حصدا حتى توافونى بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما نشاء أن نقتل أحدا منهم الا قتلناه فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله ابحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن* وفى الاكتفاء قالت أمّ هانئ بنت أبى طالب وكانت عند هبيرة بن أبى وهب المخزومى لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فرّ الىّ رجلان من أحمائى من بنى مخزوم فدخل علىّ أخى على بن أبى طالب فقال والله لاقتلنهما فأغلقت عليهما بيتى ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة فوجدته يغتسل من جفنة كان فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستره بثوبه فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى ثمان ركعات من الضحى ثم انصرف الىّ فقال مرحبا وأهلا بأمّ هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر الرجلين وخبر علىّ فقال قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ وأمّنا من أمّنت فلا يقتلنهما* قال ابن هشام هما الحارث بن هشام وزهير بن أمية بن المغيرة* وفى رواية للبخارى انه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة اغتسل فى بيت أم هانئ ثم صلى الضحى ثمان ركعات فقالت لم أره صلى صلاة أخف منها غير انه يتم الركوع والسجود وذكره فى المواهب اللدنية* وفى رواية دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة حين ارتفعت الشمس على ناقته القصوى بين أبى بكر وأسيد بن حضير وقد أردف أسامة بن زيد وقد طأطأ رأسه تواضعا لله وهو يقرأ سورة الفتح* وفى الاكتفاء ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم واطمأنّ الناس خرج حتى أتى البيت فطاف به سبعا على راحلته يستلم الركن بمحجن فى يده فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة وأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ثم وقف على باب الكعبة فقال لا اله الا الله صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألاكل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمىّ هاتين الاسدانة البيت وسقاية الحاج يا معشر قريش ان الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالاباء الناس لادم وآدم خلق من تراب ثم تلاهذه الاية فقال يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الاية ثم قال يا معشر قريش أو يا أهل مكة ماذا ترون أنى فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال اذهبوا فأنتم الطلقاء(2/84)
فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة فلذلك تسمى اهل مكة الطلقاء أى الذين أطلقوا فلم يسترقوا ولم يؤسروا والطليق هو الاسير اذا أطلق قال ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فقام اليه علىّ بن أبى طالب ومفتاح الكعبة فى يده فقال يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة فدعى له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم برّ ووفاء وقال لعلىّ فيما حكى ابن هشام انما أعطيكم ما تزرؤن لا ما ترزؤن* وفى البحر العميق دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة فقام العباس بن عبد المطلب فبسط يده وقال يا رسول الله بأبى أنت وأمى اجمع لى الحجابة مع السقاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيكم ما تزرؤن فيه لا ما ترزؤن منه قال أبو على معناه أنا أعطيكم ما تتموّنون على السقاية التى تحتاج الى مؤن أى فأنتم ترزؤن بضم التاء وسكون الراء المهملة قبل الزاى المعجمة المفتوحة من الرزء بالضم وهو النقص أى يرزؤكم الناس أى ينقصونكم بالاخذ لتموينكم اياهم بتموين السقاية المعدّة لهم وأما السدانة فيرزؤ بها الناس بالبعث اليها أى بعث كسوة البيت أى لا يليق أن ترزؤا بفتح التاء وسكون الراء المهملة قبل المعجمة أى تنقصوا الناس بأخذ أموالهم والتعرّض لذلك لشرفكم وقيل معنى ترزؤن فيه بضم المثناة أى تصيبون فيه الخير بصرف أموالكم فى موّنات زمزم ومعنى ما تزرؤن منه بفتح المثناة أى تستجلبون به الاموال أى تأخذون منه أموال الناس كالحجابة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عضادتى باب الكعبة فقال ألا ان كل دم أو مأثرة كانت فى الجاهلية فهى تحت قدمىّ هاتين الا السقاية وسدانة الكعبة فانى قد أمضيتهما لاهلهما على ما كانت فى الجاهلية فقبضها العباس وكانت فى يده حتى توفى فوليها بعده عبد الله بن عباس فكان يفعل فيها كفعله دون بنى عبد المطلب وكان محمد بن الحنفية قد كلم فيها ابن عباس فقال له ابن عباس مالك ولها نحن أولى بها فى الجاهلية والاسلام وقد كان أبوك تكلم فيها فأقمت البينة طلحة بن عبيد الله وعامر بن ربيعة وأزهر ابن عبد عوف ومخرمة بن نوفل ان العباس بن عبد المطلب كان يليها فى الجاهلية بعد عبد المطلب وجدك أبو طالب فى ابله فى باديته بعرفة وان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها العباس يوم الفتح دون بنى عبد المطلب فعرف ذلك من حضر وكانت بيد عبد الله بن عباس بتولية رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره لا ينازعه فيها منازع ولا يتكلم فيها متكلم حتى توفى فكانت فى يد علىّ بن عبد الله بن عباس يفعل فيها كفعل أبيه وجدّه ويأتيه الزبيب من ماله بالطائف وينبذه حتى توفى فكانت فى يد ولده حتى الان قال الازرقى كان لزمزم حوضان حوض بينها وبين الركن يشرب منه وحوض من ورائها للوضوء له سرب يذهب فيه الماء* وذكر ابن عقبة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى طوافه نزل فأخرجت الراحلة فركع ركعتين ثم انصرف الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب على سقايتهم لنزعت منها بيدى تم انصرف الى ناحية المسجد قريبا من مقام ابراهيم وكان المقام لا صقا بالكعبة فأخره رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا صلى الله عليه وسلم بسجل من ماء فشرب وتوضأ والمسلمون يبتدرون وضوءه ويصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون اليهم ويتعجبون ويقولون ما رأينا ملكا قط بلغ هذا ولا سمعنا به*
ذكر الاصنام التى كانت فى البيت
وذكر ابن هشام أيضا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم فرأى ابراهيم مصورا فى يده الازلام يستقسم بها فقال قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالازلام ما شأن ابراهيم والازلام ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست(2/85)
* وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الالهة فأمر بها فأخرجت وأخرجوا صورة ابراهيم واسماعيل فى أيديهما الازلام فقال قاتلهم الله لقد علموا انهما ما استقسما بها قط ثم دخل البيت فكبر فى نواحى البيت ولم يصل وفى رواية صلى فيه* وفى الاكتفاء عن ابن عباس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم يشير بقضيب فى يده الى الاصنام وهو يقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فما أشار الى صنم منها فى وجهه الا وقع ذلك الصنم لقفاه ولا أشار لقفاه الا وقع لوجهه حتى ما بقى منها صنم الا وقع* وفى رواية يشير الى الصنم بقوس فى يده وهو آخذ بسيتها وهو يقول جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً وقل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد فيقع الصنم لوجهه وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة حذاء مقام ابراهيم لاصقا بها وقال تميم بن أسد الخزاعى
وفى الاصنام معتبر وعلم ... لمن يرجو الثواب أو العقابا
* وفى المواهب اللدنية وكان حول البيت ثلثمائة وستون صنما فكلما مرّ صلى الله عليه وسلم بصنم أشار اليه الخ رواه البيهقى* وفى رواية أبى نعيم قد أوثقها الشياطين بالرصاص والنحاس* وفى تفسير العلامة ابن النقيب المقدسى ان الله تعالى أعلمه انه قد أنجزه وعده بالنصر على أعدائه وفتح له مكة وأعلى كلمته ودينه وأمره اذا دخل مكة أن يقول جاء الحق وزهق الباطل فصار صلى الله عليه وسلم يطعن الاصنام التى حول الكعبة بمحجنه ويقول جاء الحق وزهق الباطل فيخر الصنم ساقطا مع انها كلها كانت مثبتة بالحديد والرصاص وكانت ثلثمائة وستين صنما بعدد أيام السنة قال ابن عباس ولما نزلت الاية يوم الفتح قال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم خذ مخصرتك ثم ألقها فجعل يأتى صنما صنما ويطعن فى عينه أو بطنه بمخصرته ويقول جاء الحق وزهق الباطل فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا وبقى صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير أو صفر وقال يا على ارم به فحمله عليه السّلام حتى صعد ورمى به وكسره فجعل أهل مكة يتعجبون انتهى كلام المواهب اللدنية* وفى الرياض النضرة روى عن علىّ أنه قال حين أتينا الكعبة قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد على منكبى فذهبت لا نهض به فرأى ضعفا منى تحته قال لى اجلس فجلست فنزل عنى وجلس لى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لى اصعد على منكبى فصعدت على منكبيه فنهض بى وانه يخيل الىّ انى لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت البيت* وفى شواهد النبوّة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا حين صعد منكبه كيف تراك قال علىّ أرانى كأن الحجب قد ارتفعت ويخيل الىّ انى لو شئت لنلت أفق السماء فقال رسول الله طوبى لك تعمل للحق وطوبى لى أحمل للحق أو كما قال انتهى قال فصعدت البيت وكان عليه تمثال صفر أو نحاس وهو أكبر أصنامهم وتنحى رسول الله فقال لى ألق صنمهم الاكبر وكان موتدا على البيت بأوتاد حديد الى الارض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايه ايه عالجه جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً فجعلت أزاوله أو قال أعالجه عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه حتى اذا استمكنت منه قال لى رسول الله اقذف به فقذفت به فتكسر كما يتكسر القوارير ثم نزلت وزاد الحاكم فما صعدت حتى الساعة* ويروى انه كان من قوارير رواه الطبرانى وقال خرجه أحمد ورواه الزرندى والصالحانى ثم ان عليا أراد أن ينزل فألقى نفسه من صوب الميزاب تأدبا وشفقة على النبىّ صلى الله عليه وسلم ولما وقع على الارض تبسم فسأله النبىّ صلى الله عليه وسلم عن تبسمه قال لأنى(2/86)
ألقيت نفسى من هذا المكان الرفيع وما أصابنى ألم قال كيف يصيبك ألم وقد رفعك محمد وأنزلك جبريل* ويقال ان واحدا من الشعراء أشار الى هذه القصة فى هذه الابيات فقال
قيل لى قل فى علىّ مدحا ... ذكره يخمد نارا مؤصده
قلت لا أقدم فى مدح امرئ ... ضل ذو اللب الى أن عبده
والنبىّ المصطفى قال لنا ... ليلة المعراج لما صعده
وضع الله بظهرى يده ... فأحس القلب أن قد برده
وعلىّ واضع أقدامه ... فى محل وضع الله يده
روى ان الزبير بن العوّام قال لأبى سفيان ان هبل الذى كنت تفتخر به يوم أحد قد كسر قال دعنى ولا توبخنى لو كان مع اله محمد اله آخر لكان الامر غير ذلك كذا وجد فى روضة الاحباب* وفى رواية فجاء النبىّ صلى الله عليه وسلم الى مقام ابراهيم فصلى ركعتين ثم جلس ناحية فبعث عليا الى عثمان بن طلحة الحجبى فى طلب مفتاح الكعبة فأبى دفعه اليه وقال لو علمت انه رسول الله لم أمنعه منه فلوى علىّ يده وأخذ المفتاح منه قهرا وفتح الباب* وفى شفاء الغرام كلام الواحدى ان عثمان لم يكن حين أخذ ذلك منه مسلما يخالف ما ذكره العلماء من انه كان مسلما* قال ابن ظفر فى ينبوع الحياة قوله لو أعلم انه رسول الله لم أمنعه هذا وهم لانه كان ممن أسلم فلو قال هذا لكان مرتدا* وعن الكلبى لما طلب عليه الصلاة والسلام المفتاح من عثمان بن طلحة مدّيده اليه فقال العباس يا رسول الله اجعلها مع السقاية فقبض عثمان يده بالمفتاح فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان كنت يا عثمان تؤمن بالله واليوم الاخر فهاته فقال عثمان فهاكه بالامانة فأعطاه اياه ونزلت الاية قال ابن ظفر وهذا أولى بالقبول* وعن عبد الله بن عمر انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلا مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال وعثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ بالمسجد فأمره أن يأتى بمفتاح البيت ففتح ودخل معه أسامة بن زيد وبلال وعثمان ابن طلحة* وفى شفاء الغرام ان النبىّ صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة بعد هجرته أربع مرّات يوم الفتح ويوم ثانى الفتح وفى حجة الوداع وفى عمرة القضاء وفى كل هذه الدخلات خلاف الا الدخول الذى يوم فتح مكة* وفى شفاء الغرام طاف النبىّ صلى الله عليه وسلم بالبيت يوم الفتح يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان وفى الاكتفاء وأراد فضالة ابن عمير بن الملوح الليثى قتل النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضالة قال نعم يا رسول الله قال ماذا كنت تحدّث نفسك قال لا شئ كنت أذكر الله فضحك النبىّ صلى الله عليه وسلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه فكان يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى ما خلق الله شيئا أحب الىّ منه قال فضالة فرجعت الى أهلى فمررت بامرأة كنت أتحدّث اليها
قالت هلم الى الحديث فقلت لا ... يأبى عليك الله والاسلام
لو ما رأيت محمدا وقبيله ... بالفتح يوم تكسر الاصنام
لرأيت دين الله أضحى بيننا ... والشرك يغشى وجهه الاظلام
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة عام الفتح بلالا أن يؤذن وكان دخل معه وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون سمع هذا فيسمع منه ما يغيظه فقال الحارث أما والله لو أعلم انه محق لا تبعته وقال أبو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لأخبرته عنى هذه الحصاة فخرج عليهم النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال(2/87)
لقد علمت الذى قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال الحارث وعتاب نشهد انك رسول الله والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا فنقول أخبرك* وفى المواهب اللدنية عن ابن عمر قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح على ناقته القصوى وهو مردف أسامة بن زيد حتى أناخ بفناء الكعبة ثم دعا عثمان بن طلحة فقال له ائتنى بالمفتاح فذهب الى أمه فأبت أن تعطيه فقال والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبى فأعطته اياه فجاء به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ففتح به الباب رواه مسلم* وروى الفاكهانى من طريق ضعيف عن ابن عمر أيضا قال كان بنو طلحة يزعمون انه لا يستطيع فتح الكعبة أحد غيرهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح ففتحها وعثمان المذكور هو عثمان بن طلحة وعثمان هذا لا ولد له وله صحبة ورواية واسم أمّ عثمان سلافة بضم السين المهملة وتخفيف الفاء* وفى الطبقات لابن سعد عن عثمان بن طلحة قال كنا نفتح الكعبة فى الجاهلية يوم الاثنين والخميس فأقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس فأغلظت له ونلت منه فحلم عنى ثم قال يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت فقلت لقد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال بل عمرت وعزت يومئذ ودخل الكعبة فوقعت كلمته منى موقعا ظننت يومئذ الامر سيصير الى ما قال فلما كان يوم الفتح قال ائتنى بالمفتاح يا عثمان فأتيته به فأخذه منى ثم دفعه الىّ وقال خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم يا عثمان ان الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف كذا فى شفاء الغرام* قال فلما وليت نادانى فرجعت اليه فقال ألم يكن الذى قلت لك قال فذكرت قوله لى بمكة قبل الهجرة لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدى أضعه حيث شئت قلت بلى أشهد انك رسول الله* وفى التفسير ان هذه الاية ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها نزلت فى عثمان بن طلحة الحجبى أمره عليه السلام أن يأتى بمفتاح الكعبة فأبى عليه وأغلق عليه الباب وصعد البيت وقال لو علمت انه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه منه فلوى علىّ يده وأخذ منه المفتاح وفتح الباب فدخل صلى الله عليه وسلم ولما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح وقال بأبى أنت وأمى يا رسول الله اجمع لى السدانة مع السقاية وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يريد أن يدفعها الى العباس فانزل الله تعالى ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها أى سادنها وهو عثمان بن طلحة كذا فى معالم التنزيل فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم عليا أن يردّه الى عثمان ويعتذر اليه وقال قل له خذوها يا بنى طلحة بأمانة الله فاعملوا فيها بالمعروف خالدة تالدة لا ينزعها منكم أو من أيديكم أو لا يأخذها منكم الا ظالم فردّها علىّ فلما ردّها قال أكرهت وآذيت ثم حئت ترفق قال علىّ لان الله أمرنا بردّه عليك كذا فى معالم التنزيل* وفى المواهب اللدنية قال علىّ لقد أنزل الله فى شأنك وقرأ عليه ان الله يأمركم أن تؤدّوا الامانات الى أهلها فأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأسلم كذا فى العمدة* وفى المنتقى ان اسلام عثمان بن طلحة كان قبل ذلك بالمدينة مع اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص كما مرّ* وفى روضة الاحباب فى هذا الكلام مخالفة بين أهل التفسير وأهل السير لانه ان كان المراد بعثمان سبط عبد الدار بلا واسطة فأبوه أبو طلحة لا طلحة وهو باتفاق أهل السير كان صاحب لواء المشركين يوم أحد فقتل فى ذلك اليوم كما ذكر فى غزوة أحد وان كان المراد به عثمان بن طلحة بن أبى طلحة بن عبد الدار الذى هو ابن أخى عثمان بن طلحة بن عبد الدار فهو أسلم قبل فتح مكة* وفى المواهب اللدنية فجاء جبريل عليه السلام فقال ما دام هذا البيت أو لبنة من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى أولاد عثمان وكان المفتاح معه فلما مات دفعه الى أخيه فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيامة* وفى رواية مسلم دخل صلى الله عليه وسلم يعنى يوم الفتح هو وأسامة
ابن زيد وبلال وعثمان بن طلحة الحجبى فأغلقوا عليهم الباب قال ابن عمر فلما فنحوا كنت أوّل(2/88)
من ولج فلقيت بلالا فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم بين العمودين اليمانيين وذهب عنى أن أسأله كم صلى* وفى رواية جعل العمودين عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة وقد بين موسى بن عقبة فى روايته عن نافع ان بين موقفه صلى الله عليه وسلم وبين الجدار الذى استقبله قريبا من ثلاثة أذرع وجزم برفع هذه الزيادة مالك عن نافع فقال أخرجه الدار قطنى فى الغرائب ولفظه وصلى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وفى رواية ابن عباس قال أخبرنى أسامة أنه عليه السلام لما دخل البيت دعا فى نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج ركع فى قبل البيت ركعتين فقال هذه القبلة رواه مسلم* وأفاد الازرقى فى تاريخ مكة ان خالد بن الوليد كان على باب الكعبة يذب عنه صلى الله عليه وسلم الناس* وفى شفاء الغرام فخرج عثمان بن طلحة الى هجرته مع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى المدينة وأقام ابن عمه شيبة بن عثمان بن أبى طلحة مقامه ودفع المفتاح اليه فلم يزل يحجب هو وولده وولد أخيه وهب بن عثمان حتى قدم عثمان بن طلحة بن أبى طلحة وولد مسافع بن طلحة بن أبى طلحة من المدينة وكانوا بها دهرا طويلا فلما قدموا حجبوا مع بنى عمهم* وفى الصفوة قال الواقدى كان عثمان بن طلحة بن أبى طلحة يلى فتح البيت الى أن توفى فدفع ذلك الى شيبة بن عثمان بن أبى طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة فى ولد شيبة وبقى شيبة حتى أدرك يزيد بن معاوية ودفع السقاية الى العباس وأذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة وكسرت الاصنام* وفى الاكتفاء وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة على الصفا يدعو وقد أحدقت به الانصار فقالوا فيما بينهم أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها فلما فرغ من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شئ يا رسول الله فلم يزل بهم حتى أخبروه فقال معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ثم اجتمع الناس للبيعة فجلس لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا* وفى المدارك روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ يوم فتح مكة من بيعة الرجال أخذ فى بيعة النساء وهو على الصفا وعمر جالس أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه فجاءت هند ابنة عتبة امرأة أبى سفيان وهى متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعت بحمزة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا يعكن على أن لا تشركن بالله شيئا فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يسرقن فقالت هند ان أبا سفيان رجل شحيح فان أصبت من ماله هناة فقال أبو سفيان ما أصبت فهو لك حلال فضحك النبىّ صلى الله عليه وسلم وعرفها وقال لها وانك لهند فقالت نعم فاعف عما سلف يا نبىّ الله عفا الله عنك فقال ولا يزنين فقالت أتزنى الحرّة فقال ولا يقتلن أولادهنّ فقالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فأنتم وهم أعلم وكان ابنها حنظلة بن أبى سفيان قد قتل يوم بدر فضحك عمر حتى استلقى فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولا يأتين ببهتان فقالت والله ان البهتان أمر قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الاخلاق فقال ولا يعصينك فى معروف فقالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفى أنفسنا أن نعصيك فلما رجعت جعلت تكسر صنمها وتقول كنا منك فى غرور وستجىء وفاة هند فى الخاتمة فى اوائل خلافة عمرو فى معالم التنزيل قال ابن اسحاق وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف* وفى شفاء الغرام عن ابن عباس من بنى سليم سبعمائة وقيل ألف ومن غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة ومن مزينة ألف وثلاثة نفر وسائرهم من قريش والانصار وحلفائهم وطوائف العرب من
بنى تميم وقيس وأسد وفى الاكتفاء وعدت خزاعة الغد من يوم الفتح على رجل من هذيل يقال له ابن الابوع فقتلوه وهو(2/89)
مشرك برجل من أسلم يقال له احمر باسا وكان رجلا شجاعا قتله خراش بن أمية الخزاعى ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية قال ان خراشا لقتال يعنفه بذلك وقام صلى الله عليه وسلم فى الناس خطيبا وقال يا أيها الناس ان الله قد حرم مكة يوم خلق السموات والارض فهى حرام بحرمة الله الى يوم القيامة فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الاخر أن يسفك فيها دما وأن يعضد فيها شجرة لم تحل لاحد كان قبلى ولا تحلّ لاحد يكون بعدى ولم تحلّ لى الا هذه الساعة غضبا على أهلها ألا قد رجعت كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا له ان الله قد أحلها لرسوله ولم يحلها لكم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد كثر القتل لقد قتلتم قتيلا لأدينه فمن قتل بعد مقامى هذا فأهله بخير النظرين ان شاؤا فدم قاتله وان شاؤا فعقله ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذى قتلته خزاعة* وفى المواهب اللدنية فان ترخص أحد فيها بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا ان الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وانما احلت لى ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد الغائب* وفى معالم التنزيل وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان السنة الثامنة من الهجرة وأقام بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة كذا فى البخارى وفى رواية تسع عشرة* وفى رواية أبى داود سبع عشرة وعند الترمذى ثمان عشرة ليلة يصلى ركعتين* وفى الاكليل بضع عشرة يقصر الصلاة* قال ابن عباس ونحن نقصر ما بيننا وبين تسع عشرة فاذا زدنا أتممنا وفى رواية أقام بمكة بقية الشهر وستة أيام من شوّال ثم خرج الى هوازن وثقيف وقد نزلوا حنينا وسيجئ*
ذكر الرجال الاحد عشر الذين أهدر دمهم يوم فتح مكة
الاوّل عبد الله بن خطل
روى ان النبى صلى الله عليه وسلم عهد الى أمرائه حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا الا من قاتلهم الا أحد عشر رجلا وست نسوة فانه أمر بقتلهم أينما ثقفوا من الحلّ والحرم وان وجدوا تحت أستار الكعبة* وفى المواهب اللدنية وقد جمع الواقدى عن شيوخه أسماء من لم يؤمن يوم الفتح وأمر بقتله عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة انتهى* اما الرجال الاحد عشر فواحد منهم عبد الله بن خطل رجل من تيم بن غالب بن فهر وقد كان قدم المدينة قبل فتح مكة وأسلم وكان اسمه عبد العزى فغير النبىّ صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عبد الله وبعثه الى قبيلة مصدّقا وكان معه رجل من أسلم وفى رواية من خزاعة أو من الروم* وكان يخدمه وأمره أن يصنع له طعاما* وفى المواهب اللدنية كان معه مولى يخدمه وكان مسلما ونزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسا ويصنع له طعاما ونام ثم استيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتدّ وكان له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه كذا فى معالم التنزيل ففى يوم فتح مكة استعاذ بالكعبة وتعلق بأستارها واختفى تحتها وحين كان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت قيل له يا رسول الله هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه فقتلوه فى ذلك المكان وهو آخذ بثياب الكعبة يتعوّذ بها وفى قاتله اختلاف والصحيح انه أبو برزة الاسلمى وسعيد بن حريث المخزومى اشتركا فى قتله كذا فى شفاء الغرام*
والثانى عبد الله بن سعد بن أبى سرح
وكان أخا لعثمان بن عفان من الرضاعة وكان أسلم قبل الفتح وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اذا أملى عليه سميعا بصيرا كتب عليما حكيما واذا قال عليما حكيما كتب غفورا رحيما وكان يفعل أمثال هذه الخيانات حتى صدر عنه أن قال ان محمد الّا يعلم ما يقول فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم بالمدينة فارتدّ وهرب الى مكة* وفى شفاء الغرام ارتدّ مشركا الى قريش بمكة فقال لهم انى كنت أصرف محمدا حيث أريد كان يملى علىّ عزيز حكيم فأقول عليم كريم فيقول نعم كل صواب* وفى الكشاف ومعالم التنزيل(2/90)
روى أنّ عبد الله بن أبى سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى فى سورة المؤمنين ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الى قوله ثم أنشأناه خلقا آخر فتعجب عبد الله من تفصيل خلق الانسان فنطق بقوله فتبارك الله أحسن الخالقين قبل املائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هكذا نزلت فقال عبد الله ان كان محمد نبيا يوحى اليه فأنا نبىّ يوحى الىّ فلحق بمكة كافرا ثم أسلم يوم الفتح* وفى شفاء الغرام يوم فتح مكة فزع الى عثمان بن عفان فقال يا أخى استأمن لى النبىّ صلى الله عليه وسلم فانه ان رآنى بغتة يضرب عنقى فانّ جرمى عظيم وأنا الان تائب الى الله عز وجلّ فأدخله عثمان فى منزله حتى هدأ الناس واطمأنوا فاستأمن له ثم أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع له عنده وكان رجل من الانصار نذر ان رأى عبد الله بن سعد بن أبى سرح قتله فلما بصر به الانصارى احتمل السيف على عاتقه وخرج فى طلبه فوجده فى حلقة النبىّ صلى الله عليه وسلم فهاب قتله فجعل يتردّد ويكره أن يقدم على قتله فى حلقة النبى صلى الله عليه وسلم فبالغ عثمان فى شفاعته ثم قال بعد ما أعرض عنه النبىّ صلى الله عليه وسلم مرارا يا رسول الله أمّته فصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصمت طويلا ثم قال نعم فبسط يده فبايعه فلما خرج عثمان وعبد الله قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لمن حوله من أصحابه لقد صمت ليقوم اليه بعضكم ويضرب عنقه ثم قال للانصارى انتظرتك أن توفى بنذرك قال يا رسول الله هبتك أفلا أو مضت الىّ قال انه ليس لنبىّ أن يومض* وفى رواية لا ينبغى لنبىّ أن تكون له خائنة الاعين قيل انّ ذلك الانصارى عباد بن بشر* وفى معالم التنزيل رجع عبد الله الى الاسلام قبل فتح مكة اذ نزل النبىّ صلى الله عليه وسلم بمرّ الظهران وكان عبد الله اذا رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم يختفى فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك عثمان فتبسم وقال أما بايعته وأمنته قال بلى ولكن يذكر جرمه العظيم فيستحيى منك قال الاسلام يجب ما كان قبله فأخبر عثمان عبد الله بن أبى سرح بقول النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعد ذلك اذا جاءته صلى الله عليه وسلم جماعة يجىء عبد الله فيهم ويسلم عليه* وفى شفاء الغرام وكان عبد الله بن أبى سرح فارس بنى عامر بن لؤى معدودا فيهم وهو أحد النجباء العقلاء الكرام من قريش وكان مجاب الدعوة وله فى ذلك خبر غريب وذلك أنّ عبد الله لما عاد من المدينة من عند عثمان مضى الى عسقلان وقيل الى الرملة ودعا ربه أن يجعل خاتمة عمله صلاة الصبح فتوضأ ثم صلى وقرأ فى الركعة الاولى بأمّ القرآن والعاديات وفى الركعة الثانية بأمّ القرآن وسورة ثم سلم عن يمينه وذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه على ما ذكر يزيد ابن حبيب وغيره فيما حكاه ابن عبد البرّ فى الاستيعاب وذكر ابن عبد البرّ انه لم يبايع لعلىّ ولا لمعاوية وانه توفى سنة ست أو سبع وثلاثين*
الثالث عكرمة بن أبى جهل
واسم أبى جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم* وفى الصفوة عن أبى مليكة قال لما كان يوم الفتح ركب عكرمة بن أبى جهل الى البحر هاربا فخب بهم فجعل الصرارى والملاحون ومن فى السفينة يدعون الله ويوحدونه قال ما هذا قالوا هذا مكان لا ينفع فيه الا الله* وفى رواية جاء ملاح الى عكرمة وقال له أخلص العمل قال ماذا أقول قال قل لا اله الا الله فانّ هذا مكان لا ينفع فيه الا الله قال عكرمة فهذا اله محمد الذى يدعونا اليه فارجعوا بنا فرجع فأسلم وقيل وقع بصره على دفة السفينة فرأى عليها مكتوبا وكذب به قومك وهو الحق وكان معه محك فأراد أن يمحو به تلك الكنابة فلم يستطع فعلم أنه كلام الحق جلّ وعلا فوقع فى باطنه تغير وقد كانت امرأته أمّ حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عاقلة أسلمت قبله وفى المشكاة وهرب زوجها من الاسلام حتى قدم اليمن فسافرت أمّ حكيم حتى قدمت عليه اليمن فدعته الى الاسلام فأسلم وثبتا على نكاحهما رواه مالك عن ابن شهاب مرسلا انتهى فاستأمنت له(2/91)
من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمّنه فخرجت فى طلبه لتبلغه خبر الامان فلما بلغت ساحل البحر رأت زوجها عكرمة راكب السفينة فربطت مقنعها على رأس خشب فأرسى أهل السفينة فجلست فى زورق حتى أتت زوجها وقالت يا عكرمة ويا ابن عمّ جئتك من عند أوصل الناس وأبرّ الناس وخير الناس لا تهلك نفسك فقد استأمنته لك فأمّنك فقال أنت فعلت ذلك قالت نعم انا كلمته فأمّنك فرجع عكرمة مع امرأته الى مكة فبينما هما يسيران فى الطريق اذ مال عكرمة اليها وطلب منها الخلوة فأبت أن تمكنه منها وقالت لا حتى تسلم وأمّا أنا الان فمسلمة وأنت كافر والاسلام حائل بينى وبينك فلما بلغا قريبا من مكة قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لاصحابه يأتيكم عكرمة بن أبى جهل مؤمنا فلا تسبوا أباه فانّ سب الميت يؤذى الحىّ ولا يلحق الميت فانتهى عكرمة مع امرأته الى باب النبىّ صلى الله عليه وسلم وامرأته منتقبة فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت وأخبرته بقدوم عكرمة فاستبشر النبىّ صلى الله عليه وسلم ووثب قائما على قدميه فرحا بقدومه وقال لها أدخليه فدخل فلما رآه قال مرحبا بالراكب المهاجر ثم جلس النبىّ صلى الله عليه وسلم وجاء عكرمة حتى وقف بحذائه وقال يا محمد انّ هذه أخبرتنى انك أمنتنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت فانك آمن* فقال عكرمة أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأنك عبد الله ورسوله وطأطأ رأسه من الحياء وقال أنت أبرّ الناس وأو فى الناس فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم يا عكرمة ما تسألنى شيئا أقدر عليه الا أعطيتكه قال استغفرلى كل عداوة عاديتكها أو مركب وضعت فيه أريد به اطهار الشرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو منطق تكلم به أو مركب وضع فيه يريد أن يصدّ عن سبيلك فقال يا رسول الله مرنى بخير ما تعلم فأعمله قال قل أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله وجاهد فى سبيله ثم قال عكرمة أما والله ما تركت نفقة كنت أنفقها فى صدّ عن سبيل الله الا أنفقت ضعفيها فى سبيل الله ولا قتالا كنت أقاتل فى صدّعن سبيل الله الا أنكيت ضعفه فى سبيل الله وكان عكرمة وامرأته أمّ حكيم على نكاحهما الاوّل وقد أسلمت امرأته قبله واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حج على هوازن يصدقها ثم اجتهد فى القتال حتى قتل شهيدا يوم اليرموك بأجنادين فى خلافة أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه فوجدوا فيه بضعا وسبعين من بين ضربة وطعنة ورمية كذا فى الصفوة*
الرابع حويرث بن نقيد ابن وهب بن عبد قصى
وهو كثيرا ما كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ويهجوه* وفى شفاء الغرام الحويرث بن نقيد الذى نخس بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدركها هو وهبار بن الاسود فسقطت عن دابتها وألقت جنينا* وفى الاكتفاء ولما حمل العباس بن عبد المطلب فاطمة وأمّ كلثوم ابنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة نخس بهما الحويرث هذا فرمى بهما الى الارض فقتله يوم الفتح على بن أبى طالب انتهى ويوم الفتح لما سمع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه أغلق بابه واستتر فى بيته فجاء علىّ بن أبى طالب الى بابه يطلبه ويسأل عنه فقيل له قد خرج الى البادية فعلم حويرث أنّ المسلمين يطلبونه فمكث حتى ذهب علىّ عن بابه فخرج من بيته وأراد أن ينتقل الى مكان آخر متنكرا فصادفه علىّ فضرب عنقه*
الخامس المقيس بن صبابة الكندى
الخامس المقيس بكسر الميم وسكون القاف وفتح المثناة التحتية وآخره سين مهملة هو ابن صبابة الكندى بالصاد المهملة المضمومة وبالموحدتين الاولى خفيفة كذا فى المواهب اللدنية وجرمه انّ أخاه هشام بن صبابة قدم المدينة وأسلم وكان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى غزوة المريسيع فظنّ انصارى من بنى عمرو بن عوف أنه مشرك فقتله خطأ فقدم مقيس المدينة يطلب دم أخيه فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم الانصارى بالدية فعقل(2/92)
دية فأسلم مقيس وبعد ما أخذ الدية قتل الانصارى وارتدّ ورجع الى مكة مشركا كما مرّ وفى يوم الفتح كان يشرب الخمر فى ناحية مع جماعة من المشركين فأخبر نميلة بن عبد الله الليثى وهو رجل من قومه بحاله فذهب اليه فقتله كذا فى معالم التنزيل فى تفسير سورة الفتح وذكر فى موضع آخر منه أنّ مقيس بن صبابة الكندى كان قد أسلم هو وأخوه هشام فوجد أخاه هشاما قتيلا فى بنى النجار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه رجلا من بنى فهر الى بنى النجار انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم ان علمتم قاتل هشام بن صبابة ادفعوه الى مقيس فيقتص منه وان لم تعلموا ادفعوا اليه ديته فأبلغهم الفهرى ذلك فقالوا سمعا وطاعة لله ولرسوله والله ما نعلم له قاتلا لكنا نعطى ديته فأعطوه مائة من الابل وانصرفا راجعين نحو المدينة فأتى الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبة اقتل الذى معك فتكون نفس بنفس وفضل الدية فتغفل الفهرى فرماه بصخرة فشدخه ثم ركب بعيرا وساق بقيتها راجعا الى مكة كافرا فنزلت هذه الاية ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وهو الذى استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ممن أمّنه فقتل وهو متعلق باستار الكعبة* وفى شفاء الغرام امّا مقيس فقتل عند الردم وهو ردم بنى جمح الذى قيل انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم ولد فيه وليس الردم الذى هو بأعلا مكة لانه لم يكن الا فى خلافة عمر عمله صونا للمسجد من السيل حين ذهب بالمقام*
السادس هبار بن الاسود
وكان كثيرا ما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جملة أذيته أنّ أبا العاص بن الربيع حين خلص من الاسر يوم بدر رجع الى مكة وأرسل زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما شرط مع النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر فعرض هبار مع جماعة لطريق زينب ومنعها وضرب زينب بالرمح فسقطت من الابل وكانت حاملا فألقت حملها ومرضت وماتت بهذا المرض فغضب عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وأهدر دمه حتى بعث مرّة سرية الى نواحى مكة فقال لاهل السرية ان ظفرتم بهبار فاحرقوه ثم قال انما يعذب بالنار رب النار ان ظفرتم به فاقطعوا يده ورجله ثم اقتلوه وفى يوم الفتح أى فتح مكة اختفى ولم يدر مكانه ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة جاء هبار رافعا صوته وقال يا محمد أنا جئت مقرّا بالاسلام وقد كنت قبل هذا مخذولا ضالا والان قد هدانى الله للاسلام وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله واعتذر اليه معترفا بذنبه مظهر الحجالته فقبل النبىّ صلى الله عليه وسلم اسلامه وقال يا هبار عفوت عنك والاسلام يجب ما كان قبله أو كما قال*
السابع صفوان بن أمية
ولما علم انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أهدر دمه يوم فتح مكة هرب مع عبد له اسمه يسار الى جدّة يريد أن يركب منها الى اليمن فقال عمير بن وهب الجمحى يا نبىّ الله انّ صفوان بن أمية سيد قومى وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه فى البحر فأمنه عليك قال هو آمن قال يا رسول الله أعطنى شيئا يعرف به أمانك فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التى دخل بها مكة وفى المشكاة فبعث اليه ابن عمه وهب بن عمير برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا لصفوان انتهى* فخرج بها عمير حتى أدركه بجدّة وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفوان فداك أبى وأمى اذكر الله فى نفسك أن تهلكها فهذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك عدة فقال ويلك اعزب عنى فلا يكلمه فقال أى صفوان فداك أبى وأمى أفضل الناس وأبرّ الناس وخير الناس ابن عمك وعزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال فانى أخاف على نفسى قال هو أحلم من ذلك وأكرم فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان هذا يزعم أنك أمنتنى قال صدق قال فاجعلنى فى أمرى بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشهر كذا فى معالم التنزيل فلما خرج النبىّ صلى الله عليه وسلم الى حنين وهوازن كان صفوان مع كفره رفيقه(2/93)
واستعار منه النبىّ صلى الله عليه وسلم مائة درع قال صفوان اغصبايا محمد فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم بل عارية مضمونة وسيجىء وحين قفل النبىّ صلى الله عليه وسلم من الطائف الى الجعرانة مرّ مع صفوان على شعب مملوء من الابل والغنم وسائر أنعام الغنيمة وكان صفوان يحدّ النظر الى تلك الاموال ولم يرفع بصره منها وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يلاحظه فقال يا أبا وهب أتعجبك هذه قال نعم قال وهبتها لك كلها فقال صفوان ما طابت نفس أحد بمثل هذا الانفس نبىّ فأسلم هناك*
الثامن حارث بن طلاطلة
وهو من جملة مؤذى النبىّ صلى الله عليه وسلم وفى يوم فتح مكة قتله على بن أبى طالب*
التاسع كعب بن زهير بن أبى سلمى المزنى الشاعر
صاحب بانت سعاد القصيدة المشهورة وكان يهجو النبىّ صلى الله عليه وسلم فجاء وهو جالس فى المسجد فدخل وأسلم وأنشأ قصيدته التى أوّلها بانت سعاد فقلبى اليوم متبول* فلما بلغ الى قوله
انّ الرسول لسيف يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
أنبئت أنّ رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول
قال النبىّ صلى الله عليه وسلم اسمعوا ما يقول وقيل فرح النبىّ صلى الله عليه وسلم وكساه بردا جائزة له وكان اسلام كعب فى السنة التاسعة كما سيجىء فيها*
العاشر وحشى بن حرب
قاتل حمزة وكان كثير من المسلمين حريصا على قتله ويوم فتح مكة هرب الى الطائف وأقام هناك الى زمان قدوم وفد الطائف الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فجاء معهم ودخل عليه وقال أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنّ محمدا رسول الله فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أنت وحشىّ قال نعم قال أأنت قتلت حمزة قال قد كان من الامر ما بلغك يا رسول الله قال اجلس واحك لى كيف قتلته ولما قص عليه قصة قتله قال أما تستطيع أن تغيب وجهك عنى وكان وحشى بعد ذلك اذا رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم يفرّ منه ويختفى*
الحادى عشر عبد الله بن الزبعرى
وكان من شعراء العرب وكان يهجو أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم ويحرض المشركين على قتالهم ويوم الفتح لما سمع أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم أهدر دمه هرب الى نجران وسكنها وبعد مدّة وقع الاسلام فى قلبه فأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فلما رآه من بعيد قال هذا ابن الزبعرى ولما دنا منه قال السلام عليك يا رسول الله أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أنك رسول الله*
ذكر النساء اللاتى أهدر النبىّ دماءهنّ يوم الفتح
أولاهنّ هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان
وأمّا النساء الست اللاتى أهدر النبىّ صلى الله عليه وسلم دماءهنّ يوم الفتح فاحداهنّ هند بنت عتبة وهى امراة أبى سفيان أم معاوية وايذاؤها للنبىّ صلى الله عليه وسلم مشهور ويوم أحد مثلت بحمزة ومضغت كبده وبعد ما فتحت مكة جاءت الى النبىّ صلى الله عليه وسلم متنكرة متنقبة فى النساء حين يبايع النساء على الصفا فأسلمت وقد سبق ذكرها*
! الثانية والثالثة قريبة والفرتنا الرابعة مولاة بنى خطل والخامسة مولاة بنى عبد المطلب
الثانية والثالثة قريبة بالقاف والموحدة مصغرا والفرتنا بالفاء المفتوحة والراء المهملة الساكنة والمثناة الفوقية والنون كذا صححه القسطلانى فى المواهب اللدنية وهما فتيتان قينتان أى مغنيتان لابن خطل وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما مع ابن خطل فأمّا قريبة فقتلت مصلوبة وأمّا فرتنا ففرّت حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها فامنت وذكر السهيلى أنّ اسم قينتى ابن خطل فرتنا وسارة وهذا يخالف ما ذكره ابن سيد الناس اليعمرى من ان اسم احداهما قريبة والآخرى فرتنا كما سبق ذكرهما كذا فى شفاء الغرام* الرابعة مولاة بنى خطل وقتلت يوم الفتح* الخامسة مولاة بنى عبد المطلب* وفى شفاء الغرام مولاة عمرو بنى صيفى بن هاشم انتهى وهى التى حملت كتاب حاطب بن أبى بلتعة من المدينة ذاهبة الى مكة الى قريش وكانت تؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وتغيبت يوم الفتح حتى استؤمن لها فعاشت حتى أوطأها رجل فرساله فى زمن عمر بن الخطاب بالابطح فقتلها ونقل الحميدى أنها قتلت* وفى فتح البارى فى شرح صحيح البخارى أنها أسلمت والله أعلم* وفى المدارك روى أنّ رسول الله صلى الله عليه(2/94)
وسلم أمّن جميع الناس يوم الفتح الا أربعة هى أحدهم*
السادسة أمّ سعد أرنب
فقتلت* وفى رمضان هذه السنة أسلم أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس وكان اسلامه قبيل الفتح بمرّ الظهران حين نزله النبىّ صلى الله عليه وسلم وقد مرّ وستجىء وفاته فى الخاتمة فى خلافة عثمان*
إسلام أبي قحافة والد أبى بكر
وفى رمضان هذه السنة يوم الفتح أسلم أبو قحافة والد أبى بكر رضى الله عنهما روى أنّ أبا بكر لما جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم بأبيه أبى قحافة ليسلم قال له النبىّ صلى الله عليه وسلم لم عنيت الشيخ ألا تركته حتى أكون أنا آتيه فى منزله فقال أبو بكر بأبى انت وأمى هو أولى أن يأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق وكانت امرأة أبى قحافة أمّ الخير أمّ أبى بكر قد أسلمت قديما فى السنة السادسة من النبوّة كما سبق فيها واسم أبى قحافة عثمان بن عامر توفى فى السنة الرابعة عشر من الهجرة فى خلافة عمر بعد وفاة أبى بكر رضى الله عنه بسنة وكان ابن سبع وتسعين سنة وورث حصته السدس من تركة أبى بكر فردّه الى أولاده وليس فى الاسلام والد خليفة تأخرت وفاته عن وفاة ابنه الخليفة وورث منه غير أبى قحافة* وعن جابر قال أتى بأبى قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغام بياضا قال النبىّ صلى الله عليه وسلم غيروا هذا بشئ واجتنبوا السواد رواه مسلم* وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يكون قوم فى آخر الزمان يخضبون بهذا السواد كحواصل الحمام لا يجدون رائحة الجنة رواه أبو داود والنسائى كذا فى المشكاة*
إسلام حكيم بن حزام
وفى هذه السنة أيام فتح مكة أسلم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ويكنى أبا خالد وعن أمّ مصعب بن عثمان قالت دخلت أمّ حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش وهى حامل متم بحكيم بن حزام فضربها المخاض فى الكعبة فأتيت بنطع حيث أعجلتها الولادة فولدت حكيم بن حزام فى الكعبة على النطع وكان حكيم من سادات قريش ووجوهها فى الجاهلية والاسلام* وعن مصعب بن عبد الله قال جاء الاسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها بعد من معاوية بن أبى سفيان بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمة قريش فقال حكيم ذهبت المكارم الا التقوى يا ابن أخى انى اشتريت بها دارا فى الجنة أشهدك انى جعلتها فى سبيل الله عز وجل* وعن أبى بكر بن ابى سليمان قال حج حكيم بن حزام معه مائة بدنة قد أهداها وجللها الحبرة وكفها عن أعجازها ووقف مائة وصيف يوم عرفة وفى أعناقهم أطواق الفضة نقش فى رؤسها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأعتقهم وأهدى ألف شاة* وعن هشام بن عروة عن أبيه ان حكيم بن حزام أعتق فى الجاهلية مائة رقبة وفى الاسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير قال حكيم نجوت يوم بدر ويوم أحد فلما غزا النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة خرجت أنا وأبو سفيان نستروح الخبر فلقى العباس أبا سفيان فذهب به الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فرجعت ودخلت بيتى فأغلقته علىّ ودخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة فأمّن الناس فجئته فأسلمت وخرجت معه الى حنين* وعن محمد بن عمر قال قدم حكيم ابن حزام المدينة ونزلها وبنى بها دارا ومات بها سنة أربع وخمسين وهو ابن مائة وعشرين سنة كذا فى الصفوة وسيجىء فى الخاتمة* وفى هذه السنة أسلم عكرمة بن أبى جهل وقد مرّ كيفية اسلامه
* سرية خالد بن الوليد الى العزى
وفى هذه السنة عقب فتح مكة فى خمس وعشرين ليلة من شهر رمضان بعث خالد بن الوليد فى ثلاثين رجلا الى العزى بنخلة*
ذكر منشأ اتخاذ الاصنام
وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ويزعمون ان أوّل ما كانت عبادة الاحجار فى بنى اسماعيل انه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم حين ضاقت عليهم والتمسوا الفسح فى البلاد الاحمل معه حجرا من حجارة الحرم تعظيما للحرم فحيثما نزلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة حتى اشتهر ذلك فيهم الى ان كانوا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم حتى خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه واستبدلوا بدين ابراهيم واسماعيل غيره فعبدوا الاوثان وصاروا الى ما كانت عليه(2/95)
الامم السابقة من الضلالات ومنهم على ذلك بقايا من عهد ابراهيم عليه السلام يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة مع ادخالهم فيه ما ليس منه فكانت كنانة وقريش اذا أهلوا قالوا لبيك اللهمّ لبيك لا شريك لك الا شريك هو لك تملكه وما ملك فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده بقول الله تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون وقد كان لقوم نوح أصنام قد عكفوا عليها قال الله تعالى لا تذرنّ الهتكم ولا تذرنّ ودّا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا فكان الذين اتخذوا تلك الاصنام من ولد اسماعيل وغيرهم وسموا بأسمائها حين فارقوا دين اسماعيل هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر اتخذوا سواعا فكان لهم برهاط وكلب ابن وبرة من قضاعة اتخذوا ودّا بدومة الجندل وأنعم من طى وأهل جرش من مذحج اتخذوا يغوث بجرش وحيوان بطن من همدان اتخذوا يعوق بأرض همدان من اليمن وذو الكلاع من حمير اتخذوا نسرا بأرض حمير وكانت قريش قد اتخذوا صنما على بئر فى جوف الكعبة يقال له هبل واتخذوا اسافا ونائلة فى موضع زمزم ينحرون عندهما وكان اساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم هو اساف بن بغى ونائلة بنت ديك فوقع اساف على نائلة فى الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين وكانت اللات لثقيف بالطائف وكانت سدنتها وحجابها بنى معتب من ثقيف وكانت مناة للاوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على البحر من ناحية المشلل بقديد هذا ما فى سيرة ابن هشام* وفى أنوار التنزيل والمدارك العزى سمرة وأصلها تأنيث الاعز* وفى المنتقى العزى كانت بنخلة لقريش وجميع بنى كنانة وكانت أعظم أصنامهم وسدنتها بنو شيبان وقد اختلفوا فى العزى على ثلاثة أقوال أحدها انها كانت شجرة لغطفان يعبدونها قاله مجاهد والثانى انها صنم قاله الضحاك والثالث انها بيت فى الطائف كانت تعبده ثقيف قاله ابن زيد* وفى معالم التنزيل العزى صنم اشتقوا لها اسما من العزيز فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ليقطعها فجعل خالد يضربها بالفأس ويقول يا عزى كفرانك لا سبحانك انى رأيت الله قد أهانك فخرجت منها شيطانه ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها ويقال ان خالد ارجع الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال له قد قلعتها قال هل رأيت شيئا قال لا قال ما قلعت* وفى رواية قال انك لم تهدمها فارجع اليها فاهدمها فعاد اليها خالد متغيظا ومعه المعول فقلعها واستأصلها فخرجت منها امرأة عجوز عريانة سوداء ثائرة الرأس فجعل السادن يصيح فسلّ خالد سيفه فضربها فقتلها وجزها باثنتين ثم رجع الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال نعم تلك العزى ولن تعبد أبدا* وفى رواية وقد يئست أن تعبد ببلادكم أبدا وقال الضحاك كان أصل وضع العزى لغطفان أن سعد بن ظالم الغطفانى قدم مكة ورأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بينهما فعاد الى بطن نخلة وقال لقومه ان لاهل مكة الصفا والمروة وليسا لكم ولهم اله يعبدونه وليس لكم قالوا فما تأمرنا قال أنا أصنع لكم كذلك فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ونقلهما الى نخلة فوضع الذى اخذ من الصفا فقال هذا الصفا ووضع الذى أخذ من المروة فقال هذه المروة ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها الى شجرة فقال هذا ربكم فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة الثلاثة وسموها العزى حتى افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد الى العزى فقطعها*
بعث عمرو بن العاص الى سواع
وفى رمضان هذه السنة بعث عمرو بن العاص الى تخريب سواع وهو صنم لهذيل على ثلاثة أميال من مكة قال عمرو فانتهيت اليه وعنده السادن فقال ما تريد فقلت أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه قال لا تقدر قلت لم قال تمنع قلت ويحك هل يسمع أو يبصر فكسرته فأمرت أصحابى فهدموا بيت خزانته ثم قلت للسادن كيف(2/96)
رأيت قال أسلمت لله رب العالمين* وفى مزيل الخفا روى انه كان لادم عليه السلام خمس بنين يسمون نسرا وودّا وسواعا ويغوث ويعوق وكانوا عبادا فماتوا فحزن أهل عصرهم عليهم فصوّر لهم ابليس أمثالهم من صفر ونحاس ليستأنسوا بهم فجعلوها فى مؤخر المسجد فلما هلك أهل ذلك العصر قال ابليس لاولادهم هذه آلهة آبائكم فعبدوها بعدهم ثم ان الطوفان دفنها فأخرجها اللعين للعرب فكانت ودّ لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطفان من مراد ثم لبنى غطيف بالحوف وفى القاموس غطيف كزبير حىّ من العرب أو قوم بالشام والحوف موضع بأرض مراد ويعوق لهمدان ونسر لذى الكلاع وحمير* وفى المدارك ودّ صنم على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر* ويروى ان سواعا لهمدان ويغوث لمذحج ويعوق لمراد كذا فى معالم التنزيل وأنوار التنزيل والمدارك* وفى معالم التنزيل كانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف اشتقوا لها اسما من أسماء الله تعالى* قال قتادة كانت اللات بالطائف وقال ابن زيد بيت بنخلة لقريش تعبده قال ابن عباس ومجاهد وأبو صالح بتشديد التاء وقالوا كان رجلا يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه وكان ببطن نخلة* وفى القاموس سمى بالذى يلت السويق بالسمن ثم خفف والعزى لسليم وغطفان وجشم ومناة لخزاعة وكانت بقديد قاله قتادة وقالت عائشة رضى الله عنها فى الانصار من كانوا يهلون لمناة وكانت حذو قديد وقال ابن زيد بيت بالمشلل يعبده بنو بكر وقال الضحاك مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة وقال بعضهم اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة وكانت فى جوف الكعبة يعبدونها واساف ونائلة وهبل لاهل مكة*
بعث سعد بن زيد الى مناة
وفى رمضان هذه السنة حين فتح مكة بعث سعد ابن زيد الاشهلى الى مناة صنم للاوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على البحر من المشلل بقديد كذا فى سيرة ابن هشام* وفى القاموس مشلل كمعظم جبل يهبط منه الى قديد وفى خلاصة الوفاثنية تشرف على قديد كان بها مناة الطاغية وفى أنوار التنزيل* هى صخرة كانت لهذيل وخزاعة وثقيف وهى فعلة من مناه اذا قطعه فانهم كانوا يذبحون عندها القرابين ومنه منى فخرج سعد فى عشرين فارسا حتى انتهى اليها قال السادن ما تريد قال هدمها قال أنت وذاك فأقبل سعد يمشى اليها فخرجت منه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس تدعو بالويل وتضرب صدرها فضربها سعد بن زيد فقتلها وانتقل الى الصنم ومعه أصحابه فهدموه وانصرفوا راجعين الى النبىّ صلى الله عليه وسلم
* بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة
وفى شوّال هذه السنة بعث خالد بن الوليد الى بنى جذيمة وهم قبيلة من عبد القيس أسفل مكة بناحية يلملم وهو يوم الغميصاء بعثه عليه السلام لما رجع من هدم العزى وهو صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة وبعث معه ثلثمائة وخمسين رجلا داعيا الى الاسلام لا مقاتلا فلما انتهى اليهم خالد قال لهم ما أنتم قالوا مسلمون صلينا وصدّقنا بمحمد وبنينا المساجد فى ساحاتنا* وفى صحيح البخارى بعث النبى صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد الى بنى جذيمة فدعاهم الى الاسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم ودفع الى كل رجل ممن كان معه أسيره فأمر يوما أن يقتل كل رجل أسيره فأبى ابن عمرو أصحابه حتى قدموا على النبىّ صلى الله عليه وسلم فذكّروا له ذلك فرفع النبىّ صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد مرّتين* وفى المواهب اللدنية فقال لهم استأسروا فأسر القوم فأمر بعضهم فكتف بعضا وفرّقهم فى أصحابه فلما كان السحر نادى منادى خالد من كان معه أسير فليقتله فقتلت بنو سليم من كان بأيديهم وأما المهاجرون والانصار فأرسلوا أساراهم فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ انى أبرأ اليك من فعل خالد وبعث عليا فودى(2/97)
لهم قتلاهم قال الخطابى يحتمل أن يكون خالد نقم عليهم للعدول عن لفظ الاسلام ولم ينقادوا الى الدين فقتلهم متأوّلا وأنكر عليه النبىّ صلى الله عليه وسلم العجلة وترك التثبت فى أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا* وفى بعض الكتب كان بنو جذيمة فى الجاهلية قتلوا أبا عبد الرحمن ابن عوف وعم خالد الفاكه بن المغيرة فلما سمعوا بقدوم خالد استقبلوه لا بسى السلاح فقال لهم من أنتم قالوا مسلمون صدّقنا بمحمد وبنينا المساجد فى ساحاتنا وصلينا قال فما بالكم مسلحين قالوا كان بيننا وبين حى من العرب عداوة حسبناكم اياهم فلبسنا السلاح فلم يقبل خالد منهم عذرهم فأمرهم حتى ألقوا سلاحهم الى آخر ما ذكرناه* وفى الاكتفاء لما فتح الله على رسوله مكة بعث السرايا فيما حولها يدعو الى الله تعالى ولم يأمرهم بقتال وكان ممن بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا ولم يبعثه مقاتلا ومعه قبائل من العرب فوطئوا بنى جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال خالد ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا فقال رجل منهم يقال له جحدم ويلكم يا بنى جذيمة انه خالد والله ما بعد وضع السلاح الا الاسر وما بعد الاسر الا ضرب الاعناق ووالله لا أضع سلاحى أبدا فأخذه رجال من قومه وقالوا يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا ان الناس قد أسلموا ووضعت الحرب وأمن الناس فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول خالد فلما وضعوه أمرهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم وقال لهم جحدم حين وضعوا سلاحهم ورأى ما يصنع بهم يا بنى جذيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه فلما انتهى الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه الى السماء ثم قال اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد ابن الوليد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل انفلت منهم فأتاه بالخبر هل أنكر عليه أحد فقال نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر مضطرب فراجعه فاشتدّت مراجعتهما فقال عمر بن الخطاب امّا الاوّل يا رسول الله فابنى عبد الله وأمّا الاخر فسالم مولى أبى حذيفة وذكروا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت كأنى لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها فاعترض فى حلقى منها شئ حين ابتلعتها فأدخل علىّ يده فانتزعه فقال أبو بكر هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون فى بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهله ثم لما كان من خالد فى بنى جذيمة ما كان دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب فقال يا على اخرج الى هؤلاء القوم فانظر فى أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج علىّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب من الاموال حتى انه ليدى لهم مبلغة الكلب حتى اذا لم يبق شئ من دم ولا مال الاوداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علىّ حين فرغ منه هل بقى دم أو مال لم يود لكم قالوا لا قال فانى أعطيتكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر قال أصبت وأحسنت ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى انه ليرى ما تحت منكبيه يقول اللهمّ انى أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرّات وقد قال بعض من يعذر خالدا انه قال ما قاتلت حتى أمرنى بذلك عبد الله بن حذافة السهمى وقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تقاتلهم لامتناعهم من الاسلام وحدّث ابن ابى حدرد الاسلمى قال كنت يومئذ فى خيل خالد بن الوليد فقال لى فتى من بنى جذيمة وهو فى سنى وقد جمعت يداه الى عنقه برمة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه يا فتى قلت ما تشاء قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدى الى هؤلاء النسوة حتى أقضى اليهنّ حاجة ثم تردّنى بعد فتصنعوا بى ما بدا لكم قال قلت والله ليسير
ما طلبت(2/98)
فأخذته برمته فقدته بها حتى أوقفته عليهنّ فقال اسلمى حبيش على فقد العيش وأنشد أبياتا فقالت
وأنت فحبيت سبعا وعشرا ... وشفعا ووترا ثمانين تترى
قال ثم انصرفت به فضربت عنقه فحدّث من حضرها انها قامت اليه حين ضربت عنقه فلم تزل تقبله حتى ماتت عنده وخرج النساءى هذه القصبة فى مصنفه فى باب قتل الاسارى من حديث ابن عباس ان النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل فقال انى لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعونى أنظر اليها نظرة ثم اصنعوا بى ما بدا لكم قال فاذا امرأة طويلة أدماء فقال اسلمى حبيش قبل فقد العيش وتكلم بأبيات فقالت نعم فديتك قال فقدّموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كان فيكم رجل رحيم*
غزوة حنين
وفى شوّال هذه السنة بعد رجوع خالد من تخريب العزى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى غزوة حنين بالتصغير وهو واد قرب ذى المجاز وقيل ماء بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف وتسمى غزوة هوازن* وفى شرح مختصر الوقاية حنين واد بين مكة والطائف وراء عرفات بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا وفى القاموس حنين موضع بين مكة والطائف قال أهل السير انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة يوم الجمعة وقد بقى من رمضان عشرة أيام فأقام بها خمسة عشر يوما أو تسعة عشر أو ثمانية عشر يوما على اختلاف الاقوال كما مرّ ثم خرج الى حنين* وسببها أنّه لما فتح الله على رسوله مكة وأسلم عامة أهلها أطاعت له قبائل العرب الا هوازن وثقيفا فانّ أهلهما كانوا طغاة عتاة مردة مبارزين فاجتمع أشرافهما فقال بعضهم لبعض انّ محمدا قاتل قوما لم يحسنوا القتال ولم يكن لهم علم بالحروب فغلب عليهم فانه سيقصدنا فقبل أن يظهر ذلك منه سيروا اليه فقصدوا محاربة المسلمين وكان على هوازن رئيسهم مالك بن عوف النضرى وعلى ثقيف قائدهم ورئيسهم عبد يا ليل الثقفى كذا فى معالم التنزيل* وقيل قائد ثقيف قارب ابن الاسود واتفق معهما نضر وجشم كلها وسعد بن بكر وأناس من بنى هلال وهم قليل ولم يشهد من قيس عيلان الا هؤلاء فعبوا جيشهم وعددهم أربعة آلاف مقاتل وخرجوا مع أموالهم وأولادهم وذراريهم وتخلف منهم قبيلتان كعب وكلاب وكان دريد بن الصمة فى بنى جشم وكان شيخا كبيرا قد عمى من الكبر وكان له مائة وخمسون سنة وقيل مائة وسبعون سنة وكان صاحب رأى وتدبير وله معرفة بالحروب* وفى الاكتفاء ليس فيه شئ الا التيمن برأيه ومعرفته بالحروب انتهى وكان رأيه أن لا تخرج معهم الاموال والذرارى ولكن غلب على الرأى مالك بن عوف فأخرجوهم معهم فساروا حتى انتهوا الى أوطاس* وفى الاكتفاء فلما نزل بأوطاس اجتمع اليه الناس وفيهم دريد بن الصمة فى شجار له يقاد به فلما نزل قال فى أىّ واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس قال مالى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم قال اين مالك فدعى له فقال يا مالك انك أصبحت رئيس قومك وانّ هذا يوم له ما بعده مالى أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قال سقت مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم وأردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ليقاتل عنهم قال فانقض به ثم قال راعى ضأن والله وهل يردّ المنهزم شىء انها ان كانت لك لن ينفعك الا رجل بسيفه ورمحه وان كانت عليك فضحت فى أهلك ومالك ثم قال ما فعلت كعب وكلاب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحدّ والجدّ لو كان يوم علاء ورفعة لم يغب عنه كعب وكلاب ولوددت انكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب فمن شهدها منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذلك الجذعان لا ينفعان ولا يضرّان يا مالك انك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن فى نحور(2/99)
الخيل شيئا ارفعهم الى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم ثم الق الصبا على متون الخيل فان كانت لك لحق بك من وراءك وان كانت عليك ألقاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك قال والله لا أفعل انك قد كبرت وكبر عقلك والله لتطيعننى يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهرى وكره أن يكون لدريد فيها ذكر ورأى قالوا أطعناك قال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتنى
يا ليتنى فيها جذع ... أخب فيها وأضع
أقور وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع
وبعث مالك بن عوف عيونا من رجاله فأتوه وقد تفرّقت أوصالهم فقال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق والله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى فو الله ما ردّه ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد* ولما سمع بهم نبىّ الله صلى الله عليه وسلم بعث اليهم عبد الله بن أبى حدرد الاسلمى فدخل فيهم حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا عليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ولما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير الى هوازن ذكر له انّ عند صفوان بن أمية ادراعا له وسلاحا فأرسل اليه وهو يومئذ مشرك فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدوّنا غدا فقال صفوان أغصبا يا محمد فقال بل عارية مضمونة حتى نؤدّيها اليك فقال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ففعل* وفى شفاء الغرام جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شوّال هذه السنة عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة أميرا ومعاذ بن جبل اماما بها ومفتيا لمن فيها* وذكر ابن عبد البرّ أنّ عتاب بن أسيد أسلم يوم فتح مكة واستعمله النبىّ صلى الله عليه وسلم عليها حين خرج الى حنين فأقام عتاب للناس الحج تلك السنة وهى سنة ثمان ثم قال فلم يزل عتاب أميرا على مكة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرّه أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه وقيل ماتا فى يوم واحد وكذلك كان يقول ولد عتاب وقال محمد بن سلام وغيره جاء نعى أبى بكر الصديق رضى الله عنه الى مكة يوم دفن عتاب بن أسيد بها وقال السهيلى قال أهل التعبير رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام أسيد بن أبى العيص واليا على مكة مسلما فمات على الكفر وكانت الرؤيا لولده عتاب حين أسلم فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة وهو ابن احدى وعشرين سنة* وفى الاكتفاء ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عامد الحنين معه ألفان من أهل مكة وعشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله عليهم فكانوا اثنى عشر ألفا وذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة الى حنين ورأى كثرة من معه من جنود الله لن نغلب اليوم من قلة وزعم بعض الناس أنّ رجلا من بنى بكر قالها* وفى رواية يونس بن بكير عن الربيع قال رجل يوم حنين لن نغلب اليوم فشق ذلك من قلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى رواية أنّ أبا بكر قاله للنبىّ صلى الله عليه وسلم أو لسلمة بن سلامة بن وقش وقيل قائله سلمة فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه فوكلوا الى كلمة الرجل فالهزيمة لجيش الاسلام فى أوّل الحال كانت بسببه* وفى رواية باهى العباس بكثرة العسكر فمنعه النبىّ صلى الله عليه وسلم وقال تستنصر بصعاليك الامة* وفى المواهب اللدنية ثم خرج من مكة الى حنين يوم السبت لست ليال خلون من شوّال فى اثنى عشر ألفا من المسلمين عشرة آلاف من أهل المدينة من المهاجرين والانصار وغيرهم والفان ممن أسلم من أهل مكة وهم الطلقاء يعنى الذين خلى عنهم يوم فتح مكة وأطلقهم فلم يسترقهم واحدهم طليق فعيل بمعنى مفعول وهو الاسير اذا أطلق سبيله وخرج معه ثمانون من المشركين منهم صفوان بن أمية وقال عطاء كانوا ستة عشر ألفا وقال الكلبى كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر مما كانوا فى سائر المواطن(2/100)
وفى المشكاة ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كان عشية فجاء فارس فقال يا رسول الله انى اطلعت على جبل كذا وكذا فاذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا على حنين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة للمسلمين غدا ان شاء الله تعالى ثم قال من يحرسنا الليلة قال أنس بن أبى مرثد الغنوى أنا يا رسول الله قال اركب فركب فرساله فقال استقبل هذا الشعب حتى تكون فى أعلاه ففعل فلما أصبح جاء وقال طلعت الشعبين كليهما فلم أر أحدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نزلت الليلة قال لا الا مصليا أو قاضى حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا عليك أن لا تعمل بعد هذا رواه أبو داود وقال ابن عقبة وكان أهل حنين يظنون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دنا منهم فى توجهه الى مكة أنه بادئ بهم وصنع الله لرسوله ما هو أحسن من ذلك فتح له مكة وأقرّ بها عينه وكبت عدوّه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين خرج معه أهل مكة ركبانا ومشاة حتى خرج معه النساء يمشين على غير دين قطارا ينظرون ويرجون الغنائم ولا يكرهون ان تكون الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه* وحدث أبو واقد الليثى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها ويعكفون عليها يوما قال فرأينا ونحن نسير معه الى حنين سدرة خضراء عظيمة فتنادينا على جنبات الطريق فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كمالهم ذات أنواط فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر قلتم والذى نفس محمد بيده كما قال قوم موسى له اجعل لنا الها كما لهم آلهة انكم قوم تجهلون فانها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم قال انتهى النبىّ صلى الله عليه وسلم الى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر خلون من شوّال وكان قد سبقهم مالك بن عوف فأدخل جيشه بالليل فى ذلك الوادى وفرّقهم على الطرق والمداخل وحرّضهم على قتال المسلمين وأمرهم أن يكمنوا لهم ويرشقوهم أوّل ما طلعوا ويحملوا عليهم حملة واحدة* وفى الاكتفاء قال مالك للناس اذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدّوا شدّة رجل واحد ولما كان وقت السحر جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه وعقد الالوية والرايات وفرّقها على الناس فدفع لواء المهاجرين الى عمر بن الخطاب ولواء الى على بن أبى طالب ولواء الى سعد بن أبى وقاص ولواء الاوس الى أسيد بن حضير ولواء الخزرج الى خباب بن المنذر وآخر الى سعد بن عبادة وقيل كان لكل بطن من الاوس والخزرج لواء فى تلك الغزوة ولكل قبيلة من القبائل التى كانت معه لواء ثم ركب صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء دلدل ولبس درعين والمغفر والبيضة واستقبل وادى حنين فى غبش الليل وفى الاكتفاء عن جابر بن عبد الله قال لما استقبلنا وادى حنين انحدرنا فى واد من أودية تهامة أجوف حطوطا انما ننحدر فيها انحدارا وذلك فى عماية الصبح وكان القوم قد سبقوا الى الوادى فكمنوا لنا فى شعابه وأحنائه ومضائقه واجتمعوا وتهيئوا فو الله ما راعنا ونحن منحطون الا الكتائب قد شدّوا علينا شدّة رجل واحد وانشمر الناس راجعين لا يلوى أحد على أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال أيها الناس هلموا الىّ أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله قال فلا شئ حملت الابل بعضها على بعض* وفى رواية كان خالد بن الوليد مع بنى سليم فى مقدمة الجيش وكان أكثرهم حسرا ليس عليه سلاح أو كثير سلاح فلقوا قوما كمنوا لهم جمع هوازن وبنى النضير وهم قوم رماة لا يكاد يسقط لهم سهم والمسلمون عنهم غافلون فرشقوهم رشقا لا يكادون يخطئون فولى جماعة كفار قريش الذين كانوا فى جيش الاسلام وشبان الاصحاب وأخفاؤهم
وتبعهم المسلمون الذين كانوا قريب العهد بالجاهلية ثم انهزم بقية الاصحاب(2/101)
وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء التى أهداها له فروة بن نفاثة الجذامى كذا فى رواية البراء بن عازب وكذا قاله السهيلى* وفى رواية كان مركبه يومئذ الدلدل كما مرّ وكان ينطلق من خلفهم ويقول يا أنصار الله وأنصار رسوله أنا عبد الله ورسوله* وفى رواية الىّ أيها الناس* وفى الاكتفاء انطلق الناس الى أن بقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته على بن أبى طالب والعباس وأبو سفيان بن الحارث وابنه جعفر والفضل بن عباس وفى رواية وقثم بن عباس بدل ابن أبى سفيان انتهى وربيعة بن الحارث وأسامة بن زيد وأيمن بن عبيد قتل يومئذ بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا فى معالم التنزيل* وفى رواية وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعقيل بن أبى طالب* وفى رواية ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة فى كمية عددهم وتعيين أشخاصهم وردت روايات مختلفة* ففى رواية الكلبى كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس كذا فى معالم التنزيل* وفى رواية لم يبلغوا مائة وفى رواية ثمانون وفى رواية اثنا عشر وفى رواية عشرة* وفى رواية لم يبق معه الا أربعة ثلاثة من بنى هاشم علىّ والعباس وأبو سفيان بن الحارث وواحد من غيرهم وهو عبد الله بن مسعود فعلىّ والعباس يحفظانه من قبل وجهه وأبو سفيان بن الحارث آخذ بعنان بغلته وعبد الله بن مسعود يحفظه من جانبه الا يسر وكان كل من يقبل اليه صلى الله عليه وسلم يقتل البتة* وفى رواية بقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فلعلّ هذه الرواية كناية عن غاية القلة أو محمولة على أوّل الحال وبعد ذلك اجتمعوا اليه* وفى معالم التنزيل ولما تلاقوا اقتتلوا قتالا شديدا فانهزم المشركون وجلوا عن الذرارى ثم نادوا يا حماة السوء اذكروا الفضائح فتراجعوا وانكشف المسلمون وانهزموا* وفى الاكتفاء كان رجل من هوازن على جمل له أحمر وبيده راية سوداء فى رأس رمح طويل امام هوازن وهم خلفه اذا أدرك طعن برمحه واذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما ذلك الرجل يصنع ما يصنع اذ هوى له علىّ ابن أبى طالب ورجل من الانصار يريد انه فأتى علىّ من خلفه فضرب عرقوبى الجمل فوقع على عجزه فوثب الانصارى على الرجل فضربه ضربة أطنّ قدمه بنصف ساقه فانجعف عن رحله قال ابن اسحاق فلما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما فى أنفسهم من الضغن فقال أحدهم وهو أبو سفيان بن حرب لا تنتهى عزيمتهم دون البحر وانّ الازلام لمعه فى كنانته* وفى رواية قيل لما انهزم المسلمون فى أوّل القتال استبشر أبو سفيان وقال غلبت والله هوازن لا يردّهم شئ الا البحر وكان أبو سفيان أسلم يوم الفتح لكن لم يتصلب فيه بعد وكان هو وابنه معاوية يومئذ من المؤلفة قلوبهم وبعد ذلك حسن اسلامهما ولذا استبشر أبو سفيان وقال غلبت والله هوازن فردّ عليه قوله صفوان بن أمية الجمحى وهو يومئذ مشرك فى المدّة التى جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بفيك الكثكث أى الحجارة والتراب لأن يرينى رجل من قريش أحب الىّ أن يربنى رجل من هوازن أراد صفوان برجل من قريش النبىّ صلى الله عليه وسلم وبرجل من هوازن رئيسهم مالك بن عوف كذا قاله الشريف الجرحانى فى حاشية الكشاف* وفى الاكتفاء وصرخ آخر منهم ألابطل السحر اليوم قيل قائله كلدة بن حسل وهو أخو صفوان بن أمية لأمه كذا فى سيرة ابن هشام وقال الاخر لصفوان ابشر فانّ محمدا وأصحابه قد انهزموا قال صفوان فى جواب كل منهم اسكت فض الله فاك فو الله لأن يرينى رجل من قريش أحب الىّ من أن يرينى رجل من هوازن ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرق أصحابه طفق يركض بغلته قبل الكفار وكان العباس بن عبد المطلب آخذا بلجام بغلته
ارادة أن لا تسرع وأبو سفيان بن الحارث آخذا بركابه الايمن* وفى رواية انّ العباس(2/102)
آخذ بركابه الايمن وأبو سفيان بالايسر يكفانها ارادة أن لا تسرع وهو يقول* أنا النبىّ لا كذب** أنا ابن عبد المطلب* وفى معالم التنزيل وأبو سفيان يقود به بغلته فنزل واستنصر وقال
* أنا النبىّ لا كذب* أنا ابن عبد المطلب* وهذا يدل على كمال شجاعته وتمام صولته وقوّته صلى الله عليه وسلم اذ فى هذا اليوم الشديد اختار ركوب البغلة التى ليس لها كر ولا فرّ كما يكون للفرس ومع ذلك توجه وحده نحو العدوّ ولم يخف صفته ونسبه وما هذا كله الا لوثوقه بالله وتوكله عليه وجعل صلى الله عليه وسلم يقول للعباس ناديا معشر الانصار يا أصحاب السمرة يعنى الشجرة التى بايعوا تحتها بيعة الرضوان يوم الحديبية أن لا يفرّوا عنه ويا أصحاب سورة البقرة فجعل العباس ينادى تارة يا أصحاب السمرة وتارة يا أصحاب سورة البقرة وكان العباس رجلا صيتا* وفى الكشاف قال عليه السلام للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حنين اصرخ بالناس وكان العباس أجهر الناس صوتا* وفى رواية أنّ غارة اتتهم يوما فصاح العباس يا صباحاه فأسقطت الحوامل لشدّة صوته وزعمت رواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع فى جوفه انتهى ولما سمع المسلمون نداء العباس أقبلوا كأنهم الابل اذا حنت على أولادها* وفى رواية مسلم قال العباس فو الله كانت عطفتهم حين سمعوا صوتى عطفة البقر على أولادها يقولون يا لبيك يا لبيك أو لبيك لبيك* وفى رواية عطفة النحل على يعسو بها فتراجعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ان الرجل منهم اذا لم يطاوعه بعيره على الرجوع انحدر عنه وأرسله ورجع بنفسه* وفى الاكتفاء فيذهب الرجل ليثنى بعيره فلا يقدر على ذلك فيأخذ درعه فيقذفها على عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلى سبيله ويؤم الصوت حتى ينتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى* فثاب اليه من كان انهزم أوّلا من المسلمين حتى اذا اجتمع عنده مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته فى ركابه فنظر الى مجتلد القوم وقتالهم كالمتطاول عليها فقال الان حمى الوطيس وهو التنور يخبز فيه يضرب مثلا لشدّة الحرب التى يشبه حرّها حرّه وهذه من فصيح الكلام الذى لم يسمع مثله قبل النبىّ صلى الله عليه وسلم قال جابر بن عبد الله فى حديثه اجتلد الناس فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الاسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبى سفيان بن الحارث وكان قد حسن اسلامه وكان ممن صبر معه يومئذ وهو آخذ شفير بغلته فقال من هذا قال أنا ابن عمك يا رسول الله وقال شيبة بن عثمان بن أبى طلحة أخو بنى عبد الدار وكان أبوه قد قتل يوم أحد قلت اليوم أدرك ثارى اليوم أقتل محمدا قال فأردت برسول الله صلى الله عليه وسلم لا قتله فأقبل شئ حتى تغشى فؤادى فلم أطق ذلك وعلمت انى ممنوع منه وفى سيرة ابن هشام انه ممنوع منى* وذكر ابن أبى خيثمة حديث شيبة هذا قال لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين أعرى فذكرت أبى وعمى قتلهما حمزة قلت اليوم أدرك ثارى فى محمد فجئته عن يمينه فاذا أنا بالعباس قائما عن يمينه عليه درع بيضاء قلت عمه لن يخذ له فجئته عن يساره فاذا أنا بأبى سفيان بن الحارث قلت ابن عمه لن يخذ له فجئته من خلفه فدنوت منه حتى لم يبق الا أن أسور سورة بالسيف فرفع الىّ شواظ من نار كأنه البرق فنكصت على عقبى القهقرى فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا شيبة أدن فدنوت فوضع يده على صدرى فاستخرج الله الشيطان من قلبى فرفعت اليه بصرى فهو أحب الىّ من سمعى وبصرى فقال لى يا شيبة هكذا قاتل الكفار فقاتلت معه صلى الله عليه وسلم* وفى الصفوة عن شيبة بن عثمان بن أبى طلحة الحجبى أنه قال لما كان عام الفتح دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قلت أسير مع قريش الى(2/103)
هوازن بحنين فعسى ان اختلطوا أن أصيب من محمد غرّة فأثار منه فأكون أنا الذى قمت بثار قريش كلها وأقول لو لم يبق من العرب والعجم أحد الا اتبع محمدا ما اتبعته أبدا فلما اختلط الناس واقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته أصلت السيف فدنوت منه أريد منه ما أريد فرفعت سيفى فرفع لى شواظ من نار كالبرق حتى كاد يمتحشنى فوضعت يدى على بصرى خوفا عليه فالتفت الىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى يا شيبة ادن منى فدنوت منه فمسح صدرى وقال اللهم أعذه من الشيطان فو الله فهو كان ساعتئذ أحب الىّ من سمعى وبصرى وأذهب الله عز وجل ما كان عندى ثم قال ادن فقاتل فتقدّمت بين يديه ولو لقيت تلك الساعة أبى أو كان جبلا أوقعت به السيف فلما تراجع المسلمون وكروا كرة رجل واحد قربت بغلته صلى الله عليه وسلم فاستوى عليها فخرج فى أثرهم حتى تفرقوا فى كل وجه ورجع معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه فقال يا شيبة الذى أراده الله بك خير مما أردت لنفسك ثم حدّثنى بكل ما أضمرت فى نفسى مما لم أكن أذكره لاحد قط قلت أشهد أن لا اله الا الله وأشهد انك رسول الله وقلت استغفر لى فقال غفر الله لك* وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم تناول حصيات من الارض ثم قال شاهت الوجوه أى قبحت ورمى بها فى وجوه المشركين فما كان انسان منهم الا وقد امتلأت عيناه من تلك القبضة التراب وكذا عن سلمة بن الاكوع وقيل انه أخذ تلك القبضة بأمر جبريل عليه السلام* وفى رواية مسلم انها قبضة من تراب من الارض فيحتمل أن يكون رمى بهذه مرّة وبالاخرى أخرى ويحتمل أن تكون قبضة واحدة مخلوطة من حصى وتراب ولاحمد وأبى داود والدارمى من حديث أبى عبد الرحمن الفهرى فى قصة حنين قال فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا عبد الله ورسوله ثم اقتحم عن مركبه فأخذ كفا من تراب قال فأخبرنى الذى كان أدنى اليه منى أنه ضرب وجوههم فهزمهم الله تعالى قال يعلى بن عطاء رواية عن أبى همام عن أبى عبد الرحمن الفهرى فحدّثنى أبناؤهم عن آبائهم انهم قالوا لم يبق منا أحد الا امتلأت عيناه وفمه ترابا وسمعنا صلصلة من السماء كامرار الحديد على الطست الجديد بالجيم المعجمة من قبيل امرأة قتيل* ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود فحادت به رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته فمال السرج فقلت ارتفع يرحمك الله فقال ناولنى كفا من تراب فضرب فى وجوههم وامتلأت أعينهم ترابا وجاء المهاجرون والانصار وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب فولى المشركون الادبار كذا فى المواهب اللدنية وفى معجم الطبرانى الاوسط قال لما انهزم المسلمون يوم حنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء يقال لها الدلدل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم دلدل البدى فألصقت بطنها بالارض حتى أخذ النبىّ صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها فى وجوههم وقال حم لا ينصرون فانهزم القوم كما قال الله تعالى وما رميت اذ رميت ولكنّ الله رمى فما رموا بسهم ولا طعنوا برمح ولا ضربوا بسيف فهزمهم الله* وفى حياة الحيوان أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين لعمه العباس ناولنى من البطحاء فأفقه الله البغلة كلامه فانخفضت به الى الارض حتى كاد بطنها يمس الارض فتناول صلى الله عليه وسلم كفا من الحصباء فنفخ فى وجوه الكفار وقال شاهت الوجوه حم لا ينصرون وقال انهزموا ورب محمد وفى رواية قال اللهمّ أنشدك وعدك لا ينبغى لهم أن يظهروا علينا وفى رواية اللهمّ انجزلى ما وعدتنى وفى رواية اللهمّ لك الحمد ولك المشتكى وأنت المستعان فقال له جبريل يا محمد أنت اليوم لقنت بكلمات لقن بها موسى يوم فلق البحر لبنى اسرائيل* وفى الاكتفاء وذكر ابن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام يومئذ فى المركلتين وهو على البغلة ويقولون نزل ورفع يديه الى الله عز وجل يدعوه يقول اللهم انى أنشدك ما وعدتنى اللهمّ لا ينبغى لهم أن يظهروا علينا ونادى
أصحابه فذكرهم(2/104)
يا أصحاب البيعة يوم الحديبية يا أصحاب سورة البقرة يا أنصار الله وأنصار رسوله يا بنى الخزرج وقبض قبضة من الحصباء فحصب بها فى وجوه المشركين ونواحيهم كلها وقال شاهت الوجوه فهزم الله أعداءه من كل ناحية حصبهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعهم المسلمون يقتلونهم وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وابلهم وفرّ مالك بن عوف حتى دخل حصن الطائف فى ناس من أشراف قومه وأسلم عند ذلك ناس كثير من أهل مكة وغيرهم حين رأوا نصرة الله لرسوله واعزاز دينه وهزيمة القوم فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فرأى أمّ سليم بنت ملحان وكانت مع زوجها أبى طلحة وهى حازمة وسطها ببردتها وانها لحامل بعبد الله بن أبى طلحة ومعها جمل أبى طلحة وقد خشيت أن يغرها فأذنت رأسه منها وأدخلت يده فى خزامه مع الخطام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّ سليم قالت نعم يا نبىّ الله بأبى أنت وأمى يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك فانهم لذلك أهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكفى الله يا أم سليم كذا فى الاكتفاء قال ومعها خنجر فقال لها أبو طلحة ما هذا الخنجر معك يا أمّ سليم قالت خنجر اخذته اذا دنا منى أحد من المشركين بعجته به قال يقول أبو طلحة ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أمّ سليم الرمصاء كذا فى سيرة ابن هشام* وفى المواهب اللدنية روى أبو جعفر بن جرير بسنده عن عبد الرحمن عن رجل كان فى المشركين قال لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين لم يقوموا لنا مقدار حلب شاة فلما لقيناهم جعلنا نسوقهم فى آثارهم حتى انتهينا الى صاحب البغلة البيضاء فاذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فتلقتنا عنده رجال بيض الوجوه حسان فقالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا قال فانهزمنا وركبوا أكتافنا انتهى* ولما اجتمع عند النبىّ صلى الله عليه وسلم زها مائة رجل وشرعوا فى القتال لم تلبث هوازن مقدار حلب شاة أو حلب ناقة الا انهزموا* وعن جبير بن مطعم رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل النجاد الاسود نزل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم فنظرت فاذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادى لم أشك انها الملائكة فلم تكن الا هزيمة القوم كذا فى حياة الحيوان* وفى الاكتفاء عن سعيد بن جبير أنه قال أمدّ الله نبيه يومئذ بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين* وروى ان رجلا من المشركين من بنى النضير يقال له شمرة قال للمؤمنين بعد القتال أين الخيل البلق والرجال الذين عليهم ثياب بيض ما نراكم فيهم الا كهيئة الشامة وما كان قتلنا الا بأيديهم فأخبروا بذلك رسول صلى الله عليه وسلم قال تلك الملائكة* وروى عن مالك بن أوس أنه قال ان نفرا من قومى حضروا معركة حنين قد حكوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رمى تلك القبضة من الحصى لم تبق عين أحد منا الا وقعت فيها الحصاة وأخذ قلوبنا الخفقان ورأينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض وعليهم عمائم حمر قد أرخوا أطرافها بين أكتافهم وما كنا نقدر أن ننظر اليهم من الرعب وما خيل الينا الا ان كل شجر وحجر فارس يطلبنا* وفى سيرة الدمياطى كانت سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر أرخوا أطرافها بين أكتافهم* وفى البخارى عن البراء وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر كان هوازن رماة وانا لما حملنا عليهم انكشفوا فانكببنا على المغانم فاستقبلتنا بالسهام ولقد رأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وان أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول* أنا النبىّ لا كذب* أنا ابن عبد المطلب* وبهاتين الغزاتين أعنى حنينا وبدرا قاتلت الملائكة بأنفسها مع المسلمين ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الكفار بالحصاة فيهما* وعن أبى قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت الى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين(2/105)
يختله من ورائه ليقتله فأسرعت الى الذى يختله فرفع يده ليضربنى فضربت يده فقطعتها وعبارة الاكتفاء قال أبو قتادة رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان مسلما وكافرا فاذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم فأتيته فضربت يده فقطعتها واعتنقنى بيده الآخرى فو الله ما أرسلنى حتى وجدت ريح الدم ويروى ريح الموت فلولا ان الدم نزفه لقتلنى فسقط فضربته فقتلته وأجهضنى عنه القتال انتهى* وفى رواية عنه فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علىّ فضمنى ضمة وجدت ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلنى* وفى رواية ثم نزف فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فاذا عمر بن الخطاب فى الناس فقلت له ما شأن الناس فقال أمر الله* ثم تراجع الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضعت الحرب أو زارها وفرغنا من القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه* وفى الاكتفاء من قتل قتيلا فله سلبه* وفى رواية من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قمت لالتمس بينة على قتيلى فلم أر أحدا يشهد فجلست ثم بدا لى فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله لقد قتلت قتيلا ذا سلب فأجهضتى عنه القتال فما أدرى من استلبه فقال رجل من جلسائه من أهل مكة سلاح هذا القتيل الذى تذكره عندى فأرضه عنه* وفى الاكتفاء فقال رجل من أهل مكة صدق يا رسول الله فأرضه عنى من سلبه قال أبو بكر كلا يعطيه أضيبع من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله والا ضيبع تصغير الضبع كذا فى حياة الحيوان فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم صدق أبو بكر فأعطه فأعطانيه فاشتريت مخرفا فى بنى سلمة وانه لاوّل مال تأثلته فى الاسلام* وفى الاكتفاء قال أبو بكر لا والله لا يرضيه منه تعمد الى اسد من أسد الله يقاتل عن دين الله تقاسمه سلبه أردد عليه سلب قتيله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أردد عليه سلبه قال أبو قتادة فأخذته منه وبعته فاشتريت بثمنه مخرفا فانه لاوّل مال اعتقرته وعن أنس قتل أبو طلحة يوم حنين عشرين رجلا وأخذ سلبهم* وفى الشفاء وسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم عن وجه عائذ بن عمرو وكان جرح يوم حنين ودعا له وكانت له غرّة كغرّة الفرس وروى ان النبىّ صلى الله عليه وسلم مرّ يومئذ بامرأة قتلت فازدحم الناس عليها فسأل عنها فقالوا له هى امرأة من الكفار قد قتلها خالد بن الوليد فبعث الى خالد ونهاه عن قتل المرأة والطفل والاجير* وفى الاكتفاء لما انهزمت هوازن استمرّ القتل من ثقيف فى بنى مالك فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم فيهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة ومعه كانت راية بنى مالك وكانت قبله مع ذى الخمار فلما قتل أخذها عثمان فقاتل بها حتى قتل فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله قال أبعده الله فانه كان يبغض قريشا* وعن ابن اسحاق أنه قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصرانى أغرل قال فبينما رجل من الانصار يسلب قتلى ثقيف اذ كشف العبد يسلبه فوجده أغرل فصاح بأعلى صوته يا معشر العرب يعلم الله ان ثقيفا غرل قال المغيرة بن شعبة فأخذت بيده وخشيت أن تذهب عنا فى العرب فقلت لا تقل كذا فداك أبى وأمى انه غلام لنا نصرانى قال ثم جعلت اكشف له القتل أقول ألا تراهم مختتنين كما ترى كذا فى سيرة ابن هشام* وكانت راية الاحلاف مع قارب بن الاسود فلما انهزم الناس هرب هو وقومه من الاحلاف فلم يقتل منهم غير رجلين يقال لاحدهما وهب وللاخر الجلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح قتل اليوم سيد شباب ثقيف الا ما كان ابن هنيدة يعنى الحارث بن أويس ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك فى نخلة من الناس(2/106)
ولم تتبع من سلك الثنايا فأدرك ربيعة بن رفيع وهو غلام ويقال له ابن الدغنة وهى أمه غلبت على اسمه دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن انه امرأة وذلك انه كان فى شجار له فأناخ به فاذا شيخ كبير واذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ماذا تريد بى قال أقتلك قال من أنت قال انا ربيعة ابن رفيع السلمى ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا فقال بئس ما سلحتك أمك خذ سيفى هذا من مؤخر الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فانى كذلك كنت أضرب الرجال ثم اذا أتيت أمك فأخبرها انك قتلت دريد بن الصمة فرب والله يوم منعت فيه نساءك فزعم بنو سليم ان ربيعة قال لما ضربته فوقع تكشف فاذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء فلما رجع ربيعة الى أمه أخبرها بقتله اياه فقالت أمه والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا كذا فى الاكتفاء* وفى رواية قتله الزبير بن العوّام قالت عمرة بنت دريد ترثى أباها
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا ... فظل دمعى على السربال ينحدر
لولا الذى قهر الاقوام كلهمو ... رأت سليم وكعب كيف تأتمر
قال ابن هشام ويقال اسم الذى قتل دريدا عبد الله بن قنيع بن اهبان بن ربيعة*
سرية أبى عامر الاشعرى الى أوطاس
وفى شوّال هذه السنة كانت سرية أبى عامر الاشعرى الى أوطاس وهو عمّ أبى موسى الاشعرى وقال ابن اسحاق ابن عمه والاوّل أشهر وأوطاس واد معروف فى ديار هوازن بين حنين والطائف* روى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من حنين عقد لواء ودفعه الى ابى عامر الاشعرى وأمّره على جمع من الصحابة منهم أبو موسى الاشعرى وسلمة بن الاكوع والزبير بن العوّام وبعثه فى آثار من توجه قبل أوطاس من فرّار هوازن يوم حنين فأدرك بعض المنهزمين فناوشوه القتال فرمى أبو عامر بسهم فقتل فأخذ الراية أبو موسى الاشعرى ففتح الله عليه وهزمهم الله ويزعمون أنّ سلمة بن دريد هو الذى رمى أبا عامر وذكر ابن هشام عمن يثق به أنّ أبا عامر الاشعرى لقى يوم أوطاس عشرة اخوة من المشركين فحمل عليه أحدهم فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر ثم جعلوا يحملون عليه رجلا بعد رجل ويحمل أبو عامر ويقول ذلك حتى قتل تسعة وبقى العاشر فحمل على أبى عامر وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه الى الاسلام ويقول اللهم اشهد عليه فقال الرجل اللهم لا تشهد علىّ فكف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم بعد فحسن اسلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رآه قال هذا شريد أبى عامر كذا فى الاكتفاء* وعن ابن اسحاق وغيره من أصحاب السير لما قال عاشر الاخوة اللهم لا تشهد علىّ أمسك عنه أبو عامر يظنّ أنه أسلم فقتل ذلك الرجل أبا عامر وبعد ذلك أسلم وحسن اسلامه وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول له شريد أبى عامر* وعن أبى موسى الاشعرى أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الى أوطاس وبعثنى معه فلما لقينا العدوّ وقاتلناه رمى رجل من بنى جشم بسهم فى ركبة أبى عامر فأثبته فيها فانتهيت اليه أى عمّ من رماك فأشار الى رجل فقصدته ولحقته فلما رآنى ولى هاربا فتبعته وهو يهرب وجعلت أقول له ألا تستحيى ألا تثبت فكف عن الهرب فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته فرجعت ثم قلت لابى عامر قتل الله صاحبك الذى رماك بالسهم فقال لى انزع منى هذا السهم فنزعته من ركبته فخرج منه الماء أو قال الدم مثل الماء فلما رأى ذلك أبو عامر يئس من حياته وقال يا ابن أخى أقرئ النبىّ صلى الله عليه وسلم منى السلام وقل له يستغفرلى واستخلفنى أبو عامر فمكث يسيرا ثم توفى رحمة الله عليه ووقع فتح أوطاس بيدى فرجعت ثم دخلت على النبىّ صلى الله عليه وسلم فى بيته وهو على سرير مرمّل أى منسوج من ليف وما عليه فراش قد أثر رمال السرير فى ظهره وجنبيه فأخبرته بخبر أبى عامر وقوله قل له يستغفرلى فدعا بماء وتوضأ(2/107)
وفى رواية صلى ركعتين ثم رفع يديه فرأيت بياض ابطيه وقال اللهم اغفر لعبيدك أبى عامر واجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك فقلت ولى فقال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلا كريما والتوفيق بين الروايتين أن يقال انّ الرجل الذى قاله محمد بن اسحاق لم يكن قاتلا حقيقيا لابى عامر بل كانت له شركة فى قتله والله أعلم* وذكر ابن هشام انه رمى أبا عامر يومئذ أخوان من بنى جشم بن معاوية فأصاب أحدهما قلبه والاخر ركبته فقاتلاه وولى الناس أبو موسى الاشعرى فحمل عليهما فقتلهما وذكر ابن اسحاق ان القتل استحرّ فى بنى رباب وزعموا ان عبد الله بن قيس الذى يقال له العوراء وهو أحد بنى وهب بن رباب قال يا رسول الله هلكت بنو رباب فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اجبر مصيبتهم وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة فوقف فى فوارس من قومه على ثنية من الطريق وقال لاصحابه قفوا حتى تمضى ضعفاؤكم وتلحق أخراكم فوقف هنالك حتى مرّ من كان لحق بهم من منهزمة الناس* قال ابن هشام وبلغنى أنّ خيلا طلعت ومالكا وأصحابه على الثنية فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى أقواما عارضى رماحهم أغفالا على خيلهم قال هؤلاء الاوس والخزرج فلا بأس عليكم منهم فلما انتهوا الى أصل الثنية سلكوا طريق بنى سليم فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى قوما واضعى رماحهم بين آذان خيلهم طويلة بوادّهم قال هؤلاء بنو سليم ولا بأس عليكم منهم فلما سلموا سلكوا بطن الوادى ثم اطلع فارس فقال لاصحابه ماذا ترون قالوا نرى فارسا طويل البادّوا ضعا رمحه على عاتقه عاصبا رأسه بملاءة حمراء قال هذا الزبير بن العوّام وأحلف باللات والعزى ليخالطنكم فاثبتوا له فلما انتهى الزبير الى أصل الثنية أبصر القوم فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها* وروى أنّ المسلمين قد كانوا أخذوا سبايا يوم حنين وأوطاس وكانوا يستكرهون نساء السبى اذ كنّ ذوات أزواج فاستفتوا فى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية وهى والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم يريد ما ملكت أيمانهم من اللاتى سبين ولهنّ أزواج كفار فهنّ حلال للسابين والنكاح مرتفع بالسبى لقول أبى سعيد رضى الله عنه أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهنّ أزواج فكرهنا أن نقع عليهنّ فسألنا النبىّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الاية فاستحللناهنّ واياه عنى الفرزدق بقوله
وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلال لمن يا بنى بها لم تطلق
وقال أبو حنيفة رحمه الله لو سبى الزوجان لم يرتفع النكاح ولم يحلّ للسابى كذا فى أنوار التنزيل وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم فى سبايا حنين وأوطاس لا توطأ حامل من السبى حتى تضع حملها ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة فسألوا عن العزل قال ليس من كل الماء يكون الولد واذا أراد الله أن يخلق شيئا لم يمنعه شئ* وفى الاكتفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ان قدرتم على بجاد رجل من بنى سعد بن بكر فلا يفلتنكم وكان قد أحدث حدثا فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء ابنة الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فعنفوا عليها فى السياق فقالت للمسلمين اعلموا أنى أخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدّقوها حتى أتوابها الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله انى أختك قال وما علامة ذلك قالت عضة عضضتنيها فى ظهرى وأنا متورّكتك فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه وأجلسها عليه* وفى رواية ودمعت عيناه وخيرها وقال ان أحببت فأقيمى عندى محبة مكرمة وان أحببت أن أمتعك وترجعى انى قومك فعلت فقالت بل تمتعنى وتردّنى الى قومى فأسلمت فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردّها الى قومها فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوّجت الغلام(2/108)
للجارية فلم يزل فيهم من نسلهما بقية* وفى المواهب اللدنية روى أنّ خيلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أغارت على هوازن فأخذوها فى جملة السبى* وفى رواية أعطاها ثلاثة أعبد وجارية وبعيرين وشاء ذكره ابو عمرو وابن قتيبة وسماها حذافة ولقبها بشيماء فانصرفت الى أهلها* وفى المواهب اللدنية جاءته يوم حنين أمّه من الرضاع وهى حليمة السعدية بنت أبى ذؤيب من هوازن وهى التى أرضعته حتى أكملت رضاعه فقام اليها وبسط رداءه لها فجلست عليه واختلف فى اسلامها واسلام زوجها كما اختلف فى اسلام ثويبة* وفى الاكتفاء وأنزل الله تبارك وتعالى فى يوم حنين لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم الى قوله جزاء الكافرين واستشهد من المسلمين يوم حنين أربعة فمن قريش من بنى هاشم أيمن بن عبيد مولاهم ومن بنى أسد بن عبد العزى يزيد بن زمعة بن الاسود بن المطلب جمح به فرس له يقال له الجناح فقتله ومن الانصار سراقة بن الحارث العجلانى ومن الاشعريين أبو عامر الاشعرى وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء ثم جمعت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها فأمر بها الى الجعرانة فحبست بها حتى أدركها هناك منصرفه عن الطائف على ما يذكر بعد ان شاء الله تعالى
* سرية الطفيل بن عامر الى ذى الكفين
وفى شوّال هذه السنة كانت سرية الطفيل بن عمرو الدوسى الى ذى الكفين وهو صنم من خشب كان لعمرو بن حممة ولما أراد النبىّ صلى الله عليه وسلم السير الى الطائف بعث الطفيل اليه ليهدمه ويوافيه بالطائف فخرج الطفيل سريعا فهدمه وجعل يحش النار ويحرقه ويقول
يا ذا الكفين لست من عبادكا ... ميلادنا أقدم من ميلادكا
انى حشيت النار فى فؤادكا
وانحدر معه من قومه أربعمائة رجل سراعا فوافوا النبىّ صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدموا معهم المنجنيق والدبابة بالدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وهى آلة تتخذ للحرب تدفع فى أصل الحصن فينقبونه وهم فى جوفها كذا فى القاموس وعند مغلطاى وقدم معه أربعة مسلمون كذا فى المواهب اللدنية*
غزوة الطائف
وفى شوّال هذه السنة كانت غزوة الطائف وفى معجم ما استعجم الطائف التى بالغور لثقيف وانما سميت بالحائط الذى بنوا حواليها وأطافوا بها تحصينا لهم* وفى المواهب اللدنية الطائف بلد كبير على ثلاث مراحل أو مرحلتين من مكة من جهة المشرق كثير الاعناب والفواكه وقيل انّ أصلها أنّ جبريل عليه السلام اقتلع الجنة التى كانت لاهل الصريم باليمن وقيل كان اسمها صراون وقيل حرد* وفى أنوار التنزيل يريد بستانا كان دون صنعاء بفرسخين وكان لرجل صالح انتهى* وفى المواهب اللدنية اقتلعها جبريل وسار بها الى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف فسمى الموضع بها وكانت أوّلا بنواحى صنعاء واسم الارض وج بتشديد الجيم* وفى زبدة الاعمال عن سائب بن يسار قال سمعت ولد رافع بن جبير وغيره يذكرون انهم سمعوا انه لما دعا ابراهيم عليه السلام لاهل مكة أن يرزقوا من الثمرات نقل الله تعالى بقعة الطائف من الشام فوضعها هناك رزقا للحرم* روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وج على ترعة من ترع الجنة الترعة ممرّ الماء الى الاسفل كما انّ التلعة ممرّ الماء الى الاعلى كذا نقل عن الزمخشرى* وفى الصحاح الترعة بالضمّ الباب* وفى الحديث انّ منبرى هذا على ترعة من ترع الجنة ويقال الترعة الروضة ويقال الدرجة وقيل الترعة أفواه الجداول* وفى الفائق ما روى فى الحديث من ترع الحوض والاصل فى هذا البناء الترع وهو الاسراع والنزوّ الى الشرّ يقال يتترّع الينا أى يتسرّع ويتنزى الى شرّنا ثم قيل كوز مترع وجفنة مترعة لان الاناء اذا امتلأ سارع الى السيلان ثم قيل لمفتح الماء الى الحوض ترعة وشبه به الباب وأمّا الترعة بمعنى الروضة على المرتفع والدرجة فمن النزوّ لان فيه معنى الارتفاع* وروى عن شيخ الخدّام للضريح(2/109)
النبوى المعروف ببدر الدين الشهابى بلغه أنّ ميضأة وقعت فى عين الازرق فى الطائف فخرجت بعين الازرق بمدينة النبىّ صلى الله عليه وسلم وفى كون وج حرما اختلاف فعند أبى حنيفة انه ليس بحرم وعند الشافعى ومالك انه حرم كمكة والمدينة* قال صاحب الوجيز ورد النهى عن صيد وج الطائف وقطع نباتها وهو نهى كراهة يوجب تأديبا لا ضمانا* وسئل محمد بن عمر القسطلانى امام المالكية ومفتيها هل رأيت فى مذهب مالك مسئلة فى صيدوج فقال لا أعرفها ولا يسعنى أن أفتى بتحريم صيدها لان الحديث ليس من الاحاديث التى ينبنى عليها التحريم والتحليل* قال أصحاب السير لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا لعشر أو لاحد عشر من شوّال وهو من أشهر السنة الثامنة من الهجرة خرج الى الطائف يريد جمعا من هوازن وثقيف قد هربوا من معركة حنين وتحصنوا بحصن الطائف وقدّم خالد بن الوليد فى ألف رجل على مقدمته طليعة ومرّ فى طريقه بقبر أبى رغال وهو أبو ثقيف فيما يقال فاستخرج منه غصنا من ذهب وقد كان فلّ ثقيف لما قدموا الطائف دخلوا حصنهم وهو حصن الطائف ورمّوه وأدخلوا فيه من الزاد وغيره من جميع ما يصلحهم لسنة ثم رتبوا عليه المجانيق وأدخلوا فيه الرماة وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم وتهيؤا للقتال* وفى الاكتفاء ولم يشهد حنينا ولا الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدباب والمجانيق والضبور ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف حين فرغ من حنين وسلك على نخلة اليمانية ثم على قرن ثم المليح ثم بحرة الرغا من لية فابتنى بها مسجدا فصلى فيه وأقاد فيها يومئذ بدم رجل من هذيل قتله رجل من بنى ليث فقتله به وهو أوّل دم أقيد به فى الاسلام ومر فى طريقه بحصن مالك بن عوف فهدمه ثم سلك فى طريق فسأل عن اسمها فقيل له الضيقة فقال بل هى اليسرى ثم خرج منها حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف فأرسل اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم امّا أن تخرج وامّا أن تخرب عليك حائطك فأبى أن يخرج فأمر باخرابه ثم مضى حتى انتهى الى الطائف فنزل قريبا من حصنه فضرب به عسكره فقتل ناس من أصحابه بالنبل رشقهم أهل الحصن رشقا وأصيب ناس من المسلمين* وفى المواهب اللدنية فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا كأنه رجل جراد حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحته وقتل منهم اثنا عشر رجلا فيهم عبد الله بن ابى أمية* ورمى عبد الله ابن أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه يومئذ بجرح رماه أبو محجن الثقفى فاندمل ثم نقض عليه بعد ذلك فمات فى خلافة أبيه وذلك أنّ العسكر اقترب من حائط الطائف فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم أغلقوه دونهم فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل ارتفع النبىّ صلى الله عليه وسلم الى موضع مسجده الدى فى الطائف اليوم ووضع عسكره هناك فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة وقيل بضع عشرة ليلة ومعه امرأتان من نسائه أمّ سلمة وزينب فضرب لهما قبتين ثم صلى بينهما طول خصاره الطائف فلما أسلمت ثقيف بنى عمرو بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك على مصلاه ذلك مسجد او كانت فيه سارية فيما يزعمون لا تطلع الشمس عليها يوما من الدهر الا سمع لها نضيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا بالنبل ونصب عليهم المنجنيق ورماهم به فيما ذكر ابن هشام قال وهو أوّل منجنيق رمى به فى الاسلام اذ ذاك وكان قدم به الطفيل الدوسى معه لما رجع من سرية ذى الكفين* وفى المنتقى عن مكحول أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما حتى اذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثمّ زحفوا بها الى جدار الطائف ليخرقوه فأرسلت عليهم ثقيف سلك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم بالنبل فقتلوا منهم رجلا ثم أمر النبىّ صلى(2/110)
الله عليه وسلم يقطع أعناب ثقيف وتحريقها فوقع الناس فيها يقطعون قطعا ذريعا ثم سألوه أن يدعها لله وللرّحم فقال عليه السلام انى أدعها لله وللرّحم* وفى الاكتفاء وتقدّم أبو سفيان بن حرب والمغيرة ابن شعبة الى الطائف فناديا ثقيفا أن أمّنونا حتى نكلمكم فأمّنوهما فدعوا نساء من نساء قريش وبنى كنانة منهنّ آمنة بنت أبى سفيان كانت عند عروة بن مسعود فولد له منها داود بن عروة* قال ابن هشام ويقال أم داود وميمونة بنت أبى سفيان كانت عند مرّة بن عروة بن مسعود فولدت له داود بن مرّة ليخرجنّ اليهما وهما يخافان عليهما السبى فأبين فلما أبين قال لهما الاسود بن مسعود يا أبا سفيان ويا مغيرة ألا أدلكما على خير مما جئتما له انّ مال بنى الاسود حيث علمتما وكان صلى الله عليه وسلم نازلا بينه وبين الطائف بواد يقال له العقيق انه ليس بالطائف مال أبعد رشاء ولا أشدّ مؤنة ولا أبعد عمارة من مال بنى الاسود وانّ محمدا ان قطعه لم يعمر أبدا فكلماه فليأخذه لنفسه أو ليدعه لله وللرّحم فانّ بيننا وبينه من القرابة مالا يجهل فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم* وفى المواهب اللدنية ثم نادى مناديه عليه السلام أيما عبد نزل من الحصن وخرج الينا فهو حرّ* قال الدمياطى فخرج منهم بضع عشرة وأسلموا فيهم أبو بكرة واسمه نفيع بن الحارث تسوّر حصن الطائف فى أناس وتدلى منه ببكرة بفتح الباء خشبة مستديرة فى وسطها محز يستقى عليها كذا فى القاموس فكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكرة وعند مغلطاى ثلاثة وعشرون عبدا وكذا فى البخارى وأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزل منهم ودفع كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يمونه فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة فلما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم فى أولئك العبيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أولئك عتقاء الله* وعن أمّ سلمة أنها قالت دخل النبىّ صلى الله عليه وسلم خيمتها فى أيام محاصرة الطائف وعندها أخوها عبد الله بن أبى أمية ومخنث يقول يا عبد الله ان فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فانها تقبل بأربع وتدبر بثمان كناية عن سمنها يعنى بأربع عكن فى بطنها لكل عكنة طرفان فيكون ثمان من خلفها فلما سمعه النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل هؤلاء عليكنّ ولم يؤذن للنبىّ صلى الله عليه وسلم فى فتح الطائف سنتئذ* وفى الاكتفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لابى بكر الصدّيق رضى الله عنه وهو محاصر ثقيفا يا أبا بكر انى رأيت أن أهديت لى قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك فهراق ما فيها وكان أبو بكر ماهرا فى تعبير الرؤيا مشهورا بين العرب فقال ما أظنّ انك تدرك منهم يومك هذا ما تريد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا لا أرى ذلك ثم ان خويلة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون قالت يا رسول الله أعطنى ان فتح الله عليك الطائف حلى بادية ابنة غيلان أو حلى الفارعة ابنة عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها وان كان لم يؤذن فى ثقيف يا خويلة فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب فدخل عمر رضى الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما حديث حدّثتنيه خويلة زعمت انك قلته قال قد قلته قال أو ما أذن فيهم يا رسول الله قال لا قال أفلا أوذن بالرحيل قال بلى فاذن عمر بالرحيل فلما استقبل الناس نادى سعيد ابن عبيد ألا انّ الحى مقيم يقول عيينة بن حصن أجل والله مجدة كراما فقال له رجل من المسلمين قاتلك الله يا عيينة تمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جئت تنصره قال والله انى جئت لا قاتل ثقيفا معكم ولكنى أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف جارية أطأها لعلها تلد لى رجلا فان ثقيفا قوم مناكير انتهى* وفى رواية فلما آذن عمر بالرحيل ضج الناس من ذلك وقالوا نرحل ولم يفتح علينا الطائف فقال عليه السلام فاغدوا على القتال فغدوا
فأصاب المسلمين(2/111)
جراحات وفقئت يومئذ عين أبى سفيان بن حرب فذكر ابن سعد أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال له وهى فى يده أيما أحب اليك عين فى الجنة أو أدعو الله تعالى أن يردّها عليك قال له بل عين فى الجنة ورمى بها وشهد اليرموك فقتل وفقئت عينه الآخرى يومئذ ذكره الحافظ زين الدين العراقى فى شرح التقريب كذا فى المواهب اللدنية* ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا قافلون ان شاء الله فسرّوا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك واستشهد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا سبعة من قريش وأربعة من الانصار ورجل من بنى ليث اما الذين من قريش فمن بنى أمية بن عبد شمس سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية وعرفطة بن حباب حليف لهم من الاسد بن غوث* قال ابن هشام ويقال ابن خباب قال ابن اسحاق ومن تيم بن مرّة عبد الله بن أبى بكر الصدّيق رمى بسهم فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بنى مخزوم عبد الله بن أمية بن المغيرة من رمية رميها يومئذ ومن بنى عدى بن كعب عبد الله بن عامر بن ربيعة حليف لهم ومن بنى سهم بن عمرو السائب بن الحارث ابن قيس بن عدى واخوه عبد الله بن الحارث ومن بنى سعد بن ليث جليحة بن عبد الله وأمّا الذين هم من الانصار فمن بنى سلمة سالم بن الجذع ومن بنى مازن بن النجار الحارث بن سهيل بن أبى صعصعة ومن بنى ساعدة المنذر بن عبد الله ومن الاوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه قولوا لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده فلما ارتحلوا قال قولوا آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ولما قيل له يوم ظعن عن ثقيف يا رسول الله ادع على ثقيف قال اللهمّ اهد ثقيفا وائت بهم وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم أمر أن يجمع السبى والغنائم مما أفاء الله عليه يوم حنين فجمع ذلك كله الى الجعرانة وكان بها الى أن انصرف من الطائف من غير فتح وفى تاريخ اليافعى أسلم أهل الطائف فى العام القابل لا فى عام المحاصرة فرجع صلى الله عليه وسلم مارا على دحناء ثم على قرن المنازل ثم على نخلة حتى خرح الى الجعرانة ونزلها وهى بين الطائف ومكة وهى الى مكة أدنى وبها قسم غنائم حنين ومنها أحرم لعمرته فى جهته تلك* وفى هذه السنة أسلم صفوان بن أمية الجمحى وقد مرّت كيفية اسلامه* وفى خلاصة السير أنه صلى الله عليه وسلم كان فى غزوة الطائف فبينما هو يسير ليلا بواد بقرب الطائف اذ غشى سدرة فى سواد الليل وهو فى سنة النوم فانفرجت السدرة له نصفين فمرّ بين نصفيها وبقيت منفرجة على حالتها فأتى الجعرانة لخمس ليال خلون من ذى القعدة فأقام بها ثلاثة عشر يوما وسيجىء واستأنى صلى الله عليه وسلم بهوازن أى تربص بهم وانتظرهم أن يقدموا عليه مسلمين ثم أتاه وفد من هوازن من أهل الطائف ولحقوا به بالجعرانة فأسلموا وقد كان المسلمون جمعوا بها غنائم حنين وما حصل من أوطاس والطائف فقسمها على الناس وذلك ستة آلاف من الذرارى والنساء وأربعة وعشرون ألفا من الابل وأربعة آلاف أوقية من الفضة وأكثر من أربعين ألفا من الغنم* وفى الاكتفاء ومن الابل والشاء ما لا يدرى عدّتهم قيل قدمت هوازن فقالوا يا رسول الله انا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك فامنن علينا منّ الله عليك وقام رجل منهم من سعد بن بكر يقال له زهير يكنى بأبى صرد فقال يا رسول الله انما فى لحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتى كن يكفلنك ولو أنا ملكنا للحارث بن أبى شمر وللنعمان بن المنذر ثم نزلا منا بمثل ما نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين* ثم أنشأ أبياتا منها قوله
أمنن علينا رسول الله فى كرم ... فانك المرء نرجوه وننتظر(2/112)
أمنن على بيضة قد عاقها قدر ... مفروقة شملها فى دهرها غير
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... وفوك تملأه من مخضها الدرر
اذ أنت طفل صغير كنت ترضعها ... واذ يزينك ما تأتى وما تذر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤكم وأبناؤكم أحب اليكم أم أموالكم فقالوا يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا واحسابنا بل تردّ الينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب الينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم فاذا انا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا انا نستشفع برسول الله الى المسلمين وبالمسلمين الى رسول الله فى أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم عند ذلك واسأل لكم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قاموا اليه فتكلموا بالذى أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أماما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم فقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت الانصار وما كان لنا فهو لرسول الله فقال الاقرع بن حابس أمّا أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن امّا أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس اما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بهتمونى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّا من تمسك منكم بماله من هذا السبى فله بكل انسان ست فرائض من أوّل شئ أصيبه فردّوا الى الناس أبناءهم ونساءهم وكان عيينة بن حصن قد أخذ عجوزا من عجائزهم وقال انى لأحسب ان لها فى الحى نسبا وعسى أن يعظم فداؤها فلما ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض أخذ ذلك من ولدها بعد أن ساومه فيها مائة من الابل وقال له ولدها والله ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا فوها ببارد ولا صاحبها بواجد أى يحزن لفواتها فقال عيينة خذها لا بارك الله لك فيها* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق حدّثنى أبو وجرة يزيد بن عبد الله السعدى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى على بن أبى طالب جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان وأعطى عثمان ابن عفان جارية يقال لها زينب بنت حيان وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله ولده رضى الله تعالى عنهم أجمعين*
(ذكر اسلام مالك بن عوف النضرى)
* وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد هوازن ما فعل مالك بن عوف النضرى قالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال لهم أخبروا مالكا أنه ان أتانى مسلما رددت عليه ماله وأهله وأعطيته مائة من الابل فأتى مالك بذلك فخاف ثقيفا أن يعلموا بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحبسوه فأمر براحلته فهيئت له وأمر بفرس له فأتى به بالطائف فخرج ليلا على فرسه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة فردّ عليه ماله وأهله وأعطاه مائة من الابل وأسلم فحسن اسلامه فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وكان يقاتل بهم ثقيفا فكان لا يخرج لهم سرح الا أغار عليهم حتى ضيق عليهم وفى رواية لما أتاه وفد هوازن فسألوا أن يردّ عليهم سبيهم وأموالهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فيهم وقال ان معى من ترون وأحب الحديث أصدقه فاختاروا احدى الطائفتين اما السبى واما المال قالوا انا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أمّا بعد فان اخوانكم قد جاؤا تائبين وانى قد رأيت أن أردّ اليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب بذلك فليفعل ومن أحب أن يكون على حظه حتى نعطيه اياه من أوّل ما يفئ الله علينا فليفعل قال ناس قد طبنا بذلك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا لا ندرى من أذن منكم فى ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع الينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس كلهم وعرفاؤهم ثم رجعوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه انهم(2/113)
قد طيبوا وأذنوا* وفى الشفاء ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على هوازن سباياها وكانوا ستة آلاف ولما فرغ من ردّ سبايا حنين الى أهلها ركب واتبعه الناس يقولون يا رسول الله اقسم علينا سبايا الابل والغنم حتى ألجأوه الى شجرة فاختطفت عنه رداءه فقال ردّوا علىّ ردائى أيها الناس فو الله لو كان لى بعدد شجر تهامة نعم لقسمته عليكم ثم ما لقيتمونى بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا ثم قام الى جنب بعيره فأخذ وبرة من سنامه فرفعها ثم قال أيها الناس والله مالى من فيئكم ولا هذه الوبرة الا الخمس والخمس مردود عليكم فأدّوا الخياط والمخيط فان الغلول يكون على أهله عارا وشنارا ونارا يوم القيامة* وفى رواية فجاء رجل من الانصار بكبة من خيوط شعر فقال يا رسول الله أخذت هذه البكبة أعمل بها برذعة بعير لى من وبر فقال أما نصيبى منها فلك قال اذا بلغت ذلك فلا حاجة لى بها ثم طرحها من يده* وفى رواية ان عقيل بن أبى طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة وسيفه متلطخ دما فقالت انى قد عرفت انك قد قاتلت فماذا أصبت من غنائم المشركين قال دونك هذه الابرة بخيطين فخيطى بها ثوبك فدفعها اليها فسمع منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شيئا فليردّه حتى الخياط والمخيط فرجع عقيل فقال ما أدرى ابرتك الا قد ذهبت وأخذها فألقاها فى الغنائم وقد صح ان النبىّ صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم عطاء كاملا وكانوا أشرافا من أشراف الناس يتألفهم ويتألف بهم قومهم كيما يودّوه ويكفوا عن حربه قيل هم خمسة عشر رجلا* وفى المضمرات المؤلفة قلوبهم ثلاثة أصناف صنف يتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا ويسلم قومهم باسلامهم وصنف أسلموا فيريد تقريرهم وصنف يعطيهم لدفع شرّهم مثل عباس بن مرداس وعيينة بن حصن وعلقمة بن عدية* وفى السراجية من المؤلفة قلوبهم أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن الفزارى والأقرع بن حابس الطائى وعباس بن مرداس السلمى وزيد الخيل* وفى رواية ان أبا سفيان بن حرب جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم والاموال من نقود وغيرها مجموعة عنده فقال يا رسول الله أنت اليوم أغنى قريش فتبسم صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان حظنا من هذه الاموال فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم بلالا فأعطاه مائة من الابل وأربعين أوقية من الفضة فقام اليه يزيد وهو يزيد بن أبى سفيان الصحابى أخو معاوية أسلم يوم الفتح ويقال له يزيد الخير فأعطاه أيضا مائة من الابل وأربعين أوقية من الفضة فقال أبو سفيان فأين حظ ابنى معاوية فأعطاه مائة من الابل وأربعين أوقية من الفضة حتى أخذ أبو سفيان ثلثمائة من الابل ومائة وعشرين أوقية من الفضة فقال أبو سفيان بأبى أنت وأمى يا رسول الله لأنت كريم فى الحرب وفى السلم هذا غاية الكرم جزاك الله خيرا وأعطى صفوان بن أمية من الابل مائة ثم مائة كذا فى الشفاء وأعطى حكيم بن حزام مائة من الابل فسأل مائة أخرى فأعطاه اياها وأعطى كل واحد من الحارث بن كلدة والحارث بن هشام أخى أبى جهل وعبد الرحمن بن يربوع المخزوميان وسهيل بن عمرو وحويطب ابن عبد العزى كل هؤلاء من أشراف قريش والاقرع بن حابس التميمى وعيينة بن حصن الفزارى ومالك بن عوف النصرى وهؤلاء من غير قريش أعطى كل واحد من هؤلاء المسمين من قريش وغيرهم مائة بعير وأعطى دون ذلك رجالا منهم من قريش مخرمة بن نوفل وعمير بن وهب وأعطى سعيد بن يربوع المخزومى وعدى بن قيس السهمى وعلاء بن حارثة الثقفى وعثمان بن نوفل وهشام بن عمرو العامرى خمسين خمسين وأعطى العباس بن مرداس أبا عر فسخطها* فقال
وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس فى مجمع
وما كنت دون امرئ منهما ... ومن يضع اليوم لا يرفع(2/114)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فاقطعوا عنى لسانه فأعطوه حتى رضى فكان ذلك قطع لسانه* وفى رواية فأتم له مائة أيضا وذكر ابن هشام ان عباسا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت القائل
فأصبح نهبى ونهب العبيد بين الاقرع وعيينة
فقال أبو بكر بين عيينة والاقرع* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد فقال أبو بكر أشهد انك كما قال الله وما علمناه الشعر وما ينبغى له* وذكر ابن عقبة ابن عباسا لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع لسانه فزع لها وقال من لا يعرف أمر بعباس يمثل به فأتى به الى الغنائم فقيل له خذ منها ما شئت فقال العباس وانما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع لسانى بالعطاء بعد ان تكلمت فتكرم أن يأخذ منها شيئا فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلة فقبلها ولبسها وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائل من أصحابه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والاقرع ابن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اما والذى نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الارض كلهم مثل عيينة ابن حصن والاقرع ولكنى تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة الى اسلامه وجاء رجل من تميم يقال له ذو الخو يصرة فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد قد رأيت ما صنعت فى هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ويحك اذا لم يكن العدل عندى فعند من يكون فقال عمر رضى الله عنه ألا نقتله فقال لا دعوه فانه ستكون له شيعة يتعمقون فى الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية تنظر فى النصل فلا يوجد شئ ثم فى القدح فلا يوجد شئ ثم فى الفوق فلا يوجد شئ سبق الفرث والدم* وروى انه صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يقسم الغنائم أمر زيد بن ثابت حتى أحصى الناس ثم عدّ الابل والغنم وقسمها على الناس فوقع فى سهم كل رجل أربع من الابل مع أربعين من الشاء وان كان فارسا فسهمه اثنا عشر بعيرا مع مائة وعشرين من الشاء ولم يعط لغير فرس واحد وعن أنس سأله صلى الله عليه وسلم رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع الى بلده فقال يا قوم اسلموا فان محمدا صلى الله عليه وسلم يعطى عطاء من لا يخشى فاقة* وفى معالم التنزيل لما أفاء الله على رسوله يوم حنين من أموال هوازن ما أفاء قسم فى الناس من المهاجرين والطلقاء والمؤلفة قلوبهم* وفى رواية طفق يعطى رجالا من قريش وغيرهم المائة من الابل ولم يعط الانصار منها شيئا فكأنهم وجدوا اذا لم يصيبوا ما أصابه الناس فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فأرسل الى الانصار فجمعهم فى قبة من أدم ولم يدع معهم أحدا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم فقال ما كان بلغنى عنكم فقال له فقهاؤهم أما ذو ورأينا فلم يقولوا شيئا واما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويترك الانصار وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أعطى رجالا حديثى عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالاموال أو بالدنيا وترجعوا الى رحالكم برسول الله وتحوزونه الى بيوتكم فو الله ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله قد رضينا* وفى رواية قال أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والابل وتذهبوا بالنبىّ الى رحالكم ولولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الناس واديا أو شعبا والانصار واديا لسلكت وادى الانصار والانصار شعار والناس دثار وانكم ستلقون بعدى أثرة فاصبروا حتى(2/115)
تلقونى على الحوض وفى رواية سترون بعدى اثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله فانى على الحوض قالوا ستصبر* وفى الاكتفاء ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى فى قريش وفى قبائل العرب ولم يعط الانصار شيئا وجدوا فى أنفسهم حتى كثرت منهم المقالة حتى قال قائلهم لقى والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه فدخل سعد بن عبادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انّ هذا الحىّ من الانصار قد وجدوا عليك لما صنعت فى هذا الفىء الذى أصبت قسمت فى قومك وأعطيت عطايا عظاما فى قبائل العرب ولم يكن فى هذا الحىّ من الانصار منها شئ قال فأين أنت من ذلك يا سعد قال يا رسول الله ما أنا الا من قومى قال فاجمع لى قومك فى هذه الحظيرة فخرج سعد وجمع الانصار فى تلك الحظيرة فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردّهم فلما اجتمعوا له أعلمه سعد بهم فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا معشر الانصار مقالة بلغتنى عنكم وجدة وجدتموها فى أنفسكم ألم آتكم ضلالا فهذا كم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بلى يا رسول الله الله ورسوله أمنّ وأفضل ثم قال ألا تجيبون يا معشر الانصار قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله لله ورسوله المنّ والفضل فقال صلى الله عليه وسلم أما والله لو شئتم لقلتم فلصدّقتكم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدّقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فاويناك وعائلا فأغنيناك يا معشر الانصار أوجدتم فى أنفسكم فى لعاغة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم الى اسلامكم ألا ترضون يا معشر الانصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم فو الذى نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الناس شعبا وسلك الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء أبناء الانصار فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا يا رسول الله بك قسما وحظا ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرّقوا*
بعث عمرو بن العاص الى حيفر وعبد
وفى هذه السنة فى ذى القعدة الحرام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص الى حيفر وعبدا بنى الجلندى بعمان فأسلما وصدّقا* وفى هذه السنة قبل منصرفه من الجعرانة وقيل قبل الفتح وفى الاكتفاء بعد انصرافه من الحديبية
بعث العلاء الحضرمى الى ملك البحرين
فيكون قبل الفتح بعث العلاء الحضرمى الى المنذر الساوى العبدى ملك البحرين وكتب اليه كتابا ودعاه الى الاسلام فلما انتهى اليه وقرأ الكتاب أسلم وكتب جواب الكتاب فقال يا رسول الله انّ الله تعالى قد أعطانى بك نعمة الاسلام وقد قرأت كتابك على أهل البحرين* وفى الاكتفاء على أهل هجر فأسلم بعضهم وأبى بعضهم وفى أرضنا المجوس فمرنا كيف نعاملهم* فكتب النبىّ صلى الله عليه وسلم انّ من ثبت على المجوسية خذ منه الجزية ولا يناكحهم المسلمون ولا يأكلوا من ذبائحهم وكتب كتابا للعلاء الحضرمى وعين فيه نصاب زكاة الابل والبقر والغنم والزرع والثمار وأموال التجارة فقرأ العلاء كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس وأخذ صدقاتهم* وفى الاكتفاء ذكر ابن اسحاق وغيره أنّ المنذر توفى قبل ردّة أهل البحرين والعلاء عنده أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين* وفى رواية بعث صلى الله عليه وسلم أبا هريرة مع العلاء فى هذه السفرة وكان العلاء مجاب الدعوة وانه خاض فى البحر بكلمات قالهنّ وكان له أثر عظيم فى قتال أهل الردّة عند البحرين فى خلافة أبى بكر الصدّيق وسيجىء فى الخاتمة ان شاء الله تعالى* قال ابن سيد الناس انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم انتهى الى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذى القعدة الحرام فأقام بها ثلاث عشرة ليلة فلما أراد الانصراف الى المدينة خرج ليلة الاربعاء لثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى القعدة الحرام ليلا فأحرم بعمرة ودخل مكة* وفى المواهب اللدنية ذكر محمد بن سعد كاتب الواقدى عن ابن عباس(2/116)
أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف نزل الجعرانة فقسم بها الغنائم ثم اعتمر منها وذلك لليلتين بقينا من شوّال قال ابن سيد الناس هذا ضعيف والمعروف عند أهل السير هو الاوّل انه اعتمر فى ذى القعدة قال فطاف وسعى وحلق رأسه وحالقه أبو هند ففرغ من عمرته ليلا ثم رجع الى الجعرانة من ليلته وأصبح بها كبائت* وفى تاريخ الازرقى عن مجاهد أنه عليه السلام أحرم من وراء الوادى حيث الحجارة المنصوبة* وفى معجم ما استعجم روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم جاء الى المسجد فركع ما شاء ثم أحرم ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقى طريق مكة فأصبح بمكة كبائت* وفى المواهب اللدنية عن الواقدى أنه أحرم من المسجد الاقصى الذى تحت الوادى بالعدوة القصوى وكان مصلاه اذ كان بالجعرانة والجعرانة موضع بينه وبين مكة بريد كما قاله الفاكهانى وقال الباجى ثمانية عشر ميلا وسميت بامرأة تلقب بالجعرانة كما ذكره السهيلى* وفى الاكتفاء ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا وأمر ببقايا الفئ فحبس بمجنة بناحية مرّ الظهران فلما فرغ من عمرته انصرف راجعا الى المدينة واستخلف عتاب بن أسيد على مكة وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس فى الدين ويعلمهم القرآن وأتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفئ ولما استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتابا على مكة رزقه فى كل يوم درهما فقام عتاب خطيبا فى الناس فقال أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم فقد رزقنى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم درهما فليست لى حاجة الى أحد* وكانت عمرة رسول الله فى ذى القعدة وقدم المدينة فى بقيته أو فى أوّل ذى الحجة وقد غاب عنها شهرين وستة عشر يوما وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه وحج عتاب ابن أسيد بالمسلمين فيها وهى سنة ثمان وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم فى طائفهم ما بين ذى القعدة اذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الى رمضان سنة تسع*
اسلام عروة بن مسعود
وفى هذه السنة أسلم عروة ابن مسعود الثقفى وقتل* وفى الاكتفاء وكان من حديث ثقيف أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يصل الى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع الى قومه بالاسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم قاتلوك وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ فيهم نخوة الامتناع الذى كان منهم فقال عروة يا رسول الله أنا أحب اليهم من أبكارهم ويقال من أبصارهم وكان فيهم كذلك محببا مطاعا فخرج يدعو قومه الى الاسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم الى الاسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل جهة فأصابه سهم فقتله فقيل له ما ترى فى دمك قال كرامة أكرمنى الله بها وشهادة ساقها الله الىّ فليس فىّ الا ما فى الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنونى معهم فزعموا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انّ مثله فى قومه كمثل صاحب يس فى قومه* ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من الطائف كتب بجير بن زهير بن ابى سلمى الى أخيه كعب بن زهير يخبره بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم كعب فى السنة التاسعة المدينة وأسلم وستجىء قصته فى السنة التاسعة* وفى هذه السنة بعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن فى أربعمائة فارس وأمره أن يقاتل قبيلة صداء حين مروره عليهم فى الطريق فقدم زياد بن الحارث الصدائى فسأل عن ذلك البعث فأخبر فقال يا رسول الله أنا وافد فاردد الجيش فأنا لك بقومى فردّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قناة وقدم الصدائيون بعد خمسة عشر يوما*
تزوّجه عليه السلام بمليكة الكندية
وفى هذه السنة تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة الكندية وكان قتل أبوها قبل الفتح فقال لها بعض أزواج النبىّ صلى الله عليه وسلم ألا تستحيين أن تتزوّجى رجلا قتل أباك فاستعاذت ففارقها وقد مرّ فى الباب الثالث فى حوادث السنة الخامسة(2/117)
والعشرين من مولده* وفى هذه السنة أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاق سودة فقالت دعنى أكن فى أزواجك وأجعل يومى لعائشة ففعل صلى الله عليه وسلم* وفى رواية أنه طلقها وجلست فى طريقه حين ينصرف الى بيت عائشة وقالت راجعنى يا رسول الله فو الله ما بقى حب الزوج فى قلبى ولكن أريد أن أحشر يوم القيامة فى زمرة أزواجك وأجعل يومى لعائشة فراجعها صلى الله عليه وسلم ويكون يوم نوبتها فى بيت عائشة قيل وآية وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا نزلت فى قصة سودة*
ولادة ابراهيم من مارية القبطية
وفى ذى الحجة من هذه السنة ولد ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت الى زوجها ابى زافع فأخبرته بأنّ مارية قد ولدت غلاما فجاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا وسماه ابراهيم وعق عنه بكبشين يوم سابعه وحلق رأسه وتصدّق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بدفن شعره فى الارض وتنافست فيه نساء الانصار أيتهنّ ترضعه فدفعه الى أمّ بردة بنت المنذر بن زيد وزوجها البراء بن أوس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتى الى أمّ بردة ويقيل عندها وتأتى له بابراهيم وغارت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتدّ عليهنّ حين رزق منها الولد* روى عن أنس أنه قال لما ولد ابراهيم عليه السلام جاءه جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا أبا ابراهيم ورواه أبو هريرة أيضا بتغيير يسير كما مرّ فى الركن الاوّل فى الباب الاوّل وعن أنس أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد لى الليلة غلام فسميته باسم أبى ابراهيم ثم دفعه الى أمّ سيف امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف يشبه أن تكون أمّ سيف هى أمّ بردة ابنة المنذر وستجىء وفاة ابراهيم فى الموطن العاشر* وفى آخر هذه السنة ابتدأ قدوم الوفود عليه بعد رجوعه من الجعرانة فقدم عليه وفد هوازن* وفى هذه السنة توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى أنها ماتت فى أوّل هذه السنة وقد مرّ فى السنة الخامسة والعشرين من مولده فى ذكر أولاده صلى الله عليه وسلم والله أعلم
*
(الموطن التاسع فى حوادث السنة التاسعة من الهجرة
من بعث عيينة بن حصن الفزارى الى بنى تميم وبعث الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق وسرية قطبة بن عامر الى خثعم وسرية الضحاك ابن سفيان الكلابى الى بنى كلاب وسرية علقمة بن مجزز الى الحبشة وبعث علىّ الى الفلس وبعث عكاشة بن محصن الى الحباب واسلام كعب بن زهير وتتابع الوفود وهجرته عن نسائه وغزوة تبوك وسرية خالد بن الوليد من تبوك الى اكيدر وكتابه من تبوك الى هرقل وموت عبد الله ذى النجادين وهدم مسجد الضرار وقصة كعب بن مالك وصاحبيه وارجاء أمرهم وقصة اللعان واسلام ثقيف وقدوم كتاب ملوك حمير ورجم المرأة الغامدية ووفاة النجاشى ووفاة أمّ كلثوم وموت عبد الله ابن أبى ابن سلول وحج أبى بكر رضى الله عنه وقتل فارس ملكهم شهريار بن شيرويه وتمليكهم بوران بنت كسرى) *
* بعث عيينة بن حصن الى بنى تميم
وفى هذه السنة بعث عيينة بن حصن الفزارى الى بنى تميم وسببه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فى محرم هذه السنة بشر بن سفيان الكعبى الى بنى كعب من خزاعة لأخذ صدقاتهم فسار الى هؤلاء القوم ونزل بساحتهم وهم مع بنى تميم مجتمعون على ماء يقال له ذات الاشطاط فأخذ بشر صدقات بنى كعب فلما رأى بنو تميم ذلك المال استكثروه لكونهم لئاما فقالوا لبنى كعب لم تعطونهم أموالكم فاجتمعوا وشهروا السلاح فمنعوا عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أخذ الصدقات فقال بنو كعب نحن أسلمنا ولا بدّ فى ديننا من أداء الزكاة قال بنو تميم والله لا ندع أن يخرجوا عنا بعيرا واحدا* وفى رواية(2/118)
أنّ خزاعة وبنى العنبر أعانوا بنى تميم ولما رأى العامل ذلك رجع الى المدينة وأخبر به النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعث اليهم عيينة بن حصن الفزارى فى خمسين راكبا من العرب ليس فيهم مهاجرىّ ولا انصارىّ وكان عيينة يسير بالليل ويختفى بالنهار حتى هجم عليهم فى صحراء فدخلوا وسرحوا مواشيهم فلما رأوا الجمع هربوا وأخذ المسلمون منهم احد عشر رجلا ووجدوا فى محلهم احدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا وقدموا بهم المدينة وحبسوا بها وقدم فيهم عشرة من رؤسائهم منهم قيس بن عاصم وعطارد ابن حاجب والزبرقان بن بدر والاقرع بن حابس ولما رأوهم بكى اليهم النساء والذرارى فعجلوا فجاؤا الى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادوا يا محمد اخرج الينا نفاخرك ونشاعرك فانّ مدحنازين وذمّنا شين قيل كانوا تسعين أو ثمانين رجلا ونزل فيهم انّ الذين ينّادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بلال الصلاة فتعلقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه فوقف معهم ثم مضى فصلى الظهر ثم جلس فى صحن المسجد فلم يزد فى جوابهم على أن قال ذلك الله اذا مدح زان واذا ذمّ شان انى لم أبعث بالشعر ولم أومر بالفخر ولكن هاتوا فقدّموا خطيبهم عطارد بن حاجب فتكلم وخطب فأمر عليه السلام ثابت بن قيس بن شماس أن يجيب خطيبهم فغلبه فقام شاعرهم الاقرع بن حابس فقال
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ... اذا خالفونا عند ذكر المكارم
وانا رؤس الناس فى كل معشر ... وأن ليس فى أرض الحجاز كدارم
فأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم حسانا أن يجيبه فقام وقال
بنى دارم لا تفخروا انّ فخركم ... يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتمو ... لنا خول ما بين قنّ وخادم
فكان أوّل من اسلم شاعرهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قيس بن عاصم هذا سيد أهل الوبر وردّ عليهم السبى وأمر لهم بالجوائز كما كان يجيز الوفود وثابت بن قيس بن شماس بمعجمة وميم مشدّدة وآخره مهملة وهو خزرجى شهد له النبىّ صلى الله عليه وسلم بالجنة وكان خطيبه وخطيب الانصار واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتى عشرة فى خلافة أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه وسيجىء فى الفصل الثانى من الخاتمة فى خلافة أبى بكر*
بعث الوليد بن عقبة الى بنى المصطلق
وفى هذه السنة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق من خزاعة مصدّقا وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد وكان بينه وبينهم عداوة فى الجاهلية فلما سمعوا بدنوه خزج منهم عشرون رجلا يتلقونه بالجزر والغنم فرحا بقدومه وتعظيما لامر الله وأمر رسوله فحدّثه الشيطان انهم يريدون قتله فخافهم ورجع من الطريق قبل أن يصل اليهم فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم تلقوه بالسلاح وأرادوا قتله* وفى المواهب اللدنية يحولون بينه وبين الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمّ أن يبعث اليهم من يغزوهم فلما بلغهم خبر رجوع الوليد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله سمعنا بمجىء رسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه فرجع فخشينا أن يكون ردّه بلوغ كتاب منك لغضب غضبته علينا وانا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد فى عسكر خفية وأمره أن يخفى عليهم قدومه وقال له انظر فان رأيت منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل فى الكفار فأتاهم خالد فسمع منهم أذان صلاتى المغرب والعشاء فأخذ صدقاتهم ولم ير منهم الا الطاعة والخير وانصرف خالد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الاية فقرأ عليهم(2/119)
صلى الله عليه وسلم القرآن وبعث معهم عباد بن بشر يأخذ الصدقات من أموالهم ويعلمهم شرائع الاسلام ويقرئهم القرآن* وفى الكشاف كان الوليد بن عقبة أخا عثمان لامه وهو الذى ولاه عثمان رضى الله عنه فى خلافته الكوفة بعد سعد بن أبى وقاص فصلى بالناس وهو سكران صلاة الفجر أربعا ثم قال هل أزيدكم فعزله عثمان رضى الله عنه*
بعث قطبة بن عامر الى خثعم
وفى هذه السنة أمر قطبة بن عامر بن حديدة على عشرين رجلا وبعثه الى قبيلة خثعم بناحية بيشة قريبا من تربة بضم التاء وفتح الراء من أعمال مكة سنة تسع وأمره أن يشن الغارة عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجرحى فى الفريقين جميعا وقتل قطبة من قتل وساقوا الابل والغنم والسبى الى المدينة وقسموا الغنيمة بعد اخراج الخمس فوقع فى سهم كل واحد منهم أربع ابل وكل ابل بعشرة من الغنم*
بعث الضحاك بن سفيان الكلابى الى بنى كلاب
وفى ربيع الاوّل من هذه السنة بعث الضحاك بن سفيان الكلابى الى بنى كلاب الى القرطا فدعاهم الى الاسلام فأبوا فقاتلوهم وهزموهم وغنموا كذا فى المواهب اللدنية* وفى شواهد النبوّة بعث صلى الله عليه وسلم سرية الى بنى كلاب وكتب اليهم فى رق فلم ينقادوا وغسلوا الخط عن الرق وخاطوه تحت دلوهم فلما بلغ النبىّ صلى الله عليه وسلم الخبر قال مالهم أذهب الله عقولهم فلذا لا يوجد من بنى كلاب الا مختل العقل ومختلط الكلام وبعضهم بحيث لا يفهم كلامه* وفى شرف المصطفى للنيسابورى كما ذكره مغلطاى أنه صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن عوسجة الى بنى عمرو بن حارثة وقيل حارثة بن عمرو وقال وهو الاصح فى مستهل صفر سنة تسع يدعوهم الى الاسلام فأبوا أن يجيبوا واستخفوا بالصحيفة فدعا عليهم النبىّ صلى الله عليه وسلم بذهاب العقل فهم اليوم أهل رعدة وعجلة وكلام مختلط كذا فى المواهب اللدنية*
بعث علقمة بن مجزز الى الحبشة
وفى ربيع الاخر وقال الحاكم فى صفر هذه السنة بعث علقمة بن مجزز المدلجى الى أهل الحبشة وقد أتوا الى نواحى جدة* ذكر ابن سعد ان سبب ذلك أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراآهم أهل جدّة فبعث اليهم علقمة بن مجزز فى ثلثمائة فانتهى بهم الى جزيرة فى البحر قيل هى كانت مسكن أولئك القوم فلما خاض البحر اليهم هربوا فلما رجع الى المدينة استعجل بعض الاصحاب وتقدّموا وكان عبد الله بن حذافة السهمى من المستعجلين وأمّره علقمة عليهم وكان امرأ فيه شىء من الهزل والمزاح فنزلوا منزلا فأوقدوا نارا يصطلون بها كذا فى بعض الكتب* وفى الاكتفاء بعث علقمة بن مجزز المدلجى لما قتل وقاص بن مجزز أخوه يوم ذى قرد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه فى آثار القوم ليدرك ثاره فيهم فبعثه فى نفر من المسلمين* قال أبو سعيد الخدرى وأنا فيهم حتى اذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق أذن لطائفة من الجيش وأمّر عليهم عبد الله بن حذافة السهمى وكان فيه دعابة فلما كان ببعض الطريق أو قد نارا ثم قال أليس لى عليكم السمع والطاعة قالوا بلى قال فما آمركم بشىء الا فعلتموه قالوا نعم قال فانى أعزم عليكم بحقى وطاعتى الا تواثبتم فى هذه النار فقام بعض القوم يحتجز حتى ظنّ انهم واثبون فيها فقال لهم اجلسوا فانما كنت أضحك معكم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه* وفى رواية قال لا طاعة فى معصية الله انما الطاعة فى المعروف ويقال ان علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا* وفى رواية بعث صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليها رجلا من الانصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب يوما وأمرهم بالدخول فى نار أوقدوها فلم يطيعوه فبلغه صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها الى يوم القيامة الطاعة فى المعروف*
بعث على بن أبى طالب الى الفلس
وفى ربيع الاخر من هذه السنة بعث علىّ بن أبى طالب الى الفلس بضم الفاء وسكون اللام وهو صنم لطى يهدمه وبعث معه مائة وخمسين رجلا من الانصار على مائة بعير وخمسين فرسا وعند ابن سعد مائتى رجل فهدمه وغنم سبيا ونعما وشاء وسيد القبيلة عدى بن حاتم هرب الى الشام(2/120)
وسبيت أخته سنانة بنت حاتم فى السبايا فأطلقها النبىّ صلى الله عليه وسلم فكان ذلك سبب اسلام عدى* وعند ابن سعد ان الذى سباها خالد بن الوليد ووجد علىّ فى خزانة الصنم ثلاثة أسياف يقال لأحدها الرسوب وللثانى المخذم وللثالث اليمانى فاصطفى الرسوب وأعطى المخذم للنبىّ صلى الله عليه وسلم صفى المغنم ثم قسم الباقى على أهل السرية* وفى هذه السنة بعث عكاشة بن محصن الى الحباب وهو موضع بالحجاز من أرض عذرة وبلى وقيل أرض فزارة وكلب ولعذرة فيها شركة كذا فى المواهب اللدنية*
إسلام كعب بن زهير
وفى هذه السنة أسلم كعب بن زهير وكان اسلامه فيما بين رجوع النبىّ صلى الله عليه وسلم من الطائف وغزوة تبوك وكان كعب ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم فتح مكة هرب ثم جاء فأسلم قال ابن اسحاق لما قدم النبىّ صلى الله عليه وسلم كتب بجير بن زهير الى أخيه كعب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه وانه قال من لقى منكم كعب بن زهير فليقتله فان كان لك فى نفسك حاجة فطر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه لا يقتل أحدا جاءه وان أنت لا تفعل فانح الى نجاتك فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الارض وأشفق على نفسه وأرجف به من كان فى حاضره من عدوّه فقال مقتول فلما لم يجد بدّا من شئ قال قصيدته التى يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر خوفه وارجاف الوشاة به من عدوّه ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل من جهينة كانت بينه وبينه معرفة فغدا به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هذا رسول الله قم اليه واستأمنه فقام وجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده فى يده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال يا رسول الله ان كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه ان أنا جئتك به قال نعم قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير قال ابن اسحاق فحدّثنى عاصم بن عمرو بن قتادة انه وثب عليه رجل من الانصار فقال يا رسول الله دعنى وعدوّ الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عنك فانه قد جاءنا تائبا نازعا ثم قال قصيدته اللامية التى أوّلها
بانت سعاد فقلبى اليوم متبول ... متيم اثرها لم يفد مكبول
ومنها
أنبئت ان رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول
ان الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
وفى نهاية ابن الاثير عندها بدل اثرها وفى رواية أبى بكر بن الانبارى لما وصل الى قوله
ان الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
رمى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه وان معاوية بذل له فيها عشرة آلاف مثقال فقال ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فلما مات كعب بعث معاوية الى ورثته بعشرين ألفا فأخذها منهم قال وهى البردة التى عند السلاطين الى اليوم وكان كعب بن زهير من فحول الشعراء وأبوه زهير وابنه عقبة وابن ابنه العوّام بن عقبة كذا ذكره فى المواهب اللدنية
*
تتابع الوفود
وفى هذه السنة تتابع الوفود وفى الاكتفاء ما زال آحاد الوافدين وافداد الوفود من العرب يفدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أظهر الله دينه وقهر أعداءه ولكن انبعاث جماهيرهم الى ذلك انما كان بعد فتح مكة ومعظمه فى سنة تسع ولذلك كانت تسمى سنة الوفود كما قاله ابن هشام وذلك ان العرب كانت تتربص بالاسلام ما يكون من قريش فيه اذهم الذين كانوا نصبوا لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه وكانوا امام الناس وهاديهم وأهل البيت والحرم وصريح ولد اسماعيل وقادة العرب لا ينكرهم ذلك ولا ينازعون فيه فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودانت له(2/121)
قريش وأذعنت للاسلام عرفت العرب انهم لا طاقة لهم بحربه وعداوته فدخلوا فى دين الله أفواجا يضربون اليه من كل وجه بقول الله تعالى لنبيه اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا جماعات فسبح بحمد ربك أى فاحمد الله على ما ظهر من دينك واستغفره انه كان توابا اشارة الى انقضاء أجله واقتراب لحاقه برحمة ربه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا كذلك قال ابن عباس وقد سأله عمر بن الخطاب عن هذه السورة فلما اجابه بنحو هذا المعنى قال عموما أعلم منها الا ما تعلم*
هجره صلى الله عليه وسلم نساءه
وفى هذه السنة هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه وقال ما أنا بداخل عليكنّ شهرا وفى المواهب اللدنية وجحش شقه أى خدش وجلس فى مشربة له درجها من جذوع النخل وأتاه أصحابه يعودونه يصلى بهم جالسا وهم جلوس* وفى المنتقى وفى سبب ذلك قولان أحدهما ما روى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى بيت حفصة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى زيارة أبيها فأذن لها فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مارية وأدخلها فى بيت حفصة وواقعها فلما رجعت حفصة أبصرت مارية فى بيتها مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت وقالت انى رأيت من كانت معك فى البيت فغضبت وبكت فلما رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى وجهها الغيرة قال لها اسكتى فهى علىّ حرام أبتغى بذلك رضاك وحلف أن لا يقربها وقال لها لا تخبرى أحدا بما أسررت اليك فأخبرت بذلك عائشة وقالت قد أراحنا الله من مارية فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّمها على نفسه وقصت عليها القصة وكانت بينهما مصافاة وتظاهر فطلقها واعتزل نساءه ومكث تسعا وعشرين ليلة فى بيت مارية فنزل جبريل عليه السلام وقال له راجعها فانها صوّامة قوّامة وانها لمن نسائك فى الجنة* وفى رواية ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية فى يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها اكتمى علىّ وقد حرّمت مارية على نفسى وأبشرك ان أبا بكر وعمر يملكان بعدى أمر أمتى فأخبرت به عائشة وكانتا متصادقتين وقيل شرب عسلا عند حفصة فواطأت عائشة سودة وصفية فقلن له انما نشم منك ريح مغافير فحرم العسل فنزلت هذه الاية وهى يا أيها النبىّ لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغى مرضاة أزواجك الاية والثانى انه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بين أزواجه فأرسلت الى زينب بنت جحش بنصيبها فردّته فقال لها زيديها فزادته ثلاث مرّات وكل مرّة تردّه فقال لا أدخل عليكنّ شهرا فاعتزل فى مشربة ثم نزل بعد تسع وعشرين ليلة فبدأ بعائشة فقالت له يا رسول الله كنت أقسمت ان لا تدخل علينا شهرا وانما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا فقال الشهر تسع وعشرون ليلة وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين*
غزوة تبوك
وفى رجب هذه السنة لستة أشهر وخمسة أيام خلت منها وقعت غزوة تبوك وهى آخر غزواته صلى الله عليه وسلم على ما ذكر ابن اسحاق وتبوك مكان معروف وهو نصف طريق المدينة الى دمشق وهى غزوة العسرة وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها وكانت يوم الخميس فى رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف وذكر البخارى لها بعد حجة الوداع خطأ من النساخ كذا فى المواهب اللدنية* وقصتها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من غزوة الطائف وعمرة الجعرانة مكث بالمدينة ما بين ذى الحجة الى رجب ثم أمر أصحابه بالتهيؤ الى غزوة الروم وذلك أنه قدم المدينة جماعة من الانباط بالدرمك والزيت وغير ذلك من متاع الشام فذكروا ان الروم قد جمعت بالشام جموعا كثيرة لقتال المسلمين وان هرقل قد رزق أصحابه لسنة وكان معهم بنو لخم وجذام وغسان وعاملة واجتمعوا وقدموا مقدّماتهم الى البلقاء وعسكروا بها وتخلف هرقل بحمص وكانوا كاذبين فى ذلك ولم يكن من ذلك شئ وانما ذلك شئ قيل لهم فأرجفوا به* وروى(2/122)
الطبرانى من حديث عمران بن الحصين قال كانت النصارى كتبت الى هرقل ان هذا الرجل الذى خرج يدّعى النبوّة قد هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم فبعث رجلا من عظمائه وجهز معه أربعين ألفا كذا فى المواهب اللدنية فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أمر الناس بالتأهب للشام والتجهز للمسير اليها وكان الزمان زمان حرّ وعسرة عسرة الظهر وعسرة الزاد وعسرة المال وكان العشرة يتعقبون على بعير واحد وربما يمص التمرة الواحدة جماعة يتناوبونها وكانوا يعصرون الفرث ويشربونه من شدّة العطش وعن عمر بن الخطاب قال نزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى ان الرجل لينحر بعيرا فيعصر فرثه ويشربه ويجعل ما بقى على كبده كذا فى معالم التنزيل وفى تفسير عبد الرزاق عن معمر عن ابن عقيل قال فخرجوا فى قلة من الظهر فى حرّ شديد حتى انهم كانوا ينحرون البعير ويشربون ما فى كرشه من الماء فكان ذلك الوقت عسرة فى الماء والظهر والنفقة فسميت غزوة العسرة ولم يقع فى هذه الغزوة قتال ولكن فتحوا فى هذا السفر دومة الجندل وكانت الروم والشام من أعظم أعداء المسلمين وأهيبهم عندهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا غزا غزوة ورّى بغيرها الا غزوة تبوك فانه أخبر الناس بها وأظهر ليتأهبوا لها الاهبة ويستعدّوا لبعد السفر وشدّة الزمان وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى القبائل من العرب والى أهل مكة وكانوا كلهم مسلمين فى هذا الوقت يستنفرهم الى الغزو وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده من المسلمين على الجهاد ورغبهم فيه وأمرهم بالصدقة فجاؤا بصدقات كثيرة وكان أوّل من جاء بها أبو بكر جاء بماله كله أربعة آلاف درهم وجاء عمر بنصف ماله وجاء العباس بن عبد المطلب بمال كثير وجاء طلحة بمال وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتى أوقية من الفضة وجاء سعد بن عبادة بمال وجاء محمد بن مسلمة بمال وجاء عاصم بن عدى بتسعين وسقا من تمر وجهز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش وكفاهم مؤنتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يضرّ عثمان بن عفان ما فعل بعد اليوم* وفى المواهب اللدنية وكان عثمان بن عفان قد جهز عيرا الى الشام فقال يا رسول الله هذه مائتا بعير باقتابها واحلاسها ومائتا أوقية فضة قال فسمعته يقول لا يضرّ عثمان ما فعل بعدها* وروى عن قتادة أنه قال حمل عثمان فى جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا وعن عبد الرحمن بن سمرة قال جاء عثمان بن عفان بألف دينار فى كمه حين جهز جيش العسرة فنثرها فى حجره عليه الصلاة والسلام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها فى حجره ويقول ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم خرجه الترمذى وقال حديث غريب وعند الفضائلى والملافى سيرته كما ذكره الطبرى فى الرياض النضرة من حديث حذيفة بعث عثمان يعنى فى جيش العسرة بعشرة آلاف دينار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبت بين يديه فجعل صلى الله عليه وسلم يقول بيديه ويقلبها ظهرا لبطن ويقول غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن الى يوم القيامة ما يبالى ما عمل بعدها وجعل الرجل من ذوى اليسار يحمل الرهط من فقراء قومه ويكفيهم مؤنتهم وبعثت النساء بكل ما قدرن عليه من مسك ومعاضد وخلاخل وقرطة وخواتيم والناس فى عسرة شديدة وقد طابت الثمار وأحنت الظلال والناس يحبون المقام ويكرهون الخروج لشدة الزمان وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالانكماش والجدّ وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم معسكره بثنية الوداع وكانوا ثلاثين ألفا وقال صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو فى جهازه للجدّ بن قيس وهو أحد بنى سلمة يا أبا قيس هل لك أن تخرج معنا لعلك تحتقب من بنات الاصفر الاحتقاب هو الاحتمال والمحتقب المردف كذا فى الصحاح فقال الجدّ لقد علم قومى انى من أشدّهم عجبا بالنساء وانى اذا رأيتهنّ لم أصبر عنهنّ فأذن لى فى المقام ولا تفتنى فأعرض رسول الله صلى الله
عليه(2/123)
وسلم عنه وقال أذنت لك كذا فى الاكتفاء فجاء ابنه عبد الله بن الجدّ وكان بدريا وكان أخا معاذ بن جبل لأمّه وجعل يلوم أباه على ما أجاب به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انت أكثر بنى سلمة مالا فما منعك أن تخرج فقال مالى وللخروج الى بنى الاصفر والله ما آمنهم وأنا فى منزلى هذا وانى عالم بالدوائر فقال له ابنه لا والله ما بك الا النفاق والله لينزلنّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك قرآن نفتضح به فأخذ نعله فضرب به وجه ابنه فلما نزلت فيه هذه الاية وهى قوله تعالى ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى الاية جاءه ابنه فقال له ألم أقل لك انه سوف ينزل فيك قرآن يقرؤه المسلمون فقال له أبوه اسكت يالكع والله لا أنفعك بنافعة أبدا والله لأنت أشدّ علىّ من محمد ثم جعل الجدّ يثبط قومه عن الجهاد ويمنعهم من الخروج ويقول لهم لا تنفروا فى الحرّ وفى الاكتفاء وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض لا تنفروا فى الحرّ زهادة فى الجهاد وشكافى الحق وارجافا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيهم وقالوا لا تنفروا فى الحرّ قل نار جهنم أشدّ حرّا لو كانوا يفقهون وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أناسا من المنافقين يجتمعون فى بيت سليم اليهودى يثبطون الناس عنه فى غزوة تبوك فبعث اليهم طلحة بن عبيد الله فى نفر من أصحابه وأمر أن يحرق البيت عليهم وفعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خليفة من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم أصحابه فأفلتوا فقال الضحاك فى ذلك
وكادت وبيت الله نار محمد ... يشيط بها الضحاك وابن الأبيرق
وظلت وقد طبقت كبش سويلم ... انوء على رجلىّ كسرا ومرفقى
سلام عليكم لا أعود لمثلها ... أخاف ومن تشمل به النار يحرق
كذا فى الاكتفاء وجاء البكاؤن وهم سالم بن عمير وعلبة بن زيد وأبو ليلى وعبد الرحمن بن كعب المازنى والعرباض بن سارية الفزارى وهرمى بن عبد الله وعمرو بن غنمة وعبد الله بن مغفل المزنى ويقال عبد الله بن عمرو المزنى وعمرو بن خمام ومعقل بن يسار المزنى وحضرمى بن مازن والنعمان بن سويد ومعقل وعقيل وسنان وعبد الرحمن بنو مقرن وهم الذين قال الله فيهم تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون قاله مغلطاى كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء وأنوار التنزيل اوردهم سبعة لكن على الاختلاف فى أسماء بعضهم ففى الاكتفاء سالم ابن عمير وعلبة بن زيد وأبو ليلى وعبد الرحمن بن كعب المازنى وعمرو بن حمام وهرمى بن عبد الله وعبد الله بن مغفل المزنى ويقال عبد الله بن عمر والمزنى وعرباض بن سارية الفزارى* وفى أنوار التنزيل سبعة من الانصار معقل بن يسار وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل وعلبة بن زيد وقيل هم ابناء مقرن مغفل وسويد والنعمان وقيل أبو موسى وأصحابه جاؤا يستحملون النبىّ صلى الله عليه وسلم وكانوا صالحاء وأهل فقر وحاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع الاية* وفى الاكتفاء ذكر أن يامين بن عمير النضرى لقى أبا ليلى بن كعب وابن مغفل وهما يبكيان فقال وما يبكيكما قالا جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوّى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحا له فارتحلاه وزوّدهما شيئا من تمر فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى زوّد كل واحد منهما صاعين من تمر وحمل العباس بن عبد المطلب منهم رجلين وحمل عثمان بن عفان منهم ثلاثا بعد الذى كان جهز من الجيش وجاء أناس من المنافقين يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم فى القعود عن الغزو فأذن لهم وهم بضعة وثمانون نفرا وجاء المعذرون من الاعراب فاعتذروا اليه فلم يعذرهم الله وذكر أنهم نفر من غفار فلما خرج رسول الله صلى الله(2/124)
عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع فأقبل عبد الله بن أبى ابن سلول معه على حدة وضرب عسكره أسفل منه نحوذ باب جبل بالمدينة كذا فى القاموس وكان فيما يزعمون ليس بأقلّ العسركين ومعه حلفاؤه من اليهود والمنافقين ممن اجتمع اليه فأقام ما أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سار تخلف عنه فيمن تخلف من المنافقين ورجع الى المدينة وقال يغزو محمد مع جهد الحال والحرّ والبلد البعيد الى ما لا قبل له به يحسب قتال بنى الاصفر اللعب والله لكأنى أنظر الى أصحابه غدا مقرّنين فى الحبال وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب على أهله وأمره بالاقامة فيهم فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتخفيفا منه فلما قالوا ذلك أخذ علىّ سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبىّ الله زعم المنافقون انك انما خلفتنى انك استثقلتنى وتخففت منى فقال كذبوا ولكنى خلفتك لما تركت ورائى فارجع واخلفنى فى أهلى وأهلك أفلا ترضى يا على أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبىّ بعدى فرجع علىّ الى المدينة ومضى رسول الله صل يالله عليه وسلم على سفره كذا فى الاكتفاء وشرح المواقف وقال الشيخ أبو اسحاق الفيروزابادى فى عقائده أى حين توجه موسى الى ميقات ربه استخلف هارون فى قومه* وفى المنتقى استخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفارى وقيل محمد بن مسلمة انتهى وقال الدمياطى استخلاف محمد بن مسلمة هو أثبت عندنا ممن قال استخلف غيره وقال الحافظ زين الدين العراقى فى شرح التقريب لم يتخلف علىّ عن المشاهد الا فى تبوك فانّ النبىّ صلى الله عليه وسلم خلفه على المدينة وعلى عياله وقال له يومئذ أنت منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبىّ بعدى وهو فى الصحيحين من حديث سعد بن أبى وقاص انتهى ورجحه ابن عبد البرّ واستخلف على العسكر أبا بكر الصدّيق رضى الله عنه فلما ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثنية الوداع متوجها الى تبوك عقد الالوية والرايات فدفع لواءه الاعظم الى أبى بكر ورايته العظمى الى الزبير ودفع راية الاوس الى أسيد بن حضير ولواء الخزرج الى أبى دجانة وقيل الى الحباب بن المنذر بن الجموح فساروا وهم ثلاثون ألفا وفيهم عشرة آلاف من الافراس* وفى المواهب اللدنية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل بطن من الانصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء وراية وكان معه ثلاثون ألفا وعند أبى زرعة سبعون ألفا وفى رواية عنه أيضا أربعون ألفا وكانت الخيل عشرة آلاف فرس وتخلف نفر من المسلمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير نفاق ولا ارتياب منهم كعب بن مالك أخو بنى سلمة ومرارة بن الربيع أخو بنى عمرو بن عوف وهلال بن أمية أخو بنى واقف وفيهم نزل وعلى الثلاثة الذين خلفوا وتخلف أبو ذرّ وأبو خيثمة ثم لحقاه بعد ذلك وسيجىء ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبح ذا خشب فنزل تحت الدومة* وفى خلاصة الوفاء وذو خشب على مرحلة من المدينة تحت الدومة وكان دليله الى تبوك علقمة بن القعواء الخزاعى فقال صلى الله عليه وسلم تحت الدومة فراح منها ممسيا حيث أبرد وكان فى حرّ شديد وكان يجمع من يوم نزل ذا خشب بين الظهر والعصر فى منزله يؤخر الظهر حتى يبرد ويعجل العصر ثم يجمع بينهما وكان ذلك فعله حتى رجع من تبوك وفى كل منزل نزله اتخذ مسجدا وجميعها معروفة الى مسجد تبوك ثم انّ أبا خيثمة بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما رجع الى أهله فى يوم حارّ فوجد امرأتين له فى عريشين لهما فى حائط له رشت كل واحدة منهما عريشها وبرّدت له فيه ماء وهيأت له طعاما فلما دخل قام على باب العريش ونظر الى امرأتيه وما صنعتا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الضح والريح والحرّ وأبو خيثمة فى ظلّ بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء
فى ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل على عريش واحدة منكما(2/125)
حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج فى طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك وقد كان أدرك أبا خيثمة فى الطريق عمير بن وهب الجمحى يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى اذا دنوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو خيثمة لعمير انّ لى ذنبا فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل حتى اذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة قالوا هو والله أبو خيثمة يا رسول الله فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى لك يا أبا خيثمة ثم أخبره خبره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ولما مضى من ثنية الوداع سائرا جعل يتخلف عنه رجال فيقال يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فان يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرّ بالحجر نزلها واستقى الناس من بئرها فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشربوا من مائها ولا يتوضأ منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الابل ولا تأكلوا منه شيئا ولا يخرجنّ أحد منكم الليلة الا ومعه صاحب له ففعل الناس ما امرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أنّ رجلين من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الاخر فى طلب بعير له فأمّا الذى ذهب لحاجته فانه خنق على مذهبه وأمّا الذى ذهب فى طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلى طىء اللذين يقال لاحدهما أجأ ويقال للاخر سلمى فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم أنهكم عن أن يخرج منكم أحد الا ومعه صاحبه ثم دعا للذى أصيب على مذهبه فشفى وأمّا الذى وقع بجبلى طىء فان طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة* وفى المنتقى لما وصل وادى القرى وقد أمسى بالحجر قال انها ستهب الليلة ريح شديدة لا يقومنّ منكم أحد الا مع صاحبه ومن كان له بعير فليوثقه بعقاله فهاجت ريح شديدة قد أفزعت الناس فلم يقم أحد الا مع صاحبه الا رجلين الى آخر ما ذكر ولما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم الا وأنتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم كذا فى الاكتفاء والمواهب اللدنية وقال فيه رواه الشيخان وكذا فى المنتقى عن ابن عمر وعبارته ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوز الوادى والحجر وادى قوم صالح وديارهم وهم ثمود الذين سكنوا ذلك الوادى وهو وادى القرى وهو بين المدينة والشام ولما ارتحل من الحجر أصبح ولا ماء معه ولا مع أصحابه وقد نزلوا على غير ماء فشكوا اليه العطش فاستقبل القبلة ودعا ولم يكن فى السماء سحابة فما زال يدعو حتى اجتمعت السحب من كل ناحية فما برح من مقامه حتى سحت السماء بالرواء فانكشفت السحابة من ساعتها فسقى الناس وارتووا عن آخرهم وملأوا الاسقية قيل لبعض المنافقين ويحك أبعد هذا شئ هل بقى عندك شئ من الريب فقال انما هى سحابة مارّة فارتحل النبىّ صلى الله عليه وسلم متوجها الى تبوك فأصبح فى منزل فضلت ناقته وهى القصوى فخرج أصحابه فى طلبها وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم وكان عقبيا بدريا وهو عمّ ابن عمرو بن حزم وفى رحله زيد بن الصلت القينقاعى وكان يهوديا فأسلم ونافق فقال زيد وهو فى رحل عمارة وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس محمد يزعم أنه نبىّ ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدرى أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده ان
رجلا قال هذا محمد يخبركم أنه نبىّ ويزعم أنه يخبر بأمر السماء وهو لا يدرى أين ناقته وانى والله لا أعلم الا ما علمنى(2/126)
الله وقد دلنى الله عليها وهى فى الوادى من شعب كذا وكذا وأشار الى الشعب وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتونى بها فذهبوا فجاؤا بها رواه البيهقى وأبو نعيم فرجع عمارة بن حزم الى رحله فقال والله لعجب من شئ حدّثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقالة قائل أخبره الله عنه للذى قال زيد بن الصلت فقال رجل ممن كان فى رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتى فأقبل عمارة على زيد يجأ فى عنقه ويقول يا عباد الله انّ فى رحلى الداهية وما أشعر اخرج أى عدوّ الله من رحلى فلا تصاحبنى فزعم بعض الناس أنّ زيد اتاب بعد ذلك وقال بعضهم لم يزل متهما بشر حتى مات كذا فى الاكتفاء* وفى معالم التنزيل أوردها فى غزوة المر يسيع ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه كما مرّ آنفا حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذرّ وأبطأ به بعيره فقال دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه وتلوّم أبو ذرّ على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ثم خرج يتتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله هذا رجل يمشى فى الطريق وحده فقال صلى الله عليه وسلم كن أبا ذرّ فلما تأمّله القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذرّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا ذرّ يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده فقضى الله سبحانه وتعالى انّ أبا ذرّ لما أخرجه عثمان رضى الله عنه الى الربدة وأدركته بها منيته لم يكن معه أحد الا امرأته وغلامه فأوصاهما أن غسلانى وكفنانى ثم ضعانى على قارعة الطريق فأوّل ركب يمرّ بكم فقولا هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا به كما أوصى فأقبل عبد الله بن مسعود فى رهط من العراق عمار فلم يرعهم الا بالجنازة على قارعة الطريق قد كادت الابل تطؤها فقام اليهم الغلام وقال هذا أبو ذرّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه فاستهلّ عبد الله بن مسعود وهو يبكى ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تمشى وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ثم نزل هو وأصحابه فواروه بالتراب ثم حدّثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسيره الى تبوك* وفى المنتقى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم ستأتون غدا ان شاء الله تعالى عين تبوك وانكم لن تأتوها حتى يضحى النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى قال معاذ فجئناها وقد سبقنا اليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشئ قليل من الماء فسألهما النبىّ صلى الله عليه وسلم هل مستما من مائها شيئا فقالا نعم فقال لهما ما شاء الله أن يقول ثم أمر برفع ماء منها فرفعوا له من تلك العين قليلا قليلا حتى اجتمع شىء ثم غسل صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجاءت العين بعد ذلك بماء كثير ببركة النبىّ صلى الله عليه وسلم فاستقى الناس وكفاهم* فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الجزية وأتاه أهل جرباء بالجيم وأذرح بالذال المعجمة والراء والحاء المهملة وهما بلدتان بالشام بينهما ثلاثة أيام فأعطوه الجزية وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فهو عندهم وفيه* بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبىّ رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة سفنهم وسيارتهم فى البرّ والبحر لهم ذمّة الله ومحمد النبىّ ومن كان معهم من أهل الشام وأهل
اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فانه لا يجوز ماله دون نفسه وانه لطيبة لمن أخذه من الناس وانه لا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يسلكونه من برّ أو بحر*
سرية خالد بن الوليد الى اكيدر
وفى رجب هذه(2/127)
السنة كانت سرية خالد بن الوليد الى اكيدر* روى أنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد من تبوك فى أربعمائة وعشرين فارسا الى اكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وكان اكيدر ملكهم وكان من كندة وكان نصرانيا قال سعد دومة الجندل طرف من الشام بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة كما مرّ فى غزوة دومة الجندل وفى خلاصة الوفا قال أبو عبيدة دومة الجندل حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبل طىء ودومة الجندل من القريات من وادى القرى وذكران عليها حصنا حصينا يقال له مازن وهو حصن أكيدر الملك وجه اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد من تبوك فقال خالد بن الوليد يا رسول الله كيف لى به وسط بلاد كلب وانما أنا فى أناس يسير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستلقاه يصيد الوحش أو قال البقر فتأخذه فخرج خالد من تبوك وانصرف صلى الله عليه وسلم من تبوك راجعا الى المدينة فلما بلغ خالد قريبا من حصنه بمنظر العين وكانت ليلة مقمرة والوقت صيفا وكان أكيدر على سطح فى الحصن ومعه امرأته الرباب الكندية أقبلت البقر تحك بقرونها باب الحصن وأشرفت امرأته على باب الحصن فرأت البقر قالت ما رأيت كالليلة فأبصرها أكيدر* وفى الاكتفاء قالت امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قالت فمن يترك هذه قال لا أحد انتهى وكان يضمر لها الخيل شهرا فلما أبصرها نزل فأمر بفرسه فأسرج وأمر بخيل فأسرجت فركب معه نفر من أهل بيته ومعه أخوه حسان فخرجوا من حصنهم ومعهم مطاردهم فلحقهم خالد وخيله فاستأسر أكيدر وامتنع حسان فقاتل حتى قتل وهرب من كان معه فدخلوا الحصن وكان على حسان قباء مخوّص بالذهب فاستلبه خالد وبعث به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه عليه فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمناديل سعد فى الجنة خير من هذا وكان صلى الله عليه وسلم قال لخالد ان ظفرت بأكيدر لا تقتله وائت به الىّ فان أبى فاقتله فطاوعه أكيدر وقال له خالد هل لك أن أجيرك من القتل حتى آتى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان تفتح لى دومة الجندل قال نعم لك ذلك فلما صالح خالد أكيدر وأكيدر فى وثاق ومصاد أخو أكيدر فى الحصن أبى مصاد أن يفتح باب الحصن لما رأى أخاه فى الوثاق فطلب أكيدر من خالد أن يصالحه على شئ حتى يفتح له باب الحصن وينطلق به وبأخيه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحكم فيهما بما شاء فرضى خالد بذلك فصالحه أكيدر على ألفى بعير وثمانمائة فرس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح ففعل خالد وخلى سبيله ففتح له باب الحصن فدخله وحقن دمه ودم أخيه وانطلق بهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبىّ بالمدينة فلما قدم بهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم صالحه على اعطاء الجزية وخلى سبيلهما وكتب لهما كتاب أمان* قال ابن منده وأبو نعيم كان أكيدر نصرانيا فأسلم وقال ابن الاثير بل مات نصرانيا بلا خلاف بين أهل السير فانه لما صالحه خالد عاد الى حصنه وبقى فيه وان خالدا حاصره زمن أبى بكر فقتله مشركا لنقضه العهد فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها ثم انصرف الى المدينة كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية قال الدمياطى ومن قبله ابن سعد عشرين ليلة يصلى بها ركعتين ولم يلق كيدا وفى مسند أحمد ان هرقل كتب الى النبىّ صلى الله عليه وسلم انى مسلم فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم كذب هو على نصرانيته ولابى عبيدة بسند صحيح نحوه ولفظه فقال كذب عدوّ الله ليس بمسلم* وفى المواهب اللدنية كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا من تبوك الى هرقل يدعوه الى الاسلام فقارب الاجابة ولم يجب رواه ابن حبان فى صحيحه من حديث أنس وفى المنتقى أقام بتبوك شهرين وكان ما أخبر به النبىّ صلى الله عليه وسلم(2/128)
من تعبية هرقل جيشه ودنوّه الى أدنى الشام وعزمه على قتال النبىّ صلى الله عليه وسلم باطلا كذبا وبعث هرقل رجلا من غسان الى النبىّ صلى الله عليه وسلم ينظر الى صفته وعلامته والى حمرة عينيه والى خاتم النبوّة الذى بين كتفيه وسأل فاذا هو لا يقبل الصدقة فوعى الرجل أشياء من صفته صلى الله عليه وسلم ثم انصرف الى هرقل فأخبره بها فدعا هرقل قومه الى التصديق فأبوا عليه حتى خافهم على ملكه وأسلم هو سرّا منهم وامتنع من قتاله صلى الله عليه وسلم*
موت عبد الله ذى البجادين
وفى هذه السنة فى هذه الغزوة بتبوك مات عبد الله ذو البجادين المزنى وهو من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الاكتفاء انما سمى ذا البجادين لانه كان ينازع الى الاسلام فيمنعه قومه من ذلك ويضيقون عليه حتى تركوه فى بجاد وليس عليه غيره والبجاد هو الكساء الغليظ الجافى فهرب منهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنتين فاتزر بواحدة واشتمل بالاخرى ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ذو البجادين لذلك وفى القاموس البجاد ككتاب كساء مخطط وفى رواية كان قبل الاسلام بورقاء وهو جبل من جبال مزينة وكان فقيرا فقطعت أمه بجادا باثنتين فاتزر بواحدة وارتدى بالاخرى ثم أقبل الى المدينة فاضطجع فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى السحر وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فأبصره فقال من أنت فقال عبد العزى وكان اسمه ذلك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم أنت عبد الله ذو البجادين ثم قال له انزل منى قريبا وكان يكون فى أضيافه ويعلمه القرآن حتى قرأ قرآنا كثيرا وكان رجلا صيتا وكان يقوم فى المسجد فيرفع صوته بالقرآن فقال عمر يا رسول الله ألا تسمع الى هذا الاعرابى يرفع صوته بالقرآن فيمنع الناس القراءة فقال دعه يا عمر فانه خرج مهاجرا الى الله والى رسوله فلما خرجوا الى تبوك خرج معه وقال يا رسول الله ادع الله لى بالشهادة فقال ائتنى بلحاء سمرة أى قشرها كذا فى القاموس فأتاه بها فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربطها على عضده فقال اللهمّ انى أحرّم أو قال حرم دمه على الكفار قال يا رسول الله ليس هذا ما أردت قال انك اذا خرجت فى سبيل الله فأخذتك الحمى وقتلتك فأنت شهيد ولا تبال بأيه كان فلما نزلوا تبوك وأقاموا بها أياما أخذته الحمى فتوفى بها ودفن هناك بالليل وأخذ بلال شعلة من نار فوقف بها على القبر فكان عبد الله بن مسعود يحدّث قال قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك فرأيت شعلة من نار فى ناحية العسكر فاتبعتها أنظر اليها فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر واذا عبد الله ذو البجادين قدمات فاذاهم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فى حفرته وأبو بكر وعمر يد ليانه اليه وهو يقول أدليا الىّ أخاكما فدلياه اليه فلما هيأه لشقه ووضعه فى اللحد قال اللهمّ انى قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه يقول عبد الله بن مسعود يا ليتنى كنت أنا صاحب هذه الحفرة* وفى المنتقى وهاجت ريح شديدة ليلا بتبوك فقال صلى الله عليه وسلم هذا لموت منافق عظيم النفاق ولما قدموا المدينة وجدوا منافقا عظيم النفاق قدمات* وفى المنتقى أيضا شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فى التقدّم والمسير اليهم فقال عمران كنت أمرت بالمسير فسر فقال صلى الله عليه وسلم لو أمرت به ما استشرتكم فيه فقال عمر يا رسول الله ان للروم جموعا كثيرة وليس بها أحد من أهل الاسلام وقد دنوت منه وأفزعهم دنوّك لو رجعت هذه السنة حتى ترى أو يحدث الله فى ذلك لك أمرا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلق كيدا وكان فى الطريق ماء يخرج من وشل يروى الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له وادى المشفق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا الى الماء فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه فسبقه اليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله(2/129)
صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا فقال من سبقنا الى هذا فقيل يا رسول الله فلان وفلان قال أو لم أنهكم أن تستقوا منه شيئا حتى آتيه ثم لعنهم ودعا عليهم ثم نزل ووضع يده تحت الوشل فجعل يصب فى يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه به ومسح بيده ودعا بما شاء الله أن يدعو به فانخرق من الماء يقول من سمعه ما ان له حسا كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتم أو بقى منكم لتسمعن بهذا الوادى وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه وروى ان اثنى عشر رجلا أو خمسة عشر رجلا من المنافقين فى مقفله صلى الله عليه وسلم من تبوك وقفوا على العقبة فى الطريق ليفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه جبريل وأمره أن يرسل اليهم من يضرب وجوه راحلتهم فأرسل حذيفة لذلك ففعل*
هدم مسجد الضرار
وفى هذه السنة كان هدم مسجد الضرار قال ابن اسحاق ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حتى نزل بذى أوان بفتح الهمزة بلفظ اوان الحين والزمان وهو بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار كذا ذكره الطبرى وقال البكرى ما أحسب الا ان الراء سقطت من بين الواو والالف وأنه أروان منسوب الى البئر المشهورة جاءه خبر مسجد الضرار من السماء فبعث اليه من خرّبه وحرّقه وقصته ما روى انه لما اتخذ بنو عمرو بن عوف مسجد قباء فبعثوا الى النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدهم اخوتهم بنو غنم بن عوف ابن غنم وكانوا من منافقى الانصار فقالوا نبنى مسجدا ونرسل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلى فيه كما صلى فى مسجد اخواننا وليصلى فيه أبو عامر الراهب اذا قدم من الشام وكان أبو عامر رجلا منهم وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة وكان قد ترهب فى الجاهلية وتنصر ولبس المسوح فلما قدم النبىّ صلى الله عليه وسلم المدينة قال له أبو عامر ما هذا الذى جئت به قال جئت بالحنيفية دين ابراهيم قال أبو عامر فانا عليها قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فانك لست عليها قال بلى ولكنك أدخلت فى الحنيفية ما ليس منها فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ما فعلت ولكنى جئت بها بيضاء نقية فقال أبو عامر أمات الله الكاذب مناطر يدا وحيدا غريبا فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم نعم وسماه أبا عامر الفاسق فلما كان يوم أحد جاء أبو عامر فى خمسين رجلا من قومه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد قوما يقاتلونك الا قاتلتك معهم فلم يزل يقاتله الى يوم حنين فلما انهزمت هوازن نكص وخرج هاربا الى الشام وأرسل الى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من قوّة وسلاح وابنو الى مسجدا فانى ذاهب الى قيصر ملك الروم فاتى بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه فبنوا مسجدا الى جنب مسجد قباء وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا جذام ابن خالد هو الذى من داره قد أخرج المسجد وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الازعر وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وحارثة بن عامر وابناه مجمع وزيد ونيتل بن الحارث ومجرح وبجاد ابنا عثمان ووديعة بن ثابت وكان يصلى فيه مجمع بن حارثة قال فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز الى تبوك فقالوا يا رسول الله انا بنينا مسجدا الذى العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية وانا نحب أن تأتينا فتصلى لنا فيه وتدعو لنا بالبركة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا ان شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك ونزل بذى أو ان أتاه المنافقون الذين بنوا مسجد الضرار فسألوه اتيان مسجدهم فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن وأخبره الله عز وجل بخبر مسجد الضرار وما هموا به فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ابن الدخشم ومعن بن عدى وعامر بن السكن ووحشى قاتل حمزة وقال لهم انطلقوا الى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه فخرجوا اسراعا حتى أتوا سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال(2/130)
لهم مالك أنظرونى حتى أخرج اليكم بنار من أهلى فأخذ سعفا من النخل وأشعل فيه نارا ثم خرجوا يشتدّون حتى دخلوا المسجد فحرقوه وهدموه وتفرّق أهله عنه وأمر النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك الموضع كناسا تلقى فيه الجيف والنتن والقمامة ومات أبو عامر الراهب بالشام وحيدا طريدا غريبا وسأل عمر بن الخطاب رجلا منهم ماذا أعنت فى هذا المسجد فقال أعنت فيه بسارية فقال عمر أبشر بها فى عنقك فى نار جهنم* وروى ان بنى عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء سألوا عمر بن الخطاب فى خلافته ليأذن مجمع بن حارثة فيأمّهم فى مسجدهم فقال أليس بامام مسجد الضرار فقال له مجمع يا أمير المؤمنين لا تعجل علىّ فو الله لقد صليت فيه وانى لا أعلم ما أضمروا عليه فلو علمت ما صليت فيه معهم وكنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا قد غشوا نفاقهم وكانوا لا يقرؤن من القرآن شيئا فصليت ولا أحببت مما صنعوا شيئا الا انهم يتقرّبون الى الله ولا أعلم ما فى أنفسهم فعذره عمر وصدّقه وأمره بالصلاة فى مسجد قباء فهذه قصة مسجد الضرار ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن
طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داعى
وقد وهم بعض الرواة كما تقدّم وقال انما كان هذا فى مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة وهو وهم ظاهر لان ثنيات الوداع انما هى من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة الى المدينة بل اذا توجه منها الى الشام وقد سبق البحث عنها فى أوّل مجيئه المدينة وفى البخارى لما رجع النبىّ صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال ان بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم حبسهم العذر ولما أشرف صلى الله عليه وسلم على المدينة قال هذه طابة وهذا أحد جبل يحبنا ونحبه فلما دخل المدينة جاءه من كان تخلف عنه فحلفوا له فعذرهم واستغفر لهم وأرجى أمر كعب وصاحبيه حتى نزلت توبتهم فى قوله تعالى لقد تاب الله على النبىّ والمهاجرين والانصار الى قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا وهم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة ابن الربيع وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك فى رمضان كذا فى الاكتفاء والله سبحانه وتعالى أعلم*
قصة كعب بن مالك
قصة كعب بن مالك وارجاء أمره* فى الاكتفاء قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك وقد كان تخلف عنه من تخلف من المنافقين وأولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية كما مرّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة وأتاه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعذرهم الله ولا رسوله فاعتزل المسلمون كلام أولئك النفر الثلاثة فحدّث كعب بن مالك قال ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة غزاها قط غير انى كنت تخلفت عنه فى غزوة بدر وكانت غزوة لم يعاتب الله فيها ولا رسوله أحدا تخلف عنها وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما خرج يريد عير قريش فجمع الله بينه وبين عدوّه على غير ميعاد ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة حين تواثقنا على الاسلام وما أحب أن لى بها مشهد بدر وان كانت غزوة بدر هى أذكر فى الناس منها وكان من خبرى حين تخلفت عنه فى غزوة تبوك انى لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه تلك الغزوة والله ما اجتمعت لى راحلتان قط حتى اجتمعتا لى فى تلك الغزوة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها الا ورّى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حرّ شديد واستقبل غزو عدوّ كثير فجلا للناس أمرهم ليتأهبوا لذلك أهبة وأخبرهم خبره بوجهه الذى يريد والمسلمون من تبع(2/131)
رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يعنى بذلك الديوان وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار وأحنت الظلال والناس اليها صفر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجهز المسلمون معه وجعلت أغد ولأتجهز معهم فأرجع ولم أقض حاجة فأقول فى نفسى انى قادر على ذلك ان أردت فلم يزل ذلك يتمادى بى حتى شمر الناس بالجدّ وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازى شيئا فقلت لعلى أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحق بهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا فلم يزل ذلك يتمادى بى حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أرتحل فأدركهم وليتنى فعلت فلم أفعل وجعلت اذا خرجت فى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم يحزننى اننى لا أرى الا رجلا معموها عليه فى النفاق أو رجلا ممن عذره الله من الضعفاء ولم يذكرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس فى القوم بتبوك ما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بنى سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر فى عطفيه فقال له معاذ بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا منه الا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه قافلا حضرنى بثىّ فجعلت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخط رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا وأستعين على ذلك كل ذى رأى من اهلى فلما قيل لى انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلّ قادما راح عنى الباطل وعرفت أنى لا أنجو منه الا بالصدق فأجمعت أن أصدقه وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان اذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاء المخلفون من الاعراب فجعلوا يحلفون له ويعتذرون وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وأيمانهم ويستغفر لهم ويكل سرائرهم الى الله تعالى حتى جئت اليه فسلمت عليه فتبسم تبسم المغضب ثم قال لى تعال فجئت أمشى حتى جلست بين يديه فقال لى ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك فقلت بلى والله كنت اشتريت ظهرا وما كان لى من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عندك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضى الله فيك فقمت ثم سألت الناس هل وقع لاحد مثل ما وقع لى قالوا نعم رجلان كان حالهما مثل حالك فقالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك فقلت من هما قالوا مرارة بن الربيع الضمرى وهلال بن أمية الواقفى فذكر والى رجلين صالحين فيهما اسوة ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبتنا الناس وتغيروا علينا فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فامّا صاحباى فاستكنا وقعدا فى بيوتهما يبكيان وأمّا أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين وأطوف فى الاسواق ولا يكلمنى أحد وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو فى مجلسه بعد الصلاة فأقول فى نفسى هل حرّك شفتيه بردّ السلام علىّ أم لا فبينما أنا أمشى بسوق المدينة اذا نبطى من أنباط أهل الشام ممن قدم المدينة بالطعام يبيعه يقول من يدلنى على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى اذا جاءنى فدفع الىّ كتابا من ملك غسان فاذا فيه أمّا بعد فانه قد بلغنى أنّ صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فألحق بنا نواسك فقلت بعد ما قرأت ذلك الكتاب هذا ايضا من البلاء فألقيته فى التنور وأحرقته حتى مضت أربعون من الخمسين فاذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانى فقال انّ رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل فقال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل الى صاحبىّ مثل ذلك فقلت لامرأتى ألحقى بأهلك فتكونى عندهم حتى يقضى الله
فى هذا الامر فجاءت امرأة هلال(2/132)
ابن أمية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربنك فقالت والله انه ما به حركة الى شئ فو الله ما زال يبكى منذ كان من أمره ما كان الى يومه هذا فقال لى بعض أهلى لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى امرأتك فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدرينى ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استأذنته وأنا رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كمل لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينما أنا جالس على الحالة التى ذكرها الله قد ضاقت علىّ نفسى وضاقت علىّ الارض بما رحبت سمعت صوت صارخ أو فى على جبل سلع بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجدا وعرفت أنه قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا فلما جاء الذى سمعت صوته يبشرنى نزعت له ثوبىّ وكسوته اياهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذ واستعرت ثوبين غيرهما فلبستهما وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانى الناس فوجا فوجا يهنونى بالتوبة ودخلت المسجد فاذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله الناس فقام الىّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحنى وهنانى وما قام الىّ رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يبرق من السرور قال لى أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك فقلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سرّ استنار وجهه حتى كأنه القمر وكنا نعرف ذلك منه فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله انّ من توبتى أن أنخلع من مالى صدقة الى الله والى رسوله فقال صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فانى أمسك سهمى الذى بخيبر فقلت يا رسول الله انّ الله انما نجانى بالصدق وانّ من توبتى أن لا أحدّث الاصدقا ما بقيت وأنزل الله على رسوله لقد تاب الله على النبىّ والمهاجرين الى قوله وكونوا مع الصادقين فو الله ما أنعم الله علىّ من نعمة قط بعد أن هدانى للاسلام أعظم فى نفسى من صدقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فانّ الله قال للذين كذبوا حين أنزل الوحى شرّ ما قال لاحد فقال سيحلفون بالله لكم اذا انقلبتم اليهم الى قوله فانّ الله لا يرضى عن القوم الفاسقين* قال كعب وكنا تخلفنا نحن الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه بذلك* قال الله تعالى وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذى ذكر الله من تخلفنا التخلفنا عن الغزو وانما هو تخليفه ايانا وارجاؤه أمرنا وفى الاكتفاء ولكن لتخليفه ايانا وارجائه أمرنا عمن حلف له واعتذر اليه فقبل منه*
قصة اللعان
وفى هذه السنة كان اللعان وفى المواهب اللدنية ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك وجد عويمرا بزيادة الراء بعد الميم هو عويمر بن ابيض العجلانى الانصارى صاحب اللعان كذا فى أسد الغابة وفى المنتقى عويمر ابن الحارث العجلانى امرأته حبلى فلا عن عليه السلام بينهما بعد العصر فى مسجده وقد كان قذفها بشريك بن سمحاء وعن ابن عباس لما نزلت والذين يرمون المحصنات الاية قرأها النبىّ صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر فقام عاصم بن عدى الانصارى فقال جعلنى الله فداك ان رأى رجل منامع امرأته رجلا فأخبر بما رأى جلد ثمانين وسماه المسلمون فاسقا ولا تقبل شهادته أبدا فكيف لنا بالشهداء ونحن اذا التمسنا الشهداء كان الرجل قد فرغ من حاجته ومرّ وكان لعاصم هذا ابن عمّ(2/133)
يقال له عويمر وله امرأة يقال لها خولة بنت قيس فأتى عويمر عاصما وقال قد رأيت شريك بن السمحاء على بطن امرأتى خولة بنت قيس فاسترجع عاصم وأتى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى الجمعة الآخرى فقال يا رسول الله ما أسرع ما ابتليت بالسؤال الذى سألت فى الجمعة الماضية فى أهل بيتى وكان عويمر وخولة وشريك كلهم بنو عمّ لعاصم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم جميعا قال لعويمر اتق الله فى زوجتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان فقال يا رسول الله أقسم بالله انى رأيت شريكا على بطنها وانى ما قربتها منذ أربعة أشهر وانها حبلى من غيرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة اتقى الله ولا تخبرينى الا بما صنعت فقالت يا رسول الله ان عويمرا رجل غيور وانه رآنى وشريكا نطيل السهر ونتحدّث فحملته الغيرة على ما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لشريك ما تقول فقال مثل ما قالت المرأة فأنزل الله والذين يرمون أزواجهم الاية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودى الصلاة جامعة فصلى العصر ثم قال لعويمر قم فقام فقال اشهد بالله انّ خولة لزانية وانى لمن الصادقين ثم قال فى الثانية أشهد بالله انى رأيت شريكا على بطنها وانى لمن الصادقين ثم قال فى الثالثة أشهد بالله بأنها حبلى من غيرى وانى لمن الصادقين ثم قال فى الرابعة أشهد بالله انى ما قربتها منذ أربعة أشهر وانى لمن الصادقين ثم قال فى الخامسة لعنة الله على عويمر يعنى نفسه ان كان من الكاذبين فيما قال ثم أمره بالقعود وقال لخولة قومى فقامت وقالت أشهد بالله ما أنا بزانية وانّ عويمرا لمن الكاذبين ثم قالت فى الثانية أشهد بالله أنه ما رأى شريكا على بطنى وانه لمن الكاذبين ثم قالت فى الثالثة أشهد بالله انى حبلى منه وانه لمن الكاذبين ثم قالت فى الرابعة أشهد بالله انه ما رآنى قط على فاحشة وانه لمن الكاذبين ثم قالت فى الخامسة أنّ غضب الله على خولة تعنى نفسها ان كان من الصادقين ففرّق صلى الله عليه وسلم بينهما وقال لولا هذه الأيمان لكان فى أمرهما رأى ثم قال تربصوا بها الى حين الولادة فان جاءت بأصيهب أثيج يضرب الى السواد فهو لشريك بن السمحاء وان جاءت بأورق جعدا جماليا خدلج الساقين فهو لغير الذى رميت به* الا صيهب تصغير الاصهب وهو الاحمر الاثيج بالجيم تصغير الاثج وهو واسع الظهر وفى الصحاح الثج ما بين الكاهل الى الظهر يقال رجل جمالى وامرأة جمالية عظيم الخلق تشبيها بالجمل عظما وبدانة كذا فى الصحاح الخدلج العظيم الخدلجة المرأة الممتلئة الذراعين والساقين* قال ابن عباس فجاءت بأشبه خلق بشريك وفى رواية فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله ان أمسكتها فطلقها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا فان جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الاليتين خدلج الساقين فلا أحسب عويمرا الاصدق عليها وان جاءت به أحيمر كأنه وجرة فلا أحسب عويمرا الا كذب عليها فجاءت به على النعت الذى نعته صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ذلك ينسب الى أمّه رواه محيى السنة*
اسلام ثقيف
وفى هذه السنة كان اسلام ثقيف فى الاكتفاء قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك فى رمضان وقدم فى ذلك الشهر وفد ثقيف وكانت ثقيف بعد قتلهم عروة بن مسعود أقامت أشهرا ثم انهم ائتمروا بينهم ورأوا انهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا فمشى عمرو بن أمية أخو بنى علاج وكان من أدهى العرب الى عبد ياليل بن عمرو حتى دخل داره وكان قبل مهاجرا له للذى بينهما ثم أرسل اليه أنّ عمرو بن أمية يقول لك اخرج الىّ فقال عبد ياليل للرّسول ويلك أعمر وأرسلك الىّ قال نعم وها هو ذا واقفا فى دارك قال انّ هذا شئ ما كنت أظنه لعمرو وكان أمنع فى نفسه من ذلك فخرج اليه فلما رآه رحب به فقال له عمرو انه قد نزل بنا ما ليست معه هجرة انه قد كان من هذا الرجل ما قد رأيت وقد أسلمت العرب كلها وليس لكم بحربهم طاقة فانظروا فى أمركم فعند ذلك ائتمرت ثقيف(2/134)
بينها وقال بعضهم لبعض ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا يخرج لكم أحد الا اقتطع فائتمروا بينهم وأجمعوا أن يرسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أرسلوا عروة فكلموا عبد ياليل وكان سنّ عروة وعرضوا عليه ذلك فأبى أن يفعل وخشى أن يصنع به اذا رجع كما صنع بعروة فقال لست فاعلا حتى ترسلوا معى رجالا فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الاحلاف وثلاثة من بنى مالك فيكونون ستة فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب ومن بنى مالك عثمان بن أبى العاص وأوس بن عوف ونمير بن خرشة فخرج بهم عبد ياليل وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ولم يخرج بهم الا خشية من مثل ما صنعوا بعروة بن مسعود لكى يشغل كل رجل منهم اذا رجعوا الى الطائف رهطه فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ألفوا بها المغيرة بن شعبة يرعى فى نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت رعيتها نوبا عليهم فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين وصار يشتد يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم فلقيه أبو بكر الصدّيق قبل أن يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم يريدون البيعة والاسلام وأن يشترطوا شروطا ويكتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فقال أبو بكر للمغيرة رضى الله عنهما أقسمت عليك بالله لا تسبقنى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدّثه ففعل المغيرة فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ثم خرج المغيرة الى أصحابه فروّح الظهر معهم وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا الا بتحية الجاهلية ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة فى ناحية مسجده كما يزعمون وكان خالد بن سعيد هو الذى يمشى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اكتتبوا كتابهم كتبه خالد بيده وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية وهى اللات لا يهدمها ثلاث سنين فأبى ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى وانما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروّعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام فأبى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدمانها وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كسر أوثانكم فسنعفيكم منها وأما الصلاة فانه لا خير فى دين لا صلاة فيه فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّر عليهم عثمان بن أبى العاص وكان من أحدثهم سنا فقال أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله انى قد رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه فى الاسلام وتعلم القرآن فحدث عثمان بن أبى العاص قال كان من آخر ما عهد الىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثنى على ثقيف أن قال يا عثمان تجاوز فى صلاتك واقدر الناس بأضعفهم فانّ فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة فلما فرغوا من أمرهم وتوجهوا راجعين الى بلادهم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فى هدم الطاغية فحرجا مع القوم حتى اذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدّم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان وقال ادخل أنت على قومك وأقام أبو سفيان بماله بذى الهرم فلما دخل علاها يضربها بالمعول وقام دونه قومه بنو معتب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن* لتبكين دفاع* أسلمها الرضاع* لم يحسنوا المصاع* فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل الى أبى سفيان وحليها مجموع ومالها من
الذهب والجزع وقد كان أبو مليح بن عروة(2/135)
وقارب بن الاسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف حين قتل عروة يريد ان فراق ثقيف وأن لا يجامعهم على شىء أبدا فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم توليا من شئتما فقالا لا نتولى الا الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالكما أبا سفيان بن حرب فقالا وخالنا أبا سفيان فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة الى هدم الطاغية سأل أبو مليح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى عن أبيه عروة دينا كان عليه من مال الطاغية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال له قارب بن الاسود وعن الاسود يا رسول الله فاقضه وعروة والاسود أخوان لأب وأمّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انّ الاسود مات مشركا فقال قارب يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة يعنى نفسه انما الدين علىّ وأنا الذى أطالب به فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان ان يقضى دين عروة والاسود من مال الطاغية فلما جمع المغيرة مالها ذكر أبا سفيان بذلك فقضى منه عنهما* هكذا ذكر ابن اسحاق اسلام أهل الطائف بعقب غزوة تبوك فى رمضان من سنة تسع قبل حج أبى بكر بالناس آخر تلك السنة وجعل ابن عقبة قدوم عروة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتله فى قومه واسلام ثقيف كل ذلك بعد صدر أبى بكر رضى الله عنه من حجه وبين حديثه وحديث ابن اسحاق بعض اختلاف رأيت ذكر حديث ابن عقبة وان كان أكثره معادا لاجل ذلك الاختلاف ثم أذكر بعده حجة أبى بكر فى الموضع الذى ذكرها فيه ابن اسحاق* قال موسى ابن عقبة فلما صدر أبو بكر من حجه بالناس قدم عروة بن مسعود الثقفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الرجوع الى قومه فقال له انى أخاف أن يقتلوك قال لو وجدونى نائما ما أيقظونى فأذن له فرجع الى الطائف وقدمها عشاء فجاءته ثقيف يسلمون عليه فدعاهم الى الاسلام ونصح لهم فاتهموه وأغصوه وأسمعوه من الاذى ما لم يكن يخشاه منهم فخرجوا من عنده حتى اذا سحر وسطع الفجر قام عروة على غرفة فى داره وتشهد فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتله مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه الى الله فقتلوه وأقبل بعد قتله وفد من ثقيف بضعة عشر رجلاهم أشراف ثقيف وفيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ وفيهم عثمان بن أبى العاص وهو أصغر القوم حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يريدون الصلح حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت عامة العرب فقال المغيرة بن شعبة يا رسول الله أنزل علىّ قومى أكرمهم بذلك فانى الحازم فيهم قال لا أمنعك أن تكرم قومك ولكن تنزلهم حيث يسمعون القرآن ويرون الناس فأنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد وبنى لهم خياما لكى يستمعوا القرآن ويروا الناس اذا صلوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا خطب لم يذكر نفسه فلما سمعه وفد ثقيف قالوا يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهد به فى خطبته فلما بلغه قولهم قال فانى أوّل من يشهد أنى رسول الله وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم ويخلفون عثمان بن أبى العاص على رحالهم لانه أصغرهم وكان عثمان كلما رجع الوفد اليه وقالوا بالهاجرة عمد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن الدين واستقرأه القرآن فاختلف اليه عثمان مرارا حتى فقه فى الدين وعلم وكان اذا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما عمد الى أبى بكر وكان يكتم ذلك من أصحابه فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبه ومكث الوفد يختلفون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم الى الاسلام فقال له كنانة بن عبد ياليل هل أنت تقاضينا حتى نرجع الى قومنا ثم نرجع اليه فقال نعم ان أنتم أقررتم
بالاسلام قاضيتكم والا فلا قضية ولا صلح بينى وبينكم قالوا رأيت الزنا فانا قوم نغترب ولا بدّ لنا منه قال هو عليكم حرام فانّ الله تعالى يقول ولا تقربوا الزنا انه(2/136)