الجزء الاوّل من تاريخ الخميس فى أحوال أنفس نفيس
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *
ذكر ترتيب الكتاب على مقدّمة وثلاثة أركان وخاتمة
الحمد لله الذى خلق نور نبيه قبل كل أوائل* ثم خلق منه كل شئ من الاعالى والاسافل* ثم أودعه فى الاصلاب الطيبة الجلائل* ورباه فى الارحام الطاهرة من الرذائل* فقلبه فى الآباء والامّهات الجزائل* حتى أظهره من أطهر بيت من خير الشعوب والقبائل* محمد المخصص بأبين السير وأحسن الشمائل* المؤيد بأثبت المعجزات وأوضح الدّلائل* صلى الله عليه وعلى اخوانه المصطفين أولى أكمل الفضائل* وعلى آله وأصحابه المقتدين ذوى أجمل الخصائل* (أما بعد) فيقول المستوهب من الله ذى المنن العبد الضعيف حسين بن محمد بن الحسن الديار بكرى غفر الله له ولو الديه* ونوّلهم كرامة لديه* هذه مجموعة فى سير سيد المرسلين وشمائل خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين* انتخبتها من الكتب المعتبرة تحفة للاخوان الكرام البررة وهى التفسير الكبير والكشاف وحاشيته للشريف الجرجانى والكشف والوسيط ومعالم التنزيل وأنوار التنزيل ومدارك التنزيل وتفسير القشيرى وبحر العلوم والنهر ولباب التأويل وتفسير الحدّادى وعمدة المعانى وزاد المسير لابن الجوزى وتفسير الينابيع وتبصير الرحمن وتفسير أبى الليث السمرقندى وصحيحا البخارى ومسلم وسنن الترمذى وشمائله وسنن أبى داود والنسائى وابن ماجه والمصابيح وشرح السنة والمشكاة وشرحها للطيبى ومشارق الانوار للصغانى والموطأ وشرحا صحيح البخارى لابن حجر والكرمانى ومسند الامام أحمد ومستدرك الحاكم وجامع الاصول لابن الاثير والنهاية له وأسد الغابة والكامل له والشفاء وشعب الايمان للبيهقى ودلائل النبوّة له واحياء العلوم والتلقيح لابن الجوزى وصفوة الصفوة له وشرف المصطفى له والحدائق له والوفاء له وخلاصة الوفا للسمهودى(1/2)
وايضاح النووى والمنهاج له والاذكار له ورياض الصالحين له والنجم الوهاج ومعجم الطبرانى وذخائر العقبى للمحب الطبرى والسمط الثمين له وخلاصة السير له والرياض النضرة له والمتقى وشواهد النبوّة والمواهب اللدنية لاحمد القسطلانى وروضة الاحباب وأسماء الرجال ومزيل الخلفا وسيرة ابن هشام واكتفاء الكلاعى والاستيعاب لابن عبد البرّ وسيرة اليعمرى وسيرة الدمياطى وسيرة مغلطاى ومناسك الكرمانى والتذنيب للرافعى وهدى ابن القيم والتنبيه لابى الليث السمرقندى وفصل الخطاب والفتوحات المكية وربيع الابرار وحياة الحيوان وتلخيص المغازى وزين القصص وأمثال العسكرى وكتاب الاعلام للسهروردى وتاريخ مكة للازرقى وتاريخ اليافعى وشفاء الغرام للقاسى ودول الاسلام للذهبى وشرح المواقف للشريف الجرجانى وشرح المقاصد للتفتازانى وشرح العقائد العضدية للدوانى وتفسير قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ له وأنموذج العلوم له وعقائد الفيروزابادى وفصوص الحكم والعروة الوثقى وشرعة الاسلام والملل والنحل لمحمد الشهرستانى والهداية والمضمرات وكنز العباد والمهمات وتشويق المساجد والمختصر الجامع وصحاح الجوهرى والقاموس وسامى الاسامى ومورد اللطافة والاصل الاصيل للسخاوى والفوائد والانس الجليل وبهجة الانوار والعوارف ومعجم ما استعجم للبكرى وأنموذج اللبيب للسيوطى والكشف له والدرجة المنيفة له والعرائس للثعلبى وسح السحابة وأصول الصفار والبحر العميق وسر الادب والانسان الكامل* (وسميتها) * بالخميس فى أحوال أنفس نفيس* ورتبتها على مقدّمة وثلاثة أو كان وخاتمة* (أما المقدّمة) ففى الحوادث من أوّل خلق نوره الى زمان ولادته وظهوره وهى ثلاث طلائع (الطليعة الاولى) فى تعريف النبىّ صلى الله عليه وسلم والرسول وأولى العزم والخاتم والفرق بينهم وبين البشر والملك وبين النبى والولى والساحر وفى أوّل ما خلق الله وما بدأ من أنواره قبل وجوده الصورى وخلق طينته قبل طينة آدم وحديث صور الانبياء وذكر دلائل نبوّته وعلامات رسالته من بشائر الكتب القديمة والعلماء المتقدّمين وأخبار الجنّ والكهنة (الطليعة الثانية) فى ذكر خلق السماء والارض ومدّة خلقهما وخلق الملائكة والجان وذكر مدّة الدنيا وذكر مدّة هذه الامّة وابتداء خلق آدم وحوّاء وذكر الروح وذكر عيسى ومريم ويحيى وأخذ الميثاق وكيفية انتقاله من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة وبالعكس وبيان نسبه من الطرفين وذكر مولد ابراهيم وذكر القائه فى النار وذكر الشأم والارض المقدّسة وذكر أوّلية الكعبة وعدد بنائها ومن تولى بناءها وفيها ذكر ذى القرنين ويأجوج ومأجوج والدجال والخضر ودابة الارض وبدء ظهور زمزم فى زمن اسماعيل وانطماسها بعده وبقائها منطمسة الى زمن عبد المطلب وفيها ذكر يعقوب ويوسف وذكر قتل شعياء وتخريب بخت نصر بيت المقدس وقصة قتل زكريا ويحيى وذكر ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب ثانيا (الطليعة الثالثة) فى ولادة عبد الله ونذر عبد المطلب ذبحه وعرض عبد الله عليه وتزوّجه آمنة وقصة الخثعمية ووقائع مدّة الحمل من وفاة عبد الله وقصة أصحاب الفيل (وأما الاركان الثلاثة فالركن الاوّل) فى الحوادث من عام ولادته الى زمان نبوّته وفيه ثلاثة أبواب (الباب الاوّل) فى الوقائع من عام ولادته الى السنة الحادية عشر من تاريخ ولادته وما وقع حين الولادة وذكر الختان وذكر أسمائه وألقابه وكناه وشمائله وصفاته وخصائصه ومعجزاته وارضاع الاظآر وعددها وما وقع عند حليمة من شق الصدر وغيره وولادة أبى بكر الصدّيق وفقد حليمة النبى صلى الله عليه وسلم فى الطريق حين ردّته الى أمّه ووفاة أمّه وولادة عثمان بن عفان وكفالة عبد المطلب ورمده واستسقاء عبد المطلب وحديث سيف بن ذى يزن وذكر سليمان وبلقيس ووفاة عبد المطلب وكفالة أبى طالب وموت حاتم الطائى وموت كسرى أنو شروان وولاية ابنه هرمز(1/3)
السلطنة وخروج أبى طالب عم النبى صلى الله عليه وسلم الى الشأم وحرب الفجار الاوّل وشق الصدر على قول (الباب الثانى) فى الحوادث من السنة الثانية عشر من مولده الى السنة الرابعة والعشرين من ارتحال أبى طالب مع النبى صلى الله عليه وسلم الى الشام وذكر رعيه الغنم ومولد عمر بن الخطاب والفجار الثانى وعزم الزبير بن عبد المطلب أو العباس لسفر اليمن وخلع هرمز عن السلطنة وقتله وتولى كسرى برويز السلطنة وحرب الفجار الثانى عند البعض وتجارة الشأم مع أبى بكر وحلف الفضول وشكايته الى عمه من آت يأتيه منذ ليال وهدم الكعبة وبنائها فى قول بعض العلماء (الباب الثالث) فى الحوادث من السنة الخامسة والعشرين الى السنة الاربعين من مولده صلى الله عليه وسلم من خروجه الى الشأم مع ميسرة عبد خديجة وقصة نسطور الراهب وتزوّج خديجة ووليمته وذكر سائر أزواجه اجمالا وذكر سراريه وأولاده وتزويج بناته وأختانه وولادة علىّ بن أبى طالب وهدم الكعبة وبنائها وولادة فاطمة وموت زيد بن عمرو بن نفيل ورؤيته الضوء والنور وقتل كسرى برويز النعمان بن المنذر (الركن الثانى) فى الحوادث من ابتداء نبوّته الى زمان هجرته من صفة نزول الوحى ورمى الشياطين بالشهب وانقصام طاق كسرى وأوّل من أسلم واخفاء الدعوة ووفاة ورقة بن نوفل واظهار الدعوة وولادة عائشة وهجرة الحبشة وايذاء المشركين ووفاة سمية بنت حباط واسلام حمزة وعمر بن الخطاب ووقعة بغاث وتقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب ونزول سورة الروم وانشقاق القمر ووفاة أبى طالب وخديجة وذكر ثقيف ووفود الجنّ وتزوّج سودة وعائشة وبدء اسلام الانصار وذكر المعراج وفرض الصلوات الخمس وبيعة العقبة الاولى وبيعة العقبة الثانية وهجرة أبى بكر الى الحبشة وبدء هجرة الاصحاب الى المدينة ومشاورة قريش فى حبسه أو قتله أو اخراجه واخبار جبريل اياه بذلك واذنه له بالهجرة (الركن الثالث) فى الحوادث من ابتداء نبوّته الى زمان هجرته ووفاته وفيه أحد عشر موطنا (الموطن الأوّل) فى وقائع السنة الاولى من الهجرة وفيه فصلان (الفصل الاوّل) فى خروجه مع أبى بكر من مكة الى الغار ولبثهما فيه ثلاثة أيام وخروجهما من الغار وتوجههما الى المدينة وما وقع لهما فى الطريق من ادراك سراقة ومرورهما بخيمتى أمّ معيد ولقيهما بريدة بن الخصيب ولقيهما طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام فى الطريق وموت البراء ابن معرور واستقبال أهل المدينة ونزولهما بقباء ولبثهما فى بنى عمرو بن عوف وتأسيسه مسجد قباء (الفصل الثانى) فى انتقاله من قباء الى باطن المدينة وأوّل جمعة صليت فى الاسلام قبل قدومه باطن المدينة ونزوله على أبى أيوب وسكناه بداره وبناء المسجد وموت كلثوم بن المهدم واسلام عبد الله بن سلام وموت أسعد بن زرارة وابتداء خدمة أنس والزيادة فى صلاة الحضر ووعك أبى بكر والصحابة واسلام سلمان والمواخاة بين المهاجرين والانصار وموادعة اليهود وموت العاص بن وائل من مشركى مكة وبعث زيد بن حارثة الى مكة للاتيان بعياله وولادة النعمان بن بشير وولادة عبد الله بن الزبير وذكر فاطمة بنت النعمان وتكلم الذئب وابتداء الغزوات وبعث حمزة بن عبد المطلب الى سيف البحر وسرية عبيدة بن الحارث الى بطن رابغ وبنائه بعائشة وبعث سعد بن أبى وقاص الى الخرار وابتداء الاذان (الموطن الثانى) فى حوادث السنة الثانية من الهجرة من صوم عاشوراء وتزوّج علىّ بفاطمة وغزوة الابواء وودّان وغزوة بواط وغزوة العشيرة وتسكنية علىّ بأبى تراب وغزوة بدر الاولى وسرية عبد الله بن جحش وتحويل القبلة وتجديد مسجد قباء ونزول فرض رمضان وغزوة بدر الكبرى وغلبة الروم على فارس ووفاة رقية وقتل عمير بن عدى العصماء وصلاة الفطر وزكاته وفرض زكاة الاموال وغزوة قرقرة الكدر وسرية سالم بن عمير وغزوة بنى قينقاع وغزوة السويق وموت عثمان(1/4)
ابن مظعون وصلاة العيد والتضحبة وبناء علىّ بفاطمة وموت أمية بن أبى الصلت (الموطن الثالث) فى وقائع السنة الثالثة من الهجرة من سرية محمد بن سلمة لقتل كعب بن الاشرف وتزوّج عثمان أم كلثوم وغزوة غطفان وغزوة نجران وسرية زيد بن حارثة الى قردة وتزوّج حفصة وتزوّج زينب بنت خزيمة وذكر ميلاد الحسن وغزوة أحد ومقتل حمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر وثابت بن دحداح وحنظلة غسيل الملائكة وجحدر بن زياد وغزوة حمراء الاسد وسرقة طعمة بن الابيرق وعلوق فاطمة بالحسين (الموطن الرابع) فى وقائع السنة الرابعة من الهجرة من سرية أبى سلمة الى قطن ووفاته وسرية عبد الله بن أنيس الى قتل سفيان بن خالد وسرية المنذر بن عمرو الى بئر معونة وسرية عاصم الى الرجيع وسرية عمرو بن أمية الضمرى الى مكة لقتل أبى سفيان وغزوة بنى النضير ووفاة زينب بنت خزيمة وغزوة ذات الرقاع وصلاة الخوف فيها ووفاة عبد الله بن عثمان وولادة الحسين بن على وتعلم زيد بن ثابت كتاب اليهود وغزوة بدر الصغرى الموعودة وتزوّج أم سلمة ورجم اليهوديين ووفاة فاطمة بنت أسد وتحريم الخمر عند البعض (الموطن الخامس) فى وقائع السنة الخامسة من الهجرة من فك سلمان من الرق وغزوة دومة الجندل ووفاة أم سعد بن عبادة وخسوف القمر وشدّة قريش ووفد بلال بن الحارث المزنى وقدوم ضمام بن ثعلبة وغزوة المريسيع وتسمى غزوة بنى المصطلق أيضا وتنازع جهجاه وقدوم مقبس بن حبابة ونزول آية التيمم وتزوّج جويرية وافك عائشة وغزوة الخندق وغزوة بنى قريظة وقصة أولاد جابر وتزوّج زينب بنت جحش ونزول آية الحجاب وزلزلة المدينة وسقوطه عن الفرس ومسابقة الخيل ونزول فرض الحج والنهى عن ادّخار لحوم الاضاحى (الموطن السادس) فى وقائع السنة السادسة من الهجرة من سرية محمد بن مسلمة الى القرظان وقصة ثمامة وكسوف الشمس وغزوة بنى لحيان وبعث أبى بكر الى كراع الغميم وزيارة النبى صلى الله عليه وسلم قبر أمّه وغزوة الغابة وسرية عكاشة الى عمرو وسرية محمد بن مسلمة الى ذى القصة وسرية أبى عبيدة بن الجرّاح الى مصارع أصحاب محمد بن مسلمة وسرية زيد بن حارثة الى بنى سليم بالجموم وسرية زيد بن حارثة الى العيص وسرية زيد بن حارثة الى الطرف وسرية زيد بن حارثة الى حسمى وسرية كرز بن جابر الفهرى الى العرنيين وسرية زيد بن حارثة الى وادى القرى وبعث عبد الرحمن بن عوف الى بنى كلب وبعث علىّ بن أبى طالب الى بنى سعد وسرية زيد بن حارثة الى أم قرفة وسرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع والاستسقاء وسرية عبد الله بن رواحة الى أسير بن رازم اليهودى بخيبر وسرية زيد بن حارثة الى مدين وغزوة الحديبية وبيعة الرضوان ونزول حكم الظهار ووفاة أم رومان وتحريم الخمر وتزوّج أم حبيبة (الموطن السابع) فى وقائع السنة السابعة من الهجرة من اتخاذ الخاتم وارسال الرسل الى ملوك الاطراف وسحره صلى الله عليه وسلم وبعث أبان بن سعيد قبل نجد واسلام أبى هريرة وغزوة خيبر وسمه بها واستصفاء صفية وفتح فدك وطلوع الشمس بعد غروبها وفتح وادى القرى وليلة التعريس والبناء بأمّ حبيبة وسرية عمر بن الخطاب الى تربة وبعث أبى بكر الى بنى كلاب وبعث بشر بن سعد الى بنى مرّة وبعث غالب بن عبد الله الى الميفعة وبعث بشر ابن سعد الى يمن وجبار وبعث سرية قبل نجد وكتابه الى جبلة بن الايهم وقتل شيرويه أباه ووصول هدية المقوقس وعمرة القضاء وتزوّج ميمونة وسرية ابن أبى العوجاء الى بنى سليم (الموطن الثامن) فى وقائع السنة الثامنة من الهجرة من اسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وتزوّج فاطمة بنت الضحاك وسرية غالب بن عبد الله الليثى الى بنى الملوح وسرية غالب بن عبد الله الى مصاب اصحاب بشر بن سعد بفدك واتخاذ المنبر والقصاص
وسرية شجاع بن وهب الى بنى عامر(1/5)
بالثنى وسرية كعب بن عمير الغفارى الى ذات الهلاح وسرية عمرو بن العاص الى ذات السلاسل وسرية أبى عبيدة بن الجرّاح الى سيف البحر وسرية أبى قتادة الى خضرة وسرية أبى قتادة الى بطن اضم وسرية عبد الله بن أبى حدود الى الغابة وغزوة فتح مكة واسلام أبى سفيان بن حرب واسلام أبى قحافة واسلام حكيم بن حزام واسلام عكرمة بن ابى جهل وسرية خالد بن الوليد عقب فتح مكة الى العزى بنخلة وسرية عمرو بن العاص الى سواع صنم هذيل وسرية سعد بن زيد الاشهلى الى مناة صنم الاوس وسرية خالد بن الوليد الى بنى خزيمة وغزوة حنين وسرية أبى عامر الى أوطاس وسرية الطفيل ابن عمرو الدوسى الى ذى الكفين وغزوة الطائف واسلام صفوان بن أمية واسلام مالك بن عوف النضرى وبعث عمرو بن العاص الى عمان وبعث العلاء الحضرمى الى البحرين واسلام عروة بن مسعود الثقفى وبعث قيس بن سعد بن عبادة الى ناحية اليمن وتزوّج مليكة السكندية وطلاق سودة وولادة ابراهيم وابتداء لوفود ووفاة زينب (الموطن التاسع) فى وقائع السنة التاسعة من الهجرة من بعث عيينة بن حصن الفزارى الى بنى تميم وبعث الوليد بن عقبة بن أبى معيط الى بنى المصطلق وسرية قطبة بن عامر الى خثعم وبعث الضحاك الى بنى كلاب وسرية علقمة الى الحبشة وبعث على بن أبى طالب الى الفلس صنم طى وسرية عكاشة الى الحباب واسلام كعب بن زهير وتتابع الوفود وقصة الايلاء وغزوة تبوك وسرية خالد بن الوليد الى اكيدر وكتابه الى هرقل وموت عبد الله ذى النجادين وهدم مسجد الضرار وقصة كعب بن مالك وصاحبيه وارجاء أمرهم وقصة اللعان واسلام ثقيف ومجئ كتاب ملوك حمير ورجم الغامدية ووفاة النجاشى ووفاة أم كلثوم وموت عبد الله بن أبىّ بن سلول وحج أبى بكر وقتل فارس ملكهم شهريار بن شيرويه وتمليكهم توران بنت كسرى (الموطن العاشر) فى وقائع السنة العاشرة من الهجرة من قدوم عدى بن حاتم وبعث أبى موسى ومعاذ بن جبل الى اليمن وبعث خالد بن الوليد الى بنى الحارث بنجران وبعث على بن أبى طالب الى اليمن وبعث جرير بن عبد الله البجلى الى تخريب ذى الخلصة وبعث جرير الى ذى الكلاع وبعث أبى عبيدة بن الجرّاح الى نجران وقصة بديل وتميم الدارى ووفاة ابراهيم وانكساف الشمس يوم مات ابراهيم وظهور جبريل فى مجلس النبى صلى الله عليه وسلم وقدوم فيروز الديلمى واسلام فروة بن عمرو الجذامى وحجة الوداع ومجىء صبى فى حجة الوداع وموت باذان ونزول آية الاستئذان وموت أبى عامر الراهب (الموطن الحادى عشر) فى وقائع السنة الحادية عشر من الهجرة من قدوم وفد النخع والاستغفار لاهل البقيع وسرية أسامة بن زيد الى نبى وذكر الاسود العنسى وذكر مسيلمة الكذاب وسجاح وطليحة وذكر ما وقع قبل مرضه وما وقع فى مرضه ومدّة مرضه وذكر سنه ووقت موته وذكر بيعة أبى بكر وذكر غسله وتكفينه والصلاة عليه وقبره ودفنه والندب عليه وميراثه وتركته وحكمه فيها ورؤيته فى المنام وذكر زيارته صلى الله عليه وسلم وسائر المزارات بالمدينة (وأما الخاتمة) ففيها فصلان (الفصل الاوّل) فى المتفرّقات من أرقائه وحرسه وخدمه ومن كان يضرب الاعناق بين يديه وذكر مواليه وأمرائه ورسله وكتابه ومؤذنيه وخطبائه وشعرائه وحداته وذكر خيله ولقاحه ودوابه وآلات حروبه ولباسه وذكر من وفد عليه (الفصل الثانى) فى ذكر الخلفاء الراشدين وذكر خلفاء بنى أمية والعباسيين.
الطليعة الاولى فى تعريف النبىّ والرسول
* (الطليعة الاولى من المقدّمة فى تعريف النبى والرسول واولى العزم والخاتم والفرق بينهم وبين البشر والملك وبين النبى والولى والساحر وفى أوّل ما خلق الله وما بدأ من أنواره قبل وجوده الصورى وخلق طينته قبل طينة آدم وحديث صور الانبياء وذكر دلائل نبوّته وعلامات رسالته من بشائر الكتب القديمة والعلماء المتقدّمين وأخبار الجنّ والكهنة) *(1/6)
قال فى شواهد النبوّة اعلم أن النبى عبارة عن انسان أنزل عليه شريعة من عند الله بطريق الوحى تتضمن تلك الشريعة بيان كيفية تعبده لله تعالى فاذا أمر بتبليغها الى الغير يسمى رسولا* وفى الفتوحات المكية النبى هو الذى يأتيه الملك بالوحى من عند الله يتضمن ذلك الوحى شريعة يتعبد بها فى نفسه فان بعث بها الى غيره كان رسولا* وفى شرح العقائد العضدية للشيخ جلال الدين الدوانى النبى انسان بعثه الله الى الخلق لتبليغ ما أوحاه الله اليه والرسول قد يستعمل مراد فاله وقد يختص بمن هو صاحب كتاب فيكون أخص من النبى* وفى أنوار التنزيل الرسول من بعثه الله تعالى بشريعة مجدّدة يدعو الناس اليها والنبى يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بنى اسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ولذلك شبه النبى صلى الله عليه وسلم علماء أمّته بهم حيث قال علماء أمّتى كأنبياء بنى اسرائيل فالنبى أعم من الرسول ويدل عليه أنه سئل صلى الله عليه وسلم عن الانبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قيل- كم الرسل منهم قال ثلثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا* وقيل الرسول من جمع الى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبى غير الرسول من لا كتاب له وقيل الرسول من يأتيه الملك بالوحى والنبى يقال له ولمن يوحى اليه فى المنام* وفى العروة الوثقى كل من كان تصرفه فى ظواهر الخلق فهو سلطان وكل من كان تصرفه فى ظواهر الخلق وبواطن المؤمنين به مؤيدا من عند الله مستغنيا بنفسه فى التلقى من ربه عن بشر مثله فهو نبىّ فالنبى سلطان فى الظاهر ولىّ فى الباطن مستغن فى ارشاد الخلق عن بشر مثله فاذا اجتمعت السلطنة والولاية فى شخص واحد انتشر العدل فى الظاهر والباطن ويتم امر معاش الناس ومعادهم على نحو أكمل وأفضل والرسول عامّ يطلق على الملك والبشر والنبى خاص لا يطلق الا على البشر* وفى معالم التنزيل وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا والرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر كما مر والمذكور فى القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون نبيا* وفى الينابيع روى الكلبى عن كعب الاحبار أن عدد الانبياء ألفا ألف ومائتا ألف وخمسة وعشرون ألفا والرسل ثلثمائة وثلاثة عشر* وفى العمدة لم يبعث الله نبيا من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجنّ ويؤيده قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحى اليهم من أهل القرى وسيجىء الخلاف فى نبوّة النساء فى الباب السابع فى حوادث السنة الخامسة والعشرين من النبوّة* وفى ربيع الابرار للزمخشرى عن فرقد السنجى لم يبعث نبىّ قط من مصر من الامصار وانما بعثوا من القرى لان أهل الامصار أهل السواد والريف وأهل القرى أرق وعن أبى ذرّ الغفارى قال قلت يا رسول الله من أوّل الانبياء قال آدم فقلت أنبىّ مرسل قال نعم ثم قال يا أباذرّ أربعة سريانيون آدم وشيث وأخنوخ وهو ادريس وهو أوّل من خط وخاط ونوح وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أباذرّ وأوّل أنبياء بنى اسرائيل موسى وآخرهم عيسى قلت كم أنزل الله من كتاب قال مائة صحيفة وأربعة كتب على شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوخ ثلاثين صحيفة وعلى ابراهيم عشر صحائف وعلى موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان ولم يذكر آدم فى هذه الرواية* وفى الينابيع وعلى آدم عشر صحائف ولم يذكر صحف موسى وقال وأنزل التوراة على موسى والزبور على داود والانجيل على عيسى والفرقان على نبيكم* وفى المدارك أنزل التوراة وهى سبعون وقر بعير لم يقرأها كلها الا أربعة موسى ويوشع وعزير وعيسى عليهم السلام* وفى بحر العلوم وعشرين صحيفة على ابراهيم والتوراة على موسى ألف سورة كل سورة ألف آية والانجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم* وفى الانسان الكامل الزبور لفظة سريانية وهى بمعنى الكتاب فاستعملها العرب حتى أنزل الله تعالى وكل شئ فعلوه فى الزبر أى فى الكتب وأنزل الزبور على داود آيات
مفصلات ولكنه لم يخرجه الى قومه(1/7)
الاجملة واحدة بعد أن كمل الله نزوله عليه وكان داود ألطف الناس محاورة وأحسنهم شمائل وكان نحيف البدن قصير القامة ذا قوّة شديدة كثير الاطلاع على العلوم المستعملة فى زمانه
مطلب نفيس فى نغمات داود
* وفى العرائس قال وهب وكعب كان داود عليه السلام أحمر الوجه دقيق الساقين سبط الرأس قليل الشعر أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت وكان اذا تلا الزبور وقفت الحيوانات حوله من الوحوش والطيور وكان يهلك الناس فى مجلسه من صوته الحسن ونغمته اللذيذة والترجيع والالحان ولم يعط أحد من خلق الله مثل صوته وكان يقرأ الزبور تسعين لحنا لحنة منها يفيق المجنون والمغمى عليه وما صنعت المزامير والعيدان والبرابط وسائر أنواع الاوتار والملاهى الاعلى نغماته وأجناس صوته بتعليم ابليس وعفاريته انتهى كلام العرائس* وفى كتاب طهارة القلوب للشيخ العارف عبد العزيز الديرينى يروى أن داود عليه السلام كان اذا أراد أن ينوح على ذنبه مكث سبعة أيام بلياليها لا يأكل ولا يشرب ولا يقرب النساء ثم يخرج له منبرا الى البرية ثم يأمر سليمان عليه السلام أن ينادى بصوت عال من أراد أن يسمع نوح داود فليأت فتأتى الوحوش من البرارى والآكام وتأتى الهوام من الجبال والطير من الاوكار وتخرج العذارى من خدورهنّ وتجتمع الخلائق لذلك اليوم فيأتى داود فيرقى على المنبر فيحيط به بنو اسرائيل على طبقاتهم وكل صنف من الخلق على حدته وسليمان عليه السلام واقف على قدميه عنده فيأخذ داود فى الثناء على الله تعالى فيضجون بالبكاء والصراخ ثم يأخذ فى ذكر الجنة والنار فيموت خلق كثير من الناس والوحوش والطيور والهوام ثم يأخذ فى أهوال القيامة وينوح على نفسه فيموت من كل صنف طائفة عظيمة فاذا رأى سليمان كثرة الموتى قال يا أبتاه مزقت المستمعين كل ممزق وماتت طائفة من بنى اسرائيل ومن الوحوش والطير والهوام ثم يأخذ فى الدعاء حتى يقع مغشيا عليه فيحمل الى منزله وتكثر الجنائز فى الناس فيقال هذا قتيل ذكر الله تعالى وهذا قتيل خوف الله وهذا قتيل ذكر الجنة وهذا قتيل ذكر النار ثم يدخل داود بيت عبادته ويغلق بابه ويقول يا اله داود أغضبان أنت على داود ولا يزال يناجى ربه حتى يأتى سليمان فيستأذن ويدخل ويقدّم اليه قرصا من شعير ويقول يا أبت تقوّ بهذا على ما تريد فيأكل منه ما شاء الله تعالى ثم يخرج الى بنى اسرائيل وقال يزيد الرقاشى خرج داود مرّة ينوح على نفسه ومعه أربعون ألفا فمات منهم ثلاثون ألفا فما رجع منهم الا عشرة آلاف وكان اذا جاءه الخوف سقط واضطرب حتى يقعد انسان على رجليه وآخر على صدره لئلا تتفرّق أعضاؤه ومفاصله* وفى الانسان الكامل أنزل الله الانجيل على عيسى باللغة السريانية وقرئ على سبعة عشر لغة وأوّل الانجيل
دقبقة فى الاب والام والابن
* باسم الاب والامّ والابن* كما أن أوّل القرآن* بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* وأخذ هذا الكلام قومه على ظاهره فظنوا أن الاب والامّ والابن عبارة عن الروح ومريم وعيسى فحينئذ قالوا ثالث ثلاثة ولم يعلموا أن المراد بالاب هو اسم الله وبالامّ كنه الذات المعبر عنها بماهية الحقائق وبالابن الكتاب وهو الوجود المطلق لانه فرع ونتيجة عن ماهية الكنه واليه أشار فى قوله تعالى وعنده امّ الكتاب* وفى أنوار التنزيل ان السبب فى وقوع النصارى فى هذه الضلالة أن أرباب الشرائع المتقدّمة كانوا يطلقون الاب على الله باعتبار أنه السبب الاوّل حتى قالوا ان الاب هو الرب الاصغر والله سبحانه هو الرب الاكبر ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به الولادة فاعتقدوا ذلك تقليدا ولذلك كفر قائله ومنع مطلقا حسما لمادّة الفساد* وعن وهب بن منبه قال ان صحف ابراهيم عليه السلام أنزلت فى أوّل ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة على موسى عليه الصلاة والسلام لست ليال خلون من شهر رمضان بعد صحف ابراهيم بسبعمائة عام وأنزل الزبور على داود عليه الصلاة والسلام لا ثنتى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام وأنزل الانجيل على عيسى عليه الصلاة(1/8)
والسلام لثلاث عشر على ما فى الكشاف وقيل لثمان عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بألف عام ومائتى عام وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم لاربع وعشرين أو سبع وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان بعد الانجيل بستمائة عام وعشرين عاما واختلف فى كيفية انزاله على ثلاثة أقوال أحدها أنه نزل جملة واحدة فى ليلة القدر من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا وأملاه جبريل على السفرة ثم كان ينزل بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما فى عشرين سنة أو فى ثلاث وعشرين سنة أو خمس وعشرين سنة على حسب الاختلاف فى مدّة اقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوّة فقيل عشر وقيل ثلاثة عشر وقيل خمسة عشر ولم يختلف فى مدّة اقامته بالمدينة انها عشر واختلفوا فى وقت ليلة القدر فأكثرهم على انها فى شهر رمضان فى العشر الاواخر فى أوتارها وأكثر الاقوال انها السابعة منها كذا فى الكشاف وهذا أى القول الاوّل أشهر وأصح واليه ذهب الاكثرون ويؤيده ما رواه الحاكم فى مستدركه عن ابن عباس قال أنزل القرآن جملة واحدة الى السماء الدنيا فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك فى عشرين سنة قال الحاكم صح على شرط الشيخين* وأخرج النسائى فى تفسيره من جهة حسان بن أبى الاشرس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فصل القرآن من الذكر أى أمّ الكتاب وهو اللوح الى بيت العزة فى السماء الدنيا جملة واحدة واسناده صحيح وحسان بن أبى الاشرس وثقه النسائى وغيره* والقول الثانى انه نزل الى السماء الدنيا فى عشرين ليلة قدر من عشرين سنة وقيل فى ثلاث وعشرين ليلة قدر من ثلاث وعشرين سنة وقيل فى خمس وعشرين ليلة قدر من خمس وعشرين سنة نزل فى كل ليلة قدر انزاله فى كل سنة ثم ينزل بعد ذلك منجما فى جميع السنة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قول بعض العلماء كان ينزل من القرآن فى كل ليلة قدر من السنة الى السنة ما يكفيه الى مثلها من القابل وكان جبريل ينزل فى ليلة القدر من السماء السابعة الى بيت العزة فى السماء الدنيا ثم ينزل عليه من السماء الدنيا بحسب المصالح والوقائع الى ليلة القدر من قابل واذا كان ليلة القدر من قابل أنزل عليه مثل ما أنزل فى ليلة القدر التى قبلها وبهذا أى بالقول الثانى قال مقاتل والامام أبو عبد الله الحليمى فى المنهاج والماوردى فى تفسيره* والقول الثالث أنه ابتدئ انزاله فى ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجما فى أوقات مختلفة من سائر الاوقات وبهذا أى بالقول الثالث قال الشعبى وغيره* واعلم أنه اتفق أهل السنة على أن كلام الله منزل واختلفوا فى معنى الانزال فقيل معناه اظهار القرآن وقيل ان الله أفهم كلامه جبريل وهو فى السماء وهو عال من المكان وعلمه قراءته ثم جبريل أدّاه فى الارض وهو يهبط فى المكان وذكر النيسابورى فى تفسيره كلم الله جبريل بالقرآن فى ليلة واحدة وهى ليلة القدر فسمعه جبريل وحفظه بقلبه وجاء به الى السماء الدنيا الى الكتبة فكتبوه ثم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالنجوم أى الاوقات قال الزركشى فى البرهان فى التنزيل طريقان أحدهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انخلع من صورة البشرية الى صورة الملكية وأخذه من جبريل والثانى أن الملك انخلع الى البشرية حتى يأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه والاوّل أصعب الحالين ونقل بعضهم عن السمرقندى حكاية ثلاثة أقوال فى أن المنزل على النبى صلى الله عليه وسلم ما هو أحدها أنه اللفظ والمعنى وان جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به وذكر بعضهم أن احرف القرآن فى اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل قاف وان تحت كل حرف معان لا يحيط بها الا الله وهذا معنى قول الغزالى ان هذه الاحرف سترة لمعانيه والثانى أنه انما نزل جبريل عليه الصلاة والسلام بالمعانى خاصة وأنه صلى الله عليه وسلم علم تلك المعانى وعبر عنها بلغة العرب وانما تمسكوا بقوله تعالى نزل به الروح الامين على قلبك والقول
الثالث أن جبريل عليه السلام انما ألقى عليه المعنى وانه عبر بهذه الالفاظ(1/9)
بلغة العرب وان أهل السماء يقرؤنه بالعربية ثم انه نزل به كذلك قيل السرّ فى انزاله حملة الى السماء الدنيا التفخيم لامره وأمر من نزل عليه وذلك باعلام سكان السموات السبع ان هذا آخر الكتب المنزلة منزل على خاتم الرسل لا شرف الامم ولقد صرفناه اليهم لينزله عليهم ولولا الحكمة الالهية اقتضت نزوله منجما بسبب الوقائع لاهبط الى الارض جملة فان قيل فى أى زمان نزل جملة الى السماء الدنيا بعد ظهور بنوّة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها قلت قال الشيخ أبو شامة الظاهر أنه قبلها وكلاهما محتمل قيل ان ليلة القدر مما منحه الله محمدا صلى الله عليه وسلم واختص به بعد ظهور نبوّته فكيف يمكن نزوله قبل ذلك* وفى بحر العلوم للشيخ نجم الدين عمر النسفى وكتاب البرهان لابى عبد الله محمد بن عبد الله الزركشى قال الامام أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة ابتداء ووسطا وانتهاء وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك وما اختلفوا فيه فقال بعضهم هو مكى وقال بعضهم هو مدنى وما نزل مرتين وما نزل بمكة وحكمه مدنى وما نزل بالمدينة وحكمه مكى وما نزل بمكة فى أهل المدينة وما نزل بالمدينة فى أهل مكة وما يشبه نزول المكى فى المدنية وما يشبه نزول المدنى فى المكية وما نزل بالجحفة وما نزل ببيت المقدس وما نزل بالطائف وما نزل بالحديبية وما نزل ليلا وما نزل نهارا وما نزل شتاء وما نزل صيفا وما نزل مشيعا وما نزل مفردا والآيات المدنيات فى السور المكية والآيات المكيات فى السور المدنيات وما حمل من مكة الى المدينة وما حمل من المدينة الى مكة وما حمل من المدينة الى أرض الحبشة وما نزل مجملا وما نزل مفسرا وما نزل مرموزا وما هو ناسخ وما هو منسوخ فهذه ثلاثون وجها من لم يعرفها ولم يميز بينها لم يحل له أن يتكلم فى كتاب الله*
(ذكر ترتيب ما نزل بمكة)
* روى عن الحسين بن واقد أنه قال أوّل ما نزل من القرآن بمكة اقرأ باسم ربك وقيل أوّل ما نزل سورة الفاتحة كذا فى البرهان وهو ضعيف وفى رواية أورد نزول الفاتحة بعد يأيها المدّثر ثم ن والقلم ثم يأيها المزمّل ثم يأيها المدّثر ثم تبت يدا أبى لهب ثم اذا الشمس كوّرت ثم سبح اسم ربك الاعلى ثم والليل اذا يغشى ثم والفجر ثم والضحى ثم ألم نشرح ثم والعصر ثم والعاديات ثم انا أعطيناك الكوثر ثم ألها كم التكاثر ثم أرأيت الذى يكذب بالدين ثم قل يأيها الكافرون ثم سورة الفيل ثم الفلق ثم قل أعوذ برب الناس ثم قل هو الله أحد ثم والنجم اذا هوى ثم عبس وتولى ثم انا أنزلناه ثم والشمس وضحاها ثم والسماء ذات البروج ثم والتين والزيتون ثم لا يلاف قريش ثم القارعة ثم لا أقسم بيوم القيامة ثم الهمزة ثم والمرسلات ثم ق والقرآن المجيد ثم لا أقسم بهذا البلد ثم الطارق ثم اقتربت الساعة ثم ص والقرآن ثم الاعراف ثم الجنّ ثم يس ثم الفرقان ثم الملائكة ثم مريم ثم طه ثم الواقعة ثم الشعراء ثم النمل ثم القصص ثم بنو اسرائيل ثم يونس ثم هود ثم يوسف ثم الحجر ثم الانعام ثم والصافات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم حم المؤمن ثم حم السجدة ثم حم عسق ثم حم الزخرف ثم حم الدخان ثم حم الجاثية ثم حم الاحقاف ثم والذاريات ثم الغاشية ثم الكهف ثم النحل ثم نوح ثم ابراهيم ثم الانبياء ثم المؤمنون ثم الم تنزيل السجدة ثم الطور ثم الملك ثم الحاقة ثم سأل سائل ثم عم يتساءلون ثم والنازعات ثم اذا السماء انفطرت ثم اذا السماء انشقت ثم الروم* واختلفوا فى آخر ما نزل بمكة قال ابن عباس العنكبوت وقال الضحاك وعطاء المؤمنون وقال مجاهد ويل للمطففين فهذا ترتيب ما نزل من القرآن بمكة وعليه استقرّت الرواية من الثقات وهى خمس وثمانون سورة كذا فى بحر العلوم للنسفى والبرهان للزركشى*
(ذكر ترتيب ما نزل بالمدينة)
* وأوّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة ثم الانفال ثم آل عمران ثم الاحزاب ثم الممتحنة ثم النساء ثم اذا زلزلت ثم الحديد ثم سورة محمد صلى الله عليه وسلم ثم الرعد ثم الرحمن ثم هل أتى على الانسان ثم الطلاق ثم لم يكن ثم الحشر ثم اذا جاء نصر الله ثم النور ثم الحج(1/10)
ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الصف ثم الجمعة ثم التغابن ثم الفتح ثم التوبة ثم المائدة ومنهم من يقدّم المائدة على التوبة وقرأ النبى صلى الله عليه وسلم سورة المائدة فى خطبته يوم حجة الوداع فقال أيها الناس ان آخر القرآن نزولا سورة المائدة فأحلوا حلالها وحرّموا حرامها*
(ذكر ما اختلفوا فيه)
* اختلفوا فى ويل للمطففين قال ابن عباس هى مدنية وقال عطاء هى آخر ما نزل بمكة كما مرّ وقال قتادة سورة المزمّل مدنية وقال الباقون هى مكية واختلفوا فى الفاتحة وسيجىء بيانه فهذا ترتيب ما نزل بالمدينة وهى تسع وعشرون سورة فجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة كما مرّ وجميع ما نزل بالمدينة تسع وعشرون سورة على اختلاف الروايات وقال علقمة والحسن ما فى القرآن يأيها الناس فهو مكى وما فيه يأيها الذين آمنوا فهو مدنى وقال نجم الدين عمر النسفى فى بحر العلوم اختلفوا فى فاتحة الكتاب انها مكية أو مدنية أو مكية ومدنية معا على ثلاثة أقوال قال على وابن عباس وأبىّ بن كعب ومقاتل وقتادة فى جماعة آخرين انها مكية وقال مجاهد انها مدنية وذكر الحسين بن الفضل البجلى والثعالبى ان مجاهدا انفرد بالقول انها مدنية*
(ذكر ما نزل مرّتين)
قال بعضهم ان الفاتحة نزلت مرتين مرة بمكة حين فرضت الصلاة ومرة بالمدينة حين حوّلت القبلة وقد صح أنها مكية لقوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم وهو مكى كذا فى أنوار التنزيل ولتثنية نزولها سميت مثانى وهو نظير قوله تعالى أليس الله بكاف عبده وهو النبىّ صلى الله عليه وسلم وهذه الكفاية فى حقه انه دفع عنه مكر الكفار كما قال واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك الآية ونزلت هذه الآية مرة أخرى فى شأن خالد بن الوليد حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لتحريق الشجرة التى كانت العرب يزعمون أن فيها عزى فخوّفه الكفار منها وكانوا يقولون يا عزى خبليه وجننيه فجاء وقلعها وحرقها وخرجت عزى فقتلها وقال عليه السلام تلك العزى ولن تعبد أبدا* وأما ما نزل بمكة وحكمه مدنى فمنها قوله فى الحجرات يأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية نزلت بمكة يوم فتحها وهى مدنية لانها نزلت بعد الهجرة ومنها قوله فى المائدة اليوم أكملت لكم دينكم الى قوله الخاسرين نزلت يوم الجمعة والناس وقوف بعرفات فبركت ناقته من هيبة القرآن وسورة المائدة مدنية لنزولها بعد الهجرة وهى عدّة آيات* وأما ما نزل بالمدينة وحكمه مكى فمنها قوله تعالى فى الممتحنة يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّى وعدوّكم أولياء وهى قصة حاطب بن أبى بلتعة وسارة والكتاب الذى دفعه الى سارة يخاطب أهل مكة ومنها قوله تعالى فى سورة النحل والذين هاجروا فى الله من بعد ما ظلموا الى قوله ويفعلون ما يؤمرون* وفى البرهان الى آخر السورة مدنيات يخاطب بها أهل مكة ومنها سورة الرعد يخاطب بها أهل مكة وهى مدنية ومن أوّل براءة الى قوله انما المشركون نجس خطاب لمشركى مكة وهى مدنية فهذا الذى ذكرناه من كلا القسمين من جملة ما نزل بمكة فى أهل المدينة وحكمه مدنى وما نزل بالمدينة فى أهل مكة وحكمه مكى* وأما ما يشبه تنزيل المدنية فى السور المكية فمن ذلك قوله تعالى فى سورة النجم الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم كبائر الاثم يعنى كل ذنب عاقبته النار والفواحش يعنى كل ذنب فيه الحدّ الا اللمم وهو ما بين الحدّين من الذنوب نزلت فى تيهان والمرأة التى راودها عن نفسها فأبت واستقرّت الرواية بما قلنا والدليل على صحته أنه لم يكن بمكة حدّ ولا زجر ومنها قوله تعالى فى هود وأقم الصلاة طرفى النهار الآية نزلت فى أبى مقبل الحسين بن عمير بن قبيس والمرأة التى اشترت برّا فراودها* وأما ما يشبه تنزيل مكة فى السور المدنية فمن ذلك قوله تعالى فى الانبياء لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا نزلت فى نصارى نجران السيد والعاقب ومنها سورة والعاديات ضبحا فى رواية الحسين بن واقد ومنها قوله تعالى فى سورة الانفال واذ قالوا اللهم ان كان هذا هو الحق الآية* وأما ما نزل بالححفة فقوله تعالى فى سورة(1/11)
القصص ان الذى فرض عليك القرآن لرادّك الى معاد نزلت بالجحفة فى طريق المدينة والنبىّ صلى الله عليه وسلم مهاجر* وأما ما نزل ببيت المقدس فقوله تعالى فى سورة الزخرف واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون نزلت ببيت المقدس فى ليلة أسرى به* وفى الكشاف قيل ان النبى صلى الله عليه وسلم جمع له الانبياء ليلة الاسراء فى بيت المقدس وأمّهم وقيل له سلهم فلم يشك ولم يسأل* وفى الينابيع سمع النبى صلى الله عليه وسلم آمن الرسول مع الآية التى بعدها ليلة المعراج من الحق تعالى بلا واسطة* وأما ما نزل بالطائف فقوله عز وجل فى الفرقان ألم تر الى ربك كيف مدّ الظل الآية وفى اذا السماء انشقت بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم يعنى كفار مكة* وأما ما نزل بالحديبية حين صالح النبى صلى الله عليه وسلم أهل مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو ما نعرف الرحمن ولو علمنا أنك رسول الله لتابعناك فأنزل الله تعالى وهم يكفرون بالرحمن الى قوله متاب* وفى الينابيع قوله بل الذين كفروا يكذبون الآية وقوله وهم يكفرون بالرحمن فى سورة الرعد نزلتا بالحديبية فى حق الصلح* وأما ما نزل ليلا فقوله فى أوّل سورة الحج يأيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شئ عظيم نزلت ليلا فى غزوة بنى المصطلق وهم حىّ من خزاعة والناس يسيرون فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة ومنها قوله تعالى فى المائدة والله يعصمك من الناس وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحرسه أصحابه كل ليلة فى غزوة والنبى صلى الله عليه وسلم فى خيمة من أدم فبات على باب الخيمة حذيفة وسعد فى آخرين فلما أن كان بعد هزيع من الليل أنزل الله عليه الآية فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الخيمة* وفى البرهان أخرج رأسه من الخيمة وقال يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمنى الله تعالى* ومنها قوله تعالى انك لا تهدى من أحببت قالت عائشة رضى الله عنها نزلت هذه الآية وأنا مع النبىّ صلى الله عليه وسلم فى اللحاف ومنها ما نزل ليلة المعراج وهو قوله تعالى آمن الرسول مع الآية التى بعدها سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج كما مرّ من رواية الينابيع ونزل عليه أكثر القرآن نهارا* وأما ما نزل فى الشتاء وما نزل فى الصيف فقد ذكر العلماء ان آية الكلالة فى أوائل سورة النساء نزلت فى الشتاء وان الآية التى فى آخرها نزلت فى الصيف* وأما ما نزل مشيعا فالفاتحة نزلت ومعها ثمانون ألف ملك وفى رواية سبعمائة ألف ملك طبقوا ما بين السماء والارض لهم زجل بالتسبيح فقال النبى صلى الله عليه وسلم سبحان الله وخرّسا جدا ومنها سورة الانعام نزلت جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد وكذا فى الكشاف وزاد فى البرهان طبقوا ما بين السماء والارض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله وخرّسا جدا* وقال الزركشى قد روى ما يخالفه فروى أنها لم تنزل جملة واحدة بل نزل منها آيات بالمدينة اختلفوا فى عددها فقيل ثلاث وهى قوله تعالى قل تعالوا الى آخر الآيات الثلاث وقيل ست آيات وقيل غير ذلك وسائرها نزل بمكة ونزلت آية الكرسى ومعها ثلاثون ألف ملك ونزلت سورة يس ومعها ثلاثون ألف ملك ونزلت واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا ومعها عشرون ألف ملك* وذكر الامام أحمد فى مسنده من حديث معقل بن يسار أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا ورواه الطبرانى أيضا كذا فى البرهان وسائر القرآن نزل به جبريل عليه الصلاة والسلام مفردا بلا تشييع* وأما الآيات المدنيات فى السور المكية فمنها سورة الانعام وهى كلها مكية خلاست آيات استقرّت بذلك الروايات وما قدروا الله حق قدره الآية نزلت فى مالك بن الصيف من أحبار اليهود ورؤسائهم والثانية والثالثة ومن أظلم
ممن افترى على الله كذبا أو قال(1/12)
أوحى الىّ ولم يوح اليه شىء* فى الكشاف هو مسيلمة الحنيفى الكذاب أو كذاب صنعاء الاسود العنسى ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله هو عبد الله بن سعد بن أبى سرح القرشى أخو عثمان من الرضاعة وثلاث آيات من أواخرها قل تعالوا الى قوله تتقون ومنها سورة الاعراف كلها مكية خلا ثمان آيات واسألهم عن القرية الى قوله واذنتقنا الجبل فوقهم الآية ومنها سورة ابراهيم مكية غير آيتين نزلتا فى قتلى بدر وهما قوله تعالى أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً الآيتين ومنها سورة النحل مكية الى قوله تعالى وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ والباقى مدنيات ومنها سورة بنى اسرائيل مكية غير قوله تعالى وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعنى ثقيفا وغير قوله تعالى وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الآية ومنها سورة الكهف مكية غير قوله تعالى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ نزلت فى سلمان الفارسى ومنها سورة القصص مكية غير آية وهى قوله تعالى وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى الانجيل من قبله هم به يؤمنون يعنى بالفرقان نزلت فى أربعين رجلا من مؤمنى أهل الكتاب قدموا من الحبشة مع جعفر بن أبى طالب فأسلموا ومنها سورة الزمر مكية غير قوله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
الآية ومنها الحواميم كلها مكيات غير قوله تعالى فى الاحقاف قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية نزلت فى عبد الله ابن سلام ومنها سورة النجم مكية الا قوله تعالى أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى الآية ومنها سورة أرأيت الذى مكية غير قوله فويل للمصلين فانها مدنية كذا قال مقاتل بن سليمان وأما الآيات المكيات فى السور المدنية فمنها قوله تعالى فى الانفال وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يعنى أهل مكة حتى تخرج من بين أظهرهم ومنها سورة التوبة مدنية غير آيتين لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الى آخر السورة ومنها سورة الرعد مدنية غير قوله تعالى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ الى جميعا ومنها سورة الحج مدنية غير أربع آيات مكيات وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ الى قوله عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ* وأما ما حمل من مكة الى المدينة فاوّل سورة حملت من مكة الى المدينة سورة يوسف انطلق بها عوف بن عفراء فى الثمانية الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأسلموا وهو أوّل من أسلم من الانصار ثم حمل بعدها قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ الى آخرها ثم حمل بعدها الآية التى فى الاعراف قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الى قوله يهتدون فأسلم عليها طوائف من أهل المدينة* وأما ما حمل من المدينة الى مكة فمن ذلك قوله فى البقرة يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه نزلت فى سرية عبد الله بن جحش وقتل ابن الحضرمى ثم حملت آية الربا من المدينة الى مكة فى حضور ثقيف وبنى المغيرة الى عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكة فقرأها عتاب عليهم وهى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وذروا ما بقى من الربا فأقرّوا بتحريمه وتابوا وأخذروا رأس المال ثم حملت تسع آيات من سورة براءة من أوّلها قرأها علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه يوم النحر على الناس ثم حملت من المدينة الى مكة الآية التى فى النساء وهى قوله الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الى قوله عفوّا غفورا* وأما ما حمل من المدينة الى أرض الحبشة فهى ست آيات بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الى جعفر بن أبى طالب فى خصومة الرهبان والقسيسين يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم فأسلم النجاشى وأسلموا* وأما المجمل فكقوله وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وافعلوا الخير وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً* وأما المفسر فكقوله واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ انطاكية إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ أصحاب عيسى إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ناروض وماروض فكذبوهما فعززنا بثالث شمعون الصفاقصة اصحاب القرية ومثلهم مشتملة على المثلين المثل الثانى وهو قوله إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ الى آخره بيان وتفسير للاوّل وهو قوله إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ الى آخرها كذا فى الكشاف وقوله التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الآية قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الآيات وقوله الله الصمد وفسره بما بعده وقوله خلق هلوعا(1/13)
وفسره بما بعده* وأما المرموز فكقوله طه يس وقالوا فى طه بأقاويل قيل خاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا طه وقيل معناه يا رجل وقيل يا بدر وقيل يا طامسا للاشرار يا هاجدا بالاسحار وياسين يا سيد المرسلين وقيل أى يسرنا لك ولامّتك الكتاب المبين وأثبتنا رسالتك بالشهادة واليمين قد كفى بالله شهيدا انك سيد المرسلين فيكن من الشاكرين وقل الحمد لله رب العالمين*
وأما الناسخ والمنسوخ
ففى أنوار التنزيل نسخ الآية بيان انتهاء التعبد بقراءتها أو الحكم المستفاد منها أو بهما جميعا فما نسخت تلاوته ما قال أنس أنزل الله فى الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد وهو بلغوا عنا قومنا انا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه وفى رواية عنه وأرضانا ومما نسخت تلاوته وبقى حكمه فيعمل به اذ تلقته الامّة بالقبول ما روى أنه كان فى سورة النور الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم ولهذا قال عمر لولا أن يقول الناس زاد عمر فى كتاب الله لكتبتها بيدى رواه البيهقى وأصله فى الصحيحين ومنه قراءة ابن مسعود فى كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات بزيادة متتابعات وقراءة ابن عباس فى السرقة فاقطعوا أيمانهما مكان أيديهما نسخت تلاوتهما فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم بصرف القلوب عن حفظهما الاقلوب ذينك الروايين أو بالانساء كذا قاله فخر الاسلام* ومما نسخ حكمه وبقيت تلاوته قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية نسخ حكمه وهو جواز الفطر مع اعطاء الفدية ومنه قوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ومنه قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بعد فانه منسوخ بما روت عائشة رضى الله عنها أن النبىّ صلى الله عليه وسلم أخبر أباها بأن الله تعالى أباح له من النساء ما شاء* وفى الكشاف عن عائشة رضى الله عنها ما مات النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء يعنى ان الآية قد نسخت ولا يخلو نسخها اما أن يكون بالسنة واما بقوله انا أحللنا لك أزواجك وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف وقوله تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فانه نسخ بقوله عليه الصلاة والسلام لا تقتلوا أهل الذمّة وهذان القسمان من قبيل نسخ الكتاب بالسنة كما سيجىء ومما نسخت تلاوته وحكمه معا ما نسخ فى حيات النبىّ صلى الله عليه وسلم بالانساء ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرّ من فنسخن بخمس معلومات* قال الشيخ جلال الدين الدوانى اختلف المسلمون فى جواز نسخ بعض آيات القرآن بعد اتفاقهم قاطبة على أنه لا يجوز نسخ جميع القرآن وذهب بعض الاصوليين كأبى مسلم الاصفهانى وجماعة من الصوفية الى أنه ليس فى شئ من آيات القرآن منسوخ أصلا وذهب آخرون الى أن النسخ واقع فى بعض آيات القرآن وجعلوا المنسوخ منها ثلاثة أقسام* الاوّل ما نسخ تلاوته وبقى حكمه ان كان له حكم والثانى عكسه والثالث ما نسخنا جميعا كما مرّ أمثلتها واعلم أن النسخ كما يكون فى الكتاب يكون فى السنة أيضا مثال نسخ السنة بالسنة قوله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألافزوروها وفى رواية فانها تذكر الموت ومثال نسخ السنة بالكتاب نسخ التوجه الى بيت المقدس فانه صلى الله عليه وسلم كان بمكة متوجها الى الكعبة ثم تحوّل بوجهه الى بيت المقدس بالمدينة ثم نسخ بقوله تعالى فولّ وجهك شطر المسجد الحرام ومثال نسخ الكتاب بالسنة ما مرّ من رواية عائشة فى اباحة ما شاء من النساء ومن النهى عن قتل أهل الذمّة قال الشيخ جلال الدين الدوانى رأيت فى بعض التفاسير ان قوله وامسحوا برؤسكم وأرجلكم من هذا القبيل فانه نسخ بالسنة المتواترة فى وجوب الغسل فى الرجلين*
وأوّل من تتبع القرآن وجمعه
فى زمن أبى بكر رضى الله عنه زيد بن ثابت الانصارى تتبع القرآن وجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال حتى وجد آخر التوبة لقد جاءكم مع خزيمة الانصارى ذى الشهادتين لم يجدها مع أحد غيره فألحقها فى سورتها وكانت الصحف عند أبى بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى قبض ثم عند حفصة بنت عمر(1/14)
والعسب بضم المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهى جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتسبون فى الطرف العريض وقيل العسب طرف الجريدة العريض الذى لم ينبت عليه الخوص والذى ينبت عليه الخوص السعف والرقاع جمع رقعة وقد يكون من جلد أورق أو كاغد وفى رواية وقطع الاديم واللخاف بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لخفة بفتح اللام وسكون المعجمة وفى رواية واللخف بضمتين وآخره فاء قال أبو داود وهى الحجارة الرقاق قال الخطابى صفائح الحجارة الرقاق قال الاصمعى فيها عرض ورقة وفسره ابن حجر بالخزف بفتح المعجمة والزاى وهى الآنية التى تصنع من الطين المشوى وفى رواية قال زيد فقدنا آية من الاحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها لم أجدها مع أحد الا مع خزيمة الانصارى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فألحقناها فى سورتها وخزيمة هو ذو الشهادتين روى البخارى فى صحيحه عن أنس أن حذيفة قدم على عثمان وكان يغازى أهل الشأم فى فتح ارمينية واذربيجان مع أهل العراق وأفزع حذيفة اختلافهم فى القراءة وقال لعثمان أدرك هذه الامّة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان الى حفصة أن أرسلى الينا الصحف ننسخها فى المصاحف ثم نردّها اليك فأرسلت اليه فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها فى المصاحف وقال عثمان لرهط القرشيين الثلاثة اذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانما نزل بلسانهم ففعلوا حتى اذا نسخوا الصحف فى المصاحف ردّ عثمان الصحف الى حفصة فأرسل فى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن فى كل صحيفة أو مصحف أن يحرق* واعلم أنه قد اشتهر أن عثمان أوّل من جمع المصاحف وليس كذلك بل أوّل من جمعها فى مصحف واحد أبو بكر الصدّيق ثم أمر عثمان حين خاف الاختلاف فى القراءة بتحويله منها الى المصاحف هكذا نقله البيهقى كذا فى البرهان
ذكر اللغات التى نزل بها كلام الله
يقال اللغات التى نزل بها كلام الله العربية والعبرانية والسريانية القرآن نزل باللغة العربية والتوراة بالعبرانية والزبور والانجيل بالسريانية كذا فى الانسان الكامل يعنى ان الانجيل بالسريانية وفى صحيح البخارى فى قصة ورقة بن نوفل أنه تنصرفى الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبرانى يكتب من الانجيل بالعربية فيفهم منه أن الانجيل كان بالعبرانية وفى رواية الزبور باللغة العبرانية وهو مائة وخمسون سورة فاذا عبر عن كلام الله بالعربية يسمى قرآنا وان عبر بالعبرانية يسمى توراة واذا عبر بالسريانية يسمى زبورا وانجيلا وهذه العبارات جميعها كلام الله تعالى من غير خلاف بين العلماء لانها يفهم منها ما يفهم من كلام الله الذى هو قائم بالنفس وهو مدلول هذه العبارات فان العلماء أجمعوا على أن المحفوظ فى الصدور والمقروء بالالسن والمكتوب فى المصاحف يقال له كلام الله*
مطلب أولو العزم
وأما أولو العزم من الرسل فهم الذين كانوا مأمورين بقتال الكفار وجهاد الفجار بعد تبليغ الرسالة اليهم بخلاف النبوّة والرسالة فان الجهاد ليس بشرط فيهما كما كان فى أوائل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم حيث كان يوحى اليه تارة ان عليك الا البلاغ ووقتا يخاطب بقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وفى الاواخر صار مأمورا بالقتال والجهاد قال الله تعالى قاتلوا المشركين كافة فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم* وفى الكشاف أولو العزم أولو الجدّ والثبات والصبر قيل هم نوح وابراهيم ويعقوب ويوسف وأيوب وموسى وداود وعيسى عليهم الصلاة والسلام* وفى المدارك المراد من أولى العزم ما ذكر فى الاحزاب واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم* وفى عمدة المعانى أولو العزم هم أصحاب الشرائع وقيل هم نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وقيل ثمانية عشر نبيا ذكروا فى الانعام فى ثلاث أو أربع آيات متواليات(1/15)
* وأما الخاتم فهو الذى جمع فيه معنى النبوّة والرسالة وأولو العزمية ولا يبعث بعده نبىّ ولا ينسخ دينه وشرعه بل يبقى مؤبدا مخلدا* وفى العروة الوثقى كل من كان من أولى العزم مرسل اليهم والخاتم الامىّ هو النبىّ المرسل اليهم سيد أولى العزم بحيث لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعه ويقتدى عيسى بعد نزوله بامام من أمّته*
الفرق بين البشر والملك
وأما الفرق بين البشر والملك فقد قال النسفى فى عقائده رسل البشر أفضل من رسل الملائكة ورسل الملائكة أفضل من عامّة البشر وعامّة البشر أفضل من عامّة الملائكة واتفق العلماء على أن الانبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل من جميع البشر ولا يبلغ أحد من الاولياء والصدّيقين درجات الانبياء وان كانوا فى أعالى مراتبهم قال أبو يزيد البسطامى قدّس الله سرّه آخر نهايات الصدّيقين أوّل أحوال الانبياء وقال ابن عطاء الله أدنى مراتب المرسلين أعلى مراتب الانبياء وأدنى مراتب الانبياء أعلى مراتب الصدّيقين وأدنى مراتب الصدّيقين أعلى مراتب الشهداء وأدنى مراتب الشهداء أعلى مراتب الصالحين وأدنى مراتب الصالحين أعلى مراتب المؤمنين*
مطلب نفيس في قولهم أن الولاية أفضل من النبوّة
فما نقل عن بعض الاولياء من أن الولاية أفضل من النبوّة فمبنىّ على أن للنبىّ جهتين احداهما جهة الولاية التى هى باطن النبوّة وثانيتهما جهة النبوّة التى هى ظاهر الولاية فالنبىّ بجهة الولاية يأخذ الفيض والعلى من الله تعالى وبجهة النبوّة تبليغة للخلق ولا شك فى أن الوجه الذى الى الحق أشرف وأفضل من الوجه الذى الى الخلق فالمراد أن جهة ولاية نبىّ أفضل من جهة نبوّته وهو من حيث انه ولىّ أفضل من حيث انه نبىّ لا أن ولاية ولىّ تابع أفضل من نبوّة نبىّ متبوع حتى يلزم أن يكون الولىّ أفضل من النبىّ كما يتوهم القاصرون فان مرتبة الولاية حاصلة للنبىّ على وجه أكمل من ولاية الولىّ مع أمر زائد وهو مرتبة النبوّة فكل نبىّ ولىّ من غير عكس* وما وقع فى كلام محمد بن على الحكيم الترمذى وذهب اليه الشيخ سعد الدين الحموى أيضا من أن نهاية الانبياء بداية الاولياء فالمراد منه أن نهاية الانبياء فى الشرائع بداية الاولياء فيها ولما كانت شرائع الانبياء تتم وتكمل فى أواخر أحوالهم كما ان نبينا صلى الله عليه وسلم فى أواخر أمره قيل له اليوم أكملت لكم دينكم والولىّ ما لم يأخذ الشريعة بكمالها لم يكن له الشروع فى الولاية فان ما هو للنبىّ فى التشريع فى أواخر الامر للولىّ فى أوّله ولو أن أحدا مثلا سلك جميع الاحكام النازلة بمكة ولم يلتفت الى الاحكام النازلة بالمدينة لن ينال مرتبة الولاية بل لو أنكر لكفر فبداية الولاية أن يقبل الشريعة التى هى نهاية أمر النبىّ كذا فى شواهد النبوّة* وفى العروة الوثقى ولا بدّ فى كل حين من مرشد يرشد الخلق خلافة عن النبىّ ولا بدّ للمرشد من التأييد الالهى ليتمكن له تسخير المسترشدين وافادة المستفيدين وتعليم المتعلمين وهو العالم الولى الشيخ والى هذا السرّ أشار النبى صلى الله عليه وسلم حيث قال الشيخ فى قومه كالنبىّ فى أمّته والشيخ ينبغى أن يكون وليا لله والولىّ لا بدّ أن يكون عالما لان الله ما اتخذ وليا جاهلا قط*
الفرق بين النبىّ والولىّ والساحر
وأما الفرق بين النبىّ والولىّ والساحر أن النبىّ يتحدّى الخلق بالمعجزة ويستعجزهم على الاتيان بمثلها ويخبرهم عن الله تعالى بخرق العادة بها لتصديقه ولو كان كاذبا لم تنخرق العادة على يديه ولو خرقها الله على يد كاذب لخرقها على أيدى المعارضين للانبياء وأما الولىّ والساحر فلا يتحدّيان الخلق ولا يستدلان على نبوّة ولو ادّعيا شيئا من ذلك لم تنخرق العادة لهما وأما الفرق بين الولىّ والساحر فمن وجهين أحدهما وهو المشهور اجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر الاعلى يد فاسق والكرامة لا تظهر الا على يدولىّ ولا تظهر على يد فاسق وبهذا جزم امام الحرمين وأبو سعيد المتولى وغيرهما والثانى أن السحر يكون ناشئا بفعل ومزج ومعاناة وعلاج والكرامة لا تفتقر الى ذلك وفى كثير من الاوقات يقع ذلك اتفاقا من غير أن يستدعيه أو يشعر به والله أعلم* وفى التفسير الكبير للامام النّحرير فخر الدين الرازى اذا ظهر فعل خارق للعادة على يد انسان(1/16)
فذلك اما أن يكون مقرونا بالدعوى أولا مع الدعوى والقسم الاوّل وهو أن يكون مقرونا بالدعوى فتلك الدعوى اما أن تكون دعوى الالهية أو دعوى النبوّة أو دعوى الولاية أو دعوى السحر وطاعة الشياطين فهذه أربعة أقسام (القسم الاوّل) وهو ادّعاء الالهية جوّز أصحابنا ظهور خوارق العادات على يده من غير معارضة كما نقل أن فرعون كان يدّعى الالهية وكانت تظهر على يده خوارق العادات وكما نقل أيضا فى حق الدجال قال أصحابنا وانما جاز ذلك لان شكله وخلقته تدل على كذبه فظهور الخوارق على يده لا يفضى الى التلبيس (والقسم الثانى) وهو ادّعاء النبوّة وهذا القسم يكون على قسمين لانه اما أن يكون ذلك المدّعى صادقا أو كاذبا فان كان صادقا وجب ظهور الخوارق على يده وهذا متفق عليه بين كل من أقرّ بصحة نبوّة الانبياء وان كان كاذبا لم يجز ظهور الخوارق على يده وبتقدير أن تظهر وجب حصول المعارضة (وأما القسم الثالث) وهو ادّعاء الولاية والقائلون بكرامات الاولياء اختلفوا فى أنه هل يجوز ادّعاء الكرامة ثم انها تحصل على وفق دعواه أم لا (والقسم الرابع) وهو ادّعاء السحر وطاعة الشيطان فعند أصحابنا يجوز ظهور خوارق العادات على يده وعند المعتزلة لا يجوز وأما القسم الثانى وهو أن تظهر خوارق العادات على يد انسان من غير شئ من الدعاوى فذلك الانسان اما أن يكون صالحا مرضيا عند الله واما أن يكون خبيثا مذنبا والاوّل هو القول بكرامات الاولياء وقد اتفق أصحابنا على جوازها وأنكرها المعتزلة الا أبا الحسين البصرى وصاحبه محمود الخوارزمى وأما القسم الثالث وهو أن تظهر خوارق العادات على يد بعض من كان مردودا عن طاعة الله فهذا هو المسمى بالاستدراج قال العلامة الدوانى فى انموذج العلوم ذهب أهل الملل الثلاث الى أن العالم وهو ما سوى الله تعالى وصفاته من الجواهر والاعراض حادث أى كائن بعد ان لم يكن بعدية حقيقية لا بالذات فقط بمعنى أنها فى حدّ ذاتها لا تستحق الوجود بل محتاجة الى الغير فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات كما تقوله الفلاسفة ويسمونه الحدوث الذاتى ويقسمون كلا من الحدوث والقدم الى ذاتى وزمانى بل بالزمان أيضا بمعنى انها لم تكن فى زمان فوجدت بعد ما لم تكن فيه كما يقوله المتكلمون ويسمونه المحدّثون الحدوث الزمانى بل ليس الحدوث والقدم عندهم الا بهذا المعنى فقط فبعد ما لم يكن فى الاوّل شئ من الممكنات موجودا كما هو فى الحديث الصحيح كان الله ولم يكن معه شئ أوجد الله الموجودات على ما اقتضته حكمته*
أوّل المخلوقات
واختلفت الروايات فى أوّل المخلوقات* ففى رواية نور رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى رواية العقل وفى رواية القلم وفى رواية اللوح ومنشأ الاختلاف ورود الاخبار المختلفة فى أوّل ما خلق الله ففى خبر أوّل ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم* وفى الانس الجليل ان الله خلق أوّلا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العرش والكرسى واللوح والقلم والسماء والارض والجنة والنار بألف ألف وستمائة وسبعين ألف سنة* وفى خبر آخر أوّل ما خلق الله العقل فقال له أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر فقال وعزتى وجلالى بك أعطى وبك أمنع وبك أثيب وبك أعاقب* وفى المشكاة عن أبى هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما خلق الله العقل قال له قم فقام ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل ثم قال له اقعد فقعد ثم قال له ما خلقت خلقا هو خير منك ولا أفضل منك ولا أحسن منك بك آخذ وبك أعطى وبك أعرف وبك أعاقب وبك الثواب وعليك العقاب وقد تكلم فيه بعض العلماء رواه البيهقى فى شعب الايمان* وفى خبر آخر أوّل ما خلق الله القلم عن عبادة بن الصامت مرفوعا أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال رب ما أكتب قال اكتب مقادير كل شئ رواه أحمد والترمذى وصححه فجرى القلم بما هو كائن الى يوم القيامة ولذلك قال النبىّ صلى الله عليه وسلم جف القلم على علم الله وفى رواية جف القلم بما هو كائن الى يوم القيامة وفى(1/17)
خبر آخر أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ وعن ابن عباس أوّل ما خلق الله اللوح المحفوظ بحفظ الله بما كتب فيه ما كان ويكون لا يعلم ما فيه الا الله*
مطلب اللوح والقلم
وفى المدارك محفوظ من وصول الشيطان انتهى وهو من درّة بيضاء دفتاه ياقوتتان حمراوان وهو فى عظم لا يوصف وخلق الله له قلما من جوهرة طولها مسيرة خمسمائة عام مشقوق السنّ ينبع منه النور كما ينبع من أقلام أهل الدنيا المداد ثم نودى القلم أن اكتب فاضطرب من هول النداء حتى صار له ترجيع كترجيع الرعد ثم جرى فى اللوح بما هو كائن وما هو فاعله فى الوقت الذى يفعله الى يوم القيامة فامتلأ اللوح وجف القلم سعد من سعد وشقى من شقى وفى طوالع الانوار للبيضاوى القلم يشبه أن يكون العقل الاوّل لقوله عليه الصلاة والسلام أوّل ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال ما أكتب فقال القدر ما كان وما هو كائن الى الابد كما مرّ واللوح وهو الخلق الثانى يشبه أن يكون العرش أو يكون متصلا به لقوله عليه الصلاة والسلام ما من مخلوق الا وصورته تحت العرش* وفى أنوار التنزيل وقرئ فى لوح بضم اللام وهو الهواء أى ما فوق السماء السابعة الذى فيه اللوح* وفى المدارك اللوح عند الحسن شئ يلوح للملائكة فيقرؤنه وعن ابن عباس هو من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والارض وعرضه ما بين المشرق والمغرب قلمه نور وكل شئ فيه مسطور وعن مقاتل هو عن يمين العرش وقيل أعلاه معقود بالعرش وأسفله فى حجر ملك عظيم* وفى المواهب اللدنية قد اختلف أهل العلم فى أوّل المخلوقات بعد النور المحمدى فقال الحافظ وأبو يعلى الهمدانى الاصح أن العرش قبل القلم لما ثبت فى الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش والتقدير وقع عند أوّل خلق القلم لحديث عبادة بن الصامت كما سبق وروى أحمد وصححه أيضا من حديث أبى رزين العقيلى مرفوعا ان الماء خلق قبل العرش وروى السدّى بأسانيد متعدّدة أن الله لم يخلق شيئا مما خلق قبل الماء فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أوّلية القلم بالنسبة الى ما عدا النور المحمدى والماء والعرش* قيل أوّل شىء كتبه القلم على اللوح المحفوظ بسم الله الرحمن الرحيم انى أنا الله لا اله الا أنا محمد عبدى ورسولى من استسلم لقضائى وصبر على بلائى وشكر على نعمائى ورضى بحكمى كتبته صدّيقا وبعثته يوم القيامة مع الصدّيقين ومن لم يستسلم لقضائى ولم يصبر على بلائى ولم يشكر على نعمائى ولم يرض بحكمى فليختر الها سواى وفى رواية لما أمر الله القلم أن يكتب ما كان وما يكون الى الابد كتب على سرادق العرش لا اله الا الله ثم كتب كل قطرة نازلة من السماء وكل ورق نابت على الاشجار وكل حبة نابتة فى الارض وكل حصاة على الارض وكل رزق مقدّر للخلائق وقال فى هذا المعنى شعرا
جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرّك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق فى غشاوته الجنين
وفى هذا المعنى قيل
سهل عليك فان الامر مقدور ... وكل مستأنف فى اللوح مسطور
لا تكثرنّ فخير القول أصدقه ... ان الحريص على الدنيا لمغرور
وجه الجمع بين الاحاديث المختلفة المذكورة على تقدير صحة الكل أن يقال الاوّل الحقيقى نور نبينا صلى الله عليه وسلم وأوّلية العقل والقلم اضافية يعنى أوّل مخلوق من المجرّدات العقل ومن الاجسام القلم أو يقال أوّل العقول العقل الذى لما خلقه الله تعالى أمره بالاقبال والادبار فأطاع ففاز من رب العزة بأنواع الاعزاز والاكرام وأوّل الاقلام القلم الذى أثبت بأمر الله تعالى تقديرات الاشياء(1/18)
فى اللوح المحفوظ وأوّل الانوار نور محمد صلى الله عليه وسلم وأهل التحقيق على أن المراد من هذه الاحاديث شىء واحد لكن باعتبار نسبه وحيثياته تعدّدت العبارات كما ان الاسود والمائع والبرّاق عبارة عن الحبر لكن باعتبار النسب* وفى شرح المواقف قال بعضهم ان المعلول الاوّل من حيث انه مجرّد تعقل ذاته ومبدؤه يسمى عقلا ومن حيث انه واسطة فى صدور سائر الموجودات ونقوش العلوم يسمى قلما ومن حيث توسطه فى افاضة أنوار النبوّة ومن حيث ان الكمالات المحمدية من أثر نور سيد الانبياء صلى الله عليه وسلم من حيث انه سبب لحياته يسمى روحه وسيجىء لهذا زيادة بيان* وفى شواهد النبوّة أن نبينا صلى الله عليه وسلم وان كان آخر الانبياء فى عالم الشهادة لكنه أوّلهم فى عالم الغيب قال عليه الصلاة والسلام كنت نبيا وآدم بين الماء والطين بيانه ان الله تعالى فى أزل الآزال كان الله ولا شئ معه فجميع الشؤن من غير امتياز من بعض وصورة معلومية ذلك الشان تسمى تعينا أوّل وحقيقة محمدية وحقائق سائر الموجودات كلها أجزاء وتفاصيل فتلك الحقيقة والتجليات التى وقّعت بصورها فى الغيب انما نشأت وانبعثت من التجلى بصور تلك الحقيقة والصورة الوجودية لتلك الحقيقة أوّلا فى مرتبة الارواح كانت جوهرا مجرّدا عبر عنه الشارع صلى الله عليه وسلم تارة بالعقل وتارة بالقلم وتارة بالنور وتارة بالروح حيث قال صلى الله عليه وسلم أوّل ما خلق الله العقل وأوّل ما خلق الله القلم وأوّل ما خلق الله روحى أو نورى ولا شك أن اختلاف العبارات رتبى اذ مرتبة الاوّلية حقيقة لا تصلح لغير شئ واحد والصورة الوجودية لتلك الحقيقة مرتبة بعد مرتبة حتى انتقلت الى الصورة الجسمانية العنصرية الانسانية التى أوّل افرادها آدم فهو وسائر الانبياء ما لم يظهروا لصورة جسمانية عنصرية فى الشهادة لم يوصفوا بالنبوّة بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم فانه لما وجد بوجود روحانى بشره وأعلمه بالنبوّة بالفعل وفى كل الشرائع أعطى الحكم له لكن بأيدى الانبياء والرسل الذين كانوا نوّابه كما ان عليا ومعاذ بن جبل فى عالم الشهادة ذهبا بنيابته الى اليمن وبلغا الاحكام فانّ ثبوت النبوّة ليس الا باعتبار شرع مقرّر من عند الله فجميع الشرائع شريعته الى الخلق بأيدى نوّابه ولما ظهر بالوجود الجسمانى العنصرى نسخ تلك الشرائع التى كان اقتضاها بحسب الباطن فان اختلاف الامم فى الاستعدادات والقابليات مقتض لاختلاف الشرائع* وفى فصوص الحكم وشرحه وما كان من نبىّ يأخذ شيئا من الكمالات الا من مشكاة خاتم النبيين وان تأخر عنهم وجود طينته اذ لا تعلق لمشكاته بوجوده الطينى فانه بحقيقته موجود قبلهم لانه أبو الارواح كما انّ آدم أبو الاشباح* وفى كيفية خلق نوره صلى الله عليه وسلم وردت روايات متعدّدة وحاصل الكل راجع الى أن الله تعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم قبل خلق السموات والارض والعرش والكرسى واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة والانس والجنّ وسائر المخلوقات بكذا كذا ألف سنة وكان يرى ذلك النور فى فضاء عالم القدس فتارة يأمره بالسجود وتارة يأمره بالتسبيح والتقديس وخلق له حجبا وأقامه فى كل حجاب مدّة مديدة يسبح الله تعالى فيه بتسبيح خاص فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس فخلق من أنفاسه أرواح الانبياء والاولياء والصدّيقين والشهداء وسائر المؤمنين والملائكة كما روى عن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوّل شئ خلقه الله قال هو نور نبيك يا جابر خلقه ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شئ وحين خلقه أقامه قدّامه فى مقام القرب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام خلق العرش من قسم والكرسى من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسى من قسم وأقام القسم الرابع فى مقام الحب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق الخلق من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع فى مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء(1/19)
فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء وخلق القمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع فى مقام الرجاء اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والحلم والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع فى مقام الحياء اثنى عشر ألف سنة ثم نظر الله سبحانه اليه فترشح النور عرقا فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفا وأربعة آلاف قطرة من النور فخلق الله سبحانه من كل قطرة روح نبىّ أو رسول ثمّ تنفّست أرواح الانبياء فخلق الله من أنفاسهم نور الاولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين الى يوم القيامة فالعرش والكرسى من نورى والكروبيون من نورى والروحانيون من الملائكة من نورى وملائكة السموات السبع من نورى والجنة وما فيها من النعيم من نورى والشمس والقمر والكواكب من نورى والعقل والعلم والتوفيق من نورى وأرواح الانبياء والرسل من نورى والشهداء والصالحون من نتائج نورى ثم خلق سبحانه اثنى عشر حجابا فأقام النور وهو الجزء الرابع فى كل حجاب ألف سنة وهى مقامات العبودية وهى حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرحمة والرأفة والحلم والعلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله ذلك النور فى كل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب ركبه الله فى الارض وكان يضىء منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج فى الليل المظلم ثم خلق الله آدم فى الارض وركب فيه النور فى جبينه ثم انتقل منه الى شيث ومنه الى يانش وهكذا كان ينتقل من طاهر الى طيب الى أن أوصله الله تعالى الى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه الى رحم آمنة ثم أخرجنى الى الدنيا فجعلنى سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغرّ المحجلين هكذا بدء خلق نبيك يا جابر ذكره البيهقى وأخرج مسلم فى صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال ان الله عز وجل كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والارض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ومن جملة ما كتب فى الذكر وهو أمّ الكتاب أن محمدا خاتم النبيين وعن العرباض بن سارية عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم بأوّل أمرى انى دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت حين وضعتنى وقد خرج منها نور أضاءت منه قصور الشأم رواه أحمد والبيهقى والحاكم وقال صحيح الاسناد كذا فى شرح السنة* قوله لمنجدل فى طينته* يعنى طريحا ملقى على الارض قبل نفخ الروح فيه عن ميسرة الضبى قال قلت يا رسول الله متى كنت نبيا قال وآدم بين الروح والجسد هذا لفظ رواية الامام أحمد ورواه البخارى فى تاريخه وأبو نعيم فى الحلية وصححه الحاكم وأما ما اشتهر على الالسنة بلفظ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فقال الشيخ الحافظ أبو الخير السخاوى فى كتابه المقاصد الحسنة لم نقف عليه بهذا اللفظ انتهى وقال الحافظ ابن رجب فى اللطائف وبعضهم برواية متى كتبت نبيا من الكتابة قال كتبت وآدم بين الروح والجسد فتحمل هذه الرواية مع رواية العرباض بن سارية على وجوب نبوّته وثبوتها وظهورها فى الخارج فان الكتابة تستعمل فيما هو واجب قال الله تعالى كتب عليكم الصيام وكتب الله لأغلبن أنا ورسلى وعن أبى هريرة أنهم قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوّة قال وآدم بين الروح والجسد رواه الترمذى وقال حديث حسن وروى فى جزء من أمالى ابن سهل القطان عن سهل بن صالح الهمدانى قال سألت أبا جعفر محمد بن على كيف صار محمد صلى الله عليه وسلم يتقدّم الانبياء وهو آخر من بعث قال ان الله تعالى لما أخذ من بنى آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قال فان محمدا صلى الله عليه وسلم أوّل من قال بلى ولذلك صار مقدّم الانبياء وهو آخر من بعث فان قيل ان النبوّة وصف لا بدّ أن يكون الموصوف به موجودا وانما يكون
بعد بلوغ(1/20)
الاربعين سنة فكيف بوصف به قبل وجوده وارساله أجاب الغزالى فى كتاب النفخ والتسوية عن هذا وعن قوله أنا أوّل الانبياء خلقا وآخرهم بعثا بأن المراد بالخلق هنا التقدير دون الايجاد فانه قبل أن ولدته أمّه لم يكن موجودا مخلوقا ولكن الغايات والكمالات سابقة فى التقدير لاحقة فى الوجود قال وهو معنى قولهم أوّل الفكرة آخر العمل وآخر العمل أوّل الفكرة وبيانه أن المهندس المقدّر للدار أوّل ما يمثل فى نفسه صورة الدار ثم يقدّر ما يمثل فيحصل فى تقديره دارا كاملة وآخر ما يوجد من أعماله هى الدار الكاملة فالدار الكاملة هى أوّل الاشياء فى حقه تقديرا وآخرها وجودا لان ما قبلها من ضرب اللبنات وبناء الحيطان وتركيب الجذوع وسيلة الى غاية وكمال وهى الدار فالغاية هى الدار ولأجلها تقدّم الآلات والاعمال ثم قال وأما قوله كنت نبيا فاشارة الى ما ذكرناه وانه كان نبيا فى التقدير قبل تمام خلقة آدم عليه الصلاة والسلام لانه لم ينشئ خلق آدم الا لينتزع من ذرّيّته محمدا صلى الله عليه وسلم ويستصفيه تدريجا الى أن يبلغ كمال الصفا قال ولا تفهم هذه الحقيقة الا بأن يعلم أن للدار وجودين وجودا فى ذهن المهندس ودماغه وانه ينظر الى صورة الدار خارج الذهن فى الاعيان والوجود الذهنى سبب الوجود الخارجى العينى فهو سابق لا محالة وكذلك فاعلم أن الله تعالى يقدّر ثم يوجد على وفق التقدير ذكر هذا كله فى المواهب اللدنية* وعن كعب الاحبار قال لما أراد الله تعالى أن يخلق محمدا صلى الله عليه وسلم أمر جبريل فأتاه بالقبضة البيضاء التى هى موضع قبر النبىّ صلى الله عليه وسلم فعجنت بماء التسنيم ثم غمست فى انهار الجنة وطيف بها فى السموات والارض فعرفت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن تعرف آدم عليه السلام ثم عجنها بطينة آدم* عن ابن عباس عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال كنت نورا بين يدى الله قبل أن بخلق الله عز وجل آدم بألفى عام يسبح ذلك النور وتسبح الملائكة بتسبيحه فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور فى صلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهبطنى الله الى الارض فى صلب آدم وجعلنى فى صلب نوح فى السفنة وقذف بى فى النار فى صلب ابراهيم ثم لم يزل ينقلنى من الاصلاب الكريمة والارحام الطاهرة حتى أخرجنى من أبوىّ لم يلتقيا على سفاح قط* وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبىّ صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى من أنفسكم قال نسبا وصهرا وحسبا ليس فى آبائى من لدن آدم سفاح كلها نكاح قال ابن الكلبى كتبت للنبىّ صلى الله عليه وسلم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنّ سفاحا ولا شيئا مما كان عليه الجاهلية ذكر هذه الثلاثة فى الشفاء وفى الصفوة عن واثلة بن الاسقع أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال ان الله عز وجل اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل واصطفى من بنى اسماعيل كتانة واصطفى من كتانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم انفرد باخراجه مسلم*
(حديث صور الانبياء)
* عن هشام بن العاصى قال بعثنى أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه ورجلا من قريش الى هرقل صاحب الروم ندعوه الى الاسلام فلما وصلنا اليه أمر لنا بمنزل حسن ونزلنا فأقمنا ثلاثا فأرسل الينا فدخلنا عليه فدعا بشئ كالربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتا فاستخرج حريرة سوداء فنشرها فاذا فيها صورة حمراء واذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه واذا ليس له لحية واذا له ظفيرتان أحسن ما خلق الله تعالى فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا آدم عليه الصلاة والسلام واذا هو أكثر الناس شعرا ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها صورة بيضاء واذا رجل له شعر قطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا نوح عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلب الجبين طويل الخدّ شارع الانف أبيض اللحية كأنه يتبسم قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا ابراهيم(1/21)
عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاذا فيه صورة بيضاء واذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفون هذا قلنا نعم انه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكينا قال والله يعلم انه هو ثم قام قائما ثم جلس وقال الله بدينكم انه لهو قلنا نعم انه هو كما ننظر اليه فأمسك ساعة ينظر الينا ثم قال أما انه كان آخر الصور هو ولكن عجلته لكم لا نظر ما عندكم ثم عاد ففتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فاذا فيها صورة أدماء سحماء فاذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الاسنان مقلص الشفتين كأنه غضبان قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام والى جانبه صورة تشبهه الا أنه مدهان الرأس عريض الجبين فى عينيه قبل قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا هارون بن عمران عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فاذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا لوط عليه السلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أبيض مشرب بحمرة أخفى خفيف العارضين حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسحاق عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة تشبه صورة اسحاق الا أن على شفته السفلى خالا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا يعقوب عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الانف حسن القامة يعلو وجهه النور يعرف فى وجهه الخشوع يضرب الى الحمرة فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا اسماعيل جدّ نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة كأنها صورة آدم كأن وجهه الشمس قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا يوسف عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل أحمر أحمس الساقين أخفس العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفا قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا داود عليه الصلاة والسلام ثم طواها فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب على فرس فقال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا سليمان بن داود عليه الصلاة والسلام ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء واذا رجل شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه قال هل تعرفون هذا قلنا لا قال هذا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام قلنا من أين لك هذه الصور فانا نعلم أنها على ما صوّرت عليها الانبياء لانا رأينا صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثله فقال ان آدم سأل ربه عز وجل أن يريه الانبياء من ولده فأنزل الله صورهم وكانت فى خزانة آدم عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعت الى دانيال فى خرقة من حرير فهذه بأعيانها الصور التى صوّرها دانيال ثم قال والله ان نفسى طابت وفى غير هذه الرواية لوددت الخروج عن ملكى وأن أكون عبد السرير ملكه حتى أموت ثم أجازنا وسرّحنا فلما قدمنا على أبى بكر رضى الله عنه حدّثناه بما رأيناه وبما قال لنا وبما أخبرنا فبكى أبو بكر رضى الله عنه وقال مسكين لو أراد الله به خيرا لفعل قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انهم واليهود يجدون نعت النبىّ صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والانجيل روى هذا الحديث أبو بكر القفال الشاشى عن الحسن صاحب الشافى عن ابراهيم بن الهيثم كذا فى المتقى* وعن كعب الاحبار أنه لما أدرك ابراهيم الوفاة جمع أولاده وهم يومئذ ستة ودعا بتابوت ففتحه وقال أيها الاولاد انظروا الى هذا التابوت فنظروا الى ذلك التابوت فرأوا بيوتا بعدد الانبياء كلهم وآخر بيوت الانبياء بيت محمد صلى الله عليه وسلم من ياقوتة حمراء فاذا هو قائم يصلى وعن يمينه الكهل المطيع أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه مكتوب على جبينه هذا أوّل(1/22)
من يتبعه من أمّته وعن يساره الفاروق عمر بن الخطاب مكتوب على جبينه قرن من حديد أمين شديد لا تأخذه فى الله لومة لائم ومن ورائه ذو النورين عثمان بن عفان آخذ بحجزته مكتوب على جبينه ثالث الخلفاء ومن بين يديه علىّ بن أبى طالب شاهر سيفه على عاتقه مكتوب على جبينه هذا أخوه وابن عمه المؤيد بنصر الله* وفى المنتقى مكتوب على جبينه ليث كرّار غير فرّار يحب الله ورسوله وحوله عمومته والخلفاء والنقباء والكتيبة الخضراء التى أحدقت بها سلسلة وهم أنصار الله وأنصار رسوله يسطع نور من حوا فردوا بهم يوم القيامة مثل نور الشمس فى دار الدنيا رضى الله عنهم أجمعين* وفى فردوس الاخبار عن ابن مسعود رضى الله عنه يقول سمعت النبىّ صلى الله عليه وسلم يقول أنا مدينة العلم وأبو بكر أساسها وعمر حيطانها وعثمان سقفها وعلى بابها لا تقولوا فى أبى بكر وعمر وعثمان وعلىّ الاخيرا ذكره فى فصل الخطاب* وفى بحر العلوم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنى جبريل فقال يا محمد لما خلق الله آدم وأدخل الروح فى صدره أمرنى أن أخرج تفاحة من جنة عدن فأخرجتها وعصرتها فى حلق آدم فنقط خمس نقط فالنقطة الاولى خلقك منها والثانية أبا بكر والثالثة عمر والرابعة عثمان والخامسة عليا وهو قوله تعالى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا فالبشر أنت والنسب والصهر أبو بكر وعمر وعثمان وعلى* وفى الرياض النضرة عن علىّ رضى الله عنه قال قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك مثل من عيسى عليه السلام بغضته اليهود حتى بهتوا أمّه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التى ليس بها ثم قال يهلك فىّ رجلان محب مفرط بما ليس فىّ ومبغض يحمله شنآنى على أن يبهتنى أخرجه أحمد فى المسند وعنه قال ليحبنى أقوام حتى يدخلول النار فى حبى ويبغضنى أقوام حتى يدخلوا النار فى بغضى أخرجه فى المناقب وفى الحديث أرحمكم بأمّتى أبو بكر وأخوفكم فى دين الله عمر وأشدّكم حياء عثمان وأقضاكم علىّ ولكل نبىّ حوارى وحوارىّ طلحة والزبير ابن عمتى وحيث دار سعد بن أبى وقاص فالحق معه وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة أمين الله وأمين رسوله ذكره فى العمدة وزاد فى الرياض النضرة وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن* وفى بحر العلوم قال صلى الله عليه وسلم أرحمكم بأمّتى أبو بكر وأقواكم فى دين الله عمر وأشدّكم حياء عثمان وأقضاكم على وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ وأقرأكم لكتاب الله أنىّ وأفرضكم زيد وأشهدكم خزيمة بن ثابت وأعلمكم بالمنافقين حذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة بن الجرّاح أمين الله وأمين رسوله ومن أراد أن ينظر الى عيسى ابن مريم فلينظر الى زيد بن أبى ذرّ ورضيت لامّتى ما رضى لها ابن أمّ عبد وان الجنة مشتاقة الى سلمان أشوق من سلمان الى الجنة وخالد سيف الله ورسوله وحمزة أسد الله وأسد رسوله وعباس بن عبد المطلب عمى وصنو أبى والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وجعفر بن أبى طالب يطير فى الجنة مع الملائكة حيث شاء وأوّل من يقرع باب الجنة بلال ابن حمامة وأوّل من يستقى من حوضى صهيب وأوّل من يصافح الملائكة فى معازة القيامة أبو الدرداء وأوّل من يأكل ثمرة الجنة أبو الدحداح وعبد الله بن عمر من وفد الرحمن وعمار بن ياسر من السابقين ولكل شئ فارس وفارس القرآن عبد الله بن عباس ولكل نبىّ خليل وخليلى سعد بن معاذ ولكل نبىّ حوارى وحوارىّ طلحة والزبير ولكل نبىّ خادم وخادمى أنس بن مالك ولكل أمّة حكيم وحكيم هذه الامّة أبو هريرة* وفى الاستيعاب وأبو هريرة وعاء للعلم وعند سلمان علم لا يدرك وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذى لهجة أصدق من أبى ذرّ انتهى وحسان بن ثابت مؤيد بروح(1/23)
القدس وصوت أبى طلحة فى الجيش خير من فئة ثم قال أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم*
(ذكر دلائل نبوّته)
* منها ما ألقى فى التوراة والانجيل مما قد جمعه العلماء وبينوه ونقله عنهم ثقات منهم عبد الله بن سلام وابنا شعبة ثعلبة وأسيد وابن أمين ومخيريق وكعب الاحبار وأشباههم ممن أسلم من علماء اليهود وبحيرا ونسطور الحكيم وصاحب بصرى وضفاطر وأسقف الشام والجارود وسلمان والنجاشى وأساقف نجران وغيرهم ممن أسلم من علماء النصارى وقد اعترف بذلك هرقل وصاحب رومة عالم النصارى ورؤساؤهم ومقوقس صاحب مصر والشيخ صاحبه وابن صوريا وابن أخطب وأخوه وكعب بن أسيد والزبير بن بابا وأبو رافع الاعور وكعب بن الاشرف ولبيد بن الاعصم وغيرهم من علماء اليهود ممن حمله الحسد والنفاسة على البقاء على الشقاء والاخبار فى هذا كثيرة لا تنحصر وما ترادفت به الاخبار عن الرهبان والاحبار وعلماء أهل الكتاب من صفته وصفة أمّته واسمه وعلاماته وذكر الخاتم الذى بين كتفيه وما وجد فى ذلك من أشعار الموحدين من المتقدّمين مثل شعر تبع والاوس بن حارثة وكعب بن لؤى وسفيان ابن مجاشع وقس بن ساعدة الايادى وما ذكر من سيف ذى يزن وغيرهم وما عرف به من أمر زيد بن عمرو ابن نفيل وورقة بن نوفل وعداس وغيلان الحميرى وشامول عالم اليهود صاحب تبع من صفته وخبره وما أنذر به الكهان مثل شافع بن كليب وشق وسطيح وسواد بن قارب وخنافر وأفعى نجران وجدل ابن حجل الكندى وابن خلصة الدوسى وسعدى بنت كرزين وفاطمة بنت النعمان ومن لا يعدّ كثرة وما ظهر على ألسنة الاصنام من نبوّته وحلول وقت رسالته وسمع من هواتف الجان ومن ذبائح النصب وأجواف الصور وما وجد من اسمه صلّى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة مكتوبا فى الحجارة والقبور بالخط القديم ما أكثره مشهور واسلام من أسلم بسبب ذلك معروف مذكور وسنذكر فى هذه الطليعة نبذا منها ان شاء الله تعالى* من البشائر ما روى عن كعب الاحبار أنه قال نجد مكتوبا يعنى فى التوراة محمد رسول الله عبد مختار لافظ ولا غليظ ولاصحاب فى الاسواق ولا يجزى بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر أمّته الحمادون يكبرون الله فى كل مجد ويحمدونه فى كل منزل رعاة للشمس يصلون الصلاة اذا جاء وقتها يأتزرون على أنصافهم ويتوضؤن على أطرافهم مناديهم ينادى فى جوّ السماء صفهم فى القتال وصفهم فى الصلاة سواء لهم دوىّ فى الليل كدوىّ النحل مولده بمكة ومهاجره بطابة وملكه بالشام كذا فى المصابيح وقد ورد الثناء على أمّة محمد صلّى الله عليه وسلم فى الكتب السابقة نحو ما فى الانجيل أمّة محمد حلماء رحماء علماء كأنهم فى الفقه أنبياء الى غير ذلك كذا فى شرح التعرّف وعن عبد الله بن سلام أنه كان يقول انا لنجد صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعنى فى التوراة يا أيها النبىّ انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأمّيين أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل لست بفظ ولا غليظ ولاصحاب فى الاسواق ولا تدفع السيئة بالسيئة ولكن تعفو وتغفر ولن أقبضك حتى أقيم بك الملة لعوجاء بأن يقولوا لا اله الا الله وأفتح بك أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا كذا فى شواهد النبوّة* ومن البشائر ما روى عن عبد الله بن سلام أنه قال ان فى الجزء الآخر الذى تتم به التوراة آية من جملتها بالعربية هكذا جاء الله* وفى المواهب اللدنية تجلى الله من طور سيناء وأشرف من ساعير واستعلن من جبال فاران وهو اسم عبرانى وليست ألفه الاولى همزة وهى جبال بنى هاشم التى كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتحنث فى أحدها وفيه فاتحة الوحى وهى ثلاث أجبل أحدها أبو قبيس والثانى قعيقعان والثالث حراء وهو شرقى فاران ومنفتحه الذى يلى قعيقعان الى بطن الوادى هو شعب بنى هاشم وفيه مولده صلّى الله عليه وسلم فى أحد الاقوال قال ابن قتيبة وليس فى هذا غموض(1/24)
لانه أراد مجىء كتابه ونوره كما قال الله عز وجل فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أى أتاهم أمره والمعنى بذلك انزال التوراة على موسى بطور سيناء وسائر أرض الخليل من الشأم وكان عيسى يسكنها بقرية يقال لها ناصرة وبها سمى من تبعه نصارى* وفى أنوار التنزيل نصارى جمع نصرانى والياء فى نصرانى للمبالغة كما فى أحمرى سموا بذلك لانهم كانوا معه فى قرية يقال لها نصران أو ناصرة فسموا باسمها انتهى والمراد انزاله الانجيل على عيسى وهو كناية عن ظهور أمر الانجيل وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف فى أن فاران هى مكة والمراد انزاله القرآن على محمد صلّى الله عليه وسلم وظهور أمره وشريعته والله أعلم* ومن البشائر ما قاله يعقوب عليه السلام جاء الله عز وجل بالبيان من فاران وامتلأت السموات من تسبيح أحمد وأمّته يحمل حبه فى البحر كما يحمله فى البرّ يأتينا بكتاب جديد يعرف بعد خراب بيت المقدس كذا فى شواهد النبوّة* ومن كلام شعياء رأيت راكبين أضاءت لهما الارض أحدهما على حمار والآخر على حمل راكب الحمار عيسى وراكب الجمل نبينا صلّى الله عليه وسلم وأيضا فى كلامه يا قوم انى رأيت صورة مثل صورة القمر* وفى وصايا موسى عليه الصلاة والسلام لبنى اسرائيل سيأتيكم نبىّ من بنى اخوتكم أى أعمامكم فله صدّقوا ومنه فاسمعوا* ومن البشائر أن فى الجزء الثانى من السفر الخامس من التوراة السبعينية التى اتفق سبعون من أحبار اليهود على صحتها أنه يخاطب الله بها موسى وترجمتها بالعربية بهذه العبارة انى أقيم لهم نبيا من بنى اخوتهم مثلك وأجرى قولى فيه ويقول لهم ما آمره والرجل الذى لا يقبل قول النبىّ صلّى الله عليه وسلم الذى يتكلم باسمى فانى أنتقم منه فيفهم منه أنه يكون ذلك النبىّ من غير بنى اسرائيل من بنى اخوتهم أى أعمامهم. وأن يكون مثل موسى صاحب عز وشريعة وشوكة وما هو الانبينا صلّى الله عليه وسلم فان عيسى لم يكن صاحب شريعة وشوكة لما جاء فى الانجيل حكاية عن عيسى انى ما جئت لتبديل شرع موسى بل لتكميله كذا فى شواهد النبوّة* لكن فى أنوار التنزيل ما يدل على أن شرع عيسى ناسخ لشرع موسى حيث قال فى تفسير قوله تعالى ولأحل لكم بعض الذى حرّم عليكم فى شريعة موسى كالشحوم والسمك وكل ذى ظفر ولحوم الابل والعمل فى السبت وهو يدل على أن شرعه ناسخ لشرع موسى ولا يخل ذلك بكونه مصدّقا للتوراة كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتنافر وتكاذب فان النسخ فى الحقيقة بيان تخصيص فى الازمان* وفى الانسان الكامل ان عيسى نسخ دين موسى لانه أتى بما لم يأت به موسى وذلك أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى فى تسعة ألواح وأمره أن يبلغ سبعة منها ويترك لوحين لان العقول لا تكاد تقبل ما فى ذينك اللوحين فلو أنذر بهما موسى لا نتقض ما يطلبه وكان لا يؤمن به رجل واحد فهما مخصوصان بموسى عليه الصلاة والسلام من دون غيره من أهل ذلك الزمان* وكانت الالواح التى أمر بتبليغها فيها علوم الاوّلين والآخرين الاعلم محمد صلّى الله عليه وسلم وورثته وعلم ابراهيم وعلم عيسى عليهما الصلاة والسلام فانه لم تتضمنه التوراة خصوصية لمحمد صلّى الله عليه وسلم وكانت الالواح السبعة التى أمر بتليغها من حجر المزمر بخلاف اللوحين فانهما كانا من نور ولكون الالواح السبعة من الحجارة قست قلوبهم فلو أمر موسى بابلاغ اللوحين المختصين به لما كان مبعث عيسى من بعده لان عيسى بلغ سرّ ذينك اللوحين المرقومين فنسخ دين موسى لأنه أتى بما لم يأت به موسى لكنه لما أظهر حكم ذلك ضل قومه من بعد وتعبدوه وقالوا انه ثالث ثلاثة وهو الاب والامّ والابن وسموا ذلك بالاقانيم الثلاثة فافترق قومه على ثلاث فرق الملكائية أصحاب ملكا الذين ظهروا فى الروم واستولوا عليها والنسطورية أصحاب نسطور الحكيم الذين ظهروا فى زمن المأمون وتصرّف فى الانجيل بحكم رأيه واليعقوبية أصحاب يعقوب* ومما ترجموا من الانجيل أن عيسى قال اذا جاء الفار قليط فهو يشهد لى(1/25)
وأنتم تشهدون لى أيضا لكينونتكم معى من أوّل أمرى قوله الفار قليط معناه الحكم السرّ يعرف السرّ والمراد به رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقوله يشهد لى صريح بنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلم اذ لم يشهد للمسيح عليه السلام بالنبوّة والنزاهة عما افترى عليه وبأنه روح الله وكلمته وصفيه ورسوله كتاب سوى القرآن ولم تزل الامم تكذب المتبعين للمسيح واليهود يفترون فى أمره العظائم من البهتان حتى بعث محمد صلّى الله عليه وسلم فشهد للمسيح عليه الصلاة والسلام بمثل ما شهد به حواريه الذين كانوا معه من أوّل أمره والمهتدون من أمّته وقال يوحنا أحد الحواريين وهو أحب الخلق الى عيسى أخبرنى المسيح بدين محمد العربى وبشرنى أنه يكون بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به* وفى التوراة والانجيل دلائل كثيرة غير ما ذكرنا كذا فى شواهد النبوّة والمنتقى* ومما ترجم أهل الكتاب من أمر داود عليه الصلاة والسلام اللهم ابعث جاعل السنة يجىء يعلم الناس أنه بشر ففهم من هذا أن الله أطلع داود على ما سيقوله النصارى فى المسيح عليه الصلاة والسلام اذا أرسله من انه اله معبود فدعا الله سبحانه بأن يبعث محمدا صلّى الله عليه وسلم فيعلمهم أنه بشر ومما قاله داود اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة* وفى مزمور من مزامير داود عليه الصلاة والسلام ان الله أظهر من صهيون اكليلا محمودا* صهيون اسم مكة والاكليل ضرب المثل للرياسة والامامة ومحمود هو صلّى الله عليه وسلم ومما ترجموا فى كتاب شعياء عليه الصلاة والسلام عبدى الذى سرّت به نفسى أنزل عليه وحيى فيظهر فى الامم عدله يوصيهم بالوصايا لا يضحك ولا يسمع صوته فى الاصوات يفتح العيون العور والآذان الصم ويحيى القلوب الغلف وما أعطيه لا أعطى أحدا مشقح يحمد الله حمدا مديدا يأتى من أقصى الارض به تفرح البرية وسكانها يهللون الله على كل شرف ويكبرونه على كل راية لا يضعف ولا يغلب ولا يميل للهوى ولا يذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة بل يقوّى الصدّيقين وهو ركن المتواضعين وهو نور الله الذى لا يطفأ سلطانه على كتفه هذه ترجمة السريانية وترجمة العبرانية على كتفه علامة النبوّة فهذا كله صريح فى البشارة بمحمد صلّى الله عليه وسلم مع ما فيه من ذكر دولة العرب بقوله تفرح البرية وسكانها وأما قوله مشقح فهو محمد صلّى الله عليه وسلم لان الشقح بلغتهم الحمد* ومن بشائر الكتب أنه جاء فى صحف آدم وابراهيم وغيرهما من الانبياء صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصفة أمّته* ومن بشائر الانبياء ما روى عن عبد الرحمن بن زيد قال قال آدم عليه الصلاة والسلام انى لسيد البشر يوم القيامة الا رجلا من ذرّيتى من الانبياء يقال له أحمد فضل علىّ باثنتين زوجته عاونته وكانت له عونا وكانت زوجتى عونا علىّ وان الله أعانه على شيطانه فأسلم وكفر شيطانى* وفى الشفاء حكى أبو محمد المكى وأبو الليث السمرقندى وغيرهما أن آدم عليه السلام عند معصيته قال اللهم بحق محمد اغفرلى خطيئتى ويروى وتقبل توبتى فقال له من أين عرفت محمدا صلّى الله عليه وسلم قال رأيت فى الجنة مكتوبا لا اله الا الله محمد رسول الله ويروى عبدى ورسولى فعلمت أنه أكرم خلقك عليك فتاب الله عليه وفى رواية أخرى فقال آدم لما خلقتنى رفعت رأسى الى عرشك فاذا فيه مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله* صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدرا عندك ممن جعلت اسمه مع اسمك فأوحى الله عز وجل اليه وعزتى وجلالى انه لآخر الانبياء من ذرّيتك ولولاه ما خلقتك قال وكان آدم يكنى بأبى محمد وقيل بأبى البشر فحص الله سبحانه وتعالى نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلم بهذا الشرف وأخبر به وببعثته على ألسنة الرسل قبل وجوده بدهر طويل وألزم بذلك الحجة على عباده وقوّى بصائر من آمن به فلله الحمد على ذلك وقيل فى المعنى شعر
بشرى لنا معشر الاسلام ان لنا ... من العناية ركنا غير منهدم(1/26)
لما دعا الله داعينا لطاعته ... بأكرم الرسل كنا أكرم الامم
ومن البشائر ما روى عن أبىّ بن كعب لما قدم تبع المدينة ونزل بقباء بعث الى أحبار اليهود فقال انى مخرب هذا البلد حتى لا يقوم به يهودية ويرجع الامر الى دين العرب فقال شامول اليهودى وهو يومئذ أعلمهم أيها الملك ان هذا البلد يكون اليه مهاجر نبىّ من ولد اسماعيل مولده مكة واسمه أحمد وهذه دار هجرته ان منزلك الذى أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كثير فى أصحابه قال تبع فمن يقاتله وهو نبىّ كما تزعمون قال يسير اليه قوم فيقتلون هنا قال فأين يكون قبره قال بهذا البلد قال فان قوتل فلمن تكون الدائرة قال تكون عليه مرّة وله مرّة وبهذا المكان الذى أنت به غلبته فيقتل به أصحابه مقتلة ثم يقتلون فى مواطن ثم تكون العاقبة له فيظهر فلا ينازعه فى هذا الامر أحد قال وما صفته قال رجل ليس بالقصير ولا بالطويل فى عينيه حمرة يركب البعير ويلبس الشملة سيفه على عاتقه لا يبالى من لاقى له أخ وابن عم أو عم حتى يظهر أمره قال تبع فمالى بهذا البلد من سبيل وما كان ليكون خرابه على يدىّ فخرج تبع الاوّل بن عمرو ذى الاذعار بن ابرهة ذى المنار بن الرايش* قال ابن اسحاق الرايش بن عدىّ بن صيفى بن سبأ الاصغر بن كعب بن زيد الجمهور بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع ابن العرفج حمير بن سبأ الاكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان* قال ابن هشام يشجب بن يعرب ابن قحطان* قال ابن اسحاق وتبان أسعد أبو كرب الذى قدم المدينة وساق الحبرين من اليهود الى اليمن وعمر البيت الحرام وكساه وكان ملكه قبل ملك ربيعة بن مضر* وفى الوفاء لما قدم المدينة تبع وأراد خرابها جاءه حبران من بنى قريظة يقال لهما سحبت ومنبه فقالا أيها الملك انصرف عن هذه البلدة فانها محفوظة وانها مهاجر نبىّ من بنى اسماعيل اسمه أحمد يخرج فى آخر الزمان فأعجب مما سمع منهما وصدّقهما وكف عن أهل المدينة وستجىء القصة بتمامها* وفى أنوار التنزيل وهو الذى سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند وقيل هدمها وقيل لملوك اليمن التبابعة لانهم يتبعون كما قيل لهم الاقيال لانهم يتقيلون وفى الحديث ما أدرى كان تبع نبيا أو غير نبىّ* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وكان تبع قد جعل طريقه حين أقبل من المشرق على المدينة وكان قد مرّ بها فى بدائه فلم يهج أهلها فخلف بين أظهرهم ابناله فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع لاخرابها واستئصال أهلها وقطع نخلها فجمع له هذا الحىّ من الانصار ورئيسهم عمرو بن طلحة أخو بنى النجار وطلحة أمّه وهى بنت عامر بن رزيق قال ابن اسحاق وقد كان رجل من بنى عدىّ بن النجار يقال له أحمر عدا على رجل من أصحاب تبع حين نزل بهم فقتله وذلك أنه وجده فى عذق له بحدّة فضربه بمنجله فقتله وقال انما التمر لمن أبره فزاد ذلك تبعا حنقا عليهم فاقتتلوا فزعم الانصار أنهم كانوا يقاتلونهم بالنهار ويقرونهم بالليل فيعجبه ذلك منهم فيقول والله ان نفرا فعلوا ذلك لكرام فبينما تبع على ذلك من حربهم اذ جاء حبران من أحبار اليهود من بنى قريظة والنضير والنخام وعمرو وهذيل بنو الخزرج بن الصريح بن التومان ابن الصيت بن اليسع بن الحبر بن النخام بن سحوم بن عاز بن عزرى بن هارون بن عمران بن يصهر ابن فاهت بن لاوى بن يعقوب وهو اسرائيل بن اسحاق بن ابراهيم خليل الرحمن عالمان راسخان حين سمعا بما يريد من اهلاك المدينة وأهلها فقالا له أيها الملك لا تفعل فانك ان أبيت الا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما ولم ذلك فقالا مهاجر نبىّ يخرج من هذا الحرم من قريش فى آخر الزمان تكون داره وقراره فانتهى تبع ورأى أن لهما علما وفهما وأعجبه ما سمع منهما فانصرف من المدينة واتبعهما على دينهما* قال ابن اسحاق وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها(1/27)
فتوجه الى مكة وهى طريقة الى اليمن حتى اذا كان بين عسفان وأمج أتاه نفر من هذيل بن مدركة ابن الياس بن مضر بن نزار بن معدّ فقالوا أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة قال بلى قالوا بيت مكة يعبده أهلها ويصلون عنده وانما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده فلما أجمع لما قالوا أرسل الى الجبرين وسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم الاهلاكك وهلاك جندك ما نعلم بيتا لله اتخذه لنفسه فى الارض غيره ولئن فعلت ما دعوك اليه لتهلكنّ وليهلكنّ من معك جميعا قال فماذا تأمر اننى أن أصنع به اذا أنا قدمت عليه قال تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتتذلل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك قالا أما والله انه لبيت أبينا ابراهيم وانه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالاوثان التى نصبوها حوله وبالدماء التى يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك فعرف نصحهما وصدّق حديثهما فقرّب النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل ورأى فى المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أراد أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم رأى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل* وكان تبع فيما يزعمون أوّل من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره وأن لا يقرّبوه دما ولاميتة ولا ميلغا وهى الحائض وجعل له بابا ومفتاحا ثم خرج متوجها الى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى اذا دخل اليمن دعا قومه الى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى تحاكموا الى النار التى كانت باليمن قال ابن اسحاق فيما يرفعه الى طلحة بن عبيد الله أنه يحدّث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم الى دينه وقال انه خير من دينكم قالوا فحاكمنا الى النار قال نعم قال وكانت باليمن فيما يزعم أهلها نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضرّ المظلوم فخرج قومه بأوثانهم وما يتقرّبون به فى دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما متقلدين بهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذى تخرج منه فخرجت اليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها فردّهم من حضرهم من الناس وأمروا بالصبر لها حتى غشيتهم فأكلت الاوثان وما قرّبوها معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما النار فصفقت عند ذلك حمير عن دينها فمن هنالك كان أصل اليهودية باليمن قال ابن اسحاق وقد حدّثنى محدّث أن الحبرين ومن خرج من حمير انما تبعوا النار ليردّوها قالوا ومن ردّها فهو أولى بالحق فدنا منها رجال حمير بأوثانهم ليردّوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردّها ودنامنها الحبران بعد ذلك بمصاحفهما وجعلا يتلوان التوراة وتنكص حتى ردّاها الى مخرجها الذى خرجت منه فصفقت عند ذلك حمير عن دينها والله أعلم أىّ ذلك كان* قال ابن اسحاق وكان فى رئام بيت لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه اذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتسع انما هو شيطان يفتنهم فحل بيننا وبينه قال فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود وذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم فيما ذكر لى بها آثار الدماء التى كانت تهراق عنده*
ذكر خبر أبي عامر الراهب
ومن أخبار الجنّ ما روى أن أبا عامر الراهب كان وصافا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل ظهور أمره وكان قد رغب عن الشرك وطلب الحنيفية دين ابراهيم وسافر الى جهات شتى فسال أهل الكتاب عن الحنيفية فأخبره علماؤها بمبعث محمد صلّى الله عليه وسلم بملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام ونعتوه له فقال أبو عامر انه ذكر لى كاهن باليمن أنه يذكر الامور المتوقعة الحدوث فتوجهت(1/28)
اليه منفردا وسريت فى ليلة قراء فغشينى النوم فما أفقت الا وراحلتى تعسف بى مجهلا حزنا منكرا فراعنى ذلك وأوجست خوفا وتلغت فاذا نيران كالنجوم فنحوتها عسعا وخبطا حتى دنوت منها فاذا هى متقاربة قد حف بها مصطلون لا يشبهون البشر لهم لغط ولم أربيوتا ولا نعما فقفّ شعرى وقامت راحلتى فتغاجت ورجزت فالقيت نفسى عنها وانعطفت تلك الاشخاص زرافات نحوى فصرخت بأندى صوتى أنا عائذ بزعيم هذه الزرافات فأتانى أربعة منهم فحيونى وجلسوا الىّ فاذا صور مشوّهة ومناظر فظيعة فقال لى أحدهم ممن الانسى فقلت رجل من غسان من بنى قيلة قال أين نويت قلت ألست فى ذمّة جوار قال بلى فلا بأس عليك فأخبرتهم خبرى من فصه ثم قلت انا معشر الانس انما نعتمد الكهان لما يأخذونه عنكم من العلم فأخبرونى بطلبتى فأشار ثلاثة منهم الى الرابع وقالوا على الخبير سقطت فحصصته بالمسئلة فقال أبو من أنت فقلت أبو عامر فقال نعم يا أبا عامر ونعامة عين فدونك علما ليس بالمين يا أبا عامر أقسم بنا عش القفر الغامر بالقطر الهامر لتعملن العناسر الضوامر الى أكرم آمر وأنضح ذامر ولينزلن من السماء كلام آمر يحش العكص المغامر ويفحم عن السمر السامر يا أبا عامر ان الله قد أسفه هياع دغامر ومياع غوامر وكأن قد ندب هاصر أكاسر وقياصر وزافى غوايات أعاصر قال أبو عامر فقلت أملك هذا المندوب قال كلا بل نبى شراف كرام واف موطأ الاكناف من بنى هاشم بن عبد مناف فقال أبو عامر أراك تنسبه فهل تصفه لى قال أجل انه لأزهر وضاح ليس بالطويل الملواح ولا بالقصير الدحداح اذا نظررنا أولاح واذا أوذى أعرض وأشاح فى عينيه نجلة ولامره وشكلة غير ممغره وبين كتفيه امره وهو أمى لا يزبر السطره يأتى بالحنيفية الميسرة فيسعد من قاف أثره سمع أذنى من المجتحة السفره قال أبو عامر ثم نهض وامتتبع الثلاثة فتبعوه فلزمت مكانى سائر ليلتى فلما أصبحت عدت لطيتى* وأبو عامر هذا لم ينفعه الله تعالى بما علم من صفة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان يرتقب بعثة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما بعث حسده فخذل الناس عنه ولم يؤمن به وهو الذى بنى مسجد الضرار وهو المشار اليه بقوله تعالى وارصادا لمن حارب الله ورسوله وكان أوّل من أنشب الحرب يوم أحد ودعا النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يميته الله طريدا وحيدا فاستجاب الله دعاءه فعاود عبادة الاصنام وأقام بمكة الى يوم الفتح ثم فرّ يوم الفتح ولحق بأرض الروم فتنصر ومات بها طريدا وحيدا فنعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع (ومن أخبار الكهنة) ما روى أن مرثد بن عبد كلال كان ملكا عظيما رأى فى منامه رؤيا أحافنه فى حال منامه فلما استيقظ أنسيها حتى ما تذكر منها شيئا وبقى ارتعاده فى قلبه واستقرّ خوفه فى نفسه فانقلب سروره حزنا فجمع الكهان واستخبرهم فما أخبره أحد برؤياه ولا بتأويلها الى أن خرج يوما الى الصيد فأوغل فى طلبه وانفرد عن أصحابه فرفعت له أبيات فى ذرى جبل وقد لفحه الهجير فعدل الى الابيات وقصد بيتا منها كان منفردا عنها فبرزت اليه منه عجوز فقالت له انزل بالرحب والسعة والامن والدعة والجفنة المدعدعة والعلبة المترعة فنزل عن جواده ودخل البيت فلما احتجب عن الشمس وخفقت عليه الارواح نام فلم يستيقظ حتى تصرّم الهجير فجلس يمسح عينيه فاذا بين يديه فتاة لم ير مثلها فى الجمال فقالت له أيها الملك الهمام هل لك فى الطعام فاشتدّ اشفاقه وخاف على نفسه لما رأى أنها قد عرفته فتصامم عن كلمتها فقالت له لا حذر فداك البشر فجدّك الاكبر وحظنا بك الاوفر ثم قرّبت اليه ثريدا وقديدا وحيسا وقامت تذب عنه حتى انتهى أكله ثم سقته لنا صريغا وضريبا فشرب ما شاء وجعل يتأمّلها مقبلة ومدبرة فلأت عينه جمالا وقلبه هوى فقال لها ما اسمك يا جارية قالت له اسمى عفيرا قال لها يا عفيراء من الذى دعوتيه الملك الهمام قالت مرثد عظيم الشان حاشر السكواهن والكهان لمعضلة بعل بها الجان قال الملك يا عفيرا أتعرفين ما تلك المعضلة قالت أجل(1/29)
أيها الملك الهمام انها رؤيا منام ليست بأضغاث أحلام قال أصبت يا عفيرا فما تلك الرؤيا قالت رأيت أعاصير زوابع بعضها لبعض تابع فيها لهب لامع ولها دخان ساطع يقفوها نهر متدافع وسمعت فيما أنت سامع دعاء ذى جرس صادع هلموا الى المشارع روى جارع وعذق كارع قال الملك أجل هذه رؤياى فما تأويلها يا عفيرا قالت الاعاصير الزوابع ملوك تتابع والنهر علم واسع والداعى نبىّ شافع والجارع ولىّ تابع والكارع عدوّله منازع قال الملك يا عفيرا أسلم هذا النبىّ أم حرب قالت أقسم برافع السماء ومنزل الماء من الغماء انه لمبطل الدماء ومنطق العقائل نطق الاماء قال الملك الى ماذا يدعو يا عفيرا قالت الى صلاة وصيام وصلة أرحام وكسر أصنام وتعطيل أزلام واجتناب آثام قال الملك يا عفيراء من قومه قالت مضر بن نزار ولهم منه نقع مثار يجلى عن ذبح وأسار قال يا عفيراء اذا ذبح قومه فمن أعضاده قالت أعضاده غطاريف يمانيون طائرهم به ميمون يغزوبهم فيغزون ويدمث بهم الحزون والى نصره يعزون* (ومن أخبار الكهنة) ما روى أن لهيبا بن مالك اللهبى قال حضرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت الكهانة فقلت يا رسول الله نحن أوّل من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين ومنعهم من استراق السمع عند قذف النجوم وذلك أنا اجتمعنا الى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك وكان شيخا كبيرا قد أتى عليه من العمر مائة وثمانون سنة وكان من أعلم كهاننا فقلنا له يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التى يرمى بها فانا قد فزعنا لها وهالنا أمرها وخفنا سوء عاقبتها فقال ائتونى بسحر أخبركم الخبر بخير أم ضرر وأمن أم حذر قال لهيب فانصرفنا عنه يومنا ثم أتيناه من الغد فى وجه السحر فاذا هو قائم على قدميه شاخص الى السماء بعينيه فناديناه يا خطر فأومأ الينا أن اسكتوا فأمسكنا وانقض نجم عظيم من السماء فصرخ الكاهن قائلا أصابه اصابه خامره عقابه عاجله عذابه أحرقه شهابه زايله جوابه يا ويله ما حاله بلبله بلباله عاوده خباله تقطعت حباله وغيرت أحواله ثم أمسك طويلا ثم قال يا معشر بنى قحطان أخبركم بالحق والبيان أقسمت بالكعبة والاركان والبلد المؤتمن السكان قد منع السمع عتاة الجان بثاقب يكف ذى سلطان من أجل مبعوث عظيم الشان يبعث بالتنزيل والقرآن وبالهدى وفاصل الفرقان تبطل به عبادة الاوثان قال لهيب فقلنا له يا خطر انك لتذكر أمرا عجيبا فماذا ترى لقومك قال* أرى لقومى ما أرى لنفسى* أن يتبعوا خير نبىّ الانس* برهانه مثل شعاع الشمس* يبعث من مكة دار الحمس* بمحكم التنزيل غير اللبس* فقلنا له يا خطر وممن هو فقال والحياة والعيش انه لمن قريش ما فى حلمه طيش ولا فى خلقه هيش يكون فى جيش وأىّ جيش من آل قحطان وآل ايش فقلت له بين لنا من أىّ قريش هو قال والبيت ذى الدعائم والركن والاحائم انه لمن نجل هاشم من معشر أكارم يبعث بالملاحم وقتل كل ظالم ثم قال هذا هو البيان أخبرنى به رئيس الجان ثم قال الله أكبر جاء الحق وظهر وانقطع عن الجنّ الخبر ثم سكت وأغمى عليه فما أفاق الا بعد ثلاث وقال لا اله الا الله* فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سبحان الله لقد نطق عن مثل نبوّة وانه ليبعث يوم القيامة أمّة وحده والله تعالى أعلم
* الطليعة الثانية من المقدّمة
(الطليعة الثانية من المقدّمة فى ذكر خلق السموات والارض ومدّة خلقهما وخلق الملائكة والجان وذكر مدّة الدنيا ومدّة هذه الامّة وابتداء خلق آدم وحوّاء وأخذ الميثاق وكيفية انتقال نبينا صلّى الله عليه وسلم من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة وبالعكس وبيان نسبه من الطرفين وذكر الشام والارض المقدّسة وكيفية ظهور زمزم أوّلا فى زمن ابراهيم واسماعيل وانطماسها بعدهما وبقائها منطمسة الى زمن عبد المطلب وفيها ذكر يعقوب ويوسف وذكر قتل شعيا وتخريب بخت نصر بيت المقدس وقصة قتل زكريا ويحيى وذكر ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب ثانيا) *(1/30)
*
(ذكر خلق السماء والارض)
* روى عن الحسن خلق الله الارض فى موضع بيت المقدس كهيئة النهر عليها دخان أى جوهر ظلمانى ملتزق بها ثم أصعد منها الدخان وخلق منه السموات وأمسك النهر فى موضعه وبسط منه الارض* وفى المدارك وغيره بسط الارض من تحت الكعبة فذلك قوله تعالى كانتا رتقا وهو الالتزاق فخلق جرم الارض مقدّم على خلق السماء وأما دحوها وبسطها فتأخر لقوله تعالى والارض بعد ذلك دحاها كذا فى الكشاف وأنوار التنزيل وغيرهما* وفى عرائس الثعلبى قالت العلماء ثم لما أراد الله عز وجل أن يخلق السموات خلق جوهرة مثل السموات السبع والارضين السبع ثم نظر اليها نظر هيبة فصارت ماء ثم نظر الى الماء فعلا وارتفع له زبد ودخان فخلق من الزبد الارض ومن الدخان السماء لقوله تعالى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ ثم فتقها بعد ما كانت طبقة واحدة وصيرها سبعا وذلك قوله تعالى أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانتا رتقا ففتقناهما قال الربيع بن أنس سماء الدنيا موج مكفوف والثانية من صخرة والثالثة من حديد والرابعة من نحاس والخامسة من فضة والسادسة من ذهب والسابعة من ياقوت* (ذكر مدّة خلقهما) * عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال ان الله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وقال ابن عباس تلك الايام الستة مقدار ستة آلاف سنة انتهى قال الله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ من الاحد الى الجمعة وتفصيل ذلك فى سورة حم السجدة خلق الارض فى يومين الآيات وفى الحديث ان الله خلق الارض يوم الاحد والاثنين وخلق الجبال وفى رواية الحديد يوم الثلاثاء وخلق يوم الاربعاء الشجر والماء والعمران والخراب وأنواع النباتات والحيوانات وأقوات أهل الارض وأرزاقهم فتلك أربعة أيام وخلق سبع سموات فى يومين الآيات فخلق يوم الخميس السموات وخلق يوم الجمعة الشمس والقمر والنجوم والملائكة وخلق آدم آخر ساعة من يوم الجمعة آخر الخلق فى الساعات قيل هى الساعة التى تقوم فيها القيامة وخلقهما بالمهملة تعليما للاناءة ولو أراد أن يخلقهما فى لحظة لفعل كذا فى أنوار التنزيل وغيره* وفى بحر العلوم والمشارق للعلامة مسلم عن أبى هريرة قال أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيدى فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الاحد وخلق البحر وفى المشارق الشجر يوم الاثنين* وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الاربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة آخر الخلق فى آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر الى الليل* وفى صحيح مسلم فى آخر ساعة من النهار وفى البحر أيضا خلق الله آدم وزوّجه حوّاء يوم الجمعة وأسكنه الجنة وأهبطه منها وتوفاه وذلك كله يوم الجمعة* وفى العرائس روت الرواة أن الله تعالى ابتدأ خلق الاشياء يوم الاحد الى الخميس وخلق يوم الخميس ثلاثة أشياء السموات والملائكة والجنة الى ثلاث ساعات بقيت من يوم الجمعة فخلق فى الساعة الاولى الاوقات والآجال وفى الثانية الارزاق وفى الثالثة آدم عليه السلام وقال يحيى بن كثير خلق الله ألف أمّة فأسكن ستمائة البحر وأربعمائة البرّ كذا فى المختصر*
(ذكر خلق الملائكة والجان)
* فى أنوار التنزيل اختلف العقلاء فى حقيقة الملائكة بعد اتفاقهم على أنها ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أكثر المسلمين الى أنها أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك وقالت طائفة من النصارى هى النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للابدان وزعم الحكماء أنها جواهر مجرّدة مخالفة للنفوس الناطقة فى الحقيقة منقسمة الى قسمين قسم شأنهم الاستغراق فى معرفة الحق والتنزه عن الاشتغال بغيره كما وصفهم فى محكم تنزيله فقال يسبحون الليل والنهار(1/31)
لا يفترون وهم العلويون والملائكة المقرّبون وقسم يدبر الامر من السماء الى الارض على ما سبق به القضاء وجرى به القلم الالهى لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المدبرات أمرا فنهم سماوية ومنهم أرضية* وفى بحر العلوم روى عن ابن عباس أنه قال ان الله خلق الفلك وخلق تحته بحرا من نار لا دخان لها وخلق منها نوعين من الملائكة خلق من لهبها نوعا ومن جمرها نوعا فالذين خلقهم من لهبها سماهم الملائكة والذين خلقهم من جمرها سماهم جانا قال الله تعالى والجانّ خلقناه من قبل من نار السموم فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجان الارض فاختلف النوعان من ثلاثة أوجه أولئك سموا ملائكة وأولئك سموا جانا وأولئك كانوا من نور وهؤلاء من عينها وأولئك أسكنوا السماء وهؤلاء أسكنوا الارض وابليس كان منهم لقوله تعالى إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ* وفى المدارك عن الحافظ أن الجنّ والملائكة جنس واحد فمن طهر منهم فهو ملك ومن خبث فهو شيطان ومن كان بين ذلك فهو جنّ* وفى ربيع الابرار أن صنفا من الملائكة لهم ستة أجنحة فجناحان يلفون بهما أجسادهم وجناحان يطيرون بهما فى الامر من أمور الله وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله* وفى أصول الامام الصفار سئل رضى الله عنه أتكون الملائكة فى الآخرة فى الجنة قال نعم لانهم يبلغون السلام من الله على المؤمنين كما قال الله تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار* وسئل رضى الله عنه أن الملائكة هل يرون ربهم قال لا يرون ربهم سوى جبريل مرّة واحدة فقيل اذا كانوا موحدين لم لا يرون ربهم قال لان الرؤية فضل الله والله تعالى يؤتى الفضل من يشاء كما قال الله تعالى وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم* وسئل رضى الله عنه أن الجنّ هل يدخلون الجنة قال كفار الجنّ مع كفار الانس فى النار أبدا كما قال تعالى لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين وأما مؤمنو الجنّ قال أبو حنيفة رضى الله عنه لا يكونون فى الجنة ولا فى النار ولكن فى معلوم الله وعند صاحبيه يكونون فى الجنة ولكن لا يرون الله تعالى كما ذكرنا فى الملائكة* وفى أنوار التنزيل روى عن ابن عباس أن من الملائكة ضربا يتوالدون يقال لهم الجنّ ومنهم ابليس* وفى كتاب أبى المعين النسفى وقد جاء فى الخبر أن الشيطان اذا فرح على معصية بنى آدم يبيض بيضتين فيخرج منها الولد وهذا هو الصحيح وقد جاء فى الخبر أن فى احدى فخذيه فرجا وفى الاخرى ذكرا فيجامع نفسه فيخرج منه الولد وهذا غير صحيح والصحيح هو الاوّل* وفى أنوار التنزيل والمدارك الجان أبو الجنّ كما ان آدم أبو الانس وقيل الجان ابليس ويجوز أن يراد به جنس الجنّ خلقه من قبل خلق الانسان أو قبل خلق آدم قوله من نار السموم أى الحرّ الشديد النافذ فى المسام* قيل هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التى خلق الله منها الجان وهو لا ينافى قوله تعالى وخلق الجانّ من مارج من نار المارج النار الصافية الخالصة من الدخان قوله من نار بيان للمارج فانه فى الاصل للمضطرب من مرج اذا اضطرب ولا يمتنع خلق الحياة فى الاجرام البسيطة كما لا يمتنع خلقها فى الجواهر المجرّدة فضلا عن الاجسام المؤلفة التى الغالب فيها الجزء النارى فانها أقبل لها من المؤلفة التى الغالب فيها الجزء الارضى وقوله من نار باعتبار الغالب كقوله تعالى خلقكم من تراب* وفى المشكاة الجنّ ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون فى الهواء وصنف حيات وكلاب وصنف يحلون ويظعنون رواه فى شرح السنة* وفى بحر العلوم ان الله أسكن الجنّ الارض وركب فيهم الشهوة وكلفهم العبادة فأتى عليهم الزمار فتناسلوا وتنافسوا وتكاسلوا وتفاسدوا وتحاسدوا وتقاتلوا وتعاطوا الحرام وارتكبوا الآثام فبعث الله اليهم رسولا فعصوه فدعاهم فأبوا وكان فيهم عابد زاهد ففارقهم وصعد جبلا واتخذ صومعة وجعل يعبد الله تعالى ويقول لا طاقة لى بعذاب الله ولا قوّة لى(1/32)
على عقاب الله وكان اسمه يومئذ عزازيل لعزه بالطاعة فعبد الله زمانا وبالغ حتى أعجب ذلك ملائكة السماء الدنيا فسألوا الله أن يرفعه اليهم ليفرحوا برؤيته فقرح المطيعين بالمطيعين وانس المحبين بالمحبين وقالوا طاعات جميع الارض لوقو بلت بطاعة واحد من أهل السماء الدنيا لرجح عمل ذلك الواحد على عمل هؤلاء وطاعات أهل السماء الدنيا وأهل الارض لوقو بلت بطاعة واحد من ملائكة السماء الثانية لرجح ذلك على عمل هؤلاء وكذلك كل سماء على هذا الاعتبار الى العرش ثم هم يسرّون بعمل أهل الارض ويتقرّبون اليهم فرفعه الله الى السماء الدنيا فاجتهد فيهم وزاد فى الجهد فنظر اليه أهل السماء الثانية فأعجبهم فسألوا ما سأل أهل سماء الدنيا ثم كذلك الى أن رفعه الله الى العرش واختلط بحملة العرش والطائفين حوله واجتهد حتى أكرم بخزانة العرش ودفع اليه مفتاحها فكان يطوف حول السموات ومعه مفتاح الجنة وكانوا يتقرّبون اليه ويتنادون فيما بينهم يا خازن الجنة ومقدّم أهل العبادة فلا اغترار بالبرّ فتحت كل برّ شرّ ولا اعتماد بالطاعة ففى كل طاعة آفة* وفى رواية أخرى لهذه القصة قال أبىّ بن كعب وجدت فى التوراة ان الجنّ بنى الجان كانوا قبيلة من الملائكة أنزلهم الله تعالى الارض وركب فهم الشهوة فتناسلوا وكثروا فصار واسبعين ألف قبيلة كل قبيلة سبعون ألف كردوس كل كردوس سبعون ألف نفس كلهم كانوا مطيعين مصلحين حتى مضى على ذلك زمان فاتفق أن واحدا منهم مرّ بأرض نبت فيها نبات رائق فأعجبه ثم مرّ به بعد أيام فاذا هو قد طال ثم مرّ به بعد زمان فاذا هو قد أورق ثم مرّ به بعد زمان فاذا له عناقيد وهو زرحون أعناب وقد أينع فتناوله فاذا هو حلو فعصره وشرب من عصيره وجعل ما بقى فى ظرف فأوكأه ثم طلبه بعد زمان فاذا هو قد اشتدّ ورمى بالزبد وسكن وصار مسكرا فتناول شيئا منه فأخذته الحميا فزاد حتى سكر وبسط ثم غلبه السكر فوقع فلما صحا أخبر أصحابه بذلك فذهبوا الى تلك الزراجين وأخذوا تلك العناقيد واعتصروا واتخذوا الخمور وشربوا واعتادوا ذلك حتى كثر فيهم السكر ووقعوا بذلك فى الزنا واللواط والقتل وسائر المحرّمات وأفضى بهم ذلك الى الكفر وكان ذلك كله بسبب الخمر ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر أمّ الخبائث وكان فيهم الحارث وهو اسم ابليس فى الابتداء وقيل كان اسمه عزازيل فاعتزل هو وألف نفس معه عنهم واجتمعوا فى موضع يعبدون الله وكثر فساد أولئك حتى شكت الارض الى الله منهم وسألت اهلاكهم فقال الله أنا حليم ولا أعاحلهم بالعقوبة حتى ألزمهم الحجة وانما يعجل بالعقوبة من يخاف الفوت والله تعالى يمهل ولا يهمل واذا أخذ فأخذه شديد وأمر الله تعالى عزازيل أن يرسل اليهم واحدا منهم ممن معه يدعوهم الى الايمان وترك العصيان فأرسل اليهم سهلوت بن بلاهت فأتاهم والى الاسلام دعاهم فغصوه وقتلوه فلم يزل يرسل واحدا بعد واحد من الالف وهم يقتلون حتى أرسل آخرهم وهو يوسف بن ياسف فقاسى منهم الشدّة فى طويل مدّة يدعوهم ويؤذونه ويداريهم ويخوّفونه حتى أغلواد هنا فى مرجل وألقوه فيه حتى هلك ولم يسلم أحد منهم ثم شكت الارض الى ربها وقالت نال عنادهم النهاية وبلغوا الغاية فاستحقوا العقاب واستوجبوا الاذهاب فبعث الله تعالى كردوسا من الملائكة بيد كل واحد منهم سيف أو حربة وكان يخرج من أفواههم النيران وأمّر عليهم الحارث فجاؤهم وقاتلوهم وكان الجنّ أولى قوّة وبأس شديد فقاتلوهم واشتدّ الحرب والطعن والضرب بينهم ثم ظفر الملائكة بهم وهزموهم الى المغرب وأرسل الله تعالى نارا فأحرقتهم وريحا فأذرتهم والى البحار فألقتهم هذا جزاء الكفر والكفران وعاقبة الذنب والطغيان* وفى معالم التنزيل ان الله خلق السموات والارض وخلق الملائكة والجنّ فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن فى الارض ويقال لهم بنو الجان فعبدوا الله دهرا طويلا فى الارض* وفى بحر العلوم(1/33)
أيضا مضى ابليس وجنده فى طاعة الله وعبادته ثلثمائة سنة انتهى ثم ظهر فيهم الحسد والبغى فأفسدوا واقتتلوا فبعث الله جندا من الملائكة يقال لهم الجنّ وهم خزان الجنان اشتق لهم الاسم من الجنة رئيسهم ابليس وكان اسمه عزازيل بالسريانية وبالعبرانية الحارث فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل له ابليس لانه أبلس من رحمة الله وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علما فهبطوا الى الارض وطردوا الجنّ الى شعوب الجبال وجزائر البحور وسكنوا الارض وخفف الله عنهم العبادة وأعطى ابليس ملك الارض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة فى الارض وتارة فى السماء وتارة فى الجنة فداخله العجب وقال فى نفسه ما أعطانى الله هذا الملك الالأنى أكرم الملائكة عليه فقال له ولجنده انى جاعل فى الارض خليفة وستجىء تتمته ان شاء الله تعالى*
(ذكر مدّة الدنيا وذكر مدّة هذه الامّة)
* ذكر الشيخ جلال الدين السيوطى فى رسالته الكشف عن مجاوزة هذه الامّة الالف أحاديث تدل على كمية مدّة الدنيا ومدّة هذه الامّة وهى هذه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة قال الله تعالى وانّ يوما عند ربك كألف سنة مما تعدّون وعن الضحاك بن رمل الجهنى أنه رأى فى الرؤيا منبرا فيه سبع درجات ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أعلاها فقصها عليه فقال صلّى الله عليه وسلم أما المنبر الذى رأيت فيه سبع درجات وأنا فى أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة وأنا فى آخرها ألفا أخرجه البيهقى فى الدلائل وأورده السهيلى فى الروض الانف وقال هذا الحديث وان كان ضعيف الاسناد فقد روى موقوفا على ابن عباس من طرق صحاح أنه قال الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى آخرها وصحح أبو جعفر الطبرى هذا الاصل وعضده بآثار وقوله فى هذا الحديث أنا فى آخرها ألفا أى معظم المسئلة فى الالف السابعة ليطابق ما سيأتى من أنه بعث فى أواخر الالف السادسة ولو كان بعث فى أوّل الالف السابعة كانت الاشراط الكبرى كالدجال ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وجدت قبل اليوم بأكثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الالف ولم يوجد شئ من ذلك فدل على أن الباقى من الالف السابعة أكثر من ثلثمائة سنة* وقال ابن أبى حاتم فى التفسير عن ابن عباس قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضى منها ستة آلاف ومائة سنة وليأتين عليها مئين سنين وليس عليها موحد* وقال ابن أبى الدنيا فى كتاب ذمّ الامل حدّثنا علىّ بن سعيد حدّثنا ضمرة بن هشام قال قال سعيد بن جبير انما الدنيا جمعة من جمع الآخرة وقال عبد بن حميد فى تفسيره حدّثنا محمد بن الفضل عن حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال ان الله تعالى خلق السموات والارض فى ستة أيام وان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدّون وجعل أجل الدنيا ستة أيام وجعل الساعة فى اليوم السابع فقد مضت الستة أيام وأنتم فى اليوم السابع* وعن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون ان مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة انما نعذب بكل ألف من أيام الدنيا يوما واحدا فى النار وانما هى سبعة أيام معدودات ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى وقالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودة الى قوله هم فيها خالدون أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمّتى ثم ماتوا عليها فهم فى الباب الاوّل من جهنم لا تسوّد وجوههم ولا تزرق أعينهم ولا يغلون بالاغلال ولا يقرّنون مع الشياطين ولا يضربون بالمقامع ولا يطرحون فى الأدراك منهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها يوما ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج وأطولهم مكثا فيها من يمكث فيها مثل الدنيا منذ خلقت الى يوم أفنيت وذلك(1/34)
سبعة آلاف سنة*
دقيقة في اختصاص السبعة بأن تكون مدّة الدنيا
قيل الحكمة فى اختصاص السبعة من بين الاعداد بأن تكون مدّة الدنيا هى انها عدد وترها شفع وشفعها وتر ومجموع عدد وترها وشفعها مثل نفسها كما يقال واحد وثلاثة وخمسة وسبعة وهى عدد وترها وهى شفع ويقال أيضا اثنان وأربعة وستة وهى عدد شفعها وهى وتر واذا جمع أجزاء الوتر والشفع يكون سبعة وليس فى الاعداد مثله الا أن يكون مضاعفا كمية مثل سبعين وسبعمائة وسبعة آلاف ولهذا الشرف كان عدد الافلاك والكواكب السيارة وطبقات الارض والاقاليم والبحار وأيام الاسبوع ومدّة الدنيا سبعة آلاف سنة والطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة ورمى الجمار وأبواب جهنم ودركاتها وامتحان يوسف فى السجن ورؤيا ملك مصر سبع بقرات والفاتحة سبع آيات وتركيب ابن آدم سبعة أعضاء وخلقته من سبعة أشياء قال تعالى ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين الى قوله فتبارك الله أحسن الخالقين ورزق الانسان وغذاؤه من سبعة أشياء قوله تعالى فلينظر الانسان الى طعامه الى قوله وفاكهة وأبا وأمرنا بالسجود على سبعة أعضاء الى غير ذلك قال وهب كادت الاشياء أن تكون سبعا كذا فى عرائس الثعلبى* وعن عبد الله ابن عمرو بن العاصى أنه قال ما كان منذ كانت الدنيا رأس مائة سنة الا كان عند رأس المائة أمر فاذا كان رأس مائة خرج الدجال ونزل عيسى ابن مريم فيقتله ويمكث الناس بعد الدجال أربعين سنة تعمر الاسواق وتغرس النخل أخرجه الطبرانى عن أبى هريرة وأخرج أحمد فى مسنده عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخرج الدجال فينزل عيسى ابن مريم فيقتله ثم يمكث عيسى فى الارض أربعين سنة اماما عادلا وحكما مقسطا وأخرج الحاكم فى المستدرك عن ابن مسعود عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ما بين أذنى الدجال أربعون ذراعا فذكر الحديث الى أن قال ينزل عيسى ابن مريم فيقتله ثم يمكث فى الارض أربعين سنة فيمتعون لا يموت أحد ولا يمرض أحد ويقول لغنمه ودوابه اذهبن فارعين وتمرّ الماشية بين الزرع لا تأكل سنبلة والحيات والعقارب لا تؤذى أحدا والسبع على أبواب الدور لا يؤذى أحدا ويأخذ الرجل المدّ من القمح فيبذر بلا حرث فيجىء منه سبعمائة مدّ فيمكثون فى ذلك الى أن يكسر سدّ يأجوج ومأجوج فيخرجون ويفسدون فيبعث الله دابة من الارض فتدخل آذانهم فيصبحون موتى أجمعين وتنتن الارض منهم ويتأذى الناس من نتنهم ويستغيثون الى الله فيبعث الله عز وجل ريحا يمانية غبراء تنسف رممهم وتقذف بها الى البحر لا يلبثون الا قليلا حتى تطلع الشمس من مغربها* وقال ابن أبى شيبة يبلغه الى عبد الله بن عمرو قال يمكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين سنة ومائة وأخرج أبو نعيم بن حماد عن كعب قال اذا انصرف عيسى ابن مريم والمؤمنون من يأجوج ومأجوج لبثوا سنوات ثم رأوا كهيئة الهرج والغبار فاذا هى ريح قد بعثها الله لقبض أرواح المؤمنين فتلك آخر عصابة تقبض من المؤمنين ويبقى الناس بعدهم مائة عام لا يعرفون دينا ولا سنة يتهارجون تهارج الحمر عليهم تقوم الساعة وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن عمرو قال يرسل الله بعد يأجوج ومأجوج ريحا طيبة فتقبض روح عيسى وأصحابه وكل مؤمن على وجه الارض ويبقى بقايا الكفار وهم شرار الناس مائة سنة وأخرج أبو نعيم عن عبد الله بن عمرو قال لا تقوم الساعة حتى تعبد العرب ما كانت تعبد آباؤها عشرين ومائة عام بعد نزول عيسى ابن مريم وبعد الدجال قال الشيخ جلال الدين السيوطى ان هذه الاحاديث والآثار تدل على أن مدّة هذه الامّة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة خمسمائة سنة فما هو المشهور على ألسنة الناس أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا يمكث فى قبره ألف سنة باطل لا أصل له وذلك لانه ورد من طرق متعدّدة أن مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة وأن النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعث فى آخر الالف السادسة كما ذكر وأن(1/35)
الدجال يخرج على رأس مائة سنة وينزل عيسى فيقتله ثم يمكث فى الارض أربعين سنة فيمتعون الى آخر الحديث المذكور وورد أن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة وان بين النفختين أربعين سنة كما أخرجه البخارى ومسلم عن أبى هريرة وأخرجه أبو داود وابن مردويه عن أبى هريرة وأخرج ابن المبارك عن الحسن قال ما بين النفختين أربعون سنة الاولى يميت الله بها كل حىّ والاخرى يحيى الله بها كل ميت فهذه مائتا سنة ولا بدّ منها والباقى الآن من الالف مائة سنة وسنتان والى الآن لم تطلع الشمس من مغربها ولا خرج الدجال الذى خروجه قبل طلوع الشمس بسنتين ولا ظهر المهدى الذى ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ولا وقعت الاشراط التى وقوعها قبل ظهور المهدى ولا بقى ما يمكن خروج الدجال من قرن لانه انما يخرج عند رأس مائة وقبل خروج الدجال مقدّمات تكون فى سنين كثيرة فأقل ما يجوز أن يكون خروجه على رأس الالف ان لم يتأخر الى مائة بعدها فكيف يتوهم أحد أن الساعة تقوم قبل تمام الالف هذا شىء غير ممكن بل ان اتفق خروج الدجال على رأس الالف وهو الذى أبداه بعض العلماء احتمالا مكثت الدنيا بعده أكثر من مائة سنة وهى المائتان المشار اليهما والباقى ما بين خروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ولا يدرى كم هو وان تأخر الدجال عن رأس الالف الى مائة أخرى كانت المدّة أكثر ولا يمكن أن تكون المدّة ألفا وخمسمائة أصلا* قال الشيخ جلال الدين السيوطى رأيت فى كتاب العلل للامام أحمد بن حنبل أنه قال حدّثنا اسماعيل بن عبد الكريم بن معقل عن منبه حدّثنا عبد الصمد أنه سمع وهبا يقول قد خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة سنة انى لأعرف كل زمن منها ومن كان فيه من الملوك والانبياء وهذا يدل على أن مدّة هذه الامّة تزيد بنحو أربعمائة سنة تقريبا*
(ذكر ابتداء خلق آدم)
* قال فى معالم التنزيل لما أراد الله أن يخلق آدم قال لابليس وجنده انى جاعل فى الارض خليفة أى بدلا منكم ورافعكم الىّ فكرهوا ذلك لانهم كانوا أهون الملائكة عبادة والمراد بالخليفة هاهنا آدم سماه خليفة لانه خلف الجنّ أى جاء بعدهم والصحيح أنه خليفة الله فى أرضه لاقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك قال انى أعلم ما لا تعلمون* قال النسفى فى بحر العلوم عن وهب بن منبه لما أراه الله أن يخلق آدم أوحى الى الارض انى جاعل منك فى الارض خليفة فمنهم من يطيعنى ومنهم من يعصينى فمن أطاعنى أدخلته الجنة ومن عصانى أدخلته النار فقالت الارض منى تخلق خلقا يكون للنار قال نعم فبكت الارض فانفجرت منها العيون الى يوم القيامة* قال وهب بعث الله اليها جبريل ليأتيه منها بقبضة من زواياها الاربع من أسودها وأحمرها وطيبها وخبيثها وسهلها وحزنها فلما أتاها جبريل ليقبض منها قالت الارض انى أعوذ بعزة الله الذى أرسلك الىّ من أن تأخذ منى شيئا يكون منه نصيب للنار غدا فرجع جبريل الى مكانه ولم يأخذ من الارض شيئا فقال يا رب استعاذت بك الارض منى فكرهت أن أقدم عليها فقال الله تعالى لميكائيل انطلق فأتنى بقبضة منها من زواياها الاربع من أسودها وأحمرها وسهلها وحزنها وطيبها وخبيثها فلما انتهى اليها ميكائيل ليقبض منها قالت الارض له كما قالت لجبريل فرجع ميكائيل فقال كما قال جبريل فقال الله لاسرافيل كما قال لهما فانطلق ورجع وقال مثل ما قالاه من العذر ثم قال لملك الموت انطلق فأتنى بقبضة من الارض كالاوّل فلما أتاها ملك الموت قالت أعوذ بعزة الله الذى أرسلك الىّ من أن تقبض منى قبضة يكون للنار فيها نصيب غدا فقال ملك الموت وأنا أعوذ بعزته أن أعصى له أمرا فقبض منها قبضة من زواياها الاربع من أديمها الاربع* وفى الحديث ان الله خلق آدم من قبضة قبضها عزرائيل من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الارض منهم(1/36)
الاحمر والابيض والاسود والاصفر وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب كذا فى المصابيح* وفى الوفا بعث الله عزرائيل فقبض منها قبضة وكان ابليس قد وطئ الارض بقدميه فصار بعض الارض بين قدميه وبعض الارض موضع أقدامه فخلقت النفس مما مس قدم ابليس فصارت مأوى الشرّ ومن التربة التى لم يصل اليها قدم ابليس أصل الانبياء والاولياء* قال فى العوارف فكانت درّة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع نظر الله تعالى من قبضة عزرائيل لم يمسها قدم ابليس وقيل لما خاطب الله تعالى السموات والارض بقوله ائتيا طوعا أوكرها الآية أجاب من الارض موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها* وعن ابن عباس أصل طينة النبىّ صلّى الله عليه وسلم من سرّة الارض بمكة يعنى الكعبة وهو مشعر بأن ما أجاب من الارض درّته صلّى الله عليه وسلم ومن الكعبة دحيت الارض فصار النبىّ صلّى الله عليه وسلم هو الاصل فى التكوين* وقال فى العوارف عقبه وتربة الشخص مدفنه فكان مقتضى ذلك أن يكون مدفنه هناك لكن قيل لما تموّج الماء رمى الزبد الى النواحى فوقعت جوهرة النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى ما يحاذى تربته الشريفة بالمدينة فكان مكيا مدنيا فلمكة الفضل بالبداية وللمدينة بالاستقرار والنهاية انتهى قال فصعد عزرائيل بالقبضة الى السماء فأمره فجعلها طينا أربعين سنة حتى صار لازبا ثم حمأ مسنونا أربعين سنة ثم تركه حتى يبس وصار صلصالا أربعين سنة فجعله جسدا موضوعا على طريق مكة للملائكة الذين يصعدون من الارض الى السماء أربعين سنة فكلما مرّ عليه ملأ عجبوا من حسن صورته ولم يكونوا رأوا قبل ذلك على صورة آدم شيئا من الصور حتى مرّ به ابليس فقال الشىء مّا خلق الله هذا أجوف يأكل الطعام فقال لاصحابه انى لأرى صورة مخلوق سيكون له شأن أرأيتم هذا الذى لم تروا على صورته شيئا من الخلق ان فضل الله عليكم هذا ماذا أنتم صانعون قالوا نطيع ربنا ولا نعصى له أمرا فقال ابليس فى نفسه لئن فضل علىّ لا أطيعه ولئن فضلت عليه لأهلكنه هذا ما فى بحر العلوم* وفى المشكاة عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما صوّر الله آدم فى الجنة تركه ما شاء الله أن يترك فجعل ابليس يطوف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتمالك رواه مسلم وعن ابن عباس أن ابليس مرّ على جسد آدم وهو ملقى بين الكعبة والطائف أى بوادى نعمان لا روح فيه فقال لامر ما خلق الله هذا ثم دخل من فيه وخرج من دبره وقال انه خلق لا يتمالك لانه أجوف ثم قال للملائكة الذين معه أرأيتم ان فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون قالوا نطيع أمر ربنا قال ابليس فى نفسه والله لو سلطت عليه لاهلكنه ولئن سلط علىّ لأعصينه كذا فى معالم التنزيل* وقال محيى السنة أرى هذا الحديث مشكلا جدّا أى بين حديثى أنس تناف فقد ثبت بالكتاب والسنة أن آدم خلق من أجزاء الارض فدل على أنه أدخل الجنة وهو بشر حىّ وقال القاضى الاخبار متظاهرة على أن الله خلق آدم من تراب قبض من وجه الارض وخمر حتى صار طينا ثم تركه حتى صار صلصالا وكان ملقى بين مكة والطائف ببطن نعمان لكن لا ينافى ذلك تصويره فى الجنة لجواز أن تكون طينته لما خمرت فى الارض وتركت فيها حتى مضت عليها الاطوار واستعدّت لقبول الصورة الانسانية حملت الى الجنة فصوّرت ونفخ فيها الروح كذا ذكره الطيبى فى شرح المشكاة وكذا فى شرح المشارق* وقال وهب روى أن الله تعالى قال لعزرائيل أنت تصلح لقبض أولاده وسماه ملك الموت وسلطه على ذلك وكما جعله لقبض التراب الذى بدأ به خلقهم جعله لقبض أرواحهم وختم به عمرهم كذا فى بحر العلوم* روى أن عزرائيل لما قبض تلك القبضة من التراب خلط بعضها ببعض وجمعها بين مكة والطائف فطرت عليها قزعة أربعين سنة من بحر الاحزان وهو بحر تحت العرش يقال له بحر الاحزان ولذا قيل لا يمرّ على بنى آدم يوم بلا حزن* وفى بهجة النفوس فطرت عليها(1/37)
الحزن تسعا وثلاثين سنة ثم مطرت عليها السرور سنة واحدة* وفى العرائس كان آدم جسدا ملقى على باب الجنة أربعين سنة وكان يمطر عليه الحزن ثم مطر عليه سنة واحدة السرور فلذلك كثرت الغموم فى أولاده وتصير عاقبتهم الى الفرح والراحة وفى هذا قيل
أىّ شئ يكون أعجب من ذا ... لو تفكرت فى صروف الزمان
حادثات السرور توزن وزنا ... والبلايا تكال بالقفزان
وكان الله عز وجل يخمر طينته بيد القدرة من غير مشاركة الغير فجعل فى جبلته وطبيعته ما أراد وعن ابن مسعود عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال خلق الله آدم يوم الجمعة من كل تربة من البلاد رأسه من بيت المقدس وصدره من العراق ومقعده من بابل ويده اليمنى من البيت العتيق ويده اليسرى من فارس ورجليه وقدميه من أرض الهند وأرض يأجوج ومأجوج فلذلك اختلفت ألوان بنى آدم وفى رواية ابن عباس فرجه من بابل ويديه من أرض الكعبة ورجليه من أرض الهند وكليتيه من أرض الصحراء وعظامه من الجبال وأمعاءه من الجزائر وكبده من أرض الموصل وطحاله من أرض الحجاز وفخذيه من أرض اليمن وبطنة من أرض الطائف وظهره من أرض الشام ووجهه من أرض الجنة وعينيه من أرض الكوثر وقلبه من نور العرش كذا فى بحر العلوم* وكان فى الاوّل ترابا فعجن بالماء فصار طينا فمكث ما شاء الله فصار حمأ أى طينا تغير واسودّ من طول مجاورة الماء مسنونا منتنا فخلص فصار سلالة فصوّر فيبس فصار صلصالا أى طينا يابسا غير مطبوخ يصلصل أى يصوّت اذا نقر ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سوّاه ونفخ فيه من روحه كذا فى المدارك وأنوار التنزيل*
غريبة من الفتوحات
وفى الفتوحات المكية ان الله تعالى لما خلق آدم عليه الصلاة والسلام الذى هو أوّل جسم انسانى تكوّن وجعله أصلا لوجود الاجسام الانسانية فضلت من خمير طينته فضلة خلق منها النخلة فهى أخت لآدم عليه السلام وهى لناعمة وسماها الشرع لناعمة وشبهها بالمؤمن ولها أسرار عجيبة دون سائر النبات وفضل من الطينة بعد خلق النخلة قدر السمسمة فى الخلفاء فمدّ الله من تلك الفضلة أرضا واسعة الفضاء اذا جعل العرش وما حواه والكرسى والسموات والارضون وما تحت الثرى والجنات كلها والنار فى هذه الارض كان الجميع فيها كحلقة ملقاة فى فلاة من الارض وفيها من العجائب والغرائب ما لا يقدر قدره ويبهر العقول أمره وفى كل نفس يخلق الله فيها عوالم يسبحون الليل والنهار لا يفترون وفى هذه الارض ظهرت عظمة الله وعظمت عند المشاهد لها قدرته وكثير من المجالات العقلية التى قام الدليل الصحيح العقلى على احالتها موجود فى هذه الارض وهى مسرح عيون العارفين العلماء بالله تعالى وفيها يجولون وخلق الله من جملة عوالمها عالما على صورنا اذا أبصرهم العارف يشاهد نفسه فيهم وقد أشار الى مثل ذلك عبد الله بن عباس رضى الله عنهما فيما روى عنه فى حديث هذه الكعبة بيت واحد من أربعة عشر بيتا وان فى كل أرض من السبع الارضين خلقا مثلنا حتى ان فيهم ابن عباس مثلى وصدقت هذه الرواية عند أهل الكشف*
(ذكر الروح)
* قال فى أنوار التنزيل ويسئلونك عن الروح أى الذى يحيى به بدن الانسان ويدبره قل الروح من أمر ربى أى من الابداعيات الكائنة بكن من غير مادّة وتولد من غير أصل كأعضاء جسده اذا وجد وجدت بتكوينه على أن السؤال عن قدمه وحدوثه وقيل مما استأثر الله تعالى بعلمه لما روى أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذى القرنين وعن الروح فان أجاب عنها أو سبكت فليس بنبىّ وان أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبىّ فسألوه فبين لهم القصتين وأبهم لهم أمر الروح وهو مبهم فى التوراة وقيل جبريل وقيل خلق أعظم من الملك وقيل القرآن ومن أمر ربى معناه من وجيه* وفى المواهب اللدنية(1/38)
قد اختلف فى المراد بالروح فى قوله ويسئلونك عن الروح والجواب يدل على أنها شئ موجود مغاير للطبائع والاخلاط وتركيبها فهى جوهر بسيط مجرّد لا يحدث الا بمحدث وهو قوله تعالى كن فكان قال هى موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه ولها تأثير فى افادة حياة الجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيه* قال فى فتح البارى قد تنطع قوم وتباينت أقوالهم فقيل هى النفس الداخل الخارج وقيل جسم لطيف يحل فى جميع البدن وقيل هى الدم وقد بلغت الاقوال فيها المائة ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين أن لكل نبىّ خمسة أرواح ولكل مؤمن ثلاثة وقال ابن العربى اختلفوا فى الروح والنفس فقيل متغايران وهو الحق وقيل هما شئ واحد* وعن وهب روى أنه لما تم تخمير طينة آدم وعدّلت أجزاؤه وسوّيت أعضاؤه أراد الله أن ينفخ فيه الروح فأمرها أن تدخل فيه فقالت الروح مدخل بعيد القعر مظلم فقال له ادخل ثانيا فقال كذلك فقال له ثالثا فقال كذلك فقال له رابعا ادخل كرها واخرج كرهأ كذا فى بحر العلوم* روى أن الروح أدخلت فى جسد آدم الفخارى من قبل رأسه فكل عضو تحل فيه الروح حلولا سريانيا يصير لحما ودما ولما بلغت دماغه عطس فانتشرت فيه فنزلت لسانه وصدره فألهمه الله قوله الحمد لله فقال الله يرحمك ربك يا آدم* قال جعفر بن محمد مكثت الروح فى رأس آدم مائة عام وفى صدره مائة عام وفى ساقيه وقدميه مائة عام كذا فى المواهب اللدنية* وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال لما بلغت الروح صدره ولم تتمكن فيه بعد أراد أن يقوم وفى رواية لما دخلت الروح فى عينيه نظر الى ثمار الجنة ولما وصلت جوفه اشتهى الطعام فأراد أن يقوم الى ثمار الجنة قبل أن تبلغ رجليه وذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل وهذه الرواية تشعر بأن خلق آدم كان فى الجنة وقيل خلقه الله فى آخر النهار يوم الجمعة فأسرع فى خلقه قبل مغيب الشمس قال يا رب عجل خلقى قبل الليل فذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل* وفى المدارك وغيره العجل الطين بلغة حمير قال الشاعر
فى الصخرة الصماء منبته ... والنخل تنبت بين الماء والعجل
وفى بهجة الانوار دخلت الروح فى آدم من رجليه ويقال من دماغه فلما دخلت استدارت فيه مقدار مائتى عام ثم نزلت فى عينيه قيل الحكمة فيه ارادة الله تعالى أن ينظر آدم الى بدء خلقه وأصله حتى اذا تتابعت عليه الكرامات لا يدخله الزهو والعجب ثم نزلت الروح خياشيمه فعطس فقبل فراغ العطاس نزلت الى فمه ولسانه ولقنه بالحمد لله وذلك أوّل ما جرى على لسانه فأجابه ربه يرحمك الله يا آدم ثم نزلت الى صدره وشراسيفه فعجل بالقيام فلم يتمكن وذلك قوله تعالى خلق الانسان من عجل فلما وصلت الى جوفه اشتهى الطعام فهو أوّل حرص دخل فى جسد آدم ثم انتشر الروح فى جسده كله فصار لحما ودما وعروقا وعصبا ثم كساه لباسا من ظفر يزداد كل يوم حسنا فلما قارف الذنب بدّل هذا الظفر وبقيت منه بقية فى أنامله ليتذكر بذلك أوّل حاله ولذلك اذا ضحك الانسان فنظر الى ظفره نسى الضحك فلما أتم الله خلق آدم ونفخ فيه الروح قرطقه وشنفه وسوّره وألبسه من لباس الجنة وزينه بأنواع الزينة فخرج من ثناياه نور كشعاع الشمس ونور محمد صلّى الله عليه وسلم يلمع من جسده كالقمر ليلة البدر ثم رفعه على سرير وحمله على أكناف الملائكة وأدخله الجنة كما سيجىء* وفى بحر العلوم فلما نفخ الروح فى آدم صار فى رأسه وعينيه وأذنيه ولسانه ثم صار فى جسده كله حتى بلغ قدميه فلم يجد منفذا فرجع ليخرج من منخريه فعطس فقال له ربه قل الحمد لله رب العالمين فقالها آدم فقال يرحمك الله ولذلك خلقتك فلما انتهى الى ركبتيه أراد الوثوب فلم يقدر فلما بلغت قدميه وثب فقال الله تعالى وكان الانسان عجولا فصار بشرا ودما وعظما وعروقا وعصبا واحشاء*
(ذكر عيسى ومريم ويحيى)
يقال ان الله تعالى خلق من نفسين نفسين(1/39)
من عطسة آدم عيسى ومن عطسة الاسد الهرّة روى أن آدم لما عطس أمر الله جبريل بأن يأخذها وفى رواية بكر بن قيس بفيه وأمره بحفظها الى زمان مريم حتى نفخ فيها فحملت بعيسى كذا فى بحر العلوم* وقصتها أنها لما حاضت اعتزلت مكانا شرقيا فى بيت المقدس أو شرقى دارها ولذلك اتخذ النصارى المشرق قبلة فاتخذت من دونهم حجابا وسترا وقعدت فى مشرقه للاغتسال من الحيض محجبة بشئ يسترها وكانت تتحوّل من المسجد الى بيت خالتها أو أختها اذا حاضت وتعود اليه اذا طهرت فبينما هى فى مغتسلها أتاها جبريل فى صورة شاب أمرد وضىء الوجه جعد الشعر سوىّ الخلق لتستأنس بكلامه ولعله لتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها الى رحمها فدنا جبريل فنفخ فى جيب درعها فدخلت النفخة فى حوفها كذا فى أنوار التنزيل* قيل فى قوله لتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها الى رحمها نظر* وفى المدارك فوصلت النفخة الى بطنها فحملت بعيسى وكانت مدّة حملها ستة أشهر وقيل تسعة أشهر كسائر النساء وقيل ثمانية ولم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره وقيل كان الحمل ساعة واحدة فكما حملته نبذته قاله ابن عباس وقيل حملته فى ساعة وصوّر فى ساعة ووضعته فى ساعة* وفى لباب التأويل وضعته حين زالت الشمس من يومها انتهى وكان سنّ مريم حينئذ ثلاث عشرة سنة وقيل عشر سنين وقد حاضت حيضتين وقيل عشرين سنة كذا فى أنوار التنزيل والمدارك وغيرهما* وفى الباب التأويل كان سنها ست عشرة سنة وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى* وفى معالم التنزيل قال أهل التاريخ حملت بعيسى وهى بنت ثلاث عشرة سنة وولدته ببيت لحم من الارض المقدّسة لمضىّ خمس وستين سنة من غلبة الاسكندر على أرض بابل وتكلم فى المهد وهو ابن أربعين يوما وليلة روى أنه اشار بسبابته وقال بصوت رفيع انى عبد الله كذا فى المدارك وفى الحديث لم يتكلّم فى المهد الا ثلاثة عيسى ابن مريم وصاحب جريج والصبىّ الذى رأت أمّه راكب دابة فارهة حسن الهيئة فقالت اللهم اجعل ابنى مثله فسمع الصبىّ وهو يرتضع فترك الثدى وقال اللهم لا تجعلنى مثله ورأت جارية وهم يضربونها ويقولون لها زنيت سرقت وهى تقول حسبى الله ونعم الوكيل فقالت أم الصبىّ اللهم لا تجعل ابنى مثلها فترك الصبى الرضاع وقال اللهم اجعلنى مثلها* وجاء فى الخبر أيضا شاهد يوسف والذى فى قصة أصحاب الاخدود أن صبيا يرتضع قال لامّه حين امتنعت عن النار يا أمّه اصبرى فانّك على الحق فالحصر الذى وقع فى الحديث فى الثلاثة الاول اما لصحة تكلمهم فى المهد وعدم الاختلاف فيهم ووجوده فيمن عداهم فقيل انهم كانوا كبارا بلغوا حدّ الكلام واما لان النبىّ صلّى الله عليه وسلّم كان أخبر بما فى علمه مما أوحى الله اليه فى تلك الحالة ثم بعد ذلك أعلمه الله بما شاء من ذلك فأخبر به كذا فى شرح المشارق* وفى أنوار التنزيل عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم تكلم أربعة صغار ابن ماشطة بنت فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم روى أن فرعون لما أمر بقتل ابن الماشطة وجزعت أمّه أنطقه الله تعالى فقال يا أمّه لا تجزعى وانظرى فوقك فنظرت فرأت الجنة فاطمأنت وأوحى الله تعالى الى عيسى ابن مريم عليه السلام على رأس ثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين ورفعه الله من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة* وفى الملل والنحل للشهرستانى عيسى ابن مريم هو المبعوث حقا بعد موسى عليه السلام المبشر فى التوراة وكانت له آيات ظاهرة وبينات زاهرة مثل احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص ونفس وجوده وفطرته آية كاملة على صدقه وذلك حصوله من غير نطفة سابقة ونطقه من غير تعليم سالف وجميع الانبياء بلاغهم ووحيهم بعد أربعين سنة وقد أوحى الله اليه انطاقا فى المهد وأوحى اليه ابلاغا عند الثلاثين وكانت مدّة دعوته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام فلما رفع الى السماء اختلف الحواريون وغيرهم فيه* وفى المدارك عن بعض العلماء أنه مرّ بالروم فقال(1/40)
لهم لم تعبدون عيسى قالوا لانه لا أب له قال فآدم أولى لانه لا أبوين له قالوا كان يحيى الموتى قال فحزقيل أولى لان عيسى أحيا أربعة نفر وحزقيل أحيا ثمانية آلاف فقالوا كان يبرئ الاكمه والابرص قال فجر جيس أولى لانه طبخ وأحرق ثم قام سالما* وفى المدارك قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ينزل عيسى خليفة على أمّتى يدق الصليب ويقتل الخنزير ويلبث أربعين سنة ويتزوّج ويولد له ثم يتوفى وكيف تهلك أمّة وأنا فى أوّلها وعيسى فى آخرها والمهدى من أهل بيتى فى وسطها روى أنه قدم جذام وهم أهل مدين فقال النبىّ صلّى الله عليه سلم مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى لا تقوم الساعة حتى يتزوّج فيكم المسيح ويولد له* وفى ربيع الابرار عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا أهبط الله عيسى من السماء فانّه يعيش فى هذه الامّة ما شاء الله ثم يموت بمدينتى هذه ويدفن الى جانب قبر عمر فطوبى لابى بكر وعمر فانهما يحشران بين نبيين كما سيجىء وعاشت أمّه مريم بعد رفعه ست سنين كذا فى معالم التنزيل* وفى أنوار التنزيل والمدارك فى نسب عيسى ابن مريم بنت عمران بن ماثان بن سليمان ابن داود بن ايشا من نسل يهوذا بن يعقوب ويحيى بن زكرياء أمّه سارة بنت عمران أخت مريم فعيسى ويحيى ابنا خالة وأما عمران أبو موسى وهارون فهو عمران بن يصهر بن فاهث بن عارى بن لاوى بن كعب بن يعقوب كذا فى كتاب الاعلام وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة وقيل كانت مريم من نسل هارون النبىّ أخى موسى عليهما السلام وبينهما ألف سنة وأمّ مريم حنة بنت فاقود امرأة عمران بن ماثان ولما ولدتها لفتها فى خرقة وحملتها الى المسجد ووضعتها عند الاحبار ابناء هارون وهم فى بيت المقدس كالحجبة فى الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة فتنافسوا فيها لانها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم وكان بنو ماثان رؤس بنى اسرائيل وأحبارهم فقال لهم زكريا أنا أحق بها عندى أختها قالوا لا حتى نقترع فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين الى نهر فألقوا فيه أقلامهم وهى الاقلام التى كانوا يكتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبرّ كابها فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فكفلها زكرياء ولما رأى من حال مريم فى كرامتها على الله ومنزلتها عنده رغب أن يكون له من ايشاع أخت مريم ولد مثلها فى الكرامة على الله وان كانت عاقرا فقد كانت أمّ مريم كذلك وكان زكرياء حينئذ ابن خمس وسبعين سنة أو ثمانين سنة وفى رواية كان له تسع وتسعون سنة فبشره الله بيحيى مصدّقا بكلمة من الله أى بعيسى مؤمنا به فهو أوّل من آمن بعيسى وذلك لان أمّه كانت حاملا وقد حملت مريم بعيسى فقالت لها أمّ يحيى يا مريم أحامل أنت فقالت كيف تقولين ذلك قالت انى أرى ما فى بطنى يسجد لما فى بطنك فذلك تصديقه له وايمانه به وكان يحيى أكبر من عيسى بستة أشهر وذلك أن مولد يحيى كان قبل مولد عيسى بستة أشهر ثم قتل يحيى قبل أن يرفع عيسى عليه السلام كذا فى عرائس الثعلبى وستجىء قصة يحيى عليه السلام ولم يرتكب يحيى سيئة قط وآتاه الله الحكم صبيا وهو فهم التوراة والفقه فى الدين وقبل النبوّة أحكم الله عقله فى صباه واستنبأه روى أن الصبيان دعوه الى اللعب وهو صبىّ فقال ما للعب خلقنا* وهذه القصة وقعت فى البين وفصلت اتصال الكلامين فلنرجع الى ما كنا فيه* يقال سمى آدم لانه خلق من أديم الارض ووجهها لان فى لونه أدمة وهى لون البرّ وقيل لان طينته مخلوقة من الماء والتراب من أدمت بين الشيئين اذا خلطتهما هذا على تقدير كونه عربيا كاشتقاق يعقوب من العقب وادريس من الدرس وابليس من الابلاس وأما على تقدير كونه أعجميا وهو الاقرب كآزر وشالخ بدليل منع الصرف فلا اشتقاق* وفى بحر العلوم للنسفى ان الكلبى ذكر عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم لما هبط الى جبل الهند كان رأسه يمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع وهو المشهور بين المؤرّخين وقالوا كان آدم يصعد الجبل فيسمع(1/41)
تسبيح الملائكة فقصره الله تعالى حتى بلغ ستين ذراعا وهو مخالف لما رواه أبو هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا كذا فى حياة الحيوان* وزاد فى المشكاة فى سبعة أذرع عرضا وفى الصحيحين فكل من يدخل الجنة على صورة آدم فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن كذا فى المشارق واختلف فى أن المراد ذراع آدم أو الذراع المتعارف بين الناس الآن* وفى حياة الحيوان فى قوله صلّى الله عليه وسلم خلق الله آدم على صورته قال القاضى أبو بكر بن العربى المالكى العلامة يعنى على صفاته وليس لله خلق أحسن من الانسان فان الله عز وجل خلقه حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما وهذه صفات الرب تعالى وعن أبى أمامة أن رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنبيا كان آدم قال نعم قال كم بينه وبين نوح قال عشرة قرون صححه ابن حبان* وفى العمدة القرن مائة سنة لما روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وضع يده على رأس غلام وقال سيعيش هذا الغلام قرنا فقيل كم القرن قال مائة سنة فعاش مائة سنة وقيل القرن ثمانون سنة وقيل أربعون سنة* وفى المواهب اللدنية اختلفوا فى تحديد القرن كم مدّة من الزمان من عشرة أعوام الى مائة وعشرين لكن لم أر من صرّح بالتسعين ولا بمائة وعشرة وما عدا ذلك فقد قال به قائل* وقال صاحب المحكم القرن هو المتوسط من أعمار أهل كل زمن وهذا أعدل الاقوال روى ان آدم لم يكن له لحية وانما كانت لبنيه وأوّل من شاب منهم ابراهيم عليه السلام وسيجىء كما ورد فى صفة أهل الجنة جرد مرد على صورة آدم عليه السلام وروى فى بعض الاخبار أن آدم لما كثر بكاؤه على فراق الجنة نبتت لحيته والاصح هو الاوّل كذا فى المتقى*
نفيسة
وفى الخبر سيد الصور صورة آدم عليه السلام وسيد الملائكة اسرافيل وسيد الانبياء محمد صلّى الله عليه وسلم وسيد الشهداء هابيل وسيد المؤذنين بلال وسيد الشهور رمضان وسيد الايام يوم الجمعة وسيد الليالى ليلة القدر وسيد المساجد المسجد الحرام وسيد البيوت الكعبة وسيد الجبال جبل موسى وسيد الانعام الثور وسيد الطيور النسر وسيد الوحوش الابل وسيد السباع الاسد كذا فى بحر العلوم* وفيه قال ابن عباس لما قالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها الآية أراد الله أن يظهر فضل آدم عليه السلام فعلمه وأظهر فضله عليهم بعلمه ما لا يعلمونه ثم اختلف فى وجه تعليمه فقيل انه أرسل اليه ملكا من غير هؤلاء وأوحى اليه بذكر أسماء المخلوقات فسمعها وحفظها وقيل ألهمه فوقع فى قلبه فجرى لسانه بما فى قلبه بتسمية الاشياء من عنده* واختلف أيضا فى أنه جرى لسانه بتسميتها بلسان واحد أم بالالسنة كلها فقيل بلسان واحد ثم كل فريق تواضعوا على غير ذلك من الالسنة وقيل بالالسنة كلها التى يتكلم بها جميع الناس الى يوم القيامة* وعلم ذلك كله أولاده فلما تفرّقوا تكلم كل قوم منهم بلسان استسهلوه منها وألفوه ثم أنسوا غيره بعد تطاول الزمان وقيل أصبحوا وكل قوم منهم يتكلمون بلغة قد نسوا غيرها فى ليلة واحدة واختلفوا فى أنه كان تعليم الاسماء وحدها أو تعليمها بمعانيها ان هذا اسمه كذا ويستعمل فى كذا ونفعه كذا وضرّه كذا قال الربيع بن أنس وأبو العالية علمه أسماء الملائكة جبرائيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وكذا كل ملك* وقال عبد الرحمن بن زيد علمه أسماء ذرّيته من وقت آدم الى انقراض العالم وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك علمه اسم كل شىء حتى القصعة والقصيعة والمغرفة وقال ابن عباس فى رواية علمه اسم كل عين وكل فعل* وقال مقاتل خلق كل شئ من الحيوان والجماد وغيرهما ثم علم آدم أسماءها فقال له يا آدم هذا فرس وهذا بغل وهذا حمار حتى أتى الى آخرها وقال سعيد بن جبير اسم كل جنس البعير والبقرة والشاة ونحوها وقال أبو موسى الاشعرى علمه صنعة كل شىء وقال الضحاك عن ابن عباس علمه أسماء المدن وأسماء القرى وأسماء(1/42)
الطيور والشجر وأسماء ما كان وما يكون الى يوم القيامة وقيل أسماء المخلوقات كلها فى الارض وفى السماء من الحيوانات والجمادات والمطعومات والمشروبات وكل نعيم فى الجنة وقال عكرمة اسم الغراب والحمامة وقال حميد الشامى أسماء النجوم وقال الحسن البصرى علمه كل صنعة فعلمه صنعة الحديد الذى يعمل به فى الزرع عموما فحرث به وسقى حتى بلغ ثم حصده ثم داسه ثم ذرّاه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه* وقال الامام القشيرى عموم قوله الاسماء يقتضى الاستغراق واقتران قوله كلها يوجب الشمول والتحقيق فلما علمه أسماء المخلوقات كلها على ما قاله المفسرون علمه أسماء الحق لكى يظهر للملائكة محل تخصيصه بأسماء المخلوقات وبذلك القدر بان رجحانه عليهم وأما انفراده بأسمائه سبحانه وتعالى فذلك سرّ لا يطلع عليه ملك* ومن ليس له رتبة مساواة آدم فى معرفة أسماء المخلوقات فأى طمع له فى مساواته فى معرفة أسماء الحق ووقوفه على أسرار الغيب فاذا كان التخصيص بمعرفة أسماء المخلوقات يقتضى أن يصلح لسجود الملائكة فما الظنّ بالتخصيص بمعرفة أسماء الحق تعالى فى استحقاق مزيد الاعزاز والاكرام* ثم عرضهم على الملائكة أى عرض أصحاب الاسماء أى المسميات وهم الملائكة والناس والجنّ والشياطين وغيرهم فاجتمع فى ذلك من يعقل ومن لا يعقل فلذلك جمع بالهاء والميم تغليبا للعقلاء على غيرهم وهى قراءة العامّة وفى قراءة أبىّ ثم عرضها وهو يرجع الى الاسماء* قال قتادة لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام همست الملائكة فيما بينهم وقالت لله أن يخلق من الخلق ما يشاء ولكن لن يخلق خلقا أفضل وأعلم منا فأظهر الله تعالى عجزهم وعلم آدم الاسماء وأمر الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء أى أخبرونى بأسماء هؤلاء المسميات ان كنتم صادقين أنكم أعلم منه فلما عجزوا عن ذلك قالوا فى جوابه سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا قال وهب بن منيه ألهم الله آدم الاسماء فقال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فسمى كل أمّة باسمها من البهائم والبقاع والنبات وأمم البرّ على حدة وأمم البحر على حدة ثم فتح له السموات فسمى أهل كل سماء بأسمائهم فلما أنبأهم بذلك وعلموا فضله وعرفوا عجزهم قال الله لهم ألم أقل لكم انى أعلم غيب السموات والارض الآية ولما ظهر فضله عليهم بالعلم أمرهم بخدمته وهو قوله واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم* اختلف فى هذا فقيل هم ملائكة الارض الذين هم كانوا مع ابليس طهر الله بهم الارض ممن أفسد فيها من الجان وقيل هم ملائكة السموات السبع وقيل هم جميع الملائكة ولذا قال كلهم أجمعون وقيل انه خطاب للملائكة ولغير الملائكة من عالم زمانهم ليسجدوا له جميعا والملائكة لما كانوا أشرف العالم حينئذ كان من عداهم تبعا لهم ثم اختلفوا فى تفسير هذا السجود قيل هو استسخارهم لآدم وولده لان الله تعالى سخر الملائكة له ولهم فى انزال المطر عليهم وحفظ آثارهم وكتب أعمالهم والعروج بها الى السماء لان السجود فى اللغة الفتور والانكسار وقيل هو التواضع وقيل ان السجود المأمور به كان الايماء دون السجود المستوفى فى الصلاة كالذى يفعله الناس فى لقاء عظمائهم من الخضوع والتواضع لهم تشريفا وتعظيما وليس بسجود تامّ ونقل هذا عن أبىّ بن كعب وابن عباس حيث قالا كان ذلك انحناء ولم يكن خرورا وقيل وهو قول الاكثرين وهو الظاهر من السجود هو السجود المستوفى المأمور بمثله فى الصلاة وهو وضع الجبهة على الارض بدليل ما فى آية أخرى فقعوا له ساحدين فدل على أنه أراد به الانحناء التامّ بالخرور والسقوط على الارض واختلفوا أيضا فى أنه كان على الدوام أو مرّة فمن جعله للاستسخار فهو فيه وفى ولده الى قيام الساعة ومن جعله تواضعا له فهو له الى آخر عمره ومن جعله فعلا واحدا تحية له فهو مرّة واختلف أيضا فى قوله لآدم ان الفعل كيف كان فى حقه قيل معناه فعل أقيم له تعظيما له وتشريفا وبيانا لقدره وقيل هو عبادة أقيمت لله تعالى لانه كان بأمره وكان آدم قبلة لها وفيه بيان قدره وتخصيصه لانه أمر به تشريفا لشأنه وقيل كان(1/43)
الفعل تحية له لا عبادة له لانه لا عبادة الا لله تعالى وقال قتادة كان خدمة لله تعالى حرمة لآدم كصلاة الجنازة عبادة لله تعالى دعاء للميت وقيل معناه اسجدوا لاجل آدم أى شكرا لما خلق من خلق جديد وأصح ذلك كله أنه كان تحية لآدم على الخصوص ولو كان عبادة لله تعالى وآدم قبلة فى ذلك لما استكبر ابليس وانما كان تحية له وتعظيما له خاصة فلم ير له ابليس ذلك الاستحقاق فامتنع عنه واختلف أيضا فى أن الامر كان خطابا من الله للملائكة من غير واسطة أو كان بواسطة رسول من الله اليهم* واختلف فى أن هذا النوع من السجود الذى هو تحية وتعظيم لآدم هل كان مباحا لغير آدم بحال قيل ما كان مباحا لغيره كما لم يجب لغيره وقيل كان مباحا لغير آدم الى زمن يعقوب قال تعالى وخرّوا له سجدا وكان آخر من فعل له ذلك ثم نسخ وقيل بل بقى الى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم حتى سجدت له الشجرة والجمل وقال له أصحابه نحن أحق بالسجود لك من هذه الاشياء فنعهم عن ذلك وقال لا ينبغى لمخلوق أن يسجد الا لله تعالى ولو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لامرت الزوجة أن تسجد لزوجها* واختلف أيضا فى معنى الامر بذلك والحكمة فيه قيل هو لبيان فضيلة العلم واستحقاق العالم خدمة غيره له وقيل هو لبيان ضرر الطعن فى الغير وقيل هو لبيان استغنائه عن عبادتهم اياه وانكاره عليهم قولهم ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك فقال لهم لا حاجة لى الى عبادتكم فاخدموا عبدا من عبادى لم يعمل كثير عمل* قال وهب ابن منبه أوّل من سجد لآدم جبريل فأكرمه الله بانزال الوحى على النبيين خصوصا على سيد المرسلين ثم ميكائيل ثم اسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة وقيل أوّل من سجد لآدم اسرافيل فرفع رأسه وقد ظهر القرآن كله مكتوبا على جبهته كرامة له على سبقته على الائتمار* وأما موضع السجود فقد قيل كان فى الارض وقيل كان فى السماء وأما الوقت فقد قيل كما نفخ فيه الروح سجدوا له لقوله تعالى فاذا سوّيته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين والفاء للتعقيب وقيل بل كان بعد انباء آدم للملائكة بالاسماء واظهار فضله عليهم وايجاب خدمتهم له بسبب العلم وظاهر نظم الآية فى سورة البقرة يدل عليه* وفى تفسير شفاء الصدور لابى بكر النقاش عن بعضهم أنه قال كان سجود الملائكة لآدم مرّتين مرّة كما خلق بدليل قوله فقعوا له ساجدين ومرّة بعد ظهور فضله عليهم بعد العلم بالاسماء بدليل ما فى سورة البقرة وهذا قول تفرّد به هذا القائل ولم يوافقه أحد من المفسرين وقالوا لم يكن ذلك الامرّة واحدة والاظهر هو السجود بعد الانباء بالاسماء فأما الفاء فقد تكون للتعقيب مع التراخى كما فى قوله تعالى فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما كان ذلك بعد مدّة وكذا قوله تعالى فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه كان بعد مائتى سنة وأما مدّة السجود فقد قيل سجدوا فمكثوا فى سجودهم خمسمائة عام والسجود يتأدّى منا بالوضع وان قلّ وهذا التخفيف لاحد أمرين اما لضعفنا واما لعزنا قال الله تعالى خلق الانسان ضعيفا وقال ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين فكأنه قال أنت ضعيف فلا أكلفك فوق طاقتك وأنت عزيز فلا أرضى مشقتك فلما رفعوا رؤسهم من السجود بعد خمسمائة سنة رأوا آدم أدخل الجنة فتعجبوا فسجدوا مرّة أخرى وهذه السجدة كانت لله فمكثوا فى سجودهم خمسمائة سنة أيضا فلما رفعوا رؤسهم ورأوا آدم قد أهبط الى الارض وتوفى ودفن فى لحده قالوا الهنا وسيدنا مات آدم مع عزه وكرامته فأجيبوا كل نفس ذائقة الموت ومن ذلك الوقت الى يومنا هذا قريب من سبعة آلاف سنة لم يرقأ لهم دمع* وفى ليلة المعراج وجد النبىّ صلى الله عليه وسلم أهل السموات فى البكاء*
قصة اباء ابليس
وأما قصة اباء ابليس فلما أمر الله الملائكة بالسجود وسجدوا امتنع ابليس فلم يتوجه الى آدم بل أعرض عنه وولاه ظهره وانتصب هكذا الى أن سجدوا ووقفوا فى سجودهم مائة سنة وفى رواية خمسمائة سنة ورفعوا رؤسهم وهو قائم معرض لم يندم(1/44)
من الامتناع ولم يعزم على الاتباع ولما رأوه خذل ولم يسجد عادوا الى السجود ثانيا فكان هذا لله والاوّل لآدم وابليس يرى ذلك ولم يفعل ما فعلوه وهذا اباؤه*
(ذكر أخذ الميثاق)
* فى معالم التنزيل عن مقاتل وغيره من أهل التفسير لما خلق الله آدم مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج منه ذرّية بيضاء كهيئة الذرّ يتحرّكون ثم مسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرّية سوداء كهيئة الذرّ فقال يا آدم هؤلاء ذرّيتك ثم قال لهم ألست بربكم قالوا بلى فقال للبيض هؤلاء للجنة برحمتى وهم أصحاب اليمين وقال للسود هؤلاء للنار ولا أبالى وهم أصحاب الشمال ثم أعادهم جميعا فى صلبه وفى الحديث ردّها اليه الاروح عيسى فانه أمسكه الى وقت خلقه ذكره المقدسى فى تاج المعانى* وفى المشكاة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة فجعل بين عينى كل انسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال أى رب من هؤلاء فقال ذرّيتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال أى رب من هذا قال داود قال كم جعلت عمره قال ستين سنة قال رب زده من عمرى أربعين سنة فلما انقضى عمر آدم الا أربعين جاءه ملك الموت فقال آدم أولم يبق من عمرى أربعون سنة قال أولم تعطها ابنك داود فجحد آدم فجحدت ذرّيته ونسى آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذرّيته وخطئ آدم فخطئت ذرّيته فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود رواه الترمذى* وفى المشكاة أيضا قال آدم أى رب فانى قد جعلت له من عمرى ستين سنة قال أنت وذاك ثم سكن آدم الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها وكان آدم يعدّ لنفسه فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد كتب لى ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة* وفى عرائس الثعلبى قال يا رب كم عمره قال ستون سنة قال يا رب زده فى عمره قال لا الا أن تزيد أنت من عمرك فقد جف القلم بأعمار بنى آدم وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعين سنة فكتب الله عليه كتابا بذلك وأشهد عليه الملائكة فلما مضى من عمره تسعمائة وستون سنة جاءه ملك الموت ليقبضه فقال آدم عجلت يا ملك الموت قال ما فعلت بك استوفيت أجلك فقال آدم قد بقى من عمرى أربعون سنة قال انك قد وهبتها لابنك داود قال ما بعت ولا وهبت له شيئا فأنزل الله الملائكة وأقام الملائكة شهودا ثم ان الله تعالى أكمل لآدم ألف سنة ولداود مائة سنة* قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نسى آدم فنسيت ذرّيته وجحد آدم فجحدت ذرّيته فأمر الله تعالى بالكتاب والشهود من حينئذ وأهل القبور محبوسون حتى يخرج أهل الميثاق كلهم من أصلاب الرجال وأرحام النساء فلا تقوم الساعة حتى يولد كل من أخذ عليه الميثاق* وفى بحر العلوم قوله مسح ظهر آدم بيده أى أمر به ملكا ففعل فخرجت ذرّيته كأمثال الذرّ حتى ملؤا العالم وهم كل مولود ولده ذكورهم واناثهم وأحرارهم وعبيدهم ومؤمنهم وكافرهم وأغنياؤهم وفقراؤهم وملوكهم ورعاياهم وعلماؤهم وعوامّهم ومن ولد ميتا ومن يموت طفلا ومن ينتهى الى الشيب ومن كان الى انقراض الدنيا فخرجوا كهيئة الذرّ وركب الله فيهم العقل والسمع والنطق وأخرج الطبقة الاولى عن يمين آدم وهم بيض يتلألؤن وقال هؤلاء أهل الجنة وبعمل أهل الجنة يعملون وأخرج الثانية عن شمال آدم وقال هؤلاء أهل النار وبعمل أهل النار يعملون وهو تفسير للرواية الاخرى السابقة وهى هؤلاء للنار ولا أبالى وهؤلاء للجنة ولا أبالى* واختلفوا فى موضع أخذ الميثاق قال ابن عباس ببطن نعمان واد الى جنب عرفة وعنه بحراء وقال ابن جبير كان بنعمان السحاب وهو بقرب عرفات كذا فى بحر العلوم* وفى المشكاة بنعمان يعنى عرفة قال ابن الاثير نعمان بفتح النون* وفى معجم ما استعجم نعمان بفتح أوّله واسكان ثانيه وادى عرفة الى منى كثير الاراك* وفى شفاء الغرام موضع مشهور فوق عرفة على طريق الطائف من عرفة وفيه مزارع حسنة وفيه أخذ الله الميثاق على ذرّية آدم على ما قاله ابن عباس(1/45)
وروى ابن عباس أيضا بدهناء من أرض الهند وهو الموضع الذى هبط به آدم عليه السلام وقال الكلبى بين مكة والمدينة والطائف وقيل بعد ما عرج به الى السماء على سرير من ذهب على أكتاف الملائكة على باب الجنة فى صحراء أرضها مسيرة ثلاثين ألف سنة كذا فى بحر العلوم* وقال السدّى أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبط من السماء ثم مسح ظهره وأخرج منه ذرّيته* روى أن الله تعالى أخرجهم جميعا وصوّرهم وجعل لهم عقولا يعلمون بها وألسنا ينطقون بها كملهم قبلا يعنى عيانا وقال ألست بربكم قال الزجاج جاز أن يكون الله جعل لامثال الذرّ فهما تعقل به كما قال تعالى قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم روى أن الله تعالى قال لهم اعلموا أنه لا اله غيرى وأنا ربكم لا رب لكم غيرى لا تشركوا بى شيئا فانى سأنتقم ممن أشرك بى ولم يؤمن بى وانى مرسل اليكم رسلا يذكرونكم عهدى وميثاقى ومنزل عليكم كتبا فتكلموا جميعا وقالوا شهدنا أنك ربنا والهنا لا رب لنا غيرك فأخذ بذلك مواثيقهم ثم كتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم فلما قرّرهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعضهم أعادهم الى صلب آدم عليه السلام* وفى الكشاف وأنوار التنزيل وغيرهما فى تفسير قوله تعالى واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذرّيتهم أى أخرج من أصلابهم نسلهم على ما يتوالدون قرنا بعد قرن من ظهورهم بدل من بنى آدم بدل بعض وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم أى ونصب لهم دلائل ربوبيته وركب فى عقولهم ما يدعوهم الى الاقرار بها حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم ألست بربكم قالوا بلى فنزل تمكينهم من العلم بها وتمكنهم منزلة الاشهاد والاعتراف على طريق التمثيل ويدل عليه قوله تعالى قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أى كراهة أن تقولوا انا كنا عن هذا غافلين* وفى بحر العلوم عن ابن عباس لما خلق الله آدم ظهر فى ظهره نور محمد صلّى الله عليه وسلم وكانت الملائكة خلفه ينظرون الى ذلك النور فقال آدم يا رب ما لهؤلاء ينظرون من خلفى الى ظهرى قال ينظرون الى نور محمد خاتم الانبياء الذى أخرجه من ظهرك قال يا رب اجعل نوره بحيث أراه فظهر فى سبابته فقال يا رب هل بقى فى ظهرى من هذا النور شئ قال نعم نور أصحابه قال يا رب اجعله فى بقية أصابعى فجعل نور أبى بكر فى الوسطى ونور عمر فى البنصر ونور عثمان فى الخنصر ونور علىّ فى الابهام وكان آدم ينظر الى تلك الانوار تتلألأ فى خلال أصابع يمينه الى أن أكل من الشجرة وعوتب بذلك فنقل ذلك كله الى ظهره* قال ابن عباس بعث الله تعالى الى آدم ملائكة من السماء معهم سرير من ذهب فحملوه على السرير حتى صعدوا به الى السماء فأدخلوه الجنة ضحوة الجمعة وقال محمد بن على الترمذى لما أكمل الله خلق آدم رفعه على أكتاف جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل والملائكة على سرير من ذهب ويقال من ياقوت أحمر له سبعمائة قائمة فقال لهم طوفوا به فى سمواتى ليرى عجائبها فيزداد يقينا فطافوا به مقدار مائة عام حتى وقفوا به على كل شئ من عجائبها ثم أمرهم أن يحوّلوا وجوههم من العرش اليه فيسجدوا له ففعلوا ولذلك تحمل جنازة أولاده بأربعة وسئل كعب كم طاف الملائكة بآدم فى السموات مكر ما قال ثلاث مرّات أوليها على سرير الكرم والثانية على أكتاف الملائكة والثالثة على الفرس الميمون وهو مخلوق من المسك الاذفر وله جناحان من الدرّ والياقوت والمرجان وجبريل آخذ بلجامها وميكائيل عن يمينه واسرافيل عن يساره فطافوا به السموات كلها وهو يسلم على الملائكة عن يمينه وعن شماله فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا ملائكة الله وهم يقولون وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال يا آدم هذه تحيتك وتحية ذرّيتك فيما بينهم الى يوم القيامة
خلق حوّاء
قال وهب وجماعة خلق الله حوّاء خارج الجنة ثم أمرها بدخول الجنة ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم خلقها فى الارض وآدم بين مكة والطائف ثم حملا على سرير الى الجنة وقال بعضهم خلق الله آدم وأمر بحمله على سرير الى سماء الدنيا فلما وصل الى باب الجنة(1/46)
وضع السرير وألقى عليه النعاس وخلقت حوّاء من ضلعه اليسرى ثم أمر بدخول الجنة وقال ابن عباس وابن مسعود وجماعة خلقها فى الجنة بعد دخول آدم فيها فالمرأة أصلها من الجنة ولهذا أبيح لها الحرير والذهب وهما لاهل الجنة ولهذا لا يمل الزوج من الزوجة الحسناء الصالحة كما لا يمل من نعيم الجنة* وفى تفسير الثعلبى ان آدم عليه السلام لما هبّ من نومه رآها عنده أو قال عند رأسه كأحسن ما خلق الله فقال لها من أنت قالت أنا زوجتك خلقنى الله لك تسكن الىّ وأسكن اليك فقالت الملائكة عند ذلك يا آدم ما هذه قال امرأة قالوا لم سميت بذلك قال لانها خلقت من المرء قالوا وما اسمها قال حوّاء قالوا لم سميت حوّاء قال لانهما خلقت من الحىّ قالوا تحبها قال نعم فقالوا الحوّاء تحبينه قالت لا وفى قلبها أضعاف ما فى قلبه قالوا فلو صدقت امرأة فى حبها لزوجها لصدقت حوّاء* قال ابن عباس ان الله تعالى خلق حوّاء من آدم فى الجنة من ضلعه اليسرى يقال لها القصيرى وكان بين النائم واليقظان ولو كان فى النوم لم يعلم أنها خلقت منه فلم يعطف عليها ولو كان يقظان لتألم بذلك فلم يعطف عليها قال الشاعر
هى الضلعة العوجاء لست تقيمها ... ألا ان تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الهوى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
* وفى بحر العلوم قال الله تعالى يا آدم هذه زوجتك خلقتها منك لاجلك أفترضى قال رضيت هذه لحمى ودمى وزوجتى وقرّة عينى* وفى المواهب اللدنية فلما استيقظ ورآها سكن اليها ومدّيده لها قالت الملائكة مه يا آدم قال ولم وقد خلقها الله لى فقالوا حتى تؤدّى مهرها قال وما مهرها قالوا تصلى على محمد ثلاث مرّات* وذكر ابن الجوزى فى كتاب سلوة الاحزان أنه لما رام القرب منها طلبت منه المهر فقال يا رب ماذا أعطيها قال يا آدم صلّ على حبيبى محمد بن عبد الله عشرين مرّة ففعل* وفى رواية قالت الملائكة مه يا آدم حتى تنكحها فعند ذلك زوّجها الله اياه
خطبة نكاح آدم وحوّاء التي خطبها الله عز وجل
وهذه خطبة نكاح آدم وحوّاء خطبها الله تعالى* الحمد ثنائى والعظمة ازارى والكبرياء ردائى والخلق كلهم عبيدى وامائى اشهدوا يا ملائكتى وحملة عرشى وسكان سمواتى انى زوّجت حوّاء أمتى عبدى آدم بديع فطرتى وصنع يدى على صداق تقديسى وتسبيحى وتهليلى يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها الآية* وفى المواهب اللدنية ثم ان الله تعالى أباح لهما نعيم الجنة ونهاهما عن شجرة الحنطة وقيل شجرة العنب وقيل شجرة التين كما سيجىء* وقال الضحاك أدخل آدم الجنة عند الضحوة وزاد غيره يوم الجمعة وأخرج منها ما بين الصلاتين فمكث نصف يوم من أيام الآخرة وهى الايام التى كل يوم منها ألف سنة فنصف اليوم خمسمائة سنة وهذا قول ابن عباس والكلبى وفيه خلاف سيجىء* وعن وهب بن منبه قال الله تعالى لآدم عليه السلام يا آدم انطلق فانى قد نصبت لك فى بحبوحة الجنة سريرا لا ينبغى لاحد قبلك ولا بعدك أن يجلس على مثله طوله ما بين المشرق والمغرب سبع مرّات وله سبعمائة قائمة من قائمة الى قائمة مسيرة مائة عام وكان يجلس عليه آدم فى مقابلة شجرة الخلد وكان يولى وجهه عنها يتوقى أن يدخل عليه ما يسخط ربه وكانت حوّاء معه ولما أسكنهما جنة الخلد نهاهما عن أكل البرّ قال الله تعالى ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين* وفى بحر العلوم اختلفوا فى هذه الشجرة قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظى والحسن البصرى وعطية وقتادة ومحارب بن دثار ومقاتل هى شجرة البرّ الذى جعله الله رزق أولاده فى الدنيا وقال السدّى وابن مسعود وسعيد بن جبير وجعدة بن هبيرة هى الكرمة لافتتان أولاده بها وقال ابن جريج وحكاه عن بعض الصحابة انها التين وقال علىّ رضى الله عنه هى شجرة الكافور وقال الكلبى والدينورى هى شجرة العلم وهى علم الخير والشرّ من أكلها علم الاشياء وقيل علما بالاكل منها ظهور(1/47)
عورتهما قال الله تعالى بدت لهما سوآتهما وقال محمد بن اسحاق هى شجرة الحنظل وقال أبو مالك هى شجرة النخلة وقال أبو جدعان هى شجرة الخلد التى كانت تتناول منها الملائكة وقال ابن عباس فى رواية هى شجرة الفردوس وكانت فى وسط الجنة فيها من ألوان الثمار كلها وقال الربيع بن أنس كانت شجرة من أكلها أحدث والجنة لم تكن موضع الحدث وقال أبو منصور لا تعرف ماهيتها الا بالوحى ولا وحى*
صفة شجرة الحنطة
وقال ابن عباس فى صفتها كانت شجرة الحنطة فيالها من شجرة ما أحسنها وأجملها خلقها الله على أحسن صورة فى الجنة كان من كل ذى لون فى ورقها لون ومن كل ذى طعم فى ثمرها طعم ومن كل ذى حسن فى صورتها حسن* وفى رواية عنه أوراقها من الحلل وأغصانها من الذهب وثمارها من نور العرش ألين من الزبد وأحلى من العسل وأشدّ بياضا من الثلج فاذا كان يوم القيامة يكون ممرّ المؤمنين عليها فيتعجبون من حسنها فتقول لهم الملائكة لا تمكثواها هنا فان الجبّار يريد أن يخلع عليكم خلع الزيادة فيتحيرون من حسنها فتناديهم الملائكة أنتم فى دار البقاء تعجبتم من هذه الشجرة مع وعد الرب اياكم الزيادة فكيف ملامتكم أباكم فحينئذ يقولون لا لوم على أبينا* وقال محمد بن علىّ الترمذى كان أصلها السنبلة وعليها من كل لون وثمر من التين والعنب وسائر الالوان كل حنطة ككلية البقر أحلى من العسل وألين من الزبد* وفى رواية الشجرة التى أكل منها آدم شجرة القمح لها سبعة أغصان على كل غصن سنبلة كل سنبلة ثلاثة أشبار فى كل سنبلة خمس حبات أخذ سنبلة وأخذ منها حبة أكلها آدم وحبة أكلتها حوّاء والثلاث نزل بها جبريل على آدم فى الدنيا وقطع كل حبة ستمائة قطعة فأصل قمح الدنيا منها يقال أوّل ما أكل آدم وحوّاء من نعيم الجنة العنب وآخر ما أكلا البرّ* روى أن ابليس لما رأى بعد ما صار ملعونا أن آدم وحوّاء فى طيب عيش ونعمة ورأى نفسه فى مذلة ونقمة حسدهما فهو أوّل من حسد وتكبر فأراد أن يدخل الجنة ليوسوس اليهما وذلك بعد ما أخرج منها فمنعه الخزنة فحلس على باب الجنة ثلثمائة سنة من سنى الدنيا وذلك ثلاث ساعات من ساعات الآخرة وابليس وان صار مطرودا من الجنة وممنوعا من دخولها لكن لم يمنع من السموات وكان يصعد الى السماء السابعة الى زمن ادريس فلما رفع ادريس الى السابعة منع منها ابليس وكان لا يمنع من السموات الاخر الى زمان عيسى ولما رفع عيسى الى السماء الرابعة منع منها ابليس ومما فوقها وكان يصعد الى الثالثة ولما أوحى الله الى محمد صلّى الله عليه وسلم منع من الثلاث الاخر أيضا فصار ممنوعا من السموات كلها* وفى كيفية دخوله الجنة اختلاف* قال فى معالم التنزيل وأنوار التنزيل اختلف فى أنه تمثل لهما فقاولهما بذلك أو ألقاه اليهما بطريق الوسوسة وانه كيف توصل اليهما بعد ما قيل له اخرج منها فانك رجيم فقيل انه منع من الدخول على وجه التكرمة كما كان يدخل مع الملائكة ولم يمنع من أن يدخل للوسوسة ابتلاء لآدم وحوّاء عليهما السلام وقيل قام عند الباب فناداهما وقيل تمثل بصورة دابة فدخل ولم تعرفه الخزنة وقيل أرسل بعض أتباعه فأزلهما وقيل دخل فى فم الحية حتى دخلت به والعلم عند الله* وعن وهب ابن منبه كان الطاوس مسكنه شجرة طوبى وكان اذا نشر جناحيه ظلل بهما سدرة المنتهى وكان يقول فى صياحه أنا الملك المتوّج الذى غمرت فى نعيم الجنة فلا أخرج منها أبدا وشجرة طوبى فى الجنة أصلها فى قصر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولها فى كل قصر غصن كالشمس فى الدنيا لها فى كل دار ضوء* وفى خبر عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان بطحاءها ياقوت أحمر وترابها مسك أذفر ووحلها عنبر أشهب وكثبانها كافور أبيض وبسرها زمرّد أخضر واقناؤها سندس واستبرق وزهرتها رياط صفر وورقها برود خضر وثمارها حلل حمر وصنوها زنجبيل وعسل وعشبها زعفران مرتفع يتفجر من أصلها أنهار السلسبيل والرحيق والمعين ولو سار راكب الجواد فى ظلها مائة عام لم يقطعها وكان الطاوس يسكنها(1/48)
ويطير ويخرج من باب الجنة كل يوم مرّة فخرج يوما فاذا شيخ قاعد وهو ابليس فقال له من أنت قال ابليس أنا من الملائكة الكروبيين من الصقح الاعلى ممن أعطى علم الغيب جئت أدخل الجنة فأنظر فيها وما أعدّ الله لاوليائه فيها* وفى العرائس وقف ابليس على باب الجنة وتعبد هناك ثلثمائة وستين سنة انتظارا لأن يخرج منها أحد يأتيه بخبر آدم وحوّاء فبينما هو جالس اذ خرج طائر موشى أى مزين يتبختر ويتمايل فى مشيته فلما رآه ابليس قال له أيها الخلق الكريم من أنت وما اسمك فما رأيت فيما رأيت من خلق الله عز وجل أحسن منك قال أنا طائر اسمى طاوس قال من أين قال من حديقة آدم وبستانه قال ما الخبر عن آدم قال هو فى أحسن الحال وأطيب العيش هيئت له الجنان ونحن من خدّامه فقال هل تستطيع أن تدخلنى عليه قال من أنت قال أنا من الكروبيين عندى لآدم نصيحة أريد أن أؤدّيها اليه قال مالك لا تذهب الى رضوان ليدخلك عليه قال منعنى من الدخول قال ان رضوان لا يمنع أحدا من النصيحة قال نعم ولكن أريد أن أحفيها عنه قال النصيحة لا تكون مخفية والمخفية لا تكون نصيحة قال نحن معاشر الكروبيين لا نقول الا سرّا ان فعلت ما أقول أعلمك دعاء لن تشيب بعده أبدا قال ما أقدر على ذلك ولكن أدلك على من يقدر عليه قال افعل فجاء الطاوس الى الحية
صفة الحية
وكانت يومئذ عظيمة مثل الابل البختى وكانت من أحسن حيوانات الجنة لها أربع قوائم كقوائم الابل من زبرجد أخضر وفيها من كل لون* وفى رواية من بين أحمر وأصفر وأخضر تتلألأ تلألؤ القمر رأسها من الياقوت وعيناها من الزبرجد ولسانها من الكافور وفى رواية من المسك الابيض واسنانها من الدرّ وفى رواية نظم اللؤلؤ وناباها من اللؤلؤ الرطب وفى رواية مثل نابى الابل من المسنك بيضاء الظهر صفراء البطن وفى رواية جسدها من نور ووبرها من زعفران وعنقها كالقضبان الملوّنة وذوائبها كذوائب الجوارى الابكار وعرفها كجناح الطير فقال لها الطاوس ياحية ان ملكا على باب الجنة يقول عندى نصحية لآدم من يذهب بى اليه أعلمه دعوة فخرجت الحية اليه وقالت لابليس انى أدخلك الجنة ولكن أتخوّف من لحوق البلاء بى قال ابليس أنت فى ذمّتى وجوارى لا يلحقك مكروه قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم أقتلوا الحية ولو كنتم فى الصلاة وانما أمرهم به ابطالا لذمّة ابليس فقالت الحية ان ابليس بسبب آدم أخرج من الجنة وأنا أخاف أن يصيبنى مثل ما أصابه قال ابليس أنا أعطيك جوهرة أينما تضعيها تكن لك جنة فأعطاها ابليس خرزة جعلتها فى فيها فما زالت تلك الخرزة فى قفاها فتخرج بالليل وتخرج تلك الخرزة من فيها وتضعها حيث شاءت فتستضىء بها* وفى العرائس قالت له الحية كيف أدخلك الجنة ورضوان اذا لا يمكننى من ذلك قال ابليس أنا أتحوّل ريحا فاجعلينى بين أنيابك فتدخلينى الجنة وهو لا يعلم قالت افعل فتحوّل ريحا ودخل فم الحية فأطبقت فاها فقال لها ابليس اذهبى بى الى شجرة البرّ فلما انتهت الحية الى حيث أمرها به ابليس جعل ابليس يتغنى بمزماره فلما سمع آدم وحوّاء صوت المزمار جاآ اليه يستمعانه فاذا هى الحية يخرج صوت التغنى من فيها فأعجبهما الصوت فتقدّما اليه شيئا فشيئا حتى وقفا عليه وهما يحسبان أن الحية هى التى تتغنى فقال لهما ابليس تقدما فقالا نهينا عن قرب هذه الشجرة فقال مانها كما ربكما عن هذه الشجرة الى آخره ولما لم يقبلا قول ابليس قاسمهما انى لكما لمن الناصحين قسما مؤكدا فهو أوّل من حلف كاذبا وأوّل من غش فلما سمعا اسم الله خدعا واغترا فدلاهما بغرور
أكل آدم من الشجرة
فسبقت الى الشجرة حوّاء وتناولت منها حبة فأكلتها وجاءت بها الى آدم وقالت انى أكلت منها وما ضرّتنى ولم يأكل آدم الى مائة سنة ولما لم ير ضررا ولا أثر اعلى حوّاء فبتأويل ظهر له وأمارة ثبتت عنده جعل حبة منها فى فيه فقبل أن يصل طعمها الى حلقه وجرمها الى جوفه بان عنه تاجه وطار من رأسه وتهافتت ثيابه التى كانت عليه من حرير(1/49)
واستبرق وفى رواية كانت من نور وفى رواية كانت من جنس أظفاره ونودى فى الجنة عصى آدم ربه فغوى* وفى رواية لما دخل ابليس الجنة دنا من آدم وحوّاء يغنى بمزماره فسمعت حوّاء صوتا حسنا فجاءت ومعها آدم ينظران اليه وكان ابليس يتغنى بمزماره وينوح ويبكى نياحة وبكاء أحزنهما فهو أوّل من ناح فقالا له ما يبكيك قال أبكى عليكما لانكما تموتان وتفنيان وتفارقان ما أنتما عليه من النعمة والكرامة قالا وما الموت فنعت ابليس لهما الموت فقال تذهب الروح والقوّة وتعدم حركة الاعضاء ولا يبقى للعين رؤية ولا للاذن سماع وكذلك كل عضو يعطل عن عمله فوقع ذلك فى أنفسهما وأغتما فعند ذلك قال ابليس هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وأشار الى الشجرة المنهى عنها فقالا قد نهينا عنها قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين* وفى رواية حضر ابليس عند شجرة البرّ وأخذ حبة منها وجاء بها اليهما وقال انظرا الى هذه ليس فيها فاكهة ألطف وأطيب من هذه فكلا منها فقالا نهينا عنها فقال مانها كما ربكما الآية وقاسمهما انى لكما لمن الناصحين وأيكما بادر الى أكلها فله الغلبة على صاحبه فسبقت اليها حوّاء وأخذت منها خمس حبات فأكلت واحدة وخبأت واحدة وأتت الى آدم بثلاثة فقالت له أنا أكلت منها وكانت طيبة الطعم وما أصابنى منها مضرّة فأخذ آدم الحبات الثلاث فأعطى حوّاء واحدة وأمسك حبتين* قيل لاخفاء حوّاء احدى الحبات من زوجها آدم صار خباء النساء عن أزواجهنّ بعض الاشياء عادة لهنّ ولامساك آدم لنفسه حبتين من ثلاث واعطاء حوّاء واحدة منها شرع للذكر مثل حظ الانثيين فى الميراث* ولما أكل آدم طار من رأسه تاجه المكلل بالدرّ والياقوت والجواهر بجناحيه كطائر يطير وهو ينادى يا آدم طالت حسرتك وندامتك وانتفض السرير وخرج من تحتهما وقال انى أستحيى من الله أن أكون سريرا لمن عصى الله وتساقط ما عليهما من السوار والدملوج والخلخال والمنطقة المرصعة ونزع عنهما لباسهما وتهافتت ثيابهما وكانت من جنس ظفرهما وكان على آدم سبعمائة حلة وكانت عورتهما قبل ذلك مستورة ولم يعلما أن لهما قبل ذلك عورة* قال العتابى لم يكونا رأيا عورتهما الى ذلك الوقت وكان على سوآتهما نور اذا نظرا اليها غلب ذلك النور على أبصارهما ومنعهما من ابصارهما اياها فذهب ذلك النور أيضا فبدت لهما سوآتهما فلما رآياها فزعا وحسبا أن غيرهما أيضا يراها قال الحضرمى بدت لهما ولم تبد لغيرهما لئلا يعلم الاغيار من مكافأة الجناية ما علما ولو بدا للاغيار لقال بدت منهما وقال القاسم لماذا قاتناثر لباسهما فلما أكلا بدت لهما سوآتهما وتغير عليهما كل شئ فى الجنة* وفى رواية عن وهب بن منبه أنه قال لما توسطت الحية الجنة قالت لابليس اخرج قال لا أخرج حتى ينطق لسانك بما أريد فأين هذان الخلقان اللذان أدخلا الجنة فان لى اليهما حاجة قالت هذه حوّاء زوجة آدم وأنا أنيستها ومخدمتها فنطق ابليس على لسان الحية فقال يا حوّاء لم نهاكما ربكما عن تلكما الشجرة قالت لئلا نزعج من الجنة أبدا قال هذه شجرة الخلد من أكل منها خلد قالت فانك أنيستى ومخدمتى اذا عرفت هذا فهلا أخبرتينى قالت الآن أخبرتك فقومى وكلى وأطعمى زوجك ليكون لك الفوز والعز عليه فانى أحلف انى لكما لمن الناصحين فقامت مسرعة الى الشجرة فتناولت سبع حبات وناولت آدم خمس حبات فقال آدم يا حوّاء فأين العهد الذى أخذه الله علينا قالت أو ليست هذه الحية تحلف لنا بالله فأكل آدم فلما أكل آدم طار تاجه يخفخف أى يصفق بجناحيه كطائر يطير وهو ينادى يا آدم طالت حسرتك وندامتك وانتقض السرير وقال انزل فانى أستحيى من الله أن أكون سريرا لمن عصاه كما سبق فولى آدم هاربا فلم يمرّ بشجر ولا نهر الا نادى عصى آدم ربه حتى انتهى الى سدرة المنتهى وهو يهرب فتعلقت به الشجرة وقالت أين من الله المهرب ومدّ(1/50)
يده ليتناول ورقة من أوراقها ليستر بها عورته فارتفعت الورقة فبكى فما قصدا شجرة ليأخذا من أوراقها الا امتنعت عنهما وقالت ما كنت لأستر من كشفه الله ودعتهما شجرة التين الى نفسها ترحما على حالهما فأخذا من ورقها وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة فيتخرّق ويتفرّق فبكيا ونودى من أعراه الله فلا ساتر له ومن تركه فلا ناصر له فتضرّعا وسألا الله أن يسترهما فلما أتياها ليأخذا الورق ثانيا اهتزت لآدم فسقط منها ثلاثة أوراق فجعلها آدم سترة له ثم اهتزت مرّة أخرى لحوّاء فتناثرت منها خمسة أوراق فجعلتها حوّاء سترة لها ولذلك شرعت الاكفان للرجال ثلاثة وللنساء خمسة وقال الله لشجرة التين لم أعطيتهما الورق فقالت يا رب انك لا تحرم من عصاك الرزق فما يكون لى أن أحرمه الورق فلذلك جعل الله شجرة التين بحيث لا يحمل عليها ولا يحرقها الناس ولا تأكل الحيوانات ورقها وقال الله تعالى لسائر الاشجار لم لا تدفعن الورق اليهما فقلن ما كنا لنكسو من أعريته فلذلك جعلها الله بحيث يحمل عليها وورقها يحرقه الناس وتأكل أوراقها الحيوانات فعاتب الله آدم وقال له لم أكلت من هذه الشجرة ألم أنهكما عن هذه الشجرة قال أطعمتنى حوّاء فقال لها لم أطعمته قالت دلتنى الحية فقال للحية لم فعلت قالت دلنى الطاوس فقال للطاوس لم فعلت قال أمرنى ابليس
معاقبة إبليس
فعاقب ابليس ولعنه وغير صفته وحالته وبدّل اسمه ومكانه وصورته فأوّل ما تغير منه صورته فقبح غاية القبح وكان له ستمائة ألف جناح مرصع بالجواهر ولباس من نور وكان مدّة ملك الارض ومدّة عالم الملائكة ومدّة خازن الجنان يطير من العرش الى الثرى وأهل السماء والارض ينظرون اليه* وكان بدء أمره أنه لما خلقه الله تعالى جعله تحت الارضين السبع على الثرى فعبد الله تعالى هناك ألف سنة فرفع الى الارض السابعة السفلى فعبد فيها ألفى سنة ثم الى التى فوقها وهى السادسة فعبد فيها ثلاثة آلاف سنة ثم فى الخامسة أربعة آلاف سنة ثم فى الرابعة خمسة آلاف سنة ثم فى الثالثة سنة آلاف سنة ثم فى الثانية سبعة آلاف سنة ثم فى الاولى ثمانية آلاف سنة ثم رفع الى السماء الدنيا فعبد فيها تسعة آلاف سنة ثم فى الثانية عشرة آلاف سنة ثم فى الثالثة احدى عشرة ألف سنة ثم فى الرابعة اثنتى عشرة ألف سنة ثم فى الخامسة ثلاث عشرة ألف سنة ثم فى السادسة أربع عشرة ألف سنة ثم فى السابعة خمس عشرة ألف سنة فذلك كله مائة وعشرون ألف سنة ثم قدّام العرش ضعف ذلك فذلك مائتان وأربعون ألف سنة لم يبق فى السموات والارض موضع شبر لم يسجد فيه ابليس فقال الهى هل بقى موضع لم أسجد فيه قال نعم هو فى الارض فاهبط فهبط فقال ما هو قال ذلك آدم فاسجد له فقال هل بقى موضع سوى آدم قال لا قال لم تأمرنى بسجوده وتفضله علىّ قال أنا المختار أفعل ما أشاء ولا أسأل عما أفعل فهابت الملائكة لما سمعوا ذلك وارتعدوا وارتعشوا وقيل رأى ابليس آدم طينا صوّر ووضع بين الطائف ومكة فعظم نفسه لزينته واحتقر آدم لطينته فزالت زينته وتبدّل اسمه وفسد حاله وسقطت منزلته وزال ايمانه وحبطت أعماله وبرئ منه ربه قال الله تعالى الا ابليس استكبر أى عدّ نفسه أكبر من أن يخدم غيره وقيل عدّ نفسه أكبر من أن يؤمر بهذا فانه عارض بقوله لم أكن لأسجد لبشر وبقوله أنا خير منه وقال أبو العالية لما ركب نوح السفينة اذا هو بابليس على كوثلها فقال له ويحك قد غرق الناس من أجلك قال فما تأمرنى قال تب قال سل ربك هل لى توبة فقيل له ان توبته أن يسجد لقبر آدم فقال تركته جيا وأسجد له ميتا وأما الطاوس فغضب الله عليه فعاقبه بمسخ رجليه وتغير صورته وأما الحية فغضب الله عليها فعاقبها بخمسة أشياء ألقى عنها القوائم وقال جعلت رزقك فى التراب وجعلتك تمشى على بطنك ولا يرحمك من يراك وفى رواية سيشدخ رأسك بالحجر من لقيك وجعلها تموت كل سنة فى الشتاء* وأما آدم فلما أكل(1/51)
من الشجرة المنهىّ عنها ابتلاه الله بعشرة أشياء الاوّل معاتبته اياه بقوله ألم أنهكما عن تلكما الشجرة الآية الثانى الفضيحة فانه لما أصاب الذنب بدت سوأته وتهافت ما عليه من لباس الجنة الثالث أوهن جلده بعد ما كان كالظفر وأبقى من ذلك قدرا على أنامله ليتذكر بذلك أوّل حاله الرابع أخرجه من جواره ونودى انه لا ينبغى أن يجاورنى من عصانى الخامس الفرقة بينه وبين حوّاء السادس العداوة قال الله تعالى بعضكم لبعض عدوّ السابع النداء عليه بالنسيان قال الله تعالى فنسى ولم نجد له عزما الثامن تسليط العدوّ على أولاده وهو قوله تعالى وأجلب عليهم بخيلك ورجلك التاسع جعل الدنيا سجنا له ولا ولاده العاشر التعب والشقاء وهو قوله عز وجل ان هذا عدوّ لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى فهو أوّل من عرق جبينه فى التعب
الخصال التى ابتليت بها حوّاء
وأما حوّاء فابتليت هى وبناتها بهذه العشرة وخمس عشرة خصلة سواهنّ الاولى الحيض يروى أنها لما تناولت الشجرة وادمتها قال الله تعالى ان لك علىّ أن أدميك وبناتك فى كل شهر مرّة كما أدميت هذه الشجرة وفى رواية قال أما أنت يا حوّاء فكما أدميت هذه الشجرة تدمين فى كل شهر* وفى المواهب اللدنية ولا دمينها فى الشهر مرّتين الثانية ثقل الحمل الثالثة الطلق وألم الوضع الرابعة نقصان دينها الخامسة نقصان عقلها السادسة أن ميراثها على النصف من ميراث الرجل قال الله تعالى للذكر مثل حظ الانثيين السابعة تخصيصهنّ بالعدّة الثامنة جعلهنّ تحت أيدى الرجال قال الله تعالى الرجال قوّامون على النساء التاسعة ليس اليهنّ من الطلاق شئ وانما هو للرجال العاشرة حرمن من الجهاد الحادية عشر ليس منهنّ نبىّ قط الثانية عشر ليس منهنّ سلطان ولا حاكم الثالثة عشر لا تسافر احداهنّ الا مع المحرم الرابعة عشر لا تنعقد بهنّ الجمعة الخامسة عشر لاسلام عليهنّ* ولما دل الطاوس ابليس لم يظهر شئ من البلاء وحملته الحية لم تظهر عقوبة وبادرت حوّاء الى الشجرة وأكلت منها لم يتغير حالها فلما أكل آدم بعد مائة سنة ظهر البلاء فذهبت عن الطاوس النعمة وعن الحية الصورة وعن حوّاء الصفة وعن آدم الدولة وهذا كله بسبب أكل آدم حبة بالنسيان أو التأويل فما بال من يأكل طول عمره الحرام بالقصد من غير تأويل وذلك لان حوّاء وغيرها كانت تبعا وآدم أصلا فلم يؤاخذ التبع بالزلة والاصل ثابت على الطاعة فلما زل الاصل أوخذ الاصل والفرع فكذلك حال العامّة مع الخاصة وحال الاعضاء مع القلب*
خروج آدم من الجنة
ثم قال الله لآدم وحوّاء اخرجا من جوارى فتضرّع آدم واعتذر وقال أتخرجنى من الجنة بخطيئة واحدة فلم تسمع معذرته وقال الهى ان كنت أكلتها بطوعى فعذبنى وان لم أتعمدها فاغفرلى فلم يقبل منه وقال لا يجاورنى من عصانى أخرج فرفع آدم طرفه الى العرش فاذا مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله قال يا رب بحق محمد ابنى اغفرلى فقال يا آدم كيف عرفت محمدا من ذرّيتك قال رأيت اسما مكتوبا مع اسمك على سرادق العرش لا اله الا الله محمد رسول الله فعلمت أن هذا نبىّ كريم عليك قال قد غفرت لك ذنبك بحق محمد ولكن لا يجاورنى من عصانى وجاء آدم الى باب الجنة ولما أراد الخروج نظر فرأى طيب الجنة وبهجتها وشجرة طوبى وأغصان سدرة المنتهى وظل العرش ونور حضيرة العزة وجمال الحور وبهاء القصور فبكى وودّع كل واحد منها حتى بكت عليه أشجار الجنة كلها الا العود فقيل له لم لم تبك فقال لم أكن لأبكى على من عصى الله فنودى أن كما عظمت أمرنا عظمناك ولكن هيئناك للاحراق قال يا رب ان عززتنى فما هذا الاحراق وان تحرقنى فما هذا الاعزاز فنودى أنت عظمتنا فلذلك يعظمونك لكن لما لم يحترق قلبك على محبنا يحرقونك* وفى بهجة الانوار كان آدم يفرّ من شجرة الى شجرة فلم يقبله الاشجرة العود فنودى قد قبلت من عصانى فقال الهى رحمته لانى علمت أن هذا عتاب لا عقاب قال الله تعالى لما أقبلت عليه ورحمته لاجلى جعلتك عزيزا فيما بين أولاده حتى(1/52)
انهم يشترونك بوزن الدرهم ولكن لما قبلت بغير اذنى فبعزتى وجلالى لا جعلنك بحال لا يخرج منك طيب حتى تحرق بالنار ليكون ذلك الطيب مع الوجع فلما انتهى الى باب الجنة ووضع احدى رجليه خارج الباب قال بسم الله الرحمن الرحيم فقال له جبريل تكلمت بكلمة عظيمة فقف ساعة فربما يظهر من الغيب لطف فنودى جبريل أن دعه حتى يخرج فقال الهى دعاك رحيما فارحمه فقال ان أرحمه لا ينقص من رحمتى شئ وان يذهب لا يعاب عليه فخلّ عنه حتى يذهب ثم يرجع غدا فى مئات ألوف من أولاده عصاة حتى يشاهد فضلنا على أولاده ويعلم سعة رحمتنا قال الضحاك أدخل آدم الجنة عند الضحوة وأخرج منها ما بين الصلاتين كما مرّ وادخال آدم الجنة واخراجه منها وخلقه كان فى يوم الجمعة كذا فى المشكاة وفى مقدار مكثه فى الجنة خلاف قال ابن عباس مكث آدم فى الجنة نصف يوم من أيام الآخرة وهو خمسمائة عام وهو قول الكلبى وقال الحسن البصرى لبث فى الجنة ساعة من نهار وهى مائة وثلاثون سنة من سنى الدنيا* وفى المختصر الجامع عن وهب بن منبه مكث آدم فى الجنة ست ساعات وقيل خمس ساعات وقيل ثلاث قيل الصحيح انه خلق لمضىّ احدى عشرة ساعة من يوم الجمعة وهو من الايام التى كل يوم منها ألف سنة من سنى الدنيا فبقى قدر أربعين عاما من أعوامنا ثمّ نفخ فيه الروح وبقى فى الجنة بقية الثانية عشر ساعة من يوم الجمعة ومقداره ثلاثة وأربعون عاما وأربعة أشهر من أعوامنا ثم هبط الى الارض هذا قول الطبرى فخرج آدم وحوّاء من الجنة عريانين حوعانين غريبين معزولين آخذا كل منهما بيد الآخر فجاء جبريل وقال لآدم خل يدها فان الملك يأمرك أن تفارقها فلما خلاها فقد كل منهما الآخر فضرب آدم بيده على فخذه ووضعت حوّاء يدها على هامتها فجعلا يبكيان هذا يقول وافرقتاه وهذه تقول واغربتاه فلذا اذا دهم الرجال أمر غمهم يضربون أيديهم على أفخاذهم واذا دهم النساء شئ همهنّ يضعن أيديهنّ على رؤسهنّ وهذا ميراث للاولاد عن الجدّ والجدّة* وفى الانس الجليل كان هبوط آدم وحوّاء وقت العصر وبين هبوط آدم والهجرة النبوية ستة آلاف سنة ومائتان وستة عشر سنة على حكم التوراة اليونانية وهى المعتمد عند المحققين من المؤرّخين وفى ذلك خلاف* وفى أنوار التنزيل قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ الخطاب لآدم وحوّاء لقوله تعالى اهبطا منها جميعا وجمع الضمير لانهما أصلا الانس فكأنهما الانس كلهم أولهما ولابليس خرج منها ثانيا بعد ما كان يدخلها للوسوسة أو دخلها مسارقة أو من السماء وهو قول مجاهد وقال ابن عباس والسدّى الخطاب لآدم وحوّاء وابليس والحية وعن ابن عباس فى رواية أخرى الخطاب لهؤلاء الاربعة والطاوس معهم فصاروا خمسة وهذا الامر وان انتظم فى كلمة لكن ما كان هبوطهم جملة بل هبط ابليس حين لعن بدليل قوله تعالى فى حق ابليس فاهبط منها وقال فاخرج منها وهبوط آدم وحوّاء والحمية والطاوس كان بعده بكثير من الزمان وأما المهبط ففى حياة الحيوان قال كعب الاحبار أهبط الله الحية باصبهان وابليس بجدّة وحوّاء بعرفة* وفى معالم التنزيل هبط ابليس بأيلة وحوّاء بجدّة وهبط آدم بسر نديب من أرض الهند على جبل يقال له نود وهو بأعلا الهند نحو الصين جبل عال يراه البحريون من مسافة أيام وفيه أثر قدم آدم مغموسة فى الحجر ويرى على هذا الجبل كل ليلة كهيئة البرق من غير سحاب ولا بدّ له فى كل يوم من مطر يغسل قدمى آدم ويقال ان الياقوت الاحمر يوجد على هذا الجبل تحدّره السيول والامطار الى الحضيض وبه يوجد الماس أيضا والعود* وفى عرائس الثعلبى قال ابن عباس أهبط الله آدم عليه السلام الى الارض على جبل وادى سرنديب وذلك أن ذروته أقرب ذرى جبال الارض الى السماء وكانت رجلاه فى الارض ورأسه فى السماء يسمع دعاء الملائكة وتسبيحهم وكان آدم يأنس بذلك فهابته الملائكة واشتكت نفسه الى الله تعالى(1/53)
فنقص الله قامته الى ستين ذراعا بذراع آدم وكان قبل ذلك يمس رأسه السحاب فصلع وأخذ ولده الصلع انتهى قال ابن اسحاق أهبط آدم وحوّاء على جبل بالهند يقال له واش عند واد يقال له نهبل عند الوهيج والمندل بلدان من أرض الهند وفى الترمذى فى حديث الدجال فيطرحهم بالنهبل وهو تصحيف والصواب بالميم كذا فى القاموس* وفى بحر العلوم روى أن آدم هبط بالهند وحوّاء بجدّة ساحل مكة وستجىء قصتهما وابليس بساحل بحر أيلة والحية باصبهان والطاوس ببيسان وفيه أيضا فى رواية قال أهبط آدم بالهند وحوّاء بالمزدلفة وابليس بكابل والحية بسجستان* وعن الحسن قال قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما هبط ابليس قال وعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام الروح فيه قال الله تعالى وعزتى وجلالى لا أحجب عنه التوبة حتى يغرغر* وعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ان الشيطان قال وعزتك لا أبرح أغوى عبادك ما دامت أرواحهم فى أجسادهم قال الرب وعزتى وجلالى وكرمى وارتفاعى وفى رواية وارتفاع مكانى لا أزال أغفر لهم ما استغفرونى ذكرهما فى بحر العلوم وفيه كان مهبط آدم على جبل سريديب فى شرقى أرض الهند يقال له باشم ويقال له واشم ويقال نود وأنبّت الله على ذلك الجبل أشجارا وأنبع مائة عين عذبة وجعل ترابها دواء وعرضه مائة فرسخ فى مائة فرسخ وفيه غار فيه عبادهم وقال أيضا هبط آدم من الجنة ورأسه يناغى السماء وكان أوّل شىء رآه آدم من القذر فى الدنيا عطس عطسة فسال أنفه فلما نظر اليه بكى أربعين عاما للقذر* وفى بحر العلوم أيضا عن وهب بن منبه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم خير الارض التى أهبط الله بها آدم وهى أرض الهند وفى رواية أطيب الارض قال وهب ان آدم عليه السلام كان خصف عليه من ورق الجنة وهى التين فانتفع بها ثم هبط الى الارض حين هبط وهى عليه فلما أصابها ضحى الارض وريحها يبست تلك الورقة فتخاتت عليه فذرتها الريح فى بلاد الهند فمن هنالك عبقت الهند وفشافيها أصل الطيب* وفى رواية كان على آدم وحوّاء من أوراق التين قد تسترا بها فتناثرت فى الارض فما أصاب الظبى من أوراق آدم صار مسكا وما أصاب بقر البحر صار عنبرا ومن ورق حوّاء ما أصاب دود القز صار حريرا وما أصاب النحل صار عسلا فبقيت هذه الاربعة منهما ميراثا لاولادهما الى يوم القيامة كذا فى بحر العلوم وفيه أيضا قال وهب لما أهبط الله آدم من الجنة كان على رأسه اكليل من ريحمان الجنة يظلله من الشمس وعلى عورته ورقة التين كما سيجىء قال ابن عباس يبس الاكليل حين أصابه حرّ الشمس وتساقط منه الورق وذلك بأرض الهند فنبت منه هذا العود وكل طيب فى الهند فأصله من ذلك الورق والريحان* وذكر الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال ان آدم هبط الى جبل الهند وكان رأسه يمسح السحاب فصلع فأورث ولده الصلع كما مرّ وكان يقرب منه دواب الوحش الى أن قتل قابيل هابيل وكانت يومئذ وحشيا وامتلأ طيبا ماثمة من شجر وجبل وواد من ريح الجنة فمن ثمة يجاء بالطيب من الهند وكان آدم قائما على الجبل يسمع أصوات الملائكة ويجد ريح الجنة وأهبط الى الارض وحط الى ستين ذراعا فقال آدم يا رب كنت جارك فى دارك آكل منها رغدا فأهبطتنى على هذا الجبل المقدّس فكنت أسمع أصوات الملائكة وأجد ريح الجنة وأرى ملائكتك كيف يحفون بعرشك فأهبطتنى الى الارض الى ستين ذراعا وذهبت الريح فأجابه الله تعالى يا آدم بمعصيتك كان ذلك ان لى حرما بحيال عرشى فانطلق فابن لى فيه بيتا ثم حف به كما رأيت ملائكتى يحفون بعرشى فهنا لك أستجيب لك ولولدك من كان منهم فى طاعتى فقال يا رب كيف لى بذلك المكان ولا أهتدى فقيض الله له ملكا وهو جبريل فتوجه به نحوه وكان آدم وجبريل كلما نزلا مكانا صار قرية وعمرانا وكل مكان تعدّياه ولم ينزلاه صار(1/54)
مفازة وقفارا فقدما مكة وفى رواية صار كل مفازة يقربها آدم خطوة وكان قد قبض له ما كان فى الارض من محاص أو نجد فجعله خطوة ولم يضع قدمه فى شىء من الارض الاصار عمر انا فطوى له المفازة كذا فى بحر العلوم* وفى روضة الاحباب قيل كان تطوى له الارض فى كل خطوة اثنين وخمسين فرسخا حتى بلغ مكة فى زمن قليل فكل موضع أصابه قدمه صار عمرانا وما بين قدميه بقى مفازة وقفارا* وفى العرائس عن ابن عباس ان خطوته مسيرة ثلاثة أيام* وفى رواية كان يمشى بين الجبال والمفازة فكل موضع أصابه قدمه صار قرية عظيمة وكل موضع استقرّ فيه صار مدينة وكل موضع صلّى فيه صار مسجدا جامعا عظيما وستجىء كيفية بناء آدم الكعبة وحجه* ولما مضى له فى الدنيا مقدار خمسمائة عام كثر ولده ولد ولده وأرسله الله اليهم يحكم فيهم بحكم الله حتى توفاه الموت وأنزل عليه خمسين صلاة فى اليوم والليلة والزكاة والصوم والاغتسال من الجنابة وتحريم الميتة ولحم الخنزير وأنزل الله عليه الحروف المقطعة فى احدى وعشرين ورقة وهو كتاب آدم الذى يعلم بها ألف لسان بقدرة الله تعالى* قال وهب هبط آدم من الجنة ومعه بذر وغرس واجانة وعلى رأسه اكليل من ريحان الجنة يظلله من الشمس وعلى عورته ورقة التين وأعطى العلاة والكلبتين وثمانية أزواج من الابل والبقر والمعز والضأن وأعطى عصا موسى وقال الله تعالى له ولولده* لدوا للموت وابنوا للخراب* وفى المدارك قيل نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والابرة وروى ومعه المرود والمسحاة* وفى بحر العلوم روى أن آدم أهبط ومعه خمسة أشياء أحدها العصا وهى من آس الجنة وسبب ذلك أنه كان يأكل من كل طعام فى الجنة فلا يصيبه شىء فلما أكل الحنطة بقيت فى أسنانه فاحتاج الى التخليل فأخذ عود آس فتخلل به فبقى معه فهبط وهو معه وتوارثته أبناؤه الى أن وصل الى موسى عليه الصلاة والسلام فصارت معجزة له وثانيها خاتم كان معه فلما سقطت عنه ثيابه وذهب تاجه أخذه فجعله فى فمه فخرج معه وتناقلته الذرّية الى أن وصل الى سليمان عليه السلام فصار قيد ملكه وثالثها الحجر الاسود وهو فى الاصل كان من جواهر الجنة قصده حين زلّ فأخذه وتمسك به فصار حجرا وهبط معه وصار من أركان الكعبة ورابعها قطعة من عود من شجر لم يبك عليه فعوتب وخوّف بالنار فاعتذر فجعل فيه الطيب وجعل معه قطعة منه وخامسها ورق التين وارى هو وحوّاء بذلك سوآتهما ولما تناثر ذلك وعريا فى الدنيا شكا آدم الى جبريل فجاءه بشاة من الجنة عظيمة لها صوف كثير وكانت قامة آدم الى قريب من السحاب وحوّاء مديدة أيضا لكن الشاة كانت كبيرة أيضا وقال لآدم قل لحوّاء تغزل من هذا الصوف وتنسج فمنه لباسك ولباسها فقالت حوّاء كيف وقع هذا العمل علىّ فاغتمت فجعلت نفقتها على آدم ولذلك لما كانت حوّاء سببا لاكل آدم من القمح وعريه جعل عليها أن تغزل وتكسوه ولما ثقل ذلك عليها جعلت نفقتها عليه ولما ثقل ذلك عليه جعل حظ الزوج فى الميراث ضعف حظ الزوجة فيه فغزلت حوّاء ذلك الصوف ونسجته واتخذت منه لنفسها درعا وخمارا ولآدم قيصا وازارا وكان ذلك أصل اللباس ثم توسع فيه الناس حيث شاؤا وزاد واما أرادوا* روى أن آدم أوّل ما هبط الى الدنيا قاسى الجوع مدّة ثم أكل الخبز من عمل نفسه وقاسى العرى مدّة ثم لبس الصوف من عمل حوّاء*
اتخاذ آدم الديك لمعرفة الاوقات
قال وهب لما قبل الله توبة آدم قال يا رب شغلت بطلب الرزق والمعيشة عن التسبيح والعبادة ولست أعرف مقدار ساعات التسبيح من أيام الدنيا فأهبط الله عليه ديكا وأسمعه أصوات الملائكة بالتسبيح فهو أوّل داجن اتخذه آدم من الخلق وكان الديك اذا سمع التسبيح فى السماء سبح فى الارض فيسبح آدم بتسبيحه وقال الله يا آدم قل الحمد لله كثيرا على كل حال حمدا يوافى نعمه ويكافئ(1/55)
مزيده فلك به مثل تسبيح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون* عن معاذ بن جبل أنه قال نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن قتل الديك الابيض وقال الديك الابيض اذا صاح يقول اذكروا الله يا غافلين* وروى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال ان لله ديكا أبيض تحت العرش وفى رواية ان لله ديكا رجلاه تحت الارض السفلى ورأسه تحت العرش وله جناحان أبيضان اذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فاذا جاء وقت الصلاة نشر جناحيه وصرخ بالتسبيح سبحان الملك القدّوس سبحان الحىّ القيوم فيسبح الديك فى الارض ذلك التسبيح ولما هبط آدم الى الارض اشتبهت عليه أوقات الصلوات فشكا الى جبريل فجاءه بديك أبيض من الجنة وانه مرّ على ذلك الملك فعرفه فلما هبط كان يسمع صوت ذلك الملك فيضرخ فيعرفه آدم وقال عليه الصلاة والسلام عليكم بالديك الابيض فانه مؤذن وحارس وذلك كله فى بحر العلوم* وقال أبو سعيد كان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ديك أبيض كذا فى سيرة اليعمرى* وفى حياة الحيوان كما سيجىء فى الخاتمة قال ابن عباس بكا آدم وحوّاء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتى سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما ولم يقرب آدم حوّاء مائة سنة وقال وهب بن منبه لما هبط آدم الى الارض مكث يبكى ثلثمائة سنة لا يرقأ له دمع* وقال المسعودى لو أن دموع أهل الارض جمعت لكانت دموع آدم أكثر منها حين أخرجه الله من الجنة ذكرها فى المواهب اللدنية* وعن علقمة بن مرثد وابن حبان قالا لو أن دموع أهل الارض جمعت لكان دموع داود أكثر منها حين أصاب الخطيئة ولو أن دموع داود ودموع أهل الارض جمعت لكان دموع آدم أكثر منها حين أخرج من الجنة كذا فى بحر العلوم وقال مجاهد بكى آدم مائة عام لا يرفع رأسه الى السماء وأنبت الله من دموعه العود الرطب والزنجبيل والصندل وأنواع الطيب وبكت حوّاء حتى أنبت الله من دموعها القرنفل والافاوى كذا فى المواهب اللدنية* وقال شهر بن حوشب بلغنى أن آدم لما أهبط الى الارض مكث ثلثمائة سنة لا يرفع رأسه الى السماء حياء من الله تعالى* وفى بحر العلوم مكث آدم بالهند مائة سنة لا يرفع رأسه الى السماء يبكى على خطيئته وجلس جلسة الحزين مائة سنة* وفى عرائس الثعلبى قال الشعبى أنزل ابليس من السماء مشتمل الصماء عليه عمامة ليس تحت ذقنه منها شىء أعور فى احدى رجليه نعل* روى ابن المبارك عن خالد الحدّادىّ عن حميد بن هلال قال انما كره التخصر فى الصلاة والتخفف لان ابليس هبط متخصرا*
(ذكر كيفية انتقاله صلّى الله عليه وسلم من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة وبالعكس)
* قال الله تعالى وتوكل على العزيز الرحيم الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين قال بعض المفسرين منهم ابن عباس وعكرمة أراد حين تقوم بالنبوّة ويرى تقلبك فى الساجدين فى أصلاب الموحدين من نبىّ الى نبىّ حتى أخرجك نبيا فى هذه الامّة وبيانها أن آدم عليه السلام كان أوّل فرد من أفراد الانسان وكان سائر أفراده مندرجة فى صلبه بصور الذرّات كما ذكر فى قصة أخذ الميثاق فلما نفخ فيه الروح صار نور نسمة محمد صلّى الله عليه وسلم يلمع من جبهته كالشمس المشرقة لاشتمال صلبه على الجزء الذرّى الذى هو مادّة للبدن العنصرى المحمدى* وفى معالم التنزيل كان آدم يسمع من تخطيط أسارير جبهته نشيشا كنشيش الذرّ فقال يا رب ما هذا فنودى يا آدم هذا تسبيح محمد ولدك مزج بمائك ليكون لك ولدا وأنت له أبا فنعم الوالد ونعم المولود ثم انتقل ذلك الجزء الذرّى من صلب آدم الى رحم حوّاء ومنها الى صلب شيث ومنه الى رحم مخوايله ومنها الى صلب أنوش وهكذا كان ينتقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات ومن أرحام الطاهرات الى أصلاب الطيبين وذلك النور أيضا كان ينتقل بتبعية ذلك الجزء الذرّى من جبهة الى جبهة وكان يؤخذ فى كل مرتبة عهد وميثاق على أن لا يوضع ذلك الجزء الا فى المطهرات فأوّل(1/56)
من أخذ العهد آدم أخذه من شيث وشيث من أنوش وهو من قينان وهكذا الى أن وصلت النوبة الى عبد الله بن عبد المطلب فلما أودع ذلك الجزء فى صلبه لمع ذلك النور من جبهته فظهر له جمال وبهجة حتى كانت نساء قريش يرغبن فى نكاحه وستجىء قصة الخثعمية فى الطليعة الثالثة ان شاء الله تعالى وقد أسعد الله بتلك السعادة وشرّف بذلك الشرف آمنة بنت وهب فولد منها النبىّ صلّى الله عليه وسلم*
(ذكر نسبة أبوى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم)
* هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصىّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان رواه البخارى* قال ابن الاثير ذكر رزين أنه عن ابن عباس رضى الله عنهما وفى سيرة مغلطاى الى هنا مجمع عليه وما فوق ذلك مختلف فيه كما سيجىء*
(ذكر نسبة أمّ نبينا صلّى الله عليه وسلم)
* هى آمنة بنت وهب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة قرشية* وفى المنتقى زهرة هذه امرأة نسب اليها ولدها ولا يعرف أبوه فأقيمت فى التذكير مقام الاب* وفى المواهب اللدنية وأمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة هى عاتكة بنت الاوقص بن مرّة من بنى سليم ذكره ابن قتيبة وقال أبو عمرو يعرف أبوها أى أبو عاتكة بأبى كبشة وينسب اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيقال ابن أبى كبشة وانما نسب اليه لانه كان يعبد الشعرى ولم يكن أحد من العرب يعبد الشعرى غيره خالف فى ذلك جميع العرب فلما جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم بخلاف ما كان عليه العرب قالوا هذا ابن أبى كبشة وقيل بل نسب الى أبى أمّه وهب وكان يدعى بأبى كبشة وقيل ان أباه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدى زوج حليمة السعدية كان يدعى بأبى كبشة كذا فى ذخائر العقبى* وفى المنتقى وجز بن غالب بن الحارث هو أبو كبشة الذى كانت قريش تنسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليه لانه جدّه من قبل أمّه وهو أوّل من عبد الشعرى
صفة الشعرى
وكان يقول الشعرى تقطع السماء عرضا ولا أرى فى السماء شمسا ولا قمرا ولا نجما يقطع السماء عرضا غيرها والعرب تظنّ أن أحدا لا يعمل شيئا الا بعرق ينزعه شبهه فلما خالف رسول الله صلّى الله عليه وسلم دين قريش قال مشركو قريش نزعه أبو كبشة* وفى المتقى أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة أبى آمنة هى قيلة ويقال هند بنت أبى قيلة وقيل عمرة بنت وجز ابن غالب بن الحارث بن عمرو بن ملكان وأمّها سلمى بنت لؤىّ بن غالب بن فهر بن مالك وأمّها مارية بنت كعب وأمّ وجز بن غالب السلافة بنت راهب بن بكير وأمّها بنت قيس بن ربيعة وأمّ عبد مناف ابن زهرة حمل بنت مالك وأمّ زهرة بن كلاب أمّ قصىّ وهى فاطمة بنت سعد بن سيل وأمّ آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم برّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصى بن كلاب وأمّ برة هى أمّ حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصىّ بن كلاب قاله ابن قتيبة وقال أبو سعيد أمّ سفيان بنت أسد ابن عبد العزى بن قصىّ بن كلاب بن مرّة وأمّ حبيب هى برّة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدىّ ابن كعب بن لؤىّ وأمّ برّة بنت عوف هى قلابة بنت الحارث بن صعصعة بن عائذ بن لحيان من هذيل كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى أمّ برّة بنت عوف بن قلابة بن الحارث بن مالك بن حباشة انتهى وأمّ قلابة هى هند بنت يربوع من ثقيف قاله ابن قتيبة وقال سعد انها بنت مالك بن عثمان من بنى لحيان فالجدّة الاولى والثانية والثالثة من أمّهات أمّه صلّى الله عليه وسلم قرشيات وأمّ أبى آمنة سلمية والرابعة لحيانية هذلية والخامسة ثقيفية ففى كل قبيلة من قبائل العرب له علقة نسب كذا فى المواهب اللدنية وأما فى المنتقى فقال أمّ قلابة أميمة بنت مالك بن غنم بن لحيان وأمّها دب بنت ثعلبة بن الحارث بن تميم ابن سعد وأمّها عاتكة بنت عاضرة بن عطيط بن جشم بن ثقيف وأمّها ليلى بنت عوف قال محمد(1/57)
ابن السائب كتبت للنبىّ صلّى الله عليه وسلم خمسمائة أمّ فما وجدت فيهنّ سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية كما مرّ منقولا عن الشفاء برواية ابن الكلبى فان بعض أهل الجاهلية كانوا اذا أرادوا النكاح يقولون عند الخطبة خطب ويقول أرباب المرأة نسكح وهو عندهم عبارة عن العقد ومن أمثالهم أسرع من نكاح أمّ خارجة* واعلم أن أقوال النسابين والمؤرّخين فى سلسلة نسب نبينا صلى الله عليه وسلم الى عدنان متفقة وفيما فوق عدنان خلاف كثير بحسب كمية الاعداد وكيفية الاسماء* قال ابن دحية أجمع العلماء والاجماع حجة على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما انتسب الى عدنان ولم يتجاوزه انتهى والله أعلم ولله درّ القائل
ونسبة عز هاشم من أصولها ... ومحتدها المرضىّ أكرم محتد
سمت رتبة علياء أعظم بقدرها ... ولم تسم الا بالنبىّ محمد
ويرحم الله القائل ... وكم أب قد علا بابن ذرى شرف
كما علت برسول الله عدنان
وعن ابن عباس أنه صلّى الله عليه وسلم كان اذا انتسب لم يتجاوز معدّ بن عدنان ثم يمسك ويقول كذب النسابون رواه فى مسند الفردوس لكن قال السهيلى الاصح فى هذا الحديث أنه من قول ابن مسعود* وفى الاكتفاء عن ابن عباس كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا انتهى الى عدنان أمسك ثم يقول كذب النسابون قال الله تعالى وقرونا بين ذلك كثيرا* روى ابن مسعود أنه كان اذا قرأ ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم الا الله قال كذب النسابون يعنى انهم يدّعون علم الانساب ونفى الله علمها عن العباد* وعن ابن عباس أنه قال بين اسماعيل وبين عدنان ثلاثون أبا لا يعرفون* وذكر أبو الحسن المسعودى وآخرون بين عدنان وابراهيم نحوا من أربعين أبا وهذا أقرب فان المدّة بينهما طويلة جدّا لكن فى لفظها وضبطها اختلاف كثير كذا فى الجواهر المضيئة* وفى المنتقى وعدّ بعضهم بين معدّ واسماعيل أربعين أبا وفى رواية ثلاثين قرنا لا يعلمهم الا الله* وفى مورد اللطافة قيل بين عدنان وبين اسماعيل تسعة آباء وقيل سبعة* وفى الاكتفاء الصحيح المجمع عليه فى نسبه الى عدنان وما فوق ذلك مختلف فيه ولا خلاف فى أن عدنان من ولد اسماعيل نبىّ الله ابن ابراهيم خليل الله عليهما السلام وانما الاختلاف فى عدد من بين عدنان واسماعيل من الآباء فقلل ومكثر وكذلك من ابراهيم الى آدم عليهما السلام لا يعلم ذلك على حقيقته الا الله تعالى وكذلك الاختلاف فى أن عدنان من ولد ثابت بن اسماعيل أو من ولد قيدار بن اسماعيل وثابت يروى بالنون وبالثاء المثلثة روى أن مالك بن أنس كان يكره أن ينسب الانسان نفسه أبا أبا الى آدم وكذلك فى حق النبىّ صلّى الله عليه وسلم لانه لا يعلم أولئك الآباء الا الله تعالى كذا فى معالم التنزيل* وفى سيرة ابن هشام عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب* وفى سيرة مغلطاى وقيل يشجب ابن يعرب بن يشجب بن ثابت بن اسماعيل بن ابراهيم خليل الرحمن بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن ارغو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن اخنوخ وهو ادريس النبى صلّى الله عليه وسلم فيما يزعمون والله أعلم وكان أوّل من أعطى النبوّة وخط بالقلم من بنى آدم ابن يرد بن مهلايل بن قينان بن يانش بن شيث بن آدم صلّى الله عليه وسلم* قال أبو محمد عبد الملك بن هشام حدّثنا زياد بن عبد الله البكائى عن محمد بن اسحاق المطلبى بهذا الذى ذكرت من نسب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن هشام وحدّثنى خلاد بن قرّة بن خلد السدوسى عن شيبان بن زهير بن شقيق ابن ثور عن قتادة بن دعامة أنه قال اسماعيل بن ابراهيم خليل الله ابن تارخ وهو آزر بن ناحور بن أسرع(1/58)
ابن ارغو بن فالخ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن اخنخ بن يرد بن مهلائيل بن قاين بن أنوش بن شيث بن آدم صلّى الله عليه وسلم وسردا الطبرى فى خلاصة السير النسب النبوى الابوى الى ابراهيم موافقا لما رواه ابن هشام عن البكائى* وفى الصفوة عدنان بن أدد بن الهميسع بن حمل بن نبت ابن قيدار بن اسماعيل بن ابراهيم وكذا فى المنتقى الا أن فيه قدّم نبتا على حمل وبعضهم يقول عدنان بن أدّ بن أدد كذا فى دلائل النبوّة* وابراهيم بن تارخ وهو آزر بن ناحور بن ساروح بن أرغو بن فالخ* وفى بعض الكتب فالغ بن عابر وهو هود بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن ادريس بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليهما السلام* وفى حديث أمّ سلمة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم عدنان بن أدد بن زيد بن برى بن اعراق الثرا قالت أمّ سلمة فزيد هو الهميسع وبرى هو نبت واعراق الثرا هو اسماعيل وقيل اعراق الثرا ابراهيم لانهم لما رأوه لم يحترق بالنار قالوا ما هو الا اعراق الثرا وزيد بالياء وقيل بالنون كذا فى دلائل النبوّة*
أولاد آدم الصلبية
روى عن ابن عباس أنه قال لم يمت آدم حتى بلغ أولاده وأحفاده أربعين ألفا الصلبية منهم أربعون عشرون منهم ذكورا وعشرون اناثا وقيل الاناث تسع عشرة والذكور احد وعشرون روى أن حوّاء كانت تلد فى كل بطن توأمين غلاما وجارية الا فى نوبة شيث فان النور المحمدى لما انتقل من آدم الى حوّاء حملت بشيث وحده لشرف نورا لنبوّة وهو المشهور وقيل كانت لشيث أيضا توأمة* وفى معالم التنزيل كان جميع ما ولدته حوّاء أربعين ولدا فى عشرين بطنا أوّلهم قابيل وتوأمته اقليميا وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث* واختلفوا فى مولد قابيل وهابيل قال بعضهم غشى آدم حوّاء بعد مهبطهما الى الارض بمائة سنة فولدت له قابيل وتوأمته اقليميا فى بطن ثم هابيل وتوأمته لبودا فى بطن وكان بينهما سنتان* وفى المختصر يقال ان بعد مائة وعشرين سنة من هبوط آدم ولد له ولدان فى بطن واحد قابيل وهابيل فقتل هابيل قابيل على الرواية الصحيحة لان قابيل اشتق اسمه من قبول قربانه وهابيل من هبل* وهى مخالفة لما هو المشهور وقال محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الاوّل ان آدم كان يغشى حوّاء فى الجنة قبل أن يصيب الخطيئة فحملت بقابيل وتوأمته فلم تجد عليهما وجعا ولا طلقا حين ولدتهما ولم تر معهما دما فلما هبطا الى الارض تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته فوجدت عليهما الوجع والطلق والدم* وفى بحر العلوم أوّل ولد ولد لآدم الحارث ولا أخت معه فى البطن ثم قابيل ومعه أخته اقليميا ثم هابيل وأخته ابودا ثم اسوف وأخته ثم شيث ثم انثى بعده فى بطن فزوّجها منه اسمها حروث ثم اباد وأخته ثم جنان وأخته ثم كرس وأخته ثم هون وأخته ثم نحود وأخته ثم سندل وأخته ثم بارق وأخته ثم كذا ثم كذا الى تمام أربعين بطنا عند محمد بن اسحاق* وقال وهب بن منبه مائة وعشرون بطنا وقيل خمسمائة بطن لتمام ألف ولد وبقى فيهم وفى أولادهم ألف لسان من العربية والعبرية والسريانية والفارسية والتركية والرومية والهندية والسغدية والخوارزمية وغيرها*
قتل قابيل هابيل
وفى المدارك روى أنه أوحى الله الى آدم أن زوّج كل واحد من قابيل وهابيل توأمة الآخر وكانت توأمة قابيل أجمل فحسد عليها أخاه هابيل وسخط فقال لهما آدم قرّ باقر بانا فأيكما قبل قربانه يتزوّجها ففعلا فقبل قربان هابيل بأن نزلت عليه نار فأكلته فازداد قابيل حسد او سخطا فقتله فتكا على غفلة منه* روى أن قابيل لما قتل أخاه أتاه ابليس فقال له انما أكلت النار قربان أخيك لانه كان يخدم النار ويعبدها فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك ففعل فقابيل أوّل من سنّ القتل وعبادة النار* وفى بحر العلوم قال وهب كان يولد لحوّاء فى كل بطن ذكر وأنثى فولد قابيل وأخته اقليميا ثم ولد هابيل وأخته لبودا فأمر آدم قابيل أن يتزوّج بأخت هابيل وأمر هابيل أن يتزوّج بأخت(1/59)
قابيل فأبى قابيل وشح بأخته رغبة عن حكم الله تعالى وقال أنا أحق بأختى التى ولدت فى بطنى ونحن من أولاد الجنة وهابيل وأخته من أولاد الارض فغضب آدم غضبا شديدا وقال هذه معصية لله تعالى اذهبا فتحا كما الى الله تعالى وقرّ باقر بانا فأيكما تقبل قربانه فهو أحق باقليميا وكان هابيل صاحب غنم يرعاها فى الحرم وقابيل صاحب زرع يزرع خارجا من الحرم فقرب هابيل كبشا من أعظم غنمه وأسمنها وقرب قابيل سنبلا من أسمن زرعه وأطيبه فتقبل الله قربان هابيل وكانت تنزل نار من السماء فى سلسلة بيضاء ليس لها وهيج ولا دخان فتقبل قربان المحق وتدع قربان المبطل ولم يتقبل قربان قابيل فقال قابيل لهابيل ما بالك تقبل منك قربانك ولم يتقبل منى قال هابيل مالى بذلك من علم فامتلأ قابيل بذلك غيظا وحسدا لاخيه فقال هابيل انما يتقبل الله من المتقين فقال قابيل لاقتلنك فقال هابيل لم قال لان الله تعالى تقبل قربانك وردّ قربانى فأفلح حجتك وأدحض حجتى ويقول الناس بعد اليوم أنك خير منى قال هابيل لئن بسطت الىّ يدك لتقتلنى الآية* وفى العرائس أنكر جعفر الصادق أن يكون آدم زوّج ابنته من ابنه وقال لما أهبط آدم وحوّاء الى الارض وجمع بينهما ولدت حوّاء ابنة سماها عناق فبغت وهى أوّل من بغى على وجه الارض فسلط الله عليها من قتلها فولدت لآدم على اثرها قابيل ثم ولدت له هابيل فلما أدرك قابيل أظهر الله جنية من الجنّ يقال لها حمالة فى صورة انسية فأوحى الله تعالى الى آدم أن زوّجها من قابيل فزوّجها منه فلما أدرك هابيل أهبط الله حوراء فى صورة انسية وخلق لها رحما وكان اسمها بركة فلما نظر اليها هابيل وصفها فأوحى الله تعالى الى آدم أن زوّج بركة من هابيل ففعل فقال قابيل ألست بأكبر من أخى وأحق بما فعلت به منه فقال يا بنىّ ان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فقال لا ولكنك آثرته بهواك فقال له آدم ان كنت تريد أن تعلم حقيقة ذلك فقرّبا قربانا الى آخر القصة وكان موضع القربان منى ومن أجل ذلك صار منى مذبح الناس فلما توجها راجعين وبلغا العقبة أراد قابيل أن يقتل هابيل فلم يدر كيف يقتله فعمد ابليس الى طائر فرضخ رأسه بحجر وقابيل ينظر اليه فعمد هو الى أخيه فدمغه بحجر فقتله فحين فعل ذلك أرعش جسده وسقط فى يده ولم يدر كيف يصنع وأصبح نادما وذلك كان أوّل من قتل وحمله على ظهره ثلاثة أيام وكان يطوف به حتى تروّح جسده وانتفخ بطنه وظهرت زهومته* وفى المدارك لما قتله قابيل تركه بالعراء لا يدرى ما يصنع به فخاف عليه السباع فحمله فى جراب على ظهره سنة حتى أروح وعكفت عليه السباع فبعث الله غرابا فأقبل يهوى حتى قتل غرابا آخر وجعل يحفر الارض بمنقاره ويبحث برجليه ثم ألقاه فى الحفرة ثم أثار التراب عليه حتى واراه وابن آدم ينظر اليه فقال يا ويلتا أعجزت ان أكون الآية* وفى المدارك روى أنه لما قتله اسودّ جسده وكان أبيض فسأله آدم عليه السلام عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلا فقال بل قتلته ولذا اسودّ جسدك فالسودان من ولده* وفى العرائس كان لهابيل يوم قتل عشرون سنة واختلفوا فى مصرعه وموضع قتله وقال ابن عباس على جبل ثور وقال بعضهم على عقبة حراء وقال جعفر الصادق رضى الله عنه بالبصرة فى موضع المسجد الاعظم* وفى بحر العلوم لما رجع آدم من حجه ولم يجد هابيل وسأل عنه وقالوا لا ندرى مكث سبعة أيام ولياليها لا ينام فرأى بعد ذلك فى منامه ولده ينادى يا أبتاه يا أبتاه فاستيقظ وصاح وخرّ مغشيا عليه فجاء جبريل فأخذ برأسه وعزاه بالمصيبة وقال انه كان يصيح عند ما قتل وكذا يخرج من قبره يوم القيامة فقال آدم أنا برئ من قابيل فقال الله تعالى وأنا برئ منه أيضا ودل جبريل آدم على موضع مواراته فأتاه فبحثه فرآه مشدوخا ملطخا بالدماء فنادى يا حسرتاه يا أسفاه يا ولداه فبكى أهل السماء لبكائه وقالوا الآن كان استراح هذا المسكين من بكائه فقال الله تعالى دعوه فالدنيا دار البكاء* وفى العرائس صار
قابيل طريدا(1/60)
شريدا فزعا مرعو بالا يأمن فأخذ بيد أخته اقليميا وهرب بها الى عدن من أرض اليمن* وفى بحر العلوم بعد ما دفن قابيل أخاه انطلق هاربا حتى أوى الى واد من أودية اليمن فى شرقى عدن فكمن فيه زمانا وبلغ آدم ما صنع قابيل فوجد آدم هابيل قتيلا ووجد الارض قد نشفت دمه فلعن الارض عند ذلك فمن أجل لعن آدم لا تنشف الارض دما بعد دم هابيل الى يوم القيامة وأنبتت الشوك ثم ان آدم احتمل ابنه على عنقه زمانا طويلا يد وربه فى البلاد ولا تجف دموعه ثم دفنه* وفى رواية لم يقتله حتى غاب آدم للحج ففعل ذلك ثم رجع آدم فلم يجد هابيل ووجد سائر أولاده ونوافله قد استقبلوه فقال أين هابيل فاعتل قابيل بشئ ثم ظهر له ذلك فلعن الارض بتنشيف دمه فأخرجت ما كانت نشفت وتزلزلت وهربت السباع الى الجبال وقالوا زال الامن من الناس فقد قتل الاخ أخاه وعق الولد أباه ودعا آدم على قابيل فأمر الله تعالى الارض بأن تخسفه فخسفته الى ركبتيه ثم كان من مناجاته يا رب أنت أرحم الراحمين لا تترك رحمتك لذنبى فأمر الله الارض أن تطلقه وأتاه ملك فكسر رجليه ويديه وقيده وغله وطاف به مجرورا على الارض فى الدنيا كلها سبع مرّات وكان يعذب فى هذه الطوفات فى الشتاء بجبال الثلج وفى الصيف بجبال النار ثم رماه بعض أولاده من نوافله بحجر فرضخه فقتله فصار الى النار فبئس القرار قال الله تعالى فى حاله فى جهنم وقول أهل النار ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجنّ والانس الآية* وفى حديث مقاتل باسناده عن علىّ كرّم الله وجهه لما أنكر قابيل قتل هابيل شهدت جوارحه وبعث الله ملكا فأخذه واستقبل به الشمس يدور معها حيث دارت يعذبه بالنار فى الصيف وبالزمهرير فى الشتاء ثمانين سنة ثم ألقاه الى الارض ثم أمر بخسفه فى الارض* قال العتابى سلط الله على قابيل الريح حتى ألقته الى أقرب موضع من الشمس وأشدّها حرّا فى الصيف حتى يحترق وفى الشتاء ألقته الى أبعد موضع من الشمس وأشدّها بردا وهكذا يحوّله ويعذبه الى يوم القيامة وهو قول مجاهد* وقيل ان قابيل كان من لقمة آدم التى نهى عنها فى الجنة فظهر ذلك فى ولده فصار اماما للكفرة والظلمة ويأجوج ومأجوج من نسله* وفى معالم التنزيل لما قتل قابيل هابيل وآدم حينئذ بمكة اشتاك الشجر وتغيرت الاطعمة وحمضت الفواكه ومرّ الماء واغبرت الارض وعن علىّ رضى الله عنه اغبرّت الارض وانتقصت الاشياء كلها يومئذ طعوم الثمار وضوء الشمس ونور القمر وريح الرياحين والطيب وعذوبة الماء ونبت العوسج فقال آدم قد حدث فى الارض شئ فأتى الهند فاذا قابيل قد قتل هابيل فبكى آدم وحوّاء وامتنع من غشيانها وناح آدم وحوّاء عليه بهذه الابيات وهو أوّل من قال الشعر والله أعلم
تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الارض مغبرّ قبيح
تغير كل ذى طعم ولون ... وقلّ بشاشة الوجه الصبيح
فوا أسفا على هابيل ابنى ... قتيلا قد تضمنه الضريح
وقابيل أذاق الموت هابيل ... فواجزنى لقد فقد المليح
وجاءت شهلة ولها أنين ... لها بلها وقابلها تصيح
لقتل ابن النبىّ بغير جرم ... فقلبى عند قتلته جريح
وجاورنا عدوّ ليس يفنى ... لعين لا يموت فنستريح
وقالت حوّاء رحمها الله تعالى
دع الشكوى فقد هلكا جميعا ... يهلك ليس بالثمن الربيح
وما يغنى البكاء عن البواكى ... اذا ما المرء غيب فى الضريح
فبك النفس منك ودع هواها ... فلست مخلدا بعد الذبيح(1/61)
وقال لهما ابليس لعنه الله تعالى
تنح عن البلاد وساكنيها ... فبى فى الخلد ضاق بك الفسيح
وكنت بها وزوجك فى رخاء ... وقلبك من أذى الدنيا مريح
فما زالت مكايدتى ومكرى ... الى أن فاتك الخلد الربيح
فلولا رحمة الجبار أضحى ... بكفك من جنان الخلد ريح
تابعه الثعلبى فى قول آدم وتفرّد فى قول حوّاء وابليس ونقل ابن الاثير أيضا فى كتاب كامل التاريخ وصاحب زين القصص وغيرهما شعر آدم لكن قال صاحب الكشاف اسناده الى آدم كذب محض وقال الامام فخر الدين الرازى صدق صاحب الكشاف* وفى معالم التنزيل بعد ما نقل الشعر المذكور روى ميمون بن مهران عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال من قال ان آدم عليه السلام قال شعرا فقد كذب على الله ورسوله فان محمدا والانبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام فى النهى عن الشعر سواء ولكن لما قتل قابيل هابيل رثاه آدم وهو سريانى وقال لشيث يا بنىّ انك وصيى فاحفظ هذا الكلام ليتوارث فيرق الناس عليه فلم يزل ينتقل الى أن وصل الى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أوّل من تكلم بالعربية وكان يقول الشعر وفى القاموس يعرب بن قحطان أبو اليمن وأوّل من تكلم بالعربية فنظر فى المرثية فردّ المقدّم الى المؤخر والمؤخر الى المقدّم فوزنه شعرا وزاد فيه أبياتا منها
ومالى لا أجود بسكب دمعى ... وهابيل تضمنه الضريح
أرى طول الحياة علىّ غما ... فهل أنا من حياتى مستريح
وفى معالم التنزيل ولما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وفى البحر العميق مائتان وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حوّاء شيثا وفى المختصر تفسيره هبة الله يعنى انه خلف من هابيل وكذا فى العرائس عن جعفر الصادق* وفى البحر العميق وكان قيامه بالامر بعد آدم مائتين وثنتى عشرة سنة ومات وله تسعمائة واثنتا عشرة سنة واختلف فى نبوّته* وفى معالم التنزيل ان الله تعالى علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرّقوا فى البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة وعن محمد بن جرير أن أنساب جميع بنى آدم اليوم تنتهى الى شيث لان نسل سائر أولاده قد انقطع فى الطوفان
*
قصة عنق وابنها عوج
وفى معالم التنزيل والعرائس وكانت احدى بنات آدم لصلبه عنق وكان مجلسها جريبا من الارض وفى العرائس وكان كل اصيع من أصابعها ثلاثة أذرع فى عرض ذراعين فى رأس كل اصبع منها ظفران حديدان مثل المنجلين وكان موضع جلوسها جريبا من الارض ويقال انها أوّل من بغى على وجه الارض فأرسل الله عليها أسودا كالفيلة وذئابا كالابل ونسورا كالحمر فسلطهم عليها فقتلوها وأكلوا لحمها وشربوا دمها انتهى فولد منها عوج وكان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع* وفى العرائس كان طول عوج بن عنق ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا بذراع زمانه وكان يحتجز بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه اليها ثم يأكله* ويروى أن الماء طبق ما على الارض من جبل وفى موضع آخر منه علا الماء على رؤس الجبال بقدر أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا وما جاوز ركبتى عوج* وفى موضع آخر منه كان الماء الى حجزته كما سيجىء* وفى القاموس عوج بن عوق بضمهما رجل ولد فى منزل آدم فعاش الى زمن موسى عليه السلام وذكر من عظم خلقه شناعة* وفى القاموس أيضا عوق كنوح والدعوج الطويل ومن قال عوج بن عنق فقد أخطأ* وفى الانس الجليل عوج ابن عناق نسبة لامّه عناق بنت(1/62)
آدم وهى أوّل من بغى على وجه الارض وعمل الفجور والسحر وجاهرت بالمعاصى وولدت عوجا الجبار ولم يغرقه الطوفان ولم يبلغ بعض جسده وطلب السفينة ليغرقها* وفى معالم التنزيل عاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله على يد موسى وذلك ان الله وعد موسى عليه السلام أن يورثه وقومه الارض المقدّسة وهى الشام* وفى عمدة المعانى الارض المقدّسة أى المطهرة وهى دمشق وفلسطين وبعض الاردن وقيل الشام كلها وسيجىء أمرهم الله تعالى بالسير الى أريحاء من أرض الشام وهى الارض المقدّسة وكان لها ألف قرية وفى كل قرية ألف انسان وكان لا يحمل عنقودا من عنهم الا خمسة أنفس فى خشبة بينهم ويدخل فى شطر الرمانة اذا انزع حبها خمسة أنفس قال ابن عباس اريحاء قرية الجبارين كان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عنق وقيل بلقاء* وفى معالم التنزيل سمى أولئك القوم جبارين لامتناعهم لطول قامتهم وقوّة أجسادهم وكانوا من العمالقة وبقية قوم عاد وقال الله يا موسى انى كتبتها لكم دارا وقرارا فاخرج اليها وجاهد من فيها من العدوّ فانى ناصرك عليهم وخذ من قومك اثنى عشر نقيبا من كل سبط نقيبا كفيلا على قومه بالوفاء منهم على ما أمروا به فاختار موسى النقباء وسار ببنى اسرائيل حتى قربوا من أريحاء وبعث هؤلاء النقباء يتجسسون الاخبار ويعلمون علمها فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عنق وكان طول قامته وعمره ما ذكرنا وعلى رأسه خرمة حطب فأخذ النقباء الاثنى عشر وجعلهم فى حزمته وانطلق بهم الى امرأته وقال انظرى الى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يزيدون قتالنا وطرحهم بين يديها وقال لأطحننهم فقالت امر أنه بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم ففعل ذلك* وروى أنه جعلهم فى كمه وأتى بهم الى الملك فنثرهم بين يديه وقال الملك ارجعوا فأخبروا بما رأيتم ثم انه جاء وقوّر صخرة من الجبل على قدر معسكر موسى فرسخا فى فرسخ وحملها ليطبقها عليهم فبعث الله الهدهد فقوّر الصخرة بمنقاره فوقعت فى عنقه فصرعته فأقبل موسى وهو مصروع فقتله* وفى الانس الجليل والعرائس فأرسل الله طيرا فنقر الصخرة فنزلت من رأسه الى عنقه ومنعته الحركة فوثب موسى وكانت وثبته عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع وطول عصاه مثل ذلك ولم يلحق الاعرقوبه وهو مصروع وضرب كعبه فقتله وتركه بموضعه وأردم عليه التراب والرمل فكان كالجبل العظيم فى صحراء مصر وجاءت جماعة كثيرة من بنى اسرائيل فقطعوا رأسه بعد جهد جهيد بالخناجر ووضعوا ضلعا من أضلاعه على نيل مصر فجسرهم سنة كذا فى العرائس* وروى أن كل واحد من وثبة موسى وطوله وطول عصاه أربعون ذراعا* وهذه القصة لغرابتها أوردت فى البين فلنرجع الى ما كنا بصدده* روى ان آدم عاش تسعمائة وستين سنة وقيل ألف سنة وفى حياة الحيوان كان طول آدم ستين ذراعا وعاش ألف سنة الاستين عاما وفى المختصر الاسبعين عاما* وفى الانس الجليل تسعمائة وثلاثين سنة وكان وصيه شيث ومدّة مرضه أحد عشر يوما وتوفى بمكة يوم الجمعة وصلّى عليه جبريل واقتدى به الملائكة وبنو آدم* وفى رواية صلّى عليه شيث بأمر جبريل ودفن بمكة فى قبر لحد له فى غار أبى قبيس وهو غار يقال له غار الكنز قاله وهب* وفى العرائس قال ابن اسحاق فى مشارق الفردوس عند قرية هى أوّل قرية كانت فى الارض وكسفت عليه الشمس والقمر تسعة أيام ولياليها* وفى بحر العلوم عن ابن عباس أنه قال لما فرغ آدم من الحج رجع الى الهند فمات على نود بالهند ودفن بها وعن ثابت البنانى حفروا لآدم ودفنوه بسر نديب من الهند فى الموضع الذى أهبط عليه وصححه الحافظ عماد الدين بن كثير فى تفسيره والزمخشرى فى الكشاف* وفى المدارك لما توفى آدم غسلته الملائكة وحنطته وكفنته فى وتر من الثياب وحفروا له قبرا ولحد او دفنوه بسر نديب من الهند وقالوا(1/63)
لبنيه هذه سنتكم وقيل ان قبره فى مغارة بين بيت المقدس ومسجد ابراهيم وعن ابن عمر أنه قال رأسه عند الصخرة ورجلاه عند مسجد الخليل وتوفيت حوّاء بعد آدم بسنة وقيل بثلاثة أيام ودفنت الى جنب آدم فى ذلك الغار ولم يزل قبر آدم هناك الى زمان الطوفان ولما حدث الطوفان حمله نوح وقيل حملهما فى تابوت معه فى السفينة وجعله معترضا بين الرجال والنساء قاله مقاتل* ولما انقضى الطوفان دفنه فى مدفنه الاوّل* وفى رواية ابن عباس دفن ببيت المقدس وقيل عند مسجد الخيف حكاه الذهبى ومسجد الخيف حكاه عروة بن الزبير* وفى المختصر الجامع قيل ان سام بن نوح أخرجه من السفينة وحمله الى منى ودفنه عند منارة مسجد الخيف* وفى الانس الجليل نزل جبريل على آدم اثنتى عشرة مرّة وقام بالامر بعد آدم شيث ويقال شاث ومعناه هبة الله ويقال عطية الله كذا فى سيرة مغلطاى وكانت ولادة شيث بعد مضىّ مائة وعشرين سنة لآدم بعد قتل هابيل بخمس سنين كذا فى كامل التاريخ* وفى رواية كان مولده لمضىّ مائتى سنة وخمس وثلاثين سنة من عمر آدم وقيل غير ذلك وكان شيث أجمل أولاد آدم وأشبههم به وأحبهم اليه وأفضلهم* وقال ابن عباس كان معه توأم ولما حضرت آدم الوفاة عهد الى شيث وعلمه ساعات الليل والنهار وعلمه العبادات فى كل ساعة منها وأعلمه بالطوفان وصارت الرياسة بعد آدم اليه وأنزل الله تعالى عليه خمسين صحيفة واليه تنتهى أنساب بنى آدم كلهم اليوم وزوّجه الله مخوايله البيضاء بيت آدم فى حياته وكانت جميلة كأمّها حوّاء وخطب جبريل وشهدت الملائكة وكان آدم وليها فولدت أنوش بن شيث ويقال يانش ومعناه الصادق وكانت مدّة عمر شيث تسعمائة واثنتى عشرة سنة ومات لمضىّ ألف ومائة واثنتين وأربعين سنة من هبوط آدم ودفن فى غار أبى قبيس الى جنب أبويه وانتقلت رياسة الخلوّ بوصيته الى ابنه يانش وقام مقام أبيه قريبا من ستمائة سنة وعاش تسعمائة وخمسين سنة وقيل كان جميع عمرة تسعمائة وخمس سنين وكان مولده بعد أن مضى من عمر أبيه شيث ستمائة وخمس سنين كذا فى كامل التاريخ وولد لا نوش قينن بالقاف ويقال قينان ومعناه المتولى ولد من أخت أبيه نعمة بنت شيث بعد مضى تسعين سنة من عمر أنوش كذا فى الكامل* وفى سيرة ابن هشام قاين وقام مقام أبيه قريبا من خمس وتسعين سنة وعاش تسعمائة واثنتى عشرة سنة كذا فى الكامل وقيل تسعمائة وثنتين وستين سنة وولد لقينان مهليل بن قينان ويقال مهلائيل ومعناه الممدّح وفى الكامل وغيره مهلائيل أوّل من بنى المدّن واستخرج المعادن وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد وبنى مدينة بابل بالعراق ومدينة السوس بخوزستان وكانتا أوّل ما بنى على وجه الارض وما بنيت قبلهما مدينة وكان مأوى بنى آدم فى المغارات والغيض كذا فى نظام التواريخ* وفى التوراة أن مهلائيل ولد بعد أن مضى من عمر آدم عليه السلام ثلثمائة وخمس وتسعون سنة وعاش ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة ونسابو الفرس قالوا مهلائيل بن قينان هو شنج الذى ملك الاقاليم السبعة كذا فى كامل التاريخ* وفى نظام التواريخ كثر الناس فى زمان مهلائيل وكان من كثرة الناس فى زحمة ففرّقهم مهلائيل فى أقطار الارض وجاء هو مع أولاد شيث الى أرض بابل* وفى كامل التاريخ مهلائيل هو أوّل من استنبط الحديد وعمل منه الادوات للصناعات وقدّر المياه فى مواضع المنافع وحض الناس على الزراعة واعتماد الاعمال وأمر بقتل السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها والمفارش وبذبح البقر والغنم والوحش وأكل لحومها وانه بنى مدينة الرىّ وهو أوّل من استخدم الجوارى وأوّل من قطع الشجر وعملها فى البناء* ذكروا أنه نزل الهند وتنقل فى البلاد وعقد على رأسه تاجا وذكروا أنه قهر ابليس وجنوده ومنعهم الاختلاط بالناس وتوعدهم على ذلك وقتل مردتهم فهربوا من خوفه الى المفاوز والجبال فلما مات
عادوا وقبل انه سمى شرار الناس شياطين واستخدمهم(1/64)
وملك الاقاليم كلها وانه كان بين مولد هو شنج وملكه وبين موت كيومرث مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة وقال أهل التوراة ان أوّل من اتخذ الملاهى من ولد قابيل رجل يقال له توبال اتخذها فى زمان مهلائيل ابن قينان واتخذ المزامير والطنابير والطبول والعيدان والمعازف فانهمك ولد قابيل فى اللهو وولد لمهلائيل يرد بمثناة تحتية مفتوحة ثم راء مهملة وذال معجمة كذا فى الكامل ويقال يارد ويقال الرائذ ومعناه الضابط ولد بعد ما مضى من عمر آدم أربعمائة وستون سنة وكان هو القائم بوصية أبيه وعاش تسعمائة وثنتين وستين سنة وكل هؤلاء ولدوا فى حياة آدم
* (ذكر ملوك الفرس متفرّقة ومشاهير الانبياء والحكماء الذين كانوا فى أيامهم)
**
(ذكر كيومرث)
* فى نظام التواريخ للشيخ ناصر الدين البيضاوى اتفق أهل التواريخ على أن أوّل الملوك كيومرث وزعم بعض المؤرّخين أن كيومرث هو آدم عليه السلام ولم يصدّقهم الآخرون وأورد الغزالى فى كتاب نصائح الملوك أن كيومرث أخو شيث وقال جماعة ان كيومرث من أولاد نوح وقيل هذا أظهر وعلى التقادير كلها ان كيومرث هو أوّل الملوك فى الارض ويقال ان كيومرث أوّل من بنى المدن ابتنى مدينتين احداهما اصطخر وكان أكثر مقامه بها والثانية دماوند وكان يقيم بها أحيانا وعاش ألف سنة وكان ملكه قريبا من أربعين سنة ووصى بملكه لابن ابنه هو شنج
*
(ذكر هوشنج)
* وكان هو شنج صاحب علم وعدل وله كتاب فى الحكمة العملية ويدّعى الاعاجم أنه نبىّ ومن غاية عدله لقبوه بيشداد يعنى كثير العدل ووضع تاجا على رأسه واستخرج الحديد من الحجر وصنع منه آلات وزاد فى عمارة اصطخر التى هى دار ملكه وبنى مدينتين بابل وسوس ويقال ان بابل بناء الضحاك ويقال ان هو شنج كان مشتغلا بالعبادة فى الجبال حتى ان بعض الشياطين ضربوا رأسه بالحجر وهو فى السجود فأهلكوه وكان كيومرث يتضرّع الى الله حتى أخبر ليلة فى النوم عن حال هو شنج فقصد كيومرث تلك الجماعة من الشياطين فأهلكهم وبنى فى مقامهم مدينة بلخ من خراسان كذا فى نظام التواريخ*
(ذكر طهمورث)
* ولما توفى هو شنج قام مقامه سبطه طهمورث الذى هو ولىّ عهده وملك الاقاليم السبعة وعقد على رأسه تاجا وكان محمودا فى ملكه مشفقا فى رعيته وانه ابتنى شابور فى فارس وكهن فى مرو وبنى فى خطة اصفهان قمرين وساروية ونزلها وتنقل فى البلدان وانه وثب على ابليس حتى ركبه فطاف عليه فى أدانى الارض وأقاصيها وأفزعه ومردته حتى تفرّقوا وكان أوّل من اتخذ الصوف والشعر للبس والفرش وأوّل من اتخذ زينة الملوك من الخيل والبغال والحمير وأمر باتخاذ الكلاب لحفظ المواشى وغيرها وأخذ الجوارح للصيد وكتب بالفارسية وان موارسب ظهر فى أوّل سنة من ملكه ودعا الى ملة الصابئين كذا قال أبو جعفر وغيره من العلماء انه ركب ابليس وطاف عليه والعهدة عليهم وانما نحن نقلنا ما قالوا قال ابن الكلبى أوّل ملوك الارض من بابل طهمورث وكان لله مطيعا وكان ملكه أربعين سنة وهو أوّل من كتب بالفارسية وفى أيامه عبدت الاصنام وأوّل ما عرف الصوم فى ملكه وسببه أن قوما فقراء تعذر عليهم القوت فأمسكوا نهارا وأكلوا ليلا ما يمسك رمقهم واعتقدوا به تقرّبا الى الله تعالى وجاءت الشرائع به كذا فى الكامل* وفى نظام التواريخ وقع فى زمانه قحط فأمر الاغنياء أن يقنعوا بعشائهم ويعطوا غذاءهم للفقراء فوضع سنة الصوم ويقال ظهر فى زمانه فناء عظيم وكل من مات له حبّ صوّر صورته فبقى منه عبادة الاصنام
ذكر ادريس عليه السلام
وتزوّج يرد اغثوث وقيل بزوره فولدت له (اخنوخ) ابن يرد بهمزة وحذفها وحاء مهملة مفتوحة ونون وبعد الواو خاء معجمة وقيل بخاءين معجمتين ونون وواو(1/65)
وفى آخره خاء معجمة كذا فى الكامل* وفى سيرة ابن هشام أهنخ ويقال أخنخ وهو ادريس سمى به لكثرة درسه الكتب فى صحف آدم وشيث كذا فى لباب التأويل والعرائس* واشتقاقه من الدرس على تقدير كونه عربيا ويمنعه منع صرفه* وفى الانس الجليل أدرك ادريس من حياة جدّه شيث عشرين سنة ويقال ان ولادته كانت فى زمن آدم قبل وفاته بمائة سنة وقيل حين توفى آدم كان قد مضى من عمر ادريس ثلثمائة وستون سنة* وفى المختصر ولد بعد وفاة آدم بمائة وستين سنة والجمهور على أن ادريس أوّل نبىّ بعث بعد آدم بمائتى سنة وما مضى من عمره فى النبوّة مائة وخمس سنين وأنزل عليه ثلاثون صحيفة ونزل عليه جبريل أربع مرّات كذا فى الانس الجليل وكان على شريعة آدم وكان خياطا وهو أوّل من خط بالقلم* قال أبو الحسين بن فارس فى كتابه فقه اللغة يروى أن أوّل من كتب الكتاب العربى والسريانى والكتب كلها آدم عليه السلام قبل موته بثلثمائة سنة كتبها فى طين وطبخه ولما أصاب الارض الغرق وجد كل قوم كتابا فكتبوه فأصاب اسماعيل الكتاب العربى وكان ابن عباس يقول أوّل من وضع الكتاب العربى اسماعيل كذا فى البرهان للزركشى وكان ادريس أوّل من خاط الثياب ولبس المخيط وكان من قبله يلبسون الجلود وهو أوّل من نظر فى علم النجوم والحساب وحكماء اليونان ينسبون اليه فى علم الهيئة والنجوم والحساب ويسمونه هرمس الحكيم وهو عظيم عندهم كذا فى نظام التواريخ وهو أوّل أولى العزم وأوّل من اتخذ السلاح وقاتل الكفار وأوّل من اتخذ السبى والاسر وكان يسير الى حرب أولاد قابيل ويسبيهم ويستعبدهم وقيل ذلك كله كان فى حياة آدم* قال العلماء ان ادريس صعد الى السماء وعلم دور الافلاك وطبائع الكواكب وخواصها ثم نزل وكان ذلك معراجا له ولما مضى من عمر ادريس ثلثمائة سنة وثمان سنين توفى آدم وفى التوراة ان الله تعالى رفع ادريس بعد ثلثمائة سنة وخمس وستين سنة من عمره بعد أن مضى من عمر أبيه خمسمائة وسبعة وعشرون سنة وعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة وخمسا وثلاثين سنة تمام تسعمائة وثنتين وستين سنة وعاش يرد بعد مولد ادريس ثمانمائة سنة كذا فى الكامل ويقال انه قبضت روحه فى السماء الرابعة وصلت عليه الملائكة وبدنه فى السماء الرابعة وتصلى عليه الملائكة كلما هبطت وقيل انه مات ثم أحياه الله وأدخله الجنة وهو فيها الآن وسيجىء وقال قوم انه نبئ بعد آدم بمائتى سنة ورفع وله أربعمائة وخمس وستون سنة والاوّل أشهر* وفى لباب التأويل والمدارك وكان سبب رفعه الى السماء الرابعة على ما قاله كعب الاحبار وغيره أنه سار ذات يوم فى حاجة فأصابه وهج الشمس فقال يا رب انى مشيت يوما فكيف من يحملها مسيرة خمسمائة عام فى يوم واحد اللهم خفف عنه من ثقلها وحرّها فلمّا أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرّها ما لا يعرفه فسأل الله عن سبب ذلك فقال ابن عبدى ادريس سألنى أن أخفف عنك حملها وحرّها فأجبته قال يا رب فاجمع بينى وبينه واجعل بينى وبينه خلة فأذن له حتى أتى ادريس فقال له ادريس اشفع لى عند ملك الموت ليؤخر أجلى فأزداد شكرا وعبادة فقال الملك لا يؤخر الله نفسا اذا جاء أجلها وأنا مكلمه فرفعه الى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ثم أتى ملك الموت وقال لى اليك حاجة صديق لى من بنى آدم يتشفع بى اليك لتؤخر أجله فقال ملك الموت ليس ذلك الىّ ولكن ان أحببت أعلمته أجله فيقدّم لنفسه قال نعم فنظر فى ديوانه فقال انك كلمتنى فى انسان ما أراه يموت أبدا قال وكيف ذلك قال لا أجده يموت الا عند مطلع الشمس قال أنا أتيتك وتركته هناك قال انطلق فما أراك تجده الا وقد مات فو الله ما بقى من أجل ادريس شئ فرجع الملك فوجده ميتا* قال وهب كان يرفع لادريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الارض فى زمانه فعجب مبنه الملائكة(1/66)
وحبب اليهم واشتاق اليه ملك الموت فاستأذن ربه فى زيارته فأذن له فقال لملك الموت أذقنى الموت يهن علىّ ففعل باذن الله فحيى بعد ساعة ثم رفعه الى السماء وقال أدخلنى النار فأزداد رهبة ففعل ثم قال أدخلنى الجنة فأزداد رغبة ففعل فقال له أخرج الى مقرّك فتعلق بشجرة وقال ما أخرج منها فبعث الله ملكا حكما بينهما قال له الملك مالك لا تخرج قال لان الله تعالى قال كل نفس ذائقة الموت وقد ذقته وقال وان منكم الا واردها وقد وردتها وقال وما هم منها بمخرجين فلست أخرج فأوحى الله الى ملك الموت باذنى دخل وبأمرى لا يخرج فهو حىّ هنالك* واختلفوا فى أنه حىّ فى السماء أم ميت فقال قوم هو ميت وقال قوم هو حىّ وقالوا أربعة من الانبياء فى الاحياء اثنان فى الارض وهما الخضر والياس واثنان فى السماء وهما عيسى وادريس* وفى فصوص الحكم الياس هو ادريس كان نبيا قبل نوح وقد رفعه الله مكانا عليا فهو فى قلب الافلاك ساكن وهو فلك الشمس ثم بعث الى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك اسم سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك وكان ادريس الذى هو الياس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبانة وهى الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة ولم يبق له تعلق بما يتعلق به الاغراض النفسية* وفى الكشاف قيل الياس هو ادريس النبىّ وقراءة ابن مسعود وان ادريس لمن المرسلين فى موضع الياس وقرئ ادراس وقيل هو الياس بن ياسين من ولد هارون النبىّ أخى موسى وبعل علم لصنم كمناة وهبل وقيل كان من ذهب وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة أوجه فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء وكان الشيطان يدخل فى جوفه ويتكلم بشريعة الضلال والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس وهم أهل بعلبك من بلاد الشام وبه سميت مدينتهم بعلبك وقيل بعل الرب بلغة اليمن انتهى كلام الكشاف فلما رفع ادريس الى السماء وقع الاختلاف بين الناس وفتر الوحى الى زمان نوح
*
(ذكر ملك جمشيد)
* وفى زمان اخنوخ ملك جمشيد والشيد عندهم الشعاع وجم القمر لقبوه بذلك لجماله وهو أخو طهمورث وقيل انه ملك الاقاليم السبعة وسخر له ما فيها من الجنّ والانس وعقد التاج على رأسه وأمر بعمل السيوف والدروع وسائر الاسلحة وآلة الصناع من الحديد وبعمل الابريسم وغزله والقطن والكتان وكلّ ما يساغ غزله وحياكته وصبغه ألوانا ولبسه وصنف الناس أربع طبقات طبقة مقاتلة وطبقة فقهاء وطبقة كتابا وصناعا وحرّاثين واتخذ طبقة منهم خدما كذا فى الكامل* وفى نظام التواريخ زاد جمشيد فى عمارة مدينة اصطخر وعظمها حتى كان حدّها من حفرك الى آخر رامجرد مقدار اثنى عشر فرسخا فى الطول وعشرة فراسخ فى العرض واليوم ظللها وأساطينها باقية يقال لها چهل مناره أى ذات أربعين مناره ولم يخبر أحد بمثلها فى العالم ولما تم بناؤها سار اليها مع الملوك والعظماء وفى ساعة بلوغ الشمس نقطة الاعتدال الربيعى جلس على السرير ووعد الناس بالعدل والاحسان وسمى ذلك اليوم نوروز يعنى يوم جديد فمدّة ملكه بلغت الى قرب سبعمائة سنة وأبطره الملك والنعمة وغلبته الحماقة والتجبر فدعا الناس الى عبادته وصنع الاصنام على صورته وبعثها الى أطراف العالم ليعبدوها فسلط الله عليه شدّاد بن عاد حتى بعث اليه ابن أخيه ضحاك بن علوان حتى قلع جمشيد وقطعه قطعا قطعا
ذكر متوشلخ
وكان ادريس بن يرد قد تزوّج هدانة ويقال ادانة كذا فى الكامل ويقال تزوّج بروحا فولدت له (متوشلخ) بن اخنوخ بفتح الميم وبالتاء المعجمة باثنتين من فوق وبالشين المعجمة وبحاء مهملة وقيل بخاء معجمة كذا فى الكامل وكان لادريس حين تزوّج خمس وستون سنة وكان متوشلخ أوّل من ركب الفيل وانه سلك رسم أبيه اخنوخ فى الجهاد فعاش بعد ما ولد(1/67)
لمك سبعمائة سنة وكان مدّة عمر متوشلخ تسعمائة وسبعا وعشرين سنة وقيل غير ذلك فولد لمتوشلخ لمك ابن متوشلخ ويقال لامك بفتح الميم وكسرها وقيل كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك يقال له صابى وبه سميت الصابئون وكان لامك رجل أشقر أعطى قوّة وبطشا ونكح بأصح الروايتين شمخاء بنت أنوش وقيل قينوش ابنة مراكيل بن مخويل ويقال مراكيل بن مخاويل أو مخاويل بن اخنوخ وهو ابن مائة وسبع وثمانين سنة فولدت له (نوحا) ابن لمك عليه السلام وكان له يوم ولد نوح خمسمائة وخمس وتسعون سنة
ذكر نوح عليه السلام
وكان مولد نوح بعد موت آدم بمائة وست وعشرين سنة فبعث الله نوحا وهو ابن أربعمائة وثمانين سنة فدعا قومه مائة وعشرين سنة ثم أمره الله تعالى بصنعة الفلك فصنعها وركبها وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ثم مكث بعد السفينة ثلثمائة وخمسين سنة وروى عن جماعة من السلف انه كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون كلهم على ملة الحق والكفر بالله حدث فى القرن الذى بعث اليهم فيه نوح فأرسله الله تعالى وهو أوّل نبىّ بعث بالانذار فى الدعاء الى التوحيد وهو قول ابن عباس وقتادة كذا فى الكامل* وفى معالم التنزيل وأنوار التنزيل كان لمك وشمخاء أبوا نوح مؤمنين قيل سمى نوحا لكثرة ما ناح على نفسه* وفى تفسير القشيرى فى الخبر أن نوحا عليه السلام كان اسمه يشكر ولكثرة ما كان يبكى أوحى الله اليه يا نوح كم تنوح فسموه نوحا وان ذنبه انه كان يوما مرّ بكلب فقال ما أوحشه فأوحى الله تعالى اليه أن اخلق أنت أحسن من هذا فكان يبكى معتذرا من مقالته تلك* وفى حياة الحيوان كان اسمه عبد الجبار وانما سمى نوحا لنوحه على ذنوب أمّته* وفى ربيع الابرار بكى نوح ثلثمائة سنة لقوله ان ابنى من أهلى* وفى الانس الجليل اسمه عبد الغفار وولد بعد مضىّ ألف وستمائة واثنتين وأربعين سنة من هبوط آدم وكان بعد رفع ادريس الى السماء بمائة وخمس وسبعين سنة* وفى العرائس أرسله الله الى ولد قابيل ومن تابعهم من ولد شيث وهو ابن خمسين سنة* وفى معالم التنزيل عن ابن عباس أنه بعث بعد أربعين سنة ولبث فى قومه يدعوهم تسعمائة وخمسين سنة فآمن به ثمانون نفسا من الرجال والنساء* قال عون بن شدّاد ان الله تعالى أرسل نوحا وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة كذا فى الكامل قال ابن عباس وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره ألفا وخمسين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة وكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة والى هذا القول أشار الزمخشرى فى ربيع الابرار روى الضحاك عن ابن عباس أنه قال ان نوحا كان يضرب ثم يلف فى لبد ثم يلقى فى بيته فيرون أنه قدمات ثم يخرج فيدعوهم حتى أيس من ايمان قومه فدعا عليهم فأجاب الله دعاءه وأمر أن يصنع الفلك
صفة سفينة نوح
قال نوح يا رب وما الفلك قال بيت من خشب يجرى على وجه الماء حتى أغرق أهل معصيتى وأريح أرضى منهم قال يا رب وأين الماء قال يا نوح انى على ما أشاء قدير قال يا رب وأين الخشب قال اغرس من الشجر فغرس وأتى على ذلك أربعون سنة وكف فى تلك المدّة عن الدعاء فلم يدعهم فأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد فلما أدرك الشجر أمره الله أن يقطعه فقطعه وجففه وقال يا رب كيف أتخذ هذا البيت قال اجعله أزور على ثلاث صور رأسه كرأس الديك وجؤجؤه كجؤجؤ الطير وذنبه كذنب الديك مائلا واجعلها مطبقة واجعل لها أبوابا فى جنبها واجعلها ثلاث طبقات واجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا قال قتادة وطولها فى السماء ثلاثون ذراعا والذراع الى المنكب كذا فى حياة الحيوان ومعالم التنزيل* وفى رواية أوحى الله تعالى الى نوح أن عجل بصنعة السفينة فقد اشتدّ غضبى على من عصانى فاستأجر نوح نجارين يعملون معه وأولاده حام وسام ويافث معه ينحتون السفينة فجعل طولها فى هذه الرواية ستمائة وستين ذراعا وعرضها ثلثمائة وثلاثين ذراعا(1/68)
وعلوّها فى السماء ثلاثة وثلاثين ذراعا وهذا قول ابن عباس* وفى رواية الضحاك وطلاها بالقار من داخلها وخارجها وشدّها بالدسر وهى المسامير الحديد وفجر له عين القار يغلى غليانا حتى طلاها به هذا كله فى عرائس الثعلبى وعن زيد بن أسلم أنه قال مكث نوح مائة سنة يغرس الاشجار ويقطعها ومائة سنة يعمل الفلك وقيل غرس الشجر أربعين سنة وقطعة أربعين سنة كما مرّ وعن كعب الاحبار أن نوحا عمل السفينة فى ثلاثين سنة وفى رواية لمادنا هلاك قومه أتاه جبريل وقال ان ربك يأمرك أن تصنع الفلك قال وكيف أصنع ولست بنجار قال فان ربك يقول اصنع فانك بعينى* وفى الكشاف كان لله معه أعينا يكلؤه أن يزيغ فى صنعته عن الصواب وأن يحول بينه وبين عمله أحد من أعدائه فأخذ القدوم فجعل يصنع ولا يخطئ وقيل أوحى الله اليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر كما مرّ فلما أمره الله أن يصنع الفلك أقبل نوح على عمل الفلك ولها عن قومه وجعل بقطع الخشب ويضرب الحديد ويهيئ ما يحتاج اليه الفلك من القار وغيره وجعل قومه يمرّون به وهو فى عمله فيسخرون منه ويقولون يا نوح صرت نجارا بعد النبوّة وروى أنهم كانوا يقولون يا نوح ماذا تصنع فيقول أصنع بيتا يمشى على وجه الماء فيضحكون منه استهزاء بعمل السفينة فانه كان يعملها فى برّية بمهمه فى أبعد موضع من الماء وفى وقت عز الماء عزة شديدة* وفى روضة الاحباب روى أن نوحا لما أمر باتخاذ السفينة جاء جبريل بشجر الساج وأمره بغرسه فغرسه فأدرك واستوى بعد عشرين سنة أو أربعين سنة ولما أدرك قطعه وتركه حتى يبس فجاء جبريل فعلمه صنعة السفينة فاشتغل هو وبنوه الثلاثة وأجير آخر بعمل السفينة* وفى حياة الحيوان أوّل من اتخذ الكلب للحرس نوح عليه السلام قال يا رب أمرتنى أن أصنع الفلك وأنا فى صناعته أصنع يوما فيجيئون بالليل فيفسدون كل ما عملت فمتى يلتئم لى ما أمرتنى به قد طال علىّ أمرى فأوحى الله اليه يا نوح اتخذ كلبا يحرسك فاتخذ نوح كلبا وكان يعمل بالنهار وينام بالليل فاذا جاء قومه ليفسدوا بالليل هجمهم الكلب فينتبه نوح ويأخذ الهراوة ويثب لهم فينهزمون منه فالتأم له ما أراد* وفى بعض الكتب المنزلة لما أمر الله نوحا بقطع الاشجار وقلع الالواح قطعها وقلع منها مائة ألف وأربعة وعشرين ألف لوح بعدد الانبياء عليهم السلام وكان على كل لوح اسم نبىّ من الانبياء أوّلهم آدم وآخرهم محمد صلّى الله عليه وسلم فكان على اللوح الاوّل اسم آدم وعلى الثانى اسم شيث وعلى الثالث اسم ادريس وعلى الرابع اسم نوح وعلى الخامس اسم هود وعلى السادس اسم صالح وعلى السابع اسم ابراهيم الى مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا وكان كلما قلع لوحا يظهر عليه اسم نبىّ وأوحى الله الى نوح انه ناقص من سفينتك أربعة ألواح لا بدّ لها منها لتكمل وان نهر النيل شجرة فارسل اليها من يأتى بها فقال نوح لاولاده ذلك فلم يجبه أحد منهم فقيل لنوح أن قل ذلك لعوج بن عنق فانه عليه قوىّ ويقدر على السير اليه فقال نوح ذلك لعوج وشرط عليه أن يشبعه فذهب عوج اليها وجاء بها فقدّم اليه نوح ثلاثة أقراص من شعير فضحك عوج متعجبا وقال يا نوح كيف أشبع بهذا وأنا آكل كل يوم اثنى عشر ألف قرص وما أشبع قيل ان عوج لم يشبع من طعام قط ولم يسع فى لباس قط فقال نوح يا عوج قل بسم الله الرحمن الرحيم وكل فقال عوج بسم الله وأكل نصف قرص وشبع وبقى قرصان ونصف ثم ان نوحا قلع من تلك الشجرة أربعة ألواح وكمل بها السفينة وكان مكتوبا على اللوح الاوّل اسم أبى بكر وعلى الثانى اسم عمر وعلى الثالث اسم عثمان وعلى الرابع اسم علىّ رضى الله عنهم أجمعين فقال نوح يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء أصحاب محمد خاتم النبيين فكما ان سفينتك لم تكمل بدون هذه الالواح كذلك لم يكمل أمر أمة محمد بدون هؤلاء الاربعة قال ابن عباس اتخذ نوح السفينة فى سنتين(1/69)
وكان طولها ثلاثمائة ذراع وعرضها خمسين ذراعا وسمكها ثلاثين ذراعا وكانت من خشب الساج وجعل لها ثلاثة بطون فحمل فى البطن الاسفل الوحوش والهوام وفى البطن الاوسط الدواب والانعام وركب هو ومن معه من ولد آدم فى البطن الاعلى وجعل الذرّ معه فى الطبقة العليا شفقة عليها لضعفها لئلا يصل اليها شئ وحمل معه ما يحتاج اليه من الزاد* وفى معالم التنزيل انها كانت ثلاث طبقات الطبقة السفلى للدواب والوحوش والطبقة الوسطى فيها الانس والطبقة العليا فيها الطير وروى عن الحسن أنه قال كان طولها ألفا ومائتى ذراع وعرضها ستمائة ذراع* وفى بعض الكتب كان عرضها أربعمائة ذراع ولها سبعة أطباق والمعروف أن طولها ثلثمائة ذراع واختلفوا فى التنور فى الآية قال عكرمة والزهرى قيل لنوح اذا رأيت الماء فار على وجه الارض فاركب السفينة فالمراد بالتنور فى الآية وجه الارض وروى عن علىّ رضى الله عنه أنه قال فار التنور أى طلع الفجّر الصبح وقيل فار التنور مثل كناية عن اشتداد الامر كقولهم حمى الوطيس أى اشتدّ الامر وقال الحسن ومجاهد والشعبى انه التنور الذى يخبر فيه ابتدأ منه النبوع على خرق العادة عن ابن عباس كان تنورا من حجارة وقيل من حديد كانت حوّاء تخبز فيه فصار الى نوح فقيل لنوح اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب السفينة أنت وأصحابك* وفى رواية قال نوح يا رب ما علامة الطوفان قال علامته أن يفور تنور امرأتك أو ابنتك وينبع الماء من بين النار ويرتفع كالقدر ويفور فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته فركب* وفى المدارك أخرج سبب الغرق من موضع الحرق ليكون أبلغ فى الانذار والاعتبار واختلفوا فى موضع التنور فقال مجاهد والشعبى كان فى ناحية الكوفة وقالا اتخذ نوح السفينة فى جوف مسجد الكوفة وكان التنور على يمين الداخل مما يلى باب كندة وكان فوران الماء منه علما لنوح وانه من ذلك الموضع ركب السفينة وقال مقاتل كان ذلك تنور آدم وكان بالشام فى موضع يقال له عين وردة بقرب بعلبك* وفى انوار التنزيل كان بعين وردة من أرض الجزيرة وعن ابن عباس أنه كان بالهند وأدخل معه كل من آمن به واختلفوا فى عدد أصحاب السفينة قال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظى لم يكن فى السفينة الاثمانية نوح وامرأته وثلاث بنين له سام وحام ويافث ونساؤهم فجميعهم ثمانية وقال الاعمش كانوا سبعة نوح وثلاث بنيه وثلاث كنائن له وقال ابن اسحاق كانوا عشرة نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة أناس ممن كان آمن به وأزواجهم جميعا وقال مقاتل كانوا اثنين وسبعين نفرا رجلا وامرأة وبنيه الثلاثة ونساءهم فجميعهم ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء وعن ابن عباس كان فى سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم وحمل نوح معه جسد آدم وجعله معترضا بين الرجال والنساء كما مرّ وأمر نوح أن لا يعلو ذكر على أنثى ما داموا فى السفينة فأصاب حام امرأته فى السفينة فدعا نوح عليه فغير الله نطفته فجاءت منه السودان ووثب الكلب على الكلبة فدعا نوح عليهم فقال اللهم اجعلهم عسرا كذا فى العرائس* وعن ابن عباس لما أمر نوح بالحمل فيها قال يا رب كيف أحمل فيها قال من كل زوجين اثنين فحشر الله اليه الوحوش والسباع والطير من البرّ والبحر والسهل والجبل ليحملها قال ابن عباس أرسل الله المطر أربعين يوما وليلة فأقبلت الوحوش والطيور الى نوح حين أصابها المطر وسخرت له فجعل يضرب بيديه فى كل جنس فيقع الذكر فى يده اليمنى والانثى فى يده اليسرى فيحملهما فى السفينة وعنه أوّل ما حمل نوح الذرّة* وفى العرائس أوّل ما حمل معه من الطيور الدرّة وآخره الحمار ودخل بصدره وتعلق ابليس بذنبه فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ادخل فينكص حتى قال نوح ويحك ادخل وان كان الشيطان معك كلمة زلت على لسانه فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه قال نوح ما أدخلك علىّ يا عدوّ الله قال ألم تقل(1/70)
ادخل وان كان الشيطان معك قال اخرج عنى يا عدوّ الله قال مالك بد أن تحملنى معك وكان فيما يزعمون فى ظهر الفلك* وفى تفسير القشيرى جاء فى القصة ان ابليس تعرّض له وقال احملنى معك فى السفينة فأبى نوح عليه السلام فقال يا شقى تطمع فى حملى اياك وأنت رأس الكفرة فقال ابليس يا نوح أما علمت أن الله أنظرنى الى يوم القيامة وليس ينجو اليوم أحد الا من فى هذه السفينة فأوحى الله الى نوح أن احمله وكان ابليس مع نوح فى السفينة* وفى تفسير القشيرى ان الحية والعقرب أتيا نوحا فقالتا احملنا فقال نوح لا أحملكما فانكما سبب البلاء والضرر فقالتا احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضرّ أحد اذكرك فمن قرأ حين خاف مضرّتهما سلام على نوح فى العالمين انا كذلك نجزى المحسنين انه من عبادنا المؤمنين ما ضرّتاه كذا فى حياة الحيوان* وعن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لما حمل نوح فى السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه وكيف نطمئن أو تطمئن المواشى ومعنا الاسد فألقى الله عليه الحمى فكانت أوّل حمى نزلت الى الارض فهو لا يزال محموما وفى هذا المعنى قيل شعر
وما الكلب محموما وان طال عمره ... ألا انما الحمى على الاسد الورد
وعن وهب بن منبه لما أمر نوح أن يحمل من كل زوجين اثنين قال يا رب وكيف أصنع بالاسد والبقر وكيف أصنع بالعناق والذئب وكيف أصنع بالحمام والهرّة قال من ألقى بينهم العداوة قال أنت يا رب قال فانى أؤلف بينهم فلا يتضرّرون أوردهما فى حياة الحيوان* وفى أنوار التنزيل حمل فيها من كل نوع من الحيوانات المنتفع بها وقال الحسن لم يحمل نوح الا ما يلد أو يبيض فأمّا ما يتولد من الطين من حشرات الارض كالبق والبعوض والذبات فلم يحمل منها شيئا فلما دخل وحمل معه من حمل تحرّكت ينابيع الغوط الاكبر وأمطرت السماء كأفواه القرب فجعل الماء ينزل من السماء وينبع من الارض حتى كثر واشتدّ وكان بين ارسال الماء واحتمال الماء الفلك أربعون يوما وليلة فعلا الماء رؤس الجبال بقدر أربعين ذراعا وقيل خمسة عشر ذراعا ولما كثر الماء فى السكك خشيت أمّ الصبىّ عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت به الى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها ارتفعت حتى بلغت ثلثيه فلما بلغها ذهبت حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعت الصبىّ بيديها حتى ذهب الماء بها فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أمّ الصبىّ* قال الضحاك كان نوح اذا أراد أن يجرى السفينة قال بسم الله جرت واذا أراد أن ترسو قال بسم الله رست قال الله تعالى بسم الله مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم* وفى العمدة من ركب البحر فأمانه من الغرق أن يقول بسم الله مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون وكذا فى المعجم الكبير للطبرانى وعمل اليوم والليلة لابن السنى ومسند أبى يعلى الموصلى* وفى معالم التنزيل والعرائس فلما كثرت أرواث الدواب أوحى الله تعالى الى نوح أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فأكلاه فلما وقع الفأر جعل يفسد فى السفينة ويقرض الحبال لانه توالد فى السفينة فأوحى الله اليه أن اضرب بين عينى الاسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر* وفى حياة الحيوان شكوا الفأر فقال الفو يسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله تعالى الى الاسد فعطس وفى موضع آخر منها فمسح نوح عليه السلام على جبهة الاسد فعطس فخرجت الهرّة منه فتخبأت الفأرة منها* وفى روضة الاحباب روى أن السفينة كانت مطبقة وكانت ظلمة الهواء بحيث لا يتميز النهار من الليل قال ابن عباس خلق الله على حرف السفينة كهيئة خرزتين نيرتين تتحرّك احداهما كالشمس والاخرى مثل القمر ومن حركتهما يعلم الليل والنهار وأوقات(1/71)
الصلوات* وفى معالم التنزيل ان نوحا كان نجارا صنع السفينة وركبها لعشر مضت من رجب وجرت بهم السفينة ستة أشهر ومرّت بالبيت وطافت به سبعا وقد رفعه الله من العرق وبقى موضعه وفى رواية انها طافت به سبعين مرّة وقد أعتقه الله من الغرق* وفى العرائس طافت السفينة بأهلها الارض كلها فى ستة أشهر لا تستقرّ على شىء حتى أتت الحرم فلم تدخله ودارت بالحرم أسبوعا وقد رفع الله البيت الذى كان حجه آدم صيانة له من الغرق وهو البيت المعمور وخيأ جبريل الحجر الاسود فى جبل أبى قبيس فلما طافت السفينة بالحرم ذهبت فى الارض تسير بهم حتى انتهت الى الجودى وهو جبل بالجزيرة من أرض الموصل فاستقرّت عليه قال مجاهد تشامخت الجبال وتطاولت لئلا ينالها الماء قعلا فوقها خمسة عشر ذراعا وتواضع الجودى لامر ربه فلم يغرق ورست السفينة عليه* وفى الكشاف عن قتادة استقلت بهم السفينة فى رجب لعشر خلون منه وكانت فى الماء خمسين ومائة يوم واستقرّت على الجودى شهرا وهبط يوم عاشوراء* وفى معالم التنزيل قيل طافت بهم على تمام وجه الارض مرّتين حتى استوت على الجودى وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل وقيل بالشام وقيل بآمد روى أن نوحا بعث الغراب ليأتيه بخبر الارض ولينظر هل غرقت البلاد فوقع على جيفة طافية على وجه الماء فاشتغل بها فلم يرجع فدعا عليه نوح بالخوف فعلقت رجلاه وخوّف من الناس فلذلك لم يألف البيوت فبعث الحمامة فجاءت بورق زيتون فى منقارها ولطخت رجليها بالطين فعلم نوح أن الماء قد غيض والبلاد قد جفت فطوّقها بالخضرة التى فى عنقها ودعا لها بالانس وأن تكون فى أمان ومن ثمة تألف البيوت والآدميين* وفى حياة الحيوان ان ورشانا أخبر نوحا عليه السلام بنقص الماء لما كان فى السفينة* وفى معالم التنزيل قيل ما نجا من الكفار من الغرق غير عوج بن عنق كان الماء الى حجزته كما مرّ وكان سبب نجاته أن نوحا احتاج الى خشب الساج للسفينة ولم يمكنه نقلها فحملها عوج اليه من الشام وهو بالكوفة فنجاه الله من الغرق لذلك كما مرّ* وفى العرائس لما خرج نوح ومن معه من السفينة اتخذ بناحية باقور من أرض الجزيرة موضعا ابتنى هنا لك قرية سموها بسوق ثمانين لانه كان يبنى فيها بيتا لكل انسان ممن معه وهم ثمانون فهى الى اليوم تسمى سوق ثمانين* وفى العرائس قال أهل التاريخ أرسل الله الطوفان لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر آب من الشهور الرومية لمضىّ ستمائة سنة من عمر نوح ولتتمة ألفى سنة وفى رواية ثلاثة آلاف سنة ومائتين وستة وخمسين سنة* وفى المختصر واثنان وأربعون سنة بدل خمسين سنة من لدن أهبط الله آدم عليه السلام وركب نوح ومن معه فى السفينة لعشر خلون من رجب وخرجوا منها فى العاشر من المحرّم فلذلك سمى يوم عاشوراء وأقاموا فى الفلك ستة أشهر فلما هبط نوح ومن معه سالمين صام نوح وأمر جميع من معه من الانس والوحوش والدواب والطير فصاموا شكرا لله تعالى ويقال ان نوحا ومن معه كانت أظلمت أعينهم فى السفينة من دوام النظر فى الماء فأمر بالاكتحال يوم عاشوراء الذى خرجوا فيه من السفينة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من اكتحل بالاثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبدا* وفى الانس الجليل كان الطوفان بعد هبوط آدم بالفى سنة ومائتين واثنين وأربعين سنة وعمر نوح ألف وأربعمائة وخمسون سنة وهو الموافق للآية وفى المختصر ولد نوح فى السنة المائتين وسبع وثمانين من عمر لك وعاش نوح فى الدنيا تسعمائة وخمسين سنة وولد بعد وفاة آدم بتسعمائة سنة وثنتى عشرة سنة وكان الغرق فى سنة ستمائة من عمر نوح وكان بين الطوفان وهبوط آدم ألفان ومائتان واثنان وأربعون سنة* وفى العرائس عاش نوح بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة وكان جميع عمره ألف سنة الا خمسين عاما ثم قبضه الله اليه هذا قول أكثر العلماء وكذا هو(1/72)
فى التوراة وقال عون بن أبى شدّاد عاش نوح عليه السلام بعد الطوفان ألف سنة الا خمسين عاما وقبل الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة فعلى هذا القول كان مبلغ عمر نوح ألفا وثلثمائة سنة* وفى ربيع الابرار كان نوح فى بيت من شعر ألفا وأربعمائة سنة فكلما قيل له يا رسول الله لو اتخذت بيتا من طين تأوى اليه قال أنا ميت غدا فتاركه فلم يزل فيه حتى فارق الدنيا ويروى أنه قيل لنوح حين حضرته الوفاة كيف رأيت الدنيا قال كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر* روى أنه لما كثر أولاد نوح وذراريهم وكانوا ساكنين بعد نوح بالموصل الى بابل سنين وكان كلام جميعهم بالسريانية فاقتضت الارادة الالهية تعمير البلاد بأصناف العباد فتغايرت ذات ليلة ألسنتهم وتناكرت أفئدتهم فأصبحوا يوما وقد تبلبلت ألسنتهم وتكلم كل واحد منهم باللسان الذى عليه أعقابهم اليوم فلم تعرف فرقة منهم كلام الاخرى فحرجوا من بابل كل فرقة بأهليهم يهيمون فى الارض فتفرّقوا فى البلاد والاقطار واتخذوا منها القرى والامصار فتوالدوا فيها وتكاثروا واشتهر كل مكان باسم ساكنيه* وفى الانس الجليل لما خرج نوح من السفينة قسم الارض بين أولاده الثلاثة سام ويافث وحام أعطى ساما الحجاز واليمن والشام والجزيرة وأعطى يافثا المشرق وأعطى حاما المغرب* وفى الوفاء عن ابن عباس لما خرج الناس من السفينة نزلوا طرف بابل وكانوا ثمانين نفسا فسمى الموضع سوق الثمانين كما مرّ وطول بابل مسيرة عشرة أيام واثنى عشر فرسخا فمكثوا بها حتى كثروا وصار ملكهم نمرود بن كنعان بن حام فلما كفروا تبلبلوا وتفرّقت ألسنتهم على اثنين وسبعين لسانا ففهم الله العربية منهم عمليق وطسم ابنى لاود بن سام بن نوح وعادا وعبيل ابنى عوص بن ارم بن سام وثمود وجديس ابنى جائر بن ارم بن سام وقنطور بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام فنزلت عبيل يثرب ويثرب اسم عبيل ثم أخرجوا منها ونزلوا الجحفة فجاءهم سيل أجحفهم منه فسميت الجحفة وقال أبو القاسم الزجاج أوّل من سكن المدينة عند التفرّق يثرب بن فانية بن مهلائيل بن عوم بن عبيل بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام وبه سميت يثرب* وروى عن ابن عباس ما يدل عليه وقال ياقوت كان أوّل من زرع بالمدينة واتخذ بها النخل وعمر بها الدور والآطام واتخذ بها الضياع العماليق وهم بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح وكانت العماليق ممن انبسط فى البلاد فأخذوا ما بين البحرين وعمان والحجاز الى الشام ومصر وجبابرة الشام وفراعنة مصر منهم* وفى الوفاء الحجاز بالكسر مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها* وفى المختصر وكان أوّل من خرج منهم من بابل ولد يافث بن نوح وكانوا سبعة اخوة منهم الترك والخوز والصقالبة والتاريس ومنسك وكار والصين فسلكوا مطلع الشمس مما يلى المشرق وتسوقهم ريح الجنوب والصبا فتفرّقوا فى تلك الارض الى الشمال وتكلم كل واحد منهم بلسان عليه ولده الآن ثم من بعدهم ولد حام بن نوح وكانوا أيضا سبعة اخوة منهم السند والهند والحبش والقبط والبجه فسلكوا وايمنة عن مطلع الشمس مما يلى الغرب تسوقهم ريح الدبور حتى انتهوا الى بلدان يسمونها بهم اليوم وتكلموا باللسان الذى عليه أولادهم الآن وأقام سام بن نوح ببابل حتى تغيرت أحوالهم واختلفت أقوالهم وتفرّقت كلمتهم وله أولاد وبنون ذوو جمال وعقل منهم أكبرهم سنا وأكثرهم جمالا وعقلا وأفضلهم كلاما وكمالا عالم بن سام والنضر بن سام وكان أحرصهم عملا والاسود ابن سام وكان أعزهم نفسا ولهم أولاد كثيرة منهم عراق بن عالم وكرمان بن ايرج بن سام وخراسان ابن عالم وفارس بن أسود وروم بن الاسود وأرمن بن يوزخ بن سام وهيطل بن عالم فطلبوا منه هؤلاء البلاد التى عليها أعقابهم الى الآن فلم يبق فى مملكة بابل الا ولد أرفخشد بن سام بن نوح* وأما ولد ارم بن سام بن نوح احتقروا الناس بما أنعم الله عليهم من اللسان العربى والقوّة والبطش عند تبلبل(1/73)
الالسنة وكانوا سبعة اخوة وهم عاد وكان أعظمهم بطشا وأقواهم وثمود وصحار وطسم وجديس وجاشم ووبار وقد احتقروا الناس وملكوا على أنفسهم شديد بن عمليق بن عاد وأخاه عمليق العمالقة شدّاد بن عاد ولما وقع التخالف والتبلبل ببابل أوّل من رحل عاد بن ارم وولده وسار نحو المشرق فسمع مناديا فى الهواء يا عاد خذيمنة فلذلك سموا باليمن فسار أمام ولده فسبق الى أرض اليمن واستوطنها وفرّق ولده فيها ثمّ تبعه أخوه ثمود فى أهله وماله فسار حتى نزل بين الحجاز والشام وكان ذا ماء وشجر ثم تبعهما أخوهما طسم فى أهله وماله وولده وسار نحو عمان والبحرين وهو أمامهم حتى أتى عمان فرأى بلادا واسعة كثيرة الماء والكلا فنزلها وفرّق أولاده فيها ثم تبعهم أخوهم جديس فسار بأهله وولده حتى أتى اليمامة فرأى بلادا واسعة طيبة التربة قريبة الماء فنزل فيها وكان يسمى اذ ذاك جو فوجه بعض ولده الى هجر فاحتوى عليها فنزل بها ثم تبعهم أخوهم صحار فى ولده وماله وأهله ولزم السمت الذى سلكه أخوه عاد فسار حتى نزل تهامة والحجاز وأقام بها وفرّق أولاده فيما بين الطائف الى جبلى طى ثم تبعهم أخوهم جاشم وكان أجملهم وجها فسار أمام قومه يقفو آثار صحار حتى لحقه وقد استوطن تهامة والحجاز حتى أقام معه بها وتفرّق أولاده فيما بين الحرم الى حدّ سفوان ثم تبعهم أخوهم الاصغر وبار بأهله وسار الى رمل عالج على شاطئ بحر القلزم بحر كثير الخير فهؤلاء العرب السالفة الاولى الذين انقرضوا الى آخرهم وهؤلاء الذين احتقروا الناس لكثرتهم وتفرّقوا وملكوا عليهم شديد بن عمليق بن عاد وانه كان أشدّ رجل فى الجبابرة من ولد عاد وأعقلهم* وفى نظام التواريخ اعلم أن لارم أخى أرفخشد سبعة بنين عاد وثمود وصحار وطسم وجديس ووبار فسار عاد الى اليمن وثمود الى ما بين الحجاز والشام وصحار الى أراضى طى وطسم الى عمان والبحرين وجديس الى أرض يمامة وجاشم الى ما بين الحرم وسفوان ووبار الى أرض سميت به وكثر أولاد عاد حتى استولوا وكان كبيرهم عمليق بن عاد ولما توفى ملك شدّاد وشديد من أولاد عاد وغلبا فبعث الضحاك الى أرض بابل وفارس ليقهر جمشيد فنزل الضحاك هناك وشرع فى الظلم فأرسل الله تعالى هود بن خلد بن الخلود بن عيص بن عمليق فدعا عادا فلم يلتفت اليه شدّاد فأهلكهم الله تعالى بالريح العقيم وملك مرثد بن شدّاد وآمن بهود عليه السلام وكان معه بحضر موت حتى توفيا* قال وكان نوح نبيا مرسلا من أولى العزم وأوّل نبى نسخت شريعته شريعة من قبله فنسخت شريعة آدم وكان ادريس على شريعة آدم ويدعو الخلق اليها* وفى معالم التنزيل كان نوح أطول الانبياء عمرا وجعلت معجزته فى نفسه فانه عمر ألف سنة أو أكثر ولم ينقص له سنّ ولم تشب له شعرة ولم تنقص له قوّة ولم يصبر نبىّ على أذى قومه مثل ما صبر هو على أذى قومه على طول عمره*
(ذكر الضحاك)
* الفرس تقول له بيور اسب واژدرهايى والعرب تنقله وتعربه وتسميه الضحاك فى الكامل قال ابن هشام وابن الكلبى ملك الضحاك بعد جمشيد فيما يزعمون ألف سنة ونزل السواد فى قرية يقال لها برس فى ناحية طريق الكوفة وملك الارض كلها وسار بالجور والتعسف وبسط يده فى القتل وكان أوّل من سنّ الصلب والقطع وأوّل من وضع العشور وضرب الدراهم قال بلغنا أن الضحاك هو النمروذ وان ابراهيم الخليل ولد فى زمانه وانه صاحبه الذى أراد احراقه وتزعم الفرس أن الملك لم يكن الا للبطن الذى منه أو شهنج وجم وطهمورث وان الضحاك كان غاصبا وانه غصب أهل الارض بسحره وخبثه وكان ساحرا فاجرا ويهوّل عليهم بالحيتين اللتين كانتا على منكبيه وقال كثير من أهل الكتب ان الذى كان على منكبيه كانا لحمتين طويلتين كل واحدة منهما كرأس الثعبان وكان يسترهما بالثياب ويذكر على طريق التهويل انهما حيتان تقتضيانه الطعام وكانتا تتحرّكان تحت ثوبه اذا جاعتا ولقى الناس منه جهدا شديدا وذبح(1/74)
الصبيان لان اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه كانتا تضربان فاذا طلاهما بدماغ انسان سكنا وكان يذبح كل يوم رجلين فلم يزل الناس كذلك حتى اذا أراد الله اهلاكه وثب رجل من العامّة من أهل اصفهان يقال له كابى الحدّاد بسبب ابنين له أخذهما أصحاب الضحاك بسبب اللحمتين اللتين كانتا على منكبيه وأخذ كابى بيده عصا فعلق بطرفها جرابا كان معه ثم نصب ذلك العلم ودعا الناس الى مجاهدة الضحاك ومحاربته فأسرع الى اجابته خلق كثير لما كانوا فيه من البلاء وفنون الجور فلما غلب كابى تفاءل الناس بذلك العلم وعظموه وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الاكبر الذى يتبرّكون به وسموه درفش كابيان فسار كابى بمن اتبعه والتفت اليه فلما أشرف على الضحاك قذف فى قلب الضحاك منه الرعب فهرب من منازله وخلى مكانه فاجتمع الاعاجم الى كابى وكان افريدون بن القيان مستخفيا من الضحاك فواقى كابى ومن معه فاستبشروا بموافاته فملكوه وصار كابى والوجوه لافريدون أعوانا على أمره وبعض الفرس يزعم أن افريدون قتله يوم النيروز فقال العجم عند قتله امروز نوروز أى استقبلنا الدهر بيوم جديد فاتخذوه عيدا فلما ملك افريدون وأحكم ما يحتاج اليه واحتوى على منازل الضحاك سار كابى أثره فأسره بدماوند فى جبالها وكان أمره يوم المهرجان فقال العجم آمد مهرجان لقتل من كان يذبح*
(ذكر افريدون)
* فى الكامل هو افريدون القيان وهو من ولد جمشيد وزعم بعض نسابة الفرس ان نوحا هو افريدون الذى قهر الضحاك وسلب ملكه وزعم بعضهم أن افريدون هو ذو القرنين صاحب ابراهيم الذى ذكره الله تعالى فى كتابه العزيز وأما باقى نسابة الفرس فانهم ينسبون افريدون الى جمشيد الملك وان بينهما عشر آباء كلهم يسمون القيان خوفا من الضحاك وانما كانوا يميزون بألقاب لقبوها وكان يقال لاحدهم القيان صاحب البقر الحمر والقيان صاحب البقر البلق وأشباه ذلك وكان افريدون أوّل من ملك الفيلة وامتطاها ونتج البغال واتخذ الاوز والحمام وردّ المظالم وأمر الناس بعبادة الله تعالى والانصاف والاحسان وردّ على الناس ما كان الضحاك غصبها من الارضين وغيرها الا ما لم يوجد له صاحب فانه وقفه على المساكين وهو أوّل من نظر فى علم الطب وكان له ثلاثة بنين اسم الاكبر سلم والثانى طورج والثالث ايرج فخاف أن يختلفوا بعده فقسم ملكه بينهم أثلاثا وجعل ذلك فى سهام كتب أسماءهم عليها وأمر كل واحد منهم فأخذ سهما فصارت الروم وناحية العرب لسلم وصارت الترك والصين لطورج وصارت العراق والسند والهند والحجاز وغيرها لايرج وهو الثالث وكان يحبه وأعطاه التاج والسرير ومات افريدون ونشأت العداوة بين أولاده من بعده ولم يزل التحاسد ينمو بينهم الى أن وثب طورج وسلم على أخيهما ايرج فقتلاه وابنين كانا لايرج وملكا الارض بينهما ثلثمائة سنة وكان ملك افريدون خمسمائة سنة انتهى فتزوّج نوح عمورة وكانت من الصالحات القانتات فولدت له ساما الصحيح عند أهل الاخبار وأهل التوراة ان ساما وحاما ويافث ولدوا لنوح بعد أن مضى من عمره خمسمائة سنة وقال قتادة ووهب بن منبه ان الناس كلهم من ذرّية نوح ولذا يقال له آدم الثانى* وفى معالم التنزيل عن ابن عباس لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء الا أولاده ونساءهم ونزل جبريل عليه خمسين مرة وقبره بكرك نوح وكان لنوح أربعة بنين الاوّل سام ولد بسلمى قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة وهو بكر أبيه ووصيه وولىّ عهده كذا فى العرائس* وفى رواية كان سام الاوسط وكان يافث أسنّ منه وانما قدّم لان الانبياء من نسله وولد له ارم وأسود وأرفخشد وعويلم ولاود* وسام أبو العرب وفارس والروم وكان هو القيم بعد نوح فى الارض ومن ولده الانبياء كلهم عربهم وعجمهم وجعل فى ذرّيته النبوّة والكتاب واليمن كلها من ولده وعاد وثمود وطسم وجديس والفرس من ولده وقد مرت الاشارة(1/75)
اليه ونزل بنوه سرّة الارض ووسطها وهو الحرم وما حوله من اليمن الى عمان وفيها بيت المقدس والنيل والفرات ودجلة وسيحون وهو الذى اختط مدينة القدس وأسس مسجدها وكان ملكا عليها ومات وعمره ستمائة سنة والثانى يافث وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج والخوز والصقالبة ومنازلهم شمالى الارض للروم والصقالبة وترخان والترك الى الصين ويأجوج ومأجوج والثالث حام وسكن هو وبنوه وذرّيته غربى النيل الى ما وراء وهو أبو السودان من الحبشة والزنج والنوبة* والفرنج والقبط من ولد قوط بن حام قيل كان نوح عليه السلام نائما وانكشفت عورته فمرّ به حام فضحك ولم يسترها فلذلك قطع الله النبوّة من نسله وجعله ونسله سودا* وفى بهجة الانوار غير الله لون حام ابن نوح اذ نظر الى عورة أبيه وكان أخبر نوح فدعا عليه وسوّده الله مثل الزنج والحبشة وقدمر أن حاما أصاب امرأته فى السفينة فدعا عليه نوح فغير الله نطفته فجاءت منه السودان كذا فى العرائس ثم مرّ به يافث فلم يسترها ولم يضحك ثم مرّ به سام فسترها ولم يضحك فلذلك جعل الله النبوّة فى نسله والرابع يام ويقال له كنعان وهو أيضا ابنه الصلبى عند الجمهور وقيل كان ربيبه وابن امرأته واغلة وكان هو وأمّه كافرين فغرقا فى الطوفان ولم يبق له نسل وتزوّج سام امرأة لم يوجد مثلها فى الجمال والعفاف فى زمانها فولدت له أرفخشد ويقال انفخشد ومعناه مصباح مضىء كذا فى سيرة مغلطاى وتسميه الفرس هوشنك وعاش أرفخشد أربعمائة وخمسا وستين سنة* وفى الكامل زعم أهل التوراة أن أرفخشد ولد لسام بعد أن مضى من عمره مائة سنة وسنتان وكان جميع عمر سام ستمائة سنة ثم ولد لارفخشد شالخ بعد أن مضى من عمر أرفخشد خمس وثلاثون سنة وكان عمر أرفخشد أربعمائة وثمانيا وثلاثين سنة ومن نسله قحطان وفالغ قيل العبريون من نسل فالغ والعرب من نسل قحطان وكان اسمه يرد* وفى لباب التأويل اسمه يقطن ولا طعامه الناس فى القحط قيل انه يقحط القحوط ويطردها بسخائه فاشتهر بقحطان فتزوّج ارفخشد مرجانة فولدت له شالخ ومعناه الرسول وعاش أربعمائة وستين سنة* وولد لشالخ عابر ويقال له عيبر بمهملة ومثناة ساكنة ثم موحدة مفتوحة بعد أن مضى من عمر شالخ ثلاثون سنة كاملة وكان عمر شالخ كله أربعمائة وثلاثا وثلاثين سنة كذا فى الكامل ويقال عاش أربعمائة وأربعا وستين سنة وكان ولد بعد مضى ستمائة وتسع وستين سنة من عمر نوح وعند البعض عابر هو هود النبىّ عليه السلام المبعوث الى عاد الاولى وهم عقب عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام سموا عادا باسم أبيهم كما سموا بنو هاشم باسمه وثمود وجديس ابنا عاد بن ارم بن سام بن نوح وطسم وعملاق وأميم بنولاود بن سام بن نوح عرب كلهم
ذكر ارم
كذا فى سيرة ابن هشام نقلا عن ابن اسحاق روى أنه كان لعاد ابنان شدّاد وشديد فلكا وقهرا ثم مات شديد وخلص الامر لشدّاد فلك الدنيا ودانت له ملوكها فسمع بذكر الجنة فبنى ارم على مثالها فى بعض صحارى عدن فى ثلثمائة سنة وكان عمرة تسعمائة سنة وهى مدينة عظيمة لم يخلق مثلها فى البلاد وقصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت وفيها أصناف الاشجار والانهار ولما تم بناؤها سار اليها بأهل مملكته فلما كان على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا* وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج فى طلب ابل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مماثمة وبلغ خبره معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث الى كعب الاحبار فسأله فقال هى ارم ذات العماد وسيد خلها رجل من المسلمين فى زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال يخرج فى طلب ابل له ثم التفت فأبصر ابن قلابة فقال والله هذا ذلك الرجل كذا فى الكشاف وغيره وهو مخالف لما ذكره ابن الجوزى فى الصفوة من أن كعب الاحبار مات سنة ثنتين وثلاثين فى خلافة عثمان* روى أنه بعث الله هودا عليه السلام الى عاد وكانوا قوما(1/76)
زادهم الله فى الخلق بسطة أى طولا فى الاجسام وامتدادا فى القدود أقصرهم ستون ذراعا وأطولهم مائة ذراع وقد تبسطوا فى البلاد ما بين عمان وحضرموت* وفى أنوار التنزيل كانوا يسكنون بالاحقاف بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن* وفى العرائس الاحقاف هى رمال يقال لها عالج ودهناء ومدين بين عمان وحضرموت وكانت لهم أصنام يعبدونها صدا وصمودا ولهبا فقال لهم هود انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون فكذبوه وقالوا له ما هذا الذى جئت به الا كذب فأمسك الله عنهم القطر ثلاث سنين وكان اذا نزل بهم بلاء طلبوا من الله الفرج عند بيته الحرام فأوفدوا اليه قيل ابن عبير ولقيم بن هذال وعبيل بن صدا بن عاد الاكبر ومرثد بن سعد وهو آمن بهود وكان يكستم ايمانه وأهل مكة اذ ذاك العماليق أولاد عمليق بن لاود بن سام بن نوح عليه السلام وسيدهم معاوية بن بكير فنزلوا عليه بظاهر مكة فقال لهم مرثد لن تستقوا حتى تؤمنوا بهود فخلوا مرثدا وخرجوا فقال قيل اللهم اسق عادا كما كنت تسقيه فأنشأ الله ثلاث سحابات بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك فاختار السوداء على ظنّ أنها أكثر ماء فخرجت على عاد من واد لهم فاستبشروا وقالوا هذا عارض ممطرنا فجاء منها ريخ شديد وكانت دبورا لقوله عليه السلام نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وكانت فى أيام نحسات وكان ابتداء العذاب يوم الاربعاء آخر الشهر الى الاربعاء الاخرى روى أنهم دخلوا فى الشعب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى* وفى أنوار التنزيل بل سلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما وهى كانت أيام العجوز من صبيحة الاربعاء الى غروب الشمس من الاربعاء الاخرى وانما سميت عجوزا لانها عجز الشتاء أولان عجوزا من عاد تورات فى سرب فانتزعتها الريح فى الثامنة فأهلكتها* روى أن هودا لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين فى الحضيرة وجاءت الريح فأمالت الاحقاف وهى رمال مستطيلة مرتفعة فى انحناء على الكفرة وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ثم كشفت عنهم واحتملتهم وقذفتهم فى البحر ونجا هود والمؤمنون معه فأتوا مكة فعبدوا الله فيها حتى ماتوا* وفى رواية عاش هود بعد هلاك قومه من الكفار خمسين سنة وكان عمره مائة وخمسين سنة ودفن بحضرموت وقيل بالحجر والله أعلم* وكان هود تزوّج ميشاصا فولدت له فالغ ويقال فالخ وأخاه قحطان وعاش فالغ ثلثمائة وتسعا وثلاثين سنة وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة وكان عمره أربعمائة وأربعا وسبعين سنة ثم ولد لفالغ راغو بعد ثلاثين سنة من عمر فالغ وكان عمره مائتين وثلاثين سنة كذا فى الكامل وقيل عاش أيضا ثلثمائة وتسعا وثلاثين سنة وعند مولد راغو تبلبلت الالسن وتقسمت الارض وتفرّق بنو نوح وذلك لمضىّ ستمائة وسبعين سنة من الطوفان ثم ولد لراغوشاروخ بعد ما مضى من عمره اثنتان وثلاثون سنة وكان عمره مائتين وتسعا وثلاثين سنة ويقال شاروغ بالغين بدل الخاء واسمه فى التوراة سروعا وعاش ثلثمائة وثلاثين سنة ثم ولد لشاروخ ناحور بعد ثلاثين سنة من عمره وكان عمره كله مائتين وستين سنة وولد لناحور تارخ بالمثناة فوق وفتح الراء وهو آزر أبو ابراهيم بعد ما مضى من عمره سبع وعشرون سنة وكان عمره كله مائتين وخمسين سنة وولد له ابراهيم عليه السلام وأنزل الله على ابراهيم عشر صحف كانت كلها أمثالا وكان ما بين الطوفان ومولد ابراهيم ألف وتسع وتسعون سنة وقيل ألف ومائتا سنة وثلاث وستون سنة وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة وولد لقحطان بن عابر يعرب وولد ليعرب يشجب وولد ليشجب سبأ وولد لسبأ حمير وكهلان وعمرو والاشعر وانمار ومر فولد لعمرو بن سبأ عدىّ ولخم وجذام كذا فى الكامل وعند جمهور المؤرّخين وأصحاب السير والانساب أن عدد الاشخاص بين ابراهيم ونوح تسعة ولكن اختلفوا(1/77)
فى كيفية النطق بالاسماء* وفى الكشاف ما كان بين ابراهيم ونوح الانبيان هود وصالح كان قومهما ممن طغى وبغى فأرسل الله تعالى اليهم رسولا فكذبوه فأهلكهم الله تعالى* وفى الكامل هذان الحيان من ولد ارم بن سام بن نوح أحدهما عاد والآخر ثمود فهو عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وهو عاد الاولى وكانت مساكنهم ما بين الشحر وعمان وحضرموت بالاحقاف وكانوا جبارين طوال القامة لم يكن مثلهم قال الله تعالى واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بسطة فأرسل الله هود بن عبيد بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص وكانوا أهل أوثان ثلاثة يقال لاحدهم صمام وللآخر صمود والثالث الهبا وأما عاد الاخيرة التى بقيت بعد عاد الاولى وكانوا بمكة وهم معاوية وعبيد وعمرو وعامر وعمير بنو التيم* وفى تاريخ الفرس ملك الروم مرثد بن شدّاد وآمن بهود وكان معه بحضرموت فتوفى هناك وأما ثمود فهم ولد ثمود بن جاثر بن ارم بن سام بن نوح وكانت مساكنهم بالحجر بين الحجاز والشام وكانوا بعد عاد قد كثروا وكذبوا وعتوا فبعث الله تعالى اليهم صالح بن عبيد بن اسف بن مانح ابن جاور بن ثمود فلم يقبلوا فأتتهم صيحة من السماء فأهلكهم الله تعالى كذا فى الكامل* وفى بعض الكتب ولد لفالغ شالخ ولشالخ اشروع ولاشروع ارغو ولارغو ناحور ولناحور تارحّ وهو آزر فتزوّج نونان وفى رواية أدنا بنت نمروذ فولدت له ابراهيم روى انه كان لآزر ثلاثة بنين ابراهيم عليه السلام وستجىء ولادته وهاران أبو لوط وناحور جدّ لقمان فولد لنا حور باعورا ولباعورا لقمان وهو ابن أخت أيوب أو ابن خالته* وفى لباب التأويل قال وهب بن منبه كان أيوب رجلا من الروم وهو أيوب بن أموص بن رازح بن روم ابن عيص بن اسحاق بن ابراهيم وكانت أمّه من ولد لوط*
ذكر لقمان
وفى العمدة لقمان بن باعورا بن ناحور بن آزر* وفى أنوار التنزيل ان لقمان كان من ولد آزر عاش ألف سنة حتى أدرك داود وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل مبعث داود فلما بعث داود قطع الفتوى فقيل له فى ذلك فقال ألا اكتفى اذا كفيت وقيل كان لقمان خياطا وقيل كان نجارا وقيل راعيا وقيل كان قاضيا فى بنى اسرائيل* وقال عكرمة والشعبى كان نبيا والجمهور على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا وقيل خير بين الحكمة والنبوّة فاختار الحكمة وهى الاصابة فى القول والعمل وقيل تلمذ لالف نبىّ وتلمذ له ألف نبىّ ومن حكمته أن داود قال له يوما كيف أصبحت قال أصبحت فى يد غيرى فتفكر داود فيه فصعق صعقة وانه أمره بأن يذبح شاة ويأتى بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ثم بعد أيام أمره بأن يأتى بأخبث مضغتين فيها فأتى بهما فسأله عن ذلك فقال هما أطيب شىء اذا طابا وأخبث شىء اذا خبثا* واسم ابنه المذكور فى القرآن أنعم أو مشكم أو ماثان انتهى قيل ان لقمان جمع فى الحكمة أربعمائة ألف كلمة واختار منها أربع كلمات ثنتان منها مما يذكر ولا ينسى وهما الله والموت وثنتان مما ينسى ولا يذكروهما احسانك الى الخلق واساءة الخلق اليك والله تعالى أعلم بالصواب*
(ذكر مولد ابراهيم عليه السلام)
* روى أن ابراهيم عليه السّلام ولد فى زمن نمرود ابن كنعان بن كوش بن سام بن نوح وكان مولده ليلة الجمعة ليلة عاشوراء لمضىّ ألف واحدى وثمانين سنة من الطوفان وكان الطوفان بعد هبوط آدم بألفين ومائتين واثنتين وأربعين سنة كما مرّ* وفى العرائس كان بين الطوفان وبين مولد ابراهيم ألف ومائتان واثنتان وأربعون سنة وقيل ألف ومائتان وثلاثون سنة وذلك بعد خلق آدم عليه السلام بثلاثة آلاف سنة وثمانمائة سنة وسبع وثلاثين سنة* وفى الكامل قال جماعة ان نمروذ بن كنعان ملك مشرق الارض ومغربها هذا قول يدفعه أهل العلم بالسير وأخبار الملوك الماضين وذلك أنهم لا ينكرون أن مولد ابراهيم عليه السلام كان أيام الضحاك الذى ذكرنا بعض أخباره فيما مضى وانه كان ملك شرق الارض وغربها وقول القائل ان الضحاك(1/78)
الذى ملك الارض هو نمروذ ليس بصحيح لان أهل العلم بالمتقدّمين يذكرون أن نسب نمروذ فى النبط معروف ونسب الضحاك فى الفرس مشهور وانما الضحاك استعمل نمروذ على السواد وما اتصل به يمنة ويسرة وجعله وولده عمالا على ذلك وكان هو ينتقل فى البلاد وكان وطنه ووطن أجداده دماوند من جبال طبرستان وهناك رمى به افريدون حين ظفر وكذلك بخت نصر ذكر بعضهم أنه ملك الارض جميعها وليس كذلك وانما كان اصهبد ما بين الاهواز الى أرض الروم من غربى دجلة من قبل لهراسب لان لهراسب كان مشتغلا بقتال الترك مقيما بازائهم ببلخ وهو بناها لتطاول مقامه هناك لحرب الترك ولم يملك أحد شبرا من الارض مستقلا برأسه فكيف الارض جميعها وانما تطاولت مدّة نمروذ بالسواد أربعمائة سنة ثم رجل من نسله بعد هلاكه يقال له نبط بن قعود مائة سنة ثم كداوص بن نبط مائة وعشرين سنة ثم النمروذ بن يابش سنة وشهرا أيام الضحاك فظنّ الناس فى نمروذ ما ذكرنا فلما ملك افريدون وقهر الازدهايى قتل نمروذ بن يابش وشرد النبط وقتل منهم مقتلة عظيمة انتهى كلام الكامل* وبين مولد ابراهيم وهجرة نبينا صلّى الله عليه وسلم ألفان وثمانمائة وثلاث وتسعون سنة على اختيار المؤرّخين والاختلاف فى ذلك كثير ولما سقط ابراهيم الى الارض نزل جبريل وقطع سرّته وأذن فى أذّنه وكساه ثوبا أبيض ويوم ولادته سمع نمروذ من تحت سريره الذى هو جالس عليه انتفاضا شديدا وسمع هاتفا يقول تعس من كفر باله ابراهيم فقال نمروذ لآزر أسمعت ما سمعت قال نعم قال فمن ابراهيم قال آزر لا أعرفه فأرسل الى السحرة والكهنة وسألهم عن ابراهيم فلم يجيبوه بشىء مع علمهم به ورأى نمروذ أن القمر قد طلع من ضلع آزر وبقى نوره كالعمود الممدود بين السماء والارض وسمع قائلا يقول جاء الحق وزهق الباطل ونظر الى الاصنام وهى متنكسة عن كراسيها فاستيقظ فزعا وقص رؤياه على آزر فخاف آزر على نفسه منه وقال انما ذلك لكثرة عبادتى لها وكان نمروذ بليدا جبانا فرضى بقول آزر وسكت واختلف فى مولد ابراهيم قيل بالسوس من أرض الاهواز وقيل ببابل* وفى العمدة هى بابل العراق وسميت بذلك لتبلبل الالسن بها عند سقوط صرح نمروذ وقيل ولد بكوثى بضم أوّله وبالثاء المثلثة مقصورا وهى بالعراق معلومة بسواد الكوفة وقيل ولد بكسكر* وفى القاموس كسكر كجعفر كورة قصبتها واسط وقيل ولد بحرّان ولكن أباه نقله الى بابل أرض نمروذ بن كنعان* وفى معالم التنزيل قال أهل التفسير ولد ابراهيم عليه السّلام فى زمن نمروذ بن كنعان وكان نمروذ أوّل من وضع التاج على رأسه وتجبر وطغى فى الارض ودعا الناس الى عبادته وكان له كهان ومنجمون فقالوا له انه سيولد فى بلدك فى هذا العام غلام يغير دين أهل الارض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه ويقال انهم وجدوا ذلك فى كتب الانبياء* وقال السدّى رأى نمروذ فى منامه كأن كوكبا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر حتى لم يبق لهما نور ففزع من ذلك فزعا شديدا فدعا السحرة والكهنة وسألهم عن ذلك فقالوا هو مولود يولد فى ناحيتك فى هذه السنة فيكون هلاكك وزوال ملكك وأهل بيتك على يديه فأمر بذبح كل غلام يولد فى ناحيته تلك السنة وأمر بعزل الرجال عن النساء وجعل على كل عشرة رجلا فان حاضت المرأة خلى بينها وبين زوجها لانهم كانوا لا يجامعون فى الحيض فاذا طهرت حال بينهما فرجع آزر فوجد امرأته قد طهرت من الحيض فواقعها فحملت بابراهيم* وقال محمد بن اسحاق بعث نمروذ الى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها الا ما كان من أمّ ابراهيم فانه لم يعلم بحبلها لانها كانت جارية حديثة السنّ لم يعرف الحمل فى بطنها* وقال السدّى خرج نمروذ بالرجال الى المعسكر ونحاهم عن النساء تخوّفا من ذلك المولود أن يكون فمكث كذلك ما شاء الله ثم بدت له حاجة الى المدينة فلم يأتمن عليها أحدا من قومه الا آزر فبعث اليه ودعاه وقال له ان لى حاجة أحب أن أوصيك بها(1/79)
ولا أبعثك الا لثقتى بك فأقسم عليه أن لا يدنو من أهله فقال آزر أنا أشح على دينى من ذلك فأوصاه بحاجته فدخل المدينة وقضى حاجته ثم قال لو دخلت على أهلى فنظرت اليهم فلما نظر الى أمّ ابراهيم لم يتمالك حتى واقعها فحملت بابراهيم* قال ابن عباس لما حملت أمّ ابراهيم قالت الكهان لنمروذ ان الغلام الذى أخبرناك به قد حملت أمّه الليلة به فأمر نمروذ بذبح الغلمان فلما دنت ولادة أمّ ابراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يطلع عليها فيقتل ولدها فوضعته فى نهر يابس ثم لفته فى خرقة ووضعته فى حلفاء ورجعت فأخبرت زوجها بأنها ولدت وان الولد فى موضع كذا فانطلق أبوه وأخذه من ذلك المكان وحفر له سربا عند نهر فواراه فيه وسدّ عليه بابه بصخرة مخافة السباع وكانت أمّه تختلف اليه فتزضعه وقال محمد بن اسحاق لما وجدت أمّ ابراهيم الطلق خرجت ليلا الى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها ابراهيم وأصلحت من شأنه ما يصنع للمولود ثم سدّت عليه فم المغارة ورجعت الى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظر ما فعل فتجده حيا يمص فى ابهامه يقال ان تلك المغارة فى قرية برس من بلاد الكوفة* روى أن أمّ ابراهيم قالت ذات يوم لا نظرنّ الى أصابعه فوجدته يمص من اصبع ماء ومن اصبع لبنا ومن اصبع عسلا ومن اصبع تمرا ومن اصبع سمنا* وقال محمد بن اسحاق كان آزر قد سأل أمّ ابراهيم عن حملها ما فعل به قالت قد ولدت غلاما فمات فصدّقها وسكت عنها وكان اليوم على ابراهيم فى الشباب كالشهر والشهر كالسنة فلم يمكث ابراهيم فى المغارة الا خمسة عشر شهرا حتى قال لامّه أخرجينى فأخرجته عشاء فنظر وتفكر فى خلق السموات والارض وقال ان الذى خلقنى ورزقنى وأطعمنى وسقانى لربى الذى مالى اله غيره وكان أبوه وقومه يعبدون الاصنام والشمس والقمر والكواكب وفى رواية كانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويرون أن الامور كلها اليها ثم نظر الى السماء فرأى كوكبا فقال هذا ربى على وجه الاستفهام الانكارى بحذف أداته ثم أتبعه بصره ينظر اليه حتى غاب فقال لا أحب الآفلين* وفى أنوار التنزيل رآه ابراهيم زمان مراهقته وأوّل أوان بلوغه ثم رأى القمر بازغا مبتدئا فى الطلوع فقال هذا ربى وأتبعه بصره ينظر اليه حتى غاب ثم طلعت الشمس وهكذا الى آخره ثم رجع الى أبيه آزر وقد استقامت وجهته وعرف ربه وبرئ من دين قومه فأخبره أنه ابنه وأخبرته أمّ ابراهيم أنه ابنه وأخبرته بما كانت صنعت فى شأنه فسرّ آزر بذلك وفرح فرحا شديدا وقيل انه كان فى السرب سبع سنين وقيل ثلاث عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة قالوا فلما شب ابراهيم وهو فى السرب قال لامّه من ربى قالت أنا قال فمن ربك قالت أبوك قال فمن رب أبى قالت نمروذ قال فمن رب نمروذ قالت له اسكت فسكت ثم رجعت الى زوجها فقالت أرأيت الغلام الذى كنا نحدّث أنه يغير دين أهل الارض فانه ابنك ثم أخبرته بما قال فأتاه أبوه فقال له ابراهيم يا أبتاه من ربى قال أمّك قال فمن رب أمى قال أنا قال فمن ربك قال نمروذ قال فمن رب نمروذ فلطمه لطمة شديدة وقال له اسكت فلما جنّ عليه الليل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فأبصر كوكبا فقال هذا ربى ويقال انه قال لابويه أخرجانى فأخرجاه من السرب وانطلقا به حتى غابت الشمس فنظر ابراهيم الى الابل والخيل والغنم فسأل أباه ما هذه فقال ابل وخيل وغنم فقال ما لهذه بدّ من أن يكون لها رب وخالق ثم نظر الى المشترى وقد طلع ويقال الزهرة وكانت تلك الليلة فى آخر الشهر فتأخر طلوع القمر فيها فرأى الكوكب قبل القمر ثم القمر ثم الشمس بعده فقال فى كلّ هذا ربى الى آخره ثم قال يا قوم انى برئ مما تشركون انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين روى أنه لما رجع ابراهيم الى أبيه وصار من الشباب بحالة سقط عنه طمع الذباحين ضمه آزر الى نفسه وجعل آزر يصنع الاصنام ويعطيها ابراهيم ليبيعها فيذهب بها ابراهيم وينادى من يشترى ما يضرّه ولا ينفعه فلا يشتريها
أحد فاذا بات ذهب بها الى نهر فصوّب فيه(1/80)
رؤسها وقال اشربى استهزاء بقومه وبما هم فيه من الضلالة حتى فشا استهزاؤه بها فى قومه وأهل قريته فحاجه قومه وجادلوه فى دينه قال أتحاجونى فى الله وقد هدان وخوّفوه من آلهتهم فقالوا له احذر الاصنام فانا نخاف أن تمسك بسوء من خبل أو جنون بعيبك اياها فقال لهم ولا أخاف ما تشركون به وقال لابيه وقومه ما هذه التماثيل والصور يعنى الاصنام التى أنتم لها عاكفون مقيمون على عبادتها قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين فاقتدينا بهم قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم فى ضلال مبين وخطائين بعبادتكم اياها قالوا له أجئتنا بالحق والجدّ أم أنت من اللاعبين الهازلين قال بل ربكم رب السموات والارض وخالقهنّ وتا لله لاكيدنّ أصنامكم ولا مكرنّ بها بعد أن تولوا مدبرين أى تدبروا منطلقين الى عيدكم* قال السدّى كان لهم فى كل سنة عيد ومجمع وكانوا يدخلون على أصنامهم ويفرشون لهم الفرش ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم الى عيدهم يزعمون التبرّك عليهم واذا انصرفوا من عيدهم دخلوا على الاصنام فسجدوا لها وأكلوا الطعام ثم عادوا الى منازلهم فلما كانت الليلة التى من غدها عيدهم قالوا لابراهيم ألا تخرج معنا غدا الى عيدنا فنظر الى النجوم فقال انى سقيم* قال ابن عباس مطعون وكانوا يفرّون من الطاعون فرارا عظيما وكانوا يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم فى أصنامهم ويلزمهم الحجة فى أنها غير معبودة فلما كان ذلك العيد من غد تلك الليلة قال أبو ابراهيم له يا ابراهيم لو خرجت معنا لى أعيدنا أعجبك ديننا فخرج معهم ابراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال انى سقيم قال ابن عباس أشتكى رجلىّ فتولوا عنه مدبرين الى عيدهم فلما مضوا نادى فى آخرهم وقد بقى فى ضعفة الناس تا لله لاكيدنّ أصنامكم فسمعوها منه ثم رجع ابراهيم الى بيت الآلهة وهنّ فى بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم الى جنبه صنم أصغر منه والاصنام بعضها الى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه الى باب البهو واذاهم جعلوا طعاما ووضعوه بين أيدى الآلهة وقالوا اذا رجعنا وباركت الآلهة فى طعامنا أكلنا فلما نظر اليهم ابراهيم والى ما بين أيديهم قال لهم على طريق الاستهزاء ألا تأكلون فلما لم تجبه قال ما لكم لا تنطقون فجعل يضربهنّ ويكسرهنّ بفأس فى يده حتى جعلهم جذاذا وكسرهم قطعا فلما لم يبق الا الصنم الاكبر علق الفأس فى عنقه ثم خرج وكانت اثنتين وسبعين صنما بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من رصاص ومن حديد ومن خشب وحجر وكان الصنم الاكبر من الذهب مكلل بالجواهر وفى عينيه ياقوتتان تتقدان ولما أخبر القوم صنيع ابراهيم بآلهتهم رجعوا من عيدهم وأقبلوا اليه مسرعين ليأخذوه فلما دخلوا بيت الآلهة ورأوا الاصنام جذاذا قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين المجرمين قال الذين سمعوا قول ابراهيم وتالله لاكيدنّ أصنامكم سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم* قال مجاهد وقتادة لم يسمع ذلك القول من ابراهيم الا واحد منهم فأفشاه عليه فقال أنا سمعت فتى يذكرهم بالسوء ويعيبهم يقال له ابراهيم أظنّ أنه صنع هذا فبلغ ذلك نمروذ الجبار وأشراف قومه قالوا فأتوا به وأحضروه على أعين الناس يعنى ظاهرا بمرأى منهم لعلهم يشهدون عليه بالذى فعل أو يحضرون عقابه وما يصنع به فلما أتوا به قالوا له أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا غضب من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهنّ وأراد بذلك ابراهيم اقامة الحجة عليهم والزامهم وقال لهم فاسألوهم ان كانوا ينطقون حتى يخبروا بمن فعل هذا فرجعوا الى أنفسهم وعقولهم وتفكروا بقلوبهم فأجرى الله الحق على لسانهم فقالوا ما نراه الا كما قال انكم أنتم الظالمون بعبادتكم من لا يتكلم ثم أدركتم الشقاوة فرجعوا الى حالتهم الاولى وقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فكيف نسألهم فلما اتجهت الحجة لابراهيم قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ان عبدتموه ولا يضرّكم ان تركتم عبادته أليس لكم عقل(1/81)
تعرفون به هذا فلما لزمت الحجة نمروذ وقومه وعجزوا عن الجواب اذ لقن الله ابراهيم وألهمه ما ألزمهم الحجة وغلبهم فى المحاجة مالوا الى المكر والمضارّة فأرادوا أن يحرّقوه فقالوا ابنوا له بنيانا فألقوه فى الجحيم أى فى النار الشديدة الوقود وحرّقوه وانصروا آلهتكم والذى أشار الى احراقه رجل من أكراد فارس اسمه هيزن فخسف الله به الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة وقيل قاله نمروذ*
(ذكر القاء ابراهيم فى النار)
* روى أنهم حين هموا باحراقه حبسوه ثم بنوا له بنيانا كالحضيرة وقيل بنوا أتونا بقرية يقال لها كوثى وهى قرية بأرض العراق من سواد الكوفة كما مرّ وقال مقاتل بنوا حائطا طوله فى السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وفى الحدائق طول جداره ستون ذراعا ثم جمعوا له من صلاب الحطب ومن أصناف الخشب مدّة حتى كان الرجل يمرض فيقول لوعا فانى الله لأجمعنّ حطبا لابراهيم وكانت المرأة تنذر فى بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن فى نار ابراهيم وكان الرجل يوصى بشراء الحطب والقائه فيها وكانت المرأة تغزل وتشترى الحطب له وتحتسب فيه قال ابن اسحاق كانوا يجمعون الحطب شهرا وفى الحدائق أربعين ليلة فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا فى كل ناحية من الحطب نارا فاشتعلت نار عظيمة شديدة حتى كادت الطير تحترق فى الجوّ* وفى الحدائق فارتفع لهبها وسطع دخانها حتى أظلمت عليهم المدينة حتى كان يسمع وهج النار من مسيرة ليلة* وفى رواية كانت الطير لتمرّ بها فتحترق من شدّة وهجها فأوقدوا عليها سبعة أيام روى أنهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء ابليس وعلمهم علم المنجنيق فعملوه* قيل ان نمروذ لما أخرج ابراهيم من السجن ليحرقه حاجه فى ربه فقال له من ربك الذى تدعو اليه قال ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيى الآخر فجعل ترك القتل احياء يريد أعفى عن القتل وأقتل وكان الاعتراض عتيدا ولكن ابراهيم لما سمع جوابه الاحمق لم يحاجه فيه بل انتقل الى حجة أخرى أوضح من الاولى وأتى بدليل لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته أوّل شىء فقال فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت نمروذ كذا فى الكشاف ثم انهم عمدوا الى ابراهيم فرفعوه الى رأس البنيان وقيدوه ثم وضعوه فى المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والارض ومن فيهما من الملائكة وجميع الخلق الا الثقلين صيحة واحدة أى رب ابراهيم خليلك يلقى فى النار وليس فى الارض أحد يعبدك غيره فأذن لنا فى نصرته فقال الله عز وجل انه خليلى ليس لى خليل غيره وانما أنا الهه وليس له اله غيرى فان استعان بشىء منكم أو دعاه لينصره فقد أذنت له فى ذلك وان لم يدع غيرى فأنا أعلم به وأنا وليه فخلوا بينى وبين خليلى فلما أرادوا القاءه أتاه خازن المياه فقال ان أردت أخمدت النار وأتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار فى الهواء فقال ابراهيم لا حاجة بى اليكم حسبى الله ونعم الوكيل* وروى عن كعب أن ابراهيم حين أوثقوه ليلقوه فى النار قال لا اله الا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموه بالمنجنيق فى النار فاستقبله جبريل فقال يا ابراهيم هل لك حاجة قال أما اليك فلا قال جبرئيل فسل ربك قال ابراهيم حسبى من سؤالى علمه بحالى* وفى المدارك فرموه فيها وهو يقول حسبى الله ونعم الوكيل عن ابن عباس انما نجى ابراهيم بقوله حسبى الله ونعم الوكيل قال شعيب الجبائى ألقى ابراهيم فى النار وهو ابن ست عشرة سنة* وفى رواية ثلاثين سنة بعد أن حبسه ثلاث عشرة سنة قال كعب الاحبار جعل كل شئ يطفئ عنه النار الا الوزغ فانه ينفخ فى النار*
فائدة فى قتل الوزغ
وفى الصحيحين أن النبى صلّى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا وقال كان ينفخ على ابراهيم النار* وفى سح السحابة فى افراد مسلم عن أبى هريرة من قتل وزغا فى أوّل ضربة كتب له مائة حسنة وفى الثانية دون ذلك وفى الثالثة دون ذلك وذكر صاحب الآثار أن الوزغ أصم قالوا السبب فى صممه أنه كان ينفخ فى نار ابراهيم عليه السلام فصم بذلك(1/82)
وبرص كذا فى حياة الحيوان* وفى نهاية ابن الاثير الوزغ جمع وزغة بالتحريك وهى التى يقال لها سام أبرص جمعها أوزاغ ووزغان* وفى حديث عائشة لما احترق بيت المقدس كانت الاوزاغ تنفخه ومن هاهنا يقال ان فساد الآباء يضرّ بالاولاد كالوزغ وان صلاح الآباء يسرى فى الاولاد وان كان من غير ذوى العقول كما فى حمام الحرم فان من آبائه ما حمى النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الغار فدعا لها وفرض جزاء قتلها قال فنادى جبريل يا ناركونى بردا وسلاما على ابراهيم فجعل الله ببركة قول ابراهيم عليه السلام حسبى الله ونعم الوكيل الحضيرة روضة* قال ابن عباس لو لم يقل وسلاما لمات ابراهيم من بردها وانقلاب النار هواء طيبا ليس بمحال الا انه على خلاف المعتاد فهو اذا من معجزاته وقيل كانت النار بحالها لكن الله دفع أذاها عنه كما يرى فى السمندل وخزنة النار* وفى المدارك أنّ الله نزع عنها طبعها الذى طبعها عليه من الحرّ والاحراق وأبقاها على الاضاءة والاشراق وهو على كل شىء قدير ومن المعروف فى الآثار أنه لم يبق يومئذ نار فى الارض الا طفئت فلم ينتفع فى ذلك اليوم بنار فى العالم* وفى الحدائق فبردت يومئذ على أهل المشرق والمغرب فلم ينضج بها كراع ولو لم يقل على ابراهيم لبقيت ذات برد أبدا فأخذت الملائكة بضبعى ابراهيم فأقعدوه على الارض فاذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس قال كعب الاحبار ما أحرقت النار من ابراهيم الاوثاقه قالوا وكان فى ذلك الموضع سبعة أيام قال ابراهيم ما كنت فى أيام قط أنعم من الايام التى كنت فى النار* قال ابن يسار وبعث الله ملك الظل فى صورة ابراهيم فقعد فيها الى جنب ابراهيم يؤنسه قال وبعث الله جبريل بقميص من حرير الجنة وطنفسة فألبسه وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدّثه وقال جبريل يا ابراهيم ان ربك يقول لك أما علمت أن النار لا تضرّ أحبابى ثم ان نمروذ أشرف على ابراهيم واطلع من صرح له ينظر اليه فرآه جالسا فى روضة ومعه جليس من الملائكة قاعدا الى جنبه وما حوله نار تحرق الحطب فناداه يا ابراهيم كبر الهك الذى بلغت قدرته أن حال بينك وبين ما أرى يا ابراهيم هل تستطيع أن تخرج منها قال نعم قال هل تخشى ان قمت أن تضرّك النار قال لا قال فقم واخرج منها فقام ابراهيم يمشى فيها حتى خرج اليه فقال له يا ابراهيم من الرجل الذى رأيته معك فى مثل صورتك قاعدا الى جنبك قال ذلك ملك الظل أرسله الىّ ربى ليونسنى فيها فقال نمروذ يا ابراهيم انى مقرّب الى الهك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع معك حين أبيت الا عبادته وتوحيده انى ذابح له أربعة آلاف بقرة فقال ابراهيم اذا لا يقبل الله منك ما كنت على دينك حتى تفارقه الى دينى فقال لا أستطيع ترك ملكى ولكن سوف أذبحها فذبحها نمروذ وكف عن ابراهيم* وجاء فى بعض الروايات انه كان لنمروذ بنت يقال لها رغضة استأذنت أباها أن تذهب وتنظر الى ابراهيم حين ألقى فى النار فقال لها نمروذ يا بنتاه ان ابراهيم قد صار رمادا فبالغت حتى أذن لها نمروذ فلما نظرت الى ابراهيم رأته فى أطيب عيش وأحسن حال فقالت يا ابراهيم ألا تحرقك النار قال من كان فى قلبه معرفة الله وعلى لسانه بسم الله الرحمن الرحيم لا تحرقه النار قالت أفتأذن لى أن أدخلها قال قولى لا اله الا الله ابراهيم خليل الله ثم ادخلى ولا تخافى فلما قالتها خمدت النار فدخلتها وأسلمت ثم رجعت الى أبيها وقد سمع أبوها قولها فنصحها فلم تقبل فعذبها بمسامير من حديد فأمر الله جبريل حتى رفعها من بين أطهرهم ثم جاء بها الى ابراهيم وذلك بعد ما هاجر من أرض نمروذ فزوّجها ابراهيم من ابنه مدين فحملت منه عشرين بطنا أكرمهم الله بالنبوّة
ذكر صرح نمرود
قال الثعلبى لما حاج ابراهيم نمروذ فى ربه قال نمروذ ان كان ما يقول ابراهيم حقا فلا أنتهى حتى أصعد الى السماء فأعلم ما فيها فبنى صرحا عظيما ببابل ورام الصعود الى السماء لينظر الى اله ابراهيم واختلف فى طول الصرح فى السماء فقيل خمسة آلاف ذراع وقيل فرسخان ثم عمد الى أربعة أفراخ من النسور(1/83)
فرباها وأطعمها اللحم والخبز حتى شبت وكبرت* وفى الكامل لابن الاثير فرباهنّ بالخمر واللحم حتى كبرن واتخذ تابوتا من خشب وجعل له بابا من أعلا وبابا من أسفل ثم جوّع النسور ونصب خشبات أربع فى أطراف التابوت وجعل على رؤسها لحما أحمر فوق التابوت وقعد هو فى التابوت وأقعد معه رجلا آخر وحمل معه القوس والنشاب وأمر بالنسور فربطت فى أطراف التابوت من أسفل* وفى رواية وربط التابوت بأرجل النسور ثم خلى عن النسور فطرن وصعدن طمعا فى اللحم كلما رأين اللحم طرن اليه فطارت النسور يوما أجمع حتى أبعدن فى الهواء فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الاعلا فانظر الى السماء هل قربنا منها ففتح ونظر فقال ان السماء كهيئتها ثم قال له افتح الباب الاسفل فانظر الى الارض كيف تراها ففتح ونظر فقال أرى الارض مثل اللجة والجبال مثل الدخان قال فطارت النسور يوما آخر وارتفعت حتى حالت الريح بينها وبين الطيران فقال نمروذ لصاحبه افتح الباب الاعلا ففتح فاذا السماء كهيئتها وفتح الباب الاسفل فاذا الارض سوداء مظلمة ونودى أيها الطاغى أين تريد فأمر عند ذلك صاحبه فرمى بسهم قال عكرمة وكان معه فى التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب فأخذ منه القوس فرمى بسهم فعاد اليه السهم ملطخا بالدم فقال كفيت شغل اله السماء واختلف فى ذلك السهم بأى شىء تلطخ فقيل بدم سمكة قذفت نفسها من بحر معلق فى الهواء فلذا رفع الذبح عن السمك وقيل بدم طائر أصابه السهم فتلطخ بدمه وذلك استدراج ومكر من الله تعالى ولما رجع اليه السهم ملطخا أمر نمروذ صاحبه أن يصوّب الخشبات المنصوبة فوق التابوت الى أسفل وينكس اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال هفيف التابوت والنسور ففزعت وظنت أنه قد حدث حدث فى السماء وان الساعة قد قامت فكادت تزول عن أماكنها فذلك قوله تعالى وان كان مكرهم لتزول منه الجبال وحكى ذلك عن علىّ فى معنى الآية أى أنها نزلت فى نمروذ الجبار الذى حاج ابراهيم فى ربه كذا فى معالم التنزيل واستبعد بعض العلماء هذه الحكاية وقال لان الخطر فيه عظيم ولا يكاد عاقل أن يقدم على مثل هذا الامر العظيم وليس فيه خبر صحيح يعتمد عليه ولا مناسبة لهذه الحكاية بتأويل الآية كذا فى لباب التأويل* وكان طيرانهنّ من بيت المقدس ووقوعهنّ فى جبل الدخان فلمّا رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ فى بنيان الصرح ثم أرسل الله ريحا على صرح نمروذ فألقت رأسه فى البحر فانكفأت بيوتهم وأخذت الرجفة نمروذ وتبلبلت ألسن الناس حين سقط الصرح من الفزّع فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت بابل أى لتبلبل الالسن بها وكان لسان الناس قبل ذلك سريانيا كذا فى الكامل* وفى بحر العلوم لما ملك نمروذ كل الارض وطغى واتخذ النسور وصعد الهواء يطلب ملك السماء وعمل صرحا وزعم أنه يحارب اله السماء ورمى نزل جبريل وقال لابراهيم ان الله تعالى يقول لك اختر لمحاربتك ما شئت من الجيوش فانى معين لك على ما عنيت فاختار البعوض فأوحى الله تعالى الى ابراهيم لو لم تختر هذا لاهلكناه بشىء لا يزن سبعون من ذلك جناح بعوضة فعبى نمروذ جيشه أربعة فراسخ فى أربعة فراسخ فأمر الله ملك البعوض حتى أخرج جيش البعوض فخرجت بحيث ملأت الهواء وسترت السماء فوقعت فيهم فأكلت خناجرهم ودروعهم وأسلحتهم وشعورهم وجلودهم ولحومهم وعظامهم فهرب نمروذ ودخل صرحه فسلط الله عليه شق بعوضة فجعل يطير فى وجهه سبعة أيام وهو يقصد أخذها فلا يقدر عليها ثم جلست على شفته فعضتها فورمت ثم دخلت أنفه فاجتهدوا فى اخراجها بكل حيلة فلم يقدروا وكانت تأكل دماغه وهو يحتال بكل علاج فلا يقدر على الاخراج* وفى رواية كعب أنها بقيت فى دماغه أربعمائة سنة كذا فى العرائس وكان عمره قبل ذلك فى ملكه أربعمائة سنة ولو تاب لتاب الله عليه لكن تمادى فى العناد(1/84)
وأصر على الفساد وما الله يريد ظلما للعباد* وكان أمر بمدقة فأحضرت فكان يضرب بها على رأسه بقوّة فتسكن البعوضة لذلك ساعة فيستريح به ثم تعود الى أن دخل عليه بعض من خواصه يوما فأمر بضربه فضربه بالمدقة وبالغ فشج رأسه ودمغ فزهق الملعوب وقيل ضجر الملعون فضرب رأسه بالجدار حتى انشقت هامته وقامت قيامته فأمر الله جبريل فخسف بصرحه وبما فيه الارض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة* وفى حياة الحيوان قال وهب بن منبه لما أرسل الله تعالى البعوض على نمروذ اجتمع منه فى عسكره ما لا يحصى عددا فلما عاين نمروذ ذلك انفرد عن جيشه ودخل بيته وأغلق الابواب وأرخى الستور ونام على قفاه متفكرا فدخلت بعوضة فى أنفه ومنخره وصعدت الى دماغه فتغذت بدماغه أربعين يوما الى أن كاد يضرب برأسه الارض وكان أعز الناس عنده من يضرب رأسه ثم سقطت منه كالفرخ وهى تقول كذلك يسلط الله رسله على من يشاء من عباده ثم هلك حينئذ* قال ابن اسحاق ولما نجى الله ابراهيم من نمروذ الجبار واحراق النار استجاب له رجال من قومه حين رأوا ما صنع الله به من جعل النار عليه بردا وسلاما وأسلم خلق كثير على خوف من نمروذ وقومه وآمن له لوط وقيل هو أوّل من صدّقه وكان ابن أخيه هاران وهو لوط بن هاران بن تارخ وهاران أخو ابراهيم وكان له أخ ثالث يقال له ناحور وهو جدّ لقمان الحكيم كما مرّ وقيل أوّل من آمن بابراهيم بعد خروجه من النار سارة بنت هاران قالت يا ابراهيم آمنت باله جعل النار عليك بردا وسلاما فقالت أم ابراهيم ألا تخشين قتلك قالت كيف أخاف وقد آمنت برب ابراهيم ولما رجع ابراهيم الى منزله نكحها وكانت من أجمل نساء أهل زمانها قيل كان حسن يوسف ثلث حسن سارة واختلف المؤرّخون فى هاران أبى سارة فبعضهم على أنه ملك حرّان ونكح ابراهيم ابنته سارة حين هاجر من وطنه الى حرّان وقال بعضهم هو أخو ابراهيم وكان نكاح بنت الاخ جائزا فى شريعتهم وبعضهم على أنه هاران الاكبر عم ابراهيم وكان اسم عمه وأخيه متوافقين والله أعلم* وفى عرائس الثعلبى سارة بنت ناحور روى أن النمروذ بينما كانوا يأتمرون أن يكيدوا لابراهيم كيدا ويعذبوه بنوع آخر فأخبره بمكرهم ابن أخيه لوط بن هاران فخرج من كوثى أرض العراق مهاجرا الى ربه وسار بأهله سارة ومعه لوط يلتمس الفرار بدينه والامان على عبادة ربه وخرج معهم آزر أبو ابراهيم وكان مقيما على كفره ولما نزلوا حران مات بها آزر على كفره فمكث بها ابراهيم ما شاء الله ثم خرج منها بمن معه فنزل الرها ويقال بعلبك ثم خرج منها الى الشام فوجد بها الجوع فسار الى مصر فوجدوا فيها فرعونا من فراعنتها يقال له سنان بن علوان من أولاد سام بن نوح عليه السلام ثم خرجوا الى الشام فنزل ابراهيم السبع من أرض فلسطين وهى برية الشام ونزل لوط الاردن فأرسله الله نبيا الى أهل سدوم وما يليها وكانوا أهل كفر وفواحش وسيجىء بقية قصة لوط وقال مقاتل هاجر ابراهيم وهو ابن خمس وسبعين سنة*
ذكر سارة
روى أن ابراهيم لما هاجر من أرض بابل اتخذ تابوتا لسارة وكانت من أحسن النساء وجها تشبه حوّاء فى حسنها فأدخلها التابوت وحملها معه وكان ممرّه على عشار فعشر ماله حتى بلغ التابوت فقال افتحه حتى أقوّم ما فيه وأعشره قال ابراهيم لا يمكننى فتحه هب أن ما فيه كله ديباج وحرير فاعشره فأبى ذلك قال هب أنه دراهم ودنانير وجواهر فأعشرها فأبى الا الفتح ففتح ابراهيم باب التابوت فاذا فيه امرأة حسناء لم ير الناس مثلها فأخبر بها ملكه وكان يميل الى النساء قال السهيلى اسمه صاروف ملك الاردن وكانت هاجر له فسأل ابراهيم من أين لك هذه المرأة قال هى أخت لى وخاف أن لو قال امرأتى يقتله وأراد بالاخت الاخت فى الاسلام فأرسل اليها فأخذها منه عجبا منه لجمالها فأدخلها فى قصره وبقى ابراهيم خارج القصر متحيرا فجعل الله حيطان القصر شفافة كالزجاج حتى يرى ابراهيم باطنها من ظاهرها فلما دنا الملك منها رأى وجها لم يرسله قط قدّيده اليها ليضعمها(1/85)
الى نفسه فيبست يده وجعل سقف البيت وجدر انه تتحرّك فخاف على نفسه فابتدر الى صحن الدار فانهدم البيت فسألها الملك فأخبرته أنها امرأة ابراهيم وانه رجل صالح فقال لها ادعى الله أن يعافينى ويبرئ يدى فدعت فشفيت ثم هم بهما فيبست يداه وقيل فصر مكانه وهكذا الى ثلاث مرّات ثم وهب لها جارية اسمها هاجر*
ذكر هاجر
قال ابن هشام تقول العرب هاجر وآجر فتبدل الالف من الهاء كما قالوا هراق الماء وأراق الماء وغيره وهاجر من أهل أرض مصر* قال ابن لهيعة هاجر من أرض العرب من قرية كانت أمام القرى من أرض مصر كذا فى سيرة ابن هشام يقال ان هاجر كانت قبل الرق بنت ملك من ملوك القبط فأخدمها اياها وخلى سبيلها وقال هذه لك لما نظرت الى شعرك وكان ابراهيم يرى تلك الاحوال من وراء الجدار وكان لا يولد له من سارة ولد فوهبت هاجر له وقالت عسى الله أن يرزقك منها ولدا فحملت هاجر باسماعيل وولدته* وفى سيرة مغلطاى تفسيره مطيع الله وهو الذبيح ويلقب اعراق الثرى وأما لوط بن هاران بن تارخ فنزل المؤتفكة وبينها وبين السبع منزل ابراهيم مسيرة يوم وليلة* وفى أنوار التنزيل المؤتفكات قريات قوم لوط ائتفكت بهم أى انقلبت فصار عاليها سافلها وأمطروا حجارة من سجيل* وفى ضبط أسمائها اختلاف ففى العمدة المؤتفكات مدائن قوم لوط وهى سادوما وداروما وعامورا وصبورا وسدوم قيل كانت فى أرض العجم فى مفازة بين سجستان وكرمان ولم يتحقق بل التحقيق أنها كانت فى أرض العرب وكانت خمس مدائن صنعه وصعوه وعمره وحزره وسدوم* وفى بعض التفاسير سدوما وهى أعظم مدائنهم وعامورا وداروما وصابورا وصعورا وكان فى كل مدينة ألف ألف انسان فبعث الله لوطا اليهم قال الله تعالى ونجيناه ولوطا الى الارض التى باركنا فيها للعالمين يعنى الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الاشجار والاثمار والانهار يطيب فيها عيش الغنىّ والفقير وبعث الله أكثر الانبياء منها* عن أبىّ بن كعب انما سماها الله مباركة لانه ما من ماء عذب الا وينبع أصله من تحت صخرة بيت المقدس وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول انها ستكون هجرة بعد هجرة فحيار الناس الى مهاجر ابراهيم* وفى الحديث طوبى لاهل الشام قيل ولم ذلك قال لان ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه كذا فى العمدة* وفى الكشاف قيل كانت المؤتفكة خمس مدائن وقيل كانوا أربعة آلاف بين الشام والمدينة فأمطر الله عليهم الكبريت والنار وقيل خسف بالمقيمين وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم وقيل أمطرت عليهم ثم خسف بهم وروى أن تاجرا منهم كان فى الحرم فوقف له الحجر أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه* وفى العرائس جاءه الحجر ليصيبه فمنعته ملائكة الحرم وردّوه وقالوا له ارجع فان الرجل فى حرم الله فحجز الحجر وبقى خارجا عن مكة أربعين يوما معلقا فى السماء فلما قضى الرجل حاجته وخرج من الحرم أصابه الحجر فقتله* وفى لباب التأويل قال ابن جريج كان فى قرى قوم لوط أربعة آلاف ألف وفيه أيضا قرى قوم لوط خمس مدائن أكبرها سدوم وهى المؤتفكات ويقال كان فيها أربعمائة ألف وقيل أربعة آلاف ألف* وفى العرائس كانت مدائن قوم لوط خمسا سادوما وعامورا وداروما وصبورا ثم سدوم كما مرّ من رواية العمدة وهى القرية العظمى وكان فى هذه القرية أربعون ألف فقير فلما أصبحوا أدخل جبريل جناحه تحت قراهم الاربع وفى كل قرية مائة ألف أو يزيدون ثم رفعها على خافقة من جناحه وفى رواية فاقتلع أرضهم من سبع أرضين فحملها حتى بلغ بها الى السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم وصراخ ديوكهم ولم يكفأ لهم اناء ولم ينتبه نائم ثم قلبها وجعل عاليها سافلها فلهذا سميت المؤتفكات أى المنقلبات وكان هؤلاء يأتون الذكران وما سبقهم بها أحد من العالمين وأما القرية الخامسة فانها نجت من العذاب لانها آمنت وكانت امرأة لوط موالية لاهل(1/86)
سدوم وسمعت بالهدّة فالتفتت وقالت واقوماه فأتاها حجر فقتلها وقال خلف مسخت حجرا وكانت تسمى هلسفع وقيل واعلة وعن ابن عياش قال سألت أبا جعفر أعذب الله نساء قوم لوط بذنوب رجالهم قال ان الله تعالى أعدل من ذلك وانما استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء فوجبت العقوبة عليهم جميعا وعن ابن سعيد قال انما فعل ذلك من قوم لوط نيف وثلاثون رجلا لا يبلغون الاربعين فأهلكهم الله تعالى جميعا وكان ذلك بعد ما مضى تسع وتسعون سنة من عمر ابراهيم عليه السلام*
(ذكر الشام والارض المقدّسة والقدس والخليل)
* فى الانس الجليل فى تاريخ القدس والخليل أن الاوائل قسموا الشام خمسة أقسام الشام الاولى فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام سميت بذلك لان أوّل من نزلها فلسطين من أولاد يونان بن يافث بن نوح وواسطة بلدها الرملة فهى أرض سهلة كثيرة الاشجار والنخيل وحولها مزارع ومغارس كثيرة وهى من جملة الثغور فان البحر المالح قريب منها نحو نصف بريد من جهة الغرب وكانت فى عهد بنى اسرائيل متسعة عظيمة البناء وكان جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ملكه بجوار فلسطين* وفى أنوار التنزيل أن جالوت ومن معه من العمالقة كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين فظهروا على بنى اسرائيل فأخذوا ديارهم وسبوا أولادهم وأسروا من أولاد الملوك أربعمائة وأربعين وان يونس أقام بها ثم توجه الى بيت المقدس يعبد الله فيه وبظاهرها من جهة الشمال على مسافة قريبة منها لدّ وكان منزلا جميلا فيه ناس يعمرونه وكانت تنزل فيه القوافل الواصلة من مصر الى الشام وفى الحديث ان عيسى ابن مريم يقتل الدجال بباب لد وكان بلد كنيسة محكمة البناء وللنصارى بها اعتقاد وقد خربها الملك صلاح الدين وبظاهر لدّ من جهة المشرق مشهد يقال ان به قبر عبد الرحمن بن عوف الصحابى وأوّل حدود فلسطين من طريق مصرامج وهو العريش ثم يليها غزة ثم رملة ومن مدن فلسطين ايلياء بالمدّ ككبرياء وحكى فيها القصر وهى مدينة بيت المقدس ومن أسمائها شلم بالشين المعجمة وتشديد اللام ويروى بالمهملة وكسر اللام ويروى سلم معناه بالعبرانية دار السلام* وفى بعض الكتب دعيت بيت المقدس اورى سلم ودعيت الجنة دار السلام وصهيون بكسر الصاد كذا فى الانس الجليل وبينها وبين الرملة ستة فراسخ وهى ثمانية عشر ميلا صخار ووهاد ومن مدن فلسطين عسقلان ونابلس ومدينة ابراهيم الخليل ومسافة فلسطين من امج الى حدّ اللجون للراكب المجدّ يومان وأما سير الاثقال فأكثر من أربعة أيام وعرضها من يافا الى أريحاء مسافة يومين والله أعلم والشام الثانية الحوران ومدينته العظمى طبرية والشام الثالثة الغوطة ومدينتها العظمى دمشق والشام الرابعة حمص وتوابعها والشام الخامسة قنسرين ومدينته العظمى حلب وأما قسمة حدود الارض المقدّسة من الشام فحدّها القبلى أرض الحجاز يفصل بينهما جبال سورى وهى جبال منيعة بينها وبين أيلة نحو مرحلة وسطح أيلة هو أوّل حدود الحجاز وهى من تيه بنى اسرائيل وبينها وبين بيت المقدس نحو ثمانية أيام بسير الاثقال* وفى الكشاف بلاد التيه ما بين بيت المقدس الى قنسرين وهى اثنا عشر فرسخا فى ثمانية فراسخ وحدّها الشرقى من بعددومة الجندل برية السماوة وهى كبيرة ممتدّة الى العراق ينزلها عرب الشام ومسافتها عن بيت المقدس نحو مسافة أيلة وحدّها الشمالى مما يلى الشرق نهر الفرات على قول الحافظ الذهبى مؤرّخ الشام ومسافته عن بيت المقدس نحو عشرين يوما بسير الاثقال فيدخل فى هذا الحدّ المملكة الشامية بكمالها وحدّها الغربى بحر الروم وهو البحر المالح ومسافته من بيت المقدس من جهة فلسطين نحو يومين وحدّها الجنوبى رملة مصر والعريش ومسافته من بيت المقدس نحو خمسة أيام بسير الاثقال ثم يليه تيه بنى اسرائيل وطور سيناء ويمتدّ من تلك الجهة الى تبوك ثم الى دومة الجندل المتصلة بالحدّ الشرقى ومن الارض(1/87)
المقدّسة أريحاء واذرعات وتيماء ونابلس وأريحاء مدينة الجبارين وهى شرقى بيت المقدس بقرب نهر الاردن وهو النهر المذكور فى القرآن فى قوله تعالى ان الله مبتليكم بنهر فى قصة طالوت وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قد اجلى اليهود من المدينة فخرجوا الى الشام الى أذرعات وأريحاء وأجلى آخرهم عمر بن الخطاب من أرض الحجاز الى تيماء وأريحاء وقد صارت أريحاء قرية من قرى بيت المقدس ونابلس مدينة بالارض المقدّسة مقابل بيت المقدس من جهة الشمال مسافتها عنه نحو يومين بسير الاثقال خرج منها كثير من العلماء وهى كثيرة الاعين والاشجار والفواكه معظم الاشجار فيها الزيتون وأما حدود بيت المقدس عرفا مما يطلق عليه عمل القدس ويسوغ لقضاة القدس الحكم فيه فمن جهة القبلة عمل بلد ابراهيم عليه السلام ويفصل بينهما قرية سبعين وما حاذاه من عمل القدس ومن جهة المشرق نهر الاردن المذكور فى قصة طالوت ومن جهة الشمال مدينة نابلس يفصل بينهما قريتا سنجل وعزرن وهما من أعمال القدس وتتمة الحدّ رأس وادى بنى زيد وهو من أعمال الرملة ومن جهة الغرب مما يلى الرملة قرية بيت نوبة وهى من أعمال القدس ومما يلى مدينة غزة قرية عجورا بالراء المهملة وهى من أعمال غزة وغزة من أحسن المدن المجاورة لبيت المقدس وفيها ولد سليمان ابن داود عليهما الصلاة والسلام والامام الشافعى محمد بن ادريس رضى الله عنه وهى من الثغور أيضا فان البحر المالح قريب منها وهى كثيرة الاشجار والنخيل والفواكه وعن ابن الزبير طوبى لمن سكن احدى العروسين عسقلان وغزة
*
(ذكر أولية البيت الحرام وركنه المستلم والمقام ومن تولى بناءه من الملائكة والانبياء الكرام ومن دونهم من سائر الامم والانام وبدء ظهور زمزم فى عهد اسماعيل عليه السلام)
* قال الله تعالى ان أوّل بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين الآية* وفى الصحيح من حديث أبى ذرّ الغفارى أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى مسجد وضع فى الارض أوّل فقال له المسجد الحرام قال قلت ثم أى قال المسجد الاقصى قال قلت كم بينهما قال أربعون عاما وذكر الزبير بن بكار باسناده الى جعفر الصادق أن رجلا سأل أبا محمد الباقر بمكة فى ليالى العشر قبل التروية فى الحجر وكان السائل الخضر فقال له يا أبا جعفر أخبرنى عن بدء خلق هذا البيت كيف كان قال بدء خلق هذا البيت ان الله تعالى قال للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة فردّوا عليه أتجعل فيها من يفسد فيها الآية وغضب عليهم فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم فرضى عنهم وقال لهم ابنوا لى فى الارض بيتا فيعوذ به من سخطت عليه من بنى آدم ويطوفون حوله كما فعلتم بعرشى فأرضى عنهم فبنوا له هذا البيت فهذا بدء خلق هذا البيت قال الازرقى فى تاريخه ان ذلك قبل خلق آدم لما روى عن زين العابدين على بن الحسين أن الله تعالى وضع بيتا تحت العرش وهو البيت المعمور وأمر الملائكة أن يطوفوا به ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الارض أن يبنوا فى الارض بيتا بحياله على قدره ومثاله فبنوا وأمر من فى الارض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور* وفى حديث جعفر الصادق المتقدّم فقال الرجل يا أبا جعفر فما بدء خلق هذا الركن فقال ان الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق قال لبنى آدم ألست بربكم قالوا بلى وأقروا وأجرى نهرا أحلى من العسل وألذ من الزبد ثم امر القلم فاستمدّ من ذلك النهر فكتب اقرارهم وما هو كائن الى يوم القيامة ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذى ترى انما هو بيعة على اقرارهم بالذى كانوا أقرّوا به* وقال جعفر بن محمد كان أبى اذا استلم الركن قال اللهم أمانتى أدّيتها وميثاقى وفيت به ليشهد لى عندك بالوفاء* وخرج الترمذى(1/88)
من حديث عبد الله بن عباس وصححه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم نزل الحجر الاسود من الجنة وهو أشدّ بياضا من اللبن فسوّدته خطايا بنى آدم* وفى تاريخ الازرقى فاسودّ من لمس الحيض فى الجاهلية* ومن حديث عبد الله بن عمر موقوفا ومرفوعا قال الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما الاضاءا ما بين المشرق والمغرب* ومن حديث ابن عباس أيضا قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الحجر الاسود والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق* وفى الخبر الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة انزلا فوضعا على الصفا فأضاء نورهما لاهل الارض ما بين المشرق والمغرب كما يضىء المصباح فى الليل المظلم يؤمن الروعة ويستأنس بهما ويبعثان يوم القيامة وهما فى العظم مثل أبى قبيس يشهدان لمن وافاهما بالوفاء ورفع النور عنهما وغير حسنهما ووضعا حيث هما فيه* وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى من حديث عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول ان آدم عليه السلام لما أهبط الى الارض فرأى سعتها ولم ير فيها أحدا غيره قال يا رب مالا رضك هذه عامر يسبح ويقدّس لك غيرى قال الله تعالى انى سأجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدى ويقدّسنى وسأجعل فيها بيوتا يرفع فيها ذكرى ويسبح فيها خلقى ويذكر فيها اسمى وسأجعل بيتا من تلك البيوت أخصه بكرامتى وأوثره باسمى وأسميه بيتى وعليه وضعت جلالى ثم انا مع ذلك فى كل شئ أجعل ذلك البيت حرما آمنا يتحرّم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه ومن حرمه بحرمتى استوجب بذلك كرامتى ومن أخاف أهله فقد أخفر ذمّتى وأباح حرمتى أجعله أوّل بيت وضع للناس ببطن مكة مباركا يأتونه شعثا غبرا على كل ضامر من كل فج عميق يزجون بالتلبية زجيجا ويثجون بالبكاء ثجيجا ويعجون بالتكبير عجيجا فمن اعتمره لا يريد غيره فقد وفد الىّ وزارنى وضافنى وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كلانجاجته تعمره يا آدم ما كنت حيا ثم تعمره الامم والقرون من الانبياء من ولدك أمّة بعد أمّة وقرنا بعد قرن* وفى حديث ابن عباس بعد قوله ويسبح فيها خلقى وسأبوّئك منها بيتا أخصه بكرامتى وأحوزه لنفسى وأوثره على بيوت الارض كلها وأحرزه بحرمى وأجعله أحق بيوت الارض كلها عندى وأولى بكرامتى أضعه فى البقعة التى اخترت لنفسى فانى اخترت مكانه يوم خلقت السموات والارض* وعن عطاء وقتادة ان آدم عليه السلام لما أهبطه الله من الجنة وفقد ما كان يسمعه ويأنس اليه من أصوات الملائكة وتسبيحهم استوحش حتى شكا ذلك الى الله تعالى فى دعائه وصلاته فوجهه الى مكة وأنزل الله تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة لها بابان من زمرّد أخضر باب شرقى وباب غربى فكانت على موضع البيت الآن وقال الله يا آدم انى أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول العرش وتصلى عنده كما يصلى عند عرشى فانطلق اليه آدم فطاف به هو ومن بعده من الانبياء الى أن كان الطوفان فرفعت تلك الياقوتة حتى أمر الله ابراهيم عليه السلام ببناء البيت فبناه فذلك قوله تعالى واذ بوّأنا لابراهيم مكان البيت الآية* وفى زبدة الاعمال مختصر تاريخ الازرقى عن عثمان بن ساج قال بلغنى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لكعب يا كعب أخبرنى عن البيت الحرام قال كعب أنزل الله تعالى من السماء ياقوتة مجوّفة مع آدم فقال يا آدم ان هذا بيتى أنزلته معك يطاف حوله كما يطاف حول عرشى ويصلى حوله كما يصلى حول العرش ونزل معه الملائكة فرفعوا قواعده من الحجارة ثم وضع البيت عليها وكان آدم يطوف حوله كما يطاف حول العرش ويصلى عنده كما يصلى عند العرش فلما أغرق الله تعالى قوم نوح رفعه الله تعالى الى السماء وبقيت قواعده* وعن عثمان بن ساج عن وهب أنه وجد فى التوراة أن بيتا فى السماء بحيال الكعبة اسمه رضاض وهو البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون(1/89)
اليه أبدا وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم البيت الذى فى السماء يقال له الضراح وهو مثل بناء البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون اليه الى يوم القيامة* وعن ابن عباس ان الله تعالى أوحى الى آدم ان لى حرما بحيال عرشى فانطلق فابن لى بيتا فيه ثم جف به كما رأيت الملائكة يحفون بعرشى فهنا لك استجيب لك ولولدك من كان منهم على طاعتى فقال آدم أى رب وكيف لى بذلك لست أقوى عليه ولا أهتدى لمكانه فقيض الله له ملكا فانطلق به نحو مكة فكان آدم عليه السلام اذا مرّ بروضة أو مكان يعجبه قال للملك انزل بناها هنا فيقول له الملك أمامك حتى قدم مكة فبنى البيت من خمسة أجبل من طور سيناء وحراء وطور زيتاء ومن لبنان والجودى* وفى رواية وهب بن منبه وثبير وأحد بدل لبنان والجودى انتهى* وبنى قواعده من حراء فلما فرغ من بنائه خرج به الملك الى عرفات فأراه المناسك كلها التى يفعلها الناس اليوم* وفى رواية قال ابن عباس انما سمى عرفات جمعا لانه اجتمع بها آدم وحوّاء* وفى أنوار التنزيل انما سمى الموقف عرفة لان آدم وحوّاء التقيا فيه فتعارفا أو لانه نعت لابراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لانّ جبريل كان يدور به فى المشاعر فلما رآه قال عرفت أو لانّ الناس يتعارفون فيه* وعرفات للمبالغة فى ذلك وهى من الاسماء المرتجلة الا أن يجعل جمع عرفة فحج آدم وأقام المناسك قال وهب بن منبه تلقته الملائكة بالابطح فرحبت به وقالت يا آدم انا لننتظرك ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام ثم قدم به الملك مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم رجع الى أرض الهند فمات بها* وفى رواية عن ابن عباس حج آدم من الهند أربعين حجة قال أبو يحيى قلت لابن عباس أكان يركب آدم قال أى شىء يحمله فو الله ان خطوته مسيرة ثلاثة أيام كذا فى العرائس* وذكر الواقدىّ عن أبى بكر بن سليمان بن أبى خيثمة العدوى قال قلت لابى جهم بن حذيفة يا عمّ حدّثنى عن بناء البيت ونزول آدم عليه السلام الحرم قال يا ابن أخى سلنى على نشاط منى فانى أعلم ما لا يعلمه غيرى فمكثت شهرا أذكره المرّة بعد المرّة فيقول مثل قوله الاوّل وكان قد كبر ورق وضعف فدخلت عليه يوما وهو مسرور فقال اسمع حديثك الذى سألتنى عنه ان البيت حذاؤه حزم فى السماء السابعة وفى الارض السابعة يعنى ان ما يقابله حرم* روى النووى فى ايضاح المناسك عن مجاهد ان هذا البيت أربعة عشر بيتا فى كل سماء بيت وفى كل أرض بيت بعضهنّ مقابل بعض* وعن ليث بن معاذ قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا خامس عشر بيتا سبعة منها فى السماء الى العرش وسبعة منها الى تخوم الارض السفلى وأعلاها الذى فى العرش البيت المعمور ولكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض الى تخوم الارض السفلى ولكل بيت من أهل السماء وأهل الارض من يعمره كما يعمر هذا البيت ذكره فى زبدة الاعمال* قال أبو جهم وان آدم عليه السلام أمر بأساسه فبناه هو وحوّاء وأسساه بصخر أمثال الخلفات يعنى النوق التى فى بطونها أجنة واحدتها خلفة أذن الله للصخر أن يطيعهما ثم نزل البيت من السماء من ذهب أحمر ووكل به من الملائكة سبعون ألف ملك فوضعوه على أس آدم عليه السلام ونزل الركن وهو يومئذ درّة بيضاء فوضع موضعه اليوم من البيت وطاف به آدم وصلّى فيه فلما مات آدم عليه السلام وليه بعده ابنه شيث فكان كذلك حتى حجه نوح عليه السلام فلما كان الغرق يعنى الطوفان بعث الله تعالى سبعين ألف ملك فرفعوه الى السماء كى لا يصيبه الماء النجس وبقيت قواعده وجاءت السفينة فدارت به سبعا ثم دثر البيت فلم يحجه من بين نوح وبين ابراهيم أحد من الانبياء عليهم الصلاة والسلام* وفى شفاء الغرام عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث الله عز وجل جبريل الى آدم وحوّاء فقال لهما ابنيا لى بيتا فحط(1/90)
لهما جبريل فجعل آدم يحفر وحوّاء تنقل التراب حتى أصابه الماء نودى من تحته حسبك يا آدم فلما بناه أوحى الله تعالى اليه أن يطوف به وقيل له أنت أوّل الناس وهذا أوّل بيت تناسخته القرون* وفى تشويق الساجد فهبطت على آدم الملائكة فحفر حتى بلغ الارض السابعة فقذفت الملائكة فيه الصخر حتى أشرف على وجه الارض وهبط بياقوتة حمراء لها أربعة أركان بيض فوضعها على الاساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله سبحانه وتعالى* وفى تاريخ الازرقى عن مقاتل يرفع الحديث الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى حديث حدّثه به آدم قال أى رب انى أعرف شقوتى انى لا أرى شيئا من نورك فأنزل الله البيت المعمور على عرض البيت وموضعه من ياقوتة حمراء ولكن طولها كما بين السماء والارض وأمره أن يطوف بها وأذهب الله عنه الغم الذى كان يجده قبل ذلك ثم رفع على عهد نوح عليه السلام كذا فى شفاء الغرام* وفى بحر العلوم أنزل الله خيمة من خيام الجنة فوضعها له بمكة موضع البيت قبل أن تكون الكعبة وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب لها بابان شرقى وغربى من ذهب منظومان من درّ الجنة فيها نور يلتهب من الجنة ونزل معها الركن يومئذ وهو ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وكان كرسيا لآدم يجلس عليه* وفى بهجة الانوار ان الحجر الاسود كان فى الابتداء ملكا صالحا ولما خلق الله آدم زينه وأسكنه الجنة وأباح له الجنة كلها الا الشجرة التى نهاه الله عنها وشرط معه وأشهد على ذلك ملكا وذلك قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم حتى لا ينسى عهد ربه وكلما خطر بباله أن يأكل من الشجرة نهاه الملك فلما قدّر الله أن يأكل منها غاب عنه الملك فأكلا منها فطارت عنه الحلل وأخرج من الجنة فلما رجع الملك وجده قد نقض عهد ربه فنظر الله الى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرا وذلك أن الله تعالى لم يرض عن الملك غيبته وقال له أنت هتكت ستر آدم وعزتى وجلالى لا جعلنك حجرا ألا ترى انه جاء فى الحديث ان الحجر الاسود يأتى يوم القيامة وله يد ولسان وأذن وعين لانه كان فى الابتداء ملكا* قال وهب ان آدم لما صار بمكة حرسه الله وحرس تلك الخيمة بالملائكة يحرسونه ويذودون عنه سكان الارض وسكانها يومئذ الجنّ والشياطين فلا ينبغى لهم أن ينظروا الى شىء من الجنة لانّ من ينظر الى شىء من الجنة وجبت له الجنة والارض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ولم يسفك فيها الدماء ولم تعمل فيها الخطايا فمن أجل ذلك جعلها الله مستقرّ الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا فى السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وكان موقفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستديرا محيطا بالحرم والحل كله من خلفهم والحرم كله دونهم* وقال ابن عباس ان للحرم حرمة البيت الى السموات ثم الى العرش والى الارض السفلى فلا يجوزها جنّ ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الله الحرم حتى اليوم ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة* وفى مناسك السروجى أوّل من حدّد الحرم آدم عليه السلام خوفا من الشياطين فخفت ملائكة على حدوده تمنع الشياطين ثم حدّده ابراهيم عليه السلام وجبريل يريه مواضعه ثم قضىّ ثم أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم كعب بن أسد بذلك ثم حدّده عمر ثم عثمان ثم معاوية رضى الله عنهم ثم عبد الملك بن مروان لما حج قال أبو جعفر الهندوانى مقدار الحرم من جانب المشرق ستة أميال ومن الجانب الثانى اثنا عشر ميلا قال صاحب المحيط وفيه نظر فان ذلك هو التنعيم قريب من ثلاثة أميال ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا وحدّه المحرّر من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت نفار بكسر النون وبالفاء على ثلاثة أميال ومن طريق اليمن اضاة لبن فى ثنية لبن على وزن قناة ولبن بكسر اللام وبالباء الموحدة على سبعة أميال ومن طريق العراق على ثنية جبل(1/91)
بالمنقطع على سبعة أميال ومن طريق الجعرّانة فى شعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال بالتاء قبل السين ومن طريق جدّة منقطع الاعشاش جمع عش على عشرة أميال ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال هكذا ذكره الازرقى وجماعة غير أن الازرقى قال فى حدّه من طريق الطائف أحد عشر ميلا وأكثرهم قالوا سبعة أميال قال وان خيمة آدم لم تزل فى مكانها حتى قبض الله آدم ثم رفعها الله وبنى بنو آدم بعده فى موضعها بيتا من الطين والحجارة فلم يزل معمورا يعمرونه هم ومن بعدهم حتى كان زمن الطوفان فنسفه الغرق وقيل الذى عمرها من أولاده شيث فانطمس فى الطوفان ومكانها تل أحمر ولما غرق خفى مكانه حتى بعث الله خليله ابراهيم عليه السلام وطلب الاساس الذى وضعه بنو آدم فى موضع الخيمة فوجد فرفع القواعد وان حوّاء هبطت بجدّة وهى ساحل مكة وحرم الله عليها دخول الحرم والنظر الى خيمة آدم والى شىء من مكة من أجل خطيئتها التى أخطأتها ويقال أردت أن تدخل معه فمنعها آدم وقال اليك عنى حرمت الجنة بسببك فتريدين أن تحرمينى هذا وقال وهب كان آدم اذا أراد لقاءها ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها فى الحل ولم تزل مكة دار آدم مذ نزلها الى أن توفاه الله تعالى* وفى الاكتفاء ان شيث بن آدم هو أوّل من بنى الكعبة وانها كانت قبل أن يبنيها خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم يأنس بها لانها أنزلت اليه من الجنة فرفعت وكان قد حج الى موضعها من الهند* وفى الخبر أن موضعها كان غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والارض فلما بدأ الله خلق الاشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء وقضاهنّ سبع سموات دحا الارض أى بسطها وانما دحاها من تحت الكعبة فلذلك سميت مكة أمّ القرى* وقال وهب بن منبه خلق الله الكعبة قبل سائر الارض بألفى عام وخلق الله الارض قبل آدم بألفى عام ودحيت الارض من تحت البيت المعمور من موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة ونشر السماء من فوقه وقد مرّ فى أوّل الكتاب مثله تزور الملائكة الكعبة كل يوم سبعون ألفا لا يعودون اليها أبدا وفى كل ليلة كذلك وكان ابتداء حجهم الكعبة قبل آدم بألفى عام كذا فى بحر العلوم* وذكر ابن هشام أن الماء لم يصل الكعبة حين الطوفان ولكن قام حولها وبقيت هى فى هواء الى السماء وان نوحا قال لاهل السفينة وهى تطوف بالبيت الكريم انكم فى حرم الله وحول بيته فأحرموا لله ولا يمس أحد امرأة وجعل بينهم وبين النساء حاجزا فتعدّى حام فدعا عليه بأن يسوّد الله ذرّيته فأجابه الله على وفق ما دعا واسودّ كوش بن حام وولده الى يوم القيامة وقد مرّ نحوه وقد قيل فى سبب دعوته غير هذا* ويروى أنه لما نضب ماء الطوفان بقى مكان البيت ربوة من مدرة فحج اليه بعد ذلك هود وصالح ومن آمن معهما وأن يعرب قال لهود عليه السلام ألا تبنيه قال انما يبنيه نبى كريم يأتى من بعدى يتخذه الرحمن خليلا قال أبو الجهم من حديث الواقدى حتى أراد الله بابراهيم ما أراد فولد له اسماعيل وهو ابن تسعين سنة فكان بكر أبيه* وقال أهل الاخبار ان هاجر كانت لسارة فوهبتها لابراهيم اذ لم يولد له ولد منها وقالت عسى الله أن يرزقك منها ولدا فحملت هاجر باسماعيل فلما ولدته كان نور محمد صلّى الله عليه وسلم لامعا من جبهته كما مرّ فغارت سارة وقيل ان ابراهيم أخبر سارة بأن الله وعده أن يرزقه ولدا طيبا وكانت ترجو أن يكون الولد منها فلما حملت هاجر باسماعيل وولدته وظهر نور محمد صلّى الله عليه وسلم فى وجهه اغتمت سارة وحزنت حزنا شديدا وغارت عليها غيرة ضاق بها صدرها فناشدت ابراهيم أن يخرجها من عندها وجوارها فأوحى الله تعالى الى ابراهيم أن يطيع سارة فى كل ما تقول وتأمر فى هاجر واسماعيل وحلفت سارة على أن تقطع ثلاثة من أعضاء هاجر فلما علمت به هاجر تمنطقت وتهيأت للفرار* قال ابن عباس أوّل من اتخذ من النساء المنطقة أمّ اسماعيل(1/92)
اتخذت منطقا ليعفى أثرها على سارة فأمر ابراهيم سارة ان تبرّ قسمها بثقب أذنيها وخفاضها ففعلت فصار ثقب الاذان والخفاض سنة فى النساء كذا فى شفاء الغرام* وفى الانس الجليل غارت منها سارة فحلفت أن تملأ يدها من دمها فقال ابراهيم خدنيها واختنيها لكى يكون سنة بعد كما وتتخلصين من يمينك ففعلت فكانت هاجر أوّل من اختتنت من النساء وابراهيم أوّل من اختتن من الرجال* وقال السهيلى هاجر أوّل امرأة ثقبت اذنها وأوّل من خفض من النساء وأوّل من جرّ ذيلها ومع ذلك لم يسكن جاش سارة ولم تزل تغير عليها وتغتم حتى آل الامر الى أن هاجر ابراهيم بهاجر واسماعيل الى الارض التى هى الآن حرم مكة* وفى العرائس قال العلماء من أهل الكتب حملت سارة باسحاق وقد كانت هاجر حملت باسماعيل فوضعتا معا ومشى الغلامان ينتضلان وكان ابراهيم قد سابق بينهما فسبق اسماعيل اسحاق فأخذه ابراهيم وقبله ووضعه على ركبته فقالت له سارة تجلس اسماعيل على ركبتك دون ولدى اسحاق ولى عليك أن لا تسوءنى ولا تغايرنى وأخذها ما يأخذ النساء من الغيرة فحلفت أن لا بدّ لها ما تغير خلقها ولتقطعنّ بضعة منها فلما سكن غضبها وثاب اليها عقلها ندمت على ما كان منها من اليمين وبقيت حائرة فى ذلك فقال لها ابراهيم اخفضيها واثقبى أذنيها ففعلت فصار ذلك سنة فى النساء قالوا ثم ان اسماعيل واسحاق اقتتلا ذات يوم كما يفعله الصبيان فغضبت سارة على هاجر وقالت لا تساكنينى بعد يومك هذا ثم أمرت ابراهيم أن يحوّلها ويغرّبها فأوحى الله الى ابراهيم أن ائت بهاجر وابنها الى مكة ففعل وسيأتى التصريح بأن اسماعيل أكبر من اسحاق* وفى الاكتفاء لما أراد الله عز وجل أن يبوّئ لابراهيم مكان البيت وأعلامه أوحى اليه يأمره بالمسير الى بلده الحرام فركب ابراهيم البراق وحمل اسماعيل أمامه وهو ابن سنتين وقيل وهى ترضعه وهاجر خلفه ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم* وفى زبدة الاعمال عن عثمان بن ساج قال بلغنا والله أعلم أن ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام عرج به الى السماء فنظر الى الارض مشارقها ومغاربها وذلك قوله تعالى وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين فاختار موضع الكعبة فقالت له الملائكة يا خليل الرحمن اخترت حرم الله فى الارض قال فبناه من حجارة سبعة أجبل ويقال خمسة فكانت الملائكة تأتى بالحجارة الى ابراهيم عليه السلام من تلك الجبال* وفى تفسير القشيرى وحياة الحيوان وغيرهما أن ابراهيم لما هاجر بولده اسماعيل وأمّ ولده هاجر الى مكة مرّ على قوم من العمالقة فوهبوا لاسماعيل عشرة أعنز فجميع أعنز مكة من نسلها* وفى الاكتفاء كان لا يمرّ بقرية الا قال ابراهيم بهذه أمرت يا جبريل فيقول لا حتى قدم به مكة وهى اذ ذاك عضاه وسلم وسمر والعماليق يومئذ حول الحرم وهم أوّل من نزل مكة ويسكنون بعرفة وكانت المياه يومئذ قليلة وكان موضع البيت قد دثر وهو ربوة حمراء مدرة وهو مشرف على ما حوله فقال جبريل حين دخل من كداء وهو الجبل الذى يطلعك على الحجون والمقبرة بهذا أمرت قال ابراهيم بهذا أمرت قال نعم فانتهى الى موضع البيت فعمد ابراهيم الى موضع الحجر فآوى فيه هاجر واسماعيل وأمر هاجر أن تتخذ عريشا* وفى معالم التنزيل فوضعهما ابراهيم عند البيت عند دوحة فوق زمزم فى أعلا المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ولا عمارة ولا زراعة* وفى رواية وضعهما عند تل ستبنى الكعبة عليه* وفى الاكتفاء فلما أراد ابراهيم أن يخرج ورأت أمّ اسماعيل أنه ليس بحضرتها أحد من الناس ولا ماء ظاهر تركت ابنها فى مكانه وتبعت ابراهيم فقالت يا ابراهيم الى من تدعنا فسكت عنها حتى اذا دنا من كداء قال الى الله عز وجل أدعكم قالت فالله أمرك بهذا قال نعم قالت فحسبى تركتنا الى كاف وانصرفت هاجر الى ابنها وخرج ابراهيم حتى وقف على(1/93)
كداء ولا بناء ولا ظل ولا شىء يحول دون ابنه فنظر اليه فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة لولده فقال ربنا انى أسكنت من ذرّيتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون* وفى رواية فانطلق ابراهيم حتى اذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه الى البيت بهذه الدعوات* وعن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم* وفى الكشاف قيل لو لم يقل من لازدحموا عليها حتى الروم والترك والهند* وفى أنوار التنزيل لحجت اليهود والنصارى والمجوس* وفى الاكتفاء ثم انصرف ابراهيم راجعا الى الشام ورجعت أمّ اسماعيل الى ابنها وعمدت هاجر فجعلت عريشا فى موضع الحجر من سمر وثمام ألقته عليه ومعها شنّ فيه ماء* وفى رواية وضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء* وفى الاكتفاء فلما نفد الماء عطش اسماعيل وعطشت أمّه فانقطع لبنها فأخذ اسماعيل كهيئة الموت فظنت أنه ميت فجزعت وخرجت جزعا أن تراه على تلك الحالة وقالت يموت وأنا غائبة عنه أهون علىّ وعسى الله أن يجعل لى فى ممشاى خيرا فانطلقت فنظرت الى جبل الصفا فأشرفت عليه تستغيث ربها وتدعوه ثم انحدرت الى المروة فلما كانت فى الوادى خبت حتى انتهت الى المروة* وفى رواية لما بلغت بطن الوادى غاب الولد عن عينها فرفعت طرف درعها ثم سعت سعى الانسان المجهود حتى جاوزت الوادى ثم أتت المروة فقامت عليها قال ابن عباس قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما يعنى صار ذلك من شعائر الحج* وفى الاكتفاء فعلت ذلك مرّات كلما أشرفت على الصفا نظرت الى ابنها فتراه على حاله واذا أشرفت على المروة فمثل ذلك وكان ذلك أوّل سعى بين الصفا والمروة وكان من قبلها يطوفون بالبيت ولا يسعون بين الصفا والمروة ولا يقفون المواقف حتى كان ابراهيم فلما كان الشوط السابع ويئست سمعت صوتا فاستمعت فلم تسمع الا الاوّل فظنت أنه شىء عرض لسمعها من الظمأ والجهد فنظرت الى ابنها فاذا هو يتحرّك فأقامت على المروة ثم سمعت الصوت الاوّل فقالت انى سمعت صوتك فأعجبنى فان كان عندك خير فأغثنى فانى قد هلكت وهلك ما عندى* وفى رواية قالت أيها الذى قد سمعت ان كان عندك غوث فأغثنى وكان الصائت جبريل انتهى فخرج الصوت يصوّت بين يديها وخرجت تتلوه قد قويت له نفسها حتى انتهى الصوت عند رأس اسماعيل ثم بدا لها جبريل فانطلق بها حتى وقف على موضع زمزم فضرب بعقبه مكان البئر فظهر الماء فوق الارض حين فحص بعقبه* وفى الحدائق فبحث بعقبه أو قال بجناحه على شك الراوى وفارت بالرواء وجعلت أمّ اسماعيل تحظر الماء بالتراب وتحوضه خشية أن يفوتها قبل أن تأتى بشنها فاستقت وبادرت الى ابنها فسقته* قال ابن عباس قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم يرحم الله أمّ اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا* وفى الاكتفاء فشربت فاذا ثدياها يتقطران لبنا فكان ذلك اللبن طعاما وشرابا لاسماعيل وكانت تجتزى بماء زمزم فقال الملك لا تخافى أن ينفد هذا الماء وأبشرى فان ابنك سيشب ويأتى أبوه من الشام فيبنون هاهنا بيتا يأتيه عباد الله من أقطار الارضين ملبين لله جل ثناؤه شعثا غبرا فيطوفون به ويكون هذا الماء شرا بالضيفان الله عز وجل الذين يزورون بيته فقالت فى جوابه بشرك الله بكل خير وطابت نفسها وحمدت الله تعالى وأقبل غلامان من العماليق يريد ان بعيرا لهما ما أخطأ هما وقد عطشا وأهلهما بعرفة فنظر الى طير تهوى قبل الكعبة فاستنكرا ذلك وقالا أنى يكون الطير على غير ماء فقال أحدهما لصاحبه أمهل حتى نبرد ثم نسلك فى مهوى الطير فأبردا ثم تروّحا فاذا الطير ترد وتصدر فاتبعا الواردة منها حتى وقفا على أبى قبيس فنظر الى الماء والى العريش فنزلا وكلما هاجر وسألاها متى نزلت فأخبرتهما وقالا لمن هذا الماء فقالت لى ولا بنى فقالا من حفره فقالت سقانا الله عز وجل فعرفا أن(1/94)
أحدا لا يقدر أن يحفر هناك ماء وعهدهما بما هناك قريب وليس به ماء فرجعا الى أهلهما من ليلتهما فأخبراهم فتحوّلوا حتى نزلوا معها على الماء فأنست بهم ومعهم الذرّية فنشأ اسماعيل مع ولد انهم وكان ابراهيم يزور هاجر فى كل شهر على براق يغدو غدوة فيأتى مكة ثم يرجع فيقيل فى منزله بالشام فزارها بعد ونظر الى من هناك من العماليق والى كثرتهم وغمارة الماء فسرّ بذلك ولما بلغ اسماعيل أن يسعى مع ابراهيم فى أشغاله ويعينه فى حوائجه وأعماله وذلك حين كان ابن ثلاث عشرة سنة وقيل ابن سبع سنين وقيل أربع سنين رأى ابراهيم فى المنام أنه يذبحه*
ذكر الاختلاف فى الذبيح
واختلف علماء الاسلام فى هذا الغلام الذى أمر ابراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه اسحاق فقال قوم انه اسحاق واليه ذهب من الصحابة عمر وعلىّ وابن مسعود ومن التابعين وأتباعهم كعب وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهرى والسدّى وهو رواية عن ابن عباس وقالوا كانت هذه القصة بالشام* روى عن سعيد بن جبير أنه قال أرى ابراهيم ذبح اسحاق فى المنام فسار به مسيرة شهر فى غدوة واحدة حتى أتى به الى المنحر بمنى فلما أمر بذبح الكبش ذبحه وساربه مسيرة شهر فى روحة واحدة وطويت له الاودية والجبال وقال آخرون هو اسماعيل واليه ذهب عبد الله بن عمر وهو قول سعيد بن المسيب والشعبى والحسن البصرى ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظى والكلبى وهو رواية عن عطاء بن أبى رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفسدّى اسماعيل وكلا القولين يروى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم* حجة من قال الذبيح اسحاق قوله تعالى فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعى أمر بذبح من بشربه وليس فى القرآن أنه بشر بولد سوى اسحاق كما قال فى سورة هود فبشرناها باسحاق وما روى فى الحديث يوسف بن يعقوب اسرائيل الله ابن اسحاق ذبيح الله وما روى أن يعقوب لما بلغه أن بنيامين أخذ بمصر بعلة السرقة كتب الى العزيز الريان وهو يومئذ يوسف* بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله ابن اسحاق ذبيح الله وسيجىء تمامه* وحجة من قال ان الذبيح هو اسماعيل أن الله ذكر البشارة باسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال وبشرناه باسحاق نبيا من الصالحين فدل على أن المذبوح غيره وأيضا قال الله تعالى فى سورة هود فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب وكما بشر ابراهيم باسحاق بشر بابنه يعقوب فكيف يأمره بذبح اسحاق وقد وعد له نافلة منه* وفى أنوار التنزيل ولان البشارة باسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبها الامر بذبحه مراهقا ولان قرنى الكبش كانا منوطين بالكعبة فى أيدى بنى اسماعيل الى أن احترق البيت واحترق القرنان فى أيام ابن الزبير والحجاج ولم يكن اسحاق ثمة* قال الشعبى رأيت قرنى الكبش منوطين بالكعبة* وعن ابن عباس قال والذى نفسى بيده لقد كان أوّل الاسلام وان رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد وخش يعنى يبس وصار رديئا* قال الاصمعى سألت عمرو بن العلاء عن الذبيح اسحاق أو اسماعيل فقال يا أصيمع أين ذهب عقلك متى كان اسحاق بمكة وانما كان اسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه ولان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أنا ابن الذبيحين يعنى جدّه اسماعيل وأباه عبد الله حيث عرضه عبد المطلب على الذبح* قال ابن القيم ومما يدل على أن الذبيح اسماعيل أنه لا ريب أن الذبح كان بمكة ولذا جعل القرابين يوم النحر بها كما جعل السعى بين الصفا والمروة ورمى الجمرات بها تذكرة بشأن اسماعيل وأمّه واقامة لذكر الله تعالى ومعلوم أن اسماعيل وأمّه هما اللذان بمكة دون اسحاق وأمّه ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الكتاب ومن تلقى عنهم لكانت القرابين والنحر بالشام لا بمكة وروى ما ذكره المعافى بن زكريا أن عمر بن عبد العزيز سأل رجلا أسلم من علماء اليهود أىّ ابنى ابراهيم(1/95)
أمر بذبحه فقال والله يا أمير المؤمنين ان اليهود ليعلمون أنه اسماعيل ولكنهم يحسدونكم معشر العرب أن يكون أبا لكم للفضل الذى ذكر عنه فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه اسحاق لان اسحاق أبوهم كذا فى المواهب اللدنية*
قصة الذبح
وأما قصة الذبح فقال السدّى لما دعا ابراهيم ربه فقال رب هب لى من الصالحين وبشر به قال هو اذا ذبيح الله فلما ولد وبلغ معه السعى قيل له أوف بنذرك هذا هو السبب فى أمر الله اياه بذبح ابنه فقال عند ذلك لاسماعيل انطلق نقرب قربانا لله عز وجل وأخذ سكينا وحبلا وانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال فقال له الغلام يا أبت أين قربانك فقال يا بنىّ انى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر* قال ابن اسحاق كان ابراهيم اذا زار هاجر واسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى اذا بلغ اسماعيل معه السعى أمر فى المنام أن يذبحه وذلك أنه رأى ليلة التروية كان قائلا يقول له ان الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح روّى فى نفسه أى فكر من الصباح الى الرواح أمن الله هذا الحلم أو من الشيطان فمن ثمة سمى يوم التروية فلما أمسى رأى فى المنام ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فمن ثمة سمى يوم عرفة وقال مقاتل رأى فى المنام ثلاث ليال متتابعات فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه قال ابن اسحاق وغيره لما أمر ابراهيم بذلك قال لابنه خذ الحبل والمدية ننطلق الى هذا الشعب نحتطب فأخذهما فانطلقا حتى اذا كان ببعض الطريق عرض لهما الشيطان* وعن كعب الاحبار وابن اسحاق لما أمر ابراهيم بذبح ابنه قال الشيطان لئن لم أفتن عند هذا آل ابراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل رجلا وأتى أمّ الغلام فقال لها هل تدرين أين ذهب ابراهيم بابنك قالت ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال لا والله ما ذهب به الا ليذبحه قالت كلا هو أرحم به وأشدّ حبا من ذلك قال انه يزعم أن الله أمره بذلك قالت فان كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشى على أثر أبيه فقال يا غلام هل تدرى أين يذهب بك أبوك قال نحتطب لاهلنا من هذا الشعب قال والله ما يريد الا أن يذبحك قال ولم قال زعم أن ربه أمره بذلك قال فليفعل ما أمره به ربه سمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام أقبل على ابراهيم فقال له أين تريد أيها الشيخ قال أريد هذا الشعب لحاجة لى فيه قال والله انى لأرى أن الشيطان قد جاءك فى منامك فأمرك بذبح ابنك هذا فعرفه ابراهيم فقال اليك عنى يا عدوّ الله فو الله لأمضين أمر ربى فرجع ابليس بغيظه لم ينل من ابراهيم وآله شيئا مما أراد وقد امتنعوا منه بعون الله عز وجل* وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن ابراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه ابراهيم ثم ذهب الى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى ابراهيم لامر الله عز وجل فلما خلا بابنه فى شعب ثبير أخبره بما أمر به قال له ابنه يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى ان شاء الله من الصابرين فلما أسلما أى انقادا لامر الله تعالى وتله للجبين أى صرعه على الارض قال ابن عباس أضجعه على جبينه على الارض* وفى أنوار التنزيل صرعه على شقه فوقع جبينه على الارض وهو أحد جانبى الجبهة قالوا قال له ابنه الذى أراد ذبحه يا أبت أشد درباطى حتى لا أضطرب واكفف عنى ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمى فينقص من أجرى وتراه أمى فتحزن واشحذ شفرتك وأسرع مر السكين على حلقى فانه أهون علىّ فان الموت شديد واذا أنيت أمى فاقرأ عليها السلام منى فان رأيت أن تردّ قميصى على أمى فانه عسى أن يكون أسلى لها قال له ابراهيم نعم العون أنت يا بنىّ على أمر الله ففعل ابراهيم ما وصاه به ابنه ثم أقبل ابراهيم عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكى والابن يبكى وقد فتحت أبواب السماء والملائكة ينظرون ويبكون ويقولون حق له أن(1/96)
يتخذه الله خليلا ثم انه وضع السكين على حلقه فلم يحز السكين فشحذه بالحجر مرّتين أو ثلاثا حتى صار كشعلة النار وكل ذلك لم يقطع* وفى أنوار التنزيل روى أنه أمرّ السكين بقوّته على حلقه مرارا فلم يقطع* قال السدّى ضرب الله صفيحة من نحاس على حلقه فقال الابن عند ذلك يا أبت كبنى على وجهى لئلا ترى فىّ تغيرا فتدركك رقة فتحول بينك وبين أمر الله وأنا لا أنظر الى الشفرة فأجزع ففعل ذلك ابراهيم ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين وكان ذلك عند الصخرة بمنى أوفى الموضع المشرف على مسجده أو المنحر الذى ينحر فيه اليوم ونودى أن يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا فنظر ابراهيم فاذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء لابنك فاذبحه دونه فكبر جبريل وكبر الكبش وكبر ابراهيم وكبر ابنه فأخذ ابراهيم الكبش وأتى به المنحر من منى فذبحه* قال أكثر المفسرين كان ذلك الكبش رعى فى الجنة أربعين خريفا وعن ابن عباس الكبش الذى ذبحه ابراهيم هو الذى قرّبه ابن آدم هابيل فتقبل منه قال الحسن ما فدى اسماعيل الابتيس من الاروى* وفى أنوار التنزيل وعلى أهبط عليه من ثبير وروى أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصار سنة*
تزوّج اسماعيل وزيارة أبيه ابراهيم له
وفى الاكتفاء ولما بلغ اسماعيل عليه السلام مبلغ الرجال تزوّج امرأة من العماليق فجاء ابراهيم زائرا لاسماعيل واسماعيل فى ماشيته يرعاها ويخرج متنكبا قوسه فيرمى الصيد مع رعيته فجاء ابراهيم عليه السلام الى منزله فقال السلام عليكم يا أهل البيت فسكتت فلم تردّ الا أن تكون ردّت فى نفسها فقال هل من منزل فقالت لا وهائم الله اذا قال فكيف طعامكم وشرابكم وشاؤكم فذكرت جهدا فقالت أما الطعام فلا طعام وأما الشاة فانما نحلب الشاة بعد الشاة المصرّاة وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ قال فأين رب البيت قالت فى حاجته قال فاذا جاء فأقريه السلام وقولى له غير عتبة بيتك ثم رجع ابراهيم الى منزله وأقبل اسماعيل راجعا الى منزله بعد ذلك بما شاء الله عز وجل فلمّا انتهى الى منزله سأل امرأته هل جاءك أحد فأخبرته بابراهيم وقوله وما قالت له* وفى رواية قالت جاءنى شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه ففارقها وأقام ما شاء الله أن يقيم وكانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة فضيعوا حرمة الحرم واستحلوا منه أمورا عظاما ونالوا ما لم يكونوا ينالون فقام فيهم رجل منهم يقال له عموق فقال يا قوم أبقوا على أنفسكم فقد رأيتم وسمعتم من أهلك من هذه الامم فلا تفعلوا وتواصلوا ولا تستخفوا بحرم الله عز وجل وموضع بيته فلم يقبلوا ذلك منه وتمادوا فى هلكة أنفسهم ثم ان جرهما وقطورا وهما ابنا عم خرجوا سيارة من اليمن أجدبت البلاد عليهم فساروا بذراريهم وأموالهم فلما قدموا مكة رأوا فيها ماء معينا وشجرا ملتفا ونباتا كثيرا وسعة من البلاد ودفئا فى الشتاء فقالوا ان هذا الموضع يجمع لنا ما نريد فأعجبهم ونزلوا به وكان لا يخرج من اليمن قوم الا ولهم ملك يقيم أمرهم سنة فيهم جروا عليها واعتادوها ولو كانوا نفرا يسيرا فكان مضاض بن عمرو على قومه من جرهم وكان على قطورا السميدع بن هوثر فنزل مضاض بجرهم أعلا مكة وكان حوزهم وجه الكعبة الركن الاسود والمقام وموضع زمزم مصعدا يمينا وشمالا وقيقعان الى أعلا الوادى ونزل السميدع بقطورا أسفل مكة وأجيادا وكان حوزهم ظهر الكعبة والركن اليمانى والغربى والاجيادين والثنية الى الرمضة فلما جازوا ذهبت العماليق الى أن ينازعوهم أمرهم فعلت أيديهم على العماليق وأخرجوهم من الحرم كله فصاروا فى أطرافه لا يدخلونه وجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من قومهما فكثروا وأثروا فكان مضاض يعشر كل من دخل مكة من أعلاها والسميدع بعشر كل من دخل من أسفلها وكلّ على قومه لا يدخل أحدهما على صاحبه وكانوا عربا وكان اللسان عربيا ونشأ اسماعيل فيهم وأخذ بلسانهم وتعلم العربية منهم وكان أنفسهم وأعجبهم وكان ابراهيم يزور اسماعيل فلما نظر الى جرهم نظر الى لسان(1/97)
عجيب واعراب وسمع كلاما حسنا فقول ابن عباس أوّل من تكلم بالعربية اسماعيل فالمراد منه أنه أوّل من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة اسماعيل ومع أنه تعلم أصل اللغة منهم فاقهم فى الفصاحة والبلاغة ونظر اسماعيل الى رعلة بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فحطبها الى أبيها فتزوّجها فجاء ابراهيم زائرا لاسماعيل فجاء الى بيت اسماعيل فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته فقامت اليه المرأة فردّت عليه ورحبت به فقال كيف عيشكم ولبنكم وماشيتكم فقالت خير عيش نحمد الله عز وجل نحن فى لبن كثير ولحم كثير وماء طيب قال هل من حب قالت يكون ان شاء الله ونحن فى نعم قال بارك الله لكم قال أبو الجهم فكان أبى يقول ليس أحد يخلى عن اللحم والماء بغير مكة الا اشتكى بطنه ولعمرى لو وجد عندها حبا لدعا فيه بالبركة فكانت أرض زرع ويقال ان ابراهيم قال لها ما طعامكم قالت اللحم واللبن قال فما شرابكم قالت اللبن والماء قال بارك الله لكم فى طعامكم وشرابكم فاللبن طعام وشراب قالت فانزل رحمك الله فاطعم واشرب قال انى لا أستطيع النزول قالت فانى أراك شعثا أفلا أغسل رأسك وأدهنه قال بلى ان شئت فجاءته بالمقام وهو يومئذ حجر رطب أبيض مثل المهاة ملقى فى بيت اسماعيل فوضع عليه قدمه اليمنى وقدّم اليها رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الايمن فلما فرغت حوّلت له المقام حتى وضع عليه قدمه اليسرى وقدّم اليها رأسه فغسلت بشق رأسه الايسر فالاثر الذى فى المقام من ذلك* قال أبو الجهم فقد رأيت موضع العقب والاصبع وعن الواقدى من غير حديث أبى الجهم أن أبا سعيد الخدرى سأل عبد الله بن سلام عن الاثر الذى فى المقام فقال كانت الحجارة على ما هى عليه اليوم الا أن الله جل ثناؤه أراد أن يجعل المقام آية من آياته قال أبو الجهم فلما فرغت يعنى المرأة من غسل رأس ابراهيم عليه السلام قال لها اذا جاء اسماعيل فقولى له أثبت عتبة بابك فان صلاح المنزل العتبة فلما جاء اسماعيل قال لها هل جاءك أحد بعدى فأخبرته بابراهيم وما صنعت به ثم قال هل قال لك أن تقولى شيئا قالت قال لى أثبت عتبة بابك فان صلاح المنزل العتبة ففرح اسماعيل وقال أتدرين من هو قالت لا قال هذا خليل الله ابراهيم أبى وأما قوله أثبت عتبة بابك فقد أمرنى أن أقرّك وقد كنت علىّ كريمة وقد ازددت علىّ كرامة فصاحت وبكت فقال مالك قالت أن لا أكون علمت من هو فأكرمه وأصنع به غير الذى صنعت فقال لها اسماعيل لا تبكى ولا تجزعى فقد أحسنت ولم تسكونى تقديرين أن تفعلى فوق الذى فعلت ولم يكن ليزيدك على الذى صنع بك فولدت لاسماعيل عشرة ذكور نابت أحدهم كذا فى الاكتفاء وشفاء الغرام* وفى سيرة ابن هشام عن محمد بن اسحاق قال ولد اسماعيل بن ابراهيم اثنا عشر رجلا وهم نابت وكان أكبرهم وقيدر واذبل ومنشى ومشمع وماشى وذما وأزد وطيما وأيطور ونبش وقيذما وأمّهم بنت مضاض بن عمرو الجرهمى قال ابن هشام ويقال مضاض وجرهم من قحطان وقحطان أبو اليمن كلها واليه يجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح وقال ابن اسحاق جرهم بن يقطن بن عيبر بن شالخ وقحطان بن عيبر بن شالخ وقال ابن هشام العرب كلها من اسماعيل وقحطان وبعض اليمن يقول قحطان من ولد اسماعيل ويقول اسماعيل أبو العرب كلها
بناء الكعبة
فلما بلغ اسماعيل ثلاثين سنة وقيل عشرين وقيل ستا وعشرين وابراهيم يومئذ ابن مائة سنة وهو بالشام أوحى الله عز وجل اليه أن ابن لى بيتا قال ابراهيم رب أين أبنيه فأوحى الله اليه أن اتبع السكينة وهى ريح لها وجه وجناحان ومع ابراهيم الملك والصرد فانتهوا بابراهيم الى مكة فنزل اسماعيل الى الموضع الذى بوّأه الله عز وجل ابراهيم* وفى رواية بعث الله السكينة لتدله على موضع البيت وهى ريح خجوج لها رأسان شبه الحية يتبع أحدهما صاحبه وأمر ابراهيم أن يبنى حيث تستقرّ السكينة فتبعها ابراهيم حتى أتيا مكة فتطوّقت السكينة على موضع(1/98)
البيت كتطوّق الحية فكنت ما حول البيت عن الاساس هذا قول علىّ* وفى حياة الحيوان قيل لما خرج ابراهيم من الشأم لبناء البيت كانت السكينة معه والصرد دليله على موضع البيت والسكينة بمقداره فلما صار الى الموضع وقفت السكينة على موضع البيت ونادت ابن يا ابراهيم على مقدار ظلّى* وقال ابن عباس بعث الله سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وابراهيم يمشى فى ظلها الى أن وافت مكة ووقفت على موضع البيت فنودى منها يا ابراهيم أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص كذا فى الكشاف* وفى رواية أن ابراهيم لما أمر بالبناء أقبل من أرمينية على البراق ومعه السكينة وهى ريح هفافة أى ساكنة طيبة لها وجه يتكلم ومعها ملك يدلها على موضع البيت حتى انتهى الى مكة وبها اسماعيل وهو يومئذ ابن عشرين أو ثلاثين سنة وقد توفيت أمّه قبل ذلك ودفنت فى موضع الحجر* وفى زبدة الاعمال قال ابن جريج ماتت أمّ اسماعيل قبل أن يرفع البيت ابراهيم واسماعيل ودفنت فى موضع الحجر* وفى الاكتفاء وموضع البيت ربوة حمراء مدرة مشرفة على ما حولها فحفر ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وليس معهما غيرهما* وفى العمدة وقيل يعينه سبعة أملاك انتهى فحفرا أساس البيت يريدان أساس آدم الاوّل فحفرا عن ربض البيت يعنى حوله فوجدا صخارا عظاما كل صخرة لا يطيقها الا ثلاثون رجلا وحفرا حتى بلغا أساس آدم ثم بنيا عليه وحلقت السكينة أو قال طوّقت كأنها سحابة على موضع البيت فقالت ابن علىّ فلذلك لا يطوف بالبيت أحد أبدا نافر ولا جبار الا رؤيت عليه السكينة فكان ابراهيم يبنى واسماعيل ينقل الحجارة على رقبته ويناوله* وفى العرائس كان اسماعيل عربيا وابراهيم عبرانيا فعلم الله هذا لسان هذا فكان ابراهيم يقول لاسماعيل بالعبرانية هات لى كببا أى هات لى حجرا فيقول اسماعيل هاك فخذه فلما ارتفع البناء قرّب له المقام فكان ابراهيم يقوم عليه ويبنى ويحوّله اسماعيل فى نواحى البيت* وفى أنوار التنزيل واسماعيل كان يناوله الحجر لكنه لما كان له مدخل فى البناء عطف عليه فى الآية وهى واذ يرفع ابراهيم للقواعد من البيت واسماعيل وقيل كانا يبنيان فى الطرفين أو على التناوب قال ابن عباس انما بنى البيت من خمسة أجبل طور سيناء وطور زيتاء ولبنان وهو جبل بالشأم والجودى وهو جبل بالجزيرة وبنيا قواعده من حراء وهو جبل مكة كذا فى الكشاف الا أن فيه أسسه من حراء بدل وبنيا قواعده ويروى أنه أسس البيت من ستة أجبل أبى قبيس والطور والقدس وورقان ورضوى وأحد وقيل من خمسة أجبل من حراء وثبير ولبنان والطور والجبل الاحمر والله أعلم* وفى الاكتفاء فبنى ابراهيم واسماعيل البيت فجعل طوله فى السماء تسعة أذرع وعرضه ثلاثين ذراعا وهو خلاف المتعارف وطوله فى الارض اثنين وعشرين ذراعا وأدخل الحجر وهو سبعة أذرع فى البيت وكان قبل ذلك زر بالغنم اسماعيل* وفى البحر العميق ويسمى الحجر حظيرة اسماعيل لان الحجر قبل بناء الكعبة كان زر بالغنم اسماعيل* قال أبو الوليد الازرقى جعل ابراهيم الخليل عليه السلام طول بناء الكعبة فى السماء تسعة أذرع وطولها فى الارض ثلاثين ذراعا وعرضها فى الارض ثلاثة وعشرين ذراعا وكانت غير مسقفة كذا فى ايضاح المناسك* وفى تشويق الساجد جعل ابراهيم واسماعيل طول بناء الكعبة فى السماء تسعة أذرع وطولها فى الارض من الركن الاسود الى الركن العراقى الذى عند الحجر من صوب المشرق ويسمى الركن الشامى أيضا اثنين وثلاثين ذراعا وجعل عرض ما بين الركن العراقى الى الركن الشامى الذى عند الحجر من جهة المغرب ويسمى الركن العراقى أيضا اثنين وعشرين ذراعا وجعل طول ظهرها أى من الركن الغربى الى الركن اليمانى أحدا وثلاثين ذراعا وجعل ما بين الركنين اليمانى والاسود عشرين ذراعا فلذلك سميت الكعبة لانها على خلقة الكعب وكذلك بنيان أساس ابراهيم وجعل بابها(1/99)
ملصقا بالارض غير مبوّب وجعل الى جنب البيت عريشا من أراك تقتحمه العنز وكان زر بالغنم اسماعيل* وفى الاكتفاء وانما بناه بحجارة بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا وحفر بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما أهدى للبيت* وفى البحر العميق قال ابن اسحاق ان البئر التى كانت فى جوف الكعبة كان على يمين من دخلها وكان عمقها ثلاثة أذرع حفرها ابراهيم واسماعيل ليكون فيها ما يهدى للكعبة وكان اسم البئر أخسف وفى رواية هو الجب الذى نصب عليه عمرو بن لحىّ هبل الصنم الذى كان قريش تعبده وتستقسم عنده بالازلام حين جاء به من الهيت أرض الجزيرة* قال ابن هشام حدّثنى بعض أهل العلم أن عمرو بن لحىّ بن قمعة بن الياس خرج من مكة الى الشام فى بعض أموره فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاود بن سام بن نوح رآهم يعبدون الاصنام فقال لهم ما هذه الاصنام التى أراكم تعبدون فقالوا له هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم أفلا تعطوننى منها صنما فأسير به الى أرض العرب فيعبدونه فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأمر الناس بعبادته وتعظيمه* قال ابن اسحاق يرفعه الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال رأيت عمرو بن لحىّ يجرّ قصبه فى النار انتهى وجعل ابراهيم الركن علما للناس فذهب اسماعيل الى الوادى يطلب حجرا ونزل جبريل بالحجر الاسود وكان قد رفع الى السماء حين غرقت الارض كما رفع البيت فوضعه ابراهيم موضع الركن وجاء اسماعيل بالحجر من الوادى فوجد ابراهيم قد وضع الحجر فقال من أين لك هذا ومن جاءك به قال ابراهيم من لم يكلنى اليك ولا الى حجرك* وفى رواية تمخض أبو قبيس فانشق عنه وقد خبئ فيه من أيام الطوفان وكان ياقوته حمراء وقيل ياقوتة بيضاء من الجنة فلما مسته الحيض فى الجاهلية اسودّ كذا فى الكشاف وقد مرّ مثله* وفى رواية وهو يومئذ يتلألأ تلألؤا من شدّة بياضه فأضاء نوره شرقا وغربا ويمينا وشمالا وكان نوره يضىء الى منتهى أنصاب الحرم من كل ناحية من نواحى الحرم* وفى حياة الحيوان عن عبد الله بن عمر قال نزل الركن الاسود فوضع على أبى قبيس كأنه مهاة بيضاء فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد ابراهيم وعن الواقدىّ أيضا عن ابن الزبير أنه يقول ان ابراهيم ابتغى الحجر فناداه من فوق أبى قبيس ألا أنا هذا وديعة فرقى ابراهيم اليه فأخذه فوضعه فى موضعه الذى هو فيه اليوم وكان الله جل ثناؤه لما غرقت الارض استودع أبا قبيس الركن وقال اذا رأيت خليلى يبنى لى بيتا فأعطه الركن وعن غير ابن الزبير أن أبا قبيس لذلك كان يسمى فى الجاهلية الامين لوفائه بما استودعه الله اياه ويروى أنه كان بين بنائه وبين أن يبعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف سنة*
(ذكر ذى القرنين الاكبر)
* يروى أن ذا القرنين قدم مكة وهما يبنيان فقال ما هذا فقالا نحن عبدان مأموران بالبناء قال فهاتا البينة على ما تدّعيان فقامت خمسة أكبش فقلن نشهد أن ابراهيم واسماعيل عبدان مأموران بالبناء فقال رضيت وسلمت ومضى* وفى كتاب القرى عن عطاء بن السائب أنه قال ان ابراهيم عليه السلام رأى رجلا يطوف بالبيت فأنكره فسأله ممن أنت قال من أصحاب ذى القرنين قال وأين هو قال بالابطح فتلقاه ابراهيم واعتنقه فقيل لذى الفرنين لم لا تركب قال ما كنت لأركب وهذا يمشى فحج ماشيا قاله الازرقى* وفى أنوار التنزيل والمدارك ذو القرنين هو الاسكندر الرومى الذى ملك الدنيا قيل ملك الدنيا مؤمنان ذو القرنين وسليمان وكافران نمروذ وبخت نصر وقيل كان بعد نمروذ قاله مجاهد وقال ابن اسحاق لم يملك تمام الارض الا ثلاثة من الملوك نمروذ وذو القرنين وسليمان* وفى المدارك أن شدّاد بن عاد أيضا ملك الدنيا* وفى أنوار التنزيل ملك المعمورة* وفى المدارك قيل كان ذو القرنين عبدا صالحا ملكه الله الارض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة فاذا صار(1/100)
يهديه النور من أمامه وتحوطه المظلمة من ورائه* وفى الينابيع كان له علمان أبيض وأسود وجعل الله معجزته فيهما فجعل ضوء النهار فى الابيض وظلمة الليل فى الاسود فاذا أراد الضوء والنهار فى الليلة المظلمة ينصب العلم الابيض فيصير الليل مثل النهار المضىء واذا أراد الظلمة والليل فى النهار ينصب العلم الاسود فيصير النهار مثل الليلة المظلمة واذا أراد فى وقت المحاربة أن يلقى الظلمة فى عسكر العدوّ يفعل فيكون النهار عليهم مظلما كالليل ويبقى الضياء والنهار فى عسكره فينهزم العدوّ واذا سار يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه كما مرّ لئلا يقدر على عسكره قاصد من ورائه* وفى المدارك قال عليه السلام بدء أمره أنه وجد فى الكتب أن أحدا من أولاد سام يشرب من عين الحياة فيخلد فجعل يسير فى طلبها والخضر وزيره وابن خالته وكان فى مقدّمته فظفر وشرب ولم يظفر ذو القرنين* وفى الينابيع قال له شيخ انى قرأت فى وصية آدم لابنه شيث عليهما السلام ان لله تعالى ظلمة على وجه الارض من جانب المغرب وفيها عين الحياة فقصد جانب المغرب* وفى المدارك قيل كان ذو القرنين نبيا وقيل ملكا من الملائكة وعن علىّ أنه قال ليس بملك ولا نبىّ ولكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه الايمن فى طاعة الله فمات ثم بعثه الله فضرب على قرنه الا يسر فمات فبعثه الله فسمى ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه والاصح الذى عليه الاكثرون أنه كان ملكا صالحا عادلا وانه بلغ أقصى المغرب والمشرق والشمال وهذا هو القدر المعمور من الارض كذا فى لباب التأويل* وقال عليه السلام سمى ذا القرنين لانه طاف قرنى الدنيا يعنى جانبيها شرقها وغربها وقيل كان له قرنان أى ضفيرتان أو انقرض فى أيامه قرنان من الناس أو لانه ملك الروم وفارس أو الروم والترك أو كان لناجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين أو كان كريم الطرفين أبا وأمّا* وفى أنوار التنزيل يحتمل أنه نعت بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه واختلف فى نبوّته مع الاتفاق على ايمانة وصلاحه* وفى الينابيع ذكر الثعالبى فى تفسيره عن وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الاسكندرية وكان ابن عجوزة ولم يكن من الاعيان لكن تربى فى الادب وبلغ الفضل وكان له الحلم والمروءة والعفة والاخلاق الحميدة رأى فى المنام أنه دنا من الشمس وأخذ بقرنيها أى جانبيها شرقها وغربها ولما قص رؤياه قالوا له ذو القرنين* وفى العمدة كان اسم ذى القرنين الاسكندر من ولد يونان بن تارخ بن يافث بن نوح* وفى معالم التنزيل اختلفوا فى اسم ذى القرنين قيل اسمه مرزبان بن مرزبة اليونانى من ولد يونان بن يافث بن نوح وقيل اسمه الاسكندر بن فيلقوس الرومى وكان ولد عجوزة ليس لها ولد غيره* ونقل الامام فخر الدين الرازى فى تفسيره عن أبى الريحان السرورى المنجم أنه من حمير واسمه أبو كرب شمس بن عمير بن أفرينس الحميرى قال أبو الريحان يشبه أن يكون هذا القول أقرب لان الاذواء كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلو أساميهم من ذى كذى المنار وذى نواس وذى النون وذى رعين وغيرهم واختلفوا فى زمانه قيل كان فى زمن ثمود وكان عمره ألفا وستمائة سنة وقال وهب هو كان فى فترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام* وفى المختصر الجامع ان ذا القرنين اثنان أكبر وأصغر أما ذو القرنين الاكبر فهو المذكور فى القرآن هو من ولد سام بن نوح ولقى ابراهيم وكان فى زمنه وطاف البلاد والخضر على مقدّمته وبلغ معه نهر الحياة فشرب من ماء الحياة وهو لا يعلم فخلد وهو الآن حىّ وهو قول الطبرى وسدّ على يأجوج ومأجوج وبنى الاسكندرية وقال ابن عباس كان اسمه عبد الله بن الضحاك*
ذكر ذى القرنين الاصغر
وأما ذو القرنين الاصغر فهو الاسكندر اليونانى وهو الذى قتل دارا وسلب ملكه وتزوّج بابنته واجتمع له الروم وفارس ولهذا سمى ذا القرنين ويقال انه دخل الظلمات مما يلى القطب الشمالى وطلب عين الخلد وسار فيها ثمانية عشر يوما ثم رجع الى العراق* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى الاسكندر(1/101)
الحكيم الرومى هو ذو القرنين الملك وليس هو المذكور فى القرآن لان تعظيم الله اياه يوجب الحكم بأن مذهب أرسطاطاليس حق وصدق وذلك مما لا سبيل اليه بل هو ابن فيلقوس الملك وكان مولده فى السنة الثالثة عشر من ملك دارا الاكبر سلمه أبوه الى أرسطاطاليس الحكيم المقيم بمدينة ايثناش فأقام عنده خمس سنين يتعلم منه الحكمة والادب حتى بلغ أحسن المبالغ ونال من الفلسفة مثل سائر تلامذته فاستردّه والده حين استشعر من نفسه علة خاف منها فلما وصل اليه جدّد العهد له واستولت عليه العلة فتوفى منها واستقل الاسكندر بأعباء الملك وله حكم كثيرة* وفى لباب التأويل ذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلا من الروم ابن عجوز فلما بلغ كان عبدا صالحا قال الله له انى باعثك الى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الارض احداهما عند مغرب الشمس يقال لها ناسك والاخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الارض احداهما فى القطر الايمن يقال لها هاويل والاخرى فى القطر الايسر يقال لها تأويل وأمم فى وسط الارض منهم الجنّ والانس ويأجوج ومأجوج فقال ذو القرنين بأىّ قوّة أكابرهم وبأىّ جمع أكاثرهم وباى لسان أناطقهم قال الله تعالى انى سأطوّقك وأبسط لسانك وأشدّ عضدك فلا يهولنك شىء وألبسك الهيبة فلا يرو عنك شىء وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك فانطلق حتى أتى مغرب الشمس فوجد جمعا وعددا لا يحصيه الا الله وهم ناسك فكابرهم بالظلمة حتى جمعهم فى مكان واحد فدعاهم الى الله وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه فعمد الى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا فى دعوته فجند من أهل المغرب جندا عظيما وانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم حتى أتى هاويل ففعل بهم كفعله فى ناسك ثم مضى حتى أتى منسك ففعل بهم كفعله بالامّتين وجند منهم جندا ثم أخذ ناحية الارض اليسرى فأتى تاويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد الى الامم التى فى وسط الارض فلما كان مما يلى منقطع الترك مما يلى المشرق قالت له أمّة صالحة من الانس ياذا القرنين ان بين هذين الجبلين خلقا أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش كالسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذى روح خلق فى الارض وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا نشك أنهم سيملؤن الارض ويظهرون عليها فيفسدون فيها فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدّا قال ما مكنى فيه ربى خير فأعدوا لى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم فانطلق حتى توسط بلادهم فوجدهم على مقدار واحد يبلغ الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا لهم مخاليب وأضراس كالسباع ولهم هلب شعر يوارى أجسادهم ويتقون به من الحرّ والبرد ولكل واحد أذنان عظيمتان يفترش احداهما ويلتحف بالاخرى يصيف فى واحدة ويشتو فى أخرى يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف الى بين الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الاساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون فى الارض* وفى أنوار التنزيل فسار حتى اذا بلغ مغرب الشمس أى منتهى العمارة من نحو المغرب وكذا المطلع وجدها تغرب فى عين حامئة أى حارّة أو حمئة من حمأت البئر اذا صارت فيها الحمأة أى فى ماء وطين لعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك اذ لم يكن فى مطمح بصره غير الماء وكذلك من كان فى البحر يرى فى مطمح بصره كأنها تغرب فى البحر وكذلك من كان فى البرّ أو الجبل لا أن جرم الشمس تغرب فى عين اذ جرم الشمس أكبر من أن يسعها عين ولا تتزايل عن فلكها ولذلك قال وجدها تغرب ولم يقل وكانت تغرب ووجد عند تلك العين قوما كفّارا عراة من الثياب لباسهم جلود الوحوش والصيد وطعامهم ما لفظه البحر فخيره الله بين أن يعذبهم بالقتل على كفرهم وبين أن يحسن(1/102)
اليهم بالارشاد وتعليم الشرائع ثم اتبع سببا أى ظريقا يوصله الى المشرق فسار حتى اذا بلغ مطلع الشمس أى الموضع الذى تطلع عليه الشمس أوّلا من معمورة الارض وجدها فى نظره تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا من اللباس أو البنيان فان أرضهم لا تمسك الابنية وانهم اتخذوا الاسراب بدل الابنية ذكر أبو الليث كانوا عراة عماة عن الحق فى مكان لا يستقرّ فيه البناء وليس فيه شجر ولا جبل* وقال قتادة هم الزنج كانوا فى مكان لا ينبت فيه النبات كذلك أى كان أمر ذى القرنين فى أهل المشرق كأمره فى أهل المغرب من التخيير والاختبار أو صفة هؤلاء القوم مثل ذلك القوم الذى تغرب عليهم الشمس من الكفر والحكم أو أمر ذى القرنين كما وصفناه فى رفعة المكان وبسطة الملك ثم اتبع طريقا ثالثا معترضا بين المشرق والمغرب آخذا بين الجنوب والشمال فسار حتى اذا بلغ بين السدّين*
سدّ الاسكندر
فى أنوار التنزيل أى بين الجبلين المبنى بينهما سدّه وهما جبلا أرمينية واذربيجان وقيل جبلان فى آخر الشمال فى منقطع أرض الترك منيفان من ورائهما يأجوج ومأجوج* وفى المدارك وهذا المكان فى منقطع أرض الترك مما يلى المشرق* وفى الينابيع هما جبلان قبل المشرق رفيعان بحيث يعجز الخلق عن صعودهما وبلوغ قللهما وكان بينهما واد كبير ومن دونهما قوم لا يكادون يفقهون قولا فقال مترجمهم لذى القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون فى الارض* عن الكلبى كانا فيما يلى بنات نعش وقيل السدّ وراء بحر الروم وقيل بناحية أرمينية وقيل ارتفاعه مقدار مائتى ذراع وعرضه خمسون ذراعا* وفى المدارك بعد ما بينهما مائة فرسخ* وفى الينابيع جاء فى بعض الروايات طوله مائة فرسخ وعرضه خمسون فرسخا* وفى رواية فرسخ فى فرسخ* وفى لباب التأويل قيل ان عرضه خمسون ذراعا وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخ* وفى أنوار التنزيل فحفر الاساس حتى بلغ الماء وجعل الاساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد أى القطع الكبار من الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلا الجبلين ثم وضع فيه المنافيخ فنفخوا فيه حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليها فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا وقيل بناه من الصخر مرتبطا بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب فى تجاويفها كذا فى أنوار التنزيل والمدارك* وفى الينابيع عن الكلبى حفروا حتى وصلوا الماء فوضعوا قطعة من حديد وقطعة من نحاس وقطعة من صفر بعضها فوق بعض يعنى سافا من حديد وسافا من نحاس وسافا من صفر بعضها فوق بعض ووضعوا الحجارة فى وسطها والحطب فى خلالها حتى ارتفع الى أعلا الجبل ثم وضعوا المنافيخ الكبار وكان يعمل فيه أربعون ألف عملة فصار بناء رفيعا لا يقدر الطير أن يطير من أعلاه ثم نفخوا فيه حتى صار مثل النار ثم صب عليه النحاس المذاب حتى سدّ التجاويف والثقب وجعلوه أملس حتى لا يقدر على تسوّره وتركوه حتى برد فظهر فيه خطوط خط أسود من الحديد وخط أحمر من النحاس وخط أصفر من الصفر*
ذكر يأجوج ومأجوج
وروى أن رجلا جاء الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى رأيت ردم يأجوج ومأجوج يعنى السدّ قال صفه لى كيف هو أو قال كيف رأيته قال كالبرد المحبر المخطط طريقة سوداء وطريقة حمراء وفى رواية قال طريقة بيضاء وطريقة سوداء قال عليه السلام أجل رأيته* وفى أنوار التنزيل يأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل* وقال السدّى الترك طائفة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السدّ فبقيت خارجة فسموا الترك بذلك لانهم تركوا خارجين وقيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يتركون شيئا أخضر الا أكلوه ولا يابسا الا حملوه وقيل كانوا يأكلون الناس ولا يموت أحدهم حتى ينظر الى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وقيل هم على صنفين طوال مفرط الطول وقصار معرط القصر كذا فى المدارك وعن(1/103)
علىّ أنه قال منهم من طوله شبر ومنهم من هو مفرط قى الطول وأخفاه تسحبان فى الارض واذا نام يفترش احداهما ويلتحف بالاخرى* وفى ربيع الابرار عن ابن عباس يأجوج ومأجوج شبر وشبران وثلاثة أشبار وهم من ولد آدم وقال كعب هم نادرة فى بنى آدم وذلك أن آدم احتلم ذات يوم وامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا مر جهة الاب دون الامّ كذا فى لباب التأويل وفيه نظر لما روى أن الانبياء لا يحتلمون* وعن ثوبان أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان يأجوج وماجوج أمّتان كل أمّة اربعة آلاف فوج قلت صفهم يا رسول الله كيف صفتهم قال هم ثلاثة أصناف صنف على مثال الابل وطول قامتهم كطول الارز والارز شجر بالشام يكون طوله مائة وعشرين ذراعا فى السماء وصنف منهم عرضه وطوله سواء عشرين ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد وصنف منهم يفترش احدى أذنبه ويلتحف بالاخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير الا أكلوه ومن مات منهم أكلوه* وفى بعض الروايات على أبدانهم شعر كشعر البهائم ولهم مخاليب وأنياب كالسباع وأصواتهم كأصوات الذئاب وصورهم كصور الانسان وطعامهم حشرات الارض والثعبان والتمساح فيخرج كل سنة تمساح من البحر* وفى رواية أخرى تأتى اليهم حيات من البرّ فيأكلونها* وفى رواية يبعث الله عليهم كل سنة سحابة فتمطر فى أرضهم حية عظيمه يأكلون منها وتكفيهم الى الاخرى وأى سنة تأتيهم فيها واحدة تكون جدبا وغلاء عليهم وأى سنة تأتيهم اثنتان تكون وسطى وأى سنة تأتى ثلاثة تكون رخاء وسعة عليهم* وفى حياة الحيوان التنين ضرب من الحيات كأكبر ما يكون منها كنيته أبو مرداس وهو أيضا نوع من السمك* قال القزوينى فى عجائب المخلوقات انه شر من الكوسج فى فمه أنياب مثل أسنة الرماح وهو طويل كالنخلة السحوق أحمر العينين مثل الدم واسع الفم والجوف برّاق العينين يبتلع كثيرا من الحيوان يحافه حيوان البرّ والبحر اذا تحرك تموّج البحر لشدّة قوّته فأوّل أمره يكون حية متمردة تأكل من دواب البرّ ما ترى فاذا كثر فسادها احملها ملك فالقاها فى البحر تفعل بدواب البحر ما كانت تفعل بدواب البر فيعظم بدنها فيبعث الله ملكا يحملها ويلقيها الى يأجوج ومأجوج روى عن بعضهم أنه رأى تنينا طوله نحو من فرسخين ولونه مثل لون النمر مفلسا مثل فلوس السمك بجناحين عظيمين على هيئة جناح السمك رأسه كرأس الانسان لكنه كالتل العظيم أذناه طويلتان وعيناه مدوّرتان تبرقان جدّا* وفى رواية طعام يأجوج ومأجوج شوك يابس يكون ببلاد العرب منه كثير يدقونه ويجعلون منه طعامهم ولا دين لهم ولا يعرفون الله وقبل أن يصل الاسكندر الى ذلك المكان بشهرين خرج بعضهم الى المسلمين وقتلوا بعضهم وأخذوا كل ما وجدوا منها الطعام وغيره* وعن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان يأجوج ومأجوج يحفرون الردم كل يوم حتى اذا كانوا يرون شعاع الشمس* وفى رواية أخرى يلعقون السدّ بألسنتهم فيجعلونه رقيقا كقشر البيض حتى اذا انتهى قال الذى عليهم ارجعوا فستغفرونه غدا فيعيده الله كما كان حتى اذا بلغ مدّته قال الذى عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا ان شاء الله تعالى فيعودون اليه فيجدونه كهيئته حين تركوه فيحفرون ويخرجون الى الناس فينشفون المياه ويتحصن الناس فى حصونهم وينتشرون فى الارض ولم يسلطوا على أربعة مساجد مسجد المدينة والمسجد الحرام ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سيناء وكثرتهم بحيث اذا خرجوا تكون مقدّمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون مياه المشرق ويمرّ أوائلهم على بحيرة طبرته فيشربون ما فيها ويمرّ أواخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء وخروجهم من أمارات تكون بين يدى الساعة كخروج الدجال ودابة الارض وغير ذلك وسيأتى ذكر دابة الارض والله أعلم*
(ذكر خروج الدجال)
* عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الدجال(1/104)
يخرج من أرض بالعراق كثيرة السباخ يقال لها كوثى* وفى المشكاة عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدجال قال ان يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وان يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتى على كل مسلم وأقول انه شاب قطط عينه طافئه كأنى أشبهه بعبد العزى بن قطن فمن أدركه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف فانها حرز لكم من فتنته وانى لا خاله خارجا ما بين الشام والعراق فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا قلنا يا رسول الله وما لبثه فى الارض قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذى كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم قال لا أقدروا له قدره قلنا يا رسول الله وما اسراعه فى الارض قال كالغيث استدبرته الريح فيأتى على قوم فيدعوهم فيؤمنون به فيأمر السماء فتمطر والارض فتنبت فتروح عليهم سارختهم أطول ما كانت ذرى وأسبغه ضروعا وأمدّه خواصر ثم يأتى القوم فيدعوهم فيردّون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شئ من أموالهم ويمرّ بالخربة فيقول لها أخرجى كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه حزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك اذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهروذتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين اذا طأطأ رأسه قطر واذا رفع تحدر منه مثل الجمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجدريح نفسه الامات ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لدّ فيقتله* وفى رواية فاذا رآه عدوّا لله ذاب كما يذوب الملح فى الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكنه يقتله بيده فيريهم دمه فى حربته أخرجه الامام الحافظ أبو عمرو الدانى فى مسنده وروى أن التسبيح والتهليل يجزى عن الطعام فى زمن الدجال ويعيش بالتسبيح والتكبير ويجزى ذلك مجزى الطعام* وفى صحيح مسلم يجزى المسلمين من الطعام التسبيح والتهليل فقيل يا رسول الله انا لنعجن عجينا فانخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمن يومئذ قال يجزيهم ما يجزى أهل السماء من التسبيح والتهليل قال ثم يأتى الى عيسى قوم قد عصمهم الله فيمسح عن وجوههم ويحدّثهم بدرجاتهم فى الجنة فبينما هو كذلك اذ أوحى الله الى عيسى انى قد أخرجت عبادا لى لايدان لاحد يقاتلهم فحرز عبادى الى الطور فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمرّ آخرهم فيقول لقد كان بهذه مرة ماء ثم يسيرون حتى ينتهوا الى جبل الخمر وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من فى الارض هم فلنقتل من فى السماء فيرمون نشابهم الى السماء فيردّ الله نشابهم مخضوبة دماء ويحصر نبىّ الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لاحدهم خير من مائة دينار لاحدكم اليوم فيرغب نبىّ الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله عليهم النغف فى رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة ثم يهبط نبىّ الله عيسى وأصحابه فلا يجدون فى الارض موضع شبر الا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبىّ الله عيسى وأصحابه الى الله فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم بالبهيل ويستوقد المسلمون فى قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين ثم يرسل الله مطر الا يكنّ منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الارض حتى يتركها كالزلفة ثم يقال للارض أنبتى ثمرتك وردّى بركتك فيومئذ تأكل العصابة من رمانة ويستظلون بقحفها ويبارك الله فى الرسل حتى ان اللقحة من الابل لتكفى الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفى القبيلة واللقحة من الغنم لتكفى الفخذ من الناس فبينماهم كذلك اذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم فتبقى شرار يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة رواه مسلم الا الرواية الثانية وهى قوله تطرحهم بالبهيل الى قوله سبع سنين رواه الترمذى وهذا وقع فى البين(1/105)
فلنذكر بقية ما يتعلق بالاسكندر والخضر*
آثار الاسكندر
روى انّ من آثار الاسكندر الاسكندرية بالمغرب بقرب مصر وهى من عجائب البلدان وفيها بنيان عجيب ومنار على أربع أساطين طوله ثلثمائة ذراع وكان فى القديم على ذلك المنار مرآة كبيرة صنعها يليناس الحكيم تلميذ أرسطاطاليس الحكيم تلميذ أفلاطون يطلع بها على القسطنطينية وبلاد الروم والفرنج وفيها اسطوانة تستدير الدهر كله ومنها دمشق بالشام وهراة بخراسان وسمرقند بماوراء النهر وبرذع باذربيجان ولما دنت وفاته قسم الممالك لملوك الطوائف لا ينقاد بعضهم لبعض ولم يقدروا أن يحكموا على الروم التى هى مقام آبائه ومولده ومنشأه فبقيت سالمة عن الفتن* وفى المختصر الجامع بنى الاسكندر اثنتى عشرة مدينة وسماها كلها الاسكندرية ومات بناحية السواد فى موضع يقال له شهرزور وحمل فى تابوت من ذهب الى أمّه بالاسكندرية وقبره هناك وكان عمره ستلو ثلاثين سنة بالاتفاق ومدّة ملكه أربع عشرة سنة وقيل ثلاث عشرة وقيل اثنتا عشرة سنة قيل كان قبل المسيح بثلثمائة وثلاث وستين سنة*
(ذكر الخضر عليه السلام)
* فى شواهد التوضيح فى شرح جامع الصحيح لابن الملقن الكلام عليه فى مواضع (أحدها) فى ضبطه وهو بفتح أوّله وكسر ثانيه ويجوز كسر أوّله واسكان ثانيه كما فى كبد (وثانيها) فى سبب تسميته بذلك قال البخارى لانه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهى تهتز من خلفه خضراء والفروة الارض اليابسة أو الحشيش اليابس قال ابن الفارسى الفروة كل نبات مجمع اذا يبس قال الخطابى الفروة وجه الارض اذا أنبتت واخضرّت بعد أن كانت جرداء وفيه قول آخر لانه اذا جلس اخضر ما حوله (وثالثها) فى اسمه وفيه أقوال فى قول أن اسمه بليا بباء موحدة مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحتية ابن ملكان بفتح الميم وسكون اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح حكاه ابن قتيبة عن وهب ابن منبه وحكى ابن الجوزى عن ابن وهب أبليا بدل بليا وكان أبوه من الملوك* وفى أنوار التنزيل اسم الخضر بليان بن ملكان وقيل اليسع وقيل الياس وفى قول اسمه الخضر بن عاميل قاله كعب الاحبار وفى قول أرميا بن حزقيا قاله ابن اسحاق ووهاه الطبرى وقال أرميا كان فى زمن بخت نصر وبين عهد موسى وبخت نصر زمن طويل وفى قول الياس قاله يحيى بن سلام ووهاه ابن اسحاق وفى قول اليسع قاله مقاتل وسمى بذلك لان علمه وسع ست سموات وست أرضين ووهاه ابن الجوزى وقال اليسع اسم عجمى ليس بمشتق وفيه قول سادس اسمه أحمد حكاه القشيرى ووهاه ابن دحية فانه لم يسم أحد قبل نبينا صلّى الله عليه وسلم بذلك والسابع أن اسمه عامر حكاه ابن دحية فى كتاب مرج البحرين وفى قول انه خضرون ولد عيص حكاه ابن دحية وروى الكلبى عن أبى صالح أنه من ولد آدم* وفى لباب التأويل اسمه خضرون بن قابيل بن آدم وعن سعيد قال أمه رومية وأبوه فارسى وقيل انه أبو العباس (ورابعها) فى أىّ وقت كان روى الضحاك عن ابن عباس قال الخضر بن آدم لصلبه وقال الطبرى انه الرابع من أولاده وقيل انه من ابن قابيل سبط هارون وكذا قال ابن اسحاق وروى محمد بن أيوب عن ابن لهيعة أنه ابن فرعون موسى وفى القاموس فرعون والد الخضر أو ابنه فيما حكاه النقاش وتاج القرّاء فى تفسيريهما والعهدة عليهما وقال عبد الله بن سودون انه من ولد فارس وقيل كان فى أيام افريدون بن اينيان من ملوك فارس قبل موسى وكان على مقدمة ذى القرنين الاكبر وبقى الى زمان موسى عليه السلام كذا فى الكشاف وأنوار التنزيل وقيل كانت ولادته قبل ابراهيم ولكن أعطى النبوّة بعد يعقوب ويوسف والاسباط قال الطبرى كان فى أيام افريدون كما مر قال وقيل كان على مقدّمة ذى القرنين الاكبر الذى كان فى أيام الخليل عليه السلام وهو عند علماء الكتب ذو القرنين الاوّل حىّ الى الآن كذا فى الكامل وذو القرنين الاكبر عند قوم هو افريدون وقال أهل(1/106)
الكتاب انه ابن خالة ذى القرنين ووزيره وانه شرب من عين الحياة وذكر الثعلبى أيضا اختلافا هل كان فى زمن الخليل أم كان بعده بقليل أو بكثير* وذكر بعضهم أنه كان فى زمن سليمان عليه السلام وانه المراد بقوله تعالى قال الذى عنده علم من الكتاب حكاه الداودى واختلف فيه هل كان نبيا أو وليا على قولين وبالثانى جزم القشيرى واختلف أيضا هل كان مرسلا أم لا على قولين وأغرب ما قيل انه من الملائكة والصحيح أنه نبىّ وجزم به جماعة وقال الثعلبى هو نبىّ على جميع الاقوال هو معمر محجوب عن الابصار وصححه ابن الجوزى أيضا لقوله تعالى حكاية عنه وما فعلته عن أمرى فدل على أنه نبى أوحى اليه وانه أعلم من موسى (وخامسها) فى حياته وقد أنكرها جماعة منهم البخارى وابراهيم الحربى وابن المنادى وأفردها ابن الجوزى فى تأليف له والمختار بقاؤها وقال ابن الصلاح هو حىّ عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم فى ذلك وانما أنكرها بعض المحدّثين وقيل انه لا يموت الا فى آخر الزمان حين يرفع القرآن* وفى صحيح مسلم فى حديث الدجال أنه يقتل رجلا ثم يحييه قال ابراهيم ابن سنين راوى كتاب مسلم انه الخضر وكذا قال معمر فى مسنده وذكر الشيخ علاء الدولة السمنانى فى العروة الوثقى كنيته ولقبه واسمه هكذا أبو العباس الخضر عليه السلام أعنى بليان بن ملكان ابن سمعان وأورد له فيها حديثين سمعهما عنه عن النبى صلّى الله عليه وسلم أحدهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن قال صلّى الله على محمد الانضر الله قلبه ونوّره والثانى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته* وفى كتاب القرّاء عن ابن عباس قال يلتقى الخضر والياس فى كل عام فى الموسم فيلحق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير الا الله ما شاء الله لا يصرف السوء الا الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ما شاء الله لا حول ولا قوّة الا بالله قال فمن قالها حين يصبح وحين يمسى ثلاث مرّات عوفى من السرق والحرق والغرق وأحسبه قال ومن السلطان والشيطان والحية والعقرب اخرجه أبو ذر* وفى العرائس عن ابن اسحاق الخضر من ولد فارس والياس من بنى اسرائيل* وفى زبدة الاعمال عن عبد الله رضى الله عنه سكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الاسباط وهو يصلى كل جمعة فى خمسة مساجد فى المسجد الحرام وفى مسجد المدينة وفى مسجد بيت المقدس وفى مسجد قباء ويصلى كل ليلة جمعة فى مسجد الطور ويأكل كل جمعة أكلتين من كماءة وكرفس ويشرب من زمزم ومن جب سليمان الذى ببيت المقدس ويغتسل من عين سلوان أخرجه الحافظ أبو القاسم بن عساكر* وفى ربيع الابرار من الانبياء أربعة أحياء اثنان فى السماء عيسى وادريس واثنان فى الارض الياس والخضر فالياس فى البرّ والخضر فى البحر وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذى القرنين يحرسانه ويحجان كل سنة ولا يراهما الا من شاء الله وأكلهما الكرفس والكماءة وهذه القصة وقعت فى البين وقطعت اتصال حديث ابراهيم عليه السلام فلنرجع الآن اليه*
بقية اخبار ابراهيم عليه السلام
وفى الاكتفاء قال أبو الجهم ولما فرغ ابراهيم من بناء البيت وأدخل الحجر فى البيت جعل المقام لا صقا بالبيت عن يمين الداخل فلما كان زمن قريش قصر الخشب عليهم فأخرجوا الحجر وقيل قصرت النفقة من الحلال كما سيجىء وكان ما أخرجوا منه سبعة أذرع وأمر ابراهيم بعد فراغه أن يؤذن فى الناس بالحج فقال يا رب وما يبلغ صوتى قال الله عز وجل أذن فمنك النداء وعلىّ البلاغ فارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت فارتفع به المقام حتى كان كأطول الجبال فنادى وأدخل اصبعيه فى اذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول أيها الناس كتب عليكم الحج الى البيت العتيق فأجيبوا ربكم فأجابه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب الى منقطع التراب من أطراف الارض كلها لبيك اللهم لبيك(1/107)
أفلا تراهم يأتون يلبون فمن حج من يومئذ الى يوم القيامة فهو ممن استجاب لله عز وجل وذلك قوله تعالى فيه آيات بينات مقام ابراهيم يعنى نداء ابراهيم على المقام بالحج فهى الآية* قال الواقدى وقد روى أن الآية هى أثر ابراهيم على المقام* وفى أنوار التنزيل وغيره روى أن ابراهيم صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم* وفى العرائس فعلا ثبير ونادى يا عباد الله الى آخره فأسمعه الله تعالى من فى أصلاب الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب ممن سبق فى علمه أن يحج وكان بناء الكعبة بعد أن مضى مائة سنة من عمر ابراهيم عليه السلام ويكون بالتقريب بين بناء الكعبة وبين الهجرة النبوية ألفان وسبعمائة وثلاث وتسعون سنة قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهيم من الاذان ذهب به جبريل فأراه الصفا والمروة وأقامه على حدود الحرم وأمره أن ينصب عليها الحجارة ففعل ابراهيم ذلك وكان أوّل من أقام أنصاب الحرم ويريه اياها جبريل فلما كان اليوم السابع من ذى الحجة خطب ابراهيم عليه السلام بمكة حين زاغت الشمس قائما واسماعيل جالس ثم خرجا من الغد يمشيان على أقدامهما يلبيان محرمين مع كل واحد منهما أداوة يحملها وعصا يتوكأ عليها فسمى ذلك اليوم يوم التروية فأتيا منى فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح وكانا نزلا فى الجانب الايمن ثم أقاما حتى طلعت الشمس على ثبير ثم خرج يمشى هو واسماعيل حتى أتيا عرفة وجبريل معهما يريهما الاعلام حتى نزلا بنمرة وجعل يريه أعلام عرفات وكان ابراهيم قد عرفها قبل ذلك فقال ابراهيم قد عرفت فسميت عرفات فلما زاغت الشمس خرج بهما جبريل حتى انتهى بهما الى موضع المسجد اليوم فقام ابراهيم فتكلم بكلمات واسماعيل جالس ثم جمع بين الظهر والعصر ثم ارتفع بهما الى الهضبات فقاما على أرجلهما يدعو ان الى أن غابت الشمس وذهب الشعاع ثم دفعا من عرفة على أقدامهما حتى انتهيا الى جمع فنزلا فصلى ابراهيم المغرب والعشاء فى ذلك الموضع الذى يصلى فيه اليوم ثم باتا حتى اذا طلع الفجر وقفا على قزح فلما أسفرا قبل طلوع الشمس دفعا على أرجلهما حتى انتهيا الى محسر فأسرعا حتى قطعاه ثم عادا الى مشيهما الاوّل ثم رميا جمرة العقبة بسبع حصيات حملاها من جمع ثم نزلا من منى فى الجانب الايمن ثم ذبحا فى المنحر اليوم وحلقا رؤسهما ثم أقاما أيام منى يرميان الجمار حين تزيغ الشمس ماشيين ذاهبين راجعين وصدرا يوم الصدر فصليا الظهر بالابطح وكل هذا يريه جبريل عليه السلام* قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهيم من الحجّ انطلق الى منزله بالشام وكان يحج البيت كل عام وحجته سارة وحجه اسحاق ويعقوب والاسباط والانبياء وهلم جرّا وحجه موسى بن عمران عليه السلام روى الواقدى باسناد له الى ابن عباس قال مرّ موسى عليه السلام بصفاح الروحاء يلبى تجاوبه الجبال عليه عباءتان قطوانيتان من عباء الشام وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال حج هارون نبىّ الله البيت فمرّ بالمدينة يريد الشام فمرض بالمدينة فأوصى أن يدفن بأصل أحد ولا يعلم به اليهود مخافة أن ينبشوه فدفنوه فقبره هناك* وعن ابن عباس أن الحواريين كانوا اذا بلغوا الحرم نزلوا يمشون حتى يأتوا البيت* وعن ابن الزبير أن الحواريين خلعوا نعالهم حين دخلوا الحرم اعظاما أن ينتعلوا فيه ثم توفى ابراهيم خليل الله عليه السلام بعد أن وجه اليه ملك الموت فاستنظره ابراهيم ثم عاد اليه لما أراد الله قبضه فأخبره بما أمر به فسلم ابراهيم لامر الله عز وجل فقال ملك الموت يا خليل الله على أى حال تحب أن أقبضك فقال تقبضنى وأنا ساجد فقبضه وهو ساجد فصعد بروحه الى الله عز وجل ودفن ابراهيم عليه السلام بالشام وعاش اسماعيل بعد أبيه ما شاء الله وكانت ولاية البيت له ما دام فى حياته وتوفى بمكة ودفن داخل الحجر مما يلى باب الكعبة وهناك قبر أمه هاجر ودفن معها وكانت توفيت قبله* وفى البحر العميق سأل الفقيه اسماعيل الحضرمى الشيخ محب الدين الطبرى عن البلاطة الخضراء التى فى الحجر فأجاب الشيخ بأن البلاطة الخضراء قبر اسماعيل عليه السلام قال ويشبر من رأس(1/108)
البلاطة الى ناحية الركن الغربى مما يلى باب بنى سهم وهو الذى يقال له اليوم باب العمرة ستة أشبار فعند انتهائها يكون رأس اسماعيل عليه السلام انتهى ثم ان العماليق بنوا الكعبة بعد ابراهيم عليه السلام وبعض المؤرّخين يقدمون بناء جرهم على بناء العمالقة والله أعلم* ولما توفى اسماعيل ولى البيت بعده ولده نابت وقام مقامه ما شاء الله أن يليه ولم يله أحد من ولده غيره وكان أكبرهم* ثم مات نابت فدفن فى الحجر مع أمه رعلة بنت مضاض فولى البيت بعده جدّه مضاض بن عمرو الجرهمى وضم بنى نابت وبنى اسماعيل اليه ولما مات مضاض بقيت ولاية البيت فى أيدى أخواله من جرهم فقاموا عليه فكانت جرهم ولاة البيت وحجابه وولاة الاحكام بمكة لغلبتهم واستيلائهم وكان البيت قد دخله السيل من أعلاه فانهدم فاعادته جرهم على بناء ابراهيم وكان طوله فى السماء تسعة أذرع قال بعض أهل العلم الذى بنى البيت الحرام لجرهم أبو الجدرة عمرو فسمى الجادر ويسمى بنوه الجدرة* وفى شفاء الغرام ذكر المسعودى ما يفضى الى أن الذى بنى الكعبة من جرهم هو الحارث بن مضاض الاصغر وجعلت جرهم للبيت مصراعين وقفلا ثم ان جرهم وقطورا بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها حتى شبت الحرب بينهم على الملك وبنو اسماعيل وبنو نابت يومئذ مع مضاض واليه ولاية الامر وولاية البيت دون السميدع فلم يزل البغى بينهم حتى سار بعضهم الى بعض فخرج مضاض بن عمرو من قعيقعان فى كتيبته سائر الى السميدع ومع كتيبته عدّتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب تقعقع معه وقيل ما سمى قعيقعان الا لذلك وخرج السميدع بقطورا من أجياد ومعه الخيل الجياد والرجال وقيل ما سمى أجيادا الا لخروج الخيل الجياد مع السميدع منه* وغير ابن اسحاق يقول انما سمى أجيادا لان مضاضا ضرب فى ذلك المواضع أجياد مائة رجل من العمالقة وقيل بل أمر بعض الملوك غير مسمى بضرب رقاب فيه فكان يقول السيافه توسط الاجياد وهذا ونحوه أصح فى تسمية الموضع باجياد مما قال ابن اسحاق قال فالتقوا بفاضح فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وفضحت قطورا فيقال ما سمى فاضح فاضحا الا لذلك ثم ان القوم تداعوا الى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ شعبا بأعلى مكة يقال له شعب عبد الله بن عامر ابن كريز فنزلوا بذلك الشعب فاصطلحوا به وأسلموا الامر الى مضاض بن عمرو فلما جمع اليه أمر مكة وصار ملكها له دون السميدع نحر للناس وأطعمهم فأطبخ الناس وأكلوا فيقال ما سميت المطابخ المطابخ الا لذلك وقال ابن اسحاق وقد زعم بعض أهل العلم انها سميت بذلك لما كان تبع نحر بها وأطعم بها وكانت منزله قال وكان الذى كان بين مضاض والسميدع أوّل بغى كان بمكة فيما يزعمون فقال مضاض فى تلك الحرب يذكر السميدع وقتله وبغيه والتماسه ما ليس له
ونحن قتلنا سيد الحىّ عنوة ... فأصبح فيها وهو حيران موجع
وما كان يبغى أن يكون سوى انا ... لها ملك حتى أتانا السميدع
فذاق وبالاحسين حاول ملكنا ... وعالج مناغصة تتجرّع
فنحن عمرنا البيت كنا ولاته ... نحاول عنه من أتانا وندفع
وما كان يبغى أن يلى ذاك غيرنا ... ولم يك حىّ قبلنا ثم يمنع
وكنا ملوكا فى الدهور التى مضت ... ورثنا ملوكا لا ترام وتوضع
قال ثم نشر الله بنى اسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم اذ ذاك ولاة البيت والحكام بمكة وكانوا كذلك بعد نابت بن اسماعيل فلما ضاقت عليهم مكة وكثروا بها انبسطوا فى الارض فابتغوا المعايش والتفسح فى الارض فلا يأتون قوما ولا ينزلون بلدا الا أظهرهم الله عز وجل عليهم بذنبهم فوطئوهم وغلبوهم حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا ينازعهم اياه بنو اسماعيل(1/109)
لخؤولتهم وقرابتهم واعظام الحرم أن يكون به بغى أو قتال ثم ان جرهما بغوا بمكة واستحلوا حلالا من الحرمة وارتكبوا أمورا عظاما وأحدثوا فيها احداثا لم تكن فقام مضاض بن عمرو بن الحارث وهو مضاض الاصغر فيهم خطيبا فقال يا قوم احذروا البغى فانه لا بقاء لاهله قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه وتنازعوا بينهم واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فأخرجتموهم فتفرقوا فى البلاد فانكم ان فعلتم ذلك تخوّفت عليكم أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار فقال قائل منهم يقال له مجذع من الذى يخرجنا منه ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وأموالا وسلاحا فقال مضاض اذا جاء الامر بطل ما تقولون فلم يقصروا عن شئ مما كانوا يصنعون وكان للبيت خزانة بئر فى بطنها يلقى فيها الحلى والمتاع الذى يهدى له وهو يومئذ لا سقف له وتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله وسقط منكسا فهلك وفرّ الاربعة الاخر* قال أهل العلم ان جرهما لما طغت فى الحرم دخل منهم رجل وامرأة يقال لهما أساف بن بغى ونائلة بنت ديك البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين فأخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا ويقال ان الرجل من جرهم والمرأة من قطورا ثم لم يزل أمرهما يندرس ويتقادم حتى صارا صنمين يعبدان وقال بعض أهل العلم انه لم يفجر بها فى البيت وانما قبلها وقيل ان عمرو بن لحىّ دعا الناس الى عبادتهما وقال انما نصبا هاهنا لان آباءكم ومن كان قبلكم كانوا يعبدونهما وانما ألقاه عليه ابليس وكان عمرو فيهم شريفا مطاعا متبعا وقد اختلف أهل العلم فى نسبهما والمشهور أن الرجل أساف بن سهيل والمرأة نائلة بنت عمرو بن ديك ولم يزالا يعبدان ويستملهما الطائف اذا فرغ حتى كان يوم الفتح فكسرا* وفى شفاء الغرام اختلف أهل الاخبار فيمن أخرج جرهما من مكة اختلافا يعسر التوفيق بينه قيل ان بنى بكر بن عبد منات بن كنانة وغبشان ابن خزاعة أخرجوا جرهما من مكة لبغيهم فيها كما سيجىء وقيل ان بنى عمرو بن عامر ماء السماء أخرجوا جرهما من مكة حين لم يترك جرهم بنى عمرو بن عامر أن يقيموا عندهم بمكة حتى يصل اليهم روّادهم وقيل ان عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو أخرج جرهما حين طلب حجابة البيت لسيادته وشرفه وقيل ان بنى اسماعيل أخرجوا جرهما من مكة بعد أن سلط الله على جرهم آفات من الرعاف والنمل الذى فنى به أكثر من أصابهم بمكة وقيل ان الله سلط على الذين يلون البيت من جرهم دواب شبيهة بالنغف فهلك منهم ثمانون كهلا فى ليلة واحدة سوى الشباب حتى جلوا من مكة الى أطم والقول الاوّل ذكره ابن اسحاق لانه قال ثم ان جرهما لما بغوا فى مكة واستحلوا حلالا من الحرمة وظلموا من دخلها من غير أهلها وأكلوا مال الكعبة الذى يهدى لها فرّق أمرهم وكان ملكهم يومئذ عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى فلما رأت بنو بكر بن عبد منات بن كنانة وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم واخراجهم من مكة فآذنوهم بالحرب فاقتتلواهم واياهم فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة وكانت مكة فى الجاهلية لا تقرّ فيها ظلما ولا بغيا لا يبغى فيها أحد الا أخرجته يقال ما سميت مكة بالناسة بالنون والسين المهملة الا أنها تنسّ من ألحد فيها اى تطرّده وتنفيه أو لقلة مائها والنس اليبس كذا قاله الماوردى ولا يريدها ملك يستحل حرمتها الا هلك ويقال ما سميت باسة بالباء الموحدة والسين المهملة الا لانها تبسّ من ألحد فيها أى تحطمه ومنه قوله تعالى وبست الجبال بسا كذا ذكرهما أى الروايتين بالنون والباء فى زبدة الاعمال* ويقال ما سميت ببكة الا لانها تبك أعناق الجبابرة اذا أحدثوا فيها شيئا أى تدقها وما قصدها جبار الا قصمه الله تعالى أو من الازدحام أى ازدحام الناس فيها يبك بعضهم بعضا أى يدفع فى ازدحام الطواف وعن ابن عباس أنه قال مكة من الفج الى التنعيم وبكة من
البيت الى البطحاء وقال(1/110)
عكرمة البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة وقيل بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة وقال الضحاك ان مكة وبكة اسمان مترادفان لهذا البلد والباء بدل من الميم وقيل بكة بالباء الموحدة موضع البيت وفى رواية اسم البيت وقيل مكة اسم المدينة أو قال القرية سميت بكة بمكة لانها تمك الذنوب أى تذيبها وقيل لانها يؤمّها الناس من كل ناحية وكل مكان فكأنها تجذبها وهذه الاقوال ترجع الى قول العرب امتك الفصيل ضرع أمّه اذا امتصه وجذب بفيه ما فيه هكذا فى زبدة الاعمال* وفى سيرة مغلطاى تسمى أيضا الرأس وصلاح وأمّ رحم وكوبا وأمّ القرى والحاطمة والعرش وطيبة قال ابن اسحاق فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغز الى الكعبة وبحجر الركن فدفنها فى زمزم وانطلق هو ومن معه من جرهم الى اليمن قال المسعودى فى أخبار الفرس وكانت الفرس تهدى الى الكعبة أموالا فى صدر الزمان وجواهر وقد كان ساسان بن بابك وقيل اسفنديار أهدى غزالين من ذهب وجوهر وسيوفا وذهبا كثيرا قد دفن فى زمزم قال فحزنت جرهم على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا فقال عمرو بن الحارث بن مضاض فى ذلك وليس بمضاض الاكبر شعر
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا ... صروف الليالى والحدود العوابر
وكنا ولاة الامر من بعد نابت ... نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
ونحن ولينا البيت من بعد نابت ... بعز فما يحظى لدينا المكاثر
ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا ... وليس لحىّ غير ناثم فاخر
فانكح جدى غير شخص علمته ... فأبناؤه منا ونحن الاصاهر
* قال الفاسى فى شفاء الغرام أفاد المسعودى أمورا لم يفدها غيره فيما علمته منها كون السميدع وقومه من العماليق ومنها أنهم قدموا مكة قبل جرهم قيل يجوز أن تكون طائفة من العماليق ولوا مكة قبل جرهم وطائفة من العماليق غير الاوّلين ولوا مكة مع جرهم ومنها ما ذكره فى مدّة جرهم وأفاد فى تاريخه أن أوّل من ملك من ملوكهم بمكة مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى ابن بنت جرهم بن قحطان مائة سنة ثم كانت ولاية البيت بعده لابنه عمرو بن مضاض مائة وعشرين سنة ثم ملك الحارث بن عمرو مائة سنة وقيل دون ذلك ثم ملك بعده عمرو بن الحارث مائة سنة ثم ملك بعده مضاض الاصغر بن عمرو ابن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى ابن بنت جرهم بن قحطان أربعين سنة انتهى* وقيل كانت ولاية البيت بعد نابت بن اسماعيل فى جرهم ثلثمائة وقيل خمسمائة سنة وقيل ستمائة سنة* وفى شفاء الغرام ذكر ابن هشام أن جرهما هو ابن قحطان أبو اليمن واليه يجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن نوح وقيل ان جرهما ابن ملك من الملائكة قال ابن عباس كان الملك من الملائكة اذا أذنب ذنبا عظيما أهبط الى الارض ونزعت منه روحانية الملائكة وجعل فى خلق بنى آدم فأذنب ملك من الملائكة يقال له عذرا أو نحوها ذنبا فكان فى الهواء ثم هبط مكة فتزوّج امرأة من العماليق فولدت جرهما فذلك قول الحارث بن مضاض
لا همّ ان جرهما عبادك ... والناس طرف وهم تلادك
ثم بنى البيت قصى بن كلاب بعد ما انقرضت العمالقة وجرهم وخلفتهم فيها قريش واستولت على الحرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة وكان قصى أوّل من جدّدها من قريش بعد ابراهيم وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل كذا فى شفاء الغرام ثم بعد قصى بن كلاب بنى البيت قريش وكان ذلك قبل المبعث بخمس سنين ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حضر هذا البناء وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكان(1/111)
مولد فاطمة الزهراء تلك السنة كما سيجىء قال ابن اسحاق كانت الكعبة فى عهد قريش وضيمة فوق القامة ولم تكن مسقفة ويخالفه ما مرّ أن قصى بن كلاب بناها مسقفة بخشب الدوم وجريد النخل فهدمتها قريش وبنتها مسقفة وسبب ذلك أنه كان فى جوفها بئر يكون فيها أموال الكعبة فدخلها جماعة ليلا فسرقوها* وفى سيرة ابن هشام وكان الذى وجد عنده الكنز دويك مولى لبنى مليح بن عمرو من خزاعة ويقال كانت امرأة منهم جمرت الكعبة فطارت شرارة من مجمرتها فتعلقت بثياب الكعبة فوهن البيت من ذلك فهابوا انهدامه وكان البحر قد ألقى سفينة الى جدّة لرجل من تجار الروم فتحطمت فاشترت قريش خشبها فأعدّوه لسقفها وكان بمكة رجل قبطى نجار فتهيأ لهم فى أنفسهم بعض ما يصلحها وكانت حية تخرج كل يوم من بئر الكعبة التى كانت يطرح فيها ما يهدى لها فتشرف على جدار الكعبة وكانت مما يهابونها وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد الا تحرّكت ونشت وفتحت فاها فكانوا يهابونها فبينما هى يوما تشرف على جدار الكعبة كما كانت تصنع بعث الله اليها طيرا فاختطفها فذهب بها فقالت قريش انا لنرجو أن يكون الله قد رضى ما أردنا كذا فى سيرة ابن هشام* وفى رواية لما شرعوا فى نقض البناء وهدمها خرجت عليهم الحية التى كانت فى بطنها تجرسها سوداء الظهر بيضاء البطن رأسها مثل رأس الجدى فمنعتهم عن ذلك فلما راوا ذلك اعتزلوا عند مقام ابراهيم وكان يومئذ فى مكانه الذى هو فيه اليوم فتشاوروا فقال لهم الوليد بن المغيرة يا قوم ألستم تريدون بها الاصلاح قالوا بلى قال فان الله لا يهلك المصلحين ولكن لا تدخلوا فى عمارة بيت ربكم الا من طيب أموالكم وجنبوه الخبيث فان الله طيب لا يقبل الا طيبا* وفى أسد الغابة قال يا معشر قريش لا تدخلوا فى بنيانها من كسبكم الا طيبا لا تدخلوا فيها مهر بغى ولا ربا ولا مظلمة وقيل ان أبا وهب بن عمرو قال هذا ففعلوا ودعوا وقالوا اللهم ان كان لك فى هدمها رضى فأتمه واشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جوّ السماء كهيئة العقاب ظهره أسود وبطنه أبيض ورجلاه صفراوان والحية على جدار البيت فاغرة فاها فأخذ برأسها ثم طار بها حتى أدخلها أجياد الصغرى قالت قريش انا لنرجو أن الله قد قبل عملكم ونفقتكم* وفى حياة الحيوان الثعبان الذى فى جوف الكعبة اختطفه العقاب حين أراد قريش بناء البيت الحرام وان الطائر حين اختطفها ألقاها بالحجون فالتقمتها الارض فهى الدابة التى تخرج عند الصفا تكلم الناس*
(ذكر دابة الارض)
* عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال تخرج دابة الارض حين يترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر* وفى لباب التأويل عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ان أوّل الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتهما كانت قبل صاحبتها فالاخرى على أثرها قريبا وعن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان وعصا موسى فتجلو وجه المؤمن وتخطم أنف الكافر بالخاتم حتى ان أهل الجوان ليجتمعون فيقول هذا يا مؤمن ويقول هذا يا كافر ويقول هذا يا كافر وهذا يا مؤمن أخرجه الترمذىّ وقال حديث حسن* وروى البغوى باسناد الثعلبى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال يكون للدابة ثلاث خروجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصى اليمن فيفشو ذكرها بالبادية ولا يدخل ذكرها القرية يعنى مكة ثم تمكث زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة فيفشو ذكرها بالبادية ويدخل ذكرها القرية يعنى مكة ثم بينا الناس يوما فى أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها على الله يعنى المسجد الحرام لم يرعهم الا وهى فى ناحية المسجد تدنو كذا وتدنو كذا قال عمرو ما بين الركن الاسود الى باب بنى مخزوم عن يمين الخارج فى وسط من ذلك فارفض الناس عنها ويثبت لها عصابة عرفوا أنهم لم يعجزوا الله فخرجت عليهم تنقض رأسها(1/112)
من التراب فمرت بهم فجلت وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرّية ثم ولت فى الارض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى ان الرجل ليقوم فيتعوّذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه وتقول يا فلان الآن تصلى فيقبل عليها بوجهه فتمسه فى وجهه فيتجاور الناس فى ديارهم ويصطحبون فى أسفارهم ويشتركون فى الاموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن ويقال للكافر يا كافر* وباسناد الثعلبى عن حذيفة بن اليمان ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الدابة قلت يا رسول الله من أين تخرج قال من أعظم المساجد حرمة على الله* بينما عيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون اذ تضطرب وتنشق الصفا مما يلى المسعى وتخرج الدابة من الصفا أوّل ما يبدو منها رأسها ملعة ذات وبر وريش لن يدركها طالب ولن يفوتها هارب تسم الناس مؤمنا وكافرا أما المؤمن فتترك وجهه كأنه كوكب درّىّ وتكتب بين عينيه مؤمن وأما الكافر فرفتنكت بين عينيه نكتة سوداء وتكتب بين عينيه كافر* وروى عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم وقال ان الدابة لتسمع قرع عصاى هذه* وعن ابن عمر قال تخرج الدابة ليلة جمع والناس يسيرون الى منى* وعن أبى هريرة عن النبى صلّى الله عليه وسلم قال بئس الشعب شعب أجياد مرّتين أو ثلاثا قيل ولم ذلك يا رسول الله قال تخرج منه الدابة تصرخ ثلاث صرخات يسمعها من بين الخافقين* وروى عن أبى الزبير أنه وصف الدابة فقال رأسها رأس الثور وعينها عين الخنزير واذنها اذن الفيل وقرنها قرن ايل بفتح الهمزة وكسر المثناة التحتية وفتحها الوعل وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هرّ وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعا* وعن عبد الله بن عمرو قال تخرج الدابة من شعب فيمس رأسها السحاب ورجلاها فى الارض* وروى عن علىّ قال ليست الدابة لها ذنب ولكن لها لحية وقال وهب وجهها وجه رجل وسائر خلقها كخلق الطير فتخبر من رآها أن أهل مكة كانوا بمحمد والقرآن لا يوقنون* وفى العمدة فى الحديث دابة الارض طولها ستون ذراعا* وفى الينابيع عن عبد الله بن عمر قال انها تخرج بالطائف وكان عبد الله بن عمر بالطائف فضرب برجله الارض قال تخرج من هذه الارض* وفى رواية عنه قال تخرج من غار فى جبل صنعاء فتخرج حتى لوعدا الفرس السريع العدو ثلاثة أيام ولياليها لم يجاوز رأسها وما خرج بعد ثلثها من الارض وقيل لا تخرج الا رأسها ورأسها يبلغ عنان السماء وقال الضحاك الدابة تشبه البغل تدور حول الدنيا وبيدها عصا فتضرب الناس بها فاذا ضربت على رأس الكافر يظهر خط أسود مكتوب فيه هذا كافر بالله واذا ضربت على رأس المؤمن يظهر خط أخضر مكتوب فيه هذا مؤمن بالله* وفى رواية دابة الارض تقبل على الكافرين فتقول لهم أيها الكافرون مصيركم الى النار ثم تقبل على المؤمنين فتقول لهم مصيركم الى الجنة* قال السدّى تكلم الناس وتخبرهم ببطلان جميع الاديان الا دين الاسلام* وفى رواية طولها ستون ذراعا وانها تنكت فى وجه الكافر نكتة سوداء فتفشو فى وجهه حتى يسودّ وجهه وتنكت فى وجه المؤمن نكتة بيضاء فتفشو فى وجهه حتى يبيض وجهه ويتبايعون فى الاسواق فيعرفون المؤمن من الكافر وروى عن مقاتل ان رأسها تخرج من الصفا حتى يرى أهل المشرق والمغرب رأسها وعنقها فلما رأوها تتوارى حيث خرجت فلما مضت من النهار ست ساعات تضطرب الارض اضطرابا عظيما فيبيت الناس تلك الليلة على تخوّف ولما أصبحوا يكثر صياح الناس ويفشو فيهم الخبر بأن الدجال قد خرج فيهرب الناس الى بيت المقدس ويتبعه ستون ألف يهودى عليهم طيالسة زرق على رؤسهم ويستوفى تمام الارض فى أربعين يوما وتطوى الارض تحت قدميه واذا أراد أن يدخل مكة فتضرب الملائكة وجهه وظهره وتمنعه عن دخولها وكذا تمنعه عن المدينة(1/113)
وحين يصل بيت المقدس ينزل عيسى ابن مريم وبيده حربة فيضربه بها فيقتله فيقع قتال عظيم بين المسلمين وبين اليهود وتكون الغلبة للمسلمين حتى ان الحجر والشجر يخبر المؤمن بأن خلفه كافر ليقتله* وفى رواية لا يبقى شجر ولا حائط يتوارى به اليهود الا قال يا مؤمن اقتل هذا غير الغرقد فانه من شجرهم* وفى رواية ولا يبقى شىء مما خلق الله عز وجل يتوارى به اليهود لا حجر ولا شجر ولا حائط الا أنطق الله ذلك الشىء فقال يا عبد الله المسلم هذا يهودى فاقتله الا الغرقد فانه من شجر اليهود لا ينطق فبينما هم كذلك اذا جاء الخبر بأن الحبشة قد خرجت وقصدت الكعبة فيبعث عيسى الى مكة من يأتى بالخبر فقبل أن يأتى بالخبر يقبض عيسى ويصلى عليه رجل من هذه الامة اسمه المهدى* وفى ربيع الابرار بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام تكون هجرته اذا نزل من السماء الى المدينة فيستوطنها حتى يأتى أمر الله وفيه أيضا روى أبو هريرة عنه عليه السلام اذا أهبط الله عيسى ابن مريم من السماء فانه يعيش فى هذه الامة ما شاء الله ثم يموت بمدينتى هذه ويدفن الى جانب قبر عمر فطوبى لابى بكر وعمر فانهما يحشران بين نبيين وبعد ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وتاويل وتاريس ومنسك ويغلبون الناس كلهم ثم تطلع الشمس والقمر من المغرب متكدرين كأنهما ثوران أسودان مقطوعا العنق ويرتفعان الى وسط السماء ثم رجعان ويغربان فيغلب يأجوج ومأجوج ويختبئ المسلمون فى المساجد فيميت الله يأجوج ومأجوج كما سبق فيخبر المسلمون بموتهم ولا يصدّقون حتى يروهم بأعينهم فيرسل الله الطير حتى تطرحهم حيث يشاء ثم يرسل الله ريحا طيبة حمراء من قبل اليمن فتقبض روح كل مسلم تصيبه ولا يبقى أحد فيمضى على ذلك مائة سنة أو أربعون سنة ثم تقوم الساعة* وفى خبر آخر عن حذيفة بن اليمان أن الاوّل خروج الدجال ثم نزول عيسى ثم طلوع الشمس من مغربها ثم خروج دابة الارض وبعد ذلك لم تلبث الدنيا مقدار أن يلقح أحد رمكته ويركب فلوها*
أشراط الساعة
وقال بعضهم أشراط الساعة عشرة وقد مضى خمس منها وهى خروج النبىّ صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر والدخان واللزام والبطشة وكلاهما عذاب يوم بدر قال الله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى وقال الله تعالى ان عذابها كان غراما أى لزاما وبقى خمس وهى خروج يأجوج ومأجوج وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه السلام وخروج دابة الارض وهو آخرها وهى رواية عبد الله بن مسعود كذا فى الينابيع وهذا الكلام وقع فى البين وقطع اتصال الكلام فى بناء الكعبة فلنرجع اليه*
بقية أخبار بناء الكعبة
روى أنه لما انكسرت السفينة فى نواحى جدّة خرج اليها الوليد ابن المغيرة فى نفر من قريش فاشتروا خشبها كما مرّ وكلموا رئيس السفينة وكان اسمه باقوم الرومى* وفى سيرة مغلطاى ان باقوم النجار النبطى الذى قيل انه هو الذى عمل منبره عليه السلام من طرفاء الغابة وقيل الذى عمل منبره عليه السلام اسمه مينا وقيل ابراهيم وقيل صباح وقيل باقول وقيل ميمون وقيل قبيصة فيما ذكره ابن بشكوال وكان بناء حاذقا فقالوا له لو بنينا بيت ربنا وقدم الباقوم معهم فأمروا بالحجارة فجمعت ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة كما جزم به ابن اسحاق وغير واحد من العلماء وقيل ابن خمس وعشرين كما جزم به موسى بن عقبة فى مغازيه وابن جماعة فى منسكه وكان صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة وكانوا يضعون أزرهم على عواتقهم ويحملون الحجارة عليها ففعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسقط على الارض من قيام فنودى عورتك وكان ذلك أوّل ما نودى فقال أبو طالب يا ابن أخى اجعل ازارك على رأسك فقال ما أصابنى الا فى تعرىّ فما رؤيت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عورة رواه البخارى* وفى سيرة ابن هشام قال ان قريشا تجزأت الكعبة واقترعوا عليها فكان شق الباب لبنى عبد مناف وبنى زهرة وكان ما بين الركن الاسود والركن اليمانى لبنى مخزوم وتيم وقبائل من قريش انضموا اليهم وكان ظهر الكعبة لبنى جمح وسهم ابنى عمرو بن هصيص بن كعب(1/114)
ابن لؤى وكان شق الحجر وهو الحطيم لبنى عبد الدار بن قصىّ ولبنى أسد بن عبد العزى بن قصى ولبنى عدى بن كعب بن لؤى* وفى سيرة ابن هشام ثم ان الناس هابوا هدمها وفزعوا منه فقال لهم الوليد بن المغيرة أنا أبدأكم فى هدمها فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول اللهم لم نرع ويقال لم نزغ اللهم لا نريد الا الخير ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة فقالوا ننظر فان أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت وان لم يصبه شىء فقد رضى الله بما صنعنا هدمنا فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله فهدم وهدم الناس معه حتى انتهى الهدم بهم الى الاساس أساس ابراهيم فوصلوا الى حجارة خضر كالاسنمة آخذ بعضها بعضا* وفى رواية لما بلغوا الاساس الذى رفع عليه ابراهيم واسماعيل عليهما السلام القواعد من البيت فأبصروا الحجارة كأنها الابل الخلف لا يطيق الحجر منها ثلاثون رجلا وقد تشبك بعضها ببعض فأدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين حجرين انفلقت منه فلقة فأخذها وهب بن عمرو ابن عائذ بن عمران بن مخزوم ففرّت من يده حتى عادت مكانها وطارت من تحتها برقة كادت أن تخطف الابصار ورجفت مكة بأسرها* وفى رواية أدخل الوليد بن المغيرة عتلته بين حجرين ليقلع بها أحدهما فلما تحرّك الحجر رجفت مكة بأسرها فلما رأوا ذلك أمسكوا عن أن ينظروا الى ما تحت ذلك* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق وحدثت أن قريشا وجدوا فى الركن كتابا بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من يهود فاذا هو أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والارض وصوّرت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حنفاء لا تزول حتى يزول أخشباها مبارك لاهلها فى الماء واللبن وقال ابن اسحاق وحدثت أنهم وجدوا فى المقام كتابا فيه مكة بيت الله الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل لا يحلها رجل من أهلها* ثم قلت بهم النفقة فلم تبلغ عمارة البيت كله فتشاوروا فى ذلك فأجمع رأيهم على أن يقصروا من قواعد ابراهيم ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت ويتركوا بقيته فى الحجر عليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه ففعلوا ذلك وبنوا فى بطن الكعبة أساسا يبنون عليه من شق الحجر وتركوا من ورائه من فناء البيت سبعة أذرع أو ستة وشبرا فبنوا على ذلك فلما وضعوا أيديهم فى بنائها قالوا ارفعوا بابها من الارض حتى لا تدخلها السيول ولا ترقى الا بسلم ولا يدخلها الا من أردتم وان كرهتم أحدا دفعتموه ففعلوا ذلك ويقال ان الذى قال لهم ذلك أبو حذيفة بن المغيرة* قال ابن اسحاق ثم ان قبائل قريش جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة على حدة فبنوا سافا من حجر وسافا من خشب بين الحجارة فكان الخشب خمسة عشر مدماكا والحجارة ستة عشر مدماكا وجعلوا طولها فى السماء ثمانية عشر ذراعا* وفى سيرة ابن هشام كانت الكعبة على عهد النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثمانية عشر ذراعا فلما بلغوا موضع الركن الاسود اختصمت قريش فى أنّ أىّ القبائل يلى رفعه وكثر الكلام فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمسا فاقتضى الحال بينهم أن يحكموا أوّل من يطلع من هذا السفح* وفى المنتقى ثم اتفقوا على أن أوّل رجل يدخل من باب بنى شيبة يكون هو الذى يضعه موضعه فاذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد طلع فقالوا هذا الامين قد رضينا بحكمه ثم أخبروه الخبر فبسط رداءه ثم وضع الحجر الاسود فيه ثم أمر سيد كل قبيلة أن يأخذ طرفا من الثوب* وفى سيرة ابن هشام قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هلم الىّ ثوبا فأتى به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوا جميعا ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده ثم بنى عليه انتهى فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبىّ صلّى الله عليه وسلم حجرا يشدّ به الحجر الاسود فقال العباس بن عبد المطلب لا ونحاه وناول العباس رسول الله صلّى الله عليه وسلم حجرا فشدّ به الركن فغضب النجدى حين نحى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليس يبنى معنا فى البيت الامنا ثم بنى حتى انتهوا الى موضع الخشب وسقفوا البيت وجعلوا فيه(1/115)
ست دعائم فى صفين فى كل صف ثلاث دعائم من الشق الشامىّ الذى يلى الحجر الى الشق اليمانى وجعلوا درجة من خشب فى بطنها من الركن الشامى يصعد فيها الى ظهرها وزوّقوا سقفها وجدر انها من بطنها ودعائمها وجعلوا فى دعائمها صور الانبياء والملائكة والشجر ولما كان يوم الفتح أمر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بطمس تلك الصور فطمست وجعلوا لها بابا واحدا فكان يغلق ويفتح وكانوا قد أخرجوا ما كان فى البيت من حلى ومال وجعلوه عند أبى طلحة وأخرجوا هبلا ونصبوه عند المقام حتى فرغوا من بناء البيت وربطوا ذلك المال فى الجب ونصبوا هبلا مكانه كما كان قبل ذلك وكسوها حين فرغوا من بنائها خبرات يمانية* وفى سيرة ابن هشام وكانت الكعبة تكسى القباطى ثم كسيت البرود وأوّل من كساها الديباج الحجاج بن يوسف ثم بنى الكعبة بعد قريش عبد الله بن الزبير بعد أن هدمها كلها وسببه توهن الكعبة من حجارة المنجنيق التى اصابتها حين حوصر ابن الزبير بمكة اذ تحصن فى المسجد الحرام أوّل مرّة قبل حصار الحجاج حاصره الحصين بن نمير السكونى فى أوائل سنة أربع وستين من الهجرة بأمر يزيد بن معاوية كما سيجىء فى الموطن الثانى فى خلافة عبد الله بن الزبير روى أن أوّل حجر منها لما وقع على الكعبة سمع لها أنين كأنين الريض آه آه ومما أصابها من ذلك من الحريق بسبب النار التى أوقدها بعض أصحاب ابن الزبير فى خيمة له فصارت الرياح تلهب تلك النار فأحرقت كسوة الكعبة والساج الذى جعل فى سافات جدارها حين عمرتها قريش فضعفت جدران الكعبة حتى انها لتنقضّ من أعلاها الى أسفلها ويقع الحمام عليها فتتناثر حجارتها ولما زال الحصار عن ابن الزبير لأدبار الحصين بن نمير من مكة بعد أن بلغه خبر موت يزيد بن معاوية رأى ابن الزبير أن يهدم الكعبة ويبنيها فوافقه على ذلك نفر قليل منهم جابر بن عبد الله وجبير بن عمير وكره ذلك نفر كثير منهم عبد الله بن عباس ولما أجمع على هدمها خرج كثير من أهل مكة الى منى فأقاموا بها ثلاثا مخافة أن يصيبهم عذاب بسبب هدمها وأمر ابن الزبير جماعة من الحبشة فهدمتها رجاء أن يكون فيهم الذى أخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه يهدمها فهدمت الكعبة أجمع حتى بلغت الارض وكان هدم ابن الزبير لها يوم السبت النصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين* وفى رواية لما أمر ابن الزبير بهدمها ما اجترأ على ذلك أحد فلما رأى ذلك علاها هو بنفسه وأخذ المعول وجعل يهدمها ويرمى أحجارها فلما رأوا أنه لا يصيبه شىء اجترءوا فصعدوا وهدموا حتى بلغوا الاساس الاوّل فقال لهم زيدوا فقالوا قد رأينا صخورا معمولة أمثال الابل الخلف قال يزيد بن رومان شهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحجر وقد رأيت أساس ابراهيم كأسنمة الابل فقال ابن الزبير زيدوا واحفروا فلما زادوا بلغوا هواء من نار تلقاهم فقال ما لكم قالوا لسنا نستطيع أن نزيد رأينا أمرا عظيما فقال لهم ابنوا عليه قال عطاء يرون أن ذلك الصخر من بناء آدم عليه السلام* وفى العرائس هدم عبد الله بن الزبير الكعبة حتى ساواها بالارض وكان الناس يطوفون بها من وراء الاساس ويصلون الى موضعها وجعل الحجر الاسود فى صندوق عنده وقفل عليه وكان قد تصدّع وانكسر بثلاث فرق من الحريق الذى أصاب الكعبة فانشطت منه شطية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك بدهر طويل فشدّه ابن الزبير بالفضة الا تلك الشطية من أعلاه بين موضعها فى أعلى الركن فلما بلغ البناء موضع الركن جاء ابن الزبير حتى وضعه بنفسه وقيل وضعه ابنه عياد وشدّه بالفضة وذكر الازرقى ان عبد الله بن الزبير أمر ابنه عبادا وجبير بن شيبة أن يجعلا الركن فى ثوب واحد ويخرجانه وهو يصلى بالناس فى صلاة الظهر فى يوم شديد الحرّ لئلا يعلم الناس بذلك فيتنا فسوا فى وضعه فيه ففعلا ذلك وقيل وضعه حمزة بن عبد الله بن الزبير بأمر أبيه* وفى تاريخ الازرقى كان ابن الزبير ربط الركن الاسود بالفضة لما أصابه من الحريق وكانت الفضة قد تزلزلت وتقلقلت(1/116)
حول الحجر حتى خافوا عليه أن ينقض فلما اعتمر هارون الرشيد وجاور فى سنة تسع وثمانين ومائة أمر بالحجارة التى هى بينها وبين الحجر الاسود فثقبت بالماس من فوقها ومن تحتها ثم أفرغ فيها الفضة كذا فى شفاء الغرام وجعل لها بابين شرقيا وغربيا يدخل من الشرقى ويخرج من الغربى وبناها على قواعد ابراهيم وأدخل فيها ما نقصته قريش من الحجر وزاد فى طولها فى السماء تسعه أذرع أخرى فضار ارتفاعها سبعا وعشرين ذراعا ولم تزل كذلك حتى قتل ابن الزبير ولما فرغ من بنائها خلقها من داخلها وخارجها ومن أعلاها الى أسفلها بالمسك والعنبر* وفى ايضاح المناسك أن ابن الزبير خلق حول الكعبة كله وعن عائشة لأن أطيب الكعبة أحب الىّ من أن أهدى لها ذهبا أو فضة وكساها القباطى والديباج وقال من كانت لى عليه طاعة فليخرج وليعتمر من التنعيم فمن قدر على أن ينحر بدنة فليفعل ومن لم يقدر فليذبح شاة ومن لم يقدر فليتصدّق بقدر قدرته وخرج ماشيا وخرج الناس معه مشاة حتى اعتمروا من التنعيم شكرا لله تعالى ولم ير يوم أكثر عتيقا ولا أكثر بدنة منحورة ولا شاة مذبوحة ولا صدقة منه فى ذلك اليوم ونحر ابن الزبير مائة بدنة* وأما بناء الحجاج ابن يوسف الثقفى فما روى أنه بناها بأمر عبد الملك بن مروان حين أرسله الى حرب عبد الله بن الزبير فحاصره الحجاج بمكة وقتله وصلبه بالحجون سنة أربع وسبعين وولى الحجاج الحجاز من قبل عبد الملك بن مروان كذا فى العرائس وسيجىء فى الفصل الثانى من الموطن الاوّل وأن الحجاج بعد ما حاصر ابن الزبير وظفر به كتب الى عبد الملك بن مروان يخبره أن ابن الزبير زاد فى الكعبة ما ليس منها وأحدث فيها بابا آخر واستأذنه فى ردّ ذلك على ما كانت عليه فى الجاهلية فكتب اليه عبد الملك أن يسدّ بابها الغربى ويهدم ما زاد فيها ابن الزبير من الحجر ففعل ذلك الحجاج فبناؤه فى الكعبة الجدار الذى من جهة الحجر بسكون الجيم والباب الغربى المسدود فى ظهر الكعبة عند الركن اليمانى وما تحت عتبة الباب الشرقى وهو أربعة أذرع وشبر على ما ذكره الازرقى وترك بقية الكعبة على بناء ابن الزبير وكان ذلك فى سنة أربع وسبعين من الهجرة على ما ذكره ابن الاثير كذا فى شفاء الغرام* وفى العرائس فنقض الحجاج بنيان الكعبة الذى بناه ابن الزبير بأمر عبد الملك وأعادها الى بنائها الاوّل بمشهد من مشايخ قريش فهى اليوم على ما بناه الحجاج*
عدّة بناء الكعبة
وفى البحر العميق اعلم أن الكعبة بنيت سبع مرّات الاولى بناء الملائكة أو آدم على الخلاف الثانية بناء ابراهيم الثالثة بناء العمالقة الرابعة بناء جرهم الخامسة بناء قريش قبل الاسلام بخمسة أعوام وقد حضر النبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا البناء السادسة بناء عبد الله بن الزبير السابعة بناء الحجاج بن يوسف الثقفى وهو الذى من ناحية حجر اسماعيل الذى هو موجود اليوم* وفى شفاء الغرام لا شك أن الكعبة بنيت مرارا وقد اختلف فى عدد بنائها ويتحصل من مجموع ما قيل فيه أنها بنيت عشر مرّات منها بناء الملائكة ومنها بناء آدم ومنها بناء أولاده ومنها بناء ابراهيم ومنها بناء العماليق ومنها بناء جرهم ومنها بناء قصىّ بن كلاب ومنها بناء قريش ومنها بناء ابن الزبير ومنها بناء الحجاج ووجدت بخط عبد الله بن عبد الملك المرجانى ان عبد المطلب جدّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم بنى الكعبة بعد قصىّ وقبل بناء قريش ولم أر ذلك لغيره وأخشى أن يكون ذلك وهما والله أعلم* وفى تشويق الساجد أن الحجاج هدم الكعبة وبناها ولم يغير طولها فى السماء ونقص طولها فى الارض مما يلى الحجر منها ستة أذرع وفى رواية سبعة أذرع تركها فى الحجر وبناها على أساس قريش فالدرجة التى فى بطنها اليوم والبابان اللذان عليها اليوم هما من عمل الحجاج قال واستمرّت الكعبة الى يومنا هذا على بناء الحجاج وسيبقى هذا البناء الى أن تخربها الحبشة وتقلعها حجرا حجرا كما ورد فى الحديث وفى خبر آخر تجىء الحبشة(1/117)
ويخربونها خرابا لا تعمر بعده أبدا وهم الذين يستخرجون كنزه أخرجه الحاكم فى مستدركه* وفى المستدرك أيضا أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج قال العلماء لا يغير هذا البناء ويروى أن الخليفة هارون الرشيد وقيل أبوه المهدى وقيل جدّه المنصور أراد أن يغير ما صنعه الحجاج فى الكعبة وأن يردّها الى ما صنع ابن الزبير فهاه عن ذلك الامام مالك بن أنس وقال نشدتك الله يا أمير المؤمنين لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك لا يشاء أحد منهم أن يغيره الا غيره أو قال الا نقضه وبناه فتذهب هيبته من قلوب الناس كذا فى شفاء الغرام*
نقل الحجر الاسود
وذكر أهل التاريخ أن عبد الله أبا طاهر القرمطى وهو منسوب الى رجل يقال له حمدان قرمط وهى احدى قرى واسط وسيجىء فى الخاتمة فى خلافة المقتدر بالله وافى مكة فى سابع ذى الحجة وقيل فى ثامنه سنة سبع عشرة وثلاثمائة فى خلافة المقتدر بالله وفعل فيها هو وأصحابه أمورا منكرة منها أن بعضهم ضرب الحجر الاسود بدبوس فكسره ثم قلعه وقيل قلعه جعفر بن علاج البناء بأمر أبى طاهر يوم الاثنين بعد الصلاة لاربع عشرة ليلة خلت من ذى الحجة من السنة المذكورة وقلع الباب وأصعد رجلا من أصحابه ليقلع الميزاب فتردى ومات وأخذ اسلاب اهل مكة والحجاج وانصرف ومعه الحجر الاسود وعلقه على الاسطوانة السابعة من الجانب الغربى من جامع الكوفة ظنا منه أن الحج ينتقل الى الكوفة ثم حمل الى بلاد هجر وبقى عند القرامطة اثنين وعشرين سنة الا أربعة أيام كذا قال المسيحى وقيل الاشهرا وقيل ثمانية وعشرين سنة* وفى العرائس قلع القرمطى صاحب البحرين لعنه الله الحجر الاسود عام أوقع بالحجيج بمكة فذهب به مع أسرى من الحجاج الى البحرين وكان الامير يحكم التركى مدبرا للخلافة ببغداد بذل للقرمطى خمسين ألف دينار ليردّه فأبوا وقالوا أخذناه بأمر ولا نردّه الا بأمر* وقيل ان المطيع لله العباسى اشتراه بثلاثين ألف دينار من القرامطة كذا قال ابن جماعة فى منسكه وفيه نظر لان أبا طاهر مات قبل خلافة المطيع فى سنة اثنين وثلاثين وثلثمائة على ما ذكره ابن الاثير وغيره وقيل ان أبا طاهر باعه من المقتدر بالله بثلاثين ألف دينار وأعيد الى موضعه من البيت فى خلافة المطيع لله لخمس خلون من ذى الحجة سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وبقى موضع الحجر الاسود من الكعبة خاليا مدّة بقائه عند القرامطة يضع الناس فيه أيديهم للتبرّك الى حين ردّ الى موضعه من الكعبة المعظمة وذلك فى يوم الثلاثا يوم النحر سنة تسع وثلاثين وثلثمائة على ما ذكره المسيحى روى أنه لما أخذه القرمطى هلك تحته أربعون جملا ولما أعيد أنفذ على قعود أعجف فسمن تحته وزاد جسمه الى مكة وذكر المسيحى أن الذى وافى به مكة سنبر ابن الحسن القرمطى وان سنبر لما صار بفناء الكعبة ومعه أمير مكة أظهر الحجر من سفط وعليه ضبات من فضة وقد عملت من طوله ومن عرضه تضبط شقوقا حدثت عليه بعد انقلاعه وأحضر معه جصا ليشدّ به فوضع سنبر الحجر بيده وشدّه الصانع بالجص وقال سنبر لما ردّه أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئة الله تعالى ونظر الناس الى الحجر فتنافسوه وقبلوه واستلموه وحمدوا الله تعالى وكان ردّ الحجر الى موضعه قبل حضور الناس لزيارة الكعبة يوم النحر وسيجىء فى الخاتمة فى خلافة المقتدر بالله وأما ما صنعه الحجبة بالحجر الاسود بأثر ردّ القرمطى له فذكر المسيحى أنه فى سنة أربعين وثلثمائة قلع الحجبة الحجر الاسود الذى نصبه سنبر وجعلوه فى الكعبة خوفا عليه وأحبوا أن يجعلوا له طوقا من فضة يشدّ به كما كان قديما حين عمله ابن الزبير فأخذ فى اصلاحه صانعان صادقان فعملا له طوقا من فضة وأحكماه ونقل المسيحى عن محمد بن نافع الخزاعى أن مبلغ ما على الحجر الاسود من الطوق وغيره ثلاثة آلاف وسبعمائة وتسعون درهما ونصف على ما قيل انتهى وهذه الحلية غير حلية الحجر الاسود الآن لان داود بن عيسى الحسنى أمير مكة أخذ طوق الحجر الاسود قبل عزله من مكة فى سنة خمس وثمانين وخمسمائة(1/118)
على ما ذكره أبو شامة وغيره ولم أتحقق أن الحجر الاسود قلع من موضعه بعد ردّ القرامطة له الى يومنا هذا غير أن بعض الفقهاء المصريين أخبرنى أن الحجر قلع من موضعه سنة احدى وثمانين وسبعمائة وأما ما أصاب الحجر الاسود بعد فتنة القرامطة له من بعض الملاحدة مثلهم فذكر أبو عبد الله محمد بن على بن عبد الرحمن أنه فى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة يوم النفر الاوّل قام رجل فقصد الحجر الاسود فضربه ثلاث ضربات بدبوس فتشقق وجه الحجر من تلك الضربات وتساقطت منه شطايا مثل الاظفار وخرج مكسره أسمر يضرب الى الصفرة محببا مثل الخشخاش فأقام الحجر على ذلك يومين ثم ان بنى شيبة جمعوا الفتات وعجنوها بالمسك واللك وحشوا الشقوق وطلوها بطلاء من ذلك وذكر ابن الاثير هذه الحادثة فى أخبار سنة أربع عشرة وأربعمائة ثم بعث الوليد بن عبد الملك الى واليه على مكة خالد بن عبد الله القشيرى بستة وثلاثين ألف دينار فضرب منها على باب الكعبة صفائح الذهب وعلى ميزاب الكعبة وعلى الاساطين التى فى بطنها وعلى الاركان التى فى جوفها فكل ما على الاركان والميزاب من الذهب فهو من عمل الوليد وهو أوّل من ذهب البيت فى الاسلام وأما ما كان على الباب من عمل الوليد فبقى كذلك الى أن رق وتفرّق فرفع ذلك للمعتصم محمد بن الرشيد فى خلافته فأرسل الى سالم بن الجرّاح عامله على مكة بثمانية عشر ألف دينار ليضرب بها صفائح على باب الكعبة فقلع ما كان على الباب من الصفائح وزاد عليه الثمانية عشر ألف دينار فضرب الصفائح التى عليه اليوم وحلقتا الباب والعتبة كلها من عمل أمير المؤمنين المعتصم محمد بن الرشيد فالذى على الباب من الذهب ثلاثة وثلاثون ألف مثقال وعمل للوليد بن عبد الملك الرخام الاخضر والابيض والاحمر فى بطنها مؤزرا به جدرانها وفرشها بالرخام فجميع ما فى الكعبة من الرخام هو من عمل الوليد بن عبد الملك وهو أوّل من فرشها بالرخام وازربه جدرانها وهو أوّل من زخرف المساجد*
أوّل من كسا الكعبة
قال الازرقى قال ابن جريج كان تبع أوّل من كسا البيت كسوة كاملة أرى فى المنام أن يكسوها فكساها الايطاع ثم أرى أن يكسوها فكساها الوصائل وهى ثياب مخططة يمانية كذا فى الصحاح* وفى ايضاح النووى الوصائل ثياب حبرة من عصب اليمن* وفى الوفاء اسم تبع الذى كسا الكعبة أسعد* وفى شفاء الغرام كسيت الكعبة فى الجاهلية والاسلام أنواعا من الكساء منها الخصف والمغافر والملاء والوصائل والعصب كساها كلها تبع الحميرى وكان مؤمنا وقد سبق ذكره وكساها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثيابا يمانية وكساها أبو بكر وعمرو عثمان قباطى من مصر وكساها معاوية وابن الزبير رضى الله عنهم ومن بعدهم كذا روى الازرقى وكانت تكسى يوم عاشوراء ثم صار معاوية يكسوها فى السنة مرّتين ثم كان المأمون يكسوها ثلاث مرّات فيكسوها الديباج الاحمر يوم التروية والقباطى يوم هلال رجب والديباج الابيض يوم سبع وعشرين من رمضان وهذا الابيض ابتدأه المأمون سنة ست ومائتين حين قالوا له الديباج الاحمر يتخرّق قبل الكسوة الثانية فسأل عن أحسن ما تكون الكعبة فيه قيل الديباج الابيض ففعله وكان عبد الله بن الزبير يجمر الكعبة كل يوم برطل من الطيب ويوم الجمعة برطلين وأجرى معاوية للكعبة الطيب لكل صلاة وأجرى الزيت لقناديل المسجد الحرام من بيت المال*
ذرع الكعبة
وفى تشويق الساجد أما ذرع الكعبة الشريفة وذرع ما بين الاركان وغيرهما فاعلم أن الذراع أربع وعشرون أصبعا مضمومة سوى الابهام بعدد حروف لا اله الا الله محمد رسول الله والاصبع ست شعيرات والشعيرة ست شعرات من شعر البغل وذرع الكعبة الشريفة اليوم ارتفاعها الى السماء سبعة وعشرون ذراعا وربع ذراع ومن الركن الاسود الى الركن العراقى ثلاثة وعشرون ذراعا وربع ذراع ومن الركن العراقى الى الركن الشامى اثنان وعشرون ذراعا ومن الركن الشامى الى الركن اليمانى أربعة وعشرون ذراعا(1/119)
وشبر والشبر اثنا عشر أصبعا ومن الركن اليمانى الى الركن الاسود أحد وعشرون ذراعا وشبر* وفى ايضاح النووى الكعبة اليوم طولها فى السماء سبعة وعشرون ذراعا وأما طولها فى الارض وهو ما بين الركن الاسود والركن العراقى الذى يلى باب الحجر الذى يلى المقام فخمسة وعشرون ذراعا وبين اليمانى والغربى كذلك وأما عرضها وهو ما بين الركنين اليمانى والاسود فعشرون ذراعا وبين الشامى والغربى أحد وعشرون ذراعا* قال العبد الضعيف حسين بن محمد الديار بكرى غفر الله لهما أنا لما ذرعت بين أركان الكعبة الشريفة وغيرها فى شوّال سنة احدى وثلاثين وتسعمائة وجدت بعضها مخالفا لما فى التشويق والايضاح فوجدت بين الركن الاسود والعراقى أربعة وعشرين ذراعا ونصف ذراع مخالفا لما فى الكتابين معا وبين العراقى والغربى أحدا وعشرين ذراعا موافقا لما فى الايضاح وبين الغربى واليمانى خمسة وعشرين ذراعا كما فى الايضاح أيضا وبين اليمانى والاسود أحدا وعشرين ذراعا وسبع أصابع مخالفا لما فى الكتابين معا* وفى تشويق الساجد وعرض جدار الكعبة ذراعان ولها سقفان أحدهما فوق الآخر وفيها ثلاثة أعمدة مصطفة على طولها كلها من خشب الساج وعرض الباب أربعة أذرع وارتفاع الباب وطوله الى السماء ستة أذرع وعشرة أصابع والباب فى الجدار الشرقى والباب من خشب الساج مضبب بصفائح من الفضة وعرض سطح الكعبة ثمانية عشر ذراعا فى خمسة عشر ذراعا والميزاب فى وسط الجدار الذى يلى الحجر وعرض الملتزم وهو ما بين الباب والحجر الاسود أربعة أذرع وارتفاع الحجر الاسود من الارض ثلاثة أذرع الاسبعة أصابع وعرض القدر الذى يرى منه شبر وأربعة أصابع مضمومة* قال حسين بن محمد أنا وجدت عرض الملتزم أربعة أذرع وستة أصابع وارتفاع ما تحت عتبة الباب من الارض أربعة أذرع وثلاثة أصابع وعرض المستجار وهو ما بين الركن اليمانى الى الباب المسدود فى ظهر الكعبة مقابلا للملتزم أربعة أذرع وخمسة أصابع ويسمى ذلك الموضع مستجارا من الذنوب وعرض الباب المسدود ثلاثة أذرع ونصف ذراع* وفى الايضاح وأما الحجر فهو محوط مدوّر على صورة نصف دائرة وهو خارج من جدار البيت فى صوب الشام وهو كله أو بعضه من البيت تركته قريش حين بنت البيت وأخرجته عن بناء ابراهيم وصار له جدار قصير وروى عن عائشة رضى الله عنها أنها نذرت ان فتح الله تعالى مكة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم تصلى فى البيت ركعتين فلما فتحت مكة أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيدها وأدخلها الحطيم وقال صلّى هاهنا فان الحطيم من البيت الا أن قومك قصرت بهم النفقة فأخرجوه من البيت ولولا حدثان عهد قومك بالجاهلية لنقضت بناء الكعبة وأظهرت قواعد الخليل وأدخلت الحطيم فى البيت وألصقت العتبة بالارض وجعلت له بابين شرقيا وغربيا ولئن عشت الى قابل لا فعلنّ ذلك ولم يعش ولم يفرغ لذلك الخلفاء الراشدون حتى كان فى زمن عبد الله بن الزبير وكان سمع الحديث من عائشة ففعل ذلك وأظهر قواعد الخليل بمحضر من الناس وأدخل الحطيم فى البيت فلما قتل كره الحجاج أن يكون بناء البيت على ما فعله ابن الزبير فنقض بناء البيت وأعاده على ما كان فى الجاهلية كذا فى شرح الوقاية* قال الازرقى فى تاريخ مكة الحجر ما بين الركن الشامى والغربى وأرضه مفروشة برخام وهو مستو بالشاذر وان الذى تحت ازار الكعبة وعرضه من جدار الكعبة الذى تحت الميزاب الى جدار الحجر سبعة عشر ذراعا وثمانية أصابع وذرع ما بين بابى الحجر عشرون ذراعا وذرع جداره من داخله فى السماء ذراع وأربعة عشر أصبعا وذرعه مما يلى الباب الذى يلى المقام ذراع وعشرون أصبعا وذرعه من خارجه مما يلى الركن الشامى ذراع وستة عشر أصبعا وطوله فى وسطه فى السماء ذراعان وثلاثة أصابع وعرض الجدار ذراعان الا أصبعين وذرع تدوير الحجر من داخله ثمانية(1/120)
وثلاثون ذراعا ومن خارجه أربعون ذراعا وستة أصابع وطول الشاذروان فى السماء ستة عشر أصبعا وعرضه ذراع وذرع طوفة واحدة حول الكعبة والحجر مائة ذراع وثلاثة وعشرون ذراعا واثنا عشر أصبعا أقول وما ذرعته مخالف لبعض هذا أيضا وسيجىء وأما الشاذر وان فهو الاحجار اللاصقة بجدار الكعبة عليها البناء المسنم القصير المرخم من جوانبها الثلاثة الشرقى والغربى واليمانى وبعض حجارة الجانب الشرقى لا بناء عليه وهو شاذر وان أيضا وأما الاحجار اللاصقة بجدار الكعبة التى تلى الحجر فليس بشاذر وان لان موضعها من الكعبة بلا ريب كذا فى شفاء الغرام* قال العبد الضعيف حسين بن محمد الديار بكرى أنا ذرعت ذلك فوجدت طول الشاذر وان فى السماء فى بعض المواضع ذراعا وستة أصابع وفى بعضها ذراعا وأربعة أصابع وعرضه فى بعض المواضع اثنين وعشرين اصبعا وفى بعضها ثمانية عشرا صبعا والشاذر وان ليس من الكعبة عند الائمة الحنفية بل هو عارض ملصق بأصل الجدار لاحكامه ومن البيت عند الائمة الشافعية وهو المقدار الذى ترك من عرض الاساس خارجا من الجدار خاليا عن البناء الطويل فان قريشا لما رفعت الاساس بمقدار ثلاثة أصابع من وجه الارض نقصوا عرض الجدار عن الاساس وأما خبر عمارة الحجر فروى أن المنصور العباسى لما حج دعا زياد بن عبيد الله الحارثى أمين مكة فقال انى رأيت الحجر حجارته بادية فلا أصبحنّ حتى يصير جدار الحجر بالرخام فدعا زياد بالعمال فعملوا على السراج قبل أن يصبح وكان قبل ذلك مبنيا بحجارة بادية ليس عليه رخام وكان ذلك فى سنة احدى وأربعين ومائة ثم ان المهدى بعد ذلك فى سنة احدى وستين ومائة جدّد رخامه برخام حسن قال صاحب شفاء الغرام لم يذكر الازرقى السنة التى أمر فيها المنصور بعمل رخامه* قال العبد الضعيف مؤلف الكتاب حسين بن محمد الديار بكرى عفا الله عنه وعن أسلافه لما ذرعت وجدت عرض الحجر من تحت ازار الكعبة الى جدار الحجر سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر أصبعا وما بين بابى الحجر عشرين ذراعا وتسعة عشر أصبعا وعرض كل من بابى الحجر خمسة أذرع وأربعة عشر أصبعا ووجدت ارتفاع جدار الحجر من الارض ذراعين وثمانية أصابع وعرض جدار الحجر ذراعين وأحدا وعشرين أصبعا ووجدت ذرع تدوير جدار الحجر من داخله أربعة وثلاثين ذراعا وسبعة عشر أصبعا ومن خارجه أربعة وأربعين ذراعا وأربعة أصابع فذرع طوفة واحدة حول الكعبة والحجر على ما ذرعه مائة وسبعة وأربعون ذراعا وثلاثة أصابع* وفى شفاء الغرام من فضائل الحطيم أن فيه قبر تسعة وتسعين نبيا عن عبد الله بن ضمرة السلولى يقول ما بين الركن الى المقام الى زمزم قبر تسعة وتسعين نبيا جاء واحجاجا فقبضوا هناك* وعن محمد بن سائط عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الانبياء اذا هلكت أمته لحق بمكة فيعبد الله تعالى فيها حتى يموت فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام وقبورهم بين زمزم والحجر* وفى العمدة فى الحديث ما من نبىّ هرب من قومه الا هرب الى مكة فيعبد الله فيها حتى يموت فمات بها نوح وهود وصالح وشعيب ذكر الازرقى خبرا يقتضى أن يكون فى الحطيم قبر تسعين نبيا قال مقاتل فى المسجد الحرام بين زمزم والركن قبر تسعين نبيا منهم هود وصالح واسماعيل وقبر آدم وابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام فى بيت المقدس عن ابن اسحاق قال كان من حديث جرهم وبنى اسماعيل لما توفى اسماعيل دفن فى الحجر مع أمه وزعموا أنها فيه دفنت حين ماتت قال المسعودى قبض اسماعيل وله من العمر مائة وسبع وثلاثون سنة ودفن فى المسجد الحرام جيال الموضع الذى فيه الحجر الاسود كذا فى شفاء الغرام وطول الحفيرة المرخمة الملاصقة للكعبة فى المطاف من جهة الشرق ثمانية أشبار وسبعة أصابع مضمومة روى أنّ الفقيه اسماعيل الحضرمى لما حج الى مكة سأل الشيخ محب الدين الطبرى عن الحفيرة الملاصقة للكعبة فى المطاف فأجاب(1/121)
الشيخ محب الدين بأن الخفيرة مصلى جبريل بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم* وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الحفيرة الملاصقة للكعبة بين الباب والحجر هى المكان الذى صلّى فيه جبريل عليه السلام بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم الصلوات الخمس فى اليومين حين فرضها الله على أمته قال القاضى عز الدين ابن جماعة فى مناسكه الكبرى ولم أر ذلك لغيره وفيه بعد لان ذلك لو كان صحيحا لنبهوا عليه بالكتابة فى الحفيرة ولما اقتصروا على التنبيه على من أمر بعمل المطاف انتهى كلامه وليس هذا بلازم لانه يحتمل أن يكون الامر كما قال عز الدين بن عبد السلام ولا يلزم التنبيه بالكتابة عليه والشيخ عز الدين ناقل وهو حجة على من لم ينقل كذا فى البحر العميق وأما مقام ابراهيم عليه السلام فقال عز الدين بن جماعة وحرّرت لما كنت بمكة سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة مقدار ارتفاع المقام من الارض فكان نصف ذراع وربع ذراع وثمن ذراع بالذراع المستعمل فى زماننا بمصر فى القماش وأعلى المقام مربع من كل جهة نصف ذراع وربع ذراع وموضع عرض القدمين فى المقام ملبس بفضة وعمقه من فوق الفضة سبعة قراريط ونصف قيراط من ذراع القماش والمقام يومئذ فى صندوق من حديد حوله شباك من حديد وعرض الشباك عن يمين المصلى ويساره خمسة أذرع وثمن ذراع وطوله الى جهة الكعبة خمسة أذرع الاقيراطين وخلف الشباك المصلى وهو محوز بعمودين من حجارة وحجرين من جانبى المصلى وطول المصلى خمسة أذرع وسدس ذراع ومن شباك الصندوق الذى هو داخل المقام الى شاذروان الكعبة عشرون ذراعا وثلثا ذراع وثمن ذراع كل ذلك بالذراع المتقدّم ذكره انتهى كلام ابن جماعة كذا فى البحر العميق ومن الحجر الاسود الى المقام سبعة وعشرون ذراعا وفى السروجى تسعة وعشرون ذراعا وبين المقام وبين الصفا مائة وأربع وستون ذراعا وذرع بئر زمزم من أعلاها الى أسفلها أعنى عمقها سبع وستون ذراعا وعرض رأس البئر أربعة أذرع ومن الكعبة الى بئر زمزم ثلاث وثلاثون ذراعا وما بين المقام الى بئر زمزم احد وعشرون ذراعا وأما عرض البلاط المفروش بالمطاف فمن صوب المشرق وباب السلام من شباك مقام ابراهيم الى شاذر وان الكعبة مقابلا له أربع وأربعون قدما ومن صوب الشمال والمقام الحنفى من طرف المطاف الى جوار الحجر مقابلا له ثمان وأربعون قدما ومن صوب المغرب والمقام المالكى من طرف المطاف الى شاذر وان الكعبة خمس وستون قدما وهو أبعد الجوانب من الكعبة ومن صوب الجنوب والمقام الحنبلى من طرف المطاف الى الشاذروان الذى تحت الحجر الاسود سبع وأربعون قدما*
مقامات الائمة ومصلاهم
وأما مقامات الائمة الاربعة ومصلاهم فمقام الشافعى من صوب المشرق مستقبلا الى وجه الكعبة خلف مقام ابراهيم وأما مقام الحنفى فمن جهة الشمال مستقبلا الى الميزاب وهو قبلة أهل المدينة وأما مقام المالكى فمن جهة المغرب وأما مقام الحنبلى فمن جهة الجنوب وأبى قبيس مستقبلا الى الحجر الاسود والمقامات الاربع المذكورة كلها وراء المطاف وخلف بئر زمزم قبة الفرّاشين والشموع وخلف قبة الفرّاشين قبة أخرى وهى سقاية العباس* وأما المسجد الحرام فكان فناء حول الكعبة للطائفين ولم يكن له على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبى بكر رضى الله عنه جدار يحيط به وانما كانت الدور محدقة به وبين الدور أبواب يدخل الناس منها من كل ناحية فلما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس وسع المسجد واشترى دورا فهدمها وأدخلها فيه ثم أحاط عليه جدارا قصيرا دون القامة وكانت المصابيح توضع عليه فكان عمر أوّل من اتخذ الجدار للمسجد الحرام ثم لما استخلف عثمان ابتاع المنازل فى سنة ست وعشرين ووسع الحرم بها أيضا وبنى المسجد والاروقة فكان عثمان أوّل من اتخذ للمسجد الحرام الاروقة ثم ان عبد الله بن الزبير زاد فى المسجد زيادة كثيرة واشترى دورا من جملتها بعض دار الازرقى اشترى ذلك ببضع عشرة ألف دينار وأدخلها فيه ثم عمره(1/122)
بعده عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه لكن رفع جدار المسجد وسقفه بالساج المزخرف وعمره عمارة حسنة ثم ان الوليد بن عبد الملك وسع المسجد وحمل اليه أعمدة الحجارة والرخام ثم ان المنصور زاد فى المسجد فى شقه الشامى وبناه وجعل فيه أعمدة الرخام ثم زاد المهدى بعده مرّتين احداهما بعد سنة ستين ومائة والثانية سنة سبع وستين ومائة الى سنة تسع وستين ومائة وفيها توفى المهدى واستقرّ بناؤه الى يومنا هذا وكانت الكعبة فى جانب من المسجد فأحب أن تكون فى الوسط فاشترى الدور من الناس ووسطها كذا ذكره النووى فى الايضاح وفى البحر العميق زيادة المهدى الزيادة التى تلى دار الندوة* وفى البحر العميق حج المهدى أمير المؤمنين سنة ستين ومائة وأمر بأساطين الرخام فنقلت فى السفن من الشام حتى أنزلت بجدّة ثم جرّت على العجل من جدّة الى مكة وجعلت أساطين* وفى البحر العميق عن أبى هريرة قال انا لنجد فى كتاب الله تعالى أن حدّ المسجد الحرام من الحزورة الى المسعى* وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أساس المسجد الحرام الذى وضعه ابراهيم عليه السلام من الحزورة الى المسعى الى مخرج سيل أجياد قال والمهدى وضع المسجد على المسعى* وعن عطاء بن أبى رباح المسجد الحرام الحرم كله وأما طول المسجد الحرام فهو من باب بنى شيبة المشهور بباب السلام فى الجدار الشرقى للمسجد الى باب العمرة فى الجدار الغربى فأربعمائة ذراع وأربعة أذرع كذا فى البحر العميق فذلك مائتان وثمانون خطوة وأما عرضه وهو من باب بنى مخزوم المشهور بباب الصفا فى الجدار الجنوبى للمسجد الى الجدار الاصلى له فى جهة الشمال الذى عند باب دار الندوة فثلثمائة ذراع وأربعة أذرع كذا فى البحر العميق فذلك مائتان وست خطوات وفى السروجى ثلثمائة ذراع وعشرة أذرع والله أعلم*
(ذكر عدد أبواب المسجد الحرام)
* فى البحر العميق عدد أبوابه اليوم تسعة عشر بتقديم التاء على السين تنفتح على ثمانية وثلاثين مدخلا فى جدرانه الاربع أما أبوابه فى جداره الشرقى فأربعة* الاوّل باب بنى شيبة ويقال له باب السلام وباب بنى عبد شمس بن عبد مناف وبه كان يعرف فى الجاهلية والاسلام عند أهل مكة وفيه ثلاثة مداخل قال الازرقى وهو الذى كان يدخل منه الخلفاء* النانى باب النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويعرف اليوم بباب الجنائز وانما قيل له باب النبىّ صلّى الله عليه وسلم لان النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يخرج منه الى بيت خديجة رضى الله عنها وفيه مدخلان* الثالث باب العباس بن عبد المطلب وعنده علم المسعى من خارج وفيه ثلاثة مداخل وسماه صاحب النهاية وابن الحاج باب الجنائز ولعله كانت يصلى عليها فيه* الرابع باب على وفيه ثلاثة مداخل* وأما أبوابه فى جداره الجنوبى فسبعة* الاوّل باب بنى عائد ويقال له اليوم باب بازان وفيه مدخلان* الثانى باب بنى سفيان بن الاسد ويقال له اليوم باب البغلة وفيه مدخلان وسماه صاحب النهاية باب الحناطين* الثالث باب بنى مخزوم ويقال له اليوم باب الصفا وفيه خمسة مداخل* الرابع باب أجياد الصغير وفيه مدخلان* الخامس باب المجاهدية وفيه مدخلان ويقال له باب الرحمة وهو من أبواب بنى مخزوم وكذا باب أجياد الصغير كذا ذكره الازرقى فيهما* السادس باب مدرسة الشريف عجلان بن رميثة وفيه مدخلان ويقال له باب بنى تميم وسماه صاحب النهاية باب العلافين* السابع باب أمّ هانئ بنت أبى طالب وفيه مدخلان وهذا الباب مما يلى دور بنى عبد شمس وبنى مخزوم ويقال لهذا الباب باب الملاعبة ويقال له باب العرج على ما وجد بخط الاقشهرى وسماه صاحب النهاية باب أبى جهل* وأما أبوابه فى جداره الغربى فثلاثة الاوّل باب الحزورة وهو الذى يلى المنارة التى تلى أجياد الكبير سمى باب الحزورة باسم أمة لرجل يقال له وكيع بن سلمة وكان اليه أمر البيت فبنى فيه ضريحا جعل فيه أمة يقال لها حزورة كذا فى شفاء الغرام وسيجىء ذلك فى ذكر ظهور زمزم وعامة أهل مكة يسمونه باب(1/123)
عزورة بالعين وانما هى بالحاء المهملة وفيه مدخلان قال الازرقى ويقال له باب حكيم بن حزام وبنى الزبير بن العوّام والغالب عليه باب الحزامية* الثانى باب ابراهيم وكان فيه فى الزمن السابق مدخلان أحدهما كبير وأما اليوم فدخل واحد كبير وذكر أبو عبيدة البكرى أن ابراهيم المنسوب اليه هذا الباب هو خياط كان عنده على ما قيل ونسبه سعد الدين الاسفراينى فى كتاب زبدة الاعمال فقال ابراهيم الاصبهانى وبعضهم ينسبه الى ابراهيم الخليل عليه السلام ولا وجه لخصوصيته دون سائر الابواب والله أعلم قال الازرقى ويقال له باب الخياطين* الثالث باب بنى سهم ويعرف اليوم بباب العمرة وهو مدخل واحد وأما أبوابه فى جداره الشمالى فخمسة* الاوّل باب سدّة الوهوط ويقال له باب عمرو ابن العاص وهو مدخل واحد صغير* الثانى باب دار العجلة وهو مدخل واحد صغير* الثالث باب دار الندوة وهو مدخل واحد* الرابع باب زيادة دار الندوة قال الازرقى وهو باب دار شيبة بن عثمان يسلك منه الى السويقة وفيه مدخلان* الخامس باب الزريبة وهو مدخل واحد صغير كذا ذكره فى البحر العميق*
(ذكر عدد الاساطين التى فى المسجد الحرام)
* فى البحر العميق الاساطين التى حول المسجد الحرام غير ما فى الزيادتين أربعمائة اسطوانة وتسع وستون اسطوانة بتقديم التاء على السين وهى مصفوفة فى كل جانب من جوانبه الاربع ثلاثة صفوف وأما عدد أساطين زيادة باب ابراهيم فسبع وعشرون اسطوانة وأما عدد أساطين زيادة باب دار الندوة فست وستون اسطوانة وأما الاساطين التى حول المطاف لتعليق القناديل فثلاث وثلاثون اسطوانة منها اسطوانتان من حجارة وهما اللتان تليان مقام ابراهيم من جانبيه والبواقى وهى احدى وثلاثون اسطوانة من صفر والله أعلم*
عدد منائر المسجد الحرام
وأما منائر المسجد الحرام فست أربع منها فى زواياه الاربع وواحدة فى زيادة باب دار الندوة وواحدة فى مدرسة قايتباى المتصلة بجدار المسجد*
فضيلة مكة
وأما الفضيلة فاعلم أن العلماء اختلفوا فى أن مكة حرسها الله تعالى أفضل أم المدينة فعند أبى حنيفة والشافعى رحمهما الله أن مكة أفضل من المدينة سوى موضع قبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقال مالك المدينة أفضل من مكة وأما المجاورة بمكة فقد اختلف علماء الدين فى ذلك فذهب أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعى من المحتاطين فى دين الله من أرباب القلوب الى أن المقام بها مكروه لقوله عليه السلام من فرغ من حجه فليعجل الرجوع الى أهله فانه أعظم لاجره ولان كثرة المشاهدة توجب التبرّم وتقلل الحرمة من حيث العادة ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم لابى هريرة يا أبا هريرة زرغبا تزدد حبا وقال عمر رضى الله عنه لما فرغ من نسك الحج يا أهل اليمن يمنكم ويا أهل الشام شامكم ويا أهل العراق عراقكم* وقد روى أن عمر رضى الله عنه همّ أن يمنع الناس عن كثرة الطواف وقال خشيت أن يأنس الناس هذا البيت فتزول هيبته من صدورهم وقال ابن عباس رضى الله عنه حين اختار المقام من مكة الى الطائف وحواليه لأن أذنب خمسين وفى ربيع الابرار سبعين ذنبا بركبة أحب الىّ من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة والركبة موضع بين مكة والطائف بقرب الطائف كثير العشب والماء* وقال ابن مسعود رضى الله عنه ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة قبل العمل الا مكة وتلاهذه الآية والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم أى ومن يرد الميل عن الحق بمجرّد النية والارادة والالحاد الميل والباء فيه زائدة كما فى قوله تعالى تنبت بالدهن وقال ان السيئات تتضاعف كما تتضاعف الحسنات فيه لان الباء للمصاحبة وليست بزائدة* وقال أبو يوسف ومحمد وجماعة من أصحاب الشافعى وغيرهم من العلماء انه يجوز ذلك من غير كراهة لقوله تعالى وطهر بيتى للطائفين والقائمين مطلقا ولقوله صلّى الله عليه وسلم مكة والمدينة ينفيان الذنوب كما ينفى الكير خبث(1/124)
الحديد الا فمن صبر على حرّها ولأوائها وشدّتها كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة* ولما ورد فى الاحاديث أن المقام بمكة سعادة والخروج منها شقاوة ثم بعض العلماء من المحتاطين فى الدين يكرهون أيضا المنع من الاقامة والمجاورة لانه منع من الطاعة والعبادة ويحتمل أن المجاور يفى بحقّ الكعبة وما يتعلق به من التعظيم والحرمة والحاصل أن من لم يقدر على الوفاء بحقه كما يجب فترك المقام والمجاورة أفضل له لما فيه من وجود التقصير والتبرّم والاخلال بحرمته وتعظيمه وتوقيره كما هو المشهور ومن قدر على المجاورة والمقام بها على وجه يتمكن من الوفاء بحقه وحرمته وتعظيمه على وجه تبقى تلك الحرمة فى عينه كما دخل فيها فهيهات هيهات فذلك الفوز الكبير والفضل الكثير الذى لا يوازيه شىء كما نطق به سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه النظر الى الكعبة عبادة ومن نظر الى البيت ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ومن نظر الى البيت من غير طواف ولا صلاة تطوّعا فذلك عند الله أفضل من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها وعن ابن عباس أنه قال لا أعلم على وجه الارض بلدة يكتب لمن نظر الى بعض بنيانها عبادة الدهر وصيام الدهر الا مكة* وقال صلّى الله عليه وسلم صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام فان صلاة فى المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة اذا صلاها وحده وان صلاها فى جماعة فان صلاته بألفى ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة وصلاة الرجل فى المسجد الحرام كله اذا صلاها وحده بمائة ألف صلاة فاذا صلاها فى جماعة فصلاته بألفى ألف صلاة وخمسمائة ألف صلاة فذلك خمسة وعشرون مرّة مائة ألف صلاة وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم صلاة الرجل فى بيته بصلاة وصلاته فى مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته فى المسجد الذى يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلاته فى المسجد الاقصى بخمسين ألف صلاة وصلاته فى مسجدى بخمسين ألف صلاة وصلاته فى المسجد الحرام بمائة ألف صلاة رواه ابن ماجه ومن جلس مستقبل الكعبة ساعة واحدة ايمانا واحتسابا لله ورسوله وتعظيم القبلة كان له مثل أجر الحاجين والمعتمرين والمجاهدين والمرابطين فى سبيل الله وان الله ينظر الى خلقه فى كل يوم ثلثمائة وستين نظرة فأوّل من ينظر اليه منهم أهل حرمه وأمنه فمن رآه طائفا غفر له ومن رآه قائما غفر له ومن رآه جالسا مستقبل الكعبة غفر له فتقول الملائكة الهنا وسيدنا ما بقى الا النائمون فيقول ألحقوهم بهم فهم جيران بيتى ألا وان أهل مكة هم أهل الله وجيران بيته وحملة القرآن هم أهل الله وخاصته وقال صلّى الله عليه وسلم من اعتمر فى شهر رمضان عمرة فكأنما حج معى وعن ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال عمرة فى رمضان تعدل حجة ومن صام شهر رمضان بمكة فصام كله وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان بغيرها وكان له بكل يوم مغفرة وشفاعة وبكل ليلة مغفرة وشفاعة وبكل يوم وليلة حملان فرس فى سبيل الله وفى رواية ابن ماجه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أدرك رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر له كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواها وكتب له بكل يوم وليلة عتق رقبة وكل يوم حملان فرس فى سبيل الله وفى كل يوم حسنة وفى كل ليلة حسنة* وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عمرة فى رمضان تقضى حجة أو حجة معى روياه وهذا لفظ مسلم* وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول من طاف بالبيت وصلّى ركعتين كان كعتق رقبة رواه ابن ماجه وقال النساءى من طاف سبعا فهو كعدل رقبة وعن أبى هريرة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال من طاف بالبيت سبعا لا يتكلم الا بسبحان الله والحمد لله
ولا اله الا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة الا بالله العلىّ العظيم محيت عنه عشر سيئات وكتبت له عشر حسنات ورفع له عشر(1/125)
درجات ومن طاف فتكلم وهو فى تلك الحال خاض فى الرحمة برجليه كخائض الماء برجليه رواه ابن ماجه وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من طاف بالبيت خمسين مرّة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه رواه الترمذى* وفى رسالة الحسن البصرى عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم من دخل البيت دخل فى رحمة الله وفى حمى الله وفى أمن الله ومن خرج خرج مغفورا له وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من دخل البيت دخل فى حسنة وخرج من سيئة مغفورا له رواه البيهقى وغيره أوردهما فى البحر العميق وعن عبد الله بن عمير أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين فقلت يا أبا عبد الرحمن انك تزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يزاحم عليه قال ان أفعل فانى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول ان مسحهما كفارة للخطايا* وفى رواية النساءى يحبط الخطيئة وسمعته يقول من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة وسمعته يقول لا يضع قدما ولا يرفع أخرى الا حط الله بها عنه خطيئة وكتب له بها حسنة رواه الترمذى* وعن ابن عباس أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الطواف حول البيت مثل الصلاة الا انكم تتكلمون فيه فمن تكلم فلا يتكلم الا بخير رواه الترمذى* وفى ربيع الابرار عن وهب ابن الورد كنت ليلة فى الحجر أصلى فسمعت كلا ما بين الكعبة والاستار الى الله أشكو ثم اليك يا جبريل ما ألقى من الطائفين حولى من تفكههم بالحديث ولغوهم ولهوهم لئن لم ينتهوا لأنتفضنّ انتفاضة يرجع كل حجر منى الى الجبل الذى قلع منه وقال أبو غفار طفت مع أنس بن مالك فى مطر فلما قضينا الطواف أتينا المقام فصلينا ركعتين فقال لنا أنس ائتنفوا العمل فقد غفر لكم هكذا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفنا معه فى مطر أخرجه ابن ماجه وعن أبى هريرة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال وكل الله به سبعين ملكا يعنى الركن اليمانى فمن قال اللهم انى أسألك العفو والعافية فى الدنيا والآخرة ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من فاوضه يعنى الركن الاسود فانما يفاوض يد الرحمن رواه ابن ماجه وعن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما من يوم أكثر أن يعتق الله عز وجل فيه عبدا من النار من يوم عرفة وانه ليدنو ثم يباهى الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء رواه مسلم والنساءى زاد النساءى أو أمة يعنى عبدا أو أمة وعن عباس بن مرداس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا لامته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب انى قد غفرت لهم ما خلا الظالم فانى آخذ للمظلوم منه قال أى رب ان شئت أعطيت المظلوم من الجنة وغفرت للظالم فلم يجب عشية عرفة فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب الى ما سأل قال فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو قال تبسم فقال أبو بكر وعمر رضى الله عنهما بأبى أنت وأمى ان هذه الساعة ما كنت تضحك فيها فما الذى أضحكك أضحك الله سنك قال ان عدوّ الله ابليس لما علم أن الله عز وجل قد استجاب دعائى وغفر لامّتى أخذ التراب فجعل يحثو على رأسه ويدعو بالويل والثبور فأضحكنى ما رأيت من جزعه رواه ابن ماجه* وفى ربيع الابرار عن محمد بن قيس بن مخرمة يرفعه من مات فى أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة آمنا روى أن حجة غير مقبولة خير من الدنيا وما فيها ويقال الذى لا يقبل حجه منه يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والذى يقبل الله منه فقد فاز* قال مؤلف الكتاب حسين بن محمد الديار بكرى فالطمع فى احراز هذه الفضائل جرّذيلى الى المجاورة بها مع اعترافى بأنى غير موف بحقها كما ينبغى
رجع الى ذكر أحوال ابراهيم
هذا فلنرجع الى أحوال ابراهيم عليه السلام* ففى الانس الجليل فى تاريخ القدس والخليل أقام ابراهيم عليه السلام بين الرملة وايليا بموضع يعرف بوادى السبع وهو شاب لا مال له وأقام فيه حتى كثر ماله وشاخ وضاق على أهل الموضع(1/126)
موضعه من كثرة ماله ومواشيه فقالوا له ارحل عنا فقد آذيتنا بمالك أيها الشيخ الصالح وكانوا يسمونه بذلك فقال لهم نعم فلما همّ بالرحيل قال بعضهم لبعض جاءنا وهو فقير وقد جمع عندنا هذا المال كله فلو قلنا له أعطنا شطر مالك وخذ الشطر فقالوا له ذلك فقال لهم صدقتم جئت وكنت شابا فردّوا علىّ شبابى وخذوا ما شئتم من مالى فخصمهم ورحل فلما كان وقت ورود الغنم الماء جاءوا يستقون فاذا الآبار قد جفت فقال بعضهم لبعض الحقوا الشيخ الصالح واسألوه الرجوع الى موضعه فانه ان لم يرجع هلكنا وهلكت مواشينا فلحقوه فوجدوه بالموضع الذى يعرف بالمغارة وسألوه أن يرجع فقال انى لست براجع ودفع لهم سبع شياه من غنمه وقال اذهبوا بها معكم فانكم اذا أوردتموها البئر ظهر الماء حتى يكون عينا معينا ظاهرا كما كان واشربوا ولا تقربها امرأة حائض فرجعوا بالاعنز فلما وقفت على البئر ظهر الماء فكانوا يشربون منها وهى على تلك الحالة وأتت امرأة حائض واغترفت فغاض ماؤها ورحل ابراهيم عليه السلام ونزل اللجون فأقام بها ما شاء الله ثم أوحى الله اليه أن انزل ممرى فرحل ونزل عليه جبريل وميكائيل بممرى وهما يريدان قوم لوط فخرج ابراهيم ليذبح العجل فانفلت منه ولم يزل حتى دخل مغارة حبرون فنودى يا ابراهيم سلم على عظام أبيك آدم فوقع ذلك فى نفسه ثم ذبح العجل وقرّبه اليهم وكان شأنه ما قص الله عز وجل فى كتابه فمضى ابراهيم معهم الى قريب من ديار لوط فقالوا له اقعد ها هنا فقعد وسمع صوت الديك فى السماء فقال هو الحق اليقين فأيقن بهلاك القوم فسمى ذلك الموضع مسجد اليقين وهو على نحو فرسخ من بلد ابراهيم عليه السلام ثم رجع ابراهيم*
أوّل من شاب ابراهيم
قال أهل السير أوّل من شاب من بنى آدم ابراهيم عليه السلام ولما رأى الشيب فى لحيته قال يا رب ما هذا أجيب بأنه وقار قال رب زدنى وقارا وفى رواية قال الحمد لله الذى بيض القار وسماه الوقار* وفى كتاب المغازى لابن قتيبة لما ولد اسحاق من سارة تعجب الكنعانيون فقالوا ألا ترون هذا العجوز والعجوزة تبنيا لقيطا ولم يكونوا يصدّقون أن يولد لابراهيم ولد اذ عمره تجاوز المائة فجعل الله صورة اسحاق شبيهة بابراهيم بحيث لما التحى لم يفرق بين الاب والابن فجعل الله الشيب علامة لابراهيم يمتاز به عن اسحاق* وفى شفاء الغرام والعرائس عاشت سارة مائة وسبعا وعشرين سنة* وفى العرائس ماتت سارة بالشأم بقرية الجبابرة من أرض كنعان فى حبرون فدفنت بمزرعة اشتراها ابراهيم وكانت هاجر قد ماتت قبل سارة بمكة ودفنت فى الحجر* قيل عاش ابراهيم بعد سارة خمسين سنة* وفى الانس الجليل عن كعب الاحبار أوّل من دفن فى حبرون سارة وذلك لما ماتت خرج ابراهيم يطلب موضعا ليقبرها فيه رجاء أن يجد بقرب ممرى موضعا فمضى الى عفرون وكان ملك الموضع وكان مسكنه حبرى فقال له ابراهيم بعنى موضعا أقبر فيه من مات من أهلى فقال عفرون قد أبحتك ادفن حيث شئت من أرضى قال انى لا أحب الا بالثمن فقال له أيها الشيخ الصالح ادفن حيث شئت من أرضى فأبى عليه وطلب منه المغارة فقال له أبيعكها بأربعمائة درهم وزن كل درهم خمسة دراهم وكل مائة درهم ضرب ملك وأراد بذلك التشديد عليه كيلا يجد فيرجع الى قوله وخرج ابراهيم من عنده فاذا جبريل فقال له ان الله قد سمع مقالة الجبار وهذه الدراهم ادفعها اليه فأخذها ابراهيم ودفعها الى الجبار فقال له من أين لك هذه الدراهم فقال له من عند الهى وخالقى ورازقى فأخذها منه وحمل ابراهيم سارة ودفنها فى المغارة فكانت أوّل من دفن فيها وتوفيت وهى بنت مائة وسبع عشرة سنة وقيل مائة وسبع وعشرين سنة وعاش ابراهيم مائتى سنة وعليه أكثر العلماء وقيل مائة وخمسا وتسعين سنة وقيل مائة وخمسا وسبعين سنة كذا فى الحدائق*
(ذكر وفاة ابراهيم عليه السلام)
* قال أهل السير لما أراد الله قبض روح ابراهيم أرسل اليه ملك الموت فى صورة شيخ هرم فأطعمه فجعل الشيخ يأخذ اللقمة ليضعها فى فيه(1/127)
فيدخلها فى عينه وأذنه ثم يدخلها فاه وكان يسيل لعابه المخلوط بالطعام على لحيته وصدره فاذا دخل الطعام بطنه يخرج من دبره وكان ابراهيم قد سأل ربه أن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذى يسأل الموت فقال للشيخ حين رأى حاله يا شيخ مالك تصنع هكذا قال يا ابراهيم الكبر قال ابن كم أنت قال فزاد على عمر ابراهيم سنتين قال ابراهيم أنا بينى وبينك سنتان فاذا بلغت ذلك صرت مثلك قال نعم فوقعت الكراهة فى نفس ابراهيم فقال ابراهيم اللهم اقبضنى اليك قبل ذلك فقام ذلك الشيخ وكان ملك الموت فقبض روحه كذا روى عن كعب الاحبار وحكى غير ذلك* وفى الحدائق عن وهب بن منبه قال له ملك الموت يا خليل الله على أىّ حال تحب أن أقبض روحك فقال اقبض روحى وأنا ساجد فقبض روحه وهو ساجد قيل مات من الانبياء فجأة ثلاثة ابراهيم وداود وسليمان عليهم السلام* وعن عائشة رضى الله عنها وابن مسعود رضى الله عنه موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة غضب أو أسف للكافر كذا فى النجم الوهاج* ولما توفى ابراهيم دفنه اسحاق بحذاء سارة من جهة الغرب ثم توفيت ربقة زوجة اسحاق فدفنت فيها بازاء سارة من جهة القبلة ثم توفى اسحاق فدفن بحيال زوجته من جهة الغرب ثم توفى يعقوب فدفن عند باب المغارة وهو بحيال قبر ابراهيم من جهة الشمال ثم توفيت لبقا زوجة يعقوب فدفنت بحياله من جهة المشرق بازاء كل نبىّ زوجته فاجتمع أولاد يعقوب والعيص واخوته وقالوا ندع باب المغارة مفتوحا وكل من مات منا دفناه بها فتشاجروا فرفع أحد اخوة العيص وفى رواية أحد أولاد يعقوب يده ولطم العيص لطمة فسقط رأسه فى المغارة فحملوا جثته ودفن بغير رأس وبقى الرأس فى المغارة وحوّطوا عليها وعملوا فيها علامات القبور فى كل موضع وكتبوا عليه هذا قبر ابراهيم هذا قبر سارة هذا قبر اسحاق هذا قبر ربقة هذا قبر يعقوب هذا قبر زوجته لبقا وخرجوا عنه وأطبقوا بابه وكل من جاء اليه يطوف به ولا يصل اليه حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له بابا ودخلوا اليه وبنوا فيه كنيسة ثم أظهر الله الاسلام بعد ذلك وملك المسلمون تلك الديار وهدموا الكنيسة وبالقرب من مدينة ابراهيم قرية تسمى سيعير وهى الفاصلة بين عمل الخليل وعمل القدس وبها قبر بداخل مسجدها يقال انه قبر العيص عليه السلام وقد اشتهر ذلك عند الناس وصار يقصد للزيارة والله أعلم وعن وهب بن منبه أنه قال أصبت على قبر ابراهيم عليه السلام مكتوبا خلفه فى حجر رجز* غرّ جهولا أمله* يموت من جا أجله* لم تغن عنه حيله*
صورة ما كتبه النبى صلّى الله عليه وسلم لتميم الدارى
وأقطع النبىّ صلّى الله عليه وسلم لتميم الدارى الارض التى بها بلد ابراهيم وما حوله من الاراضى وكتب له ذلك فى قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه بخطه وقد وجدت فى صندوق تلك القطعة وقد صارت رثة وفيها أثر الكتابة ومعها ورقة مكتوبة بخط أمير المؤمنين المستنجد بالله العباسى صورته هكذا الحمد لله هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى كتبه لتميم الدارى واخوته فى سنة تسع من الهجرة بعد منصرفه من غزوة تبوك فى قطعة أدم من خف أمير المؤمنين علىّ بخطه نسخته كهيئته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أنطا محمد رسول الله لتميم الدارى واخوته حبرون والمرطوم وبيت عينون وبيت ابراهيم وما فيهنّ نطية بت بينهم ونفذت وسلمت ذلك لهم ولا عقابهم فمن آذاهم آذاه الله فمن آذاهم لعنه الله شهد عتيق بن أبى قحافة وعمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان وكتب علىّ بن أبى طالب وشهد* وقد نسخت ذلك من خط المستنجد بالله كهيئته ولعل هذا أصح ما قيل فيه والله أعلم* وفى مزيل الخفاء أسلم تميم الدارى سنة تسع من الهجرة وكان نصرانيا قبل ذلك روى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أقطع قرية ابراهيم وهى حبرون بأسرها لتميم الدارى قبل أن يفتح الله على المسلمين الشام وكتب له بذلك كتابا وجاء الى أبى بكر وأجاز له كتاب النبىّ صلى الله عليه وسلم وكذا جاء الى عمر فأجاز له بعد الفتوح ما أجاز له رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتلك(1/128)
القرية تعرف الآن بالخليل اسم ثاويها عليه السلام وهى قبلى بيت المقدس مستديرة حول المسجد من الجهات الاربع وبناؤها محدث بعد بناء السور السليمانى الذى هو المسجد بزمان طويل فان المغارة فى زمن ابراهيم كانت فى صحراء ولم يكن هناك بناء وكان ابراهيم مقيما بممرى فى مخيمه وهى بالقرب من بلد ابراهيم من جهة الشمال وهى أرض بها عين ماء وكروم واستمرّ الحال على ذلك بعد وفاة ابراهيم الى أن بنى سليمان السور على القبور الشريفة* روى أنه أمر الجنّ فبنوه بغير باب ومخرج ولما تم السور أمر الريح حتى رفعته من فوق السور وألقته الى الخارج فبقى السور كذلك من غير مدخل الى أن ثقب الروم أحجاره بالنار والخل وجعلوا له بابا ثم اختطت المدينة بعد ذلك وأوّل من اختط البناء حول السور رجل من الرامة من ذوى الاموال من بنى اسرائيل اسمه يوسف الرامى أدرك زمن عيسى عليه السلام وآمن به فبنى بالقرب من السور السليمانى بيوتا للسكنى تبرّكا بقبور الانبياء عليهم السلام ثم تتابع البناء قليلا قليلا فصارت هناك مدينة وهى محيطة بالمسجد من الجهات الاربع فبعضها مرتفع على رأس جبل وهو شرقى المسجد يسمى بيلون وبعضها منخفض فى واد هو غربى المسجد أما بناء السور السليمانى فانه بنى عقب بناء بيت المقدس وأما بناء مدينة ابراهيم فانه بعد زمن عيسى ومن رفع عيسى الى السماء الى آخر سنة تسعمائة وخمس وثلاثين من الهجرة ألف وخمسمائة سنة وثلاث وثلاثون سنة وأما حدود بلد ابراهيم المنسوبة اليه عرفا فمن جهة القبلة منزلة الملح على درب الحجاز وقباب الشاورية وهى قرية منسوبة الى بنى شاور من أمراء عرب جرم ومن جهة المشرق عين جدى من عمل بلد ابراهيم وبحرة لوط وهذا الحدّ هو الفاصل بين عمل بلد ابراهيم وعمل مدينة الكرك ومن جهة الشمال عمل القدس يفصل بينهما قرية ساعير وما حاذاها ومن جهة الغرب مما يلى الرملة وما يحاذيها قرية زكريا وهى من أعمال الخليل ومن جملة وقفه ومما يلى غزوة وما يحاذيها قرية سيسمح المجاورة لقرية السكرية وبلاد بنى عبد وهى من أعمال الخليل وأما المسافة بين مدينة ابراهيم وبين بيت المقدس فهى قريبة من بريدين بينهما بيت لحم وهى قرية على نحو ربع بريد من القدس من جهة القبلة وغالب سكان هذه القرية فى عصرنا نصارى وبها كنيسة محكمة البناء فيها ثلاثة محاريب مرتفعة أحدها موجه الى جهة القبلة والثانى الى جهة المشرق والثالث الى جهة الصخرة وسقفها خشب مرتفعة على خمسين عمودا من الصخر الاصفر الصلب غير السوارى المبنية بالاحجار وأرضها مفروشة بالرخام وعلى ظاهر سطحها رصاص فى غاية الاحكام وهى من بناء هيلانة أمّ قسطنطين وفى داخلها مولد عيسى عليه السلام فى مغارة بين المحاريب الثلاثة وللنصارى بها اعتناء يأتون اليها من بلاد الفرنج وغيرها بالاموال للرهابين المقيمين بالدير المجاورين للكنيسة وأما قبر مريم ففى بيت المقدس فى كنيسة فى ذيل جبل طور زيتاء تسمى الجيسمانية خارج باب الاسباط وهو مكان يقصده الناس للزيارة من المسلمين والنصارى وهذه الكنيسة من بناء هيلانة وبين بيت المقدس وبيت لحم قبر راحيل أمّ يوسف عليه السلام الى جنب الطريق فى قبة موجهة الى جهة صخرة بيت المقدس والله أعلم*
(ذكر ختن ابراهيم عليه السلام)
* فى الانس الجليل عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال اختتن ابراهيم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم بالتخفيف والتشديد* وفى العرائس اختتن ابراهيم بقدوم فى موضع يقال له قدوم وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وروى عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال ربط ابراهيم عليه السلام غرلته وجمعها اليه ومدّها قدّامه وضرب قدومه بعود كان معه فندرت بين يديه بلا ألم ولادم وختن اسماعيل وهو ابن ثلاث عشرة سنة وختن اسحاق وهو ابن سبعة أيام وعن عكرمة اختتن ابراهيم وهو ابن ثمانين سنة فأوحى الله تعالى اليه انك أكملت ايمانك الا بضعة من جسدك(1/129)
فألقها فختن نفسه بالفأس وسبب اختتانه أنه أمر بقتال العمالقة فقاتلهم فقتل خلق كثير من الفريقين فلم يعرف ابراهيم أصحابه ليدفنهم فأمر بالختان ليكون علامة للمسلم وختن نفسه بالقدوم* وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال أوّل من سمانا مسلمين ابراهيم عليه الصلاة والسلام وهو أوّل من ضرب بالسيف من الانبياء وقيل أوّل من ضرب بالسيف ادريس كما مرّ وكسر الاصنام واختتن ولبس السراويل والنعلين ورفع يديه فى الصلاة فى كل خفض ورفع وصلّى أوّل النهار أربع ركعات وجعلهنّ على نفسه فسماه الله وفيا وهو أوّل من أضاف الضيف وثرد الثريد وفرق الشعر واستنجى بالماء وقلم الظفر وقص الشارب ونتف الابط وأوّل من استاك وتمضمض واستنشق وحلق العانة وأوّل من صافح وعانق وقبل بين العينين موضع السجود وأوّل من شاب فقال ما هذا فقال الله وقار فقال رب زدنى وقارا فما برح حتى ابيضت لحيته*
(ذكر أولاد ابراهيم عليه السلام)
* فى معالم التنزيل ولد لابراهيم ثمانية بنين اسماعيل سمى به لان ابراهيم كان يدعو الله أن يرزقه ولد او يقول اسمع يا ايل وايل هو الله ولما رزق ولدا سماه به وأمّه هاجر القبطية أم ولد واسحاق وأمّه سارة حملت به ليلة خسف الله بقوم لوط وولدته ولها تسعون سنة ومن ولده الروم واليونان والارمن ومن يجرى مجراهم وبنو اسرائيل ومدين ومدان ونيشان وزمران ويشبق ويشرخ وهؤلاء الستة أمهم قطورا بنت يقطن الكنعانية* وفى الانس الجليل والعرائس تزوّجها ابراهيم بعد موت سارة ثم تزوّج امرأة أخرى من العرب اسمها حجور بنت أهيب فولدت له خمسة بنين كيسان وسروح وأميم ولوطا وياسن فكان جميع أولاد ابراهيم ثلاثة عشر مع اسماعيل واسحاق وكان اسماعيل أكبر أولاده فأنزله أرض الحجاز واسحاق أرض الشام وفرّق سائر أولاده فى البلاد* وفى أنوار التنزيل وبنو ابراهيم كانوا أربعة اسماعيل واسحاق ومدين ومدان وقيل ثمانية وقيل أربعة عشر قال ابن عباس ولد اسماعيل لابراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة وقيل ست وثمانين سنة وولد اسحاق له وهو ابن مائة واثنتى عشرة سنة قال سعيد بن جبير بشر ابراهيم باسحاق وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة* وفى شفاء الغرام ان اسماعيل أكبر من اسحاق بأربعة عشر سنة وكذا ذكره السخاوى فى الاصل الاصيل فى تحريم النقل من التوراة والانجيل* وفى الانس الجليل لم يمت ابراهيم حتى بعث الله اسحاق الى أرض الشام وبعث يعقوب الى أرض كنعان واسماعيل الى جرهم وقبائل اليمن والى العماليق ولوطا الى سدوم وكانوا أنبياء على عهد ابراهيم* وفى معالم التنزيل يقال ان الله لم يبعث نبيا بعد ابراهيم الا من نسله وفيه أيضا قال ابن عباس كل الانبياء من بنى اسرائيل الا عشرة وهم نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب ومحمد صلّى الله عليه وسلم قيل وآدم وشيث وادريس واسرائيل هو يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم ولما مضى من عمر اسحاق ستون سنة ولد له عيص ويعقوب وهما توأمان أما عيص فهو أبو أيوب النبىّ عليه السلام وكان ذاقوّة ويحب القنص وأما يعقوب فأعطى النبوّة قيل سمى به لانه خرج من بطن أمه عقب عيص وقيل لكثرة عقبه كذا فى العمدة هذا على تقدير كونه عربيا واما على تقدير كونه أعجميا وهو الاصح لعدم صرفه فلا اشتقاق له كما مرّ فى آدم* وفى عرائس الثعلبى وأما اسحاق عليه السلام فانه نكح ربقة بنت سويل فولدت له عيصا ويعقوب فى بطن واحد وكان لهما قصة عجيبة على ما ذكر قال حملت ربقة امرأة اسحاق بغلامين فى بطن واحد فلما أرادت أن تضع اقتتلا فى بطنها وأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص فقال عيص والله لئن خرجت قبلى لا تحرّكنّ فى بطنها فأقتلها فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله فسمى عيصا لانه عصى وخرج قبل يعقوب وسمى يعقوب لانه خرج ماسكا بعقب عيص وكان يعقوب أكبرهما فى البطن فلما كبر الغلامان كان عيص أحب الى أبيه ويعقوب أحب الى أمه وكان عيص صاحب(1/130)
صيد فلما كبر اسحاق وعمى قال لابنه عيص يا بنىّ أطعمنى لحم صيد وادن منى أدع لك بدعاء دعا لى به أبى ابراهيم وكان عيص أشعر ويعقوب أجرد فخرج عيص فى طلب الصيد وسمعت أمهما الكلام فأتت يعقوب فقالت له يا بنىّ اذهب الى الغنم واذبح سخلة ثم اشوها وقدّمها لابيك وقل يا أبتاه كل من لحم الصيد الذى طلبت وقل انى ابنك عيص ففعل يعقوب ذلك وقدّم الشاة بين يديه وقال يا أبتاه كل من لحم الصيد الذى طلبت فقال له من أنت قال ابنك عيص فادع لى قال قدّم طعامك فقدّمه فأكل منه فقال ادن منى فدنا منه فدعا له بأن يكون من ذريته الانبياء والملوك وقام يعقوب وأتى عيص فقال يا أبتاه قد أتيتك بالصيد الذى أردت قال يا بنىّ انه قد سبقك أخوك يعقوب فاشتدّ غيظه وقال لاقتلنّ يعقوب فقال يا بنىّ لا تحزن قد بقيت لى دعوة فادن منى لادعو لك بها فدنا منه فدعا له بأن تكون ذريته بعدد التراب ولم يملكهم أحد قالوا وخافت أم يعقوب عليه من أخيه عيص فقالت له يا بنىّ الحق بخالك وكن عنده فانطلق يعقوب الى خاله يسرى بالليل ويكمن بالنهار فلهذا سمى اسرائيل أى لانه سرى وقيل غير ذلك فأتى يعقوب خاله وكان اسحاق قد أوصى يعقوب أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأمره أن يتزوّج من بنات خاله ليان بن ناهد فلما استقرّ يعقوب عند خاله خطب ابنته فقال له خاله هل لك من مال أزوّجك عليه قال لا ولكنى أخدمك حتى تستوفى صداق ابنتك قال صداقها أن تخدمنى سبع حجج قال يعقوب نعم ولكن شرطى معك أن تزوّجنى راحيل قال له خاله ذلك بينى وبينك فرعى له يعقوب سبع سنين فلما وفاه شرطه زوّجه ابنته الكبرى غير راحيل وكان اسمها ليا فلما أصبح يعقوب وجد غير ما شرط له فأتى خاله وهو فى نادى قومه وقال يا خال خدعتنى وغررتنى واستحللت عملى وأدخلت علىّ غير امرأتى فقال له خاله يا ابن اختى ألست منى وأنا منك أردت أن تدخل علىّ العار أرأيت أحدا زوّج ابنته الصغرى قبل الكبرى ولكن اخد منى سبع سنين أخرى وأنا ازوّجك ابنتى الاخرى وكان الناس يجمعون بين الاختين الى أن بعث الله نبيه موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة* وفى الكشاف تزوّج يعقوب راحيل بعد موت اختها ليا قالوا فرعى يعقوب لخاله سبع سنين اخرى وزوّجه ابنته الاخرى وهى راحيل فولدت له ليا أربعة أسباط روبيل ويهوذا وشمعون ولاوى وولدت راحيل يوسف وبنيامين وهو بالعبرانية المشكل وكان ليان دفع الى ابنتيه حين زوّجهما بيعقوب جاريتين اسم احداهما زلفة والاخرى بلهة فوهبتا له الجاريتين وولدت كل واحدة منهما ثلاثة أسباط فولدت زلفة دان وبفتالى وريالون وولدت بلها جاد ويسحر ودنبه* وفى الكشاف وغيره غير هذا وسيجىء فكان عدّة بنى يعقوب اثنى عشر ولدا وهم الاسباط سموا بذلك لان كل واحد منهم والد قبيلة والسبط بكلام العرب الشجرة الملتفة الكثيرة الاغصان والاوراق فالاسباط من بنى اسرائيل والشعوب من العجم والقبائل من العرب* قالوا ثم ان يعقوب فارق خاله ليان ومعه امرأتاه وجاريتاه المذكورتان الى منزل أبيه من فلسطين خوفا من أخيه عيص فلم يرمنه الاخيرا فتألفه ونازله وتلطف له حتى نزل له وتنقل الى السواحل ثم عبر الروم فاستوطنها فصار ذلك له ولولده من بعده* قال ابن اسحاق تزوّج عيص ابنة عمه نسيمة بنت اسماعيل عليه السلام فولدت له فى بلاد الروم ولد اسماه الاصفر وتناسل منه الروم فالروم كلهم من بنى الاصفر قالوا وعاش اسحاق بعد ما ولد له عيص ويعقوب مائة سنة وتوفى وله من العمر مائة وستون سنة ودفن بالارض المقدّسة عند قبر ابراهيم عليه السلام فى مزرعة حبرون وهى التى اشتراها ابراهيم عليه السلام كذا روى عن عبد الله بن سلام وكذلك العيص ويعقوب دفنا فى تلك المزرعة عند قبر ابراهيم عليه السلام وأما قبر يوسف عليه السلام فهو خارج المغارة فى بطن الوادى*
(ذكر نبذة من قصة يعقوب ويوسف عليهما السلام)
* روى أنه لما بلغ عمر يعقوب ثلاثا وسبعين سنة ولد له(1/131)
من راحيل يوسف ولما بلغ يعقوب تسعين سنة فقد عنه يوسف وكان فى فراقه أربعين سنة أو ثمانين سنة قال الثعلبى كان يوسف أبيض اللون حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين وكان أهداب عينيه مثل قوادم النسور مستوى الخلق غليظ الساقين والساعدين والعضدين خميص البطن صغير السرّة أقنى الانف بخدّه الايمن خال أسود وبين عينيه شامة وكان اذا تبسم رؤى النور فى ضواحكه* وفى المدارك كان فضل يوسف على الناس فى الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء وكان اذا سار فى أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران كما يتلألأ نور الشمس وضوء القمر على الجدران وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه وقيل ورث الجمال من جدّته سارة وكانت قد أعطيت سدس الحسن* وفى العرائس قيل انه ورثه من جدّه اسحاق واسحاق ورث الحسن من سارة وسارة ورثت الحسن من حوّاء عليهم السلام وفى الحديث أعطى يوسف شطر الحسن* وفى رواية قسم الله ليوسف من الحسن والجمال ثلثى حسن الخلق وقسم بين سائر الخلق الثلث قال وهب بن منبه الحسن عشرة أجزاء تسعة منه ليوسف وواحد منه بين الناس ولما بلغ يوسف ثنتى عشرة سنة رأى فى المنام أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين كذا فى تفسير الحدادى* وقيل كان ابن سبع عشرة سنة وقيل ابن سبع سنين كذا فى لباب التأويل والكشاف والعرائس* روى جابر أن يهود يا سأل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عن النجوم التى رآها يوسف فقال جريان وكذا فى كتاب الاعلام ولباب التأويل والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين فقال اليهودى اى والله انها لا سماؤها فأسلم كذا فى الكشاف* وأما أسماء أولاد يعقوب فهى روبيل وهو أكبرهم وشمعون ولاوى ويهوذا وريالون ويشجر ودينه وأمّ هؤلاء السبعة ليابنت ليان وهى ابنة خال يعقوب وولد له من سرّيتين زلفة وبلهه أربعة بنين دان ويفتالى وجاد وآشر ثم توفيت ليا فتزوّج اختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين وماتت راحيل من نفاس بنيامين وقيل جمع بين الاختين ولم يكن الجمع حينئذ محرما الى زمان موسى ونزول التوراة كذا فى العرائس وقد مرّ فعلى ما فى الكشاف يكون جملة أولاد يعقوب ثلاثة عشر لا اثنى عشر كما لا يخفى بخلاف ما فى العرائس فانه اثنا عشر كما مرّ* وفى أنوار التنزيل ذكر أسامى أولاد يعقوب هكذا روبين بالنون وشمعون ولاوى ويهودا ويشنوخون وزبولون ودونى ولقنونى وكؤدى وأوشير وبنيامين ويوسف وكان يعقوب شديد الحبّ ليوسف فحسدوه عليه وزادهم حسدا بلوغهم خبر رؤياه وقالوا ما رضى أن تسجد له اخوته حتى يسجد له أبواه فأجمعوا أن يكيدوا له كيدا فسألوا أباهم أن يرسله معهم ليرتعوا ويلعبوا فتعلل يعقوب بالخوف عليه من أكل الذئب فألحوا وبالغوا حتى أرسله معهم فذهبوا مجمعين على القائه فى الجب أى البئر واختلفوا فى مكان الجب* قال وهب ومقاتل هو فى أرض ليزد على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب وكان معروفا يرد عليه المسافرون وقال قتادة هو بئر بيت المقدس* وفى العرائس كان ذلك الجب بين القدس وطبرية على قارعة الطريق وكان جبا وحشا مظلما ضيق الفم واسع السفل يهلك من طرح فيه وكان ماؤه مالحا وكان الجب من حفر سام بن نوح ويسمى جب الاخيار قال ولما برزوا الى البرية أظهروا له العداوة وضربوه وكادوا يقتلونه فمنعهم يهودا فلما أراد والقاءه فى الجب تعلق بثيابهم فنزعوها من يديه فتعلق بشفيرا لبئر فربطوا يديه الى عنقه بعد أن نزعوا عنه قميصه ليلطخوه بالدم فيحتالوا به على أبيهم ودلوه فى البئر فلما توسط البئر قطعوا الحبل حتى يسقط ويموت فأخرج الله له على وجه الماء صخرة ململمة لينة كالعجين فسقط عليها كذا فى العرائس* وفى رواية كان فى البئر ماء فسقط فيه ثم أوى الى صخرة فقام عليها وهو يبكى وعن ابن عباس كان يوسف يوم ألقى فى الجب ابن سبع سنين قاله ابن السائب وقال الحسن ابن اثنتى عشرة سنة وقيل ثمانى عشرة سنة(1/132)
وقد مرّ ومكث فى الجب ثلاثة أيام وكان اخوته يرعون حول البئر وكان يهودا يأتيه بالطعام خفية ويروى أن ابراهيم حين ألقى فى النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه اياه فدفعه ابراهيم الى اسحاق واسحاق الى يعقوب فجعله يعقوب فى تميمة وعلقها فى عنق يوسف فأخرجه جبريل وألبسه اياه روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخوا قيصه بدمها وزلّ عنهم أن يمزقوه* وروى أن يعقوب لما سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال أين القميص فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من ذئب أكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه قال بل سوّلت لكم أى زينت وسهلت لكم أنفسكم أمرا عظيما ارتكبتموه فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون وجاءت سيارة رفقة تسير من قبل مدين الى مصر وذلك بعد ثلاثة أيام من القاء يوسف فى الجب فأخطؤا الطريق هائمين فنزلوا قريبا من الجب فى قفر بعيد من العمران وكان ماء الجب ملحا فعذب حين ألقى فيه يوسف فأرسلوا واردهم الذى يرد الماء ليستقى للقوم اسمه مالك بن ذعر الخزاعى من العرب العرباء ولم يكن له ولد فسأل يوسف أن يدعو له بالولد فدعا له فرزق اثنى عشر ولدا أعقب كل واحد قبيلة كذا فى كتاب الاعلام فأدّلى دلوه ليملأها فتشبث يوسف بالدلو فنزعه فجاء اخوة يوسف وقالوا هذا الغلام لناقد أبق فاشتروه منا وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه فباعوه بثمن بخس أى مبخوس ناقص عن القيمة نقصا ظاهرا دراهم معدودة اشارة الى القلة وكانت عادتهم أنهم لا يزنون الا ما بلغ أوقية وهى أربعون درهما وقال ابن عباس كانت الدراهم المعدودة أربعين درهما كذا فى لباب التأويل ويروى أن اخوته اتبعوهم وقالوا لهم استوثقوا منه لا يأبق ولما ذهبوا الى مصر اشتراه العزيز الذى كان على خزائن مصر واسمه قطفير أو اطفير* وفى لباب التأويل قال ابن عباس لما دخلوا مصر لقى قطفير مالك بن ذعر فاشترى يوسف منه بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين* وقال وهب بن منبه قدمت السيارة بيوسف مصر ودخلوا به السوق يعرّضونه للبيع فترافع الناس فى ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا ووزنه حريرا وكان وزنه أربعمائة رطل وكان عمره حينئذ ثلاث عشرة سنة أو سبع عشرة سنة فابتاعه قطفير بهذا الثمن انتهى والملك يومئذ الريان بن الوليد العمليقى يعنى من أولاد عمليق بن لاود بن ارم بن سام بن نوح قد آمن بيوسف ومات فى حياته وقيل كان الملك فى أيام يوسف فرعون موسى وهو مصعب بن ريان أو ابنه وليد بن مصعب عاش أربعمائة سنة وبقى الى زمان موسى بدليل قوله ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات والمشهور أن فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف من بقايا عاد والآية من قبيل خطاب الابناء بأحوال الآباء* وفى كتاب الاعلام كل من ولى مصر والقبط فهو فرعون قال المسعودى لا يعرف تفسير فرعون بالعربية وكنيته أبو مرّة وأخوه قابوس بن مصعب هو الذى كان بعد الريان ولما هلك فرعون وقومه فى اليمّ ملكت مصر امرأة يقال لها دلوكة ولها فيها آثار عجيبة وكان فرعون موسى أحمر قصيرا أزرق كما ان أشقى ثمود عاقر ناقة صالح قداربن سالف كان كذلك*
عجائب فرعون
وفى لباب التأويل كان لفرعون أربع عجائب كانت لحيته خضراء ثمانية أشبار وقامته سبعة أشبار ولحيته أطول منه بشبر وعمره اربعمائة سنة وكان له فرس اذا صعد الجبل قصرت يداه وطالت رجلاه واذا انحدر يكون على ضدّ ذلك وكان يجرى النيل بأمره كما قال وهذه الانهار تجرى من تحتى ولاجل هذه الاربعة ادّعى الربوبية انتهى وكان فرعون طاغيا عاتيا ادّعى الالوهية وقال أنا ربكم الاعلى وقال يأيها الملأ ما علمت لكم من اله غيرى* وفى الكشاف كان بين القولين أربعون سنة وكان له وزير يقال له هامان فقال له أوقد لى يا هامان على الطين واطبخ الآجر قيل انه أوّل من اتخذ الآجر وبنى به فاجعل لى صرحا قصرا عاليا لعلى أطلع الى اله موسى أنظر(1/133)
اليه وأقف على حاله وانى لأظنه يعنى موسى من الكاذبين فى زعمه ان للارض والخلق الها غيرى وانه رسوله* وفى معالم التنزيل قال أهل التفسير لما أمر فرعون وزيره ببناء الصرح جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الاتباع والاجراء ومن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله عز وجلّ أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردّت اليه وهى متلطخة دما فقال قد قتلت اله موسى وكان فرعون يصعد على البراذين قيل كانت تقصر يد البراذين حين يصعد وتطول رجلاه وقت الهبوط على عكس ذلك كما مرّ فتنة من الله واستدراجا فبعث الله عز وجلّ جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل ووقعت قطعة فى البحر وقطعة فى الغرب ولم يبق أحد ممن عمل فيه شيئا الا هلك وفرعون لقب ملك العمالقة والقبط ككسرى وقيصر والنجاشى لملوك الفرس والروم والحبشة* وفى المدارك يقال لملوك مصر الفراعنة كما يقال لملوك فارس أكاسرة واسم فرعون قابوس أو الوليد بن مصعب بن ريان* وفى العمدة اسم فرعون قابوس وقيل كيكاوس وقيل حقيق أى جدير انتهى* وفى زمانه بعث شعيب النبىّ عليه السلام الى أولاد مدين بن اسماعيل بن ابراهيم وبعث موسى وهارون عليهما السلام الى فرعون وكان اسمه الوليد بن مصعب وكان من أولاد عاد وكان شدّاد أرسله حاكما الى مصر* روى أن يوسف لما اشتراه العزيز كان ابن سبع عشرة سنة وقال الذى اشتراه من مصر يعنى قطفير من أهل مصر لامرأته وكان اسمها راغيل وقيل زليخا اكرمى مثواه منزله ومقامه عندك قال ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة العزيز فى يوسف حيث قال أكرمى مثواه الى آخره وابنة شعيب فى موسى حيث قالت يا أبت استأجره الى آخره وأبو بكر فى عمر حيث استخلفه بعده كذا فى لباب التأويل وأقام يوسف فى منزله فى بيت امرأته زليخا ثلاث عشرة سنة كما مرّ وهى كانت بنت خمس عشرة سنة وعشقت يوسف وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه أى طلبت منه المواقعة وتمحلت له من راد يرود اذا جاء وذهب وغلقت الابواب قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير أو للمبالغة فى ايثاق الابواب وقالت هيت لك أى أقبل وبادر أو تهيأت لك هيت اسم فعل بنى على الفتح كبناء أين واللام للتبيين أى لك أقول كما تقول هلمّ لك قال معاذ الله انه أى الشأن والحديث ربى وسيدى ومالكى يريد قطفير أحسن مثواى مقامى فلا أخونه فى أهله ولقد همت به وهمّ بها قصدت مخالطته وقصد مخالطتها والهمّ بالشىء قصده والعزم عليه ومنه الهمام وهو الذى اذا همّ بشئ أمضاه ولم ينكل عنه* وفى أنوار التنزيل المراد بهمه ميل الطبع ومنازعة الشهوة لشبق ألغلمة لا الميل الاختيارى وذلك مما لا يدخل تحت التكليف والحقيق بالمدح والاجر الجزيل من الله سبحانه وتعالى من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم الاختيارى أو المراد بهمه مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف الله لولا أن رأى برهان ربه فى قبح الزنا وسوء عاقبته ولا يجوز أن يجعل وهمّ بها جواب لولا فانها فى حكم أدوات الشرط وللشرط صدر الكلام فلا يتقدّم عليها جوابها بل الجواب محذوف يدل عليه وهم بها كقولك هممت بقتله لولا انى خفت الله معناه انى لولا خفت الله لقتلته* وفى الكشاف وقد فسرهم يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع وبأنه حلّ تكة سراويله وقعد بين شعبها الاربع وهى مستلقية على قفاها وفسر البرهان بأنه سمع صوتا اياك واياها فلم يكترث له فسمع ثانيا فلم يعمل به فسمع ثالثا أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على أنملته وقيل ضرب بيده فى صدره فخرجت شهوته من أنامله* وقيل ولد لكلّ من ولد يعقوب اثناعشر ولدا الا يوسف فانه ولد له احد عشر ولدا(1/134)
من أجل ما نقص من شهوته حين همّ وقيل صيح به يا يوسف لا تكن كطائر كان له ريش فلما زنا أى سفد غير أنثاه قعد لا ريش له وقيل بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم مكتوب فيها وانّ عليكم لحافظين كراما كاتبين فلم ينصرفه ثم رأى فيها ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا فلم ينته ثم رأى فيها واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله فلم ينجع فيه فقال الله لجبريل أذرك عبدى قبل أن يصيب الخطيئة فانحط جبريل وهو يقول يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب فى ديوان الانبياء وقيل رأى تمثال العزيز قطفير وقيل قامت المرأة الى صنم كان هناك فترته وقالت أستحيى أن يرانا فقال يوسف استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر ولا أستحيى من السميع البصير العليم بذات الصدور وهذا ونحوه مما يورده أهل الحشو والجبر الذين دينهم بهت الله وأنبيائه وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بسبيل ولو صدرت من يوسف أدنى زلة لنعيت عليه وذكرت توبته واستغفاره كما نعيت على آدم عليه السلام زلته وعلى داود وعلى نوح وعلى أيوب وعلى ذى النون وذكرت توبتهم واستغفارهم كيف وقد أثنى الله عليه وسماه مخلصا انتهى واستبقا الباب أى ابتدرا اليه يفرّ منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج أراد بالباب الباب البرّانى الذى هو المخرج من الدار والمخلص فلا يرد أن يقال كيف وجد الباب مفتوحا وقد جمعه فى قوله وغلقت الابواب* روى كعب أنه لما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج من الابواب وقدّت قميصه من دبر اجتذبته فانقدّ أى انشق طولا حتى هرب منها الى الباب وتبعته تمنعه وألفيا سيدها أى وجدا زوجها وبعلها وهو قطفير لدى الباب تقول المرأة لبعلها سيدى وانما لم يقل وجدا سيدهما لان ملك يوسف لم يصح فلم يكن سيدا له على الحقيقة وقيل ألفياه مقبلا يريد أن يدخل فنزهت نفسها وقالت ما جزاء من أراد بأهلك سوأ زنا الا أن يسجن أى يحبس أو عذاب أليم مؤلم بأن يضرب قال يوسف متبرّئا هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد من أهلها ابن عمّ لها* روى أنه كان فى المهد وعن النبىّ صلّى الله عليه وسلم تكلم فى المهد أربعة وهم صغار ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى وقال نسوة فى المدينة مصر أى قال جماعة من النساء وكنّ خمسا امرأة الساقى وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب امرأة العزيز تراود فتاها عبدها عن نفسه قد شغفها حبا تمييز* فى الكشاف شغفها خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل الى الفؤاد والشغاف حجاب القلب وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب فلما سمعت بمكرهنّ بغيبتهنّ وسوء مقالتهنّ وقولهنّ امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعانى أرسلت اليهنّ دعتهنّ* قيل دعت أربعين امرأة فيهنّ الخمس المذكورات وأعتدت أعدّت وهيأت لهنّ متكأ ما يتكئن عليه من نمارق وعن مجاهد متكأ طعاما يحزّ حزا وقرئ متكا بغير همز وهو الاترج* وقال وهب أترجا وموزا وبطيخا وآتت أعطت كل واحدة منهنّ سكينا وقالت ليوسف اخرج عليهنّ فلما رأينه أكبرنه أعظمنه وقطعن جرحن أيديهنّ بالسكاكين ولم يشعرن بالالم لشغل قلبهنّ بيوسف وقلن حاش لله تنزيها له اللام للتبيين نحو قولك سقيا لك ما هذا أى يوسف بشرا ان هذا ما هذا الا ملك كريم قالت امرأة العزيز لما رأت ما حلّ بهنّ فذلكنّ الذى لمتننى فيه فى حبه بيان لعذرها ولقد راودته عن نفسه فاستعصم فامتنع ولئن لم يفعل ما آمره أى ما آمر به فحذف الجار والضمير للموصول أو أمرى اياه اى موجب أمرى ومقتضاه على أن ما مصدرية ليسجننّ وليكونا من الصاغرين من الذليلين قلن له أطع مولاتك ولم يطعها فسجن بسببها سبع سنين على قول الجمهور ودخل معه السجن فتيان عبدان للملك شرابيه وخبازه بتهمة السم* وفى كتاب الاعلام اسم أحدهما شرهم والآخر برهم فتحا لما فقال الشرابىّ انى رأيت كأنى فى بستان(1/135)
فاذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عنا قيد من عنب فقطفتها وعصرتها فى كأس الملك وسقيته وقال الخباز رأيت كان فوق رأسى ثلاث سلال فيها أنواع الاطعمة فاذا سباع الطير تنهش منها فقالا له نبئنا بتأويله فأوّل يوسف رؤيا الشرابى بأنه يعود الى عمله ويسقى سيده خمرا وأوّل رؤيا الخباز بأنه يقتل* روى أنه قال للاوّل ما رأيت من الكرمة هو الملك وحسن حالك عنده وأما القضبان الثلاثة فانها ثلاثة أيام تمضى فى السجن ثم تخرج وتعود الى ما كنت عليه من عملك اذكرنى وصفنى عند الملك بصفتى وقص عليه قصتى لعله يرحمنى ويخلصنى من هذه الورطة وفى الحديث رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اذكرنى عند ربك لما لبث فى السجن سبعا وقال للثانى ما رأيت من السلال الثلاث ثلاثة أيام ثم تخرج وتقتل وكان أمرهما كما قال* ولما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابص وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ورأى سبع سنبلات خضر انعقد حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها الملك وقال يأيها الملأ أفتونى فى رؤياى فلم يجد فى قومه من يحسن عبارتها وقالوا أضغاث أحلام أى تخاليط منامات باطلة وليس لنابها علم ولما استفتى الملك فى رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها وعجزوا عنها تذكر الناجى بعد مدّة طويلة يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه اليه أن يذكره عند الملك فقال أنا اخبركم بمن عنده تأويلها فأرسلوه فانطلق الى يوسف وقص عليه رؤيا الملك واستعبره فقال أيها الصدّيق أفتنا فى سبع بقرات سمان الى آخر ما رآه الملك فتأوّل يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجىء مباركا كثيرا لخير غزير النعم وذلك بعد أربع عشرة سنة من وقت استفتاء الرؤيا* قيل كان ابتداء بلاء يوسف فى الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضا الرؤيا فلما رجع المستعبر الى الملك بخبر يوسف وتأويله الرؤيا قال ائتونى به استخلصه لنفسى فجاءه الرسول ليخرجه من السجن وكان معه سبعون حاجبا وسبعون مركبا وبعث الملك اليه لباس الملوك فقال أجب الملك فخرج من السجن ودعا لاهله فقال اللهم أعطف عليهم قلوب الاخيار ولا تعمّ عليهم الاخبار فهم أعلم الناس بالاخبار فى الواقعات وكتب على باب السجن هذه منازل البلوى وقبور الاحياء وشماتة الاعداء وتجربة الاصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللهم انى اسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شرّه ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائى وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه فقال أيها الصدّيق انى أحب أن اسمع رؤياى منك قال رأيت بقرات فوصف لونهنّ وأحوالهنّ ومكان خروجهنّ ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التى رآها الملك وقال من حقك أن تجمع الطعام بالاهراء فيأتيك الخلق من النواحى ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لاحد قبلك قال الملك ومن لى بهذا الامر ومن يجمعه قال يوسف اجعلنى على خزائن الارض أى ولنى خزائن أرضك يعنى مصر* وفى الحديث رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اجعلنى على خزائن الارض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة* روى أن الملك توجه وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدرّ والياقوت فقال له أما السرير فاشدد به ملكك وأما الخاتم فدبر به أمرك وأما التاج فليس من لباسى ولا من لباس آبائى فاستوزره الريان وهو ابن ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين سنة قيل توفى جدّه اسحاق حينئذ وعمره مائة وثمانون سنة وكان ضريرا ودفن عند قبر أبيه وأوتى يوسف الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة* وفى تفسير الحدّادى فى قوله تعالى ولما بلغ أشدّه قال ابن عباس ولما بلغ ثمانى عشرة سنة آتيناه النبوّة ولما(1/136)
استوزر دانت له الملوك وفوّض اليه الامر وكان الملك كالتابع له يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه فى كل ما رأى وعزل قطفير ثم مات قطغير بعده فزوّجه الملك امرأته زليخا فلما دخل عليها قال لها أليس هذا خيرا مما طلبت فوجدها عذراء وكان العزيز عنينا فولدت ليوسف ولدين افراثيم وميشا وولد لافراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى وأقام يوسف العدل بمصر وأحبه الرجال والنساء وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر فى سنى القحط الطعام بالدراهم والدنانير فى السنة الاولى حتى لم يبق معهم شئ منها ثم بالحلى والجواهر فى السنة الثانية ثم بالدواب فى الثالثة ثم بالعبيد والاماء فى الرابعة ثم بالدور والعقار فى الخامسة ثم بأولادهم فى السادسة ثم برقابهم فى السابعة حتى استرقهم جميعا ثم أعتق أهل مصر عن آخرهم وردّ عليهم أملاكهم وكان لا يبيع لاحد من الممتارين أكثر من حمل بعير وأصاب أهل كنعان ما أصاب أهل مصر من الجهد فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا منها فجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون لتبدّل الزىّ أو لانه كان وراء حجاب أو لطول المدّة وهى أربعون سنة* روى أنه لما رآهم تكلموا بالعبرانية قال لهم أخبرونى من أنتم وما شأنكم قالوا نحن قوم رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادى قالوا معاذ الله نحن بنو نبى حزين لفقد ابن كان أحبنا اليه وقد أمسك اخاله من أمه يستأنس به فقال ائتونى به ان صدقتم وقال ومن يشهد لكم انكم لستم بعيون وان الذى تقولون حق قالوا اننا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد فيشهد قال فدعوا بعضكم عندى رهينة وائتونى بأخ لكم من أبيكم وهو يحمل رسالة ابيكم حتى أصدّقكم فاقترعوا عودا فيهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا فى يوسف فخلفوه عنده وجهزهم وأعطى كل واحد حمل بعير وقال ائتونى بأخ لكم من أبيكم قالوا سنراود عنه أباه أى سنخادعه ونحتال عليه حتى ننزعه من يده فلما رجعوا الى أبيهم بالطعام وأخبروه بما فعل يوسف قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل واناله لحافظون عن ان يناله مكروه قال هل آمنكم عليه الا كما أمنتكم على أخيه من قبل وقال لن ارسله معكم حتى تؤتونى موثقا عهدا من الله بأن تحلفوا لى بالله لتأتننى به الا أن يحاط بكم وتغلبوا فلم تطيقوا به فلما آتوه موثقهم وحلفوا بالله رب محمد دفع بنيامين اليهم وقال الله على ما نقول وكيل وقال فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين* قال كعب لما قال فالله خير حفظا قال الله بعزتى وجلالى لاردّن عليك كليهما ووصاهم أن لا يدخلوا من باب واحد بل يدخلوا من أبواب متفرّقة الجمهور على أنه خاف عليهم العين لجمالهم وجلالة أمرهم فالعين حق وجوده بأن يحدث الله عند النظر الى الشىء والاعجاب به نقصانا فيه وخللا* وقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة فلما دخلوا على يوسف قالوا له هذا أخونا قد جئنا به قال أحسنتم وآوى وضم اليه أخاه بنيامين فأنزلهم وأحسن مثواهم وأضافهم وأكرم نزلهم ومقراهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخى يوسف حيالا جلسنى معه فقال يوسف بقى أخوكم وحيدا فأجلسه معه على مائدته وجعل يواكله وقال أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال من يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وعانقه وقال انى أنا أخوك يوسف فلا تبتئس ولا تحزن بما كانوا يعملون بنا فيما مضى فان الله قد أحسن الينا وجمعنا على خير ولا تعلّمهم بما أعلمتك* روى أن بنيامين قال ليوسف فأنا لا أفارقك قال يوسف قد علمت اغتمام والدى بى فاذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل الى ذلك الا أن أنسبك الى ما لا يجمل قال لا أبالى افعل ما بدالك قال فانى أدس صاعى فى رحلك ثم أنادى عليك بأنك سرقته ليتهيألى ردّك بعد تسريحك معهم
قال افعل فلما جهزهم بجهازهم وهيأ(1/137)
أسبابهم وأوفى الكيل لهم جعل السقاية يعنى مشربة يسقى بها وهى الصواع قيل كان يسقى بها الملك ثم جعلت صاعا يكال بها العزة الطعام وكان يشبه الطاس من فضة أو ذهب فدسوه فى رحل بنيامين* روى أنهم ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا ثم أمر بهم فأدركوا وحبسوا ثم نادى مناد أيتها العير وهى الابل التى عليها الاحمال لانها تعير أى تذهب وتجىء والمراد أصحاب العير انكم لسارقون كناية عن سرقتهم اياه من أبيه قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير قال المؤذن وأنا به زعيم يريد أنا بحمل البعير كفيل أؤدّيه الى من جاء به وأراد وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله قالوا تالله قسم فيه معنى التعجب مما نسب اليهم ما جئنا لنفسد فى الارض* روى أنهم حين دخلوا كان أفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لاحد من أهل السوق وما كنا سارقين قالوا فما جزاء الصواع أى سرقته ان كنتم كاذبين فى جحودكم وادعائكم البراءة منها قالوا جزاء سرقته أخذ من وجد فى رحله وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن يسترق سنة فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين لنفى التهمة حتى بلغ وعاء فقال ما أظنّ هذا أخذ شيئا فقالوا والله لا يترك حتى تنظر فى رحله فانه أطيب لنفسك وأنفسنا ثم استخرج الصواع من وعاء أخيه قالوا ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل أرادوا يوسف قيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه وقيل كان فى المنزل دجاجة فأعطاها السائل وقيل كانت منطقة لابراهيم يتوارثها أكابر ولده فورثها اسحاق ثم وقعت الى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهى عمته بعد وفاة أمه وكانت لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب أن ينتزعه منها فعمدت الى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقالت قد فقدت منطقة اسحاق فانظروا من أخذها ففتشوا فوجدوها محزومة على يوسف فقالت انه لى سلم أفعل به ما شئت فحلاه يعقوب عندها حتى ماتت يقال فلان سلم فى أيدى بنى فلان أى أسير* وروى أنهم لما استخرجوا الصواع من رحل بنيامين نكس اخوته رؤسهم حياء وأقبلوا عليه فقالوا له فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا بنى راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصواع فقال بنو راحيل لا يزال منكم عليهم بلاء ذهبتم بأخى فأهلكتموه فأسرّ يوسف فى نفسه مقالتهم قد سرق أخ له من قبل وتغافل عنها كأن لم يسمعها ولما أخذ بنيامين بعلة السرقة قالوا له يأيها العزيز ان له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه أى بدله فأبى وقال معاذ الله أن نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فلما استيأسوا من يوسف واجابته انفردوا عن الناس متناجين فى تدبير أمرهم على أىّ صفة يذهبون وماذا يقولون لابيهم فى شأن اخيهم قال كبيرهم فى السنّ وهو روبيل أو فى العقل وهو يهوذا أو رئيسهم وهو شمعون ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرّطتم وقصرتم فى شأن يوسف فلن أبرح الارض أى لن أفارق أرض مصر حتى يأذن لى أبى فى الانصراف اليه أو يحكم الله لى فى الخروج منها او بالموت او بقتالهم ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا أبانا ان ابنك سرق وما شهدنا عليه بالسرقة الا بما علمنا من سرقته وما كنا للغيب حافظين أى ما علمنا انه سيسرق حين أعطيناك المواثيق واسأل اهل مصر عن كنه القصة واصحاب العير وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب وانا لصادقون فى قولنا فرجعوا الى ابيهم فقالوا له ما قال لهم اخوهم قال يعقوب بل سوّلت وسهلت لكم أنفسكم أمرا أردتموه والا فمن أدرى ذلك الرجل ان السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا أى بيوسف واخيه وكبيرهم وتولى وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به وقال يا اسفا على يوسف الاسف اشدّ الحزن والحسرة والالف بدل عن ياء الاضافة وابيضت عيناه من الحزن أى اذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته الى بياض كدر قيل قد عمى بصره وقيل يدرك ادراكا ضعيفا قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف الى حين لقائه(1/138)
ثمانين سنة أو أربعين سنة كذا فى المدارك* وفى الكشاف عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم انه سأل جبريل ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف قال وجد سبعين ثكلى قال فما كان له من الاجر قال اجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله ساعة قط* وفى الكشاف عن الحسن انه بكى على ولده او غيره فقيل له فى ذلك فقال ما رأيت الله جعل الحزن عارا على يعقوب ويجوز للنبىّ ان يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لان الانسان مجبول على ان لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره ولقد بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ولده ابراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وانا عليك يا ابراهيم لمحزونون وانما المذموم الصياح والنياح ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب* قيل ان يعقوب اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت وروى انه رأى ملك الموت فى منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال لا والله هو حىّ فاطلبه وعلمه هذا الدعاء* يا ذا المعروف الدائم الذى لا ينقطع معروفه ابدا ولا يحصيه غيره فرّج عنى* فقال يا بنىّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله أى لا تقنطوا من رحمة الله فخرجوا من عند أبيهم راجعين الى مصر فلما دخلوا على يوسف قالوا يأيها العزيز مسنا واهلنا الضرّ الهزال من شدّة الجوع وجئنا ببضاعة مزجاة حقيرة يدفعها كل تاجر رآها رغبة عنها واحتقارا لها قيل كانت دراهم زيوفا لا تؤخذ الا بوضيعة وقيل كانت صوفا وسمنا فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا ولما قالوا مسنا واهلنا الضرّ وتضرّعوا اليه وطلبوا أن يتصدّق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرّفهم نفسه حيث قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه اذ أنتم جاهلون وقيل أدّوا اليه كتاب يعقوب من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى عزيز مصر أما بعد فانا أهل بيت موكل بنا البلاء فأما جدّى فشدّت يداه ورجلاه ورمى به فى النار ليحرق فنحاه الله وجعلت النار بردا وسلاما وأما أبى فوضع السكين فى قفاه ليقتل ففداه الله وأما أنا فكان لى ابن وكان أحب اولادى فذهب به اخوته الى البرية ثم أتوا بقميصه ملطخا بالدم وقالوا قد أكله الذئب فذهبت عيناى من بكائى عليه ثم كان لى ابن وكان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا انه سرق وانك حبسته وانا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فان رددته علىّ والا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام* فلما قرأ يوسف الكتاب لم يتمالك وعيل صبره فقال لهم هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه* وروى أنه لما قرأ الكتاب بكى وكتب الجواب اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا* وفى رواية مكتوب يعقوب أخصر مما ذكر كتب بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى العزيز ريان أما بعد فانا أهل بيت مولع بنا البلاء أما جدّى ابراهيم خليل الله ابتلى بالنار فأنجاه الله واما أبى اسحاق ابتلى بالذبح ففداه الله وأما أنا فكان لى قرّة عين من أولادى ابتليت بفراقه حتى عميت وكان له أخ كلما هاج بى شوقى ضممته الى صدرى والآن محبوس عندك بعلة السرقة واعلم انى لا أكون سارقا ولا ألد سارقا فان تفضلت بردّه فلك فى ذلك الاجر والثواب يوم الحساب وكتب يوسف فى جوابه بعبارة أطول مما ذكر قيل كان باملاء جبريل كتب بسم الله الرحمن الرحيم كتابى هذا الى يعقوب اسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل الله من العزيز ريان أما بعد فقد وصل الىّ كتابه بما وصف من حال آبائه وبلائه وابتلائه بفراق اولاده فوقفت عليه فعليه بالصبر الجميل أما جدّك ابراهيم ابتلى بالنار صبر فظفر وأما أبوك اسحاق ابتلى بالذبح صبر فظفر وأنت ابن الصابرين فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا والسلام على من اتبع الهدى ومعنى فعلهم بأخى يوسف تعريضهم اياه للغم بافراده عن أخيه لابيه وأمه وايذائهم اياه بأنواع الاذى قال اخوة يوسف أئنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد منّ الله علينا الآن
بالالفة بعد الفرقة قالوا تالله لقد آثرك الله علينا أى اختارك(1/139)
وفضلك علينا بالعلم والتقوى والصبر والحسن وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين* روى ان اخوة يوسف لما عرفوه أرسلوا اليه انك تدعونا الى طعامك بكرة وعشيا ونحن نستحيى منك لما فرط منافيك فقال يوسف ان اهل مصر وان ملكت فيهم فانهم ينظرون الىّ بالعين الاولى ويقولون سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت الآن بكم حيث علم الناس أنى من حفدة ابراهيم اذهبوا بقميصى هذا قيل هو القميص المتوارث الذى كان فى تعويذ يوسف وكان من الجنة أمره جبريل أن يرسله الى ابيه فان فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى ولا سقيم الاعوفى قال فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا أى يأت الىّ وهو بصير قال يهوذا أنا احمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء قيل حمله وهو خاف حاسر من مصر الى كنعان وبينهما ثمانون فرسخا وقال لهم يوسف ائتونى بأهلكم اجمعين لينعموا بآثار ملكى كما اغتموا بأخبار هلكى ولما فصلت العير وخرجت من عريش مصر قال ابوهم وهو فى كنعان لولد ولده ومن حوله من قومه انى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون أوجد الله ريح القميص حين اقبل من مسيرة ثمانية ايام فلما أن جاء البشير وهو يهوذا ألقى القميص على وجهه فارتدّ بصيرا* وروى أن يعقوب سأل البشير كيف يوسف فقال هو ملك مصر قال ما أصنع بالملك على أىّ دين تركته قال على دين الاسلام قال الآن تمت النعمة ثم ان يوسف وجه الى ابيه جهازا ومائتى راحلة ليتجهز هو ومن معه فلما بلغ قريبا من مصر خرج يوسف والملك فى أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو يمشى ويتوكأ على يهوذا فلما دخلوا على يوسف وذلك قبل دخولهم مصر حين استقبلهم نزل بهم فى مضرب أو قصر كان له ثمة فدخلوا عليه آوى اليه ابويه أى ضمهما واعتنقهما اليه قيل كانت أمه باقية وقيل كانت أمه ماتت وتزوّج يعقوب خالته والخالة امّ كما ان العمّ أب* روى انه لما لقيه يعقوب قال السلام عليك يا مذهب الاحزان قال له يوسف بعد ردّ السلام عليه يا ابت بكيت علىّ حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا فقال بلى ولكن خشيت ان يسلب دينك فيحال بينى وبينك* قيل ان يعقوب وولده دخلوا مصروهم اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلا سوى الذرّية والهرمى وكانت الذرّية ألف ألف ومائتى ألف ولما دخلوا مصر وجلس يوسف فى مجلسه مستويا على سريره واجتمعوا اليه أكرم أبويه فرفعهما على السرير وخرّوا له سجدا يعنى الاخوة الاحد عشر والابوين* ذكر المفسرون ان الله أحيا امّ يوسف تحقيقا لرؤياه والله على كل شىء قدير وكانت السجدة عندهم جائزة جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليدين قال الزجاج كانت سنة التعظيم فى ذلك الوقت أن يسجد للمعظم وقيل كانت الانحناء دون تعفير الجبهة وخرورهم سجدا يأباه وقيل خرّوا لاجل يوسف سجدا لله شكرا وفيه أيضا نبوة واختلف فى استنبائهم وقال يوسف يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا صادقة وكان بين الرؤيا وبين التأويل أربعون سنة وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين أو ثمانون سنة وهو قول الحسن البصرى وسيجىء وقيل ست وثلاثون وقيل اثنتان وعشرون سنة* قال مجاهد أخرج يوسف من عند يعقوب وهو ابن ست سنين وجمع بينهما وهو ابن أربعين سنة* وعن الحسن قال ألقى يوسف فى الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة وكان فى العبودية ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثمانية وعشرين سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة كاذا فى العرائس* قال وأقام يعقوب مع يوسف أربعا وعشرين سنة بأغبط حال واهنأ عيش وأتم سرور وقيل سبع عشرة سنة ثم حضرته الوفاة وأوصى يوسف أن يحمله الى الشام ويدفنه فى الارض المقدّسة عند أبيه وجده ففعل ذلك وجعله فى تابوت من ساج وحمله الى بيت(1/140)
المقدس وخرج معه يوسف وعظماء أهل مصر ووافق يوم موته يوم موت أخيه عيص فدفنا فى قبر واحد وكان عمرهما جميعا مائة وسبعة وأربعين سنة وكانا توأمين ولدا فى يوم واحد وماتا فى يوم واحد وقبرا فى قبر واحد ثم عاد يوسف الى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة كما مرّ قاله الثعلبى فى العرائس والقاضى البيضاوى فى أنوار التنزيل وكذا فى المدارك فلما تم أمر يوسف طلبت نفسه الملك الدائم فتمنى الموت قيل ما تمناه نبىّ قبله ولا بعده فقال رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر السموات والارض أنت وليى فى الدنيا والآخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين فلما حضرته الوفاة جمع قومه من بنى اسرائيل وعرّفهم بحضور أجله وكانوا ثمانين رجلا فقالوا له يا نبىّ الله انا نحب أن تعلمنا بما يؤول اليه أمرنا بعد خروجك من بين أظهرنا فى أمر ديننا وملتنا قال لهم يوسف ان اموركم لم تزل مستقيمة على ما أنتم عليه من أمر دينكم حتى يظهر عليكم رجل جبار من القبط يدّعى الربوبية فيقهركم ويغلبكم ويذبح أبناءكم ويستحيى نساءكم ويسومكم سوء العذاب وتمدّ أيامه أياما مديدة ثم يخرج من بنى اسرائيل من ولد أخى لاوى رجل اسمه موسى بن عمران رجل جعد الشعر آدم اللون فينجيكم الله تعالى به من أيدى القبط قال فجعل كل رجل من بنى اسرائيل يسمى ولده عمران رجاء أن يكون ذلك النبىّ منه
ديك يوسف
قالوا وكان ليوسف ديك قد عمر خمسمائة سنة فقال لهم يوسف يستقيم أمركم ما دام هذا الديك يصرخ فيكم فاذا ولد هذا الجبار سكت فلا يصرخ مدّة ولايته حتى اذا انقضت أيامه وأذن بمولد هذا النبىّ صرخ كما كان يصرخ أوّلا فذلك علامة انقضاء ملكه وظهور نبىّ الله فى الارض قال فلم يزالوا على ما هم عليه الى أن سكت صراخ الديك فوجموا واكتأبوا وانهدمت أركان دينهم وطلع ما أعلمهم به يوسف من ولادة الجبار وظهوره فاعتزلوا الديك واجمعين الى أن عاد الديك الى صراخه فاستبشروا وفرحوا وتصدّقوا وأيقنوا بالفرج وكان يوسف عليه السلام قد أوصى قبل موته أخاه يهوذا واستخلفه على بنى اسرائيل ولما توفاه الله طيبا طاهرا بروح وريحان تخاصم فيه أهل مصر وتشاحوا فى دفنه كلّ يحب أن يدفن فى محلتهم حتى هموا بالقتال فاجتمع رأيهم على أن يعملوا له صندوقا من مرمر ويجعلوه فيه ويدفنوه فى النيل بمكان يمرّ عليه الماء ثم يصل الى مصر ليكونوا سواء فى الانتفاع ببركته ففعلوا وقد توارثت الفراعنة من العماليق بعد يوسف ولم تزل بنو اسرائيل تحت أيديهم على بقايا دين يوسف وآبائه ولم يزل يوسف مدفونا فى النيل حتى استخرجه موسى وبينهما أربعمائة سنة وحمله الى الشام حين خرج ببنى اسرائيل من مصر ودفنه بأرض كنعان خارج الحصن حيث هو اليوم فلذلك تنقل اليهود موتاهم الى الشام كذا فى عرائس الثعلبى* وسبب استخراجه أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله تعالى موسى عليه السلام ان يسرى ببنى اسرائيل ليلا فأمر موسى قومه أن يسرجوا فى بيوتهم السرج حتى الصبح وألقى الله الموت على القبط فمات كل بكر لهم فاشتغلوا بدفنهم حين أصبحوا حتى طلعت الشمس وخرج موسى فى ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدّون ابن العشرين لصغره ولا ابن الستين لكبره* وعن ابن مسعود رضى الله عنه كان أصحاب موسى ستمائة ألف مقاتل وسبعين ألفا وعن عمرو بن ميمون قال كانوا ستمائة ألف مقاتل وكان يعقوب وأهل بيته يوم دخول مصر سبعين نفسا وبين دخول يعقوب وأهله مصر وبين خروج بنى اسرائيل منها على ما قيل أربعمائة سنة وست وثلاثون سنة فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون*
نقل صندوق يوسف
وفى العرائس لما خرجوا من مصر أظلمت عليهم الارض وتاهوا وضلوا عن الطريق فسأل موسى مشايخ بنى اسرائيل وعلماءهم عن ذلك فقالوا ان يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ على اخوته عهدا أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم* وفى العمدة أوصى أن لا يخرجوا حتى ينقلوا عظامه معهم قالوا فلذلك انسدّ عليهم(1/141)
الطريق فسألهم عن موضع قبره فلم يعلموا فقام موسى ينادى أنشدكم الله كل من يعلم قبر يوسف الا أخبرنى به ومن لم يعلم فصمت اذناه عن قولى فكان يمرّ بين الرجلين ينادى فلا يسمعان صوته حتى سمعته عجوز يقال لها مريم بنت ما موسى فقالت أرأيتك ان دللتك على قبره أتعطينى كل ما سألتك فأبى عليها فقال حتى أسأل ربى فأمره الله بايتاء سؤلها فقالت انى عجوز كبيرة لا أستطيع المشى ما حملنى وأخرجنى من مصر هذا فى الدنيا وأما فى الآخرة فاسألك أن لا تنزل غرفة من الجنة الا نزلتها معك قال نعم قالت انه فى جوف الماء فى النيل فادفع الله حتى يحسر عنه الماء فدعا الله فحسر عنه الماء ودعا أن يؤخر طلوع الفجر الى أن يفزغ من أمر يوسف فحفر موسى ذلك الموضع واستخرجه فى صندوق من مرمر وحمله حتى دفنه بالشام فلما أخرج التابوت ظهر الضوء وفتح لهم الطريق فاهتدوا وساروا وموسى على ساقتهم وهارون على مقدّمتهم وعلم بهم فرعون فجمع قومه وأمرهم أن لا يخرجوا فى طلب بنى اسرائيل حتى يصيح الديك فو الله ما صاح ديك تلك الليلة فخرج فرعون فى طلب بنى اسرائيل وعلى مقدّمته هامان فى ألف ألف وستمائة ألف وكان فيهم سبعون ألفا من دهم الخيل سوى سائر الشباب فكان فرعون يكون فى الدهم وقيل كان فرعون فى سبعة آلاف ألف وكان بين يديه مائة ألف ناشب ومائة ألف أصحاب حراب ومائة ألف أصحاب اعمدة فسارت بنو اسرائيل حتى وصلوا الى البحر والماء فى غاية الزيادة ونظروا فاذاهم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين وقالوا يا موسى كيف نصنع وأين ما وعدتنا هذا فرعون خلفنا ان أدركنا قتلنا والبحر أمامنا ان دخلناه غرقنا قال الله تعالى فلما تراآى الجمعان قال أصحاب موسى انا لمدركون قال موسى كلا ان معى ربى سيهدين فأوحى الله اليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله اليه أن كنه فضربه وقال انفلق ابا خالد باذن الله فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فظهر فيه اثنا عشر طريقا لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبسا فخاضت بنو اسرائيل البحر كل سبط فى طريق وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضا فخافوا وقال كل سبط قد قتل اخواننا فأوحى الله عز وجل الى جبال الماء ان تشبكى فصار الماء شبكات كالطاقات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قوله تعالى واذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم من آل فرعون والغرق وأغرقنا آل فرعون وذلك ان فرعون لما وصل الى البحر ورآه منفلقا قال لقومه انظروا الى البحر انفلق من هيبتى حتى أدرك عبيدى الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه وقيل قالوا ان كنت ربا فادخل البحر كما دخل موسى وكان فرعون على حصان ادهم ولم يكن فى خيل فرعون فرس انثى فجاءه جبريل على فرس انثى ودفق فتقدّمهم وخاض البحر فلما شم ادهم فرعون ريحها اقتحم البحر فى اثرها ولم يملك فرعون من امره شيئا وهو لا يرى فرس جبريل واقتحمت الخيول خلفه البحر وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشدّهم ويسوقهم حتى لا يشذّ رجل منهم ويقول لهم الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر وخرج جبريل من البحر وهمّ أوّلهم بالخروج فأمر الله البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وأغرقهم اجمعين وكان بين طرفى البحر أربع فراسخ وهو بحر قلزم طرف من بحر فارس قال قتادة هو بحر وراء مصر يقال له اساف* وفى انوار التنزيل والمدارك هو القلزم او النيل* وفى تفسير الحدّادى هذا البحر هو القلزم يسلك الناس فيه من اليمن الى مصر* وفى القاموس قلزم بلد بين مصر ومكة قرب جبل واليه يضاف بحر القلزم لانه على طرفه وكان ذلك بمر أى من بنى اسرائيل ولما أخبر موسى قومه بهلاك فرعون وقومه قالت بنو اسرائيل ما مات فرعون فأمر الله البحر فألقى فرعون فى الساحل أحمر قصيرا كأنه ثور فرآه بنو اسرائيل فمن ذلك الوقت لا يقبل البحر ميتا أبدا* وفى انوار التنزيل قيل ان موسى لبث(1/142)
فى القبط ثلاثين سنة ثم خرج الى مدين عشر سنين ثم عاد اليهم يدعوهم الى الله تعالى ثلاثين سنة ثم بقى بعد الغرق خمسين سنة فعلى هذا يكون عمره مائة وعشرين سنة وهارون كان اكبر من موسى بثلاث سنين وكذا فى الكشاف* وروى انه كانت النبوّة والملك متصلين بالشام ونواحيها لولد اسرائيل بن اسحاق الى أن زال عنهم بالفرس والروم بعد يحيى بن زكريا وبعد عيسى عليهم السلام* وفى الكامل نبئ موسى فى عهد منوجهر وكان ملك منوجهر بعد جدّه افريدون وكان منوجهر من ولد ايرج بن افريدون وكان مولده بدنياوند وقيل بالرىّ* وفى الكامل قيل موسى هو موسى بن عمران بن يصهر بن لاوى بن يعقوب ابن اسحاق بن ابراهيم وأمّ موسى يوحانذ واسم امرأته صفورا ابنة شعيب النبىّ عليه السلام وكان فرعون مصر فى أيامه قابوس بن مصعب بن معاوية صاحب يوسف الثانى وكانت امرأته آسية ابنة مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد فرعون يوسف الاوّل* وكان من مولد موسى الى أن خرج بنو اسرائيل من مصر ثمانون سنة ثم صار الى التيه بعد ان مضى وعبر البحر وكان مقامهم هناك الى أن خرجوا مع يوشع بن نون أربعين سنة وكان ما بين مولد موسى الى وفاته فى التيه مائة وعشرين سنة وكان اسم فرعون موسى فيما ذكر الوليد بن مصعب*
ذكر منوجهر سبط ايرج
وفى نظام التواريخ للشيخ ناصر الدين البيضاوى ان منوجهر سبط ايرج بن افريدون لما توفى افريدون قام مقامه وولى عهده منوجهر وعين لكل بلاد حاكما ولكل قرية دهقانا وحفر الفرات وأجرى الماء الى العراق وعمل البساتين وغرس أنواع الاشجار واشتغل بعمارة الملك ولما بلغت مدّة ملكه ستين سنة قصده افراسياب بالعسكر العظيم فهرب منه منوجهر الى طبرستان ولم يتبعه افراسياب فوقع الصلح بينهما على أن يكون ماوراء جيحون وهو نهر بلخ لافراسياب فرجع وفى زمان منوجهر أرسل الله تعالى شعيبا الى أولاد مدين بن اسماعيل بن ابراهيم وبعث موسى وهارون الى فرعون وكان اسمه وليد بن مصعب وكان من أولاد عاد الذين بعثهم شدّاد لحكومة مصر وقصتهم معروفة مشهورة وبعد وفاة منوجهر سار أفراسياب الى فارس واشتغل بقتل العباد وتخريب البلاد ومدّة ملكه عشر سنين الى ان خرج زاب بن طهماسب من اسباط منوجهر وهرب منه افراسياب الى حدود بلاده واشتغل زاب باصلاح ما أفسده وخرّبه أفراسياب وأجرى نهر الماء الى العراق ويسمى ذلك زابين واشتغل بالعدل والانصاف ثلاثين سنة وفوّض ملكه الى ابن أخيه كرشاسف بن كشتاسف الذى كانت أمه بنت بنيامين بن يعقوب وكان ملكه عشر سنين وكان رستم المشهور بدلستان من نسله* وفى الكامل ولما هلك منوجهر ملك فارس أفراسياب من نسل رستم ملك على مملكة فارس وعظم ظلمه وخرب ما كان عامرا ودفن الانهار والقنا وقحط الناس سنة خمس من ملكه الى أن خرج من مملكة فارس ولم تزل الناس منه فى أعظم بلية الى أن ملك روذ بن طهماسب وطرد أفراسياب الترك عن مملكة فارس حتى ردّه الى الترك بعد حروب بينهما فكان أفراسياب على اقليم بابل ومملكة الفرس اثنتى عشرة سنة من لدن توفى منوجهر الى أن أخرج عنها رود وأمر باصلاح ما كان افراسياب أفسده من مملكتهم وبعمارة الحصون وأخرج المياه التى غوّر طرقها حتى عادت البلاد الى أحسن ما كانت ووضع عن الناس الخراج سبع سنين وعمرت البلاد فى ملكه* ثم ملك بعد رود كيقباد ابن زاع بن مبشر بن نود بن منوجهر وقدّر مياه الانهار والعيون لشرب الارض وسمى البلاد بأسمائها وحدّدها بحدودها وأخذ العشر من غلاتها لارزاق الجند وكان كيقباد حريصا على عمارة البلاد وجرت بينه وبين الترك حروب كثيرة وكان مقيما بقرب نهر بلخ وهو جيحون لمنع الترك عن طرق شتى من بلاده وكان ملكه مائة سنة* ومن الانبياء الذين كانوا فى زمان كيقباد حزقيل والياس واليسع وشمويل عليهم السلام ثم ملك بعد كيقباد ابن ابنه كيكاوس بن كبيسة بن كيقباد فلما ملك حمى بلاده وقتل جماعة(1/143)
وكان ملكه مائة وخمسين سنة ومن الانبياء والحكماء الذين كانوا فى زمان كيكاوس داود وسليمان ولقمان الحكيم ومن آثاره الرصد الذى ببابل* وملك بعد كيكاوس ابن ابنه كيخسرو وكان ملكه ستين سنة* ومن مشاهير الحكماء الذين كانوا فى عصر كيخسرو فيثاغورس الذى كان تلميذ داود ولقمان الحكيم روى أن كيخسرو لما حضرته الوفاة عهد الى ابن عمه كهراسب بن كرخى بن كيكاوس فهو ابن ابن كيكاوس فلما ملك اتخذ سريرا من ذهب فكاله بأنواع الجواهر وبنيت له بأرض خراسان مدينة بلخ وسماها الحسناء ودوّن الدواوين وقوّى ملكه باتخاذ الجنود وعمر الارض وجبى الخراج لارزاق الجند واشتدّت شوكة الجند فنزل مدينة بلح لقتالهم وكان محمودا عند أهل مملكته شديد القمع للملوك المجاورين له شديد التفقد لاصحابه بعيد الهمة عظيم البنيان ثم انه تنسك وفارق الملك واشتغل بالعبادة واستخلف ابنه كشتاسف فى الملك وكان ملك كهراسب مائة وعشرين سنة ومن الانبياء الذين كانوا فى عهد كهراسب أرميا وعزير عليهما السلام كذا فى نظام التواريخ* وملك بعده كشتاسب بن كهراسب وفى أيام كشتاسب ظهر زرادشت الذى ادّعى النبوّة وتبعه المجوس وكان زرادشت من أهل فلسطين يخدم لبعض تلامذة ارميا النبىّ خاصا به فخانه وكذب عليه فدعا الله تعالى عليه فبرص ولحق ببلاد أذربيجان وشرع بها دين المجوس وقيل انه كان من العجم وصنف كتابا وطاف به الارض فما عرف أحد معناه وزعم أنه لغة سمائية خوطب بها وسماه أمتا فسار الى اذربيجان الى فارس فلم يعرفوا ما فيه ولم يقبلوه فسار الى الهند وعرضه على ملوكها ثم أتى الصين والترك فلم يقبله احد وأخرجوه من بلادهم وقصد فرغانة وأراد ملكها أن يقتله فهرب منه وقصد كشتاسب بن كهراسب فأمر بحبسه فحبس مدّة وشرح زرادشت كتابه وسماه زند ومعناه النفيس ثم شرح النفيس بكتاب سماه بازند يعنى تفسير التفسير وفيه علوم مختلفة كالرياضات وأحكام النجوم والطب وغير ذلك من اخبار القرون الماضية وكتب الانبياء وفى كتابه تمسكوا بما جئتكم به الى أن يجيئكم صاحب الجمل الاحمر يعنى محمدا صلّى الله عليه وسلم وذلك على رأس ألف سنة وبسبب ذلك وقعت البغضاء بين المجوس والعرب ثم ان كشتاسف أحضر زرادشت وهو ببلخ فلما قدم عليه شرع له دينه فأعجبه واتبعه وقهر الناس على اتباعه وقتل منهم خلقا كثيرا حتى قبلوه وأما المجوس فيزعمون أن أصله من أذربيجان وانه نزل على هذا الملك من سقف ايوانه وبيده كبة من نار يلعب بها ولا تحرقه وكل من أخذها بيده لم تحرقه واتبعه الملك ودان بدينه وبنى بيوت النيران فى البلاد واشعل تلك النيران فى بيوتهم وأما المجوس فيزعمون أن النيران التى فى بيوت عبادتهم من تلك النار الى الآن وكذبوا فان النار التى للمجوس طفئت فى جميع البيوت لما بعث الله تعالى نبينا محمدا صلّى الله عليه وسلم وكان ظهور زرادشت بعد مضى ثلاثين سنة من ملك كشتاسب وأتاه بكتاب زعم انه وحى من الله تعالى فكتب فى جلد اثنتى عشرة ألف بقرة حفرا ونقشا بالذهب وجعله كشتاسب فى موضع باصطخر ومنع تعليمه للعامة وكان كشتاسب وآباؤه قبله يدينون بدين الصابئة* ومن الحكماء الذين كانوا فى زمان كشتاسب سقراط العابد تلميذ فيثاغورس وجاماسب المشهور فى علم النجوم كذا فى نظام التواريخ
*
(ذكر بخت نصر)
* فى الكامل قد اختلف العلماء فى الوقت الذى أرسل فيه بخت نصر على بنى اسرائيل فقيل كان فى عهد ارميا ودانيال وحنينا وعزاريا ومسايل وقيل انما أرسله الله تعالى على بنى اسرائيل لما قتلوا يحيى بن زكريا والاوّل أكثر* وملك بهمن بن اسفنديار وكانت أمه من أولاد طالوت ولما ملك بهمن أمر على بابل ابرش من أسباط جاماسب بن كهراسب الذى كانت أمه بنت واحد من أنبياء بنى اسرائيل وأمره أن يبعث جميع بنى اسرائيل الى بيت المقدس ويعطى رياستهم من أرادوا فجمع ابرش بنى اسرائيل وأعطى رياستهم باتفاقهم دانيال وبعثهم الى مقامهم وأمر بعمارة بيت المقدس وكانت مدّة(1/144)
ملكه مائة واثنتى عشرة سنة وكان ذيمقراطيس الحكيم وبقراط الطبيب فى عصره* وملك دار ابن بهمن ابن اسفنديار وبنى مدينة بفارس سماها دارا بجرد وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة وكان أقلاطون الالهى تلميذ سقراط العابد فى زمان دارا* وملك بعده ابنه دارا بن داراوينى بأرض الجزيرة بقرب نصيبين مدينة مشهورة الى الآن وكان ملكه أربع عشرة سنة ومن حكماء عصره ارسطاطاليس تلميذ
افلاطون*
(ذكر الاسكندر الملقب بذى القرنين)
* فى الكامل كان فيلقوس أبو الاسكندر اليونانى من أهل بلدة يقال لها مقدونية كان ملكا عليها وعلى بلاد اخرى فصالح دارا على خراج يحمله فيلقوس اليه كل سنة فلما هلك فيلقوس ملك بعده ابنه الاسكندر واستولى على بلاد الروم أجمع وقوى على دارا ولم يحمل اليه من الخراج شيئا وكان الذى يحمله بيضا من ذهب فسخط عليه دارا وكتب اليه يؤنبه بسوء صنيعه فى ترك حمل الخراج فوقعت المحاربة بينهما حتى قتل دارا وظفر الاسكندر ولما مات الاسكندر عرض الملك على ابنه الاسكندروس فأبى واختار العبادة وملك اليونان فيما قيل بطليموس ابن مرغوس وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة ثم ملك بعده بطليموس دميانوس أربعين سنة ثم ملك بعده بطليموس أو دايماطس أربعا وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس فيلا قطر احدى وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس افيغالس اثنتين وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس او دايماطس سبعا وعشرين سنة ثم ملك بعده بطليموس من بناطر سبع عشرة سنة ثم ملك بعده بطليموس الاخشندر احدى عشرة سنة ثم ملك بعده بطليموس أخنعى ثمان سنين ثم ملكت بعده قالونطرى سبع عشرة سنة وهى من الحكماء وهؤلاء كلهم من اليونان وكل من كان بعد الاسكندر كان يدعى بطليموس كما كان يدعى ملوك الفرس أكاسرة وملوك الروم قياصرة* وقال بعض العلماء ان بطليموس صاحب المجسطى وغيره من الكتب لم يكن من هؤلاء الملوك وانما كان أيام ملوك الروم ثم ملك الشام فيما قيل بعد قالو نطرى ملك الروم وكان أوّل من ملك منهم جانوس بن مركوس خمسين سنة* ثم ملك بعده اغسطوس ستا وخمسين سنة ولما مضى من ملكه اثنتان وأربعون سنة ولد عيسى ابن مريم عليه السلام وقيل كان بين مولده وقيام الاسكندر ثلثمائة سنة وثلاث سنين كذا فى الكامل* وفى نظام التواريخ من الانبياء الكبار الذين كانوا فى أيام الملوك الاشكانيين جرجيس النبىّ فى الجزيرة وزكرياء ويحيى وعيسى عليهم السلام فى الشام* ومن الحوادث الكائنة فى أيامهم واقعة أصحاب الكهف وعيسى بعث فى أيام شابور ابن اشكان وهذا وقع فى البين وقطع اتصال الكلامين فلنرجع لما كنا فيه*
بقية قصة اسماعيل عليه السلام
روى ان اسماعيل كان ابن تسع وثمانين سنة حين توفى ابراهيم* وفى حياة الحيوان انّ أوّل من ركب الخيل اسماعيل عليه السلام ولذلك سميت العراب وكانت قبل ذلك وحشية كسائر الوحوش ولذلك قال نبينا صلّى الله عليه وسلم اركبوا الخيل فانها ميراث أبيكم اسماعيل وتزوّج اسماعيل فى حياة ابراهيم رعلة بنت عمرو فولدت له اثنى عشر ابنا أو عشرة وكان اكبرهم نابت* وفى المنتقى كان أحدهم قيدار وفى العرائس قال العلماء لما كبر اسماعيل وبلغ النكاح تزوّج امراة يقال لها السيدة بنت مضاض الجرهمية وهى التى قال لها ابراهيم اذا جاء زوجك قولى له قد أصلحت عتبة بابك وقد رضيتها لك فولدت لاسماعيل اثنى عشر ولدا منهم نابت وقيدار ومنهم العرب وقيل التى تزوّجها اسماعيل هالة بنت الحارث ابن عمرو الجرهمى* وروى ان الله بعث اسماعيل الى مارب من اليمن وحضرموت فدعاهم الى الاسلام خمسين سنة فآمن له قليل منهم وكان عمره مائة وسبعا وثلاثين سنة ولما حضرته الوفاة أوصى الى أخيه اسحاق أن يزوّج بنته نسيمة للعيص ففعل وتوفى اسماعيل بمكة ودفن فى الحجر مع امّه هاجر وتقول العرب هاجر وآجر فيبدلون الالف من الهاء كما قالوا هراق الماء وأراق الماء وغيره وهاجر كانت(1/145)
من أرض مصر قال ابن لهيعة أمّ اسماعيل هاجر من أمّ العرب قرية كانت أمام الغرما من أرض مصر وأمّ ابراهيم مارية سرية النبىّ صلّى الله عليه وسلم الّتى أهداها له المقوقس بن حقن من كورة أنصنا كذا فى سيرة ابن هشام وكان قيدار قد أعطى سبع خصال البأس والشدّة والصراع والرمى والقنص والفروسية واتيان النساء وكان صاحب ضفيرتين يخرج كل يوم الى قنصه وكان يسمع من قنصه ظبية كان أو طير الا تذبحنى حتى تسمى الله ولا تأكل مما لم يذكر اسم الله عليه وكان قد تزوّج مائة امرأة من بنات اسحاق فى سنة يظنّ ان المطهرات التى أمر بنكاحهنّ من ولد اسحاق طمعا أن يولد له منهنّ ولد ولم يحبلن فرجع يوما من قنصه وقد عيرته وحوش الجبال ونادته يا قيدار لو هممت بهذا النور الذى فى وجهك أن تضعه فى مستودعه لكان أفضل لك من اقتنائنا وقنصنا فاتق اله ابراهيم وقد آن لك أن يخرج نور أبى القاسم صلّى الله عليه وسلم من ظهرك فرجع قيدار الى أهله فزعا مرعوبا فحلف باله ابراهيم أن لا يأكل طيبا ولا يشرب باردا ولا يأتى أنثى حتى يأتيه بيان ما سمع من ألسن الوحوش فبينما هو قاعد مغموم اذ هبط عليه ملك من السماء فى صورة شاب فسلم عليه وقال يا قيدار قد ملكت الارض وقد أعطيت قوّة ابن عمك عيص وقد نقل اليك نور محمد صلّى الله عليه وسلم وانه كائن لك ولد من غير نسل اسحاق فلو قرّبت لاله ابراهيم قربانا يبين لك التزويج فقام قيدار فانطلق الى البقعة التى ربط فيها اسماعيل حين أريد ذبحه فقرب سبعمائة كبش وقال الهى ان كنت رازقى ولدا فتقبل قربانى وبين لى من أين أتزوّج وكان كلما ذبح كبشا نزلت نار من السماء فى سلسلة بيضاء فتحمل ذلك القربان الى السماء فلم يزل كذلك حتى نودى من السماء وقيل نودى من ورائه أن يكفيك يا قيدار قد استجيب دعاؤك وتقبل قربانك انطلق الى شجرة الوغد فنم فى أصلها وانته الى ما تؤمر به فى مناسك فانطلق قيدار فنام فى أصلها فهتف به هاتف فى منامه فقال له يا قيدار ان هذا النور الذى فى وجهك نور محمد صلّى الله عليه وسلم وهو النور الذى فتح الله به الانوار وخلق الدنيا لاجله وانه عربى لا ينبغى أن يجرى الا فى العربيات فابتغ لنفسك عربية وليكن اسمها الغاضرة فانتبه قيدار مسرورا ووجه فى شرق الارض وغربها من يطلبها له حتى وجد الغاضرة بنت ملك الجرهميين وكان من ولد ذهل بن عمرو بن يعرب بن قحطان الذى هو من نسل شيث فتزوّجها قيدار فولد له منها حمل وكانت ولادة حمل فى زمن يعقوب وانه قال انى لأجد فى صحف جدّى ابراهيم عليه السلام أنه يجرى نور هذا الحبيب المصطفى فى الرجال والنساء من نسل شيث لا يخالطه أحد من نسل قابيل كذا فى المنتقى* ولما ترعرع حمل أخذ قيدار بيده بعد ما أخذ عليه العهد والميثاق فى رعاية نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذهب به حتى اذا صار على جبل ثبير استقبله ملك الموت فى صورة رجل شاب وسلم عليه وقال له يا قيدار ناولنى أذنك لا سارّك فتقدّم اليه ليسارّه فقبض روحه من اذنه فخرّ ميتا فغضب ابنه حمل وقال يا هذا قتلت أبى قال له ملك الموت يا غلام انظر الى أبيك أميت هو فانكب لينظر الى أبيه فغاب ملك الموت عن عينه فالتفت حمل عن يمينه وشماله فلم ير احدا فعلم أنه ملك الموت وقيض الله له واحدا من أولاد اسرائيل فغسل أباه وكفنه وفى جبل ثبير دفنه وبقى حمل يتيما يكلأه الله ويرعاه حتى بلغ فتزوّج امرأة من قومه يقال لها سعيدة فولد له منها نبت وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ يسير بسيرة حسنة يحب القنص ويتبع آثار آبائه فولد له الهميسع ولهميسع أدد وانما سمى أدد لانه كان مديد الصوت طويل العز والشرف وقيل أوّل من تعلم بالقلم من ولد اسماعيل أدد فضل بالكتابة على اهل زمانه فولد له عدنان كذا فى سيرة مغلطاى وانما سمى عدنان لان أعين الجنّ والانس كانت اليه وأراد واقتله
وقالوا لئن تركنا هذا الغلام حتى يدرك مدارك الرجال ليخرجنّ من ظهره من يسود الناس فوكل الله عز وجل به من يحفظه ولم تعلم ملته وكان فيه نور(1/146)
رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء ومن عدنان تفرّقت القبائل من ولد اسماعيل فولد لعدنان ابنان معدّ بن عدنان وعك بن عدنان* وفى غيره تزوّج عدنان امرأة من قومه يقال لها الامينة فولدت له معدّا انتهى فصارعك فى دار اليمن لان عكا تزوّج فى الاشعريين منهم وأقام فيهم فصارت الدار واللغة واحدة والاشعريون هم بنو أشعر بن نبت بن أدد بن زيد بن هميسع بن عمرو ابن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وقحطان عند جمهور العلماء بالنسب أبو اليمن كلها واليه يجتمع نسبها والعرب كلها عندهم من ولد اسماعيل وقحطان* قال ابن اسحاق وجماعة ان قحطان هو ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام وبعض أهل اليمن يقول قحطان من ولد اسماعيل واسماعيل أبو العرب كلها والله أعلم وأما معدّ بن عدنان ففيه نور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تعرف ملته وانما سمى معدّا لانه كان صاحب حروب وغارات على بنى اسرائيل ولم يحارب أحدا الارجع بالنصر والظفر* وفى الاكتفاء ذكر الزبير بن بكار أن بخت نصر لما أمر بغز وبلاد العرب وادخال الجنود عليهم فيها وقتل مقاتلتهم لانتهاكهم معاصى الله تعالى واستحلالهم محارمه وقتلهم أنبياء وردّهم رسالاتهم امر ارميا بن حلقيا وكان فيما ذكر نبىّ بنى اسرائيل فى ذلك الزمان أن ائت معد بن عدنان الذى من ولده محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاتم النبيين فأخرجه عن بلاده واحمله معك الى الشام وتول أمره قبلك ويقال بل المحمول عدنان والاوّل أكثر* وفى حديث ابن عباس ان الله بعث ملكين فاحتملا معدّا فلما أدبر الامر ردّاه فرجع الى موضعه من تهامة بعد ما رفع الله بأسه عن العرب فكان بمكة وناحيتها مع أخواله من جرهم وبها منهم بقية وهم ولاة البيت يومئذ فاختلط بهم وناكحهم فولد معد بن عدنان نفرا منهم قضاعة وكان بكره الذى به يكنى فيما يزعمون وقنص بضم القاف وفتحها وفتح النون كذا ضبطه الحافظ عبد الكريم ونزار واياد أما قضاعة فتيامنت الى حمير بن سبأ يروى انه واضع الخط العربى قال ابن هشام أوّل من كتب الخط العربى حمير بن سبأ علمه مناما قال ابن عبد البر عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أوّل من كتبه اسماعيل عليه السلام قال شارح القصيدة العقيلية للشاطبى هو الخط الكوفى استنبط منه نوع نسب الى ابن مقلة ثم آخر نسب الى علىّ بن البوّاب وعلى هذا استقرّ رأى الكتاب انتهى وانتمت قضاعة الى ابن حمير مالك بن حمير حتى قال قائلهم يفتخر بذلك
نحن بنو الشيخ الهجان الازهر ... قضاعة بن مالك بن حمير
والنسب المعروف غير المنكر
وأنكر كثير من الناس منتماهم هذا وأما قنص بن معد فهلكت بقيتهم فيما زعموا وكان منهم النعمان بن المنذر ملك حمير وقد ذكر أيضا فى بنى معد الضحاك بن معد* ذكر الزبير باسناد له الى مكحول قال اغار الضحاك ابن معدّ على بنى اسرائيل فى أربعين رجلا من بنى معد عليهم دراريع الصوف خاطمى خيلهم بحبال الليف فقتلوا وسبوا وظفروا فقالت بنو اسرائيل يا موسى ان بنى معدا غاروا علينا وهم قليل فكيف لو كانوا كثيرا وأغاروا علينا وأنت بيننا فادع الله عليهم فتوضأ وصلّى وكان اذا أراد حاجة من الله صلّى ثم قال يا رب ان بنى معد أغاروا على بنى اسرائيل فقتلوا وسبوا وظفروا فسألونى ان أدعوك عليهم فقال الله لا تدع عليهم فانهم عبادى وانهم ينتهون عند أوّل أمرى وان فيهم نبيا أحبه وأحب أمته قال يا رب ما بلغ محبتك له قال اغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر قال يا رب ما بلغ محبتك لامته قال يستغفرنى مستغفرهم فاغفر له ويدعونى داعيهم فاستجيب له قال يا رب فاجعلهم من أمتى قال نبيهم منهم قال يا رب فاجعلنى منهم قال تقدّمت واستأخروا قال الزهرى وحدّثنى علىّ بن المغيرة قال لما بلغ بنو معدّ عشرين رجلا أغاروا(1/147)
على عسكر موسى عليه السلام فدعا عليهم فلم يجب فيهم ثلاث مرّات فقال يا رب دعوتك على قوم فلم تجبنى فيهم بشىء فقال يا موسى دعوتنى على قوم منهم خيرتى فى آخر الزمان* وأما نزار بن معد فلم تدر ملته وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى نزارا بكسر النون من النزر وهو القليل لان معدا نظر الى نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى وجهه فقرّب له قربانا عظيما وقال لقد استقللت لك هذا القربان وانه نزر قليل فسمى نزار او خرج أجمل أهل زمانه وأكثرهم عقلا* وفى الوفاء يقال ان قبر نزار بن معد وقبر ابنه ربيعة بن نزار بذات الجيش قرب المدينة وتزوّج امرأة يقال لها عبيدة فولدت له مضر وكان مسلما على ملة ابراهيم وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى مضر لانه أخذ بالقلب ولم يكن يراه أحد الا أحبه يقال انه هو أوّل من سنّ الحداء للابل وكان من أحسن الناس صوتا وقيل بل أوّل من سنّ الحداء للابل عبد له ضرب مضر يده ضربا وجيعا فقال يا يداه يا يداه فشرع يحدو وكان حسن الحداء* وفى الاكتفاء ولد نزار بن معدّ أربعة بنين مضر وربيعة وأنمارا وايادا واليه دفع أبوه حجابة الكعبة فيما ذكره الزبير وأمهم سودة بنت عك بن عدنان وقيل هى أمّ مضر خاصة وأم اخوته الثلاثة اختها شقيقة بنت عك بن عدنان وقد قيل ان ايادا شقيق لمضر أمهما معا سودة فأنمار هو أبو بجيلة وخثعم وقد تيامنت بجيلة الا من كان منهم بالشام والمغرب فانهم على نسبهم الى أنمار بن نزار وجرير بن عبد الله صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيد من سادات بجيلة وله يقول القائل
لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله
وكذا تيامنت الدار أيضا بخثعم وهم بنو قيل بن أنمار وانما خثعم جبل تحالفوا عنده فسموا به وهم بالسراة على نسبهم الى أنمار ولذا لما كانت بين مضر واليمن فيما هنالك حرب كانت خثعم مع اليمن على مضر
قصة الافعى الجرهمى
ويروى أن نزارا لما خضرته الوفاة قسم ماله بين بنيه الاربعة مضر وربيعة واياد وانمار فقال هذه القبة لقبة كانت له حمراء من أدم وما أشبهها من المال لمضر وهذا الخباء الاسود وما أشبهه لربيعة وهذه الخادم وكانت شمطاء وما أشبهها لاياد وهذه البدرة والمجلس لانمار يجلس فيه وقال لهم ان أشكل عليكم الامر فى ذلك واختلفتم فى القسمة فعليكم بالافعى الجرهمى وكان بنجر ان فلما مات نزار اختلفوا بعده وأشكل أمر القسمة عليهم فتوجهوا الى الافعى فبينما هم فى مسيرهم اليه اذر أى مضر كلأ قدرعى فقال ان البعير الذى رعى هذا لأعور وقال ربيعة وهو أزور وقال اياد وهو أبتر وقال أنمار وهو شرود فلم يسيروا الا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته فسألهم عن البعير فقال مضر أهو أعور قال نعم قال ربيعة أهو أزور قال نعم قال اياد أهو أبتر قال نعم قال أنمار أهو شرود قال نعم هذه والله صفة بعيرى دلونى عليه فحلفوا له أنهم ما رأوه فلزمهم وقال كيف أصدّقكم وأنتم تصفون بعيرى بصفته فساروا حتى وصلوا نجران ونزلوا بالافعى الجرهمى فنادى صاحب البعير هؤلاء أصابوا بعيرى فانهم وصفوا لى صفته ثم قالوا لم نره أيها الملك فقال الافعى كيف وصفتموه ولم تروه فقال مضر رأيته يرعى جانبا ويدع جانبا فعرفت انه أعور وقال ربيعة رأيت احدى يديه ثابتة الاثر والاخرى فاسدة الاثر فعلمت أنه أفسدها بشدّة وطئه لازوراره وقال اياد عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيالا لمصع به وقال أنمار عرفت انه شرود لانه كان يثوى فى المكان الملتف نبته ثم يجوزه الى مكان أرق منه وأخبث قال الافعى للشيخ ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه ثم سألهم من هم فأخبروه فرحب بهم وقال تحتاجون الىّ وأنتم كما أرى ثم خرج عنهم وأرسل لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا فقال مضر لم أر كاليوم خمرا أجود لولا انها نبتت على قبر وقال ربيعة لم أر كاليوم لحما أطيب لولا انه ربى بلبن كلبة وقال اياد لم أر كاليوم خبزا اجود لولا ان التى عجنته حائض وقال أنمار لم أر كاليوم رجلا أسرى لولا انه ليس لابيه الذى يدعى له وكان الافعى وكل بهم من يسمع كلامهم فأعلمه بما سمع منهم فطلب(1/148)
صاحب شرابه وقال الخمر التى جئت بها ما قصتها قال هى من حبلة غرستها على قبر أبيك لم يكن عندنا شراب أطيب منها وسأل الراعى عن امر اللحم قال لحم شاة أرضعتها من لبن كلبة ولم يكن فى الغنم اسمن منها فدخل داره وسأل الامة التى عجنت العجين فأخبرته انها كانت حائضا فأتى أمه وسأل منها فأخبرته انهما كانت تحت ملك لا يولد له ذرّية فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلا نزل بهم من نفسها فوطئها فأتت به فعجب من أمرهم ودس عليهم من يسألهم عما قالوا فقال مضر انما علمت انها من كرمة غرست على قبر لان الخمر اذا شربت أزالت الهمّ وهذه بخلاف ذلك لاننا لما شربناها دخل علينا الغم* وفى الاكتفاء قال مضر لانه أصابنا عطش شديد وقيل لان الكرم اذا نبت على قبور يكون انفعاله قليلا وقال ربيعة انما علمت انه لحم شاة رضعت من كلبة لان لحم الضأن وسائرا للحوم يكون شحمها فوق اللحم الا لحم الكلب فانه عكس ذلك فرأيته موافقا له فعلمت أنه لحم شاة رضعت من كلبة فاكتسب اللحم منها هذه الخاصية* وفى الاكتفاء قال ربيعة لان لحم الكلب يعلو شحمه وقيل لانى شممت منه رائحة الكلبة وقال اياد انما علمت أن الملك ليس لابيه الذى يدعى اليه لانه صنع طعاما ولم يأكل معنا فعرفت ذلك من طباعه لان أباه لم يكن كذلك وقال انمار انما علمت أن الخبز عجنته حائض لان الخبز اذافت انتفش فى الطعام وهو بخلاف ذلك فقال ما هؤلاء الا شياطين ثم أتاهم فقال لهم قصوا علىّ قصتكم فقصوا عليه ما أوصى به أبوهم وما كان من اختلافهم فقال ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر فصارت اليه الدنانير والابل وهى حمر فسميت مضر الحمراء قال وما أشبه الخباء الاسود من دابة ومال فهو لربيعة فصارت له الخيل وهى دهم فسمى ربيعة الفرس قال وما أشبه الخادم وكانت شمطاء من مال فيه بلق فهو لاياد فصارت له الماشية البلق وقضى لانمار بالدارهم والارض فساروا من عنده على ذلك* وكان يقال ربيعة ومضر هما الصريحان من ولد اسماعيل وروى ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لا تنسبوا مضر وربيعة فانهما كانا من المسلمين وقال صلّى الله عليه وسلم فيما روى عنه اذا اختلف الناس فالحق مع مضر وسمع صلّى الله عليه وسلم قائلا يقول
انى امرؤ حميرى حين تنسبنى ... لا من ربيعة آبائى ولا مضرا
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذلك أبعد لك من الله تعالى ورسوله ومما يؤثر من حكم مضر بن نزار ووصاياه من يزرع شرّا يحصد ندامة وخير الخير أعجله فاحملوا أنفسكم على مكروهها فيما أصلحكم واصرفوا عن هواها فيما أفسدها وليس بين الاصلاح والافساد الاصبر فواق* وتزوّج مضر خزيمة فولدت له الياس بكسر الهمزة عند ابن الانبارى وبفتحها عند قاسم بن ثابت ضدّ الرجاء واللام فيه للتعريف والهمزة للوصل قال السهيلى هذا أصح كذا فى المواهب اللدنية واسم الياس حبيب كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى الياس لان مضر كان قد كبر ولم يولد له ولد فولد على الكبر واليأس فسماه الياس* وفى حياة الحيوان كان الياس مؤمنا وكان يسمع من صلبه تلبية النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالحج فيتعجب منه* وفى عبارة المنتقى وكان يسمع أحيانا من ظهره دوى تلبية رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم تزل العرب تعظم الياس بن مضر تعظيم أهل الحكمة كلقمان وأشباهه وكان يدعى كبير قومه وسيد عشيرته ولا يقطع أمر ولا يقضى لهم دونه* وفى الاكتفاء فولد مضر بن نزار ابنين الياس بن مضر وغيلان بن مضر قال الزبير أمهما الخنفاء بنت اياد بن معد وقال ابن هشام أمهما جرهمة ولما أدرك الياس بن مضر أنكر على بنى اسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وسيرهم وبان فضله عليهم وألان جانبه لهم حتى جمعهم وردّهم على سنن آبائهم وهو أوّل من أهدى البدن الى البيت أو فى زمانه وأوّل من وضع الركن للناس بعد هلاكه حين غرق البيت وانهدم(1/149)
زمن نوح عليه السلام فكان أوّل من سقط عليه الياس أوفى زمانه فوضعه فى زاوية البيت للناس ومن الناس من يقول انما هلك الركن بعد ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وهو الاشبه ان شاء الله تعالى فتزوّج الياس بن مضر امرأة يقال لهامخه* وفى حياة الحيوان خندف فولدت له مدركة وكان اسمه عامرا قال ابن اسحاق ويقال عمرو وانما سمى مدركة لانه أدرك كل عز كان فى آبائه وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء فولد الياس بن مضر ثلاثة نفر مدركة وطابخة وقعة وأمهم خندف بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة واسمها ليلى واسم مدركة عامر واسم طابخة عمرو واسم قمعة عمير وانما حالت أسماؤهم الى الذى ذكرناه أوّلا عنهم فيما ذكروا أن أرنبا أنفرت ابل الياس بن مضر فصاح ببنيه هؤلاء أن يطلبوا الابل والارنب فأما عمير فاطلع من المظلة ثم قمع فسمى قمعة وخرج عامر وعمرو فى آثار الابل وخرجت أمهم ليلى تسعى خلفهم فقال لها زوجها الياس أين تخندفين أى تسعين فسميت خندف ومرّ عامر وعمرو بظبى فرماه عمرو فقتله ويقال بل رمى الارنب التى نفرت الابل فقال له عامر اطبخ صيدك وأنا أكفيك الابل فطبخ عمرو فسمى طابخة وأدرك الابل عامر فسمى مدركة واشتهر بنو خندف هؤلاء بأمهم خندف للذى سار من فعلها فى الناس وكانت وفاة الياس يوم الخميس فولد مدركة بن الياس نفرا منهم خزيمة بن مدركة وهذيل بن مدركة وأمهما امرأة من قضاعة قيل هى سلمى بنت سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة وقيل غير ذلك كذا فى الاكتفاء وقال فى غيره اسم أم خزيمة قزيمة وانما سمى خزيمة تصغير خزمة لانه خزم نور آبائه وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم فبقى سنين لا يدرى كيف يتزوّج حتى أرى فى منامه أن تزوّج برّة بنت طابخة فتزوّجها وكانت يومئذ سيدة قومها فى الحسن والجمال فولدت له كنانة* وفى الاكتفاء فولد خزيمة بن مدركة كنانة وأسدا وأسدة والهون وأم كنانة منهم عوانة بنت سعد بن قيس بن غيلان بن مضر وقيل هند بنت عمرو بن قيس ابن غيلان قرأته بخط أحمد بن يحيى بن جابر وأمّ سائر بنيه برة بنت مرّ أخت تميم بن مر بن أدبن طابخة وفى كنانة نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وانما سمى كنانة لانه لم يزل فى كن من قومه فتزوّج كنانة ريحانة فولدت له النضر بن كنانة واسمه قيس كذا فى المنتقى والمواهب اللدنية وانما سمى النضر لنضارة وجهه وجماله* وفى ذخائر العقبى أم النضربرة بنت مرّ أخت تميم بن مر فهى مرية وثالثة عشر من الجدّات الابويات النبويات فتميم أخوال قريش لان قريشا من النضر تقرّشت* وفى المنتقى هو الذى اختاره الله تعالى بالبسط وسماه قريشا وكل من ولد من النضر فهو قرشى ومن لم يلده النضر فليس بقرشى* وفى أنوار التنزيل وقريش ولد النضر بن كنانة منقول من تصغير قرش وهو دابة عظيمة فى البحر تعبث بالسفن ولا تطاق الا بالتار فسموا بها لانها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى وتصغير الاسم للتعظيم وكذا عبارة المدارك بعينها الا أن فيها سموا بذلك لشدّتهم ومنعتهم تشبيها بها وعن ابن عباس وقد سئل عن سبب تسميتهم قريشا قال بدابة فى البحر من أحسن دوابه لا تدع شيئا من الغث والسمين الا أتت عليه يقال لها القرش وأنشد الجمحى
وقريش هى التى تسكن البحر ... بها سميت قريش قريشا
سلطت بالعلوّ فى لجة البحر ... على ساكنى البحور جيوشا
تأكل الغث والسمين ولا ... تترك منهم لذى الجناحين ريشا
هكذا فى البلاد حى قريش ... يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبىّ ... يكثر القتل فيهم والخموشا
تملأ الارض خيله ورجال ... يحشرون المطىّ حشر المليشا(1/150)
وقيل من القرش وهو الجمع والكسب لانهم كانوا كاسبين بتجاراتهم وضربهم فى البلاد* وفى ذخائر العقبى قريش هو فهر بن مالك وقيل النضر بن كنانة وهو قول ابن اسحاق* وفى المواهب اللدنية واسم فهر بن مالك قريش واليه تنسب قريش فما كان فوقه فكنانى لا قرشى وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فولد كنانة بن خزيمة أربعة نفر النضر بن كنانة ومالك بن كنانة وعبد مناة بن كنانة وملكان ابن كنانة فأم النضر برّة بنت مرّ بن أدبن طابخة بن الياس بن مضر وسائر بنيه لامرأة أخرى قال ابن هشام امّ النضر ومالك وملكان برّة بنت مر وامّ عبد مناة هالة بنت سويد بن الغطريف من أسد شنوءة سموا شنوءة لشنآن كان بينهم والشنآن البغض قال ابن هشام النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قرشى ومن لم يكن من ولده فليس بقرشى* وفى الاكتفاء فولد كنانة بن خزيمة جماعة منهم النضر وبه كان يكنى ونضر ومالك وملكان وعمرو وعامر وأمهم برة بنت مر خلف عليها كنانة بعد أبيه خزيمة على ما كانت الجاهلية تفعله فى الجاهلية اذا مات الرجل خلف على زوجته أكبر بنيه من غيرها فنهى الله تعالى عن ذلك بقوله ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف ويقال ان برّة هذه أهديت أوّلا الى خزيمة بن مدركة قالت له انى رأيت فى المنام كأنى ولدت غلامين من خلاف بينهما سائبا فبينما أنا أتأمّلهما اذا أحدهما أسد يزأر والآخر قمر ينير فأتى خزيمة كاهنة بتهامة فقص عليها الرؤيا فقالت لئن صدقت فى رؤياها لتلدنّ منك غلاما يكون لولده قلوب باسلة ثم لتموتن عنها فيخلف عليها ابن لك فتلد منه غلاما يكون لولده عدل وعدد وقروم مجد وعز الى آخر الابد ثم توفى خزيمة فخلف عليها كنانة بعد أبيه فولدت له النضر واخوته وأتى أباه كنانة آت وهو نائم فى الحجر فقيل له تخير يا أبا النضر بين الصهيل والهدر وعمارة الجدر وعز الدهر فقال كل يا رب فصار هذا كله فى قريش* قال الشيخ تاج الدين عبد الباقى بن العمك اليمنى فى كتاب غريب الشفاء ولنذكر هنا فائدة جليلة وهى الذى عليه أكثر أهل السير أن كنانة خلف على برّة بعد أبيه خزيمة على عادة أهل الجاهلية فى أن أكبر ولد الرجل يخلف على زوجته اذا لم يكن منها وهو مشكل لان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول كلنا نكاح ليس فينا سفاح ما ولدت من سفاح أهل الجاهلية وذكر السهيلى وغيره أعذارا منها أن الله تعالى يقول ولا تنتكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف أى ما قد سلف تحليل ذلك قبل الاسلام وفائدة هذا الاستثناء أن لا يعاب نسب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وليعلم أنه ليس فى أجداده سفاح ألا ترى انه لم يقل فى شىء نهى عنه فى القرآن الا ما قد سلف الا فى هذه الآية وفى الجمع بين الاختين وما عدا ذلك فلا* وذكر الحافظ أبو عثمان عمرو بن بحر فى كتاب له سماه كتاب الاصنام قال وخلف كنانة بن خزيمة بن مدركة على زوجة أبيه بعد وفاته وهى برة بنت أدّبن طابخة بن الياس بن مضر وهى أمّ أسد بن الهون بن خزيمة ولم تلد لكنانة ولدا وكانت ابنة أخيها وهى برة بنت مرّ بن طابخة تحت كنانة بن خزيمة فولدت له النضر بن كنانة قال وانما غلط كثير من الناس لما سمعوا ان كنانة خلف على زوجة أبيه برّة لاتفاق اسمهما وتقارب نسبهما قال هذا الذى عليه مشايخنا من أهل العلم بالنسب قال ومعاذ الله أن يكون أصاب النبى صلّى الله عليه وسلم مقت نكاح وقال من اعتقد غير ذلك فقد أخطأ وشك فى الخبر ويؤيد ذلك قوله صلّى الله عليه وسلم تنقلت فى الاصلاب الزكية الى الارحام الطاهرة* قلت ويؤيد ذلك ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قوله تعالى وتقلبك فى الساجدين أى من نبىّ الى نبىّ حتى أخرجتك نبيا انتهى فعلى هذا التقدير لم تكن رؤيا برة المذكورة سابقا من انها رأت فى المنام كأنها ولدت غلامين الى آخرها ثابتة صحيحة والنضر هو
جماع قريش فى قول طائفة من أهل العلم بالنسب والاكثر على ان فهر بن مالك بن النضر هو(1/151)
قريش فمن كان من ولده فهو قرشى ومن لم يكن من ولده فليس بقرشى وذكر الزبير أن هذا هو رأى كل من أدرك من نساب قريش* وفى المنتقى والنضر هو الذى رأى فى منامه وهو نائم فى الحجر شجرة خضراء خرجت من ظهره ولها أغصان بعدد الاوّلين والآخرين وقد ارتفع بعض أغصانها الى السماء وله نور فى نور الشمس وقد تعلق به قوم بيض الوجوه من لدن ظهره فلما انتبه أتى الكاهنة فأخبرها بذلك فقالت لئن صدقت رؤياك لقد صرف اليك العز وخصصت باسم ونسب لم يخص به من كان قبلك فتزوّج النضر ابن كنانة هند بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان فهى قيسية وثانية عشر من الجدات النبويات الابويات فولدت له مالكا وانما سمى مالكا لانه ملك العرب* وفى سيرة ابن هشام فولد النضر ابن كنانة رجلين مالك بن النضر ويخلد بن النضر فأم مالك عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان ولا أدرى أهى أم يخلد أولا قال ابن هشام والصلت بن النضر فيما قال أبو عمرو الدانى أمهم جميعا بنت سعد ابن ظرب العدوانى عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان* وفى الاكتفاء فولد النضر بن كنانة مالكا ويخلد والصلت انتهى وتزوّج مالك جندلة بنت الحارث بن جندل بن عامر بن سعد بن الحارث بن مضاض الجرهمى فهى جرهمية وحادية عشرة من الجدّات النبويات فولدت له فهر بن مالك وهو جماع قريش عند الاكثر* قال الزبير قد أجمع النساب من قريش وغيرهم على أن قريشا انما تفرّقت عن فهر* وفى الاكتفاء ويقال ان قريشا هو اسمه الذى سمته به امّه ولقبته فهرا فتزوّج سلمى بنت سعد ابن هذيل فهى هذلية وعاشرة الجدّات النبويات فولدت له غالبا* وفى الاكتفاء فولد فهر بن مالك غالبا ومحاربا والحارث وأسدا وأختهم جندلة وأمهم جميعا ليلى بنت سعد بن هذيل بن مدركه فتزوّج غالب وحشية بنت مدلج بن مرّة بن عبد مناف بن كنانة فهى كنانية وتاسعة الجدّات النبويات فولدت له لويا بالهمز تصغير اللأى وهو الثور* وفى الاكتفاء فولد غالب بن فهر لؤيا وتيما وهو الازرم كان منقوص الذقن ويقال لقومه بنو الازرم وأمهما فى قول ابن اسحاق سلمى بنت عمر والخزاعى وفى قول الزبير عاتكة بنت يخلد بن النضر* قال ابن هشام وقيس بن غالب وأمه سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعى فتزوّج لؤى بن فهر سلمى بنت محارب من فهم أو فهر الخط فى الاصل توهم فهى فهمية أو فهرية وثامنة الجدّات النبويات فولدت كعبا وكان يوم الجمعة يسمى يوم العروبة فكعب أوّل من سماه الجمعة لاجتماع قومه اليه فيه فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويعلمهم بأنه من ولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد فى ذلك أبياتا منها قوله
يا ليتنى شاهد نجواء دعوته ... اذا قريش تبغى الحق خذلانا
وفى الاكتفاء فولد لؤى بن غالب كعبا وعامر اوسامة وعوفا وسعدا وخزيمة* وفى سيرة ابن هشام فأم كعب وعامر وسامة ماوية بنت كعب بن القين بن جسر بن قضاعة* قال ابن هشام ويقال والحارث بن لؤى وهم جشم بن الحارث بن هزان بن ربيعة وامّ بنى لؤى كلهم الاعامر بن لؤى ماوية بنت كعب بن القين بن جسر وامّ عامر بن لؤى مخشبة بنت شيبان بن محارب بن فهر فدخل بنو خزيمة فى شيبان بن ثعلبة ويسمون فيهم بعائدة وهى امرأة من اليمن كانت أمّ بنى عبيد بن خزيمة بن لؤى فنسبوا اليها وكذلك دخل بنو سعد أيضا فى شيبان بن ثعلبة ويسمون فيهم ببنانة خاضنة كانت لهم من بنى القين من قضاعة وقيل بنت النمر بن قاسط من ربيعة فنسبوا اليها* قال ابن اسحاق وأما سامة بن لؤى فخرج الى عمان ويزعمون ان عامر بن لؤى أخرجه وذلك انه كان بينهما شىء ففقأ سامة عين عامر فأخافه عامر فخرج الى عمان فيزعمون ان سامة بن لؤى بينما هو يسير على ناقته اذ وضعت رأسها ترتع فأخذت حية بمشفرها فهصرتها حتى وقعت النافة لشقها ثم نهشت سامة فى ساقة فقتلته* قال ابن اسحاق وأما عوف بن لؤى(1/152)
فانه خرج فيما يزعمون فى ركب من قريش حتى اذا كان فى أرض غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان أبطأ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه فى نسب بنى ذبيان ثعلبة بن سعد ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان فحبسه والطاطه وآخاه وزوّجه فانتسب بتلك المؤاخاة الى سعد ابن ذبيان الى ثعلبة وثعلبة فيما يزعمون هو القائل
احبس علىّ ابن لؤى جملك ... تركك القوم ولا منزل لك
وأما كعب بن لؤى وعامر بن لؤى فهما أهل الحرم وصريح ولد لؤى وكان كعب منهما عظيم القدر فى العرب وأرّخوا بموته اعظاما له الى ان كان عام الفيل فأرّخوا به وكان بين موته والفيل فيما ذكروا خمسمائة سنة وعشرون سنة كذا فى الاكتفاء* وفى شواهد النبوّة بين موت كعب ومبعث نبينا صلّى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة وتزوّج كعب وحشية بنت شيبان بن محارب من فهم فهى فهمية أيضا وسابعة الجدّات النبويات فولدت له مرّة* وفى الاكتفاء فولد كعب بن لؤى مرّة وهصيصا وعديا وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهم بن مالك وقيل ان أمّ عدى وحده امرأة من فهم وهى حبيبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن غيّلان بن مضر بن نزار فتزوّج مرّة نعمى بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة فهى كنانية وسادسة الجدّات النبويات الابويات فولدت له كلابا واسمه حكيم وقيل عروة كذا فى سيرة مغلطاى والمواهب اللدنية وهو اما منقول من المصدر الذى فى معنى المكالبة نحو كالبت العدوّ مكالبة وكلابا واما من الكلاب جمع كلب لانهم يريدون الكثرة كما يسمون بسباع*
نفيسة فى تسمية العرب أولادها بشر الاسماء
وسئل اعرابى لم تسمون أولادكم بشرّ الاسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسن الاسماء نحو مرزوق ورباح فقال انما نسمى أبناءنا لاعدائنا وعبيدنا لانفسنا يريدون ان الابناء عدّة للاعداء وسهام فى نحورهم فاختاروا لهم هذه الاسماء* وفى الاكتفاء فولد مرّة بن كعب كلابا وتيما ويقطة قال ابن اسحاق فأم كلاب هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك ابن كنانة بن خزيمة وأم يقطة البارقية امرأة من بارق الاسد من اليمن ويقال هى أم تيم ويقال تيم لهند بنت سرير بن كلاب كذا فى سيرة ابن هشام فتزوّج كلاب فاطمة بنت سعد من ازد السراة فهى أزدية وخامسة الجدّات النبويات* فولدت له قصيا واسمه زيد وقال الشافعى يزيد فيما حكاه أبو احمد كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفى الاكتفاء فولد كلاب رجلين قصيا وزهرة وأمهما فاطمة بنت سعد ابن سيل أحد الجدرة من خثعمة الاسد من اليمن واسم سيل خير وانما سمى سيلا لطوله وسيل اسم جبل وهو خير بن حماله بن عوف بن غنم بن عامر الجادر بن عمرو بن خثعمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نضر بن الازد وسمى عامر الجادر لانه بنى جدار الكعبة كان وهى من سيل أتى أيام ولاية جرهم البيت وكان عامر تزوّج منهم بنت الحارث بن مضاض وقيل لولده الجدرة لذلك وذكر الشرقى بن القطامى أن الحاج كانوا يتمسحون بها ويأخذون من طينها وحجارتها تبرّكا بذلك فان عامرا هذا كان موكلا باصلاح ما شعث من جدرها فسمى الجادر والله أعلم وسعد بن سيل جدّ قصى بن كلاب هو أوّل من حلى السيف بالفضة والذهب وأهدى الى كلاب بن مرّة مع ابنته فاطمة سيفين محليين فجعلا فى خزانة الكعبة وقصى هو الذى جمع الله به قريشا وكان اسمه زيدا فسمى مجمعا لما جمع من أمرها قال الشاعر
أبوكم قصىّ كان يدعى مجمعا ... به جمع الله القبائل من فهر
وسمى قصيا تصغير قصى لتقصيه أى تبعده عن بلاد قومه فى بلاد قضاعة مع امه فاطمة بعد وفات أبيه كلاب بن مرّة وذلك انه لما هلك أبوه كلاب بن مرّة خلف ولديه زهرة وقصيا مع أمهما فاطمة بنت(1/153)
سعد بن سيل بن عذره وزهرة حينئذ رجل وقصى فطيم فقدم مكة بعد مهلك كلاب حاج من قضاعة فيهم ربيعة بن حزام بن ضبة بن عبد كبير بن عذره فتزوّج فاطمة بنت سعد فاحتملها الى بلاده فاحتملت ابنها قصيا لصغره وأقام زهرة فى قومه فولدت فاطمة لربيعة رزاحا فكان أخا قصى لامه وكان لربيعة بنون ثلاثة من امرأة اخرى وهم حن ومحمود وجلهمة بنى ربيعة وأقام قصى مع امه فى أرض قضاعة لا ينسب الا الى ربيعة ابن حزام الى أن كبر وخرج فى حاج قضاعة فى الشهر الحرام حتى قدم مكة الى قومه وهذا سبب تسميته قصيا فخرج قصى شابا جميلا ورجلا جلد او عالم قريش وأقومها بالحق وأوّل من ولى سدانة البيت الكعبة من قريش* قال ابن اسحاق بعد اخراج جرهم وقطورا من مكة ثم ان غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة وكان الذى يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشانى وقريش اذ ذاك حلول وصرم وبيوتات متفرّقون فى قومهم من بنى كنانة فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشية على لفظ المنسوب الى حبشة قال ابن هشام ويقال حبشة يعنى بضم الحاء وسكون الباء الموحدة ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى* وفى الاكتفاء وخطب قصى الى حليل ابنته حبى فعرف حليل النسب ورغب فى الرجل فزوّجه وحليل يومئذ يلى أمر مكة والحكم فيها وحجابة البيت فأقام قصى معه بمكة وولدت له حبى أربعة بنين عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبدا فلما انتشر ولد قصى وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل ورأى قصى أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر وان قريشا فرع اسماعيل وابراهيم عليهما السلام وصريح ولده فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم الى اخراج خزاعة وبنى بكر من مكة فأجابوه الى ذلك فكتب عند ذلك قصى الى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة يدعوه الى نصرته والقيام معه فخرج رزاح ومعه اخوته لابيه حن ومحمود وجلهمة فيمن تبعهم من قضاعة فى حاج العرب وهم مجمعون لنصر قصى والقيام معه فلما اجتمع الناس بمكة وفرغوا من الحج ولم يبق الا أن يصدر الناس كان أوّل ما تعرض له قصى من المناسك أمر الاجازة للناس بالحج وكانت صوفة هى التى تلى ذلك مع الدفع بهم من عرفة ورمى الجمار وهم ولد غوث بن مرفولى غوث الاجازة بالناس وتحيز بهم اذا نفروا واذا كان يوم النفر أتوا لرمى الجمار ورجل من صوفة يرمى للناس لا يرمون حتى يرمى فاذا فرغوا من رمى الجمار وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة فحبسوا الناس وقالوا جيزى صوفة فلم يجز أحد حتى يمرّوا فاذا نفدت ومضت خلى سبيل الناس وانطلقوا بعدهم وكانت اجازة الافاضة من المزدلفة فى عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان يتوارثون كابرا عن كابر حتى كان آخرهم الذى قام عليه الاسلام أبو السيارة عميله بن أعزل ذكروا أنه أجاز عليها أربعين سنة وعزم قصى على انتزاع ذلك من أيديهم فأتاهم بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة فقال لنحن أولى بهذا الامر منكم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ثم انهزمت صوفة وغلبهم قصى على ما كان بأيديهم من ذلك وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة وانه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة فلما انحازوا عنه ناواهم وأجمع لحربهم وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا بالابطح حتى كثرت القتلى فى الفريقين جميعا وفشت الجراحة فيهم وأكثرها فى خزاعة ثم انهم تداعوا الى الصلح والى أن يحكموا بينهم رجلا من العرب فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر ابن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة فقضى بينهم ان قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وان كل دم أصابه قصى من خزاعة وبنى بكر موضوع يشدخه تحت قدميه وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤدّاة وأن يخلى بين قصى وبين الكعبة ومكة فسمى يعمرو بن
عوف(1/154)
يومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع منها* قال ابن اسحاق فولى قصى البيت وأمر مكة وجمع قومه من منازلهم الى مكة وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه فكان قصى أوّل بنى كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه فكانت اليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله وقطع مكة أرباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التى أصبحوا عليها ويزعم الناس ان قريشا هابوا قطع الشجر من الحرم فى منازلهم فقطعها قصى بيده وأعوانه فسمته قريش مجمعا لما جمع من أمرها وتيمنت بأمره فما نكحت امرأة ولا تزوّج رجل من قريش ولا يتشاورون فى أمر نزل بهم ولا يعقد لواء الحرب قوم غيرهم الا فى داره يعقده لهم بعض أولاده ولا يعذر غلام الا فى داره ولا تدّرع جارية من قريش الا فى بيته يشق عليها فيها درعها اذا بلغت ذلك ثم تدرعه ثم ينطلق بها الى أهلها ولا يخرج عير من قريش فيرحلون الا من داره ولا يقدمون الا نزلوا فى داره فكان أمره فى حياته وبعد موته كالدين المتبع لا يعمل بغيره واتخذ لنفسه دار الندوة قيل كانت فى جهة الحجر والميزاب عند المقام الحنفى اليوم وجعل بابها الى مسجد الكعبة ففيها كانت قريش تقضى امورها ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصى الا ابن أربعين سنة وكان يدخلها ولده كلهم وحلفاؤهم ولما فرغ قصى من حربه انصرف أخوه رزاح الى بلاده بمن معه من قومه* وعن محمد بن جبير بن مطعم ان قصى بن كلاب كان يعشر من يدخل مكة من غير أهلها فهذا حديث قصى فى ولاية البيت بعد حليل بن حبشية واخراج خزاعة عنه وخزاعة تزعم أن حليلا أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها وبأمر مكة من خزاعة فعند ذلك طلب قصى ما طلب* قال ابن اسحاق ولم يسمع ذلك من غيرهم والله أعلم وقد سمع فى سبب ولاية قصى وجه آخر وهو أنه قال أبو عبيدة زعم ناس من خزاعة كان حليل آخر من ولى البيت من خزاعة فلما ثقل جعل ولاية البيت الى ابنته حبى فقالت له قد علمت انى لا أقدر على فتح الباب واغلاقه قال انى أجعل الفتح والاغلاق الى رجل يقوم لك فجعله الى رجل خزاعى يقال له أبو غبشان بفتح الغين المعجمة وضمها وهو سليم بن عمرو بن لؤى بن ملكان وهو الذى ولى سدانة الكعبة قبل قريش فاجتمع مع قصى فى شرب بالطائف فأسكره قصى ثم اشترى مفاتيح بيت الله الحرام منه بزق خمر وفى رواية بزق خمر وكبش وفى رواية بزق خمر وقعود وأشهد عليه ودفع المفاتيح الى ابنه عبد الدار وطيره الى مكة فلما أفاق أبو غبشان ندم من المبيع أو ندّمه قومه وعابوا عليه فجحد البيع وقال انما رهنته بحقه فضرب به الامثال فى الحمق والندم وخسارة الصفقة فقالوا أخسر من صفقة أبى غبشان فذهب مثلا كذا فى القاموس ثم وقع الحرب بين قصى وابى غبشان وقومهما قريش وخزاعة فذلك قول الشاعر
أبو غبشان أظلم من قصىّ ... وأظلم من بنى فهر خزاعه
فلا تلحوا قصيا فى شراه ... ولوموا شيخكم ان كان باعه
ونصر قصيا رجال من قومه قريش وبنى كنانة وقضاعة وبعد قتال شديد استقرّ الامر على قصى فتزوّج قصى عاتكة بنت فالخ بن مليك بن فالخ بن ذكوان من بنى سليم فولدت له عبد مناف* وقال أبو اليقظان أم عبد مناف حبى بنت حليل الخزاعى فأمّ عبد مناف سلمية وقيل خزاعية فهى رابعة الجدّات النبويات* وفى الاكتفاء فولد قصى بن كلاب أربعة بنين وبنتين عبد مناف واسمه المغيرة وعبد الدار وعبد العزى وعبد او تخمر وبرة وأمهم جميعا حبى بنت حليل بن حبشية قال ابن هشام ويقال حبشية بن سلول وفى سيرة ابن هشام سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى* قال الزبير بن بكار لما ولد لقصى أوّل ولده سماه عبد مناة ثم نظر فاذا هو موافق لاسم عبد مناف بن كنانة فأحاله الى عبد مناف(1/155)
وساد عبد مناف فى حياة أبيه وكان مطاعا فى قريش وهو الذى يدعى القمر لجماله واسمه المغيرة وكنيته أبو عبد شمس ومناة اسم صنم وذكر الزبير عن موسى بن عقبة انه وجد كتابا فى حجر فيه أنا المغيرة بن قصى آمر بتقوى الله وصلة الرحم واياه عنى القائل بقوله
كانت قريش بيضة فتقلقت ... فالمح خالصه لعبد مناف
وعن الواقدى أنه قال مات قصى بمكة فدفن بالحجون فتدافن الناس بعده بالحجون وكان نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وكان فى يده لواء نزار وقوس اسماعيل* وفى شفاء الغرام فلم تزل السقاية والرفادة والقيادة لعبد مناف بن قصى يقوم بها حتى توفى* قال ابن هشام هلك عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا وقد تزوّج عاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذكوان من بنى سليم فهى سلمية أيضا وثالثة الجدّات النبويات الابويات فولدت له هاشما واسمه عمرو* وفى الاكتفاء فولد عبد مناف أربعة نفر هاشما وعبد شمس والمطلب ونوفلا كلهم لعاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر الا نوفلا فليس منهم فانه لوافدة بنت عمرو المازنية مازن بن منصور بن عكرمة* قال ابن هشام وأبو عمرو وتماضر وقلابة وحبيبة وريطة وامّ الاخثم وامّ سفيان بنو عبد مناف فأم أبى عمرو وريطة امرأة من ثقيف وامّ سائر النساء عاتكة بنت مرّة بن هلال امّ هاشم بن عبد مناف وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو بن سلول بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن وامّ صفية بنت عائذ الله بن سعد العشيرة بن مذحج* وفى المنتقى كان لعبد مناف خمسة بنين وسبع بنات* وفى شفاء الغرام ولد عبد مناف بن قصى خمسة نفر عمرو وهاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل فعدّ عمرا وهاشما اثنين وفى غير شفاء الغرام عدّهما واحدا وسيجىء تحقيقه* وفى روضة الاحباب كان لعبد مناف أربعة بنين هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل كأنه عدّ عمرا وهاشما واحدا أما هاشم فهو جدّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم واسمه عمرو ويقال له عمرو العلا أيضا لعلوّ مرتبته ولقبه هاشم لانه كان يهشم الثريد لاهل مكة أيام القحط والهشم كسر الشىء اليابس كذا فى القاموس* ولما توفى عبد مناف ولى بعده هاشم السقاية والرفادة أما السقاية فحياض من أدم كانت على عهد قصى توضع بفناء الكعبة ويستقى فيها الماء العذب من الآبار ويسقاه الحاج وأما الرفادة فخرج كانت تخرجه قريش فى الجاهلية من أموالها فى كل موسم فتدفعه الى قصى فتصنع به طعاما للحاج ويأكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد وكان عبد مناف يعمل به بعده وكان هاشم يعمل به بعد أبيه فيطعم الناس فى كل موسم ما يجتمع عنده من ترافد قريش فلم يزل على ذلك من أمره حتى أصاب الناس سنة جدب شديد فخرج هاشم الى الشام فاشترى بما اجتمع عنده من المال دقيقا وكعكا فقدم مكة فى الموسم فهشم الخبز والكعك ونحر الجزور وطبخ وجعله ثريدا وأطعم الناس وكانوا فى مجاعة شديدة حتى أشبعهم فسمى لذلك هاشما* وقال عطاء عن ابن عباس انهم كانوا فى ضرّ ومجاعة شديدة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين يعنى فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغنى حتى كان فقيرهم كغنيهم وقال الكلبى كان أوّل من حمل السمراء من الشام ورحل اليها الابل هاشم بن عبد مناف وفى ذلك يقول ابن الزبعرى السهمى
قل للذى طلب السماحة والندى ... هلا مررت بآل عبد مناف
هلا مررت بهم تريد قراهم ... منعوك من ضرّ ومن اتلاف
الرائشين وليس يوجد رائش ... والقائلين هم للاضياف
والخالطين فقيرهم بغنيهم ... حتى يكون فقيرهم كالكا فى(1/156)
والقائلين لكل وعد صادق ... والراحلين برحلة الايلاف
سفرين سهما له ولقومه ... سفر الشتاء ورحلة الاصياف
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون حجاف
وفى رواية
عمرو العلا هشم الثريد لمعشر ... كانوا بمكة مسنتين عجاف
وكان عبد المطلب بعد هاشم يلى الرفادة فلما توفى قام بذلك أبو طالب فى كل موسم حتى جاء الاسلام وهو على ذلك وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قد أرسل بمال يعمل به الطعام مع أبى بكر حين حج بالناس سنة تسع من الهجرة ثم عمل به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى حجة الوداع سنة عشر ثم قام بذلك أبو بكر رضى الله عنه فى خلافته ثم عمر ثم عثمان ثم على وهلم جرّا وهو طعام الموسم الذى كان الخلفاء يطعمونه أيام الحج بمكة وبمنى حتى تنقضى أيام الموسم كذا فى شفاء الغرام* قال ابن اسحاق كان أوّل بنى عبد مناف هلاكا هاشم هلك بغزة من أرض الشام واختلف فى سنه حين مات فقيل عشرون سنة وقيل خمس وعشرون سنة وأما عبد شمس فهو الجدّ الاعلى لابى سفيان بن حرب بن أمية ابن عبد شمس وبه كان يكنى عبد مناف* وفى شفاء الغرام قيل ان هاشما وعبد شمس توأمان وان أحدهما ولد قبل الآخر قيل ان الاوّل هاشم وان اصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت فسال الدم فقيل يكون بينهما دم* وفى روضة الاحباب كان جباههما متلاصقتين فكلما عالجوا فى فكهما لم يقدروا حتى فصلوهما بالسيف فبلغ الخبر بعض عقلاء العرب فقال كان ينبغى أن يفصلوهما بشىء آخر فاذ لم يفعلوا فلا تزال تكون العداوة والسيف فى أولادهما فكان كما قال ولما توفى عبد مناف ولى القيادة بعده من بنيه عبد شمس فمات عبد شمس بعد هاشم بمكة فولى القيادة بعده ابنه أمية ثم بعده حرب بن أمية فقاد الناس يوم عكاظ فى حرب قريش وقيس عيلان وفى الفجارين الاوّل والثانى وقاد الناس قبل ذلك بذات نكيف كأمير موضع بناحية يلملم ويوم نكيف معروف ونكيف موضع معروف كان به وقعة فهزمت قريش بنى كنانة انتهى والاحابيش يومئذ مع بنى بكر تحالفوا على جبل يقال له الحبشى على قريش فسموا الاحابيش بذلك* وفى كتاب القرى الحبشى بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين وتشديد الياء جبل قريب من مكة قاله ابن الاثير وقال الحافظ أبو عمرو على عشرة اميال من مكة وقال الصاغانى على ستة أميال وقال الجوهرى جبل بأسفل مكة وكان أبو سفيان بن حرب يقود قريشا بعد أبيه حتى كان يوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان أبو سفيان فى العير يقود الناس فلما كان يوم أحد قاد الناس أبو سفيان وقاد الناس يوم الاحزاب وكانت آخر وقعة لقريش حتى جاء الاسلام وفتح مكة فأسلم وأما المطلب فهو الجدّ الاعلى للامام الشافعى مات بعد عبد شمس بردمان من أرض اليمن وأما نوفل فهو جدّ جبير بن مطعم مات بعد المطلب بسلمان من ناحية العراق* وفى المنتقى كان هاشم أفخر قومه وأعلاهم وكانت مائدته منصوبة لا ترفع فى السرّاء والضرّاء وكان يحمل ابن السبيل ويؤوى الخائف وكان نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى وجهه يتوقد شعاعه ويتلألأ ضياؤه ولا يراه حبر من الاحباء الاقبل يديه ولا يمرّ بشىء الاسجد اليه تفد اليه قبائل العرب ووفود الاحبار يحملون بناتهم يعرضون عليه ليتزوّج بهنّ حتى بعث اليه هرقل ملك الروم وقال ان لى ابنتا لم تلد النساء أجمل منها ولا أبهى وجها فاقدم الىّ حتى أزوجكها فقد بلغنى جودك وكرمك وانما أراد بذلك نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم الموصوف عندهم فى الانجيل وكان هاشم يأبى وكان ينطلق الى جبل ثبير يسأل اله السماء ثم يرجع الى الاصنام وكان اذا أراد أن يدخل عليها يدركه جبريل فينزع نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ظهره فلم يزل هاشم كذلك حتى أرى فى منامه(1/157)
أن تزوّج سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار فهى نجارية وثانية الجدّات الابويات النبويات وكانت قبل هاشم تحت أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحيحة وهو أخو عبد المطلب لامه وكانت فى زمانها كخديجة فى زمانها لها عقل وحلم فولدت له عبد المطلب اسمه شيبة الحمد وقيل عامر كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمس نسوة عبد المطلب وأسدا وهو أبو فاطمة امّ علىّ رضى الله عنه وأبا صيفى واسمه عمرو كذا فى الحدائق ونضلة والشفاء وخالدة وصفية ورقية وحمنة وامّ عبد المطلب منهم سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدىّ بن النجار واسم النجار تيم بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وأمها عميرة بنت صخر بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار وامّ عميرة سلمى بنت عبد الاشهل النجارية وام أسد قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعى وأم أبى صيفى وحمنة هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية وأم نضلة والشفاء امرأة من قضاعة وأم خالدة وصفية واقدة بنت أبى عدى المازنية واسم عبد المطلب شيبة ويقال له أيضا شيبة الحمد سمى بها لانه كان حين ولد كان وسط رأسه أبيض وقيل اسمه عامر وهو قول ابن قتيبة وتابعه عليه المجد الشيرازى وانما سمى عبد المطلب لانه كان طفلا حين توفى أبوه فرباه عمه المطلب بن عبد مناف وكان من عادة العرب أن تقول ليتيم كان فى حجر واحد هو عبده وقيل لما دنت وفاة أبيه هاشم بمكة وكان عبد المطلب حينئذ بالمدينة قال لاخيه المطلب أدرك عبدك الذى بيثرب فسمى عبد المطلب* وفى المنتقى لانّ هاشما خرج الى الشام فى تجارة فمرّ بالمدينة فرأى سلمى بنت عمرو ويقال بنت زيد بن عمرو النجارى فأعجبته فحطبها الى أبيها فأنكحه اياها وشرط عليه أن لا تلد ولدا الا فى أهلها ثم مضى هاشم لوجهه قبل أن يبنى بها ثم انصرف راجعا من الشام فبنى بها فى أهلها بيثرب ثم ارتحل الى مكة وحملها معه فلما أثقلت ردّها الى أهلها ومضى الى الشام ومات بغزة فولدت له عبد المطلب فمكث بيثرب سبع سنين أو ثمان ثم ان رجلا من بنى الحارث ابن عبد مناف مرّ بيثرب فاذا بغلمان ينتضلون فجعل شيبة اذا خسق قال أنا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء فقال له الحارثى من أنت قال أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف فلما أتى الحارثى مكة أخبر بذلك المطلب فقال المطلب والله لا أرجع الى أهلى حتى آتى به فقال له الحارثى هذه راحلتى بالفناء فاركبها فركبها المطلب وورد يثرب عشاء حتى أتى عدى بن النجار فاذا غلمان يضربون كرة بين ظهرى مجلس فعرف ابن أخيه فقال للقوم أهذا ابن هاشم قالوا نعم هذا ابن أخيك فان كنت تؤثر أخذه فالساعة قبل أن تعلم به أمه فانها ان علمت لم تدعك وحالت بينك وبينه فدعاه المطلب فقال يا ابن أخى أنا عمك وقد أردت الذهاب بك الى قومك واناخ راحلته فجلس على عجز الناقة فانطلق به ولم تعلم أمه حتى كان الليل فقامت تدعوه فأخبرت ان عمه ذهب به وقدم المطلب مكة* وفى سيرة ابن هشام خرج اليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه فقالت له أمه لست بمرسلة معك وقال شيبة لعمه المطلب فيما يزعمون لست بمفارقها الا أن تأذن لى فأذنت له ودفعته اليه فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره فقالت قريش عبد المطلب ابتاعه فيها سمى شيبة عبد المطلب فقال المطلب ويحكم انما هو ابن أخى هاشم قدمت به من المدينة* وفى المنتقى لما قدم به المطلب من المدينة كان أردفه على راحلته وقد أثرت فيه الشمس وعليه اخلاق ثياب وقدم به مكة ضحوة والناس فى مجالسهم فجعلوا يقولون له من هذا وراءك فيقول عبدى وكره ان يقول ابن أخى وهو هيئة بذلة فاشتهر بعبد المطلب فلما أدخله وأحسن من حاله أظهر أنه ابن أخيه هذا ما قيل فى وجه تسميته بعبد المطلب* وفى سيرة ابن هشام هلك المطلب بردمان من
اليمن قيل ليس اليوم على وجه الارض هاشمى الا من أولاد عبد المطلب اذ لم يبق من سائر أولاد هاشم نسل(1/158)
قال السهيلى ان عبد المطلب أوّل من خضب بالسواد من العرب قال ابن الاثير هو أوّل من تحنث بحراء وكان اذا دخل شهر رمضان صعد حراء وأطعم المساكين وقال ابن قتيبة يرفع من مائدة عبد المطلب للوحوش والطيرفى رؤس الجبال فيقال له الفياض لجوده ومطعم طير السماء وكان مجاب الدعوة فتزوّج فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وأمهرها مائة ناقة كوماء وعشرة أواق من ذهب فهى مخزومية وجدة أولى للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكر ذلك ابن قتيبة فى كتاب المعارف فجملة نسوة تزوّجهنّ عبد المطلب خمس فولدن له اثنى عشرا بنا على ما فى الصفوة أو ثلاثة عشر على ما فى الذخائر للعقبى أو عشرة على ما فى سيرة ابن هشام والاكتفاء وست بنات باتفاق الكل* أما البنون ففى الصفوة قال ابن السائب هم اثنا عشر الحارث والزبير وأبو طالب وحمزة وأبو لهب والغيداقى والمقوّم وضرار والعباس وقثم وحجل واسمه المغيرة وعبد الله* وفى سيرة مغلطاى يقال حجل وغيداق واحد ويقال عبد الله والمقوّم واحد وقال غيره أحد عشر ولم يذكر قثما وقال اسم الغيداق حجل بتقديم الجيم وهو السقاء الضخم* وقال الدارقطنى بتقديم الجاء وكذا فى أسد الغابة وهو القيد والخلخال كذا فى المواهب اللدنية
أعمامه صلّى الله عليه وسلم
وفى ذخائر العقبى وكان له اثنا عشر عما بنو عبد المطّلب أبوه صلّى الله عليه وسلم ثالث عشرهم الحارث وأبو طالب واسمه عبد مناف والزبير ويكنى أبا الحارث وحمزة وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق والمقوّم وضرار والعباس وقثم وعبد الكعبة وحجل ويسمى المغيرة وقيل كانوا أحد عشر فأسقط المقوّم وقيل هو عبد الكعبة وقيل عشر فأسقط الغيداق وحجلا وقيل تسعة فأسقط قثم ولم يذكر ابن قتيبة وابن اسحاق وأبو سعيد غيره* وفى أسد الغابة عبد الكعبة درج صغيرا وضرار مات صغيرا وقثم هلك صغيرا والغيداق اسمه نوفل وامه ممنعة بنت عمرو بن مالك الخزاعية وفى رواية الغيداق لقب حجل لقب به لكثرة خيره قال ابن اسحاق عبد الله أصغر بنى عبد المطلب والصواب بنى أمه والا فحمزة والعباس أصغر منه كذا فى سيرة مغلطاى وأما البنات الست فعاتكة وأميمة والبيضاء وهى امّ حكيم وبرة وصفية وأروى وهؤلاء الاولاد لعبد المطلب من امهات شتى فحمزة والمقوّم وحجل وصفية لام وهى هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة والعباس وضرار وقثم لامّ وهى نتيلة بنت خباب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر والحارث من صفية بنت جندب من بنى عامر بن صعصعة وأبو لهب من لبنا بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب الخزاعى ولم يكن لهما اناثى وعبد الله أبو النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأبو طالب والزبير وعبد الكعبة والبيضاء واميمة وبرة وعاتكة لامّ وهى فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وامها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقطة بن مرّة بن كعب وامّ صخرة تخمر بنت عبد بن قصى بن كلاب ولم يعقب من الذكور الا خمسة الحارث والعباس وأبا طالب وأبا لهب وعبد الله وكان أكبرهم الحارث وبه كان يكنى عبد المطلب شهد معه حفر زمزم ومن ولده وولد ولده جماعة لهم صحبة وسيأتى ذكرهم ولم يدرك الاسلام من الذكور غير أربعة أبو طالب وأبو لهب وحمزة والعباس ولم يسلم غير حمزة والعباس ومن البنات لم تسلم الا صفية بلا خلاف واختلف فى أروى وعاتكة فى الصفوة قال محمد بن سعد أسلمتا وهاجرتا الى المدينة وقال غيره لم يسلم منهنّ الا صفية* وفى ذخائر العقبى فذهب أبو جعفر العقيلى الى اسلامهما وعدّهما فى الصحابة وذكر الدارقطنى عاتكة فى جملة الاخوة والاخوات ولم يذكرا روى وأما محمد بن اسحاق وغيره فذكروا أنه لم يسلم من عماته صلّى الله عليه وسلم غير صفية وقد صح أن جملة أولاد أعمامه الذكور من أسلم ومن لم يسلم خمسة وعشرون اثنان منهم لم يسلما طالب بن أبى طالب وعتيبة بن أبى لهب والباقون أسلموا ولهم صحبة تفصيلهم أربعة أولاد لابى طالب طالب ومات كافرا وعقيل وجعفر وعلى وعشرة للعباس الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم(1/159)
وعبد الرحمن ومعبد وكثير والحارث وعون وتمام وخمسة للحارث أبو سفيان ونوفل وربيعة والمغيرة وعبد شمس وابن للزبير عبد الله وثلاثة لابى لهب عتبة وعتيبة مات كافرا ومعتب وابنان لحمزة عمارة ويعلى والاناث عشرة تفصيلهنّ ابنتان لابى طالب امّ هانى وجمانة وثلاث للعباس امّ حبيب وصفية وأمينة وبنت للحارث أروى وابنتان للزبير ضباعة وامّ حكيم وبنت لابى لهب درّة وبنت الحمزة امامة وقد صح أن جملة أولاد العمات أحد عشر رجلا وثلاث بنات عرفن أما الرجال فعامر بن البيضاء من كريز بن ربيعة وعبد الله وزهير ابنا عاتكة من أبى امية المخزومى وأبو سلمة بن برّة من عبد الاسد المخزومى وعبد الله وعبيد الله وأبو أحمد بنو أميمة من جحش وطليب بن أروى من عمير بن وهب والزبير والسائب وعبد الله بنو صفية من العوّام كلهم أسلموا وثبتوا على الاسلام الا عبيد الله بن جحش وأما الاناث فزينب وامّ حبيبة وحمنة بنات أميمة من جحش وذكرت لامّ حكيم بنات لم يذكر عددهنّ ولا اسلامهنّ ولا أساميهنّ وسيجىء ذكر أولاد الاعمام والعمات مفصلا* ذكر الذكور من أولاد عبد المطلب* أما عبد الله بن عبد المطلب أبو النبىّ صلّى الله عليه وسلم فسيجىء ذكر ولادته وتزوّجه ووفاته وغير ذلك فى الطليعة الثالثة من المقدّمة فليطلب ثمة* ذكر الحارث بن عبد المطلب وأولاده* وهو أكبر أولاد عبد المطلب وبه كان يكنى وجملة أولاده ستة أبو سفيان ونوفل وربيعة والمغيرة وعبد شمس وأروى خمسة ذكورا أما أبو سفيان بن الحارث فهو ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة أرضعتهما حليمة السعدية أياما قيل اسمه المغيرة ولم يذكر الدارقطنى غيره وقيل اسمه كنيته والمغيرة اخوه امّه غزية بنت قريش بن طريف من ولد فهر بن مالك وكان ترب رسول الله صلّى الله عليه وسلم يألفه الفا شديدا قبل النبوّة فلما بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عاداه وهجاه وهجا أصحابه وكان شاعرا ذكره ابن اسحاق فلما كان عام الفتح ألقى الله فى قلبه الاسلام فخرج متنكرا وتصدى لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فأعرض عنه فتحوّل الى الجانب الآخر فأعرض عنه قال فقلت أنا مقتول قبل أن اصل اليه فأسلمت وذلك بطريق الابواء كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى أسلم أبو سفيان عام الفتح وحسن اسلامه ويقال انه ما رفع رأسه الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم حياء منه وأسلم معه ولده جعفر لقيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالابواء وأسلما قبل دخوله مكة وقيل بل لقيه هو وعبد الله بن أمية بين السقيا والعرج فأعرض رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهما فقالت أمّ سلمة لا يكن ابن عمك وأخو ابن عمتك أشقى الناس بك وقال له علىّ بن أبى طالب ائت رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال اخوة يوسف ليوسف تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا الخاطئين فانه لا يرضى أن يكون أحسد أحسن قولا منه ففعل ذلك أبو سفيان فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين قال أبو سفيان وخرجت معه شهدت فتح مكة وحنينا فلما لقينا العدوّ بحنين اقتحمت عن فرسى وبيدى السيف صلتا والله يعلم انى أريد الموت دونه وهو ينظر الىّ فقال العباس يا رسول الله أخوك وابن عمك أبو سفيان فارض عنه فقال فعلت فغفر الله له كل عداوة عادانيها ثم التفت الىّ وقال أخى لعمرى فقبلت رجله فى الركاب كذا فى الصفوة* وفى ذخائر العقبى كان أبو سفيان ممن ثبت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يفرّ ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو غرزه على اختلاف فى النقل حتى انصرف الناس وكان يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال ان الذين كانوا يشبهون النبىّ صلّى الله عليه وسلم جعفر بن أبى طالب والحسن بن على وقثم بن
العباس وأبو سفيان بن الحارث والسائب بن عبيد بن عبد بن نوفل بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف وعبد الله بن جعفر فهم ستة وقيل وعبد الله بن نوفل بن الحارث فهم سبعة وكان صلّى الله عليه(1/160)
وسلم يحب أبا سفيان بن الحارث وشهد له بالجنة وعن عروة عن أبيه أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أبو سفيان بن الحارث من شباب أهل الجنة أو سيد فتيان أهل الجنة رواه ابن عمرو عن أبى حية البدرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أبو سفيان خير أهلى أو من خير أهلى خرّجه أبو عمرو وذكر الدارقطنى انه صلّى الله عليه وسلم قاله يوم حنين كذا فى ذخائر العقبى وعن ابن اسحاق لما حضر أبا سفيان ابن الحارث الوفاة قال لاهله لا تبكوا علىّ فانى لم انتطف بخطيئة منذ أسلمت قال أهل السير مات أبو سفيان ابن الحارث بالمدينة بعد ان استخلف عمر بسنة وسبعة أشهر ويقال بل مات سنة عشرين وقيل توفى بسنة خمس عشرة وصلّى عليه عمر ودفن بالبقيع قاله ابن قتيبة وقال أبو عمرو دفن فى دار عقيل بن أبى طالب وكان هو الذى حفر قبر نفسه قبل أن يموت بثلاثة أيام وسبب موته انه كان فى رأسه ثؤلول فحلقه الحلاق فقطعه فلم يزل مريضا حتى مات بعد مقدمه من الحج وكان له من الولد عبد الله بن أبى سفيان بن الحارث بن عبد المطلب القرشى الهاشمى رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وروى عنه وكان معه مسلما بعد الفتح وجعفر بن أبى سفيان بن الحارث ذكر أهل بيته أنه شهد حنينا مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكره ابن هشام وغيره وقطع به الدارقطنى وانه لم يزل مع أبيه ملازما لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى قبض وتوفى جعفر فى خلافة معاوية وأبو الهياج بن أبى سفيان قيل اسمه عبد الله وقيل علىّ وعاتكة بنت أبى سفيان بن الحارث تزوّجها معتب بن أبى لهب فولدت له وأما نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا الحارث وكان أسنّ من اخوته ومن جميع من أسلم من بنى هاشم حتى من حمزة والعباس أسر يوم بدر ففداه العباس وقيل بل فدى نفسه قيل أسلم وهاجر أيام الخندق وقيل أسلم يوم فدى نفسه وعن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال لما اسر نوفل بن الحارث ببدر قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم افد نفسك قال مالى شىء افتدى به قال افد نفسك برماحك التى بحدّة فقال والله ما علم أحد أن لى بحدّة رماحا غيرى بعد الله أشهد أنك رسول الله وفدى نفسه بها وكانت ألف رمح ذكره أبو عمرو وشهد نوفل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف وكان ممن ثبت يوم حنين مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأعان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف رمح فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كأنى أرى رماحك تقصف أصلاب المشركين وآخى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينه وبين العباس بن عبد المطلب وكانا شريكين فى الجاهلية متفاوضين فى المال متحابين توفى بالمدينة سنة خمس عشرة فى خلافة عمر وصلّى عليه عمر بعد أن شيعه الى البقيع ووقف على قبره حتى دفن وكان له من الولد الحارث وعبد الله وعبيد الله والمغيرة وسعيد وعبد الرحمن وربيعة بنو نوفل فأما الحارث بن نوفل فهو الذى كان يقال له ببه لأنّ أمه هند ابنة أبى سفيان بن حرب بن أمية كانت ترقصه وهو طفل وتقول
لانكحنّ ببه* جارية خدبة* مكرمة محبة* تجبّ أهل الكعبة
ببة لقب له وخدبة أى غليمة سمينة والخدب هو العظيم الجافى وكان قد اصطلح عليه أهل البصرة حين توفى يزيد بن معاوية وخرج مع ابن الاشعث فلما هزم هرب الى عمان ومات بها* قال الواقدى كان الحارث بن نوفل على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم رجلا فأسلم عند اسلام أبيه نوفل وولد له على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولده عبد الله فأتى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحنكه ودعا له وكانت تحته درّة بنت أبى لهب بن عبد المطلب واستعمله النبىّ صلّى الله عليه وسلم على بعض أعماله بمكة واستعمله أبو بكر أيضا قاله الدارقطنى وقيل ان أبا بكر ولى الحارث بن نوفل مكة وانتقل الحارث من المدينة الى البصرة واختط بها دارا فى ولاية عبد الله بن عامر ومات بها فى آخر خلافة عثمان وأما المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا يحيى فولد له على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم(1/161)
بمكة قبل الهجرة وقيل بعدها ولم يدرك من حياة النبىّ صلّى الله عليه وسلم غير ست سنين وهو الذى تلقى عبد الرحمن بن ملجم المرادى حين ضرب عليا على هامته بسيفه فصرعه فلما هم الناس به حمل عليهم بسيفه ففرّجوا له فتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة فرماها عليه واحتمله وضرب به الارض وقعد على صدره وانتزع سيفه عنه وكان ايدا ثم حمل ابن ملجم وحبس الى أن مات علىّ رضى الله عنه فقتل كما سيجىء فى الخاتمة والايد القوّة ومنه ذا الايد انه أوّاب وكان المغيرة هذا قاضيا فى زمن عثمان وشهد مع علىّ صفين وتزوّج امامة بنت أبى العاص بن الربيع بعد علىّ بن أبى طالب وولد يحيى منها وروى المغيرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقيل ان حديثه مرسل ولم يسمع من النبىّ صلّى الله عليه وسلم شيئا ومن ولده عبد الملك بن المغيرة بن نوفل روى عنه الزهرى وعبد الرحمن الاعرج وعمران ابن أبى أويس وأما عبد الله بن نوفل بن الحارث فكان جميلا وكان يشبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان أوّل من ولى القضاء بالمدينة فى خلافة معاوية وأما أخواه عبيد الله وسعيد فقد روى عنهما العلم وأما عبد الرحمن وربيعة ابنا نوفل فلا لقية لهما ولا رواية ذكر ذلك الدارقطنى فى كتاب رواية الاخوة والاخوات* وأما ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ويكنى أبا أروى فكانت له صحبة وهو الذى قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ألا ان كل مأثرة كانت فى الجاهلية تحت قدمىّ ودماء الجاهلية موضوعة وان أوّل دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث وذلك انه قتل لربيعة ابن الحارث فى الجاهلية ولد يسمى آدم وقيل تمام فأبطل النبىّ صلّى الله عليه وسلم الطلب به فى الاسلام ولم يجعل لربيعة فى ذلك تبعة وكان ربيعة هذا أسنّ من العباس فيما ذكر بسنتين ذكره أبو عمرو وغيره وقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم نعم الرجل ربيعة لو قصر من شعره وشمر من ثوبه وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أطعمه مائة وسق من خيبر كل عام ذكره الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات وكان شريك عثمان فى التجارة ذكره ابن قتيبة توفى سنة ثلاث وعشرين فى خلافة عمر وروى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أحاديث وله من الولد بنون وبنات فالبنون العباس بن ربيعة وعبد المطلب بن ربيعة وعبد الله بن ربيعة ذكر عبد الله هذا أبو عمرو فى باب عبد الله بن عباس فيمن شهد مع علىّ صفين وغيرها ولم يفرده بالذكر وذكره الدارقطنى فى باب الاخوة من ولد ربيعة بن الحارث وذكر من ولده أيضا الحارث وأمية وعبد شمس ومن ولده أيضا آدم بن ربيعة وهو الذى كان مسترضعا فى هذيل وكان العباس بن ربيعة ذا قدر وأقطعه عثمان دارا بالبصرة وأعطاه مائة ألف درهم وشهد صفين مع على وكان تحته أمّ فراس بنت حسان بن ثابت فولدت له أولادا وعقبه كثير ذكره ابن قتيبة وأما البنات فلم يذكر اسماء هنّ عند ذكرهنّ وذكر أبو عمرو فى باب هند بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب انها ولدت على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذكر الدارقطنى أن اسمها أروى قال وقيل هند تزوّجها حبان ابن منقد الانصارى النجارى فولدت له واسعا ويحيى ابنى حبان ولم أظفر بأسماء باقيهنّ ولا بكنيتهنّ غير انهنّ ذكرن على سبيل الجمع كما قدّمنا كذا فى ذخائر العقبى* وأما عبد شمس بن الحارث بن عبد المطلب وسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله فمات بالصفراء فى حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكفنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى قميصه وقال فى حقه سعيد أدركته السعادة قاله الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات والبغوى فى معجمه وليس له عقب وقال ابن قتيبة عقبه بالشام يقال لهم الموزة لقلتهم لانهم لا يكادون يزيدون على ثلاثة* وفى شرح الكرمانى عبيدة بن الحارث كان أسنّ من رسول الله صلّى الله عليه
وسلم بعشر سنين أسلم قبل دخوله دار الارقم شهد بدرا وجرح بها وتأخرت وفاته حتى وصل وادى الصفراء فدفن بها وهو ابن ثلاث وستين سنة وسيجىء فى غزوة بدر ان شاء الله تعالى(1/162)
وأما المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب فله صحبة وقد قيل ان أبا سفيان بن الحارث اسمه المغيرة والصحيح أنه أخوه وذكر الدارقطنى أمية بن الحارث مكان المغيرة بن الحارث وقال لا عقب له ولا رواية وأما أروى بنت الحارث فذكرها ابن قتيبة وأبو سعد فى ولده ولم يذكرها أبو عمرو فلعله لم يثبت عنده اسلامها وذكرها الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات وذلك دليل اسلامها لانه لم يذكر فيه الا من أسلم قال وتزوّجها أبو وداعة بن صبرة السهمى فولدت له المطلب وأبا سفيان بن أبى وداعة*
(ذكر أبى طالب وأولاده)
* واسمه عبد مناف وجملة أولاده ستة أربعة ذكور طالب ومات كافرا فى غزوة بدر حين وجهه المشركون الى حرب المسلمين وهو أكبر ولده وبه كان يكنى وعقيل وجعفر وعلى وبنتان أمّ هانى وجمانة أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وكان علىّ أصغرهم وكان جعفر أسنّ منه بعشر سنين وعقيل أسنّ من جعفر بعشر سنين وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين ذكره ابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمرو وأما على فسيجىء ذكره فى الخاتمة فى ذكر الخلفاء وأما جعفر فقد تقدّم ذكر أمه ويكنى أبا عبد الله أسلم قديما وهاجر الى الحبشة الهجرة الثانية ومعه زوجته أسماء بنت عميس وولدت ثمة بنيه عبد الله ومحمدا وعونا فلم يزل هنا لك حتى قدم على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو بخيبر سنة سبع فحصلت له الهجرتان وأما ذكر جواره فى أرض الحبشة وما جرى له مع النجاشى فسيجىء فى الركن الثانى فى حوادث السنة الخامسة من النبوّة وسيجىء ذكر وفاته وبعض أحواله فى الموطن الثامن فى سرية مؤتة ان شاء الله تعالى وأما عقيل بن أبى طالب فلم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام عقيلا ويكنى أبا يزيد أمه فاطمة بنت أسد قال العذرى وكان عقيل قد خرج مع كفار قريش يوم بدر مكرها فأسر ففداه عمه العباس ثم أتى مسلما قبل الحديبية وشهد غزوة مؤتة ذكره أبو عمرو وروى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال له يا أبا يزيد انى أحبك حبين حبا لقرابتك منى وحبا لما كنت أعلم من حب عمى اياك خرجه أبو عمرو والبغوى وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامها ولكنه كان مبغضا اليهم لانه كان يعدّ مسلويهم وكانت له قطيفة تفرش له فى مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يصلى عليها ويجتمع اليه فى علم النسب وأيام العرب وكان أسرع الناس جوابا وأحضرهم مراجعة فى القول وأبلغهم فى ذلك خرجه أبو عمرو وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن عقيلا جاء الى علىّ بالعراق فسأله فقال له ان أحببت أن أكتب لك الى مالى بينبع فأعطيتك منه فقال عقيل لا ذهبن الى رجل هو أوصل لى منك فذهب الى معاوية فعرف ذلك له خرجه البغوى قال أبو عمرو وكان عقيل غاضب عليا وخرج الى معاوية واقام عنده فزعموا ان معاوية قال يوما بحضرته هذا أبو يزيد لولا علمه بأبى خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه فقال عقيل أخى خير لى فى دينى وأنت خير لى فى دنياى وقد آثرت دنياى وأسأل الله خاتمة خير وتوفى عقيل فى خلافة معاوية ولم يوقف على السنة التى مات فيها ذكره ابن الضحاك* وأما أم هانى فاسمها فاختة وقيل هند أسلمت يوم الفتح حكاه أبو عمرو وتزوّجها هبيرة بن أبى وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم وولدت له أولاد او هرب الى نجران ومات مشركا وهى التى صلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بيتها عام الفتح الضحى ثمان ركعات فى ثوب واحد مخالفا بين طرفيه وقال لها قد أجرنا من أجرت يا أم هانى متفق عليه وعن ابن عباس دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أم هانى بنت أبى طالب يوم الفتح وكان جائعا فقالت يا رسول الله ان أصهار الى قد لجؤا الىّ وان علىّ بن أبى طالب لا تأخّذه فى الله لومة لائم وانى أخاف أن يعلم بهم فيقتلهم فاجعل من دخل دار أم هانى آمنا حتى يسمع كلام الله فأمنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال أجرنا من أجارت أم هانى فقال هل عندك من طعام نأكله فقالت ليست عندى الاكسر يابسة وانى لاستحيى ان أقدمها اليك قال هلميهنّ فكسرهنّ فى ماء وملح فقال هل من ادام فقالت(1/163)
ما عندى يا رسول الله الا شىء من خل فقال هلميه فصبه على طعامه فأكل منه ثم حمد الله ثم قال نعم الادام الخل يا أم هانى لا يفقر بيت فيه خل خرجه بهذا السياق الطبرانى وجماعة* وأما جمانة فذكرها ابن قتيبة وأبو سعيد فى شرف النبوّة فى أولاد أبى طالب أمها فاطمة بنت أسد وأما أبو عمرو فلم يذكرها فلعله لم يثبت عنده اسلامها وذكرها الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات ولم يذكر فيه الا من أسلم فدل على أنه صح عنده اسلامها قال وتزوّجها ابن عمها أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وولدت له قال ولم يسند منها شىء وهذا القول دليل على صحة اسلامها اذ من لم يسلم لم يوصف بذلك اثباتا ولا نفيا*
(ذكر الزبير وأولاده)
* ويكنى أبا الحارث وكان من أشراف قريش وجملة أولاده ثلاثة عبد الله وابنتان امّ الحكيم ويقال امّ حكيم وضباعة أما عبد الله بن الزبير فأمه عاتكة بنت أبى وهب بن عمرو بن عائذ المخزومية أدرك الاسلام وأسلم وثبت مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم حنين فيمن ثبت يومئذ ذكره الدارقطنى وقتل يوم أجنادين فى خلافة أبى بكر شهيدا ووجد حوله عصبة من الروم قد قتلهم ثم أثخنته الجراحة فمات بها وذكر الواقدى ان أوّل قتيل قتل من الروم بطريق معلم برز ودعا الى البراز فبرز اليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب واختلفا ضربات ثم قتله عبد الله ولم يتعرّض لسلبه ثم برز آخر يدعو الى البراز فبرز اليه فاقتتلا بالرمحين ساعة ثم صارا الى السيفين فضربه عبد الله على عاتقه وهو يقول خذها وأنا ابن عبد المطلب فأثبته وقطع سيفه الدرع وأسرع فى منكبه ثم ولى الرومى منهزما فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز فقال عبد الله انى والله ما أجد لى صبرا فلما اختلطت السيوف وأخذ بعضها بعضا وجد فى ربضة من الروم عشرة حوله قتلى وهو مقتول بينهم وكان سنه نحوا من ثلاثين سنة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول له ابن عمى وحبى ومنهم من يقول كان يقول ابن امى ولم يعقب قاله ابن قتيبة وأما بنتا الزبير بن عبد المطلب فضباعة بنت الزبير وهى التى أمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالاشتراط فى الحج وكانت تحت المقداد بن الاسود وامّ الحكيم وكانت تحت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قاله ابن قتيبة ذكرهما ابو عمرو فى باب أخيهما عبد الله بن الزبير*
(ذكر حمزة بن عبد المطلب)
* وأمه هالة بنت وهب وقد تقدّم ذكرها وكان أخا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الرضاعة أرضعتهما وعبد الله بن عبد الاسد ثويبة بلبن ابنها مسروح وكانت ثويبة مولاة لابى لهب وقال ابن قتيبة امراة من أهل مكة ولا تضاد بين كونها مولاة وامرأة من أهل مكة وكان أسنّ من النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأربع سنين قال أبو عمرو وهذا يردّه ما تقدّم ذكره آنفا من تقييد رضاع ثويبة بلبن ابنها مسروح اذ لا رضاع الا فى حولين ولولا النقييد بذلك امكن حمل الرضاع على زمانين مختلفين قلت ويمكن أن تكون أرضعت حمزة فى آخر سنتيه فى اوّل رضاع ابنها وارضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى اوّل سنتيه فى آخر رضاع ابنها فيكون أكبر بأربع سنين وقيل كان اسنّ بسنتين ولم يزل اسمه فى الجاهلية والاسلام حمزة ويكنى ابا عمارة وابا يعلى كنيتان له بابنيه عمارة ويعلى وكان يدعى اسد الله واسد رسوله وعن يحيى ابن عبد الرحمن بن أبى لبيبة عن ابيه عن جدّه ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال والذى نفسى بيده انه لمكتوب عند الله عز وجل فى السماء السابعة حمزة اسد الله واسد رسوله خرجه البغوى فى معجمه وكان اسلامه فى السنة الثانية من المبعث وقيل فى السادسة بعد دخوله عليه السلام دار الارقم وقيل قبل اسلام عمر بثلاثة ايام وسيجىء فى الركن الثانى عن عبد الرحمن بن عابس عن ابيه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم خير أعمامى حمزة خرجه الحافظ الدمشقى عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب ورجل قام الى امام جائر فأمره ونهاه فقتله خرّجه ابن السرّى وفى رواية حمزة خير الشهداء وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا انبئكم(1/164)
بأفضل الشهداء عند الله بعد حمزة بن عبد المطلب قالوا بلى يا رسول الله قال رجل أتى أميرا جائرا فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فان هو لم يقتله لم يجر عليه ذنب ما كان حيا وان هو قتله كان من افضل الشهداء عند الله عز وجل بعد حمزة بن عبد المطلب خرجه الحلبى وذكر مقتله سيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة احد كان له من الولد عمارة امه خولة بنت قيس بن فهر بن مالك النجارى* ويعلى قال مصعب لم يعقب واحد من ولد حمزة وكان يعلى قد ولد له خمسة رجال وماتوا كلهم من غير عقب وتوفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولكل واحد منهما اعوام ولم تحفظ لواحد منهما رواية وكان له ابنة يقال لها امّ ابيها قاله ابن قتيبة وقال صاحب الصفوة اسمها أمامة امّها زينب بنت عميس الخثعمية وكانت تحت عمرو بن ابى سلمة المخزومى ربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهى التى اختصم فى حضانتها علىّ وجعفر وزيد فقال على ابنة عمى وقال جعفر ابنة عمى وخالتها تحتى وقال زيد ابنة اخى فقضى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الامّ اخرجاه وفيه دلالة على ان من نكحت قريبا لا يسقط حقها من الحضانة وعن على رضى الله عنه قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ألا تتزوّج ابنة حمزة فانها احسن فتاة فى قريش فقال اليس قد علمت انها ابنة أخى من الرضاعة وان الله عز وجل قد حرم من الرضاعة ما حرّم من النسب خرجه البغوى فى معجمه*
(ذكر العباس بن عبد المطلب وإسلامه)
* أمه نتيلة ويقال لها نتلة وقد تقدّم ذكرها ويقال انها أوّل عربية كست البيت الحرام الديباج وأصناف الكسوة وذلك ابن العباس ضل وهو صبى فنذرت ان وجدته أن تكسو البيت الحرام فوجدته ففعلت ولم يزل اسمه العباس ويكنى ابا الفضل* ذكر صفته* وكان رضى الله عنه جميلا جسيما وسيما ابيض بضاله ضفيرتان معتدل القامة وقيل كان طوالا عن جابر أن الانصار لما ارادوا أن يكسوا العباس حين اسر يوم بدر فلم يصلح عليه قميص الا قميص عبد الله ابن ابىّ بن سلول فكساه اياه فلما مات عبد الله بن ابىّ بن سلول ألبسه النبىّ صلّى الله عليه وسلم قميصه وتفل عليه من ريقه قال سفيان فظنّ انه مكافأة لقميص العباس خرّجه ابن الضحاك وابو عمرو وكان مولده قبل الفيل بثلاث سنين وكان اسنّ من النبىّ صلّى الله عليه وسلم بسنتين وقيل بثلاث* وعن أبى رزين قال قيل للعباس أيكما اكبر أنت أو النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال هو اكبر منى وانا ولدت قبله خرجه ابن الضحاك وهو اصغر أولاد عبد المطلب غير عبد الله كذا فى المواهب اللدنية* وعن ابن عمر مثله خرجه البغوى فى معجمه وغيره وكان العباس فى الجاهلية رئيسا فى قريش واليه عمارة المسجد الحرام والسقاية بعد أبى طالب أما السقاية فمعروفة واما عمارة المسجد الحرام فكان لا يدع أحدا يشبب فيه ولا يقول فيه هجر او كانت قريش قد اجتمعت وتعاقدت على ذلك فكانوا له عونا عليه وأسلموا ذلك اليه ذكره الزبير ابن بكار وغيره من علماء النسب حكاه ابو عمرو والتشبيب ترقيق الشعر بذكر النساء وكأنه أراد انشاد ذلك فى المسجد والهجر بالضم الهذيان والقول الباطل ويطلق على الكلام الفاحش وذكر شهوده بيعة العقبة سيجىء فى الركن الثانى* (ذكر اسلامه) * قال اهل العلم بالتاريخ كان اسلام العباس قديما وكان يكتم اسلامه وخرج مع المشركين يوم بدر فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من لقى العباس فلا يقتله فانه خرج مستكرها فأسره ابو اليسر كعب بن عمرو ففادى نفسه ورجع الى مكة ثم أقبل الى المدينة مهاجرا قاله ابو سعيد وقيل انه أسلم يوم بدر فاستقبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الفتح بالابواء وكان معه يوم فتح مكة وبه ختمت الهجرة وقال أبو عمرو أسلم قبل فتح خيبر وكان يكتم اسلامه ويسرّ بما يفتح الله على المسلمين وأظهر اسلامه يوم فتح مكة وشهد حنينا والطائف وتبوك ويقال ان اسلامه كان قبل بدر وكان يكتب بأخبار المشركين الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان المسلمون بمكة يثقون به وكان يحب القدوم على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكتب اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان مقامك بمكة(1/165)
خير لك وعن شرحبيل بن سعد قال لما بشر أبو رافع رسول الله صلّى الله عليه وسلم باسلام العباس بن عبد المطلب أعتقه خرجه أبو القاسم السهمى فى الفضائل* وفى المواهب اللدنية قال عليه الصلاة والسلام للعباس يا عم لا ترم منزلك أنت وبنوك غدا حتى آتيك فان لى فيكم حاجة فلما أتاهم اشتمل عليهم بملاءته ثم قال يا رب هذا عمى وصنو أبى وهؤلاء أهل بيتى فاسترهم من النار كسترى اياهم بملاءتى هذه قال فأمّنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت آمين آمين آمين رواه ابن غيلان وأبو القاسم حمزة والسهمى ورواه ابن السرى وفيه فما بقى فى البيت مدرة ولا باب الا أمّن* (ذكر وفاته) * توفى رضى الله عنه فى خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة وقيل لا ربع عشرة ليلة خلت من رجب ولم يذكر صاحب الصفوة غيره وقيل من رمضان سنة اثنتين وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة وقيل سبع وثمانين سنة بعد أن كف بصره أدرك منها فى الاسلام اثنتين وثلاثين سنة وصلّى عليه عثمان ودفن بالبقيع ودخل فى قبره ابنه عبد الله* مروياته فى كتب الحديث خمسة وثلاثون حديثا* (ذكر ولده) * وكان له من الذكور تسعة وسيجىء فى رواية الزبير بن بكار انهم عشرة ومن الاناث ثلاث الفضل وعبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن وقثم ومعبد وأمّ حبيب أمّهم أم الفضل اسمها لبابة الكبرى بنت الحارث بن حرب الهلالية وتمام وكثيرا بنا العباس لامّ ولد والحارث أمه هذلية قاله الطبرانى وقال صاحب الصفوة أمه حجيلة بنت جندب وآمنة وأمّ كلثوم وصفية لامهات أولاد قاله هشام بن الكلبى وصبيح ومسهرا بنا العباس ولم يتابع على ذلك وقال ابراهيم المزنى ولبابة وأمينة ذكر ذلك كله الدارقطنى فى كتاب الاخوة والاخوات وتابعه غيره على أكثره*
ذكر الفضل بن عباس
أما الفضل بن العباس فكان أكبر ولده وبه كان يكنى أمه أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة زوج النبى عليه السلام وقد روى أنها أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة بمكة خرجه البغوى ولم يزل اسمه الفضل فى الجاهلية والاسلام ويكنى أبا عبد الله وقيل أبا محمد وكان أجمل الناس وجها وعن جابر أن النبىّ صلى الله عليه وسلم لما دفع من المزدلفة الى منى أردف الفضل بن العباس وكان رجلا حسن الشعر أبيض وسيما فمرت ظعن يجرين فجعل الفضل ينظر اليهنّ فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحوّل الفضل وجهه الى الشق الآخر ينظر فحوّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر خرجه مسلم* وفى بعض الطرق فقال العباس لويت عنق ابن عمك يا رسول الله فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما قال أهل العلم بالتاريخ غزا الفضل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة وحنينا وثبت يومئذ وشهد حجة الوداع وأردفه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خلفه فيها على ما تقدّم وهو الذى كان يصب الماء فى غسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعلىّ يغسله* (ذكر وفاته) قال أبو عمرو اختلف فى وفاته فقيل أصيب بأجنادين فى خلافة أبى بكر سنة ثلاث عشرة* وفى ذخائر العقبى أجنادين بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالنون وفتح الدال المهملة وقد تكسر الموضع المعروف من نواحى دمشق وكانت بها الوقعة بين المسلمين والروم وكان الامير بها عمرو ابن العاص وأبو عبيدة ويزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنة كل منهم على طائفة وقيل ان عمرا كان الامير عليهم كلهم وقيل انه قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة أيضا وقيل مات بطاعون عمواس وهو أوّل طاعون كان فى الاسلام بالشام سنة ثمان عشرة فى خلافة عمرو قيل انه قتل يوم اليرموك فى خلافة أبى بكر ذكره الدارقطنى وغيره* (ذكر ولده) * توفى رضى الله عنه ولم يترك ولدا غير ابنة تزوّجها الحسن ابن على ثم فارقها فتزوّجها أبو موسى الاشعرى فولدت له موسى ومات عنها فتزوّجها عمر بن طلحة بن عبد الله وقيل ان الفضل خلف ابنا يقال له عبد الله ولم يتبت ذكر ذلك جميعه الدارقطنى فى كتاب الاخوة(1/166)
والاخوات ونابعه غيره على بعضه*
ذكر عبد الله بن عباس
وأما عبد الله بن عباس فهو الحبر ويكنى أبا العباس ولم يزل اسمه عبد الله أمه أمّ الفضل ولد قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب قبل خروج بنى هاشم منه* وذكر الطائى ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حنكه بريقه ودعا له وقال اللهم بارك فيه وانشر منه وعلمه الحكمة وسماه ترجمان القرآن وكان يوم توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن ثلاث عشرة سنة روى ذلك عنه وروى عنه أيضا أنه قال توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم يعنى المفصل* وفى رواية وأنا ابن خمس عشرة وأنا ختين ولعله الاشبه اذ روى عنه أنه قال فى حجة الوداع وأنا قد ناهزت الاحتلام وصحح أبو عمرو القول الاوّل وهو ظاهر اختيار الدارقطنى* (ذكر صفته) * وكان طويلا أبيض مشربا بشقرة جسيما وسيما صبيح الوجه وكان يصفر لحيته وقيل كان يخضب بالحناء وكان له وفرة خرجه ابن الضحاك قال ابن اسحاق رأيت ابن عباس بمنى طويل الشعر فعرفت انه قصر ولم يحلق وعليه ازار وعليه رداء أصفر وكان يخضب بالسواد وهذا مغاير لما تقدّم من خضابه ولعله كان يفعل هذا مرّة وهذا اخرى فيروى كل ما بلغه* قال أبو عمرو شهد عبد الله بن عباس مع علىّ الجمل وصفين والنهروان وكان ممن شهد ذلك مع علىّ الحسن والحسين ومحمد بنوه وعقيل اخوه وعبيد الله وقثم ابنا عمه العباس وعبد الله ومحمد وعون بنو جعفر والمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعبيد الله بن ربيعة بن عبد المطلب ذكره أبو عمرو فى ذكر عبد الله بن عباس رضى الله عنهم* عن عبد الله ابن عباس عن امّ الفضل قالت لما وضعته أتيت به النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأذن فى أذنه اليمنى وأقام فى أذنه اليسرى ولته من ريقه وسماه عبد الله وقال فاذهبى بأبى الخلفاء أخرجه أبو القاسم السهمى فى الفضائل* (ذكر وفاته) * توفى رضى الله عنه بالطائف سنة ثمان وستين أيام ابن الزبير وهو ابن سبعين وقيل احدى وسبعين وقيل أربع وسبعين وصلّى عليه محمد بن الحنفية وكبر عليه أربعا وقال اليوم مات ربانى هذه الامة وضرب على قبره فسطاطا ذكر ذلك أبو عمرو والبغوى فى معجمه وفى رواية عنه ربانى العلم* وعن سعيد بن جبير قال مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته فجاء طائر لم ير على مثل خلقته فدخل فى نعشه ولم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية يأيتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك راضية مرضية الآية خرجه ابن عرفة العبدى وروى ابن الزبير مثله وعن غيلان بن عمرو بن أبى سويد قال شهدت جنازة ابن عباس بالطائف فلما حملناه جاء طائر أبيض فدخل فى أكفانه ولم نره خرج خرجه البغوى فى معجمه ويروى أن طائرا أبيض خرج من قبره فتأوّلوه علمه خرج الى الناس وعن أبى بكر بن أبى عاصم ان ابن عباس مات بمكة خرجه ابن الضحاك والمشهور انه مات بالطائف ودفن بها وقبره معروف ثمة مروياته فى كتب الاحاديث ألف وستمائة وستون حديثا* (ذكر ولده) * كان له من الولد العباس وبه كان يكنى وعلىّ السجاد والفضل ومحمد وعبيد الله ولبابة وأسماء
ذكر عبيد الله بن عباس
(أما عبيد الله بن عباس) أمه أمّ الفضل وكان أصغر من أخيه عبد الله قيل انه رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسمع منه وحفظ عنه واستعمله على بن أبى طالب على اليمن وأمره على الموسم فحج بالناس سنة ست وثلاثين أو سبع وثلاثين فلما كان سنة ثمان وثلاثين بعثه أيضا على الموسم وبعث معاوية ذلك العام يزيد بن شجرة الرهاوى ليقيم الحج فاجتمعا فسأل كل واحد منهما صاحبه أن يسلم له فأبى واصطلحا على أن يصلى بالناس شيبة بن عثمان وروى أن معاوية بعث الى اليمن بشر بن أرطاة العامرى وعليها عبيد الله بن عباس من قبل علىّ فتنحى عبيد الله واستولى بشر عليها فبعث علىّ حارثة بن قثامة السعدى فهرب بشر ورجع عبيد الله بن عباس فلم يزل عليها حتى قتل على وكان عبيد الله أحد الاجواد وكان يقال من أراد الجمال والفقه والسخاء فليأت دار العباس الجمال للفضل والفقه(1/167)
لعبد الله والسخاء لعبيد الله ومات عبيد الله بن عباس سنة ثمان وخمسين* وقال الواقدى والزبير توفى فى المدينة فى أيام يزيد بن معاوية وقال مصعب مات باليمن والاوّل أصح وقال الحسن مات سنة سبع وثمانين فى خلافة عبد الملك والله أعلم*
ذكر قثم بن العباس
وأما قثم بن العباس أمه أمّ الفضل أيضا وهو رضيع الحسن بن على وكان قثم يشبه النبىّ صلّى الله عليه وسلم وعن ابن عباس قال وأخذ العباس ابنا له يقال له قثم فوضعه على صدره وهو يقول* حبى قثم شبيه ذى الانف الاشم بنى ذى النعم يرغم من رغم خرجه ابن الضحاك وعن ابن عباس قال آخر الناس عهدا برسول الله صلّى الله عليه وسلم قثم وذلك انه كان آخر من خرج من قبره ممن نزل فيه خرجه أبو عمرو وخرجه ابن الضحاك مختصر اوقد ادعى المغيرة ذلك فأنكر ذلك ابن عباس فقال آخر الناس عهدا برسول الله صلّى الله عليه وسلم قثم بن العباس وروى عن علىّ مثل ذلك فى انه أنكر ما ادعاه المغيرة وقال آخر الناس عهدا برسول الله صلّى الله عليه وسلم قثم بن العباس وولى علىّ ابن أبى طالب قثم مكة ولم يزل واليا عليها حتى قتل علىّ وكان ولاها قبله أبا قتادة الانصارى ثم عزله وولى قثم وقال الزبير استعمل علىّ قثم على المدينة رواه عنه أبو اسحاق السباعى وغيره واستشهد قثم بسمرقند وكان خرج اليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية ذكره الدارقطنى وأبو عمرو وقال الضحاك مات فى خلافة عثمان بن عفان وقبره خارج سور سمرقندى فى قبة عالية معروفة بمزار شاه زنده يعنى السلطان الحىّ*
ذكر عبد الرحمن وكثير وتمام أولاد العباس
وأما عبد الرحمن بن عباس فامّه أمّ الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتل هو وأخوه معبد بافريقية شهيدين فى خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين مع عبد الله بن سعد بن ابى سرح قاله مصعب* وقال ابن الكلبى قتل عبد الرحمن بالشام وذكره الدارقطنى* وأما معبد بن عباس ويكنى أبا العباس فأمه أمّ الفضل أيضا ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه شيئا واستعمله علىّ رضى الله عنه على مكة وقتل بافريقية كما تقدّم ذكره آنفا ويقال ما من اخوة اشدّ تباعدا قبورا من بنى العباس من أمّ الفضل ذكره الدارقطنى* وأما كثير بن عباس أمه أمّ ولد رومية اسمها سبا وقيل أمه حميرية ويكنى أبا تمام ولد قبل وفاة النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأشهر فى سنة عشر من الهجرة وكان فقيها ذكيا فاضلا روى عنه ابن شهاب وعبد الرحمن الاعرج ذكره أبو عمرو* وأما تمام بن عباس فأمه سبأ أمّ كثير المذكورة آنفا ولد على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وروى عنه قوله صلّى الله عليه وسلم لا تدخلوا علىّ قلحا استاكوا فلولا ان اشق على أمتى لامرتهم بالسواك عند كل صلاة خرجه البغوى فى معجمه وخرج أبو عمرو الى قوله استاكوا ولم يذكر ما بعده وكان تمام واليا لعلىّ على المدينة وكان قد استخلف قبله سهل بن حنيف حين توجه الى العراق ثم عزله واستجلبه لنفسه وولى تماما ثم عزله وولى أبا أيوب الانصارى ثم شخص أبو أيوب الى علىّ واستخلف رجلا من الانصار فلم يزل واليا الى أن قتل علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ذكر ذلك كله أبو عمرو* وقال الزبير بن بكار كان تمام أشدّ الناس بطشا وله عقب وقال الزبير كان للعباس عشرة بنين ستة منهم من أمّ الفضل أمامة بنت الحارث الهلالية وهذا يخالف ما سبق من ان اسم أمّ الفضل لبابة قال عبد الله بن يزيد الهلالى
ما ولدت نجيبة من فحل ... كستة من بطن أمّ الفضل
أكرم بها من كهلة وكهل
الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم ومعبد وعبد الرحمن وسابعتهم أمّ حبيب شقيقتهم وعون بن عباس قال أبو عمرو ولم أقف على اسم أمه وتمام وكثير لامّ ولد والحارث أمه من هذيل فهؤلاء عشرة أولاد للعباس وكان تمام أصغرهم وكان العباس يحمله ويقول
تموا بتمام فصاروا عشرة ... يا رب فاجعلهم كراما بررة
واجعل لهم ذكرا وأثم الشجرة
ذكر ذلك أبو عمرو وهذا يضادّ ما تقدّم فى كثير لانه ذكر أن كثيرا ولد قبل وفاة النبىّ صلّى الله عليه وسلم(1/168)
بأشهر وذكر أن تماما روى عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فيكون كثير أصغر منه قطعا الا أن يكون هذا من قول الزبير بن بكار وغيره يخالفه فيه وقد ذكر أبو عمرو عونا والحارث فى ولد العباس وذكر أن أم الحارث هذلية وقد تقدّم ذكر الدارقطنى ذلك فى فضل ولد العباس اجمالا* قال صاحب الصفوة واسمها حجيلة بنت جندب ولم يذكر ابن قتيبة عونا فى ولد العباس وذكر الحارث وقال أمه أمّ ولد وتابعه أبو سعيد فى شرف النبوّة*
(ذكر الاناث من ولد العباس)
* وهنّ أربع أم حبيب لبابة ويقال لها أمّ حبيبة أمها أمّ الفضل وقد روى من حديث أم الفضل ان النبىّ صلّى الله عليه قال لو بلغت أمّ حبيبة بنت العباس واناحى لتزوّجتها فتوفى قبل ان تبلغ فتزوّجها الاسود بن سفيان بن عبد الاسد بن هلال المخزومى ذكره أبو عمرو وروى الدارقطنى تزوّجها الاسود بن عبد الاسد أخو أبى سلمة فولدت له رزق بن الاسود ولبابة بنت الاسود وصفية وأمينة قاله الدارقطنى ذكره ابن قتيبة وأبو سعد وقالا تمام وكثير والحارث وصفية وأمينة لامهات أولا دشتى وأما أبو عمرو فلم يذكر انثى غير أمّ حبيبة وقال صاحب الصفوة تمام وكثير وصفية وأميمة أمهم أمّ ولد فجعل أمّ الاربعة واحدة وقال أميمة ولعله تصحيف من الناسخ وذكر الدارقطنى ان أمينة تزوّجها عياش بن عتبة بن أبى لهب فولدت له الفضل الشاعر قال ولا رواية لها ولا لصفية بنت العباس وأمّ حبيب وأمّ كلثوم روى عنهما محمد بن ابراهيم التيمى ذكر الدارقطنى فى مناقب العباس أمّ كلثوم كذا فى ذخائر العقبى*
(ذكر أبى لهب) * بن عبد المطلب
اسمه عبد العزى قيل كناه به أبوه لحسنه واشراق وجهه وكانت وجنتاه كأنهما تلتهبان النار كذا فى العمدة وجملة أولاده اربعة عتبة وعتيبة ومعتب ودرة* وفى حديث أبى هزيرة جاءت سبيعة بنت أبى لهب الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان الناس يقولون أنت بنت حطب النار الحديث فان كانت سبيعة ودرة واحدة فأولاده أربعة وان كانت غيرها فهم خمسة ثلاثة ذكور وبنتان أسلموا يوم الفتح ولهم صحبة وعتيبة قتله الاسد بالزرقاء كافرا وسيجىء ذكره فى مناقب أمّ كلثوم ابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الباب الثالث فى السنة الخامسة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم وأما عتبة ومعتب فأمهما أمّ جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب أخت أبى سفيان أسلما يوم الفتح وكانا قد هربا من النبىّ صلّى الله عليه وسلم روى عبد الله بن عباس عن أبيه عباس بن عبد المطلب قال لما قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة فى عام الفتح قال لى يا عباس أين ابنا أخيك عتبة ومعتب لا أراهما قال قلت يا رسول الله تنحيا فيمن تنحى من مشركى قريش فقال اذهب اليهما فأتنى بهما قال العباس فركبت اليهما بعرفة فقلت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يدعو كما فركبا معى فقد ما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاهما الى الاسلام فأسلما وبايعا قاله أبو موسى وفى رواية فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامهما ودعا لهما وقال أبو عمرو شهد معتب وعتبة حنينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفقئت عين معتب بحنين وكانا فيمن ثبت ولم ينهزم وشهدا معه الطائف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة ولهما عقب* قال الزبير بن بكار شهد عتبة وعتيبة ابنا أبى لهب حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانا فيمن ثبت وأقاما بمكة أخرجه أبو عمرو وأبو موسى ان ثبت وما أراه قول الزبير يرد عليه كذا فى أسد الغابة وسيجىء ذكر تزوّج عتبة وعتيبة بنتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم رقية وامّ كلثوم وفراقهما اياهما قبل الدخول واما درة بنت أبى لهب فأسلمت وكانت عند نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب ولدت له عقبة والوليد وأبا سلمة وروت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم* عن أبى هريرة ان سبيعة بنت أبى لهب شكت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذى الناس لها وقولهم بنت حطب النار لعلى هذه اسمها وذاك لقب لها اذ لم يذكر أبو عمرو وغيره فى أولاده غير هؤلاء وذكر الدارقطنى فى كتاب(1/169)
الاخوة والاخوات فى أولاده عتبة ومعتبا ودرّة وخالدة وعزة بنو أبى لهب وقال ولا رواية لهما يعنى عزة وخالدة*
(ذكر الاناث من أولاد عبد المطلب)
* أما أم حكيم البيضاء فهى شقيقة عبد الله أبى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأبى طالب والزبير وعبد الكعبة وأمهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ وقد تقدّم ذكرها كانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف ولدت له عامر او بنات لم يذكر عددهنّ ولا أسماءهنّ ولا اسلامهنّ* فى أسد الغابة فولدت له أروى امّ عثمان وامّ عامر بن كريز أما غامر فأسلم يوم فتح مكة وبقى الى خلافة عثمان وهو والد عبد الله بن عامر بن كريز الذى ولاه عثمان العراق وخراسان وكان عمره اربعا وعشرين سنة ذكره ابو عمرو واما عاتكة المختلف فى اسلامها فأمها ايضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ فتكون شقيقة عبد الله ابى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وابى طالب وكانت تحت أبى امية بن المغيرة المخزومى فولدت له عبد الله وزهيرا ابنا أبى امية وكلاهما ابنا عمّ أبى جهل واخوا امّ سلمة زوج النبىّ صلّى الله عليه وسلم لابيها هكذا ذكره ابو عمرو وذكر أن امّ امّ سلمة عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس وأن امّ عبد الله وزهير عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم واما ابو سعيد فذكر فى شرف النبوّة ان امّ سلمة بنت عمة النبىّ صلّى الله عليه وسلم عاتكة بنت عبد المطلب فتكون اخت عبد الله وزهير لابويهما والاوّل اثبت لان معه زيادة علم والثانى لعله اشتبه عليه فأما عبد الله فأسلم وكان قبل اسلامه شديد العداوة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم وللمسلمين وهو الذى قال لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا الى أو يكون لك بيت من زخرف ثم انه خرج مهاجرا الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلقيه فى الطريق بين السقيا والعرج مريدا لمكة عام الفتح فتلقاه فأعرض النبىّ صلّى الله عليه وسلم عنه مرة بعد أخرى حتى دخل على اخته أمّ سلمة وسألها ان تشفع له فشفعت فشفعها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلم وحسن اسلامه وشهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتح مكة مسلما وحنينا والطائف فرمى يوم الطائف بسهم فقتل ومات شهيدا وهو الذى قال له المخنث فى بيت أمّ سلمة يا عبد الله ان فتح عليكم الطائف غدا فانى أدلك على ابنة غيلان فانها تقبل باربع وتدبر بثمان وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم عندها فقال لا يدخلنّ هذا عليكم* وفى رواية من حديث عائشة رضى الله عنها قالت كان يدخل على ازواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم مخنث قالت وكانوا يعدونه من غير أولى الاربة فذكرت معنى ما تقدّم وزادت فقال صلّى الله عليه وسلم أرى هذا ما ههنا لا يدخل عليكم فحجبوه وقوله تقبل بأربع أى بأربع عكن فى بطنها وتدبر بثمان لان كل عكنة لها طرفان وسيجىء فى غزوة الطائف واما زهير بن ابى أمية فقد عدّ فى المؤلفة قلوبهم* واما برة بنت عبد المطلب فأمها فاطمة ايضا وكانت عند أبى رهم بن عبد العزى العامرى فولدت له ابا سبرة ثم خلف عليها بعده عبد الاسد بن هلال المخزومى فولدت له ابا سلمة بن عبد الاسد الذى كانت عنده امّ سلمة قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقيل كانت أوّلا عند عبد الاسد ثم خلف عليها أبورهم ولم يذكر أبو سعد غيره والوجهان ذكرهما أبو عمرو واسم أبى سلمة عبد الله اسلم وهاجر الى أرض الحبشة الهجرتين وهو أوّل من هاجر الى الحبشة ومعه زوجته أمّ سلمة ثم هاجر الى المدينة وهو أوّل من هاجر اليها وكانت هجرته قبل بيعة العقبة لما آذته قريش حين قدم من الحبشة وقد بلغه اسلام من أسلم من الانصار فخرج اليها مهاجرا وشهد بدرا وجرح يوم أحد جرحا اندمل ثم انتقض عليه فمات منه وتزوّج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعده زوجته أمّ سلمة عن امّ سلمة قالت دخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على أبى سلمة وقد شق بصره فأغمضه وقال ان الروح اذا قبض تبعه البصر فصاح ناس من أهله فقال لا تدعوا على أنفسكم الا بخير فان الملائكة
تؤمّن على ما تقولون ثم قال اللهم اغفر لابى سلمة وارفع درجته فى المهديين واخلفه فى عقبه فى الغابرين واغفر لنا وله(1/170)
يا رب العالمين اللهم افسح له فى قبره ونوّر له قبره اخرجاه وخرجه ابو حاتم وقال فى المقرّبين مكان المهديين* واما اميمة بنت عبد المطلب فأمها ايضا فاطمة بنت عمرو بن عائذ وكانت تحت حجش بن رئاب اخى بنى تميم بن ذود بن اسد بن خزيمة فولدت له عبد الله وعبيد الله وابا احمد وزينب وأمّ حبيبة وحمنة اولاد حجش بن رئاب اسلموا كلهم وهاجر الذكور الثلاثة الى ارض الحبشة فأما عبيد الله فتنصر وبانت منه زوجته أمّ حبيبة بنت ابى سفيان بن حرب ومات عبيد الله على النصرانية بالحبشة وتزوّجها رسول الله واما ابو احمد واسمه عبد وقيل ثمامة والاوّل اصح كان سلفا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تحته الفارغة بنت ابى سفيان بن حرب اخت امّ حبيبة ومات بعد وفاة اخته زينب وكانت وفاته سنة عشرين واما عبد الله فهاجر الهجرتين عن الشعبى قال أوّل لواء عقده رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعبد الله بن جحش* وقال ابن اسحاق بل لواء عبيدة بن الحارث* وقال المداينى بل لواء حمزة وعبد الله هذا أوّل من سنّ الخمس فى الغنيمة للنبىّ صلّى الله عليه وسلم قبل أن يفرض ثم افترض بعد ذلك وانما كان قبل ذلك المرباع وشهد عبد الله بدرا وأحدا واستشهد بها وسيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة أحد* عن عبد الله بن مسعود قال استشار رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش وأبا بكر وعمر رضى الله عنهم فى أسارى بدر* واما البنات فأسلمن كلهنّ ولهنّ صحبة وتزوّج صلّى الله عليه وسلم منهنّ زينب كما سيجىء وأما حمنة فكانت تحت مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدرى وكان من فضلاء الصحابة فلما قتل تزوّجها طلحة بن عبيد الله فولدت له محمدا وعمران وهى التى استحيضت وسألت النبىّ صلى الله عليه وسلم وحديثها فى باب الاستحاضة مشهور واما امّ حبيبة ويقال امّ حبيب كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وكانت تستحاض أيضا وأهل السير يقولون المستحاضة حمنة والصحيح عند أهل الحديث انهما استحيضتا وقد قيل ان زينب أيضا كانت تستحاض* وأما أروى بنت عبد المطلب المختلف فى اسلامها فأمها صفية بنت جندب امّ الحارث بن عبد المطلب وهى شقيقته وكانت تحت عمير بن وهب ابن عبد بن قصى فولدت له طليبا ثم خلف عليها كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى وأسلم طليب وكان سببا فى اسلام أمه* وذكر الواقدى أن طليبا أسلم فى دار الارقم ثم حرج فدخل على أمه أروى بنت عبد المطلب فقال تبعت محمدا وأسلمت لله عز وجلّ فقالت انّ أحق من واددت وعضدت ابن خالك والله لو قدرنا على ما قدرت عليه الرجال لمنعناه وذبينا عنه فقال لها طليب ما يمنعك أن تسلمى وتتبعيه فقد أسلم أخوك حمزة فقالت انظر ما تصنع أخواتى ثم أكون من احداهنّ قال فقلت انى أسألك بالله الا أتيته فسلمت عليه وصدقته وشهدت أن لا اله الا الله قالت فانى أشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ثم كانت بعده تعضد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بلسانها وتحض على نصرته والقيام بأمره وهذا دليل قول من قال انها أسلمت وهاجر طليب الى أرض الحبشة وشهد بدرا فى قول ابن اسحاق والواقدى* قال الزبير بن بكار كان طليب من المهاجرين الاوّلين شهد بدرا وقتل باجنادين شهيدا ولا عقب له وقال مصعب قتل يوم اليرموك* وأما صفية بنت عبد المطلب فأسلمت باتفاق وشهدت الخندق وقتلت رجلا من اليهود وضرب لها النبىّ صلّى الله عليه وسلم بسهم وروت عن النبىّ صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا رواه عنها ابنها الزبير بن العوام ذكر ذلك الدارقطنى أمها هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة شقيقة حمزة والمقوّم وحجل وكانت فى الجاهلية تحت الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس ثم هلك عنها فخلف عليها العوام بن خويلد اخو خديجة بنت خويلد زوج النبىّ صلى الله عليه وسلم فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة*
ولما مات النبىّ صلّى الله عليه وسلم رثته بأبيات منها هذا البيت(1/171)
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا برّا ولم تك جافيا
وستجىء فى الموطن الحادى عشر فى وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتمامها روى هذه الابيات الحافظ السلفى بسنده عن هشام بن عروة وتوفيت صفية بالمدينة فى خلافة عمر سنة عشرين ولها ثلاث وسبعون سنة ودفنت بالبقيع ويقال بفناء دار المغيرة بن شعبة*
ذكر الزبير بن العوّام
وأما ابنها الزبير فأسلم قديما وهو ابن ثمان سنين وقيل ابن ست عشرة سنة وهاجر الى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو أوّل من سل سيفا فى سبيل الله وكان عليه يوم بدر ريطة صفراء معتجرا بها وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه وثبت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت* (ذكر صفته) * كان أبيض طويلا ويقال لم يكن بالطويل ولا بالقصير الى الخفة فى اللحم ما هو ويقال كان أسمر اللون أشعر خفيف العارضين* (ذكر أولاده) * كان له من الولد عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وخديجة الكبرى وامّ الحسن وعائشة أمهم أسماء بنت أبى بكر وخالد وعمرو وحبيبة وسودة وهند أمهم أمّ خالد وهى أمة الله بنت خالد بن سعيد بن العاص ومصعب وحمزة ورملة أمهم الرباب بنت أنيف بن عبيد وعبيدة وجعفر أمهما زينب أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط وخديجة الصغرى أمها الحلال بنت قيس* وعن أبى الاسود قال أسلم الزبير ابن العوّام وهو ابن ثمان سنين وهاجر وهو ابن ثمانى عشرة سنة وكان عمّ الزبير يجعل الزبير فى حصر ويدخن عليه بالنار وهو يقول له ارجع الى الكفر فيقول الزبير لا أكفر أبدا* وعن أبى الاسود محمد بن عبد الرحمن نوفل قال كان اسلام الزبير بعد أبى بكر رابعا أو خامسا* وعن عبد الله بن الزبير قال جمع لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد يقول فداك أبى وأمى أخرجاه فى الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم الخندق ندب النبىّ صلّى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لكل نبىّ حوارى وحوارىّ الزبير أخرجاه فى الصحيحين عن سعيد بن المسيب قال أوّل من سل سيفا فى ذات الله الزبير بن العوّام بينما هو فى مكة اذ سمع نغمة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قد قتل فخرج عريانا ما عليه شىء فى يده السيف صلتا فتلقاه النبىّ صلّى الله عليه وسلم كفة كفة فقال له مالك يا زبير قال سمعت انك قد قتلت قال فما كنت صانعا قال أردت والله ان استعرض أهل مكة فدعا له النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وعن مصعب بن الزبير قال قاتل الزبير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتى عشرة سنة فكان يحمل على القوم* عن نهيك قال كان للزبير ألف مملوك يؤدّون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم يقول يتصدّق بها* وفى رواية اخرى فكان يقسمه كل ليلة ثم يقوم الى منزله وليس معه منها شىء وعن علىّ بن زيد قال أخبرنى من رأى الزبير وان فى صدره كأمثال العيون من الطعن والرمى*
(ذكر مقتله)
* قتل الزبير يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين سنة ويقال ستين ويقال بضع وخمسين ويقال نيف وستين قتله ابن جرموز* وعن ذر قال استأذن ابن جرموز على علىّ وأنا عنده فقال على بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول لكل نبى حوارى وحوارىّ الزبير* وعن عبد الله بن الزبير قال جعل الزبير يوم الجمل يوصينى بدينه ويقول ان عجزت عن شىء منه فاستعن عليه بمولاى فقال فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك قال الله قال والله ما وقعت فى كربة من دينه الا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وانما كان دينه الذى عليه ان الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه اياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فانى أخشى عليه الضيعة قال فحسب ما عليه من الدين فوجدته ألفى ألف ومائتى ألف فقتل ولم يدع دينارا ولا درهما الا أرضين بعتها وقضيت دينه فقال بنو الزبير فاقسم بيننا ميراثنا قلت لا والله لا اقسم بينكم حتى أنادى(1/172)
بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه فجعل كل سنة ينادى بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف انفرد باخراج هذا الحديث البخارى كذا فى الصفوة* وأما السائب بن صفية فأسلم وشهد أحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتل يوم اليمامة شهيدا* وأما عبد الكعبة فذكره أبو عمرو فى أولاد صفية كذا فى ذخائر العقبى*
(ذكر قتل شعياء وتخريب بخت نصر بيت المقدس وقصة قتل زكريا ويحيى)
* فى معالم التنزيل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان بنى اسرائيل لما اعتدوا وقتلوا الانبياء بعث الله عليهم ملك فارس بخت نصر وكان الله ملكه سبعمائة سنة فسار اليهم حتى حل بيت المقدس فحاصرها وفتحها وقتل على دم يحيى بن زكريا سبعين ألفا ثم سبى أهلها* وفى العمدة قتل مائتى ألف وسبعين ألفا وسبى مثل ذلك وأحرق التوراة وخرب بيت المقدس* وفى أنوار التنزيل وغيره ان الله تعالى أوحى الى بنى اسرائيل فى التوراة انكم لتفسدنّ فى الارض مرّتين افساد المرّة الاولى مخالفتهم أحكام التوراة وقتل شعيا وثانيتهما قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى عليه السلام* وفى المدارك أولاهما قتل زكريا وحبس أرميا عليهما السلام حين أنذرهم بسخط الله والاخيرة قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى عليهم السلام قيل وفى كون أولاهما قتل زكريا نظر وقيل رواية من روى أن بخت نصر غزا بنى اسرائيل عند قتل يحيى بن زكريا غلط عند أهل السير بل هم مجمعون على أن بخت نصر غزا بنى اسرائيل عند قتلهم شعيا فى عهد أرميا ومن وقت أرميا وتخريب بخت نصر بيت المقدس الى مولد يحيى بن زكريا اربعمائة واحدى وستون سنة وذلك انه من لدن تخريب بخت نصر الى حين عمرانه فى عهد كرش بن اخشورش اصهد بابل من قبل بهمن بن اسفنديار بن كشتاسف بن لهراسف سبعون سنة ثم بعد عمرانه الى ظهور الاسكندر على بيت المقدس ثمان وثمانون سنة ثم بعد مملكته الى مولد يحيى بن زكرياء ثلثمائة وثلاث وستون سنة والصحيح ما قاله محمد بن اسحاق من ان افسادهم فى المرّة الاولى قتل شعيا بن الشجرة وارتكابهم المعاصى وقوله تعالى بعثا عليكم عبادا لنا* قال ابن اسحاق هم بخت نصر البابلى وأصحابه وهو الاظهر والله أعلم* وفى أنوار التنزيل هم بخت نصر عامل لهراسب على بابل وجنوده وقيل جالوت الجزرى وقيل سنجاريب من أهل ينوى* وفى الكشاف سنحاريب يروى بالجيم وبالحاء المهملة* وفى لباب التأويل قال ابن اسحاق كانت بنو اسرائيل فيهم الاحداث والذنوب وكان الله فى ذلك متجاوزا عنهم محسنا اليهم وكان أوّل ما نزل بهم بسبب ذنوبهم أن ملكا منهم كان يدعى صديقة وكان الله تعالى اذا ملك عليهم ملكا بعث معه نبيا يسدّده ويرشده ولا ينزل عليه كتابا انما يؤمرون باتباع التوراة والاحكام التى فيها فلما ملك صديقة بعث الله معه شعيا بن أمضيا وذلك قبل مبعث زكرياء ويحيى وعيسى وشعيا هو الذى بشر بعيسى ومحمد عليهما السلام فقال ابشر أو روى شلم وهو اسم بيت المقدس ألا انه يأتيك راكب الحمار وبعده صاحب البعير فملك ذلك الملك يعنى صديقة بنى اسرائيل وبيت المقدس زمانا فلما انقضى ملكه عظمت الاحداث بينهم وكان معه شعيا فبعث الله سنجاريب ملك بابل ومعه ستمائة ألف راية فلم يزل سائرا حتى نزل حول بيت المقدس والملك صديقة مريض من قرحة كانت فى ساقه فجاء شعيا النبى اليه وقال يا ملك بنى اسرائيل ان سنجاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده وقدها بهم الناس وفرقوا منهم فكبر ذلك على الملك وقال يا نبىّ الله هل أتاك من الله وحى فيما حدث فتخبرنا به وكيف يفعل الله بنا وبسنجاريب وجنوده فقال شعيا لم يأتنى وحى فى ذلك وبينماهم على ذلك أوحى الله الى شعيا النبى ان ائت ملك بنى اسرائيل فمره أن يوصى وصيته ويستخلف على ملكه من يشاء من أهل بيته فأتى شعيا ملك بنى اسرائيل فقال ان ربك قد أوحى الىّ أن آمرك أن توصى وصيتك وتستخلف من(1/173)
شئت من أهل بيتك على ملكك فانك ميت فلما قال ذلك شعيا لصديقة الملك أقبل على القبلة فصلى ودعا فقال وهو يبكى ويتضرّع الى الله يقلب مخلص اللهم رب الارباب واله الآلهة يا قدّوس المقدّس يا رحمن يا رحيم يا رؤف الذى لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرنى بعملى وفعلى وحسن قضائى على بنى اسرائيل وذلك كله كان منك وأنت أعلم به منى سرّى وعلانيتى لك فاستجاب الله له وكان عبدا صالحا فأوحى الله الى شعيا أن يخبر صديقة ان ربه قد استجاب له ورحمه وأخر أجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوّه سنجاريب فأتاه شعيا فأخبره فلما قال له ذلك انقطع عنه الحزن وخرّ ساجدا وقال الهى واله آبائى لك سجدت وسبحت وكرّمت وعظمت أنت الذى تعطى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء عالم الغيب والشهادة أنت الاوّل والآخر والظاهر والباطن وانت ترحم وتستجيب دعوة المضطرّين انت الذى اجبت دعوتى ورحمت تضرّعى فلما رفع رأسه اوحى الله الى شعيا ان قل للملك صديقة فيامر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله على قرحته فيشفى فيصبح وقد برأ ففعل ذلك فشفى فقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدوّنا هذا قال الله لشعيا قل له انى قد كفيتك عدوّك وانجيتك منهم فانهم سيصبجون موتى كلهم الا سنجاريب وخمسة نفر من كتابه فلما أصبحوا جاء صارخ يصرخ على باب المدينة يا ملك بنى اسرائيل ان الله قد كفاك عدوّك فاخرج فان سنجاريب ومن معه هلكوا فخرج الملك والتمس سنجاريب فلم يوجد فى الموتى فبعث الملك فى طلبه فأدركه الطلب فى مغارة ومعه خمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر فجعلوهم فى الجوامع ثم أتوا بهم الملك فلما رآهم خرّ ساجدا لله تعالى من حين طلعت الشمس الى العصر ثم قال لسنجاريب كيف رأيت فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوّته ونحن وأنتم غافلون* فقال سنجاريب قد أتانى خبر ربكم ونصره اياكم ورحمته التى يرحمكم بها قبل ان أخرج من بلادى فلم أطع مرشدا ولم يلقنى فى الشقوة الا قلة عقلى فلو سمعت أو عقلت ما غزوتكم فقال الملك صديقة الحمد لله رب العالمين الذى كفاناكم بما شاء ان ربنا لم يبقك ومن معك للكرامة بك ولكنه انما أبقاك ومن معك لتزداد واشقوة فى الدنيا وعذابا فى الآخرة ولتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذروا من بعدكم ولولا ذلك لقتلتك ومن معك ولد مك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت* ثم ان ملك بنى اسرائيل أمر أمير حرسه أن يقذف فى رقابهم الجوامع ففعل وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وايليا وكان يرزقهم فى كل يوم خبزتين من شعير فقال سنجاريب للملك صديقة القتل خير مما يفعل بنا فأمر بهم الى السجن فأوحى الله الى شعيا النبىّ ان قل لملك بنى اسرائيل يرسل سنجاريب ومن معه لينذروا من وراءهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ ذلك شعيا للملك ففعل فخرج سنجاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمعوا الناس فأخبروهم كيف فعل الله تعالى بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحى الله الى نبيهم فلم تطعنا وهى أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم وكان أمر سنجاريب تخويفا لبنى اسرائيل ثم كفاهم الله تعالى ذلك تذكرة وعبرة ثم ان سنجاريب لبث بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف على ملكه ابن ابنه بخت نصر فعمل بعمله وقضى بقضائه فلبث سبع عشرة سنة* ثم قبض الله ملك بنى اسرائيل صديقة فخرج أمراء بنى اسرائيل فتنافسوا فى الملك حتى قتل بعضهم بعضا وشعيا نبيهم معهم لا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا قم فى قومك أوح على لسانك ولما قام أنطق الله لسانه بالوحى وألهمه فى الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية ووعظهم وناصحهم وأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وبشر فيها بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وبين سيرته وسيرة أمته ولما فرغ من مقالته عدوا عليه
ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة(1/174)
فانغلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم اياها فوضعوا المنشار فى وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه فى وسطها ومثل هذا منقول فى قتل زكريا أيضا كما سيجىء واستخلف الله على بنى اسرائيل بعد ذلك رجلا يقال له ناشية بن أموص وبعث لهم أرميا بن حلقيا نبيا وكان من سبط هارون بن عمران وذكر ابن اسحاق انه الخضر واسمه ارميا سمى الخضر لانه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهى تهتز خضراء فبعث الله أرميا الى ذلك الملك يسدّده ويرشده ثم عظمت الاحداث فى بنى اسرائيل وركبوا المعاصى واستحلوا المحارم فأوحى الله الى أرميا أن ائت قومك من بنى اسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتى وعرّفهم باحداثهم فقال أرميا انى ضعيف ان لم تقوّنى عاجز ان لم تبلغنى مخذول ان لم تنصرنى* قال الله تعالى أولم تعلم أن الامور كلها تصدر عن مشيئتى وان القلوب والالسنة بيدى أقلبها كيف شئت انى معك ولن يصل اليك شىء وانا معك فقام أرميا ولم يدر ما يقول فألهمه الله عز وجل فى الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية وقال فى آخرها عن الله عز وجل وانى جلفت بعزتى لا قضين لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولا سلطنّ عليهم جبارا قاسيا ألبسه الهيبة وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم* ثم أوحى الله الى أرميا انى مهلك بنى اسرائيل بيافث ويافث أهل بابل فسلط عليهم بخت نصر فخرج فى ستمائة ألف راية ودخل بيت المقدس وأمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه فى بيت المقدس ففعلوا حتى ملؤه ثم أمرهم أن يجمعوا من فى بلدان بيت المقدس كلهم فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بنى اسرائيل فاختار منهم سبعين ألف صبى فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمها فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه أيها الملك لك غنائمنا كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بنى اسرائيل فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة وفرّق من بقى من بنى اسرائيل ثلاث فرق ثلثا أقرّ بالشام وثلثا سبى وثلثا قتل وذهب بابنه بيت المقدس وبالصبيان السبعين ألف حتى قدم بابل وكانت هذه الوقعة الاولى التى أنزل الله عز وجل ببنى اسرائيل بظلمهم فذلك قوله تعالى فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد يعنى بخت نصر وأصحابه* ثم ان بخت نصر اقام فى سلطانه ما شاء الله ثم رأى رؤيا عجيبة اذ رأى شيئا أصابه فأنساه الذى رأى وسألهم عنها فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا وميشائل وكانوا من ذرارى الانبياء وسألهم عنها فقالوا أخبرنا بها نخبرك بتأويلها قال ما أذكرها ولئن لم تخبرونى بها وبتأويلها لانزعنّ أكتافكم فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرّعوا اليه فأعلمهم الله الذى سألهم عنه فجاؤه فقالوا رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من ذهب ورأسه وعنقه من حديد قال صدقتم قال فبينما تنظر اليه وقد أعجبك أرسل الله صخرة من السماء فدقته فهى التى أنستكها قال صدقتم فما تأويلها قالوا تأويلها انك أريت ملك الملوك بعضهم كان ألين ملكا وبعضهم كان أحسن ملكا وبعضهم كان أشدّ ملكا الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك وأفضل والذهب أحسن من الفضة وأفضل ثم الحديد ملكك فهو أشدّ واعز مما كان قبله والصخرة التى رأيت أرسل الله من السماء فدقته نبى يبعثه الله من السماء فيدق ذلك اجمع ويصير الامر اليه ثم ان أهل بابل قالوا البخت نصر أرايت هؤلاء الغلمان من بنى اسرائيل الذى سألناك أن تعطيناهم ففعلت فانا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد رأينا نساءنا انصرفت وجوههم عنا اليهم فأخرجهم من بين اظهرنا أو اقتلهم فقال شأنكم بهم فمن احب ان يقتل من كان فى يده فليفعل فلما قربوهم للقتل بكوا وتضرّعوا الى الله عز وجل وقالوا يا ربنا أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعدهم ان يحييهم فقتلوا الا من كان منهم مع بخت نصر منهم دانيال(1/175)
وحنانيا وعزاريا وميشائل* ثم لما أراد الله تعالى هلاك بخت نصر انبعث فقال لمن فى يديه من بنى اسرائيل أرأيتم هذا البيت الذى اخربت والناس الذين قتلت من هم وما هذا البيت قالوا هذا بيت الله وهؤلاء أهله كانوا من ذرارى الانبياء فظلموا وتعدّوا قسلطت عليهم بذنوبهم وكان ربهم رب السموات والارض ورب الخلائق كلهم يكرمهم ويعزهم فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله وسلط عليهم غيرهم فاستكبر بخت نصر وتجبر وظنّ أنه بجبروته فعل ذلك ببنى اسرائيل* قال فأخبرونى كيف لى أن أطلع الى السماء العليا فأقتل من فيها واتخذها ملكا فانى قد فرغت من أهل الارض قالوا ما يقدر عليها أحد من الخلائق قال لتفعلنّ أولا قتلنكم عن آخركم فبكوا وتضرّعوا الى الله عز وجل فبعث الله عز وجل بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتى عضت امّ دماغه فما كان يقرّ ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على امّ دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على امّ رأسه ليرى الله العباد قدرته ونجى الله من بقى من بنى اسرائيل فى يده وردّهم الى الشام فبنوا فيه وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه ويزعمون ان الله تعالى احيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم ثم انهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم من الله عهد كانت التوراة قد احترقت وكان عزير من السبايا الذين كانوا ببابل فلما رجع الى الشام جعل يبكى ليله ونهاره وخرج عن الناس فبينا هو كذلك اذ جاء رجل فقال له يا عزير ما يبكيك قال أبكى على كتاب الله وعهده الذى كان بين أظهرنا الذى لا يصلح ديننا وآخرتنا غيره قال افتحب أن يردّ اليك ارجع فصم وتطهر وطهر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا فرجع عزير فصام وتطهر وطهر ثيابه ثم عمد الى المكان الذى وعده فجلس فيه فأتى ذلك الرجل باناء فيه ماء وكان ملكا بعثه الله اليه فسقاه الملك من ذلك الاناء فمثلت له التوراة فى صدره فرجع الى بنى اسرائيل فوضع لهم التوراة فأحبوه حبا لم يحبوا حبه شيئا قط* ثم قبضه الله تعالى فجعلت بنو اسرائيل بعد ذلك يحدثون الاحداث ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتى كان آخر من بعث اليهم من انبيائهم زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وكانوا من بيت آل داود فزكريا مات وقيل قتل والمشهور انه نشر بالمنشار وقصدوا عيسى ليقتلوه فرفعه الله من بين أظهرهم وقتلوا يحيى وسيجىء كيفية قتله فلما فعلوا ذلك بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش فصار اليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رؤساء جنوده يقال له بيور زاذان صاحب القتل فقال له انى كنت قد حلفت بالهى لئن أنا طفرت على أهل بيت المقدس لاقتلنهم حتى يسيل الدم فى وسط عسكرى فأمره أن يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم* ثم ان بيور زاذان دخل بيت المقدس فقام فى البقعة التى كانوا يقربون فيها قربانهم فوجد دما يغلى فسألهم عنه فقال يا بنى اسرائيل ما شأن هذا الدم يغلى أخبرونى خبره فقالوا هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك يغلى ولقد قربنا القربان من ثمانمائة سنة فتقبل منا الا هذا فقال ما صدقتمونى فقالوا لو كان كأوّل زماننا لقبل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوّة والوحى فلذلك لم يقبل منا فذبح بيور زاذان منهم على ذلك الدم سبعمائة وسبعين روحا من رؤسهم فلم يهدأ الدم فأمر بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ* فلما رأى بيور زاذان ان الدم لا يهدأ قال لهم يا بنى اسرائيل ويلكم أصدقونى واصبروا على أمر ربكم فقد طال ما ملكتم فى الارض تفعلون ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار من ذكر ولا انثى الا قتلته فلما رأوا الجهد وشدّته صدقوه الخبر فقالوا ان هذا دم نبىّ كان ينهانا عن امور كثيرة من سخط الله فلو كنا اطعناه كنا أرشدنا وكان يخبرنا عن امركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه قال لهم بيور زاذان ما كان اسمه قالوا يحيى بن زكريا قال الآن صدقتمونى لمثل هذا ينتقم ربكم منكم* فلما رأى بيور زاذان(1/176)
انهم صدقوه خرّ ساجدا وقال لمن حوله أغلقوا أبواب المدينة وأخرجوا من كان ههنا من جيش خردوش وخلافى بنى اسرائيل ثم قال يا يحيى بن زكريا يا قد علم ربى وربك ما أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدأ باذن ربك قبل أن لا أبقى من قومك أحدا فهدأ الدم باذن الله تعالى ورفع بيور زاذان عنهم القتل وقال آمنت بما آمنت به بنو اسرائيل وأيقنت انه لا رب غيره وقال لبنى اسرائيل ان خردوش أمرنى أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره وانى لا أستطيع أن اعصيه قالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم فخندقوا خندقا وأمرهم بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والابل والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم فى العسكر وامر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتلوا من المواشى فلم يظنّ خردوش الا أن ما فى الخندق من دماء بنى اسرائيل فلما بلغ الدم عسكره ارسل الى بيور زاذان أن ارفع عنهم القتل ثم انصرف الى بابل وقد أفنى بنى اسرائيل أولاد وهى الوقعة الاخيرة التى انزل الله ببنى اسرائيل فى قوله لتفسدن فى الارض مرّتين فكانت الوقعة الاولى بخت نصر وجنوده والاخيرة خردوش وجنوده وكانت اعظم الوقعتين فلم يقم لهم بعد ذلك راية وانتقل الملك بالشام ونواحيها الى الروم واليونانيين الا أن بقايا بنى اسرائيل كثير وكانت لهم الرياسة ببيت المقدس ونواحيها على وجه الملك وكانوا فى نعمة الى أن بدلوا وأحدثوا فسلط الله عليهم ططوس بن اسبيانوس الرومى فأخرب بلادهم وطردهم منها ونزع الله عنهم الملك والرياسة وضرب عليهم الذلة فليسوا فى أمة الا وعليهم الصغار والجزية فبقى بيت المقدس خرابا الى خلافة عمر بن الخطاب فعمره المسلمون بأمره* روى أن زكريا بن برخيا وعمران بن ماثان كانا متزوّجين بأختين احداهما عند زكريا وهى أشاع بنت فاقوذ امّ يحيى والاخرى عند عمران وهى حنة بنت فاقوذ امّ مريم امّ عيسى* وفى العرائس والمختصر أن بنى اسرائيل اتهموا زكريا بمريم فهرب منهم فدخل من خوفه جوف شجرة فقطعوها بالمنشار وفلقوها به فلقتين طولا ويقال انه مات موتا وكان زكريا ابن برخيا من ولد سليمان بن داود عليهما السلام* وفى الكامل لما قتل يحيى عليه السلام وسمع أبوه بقتله فرّ هاربا فدخل بستانا عند بيت المقدس فيه اشجار فأرسل الملك فى طلبه فمرّ زكريا بشجرة فنادته الىّ يا نبىّ الله فلما أتاها انشقت فدخلها وانطبقت عليه فبقى فى وسطها فأتى عدوّ الله ابليس لعنه الله فأخذ هدب ردائه فأخرجه من الشجرة ليصدّقوه اذا أخبرهم ثم لقى الطلب فقال لهم ما تريدون فقالوا نلتمس زكريا فقال انه سحر هذه الشجرة فانشقت له فدخلها فقالوا لا نصدّقك قال انى آتى بعلامة تصدّقونى بها وأراهم طرف ردائه فقطعوا الشجرّة وشقوها بالمنشار فمات زكريا فيها*
سبب قتل يحيى عليه السلام
وقيل فى سبب قتل يحيى عليه السلام ان ملك بنى اسرائيل كان يكرمه ويدنى مجلسه وان الملك هوى بنت امرأته وقال ابن عباس ابنة أخيه فسأل يحيى تزويجها فنهاه عن نكاحها فبلغ ذلك أمها فحقدت على يحيى وعمدت حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلى وأرسلتها الى الملك وأمرتها أن تسقيه فان رادوها عن نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته فاذا أعطاها ما سألت سألت رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به فى طست ففعلت فلما راودها قالت لا أفعل حتى تعطينى ما أسألك قال فما تسألينى قالت رأس يحيى بن زكريا فى هذا الطست فقال ويحك سلينى غير هذا قالت ما اريد غير هذا فلما أبت عليه بعث فأتى برأسه حتى وضع بين يديه والرأس تتكلم تقول لا يحل لك فلما أصبح اذا دمه يغلى فأمر بتراب فألقى عليه فرقى الدم يغلى فلا زال يلقى عليه التراب وهو يغلى حتى بلغ سور المدينة وهو فى ذلك يغلى ويرقى فسلط الله عليهم ملك بابل خردوش فخرب بيت المقدس وقتل سبعين ألفا حتى سكن هكذا ذكر فى لباب التأويل واما فى غيره فقد ذكر وجه آخر فى قتله وذكر بعض احواله وجاء فى الخبر ان الشمس بكت على يحيى عليه السلام اربعين صباحا وكان بكاؤها ان طلعت حمراء وغربت حمراء(1/177)
ويروى أن يحيى بن زكريا سيد الشهداء يوم القيامة وقائدهم الى الجنة وذابح الموت يوم القيامة* وفى الفتوحات قال الشارع وهو الصادق صاحب العلم الصحيح والكشف الصريح ان الموت يجاء به يوم القيامة فى صورة كبش أملح يعرفه الناس ولا ينكره أحد فيذبح بين الجنة والنار وروى أن يحيى عليه السلام هو الذى يضجعه ويذبحه بشفرة تكون فى يده والناس ينظرون اليه* وفى معالم التنزيل ذكر وهب بن منبه ان الله مسخ بخت نصر نسرا فى الطير ثم مسخه ثورا فى الدواب ثم مسخه أسدا فى الوحوش وكان مسخه الله سبع سنين وقلبه فى ذلك قلب انسان ثم ردّ الله اليه ملكه فآمن فسئل وهب أكان بخت نصر مؤمنا قال وجدت أهل الكتاب اختلفوا فيه فمنهم من قال مات مؤمنا ومنهم من قال احرق بيت المقدس وكتبه وقتل الانبياء فغضب الله عليه فلم يقبل توبته وذكر السدّى هلاك بخت نصر بوجه آخر غير ما ذكر من اهلاك البعوضة فقال لما رجع الى صورته بعد المسخ وردّ الله اليه ملكه كان دانيال وأصحابه أكرم الناس فحسدهم المجوس وقالوا لبخت نصر ان دانيال اذا شرب خمرا لم يملك نفسه أن يبول وكان ذلك عارا عندهم فجعل لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا وقال للبوّاب انظر أوّل من يخرج يبول فاضربه بالطير زين فان قال لك أنا بخت نصر فقل له كذبت بخت نصر أمرنى فكان أوّل من قام للبول بخت نصر فلما رآه البوّاب شدّ عليه فقال أنا بخت نصر فقال كذبت بخت نصر أمرنى فضربه فقتله*
نقش خاتم دانيال
وفى نهاية الكفاية فى شرح الهداية كان على خاتم دانيال صورة أسد ولبوة بوزن سمرة وهى انثى الاسد وبينهما صبى يلحسانه فلما نظر اليه عمر اغر ورقت عيناه أى دمعتا وأصل ذلك ان بخت نصر حيث استولى أخبر أن بعض ما يولد فى زمانك يقتلك فكان يتتبع قتل الصبيان فيقتلهم فلما ولد دانيال ألقته أمه فى غيضة رجاء أن ينجو من القتل فقيض الله تعالى له اسدا يحفظه ولبوة ترضعه وهما يلحسانه فأراد دانيال بهذا النقش على خاتمه أن يحفظ منة الله عليه* وفى حياة الحيوان قالوا قبر دانيال بنهر السوس ووجده أبو موسى الاشعرى فأخرجه وكفنه وصلّى عليه ثم قبره بنهر السوس وأجرى عليه الماء* وعن أبى الزناد أنه قال رأيت فى يد أبى بردة بن أبى موسى الاشعرى خاتما نقش فصه أسدان بينهما رجل وهما يلحسانه قال أبو بردة هذا خاتم دانيال أخذه أبو موسى الاشعرى حين وجده يوم دفنه
*
(ذكر ظهور زمزم فى زمن عبد المطلب ثانيا)
* وكانت مدفونة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا يعرف مكانها كما يجىء* وفى سيرة مغلطاى سميت زمزم بذلك لانها زمت بالتراب أو لزمزمة الماء فيها* وفى سيرة ابن هشام وهى دفن بين صنمى قريش اساف ونائلة عند منحر قريش كانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة وهى بئر اسماعيل بن ابراهيم التى سقاه الله حين ظمئ وهو صغير فالتمست له أمه ماء فلم تجده فقامت على الصفا تدعو الله وتستسقيه لاسماعيل ثم أتت المروة ففعلت مثل ذلك وبعث الله جبريل فهمزها بعقبه فى الارض فظهر الماء وسمعت أمه أصوات السباع فخافت عليه فأقبلت تشتدّ نحوه فوجدته يفحص بيديه عن الماء تحت خدّه ويشرب فجعلته حبسا كما مرّ فى ابتداء ظهور زمزم* وفى المواهب اللدنية أن الجرهمى عمرو بن الحارث لما أحدث قومه بحرم الله الحوادث قيض الله لهم من أخرجهم من مكة فعمد عمرو الى نفائس فجعلها فى زمزم وبالغ فى طمها وفرّ الى اليمن بقومه فلم تزل زمزم من ذلك العهد مجهولة الى ان رفعت الحجب برؤيا منام رآها عبد المطلب دلته على حفرها بامارات عليها قال ابن هشام فى سيرته حدّثنا زياد بن عبد الله البكائى عن محمد بن اسحاق المطلبى قال بينما عبد المطلب بن هاشم نائم فى الحجر اذ أتى فأمر بحفر زمزم* وفى رواية ان زمزم بقيت منطمسة بعد جرهم زها خمسمائة سنة لا يعرف مكانها الى أن بلغت نوبة حكومة مكة ورياسة أهلها عبد المطلب وتعلقت ارادة الله القديمة باظهارها فأمر عبد المطلب فى المنام بحفرها* وفى سيرة ابن هشام كان(1/178)
أوّل ما بدأ به عبد المطلب من حفرها كما روى عن عبد الله بن زريق الغافقى أنه سمع علىّ بن أبى طالب يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها* قال قال عبد المطلب انى لنائم فى الحجر اذ أتانى آت فقال احفر طيبة قلت وما طيبة قال قال ثم ذهب عنى فلما كان الغد رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال احفر برة قلت وما برة ثم ذهب عنى فلما كان الغد رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال احفر المضنونة قلت وما المضنونة ثم ذهب عنى فلما كان الغد رجعت الى مضجعى فنمت فيه فجاءنى فقال احفر زمزم قال قلت وما زمزم قال لا تنزف أبدا ولا تذم تسقى الحجيج الاعظم وهى بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الاعصم عند قرية النمل وكذا أورده ابن الجورى فى الحقائق الا انه لم يذكر عند قرية النمل وزاد بعد نقرة الغراب الاعصم قوله وهى شرف لك ولولدك وكان غراب أعصم لا يبرح عند الذبائح مكان الفرث والدم* قال ابن اسحاق فلما بين له شأنها ودل على موضعها وعرف أنه قد صدق غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره فجعل يحفر ثلاثة أيام حتى بدا له كذا فى الحقائق فلما بدا لعبد المطلب الطى كبر وقال هذا لطوى اسماعيل فعرفت قريش انه قد أدرك حاجته فقاموا اليه فقالوا يا عبد المطلب انها بئرأ بينا اسماعيل وان لنا فيها حقا فأشركنا معك فيها قال ما أنا بفاعل ان هذا الامر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم قالوا له فأنصفنا فانا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها قال فاجعلوا بينى وبينكم من شئتم أحاكمكم اليه قالوا كاهنة بنى سعد بن هذيم قال نعم وكانت باشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بنى أمية من بنى عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر قال والارض اذ ذاك مفازة فخرجوا حتى اذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فنى ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة فاستسقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا انا بمفازة نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوّف على نفسه وأصحابه قال فماذا ترون قالوا ما رأينا الا تبع لرأيك فمرنا بما شئت قال فانى أرى أن يحفر كل رجل منكم حفيرة لنفسه بما بكم الآن من القوّة فكلما مات رجل دفنه أصحابه فى حفرته ثم واروه حتى يكون آخركم رجلا واحدا فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعا قالوا نعم ما أمرت به فقام كل رجل منهم فخفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا ثم ان عبد المطلب قال لاصحابه والله ان القاءنا بأيدينا هكذا للموت لا نضرب فى الارض ونبتغى لا نفسنا لعجز فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى اذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون اليهم ما هم فاعلون تقدّم عبد المطلب الى راحلته فركبها فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملؤا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش وقال هلمّ الى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا فجاؤا فشربوا واستقوا ثم قالوا قدو الله قضى لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك فى زمزم أبدا ان الذى سقاك هذا الماء بهذه الفلاة هو الذى سقاك زمزم فارجع الى سقايتك راشدا فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا الى الكاهنة وخلوا بينه وبينها* قال ابن اسحاق فهذا الذى بلغنى من حديث على بن أبى طالب رضى الله عنه فى زمزم وقد سمعت من يحدّث عن عبد المطلب أنه قيل له حين أمر بحفر زمزم
ثم ادع بالماء الروا غير الكدر ... تسقى حجيج الله فى كل مبر
ليس يخاف منه شىء ما عمر
فخرج عبد المطلب حين قيل له ذلك الى قريش فقال تعلمون انى قد أمرت أن أحفر زمزم قالوا فهل بين لك أين هى قال لا قالوا فارجع الى مضجعك الذى رأيت فيه ما رأيت فان يك حقا من الله يبين لك أين هى وان يكن من الشيطان فلن يعود اليك فرجع عبد المطلب الى مضجعه فنام فيه فأتى فقيل له احفر(1/179)
زمزم فانك ان حفرتها لم تندم وهى تراث من أبيك الاعظم لا تنزف أبدا ولا تذم تسقى الحجيج الاعظم مثل نعام حافل لم يقم ينذر فيها ناذر لمنعم تكون ميراثا وعقدا محكم ليس كبعض ما قد تعلم وهى بين الفرث والدم* قال ابن هشام هذا الكلام والكلام الذى قبله فى حديث علىّ فى حفر زمزم من قوله لا تنزف أبدا ولا تذم الى قريه عند قرية النمل عندنا سجع وليس بشعر* قال ابن اسحاق فزعموا انه حين قيل له ذلك قال وأين هى قيل له عند قرية النمل حيث ينقر الغراب غدا فالله أعلم أىّ ذلك كان* وفى بعض الكتب فرأى فى المنام يقال له زمزم وما زمزم هزمة جبريل برجله وسقيا اسماعيل وأهله زمزم البركات تروى الرماق الواردات شفاء سقام وخير طعام وأرى مرّة اخرى قيل له احفر تكتم بين الفرث والدم وعند نقر الغراب الاعصم وفى قرية النمل مستقبل الاصنام الحمر وفى القاموس تكتم على ما لم يسم فاعله اسم بئر زمزم كمكتوم وفى الحديث الغراب الاعصم الذى احدى رجليه بيضاء رواه ابن أبى شيبة وقيل أحمر المنقار والرجلين رواه الحاكم فى مستدركه وفى الاحياء الاعصم أبيض البطن وقال غيره أبيض الجناحين وقيل أبيض الرجلين كذا فى حياة الحيوان فقام عبد المطلب فمشى حتى جلس فى المسجد ينتظر ما سمى له من الآيات فنحرت بقرة بالحزورة وهى بأسفل مكة سميت باسم أمة لرجل يقال له وكيع بن سلمة وكان اليه أمر البيت فبنى فيه ضريحا جعل فيه أمة يقال لها خرورة وجعل فيه سلما يرقاه ويقول بزعمه انه يناجى ربه كذا فى شفاء الغرام فبينما تنحر البقرة انفلتت منحورة عن جازرها بحشاشة نفسها حتى غلبها الموت فى المسجد فى موضع زمزم فجزرت فى مكانها حتى احتمل لحمها فأقبل غراب يهوى حتى وقع فى الفرث والدم فبحث عن قرية النمل فقام عبد المطلب يحفر هناك فجاءت قريش فقالوا له لم تحفر فى مسجدنا فقال انى لحافر هذه البئر ومجاهد من صدّنى عنها فطفق يحفر هو وابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فسفه عليهما ناس من قريش ونازعوهما وقاتلوهما حتى اذا اشتدّ عليه الاذى نذر لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه وسهل الله له حفر زمزم لينحرنّ أحدهم لله عند الكعبة كذا فى أنوار التنزيل* وعبارة المواهب اللدنية فمنعته قريش من ذلك قالوا لم تحفر هنالك فآذاه من السفهاء من آذاه واشتدّ بذلك بلواه ومعه ولده الحارث ولم يكن له ولد سواه فنذر لئن جاءه عشر بنين وصاروا له أعوانا ليذبحنّ أحدهم لله قربانا فأعان الله عبد المطلب حتى غلب مع ابن واحد على سائر قريش فامتنعوا عنه* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فغدا عبد المطلب ومعه ابنه الحارث وليس له يومئذ ولد غيره فوجد قرية النمل ووجد الغراب ينقر عندها بين الوثنين اساف ونائله اللذين كانت قريش تنحر عندهما ذبائحها فجاء بالمعول وقام ليحفر حيث أمر فقامت اليه قريش حين رأوا جدّه وقالوا والله لا نتركك تحفر بين وثنينا اللذين ننحر عندهما فقال عبد المطلب لابنه الحارث ذدعنى حتى أحفر فو الله لا مضين لما أمرت به فلما عرفوا أنه غير نازع خلوا بينه وبين الحفر وكفوا عنه فلم يحفر الا يسيرا حتى بداله الطى فكبر وعرف أنه قد صدق فلما تمادى به الحفر وجد فيها غزالين من ذهب وهما الغزالان اللذان دفنتهما جرهم فيها حين خرجت من مكة ووجدت فيها أسيافا قلعية وأدراعا فقالت له قريش يا عبد المطلب لنا معك فى هذا شرك وحق قال لا ولكن هلم الىّ أمر نصف بينى وبينكم نضرب عليها بالقداح قالوا وكيف تصنع قال أجعل للكعبة قد حين ولى قد حين ولكم قد حين فمن خرج قدحاه على شىء كان له ومن تخلف قدحاه فلا شىء له قالوا أنصفت فجعل قدحين أصفرين للكعبة وقد حين أسودين لعبد المطلب وقد حين أبيضين لقريش ثم اعطوها صاحب القداح الذى يضرب بها عند هبل وهبل صنم فى جوف الكعبة على بئر وكانت تلك البئر هى التى يجمع فيها ما يهدى للكعبة وكان أعظم أصنامهم وهو الذى يعنى أبو سفيان بن حرب يوم(1/180)
أحد حين قال اعل هبل أى ظهر دينك وقام عبد المطلب يدعو الله وضرب صاحب القداح فخرج الاصفران على الغزالين للكعبة وخرج الاسودان على الاسياف والادراع لعبد المطلب وتخلف قدحا قريش فضرب عبد المطلب الاسياف بابا للكعبة وضرب فى الباب الغزالين من ذهب فكان أوّل ذهب حليته الكعبة فيما يزعمون* وفى شفاء الغرام أوّل من علق المعاليق بالكعبة فى الجاهلية على ما قيل عبد المطلب علقها بالغزالين من الذهب اللذين وجدهما فى زمزم حين حفرها وكانا معلقين مدّة حتى سرقوهما*
سرقة الغزالين من الكعبة
وقصته أن جماعة من قريش كانوا فى ليلة من الليالى يشربون الخمر وفيهم أبو لهب ومعهم القيان ولما فنيت أسباب طربهم عمدوا الى باب الكعبة وسرقوا الغزالين وباعوهما من تجار قدموا مكة بالخمر وغيرها واشتروا بثمنهما جميع ما فى العير من الخمر بالمرة واشتغلوا بالطرب واللهو شهرا ولم يدر من سرق حتى مرّ العباس بن عبد المطلب فى ليلة من الليالى بباب الدار التى تلك الجماعة فيها فسمع القيان يغتين بقصة سرقة الغزالين من باب الكعبة وبيعهما من أهل القافلة وأخبر بها العباس قريشا فأخذوهم وضربوهم وقطعوا أيدى بعضهم ثم ان عبد المطلب أقام سقاية زمزم للحاج
*
(ذكر بئار قبائل قريش بمكة)
* قال ابن هشام وكانت قريش قبل حفر زمزم قد احتفرت بئارا بمكة فيما حدّثنى زياد بن عبد الله عن محمد بن اسحاق قال حفر عبد شمس بن عبد مناف الطوى وهى البئر التى بأعلى مكة عند البيضاء دار محمد بن يوسف الثقفى وحفر هاشم بن عبد مناف بذر وهى البئر التى عند المستند حطم الخندمة وهى على فم شعب أبى طالب وزعموا أنه قال حين حفرها لأجعلنها بلاغا للناس قال ابن هشام وقال الشاعر
سقى الله أمواها عرفت مكانها ... جرابا وملكوما وبذر والغمرا
قال ابن اسحاق وحفر سجلة وهى بئر المطعم بن عدىّ بن نوفل بن عبد مناف التى يسقون عليها اليوم تزعم بنو نوفل أن المطعم بن عدى ابتاعها من أسد بن هاشم وتزعم بنو هاشم أنه وهبها له حين ظهرت زمزم فاستغنوا بها عن تلك الآبار وحفر أمية بن عبد شمس الحفر لنفسه وحفرت بنو أسد بن عبد العزى شفية وهى بئر بنى أسد وحفرت بنو عبد الدار امّ احزاد وحفرت بنو جمح السنبلة وهى بئر خلف بن وهب وحفرت بنو سهم الغمر وهى بئر بنى سهم وكانت آبار حفائر خارجة من مكة قديمة من عهد مرّة بن كعب بن كلاب بن مرّة وكبراء قريش الاوائل منها يشربون وهى رم ورم بئر مرّة بن كعب وحم وخم بئر بنى كلاب بن مرّة والحفر* وقال حذيفة بن غانم أخو بنى عدى بن كعب بن لؤى قال ابن هشام وهو ابن أبى جهم بن حذيفة
وقد ما غنينا قيل ذلك حقبة ... ولا نستقى الا بخم أو الحفر
قال ابن اسحاق فعفت زمزم على البئار التى كانت قبلها يستقى عليها الحاج وانصرف الناس اليها لمكانها من المسجد الحرام ولفضلها على ما سواها من المياه ولانها بئر اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام وافتخرت بها بنو عبد مناف على قريش كلها وعلى سائر العرب* وفى البحر العميق فلم يزل هاشم ابن عبد مناف يسقى الحاج حتى توفى فقام بأمر السقاية بعده عبد المطلب بن هاشم فلم يزل كذلك حتى حفر زمزم فعفت على آبار مكة فكان منها شرب الحاج وكانت لعبد المطلب ابل كثيرة اذا كان الموسم جمعها ثم سقى لبنها بالعسل فى حوض من أدم عند زمزم ويشترى الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحاج ليكسر غلظ ماء زمزم وكانت اذ ذاك غليظة جدّا وكان للناس اذ ذاك فى بيوتهم أسقية فيها الماء من هذه الآبار ينبذون فيها القبضات من الزبيب والتمر لتكسر عنهم غلظ ماء آبار مكة وكان الماء العذب بمكة عزيزا لا يوجد الا لإنسان يستعذب له من بئر ميمون خارج مكة فلبث عبد المطلب يسقى الناس حتى توفى(1/181)
فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب فلم تزل فى يده وكان للعباس كرم بالطائف وكان يحمل ربيبه اليها وكان يداين أهل الطائف ويقتضى منهم الزبيب فينبذ ذلك كله ويسقيه الحاج أيام الموسم فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة ثم ردّهما عليهما وسيجىء فى الموطن الثامن فى فتح مكة ان شاء الله تعالى
*
(الطليعة الثالثة فى ولادة عبد الله ونذر عبد المطلب ذبحه
وعرضه عليه وتزوّج آمنة) * وقصة الخثعمية ووقائع مدّة الحمل من وفاة عبد الله وقصة أصحاب الفيل) *
*
(ذكر ولادة عبد الله)
قال أصحاب السير والتواريخ كانت ولادة عبد الله بن عبد المطلب لا ربع وعشرين سنة مضت من ملك كسرى أنو شروان وكان يوم ولد عبد الله علم بمولده جميع أحبار الشام وذلك انه كانت عندهم جبة صوف بيضاء وكانت الجبة مغموسة فى دم يحيى بن زكريا وكانوا قد وجدوا فى كتبهم اذا رأيتم الجبة البيضاء والدم يقطر منها فاعلموا أن أبا محمد المصطفى قد ولد تلك الليلة وقدموا بأجمعهم الى الحرم وأرادوا أن يغتالوا بعبد الله فصرف الله شرّهم عنه ورجعوا الى بلادهم ولم يكن يقدم عليهم أحد من الحرم الا سألوه عن عبد الله فيقولون تركنا نورا يتلألأ فى قريش فتقول الاحبار ليس ذلك النور لعبد الله انما ذلك النور لمحمد عليه السلام قال فخرج عبد الله أجمل قريش فشغفت به كل نساء قريش وكدن أن تذهل عقولهنّ فلقى عبد الله فى زمنه من النساء ما لقى يوسف فى زمنه من امرأة العزيز وكان عبد الله يخبر أباه بما يرى من العجائب يقول يا أبت انى اذا خرجت الى بطحاء مكة وصرت على جبل ثبير خرج من ظهرى نوران أخذ أحدهما شرق الارض والآخر غربها ثم ان ذينك النورين يستديران حتى يصيرا كالسحابة ثم تنفرج لهما السماء فيدخلان فيها ثم يخرجان ثم يرجعان الىّ فى لمحة واحدة وانى لاجلس فى الموضع فأسمع فيه من تحتى سلام عليك أيها المستودع ظهره نور محمد صلّى الله عليه وسلم وانى لاجلس فى الموضع اليابس أو تحت الشجرة اليابسة فتخضرّ وتلقى علىّ أغصانها فاذا قمت وتركتها عادت الى ما كانت فقال له عبد المطلب ابشريا بنى فانى أرجو أن يخرج الله من ظهرك المستودع المكرم فانا قد وعدنا ذلك وانى رأيت قبلك رؤيا كلها تدل على انه يخرج من ظهرك أكرم العالمين وكان عبد الله أبو النبىّ كلما أصبح وذهب ليدخل على صنمهم الاكبر وهو اللات والعزى صاح كما تصيح الهرّة ونطق وهو يقول ما لنا ولك أيها المستودع ظهره نور محمد الذى يكون هلاكنا وهلاك أصنام الدنيا على يديه*
(ذكر نذر عبد المطلب ذبح عبد الله وعرضه عليه)
* قال ابن اسحاق وكان عبد المطلب نذر حين لقى من قريش ما لقى عند حفر زمزم لئن ولد له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرنّ أحدهم لله عند الكعبة كما مرّ فلماتوا فى بنوه عشرة وعرف أنهم سيمنعونه جمعهم* وفى الحدائق روى قبيصة عن ذؤيب عن ابن عباس قال لما رأى عبد المطلب قلة أعوانه فى حفر زمزم نذر لئن أكمل الله له عشرة ذكور ليذبحنّ أحدهم فلما تكاملوا عشرة جمعهم ثم أخبرهم بنذره ودعاهم الى الوفاء بذلك فأطاعوه وقالوا كيف نصنع قال ليأخذ كل واحد منكم قدحا وليكتب فيه اسمه ثم ليأتنى به ففعلوا ثم أتوه فدخل بهم على هبل فى جوف الكعبة وكان هبل على البئر التى يجمع فيها ما يهدى الى الكعبة كما مرّ وقال لقيم الصنم وفى الحدائق قال للسادن اضرب بقداح هؤلاء فلما أخذ ليضرب قام عبد المطلب عند الكعبة يدعو الله ويقول اللهمّ انى نذرت لك نحر أحدهم وانى أقرع بينهم فأصب بذلك من شئت ثم ضرب السادن القداح فخرج القدح على عبد الله وأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل به الى اساف ونائلة فقامت اليه قريش من أنديتها وقالوا ما تريد أن تصنع قال أذبحه قالوا لا ندعك أن تذبحه حتى تعذر فيه الى ربك ولئن فعلت هذا لا يزال الرجل بأتى بابنه فيذبحه ويكون سنة وقالوا له انطلق الى(1/182)
فلانة الكاهنة بالحجاز ذكر الحافظ عبد الغنى أن اسمها قطبة وذكر ابن اسحاق ان اسمها سجاح فقالوا لعلها أن تأمرك بأمر فيه فرج لك فانطلقوا حتى أتوها بخيبر فقص عليها عبد المطلب القصة فقالت لهم كم الدية فيكم قالوا عشرة من الابل قالت فارجعوا الى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقرّبوا عشرة من الابل ثم اضربوا عليه وعليها بالقداح فان خرجت على صاحبكم فزيدوا فى الابل ثم اضربوا أيضا وهكذا حتى يرضى ربكم فاذا خرجت على الابل فانحروها فقد رضى ربكم ونجا صاحبكم فرجع القوم الى مكة فقرّبوا عبد الله وعشرة من الابل فخرجت على عبد الله فزادوا عشرة فخرجت على عبد الله فلم يزالوا يزيدون عشرا عشرا الى أن جعلوها مائة فخرجت على الابل فقالوا قد رضى ربكم فقال عبد المطلب لا والله حتى أضرب عليها وعليه ثلاث مرات ففعل فخرجت على الابل ففداه بمائة من الابل ولذلك صارت الدية مائة من الابل* وفى سيرة مغلطاى أوّل من سنّ الدية عبد المطلب وقيل القلمس وقيل أبو سيارة انتهى فنحرت ثم تركت لا يصدّ عنها انسان ولا طائر ولا سبع ثم انصرف عبد المطلب بابنه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ابن الذبيحين كما ذكره الزمخشرى فى الكشاف وعند الحاكم فى المستدرك قال أعرابى يا رسول الله عد علىّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه والمراد بالذبيحين عبد الله واسماعيل اذ عرضا على الذبح* وذهب بعض العلماء الى أن الذبيح اسحاق فان صح هذا فالعرب تجعل العمّ أبا كذا فى المواهب اللدنية* وقد استشكل بعض الناس ان عبد المطلب نذر نحر أحد بنيه اذا بلغوا عشرا وقد كان تزوّج هالة أمّ ابنه حمزة بعد وفائه بنذره فحمزة والعباس انما ولدا بعد الوفاء بنذره وانما كان أولاده عشرة* قال السهيلى ولا اشكال فى هذا فان جماعة من العلماء قالوا كان أعمام النبىّ صلّى الله عليه وسلم اثنى عشر فان صح هذا فلا اشكال فى الخبر وان صح قول من قال كانوا عشرة لا يزيدون فالولد يقع على البنين وبينهم حقيقة لا مجازا وكان عبد المطلب قد اجتمع له من ولده وولد ولده عشرة رجال حين وفى بنذره ويقع أيضا فى بعض السير أن عبد الله أصغر بنى أبيه عبد المطلب كذا قاله ابن اسحاق وهو غير معروف ولعل الرواية أصغر بنى أمه والا فحمزة كان أصغر من عبد الله والعباس أصغر من حمزة كذا فى سيرة مغلطاى* وروى عن العباس أنه قال أذكر مولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاثة أعوام أو نحوها فجىء به حتى نظرت اليه وجعل النسوة يقلن لى قبل أخاك فقبلته فكيف يصح أن يكون عبد الله هو الاصغر ولكن رواه البكائى ولروايته وجه وهو أن يكون أصغر ولد أبيه حين أراد نحره ثم ولد له بعد ذلك حمزة والعباس انتهى وهذا أيضا على تقدير أن يكون أولاد عبد المطلب اثنى عشر*
(ذكر تزوّج عبد الله آمنة)
* روى أنه خرج عبد الله يوما الى قنصه وقد قدم عليه تسعون رجلا من أحبار يهود الشام معهم السيوف المسمومة يريدون أن يغتالوه ويقتلوه وكان وهب بن عبد مناف أبو آمنة صاحب قنص أيضا* قال فلما نظرت الى الاحبار قد أحدقوا بعبد الله وعبد الله يومئذ وحده تقدّمت اليه لاعينه عليهم فنظرت الى رجال لا يشهون رجال الدنيا على خيل شهب قد حملوا على الاحبار حتى هزموهم عن عبد الله فلما رآى ذلك وهب بن عبد مناف من عبد الله رغب فيه وقال لن يستقيم لا بنتى آمنة زوج غير هذا وقد كان خطبها اشراف قريش وكانت آمنة تأبى ذلك وتقول يا أبت لم يأن لى التزويج فرجع وهب الى أهله فأخبرها بما كان من عبد الله وقال انه أجمل قريش واوسطهم نسبا وانى لا أحب لا بنتى آمنة زوجا غيره فانطلقى اليه فأعرضى ابنتى عليه لعله يتزوّجها قال فانطلقت أمّ آمنة حتى دخلت على عبد المطلب فعرضت عليه ابنتها فقال عبد المطلب لم يعرض علىّ امرأة تستقيم لابنى غيرها فتزوّجها عبد الله فليلة بنى عبد الله بها لم تبق امرأة فى قريش الا مرضت قال عبد الله بن عباس عن أبيه عباس ان ليلة بنى عبد الله بآمنة أحصينا مائتى امرأة من بنى مخزوم(1/183)
وعبد شمس وعبد مناف متن وخرجن من الدنيا ولم يتزوّجن أسفا على ما فاتهنّ من عبد الله وكان عبد الله يوم تزوّجها ابن ثلاثين سنة وقيل ابن خمس وعشرين سنة وقيل سبع عشرة ولم يذكر القول الاخير فى الصفوة وذخائر العقبى* قال أبو عمرو وخرج أبوه عبد المطلب الى وهب بن عبد مناف فزوّجه آمنة ابنة وهب وقيل كانت آمنة فى حجر عمها وهيب بن مناف فأتاه عبد المطلب فخطب اليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه وخطب آمنة بنت وهب لابنه عبد الله فتزوّجاهما فى مجلس واحد فولدت آمنة لعبد الله رسول الله صلّى الله عليه وسلم وولدت هالة لعبد المطلب حمزة وصفية ولم يكن لآمنة أخ ولا اخت فلذلك لم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم خال ولا خالة وانما بنو زهرة يقولون نحن اخواله لان أمّه آمنة منهم ولم يكن لعبد الله ولا لآمنة ولد غيره صلّى الله عليه وسلم فلذلك لم يكن له أخ ولا اخت لكن كان له ذلك من الرضاعة وسيأتى ذكرهم كذا فى ذخائر العقبى فأعطى الله آمنة من الجمال والكمال ما كانت تدعى به حكيمة قومها فبقيت مع عبد الله مدّة سنين لا يؤذن لنور رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من عبد الله الى آمنة وقد طالت الفترة وانقطع أخبار السماء واندرس ذكر النبوّة فلا أمير ينتجب ولا رسول يصطفى برسالات ربه والارض مشوبة بالاصنام وقد نبذ الناس الطاعة واقتدوا بالظلم والجهالة منهمكين فى عبادة الاوثان*
(ذكر قصة الخثعمية الكاهنة)
* فى الصفوة جرت لعبد الله قصة الخثعمية قبل حمل آمنة برسول الله صلّى الله عليه وسلم عن ابى الفياض الخثعمى قال مرّ عبد الله بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها فاطمة بنت مرّة وكانت من أجمل النساء واشبهها وأعفها وكانت قد قرأت الكتب فرأت نور النبوّة فى وجه عبد الله فقالت يا فتى من أنت فأخبرها فقالت هل لك ان تقع علىّ وأعطيك مائة من الابل فنظر اليها وقال
أما الحرام فالممات دونه ... والحلّ لا حلّ فأستبينه
فكيف بالامر الذى تنوينه ... يحمى الكريم عرضه ودينه
ثم مضى الى امرأته آمنة فكان معها ثم ذكر الخثعمية وجمالها وما عرضت عليه فأقبل اليها فلم ير منها من الاقبال عليه آخرا كما رأى منها أوّلا فقال هل لك فيما قلت قالت* قد كان ذلك مرّة فاليوم لا* فذهبت مثلا قالت أى شىء صنعت بعدى قال وقعت على زوجتى آمنة بنت وهب قالت انى والله لست بصاحبة ريبة ولكنى رأيت نور النبوّة فى وجهك فأردت أن يكون ذلك فىّ وأبى الله الا أن يجعله حيث جعله* وفى سيرة مغلطاى تعرّضت لعبد الله امرأة من بنى أسد اسمها رقيقة ويقال قتيلة بنت نوفل تكنى أمّ قتال ويقال اسمها فاطمة بنت مرّة ويقال ليلى العدوية ويقال امرأة من تبالة ويقال من خثعم ويقال كانت يهودية قال أبو أحمد الحاكم كان سنّ عبد الله اذ ذاك ثلاثين سنة وفى المواهب اللدنية وعند أبى نعيم والخرائطى وابن عساكر من طريق عطاء عن ابن عباس لما خرج عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوّجه مرّ به على كاهنة من تبالة متهوّدة قد قرأت الكتب يقال لها فاطمة بنت مرّة الخثعمية الى آخر ما ذكر* عن أبى يزيد المدينى أن عبد الله لما مرّ بالخثعمية قالت له هل لك فىّ قال نعم حتى أرمى الجمرة فانطلق فرمى الجمرة ثم أتى امرأته آمنة ثم ذكر الخثعمية فأتاها فقالت هل أتيت امرأة بعدى قال نعم آمنة قالت فلا حاجة لى فيك انك مررت وبين عينيك نور ساطع الى السماء فلما وقعت عليها ذهب فأخبرها أنها قد حملت بخير أهل الارض* وفى المواهب اللدنية أيضا ولما انصرف عبد الله مع أبيه من نحر الابل حين وفى بنذره مرّ على المرأة من بنى اسد بن عبد العزى وبنى عبد الكعبة واسمها قتيلة بضم القاف وفتح المثناة الفوقية ويقال رقيقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل فقالت له حين نظرت الى وجهه وكان أحسن رجل فى قريش لك مثل الابل التى(1/184)
نحرت عنك وقع علىّ الآن لما رأت فى وجهه من نور النبوّة ورجت أن تحمل بهذا النبىّ الكريم صلّى الله عليه وسلم فقال لها أنا مع أبى ولا أستطيع خلافه ولا فراقه وقيل أجابها بقوله* أما الحرام فالممات دونه* والحلّ لا حلّ فاستبينه* فكيف بالامر الذى تبغينه* يحمى الكريم عرضه ودينه* كما مرّ*
(ذكر حمل آمنة برسول الله صلّى الله عليه وسلم)
* فلما كانت الليلة التى أذن الله عز وجل للنور المحمدى أن يخرج من عبد الله الى آمنة اهتزت الملائكة فرحا وذلك ليلة الجمعة فى شعب أبى طالب عند الجمرة الوسطى كذا فى المنتقى* وفى سيرة اليعمرى حملت به آمنة فى أيام التشريق عند الجمرة الوسطى انتهى وفى المواهب اللدنية زعموا أنه وقع عليها يوم الاثنين أيام منى فى شعب أبى طالب عند الجمرة الوسطى قال أبو أحمد الحاكم كان سنه اذ ذاك ثلاثين سنة وكذا فى سيرة مغلطاى فحملت برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمر الله خازن الجنة أن يفتح أبواب الجنان تعظيما لنور محمد صلّى الله عليه وسلم وهبط جبريل بلوائه الاخضر ونصبه على ظهر الكعبة* وفى المواهب اللدنية ولما حملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لحمله عجائب ووجد لايجاده غرائب فذكروا أنه لما استقرّت نطفته الزكية ودرّته المحمدية فى صدفة آمنة القرشية نودى فى الملكوت ومعالم الجبروت أن عطروا جوامع القدس الاسنى وبخروا جهات الشرف الاعلى وافرشوا سجادات العبادات فى صفف الصفاء لصوفية الملائكة المقرّبين أهل الصدق والوفاء فقد انتقل النور المكنون الى بطن آمنة ذات العقل الباهر والفخر المصون قد خصها الله تعالى القريب المجيب بهذا الصدر المصطفى الحبيب لانها أفضل قومها حسبا وأنجب وأزكاهم أصلا وفرعا وأطيب* وقال سهل بن عبد الله التسترى فيما رواه الخطيب البغدادى الحافظ لما أراد الله خلق محمد صلّى الله عليه وسلم فى بطن أمه آمنة ليلة رجب وكانت ليلة جمعة أمر الله تعالى تلك الليلة خازن الجنان أن يفتح الفردوس ونادى مناد فى السموات والارض ألا انّ النور المخزون الذى يكون منه النبىّ الهادى فى هذه الليلة يستقرّ فى بطن أمّه الذى فيه يتمّ خلقه ويخرج الى الناس بشيرا ونذيرا* وفى رواية كعب الاحبار أنه نودى تلك الليلة فى السماء وصفاحها والارض وبقاعها أن النور المكنون الذى منه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستقرّ الليلة فى بطن أمه فيا طوبى لها ثم يا طوبى لها قوله طوبى الطيب والحسنى والخير والخيرة قاله فى القاموس* وقال غيره فرح وقرّة عين* وقال الضحاك عطية* وقال عكرمة نعم وفى الحديث طوبى لاهل الشام فان الملائكة باسطة أجنحتها عليها فالمراد بها هنا فعلى من الطيب وغيره مما ذكرنا لا الجنة ولا الشجرة ويحتمل أن يفسر بالجنة* فأصبحت يومئذ أصنام الدنيا منكوسة وكانت قريش فى جدب شديد وضيق عظيم فاخضرّت الارض وحملت الاشجار وأتاهم الرفد من كل جانب فسميت تلك السنة التى حمل فيها برسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة الفتح والابتهاج وكان قد أذن الله تلك السنة لنساء الدنيا أن يحملن ذكورا كرامة لمحمد صلّى الله عليه وسلم وأصبح عرش ابليس لعنه الله منكوسا والملك على رأسه يغطسه فى مضيق البحار أربعين صباحا فانقلب أسود محترقا* وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس قال كان من دلالات حمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان كل دابة فى قريش نطقت تلك الليلة باذن الله عز اسمه وقالت حمل بمحمد* وفى رواية برسول الله صلّى الله عليه وسلم ورب الكعبة وهو أمان الارض وسراجها* وفى المواهب اللدنية وهو أمان الدنيا وسراج أهلها ولم تبق كاهنة فى قريش ولا فى قبيلة من قبائل العرب الا علمت بحمله ولم يبق سرير لملك من ملوك الارض الا أصبح منكوسا ومرّت وحوش المشرق الى وحوش المغرب بالبشارات وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا وله فى كل شهر من شهور حمله نداء فى الارض ونداء فى السماء أن ابشروا فقد آن أن(1/185)
يظهر أبو القاسم صلّى الله عليه وسلم ميمونا مباركا انتهى كلام المواهب اللدنية وكلت ألسنة الملوك حتى لم يقدروا فى ذلك اليوم على التكلم* وفى الصفوة روى عن يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته قالت كنا نسمع أن آمنة لما حملت برسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تقول ما شعرت أنى حملت ولا وجدت له ثقلا ولا وحما كما تحد النساء الا انى أنكرت رفع حيضتى وأتانى آت وأنا بين النوم واليقظة أو قالت بين النائمة واليقظانة فقال هل شعرت بأنك حملت فكأنى أقول ما أدرى قال انك حملت بسيد هذه الامة ونبيها كذا ذكر ابن اسحاق فى كتاب المغازى* وفى رواية بسيد الانام قالت وذلك يوم الاثنين فكان ذلك مما يقن أو حقق عندى الحمل تم أمهلنى حتى اذا دنا وقت ولادتى أتانى ذلك الآتى فقال قولى أعيذه بالصمد الواحد من شرّ كل حاسد وفى المواهب اللدنية بغير لفظ الصمد ثم سميه محمدا قالت فكنت أقول ذلك فذكرت ذلك لنسائى فقلن لى تعلقى حديدا فى عضديك وفى عنقك قالت ففعلت فلم ينزل علىّ أياما فأجده قد قطع فكنت لا أتعلقه وعن أبى جعفر محمد بن علىّ قال أمرت آمنة وهى حامل برسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تسميه أحمد* وفى رواية عن ابن اسحاق سميه محمدا وعلقى عليه هذه التميمة قالت فانتبهت وعند رأسى صحيفة من ذهب مكتوب فيها هذه النسخة
أعيذه بالواحد من شرّ كل حاسد وكل خلق رائد من قائم وقاعد عن السبيل حائد
على الفساد جاهد من نافث أو عاقد وكل خلق مارد يأخذ بالمراصد فى طرق الموارد
قال الحافظ عبد الرحيم العراقى هكذا ذكر هذه الابيات بعض أهل السير وجعلها من حديث ابن عباس ولا أصل لها كذا فى المواهب اللدنية وفى رواية أبى نعيم من حديث ابن عباس قال كانت آمنة تحدّث وتقول أتانى آت حين مرّ من حملى ستة أشهر فى المنام وقال لى يا آمنة انك حملت بخير العالمين فاذا ولدتيه فسميه محمدا واكتمى شأنك فاذا وقع على الارض فقولى أعيذه بالواحد من شرّ كل حاسد فى كل برّ غامد وكل عبد رائد حتى أراه قد أتى المشاهد وان آية ذلك أن يخرج معه نور يتلألأ يملأ قصور بصرى من أرض الشام فاذا وقع فسميه محمدا وان اسمه فى التوراة والانجيل أحمد يحمده أهل السماء وأهل الارض واسمه فى القرآن محمد فسميه بذلك* وفى مورد اللطافة وسيرة مغلطاى ولما شاع قبل ولادته أن نبيا اسمه محمد هذا ابان ظهوره سمى جماعة زها خمسة عشر أبناءهم محمدا رجاء أن يكون هو منهم محمد بن سفيان بن مجاشع ومحمد بن احيحة بن الجلاح ومحمد بن حمران ومحمد بن مسلمة الانصارى وفيه نظر ومحمد بن براء البكرى ومحمد بن خزاعى السلمى ومحمد بن عدى ابن ربيعة بن سعد المنقرى ومحمد بن عثمان بن ربيعة السعدى وأظنهما واحدا ومحمد الاسدى ومحمد الفقيمى ومحمد بن عتوارة الليثى ومحمد بن حرمان العمرى ومحمد بن خولى الهمدانى ومحمد بن يزيد بن ربيعة ومحمد بن أسامة بن مالك فقالت أمه والله لقد رأيت فى النوم وهو فى بطنى أنه خرج منى نور أضاءت منه قصور الشام وقالت لقد علقت فما وجدت له مشقة حتى وضعته وفى المواهب اللدنية واختلف فى مدّة الحمل به فقيل تسعة أشهر وقيل عشرة وقيل ثمانية وقيل سبعة وقيل ستة* ومن وقائع مدّة حمله وفاة عبد الله أبى النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى اسد الغابة لابن الاثير توفى أبوه عبد الله وأمه حامل به وفى المواهب اللدنية ولما تم لها من حملها شهران وقيل قبل ولادته بشهرين كذا فى سيرة مغلطاى توفى عبد الله وقيل توفى وهو فى المهد قاله الدولابى وعن أبى خيثمة وهو ابن شهرين وقيل وهو ابن سبعة أشهر وقيل وهو ابن ثمانية وعشرين شهرا وكذا فى سيرة اليعمرى والراجح المشهور هو الاوّل انتهى ويؤيد كونه فى المهد الرجز المنقول عن عبد المطلب حين توفى قال لابى طالب
أوصيك يا عبد مناف بعدى ... بموتم وهو ضجيع المهد(1/186)
وذكر أهل السيران آمنة بنت وهب لم تحمل حملا ولا ولدت ولدا غيره وكذا أبوه عبد الله لم يبلغنا انه ولد له ولد غيره صلّى الله عليه وسلم وفى الصفوة قال محمد بن كعب خرج عبد الله بن عبد المطلب الى الشام فى تجارة مع جماعة من قريش فلما رجعوا مرّوا بالمدينة وعبد الله كان مريضا فتخلف بالمدينة عند أخواله بنى عدى بن النجار فأقام عندهم مريضا شهرا ومضى أصحابه وقدموا مكة فأخبروا عبد المطلب فبعث اليه ولده الحارث أو الزبير على قول ابن الاثير فوجده قد توفى ودفن فى دار النابغة وهو رجل من بنى عدى* وفى المواهب اللدنية دفن بالابواء فرجع الحارث الى مكة فأخبر أباه فوجد عليه وجدا شديدا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ حمل وقيل بعثه عبد المطلب الى يثرب يمتار له تمرا منها فتوفى بها ولعبد الله يوم توفى خمس وعشرون سنة وقيل غير ذلك وقالت آمنة زوجته ترثيه
عفا جانب البطحاء من آل هاشم ... وجاور لحدا خارجا فى الغماغم
دعته المنايا دعوة فأجابها ... وما تركت فى الناس مثل ابن هاشم
عشية راحوا يحملون سريره ... تعاوره أصحابه فى التزاحم
فان يك غالته المنايا وريبها ... فقد كان معطاء كثير التراحم
ولما توفى عبد الله قالت الملائكة الهنا وسيدنا بقى نبيك يتيما فقال الله أناله حافظ ونصير* وفى بعض الكتب لما مات أبوه وصف فى السماء باليتيم وأعلى اليتم ما توفى الوالد والولد فى بطن الامّ فقالت الملائكة الهنا وسيدنا صار نبيك بلا أب فبقى من غير حافظ ومرب قال الله تعالى أنا وليه وحافظه وحاميه وربه وعونه ورازقه وكافيه فصلوا عليه وتبركوا باسمه وسيجىء وفاة أمّه فى الباب الاوّل من الركن الاوّل وترك عبد الله جارية يقال لها أم أيمن بركة الحبشية بنت ثعلب بن حصين بن مالك غلبت عليها كنيتها وكنيت باسم ابنها أيمن الحبشى ماتت فى خلافة عثمان وخمسة أجمال وقطيع غنم فورث ذلك النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكانت أمّ أيمن تحضنه* ومن حوادث مدّة حمله قصة أصحاب الفيل من بركة الحمل به وقرب أوان وضعه أهلك الله أصحاب الفيل وجعل كيدهم فى تضليل فيها دلالة ظاهرة على قدرة الله تعالى وعزة نبيه وشرف رسوله صلّى الله عليه وسلم فانها من الارهاصات اذروى أنها وقعت فى السنة التى ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسبحان من خصه بأعظم الفضائل وميزه عن خلقه بأكرم الخصائل وشرّفه ورفع قدره وكرمه وشرح صدره وجعل كل حال من أحواله آية باهرة وكل طور من أطواره معجزة ظاهرة صلوات الله تعالى وسلامه عليه وزاده فضلا وكرما وشرفا لديه* قال الامام فخر الدين الرازى مذهبنا أنه يجوز تقديم المعجزات على زمان البعثة تأسيسا وارهاصا ولذلك كانت الغمامة تظله عليه السلام يعنى قبل البعثة وخالفه السيد الشريف تبعا لغيره فاشترط فى المعجزة أن لا تتقدّم على الدعوى بل تكون مقارنة لها فما وقع من الخوارق قبل دعوى الرسالة فانها ليست بمعجزات انما هى كرامات ظهورها على الاولياء جائز والانبياء قبل نبوّتهم لا يقصرون عن درجة الاولياء فيجوز ظهورها عليهم أيضا وحينئذ تسمى ارهاصا أى تأسيسا للنبوّة صرّح به العلامة السيد الجرجانى فى شرح المواقف وغيره وهو مذهب جمهور أئمة الاصول وغيرهم (فان قلت) الحجاج خرب الكعبة ولم يحدث شىء مثل ما حدث لا برهة من البلاء (الجواب) أن ذلك وقع ارهاصا لامر نبينا صلّى الله عليه وسلم والارهاص انما يحتاج اليه قبل قدومه عليه السلام فلما ظهر وتأكدت نبوّته بالدلائل القطعية لا حاجة الى شىء من ذلك والله أعلم كذا فى المواهب اللدنية روى انه لما كان المحرّم سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة من تاريخ ذى القرنين وكان قد مضى من ملك كسرى أنوشروان اثنتان وأربعون سنة وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حملا فى بطن أمه حضر ابرهة(1/187)
ابن الصباح الاشرم يريد هدم الكعبة*
قصة أصحاب الفيل
وقصته أنه لما غلب على اليمن وملكها من قبل أصحمة النجاشى رأى الناس يتجهزون أيام الموسم للحج فسأل أين تذهب الناس قالوا يحجون بيت الله بمكة قال ومم هو قيل من الحجارة قال والمسيح لأبنين لكم خيرا منه فبنى لهم كنيسة بصنعاء اليمن وسماها القليس عملها بالرخام الابيض والاحمر والاسود والاصفر وحلاها بالذهب والفضة وأنواع الجواهر* وفى حياة الحيوان سميت بقليس لارتفاع بنائها وكلفهم فيها أنواع السخر ونقل اليها الرخام المجزع والحجارة المنقوشة بالذهب والفضة من قصر بلقيس صاحبة سليمان عليه السلام وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ ونصب فيها صلبانا من الذهب والفضة ومنابر من العاج وغيره انتهى فلما أراد أن يصرف اليها الحاج كتب الى النجاشى انى بنيت كنيسة باسم الملك لم يكن مثلها قبلها واريد أن أصرف اليها حج العرب وأمنع الناس من الذهاب الى مكة* ولما اشتهر هذا الخبر بين العرب خرج رجل من كنانة متعصبا ففعد فيها فأغضبه ذلك وهو قول ابن عباس وقيل أججت رفقة من العرب نارا وكان فى عمارة القليس خشب مموّه فحملتها الريح اليها فأحرقتها فحلف ليهد منّ الكعبة وهو قول مقاتل وسيجىء وقيل كان نفيل الخثعمى يتعرّض لها بالمكروه فأمهل حتى كان ليلة من الليالى ولم ير أحدا يتحرّك فجاء بعذرة فلطخ بها قبلتها وجمع جيفا فألقاها فيها فأخبر أبرهة بذلك فغضب غضبا شديدا وقال انما فعلت هذه العرب تعصبا لبيتهم لا نقضنه حجرا حجرا وكتب الى النجاشى يخبره بذلك وسأله أن يبعث اليه بفيله محمود وكان فيلا أبيض عظيما قويا لم ير فى الارض مثله فلما قدم الفيل الى أبرهة خرج بالجيش العظيم ومعه اثنا عشر فيلا غيره وقيل عشرة وقيل ثمانية وقيل كانوا ألف فيل وقيل كان وحده* وفى تفسير النهر لابى حيان أصحاب الفيل أبرهة بن الصباح الحبشى ومن كان معه من جنوده والظاهر أنه فيل واحد وكان العسكر ستين ألفا لم يرجع أحد منهم الا أميرهم فى شرذمة قليلة فلما أخبروا بما رأوا هلكوا* وفى سيرة ابن هشام فسمعت العرب بخروج أبرهة لتخريب البيت فأعظموه وفظعوا به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام وكان يخرج اليه كل من كان له قوّة واستطاعة فى الحرب فخرج اليه رجل كان من أشراف اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فى قومه ومن أجابه من سائر العرب ثم عرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ ذو نفر وأتى به أسيرا فأراد قتله ثم تركه وحبسه عنده فى وثاق وكان ابرهة رجلا حليما ثم مضى ابرهة فى وجهه حتى اذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمى فى قبيلتى خثعم شهران وناهش ومن تبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه ابرهة وأخذ نفيل أسيرا فلما همّ بقتله قال له نفيل أيها الملك لا تقتلنى فانى دليلك بأرض العرب فخلى سبيله وخرج به معه يدله حتى اذا مرّ بالطائف خرج اليه مسعود بن معتب بن مالك الثقفى فى رجال من ثقيف فقال له أيها الملك انما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس عندنا خلاف وليس بيتنا هذا البيت الذى تريد يعنون اللات انما تريد البيت الذى بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عليه فتجاوز عنهم واللات بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة فبعثوا معه أبارغال يدله على الطريق الى مكة فخرج ابرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس بفتح الميم الثانية وتشديدها وقيل بكسرها قيل هو على ثلثى فراسخ من مكة بطريق الطائف فمات هناك أبو رغال فدفن فيه فرجمت العرب قبره فهو القبر الذى يرحمه الناس بالمغمس الى اليوم ودفن معه غصنان من ذهب وذكر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرّ بالقبر فى غزوة الطائف فأمر باستخراج الغصنين منه فاستخرجا وسيجىء فى غزوة الطائف* وروى أبو علىّ بن السكن فى سننه الصحاح أن النبى صلّى الله عليه وسلم كان اذا كان بمكة وأراد أن يقضى حاجة الانسان خرج(1/188)
الى المغمس فلما نزل ابرهة المغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له الاسود بن مقصود على خيل له وأمره بالغارة على الناس فمضى حتى انتهى الى مكة فساق اليه أموال أهل تهامة وغيرهم فأصاب فيها مائتى بعير لعبد المطلب بن هاشم وهو يومئذ كبير قريش وسيدها وفى المواهب اللدنية فاستاق ابل قريش وغنمها وكان لعبد المطلب فيها اربعمائة ناقة فركب عبد المطلب فى قريش حتى طلع جبل ثبير فاستدارت دائرة غرّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم على جبينه كالهلال واشتدّ شعاعها على البيت الحرام مثل السراج فلما نظر عبد المطلب الى ذلك قال يا معشر قريش ارجعوا فقد كفيتم هذا الامر فو الله ما استدار هذا النور منى الا أن يكون الظفر لنا فرجعوا متفرّقين وهمّ أهل الحرم بقتاله ثم عرفوا ان لا طاقة لهم به فتركوه* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بذلك الحرم لقتاله ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك وبعث ابرهة حناطة الحميرى الى مكة وقال له سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفهم ثم قل له ان الملك يقول انى لم آت لحربكم انما جئت لهدم هذا البيت فان لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لى بدمائكم فان هو لم يرد حربى فأتنى به فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها فقيل له عبد المطلب بن هاشم فجاءه فقال له ما أمر به ابرهة فقال له عبد المطلب والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة فقال له حناطة فانطلق اليه فانه أمرنى أن آتيه بك* وفى المواهب اللدنية روى أن رسول ابرهة لما دخل الى مكة ونظر الى وجه عبد المطلب خضع وتلجلج لسانه وخرّ مغشيا عليه فكان يخور كما يخور الثور عند ذبحه فلما أفاق خرّ ساجدا لعبد المطلب وقال أشهد انك سيد قريش* قال ابن اسحاق ثم انطلق مع حناطة عبد المطلب ومعه بعض بنيه فكلم أنيس سائس الفيل ابرهة فقال أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك وهو صاحب عين مكة وهو يطعم الناس فى السهل والوحوش والطيور فى رؤس الجبال قال فأذن له ابرهة وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه ابرهة عظم فى عينه فأجله وأكرمه عن أن يجلس تحته وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سريرة لمكه فنزل ابرهة عن سريره وجلس على بساطه وأجلسه معه الى جنبه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتك فقال له ذلك الترجمان فقال حاجتى أن يردّ علىّ الملك مائتى بعير لى أصابها فلما قال له ذلك قال ابرهة لترجمانه قل له كنت أعجبتنى حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتنى أتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمنى فيه قال عبد المطلب أنا رب الابل وان للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمتنع منى قال أنت وذاك وكان فيما يزعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب الى ابرهة حين بعث اليه حناطة يعمر بن تبالة بن عدى بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد بنى بكر وخويلد بن واثلة الهذلى وهو يومئذ سيد هذيل فعرضوا على ابرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم فالله أعلم أكان ذلك أم لا* وفى المواهب اللدنية روى أنه لما حضر عبد المطلب عند أبرهة أمر سائس فيله الابيض العظيم الذى كان لا يسجد للملك ابرهة كما تسجد سائر الفيلة أن يحضره بين يديه فلما نظر الفيل الى وجه عبد المطلب برك كما يبرك البعير وخرّ ساجدا وأنطق الله الفيل فقال السلام على النور الذى فى ظهرك يا عبد المطلب فى ظاهر قوله فاستدارت غرة نور رسول الله صلّى الله عليه وسلم على جبين عبد المطلب كالهلال الى آخره وقوله أنطق الله الفيل فقال السلام على النور الذى فى ظهرك يا عبد المطلب نظر لان عبد الله حينئذ كان موجودا فيكون النور منتقلا اليه وفى سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق فردّ أبرهة على عبد المطلب الابل التى أصاب له فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب الى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج من مكة والتحرّز فى شعف(1/189)
الجبال والشعاب تخوّفا عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على ابرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة الباب
لا همّ ان العبد يمنع رحله فامنع حلالك* لا يغلبنّ صليبهم* ومحالهم عدوا محالك
قال ابن هشام هذا ما صح لى منها وزاد غيره
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك* جروا جموع بلادهم* والفيل كى يسبوا عيالك عمدوا حماك بكيدهم* جهلا وما رقبوا جلالك* ان كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدالك
غيره
يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا
ان عدوّ البيت من عاداكا ... فامنعهم أن يخربوا قراكا
العرب تحذف الالف واللام من اللهم وتكتفى بما بقى والحلال متاع البيت وأراد به سكان الحرم والمحال الكيد والقوّة كذا فى حياة الحيوان* روى أنه لما التفت عبد المطلب وهو يدعو فاذا هو بطير من نحو اليمن فقال والله انها لطير غريبة ما هى بنجدية ولا تهامية* قال ابن اسحاق ثم أرسل حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من قريش الى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة اذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبى جيشه وكان اسم الفيل محمودا وأبرهة مجمع لهدم الكعبة ثم الانصراف الى اليمن فلما وجهوا الفيل الى مكة أقبل نفيل بن حبيب قال السهيلى نفيل بن عبد الله بن جزء بن عامر بن مالك حتى قام الى جنب الفيل ثم أخذ باذنه فقال له ابرك محمودا وارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد الله الحرام ثم أرسل اذنه فبرك الفيل وخرج نفيل ابن حبيب يشتدّ حتى أصعد فى الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى فضربوا رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم فى مراقه فنزغوه بها ليقوم فأبى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه الى مكة فبرك قال أمية ابن الصلت
ان آيات ربنا بينات ... ما يمارى بهنّ الا الكفور
حبس الفيل بالمغمس حتى ... ظلّ يحبو كأنه معقور
وأرسل الله عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف قاله ابن اسحاق وقال ابن عباس كانت لهم خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب وقال عكرمة كانت لهم رؤس كرؤس السباع واختلفوا فى ألوانها على ثلاثة أقوال أحدها انها كانت خضرا قاله عكرمة وسعيد بن جبير والثانى سودا قاله عبيد بن عمير والثالث بيضا قاله قتادة كذا فى زاد المسير فى علم التفسير لابن الجوزى مع كل طائر منها ثلاثة أحجار تحملها حجر فى منقاره وحجران فى رجليه أمثال الحمص والعدس وفى أنوار التنزيل وغيره أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة* عن ابن عباس أنه رأى منها عند أم هانى نحو قفيز مخططة كالجزع الظفارى فرمتهم بها وكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره وان كان راكبا يخرج من أسفل مركبه فيهلكان جميعا فلا يصيب منهم أحدا الا هلك وعلى كل حجر اسم من يقع عليه وليس كلهم أصيب وخرجوا هاربين يتبدرون الطريق الذى منه جاؤا ويسألون نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق الى اليمن فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته
أين المفرّ والاله الطالب ... والاشرم المغلوب ليس الغالب
قوله ليس الغالب من غير رواية ابن اسحاق قال ابن اسحاق وقال نفيل أيضا(1/190)
ألا حييت عنا ياردينا ... نعمناكم مع الاصباح عينا
أتانا قابس منكم عشاء ... فلم يقدر لقابسكم لدينا
ردينة لو رأيت ولا تريه ... لدى جنب المحصب ما رأينا
اذ العذرتنى وحمدت أمرى ... ولم تأس على ما فات بينا
حمدت الله اذ أبصرت طيرا ... وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عن نفيل ... كأنّ علىّ للحبشان دينا
فخرجوا بكل طريق يتساقطون ويهلكون على كل منهل وفى تفسير زاد المسير لابن الجوزى ثم ان عبد المطلب بعث ابنه عبد الله على فرس ينظر الى القوم فرجع يركض ويقول هلك القوم وخرج عبد المطلب وأصحابه فغنموا أموالهم انتهى وأصيب ابرهة فى جسده وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة كلما سقطت منه أنملة اتبعتها منه مدّة تمت قيحا ودما* وفى المواهب اللدنية وأصيب أبرهة فى جسده بداء فتساقط أنامله أنملة أنملة وسال منه الصديد والقيح والدم وفى الكشاف ودوى أبرهة أى مرض فتساقطت أنامله وآرابه غضوا عضوا حتى قدموا به صنعا وهو مثل فرخ الطائر فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون وفى زاد المسير انصدع صدره قطعتين عن قلبه فهلك وعن عكرمة ما أصابته جدرية وهو أوّل جدرىّ ظهر قال ابن اسحاق وحدّثنى يعقوب بن عتبة انه حدث ان أوّل ما رؤيت الحصبة والجدرى بأرض العرب ذلك العام وانه أوّل ما رؤى بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام وفى الكشاف والمدارك وانفلت وزيره أبو يكسوم وفى سيرة ابن هشام كان أبرهة يكنى أبا يكسوم قاله ابن اسحاق وفى تفسير أبى الليث السمرقندى كنية أبرهة أبو يكسوم واسم الفيل محمود وكنيته أبو العباس وفى زاد المسير أبو يكسوم من كبراء أصحاب النجاشى قاله مقاتل وقيل كان أبرهة صاحب جيشه وقيل وزيره فسار أبو يكسوم وطائر يحلق فوق رأسه وهو لا يشعر به حتى بلغ النجاشى فأخبره بما أصابهم فلما أتمّ كلامه رماه الطائر فوقع عليه الحجر فخرّ ميتا فأرى النجاشى كيف كان هلاك أصحابه وفى معالم التنزيل وزعم مقاتل بن سليمان ان السبب الذى جرّ أصحاب الفيل ان فتية من قريش خرجوا تجارا الى أرض النجاشى فدنوا من ساحل البحر وثمة بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل فنزلوا فأججوا نارا فاشتووا فلما ارتحلوا تركوا النار كما هى فى يوم عاصف فهاجت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ الى النجاشى فأسف غضبا للبيعة فبعث أبرهة لهدم الكعبة وقال فيه انه كان بمكة يومئذ أبو مسعود الثقفى وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتو بمكة وكان رجلا نبيها نبيلا تستقيم الامور برأيه وكان خليلا لعبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد الى مائة من الابل فاجعلها لله فقلدها نعلا ثم ابثثها فى الحرم لعل بعض هذه السودان يعقر منها فيغضب رب هذا البيت فيأخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم الى تلك الابل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال أبو مسعود ان لهذا البيت ربا يمنعه فقد نزل تبع ملك اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه وأظلم عليه ثلاثة أيام فلما رأى تبع ذلك كساه القباطى البيض وعظمه ونحر له جزورا فانظر نحو البحر فنظر عبد المطلب فقال أرى طيرا بيضا نشأت من شاطئ البحر فقال ارمقها ببصرك أين قرارها قال أراها تدارأت على رؤسنا قال هل تعرفها قال والله ما أعرفها وما هى بنجدية ولا تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدّها قال أشباه اليعاسيب فى سناقيرها حصى كأنها حصى الخذف قد أقبلت كالليل يكسع بعضها بعضا أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المنقار(1/191)
أسود الرأس طويل العنق فجاءت حتى اذا حاذت معسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافت الرجال كلها أهالت الطير ما فى مناقيرها على من تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها انصاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يؤنسا أحدا ثم دنوا ربوة فلم يسمعا حسا فقال بات القوم سامدين فأصبحوا نياما فلما دنوا من عسكر القوم فاذاهم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى دماغه ويخرق الفيل والداية ويغيب الحجر فى الارض من شدّة وقعه فعمد عبد المطلب فأخذ فأسا من فوسهم فحفر حتى أعمق فى الارض فملأه من الذهب الاحمر والجواهر وحفر لصاحبه فلأه ثم قال لابى مسعود هات فاختران شئت حفرتى وان شئت حفرتك وان شئت فهما لك معا* فقال أبو مسعود اخترلى على نفسك فقال عبد المطلب انى لم أك اجعل أجود المتاع الا فى حفرتى فهو لك وجلس كل واحد منهما على حفرته ونادى عبد المطلب فى الناس فتراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا وساد عبد المطلب بذلك قريشا وأعطته المقادة فلم يزل عبد المطلب وأبو مسعود فى أهليهما فى غنى من ذلك المال ودفع الله عن كعبته* واختلفوا فى تاريخ عام الفيل فقال مقاتل كان قبل مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأربعين سنة* وقال الكلبى بثلاث وعشرين سنة والاكثرون على انه كان فى العام الذى ولد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم انتهى كلام معالم التنزيل* وفى الكشاف ان أهل مكة احتووا على أموالهم والى هذه القصة أشار النبىّ صلّى الله عليه وسلم بقوله ان الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين قيل كان أبرهة هذا جدّ النجاشى الذى كان فى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكان مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد هلاك أصحاب الفيل بخمسين يوما وقيل غير ذلك كما سيجىء فى تاريخ ولادته فى الركن الاوّل* وعن عائشة رضى الله عنها قالت رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان* روى أنه أرسل الله سيلا فذهب بهم الى البحر فلما هلك أبرهة ومزق الحبشة كل ممزق أقفر ما حول هذه الكنيسة وكثرت السباع حولها والحيات فلا يستطيع أحد أن يأخذ منها شيئا الى زمان أبى العباس السفاح فذكروا له أمرها فبعث اليها أبا العباس بن الربيع عامله على اليمن ومعه أهل الحزم والجلادة فخربها وحصلوا منها مالا كثيرا ثم بعد ذلك عفار سمها وانقطع خبرها كذا فى حياة الحيوان*
مسير سيف بن ذى يزن الى قيصر وكسرى
وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فلما هلك أبرهة ملك الحبشة بعده ابنه يكسوم بن أبرهة وبه كان يكنى فلما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن فى الحبشة أخوه مسروق بن أبرهة فلما طال البلاء على أهل اليمن خرج سيف بن ذى يزن الحميرى وكان يكنى بأبى مرّة حتى قدم على قيصر ملك الروم فشكى اليه ما هم فيه وسأله أن يخرجهم عنه ويليهم هو ويبعث اليهم من شاء من الروم فيكون له ملك اليمن فلم يشكه فخرج حتى أتى النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق فشكى اليه أمر الحبشة فبعثه النعمان مع وفده الى كسرى فدخل عليه ثم قال أيها الملك غلبنا على بلادنا الاغربة قال كسرى أى الاغربة الحبشة أم السند قال بل الحبشة فجئتك لتنصرنى ويكون ملك بلادى لك* قال كسرى بعدت بلادك مع قلة خيرها فلم أكن لا ورط جيشا من فارس بأرض العرب لا حاجة لى بذلك ثم أجازه بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسوة حسنة* فلما قبض ذلك سيف خرج فجعل ينثر ذلك الورق للناس فبلغ ذلك الملك فقال ان لهذا لشأنا ثم بعث اليه فقال له عمدت الى حباء الملك تنثره للناس فقال وما أصنع بهذا ما جبال أرضى التى جئت منها الا ذهبا وفضة يرغبه فيها فجمع كسرى مرازبته فقال ماذا ترون فى أمر هذا الرجل فقال قائل أيها الملك ان فى سجونك رجالا قد حبستهم للقتل فلو أنك بعثتهم معه فان يهلكوا كان ذلك الذى أردت بهم وان يظفروا كان ملكا ازددته فبعث معه كسرى من كان فى سجونه وكانوا ثمانمائة رجل واستعمل(1/192)
عليهم وهرز وكان ذا سنّ فيهم وأفضلهم حسبا وبيتا فخرج فى ثمان سفائن فغرقت سفينتان ووصل الى ساحل عدن ست سفائن* فجمع سيف الى وهرزمن استطاع من قومه وقال له رجلى مع رجلك حتى نموت جميعا أو نظفر جميعا قال وهرز أنصفت وخرج اليه مسروق بن أبرهة ملك اليمن وجمع اليه جنده فأرسل اليهم وهرز ابنا له ليقاتلهم فيختبر قتالهم فقتل ابن وهرز فزاده ذلك حنقا عليهم فلما تواقف الناس على مصافهم قال وهرز أرونى ملكهم فقالوا له أترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء قال نعم قالوا ذاك ملكهم قال اتركوه فوقفوا طويلا ثم قال علام هو قالوا تحوّل على الفرس قال اتركوه فوقفوا طويلا ثم قال علام هو قالوا على البغلة قال وهرز بنت الحمارة ذلّ وذلّ ملكه انى سأرميه فان رأيتم أصحابه لم يتحرّكوا فاثبتوا حتى أوذنكم فانى قد أخطأت الرجل وان رأيتم القوم قد استداروا ولا ثوابه فقد أصبت الرجل فاحملوا عليهم ثم وتر قوسه وكانت فيما يزعمون لا يوترها غيره من شدّتها فأمر بحاجبيه فعصبا له ثم رماه فصك الياقوتة التى بين عينيه فتغلغلت النشابة فى رأسه حتى خرجت من قفاه ونكس عن دابته واستدارت الحبشة ولاثت به وحملت عليهم الفرس وانهزموا فقتلوا وهربوا فى كل وجه وأقبل وهرز ليدخل صنعاء حتى اذا أتى بابها فوجده قصير الا تدخله الراية مستقيمة قال لا تدخل رايتى منكسة أبدا اهدموا الباب فهدم ثم دخلها ناصبا رايته* قال ابن اسحاق فأقام وهرز والفرس باليمن فمن بقية ذلك الجيش من الفرس الابناء الذين باليمن اليوم قال ابن هشام طاوس اليمانى من هؤلاء الابناء*
سبب تملك الحبشة اليمن
قال ابن اسحاق وكان ملك الحبشة باليمن بين أن دخلها أرباط الى أن قتلت الفرس مسروق بن أبرهة وأخرجت الحبشة اثنتين وسبعين سنة توارث ذلك أربعة أرباط ثم أبرهة ثم يكسوم بن ابرهة ثم مسروق بن أبرهة* قال ابن هشام ثم مات وهرز فأمر كسرى ابنه المرزبان بن وهرز على اليمن ثم مات المرزبان فأمر كسرى ابنه التينجان بن المرزبان على اليمن ثم مات التينجان فأمر كسرى ابن التينجان على اليمن ثم عزله وأمّر باذان فلم يزل عليها حتى بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسيجىء اسلام باذان فى الموطن الثالث* فى سيرة ابن هشام ذكر ابن اسحاق كيفية تملك أرباط اليمن أوّلا وسبب ملك الحبشة بها فقال روى أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الاوثان وكان فى قرية من قراها قريبة من نجران ونجران القرية العظمى التى اليها جماع تلك البلاد ساحر يعلم غلمان أهل نجران السحر فلما نزلها قيميون ولم يسموه لى باسمه الذى سماه به وهب بن منبه قالوا رجل نزلها ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التى بها الساحر فجعل أهل نجران يرسلون غلمانهم الى ذلك الساحر يعلمهم السحر فبعث اليه التامر ابنه عبد الله بن التامر مع غلمان أهل نجران فكان اذ امر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى من صلاته وعبادته فجعل يجلس اليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله وعبده وجعل يسأله عن شرائع الاسلام حتى اذا فقه فيه جعل يسأله عن الاسم الاعظم وكان يعلمه فكتمه اياه وقال له يا ابن أخى انك ان تحمله أخش ضعفك عنه والتامر أبو عبد الله لا يظنّ الا أن ابنه يختلف الى الساحر كما يختلف الغلمان فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد ضنّ به عنه وتخوّف ضعفه فيه عمد الى قداح فجمعها ثم لم يبق لله اسما يعلمه الا كتبه فى قدح لكل اسم قدح حتى اذا أحصاها أوقد لها نارا ثم جعل يقذفها فيها قدحا قدحا حنى اذا مرّ بالاسم الاعظم قذف فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج منها لم تضرّه النار شيئا فأخذه ثم أتى به صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الاعظم الذى كتمه قال وما هو قال هو كذا وكذا قال وكيف علمته فأخبره بما صنع فقال أى ابن أخى قد أصبته فأمسك على نفسك ما أظنّ أن تفعل فجعل عبد الله بن التامر اذا دخل نجران لم يلق أحدا به ضرّ الا قال له يا عبد الله أتوحد الله وتدخل معى فى دينى وأدعو الله فيعافيك مما(1/193)
أنت فيه من البلاء فيقول نعم فيوحد الله ويسلم ويدعو له فيشفى حتى لم يبق بنجران أحد به ضرّ الا أتاه فاتبعه على أمره فدعا له فعوفى فرفع شأنه الى ملك نجران فدعاه وقال أفسدت علىّ أهل قريتى وخالفت دينى ودين آبائى لا مثلنّ بك قال لا تقدر على ذلك قال فجعل يرسل به الى الجبل الطويل فيطرح عن رأسه فيقع الى الارض ليس به بأس وجعل يبعث به الى مياه نجران بحور لا يقع فيها شئ الا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس به بأس فلما غلبه قال له عبد الله بن التامر انك والله لا تقدر على قتلى حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به فانك ان فعلت ذلك سلطت علىّ فتقتلنى قال فوحد الله ذلك الملك وشهد شهادة عبد الله بن التامر ثم ضربه بعصى فى يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله وهلك الملك مكانه واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن التامر وكان على ما جاء به عيسى من الانجيل وحكمه ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم من الاحداث فمن هنالك كان أصل النصرانية بنجران* قال ابن اسحاق فهذا حديث محمد بن كعب القرظى وبعض أهل نجران عن عبد الله بن التامر والله أعلم*
نادرة
قال ابن اسحاق حدّثنى عبد الله بن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران فى زمان عمر بن الخطاب حفر خربة من خراب نجران لبعض حاجته فوجدوا عبد الله بن التامر تحت دفن منها قاعدا واضعا يده على ضربة فى رأسه ممسكا عليها بيده فاذا أخرت يده عنها تشعبت دما واذا أرسلت يده ردّها عليها فأمسك دمها فى يده خاتم مكتوب فيه ربى الله فكتب الى عمر بن الخطاب يخبره بأمره فكتب اليهم عمر أن أقرّوه على حاله وردّوا عليه الدفن الذى كان عليه ففعلوا* وفى أنوار التنزيل روى أن ملكا كان له ساحر فلما كبر ضم اليه غلاما ليعلمه السحر وكان فى طريق الغلام راهب فسمع منه ومال قلبه اليه فرأى فى طريقه ذات يوم حية قد حبست الناس فأخذ حجرا وقال اللهم ان كان الراهب أحب اليك من الساحر فاقتلها فقتلها وكان الغلام بعد ذلك يبرئ الاكمه والابرص ويشفى من الادواء وعمى جليس للملك فأبرأه فسأله الملك عمن أبرأه فقال ربى فغضب وعذبه فدلّ على الغلام فعذبه فدلّ على الراهب فلم يرجع الراهب عن دينه فقدّ بالمنشار فأتى بالغلام فأرسل الى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فهلكوا ونجا وأجلسه فى سفينة ليغرق وعبارة المدارك فذهبوا به الى قرقور فلججوا به ليغرقوه فدعا فانكفأت السفينة بمن معه فغرقوا فنجا فقال للملك لست بقاتلى حتى تجمع الناس فى صعيد واحد وتصلبنى على جذع وتاخذ سهما من كنانتى وتقول بسم الله رب الغلام ثم ترمينى به فرماه فوقع فى صدغه فوضع يده عليه فمات فقال الناس آمنا برب الغلام فقيل للملك نزل بك ما كنت تحذر فأمر بأخاديد أوقدت فيها النيران فمن لم يرجع منهم عن دينه طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبى فتقاعست فقال الصبى يا أماه اصبرى فانك على الحق فألقى الصبى وأمه فيها* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما تنصر أهل نجران سار اليهم ذو نواس اليهودى فدعاهم الى اليهودية وخيرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل فخدّ لهم الاخدود وحرّقهم بالنار وقتل بالسيف ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا ففى ذى نواس وجنده ذلك أنزل الله قتل أصحاب الاخدود الى آخر الآية* قال ابن هشام الاخدود الحفر المستطيل فى الارض كالخندق والجدول ونحوه وجمعه أخاديد* قال ابن اسحاق وأفلت منهم رجل من سبأ يقال له دوس ذو ثعلبان على فرس له فسلك الرمل فأعجزهم فمضى على وجهه ذلك حتى أتى قيصر صاحب الروم فاستنصره على ذى نواس وجنوده وأخبره بما بلغ منهم فقال له بعدت بلادك منا ولكنى أكتب لك الى ملك الحبشة فانه على هذا الدين وهو أقرب الى بلادك فكتب اليه يأمره بنصره والطلب بثاره فقدم دوس على النجاشى بكتاب قيصر فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة وأمّر عليهم رجلا منهم يقال له ارياط ومعه فى جنده أبرهة الاشرم فركب ارياط البحر حتى نزل بساحل(1/194)
اليمن ومعه دوس وسار اليه ذو نواس فى حمير ومن أطاعه من قبائل اليمن فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه فى البحر ثم ضربه فدخل به فخاض به ضحضاح البحر حتى أفضى به الى غمره فأدخله فيه فكان آخر العهد به ودخل ارياط اليمن فلكها* قال ابن اسحاق فأقام ارياط باليمن ستين فى سلطانه ذلك ثم نازعه فى أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشى حتى تفرّقت الحبشة عليهما فانحاز الى كل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما الى الآخر فلما تقارب الناس أرسل أبرهة الى ارياط انك لا تصنع أن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا بعد شئ فابرز الىّ وأبرز اليك فأينا أصاب صاحبه انصرف اليه جنده فأرسل اليه ارياط أنصفت فخرج اليه أبرهة وكان رجلا لحيما قصيرا وكان ذادين فى النصرانية وخرج اليه ارياط وكان رجلا جميلا طويلا وفى يده حربة له وخلف أبرهة غلام له يقال له عتودة ويروى بعضهم عيودة بالياء يمنع ظهره فرفع ارياط الحربة فضرب بها أبرهة يريد بها نافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وانفه وعينه وشفته فبذلك سمى أبرهة الاشرم وحمل عتودة على ارياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند ارياط الى أبرهة فاجتمعت عليه الحبشة باليمن وودى أبرهة ارياط فلما بلغ ذلك النجاشى غضب غضبا شديدا وقال عدا على أميرى فقتله من غير أمرى ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ويجز ناصيته فحلق أبرهة رأسه وملأ جرابا من تراب اليمن ثم بعث به الى النجاشى ثم كتب اليه أيها الملك انما كان ارياط عبدك وأنا عبدك اختلفنا فى أمرك وكل طاعته لك الا أنى كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه وقد حلقت رأسى كله حين بلغنى قسم الملك وبعثت اليه بجراب من تراب أرضى ليضعه تحت قدميه فتبرّ قسمه فىّ فلما انتهى ذلك الى النجاشى رضى عنه وكتب اليه أن اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمرى وأقام أبرهة باليمن* وفى تفسير أبى الليث السمرقندى فقال أبرهة لعتودة حين قتل ارياط يا عتودة احكم يعنى احكم علىّ بما شئت قال عتودة حكمى أن لا يدخل عروس من بيت أهل اليمن على زوجها حتى أصيبها قبله قال ذلك لك فقام أبرهة باليمن وغلامه عتودة يصنع باليمن ما كان أعطاه من حكمه حينا ثم عدا عليه رجل من حمير أو من خثعم فقتله فلما بلغ أبرهة قتله وكان رجلا حليما ورعا فى دينه من النصرانية فقال قد آن لكم يا أهل اليمن أن يكون منكم رجل حازم يأنف مما يأنف منه الرجال انى والله لو علمت حين حكمته أنه يسأل الذى سأل ما حكمته وأيم الله لا يؤخذ منكم فيه عقل ولا قود ثم بنى القليس بصنعاء كما ذكرنا والله أعلم
* (الركن الاوّل فى الحوادث من عام ولادته الى زمان نبوّته
وفيه ثلاثة أبواب
الباب الاوّل فى الحوادث من عام ولادته الى السنة الحادية عشر من تاريخ ولادته
وفيه ذكر خالد بن سنان وحنظلة بن صفوان وما وقع ليلة ميلاده وما وقع حين الولادة وذكر الختان وذكر أسمائه والقابه وكناه وشمائله وصفاته وخصائصه ومعجزاته وارضاع الاظآر وعددها وما وقع عند حليمة من شق الصدر وغيره وولادة أبى بكر وردّ حليمة الى أمه وفقده فى الطريق ووفاة أمه وكفالة عبد المطلب وحديث سيف بن ذى يزن ورمده واستسقاء عبد المطلب وذكر سليمان وبلقيس ووفاة عبد المطلب وكفالة أبى طالب وموت حاتم الطائى وموت كسرى أنوشروان وولاية ابنه هرمز وخروج أبى طالب به الى الشام وحرب الفجار الاوّل وشق الصدر على قول) *
*
(ذكر تاريخ ولادته)
فى المواهب اللدنية اختلف فى عام ولادته صلّى الله عليه وسلم فالاكثرون على أنه عام الفيل وبه قال ابن عباس* ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال وكل قول يخالفه فهو وهم وقال ابن الجوزى فى الصفوة اتفقوا على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولد بمكة يوم الاثنين فى شهر(1/195)
ربيع الاوّل عام الفيل وبعد ما اتفقوا على أن ولادته كانت فى عام الفيل اختلفوا فيما مضى من ذلك العام ففى المنتقى قال ابن عباس ولد يوم الفيل وكان قدوم الفيل يوم الاحد لخمس خلون من المحرّم كذا فى سيرة مغلطاى وهلاك أصحابه لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم وكان أوّل المحرم تلك السنة يوم الجمعة وذلك فى عهد كسرى أنوشروان بن قباد بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور لمضىّ اثنتين وأربعين سنة وفى أسد الغابة لاربعين سنة من ملكه وعاش كسرى بعد مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم سبع سنين وثمانية أشهر وكان ملكه سبعا أو ثمانيا وأربعين سنة وثمانية أشهر كذا قاله ابن الاثير وفى المنتقى كانت وفاة عبد المطلب فى ملك هرمز بن أنوشروان ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ كان ابن ثمان سنين وقيل غير ذلك وفى شواهد النبوّة عاش كسرى أنوشروان بعد مولده صلّى الله عليه وسلم اثنتين وعشرين سنة والله أعلم وفى المواهب الدنية المشهور أنه ولد بعد الفيل بخمسين يوما واليه ذهب السهيلى فى جماعة وفى المنتقى أيضا قال بعضهم ولد بعد الفيل بخمسين يوما وكان بين الفيل والفجار عشرون سنة وكان بين بنيان الكعبة والفجار خمس عشرة سنة وفى المواهب اللدنية وقيل بعده بخمسة وخمسين يوما حكاه الدمياطى فى آخرين وفى المنتقى عن أبى جعفر محمد بن على قال ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الاوّل وكان قدوم الفيل للنصف من المحرم فبين الفيل وبين مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم خمس وخمسون ليلة* وفى المواهب اللدنية وقيل بعده بشهر وقيل بأربعين يوما وقيل بشهرين وعشرة أيام وقيل بعشرين سنة وقيل بثلاثين سنة وقيل بأربعين سنة وقيل بسبعين سنة وقيل غير ذلك كذا فى مورد اللطافة* وفى سيرة مغلطاى وقيل بخمسين يوما وقيل بشهرين وستة أيام وقيل لثنتى عشرة ليلة خلت من رمضان سنة ثلاث وعشرين من غزوة أصحاب الفيل وقيل بعد الفيل بعشر سنين ويروى هذا القول عن الزهرى ولا يصح وقيل قبل الفيل بخمس عشرة سنة وقيل غير ذلك والمشهور أنه بعد الفيل لان قصة الفيل كانت توطئة وارهاصا لنبوّته وتقدمة وأساسا لظهور بعثته والا فاصحاب الفيل كما قاله ابن القيم كانوا نصارى أهل كتاب وكان دينهم خيرا من دين أهل مكة اذ ذاك لانهم كانوا عبدة الاوثان فنصرهم الله على أهل الكتاب نصرا لا صنع للبشر فيه ارهاصا وتقدمة للنبىّ الذى خرج من مكة وتعظيما للبلد الحرام واختلف أيضا فى الشهر الذى ولد فيه والمشهور أنه ولد فى شهر ربيع الاوّل وهو قول جمهور العلماء ونقل ابن الجوزى الاتفاق عليه كما مر وفيه نظر فقد قيل ولد يوم عاشوراء وقيل فى صفر وقيل فى ربيع الآخر وقيل فى رجب وقيل فى رمضان وروى عن ابن عمر باسناد لا يصح وهو موافق لمن قال ان آمنة حملت به فى أيام التشريق وأغرب من قال ولد يوم عاشوراء وكذا اختلف أيضا فى أىّ يوم من الشهر ولد فقيل انه غير معين وانما ولد يوم الاثنين من ربيع الاوّل من غير تعيين والجمهور على أنه يوم معين منه فقيل لليلتين خلتا منه وقيل لثمان خلت منه قال الشيخ قطب الدين القسطلانى وهو اختيار أكثر أهل الحديث ونقله عن ابن عباس وجبير بن مطعم وهو اختيار أكثر من له معرفة بهذا الشان واختاره الحميدى وشيخه ابن حزم وحكى القضاعى فى عيون المعارف اجماع أهل الزيج عليه ورواه الزهرى عن محمد بن جبير بن مطعم وكان عارفا بالنسب وأيام العرب أخذ ذلك عن أبيه جبير وقيل لعشر وقيل لاثنتى عشرة ليلة وعليه عمل أهل مكة فى زيارتهم موضع مولده فى هذا الوقت وقيل لسبع عشرة وقيل لثمان بقين منه وقيل ان هذين القولين غير صحيحين عمن حكيا عنه بالكلية والمشهور أنه ولد فى ثانى عشر ربيع الاوّل وهو قول ابن اسحاق وغيره وانما كان فى شهر ربيع الاوّل على الصحيح ولم يكن
فى المحرم ولا فى رجب ولا فى رمضان ولا فى غيرها من الاشهر ذوات الشرف لانه صلّى الله عليه وسلم لا يتشرّف بالزمان وانما الزمان يتشرّف به كالا ما كن(1/196)
فلو ولد فى شهر من الشهور المذكورة لتوهم أنه تشرّف بها فجعل الله مولده فى غيرها ليظهر عنايته به وكرامته عليه واذا كان يوم الجمعة الذى خلق الله فيه آدم عليه السلام خص بساعة لا يصادفها عبد مسلم يسأل الله خيرا الا أعطاه اياه فما ظنك بالساعة التى ولد فيها سيد المرسلين ولم يجعل الله تعالى فى يوم الاثنين يوم مولده عليه السلام من التكليف بالعبادات ما جعل فى يوم الجمعة المخلوق فيه آدم من الجمعة والخطبة وغير ذلك اكراما لنبيه صلّى الله عليه وسلم بالتخفيف عن أمته بسبب عنايته وجوده قال الله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين ومن جملة ذلك عدم التكليف* واختلف أيضا فى الوقت الذى ولد فيه والمشهور أنه يوم الاثنين فعن قتادة الانصارى انه صلّى الله عليه وسلم سئل عن صيام الاثنين قال ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علىّ فيه النبوّة رواه مسلم وهذا يدل على أنه صلّى الله عليه وسلم ولد نهارا*
ذكر يوم ولادته
وفى المسند عن ابن عباس قال ولد صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة الى المدينة يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين انتهى وكذا فتح مكة ونزول سورة المائدة يوم الاثنين* وقد روى ولد عند طلوع الفجر فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال كان بمرّ الظهران راهب من أهل الشام يسمى عيصى وكان يقول يوشك أن يولد منكم يا أهل مكة مولود تدين له العرب ويملك العجم هذا زمانه فكان لا يولد مولود بمكة الا يسأل عنه فلما كان صبيحة اليوم الذى ولد فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خرج عبد المطلب حتى أتى عيصى فناداه فأشرف عليه فقال له عيصى كن أباه فقد ولد ذلك المولود الذى كنت أحدّثكم عنه يوم الاثنين ويبعث يوم الاثنين ويموت يوم الاثنين قال ولدلى الليلة مع الصبح مولود قال فما سميته قال محمدا قال والله لقد كنت أشتهى أن يكون هذا المولود فيكم أهل هذا البيت بثلاث خصال نعرفه فقد أتى عليهنّ منها أنه طلع نجمه البارحة وانه ولد اليوم وان اسمه محمد رواه جعفر بن أبى شيبة وخرّجه أبو نعيم فى الدلائل بسند فيه ضعف وقيل كان وضعه صلّى الله عليه وسلم عند طلوع الغفر من منازل القمر وهى ثلاثة أنجم صغار ينزلها القمر وهو مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم ووافق ذلك من الشهور الشمسية نيسان وهو برج الحمل وكان لعشرين درجة مضت منه*
ذكر طالع ولادته
وفى روضة الاحباب نقل عن أبى معشر البلخى وهو من مهرة علماء النجوم أنه استخرج طالع النبىّ صلّى الله عليه وسلم عشرين درجة من الجدى حين كان زحل والمشترى فى ثلاث درج من العقرب مقترنين فى درجة وسط السماء والمرّيخ فى بيته فى الحمل والشمس أيضا فى الحمل فى الشرف والزهرة فى الحوت فى الشرف وعطارد أيضا فى الحوت والقمر فى أوّل الميزان والرأس فى الجوزاء فى الشرف والذنب فى القوس فى الشرف فى بيت الاعداد* وفى المواهب اللدنية وقيل ولد ليلا فعن عائشة كان بمكة يهودى يتجر فيها ولما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود قالوا لا نعلمه قال انظروا يا معشر قريش وأحصوا ما أقول لكم ولد الليلة بنى هذه الامة الاخيرة بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهنّ عرف فرس* وفى شواهد النبوّة ولا يشرب اللبن ليلتين متتابعتين لان عفريتا من الجنّ يجعل اصبعه فى فيه فيمنعه من شرب اللبن فتصدّع القوم من مجالسهم وهم يتعجبون من حديثه فلما صاروا فى منازلهم ذكروه لاهاليهم فقيل لبعضهم ولد لعبد الله بن عبد المطلب الليلة غلام سماه محمدا فأتوا اليهودى فى منزله فقالوا له أعلمت أنه ولد فينا مولود فقالوا اذهبوا بنا اليه فخرجوا باليهودى حتى أدخلوه على أمه فقالوا أخرجى لنا ابنك فأخرجته وكشفوا عن ظهره فرأى تلك السامة فوقع اليهودى مغشيا عليه فلما أفاق قالوا مالك ويلك قال ذهبت والله النبوّة من بنى اسرائيل رواه الحاكم وزاد فى المنتقى وخرج الكتاب من أيديهم وهذا مكتوب بقتلهم وتدمير أخيارهم فازت العرب بالنبوّة أفرحتم يا معشر قريش أما والله(1/197)
ليسطونّ بكم سطوة يخرج نبؤها من المشرق الى المغرب* قال الشيخ الزركشى والصحيح ان ولادته صلّى الله عليه وسلم كانت نهارا قال وأما ما روى من تدلى النجوم فضعفه ابن دحية لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا قال وهذا لا يصح أن يكون تعليلا فان زمان النبوّة صالح للخوارق ويجوز أن تسقط النجوم نهارا انتهى فاذا قلنا أنه صلّى الله عليه وسلم ولد ليلا فليلة مولده أفضل من ليلة القدر من وجوه ثلاثة* أحدها أن ليلة المولد ليلة ظهوره صلّى الله عليه وسلم وليلة القدر معطاة له وما شرف بظهور ذات المشرف من أجله أشرف مما شرف بسبب ما أعطيه ولا نزاع فى ذلك فكانت ليلة المولد بهذا الاعتبار أفضل* الثانى ان ليلة القدر تشرفت بنزول الملائكة فيها وليلة مولده تشرفت بظهوره فيها صلّى الله عليه وسلم ومن تشرّفت به ليلة المولد أفضل ممن تشرّفت به ليلة القدر على الاصح المرتضى فتكون ليلة المولد أفضل* والثالث ان ليلة القدر وقع فيها التفضل على أمة محمد صلّى الله عليه وسلم وليلة المولد الشريف وقع التفضل فيها على جميع الموجودات فهو الذى بعثه الله رحمة للعالمين فعمت به النعمة على جميع الخلائق فكانت ليلة المولد أعمّ نفعا فكانت أفضل فسبحان من جعل مولده للقلوب ربيعا وحسنه بديعا
شعر
يقول لنا لسان الحال منه ... وقول الحق يعذب للسميع
فوجهى والزمان وشهر وضعى ... ربيع فى ربيع فى ربيع
مكان ولادته
واختلف أيضا فى مكان ولادته صلّى الله عليه وسلم قيل ولد بمكة فى الدار التى كانت لمحمد بن يوسف الثقفى أخى الحجاج ويقال بالشعب ويقال بالردم ويقال بعسفان كذا فى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى وقال فى غيره وتلك الدار فى زقاق بمكة معروف بزقاق المولد فى شعب مشهور بشعب بنى هاشم من الطرف الشرقى لمكة تزار ويتبرك بها الى الآن وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورث تلك الدار فوهبها لعقيل بن أبى طالب زمن الهجرة فلم تزل فى يد عقيل حتى توفى وبعد وفاته باعها أولاده من محمد ابن يوسف الثقفى أخى الحجاج بن يوسف وأدخل ذلك البيت أى مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى داره التى يقال لها البيضاء ولم تزل كذلك حتى حجت خيزران جارية المهدى أم هارون الرشيد فأفرزت ذلك البيت عن تلك الدار وجعلته مسجدا يصلى فيه*
بيان التواريخ
قال صاحب جامع الاصول وغيره حين ولد النبىّ صلى الله عليه وسلم كان قد مضى من وفاة الاسكندر الرومى ثمانمائة واثنتان وثمانون سنة وفى المنتقى بين مولد نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم وبين آدم مدّة مختلف فيها فعلى ما روى الواقدى أربعة آلاف وستمائة سنة وقال قوم ستة آلاف سنة ومائة وثلاث عشرة سنة* وفى رواية أبى صالح عن ابن عباس خمسة آلاف وخمسمائة سنة* قال مؤلف المنتقى شاهدت فى كتب التفاسير ان من آدم الى نوح ألف سنة وقيل ألفا سنة ومن نوح الى ابراهيم ألفا سنة وستمائة وأربعون سنة كما ذكره فى الكشاف ومن ابراهيم الى موسى ألف سنة ومن موسى الى عيسى ألفا سنة ومن عيسى الى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة أو ستمائة سنة فتكون الجملة ثمانية آلاف ومائتين وأربعين سنة* ونقل ابن الجوزى فى التلقيح عن ابن عباس ومحمد بن اسحاق انه كانت من زمان عيسى الى مولد نبينا عليهما السلام ستمائة سنة وفى رواية خمسمائة وثمان وسبعون سنة مما رفع عيسى الى السماء ونقل ان ذلك بعد هبوط آدم بستة آلاف وثلاث وأربعين سنة* وفى شواهد النبوّة من مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى زمن عيسى ستمائة وعشرون سنة ومن عيسى الى داود ألف ومائتا سنة ومن داود الى موسى خمسمائة سنة ومن موسى الى ابراهيم سبعمائة وسبعون سنة ومن ابراهيم الى نوح ألف وأربعمائة وعشرون سنة ومن الطوفان الى آدم ألف ومائتان وأربعون سنة فالجملة ستة(1/198)
آلاف وسبعمائة وخمس وستون سنة* وفى صحيح البخارى عن سلمان أنه قال فترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة ومن عيسى الى موسى ألفا سنة ومن موسى الى ابراهيم ألف سنة ومن ابراهيم الى نوح ألفا سنة وستمائة وأربعون سنة ومن نوح الى آدم ألف سنة وقيل ألفا سنة وفى أنوار التنزيل ان بين عيسى وموسى ألفا سنة وسبعمائة سنة وألف نبى* وفى المشكاة عن أبى هريرة أنه قال ليس بين عيسى وبين نبينا صلّى الله عليه وسلم نبى وفى الكشاف وأنوار التنزيل الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ستمائة أو خمسمائة وتسع وستون سنة وأربعة أنبياء ثلاثة من بنى اسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسى فكان ارسال نبينا صلّى الله عليه وسلم على فترة حين انطمست آثار الوحى* وفى حياة الحيوان وكان حنظلة بن صفوان فى زمن الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام
*
(ذكر خالد بن سنان العبسى وحنظلة بن صفوان)
فأما خالد بن سنان فروى أنه كان فى عهد كسرى أنوشروان وكان يدعو الناس الى دين عيسى وكان بأرض بنى عبس وأطفأ النار التى كانت تخرج من بئر هناك وتحرق من لقيته من عابرى سبيل أو غيرهم* وفى المختصر خالد بن سنان العبسى كان نبيا من ولد اسماعيل وكان بعد المسيح بثلثمائة سنة وهى الفترة* روى عن ابن عباس أنه قال ظهرت نار بالبادية بين مكة والمدينة فى الفترة فسمتها العرب بد او كادت طائفة منهم أن تعبدها مضاهاة للمجوس وفى الكامل لابن الاثير كان فى الفترة خالد بن سنان العبسى قيل كان نبيا ومن معجزاته ان نارا ظهرت بأرض العرب فافتتنوا بها وكادوا يتمجسون فأخذ خالد عصاه ودخلها حتى توسطها ففرّقها وهو يقول بدا بدا كل هدى مؤدّى الى الله الاعلى لا دخلنها وهى تلظى ولاخرجنّ منها وثيابى تندى ثم انها طفئت وهو فى وسطها* وفى الوفاء روى ابن أبى شيبة فى خبر من طرق ملخصة انه كان بأرض الحجاز نار يقال لها نار الحدثان فى حرّة بأرض بنى عبس تعشى الابل بضوئها من مسيرة ثمان ليال وربما خرج منها العنق وذهب فى الارض فلا يبقى شيئا الا أكله ثم يرجع حتى يعود الى مكانه وان الله تعالى أرسل اليها خالد بن سنان فقال لقومه يا قوم ان الله أمرنى أن أطفئ هذه النار التى قد أضرت بكم فليقم معى من كل بطن رجل فخرج بهم حتى انتهى الى النار فخط عليهم خطا ثم قال اياكم أن يخرج أحد منكم من هذا الخط فيحترق ولا ينوّهنّ باسمى فأهلك وجعل يضرب النار ويقول بدا بدا كل هدى لله مؤدّى حتى عادت من حيث جاءت وخرج يتبعها حتى ألجأها فى بئر فى وسط الحرة منها تخرج النار فانحدر فيها خالد وفى يده درة فاذا هو بكلاب تحتها فرضهنّ بالحجارة وضرب النار حتى أطفأها الله على يده ومعهم ابن عم لهم فجعل يقول هلك خالد فخرج وعليه بردان ينطفان من العرق وهو يقول كذب ابن راعية المعزى لأخرجنّ منها وثيابى تندى فسمى بنو ذلك الرجل ببنى راعية المعزى الى اليوم* وفى رواية ان قومه سالت عليهم نار من حرة النار فى ناحية خيبر والناس فى وسطها وهى تأتى من ناحيتين جميعا فحافها الناس خوفا شديدا* وفى رواية تخرج من شعب فى شق جبل من حرّة يقال لها حرة أشجع فقال لهم خالد بن سنان ابعثوا معى انسانا حتى أطفئها من أصلها فخرج معه راعى غنم هو ابن راعية المعزى حتى جاء غارا تخرج منه النار* وفى رواية انها كانت تخرج من بئر ثم قال خالد أمسك ثوبى ثم دخل فى الغار وفى رواية انطلق فى ناس من قومه حتى أتاها وقال لهم ان أبطأت عنكم فلا تدعونى باسمى فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا فاستقبلها خالد فجعل يضربها بعصاه وهو يقول هديا هديا كل بهنّ مؤدّى زعم ابن راعية المعزى انى لا أخرج منها وثيابى تندى حتى دخل معها الشعب فأبطأ عليهم فقال بعصهم لو كان حيا لخرج اليكم فقالوا انه قد نهانا أن ندعوه باسمه قالوا ادعوه باسمه فو الله لو كان حيا لخرج اليكم بعد فدعوه باسمه فخرج وهو آخذ برأسه فقال ألم أنهكم(1/199)
أن تدعونى باسمى فقد والله قتلتمونى احملونى ادفنونى فاذا مرّت بكم حمر معها حمار أبتر* وفى رواية فاذا دفنتمونى فأتى علىّ ثلاثة أيام وفى رواية حول فأتوا قبرى فارصدوه فاذا عرضت لكم عانة من حمر وحش وبين يديها عير فانبشونى وفى رواية فارموه واذبحوا على قبرى ثم انبشوا قبرى* وفى الكامل يقدمها غير أبتر فيضرب قبرى بحافره فاذا رأيتم ذلك فانبشوا قبرى فانى أقوم فأخبركم بجميع ما هو كائن الى يوم القيامة فلما مات دفنوه فأتوا القبر بعد ثلاثة أيام وسخت لهم الحمر قال فرموه وذبحوا على قبره وأرادوا نبشه فمنعهم قوم من أهل بيته وقالوا لا ندعكم تنبشون صاحبنا فنعير بذلك وندعى بنى المنبوش وفى رواية فتكون سنة علينا فتركوه وفى رواية لابن القعقاع بن خليد العبسى عن أبيه عن جدّه قال بعث الله خالد بن سنان نبيا الى بنى عبس فدعاهم الى الله فكذبوه فقال قيس بن زهير ان دعوت فأسلت علينا هذه الحرّة نارا اتبعناك فانك انما تخوّفنا بالنار وان لم تسل نارا كذبناك قال فذلك بينى وبينكم قالوا نعم قال فتوضا ثم قال اللهمّ انّ قومى كذبونى ولم يؤمنوا برسالتى الا أن تسيل عليهم هذه الحرّة نارا فأسلها عليهم نارا قال فطلع مثل رأس الحريش ثم عظمت حتى عرضت أكثر من ميل فسالت عليهم فقالوا يا خالد ارددها فانا مؤمنون بك فتناول عصا ثم استقبلها بعد ثلاث ليال فدخل فيها فضربها بالعصا فلم يزل يضربها حتى رجعت فقال فرأيتنا نعشى الابل على ضوئها ضلعا الربذة وبين ذلك ثلاث ليال* روى ان خالدا كان اذا أراد أن يستسقى يدخل رأسه فى جيبه فتمطر ولا يمسك المطر حتى يرفعه كذا فى الوفاء*
ذكر حنظلة بن صفوان
وأما حنظلة بن صفوان فقيل بعثه الله الى أصحاب الرس وهم قوم ابتلاهم الله بطير عظيم لها عنق طويل من أحسن الطير كان فيها من كل لون وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذى يقال له فتح أو دمخ مصعده فى السماء ميل وكانت تنقض على صبيانهم فتخطفهم اذا أعوزها الصيد ويقال لها عنقاء مغرب لانها تغرب بكل ما اختطفته وانقضت على جارية قد ترعرعت وضمتها الى جناحين لها صغيرين غير جناحيها الكبيرين ثم ذهبت بها فضربتها العرب مثلا فقالوا طارت به العنقاء فشكوا الى نبيهم حنظلة بن صفوان فدعا عليها فأصابتها الصاعقة فأهلكتها ثم انهم قتلوا حنظلة فأهلكوا وقيل أصحاب الرس قوم كانوا يعبدون الاصنام فبعث الله اليهم شعيبا فكذبوه فبينما هم حول الرس وهى البئر غير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم وقيل الرس قرية بفلج اليمامة كان فيها بقايا ثمود فبعث الله اليهم نبيا فقتلوه فهلكوا وقيل الاخدود وقيل بئر بانطاكية فقتلوا فيها حبيبا البحار وقيل قوم كذبوا بينهم ورسوه أى دسوه فى بئر ذكره فى أنوار التنزيل ببعض تغيير وفى العمدة الرس بئر بأذربيجان* وفى المختصر حنظلة بن صفوان كان نبيا بعد خالد بن سنان بمائة سنة ويقال انه من ولد اسماعيل وأرسل الى قبيلتين يقال لاحداهما قدمان وللاخرى رعويل فأرسله الله اليهم فعصوه وقتلوه وأنزل الله فيهم فلما أحسوا بأسنا اذاهم منها يركضون الآية*
(ذكر ما وقع ليلة ميلاده عليه السلام)
* فى ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم صارت الشياطين وكبيرهم ابليس محجوبة من السماء مرمية بالشهب الثواقب وكانت قبل تصعد فتسترق السمع قال الشيخ الزرندى فى كتاب الاعلام كان من أعظم الحوادث عند مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم انشقاق ايوان كسرى ثم بقاؤه كذلك الى زماننا سنة ست وأربعين وسبعمائة ثم الله أعلم الى أىّ زمان يبقى* روى مخزوم بن هانئ المخزومى عن أبيه وكانت له مائة وخمسون سنة قال لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى أنوشروان فسقطت منه أربع عشرة شرفة وكانت له اثنتان وعشرون شرفة وانشق بحيث سمع صوته وبقى كذلك آية وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة وغاضت بحيرة ساوة وهى بين همدان وقم وكانت أكثر من ستة فراسخ فى الطول والعرض وكانت يعبر عنها بالسفينة وبقيت كذلك ناشفة(1/200)
يابسة على هؤلاء القوم حتى بنيت موضعها مدينة ساوة الباقية اليوم ورأى الموبدان كأنّ ابلاصعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس فلما أصبح تجلد كسرى وجلس على سرير ملكه ولبس تاجه وأرسل الى موبدان فقال يا موبدان انه سقط من ايوانى أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تحمد قبل اليوم بألف سنة فقال الموبذان وأنا أيها الملك قد رأيت كانّ ابلا صعابا تقود خيلا عرابا حتى عبرت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس قال فما ترى ذلك يا موبذان وكان موبذان أعلمهم قال حدث يكون من جانب العرب* فكتب حينئذ من كسرى ملك الملوك الى النعمان بن المنذر أن ابعث الىّ رجلا من العرب يخبرنى عما أسأله عنه فبعث اليه عبد المسيح بن حيان بن عمرو الغسانى قيل كان له من العمر قريب من أربعمائة سنة فقال له كسرى يا عبد المسيح هل عندك علم بما أريد أن أسألك عنه فقال يسألنى الملك فان كان عندى منه علم أعلمته والا فأعلمته بمن علمه عنده فأخبره به فقال علمه عند خال لى يسكن مشارف الشام يقال له سطيح* وفى سيرة ابن هشام اسم سطيح ربيع بن ربيعة بن مازن ابن مسعود بن ذئب بن عدى بن مازن بن غسان روى أن سطيحا الغسانى كاهن بنى ذئب كان كاهنا لم يكن مثله من بنى آدم وكان مخلوقا عجيبا* وفى كتاب الحسنى عن ابن عباس ان الله خلق سطيحا الغسانى كلحم على وضم ليس له عظم ولا عصب الا الجمجمة والكفين ولم يتحرّك منه الا اللسان قيل لكونه مخلوقا من ماء امرأتين ولم يقدر على القيام والقعود الا انه وقت غضبه يمتلئ من الريح فيجلس وكان وجهه فى صدره لم يكن له رأس وعنق وقد عمل له سرير من السعف والجريد والخوص فاذا أريد نقله الى مكان يطوى من رجليه الى ترقوته كما يطوى الثوب فيوضع على ذلك السرير فيذهب به الى حيث يشاء واذا أريد تكهنه واخباره عن المغيبات يحرّك كما يحرّك وطب المخيض فينتفخ ويمتلئ ويعلوه النفس فيخبر عن المغيبات وكان يسكن الجابية وهى مدينة من مشارف الشام* وفى حياة الحيوان روى انه ولد شق وسطيح فى اليوم الذى ماتت فيه ظريفة الكاهنة امرأة عمرو بن عامر ودعت بسطيح قبل أن تموت فتفلت فى فيه وأخبرت انه سيخلفها فى علمها وكهانتها ودعت بشق ففعلت به مثل ذلك ثم ماتت وقبرها بالجحفة* وفى سيرة ابن هشام شق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قسر بن عبقر بن انمار ابن نزار وانمار أبو بجيلة وخثعم وكان شق شق انسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة ذكر أن أبا الفرج بن خالد بن عبد الله القشيرى كان من ولد شق هذا قيل كانت ولادة سطيح فى أيام سيل العرم وخرج من المأرب مع رهط من الازد فى أيام تفرق الناس منها وعاش الى زمان ولادة النبىّ صلى الله عليه وسلم فكان له من العمر قريب من ستمائة سنة وفيه نظر* روى عن وهب بن منبه سئل سطيح من أين لك علم الكهانة قال ان لى قرينا من الجنّ كان قد استمع أخبار السماء فى زمان كلم الله موسى فى الطور فيقول لى من ذلك أشياء وأنا أقولها للناس انتهى* قال كسرى لعبد المسيح اذهب اليه فاسأله وأخبرنى بما يخبرك به فخرج عبد المسيح حتى قدم على سطيح وهو مشرف على الموت فأنشد عبد المسيح رجزا فلما سمعه سطيح رفع رأسه اليه وقال عبد المسيح من بلد نزيح على جمل مشيح جاء الى سطيح وقد وافاه على ضريح بعثك ملك ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأى ابلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلاد فارس يا عبد المسيح اذا ظهرت التلاوة وبعث صاحب الهراوة وغاضت بحيرة ساوة وفاض وادى سماوه وخمذت نيران فارس لم يكن بابل للفرس مقاما ولا الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات ثم يكون هنآت وكل ما هوآت آت ثم مات* وفى معجم ما استعجم السماوة بفتح أوّله وتخفيف الميم مفازة بين الكوفة والشام وقيل بين الموصل والشام وهى من أرض كلب* وقال أبو
حاتم عن الاصمعى وغيره(1/201)
السماوة قليل العرض طويلة قيل سميت بذلك لعلوّها وارتفاعها انتهى فرجع عبد المسيح الى كسرى وأخبره بما قال سطيح قال كسرى الى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور قال فملك منهم عشرة فى أربع سنين وملك الباقون الى زمان خلافة عثمان كذا فى المنتقى* روى أن عبد المسيح هذا هو الذى صالح خالد بن الوليد على الحيرة وكان ذلك المال أوّل مال ورد على أبى بكر الصدّيق* وفى نظام التواريخ لما ملك كسرى أنوشروان عمل بوصايا أزدشير واستوزر بزرجمهر وشاور معه ومع سائر الوزراء فى أمر مزدك الملحد الذى أنشأ مذهب الاباحة وسماه مذهب العدل ورفع العبادة عن الخلق ورخص للناس فى أن يتصرّف بعضهم فى حرم بعض وأموالهم وخدع قباد بن فيروز حتى صار مطواعا له فلما شاور كسرى مع الوزراء استقرّ رأيهم على أن يرفعوه بالمكر والحيلة فقربه كسرى وعزه وعلم تفصيل اتباعه بلطائف الحيل وبعث الى نوّابه وأمرهم أن يقتلوا اتباعه يوم المهرجان فأحضروا يوم المهرجان مزدك وأتباعه وقتلهم وقتل كسرى بيده مزدك وفى أيامه استمدّه سيف بن ذى يزن من أبناء ملوك حمير فأمدّه على مسروق بن ابرهة الذى نزل فى شأن أبيه سورة الفيل واستخلص منهم اليمن وكانت مدّة كسرى سبعا وأربعين سنة وأربعة أشهر* ومن حوادث ليلة ميلاده ما وقع من زيادة حراسة السماء بالشهب وقطع رصد الشياطين ومنعهم من استراق السمع ولقد أحسن السقراطيسى حيث قال
ضاءت لمولده الآفاق واتصلت ... بشرى الهواتف فى الاشراق والطفل
وصرح كسرى تداعى من قواعده ... وانقض منكسر الارجاء ذاميل
ونار فارس لم توقد وما خمدت ... مذالف عام ونهر القوم لم يسل
خرّت لمبعثه الاوثان وانبعثت ... ثواقب الشهب ترمى الجنّ بالشعل
ومن حوادث ليلة ميلاده صلّى الله عليه وسلم ما نقل عن عبد المطلب أنه قال ليلة ميلاد محمد كنت فى الطواف فلما مضى نصف الليل رأيت الكعبة سجدت نحو مقام ابراهيم وسمعت صوت التكبير الله أكبر الله أكبر الآن طهرت من أنجاس المشركين وأرجاس الجاهلية ثم تساقطت الاصنام وأنا أنظر الى هبل الذى هو أكبر الاصنام فرأيته سقط منكسا على الحجر ونادى مناد ألا ان آمنة قد ولدت محمدا كذا فى شواهد النبوّة*
(ذكر بعض ما وقع حين الولادة)
* فى المواهب اللدنية روى عن آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم انها قالت كانت ولادتى يوم الاثنين ولما أخذنى ما يأخذ النساء ولم يعلم بى أحد لا ذكر ولا أنثى وانى لوحيدة فى المنزل وعبد المطلب فى طوافه فسمعت وجبة عظيمة وصوت زلزلة شديدة وأمرا عظيما فأخذنى الرعب وهالنى ثم رأيت كانّ جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادى فذهب عنى الروع وكل وجع كنت أجده ثم التفت واذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا وكنت عطشى فشربتها فاذا هى أحلى من العسل فأضاء منى نور غالب* وفى رواية فأصابنى نور عال ثم رأيت نسوة كالنخل طولا كأنهنّ من بنات عبد مناف يحدقن بى وأنا أتعجب من ذلك وأقول وا غوثاه من اين علمن هؤلاء بى وفى غير هذه الرواية فقلن لى نحن آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وهؤلاء من الحور العين واشتدّ بى الامر وانا اسمع الوجبة فى كل ساعة اعظم واهول مما تقدّم فبينا انا كذلك اذا بديباج ابيض مدّ بين السماء والارض واذا بقائل يقول خذاه عن اعين الناس قالت ورأيت رجالا قد وقفوا فى الهواء بأيديهم اباريق من فضة ثم نظرت فاذا انا بقطعة من طير قد اقبلت حتى غطت حجرتى مناقرها من الزمرّد واجنحتها من الياقوت فكشف الله عن بصرى فرأيت مشارق الارض ومغاربها ورايت ثلاثة اعلام مضروبات علما بالمشرق وعلما بالمغرب وعلما على ظهر الكعبة فأخذنى(1/202)
المخاض فوضعت محمدا صلّى الله عليه وسلم فنظرت اليه فاذا هو ساجد قد رفع اصبعيه الى السماء كالمتضرّع المبتهل ثم رايت سحابة بيضاء قد أقبلت من السماء حتى غشيته فغيبته عنى فسمعت مناديا ينادى طوفوا به مشارق الارض ومغاربها وأدخلوه البحار ليعرفوه باسمه ونعته وصورته ويعلموا انه سمى فيها الماحى لا يبقى شىء من الشرك الا محى فى زمنه ثم تجلت عنه فى أسرع وقت الحديث وهو مما تكلم فيه* وروى الخطيب البغدادى بسنده أن آمنة قالت لما وضعته عليه السلام رأيت سحابة بيضاء عظيمة لها نور أسمع فيها صهيل الخيل وخفقان الاجنحة وكلام الرجال حتى غشيته وغيب عنى فسمعت مناديا ينادى طوفوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم جميع الارض واعرضوه على كل روحانى من الجنّ والانس والملائكة والطيور والوحوش وأعطوه خلق آدم ومعرفة شيث وشجاعة نوح وخلة ابراهيم ولسان اسماعيل ورضا اسحاق وفصاحة صالح وحكمة لوط وبشرى يعقوب وشدّة موسى وصبر أيوب وطاعة يونس وجهاد يوشع وصوت داود وحب دانيال ووقار الياس وعصمة يحيى وزهد عيسى واغمسوه فى اخلاق النبيين قالت ثم انجلت عنى فاذا به قد قبض على حريرة خضراء مطوية طيا شديدا ينبع من تلك الحريرة ماء فاذا قائل يقول بخ بخ قبض محمد صلّى الله عليه وسلم على الدنيا كلها لم يبق خلق من أهلها الا دخل طائعا فى قبضته* قالت ثم نظرت اليه فاذا به كالقمر ليلة البدر وريحه يسطع كالمسك الاذفر واذا بثلاثة نفر فى يد أحدهم ابريق من فضة وفى يد الثانى طست من زمرد أخضر وفى يد الثالث حريرة بيضاء فنشرها فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه فغسله من ذلك الابريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ولفه فى الحرير ثم احتمله بين أجنحته ساعة ثم ردّه الىّ رواه أبو نعيم عن ابن عباس وفيه نكارة* وروى الحافظ أبو بكر بن عائذ فى كتاب المولد كما نقله الشيخ بدر الدين الزركشى فى شرح بردة المديح عن ابن عباس لما ولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال فى اذنه رضوان خازن الجنان ابشريا محمد فما بقى لنبىّ علم الا وقد أعطيته فأنت أكثرهم علما وأشجعهم قلبا وروى الطبرانى انه لما وقع الى الارض وقع مقبوضة أصابع يديه مشيرا بالسبابة كالمسبح بها* وفى شواهد النبوّة روى انه صلّى الله عليه وسلم لما وقع على الارض رفع رأسه وقال بلسان فصيح لا اله الا الله وانى رسول الله وعن فاطمة بنت عبد الله امّ عثمان بن أبى العاص قالت لما حضرت ولادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت البيت حين وقع قد امتلأ نورا ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت انها ستقع علىّ رواه البيهقى* وأخرج أحمد والبزار والطبرانى والحاكم والبيهقى عن العرباض بن سارية كما ذكر فى اوّل الكتاب ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال انى عبد الله وخاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم عن ذلك أنا دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت وكذلك أمهات الانبياء يرين وان أمّ رسول الله رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام* قال الحافظ ابن حجر صححه ابن حبان والحاكم واخرج ابو نعيم عن بردة عن مرضعته فى بنى سعد أن آمنة قالت رأيت كأنه خرج من فرجى شهاب أضاءت له الارض حتى رأيت قصور الشام* وعن همام بن يحيى عن اسحاق بن عبد الله ان امّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت لما ولدته خرج من فرجى نور أضاء له قصور الشام فولدته نظيفا ما به قذر رواه ابن سعد* واخرج ابو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف عن أمه الشفاء قالت لما ولدت آمنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقع على يدى فاستهل فسمعت قائلا يقول رحمك الله وأضاءت لى ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت الى بعض قصور الروم قالت ثم ألبنته وأضجعته فلم أنشب أن غشيتنى ظلمة ورعب وقشعريرة ثم غيب عنى فسمعت قائلا يقول أين ذهبت به قال الى المشرق قالت فلم يزل الحديث منى على بال حتى بعثه الله فكنت فى أوّل الناس اسلاما ذكرهما فى المواهب اللدنية وذكر فى غيره
عن أبى بكر(1/203)
ابن البراء قال قالت آمنة ولدته جاثيا على ركبتيه ينظر الى السماء ثم قبض قبضة من الارض فأهوى ساجدا وغطيت عليه اناء فوجدته قد تفلق الاناء عليه وهو يمص ابهامه تشخب لبنا* وفى المنتقى ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع جاثيا على ركبتيه وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رأيت أعناق الايل ببصرى رافعا رأسه الى السماء فحقق الله بذلك رؤيا أمه* وفى المواهب اللدنية قال فى اللطائف وخروج هذا النور عند وضعه اشارة الى ما يجىء به من النور الذى اهتدى به أهل الارض وزال به ظلمة الشرك كما قال تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه* وأما اضاءة قصور بصرى بالنور الذى خرج معه فهو اشارة الى ما خص الشام من نور نبوّته فانها دار ملكه كما ذكر كعب ان فى الكتب السالفة محمد رسول الله مولده مكة ومهاجره يثرب وملكه بالشام ولهذا اسرى به صلّى الله عليه وسلم الى الشام الى بيت المقدس كما هاجر قبله ابراهيم عليه السلام الى الشام وبها ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام وهى أرض المحشر والمنشر* وفى المنتقى كانت سنتهم فى المولود اذا ولد فى استقبال الليل كفأوا عليه قدرا حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم فأصبحوا وقد انشق عنه القدر وهو شاخص ببصره الى السماء وفيه أيضا روى أنها لما ولدته صلّى الله عليه وسلم أرسلت الى عبد المطلب وجاءه البشير وهو جالس فى الحجر معه ولده ورجال من قومه فأخبره أن آمنة ولدت غلاما فسرّ بذلك عبد المطلب وقام هو ومن كان معه ودخل عليها فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله جوف الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكره بما أعطاه فقال يومئذ
الحمد لله الذى أعطانى ... هذا الغلام الطيب الاردان
قد ساد فى المهد على الغلمان ... أعيذه بالبيت ذى الاركان
حتى أراه بالغ البيان ... أعيذه من شرّ ذى شنآن
من حاسد مضطرب العينان
روى أنه لما ولد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر عبد المطلب بجزور فنحرت ودعا رجالا من قريش فحضروا وطعموا* وفى بعض الكتب كان ذلك يوم سابعه يعنى عقيقته فلما فرغوا من أكله قالوا ما سميته قال سميته محمدا قالوا لم رغبت عن أسماء آبائه قال أردت أن يكون محمودا فى السماء لله وفى الارض لخلقه قيل بل سمته بذلك أمه لما رأته وقيل لها فى شأنه ويمكن أن يجمع بين القولين بأن يقال نقلت أمه لجدّه ما رأته فسماه به فوقعت التسمية منه واذا كانت هى سببها يصح القول بأنها سمته به*
(ذكر ختانه صلّى الله عليه وسلم)
اختلف فى ختانه على ثلاثة أقوال وسيجىء* جمهور أهل السير والتواريخ على انه صلّى الله عليه وسلم ولد معذورا مسرورا أى مختونا مقطوع السرّ وسيجىء بيان الاعذار وأعجب ذلك عبد المطلب وحظى عنده وقال ليكونن لا بنى هذا شأن* وفى المواهب اللدنية روى من حديث أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند ابن عساكر وروى الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق عن أنس بن مالك أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال من كرامتى على ربى انى ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتى وصححه أيضا فى المختارة* وعن ابن عمر قال ولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسرورا مختونا رواه ابن عساكر قال الحاكم فى المستدرك تواترت الاخبار أنه صلّى الله عليه وسلم ولد مختونا انتهى وتعقبه الحافظ الذهبى فقال ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترا* أجيب باحتمال أن يكون أراد بتواتر الاخبار اشتهارها وكثرتها فى السير لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث ولكن قد حكى الحافظ زين الدين العراقى ان الكمال بن العديم(1/204)
ضعف أحاديث كونه عليه السلام ولد مختونا وقال انه لا يثبت فى هذا شئ من ذلك وأقرّه عليه وبه صرّح ابن القيم ثم قال ليس هذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلم فان كثيرا من الناس ولد مختونا وحكى الحافظ ابن حجر أن العرب تزعم أن الغلام اذا ولد فى القمر فسخت قلفته أى اتسعت فيصير كالمختون وفى الوشاح لابن دريد قال ابن الكلبى بلغنا أن آدم خلق مختونا واثنى عشر نبيا بعده خلقوا مختونين آخرهم محمد صلّى الله عليه وسلم شيث وادريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين* وذكر ابن الجوزى عن كعب الاحبار ان ثلاثة عشر من الانبياء خلقوا مختونين وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وذكر عيسى مكانه وقال محمد بن حبيب الهاشمى هم أربعة عشر وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وعيسى وذكر زكريا وحنظلة بن صفوان كذا فى مريل الخلفا* وفى المواهب اللدنية وفى هذه العبارة تجوّز لان الختان هو القطع وهو غير موجود لان الله تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع فيحمل الكلام باعتبار أنه على صفة المقطوع وقد حصل من الاختلاف فى ختانه ثلاثة أقوال كما أشرنا اليه سابقا أحدها انه ولد مختونا كما تقدّم الثانى انه ختنه جدّه عبد المطلب يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا رواه الوليد بن مسلم بسنده الى ابن عباس وحكاه ابن عبد البرّ فى التمهيد وابن الاثير فى اسد الغابة الثالث انه ختن عند حليمة كذا ذكره ابن القيم والدمياطى ومغلطاى قالا ان جبريل ختنه حين طهر قلبه وكذا أخرجه الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم من حديث أبى بكرة وقال الذهبى وهذا منكر* واعلم أن الختان هو قطع القلفة التى تغطى الحشفة من الرجل وقطع بعض الجلدة التى فى أعلى الفرج من المرأة ويسمى ختان الرجل اعذارا بالعين المهملة والذال المعجمة والراء وختان المرأة خفضا بالخاء المعجمة والفاء والضاد المعجمة وفى القاموس خفاض كختان لفظا ومعنى* واختلف العلماء هل هو واجب أو سنة فذهب أكثرهم الى أنه سنة وهو قول أبى حنيفة ومالك وبعض أصحاب الشافعى وذهب الشافعى الى وجوبه وهو مقتضى قول سحنون من المالكية وذهب بعض أصحاب الشافعى الى أنه واجب فى حق الرجال وسنة فى حق النساء واحتج من قال انه سنة بحديث أبى المليح بن اسامة عن أبيه أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال الختان سنة للرجال مكرمة للنساء رواه أحمد فى مسنده والبيهقى وأجاب من أوجبه بأنه ليس المراد بالسنة هنا خلاف الواجب بل المراد به الطريقة واحتجوا على وجوبه بقوله تعالى أن اتبع ملة ابراهيم حنيفا وثبت فى الصحيح من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اختتن ابراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم وبما روى أبو داود من قوله عليه السلام للرجل الذى أسلم ألق عنك شعار الكفر واختتن واحتج القفال بوجوبه بأن بقاء القلفة تحبس النجاسة وتمنع صحة الصلاة فيجب وقال الامام فخر الدين الرازى الحكمة فى الختان أن الحشفة قوى الحس فما دامت مستورة بالقلفة تقوى اللذة عند المباشرة فاذا قطعت القلفة تصلبت الحشفة فضعفت اللذة وهو اللائق بشر بعتنا تقليلا للذة لا قطعا كما فعله المانوية فذلك افراط وابقاء القلفة تفريط فالعدل الختان* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى المانوية أصحاب مانى بن فاتك الحكيم الذى ظهر فى زمان سابور بن أزدشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور بن أزدشير وذلك بعد عيسى عليه السلام أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية وكان لا يقول بنبوّة عيسى ولا بنبوّة موسى عليهما السلام وحكى محمد بن هارون المعروف بأبى عيسى الورّاق وكان فى الاصل مجوسيا ارفا بمذاهب القوم ان الحكيم مانى زعم ان العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وانهما أزليان لم يزولا ولا يزالا وأنكر وجود شىء الا من أصل قديم انتهى وادا قلنا(1/205)
بوجوب الختان فحمل الوجوب بعد البلوغ على الصحيح من مذهب الشافعى لما روى البخارى فى صحيحه عن ابن عباس انه سئل مثل من أنت حين قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك قال بعض اصحاب الشافعى يجب على الولىّ أن يختن الصبى قبل البلوغ والله أعلم*
أسماؤه صلّى الله عليه وسلم
أما أسماؤه صلّى الله عليه وسلم فكثيرة بعضها ورد فى القرآن المجيد وبعضها فى الاحاديث الصحيحة وبعضها فى كتب الانبياء أما ما فى القرآن فمنها محمد وأحمد والرسول والنبىّ والشاهد والبشير والنذير والمبشر والمنذر والداعى الى الله والسراج المنير والرؤف والرحيم والمصدّق والمذكر والمزمل والمدّثر وعبد الله والكريم والحق والمبين والنور وخاتم النبيين والرحمة والنعمة والهادى وطه ويس على قول بعض المفسرين وأما ما فى الاحاديث غير ما ذكرناه فمنها الماحى والحاشر والعاقب والمقفى ونبىّ الرحمة ونبىّ التوبة ونبىّ الملاحم ورحمة مهداة والقتال والمتوكل والفاتح والخاتم والمصطفى والامى والقثم أى جامع الخير قال ابن الجوزى هو مشتق من القثم وهو الاعطاء يقال قثم له من العطاء يقثم اذا أعطاه كذا فى المواهب اللدنية* وأماما فى كتب الانبياء فمنها الضحوك وحميالها أو حمطايا وأحيد وبارقليط وفارقليط وفارق ليطا وماذماذ والمشقح والمنحمنا والمختار وروح الحق ومقيم السنة والمقدّس وحرز الاميين ومعلوم أن أكثر الاسماء المذكورة صفات واطلاق الاسم عليها مجاز فى المواهب اللدنية قوله حمياطا بفتح الحاء المهملة ثم ميم ساكنة فمثناة تحتية فألف فطاء مهملة فألف قال أبو عمرو سألت بعض من أسلم من اليهود عنه فقال معناه يحمى الحرم من الحرام ويوطئ الحلال فأما حمطايا فبفتح الحاء المهملة وسكون الميم قال الهروى أى حامى الحرم فأما أحيد فهو بهمزة مضمومة ثم حاء مهملة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة قال القسطلانى كذا وجدته فى بعض نسخ الشفاء المعتمدة والمشهور ضبطه بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وبفتح المثناة التحتية وفى نسخة بفتح الهمزة وكسر الحاء وسكون المثناة فقال النووى فى كتاب تهذيب الاسماء واللغات عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اسمى فى القرآن محمد وفى الانجيل أحمد وفى التوراة أحيد وانما سميت أحيد لانى أحيد عن أمتى نار جهنم* وأما بارقليط وفارقليط بالموحدة التحتية وبالفاء وفتح الراء والقاف وسكون الراء مع فتح القاف وبكسر الراء وسكون القاف وغير منصرف للعجمة والعلمية فوقع فى انجيل يوحنا ومعناه روح الحق وقال ثعلب معناه الذى يفرق بين الحق والباطل وانما قال فى انجيل يوحنا لان عيسى لم تظهر دعوته فى عصره وانما أخذ الانجيل عن أربعة من الحواريين متى ويوحنا ومرقس ولوقا* تكلم كل واحد من هؤلاء بعبارة عبرها للامة الذين تابعوه دعاهم بلغتهم نجلها أى ولدها مما سمع من المسيح عليه السلام ولذلك اختلفت الاناجيل الاربعة اختلافا شديدا كذا فى المنتقى* وفى نهاية ابن الاثير فى صفته عليه السلام ان اسمه مكتوب فى الكتب السالفة فارق ليطا أى يفرق بين الحق والباطل* وأما ماذماذ بميم ثم ألف ثم ذال معجمة منوّلة ثم ميم ثم ألف ثم ذال معجمة قال القسطلانى كذا رأيته لبعض العلماء ونقل العلامة الحجازى فى حاشيته على الشفاء بضم الميم واشمام الهمزة ضمة بين الواو والالف ممدودا وقال نقلته عن رجل أسلم من علماء بنى اسرائيل وقال معناه طيب طيب ولا ريب أنه أطيب الطيبين وحسبك أنه كان يؤخذ من عرقه ليتطيب به وأما المشفح فهو بضم الميم وبالشين المعجمة وبالفاء المشدّدة المفتوحتين ثم حاء مهملة وروى بالقاف بدل الفاء من الشفح والشقح وهما بالسريانية الحمد* وأما المنحمنا فهو بضم الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد النون الثانية المفتوحة مقصورا وضبطه بعضهم بفتح الميمين فمعناه بالسريانية محمد* ذكر الحسين(1/206)
ابن محمد الدامغانى فى كتاب شوق العروس وأنس النفوس نقلا عن كعب الاحبار أنه قال اسم النبىّ صلى الله عليه وسلم عند أهل الجنة عبد الكريم وعند أهل النار عبد الجبار وعند أهل العرش عبد الحميد وعند سائر الملائكة عبد المجيد وعند الانبياء عبد الوهاب وعند الشيطان عبد القهار وعند الجنّ عبد الرحيم وفى الجبال عبد الخالق وفى البرّ عبد القادر وفى البحر عبد المهيمن وعند الحيتان عبد القدّوس وعند الهوام عبد الغياث وعند الوحوش عبد الرزاق وعند السباع عبد السلام وعند البهائم عبد المؤمن وعند الطيور عبد الغفار وفى التوراة موذ موذ وفى الانجيل طاب طاب وفى الصحف عاقب وفى الزبور فاروق وعند الله طه ويس وعند المؤمنين محمد صلى الله عليه وسلم ذكر هذا كله القسطلانى فى المواهب اللدنية وذكر فيه من الاسماء والالقاب والكنى ما يزيد على أربعمائة* قال ابن دحية أسماؤه تقرب من الثلثمائة وانتهى بها بعض الصوفية الى ألف كذا فى سيرة مغلطاى*
ألقابه صلّى الله عليه وسلم
وأما ألقابه صلّى الله عليه وسلم فكثيرة مثل صاحب البراق وصاحب التاج المراد به العمامة لان العمائم تيجان العرب وصاحب المعراج وصاحب الهراوة والنعلين وصاحب الخاتم والعلامة وصاحب البرهان والحجة وصاحب الحوض المورود والمقام المحمود وصاحب الوسيلة وصاحب الفضيلة وصاحب الدرجة الرفيعة وصاحب الشفاعة وسيد أولاد آدم وسيد المرسلين وامام المتقين وقائد الغرّ المحجلين وحبيب الله وخليل الله والعروة الوثقى والصراط المستقيم والنجم الثاقب ورسول رب العالمين والمصطفى والمجتبى والمزكى* وأما كنيته صلّى الله عليه وسلم المشهورة فأبو القاسم لانّ أكبر أولاده القاسم والعرب تكنى الشخص غالبا بأكبر أولاده* وقال صلّى الله عليه وسلم سموا باسمى ولا تكنوا بكنيتى فانما أنا قاسم أوفانى أبو القاسم أقسم بينكم وقال أبو هريرة لما ولد ابراهيم من مارية لقى جبريل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له السلام عليك يا أبا ابراهيم رواه أحمد وروى هذا الحديث عن أنس أيضا تغيير يسير كما سيجىء فى مولد ابراهيم فى الموطن الثامن ويكنى بأبى الارامل فيما ذكره ابن دحية وبأبى المؤمنين فيما ذكره غيره والله أعلم*
(ذكر شمائله وصفاته)
* كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا* وعن أنس كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربعة من القوم ليس بالقصير ولا بالطويل البائن وفى رواية الذاهب وفى رواية علىّ لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردّد كان ربعة من القوم وفى رواية وهو الى الطول أقرب وفى رواية أطول من المربوع وأقصر من المشذب* وفى رواية مربوعا ومع ذلك لم يكن يماشيه أحد ينسب الى الطول الا طاله وفى رواية اذا جاء مع القوم غمرهم وكان فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أزهر اللون كانّ الشمس تجرى فى وجهه أبيض مشربا بياضه بحمرة* وفى رواية أزهر ليس بالابيض الامهق ولا بالادم وفى رواية أبيض مليح الوجه مليحا مقصدا وفى رواية حسن الوجه أسمر اللون عظيم الهامة وفى رواية ضخم الرأس وفى رواية على رضى الله عنه ليس بالمطهم ولا بالمكلثم وكان فى وجهه تدوير وفى رواية كانّ على وجهه مثل الشمس والقمر مستدير سهل الخدّين واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ من غير قرن وفى رواية أبلج بينهما عرق يدرّه الغضب أنجل وفى رواية عظيم العينين أدعج وفى رواية أسود الحدق أشكل العينين وفى رواية مشرب العينين حمرة أهدب الاشفار وكان يرى من خلفه كما يرى من قدّامه وفى رواية مسلم من أمامه* قال بعض العلماء وهو مختار بن محمود كان بين كتفيه عينان مثل سمّ الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب وقال بعضهم ان الله خلق له ادراكا فى قفاه يبصر به من وراءه ويرى فى الليل والظلمة كما يرى بالنهار والضوء رواه البيهقى والبخارى وانه رأى الله بعينه على(1/207)
الخلاف كذا فى المواهب اللدنية وكان يرى فى الثريا أحد عشر نجما قال أحمد بن حنبل وجمهور العلماء ان هذه الرؤية رؤية عين حقيقة وذهب بعضهم الى ردّها الى العلم والظواهر بخلافه ولا احالة فى ذلك وهى من خواص الانبياء كما روى عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم انه قال لما تجلى الله لموسى عليه السلام كان يبصر النملة على الصفاء فى الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ ولا يبعد على هذا أن يختص نبينا صلّى الله عليه وسلم بما ذكرناه من هذا الباب بعد الاسراء لما رأى من آيات ربه الكبرى كذا فى الشفاء* خافض الطرف نظره الى الارض أطول من نظره الى السماء جل نظره الملاحظة وفى سيرة اليعمرى وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه انتظارا للوحى وكذا فى البخارى واذا نام نفخ ولا يغط أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم ضليع الفم مفلج الاسنان أشنب اذا افتر ضاحكا افتر عن مثل حب الغمام أو مثل سنا البرق جل ضحكه التبسم وفى رواية أفلج الثنيتين اذا تكلم رؤى كالنور يخرج من ثناياه وقال شمر عظيم الاسنان وكان ريقه يعذب الماء الملح رواه أبو نعيم ويجزى الرضيع رواه البيهقى وما تثاءب قط كما رواه ابن أبى شيبة والبخارى فى تاريخه وأخرج الخطابى قال ما تثاءب نبىّ قط ويؤيد ذلك ان التثاؤب من الشيطان رواه البخارى طويل السكوت لا يتكلم فى غير حاجة ويتكلم بجوامع الكلم كلامه فصل لا فضول ولا تقصير* وفى رواية علىّ رضى الله عنه أسيل الخدّكث اللحية على شفته السفلى خال وفى رواية تملأ صدره عظيم الجمة الى شحمة أذنيه وفى رواية له شعر يضرب منكبيه وفى رواية بين أذنيه وعاتقه وفى رواية أنس رجل الشعر ليس بالسبط ولا بالجعد القطط وفى رواية علىّ كان جعدا رجلا ذا أربع غدائر وفى رواية ذا ضفائر أربع وللترمذى كان شعره فوق الجمة ودون الوفرة ولابى داود فوق الوفرة ودون الجمة وليس فى رأسه ولحيته حين توفى عشرون شعرة بيضاء وفى رواية أنس ما عددت فى رأسه ولحيته الا أربع عشرة شعرة بيضاء* قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعمّ يتساءلون واذا الشمس كوّرت رواه الترمذى وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد شمط مقدّم رأسه ولحيته واذا ادّهن لم يتبين واذا شعث رأسه تبين وكان فى عنفقته شعرات بيض* وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم لم يخضب وانما كان البياض فى عنفقته وفى الصدغين وفى الرأس يبدو وعنه رأيت شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مخضوبا وسئل أبو هريرة هل خضب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال نعم* وفى رواية أخرجت أمّ سلمة شعرا من شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مخضوبا وفى رواية أرت شعره صلّى الله عليه وسلم أحمر ورأى ربيعة بن عبد الرحمن شعرا من شعره صلّى الله عليه وسلم أحمر فسأل فقيل احمرّ من الطيب وكان صلّى الله عليه وسلم يترجل غبا وفى رواية كان يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته وحلق صلّى الله عليه وسلم فى حجة الوداع وفى رواية بمنى بعد ما نحر جانبه الايمن ثم الايسر ثم بقية الرأس كما سيجىء فى الموطن العاشر وقصر عن رأسه بمشقص وهو على المرأة وكان صلّى الله عليه وسلم يقص أو يأخذ من شاربه رواه الترمذى عن ابن عباس وعنده أيضا من حديث زيد بن أرقم قال صلّى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه فليس منا وقال صلّى الله عليه وسلم الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الابط* وفى شرح السنة أنه صلّى الله عليه وسلم كان يقص شاربه ويأخذ من أظفاره قبل أن يروح الى صلاة الجمعة* وفى الشرعة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان يقص من لحيته من عرضها وطولها ويفعل ذلك فى الخميس والجمعة* وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم كان لا يتنوّر فاذا
كثر شعره حلقه وكان صلّى الله عليه وسلم أحسن الناس عنقا كانّ عنقه جيد دمية أو ابريق فضة فى صفاء فضة(1/208)
وفى رواية أبيض كأنما صيغ من فضة معتدل الخلق بادنا متماسك البدن كأنّ عرقه اللؤلؤ وكان يؤخذ من عرقه ليتطيب به واذا مرّ بسكة يبقى أثر الطيب فيها زمانا وثبت فى الصحيح أن ابطه كان نظيفا طيب الرائحة ولم تكن له رائحة كريهة وكان ضرب اللحم سواء البطن والصدر عريض الصدر وفى رواية واسع الصدر بعيد ما بين المنكبين وللنسائى عريض عظم المنكبين وللترمذى ضخم الكراديس وفى رواية ضخم العظام وفى رواية جليل المشاش والكتد بين كتفيه خاتم النبوّة مثل زرّ الحجلة كذا فى البخارى وفى مسلم جمع عليه خيلان كأنها الثآليل السود عند نغض كتفه وروى عند غضروف كتفه اليسرى وفى كتاب أبى نعيم الايمن وفى مسلم كبيضة الحمامة وفى صحيح الحاكم شعر مجتمع وفى البيهقى مثل السلعة وفى الشمائل بضعة ناشزة وفى حديث عمرو بن أخطب كشىء يختم به وفى تاريخ ابن عساكر مثل البندقة وفى الترمذى ودلائل البيهقى كالتفاحة* وفى الروض وسيرة ابن هشام وحياة الحيوان كأثر المحجمة القابضة على اللحم وفى تاريخ ابن خيثمة شامة خضراء محتفرة فى اللحم وفيه أيضا شامة سوداء تضرب الى الصفرة حولها شعرات متراكبات كأنها عرف الفرس وفى تاريخ القضاعى ثلاث شعرات مجتمعات وفى كتاب الترمذى الحكيم كبيضة الحمام مكتوب فى باطنها الله وحده لا شريك له وفى ظاهرها توجه حيث شئت فانك منصور وفى كتاب المولد لابن عائذ كان نورا يتلألأ* وفى سيرة ابن أبى عاصم عذرة كعذرة الحمام قال أبو أيوب يعنى قرطمة الحمام فى القاموس قرطمتا الحمام بكسر القاف نقطتان على أصل منقاره* وفى تاريخ نيسابور مثل البندقة من لحم مكتوب عليه باللحم محمد رسول الله وفى رواية عن صفية بنت عبد المطلب مكتوب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله كذا فى حياة الحيوان نقلا عن دلائل النبوّة للبيهقى* وعن عائشة كتينة صغيرة تضرب الى الدهمة وكان مما يلى الفقار قالت فلمسته حين توفى فوجدته قد رفع حكى هذا كله الحافظ مغلطاى كذا فى المواهب اللدنية* وفى حياة الحيوان عن الواقدى عن شيوخه انهم قالوا لما شك فى موت النبىّ صلّى الله عليه وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه فقالت توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد رفع الخاتم من بين كتفيه وكان هذا الذى عرف به موت النبىّ صلّى الله عليه وسلم* قال فى فتح البارى ما ورد من أن الخاتم كان كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو الخضراء مكتوب عليها محمد رسول الله أو سرفانك المنصور أو لا اله الا الله محمد رسول الله لم يثبت منها شىء قال لا تغترّ بما وقع فى صحيح ابن حبان فانه غفل حيث صحح ذلك وقال الهيتمى فى مورد الظمآن بعد أن أورد الحديث ولفظه مثل البندقة من اللحم مكتوب عليه محمد رسول الله مما اختلط على بعض الرواة خاتم النبوّة بالخاتم الذى كان يختم به وبخط الحافظ ابن حجر على الهامش البعض المذكور هو اسحاق بن راهويه قاضى سمرقند وهو ضعيف (قوله) زرّ الحجلة بالحاء المهملة والجيم قال النووى هو واحد الحجال وهو بيت كالقبة لها ازرار كبار وعرى هذا هو الصواب وقال بعضهم المراد بالحجلة الطائر المعروف وزرّها بيضها وأشار اليه الترمذى وأنكره عليه العلماء (قوله) جمع بضم الجيم واسكان الميم أى كجمع الكف وهو صورته بعد أن يجمع الاصابع ويضمها (قوله) الخيلان جمع خال وهو الشامة على الجسد (قوله) نغض بالنون والغين والضاد المعجمتين قال النووى النغض بضم النون وفتحها والناغض أعلا الكتف وقيل هو العظم الرقيق الذى على طرفه وقيل ما يظهر منه عند التحرّك سمى ناغضا التحرّكه (قوله) بضعة ناشزة بالمعجمة والزاى أى قطعة لحم مرتفعة على جسده وهذا الخاتم هو أثر الملكين بين كتفيه حين شقا صدره الشريف وخيط حتى التأم كما كان وختم بين كتفيه فبقى أثر الختم فى ظهره كما بقى أثر الخيط فى صدره* وفى دلائل أبى نعيم لما ولد ذكرت أمه أن الملك غمسه فى الماء الذى أنبعه ثلاث غمسات ثم أخرج صرة من حرير أبيض فاذا فيها خاتم فضرب على كتفه كالبيضة المكنونة تضىء(1/209)
كالزهرة وقيل ولد به والله أعلم ذكر ذلك كله فى المواهب اللدنية* وروى الحاكم فى مستدركه عن وهب ابن منبه أنه قال لم يبعث الله نبيا الا وقد كانت شامة النبوّة فى يده اليمنى الا أن يكون نبينا صلّى الله عليه وسلم فانّ شامة النبوّة بين كتفيه* وفى حياة الحيوان ان خاتم النبوّة لم يكن قبل شق الصدر وقد مرّ قال السهيلى الحكمة فى خاتم النبوّة على جهة الاعتبار أنه لما ملئ قلبه صلّى الله عليه وسلم حكمة ويقينا ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء مسكا أو درّا وأما وضعه عند نغض الكتف فلانه صلّى الله عليه وسلم معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع يوسوس لابن آدم لانه يحاذى قلبه وكان صلّى الله عليه وسلم عبل العضدين والذراعين والا سافل أنور المتجرّد أجرد ذا مسربة وفى رواية دقيق المسربة وفى رواية طويل المسربة موصول ما بين اللبة والسرّة بشعر يجرى كالخط وفى رواية كالقضيب لم يكن فى صدره ولا فى بطنه شعر غيرها عارى الثديين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر طويل الزندين وفى رواية سبط القصب رحب الراحة شثن الكفين والقدمين أى غليظ أصابعهما رواه الترمذى وفى رواية ضخم اليدين والقدمين سبط أو بسط الكفين وفى رواية رحب الكفين طويل اصبع قدميه السبابة على سائر أصابعه قالت ميمونة بنت كردم رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة وهو على ناقته وأنا مع أبى فدنا منه أبى فأخذ بقدمه فاستقرّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى أمسك عن مسيره قالت فاستطولت أصبع قدميه السبابة على سائر أصابعه رواه أحمد والترمذى قال الحافظ ابن حجر انما ذلك فى أصابع رجليه فقط دون اليد* وعن جابر بن سمرة كانت خنصر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من رجله متظاهرة رواه البيهقى كذا فى المواهب اللدنية وكان فى ساقه خموش منهوس العقب سائل أو شائل الاطراف خمصان الاخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ذريع المشية اذا مشى تقلع كأنما ينحط فى صبب وكان لا يؤثر فى الرمل نعله وتلين الصخرة تحت قدميه وكان لا ظل له فى شمس ولا قمر ولا يقع الذباب على جسده ولا ثيابه ولا يمص دمه البعوض كذا نقل الامام فخر الدين الرازى ولا يقمل ثوبه قط وقال ابن سبع فى الشفاء والسبتى فى أعذب الموارد وأطيب الموالد لم يكن القمل يؤذيه تعظيما له وتكريما لكن يشكل عليه بما رواه أحمد والترمذى فى الشمائل عن عائشة رضى الله عنها كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفلى ثوبه ويحلب شاته كذا فى المواهب اللدنية* واذا أراد أن يتغوّط انشقت له الارض فابتلعت غائطه وبوله وفاحت لذلك رائحة طيبة كذا فى الشفاء وكان يتبرك ببوله ودمه وكان يسبق أصحابه فى المشى ويبدأ من لقيه بالسلام وكان متواصل الاحزان دائم الفكرة ليست له راحة دمثا ليس بالجافى ولا المهين يعظم النعمة وان دقت لا يذم شيئا منها ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا ولا ما كان لها ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها واذا غضب أعرض وأشاح واذا فرح غض طرفه أجود الناس صدرا وفى رواية أرحب الناس صدرا وأصدقهم لهجة وأوفاهم ذمّة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة وأحلمهم وأشدّهم بأسا أشدّ حياء من العذراء فى خدرها لا يثبت بصره فى وجه أحد قالت عائشة ما أتى أحدا من نسائه الا متقنعا يرخى الثوب على رأسه ولم أرمنه ولا رآى منى كذا فى سيرة مغلطاى من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه روى أنه دخل عليه رجل فقام بين يديه فأخذته رعدة من هيبته فقال له هوّن عليك فانى لست بملك ولا جبار وانما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة فنطق الرجل بحاجته كذا فى المواهب اللدنية*
مزاحه صلّى الله عليه وسلم
وفى سيرة اليعمرى وكان يمزح ولا يقول الا الحق جاءته امرأة فقالت يا رسول الله احملنى على جمل قال انما أحملك على ولد الناقة قالت لا يطيقنى قال لا أحملك الا على ولد الناقة قالت لا يطيقنى فقال لها الناس وهل الجمل الا ولد الناقة وجاءت امرأة فقالت يا رسول الله ان زوجى مريض وهو يدعوك فقال لعل زوجك الذى فى عينه بياض فرجعت وفتحت عين زوجها فقال(1/210)
مالك فقالت أخبرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان فى عينك بياضا فقال وهل أحد الا وفى عينه بياض وقالت اخرى يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة فقال يا أمّ فلان ان الجنة لا يدخلها عجوز فولت المرأة وهى تبكى فقال عليه السلام انها لا تدخلها وهى عجوز ان الله يقول انا أنشأنا هنّ انشاء فجعلنا هنّ أبكارا عربا أترابا* وفى سيرة اليعمرى وكان أرحم الناس يصغى الاناء للهرة فما يرفعه حتى تروى رحمة لها ويمسح وجه فرسه بكمه أو ردائه وكان أشجع الناس وأسخاهم وأجودهم ما سئل شيئا فقال لا ولا يبيت فى بيته درهم ولا دينار فان فضل شىء ولم يجد من يأخذه وجاء الليل لم يرجع الى منزله حتى يبرأ منه الى من يحتاج اليه لا يأخذ مما آتاه الله الا قوت أهله عاما فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ثم يؤثر من قوت أهله حتى ربما يحتاج قبل انقضاء العام وكان أعف الناس وأشدّهم اكراما لاصحابه لا يمدّ رجليه بينهم ويوسع عليهم اذا ضاق المكان ولم تكن ركبتاه تتقدّمان ركبة جليسه ويخدم من خدمه وله عبيد واماء لا يترفع عليهم فى مأكل ولا فى ملبس قال أنس خدمته نحوا من عشر سنين فو الله ما صحبته فى حضر ولا سفر لا خدمه الا كانت خدمته لى أكثر من خدمتى له* وفى المشكاة عن أنس قال خدمت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا ابن ثمان سنين خدمته عشر سنين فما لا منى على شىء قط أتى فيه على يدى فان لا منى لائم من أهله قال دعوه فانه لو قضى شىء كان هذا لفظ المصابيح ورواه البيهقى فى شعب الايمان مع تغيير يسير وكان صلّى الله عليه وسلم فى سفر فأمر باصلاح شاة فقال رجل يا رسول الله علىّ ذبحها وقال آخر علىّ سلخها وقال آخر علىّ طبخها فقال صلّى الله عليه وسلم وعلىّ جمع الحطب فقالوا يا رسول الله نحن نكفيك فقال قد علمت انكم تكفونى ولكنى أكره أن أتميز عنكم فان الله بكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه فقام فجمع الحطب وكان يحب الفأل ويكره التطير واذا جاء ما يحب قال الحمد لله رب العالمين واذا جاء ما يكره قال الحمد لله على كل حال* وفى الشفاء كان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والرائحة الحسنة ويستعملها كثيرا ويحض عليها ويقول حبب الىّ من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرّة عينى فى الصلاة* وفى سيرة اليعمرى وكان يحب الطيب ويكره الرائحة الكريهة ويقول ان الله جعل لذتى فى النساء والطيب وجعل قرّة عينى فى الصلاة وعن أنس أنه صلّى الله عليه وسلم كان يدور على نسائه فى الساعة من الليل والنهار وهنّ احدى عشرة قال أنس وكنا نتحدّث أنه أعطى قوّة ثلاثين رجلا خرّجه النسائى وروى نحوه عن أبى رافع وعن طاوس أعطى عليه السلام قوّة أربعين رجلا ومثله عن صفوان بن سليم وعند الاسماعيلى عن معاذ قوّة أربعين زاد أبو نعيم عن مجاهد كل رجل من رجال أهل الجنة* وعن أنس مرفوعا يعطى المؤمن فى الجنة قوّة مائة قال الترمذى صحيح غريب فاذا ضربنا أربعين فى مائة بلغت أربعة آلاف مع قناعته صلى الله عليه وسلم فى الاكل كذا فى المواهب اللدنية* وقالت سلمى مولاته طاف النبىّ صلّى الله عليه وسلم على نسائه التسع وتطهر من كل واحدة منهنّ قبل أن يأتى الاخرى وقد حفظه الله من الاحتلام فعن ابن عباس قال ما احتلم نبىّ قط وانما الاحتلام من الشيطان رواه الطبرانى وقد قال سليمان عليه السلام لا طوفنّ الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين امرأة وانه فعل ذلك* قال ابن عباس كان فى ظهر سليمان ماء مائة رجل وكانت له ثلثمائة امرأة وثلثمائة سرية وكان لداود عليه السلام على زهده وأكله من عمل يده تسع وتسعون امرأة وتمت بزوجة اورياء مائة كذا فى الشفاء*
مصارعته عليه السلام
وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوّة لم تقاوم روى أنه صارعه صلّى الله عليه وسلم جماعة منهم ركانة بن عبد زيد وهو أشدّ أهل وقته وكان دعاه الى الاسلام فصرعه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأسلم يوم الفتح وتوفى سنة أربعين وصارع أباركانة فى الجاهلية وكان شديدا فعاوده ثلاث مرّات كل ذلك صرعه النبىّ صلّى الله عليه وسلم(1/211)
كذا ذكره فى الشفاء وصارع أبا جهل ولا يصح وأبا الاشد واسمه الاسيد بن كلدة الجمحى قاله السهيلى وفى أنوار التنزيل يبسط تحت قدمه أديم عكاظى وفى المواهب اللدنية كان يجعل تحت قدميه جلد البقرة ويجذبه فوق عشرة فيتقطع ولا يزال قدماه ويزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد على الشك رواه البيهقى وأبو داود فى مراسيله كذا فى مزيل الخفاء وكان صلّى الله عليه وسلم أكثر الناس تبسما وأحسنهم بشرا وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع وآتاه الله تعالى مفاتيح خزائن الارض فلم يقبلها ولما شكى الاصحاب اليه الجوع يوم الخندق ورفعوا عن بطونهم عن حجر حجر رفع صلّى الله عليه وسلم عن بطنه عن حجرين كما سيجىء
وشدّ من سغب أحشاءه وطوى ... تحت الحجارة كشحا مترف الادم
ويشرب قاعدا وربما شرب قائما ويتنفس ثلاثا مبينا للاناء وكان ينظر فى المرآة ويزجل جمته ويمتشط وربما نظر فى الماء ويسوّى فيه جمته فقيل له فى ذلك فقال ان الله يحب من عبده اذا خرج لاخوانه أن يتهيأ لهم كذا فى المنتقى وكان لا يجلس ولا يقوم الا على ذكر الله واذا انتهى الى القوم جلس حيث ينتهى به المجلس* وفى الشفاء عن أبى امامة قال خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا له فقال لا تقوموا كما تقوم الاعاجم يعظم بعضهم بعضا انما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد واذا جلس فى المجلس احتبى بيديه وكذلك كان أكثر جلوسه محتبيا وعن جابر بن سمرة أنه تربع وربما جلس القرفصاء كذا فى الشفاء وكان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه وكان فيما ذكره المحققون مجبولا على الاخلاق الحميدة والآداب الشريفة من أصل خلقته وبدوّ فطرته ولم يحصل له باكتساب ولا رياضة الابجود الهى وخصوصية ربانية وكذا سائر الانبياء عليهم السلام وعن عائشة رضى الله عنها ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته الا قال لبيان أوردهما فى الشفاء وكان يفلى ثوبه ويخصف نعله* وفى سيرة اليعمرى وكان يلبس الصوف وينتعل المخصوف ويرقع ثوبه ويخدم نفسه ويحلب شاته ويوقد ناره ويكنس داره* وفى الشفاء يقمّ البيت ويكرم ضيفه ويحفظ جاره ويعقل ناقته أو بعيره* وفى سيرة اليعمرى وكان فى سفر ونزل للصلاة ثم كرّ راجعا فقيل يا رسول الله أين تريد فقال أعقل ناقتى قالوا نحن نعقلها قال لا يستعن أحدكم بالناس ولو فى قضمة سواك* وفى سيرة مغلطاى وكان لا يأكل متكئا ولا على خوان ولا فى سكرجة ولا خبز له مرقق أكل البطيخ بالرطب والقثاء بالرطب وقال يكسر حرّ هذا برد هذا وبرد هذا حرّ هذا وكان يحب الحلوى والعسل وأحب الشراب اليه الحلو البارد* وفى الشفاء ويعلف ناضحه ويأكل مع الخادم ويعجن معها ويحمل بضاعته من السوق ويكون فى مهنة أهله ويقطع معهنّ اللحم ويركب الفرس والبغل والحمار ويردف خلفه عبده أو غيره وفى الشفاء وكان يوم بنى قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه اكاف*
لطيفة
وفى سيرة اليعمرى ولا يدع أحدا يمشى معه وهو راكب حتى يحمله روى انه ركب يوما حمارا عريا الى قباء وأبو هريرة معه فقال يا أبا هريرة أحملك فقال ما شئت يا رسول الله فقال اركب وكان فى أبى هريرة ثقل فوثب ليركب فلم يقدر على ذلك فاستمسك برسول الله صلّى الله عليه وسلم فوقعا جميعا ثم ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا أبا هريرة أحملك فقال ما شئت يا رسول الله فقال اركب فلم يقدر على ذلك فتعلق برسول الله صلّى الله عليه وسلم فوقعا جميعا فركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال يا أبا هريرة أحملك فقال لا والذى بعثك بالحق نبيا لاصرعتك ثالثا وذكره المحب الطبرى أيضا فى مختصر السيرة الا أن فيه لارميتك بدل لا صرعتك كذا فى المواهب اللدنية والكلام فى بسط شمائله وتعديد أخلاقه كثير وبحر خصائصه وأوصافه زاخر غزير لكن أتينا فيه بالمعروف من الصفات مما هو فى الصحيح والمشهور من المصنفات واقتصرنا فى ذلك بقلّ من كل(1/212)
واكتفينا بغيض من فيض*
(ذكر خصائصه عليه السلام)
* قد جمع بعضها الشيخ جلال الدين السيوطى فى رسالة سماها انموذج اللبيب فى خصائص الحبيب وقال وهى منحصرة فى قسمين*
(القسم الاوّل) فى الخصائص التى اختص بها عن جميع الانبياء ولم يؤتها نبىّ قبله وهى أربعة أنواع
* (النوع الاوّل ما اختص به فى ذاته فى الدنيا)
اختص صلّى الله عليه وسلم بأنه اوّل النبيين خلقا وبتقدّم نبوّته فكان نبيا وآدم منجدل فى طينته وتقدّم أخذ الميثاق عليه وانه أوّل من قال بلى يوم ألست بربكم وخلق آدم وجميع المخلوقات لاجله وكتابة اسمه الشريف على العرش وكل سماء والجنان وما فيها وسائر ما فى الملكوت وذكر الملائكة له فى كل ساعة وذكر اسمه فى الاذان فى عهد آدم وفى الملكوت الاعلى وأخذ الميثاق على النبيين آدم فمن بعده أن يؤمنوا به وينصروه والتبشير به فى الكتب السابقة ونعته فيها ونعت أصحابه وخلفائه وأمّته وحجب ابليس من السموات لمولده وشق صدره فى أحد القولين وهو الاصح وجعل خاتم النبوّة بظهره بازاء قلبه حيث يدخل الشيطان وسائر الانبياء كان الخاتم فى يمينهم وبأنّ له ألف اسم وباشتقاق اسمه من اسم الله وبأنه سمى من أسماء الله بنحو سبعين اسما وبأنه سمى أحمد ولم يستم به أحد قبله وقد عدّت هذه من الخصائص فى حديث مسلم وباظلال الملائكة فى سفره وبأنه أرجح الناس عقلا وبأنه أوتى كل الحسن ولم يؤت يوسف الا الشطر وبغطه ثلاثا عند ابتداء الوحى وبرؤيته جبريل فى صورته التى خلق عليها عدّ هذه البيهقى وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السماء من استراق السمع والرمى بالشهب عدّ هذه ابن سبع وباحياء أبويه له حتى آمنا به وقد مرّ فى ذكر نسبه وبوعده بالعصمة من الناس وبالاسراء وما تضمنه من اختراق السموات السبع والعلوّ الى قاب قوسين وبوطئه مكانا ما وطئه نبى مرسل ولا ملك مقرب واحياء الانبياء له وصلاته اماما بهم وبالملائكة وباطلاعه على الجنة والنار عدّ هذه البيهقى ورؤيته من آيات ربه الكبرى وحفظه حتى ما زاغ البصر وما طغى ورؤيته للبارى تعالى مرّتين وقتال الملائكة معه وسيرهم معه حيث سار يمشون خلف ظهره وبايتائه الكتاب وهو أمىّ لا يقرأ ولا يكتب وبأن كتابه معجز ومحفوظ من التبديل والتحريف على ممرّ الدهور ومشتمل على ما اشتمل عليه جميع الكتب وزيادة وجامع لكل شىء ومستغن عن غيره وميسر للحفظ ونزل منجما وعلى سبعة أحرف من سبعة أبواب وبكل لغة عدّ هذه ابن النقيب وأعطى من كنز العرش ولم يعط منه أحد وخص بالبسملة والفاتحة وآية الكرسى وخواتيم سورة البقرة والسبع الطوال والمفصل وبأن معجزته مستمرة الى يوم القيامة وهو القرآن ومعجزات سائر الانبياء انقرضت لوقتها وبأنه أكثر الانبياء معجزات فقد قيل انها تبلغ ألفا وقيل ثلاثة آلاف سوى القرآن فان فيه ستين ألف معجزة تقريبا* قال الحليمى وفيها مع كثرتها معنى آخر وهو انه ليس فى شىء من معجزات غيره ما ينحو نحو اختراع الاجسام وانما ذلك فى معجزات نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم خاصة وبأنه جمع له كل ما أوتيه الانبياء من معجزات وفضائل ولم يجمع ذلك لغيره بل اختص كلّ بنوع وأوتى انشقاق القمر وتسليم الحجر وحنين الجذع ونبع الماء من بين الاصابع ولم يثبت لواحد من الانبياء مثل ذلك ذكره ابن عبد السلام وبأنه خاتم النبيين وآخرهم بعثا فلا نبى بعده وشرعه مؤيد الى يوم القيامة لا ينسخ وناسخ لجميع الشرائع قبله ولو أدركه الانبياء لوجب عليهم اتباعه وفى كتابه الناسخ والمنسوخ وبعموم الدعوة للناس كافة وانه أكثر الانبياء تابعا وأرسل الى الجنّ بالاجماع والى الملائكة فى أحد القولين ورجحه السبكى وبعثه رحمة للعالمين حتى للكافر بتأخير العذاب ولم يعاجلوا بالعقوبة كسائر الامم المكذبة وبأن الله أقسم بحياته وأقسم على رسالته وتولى الردّ على أعدائه عنه وخاطبه بألطف ما خاطب به الانبياء وقرن اسمه باسمه فى كتابه وفرض على العالم طاعته والتأسى به فرضا مطلقا(1/213)
لا شرط فيه ولا استثناء ووصفه فى كتابه عضوا عضوا قلبه بقوله ما كذب الفؤاد ما رأى وقوله نزل به الروح الامين على قلبك ولسانه بقوله وما ينطق عن الهوى وقوله فانما يسرناه بلسانك وبصره بقوله ما زاغ البصر وما طغى ووجهه بقوله قد نرى تقلب وجهك فى السماء ويده وعنقه بقوله ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك وظهره وصدره بقوله ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذى أنقض ظهرك كذا فى المواهب اللدنية ولم يخاطبه فى القرآن باسمه بل يأيها النبىّ يأيها الرسول وحرّم على الامة نداءه باسمه وفرض على من ناجاه أن يقدّم بين يدى نجواه صدقة ثم نسخ ذلك ولم يره فى أمته شيئا يسوءه حتى قبضه بخلاف سائر الانبياء وانه حبيب الرحمن وجمع له بين المحبة والخلة وبين الكلام والرؤية وكلمه عند سدرة المنتهى وكلم موسى بالجبل عدّ هذه ابن عبد السلام وجمع بين القبلتين والهجرتين وجمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للانبياء الا احداهما بدليل قصة موسى مع الخضر وقوله انى على علم لا ينبغى لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغى لى أن أعلمه ونصر بالرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه وأوتى جوامع الكلم وأوتى مفاتيح خزائن الارض ولقيه الخازن على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس وكلم بأصناف جميع الوحى عدّ هذه ابن عبد السلام وهبط اسرافيل عليه ولم يهبط على نبىّ قبله عدّ هذه ابن سبع وجمع له بين النبوّة والسلطنة ولم يجمع لنبىّ قبله عدّ هذه الغزالى فى الاحياء وأوتى علم كل شىء الا الخمس التى فى آية ان الله عنده علم الساعة وقيل انه أوتيها أيضا وأمر بكتمها والخلاف جار فى الروح أيضا وبين له فى أمر الدجال ما لم يبين لاحد ووعد بالمغفرة وهو يمشى حيا صحيحا ورفع ذكره فلا يذكر الله جل جلاله فى أذان ولا خطبة ولا تشهد الا ذكر معه وعرض عليه أمّته بأسرهم حتى رآهم وعرض عليه ما هو كائن فى أمته حتى تقوم الساعة وهو سيد ولد آدم وأكرم الخلق على الله فهو أفضل من المرسلين وجميع الملائكة المقرّبين وأيد بأربعة وزراء جبريل وميكائيل وأبى بكر وعمر وأعطى من أصحابه أربعة عشر نجيبا وكل نبىّ أعطى سبعة وأسلم قرينه وكانت أزواجه عونا له وبناته وزوجاته أفضل نساء العالمين وثواب أزواجه وعقابهنّ مضاعف وأصحابه أفضل العالمين الا النبيين ومسجده أفضل المساجد وبلده أفضل البلاد بالاجماع ما عدا مكة وعلى أحد القولين فيها وهو المختار ويسأل عنه الميت فى قبره واستأذن ملك الموت عليه ولم يستأذن على نبىّ قبله وحرم نكاح أزواجه من بعده وأمة وطئها والبقعة التى دفن فيها أفضل من الكعبة ومن العرش ويحرم التكنى بكنيته ويجوز أن يقسم على الله به وليس ذلك لاحد ذكر هذه ابن عبد السلام ولم ترعورته قط ولورآها أحد طمست عيناه ولا يجوز عليه الخطأ عدّ هذه ابن أبى هريرة والماوردى قال قوم ولا النسيان حكاه النووى فى شرح مسلم*
(النوع الثانى ما اختص به فى شرعه وأمته فى الدنيا)
* اختص صلّى الله عليه وسلم باحلال الغنائم وجعل الارض كلها مسجدا ولم تكن الامم تصلى الا فى البيع والكنائس والتراب طهورا وهو التيمم وبالوضوء فى أحد القولين وهو الاصح فلم يكن الا للانبياء دون أممهم وبمجموع الصلوات الخمس ولم تجمع لاحد قبله وبالعشاء ولم يصلها أحد وبالاذان والاقامة وافتتاح الصلاة بالتكبير وبالتأمين وبالركوع فيما ذكره جماعة من المفسرين وبقول اللهم ربنا لك الحمد وباستقبال الكعبة وبالصف فى الصلاة كصفوف الملائكة وبالجماعة فى الصلاة كما يفهم من كلام ابن فرشته فى شرح المجمع وبتحية السلام وبالجمعة وبساعة الاجابة وبعيد الاضحى وبشهر رمضان وان الشياطين تصفد فيه وان الجنة تزين فيه وان خلوف فم الصائمين فيه أطيب عند الله تعالى من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويغفر لهم فى آخر ليلة منه وبالسحور وتعجيل الفطر واباحة الاكل والشرب والجماع ليلا الى الفجر وكان محرما على من قبلنا بعد النوم وكذا كان فى صدر الاسلام وبليلة(1/214)
القدر كما قاله النووى فى شرح المهذب وبجعل صوم عرفة كفارة سنتين لانه سنته وصوم عاشوراء كفارة سنة لانه سنة موسى وغسل اليدين بعد الطعام بحسنتين لانه شرعه وقبله بحسنة لانه شرع التوراة وبالاسترجاع عند المصيبة وبالحوقلة وباللحد ولاهل الكتاب الشق وبالنحر ولهم الذبح فيما قاله مجاهد وعكرمة وبالعذبة فى العمامة وهى سيماء الملائكة وبالاتزار فى الاوساط وان أمّته خير الامم وآخر الامم ففضحت الامم عندهم ولم يفضحوا واشتق لهم اسمان من أسماء الله المسلمون والمؤمنون وسمى دينهم الاسلام ولم يوصف بهذا الوصف الا الانبياء دون أممهم ورفع عنهم الاصر الذى كان على الامم قبلهم وأحل لهم كثير مما شدّد على من قبلهم ولم يجعل عليهم فى الدين من حرج ورفع عنهم المؤاخذة بالخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وحديث النفس وان من همّ منهم بسيئة ولم يفعلها لم تكتب سيئة فان عملها كتبت سيئة واحدة ومن همّ بحسنة ولم يعملها تكتب حسنة فان عملها كتبت عشرا ووضع عنهم قتل النفس فى التوبة وقرض موضع النجاسة وربع المال فى الزكاة وشرع لهم نكاح أربع ورخص لهم فى نكاح غير ملتهم وفى نكاح الامة وفى مخالطة الحائض سوى الوطء وفى اتيان المزأة على أى شق شاء وشرع لهم التخيير بين القصاص والدية وحرّم عليهم كشف العورة والتصوير وشرب المسكر وعصموا من الاجتماع على ضلالة واجماعهم حجة واختلافهم رحمة وكان اختلاف من قبلهم عذابا والطاعون لهم شهادة ورحمة وكان على الامم عذابا وما دعوا به استجيب لهم ويأكلون صدقاتهم فى بطونهم ويثابون عليها ويجعل لهم الثواب فى الدنيا مع ادّخاره فى الآخرة ويغفر لهم الذنوب بالاستغفار ووعدوا أن لا يهلكوا بجوع ولا بعدوّ من غيرهم يستأصلهم ولا بغرق ولا يعذبوا بعذاب عذب به من قبلهم واذا شهد الاثنان منهم لعبد بخير وجبت له الجنة وكان الامم السالفة اذا شهد منهم مائة ردّهم وهم أقل الامم عملا وأكثرهم أجرا وأقصرهم أعمارا وأوتوا العلم الاوّل والعلم الآخر وفتح عليهم خزائن كل شىء حتى العلم وأوتوا الاسناد والانساب والاعراب وتصنيف الكتب ولا تزال طائفة منهم على الحق حتى يأتى أمر الله وفيهم أقطاب وأوتاد ونجباء وأبدال ومنهم من يصلى اما ما بعيسى ابن مريم ومنهم من يجرى مجرى الملائكة فى الاستغناء عن الطعام بالتسبيح ويقاتلون الدجال وعلماؤهم كأنبياء بنى اسرائيل وتسمع الملائكة فى السماء أذانهم وتلبيتهم وهم الحامدون لله على كل حال ويكبرون على كل شرف ويسبحون عند كل هبوط ويقولون عند ارادة الامر أفعل ان شاء الله واذا غضبوا هللوا واذا تنازعوا سبحوا ومصاحفهم فى صدورهم وسابقهم سابق ومقتصدهم ناج وظالمهم مغفور له وليس أحد منهم الامر حوما ويلبسون ألوان ثياب أهل الجنة ويراعون الشمس للصلاة وهم أمة وسط عدول بتزكية الله وتحضرهم الملائكة اذا قاتلوا وافترض عليهم ما افترض على الانبياء والرسل وهو الوضوء والغسل من الجنابة والحج والجمعة والجهاد وأعطوا من النوافل ما أعطى الانبياء وقال الله فى حق غيرهم ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقال فى حقهم وممن خلقنا أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون ونودوا فى القرآن بيأيها الذين آمنوا ونوديت الامم فى كتبهم بيا أيها المساكين وشتان ما بين الخطابين*
(النوع الثالث فيما اختص به فى ذاته فى الآخرة)
* اختص صلّى الله عليه وسلم بأنه أوّل من تنشق الارض عنه وأوّل من يفيق من الصعقة وبأنه يحشر فى سبعين ألف ملك ويحشر على البراق ويؤذن باسمه فى الموقف ويكسى فى الموقف أعظم الحلل من الجنة وبأنه يقوم عن يمين العرش وبالمقام المحمود وان بيده لواء الحمد وآدم ومن دونه تحت لوائه وانه امام النبيين يومئذ وقائدهم وخطيبهم وأوّل من يؤذن له بالسجود وأوّل من يرفع رأسه وأوّل من ينظر الى الله تعالى وأوّل شافع وأوّل مشفع وبالشفاعة العظمى فى فصل القضاء وبالشفاعة(1/215)
فى ادخال قوم الجنة بغير حساب وبالشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها وبالشفاعة فى رفع درجات ناس فى الجنة كما جوّز النووى اختصاص هذه والتى قبلها به ووردت الاحاديث به فى التى قبل وبالشفاعة فيمن خلد فى النار من الكفار أن يخفف عنهم العذاب وبالشفاعة فى أطفال المشركين أن لا يعذبوا وانه أوّل من يجيز على الصراط وان له فى كل شعرة من رأسه ووجهه نورا وليس للانبياء الا نوران ويؤمر أهل الجمع بغض أبصارهم حتى تمرّا بنته على الصراط وانه أوّل من يقرع أبواب الجنة وأوّل من يدخلها وبعده أمّته وبالكوثر والوسيلة وهى أعلى درجة فى الجنة وقوائم منبره رواتب الجنة ومنبره على ترعة من ترع الجنة وما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة ولا يطلب منه شهيد على التبليغ ويطلب من سائر الانبياء وكل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببه ونسبه فقيل معناه ان أمّته ينسبون اليه يوم القيامة وأمم سائر الانبياء لا ينسبون اليهم وقيل ينتفع يومئذ بالنسبة اليه ولا ينتفع بسائر الانساب*
(النوع الرابع ما اختص به فى أمّته فى الآخرة)
* اختص صلّى الله عليه وسلم بأن أمّته أوّل من تنشق عنهم الارض من الامم ويأتون يوم القيامة غرّا محجلين من آثار الوضوء ويكونون فى الموقف على كوم عال ولهم نوران كالانبياء وليس لغيرهم الانور واحد ولهم سيماء فى وجوههم من أثر السجود ويسعى نورهم بين أيديهم ويؤتون كتبهم بايمانهم وعجل الله عذابها فى الدنيا وفى البرزخ لتوافى القيامة ممحصة الذنوب وتدخل قبورها بذنوبها وتخرج منها بلا ذنوب تمحص عنها باستغفار المؤمنين لها ولها ما سعت وما سعى لها وليس لمن قبلهم الا ما سعى قاله عكرمة ويقضى لهم قبل الخلائق ويغفر لهم المقحمات وهم أثقل الناس ميزانا ونزلوا منزلة العدول من الحكام فيشهدون على الناس ان رسلهم بلغتهم ويدخلون الجنة قبل سائر الامم ويدخل منهم الجنة سبعون ألفا بغير حساب وأطفالهم كلهم فى الجنة وليس ذلك لسائر الامم فى أحد احتمالين للسبكى فى تفسيره وذكر الامام فخر الدين الرازى ان من كانت معجزته أظهر يكون ثواب أمّته اقل قال السبكى الا هذه الامّة فان معجزات نبينا أظهر وثوابنا أكبر من سائر الامم*
(القسم الثانى فى الخصائص التى اختص بها عن أمّته)
* منها ما علم مشاركة الانبياء له فيها ومنها ما لم يعلم وهو أربعة أنواع*
(النوع الاوّل ما اختص به من الواجبات والحكمة فيه زيادة الزلفى والدرجات)
* خص صلّى الله عليه وسلم بوجوب صلاة الضحى والوتر والتهجد أى صلاة الليل والسواك والاضحية والمشاورة على الاصح فى السنة وركعتى الفجر لحديث فى المستدرك وغيره وغسل الجمعة ورد فى حديث ضعيف وأربع عند الزوال ورد عن سعيد بن المسيب ومصابرة العدوّ وان كثر عددهم وزادوا على الضعف وتغيير المنكر ولا يسقط النهى عنه للخوف وقضاء دين من مات من المسلمين معسرا على الصحيح وقيل كان يفعله تكرّ مالا وجوبا كذا فى سيرة مغلطاى وتخيير نسائه فى فراقه واختياره على الصحيح وامساكهنّ بعد أن اخترنه فى أحد الوجهين وترك التزوّج عليهنّ والتبدّل بهنّ ثم نسخ ذلك لتكون المنة له صلّى الله عليه وسلم وأن يقول اذا رأى ما يعجبه لبيك ان العيش عيش الآخرة فى وجه حكاه فى الروضة وأصلها وان يؤدّى فرض الصلاة كاملة لا خلل فيها فيما ذكره الماوردى وغيره واتمام كل تطوّع شرع فيه حكاه فى الروضة وأصلها وان يدفع بالتى هى أحسن وكلف من العلم وحده ما كلف الناس بأجمعهم وكان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام ذكر الثلاثة ابن سبع وابن القاص فى تلخيصه وكان يؤخذ عن الدنيا حالة الوحى ولا يسقط عنه الصوم والصلاة وسائر الاحكام ذكره فى زوائد الروضة عن ابن القاص والقفال وجزم به ابن سبع وكان يغان على قلبه فيستغفر الله سبعين مرّة ذكره ابن القاص ونقله ابن الملقن فى الخصائص*
(النوع الثانى ما اختص به من المحرّمات)
* خص صلّى الله عليه وسلم بتحريم الزكاة والصدقة عليه وفى صدقة التطوّع(1/216)
قولان كذا فى سيرة مغلطاى وتحريم الزكاة على آله قيل والصدقة أيضا وعليه المالكية وعلى موالى آله فى الاصح وتحريم كون آله عمالا على الزكاة فى الاصح وصرف النذر والكفارة اليهم وأكل ثمن أحد من ولد اسماعيل ورد به حديث فى المسند ولم أرمن تعرّض له وأكل ماله رائحة كريهة كالثوم والبصل والكرّاث وقيل مكروه واذا شرع فى تطوّع لزمه اتمامه كذا فى سيرة مغلطاى والاكل متكئا فى أحد الوجهين فيهما والاصح فى الروضة كراهيتهما وتحريم الكتابة والشعر* قال الماوردى وكذا روايته والقراءة فى الكتاب ونزع لامته اذا لبسها حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين عدوّه وقيل مكروه وكذلك الانبياء والمنّ ليستكثر ومدّ العين الى ما متع به الناس وخائنة الاعين وهى الايماء الى مباح من قتل أو ضرب على خلاف ما يظهر وكذلك الانبياء وأن يخدع فى الحرب فيما ذكره ابن القاص وخالفه الجمهور والصلاة على من عليه دين ثم نسخ وامساك كارهته وتحرم عليه مؤيدا فى أحد الوجهين ونكاح من لم تهاجر فى أحد الوجهين ونكاح الكتابية قيل والتسرّى بها ونكاح الامة المسلمة ولو قدّر نكاحه أمة كان ولده منها حرّا ولا يلزم قيمته ولا يشترط فى حقه حينئذ خوف العنت ولا فقد الطول وله الزيادة على واحدة* قال امام الحرمين ولو قدر نكاح الغرور فى حقه لا يلزمه قيمة الولد قال ابن الرفعة وفى تصوّر ذلك فى حقه نظر وكان اذا خطب فردّ لم يعد كذا فى حديث مرسل فيحتمل التحريم والكراهة قياسا على امساكه كارهته ولم أرمن تعرّض له وعدّ ابن سبع من خصائصه تحريم الاغارة اذا سمع التكبير*
(النوع الثالث ما اختص به من المباحات)
* اختص صلّى الله عليه وسلم باباحة المكث فى المسجد جنبا وفيها خلاف وانه لا ينقض وضوءه بالنوم مضطجعا ولا باللمس أى بلمس المرأة والذكر فى أحد الوجهين وهو الاصح واباحة الصلاة بعد العصر وحمل الصغير فى الصلاة فيما ذكر بعضهم وبالصلاة على الغائب عند أبى حنيفة وبجواز صلاة الوتر على الراحلة مع وجوبه عليه ذكره فى شرح المهذب وبالامامة جالسا فيما ذكره قوم والقبلة فى الصوم مع قوّة شهوته والوصال واباحة دخول مكة بغيرا حرام واستمرار الطيب فى الاحرام فيما ذكره المالكية وقهر من شاء على طعامه وشرابه ويجب على مالكهما البذل وان يفدى بمهجته مهجة رسول الله صلّى الله عليه وسلم واباحة النظر الى الاجنبيات والخلوة بهنّ ونكاح أكثر من أربع نسوة وكذلك الانبياء والنكاح بلفظ الهبة وبلا مهر ابتداء وانتهاء وبلا ولى وبلا شهود وفى حال الاحرام وبغير رضا المرأة فلو رغب فى نكاح امرأة خلية لزمها الاجابة وحرم على غيره خطبتها أو مزوّجة وجب على زوجها طلاقها لينكحها وكان له تزويج المرأة ممن شاء بغير اذنها واذن وليها وتزوّجها لنفسه وتولى الطرفين بغير اذنها ولا اذن وليها وله اجبار الصغيرة من غير بناته وزوّج ابنة حمزة مع وجود عمها العباس وقدّم على الاقرب وقال لامّ سلمة مرى ابنك أن يزوّجك فزوّجها وهو يومئذ صغير لم يبلغ وزوّجه الله بزينب فدخل عليها بتزويج الله بغير عقد من نفسه وعبر فى الروضة عن هذه بقوله وكانت المرأة تحل له بتحليل الله وله نكاح المعتدّة من غيره فى وجه حكاه الرافعى والجمع بين المرأة واختها وعمتها وخالتها فى أحد الوجهين وبين المرأة وابنتها فى وجه حكاه الرافعى وعتق أمته وجعل عتقها صداقها ونكاح من لم تبلغ فيما ذكره ابن شبرمة لكن الاجماع على خلافه وترك القسم بين أزواجه فى أحد الوجهين وهو المختار ولا يجب عليه نفقتهنّ فى وجه كالمهر وعلى الوجوب لا يتقدّر ولا ينحصر طلاقه فى الثلاث فى أحد الوجهين وعلى الحصر قيل تحل له من غير محلل وقيل لا تحل له أبدا ومرجع غالب هذه الخصائص الى أن النكاح فى حقه كالتسرّى فى حقنا وحرّم أمته فلم تحرم عليه ولم تلزمه كفارة وكان له أن يستثنى فى كلامه بعد حين منفصلا واصطفاء ما شاء من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها وخمس خمس الفىء والغنيمة وأربعة أخماس(1/217)
الفىء وأن يحمى الموات لنفسه ولا ينقض ما حماه والقتال بمكة والقتل بها والقتل بعد الامان ولعن من شاء بغير سبب ويكون له رحمة والقضاء بعلمه وفى غيره خلاف ولنفسه ولولده وأن يشهد لنفسه ولولده وأن يقبل شهادة له ولولده وقبول الهدية بخلاف غيره من الحكام ولا تكره له الفتوى والقضاء فى حال الغضب ذكره النووى فى شرح مسلم وكان له أن يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة وليس لنا أن نصلى الاعلى نبىّ أو ملك وضحيك عن أمّته وليس لاحد أن يضحى عن الغير بغير اذنه وأكل من طعام الفجاة مع نهيه عنه ذكر هذه ابن القاص وأنكرها البيهقى وقال انه مباح للامة والنهى لم يثبت وله قتل من سبه وهجاه عدّ هذه ابن سبع وكان يقطع الاراضى قبل فتحها لان الله ملكه الارض كلها وأفتى الغزالى بكفر من عارض أولاد تميم الدارى فيما أقطعهم وقال انه صلّى الله عليه وسلم كان يقطع أرض الجنة فأرض الدنيا أولى
*
(النوع الرابع ما اختص به من الكرامات والفضائل)
اختص صلّى الله عليه وسلم بمنصب الصلاة وبأنه لا يورث وكذلك الانبياء وبأن ماله باق بعد موته على ملكه ينفق منه على أهله فى أحد الوجهين وصححه امام الحرمين وانه لو قصده ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه حكاه فى زوائد الروضة عن جماعة من الاصحاب وتحريم رؤية أشخاص أزواجه فى الازر كما صرّح به القاضى عياض وغيره وكشف وجوههنّ وأكفهنّ لشهادة أو غيرها وسؤالهنّ مشافهة وانهنّ أمهات المؤمنين ووجوب جلوسهنّ بعده فى البيوت وتحريم خروجهنّ ولو لحج أو عمرة فى أحد القولين وأباح لهنّ وله الجلوس فى المسجد مع الحيض والجنابة وان تطوّعه فى الصلاة قاعدا كتطوّعه قائما وان عمله له نافلة ويخاطبه المصلى بقوله السلام عليك أيها النبىّ ورحمة الله ولا يخاطب غيره وكان يجب على من دعاه وهو فى الصلاة أن يجيبه ولا تبطل صلاته وكذلك الانبياء ومن تكلم وهو يخطب بطلت جمعته والنكاح فى حقه عبادة مطلقا كما قاله السبكى وهو فى حق غيره ليس بعبادة عند نابل من المباحات والعبادة عارضة والكذب عليه كبيرة ليس كالكذب على غيره* وقال الجوينى ردّة ومن كذب عليه لم تقبل روايته أبدا وان تاب فيما ذكره خلائق من أهل الحديث ويحرم التقدّم بين يديه ورفع الصوت فوق صوته والجهر له بالقول ونداؤه من وراء الحجرات والصياح به من بعيد وطهارة دمه وبوله وغائطه ويستشفى بها ولا خلاف فى طهارة شعره فى غيره خلاف والعصمة من كل ذنب ولو صغيرا أو سهوا وكذلك الانبياء وينزه عن فعل المكروه ومحبته فرض وتجب محبة أهل بيته وأصحابه ومن استهان به كفر أوزنا بحضرته ومن سبه قتل وكذلك الانبياء ولم تبغ امرأة نبىّ قط ومن قذف أزواجه فلا توبة له البتة كما قاله ابن عباس وغيره ويقتل كما نقله القاضى عياض وفى قول يختص القتل بمن سب عائشة ويحدّ فى غيرها حدّين وكذا من قذف أمّ أحد من أصحابه وأولاد بناته ينسبون اليه ولا يتزوّج على بناته ومن صاهره من الجانبين لم يدخل النار ولا يجتهد فى محراب صلّى اليه لا فى يمنة ولا يسرة ويختص صلاة الخوف بعهده فى قول أبى يوسف والمزنى ويجل منصبه عن الدعاء له بالرحمة فيما ذكره جماعة ويحرم النقش على نقش خاتمه ولا يقول فى الغضب والرضا الا حقا ورؤياه وحى وكذلك الانبياء ولا يجوز على الانبياء الجنون ولا الاغماء الطويل الزمن فيما ذكره الشيخ أبو حامد فى تعليقه وجزم به البلقينى فى حواشى الروضة ونبه السبكى على أن اغماءهم يخالف اغماء غيرهم كما خالف نومهم نوم غيرهم ولا العمى فيما ذكره السبكى ويخص من شاء بما شاء من الاحكام كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين وترخيصه فى ارضاع سالم وهو كبير* عن عائشة ان سالما مولى أبى حذيفة كان مع أبى حذيفة وأهله فى بيتهم فأتت سهيلة بنت سهل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت ان سالما بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وانه يدخل علينا وانى أظنّ ان فى نفس أبى حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبىّ صلّى الله عليه وسلم أرضعيه تحرمى عليه ويذهب(1/218)
ما فى نفس أبى حذيفة فرجعت اليه فقالت انى قد أرضعته فذهب الذى فى نفس أبى حذيفة كذا فى أسد الغابة وفى النياحة لتلك المرأة وفى تعجيل صدقة عامين للعباس وفى ترك الاحداد لاسماء بنت عميس وفى الجمع بين اسمه وكنيته للولد الذى يولد لعلى وفى الاضحية بالعناق لابى بردة بن نيار وفى نكاح ذلك الرجل بما معه من القرآن فيما ذكره جماعة وورد به حديث مرسل وأصام أطفال أهل بيته وهم رضعاء وكان يحرم على الصحابة اذا كانوا معه على أمر جامع أن يذهبوا حتى يستأذنوه وكانوا يقولون له بأبى أنت وأمى ولا يقال لغيره فيما ذكره بعضهم وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه ويرى بالليل وفى الظلمة كما يرى بالنهار والضوء وريقه يعذب الماء الملح ويجزئ الرضيع وابطه أبيض غير متغير اللون ولا شعر عليه ويبلغ صوته وسمعه مالا يبلغه غيره وتنام عينه ولا ينام قلبه وماتثاءب قط ولا احتلم قط وكذلك الانبياء فى الثلاثة وعرقه أطيب من المسك وكان اذا مشى مع الطويل طاله واذا جلس يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين ولم يقع ظله على الارض ولا رؤى له ظل فى شمس ولا قمر ولا يقع على ثيابه ذباب قط ولا أذاه القمل ولم يكن لقدمه أخمص وكانت ختصر رجله متظاهرة وكانت الارض تطوى له اذا مشى وأوتى قوّة أربعين فى الجماع والبطش* وعن أنس قال فضلت على الناس بأربع بالسماحة والشجاعة وكثرة الجماع وشدّة البطش كذا فى سيرة مغلطاى ولم ير له أثر قضاء حاجة بل كانت الارض تبتلعه وكذلك الانبياء ولم يقع فى نسبه من لدن آدم سفاح ونكست الاصنام لمولده وولد مختونا ومقطوع السرّة ونظيفا ما به قذر ووقع الى الارض ساجدا رافعا اصبعه كالمتضرّع المبتهل ورأت أمه عند ولادته نورا خرج منها أضاء له قصور الشام وكذلك أمهات النبيين يرين وكان مهده يتحرّك بتحريك الملائكة ذكر هذه ابن سبع وكان القمر يناغيه فى مهده ويميل حيث أشار اليه وتكلم فى المهد وتظله الغمامة فى الحرّ وكان يميل اليه فىء الشجرة اذا سبق اليه وكان يبيت جائعا ويصبح طاعما يطعمه ربه ويسقيه من الجنة وكان يوعك كما يوعك رجلان لمضاعفة الاجر وردت اليه الروح بعد ما قبض ثم خير بين البقاء فى الدنيا والرجوع الى الله فاختار الرجوع اليه وكذلك الانبياء وأرسل اليه ربه جبريل ثلاثة أيام فى مرضه يسأله عن حاله وسمع صوت ملك الموت باكيا عليه ينادى وا محمداه وصلّى عليه ربه وصلّى عليه الناس أفواجا بغير امام وبغير دعاء الجنازة المعروف وترك بلا دفن ثلاثة أيام ودفن فى بيته حيث قبض وكذلك الانبياء وفرش له فى لحده قطيفة والامران فى حقنا مكروهان وأظلمت الارض يوم موته ولا يضغط فى قبره وكذلك الانبياء ولا يسلم من الضغطة لا صالح ولا غيره سواهم وتحرم الصلاة على قبره واتخاذه مسجدا ولا يبلى جسده وكذلك الانبياء لا تأكل لحومهم الارض ولا السباع ولا خلاف فى طهارة ميتتهم وفى غيرهم خلاف ولا يجرى فى أطفالهم التوقف الذى لبعضهم فى غيرهم ولا يجوز للمضطر أكل ميتة نبى وهو حى فى قبره يصلى فيه باذان واقامة وكذلك الانبياء ولهذا قيل لا عدة على أزواجه ووكل بقبره ملك يبلغه صلاة المصلين عليه وتعرض عليه أعمال أمته ويستغفر لهم والمصيبة بموته عامة لامّته الى يوم القيامة ومن رآه فى المنام فقد رآه حقا فان الشيطان لا يتمثل فى صورته ومن أمره بأمر فى المنام وجب عليه امتثاله فى أحد الوجهين واستحب فى الآخر وقراءة أحاديثه عبادة يثاب عليها كقراءة القرآن فى أحد الروايتين ولا تأكل النار شيئا مس وجهه وكذلك الانبياء والتسمى باسمه ميمون ونافع فى الدنيا والآخرة ويكره أن يحمل فى الخلاء ما كتب عليه اسمه ويستحب الغسل لقراءة حديثه والطيب ولا ترفع عنده الاصوات ويقرأ على مكان عال ويكره لقارئه أن يقوم لاحد وحملته لا تزال وجوههم نضرة واختصوا
بالتلقيب بالحفاظ وامراء المؤمنين من بين سائر العلماء ويجعل كتبه على كرسى كالمصحف وتثبت الصحبة لمن اجتمع به صلّى الله عليه وسلم لحظة بخلاف التابعى مع الصحابة فلا تثبت الا بطول(1/219)
الاجتماع معه على الاصح عند أهل الاصول والفرق عظم منصب النبوّة ونورها فبمجرّد ما يقع بصره على الاعرابى الجلف ينطق بالحكمة وأصحابه كلهم عدول فلا يبحث عن عدالة أحد منهم كما يبحث عن سائر الرواة ولا يكره للنساء زيارة قبره كما يكره لهنّ سائر القبور بل تستحب كما قاله العراقى فى نكته انه لا شك فيه والمصلى بمسجده لا يبصق عن يساره كما هو السنة فى سائر المساجد والله أعلم* وجدت مكتوبا أن جملة الخصائص أربعمائة وأربعون حديثا التى اختص بها عن الانبياء مائتان وأربعون والتى اختص بها عن الامّة مائتان ثم ألحقت بها زيادات بعد ذلك فقاربت الخمسمائة*
(ذكر معجزاته صلّى الله عليه وسلم المذكورة فى هذا الباب مجموعة)
* منها القرآن وهو أعظمها وأدومها وشق الصدر واخباره عن بيت المقدس وانشقاق القمر وسيجىء فى السنة التاسعة من المبعث وان الملأ من قريش تعاقدوا على قتله فخرج عليهم فحفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم فى صدورهم فأقبل حتى قام على رؤسهم فقبض قبضة من تراب وقال شاهت الوجوه وحصبهم فما أصاب رجلا منهم شىء من تلك الحصباء الا قتل يوم بدر ورمى يوم حنين بقبضة من تراب فى وجوه القوم فهزمهم الله تعالى ونسج العنكبوت على الغار وما كان من أمر سراقة بن مالك اذ تبعه فى الهجرة فساخت قوائم فرسه فى الارض الجلد ومسح على ظهر عناق لم ينز عليها الفحل فدرّت ودعوته لامّ معبد ودعوته لعمر ان الله يعز به الاسلام ودعوته لعلى أن يذهب عنه الحرّ والبرد وتفل فى عينيه يوم خيبر وهو أر مدفعو فى من ساعته ولم يرمد بعد ذلك وردّ عين قتادة بن النعمان بعد أن سالت على خدّه فكانت أحسن عينيه وذلك يوم أحد كذا فى المستدرك وفى رواية يوم بدر* وقال الدمياطى بالخندق قال السهيلى فكانت لا ترمد الا اذا رمدت الاخرى وعند الدارقطنى حدقتاه واستغربه كذا فى سيرة مغلطاى* ودعا لجمل جابر فصار سابقا بعد أن كان مسبوقا ودعا لانس بطول العمر وكثرة المال والولد فمات وله من العمر مائة وثلاث سنين وقيل تسع وتسعون سنة قال ابن عبد البرّ وهو أصح يقال انه ولد له مائة ولد وقيل ثمانون منهم ثمانية وسبعون ذكرا واثنتان انثى وفى تمر جابر بالبركة فأوفى غرماءه وفضل ثلاثون وسقا واستسقى صلّى الله عليه وسلم فطروا أسبوعا ثم استصحى لهم فانجاب السحاب ودعا على عتبة أو عتيبة بن أبى لهب فأكله الاسد بالزرقاء من الشام وشهدت له الشجرة بالرسالة فى خبر الاعرابى الذى دعاه الى الاسلام فقال هل من شاهد على ما تقول فقال نعم هذه الشجرة ثم دعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ثم رجعت الى منبتها وأمر شجرتين فاجتمعتا ثم افترقتا وأمر انسانا أن ينطلق الى نخلات فيقول لهنّ أمركن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تجتمعن فاجتمعن فلما قضى حاجته خلفها أمره أن يأمرهنّ بالعود الى اما كنهنّ فعدن ونام فجاءت شجرة تشق الارض حتى قامت عليه فلما استيقظ ذكر له ذلك فقال هى شجرة استأذنت ربها فى أن تسلم علىّ فأذن لها وبينما هو يسير ليلا على راحلته بواد بقرب الطائف فى منصرفه عن غزوة الطائف اذ غشى سدرة فى سواد الليل وهو فى وسن النوم فانفرجت له السدرة نصفين فمرّ بين نصفها وبقيت منفرجة على حالها وسيجىء فى غزوة الطائف وسلم عليه الشجر والحجر ليالى بعث السلام عليك يا رسول الله وقال انى لاعرف حجرا كان يسلم علىّ بمكة قبل أن أبعث انى لا عرفه الآن خرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة وقد اختلف فى هذا الحجر فقيل هو الحجر الاسود وقيل حجر غيره بزقاق يعرف به بمكة والناس يتبركون بلمسه ويقولون انه الذى كان يسلم على النبىّ صلّى الله عليه وسلم متى اجتاز به* وحكى عن أبى جعفر الميانشى أنه قال أخبرنى كل من لقيته بمكة ان هذا الحجر يعنى المذكور هو الذى كلم النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى التفسير الكبير للامام النحرير فخر الدين الرازى روى أنه صلّى الله عليه وسلم كان على شط ماء وقعد عكرمة بن أبى جهل وقال ان كنت صادقا فادع(1/220)
ذلك الحجر الذى فى الجانب الآخر فليسبح ولا يغرق فأشار اليه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فانقلع الحجر من مكانه وسبح حتى صار بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وشهد له بالرسالة فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم يكفيك هذا فقال حتى يرجع الى مكانه* قال القسطلانى ولم أره لغيره والله أعلم بحاله كذا فى المواهب اللدنية وحنّ اليه الجذع وسبح الحصى فى كفه وكذلك الطعام كان يسمع تسبيحه وهو يؤكل وأخبرته الشاة يسمها* وفى رواية أبى داود أكل من شاة لقمة ثم قال ان هذه تخبرنى انها أخذت بغير اذن أهلها فنظر فاذا هو كما قال كذا فى سيرة مغلطاى وشكا اليه البعير قلة العلف وكثرة العمل وسألته الظبية أن يخلصها من الحبل لترضع أولادها وتعود فخلصها فنطقت بالشهادتين وأخبر عن مصارع المشركين يوم بدر فلم يعد أحد منهم مصرعه وأخبر أن طائفة من أمّته يغزون فى البحر وان أمّ حزام بنت ملحان منهم فكان كذلك وقال لعثمان تصيبه بلوى شديدة فكانت وقتل وقال للانصار انكم ستلقون بعدى أثرة فكانت زمان معاوية وقال فى الحسن هذا سيد ولعلّ الله سيصلح به بين فئتين من المسلمين وأخبر بقتل عبهلة ذى الخمار وهو الاسود العنسى الكذاب وهو بصنعاء اليمن ليلة قتل وبمن قتله* وقال لثابت ابن قيس تعيش حميدا وتقتل شهيدا فبلغه انه مات فقال ان الارض لا تقبله فكان كذلك وقال لرجل يأكل بشماله كل بيمينك فقال لا أستطيع فقال له لا استطعت فلم يطق أن يرفعها الى فيه بعد ودخل مكة عام الفتح والاصنام معلقة حول الكعبة وبيده قضيب فجعل يشير اليها ويقول جاء الحق وزهق الباطل وهى تتساقط وشهد الضب برسالته وشهد الذئب بنبوّته رواه أبو سعيد عن ابن حبان كذا فى سيرة مغلطاى وأطعم ألفا من صاع من شعير وبهيمة فى بيت جابر بالخندق فشبعوا والطعام أكثر مما كان وأطعمهم من تمر يسير وجمع فضل الازواد على النطع فدعا لها بالبركة ثم قسمها فى العسكر فقامت بهم وأتاه أبو هريرة بتمرات قد صفهنّ فى يده وقال ادع الله لى فيهنّ بالبركة ففعل* قال أبو هريرة فأخرجت من ذلك التمر كذا كذا وسقا فى سبيل الله وكنا نأكل منه ونطعم حتى انقطع فى زمن عثمان ودعا أهل الصفة لقصعة ثريد قال أبو هريرة فجعلت أتطلول ليدعونى حتى قام القوم وليس فى القصعة الا اليسير فى نواحيها فجمعه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فصار لقمة فوضعها على أصابعه وقال كل بسم الله فو الذى نفسى بيده ما زلت آكل منها حتى شبعت* ونبع الماء من بين أصابعه بالحديبية حتى شرب القوم وتوضأ واوهم ألف وأربعمائة وأتى بقدح فيه ماء فوضع أصابعه فى القدح فلم يسع فوضع أربعة منها وقال هلموا فتوضؤا كلهم وهم ما بين السبعين الى الثمانين ومرّة أخرى وهم ثلثمائة وحديث المزادتين اللتين لم ينقصا قال عمران شربنا منهما ونحن نحو الاربعين* وورد فى غزوة تبوك على ماء لا يروى واحدا والقوم عطاش فشكوا اليه فأخذ سهما من كنانته وأمر بغرزه فيه ففار الماء وارتوى القوم وكانوا ثلاثين ألفا وشكى القوم ملوحة فى مائهم فجاء فى نفر من أصحابه حتى وقف على بئرهم فتفل فيه فتفجر بالماء العذب المعين وأتته امرأة بصبى لها أقرع فمسح على رأسه فاستوى شعره وذهب داؤه فسمع أهل اليمامة بذلك فأتت امرأة الى مسيلمة بصبى لها فمسح على رأسه فصلع وبقى الصلع فى نسله وانكسر سيف عكاشة فى يوم بدر فأعطاه جذلا من حطب فصار فى يده سيفا ولم يزل بعد ذلك عنده وعرت كدية بالخندق وعسر أن يأخذها المعول فضربها فصارت كثيبا أهيل ومسح على رجل أبى رافع وقد انكسرت فكأنه لم يشكها قط* وفى البخارى أصيبت رجل عبد الله بن عتيك فبرأ بمسحته من حينها وجاء الطفيل بن عمرو الدوسى وكان شريفا فأسلم وقال يا رسول الله انى امرؤ مطاع فى قومى وأنا راجع اليهم وداعيهم الى الاسلام فادع الله أن يجعل لى آية تكون لى عونا عليهم فدعا له فطلع نور بين عينيه مثل المصباح حتى أشرف على
قومه قال فقلت اللهمّ فى غير وجهى انى أخشى(1/221)
أن يظنوا انها مثلة وقعت فى وجهى لفراقى دينهم فتحوّل النور فوقع فى رأس سوطى كالقنديل المعلق فأسلم على يده ناس* ومن معجزاته احياء الموتى باذن الله واسماع الاصم وردّ الشمس وقلب الاعيان والاطلاع على الغيب وظلّ الغمام وابراء الآلام كذا ذكره فى سيرة مغلطاى ومعجزاته صلّى الله عليه وسلم أكثر من ان يحصرها كاتب أو يجمعها ديوان كذا ذكره فى سيرة اليعمرى*
(ذكر ارضاع الاظآر وعددها وما وقع عند حليمة)
* قال أهل السير أرضعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمّه آمنة ثلاثة أيام وقيل سبعة ثم أرضعته ثويبة الاسلمية جارية أبى لهب أياما قبل قدوم حليمة من قبيلتها ثم أرضعته حليمة* روى انها أرضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثمان نسوة غير آمنة ثويبة وحليمة وخولة بنت المنذر ذكرها أبو الفتح اليعمرى وأم أيمن ذكرها أبو الفتح عن بعضهم والمعروف انها من الحواضن وامرأة سعدية غير حليمة ذكرها ابن القيم فى الهدى وثلاث نسوة اسم كل واحدة منهنّ عاتكة نقله السهيلى عن بعضهم فى قوله صلّى الله عليه وسلم أنا ابن العواتك من سليم كذا فى مزيل الخفا* وفى حياة الحيوان العواتك ثلاث نسوة كنّ من أمّهات النبىّ صلّى الله عليه وسلم وفى نهاية ابن الاثير العواتك جمع عاتكة وأصل العاتكة المتضمخة بالطيب والعواتك ثلاث نسوة كنّ أمّهات النبىّ صلّى الله عليه وسلم احداهنّ عاتكة بنت هلال بن فالخ بن ذكوان وهى أم عبد مناف بن قصى والثانية عاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ وهى أمّ هاشم بن عبد مناف* والثالثة عاتكة بنت الاوقص ابن مرّة بن هلال وهى أمّ وهب أبى آمنة أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم فالاولى من العواتك عمة الثانية والثانية عمة الثالثة وبنو سليم تفخر بهذه الولادة والمشهور انه أرضعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم ظئران* الظئر الاولى ثويبة الاسلمية جارية أبى لهب وفى شواهد النبوّة عن ابن عباس أرضعته ثويبة بعد مضى ثلاثة أيام من مولده الى أن قدمت حليمة من قبيلتها بعد أربعة أشهر وكانت ثويبة قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الاسد المخزومى* وفى المواهب اللدنية أرضعته صلى الله عليه وسلم ثويبة عتيقة أبى لهب أعتقها حين بشرته بولادته صلّى الله عليه وسلم وكانت تدخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيكرمها أيضا وتكرمها خديجة وهى يومئذ أمّه* وفى الاستيعاب قال أحمد بن محمد أعتقها أبو لهب بعد ما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة فأثابه الله على ذلك بأن سقاه الله ليلة كل اثنين فى مثل نقرة الابهام كذا فى سيرة مغلطاى والمنتقى وكان صلى الله عليه وسلم يبعث اليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر* وفى سيرة مغلطاى سنة سبع من الهجرة فبلغ وفاتها النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسأل عن ابنها مسروح فقيل مات فسأل عن قرابتها فقيل لم يبق منهم أحد ذكره أبو عمرو كذا فى ذخائر العقبى* قال أبو نعيم الاصفهانى انه قد اختلف فى اسلامها* وفى سيرة مغلطاى قال أبو نعيم لا أعلم أحدا أثبت اسلامها غير ابن مندة عن عروة لما مات أبو لهب رآه أخوه العباس فى المنام بعد سنة فقال له ماذا لقيت يا أبا لهب قال ما رأيت بعدكم روحا غير أنى سقيت من هذه يعنى من عتق ثويبة لأمر محمد وأشار الى ما بين الابهام والسبابة وفى رواية وأشار الى النقرة التى فى الابهام* وفى المواهب اللدنية وقد رؤى أبو لهب بعد موته فى النوم فقيل له ما حالك فقال فى النار الا أنه خفف عنى كل ليلة اثنين وأمص من بين اصبعىّ هاتين ماء وأشار برأس اصبعه وان ذلك باعتاقى ثويبة عند ما بشرتنى بولادة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبارضاعها له* وفى الاكتفاء قال ما لقيت بعدكم راحة الا ان العذاب يخفف عنى الى آخر ما ذكر قال ابن الجوزى فاذا كان هذا أبو لهب الكافر الذى أنزل القرآن بذمّه جوزى فى النار بفرحة ليلة مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمّته عليه السلام يسرّ بمولده ويبذل ما تصل(1/222)
اليه قدرته فى محبته صلّى الله عليه وسلم لعمرى انما يكون جزاؤه من الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم ولا يزال أهل الاسلام يحتفلون بشهر مولده عليه السلام ويعملون الولائم ويتصدّقون فى لياليه بأنواع الصدقات ويظهرون السرور ويزيدون فى المبرات ويعتنون بقراءة مولده الكريم ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم* ومما جرّب من خواصه انه أمان فى ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام ولقد أطنب ابن الحاج فى المدخل فى الانكار على ما أحدثه الناس من البدع والاهواء والتغنى بالآلات المحرّمة عند عمل المولد الشريف فالله تعالى يثيبه على قصده الجميل ويسلك بنا سبيل السنة فانه حسبنا ونعم الوكيل* الظئر الثانية أمّ كبشة حليمة بنت أبى ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شحنة بن جابر ابن رزام بن ناضرة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن عيلان ابن مضر وهى التى أرضعته حتى أكملت رضاعه بلبن زوجها الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملآن بن ناضرة بن قصية بن عيلان بن مضر* وفى المواهب اللدنية لما ولد صلّى الله عليه وسلم قيل من يكفل هذه الدرّة اليتيمة التى لا يوجد لها مثل ولا قيمة قالت الطيور نحن نكفله ونغنم خدمته العظيمة وقالت الوحوش نحن أولى بذلك نثال شرفه وتعظيمه فنادى لسان القدرة أن يا جميع المخلوقات ان الله كتب فى سابق حكمته القديمة ان نبيه الكريم يكون رضيعا لحليمة الحليمة* روى عن مجاهد أنه قال قلت لابن عباس أوقد تنازعت الطيور فى ارضاع محمد صلّى الله عليه وسلم فقال اى والله وكل نساء الجنّ وذلك انه لما نادى الملك فى سماء الدنيا هذا محمد سيد الانبياء طوبى لثدى أرضعته تنافست الجنّ والطير فى ارضاعه فنوديت أن كفوا فقد أجرى الله ذلك على أيدى الانس فخص الله تعالى بتلك السعادة وشرف بذلك الشرف حليمة بنت أبى ذؤيب* روى انه كان من عادة أشراف قريش وديدن صناديدهم أن يدفعوا أولادهم الرضعاء الى المراضع ليتيسر اشتغال نسائهم بالازواج فى كل الحال بحضور القلب وفراغ البال ولازدياد النسل والاولاد وبقائهم مصونة عن مضرة الغيل والفساد ولنشوهم فى القبائل المعروفة بلادهم بطيب الهواء وقلة الرطوبة وعذوبة الماء اذ لها مدخل عظيم وتأثير بليغ فى فصاحة المولود ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم أنا أعربكم أنا من قريش واسترضعت فى بنى سعد بن بكر وكانت مشهورة بين العرب بكمال الجود وتمام الشرف وكانت نساء القبائل التى حوالى مكة ونواحي الحرم يأتينها فى كل عام مرّتين ربيعا وخريفا يلتمسن الرضعاء ويذهبن بهم الى بلادهنّ حتى تتمّ الرضاعة* وفى المواهب اللدنية قالت حليمة فيما رواه ابن اسحاق وابن راهويه وأبو يعلى والطبرانى والبيهقى وأبو نعيم قدمت مكة فى نسوة من بنى سعد بن بكر نلتمس الرضعاء فى سنة شهباء فقدمت على أتان لى ومعى صبى لى وشارف لنا والله ما تبض بقطرة لبن وما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك لا يجد فى ثديى ما يغنيه ولا فى شارفنا ما يغذيه فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة الا وقد عرض عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتأباه اذا قيل يتيم فو الله ما بقى من صواحبى امرأة الا أخذت رضيعا غيرى فلم أجد غيره قلت لزوجى والله انى لاكره أن أرجع من بين صواحبى ليس معى رضيع لانطلقنّ الى ذلك اليتيم فلآخذنه فذهبت فاذا به مدرج فى ثوب صوف أبيض من اللبن يفوح منه رائحة المسك وتحته حريرة خضراء وهو راقد على قفاه يغط فأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله فدنوت منه رويدا فوضعت يدى على صدره فتبسم ضاحكا وفتح عينيه ينظر الىّ فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء وأنا أنظر اليه فقبلته بين عينيه وأعطيته ثديى الايمن فأقبل عليه بما شاء من اللبن فحوّلته الى الايسر فأبى وكانت تلك بعد عادته* قال العلماء فأعلمه الله ان له شريكا فألهمه العدل فروى وروى أخوه ثم أخذته فما هو الا أن جئت به رحلى فقام صاحبى تعنى زوجها الى شارفنا تلك فاذا انها(1/223)
لحافل فحلب منها ما شرب وشربت حتى روينا ويتنا بخير ليلة فقال صاحبى يا حليمة والله انى لاراك أخذت نسمة مباركة ألم ترى ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه فلم يزل الله يزيدنا خيرا وفى رواية ذكرها ابن طغريك فى النطق المفهوم فلما نظر صاحبى الى هذا قال اسكتى واكتمى أمرك فن ليلة ولد هذا الغلام أصبحت الاحبار قوّاما على أقدامها لا يهنأ لها عيش النهار ولا نوم الليل* وفى شواهد النبوّة قالت حليمة فلما ذهبت بمحمد الى منزلى مكثنا بمكة ثلاث ليال انتهى قالت حليمة فودّعت النساء بعضهنّ بعضا وودّعت أنا أم النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم ركبت أتانى وأخذت محمدا صلّى الله عليه وسلم بين يدىّ قالت فنظرت الى الاتان وقد سجدت نحو الكعبة ثلاث سجدات ورفعت رأسها الى السماء ثم مشت حتى سبقت دواب الناس الذين كانوا معى وصار الناس يتعجبون منى وتقول النساء لى وهنّ ورائى يا بنت أبى ذؤيب أهذه أتانك التى كنت عليها وأنت جائية معنا تخفضك طور او ترفعك أخرى فأقول تالله انها هى فيتعجبن منها ويقلن ان لها لشأنا عظيما قالت فكنت أسمع أتانى تنطق وتقول والله ان لى لشأنا ثم شأنا بعثنى الله بعد موتى وردّلى سمنى بعد هزالى ويحكنّ يا نساء بنى سعد انكنّ لفى غفلة عظيمة وهل تدرين من على ظهرى على ظهرى خير النبيين وسيد المرسلين وخير الاوّلين والآخرين وحبيب رب العالمين* روى انه لما سلمته أمه الى حليمة السعدية لترضعه وقامت عكاطة انطلقت به حليمة الى عرّاف من هذيل يريه الناس صبيانهم فلما نظر اليه صاح يا معشر هذيل يا معشر العرب فاجتمع الناس من أهل الموسم فقال اقتلوا هذا الصبى فانسلت به حليمة فجعل الناس يقولون أى صبىّ فيقول هذا الصبى فلا يرون شيئا قد انطلقت به أمه فيقال ما هو فيقول رأيت غلاما والله ليقتلنّ أهل دينكم وليكسرن آلهتكم وليظهرنّ أمره عليكم فطلب بعكاظة فلم يوجد ورجعت به حليمة الى منزلها فكانت بعد لا تعرض لعرّاف كذا فى المنتقى قالت حليمة فيما ذكر ابن اسحاق وغيره ثم قدمنا منازل بنى سعد ولا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنيمتى تروح علىّ حين قدمنا به شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب انسان قطرة لبن ولا يجدها فى ضرع حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعاتهم ويلكم ما بال أغنام حليمة تحمل وتحلب وأغنامنا لا تحمل ولا تضع ولا تأتى بخير اسرحوا حيث يسرح راعى غنم بنت أبى ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح أغنامى شباعا لبنا حتى انا نتفضل على قومنا وكانوا يعيشون فى أكنافنا فلله درّها من بركة كثرت بها مواشى حليمة ونمت وارتفع قدرها به وسمت ولم تزل حليمة تتعرّف الخير والسعادة وتفوز منه بالحسنى وزيادة كما قيل
لقد بلغت بالهاشمىّ حليمة ... مقاما علا فى ذروة العز والمجد
وزادت مواشيها وأخصب ربعها ... وقد عمّ هذا السعد كل بنى سعد
وقال ابن الطرمّاح رأيت فى كتاب الترقيص لأبى عبد الله بن المعلى الازدى أنّ من شعر حليمة مما كانت ترقص به النبىّ صلّى الله عليه وسلم
يا رب اذ أعطيته فأبقه ... وأعله الى العلى وأرقه
وادحض أباطيل العدى بحقه
وعند غيره وكانت الشيماء أخته من الرضاعة تحضنه وترقصه وتقول
هذا أخىّ لم تلده أمى* وليس من نسل أبى وعمى* فديته من مخول معمّ* فأنمه اللهم فيما تنمى وأخرج البيهقى فى المائتين والخطيب وابن عساكر فى تاريخهما وابن طغربك السياف فى النطق المفهوم عن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله دعانى للدخول فى دينك أمارة لنبوّتك رأيتك فى المهد تناغى القمر وتشير اليه بأصبعك فحيث أشرت اليه مال قال انى كنت أحدّثه ويحدّثنى ويلهينى(1/224)
عن البكاء وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش* قال البيهقى تفرّد به أحمد بن ابراهيم الجيلى وهو مجهول وقال الصابونى وهذا حديث غريب الاسناد والمتن فى المعجزات حسن والمناغاة المحادثة وفد ناغت الامّ صبيها لاطفته وشاغلته بالمحادثة والملاعبة* وفى فتح البارى عن سيرة الواقدى أنه صلّى الله عليه وسلم تكلّم فى أوائل ما ولد وذكر ابن سبع فى الخصائص ان مهده كان يتحرّك بتحريك الملائكة كذا فى المواهب اللدنية* وفى المنتقى قالت حليمة ومن العجائب انى ما رأيت له بولا ولا غسلت له وضوء اقط وكانت له طهارة ونظافة وكان له فى كل يوم وقت واحد يتوضأ فيه ولا يعود حتى يكون وقته من الغد ولم يكن شىء أبغض اليه من ان يرى جسده مكشوفا فكنت اذا كشفت عن جسده يصيح حتى أستره عليه وكان لا يبكى قط ولم يسئ خلقه* وفى شواهد النبوّة روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما صار ابن شهرين كان يتزحلف مع الصبيان الى كل جانب وفى ثلاثة أشهر كان يقوم على قدميه وفى أربعة أشهر كان يمسك الجدار ويمشى وفى خمسة أشهر حصل له القدرة على المشى ولماتم له ستة أشهر كان يسرع فى المشى وفى سبعة أشهر كان يسعى ويعد والى كل جانب ولما مضى عليه ثمانية أشهر كان يتكلم بحيث يفهم كلامه وفى تسعة أشهر شرع يتكلم بكلام فصيح وفى عشرة أشهر كان يرمى السهام مع الصبيان وفى المواهب اللدنية أخرج البيهقى وابن عساكر عن ابن عباس قال كانت حليمة تحدّث انها أوّل ما فطمت رسول الله صلّى الله عليه وسلم تكلم فقال الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا* وفى المنتقى قالت وانتبهت ليلة من الليالى فسمعته يتكلم بكلام لم أسمع كلاما قط أحسن منه يقول لا اله الا الله قدّوسا قدّوسا نامت العيون والرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم وهو أوّل ما تكلم به وكنت أتعجب من ذلك فلما بلغ المنطق لم يمس شيئا الا قال بسم الله ولم يتناول بيساره وكان يتناول بيمينه وكنت قد اجتنبت الزوج لا اغتسل منه هيبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى تمت له سنتان كاملتان فبينما هو قاعد فى حجرى ذات يوم اذ مرت به غنيماتى فأقبلت شاة من الغنم حتى سجدت له وقبلت رأسه فرجعت الى صواحبها وكان ينزل عليه كل يوم نور كنور الشمس فيغشاه ثم ينجلى عنه وفى المواهب اللدنية فلما ترعرع كان يخرج فينظر الى الصبيان يلعبون فيجتنبهم* وفى المنتقى وكان أخواه من الرضاعة يخرجان فيمرّان بالغلمان فيلعبان معهم فاذا رآهم محمد صلّى الله عليه وسلم اجتنبهم وأخذ بيدى أخويه وقال لهما انا لم نخلق لهذا* وفى المواهب اللدنية وقد روى ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال كانت حليمة لا تدعه يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه فخرج مع أخته الشيماء فى الظهيرة الى البهم فخرجت حليمة تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت تخرجين به فى هذا الحر فقالت أخته يا أمه ما وجد أخى حرّا رأيت غمامة تظلّ عليه اذا وقف وقفت واذا سار سارت حتى انتهى الى هذا الموضع وكان صلّى الله عليه وسلم يشب شبابا لا يشبه الغلمان حتى كان غلاما جفرا فى سنتين*
شق صدره عليه السلام
وفى السنة الثالثة من مولده صلّى الله عليه وسلم وقع شق الصدر قالت حليمة فلما مضت سنتاه وفصلته قدمنا به على أمه ونحن أحرص شئ على مكثه فينا لما نرى من بركته وكلمنا أمّه وقلنا لو تركتيه عندنا حتى يغلظ فانا نخشى عليه وباء مكة ولم نزل بها حتى ردّته معنا فرجعنا به فو الله انه لبعد مقدمنا بشهرين أو ثلاثة مع أخيه من الرضاعة لفى بهم لنا وقد بعدا قدر غلوّة سهم خلف بيوتنا اذ أتانا أخوه يشتدّ فى عدوه فقال ذاك أخى القرشى قد جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه نشتدّ نحوه فوجدناه قائما منتقعا لونه فاعتنقه أبوه وقال أى بنى ما شأنك قال جاءنى رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعانى فشقا بطنى ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ثم ردّاه كما كان فرجعنا به معنا فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابنى قد أصيب فانطلقى نردّه الى أهله قبل أن(1/225)
يظهر به ما نتخوّف قالت حليمة فاحتملناه حتى قدمنا به الى امّه فقالت ما ردّ كما به فقد كنتما حريصين عليه قلنا نخشى عليه الاتلاف والاحداث فقالت ما ذاك بكما فأصدقانى ما شأنكما فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره فقالت أخشيتما عليه الشيطان كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وانه لكائن لا بنى هذا شأن فدعاه عنكما* وفى المواهب اللدنية وقد وقع شق صدره الشريف مرّة أخرى عند مجىء جبريل له بالوحى فى غار حرا ومرّة اخرى عند الاسراء وروى الشق أيضا وهو ابن عشر ونحوها وروى فى الخامسة ولا يثبت*
رعيه عليه السلام للغنم
وفى رواية عن حليمة أنها قالت لماتم له ثلاث سنين قال لى يوما يا امّه مالى لا أرى أخوىّ بالنهار قلت له يا بنىّ انهما يرعيان غنيمات لنا فى موضع كذا قال فمالى لا أخراج معهما قلت له تحب ذلك قال نعم فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت فى عنقه خيطا فيه جزع يمانية فنزعها ثم قال لى مهلا يا أمه فان معى من يحفظنى قالت ثم دعوت يا بنىّ فقلت لهما أوصيكما بمحمد خيرا لا تفارقاه وليكن نصب أعينكما فخرج مع أخويه فى الغنم حتى وصلا الى مكان الرعى فبينا هو قائم معهما اذ هبط جبريل وميكائيل* وفى المنتقى فبينما هم يترامون بالجلة يعنى البعر انتهى ومعهما طست من ذهب فيه ماء وثلج فاستخرجاه من الغنم والصبية وأضجعاه وشقا بطنه وشرحا صدره واستخرجا منه نكتة سوداء فغسلاه بذلك الماء والثلج وحشوا بطنه نورا ومسحا عليه وعاد كما كان قالت فلما رأى أخواه ذلك أقبل أحدهما اسمه ضمرة يعدو وقد علاه النفس وهو يقول يا أمّه أدركى أخى محمدا وما أراك تدركينه قالت فقلت وما ذاك قال أتاه رجلان عليهما ثياب خضر فاستخرجاه من بيننا وبين الغنم فأضجعاه وشقا بطنه قالت فخرجت أنا وأبوه ونسوة من الحىّ فاذا أنا به صلّى الله عليه وسلم قائما ينظر الى السماء كانّ الشمس تطلع من وجهه فالتزمه أبوه والله لكأنما غمس فى المسك غمسة وقال له أبوه يا بنى مالك قال خير يا أبت أتانى رجلان انقضا علىّ من السماء كما ينقض الطائر فأضجعانى وشقا بطنى وحشوا بشىء كان معهما ما رأيت ألين منه ولا أطيب ريحا ومسحا على بطنى فعدت كما كنت روى أنه بقى أثر الشق ما بين مفرق صدره الى منتهى عانته كأنه الشراك* قال أنس وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط فى صدره صلّى الله عليه وسلم دائما* وفى الشفاء ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمّته فوزننى فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من امّته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف من أمّته فوزننى بهم فوزنتهم ثم قال دعه عنك فلو وزنته بامّته كلها لوزنها وطارا حتى دخلا فى السماء* وفى رواية قال أحدهما لصاحبه اجعله فى كفة واجعل ألفا من امّته فى كفة فاذا أنا أنظر الى الالف فوقى أشفقت أن يخرّ علىّ بعضهم فقالوا لو أنّ أمّته وزنت به لمال بهم ثم انطلقا وتركانى* وفى رواية قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان ملكين جاآنى فى صورة كركيين معهما ثلج وبرد وماء بارد فشق أحدهما صدرى ومج الآخر بمنقاره فغسله* وفى حياة الحيوان عن أبى ذرّ أنه قال يا رسول الله كيف علمت انك نبىّ وبم علمت حتى استيقنت قال يا أباذرّ أتانى ملكان فوقع أحدهما بالارض وكان الآخر بين السماء والارض فقال أحدهما لصاحبه أهو هو قال هو هو قال فوزننى برجل فرجحته ثم قال زنه بعشرة فوزننى بعشرة فرجحتهم ثم قال زنه بمائة فوزننى بمائة فرجحتهم ثم قال أحدهما لصاحبه شق بطنه فشق بطنى فأخرج قلبى فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم ثم قال أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الاناء واغسل قلبه غسل الملا ثم قال أحدهما لصاحبه خط بطنه فخاط بطنى وجعل الخاتم بين كتفىّ كما هو الآن ووليا عنى فكأنى أعاين الامر معاينة* وفى الحديث ان خاتم النبوّة لم يكن قبل ذلك انتهى قالت حليمة فحملناه الى خيم لنا فقال الناس اذهبوا به الى كاهن حتى ينظر اليه ويداويه فقال محمد صلّى الله عليه وسلم ما بى شىء مما تذكرون وانى أرى نفسى سليمة وفؤادى صحيحا بحمد الله قال الناس أصابه لمم أو طائف من الجنّ قالت(1/226)
فغلبونى على رأيى حتى انطلقت به الى الكاهن فقصصت عليه قصته من أوّلها الى آخرها قال دعينى أنا أسمع من الغلام فان الغلام أبصر بأمره منكم تكلم يا غلام قالت فقص ابنى محمد قصته من أوّلها الى آخرها فوثب الكاهن قائما على قدميه وضمه الى صدره ونادى بأعلى صوته يا آل العرب يا آل العرب من شرّ قد اقترب اقتلوا هذا الغلام واقتلونى معه فانكم ان تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهنّ أحلامكم وليبدلنّ أديانكم وليعونكم الى رب لا تعرفونه ودين تنكرونه* قالت فلما سمعت مقالته انتزعته من يده وقلت أنت أعته وأجنّ من ابنى ولو علمت ان هذا يكون منك ما أتيتك به اطلب لنفسك من يقتلك فانا لا نقتل محمدا فاحتملته فأتيت به منزلى فما بقى يومئذ بيت فى بنى سعد الّا وجد منه ريح المسك وكان ينقض عليه فى كل يوم طيران أبيضان يغيبان فى ثيابه ولا يظهران فلما رأى أبوه ذلك قال لى يا حليمة انا لا نأمن على هذا الغلام وخشيت عليه من تباع الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يصيبه عندنا شىء قالت فلما عزمت على ذلك سمعت صوتا فى جوف الليل ينادى ذهب ربيع الخير وأمان بنى سعد هنيئا لبطحاء مكة اذا كان مثلك فيها يا محمد فالآن قد أمنت أن تخرب أو يصيبها بؤس بدخولك اليها يا خير البشر قالت فلما أصبخت ركبت اتانى ووضعت النبىّ صلّى الله عليه وسلم بين يدى فلم أكن أقدر مما كنت انادى يمنة ويسرة حتى انتهيت الى الباب الاعظم من أبواب مكة وعليه جماعة مجتمعون فنزلت لا قضى حاجتى وأنزلت النبىّ صلّى الله عليه وسلم فغشيتنى كالسحابة البيضاء وسمعت صوتا شديدا ففرعت وجعلت ألتفت يمنة ويسرة ونظرت فلم أر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فصحت يا معشر قريش الغلام الغلام قالوا وما الغلام قلت محمد ابن آمنة فجعلت أبكى وأنادى وا محمداه فبينا أنا كذلك اذا أنا بشيخ كبير قد استقبلنى فقال لى مالك أيتها السعدية قلت ان لى لقصة عجيبة محمد ابن آمنة أرضعته ثلاث سنين لا افارقه ليله ولا نهاره فعيشنى الله به وأنضر وجهى وجئت لأؤدّى الى امّه الامانة ليخرج من عهدى وامانتى فاختلس منى اختلاسا قبل أن يمس قدمه الارض فقال الشيخ لا تبكى أيتها السعدية ادخلى على هبل فتضرّعى اليه فلعله يردّه عليك فانّه القوى على ذلك العالم بأمره فقلت أيها الشيخ كأنك لم تشهد ولادة محمد ليلة ولد ما نزل باللات والعزى فقال لى أيتها السعدية انى أراك جزعة وأنا ادخل على هبل واذكر أمرك له فقد قطعت اكبادنا ببكائك مالا حد من الناس على هذا صبر قالت فقعدت مكانى متحيرة ودخل الشيخ على هبل وعيناه تذرفان بالدموع فسجد له طويلا وطاف به اسبوعا ثم نادى يا عظيم المنّ يا قويا فى الاموران منتك على قريش كثيرة وهذه السعدية مرضعة محمد تبكى قد قطع بكاؤها الانياط فان رأيت ان تردّه عليها ان شئت* قالت فارتج والله الصنم وتنكس ومشى على رأسه وسمعت منه صوتا يقول أيها الشيخ أنت فى غرور مالى ولمحمد وانما يكون هلاكنا على يديه وان رب محمد لم يكن ليضيعه بل يحفظه أبلغ عبدة الاوثان ان معه الذبح الاكبر الا أن يدخلوا فى دينه قالت فخرج الشيخ فزعا مرعوبا تسمع لسنه قعقعة ولركبتيه اصطكاك قال لى يا حليمة ما رأيت من هبل مثل هذا قط فاطلبى ابنك انى لأرى ان يكون لهذا الغلام شأن عظيم قالت فقلت لنفسى كم تكتمين امره من عبد المطلب اخبريه الخبر قبل أن يأتيه من غيرك قالت فدخلت على عبد المطلب فلما نظر الىّ قال لى يا حليمة مالى اراك جزعة باكية ولا ارى معك محمدا قالت فقلت يا أبا الحارث جئت بمحمد وهو أسر ما كان فلما صرت على الباب الاعظم من ابواب مكة نزلت لاقضى حاجتى فاختلس منى اختلاسا قبل ان يمس قدمه الارض فقال لى اقعدى يا حليمة ثم علا الصفا فنادى يا آل غالب يعنى آل قريش فاجتمع اليه الرجال فقالوا له قل يا أبا الحارث فقد أجبناك قال لهم ان ابنى محمدا فقد قالوا له فاركب يا أبا الحارث حتى نركب معك قالت فركب عبد المطلب وركب الناس معه فأخذ أعلا مكة وانحدر(1/227)
بأسفلها فلما لم ير شيئا ترك الناس واتزر بثوب وارتدى بآخر واقبل الى البيت الحرام فطاف به اسبوعا وانشأ يقول
يا رب ردّ راكبى محمدا ... ردّ الىّ واتخذ عندى يدا
انت الذى جعلته لى عضدا ... يا رب ان محمد لم يوجدا
فجمع قومى كلهم تبدّدا
قال فسمعنا مناديا ينادى من جوّ الهواء يا معشر الناس لا تضجوا فان لمحمد ربا لا يضيعه ولا يخذله قال عبد المطلب يا أيها الهاتف من لنا به واين هو قال بوادى تهامة فأقبل عبد المطلب راكبا متسلحا فلما صار فى بعض الطريق تلقاه ورقة بن نوفل فصارا جميعا يسيران فبيناهم كذلك اذا النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت شجرة* وفى رواية بينا ابو مسعود الثقفى وعمرو بن نوفل يدوران على رواحلهما اذا هما برسول الله صلّى الله عليه وسلم قائما عند شجرة الطلحة وهى الموز يتناول من ورقها فأقبل اليه عمرو وهو لا يعرفه فقال له من انت يا غلام فقال انا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم فاحتمله بين يديه على الراحلة حتى اتى به عبد المطلب* روى عن ابن عباس انه قال لما ردّ الله محمدا على عبد المطلب تصدّق بألف ناقة كوماء وخمسين رطلا من ذهب ثم جهز حليمة بأفضل الجهاز* وفى هذه السنة الثالثة من مولده عليه السلام ولد أبو بكر الصدّيق رضى الله عنه بمنى كذا فى زبدة الاعمال وسيجىء فى الخاتمة ذكر خلافته وما وقع فيها وذكر وفاته ان شاء الله تعالى* وفى السنة الرابعة من مولده صلّى الله عليه وسلم ايضا وقع شق الصدر قد ذكر أن شق الصدر كان فى السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم وقيل كان فى الرابعة على ما روى محمد بن سعد قال مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلم عندهم سنتين حتى فطم فقدموا به على امّه زائرين لها به وأخبرتها حليمة خبره وما رأوا من بركته فقالت آمنة ارجعى بابنى فانى أخاف عليه وباء مكة فو الله ليكونن له شأن فرجعت به حليمة مرّة ثانية ومكث عندهم سنتين بعد الفطام أيضا فلما كان ابن أربع سنين أتاه ملكان فشقا بطنه وذكر قصة ذلك الى آخرها ثم نزلت به حليمة الى آمنة وأخبرتها ثم رجعت به مرّة ثالثة وكان عندها سنة اخرى ونحوها لا تدعه يذهب مكانا بعيد الا وهى تلخطه ثم رأت غمامة تظلله اذا وقف وقفت واذا سار سارت فأفزعها ذلك أيضا من أمره فقدمت به الى امّه لتردّه وهو ابن خمس سنين كذا فى الصفوة* وفى حياة الحيوان فأقام فى بنى سعد خمس سنين فاضلته فى الناس فالتمسته فلم تجده وذكر نحو ما تقدّم فى الاختلاس منها وفى رواية ان عبد المطلب بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى حاجة ففقد الطريق فقال اللهم أدركنى محمدا القصة كما مرّت* روى أن حليمة قدمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة بعد تزوّجه خديجة فشكت اليه جدب البلاد وهلاك المواشى فكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة فأعطتها بعيرا وأربعين شاة وانصرفت الى أهلها ثم قدمت عليه بعد الاسلام فأسلمت هى وزوجها وبايعهما* وفى ذخائر العقبى عن عطاء بن يسار قال جاءت حليمة بنت عبد الله أمّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الرضاعة اليه يوم حنين فقام اليها وبسط رداءه لها فجلست عليه* وفى المنتقى ورد فى الحديث استأذنت امرأة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانت أرضعته فلما دخلت عليه قال أمى أمى وعمد الى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه وروى أنها جاءت الى أبى بكر بعده فأكرمها والى عمر فأكرمها وروت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم روى عنها عبد الله بن جعفر خرجه أبو عمرو* وفى مزيل الخفاء صحح ابن حبان وغيره حديثا دل على اسلامها وقيل لم يثبت اسلامها* قال الحافظ الدمياطى حليمة لم تعرف لها صحبة واخوته من الرضاعة حمزة وأبو سلمة بن عبد الاسد أرضعتهما مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثويبة جارية أبى لهب بلبن(1/228)
ابنها مسروح كما تقدّم ومسروح بن ثويبة وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أرضعته ورسول الله صلى الله عليه وسلم حليمة السعدية وعبيد الله وأنيسة وحذافة وتعرف بالشيماء أولاد حليمة السعدية ذكر ذلك أبو سعد وغيره* قال الطبرى لم أظفر بذكر ثويبة وابنها ولعلهما لم يسلما فلذلك لم يذكرهما أبو عمرو وكذلك لم يذكر من أولاد حليمة غير الشيماء واسمها حذاقة وانما غلب لقبها فلا تعرف فى قومها الا به وقد ذكر أنها كانت تحضن النبىّ صلّى الله عليه وسلم مع امّها قال وروى أن خيلا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أغاروا على هوازن فأخذوها فى جملة السبى فقالت لهم أنا اخت صاحبكم فلما قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت له يا محمد أنا اختك وعرفته بعلامة عرفها فرحب بها وبسط لها رداءه وأجلسها عليه ودمعت عيناه وقال صلّى الله عليه وسلم ان أحببت فأقيمى عندى مكرمة محببة وان أحببت أن ترجعى الى قومك وصلتك قالت بل أرجع الى قومى فأسلمت وأعطاها النبىّ صلّى الله عليه وسلم ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء كثيرا ذكره أبو عمرو وابن قتيبة كذا فى ذخائر العقبى* ومن وقائع السنة الخامسة من مولده صلّى الله عليه وسلم ما روى عن أبى حازم أنه قال قدم كاهن مكة ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن خمس سنين وقدمت به ظئره الى عبد المطلب وكانت تأتيه به كل عام فنظر اليه الكاهن مع عبد المطلب فقال يا معشر قريش اقتلوا هذا الصبى فانه يفرقكم ويقتلكم فهرب به عبد المطلب فلم تزل قريش تخشى من أمره ما كان حذرهم الكاهن*
وفاة آمنة
وفى السنة السادسة من مولده صلّى الله عليه وسلم وفاة آمنة* فى المواهب اللدنية لما بلغ صلّى الله عليه وسلم ست سنين وقيل أربع وقيل خمس وقيل سبع وقيل تسع وقيل اثنتى عشرة سنة وشهر او عشرة أيام ماتت أمّه بالابواء وقيل بشعب أبى دئب بالحجون* وفى القاموس ودار رابعة بمكة فيها مدفن آمنة أمّ النبى صلّى الله عليه وسلم وفى ذخائر العقبى قال ابن سعد دفنت أمّه صلّى الله عليه وسلم بمكة وان أهل مكة يزعمون ان قبرها فى مقابر أهل مكة من الشعب المعروف بشعب أبى ذئب رجل من سراة بنى عمرو وقيل قبرها فى دار رابعة فى المعلاة بثنية أذاخر عند حائط حلما* وفى المواهب اللدنية وأخرج ابن سعد عن ابن عباس وعن الزهرى وعن عاصم بن عمر ابن قتادة دخل حديث بعضهم فى بعض قالوا لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ست سنين خرجت به أمّه الى أخواله بنى عدى بن النجار بالمدينة تزورهم ومعها أمّ أيمن فنزلت به دار التابعة وهو رجل من بنى النجار وكان قبر عبد الله أبى النبى صلّى الله عليه وسلم فى تلك الدار فأقامت به شهرا عندهم وكان صلّى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت فى مقامه ذلك ونظر الى الدار فقال ههنا نزلت بى امى وأحسنت العوم فى بئر بنى عدى بن النجار وكان قوم من اليهود يختلفون علىّ ينظرون الىّ قالت أمّ أيمن فسمعت أحدهم يقول هو نبى هذه الامّة وهذه دار هجرته فوعيت ذلك كله من كلامهم ثم رجعت أمّه الى مكة فلما وصلوا الابواء وهو موضع بين مكة والمدينة توفيت* وروى أبو نعيم من طريق الزهرى عن اسماء بنت رهم عن أمّها قالت شهدت آمنة امّ النبى صلّى الله عليه وسلم فى علتها التى ماتت بها ومحمد صلّى الله عليه وسلم غلام يفع له خمس سنين فنظرت الى وجهه ثم قالت
بارك فيك الله من غلام ... يا ابن الذى من حومة الحمام
نجا بعون الملك العلام ... فودى غداة الضرب بالسهام
بمائة من ابل سوام ... ان صح ما أبصرت فى المنام
فأنت مبعوث الى الانام ... من عند ذى الجلال والاكرام
تبعث فى الحل وفى الحرام ... تبعث فى التحقيق والاسلام
دين أبيك البر ابراهام ... فالله انهاك عن الاصنام
ان لا تواليها مع الاقوام(1/229)
ثم قالت كل حىّ ميت وكل جديد بال وكل كبير يفنى وأنا ميتة وذكرى باق وقد تركت خيرا وولدت طهرا ثم ماتت قالت فكنا نصمع نوح الجنّ عليها فحفظنا من ذلك هذه الابيات
نبكى الفتاة البرّة الامينة ... ذات الجمال العفة الرزينة
زوجة عبد الله والقرينة ... امّ نبى الله ذى السكينة
وصاحب المنبر بالمدينة ... صارت لدى حفرتها رهينة
احياء أبويه صلّى الله عليه وسلم
وفى الحدائق لابن الجوزى لما مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالابواء في عمرة الحديبية وفى المنتقى وغيره فى غزوة بنى لحيان قال ان الله قد أذن لمحمد فى قبر أمّه فأتاه فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون لبكائه فقيل له فى ذلك فقال أدركتنى رحمة رحمتها فبكيت وأخرج مسلم فى افراده من حديث أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال استأذنت ربى أن أستغفر لامى فلم يأذن لى واستأذنته ان أزور قبرها فأذن لى وسيجىء فى الموطن السادس* وفى الاستيعاب استرضع له صلّى الله عليه وسلم فى بنى سعد بن بكر حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية وردّته ظئره حليمة الى أمّه آمنة بنت وهب بعد خمس سنين ويومين من مولده وذلك سنة ست من عام الفيل فأخرجته أمّه الى أخوال أبيه بنى النجار تزورهم به بعد سبع سنين من عام الفيل وتوفيت أمّه بعد ذلك بشهر بالابواء ومعها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقدمت به أمّ أيمن مكة بعد موت أمّه بخمسة أيام روى أنها آمنت بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم بعد موتها* قال الشيخ جلال الدين السيوطى فى رسالته المسماة بالدرجة المنيفة فى الآباء الشريفة وذهب جمع كثير من الائمة الاعلام الى ان أبوى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ناجيان محكوم لهما بالنجاة فى الآخرة وهم أعلم الناس بأقوال من خالفهم وقال بغير ذلك ولا يقصرون عنهم فى الدرجة ومن أحفظ الناس للاحاديث والآثار وانقد الناس بالادلة التى استدل بها أولئك فانهم جامعون لانواع العلوم ومتضلعون من الفنون خصوصا الاربعة التى استمدّ منها هذه المسألة فانها مبنية على ثلاث قواعد كلامية وأصولية وفقهية وقاعدة رابعة مشتركة بين الحديث واصول الفقه مع ما يحتاج اليه من سعة الحفظ فى الحديث وصحة النقل له وطول الباع فى الاطلاع على ما تقول الائمة وجمع متفرّقات كلامهم فلا يظنّ بهم انهم لم يقفوا على الاحاديث التى استدل بها أولئك معاذ الله بل وقفوا عليها وخاضوا غمرتها وأجابوا عنها بالاجوبة المرضية التى لا يردّها منصف وأقاموا لما ذهبوا اليه ادلة قاطعة كالجبال الرواسى والفريقان أئمة أكابر أجلاء* واختلف القائلون بالنجاة فى مدرك ذلك على ثلاث درجات الدرجة الاولى ان الله تعالى أحياهما له فآمنا به وذلك فى حجة الوداع لحديث فى ذلك ورد عن عائشة روى المحب الطبرى فى ذخائر العقبى بسنده عن عائشة رضى الله عنها انها قالت ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم نزل الحجون كئيبا حزينا فأقام به ما شاء الله ثم رجع مسرورا قال سألت ربى فأحيالى أمى فآمنت بى ثم ردّها ورواه أبو حفص بن شاهين فى كتاب الناسخ والمنسوخ له بلفظ قالت عائشة حج بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم حجة الوداع فمرّ بى على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتمّ فبكيت لبكائه ثم انه نزل فقال يا حميراء استمسكى فاستندت الى جنب البعير فمكث مليا ثم عاد الىّ وهو متبسم فقال ذهبت لقبر أمى فسألت ربى أن يحيها فأحياها فآمنت بى وكذا روى من حديث عائشة أيضا أحيا الله أبويه حتى آمنا به أورده السهيلى فى شرح السيرة والخطيب فى السابق واللاحق وابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ والدارقطنى وابن عساكر كلاهما فى غرائب مالك والبغوى فى تفسيره والمحب الطبرى فى خلاصة السير وأورده البيهقى فى الروض الانف من وجه آخر بلفظ واسناده ضعيف وقد مال اليه ابن شاهين والطبرى والسهيلى وكذا القرطبى وابن المنذر ونقله ابن سيد الناس عن بعض أهل العلم وقال به الصلاح الصفدى فى نظم له والحافظ(1/230)
شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقى فى أبيات له وجعلوه ناسخا لما خالفه من الاحاديث لتأخره ولم يبالوا بضعفه لانّ الحديث الضعيف يعمل به فى الفضائل والمناقب وهذه منقبة وقد أيد بعضهم هذا الحديث بالقاعدة التى اتفق عليها الائمة انه ما أوتى نبى معجزة الا وأوتى نبينا صلّى الله عليه وسلم مثلها وقد أحيا الله لعيسى الموتى من قبورهم فلا بدّ أن يكون لنبينا محمد صلّى الله عليه وسلم مثل ذلك ولم يرد من هذا النوع الا هذه القصة ولم يستبعد ثبوتها وان كان له من هذا النمط نطق الذراع وحنين الجذع الا أن هذه غير ما وقع لعيسى فهو أشبه بالمماثلة ولا شك أن من الطرق التى يعتضد بها الحديث الضعيف موافقته القواعد المقررة* قال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقى
حبا الله النبىّ مزيد فضل ... على فضل وكان به رؤفا
فأحيا امّه وكذا أباه ... لايمان به فضلا لطيفا
فسلم فالقديم بذاقدير ... وان كان الحديث به ضعيفا
قال الشيخ أحمد القسطلانى فى المواهب اللدنيه قال السهيلى ان فى اسناده مجاهيل قال ابن كثير انه حديث منكر جدا وسنده مجهول* وقال ابن دحية هذا الحديث موضوع يردّه القرآن والاجماع انتهى وتعقبه عالم آخر بأنه لم ير احدا صرّح بأن الايمان بعد انقطاع العمل بالموت ينفع صاحبه فان ادّعى أحد الخصوصية فعليه الدليل وقد سبقه بذلك أبو الخطاب بن دحية وعبارته من مات كافرا لم ينفعه الايمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه ذلك فكيف بعد الاعادة انتهى وتعقبه القرطبى فى التذكرة بأن فضائله صلّى الله عليه وسلم وخصائصه لم تزل تتوالى وتتابع الى حين مماته فيكون هذا مما خصه الله به وأكرمه وليس احياؤهما وايمانهما ممتنعا عقلا ولا شرعا فقد ورد فى الكتاب العزيز احياء قتيل بنى اسرائيل واخباره بقاتله* وكان عيسى عليه السلام يحيى الموتى وكذلك نبينا صلّى الله عليه وسلم أحيا الله على يده جماعة من الموتى* وذكر المفسرون ان الله أحيا أمّ يوسف تحقيقا لرؤياه ورسول الله صلّى الله عليه وسلم أحق بذلك والله على كل شىء قدير والظنّ بالله جميل وليس تعجز قدرته عن ذلك* قال السهيلى والنبىّ صلّى الله عليه وسلم أهل لان يخصه الله تعالى بما شاء ومثل هذا ذكر ابن سيد الناس فى سيرته وأجاد واذا ثبت هذا فما يمتنع ايمانهما بعد احيائهما ويكون ذلك زيادة فى كرامته وفضيلته ثم قال وقوله من مات كافرا لم ينفعه الايمان بعد الرجعة الى آخره مردود بما روى فى الخبران الله ردّ الشمس على نبيه صلّى الله عليه وسلم بعد مغيبها ذكره الطحاوى وقال انه حديث ثابت فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا وانه لا يتجدّد به الوقت لما ردّها عليه فكذلك يكون احياء أبوى النبىّ صلّى الله عليه وسلم نافعا لايمانهما وتصديقهما بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم انتهى وقد طعن بعضهم فى حديث ردّ الشمس* الدرجة الثانية قال السيوطى انهما لم يبلغا الدعوة لانهما كانا فى زمن فترة عم الجهل فيها المشرق والمغرب فلم يكن اذ ذاك أحد يبلغ الدعوة على وجهها ولا من يدرى شيئا من الشرائع مع ضميمة انهما قبضا فى حداثة السنّ ولم يبلغا سنا يحتمل الوقوف على الاخبار والتفحص عنها بالاسفار فان والده كما صحح الحافظ صلاح الدين العلائى انه عاش نحو ثمان عشرة سنة ووالدته عاشت نحو العشرين تقريبا مع زيادة انها مخدّرة مصونة محجوبة فى البيت لا تجتمع بالرجال ولا تجد من يخبرها واذا كان النساء اليوم مع فشو الاسلام والفقه شرقا وغربا لا يدرين غالب أحكام الشريعة لعدم مخالطتهنّ الفقهاء فما ظنك بزمان الجاهلية والفترة* وقد اختلف عبارة الاصحاب فيمن لم تبلغه الدعوة فأحسنها من قال فيها ناج وقال بعض الاصحاب مسلم وقال الغزالى التحقيق أن يقال فى معنى المسلم واستدلوا على ذلك بثمان آيات من القرآن قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وبستة أحاديث منها ما أخرجه الامام أحمد(1/231)
واسحاق بن راهويه فى مسنديهما والبيهقى فى الاعتقاد وصححه عن الاسود بن شرح* وعن أبى هريرة أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات فى فترة الى ان قال وأما الذى مات فى الفترة فيقول رب ما أتانى لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل اليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدحلها يسحب اليها وما أخرجه البزار فى مسنده عن أبى سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يؤتى بالهالك فى الفترة والمعتوه والمولود فيقول الهالك فى الفترة لم يأتنى كتاب ولا رسول ويقول المعتوه أى رب لم تجعل لى عقلا أعقل به خيرا ولا شرّا ويقول المولود لم أدرك العمل فيرفع لهم نار فيقال لهم ردوها فيدخلها من كان فى علم الله سعيدا لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان فى علم الله شقيا لو أدرك العمل فيقول تبارك وتعالى اياى عصيتم فكيف برسلى بالغيب وما أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبى حاتم وابن المنذر فى تفاسيرهم بسند صحيح عن أبى هريرة قال اذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والاصم والابكم والشيوخ الذين لم يدركوا الاسلام ثم أرسل اليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسل ولا كتاب وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل اليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قال أبو هريرة اقرأوا ان شئتم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وحديث رابع أخرجه الحاكم فى مستدركه من حديث ثوبان وقال صحيح على شرط الشيخين وأقرّه الذهبى وخامس أخرجه البزار وأبو يعلى من حديث أنس وسادس أخرجه أبو نعيم من حديث معاذ بن جبل* قال العلماء هذه الآيات والاحاديث ناسخة لكل ما خالفها من الاحاديث الثابتة فى البخارى ومسلم وغيرهما كما أن الاحاديث الواردة فى أطفال المشركين انهم فى النار منسوخة بقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى والاحاديث الواردة بخلاف ذلك وقد مشى على هذا المدرك جماعة آخرهم امام الحفاظ فى زمانه قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر فقال الظنّ بآبائه صلّى الله عليه وسلم كلهم يعنى الذين ماتوا قبل البعثة انهم يطيعونه عند الامتحان لتقرّبهم عينه صلّى الله عليه وسلم انتهى ويدل له من الحديث ما أخرجه ابن جريز فى تفسيره عن ابن عباس فى قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى قال من رضا محمد صلّى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار وما أخرجه الحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه صلّى الله عليه وسلم سئل عن أبويه فقال ما سألتهما ربى فيعطينى فيهما وانى لقائم يومئذ المقام المحمود فهذا يلوح بأنه يترجى الشفاعة عند الامتحان ولولا عدم بلوغ الدعوة لم تكن هذه الشفاعة لان الشفاعة لا تكون لمن بلغته الدعوة وعاند وقد صرّح بهذا التلويح فى حديث أخرجه البزار فى فوائده بسند ضعيف عن ابن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا كان يوم القيامة شفعت لابى وأمى وعمى أبى طالب وأخ لى فى الجاهلية* أورد المحب الطبرى وهو من الحفاظ والفقهاء فى كتاب ذخائر العقبى فى مناقب ذوى القربى وقال ان ثبت فهو مؤوّل فى أبى طالب على ما ورد فى الصحيح من تخفيف العذاب عنه بشفاعته انتهى فاحتاج الى تأويله فى أبى طالب لانه أدرك البعثة ولم يسلم وقد مرّ اختلاف عبارة الاصحاب فيمن لم تبلغه الدعوة حيث قال وأحسنها من قال فيها ناج وقال بعض الاصحاب مسلم وقال الغزالى التحقيق أن يقال فى معنى المسلم قال القسطلانى فى المواهب اللدنية وفى صحيح مسلم أن رجلا قال يا رسول الله أين أبى قال فى النار فلما قفاه دعاه وقال ان أبى وأباك فى النار* قال النووى فيه أن من مات على الكفر فهو فى النار ولا تنفعه قرابة المقربين وفيه أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الاوثان فهو فى النار وليس فى هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة فان هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة ابراهيم وغيره من الانبياء وقال
الامام فخر الدين الرازى من مات مشركا فهو فى النار وان مات قبل البعثة لان المشركين كانوا(1/232)
قد عيروا الحنيفية دين ابراهيم واستبدلوا بها الشرك وارتكبوه وليس معهم حجة من الله به ولم يزل معلوما من دين الرسل كلهم من أوّلهم الى آخرهم قبح الشرك والوعيد عليه فى النار وأخبار عقوبات الله لاهله متداولة بين الامم قرنا بعد قرن فلله الحجة البالغة على المشركين فى كل وقت وحين ولو لم يكن الا ما فطر الله عباده عليه من توحيد ربوبيته لكفى فانه يستحيل فى كل فطرة وعقل أن يكون معه اله آخر وان كان الله سبحانه لا يعذب بمقتضى هذه الفطرة وحدها فلم تزل دعوة الرسل الى التوحيد فى الارض معلومة لاهلها فالمشرك مستحق للعذاب فى النار لمخالفته دعوى الرسل وهو مخلد فيها دائما كخلود أهل الجنة فى الجنة وقد تعقب العلامة أبو عبد الله الابوى من المالكية فيما وضعه على صحيح مسلم قول النووى وفيه أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الاوثان فى النار الى آخره بما معناه تأمّل ما فى كلامه من التنافى فان من بلغتهم الدعوة ليسوا من أهل الفترة لان أهل الفترة هم الامم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل اليهم الرسول الاوّل ولا أدركوا الثانى كالاعراب الذين لم يرسل اليهم عيسى عليه السلام ولا لحقوا النبىّ صلّى الله عليه وسلم فالفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين كالفترة بين نوح وهود ولكن الفقهاء اذا تكلموا فى الفترة فانما يعنون التى بين عيسى ونبينا عليهما السلام وذكر البخارى عن سلمان أنها كانت ستمائة سنة ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة علمنا أنهم غير معذبين* فان قيل قد صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كحديث رأيت عمرو بن لحى يجرّ قصبه فى النار ورأيت صاحب المحجن فى النار وهو الذى كان يسرق الحاج بمحجنه فاذا أبصر به قال ليس كما تقولون وانما يتعلق بمحجنى* أجيب بأجوبة أحدها أنها اخبار آحاد فلا تعارض القطع* الثانى قصر التعذيب على هؤلاء والله أعلم بالسبب* الثالث قصر التعذيب المذكور فى هذه الاحاديث على من بدّل وغير من أهل الفترة بما لا يعذر به من الضلال كعبادة الاوثان وتغيير الشرائع فان أهل الفترة ثلاثة أقسام* الاوّل من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء من لم يدخل فى شريعة كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو بن نفيل ومنهم من دخل فى شريعة حق قائمة الرسم كتبع وقومه من حمير وأهل نجران وورقة بن نوفل وعمه عثمان بن الحويرث* القسم الثانى من أهل الفترة وهم من بدل وغير فأشرك ولم يوحد وشرع لنفسه فحلل وحرّم وهم الاكثر كعمرو بن لحى أوّل من سنّ للعرب عبادة الاصنام وشرع الاحكام فبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحام وتبعته العرب فى ذلك وغيره مما يطول ذكره* وفى أنوار التنزيل اذ انتحت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا اذنها أى شقوها وخلوا سبيلها فلا تركب ولا تحلب* وفى المدارك ولا تطرد من ماء ولا مرعى واسمها البحيرة انتهى وكان الرجل منهم يقول ان شفيت وفى المدارك من مرضى أو قدمت من سفرى فناقتى سائبة ويجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها* وفى المدارك قيل كان الرجل اذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث وفى الصحاح سيبت الدابة تركتها تسيب حيث شاءت أى تجرى والسائبة الناقة التى كانت تسيب فى الجاهلية لنذر ونحوه وقد قيل هى أم البحيرة كانت الناقة فى الجاهلية اذا ولدت عشرة أبطن كلهم اناث سيبت ولم تركب ولم يشرب لبنها الا ولدها والضيف حتى تموت فاذا ماتت أكلها الرجال والنساء جميعا وبحرت اذن بنتها الصغيرة فتسمى البحيرة وهى بمنزلة أمّها فى أنها سائبة وفى القاموس الناقة كانت تسيب فى الجاهلية لنذر ونحوه أو كانت اذا ولدت عشرة أبطن كلهم اناث سيبت أو كان الرجل اذا قدم من سفر بعيد أو نجت دابة من مشقة أو حرب قال هى سائبة أو كان ينزع من ظهرها فقارة أو عظما وكانت لا تمنع من ماء وكلأ ولا تركب* وفى أنوار التنزيل واذا ولدت الشاة انثى فهى لهم وان ولدت ذكرا فهو لآلهتهم وان ولدتهما وصلت الانثى أخاها فلا يذبح لها(1/233)
الذكر واذ انتحت من صلب الفحل عشرة أبطن حرموا ظهره ولم يمنعوه من ماء ولا مرعى وقالوا قد حمى ظهره* وفى المدارك وكانت الشاة اذا ولدت سبعة أبطن فان كان السابع ذكرا أكله الرجال وان كان انثى أرسلت فى الغنم وكذا ان كان ذكرا وانثى وقالوا وصلت أخاها فهى بمعنى الواصلة انتهى* (القسم الثالث من أهل الفترة) * وهم من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل فى شريعة نبى ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينا بل بقى عمره على حال غفلة من هذا كله وفى الجاهلية من كان على ذلك واذا انقسم أهل الفترة الى الثلاثة الاقسام فيحمل من صح تعذيبه على أهل القسم الثانى لكفرهم بما تعدّوا به من الخبائث والله تعالى سمى جميع هذا من القسم كفارا ومشركين فانا نجد القرآن كلما حكى حال أحد سجل عليهم بالكفر والشرك كقوله تعالى ما جعل الله من بحيرة ثم قال ولكنّ الذين كفروا يفترون على الله الكذب* والقسم الثالث هم أهل الفترة حقيقة وهم غير معذبين وأما أهل القسم الاوّل كقس بن ساعدة وزيد بن عمرو فقد قال عليه السلام فى كل منهما انه يبعث أمّة وحده وأما عثمان بن الحويرث وتبع وقومه وأهل نجران فحكمهم حكم أهل الدين الذى دخلوا فيه ما لم يلحق أحد منهم الاسلام الناسخ لكل دين انتهى ملخصا* الدرجة الثالثة قال الشيخ جلال الدين السيوطى ان أبوى النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانا على التوحيد ودين ابراهيم كما كان كذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة وورقة بن نوفل وعمير بن حبيب الجهنى وعمرو بن عنبسة فى جماعة آخرين وهذه طائفة ذكرها الامام فخر الدين الرازى وزاد أن آباء النبىّ كلهم الى آدم على التوحيد لم يكن فيهم شرك قال مما يدل على أن آباء محمد صلّى الله عليه وسلم ما كانوا مشركين قوله عليه السلام لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات وقال تعالى انما المشركون نجس فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركا* قال ومن ذلك قوله تعالى الذى يراك حين تقوم وتقلبك فى الساجدين معناه انه كان ينقل نوره من ساجد الى ساجد قال وبهذا التقرير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلّى الله عليه وسلم كانوا مسلمين قال وحينئذ يجب القطع بأن والد ابراهيم ما كان من الكافرين وان آزر لم يكن والده وانما ذلك عمه أقصى ما فى الباب أن يحمل قوله وتقلبك فى الساجدين على وجوه اخرى فاذا وردت الروايات بالكل ولا منافاة بينها وجب حمل الآية على الكل وبذلك ثبت أن والد ابراهيم ما كان من عبدة الاوثان وان آزر لم يكن والده بل كان عمه انتهى ملخصا ووافقه على الاستدلال بالآية الثانية بهذا المعنى الامام الماوردى صاحب الحاوى الكبير من أئمة أصحاب الشافعى وقد وجدت ما يعضد هذه المقالة من الادلة ما بين مجمل ومفصل فالمجمل دليله مركب من مقدّمتين* احداهما أن الاحاديث الصحيحة دلت على أن كل أصل من اصوله صلّى الله عليه وسلم من آدم الى أبيه خير أهل زمانه* والثانية ان الاحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الارض من عهد نوح الى بعثة النبىّ صلّى الله عليه وسلم من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له وبهم تحفظ الارض ولو لاهم هلكت الارض ومن عليها* ومن أدلة المقدّمة الاولى حديث بعثت من خير قرون بنى آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذى كنت فيه وفى سنن البيهقى ما افترق الناس فرقتين الا جعلنى الله فى خيرهما وأخرجت من بين أبوىّ فلم يصبنى شىء من عهد الجاهلية وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت الى أبى وأمى فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا ولا فخر* وحديث أبى نعيم وغيره لم يزل الله ينقلنى من الاصلاب الطيبة الى الارحام الطاهرة مصفى مهذبا ما تتشعب شعبتان الا كنت فى خيرهما فى أحاديث كثيرة* ومن أدلة المقدمة الثانية ما أخرجه عبد الرزاق فى المصنف وابن المنذر فى تفسيره بسند صحيح على شرط الشيخين عن على ابن أبى طالب قال لم يزل على وجه الارض من يعبد الله عليها
وأخرج الامام أحمد ابن حنبل فى الزهد(1/234)
والجلال فى كرامات الاولياء بسند صحيح على شرط الشيخين عن ابن عباس قال ما خلت الارض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الارض فى آثار أخر واذا قرنت بين المقدمتين أنتج منهما قطعا ان آباء النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يكن فيهم مشرك لانه قد ثبت فى كل منهم أنه خير قرنه فان كان الناس الذين هم على الفطرة هم آباؤهم فهو المدّعى وان كانوا غيرهم وعلى الشرك لزم أحد أمرين اما أن يكون المشرك خيرا من المسلم وهو باطل بنص القرآن والاجماع واما أن يكون غيرهم خيرا منهم وهو باطل لمخالفته الاحاديث الصحيحة فوجب قطعا أن لا يكون فيهم مشرك ليكونوا خير أهل الارض كل فى قرنه هذا ما قاله السيوطى وقال القسطلانى فى المواهب اللدنية ويتعقب بأنه لا دلالة فى قوله تعالى وتقلبك فى الساجدين على ما ادّعاه لما ذكر البيضاوى فى تفسيره ان معنى الآية وتردّدك فى تصفح أحوال المجتهدين لما روى أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف عليه السلام تلك الليلة بيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعاتهم فوجدها كبيوت الزنابير لما يسمع لها من دندنتهم بذكر الله تعالى وقد ورد النص بأن أبا ابراهيم عليه السلام مات على الكفر كما صرّح به البيضاوى وغيره قال الله تعالى فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرّ أمنه وأما قوله انه كان عمه فعدول عن الظاهر من غير دليل انتهى* ونقل الامام أبو حيان فى البحر عند تفسير وتقلبك فى الساجدين أن الرافضة هم القائلون بأن آباء النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين مستدلين بقوله تعالى وتقلبك فى الساجدين وبقوله صلّى الله عليه وسلم لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين الحديث انتهى* وعن ابن جرير عن علقمة بن مرثد عن سليمان عن أبيه أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى رسم قبر فجلس اليه فجعل يخاطب ثم قام مستعبرا فقلنا يا رسول الله انا رأينا ما صنعت قال انى استأذنت ربى فى زيارة قبر أمى فأذن لى واستأذنته فى الاستغفار فلم يأذن لى فما رؤى باكيا أكثر من يومئذ* وروى ابن أبى حاتم فى تفسيره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتى الى المقابر فاتبعناه فحاء حتى جلس الى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فقام اليه عمر بن الخطاب فدعاه ثم دعانا فقال ما أبكاكم قلنا بكينا لبكائك فقال ان القبر الذى جلست عنده قبر آمنة وانى استأذنت ربى فى زيارتها فأذن لى واستأذنته فى الدعاء لها فلم يأذن لى وأنزل علىّ ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى فأخذنى ما يأخذ الولد عند الولد ورواه الطبرانى فى حديث ابن عباس* وفى مسلم استأذنت ربى أن أستغفر لامى فلم يأذن لى واستأذنته فى ان أزور قبرها فأذن لى فزوروا القبور فانها تذكر الآخرة* قال القاضى عياض بكاؤه عليه السلام على ما فاتهما من ادراك أيامه والايمان به انتهى كلام القسطلانى* وقال السيوطى فى الدرجة المنيفة أخرج البزار فى مسنده وابن جرير وابن أبى حاتم وابن المنذر فى تفاسيرهم والحاكم فى المستدرك وصححه عن ابن عباس فى قوله تعالى كان الناس أمّة واحدة قال بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين وأخرج ابن أبى حاتم عن قتادة فى الآية قال ذكر لنا انه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم علماء بهدى وعلى شريعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا وكان أوّل رسول أرسله الله الى أهل الارض* وفى التنزيل حكاية عن نوح عليه السلام انه قال رب اغفر لى ولوالدىّ ولمن دخل بيتى مؤمنا فثبت بهذا ايمان اجداده صلّى الله عليه وسلم من آدم الى نوح وولد نوح سام مؤمن بنص القرآن والاجماع لانه نجامع أبيه فى السفينة ولم ينج فيها الا مؤمن فى التنزيل وجعلنا ذرّيته هم الباقين بل ورد فى أثر أنه كان نبيا وولده أرفخشد نص على ايمانه فى أثر عن ابن عباس أخرجه ابن سعد فى الطبقات من طريق الكلبى وأما آزر فالارجح كما قال الرازى انه عمّ ابراهيم عليه السلام لا أبوه وقد سبقه الى ذلك جماعة
من السلف* فروينا(1/235)
بالاسانيد عن ابن عباس ومجاهد وابن جرير والسدّى قالوا ليس آزر أبا ابراهيم انما هو ابراهيم بن تارخ ووقفت على أثر فى تفسير ابن المنذر صرّح فيه بأنه عمه فثبت بما قرّرناه ان الاجداد الشريفة من آدم الى ابراهيم منصوص على ايمانهم ومتفق عليهم الا الخلاف الذى فى آزر من حيثية كونه أبا أو عما فان كان أبا استثنى من الاجداد وان كان عما خرج منها وسلمت السلسلة فأما من بعد ابراهيم واسماعيل فقد اتفقت الاحاديث الصحيحة ونصوص العلماء على أن العرب من بعد ابراهيم كلهم على دينه لم يكفر منهم أحد قط ولم يعبد صنما الى عهد عمرو بن لحىّ الخزاعى فانه أوّل من غير دين ابراهيم عليه السلام وعبد الاصنام وسيب السوائب* وأخرج البخارى ومسلم عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعى يجرّ قصبه فى النار كان أوّل من سيب السوائب وأخرج ابن جرير فى تفسيره عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن لحىّ بن قمعة بن خندف يجرّ قصبه فى النار انه أوّل من غير دين ابراهيم عليه السلام* وأخرج أحمد فى مسنده عن ابن مسعود عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ان أوّل من سيب السوائب وعبد الاصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وانى رأيته يجرّ قصبه فى النار* قال الشهرستانى فى الملل والنحل كان دين ابراهيم قائما والتوحيد فى صدر العرب شائعا وأوّل من غيره واتخذ عبادة الاصنام عمرو بن لحى* وقال الحافظ عماد الدين بن كثير كانت العرب على دين ابراهيم الى أن ولى عمرو بن عامر الخزاعى مكة وانتزع ولاية البيت من أجداد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأحدث عمرو المذكور عبادة الاوثان وشرع للعرب الضلالات وزاد فى التلبية بعد قوله لا شريك لك قوله الا شريكا هو لك تملكه وما ملك فهو أوّل من قال ذلك وتبعته العرب على الشرك فشابهوا بذلك قوم نوح يعنى فى احداث الكفر بعد ان كان سلفهم على الايمان وفيهم على ذلك بقايا على دين ابراهيم عليه السلام* وقد أخرج ابن حبيب فى تاريخه عن ابن عباس كان عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة وأسد على ملة ابراهيم فلا تذكروهم الا بخير وأخرج ابن سعد فى الطبقات من مرسل عبد الله بن خالد قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تسبوا مضر فانه كان قد أسلم* وفى الروض الانف للسهيلى يذكره عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا تسبوا الياس فانه كان مؤمنا وذكر أنه كان يسمع فى صلبه تلبية النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالحج وفيه أيضا ان كعب بن لؤى أوّل من جمع يوم العروبة فكانت قريش تجتمع اليه فى هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم باتباعه والايمان به وينشد فى هذا أبياتا منها
يا ليتنى شاهد نجواء دعوته ... اذا قريش تبغى الحق خذلانا
قال السهيلى وقد ذكر الماوردى هذا الخبر عن كعب فى كتاب الاعلام له* قلت وأخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوّة فثبت بهذا التقرير أن أجداد النبىّ صلّى الله عليه وسلم من ابراهيم الى كعب بن لؤى وولده مرّة منصوص على ايمانهم ولم يختلف فيهم اثنان وبقى بين مرّة وبين عبد المطلب أربعة آباء وهم كلاب وقصى وعبد مناف وهاشم ولم أظفر فيهم بنقل لا بهذا ولا بهذا وبقى ثلاثة أدلة متعلقة بعقب ابراهيم المنظومين فى سلسلة النسب الشريف* أحدها قوله تعالى واذ قال ابراهيم لابيه وقومه اننى براء مما تعبدون الا الذى فطرنى فانه سيهدين وجعلها كلمة باقية فى عقبه وخرج عبد بن حميد عن ابن عباس فى قوله تعالى وجعلها كلمة باقية فى عقبه قال شهادة ان لا اله الا الله والتوحيد لا يزال فى ذرّيته من يقولها من بعده* وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج فى قوله تعالى وجعلها كلمة باقية فى عقبه قال فى عقب ابراهيم فلم يزل بعد من ذرّية ابراهيم من يقول لا اله الا الله* وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن قتادة فى قوله وجعلها كلمة باقية فى عقبه قال الاخلاص والتوحيد لا يزال فى ذرّيته من يوحد الله(1/236)
ويعبده* وثانيها قوله تعالى رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذرّيتى أخرج المنذرى عن ابن جرير فى قوله تعالى رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذرّيتى قال فلن يزال من ذرّية ابراهيم ناس على الفطرة يعبدون الله وثالثها قوله تعالى واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبنى وبنىّ أن نعبد الاصنام أخرج ابن جرير عن مجاهد فى هذه الآية قال فاستجاب الله لابراهيم دعوته فى ولده فلم يعبد أحد من ولده صنما فقبل دعوته واستجاب الله له وجعل هذا البلد آمنا ورزق أهله من الثمرات وجعله اماما وجعل من ذرّيته من يقيم الصلاة* وأخرج ابن أبى حاتم عن سفيان بن عيينة انه سئل هل عبد أحد من ولد اسماعيل الاصنام قال لا ألم تسمع قوله تعالى واجنبنى وبنىّ أن نعبد الاصنام قيل كيف لم يدخل ولد اسحاق وسائر ولد ابراهيم قال لانه دعاء لاهل البلد خاصة أن لا يعبدوا اذا أسكنهم فقال اجعل هذا البلد أن يخص بذلك وقال واجنبنى وبنىّ أن نعبد الاصنام فيه فقد خص أهله دون غيره وما قررناه من الادلة والنقول مصداق ما قاله فخر الدين وما أحسن قول الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقى كما ذكرنا من قوله
تنقل أحمد نورا عظيما ... تلألأ فى جباه الساجدينا
تقلب فيهم قرنا فقرنا ... الى أن جاء خير المرسلينا
ولم يبق بعد المذكورين الا عبد المطلب وفيه خلاف بين الناس والاحسن فى شأنه انه لم تبلغه الدعوة قال الشهرستانى ظهر نور النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى أسارير عبد المطلب بعض الظهور وببركة ذلك النور ألهم النذر فى ذبح ولده وببركته قال لابرهة ان لهذا البيت ربا يحفظه ومنه قال وقد صعد أبا قبيس
لا همّ ان المرء يمنع رحله فامنع رحالك ... لا يغلبنّ صليبهم
ومحالهم عدوا محالك ... فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
قال وببركة ذلك النور كان يأمر ولده بترك الظلم والبغى ويحثهم على مكارم الاخلاق وينهاهم عن ذيئات الامور وببركة ذلك النور كان يقول فى وصاياه انه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة الى أن هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة فقيل لعبد المطلب فى ذلك ففكر وقال والله ان وراء هذه الدار دارا يجزى فيها المحسن باحسانه ويعاقب فيها المسىء باساءته فهذا يدل على أنه لم تبلغه الدعوة على وجهها ولم يجد من يعرفه حقيقة ما جاءت به الرسل فانه لو وجد من يخبره بأن الانبياء جاءت بالبعث لم يكن فى غفلة منه حتى وقعت هذه الواقعة فتفكر فيها فاستدل بها على أن ثمة دارا أخرى وفيه قول ساقط ان الله أحياه حتى آمن بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم حكاه ابن سيد الناس فى السيرة وغيره وهو مردود ولا أعرفه عن أحد من أئمة السنة انما يحكى عن بعض الشيعة وهو قول لا دليل عليه ولم يرد فيه قط حديث لا ضعيف ولا غيره وبهذا فارق قول الامام فخر الدين فان القائل بذلك يدّعى ان عبد المطلب أحيى وآمن بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم وصار على ملته والامام فخر الدين لا يقول بهذا بل يقول انه كان فى الاصل على ملة ابراهيم من غير أن يحصل له دخول فى هذه الملة ويعضد ذلك فى أمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أخرجه أبو نعيم فى دلائل النبوّة بسند ضعيف من طريق الزهرى عن امّ سماعة بنت أبى رهم عن أمّها قالت شهدت امّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى علتها التى ماتت فيها ومحمد غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت الى وجهه ثم قالت بارك فيك الله من غلام الى آخر ما سبق عند موتها من الابيات ومرثية الجنّ فأنت ترى هذا الكلام منها صريحا فى النهى عن موالاة الاصنام مع الاقوام والاعتراف بدين ابراهيم وببعث ولدها الى الانام من عند ذى الجلال والاكرام بالاسلام وهذه(1/237)
الالفاظ منافية للشرك انى استقريت أمّهات الانبياء فوجدت أكثرهنّ منصوصا على ايمانها ومن لم ينص عليها سكت عنها فلم ينقل فيها شىء البتة والظاهر ان شاء الله تعالى وكانّ السرّ فى ذلك ما يرينه من النور كما ورد فى الحديث أخرج أحمد والبزار والطبرانى والحاكم والبيهقى عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال انى عبد الله خاتم النبيين وان آدم لمنجدل فى طينته وسأخبركم عن ذلك أنا دعوة ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمى التى رأت وكذلك أمّهات النبيين يرين وان أمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت قصور الشام منه* قلت ولا شك أن الذى رأته أمّ النبى صلى الله عليه وسلم فى حال حملها به وولادتها من الآيات أكثر وأعظم مما رآه أمّهات الانبياء* قال السيوطى نقلت من مجموع بخط الشيخ كمال الدين السبكى والد الشيخ الامام تقىّ الدين ما نصه سئل القاضى أبو بكر بن العربى عن رجل قال ان آباء النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى النار فأجاب بأنه ملعون لان الله تعالى قال ان الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذابا مهينا ولا اذى أعظم من أن يقال عن أبيه فى النار انتهى بلفظه وأورد المحب الطبرى فى ذخائر العقبى عن أبى هريرة قال جاءت سفينة بنت أبى لهب الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان الناس يقولون لى أنت بنت حطب النار فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ما بال أقوام يؤذوننى فى قرابتى من آذى قرابتى فقد آذانى ومن آذانى فقد آذى الله* وفى ربيع الابرار للزمخشرى لقى رجل من المهاجرين العباس بن عبد المطلب فقال يا أبا الفضل رأيت عبد المطلب بن هاشم والقيطلة كاهنة بنى سهم جمعهما الله فى النار فصفح عنه ثم قال له فصفح عنه فلما كانت الثالثة رفع يده فوجأ انفه فانطلق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ما هذا قال العباس فأرسل اليه وقال ما أردت برجل من المهاجرين فقص عليه القصة وقال ما ملكت نفسى وما اياه أردت ولكن أرادنى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما بال أحدكم يؤذى أخاه فى شىء وان كان حقا* وأخرج أبو نعيم فى الحلية من طريق عبد الله ابن يونس قال سمعت بعض شيوخنا يذكر أن عمر بن عبد العزيز أتى بكاتب يخط بين يديه وكان مسلما وكان أبوه كافرا فقال عمر للذى جاء به لو كنت جئت به من أبناء المهاجرين فقال الكاتب قد كان أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذكر كلمة اسقطتها انا فغضب عمرو قال لا تخط بين يدىّ بقلم أبدا وأخرج شيخ الاسلام الهروى فى كتاب ذم الكلام من طريق ابن أبى جميلة قال قال عمر بن عبد العزيز لسليمان ابن سعد بلغنى أن أباك عاملنا كان كذا وكذا وهو كافر قال كان أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلم وذكر ما بعد الكلام وأسقطته أنا فغضب عمر غضبا شديدا وعزله عن الدواوين وذكر القاضى تاج الدين السبكى فى كتابه الترشيح قال قال الشافعى رضى الله عنه فى بعض نصوصه وقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لها شرف فكلم فيها فقال لو سرقت فلانة لامرأة شريفة لقطعت يدها* قال ابن السبكى فانظر الى قوله فلانة ولم يبح باسم فاطمة تأدّبا معها ان يذكرها فى هذا المعرض وان كان أبوها صلّى الله عليه وسلم قد ذكرها لانه يحسن منه ما لا يحسن منا انتهى كلام السبكى وقد جرى على الادب الامام ابو داود صاحب السنن فانه يخرج فى سننه حديثا فى آخر شىء يتعلق بعبد المطلب فلما انتهى الى ذكره قال فذكر تشديد اولم يصرح بشىء والحديث مبهم فى مسند أحمد وسنن النسائى وهذا وأمثاله ارشاد من هؤلاء الائمة وتعليم لنا ان نسكت عن التلفظ بمثل ذلك تأدّبا انتهى كلام السيوطى قيل التوفيق بين دفن امّه بالابواء وكون قبرها بها وبين كون قبرها بمكة على تقدير صحة الحديثين ان يقال يحتمل أن تكون دفنت بالابواء أوّلا وكان قبرها هناك ثم نبشت ونقلت الى مكة والله أعلم* وفى السنة
السادسة من مولده صلّى الله عليه وسلم ولد عثمان بن عفان وفى الاستيعاب ولد عثمان(1/238)
ابن عفان فى السنة السادسة بعد الفيل وقيل غير ذلك*
كفالة عبد المطلب له عليه السلام
وفى السنة السابعة من مولده صلّى الله عليه وسلم كفالة عبد المطلب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم* روى نافع بن جبير أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان مع امّه آمنة بنت وهب فلما توفيت ضمه اليه جدّه عبد المطلب ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وكان يقربه منه ويدخل عليه اذا خلا واذا نام وكان يجلس على فراشه واولاده كانوا لا يجلسون عليه* قال ابن اسحاق حدّثنى العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض اهله قال كان يوضع لعبد المطلب فراش فى ظل الكعبة وكان لا يجلس عليه احد من بنيه اجلالا له وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأتى حتى يجلس عليه فتذهب أعمامه يؤخرونه فيقول عبد المطلب دعوا ابنى ويمسح على ظهره ويقول انّ لابنى هذا الشأنا كذا قال ابن الاثير فى أسد الغابة وقال قوم من بنى مدلج وهم مشهورون بالقيافة يا عبد المطلب احتفظ به فانا لم نر قد ما أشبه بالقدم التى فى مقام ابراهيم منه فقال عبد المطلب لابى طالب اسمع ما يقول هؤلاء فى ابن أخيك وقال لأمّ أيمن وكانت تحضنه لا تغفلى عن ابنى فان أهل الكتاب يزعمون انه نبى هذه الامّة وكان عبد المطلب لا يأكل طعاما الا قال عليّ با بنى فيؤتى به اليه فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلم*
رمده عليه السلام
ومن وقائع هذه السنة ما روى انه أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم رمد شديد فعولج بمكة فلم يغن عنه فقيل لعبد المطلب ان فى ناحية عكاظ راهبا يعالج الاعين فركب اليه فناداه وديره مغلق فكان لا يجيبه فتزلزل به ديره حتى خاف أن يسقط عليه فخرج مبادرا وقال يا عبد المطلب ان هذا الغلام نبى هذه الامّة ولو لم أخرج اليك لخرّديرى وارجع به واحفظوه لا يغتاله بعض أهل الكتاب ثم عالج*
استسقاء عبد المطلب
وفى هذه السنة استسقى عبد المطلب مع قريش روى عن رقيقة بنت صيفى بن هاشم أنها قالت تتابعت على قريش سنون حتى يبست الضروع ودقت العظام فبينا أنا راقدة فاذا بهاتف صيت يصرخ بصوت ضخم يقول يا معشر قريش ان هذا النبىّ المبعوث منكم هذا ابان نجومه فحىّ هلا بالحيا والخصب ألا فانظروا منكم رجلا طوالا عظاما أبيض وضاء أشم العرنين سهل الخدّين له فخر يكظم عليه ويروى رجلا وسيطا عظاما جساما أوطف الاهداب ألا فليخلص هو وولده وليد لف اليه من كل بطن رجل ألا فليشنوا من الماء وليسموا من الطيب وليطوفوا بالبيت سبعا وفيهم الطيب الطاهر لذاته ألا فليستسق الرجل وليؤمّن القوم ألا فغثتم اذا ما شئتم قالت فأصبحت مذعورة قدقف جلدى ووله عقلى وقصصت رؤياى على أهل الحرم ان بقى أبطحى الا قال هذا شيبة الحمد وشيبة الحمد اسم عبد المطلب وتتاءمت عنده قريش وانقض اليه من كل بطن رجل فشنوا الماء ومسوا من الطيب وطافوا بالبيت سبعا ورفع ابنه محمدا صلّى الله عليه وسلم على عاتقه وهو يومئذ ابن سبع سنين وارتقوا أبا قبيس فدعا واستسقى وأمّن القوم قالت فما وصلوا البيت حتى انفجرت السماء بمائها وامتلأ الوادى قالت سمعت شيوخ العرب يقولون لعبد المطلب هنيئا لك يا أبا البطحاء وفى ذلك تقول رقيقة
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا ... لما فقدنا الحيا واجلوّذ المطر
فجاء بالماء جوبى له سبل ... سحا فعاشت به الانعام والشجر
كذا فى الحدائق لابن الجوزى قولها اجلوّذ المطر أى امتدّ وقت تأخره وانقطاعه والجوبة هى الحفيرة المستديرة الواسعة وكل منفتق بلا بناء جوبة كذا فى نهاية ابن الاثير*
تبشير سيف الحميرى عبد المطلب
وفى هذه السنة خروج عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذى يزن الحميرى بالملك وتبشير سيف عبد المطلب بأنه سيظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من نسله* روى عن زرعة بن سيف بن ذى يزن الحميرى أنه قال لما ظهر جدّى سيف على الحبشة وذلك بعد مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم بسنتين أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها لتنهئته وأتاه(1/239)
وفود قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس وعبد الله بن جذعان وأسد بن عبد العزى ووهب بن عبد مناف وقصى بن عبد الدار وهو فى رأس قصر يقال له غمدان* وفى القاموس غمدان كعثمان قصر باليمن بناه ليشرخ بن الحارث بن صيفى بن سبأ جدّ بلقيس بأربعة وجوه أحمر وأصفر وأبيض وأخضر وبنى داخله قصرا بسبعة سقوف بين كل سقف أربعون ذراعا وسيجىء ذكر سليمان وبلقيس وذكر الحصون الثلاثة فى آخر الباب وغمدان هو الذى يقول فيه أمية بن أبى الصلت الثقفى يمدح ابن ذى يزن الحميرى
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا ... فى رأس غمدان دارا منك مجلالا
اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم فى برديك اسبالا
تلك المكارم لاقعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وكان الملك يومئذ فى أعظم هيئاته متضمخا بالعنبر ينطف وبيص المسك فى مفرق رأسه وعليه بردان من برود اليمن أخضر ان مرتد بأحدهما متزر بالآخر عن يمينه الملوك وعن شماله الملوك وأبناء الملوك والمقاول فأخبر بمكانهم فأذن لهم فدخلوا عليه فدنا عبد المطلب فاستأذنه فى الكلام فقال ان كنت ممن يتكلم بين يدى الملوك فقد أذناك فقال ان الله عز وجل أحلك أيها الملك محلا رفيعا باذخا شامخا منيعا وأنبتك نباتا طابت أرومته وعظمت جرثومته وثبت أصله وبسق فرعه فى أطيب موطن وأكرم معدن وأنت أبيت اللعن ملك العرب ونابها وربيعها الذى به تخصب وأنت أيها الملك ملك العرب وفى رواية رأس العرب الذى ينقاد وعمودها الذى عليه العماد ومعقلها الذى يلجأ اليه العباد سلفك خير سلف وأنت لنا منه خير خلف فلن يهلك من أنت خلفه ولن يخمد ذكر من أنت سلفه نحن أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا اليك الذى أبهجنا لكشفك الكرب الذى قدحنا فنحن وفد التهنية لا وفد التعزية* فقال له الملك من أنت أيها المتكلم فقال انا عبد المطلب ابن هاشم قال ابن أختنا قال نعم قال ادن ثم أقبل عليه وعلى القوم فقال مرحبا وأهلا وناقة ورحلا فأرسلها مثلا وكان أوّل من تكلم بها ومستناخا سهلا وملكا ربحلا يعطى عطاء جزلا قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل وسيلتكم وأنتم أهل الليل والنهار لكم الكرامة ما أقمتم والحباء اذا ظعنتم انهضوا الى دار الضيافة والوفود وأجرى عليهم الانزال وأقاموا بعد ذلك شهرا لا يصلون اليه ولا يؤذن لهم بالانصراف ثم ان الملك انتبه لهم انتباهة فأرسل الى عبد المطلب فأدناه ثم قال له يا عبد المطلب انى مفوّض اليك من سر علمى أمرا لو غيرك يكون لم أبح له به ولكن رأيتك معدنه فأطلعتك طلعته فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله عز وجل فيه انى أجد فى الكتاب المكنون والعلم المخزون فليكن الدى أخرناه لا نفسنا واحتجبناه دون غيرنا خيرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة فقال عبد المطلب لقد أبت بخير ما آب أيها الملك بمثله وافد قوم ولولا هيبة الملك واجلاله واعظامه لسألته من سرّه اياه ما أزداد به سرورا فقال الملك هذا حينه الذى يولد فيه ولد اسمه محمد يموت أبوه وامّه ويكفله جدّه وعمه وقد ولدناه مرارا والله عز وجل باعثه جهارا وجاعل له منا انصارا يعزبهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ويضرب لهم الناس عن عرض ويستبيح بهم كرائم أهل الارض تخمد به النيران ويعبد به الرحمن ويزجر الشيطان وتكسر الاوثان قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله* فقال عبد المطلب عز جارك ودام ملكك وعلا كعبك فهل الملك سارّى بافصاح فقد أوضح لى بعض الايضاح فقال له ابن ذى يزن والبيت ذى الحجب والعلامات على(1/240)
النصب انك جدّه يا عبد المطلب من غير كذب* قال فخرّ عبد المطلب ساجدا لاجل هذا الخبر فقال له ابن ذى يزن ارفع رأسك ثلج صدرك وعلا كعبك فهل أحسست بشىء مما ذكرت لك قال نعم أيها الملك كان لى ابن وكنت به معجيا وعليه رفيقا وبه شفيقا وانى زوّجته كريمة من كرائم قومى آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فجاءت بغلام سميته محمدا مات أبوه وامّه وكفلته أنا وعمه فقال له الملك ان هذا الغلام هو الذى قلت لك عليه فاحفظ ابنك واحذر عليه من اليهود فانهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فانى لست آمن أن تدخلهم النفاسة فى أن تكون لك الرياسة فينصبون لك الحبائل ويبتغون لك الغوائل وهم فاعلون ذلك أو أبناؤهم من غير شك ولو انى أعلم ان الموت غير مجتاحى قبل مبعثه لسرت اليه بخيلى ورجلى حتى أجعل يثرب دار ملكى فانى أجد فى الكتاب الناطق والعلم السابق أن يثرب دار استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ولولا انى أقيه الآفات وأحذر عليه العاهات لا علنت على حداثة سنه أمره ولا وطأت أسنان العرب كعبه ولكنى صارف ذلك اليك بمن معك ثم دعا بالقوم وأمر لكل واحد بعشرة أعبد سود وعشرا ماء سود وحلتين من حلل البرود وخمسة أرطال ذهب وعشرة أرطال فضة وكرش مملوء عنبرا ومائة من الابل وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك وقال اذا كان الحول فانبئنى بما يكون منه فمات سيف بن ذى يزن قبل ان يحول عليه الحول قال عبد الله اسناد هذا متصل مشهور من حديث اولاد سيف بحمص وعقبهم بها*
(ذكر سليمان وبلقيس ملكة اليمن وسنبأ ونبذ من أخبارهما)
* روى أنه كان لداود عليه السلام تسعة عشر ابنا وأوتى سليمان عليه السلام النبوّة والحكم والعلم دون سائر أولاده* ومن معجزاته انه علم منطق الطير وكان يفهم عنها كما يفهم بعضها عن بعض* وفى أنوار التنزيل النطق والمنطق فى المتعارف كل لفظ يعبر به عما فى الضمير مفردا كان أو مركبا وقد يطلق لكل ما يصوت به على التسبب أو التصوّت كقولهم نطقت الحمامة ومنه الناطق والصامت للحيوان والجماد فان الاصوات الحيوانية من حيث انها تابعة للتخيلات منزلة منزلة العبارات سيما وفيها ما يتفاوت باختلاف الاغراض بحيث يفهمها ما من جنسه ولعل سليمان عليه السلام مهما سمع صوت حيوان علم بقوّته القدسية التخيل الذى صوّته والغرض الذى توخاه به* ومن ذلك ما روى انه صاحت فاختة فأخبر أنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا ومر ببلبل يصوّت ويترقص فقال يقول اذا أنا اكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفا* وفى انوار التنزيل فلعله كان صياح الفاختة من مقاساة شدّة وتألم قلب وصوت البلبل عن شبع وفراغ بال وصاح طاوس فقال يقول كما تدين تدان وصاح هدهد فقال انه يقول من لا يرحم لا يرحم وصاح صرد فقال يقول استغفروا الله يا مذنبين وصاح خطاف فقال يقول قدّموا خيرا تجدوه وصاحت رخمة فقال تقول سبحان ربى الاعلى ملأ سمائه وارضه وصاح ورشان فقال يقول لدوا للموت وابنوا للخراب وصاح قمرى فأخبر انه يقول سبحان ربى الاعلى الوهاب وقال ان الحدأة تقول كل شىء هالك الا وجهه والقطاة تقول من سكت سلم والديك يقول اذكروا الله يا غافلين والنسر يقول يا ابن آدم عش ما شئت آخرك للموت والعقاب يقول فى البعد من الناس انس والضفدع يقول سبحا ربى القدّوس* روى ان معسكر سليمان عليه السلام كان مائة فرسخ فى مائة فرسخ خمسة وعشرون للجنّ وخمسة وعشرون للانس وخمسة وعشرون للطير وخمسة وعشرون للوحوش وكان له بيت من قوارير مرتفع على الخشب فيه ثلثمائة منكوحة وسبعمائة سرية وقد نسجت له الجنّ بساطا من ذهب وابريسم فرسخ فى فرسخ وكان يوضع منبر فى وسطه وكراسى من ذهب وفضة فيقعد الانبياء على كراسى الذهب والعلماء على كراسى الفضة وحولهم الناس والجنّ والشياطين وتظلله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط(1/241)
فتسير به مسيرة شهر بالغداة ومسيرة شهر بالعشىّ قال الله تعالى غدوّها شهر ورواحها شهر أى جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعشىّ كذلك فكان يغدو من دمشق فيقيل باصطخر فارس وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع ويروح من اصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل كان يتغدّى بالرى ويتعشى بسمرقند كذا فى المدارك ويروى أنه كان يأمر الريح العاصف تحمله ويأمر الرخاء تسيره فأوحى الله اليه وهو يسير بين السماء والارض انى قد زدت فى ملكك لا يتكلم أحد بشىء الا ألقته الريح فى سمعك وكانت الريح تحمله من مسافة ثلاثة اميال فيحكى أنه مرّ بحرّاث فقال لقد اوتى آل داود ملكا عظيما فألقته الريح فى اذنه فنزل ومشى الى الحراث وقال انما مشيت اليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ثم قال لتسبيحة واحدة يقبلها الله خير مما أوتى آل داود* وفى معالم التنزيل روى عن وهب بن منبه وعن كعب الاحبار قالا كان سليمان اذا ركب حمل أهله وخدمه وحشمه وقد اتخذ مطابخ ومخابز تحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام يسع كل قدر عشر جزائر وقد اتخذ ميادين الدواب أمامه فيطبخ الطباخون ويخبز الخبازون وتجرى الدواب بين يديه بين السماء والارض والريح تهوى بهم* وفى المدارك وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على بساط بين السماء والارض فسار من اصطخر الى اليمن فسلك مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلم فقال هذه دار هجرة نبى يخرج فى آخر الزمان طوبى لمن آمن به وطوبى لمن اتبعه ثم مضى سليمان حتى مرّ بوادى السرير وهو واد من الطائف فأتى على وادى النمل هكذا قال كعب قال انه واد بالطائف* وقال قتادة ومقاتل هو أرض بالشام وقيل واد كان تسكنه الجنّ وأولئك النمل مراكبهم* وقال أيوب الحموى كان نمل ذلك الوادى كأمثال الذئاب وقيل كالبخاتى والمشهور أنه النمل الصغير* وقال الشعبى كانت تلك النملة ذات جناحين وقيل كانت نملة عرجاء اسمها طاخية قاله الضحاك أو منذرة قاله فى المدارك* وقال مقاتل اسمها خرما ويقال شاهدة عن قتادة أنه دخل الكوفة فالتفت عليه الناس فقال سلوا ما شئتم فسأله أبو حنيفة وهو شاب عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم انثى فأفحم فقال أبو حنيفة كانت انثى فقيل له بم عرفت قال بقوله تعالى قالت نملة ولو كانت ذكرا لقال قال نملة وذلك ان النملة مثل الحمامة فى وقوعها على الذكر والانثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة انثى أو هو أوهى فقالت النملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم أى لا يكسرنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون فألقت الريح قولها فى سمع سليمان من ثلاثة أميال فتبسم متعجبا من حذرها واهتدائها لمصالحها ونصيحتها للنمل روى ان النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم فى الهواء فأمر سليمان الريح فوقفت لئلا يذعر حتى دخلن مساكنهنّ روى أن سليمان لما أتى اليها قال لها حذرت أيها النملة ظلمى أما علمت أنى نبى عادل حيث قلت لا يحطمنكم سليمان وجنوده فقالت أما سمعت قولى وهم لا يشعرون مع انى لم أرد حطم النفوس وانما أردت حطم القلوب حيث يتمنين ما أعطيت فيشتغلن بالنظر اليك عن التسبيح فقال لها عظينى قالت هل علمت لم سمى أبوك داود قال لا قالت لانه داوى جرحه فزاد وهل تدرى لم سميت سليمان قال لا قالت لانك سليم الصدر وكنت بسلامة صدرك وآن لك أن تلحق بأبيك داود وهل تدرى لم سخر الله لك الريح قال لا قالت أخبرك الله ان الدنيا كلها ريح وهل تدرى لم جعل ملكك فى فص الخاتم قال لا قالت أعلمك الله ان الدنيا لا تساوى بقطعة حجر ثم قال لها سليمان يا نملة جندى أكثر أم جندك قالت جندى قال سليمان أرينى جندك فنادت جنسا واحدا من جندها فخرجوا سبعين يوما حتى امتلأت البرارى والجبال والاودية قال هل بقى من جندك شىء قالت يا سليمان ما خرج بعد جنس واحد وان لى مثل هذا سبعين جنسا* وفى معالم التنزيل ذكر العلماء ان سليمان لما فرغ(1/242)
من بناء بيت المقدس عزم الى الخروج الى أرض الحرم فتجهز للمير واستصحب من الانس والجنّ والشياطين والطيور والوحوش ما يبلغ معسكره مائة فرسخ فحملتهم الريح فوافى الحرم وحج وأقام به ما شاء الله وكان ينحر كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة وقال لمن حضره من أشراف قومه هذا مكان يخرج منه نبى عربى صفته كذا وكذا يعطى النصرة على جميع من ناواه وتبلغ هيبته مسيرة شهر القريب والبعيد فى الحق عنده سواء لا تأخذه فى الله لومة لائم قال فقالوا فبأىّ دين يدين يا نبىّ الله فقال يدين بدين الحنيفية وطوبى لمن أدركه وآمن به فقالوا كم بين خروجه وبين زماننا يا نبىّ الله قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فانه سيد الانبياء وخاتم الرسل قال فأقام بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الظهيرة والزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فأعجبته نزاهتها فأحب النزول ليصلى يتغدّى فنزل سليمان ودخل وقت الصلاة وكان نزل على غير ماء فسأل الانس والجنّ والشياطين عن الماء فلم يعلموا فتفقد الهدهد وكان الهدهد رائده وقافيه لانه يحسن طلب الماء*
قصة الهدهد
عن ابن عباس الهدهد يرى الماء من تحت الارض كما يرى الماء فى الزجاجة ويعرف قربه وبعده فينقر الارض ثم تجىء الشياطين فيلجونه فيستخرجون الماء فتفقده لذلك* قال سعيد بن جبير فلما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الازرق يا وصاف انظر ما تقول ان الصبى منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب فيجىء الهدهد ولا ينظر الفخ حتى يقع فى عنقه فقال له ابن عباس ويحك ان القدر اذا جاء حال دون البصر* وفى رواية اذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمى البصر وكان الهدهد حين نزل سليمان قال ان سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع الى السماء وانظر الى طول الارض وعرضها فارتفع فنظر يمينا وشمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال الى الخضرة فوقع فيه فاذا بهدهد فهبط عنده وكان اسم هدهد سليمان يعفور واسم هدهد اليمن عنفير فقال عنفير اليمن ليعفور سليمان من أين أقبلت وأين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبى سليمان ابن داود قال ومن سليمان قال ملك الجنّ والانس والشياطين والطير والوحوش والرياح فمن أين أنت قال أنا من هذه البلاد قال ومن ملكها قال امرأة يقال لها بلقيس فان كان لصاحبك ملك عظيم فليس ملك بلقيس دونه فانها ملكة اليمن كلها وتحت يدها اثنا عشر قائدا تحت كل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معى حتى تنظر الى ملكها قال أخاف أن يتفقدنى سليمان فى وقت الصلاة اذا احتاج الى الماء* قال الهدهد اليمانى ان صاحبك يسرّه أن تأتيه بخبر هذه الملكة فانطلق ونظر الى بلقيس وملكها وما رجع الى سليمان الا وقت العصر* وفى رواية كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه اخلاله بالنوبة وذلك ان سليمان كان اذا نزل منزلا يظله وجنده الطير من الشمس فأصابته الشمس من موضع الهدهد* وفى المدارك وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فرأى موضع الهدهد خاليا فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله فقال أصلح الله الملك ما أدرى أين هو وما أرسلته مكانا فغضب سليمان عند ذلك وقال لا عذبنه عذابا شديدا الآية* واختلفوا فى العذاب الذى أوعده به فأظهر الاقاويل بنتف ريشه وذنبه والقائه فى الشمس أو حيث النمل تأكله* وقال مقاتل بن حبان بتطليته بالقطران وتشميه وقيل بالتفريق بينه وبين الفه وقيل بالزامه خدمة أقرانه وقيل بالحبس مع أضداده وقيل أضيق السجون معاشرة الاضداد وقيل بايداعه القفص وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة ثم دعا سليمان العقاب سيد الطير فقال علىّ بالهدهد الساعة فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر الى الدنيا كالقصعة بين يدى أحدكم ثم التفت يمينا وشمالا فاذا هو بالهدهد مقبل من نحو اليمن فانقض العقاب نحوه يريده فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء(1/243)
فنا شده فقال بحق الذى قوّاك وأقدرك علىّ الا رحمتنى ولم تتعرّض لى بسوء فولى عنه العقاب وقال له ويلك ثكلتك امّك ان نبىّ الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهيا الى المعسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له ويلك أين غبت فى يومك هذا فلقد توعدك نبىّ الله وأخبروه بما قال سليمان فقال الهدهد وما استثنى رسول الله قالوا بلى قال أو ليأتينى بسلطان مبين قال نجوت اذا ثم انطلق العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه فقال العقاب قد أتيتك به يا نبىّ الله فلما قرب الهدهد منه طأطأ رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرّها على الارض تواضعا لسليمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه اليه وقال أين كنت لا عذبنك عذابا شديدا قال له الهدهد يا نبىّ الله اذكر وقوفك بين يدى الله عز وجل فلما سمع سليمان ذلك ارتعد فرقا وعفا عنه ثم سأله فقال ما الذى أبطأك عنى فقال الهدهد أحطت بما لم تحط به أى علمت شيئا من جميع جهاته يعنى حال سبأ ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما أوتى من فضل النبوّة والعلوم الجمة ابتلاء له فى علمه وفيه دليل على ابطال قول الرافضة ان الامام لا يخفى عليه شىء ولا يكون فى زمانه أعلم منه كذا فى المدارك* وفى أنوار التنزيل مخاطبته اياه بذلك تنبيه على أن فى أدنى خلق الله من أحاط علما بما لم يحط به أعلاه ليتحاقر اليه نفسه ويتصاغر لديه علمه قال وجئتك من سبأ بنبأ يقبن السبأ أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وفى أنوار التنزيل مواضع سكنى سبأ باليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ولما قال الهدهد وجئتك من سبأ بنبأ يقين قال سليمان وما ذاك قال انى وجدت امرأة يعنى بلقيس بنت شرحبيل بن مالك ابن الريان كذا فى أنوار التنزيل والمدارك* وفى لباب التأويل وتفسير الثعالبى من نسل يعرب بن قحطان وكان أبوها ملكا عظيم الشان قد ولد له أربعون ملكا هى آخرهم وكان يملك أرض اليمن كلها وكان يقول لملوك الاطراف ليس أحد منكم كفوالى وأبى أن يتزوّج فيهم فخطب الى الجنّ فزوّجوه امرأة منهم يقال لها ريحانة بنت السكن* قيل فى سبب وصوله الى الجنّ حين خطب اليهم أنه كان كثير الصيد فربما اصطاد الجنّ وهم على صور الظباء فيخلى عنهم فظهر له ملك الجنّ وشكره على ذلك واتخذه صديقا فخطب ابنته فزوّجه اياها وقيل انه خرج متصيدا فرأى حيتين تقتتلان بيضاء وسوداء وقد ظهرت السوداء على البيضاء فقتل السوداء وحمل البيضاء وصب عليها الماء فأفاقت فأطلقها فلما رجع الى داره وجلس وحده فاذا معه شاب جميل فخاف منه فقال لا تخف انا الحية البيضاء التى أحيبتنى والاسود الذى قتلته هو عبد لنا تمرّد علينا وقتل عدّة منا وعرض عليه المال فقال المال لا حاجة لى فيه ولكن ان كان لك بنت فزوّجنيها فزوّجه ابنته فولدت له بلقيس وجاء فى الحديث ان أحد أبوى بلقيس كان جنيا فلما مات أبو بلقيس طمعت فى الملك ولم يكن له ولد غيرها فطلبت من قومها أن يبايعوها فاطاعها قوم وأبى آخرون وملكوا عليهم رجلا آخر يقال انه ابن أخى الملك وكان خبيثا أساء السيرة فى أهل مملكته حتى كان يمدّيده الى حرم رعيته ويفجر بهنّ فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه فلما رأت بلقيس ذلك أدركتها الغيرة فأرسلت اليه تعرض نفسها فأجابها وقال ما منعنى أن أبتدئك بالخطبة الا اليأس منك فقالت لا أرغب عنك لانك كفؤ كريم فاجمع رجال أهلى واخطبنى فجمعهم وخطبها فقالوا لا نرى تفعل فقال بلى انها قد رغبت فىّ فذكروا ذلك لها فقالت نعم فزوّجوها منه فلما زفت اليه خرجت فى أناس كثيرة من حشمها وخدمها ولما خلت سقته الخمر حتى سكر ثم قتلته وحزت رأسه وانصرفت الى منزلها من الليل فلما أصبحت أرسلت الى وزرائه وأحضرتهم وقرعتهم وقالت لهم أما كان فيكم من يأنف لكريمته أو كرائم عشيرته ثم أرتهم اياه قتيلا وقالت اختاروا رجلا تملكونه عليكم فقالوا لا نرضى غيرك فملكوها وعلموا أن ذلك النكاح كان مكرا(1/244)
وخديعة منها* وعن أبى بكرة قال لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة*
قصة ملك اليمن أبى بلقيس وسبب وصوله الى الجنّ
وفى الينابيع أورد فى قصة المهاجرين ان الملك خرج يوما الى القنص فرأى شابا جميلا واقفا على الطريق فقال للملك هل تعرفنى قال لا قال أنا الحية البيضاء الذى أنجيتنى والاسود الذى قتلته كان عبدا لنا تمرّد علينا فأنا أريد أن أكافئك بما فعلت قيل عرض على الملك تعليم علم الطب فأبى فقال أدلك على الدفائن والكنوز فلم يقبل فقال ان أبيت هذين فلى بنت جميلة لم يكن فى بنى آدم مثلها فى الجمال فان شئت أزوّجكها لكن بشرط أن لا تسألها عما تفعل هى فانك ان سألتها عما فعلت ثلاث مرّات غابت عنك ولم ترها بعد ذلك فقبل الملك الشرط فتزوّجها ورجع بها الى منزله فحملت منه ببنت ولما ولدتها ظهرت نار فقذفتها فيها فقال الملك لم فعلت هذا قالت أما شرطت أن لا تسألنى عما أفعل فهذه واحدة من الثلاث فاحفظها ثم ولدت له ابنا فجاء كلب فوضعته فى فيه فذهب به الكلب فصاح الملك وقال لم فعلت فقالت ألم نشترط أن لا تسألنى عما أفعل فهاتان ثنتان وكان فى ذلك الزمان ملك وفى غير الينابيع اسم هذا الملك ذو عوان واسم أبى بلقيس بو شرح وكان بينهما عداوة وشرّ ولم يظفر أحدهما على الآخر فاحتال ذوعوان واصطلح مع الملك بو شرح وصنع له طعاما فدعاه اليه فحضره بوشرح ومعه امرأته الجنية فلما وضع الطعام بين يدى الملك ألقت المرأة فيه الروث فرفع الملك يده عن الطعام وقال لم فعلت فقالت أما شرطت أن لا تسألنى عما أفعل فهذه الثالثة وسأخبرك بتأويل ما فعلت* أما النار والكلب اللذان رأيتهما فهما ظئران فسلمت اليهما الولدين لئلا يكون لى تعب فى تربيتهما فاذا كبرا يردّ انهما عليك وأما الروث الذى ألقيت فى طعامك ففعلته لئلا تأكل من ذلك الطعام المسموم فتهلك فانهم قد سموه فقالت ذلك تأويل ما فعلت وغابت يقال مات الابن عند ظئره والبنت لما ترعرعت ردّت الى أبيها وهى بلقيس* وذكر فى القصص هذه القصة بوجه آخر وقال اسم الملك يعنى أبا بلقيس بو شرح وكان له عدوّ من الملوك اسمه ذوعوان فقصد ملكه وتقدّم اليه مسافة عشرين منزلا فلم يكن للملك بوشرح بدّ من حربه فخرج اليه وسلك مفازة كانت مسيرة ستة أيام ولم يكن فيها ماء وكان سبب قصد ذى عوان مملكة بوشرح انه كان له وزير من أهل بلاد ذى عوان متفق معه كلمتهما واحدة فبعث الوزير اليه أن سر الى هذه البلاد حتى يخرج اليك الملك بو شرح فأسلمه اليك فتقتله فتكون بلاد اليونان خالصة لك من دونه فقبل ذوعوان قول الوزير وبعث اليه بقارورة من السم الناقع ليجعله فى طعام بوشرح وعسكره ومياههم حين سلكوا المفازة فيهلكوا ففعله الوزير فعلمت به المرأة الجنية ولم يطلع عليه غيرها فلما سلك بوشرح وعسكره الجبانة منزلا عمدت المرأة الى القرب فصبت المياه والى الدقيق فذرته فى الرياح والى سائر الازواد فضيعتها فغضب عليها الملك وقال لم فعلت هذا قالت أما شرطت أن لا تسألنى عما أفعل فهذه الثالثة فأخبرته بأنها كانت مسمومة وقالت فان شئت أن يظهر لك صدق ما قلته فاجمع شيئا مما بقى فى القرب ثم اسقه وزيرك ففعل فمات الوزير من ساعته ثم دعت المرأة بالبنت فأحضرت فدفعتها الى أبيها وكان الابن مات عند ظئرها ثم غابت المرأة وسمى الملك هذه البنت بلقيس واستخلفها على ملكه بعد موته* وفى الينابيع فنشأت بلقيس وصارت امرأة ذات جمال ورأى وتدبير فجلست على سرير الملك مكان أبيها فأطاعها الملوك فكانت تجلس من كل أسبوع يوما للحكومة وتحجب عن الناس ترخى ستورا رقيقة دون الناس بحيث تراهم ولا يرونها والناس وقوف فى حضرتها مطرقين رؤسهم من هيبتها واذا كان لاحد عندها حاجة يسجد لها أوّلا ثم يعرض حاجته فى حضرتها فتحكم بها بلقيس واذ فرغت من الحكومة وانصاف المظلوم من الظالم تدخل بيتها السابع وتغلق عليها الابواب وتحرسها ألوف من الحرس انتهى* وكانت بلقيس(1/245)
وقومها مجوسيين يعبدون الشمس ولها عرش أى سرير عظيم ضخم* قال ابن عباس كان ثلاثين ذراعا فى ثلاثين ذراعا عرضا وسمكا* وقال مقاتل ثمانين ذراعا فى ثمانين طولا وعرضا وطوله فى الهواء ثمانين ذراعا وقيل كان طوله ثمانين ذراعا وعرضه أربعين ذراعا وارتفاعه ثلاثين ذراعا وكان من ذهب وفضة مرصعا بأنواع الجواهر بالدر والياقوت الاحمر والزبرجد الاخضر وقوائمه من ياقوت أحمر وأخضر ودرّ وزمرّد عليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق*
بقية قصة الهدهد
فلما فرغ الهدهد من كلامه قال له سليمان سننظر أصدقت فيما أخبرت أم كنت من الكاذبين ثم كتب سليمان كتابا صورته من عبد الله سليمان ابن داود الى بلقيس ملكة سبأ بسم الله الرحمن الرحيم السلام على من اتبع الهدى أما بعد فلا تعلوا علىّ وأتونى مسلمين وطبعه بالمسك وختمه بخاتمه وقال للهدهد اذهب بكتابى هذا فألقه الى بلقيس وقومها ثم تول وتنح عنهم الى مكان قريب بحيث تراهم ولا يرونك ليكون ما يقولون بمسمع منك ومرأى فأخذ الهدهد الكتاب بمنقاره وطار به وكانت بلقيس بأرض يقال لها مأرب من صنعاء على ثلاثة ايام فوافاها فى قصرها وقد غلقت الابواب وكانت اذا رقدت غلقت الابواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها فأتاها الهدهد وهى مستلقية على قفاها راقدة فدخل الهدهد عليها من كوّة وألقى الكتاب على نحرها بحيث لم تشعر به وتوارى فى الكوّة فانتبهت بلقيس فزعة هذا قول قتادة* وقال مقاتل حمل الهدهد الكتاب بمنقاره حتى وقف على رأس المرأة وحولها القادة والجنود فرفرف ساعة والناس ينظرون حتى رفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب فى حجرها* وقال ابن منبه وابن زيد كانت لها كوّة مستقبلة الشمس تقع الشمس فيها حين تطلع فاذا نظرت اليها سجدت لها فجاء الهدهد الكوّة فسدّها بجناحيه فارتفعت الشمس ولم تعلم فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى بالصحيفة اليها فأخذت بلقيس الكتاب وكانت قارئة فلما رأت الختم ارتعدت لان ملك سليمان كانت فى خاتمه وعرفت أن الذى أرسل الكتاب أعظم ملكا منها وجمعت الملأ من قومها وهم اثنا عشر ألف قائد مع كل قائد مائة ألف مقاتل* وعن ابن عباس قال كان مع بلقيس مائة ألف قيل مع كل قيل مائة ألف مقاتل والقيل الملك دون الملك الاعظم وقال قتادة ومقاتل كان أهل مشورتها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا كل رجل منهم على عشرة آلاف فجاؤا وأخذوا مجالسهم فقالت لهم بلقيس خاضعة خائفة يأيها الملأ انى القى الىّ كتاب كريم حسن مضمونه وما فيه أو مرسله أو لغرابة شأنه أو مختوم عن ابن عباس عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم كرامة الكتاب ختمه وكذا قال عكرمة ولذا قيل من كتب الى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به أو مصدّر بالبسملة قالت يأيها الملأ أفتونى واشيروا علىّ فى أمرى قالوا نحن أولو قوّة وأولو بأس شديد والامر اليك فانظرى ماذا تأمرين قالت انى مرسلة اليهم بهدية فناظرة أى منتظرة بم يرجع المرسلون بقبولها أو ردّها لانها عرفت عادة الملوك وحسن مواقعة الهدايا عندهم فان كان ملكا قبلها وانصرف عنا وان كان نبيا ردّها ولم يرض منا الا أن نتبعه على دينه فبعثت خمسمائة غلام عليهم ثياب الجوارى وزيهنّ وحليهنّ وجعلت فى سواعدهم أساور من ذهب وفى أعناقهم أطواقا من ذهب وفى آذانهم أقراطا وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر راكبى خيل برذون مغشاة بالديباج محلاة اللجم والسرج بالذهب المرصع بالجواهر وخمسمائة جارية على رماك فى زى الغلمان من الاقبية والمناطق وخمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت وأرسلت اليه المسك والعنبر والعود وحقة فيها درة ثمينة عذراء غير مثقوبة وجزعة مثقوبة معوجة الثقب وبعثت رسلا من قومها أصحاب رأى وعقل وامرت عليهم رجلا من اشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وكتبت كتابا فيه نسخة الهدايا وقالت فيه ان كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بما فى الحقة قبل أن تفتحها واثقب الدرة ثقبا مستويا(1/246)
واسلك فى الخرزة خيطا من غير علاج انس ولا جنّ* وامرت بلقيس الغلمان فقالت اذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء وامرت الجوارى ان يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ثم قالت للمنذر ان نظر اليك نظر غضبان فهو ملك فلا يهولنك منظره وان رأيته بشاشا لطيفا فهو نبىّ فأقبل الهدهد مسرعا فأخبر سليمان الخبر كله وفى انوار التنزيل وقد سبق جبريل بالحال فأمر سليمان الجنّ فضربوا لبنات الذهب والفضة وفرشوا فى ميدان بين يديه طوله سبعة فراسخ* وفى معالم التنزيل أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذى هو فيه الى تسعة فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة وجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة وأمر الشياطين فأتوا بأحسن الدواب فى البرّ والبحر فربطوها عن يمين الميدان وعن يساره على لبنات الذهب والفضة وألقوا علوفتها فيها وأمر بأولاد الجنّ وهم خلق كثير فأقاموا عن اليمين وعن اليسار* ثم قعد سليمان فى مجلسه على سريره ووضع له أربعة آلاف كرسى عن يمينه ومثله عن يساره واصطفت الشياطين صفوفا فراسخ والانس صفوفا فراسخ والوحوش والسباع والطير والهوام كذلك فلما دنا الرسل ووصلوا معسكره والميدان ورأوا عظمة شأن سليمان وملكه ورأوا الدواب التى لم ترعينهم مثلها تروث على لبن الذهب والفضة تقاصرت اليهم أنفسهم فرموا بما معهم من الهدايا وفى بعض الروايات ان سليمان لما أمر بفرش الميدان بلبنات الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم موضعا على قدر اللبنات التى معهم فلما رأت الرسل موضع اللبنات خاليا وكل الارض مفروشة خافوا أن يتهموا بذلك فطرحوا كل ما معهم فى ذلك المكان فلما نظروا الى الشياطين رأوا منظرا عجيبا ففزعوا فقال لهم الشياطين جوزوا فلا بأس عليكم وكانوا يمرّون على كردوس من الجنّ والانس والطير والسباع والوحوش حتى وقفوا بين يدى سليمان فنظر اليهم نظرا حسنا بوجه طلق فقال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه ثم قال أين الحقة فأتى بها فحركها فجاء جبريل وأخبره بما فى الحقة فقال ان فيها درّة ثمينة غير مثقوبة وجزعة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط فى الخرزة فقال سليمان من لى بثقبها فسأل سليمان الانس والجنّ فلم يكن عندهم علم ذلك ثم سأل الشياطين فقالوا أرسل الى الارضة فجاءت الارضة فأخذت شعرة فى فيها ودخلت فيها ثم خرجت من الجانب الآخر فقال لها سليمان ما حاجتك فقالت تصير رزقى فى الشجر فقال لك ذلك وروى أنه جاءت دودة تكون فى الصفصاف فقالت أنا أدخل الخيط فى الثقب على أن يكون رزقى فى الصفصاف فجعل لها ذلك فأخذت الخيط بفيها فدخلت الثقب وخرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذا الخرزة يسلكها فى الخيط فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط بفيها وثقبتها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر فقال لها سليمان ما حاجتك قالت تجعل رزقى فى الفواكه قال لك ذلك ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء فى يدها وتجعله فى الاخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذ الماء يضرب به وجهه ثم ردّ الهدية وقال للمنذر ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولا طاقة ولنخرجنهم منها من سبأ أذلة بذهاب عزهم وهم صاغرون أسراء مهانون فلما رجع اليها رسولها بالهدايا وقص عليها القصة قالت هو نبى وما لنا به طاقة وبعثت الى سليمان انى قادمة اليك بملوك قومى لا نظر ما الذى تدعو اليه ثم جعلت عرشها فى آخر سبعة أبيات بعضها فى بعض فى آخر قصر من سبعة قصور لها ثم أغلقت دونه الابواب ووكلت به حرسا يحفظونه فشخصت اليه فى اثنى عشر ألف قيل تحت كل قيل الوف كثيرة حتى بلغت على رأس فراسخ قال ابن عباس كان سليمان عليه السلام رجلا مهيبا لا يبتدأ بشىء حتى يكون هو الذى سأل عنه فخرج يوما فجلس على سرير ملكه فرأى رهجا أى غبارا(1/247)
قريبا منه فقال ما هذا قالوا بلقيس نزلت منا بهذا المكان وكانت على مسيرة فرسخ من سليمان* قال ابن عباس وكان بين الحيرة والكوفة فأقبل سليمان حينئذ على جنده فقال يأيها الملأ أيكم يأتبنى بعرشها قبل أن يأتونى مسلمين أراد بذلك أن يريها بعض العجائب الدالة على عظيم القدرة وصدقه فى دعوى النبوّة ويختبر عقلها بأن تنكر أو أراد أن يأخذه قبل أن تسلم فانها اذا أتت مسلمة لم يحل أخذه الا برضاها قال عفريت من الجنّ خبيث مارد قوى* قال وهب اسمه كوذى وقيل ذكوان وقيل هو صخر الجنى وكان بمنزلة جبل يضع قدمه عند منتهى طرفه أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك مجلسك للحكومة وكان يجلس الى نصف النهار وانى على حمله لقوىّ أمين لا اختزل منه شيئا ولا أبد له فقال سليمان أريد أسرع من هذا قال الذى عنده علم من الكتاب أى ملك بيده كتاب المقادير أرسله الله عند قول العفريت* وفى معالم التنزيل هو ملك من الملائكة أيد الله به نبيه سليمان أو جبريل أو الخضر أو سليمان نفسه أو آصف بن برخيا وزيره أو كاتبه هو الاصح وعليه الجمهور وكان صدّيقا يعلم الاسم الاعظم الذى اذا دعى به أجاب وهو يا حىّ يا قيوم قاله الكلبى أو ياذ الجلال والاكرام قاله مجاهد ومقاتل أويا الهنا واله كل شىء الها واحدا لا اله الا أنت ائتنى بعرشها وقوله أنا آتيك به قبل أن يرتدّ اليك طرفك أى انك ترسل طرفك الى شىء فقبل ان تردّه أحضر عرشها فتبصره بين يديك قال مجاهد يعنى ادامة النظر حتى يرتدّ الطرف خاسئا* يروى ان آصف قال لسليمان حين صلّى مدّ عينيك حتى ينتهى طرفك فمدّ سليمان عينيه فنظر نحو اليمن ودعا آصف فبعث الله الملائكة فحملوا السرير من تحت الارض يخدون خدّا حتى انخرقت الارض بالسرير بين يدى سليمان* قال الكلبى خرّ آصف ساجدا ودعا باسم الله الاعظم فغار عرشها فى مكانه تحت الارض ثم نبع عند كرسى سليمان بقدرة الله تعالى قبل أن يرتدّ طرفه قيل كانت المسافة مقدار شهرين كذا فى معالم التنزيل وقال محمد بن المنكدر لما قال عالم بنى اسرائيل الذى آتاه الله علما وفهما أنا آتيك به قبل أن يرتدّ اليك طرفك قال سليمان هات قال أنت النبىّ ابن النبىّ وليس أحد أوجه عند الله منك فان دعوت الله وطلبت اليه كان عندك قال صدقت ففعل ذلك فجىء بالعرش فى الوقت فلما رأى العرش مستقرّا عنده حاصلا بين يديه ثابتا لديه غير مضطرب قال هذا من فضل ربى أى التمكن من احضار العرش فى مدّة ارتداد الطرف من مأرب الى الشام كذا فى معالم التنزيل وقال فى أنوار التنزيل من مسيرة شهرين بنفسه أو بغيره ثم قال سليمان نكروا لها عرشها غيروا هيئته وشكله أى اجعلوا مقدّمه مؤخره وأعلاه أسفله واجعلوا مكان الجوهر الاحمر أخضر ومكان الاخضر أحمر ننظر أتهتدى الى معرفة عرشها وقد خلفته فى مأرب وراءها مغلقة عليه الابواب موكلة عليه الحراس أوالى الجواب الصواب اذا سئلت عنه أم لا* فلما جاءت بلقيس قيل لها أهكذا عرشك قالت كأنه هو فأجابت أحسن جواب ولم تقل هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها* وفى المدارك ولم تقل هو ولا ليس به وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقطع فى المحتمل للامرين أو لما شبهوا عليها بقولهم أهكذا عرشك شبهت عليهم بقولها كأنه هو مع أنها علمت أنه عرشها قيل لها ادخلى الصرح أى القصر أو صحن الدار فلما رأته ظنته ماء راكدا فكشفت عن ساقيها* روى أن سليمان أمر قبل قدومها فبنى على طريقها قصر صحنه من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه حيوانات البحر من السمك وغيره وقيل اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع فكان الواحد اذا رآه ظنه ماء كذا فى معالم التنزيل ووضع سريره فى صدره فجلس عليه وعكف الطير عليه والجنّ والانس وانما فعل ذلك ليزيدها اعظاما لامره وتحقيقا لنبوّته وقيل ان الجنّ كرهوا أن يتزوّجها سليمان فتفشى اليه بأسرارهم لان أمّها كانت جنية وقيل خافوا أن يولد منها ولد فيجتمع له فطنة الجنّ والانس فيخرجوا من ملك سليمان الى ملك أشدّ(1/248)
منه* وفى معالم التنزيل واذا ولدت له ولدا لا ينفكون من تسخير سليمان وذرّيته من بعده فقالوا له ان فى عقلها شيئا وهى شعراء الساقين ورجلها كحافر الحمار فاختبر سليمان عقلها بتنكيرا العرش كما فعلت هى بالوصفاء والوصائف واتخذ الصرح ليتعرّف ساقها ورجلها فكشف عنهما فاذا هى أحسن الناس ساقا وقدما الا أنها شعراء الساقين* ولما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها ثم قال لها ان ما تظنينه ماء صرح ممرّد مملس مستو من الزجاج ومنه الامرد فأراد سليمان أن يتزوّجها فكره شعرها فعملت له الشياطين النورة والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذ كذا فى معالم التنزيل وعن أبى موسى أوّل من اتخذ الحمامات سليمان بن داود كذا قاله الثعلبى فلما تزوّجها سليمان أقرّها على ملكها وأمر الجنّ فابتنوا له بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير مثلها ارتفاعا وحسنا وهى بينون وسلحين وغمدان* فى معجم ما استعجم سلحين بكسر أوّله واسكان ثانيه بعده حاء مهملة مكسورة على وزن فعلين موضع باليمن وهو قصر سبأ بالمأرب ثم كان سليمان يزورها فى كل شهر مرّة بعد أن ردّها الى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام يبكر من الشام الى اليمن ومن اليمن الى الشام وولدت له فيما ذكر* وفى حياة الحيوان فولدت له غلاما سماه داود ومات فى حياته* وروى عن وهب أنه قال زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان اختارى رجلا من قومك أزوّجك اياه قالت ومثلى يا نبىّ الله ينكح الرجال وقد كان لى فى قومى من الملك والسلطان ما كان قال نعم انه لا يكون فى الاسلام الا ذلك ولا ينبغى لك أن تحرّمى ما أحل الله لك فقالت زوّجنى ان كان ولا بدّ من ذلك ذا تبع ملك همدان فزوّجه اياها ثم ردّها الى اليمن وسلط زوجها ذا تبع على اليمن ودعا زوبعة أمير جنّ اليمن وقال اعمل لذى تبع ما استعملك فيه فلم يزل بها ملكا يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان فلما أن جاء الحول وتبينت الجنّ موت سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى اذا كان فى جوف اليمن صرخ بأعلى صوته يا معشر الجنّ ان الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرّقوا وانقضى ملك ذى تبع وملك بلقيس مع ملك سليمان* وفى أنوار التنزيل قد اختلف فى أنه تزوّجها أو زوّجها من ذى تبع ملك همدان والله أعلم*
(حديث وفاة بلقيس)
* قال وهب أقامت بلقيس سبع سنين وسبعة أشهر ثم توفيت فدفنت تحت حائط بمدينة تدمر من أرض الشام ولم يعلم أحد بموضع قبرها الى أيام الوليد ابن عبد الملك بن مروان قال أبو موسى بن نصر بعثت فى خلافته الى مدينة تدمر ومعى العباس بن الوليد ابن عبد الملك فجاء مطر عظيم فانهار بعض حائط بمدينة تدمر فانكشفت الارض عن تابوت طوله ستون ذراعا متخذ من حجر أصفر كأنه الزعفران مكتوب عليه هذا مدفن تابوت بلقيس الصالحة زوجة سليمان ابن داود أسلمت لسنة عشرين خلت من ملكه وتزوّج بها يوم عاشوراء وتوفيت يوم الاثنين من شهر ربيع سنة سبع وعشرين خلت من ملكه ودفنت ليلا تحت حائط بمدينة تدمر لم يطلع على دفنها انس ولا جان الا من دفنها قال فرفعنا غطاء التابوت واذا هى غضة كأنها دفنت فى ليلتها فكتبنا بذلك الى الوليد فأمر بتركه فى مكانه وأن يبنى عليه بالصخر والمرمر كذا فى كتاب قصص الانبياء تأليف الامام أبى الحسين محمد ابن عبد الله الكسائى*
(ذكر صفة كرسى سليمان عليه السلام)
* روى أن سليمان أمر الجنّ باتخاذ كرسى له ليجلس عليه للقضاء وأمر أن يعمل بديعا مهولا مهيبا بحيث لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتعد من الهيبة فعملوه له من أنياب الفيل وزينوه باليواقيت واللؤلؤ والزبرجد وحفوه بأربع نخلات من ذهب شماريخها الياقوت الاحمر والزبرجد الاخضر وعلى رأس نخلتين منها طاوسان من ذهب وعلى الاخر بين نسران من ذهب وجعلوا بين جنبى الكرسى فى أسفله أسدين من ذهب على رأس كل واحد منهما عمود من الزبرجد الاخضر وعقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الاحمر فاذا(1/249)
أراد أن يصعد بسط الاسدان له ذراعيهما كذا فى أنوار التنزيل والمدارك واذا وضع رجله على الدرجة السفلى يستدير الكرسى بما فيه دوران الرحى وينشر النسران والطاوسان أجنحتهما ويبسط الاسدان ذراعيهما ويضربان الارض بأذنابهما وكذا يفعلان فى كل درجة يصعدها فاذا استوى بأعلاه أخذ النسران تاجه فوضعاه على رأسه واذا قعد أظله النسران بأجنحتهما ثم يستدير الكرسى بما فيه والنسران والطاوسان والاسدان ينضحان على رأسه المسك والعنبر ثم يتناول حمامة من ذهب فيه التوراة فيفتحها سليمان فيقرأها على الناس وكان التصوير مباحا حينئذ كذا فى المدارك ويجلس علماء بنى اسرائيل على كراسى الذهب وعظماء الجنّ على كراسى الفضة ويتقدّم الناس اليه للقضاء واذا دعا بالبينات وتقدّمت الشهود لاقامة الشهادات دار الكرسى بما فيه دوران الرحى والذى يدير الكرسى تنين عظيم من ذهب فاذا دار الكرسى بسط الاسدان أيديهما يضربان الارض بأذنابهما وينشر النسران والطاوسان أجنحتهما فتفزع الشهود فلا يشهدون الا بالحق* وهذا شأن كرسى سليمان وعجائبه وهو مما عمله صخر الجنى* وفى المدارك روى أن افريدون جاء ليصعد كرسيه فلما دنا ضرب الاسدان ساقه فكسراها فلم يجترئ أحد بعده أن يدنو منه* وفى رواية لما مات سليمان أخذ ذلك الكرسى بخت نصر فأراد أن يصعد عليه ولم يكن له علم بالصعود عليه فلما وضع قدمه على الدرجة رفع الا سديده اليمنى وضرب ساقه ودق قدمه فلم يزل يتوجع منها حتى مات وبقى الكرسى بانطاكية حتى غزا أكداس ابن كداس فهزم خليفة بخت نصر وردّ الكرسى الى بيت المقدس فلم يستطع أحد من الملوك الجلوس عليه والاستمتاع به فوضع تحت الصخرة وغاب فلا يعرف له خبر ولا أثر ولا يدرى أين هو*
سبب سلب ملك سليمان
وفى معالم التنزيل كان سبب سلب ملك سليمان ما ذكره محمد بن اسحاق وغيره عن وهب بن منبه أنه قال لما سمع سليمان بمدينة فى جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون بها ملك عظيم الشان لم يكن للناس اليه سبيل لمكانه فى البحر وكان الله قد آتى سليمان فى ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شىء فى برّ ولا بحر الا يركب اليه الريح فخرج الى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجنّ والانس فقتل ملكها واستأصل ما فيها وأصاب بنتا لذلك الملك يقال لها جرادة لم ير مثلها حسنا ولا جمالا فاصطفاها لنفسه ودعاها الى الاسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة وفق وأحبها حبا لم يحبه شيئا من نسائه وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها فشق ذلك على سليمان فقال لها ويحك ما هذا الحزن الذى لا يذهب والدمع الذى لا يرقأ قالت انى أذكر أبى واذكر ملكه وأذكر ما كان فيه وما أصابنى فيحزننى ذلك فقال سليمان قد أبدلك الله به ملكا هو أعظم من ملكه وسلطانا هو أعظم من سلطانه وهداك للاسلام وهو خير من ذلك كله قالت انه كذلك ولكنى اذا ذكرته أصابنى ما ترى من الحزن فلو أنك أمرت الشياطين فصوّر واصورته فى دارى التى أنا فيها أراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك حزنى وأن أتسلى برؤيته عن بعض ما أجد فى نفسى فأمر سليمان عليه السلام الشياطين فقال مثلوا لها صورة أبيها فى دارها حتى لا تنكر منه شيئا فمثلوها لها حتى نظرت الى أبيها بعينه الا انه لا روح فيه فعمدت اليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته بمثل ثيابه التى كان يلبس ثم كانت اذا خرج سليمان من دارها تغدو اليه فى ولائدها حتى تسجد له ويسجدون له كما كانت تصنع به فى ملكه وتروح كل عشية وصباح بمثل ذلك وسليمان لا يعلم بشىء من ذلك أربعين صباحا وبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صدّيقا وكان لا يردّ عن أبواب سليمان أىّ وقت أراد دخول بيت من بيوته دخل كان حاضرا سليمان أو كان غائبا فأتاه فقال يا نبىّ الله كبر سنى ودق عظمى ونفد عمرى وقد حان منى ذهاب أيامى وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه ما مضى من أنبياء الله واثنى عليهم بعلمى فيهم وأعلم الناس بما كانوا يجهلون من كثير(1/250)
أمورهم فقال افعل فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيبا فذكر من مضى من أنبياء الله واثنى على كل نبىّ بما فيه وذكر ما فضله الله به حتى انتهى الى سليمان فقال ما كان أحلك وأورعك فى صغرك وأفضلك فى صغرك وأحكم أمرك فى صغرك وأبعدك عن كل ما يكره فى صغرك ثم انصرف فوجد سليمان فى نفسه من ذلك شيئا ملأه غضبا وغيظا فلما دخل سليمان داره أرسل اليه فقال يا آصف ذكرت من مضى من انبياء الله بما اثنيت عليهم خيرا فى كل زمان وعلى كل حال من أمرهم فلما ذكرتنى جعلت تثنى علىّ خيرا فى صغرى وسكت عما سوى ذلك من أمرى فى كبرى فما الذى حدث فى آخر أمرى فقال ان غير الله ليعبد فى دارك منذ أربعين صباحا فى هوى امرأة فقال فى دارى قال فى دارك فقال انا لله وانا اليه راجعون لقد عرفت انك ما قلت الذى قلت الا عن شىء بلغك فرجع سليمان الى داره وكسر ذلك الصنم وعاقب تلك المرأة وولائدها ثم أمر بثياب الطهارة فأتى بثياب لا يغزلها الا الابكار ولا ينسجها الا الابكار ولا يغسلها الا الابكار ولم تمسها امرأة قد رأت الدم فلبسها ثم خرج الى فلاة من الارض وحده فأمر برماد ففرش له ثم أقبل تائبا الى الله عز وجل حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله عز وجل وتضرعا اليه يبكى ويدعو الله ويستغفر مما كان فى داره فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ثم رجع الى داره وكانت له أمّ ولد يقال لها الامينة كان اذا دخل مذهبه أو أراد اصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر وكان لا يمس خاتمه الا وهو طاهر وكان ملكه فى خاتمه فوضعه يوما عندها ثم دخل مذهبه فأتاها الشيطان صاحب البحر واسمه صخر على صورة سليمان لا تنكر منه شيئا فقال خاتمى يا أمينة فناولته اياه فجعله فى يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان وعكفت عليه الطير والجنّ والانس وخرج سليمان فأتى الامينة وقد غيرت حالته وهيئته عند كل من رآه فقال يا أمينة خاتمى قالت له من أنت قال أنا سليمان بن داود قالت كذبت قد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه فعرف سليمان ان خطيئته قد أدركته فخرج وهو خائف وجعل يقف على الدار من دور بنى اسرائيل ويقول أنا سليمان بن داود فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون انظروا الى هذا المجنون أى شىء يقول يزعم انه سليمان فلما رأى سليمان ذلك عمد الى البحر فكان ينقل الحيتان لاصحاب البحر الى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين فاذا أمسى باع احدى سمكتيه بأرغفة وشوى الاخرى فأكلها فمكث كذلك أربعين صباحا عدّة ما كان الوثن يعبد فى داره وانكر آصف وعظماء بنى اسرائيل حكم عدوّ الله الشيطان فى تلك الاربعين يوما فقال آصف يا معشر بنى اسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم نبىّ الله سليمان بن داود ما رأيت قالوا نعم قال أمهلونى حتى أدخل على نسائه فأسألهنّ هل انكرن شيئا منه من خاصة أمره ما أنكرنا فى عامة أمر الناس وعلانيته فدخل على نسائه فقال ويحكنّ هل أنكرتن من أمر ابن داود اليه راجعون ان هذا لهو البلاء المبين ثم خرج على بنى اسرائيل فقال ما فى الخاصة أكثر مما فى العامة فلما مضى أربعون صباحا طار ذلك الشيطان من مجلسه ثم مرّ بالبحر فقذف الخاتم فيه فبلعته سمكة فأخذها بعض الصيادين وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك حتى اذا كان العشى أعطاه سمكتيه فأعطى السمكة التى بلعت الخاتم وخرج سليمان بسمكتيه فباع التى ليس فى بطنها الخاتم بالارغفة ثمّ عمد الى السمكة الاخرى فبقرها ليشويها فاستقبله خاتمه فى جوفها فأخذه وجعله فى يده ووقع ساجد الله تعالى فعكفت عليه الطير والجنّ وأقبل عليه الناس وعرف الذى قد كان دخل عليه مما كان أحدث فى داره ورجع اليه ملكه وأظهر التوبة من ذنبه وأمر الشياطين فقال ائتونى بصخر فأتوه به فأخذه بعد أن جاؤا به اليه فجاب له صخرة فأدخله فيها ثم سدّ عليه بأخرى ثم أوثقه فيها بالحديد وسبك عليه بالرصاص(1/251)
ثم أمر به فقذف فى البحر* هذا خديث وهب بن منبه وقال الحسن ما كان الله ليسلط الشياطين على نساء الانبياء* وفى أنوار التنزيل نفذ حكمه فى كل شىء الا فيه وفى نسائه* وفى كتاب أبى المعين النسفى وما يروى أن سليمان زال ملكه أربعين يوما وان الشياطين تواصلوا الى نسائه وجواريه فتولد الاكراد الذين يسكنون الجبال فلما عاد اليه ملكه عزلهم عن نفسه قلنا غير صحيح والصحيح انه ماتوا صلوا الى نسائه وجواريه انتهى وكان سليمان يدور على البيوت ويتكفف الى آخر ما ذكر* قال السدّى كان سبب فتنة سليمان انه كانت له امرأة منهنّ يقال لها جرادة هى أبر نسائه وآمنهنّ عنده وكان يأتمنها على خاتمه اذا أتى الى حاجته فقالت له يوما ان أخى بينه وبين فلان خصومة وانا احب ان تقضى له اذا جاءك فقال نعم فلما تحاكما عنده أحب أن يكون الحق لاهل جرادة فابتلى بقوله فأعطاها خاتمه ودخل المخرج فجاء الشيطان فى صورته فأخذه وجلس على مجلس سليمان وخرج سليمان فسألها خاتمه قالت ألم تأخذه قال لا فخرج مكانه ومكث الشيطان يحكم بين الناس اربعين يوما فأنكر الناس حكمه فاجتمع قراء بنى اسرائيل وعلماؤهم حتى دخلوا على نسائه فقالوا انا قد انكرنا هذا فان كان سليمان فقد ذهب عقله فبكى النساء عند ذلك فأقبلوا حتى أحدقوا به ونشروا التوراة فقرؤها فطار من بين ايديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ثم طار حتى ذهب الى البحر فوقع الخاتم منه فى البحر فابتلعه حوت واقبل سليمان حتى انتهى الى صياد فى البحر وهو جائع فاشتدّ جوعه فاستطعمه من صيده وقال انا سليمان فقام اليه بعضهم بعصا فضربه فشجه فجعل يغسل دمه على شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذى ضربه وأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم فشق بطنهما وجعل يغسلهما فوجد خاتمه فى بطن احداهما فلبسه فردّ الله عليه ملكه وبهاءه وحامت عليه الطير فعرف القوم انه سليمان فقاموا يعتذرون اليه مما صنعوا فقال ما احمدكم على عذركم ولا الومكم على ما كان منكم هذا امر كان لا بدّ منه ثم جاء حتى اتى ملكه وامر فأتى بالشيطان الذى اخذ خاتمه وجعله فى صندوق من حديد واطبق عليه واقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه وامر به فألقى فى البحر فهو حىّ كذلك حتى تقوم الساعة* وفى بعض الروايات ان سليمان عليه السلام لما افتتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه فأخذه سليمان ليجعله فى يده فسقط فأيقن سليمان بالفتنة فبينما هو كذلك مفكر اذ دخل آصف فذكر له قصته فقال له آصف انك مفتون بذنبك والخاتم لا يتماسك فى يدك أربعين يوما ففرّ الى الله تائبا فانى اقوم مقامك وأسير بسيرتك الى ان يتوب الله عليك ففرّ سليمان هاربا الى ربه واخذ آصف الخاتم فوضعه فى اصبعه فثبت فأقام آصف فى ملكه يسير بسيرته اربعين يوما الى أن ردّ الله على سليمان ملكه فجلس على كرسيه واعاد الخاتم فى يده فثبت* وفى انوار التنزيل خطيئة سليمان تغافله عن حال اهله لان اتخاذ التماثيل كان جائزا حينئذ وسجود الصورة بغير علمه لا يضرّه* وفى المدارك اما ما يروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن فى بيت سليمان فمن اباطيل اليهود*
وفاة سليمان
وروى ان داود ملك اربعين سنة وأسس بناء بيت المقدس فى موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات يوم السبت أواخر سنة وأسس بناء بيت المقدس فى موضع فسطاط موسى عليه السلام فمات يوم السبت أواخر سنة خمس وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى قبل تمام بيت المقدس فوصى به سليمان فاستعمل الجنّ فى عمارته فلم يتم بعد اذ علم بدنوّ أجله* وفى معالم التنزيل كان لا يصبح سليمان يوما الا نبتت فى محرابه ببيت المقدس شجرة فسألها ما اسمك فتقول اسمى كذا فيقول لاىّ شىء انت فتقول لكذا وكذا فيأمر بها فتقطع فان كانت نبتت لغرس غرسها وان كانت لدواء كتبت حتى نبتت الخرّوبة فقال لها ما انت قالت الخروبة قال لاى شىء نبت قالت لخراب مسجدك قال سليمان ما كان الله ليخربه وانا حىّ انت الذى على منبتك هلاكى وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها فى حائط له فأرادان يعمى(1/252)
على الجنّ موته ليتموا المسجد فقال اللهم عمّ على الجنّ موتى حتى يعلم الانس ان الجنّ لا يعلمون الغيب وكانت الجنّ تخبر الانس انهم يعلمون من الغيب اشياء ويعلمون ما فى غد ودعا الجنّ فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب فقام يصلى متكئا على عصاه فقبض روحه وهو متكئ عليها فبقى كذلك حتى اكلتها الارضة فخرّ ثم فتحوا عنه وأرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الارضة على العصا فأكلت يوما وليلة مقدارا فحسبوا على ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة* ذكر أهل التاريخ أن سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة ومدّة ملكه أربعون سنة* وفى المدارك قيل فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة وملك بعد الفتنة عشرين سنة وملك بعد وفاة أبيه داود وهو ابن ثلاث عشرة سنة وروى عمره اثنتا عشرة سنة وكان مولده بغزة وابتداؤه فى بناء بيت المقدس لا ربع مضين من ملكه وأقام فى عمارة بيت المقدس سبع سنين وفرغ منه فى السنة الحادية عشر من ملكه وهذا ينافى ما تقدّم آنفا من قوله فلم يتم بعد اذ علم بدنوّ أجله وكان من هبوط آدم الى الطوفان الفان ومائتان واثنتان وأربعون سنة ومن الطوفان الى وفاة سام بن نوح خمسمائة سنة ومن وفاة سام الى بناء سليمان بيت المقدس ألف وستمائة واثنتان وسبعون سنة فيكون من هبوط آدم الى ابتداء سليمان بناء بيت المقدس أربعة آلاف وأربعمائة وأربع عشرة سنة وبين عمارة بيت المقدس والهجرة النبوية ألف وثمانمائة وقريب من ستين سنة*
وفاة عبد المطلب
ومن وقائع السنة الثامنة وفاة عبد المطلب واختلف فى سن عبد المطلب حين مات فقال السهيلى ان عبد المطلب مات وعمره مائة وعشرون سنة* وقال ابن جبير عمره خمس وتسعون سنة وقيل مائة وعشر سنين وقيل مائة وأربعون سنة وقيل ثنتان وثمانون سنة ذكر هذه الاقاويل الاربعة الاخيرة مغلطاى فى سيرته وقد عمى قبل موته ودفن على ما ذكره ابن عساكر بالحجون كذا فى شفاء الغرام ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ ابن ثمان سنين وشهر وعشرة أيام كذا فى نور العيون لليعمرى* وفى سيرة مغلطاى وقيل ثمان سنين وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتذكر موت عبد المطلب قال نعم انا يومئذ ابن ثمان سنين* وفى المواهب اللدنية وسيرة مغلطاى قيل كان ابن تسع سنين وقيل عشر وقيل ست وقيل ثلاث وفيه نظر قالت أمّ أيمن رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبكى خلف جنازة عبد المطلب وفى المنتقى توفى عبد المطلب فى ملك كسرى هرمز بن أنوشروان*
كفالة أبى طالب له صلّى الله عليه وسلم
ومن وقائع السنة الثامنة كفالة أبى طالب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم روى أنه لما مات عبد المطلب كفل أبو طالب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وضمه اليه وذلك لان أبا طالب وعبد الله أبا النبىّ صلّى الله عليه وسلم كانا من أمّ واحدة وهى فاطمة بنت عمرو وكان الزبير عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أيضا من أمّهما لكن كفالة أبى طالب اما بوصية عبد المطلب واما لانّ الزبير وأبا طالب اقترعا فخرجت القرعة لابى طالب واما لانّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم اختار أبا طالب لكثرة مؤانسته وشفقته قيل بل كفله الزبير حتى مات ثم كفله أبو طالب وهذا غلط لان الزبير شهد حلف الفضول بعد موت عبد المطلب ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم نيف وعشرون سنة وأجمع العلماء أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم شخص مع عمه أبى طالب الى الشام بعد موت عبد المطلب بأقل من خمس سنين فهذا يدل على أن أبا طالب كفله ذكره ابن الاثير فى أسد الغابة* وروى أن أبا طالب كان فقيرا وكان يحبه حبا شديدا وكان لا يحب أولاده كذلك وكان لا ينام الا الى جنسه ويخرج معه متى يخرج* وفى المواهب اللدنية وقد أخرج ابن عساكر عن جلهمة بن عرفة قال قدمت مكة وهم فى قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادى وأجدب العيال وهلكت المواشى فهلم استسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجنّ تجلت عنه سحابة قتماء وما زال يسعى والغلام معه فلما صارا بازاء الكعبة وحوله اعيلمة فألصق الغلام ظهره(1/253)
بالكعبة ولا زال يشير بأصبعه وما فى السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق وانفجر الوادى وأخصب النادى والبادى وفى ذلك يقول أبو طالب
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للارامل
الثمال بكسر المثلثة الملجأ والغياث وعصمة الارامل أى يمنعهم من الضياع والحاجة والارامل المساكين من الرجال والنساء ويقال لكل واحد من الفريقين على انفراده أرمل وهو بالنساء أخص وأكثر استعمالا والواحد أرمل وأرملة وهذا البيت من أبيات قصيدة لابى طالب ذكرها ابن اسحاق بطولها وهى أكثر من ثمانين بيتا انتهى* وانشأ أبو طالب فى مدح النبىّ صلّى الله عليه وسلم أبياتا منها هذا البيت
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وحسان بن ثابت ضمن شعره هذا البيت فقال
ألم تر أن الله أرسل عبده ... بآياته والله أعلى وأمجد
أغر عليه للنبوّة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الا له اسم النبىّ الى اسمه ... اذا قال فى الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
نبىّ أتانا بعد يأس وفترة ... من الدين والاوثان فى الارض تعبد
وأرسله ضوأ منيرا وهاديا ... يلوح كما لاح الصقيل المهند
وكان اذا أكل عيال أبى طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا واذا أكل معهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم شبعوا وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا ويصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلم صقيلا دهينا كحيلا وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبغض حضور الاصنام والاعياد مع قومه* روى ان بوانة كانت صنما يحضره قريش فى كل سنة يوما ويعظمونه ويعبدونه ويجعلونه عيدا وتنسك له النسائك ويحلقون رؤسهم عنده ويعكفون عنده الى الليل وكان أبو طالب يحضره مع قومه وكان يكلم النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فغضب أبو طالب وأعمامه عليه فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع اليهم مرعوبا فزعا فقالوا له ما الذى رأيت قال انى كل ما دنوت من صنم منها تمثل لى رجل أبيض طويل يصيح بى وراءك يا محمد لا تمسه فاعاد الى عيدهم بعد ذلك وكان لم يأكل مما ذبح على النصب وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعبد الله وحده قبل أن يوحى اليه لانه كان من ورثة دعوة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام* قال العلامة الدوانى فى تفسير قل يأيها الكافرون اختلف الاصوليون فى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم هل كان متعبدا بشريعة من قبله أولا فقيل انه كان متعبدا بشريعة موسى وقيل بشريعة عيسى وقيل بشريعة ابراهيم وقيل بشريعة نوح عليهم السلام وقيل انه لم يكن متعبدا فالمختار انه كان متعبدا قبل البعث لما ثبت أنه كان متعبدا فى غار حراء والتعبد لا يكون الا بشريعة لان الحاكم هو الشرع عند أهل الحق وعلى مذهب المعتزلة القائلين بحكم العقل الامر أظهر اذ العبادة لا تتوقف على هذا التقدير على شريعة والحاصل انه كان يتحنث فى غار حراء أى يتعبد الليالى ذوات العدد فلا جرم تكون هذه العبادة لله تعالى لا غير اذ الانبياء معصومون عن الكفر قبل البعثة بالاتفاق* روى عن علىّ رضى الله عنه أنه قال قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يا رسول الله هل عبدت غير الله قال لا قيل فهل شربت خمرا قط قال لا ثم قال ما زلت أعرف ان الذى هم عليه كفر(1/254)
وما كنت أدرى ما الكتاب ولا الايمان وكذلك سائر الانبياء اذ لم ينقل ناقل من المسلمين ولا من أهل الكتاب ان أحدا من الانبياء كان يعبد سوى الله تعالى قبل أن يوحى اليه* وورد فى تفسير قوله تعالى ووجدك ضالا فهدى أى غير مهتد الى تفاصيل الملة الحنيفية وكان يسمع بأنها ملة أبيه ابراهيم الخليل فطفق يطلبها ولا يهتدى الى تفاصيلها فهداه الله منها الى سواء السبيل وكان موسى مؤمنا حين قتل القبطى باخبار الله ايانا فقال تعالى قال رب انى ظلمت نفسى فاغفرلى فغفر له وقال رب بما أنعمت علىّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم أخبر عنه قال فعلتها اذا وأنا من الضالين فعلمنا ان ضلاله كان من شرائع الاحكام الحلال والحرام والتكاليف التى لا تعرف الا بتوفيق وكان العلم بتفاصيل الشرائع قد درس فى عصر النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم يذهب بالتوحيد على جماعة منهم ورقة بن نوفل وزيد بن نفيل وأبو ذرّ الغفارى وكان منهم أمية بن أبى الصلت فارتدّ وعتبة بن ربيعة ثم ارتدّ وأبو عامر الراهب بن صيفى ثم ارتدّ حسدا للنبىّ صلّى الله عليه وسلم*
موت حاتم الطائى وموت كسرى أنوشروان
ومن وقائع هذه السنة موت حاتم الطائى وهو حاتم بن عبد الله ابن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس وهو حاتم المشهور الذى يضرب به المثل فى الجود والكرم* ومن وقائع هذه السنة موت كسرى أنوشروان وولاية ابنه هرمز السلطنة* وفى نظام التواريخ كان هرمز بن أنوشروان ملكا ذا عدل ورأى ولكن كان يستحقر الناس ذوى الحسب والنسب ويولى الاراذل والدون وكان ملكه احدى عشرة سنة وأربعة أشهر وقيل قبر أنوشران بالجبل الاحمر* ومن وقائع السنة التاسعة من مولده صلّى الله عليه وسلم ما جاء فى بعض الروايات أن أبا طالب خرج برسول الله صلّى الله عليه وسلم الى بصرى من الشام وهو ابن تسع سنين* وفى معجم ما استعجم بصرى بضم أوّله واسكان ثانيه وفتح الراء المهملة مدينة حوران*
ذكر حرب الفجار
ومن وقائع السنة العاشرة من مولده صلّى الله عليه وسلم الفجار الاوّل وهو قتال بعكاظ وكان الحرب فيه ثلاثة أيام وفى دلائل النبوّة الفجار اثنان أما الفجار الاوّل فكانت وقعته ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم عشر سنين وكانت الحرب فيه ثلاث مرات أما المرّة الاولى فسببها ان بدر بن مغيث الغفارى ممن كان يفخر على الناس فبسط يوما رجله وقال أنا أعز العرب فمن زعم أنه أعز منى فليضربها بالسيف فوثب رجل من بنى نضر بن معاوية يقال له الاحمر بن مازن فضربه بالسيف على ركبته واندرها فاقتتلوا* وأما المرّة الثانية فكان سببها ان امرأة من بنى عامر كانت جالسة بسوق عكاظ فطاف بها شاب من قريش من بنى كنانة وكان معه وفقة فسألوها أن تكشف عن وجهها فأبت فقام أحدهم فجلس خلفها فعقد طرف درعها الى ما فوق عجزها بشوكة فلما قامت انكشف دبرها فضحكوا منها فقالوا منعتينا النظر الى وجهك وجدت لنا بالنظر الى دبرك وجاء مثلها فى سبب غزوة بنى قينقاع أيضا كما سيجىء فى الموطن الثانى فنادت المرأة يا آل عامر فثاروا بالسلاح واقتتلوا مع بنى كنانة فوقع بينهما دم فتوسطها حرب بن أمية وأرضى بنى كنانة من مثلة صاحبهم* وأما المرّة الثالثة فكان سببها انه كان لرجل من بنى جشم بن عامر دين على رجل من بنى كنانة فلواه به فجرت بينهما خصومة فاقتتل الحيان وحمل بن جدعان ذلك فى ماله وكان ذا مال وثروة وسنذكر سبب ثروته وهذه الايام لم يحضرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأما الفجار الآخر فحضر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعض أيامه كما سيجىء فى الباب الثانى فى حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلى الله عليه وسلم*
سبب ثروة عبد الله بن جدعان
وأما سبب ثروة عبد الله بن جدعان فانه كان فى ابتداء أمره صعلوكا ترب اليدين وكان مع ذلك شريرا فاتكا لا يزال يجنى الجنايات فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته ونفاه أبوه وحلف أن لا يؤويه أبدا فخرج فى شعاب مكة حائرا مائرا يتمنى الموت أن ينزل به فرأى شقا فى جبل فظنّ أنّ فيه حية فتعرض للشق يرجو أن يكون فيه ما يقتله فيستريح فلم ير شيئا فدخل فيه فاذا فيه ثعبان(1/255)
عظيم له عينان يتقد ان كالسراج فحمل عليه الثعبان فتقدّم فأفرج اليه فانساب اليه مستديرا بدارة عند بيت ثم خطا خطوة أخرى فصفر به الثعبان فأقبل اليه كالسهم فأفرج له فانساب عنه فوقف ينظر ويتفكر فى أمره فوقع فى نفسه انه مصنوع فأمسكه بيده فاذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت فاذا جثث طوال على سرير لم ير مثلهم طولا ولا عظما وعند رؤسهم لوح من فضة فيه تاريخهم فاذاهم رجال من ملوك حمير وآخرهم موتا الحارث بن مضاض صاحب العذبة الطويلة فاذا عليهم ثياب من وشى لا يمس منها شىء الا انتثر كالهباء من طول الزمان مكتوب فى اللوح عظات* قال ابن هشام كان اللوح من رخام وكان فيه آنا نفيلة بن عبد المدان ابن حشرم بن عبد ياليل بن جرهم بن فحطان بن نبىّ الله هود عشت خمسمائة عام وقطعت غور الارض باطنها وظاهرها فى طلب الثروة والمجد والملك فلم يكن ذلك ينجينى من الموت واذا فى وسط البيت كوم عظيم من الياقوت واللؤلؤ والذهب والفضة والزبرجد فأخذ منه ما أخذ ثم علم الشق بعلامة وأغلق بابه بالحجارة وأرسل الى أبيه بالمال الذى خرج به منه يسترضيه ويستعطفه ووصل عشيرته كلهم فسادهم وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس ويفعل المعروف وكانت جفنته يأكل منها الراكب على البعير وسقط فيها صبى فغرق ومات*
نفيسة
وفى غريب الحديث لابن قتيبة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال كنت استظل بجفنة عبد الله بن جدعان صكة عمى يعنى فى الهاجرة وسميت الهاجرة صكة عمى لخبر ذكره أبو حنيفة وهو أن عميا رجل من عدوان وقيل من اياد وكان فقيه العرب فى الجاهلية فقدم فى قوم معتمرا أو حاجا فلما كان على مرحلتين من مكة قال لقومه وهم فى وسط الظهيرة من أتى مكة غدا فى مثل هذا الوقت كان له أجر عمرتين فصكوا الابل صكة شديدة حتى أتوا مكة من الغد وعمى تصغير أعمى على الترخيم وحذف الزائدة فسميت الظهيرة صكة عمى وعبد الله بن جدعان تيمى يكنى أبا زهير وهو ابن عمّ عائشة أمّ المؤمنين قالت عائشة رضى الله عنها يا رسول الله انه كان يطعم الطعام ويقرى الضيف ويفعل المعروف هل ينفعه ذلك يوم القيامة قال صلّى الله عليه وسلم انه لم يقل يوما رب اغفرلى خطيئتى يوم الدين كذا قاله السهيلى فى الروض الانف* وفى كتاب رىّ العاطش وأنس الواحش لاحمد بن عمار أن ابن جدعان ممن حرّم الخمر فى الجاهلية بعد ان كان بها مغرى وذلك انه سكر ليلة فصار يمدّيده ويقبض على ضوء القمر ليأخذه فضحك منه جلساؤه فأخبر بذلك حين صحا فحلف أن لا يشربها أبدا فلما كبر وهرم أراد بنو تيم أن يمنعوه من تبذير ماله ولاموه فى العطاء فكان يدعو الرجل فيدنو فاذا دنا منه لطمه لطمة خفيفة ثم يقول له قم فانشد لطمتك واطلب ديتها فاذا فعل ذلك أعطته بنو تيم من مال ابن جدعان كذا فى حياة الحيوان* ومما يناسب صكة عمى رمى البعرة على رأس الحول عن أمّ سلمة تقول جاءت امرأة الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان ابنتى توفى عنها زوجها وقد اشتكت عيها أفنكحلها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا مرّتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انما هى أربعة أشهر وعشر وقد كانت احدا كنّ فى الجاهلية ترمى بالبعرة على رأس الحول قالت زينب كانت المرأة اذا توفى عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شرى ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمرّ بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة فتقتض به فقلما تقتض بشىء الا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره الحفش بكسر الحاء وسكون الفاء البيت الصغير جدّا سئل مالك ما معنى تقتض قال تمسح به جلدها كذا فى صحيح البخارى*
أول ما رأى عليه السلام من أمر النبوّة
ومن وقائع السنة الحادية عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم ما روى عن أبى بن كعب ان أبا هريرة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جريا أن يسأل عن أشياء لا يسأله عنها غيره فقال يا رسول الله ما أوّل ما رأيت(1/256)
من أمر النبوّة فاستوى جالسا وقال قد سألت يا أبا هريرة انى لفى صحراء ابن عشر سنين وأشهر واذا بكلام فوق رأسى فاذا برجل يقول لرجل هو هو فاستقبلانى بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط وثياب لم أرها على خلق قط فأقبلا الىّ يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدى لا أجد لاحدهما مسا فقال أحدهما لصاحبه اضجعه فأضجعانى بلا قصر ولا هصر فقال أحدهما لصاحبه افلق صدره فنجد أحدهما الى صدرى ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع فقال له أخرج الغل والحسد فأخرج شيئا كرضة العلقة ثم نبذها فقال له أدخل الرأفة والرحمة فاذا مثل الذى اخرج شبه الفضة ثم هز ابهام رجلى فقال اعد واسلم فرجعت أعدو رأفة على الصغير ورحمة على الكبير والله أعلم
* (الباب الثانى فى الحوادث من السنة الثانية عشر الى السنة الرابعة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم
من ارتحال أبى طالب معه الى الشام وذكر رعيه الغنم والفجار الثانى وعزم الزبير ابن عبد المطلب أو العباس لسفر اليمن وخلع هرمز من السلطنة وقتل هرمز وتولى كسرى برويز السلطنة والفجار الثانى عند البعض وولادة عمر بن الخطاب وصحبته صلّى الله عليه وسلم مع أبى بكر يريد ان الشام وحلف الفضول وشكايته الى عمه أبى طالب من آت يأتيه منذ ليال وهدم الكعبة وبنائها عند بعض العلماء) *
* خروجه عليه السلام مع أبى طالب الى الشام
ومن حوادث السنة الثانية عشر من مولده عليه السلام ارتحال أبى طالب معه الى الشام* فى حياة الحيوان خرج أبو طالب معه الى الشام وهو ابن اثنتى عشرة سنة* وفى المواهب اللدنية ولما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتى عشرة سنة خرج مع عمه أبى طالب الى الشام* وقال ابن الاثير فى أسد الغابة انّ أبا طالب سار الى الشام وأخذ معه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان عمره اثنتى عشرة سنة وقيل تسع سنين والاوّل أكثر* وفى الصفوة قال أهل السير والتواريخ لما أتت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم اثنتا عشرة سنة وشهران وعشرة أيام* وفى سيرة مغلطاى وشهر وقيل لعشر خلون من ربيع الاوّل سنة ثلاث عشرة من الفيل ارتحل به أبو طالب الى الشام وكذا فى سيرة اليعمرى فيكون خروجه على هذا فى السنة الثالثة عشر وكان أبو طالب لم يرد أن يذهب به معه لكن لما تهيأ للرحيل وأجمع للسيرهب له رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال يا عم الى من تكلنى لا أب لى ولا أم فرق له أبو طالب فقال والله لأخرجن به معى ولا يفارقنى ولا أفارقه أبدا فخرج به معه وذلك فى المرة الاولى فسار الركب حتى نزلوا قرية من قرى الشام يقال لها كفر ومنها الى بصرى ستة أميال أو ثمانية وكان يسكنها راهب يقال له بحيرا بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره راء مقصورة قاله الذهبى رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل البعث وآمن به ذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة* وقال السهيلى وقع فى سيرة الزهرى انه كان حبرا من يهودتيما* وفى المسعودى انه كان من عبد القيس واسمه جرجيس ويكون فى صومعة له ولذا اشتهرت تلك القرية بدير بحيرا وكان ذا علم فى النصرانية ولم يزل فى تلك الصومعة راهب من علماء النصارى يصير اليه علمهم عن كتاب يدرسونه فيما يزعمون يتوارثونها كابرا عن كابر فلما نزلوا ببحير انزلوا منزلا قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مرّوا به ولا يكلمهم بحيرا حتى اذا كان ذلك العام ونزلوه صنع لهم طعاما ثم دعاهم وانما حمله على دعائهم انه رأى حين طلعوا على تلك الاماكن غمامة تظل رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ثم نظر الى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة وأخصت أغصان تلك الشجرة على النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين استظل تحتها فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بالطعام فأرسل اليهم فقال صنعت لكم طعاما يا معشر قريش(1/257)
وأنا أحب أن تحضروه كلكم ولا يتخلف منكم صغير ولا كبير ولا حر ولا عبد فانّ هذا شىء تكرموننى به فقال رجل ان لك لشأنا يا بحيرا ما كنت تصنع بنا هذا قبل فما شأنك اليوم فقال انى أحببت أن أكرمكم فلكم حق علىّ فاجتمعوا اليه وتخلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من بين القوم فى رحالهم تحت الشجرة لحداثة سنه اذ ليس فى القوم أصغر منه فلما نظر بحيرا الى القوم ولم ير الصفة التى يعرفها ويجدها عنده وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها متخلفة فوق الشجرة على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش فلا يتخلفن أحد منكم عن طعامى قالوا ما تخلف أحد الاغلام هو أحدث القوم سنا فى الرحال فقال ادعوه فليحضر طعامى فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد منكم مع انى أراه من أنفسكم فقال القوم هو والله من أوسطنا نسبا وهو ابن أخى هذا الرجل يعنون أبا طالب وهو من ولد عبد المطلب فقام الحارث بن عبد المطلب فقال والله ان كان من اللؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا ثم احتضنه الحارث وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه وجعل بحيرا يلحظه لحظا شديدا وينظر الى أشياء فى جسده قد كان يجدها عنده فى صفته فلما تفرّقوا عن الطعام قام اليه الراهب فقال يا غلام أسألك بحق اللات والعزى الا أخبرتنى عما أسألك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تسألنى باللات والعزى فو الله ما أبغضت شيئا بغضهما قال بالله الا أخبرتنى عما أسألك عنه قال سلنى عما بدالك فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عنده ثم جعل ينظر بين عينيه ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوّة بين كتفيه على الصفة التى عنده فقبل موضع الخاتم قالت قريش ان لمحمد عند الراهب لقدرا وجعل أبو طالب يخاف على ابن أخيه لما يرى من الراهب قال الراهب لابى طالب ما هذا الغلام منك قال ابنى قال ما هو ابنك وما ينبغى لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال ابن أخى قال فما فعل أبوه قال هلك وأمّه حبلى قال فما فعلت أمّه قال توفيت قريبا قال صدقت ارجع بابن أخيك الى بلده واحذر عليه اليهود فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنّ قتله فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم نجده فى كتبنا وما روينا عن آبائنا واعلم انى قد أدّيت اليك النصيحة فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا وكان رجال من اليهود قد رأوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعرفوا صفته فأرادوا أن يغتالوه فذهبوا الى بحيرا فذاكروه أمره فنهاهم أشد النهى وقال لهم أتجدون صفته قالوا نعم قال فما لكم اليه سبيل فصدّقوه وتركوه ورجع أبو طالب الى مكة سالما فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه كذا فى المنتقى* وفى المشكاة عن أبى موسى قال خرج أبو طالب الى الشام وخرج معه النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم وهبط اليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرّون به فلا يخرج اليهم قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه رحمة للعالمين فقال له أشياخ قريش ما علمك فقال انكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر الا خرّ ساجدا ولا يسجدان الا لنبىّ وانى أعرفه بخاتم النبوّة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع وصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو فى رعية الابل فقال ارسلوا اليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوا الى فىء شجرة فلما جلس مال فىء الشجرة عليه فقال انظروا الى فىء الشجرة مال عليه فقال أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا ابو طالب فلم يزل يناشده حتى ردّه أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوّده الراهب من الكعك والزيت رواه الترمذى* وفى حياة الحيوان قال الحافظ الدمياطى وفى الحديث وهم فى قوله بعث(1/258)
معه أبو بكر بلالا اذ لم يكونا معه ولم يكن بلال أسلم ولا ملكه أبو بكر بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين ولم يملك أبو بكر بلالا الا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبى* قال ابن حجر رجال هذا الحديث ثقات وليس فيه منكر سوى قوله وبعث معه أبو بكر بلالا فيحمل على انه مدرج فيه مقتطعة من حدى آخر وهما من أحد رواته* وفى المواهب اللدنية قال الذهبى فى تجريد الصحابة انّ بحيرا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل البعث وآمن به وذكره ابن منده وأبو نعيم فى الصحابة وهذا كما سبق يبتنى على تعريفهم الصحابة بمن رآه صلّى الله عليه وسلم وهل المراد حال النبوّة أو أعم من ذلك حتى يدخل فيه من رآه قبل النبوّة ومات قبلها على دين الحنيفية وهو محل نظر*
(ذكر رعيه صلى الله عليه وسلم الغنم)
* فى الصفوة عن أبى هريرة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم قال ما بعث الله نبيا الارعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة انفرد باخراجه البخارى وقد رواه سعيد بن أبى أحيحة فقال فيه كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط* قال سويد بن سعيد يعنى كل شاة بقيراط* وقال الجريرى القراريط موضع ولم يرد بذلك القراريط من الفضة وذكر مغلطاى رعيه الغنم فى سيرته فى سنة عشرين وقال كان يرعى غنم أهله بأجياد على قراريط
*
ولادة عمر رضى الله عنه
وفى السنة الثالثة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم ولد عمر بن الخطاب وفى الاستيعاب ولد عمر بعد الفيل بثلاث عشرة سنة* وروى أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه قال سمعت عمر يقول ولدت قبل الفجار الاعظم بأربع سنين* وفى بعض الكتب أورد ولادة عمر فى سنة احدى وعشرين من مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكذا يفهم من كلام صاحب الصفوة*
حرب الفجار الآخر
ومن حوادث السنة الرابعة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم الفجار الآخر* قال ابن هشام لما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عيلان وهو من أعظم أيام العرب وكان الذى أهاجها ان عروة الرحال بن عتيبة بن ربيعة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس أحد بنى ضمرة بن بكر بن عبد منات بن كنانة أتجيرها على كنانة قال نعم وعلى الخلق فخرج عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته حتى اذا كان بتيمن ذى ظلال بالعالية غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله فى الشهر الحرام فلذلك سمى الفجار فأتى آت قريشا فقال انّ البراض قد قتل عروة وهو فى الشهر الحرام بعكاظ فارتحلوا وهوازن لا تشعر ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم فاقتتلوا حتى جاء الليل ودخلوا الحرم فأمسكت عنهم هوازن ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما عديدة والقوم يتساندون وعلى كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم وشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعض أيامهم وهو يوم النخلة وهو من أعظم أيام الفجار وكذا فى أسد الغابة لابن الاثير أخرجه أعمامه معهم وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم كنت أنبل على أعمامى يوم الفجار اى كنت أناولهم النبل وأردّ عليهم نبل عدوّهم اذا رموهم بها ويحفظ متاعهم وكان لرسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ أربع عشرة سنة ويقال عشرين سنة كذا فى دلائل النبوّة* قال ابن اسحاق هاجت حرب الفجار ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وقد حضره ورمى فيه مع أعمامه بأسهمهم وانما سمى حرب الفجار بما استحل هذان الحيان يعنى كنانة وقيس عيلان فيه من المحارم بينهم وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس فكان الظفر فى أوّل النهار لقيس على كنانة حتى اذا كان وسط النهار كانت الظفر لكنانة على قيس* قال ابن اسحاق كان الفجار الآخر بعد الفيل بعشرين سنة فلم يكن فى الحرب يوم أعظم ولا أذهب ذكرا فى الناس منه وقع بين(1/259)
قريش والفها من كنانة وبين قيس عيلان فالتقوا بعكاظ كذا فى شفاء الغرام وقيل انه شهد يوم شمطة أيضا وهو من أعظم أيام الفجار وكانت الهزيمة فيه على قريش وهذا ليس بشئ كذا فى أسد الغابة* وفى السنة الخامسة عشر من مولده عليه السلام ولد أبو طلحة الانصارى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة السادسة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم عزم الزبير بن عبد المطلب أو العباس لسفر اليمن للتجارة ولما تهيأ لذلك التمس من أبى طالب أن يبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم معه رجاء أن يناله من بركته فبعثه أبو طالب مع عمه الى اليمن ورأى منه فى الطريق كثيرا من الخوارق كذا فى روضة الاحباب* وفى السنة السابعة عشر ولد حاطب بن أبى بلتعة* ومن حوادث هذه السنة انه وثب العظماء والاشراف بالمدائن وخلعوا هرمز لظلمه وسملوا عينيه وتركوه* وفى السنة الثامنة عشر ولد خباب بن الارت ومحمد بن مسلمة الانصارى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة التاسعة عشر من مولده صلّى الله عليه وسلم قتل هرمز الظالم بن أنوشروان العادل بعد خلعه وكانت ولاية هرمز احدى عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام وقيل اثنتى عشرة سنة*
ولاية كسرى برويز
وفى هذه السنة تولى الملك كسرى برويز بن هرمز بن أنوشروان بن قباد من الملوك الساسانية وهم أحد وثلاثون ملكا ومدّة ملكهم خمسمائة وسبع وعشرون سنة ومعنى برويز بالعربية المظفر والفرس يسمونه خسرو* ولما تقر ملكه قتل الذين قتلوا أباه هرمز والغرس بالغوا فى ملكه وسلطنته لكن الرواية المعتمد عليها مثل رواية حمزة الاصبهانى وغيره انها كانت له احدى عشرة ألف جوار من المطربة والخدمة وستة آلاف خادم وحارس وعشرين ألفا وخمسمائة من الافراس البراذن والعربية والزومية وبغال الركوب وتسعمائة وستين فيلافى حضرته سوى التى كانت فى البلاد والامصار وأطراف مملكته* وفى حياة الحيوان ان كسرى برويز كان له خمسون ألف دابة واثنا عشر ألف زوجة وقيل ثلاثة آلاف امرأة وحين يركب كان يمشى معه مائتا ألف انسان معهم المجامر والمعاطر يشم منها الروائح الطيبة والمشمومات العبقة وكان له ألف ممن يحملون الماء مع دوابهم معدين لرش الماء فى طرقه لاطفاء الغبار وكان رجلا حسن الوجه حسن الشمائل شجاعا ذا قوّة بدنية وشهوانية وكانت له قطعة ذهب لين قابل للتشكل بأشكال مختلفة كالشمعة يصنع منها ما يريد من الاشكال من غير مساس النار وكانت له قصعة اذا شرب ماؤها تمتلئ بنفسها من غير أن يملأها أحد وكانت عنده مثال يد وكف من عاج لها خمس أصابع منبسطة وحين ولادة مولود له يلقى ذلك العاج فى الماء فاذا ولد المولود تنقبض أصابع العاج فتعرف ولادته فيخرج المنجم طالع المولود ولا يحتاج الى أن يسأل عن ولادته أحدا قيل فى عهده ولد الفيل بخراسان ولم يكن هناك للفيل ولادة* روى انه أصاب كنزا أتى به الريح وقصته انها وقعت بين كسرى وقيصر مخالفة فقصد كسرى ملكه وسار اليه حتى نزل ساحل البحر فخاف قيصر وحمل خزائن آبائه وأجداده فى السفن فأدّتها الريح الى كسرى ولما مضى من ملكه تسع عشرة أو عشرون سنة نزل الوحى الى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم ولما مضى من النبوّة تسع عشرة سنة كتب اليه النبىّ صلّى الله عليه وسلم ودعاه الى الاسلام فأبى ومزق الكتاب فلما سمع النبىّ عليه السلام بذلك دعا عليه فقال مزق الله ملكه كما مزق كتابى فوقع فى ملكه تزلزل وفتنة فخرج عليه ابنه شيرويه وقتله ومدّة ملكه ثمان وثلاثون سنة وسيجىء فى الموطن السادس فى ارسال الرسل الى ملوك الاطراف* ومن حوادث سنة عشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم حرب الفجار الثانى عند بعض الرواة فى شوّال وقد سبق ذكره*
صحبة أبى بكر للنبى فى تجارة الى الشام
ومن وقائع هذه السنة ما روى عن ابن عباس ان أبا بكر رضى الله عنهما صحب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانى عشرة سنة والنبىّ صلّى الله(1/260)
عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام فى تجارة حتى نزلوا منزلا فيه سدرة فجلس النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ظلها ومضى أبو بكر الى راهب يقال له بحيرا يسأله عن شئ فقال من الرجل الذى فى ظل السدرة قال أبو بكر ذلك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقال بحيرا هو والله نبىّ ما استظلّ تحتها بعد عيسى ابن مريم الا محمد فوقع فى قلب أبى بكر اليقين والتصديق قبل ما نبئ صلّى الله عليه وسلم* وفى المنتقى هذا السفر هو الذى كان مع أبى طالب فان أبا بكر حينئذ كان معه*
ذكر حلف الفضول
وفى هذه السنة وقع حلف الفضول وذلك ان قريشا كانت تتظالم فى الحرم فقام عبد الله بن جدعان والزبير بن عبد المطلب فدعوا الناس الى التحالف على التناصر والاخذ للمظلوم من الظالم فأجابوهما وتحالفوا فى دار ابن جدعان وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهدت حلفا فى دار ابن جدعان ما أحب أنّ لى به حمر النعم ولو دعيت لاجبت فقال قوم من قريش هذا والله فضل من الحلف فسمى حلف الفضول* وقال آخرون تحالفوا على مثال حلف تحالف عليه قوم من جرهم فى هذا الامر أن لا يروا ظلما ببطن مكة الا غيروه وأسماؤهم الفضيل بن شراعة والفضل بن قضاعة والفضل بن بضاعة* قال ابن الجوزى وانما سمى حلف الفضول لانه كان رجال يردّون المظالم يقال لهم فضيل وفضال ومفضل وفضل فلذلك سمى حلف الفضول* وعن حكيم بن حزام أنه قال كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار ورسول الله صلّى الله عليه وسلم حينئذ ابن عشرين سنة وقيل كان الفجار فى شوّال هذه السنة وهذا الحلف فى ذى القعدة وكان أشرف حلف قط*
شكواه عليه السلام الى عمه أبى طالب مما يأتيه
ومن حوادث هذه السنة ما روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم شكى الى عمه أبى طالب وهو يومئذ ابن عشرين سنة فقال يا عمّ انى منذ ليال يأتينى آت معه صاحبان له فينظرون الىّ ويقولون هو هو ولم يأن له فقد هالنى ذلك فقال يا ابن أخى ليس بشئ حلمت ثم رجع اليه بعد ذلك فقال يا عمّ سطابى الرجل الذى ذكرت لك فأدخل يده فى جوفى حتى انى لأجد بردها فخرج به عمه أبو طالب الى رجل من أهل الكتاب يتطبب بمكة فحدّثه حديثه وقال عالجه فصوّب به الرجل وصعد وكشف عن قدميه ونظر بين كتفيه وقال يا عبد مناف ابنك هذا طيب للخير فيه علامات ان ظفرت به اليهود قتلته وليس المرئى من الشيطان ولكنه من النواميس الذى ينجسون القلوب للنبوّة فرجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورأى فى منامه أنّ رجلا وضع يده على منكبيه ثم أدخل يده وأخرج قلبه ثم قال طيب فى جسد طيب ثم ردّه فاستيقط* وقال صلّى الله عليه وسلم ثم رأيت وأنا نائم سقف البيت الذى أنا فيه نزعت منه خشبة وأدخل فيه سلم ونزل منه الىّ رجلان فجلس أحدهما جانبا والآخر الى جنبى ثم استخرج قلبى فقال نعم القلب قلبه قلب رجل صالح ونبىّ مبلغ ثم ردّا قلبى مكانه وضلعى فاستيقظت والسقف على حاله* وفى سنة اثنتين وعشرين من مولده عليه السلام ولد ابن مسعود وفى سنة ثلاث وعشرين ولد سعد بن أبى وقاص وفى سنة أربع وعشرين ولد الزبير فيما قاله العقبى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن حوادث السنة الثالثة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم هدم الكعبة وبناؤها فى قول بعض العلماء كما سيجىء
* (الباب الثالث فى الحوادث من السنة الخامسة والعشرين الى السنة الاربعين من مولده صلّى الله عليه وسلم
من خروجه الى الشام فى المرّة الثانية مع ميسرة عبد خديجة وقصة نسطور الراهب وتزوّج خديجة ووليمته وذكر سائر أزواجه اجمالا وذكر سراريه وأولاده* وتزويج بناته وأختانه وهدم قريش الكعبة وبنائها وولادة فاطمة وموت زيد بن عمرو بن نفيل ورؤيته الضوء والنور وقتل كسرى برويز النعمان بن المنذر) *
* خروجه عليه السلام مع ميسرة الى الشام
وفى السنة الخامسة والعشرين من مولده صلّى الله عليه وسلم خروجه الى الشام فى المرّة الثانية(1/261)
مع ميسرة عبد خديجة لاربع عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة وتزوّجها بعد ذلك شهرين وخمسة وعشرين يوما فى عقب صفر سنة ست وعشرين* روى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم لما بلغ خمسا وعشرين سنة قال له أبو طالب أنا رجل معيل لا مال لى وقد اشتدّ الزمان وهذه عير قومك قد حضر خروجها الى الشام وخديجة بنت خويلد تبعث رجالا من قومك فى تجارتها فلو ذهبت اليها وقلت لها فى ذلك لغلها تقبل وبلغ خديجة ذلك فأرسلت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى ذلك وقالت أعطيك ضعف ما أعطى رجلا من قومك* وفى رواية أتاها أبو طالب فقال لها هل لك أن تستأجرى محمدا فقد بلغنا انك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربع بكرات فقالت خديجة لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف وقد سألت لحبيب قريب فقال أبو طالب للنبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا رزق ساقه الله اليك فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع غلامها ميسرة* وفى رواية كانت بين خزيمة بن حكيم السلمى ثم البهزى وبين خديجة قرابة فوجهته مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغلام لها يقال له ميسرة فى تجارة الى بصرى من أرض الشأم فساروا حتى اذا كانوا بين الشام والحجاز أعيا على ميسرة بعيران لخديجة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أوّل الركب فخاف ميسرة على نفسه وعلى البعيرين فانطلق يسعى الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فأقبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى البعيرين فوضع يده على أخفافهما وعوّذهما فانطلق البعيران يسعيان فى أوّل الركب ولهما رغاء فلما رأى خزيمة ذلك علم أنّ له شأنا عظيما فحرص على ملازمته ومحافظته فلما دخلوا الشأم نزلوا بصرى عند صومعة بحيرا وكان فيها يومئذ راهب من رهبان الشأم يقال له نسطور فنزل الناس متفرّقين ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم تحت شجرة يابسة نخر عودها ولما اطمأنّ تحتها اخضرت وأنورت واعشوشب ما حولها وأينع ثمرها وتدلت أغصانها فر فرفت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان ذلك بعين الراهب فلم يتمالك أن انحدر من صومعته وقال له باللات والعزى ما اسمك فقال اليك عنى ثكلتك أمّك ما تكلمت العرب بكلمة أثقل علىّ من هذه الكلمة وكان ذلك مكرا من الراهب وكان معه حين نزل من صومعته رق أبيض فجعل ينظر فيه مرّة والى النبىّ صلّى الله عليه وسلم أخرى ثم أكب ينظر فيه مليا فقال هو هو ومنزل الانجيل فلما سمع ذلك خزيمة ظنّ أنّ الراهب يريد بالنبىّ صلى الله عليه وسلم مكرا فأخذ بمقبض سيفه فانتزعه وجعل يصيح بأعلى صوته يا آل غالب يا آل غالب فأقبل الناس يهرعون اليه من كل ناحية يقولون ما الذى راعك ما الذى أفزعك فلما نظر الراهب الى ذلك أقبل يسعى الى صومعته فدخل فيها وأغلق عليه بابها ثم أشرف عليهم فقال يا قوم ما الذى راعكم منى فو الذى رفع السموات بغير عمد ما نزل بى ركب هو أحب الىّ منكم وانى لا جد فى هذه الصحيفة أنّ النازل تحت هذه الشجرة وأشار بيده الى الشجرة التى تحتها رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو رسول رب العالمين يبعثه الله بالسيف المسلول وبالذبح الاكبر وهو خاتم النبيين فمن أطاعه نجا ومن عصاه غوى ثم أقبل على خزيمة فقال ما تكون من هذا الرجل أرجلا من قومه قال لا ولكن خادم له وحدّثه بحديث البعيرين فقال له الراهب أيها الرجل انه النبىّ الذى يبعث فى آخر الزمان وانى أجد فى هذه الصحيفة أنه يظهر على البلاد وينصر على العباد ولا تردّ له راية ولا تدرك له غاية وانّ له أعداء أكثرهم اليهود أعداء الله فاحذرهم عليه فأسرّ خزيمة ذلك فى نفسه ثم أقبل الراهب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا محمد انى لأرى فيك شيئا ما رأيته فى أحد من الناس انى لأحسبك النبىّ الذى يخرج من تهامة وانك لصريح فى ميلادك ولأمين فى أنفس قومك وانى لارى عليك محبة من الناس وانى مصدّقك فى قولك وناصرك على عدوّك فانطلق الركب يؤمّون الشأم ثم باع(1/262)
النبىّ صلّى الله عليه وسلم سلعته فوقع بينه وبين رجل نزاع فقال له الرجل احلف باللات والعزى فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما حلفت بهما قط وانى لأمر فأعرض عنهما فقال الرجل القول قولك ثم قال لميسرة هذا والله نبىّ تجده أحبارنا منعوتا فى كتبهم وكان ميسرة اذا كانت الهاجرة واشتدّ الحرّيرى ملكين يظلان رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الشمس وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة وكان كأنه عبد له فوعى ذلك كله ميسرة فباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون فلما رجعوا وكانوا بمرّ الظهران تقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودخل مكة فى وقت الظهيرة وخديجة فى علية لها فرأت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو على بعيره وملكان يظلان عليه فأرته النساء فعجبن لذلك ودخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا فسرّت بذلك خديجة ثم قدم ميسرة ودخل عليها فأخبرته بما رأت فقال ميسرة قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشأم وأخبرها بالربح وبما شاهد من رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبما قال الراهب نسطور وبما قال الآخر الذى حالفه فى البيع فأضعفت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ضعف ما سمت له وكانت خديجة امرأة عاقلة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهى يومئذ أفضلهم نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وقومها كانوا حراصا على نكاحها ولكن شرّفها الله بنكاح رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأمّا خزيمة فرجع الى بلاده وقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم اذا سمعت بخروجك أتيتك ووفد على رسول الله مسلما بعد فتح مكة والله أعلم*
(ذكر من خطب خديجة ومن تزوّجها قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم)
* فى المنتقى* روى أنّ خديجة ذكرت أوّل ما ذكرت للازواج لورقة بن نوفل ولم يقض بينهما نكاح وفى السمط الثمين قال ابن شهاب تزوّجت خديجة قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم رجلين الاوّل منهما عتيق بن عائذ ابن عبد الله بن عمرو بن مخزوم فولدت له جارية اسمها هند فأسلمت وتزوّجت* وفى سيرة مغلطاى ولدت له عبد الله وقيل عبد مناف ثم خلف عليها بعده أبو هالة النباش التميمى وهو من بنى أسد بن عمرو فولدت له رجلا يقال له هند وامرأة يقال لها هالة من النباش بن زرارة ويكنى أبا هالة ويقال له هند* وفى سيرة مغلطاى فولدت له هندا والحارث وزينب وكانت تكنى أمّ هند وتدعى الطاهرة* وفى المنتقى فولدت له هندا وهالة وهما ذكران قال محمد بن اسحاق تزوّجت وهى بكر عتيق بن عائذ ثم هلك عنها فتزوّجها أبو هالة النباش بن زرارة أحد بنى عامر بن تميم حليف بنى عبد الدار فولدت له رجلا وامرأة ثم هلك عنها* وقال الدار قطنى أبو هالة مالك بن النباش بن زرارة وعن قتادة مثله وقال أبو هالة هند بن زرارة بن النباش فولدت له هند بن هند* وفى المنتقى اسم أبى هالة هند* وروى عن ابن شهاب أنه قال تزوّجها أوّلا أبو هالة ثم بعده عتيق ذكره الدولابى وأبو عمرو وصحح أبو عمرو قول ابن شهاب الثانى ولم يذكر ابن قتيبة غير الاوّل*
(ذكر هند بن هند)
* وهو ابن خديجة قال ابن قتيبة وأبو سعيد وأبو عمرو عاش هند بن هند ربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم مسلما الى أن قتل مع علىّ يوم الجمل قاله الزبير بن بكار* وقيل مات بالبصرة فى الطاعون فازدحم الناس على جنازته وتركوا جنائزهم وقالوا ربيب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان فصيحا بليغا وصافا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن وأتقن وكان يقول أنا أكرم الناس أبا وأمّا وأخا وأختا ابى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمى خديجة وأخى القاسم وأختى فاطمة رضى الله عنهم أجمعين* وأمّا الجاريتان المذكورتان فى أولاد خديجة من قبل رسول الله فلم أظفر من أخبارهما بشىء والله أعلم*
تزوّجه عليه السلام خديجة
وفى هذه السنة الخامسة والعشرين بعد قدومه صلّى الله عليه وسلم من سفر الشأم بشهرين وخمسة وعشرين يوما تزوّج كما مرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى(1/263)
ابن كلاب القرشية الاسدية* قال الزبير بن بكار كانت تدعى فى الجاهلية الطاهرة وأمها فاطمة بنت زائدة بن الاصم بن جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن معيص بن لؤى قال ميسرة عبد خديجة* وفى الحدائق قالت نفيسة بنت منبه بدل ميسرة عبد خديجة أرسلتنى خديجة دسيسا الى محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع من الشأم فقلت يا محمد ما يمنعك أن تتزوّج قال ما بيدى ما أتزوّج به قلت فان كفيت ذلك ودعيت الى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال فمن هى قلت خديجة قال وكيف لى بذلك قلت علىّ قال افعلى فذهبت الى خديجة وأخبرتها فأرسلت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن ائت لساعة كذا وكذا فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتزوّجها وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وعليه الاكثر وقيل وشهرين وعشرة أيام وقيل احدى وعشرين ستة وقيل ثلاثين* وقال ابن جريج وله سبع وثلاثون سنة* وقال البراقى تسع وعشرون قد راهق الثلاثين كذا فى سيرة مغلطاى وخديجة بنت أربعين سنة وقيل خمس وأربعين وقيل ثلاثين وقيل ثمان وعشرين كذا فى سيرة مغلطاى وأقامت معه أربعا وعشرين سنة* قال ابن اسحاق زوّجه اياها أبوها خويلد بن أسد ويقال أخوها عمرو بن خويلد كذا فى السمط الثمين* وفى المنتقى زوّجها عمها عمرو بن أسد وسيجىء* روى ابن شهاب الزهرى أنه قيل لخويلد بن أسد بن عبد العزى وهو ثمل من الخمر هذا ابن أخيك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يخطب خديجة وقد رضيت فدعاه فسأله عن ذلك فخطب اليه فأنكحه فخلقت خديجة أباها وحلت عليه حلة ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بها فلما صحا الشيخ من سكرته قال ما هذا الخلوق وما هذه الحلة قالت ابنته أخت خديجة هذه حلة كساكها ابن أخيك محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب أنكحته خديجة ودخل عليها فأنكر ذلك الشيخ ثم صار الى أن سلم واستحيى* وفى المنتقى قال الواقدى هذا غلط والصحيح عندنا المحفوظ عند أهل العلم أنّ عمها عمرو بن أسد زوّجها وانّ أباها مات قبل الفجار* وعن ابن عباس قال انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكر لخديجة فصنعت طعاما وشرابا ودعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا فقالت خديجة لابيها انّ محمد ابن عبد الله يخطبنى فزوّجها اياه فخلقته وألبسته حلة وكذلك كانوا يصنعون اذا زوّجوا نساءهم خرجهما الدولابى* وعن جابر بن سمرة أو غيره قال كانت خديجة تبعث الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالشىء ليبعث به الى أبيها حتى يرغب فيه فيزوّجه خرجه ابن السرى كذا فى السمط الثمين* وقد روى ابن اسحاق فى قصة التزويج ما تقدّم وزاد فى طريق آخر وحضر أبو طالب ورؤساء مضر فخطب أبو طالب فقال الحمد لله الذى جعلنا من ذرية ابراهيم وزرع اسماعيل وضئضئ معدّ وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم انّ ابن أخى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش الارجح وان كان فى المال قلّ فانّ المال ظل زائل وأمر حائل ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها ما آجله وعاجله من مالى كذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل جسيم فتزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى المنتقى فلما أتمّ أبو طالب خطبته تكلم ورقة بن نوفل فقال الحمد لله الذى جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم ولا يردّ أحد من الناس فخركم وشرفكم وقد رغبنا فى الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا علىّ معاشر قريش بأنى قد زوّجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على أربعمائة دينار ثم سكت ورقة وتكلم أبو طالب وقال قد أحببت أن يشركك عمها فقال عمها اشهدوا علىّ يا معشر قريش أنى قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد وشهد على ذلك صناديد قريش* وفى
السمط(1/264)
الثمين وأصدقها رسول الله صلّى الله عليه وسلم عشرين بكرة ولا تضادّ بين هذا وبين ما يقال ان أبا طالب أصدقها اذ يجوز أن يكون أبو طالب أصدقها وزاد صلّى الله عليه وسلم ذلك فى صداقها فكان الكل صداقا وقد ذكر الدولابى وغيره أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم أصدق خديجة اثنتى عشرة أوقية ذهب وفى المنتقى الصداق أربعمائة دينار ويكون ذلك أيضا زيادة على ما تقدّم*
(ذكر وليمته صلّى الله عليه وسلم)
* ذكر الملا فى سيرته أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما تزوّج خديجة ذهب ليخرج فقالت له خديجة الى أين يا محمد اذهب وانحر جزورا أو جزورين وأطعم الناس ففعل ذلك صلّى الله عليه وسلم وهى أوّل وليمة أولها صلّى الله عليه وسلم* وفى المنتقى فأمرت خديجة جواريها أن يرقصن ويضربن بالدفوف وقالت يا محمد مر عمك أبا طالب ينحر بكرة من بكراتك وأطعم الناس على الباب وهلمّ فقل مع أهلك فأطعم الناس ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال مع أهله خديجة فأقر الله عينه وفرح أبو طالب فرحا شديدا وقال الحمد لله الذى اذهب عنا الكروب ودفع عنا الهموم وعاشت خديجة بعد النكاح اربعا وعشرين سنة وخمسة اشهر وثمانية ايام وقيل خمس عشرة سنة قبل الوحى والباقية بعده وولدت للنبىّ صلّى الله عليه وسلم أولاده كلهم الا ابراهيم فانه من مارية القبطية وستجىء وفاة خديجة فى الموطن الخامس من حوادث السنة العاشرة من النبوّة*
(ذكر تزوّجه عليه السلام أمّهات المؤمنين
وعددهنّ اجمالا وسيجىء تفضيل كل منهنّ فى محله ان شاء الله تعالى) * قال المحب الطبرى فى السمط الثمين فى مناقب أمّهات المؤمنين جملة المشهورات المتفق عليهنّ احدى عشرة امرأة ست من قريش وأربع عربيات وواحدة غير عربية من بنى اسرائيل من سبط هارون ابن عمران تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم أوّلا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصى بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤى القرشية الاسدية أمّها فاطمة بنت زائدة بن الاصم وهى سيدة النساء وأسبقها نكاحا واسلاما وقد سبق ذكر تزوّجها وصداقها قريبا ولا خلاف فى ان أوّل امرأة تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة ولم يتزوّج قبلها ولا عليها حتى ماتت واختلفوا فى ترتيب البواقى مع الاتفاق على نكاح جملتهنّ* وفى المواهب اللدنية وخرج الامام أحمد عن ابن عباس انه صلّى الله عليه وسلم قال أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون قال شيخ الاسلام زكريا الانصارى فى بهجة الحاوى وأفضلهنّ خديجة وعائشة وفى أفضلهما خلاف صحح ابن العماد تفضيل خديجة لما ثبت أنه صلّى الله عليه وسلم قال لعائشة حين قالت له قد رزقك الله خيرا منها لا والله ما رزقنى الله خيرا منها آمنت بى حين كذبنى الناس وأعطتنى مالها حين حرمنى الناس وسئل ابن داود أيهما أفضل فقال عائشة أقرأها النبىّ صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل وخديجة أقرأها جبريل من ربها السلام على لسان محمد فهى أفضل قيل له فمن أفضل خديجة أم فاطمة قال ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال فاطمة بضعة منى فلا أعدل ببضعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحدا ويشهد له قوله صلّى الله عليه وسلم أما ترضين أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة الا مريم واحتج من فضل عائشة بأنها فى الآخرة مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى الدرجة وفاطمة مع علىّ فيها وسئل السبكى عن ذلك قال الذى نختاره وندين الله به أن فاطمة بنت محمد أفضل ثم أمّها خديجة ثم عائشة وأما خبر الطبرانى خير نساء العالمين مريم ابنة عمران ثم خديجة بنت خويلد ثم فاطمة بنت محمد ثم آسية امرأة فرعون فأجاب عنه ابن العماد بأن خديجة انما فضلت فاطمة باعتبار الامومة لا باعتبار السيادة واختار السبكى ان مريم أفضل من خديجة لهذا الخبر وللاختلاف فى نبوّتها* قال القونوى فى شرح عقيدة الطحاوى لا بدّ وأن يكون الرسول ذكر اخلافا(1/265)
للاشعرى فانه يجوّز ذلك للنساء* قال ابن حجر ومن النساء من نبئ وهنّ ست حوّاء وسارة وهاجر ومريم وأمّ موسى وآسية امرأة فرعون* وفى قصيدة بدء الامالى* وما كانت نبيا قط انثى وفى شرحها وقد وقع الاختلاف فى نبوّة أربع نسوة مريم وآسية وسارة وهاجر والصحيح عدم نبوّتهنّ ومن قال ان مريم كانت نبيا فقد ردّ قوله* وفى أنوار التنزيل الاجماع على أنه لم تستنبأ امرأة لقوله تعالى وما أرسلنا من قبلك الا رجالا الآية انتهى* وقال أبو أمامة بن النقاش ان سبق خديجة وتأثيرها فى أوّل الاسلام وموازرتها ونصرتها وقيامها لله بمالها ونفسها لم يشركها فيه أحد لا عائشة ولا غيرها من أمّهات المؤمنين وتأثير عائشة فى آخر الاسلام وحمل الدين وتبليغه الى الامّة وادراكها من الامّة لم يشركها فيه أحد لا خديجة ولا غيرها مما تميزت به عن غيرها* وتزوّج عائشة بنت أبى بكر ابن أبى قحافة القرشية بمكة وهى بنت ست سنين وقيل سبع ودخل بها فى المدينة وهى بنت تسع وقيل عشر سنين وكان مولدها سنة أربع من النبوّة قاله مغلطاى وغيره كذا فى المواهب اللدنية وأمّها أمّ رومان بنت عامر بن عويمر وتكنى عائشة أمّ عبد الله بعبد الله بن الزبير ابن اختها أسماء بنت أبى بكر وهو الصحيح* ويروى أنها أسقطت من النبىّ صلّى الله عليه وسلم سقطا ولم يثبت زوّجها منه أبوها وأصدقها أربعمائة درهم وكانت أحب نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت اذا هوت الشىء تابعها عليه وفقدها عليه السلام فى بعض أسفاره فقال واعروساه خرجه أحمد كذا فى المواهب اللدنية وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية أمّها شموس بنت قيس بن زيد زوّجه اياها سليط ابن عمرو ويقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس وأصدقها أربعمائة درهم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت ابن عم لها يقال له سكران بن عمرو تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديجة قبل أن يعقد صلّى الله عليه وسلم على عائشة هذا قول قتادة وأبو عبيدة ولم يذكر ابن قتيبة غيره وقال عبد الله بن محمد بن عقيل تزوّجها بعد عائشة روى القولان عن ابن شهاب* وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل القرشية أمّها زينب بنت مظعون بن حبيب زوّجها أبوها وأصدقها أربعمائة درهم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت حبيش بن حذافة السهمى فهاجرت معه الى المدينة فمات بها عنها بعد الهجرة عند مقدم النبىّ صلّى الله عليه وسلم من بدر فخلف عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وزينب بنت خزيمة بن الحارث العربية الهلالية وكانت اخت ميمونة بنت الحارث لامّها زوّجه اياها قبيصة بن عمرو الهلالى وأصدقها أربعمائة درهم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم تحت عبد الله بن جحش قتل يوم أحد وقيل يوم بدر كما سيجىء* وامّ سلمة هند وقيل رملة والاوّل أصح بنت أبى أمية سهيل ويعرف بزاد الراكب القرشية امّها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس ومن قال عاتكة بنت عبد المطلب فجعلها بنت عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقد أخطأ وانما هى بنت زوجها وأخواها لابيها عبد الله وزهيرا بنا عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت امّ سلمة من أجمل النساء خرجه أبو جهم العلاء الباهلى* وقال أبو عمرو تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم امّ سلمة سنة اثنتين بعد وقعة بدر عقد عليها فى شوّال وبنى بها فى شوّال والله أعلم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند ابى سلمة بن عبد الاسد وأمّه عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم برّة بنت عبد المطلب فولدت له سلمة وعمرا ورقية وزينب ذكره ابن اسحاق وسيجىء تفصيل نكاحها ووفاتها وذكر أولادها فى الموطن الرابع زوّجه اياها ابنها سلمة وأصدقها فراشا حشوه ليف وقدحا وصحفة ومجشة وذكر الملافى سيرته أن ابنها حال تزويجها كان غلاما لم يبلغ
ولا أراه يصح والله تعالى أعلم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند أبى سلمة بن عبد الاسد* وزينب بنت جحش بن رباب العربية أمّها أميمة(1/266)
بنت عبد المطلب كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم زوّجها من زيد بن حارثة فلما طلقها زيد تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم سنة خمس من الهجرة وقيل سنة ثلاث زوّجه اياها أخوها ابو أحمد ابن جحش وأصدقها اربعمائة درهم* وجويرية بنت الحارث بن ابى ضرار الخزاعية المصطلقية العربية قال ابن هشام اشتراها صلّى الله عليه وسلم من ثابت بن قيس واعتقها وتزوّجها وأصدقها أربعمائة درهم ويقال أسلم أبوها وزوّجه اياها وأصدقها أربعمائة درهم* وأمّ حبيبة رملة بنت أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشية الاموية أمّها صفية بنت ابى العاص عمة عثمان بن مظعون زوّجه اياها خالد بن سعيد بن العاص بالحبشة وأصدقها النجاشى عنه أربعمائة دينار وهو الذى خطبها على النبىّ صلّى الله عليه وسلم وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند عبيد الله بن جحش* وصفية بنت حيى بن اخطب الغير العربية من بنى اسرائيل من سبط هارون بن عمران من بنى النضير امّها برّة بنت شمول وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند سلام بن مشكم وكان شاعرا ثم خلف عليها كنانة ابن أبى الحقيق وكان شاعرا أيضا قتل يوم خيبر ثم تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى سنة سبع من الهجرة وكانت من سبايا خيبرا صطفاها لنفسه وجعل عتقها صداقها* وميمونة بنت الحارث العربية الهلالية أمّها هند بنت عوف بن زهير كان اسمها برّة سماها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ميمونة وهى خالة ابن عباس وخالد بن الوليد واخواتها أمّ الفضل لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب أمّ عبد الله بن عباس ولبابة الصغرى زوج الوليد بن المغيرة المخزومى أمّ خالد بن الوليد وعصماء بنت الحارث كانت تحت أبى بن خلف الجمحى فولدت له أبا أبى وعزة بنت الحارث كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك الهلالى فهؤلاء اخواتها لابيها واخواتها لامّها اسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبى طالب فولدت له عبد الله ومحمدا وعونا ثم خلف عليها ابو بكر فولدت له محمدا ثم خلف عليها علىّ فولدت له يحيى وسلمى بنت عميس اخت اسماء كانت تحت حمزة بن عبد المطلب فولدت له امة الله بنت حمزة ثم خلف عليها شدّاد بن اسامة بن الهادى الليثى فولدت له عبد الله وعبد الرحمن وسلامة بنت عميس اخت اسماء كانت تحت عبد الله بن كعب بن منبه الخثعمى وزينب بنت خزيمة زوج النبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكر جميعه ابو عمرو* وكان يقال اكرم عجوز فى الارض أصهارا هند بنت عوف أصهارها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابو بكر الصدّيق وحمزة والعباس ابنا عبد المطلب وجعفر وعلى ابنا أبى طالب وشدّاد بن الهادى ذكره ابو سعيد فى شرف النبوّة كذا فى السمط الثمين زوّجه اياها العباس بن عبد المطلب وأصدقها العباس عنه اربعمائة درهم* هذا ما نقله ابن اسحاق من انّ صداقه صلى الله عليه وسلم لاكثر نسائه اربعمائة درهم وقد روى مسلم عن عائشة قالت كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لاكثر نسائه اثنتى عشرة اوقية ونشا قالت اتدرى ما النش قلت لا قالت نصف اوقية فذلك خمسمائة درهم فذاك صداق رسول الله صلّى الله عليه وسلم لازواجه وهذا اولى بالصحة لانه متفق على صحته ولان راويه معه زيادة علم كذا فى السمط الثمين* وماتت خديجة وزينب بنت خزيمة فى حياته وتوفى صلّى الله عليه وسلم عن التسع البواقى بلا خلاف وعن امّ ولد هى مارية بنت شمعون القبطية امّ ابراهيم وقد ذكر أنه صلّى الله عليه وسلم تزوّج نسوة غير من تقدّم ذكره وجملتهنّ اثنتا عشرة امرأة* الاولى الواهبة نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم واختلف من هى فقيل امّ شريك القرشية العامرية اسمها غزية بضم الغين المعجمة وفتح الزاى وتشديد المثناة التحيّة بنت داود كذا فى المواهب اللدنية* وفى بعض الكتب بنت دودان وقيل بنت جابر بن عوف من بنى عامر بن لؤى وكان ذلك بمكة وكانت قبله صلّى الله عليه وسلم تحت ابى العسكر بن تميم بن الحارث الازدى فولدت له شريكا وقيل(1/267)
كانت تحت الطفيل بن الحارث فولدت له شريكا والاوّل اصح وطلقها النبىّ صلّى الله عليه وسلم واختلف فى دخوله بها وقيل هى امّ شريك غزية الانصارية من بنى النجار* قال ابو عمرو الصواب غزيلة وقد عدّها احمد بن صالح المصرى فى ازواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم هذا ما ذكره ابو عمرو وما خلا الطلاق فحكاه الفضائلى الرازى* وقال صاحب الصفوة هى امّ شريك غزية بنت جابر الدوسية قال والاكثرون على انها هى التى وهبيت نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فلم يقبلها فلم تتزوّج حتى ماتت وعن ابن عباس وهبت نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم بغير مهر فقبلها ودخل عليها خرجه فى الصفوة وذكر ابن قتيبة فى المعارف عن أبى اليقظان قال ابن الواهبة نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم السلمى ويجوز أن تكونا وهبتا انفسهما من غير تضادّ* عن عروة بن الزبير قال كانت خولة بنت حكيم من اللائى وهبن أنفسهنّ للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالت عائشة أما تستحيى المرأة ان تهب نفسها للرجل فلما نزلت ترجئ من تشاء منهنّ وتؤوى اليك الآية قالت عائشة يا رسول الله ما أرى ربك الا يسارع فى هواك رواه الشيخان وهذه خولة هى زوجة عثمان بن مظعون ويجوز أن يكون وقع منها ذلك قبل عثمان وكذلك حكاه الفضائل الرازى قال فلما ارجأها النبىّ صلّى الله عليه وسلم تزوّجها عثمان ويجوز أن يكون وقع ذلك منها بعد وفاته* وفى الكشاف وغيره من التفاسير اختلف فى انه هل اتفق أن تهب امرأة نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ولم تطلب مهرا أم لا عن ابن عباس لم يكن عنده أحد منهنّ* وآية وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبىّ بيان حكم فى المستقبل والقائل باتفاق ذلك ذكر أربعا ميمونة بنت الحارث وزينب بنت خزيمة الانصارية وامّ شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم* الثانية خولة بنت الهذيل بن هبيرة تزوّجها صلّى الله عليه وسلم فيما ذكره الجرجانى فى النسابة وهلكت فى الطريق قبل وصولها اليه ذكره أبو عمرو وأبو سعيد* الثالثة عمرة بنت يزيد ابن الجون بفتح الجيم الكلابية ثم الوحيدية وقيل عمرة بنت يزيد بن عبيد بن أوس بن كلاب الكلابية* قال أبو عمرو هذا اصح تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتعوّذت منه حين أدخلت عليه فقال لها لقد عذت بمعاذ فطلقها وأمر صلّى الله عليه وسلم اسامة بن زيد فمتعها بثلاثة أثواب* قال أبو عمرو هكذا روى عن عائشة رضى الله عنها وقال قتادة كان ذلك فى امرأة من بنى سليم وقال أبو عبيدة انما ذلك لاسماء بنت النعمان بن الجون وهكذا ذكره ابن قتيبة وسيأتى ان شاء الله تعالى وقال فى عمرة هذه ان أباها وصفها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ثم قال وأزيدك انها لم تمرض قط فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما لهذه عند الله من خير ثم طلقها* وفى المنتقى قال عمرة هذه بنت القرطا وقيل انه تزوّجها فقال أبوها ذلك فطلقها ولم يبن بها* الرابعة أسماء بنت النعمان بن الجون بفتح الجيم ابن شراحيل* وفى المنتقى وقيل أميمة بنت النعمان بن شراحيل وقيل بنت النعمان بن الاسود بن الحارث بن شراحيل من كندة وأجمعوا على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم تزوّجها واختلفوا فى قصة فراقه صلّى الله عليه وسلم لها فقال قتادة وأبو عبيدة انه صلّى الله عليه وسلم لما دعاها قالت تعال انت وأبت أن تجىء* وقال بعضهم قالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم قد عذت بمعاذ وقد أعاذك الله منى* وفى المنتقى أعذتك ألحقى باهلك وعن عائشة رضى الله عنها قال ان ابنة الجون لما دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم لقد عذت بعظيم ألحقى بأهلك أخرجه البخارى وقيل ان نساءه صلّى الله عليه وسلم علمنها ذلك فانها كانت من أجمل النساء فخفن أن تغلبهنّ عليه فقلن لها انه يحب اذا دنا منك أن تقولى أعوذ بالله منك فلما دنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم قد عذت بمعاذ وطلقها ثم
سرحها الى أهلها وكانت تسمى نفسها الشقية* وقال الحرجانى قلن لها اذا(1/268)
أردت أن تحظى عنده تعوّذى بالله منه فقالت ذلك فصرف وجهه صلّى الله عليه وسلم عنها وقال لها ألحقى بأهلك فخلف عليها المهاجر بن أبى أمية المخزومى فأراد عمر رضى الله عنه أن يحدّها فقالت لم يدخل بى وأقامت له البينة على ذلك ثم خلف عليها قيس بن مكشوح المرادى* وقال أبو اليقظان فيما حكاه ابن قتيبة لما دخل عليها قال لها هبى لى نفسك قالت وهل تهب المليكة نفسها للسوقة فأهوى بيده ليضعها عليها لتسكن فقالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم لقد عذت بمعاذ ثم سرّحها ومتعها وقيل المتعوّذة امرأة غيرها* قال أبو عبيدة ويجوز أن تكونا تعوّذتا منه صلّى الله عليه وسلم وقال آخرون كان بأسماء وضح فقال ألحقى بأهلك* قال ابن شهاب فارق رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخت بنى الجون من أجل بياض كان بها* قال أبو عمرو والاختلاف فى الكندية كثير جدّا وقد قيل فى اسمها أمية ولم يذكر ابن قتيبة غيره وقيل أمامة والوجهان حكاهما أبو عمرو* الخامسة مليكة بنت كعب الليثية قال أبو سعيد ولما دخل صلّى الله عليه وسلم عليها قال لها هبى لى نفسك القصة المتقدّمة آنفا الى آخرها عن ابن قتيبة وحكاها أبو سعيد فى هذه والاصح أنها تعوّذت من النبىّ صلّى الله عليه وسلم ففارقها قبل أن يدخل بها وقيل دخل بها وماتت عنده حكاه الفضائلى والاوّل أصح* السادسة فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابى تزوّجها صلّى الله عليه وسلم بعد وفاة ابنته زينب وخيرها حين نزلت آية التخيير فاختارت الدنيا ففارقها صلّى الله عليه وسلم فكانت بعد ذلك تلتقط البعر وتقول هى الشقية اختارت الدنيا هكذا رواه ابن اسحاق* قال أبو عمرو وهذا عندنا غير صحيح لان ابن شهاب يروى عن عروة عن عائشة قالت ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم حين خيرت أزواجه بدأ بها فاختارت الله ورسوله وتابع أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم على ذلك* وقال قتادة وعكرمة كان عنده صلّى الله عليه وسلم عند التخيير تسع نسوة وهنّ اللواتى توفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم عنهنّ وقد قيل ان الضحاك بن سفيان عرض على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابنته وقال انها لم تصدع قط فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا حاجة لى بها وقيل انه صلّى الله عليه وسلم تزوّجها سنة ثمان ذكر ذلك كله أبو عمرو وأبو سعيد وبعضه عند ابن قتيبة* وفى المنتقى وقيل انها هى التى قالت أعوذ بالله منك فقال صلّى الله عليه وسلم قد عذت بمعاذ* السابعة غالية بنت ظبيان بن عمر بن عوف الكلابية تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت عنده ما شاء الله تعالى ثم طلقها وقلّ من ذكرها ذكر ذلك أبو عمرو وقال أبو سعيد طلقها صلّى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه* الثامنة قتيلة بضم القاف وفتح المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية بنت قيس بن معدى كرب الكندية اخت الاشعث بن قيس الكندى ويقال قيلة والصواب قتيلة زوّجه اياها أخوها فى سنة عشر ثم انصرف الى حضر موت فحملها وقبض صلّى الله عليه وسلم فى سنة احدى عشرة قبل قدومها عليه من بلدها حضر موت وقبل خروجها من اليمن وقبل دخوله بها قاله الجرجانى وقيل تزوّجها صلّى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهرين قال قائلون ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهرين أوصى بأن تخير فان شاءت ضرب عليها الحجاب فكانت من أمّهات المؤمنين وان شاءت الفراق فلتنكح من شاءت فاختارت النكاح فتزوّجها عكرمة بن أبى جهل بحضر موت فبلغ ذلك أبا بكر فقال هممت أن أحرق عليها بيتها فقال له عمر ما هى من أمّهات المؤمنين ما دخل بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولا ضرب عليها الحجاب* وقال بعضهم لم يوص فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم بشىء ولكنها ارتدت حين ارتد أخوها وبذلك احتج عمر على أبى بكر انها ليست من امّهات المؤمنين بارتدادها ولم تلد لعكرمة وفيها اختلاف كثير ذكر ذلك كله أبو عمرو وبعضه أبو سعيد والفضائلى الرازى التاسعة سبأ بنت أبى الصلت السلمية تزوّجها رسول الله
صلّى الله عليه وسلم(1/269)
ومات قبل أن يدخل بها* وقال ابن اسحاق طلقها صلّى الله عليه وسلم قبل أن يدخل بها حكاهما أبو عمرو ولم يحك أبو سعيد غير الاوّل العاشرة شراف بفتح الشين وتخفيف الراء وبالفاء بنت خليفة الكلبية اخت دحية الكلبى تزوّجها صلّى الله عليه وسلم فهلكت قبل دخوله بها ذكره أبو عمرو وغيره وفى المنتقى أساف مكان شراف الحادية عشر خولة بنت حكيم الانصارية الاوسية التى وهبت نفسها للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ذكرها أحمد بن صالح المصرى فى أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم* قال أبو عمرو ولم يذكرها غيره فيما علمت* وقال أبو سعيد والفضائلى ليلى بنت خطيم الانصارية بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة أخت قيس تزوّجها النبى صلّى الله عليه وسلم وكانت غيورا فاستقالته صلى الله عليه وسلم فأقالها فأكلها الذئب وقيل هى التى وهبت نفسها له صلّى الله عليه وسلم* وفى المنتقى ليلى بنت الخطيم الانصارية ضربت ظهره صلّى الله عليه وسلم فقال عليه السلام أكلك الاسد ثم تزوّجها فقالت أقلنى فأقالها فأكلها الذئب الثانية عشر امرأة من غفار تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى بكشحها بياضا فقال ألحقى بأهلك ولم يأخذ صلّى الله عليه وسلم مما آتاها شيئا خرجه أحمد* وفى المنتقى عمرة بنت يزيد رأى بها بياضا فقال دلستم علىّ فردّها فهؤلاء جملة من ذكر من أزواجه عليه السلام وفارقهنّ فى حياته بعضهنّ قبل الدخول وبعضهنّ بعده على ما قرّرناه فيكون جملة من عقد صلّى الله عليه وسلم عليهنّ ثلاثا وعشرين امرأة دخل صلّى الله عليه وسلم ببعضهنّ دون بعض مات عنده صلّى الله عليه وسلم منهنّ بعد الدخول خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة رضى الله عنهما وماتت منهنّ قبل الدخول اثنتان اخت دحية وبنت الهذيل باتفاق واختلف فى مليكة وسبأهل ماتتا أو طلقهما مع الاتفاق على انه صلّى الله عليه وسلم لم يدخل بهما وفارق صلّى الله عليه وسلم بعد الدخول باتفاق بنت الضحاك وبنت ظبيان وقبل الدخول باتفاق عمرة وأسماء الغفارية واختلف فى أمّ شريك هل دخل صلّى الله عليه وسلم بها مع الاتفاق على الفرقة والمستقيلة التى جهل حالها فالمفارقات باتفاق سبع واثنتان على خلف والميتات فى حياته باتفاق أربع ومات صلّى الله عليه وسلم عن عشر واحدة لم يدخل بها وذكر أبو سعيد فى شرف النبوّة ان جملة أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم احدى وعشرون امرأة طلق منهنّ ستا وماتت عنده خمس وتوفى عن عشر واحدة لم يدخل بها وكان يقسم لتسع فى الصحيحين عن ابن عباس انه عليه السلام كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة* قال عطاء هى صفية بنت حيى بن أخطب ولقوله تعالى ترجئ من تشاء منهنّ وتؤوى اليك من تشاء ترجئ بهمزة وبغير همزة تؤخر وتؤوى تضم يعنى تترك مضاجعة من تشاء وتضاجع من تشاء* روى انه أرجى منهنّ سودة وجويرية وصفية وميمونة وأمّ حبيبة وكان يقسم لهنّ ما شاء كما شاء وكانت ممن آوى اليه عائشة وحفصة وامّ سلمة وزينب أرجى خمسا وآوى أربعا كذا فى الكشاف وكذا ذكره المنذرى*
(ذكر من خطب صلّى الله عليه وسلم من النساء ولم يعقد عليهنّ)
* وقد روى أنه صلّى الله عليه وسلم خطب عدّة نسوة الاولى منهن امرأة من بنى مرّة بن عوف ابن سعد بن دينار* قال أبو اليقظان خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى أبيها فقال ان بها برصا وهو كاذب فرجع فوجدها برصاء ويقال ان ابنها شبيب بن البرصاء بن الحارث بن عوف المزنى ذكره ابن قتيبة كما قاله الطبرى وعند ابن الاثير فى جامع الاصول عمرة بنت الحارث بن عوف خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبوها ان بها سوأ ولم يكن بها سوء فرجع اليها أبوها وقد برصت ويقال هى امّ شبيب بن البرصاء الشاعر الثانية امرأة قرشية يقال لها سودة خطبها صلّى الله عليه وسلم وكانت مصبية فقالت أخاف ان تضغو صبيتى أى يصيحوا ويبكوا عند رأسك فدعا صلّى الله عليه وسلم لها(1/270)
وتركها الثالثة امراة تدعى صفية بنت بشامة بفتح الموحدة وتخفيف الشين المعجمة وكان صلّى الله عليه وسلم أصابها فى سبى فخيرها بين نفسه الكريمة وبين زوجها فاختارت زوجها الرابعة لم يذكر اسمها قيل انه صلّى الله عليه وسلم خطبها فقالت أستأمر أبى فلقيت أباها فأذن لها فعادت الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال لها قد التحفنا غيرك الخامسة أمّ هانئ فاختة او هند على اختلاف فى اسمها بنت أبى طالب اخت علىّ خطبها النبى صلّى الله عليه وسلم فقالت انى امرأة مصبية واعتذرت اليه فعذرها صلّى الله عليه وسلم* وعن أبى صالح عن امّ هانئ بنت أبى طالب قالت خطبنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاعتذرت اليه فعذرنى فأنزل الله تعالى انا أحللنا لك ازواجك اللاتى آتيت أجورهنّ وما ملكت يمينك مما افاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبىّ الآية قالت فلم أكن أحل له لانى لم أهاجر كنت من الطلقاء خرجه الترمذى* وفى رواية عند غيره عن ابى صالح عن امّ هانئ قالت نزلت هذه الآية فأراد النبىّ صلّى الله عليه وسلم ان يتزوّجنى فنهى عنى لانى لم اهاجر السادسة ضباعة بالضاد المعجمة وتخفيف الموحدة وبالعين المهملة بنت عامر بن قرط بضم القاف وسكون الراء وبالطاء المهملة ابن سلمة خطبها صلّى الله عليه وسلم الى ابنها سلمة بن هاشم فقال حتى أستأمرها فقيل للنبىّ صلّى الله عليه وسلم انها قد كبرت فلما عاد وقد أذنت له سكت عنها صلّى الله عليه وسلم ولم ينكحها ذكر الخمس الفضائلى الرازى قال وعرض عليه صلّى الله عليه وسلم اثنتان فامتنع لقيام مانع وأمامة بنت حمزة وهى السابعة فقال صلّى الله عليه وسلم هى ابنة أخى من الرضاعة وعزة بنت أبى سفيان وهى الثامنة عرضتها اختها امّ حبيبة عليه صلّى الله عليه وسلم فقال لا تحل لى لمكان أختها أمّ حبيبة هذا يضادّ ما مرّ فى خصائصه صلّى الله عليه وسلم فى الفصل الثانى من الطليعة الثالثة من اختصاصه باباحة الجمع بين المرأة وأختها* وفى المواهب اللدنية وقيل تزوّج صلّى الله عليه وسلم الجندعية بضم الجيم وسكون النون وضم الدال وبالعين المهملة امرأة من جندع وهى ابنة جندب بن ضمرة ولم يدخل بها وأنكره بعض الرواة فهؤلاء النساء اللاتى ذكر انه صلّى الله عليه وسلم تزوّجهنّ أو خطبهنّ أو دخل بهنّ أو لم يدخل بهنّ أو عرضن عليه والله أعلم*
(ذكر سراريه)
* قال أبو عبيدة كان له صلّى الله عليه وسلم سرارى أربع مارية القبطية وريحانة وجارية أخرى وهبتها له صلّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وأخرى جميلة أصابها صلّى الله عليه وسلم فى بعض السبى فأما مارية القبطية بنت شمعون بالشين المعجمة فأهداها له صلّى الله عليه وسلم المقوقس القبطى صاحب الاسكندرية ومصر وهى من انصنا قرية من اعمال مصر ذكره فى فتوح مصر والمقوقس ملك انصنا* قال ابن لهيعة مارية من حفن من كورة انصنا كذا فى سيرة ابن هشام واهدى معها أختها سيرين بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر الراء وبالياء الساكنة وبالنون آخرها وخصيا يقال له مأبور وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا من قباطى مصر وبغلة شهباء وهى دلدل وحمارا أشهب وهو عفير ويقال يعفور وعسلا من عسل بنها فأعجب النبىّ صلّى الله عليه وسلم ودعا فى عسل بنها بالبركة* قال ابن الاثير بنها بكسر الباء وسكون النون قرية من قرى مصر بارك النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى عسلها والناس اليوم يفتحون الباء كذا فى المواهب اللدنية فوهب صلّى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت وهى أمّ عبد الرحمن بن حسان وأما مارية فاستولدها صلّى الله عليه وسلم فولدت له ابراهيم فقال صلّى الله عليه وسلم أعتقها ولدها فتوفيت مارية فى خلافة عمر سنة ست عشرة ودفنت بالبقيع وكان عمر يحشر الناس بنفسه لشهود جنازتها وصلّى عليها وأما ريحانة فهى ابنة شمعون بن زيد من بنى قريظة وقيل من بنى النضير والاوّل أظهر وماتت قبل وفاة النبىّ صلّى الله(1/271)
عليه وسلم مرجعه من حجة الوداع سنة عشر ودفنت بالبقيع وكان صلّى الله عليه وسلم سباها ووطئها بملك اليمين وقيل أعتقها وتزوّجها فى سنة ست ولم يذكر ابن الاثير غيره وكانت قبله تحت رجل من بنى قريظة فسباها وتزوّج بها وقال الزهرى استسرّها ثم أعتقها فلحقت بأهلها ذكر ذلك كله أبو عمرو وصاحب الصفوة الرازى وأما المسبية والموهوبة فذكرهما صاحب الصفوة والفضائلى ولم يذكرا من أخبارهما شيئا والله أعلم وفضلت زوجاته صلّى الله عليه وسلم على النساء وثوابهنّ وعقابهنّ مضاعفان ولا يحل سؤالهنّ الا من وراء حجاب وأزواجه أمّهات المؤمنين سواء من مات عنها أو ماتت عنه وهى تحته فى تحريم نكاحهنّ ووجوب احترامهنّ لا فى نظرة ولا فى خلوة ولا يقال بناتهنّ أخوات المؤمنين ولا آباؤهنّ ولا أمّهاتهنّ اجداد وجدّات ولا اخوتهنّ ولا أخواتهنّ أخوال وخالات كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة مغلطاى زوجاته اللاتى عقد عليهنّ أو خطبهنّ أو عرضن عليه ولم يدخل بهنّ أسماء بنت الصلت السلمية وأسماء بنت النعمان وقيل بنت الاسود الكندية وعمرة بنت الحارث المزنية وأمامة ويقال عمارة بنت حمزة وآمنة بنت الضحاك بن سفيان وأميمة بنت شراحيل وحبيبة بنت سهل وحمدة بنت الحارث وخولة بنت حكيم ويقال خويلة السلمية وخويلة بنت هذيل الثعلبية وسلمى بنت نجدة الليثية وسناء بنت سفيان الكلابية وسناء بنت الصلت السلمية* وفى تاريخ أمراء خراسان للسلامى سناء بنت أسماء السلمية عمة عبد الله ابن حازم أمير خراسان تزوّج بها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما سمعت بذلك ماتت فرحا انتهى وسودة القرشية وشرافة بنت خليفة الكلبية وصفية بنت بشارة بن نضلة وضباعة بنت عامر والغالية بنت ظبيان وعمرة بنت يزيد الكلابية وعمرة بنت معاوية الكندية وغزية بنت حكيم العامرية وفاختة بنت أبى طالب وفاطمة بنت شريح وفاطمة بنت الضحاك الكلابية وقيلة بنت قيس بن معدى كرب وقتيلة بنت الحارث الشاعرة وليلى بنت الخطيم وليلى بنت حكيم ومليكة بنت داود ومليكة بنت كعب* وقال الواقدى دخل بها وتوفيت عنده فى شهر رمضان سنة ثمان وهند بنت يزيد وأم حبيب ابنة عمة العباس ونعامة العنبرية وأمّ شريك الانصارية وأمّ شريك الغفارية*
(ذكر أولاده صلّى الله عليه وسلم وكميتهم ومواليدهم وما اتفق عليه منهم وما اختلف فيه)
* وجملة ما اتفق عليه ستة ابنان القاسم وابراهيم وأربع بنات زينب ورقية وأمّ كلثوم ولا يعرف لها اسم وانما تعرف بكنيتها وفاطمة وكلهنّ أدركن الاسلام وهاجرن معه واختلف فيما سوى هؤلاء قيل لم يكن له صلّى الله عليه وسلم سواهم حكاه أبو عمرو والمشهور خلافه* قال ابن اسحاق كان له صلّى الله عليه وسلم الطاهر والطيب أيضا فيكون على هذا جملتهم ثمانية أربعة ذكور وأربع اناث* وقال الزبير بن بكار كان له غير ابراهيم والقاسم عبد الله مات صغيرا بمكة ويقال له الطيب والطاهر ثلاثة أسماء وهو قول أكثر أهل النسب قاله أبو عمرو* وقال الدار قطنى وهو الاثبت وسمى بالطيب والطاهر لانه ولد بعد النبوّة فيكون على هذا جملتهم سبعة ثلاثة ذكور وكذا قاله ابن الجوزى فى الحدائق وقيل عبد الله غير الطيب والطاهر حكاه الدار قطنى وغيره فعلى هذا تكون جملتهم تسعة خمسة ذكور وأربعة اناث وقيل كان له صلّى الله عليه وسلم الطيب والمطيب ولدا فى بطن والطاهر والمطهر ولدا فى بطن ذكره صاحب الصفوة فيكونون على هذا احد عشر وقيل ولد له صلّى الله عليه وسلم ولد قبل المبعث يقال له عبد مناف فيكونون على هذا اثنى عشر وهذا القائل يقول أولاده كلهم سوى هذا ولدوا فى الاسلام بعد المبعث* وقال ابن اسحاق ولد أولاده كلهم غير ابراهيم قبل الاسلام وهلك البنون قبل الاسلام وهم يرضعون وقد تقدّم من قول غيره أن عبد الله ولد بعد النبوّة فلذلك سمى بالطيب والطاهر فيحصل(1/272)
من مجموع الاقوال على ثمانية ذكور اثنان متفق عليهما القاسم وابراهيم وستة مختلف فيهم عبد مناف وعبد الله والطبب والمطيب والطاهر والمطهر والاصح انهم ثلاثة ذكور وأربع بنات متفق عليهنّ وكلهم من خديجة بنت خويلد الا ابراهيم وعن هشام بن عروة عن أبيه ولدت خديجة للنبىّ عبد العزى وعبد مناف والقاسم قلت لهشام فأين الطيب والطاهر فقال هذا ما وضعتم أنتم يا أهل العراق فأما أشياخنا فقالوا عبد العزى وعبد مناف والقاسم ولا يجعل عبد العزى على هذه الرواية تاسعا لان رواتها تنفى ما سوى الثلاثة بخلاف ما تقدّم وهذا خرجه أبو الجهم الباهلى وكان أكبر ولده صلّى الله عليه وسلم القاسم وبه كان صلّى الله عليه وسلم يكنى وعاش حتى مشى وقيل عاش سنتين وقال مجاهد مكث سبع ليال ثم هلك ذكره ابن قتيبة وقيل بلغ أن يركب الدابة ويسير على النجيب ومات قبل البعث أو بعده على الخلاف المتقدّم وهو أوّل من مات من ولده ثم ولد له صلّى الله عليه وسلم زينب ثم عبد الله ثم أمّ كلثوم ثم فاطمة ثم رقية وقيل اوّل من ولد له صلّى الله عليه وسلم زينب ثم القاسم ثم أمّ كلثوم ثم فاطمة ثم رقية ثم عبد الله وقيل رقية اكبر من امّ كلثوم وهو الاشبه لان عثمان تزوّجها أوّلا فى اوّل اسلامه ثم امّ كلثوم بعدها بعد وقعة بدر والظاهر ان الكبيرة تزوّج اوّلا وان جاز خلافه والاكثر على أن فاطمة اصغرهنّ سنا ولا خلاف ان زينب اكبرهنّ سنا قاله ابو عمرو*
(ذكر زينب رضى الله عنها)
* قد تقدّم انها اكبر بناته صلّى الله عليه وسلم بلا خلاف الا ما لا يصح وانما الخلاف فيها وفى القاسم أيهما ولد أوّلا قال ابن اسحاق سمعت عبد الله بن محمد بن سليمان يقول ولدت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنة ثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم وادركت الاسلام واسلمت وهاجرت وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم محبا لها*
(ذكر من تزوّجها)
* وكان تزوّجها ابن خالتها ابو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف فى الجاهلية واسمه لقيط وعليه الاكثر وقيل هشيم وقيل مهشم وفى المنتقى اسمه القاسم أمّه هالة بنت خويلد اخت خديجة لابيها وامّها قاله الدار قطنى فخديجة خالته وعن عائشة قالت كان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وتجارة وأمانة فقالت خديجة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم زوّجه وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل أن ينزل عليه الوحى فزوّجه زينب فلما أكرم الله نبيه بنبوّته آمنت خديجة وبناته فلما نادى قريشا بأمر الله تعالى أتوا أبا العاص بن الربيع فقالوا له فارق صاحبتك ونحن نزوّجك بأى امرأة شئت من قريش فقال لا والله لا أفارق صاحبتى وما يسرّنى ان لى بامرأتى أفضل امرأة من قريش وعن عائشة قالت كان الاسلام فرق بين زينب وبين أبى العاص الا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يقدر أن يفرق بينهما وكان مغلوبا بمكة*
(ذكر هجرتها)
* عن عروة بن الزبير عن عائشة ان النبىّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة أو ابن كنانة تريد المدينة فخرجوا فى اثرها فأدركها هبار بن الاسد فجعل يطعن بعيرها برمحه حتى صرعها فألقت ما فى بطنها وأهريقت دما وسيجىء فى غزوة بدر فاشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية فقالت بنو هاشم نحن أحق بها وقالت بنو أمية نحن أحق بها لكونها تحت ابن عمهم أبى العاص فكانت عند هند فكانت تقول لها هذا فى سبب أبيك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة ألا تنطلق فتجيئنى بزينب قال بلى يا رسول الله قال فخذ خاتمى فأعطها فانطلق زيد فلم يزل يتلطف حتى لقى راعيا فقال لمن ترعى قال لابى العاص فقال فلمن هذه الغنم قال لزينب بنت محمد فسار معه شيئا ثم قال هل لك أن اعطيك شيئا تعطيها اياه ولا تذكره لاحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعى فأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاك هذا قال رجل قالت فأين تركته قال مكان كذا وكذا فسكتت حتى اذا كان الليل خرجت اليه(1/273)
فلما جاءته قال لها زيد اركبى بين يدى على بعيرى قالت لا ولكن اركب أنت بين يدى فركب وركبت خلفه حتى أتت المدينة فكان عليه السلام يقول هى أفضل بناتى أصيبت فىّ فبلغ ذلك علىّ بن الحسين فانطلق الى عروة فقال ما حديث بلغنى عنك تحدثه نتتقص به حق فاطمة* قال عروة ما أحب ان لى ما بين المشرق والمغرب وانى انتقص فاطمة حقا هولها وأما بعد ذلك علىّ أنى لا أحدّث به أحدا خرجه الدولابى* وقد روى أن أبا العاص لما أسر يوم بدر وفدى نفسه فأطلق أخذ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم العهد ان ينفذها اليه اذا عاد الى مكة ففعل فجاءت مهاجرة الى المدينة خرجه الفضائلى ولعل الهجرة الاولى كانت بارسال أبى العاص فلما منعتها قريش خرج زيد وأتى بها ولا تضاد بينهما وسيجىء ذكر اسلام زوجها أبى العاص وحكم نكاحها بعد الاسلام*
(ذكر وفاتها)
* ماتت زينب فى حياة أبيها فى سنة ثمان من الهجرة وسيجىء فى الموطن الثامن وكان سبب وفاتها سقوطها من بعيرها لما طعنه هبار على ما تقدّم وسقطت على صخرة وأهريقت دما ولم تزل مريضة بذلك حتى ماتت قاله أبو عمرو* وعن ابن عمر زاد أنه لما دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلم ابنته زينب جلس عند القبر فتربد وجهه ثم سرى عنه فسأله أصحابه عن ذلك فقال ذكرت ابنتى زينب وضعفها وعذاب القبر فدعوت الله ففرج عنها وأيم الله لقد ضمت ضمة سمعها ما بين الخافقين خرجه سعيد ابن منصور فى سننه وكان زوجها أبو العاص محبا لها فقال وهو متوجه فى بعض اسفاره الى الشام
ذكرت زينب لما وركت ارما ... فقلت سقيا لشخص يسكن الكرما
بنت الامين جزاها الله صالحة ... وكل بعل سينبى بالذى علما
ثم تزوّج أبو العاص بنت سعيد بن العاص وهلك بالمدينة فى خلافة عثمان وأوصى الى الزبير بن العوّام*
(ذكر ولدها)
* قال أبو عمرو وغيره ولدت زينب من أبى العاص غلاما يقال له على توفى وقد ناهز الحلم وكان رديف رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ناقته يوم الفتح وجارية يقال لها امامة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحبها وكان يحملها فى الصلاة على عاتقه فاذا ركع وضعها واذا رفع رأسه من السجودا عادها وتزوّجها على بن أبى طالب بعد فاطمة وقيل ان فاطمة كانت أوصته بذلك ذكره الدار قطنى وزوّجها منه الزبير بن العوام وكان أبوها اوصى بها اليه فولدت له ولد اسماه محمدا وقيل قتل عنها ولم تلد له ذكره الدار قطنى فلما قتل علىّ تزوّجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وكان علىّ قد أمره بذلك بعده لانه خاف أن يتزوّجها معاوية فتزوّجها فولدت له يحيى وبه كان يكنى وماتت عنده قيل فى سنة خمسين من الهجرة* وروى أن عليا قال لها حين حضرته الوفاة انى لا آمن أن يخطبك يعنى معاوية فان كان لك فى الرجال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا فلما انقضت عدّتها كتب معاوية الى مروان يأمره أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة ألف دينار فلما خطبها أرسلت الى المغيرة بن نوفل ان هذا أرسل يخطبنى فان كان لك بنا حاجة فأقبل فأقبل وخطبها الى الحسن بن علىّ فزوّجها منه خرج جميع ذلك أبو عمرو وذكر الدولابى أن عليا لما أصيب ولت أمرها المغيرة بن نوفل فقال المغيرة بن نوفل اشهدوا أنى قد تزوّجتها وأصدقتها كذا وكذا*
(ذكر رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم)
* ذكر الزبير بن بكار وغيره انها أكبر بناته صلّى الله عليه وسلم وصححه الجرجانى النسابة وقد تقدّم أن الاصح والذى عليه الاكثر أن زينب أكبرهنّ ولدت رقية ولرسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثون سنة*
(ذكر من تزوّجها)
* كانت رقية تحت عتبة بن أبى لهب واختها أمّ كلثوم تحت أخيه عتيبة فلما نزلت تبت يدا أبى لهب وتب قال لهما رأسى من رأسكما حرام ان لم تفارقا ابنتى محمد ففارقاهما ولم يكونا دخلا بهما فتزوّج رقية عثمان ابن عفان بمكة وهاجر بها الهجرتين الى أرض الحبشة ثم الى المدينة وكانت ذات جمال رائع(1/274)
وفى حياة الحيوان لما هاجر بها الى ارض الحبشة كان فتيان أهل الحبشة يتعرّضون لها ويتعجبون من جمالها فأذاها ذلك فدعت عليهم فهلكوا جميعا ذكر الدولابى ان تزويج عثمان رقية كان فى الجاهلية وذكر غيره ما يدل على أن تزويجه اياها كان بعد اسلامه وعن عائشة رضى الله عنها أتت قريش عتبة بن أبى لهب فقالوا له طلق ابنة محمد ونحن نزوّجك أىّ امرأة شئت من قريش فقال ان زوّجتمونى ابنة أبان ابن سعيد بن العاص أو ابنة سعيد بن العاص فارقتها فزوّجوه ففارقها ولم يكن دخل بها فاخرجها الله من يده كرامة لها وهوانا له وخلف عليها عثمان بن عفان*
(ذكر تزويج عثمان رقية)
* كان بوحى من الله تعالى وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان الله أوحى الىّ أن ازوّج كريمتىّ عثمان بن عفان خرجه الطبرانى فى معجمه وخرج خيثمة بن سليمان عن عروة بن الزبير وزاد بعد قوله كريمتى يعنى رقية وامّ كلثوم*
(ذكر هجرتها)
* كانت رقية ممن هاجرت الهجرتين عن أنس قال أوّل من هاجر الى ارض الحبشة عثمان وخرج معه بابنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأبطأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبرهما فجعل يتوكف الخبر فقدمت امرأة من قريش فسألها فقالت رأيتها فقال على أى حال رأيتها فقالت رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب وهو يسوقها فقال النبى صلّى الله عليه وسلم صحبهما الله ان كان عثمان لأوّل من هاجر الى الله عز وجل بعد لوط خرجه خيثمة بن سليمان والملا*
(ذكر وفاتها)
* عن ابن شهاب انها كانت اصابتها الحصبة فمرضت وتخلف عليها عثمان فلم يشهد بدرا وماتت بالمدينة وجاء زيد بن حارثة بشيرا بفتح بدر وعثمان قائم على قبر رقية خرجه أبو عمرو قال لا خلاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان بسهمه من بدر وأخرجه عن ابن عباس قال لما عزى رسول الله صلّى الله عليه وسلم بابنته رقية قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات خرجه الدولابى وكانت وفاتها لسنة وعشرة أشهر وعشرين يوما من مقدمه صلّى الله عليه وسلم المدينة ذكره ابن قتيبة*
(ذكر ولدها)
* ولدت رقية لعثمان بالحبشة ولد اسماه عبد الله وكان يكنى به قال مصعب وبلغ الغلام ست سنين فنقر عينه ديك فتورّم وجهه ومرض ومات وقال غيره وصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ونزل فى حفرته أبوه عثمان وذكر الدولابى انه مات وهو رضيع وقال قتادة لم تلد رقية لعثمان وهو غلط والاصح ما تقدّم وستجىء وفاة عبد الله بن عثمان فى الموطن الرابع*
(ذكر أمّ كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)
* وهى ممن عرف بكنيته ولم يعرف لها اسم وقد تقدّم ذكر الخلاف فى أيهما أكبر هى أم رقية وهى أكبر سنا من فاطمة*
(ذكر من تزوّجها)
* وقد تقدّم قبله أن عتيبة بن أبى لهب كان تزوّجها ثم فارقها قبل دخوله بها فخلف عليها عثمان بن عفان بعد موت اختها رقية وعن قتادة أن عتيبة فارق أمّ كلثوم ولم يبن بها ثم جاء الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال له كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبنى ولا أحبك ثم سطا عليه وشق قميصه وهو خارج نحو الشأم تاجرا فقال له عليه السلام أما انى أسأل الله أن يسلط عليك كلبه فخرج فى تجر من قريش حتى نزلوا مكانا من الشأم يقال له الرزقاء ليلا فأطاف بهم الاسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أمى هو والله آكلى كما دعا علىّ محمد أقاتلى ابن أبى كبشه وهو بمكة وانا بالشأم فعدى عليه الاسد من بين القوم فأخذ برأسه ففدغه وعن عروة بن الزبير أن عتيبة لما أراد الخروج الى الشام أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا محمد هو يكفر بالذى دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ثم تفل وردّ التفلة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك وأبو طالب حاضر فوجم لها فقال ما كان أغناك عن دعوة ابن أخى ثم خرج الى الشام فنزلوا منزلا وأشرف عليهم راهب من الدير فقال أرض مسبعة فقال أبو لهب يا معشر قريش أعينونا هذه الليلة فانى اخاف دعوة محمد فجمعوا أحمالهم وفرشوا لعنيبة(1/275)
فى اعلاها وباتوا حوله فجاء الاسد فجعل يتشمم وجوههم ثم ثنا ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فحدشه فقال قتلنى ومات وروى أن الاسد أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه خرجه الدولابى وفيه قال حسان بن ثابت
من يرجع العام الى أهله ... فما أكيل السبع بالراجع
هذا هو المشهور من أن جملة أولاد أبى لهب أربعة عتبة وعتيبة ومعتب ودرّة أسلموا يوم الفتح ولهم صحبة وقد مرّ الكلام فى سبيعة بنت أبى لهب وعتيبة قتله الاسد كما ذكر وبعضهم عكس الامر وقال ان عتيبة المصغر هو الذى أسلم وعتبة المكبر هو الذى قتله الاسد وعلى هذا بنى القاضى عياض كلامه فى الشفاء كذا فى مزيل الخفاء*
(ذكر كيفية تزويج أمّ كلثوم عثمان)
* عن سعيد بن المسيب قال آم عثمان من رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وآمت حفصة بنت عمر من زوجها فمرّ عمر بعثمان فقال له هل لك فى حفصة وكان عثمان قد سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكرها فلم يجبه فذكر ذلك عمر للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال النبىّ صلّى الله عليه وسلم هل لك فى خير من ذلك أتزوّج أنا حفصة وأزوّج عثمان خيرا منها أمّ كلثوم خرجه أبو عمرو وقال حديث صحيح وعن ربعى بن خراش عن عثمان انه خطب الى عمرا بنته فردّه فبلغ ذلك النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما راح اليه عمر قال يا عمر أدلك على خير لك من عثمان وأدل عثمان على خير له منك قال نعم يا نبىّ الله قال تزوّجنى ابنتك وأزوّج عثمان ابنتى خرجه الحجندى*
(ذكر أن تزويجه اياها كان بوحى من الله تعالى وأمر منه)
* تقدّم فى تزويج رقية طرف منه وعن عائشة قالت قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أتانى جبريل فأمرنى أن أزوّج عثمان ابنتى وقالت عائشة كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى عليه السلام خرج يلتمس نارا فرجع بالنبوّة خرجه الحافظ أبو نعيم البصرى وعن أبى هريرة قال لقى النبىّ صلّى الله عليه وسلم عثمان عند باب المسجد فقال يا عثمان هذا جبريل أخبرنى أن الله تعالى قد أمرنى أن أزوّجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها خرجه ابن ماجه القزوينى والحافظ أبو القاسم الدمشقى والامام أبو الخير القزوينى الحاكمى وعنه قال قال عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بكيت بكاء شديدا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما يبكيك قلت أبكى على انقطاع صهرى منك قال فهذا جبريل يأمرنى بأمر الله أن أزوّجك أختها وعن ابن عباس معناه وفيه والذى نفسى بيده لو أن عندى مائة بنت تموت واحدة بعد واحدة زوّجتك أخرى حتى لا يبقى بعد المائة شىء هذا جبريل أخبرنى ان الله عز وجل يأمرنى أن أزوّجك اختها وأن أجعل صداقها مثل صداق اختها أخرجهما الفضائلى الرازى*
(ذكر وفاة أمّ كلثوم)
* ماتت أمّ كلثوم فى سنة تسع من الهجرة وصلّى عليها أبوها صلّى الله عليه وسلم ونزل فى حفرتها علىّ والفضل وأسامة بن زيد روى أن أبا طلحة الانصارى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أن ينزل معهم فأذن له ذكره أبو عمرو وعن أنس قال شهدنا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيت عينيه تدمعان فقال هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة فقال أبو طلحة أنا فقال انزل فى قبرها فنزل خرجه البخارى ولا تضادّ بين هذا وبين ما تقدّم بل يجوز أن يكون استأذن أوّلا فقال صلّى الله عليه وسلم ذلك ليثبت لابى طلحة موجب اختصاصه بالنزول وقد رويت هذه القصة فى رقية وهو وهم فان النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يكن حال دفنها حاضرا بل كان فى غزوة بدر كما تقدّم وغسلتها اسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وشهدت أمّ عطية غسلها وروت قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم اغسليها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك ان رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن فى الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فاذا فرغتن آذننى فلما فرغنا(1/276)
آذناه فألقى الينا حقوه وقال أشعريها اياه قالت ومشطناها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها وعنها أنه صلّى الله عليه وسلم قال ابد أن بميا منها ومواضع السجود منها اخرجاهما أى البخارى ومسلم وعن ليلى بنت قائف الثقفية قالت كنت ممن غسل أمّ كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكان أوّل ما اعطانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت فى الثوب الآخر قالت ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس على الباب معه كفنها فنا ولنا ثوبا ثوبا خرجه الدولابى*
(ذكر فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم)
* فى الصفوة ولدت فاطمة وقريش تبنى الكعبة قبل النبوّة بخمس سنين وهى اصغر بناته وفى ذخائر العقبى وكانت ولادتها قبل النبوّة بخمس سنين وقريش تبنى الكعبة وولدت الحسن ولها احدى عشرة سنة بعد الهجرة بثلاث سنين قال أبو عمرو ولدت فاطمة سنة احدى وأربعين من مولده عليه السلام وهو مغاير لما رواه ابن اسحاق انّ أولاده كلهم ولدوا قبل النبوّة الا ابراهيم* وعن أبى جعفر قال دخل العباس على علىّ وفاطمة وأحدهما يقول للآخر أينا أكبر فقال العباس ولدت يا على قبل بناء قريش البيت بسنوات وولدت انت وقريش تبنى البيت ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة قبل النبوّة بخمس سنين خرجه الدولابى وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يحب فاطمة حبا شديدا وعن عائشة قالت قلت يا رسول الله مالك اذا قبلت فاطمة جعلت لسانك فى فيها فكأنك تريد أن تلعقها عسلا فقال صلّى الله عليه وسلم انه لما أسرى بى أدخلنى جبريل الجنة فناولنى تفاحة فأكلتها فصارت نطفة فى ظهرى فلما نزلت من السماء واقعت خديجة ففاطمة من تلك النطفة فكلما اشتقت الى تلك النطفة قبلتها خرجه أبو سعد فى شرف النبوّة وروى الملافى سيرته انّ النبى صلّى الله عليه وسلم قال أتانى جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها فواقعت خديجة فحملت بفاطمة وفى رواية قالت عائشة انك تكثر تقبيل فاطمة فقال صلّى الله عليه وسلم انّ جبريل ليلة أسرى بى أدخلنى الجنة فأطعمنى من جميع ثمارها فصار ماء فى صلبى فحملت خديجة بفاطمة فاذا اشتقت الى تلك الثمار قبلت فاطمة فأصبت من رائحتها جميع تلك الثمار التى أكلتها خرجه الفضل بن خيرون كذا فى ذخائر العقبى وهذه الروايات تقتضى كون ولادة فاطمة بعد البعثة لان الاسراء كان بعد البعثة وقد صرح أبو عمرو بأنّ ولادة فاطمة كانت سنة احدى وأربعين من مولده صلّى الله عليه وسلم كما نقلنا آنفا من سيرة مغلطاى*
(ذكر وصيتها الى أسماء بنت عميس بما تصنعه بعد موتها)
* عن أمّ جعفر أنّ فاطمة رضى الله عنها قالت لاسماء بنت عميس انى قد استقبحت ما يصنع بالنساء انه يطرح على المرأة الثوب فيصفها قالت أسماء يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل فاذا أنا مت فاغسلينى أنت وعلىّ ولا يدخل علىّ أحد غيرك فلما توفيت جاءت عائشة تدخل فقالت أسماء لا تدخلى فشكت الى أبى بكر فقالت انّ هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء أبو بكر رضى الله عنه فوقف وقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبىّ صلّى الله عليه وسلم يدخلن على بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وجعلت لها مثل هودج العروس فقالت أمرتنى أن لا يدخل عليها أحد وأريتها هذا الذى صنعت وهى حية فأمرتنى أن أصنع ذلك لها* قال أبو بكر رضى الله عنه اصنعى ما أمرتك ثم انصرف وغسلها علىّ وأسماء خرجه أبو عمرو وخرج الدولابى معناه مختصرا وذكر أنها لما أرتها النعش تبسمت وما رؤيت متبسمة يعنى بعد النبىّ صلى الله عليه وسلم الا يومئذ وعن أمّ سلمى قالت اشتكت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم(1/277)
فرّضناها فأصبحت يوما كأمثل ما رأيناها فى شكواها فخرج على بن أبى طالب لبعض حاجته قالت فاطمة اسكبى لى يا أمه غسلا فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما كنت أراها تغتسل قالت ثم قالت يا أمه ناولينى ثيابى الجدد قالت فناولتها ثم جاءت الى البيت الذى كانت فيه فقالت قدّمى فراشى وسط البيت واضطجعت ووضعت يدها اليمنى تحت خدّها ثم استقبلت القبلة ثم قالت يا أمه انى مقبوضة الآن فلا يكشفنى أحد ولا يغسلنى أحد قالت فقبضت مكانها قالت ودخل علىّ فأخبرته بالذى قالت وبالذى أمرتنى فقال علىّ والله لا يكشفها أحد فاحتملها فدفنها بغسلها ذلك ولم يكشفها ولا غسلها أحد خرجه أحمد فى المناقب والدولابى واللفظ له وهو مضادّ لخبر أسماء المتقدّم* قال أبو عمرو فاطمة أوّل من غطى نعشها من النساء فى الاسلام على الصفة المذكورة فى خبر أسماء المتقدّم ثم بعدها زينب بنت جحش صنع لها ذلك أيضا*
(ذكر تاريخ وفاتها وسنها يوم ماتت)
* فى الصفوة توفيت فاطمة بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم بستة أشهر فى ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان سنة احدى عشرة من الهجرة وهى بنت ثمان وعشرين سنة ونصف* وعن الزهرى ماتت فاطمة بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر* وعن عائشة قالت كان بين النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبين فاطمة شهران والاوّل أصح* وفى ذخائر العقبى قيل توفيت بعده صلّى الله عليه وسلم بثمانية أشهر وقيل بمائة يوم وقيل بسبعين ذكره أبو عمرو* وفى الصفوة وهى يوم ماتت بنت ثمان وعشرين سنة ونصف سنة* وفى ذخائر العقبى وهى ابنة تسع وعشرين سنة قاله المداينى* وقال عبد الله بن حسن ابن على بن أبى طالب ابنة ثلاثين سنة* وقال الكلبى خمس وثلاثين حكاه أبو عمرو وقيل ثمان وعشرين حكاه الرازى وعلى الاقوال كلها سوى قول مغلطاى المتقدّم يكون مولدها قبل النبوّة* وذكر الامام أبو بكر أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع فى كتاب تاريخ مواليد أهل البيت أنها توفيت وهى ابنة ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعين يوما منها بمكة ثمان سنين والباقى بالمدينة وعاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوما وفى رواية أربعين يوما*
(ذكر من غسلها ومن صلّى عليها ومن دخل قبرها)
* فى الصفوة غسلها علىّ وصلّى عليها وقالت عمرة صلّى عليها العباس ودفنت ليلا كذا فى ذخائر العقبى وفيه وخرج البصرى من حديث مالك بن أنس أنه صلّى عليها أبو بكر ودخل بها فى قبرها علىّ والفضل وكانت أشارت على علىّ أن يدفنها ليلا* وعن مالك بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه على بن الحسين قال ماتت فاطمة بين المغرب والعشاء فحضرها أبو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف فلما وضعت ليصلى عليها قال علىّ تقدّم يا أبا بكر قال وأنت شاهد يا أبا الحسن قال نعم تقدّم فو الله لا يصلى عليها غيرك فصلى عليها أبو بكر رضى الله عنهم أجمعين ودفنت ليلا خرجه البصرى وخرجه ابن النعمان فى الموافقة وفى بعض طرقه فكبر عليها أربعا وهذا مغاير لما جاء فى الصحيح أنّ عليا لم يبايع أبا بكر حتى ماتت فاطمة وطريان هذا مع عدم البيعة يبعد فى الظاهر والغالب وان جاز أن يكونوا لما سمعوا بموتها حضروها فاتفق ذلك ثم بايع بعده كذا فى الرياض النضرة للمحب الطبرى*
(ذكر موضع قبرها)
* ذكر الحافظ أبو عمرو بن عبد البر أنّ الحسن لما توفى دفن الى جنب أمّه فاطمة وقبر الحسن معروف بجنب قبر العباس ولا يذكر لفاطمة ثمة قبر فتكون على هذا مع الحسن فى قبة العباس فينبغى أن يسلم عليها هناك* وروى أنّ أبا العباس المرسى كان اذا زار البقيع وقف أمام قبلة قبة العباس وسلم على فاطمة رضى الله عنها ويذكر أنه كشف له عن قبرها ثمة وعن عبد الله بن جعفر بن محمد انه كان يقول قبر فاطمة فى بيتها الذى أدخله عمر بن عبد العزيز فى المسجد مروياتها فى كتب الاحاديث ثمانية عشر حديثا المتفق عليه منها واحد والباقى فى سائر الكتب*
(ذكر ولد فاطمة)
* عن الليث بن سعد قال تزوّج علىّ(1/278)
فاطمة فولدت له حسنا وحسينا ومحسنا وزينب وأمّ كلثوم ورقية فاتت رقية ولم تبلغ وقال غيره ولدت حسنا وحسينا ومحسنا فهلك محسن صغيرا وأمّ كلثوم وزينب ولم يذكر رقية ولم يتزوّج عليها حتى ماتت ولم يكن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عقب الا من ابنته فاطمة رضى الله عنها وأعظم بها معجزة ذكره المحب الطبرى فى ذخائر العقبى* وسيجىء ذكر الحسن والحسين فى الموطن الثالث والرابع وذكر زينب وأمّ كلثوم بنتى فاطمة فى أولاد علىّ فى الخاتمة فى ذكر الخلفاء* وفى سنة ست وعشرين ولد طلحة ابن عبيد الله وفى سنة سبع وعشرين ولد سعيد بن زيد* وفى سنة تسع وعشرين ولد كعب بن عجرة كذا فى سيرة مغلطاى وفى السنة الثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم ولد على بن أبى طالب رضى الله عنه فى الكعبة قال ابن اسحاق أوّل ذكر آمن بالله ورسوله على بن أبى طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين وعن أنس بن مالك استنبئ النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلّى علىّ يوم الثلاثاء ثانى مبعثه وكان الاستنباء على رأس أربعين سنة فتكون ولادة علىّ فى السنة الثلاثين من مولد النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا ذكره فى الاستيعاب وأسد الغابة* وفى شواهد النبوّة كانت ولادة على بمكة بعد عام الفيل بسبع سنين وقيل كانت ولادته فى الكعبة وفى وقت بعثة النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان ابن خمس عشرة سنة وقيل ثلاث عشرة وقيل عشر سنين وقيل تسع سنين والاوّل أصح أى ولادته بعد عام الفيل بسبع سنين أصح انتهى كلام شواهد النبوّة* وهذه الاقوال كلها فى الاستيعاب وأسد الغابة وقيل الذى ولد فى الكعبة عند أهل التاريخ هو حكيم بن حزام أقول لا مانع من ولادة كليهما فى الكعبة المشرّفة وفى هذه السنة الثلاثين ولد شريح القاضى وفى سنة احدى وثلاثين ولد أبو هريرة وفى سنة اثنتين وثلاثين ولد بلال بن الحارث المزنى وفى سنة ثلاث وثلاثين ولد سعيد ابن عامر بن جذيم وفى سنة أربع وثلاثين ولد معاوية بن أبى سفيان ومعاذ بن جبل كذا فى سيرة مغلطاى وفى السنة الخامسة والثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم هدمت قريش الكعبة ثم بنتها كما سبق فى ذكر أوّلية الكعبة* وفى الدلائل لابى نعيم كان بين عام الفيل والفجار أربعون سنة وبين الفجار وبنيان الكعبة خمس عشرة سنة وفى تاريخ يعقوب كان بناؤها فى سنة خمس وعشرين من الفيل ووضع عليه السلام الركن اليمانى بيده يوم الاثنين كذا فى سيرة مغلطاى وفى هذه السنة الخامسة والثلاثين ولدت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقد مرّ ذكرها فى السنة الخامسة والعشرين من مولده عليه السلام فى ذكر أولاده وفى هذه السنة مات زيد بن عمرو بن نفيل وفى سيرة مغلطاى أورد موت زيد بن عمرو فى السنة الرابعة روى عن عامر بن ربيعة أنه قال كان زيد بن عمرو بن نفيل يطلب الدين وكره النصرانية واليهودية وعبادة الاوثان والاحجار وأظهر خلاف قومه واعتزل آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم فلا يأكل ذبائحهم وهذان البيتان من أشعاره
أربا واحدا أم ألف رب ... أدين اذا تقسمت الامور
تركت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الرجل البصير
قال عامر قال لى زيد يا عامر انى خالفت قومى واتبعت ملة ابراهيم وما كان يعبده واسماعيل من بعده وكانوا يصلون الى هذه القبلة وأنا أنتظر نبيا من ولد اسماعيل يبعث لا أرانى أدركه وأنا أو من به وأصدّقه وأشهد أنه نبىّ فان طالت بك مدّة فرأيته فأقرئه منى السلام قال عامر فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت وأخبرته بقول زيد وأقرأته منه السلام فردّ صلّى الله عليه وسلم عليه السلام وترحم عليه وقال لقد رأيته فى الجنة يسحب ذيولا* وفى سنة ست وثلاثين ولد عبد الله بن عمرو ابن العاص وجابر وأبو قتادة وأبو أسيد الساعدى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن وقائع السنة الثامنة(1/279)
والثلاثين من مولده صلّى الله عليه وسلم أنه رأى الضوء والنور وكان يسمع الصوت ولا يدرى ما هو* وفى السنة التاسعة والثلاثين ولد واثلة بن الاسقع ذكره العتقى كذا فى سيرة مغلطاى* ومن وقائع السنة الاربعين من مولده صلّى الله عليه وسلم قتل كسرى برويز النعمان بن المنذر لغضب كان عليه قتله قبل المبعث بسبعة أشهر والله سبحانه وتعالى أعلم
* (الركن الثانى فى الحوادث من ابتداء نبوّته الى زمان هجرته
من صفة نزول الوحى ورمى الشياطين بالشهب وانفصام طاق كسرى وأوّل من أسلم واخفاء الدعوة ووفاة ورقة بن نوفل واظهار الدعوة وولادة عائشة وهجرة الحبشة وايذاء المشركين وولادة أسامة بن زيد ووفاة سمية بنت حباط واسلام حمزة وعمر بن الخطاب ووقعة بغاث وتقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب ونزول سورة الروم وانشقاق القمر ووفاة أبى طالب وخديجة وذكر ثقيف ووفود الجنّ وتزوّج سودة وعائشة وبدء اسلام الانصار وذكر المعراج وفرض الصلوات الخمس وبيعة العقبة الاولى وبيعة العقبة الثانية وهجرة أبى بكر الى الحبشة وابتداء هجرة الاصحاب الى المدينة ومشاورة قريش فى حبسه أو قتله أو اخراجه واخبار جبريل اياه بذلك واذنه له بالهجرة) *
نزول الوحى وكيفيته
من حوادث السنة الاولى من النبوّة نزول الوحى وكيفيته روى أنه لما تمّ لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعون سنة ودخل فى السنة الحادية والاربعين بيوم واحد أوحى الله تعالى اليه وذلك سنة عشرين من ملك كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان ملك الفرس كذا فى المنتقى وأسد الغابة* وفى المواهب اللدنية ولما بلغ أربعين سنة قيل وأربعين يوما وقيل وعشرة أيام وقيل وشهرين يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان وقيل لسبع وقيل لاربع وعشرين ليلة وقال ابن عبد البرّ يوم الاثنين لثمان من ربيع الاوّل وكذا قاله أبو عمرو وزاد سنة احدى وأربعين من عام الفيل وفى تاريخ الفسوى على رأس خمس عشرة سنة من بنيان الكعبة وضعفه وعن مكحول بعد ثنتين وأربعين سنة كذا فى سيرة مغلطاى وقال ابن المسيب بعثه الله عز وجل وله ثلاث وأربعون سنة فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وقيل انه كتم أمره ثلاث سنين وكان يدعو مستخفيا الى أن أنزل الله تعالى وأنذر عشيرتك الاقربين فأظهر الدعوة كذا فى أسد الغابة وسيجىء زيادة على هذا وفى المواهب اللدنية كان ابتداء المبعث فى رجب وفى كتاب المنتقى نزل عليه القرآن وهو ابن خمس وأربعين لسبع وعشرين من رجب قاله الحسين وجمع بأنّ ذلك حين حمى الوحى وتتابع كذا فى سيرة مغلطاى وقال بعض علماء الحديث ابتداء الوحى الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان فى المنام فى ربيع الاوّل فى السنة الحادية والاربعين وابتداء الوحى اليه فى اليقظة ونزول القرآن كان فى رمضان تلك السنة وعن أنس بن مالك أنه قال بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رأس أربعين والصحيح من الروايات أنّ أوّل ما بدئ به النبىّ صلّى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم فكان لا يرى رؤيا الاجاءت مثل فلق الصبح كما سيجىء من حديث عائشة فانّ المدّة التى كان يوحى اليه فى المنام فيها ستة أشهر الى أن استعلن له جبريل فقول النبىّ صلّى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزأ من النبوّة معناه أنّ النبى صلّى الله عليه وسلم حين بعث أقام بمكة ثلاث عشرة سنة وأقام بالمدينة عشر سنين فذلك ثلاث وعشرون سنة كاملة فاذا قسمت مدّة الوحى اليه فى اليقظة وهى ثلاث وعشرون سنة الى مدّة الوحى اليه فى المنام وهى ستة أشهر وجدت مدّة بعثه الى حين وفاته على هذا ستة وأربعين جزأ فاتضح معنى الحديث وروى عن محمد بن أحمد بن عبد البر أنه قال بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم وله يومئذ أربعون سنة فأتاه جبريل ليلة السبت وليلة الاحد ثم ظهر له بالرسالة(1/280)
يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان بحراء وهو أوّل موضع نزل فيه القرآن نزل اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم الى هذا ثم بحث أى ضرب جبريل بعقبه فى الارض فنبع منها ماء فعلمه الوضوء والصلاة ركعتين وقيل ثم جاء جبريل فى يوم الثلاثاء ثانى مبعثه فوافاه بأعلامكة فهمز جبريل بعقبه ناحية الوادى فنبع عين ماء فتوضأ وأرى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوضوء ثم قام جبريل فصلى به ركعتين وأراه الصلاة وفى ذلك اليوم فرض عليه الوضوء والصلاة ثم فارقه جبريل وعاد النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى خديجة فأخبرها فغشى عليها من الفرح ثم أخذ بيدها وأتى بها الى العين فتوضأ ليريها الوضوء فتوضأت ثم قام فصلى وصلت معه وكانت أوّل من آمن وأوّل من صلّى فكانت ذلك أوّل فرضها ركعتين ثم انّ الله تعالى أقرّها فى السفر كذلك وأتمها فى الحضر* وقال مقاتل كانت الصلاة أوّل فرضها ركعتين بالغدوة وركعتين بالعشىّ لقوله تعالى وسبح بالعشىّ والابكار* قال فى فتح البارى كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم قبل الاسراء يصلى قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شىء من الصلاة أم لا فقيل انّ الفرض كان صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها والحجة عليه قوله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها انتهى* وقال النووى أوّل ما وجب الانذار والدعاء الى التوحيد ثم فرض الله من قيام الليل ما ذكر فى أوّل سورة المزمّل ثم نسخه بما فى آخرها ثم نسخه بايجاب الصلوات الخمس ليلة الاسراء كذا فى المواهب اللدنية* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام من ربك فقالت خديجة الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام وعن أبى هريرة قال أتى جبريل النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها اناء فيه ادام أو طعام أو شراب فاذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لاصخب فيه ولا نصب رواه البخارى* وروى أبو قتادة عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه سئل عن صوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه واختلفوا فى أنّ نزول القرآن فى أى الاثانين كان على خمسة أقوال* أحدها لسبع خلت من رمضان وقد ذكرناه* والثانى لاربع وعشرين ليلة خلت من رمضان رواه قتادة* والثالث للثامنة عشرة ليلة خلت من رمضان رواه أبو أيوب عن أبى قلابة* والرابع انه كان فى رجب* روى عن أبى هريرة قال من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهرا وهذا اليوم الذى نزل فيه جبريل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالرسالة أوّل يوم هبط فيه* والخامس انه الثانى من ربيع الاوّل* وعن عائشة أنها قالت أوّل ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة وكان لا يرى رؤيا الاجاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يأتى حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالى ذوات العدد ويتزوّد لذلك ثم يرجع الى خديجة فتزوّده لمثلها حتى اذا جاء الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فيه وقال اقرأ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ باسم ربك الذى خلق حتى بلغ ما لم يعلم فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال زمّلونى زمّلونى فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق فى حديث حدّثه حتى اذا كان شهر رمضان خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله حتى اذا كانت الليلة التى أكرمه الله فيها بالرسالة ورحم العباد بها جاءه جبريل بأمر الله تعالى قال رسول الله(1/281)
صلى الله عليه وسلم فجاءنى وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ قال فقلت ما اقرأ قال فغتنى به بالتاء مكان الطاء فى الرواية السابقة حتى ظننت انه الموت ثم أرسلنى فقال اقرأ وهكذا الى ثلاث مرّات ثم قال له اقرأ باسم ربك الذى خلق الى قوله ما لم يعلم قال قرأتها ثم انتهى فانصرف عنى وهببت من نومى فكأنما كتب فى قلبى كتابا الى آخر الحديث* وفى المنتقى فقال يا خديجة مالى فأخبرها الخبر وقال خشيت علىّ فقالت له كلا ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقرئ الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر فى الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربى* وفى رواية العبرانى يكتب بالعربية من الانجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة أى ابن عم اسمع من ابن أخيك وقيل انّ خديجة قالت لابى بكر يا عتيق اذهب الى ورقة بن نوفل كذا فى سيرة مغلطاى فقال ورقة يا ابن أخى ما ترى فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال ورقة هذا الناموس الاكبر الذى أنزل الله تعالى على موسى يا ليتنى فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أو مخرجىّ هم قال نعم لم يأت رجل قط بما جئت به الاعودى وان يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزرا فلم ينشب ورقة ان توفى وفتر الوحى فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا غدا منه مرارا كى يتردّى من رؤس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكى يلقى نفسه منه تبدى له جبريل فقال يا محمد انك رسول الله فيسكن له جاشه وتقرّ عينه فيرجع فاذا طالت عليه فترة الوحى غد المثل ذلك فاذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك* وفى المواهب اللدنية فترة الوحى عبارة عن تأخره مدّة من الزمان وذلك ليذهب عنه ما كان يجده عليه السلام من الروع وليحصل له الشوق الى العود وكانت مدّة فترة الوحى ثلاث سنين كما جزم به ابن اسحاق* وفى تاريخ الامام أحمد ويعقوب بن سفيان عن الشعبى أنزل عليه النبوّة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوّته اسرافيل ثلاث سنين قبل جبريل فكان يعلمه الكلمة والشىء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوّته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة كذا رواه ابن سعد والبيهقى فقد تبين انّ نبوّته عليه السلام كانت متقدّمة على رسالته كما قال أبو عمرو وغيره كما حكاه أبو أمامة بن النقاش فكان فى نزول سورة اقرأ نبوّته وفى نزول سورة المدّثر رسالته بالنذارة والبشارة والتشريع وهذا قطعا متأخر عن الاوّل لانه لما كانت سورة اقرأ متضمنة لذكر أطوار الآدمى من الخلق والتعليم والافهام ناسب أن يكون أوّل سورة أنزلت وهذا هو الترتيب الطبيعى* وفى المواهب اللدنية أيضا قد ذكر ابن عادل فى تفسيره انّ جبريل عليه السلام نزل على النبىّ صلّى الله عليه وسلم أربعة وعشرين ألف مرّة ونزل على آدم اثنتى عشرة مرّة وعلى ادريس أربع مرّات وعلى نوح خمسين مرّة وعلى ابراهيم اثنتين وأربعين مرّة وعلى موسى أربعمائة وعلى عيسى عشر مرّات وزاد غيره ثلاث مرّات فى صغره وسبع مرّات فى كبره* وقال عليه السلام فى حديث فترة الوحى بينا أنا أمشى اذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصرى فاذا الملك الذى جاءنى بحراء جالس على كرسى بين السماء والارض فرعبت منه فرجعت فقلت زمّلونى زمّلونى فأنزل الله تعالى يأيها المدّثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر فحمى الوحى وتتابع* وجاء فى التفاسير ان أبا ميسرة قال كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا برز سمع مناديا ينادى يا محمد فيمرّ هاربا فقال ورقة بن نوفل اذا سمعت فاثبت حتى تدرى ما يقال لك فبرز فنودى فقال لبيك فقيل له قل أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا رسول الله فقالها فقيل له قل الحمد لله رب العالمين وقرأ سورة الحمد الى آخرها والمروى فى الصحيح الثابت(1/282)
انّ اقرأ باسم ربك أوّل ما نزل من القرآن وان صح هذا الحديث عن أبى ميسرة فلعل الملك أسمعه ذلك قبل أن يظهر له بحراء ثم كان الذى بدئ به من الوحى بعد ظهور الملك وحصول العلم بأنه رسول الله اليه الآيات من أوّل سورة اقرأ* روى عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فيما تثبته فيما أكرمه الله به من نبوّته يا ابن عم أتستطيع أن تخبرنى بصاحيك هذا الذى يأتيك اذا جاءك قال نعم فجاء جبريل فقال يا خديجة هذا جبريل قد جاءنى قالت فقم فاجلس على فخذى اليسرى فقام فجلس فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحوّل الى فخذى اليمنى فتحوّل فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحوّل فاجلس فى حجرى فجلس قالت هل تراه قال نعم فألقت خمارها وقالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت وابشر فو الله انه الملك وما هو بشيطان* وروى انه أوّل ما تراأى له جبريل أتاه من خلفه فضربه برجله فاستوى جالسا ونظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا ثم أتاه فضربه برجله ثم قال قم يا محمد فاذا برجل يسير بين يديه والنبىّ صلى الله عليه وسلم تبعه ثم أخرجه من باب الصفا فلما كان بين الصفا والمروة أنشب رجله فى الارض ومد رأسه الى السماء ونشر جناحيه فملأ بهما ما بين المشرق والمغرب فاذا رجلاه مغموستان فى صفرة واذا جناحاه مغموستان فى خضرة عليه وشاحان من ياقوت أحمر أجلى الجبين واضح الجبهة براق الثنايا شعره كالمرجان شعر رأسه حبك مكتوب بين عينيه لا اله الا الله محمد رسول الله فلما نظر اليه النبىّ صلى الله عليه وسلم رعب من عظم خلقه فقال له من أنت رحمك الله فانى لم أر شيئا قط أعظم منك خلقا ولا أحسن منك وجها قال أنا جبريل أنا الروح الامين الى جميع النبيين* وفى سيرة مغلطاى قال ابشر يا محمد أنا جبريل أرسلت اليك وأنت رسول هذه الامّة اقرأ يا محمد قال ما أقرأ ولم أقرأ قط فأخرج جبريل من تحت جناحه درنوكا من درانيك الجنة منسوجا بالدرّ والياقوت فوضعه على وجه محمد صلى الله عليه وسلم ثم غمه حتى كاد أن يغشى عليه ثم خلى عنه ثم قال اقرأ يا محمد قال وما أقرأ وما قرأت شيئا قط فعاد اليه بالدرنوك فصنع به ما صنع فى المرّة الاولى فلما أفاق قال اقرأ يا محمد فتمنى الموت مما صنع به وخاف أن يقول لا أقرأ فيعود عليه بالدرنوك قال اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الانسان من علق الى آخر السورة ثم قال لى انزل عن الجبل فنزلت معه الى قرار الارض فأجلسنى على درنوك وعليه ثوبان أخضران كذا فى سيرة مغلطاى ثم همز بعقبه الارض فنبعت عين ماء فتوضأ وتوضأ النبىّ صلى الله عليه وسلم وصلّى وصلّى النبىّ صلّى الله عليه وسلم معه يقتدى بصنعه فكان ذلك أوّل فرض الصلاة ركعتين ركعتين ثم انّ الله تعالى أقرّهما فى السفر وأتمها فى الحضر* قال مقاتل كانت الصلاة أوّل فرضها ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى كما مرّ فى سيرة مغلطاى ثم غاب عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لما غاب عنى انى شاعر أو مجنون ولم يكن شىء أبغض الىّ من شاعر أو مجنون فقلت لا صعدن الى قلة هذا الجبل فأرمى نفسى فأموت فاذا أنا بجبريل قد سدّ ما بين خافقى السماء وهو يقول أين تريد يا محمد أنا خليلك وأخوك جبريل فشغلنى ما رأيت من جبريل عليه السلام عما كنت هممت بنفسى فانحدرت من الجبل فأتيت باب خديجة فدققت الباب فوثبت خديجة الى الباب ففتحت لى الباب فلما أن نظرت الىّ استقبلتنى واعتنقتنى وقبلت ما بين عينىّ وقالت فداك أبى وأمى أرى لوجهك نورا لم أر مثله قط وأشم منك ريحا لم أشم مثلها قط فما الذى رأيت فأخبرها الخبر فقالت هذه كرامة الله اياك فأجلست رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولم تدعه يخرج وقالت يا محمد اذا اتاك فأخبرنى فلما أتاه جبريل قال أتانى قالت ههنا الىّ فأقعدته على فخذها اليسرى قالت هل تراه قال نعم ثم أقعدته على فخذها اليمنى قالت هل تراه قال نعم ثم أدخلته بين جلدها ودرعها وأخرجت رأسه من جيبها وألقت خمارها عن رأسها وتحسرت وقالت
هل تراه قال لا قالت كما أنت يا محمد حتى آتى(1/283)
ورقة بن نوفل فأتته وقالت نعمت صباحا يا ابن عم وكانت هذه تحية الجاهلية بمنزلة السلام عليك قال لها أخديجة أنت وكان ورقة قد عمى من الكبر قالت نعم قال مالك يا سيدة نساء قريش قالت أخبرنى عن جبريل ما هو قال قدّوس قدّوس ما ذكر جبريل فى بلدة لا يعبدون فيها الله قالت انّ محمد بن عبد الله أخبرنى انه أتاه قال فان كان جبريل هبط الى هذه الارض لقد أنزل الله اليها خيرا عظيما هو الناموس الاكبر الذى أتى موسى وعيسى بالرسالة والوحى قالت فأخبرنى هل تجد فيما قرأت من التوراة والانجيل انّ الله يبعث نبيا فى هذا الزمان قال نعم يبعث الله نبيا فى هذا الزمان يكون يتيما فيؤويه الله وفقيرا فيغنيه الله تكفله امرأة من قريش أكثرهم حسبا فقال لها نعتها مثل نعتك يا خديجة قالت فهل تجد غيرها قال نعم انه يمشى على الماء كما مشى عيسى ابن مريم وتكلمه الموتى كما كلمت عيسى ابن مريم وتسلم عليه الحجارة وتشهد له الاشجار وأخبرها بنحو قول بحيرا ثم انصرفت عنه وأتت عداسا الراهب وكان شيخا كبير السن وقد وقع حاجباه على عينيه من الكبر فقالت أنعم صباحا يا عداس قال وكانّ هذا الكلام كلام خديجة سيدة نساء قريش قالت أجل قال هلموا الىّ العمامة لا رفع بها حاجبى لا نظر الى خديجة ففعلوا فقال ادنى منى فقد ثقل سمعى فدنت منه ثم قالت يا عداس أخبرنى عن جبريل ما هو وسألت بمثل ما سألت ورقة فأجابها بمثل ما أجابها ورقة وقال فى آخره ولكن يا خديجة ان الشيطان ربما عرض للعبد فأراه أمورا فخذى كتابى هذا فانطلقى به الى صاحبك فان كان مجنونا فانه سيذهب عنه وان كان من الله فلن يضرّه فانطلقت بالكتاب معها فلما دخلت منزلها اذا هى برسول الله صلّى الله عليه وسلم مع جبريل قاعد يقرئه هذه الآيات ن والقلم وما يسطرون* ما أنت بنعمة ربك بمجنون* وانّ لك لاجرا غير ممنون وانك لعلى خلق عظيم* فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون* أى المجنون فلما سمعت خديجة قراءته اهتزت فرحا ثم قالت للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فداك أبى وأمى امض معى الى عداس فقام معها الى عداس فلما أن سلم عليه أدناه وكشف عن ظهره فاذا خاتم النبوّة يلوح بين كتفيه فلما نظر عداس اليه خرّ ساجدا يقول قدّوس قدّوس أنت والله النبىّ الذى بشر بك موسى وعيسى أما والله يا خديجة ليظهرن له أمر عظيم ونبأ كبير فو الله يا محمد ان عشت حتى تؤمر بالدعاء لا ضربن بين يديك بالسيف هل أمرت بشىء بعد قال لا قال ستؤمر ثم تؤمر ثم تكذب ثم يخرجك قومك فشق ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال يا عداس وانهم ليخرجونى قال نعم ما جاء والله أحد بمثل ما جئت به الا أخرجه قومه وكان قومه أشدّ الناس عليه والله ينصرك وملائكته ثم انصرف عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم*
(صفة نزول الوحى)
* عن عائشة ان الحارث بن هشام سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحيانا يأتينى مثل صلصلة الجرس وهو أشدّ علىّ فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فأعى ما يقول قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد عرقا* وفى الحديث أنه صلّى الله عليه وسلم أوحى اليه وهو على ناقته فبركت ووضعت جرانها بالارض فما تستطيع أن تتحرّك وانّ عثمان رضى الله عنه كان كاتب الوحى يكتب للنبىّ صلّى الله عليه وسلم لا يستوى القاعدون الآية وفخذ النبىّ صلّى الله عليه وسلم على فخذ عثمان فجاء ابن أمّ مكتوم فقال يا رسول الله ان بى من العذر ما ترى فغشيه الوحى فثقلت فخذه على فخذ عثمان حتى قال خشيت أن يرضها وأنزل الله غير أولى الضرر* وروى أنه صلّى الله عليه وسلم كان اذا نزل عليه الوحى وجد منه ألما شديدا ويتصدّع رأسه* وفى هذه السنة كانت وقعة قار بين ربيعة والفرس وولد رافع بن خديج قاله العتقى كذا فى سيرة مغلطاى*
رمى الشياطين بالشهب
(ومن حوادث مبعثه(1/284)
صلى الله عليه وسلم رمى الشياطين بالشهب بعد عشرين يوما من المبعث) عن ابن عباس قال لما بعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم دحر الشياطين ورموا بالكواكب وكانوا قبل يستمعون لكل قبيلة من الجن مقعد يستمعون فيه وقال ابليس هذا أمر حدث فى الارض ائتونى من كل أرض بتربة فكان يؤتى بالتربة فيشمها ويلقيها حتى أتى بتربة تهامة فشمها وقال هاهنا الحدث* وفى المنتقى أوّل من فزع لذلك أهل الطائف فجعلوا يذبحون لآلهتهم من كان له ابل أو غنم كل يوم حتى كادت أن تذهب أموالهم ثم تناهوا وقال بعضهم لبعض ألا ترون معالم السماء كما هى لا يذهب منها بشىء* وفى المدارك الجمهور على انّ ذلك لم يكن قبل مبعث محمد صلّى الله عليه وسلم وقيل كان فى الجاهلية ولكن الشياطين كانت تسترق فى بعض الاوقات فمنعوا من الاستراق أصلا بعد مبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم وسيجىء فى حوادث السنة العاشرة من النبوّة*
انفصام طاق كسرى
ومن حوادث مبعثه صلّى الله عليه وسلم ما روى انه لما بعث الله نبيه صلّى الله عليه وسلم أصبح كسرى برويز ذات غداة وقد انفصمت طاق ملكه من وسطها فلما رأى ذلك أحزنه وقال شاهى بشكست يقول الملك انكسر ثم دعا كهانة وسحرته ومنجميه وقال انظروا فى ذلك الامر فنظروا ثم قالوا ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق والمغرب وتخصب منه الارض كأفضل ما أخصبت من ملك كان قبله* وفى دلائل النبوّة وشواهد النبوّة ان كسرى كان بنى على الدجلة بناء عظيما وأنفق فى عمارته مالا كثيرا فأصبح يوما فرأى ايوانه قد انصدع وخرب الماء البنيان وكان له ثلثمائة وستون رجلا من الحزاة العلماء ومن الكهنة والسحرة والمنجمين وكان فيهم رجل من العرب اسمه السائب بعث به اليه باذان من اليمن وكان يعتاف اعتياف العرب قلما تخطئ أحكامه فجمعهم كسرى وقال لهم انكسر ايوانى وخرب الماء بنيانى على دجلة من غير سبب ظاهر فانظروا فيه فخرجوا من عند كسرى لينظروا فى ذلك الامر فوجدوا طرق الكهانة والسحر والنجوم مسدودة عليهم فبات السائب فى ليلة ظلماء على ربوة من الارض يرمق برقا نشأ من أرض الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق فلما أصبح رأى ما تحت قدميه فاذا هى خضراء فقال فيما يعتاف لئن صدق ما أرى ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق وتخصب عنه الارض كأفضل ما أخصبت عن ملك كان قبله فلما اجتمع الحزاة قال بعضهم لبعض والله ما حال بينكم وبين علمكم الا أمر جاء من السماء وانه لنبى بعث أو هو سيبعث من الحجاز يسلب ملك كسرى ويبلغ سلطانه المشرق ولئن نعيتم الى كسرى ملكه ليقتلنكم فأقيموا بينكم أمرا تقولونه فجاؤا كسرى فقالوا له انا قد نظرنا فى هذا فوجدنا حسابك الذين وضعت على حسابهم طاق ملكك قد أخطؤا فوضعوه على النحوس وانا سنحسب لك حسابا تضع عليه بنيانك فلا يزول قال فاحسبوا فحسبوا ثم قالوا له ابنه فبنى فعمل فى دجلة ثمانية أشهر وأنفق فيها من الاموال ما لا يدرى ما هو فلما تمّ البنيان قال لهم اجلس على سورها قالوا نعم فعمل مأدبة واجتمع أمراؤه وأركان دولته فأمر بالبسط والفرش والرياحين فوضعت عليها فبينما هم هناك انتسفت دجلة البنيان من تحته وغرق الناس وما فيه فلم يستخرج كسرى الا بآخر رمق فلما أخرج تغيظ لهم وغضب على الحزاة وقتل منهم قريبا من مائة وقال تلعبون بى وقال الباقون أيها الملك أخطأنا كما أخطأ الذين من قبلنا ولكن نحسب لك حسابا حتى تضعه على الوفاق من السعود قال انظروا فحسبوا له ثم قالو له ابنه فبنى وأنفق من الاموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر فلما تمّ قال لهم أخرج فاقعد قالوا نعم فركب برذونا وخرج فبينا هو يسير عليها اذ انتسفت دجلة البنيان فلم يدرك كسرى الا بآخر رمق فدعاهم فقال والله لامرن على آخركم ولا نزعن أكتافكم ولا طرحنكم بين أيدى الفيلة أو لتصدقنى ما هذا الامر الذى تلقون علىّ قالوا نكذبك أيها الملك حين خرجنا من عندك لننظر فى علمنا فوجدنا(1/285)
الارض قد أظلمت علينا بالاقطار وسدّت علينا طرق علمنا ولم يمض لعالم منا علمه فعرفنا انّ هذا الامر حدث من السماء وانه قد بعث نبىّ من الحجاز أو سيبعث فيكون سببا لزوال ملكك فلما سمع كسرى ذلك تركهم ولها عنهم وعن دجلة حين غلبته* روى عن الحسن البصرى أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله ما حجة الله على كسرى فيك قال بعث الله ملكا فأخرج يده من سور جدار بيته الذى هو فيه تلالأ نورا فلما رأى ذلك فزع فقال لا ترع يا كسرى انّ الله قد بعث رسولا وأنزل اليه كتابا فاتبعه تسلم دنياك وآخرتك قال سأنظر وسيجىء فى الموطن السابع مثل هذا وكيفية هلاك كسرى*
(ذكر أوّل من أسلم)
* وفيه اختلاف والمشهور انه أبو بكر وقيل علىّ ومن النساء خديجة ومن الموالى زيد ثم أسلم بلال وقيل أوّل من أسلم من الرجال أبو بكر ومن الصبيان علىّ ومن النساء خديجة ثم الزبير وعثمان وابن عوف وسعد وطلحة وقيل أوّل من أسلم بعد خديجة أبو بكر الصدّيق وهو قول العباس وابراهيم النخعى والشعبى كذا فى معالم التنزيل* وفى الاستيعاب وأسد الغابة عن الحسن وغيره أوّل من أسلم علىّ* وسئل محمد بن كعب القرظى عن أوّل من أسلم علىّ أو أبو بكر قال سبحان الله علىّ أوّلهما اسلاما وانما اشتبه على الناس لانّ عليا أخفى اسلامه عن أبى طالب وأبو بكر أسلم وأظهر اسلامه وقيل ينبغى أن يقال أوّل من آمن ورقة بن نوفل كذا فى مزيل الخفاء* وفى الكشاف آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم أى قيل النبوّة ورقة ابن نوفل وتبع الاكبر وحبيب بن شراجيل النجار وكان ينحت الاصنام وآمن برسول الله صلّى الله عليه وسلم وبينهما ستمائة سنة ولم يؤمن بنبى أحد الا بعد ظهوره قيل كان فى غار يعبد الله فلما بلغه خبر رسل عيسى أتاهم وأظهر دينه وقاول الكفرة فقالوا أو أنت تخالف ديننا فوثبوا عليه فقتلوه وقيل تواطؤه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقيل رجموه وهو يقول اللهمّ اهد قومى وقبره فى سوق انطاكية فلما قتل غضب الله عليهم فأهلكهم بصيحة جبريل عليه السلام* وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلم سباق الامم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين على بن أبى طالب وصاحب يس ومؤمن آل فرعون* وقال ابن اسحاق كان أوّل من تبع رسول الله صلّى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد زوجته ثم كان أوّل ذكر آمن به علىّ وهو يومئذ ابن عشر سنين* وفى الرياض النضرة بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم يوم الاثنين وأسلم علىّ يوم الثلاثاء خرجه البغوى فى معجمه* وعن رافع قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم بعثت يوم الاثنين وصلت خديجة آخر يوم الاثنين وصلّى علىّ يوم الثلاثاء من الغد ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر وهو يومئذ ابن ثمان وثلاثين سنة كذا فى المدارك وقيل سبع وثلاثين فلما أسلم أبو بكر جعل يدعو الى الاسلام فأسلم على يديه الزبير بن العوّام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبى وقاص وعبد الرحمن بن عوف كذا فى شرح المقاصد* وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما دعوت أحدا الى الاسلام الا كانت عنده كبوة وتردّد الا أبا بكر ما أعتم حين ذكرته له وما تردّد فيه* وفى أسد الغابة عن خالد الجهنى عن عبد الله بن مسعود قال قال أبو بكر انه خرج الى اليمن قبل أن يبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم قال فنزلت على شيخ من الازد عالم قد قرأ الكتب وعلم من علم الناس كثيرا فلما رآنى قال أحسبك حرميا قال أبو بكر قلت نعم أنا من أهل الحرم قال وأحسبك قرشيا قال قلت نعم وأنا من قريش قال وأحسبك تيميا قال قلت نعم وأنا من تيم بن مرّة أنا عبد الله بن عثمان من ولد كعب ابن سعد بن تيم بن مرّة قال بقيت لى فيك واحدة قلت وما هى قال تكشف لى عن بطنك قلت لا أفعل أو تخبرنى لم ذاك قال أجد فى العلم الصحيح الصادق انّ نبيا يبعث فى الحرم يعاونه على أمره فتى وكهل أمّا الفتى فخوّاض غمرات ودفاع معضلات وأمّا الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه(1/286)
اليسرى علامة وما عليك أن ترينى ما سألتك فقد تكاملت لى فيك الصفة الا ما خفى علىّ* قال أبو بكر فكشفت له بطنى فرأى شامة سوداء فوق سرّتى فقال أنت هو ورب الكعبة وانى متقدّم اليك فى أمر فاحذره قال أبو بكر قلت وما هو قال اياك والميل عن الهدى وتمسك بالطريق الوسطى وخف الله فيما خوّلك وأعطاك قال أبو بكر فقضيت باليمن أربى ثم أتيت الشيخ لأودّعه فقال أحامل عنى أبياتا من الشعر قلتها فى ذلك النبىّ قليت نعم فذكر أبياتا قال أبو بكر فقدمت مكة وقد بعث صلى الله عليه وسلم فجاءنى عقبة بن أبى معيط وشيبة بن ربيعة وأبو جهل وأبو البخترى وصناديد قريش فقلت لهم هل نابتكم نائبة أو ظهر فيكم أمر قالوا يا أبا بكر أعظم الخطب يتيم أبى طالب يزعم انه نبىّ ولولا أنت ما انتظرنا به فاذقد جئت فأنت الغاية والكفاية* قال أبو بكر فصرفتهم على أحسن مس وسألت عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقيل لى فى منزل خديجة فقرعت عليه الباب فخرج الىّ فقلت يا محمد فقدت من منازل أهلك وتركت دين آبائك وأجدادك قال يا أبا بكر انى رسول الله اليك والى الناس كلهم فآمن بالله قلت وما دليلك على ذلك قال الشيخ الذى لقيته باليمن قلت وكم من شيخ لقيت باليمن قال الشيخ الذى أفادك الابيات قلت ومن خبرك بهذا يا حبيبى قال الملك المعظم الذى يأتى الانبياء قبلى قلت مدّيدك فأنا أشهد أن لا اله الا الله وانك رسول الله قال ابو بكر فانصرفت وما بين لابتيها اشدّ سرورا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم باسلامى* وعن مجاهد قال اوّل من اظهر الاسلام سبعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابو بكر وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية امّ عمار كذا فى الصفوة* وعن عائشة رضى الله عنها قالت خرج ابو بكر رضى الله عنه يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان له صديقا فى الجاهلية فلقيه قال يا ابا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأديانها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى رسول الله أدعو الى الله فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم ابو بكر فانصرف عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وما بين الاخشبين اكثر منه سرورا باسلام ابى بكر فمضى ابو بكر فراح بعثمان وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام وسعد بن ابى وقاص فأسلموا ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وابى عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وابى سلمة ابن عبد الاسد والارقم بن ابى الارقم فأسلموا كذا فى المنتقى*
(ذكر ما وقع فى السنة الثانية والثالثة من النبوّة من اخفاء الدعوة)
* روى انه كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستر النبوّة ويدعو الى الاسلام فى السرّ ثلاث سنين وكان ابو بكر ايضا يدعو من يثق به من قومه فلما مضت من النبوّة ثلاث سنين نزل قوله تعالى فاصدع بما تؤمر فأظهر الدعوة الى الاسلام* وروى عن عروة بن الزبير وغيره من اهل العلم انه كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم من حين انزل عليه اقرأ باسم ربك الى ان كلف الدعوة واظهارها وأنزل فاصدع بما تؤمر وأنذر عشيرتك الاقربين ثلاث سنين لا يظهر الدعوة فى تلك المدّة الا للمختصين ثم أعلن وصدع بما يأمر الله تعالى به نحو عشر سنين بمكة* وفى السنة الثانية أو الثالثة من النبوّة توفى ورقة بن نوفل ابن عم خديجة فى حديث عائشة رضى الله عنها فى الصحيحين انّ الوحى تتابع فى حياة ورقة وانه آمن به* وقال الذهبى الاظهر انه مات بعد النبوّة وقبل الرسالة أى قبل اظهار الدعوة ونزول فاصدع بما تؤمر وأخواتها* وفى المنتقى أورد وفاة ورقة بن نوفل فى السنة الرابعة من النبوّة* وفى السنة الرابعة من النبوّة كان اظهار الدعوة وفى صحيح مسلم عن أبى هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا نعم وخص وقال يا بنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بنى عبد المطلب أنقذوا(1/287)
أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذى نفسك من النار فانى لا أملك لكم من الله شيئا غير ان لكم رحما سأبلها ببلالها ذكره المحب الطبرى فى ذخائر العقبى* وفى أنوار التنزيل لما نزلت وأنذر عشيرتك الاقربيين صعد الصفا وناداهم فخذا فخذا فاجتمعوا اليه فقال صلّى الله عليه وسلم لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقىّ قالوا نعم قال صلّى الله عليه وسلم فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد قال أبو لهب تبالك ألهذا دعوتنا وأخذ حجرا ليرميه فنزلت تبت يدا أبى لهب وكذا فى النهر الا أن فيه قال يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنكما من الله شيئا سلانى من مالى ما شئتم ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش يا فلان يا فلان* وفى رواية صاح بأعلى صوته يا صباحاه فاجتمعوا اليه من كل وجه فقال لهم أرأيتم لو قلت لكم انى أنذركم خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقىّ الى آخر ما ذكر وفيه ألهذا جمعتنا فافترقوا عنه ولما سمعت أمّ جميل سورة تبت أتت أبا بكر وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد وبيدها فهر وقالت بلغنى أنّ صاحبك هجانى ولا فعلن فأعمى الله بصرها عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال لها أبو بكر هل ترين معى أحدا فقالت اتهز أبى لا أرى غيرك وان كان صاحبك شاعرا فأنا مثله أقول* مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا فسكت أبو بكر ومضت هى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقد حجبنى عنها ملائكة فما رأتنى وكفانى الله شرّها وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها وابو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال وأمّ جميل بنت حرب اخت ابى سفيان امرأة ابى لهب كانت عوراء ويقال لها حمالة الحطب لانها كانت تحمل الحطب الذى هو الشوك لتؤذى بالقائه فى طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم واصحابه لتعقرهم فذمت بذلك وسميت حمالة الحطب وقيل حطب المشى بالنميمة* وعن الزهرى قال دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الاسلام سرّا وجهرا فاستجاب الله من أحداث الرجال وضعفاء الناس حتى كثر من آمن به وكفار قريش غير منكرين لما يقول فكانوا اذا مر عليهم فى مجالسهم يشيرون اليه ان غلام بنى عبد المطلب ليكلم من السماء وكان كذلك حتى عاب آلهتهم التى يعبدونها من دون الله وذكر هلاك آبائهم الذين كانوا على الكفر فشنعوا لرسول صلّى الله عليه وسلم عند ذلك وعادوه* وعن طارق بن عبد الله المحاربى قال رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بسوق ذى المجاز وانا فى بياعة لى مرّ وعليه حلة حمراء وهو ينادى بأعلى صوته يا ايها الناس قولوا لا اله الا الله تفلحوا ورجل يتبعه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول ايها الناس لا تطيعوه فانه كذاب قلت من هذا قالوا غلام بنى عبد المطلب قلت فمن هذا الذى يتبعه قالوا عمه عبد العزى* وفى السنة الخامسة أو الرابعة من النبوّة ولدت عائشة بنت ابى بكر بمكة وامّها امّ رومان كذا قاله الحافظ مغلطاى وغيره كذا فى المواهب اللدنية*
هجرة الحبشة الاولى
وفى هذه السنة وقعت هجرة الحبشة الاولى وذلك انه لما ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالنبوّة لم تنكر عليه قريش ولما سب آلهتهم وعابها قال العتقى وكان ذلك فى سنة اربع انكروا وبالغوا فى اذى المسلمين فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالخروج الى الحبشة وقال انّ بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده فتحوزوا عنده حتى يأتيكم الله بفرج منه كذا فى الصفوة فخرج قوم وستر الباقون اسلامهم* وفى المواهب اللدنية خرج فى رجب سنة خمس من النبوّة مهاجرا ناس ذو عدد منهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه وكانوا احد عشر رجلا واربع نسوة وقيل خمس نسوة وقيل وامرأتان واميرهم عثمان بن مظعون وانكر ذلك الزهرى وقال لم يكن لهم امير وخرجوا مشاة الى البحر فاستأجروا سفينة بنصف دينار انتهى* وفى المنتقى وكانت ارض الحبشة متجرا لقريش فخرجوا متسللين سرّا فصادف وصولهم الى البحر سفينتين للتجارة فحملوهم فيهما الى ارض الحبشة وكان مخرجهم فى رجب السنة الخامسة(1/288)
من النبوّة وخرجت قريش فى آثارهم ففاتوهم* وفى المواهب اللدنية كان اوّل من خرج عثمان ابن عفان مع امرأته رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم واخرج سفيان بسند موصول الى انس قال أبطأ على رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبرهما فقدمت امرأة فقالت قد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار قال انّ عثمان لاوّل من هاجر بأهله بعد لوط فلما رأت قريش استقرارهم بالحبشة وأمنهم أرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن ابى ربيعة بهدايا وتحف من بلادهم الى النجاشى واسمه اصحمة بن بحرى وقيل مكحول بن صصة*
فائدة فى أسماء ملوك الجهات
والنجاشى اسم لكل من ملك الحبشة وتسميه المتأخرون الابحرى وكذلك خاقان لمن ملك الترك وقيصر لمن ملك الروم وتبع لمن ملك اليمن وان ترشح للملك سمى قيلا وبطلميوس لمن ملك اليونان والقيطون لمن ملك اليهود هكذا قاله ابن خرداديه والمعروف مالخ ثم رأس الجالوت والنمرود لمن ملك الصابئة ودهمن ويعفور لمن ملك الهند وغانة لمن ملك الزنج وفرعون لمن ملك مصر والشأم فان اضيف اليهما الاسكندرية سمى العزيز ويقال المقوقس وكسرى لمن ملك العجم والاخشيد لمن ملك فرغانة والنعمان لمن ملك العرب من قبل العجم وجالوت لمن ملك البربر كذا فى سيرة مغلطاى* قال وكان معهما عمارة بن الوليد ليردّهم الى قومهم فأبى ذلك وردّهما خائبين بهديتهما وسيجىء تفصيله فأقاموا عند النجاشى آمنين فلما نزلت سورة والنجم سجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى آخر السورة وسجد معه المشركون* روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قرأ ينادى قومه سورة والنجم فلما بلغ قوله تعالى ومناة الثالثة الاخرى سمعت تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجبى وكانت هذه المسموعة بادخال الشيطان فى اثناء قراءة النبىّ صلّى الله عليه وسلم بأن سكت النبىّ صلّى الله عليه وسلم عند قوله ومناة الثالثة الاخرى فتكلم الشيطان بهذه الكلمات متصلا بقراءة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وخلط صوته بصوته محاكيا نغمة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فظنّ ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم هو الذى يتكلم بها فيكون هذا القاء من الشيطان فى قراءة النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى شرح المواقف والمدارك وانوار التنزيل وغيرها* قال القاضى عياض وهذا احسن وجوه التأويل فيه وكذا استحسن ابن العربى هذا التأويل وقد سبق الى ذلك الطبرى مع جلالة قدره وسعة علمه وشدّة ساعده فى النظر فصوّب على هذا المعنى كذا فى المواهب اللدنية فأنزل الله تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبىّ الا اذا تمنى القى الشيطان فى أمنيته اى فى تلاوته قال الشاعر
تمنى كتاب الله اوّل ليلة ... تمنى داود الزبور على رسل
وكان الشيطان يبصر ويتكلم فيسمع كلامه فى زمن النبىّ صلّى الله عليه وسلم ولما سجد النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى آخر السورة سجد معه المشركون فبلغ ذلك أهل الحبشة فقالوا ان كانوا قد آمنوا فلنرجع الى عشائرنا وكانوا قد خرجوا فى رجب واقاموا بالحبشة شعبان ورمضان وقدموا فى شوّال فلقيهم ركب فسألوهم فقالوا ذكر محمد آلهتهم فتابعوه ثم عاد عن ذكرها فعادوا له بالشرّ فلم يدخل أحد منهم مكة الا بجوار الا ابن مسعود فانه مكث قليلا ثم رجع الى أرض الحبشة فسطت بهم عشائرهم فآذوهم فأذن لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الخروج مرّة أخرى الى أرض الحبشة فخرج خلق كثير* قال محمد بن اسحاق من لحق من المسلمين بأرض الحبشة سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارا وولديها نيف وثلاثون رجلا ومن النساء احدى عشرة امرأة قرشية وسبع غرائب فلما سمعوا بمهاجر النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى المدينة رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا وثمان نسوة فمات منهم رجلان بمكة وحبس منهم سبعة وشهد بدرا منهم اربعة وعشرون وفى الصفوة والمنتقى(1/289)
عن أمّ سلمة أنها قالت انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما فتن أصحابه بمكة أشار عليهم أن يلحقوا بأرض الحبشة وقال انّ بها ملكا لا يظلم الناس ببلاده كما مرّ فخرجنا ارسالا ولما نزلنا بأرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشى أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا الى النجاشى فينا رجلين جلدين من قريش وأن يهدوا الى النجاشى هدايا مما يستظرف من متاع مكة من الادم وغيره وكان الادم يعجب النجاشى أن يهدى اليه ففعلوا وجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا الا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى وعمرو بن العاص وقالوا لهما ادفعا الى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشى ثم قدّما الى النجاشى هداياه ثم سلاه أن يسلمهم اليكما قبل أن يكلمهم فخرجا ولما قدما دفعا الى كل بطريق هديته وقالا انه قد صبأ الى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دين الملك وجاؤا بدين مبتدع وقد بعثنا الى الملك فيهم أشراف قومهم ليردّ وهم اليهم فاذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه أن يسلمهم الينا ولا يكلمهم فقالوا نعم ثم قربا هداياهم الى النجاشى فقبلها منهم ثم كلماه فقالوا له أيها الملك انه قد صبا الى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دين الملك وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردّهم اليهم فقال بطارقته صدقوا أيها الملك فارددهم وأسلمهم اليهما فغضب النجاشى ثم قال لا والله لا أسلم اليكما قوما جاورونى ونزلوا بلادى ولجؤا الىّ واختارونى على من سواى حتى أدعوهم وأسألهم ما يقول هذان فى أمرهم فان كانوا كما يقولان سلمتهم اليهما وان كانوا غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاورونى فأرسل الى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعاهم فلما أن جاء رسوله اجتمعوا ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل اذا جئتموه قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلّى الله عليه وسلم كائن فى ذلك ما هو كائن وأرسل النجاشى فجمع بطارقته وأساقفته فنشروا مصاحفهم حوله فلما جاؤه سألهم فقال انّ هؤلاء يزعمون انكم فارقتم دينهم فأخبرونى ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا فى دينى ولا فى دين آخر من هذه الامم
مكالمة جعفر مع النجاشى
فتكلم جعفر بن أبى طالب فقال أيها الملك كنا أهل جاهلية لا نعرف الله ولا رسوله نعبد الاصنام ونأكل الميتة ونأتى الفواحش ونقطع الارحام ونسىء الجوار يأكل القوى منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا الى الله عز وجل لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والاوثان وأمرنا بالمعروف ونهانا عن المنكر وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام والصدقة وكل ما يعرف من الاخلاق الحسنة ونهانا عن الزنا والفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وكل ما يعرف من السيئات وتلى علينا تنزيلا لا يشبهه شىء فصدّقناه وآمنا به وعرفنا أنّ ما جاء به هو الحق من عند الله فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ففارقنا عند ذلك قومنا فعدا علينا قومنا فآذونا وفتنونا عن ديننا ليردّونا الى عبادة الاوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا وبلغنا ما نكره ولم نقدر على الامتناع أمرنا نبينا صلّى الله عليه وسلم أن نخرج الى بلادك اختيارا لك على من سواك ورغبنا فى جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك فقال له النجاشى هل معكم مما جاءكم به عن الله عز وجل شىء فقال له جعفر نعم قال فاقرأه علىّ فقرأ عليه صدرا من كهيعص فبكى والله النجاشى حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت لحاهم ومصاحفهم ثم قال النجاشى والله انّ هذا الكلام والكلام الذى جاء به موسى ليخرجان من مشكاة واحدة ثم قال انطلقا والله(1/290)
لا أسلمهم اليكما أبدا ولا أخلى بينكما وبينهم فألحقا بشأنكما فخرجا من عنده مقبوحين مردودا أمرهما عليهما* وفى ذخائر العقبى عن جعفر قال فقال لهما النجاشى أعبيدهم لكم قالوا لا قال فلكم عليهم دين قالوا لا قال فخلوا سبيلهم انتهى قالت أمّ سلمة فلما خرجا قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدا أعيبهم بما أستأصل به خضراءهم أو قال يقول أبيد به خضراءهم فقال عبد الله بن أبى ربيعة وهو أتقى الرجلين فينا لا تفعله فانّ لهم أرحاما* وفى المنتقى فانّ للقوم رحما وان كانوا قد خالفوا فما نحب أن يبلغ ذلك منهم فقال والله لاخبرنه أنهم يزعمون أنّ عيسى ابن مريم عبد فلما كان الغدغدا اليه ودخل عليه فقال له أيها الملك انهم يخالفونك ويقولون فى عيسى ابن مريم قولا عظيما يزعمون أنه عبد فارسل اليهم وأسألهم عما يقولون* وفى ذخائر العقبى قال النجاشى ان لم يقولوا فى عيسى مثل قولى لم أدعهم فى أرضى ساعة من نهار فأرسل الينا وكانت الدعوة الثانية أشدّ علينا من الاولى انتهى قالت أمّ سلمة فأرسل النجاشى اليهم قالت أمّ سلمة فما نزل بناقط مثلها فاجتمعوا فقال بعضهم لبعض هل عرفتم أنّ عيسى الهه الذى يعبده وقد عرفتم أنّ نبيكم جاءكم بأنّه عبد وانّ ما يقولون هو الباطل فماذا تقولون قالوا نقول والله فيه ما قال الله عز وجل وما جاء به نبينا كائن فى ذلك ما هو كائن فلما دخلوا عليه قال لهم ماذا تقولون فى عيسى ابن مريم فقال له جعفر نقول فيه ما جاء به نبينا انه عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها الى مريم العذراء البتول فضرب النجاشى بيده الى الارض فأخذ منها عودا فقال ما عدا عيسى ابن مريم ما تقولون مثل هذا العود فنخرت أساقفته أى تكلمت بلغتهم قال لهم النجاشى وان نخرتم ثم قال للمسلمين اذهبوا فأنتم سئوم بأرضى والسئوم الآمنون من سبكم غرم من سبكم غرم غرم ما أحب انى آذيت منكم رجلا وانّ لى دبرا من الذهب والدبر بلسانهم الجبل ردّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لى بها فو الله ما أخذ الله منى رشوة حين ردّ علىّ ملكى وما أطاع فىّ الناس فأطيعهم فيه فردّوا عليهما هداياهما فخرجا خائبين* وفى رواية قال النجاشى للمسلمين مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده وأنا أشهد أنه رسول الله وأنه الذى بشربه عيسى ولولا ما أنا فيه من الملك لآتينه حتى أقبل نعله* وفى ذخائر العقبى عن جعفر قال فقال النجاشى ادع لى فلانا القس وفلانا الراهب فأتاه أناس منهم قال فقال ما تقولون فى عيسى ابن مريم قالوا أنت أعلمنا بما نقول فقال النجاشى وأخذ شيئا من الارض ما عدا عيسى عليه السلام ما قال هؤلاء بمثل هذا قال لهم أيؤذيكم أحد قالوا نعم فأمر مناديا فنادى من آذى أحدا منهم فأغرموه أربعة دراهم ثم قال أيكفيكم قلنا لا قال فاضعفوها* قال فلما هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخرج الى المدينة وظهر بها أتيناه فقلنا انّ صاحبنا قد خرج الى المدينة فظهر بها وقتل الذين كنا حدّثناك عنهم وقد أردنا الرحيل فزوّدنا فدفع الينا ما يحملنا وأحسن الينا ثم قال أخبر صاحبك بما صنعت اليكم وهذا صاحبى معكم وأنا أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا رسول الله قال وقل له يستغفر لى* قال جعفر فخرجنا حتى أتينا المدينة فتلقانى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاعتنقنى ثم قال ما أدرى أنا أبفتح خيبر أفرح أم بقدوم جعفر ووافق ذلك فتح خيبر ثم جلس فقام رسول النجاشى فقال هذا جعفر فاسأله ما صنع به صاحبنا فقال له نعيم فعل بنا وحملنا وزوّدنا وشهد أن لا اله الا الله وأنك رسول الله وقال قل له يستغفر لى فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتوضأ ودعا ثلاث مرّات اللهمّ اغفر للنجاشى فقال المسلمون آمين* قال جعفر فقلت للرّسول وأخبر صاحبك بما قد رأيت من النبىّ صلّى الله عليه وسلم خرجه المخلص الذهبى والبغوى فى معجمه عن أمّ سلمة*
قصة تولية النجاشى
معنى قول النجاشى ما أخذ الله منى رشوة حين ردّ علىّ ملكى فآخذ الرشوة وما أطاع الناس فىّ فأطيع الناس فيه انه لم يكن لابيه ولد غيره وكان أبوه ملك قومه وكان للنجاشى عمّ له من صلبه اثنا عشر رجلا وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة قالت الحبشة فيما بينها لو قتلنا أبا النجاشى(1/291)
ثم ملكنا أخاه فتوارث ملكه بنوه فانهم اثنا عشر رجلا لبقى ملك الحبشة زمانا فعدوا على أبى النجاشى فقتلوه ثم ملكوا أخاه ونشأ النجاشى مع عمه وكان لبيبا حاذقا فغلب على أمر عمه ونزل منه كل منزل فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه وانا لنتخوّف أن يملكه علينا وان ملكه علينا ليقتلنا أجمعين لقد عرف أنا قتلنا أباه فمشوا الى عمه فقالوا انا قتلنا أنا هذا الغلام وقد عرف انا قتلناه وملكناك علينا ونحن نتخوّفه على أنفسنا فاقتله أو أخرجه من بلادنا فقال ويحكم قتلتم أباه بالامس وأقتله اليوم اذهبوا فأخرجوه من بلادكم فبيعوه فى هذا السوق فأخرجوه الى السوق فأقاموه فيه فجاء تاجر فاشتراه بستمائة درهم فألقاه فى سفينته فانطلق حتى اذا كان العشىّ من ذلك اليوم هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر فأصابته صاعقة فأهلكته فرجعوا الى بنيه فاذاهم ليس فيهم خير فقالت الحبشة بعضهم لبعض هلك والله ملككم تعلمون انّ ملككم الذى بعتموه فان كان لكم فى ملككم حاجة فأدركوه فخرجوا فى طلبه فأدركوا التاجر فأخذوه منه ثم جاؤا به فقعدوا عليه التاج وأقعدوه على سرير الملك فملكوه فجاءهم التاجر الذى باعوه منه فقال أعطونى دراهمى كما أخذتم غلامى قالوا لا والله لا نفعل قال والله لا شكونّ منكم عند الملك فجاء فجلس بين يدى الملك فقال أيها الملك انى ابتعت غلاما ثم أتانى باعته فانتزعوه منى فسألتهم مالى فأبوا أن يعطونى فنظر النجاشى اليه فقال والله لتعطنه ماله أو ليضعن عبده يده فى يده فيذهب به حيث شاء فقالوا بل نعطيه ماله وكان هذا أوّل ما اختبر من صلابته وعدله وهذا قوله ما أخذ الله منى رشوة حين ردّ علىّ ملكى فآخذ الرشوة وما أطاع الناس فىّ فأطيع الناس فيه ذكره ابن اسحاق عن عائشة* وفى رواية بعث قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد* وفى معالم التنزيل بن أبى معيط بدل الوليد الى النجاشى فذكر نحو الحديث المتقدّم قال وكان عمرو رجلا فقيرا وعمارة رجلا جميلا فأقبلا فى البحر الى النجاشى فشربوا ومع عمرو امرأته فلما ثملوا من الخمر قال عمارة لعمرو مر امرأتك فلتقبلنى فقال له عمرو ألا تستحيى فأخذ عمارة عمرا يرمى به فى البحر فجعل عمرو يناشده حتى أدخله السفينة فحقد عمرو على عمارة ومكر به فقال يا عمارة انك لرجل جميل فاذهب الى امرأة النجاشى وتحدّث عندها اذا خرج زوجها فانّ ذلك عون لنا فى حاجتنا فراسلها عمارة حتى دخل عليها فانطلق عمرو الى النجاشى فقال انّ صاحبى هذا صاحب نساء وانه يريد أهلك فبعث النجاشى الى بيته فاذا عمارة عند أهله فأمر به فنفخ فى احليله أى سحره فطار مع الوحش* وفى رواية ثم ألقاه فى جزيرة من جزائر البحر فجنّ واستوحش مع الوحش كذا فى المنتقى*
(ذكر بعض ما لقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم من ايذاء المشركين)
* ولما خرج المسلمون الى الحبشة ومنع الله تعالى نبيه بعمه أبى طالب ورأت قريش أن لا سبيل لهم عليه رموه بالكهانة والسحر والجنون والشعر ثم بالغوا فى أذاه فمن ايذائهم ما روى أن نبينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بينما هو بفناء الكعبة اذ أقبل عقبة بن أبى معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه فى عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم* وروى عن عائشة أنها قالت عاد أبو بكر وقد صدعوا فرق رأسه مما جذبوه بلحيته وكان رجلا كثير الشعر* وفى معالم التنزيل لما بزق عقبة بن أبى معيط فى وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم عاد بزاقه فى وجهه فاحترق خدّاه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت* وعن عبد الله أنه قال ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد فانه كان يصلى ورهط من قريش جلوس وسلا جزور قريب منه فقالوا من يأخذ هذا فيلقيه على ظهره فقال عقبة بن أبى معيط أنا فأخذه فألقاه على ظهره فلم يزل(1/292)
ساجدا حتى جاءت فاطمة فألقته عن ظهره فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللهمّ عليك بالملأ من قريش اللهمّ عليك بعتبة بن ربيعة اللهمّ عليك بشيبة بن ربيعة اللهمّ عليك بأبى جهل بن هشام اللهمّ عليك بعقبة بن أبى معيط اللهمّ عليك بأبىّ بن خلف أو أمية بن خلف* قال عبد الله فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا ثم سحبوا الى القليب غير أمية فانه كان رجلا ضخما فتقطع ولما كثر أنواع الاذى من المشركين استتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع أصحابه فى دار الا رقم بن أبى الارقم بن أسد وأقاموا فى تلك الدار شهرا وهم تسعة وثلاثون رجلا* وفى الصفوة أرقم بن أبى الارقم أسلم بعد ستة نفر وكان داره بمكة على الصفا فيها استتر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودعا الناس فيها الى الاسلام وتصدّق بها الارقم على ولده فلم يزل المنصور يرغب ولده فى المال حتى باعه اياها ثم أعطاها المهدى الخيزران وقد يقال هى بأصل الصفا ويقال عند الصفا فالكل واحد وهى التى تسمى الآن بدار الخيزران* وفى كتاب الغزى كان صلّى الله عليه وسلم مستترا فيها فى بدء الاسلام وكان بها اجتماع من أسلم من الصحابة وبها أسلم عمر وحمزة وغيرهما ومنها ظهر الاسلام قاله العقبى* وفى هذه السنة ولد أسامة بن زيد وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة الثقيفى وأبو موسى الاشعرى وزيد بن خالد الجهنى وحبيب بن مسلمة الفهرى كذا فى سيرة مغلطاى* وفى هذه السنة توفيت سمية بنت حباط مولادة أبى حذيفة بن المغيرة وهى أمّ عمار بن ياسر أسلمت بمكة قديما وكانت ممن يعذب فى الله عز وجل لترجع عن دينها فلم ترجع فمرّ بها أبو جهل فطعنها فى قلبها فماتت وكانت عجوزا كبيره فهى أوّل شهيدة فى الاسلام وفى السنة السادسة من النبوّة أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب وقد قيل أسلما فى سنة خمس كذا فى المنتقى وكان اسلام حمزة قبل اسلام عمر بثلاثة أيام بعد دخول النبىّ صلّى الله عليه وسلم دار الارقم كذا فى الصفوة*
(ذكر اسلام حمزة)
* أما سبب اسلام حمزة فهو انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان جالسا عند الصفا فمرّ به أبو جهل فشتمه وأذاه وقال فيه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف لامره فلم يكلمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم واذا مولاة لعبد الله بن جدعان فى مسكن لها تسمع ذلك ثم انصرف أبو جهل عنه فعمد الى نادى قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب ان أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنصه وكان اذا رجع من قنصه لم يصل الى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان اذا فعل ذلك لم يمرّ على ناد من قريش الا وقف وسلم وتحدّث معهم فلما مرّ بالمولاة وقد رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى بيته قالت له يا أبا عمارة لو رأيت ما لقى ابن أخيك محمد آنفا من ابى الحكم بن هشام وجده ههنا جالسا فأذاه وسبه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته وكان أعزفتى فى قريش واشدّها شكيمة فخرج يسعى لم يقف على احد معدا لابى جهل اذا لقيه أن يوقع به فلما دخل المسجد نظر اليه جالسا فى القوم فأقبل نحوه حتى اذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة وقال اتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول فاردد ذلك علىّ ان استطعت فقامت رجال من بنى مخزوم الى حمزة لينصروا أبا جهل فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فانى والله سبيت ابن أخيه سبا قبيحا وتم حمزة على اسلامه وعلى مبايعة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فلما أسلم حمزة عرفت قريش ان رسول الله قد عز وامتنع وان حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون من النبىّ صلّى الله عليه وسلم وفى المواهب اللدنية قال حمزة حين أسلم
حمدت الله حين هدى فؤادى ... الى الاسلام والدين الحنيفى
لدين جاء من رب عزيز ... خبير بالعباد بهم لطيف
اذا تليت رسائله علينا ... تحدّر دمع ذى اللب الخصف(1/293)
رسائل جاء أحمد من هداها ... بآيات مبينة الحروف
وأحمد مصطفى فينا مطاع ... فلا تغشوه بالقول العنيف
فلا والله نسلّمه لقوم ... ولما نقض فيهم بالسيوف
وعند غير ابن اسحاق ان كلام أبى جهل للنبى صلّى الله عليه وسلم كان عند الحجون وانه صب التراب على رأس رسول الله صلّى الله عليه وسلم ووطئ برجله على عاتقه وان المرأة التى اخبرت حمزة سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب وانه قال لها انت رأيت هذا الذى تقولين قالت نعم فدخل سريعا فنظر الى الخلق لا يتكلم يعرف فى وجهه الغضب حتى وقف على أبى جهل فحمل عليه بالقوس فضربه ضربة أوضحت فى رأسه وذكر ما مضى بعده وقال قال حمزة أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والله لا انزع فامنعونى ان كنتم صادقين* وخرج صاحب الصفوة ذكر الايضاح بالقوس حين بلغه ما نال أبو جهل من رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا غير وكان اسلامه فى السنة الثانية من المبعث وقيل كان اسلامه بعد دخول النبىّ صلّى الله عليه وسلم دار الا رقم فى السنة السادسة من المبعث ولم يذكر فى الصفوة غيره وذكر الحافظ أبو القاسم الدمشقى ان اسلامه كان يوم ضرب ابو بكر حين ظهر النبىّ صلّى الله عليه وسلم قبل اسلام عمر من دار الا رقم وروى ان ذلك كان قبل اسلام عمر بثلاثة ايام والتوفيق بين الاحاديث كلها ممكن كذا فى ذخائر العقبى وفى المنتقى وكان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر وذلك ان اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ورضى عنهم لما اجتمعوا وكانوا تسعة وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الظهور فقال يا أبا بكر انا قليل فلم يزل يلح عليه حتى ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى نواحى المسجد وقام أبو بكر فى الناس خطيبا ورسول الله صلّى الله عليه وسلم جالس وكان أوّل خطيب دعا الى الله عز وجل والى رسوله صلّى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبى بكر وعلى المسلمين يضربونهم فى نواحى المسجد ضربا شديدا ووطئ أبو بكر وضرب ضربا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرّفهما بوجهه وأثر على وجه أبى بكر حتى ما يعرف أنفسه من وجهه وجاءت بنوتيم تتعادى فأجلوا المشركين عن ابى بكر وحملوا أبا بكر فى ثوب حتى أدخلوه بيته ولا يشكون فى موته ورجعت بنوتيم فدخلوا المسجد فقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلنّ عتبة ورجعوا الى أبى بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم فتكلم آخر النهار فقال ما فعل برسول الله صلّى الله عليه وسلم فمسوه بألسنتهم وعذلوه ثم قاموا وقالوا لامّ الخير انظرى أن تطعميه شيئا أو تسقيه اياه فلما خلت به وألحت عليه جعل يقول ما فعل برسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت والله مالى علم بصاحبك قال فاذهبى الى أمّ جميل بنت الخطاب فأسألها عنه فخرجت حتى جاءت الى أم جميل فقالت ان أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله قالت ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وان تحبى أن أمضى معك الى ابنك فعلت قالت نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا فرنت أم جميل وأعلنت بالضياح وقالت ان قوما نالوا منك هذا لاهل فسق وانى لارجو أن ينتقم الله لك قال فما فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت هذه امّك تسمع قال فلا عين عليك منها قالت سالم صالح قال فأين هو قالت فى دار الا رقم قال فان لله تبارك وتعالى علىّ ألية أن لا أذوق طعاما أو شرابا أو آتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الصحاح الالية اليمين على وزن فعيلة والجمع ألا يا قال الشاعر
قليل الا لا يا حافظ ليمينه ... وان سبقت منه الالية برّت
فأمهلنا حتى هدأت الرجل وسكن الناس خرجنا به يتكئ علينا حتى أدخلناه على النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأكب عليه فقبله وأكب عليه المسلمون ورق رسول الله صلّى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال(1/294)
أبو بكر رضى الله عنه بأبى وأمى ليس بى الا ما نال الفاسق من وجهى هذه أمى بره بوالديها وأنت مبارك فادعها الى الله تعالى وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار فدعا لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم دعاها الى الله عز وجل فأسلمت فأقاموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم شهرا وهم تسعة وثلاثون رجلا قال وكان أسلم حمزة يومئذ يوم ضرب أبو بكر كما مرّ*
(ذكر اسلام عمر)
* فى الاكتفاء قال ابن اسحاق كان اسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الحبشة وبعد حمزة بثلاثة أيام فيما قاله أبو نعيم كذا فى سيرة مغلطاى* وفى سبب اسلام عمر أقوال أشهرها ما روى ان قريشا اجتمعت فتشاورت فى امر النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقالوا أى رحل يقتل محمدا فقال عمر بن الخطاب انالها فقالوا أنت لها يا عمر فخرج متقلدا السيف فى طلب النبى صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع أصحابه فى منزل حمزة فى الدار التى فى أصل الصفا فلما خرج عمر الى الصفالقيه سعد بن أبى وقاص الزهرى فقال أين تريد يا عمر فقال أريد أن أقتل محمدا قال أنت أحقر وأصغر من ذلك فكيف تأمن فى بنى هاشم وبنى زهرة وقد قتلت محمدا* وفى رواية قال له سعد أتريد أن تقتل محمدا ويدعك بنو عبد مناف أن تمشى على الارض فقال له عمر ما اراك الا قد صبأت وتركت الدين الذى انت عليه وفى رواية قال له عمر لعلك قد صبأت الى محمد فابدأ بك فأقتلك وعند ذلك قال سعدا علم انى آمنت بمحمد واشهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله فسلّ عمر سيفه وكشف سعد عن سيفه فشدّ كل واحد منهما على الآخر حتى كاد أن يختلطا فقال سعد مالك يا عمر لا تصنع هذا باختك آمنة بنت الخطاب وفى المواهب اللدنية فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل فقال أسلما قال نعم فتركه عمر وسار الى منزل آمنة وفى الصفوة قال سعد أفلا ادلك على العجب يا عمران اختك وختنك قد صبيا وتركا دينك الذى انت عليه فمشى عمر مسرعا حتى أتاهما وعندهما رجل من الانصار يقال له خباب بن الارت وهم يقرؤن سورة طه فلما سمع خباب حس عمر توارى فى البيت فدخل عمر عليهما فقال ما هذه الهينمة التى سمعتها عندكم فقالا ما عدا حديثا حدّثناه بيننا قال فلعلكما قد صبأتما فقال له ختنه أرأيت يا عمر ان كان الحق فى غير دينك فوثب عمر على ختنه سعيد وبطش بلحيته فتواثبا وكان عمر رجلا شديدا قويا فضرب بسعيد الارض وجلس على صدره فجاءت اخته فدفعته عن زوجها فلطمها عمر لطمة شج بها وجهها وفى الصفوة فنفحها نفحة بيده فدمى وجهها فلما نظرت الى الدم على وجهها غضبت وقالت يا عدوّ الله اتضربنى على أن أوحد الله قال نعم أو قالت يا عمران كان الحق فى غير دينك أشهد أن لا اله الّا الله وان محمدا رسول الله لقد أسلمنا على رغم انفك فاصنع ما أنت صانع فلما سمعها عمر ندم وقام من صدر زوجها فقعد ناحية ثم قال اعرضوا علىّ الصحيفة التى كنتم تدرسونها* وفى الصفوة أعطونى هذا الكتاب الذى عندكم فأقرأه وكان عمر يقرأ الكتب قالت اخته لا أفعل قال ويحك قد وقع فى قلبى ما قلت فأعطنيها انظر اليها وأعطيك من المواثيق ان لا اخونك حتى تحرزيها حيث شئت قالت له اخته انك رجس فانطلق فاغتسل أو توضأ فانه كتاب لا يمسه الا المطهرون فخرج عمر ليغتسل وخرج اليها خباب بن الارت فقال أتدفعين كتاب الله الى عمر وهو كافر قالت نعم انى أرجو أن يهدى الله أخى فدخل خباب البيت وجاء عمر فدفعت اليه الصحيفة فاذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى الى قوله اننى أنا الله لا اله الا أنا فاعبدنى وأقم الصلاة لذكرى فقال عمر عند هذه ينبغى لمن يقول هذا ان لا يعبد معه غيره فقال عمر دلونى على محمد فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت فقال ابشر يا عمر فانى أرجو أن يكون قد سبقت فيك دعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلم البارحة قال اللهم أعز الاسلام بعمر بن الخطاب أو بأبى جهل بن(1/295)
هشام* وفى سيرة مغلطاى اللهم أيد الاسلام بأبى جهل بن هشام أو بعمر بن الخطاب وفى كتاب الحاكم اللهم أيد الاسلام بعمر بن الخطاب ولم يذكر أبا جهل* ذكر الدار قطنى ان عائشة قالت انما قال النبىّ صلى الله عليه وسلم اللهم عز عمر بالاسلام لان الاسلام يعز ولا يعز فقال عمر يا خباب انطلق بنا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقام خباب وسعيد معه حتى أتوا منزل حمزة دار الا رقم التى بأصل الصفا فدقوا الباب فخرج بعض الاصحاب فنظر فى شق الباب فرجع الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذا عمر نعوذ بالله من شرّه فقال افتحوا له الباب فان جاء بخير قبلناه وان جاء بشرّ قتلناه وفى الصفوة فانطلق عمر حتى أتى الدار وعلى الباب حمزة وطلحة وناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما رأى حمزة وجل القوم من عمر قال نعم هذا عمر فان يرد الله بعمر خيرا يسلم ويتبع النبىّ صلّى الله عليه وسلم وان يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا قال والنبىّ صلّى الله عليه وسلم داخل يوحى اليه ففتح لعمر الباب فدخل فاستقبله رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى صحن الدار فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل سيفه وفى المنتقى أخذ ساعده وانتهزه فارتعد عمر هيبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وجلس فقال أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك ما أنزل بالوليد بن المغيرة يعنى الخزى والنكال اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب ققال عمر اشهد انك رسول الله وقال اخرج يا رسول الله وعن ابن عباس سئل عمر عن وجه تسميته الفاروق فأخبر أن حمزة أسلم قبله بثلاثة أيام ثم شرح الله صدره للاسلام فقال الله لا اله الا هو له الاسماء الحسنى فما فى الارض نسمة أحب اليه من نسمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لاخته أين رسول الله صلّى الله عليه وسلم قالت فى دار الا رقم عند الصفا فأتى عمر الدار وحمزة فى أصحابه جلوس فى الدار ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى البيت فضرب عمر الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة ما لكم قالوا عمر بن الخطاب فخرج اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك عمران وقع على ركبتيه فقال ما أنت بمنته يا عمر فقال أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد فقال يا رسول الله ألسنا على الحق ان متناوان حيينا قال بلى والذى نفسى بيده انكم على الحق ان متم وان حييتم فقال ففيم الاخفاء* وفى المنتقى قال يا رسول الله علام نخفى ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل فقال يا عمر انا قليل فقد رأيت ما لقينا فقال عمر والذى بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر الا جلست فيه بالايمان ثم خرج فى صفين حمزة فى أحدهما وعمر فى الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلوا المسجد فنظر قريش الى عمر والى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماه رسول الله صلّى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق* وفى المنتقى ولما أسلم عمر قال يا رسول الله لا ينبغى أن نكتم هذا الدين أظهر دينك يا محمد فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه المسلمون وعمر امامهم ومعه سيفه ينادى لا اله الا الله محمد رسول الله حتى دخل المسجد الحرام فنظرت قريش فقالوا لقد أتاكم عمر مسرورا قالوا ما وراءك يا عمر قال ورائى لا اله الا الله محمد رسول الله فان تحرّك أحد منكم لا مكنن سيفى منه ثم تقدّم امام رسول الله صلّى الله عليه وسلم يطوف ويحميه حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من طوافه* وفى المواهب اللدنية قال عمر بعد ما أسلم ثم خرجت فذهبت الى رجل لم يكن يكتم السرّ فقلت له انى صبأت قال فرفع صوته بأعلاه ألا انّ ابن الخطاب قد صبأ فما زال الناس يضربونى وأضربهم فقال خالى ما هذا قيل ابن الخطاب فقام على الحجر وأشار بكمه فقال ألا انى قد أجرت ابن أختى فانكشف الناس
عنى فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الاسلام* وفى الصفوة عن ابن عمر أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم دعا لعمر فقال اللهم أعز الاسلام(1/296)
بأحب الرجلين اليك بعمر بن الخطاب أو بأبى جهل بن هشام* وفى المنتقى كانت الدعوة يوم الاربعاء فسبقت فى عمر فأسلم يوم الخميس ثم خرج عمر وطاف بالبيت ثم مرّ بقريش وهى تنظره فقال أبو جهل ابن هشام زعم فلان انك صبأت فقال عمر أشهد أن لا اله الا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله فوثب المشركون عليه فوثب عمر على عتبة بن ربيعة وبرك عليه وجعل يضربه وأدخل اصبعيه فى عينيه فجعل عتبة يصيح فتنحى الناس عنه فقام عمر فجعل لا يدنو منه الا أحد شريف وجعل حمزة يكشف الناس عنه ويضرب فيهم حتى أحجم الناس عنه واتبع عمر المجالس التى كان يجلس فيها فأظهر الايمان غير هائب ولا خائف فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب رضى الله عنهما حتى طاف بالبيت وصلّى الظهر معلنا ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى دار الارقم* وفى الصفوة أسلم عمر وهو ابن ست وعشرين سنة بعد أربعين وفى العمدة قيل كان أسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ثم أسلم عمر وقال سعيد بن المسيب بعد أربعين رجلا وعشر نسوة وقال عبد الله بن ثعلبة بعد خمسة وأربعين رجلا واحدى عشرة امرأة* وفى المواهب اللدنية وكان المسلمون اذ ذاك بضعة وأربعين رجلا واحدى عشرة امرأة* وعن داود ابن الحصين والزهرى قالا لما أسلم عمر نزل جبريل فقال يا محمد استبشر أهل السماء باسلام عمر رواه ابن ماجه كذا فى المواهب اللدنية الا أن فيه روى عن ابن عباس* وقال ابن مسعود مارلنا أعزة منذ أسلم عمر* وقال صهيب لما أسلم عمر جلسنا حول البيت حلقا وطفنا وانتصفنا ممن غلظ علينا* وفى المواهب اللدنية أسلم عمر بن الخطاب بعد حمزة بثلاثة أيام فيما قاله أبو نعيم بدعوته صلّى الله عليه وسلم اللهمّ أعز الاسلام بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب*
وقعة بعاث
وفى السنة السابعة من النبوّة وقعت وقعة بعاث فى القاموس بعاث بالعين والغين موضع قرب المدينة ويومه معروف وفى شرح الكرمانى لصحيح البخارى بعاث بضم الموحدة وتخفيف المهملة وبالمثلثة اسيم بقعة بقرب المدينة وقع فيها حرب بين الأوس والخزرج وسببه قتل مجدر بن زياد سويد بن الصامت كما سيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة أحد قيل هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى المدينة بعد بعاث بست سنين وقيل بخمس
*
تقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب
وفى السنة السابعة من النبوّة كما فى حياة الحيوان أو الثامنة منها على ما فى المنتقى تقاسمت قريش وتعاهدت على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب وفى الاستيعاب بعد المبعث بست سنين وقيل بخمس وفى المناسك للكرمانى وكان اجتماعهم وتحالفهم فى خيف بنى كنانة بالابطح ويسمى محصبا وهو بأعلا مكة عند المقابر* وفى المواهب اللدنية ولما رأت قريش عز النبىّ صلّى الله عليه وسلم بمن معه وعز أصحابه بالحبشة واسلام عمر وفشوّ الاسلام فى القبائل أجمعوا على أن يقتلوا النبىّ صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بنى هاشم وبنى المطلب وأدخلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله فأجابوه لذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا وائتمروا أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بنى هاشم وبنى المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا حتى يسلموا رسول الله صلّى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا فى صحيفة بخط منصور بن عكرمة بن هشام وقيل بغيض بن عامر فشلت يده وعلقوا الصحيفة فى جوف الكعبة هلال المحرم سنة سبع من النبوّة وانحاز بنو هاشم وبنو المطلب الى أبى طالب ودخلوا معه شعبه الا أبا لهب فكان مع قريش وأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا* وقال أبو سعد سنتين حتى جهدوا وكانت قريش قد قطعت عنهم الميرة والمادّة وكان لا يصل اليهم شىء الاسرّا وكانوا لا يخرجون الا من موسم الى موسم* وفى المواهب اللدنية ثم قام رجال فى نقض الصحيفة(1/297)
فأطلع الله نبيه على أمر الصحيفة على ان الارضة أكلت جميع ما فيها من القطيعة والظلم فلم تدع الا اسم الله فقط فأخبرهم أبو طالب بذلك فلما أنزلت لتمزق وجدت كما قال عليه السلام فأخرجوهم من الشعب وذلك فى السنة العاشرة* وأورد فى المنتقى تقاسم قريش على معاداة بنى هاشم وبنى المطلب فى السنة الثامنة من النبوّة* وفى سيرة اليعمرى حاصره أهل مكة فى الشعب فأقام محصورا دون ثلاث سنين هو وأهل بيته وخرج من الشعب وله تسع وأربعون سنة* وفى الاستيعاب حصرتهم قريش فى الشعب بعد المبعث بست سنين ومكثوا فى ذلك الحصار ثلاث سنين وخرجوا منه فى أوّل سنة خمسين من عام الفيل وتوفى أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام وقد قيل غير ذلك وولد عبد الله بن عباس فى الشعب قبل خروج بنى هاشم منه وقيل انه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وكان ابن ثلاث عشرة سنة يوم مات رسول الله صلّى الله عليه وسلم*
نزول سورة الروم
وفى السنة الثامنة من النبوّة نزلت الم غلبت الروم الآية روى انه بعث قيصر رجلا يسمى قطمة بجيش الروم وبعث كسرى برويز شهريزاد فالتقيا بأذرعات وبصرى وهى بأدنى الشام فغلب فارس على الروم فبلغ الخبر مكة فشق ذلك على المسلمين وكرهوه لان فارس مجوس لا كتاب لهم وكانوا يجحدون البعث ويعبدون الاصنام والروم أهل كتاب وفرح المشركون بذلك وقالوا أنتم والنصارى أهل كتاب ونحن وفارس أمّيون وقد ظهر اخواننا من فارس على اخوانكم من الروم فان قاتلتمونا لنظهرنّ نحن عليكم فنزلت الم غلبت الروم فى أدنى الارض الى قوله فى بضع سنين فخرج بها أبو بكر الى المشركين وقال لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين فقال أبى بن خلف كذبت فتراهنا على عشر قلائص من كل واحد منهما وجعلا الاجل ثلاث سنين فأخبر أبو بكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بذلك فقال زد فى الخطر وأبعد فى الاجل فجعلا مائة قلوص الى تسع سنين فلما خشى أبى أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه وقال انى أخاف أن تخرج من مكة فأقم لى كفيلا فكفل له ابنه عبد الرحمن بن أبى بكر فلما أراد أبى أن يخرج الى أحد أتاه عبد الرحمن بن أبى بكر فلزمه قال لا والله لا أدعك تخرج حتى تعطينى كفيلا فأعطاه كفيلا ثم خرج الى أحد فقتل بيد رسول الله صلّى الله عليه وسلم أى مات من جرح جرحه رسول الله صلّى الله عليه وسلم له فى أحد وغلبت الروم على فارس يوم الحديبية فأخذ أبو بكر مال الخطر من كفيل أبى وورثته وجاء به الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال تصدق به وكان ذلك قبل تحريم القمار* وهذه آية بينة على صحة نبوّته صلّى الله عليه وسلم وعلى ان القرآن من عند الله تعالى لانها نبأ عن الغيب كذا ذكره فى المنتقى*
انشقاق القمر
وفى السنة التاسعة من المبعث كان انشقاق القمر* فى المواهب اللدنية ان انشقاق القمر كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين قال العلامة ابن السبكى فى شرحه لمختصر ابن الحاجب الصحيح عندى ان انشقاق القمر متواتر منصوص عليه فى القرآن مروى فى الصحيحين وغيرهما من طرق حديث شعبة بن سليمان عن ابراهيم عن أبى معمر عن ابن مسعود ثم قال وله طرق أخر شتى بحيث لا يمترى فى تواتره انتهى وجاءت أحاديث انشقاق القمر فى روايات صحيحة من جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وعلىّ وحذيفة بن جبير بن مطعم وابن عمر وأنس وابن عباس وغيرهم* وفى الصحيحين من حديث أنس ان أهل مكة سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما قوله شقتتن بكسر الشين المعجمة أى نصفين وأنس وان لم يشاهد القصة لانه اذ ذاك كان ابن أربع سنين أو خمس بالمدينة لكن يجوز أن يكون حمل الحديث عمن شاهدها* ومن حديث ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اشهدوا* وفى رواية الترمذى من حديث ابن عمر(1/298)
فى قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر قال قد كان ذلك على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم انشق فلقتين فلقة دون الجبل وفلقة خلف الجبل فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم اشهدوا* وقال مجاهد انشق القمر فبقيت فرقة وذهبت فرقة من وراء الجبل* وقال ابن زيد لما انشق القمر كان يرى نصفه على فعيفعان والنصف الآخر على أبى قبيس كذا فى دلائل النبوّة وعند الامام أحمد من حديث جبير بن مطعم فصار فرفتين فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل فقالوا سحرنا محمدا فقالوا ان كان سحرنا فانه لا يستطيع أن يسحر الناس* وعن عبد الله بن مسعود أنه قال فقال كفار قريش هذا سحر ابن أبى كبشة قال فقالوا انظروا ما يأتيكم به السفار فان محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم قال فجاء السفار فأخبروهم بذلك رواه أبو داود والطيالسى ورواه البيهقى بلفظ انشق القمر بمكة فقالوا أسحركم ابن أبى كبشة فسألوا السفار وقد قدموا من كل وجه فقالوا رأيناه وعند أبى نعيم عن ابن عباس قال لما اجتمع المشركون الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل ابن هشام والعاص بن وائل والاسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ان كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين فسأل ربه فانشق* وعند البخارى مختصرا من حديث ابن عباس بلفظ ان القمر انشق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وابن عباس وان لم يشاهد القصة لانه لم يولد اذ ذاك ففى بعض طرقه انه حمل الحديث عن ابن مسعود وعند مسلم من حديث شعبة عن قتادة بلفظ فأراهم انشقاق القمر مرّتين وكذا فى مصنف عبد الرزاق عن معمر بلفظ مرّتين واتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ فرقتين كما فى حديث جبير عند أحمد وفى حديث ابن عمر فلقتين باللام كما مرّ وفى لفظ فى حديث جبير فانشق باثنتين* وفى رواية عن ابن عباس عند أبى نعيم فى الدلائل فصار قمرين ووقع فى نظم السيرة للحافظ أبى الفضل العراقى وانشق مرّتين بالاجماع* قال الحافظ ابن حجر وأظنّ قوله بالاجماع يتعلق بالشق لا بمرّتين فانى لا أعلم من جزم من علماء الحديث بتعدّد الانشقاق فى زمنه صلّى الله عليه وسلم ولعلّ قائل مرّتين أراد فرقتين وقد وقع فى رواية البخارى من حديث ابن مسعود ونحن بمنى وهذا لا يعارض قول أنس ان ذلك كان بمكة لانه لم يصرّح بأنه عليه السلام كان ليلتئذ بمكة فالمراد ان الانشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا الى المدينة هذا ما وقع فى المواهب اللدنية* وفى شواهد النبوّة انشق القمر بحيث كانت فلقة منه على أبى قبيس وفلقة على الجبل الآخر* وفى المواهب اللدنية وما يذكره بعض القصاص ان القمر دخل فى جيب النبىّ صلّى الله عليه وسلم وخرج من كمه فليس له أصل كما حكاه الشيخ بدر الدين الزركشى عن شيخه العماد بن كثير*
وفاة أبى طالب
وفى السنة العاشرة من النبوّة أوّل ذى القعدة وقيل للنصف من شوّال السنة الثامنة كذا فى الاستيعاب مات أبو طالب بعد ما خرج من الحصار بالشعب بثمانية أشهر وأحد وعشرين يوما كذا فى سيرة اليعمرى* وفى حياة الحيوان مات أبو طالب وكان النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابن تسع وأربعين سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما وأبو طالب ابن بضع وثمانين سنة* وفى المواهب اللدنية ابن سبع وثمانين سنة وقيل مات فى نصف شوّال من السنة العاشرة* وقال ابن الجوزى قبل هجرته عليه السلام بثلاث سنين انتهى* وروى عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه قال لما حضر أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوحد عنده عبد الله بن أمية وأبا جهل بن هشام فقال يا عم قل لا اله الا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال له أبو جهل يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويقول يا عم قل لا اله الا الله أشهد لك بها عند الله ويقولان له يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب حتى كان آخر(1/299)
كلمة تكلم بها أبو طالب أنا أموت على ملة عبد المطلب ثم مات* وفى المواهب اللدنية روى انه عليه السلام كان يقول له عند موته يا عم قل لا اله الا الله كلمة أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة فلما رأى أبو طالب حرص رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال له يا ابن أخى والله لولا مخافة قريش يقولون انى انما قلتها جزعا من الموت لقلتها لا أقولها الا لأسرّك بها فلما تقارب من أبى طالب الموت نظر العباس اليه يحرّك شفتيه فأصغى اليه باذنه فقال يا ابن أخى والله لقد قال أخى الكلمة التى أمرته بها فقال صلى الله عليه وسلم انى لم أسمعه قال ولم يكن العباس حينئذ مسلما كذا فى رواية ابن اسحاق انه أسلم عند الموت ورواه البيهقى فى الدلائل من طريق يونس بن بكير عن ابن اسحاق وقال البيهقى انه منقطع والصحيح من الحديث قد أثبت لأبى طالب الوفاة على الكفر والشرك كما رويناه فى صحيح البخارى من حديث سعيد بن المسيب حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا اله الا الله قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنه فأنزل الله تعالى ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى وأنزل الله فى أبى طالب فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء* وأجيب أيضا بأنّ أبا طالب لو قال كلمة التوحيد لما نهى الله نبيه عن الاستغفار له* وفى أنوار التنزيل الجمهور على انّ قوله تعالى انك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء نزلت فى أبى طالب فانه لما احتضر جاءه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال يا عم قل لا اله الا الله كلمة أحجاج لك بها عند الله قال يا ابن أخى لقد علمت انك لصادق ولكن أكره أن يقال جزع عند الموت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لاستغفرنّ لك ما لم أنه عنه فاستغفر له بعد موته حتى نزلت ما كان للنبىّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم اصحاب الجحيم وقيل اراد أن يستغفر لامّه فنهى عن ذلك كذا فى العمدة* وفى المواهب اللدنية وفى الصحيح عن ابن عباس انه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ان ابا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك قال نعم وجدته فى غمرات من النار فأخرجته الى ضحضاح وفى رواية يونس عن ابن اسحاق زيادة قال يغلى منها دماغه حتى يسيل على قدميه انتهى* وعن ابى سعيد الخدرى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه ابو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح يبلغ كعبه ويغلى منه دماغه* وعن ابن عباس ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال اهون اهل النار عذابا ابو طالب وهو منتعل بنعلين يغلى منهما دماغه* روى الاحاديث الثلاثة مسلم وروى البخارى ايضا حديث الضحضاح ولفظه ما اغنيت عن عمك فانه كان يحوطك ويغضب لك قال نعم هو فى ضحضاح من النار ولولا انا لكان فى الدرك الاسفل من النار قيل انّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم مسح ابا طالب بعد موته وأنسى تحت قدميه ولذا ينتعل بنعلين من النار
وصية أبى طالب
وفى المواهب اللدنية* حكى عن هشام بن السائب الكلبى او ابنه انه قال لما حضر ابا طالب الوفاة جمع اليه وجوه قريش فأوصاهم فقال يا معشر قريش انتم صفوة الله من خلقه الى أن قال وانى اوصيكم بمحمد خيرا فانه الامين فى قريش والصدّيق فى العرب وهو الجامع لكل ما اوصيكم به وقد جاء بأمر قبله الجنان وانكره اللسان مخافة الشنآن وايم الله كأنى انظر الى صعاليك العرب واهل الوبر والاطراف والمستضعفين من الناس قد اجابوا دعوته وصدّقوا كلمته واعظموا امره فخاض بهم غمرات الموت وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعفاؤها أربابا وانّ أعظمهم عليه أحوجهم اليه وأبعدهم منه أحظاهم عنده قد محضته العرب ودادها وأصفت له فؤادها وأعطته قيادها يا معشر قريش كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد سبيله الارشد(1/300)
ولا يأخذ أحد بهديه الاسعد ولو كان لنفسى مدّة ولا جلى تاخر لكففت عنه الهزاهز ولدفعت عنه الدواهى ثم هلك* وروى عن علىّ انه قال لما مات أبو طالب أخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلم بموته فبكى ثم قال اذهب فاغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه ففعلت وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى نزل جبريل بهذه الآية ما كان للنبىّ والذين آمنوا الآية وقال علىّ فأمرنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فاغتسلت وكان علىّ اذا غسل الميت اغتسل* قال ابن عباس عارض رسول الله صلّى الله عليه وسلم جنازة أبى طالب وقال وصلتك رحم وجزاك الله خيرا يا عمّ* وفى معالم التنزيل الكفر على أربعة أنواع كفر الانكار وكفر الجحود وكفر النفاق وكفر العناد أمّا كفر الانكار فهو أن لا يعرف الله بالقلب ولا يعترف باللسان وأمّا كفر الجحود فهو أن يعرف الله بقلبه ولكن لا يقرّ بلسانه ككفر ابليس وكفر اليهود بمحمد صلّى الله عليه وسلم من هذا القبيل قال الله تعالى فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به أى جحودا وأمّا كفر النفاق فهو أن يقرّ باللسان ولم يعتقد بالقلب وأمّا كفر العناد فهو أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولكن لا يدين به ولا يكون منقادا ومطيعا له ككفر أبى طالب فانه قال
ولقد علمت بأنّ دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتنى سمحا بذاك مبينا
ودعوتنى وعرفت أنك ناصحى ... ولقد صدقت وكنت فيه أمينا
وجميع الانواع الاربعة المذكورة سواء فى انّ الله تبارك وتعالى لا يغفر لاصحابها اذا ماتوا عليها نعوذ بالله منها*
وفاة خديجة الكبرى
وفى هذه السنة العاشرة من النبوّة كانت وفاة خديجة الكبرى رضى الله عنها* روى أنّ خديجة لما مرضت مرض الموت دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لها يا خديجة أما علمت انّ الله قد زوّجنى معك فى الجنة مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون قالت فعل ذلك يا رسول الله قال نعم قالت بالرفاء والبنين* قال أبو حاتم وأبو عمرو والدولابى ماتت خديجة بمكة قبل هجرة المصطفى الى المدينة بثلاث سنين* وفى سيرة مغلطاى بخمس سنين وقيل بأربع وقيل بعد الاسراء فكان عليه السلام يسمى ذلك العام عام الحزن انتهى وحكى أبو عمرو أنّ خديجة توفيت فى شهر رمضان ودفنت بالحجون وهى ابنة خمس وستين سنة وستة أشهر كذا فى الصفوة* وقال الطبرى فى السمط الثمين وهى ابنة أربع وستين سنة وستة أشهر وللنبىّ صلّى الله عليه وسلم عند وفاتها تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما* وقال صاحب الصفوة ونزل صلّى الله عليه وسلم فى حفرتها ولم يكن يومئذ سنة الجنازة الصلاة عليها* قال ابن اسحاق هلكت خديجة وأبو طالب فى عام واحد وكان هلاكهما بعد عشر سنين مضت من مبعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وعن عروة ابن الزبير قال توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة وذكر الملا فى سيرته أنّ موت خديجة بعد موت أبى طالب بثلاثة أيام وكذا فى سيرة اليعمرى وحياة الحيوان والسمط الثمين وأسد الغابة وزاد فيه وقيل بعده بشهر وقيل كان بينهما شهر وخمسة أيام وقيل خمسون يوما وقيل انها ماتت قبل أبى طالب انتهى ما فى أسد الغابة وقيل بخمسة أشهر فى رمضان بعد المبعث بعشر سنين على الصحيح ماتت خديجة وكانت مدّة اقامتها معه صلّى الله عليه وسلم بعد ما تزوّجها خمسا وعشرين سنة على الصحيح كذا فى المواهب اللدنية أو قيل أربعا وعشرين سنة وستة أشهر وكان موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وثلاثة أشهر ونصف وقيل قبل الهجرة بسنة والله أعلم* وقال عروة ما ماتت خديجة الا بعد الاسراء وبعد أن صلت الفريصة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم كذا فى أسد الغابة* وفى كتاب الغزى توفيت خديجة فى دارها التى(1/301)
تسمى دار خزيمة وكانت مسكن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفيها ولدت خديجة أولادها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل النبىّ صلّى الله عليه وسلم مقيما فيها حتى هاجر فأخذها عقيل ثم اشتراها معاوية وهو خليفة فجعلها مسجدا يصلى فيه ويعرف اليوم بمولد فاطمة وهو أفضل موضع بمكة بعد المسجد الحرام* ثم بعد أيام من موت خديجة تزوّجه عليه السلام بسودة كذا فى المواهب اللدنية روى عن عبد الله بن ثعلبة قال لما توفى أبو طالب وخديجة وكان بينهما ثلاثة أيام كما مرّ وهو المشهور وقيل شهر وخمسة أيام اجتمعت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مصيبتان فلزم بيته وقلّ الخروج ونالت قريش منه ما لم تسكن تنال فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال يا محمد امض لما أردت واصنع ما كنت صانعا حين كان أبو طالب حيا فقام أبو لهب بحمايته ومعونته ولم يتعرّض له أحد من خوف أبى لهب حتى جاء عقبة بن أبى معيط وأبو جهل الى أبى لهب فقالا له أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك فقال له أبو لهب يا محمد أين مدخل عبد المطلب قال مع قومه فخرج أبو لهب اليهما فقال سألته فقال مع قومه فقالا يزعم أنه فى النار فقال أبو لهب يا محمد أيدخل عبد المطلب النار فقال نعم ومن مات على مثل ما مات عليه عبد المطلب دخل النار فقال أبو لهب يا محمد والله لا برحت لك عدوّا أبدا وأنت تزعم أنّ عبد المطلب فى النار فاشتدّ عليه أبو لهب وسائر قريش لما عرفوا وظاهر قوله فقام أبو لهب بحمايته ومعاونته يخالف ما مرّ فى السنة الرابعة من النبوّة من قوله تبالك ألهذا دعوتنا الى آخره*
خروجه عليه السلام الى الطائف والى ثقيف
وفى هذه السنة خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الطائف والى ثقيف بعد ثلاثة أشهر من موت خديجة فى ليال يستنصرهم* وفى رواية لثلاث بقين من شوّال سنة عشر من النبوّة لما ناله من قريش بعد موت أبى طالب وخديجة وهو مكروب فلا جرم جعل الله الطائف متنفسا لاهل الاسلام ممن ضاق بمكة الى يوم القيامة فهى راحة الامّة ومتنفس كل ذى ضيق وغمة سنة الله فى الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا* وروى عن محمد بن جبير بن مطعم قال لما توفى أبو طالب بالغت قريش فى ايذاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم حينئذ الى الطائف ومعه زيد بن حارثة وفى معالم التنزيل خرج وحده وذلك فى ليال بقين من شوّال السنة العاشرة من النبوّة فأقام بالطائف شهرا كذا فى حياة الحيوان* وقال ابن سعد عشرة أيام كذا فى المواهب اللدنية لا يدع أحدا من أشراف ثقيف الاجاءه وكلمه ودعاه الى الله فلم يجيبوه الى طلبته وقالوا يا محمدا خرج من بلدنا وألحق بمحابك من الارض قال محمد بن كعب القرظى لما انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى الطائف عمد الى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم اخوة ثلاثة عبد يا ليل بمثناة تحتية بعدها ألف ثم لام مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم لام ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير كذا فى المنتقى وفى المواهب اللدنية غير هذا وعند أحدهم امرأة من قريش من بنى جمح فجلس اليهم فدعاهم الى الله عز وجل وكلمهم بما جاءهم به من نصرته على الاسلام والقيام معه على من خالفه من قومه فقال أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة ان كان الله أرسلك وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلملك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لانت أعظم خطرا من أن أردد عليك الكلام وان كنت تكذب ما ينبغى لى أن أكلمك فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من حير ثقيف فقال لهم اذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا علىّ وكره رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه ذلك فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع الناس عليه فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى انّ رجليه لتدميان* وفى المواهب اللدنية قال موسى بن عقبة رجموا عراقيبه بالحجارة حتى اختضبت نعلاه بالدماء وزاد غيره وكان اذا أذلقته الحجارة قعد الى الارض(1/302)
فيأخذونه بعضديه فيقيمونه فاذا مشى رجموه وهم يضحكون وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى لقد شج فى رأسه شجاجا وألجأوا النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى حائط لعتبة وشيبة ابنى ربيعة ورجع عنه من كان يتبعه من سفهاء ثقيف وعمد النبىّ صلّى الله عليه وسلم الى ظل شجرة فجلس فيه محزونا وابنا ربيعة كانا فى الحائط ينظران اليه فلما رأيا ما لقيه من سفهاء ثقيف تحرّكت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه فى ذلك الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل وقل له يأكل منه ففعل عداس ثم أقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فلما وضع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يده قال بسم الله الرحمن الرحيم ثم أكل فنظر عداس الى وجهه ثم قال انّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذا البلد فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومن أى البلاد أنت وما دينك قال أنا نصرانى وأنا رجل من أهل نينوى فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال وما يدريك ما يونس بن متى قال ذلك أخى كان نبيا وأنا نبىّ فأكب عداس على رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه وأسلم وينظر اليه ابنا ربيعة فيقول أحدهما للآخر أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهما عداس قالا له ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدى ما فى الارض خير من هذا الرجل لقد أخبرنى بأمر لا يعلمه الا نبى ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الطائف حين يئس من خير ثقيف*
ذكر وفود الجنّ
ولما نزل نخلة وهو موضع على ليلة من مكة صرف اليه سبعة من جنّ نصيبين مدينة بالشام وقد قام فى جوف الليل يصلى وفى الصحيح انّ الذى آذنه صلّى الله عليه وسلم بالجنّ ليلة الجنّ شجرة كذا فى المواهب اللدنية وأقام بنخلة أياما ثم دخل مكة فى جوار مطعم بن عدىّ* وفى أسد الغابة ولما عاد من الطائف أرسل الى مطعم بن عدىّ يطلب منه أن يجيره فأجاره فدخل المسجد معه وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يشكرها له وكان دخوله من الطائف لثلاث وعشرين ليلة خلت من ذى القعدة* وفى هذه السنة جاءت وفود الجنّ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم* فى حياة الحيوان لما بلغ عمره خمسين سنة وفى سيرة اليعمرى خمسين سنة وثلاثة أشهر قدم عليه جنّ نصيبين فأسلموا* وفى الاستيعاب كان رجوعه من الطائف الى مكة سنة احدى وخمسين من الفيل وفيها قدم عليه جنّ نصيبين بعد ثلاثة أشهر* وعن ابن عباس قال انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طائفة من أصحابه عامدين سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين الى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء الا شىء حدث فاضربوا مشارق الارض ومغاربها فانظروا ما هذا الذى حال بينكم وبين خبر السماء فنهض سبعة نفر من أشراف جنّ نصيبين أو نينوى منهم زوبعة أمير الجنّ فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا الى وادى نخلة فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر* وفى المدارك وهو قائم فى جوف الليل يصلى أو فى صلاة الفجر* وفى أنوار التنزيل روى أنهم وافوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوادى نخلة وهو موضع على ليلة من مكة عند منصرفه من الطائف يقرأ فى تهجده انتهى* فلما سمعوا القرآن استمعوا له وهو يقرأ سورة الجنّ كذا فى سيرة مغلطاى فأولئك حين رجعوا الى قومهم قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنزل الله على نبيه قل أوحى الىّ أنه استمع نفر من الجنّ كذا فى الصحيحين* وفى المواهب اللدنية قال الحافظ ابن كثير هذا صحيح لكن قوله انّ الجنّ كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر فانّ الجنّ كان استماعهم فى ابتداء الايحاء* وفى أنوار التنزيل فى سورة الاحقاف فى قوله تعالى قالوا يا قومنا انا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى قيل انما قالوا ذلك(1/303)
لانهم كانوا يهودا وما سمعوا بأمر عيسى وعن عائشة أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول انّ الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر الامر قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتوحيه الى الكفار فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخارى* وعن ابن عباس قال كان الجنّ يستمعون الوحى فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرا فيكون ما سمعوه حقا ومازادوه باطلا كذا قاله أحمد وكانت النجوم لا يرمى بها قبل ذلك فلما بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم كان أحدهم لا يقعد مقعدا الارمى بشهاب يحرق ما أصاب فشكوا ذلك الى ابليس فقال ما هذا الامن أمر حدث فبعث جنوده فاذاهم بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم يصلى بين جبلى نخلة فأتوه فأخبروه فقال ما هذا الحدث الذى حدث فى الارض كذا فى الصفوة* وفى معالم التنزيل روى أنهم لما رجموا بالشهب بعث ابليس سراياه ليعرف الخبر فكان أوّل بعث بعث ركب من أهل نصيبين وهم أشراف الجنّ وسادتهم وبعث الى تهامة يقال انهم كانوا من بنى الشيصبان وهم أكثر الجنّ عددا وهم عامّة جنود ابليس فلما رجعوا قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا* واختلفوا فى عدد أولئك النفر فقال ابن عباس كانوا سبعة من جنّ نصيبين فجعلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم رسلا الى قومهم* وفى العمدة ثلاثة من أهل نجران وأربعة من أهل نصيبين وقال قوم كانوا تسعة وكان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن وفى العمدة أيضا وهم تسعة من جنّ نصيبين استمعوا القرآن وأجابوا دعوة النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأسماؤهم حسا وبسا وشاصرا وناصرا وأزد وأنين وأحتب وصخب وزوبعة* وفى الصفوة وهذا الحديث أى حديث رجم الشياطين بالشهب يدل على انّ النجوم ولم يرم بها الا لمبعث نبينا صلّى الله عليه وسلم وقد روى الزهرى أنه كان يرمى بها قبل ذلك ولكنها غلظت حين بعث النبىّ صلّى الله عليه وسلم وقد مرّ مثله فى هذا الركن الثانى فى مبعثه صلّى الله عليه وسلم* وفى المدارك عن سعيد ابن جبير ما قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم على الجنّ ولا رآهم وانما كان يتلو فى صلاته فمرّوا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه الله باستماعهم وقيل بل أمر الله رسوله أن ينذرهم ويقرأ عليهم فصرف اليه نفرا منهم وقال انى أمرت أن أقرأ على الجنّ وكان ذلك بمكة بشعب الحجون الى آخر الحديث المروى عن عبد الله بن مسعود كما سيجىء الآن* وفى المنتقى قال العلماء انّ الجنّ أتوا النبىّ صلّى الله عليه وسلم مرّتين احداهما بنخلة كما مرّ آنفا والثانية بمكة وهى ما روى انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر أن ينذر الجنّ ويدعوهم الى الله ويقرأ عليهم القرآن فصرف الله اليه نفرا من الجنّ من نينوى وجمعوهم له فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم انى أمرت أن أقرأ على الجنّ الليلة فأيكم يتبعنى قالها ثلاثا فالصحابة أطرقوا فاتبعه عبد الله بن مسعود وقال عبد الله ولم يحضر معنا أحد فانطلقنا حتى اذا كنا بأعلا مكة دخل النبىّ صلّى الله عليه وسلم شعبا يقال له شعب الحجون وخط لى خطا وقال لى لا تخرج عنه حتى أعود اليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فجعلت أرى مثل النسور تهوى وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بينى وبينه حتى ما أسمع صوته ثم طفقوا يتقطعون كقطع السحاب ذاهبين ففرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع الفجر ثم انطلق الىّ وقال أنمت قلت لا يا رسول الله ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حين سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا قال ولو خرجت لم آمن عليك أن يختطفك بعضهم ثم قال هل رأيت شيئا قلت نعم رأيت رجالا سودا مستثفرى ثياب بيض فقال أولئك جنّ نصيبين* وفى المدارك كانوا اثنى عشر ألفا والسورة التى قرأها عليهم اقرأ باسم ربك انتهى قال صلّى الله عليه وسلم سألونى المتاع والمتاع الزاد فمتعتهم بكل عظم حائل وورثة وبعرة فقالوا يا رسول الله يقذرها الناس فنهى صلّى الله عليه(1/304)
وسلم أن يستنجى بالعظم والروث قال فقلت يا رسول الله وما يغنى ذلك عنهم قال انهم لا يجدون عظما الا وجدوا عليه لحمه يوم أكل ولاروثة الا وجدوا فيها حبها يوم أكلت فقلت يا رسول الله سمعت لغطا شديدا قال ان الجنّ تدارأت فى قتيل قتل بينهم فتحا كموا الىّ فقضيت بينهم بالحق ثم تبرّز رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم أتانى فقال هل معك ماء فقلت يا رسول الله ليس معى الا أداوة فيها شىء من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ فقال تمرة طيبة وماء طهور كذا فى المنتقى وفى كتاب الغزى بأعلا مكة مسجد يقال له مسجد الجنّ ومسجد البيعة أيضا يقال ان الجنّ بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك وفى مقابل مسجد الجنّ مسجد يقال له مسجد الشجرة يقال ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم دعا شجرة كانت فى ذلك المسجد فأقبلت تخط الارض حتى وقفت بين يديه ثم أمرها فرجعت
* تزوّجه صلّى الله عليه وسلم سودة وعائشة
وفى شوّال هذه السنة تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وسلم سودة وعائشة فى أسد الغابة لابن الاثير تزوّج صلّى الله عليه وسلم بعد خديجة سودة بنت زمعة قال الزهرى تزوّجها قبل عائشة وهو بمكة وبنى بها بمكة أيضا وقال غيره تزوّج عائشة قبل سودة وانما ابتنى بسودة قبل عائشة لصغر عائشة وتزوّج عائشة بمكة وبنى بها بالمدينة سنة اثنتين* وفى المواهب اللدنية تزوّج سودة بمكة بعد موت خديجة قبل أن يعقد على عائشة هذا قول قتادة وأبى عبيدة ولم يذكر ابن قتيبة غيره ويقال تزوّجها بعد عائشة ويجمع بين القولين بأنه صلّى الله عليه وسلم عقد على عائشة قبل سودة ودخل بسودة قبل عائشة والتزويج يطلق على كل واحد من العقد والدخول وان كان المتبادر الى الفهم من التزويج العقد دون الدخول وفى سيرة اليعمرى تزوّج عائشة بمكة قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث وهى بنت ست أو سبع وللبخارى توفيت خديجة قبل مخرج النبىّ صلّى الله عليه وسلم بثلاث سنين فلبث سنتين أو قريبا من ذلك ونكح عائشة وهى بنت ست ثم بنى بها وهى بنت تسع سنين روى أنه لما ماتت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون فقالت يا رسول الله الا تزوّج قال من قالت ان شئت بكرا وان شئت ثيبا قال فمن البكر قالت ابنة أحب خلق الله اليك بنت أبى بكر قال ومن الثيب قالت سودة بنت زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول قال فاذهبى فاذكريهما علىّ فدخلت بيت أبى بكر وقالت يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قالت وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة قالت انتظرى أبا بكر حتى يأتى فجاء أبو بكر فقالت ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قال وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة قال وهل تصلح له انما هى ابنة أخيه فرجعت الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك قال ارجعى اليه فقولى له أنا أخوك وأنت أخى فى الاسلام وابنتك تصلح لى فرجعت فذكرت ذلك له فقال انتظرى قالت أمّ رومان ان مطعم بن عدى قد كان ذكرها على ابنه فو الله ما وعد وعدا قط فاخلفه قط تعنى أبا بكر فدخل أبو بكر على مطعم بن عدى وعنده امرأته أمّ الفتى فقالت يا ابن أبى قحافة لعلك مصبئ صاحبنا تدخله فى دينك الذى أنت عليه ان تزوّج ابنه ابنتك فقال أبو بكر لمطعم بن عدى أقول هذه تقول قال انها تقول ذلك فخرج من عنده وقد أذهب الله ما كان فى نفسه من عدته التى وعده فرجع فقال لخولة ادعى لى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فدعته فزوّجها اياه وعائشة يومئذ بنت ست سنين كما مرّ ثم خرجت خولة فدخلت على سودة بنت زمعة فقالت ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة قالت وما ذاك قالت أرسلنى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أخطبك عليه قالت وددت أن يكون ذلك ادخلى على أبى واذكرى ذلك له وكان شيخا كبيرا وقد تخلف عن الحج فدخلت عليه فذكرت له ذلك قال كفؤ كريم فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فزوّجها اياه فجاء أخوها عبد الله بن زمعة من الحج فجعل(1/305)
يحثى فى رأسه التراب فقال بعد أن أسلم لعمرى انى سفيه يوم أحثى فى رأسى التراب أن تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة كذا فى المنتقى* روى ان سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس كانت قد أسلمت بمكة فى أوائل البعثة وكانت قبل النبىّ صلّى الله عليه وسلم زوجة ابن عمها سكران بن عمرو بن عبد شمس وولدت له ابنا اسمه عبد الرحمن قتل فى حرب جلولا وهو اسم قرية من قرى فارس وتلك الحرب وقعت هناك وسكران عدّ من الصحابة وكانت سودة هاجرت مع زوجها سكران الى الحبشة وبعد مدّة عادت الى مكة ورأت فى المنام ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم أتاها ووضع رجله على رقبتها فلما انتبهت أخبرت زوجها قال ان صدقت فانا أموت ويتزوّجك محمد ثم رأت فى المنام انها اتكأت ووقع عليها القمر من السماء فأخبرت بها زوجها قال ان كنت صدقت فأنا أموت قريبا وتتزوجين زوجا آخر فمرض فى ذلك اليوم ومات بعد أيام ثم تزوّجها النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى السنة العاشرة من النبوّة بعد وفاة خديجة مرويات سودة فى الكتب المتداولة خمس أحاديث واحد منها فى البخارى والباقية مروية فى السنن الاربع وتوفيت فى آخر خلافة عمر وقيل فى زمان معاوية والاوّل أشهر*
ابتداء اسلام الانصار وبيعة العقبة الاولى
وفى السنة الحادية عشر من النبوّة كان ابتداء اسلام الانصار روى ان رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يخرج ويتبع آثار الناس فى منازلهم بعكاظ ومجنة وذى المجاز فى الموسم ويقول من يؤوينى من ينصرنى حتى أبلغ رسالة ربى فله الجنة وفى سيرة مغلطاى فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه حتى انه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة فيردّونه أقبح ردّ ويؤذونه ويقولون قومك أعلم بك وكان ممن سمى لنا من تلك القبائل بنو عامر بن صعصعة ومحارب بن حفصة وفزارة وغسان ومرّة وحنيفة وسلّم وعبس وبنو نضر والبكاء وكندة وكعب والحارث بن كعب وعذرة والحضارمة الى أن أراد الله اطهار دينه فساقه عليه الصلاة والسلام الى هذا الحى من الانصار وهو لقب اسلامى لنصرتهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وانما كانوا يسمون أولاد قيلة والاوس والخزرج فأسلم اثنان أسعد بن زرارة وقيس بن ذكوان انتهى كلام مغلطاى فخرج فى هذا الموسم يعرض نفسه على القبائل كما كان يصنع فى كل موسم فبينا هو عند العقبة اذ لقى جماعة من الخزرج فقال من انتم قالوا من الخزرج قال أفلا تجلسون حتى أكملكم قالوا بلى فجلسوا معه فدعاهم الى الله عز وجل وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن وكان أولئك قد سمعوا من اليهود انه قد أظلنا زمان نبىّ يبعث* وفى المواهب اللدنية كان من صنع الله ان اليهود كانوا معهم فى بلادهم وكانوا أهل كتاب وكان الاوس والخزرج أكثر منهم فكانوا اذا كان بينهم شىء قالوا ان نبيا سيبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه فلما كلمهم قال بعضهم لبعض والله انه النبىّ الذى يعدكم به اليهود فلا يسبقنكم اليه فأسلم منهم ستة نفر كلهم من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابى وجابر بن عبد الله بن ذئاب فقال لهم النبىّ صلّى الله عليه وسلم تمنعون ظهرى حتى أبلغ رسالة ربى فقالوا يا رسول الله انما كانت بعاث العام الاوّل يوم من أيامنا اقتتلنا به وان تقدم ونحن كذلك لا يكون لنا عليك اجتماع فدعنا حتى نرجع الى عشائرنا لعل الله يصلح ذات بيننا وندعوهم الى ما دعوتنا وموعدنا وموعدك الموسم العام القابل وانصرفوا الى بلادهم ويسمى هذا ابتداء اسلام الانصار ومقتضى ما سنذكره بعد المعراج أن تسمى هذه بيعة العقبة الاولى كذا فى الوفاء ولما قدموا المدينة على قومهم ذكروا لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ودعوهم الى الاسلام حتى فشافيهم الاسلام فلم يبق دار من دور الانصار الا فيها ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم*
ذكر قصة المعراج
وفى السنة الثانية عشر من النبوّة وقع المعراج وما تضمنه وفرضت الصلوات الخمس فى الاسراء وستجىء كيفيتها وفى الاستيعاب(1/306)
وسيرة مغلطاى بعد سنة ونصف من حين رجوعه من الطائف قاله ابن قتيبة* وقال ابن شهاب عن ابن المسيب قبل خروجه الى المدينة بسنة* وفى المواهب اللدنية لما كان فى شهر ربيع الاوّل أسرى بروحه وجسده يقظة من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم عرج به من المسجد الاقصى الى فوق سبع سموات ورأى ربه بعين رأسه وأوحى اليه ما أوحى وفرض عليه الصلوات الخمس ثم انصرف فى ليلته الى مكة فأخبر بذلك فصدّقه الصدّيق وكل من آمن بالله وكذبه الكفار واستوصفوه مسجد بيت المقدس فمثله الله له فجعل ينظر اليه ويصفه وسيجىء تفصيل ذلك كله* اختلف العلماء فى الاسراء هل هو اسراء واحد فى ليلة واحدة يقظة أو مناما أو اسرا آن كل واحد فى ليلة مرّة بروحه وبدنه يقظة ومرّة مناما أو يقظة بروحه وجسده من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم مناما من المسجد الاقصى الى العرش أو هى أربع اسرا آت* وفى سيرة مغلطاى اختلف فى المعراج والاسراء هل كانا فى ليلة واحدة أم لا وهل كانا أو أحدهما يقظة أو مناما وهل كان المعراج مرّة أو مرّات والصحيح ان الاسراء كان فى اليقظة بجسده وانه مرّات متعدّدة وانه رأى ربه بعين رأسه صلّى الله عليه وسلم* واختلف فى تاريخ الاسراء فى أى سنة كان وفى أى شهر وفى أى يوم من الشهر وفى أى ليلة من الاسبوع فأما سنة الاسراء فقال الزهرى كان ذلك بعد المبعث بخمس سنين حكاه القاضى عياض ورجحه القرطبى والنووى وقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابن حزم وادّعى فيه الاجماع رواه ابن الاثير فى أسد الغابة عن ابن عباس وأنس وحكاه البغوى فى معالم التنزيل عن مقاتل وقيل قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر قاله السدّى وأخرجه من طريق الطبرى والبيهقى فعلى هذا يكون فى شوّال وفى أسد الغابة قال السدّى قبل الهجرة بستة أشهر وقيل كان قبل الهجرة بسنة وثلاثة أشهر فعلى هذا يكون فى ذى الحجة وبه جزم ابن فارس وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين ذكره ابن الاثير كذا فى المواهب اللدنية* وأما شهر الاسراء فقيل ربيع الاوّل قاله ابن الاثير والنووى فى شرح مسلم وقيل ربيع الآخر قاله الحربى والنووى فى فتاويه وقيل رجب حكاه ابن عبد البرّ وقبله ابن قتيية وبه جزم النووى فى الروضة وعن الواقدى رمضان وعن السدّى والماوردى شوّال وعن ابن فارس ذو الحجة كما مرّ وأما ان الاسراء فى أى يوم من الشهر كان فعن ابن الاثير ليلة سبع من ربيع الاوّل وعن الحربى فى ثالث عشرى ربيع الآخر وقيل ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر وعن الواقدى فى سابع عشر من رمضان وأما ليلة الاسراء فقيل ليلة الجمعة وقيل ليلة السبت وعن ابن الاثير ليلة الاثنين وقال ابن دحية ان شاء الله يكون ليلة الاثنين ليوافق المولد والمبعث والمعراج والهجرة والوفاة فان هذه أطوار الانتقالات وجودا ونبوّة ومعراجا وهجرة ووفاة كذا فى المواهب اللدنية* وفى سيرة اليعمرى ولما بلغ احدى وخمسين سنة وتسعة أشهر أسرى به من بين زمزم والمقام وكذا فى حياة الحيوان وانما كان ليلا لتظهر الخصوصية بين جليس الملك ليلا وجليسه نهارا واختلف فى الموضع الذى أسرى به منه صلّى الله عليه وسلم فقيل أسرى به من بيته وقيل من بيت أمّ هانئ بنت أبى طالب لما روى أنه صلّى الله عليه وسلم كان نائما فى بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته وقص القصة عليها وقال مثل لى النبيون فصليت بهم وبيتها بين الصفا والمروة ومن قال هذين القولين قال الحرم كله مسجد والمراد بالمسجد الحرام فى الآية الحرم وعن ابن عباس الحرم كله مسجد وقيل أسرى به من المسجد الحرام والمراد بالمسجد فى الآية هو المسجد نفسه وهو ظاهر فقد قال صلّى الله عليه وسلم بينا انا فى المسجد الحرام فى الحجر عند البيت بين النائم واليقظان اذ أتانى جبريل بالبراق وقد عرج بى الى السماء فى تلك الليلة قيل الحكمة فى المعراج ان الله تعالى أراد
أن يشرف بأنوار محمد صلّى الله عليه وسلم السموات كما شرف ببركاته الارضين فسرى به الى المعراج وسئل(1/307)
أبو العباس الدينورى لم أسرى بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم الى البيت المقدس قبل ان عرج به الى السماء فقال لان الله تعالى كان يعلم ان كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السموات فأراد أن يخبرهم من الارض قد بلغوها وعاينوها وعلموا ان النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه لم يمكنهم ان يكذبوه فى أخبار السماء بعد أن صدّقوه فى أخبار الارض* واختلف السلف والعلماء فى أنه هل كان اسراء بروحه أو جسده على ثلاثة أقوال أحدها انه ذهبت طائفة الى انه اسراء بالروح وانه رؤيا منام مع اتفاقهم على أن رؤيا الانبياء وحى وحق والى هذا ذهب معاوية وحكى عن الحسن فى غير المشهور وحجتهم قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى أريناك الآية وما حكوا عن عائشة ما فقدت جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقوله صلّى الله عليه وسلم بينا أنا نائم وقول أنس وهو نائم فى المسجد الحرام وذكر القصة ثم قال فى آخرها فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام* وفى العروة الوثقى وحديث عائشة صحيح فى المعراج الذى اتفق للنبىّ صلّى الله عليه وسلم على فراشها فى المدينة وقالت ما فقدت جسد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقول ابن عباس أيضا صحيح فى المعراج المكى الذى أخبر به نص التنزيل بقوله سبحان الذى أسرى بعبده الآية لقوله تعالى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى* والثانى انه ذهب معظم السلف والمسلمين الى انه اسرى بروحه وجسده وفى اليقظة وهذا هو الحق وهو قول ابن عباس وجابر وانس وحذيفة وعمر وابى هريرة ومالك بن صعصعة وابى حبة البدرى وابن مسعود والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة وابن المسيب وابن شهاب وابن زيد والحسن فى المشهور وابراهيم ومسروق ومجاهد وعكرمة وابن جريج وهو قول الطبرى وابن حنبل وجماعة عظيمة من المسلمين وهذا قول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين والمفسرين* والثالث انه فى المنام قالت طائفة كان الاسراء بالجسد يقظة الى بيت المقدس والى السماء بالروح فى المنام قال القاضى عياض الحق والصحيح انه اسراء بالجسد والروح فى القصة كلها وعليه تدل الآية وصحيح الاخبار ولا يعدل عن الظاهر والحقيقة الى التأويل الا عند الاستحالة وليس فى الاسراء بجسده وحال يقظته استحالة اذ لو كان منا ما لقال بروح عبده ولم يقل بعبده وقوله ما زاع البصر وما طغى ولو كان منا ما لما كان فيه آية ولا معجزة ولما استبعده الكفار ولا كذبوه فيه ولا ارتدّ به ضعفاء من أسلم وافتبتنوا به اذ مثل هذا من المنامات لا ينكر بل لم يكن ذلك منهم الا وقد علموا ان خبره انما كان عن جسمه وحال يقظته الى ما ذكر فى الحديث من ذكر صلاته بالانبياء ببيت المقدس فى رواية انس أو فى السماء على ما روى غيره وذكر مجىء جبريل له بالبراق وخبر المعراج واستفتاح السماء فيقال من معك فيقول محمد ولقائه الانبياء فيها وخبرهم معه وترحيبهم به وشأنه فى فرض الصلاة ومراجعته مع موسى فى ذلك ووصوله الى سدرة المنتهى ودخوله الجنة ورؤيته فيها ما ذكره* قال ابن عباس هى رؤيا عين رآها النبىّ صلّى الله عليه وسلم لا رؤيا منام* وعن الحسن بينا أنا جالس فى الحجر جاءنى جبريل فهمزنى بعقبه فقمت فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعى وذكر ذلك ثلاثا فقال فى الثالثة فأخذ بعضدى فجرّنى الى باب المسجد فاذا بدابة وذكر خبر البراق* وعن أم هانئ قالت ما أسرى برسول الله صلّى الله عليه وسلم الا وهو فى بيتى تلك الليلة صلّى العشاء الآخرة ونام فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلّى الصبح وصلينا معه قال يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادى ثم جئت بيت المقدس وصليت فيه ثم صليت الغداة معكم الآن كما ترون فهذا كله بين فى انه بجسمه صلّى الله عليه
وسلم* وعن أبى بكر من رواية شدّاد بن أوس عنه انه قال للنبىّ صلّى الله عليه وسلم ليلة اسرى به طلبتك يا رسول الله البارحة فى مكانك فلم أجدك فأجابه ان جبريل حمله الى المسجد الاقصى(1/308)
وعن عمر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم صليت ليلة أسرى بى مقدّم المسجد ثم دخلت الصخرة فاذا بملك قائم معه آنية ثلاث وذكر الحديث وهذه التصريحات ظاهرة غير مستحيلة فتحمل على ظواهرها وعن أبى ذر عنه صلّى الله عليه وسلم فرج سقف بيتى وأنا بمكة فنزل جبريل فشرح صدرى ثم غسله بماء زمزم الى آخر القصة ثم أخذ بيدى فعرج بى قيل الحق ان المعراج مرّتان مرّة فى النوم وأخرى فى اليقظة قال محيى السنة وما أراه الله فى النوم قبل الوحى ثم عرج به فى اليقظة بعد الوحى بسنة تحقيقا لرؤياه كما انه رأى فتح مكة فى المنام سنة ست من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان كذا فى شرح المشكاة للطيبى روى ان النبى صلّى الله عليه وسلم حدّث عن ليلة أسرى به قال بينا هو يصلى فى الحطيم أو فى الحجر مضطجعا اذ أتاه آت فشق ما بين ثغرة نحره الى شعر عانته فاستخرج قلبه ثم أتى بطست من ذهب مملوءة ايمانا فغسل قلبه ثم حشى ثم أعيد الى مكانه* قيل الحكمة فى شق الصدر مرّتين أما فى الصغر فليصير قلبه كقلوب الانبياء فى الانشراح وأما فى الاسراء فليصير حاله كحال الملائكة وقيل شرح الصدر فى صباه لاستخراج الهوى منه وفى الاسراء لاستدخال الايمان فيه ثم أتى بدابة طويلة بيضاء تسمى البراق وفى حياة الحيوان كان البراق أبيض وبغلته شهباء وهى التى أكثرها بياض اشارة الى تخصيصه بأشرف الالوان وسمى براقا لنصوع لونه وشدّة بريقه وقيل لسرعة حركته تشبيها ببرق السحاب* وقال القاضى غياض لكونها ذات لونين وفى الصحيح انه دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض بضع خطوه عند أقصى طرفه* قال صاحب المنتقى الحكمة فى كونه على هيئة بغل ولم يكن على هيئة فرس التنبيه على أن الركوب فى سلم وأمن لا فى حرب وخوف أو لاظهار الآية فى الاسراع العجيب فى دابة لا يوصف شكلها بالاسراع ويؤخذ من قوله يضع خطوه عند أقصى طرفه انه أخذ من الارض الى السماء فى خطوة واحدة والى السموات السبع فى سبع خطوات وبه يردّ على من استبعد من المتكلمين احضار عرش بلقيس فى لحظة واحدة وقال انه أعدم ثم أوجد وعلله بأن المسافة البعيدة لا يمكن قطعها فى هذه اللحظة وهذا أوضح دليل على الرد عليه وكانت مضطربة الاذنين وجهها كوجه الانسان وجسدها كجسد الفرس ناصيتها من ياقوت أحمر عيناها كالزهرة أذناها من زمرد أخضر* وفى رواية أذناها كاذن الفيل وعنقها كعنق البعير وصدرها كصدر البغل* وفى رواية وصدرها كأنه من ياقوت أحمر وظهرها كأنه صفرة البيضة يبرق من غاية صفائه لها جناحان كجناح النسر فيهما من كل لون نصفها الاوّل من كافور والآخر من مسك وقوائمها كقوائم الثور وفى رواية كقوائم الفرس وفى رواية كقوائم البعير وحوافرها كحوافر الثور وفى رواية أظلافها كظلف البقر وذنبها كذنب البقر وفى رواية كذنب البعير وفى رواية كذنب الغزال لا ذكر ولا أنثى عدوها كالريح وخطوها كالبرق لجامها وسرجها من در مضروب على سرجها حجلة من نور كأنها ياقوت أحمر وفى رواية عليها سرج من سروج الجنة وفى رواية وعلى فخذيها ريشتان يستران ساقيها* وفى زبدة الاعمال لها جناحان فى فخذيها قيل هى البراق التى ركبها جبريل والانبياء عليهم السلام يركبونها* وفى حياة الحيوان روى ان ابراهيم عليه السلام كان يزور ولده اسماعيل على البراق وانه ركب هو واسماعيل وهاجر حين أتى بهما الى البيت الحرام ومن غاية سرعته وخفة مشيه يضع قدميه أو خطوه عند أقصى طرفه وفى رواية يقع حافره عند أقصى طرفه وفى رواية عند منتهى طرفه وفى رواية خطوها عند منتهى البصر لا تمرّ بشىء ولا يجد ريحها شىء الا حيى ثم ان البراق وان كان يركبها الانبياء لكن لم تتصف بوضع الحافر عند منتهى طرفها الا عند ركوب النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى المنتقى* وفى رواية أتاه جبريل ومعه خمسون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح ورسول الله صلّى الله عليه وسلم فى بيت أمّ هانئ ومعه(1/309)
ميكائيل فقال قم يا محمد فان الجبار يدعوك وأخذ جبريل بيده وأخرجه من المسجد الحرام فاذا هو بالبراق واقفا بين الصفا والمروة فقال له جبريل اركب يا محمد هذه براق ابراهيم التى كان يجئ عليها الى طواف الكعبة فأخذ جبريل ركابها وميكائيل عنانها فأراد النبىّ صلّى الله عليه وسلم أن يركبها وفى رواية فذهب يركبها فاستصعبت عليه قيل استصعابها لبعد العهد بالانبياء لطول الفترة بين عيسى ومحمد وهذا مبنى على أن الانبياء عليهم السلام ركبوها وفيه خلاف وقيل لانها لم تذلل قبل ذلك ولم يركبها أحد وقيل تيها وزهوا بركوب النبىّ صلّى الله عليه وسلم كذا فى مزيل الخفاء فقال لها جبريل اسكنى فو الله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد وفى رواية قال لها جبريل أبمحمد تفعلى هذا فارفض عرقا كذا فى الشفاء فركبها النبىّ صلّى الله عليه وسلم* وفى حياة الحيوان اختلف الناس هل ركب جبريل معه عليه فقيل نعم كان رديفه صلّى الله عليه وسلم وقيل لا لان النبىّ صلّى الله عليه وسلم المخصوص بشرف الاسراء وانطلق به جبريل حتى أتى به بيت المقدس فربطها بالحلقة التى ربط بها الانبياء دوابهم ثم دخل المسجد الاقصى فصلى بهم ركعتين فانطلق به جبريل الى الصخرة فصعد به عليها فاذا معراج الى السماء لم ير مثله حسنا ومنه تعرج الملائكة وقيل تعرج منه الارواح اذا قبضت فليس شىء أحسن منه اذا رآه أرواح المؤمنين لم تتمالك أن تخرج وهو الذى يمدّ اليه ميتكم عينيه اذا احتضر كذا فى سيرة ابن هشام أصله وفى رواية أحد طرفيه على صخرة بيت المقدس وأعلاه ملصق وفى رواية والآخر ملصق بالسماء احدى جنبتيه ياقوتة حمراء والاخرى زبرجدة خضراء درجة له من فضة ودرجة من ذهب ودرجة من زمرّد مكال بالدرّ واليواقيت* وفى كيفية عروجه الى السماء اختلاف قيل عرج به الى السماء على البراق اظهارا لكرامته ولم يزل راكبا اظهارا لقدرته تعالى وقيل نزل أيضا راكبا على البراق كما روى عن حذيفة ما زايل ظهر البراق حتى رجع وقيل احتمله جبريل على جناحه ثم ارتفع به الى السماء من ذلك المعراج حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل اليه قال نعم قيل مرحبا فنعم المجىء جاء ففتح فلما دخل فاذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة اذا نظر قبل يمينه ضحك واذا نظر قبل يساره بكى فقال جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلم فردّ عليه السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبىّ الصالح ثم قال جبريل هذا آدم وهذه الاسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه فأهل اليمين هم أهل الجنة والاسودة التى عن شماله أهل النار ثم صعد الى السماء الثانية وهكذا كان يستفتح جبريل فى كل سماء فيفتح فيدخل فيرى فيها نبيا ففى الثانية يحيى وعيسى وهما ابنا خالة وفى الثالثة يوسف وفى الرابعة ادريس وفى الخامسة هارون وفى السادسة موسى فلما اجتاز عنه النبىّ صلّى الله عليه وسلم بكى قيل له ما يبكيك قال أبكى لان غلاما بعث بعدى يدخل الله الجنة من أمّته أكثر ممن يدخلها من أمّتى ثم صعد الى السماء السابعة فرأى فيها ابراهيم ثم رفعت له سدرة المنتهى فاذا نبقها مثل قلال هجر وورقها كاذان الفيلة فاذا أربعة انهار نهران باطنان ونهران ظاهران قال جبريل أما الباطنان فنهران فى الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات* وفى الكشاف سدرة المنتهى هى شجرة نبق فى السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر وورقها كآذان الفيول تتبع من أصلها الانهار التى ذكرها الله فى كتابه يسير الراكب فى ظلها سبعين عاما لا يقطعها* وفى المدارك وجه تسميتها كأنها فى منتهى الجنة وآخرها وقيل لم يجاوزها أحد واليها ينتهى علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها وقيل تنتهى اليها أرواح الشهداء* وفى بعض الروايات انها فى السماء السادسة* قال القاضى عياض كونها فى السابعة هو الاصح وقال النووى يمكن الجمع بأن أصلها فى السادسة ومعظمها فى السابعة ثم رفع له البيت المعمور وهو بيت فى السماء السابعة محاذ(1/310)
للكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون اليه هكذا فى الصحيحين وغيرهما من كتب الاحاديث يذكر البيت المعمور بعد سدرة المنتهى وأما فى الكشاف وغيره من كتب التفاسير فالبيت المعمور الضراح فى السماء الرابعة حيال الكعبة وقيل فى الاولى وقيل فى السادسة ولمسلم فى صحيحه بعد صعوده الى السماء السابعة رأى فيها ابراهيم مسند اظهره الى البيت المعمور وسلم على كل منهم اذا رآه وهو يردّ ثم يقول مرحبا بالاخ الصالح والنبىّ الصالح الا آدم وابراهيم فانهما قالا بالابن الصالح كما مرّ فى السماء الدنيا* وفى رواية عن طريق ابن عباس ثم عرج به حتى ظهر مستوى يسمع فيه صريف الاقلام ثم أتى باناء من خمر واناء من عسل واناء من لبن فأخذ اللبن فقال جبريل هى الفطرة التى أنت عليها وأمتك* وفى رواية بعد استصعاب البراق فركبها حتى أتى الحجاب الذى يلى الرحمن تعالى فبينا هو كذلك اذ خرج ملك من الحجاب فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يا جبريل من هذا قال والذى بعثك بالحق انى لا قرب الخلق مكانا وان هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتى هذه ولما جاوز سدرة المنتهى قال له جبريل تقدّم يا محمد فقال له النبىّ صلّى الله عليه وسلم تقدّم أنت يا جبريل أو كما قال قال جبريل يا محمد تقدّم فانك أكرم على الله منى فتقدّم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وجبريل على أثره حتى بلغه الى حجاب منسوج بالذهب فحركه جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معه قال محمد قال ملك من وراء الحجاب الله أكبر الله أكبر قيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا أكبر أنا أكبر فقال ملك أشهد أن لا اله الا الله فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا الله لا اله الا أنا فقال ملك أشهد أن محمدا رسول الله فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى أنا أرسلت محمدا فقال ملك حىّ على الصلاة حىّ على الفلاح فقيل من وراء الحجاب صدق عبدى دعا الىّ عبدى فأخرج ملك يده من وراء الحجاب فرفعه فتخلف جبريل عنه هناك* وفى رواية فما زال يقطع مقاما بعد مقام وحجابا بعد حجاب حتى انتهى الى مقام تخلف عنه فيه جبريل فقال يا جبريل لم تخلفت عنى قال يا محمد وما منا الا له مقام معلوم لو دنوت أنملة لاحترقت وفى هذه الليلة بسبب احترامك وصلت الى هذا المقام والا فمقامى المعهود عند السدرة فمضى النبىّ صلّى الله عليه وسلم وحده وكان يقطع الحجب الظلمانية حتى جاوز سبعين ألف حجاب غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة سنة وما بين كل حجاب أيضا مسيرة خمسمائة سنة فوقف البراق عن المسير فظهر له رفرف أخضر غلب نوره على نور الشمس فرفع النبىّ صلّى الله عليه وسلم على ذلك الرفرف وذهب به الى قرب العرش* وفى رواية كان يقال له ادن منى ادن منى حتى قيل له فى تلك الليلة ألف مرة يا محمد ادن منى ففى كل مرة منها كان يترقى حتى بلغ مرتبة دنا ومنها ترقى الى مرتبة فتدلى ومنها ترقى حتى وصل الى منزله قاب قوسين أو أدنى كما قال تعالى ثم دنا أى دنا محمد الى ربه تعالى أى قرب بالمنزلة والمرتبة لا بالمكان فانه تعالى منزه عنه وانما هو قرب المنزلة والدرجة والكرامة والرأفة فتدلى أى سجد له تعالى لانه كان قد وجد تلك المرتبة بالخدمة فزاد فى الخدمة وفى السجدة عدة القرب ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من ربه أن يكون ساجدا قال بعض أهل التحقيق ثم دنا اشارة الى مقام نفسه الزكية فتدلى اشارة الى مقام قلبه المطهر فكان قاب قوسين اشارة الى مقام روحه الطيب أو أدنى اشارة الى مقام سرّه المنوّر نفسه فى مقام الخدمة وقلبه فى مقام المحبة وروحه فى مقام القربة وسرّه فى مقام المشاهدة حياة نفسه بالخدمة وصفاء قلبه بالمحبة وبقاء روحه بالقربة وغذاء سرّه بالمشاهدة لو نظرت نفسه الى وجوده لبقيت بلا خدمة ولو نظر قلبه الى نفسه لبقى بلا محبة ولو نظرت روحه الى قلبه لبقى بلا قربة ولو نظر سرّه الى روحه لبقى بلا مشاهدة وسئل أبو الحسين النورى عن معنى هذه الآية أجاب بأنه لم يسعه جبريل فمن النورى ثم قال
(دنا) فى الافهام(1/311)
القاصرة يقال اذا كان لشخص بعد عن شىء ولا بعد ثمة (فتدلى) يقال اذا كان مكان ولا مكان ثمة (فكان) عبارة عن الزمان ولا عبارة ولا زمان ثمة (قاب قوسين) اشارة الى المقدار ولا اشارة ولا مقدار ثمة (أو) كلمة شك ولا شك ثمة (أدنى) مبالغة فى أن قرب شخص أقرب من الآخر ولا أدنى معه ثمة فان العبارة والافهام قاصرة من ادراك تقرير ذلك ولم يعبر أهل المعرفة عن ذلك المقام الا بهذا المقدار دنا عبدا فتدلى فردا دنا مكيا فتدلى ملكيا دنا قرشيا فتدلى عرشيا دنا مجاهدا فتدلى مشاهدا دنا طالبا فتدلى واصلا دنا ومعه الرحمة فتدلى ومعه المرحمة دنا افتقارا فتدلى افتخارا دنا مناديا فتدلى مناجيا دنا مادحا فتدلى ممدوحا دنا شاكرا فتدلى مشكورا وقيل أحدهما صفة الله والاخرى صفة محمد صلّى الله عليه وسلم ومعناه كان هو يتقرّب الى الله والله يقربه وكان هو يتكلم والله يسمعه وكان هو يسأله والله يعطيه وكان هو يشفع والله يشفعه فكان قاب قوسين أو أدنى كناية عن تأكيد القرية وتقرير المحبة وبسبب التقريب الى الفهم أدّى فى صورة التمثيل وهذا مقام ليس فوقه مقام وللسالكين من الامّة المرحومة المحمدية من هذا المقام نصيب كما ورد بيانه فى الحديث القدسى لا يزال عبدى يتقرب الىّ بالنوافل حتى أحبه فاذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولهذا كان النبىّ صلّى الله عليه وسلم اذا ضجر وضاق صدره عن الخلق يقول أرحنا يا بلال ويقول جعلت قرّة عينى فى الصلاة ولذا قيل الصلاة معراج المؤمن كذا فى روضة الاحباب* واختلف فى مناجاته تعالى وكلامه مع النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقوله تعالى فأوحى الى عبده ما أوحى الى ما تضمنته الاحاديث فأكثر المفسرين على أن الموحى الله الى جبريل وجبريل الى محمد* وذكر عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال أوحى الله اليه بلا واسطة ونحوه عن الواسطى وعلى هذا ذهب بعض المتكلمين الى أن محمدا صلّى الله عليه وسلم كلم ربه فى الاسراء وحكى عن الاشعرى وعن ابن مسعود وذكر النقاش عن ابن عباس فى قصة الاسراء عنه صلّى الله عليه وسلم فى قوله دنا فتدلى قال فارقنى جبريل فانقطعت الاصوات عنى فسمعت كلام ربى وهو يقول ليهد أروعك يا محمد أدن أدن وفى قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله الآية قالوا هى على ثلاثة أقسام من وراء حجاب كتكليم موسى وبارسال الملائكة كحال جميع الانبياء وأكثر أحوال نبينا عليه وعليهم السلام* الثالث قوله وخيا ولم يبق من أقسام الكلام الا المشافهة مع المشاهدة ثم انه تعالى أخفى من الخلق كل ما نسب اليه فى تلك الليلة اشارة الى أنه حبيبه الخاص فقال فى حال مشاهدته لسدرة المنتهى اذ يغشى السدرة ما يغشى وفى الآيات التى أراه لقد رأى من آيات ربه الكبرى وفى التكلم معه فأوحى الى عبده ما أوحى أى أوحى الى عبده محمد فى ذلك المقام* وللعلماء فى بيان ما أوحى خلاف قال بعضهم وهم أهل الاحتياط الاقرب الى الصواب أن لا يعين لانه لو كانت الحكمة والمصلحة فى اظهاره وتعيينه لما أبهمه وقال الآخرون لا بأس بذكر ما بلغنا فى خبر أو أثر أو من جهة الاستدلال والاستنباط ومن ذلك ما ورد فى حديث صحيح ثلاثة أشياء أحدها فريضة الصلوات الخمس وهذا دليل على أن أفضل الاعمال الصلوات الخمس لانها فرضت فى ليلة المعراج بغير واسطة جبريل والثانى خواتيم سورة البقرة والثالث أن يغفر لامّة محمد صلّى الله عليه وسلم كل الذنوب غير الشرك* وورد فى حديث آخر رأيت ربى فى أحسن صورة أى صفة فقال فيم يختصم الملأ الا على يا محمد قلت أنت أعلم أى رب فتجلى لى بالتجلى الخاص الذى عبر عنه صلّى الله عليه وسلم بهذه العبارة فوضع كفه بين كتفىّ فوجدت بردها بين ثديىّ فعلمت ما فى السماء والارض ثم قال فيم يختصم الملأ الاعلى يا محمد قلت فى الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشى على الاقدام الى الجماعات والجلوس فى المساجد خلف الصلوات وابلاغ الوضوء أما كنه فى المكاره من
يفعل ذلك(1/312)
يعش بخير ويمت بخير ويخرج من خطيئته كيوم ولدته أمّه ثم قيل له اذا صليت الصلاة قل اللهمّ انى اسألك الطيبات وترك المنكرات وفعل الخيرات وحب المساكين وان تغفر لى وترحمنى وتتوب على واذا اردت بقوم أو بعبادك فتنة فتوفنى أو فاقبضنى غير مفتون ثم قال وما الدرجات يا محمد قلت افشاء السلام واطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام وفى حديث آخر أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لما فاز بالقرب والكرامة فى تلك الليلة قيل يا محمد انا وانت وما سوى ذلك خلقتها لاجلك فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم انت وانا وما سوى ذلك تركتها لاجلك وقيل اوحى الله اليه كن آيسا من الخلق فليس بأيديهم شىء واجعل صحبتك معى فان مرجعك الىّ ولا تجعل قلبك متعلقا بالدنيا فما خلقتك لها* وفى المدارك الذى أوحى اليه انّ الجنة محرّمة على الانبياء حتى تدخلها أنت وعلى الامم حتى تدخلها أمّتك* وفى رواية عنه صلّى الله عليه وسلم بعد ما تخلف عنه جبريل انه تجاوز ذلك المقام مقدار خمسمائة عام حتى سمع داعيا يقول تقدّم يا أكرم الخلق على الله فتقدّم حتى بلغ امام العرش ورأى عظمته فاعتراه خوف واستولى عليه رعب فسمع النداء يقول ادن يا محمد فدنا فقطرت عليه من العرش قطرة ما أخطأت فمه فوقعت على لسانه فكانت أحلى من كل شىء فأراه الله بها علم الاوّلين والآخرين فحصلت للسانه طلاقة بعد ما اعتراه عى وكلالة من مشاهدة عظمة الله وهيبته ثم سمع النداء يقول حىّ ربك فألهمه الله تعالى أن قال* التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله وفى رواية التحيات لله والصلوات والطيبات فسمع الله يقول السلام عليك أيها النبىّ ورحمة الله وبركاته قال النبىّ صلّى الله عليه وسلم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقالت الملائكة أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله* وفى رواية وحده لا شريك له وأشهد انّ محمدا عبده ورسوله ثم أعطى خواتيم سورة البقرة ووقع له فى تلك الليلة كلمات ومقالات مع ربة تعالى يطول الكلام بذكرها فاقتصرنا على نبذ منها* وفى الشفاء عن أبى حمراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بى الى السماء اذا على العرش مكتوب لا اله الا الله محمد رسول الله أيدته بعلىّ ثم فرضت عليه وعلى أمّته فى كل يوم وليلة خمسين صلاة وستجىء كيفيتها* واختلف أيضا فى رؤية النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربه تعالى فأنكرتها عائشة* روى عن مسروق أنه قال لعائشة يا أمّ المؤمنين هل رأى محمد صلّى الله عليه وسلم ربه قالت لقد قف شعرى مما قلت ثم قرأت لا تدركه الابصار الآية وقال جماعة بقول عائشة وهو المشهور عن ابن مسعود ومثله عن أبى هريرة فى قوله ما كذب الفؤاد ما رأى انه رأى جبريل له ستمائة جناح ويؤيد ذلك ما قال أبو ذرّ سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال نور أنى أراه* وفى العروة الوثقى قال أبو ذرّ سألته عن رؤية ربه ليلة المعراج قال لابل نورا أرى* وفى معالم التنزيل والمدارك انّ جبريل كان يأتى النبىّ صلّى الله عليهما وسلم فى صورة الآدميين كما كان يأتى النبيين فسأله رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التى جبل عليها فأراه نفسه مرّتين مرّة فى الارض ومرّة فى السماء امّا ما فى الارض ففى الافق الاعلى والمراد بالاعلى جانب المشرق* وفى المشكاة برواية الترمذى ومرّة فى أجياد* وفى نهاية الجزرى الاجياد موضع بأسفل مكة معروف من شعابها انتهى وذلك أى بيان رؤيته فى الافق الاعلى انّ محمدا صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق وله ستمائة حناح فسدّ الافق الى المغرب فخرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم مغشيا عليه فنزل جبريل فى صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وهو قوله ثم دنا فتدلى وأمّا ما فى السماء فعند سدرة المنتهى ولم يره أحد من الانبياء على تلك الصورة الا محمد صلّى الله عليه وسلم* وفى المدارك وذلك ليلة المعراج وقال بامتناع رؤيته(1/313)
فى الدنيا جماعة من الفقهاء والمحدّثين والمتكلمين* وعن ابن عباس أنه رآه سبحانه بعين رأسه* وروى عطاء عنه أنه رآه بقلبه كذا ذكرهما فى المدارك* وعن أبى العالية أنه رآه بفؤاده مرّتين* وذكر ابن اسحاق أنّ ابن عمر أرسل الى ابن عباس يسأله هل رأى محمد ربه فقال نعم والاشهر عنه أنه رأى ربه بعينه* قال الماوردى قيل انّ الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد فرآه محمد مرّتين وكلمه موسى مرّتين* قال عبد الله بن الحارث اجتمع ابن عباس وكعب بعرفة فقال ابن عباس امّا نحن بنى هاشم فنقول انّ محمدا رأى ربه مرّتين فكبر كعب حتى جاوبته الجبال وقال انّ الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى فكلمه موسى ورآه محمد بقلبه* وروى شريك عن أبى ذرّ فى تفسير الآية ما كذب الفؤاد ما رأى قال رأى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ربه* وحكى السمرقندى عن محمد بن كعب القرظى وربيع بن أنس أنّ النبىّ صلّى الله عليه وسلم سئل هل رأيت ربك قال رأيته بفؤادى ولم أره بعينى* وحكى عبد الرزاق أنّ الحسن كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه* وحكى ابن اسحاق أنّ مروان سأل أبا هريرة هل رأى محمد ربه فقال نعم* وحكى النقاش عن أحمد بن حنبل أنه قال أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه رآه رآه حتى انقطع نفسه يعنى نفس أحمد* وقال سعيد بن جبير لا أقول رآه ولا لم يره* وقال أبو الحسن على بن اسماعيل الاشعرى وجماعة من أصحابه أنه رأى الله ببصره وعينى رأسه ووقف بعض المشايخ فى هذا كما وقف ابن جبير وقال ليس عليه دليل واضح ولكنه جائز* قال القاضى أبو الفضل والحق الذى لا امتراء فيه انّ رؤيته تعالى فى الدنيا جائزة عقلا اذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة وليس فى الشرع دليل قاطع على استحالتها ولكن وقوعه ومشاهدته من الغيب الذى لا يعلمه الا من علمه الله تعالى ثم بعد ما فرضت عليه خمسون صلاة أذن له بالرجوع فرجع من حيث جاء حتى بلغ منزل جبريل فقال له جبريل ابشر يا محمد فانك خير خلق الله ومصطفاه بلغك الليلة الى مرتبة لم يبلغها أحدا من خلقه قط لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا هنيئا لك هذه الكرامة ثم ذهب به جبريل الى الجنة والنار. وأراه منازلهما وما فى الجنة من الحور والقصور والغلمان والولدان والاشجار والاثمار والازهار والانهار والبساتين والرياحين والرياض والحياض والغرف والشرف وما فى النار من السلاسل والاغلال والانكال والحيات والعقارب والزفير والشهيق والغساق واليحموم وتفاصيلها تؤدّى الى التطويل* ثم رجع فمرّ بموسى فسأله بما أمرت قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم وليلة قال ان أمّتك لا تستطيع وانى والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشدّ المعالجة فارجع الى ربك فسله التخفيف لامّتك فرجع وقال يا رب خفف عن أمّتى فوضع عنه ربه عشرا فرجع الى موسى فقال مثله فرجع الى ربه فوضع عنه عشرا فلم يزل يرجع بين ربه وبين موسى حتى قال يا محمدا نهنّ خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فان عملها كتبت له عشرا ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم نكتب شيئا فان عملها كتبت سيئة واحدة* فرجع الى موسى فقال بم أمرت قال بخمس صلوات كل يوم قال ان أمّتك لا تستطيع خمس صلوات فارجع الى ربك فسله التخفيف قال سألت ربى حتى استحييت ولكنى أرضى وأسلم ولما جاوز عن موسى سمع مناديا ينادى فيقول أمضيت فريضتى وخففت عن عبادى وهى خمس وهنّ خمسون ثم يقول يا محمد قد جعلت صلاتك وصلاة أمّتك قياما وركوعا وسجودا وتشهدا وقراءة وتسبيحا وتهليلا تشتمل عبادتهم على سائر عبادات الملائكة من لدن عرشى الى منتهى الثرى فيكون لهم بالقيام ثواب القائمين وبالركوع ثواب الراكعين وبالسجود ثواب الساجدين وبالتشهد ثواب المتشهدين ولهم بالقراءة والتسبيح ثواب المسبحين والقارئين(1/314)
وبالتهليل ثواب المهللين ولدىّ مزيد كذا فى المنتقى* وروى أنه صلّى الله عليه وسلم لما رجع كان جبريل عليه السلام رفيقه حتى دخل بيت أمّ هانئ* وروى عمر بن الخطاب عن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال ثم رجعت الى خديجة وما تحوّلت عن جانبها* وفى رواية عاد صلّى الله عليه وسلم الى بيت المقدس ومعه جبريل حتى أتى به مكة الى فراشه وبقيت من الليل ساعات* وفى زين القصص عن عمار كان زمان ذهابه ومجيئه ثلاث ساعات* وعن وهب بن منبه ومحمد بن اسحاق أربع ساعات والله اعلم* وعن عائشة انها قالت لما اسرى بالنبىّ صلّى الله عليه وسلم اصبح يحدّث بذلك فارتدّ تاس ممن كان آمن به وضعف ايمانهم واليه اشار قوله تعالى وما جعلنا الرؤيا التى اريناك الا فتنة للناس وسبب ارتدادهم انهم كانوا يرون العير تذهب شهرا من مكة الى الشأم مدبرة وتجىء شهرا مقبلة فاستحالوا عند عقولهم القاصرة قطع تلك المسافة البعيدة فى زمان قليل ببعض الليل فارتدّوا والاستحالة مدفوعة لما ثبت فى الهندسة ان ما بين طرفى قرص الشمس ضعف ما بين طرفى كرة الارض مائة ونيفا وستين مرّة ثم انّ طرفها الاسفل يصل موضع طرفها الاعلى فى أقل من ثانية وقد برهن فى الكلام ان الاجسام متساوية فى قبول الاعراض والله تعالى قادر على كل الممكنات فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة فى بدن النبىّ صلّى الله عليه وسلم أو فيما يحمله والتعجب من لوازم المعجزات كذا فى أنوار التنزيل وأيضا قال أهل الهيئة ان الفلك الاعظم فى مقدار زمان يتلفظ الانسان بلفظة واحدة يقطع ألفا واثنين وثلاثين فرسخا* وروى أنه لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة أسرى به وكان بذى طوى قال يا جبريل ان قومى لا يصدّقونى قال يصدّقك أبو بكر وهو الصدّيق* وعن ابن عباس أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما أصبح جلس فى الحجر معتزلا حزينا لما انه كان يعلم ان قومه يكذبونه فبينما هو جالس كذلك اذ مرّ به أبو جهل فجلس اليه فقال له كالمستهزئ يا محمد هل استفدت من شىء جديد قال نعم سافرت البارحة* وفى رواية أسرى بى الليلة الى بيت المقدس ومنه الى السموات قال أبو جهل سافرت الليلة الى بيت المقدس وأصبحت بين أظهرنا بمكة قال نعم فلم ير أبو جهل أنه ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث قال أتحدّث قومك بما حدّثتنى قال نعم فصاح أبو جهل يا معشر بنى كعب بن لؤى هلموا فانتقضت المجالس فجاؤا حتى جلسوا اليهما قال فحدّث قومك بما حدّثتنى قال نعم أسرى بى الليلة قالوا الى أين قال الى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين أظهرنا قال نعم فوقعوا فى التعجب والاستغراب وقالوا ان هذا لشىء عجاب وبعضهم من كثرة انكارهم يصفقون وبعضهم من قلة اعتبارهم يضحكون وبعضهم يضعون أيديهم على رؤسهم تعجبا فان هذا الامر يرى عندهم محالا وعجبا وارتدّ ناس ممن كان قد آمن به وصدّقه* وعن عائشة رضى الله عنها سعى رجال من المشركين وهم أبو جهل وأتباعه الى أبى بكر فقالوا له هل لك فى صاحبك يزعم انه أسرى به الى بيت المقدس ومنه الى السموات فقال أو قال ذلك قالوا نعم قال لئن قال ذلك لقد صدق قالوا أتصدّقه أنه ذهب الى الشأم ورجع قبل أن يصبح قال نعم انى أصدّقه فيما هو أبعد من ذلك أصدّقه بخبر السماء فى غدوة وروحة* قال بعضهم فمن ذلك اليوم سمى أبو بكر صدّيقا* وعن أبى هريرة أنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لقد رأيتنى فى الحجر وقريش تسألنى عن مسراى فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط فرفعه الله لى أنظر اليه فما يسألوننى عن شىء الا أنبأتهم ونحوه عن جابر كذا فى الشفاء* وعن عائشة قالوا يا محمد هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد الاقصى فشرع ينعت حتى اذا التبس قال فجىء بالمسجد وأنا أنظر اليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد وأنا أنظر اليه فقال القوم امّا النعت فو الله لقد أصاب فيه وهذا أبلغ فى المعجزة ولا استحالة فيه فقد أحضر عرش بلقيس فى طرفة عين فقالوا أخبرنا(1/315)
عن عيرنا فهى أهم الينا من ذلك هل لقيت منها شيئا قال نعم مررت على عير بنى فلان وهى بالروحاء وقد أضلوا بعيرا لهم وهم فى طلبه وفى رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته وشربته ثم وضعته فسلوهم هل وجدوا الماء فى القدح حين رجعوا قالوا هذه آية* قال ومررت بعير بنى فلان وفلان راكبان قلوصا لهما* وفى رواية قعودا لهما بذى مر فنفر البعير منى فرمى بفلان فانكسرت يده فسلوهما عن ذلك فقالوا هذه آية أخرى قالوا أخبرنا عن عيرنا قال مررت بها بالتنعيم قالوا فما عدّتها واجمالها وهيئتها فقال كنت فى شغل عن ذلك ثم مثل لى بعدّتها واجمالها ومن كان فيها وكانوا بالجرورة قال نعم هيئتها كذا وكذا وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخططتان يطلع عند طلوع الشمس* وفى المواهب اللدنية يقدمهم جمل ادم عليه مسح أسود وغرارتان سودا وان قالوا هذه آية أخرى ثم خرجوا نحو ثنية كداء حتى يكذبونه فاذا بقائل يقول هذه الشمس قد طلعت وقال الآخر هذه العير قد أقبلت كما قال محمد يقدمها فلان وفلان كذا فى المنتقى* وفى رواية البيهقى أشرف الناس ينتظرون حتى اذا كان قريب من نصف النهار أقبلت العير فلم يؤمنوا وقالوا ما سمعنا بمثل هذا قط ان هذا الاسحر مبين* وفى رواية سألوه أيضا عن عير الشأم ليستدل به على تكذيبه أو تصديقه فيما قال عليه السلام فوصفهم وقال يقدمون يوم الاربعاء فكان ذلك اليوم وما قدموا حتى كادت الشمس أن تغرب فدعا الله تعالى فحبسها حتى قدموا مكّة فعلموا صدقه ومع ذلك لم يصدّقوه فى الخبر وما آمنوا كذا فى سيرة مغلطاى* وفى حياة الحيوان حبست الشمس مرّتين لنبينا صلّى الله عليه وسلم احداهما يوم الخندق حين شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردّها الله عليه كما رواه الطحاوى وغيره والثانية صبيحة الاسراء حين انتظروا العير التى أخبر بوصولها مع شروق الشمس ذكره القاضى عياض فى غير الشفاء وحبست ليوشع بن نون وحبست لداود ذكره الخطيب فى كتاب النجوم وضعف رواية وحبست لسليمان ذكره البغوى فى معالم التنزيل فى سورة ص كذا فى مزيل الخفاء* وفى سيرة مغلطاى ذكر الطحاوى ان الشمس ردّت له فى بيت أسماء بنت عميس حين شغل عن صلاة العصر* اعلم انه ليس لاحد من أهل القبلة اختلاف فى وقوع المعراج للنبىّ صلّى الله عليه وسلم فمن أنكر المعراج يكفر لانه انكار لنص القرآن قال الله تعالى سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى وأيضا ورد فيه الاحاديث الصريحة المشهورة القريبة من حدّ التواتر وأمّا منكر المعراج الى السموات فمبتدع ضال عند أئمة الدين* وفى هذه السنة فرضت الصلوات الخمس ليلة الاسراء وقد مرّ كيفيتها*
ذكر بيعة العقبة الثانية
وفى هذه السنة الثانية عشر وقعت بيعة العقبة الاولى ومقتضى ما قدّمناه قبل المعراج أن تكون هذه الثانية كذا فى الوفاء والمواهب اللدنية* ولما كان العام المقبل الموعد خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم عامئذ الى الموسم فلقيه اثنا عشر رجلا* وفى الاكليل أحد عشر رجلا وهى العقبة الثانية فيهم خمسة من الستة المذكورة وهم أبو أمامة وعوف بن عفراء ورافع بن مالك وقطبة ابن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابى ولم يكن فيهم جابر بن عبد الله بن ذئاب لم يحضرها والسبعة تتمة الاثنى عشرهم معاذ بن الحارث ورفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور وذكوان بن عبد القيس الزرقى وقيل انه رحل الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى مكة فسكنها معه فهو مهاجرى أنصارى قتل يوم أحد وعبادة بن الصامت بن قيس وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوى والعباس بن عبادة بن نضلة وهؤلاء من الخزرج ومن الاوس رجلان أبو الهيثم بن التيهان من بنى عبد الاشهل وعويمر بن ساعدة فأسلموا وبايعوا على بيعة النساء أى وفق بيعتهنّ التى نزلت بعد فتح مكة وهى أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا(1/316)
ولا نعصيه فى معروف والسمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة علينا وأن لا ننازع الامر أهله وأن نقول بالحق حيث كنا لا نخاف فى الله لومة لائم قال عليه السلام فان وفيتم فلكم الجنة ومن غشنى وفعل من ذلك شيئا كان أمره الى الله ان شاء عذبه وان شاء عفا عنه ولم يفرض يومئذ القتال ثم انصرفوا الى المدينة وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير الى المدينة يعلم أهلها الاحكام ويقرئ القرآن فنزل على أسعد بن زرارة وفى المواهب اللدنية أظهر الله الاسلام أى فى المدينة وكان أسعد بن زرارة يجتمع بالمدينة بمن أسلم وكتبت الاوس والخزرج الى النبىّ صلّى الله عليه وسلم ابعث الينا من يقرئنا القرآن فبعث اليهم مصعب بن عمير فأسلم خلق كثير وفشا الاسلام فيهم وكتب الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستأذنه أن يجمع بهم فأذن له فجمع بهم فى دار سعد بن خيثمة وكان أوّل من جمع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قدم مصعب على رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع السبعين الذين وافوه كما سيجىء فى العقبة الثانية فأقام مصعب بمكة قليلا ثم قدم قبل رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا فهو أوّل من قدمها والله أعلم*
(ذكر صفة مصعب بن عمير)
* كان رقيق البشرة ليس بالطويل ولا بالقصير قتل يوم أحد وهو ابن أربعين سنة أو يزيد شيئا كذا فى الصفوة وسيجىء فى الموطن الثالث فى غزوة أحد*
ذكر بيعة العقبة الكبرى
وفى ذى الحجة من السنة الثالثة عشر من النبوّة قبل الهجرة بثلاثة أشهر وقعت بيعة العقبة الكبرى وبعضهم يسميها العقبة الثانية ومقتضى ما قدّمناه أن تسمى الثالثة كذا فى الوفاء وفى التاريخ الاوسط للبخارى انّ أهل مكة سمعوا هاتفا يهتف قبل اسلام سعد بن معاذ وهو يقول
فان يسلم السعدان يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف مخالف
وفى رواية من الأمن لا يخشى خلاف مخالف فقالت قريش لو علمنا من السعدان قال عند ذلك
أيا سعد سعد الاوس ان كنت ناصرا ... ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا الى داعى الهدى وتمنيا ... على الله فى الفردوس منية عارف
قال أهل السير فى السنة الثالثة عشر من النبوّة قدم مكة فى موسم الحج قريب من خمسمائة نفر وفى رواية ثلثمائة نفر من الاوس والخزرج وخرج معهم مصعب بن عمير الى مكة واتفق منهم سبعون رجلا قال ابن سعد يزيدون رجلا أو رجلين وامرأتان نسيبة بنت كعب أمّ عمارة وأسماء بنت عمر وقال ابن اسحاق ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان وقال الحاكم خمس وسبعون نفسا لاقوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فواعدهم أن يحضروا شعب العقبة فى الليلة الثالثة من ليالى التشريق للمبايعة* وفى الصفوة جاء قوم من أهل العقبة يطلبون رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقيل لهم هو فى بيت العباس فدخلوا عليه فقال لهم العباس انّ معكم من قومكم هو مخالف لكم فأخفوا أمركم حتى يتصدع هذا الحاج ونلتقى نحن وأنتم فنوضح لكم هذا الامر فتدخلون فيه على أمر بين فوعدهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم الليلة التى فى صبيحتها النفر الآخر وفى رواية فواعدوه العقبة من أوسط أيام التشريق والمعنى واحد أن يوافيهم أسفل العقبة وأمرهم أن لا ينبهوا نائما ولا ينتظروا غائبا ولما فرغوا من الحج وكانت الليلة الموعودة خرج القوم بعد هدء الناس* وفى المنتقى باتوا تلك الليلة فى رحالهم حتى اذا مضى ثلث الليل خرجوا من رحالهم لميعاد رسول الله صلّى الله عليه وسلم يتسللون مستخفين تسلل القطا حتى اجتمعوا فى الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعين رجلا ومعهم امرأتان أمّ عمارة بنت كعب احدى نساء بنى مازن وأسماء بنت عمرو بن عدىّ احدى نساء بنى سليم وقد سبقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه العباس(1/317)
وليس معه غيره وهو يومئذ على دين قومه الا أنه يحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويوثق له فلما جلس واجتمعوا له كان أوّل من تكلم العباس فقال يا معشر الخزرج وكانت الاوس والخزرج تدعى الخزرج قد دعوتم محمدا الى ما دعوتموه ومحمد من أعز الناس فى عشيرته يمنعه والله من كان على قوله ومن لم يكن كذلك منعه للحسب والشرف وقد أبى محمد الناس كلهم غيركم* وفى وفاء الوفاء وقد أبى الا الانحياز اليكم فان كنتم أهل قوّة وجلد ونظر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة فانها سترميكم عن قوس واحدة فارتاؤا رأيكم وائتمروا أمركم فلا تفرّقوا الا عن اجتماع فانّ أحسن الحديث أصدقه وأخرى صفوا لى الحرب كيف تقاتلون عدوّكم فأسكت القوم وتكلم عبد الله بن عمرو بن حزام فقال نحن والله أهل الحرب غذينا بها ومرّينا وورثناها عن آبائنا كابرا عن كابر نرمى بالنسل حتى تفنى ثم نطاعن بالرماح حتى تكسر ثم نمشى بالسيوف فنضرب بها حتى يموت الاعجل منا أو من عدوّنا فقال العباس هل فيكم دروع قالوا نعم شاملة وقال البراء بن معرور قد سمعنا ما قلت والله لو كان فى أنفسنا غير ما ننطق به لقلناه ولكن نريد الوفاء والصدق ويذل المهج وأنفسنا دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن الشعبى قال انطلق رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالعباس الى السبعين عند العقبة تحت الشجرة فقال العباس ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة فانّ عليكم من المشركين عينا وان يعلموا بكم فيفضحوكم فقال قائلهم وهو أسعد يا محمد سل لربك ما شئت ثم سل لنفسك وأصحابك ما شئت ثم أخبرنا مالنا من الثواب على الله اذا فعلنا ذلك فقال أسألكم لربى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسى ولاصحابى أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم قالوا فما لنا اذا فعلنا ذلك قال الجنة قالوا فلك ذلك* وفى المنتقى تكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا الى الله ورغب فى الاسلام ثم قال أبايعكم أو قال بايعونى قالوا على أىّ شىء نبايعك يا رسول الله قال بايعونى على السمع والطاعة فى النشاط والكسل والنفقة فى العسر واليسر وعلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وأن تقولوا فى الله ولا تخافوا لومة لائم وعلى أن تمنعونى مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم وأزواجكم فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال والذى بعثك بالحق نبيا لنمنعنك مما نمنع منه العزيز فينا فبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم والعباس آخذ بيد رسول الله يؤكد له البيعة على الانصار وقالوا فنحن والله أهل الحرب والحلقة ورثناها كابرا عن كابر فعرض فى الحديث أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله انّ بيننا وبين الناس يعنى اليهود حبالا وانا قاطعوها فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم وفى رواية المحيا محياكم والممات مماتكم أنتم منى وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وقال أخرجوا منكم اثنى عشر رجلا نقيبا يكونون على قومهم فأخرجوا اثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم للنقباء أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء كفالة الحواريين لعيسى ابن مريم قالوا نعم روى عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال العباس ابن عبادة بن نضلة الانصارى يا معشر الخزرج هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل قالوا نعم قال انكم تبايعونه على حرب الاسود والاحمر من الناس فان كنتم ترون أنكم اذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل أسلمتموه فمن الآن وهو والله خزى الدنيا والآخرة ان فعلتم وان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه على نهك الاموال وقتل الاشراف فخذوه فهو والله خير الدنيا والآخرة قالوا فانا نأخذه على مصيبة الاموال وقتل الاشراف فما لنا بذلك يا رسول الله ان نحن وفينا قال الجنة قالوا ابسط(1/318)
يدك فبسط يده فبايعوه قال عاصم بن عمرو والله ما قال العباس ذلك الا ليشدّ العقد لرسول الله صلّى الله عليه وسلم فى أعناقهم وقال عبد الله بن أبى بكر والله ما قال العباس ذلك الا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبى بن سلول فيكون أقوى لامر القوم فالله أعلم أىّ ذلك كان فبنو النجار يزعمون أنّ أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أوّل من ضرب على يده وبنو عبد الاشهل يقولون بل ابو الهيثم ابن التيهان قال كعب بن مالك أوّل من ضرب على يدى رسول الله صلّى الله عليه وسلم البراء بن معرور ثم تتابع القوم قال كعب فلما بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط يا أهل الجباجب هل لكم فى مذمم والصبأة معه قد جمعوا على حربكم فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة وفى رواية ابن أزب العقبة لا فرغنّ لك أى عدوّ الله ارجعوا الى رحالكم نصركم الله فقال له العباس بن عبادة بن نضلة والذى بعثك بالحق لئن شئت لنميلنّ غدا على أهل منى بأسيافنا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا الى رحالكم فرجعنا الى مضاجعنا فنمنا عليها فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاؤنا فى منازلنا فقالوا يا معشر الخزرج انا قد بلغنا انكم جئتم الى صاحبنا هذا فتستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعون على حربنا والله ما من حىّ من العرب أبغض الينا ان تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم قال فانبعث من هناك من مشركى قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شىء وما علمناه وقد صدقوا لم يعلموا ثم انّ قريشا أتوا عبد الله بن أبى بن سلول فذكروا له ما قد سمعوا من أصحابه فقال وما كان قومى ليتفوّتوا علىّ بمثل هذا وما علمته ثم انهم قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أتخرج معنا قال ما أمرت به قال رزين وقد قيل وقع بين قريش والانصار كلام فى سبب خروج النبىّ صلّى الله عليه وسلم معهم ثم ألقى الرعب فى قلوب قريش فقالوا ليس يخرج معكم الا فى بعض أشهر السنة ولا تتحدّث العرب بأنكم غلبتمونا فقالت الانصار الامر فى ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم ونحن سامعون لامره فأنزل الله على رسوله وان يريدوا أن يخدعوك فانّ حسبك الله أى ان كان كفار قريش يريدون المكربك فسيمكر الله بهم فانصرفت الانصار الى المدينة* وفى سيرة ابن هشام قال ونفر الناس من منى فتفتش القوم الخبر فوجدوه قد كان قال ابن اسحاق وخرجوا فى طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر والمنذر بن عمر وأخا بنى ساعدة ابن كعب بن الخزرج وكلاهما كان نقيبا وقيل انّ قريشا بدالهم فخرجوا فى آثارهم فأدركوا منهم رجلين كانا تخلفا فى أمر فردّوهما الى مكة المنذر والعباس بن عبادة فأدركهما جبير بن مطعم والحارث ابن أمية فخلصاهما فلحقا بأصحابهما وفى رواية انّ الرجلين هما المنذر وسعد بن عبادة فأمّا المنذر فأعجز القوم ونجا وأمّا سعد فأخذوه وربطوا يديه الى عنقه بشسع رحله ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجذبونه بجمته وكان ذا شعر كثير ثم خلصه منهم جبير بن مطعم والحارث بن أمية لانه كان يجير لهما تجارتهما ويمنعهم أن يظلموا ببلده*
هجرة أبى بكر الى الحبشة
وفى هذه السنة هاجر أبو بكر الى الحبشة روى أنه لما ابتلى المسلمون وكثر ايذاء المشركين واضرارهم استأذن ابو بكر رسول الله صلّى الله عليه وسلم وخرج نحو أرض الحبشة ولما بلغ برك الغماد لقى ابن الدغنة اسمه ربيعة وهو سيد القارة قال أبن تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجنى قومى فأريد أن أسيح فى الارض فأعبد ربى فقال ابن الدغنة فانّ مثلك يا أبا بكر لا يخرج فانك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ارجع فاعبد ربك ببلدك فرجع أبو بكر فى جوار ابن الدغنة ومكث بمكة يعبد ربه فى داره ويصلى فيها ويقرأ ما يشاء ولا يستعلن بصلاة ولا يقرأ فى غير داره ثم بداله فبنى مسجدا بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرأ القرآن فتنقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون اليه وكان(1/319)
أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه اذا قرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين وخافوا أن تفتن نساؤهم وأبناؤهم فأرسلوا الى ابن الدغنة أن قل لابى بكر أن يقتصر على أن يعبد ربه فى داره ولا يعلن بالصلاة فانا قد خشينا أن تفتن نساؤنا وأبناؤنا فانهه فان قبل فعل وان أبى الا أن يعلن بذلك فسله أن يردّ اليك ذمّتك ولسنا مقرّين لابى بكر الاستعلان فأتى ابن الدغنة أبا بكر وقال له ما قال له المشركون قال أبو بكر انى أردّ اليك جوارك وأرضى بجوار الله تعالى والنبىّ صلّى الله عليه وسلم يومئذ بمكة*
(ذكر هجرة أصحابه الى المدينة)
* قال أهل السير لما أبرم عقد المبايعة بين النبىّ صلّى الله عليه وسلم وبين أهل المدينة ولم يقدر أصحابه أن يقيموا بمكة من ايذاء المشركين ولم يصبروا على جفوتهم رخص لهم فى الهجرة الى المدينة* وفى الصحيحين قال عليه السلام رأيت انى مهاجر من مكة الى أرض بها نخل فذهب وهلى الى اليمامة أو هجر فاذا هى المدينة يثرب ووقع للبيهقى من حديث صهيب رأيت دار هجرتكم سبخة بين ظهرانى حرّتين فامّا أن تكون هجر أو يثرب ولم يذكر اليمامة* قال بعض العلماء أرى النبىّ صلّى الله عليه وسلم دار هجرته بصفة تجمع المدينة وغيرها ثم أرى الصفة المختصة بالمدينة فتعينت ثم أذن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لاصحابه فى الهجرة الى المدينة وأقام بمكة ينتظر أن يؤذن له فى الخروج فتوجه بين العقبتين جماعة منهم ابن أمّ مكتوم ثم عمار بن ياسر ثم بلال وسعد ابن أبى وقاص ويقال انّ أوّل من هاجر الى المدينة أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومى زوج أمّ سلمة وذلك انه أوذى لما رجع من الحبشة فعزم على الرجوع اليها ثم بلغه قصة الاثنى عشر من الانصار فتوجه الى المدينة فقدمها بكرة وقدم بعده عامر بن ربيعة عشية ثم توجه مصعب بن عمير ليفقه من أسلم من الانصار ثم توالى خروجهم بعد العقبة الاخيرة فخرجوا أرسالا منهم عمر بن الخطاب وأخوه زيد ابن الخطاب وطلحة بن عبيد الله وصهيب وحمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة وعبيدة بن الحارث وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوّام وعثمان بن عفان وغيرهم لم يبق معه صلّى الله عليه وسلم الا أبو بكر الصدّيق وعلى بن أبى طالب كذا قال ابن اسحاق وغيره* وفى بعض كتب السير أوّل من هاجر الى المدينة أبو سلمة بن عبد الاسد المخزومى قبل بيعة العقبة بسنة ثم قدم المدينة بعد أبى سلمة عامر ابن ربيعة مع امرأته ليلى ثم عبد الله بن جحش ثم أبو أحمد بن جحش ثم تتابع الاصحاب الى المدينة أرسالا* وفى سيرة مغلطاى عن ابن اسحاق ثم عمر بن الخطاب وأخوه زيد بن الخطاب وعباس بن أبى ربيعة وطلحة بن عبيد الله وصهيب وزيد بن حارثة وأبو مرثد كناز بن الحصين وابنه مرثد وأنسة وأبو كبيشة وعبيدة بن الحارث وأخوه الطفيل وحصين ومسطح بن أثاثة وسويبط وعبد الرحمن بن عوف والزبير ابن العوّام وأبو سبرة وأبو حذيفة بن عتبة وسالم مولاه وعتبة بن غزوان وعثمان بن عفان انتهى وبقى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلىّ بمكة وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينتظر أن يؤذن له فى الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المسلمين الا أخذ وحبس أو فتن الا على بن أبى طالب وأبو بكر وابو بكر كثيرا ما كان يستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فى الهجرة فيقول له رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا تعجل لعلّ الله أن يجعل لك صاحبا فرجا أبو بكر أن يكون ذلك الصاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم* وفى صحيح البخارى تجهز أبو بكر قبل المدينة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رسلك فانى لارجو أن يؤذن لى فقال له أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبى أنت وأمى قال نعم فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر وهو الخبط أربعة أشهر لتسمنا وينتظر أنه صلّى الله عليه وسلم متى يؤمر بالهجرة الى المدينة روى انّ أبا بكر رأى فى المنام فى بعض تلك الايام انّ القمر نزل من السماء بطحاء مكة ودخل البلد الحرام فأضاءت منه أمّ القرى(1/320)
وما حولها ثم صعد الى السماء فنزل المدينة وأشرقت أرض يثرب بنوره وكثير من الكواكب تحرّكت موافقات له ثم انّ ذلك القمر مع تلك الكواكب الجمة صعدت الى الهواء وهبطت فى حرم مكة وأرض يثرب مضيئة بعد كما كانت الا ثلثمائة وستين بيتا وفى رواية أربعمائة بيت* ولما انتهى ذلك القمر الى البلد الحرام استنار ما حول الحرم أيضا ثم سار القمر نحو المدينة ودخل منزل عائشة فانشقت الارض وتوارى فيها فلما انتبه أبو بكر غلبة البكاء اذ كان ماهرا فى معرفة تعبير الرؤيا ومشهورا بين العرب بهذا الفنّ فنظر بنظر الاعتبار فى تعبير تلك الرؤيا فعلم ان ذلك القمر شمس فلك الرسالة وانّ تلك الكواكب اللوامع أصحابه وأقر باؤه الذين يختارون الغربة بموافقته ويهاجرون الى المدينة ورجوع ذلك القمر مع تلك الكواكب الى مكة دليل على ان فتح مكة سيحصل له ودخوله منزل عائشة علامة انها تشرف بشرف فراشه فى المدينة وانشقاق الارض وتوارى القمر فيها مشير الى أن وفاته صلّى الله عليه وسلم تكون بالمدينة ويدفن فى بيت عائشة فاعترى أبا بكر من هذه الرؤية غمان أحدهما غم الهجرة من دياره وترك وطنه المألوف والثانى غم مفارقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فتفكر فى نفسه فقال أمّا مفارقة النبىّ صلّى الله عليه وسلم فأمر صعب وأمّا الغربة فلا أباليها اذا كنت معه صلّى الله عليه وسلم كما قيل
لو ضمنى بيت نمل والحبيب به ... لكان ذلك لى روض وبستان
وأطيب الارض ما للقلب فيه هوى ... سم الخياط مع المحبوب ميدان
وقيل
رحب الفلاة مع الاعداء ضيقة ... سم الخياط مع الاحباب ميدان
فترصد رفاقته وانتظر صحبته صلّى الله عليه وسلم* ومن تعبيرات أبى بكر ما ذكر فى حياة الحيوان انّ عائشة رضى الله عنها رأت ثلاثة أقمار سقطن فى حجرها فقال لها أبو بكر ان صدقت رؤياك فانه يدفن فى بيتك ثلاثة من خيار أهل الارض فلما دفن النبىّ صلّى الله عليه وسلم فى بيتها قال لها أبو بكر هذا أحد أقمارك وهو خيرها والله أعلم*
(ذكر مشاورة قريش فى اخراجه أو حبسه أو قتله واخبار جبريل بذلك اياه صلى الله عليه وسلم واذنه له بالهجرة)
* قال أصحاب السير لما رأت قريش انّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصابوا منعة وأصحابا بغير بلدهم ونزلوا دارا ووجدوا مهاجرا قريبا يهاجر اليه بقية أصحابه عرفوا انه قد عزم أن يلحق بهم وسيحميه المدنيون فخافوا خروجه اليهم وحذروا تفاقم أمره فاجتمعوا بدار الندوة للمشاورة وهى دار قصى بن كلاب وكانت قريش لا تقضى أمرا الا فيها وفيها يتشاورون وحجبوا الناس عن الدخول اليهم لئلا يدخل أحد من بنى هاشم فيطلع على حالهم فزعم ابن دريد فى الوشاح انهم كانوا خمسة عشر رجلا* وفى المولد لابن دحية كانوا مائة رجل ولما قعدوا للتشاور تبدى لهم ابليس فى صورة شيخ نجدى جليل فوقف على باب الدار فلما رأوه قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذى تواعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأى ونصح* وفى معالم التنزيل سمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا منى رأيا ونصحا قالوا ادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش من كل قبيلة وفى رواية تبدى لهم الشيطان فى صورة شيخ نجدى لابس مرقع وجلس* وفى المواهب اللدنية تمثل لهم الشيطان فى صورة شيخ نجدى لانهم قالوا كما ذكره بعض أهل السير لا يدخلن فى المشاورة معكم أحد من أهل تهامة لانّ هواهم مع محمد فلذلك تمثل فى صورة شيخ نجدى قالوا من الشيخ ومن أدخلك فى خلوتنا هذه بغير اذننا قال أنا شيخ من قبيلة نجد وجدت وجوهكم مليحة ورائحتكم طيبة أردت أن أسمع كلامكم وأقتبس منه شيئا ولقد أعرف مقصودكم وان كنتم(1/321)